من هم قتلةالحسين (ع)

اشارة

عنوان و نام پديدآور: من هم قتله الحسين(ع)؟ /علي الحسيني الميلاني

مشخصات نشر: قم: الحقائق، 1389.، 1431.

مشخصات ظاهري: ج.

فروست: (اعرف الحق تعرف اهله؛ 37)

وضعيت فهرست نويسي: در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

يادداشت: چاپ اول- ج.1

شماره كتابشناسي ملي: 2549061

كلمة المركز … ص: 5

لقد تناولت أقلام العلماء والمفكّرين واقعة الطفّ واستشهاد أبي عبداللَّه الحسين عليه السّلام بالبحث والتحقيق من مختلف الجوانب وشتّي الأبعاد، إلّاأنّ هناك حقائق ما زالت خافية بفعل الظالمين أو تغافل الروّاة والمؤرّخين.

وقد تفرّغ سيدنا الفقيه المحقق آية اللَّه الميلاني دامت بركاته لمهمّة الكشف عن بعض قضايا تلك الحادثة الأليمة والواقعة العظيمة في تاريخ الإسلام، في محاضراتٍ ألقاها في مكتبه قبل حوالي خمسة عشر عاماً، بطلبٍ من مركز الأبحاث الإعتقاديّة، ثم أكملها بقلمه، فكان هذا الكتاب الفريد في موضوعه فيما نعلم.

ونحن- إذْ نقدّم هذا السّفر الجليل إلي المكتبة الإسلامية- علي يقينٍ بأنه سيسدّ فراغاً فيها كان يجب أنْ يُسدّ. ونسأله عز وجلّ أنْ يتقبّل منّا هذا العمل ويوفّقنا لأمثاله، إنه سميع مجيب.

مركز الحقائق الإسلامية

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 7

كلمة المؤلّف … ص: 7

مقدّمات البحث … ص: 11

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 13

المقدّمة الأُولي : في تأسيس معاوية الدولة الأُموية … ص: 13

إنّ من الأخبار المشتهرة قولة أبي سفيان لمّا تمّت البيعة لعثمان بن عفّان:

«تلقّفوها يا بني أُميّة تلقّف الكرة، فما الأمر علي ما يقولون» «1».

«يا بني أُميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة» «2».

«قد صارت إليك بعد تيم وعديّ، فأدِرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أُميّة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جَنّة ولا نار» «3».

«يا بني عبد مناف! تلقّفوها تلقّف الكرة، فما هناك جَنّة ولا نار» «4».

كما رووا أنّه قال حين قُبض رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 5/ 19.

(2) مروج الذهب 2/ 343.

(3) الاستيعاب 4/ 1679.

(4) تاريخ الطبري 5/ 622 حوادث سنة 284 ه، المختصر في أخبار البشر 2/ 57.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 14

«تلقّفوها الآن تلقّف الكرة، فما من جَنّة ولا نار» «1».

قال المسعودي: «وقد كان عمّار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان، عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان ودخل داره ومعه بنو أُميّة، فقال أبو سفيان: أفيكم أحد من غيركم …

ونُمِيَ هذا القول إلي المهاجرين والأنصار وغير ذلك الكلام، فقام عمّار في المسجد فقال: يا معشر قريش! أمَا إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ها هنا مرّة وها هنا مرّة! فما أنا بآمن من أن ينزعه اللَّه منكم فيضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله!

وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أُوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم!

فقال له عبد الرحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟!

فقال: إنّي واللَّه لأُحبّهم لحبّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إيّاهم، وإنّ الحقّ معهم وفيهم.

يا عبد الرحمن! أعجبُ من

قريش، وإنّما تطوُّلُهم علي الناس بفضل أهل هذا البيت، قد اجتمعوا علي نزع سلطان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بعده من أيديهم!

أمَا وأَيْمُ اللَّه يا عبد الرحمن لو أجد علي قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إيّاهم مع النبيّ يوم بدر!

وجري بينهم من الكلام خطب طويل، قد أتينا علي ذِكره في كتابنا

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 5/ 19.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 15

أخبار الزمان في أخبار الشوري والدار» «1».

وأضافت بعض الروايات أنّ أبا سفيان قال في كلامه: «فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرَنّ إلي صبيانكم وراثةً» «2».

قالوا: «وقد مرّ بقبر حمزة رضي اللَّه عنه، وضربه برجله وقال: يا أبا عُمارة، إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسي في يد غِلماننا اليوم يتلعّبون به» «3».

وهذا ما صرّح به معاوية أيضاً في مناسبات مختلفة، ومن ذلك: إنّه لمّا قال له مسلم بن عقبة- مقترحاً عليه أن يعهد بالأمر ليزيد- فقال:

«صدقت يا مسلم! إنّه لم يزل رأيي من يزيد، وهل تستقيم الناس لغير يزيد؟! ليتها في وُلدي وذرّيّتي إلي يوم الدين، وأن لا تعلو ذرّيّة أبي تراب علي ذرّيّة آل أبي سفيان» «4».

وعن زرارة بن أوفي ، «أنّ معاوية خطب الناس فقال: يا أيّها الناس! إنّا نحن أحقّ بهذا الأمر، نحن شجرة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وبيضته التي انفلقت عنه، ونحن ونحن. فقال صعصعة: فأين بنو هاشم منكم؟! قال: نحن أسوسُ منهم، وهم خيرٌ منّا» «5».

__________________________________________________

(1) مروج الذهب 2/ 342- 343.

(2) مروج الذهب 2/ 343.

(3) شرح نهج البلاغة 16/ 136.

(4) الفتوح- لابن الأعثم- 4/ 351.

(5) تاريخ دمشق 24/ 90- 91.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 16

ومن ذلك كلامه لمّا جاء إلي الكوفة بعد الصلح مع

الإمام الحسن عليه السلام، وكلامه مع ابنة عثمان بن عفّان لمّا طالبته بالاقتصاص من قتلة أبيها … وسيأتي ذلك كلّه.

وقد كان بداية الدولة الأُمويّة من حين ولّي أبو بكر ابن أبي قحافة- بإصرارٍ من عمر بن الخطّاب- يزيدَ بن أبي سفيان علي الشام، فكان أوّل والٍ من آل أبي سفيان «1» …

***

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 2/ 331 حوادث سنة 13 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 17

المقدّمة الثانية: في بعض قضايا معاوية مع الإمام الحسن عليه السلام … ص: 17

استشهد أمير المؤمنين عليه السلام ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان في السنة الأربعين من الهجرة النبوية … وكان بعده مولانا الإمام الحسن السبط عليه الصلاة والسلام.

وقد بايعه الناس بعد أن خطبهم.

ولننقل الخبر كما رواه أبو الفرج وبأسانيد مختلفة، فقال:

«حدّثني أحمد بن عيسي العجلي، قال: حدّثنا حسين بن نصر، قال: حدّثنا زيد بن المعذل، عن يحيي بن شعيب، عن أبي مخنف، قال:

حدّثني أشعث بن سوار، عن أبي إسحاق السبيعي، عن سعيد بن رويم.

وحدّثني علي بن إسحاق المخرمي وأحمد بن الجعد، قالا: حدّثنا عبد اللَّه بن عمر مشكدانة، قال: حدّثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي.

وحدّثني عليّ بن إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن عمر، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن الأشعث عن أبي إسحاق، موقوفاً.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 18

وحدّثني محمّد بن الحسين الخثعمي، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: عمرو بن ثابت: كنت أختلف إلي أبي إسحاق السبيعي سنةً أسأله عن خطبة الحسن بن عليّ، فلا يحدّثني بها، فدخلت إليه في يومٍ شاتٍ وهو في الشمس وعليه برنسه كأنّه غول، فقال لي: من أنت؟

فأخبرته، فبكي وقال: كيف أبوك؟ كيف أهلك؟ قلت: صالحون. قال:

في أيّ شي ء تَردّدُ منذ سنة؟ قلت: في خطبة الحسن بن عليّ بعد

وفاة أبيه.

قال: حدّثني هبيرة بن يريم، وحدّثني محمّد بن محمّد الباغندي ومحمّد بن حمدان الصيدلاني، قالا: حدّثنا إسماعيل بن محمّد العلوي، قال: حدّثني عمّي عليّ بن جعفر بن محمّد، عن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن زيد بن الحسن، عن أبيه- دخل حديث بعضهم في حديث بعض، والمعني قريب-، قالوا:

خطب الحسن بن عليّ وفاة أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام فقال:

لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون ولا يدركه الآخرون بعمل، ولقد كان يجاهد مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجّهه برايته فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتّي يفتح اللَّه عليه، ولقد توفّي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسي بن مريم، ولقد توفّي فيها يوشع بن نون وصيّ موسي، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلّاسبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله.

ثمّ خنقته العبرة فبكي وبكي الناس معه.

ثمّ قال: أيّها الناس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 19

الحسن بن محمّد صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلي اللَّه عزّوجلّ بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، والّذين افترض اللَّه مودّتهم في كتابه إذ يقول: «وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً» فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.

قال أبو مخنف عن رجاله: ثمّ قام ابن عبّاس بين يديه فدعا الناس إلي بيعته، فاستجابوا له وقالوا: ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة؛ فبايعوه.

ثمّ نزل عن المنبر» «1».

تنبيه:

حاول القوم أن لا ينقلوا خطبة الإمام الحسن عليه السلام كاملةً، وحتّي المنقوص

منها تصرّفوا في لفظه! فراجع: مسند أحمد 1/ 199- 200، وفضائل الصحابة- لأحمد- 1/ 674 ح 922 و ج 2/ 737 ح 1013، الزهد- لأحمد بن حنبل-: 110 ح 710، الطبقات الكبري - لابن سعد- 3/ 28، والمعجم الكبير- للطبراني- 3/ 79- 81 ح 2717- 2725، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9/ 45 ح 6897، وتاريخ الطبري 3/ 164 حوادث سنة 40، والمستدرك علي الصحيحين 3/ 188 ح 4802، والكامل في التاريخ 3/ 265 حوادث سنة 40، ومجمع الزوائد 9/ 146، ثمّ قارن بين الألفاظ لتري مدي إخلاص أُمناء الحديث وحرصهم علي حفظه ونقله!!

__________________________________________________

(1) مقاتل الطالبيّين: 61- 62.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 20

ولذا نجد علماء القوم يصرّحون بشرعيّة إمامته عليه السلام في شرح حديث «الخلافة بعدي ثلاثون سنة»، فقالوا بأنّ مدّة خلافته متمّمة للثلاثين «1».

وأيضاً، فقد ذكروا الحسن عليه السلام بشرح حديث «الأئمّة بعدي اثنا عشر» «2».

ثمّ إنّه كتب إلي معاوية، فقال:

«سلام عليك، فإنّي أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلّاهو.

أمّا بعد: فإنّ اللَّه جلّ جلاله بعث محمّداً رحمةً للعالمين، ومنّةً للمؤمنين، وكافّة للناس أجمعين، «لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَي الْكَافِرِينَ»، فبلّغَ رسالات اللَّه، وقامَ بأمر اللَّه حتّي توفّاه اللَّه غير مقصّر ولا وانٍ، وبعد أن أظهر اللَّه به الحقّ ومحق به الشرك، وخصّ به قريشاً خاصّة فقال له: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ»، فلمّا توفّي تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأُسرته وأولياؤه، ولا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمّد وحقّه؛ فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة في ذلك لهم علي من نازعهم أمر محمّد، فأنعمت لهم وسلّمت إليهم.

ثمّ حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا

__________________________________________________

(1) فتح

الباري 13/ 262، شرح صحيح مسلم- للنووي- 12/ 159 ح 1821، البداية والنهاية 6/ 186، تاريخ الخلفاء- للسيوطي-: 12، عمدة القاري 24/ 281 ح 77.

(2) فتح الباري 13/ 266، عارضة الأحوذي 5/ 67 ح 2230، البداية والنهاية 6/ 187، تاريخ الخلفاء- للسيوطي-: 15.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 21

قريش إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج، فلمّا صرنا أهل بيت محمّد صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وأولياءه إلي محاجّتهم، وطلب النصَف منهم باعدونا واستولوا بالإجماع علي ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا، فالموعد اللَّه، وهو الوليّ النصير.

ولقد كنّا تعجّبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا، وإنْ كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافةً علي الدين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب إلي ما أرادوا من إفساده!

فاليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك يا معاوية علي أمر لستَ من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدي قريش لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ولكتابه! واللَّه حسيبك، فستردّ فتعلم لمن عقبي الدار، وباللَّه لتلقينّ عن قليل ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك وما اللَّه بظلّام للعبيد.

إنّ عليّاً لمّا مضي لسبيله، رحمة اللَّه عليه يوم قبض ويوم مَنَّ اللَّه عليه بالإسلام ويوم يبعث حيّاً، ولّاني المسلمون الأمر بعده، فأسأل اللَّه ألّا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامة.

وإنّما حملني علي الكتابة إليك الإعذار في ما بيني وبين اللَّه عزّ وجلّ في أمرك، ولك في ذلك إنْ فعلته الحظّ الجسيم والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل وادخل في ما

دخل فيه الناس من بيعتي، فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند اللَّه وعند كلّ أوّاب حفيظ ومَن له قلب منيب.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 22

واتّق اللَّه ودع البغي واحقن دماء المسلمين، فواللَّه ما لك خير في أن تلقي اللَّه من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به.

وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منك، ليطفئ اللَّه النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين.

وإنْ أنت أبيت إلّاالتمادي في غيّك، سرتُ إليك بالمسلمين، فحاكمتك، حتّي يحكم اللَّه بيننا وهو خير الحاكمين» «1».

وهكذا توالت الكتب والرسائل، حتّي تحرّك معاوية نحو العراق في جيش يبلغ الستّين ألفاً «2»، وخرج الإمام الحسن عليه السلام لمواجهته، وقد كان من رجال عسكره: حجر بن عديّ، وعديّ بن حاتم، وقيس بن سعد بن عبادة، وسعيد بن قيس، ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة، وعبيد اللَّه بن العبّاس بن عبد المطّلب.

واستخلف علي الكوفة المُغِيْرَةَ بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب.

ووجَّه إلي الشام عبيد اللَّه ومعه قيس بن سعد في اثني عشر ألفاً.

وسار حتّي إذا وصل عليه السلام قرب المدائن، أراد أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له، ليتميّز بذلك أولياؤه من أعدائه، ويكون علي بصيرة في لقاء معاوية وأهل الشام، فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطبهم، فقال:

«الحمد للَّه كلّما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلّااللَّه كلّما شهد له

__________________________________________________

(1) انظر: مقاتل الطالبيّين: 64- 66، شرح نهج البلاغة 16/ 33- 34.

(2) شرح نهج البلاغة 16/ 26.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 23

شاهد، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، أرسله بالحقّ وائتمنه علي الوحي، صلّي اللَّه عليه وآله.

أمّا بعد، فواللَّه إنّي لأرجو أن أكون قد

أصبحت بحمد اللَّه ومنّته وأنا أنصح خلقه لخلقه، وما أصبحت محتملًا علي مسلم ضغينة، ولا مريداً له بسوء ولا غائلة.

ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة، ألا وإنّي ناظرٌ لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردّوا علَيَّ رأيي، غفر اللَّه لي ولكم، وأرشدني وإيّاكم لِما فيه محبّته ورضاه، إن شاء اللَّه! ثمّ نزل.

قال: فنظر الناس بعضهم إلي بعض وقالوا: ما ترونه يريد بما قال؟

قالوا: نظنّه يريد أن يصالح معاوية ويكل الأمر إليه، كفر واللَّه الرجل!

ثمّ شدّوا علي فسطاطه فانتهبوه، حتّي أخذوا مصلّاه من تحته، ثمّ شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن جعال الأزدي، فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقي جالساً متقلّداً سيفاً بغير رداء!

فدعا بفرسه فركبه، وأحدق به طوائف من خاصّته وشيعته، ومنعوا منه من أراده، ولاموه وضعَّفوه لِما تكلّم به، فقال: ادعوا إليَّ ربيعة وهمدان! فدُعوا له، فأطافوا به، ودفعوا الناس عنه، ومعهم شوْبٌ من غيرهم.

فلمّا مرّ في مظلم ساباط قام إليه رجل من بني أسد، ثمّ من بني نصر ابن قعين، يقال له: جراح بن سنان، وبيده مِغْوَل، فأخذ بلجام فرسه وقال: اللَّه أكبر يا حسن! أشرك أبوك ثمّ أشركت أنت! وطعنه بالمِغْول

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 24

فوقعت في فخذه فشقّته حتّي بلغت أُربيّته! وسقط الحسن عليه السلام إلي الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده، واعتنقه فخرَّا جميعاً إلي الأرض، فوثب عبد اللَّه بن الأخطل الطائي ونزع المغول من يد جراح بن سنان فخضخضه به، وأكبّ ظبيان بن عمارة عليه فقطع أنفه، ثمّ أخذا له الآجُرَّ فشدخا رأسه ووجهه حتّي قتلوه.

وحُمل الحسن عليه السلام علي سرير إلي المدائن وبها سعيد بن

مسعود الثقفي والياً عليها من قبله، وقد كان عليٌّ عليه السلام ولّاه المدائن فأقرّه الحسن عليه السلام عليها، فأقام عنده يعالج نفسه» «1».

قال الشيخ المفيد: «فلمّا أصبح عليه السلام أراد أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له؛ ليتميّز بذلك أولياؤه من أعدائه، ويكون علي بصيرة في لقاء معاوية وأهل الشام، فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطبهم، فقال …

وحُمل الحسن عليه السلام علي سرير إلي المدائن، فأُنزل به علي سعد بن مسعود الثقفي، وكان عامل أمير المؤمنين عليه السلام بها فأقرّه الحسن عليه السلام علي ذلك، واشتغل بنفسه يعالج جرحه» «2».

وروي الشيخ الصدوق، أنّ معاوية دسَّ إلي عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجر بن حجر وشبث بن ربعي، دسيساً أفرد كلّ واحدٍ منهم بعين من عيونه، أنّك إن قتلت الحسن بن عليّ فلك مئتا ألف

__________________________________________________

(1) مقاتل الطالبيّين: 71- 72، ونحوه في مناقب آل أبي طالب 4/ 37- 38، شرح نهج البلاغة 16/ 42.

(2) الإرشاد 2/ 11- 12.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 25

درهم، وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي «1».

أمّا عبيد اللَّه بن العبّاس، فقد فرّ إلي معاوية، وتفرّق الجيش ولم يبق مع قيس بن سعد إلّاأربعة آلاف، فخطبهم وثبّتهم، فكايده معاوية بشتّي الوسائل، حتّي إنّه زوّر عليه رسالةً زعم أنّه أرسلها إليه، وفيها قبول الصلح والبيعة، فلم يؤثّر في قيس شي ء من ذلك.

فكتب معاوية إلي قيس بن سعد يدعوه ويمنّيه.

فكتب إليه قيس: لا واللَّه لا تلقاني أبداً إلّابيني وبينك الرمح.

فكتب إليه معاوية حينئذ لمّا يئس منه: أمّا بعد، فإنّك يهودي ابن يهودي، تشقي نفسك وتقتلها في ما ليس لك، فإن ظهر أحبّ الفريقين إليك نبذك وغدرك، وإن ظهر

أبغضهم إليك نكَّل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه، ورمي غير غرضه، فأكثرَ الحزَّ، وأخطأ المفصل، فخذله قومه، وأدركه يومه، فمات بحوران طريداً غريباً؛ والسلام.

فكتب إليه قيس بن سعد: أمّا بعد، فإنّما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً، وأقمت فيه فَرَقاً، وخرجت منه طوعاً، ولم يجعل اللَّه لك فيه نصيباً، لم يَقْدُمْ إسلامك، ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حرباً للَّه ولرسوله وحزباً من أحزاب المشركين، وعدوّاً للَّه ولنبيّه وللمؤمنين من عباده.

وذكرتَ أبي، فلعمري ما أوتر إلّاقوسه، ولا رمي إلّاغرضه، فشغب عليه مَن لا يشقّ غباره ولا يبلغ كعبه!

وزعمتَ أنّي يهودي ابن يهودي، وقد علمت وعلم الناس أنّي وأبي

__________________________________________________

(1) علل الشرائع 1/ 259 ب 160.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 26

أعداء الدين الذي خرجت منه، وأنصار الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه؛ والسلام «1».

إلي أن وقع الصلح بين الإمام ومعاوية، فجاء قيس وقال: إنّي قد حلفت أن لا ألقي معاوية إلّاوبيني وبينه الرمح أو السيف، فأمر معاوية برمحٍ أو سيف، فوضع بينهما ليبرّ يمينه «2».

هذا، وقد ذكر المؤرّخون خيانة غير واحدٍ من رؤساء القبائل أيضاً، فقد روي البلاذري: «وجعل وجوه أهل العراق يأتون معاوية فيبايعونه، فكان أوّل من أتاه خالد بن معمر فقال: أُبايعك عن ربيعة كلّها. ففعل.

وبايعه عفاق بن شرحبيل بن رهم التيمي» «3».

لكنْ لا يبعد أن يكون الرجلان قد بايعا معاوية قبل ذلك بكثير، أي من زمن أمير المؤمنين عليه السلام.

أمّا خالد بن معمر، الذي بايع معاوية، فقد روي ابن عساكر أنّه ممّن سعي علي الإمام الحسين عليه السلام «4».

كما ذُكر في بعض المصادر أنّه قد التحق بمعاوية في قبيلته لأمرٍ نقمه علي أمير المؤمنين عليه السلام «5».

وأمّا عفاق بن شرحبيل، فقد

ذكروا أنّه كان من قبيلة يزيد بن حُجَيّة عامل أمير المؤمنين عليه السلام علي الريّ، فلمّا عاقب عليه السلام يزيد

__________________________________________________

(1) مقاتل الطالبيّين: 74، شرح نهج البلاغة 16/ 43.

(2) مقاتل الطالبيّين: 79، شرح نهج البلاغة 16/ 48.

(3) أنساب الأشراف 3/ 284- 285.

(4) تاريخ دمشق 10/ 311 رقم 923.

(5) شرح الأخبار- للمغربي- 2/ 96.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 27

في قضيةٍ ماليّةٍ، التحق بمعاوية، وذهب إليه بأموال المسلمين، وقال أمير المؤمنين: «اللّهمّ إنّ ابن حُجَيّة هرب بمال المسلمين، وناصبنا مع القوم الظالمين، اللّهمّ اكفنا كيده، واجزه جزاء الغادرين؛ فأمّن الناس. قال عفاق: ويلكم تؤمّنون علي ابن حُجَيّة! شلّت أيديكم! فوثب عليه عنق من الناس فضربوه، فاستنقذه زياد بن خصفة التيمي- وكان من شيعة الإمام- قائلًا: دعوا لي ابن عمّي! فقال عليٌّ عليه السلام: دعوا الرجل لابن عمّه؛ فتركه الناس، فأخذ زياد بيده فأخرجه من المسجد» «1».

فيظهر أنّ هؤلاء لم يكونوا شيعة لأهل البيت عليهم السلام، وإنّما كان كثير منهم من الخوارج..

ويشهد بذلك ما جاء في كتاب قيس بن سعد إلي الإمام عليه السلام- في ما رواه الشيخ المفيد-، قال:

«وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضي اللَّه عنه … فازدادت بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له، وفساد نيّات المُحَكِّمَة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلّاخاصّةٌ من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه! واشترط له علي نفسه في إجابته إلي صلحه شروطاً كثيرة، وعقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة،

فلم يثق به الحسن عليه السلام، وعلم احتياله بذلك واغتياله.

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 65/ 147 رقم 8255، شرح نهج البلاغة 4/ 83- 85.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 28

غير إنّه لم يجد بُدّاً من إجابته إلي ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة، لِما كان عليه أصحابه ممّا وصفناه، من ضعف البصائر في حقّه، والفساد عليه، والخُلف منهم له، وما انطوي كثير منهم عليه في استحلال دمه وتسليمه إلي خصمه، وما كان في خذلان ابن عمّه له ومصيره إلي عدوّه، وميل الجمهور إلي العاجلة وزهدهم في الآجلة» «1».

وعلي أيّ حالٍ، فقد قرّر الإمام عليه السلام أن يصالح معاوية بشروطٍ، فبعث إليه معاوية برقٍّ أبيض مختوم بخاتمه في أسفله، وقال:

اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه «2».

قال الطبري: إنّ معاوية أرسل عبد اللَّه بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة، فقدما المدائن وأعطيا الحسن ما أراد … «3».

أمّا الإمام عليه السلام، فقد أرسل أربعةً من أصحابه، وهم: عبد اللَّه ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، وعمر بن أبي سلمة- وهو ابن أُم سلمة أُمّ المؤمنين-، وعمرو بن سلمة الهمداني، ومحمّد بن الأشعث بن قيس.

ووقع الصلح في جمادي الأُولي سنة 41 «4».

وكانت حكومة الإمام الحسن عليه السلام سبعة أشهر وأحد عشر يوماً «5».

__________________________________________________

(1) الإرشاد 2/ 12- 14.

(2) انظر: الاستيعاب 1/ 385.

(3) تاريخ الطبري 3/ 165 حوادث سنة 40 ه.

(4) أُسد العابة 1/ 491- 492.

(5) المستدرك علي الصحيحين 3/ 191 ذ ح 4808.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 29

ثمّ إنّ الإمام عليه السلام عاد إلي الكوفة، قالوا: فخطب الناس قبل دخول معاوية، فقال: «أيّها الناس! إنّما نحن أُمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل بيت نبيّكم الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّركم تطهيراً»

قالوا: فما زال يتكلّم حتّي ما تري في المسجد إلّاباكياً «1».

ثمّ وصل معاوية إلي الكوفة ومعه قصّاص أهل الشام وقرّاؤهم، واجتمع به الإمام عليه السلام في الكوفة «2».

وقد خطب معاوية أهل الكوفة، وأعلن فيها عن رفضه لمعاهدة الصلح، وأنّه ما حارب إلّاللتأمّر والتسلّط علي رقاب المسلمين، كما سيأتي في المقدّمة الرابعة.

وخطب الإمام عليه السلام، فكان ممّا قال: «لو ابتغيتم بين جابلق وجابرس رجلًا جدّه نبيٌّ غيري وغير أخي لم تجدوه، وإنّا قد أعطينا معاوية بيعتنا، ورأَينا أنّ حقن الدماء خير، «وإنْ أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلي حين» وأشار بيده إلي معاوية» «3».

هذا، وقد كان علي مقدّمة معاوية- في دخوله الكوفة- خالد بن عرفطة، ويحمل رايته حبيب بن جماز..

روي الشريف الرضي رحمه اللَّه: «عن أُمّ حكيم بنت عمرو، قالت:

خرجت وأنا أشتهي أن أسمع كلام عليّ بن أبي طالب، فدنوت منه وفي الناس دقّة وهو يخطب علي المنبر، حتّي سمعت كلامه، فقال له رجل:

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 13/ 269، أُسد الغابة 1/ 492، تاريخ الطبري 3/ 169 حوادث سنة 41، تفسير ابن كثير 3/ 468.

(2) أنساب الأشراف 3/ 287.

(3) تاريخ دمشق 13/ 276، أُسد الغابة 1/ 492.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 30

يا أمير المؤمنين! استغفر لخالد بن عرفطة، فإنّه قد مات بأرض تيماء؛ فلم يردّ عليه، فقال الثانية، فلم يردّ عليه، ثمّ قال الثالثة، فالتفت إليه فقال: أيّها الناعي خالد بن عرفطة! كذبت، واللَّه ما مات ولا يموت حتّي يدخل من هذا الباب يحمل راية ضلالة!

قالت: فرأيت خالد بن عرفطة يحمل راية معاوية حين نزله النخيلة، وأدخلها من باب الفيل» «1»!!

وفي مقاتل الطالبيّين: «ودخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة، وبين يديه خالد بن عرفطة، ومعه

رجل يقال له: حبيب بن جماز يحمل رايته، حتّي دخل الكوفة، فصار إلي المسجد، فدخل من باب الفيل، فاجتمع الناس إليه. فحدّثني أبو عبيد الصيرفي … عن عطاء ابن السائب، عن أبيه، قال: بينما عليٌّ عليه السلام علي المنبر إذ دخل رجل فقال: يا أمير المؤمنين! مات خالد بن عرفطة!

فقال: لا واللَّه ما مات.

إذ دخل رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين! مات خالد بن عرفطة!

فقال: لا واللَّه ما مات، ولا يموت حتّي يدخل من باب هذا المسجد- يعني باب الفيل- براية ضلالة، يحملها له حبيب بن جماز!

قال: فوثب رجل فقال: يا أمير المؤمنين! أنا حبيب بن جماز، وأنا لك شيعة!

قال: فإنّه كما أقول!

فقدم خالد بن عرفطة علي مقدّمة معاوية، يحمل رايته حبيب بن

__________________________________________________

(1) خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: 20- 21.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 31

جماز!

قال مالك: حدّثنا الأعمش بهذا الحديث، فقال: حدّثني صاحب هذا الدار- وأشار بيده إلي دار السائب أبي عطاء- أنّه سمع عليّاً عليه السلام يقول هذه المقالة» «1»!

ورواه الخطيب البغدادي مبتوراً: «عن أُمّ حكيم بنت عمرو الجدلية، قالت: لمّا قدم معاوية- يعني الكوفة- فنزل النخيلة، دخل من باب الفيل، وخالد بن عرفطة يحمل راية معاوية حتّي ركزها في المسجد» «2».

وقال المفيد: «وهذا أيضاً خبر مستفيض لا يتناكره أهل العلم الرواة للآثار، وهو منتشر في أهل الكوفة، ظاهر في جماعتهم، لا يتناكره منهم اثنان، وهو من المعجز الذي بيّنّاه» «3».

وروي هذا الحديث الصفّار بنحو آخر، عن أبي حمزة، عن سويد ابن غفلة، وفيه: «فأعادها عليه الثالثة، فقال: سبحان اللَّه! أُخبرك أنّه مات وتقول: لم يمت!

فقال له عليٌّ عليه السلام: لم يمت، والذي نفسي بيده لا يموت حتّي يقود جيش ضلالة، يحمل رايته حبيب

بن جماز!

قال: فسمع بذلك حبيب فأتي أمير المؤمنين، فقال: أُناشدك فيَّ وأنا لك شيعة! وقد ذكرتني بأمر لا واللَّه ما أعرفه من نفسي!

فقال له عليٌّ عليه السلام: إن كنت حبيب بن جماز فَلَتَحْمِلَنَّها!

__________________________________________________

(1) مقاتل الطالبيّين: 78- 79، وانظر: مناقب آل أبي طالب 2/ 304- 305، شرح نهج البلاغة 2/ 286- 287.

(2) تاريخ بغداد 1/ 200 رقم 39.

(3) الإرشاد 1/ 330.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 32

فولّي حبيب بن جماز وقال: إن كنت حبيب بن جماز لتحملنّها!

قال أبو حمزة: فواللَّه ما مات حتّي بعث عمر بن سعد إلي الحسين ابن عليّ عليه السلام، وجعل خالد بن عرفطة علي مقدّمته، وحبيب صاحب رايته!» «1».

أقول:

لا تنافي بين الروايتين؛ لأنّ ابن عرفطة من قادة جيش معاوية «2»، وهو حليف بني زهرة «3»، وروي أنّه ابن أُخت سعد بن أبي وقّاص: «بعث سعد إلي الناس خالد بن عرفطة، وهو ابن أُخته» «4»، وروي أنّه حليف بني أُميّة «5»، وقد أقطعه عثمان أرضاً في العراق عند حمّام أعين «6»، وكذلك أقطعه سعد بن أبي وقّاص «7»، وبني داراً كبيرة في الكوفة «8»، وله فيها بقية وعقب «9»، وكان من رؤساء الأرباع في الكوفة «10»، وقد شارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام، فقتله المختار سنة 64، غلاه في الزيت!

__________________________________________________

(1) بصائر الدرجات: 318 ح 11.

(2) الإصابة 2/ 244 رقم 2184.

(3) الطبقات الكبري - لابن سعد- 4/ 264، الإصابة 2/ 244 رقم 2184.

(4) غريب الحديث- للحربي- 3/ 929، النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 342 مادّة «معض»، لسان العرب 13/ 143 مادّة «معض».

(5) تاريخ الطبري 2/ 430 و 431 حوادث سنة 14.

(6) فتوح البلدان: 273 يوم جلولاء الوقيعة.

(7) تاريخ الكوفة: 160.

(8) الطبقات الكبري - لابن سعد-

4/ 264 ذيل رقم 552، تاريخ الكوفة: 433.

(9) الطبقات الكبري - لابن سعد- 4/ 264 ذيل رقم 552.

(10) أعيان الشيعة 4/ 578.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 33

قال في إمتاع الأسماع: «وأخذ خالد بن عرفطة مصاحف ابن مسعود، فأغلي الزيت وطرحها فيه … وقاتل مع معاوية، فلمّا كانت أيّام المختار بن أبي عبيد، أخذه فأغلي له زيتاً وطرحه فيه» «1»، ومات سنة 64.

والحجّة تامّة علي ابن عرفطة في معاداته لعليٍّ عليه السلام وقتله الحسين عليه السلام، لأنّه اعترف بأنّه سمع النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يحذّرهم: «إنّكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي» «2»، كما اعترف ابن عرفطة بأنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حذّره شخصياً من الفتنة وقتل أهل بيته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم! قال: «قال لي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: يا خالد! إنّها ستكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبدَ اللَّه المقتول لا القاتل فافعل» «3».

***

__________________________________________________

(1) إمتاع الأسماع 4/ 247.

(2) رواه الطبراني في المعجم الكبير 4/ 192 ح 4111، قال في مجمع الزوائد 9/ 194: «رواه الطبراني والبزّار، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير عمارة، وعمارة وثّقه ابن حبّان».

(3) مسند أحمد 5/ 292.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 35

المقدّمة الثالثة: في أهمّ بنود الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية … ص: 35

لقد كان من أهمّ بنود المعاهدة بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية: أنْ لا يغتال الحسن والحسين، وأنْ يترك سبّ أمير المؤمنين، وأنْ لا يعهد بالأمر لأحدٍ من بعده، بل يرجع الأمر إلي الإمام الحسن عليه السلام..

قال ابن حجر: «وذكر محمّد بن قدامة في كتاب الخوارج بسند قوي إلي أبي بصرة، أنّه سمع الحسن بن عليّ يقول في خطبته عند معاوية: إنّي اشترطت علي معاوية لنفسي الخلافة بعده.

وأخرج يعقوب

بن سفيان بسند صحيح إلي الزهري، قال: كاتبَ الحسن بن عليّ معاوية واشترط لنفسه، فوصلت الصحيفة لمعاوية وقد أرسل إلي الحسن يسأله الصلح، ومع الرسول صحيفة بيضاء مختوم علي أسفلها، وكتب إليه: أن اشترط ما شئت فهو لك؛ فاشترط الحسن أضعاف ما كان سأل أوّلًا، فلمّا التقيا وبايعه الحسن سأله أن يعطيه ما اشترط في

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 36

السجلّ الذي ختم معاوية في أسفله، فتمسّك معاوية إلّاما كان الحسن سأله أوّلًا، واحتجّ بأنّه أجاب سؤاله أوّل ما وقف عليه، فاختلفا في ذلك، فلم ينفذ للحسن من الشرطين شي ء!

وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق عبد اللَّه بن شوذب، قال: لمّا قُتل عليٌّ سار الحسن بن عليّ في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا، فكره الحسن القتال وبايع معاوية علي أن يجعل العهد للحسن من بعده» «1».

ونقل ابن عبد البرّ إجماع العلماء علي أنّ الصلح كان علي شرط ولاية العهد للإمام الحسن عليه السلام، حيث قال: «هذا أصحّ ما قيل في تاريخ عام الجماعة، وعليه أكثر أهل هذه الصناعة، من أهل السير والعلم بالخبر، وكلّ من قال: إنّ الجماعة كانت سنة أربعين، فقد وهم، ولم يقل بعلم، واللَّه أعلم.

ولم يختلفوا أنّ المُغِيْرَة حجَّ عام أربعين علي ما ذكر أبو معشر، ولو كان الاجتماع علي معاوية قبل ذلك، لم يكن كذلك، واللَّه أعلم.

ولا خلاف بين العلماء أنّ الحسن إنّما سلّم الخلافة لمعاوية حياته لا غير، ثمّ تكون له من بعده، وعلي ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك، ورأي الحسن ذلك خيراً من إراقة الدماء في طلبها، وإنْ كان عند نفسه

__________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13/ 81 ب 20 ح 7109.

وانظر: سير أعلام النبلاء

3/ 264، وتاريخ دمشق 13/ 261، والاستيعاب 1/ 386، وتهذيب التهذيب 2/ 276، والبداية والنهاية 8/ 13، والإصابة 2/ 72، وتاريخ الخلفاء: 227، وغيرها.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 37

أحقَّ بها» «1».

وفي «ذخائر العقبي »: «فأجابه معاوية، إلّاأنّه قال: أمّا عشرة أنفس فلا أُؤمّنُهم! فراجعه الحسن فيهم، فكتب إليه يقول: إنّي قد آليت أنّني متي ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده؛ فراجعه الحسن: إنّي لا أُبايعك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غيره بتبعة، قلَّتْ أو كثرت؛ فبعث إليه معاوية حينئذ برقٍّ أبيض وقال: اكتب ما شئت فيه، فأنا ألتزمه! فاصطلحا علي ذلك.

واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كلّه معاوية، واصطلحا علي ذلك» «2».

أمّا ابن عنبة في «عمدة الطالب»، فقال: «وشرط عليه شروطاً إن هو أجابه إليها سلّم إليه الأمر، منها: أنّ له ولاية الأمر بعده، فإن حدث به حدث فللحسين» «3».

***

__________________________________________________

(1) الاستيعاب 1/ 387.

(2) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي : 240.

(3) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: 67.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 39

المقدّمة الرابعة: في أنّ معاوية نقض العهد وقاتل من أجل الدنيا … ص: 39

لكنّ معاوية نقض العهد، ورفض الالتزام بما كتب ووقّع عليه، حتّي إنّه خاطب أهل الكوفة معترفاً بذلك حين قال:

«يا أهل الكوفة! أتروني قاتلتكم علي الصلاة والزكاة والحجّ، وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون؟! ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وعلي رقابكم، وقد آتاني اللَّه ذلك وأنتم كارهون.

ألا إنّ كلّ مال أو دمٍ أُصِيب في هذه الفتنة فمطلول، وكلّ شرطٍ شرطته فتحت قدميّ هاتين».

وهذا من الأخبار الثابتة المروية في المصادر المعتبرة كافّة «1».

ومن هنا وغيره يظهر أنّه إنّما خرج علي أمير المؤمنين عليه السلام من أجل الرئاسة، وأنّ الطلب بدم عثمان وغير ذلك كذب واضح.

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة 16/

14- 15، وانظر: مصنّف ابن أبي شيبة 7/ 251 ح 23، سير أعلام النبلاء 3/ 146، تاريخ دمشق 59/ 150، الإرشاد 2/ 14، البداية والنهاية 8/ 105 حوادث سنة 60، مقاتل الطالبيّين: 77.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 40

وممّا يشهد بذلك أيضاً كلامه مع ابنة عثمان:

قالوا: «فتوجّه إلي دار عثمان بن عفّان، فلمّا دنا إلي باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها، فقال معاوية لمن معه: انصرفوا إلي منازلكم فإنّ لي حاجة في هذه الدار؛ فانصرفوا ودخل، فسكَّن عائشة ابنة عثمان وأمرها بالكفّ وقال لها: يا بنت أخي، إنّ الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا منّا شحّوا علينا بحقّنا وغمطناهم بحقّهم، ومع كلّ إنسان منهم شيعته وهو يري مكان شيعته، فإن نكثناهم نكثوا بنا، ثمّ لا ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا؟ ولأن تكوني ابنة عمّ أمير المؤمنين أحبّ إليّ أن تكوني أمَة من إماء المسلمين، ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك «1».

***

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 59/ 154- 155، العقد الفريد 3/ 354، البداية والنهاية 8/ 106- 107 حوادث سنة 60.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 41

المقدّمة الخامسة: في الإعلان عن العهد ليزيد … ص: 41

لقد كان معاوية يفكّر في الولاية ليزيد من بعده منذ حياة الإمام الحسن عليه السلام، وقد نصّ علي ذلك كبار العلماء، نكتفي بكلام الحافظ ابن عبد البرّ القرطبي إذ قال: «وكان معاوية قد أشار بالبيعة إلي يزيد في حياة الحسن، وعرّض بها، ولكنّه لم يكشفها، ولا عزم عليها إلّا بعد موت الحسن» «1».

والشواهد علي ذلك كثيرة، ونكتفي كذلك بذكر واحدٍ منها، وهو خبر دخول الأخوين الأنصاريّين «عمارة بن عمرو» و «محمّد بن

عمرو» عليه، وكلامهما معه عن الخليفة من بعده، وقد روي ابن عساكر هذا الخبر بترجمة كلا الرجلين من (تاريخه)، وهذا نصّ الخبر بترجمة «عمارة»، قال:

«دخل علي معاوية فقال: يا أمير المؤمنين! قد كبرت سنّك ودقّ

__________________________________________________

(1) الاستيعاب 1/ 391.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 42

عظمك واقترب أجلك، فأحببت أن أسألك عن رجال قومك وعن الخليفة من بعدك.

وكان معاوية يشتدّ عليه أنْ يقال: كبرت سنّك، أو يشكُّ في الخليفة أنّه يزيد.

فقال معاوية: نعيت لأمير المؤمنين نفسه، وسألته عن خبيّ سرّه، وشككت في الخليفة بعده؟!

أخرجوه … ».

ثمّ قال: «أدخلوه! فدخل، فقال: سألتني عن رجال قومي، فأعظمهم حلماً الحسن بن عليّ، وفتاهم عبد اللَّه بن عامر، وأشدّهم خبّاً هذا الضبّ- يعني ابن الزبير-، والخليفة بعدي يزيد.

قال له أبو أيّوب الأنصاري: اتّق اللَّه ولا تستخلف يزيد.

قال: امرؤ ناصح، وإنّما أشرت برأيك؛ وإنّما هم أبناؤهم، فابني أحبُّ إليَّ من أبنائهم» «1».

وقد كثّف جهوده بعد استشهاد الإمام عليه السلام، بشتّي الأساليب، فقد روي في «العقد الفريد» عن أبي الحسن المدائني، أنّ في سنة 53 قرأ معاوية علي الناس عهداً مفتعلًا فيه عقد الولاية ليزيد بعده، قال: «وإنّما أراد أنْ يسهّل بذلك بيعة يزيد!

فلم يزل يروض الناس لبيعته سبع سنين، ويشاور، ويعطي الأقارب

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 43/ 319- 320، مختصر تاريخ دمشق 18/ 198 رقم 142، وانظر: تاريخ دمشق 55/ 5- 6، مختصر تاريخ دمشق 23/ 141- 142 رقم 168.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 43

ويداني الأباعد، حتّي استوثق له من أكثر الناس … » «1».

وذكر المؤرّخون- في وقائع سنة 56- دخول المُغِيْرَة بن شعبة علي معاوية وتشجيعه إيّاه علي العهد ليزيد، وذلك لمّا أراد معاوية عزل المُغِيْرَة عن الكوفة، فانتهي الأمر إلي إبقائه عليها، فقدم

الكوفة وجعل يذاكر شيعة بني أُميّة وغيرهم، وأوفد جماعةً مع ابنه موسي إلي معاوية يطلبون منه الإعلان عن العهد ليزيد، فقال لهم: لا تعجلوا بإظهار هذا وكونوا علي رأيكم؛ ثمّ قال لموسي : بكم اشتري أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال: بثلاثين ألفاً؛ فقال: لقد هان عليهم دينهم!

قالوا: فكتب معاوية بذلك إلي زياد بن أبيه يستشيره- وزياد إذ ذاك علي البصرة-، فكتب إليه زياد يشير عليه بأنْ لا يعجل، لأنّه كان يتخوّف من نفرة الناس، وقدم علي يزيد من قبله عبيد بن كعب النميري يأمره بالكفّ عمّا كان يصنع … «2».

وسيأتي ذِكر عاقبة أمر زياد بسبب هذا الموقف.

وإذا ثبت أنّ معاوية كان يفكّر منذ زمن الإمام الحسن عليه السلام في العهد ليزيد من بعده، ظهر أنّ ما يقال من أنّ المُغِيْرَة بن شعبة هو الذي اقترح عليه ذلك غير صحيح.

نعم، قد اقترح عليه الإعلان الرسمي عمّا كان يريد، ولعلّه كان بالتنسيق معه، وهو منهما غير بعيد!

__________________________________________________

(1) العقد الفريد 3/ 357.

(2) انظر حوادث سنة 56 في: تاريخ الطبري 3/ 248، الكامل في التاريخ 3/ 350- 351، تاريخ ابن خلدون 3/ 19- 20، وغيرها.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 45

المقدّمة السادسة: في مجمل ترجمة يزيد … ص: 45

لقد أجمع المؤرّخون، واتّفقت المصادر، وأطبقت الأخبار، علي أنّ يزيد كان يرتكب أنواع الفجور والفسوق والكبائر الموجبة للدخول في النار والخلود في العذاب الأليم …

فقد نصّ البلاذري علي أنّ يزيد كان أوّل من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء، والصيد، واتّخاذ القيان والغلمان، والتفكّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة «1».

وقال ابن كثير: إنّ يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد واتّخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يومٍ إلّايصبح فيه مخموراً،

وكان يشدّ القرد علي فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويلبس القرد قلانس الذهب، وكذلك الغلمان، وكان يسابق بين الخيل، وكان إذا مات القرد حزن عليه،

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 5/ 299.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 46

وقيل: إنّ سبب موته أنّه حمل قردة وجعل ينقزها فعضّته … «1».

قال: كان يزيد في حداثته صاحب شرابٍ … فأحسّ معاوية بذلك فأحبّ أن يعظه في رفق، فقال: يا بنيّ! ما أقدرك علي أن تصل إلي حاجتك من غير تهتّك يذهب بمروءتك وقدرك، ويشمت بك عدوّك ويسي ء بك صديقك.

ثمّ قال: يا بني! إنّي منشدك أبياتاً فتأدّب بها واحفظها؛ فأنشده:

أنصب نهاراً في طلاب العلا واصبر علي هجر الحبيب القريبِ

حتّي إذا الليل أتي بالدجي واكتحلت بالغمض عينُ الرقيبِ

فباشر الليل بما تشتهي فإنّما الليل نهار الأريبِ

كم فاسق تحسبه ناسكاً قد باشر الليل بأمر عجيبِ

غطّي عليه الليل أستاره فبات في أمن وعيش خصيبِ

ولذّة الأحمق مكشوفة يسعي بها كلّ عدوّ مريبِ «2»

وروي الواقدي وابن سعد وجماعة قول عبد اللَّه بن حنظلة لأهل المدينة: يا قوم اتّقوا اللَّه، فواللَّه ما خرجنا علي يزيد حتّي خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح أُمّهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخلّ، ويدع الصلاة … «3».

ومات يزيد بحوارين- قرية من قري دمشق- لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة 64 وهو ابن 38 سنة.

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 8/ 189 حوادث سنة 64.

(2) البداية والنهاية 8/ 183 حوادث سنة 64.

(3) تاريخ الإسلام، حوادث سنة 63.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 47

قال ابن حبّان: وقد قيل: إنّ يزيد بن معاوية سكر ليلة وقام يرقص، فسقط علي رأسه وتناثر دماغه فمات «1».

ولهذه الأغراض كان يذهب إلي حُوّارِين، وكان بها لمّا مات معاوية «2».

***

__________________________________________________

(1) الثقات 2/

314.

(2) تاريخ دمشق 59/ 231.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 49

الحلقة الأُولي : دور معاوية في بابين: … ص: 49

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 51

البابُ الأوّل: جهود معاوية في سبيل حكومة يزيد وفيه فصول: … ص: 51

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 53

الفصل الأوّل: ولاة الكوفة في عهد معاوية … ص: 53

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 55

إنّ الملاحظ في تاريخ الكوفة أنّ ولاتها منذ اليوم الأوّل كانوا علي خلافٍ مع أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، أو لم يكونوا من الموالين لهم، وكلامنا الآن في عهد معاوية …

المُغِيْرَة بن شُعْبَة … ص: 55

فإنّ أوّل مَن ولّاه معاوية علي الكوفة هو المُغِيْرَة بن شعبة «1»، وقد كان الوالي عليها من قبل عمر بن الخطّاب، وعزله عثمان … فلم يزل والياً عليها مِن قِبل معاوية إلي أن مات نحو سنة 50 ه.

وللمغيرة تراجم مطوّلة في كتب التاريخ والرجال، كتاريخ دمشق وسير أعلام النبلاء وغيرهما «2» … والذي يجدر ذكره من أخباره:

__________________________________________________

(1) تاريخ بغداد 1/ 193 رقم 30.

(2) تاريخ دمشق 60/ 13- 62 رقم 7591، سير أعلام النبلاء 3/ 21- 32 رقم 7، الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 97 98 رقم 1848، معرفة الصحابة- لأبي نُعيم- 5/ 2582- 2585 رقم 2757، الاستيعاب 4/ 1445- 1447 رقم 2479، أُسد الغابة 4/ 471- 473 رقم 5064، الإصابة 6/ 197- 200 رقم 8185، تاريخ الطبري 2/ 492- 493، الأغاني 16/ 105- 109، الكامل في التاريخ 2/ 384، المنتظم 3/ 143- 144، البداية والنهاية 7/ 66- 67.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 56

خبر كيفية إسلامه، فقد رووا عنه أنّه قال:

«كنّا قوماً من العرب، متمسّكين بديننا، ونحن سَدَنة اللات، قال:

فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بني مالك الوفود علي المُقَوْقس وأَهدوا له هدايا، وأجمعت الخروج معهم، فاستشرتُ عمّي عروة بن مسعود، فنهاني وقال: ليس معك من بني أبيك أحد، فأَبيتُ إلّاالخروج، فخرجتُ معهم، وليس معهم أحد من الأحلاف غيري، حتّي دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطلّ علي البحر، فركبت زورقاً حتّي حاذيتُ مجلسه، فنظر

إليَّ فأنكرني، وأَمر من يسألني مَن أنا وما أُريد، فسألني المأمور، فأخبرتُه بأَمرنا وقدومنا عليه، فأمر بنا أن ننزل في الكنيسة، وأجري علينا ضيافة.

ثمّ دعا بنا، فدخلنا عليه، فنظر إلي رأس بني مالك فأدناه إليه، وأجلسه معه ثمّ سأله: أكلّ القوم من بني مالك؟ فقال: نعم، إلّارجل واحد من الأحلاف؛ فعرَّفه إيّاي، فكنت أهون القوم عليه، ووضعوا هداياهم بين يديه، فسرّ بها وأَمر بقبضها، وأمر لهم بجوائز وفضّل بعضهم علي بعض، وقصّر بي، فأعطاني شيئاً قليلًا، لا ذِكر له، وخرجنا.

وأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهليهم وهم مسرورون، ولم يعرضْ علَيَّ رجل منهم مواساة، وخرجوا وحملوا معهم الخمر، فكانوا يشربون وأشرب معهم، وتأبي نفسي تدعني ينصرفون إلي الطائف بما أصابوا وما حباهم الملكُ ويخبرون قومي بتقصيره لي وازدرائه إيّاي، فأجمعت علي قتلهم.

فلمّا كنّا ببيسان تمارضتُ وعصبت رأسي، فقالوا لي: ما لك؟ قلت:

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 57

أُصدَّع؛ فوضعوا شرابهم ودَعَوْني، فقلت: رأسي يُصَدّع ولكنّي أجلس فأسقيكم؛ فلم ينكروا شيئاً، فجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح، فلمّا دَبَّت الكأس فيهم اشتهوا الشراب، فجعلت أُصَرّف لهم وأنزع الكأس فيشربون ولا يدرون، فأهمدتهم الكأس حتّي ناموا ما يعقلون، فوثبت إليهم فقتلتهم جميعاً، وأخذتُ جميع ما كان معهم.

فقدمت علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فأجده جالساً في المسجد مع أصحابه وعلَيَّ ثياب سفري، فسلّمتُ بسلام الإسلام، فنظر إليّ أبو بكر بن أبي قحافة وكان بي عارفاً، فقال: ابن أخي عروة؟ قال: قلت:

نعم، جئت أشهد أن لا إله إلّااللَّه، وأشهد أنّ محمّداً رَسُول اللَّه؛ فقال رَسُول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «الحمد للَّه الذي هداك للإسلام».

فقال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم؟ قلتُ: نعم؛ قال: فما فعل المالكيّون الذي كانوا معك؟

قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن علي دين الشرك، فقتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلي رَسُول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ليخمّسها أو يري فيها رأيه، فإنّما هي غنيمة من مشركين، وأنا مسلم مصدّق بمحمّد صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «أمّا إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئاً، ولا أُخمّسه؛ لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه».

قال: فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: يا رسول اللَّه! ما قتلتهم وأنا علي دين قومي ثمّ أسلمتُ حيث دخلت عليك الساعة؛ قال: «فإنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله».

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 58

قال: «وكان قتل منهم ثلاثة عشر إنساناً، فبلغ ذلك ثقيفاً بالطائف، فتداعوا للقتال، ثمّ اصطلحوا علي أن تحمّل عني عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية.

قال المُغِيْرَة: وأقمت مع النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم حتّي اعتمر عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ستّ من الهجرة، فكان أوّل سفرة خرجت معه فيها، وكنت أكون مع أبي بكر الصدّيق، وأَلزَمُ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في من يلزمه» «1».

ومن قضايا المُغِيْرَة ما فعله- مع الإحصان- مع امرأةٍ، ودرء عمر بن الخطّاب الحدّ عنه، وهي قضيّته مع أُمّ جميل بنت عمرو، امرأة من قيس، في قضية هي من أشهر الوقائع التاريخية في العرب، كانت سنة 17 للهجرة، لا يخلو منها كتاب يشتمل علي حوادث تلك السنة.

وقد شهد عليه بذلك كلٌّ من: أبي بكرة- وهو معدود في فضلاء الصحابة وحملة الآثار النبوية-، ونافع بن الحارث- وهو صحابي أيضاً-، وشبل بن معبد، وكانت شهادة هؤلاء الثلاثة صريحة فصيحة بأنّهم رأوه يولجه فيها إيلاج الميل في المكحلة، لا يكنّون

ولا يحتشمون، ولمّا جاء الرابع- هو زياد بن سميّة- ليشهد، أفهمه الخليفة رغبته في أن لا يخزي المُغِيْرَة، ثمّ سأله عمّا رآه، فقال: رأيت مجلساً وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً، ورأيته مستبطنها.

فقال عمر: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟

فقال: لا، ولكن رأيته رافعاً رجليها، فرأيت خصيتيه تتردّد إلي ما بين

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 60/ 22- 24.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 59

فخذيها، ورأيت حفزاً شديداً، وسمعت نفساً عالياً.

فقال عمر: رأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟

فقال: لا.

فقال عمر: اللَّه أكبر! قم يا مغيرة إليهم فاضربهم.

فقام يقيم الحدود علي الثلاثة.

وإليكم تفصيل هذه الواقعة بلفظ القاضي أحمد، الشهير بابن خلّكان، في كتابه «وفيات الأعيان»، إذ قال ما هذا لفظه:

«وأمّا حديث المُغِيْرَة بن شعبة الثقفي والشهادة عليه، فإنّ عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه كان قد رتّب المُغِيْرَة أميراً علي البصرة، وكان يخرج من دار الإمارة نصف النهار، وكان أبو بكرة- المذكور- يلقاه فيقول: أين يذهب الأمير؟ فيقول: في حاجة. فيقول: إنّ الأمير يزار ولا يزور.

قالوا: وكان يذهب إلي امرأة يقال لها: أُمّ جميل بنت عمرو، وزوجها الحجّاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي» ثمّ ذكر نسبها.

ثمّ روي أنّ أبا بكرة بينما هو في غرفة مع إخوته، وهم نافع، وزياد، وشبل بن معبد، أولاد سميّة، «فهم إخوة لأُمّ، وكانت أُمّ جميل- المذكورة- في غرفة أُخري قبالة هذه الغرفة، فضربت الريح باب غرفة أُمّ جميل ففتحته ونظر القوم، فإذا هم بالمُغِيْرَة مع المرأة علي هيئة الجماع، فقال أبو بكرة: هذه بلية قد ابتليتم بها، فانظروا! فنظروا حتّي أثبتوا.

فنزل أبو بكرة فجلس حتّي خرج عليه المُغِيْرَة من بيت المرأة، فقال له: إنّه قد كان من أمرك ما قد علمت، فاعتزلنا!

قال: وذهب المُغِيْرَة ليصلّي

بالناس الظهر، ومضي أبو بكرة فقال:

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 60

لا واللَّه لا تصلّ بنا وقد فعلت ما فعلت.

فقال الناس: دعوه فليصلِّ، فإنّه الأمير، واكتبوا بذلك إلي عمر رضي اللَّه عنه.

فكتبوا إليه، فأمرهم أن يقدموا عليه جميعاً، المُغِيْرَة والشهود، فلمّا قدموا عليه جلس عمر رضي اللَّه عنه، فدعا بالشهود والمُغِيْرَة، فتقدّم أبو بكرة، فقال له: رأيتَه بين فخذيها؟

قال: نعم، واللَّه لكأنّي أنظر إلي تشريم جدري بفخذيها.

فقال له المُغِيْرَة: لقد ألطفتَ في النظر!

فقال أبو بكرة: لم آلُ أن أُثبت ما يخزيك اللَّه به.

فقال عمر رضي اللَّه عنه: لا واللَّه حتّي تشهد لقد رأيتَه يلج فيها ولوج المرود في المكحلة.

فقال: نعم أشهد علي ذلك.

فقال: فاذهب عنك مغيرة، ذهب ربعك.

ثمّ دعا نافعاً فقال له: علامَ تشهد؟

قال: علي مثل شهادة أبي بكرة.

قال: لا حتّي تشهد أنّه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة.

قال: نعم حتّي بلغ قُذذه.

فقال له عمر رضي اللَّه عنه: اذهب مغيرة، ذهب نصفك.

ثمّ دعا الثالث فقال له: علي ما تشهد؟

فقال: علي مثل شهادة صاحبَيّ.

فقال له عمر رضي اللَّه عنه: اذهب عنك مغيرة، ذهب ثلاثة أرباعك.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 61

ثمّ كتب إلي زياد وكان غائباً فقدم، فلمّا رآه جلس له في المسجد واجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار، فلمّا رآه مقبلًا قال: إنّي أري رجلًا لا يخزي اللَّه علي لسانه رجلًا من المهاجرين.

ثمّ إنّ عمر رضي اللَّه عنه رفع رأسه إليه فقال: ما عندك يا سلح الحباري ؟

فقيل: إنّ المُغِيْرَة قام إلي زياد، فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس.

فقال له المُغِيْرَة: يا زياد! اذكر اللَّه تعالي واذكر موقف يوم القيامة، فإنّ اللَّه تعالي وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي إلّاأنْ تتجاوز إلي ما لم تر ممّا رأيت، فلا

يحملنّك سوء منظر رأيته علي أن تتجاوز إلي ما لم تر، فواللَّه لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها.

قال: فدمعت عينا زياد واحمرّ وجهه وقال: يا أمير المؤمنين! أمّا أنْ أحقَّ ما حقَّ القوم فليس عندي، ولكن رأيت مجلساً وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً، ورأيته مستبطنها.

فقال عمر رضي اللَّه عنه: رأيتَه يدخل كالميل في المكحلة؟

فقال: لا.

وقيل: قال زياد: رأيته رافعاً رجليها، فرأيت خصيتيه تتردّد إلي بين فخذيها، ورأيت حفزاً شديداً، وسمعت نفساً عالياً.

فقال عمر رضي اللَّه عنه: رأيتَه يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟

فقال: لا.

فقال عمر رضي اللَّه عنه: اللَّه أكبر! قم إليهم فاضربهم.

فقام إلي أبي بكرة فضربه ثمانين، وضرب الباقين، وأعجبه قول

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 62

زياد، ودرأ الحدّ عن المُغِيْرَة.

فقال أبو بكرة بعد أن ضُرب: أشهد أنّ المُغِيْرَة فعل كذا وكذا.

فهمّ عمر رضي اللَّه عنه أن يضربه حدّاً ثانياً، فقال له عليُّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: إن ضربته فارجم صاحبك! فتركه.

واستتاب عمر أبا بكرة، فقال: إنّما تستتيبني لتقبل شهادتي.

فقال: أجل.

فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا.

فلمّا ضُربوا الحدّ قال المُغِيْرَة: اللَّه أكبر، الحمد للَّه الذي أخزاكم.

فقال عمر رضي اللَّه عنه: بل أخزي اللَّه مكاناً رأوك فيه».

قال: «وذكر عمر بن شبّة في كتاب (أخبار البصرة)، أنّ أبا بكرة لمّا جلد أمرت أُمّه بشاة فذُبحت وجعل جلدها علي ظهره، فكان يقال: ما كان ذاك إلّامن ضرب شديد».

قال: «وحكي عبد الرحمن بن أبي بكرة، أنّ أباه حلف لا يكلّم زياداً ما عاش، فلمّا مات أبو بكرة كان قد أوصي أنْ لا يصلّي عليه زياد، وأن يصلّي عليه أبو برزة الأسلمي، وكان النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم آخي بينهما، وبلغ ذلك

زياداً فخرج إلي الكوفة، وحفظ المُغِيْرَة بن شعبة ذلك لزياد وشكره.

ثمّ إنّ أُمّ جميل وافقت عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه بالموسم والمُغِيْرَة هناك، فقال له عمر: أتعرف هذه المرأة يا مُغِيْرَة؟

فقال: نعم، هذه أُمّ كلثوم بنت عليّ.

فقال له عمر: أتتجاهل علَيَّ؟! واللَّه ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك،

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 63

وما رأيتُك إلّاخفتُ أن أُرمي بحجارة من السماء».

قال: «ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في أوّل باب عدد الشهود في كتاب (المهذّب): وشهد علي المُغِيْرَة ثلاثة: أبو بكرة، ونافع، وشبل بن معبد».

قال: «وقال زياد: رأيت استاً تنبو، ونفساً يعلو، ورجلين كأنّهما أُذنا حمار، ولا أدري ما وراء ذلك.

فجلد عمر الثلاثة، ولم يحدّ المُغِيْرَة».

قال: «قلت: وقد تكلّم الفقهاء علي قول عليّ رضي اللَّه عنه لعمر رضي اللَّه عنه: إنْ ضربتَه فارجم صاحبك. فقال أبو نصر بن الصبّاغ: يريد أنّ هذا القول إن كان شهادة أُخري فقد تمّ العدد، وإنْ كان هو الأوّل فقد جلدته عليه. واللَّه أعلم».

انتهت هذه المأساة وما إليها بلفظ القاضي ابن خلّكان عيناً؛ فراجعه في ترجمة يزيد بن زياد «1».

قالوا: وكان المُغِيْرَة بن شُعْبَة من المعتزلة، لكنّ ابن عساكر روي أنّه أراد من عمّار بن ياسر أنْ يتخلّي عن الدعوة لأمير المؤمنين عليٍّ عليه الصلاة والسلام «2».

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 6/ 364- 367.

وانظر: تاريخ الطبري 2/ 492- 493، الأغاني 16/ 105- 109، المستدرك علي الصحيحين 3/ 507- 508 ح 5892، تاريخ دمشق 60/ 33 و 35- 39، المنتظم 3/ 143- 144، الكامل في التاريخ 2/ 384، البداية والنهاية 7/ 66- 67، النصّ والاجتهاد: 354- 358، وغيرها.

(2) تاريخ دمشق 60/ 43- 44.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 64

وروي الذهبي، عن عبد اللَّه بن ظالم،

قال: «كان المُغِيْرَة ينال في خطبته من عليٍّ، وأقام خطباء ينالون منه» «1».

زياد بن أبيه … ص: 64

ثمّ ولّي معاويةُ من بعد المغيرة علي الكوفة وعلي البصرة: زيادَ بن أبيه، فلم يزل فيها حتّي مات سنة 53 «2».

وُلد عام الهجرة.

وكان من المعتزلة، ولم يشهد وقعة الجمل.

واستلحقه معاوية سنة 44.

قال ابن عساكر:

«أخبرنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن عليّ بن كرتيلا، أنا محمّد بن عليّ بن محمّد الخيّاط، أنا أحمد بن عبيد اللَّه بن الخضر، أنا أحمد بن طالب الكاتب، حدّثني أبي أبو طالب، عن عليّ بن محمّد، حدّثني محمّد ابن محمّد بن مروان بن عمر القُرشي، حدّثني محمّد بن أحمد- يعني:

أبا بكر الخزاعي-، حدّثني جدّي، عن محمّد بن الحكم، عن عوانة، قال: كان عليّ بن أبي طالب استعمل زياداً علي فارس، فلمّا أُصيب عليٌّ وبويع معاوية احتمل المال ودخل قلعة من قلاع فارس تسمّي قلعة زياد، فأرسل معاوية- حين بويع- بسرَ بن أبي أَرطأة يجول في العرب، لا يأخذ رجلًا عصي معاوية ولم يبايع له إلّاقتله، حتّي انتهي إلي البصرة، فأخذ

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 3/ 31.

(2) الطبقات الكبري - لابن سعد- 7/ 69- 70 رقم 2980، أُسد الغابة 2/ 119- 120 رقم 1800، شذرات الذهب 1/ 59، سير أعلام النبلاء 3/ 496 رقم 112.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 65

وُلد زياد فيهم عبيد اللَّه، فقال: واللَّه لأقتلنّهم أو ليخرجنّ زياد من القلعة.

فركب أبو بكرة إلي معاوية فأخذ أماناً لزياد، وكتب كتاباً إلي بسر بإطلاق بني زياد من القلعة حتّي قدم علي معاوية، فصالحه علي ألف ألف.

ثمّ أقبل فلقيه مَصْقَلة بن هُبَيرة وافداً إلي معاوية، فقال له: يا مصقلة! متي عهدك بأمير المؤمنين؟

قال: عام أوّل.

قال: كم أعطاك؟

قال: عشرين ألفاً.

قال: فهل لك أن

أُعطيكها علي أن أُعجّل لك عشرة آلاف، وعشرة آلاف إذا فرغت، علي أن تبلّغه كلاماً؟

قال: نعم.

قال: قل له إذا انتهيت إليه: أتاك زياد وافداً أكل بَرّ العراق وبحره فخدعك فصالحته علي ألفَي ألف، واللَّه ما أري الذي يقال لك إلّاحقّاً.

قال: نعم.

ثمّ أتي معاوية فقال له ذلك، فقال له معاوية: وما يقال يا مَصْقَلة؟!

قال: يقال: إنّه ابن أبي سفيان.

فقال معاوية: إنّ ذلك ليقال؟!

قال: نعم.

قال: أبي قائلها إلّاإثماً.

فزعم أنّه أعطي مصقلة العشرة آلاف الأُخري بعدما ادّعاه معاوية.

أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبد اللَّه بن كادش، أنا أبو يَعْلَي محمّد بن

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 66

الحسين، أنا إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل، أنا الحسين بن الفهم الكوكبي، نا عبد اللَّه بن مالك، نا سليمان بن أبي شيخ، نا محمّد بن الحكم، عن عوانة، قال: كانت سُمَيّة لدهقان زَيْدَوُرد بكَسْكَر، وكانت مدينة- وهي اليوم قرية-، فاشتكي الدهقان، وخاف أن يكون بطنه قد استسقي ، فدعا له الحارث بن كَلَدَة الثقفي، وقد كان قدم علي كسري ، فعالج الحارثُ الدهقان فبرأ، فوهب له سُميّة أُمّ زياد، فولدت عند الحارث أبا بكرة وهو مسروح، فلم يقرّ به ولم ينفعه.

وإنّما سمّي أبا بكرة لأنّه نزل في بكرة مع مجلي العبيد من الطائف حين أمّن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عبيد ثقيف، ثمّ ولدت سمية نافعاً، فلم يقرّ بنافع.

فلمّا نزل أبو بكرة إلي النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال الحارث لنافع: إنّ أخاك مسروحاً عبدٌ وأنت ابني؛ فأقرّ به يومئذ.

وزوّجها الحارث غلاماً له روميّاً يقال له: عُبيد، فولدت زياداً علي فراشه.

وكان أبو سفيان صار إلي الطائف، فنزل علي خمَّار يقال له: أبو مريم السلولي، وكانت لأبي مريم بعد صحبةٌ، فقال أبو سفيان لأبي

مريم بعد أن شرب عنده: قد اشتدّت بي العزوبة، فالتمس لي بغيّاً! قال: هل لك في جارية الحارث بن كَلَدَة سُمَيّة امرأة عُبَيد؟ قال: هاتها علي طول ثدييها وذفر إبطيها؛ فجاء بها إليه، فوقع عليها، فولدت زياداً، فادّعاه معاوية.

فقال يزيد بن مُفَرّغ لزياد:

تذكر هل بيثرب زيدوردٌ قري آبائك النَّبَط القحاح

قال عبد اللَّه: قال سليمان: وحدّثنا محمّد بن الحكم، عن عوانة، قال: لمّا توفّي عليُّ بن أبي طالب وزياد عامله علي فارس وبويع لمعاوية، تحصّن زياد في قلعة فسُمّيت به، فهي تُدعي قلعة زياد إلي الساعة، فأرسل زياد مَن صالح معاوية علي ألفَي ألف درهم، وأقبل زياد من القلعة فقال له زياد: متي عهدك بأمير المؤمنين؟ فقال: عام أوّل؛ قال: كم أعطاك؟ قال:

عشرين ألفاً؛ قال: فهل لك أن أُعطيك مثلها وتبلّغه كلاماً؟ قال: نعم؛ قال: قل له إذا أتيته: أتاك زياد وقد أكل بَرّ العراق وبحره فخدعك فصالحك علي ألفَي ألف درهم، واللَّه ما أري الذي يقال إلّاحقّاً، فإذا قال لك: ما يقال؟ فقل: يقال: إنّه ابن أبي سفيان؛ قال: أبي قائلها إلّاإثماً.

قال: فادّعاه، فما أعطي زيادٌ مصقلة إلّاعشرة آلاف درهم إلّابعد أن ادّعاه» «1».

وقال ابن عساكر:

«أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد اللَّه- في ما قرئ علَيَّ إسناده وناولني إيّاه، وقال: اروِهِ عنّي-، أنا أبو علي محمّد بن الحسين، أنا المعافي بن زكريّا القاضي، نا محمّد بن القاسم الأنباري، حدّثني أبي، ثنا أبو بكر محمّد بن أبي يعقوب الدَّيْنَوري، نا عبيد بن محمّد الفيريابي، نا سفيان ابن عُيينة، نا عبد الملك بن عُمير، قال: شهدت زياد بن أبي سفيان، وقد صعد المنبر، فسلّم تسليماً خفيّاً وانحرف انحرافاً بطيئاً، وخطب خطبة بُتيراء- قال ابن الفيريابي: والبتيراء التي

لا يصلّي فيها علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم-، ثمّ قال: إنّ أمير المؤمنين قد قال ما سمعتم، وشهدت

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 19/ 172- 174.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 68

الشهود بما قد علمتم، وإنّما كنتُ امرَأً حفظ اللَّه منّي ما ضَيّع الناس، ووصل منّي ما قطعوا.

أَلَا إنّا قد سُسْنا وساست السائسون، وجَرّبنا وجَرّبَنا المجرِّبون، وولينا وولي علينا الوالون، وإنّا وجدنا هذا الأمر لا يصلحه إلّاشدّة في غير عنف، ولين في غير ضعف.

وأيم اللَّه إنّ لي لكم صرعي ، فليحذر كلّ رجل منكم أن يكون من صرعاي، فواللَّه لآخذنّ البري ء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل بالمدبر، حتّي تلين لي قناتكم، وحتّي يقول القائل: «انج سعد فقد قُتل سعيد».

ألَا رُبّ فَرِحٍ بإمارتي لن ينفعه، ورُبّ كارهٍ لها لن يضرّه، وقد كانت بيني وبين أقوام منكم دمنٌ وأحقاد، وقد جعلتُ ذلك خلف ظهري وتحت قدمي، فلو بلغني عن أحدكم أنّ البغض في قلبه ما كشفتُ له قناعاً، ولا هتكتُ له ستراً حتّي يبدي صفحته، فإذا أبداها فلم أقله عثرته.

ألَا ولا كذبة أكثر شاهداً عليها من كذبة إمام علي منبر، فإذا سمعتموها منّي فاغتمزوها فيَّ، فإذا وعدتكم خيراً أو شرّاً فلم أفِ به فلا طاعة لي في رقابكم.

أَلَا وأيّما رجل منكم كان مكتبه خُرَاسان فأجله سنتان، ثمّ هو أمير نفسه، وأيّما رجل منكم كان مكتبه دون خُرَاسان فأجله ستّة أشهر، ثمّ هو أمير نفسه، وأيّما امرأة احتاجت تأتينا ثمّ نقاصّه به، وأيّما عقال فقدتموه من مقامي هذا إلي خُرَاسان فأنا له ضامن» «1».

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 19/ 179- 180.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 69

وقال ابن عساكر:

«أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد اللَّه- إذناً ومناولة، وقرأ علَيَّ إسناده-، أَنْبَأ أبو عليّ محمّد بن

الحسين، أنا المعافي بن زكريّا، نا أحمد بن الحسن الكلبي، نا محمّد بن زكريّا، أنا عبد اللَّه بن الضحّاك، نا هشام بن محمّد، عن أبيه، قال: كان سعيد بن سرح مولي حبيب بن عبد شمس شيعةً لعليّ بن أبي طالب، فلمّا قدم زياد الكوفة والياً عليها أخافه، وطلبه زياد، فأتي الحسن بن عليّ، فوثب زياد علي أخيه وولده وامرأته فحبسهم، وأخذ ماله وهدم داره.

فكتب الحسن إلي زياد: من الحسن بن عليّ إلي زياد، أمّا بعد، فإنّك عمدت إلي رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، فهدمتَ داره وأخذتَ ماله وعياله فحبستهم، فإذا أتاك كتابي هذا فابنِ له داره، وارددْ عليه عياله وماله، فإنّي قد أجرته فشفِّعني فيه.

فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلي الحسن بن فاطمة، أمّا بعدُ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة، وأنا سلطان وأنت سُوْقة، كتبت إليّ في فاسق لا يؤويه إلّامثله، وشرٌّ من ذلك تولّيه أباك وإيّاك، وقد علمتُ أنّك قد آويته إقامة منك علي سوء الرأي، ورضاً منك بذلك، وأيم اللَّه لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك.

وإن نلتُ بعضك غير رفيق بك ولا مُرْعٍ عليك، فإنّ أحبّ لحمٍ إليَّ آكله للحم الذي أنت منه، فأسلمه بجريرته إلي من هو أَوْلي به منك، فإن عفوتُ عنه لم أكن شفّعتك فيه، وإنْ قتلته لم أقتله إلّابحبّه إيّاك.

فلمّا قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسّم، وكتب إلي معاوية يذكر

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 70

له حال ابن سرح وكتابه إلي زياد فيه وإجابة زياد إيّاه، ولفّ كتابه في كتابه وبعث به إلي معاوية، وكتب الحسن إلي زياد: من الحسن بن فاطمة إلي زياد بن سُمَيّة:

«الولد للفراش، وللعاهر الحَجَر».

فلمّا وصل كتاب الحسن إلي معاوية وقرأ معاوية الكتاب ضاقت به الشام وكتب إلي زياد: أمّا بعد، فإنّ الحسن بن عليّ بعث بكتابك إليّ جوابَ كتابه إليك في ابن سرح، فأكثرتُ التعجّب منك، وعلمتُ أنّ لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان والآخر من سُمَيّة. فأمّا الذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأمّا رأيك من سُمَيّة فما يكون رأي مثلها؟! ومن ذلك كتابك إلي الحسن تشتم أباه وتعرّض له بالفسق، ولعمري لأنت أَوْلي بالفسق من الحسن، ولأبوك- إذ كنت تنسب إلي عُبيد- أَوْلي بالفسق من أبيه، وإنّ الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك، وإنّ ذلك لم يضعك.

وأمّا تركك تشفيعه في ما شفع فيه إليك فحظٌّ دفعته عن نفسك إلي مَن هو أَوْلي به منك.

فإذا قدم عليك كتابي فخلّ ما في يدك لسعيد بن سرح، وابنِ له داره، ولا تعرض له، واردد عليه ماله، فقد كتبتُ إلي الحسن أن يخبر صاحبه إن شاء أقام عنده، وإن شاء رجع إلي بلده، ليس لك عليه سلطان بيدٍ ولا لسان.

وأمّا كتابك إلي الحسن باسمه، ولا تنسبه إلي أبيه، فإنّ الحسن- ويلك- مَن لا يُرمي به الرَّجَوان، أفإلي أُمّه وكلته، لا أُمَّ لك، هي فاطمة بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وتلك أفخر له إنْ كنت تعقل.

وكتب في أسفل الكتاب:

تدارك ما ضيّعت من بعد خبرةٍ وأنت أريبٌ بالأُمورِ خَبيرُ

أمّا حسنٌ بابن الذي كان قبله إذا سار سار الموت حيث يسيرُ

وهل يلد الرئبال إلّانظيره فذا حسنٌ شبهٌ له ونظيرُ

ولكنّه لو يوزن الحلم والحجي برأي لقالوا فاعلمنّ ثبيرُ

قال الغلابي: قرأت هذا الخبر علي ابن عائشة، فقال: كتب إليه معاوية [حين ] وصل كتاب الحسن في أوّل الكتاب الشعر والكلام بعده»

«1».

قال ابن عساكر:

«أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو عليّ بن صفوان، نا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدّثني أبي، عن هشام بن محمّد، حدّثني أبو المُقَوّم الأنصاري بخبر ابن ثعلبة، عن أُمّه عائشة، عن أبيها عبد الرحمن بن السائب، قال:

جمع زياد أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم علي البراءة من عليّ، قال عبد الرحمن: فإنّي لمع نفرٍ من الأنصار والناس في أمر عظيم، فهوّمتُ تهويمةً فرأيت شيئاً أقبل طويل العنق مثل عنق البعير، أهدب أهدل، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا النَّقَّاد ذو الرقبة، بُعثت إلي صاحب هذا القصر؛ فاستيقظت فزعاً، فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: لا؛ فأخبرتهم، قال: ويخرج علينا خارج من القصر فقال: إنّ الأمير يقول لكم: انصرفوا عنّي فإنّي عنكم مشغول. وإذا الطاعون قد ضربه، فأنشأ عبد الرحمن بن السائب يقول … » «2».

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 19/ 198- 199.

(2) تاريخ دمشق 19/ 203.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 72

«أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنا أبو بكر بن الطبري، أنا أبو الحسين بن بشران، أنْبَأ أبو علي بن صفوان، نا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدّثني زكريّا بن يحيي ، عن عبد السلام بن مُطَهّر، عن جعفر بن سليمان، عن عبد ربّه، عن أبي كعب الجُرْمُوزي، أنّ زياداً لمّا قدم الكوفة، قال: أي أهل الكوفة! أعَبدٌ؟ قيل: فلان الحِمْيَري؛ فأرسل إليه فأتاه، فإذا سمت ونحوٌ، فقال زياد: لو مال هذا مال أهل الكوفة معه.

فقال له: إنّي بعثت إليك لخير.

قال: قال: إنّي إلي الخير لفقير.

قال: بعثت إليك لأنولك وأعطيك علي أن تلزم بيتك فلا تخرج.

قال: سبحان اللَّه! واللَّه لصلاة واحدة في جماعة

أحبّ إليَّ من الدنيا كلّها، ولزيارة أخ في اللَّه وعيادة مريض أحبّ إليّ من الدنيا كلّها، فليس إلي ذلك سبيل.

قال: فاخرج وصلّ في جماعة، وزر إخوانك، وعد المريض، والزم شأنك.

قال: سبحان اللَّه! أري معروفاً لا أقول فيه؟! أري منكراً لا أنهي عنه؟! فواللَّه لمقام من ذلك واحد أحبّ إليّ من الدنيا كلّها.

قال: يا أبا فلان!- قال جعفر: أظنّ الرجل أبا المُغِيْرَة- فهو السيف.

قال: السيف.

فأمر به فضُربت عنقه.

قال جعفر: فقيل لزياد وهو في الموت: أبشِر.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 73

قال: كيف وأبو المُغِيْرَة بالطريق؟!» «1».

وروي ابن عساكر:

«كتب زياد إلي الحسن والحسين وعبد اللَّه بن عبّاس يعتذر إليهم في شأن حجر وأصحابه؛ فأمّا الحسن فقرأ كتابه وسكت.

وأمّا الحسين فأخذ كتابه [فمزّقه ] «2» ولم يقرأه.

وأمّا ابن عبّاس فقرأ كتابه وجعل يقول: كذب كذب.

ثمّ أنشأ يحدّث قال: إنّي لمّا كنت بالبصرة كبّر الناس بي تكبيرةً، ثمّ كبّروا الثانية، ثمّ كبّروا الثالثة، فدخل علَيَّ زياد فقال: هل أنت مطيعي يستقم لك الناس؟

فقلت: ماذا؟

قال: أرسل إلي فلان وفلان وفلان- ناس من الأشراف- تضرب أعناقهم يستقم لك الناس.

فعلمتُ أنّه إنّما صنع بحُجر وأصحابه مثل ما أشار به علَيّ» «3».

عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد … ص: 73

قال ابن عساكر: «لمّا مات زياد سنة 53، استخلف- يعني علي الكوفة- عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد، فعزله معاوية وولّاها الضحّاك بن قيس … » «4».

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 19/ 206.

(2) إضافة من مختصر تاريخ دمشق- لابن منظور- 9/ 75.

(3) تاريخ دمشق 19/ 171- 172.

(4) تاريخ دمشق 24/ 289، وانظر: تاريخ خليفة بن خيّاط: 165.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 74

وقال ابن الأثير: «استعمله زياد علي بلاد فارس، واستخلفه زياد حين مات، وهو الذي صلّي علي زياد، وأقرّه معاوية علي الولاية بعد زياد. قاله

الزبير» «1».

وقال اليعقوبي: «لمّا نزل به الموت- أي بزياد بن أبيه- كتب إلي معاوية: إنّي أكتب إلي أمير المؤمنين وأنا في آخر يومٍ من الدنيا وأوّل يومٍ من الآخرة، وقد استخلفت علي عملي عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد.

فلمّا توفّي زياد ووضع نعشه ليصلّي عليه تقدّم عبيد اللَّه ابنه فنحّاه، وتقدّم عبد اللَّه بن خالد فصلّي عليه، فلمّا فرغ من دفنه خرج عبيد اللَّه من ساعته إلي معاوية، فلمّا قيل لمعاوية: هذا عبيد اللَّه؛ قال: يا بني! ما منع أباك أنْ يستخلفك؟! أما لو فعل لفعلت؛ فقال: نشدتك اللَّه يا أمير المؤمنين أن يقولها لي أحد بعدك ما منع أباه وعمّه أن يستعملاه؟! فولّاه خراسان، وصيّر إليه ثغرَي الهند» «2».

وهو عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد بن أبي العيص بن أُميّة، اختلفوا في صحبته ورؤيته للنبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «3».

وقد كان عبد اللَّه بن خالد صهر عثمان بن عفّان «4»، وكان عنده مقرّباً، حتّي إنّه لمّا فَعَلَ بأهل مكّة ما فعل في توسعة المسجد الحرام فأمر

__________________________________________________

(1) أُسد الغابة 3/ 117 رقم 2910، وانظر: نسب قريش: 188، الإصابة 4/ 72 رقم 4645.

(2) تاريخ اليعقوبي 2/ 147- 148.

(3) أُسد الغابة 3/ 117 رقم 2910، الإصابة 4/ 71 رقم 4645، وغيرهما.

(4) كتاب المحبّر: 55، أنساب الأشراف 6/ 232، تاريخ اليعقوبي 2/ 64.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 75

بحبسهم، كلّمه فيهم عبد اللَّه بن خالد «1».

وأعطاه عثمان مرّةً خمسين ألفاً، فاعترض عليه كبار الصحابة؛ فقد جاء في خبرٍ أنّ عثمان قال مخاطباً لعليٍّ وطلحة والزبير- وكان معاوية حاضراً-: «أنا أُخبركم عنّي وعمّا وليت، إنّ صاحبَيَّ اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومَن كان منهما بسبيلٍ احتساباً، وإنّ رسول اللَّه

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كان يعطي قرابته، وأنا في رهط أهل عيلة وقلّة معاش، فبسطت يدي في شي ء من ذلك لِما أقوم به فيه، فإنْ رأيتم خطأً فردّوه، فأمري لأمركم تبع.

قالوا: أصبت وأحسنت، إنّك أعطيت عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد خمسين ألفاً، وأعطيت مروان خمسة عشر ألفاً، فاستعدها منهما.

فاستعادها، فخرجوا راضين» «2».

وكان عبد اللَّه عاملًا لعثمان علي مكّة، وبها مات «3».

وقد ذكروا عنه أنّه كان يري الأمر لوُلد عثمان من بعده، ولذا لم يشارك في وقعة الجمل، بل فارق القوم ورجع …

قال الطبري:

«حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو الحسن، قال: أخبرنا أبو عمرو، عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، قال: لقي سعيدُ بن العاص مروانَ ابن الحكم وأصحابه بذات عرق، فقال: أين تذهبون وثأركم علي أعجاز

__________________________________________________

(1) الإصابة 4/ 72.

(2) شرح نهج البلاغة 2/ 138.

(3) أخبار مكّة- للفاكهاني- 3/ 164.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 76

الإبل؟! اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلي منازلكم لا تقتلوا أنفسكم.

قالوا: بل نسير، فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.

فخلا سعيد بطلحة والزبير، فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟

أصدقاني!

قالا: لأحدنا، أيّنا اختاره الناس.

قال: بل اجعلوه لوُلد عثمان، فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.

قالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟!

قال: أفلا أراني أسعي لأُخرجها من بني عبد مناف.

فرجع ورجع عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد، فقال المغيرة بن شعبة:

الرأي ما رأي سعيد، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع؛ فرجع ومضي القوم معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان، فاختلفوا في الطريق، فقالوا: من ندعو لهذا الأمر؟ فخلا الزبير بابنه عبد اللَّه، وخلا طلحة بعلقمة بن وقّاص الليثي- وكان يؤثره علي ولده-، فقال أحدهما: ائت الشأم؛ وقال الآخر:

ائت العراق؛ وحاور كلّ واحد منهما صاحبه، ثمّ اتّفقا علي البصرة»

«1».

وقال ابن الأثير:

«فلمّا بلغوا ذات عرق لقي سعيدُ بن العاص مروانَ بن الحكم وأصحابه بها، فقال: أين تذهبون وتتركون ثأركم علي أعجاز الإبل وراءكم؟!- يعني: عائشة وطلحة والزبير- اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلي منازلكم.

فقالوا: نسير، فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.

فخلا سعيد بطلحة والزبير، فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 9 حوادث سنة 36 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 77

أصدقاني!

قالا: نجعله لأحدنا، أيّنا اختاره الناس.

قال: بل تجعلونه لوُلد عثمان، فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.

فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟!

قال: فلا أراني أسعي إلّالإخراجها من بني عبد مناف.

فرجع ورجع عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد.

وقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما قال سعيد؛ مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع؛ فرجع، ومضي القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان» «1».

وقال ابن خلدون:

«وودّع أُمّهاتُ المؤمنين عائشةَ من ذات عرق باكيات، وأشار سعيد ابن العاصي علي مروان بن الحكم وأصحابه بإدراك ثارهم من عائشة وطلحة والزبير.

فقالوا: نسير لعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.

ثمّ جاء إلي طلحة والزبير، فقال: لمن تجعلان الأمر إنْ ظفرتما؟

قالا: لأحدنا الذي تختاره الناس.

فقال: بل اجعلوه لوُلد عثمان؛ لأنّكم خرجتم تطلبون بدمه!

فقالا: وكيف ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟!

قال: فلا أراني أسعي إلّالإخراجها من بني عبد مناف.

فرجع، ورجع عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد، ووافقه المغيرة بن شعبة

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 102- 103 حوادث سنة 36 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 78

ومن معه من ثقيف فرجعوا. ومضي القوم» «1».

وقال المقريزي:

«قالا: نجعله لأحدنا، أيّنا اختاره الناس.

قال: بل تجعلونه لوُلد عثمان؛ فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.

فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟!

قال: فلا أراني أسعي إلّالإخراجها من بني عبد مناف.

فرجع ورجع عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد، وقال المغيرة بن شعبة:

الرأي ما قال

سعيد، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع.

فرجع، ومضي القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان، وأعطي يعلي بن منبّه عائشةَ جملًا اسمه عسكر اشتراه بثمانين ديناراً، فركبته، وقيل: بل كان جملها لرجل من عرينة» «2».

هذا، وكأنّ معاوية لم يجد فيه الرجل المناسب لتطبيق خططه ومآربه في الكوفة، من أجل القضاء علي الشيعة وتقوية الحزب الأُموي تمهيداً لحكومة يزيد من بعده، ويشهد بذلك إجراؤه الحدَّ علي عمر بن سعد بن أبي وقّاص- وهو من أعيان الحزب المذكور- كما روي ابن حبيب البغدادي حيث قال: «وحدّ عبدُ اللَّه بن خالد بن أُسيد عمرَ بن سعد بن أبي وقّاص، فغضب، فوفد علي معاوية فشكا إليه عبد اللَّه بن خالد وما ركبه به، وأخبره أنّه ظلمه، وسأله أن يقتصّ له منه، وأنْ يأخذ له منه حقّه.

فقال معاوية: يا بن أخي! وجدته واللَّه صلاته من بني عبد شمس.

__________________________________________________

(1) تاريخ ابن خلدون 2 ق 5/ 580- 581.

(2) إمتاع الأسماع 13/ 232.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 79

فقال عمر: يا أمير المؤمنين! بك واللَّه بدأ حين ضرب أخاك عنبسة بالطائف ثمّ لم تنتقم منه» «1».

فلهذه الأُمور وغيرها عزله عن الكوفة «2».

لكنّه- علي كلّ حالٍ- من بني أُميّة لا شبهة فيه «3»، فجعله والياً علي مكّة، قال الفاكهاني: «ومن ولاة مكّة أيضاً: عبد اللَّه بن خالد بن أُسيد في زمن معاوية» «4».

الضحّاك بن قيس … ص: 79

ثمّ كان الوالي عليها: الضحّاك بن قيس، سنة 54.

قال الواقدي: وُلد قبل وفاة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بسنةٍ أو سنتين أو سبع.

لكنّ ابن عساكر قال: له صحبة، روي عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم شيئاً يسيراً، قال: ويقال: إنّه لا صحبة له.

وقال الذهبي: عداده في صغار الصحابة، وله أحاديث.

لكن عن

مسلم بن الحجّاج أنّه شهد بدراً. فقالوا: وهو وهمٌ فظيع.

وهو الضحّاك بن قيس بن خالد الأكبر … القرشي الفهري.

شهد صفّين مع معاوية وكان علي أهل دمشق، وهم القلب.

__________________________________________________

(1) المنمّق: 398.

(2) انظر: البداية والنهاية 8/ 58.

(3) نسب قريش: 187، جمهرة أنساب العرب- لابن حزم-: 113، أُسد الغابة 3/ 117 رقم 2910، الإصابة 4/ 71 رقم 4645.

(4) أخبار مكّة 3/ 176- 177، وانظر: الزهور المقتطفة- للفاسي-: 211 ب 37.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 80

وكان علي شرطة معاوية، ثمّ ولّاه الكوفة.

وهو الذي صلّي علي معاوية وقام بخلافته حتّي قدم يزيد من حوّارين.

ثمّ إنّ له أخباراً ووقائع بعد هلاك يزيد، لا حاجة إلي ذكرها حتّي قتل سنة 64 «1».

عبد الرحمن بن أُمّ الحكم … ص: 80

ثمّ إنّ معاوية عزل الضحّاك بن قيس سنة 57، وولّي مكانه عبد الرحمن بن أُمّ الحكم، واستدعي الضحّاك إلي الشام فكان معه إلي أن مات معاوية وصلّي عليه كما تقدّم، وهذه خلاصة ترجمة عبد الرحمن المذكور، كما في تاريخ دمشق وغيره «2»:

هو: عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عثمان الثقفي، وأُمّه أُمّ الحكم بنت أبي سفيان، أُخت معاوية. روي عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم مرسلًا، وقيل: إنّ له صحبة، وصلّي خلف عثمان بن عفّان.

كان جدّه عثمان يحمل لواء المشركين يوم حنين، فقتله أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.

__________________________________________________

(1) ذكرنا ملخّص ترجمته عن: تاريخ دمشق 24/ 280- 298 رقم 2920، أُسد الغابة 2/ 431- 432 رقم 2557، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 4/ 286، سير أعلام النبلاء 3/ 241- 245 رقم 46، الإصابة 3/ 478- 480 رقم 4173.

(2) انظر: تاريخ دمشق 35/ 53- 54 رقم 3856، الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 55 رقم 1699، تاريخ الطبري 3/ 252، الكامل

في التاريخ 3/ 358، أُسد الغابة 3/ 333 رقم 3284 و ص 365 رقم 3339، البداية والنهاية 8/ 66.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 81

ولّاه معاوية علي الكوفة، ثمّ عزله عنها فولّاه مصر ثمّ الجزيرة، فكان عليها حتّي مات معاوية.

ومن أخباره ما رواه ابن عساكر:

«كان عبد الرحمن بن أُمّ الحكم ينازع يزيد بن معاوية كثيراً، فقال معاوية لأبي خداش بن عتبة بن أبي لهب: إنّ عبد الرحمن لا يزال يتعرّض ليزيد، فتعرّض له أنت حتّي تُسمع يزيد ما يجري بينكما ولك عشرة آلاف درهم.

قال: عجّلها لي! فعجّلها له، فحُملت إليه، ثمّ التقوا عند معاوية، فقال أبو خداش: يا أمير المؤمنين! أعدني علي عبد الرحمن، فإنّه قتل موليً لي بالكوفة.

فقال عبد الرحمن: يا بن بنت! ألا تسكت؟!

فقال أبو خداش لعبد الرحمن: يا بن تمدّر، يا بن البريح، يا بن أُمّ قدح!

فقال معاوية: يا أبا خداش! حسبك، يرحمك اللَّه علي دية مولاك.

فخرج أبو خداش ثمّ عاد إلي معاوية، فقال: أعطني عشرة آلاف أُخري ، وإلّا أخبرت عبد الرحمن أنّك أنت أمرتني بذلك؛ فأعطاه عشرة آلاف، وقال: فسِّر ليزيد ما قلتَ لعبد الرحمن.

قال: هنّ أُمّهات لعبد الرحمن حبشيات، وقد ذكرهنّ ابن الكاهلية الثقفي، وهو يهجو ابن عمٍّ لعبد الرحمن:

ثلاث قد ولدنك من حُبُوش إذا يسمو خدينك بالزمامِ

تمدّر والبريح وأُمّ قدح ومجلوبٌ يعدّ من آلِ حامِ»

ومنها ما رواه ابن الجوزي حين قال:

«وجرت لعبد الرحمن ابن أُمّ الحكم قصّة عجيبة، أخبرنا بها محمّد ابن ناصر الحافظ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبّار، وأخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة، قالت: أخبرنا جعفر بن أحمد السرّاج، قال: أخبرنا أبو محمّد الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر ابن حيويه، قال: حدّثنا محمّد بن خلف، قال: حدّثني محمّد

بن عبد الرحمن القرشي، قال: حدّثنا محمّد ابن عبيد، قال: حدّثنا محمّد بن خلف، قال: حدّثني محمّد بن عبد الرحمن القرشي، قال: حدّثنا محمّد بن عبيد، قال: حدّثنا أبو مخنف، عن هشام بن عروة، قال:

أذن معاوية بن أبي سفيان يوماً، فكان في مَن دخل عليه فتيً من بني عذرة، فلمّا أخذ الناس مجالسهم قام الفتي العذري بين السماطين ثمّ أنشأ يقول:

معاوي يا ذا الفضل والحكم والعقل وذا البرّ والإحسان والجود والبذلِ

أتيتك لمّا ضاق في الأرض مسلكي وأَنكرتُ ممّا قد أُصبت به عقلي

ففرّج كلاك اللَّه عنّي فإنّني لقيت الذي لم يلقه أحدٌ قبلي

وخذ لي هداك اللَّه حقّي من الذي رماني بسهم كان أهونه قتلي

وكنت أُرجّي عدله إن أتيته فأكثر تردادي مع الحبس والكبلِ

فطلّقتها من جهد ما قد أصابني فهذا أمير المؤمنين من العذلِ

فقال معاوية: ادن بارك اللَّه عليك، ما خطبك؟

فقال: أطال اللَّه بقاء أمير المؤمنين، إنّني رجل من بني عذرة، تزوّجت ابنة عمٍّ لي، وكانت لي صرمة من إبل وشويهات، فأنفقت ذلك

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 83

عليها، فلمّا أصابتني نائبة الزمان وحادثات الدهر رغب عنّي أبوها، وكانت جارية فيها الحياء والكرم، فكرهت مخالفة أبيها، فأتيت عاملك ابن أُمّ الحكم فذكرت ذلك له، وبلغه جمالها، فأعطي أباها عشرة آلاف درهم وتزوّجها، وأخذني فحبسني وضيّق علَيَّ، فلمّا أصابني مسّ الحديد وألم العذاب طلّقتها، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين وأنت غياث المحروب وسند المسلوب، فهل من فرج؟

ثمّ بكي وقال في بكائه:

في القلب منّي نار والنار فيها شرار

والجسم منّي نحيل واللون فيه اصفرارُ

والعين تبكي بشجو ودمعها مدرار

والحبُّ داء عسير فيه الطبيب يحارُ

حملت منه عظيماً فما عليه اصطبار

فليس ليلي بليل ولا نهاري نهارُ

فرقّ له معاوية، وكتب له إلي ابن أُمّ الحكم

كتاباً غليظاً، وكتب في آخره يقول:

ركبتَ أمراً عظيماً لستُ أعرفه أستغفرُ اللَّه من جور امرئٍ زانِ

قد كنتَ تشبه صوفيّاً له كتب من الفرائض أو آثار فرقانِ

حتّي أتاني الفتي العذري منتحباً يشكو إليّ بحقٍّ غير بهتانِ

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 84

أعطي الإله عهوداً لا أجيش بها أو لا فبرِّئت من دين وإيمانِ

إن أنت راجعتني في ما كتبتُ به لأجعلنَّك لحماً عند عقبانِ

طلّق سعاد وفارقها بمجتمع وأشهِد علي ذاك نصراً وابنَ ظبيانِ

فما سمعت كما بلّغت من عجب ولا فِعالك حقّاً فِعل إنسانِ

فلمّا ورد كتاب معاوية علي ابن أُمّ الحكم تنفّس الصعداء وقال:

وددت أنّ أمير المؤمنين خلّي بيني وبينها سنة ثمّ عرضني علي السيف!

وجعل يؤامر نفسه في طلاقها فلا يقدر، فلمّا أزعجه الوفد طلّقها، ثمّ قال: يا سعاد، اخرجي.

فخرجت شكلة غنجة، ذات هيئة وجمال، فلمّا رآها الوفد قالوا: ما تصلح هذه إلّالأمير المؤمنين لا لأعرابي.

وكتب جواب كتابه يقول:

لا تحنثنَّ أميرَ المؤمنين فقد أوفي بعهدك في رفق وإحسانِ

وما ركبتُ حراماً حيث أعجبني فكيف سُمّيت باسم الخائن الزاني

وسوف يأتيك شمس لا خفاء بها أبهي البريّة من إنس ومن جانِ

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 85

حوراء يقصر عنها الوصف إنْ وُصفت أقول ذلك في سرٍّ وإعلانِ

فلمّا ورد الكتاب علي معاوية، قال: إن كانت أعطيت حسن النعمة علي هذه الصفة فهي أكمل البرية؛ فاستنطقها، فإذا هي أحسن الناس كلاماً وأكملهم شكلًا ودلّاً، فقال: يا أعرابي! فهل من سلو عنها بأفضل الرغبة؟

قال: نعم، إذا فرّقت بين رأسي وجسدي! ثمّ أنشأ يقول:

لا تجعلنّي والأمثال تضرب بي كالمستغيث من الرمضاء بالنارِ

أُردد سعاد علي حيران مكتئب يمسي ويصبح في همٍّ وتذكارِ

قد شفّه قلق ما مثله قلق وأسعر القلب منه أيّ إسعارِ

واللَّه واللَّه لا أنسي محبّتها حتّي أُغيّب

في رمس وأحجارِ

كيف السلوّ وقد هام الفؤاد بها وأصبح القلب عنها غير صبّارِ

قال: فغضب معاوية غضباً شديداً، ثمّ قال لها: اختاري! إن شئت أنا، وإن شئت ابن أُمّ الحكم، وإن شئت الأعرابي.

فأنشأت سعاد وارتجزت تقول:

هذا وإن أصبح في الخمار وكان في نقص من اليسارِ

أكثر عندي من أبي وجاري وصاحب الدرهم والدينارِ

أخشي إذا غدرت حرّ النارِ

فقال معاوية: خذها لا بارك اللَّه لك فيها.

فارتجز الأعرابي يقول:

خلّوا عن الطريق للأعرابي ألم ترقّوا- وَيْحَكُمْ- لِما بي؟!

قال: فضحك معاوية وأمر له بعشرة آلاف درهم وناقة ووطاء. وأمر

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 86

بها فأُدخلت في بعض قصوره حتّي انقضت عدّتها من ابن أُمّ الحكم، ثمّ أمر بدفعها إلي الأعرابي» «1».

قال ابن عساكر:

«قَتل عبدُ الرحمن بن أُمّ الحكم ابنَ صلوبا، فجاء الشيخ صلوبا فدخل المسجد آخذاً بلحية بيضاء، قال: فقال: يا معشر المسلمين! علي ما قُتل ابني؟! علي هذا صالحتُ عمر بن الخطّاب؛ قال: فقال الناس: ذمّتكم ذمّتكم! فاجتمع الناس، وجاء جرير، قال: فجاء عبدَ الرحمن ناسٌ فقالوا له: إنّا نخاف عليك، فأغلق باب المقصورة.

أخْبَرَنا أبو القاسم بن الحُصَين، أنا الحسن بن عيسي بن المقتدر، أنا أبو العبّاس أحمد بن منصور اليشكري، أنا أبو عبد اللَّه الصولي، نا الحارث ابن أبي أُسامة، نا علي بن محمّد بن سيف، قال:

لمّا اشتدّ بلاء عبد الرحمن بن أُمّ الحكم علي أهل الكوفة، قال عبد اللَّه بن همّام السَّلُولي شعراً، وكتبه في رقاع، وطرحها في مسجد الجامع:

أَلَا أبلغْ معاويةَ بن صخرٍ فقد خرب السوادُ ولا سوادا

أري العمّال أفتتنا علينا بعاجلِ نفعهم ظلموا العبادا

فهل لك أن تُدَارَك ما لدينا وتدفعَ عن رعيّتك الفسادا

وتعزل تابعاً أبداً هواه يخرّبُ مِن بَلادته البِلادا

إذا ما قلتُ: أقصر عن مداه تمادي في

ضلالته وزَادا

فبلغ الشعر معاوية فعزله» «1».

وذكر ابن عساكر وابن الأثير بترجمته، وكذا المؤرّخون- كالطبري وابن الجوزي وابن الأثير- في حوادث السنة 58، أنّ عبد الرحمن أساء السيرة في أهل الكوفة فطردوه، قالوا:

«استعمل معاوية ابن أُمّ الحكم علي الكوفة، فأساء السيرة فيهم، فطردوه، فلحق بمعاوية وهو خاله، فقال له: أُولّيك خيراً منها مصر؛ فولّاه، فتوجّه إليها وبلغ معاوية بن حُدَيج السَّكُوني الخبر، فخرج فاستقبله علي مرحلتين من مصر، فقال: ارجع إلي خالك، فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة.

قال: فرجع معاوية، وأقبل معاوية بن حُدَيج وافداً، وكان إذا جاء قُلِّستْ «2» له الطريق- يعني ضُربت له قباب الريحان-، قال: فدخل علي معاوية وعنده أُمّ الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟

قال: بَخٍ، هذا معاوية بن حُدَيج.

قالت: لا مرحباً به، تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه «3».

فقال: علي رِسْلك يا أُمّ الحكم، أمَا واللَّه لقد تزوّجتِ فما أكرمتِ،

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 35/ 51- 52.

(2) التقليس: استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو، كالضرب بالدفّ والغناء؛ انظر: لسان العرب 11/ 278 مادّة «قلس».

وضرب قباب الريحان ضرب من ضروب الاستقبال.

(3) مثلٌ يُضرب لمن خبره خير من مرآه، أوّل من قاله المنذر ابن ماء السماء، وقيل: النعمان بن المنذر.

انظر: جمهرة الأمثال- للعسكري- 1/ 226، مجمع الأمثال- للميداني- 1/ 227 رقم 655.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 88

وولدتِ فما أنجبتِ، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا، فيسيرُ فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة، ما كان اللَّه ليري ذلك، ولو فعل لضربناه ضرباً يصامي منه، وإن كان ذاك الجالس.

فالتفت إليها معاوية فقال: كُفّي» «1».

النعمان بن بشير الأنصاري … ص: 88

وهو: النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي الأنصاري.

من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

كان

النعمان بن بشير منقطعاً إلي معاوية، وولّاه الكوفة، فكان عليها حتّي مات معاوية، وأقرّه يزيد حتّي خرج الإمام الحسين عليه السلام من مكّة متوجّهاً نحو الكوفة، فعزله بعبيد اللَّه بن زياد، وأمّر يزيدُ النعمانَ علي حمص، فكان عليها إلي ما بعد موت يزيد، ثمّ قتل هناك في سنة أربع أو خمس وستّين «2».

وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، أنّه أتي بيت المقدّس يريد الصلاة فيه، فجلس إلي رجلٍ قد اجتمع الناس عليه، فقال: من الرجل؟

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 35/ 52- 53، تاريخ الطبري 3/ 252- 253، المنتظم 4/ 110- 111، الكامل في التاريخ 3/ 358- 359، البداية والنهاية 8/ 66- 67.

(2) انظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 122 رقم 1930، التاريخ الكبير 8/ 75 رقم 2222، الجرح والتعديل 8/ 444 رقم 2033، تاريخ دمشق 62/ 111 رقم 7897، أُسد الغابة 4/ 550 رقم 5230، تهذيب الكمال 19/ 100 رقم 7032، الإصابة 6/ 440 رقم 8734.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 89

فقلت: رجل من أهل حمص.

قال: كيف وجدتم إمارة النعمان بن بشير؟

فذكرت خيراً.

قال: إذا أتيته فأقرئه منّي السلام وقل له: إنّ فضالة بن عبيد يقول لك: قوله لك وقولك له.

فقلت: واللَّه ما أدري ما هذا؟!

قال: إنّي سأبيّنه لك؛ لقيته بالمدينة وهو معنيٌّ بالجهاد فقلت: أين تريد؟

فقال: إنّي ابتعت نفسي من اللَّه، إنّي أُجاهد أو أُهاجر إلي الشام ولا أزال فيها حتّي يدركني الموت.

قال: فقلت له: لقد أفلحت إذاً؛ ولكنّي أري فيك غير هذا.

قال: فقال لي: ما رأيت فيَّ؟

فقلت: كأنّي بك أتيت الشام، أتيت معاوية فدخلت عليه فانتسبت له، فقلت: أنا النعمان بن بشير بن سعد، وخالي عبد اللَّه بن رواحة.

فتقول له أُقاويل وتحدّثه بالخرافات، فيستعملك

علي مدينةٍ إمّا أن تهلكهم وإمّا أن يهلكوك «1».

هذا مجمل التعريف بالرجل، وسيأتي مزيد الكلام عليه في محلّه.

***

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 62/ 125، تهذيب الكمال 19/ 100- 101 رقم 7032.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 91

الفصل الثاني: تصفية الشيعة في الكوفة … ص: 91

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 93

أدوار الولاة … ص: 93

وقد كان لكلّ واحدٍ من هؤلاء دور في تنفيذ مخطّطات معاوية والتمهيد لوصوله إلي مآربه … فقام كلّ واحدٍ بالإجراءات اللازمة وتطبيق التعليمات المعيّنة …

أمّا المغيرة، فقد احتملنا قويّاً أنّ اقتراحه علي معاوية بالعهد ليزيد كان بالتنسيق مع معاوية …

وأمّا النعمان بن بشير، فتأتي الإشارة إلي الدور الذي قام به في سبيل القضاء علي سيدنا مسلم بن عقيل وأصحابه … في الباب الثاني.

والكلام الآن علي دور زياد بن أبيه وأفعاله، ومن أهمّها القضاء علي رجالات الشيعة في الكوفة، حتّي لا تبقي معارضة قوية لولاية يزيد، ولا يبقي أنصار للإمام الحسين الشهيد.

دور زياد في القضاء علي رجالات الشيعة … ص: 93
اشارة

فكم من شخصيّة شيعية بارزة ومن رؤساء القبائل العربية في الكوفة، استشهد علي يد زياد، أو سجن، أو شُرّد في البلاد! وكم قطع الأيدي والأرجل وسمل الأعين!

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 94

قتل حُجر بن عديّ الكندي … ص: 94

ولعلّ من أهمّ وأقدم إجراءات زياد في الكوفة: قتله حجراً وعمرَو بن الحَمِق.

أمّا حُجر بن عديّ، فهو من أجلّاء أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، بل لقد وصفه بعضهم بقوله: «هو راهب أصحاب محمّد» «1».

ترجم له كبار المؤرّخين والرجاليّين:

قال ابن عبد البرّ: «كان من فضلاء الصحابة، وصغر سنّه عن كبارهم، وكان علي كندة يوم صِفّين، وكان علي الميسرة يوم النهروان» «2».

وقال ابن حجر: «شهد القادسية، وإنّه شهد بعد ذلك الجمل وصِفّين، وصحب عليّاً فكان من شيعته، وقُتل بمرج عذراء «3» بأمر معاوية» «4».

وقال ابن الأثير: «كان من فضلاء الصحابة، وكان علي كندة بصِفّين، وعلي الميسرة يوم النهروان، وشهد الجمل أيضاً مع عليٍّ، وكان من أعيان

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 531 كتاب معرفة الصحابة.

(2) الاستيعاب 1/ 329 رقم 487.

(3) مرج عذراء: من قري غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها، وتبعد عنهاخمسة عشر ميلًا تقريباً، وبها قبر حجر بن عديّ وأصحابه في مسجدها، ولا تزال إلي يومنا هذا، وأخطأ من زعم أنّه دُفن مع أصحابه بمسجد السادات الموجود في حيّ مسجد الأقصاب.

انظر: معجم ما استعجم 3/ 926- 927، معجم البلدان 4/ 103 رقم 8251، مراصد الاطّلاع 2/ 925.

(4) الإصابة 2/ 37 رقم 1631.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 95

أصحابه» «1».

وقال ابن كثير: «وفد إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم …

وكان هذا الرجل من عبّاد الناس وزهّادهم، وكان بارّاً بأُمّه، وكان كثير الصلاة والصيام … ما أحدث قطّ إلّاتوضّأ، ولا توضّأ إلّاصلّي

ركعتين» «2».

وقال الذهبي: «كان شريفاً، أميراً مطاعاً، أمّاراً بالمعروف، مقدِماً علي الإنكار، من شيعة عليٍّ رضي اللَّه عنهما، شهد صِفّين أميراً، وكان ذا صلاحٍ وتعبُّد» «3».

قال أحمد بن حنبل: «قلت ليحيي بن سليمان: أَبلَغك أنّ حُجراً كان مستجاب الدعوة؟ قال: نعم، وكان من أفاضل أصحاب النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم» «4».

وقال ابن سعد: «كان ثقة معروفاً، ولم يرو عن غير عليٍّ شيئاً» «5».

قال الحاكم: «قُتل في موالاة عليّ» «6».

وقد ذُكرت كيفيّة قتله في مختلف الكتب بالتفصيل «7».

وكان زياد قد ألقي القبض علي أربعة عشر رجلًا من أصحاب حُجر

__________________________________________________

(1) أُسد الغابة 1/ 461 رقم 1093.

(2) البداية والنهاية 8/ 41 حوادث سنة 51 ه.

(3) سير أعلام النبلاء 3/ 463 رقم 95.

(4) الاستيعاب 1/ 331.

(5) الطبقات الكبري 6/ 244 رقم 2212.

(6) المستدرك علي الصحيحين 3/ 534 ح 5983.

(7) انظر مثلًا: تاريخ الطبري 3/ 218- 233، الأغاني 17/ 137- 159، الكامل في التاريخ 3/ 326- 338، البداية والنهاية 8/ 40- 45.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 96

وأرسلهم معه إلي الشام، فَقَتَل معاوية منهم خمسة مع حُجر، وهم: شريك ابن شدّاد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي ثمّ المنقري، وكدام بن حيان العنزي.

وبعث معاوية عبد الرحمن بن حسّان العنزي إلي زياد، فدفنه بالكوفة حيّاً.

وأمّا السبعة الآخرون وهم: عبد اللَّه بن حوية التميمي، وسعيد بن نمران الهمداني، وكريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، والأرقم بن عبد اللَّه الكندي، وعتبة بن الأخنس، فقد شفع فيهم بعض الشخصيات عند معاوية فأطلقهم «1».

وبما أنّ حُجراً كان من الصحابة الأجلّاء، فقد احتاجوا لإلقاء القبض عليه وقتله إلي إقامة الشهادة علي إبائه من

البراءة من أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، هذا الجرم الكبير الذي يُستحقُّ به القتل!! فكان من الشهود جمع كبير من الصحابة وأبناء الصحابة وسائر الشخصيات من الحزب الأُموي والخوارج، منهم:

عمرو بن حريث

خالد بن عرفطة

أبو بردة بن أبي موسي الأشعري

قيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة

إسحاق بن طلحة بن عبيد اللَّه

موسي بن طلحة بن عبيد اللَّه

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 8/ 27.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 97

إسماعيل بن طلحة بن عبيد اللَّه

المنذر بن الزبير بن العوّام

عمر بن سعد بن أبي وقّاص

عمارة بن عقبة بن أبي معيط

شبث بن ربعي

القعقاع بن شور الذهلي

حجّار بن أبجر العجلي

عمرو بن الحجّاج الزبيدي

شمر بن ذي الجوشن

زحر بن قيس

كثير بن شهاب

عامر بن مسعود بن أُميّة بن خلف

محرز بن جارية بن ربيعة بن عبد العزّي بن عبد شمس

عبيد اللَّه بن مسلم بن شعبة الحضرمي

عناق بن شرحبيل بن أبي دهم

وائل بن حجر الحضرمي

مصقلة بن هبيرة الشيباني

قطن بن عبد اللَّه بن حصين الحارثي

السائب بن الأقرع الثقفي

لبيد بن عطارد التميمي

محضر بن ثعلبة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 98

عبد الرحمن بن قيس الأسدي

عزرة بن عزرة الأحمسي «1».

وكان وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب الحارثي علي رأس الجماعة الّذين أخذوا حُجراً وأصحابه إلي معاوية.

وإنّما ذكرنا أسماء الشهود لنقاطٍ:

1- ليُعلم أنّ الصحابي أو التابعي قد يشهد شهادة زورٍ ويشترك في قتل النفس المحترمة!

2- ولأنّ جماعةً كبيرةً من هؤلاء تجد أسماءهم في قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، وفي من حضر واقعة كربلاء لقتل سبط رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم سيّد الشهداء.

3- وهم من رجال الصحاح الستّة عند أهل السُنّة الموثوقين المعتمدين، فاعرف قيمة كتبهم وعمّن يأخذون أحكامهم!!

هذا، وقد كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قد أخبر

عن هذه الواقعة كما في رواية ابن عساكر: «عن أبي الأسود، قال: دخل معاوية علي عائشة فقالت: ما حملك علي قتل حُجر وأصحابه؟ فقال: يا أُمّ المؤمنين! إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمّة، وأنّ بقاءَهم فسادٌ للأُمّة.

فقالت: سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: سيُقتل بعذراء ناس يغضب اللَّهُ لهم وأهلُ السماء» «2».

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ الطبري 3/ 220- 231، الكامل في التاريخ 3/ 326- 338، البداية والنهاية 8/ 40- 45.

(2) تاريخ دمشق 12/ 226، وانظر: بغية الطلب 5/ 2129، كنز العمّال 11/ 126 ح 30887، الجامع الصغير: 293 ح 4765.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 99

وأخبر بذلك أمير المؤمنين، فقد روي ابن عساكر: «عن ابن زرير الغافقي، عن عليّ بن أبي طالب، قال: يا أهل الكوفة! سيُقتل فيكم سبعة نفر من خياركم، مثلهم كمثل أصحاب الأُخدود» «1».

ومن العجب قوله لعائشة: «إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمّة … » حتّي إذا أوشك علي الموت قال: «يومي منك يا حُجر طويل» «2»، وفي روايةٍ أُخري قال: «ما قتلت أحداً إلّاوأنا أعرف فيمَ قتلته وما أردت به، ما خلا حُجر بن عديّ، فإنّي لا أعرف فيما قتلته؟!» «3».

وأيضاً، فقد روي أنّه لمّا قالت له عائشة: «يا معاوية، أما خشيت اللَّه في قتل حُجر وأصحابه؟» قال: «لستُ أنا قتلتهم، إنّما قتلهم من شهد عليهم» «4».

وأوصي حُجر بأنْ يدفنوه بثيابه ودمائه قائلًا: «لا تغسلوا عنّي دماً، ولا تطلقوا عنّي حديداً، وادفنوني في ثيابي، فإنّي ألتقي أنا ومعاوية علي الجادّة غداً» «5».

قتل عمرو بن الحَمِق … ص: 99

وأمّا عمرو بن الحَمِق الخزاعي.. فمن مشاهير الصحابة أيضاً …

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 12/ 227.

(2) انظر: تاريخ الطبري 3/ 220، الكامل في التاريخ 3/ 338.

(3) تاريخ دمشق 12/ 231، بغية الطلب

5/ 2127.

(4) تاريخ الطبري 3/ 232، الاستيعاب 1/ 331.

(5) مصنّف ابن أبي شيبة 3/ 139 ب 29 ح 2، المستدرك علي الصحيحين 3/ 533 ح 5979.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 100

ترجم له كبار المؤرّخين وعلماء الرجال:

قال ابن عبد البرّ: «صحب النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وحفظ عنه أحاديث» «1».

وقد اتّفقوا علي أنّه كان من شيعة أمير المؤمنين، وشهد معه حروبه.

روي ابن عساكر: «لمّا قدم زياد الكوفة أتاه عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال: إنّ عمرو بن الحَمِق يجتمع إليه من شيعة أبي تراب.

فقال له عمرو بن حريث: ما يدعوك إلي رفع ما لا تيقّنه ولا تدري ما عاقبته؟!

فقال زياد: كلاكما لم يصب، أنت حيث تكلّمني في هذا علانيةً، وعمرو حين يردّك عن كلامك، قوما إلي عمرو بن الحَمِق فقولا له: ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك؟! من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد» «2».

واتّفقوا أيضاً علي أنّه لمّا قبض زياد علي حُجر بن عديّ، هرب إلي الموصل واختفي هناك.

ثمّ حاول بعضهم التكتّم علي واقع الأمر، فزعم أنّه «نهشته حيّة فمات» «3» …

لكنّهم عادوا فاتّفقوا علي أنّه قد بُعث برأسه إلي معاوية، فكان أوّل رأس أُهدي في الإسلام «4»، ومنهم من صرَّح بأنّ زياداً هو الذي بعث به

__________________________________________________

(1) الاستيعاب 3/ 1173- 1174 رقم 1909.

(2) تاريخ دمشق 45/ 498، وانظر: الكامل في التاريخ 3/ 318.

(3) الإصابة 4/ 624 رقم 5822.

(4) الثقات 3/ 275، تاريخ دمشق 45/ 496، أُسد الغابة 3/ 715 رقم 3906.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 101

إليه «1» …

ولكنِ انظر إلي كلام علماء السوء المدافعين عن الظالمين، الشركاء لهم في ظلمهم، يقول ابن عساكر: «كان أوّل رأس أُهدي في الإسلام رأس عمرو بن الحَمِق،

أصابته لدغة فتوفّي، فخافت الرسل أن يُتّهموا به فقطعوا رأسه فحملوه إلي معاوية» «2».

لكنّ الحقيقة تنكشف وتجري علي ألسنتهم:

فقال ابن حجر: «قال خليفة: قُتل سنة إحدي وخمسين، وأنّ عبد الرحمن بن عثمان الثقفي قتله بالموصل وبعث برأسه» «3».

وقال الطبري: « … وزياد ليس له عمل إلّاطلب رؤساء أصحاب حُجر، فخرج عمرو بن الحَمِق ورفاعة بن شدّاد حتّي نزلا المدائن، ثمّ ارتحلا حتّي أتيا أرض الموصل، فأتيا جبلًا فكمنا فيه، وبلغ عامل ذلك الرستاق أنّ رجلين قد كمنا في جانب الجبل، فاستنكر شأنهما وهو رجل من همدان يقال له: عبد اللَّه بن أبي بلتعة، فسار إليهما في الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد، فلمّا انتهي إليهما خرجا، فأمّا عمرو بن الحَمِق فكان مريضاً وكان بطنه قد سقي، فلم يكن عنده امتناع، وأمّا رفاعة بن شدّاد- وكان شابّاً قوياً- فوثب علي فرس له جواد فقال له: أُقاتل عنك؟ قال:

وما ينفعني أن تقاتل؟ أنْجُ بنفسك إن استطعت؛ فحمل عليهم فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه وخرجت الخيل في طلبه وكان رامياً، فأخذ لا يلحقه

__________________________________________________

(1) الإصابة 4/ 624 رقم 5822.

(2) تاريخ دمشق 45/ 496.

(3) الإصابة 4/ 624 رقم 5822، وانظر: الطبقات- لابن خيّاط-: 180 رقم 663، تاريخ خليفة بن خيّاط: 159 حوادث سنة 50 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 102

فارس إلّارماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه!

وأُخذ عمرو بن الحَمِق، فسألوه من أنت؟ فقال: مَن إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضرَّ لكم! فسألوه فأبي أن يخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة إلي عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عثمان الثقفي، فلمّا رأي عمرو بن الحَمِق عرفه وكتب إلي معاوية بخبره، فكتب إليه معاوية أنّه

زعم أنّه طعن عثمان بن عفّان تسع طعنات بمشاقص كانت معه، وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان! فأُخرج فطعن تسع طعنات، فمات في الأُولي منهنّ أو الثانية» «1».

لكنّ أبا داود يروي- مرسلًا- عن الزهري- وهو شرطي بني أُميّة- أنّه أراد التكتّم أيضاً بنفي حمل رأسه إلي الشام «2»!

لكنّ الطبراني قد أخرج في «المعجم الأوسط» الخبر التالي:

« … أنّه سمع عمرو بن الحَمِق يقول: بعث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بسرية فقالوا: يا رسول اللَّه! إنّك تبعثنا وليس لنا زاد ولا لنا طعام، ولا علم لنا بالطريق!

فقال: إنّكم ستمرُّون برجل صبيح الوجه، يطعمكم من الطعام ويسقيكم من الشراب، ويدلّكم علي الطريق، وهو من أهل الجنّة!

فلمّا نزل القوم علَيَّ جعل بعضهم يشير إلي بعض وينظرون إليَّ فقلت: ما بكم يشير بعضكم إلي بعض وتنظرون إليَّ؟!

فقالوا: أبشر ببشري من اللَّه ورسوله، فإنّا نعرف فيك نعت رسول اللَّه

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 224.

(2) سبل الهدي والرشاد 4/ 87 للحافظ الصالحي الدمشقي، ونصّ علي أنّه في كتاب المراسيل.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 103

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

فأخبروني بما قال لهم! فأطعمتهم وسقيتهم وزوّدتهم، وخرجت معهم حتّي دللتهم علي الطريق، ثمّ رجعت إلي أهلي، وأوصيتهم بإبلي، ثمّ خرجت إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فقلت: ما الذي تدعو إليه؟

فقال: أدعو إلي شهادة أن لا إله إلّااللَّه، وأنّي رسول اللَّه، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان.

فقلت: إذا أجبناك إلي هذا فنحن آمنون علي أهلنا ودمائنا وأموالنا؟

قال: نعم.

فأسلمت ورجعت إلي قومي فأخبرتهم بإسلامي، فأسلم علي يدي بشر كثير منهم، ثمّ هاجرت إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فبينا أنا عنده

ذات يوم فقال لي: يا عمرو! هل لك أن أُريك آية الجنّة يأكل الطعام ويشرب الشراب ويمشي في الأسواق؟

قلت: بلي بأبي أنت.

قال: هذا وقومه آية الجنّة؛ وأشار إلي عليّ بن أبي طالب.

وقال: يا عمرو! هل لك أن أُريك آية النار، يأكل الطعام ويشرب الشراب ويمشي في الأسواق؟

قلت: بلي يا رسول اللَّه بأبي أنت.

قال: هذا وقومه آية النار؛ وأشار إلي رجل.

فلمّا وقعت الفتنة ذكرت قول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ففررت من آية النار إلي آية الجنّة، وتري بني أُميّة قاتليَّ بعد هذا؟!

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 104

قلت: اللَّه ورسوله أعلم.

قال: واللَّه لو كنت في جُحْرٍ في جوف جُحْرٍ لاستخرجني بنو أُميّة حتّي يقتلوني! حدّثني به حبيبي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنّ رأسي أوّل رأس تحتزّ في الإسلام وتنقل من بلد إلي بلد» «1».

وفي هذا الخبر فوائد عديدة، لا تخفي علي الباحثين.

وقال ابن كثير: «فقطع رأسه فبعث به إلي معاوية، فطيف به في الشام وغيرها، فكان أوّل رأس طيف به. ثمّ بعث معاوية برأسه إلي زوجته … » «2».

سجن زوجة عمرو ونفيها إلي حمص … ص: 104

لقد كانت زوجة عمرو بن الحَمِق في سجن معاوية بالشام، قال ابن كثير بعد العبارة السابقة: «ثمّ بعث معاوية برأسه إلي زوجته آمنة بنت الشريد وكانت في سجنه، فأُلقي في حجرها، فوضعت كفّها علي جبينه ولثمت فمه وقالت: غيّبتموه عنّي طويلًا ثمّ أهديتموه إليّ قتيلًا، فأهلًا بها من هدية غير قالية ولا مقلية» «3».

وترجم لها ابن عساكر فأورد الخبر المذكور، ثمّ روي خبراً آخر «4».

__________________________________________________

(1) المعجم الأوسط 4/ 417- 418 ح 4081، وانظر: مجمع الزوائد 1/ 29 و ج 9/ 407- 408.

(2) البداية والنهاية 8/ 39.

(3) البداية والنهاية 8/ 39، وانظر: أُسد

الغابة 3/ 715 رقم 3906.

(4) انظر: تاريخ دمشق 69/ 40- 41 رقم 9301.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 105

قتل رشيد الهجري … ص: 105

وقتل زيادُ بن أبيه في الكوفة رشيداً الهجري …

وقد ذكره علماء رجال الحديث في كتبهم وجرحوه، وقد جمع ابن حجر كلماتهم فيه في كتاب «تعجيل المنفعة» حيث قال: «رشيد الهجري:

كوفي، روي عن أبيه، روي عن سيف بيّاع السابري.

قال الدوري، عن ابن معين: ليس يساوي حديثه شيئاً.

وقال البخاري: يتكلّمون فيه.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وقال الجوزجاني: كذّاب.

وقال ابن حبّان: كان يؤمن بالرجعة. وأسند عن الشعبي أنّه قال: زعم لي أنّه دخل علي عليٍّ بعدما مات، فأخبره بأشياء ستكون. قال: فقلت له:

إنْ كنتَ كاذباً فعليك لعنة اللَّه» «1».

فهذه كلماتهم فيه.

وقد نصّوا علي أنّ زياداً بعث إلي رشيد، فقطع لسانه وصلبه علي باب دار عمرو بن حريث «2».

__________________________________________________

(1) تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمّة الأربعة: 160 رقم 318.

وانظر: تاريخ يحيي بن معين 1/ 260 رقم 1715، التاريخ الكبير- للبخاري- 3/ 334 رقم 1132، الضعفاء والمتروكين- للنسائي-: 106 رقم 210، أحوال الرجال- للجوزجاني-: 47 رقم 17، المجروحين- لابن حبّان- 1/ 294، الجرح والتعديل- لابن أبي حاتم- 3/ 507 رقم 2298.

(2) الأنساب- للسمعاني- 5/ 627 «الهجري»، تاريخ دمشق 19/ 200، ميزان الاعتدال 3/ 79- 80 رقم 2787، لسان الميزان 2/ 461 رقم 1859.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 106

وأمّا الخبر الذي رووه عن الشعبي، فقد اختلف لفظه عندهم زيادةً ونقيصة وغير ذلك، ممّا يظن معه كونها مجعولةً، ولا سيّما وأنّ الراوي هو الشعبي..

ففي رواية ابن عساكر، بسنده عن يحيي بن أبي زائدة، عن مجالد، قال: «قيل لعامر «1»: لِمَ تقول لأصحاب عليٍّ ما تقول وإنّما تعلّمت منهم؟!

قال: من أيّهم؟!

قيل: من الحارث الأعور، وصعصعة بن صوحان، ورشيد

الهجري.

فقال: أمّا الحارث، فكان رجلًا حاسباً كنت أتعلّم منه الحساب.

وأمّا صعصعة بن صوحان، فكان رجلًا خطيباً كنت أتعلّم منه الخطب، واللَّه ما أفتي فينا بفتيا قطّ.

وأمّا رشيد الهجري، فإن صاحباً لي قال: انطلق بنا إلي رشيد؛ فأتيناه فدخلنا عليه، فنظر إلي صاحبي- وكان يعرفه- فقال بيده هكذا، فحرّكها، فقال له صاحبي هكذا، وعقد مجالد بيده ثلاثين.

فقلنا: حدّثنا يرحمك اللَّه.

قال: نعم، أتينا حسين بن عليّ بعدما قُتل عليٌّ فقلنا: استأذن لنا علي أمير المؤمنين وسيّد المؤمنين.

قال: ذاك قد قتل.

قلت: إنّه ما قتل، وإنّه الآن ليعرف من الديار النصل ويتنفّس بنفس الحيّ.

قال: فضحك حسين وقال: أمَا إذ علمتم هذا فادخلوا عليه

__________________________________________________

(1) وهو الشعبي.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 107

ولا تهيّجوه.

قال عامر: فما الذي أتعلّم من هذا أو من هؤلاء؟!» «1».

لكنْ في «ميزان الاعتدال»، عن «زكريّا بن أبي زائدة، قال: قلت للشعبي: ما لك تعيب أصحاب عليٍّ وإنّما علمك منهم؟! … وأمّا رشيد الهجري فإنّي أُخبركم عنه، إنّي قال لي رجل: اذهب بنا إليه؛ فذهبنا، فلمّا رآني قال للرجل هكذا وعقد ثلاثين، يقول: كأنّه منّا.

ثمّ قال: أتينا الحسن بعد موت عليّ فقلنا: أدخلنا علي أمير المؤمنين.

قال: إنّه قد مات.

قلنا: لا، ولكنّه حيّ يعرف الآن من تحت الآثار.

قال: إذ عرفتم هذا فادخلوا عليه ولا تهيّجوه» «2».

وفي رواية ابن حجر: «قال ابن حبّان: قال الشعبي: دخلت عليه فقال: خرجت حاجّاً فقلت: لأعهدنّ بأمير المؤمنين؛ فأتيت بيت عليٍّ فقلت لإنسانٍ: استأذن لي علي أمير المؤمنين.

قال: أَوَليس قد مات؟!

قلت: قد مات فيكم، واللَّه إنّه ليتنفّس الآن بنفس الحيّ.

قال: أمَا إذا عرفت سرّ آل محمّد فادخل.

فدخلت علي أمير المؤمنين وأنبأني بأشياء تكون.

فقال له الشعبي: إن كنتَ كاذباً فلعنك اللَّه.

فبلغ الخبر زياداً، فبعث إلي رشيد

الهجري، فقطع لسانه وصلبه علي

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 24/ 100.

(2) ميزان الاعتدال 3/ 79 رقم 2787.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 108

باب دار عمرو بن حريث» «1».

فقارن بين الروايات في السند والمتن، وحتّي بين رواية ابن حجر عن ابن حبّان في «تعجيل المنفعة»، وروايته في «لسان الميزان» عنه!

وأمّا أن يكون هذا هو السبب في قتله كما هو ظاهر كلامهم: «فبلغ الخبر زياداً … » فهذا كذب آخر، فإنّ زياداً لمّا أحضر رشيداً أمره بالبراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فلم يفعل، فسأله عمّا أخبره به أمير المؤمنين عليه السلام من كيفية قتله، فلمّا أخبره بذلك أمر بأن يقتل كذلك … وهذه روايات أصحابنا:

قال الكشّي: «حدّثني أبو أحمد- ونسخت من خطّه-، حدّثني محمّد بن عبد اللَّه بن مهران، قال: حدّثني محمّد بن عليّ الصيرفي، عن عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه الحنّاط، عن وهيب بن حفص الجريري، عن أبي حيّان البجلي، عن قنواء بنت رشيد الهجري، قال: قلت لها: أخبريني ما سمعت من أبيك؟

قالت: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

يا رشيد! كيف صبرك إذا أرسل إليك دعيّ بني أُميّة، فقطع يديك ورجليك ولسانك؟

قلت: يا أمير المؤمنين! آخر ذلك إلي الجنّة؟

فقال: يا رشيد! أنت معي في الدنيا والآخرة.

قالت: فواللَّه ما ذهبت الأيّام حتّي أرسل إليه عبيد اللَّه بن زياد الدعيّ، فدعاه إلي البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فأبي أن يبرأ منه؛ فقال له

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 2/ 461 رقم 1859.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 109

الدعيّ: فبأيّ ميتة قال لك تموت؟

فقال له: أخبرني خليلي أنّك تدعوني إلي البراءة فلا أبرأ منه، فتقدّمني فتقطع يديّ ورجليّ ولساني.

فقال: واللَّه! لأُكذّبنّ قوله فيك.

فقدّموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملتُ أطرافه

يديه ورجليه؛ فقلت: يا أبه! هل تجد ألماً لِما أصابك؟

فقال: لا يا بنيّة! إلّاكالزحام بين الناس.

فلمّا احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله، فقال: إيتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلي يوم الساعة!!

فأرسل إليه الحجّام حتّي يقطع لسانه، فمات رحمة اللَّه عليه في ليلته.

قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسمّيه «رشيد البلايا»، وكان قد ألقي إليه علم البلايا والمنايا، فكان في حياته إذا لقي الرجل قال له: فلان أنت تموت بميتة كذا! وتُقتل أنت يا فلان بقتلة كذا! فيكون كما يقول رشيد.

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنت رشيد البلايا؛ أي تقتل بهذه القتلة، فكان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام» «1».

وعن «جبرئيل بن أحمد، عن محمّد بن عبد اللَّه بن مهران، عن أحمد بن النضر، عن عبد اللَّه بن يزيد الأسدي، عن فضيل بن الزبير، قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام يوماً إلي بستان البرني ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة، ثمّ أمر بنخلة فلقطت فأُنزل منها رطب، فوضع بين

__________________________________________________

(1) رجال الكشّي 1/ 290- 291 ح 131، وانظر: الاختصاص- للمفيد-: 77.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 110

أيديهم فأكلوا؛ فقال رشيد الهجري: يا أمير المؤمنين! ما أطيب هذا الرطب!

فقال: يا رشيد! أما إنّك تصلب علي جذعها!!

فقال رشيد: فكنت أختلف إليها طرفي النهار أسقيها؛ ومضي أمير المؤمنين عليه السلام، قال: فجئتها يوماً وقد قُطع سعفها! قلت: اقترب أجلي؛ ثمّ جئت يوماً؛ فجاء العريف، فقال: أجب الأمير! فأتيته، فلمّا دخلت القصر فإذا الخشب ملقيً.

ثمّ جئت يوماً آخر فإذا النصف الآخر قد جعل زرنوقاً يستقي عليه الماء؛ فقلت: ما كذبني خليلي؛ فأتاني العريف، فقال: أجب الأمير! فأتيته، فلمّا دخلت القصر إذا الخشب ملقيً، وإذا فيه الزرنوق، فجئت حتّي ضربت

الزرنوق برجلي، ثمّ قلت: لك غذّيت ولي أُنبتّ.

ثمّ أُدخلت علي عبيد اللَّه بن زياد، فقال: هات من كذب صاحبك!

فقلت: واللَّه! ما أنا بكذّاب ولا هو، ولقد أخبرني أنّك تقطع يدَيّ ورجلَيّ ولساني.

قال: إذاً واللَّه نكذّبه! اقطعوا يده ورجله وأخرجوه.

فلمّا حمل إلي أهله أقبل يحدّث الناس بالعظائم وهو يقول: أيّها الناس! سلوني! فإنّ للقوم عندي طلبة لم يقضوها.

فدخل رجل علي ابن زياد، فقال له: ما صنعت؟! قطعت يده ورجله، وهو يحدّث الناس بالعظائم!

قال: ردّوه! وقد انتهي إلي بابه؛ فردّوه فقطعوا يديه ورجليه ولسانه

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 111

وأمر بصلبه» «1».

وعن أمالي الطوسي، عن الجعابي، عن ابن عقدة، عن محمّد بن يوسف بن إبراهيم الورداني، عن أبيه، عن وهب بن حفص، عن أبي حسّان العجلي، قال: لقيت أمَة اللَّه بنت راشد الهجري، فقلت لها:

أخبريني بما سمعت من أبيك.

قالت: سمعته يقول: قال لي حبيبي أمير المؤمنين: يا راشد! كيف صبرك … إلي آخر الخبر مثله «2».

وروي في «إعلام الوري »، عن مجاهد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنت عند زياد إذ أُتي برشيد الهجري فقال له: ما قال لك صاحبك- يعني عليّاً عليه السلام- إنّا فاعلون بك؟

قال: تقطعون يدَيّ ورجلَيّ وتصلبونني.

فقال زياد: أمَا واللَّه لأُكذّبنّ حديثه! خلّوا سبيله!

فلمّا أراد أن يخرج، قال زياد: واللَّه ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال له صاحبه! اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه!

فقال رشيد: هيهات! قد بقي لكم عندي شي ء أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام به.

قال ابن زياد: اقطعوا لسانه!

فقال له رشيد: الآن واللَّه جاء تصديق خبر أمير المؤمنين عليه السلام «3».

__________________________________________________

(1) رجال الكشّي 1/ 291- 292 ح 132.

(2) الأمالي: 165 ح 276.

(3) إعلام الوري 1/ 343.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 112

أقول:

الأصل

في نقل الخبر الأخير المفيد في إرشاده «1»؛ رواه عن ابن عيّاش، عن مجاهد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنت عند زياد إذ أُتي برشيد الهجري …

ثمّ قال: وهذا الخبر نقله المؤالف والمخالف عن ثقاتهم عمّن سمّيناه، واشتهر أمره عند علماء الجميع.

وروي ابن أبي الحديد، قال: «قال إبراهيم: وحدّثني إبراهيم بن العبّاس النهدي، حدّثني مبارك البجلي، عن أبي بكر بن عيّاش، قال:

حدّثني المجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنت عند زياد، وقد أُتي برشيد الهجري، وكان من خواصّ أصحاب عليٍّ عليه السلام، فقال له زياد: ما قال خليلك لك إنّا فاعلون بك؟

قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني.

فقال زياد: أما واللَّه لأُكذِّبَنَّ حديثه، خلّوا سبيله!

فلمّا أراد أن يخرج قال: ردّوه! لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك، إنّك لا تزال تبغي لنا سوءاً إن بقيت؛ اقطعوا يديه ورجليه.

فقطعوا يديه ورجليه، وهو يتكلّم.

فقال: اصلبوه خنقاً في عنقه.

فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شي ء ما أراكم فعلتموه.

فقال زياد: اقطعوا لسانه!

__________________________________________________

(1) الإرشاد 1/ 324- 326.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 113

فلمّا أخرجوا لسانه ليقطع، قال: نفّسوا عنّي أتكلّم كلمة واحدة.

فنفّسوا عنه، فقال: هذا واللَّه تصديق خبر أمير المؤمنين، أخبرني بقطع لساني.

فقطعوا لسانه وصلبوه «1».

هذا، وقد جري الكلام بين العلماء في كونه من الصحابة أو لا؟

فعن جماعة- كابن إسحاق والواقدي وابن عبد البرّ- أنّه من الصحابة، وأنّه أبو عقبة رشيد الفارسي، مولي جبير بن عتيك، روي عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وشهد معه أُحداً «2» … وعن جماعةٍ آخرين إنكار ذلك والقول بالتعدّد «3».

وقد جرّبناهم أكثر من مرّة، أنّهم ينكرون صحابيّة الرجل تخفيفاً للجريمة الواقعة عليه من الحكّام الظالمين؛ واللَّه العالم.

قتل جويرية بن مسهر العبدي … ص: 113

قال

ابن حجر: «جويرية بن مسهر العبدي، ويقال: ابن بشر بن مسهر، كوفي، روي عن عليٍّ، وعنه الحسن بن محبوب وجابر بن الحرّ.

ذكره الكشّي في رجال الشيعة وقال: كان من خيار التابعين» «4».

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة 2/ 294.

(2) انظر: الاستيعاب 2/ 496 رقم 771، أُسد الغابة 2/ 70 رقم 1678، الإصابة 2/ 485- 486 رقم 2657.

(3) انظر: معرفة الصحابة- لأبي نُعيم- 2/ 1119 رقم 983.

(4) لسان الميزان 2/ 144 رقم 634، وانظر: رجال الكشّي 1/ 322- 323 رقم 169.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 114

ولم يُشر ابن حجر إلي مقتله علي يد زياد.

قال ابن أبي الحديد: وروي إبراهيم بن ميمون الأزدي، عن حبّة العرني، قال: كان جويرية بن مسهر العبدي صالحاً، وكان لعليّ بن أبي طالب صديقاً وكان عليٌّ يحبّه؛ ونظر إليه يوماً وهو يسير فناداه:

يا جويرية! الحق بي، فإنّي إذا رأيتك هويتك.

قال إسماعيل بن أبان: فحدّثني الصباح، عن مسلم، عن حبّة العرني، قال: سرنا مع عليٍّ عليه السلام يوماً، فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيداً فناداه: يا جويرية! الحق بي لا أبا لك، ألا تعلم أنّي أهواك وأُحبّك!

قال: فركض نحوه، فقال له: إنّي محدّثك بأُمور فاحفظها.

ثمّ اشتركا في الحديث سرّاً، فقال له جويرية: يا أمير المؤمنين! إنّي رجل نسيّ.

فقال له: إنّي أُعيد عليك الحديث لتحفظه.

ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه: يا جويرية! أحبب حبيبنا ما أحبّنا، فإذا أبغضنا فابغضه، وابغض بغيضنا ما أبغضنا، فإذا أحبّنا فأحبّه.

قال حبّة: دخل جويرية علي عليٍّ عليه السلام يوماً، وهو مضطجع، وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية: أيّها النائم! استيقظ، فلتضربنّ علي رأسك ضربة تخضب منها لحيتك.

قال: فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: وأُحدّثك يا جويرية بأمرك، أمَا والذي نفسي

بيده، لتعتلنّ إلي العتلّ الزنيم، فليقطعنّ يدك ورجلك وليصلبنّك تحت جذع كافر.

قال: فواللَّه ما مضت إلّاأيّام علي ذلك حتّي أخذ زياد جويرية، فقطع

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 115

يده ورجله وصلبه إلي جانب جذع ابن مكعبر، وكان جذعاً طويلًا، فصلبه علي جذع قصير إلي جانبه «1».

وقال الشيخ المفيد في أحوال الإمام أمير المؤمنين، في فصل إخباره بالغائبات: «ومن ذلك: ما رواه العلماء: إنّ جويرية بن مسهر وقف علي باب القصر فقال: أين أمير المؤمنين؟ فقيل له: نائم؛ فنادي : أيها النائم استيقظ! فو الذي نفسي بيده، لتضربنَّ ضربةً علي رأسك تخضب منها لحيتك كما أخبرتنا بذلك من قبل.

فسمعه أمير المؤمنين عليه السلام فنادي : أقبل يا جويرية حتّي أُحدّثك بحديثك. فأقبل، فقال: وأنت والذي نفسي بيده، لتعتلنَّ إلي العتلّ الزنيم، وليقطعنّ يدك ورجلك، ثمّ ليصلبنّك تحت جذع كافر.

فمضي علي ذلك الدهر، حتّي ولّي زياد في أيّام معاوية، فقطع يده ورجله، ثمّ صلبه إلي جذع ابن مكعبر، وكان جذعاً طويلًا فكان تحته» «2».

الحضرميّان … ص: 115

وممّن قتلهم زياد بن أبيه في الكوفة الحضرميّان، وهما:

عبد اللَّه بن نجي الحضرمي الكوفي.

ومسلم بن زيمر الحضرمي الكوفي.

قال ابن حبيب: «وصلب زياد بن أبيه مسلم بن زيمر وعبد اللَّه بن

__________________________________________________

(1) شرح نهج البلاغة- لابن أبي الحديد- 2/ 290- 291.

(2) الإرشاد 1/ 322- 323.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 116

نجيّ الحضرميّين علي أبوابهما أيّاماً بالكوفة، وكانا شيعيّين، وذلك بأمر معاوية، وقد عدّهما الحسين بن عليّ رضي اللَّه عنهما علي معاوية في كتابه إليه: ألستَ صاحب حُجر والحضرميّين اللذين كتب إليك ابن سميّة أنّهما علي دين عليٍّ ورأيه. فكتبت إليه: مَن كان علي دين عليٍّ ورأيه فاقتله ومثّل به؛ فقتلهما ومثّل بأمرك بهما؟! … » «1».

أمّا مسلم المذكور، فلم

نجد له- فعلًا- ترجمةً..

وأمّا عبد اللَّه بن نجيّ، فمن رجال النسائي وأبي داود وابن ماجة، ترجم له في تهذيب الكمال فقال: «كان أبوه علي مطهرة عليّ». ثمّ ذكر روايته عن عليّ والحسين وحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر «2».

تسيير الآلاف من الكوفة إلي خراسان … ص: 116

وكان من إجراءات زياد بن أبيه في الكوفة أنْ سيّر آلافاً من أهل الكوفة- وفيهم بعض الرجالات- بعيالاتهم إلي خراسان …

قال البلاذري: «ثمّ ولّي زيادُ بن أبي سفيان الربيعَ بن زياد الحارثي سنة إحدي وخمسين خراسان، وحوّل معه من أهل المصرين- يعني الكوفة والبصرة- زهاء خمسين ألفاً بعيالاتهم، وكان فيهم بريدة بن الحصيب الأسلمي أبو عبد اللَّه، وبمرو توفّي أيّام يزيد بن معاوية، وكان أيضاً أبو برزة الأسلمي عبد اللَّه بن نضلة، وبها مات، وأسكنهم دون النهر.

__________________________________________________

(1) المحبَّر: 479 لمحمّد بن حبيب البغدادي، المتوفّي سنة 245؛ انظر: ترجمته في تاريخ بغداد 2/ 277 رقم 751.

(2) تهذيب الكمال 10/ 586 رقم 3597.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 117

والربيعُ أوّل مَن أمر الجندَ بالتناهد، ولمّا بلغه مقتل حُجر بن عديّ الكندي غمّه ذلك، فدعا بالموت، فسقط من يومه فمات، وذلك سنة ثلاث وخمسين، واستخلف عبد اللَّه ابنه … » «1».

وروي الطبري، أنّه لمّا بلغه خبر حُجر قال: «لا تزال العرب تُقتل صبراً بعده، ولو نفرت عند قتله لم يُقتل رجل منهم صبراً، ولكنّها أقرّت فذلّت» «2».

وفي هذا الخبر قرائن علي أنّ الّذين سيّرهم كانوا كلّهم أو كثيرٌ منهم من الموالين لأهل البيت عليهم السلام؛ ثمّ هل يصدّق الخبر بأنّه دعا بالموت فسقط فمات بصورة طبيعيّة؟!

آخر ما عزم زياد علي فعله … ص: 117

قالوا: وكان آخر ما عزم علي فعله زياد في الكوفة سنة ثلاث وخمسين هو: أن جمع الناس، فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر، ليعرضهم علي البراءة من عليّ، فمن أبي ذلك عرضه علي السيف «3».

***

__________________________________________________

(1) فتوح البلدان: 400- 401.

(2) تاريخ الطبري 3/ 240 حوادث سنة 53 ه.

(3) انظر: مروج الذهب 3/ 26، تاريخ دمشق 19/ 203.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 119

الفصل الثالث: الإجراءات في الشام والحجاز … ص: 119

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 121

وشرع معاوية- بعد الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام- يمهّد الطريق لولاية يزيد، وسعي جاهداً للوصول إلي هذا الهدف، واستخدم لذلك الوسائل كافّة حتّي اللامشروعة منها، وفي ما يلي نماذج ممّا ارتكبه في هذا السبيل:

1- الاغتيال … ص: 121
اشارة

لقد كان معاوية علي علمٍ بعدم نجاح الفكرة ما لم يقض علي الإمام الحسن وعدّة من الشخصيات وعلي عائشة بنت أبي بكر …

سمّ سعد بن أبي وقّاص … ص: 121

وكيف تصفو الحكومة ليزيد مع وجود سعد بن أبي وقّاص، وهو أحد العشرة المبشّرة الّذين مات رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وهو عنهم راض، في ما يروون، وهو أحد الستّة أصحاب الشوري؟!

لقد كان سعد يعارض معاوية في بعض القضايا ولا يخضع له، فكيف يرضي بولده يزيد، أو يسكت عنه في الأقلّ؟! إنّه لم يجد بدّاً من أنْ يدسّ إليه السمّ، ويقضي عليه بهذه الطريقة ويستريح منه …

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 122

فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني بترجمة الإمام الحسن عليه السلام:

«ودسّ معاوية إليه حين أراد أن يعهد إلي يزيد بعده، وإلي سعد بن أبي وقّاص سمّاً، فماتا منه في أيّام متقاربة» «1».

وروي بإسناده عن أبي حفص الأبّار، عن إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: «وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شي ء أثقل من أمر الحسن ابن عليّ وسعد بن أبي وقّاص، فدسَّ إليهما سمّاً فماتا منه» «2».

وبإسناده عن شعبة، عن أبي بكر بن حفص، قال: «توفّي الحسن بن عليّ وسعد بن أبي وقّاص في أيّام، بعدما مضي من إمارة معاوية عشر سنين، وكانوا يرون أنّه سقاهما سمّاً» «3».

سمّ عائشة … ص: 122

وعائشة أيضاً من المعارضين … دخل معاوية عليها دارها وقال لها في كلامٍ له: «وإنّ أمر يزيد قضاء من القضاء، وليس للعباد الخيرة من أمرهم، وقد أكّد الناس بيعتهم في أعناقهم وأعطوا عهودهم علي ذلك ومواثيقهم، أفترين أن ينقضوا عهودهم ومواثيقهم؟!

فلمّا سمعت ذلك عائشة، علمت أنّه سيمضي علي أمره فقالت: أمّا ما ذكرت من عهود ومواثيق، فاتّق اللَّه في هؤلاء الرهط ولا تعجل عليهم، فلعلّهم لا يصنعون إلّاما أحببت» «4».

__________________________________________________

(1) مقاتل الطالبيّين: 60 رقم 4.

(2) مقاتل الطالبيّين: 80، وعنه شرح نهج اليلاغة- لابن أبي الحديد-

16/ 49.

(3) مقاتل الطالبيّين: 81، وعنه شرح نهج اليلاغة- لابن أبي الحديد- 16/ 49.

(4) الإمامة والسياسة 1/ 205- 206.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 123

وفي بعض المصادر: أنّه كان معاوية علي المنبر يأخذ البيعة ليزيد، فقالت عائشة: هل استدعي الشيوخ لبنيهم البيعة؟!

قال: لا.

قالت: فبمن تقتدي؟! فخجل.

فلمّا زارته عائشة في بيته، هيّأ حفرةً، فوقعت فيها وكانت راكبةً، فماتت، فكان عبد اللَّه بن الزبير يعرّض به:

لقد ذهب الحمار بأُمّ عمرٍو فلا رجعت ولا رجع الحمارُ

وبقي الّذين أشار إليهم بقوله للأنصاريّين:

«وإنّما هم أبناؤهم، فابني أحبّ إليّ من أبنائهم» «1» يعني:

الإمام الحسين عليه السلام وهو ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.

وعبد الرحمن بن أبي بكر.

وعبد اللَّه بن عمر بن الخطّاب.

وعبد اللَّه بن الزبير بن العوّام.

فجعل يطلب منهم البيعة بشتّي الأساليب، كما سيأتي.

سمّ عبد الرحمن بن أبي بكر … ص: 123

وكان من أشهر المعارضين لولاية يزيد: عبد الرحمن بن أبي بكر، فقد عارض ذلك بشدّةٍ وقال:

«أهرقلية؟! إذا مات كسري كان كسري مكانه؟! لا نفعل واللَّه أبداً».

__________________________________________________

(1) انظر المقدِّمة الخامسة من الكتاب.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 124

فبعث إليه بمئة ألف درهم، فردّها عبد الرحمن وقال: «أبيع ديني بدنياي؟!».

وما لبث أن مات «1».

وروي ابن الأثير: إنّ مروان خطب فقال: «إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يأل، وقد استخلف ابنه يزيد بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: كذبت- واللَّه- يا مروان، وكذب معاوية، ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد، ولكنّكم تريدون أنْ تجعلوها هرقليّة، كلّما مات هرقل قام هرقل.

فقال مروان: هذا الذي أنزل اللَّه فيه «وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفّ لَّكُمَا» «2»

الآية.

فسمعت عائشة مقالته، فقامت من وراء الحجاب وقالت: يا مروان! يا مروان! فأنصت الناس، وأقبل مروان بوجهه، فقالت: أنت القائل لعبد الرحمن أنّه نزل فيه القرآن؟!

كذبت واللَّه، ما هو به، ولكنّه فلان بن فلان، ولكنّك أنت فضض من لعنة نبيّ اللَّه.

وقام الحسين بن عليّ، فأنكر ذلك.

وفعل مثله ابن عمر وابن الزبير.

فكتب مروان بذلك إلي معاوية» «3».

وروي البخاري فقال: «كان مروان علي الحجاز، استعمله معاوية،

__________________________________________________

(1) الاستيعاب 2/ 825- 826 رقم 1394.

(2) سورة الأحقاف 46: 17.

(3) الكامل في التاريخ 3/ 351- 352 حوادث سنة 56، وانظر: تاريخ الخلفاء- للسيوطي-: 242- 243.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 125

فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يُبايَع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً، فقال: خذوه! فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إنّ هذا الذي أنزل اللَّه فيه: «وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي»؛ فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل اللَّه فينا شيئاً من القرآن، إلّاأنّ اللَّه أنزل عذري» «1».

وقال ابن حجر في شرحه: «قال بعض الشرّاح: وقد اختصره فأفسده! والذي في رواية الإسماعيلي: فقال عبد الرحمن: ما هي إلّا هرقلية! … فقال عبد الرحمن: سُنّةُ هرقلَ وقيصر!

ولابن المنذر من هذا الوجه: أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم؟! …

قوله: فقال: خذوه! فدخل بيت عائشة فلم يقدروا؛ أي امتنعوا من الدخول خلفه إعظاماً لعائشة. وفي رواية أبي يعلي : فنزل مروان عن المنبر حتّي أتي باب عائشة، فجعل يكلّمها وتكلّمه ثمّ انصرف! …

في رواية أبي يعلي : فقال مروان: اسكتْ، ألستَ الذي قال اللَّه فيه..

فذكر الآية، فقال عبد الرحمن: ألستَ ابن اللعين الذي لعنه رسول اللَّه؟! …

فقالت عائشة: كذب واللَّه ما نزلت فيه … ولكن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لعن أبا مروان ومروان في صلبه» «2».

هذا، وقد توعّد معاوية عبد الرحمن بن أبي بكر غير مرّة:

عن الزهري، عن ذكوان مولي

عائشة بنت أبي بكر، قال: لمّا أجمع

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 6/ 237 ح 323.

(2) فتح الباري 8/ 740- 741 ح 4827.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 126

معاوية أن يبايع لابنه يزيد حجّ، فقدم مكّة في نحوٍ من ألف رجلٍ، فلمّا دنا من المدينة خرج ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلمّا قدم معاوية المدينة صعد المنبر، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ ذكر ابنه يزيد فقال: من أحقّ بهذا الأمر منه؟!

ثمّ ارتحل فقدم مكّة، فقضي طوافه ودخل منزله … وأرسل إلي عبد الرحمن بن أبي بكر، فتشهّد وأخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه فقال: إنّك- واللَّه- لوددتُ أنّا وكلناك في أمر ابنك إلي اللَّه، وإنّا- واللَّه- لا نفعل، واللَّه لتردّنّ هذا الأمر شوري بين المسلمين، أو لنعيدنّها عليك جذعة. ثمّ وثب فقام.

فقال معاوية: اللّهمّ اكفنيه بما شئت.

ثمّ قال: علي رسلك أيّها الرجل، لا تشرفنّ بأهل الشام، فإنّي أخاف أن يسبقوني بنفسك، حتّي أُخبرهم العشية أنّك قد بايعت، ثمّ كن بعد ذلك علي ما بدا لك من أمرك «1».

وفي تاريخ الطبري: «بايع الناس ليزيد بن معاوية غير الحسين بن عليّ وابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبّاس.

فلمّا قدم معاوية … أرسل إلي عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: يا ابن أبي بكر، بأيّة يدٍ أو رجلٍ تقدم علي معصيتي؟!

قال: أرجو أن يكون ذلك خيراً لي.

فقال: واللَّه لقد هممت أن أقتلك.

قال: لو فعلت لأتبعك اللَّه به لعنةً في الدنيا وأدخلك به في الآخرة

__________________________________________________

(1) تاريخ الخلفاء: 235- 236، وانظر: الإمامة والسياسة 1/ 204- 212.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 127

النار» «1».

قالوا: فلم يلبث إلّايسيراً حتّي مات، بعدما خرج معاوية من المدينة «2».

سمّ عبد الرحمن بن خالد وكان أهل الشام يريدونه … ص: 127

وهكذا فعل بعبد

الرحمن بن خالد بن الوليد- وكان حامل اللواء الأعظم معه في صِفّين «3»!- لمّا رأي توجّه أهل الشام إليه وحبّهم له..

قال الحافظ ابن عبد البرّ: «إنّه لمّا أراد معاوية البيعة ليزيد، خطب أهل الشام وقال لهم: يا أهل الشام! إنّه قد كبرت سنّي، وقرب أجلي، وقد أردت أنْ أعقد لرجلٍ يكون نظاماً لكم، وإنّما أنا رجل منكم، فأروا رأيكم.

فأصفقوا واجتمعوا وقالوا: رضينا عبدَ الرحمن بن خالد.

فشقّ ذلك علي معاوية، وأسرّها في نفسه.

ثمّ إنّ عبد الرحمن مرض، فأمر معاوية طبيباً عنده يهوديّاً، وكان عنده مكيناً، أنْ يأتيه فيسقيه سقية يقتله بها. فأتاه فسقاه، فانخرق بطنه فمات» «4».

وقد سمّي ابن عساكر الطبيب اليهودي فقال: «فأمر ابن أثال أنْ يحتال في قتله، وضمن له إنْ هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 248- 249 حوادث سنة 56 ه.

(2) التاريخ الكبير- للبخاري- 5/ 242 رقم 795، الكامل في التاريخ 3/ 343، أُسد الغابة 3/ 265 رقم 3338.

(3) الأخبار الطوال: 172.

(4) الاستيعاب 2/ 829- 830 رقم 1402.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 128

يولّيه جباية خراج حمص، فلمّا قدم عبد الرحمن حمص منصرفاً من بلاد الروم، دسّ إليه ابن أثال شربةً مسمومةً مع بعض مماليكه، فشربها، فمات بحمص، فوفّي معاوية بما ضمن له، وولّاه خراج حمص ووضع عنه خراجه» «1».

قال ابن عبد البرّ: «ثمّ دخل أخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفياً هو وغلام له، فرصدا ذلك اليهودي، فخرج ليلًا من عند معاوية، فهجم عليه ومعه قوم هربوا عنه، فقتله المهاجر.

وقصّته هذه مشهورة عند أهل السير والعلم بالآثار والأخبار، اختصرناها، ذكرها عمر بن شبّة في أخبار المدينة، وذكرها غيره» «2».

وذكر ابن عساكر أنّ معاوية حبس خالد بن

المهاجر بن خالد بن الوليد، ولم يخرج من الحبس حتّي مات معاوية «3».

عاقبة أمر زياد بن أبيه … ص: 128

بقي أنْ نذكر عاقبة أمر زياد بن أبيه، فإنّه أشار علي معاوية أن لا يعجل في استخلاف يزيد، كما أمر يزيد بالكفّ عن كثير ممّا كان يصنع؛ وفي بعض المصادر ما يفيد أنّه كان يريدها لنفسه، ويشهد بذلك

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 16/ 164 رقم 1897، وانظر: أنساب الأشراف 5/ 118، تاريخ اليعقوبي 2/ 132، تاريخ الطبري 3/ 202، الكامل في التاريخ 3/ 309، البداية والنهاية 8/ 25 حوادث سنة 46 ه.

(2) الاستيعاب 4/ 1453 رقم 2503، أُسد الغابة 4/ 502 رقم 5128، ولم نجده في كتاب ابن شبّة المطبوع.

(3) تاريخ دمشق 16/ 215 رقم 1919.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 129

أنّ معاوية لمّا وصلته رسالة زيادٍ قال: «ويلي علي ابن عبيد، لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد، واللَّه لأردّنّه إلي أُمّه سميّة وإلي أبيه عبيد» «1».

قالوا: «فخرج في إبهامه طاعونة، فما أتت عليه إلّاجمعة حتّي مات» «2» ممّا يظنّ قويّاً بكونه ممّن قتلهم معاوية … وكان عليه أهل البيت عليهم الصلاة والسلام قد دعوا عليه لِما كان يصنع بشيعتهم.

2- التبعيد … ص: 129

وحتّي بنو أُمّية، كانوا لا يتوهّمون وصول يزيد إلي الحكم يوماً من الأيّام، بل لقد كان فيهم من يمنّي نفسه بذلك.

بل ظاهر ما جاء في تاريخ ابن عساكر «3» من أنّه: «كان أهل المدينة عبيدهم ونساؤهم يقولون: واللَّه لا ينالها يزيد حتّي ينال هامه الحديد، إنّ الأمير بعده سعيد «4»».

هو أنّ هذا كان رأي أهل المدينة كلّهم.

ثمّ ذكروا أنّ سعيداً طرح الموضوع علي معاوية بصراحةٍ، وأنّه قد

__________________________________________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2/ 128.

(2) تاريخ دمشق 19/ 203 رقم 2309، وانظر: تاريخ اليعقوبي 2/ 147، تاريخ الطبري 3/ 238 حوادث سنة 53 ه، الاستيعاب 2/ 530 رقم 825،

الكامل في التاريخ 3/ 341، سير أعلام النبلاء 3/ 496 رقم 112.

(3) تاريخ دمشق 21/ 223.

(4) أي: سعيد بن عثمان بن عفّان، الذي عزله معاوية سنة 57 ه عن خراسان، وولّاها عبيد اللَّه بن زياد بعدما كان قد ولّاها إيّاه قبل عزله عنها بسنة واحدة.

انظر: تاريخ دمشق 21/ 223.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 130

طلب منه أن يرشّحه للحكم بدلًا عن يزيد.

قال ابن كثير: «وقد عاتب معاويةَ- في ولايته يزيد- سعيدُ بن عثمان ابن عفّان، وطلب منه أنْ يولّيه مكانه، وقال له سعيد في ما قال:

إنّ أبي لم يزل معتنياً بك حتّي بلغت ذروة المجد والشرف، وقد قدّمتَ ولدك علَيَّ وأنا خير منه أباً وأُمّاً ونفساً.

فقال له: أمّا ما ذكرت من إحسان أبيك إليَّ فإنّه أمر لا ينكر. وأمّا كون أبيك خيراً من أبيه فحقٌّ، وأُمّك قرشية وأُمّه كلبية فهي خير منها. وأمّا كونك خيراً منه، فواللَّه لو ملئت إليّ الغوطة رجالًا مثلك لكان يزيد أحبّ إليَّ منكم كلّكم» «1».

وقد روي ابن خلّكان كلام سعيدٍ بألفاظٍ أُخري تهمّنا في المباحث الآتية، قال:

«إنّ سعيد بن عثمان بن عفّان- رضي اللَّه عنه- دخل علي معاوية بن أبي سفيان، فقال له: علام جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك دوني؟! فواللَّه لأبي خير من أبيه، وأُمّي خير من أُمّه، وأنا خير منه، وقد ولّيناك فما عزلناك، وبنا نلت ما نلت.

فقال له معاوية: أمّا قولك … وأمّا قولك: إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني، فما ولّيتموني، وإنّما ولّاني من هو خير منكم عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه، فأقررتموني، وما كنت بئس الوالي منكم، لقد قمت بثأركم، وقتلت قتلة أبيكم، وجعلت الأمر فيكم، وأغنيت فقيركم، ورفعت الوضيع منكم.

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 8/ 65 حوادث سنة

56 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 131

فكلّمه يزيد في أمره فولّاه خراسان» «1».

وقال ابن عساكر: إنّ معاوية عزله عن خراسان في سنة 57 «2».

وقال البلاذري: «كان معاوية قد خاف سعيداً علي خلعه، ولذلك عاجله بالعزل» «3».

قال ابن عساكر: «قدم سعيد بن عثمان المدينة، فقتله غلمان جاء بهم من الصَّغْد، وكان معه عبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان حليف بني حرب بن أُميّة» «4».

قالوا: ثمّ قتل الغلمانُ بعضُهم بعضاً فلم يبق منهم أحد «5».

هذا بالنسبة إلي سعيد بن عثمان بن عفّان باختصار، وقضيّته غامضة جدّاً.

وكذلك كان موقف غيره من بني أُميّة، كمروان بن الحكم:

روي ابن قتيبة والمسعودي، أنّ مروان بن الحكم كتب إلي معاوية:

«إنّ قومك قد أبوا إجابتك إلي بيعتك ابنك، فَارْأَ رأيك».

فلمّا بلغ معاوية كتابه عرف أنّ ذلك من قبله، فكتب إليه يأمره أنْ

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 6/ 348 رقم 821 ترجمة يزيد بن مفرغ الحميري؛ وانظر: الأغاني 18/ 270، الكامل في التاريخ 3/ 355.

(2) تاريخ دمشق 21/ 223، وانظر: تاريخ خليفة بن خيّاط: 170، مرآة الجنان 1/ 104، شذرات الذهب 1/ 61.

(3) فتوح البلدان 403.

(4) تاريخ دمشق 21/ 227، وانظر: نسب قريش: 111، الأغاني 1/ 42 و ج 2/ 246.

(5) جواهر التاريخ 2/ 341.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 132

يعتزل عمله، ويخبره أنّه قد ولّي المدينة سعيد بن العاص «1».

ثمّ إنّ مروان أقبل في وفدٍ كثيرٍ من قومه حتّي نزل دمشق، ودخل علي معاوية، وجعل يخطب بين يديه إلي أن قال:

«وأيم اللَّه، لولا عهود مؤكّدة ومواثيق معقّدة، لأقمت أود وليّها، فأقم الأمر يا ابن أبي سفيان، وأهدئ من تأميرك الصبيان، واعلم أنّ لك في قومك نظراً، وأنّ لهم علي مناوأتك وزراً».

فغضب معاوية من كلام مروان غضباً

شديداً، ثمّ كظم غيظه، وأخذ بيده وتكلّم معه، ورحّب به وطيّب خاطره، ووعده بالأموال له ولأهل بيته «2».

3- بذل الأموال … ص: 132

ومن جملة أساليبه للعهد ليزيد: بذل الأموال علي الوفود إليه والشخصيّات في الحجاز وغيرها، فقد ذكروا أنّه أشار علي المغيرة بن شعبة أن يوفد إليه وفداً من الكوفة يطالبونه بالعهد ليزيد والبيعة معه، فأرسل أربعين رجلًا من وجوه الكوفة، وأمَّر عليهم ابنه عروة بن المغيرة، فدخلوا علي معاوية فقاموا خطباء، فذكروا أنّه إنّما أشخصهم إليه النظر لأُمّة محمّد صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فقالوا: يا أمير المؤمنين! كبرت سنّك وتخوّفنا الانتشار من بعدك؛ يا أمير المؤمنين، أَعْلِمْ لنا علماً وحُدَّ لنا حدّاً ننتهي إليه.

__________________________________________________

(1) عزله سنة 58 ه؛ وفي تاريخ الطبري 3/ 58 أنّه لمّا عزل مروان عن المدينة ولّي عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.

(2) انظر: الإمامة والسياسة: 197- 199، مروج الذهب 3/ 28- 29.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 133

قال: أشيروا علَيَّ.

قالوا: نشير عليك بيزيد ابن أمير المؤمنين.

قال: وقد رضيتموه؟

قالوا: نعم.

قال: وذاك رأيكم؟

قالوا: نعم، ورأي مَن بعدنا.

فأصغي إلي عروة- وهو أقرب القوم منه مجلساً- فقال: للَّه أبوك! بكم اشتري أبوك من هؤلاء دينهم؟

قال: بأربعمئة.

قال: لقد وجد دينهم عندهم رخيصاً «1».

قالوا: وأعطي معاوية شخصيّات وفد البصرة جوائز، كلّ واحد مئة ألف درهم، وكان فيهم الحتات التميمي- وكان عثماني الهوي -، فأعطاه سبعين ألفاً، فرجع إلي معاوية، فقال: ما ردّك يا أبا مُنازل؟

قال: فضحتني في بني تميم، أما حسبي صحيح، أَوَلستُ ذا سنّ؟! أَوَلستُ مطاعاً في عشيرتي؟!

قال معاوية: بلي .

قال: فما بالك خَسَسْتَ بي دون القوم؟!

فقال: إنّي اشتريت من القوم دينهم، ووكلتك إلي دينك ورأيك في عثمان بن عفّان- وكان عثمانياً-.

قال: وأنا فاشترِ منّي ديني.

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 40/ 298، الكامل

في التاريخ 3/ 350 حوادث سنة 56 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 134

فأمر له بتمام جائزة القوم، فمات قبل أن يقبضها «1».

وكما جاء في المصادر، فإنّه وعد مروان «بالأموال له ولأهل بيته»، وكذلك فعل مع غيره من وجوه الناس:

فلقد أعطي عبدَ اللَّه بن عمر بن الخطّاب 000/ 100 درهم، فقبل وسكت «2» …

وأعطي عبدَ الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة 000/ 100 درهم أيضاً، فردّها وقال: لا أبيع ديني بدنياي «3».

وأعطي يزيدُ بن معاوية المنذرَ بن الزبير بن العوّام 000/ 100 درهم، فأخذها وقال للناس: «إنّ يزيد واللَّه لقد أجازني بمئة ألف درهم، وإنّه لا يمنعني ما صنع إليَّ أنْ أُخبركم خبره وأصدقكم عنه، واللَّه إنّه ليشرب الخمر، وإنّه ليسكر حتّي يدع الصلاة» «4».

4- المكاتبة … ص: 134

وإذا كان أهل الشام مخالفين ويرشّحون عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان بنو أُميّة معارضين ويرشّحون سعيد بن عثمان بن عفّان …

فلأنْ يكون بنو هاشم معارضين أَوْلي ، فقد كلّف معاوية واليه علي المدينة

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ دمشق 10/ 278- 279، الكامل 3/ 322 في التاريخ، تاريخ الطبري 3/ 211 حوادث سنة 50 ه.

(2) فتح الباري 13/ 87 ح 7114.

(3) انظر: البداية والنهاية 8/ 72 حوادث سنة 58 ه، الإصابة 4/ 328 رقم 5155، المستدرك علي الصحيحين 3/ 542 ح 6015.

(4) تاريخ الطبري 3/ 350- 351 حوادث سنة 62 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 135

أن يطلب منهم البيعة.

فكتب سعيد بن العاص إليه:

«أمّا بعد، فإنّك أمرتني أنْ أدعو الناس لبيعة يزيد ابن أمير المؤمنين، وأنْ أكتب إليك بمن سارع ممّن أبطأ، وإنّي أُخبرك أنّ الناس عن ذلك بطاء، لا سيّما أهل البيت من بني هاشم، فإنّه لم يجبني منهم أحد، وبلغني عنهم

ما أكره …

فكتب معاوية إلي عبد اللَّه بن العبّاس وإلي عبد اللَّه بن الزبير وإلي عبد اللَّه بن جعفر وإلي الإمام الحسين عليه السلام، كتباً، وأمر سعيد بن العاص أنْ يوصلها إليهم ويبعث بجواباتها» «1».

5- السفر إلي الحجاز والخديعة … ص: 135

ثمّ إنّه قد اضطرّ معاوية إلي السفر إلي الحجاز، فاجتمع بالأربعة الّذين كاتبهم، وتحدّث معهم، ولم يسفر ذلك عن نتيجة … فخرج في يوم من الأيّام ودخل المسجد ومعه رجاله من أهل الشام ويبلغون الألف، ونودي له في الناس فاجتمعوا إليه، والإمام الحسين عليه السلام، وعبد الرحمن وابن الزبير وابن عمر جالسون عند المنبر، فخطب وقال:

«أيّها الناس! إنّا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار، وإنّهم قد زعموا أنّ الحسين بن عليّ، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن الزبير، لم يبايعوا يزيد؛ وهؤلاء الرهط الأربعة هم عندي سادة المسلمين وخيارهم، وقد دعوتهم إلي البيعة فوجدتهم إذاً سامعين

__________________________________________________

(1) انظر: الإمامة والسياسة 1/ 199 و 200.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 136

مطيعين، وقد سلّموا وبايعوا، وسمعوا وأجابوا وأطاعوا.

فضرب أهل الشام بأيديهم إلي سيوفهم فسلّوها ثمّ قالوا:

يا أمير المؤمنين! ما هذا الذي تعظّمه من أمر هؤلاء الأربعة؟! إئذن لنا أن نضرب أعناقهم، فإنّا لا نرضي أن يبايعوا سرّاً، ولكنْ يبايعوا جهراً حتّي يسمع الناس أجمعون.

فقال معاوية: سبحان اللَّه! ما أسرع الناس بالشرّ، وما أحلي بقاءهم عندهم، اتّقوا اللَّه يا أهل الشام ولا تسرعوا إلي الفتنة، فإنّ القتل له مطالبة وقصاص، فإنّهم قد بايعوا وسلّموا، وارتضوني فرضيت عنهم.

فلمّا سئل الإمام عليه السلام عن ذلك قال: «لا واللَّه ما بايعنا، ولكنّ معاوية خادعنا وكادنا … » «1».

وروي الطبراني بسنده عن محمّد بن سيرين، قال: «لمّا بايع معاوية ليزيد حجَّ، فمرّ بالمدينة فخطب

الناس، فقال: إنّا قد بايعنا يزيد فبايعوا.

فقام الحسين بن عليّ فقال: أنا- واللَّه- أحقّ بها منه، فإنّ أبي خير من أبيه، وجدّي خير من جدّه، وإن أُمّي خير من أُمّه، وأنا خير منه.

فقال معاوية: أمّا ما ذكرت أنّ أنّ جدّك خير من جدّه، فصدقت، رسول اللَّه خير من أبي سفيان بن حرب، وأمّا ما ذكرت أنّ أُمّك خير من أُمّه، فصدقت، فاطمة بنت رسول اللَّه خير من بنت مجدل، وأمّا ما ذكرت أنّ أباك خير من أبيه، فقد قارع أبوه أباك فقضي اللَّه لأبيه علي أبيك، وأمّا

__________________________________________________

(1) انظر: الفتوح- لابن أعثم- 4/ 347- 348، الإمامة والسياسة 1/ 213، العقد الفريد 3/ 360، المنتظم 4/ 104- 105، البداية والنهاية 8/ 64- 65 حوادث سنة 56 ه، تاريخ الخلفاء: 236.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 137

ما ذكرت أنّك خير منه، فلهو أربّ منك وأعقل، ما يسرّني به مثلك ألف» «1».

أقول:

فيه شهادة للقول بأنّ معاوية وبني أُميّة هم الأصل في مقالة الجبر …

ثمّ انظر كيف يزعم- بقلّة حياء- أفضليّة يزيد علي الإمام الحسين عليه السلام!!

***

__________________________________________________

(1) المعجم الكبير 19/ 356 ح 833، وانظر: مجمع الزوائد 5/ 198.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 139

الفصل الرابع: شهادة الإمام الحسن بسمّ معاوية … ص: 139

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 141

أمّا الإمام الحسن السبط عليه السلام … فلأنّ معاوية قد عاهده علي رجوع الأمر إليه من بعده، حتّي إنّ الأحنف بن قيس أيضاً قد ذكّره بذلك «1» … فكان أن صمّم علي القضاء عليه، فدسّ إليه السمّ علي يد جعدة بنت الأشعث بن قيس، في قضيّة مفصّلةٍ اتّفق علي روايتها رواة الفريقين …

تجد ذلك في سائر كتب أصحابنا، كالكافي والإرشاد ومناقب آل أبي طالب، وغيرها «2».

وقال ابن عبد البرّ: «قال قتادة وأبو بكر

ابن حفص: سمّ الحسن بن علي، سمّته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي. وقالت طائفة:

كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك …

قال: ذكر أبو زيد عمر بن شبّة وأبو بكر بن أبي خيثمة، قالا: حدّثنا

__________________________________________________

(1) فقد قال له: إنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً»؛ انظر: الإمامة والسياسة 1/ 191.

(2) الكافي 1/ 462 باب مولد الحسن عليه السلام ح 3، الإرشاد 2/ 15، مناقب آل أبي طالب 4/ 47- 48، كشف الغمّة 1/ 584- 585، الاحتجاج 2/ 71- 73 ح 159 و 160.

وانظر من كتب الجمهور- مثلًا-: المنتظم 4/ 48- 49، البداية والنهاية 8/ 35، تاريخ الخميس 2/ 293، العقد الفريد 3/ 351.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 142

موسي بن إسماعيل، قال: حدّثنا أبو هلال، عن قتادة، قال: دخل الحسين علي الحسن، فقال: يا أخي إنّي سُقيت السمَّ ثلاث مرار، لم أُسْقَ مِثْل هذه المرّة، إنّي لأضَعُ كَبدي.

فقال الحسين: مَنْ سقاك يا أخي؟

قال: ما سؤالك عن هذا؟! أَتريدُ أن تقاتلهم؟! أَكِلُهُم إلي اللَّه.

فلمّا مات ورَد البريد بموته علي معاوية، فقال: يا عجباً من الحسن، شرب شربةً من عسل بماء رومة، فقضي نحبه.

وأتي ابن عبّاس معاوية، فقال له: يا بن عبّاس! احتسب الحسن، لا يحزنك اللَّه ولا يسوؤك.

فقال: أمّا ما أبقاك اللَّه لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني اللَّه ولا يسوؤني.

قال: فأعطاه علي كلمته ألف ألف وعروضاً وأشياء، وقال: خُذها واقْسِمْها علي أهلك.

حدّثني عبد الوارث، حدّثنا قاسم، حدّثنا عبد اللَّه بن رَوح، حدّثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: حدّثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق، قال: كنّا عند الحسن بن عليّ، فدخل المخرج ثمّ

خرج، فقال: لقد سُقِيت السمَّ مراراً وما سُقيتُه مثلَ هذه المرة، لقد لفظتُ طائفة من كبدي، فرأيتني أَقلِبُها بعودٍ معي.

فقال له الحسين: يا أخي! مَنْ سقاك؟!

قال: وما تُريد إليه؟! أتريد أن تقتله؟!

قال: نعم.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 143

قال: لئن كان الذي أظنُّ فاللَّه أشدُّ نقمة، ولئن كان غيره ما أحِبُّ أن تقتل بي بريئاً» «1».

وقال أبو الفرج الأصبهاني: «ودسّ معاوية إليه حين أراد أن يعهد إلي يزيد وإلي سعد بن أبي وقّاص سمّاً، فماتا منه في أيّام متقاربة، وكان الذي تولّي ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس لمالٍ بذله لها معاوية» «2».

وقال ابن أبي الحديد: «قال أبو الحسن المدائني: وكانت وفاته في سنة تسع وأربعين، وكان مرضه أربعين يوماً، وكانت سنّه سبعاً وأربعين سنة، دسّ إليه معاوية سمّاً علي يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن وقال لها: إنْ قتلتيه بالسمّ فلك مئة ألف وأُزوّجك يزيد ابني. فلمّا مات وفي لها بالمال ولم يزوّجها من يزيد قال: أخشي أن تصنع بابني كما صنعت بابن رسول اللَّه» «3».

وقال البلاذري: «إنّ معاوية دسّ إلي جعدة بنت الأشعث بن قيس امرأة الحسن، وأرغبها حتّي سمّته» «4».

وقال الزمخشري: «جعل معاوية لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مئة ألف حتّي سمّته، ومكث شهرين وإنّه ليرفع من تحته كذا طستاً من دم،

__________________________________________________

(1) الاستيعاب 1/ 389- 390 رقم 555.

الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 386 رقم 1373، أُسد الغابة 1/ 492 رقم 1165، سير أعلام النبلاء 3/ 274 رقم 47، الإصابة 2/ 74 رقم 1721.

(2) مقاتل الطالبيّين: 60.

(3) شرح نهج البلاغة 16/ 11.

(4) أنساب الأشراف 3/ 295.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 144

وكان يقول: سُقيت السمّ مراراً ما أصابني فيها ما

أصابني في هذه المرّة، لقد لفظت كبدي فجعلت أُقلّبها بعود كان في يدي» «1».

وقال المسعودي: «وذُكر أنّ امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السمّ، وقد كان معاوية دسّ إليها: إنّك إن احتلت في قتل الحسن وجّهت إليك بمئة ألف درهم وزوّجتك من يزيد؛ فكان ذلك الذي بعثها علي سمّه، فلمّا مات وفي لها معاوية بالمال وأرسل إليها: إنّا نحبّ حياة يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه» «2».

وقال ابن تيميّة- في مقام الدفاع عن معاوية-: «والحسن رضي اللَّه عنه قد نقل عنه أنّه مات مسموماً، وهذا ممّا يمكن أنْ يعلم، فإنّ موت المسموم لا يخفي ، لكن يقال: إنّ امرأته سمّته، ولا ريب أنّه مات بالمدينة ومعاوية بالشام، فغاية ما يظنّ الظانّ أنْ يقال: إنّ معاوية أرسل إليها وأمرها بذلك … فإنْ كان قد وقع شي ء من ذلك فهو من باب قتال بعضهم بعضاً … » «3».

وإذا كان ابن تيميّة يشكّك في الحقائق الواقعة، فإنّ بعض المتعصّبين قد صرّح بتكذيب ذلك، فقد قال ابن خلدون: «وما يُنقل من أنّ معاوية دسّ إليه السمّ مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك» «4».

هذا، وقد ذكروا أنّ معاوية لمّا أتاه خبر وفاة الإمام الحسن عليه

__________________________________________________

(1) ربيع الأبرار 4/ 208- 209.

(2) مروج الذهب 2/ 427.

(3) منهاج السُنّة 4/ 469- 471.

(4) تاريخ ابن خلدون 2/ 620.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 145

السلام، أظهر فرحاً وسروراً، حتّي سجد … !

قالوا: «فلمّا أتاه الخبر أظهر فرحاً وسروراً حتّي سجد، وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد اللَّه بن عبّاس- وكان بالشام يومئذٍ- فدخل علي معاوية، فلمّا جلس قال معاوية: يا بن عبّاس، هلك الحسن بن عليّ.

فقال ابن

عبّاس: نعم هلك، إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، ترجيعاً مكرّراً، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته. أما واللَّه ما سدّ جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أُصبنا به لقد أُصبنا بمن كان خيراً منه، جدّه رسول اللَّه، فجبر اللَّه مصيبته، وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة … » «1».

وفي لفظ ابن خلّكان: «ولمّا كتب مروان إلي معاوية بشكاته كتب إليه:

أن أقبل المطي إلي بخبر الحسن؛ ولمّا بلغه موته سمع تكبيراً من القصر، فكبّر أهل الشام لذلك التكبير! فقالت فاختة زوجة معاوية: أقرّ اللَّه عينك يا أمير المؤمنين، ما الذي كبّرت له؟

قال: مات الحسن.

قالت: أعَلي موت ابن فاطمة تكبّر؟!

قال: واللَّه ما كبّرتُ شماتةً بموته، ولكن استراح قلبي!

وكان ابن عبّاس بالشام فدخل عليه فقال: يا بن عبّاس، هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟

قال: لا أدري ما حدث، إلّاأنّي أراك مستبشراً، وقد بلغني تكبيرك

__________________________________________________

(1) الإمامة والسياسة 1/ 196- 197، مروج الذهب 2/ 430، العقد الفريد 3/ 351، ربيع الأبرار 4/ 186- 187 و 209.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 146

وسجودك!

قال: مات الحسن.

قال: إنّا للَّه، يرحم اللَّه أبا محمّد ثلاثاً؛ ثمّ قال: واللَّه يا معاوية، لا تسدُّ حفرتُه حفرتَك، ولا يزيد نقص عمره في يومك، وإنْ كنّا أُصبنا بالحسن لقد أُصبنا بإمام المتّقين وخاتم النبيّين، فسكّن اللَّه تلك العبرة، وجبر تلك المصيبة، وكان اللَّه الخلف علينا من بعده» «1».

***

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 2/ 66- 67 رقم 155.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 147

الفصل الخامس: بين الإمام الحسين عليه السلام ومعاوية … ص: 147

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 149

وهكذا … تمكّن معاوية من القضاء علي كلّ من يحتمل أن يكون وجوده مزاحماً لولاية يزيد أو يكون معارضاً، وتمكّن من إكراه الناس علي

البيعة.

وقد نصّ العلماء- كالحافظ الذهبي- علي أنّه قد أكره الناس علي بيعة يزيد «1».

هذا، ولقد كان معاوية يقول: «لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي» «2».

ثمّ قال ليزيد: «يا بني! إنّي قد كفيتك الرحلة والرجال، ووطّأت لك الأشياء، وذلّلت لك الأعزّاء، وأخضعت لك أعناق العرب» «3».

وفي لفظٍ آخر: «يا بني! إنّي قد كفيتك الشدّ والترحال، ووطّأت لك الأُمور، وذلّلت لك الأعداء، وأخضعت لك رقاب العرب، وجمعت لك ما لم يجمعه أحد» «4».

__________________________________________________

(1) تاريخ الإسلام- حوادث سنة 60-: 167.

(2) الفتوح- لابن أعثم- 4/ 249، نسب قريش: 127، سير أعلام النبلاء 3/ 156 رقم 25.

(3) البداية والنهاية 8/ 93 حوادث سنة 60 ه.

(4) الكامل في التاريخ 3/ 368، وانظر: الفتوح- لابن أعثم- 4/ 354، نهاية الأرب 20/ 365.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 150

وفي رواية ابن الأعثم: «إنّي من أجلك آثرت الدنيا علي الآخرة، ودفعت حقّ عليّ بن أبي طالب، وحملت الوزر علي ظهري» «1».

وفي رواية الذهبي: «روي الواقدي: حدّثنا ابن أبي سبرة، عن مروان ابن أبي سعيد بن المعلّي ، قال: قال معاوية ليزيد- وهو يوصيه-: اتّق اللَّه، فقد وطّأت لك الأمر، ووليت من ذلك ما وليت، فإنْ يك خيراً فأنا أسعد به، وإنْ كان غير ذلك شقيت به، فارفق بالناس، وإيّاك وجبه أهل الشرف والتكبّر عليهم …

وروي يحيي بن معين، عن عبّاس بن الوليد النرسي- وهو من أقرانه-، عن رجل، أنّ معاوية قال ليزيد: إنّ أخوف ما أخاف شيئاً عملته في أمرك، وإنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قلّم يوماً أظفاره وأخذ من شعره، فجمعت ذلك، فإذا متُّ فاحشُ به فمي وأنفي.

وروي عبد الأعلي بن ميمون بن مهران، عن أبيه: إنّ معاوية قال في مرضه:

كنت أُوضّئ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يوماً، فنزع قميصه وكسانيه، فرقعته وخبّأت قلامة أظفاره في قارورة، فإذا متّ فاجعلوا القميص علي جلدي، واسحقوا تلك القلامة واجعلوها في عيني، فعسي اللَّه أن يرحمني ببركتها» «2».

أقول:

وهذا الخبر- إن صحّ- دلّ علي تبرّك الصحابة بآثار رسول اللَّه صلّي

__________________________________________________

(1) الفتوح 4/ 354.

(2) تاريخ الإسلام 2/ 323.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 151

اللَّه عليه وآله وسلّم، واعتقادهم بنفعها في القيامة!!

إلّا أن أساليبه المختلفة لم تنتج مع سيّدنا أبي عبد اللَّه عليه السلام وعبد اللَّه بن الزبير، وكلامنا الآن في ما دار بينه وبين الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام:

من الكتب بين الإمام الحسين عليه السلام ومعاوية

وذكر ابن قتيبة ما كتب به معاوية إلي الإمام الحسين عليه السلام:

«أمّا بعد، فقد انتهت إليَّ منك أُمور، لم أكن أظنّك بها رغبةً عنها، وإنّ أحقّ الناس بالوفاء لمن أعطي بيعة مَن كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللَّه بها، فلا تنازع إلي قطيعتك، واتّق اللَّه ولا تردنّ هذه الأُمّة في فتنة، وانظر لنفسك ودينك وأُمّة محمّد «وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَايُوقِنُونَ» «1»

» «2».

قال: «وكتب إليه الحسين رضي اللَّه عنه: أمّا بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أُمور، لم تكن تظنّني بها رغبة بي عنها … » «3».

فذكر الإمام عليه السلام جملةً من مساوئ معاوية ومخازيه وما ارتكبه من الظلم والقتل للأخيار، في كتابٍ طويل … جاء في آخره:

«واعلم، أنّ للَّه كتاباً لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّاأحصاها، واعلم،

__________________________________________________

(1) سورة الروم 30: 60.

(2) الإمامة والسياسة 1/ 201.

(3) الإمامة والسياسة 1/ 202.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 152

أنّ اللَّه ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما

أراك إلّاوقد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعيّة» «1».

ومن كلام الإمام الحسين عليه السلام عن يزيد بن معاوية

وكان ممّا قاله الإمام عليه السلام- في جواب معاوية عندما ذكر يزيد وجعل يمدحه ويعدّد له الفضائل- بعد حمد اللَّه والصلاة علي رسوله:

«وفهمت ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأُمّة محمّد، تريد أنْ توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلمٍ خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه علي موقع رأيه، فخذ ليزيد في ما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب الهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهنّ، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي، تجده باصراً.

ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أنْ تلقي اللَّه من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه، فواللَّه ما برحت تقدح باطلًا في جور وحنقاً في ظلم، حتّي ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلّاغمضة، فتقدم علي عمل محفوظ في يومٍ مشهود، ولات حين مناص … » «2».

***

__________________________________________________

(1) الإمامة والسياسة 1/ 203- 204.

(2) الإمامة والسياسة 1/ 208- 209.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 153

الفصل السادس: كتب أهل العراق إلي الإمام عليه السلام في حياة معاوية … ص: 153

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 155

وفي مثل هذه الظروف وعلي عهد معاوية! وردت علي الإمام الحسين عليه السلام كتبٌ من الكوفة.

قال ابن كثير: «قالوا: لمّا بايع الناس معاوية ليزيد، كان حسين ممّن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلي الخروج إليهم في خلافة معاوية، كلّ ذلك يأبي عليهم، فقدم منهم قوم إلي محمّد بن الحنفيّة يطلبون إليه أن يخرج معهم، فأبي ، وجاء إلي الحسين يعرض عليه أمرهم، فقال له الحسين: إنّ القوم إنّما يريدون أنْ يأكلوا بنا ويستطيلوا بنا ويستنبطوا دماء الناس ودماءنا … » «1».

وقد كتب إليهم عليه السلام كتاباً

يأمرهم بالصبر، ويقول لهم في ما رواه البلاذري وغيره: «فالصقوا بالأرض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوي ، واحترسوا … ما دام ابن هند حيّاً، فإن يُحدث اللَّه به حدثاً وأنا حيّ كتبت إليكم برأيي» «2».

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 8/ 129 حوادث سنة 60 ه، وانظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 422 رقم 1374، سير أعلام النبلاء 3/ 293- 294 رقم 48.

(2) أنساب الأشراف 3/ 366، الأخبار الطوال: 222.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 156

ريبة الإمام في الكتب وأصحابها

لكنّ الذي يلوح الناظر في كلماته وكتاباته عليه السلام هو الريب في تلك الكتب وأصحابها … فقد رأينا قوله لأخيه محمّد: «إنّ القوم إنّما يريدون أنْ يأكلوا بنا ويستطيلوا بنا … ».

ومن العجيب: أنّ هذا الذي قاله عليه السلام لأخيه في المدينة وعلي عهد معاوية، قد سمعه في طريقه إلي العراق من بعض القادمين من الكوفة لمّا سأل عن أهلها، فقد أجاب الإمامَ بقوله: «أمّا الأشراف، فقد عظمت رشوتهم … وما كتبوا إليك إلّاليجعلوك سوقاً ومكسباً … » «1».

وما زال الإمام عليه السلام في ريب ممّا وصلته من الكتب وجاءه من الرسل، حتّي إنّه لمّا بعث إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل، كتب إلي أهل الكوفة كتاباً يدلّ دلالة واضحةً علي عدم وثوقه بهم وبالكتب التي أتته من قبلهم، فقد كتب إليهم: «وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، فإنْ كَتبَ إليَّ بأنّه قد اجتمع رأي مَلَئكم وذوي الحجي والفضل منكم علي مثل ما قَدمَتْ به رسلكم وقَرأتُ في كتبكم، أقدمُ عليكم وشيكاً إن شاء اللَّه … » «2».

وروي ابن سعد- صاحب «الطبقات» -، بإسناده عن يزيد الرشك «3»، قال: «حدّثني مَن شافه الحسين، قال: إنّي رأيت

__________________________________________________

(1) انظر: البداية

والنهاية 8/ 139 حوادث سنة 61 ه، الحسين والسُنّة: 58.

(2) الإرشاد 2/ 39، وانظر: بحار الأنوار 44/ 334.

(3) هو: أبو الأزهر البصري، يزيد بن أبي يزيد، الضبعي ولاءً، المعروف بالرَّشك، وثّقه ابن سعد وابن حجر، توفّي سنة 30 ه وله من العمر مئة سنة.

انظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 9/ 244 رقم 4015، تهذيب التهذيب 11/ 371- 372 رقم 715.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 157

أخبيةً «1» مضروبةً بفلاة من الأرض، فقلت: لمن هذه؟

قالوا: هذه للحسين.

فأتيته، فإذا شيخ يقرأ القرآن، قال: والدموع تسيل علي خدّيه ولحيته؛ قال: قلت: بأبي وأُمّي يا بن رسول اللَّه، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد؟!

قال: هذه كتب أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلّاقاتليّ؛ فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا للَّه حرمةً إلّاانتهكوها، فيسلّط اللَّه عليهم من يذلّهم حتّي يكونوا أذلّ من فرم الأَمَة. يعني مقنعتها «2»» «3».

***

__________________________________________________

(1) في لفظ: أبنية.

(2) الفَرم- اصطلاحاً-: هي خرقة الحيض التي تحملها المرأة في فرجها؛ انظر: لسان العرب 10/ 251 مادّة «فرم».

(3) الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 431 رقم 1374، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 300، بغية الطلب 6/ 2615- 2616، البداية والنهاية 8/ 135.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 59

البابُ الثاني: موت معاوية وبدء تطبيق مخطّطاته ضدّ الإمام الحسين عليه السلام في فصلين: … ص: 159

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 161

الفصل الأوّل: مواقف الولاة من الإمام … ص: 161

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 163

وهكذا نجد معاوية حائراً مع الإمام عليه السلام، فلا هو أهل للمساومة، ولا التهديدات ترعبه، وهو إنْ بقي بين أظهر الناس وفي عاصمة الإسلام ومدينة جدّه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فلن يتمّ الأمر ليزيد …

من بنود الصلح أن لا يغتال الحسن أو الحسين

ومن جهةٍ أُخري ، فقد تعهّد في بنود الصلح- كما تقدّم- علي أن لا يصيب الحسن والحسين عليهما السلام بضرر أو أذيً ولا يمسّهما بسوءٍ.

فهو وإنْ نكث العهد باغتيال الإمام الحسن عليه السلام، إلّاأنّه قد أقدم علي ذلك بواسطة زوجته ظنّاً منه أنّ ذلك سيبقي سرّاً لا يطّلع عليه أحدٌ، فجعل يخطّط للقضاء علي الإمام الحسين عليه السلام علي يد أهل العراق بالتنسيق مع الخوارج في الكوفة ومع أنصار الأُمويّين هناك، هذا من جهةٍ، ومع ولاته في المدينة ومكّة والكوفة من جهةٍ أُخري …

وصيّة معاوية حول الحسين عليه السلام

ولذا نراه يكتب إلي مروان أن اترك حسيناً ما تركك ولم يظهر لك

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 164

عداوته؛ وسيأتي نصّه الكامل.

ثمّ إنّه يوصي يزيد بأن لا يتعرّض للإمام عليه السلام، ويخبره بدعوة أهل الكوفة إيّاه وأنّهم سيكفونه أمره، في حين يوصيه بشدّة ويغلّظ عليه بأن يقطّع ابن الزبير إرباً إرباً إنْ ظفر به وتمكّن منه «1».

نعم، لقد مات معاوية في النصف من رجب سنة ستّين من الهجرة «2» وكان قد أوصي يزيد- في ما اتّفقت المصادر عليه- أنْ لا يمسّ الإمام عليه السلام بسوء، وأنّ الّذين قتلوا أباه وأخاه سيدعونه إلي العراق وهم الّذين سيقتلونه!

«أمّا الحسين بن عليّ، فأحسب أهل العراق غير تاركيه حتّي يخرجوه، فإن فعل فظفرت به، فاصفح عنه …

» «3».

«انظر حسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فإنّه أحبّ الناس إلي الناس، فَصِلْ رحمه وارفق به يصلح لك أمره، فإن يك منه شي ء، فإنّي أرجو أن يكفيكه اللَّه بمن قتل أباه وخذل أخاه … » «4».

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ ابن خلدون 3/ 23.

(2) الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 424، البداية والنهاية 8/ 115، أنساب الأشراف 3/ 368.

(3) انظر: الأخبار الطوال: 226، تاريخ الطبري 3/ 260، المنتظم 4/ 137، الكامل في التاريخ 3/ 368- 369، تاريخ ابن خلدون 3/ 22- 23.

(4) انظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 423، العقد الفريد 3/ 360، تهذيب الكمال 4/ 488 رقم 1305، سير أعلام النبلاء 3/ 295 رقم 48، تاريخ الإسلام 2/ 341، البداية والنهاية 8/ 162، تاريخ ابن خلدون 3/ 23، بغية الطلب في تاريخ حلب 6/ 2607.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 165

وفي رواية الخوارزمي:

«وأمّا الحسين بن عليّ، فأوّه أوّه يا يزيد! ماذا أقول لك فيه؟! فاحذر أنْ تتعرَّض له إلّابسبيل خير! وامدد له حبلًا طويلًا، وذره يذهب في الأرض كيف يشاء ولا تؤذه، ولكن أرعِد له وأبرِق، وإيّاك والمكاشفة له في محاربةٍ بسيف، أو منازعة بطعن رمح» «1».

وكان الوالي يومئذ علي المدينة: الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، بعد أنْ كان عليها مروان بن الحكم، الذي كان يكتب إلي معاوية في الإمام عليه السلام ويثيره ويهيّجه ضدّه، بل كانت هذه حالته ضدّ الإمام حتّي في إمارة الوليد، كما سنري .

سعي الحكومة وراء خروج الإمام من المدينة

وبينما كانت الرسل والكتب تدعوه إلي الخروج إلي العراق، فقد كانت الحكومة تسعي وراء خروجه من المدينة إلي مكّة المكرّمة.

قال البلاذري:

«وكان رجال من أهل العراق وأشراف أهل الحجاز يختلفون

إلي الحسين، يجلّونه ويعظّمونه ويذكرون فضله ويدعونه إلي أنفسهم ويقولون: إنّا لك عضد ويد؛ ليتّخذوا الوسيلة إليه، وهم لا يشكّون في أنّ معاوية إذا مات لم يعدل الناس بحسينٍ أحداً.

فلمّا كثر اختلاف الناس إليه، أتي عمرُو بن عثمان بن عفّان مروانَ ابن الحكم- وهو إذ ذاك عامل معاوية علي المدينة- فقال له: قد كثر

__________________________________________________

(1) مقتل الحسين 1/ 257 ف 9.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 166

اختلاف الناس إلي حسين، وواللَّه إنّي لأري أنّ لكم منه يوماً عصيباً.

فكتب مروان ذلك إلي معاوية.

فكتب إليه معاوية: بأن اترك حسيناً ما تركك ولم يُظهر عداوته ويبدِ صفحته، واكمن عنه كمون الشري ، إن شاء اللَّه، والسلام» «1».

ثمّ اقترح مروان علي معاوية أن يُبعد الإمام من المدينة إلي الشام، فقد ذكروا أنّه: «دعا معاوية مروانَ بن الحكم فقال له: أشِر علَيَّ في الحسين.

قال: تخرجه معك إلي الشام، فتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه.

قال: أردتَ- واللَّه- أنْ تستريح منه وتبتليني به، فإنْ صبرتُ عليه صبرتُ علي ما أكره، وإنْ أسأتُ إليه كنتُ قد قطعتُ رحمه. فأقامه.

وبعث إلي سعيد بن العاص فقال له: يا أبا عثمان! أشِر علَيَّ في الحسين.

قال: إنّك- واللَّه- ما تخاف الحسين إلّاعلي مَن بعدك، وإنّك لتخلّف له قرناً إنْ صارعه ليصرعنّه، وإن سابقه ليسبقنّه، فذر الحسين منبتَ النخلة، يشرب من الماء، ويصعد في الهواء، ولا يبلغ إلي السماء» «2».

نعم، كانت الخطّة أنْ يُترك الإمام عليه السلام ولا يؤذي ؛ لأنّ أهل العراق غير تاركيه حتّي يخرجوه، ما لم يُثر ويظهر العداوة للحكومة، والإمام عليه السلام يعلن للناس إباءه عن البيعة، يصرّح بذلك لكلّ من

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 3/ 366- 367.

(2) العقد الفريد 4/ 82، وانظر: مناقب آل أبي طالب 4/ 89.

من هم

قتلةالحسين (ع)، ص: 167

يسأله، كقوله لأخيه محمّد بن الحنفية:

«يا أخي! واللَّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوي ، لَما بايعت يزيد ابن معاوية أبداً» «1».

وقوله عليه السلام لمروان بن الحكم لمّا قال له: «إنّي آمرك ببيعة يزيد، فإنّه خير لك في دينك ودنياك»، قال:

«إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، وعلي الإسلام السلام، إذْ قد بليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعت جدّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: الخلافة محرّمة علي آل أبي سفيان» «2».

وفي هذه الظروف، نري أنّ الكتب من الكوفة تتري ، يدعونه ويطلبون منه القدوم إليهم، والإمام يقول: «لا أراهم إلّاقاتليّ» «3».

وبدأ الحكّام يسعون وراء خروج الإمام من الحجاز …

مواقف الولاة من الإمام ومن نائبه في الكوفة

ومات معاوية والوالي علي المدينة هو «الوليد بن عتبة بن أبي سفيان»، قال الذهبي: وكان معاوية يولّي علي المدينة مرّةً مروان ومرّةً الوليد بن عتبة … فعزل قبيل موته مروان وولّي الوليد … وقد عرفنا باختصار موقف مروان من الإمام عليه السلام.

وأخبر يزيد- في أوّل خطبةٍ له بعد موت معاوية- عن الحرب مع

__________________________________________________

(1) الفتوح- لابن أعثم- 5/ 23.

(2) الملهوف علي قتلي الطفوف: 99.

(3) تاريخ دمشق 14/ 216، سير أعلام النبلاء 3/ 306، البداية والنهاية 8/ 135 حوادث سنة 60 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 168

أهل العراق، وأنّه سينتصر عليهم بواسطة عبيد اللَّه بن زياد «1».

وكتب يزيد إلي الوليد بن عتبة يأمره بأخذ البيعة من أهل المدينة وخاصّةً من الإمام عليه السلام، وجماعة، كعبد اللَّه بن الزبير، وسيأتي الكلام علي نصّ كتاب يزيد.

بين الوليد والإمام

لكنّ الوليد لم يستعمل الشدّة مع الإمام عليه السلام، فضلًا علي أن يقدِم علي قتله، وإنّما بعث إليه وأخبره بوفاة معاوية، ودعاه إلي

البيعة ليزيد، فقال له الإمام: نصبح وننظر؛ فلم يشدّد الوليد علي الإمام «2»، بل قال له: «انصرف علي اسم اللَّه» «3».

هذا، وقد اختلفت روايات المؤرّخين لنصّ كتاب يزيد إلي الوليد بن عتبة، فمنهم من روي أنّه أمره بقتل الإمام، ومنهم من روي أنّه أمره بأخذ البيعة منه، بل منهم من روي أنّه أمره بالرفق معه …

إلّا أنّ أحداً لم يتردّد في أنّ يزيد قد أمر ابن زياد بقتل الإمام عليه السلام، وأنْ يبعث إليه برأسه الشريف.

وسيأتي تفصيل ذلك كلّه في ما بعد …

قال الشيخ المفيد:

«فقال مروان للوليد: عصيتني، لا واللَّه لا يمكّنك مثلها من نفسه أبداً.

__________________________________________________

(1) الفتوح- لابن أعثم- 5/ 6- 9، مقتل الحسين 1/ 261.

(2) سير أعلام النبلاء 3/ 534 رقم 139.

(3) انظر حوادث سنة 60 ه في: تاريخ الطبري 3/ 270، البداية والنهاية 8/ 118.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 169

فقال الوليد: الويح لغيرك يا مروان، إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، واللَّه ما أُحبُّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأنّي قتلت حسيناً.

سبحان اللَّه! أقتلُ حسيناً إنْ قال لا أُبايع؟! واللَّه إنّي لأظنّ أنّ امرَأً يحاسَب بدم الحسين خفيف الميزان عند اللَّه يوم القيامة.

فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت في ما صنعت. يقول هذا وهو غير الحامد له علي رأيه» «1».

قال المفيد:

«فأقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستّين، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه.

وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجّهاً إلي مكّة، فلمّا أصبح الوليد سرّح في أثره الرجال، فبعث راكباً من موالي بني أُميّة في

ثمانين راكباً فطلبوه فلم يدركوه، فرجعوا.

فلمّا كان آخر نهار يوم السبت، بعث الرجال إلي الحسين بن عليّ عليهما السلام ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين:

أصبِحوا ثمّ ترون ونري ؛ فكفّوا تلك الليلة عنه، ولم يلحّوا عليه.

فخرج عليه السلام من تحت ليلته، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجّهاً نحو مكّة … » «2».

__________________________________________________

(1) الإرشاد 2/ 33- 34، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 270، الكامل في التاريخ 3/ 378، البداية والنهاية 8/ 118.

(2) الإرشاد 2/ 34.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 170

وقال محمّد بن أبي طالب الموسوي:

«وأرسل الوليد إلي منزل الحسين عليه السلام لينظر أخَرجَ من المدينة أم لا؟ فلم يصبه في منزله فقال: الحمد للَّه الذي خرج ولم يبتلني بدمه … » «1».

هذا، وقد جاء في رواية البلاذري أنّ الوليد قد قال للإمام عليه السلام- في كلامٍ بينهما-: «لو علمت ما يكون بعدنا لأحببتنا كما أبغضتنا» «2».

وهذا الكلام جديرٌ بالتأمّل جدّاً.

أقول:

والذي نراه أنّ الوليد كان مأموراً بما فعل، وأنّ ما فعله كان تطبيقاً لِما أُمر به، لكنّ مروان كان يجهل الأمر، أو كان يريد غير ذلك.

وممّا يشهد لِما ذكرناه أُمور:

1- إنّه لمّا خرج ابن الزبير وجّه الوليد في إثره حبيب بن ذكوان في ثلاثين فارساً، وقيل: ثمانين، فلم يقعوا له علي أثر، وشغلوا يومهم ذلك كلّه بطلب ابن الزبير «3» ليعمل بوصيّة معاوية؛ وأمّا الإمام، فلمّا علم الوليد بخروجه عليه السلام من المدينة المنوّرة قال: «الحمد للَّه».

2- إنّه لو كان مأموراً بقتل الإمام لَما قال له لمّا أبي أن يبايع:

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 44/ 328 ب 37.

(2) أنساب الأشراف 3/ 369.

(3) انظر: الأخبار الطوال: 228، تاريخ ابن خلدون 3/ 23، الكامل في التاريخ 3/ 369، البداية

والنهاية 8/ 93، المنتظم 4/ 137.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 171

«انصرف علي اسم اللَّه»؛ كما مرّ سابقاً عن الطبري وابن كثير «1».

3- إنّ الكلام الذي دار بينه وبين مروان، يدلّ دلالة واضحة علي كون مروان هو المصرّ علي القتل إن لم يبايع الإمام.

4- إنّنا لم نجد أيّةَ عقوبة للوليد من يزيد … فلو كان أمره بقتل الإمام ولم يمتثل لعاقبه، ولا أقلّ من أن لا يولّيه شيئاً من المناصب؛ والحال أنّ يزيد قد ولّاه المدينة مرّتين، وأقام الموسم غير مرّة، آخرها سنة 62، كما ذكر الذهبي «2».

5- إنّ الوليد هو الذي صلّي علي جنازة معاوية بن يزيد «3».

6- أرادوه للخلافة بعد معاوية بن يزيد، فأبي «4».

والحاصل:

إنّ عزله عن المدينة لم يكن إلّالمصلحةٍ خاصّة، وسيأتي نظيره في والي الكوفة، ولم يكن لتفريطه في هذا الأمر كما ذكر بعض المؤرّخين، اللّهمّ إلّاأن يكون لتفريطه في أمر ابن الزبير الذي أوصي معاوية يزيد بأنْ يقطّعه إرباً إرباً إن قدر عليه «5».

__________________________________________________

(1) تقدّم في الصفحة 168 ه 3.

(2) العبر 1/ 52.

(3) الإنباء بأنباء الأنبياء (تاريخ القضاعي): 210.

(4) دول الإسلام: 41.

(5) انظر: تاريخ الطبري 3/ 260، العقد الفريد 3/ 360، المنتظم 4/ 137، تاريخ ابن خلدون 3/ 23، الكامل في التاريخ 3/ 369، البداية والنهاية 8/ 93.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 172

الإمام في مكّة المكرّمة

قال المفيد:

فسار الحسين عليه السلام متوجّهاً إلي مكّة وهو يقرأ «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكّبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير، كيلا يلحقك الطلب؟ فقال: لا واللَّه لا أُفارقه حتّي يقضي اللَّه ما هو قاض.

ولمّا دخل الحسين عليه السلام مكّة- وكان دخوله

إيّاها يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان- دخلها وهو يقرأ «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَي رَبِّي أَن يَهْدِيَني سَوَاءَ السَّبِيلِ»، ثمّ نزلها.

وأقبل أهلها يختلفون إليه، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير بها، قد لزم جانب البيت، وهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسين عليه السلام في من يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين، ويأتيه بين كلّ يومين مرّةً، وهو عليه السلام أثقل خلق اللَّه علي ابن الزبير؛ لأنّه قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين في البلد، وأنّ الحسين أطوع في الناس منه وأجلّ.

هذا، وقد كان الوالي علي مكّة: عمرو بن سعيد الأشدق، وكان هو الوالي علي المدينة- أيضاً- بعد عزل الوليد.

قال الطبري- في عمّال يزيد-:

وكان عامله علي مكّة والمدينة في هذه السنة- بعدما عزل الوليد بن عتبة- عمرو بن سعيد، وعلي الكوفة والبصرة وأعمالها عبيد اللَّه بن

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 173

زياد … «1».

وكتب يزيد إلي عبد اللَّه بن العبّاس كتاباً جاء فيه:

«أمّا بعد، فإنّ ابن عمّك حسيناً وعدوّ اللَّه ابن الزبير إلتويا ببيعتي ولحقا بمكّة مرصدين للفتنة، معرّضين أنفسهما للهلكة، فأمّا ابن الزبير فإنّه صريع الفنا وقتيل السيف غداً.

وأمّا الحسين، فقد أحببت الإعذار إليكم أهل البيت ممّا كان منه، وقد بلغني أنّ رجالًا من شيعته من أهل العراق يكاتبونه ويكاتبهم ويمنّونه الخلافة ويمنّيهم الإمرة، وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الأرحام، وقد قطع ذلك الحسين وبتّه، وأنت زعيم أهل بيتك وسيّد بلادك، فالقه فاردده عن السعي في الفتنة، فإن قبل منك وأناب، فله عندي الأمان والكرامة الواسعة … أُجري عليه ما كان أبي يجريه … ».

فكتب إليه ابن عبّاس في الجواب:

«أمّا بعد، فقد ورد

كتابك تذكر فيه لحاق الحسين وابن الزبير بمكّة.

فأمّا ابن الزبير، فرجل منقطع عنّا برأيه وهواه، يكاتمنا مع ذلك أضغاناً يسرّها في صدره، يوري علينا وري الزناد، لا فكّ اللَّه أسيرها، فارأ في أمره ما أنت راء.

وأمّا الحسين، فإنّه لمّا نزل مكّة وترك حرم جدّه ومنازل آبائه، سألته عن مقدمه، فأخبرني أنّ عمّالك بالمدينة أساؤوا إليه، وعجّلوا عليه بالكلام الفاحش، فأقبل إلي حرم اللَّه مستجيراً به، وسألقاه في ما أشرت إليه، ولن

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 272 حوادث سنة 60 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 174

أدع النصيحة في ما يجمع اللَّه به الكلمة، ويطفئ به النائرة، ويخمد به الفتنة، ويحقن به دماء الأُمّة.

فاتّق اللَّه في السرّ والعلانية، ولا تبيتنّ ليلة وأنت تريد لمسلم غائلة، ولا ترصده بمظلمة، ولا تحفر له مهراة، فكم من حافر لغيره حفراً وقع فيه، وكم من مؤمّل أملًا لم يؤت أمله، وخذ بحظّك من تلاوة القرآن، ونشر السُنّة، وعليك بالصيام والقيام، لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا وأباطيلها، فإنّ كلّ ما اشتغلت به عن اللَّه يضرّ ويفني ، وكلّ ما اشتغلت به من أسباب الآخرة ينفع ويبقي . والسلام» «1».

وكان الأشدق جبّاراً من جبابرة بني أُميّة، وقد تعرّض لابن الزبير في خطابٍ له فقال: «فواللَّه لنغزونّه، ثمّ لئن دخل الكعبة لنحرقنّها عليه، علي رغم أنف من رغم» «2».

وهكذا كان … كما هو معلوم من التاريخ.

أمّا بالنسبة إلي الإمام، فقد ذكر أنّه جاء إليه وقال له: «ما أقدمك»؟!

قال: «عائذاً باللَّه وبهذا البيت» «3».

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 14/ 210- 211، بغية الطلب 6/ 2610- 2611، البداية والنهاية 8/ 131- 132.

(2) تاريخ الإسلام 2/ 268.

(3) انظر عن كتاب الإمام عليه السلام إلي أهل الكوفة وما قاله لمسلم، ممّا يدلّ علي

عدم وثوقه بأجواء الكوفة:

تاريخ الطبري 3/ 121- 122، المنتظم 4/ 142، سير أعلام النبلاء 3/ 293 رقم 48، أنساب الأشراف 3/ 369- 371، الأخبار الطوال: 229- 230، مقاتل الطالبيّين: 99، تهذيب الكمال 4/ 493- 494، الاصابة 2/ 78، الفتوح 5/ 29- 38، الكامل في التاريخ 3/ 385- 386، تاريخ ابن خلدون 3/ 26- 27، مروج الذهب 3/ 54.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 175

ولم نجد في التواريخ المعتبرة شيئاً آخر من الأشدق- هذا الجبّار العنيد- ضدّ الإمام عليه السلام في مكّة المكرّمة.

كتب أهل الكوفة، والإمام يبعث مسلماً

وما زالت الكتب تصل إلي الإمام يدعونه إلي الكوفة … «1».

هنالك دعا مسلمَ بن عقيل رضي اللَّه عنه وأرسله إلي الكوفة، وأمره بتقوي اللَّه وكتمان الأمر واللطف …

فأقبل مسلم حتّي دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيد، وأقبلت الشيعة تختلف إليه وأكثروا حتّي عُلم مكانه …

فبلغ النعمان بن بشير ذلك- وكان والياً علي الكوفة من قِبَل معاوية فأقرّه يزيد عليها- فصعد المنبر، فحمد اللَّه وأثني عليه ثمّ قال:

أمّا بعد، فاتّقوا اللَّه- عباد اللَّه- ولا تُسارعوا إلي الفتنة والفُرقة، فإنّ فيها يهلك الرجال، وتُسفك الدماء، وتُغتصب الأموال، إنّي لا أُقاتل من لا يقاتلني، ولا آتي علي مَن لم يأت علَيَّ، ولا أُنبّه نائمكم، ولا أتحرّش بكم، ولا آخذ بالقَرف ولا الظنّة ولا التُّهمة، ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم، فواللَّه الذي لا إله غيره، لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر.

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ الطبري 3/ 274- 278، تاريخ دمشق 14/ 212، البداية والنهاية 8/ 121- 122.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 176

أما إنّي أرجو أن يكون من يعرف الحقّ منكم أكثر

ممّن يُرديه الباطل.

فقام إليه عبد اللَّه بن مسلم بن ربيعة الحضرمي، حليف بني أُميّة، فقال: إنّه لا يصلح ما تري إلّاالغشم، إنّ هذا الذي أنت عليه في ما بينك وبين عدوّك رأيُ المستضعفين.

فقال له النعمان: أكون من المستضعفين في طاعة اللَّه، أحبُّ إليّ من أكون من الأعزّين في معصية اللَّه. ثمّ نزل.

وخرج عبد اللَّه بن مسلم فكتب إلي يزيد بن معاوية: أمّا بعد، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة، فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ، فإن يك لك في الكوفة حاجةٌ، فابعث إليها رجلًا قويّاً، ينفّذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك، فإنّ النّعمان بن بشير رجلٌ ضعيفٌ أو هو يتضعَّفُ.

ثمّ كتب إليه عمارة بن عُقبة بنحوٍ من كتابه.

ثمّ كتب إليه عُمر بن سعد بن أبي وقّاص مثل ذلك «1».

***

__________________________________________________

(1) انظر عن موقف النعمان من مسلم بن عقيل وشكوي شيعة بني أُميّة منه:

تاريخ الطبري 3/ 279- 280، تهذيب التهذيب 2/ 49 رقم 3615، سير أعلام النبلاء 3/ 299- 300، الفتوح 5/ 39- 40، الأخبار الطوال: 233، تهذيب الكمال 6/ 494 رقم 1305، الإصابة 2/ 78- 79، المنتظم 4/ 142، الكامل في التاريخ 3/ 387، البداية والنهاية 8/ 122، تاريخ ابن خلدون 3/ 27، مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 286- 287، وغيرها.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 177

الفصل الثاني: تولية يزيد ابن زياد علي الكوفة … ص: 177

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 179

فلمّا وصلت الكتب إلي يزيد، دعا سرجون مولي معاوية فقال: ما رأيك؟ إنّ حسيناً قد وجّه إلي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، وقد بلغني عن النعمان بن بشير ضعفٌ وقول سيّئ، فمن تري أنْ أستعمل علي الكوفة؟ وكان يزيد عاتباً علي عبيد اللَّه بن زياد.

فقال له سرجون: أرأيت معاوية لو نُشر لك حيّاً، أما

كنت آخذاً برأيه؟

قال: نعم.

قال: فأخرج سرجون عهد عبيد اللَّه بن زياد علي الكوفة وقال: هذا رأي معاوية، مات وقد أمر بهذا الكتاب، فضُمّ المصرَين إلي عبيد اللَّه بن زياد.

فقال له يزيد: أفعل، ابعثْ بعهد عبيد اللَّه إليه «1».

__________________________________________________

(1) تجد خبر عهد معاوية بتولية ابن زياد علي الكوفة وإشارة سرجون بذلك في:

أنساب الأشراف 5/ 407، تاريخ الطبري 3/ 280، الفتوح 5/ 40- 41، العقد الفريد 3/ 364، مقتل الحسين 1/ 287، البداية والنهاية 8/ 122، الإصابة 2/ 79، تهذيب التهذيب 2/ 349 رقم 615، الإمامة والسياسة 2/ 8، الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 432، تاريخ دمشق 37/ 438، الكامل في التاريخ 3/ 387، تهذيب الكمال 4/ 494 رقم 1305.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 180

ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلي عبيد اللَّه بن زياد معه:

أمّا بعد، فإنّه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يخبروني أنّ ابن عقيل بها، يجمع الجموع ويشقّ عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا، حتّي تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتّي تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه. والسلام.

وسلّم إليه عهده علي الكوفة «1».

ولمّا سمع مسلم بن عقيل رحمه اللَّه بمجي ء عبيد اللَّه بن زياد الكوفةَ، ومقالته التي قالها، وما أخذ به العرفاء والناس، خرج من دار المختار حتّي انتهي إلي دار هانئ بن عروة فدخلها، وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ علي تستُّرٍ واستخفاءٍ من عبيد اللَّه، وتواصَوا بالكتمان «2».

من هو النعمان بن بشير؟

ويبقي أن نعرف النعمان بن بشير؟ ومتي نصب علي الكوفة؟ وهل كان ضعيفاً كما توهّم القوم؟ وهل غضب عليه يزيد؟

لقد كان الوالي قبله علي الكوفة: عبد اللَّه بن خالد، فعزله معاوية وولّي النعمان بن بشير

«3». ثمّ لمّا ولّي يزيد عبيدَ اللَّه بن زياد علي الكوفة- إضافةً إلي البصرة- ارتحل النعمان بن بشير نحو وطنه بالشام «4».

__________________________________________________

(1) الإرشاد 2/ 42- 43.

(2) الإرشاد 2/ 45.

(3) الأخبار الطوال: 225.

(4) الأخبار الطوال: 233.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 181

قال الذهبي: وكان النعمان بن بشير منقطعاً إلي معاوية.

وإنّه لمّا عُزل عن الكوفة ورجع إلي الشام ولي قضاء دمشق، ثمّ ولي إمرة حمص مدّةً «1» …

وكان النعمانُ أحدَ رسلِ يزيدَ إلي ابن الزبير «2».

وكان الرجل- كأبيه- من رجالات حركة النفاق «3» …

ومن كلّ ذلك نفهم:

أوّلًا: إنّ لنصبه علي الكوفة من قبل معاوية قبيل وفاته سرّاً …

وثانياً: إنّ يزيد أقرّه عليها.

وثالثاً: إنّ يزيد لم يغضب عليه لتهاونه- بحسب الظاهر- أمام تحرّكات مسلم بن عقيل وأصحابه، بل ولّاه الولايات، وكان من المقرّبين عنده حتّي اليوم الأخير.

ورابعاً: إنّ دوره ومنزلته ومسؤوليّته كانت بحيث إنّه لم يُعْنِ باعتراضات عيون بني أُميّة وشيعة يزيد في الكوفة … لكنّهم كانوا لا يعلمون بالخطّة.

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ دمشق 62/ 111 رقم 7897، أخبار القضاة- لوكيع- 3/ 201، الإصابة 6/ 440 رقم 8734، الطبقات الكبري - لابن سعد- 8/ 176 رقم 2757، الاستيعاب 4/ 1498 و 1499 رقم 2614.

(2) الأخبار الطوال: 263.

(3) فقد تقلّد هو المناصب الخطيرة لبني أُميّة.

أمّا أبوه فقد كان أحد رجالات أحداث السقيفة؛ انظر: المنتظم 3/ 16، الكامل في التاريخ 2/ 194، البداية والنهاية 5/ 188.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 182

استشهاد مسلم وهاني بن عروة … ص: 182

ثمّ إنّ ابن زياد تمكّن من إلقاء القبض علي هاني بن عروة ثمّ مسلم ابن عقيل، فاستشهدا علي يديه، علي التفصيل المذكور في كتب التاريخ «1».

ولمّا بلغ الإمام عليه السلام خبر مسلم وهاني- وهو في الطريق- ارتجّ الموضع بالبكاء والنياحة والعويل، قالوا:

وتفرّق الناس عنه فلم يبق معه إلّاقليل «2».

فنظر عليه السلام إلي بني عقيل وقال: ما ترون، فقد قتل مسلم؟

قالوا: واللَّه ما نرجع حتّي نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق.

فقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء «3».

وكتب ابن زياد بذلك إلي يزيد:

«أمّا بعد، فالحمد للَّه الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه، وكفاه مؤونة عدوّه، أُخبِر أميرَ المؤمنين أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلي دار هانئ بن عروة المراديّ، وأنّي جعلت عليهما العيون ودسستُ إليهما الرجال وكدتهما حتّي استخرجتهما، وأمكن اللَّه منهما، فقدّمتهما وضربتُ أعناقهما.

__________________________________________________

(1) انظر: جمهرة أنساب العرب: 406، تاريخ الطبري 3/ 275، الكامل في التاريخ 3/ 389 و 391، البداية والنهاية 8/ 123، مروج الذهب 3/ 59- 60.

(2) انظر: تاريخ الطبري 3/ 303، بغية الطلب 6/ 2622، البداية والنهاية 8/ 135، الفتوح- لابن أعثم- 5/ 71، مثير الأحزان: 45، الملهوف علي قتلي الطفوف: 134.

(3) انظر: مروج الذهب 3/ 61، الكامل في التاريخ 3/ 403، مثير الأحزان: 45.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 183

وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة والزبير بن الأروح التميمي، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمرهما، فإنّ عندهما علماً وصدقاً وورعاً، والسلام.

فكتبَ إليه يزيد:

أمّا بعد، فإنّك لم تَعْدُ أن كنت كما أُحبّ، عملت عمل الحازم، وصُلْتَ صولة الشجاع الرابط الجأشِ، وقد أغنيت وكفيت وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك، وقد دعوتُ رسولَيْك فسألتهما وناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوصِ بهما خيراً.

وإنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد توجّه إلي العراق، فضع المناظر والمسالح واحترسْ، واحبس علي الظنّة، واقتُل علي التهمة، واكتب إليّ في ما يحدث من خبرٍ إن شاء اللَّه» «1».

كتاب عمرو بالأمان … ص: 183

قالوا: ولمّا خرج الإمام عليه

السلام من مكّة كتب عمرو بن سعيد مع أخيه يحيي في جندٍ أرسلهم إليه: «إنّي أسأل اللَّه أن يلهمك رشدك، وأن يصرفك عمّا يرديك، بلغني أنّك قد اعتزمت علي الشخوص إلي العراق،

__________________________________________________

(1) الإرشاد- للشيخ المفيد- 2/ 65- 66، تاريخ الطبري 3/ 293، الفتوح- لابن أعثم- 5/ 69- 70، الأخبار الطوال: 242، وقعة الطفّ: 77، مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 308- 309 ف 10، مناقب آل أبي طالب- لابن شهر آشوب- 4/ 102، بحار الأنوار 44/ 359 ب 37، الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 434 رقم 1374، أنساب الأشراف 2/ 341- 342، تاريخ الإسلام 2/ 270، مروج الذهب 3/ 60، المنتظم 4/ 145، الكامل في التاريخ 3/ 398، البداية والنهاية 8/ 126.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 184

فإنّي أُعيذك باللَّه من الشقاق، فإنْ كنت خائفاً فأقبل إليَّ، فلك عندي الأمان والبرّ والصلة» «1».

أقول:

فهو لم يتعرّض للإمام بسوء، بل كتب إليه يعطيه الأمان ويعده البرّ والصلة والإحسان!!

ثمّ إنّ يحيي ومن معه حاولوا الحيلولة دون خروجه، وتدافع الفريقان، وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فأرسل إليهم يأمرهم بالانصراف «2».

ولكنّ عمرو بن سعيد الأشدق قد كتب في الحال إلي عبيد اللَّه بن زياد:

«أمّا بعد، فقد توجّه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترقّ كما تسترقّ العبيد» «3».

أقول:

فانظر ما معني ذلك؟!

هذا، وقد جاء في بعض التواريخ أنّه قد خرج من مكّة مع الإمام

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 426 رقم 1374، تاريخ الطبري 3/ 297، الكامل في التاريخ 3/ 402، بغية الطلب 6/ 2610، تهذيب الكمال 4/ 491 رقم 1305، البداية والنهاية 8/ 131، مختصر تاريخ دمشق 7/ 141.

(2) انظر: أنساب الأشراف 3/ 375، الأخبار الطوال: 244، تاريخ الطبري 3/ 296،

الكامل في التاريخ 3/ 401.

(3) الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 429 رقم 1374، تاريخ دمشق 14/ 212 رقم 1566.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 185

عليه السلام نحو العراق ستّون شيخاً من أهل الكوفة «1».

لكنْ مَن كان هؤلاء؟ وهل بقوا معه؟ وماذا كان مصيرهم؟

وكتب ابن عبّاس ليزيد: «وما أنس من الأشياء، فلستُ بناسٍ اطّرادك الحسين بن عليّ من حرم رسول اللَّه إلي حرم اللَّه، ودسّك إليه الرجال تغتاله، فأشخصته من حرم اللَّه إلي الكوفة» «2».

ثمّ إنّه عليه السلام ما زال يخبر من معه بمقتله، وإنّ من يبقي معه منهم فإنّهم سيقتلون.

فتارةً يشبّه نفسه بيحيي بن زكريّا ويقول: «إنّ من هوان الدنيا علي اللَّه تعالي أنّ رأس يحيي بن زكريّا أُهدي إلي بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل» «3».

وأُخري : يخبرهم عن رؤيا رآها، فقال: «قد رأيت هاتفاً يقول:

أنتم تسيرون والمنايا تسير بكم إلي الجنّة؛ فقال له ابنه عليّ: يا أبة! أفلسنا علي الحقّ؟! فقال: بلي يا بنيّ والذي إليه مرجع العباد. فقال له:

يا أبة! إذاً لا نبالي بالموت» «4».

ومرّةً أُخري أخبرهم بذلك، «قالوا: وما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟! …

قال: رأيت كلاباً تنهشني، أشدّها علَيَّ كلب أبقع» «5».

وثالثةً: لمّا اعتذر بعض الناس من نصرته قال: « … فإنّه من سمع

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 14/ 212 رقم 1566.

(2) تاريخ اليعقوبي 2/ 163.

(3) الملهوف علي قتلي الطفوف: 102.

(4) الملهوف علي قتلي الطفوف: 131- 132.

(5) كامل الزيارات: 75 ب 23 ح 14.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 186

واعيتنا، أو رأي سوادنا، فلم يجب واعيتنا، كان حقّاً علي اللَّه أن يكبّه علي منخريه في نار جهنّم» «1».

وجاء في كلام الإمام عند وصوله إلي كربلاء: «اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله، قد أُخرجنا وأُزعجنا

وطُردنا عن حرم جدّنا … » «2».

وقال عليه السلام: «ها هنا واللَّه محطّ ركابنا وسفك دمائنا، ها هنا مخطّ قبورنا، وها هنا واللَّه سبي حريمنا، بهذا حدّثني جدّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم» «3».

***

__________________________________________________

(1) انظر: رجال الكشّي 1/ 331 رقم 181 ترجمة عمرو بن قيس المشرقي.

(2) مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 337 ف 11.

(3) الملهوف علي قتلي الطفوف: 139، الأخبار الطوال: 253.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 187

الحلقة الثانية … ص: 187

اشارة

دور يزيد والحزب الأُموي في الكوفة في بابين:

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 189

البابُ الأوّل: دور يزيد بن معاوية في فصول: … ص: 189

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 191

الفصل الأوّل: في أنّ يزيد أمر بقتل الإمام عليه السلام … ص: 191

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 193

قال ابن حجر الهيتمي المكّي، في كلامٍ له عن يزيد:

«قال أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك به ورعاً وعلماً بأنّه لم يقل ذلك إلّالقضايا وقعت منه صريحة في ذلك ثبتت عنده … » «1».

نعم … وقعت منه قضايا ثابتة توجب الحكم بكفره …

لقد ثبت أمره بقتل الإمام السبط الشهيد عليه السلام، والأدلّة المثبتة لذلك كثيرة، سنذكرها بشي ء من التفصيل، وسيري القارئ خلال أخبار ذلك طرفاً من القضايا المثبتة لكفره …

وهذا بعض تلك الأدلّة علي ضوء ما ورد في الكتب الأصليّة المعتمدة:

1- كتاب يزيد إلي الوليد والي المدينة

فلقد جاء في غير واحدٍ من التواريخ أنّ يزيد قد أمر الوليد بن عتبة

__________________________________________________

(1) المنح المكّيّة- شرح القصيدة الهمزية-: 271.

وقد ذكر ابن الجوزي وسبطه وابن حجر أنّ أحمد بن حنبل ذكر في حقّ يزيد ما يزيد علي اللعنة؛ انظر: الردّ علي المتعصّب العنيد: 13، تذكرة الخواصّ: 257، الصواعق المحرقة: 332- 333.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 194

ابن أبي سفيان- وهو علي المدينة- بقتل الإمام إنْ هو لم يبايع:

قال اليعقوبي، المتوفّي سنة 292:

«وملك يزيد بن معاوية … وكان غائباً، فلمّا قدم دمشق كتب إلي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان- وهو عامل المدينة-:

إذا أتاك كتابي هذا، فأحضر الحسين بن عليّ وعبد اللَّه بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليَّ برؤوسهما، وخذ الناس بالبيعة، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم وفي الحسين بن عليّ وعبد اللَّه بن الزبير؛ والسلام» «1».

وقال الطبري، المتوفّي سنة 310:

«ولم يكن ليزيد همّة حين وليَ إلّابيعة النفر الّذين أبوا علي معاوية الإجابة إلي بيعة يزيد، حين دعا الناس إلي بيعته وأنّه وليّ عهده بعده، والفراغ

من أمرهم، فكتب إلي الوليد:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من يزيد أمير المؤمنين إلي الوليد بن عتبة، أمّا بعد، فإنّ معاوية كان عبداً من عباد اللَّه، أكرمه اللَّه واستخلفه وخوّله ومكّن له، فعاش بقدر ومات بأجل، فرحمه اللَّه، فقد عاش محموداً ومات برّاً تقيّاً؛ والسلام».

وكتب إليه في صحيفة كأنّها أُذن فأرة:

«أمّا بعد، فخذ حسيناً وعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّي يبايعوا؛ والسلام» «2».

__________________________________________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2/ 154.

(2) تاريخ الطبري 3/ 269.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 195

وقال ابن أعثم الكوفي، المتوفّي حدود سنة 314:

«ذكر الكتاب إلي أهل البيعة بأخذ البيعة:

من عبد اللَّه يزيد بن معاوية أمير المؤمنين إلي الوليد بن عتبة؛ أمّا بعد، فإنّ معاوية كان عبداً للَّه من عباده، أكرمه اللَّه واستخلفه وخوّله ومكّن له، ثمّ قبضه إلي روحه وريحانه ورحمته وغفرانه … وقد كان عهد إليّ عهداً وجعلني له خليفةً من بعده، وأوصاني أنْ آخذ آل أبي ترابٍ بآل أبي سفيان؛ لأنّهم أنصار الحقّ وطلّاب العدل … ».

ثمّ كتب إليه في صحيفة صغيرة كأنّها أُذن فأرة:

«أمّا بعد، فخذ الحسين بن عليّ وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد اللَّه بن الزبير وعبد اللَّه بن عمر بن الخطّاب أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبي عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه» «1».

وقال الخوارزمي، المتوفّي سنة 568:

«كتب إليه:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من عبد اللَّه يزيد أمير المؤمنين إلي الوليد ابن عتبة؛ أمّا بعد، فإنّ معاوية كان عبداً من عبيد اللَّه، أكرمه واستخلفه ومكّن له … وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم علي سفك الدماء، وقد علمت- يا وليد- أنّ اللَّه تعالي منتقم للمظلوم عثمان بن عفّان من آل

أبي تراب بآل أبي سفيان؛ لأنّهم أنصار الحقّ وطلّاب العدل … ».

ثمّ كتب صحيفة صغيرة كأنّها أُذن فأرة:

«أمّا بعد، فخذ الحسين وعبد اللَّه بن عمر وعبد الرحمن بن أبي

__________________________________________________

(1) الفتوح 5/ 9.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 196

بكر وعبد اللَّه بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة، فمن أبي عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه؛ والسلام» «1».

وقال ابن الجوزي، المتوفّي سنة 597:

«فلمّا مات معاوية كان يزيد غائباً فقدم فبويع له، فكتب إلي الوليد ابن عتبة- واليه علي المدينة-:

خذ حسيناً وعبد اللَّه بن الزبير وعبد اللَّه بن عمر بالبيعة أخذاً شديداً، ليست فيه رخصة، حتّي يبايعوا» «2».

هذا ما نقله هؤلاء …

لكنّ ابن سعد، المتوفّي سنة 230..

يروي- في ترجمة الإمام عليه السلام من طبقاته- أنّه «لمّا حُضِرَ معاوية، دعا يزيد بن معاوية فأوصاه بما أوصاه به، وقال: أُنظر حسين بن عليّ ابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فإنّه أحبّ الناس إلي الناس، فصِل رحمه وارفق به، يصلح لك أمره، فإنْ يك منه شي ء فإنّي أرجو أن يكفيكه اللَّه بمن قتل أباه وخذل أخاه.

وتوفّي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستّين، وبايع الناس ليزيد.

فكتب يزيد- مع عبد اللَّه بن عمرو بن أُويس العامري، عامر بن لؤي- إلي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو علي المدينة، أنِ ادعُ الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ، فإنّ أمير المؤمنين عهد إليّ في أمره بالرفق به واستصلاحه» «3».

__________________________________________________

(1) مقتل الحسين 1/ 262 ف 9 ح 6.

(2) الردّ علي المتعصّب العنيد: 34.

(3) الطبقات الكبري 6/ 423- 424 رقم 1374.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 197

والبلاذري، لم يرو نصّ الكتاب..

وإنّما قال: «كتب يزيد

إلي عامله الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في أخذ البيعة علي الحسين وعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن الزبير، فدافع الحسين بالبيعة، ثمّ شخصَ إلي مكّة» «1».

وقال ابن عساكر، عن ابن سعد:

«فكتب يزيد- مع عبد اللَّه بن عمرو … - أنِ ادعُ الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فإنّ أمير المؤمنين- رحمه اللَّه- عهد إليّ في أمره الرفق به واستصلاحه» «2».

وكذا روي الحافظ أبو الحجّاج المزّي، قال:

«فكتب يزيد- مع عبد اللَّه بن عمرو بن أُويس العامري … أنِ ادعُ الناس فبايعهم، وابدأ بوجوه قريش، وليكنْ أوّل من تبدأ به الحسين بن عليّ، فإنّ أمير المؤمنين- رحمه اللَّه- عهد إليّ في أمره بالرفق به واستصلاحه» «3».

وقال ابن الأثير الجزري:

«ولم يكن ليزيد همّة حين وليَ إلّابيعة النفر الّذين أبوا علي معاوية الإجابة إلي بيعته، فكتب إلي الوليد يخبره بموت معاوية وكتاباً آخر صغيراً فيه:

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 3/ 368.

(2) تاريخ دمشق 14/ 206 رقم 1566، وانظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 424، مختصر تاريخ دمشق 7/ 138 رقم 126.

(3) تهذيب الكمال 4/ 488 رقم 1305.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 198

أمّا بعد، فخذ حسيناً وعبد اللَّه بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّي يبايعوا؛ والسلام» «1».

وقال الذهبي:

«قالوا: ولمّا حُضِرَ معاوية دعا يزيد فأوصاه، وقال: انظر حسيناً فإنّه أحبّ الناس إلي الناس، فصِل رحمه وارفق به، فإنْ يك منه شي ء فسيكفيك اللَّه بمن قتل أباه وخذل أخاه.

ومات معاوية في نصف رجب، وبايع الناس يزيد، فكتب إلي والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، أنِ ادعُ الناس وبايعهم، وابدأ بالوجوه، وارفق بالحسين، فبعث إلي

الحسين وابن الزبير في الليل ودعاهما إلي بيعة يزيد، فقالا: نصبح وننظر في ما يعمل الناس؛ ووثبا فخرجا.

وقد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه حسين وأخذ بعمامته فنزعها، فقال الوليد: إنْ هجنا بهذا إلّاأسداً؛ فقال له مروان أو غيره: أُقتله! قال: إنّ ذاك لدم مصون» «2».

فهؤلاء لا يروون لا القتل ولا استعمال الشدّة، بل بالعكس، ينقلون الرفق بالإمام …

وأبو الفداء..

لا يروي شيئاً، لا القتل، ولا الشدّة، ولا الرفق … وإنّما جاء في تاريخه:

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 377 حوادث سنة 60 ه، وانظر: البداية والنهاية 8/ 118.

(2) سير أعلام النبلاء 3/ 295 رقم 48.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 199

«أرسل إلي عامله بالمدينة بإلزام الحسين وعبد اللَّه بن الزبير وابن عمر بالبيعة» «1».

وفي روايةٍ أُخري لابن عساكر عمّن حمل كتاب يزيد إلي الوليد:

«فلمّا قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية واستخلافه، جزع من موت معاوية جزعاً شديداً، فجعل يقوم علي رجليه ثمّ يرمي بنفسه علي فراشه؛ ثمّ بعث إلي مروان، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة مورّدة، فنعي له معاوية وأخبره بما كتب إليه يزيد، فترحّم مروان علي معاوية وقال: ابعث إلي هؤلاء الرهط الساعة، فادعهم إلي البيعة، فإنْ بايعوا وإلّا فاضرب أعناقهم.

قال: سبحان اللَّه! أقتل الحسين بن عليّ وابن الزبير؟!

قال: هو ما أقول لك» «2».

أقول:

فلماذا هذا الاختلاف والاضطراب في نقل كتاب يزيد إلي الوليد؟!

ثمّ إنّ يزيد بن معاوية عزل الوليد عن المدينة لمّا بلغه أنّ الإمام عليه السلام وابن الزبير غادراها ولم يبايعا …

قال ابن كثير: «عزل يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة عن إمرة المدينة لتفريطه» «3».

__________________________________________________

(1) المختصر في أخبار البشر 1/ 189.

(2) انظر: تاريخ دمشق 19/ 17 رقم 2253، مختصر تاريخ دمشق 9/ 38 رقم 10، تاريخ

خليفة بن خيّاط: 177 حوادث سنة 60 ه.

(3) البداية والنهاية 8/ 119 حوادث سنة 60 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 200

وقال ابن خلدون: «لمّا بلغ الخبر إلي يزيد- بصنيع الوليد بن عتبة في أمر هؤلاء النفر- عزله عن المدينة، واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق» «1».

وكيف كان … فالنقل- في نصِّ كتابه إلي الوليد- مختلفٌ … والذي أظنّه أن صنيع الوليد مع الإمام عليه السلام كان ضمن الخطّة المرسومة من معاوية كما تقدّم سابقاً … نعم، قد فرّط الوليد في أمر ابن الزبير؛ واللَّه العالم.

2- كتاب يزيد إلي ابن زياد

أمّا أنّ يزيد أمر عبيد اللَّه بن مرجانة بقتل الإمام عليه السلام، فقد جاء في تاريخ اليعقوبي، فقد قال:

«وأقبل الحسين من مكّة يريد العراق، وكان يزيد قد ولّي عبيد اللَّه ابن زياد العراق، وكتب إليه: قد بلغني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلي الحسين في القدوم عليهم، وأنّه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلي به بلدك من بين البلدان، وأيّامك من بين الأيّام، فإنْ قتلته وإلّا رجعت إلي نسبك وإلي أبيك عبيد، فاحذر أنْ يفوتك» «2».

ورواه البلاذري:

«بلغني مسير حسين إلي الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به من بين العمّال، وعندها تعتق

__________________________________________________

(1) تاريخ ابن خلدون 3/ 25.

(2) تاريخ اليعقوبي 2/ 155.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 201

أو تعود عبداً كما يعتبد العبيد» «1».

ورواه الطبراني:

«حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، ثنا الزبير بن بكّار، حدّثني محمّد بن الضحّاك بن عثمان الحزامي، عن أبيه، قال: خرج الحسين بن عليّ رضي اللَّه عنهما إلي الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية، فكتب يزيد بن معاوية إلي عبيد اللَّه بن زياد وهو واليه علي

العراق: إنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد سار إلي الكوفة، وقد ابتُلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به من بين العمّال، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما يعتبد العبيد.

فقتله عبيد اللَّه بن زياد، وبعث برأسه إليه، فلمّا وضع بين يديه تمثّل بقول الحصين بن الحُمَام «2»:

نفلّق هاماً من رجال أحبّة إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما» «3»

وقال ابن عساكر:

«أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن، أنبأنا أبو الحسين ابن الآبنوسي، أنبأنا عبيد اللَّه بن عثمان بن جنيقا الدقّاق، أنبأنا إسماعيل بن

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 3/ 371.

(2) هو: أبو مَعِيّة الحصين بن حُمَام بن ربيعة المرّي الذبياني، كان رئيساً وفياً، شاعراً، فارساً، ياقّب مانع الضيم، وكان من الشعراء المقلّين في الجاهلية، وهو ممّن نبذ عبادة الأوثان في الجاهلية، توفّي قبل ظهور الإسلام، وقيل: بل أدرك الإسلام.

انظر: الشعر والشعراء 2/ 648 رقم 128، الأغاني 14/ 10، الاستيعاب 1/ 354 رقم 520، الإصابة 2/ 84 رقم 1735.

(3) المعجم الكبير 3/ 115- 116 ح 2846.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 202

عليّ الخطبي، قال: … وبلغ يزيد خروجه، فكتب إلي عبيد اللَّه بن زياد، وهو عامله علي العراق، يأمره بمحاربته وحمله إليه إنْ ظفر به؛ فوجّه اللعينُ عبيدُ اللَّه بن زياد الجيشَ إليه مع عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وعدل الحسين إلي كربلاء، فلقيه عمر بن سعد هناك، فاقتتلوا، فقتل الحسين رضوان اللَّه عليه ورحمته وبركاته، ولعنة اللَّه علي قاتله …

أخبرنا أبو غالب أيضاً، أنبأنا أبو الغنائم بن المأمون، أنبأنا عبيد اللَّه ابن محمّد بن إسحاق، أنبأنا عبد اللَّه بن محمّد، حدّثني عمّي، أنبأنا الزبير، حدّثني محمّد بن الضحّاك، عن أبيه، قال:

خرج الحسين بن عليّ إلي الكوفة ساخطاً

لولاية يزيد، فكتب يزيد إلي ابن زياد … فقتله ابن زياد، وبعث برأسه إليه» «1».

ورواه الهيثمي عن الطبراني، ووثّق رجاله «2».

وقال الذهبي، المتوفّي سنة 748:

«خرج الحسين، فكتب يزيد إلي ابن زياد نائبه: إنّ حسيناً صائر إلي الكوفة، وقد ابتُلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وأنت من بين العمّال، وعندها تعتق أو تعود عبداً؛ فقتله ابن زياد، وبعث برأسه إليه» «3».

وقال السيوطي، المتوفّي سنة 911:

«وبعث أهل العراق إلي الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم،

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 14/ 213- 214.

(2) مجمع الزوائد 9/ 193.

(3) سير أعلام النبلاء 3/ 305 رقم 48.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 203

فخرج من مكّة إلي العراق في عشرة ذي الحجّة، ومعه طائفة من آل بيته رجالًا ونساءً وصبياناً. فكتب يزيد إلي واليه بالعراق عبيد اللَّه بن زياد بقتاله، فوجّه إليه جيشاً أربعة آلاف، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص … » «1».

هذا، وسيأتي كلام جماعة آخرين من الأئمّة الأعلام، الصريح في أنّ يزيد هو قاتل الحسين عليه السلام، وأنّه يُلعن بلا كلام.

3- كتاب ابن عبّاس إلي يزيد

«وقال شقيق بن سلمة «2»:

لمّا قُتل الحسين ثار عبد اللَّه بن الزبير، فدعا ابن عبّاس إلي بيعته فامتنع، وظنّ يزيد أنّ امتناعه تمسّك منه ببيعته، فكتب إليه:

أمّا بعد، فقد بلغني أنّ الملحد ابن الزبير دعاك إلي بيعته، وأنّك اعتصمت ببيعتنا وفاءً منك لنا، فجزاك اللَّه من ذي رحم خير ما يجزي الواصلين لأرحامهم الموفين بعهودهم، فما أنْسَ من الأشياء فلستُ بناسٍ برّك وتعجيل صلتك بالذي أنت له أهل، فانظر من طلع عليك من الآفاق ممّن سحرهم ابن الزبير بلسانه فأعلِمهم بحاله، فإنّهم منك أسمع الناس، ولك أطوع منهم للمحلّ.

__________________________________________________

(1) تاريخ الخلفاء: 246- 247.

(2)

هو: شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مئة سنة، من رجال الكتب الستّة. قاله الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب 1/ 421 رقم 2826، وانظر: تحرير تقريب التهذيب 2/ 119 رقم 2816.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 204

فكتب إليه ابن عبّاس:

أمّا بعد، فقد جاءني كتابك، فأمّا تركي بيعة ابن الزبير فواللَّه ما أرجو بذلك برّك ولا حمدك، ولكنّ اللَّهَ بالذي أنوي عليم.

وزعمت أنّك لست بناسٍ برّي، فاحبس أيّها الإنسان برّك عنّي، فإنّي حابس عنك برّي.

وسألت أن أُحبّب الناس إليك وأُبغّضهم وأُخذّلهم لابن الزبير، فلا، ولا سرور ولا كرامة، كيف؟! وقد قتلت حسيناً وفتيان عبد المطّلب مصابيح الهدي ونجوم الأعلام! غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحدٍ مرمّلين بالدماء، مسلوبين بالعراء، مقتولين بالظماء، لا مكفّنين ولا موسّدين، تسفي عليهم الرياح، وينشئ بهم عرج البطاح، حتّي أتاح اللَّه بقوم لم يشركوا في دمائهم كفّنوهم وأجنّوهم، وبي وبهم لو عززتَ وجلست مجلسك الذي جلست..

فما أنسَ من الأشياء فلستُ بناسٍ اطّرادك حسيناً من حرم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إلي حرم اللَّه، وتسييرك الخيول إليه، فما زلتَ بذلك حتّي أشخصته إلي العراق، فخرج خائفاً يترقّب، فنزلَتْ به خيلُك عداوةً منك للَّه ولرسوله ولأهل بيته الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فطلب إليكم الموادعة، وسألكم الرجعة، فاغتنمتم قلّة أنصاره واستئصال أهل بيته، وتعاونتم عليه كأنّكم قتلتم أهل بيت من الترك والكفر.

فلا شي ء أعجب عندي من طلبتك ودّي، وقد قتلت ولد أبي، وسيفك يقطر من دمي، وأنت أحد ثأري، ولا يعجبك أن ظفرت بنا

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 205

اليوم، فلنظفرنّ بك يوماً؛ والسلام» «1».

4- خطبة معاوية بن يزيد

وهذا ولده ووليّ عهده

معاوية، الذي وصف بالشابّ الصالح …

يصرّح بأنّ قاتل الحسين عليه السلام هو أبوه، وقد جعل تصريحه بذلك من آثار صلاحه.

قال ابن حجر المكّي:

«لم يخرج إلي الناس، ولا صلّي بهم، ولا أدخل نفسه في شي ء من الأُمور، وكانت مدّة خلافته أربعين يوماً …

ومن صلاحه الظاهر: أنّه لمّا ولي صعد المنبر فقال: إنّ هذه الخلافة حبل اللَّه، وإنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منه عليّ بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون، حتّي أتته منيّته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه.

ثمّ قلّد أبي الأمر وكان غير أهلٍ له، ونازع ابن بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه.

ثمّ بكي وقال: إنّ من أعظم الأُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه، وقد قتل عترة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، وأباح الخمر، وخرّب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها، فشأنكم

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 466- 467 حوادث سنة 64 ه، وانظر: تاريخ اليعقوبي 2/ 161- 164.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 206

أمركم.

واللَّه لئن كانت الدنيا خيراً فقد نلنا منها حظّاً، ولئن كانت شرّاً فكفي ذرّيّة أبي سفيان ما أصابوا منها.

ثمّ تغيّب في منزله حتّي مات بعد أربعين يوماً علي ما مرّ، فرحمه اللَّه أنصف من أبيه، وعرف الأمر لأهله» «1».

5- أمرُه ابنَ زياد بقتل مسلم بن عقيل

قال البلاذري:

«فكتب يزيد إلي عبيد اللَّه بن زياد … بولاية الكوفة إلي ما كان يلي من البصرة، وبعث بكتابه في ذلك مع مسلم بن عمرو الباهلي- أبي قتيبة ابن مسلم- وأمر عبيد اللَّه بطلب ابن عقيل ونفيه إذا ظفر به أو قتله، وأنْ يتيقّظ في أمر الحسين بن عليّ ويكون

علي استعداد له» «2».

وقال الطبري أنّه كتب إليه مع مسلم المذكور:

«أمّا بعد، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّي تأتي أهل الكوفة، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّي تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه» «3».

وقال ابن الجوزي:

« … فقام رجل ممّن يهوي يزيد إلي النعمان بن بشير فقال له: إنّك

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 336.

(2) أنساب الأشراف 2/ 335.

(3) تاريخ الطبري 3/ 280.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 207

ضعيف، قد فسد البلد؛ فقال له النعمان: أكون ضعيفاً في طاعة اللَّه أحبّ إليّ من أن أكون قويّاً في معصية اللَّه.

فكتب بقوله إلي يزيد، فولّي الكوفة عبيد اللَّه بن زياد إضافة إلي البصرة، وأمره أن يقتل مسلم بن عقيل … » «1».

6- سروره بمقتل مسلم بن عقيل

قال البلاذري:

«ولمّا كتب ابن زياد إلي يزيد بقتل مسلم، وبعث إليه برأسه ورأس هانئ بن عروة ورأس ابن صلخب وما فعل بهم، كتب إليه يزيد:

إنّك لم تعدُ أن كنت كما أُحبّ، عملت عمل الحازم، وصُلت صولة الشجاع، وحقّقت ظنّي بك.

وقد بلغني أنّ حسيناً توجّه إلي العراق، فضع المناظر والمسالح، وأَذْكِ العيون، واحترس كلّ الاحتراس، فاحبس علي الظِنّة، وخذ بالتهمة، غير أنْ لا تقاتل إلّامن قاتلك، واكتب إليَّ في كلّ يومٍ بما يحدث من خبر إن شاء اللَّه» «2».

7- سروره بمقتل الإمام

وقال غير واحدٍ من الأئمّة الحفّاظ: إنّ يزيد قد سُرّ بقتل الإمام عليه

__________________________________________________

(1) المنتظم 4/ 142، وانظر: الفتوح 5/ 39- 40، تهذيب التهذيب 2/ 349 رقم 615، تهذيب الكمال 4/ 494 رقم 1305، الأخبار الطوال: 231، السيرة النبويّة- لابن حبّان-: 556، وغيرها.

(2) تقدّمت مصادر ذلك في الصفحة 182

ه 1.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 208

السلام وأصحابه..

قال ابن سعد:

«وقد كان عبيد اللَّه بن زياد لمّا قتل الحسين بعث زحر بن قيس الجعفي «1» إلي يزيد بن معاوية يخبره بذلك، فقدم عليه، فقال: ما وراءك؟

قال: يا أمير المؤمنين! أبشر بفتح اللَّه وبنصره؛ وَرَدَ علينا الحسين ابن عليّ، في ثمانية عشر من أهل بيته وفي سبعين من شيعته، فسرنا إليهم فخيّرناهم الاستسلام والنزول علي حكم عبيد اللَّه بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال علي الاستسلام.

فناهضناهم عند شروق الشمس، وأطفنا بهم من كلّ ناحية، ثمّ جرّدنا فيهم السيوف اليمانية، فجعلوا يبرقطون إلي غير وزر، ويلوذون منّا بالآكام والأُمر والحفر لواذاً، كما لاذ الحمائم من صقر، فنصرنا اللَّه عليهم.

فواللَّه- يا أمير المؤمنين- ما كان إلّاجزر جزور أو نومة قائل، حتّي كفي اللَّه المؤمنين مؤونتهم، فأتينا علي آخرهم، فهاتيك أجسادهم مطرّحة مجرّدة، وخدودهم معفّرة، ومناخرهم مرمّلة، تسفي عليهم الريح ذيولها بقيٍّ سبسبٍ، تنتابهم عرج الضباع، زوّارهم العقبان والرخم.

قال: فدمعت عينا يزيد وقال: كنت أرضي من طاعتكم بدون قتل الحسين. وقال: كذلك عقابة البغي والعقوق. ثمّ تمثّل يزيد:

من يذق الحرب يجد طعمها مرّاً وتتركه بجعجاع» «2»

وقال المسعودي:

«جلس ذات يوم علي شرابه وعن يمينه ابن زياد، وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل علي ساقيه فقال:

أسقني شربةً تروّي مشاشي ثمّ مِل فاسقِ مثلها ابن زيادِ

صاحب السرّ والأمانة عندي ولتسديد مغنمي وجهادي

ثمّ أمر المغنّين فغنّوا به» «1».

وقال الطبري:

«حدّثني أبو عبيدة معمر بن المثنّي ، أنّ يونس بن حبيب الجرمي حدّثه، قال: لمّا قَتل عبيدُ اللَّه بن زياد الحسينَ بن عليّ عليه السلام وبني أبيه، بعث برؤوسهم إلي يزيد بن معاوية، فسُرّ بقتلهم أوّلًا، وحسنت بذلك منزلة عبيد اللَّه عنده … » «2».

وقال ابن الأثير:

«وقيل: لمّا

وصل رأس الحسين إلي يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، ووصله، وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلّايسيراً … » «3».

وروي الذهبي:

بإسنادٍ له- نصّ علي قوّته-: «دخل رجل علي يزيد فقال: أبشر! فقد أمكنك اللَّه من الحسين … » «4».

__________________________________________________

(1) مروج الذهب 3/ 67.

(2) تاريخ الطبري 3/ 365 حوادث سنة 64 ه.

(3) الكامل في التاريخ 3/ 439.

(4) سير أعلام النبلاء 3/ 319 رقم 48.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 210

وقال السيوطي:

«ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلي يزيد، فسُرّ بقتلهم أوّلًا … » «1».

8- كلام الحصين بن نمير مع يزيد

قال أبو إسحاق الإسفرائني:

إنّ يزيد قال: «فلعن اللَّه من قتله، إنّما قتله عبيد اللَّه بن زياد عاملي علي البصرة».

قال أبو إسحاق:

ثمّ أمر بإحضار من أتي برأس الحسين ومن معه، ليسألهم كيف كان قتله، فحضروا بين يديه، فقال لابن ربعي: ويلك! أنا أمرتك بقتل الحسين؟!

فقال: لا، لعن اللَّه قاتله.

ولم يزالوا كذلك إلي أن وصل السؤال إلي الحصين بن نمير، فقال مقالتهم، ثمّ قال: أتريد أن أخبرك بمن قتله؟!

فقال: نعم.

فقال: أعطني الأمان.

فقال: لك الأمان.

فقال: إعلم أيّها الأمير، إنّ الذي عقد الرايات، ووضع الأموال، وجيّش الجيوش، وأرسل الكتب، وأوعد ووعد، هو الذي قتله!

__________________________________________________

(1) تاريخ الخلفاء: 248.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 211

فقال: من فعل ذلك؟!

فقال: أنت!

فغضب منه ودخل منزله، ووضع الطشت الذي فيه رأس الحسين بين يديه، وجعل يبكي ويلطم علي وجهه ويقول: ما لي وللحسين؟!

قالت هند زوجة يزيد: لمّا أخذت مضجعي تلك الليلة رأيت في منامي كأنّ أبواب السماء قد فتحت … » «1».

9- إقرار ابن زياد

وقد جاء في بعض المصادر المعتبرة، أنّ يزيد بن معاوية قد خيّر ابن زياد بين قتل الإمام عليه السلام وقتله، فاختار

قتل الإمام عليه السلام..

قال ابن الأثير: «أمّا قتلي الحسين، فإنّه أشار علَيَّ يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله … » «2».

وفي كتابٍ له إلي الإمام عليه السلام:

«أمّا بعد، يا حسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، وقد كتب إليَّ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية أنْ لا أتوسّد الوثير ولا أشبع من الخبز [الخمير] أو أُلحقك باللطيف الخبير، أو ترجع إلي حكمي وحكم يزيد بن معاوية؛ والسلام» «3».

__________________________________________________

(1) نور العين في مشهد الحسين- للأسفرائيني-: 70.

(2) الكامل في التاريخ 3/ 474 حوادث سنة 64 ه، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 374.

(3) انظر: الفتوح- لابن أعثم- 5/ 95، مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 340، بحار الأنوار 44/ 383 ب 37.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 212

10- حمله الرؤوس والعيال إلي الشام

ومن الأدلّة المثبتة لأمره بقتل الإمام عليه السلام ورضاه بذلك: أنّه أمر ابن زياد بإرسال رأس الإمام وسائر الرؤوس الشريفة وأهل بيته عليهم السلام إليه، وكذا ما صدر منه قولًا وفعلًا في تلك الأيّام، ممّا يصلح كلّ واحد من ذلك لأن يكون دليلًا مستقلّاً علي وقوع تلك الكارثة بأمره، وعلي إلحاده وكفره.

وذلك ما سنعرضه ببعض التفصيل.

***

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 213

الفصل الثاني: في أنّ يزيد أمر بحمل رأس الإمام ورؤوس الشهداء وسبي العيال إلي الشام … ص: 213

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 215

يقول ابن تيميّة:

«ولم يسب له حريماً أصلًا» «1»!!

«فما يُعرف في الإسلام أنّ المسلمين سبوا امرأةً يَعرفون أنّها هاشميّة، ولا سُبي عيال الحسين … » «2»!!

«ولا طيف برأس الحسين» «3»!!

حمل الرؤوس إلي الشام

وقد روي البلاذري:

«قالوا، ونصب ابن زياد رأس الحسين بالكوفة، وجعل يُدارُ به فيها؛ ثمّ دعا زحر بن قيس الجعفي فسرّح معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه وأهل بيته إلي يزيد بن معاوية؛ وكان مع زحر: أبو بردة … » «4».

وروي ابن سعد، بإسناده عن الشعبي:

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة

4/ 472، وانظر: رأس الحسين- لابن تيميّة-: 208.

(2) منهاج السُنّة 4/ 559.

(3) منهاج السُنّة 4/ 559، وانظر: رأس الحسين- لابن تيميّة-: 207.

(4) أنساب الأشراف 3/ 415.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 216

«رأس الحسين أوّل رأس حمل في الإسلام» «1».

وقال ابن كثير- وهو تلميذ ابن تيميّة-:

«ثمّ أمر [ابن زياد] برأس الحسين، فنصب بالكوفة وطيف به في أزقّتها، ثمّ سيّره مع زحر بن قيس ومعه رؤوس أصحابه إلي يزيد بن معاوية بالشام، وكان مع زحر جماعة من الفرسان، منهم أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان الأزدي.

فخرجوا حتّي قدموا بالرؤوس كلّها علي يزيد بن معاوية» «2».

حمل الرؤوس والعيال كان بأمرٍ من يزيد

روي الطبري:

«وجاء كتاب بأن سرّح بالأُساري إليّ.

قال: فدعا عبيد اللَّه بن زياد محفّز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن، فقال: انطلقوا بالثقل والرأس إلي أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

قال: فخرجوا حتّي قدموا علي يزيد، فقام محفّز بن ثعلبة فنادي بأعلي صوته: جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم.

فقال يزيد: ما ولدت أُمّ محفّز ألأم وأحمق، ولكنّه قاطع ظالم.

قال: فلمّا نظر يزيد إلي رأس الحسين قال:

يفلّقن هاماً من رجالٍ أعزّة علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما» «3»

__________________________________________________

(1). الطبقات الكبري 6/ 446 رقم 1374.

(2). البداية و النهاية 8/ 153 حوادث سنة 61 ه.

(3). تاريخ الطبري 3/ 340.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 217

وروي ابن سعد:

«قدم رسول من قبل يزيد بن معاوية يأمر عبيد اللَّه أنْ يرسل إليه بثقل الحسين ومن بقي من ولده وأهل بيته ونسائه، فأسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة آلاف درهم فتجهّزوا بها» «1».

وقال ابن الجوزي:

«وجاء رسول من قبل يزيد، فأمر عبيد اللَّه بن زياد أنْ يرسل إليه بثقل الحسين ومن بقي من أهله» «2».

شعره عندما تطلّع إلي السبايا

والرؤوس

قال الآلوسي:

«وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات:

إنّ السبي لمّا ورد من العراق علي يزيد، خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرّيّة عليّ والحسين رضي اللَّه تعالي عنهما، والرؤوس علي أطراف الرماح، وقد أشرفوا علي ثنيّة خيرون، فلمّا رآهم نعب غراب، فأنشأ يقول:

لمّا بدت تلك الحمول وأشرفت تلك الرؤوس علي شفا جيرونِ

نعب الغراب فقلتُ: قل أو لا تقل فلقد قضيت من النبيّ ديوني

(قال الآلوسي): يعني إنّه قتل بمن قتله رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يوم بدر، كجدّه عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما؛ وهذا كفر صريح،

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري 6/ 447.

(2) الردّ علي المتعصّب العنيد: 45.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 218

فإذا صحّ عنه فقد كفر به.

ومثله تمثّله بقول عبد اللَّه بن الزبعري قبل إسلامه:

ليت أشياخي … » «1».

وصول رأس الإمام إلي يزيد

وقد سُرّ يزيد بقتل الإمام ووصول رأسه الشريف إليه كما تقدّم.

ثمّ روي ابن سعدٍ، قال: «وقدم برأس الحسين محفّز بن ثعلبة العائذي- عائذة قريش- علي يزيد، فقال: أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم.

فقال يزيد: ما ولدت أُمّ محفّز أحمق وألأم، لكنّ الرجل لم يقرأ «2» كتاب اللَّه «تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وتُذِلُّ مَن تَشَاء» «3»

.ثمّ قال بالخيزرانة بين شفتَي الحسين، وأنشأ يقول:

يفلّقن هاماً من رجالٍ أعزّة علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

والشعر لحصين بن الحُمام المرّي.

__________________________________________________

(1) روح المعاني 26/ 109 وسيأتي كلامه تماماً، وانظر: تاريخ ابن الوردي 1/ 164.

(2) جاءت العبارة هنا: «لكنّ الرجل لم يقرأ»..

وفي تاريخ الطبري 3/ 340: «لكنّه أُتي من قبل فقهه، ولم يقرأ … »..

وفي البداية والنهاية 8/ 156: «ولكنّه إنّما أُتي من قلّة فقهه، لم يقرأ … »..

وفي سير أعلام النبلاء 3/ 315:

«لكنّ الرجل لم يتدبّر كلام اللَّه»..

أقول: كأنّهم يريدون تهذيب العبارة!!

(3) سورة آل عمران 3: 26.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 219

فقال له رجل من الأنصار- حضره-: إرفع قضيبك هذا! فإنّي رأيت رسول اللَّه بقبّل الموضع الذي وضعته عليه.

قال: أخبرنا كثير بن هشام، قال: حدّثنا جعفر بن برقان، قال: حدّثنا يزيد بن أبي زياد، قال: لمّا أُتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن عليّ، جعل ينكت بمخصرة معه سِنَّه ويقول: ما كنت أظنّ أبا عبد اللَّه يبلغ هذا السنّ.

قال: وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود» «1».

وروي الطبراني تمثّله بالشعر المذكور، وقد تقدّمت روايته «2».

وقال البلاذري: «حدّثني عمرو الناقد وعمرو بن شبّة، قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري، عن عمّه فضيل بن الزبير؛ وعن أبي عمر البزّار، عن محمّد بن عمرو بن الحسن، قال:

لمّا وضع رأس الحسين بن عليّ بين يدي يزيد قال متمثّلًا:

يفلّقن هاماً من رجال أعزّة علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما» «3»

قال: «قالوا: وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين حين وضع رأسه بين يديه» «4».

وروي ابن الجوزي: «فلمّا وصلت الرؤوس إلي يزيد جلس، ودعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله، ثمّ وضع الرأس بين يديه وجعل ينكت بالقضيب علي فيه ويقول:

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري 6/ 447- 448.

(2) تقدّمت في الصفحة 201.

(3) أنساب الأشراف 3/ 415- 416.

(4) أنساب الأشراف 3/ 416.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 220

يفلّقن هاماً من رجال أعزّة علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما» «1»

وقد روي ذلك بعدّة أسانيد …

ثمّ روي بإسناده عن الليث، عن مجاهد، قال:

«جي ء برأس الحسين بن عليّ، فوضع بين يدي يزيد بن معاوية فتمثّل هذين البيتين:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

فأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثمّ قالوا لي بغيبٍ لا تشل

قال مجاهد:

نافق فيها. ثمّ واللَّه ما بقي في عسكره أحد إلّاتركه. أي عابه وذمّه» «2».

ورواه ابن كثير- ولم يطعن في سنده، إلّاأنّه قال في محمّد بن حميد الرازي: «هو شيعي»، وذكر بيتين بعدهما:

حين حكت بفناءٍ بركها واستحرّ القتل في عبد الأسل

قد قتلنا الضعفَ من أشرافكم وعدلنا ميلَ بدرٍ فاعتدل» «3»

أمّا الذهبي، فقد أسقط من الأخبار كلّ الأشعار «4»!!

لكنّ الأبيات في تاريخ الطبري- في كتاب المعتضد العباسي- خمسة، وخامسها الذي لم يذكروه:

ولعت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل «5»

__________________________________________________

(1). الرد علي المتعصب العنيد: 45.

(2). الرد علي المتعصب العنيد: 47- 48.

(3). البداية والنهاية 8/ 153- 154.

(4). أنظر: سير أعلام النبلاء 3/ 309.

(5). تاريخ الطبري 5/ 623.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 221

وقال ابن أعثم الكوفي: إنّ يزيد زاد من نفسه:

لست من عتبة إنْ لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل «1»

دخولهم علي يزيد موثَّقين بالحبال

قال ابن سعد:

«ثمّ أُتي يزيدُ بن معاوية بثَقَل الحسين ومن بقي من أهله ونسائه، فأُدخلوا عليه قد قرنوا في الحبال، فوقّفوا بين يديه» «2».

وقال ابن الجوزي:

«ثمّ دعا يزيد بعليّ بن الحسين والصبيان والنساء، وقد أُوثقوا بالحبال، فأُدخلوا عليه … » «3».

وقال الذهبي:

«قال يحيي بن بكير: حدّثني الليث بن سعد، قال: أبي الحسين أن يُستأسر، فقاتلوه فقُتل، وقُتل ابنه وأصحابه بالطفّ، وانطلق ببنيه: عليّ وفاطمة وسكينة إلي عبيد اللَّه بن زياد، فبعث بهم إلي يزيد بن معاوية، فجعل سكينة خلف سريره لئلّا تري رأس أبيها، وعليّ بن الحسين في غلّ، فضرب يزيد علي ثنيّتي الحسين رضي اللَّه عنه وقال:

نفلّق هاماً من أُناس أعزّةٍ علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال عليٌّ: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا

__________________________________________________

(1) الفتوح 5/ 151.

(2) الطبقات

الكبري 6/ 448.

(3) الردّ علي المتعصّب العنيد: 49.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 222

فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا» «1»

، فثقل علي يزيد أن تمثَّل ببيت وتلا عليٌّ آية، فقال: «فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» «2»

، فقال: أمَا واللَّه لو رآنا رسول اللَّه مغلولين لأحبّ أنْ يحلّنا من الغلّ. قال: صدقت، حلّوهم … » «3».

وقال الطبري:

«ولمّا جلس يزيد بن معاوية، دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله، ثمّ دعا بعليّ بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه، فأُدخلوا عليه والناس ينظرون، فقال يزيد لعليّ: يا عليّ! أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني، فصنع اللَّه به ما قد رأيت.

قال: فقال عليٌّ: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إلَّافِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا».

فقال يزيد لابنه خالد: اردد عليه.

قال: فما دري خالد ما يردّ عليه.

فقال له يزيد: قل: «وَمَا أَصَابَكُم مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ»، ثمّ سكت عنه.

قال: ثمّ دعا بالنساء والصبيان فأُجلسوا بين يديه، فرأي هيئةً قبيحةً، فقال: قبّح اللَّه ابن مرجانة، لو كانت بينه وبينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا بكم، ولا بعث بكم هكذا.

__________________________________________________

(1)

سورة الحديد 57: 22.

(2) سورة الشوري 42: 30.

(3) انظر: تاريخ الإسلام حوادث 61: 18، سير أعلام النبلاء 3/ 319- 320، تاريخ دمشق 70/ 14- 15 رقم 9400، مختصر تاريخ دمشق 20/ 353- 354 رقم 137.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 223

قال أبو مخنف، عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت عليّ، قالت:

لمّا أُجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رقّ لنا وأمر لنا بشي ء وألطفنا.

قالت: ثمّ إنّ رجلًا من أهل الشام أحمر قام إلي يزيد، فقال:

يا أمير المؤمنين هب لي هذه. يعنيني؛ وكنت جاريةً وضيئةً، فأُرعدت وفرقت

وظننت أنّ ذلك جائز لهم، وأخذت بثياب أُختي زينب.

قالت: وكانت أُختي زينب أكبر منّي وأعقل، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون، فقالت: كذبتَ واللَّه ولؤمت، ما ذلك لك وله.

فغضب يزيد فقال: كذبتِ واللَّه! إنّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعله لفعلت.

قالت: كلّا واللَّه، ما جعل اللَّه ذلك لك إلّاأن تخرج من ملّتنا، وتدين بغير ديننا.

قالت: فغضب يزيد واستطار، ثمّ قال: إيّاي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدين أبوكِ وأخوك.

فقالت زينب: بدين اللَّه ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديتَ أنتَ وأبوكَ وجدّك.

قال: كذبت يا عدوّة اللَّه.

قالت: أنت أمير مسلّط، تشتم ظالماً، وتقهر بسلطانك.

قالت: فواللَّه لكأنّه استحيا، فسكت» «1».

***

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 339، وانظر: الكامل في التاريخ 3/ 438- 439، البداية والنهاية 8/ 155- 156، الردّ علي المتعصّب العنيد: 49.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 225

الفصل الثالث: من الوقائع في الشام … ص: 225

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 227

التحوّل في الشام، وظهور سرّ أخذ الإمامِ الأهلَ والعيال

وبدأ التحوّل بالشام علي أثر خطب الإمام السجّاد عليه السلام وكلماته في المناسبات المختلفة، وكذا عقيلة أهل البيت عليهم السلام … وتيقّظ الناس وتنبّهوا، وحتّي جند يزيد ومن حوله … وبذلك تبيّن جانب من السرّ في أخذ الإمام عليه السلام الأهل والعيال معه إلي العراق.

كرامةٌ من الرأس الشريف

أمّا الرأس الشريف، الذي صلب بمدينة دمشق ثلاثة أيّام «1»، فقد روي ابن عساكر بإسناده عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، قال:

«أنا- واللَّه- رأيت رأس الحسين بن عليّ حين حمل وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف، حتّي بلغ إلي قوله: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً» «2»

قال: فأنطق اللَّه الرأس بلسان ذَرِب «3» فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 3/ 319 رقم

48، البداية والنهاية 8/ 163.

(2) سورة الكهف 18: 9.

(3) الذَّرِبُ: الحادُّ من كلّ شي ء، ولسان ذَرِبٌ: أي حديدُ الطَّرَف، وذَرَبُ اللسان: حِدَّتُه؛ انظر مادّة «ذرب» في: لسان العرب 5/ 30، تاج العروس 1/ 495.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 228

وحملي» «1».

خطبة الإمام السجّاد عليه السلام

وروي ابن أعثم الكوفي وغيره، أنّ يزيد أمر الخطيب أنْ يرقي المنبر ويثني علي معاوية ويزيد وينال من أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام.

فصعد الخطيب المنبر، فحمد اللَّه وأثني عليه وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد.

فصاح به عليُّ بن الحسين: ويلك أيّها الخاطب! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فانظر مقعدك من النار.

ثمّ قال عليُّ بن الحسين: يا يزيد! ائذن لي أنْ أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلام فيه رضا اللَّه ورضا هؤلاء الجلساء وأجر وثواب.

قال: فأبي يزيد ذلك.

فقال الناس: يا أمير المؤمنين! ائذن له ليصعد المنبر، لعلّنا نسمع منه شيئاً.

فقال: إنّه إنْ صعد المنبر لم ينزل إلّابفضيحتي أو بفضيحة آل أبي سفيان.

قيل له: يا أمير المؤمنين، وما قدر ما يحسن هذا؟!

قال: إنّه من نسل قوم قد رُزقوا العلم رزقاً حسناً.

قال: فلم يزالوا به حتّي صعد المنبر، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 60/ 370، مختصر تاريخ دمشق 25/ 274.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 229

خطب خطبةً أبكي منها العيون، وأوجل منها القلوب … حتّي ضجّ الناس بالبكاء والنحيب.

قال: وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذّن فقال: اقطع عنّا هذا الكلام.

قال: فلمّا سمع المؤذّن قال: اللَّه أكبر؛ قال الغلام: لا شي ء أكبر من اللَّه.

فلمّا قال: أشهد أنْ لا إله إلّااللَّه؛ قال الغلام: يشهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي.

فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، التفت عليُّ بن الحسين من فوق

المنبر إلي يزيد فقال: محمّد هذا جدّي أم جدّك؟! فإنْ زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته؟!

قال: فلمّا فرغ المؤذّن من الأذان والإقامة تقدّم يزيد يصلّي بالناس صلاة الظهر، فلمّا فرغ من صلاته أمر بعليّ بن الحسين وأخواته وعمّاته رضوان اللَّه عليهم، ففرّغ لهم داراً فنزلوها، وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون علي الحسين رضي اللَّه عنه» «1».

إقامة المناحة ثلاثة أيّام في دمشق

قال البلاذري، وابن سعد، والطبري، وغيرهم «2»:

__________________________________________________

(1) الفتوح 5/ 154- 155، مقتل الحسين- للخوارزمي- 2/ 76- 78.

(2) أنساب الأشراف 3/ 417، الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 448، تاريخ الطبري 3/ 339، الإمامة والسياسة 2/ 13، الفتوح- لابن أعثم- 5/ 155، الكامل في التاريخ 3/ 439، البداية والنهاية 8/ 156.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 230

إنّ يزيد أمر بالنساء فأُدخلن علي نسائه في داره التي يسكنها، فاستقبلتهنّ نساء آل أبي سفيان يبكين وينحن علي الحسين، فما بقيت منهنّ امرأة إلّاتلقّتهنّ تبكي وتنتحب، ثمّ أقمن المناحة علي الإمام ومن استشهد معه ثلاثة أيّام …

وقال البلاذري: إنّ عاتكة ابنة يزيد- وهي أُمّ يزيد بن عبد الملك- أخذت رأس الإمام الحسين عليه السلام فغسلته ودهّنته وطيّبته «1» …

خبر نزول آية المودّة في أهل البيت

وروي جماعة من المفسّرين:

إنّه لمّا جي ء بالإمام عليّ بن الحسين عليه السلام أسيراً، فأُقيم علي درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد للَّه الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قرني الفتنة.

فقال له الإمام عليه السلام: أقرأت القرآن؟

قال: نعم.

قال: أقرأت أل حم؟

قال: قرأت القرآن ولم أقرأ أل حم.

قال: ما قرأت «قُل لَّاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» «2»

؟!

__________________________________________________

(1) انظر: أنساب الأشراف 3/ 416.

(2) سورة الشوري 42: 23.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 231

قال:

إنّكم لأنتم هم؟!

قال: نعم «1».

كلام الإمام السجّاد عليه السلام مع المنهال

قال ابن أعثم: «وخرج عليُّ بن الحسين ذات يومٍ، فجعل يمشي في أسواق دمشق، فاستقبله المنهال بن عمرو الصابئ فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول اللَّه؟

قال: أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم.

يا منهال! أمست العرب تفتخر علي العجم لأنّ محمّداً منهم، وأمست قريش تفتخر علي سائر العرب بأنّ محمّداً منها، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون مقهورون مقتّلون مثبورون مطرودون؛ فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون علي ما أمسينا فيه يا منهال» «2».

موقف الصحابي أبي برزة

هذا، وقد قرأتُ بترجمة الصحابي أبي برزة الأسلمي:

«دخلوا علي يزيد، فوضعوا الرأس بين يديه … ثمّ أذن للناس فدخلوا والرأس بين يديه، ومعه قضيب، فنكت به في ثغره، ثمّ قال: إنّ هذا وأنا كما قال الحصين بن الحُمام المرّي:

__________________________________________________

(1) انظر: تفسير الطبري 11/ 114 ح 30677، البحر المحيط 7/ 516، الدرّ المنثور 7/ 348، روح المعاني 25/ 29.

(2) الفتوح 5/ 155- 156.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 232

نفلّق هاماً من رجالٍ أحبّةٍ إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقال له:

أبو برزة الأسلمي: أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين! أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً كريماً، رأيت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يرشفه.

أما إنّك يا يزيد تجي ء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجي ء هذا يوم القيامة ومحمّد صلّي اللَّه عليه وسلّم شفيعه.

ثمّ قام فولّي » «1».

موقف التابعي خالد بن غفران

وفي ترجمة خالد بن غفران، قال ابن عساكر: «من أفاضل التابعين، كان بدمشق … إنّ رأس الحسين بن عليّ لمّا صُلب بالشام أخفي خالد بن غفران شخصه عن أصحابه، فطلبوه شهراً

حتّي وجدوه، فسألوه عن عزلته، فقال: أما ترون ما نزل بنا؟! ثمّ أنشأ يقول:

جاؤوا برأسك يا بن بنت محمّد متزمّلًا بدمائه تزميلا

وكأنّما بك يا بن بنت محمّد قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولم يترقّبوا في قتلك التنزيل والتأويلا

ويكبّرون بأنْ قُتلت وإنّما قتلوا بك التكبير والتهليلا» «2»

ندم يزيد!!

ثمّ إنّ الناس بدءوا يعرفون الحقيقة..

من خطب الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام.. وكلماته..

من بيانه عليه السلام المراد من آية المودّة في القربي ..

من كلمات العقيلة زينب الكبري عليها السلام في مجلس يزيد، وفي مجالسها مع النساء …

من إقامة المناحة علي الإمام وأهل بيته وأصحابه ثلاثة أيّام في الشام.. في داخل قصر يزيد …

عرفوا مظلوميّة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام..

كلّ هذا من جهة..

ومن جهةٍ أُخري ..

من أقوال يزيد..

ومن أفعاله..

ومن الأشعار التي أنشأها أو تمثّل بها..

عرفوا أنّ يزيد هو نفسه يزيد الفجور والخمور والكفر والفسوق..

عرفوا أنّه علي الباطل، وأنّ الحقّ مع الإمام الحسين الذي أبي أن يبايعه.. حتّي قتل مظلوماً شهيداً..

وحينئذٍ.. أبدي يزيد الندم.. لأنّه:

عرف أنّه قد افتضح، وفضح أباه وقومه..

عرف أنّ الناس أبغضوه ومقتوه وعادوه..

__________________________________________________

(1) مختصر تاريخ دمشق 26/ 151 رقم 111.

(2) تاريخ دمشق 16/ 180- 181 ح 1909، مختصر تاريخ دمشق 7/ 392 رقم 341.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 234

عرف أنّ ملكه سيزول..

قال الطبري:

«وحدّثني أبو عبيدة معمر بن المثنّي ، أنّ يونس بن حبيب الجرمي حدّثه، قال: لمّا قَتل عبيدُ اللَّه بن زياد الحسينَ بن عليّ عليه السلام وبني أبيه، بعث برؤوسهم إلي يزيد بن معاوية، فسُرَّ بقتلهم أوّلًا، وحسنت بذلك منزلة عبيد اللَّه عنده، ثمّ لم يلبث إلّاقليلًا حتّي ندم علي قتل الحسين، فكان يقول: وما كان علَيَّ لو احتملت الأذي وأنزلته معي في داري، وحكّمته في ما يريد، وإن

كان علَيَّ في ذلك وكف ووهن في سلطاني، حفظاً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ورعاية لحقّه وقرابته، لعن اللَّه ابن مرجانة، فإنّه أخرجه واضطرّه، وقد كان سأله أن يخلّي سبيله ويرجع، فلم يفعل، أو يضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتّي يتوفّاه اللَّه عزّ وجلّ، فلم يفعل، فأبي ذلك وردّه عليه وقتله، فبغّضني بقتله إلي المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة، فبغضني البرُّ والفاجرُ بما استعظم الناس من قتلي حسيناً، ما لي ولابن مرجانة، لعنه اللَّه وغضب عليه» «1».

ونقله الذهبي عن الطبري، ولم يتعقّبه بشي ء «2».

وكذا ابن الأثير، قال: «وقيل: لمّا وصل رأس الحسين إلي يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلّايسيراً حتّي بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم علي قتل الحسين، فكان

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 365 حوادث سنة 64 ه.

(2) تاريخ الإسلام حوادث سنة 61: 20، سير أعلام النبلاء 3/ 317.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 235

يقول: وما علَيَّ لو احتملت الأذي … » «1».

وقال السيوطي: «ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلي يزيد، فسُرَّ بقتلهم أوّلًا، ثمّ ندم لمّا مقته المسلمون علي ذلك، وأبغضه الناس، وحقَّ لهم أن يبغضوه» «2».

أقول:

وهكذا ينكشف السرّ في حمل الإمام عليه السلام عيالاته وأطفاله معه إلي كربلاء، مع علمه بأنّه سيقتل …

إقرار العلماء بأمر يزيد وقولهم بكفره

وممّا تقدّم، تبيّن أنّ جمهور المحدّثين والمؤرّخين والعلماء من أهل السُنّة يروون ويقرّون بأنّ يزيد هو الذي أمر بقتل الحسين عليه السلام، وأنّهم يقولون بكفره … وإلي المزيد في ما سيأتي.

***

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 439.

(2) تاريخ الخلفاء: 248.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 237

البابُ الثاني: دور الحزب الأُموي والخوارج في الكوفة … ص: 237

اشارة

من هم قتلةالحسين

(ع)، ص: 239

قد أوضحنا في ما تقدّم دور معاوية في استشهاد الإمام عليه السلام في العراق، وقد توصّلنا في دراستنا إلي أنّ معاوية بعد أن عزم علي العهد لابنه يزيد، تمكّن من القضاء علي سائر المعارضين، أو إسكات من تمكّن من إسكاته منهم، ببذل الأموال أو التهديد، فأزال العقبات حتّي لم يبق إلّا الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام وعبد اللَّه بن الزبير، لكنّه كان عارفاً بالإمام وملكاته النفسيّة، ثمّ موقعيّته في المجتمع والأُسرة الهاشمية خاصّة …

علي أنّه كان قد تعهّد أن لا يبغي للإمامين السبطين الحسن والحسين عليهما السلام سوءاً.

ولمّا اغتال الإمام السبط الأكبر- علي يد جعدة بنت الأشعث- وشاع الخبر وافتُضح أمام المسلمين، فلم ير من مصلحته أن يتعرّض لأبي عبد اللَّه عليه السلام …

فقام بتدبير مؤامرةٍ ضدّ الإمام عليه السلام، ونسّق مع أتباعه في الكوفة والخوارج المناوئين لأهل البيت عليهم السلام هناك، وأمر ولاته في البلاد أن يقوم كلٌّ منهم بالدور المناسب، فجعلوا يطاردون الإمام من داخل الحجاز، من المدينة إلي مكّة، ومن مكّة إلي العراق، في حين تدعوه كتب

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 240

أهل الكوفة إلي التوجّه إليهم … فأرسل إليهم- أوّلًا- ابن عمّه وثقته مسلم ابن عقيل … وأمره بالستر والكتمان … وهنا لعب والي الكوفة دوره، حتّي انكشف أمر مسلم وشيعته … فخرجت وصيّة معاوية بتولية عبيد اللَّه بن زياد علي الكوفة، فكان ما كان …

ثمّ جاء دور يزيد …

فطبّق الخطّة بجميع أطرافها … فقد رأينا كيف ولّي عبيد اللَّه بن زياد علي الكوفة وأمره بقتل مسلم بن عقيل، ثمّ أمر بقتل الإمام عليه السلام بعد اتّخاذ الإجراءات اللازمة في الكوفة وضواحيها … فلمّا امتثل ابن زياد الأمر ونفّذه

حسنت حاله عند يزيد- الذي كان يكرهه في زمن معاوية-، ثمّ أمر بحمل الرؤوس الطاهرة وعيالات الإمام عليه السلام إلي الشام … إلي آخر ما ذكرناه في الباب السابق.

والكلام الآن … في دور حزب بني أُميّة ورؤساء الخوارج، وأنّه هل كان لوجهاء شيعة أهل البيت عليهم السلام في الكوفة دور في قتل الإمام عليه السلام، أوْ لا؟

لقد علمنا أنّ الكتب كانت تتوارد علي الإمام إلي المدينة منذ عهد معاوية، ثمّ جعلت تتواصل ولم تنقطع حتّي الأيام الأخيرة من حياة الإمام في الحجاز …

فهل كانوا جميعاً شيعةَ الإمام؟!

وهل شارك الشيعة في قتله عليه السلام؟!

يقول بعض الكتّاب من أنصار بني أُميّة: إنّ شيعة الكوفة هم الّذين دعوه، وخذلوه، وقتلوه!

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 241

لقد أثبتنا- في ضوء الأخبار والتواريخ المعتمدة- أنّ الّذين باشروا قتل الإمام عليه السلام وأصحابه لم يكونوا من الشيعة، وإنّما كانوا من الحزب الأُموي والخوارج في الكوفة، ونحن نظنّ أنّ القارئ المنصف سيجد وفاء أدلّتنا بإثبات هذه الدعوي ، وسيوافقنا علي النتيجة التي توصّلنا إليها.

***

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 243

تمهيدات … ص: 243

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 245

وإنّ من الضروري، قبل الورود في البحث، التعرّض للأُمور التالية باختصار شديد …

الأمر الأوّل:

إنّ حال الإمام الحسين عليه السلام حال جميع الأنبياء الكرام في الأُمم السابقة، وحال جدّه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في هذه الأُمّة … وكذلك حال سائر أولياء اللَّه والمصلحين الإلهيّين … فلقد أدّي كلٌّ منهم رسالته في أُمّته، سواء استجابت له أو لا … وصبر علي ما لقيه من أصحابه وغيرهم من الأذي والبلاء.

والقرآن الكريم مشحونٌ بأنباء الرسل والأنبياء …

وقد تنبّه لهذا المعني في خصوص أمر الإمام أبي عبد اللَّه الشهيد هلال بن نافع

… فإنّه لمّا بلغ الإمام خبر شهادة مسلم بن عقيل بالكوفة، استعبر باكياً ثمّ قال: «اللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلًا كريماً عندك، واجمع بيننا وإيّاهم في مستقرّ رحمتك، إنّك علي كلّ شي ء قدير»، وثب إليه هلال فقال:

«يا ابن بنت رسول اللَّه! تعلم أنّ جدّك رسول اللَّه لا يقدر أن يشرب

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 246

الخلائق محبّته، ولا أن يرجعوا من أمرهم إلي ما يحبّ، وقد كان منهم منافقون يبدونه النصر ويضمرون له الغدر، يلقونه بأحلي من العسل ويلحقونه بأمرّ من الحنظل، حتّي توفّاه اللَّه عزّ وجلّ.

وإنّ أباك عليّاً قد كان في مثل ذلك، فقوم أجمعوا علي نصره وقاتلوا معه المنافقين والفاسقين والمارقين والقاسطين، حتّي أتاه أجله.

وأنتم اليوم عندنا في مثل ذلك الحال «فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَي نَفْسِهِ» «1»

واللَّه يغني عنه، فسر بنا راشداً، مشرّقاً إنْ شئت أو مغرّباً، فواللَّه ما أشفقنا من قدر اللَّه، ولا كرهنا لقاء ربّنا، وإنّا علي نيّاتنا ونصرتنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك» «2».

الأمر الثاني:

إنّ الإمام عليه السلام كان علي علمٍ تامٍّ بنيّات القوم وما سيقع عليه، وكلّ الأدلّة والقرائن قائمة علي ذلك، وقد صرّح به في كلّ مرحلةٍ..

فتارةً: قال: «واللَّه لا يَدَعوني حتّي يستخرجوا هذه العلقة- وأشار إلي قلبه الشريف- من جوفي، فإذا فعلوا ذلك سلَّط عليهم من يذلّهم، حتّي يكونوا أذلّ من فرم الأَمَة» «3».

وأُخري : قال- لدي خروجه من مكّة- «واللَّه لأنْ أُقتل خارجاً منها بشبرٍ أحبّ إليَّ من أنْ أُقتل داخلًا منها بشبر، وأيم اللَّه لو كنت في جحر

__________________________________________________

(1) سورة الفتح 48: 10.

(2) انظر: الفتوح- لابن أعثم- 5/ 93.

(3) انظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 431، تاريخ الطبري 3/ 300، تاريخ دمشق 14/ 216، بغية الطلب

6/ 2615- 2616، البداية والنهاية 8/ 135.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 247

هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّي يقضوا فيَّ حاجتهم، وواللَّه ليعتدنّ علَيَّ كما اعتدت اليهود في السبت» «1».

وثالثةً: في الطريق، حيث أخبر عن أصحاب الكتب أنّهم سيقتلونه … وسيأتي بعض التفصيل.

فقد كان عليه السلام علي علمٍ بقتله، وبموضع قتله … كسائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام … كما قال عبد اللَّه بن عبّاس: «ما كنّا نشكّ وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين بن عليّ يُقتل بالطفّ» «2».

وعنه: «إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلًا ولم يزيدوا رجلًا، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم» «3».

ورابعةً: لمّا وجّه مسلماً إلي أهل الكوفة، قال له: «وسيقضي اللَّه من أمرك ما يحبّ ويرضي ، وأنا أرجو أنْ أكون أنا وأنت في درجة الشهداء» «4».

بل لقد علم بذلك الأباعد أيضاً:

فقد أخرج ابن سعد بإسناده عن العربان بن الهيثم: «كان أبي يتبدّي فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنّا لا نبدو إلّا وجدنا رجلًا من بني أسد هناك، فقال له أبي: أراك ملازماً هذا المكان؟!

قال: بلغني أنّ حسيناً يقتل ها هنا؛ فأنا أخرج لعلّي أُصادفه فأُقتل

__________________________________________________

(1) انظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 428، تاريخ الطبري 3/ 295- 296، بغية الطلب 6/ 2611، سير أعلام النبلاء 3/ 293، البداية والنهاية 8/ 135.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 197 ح 4826.

(3) مناقب آل أبي طالب 4/ 60.

(4) الفتوح- لابن أعثم- 5/ 36.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 248

معه.

فلمّا قُتل الحسين قال أبي: انطلقوا ننظر هل الأسدي في من قتل؟

فأتينا المعركة فطوّفنا، فإذا الأسدي مقتول» «1».

وعن عبد اللَّه بن شريك العامري: «كنت أسمع أصحاب عليٍّ- إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد- يقولون: هذا قاتل الحسين

بن عليّ، وذلك قبل أن يقتل بزمان» «2».

بل حتّي النساء في البيوت بلغهنّ الخبر، فمثلًا..

لمّا عزم الإمام عليه السلام علي الخروج من مكّة نحو العراق:

«كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أنْ يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنّه إنْ لم يفعل إنّما يساق إلي مصرعه، وتقول: أشهد لسمعت عائشة أنّها تقول: إنّها سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلم يقول: يقتل الحسين بأرض بابل.

فلمّا قرأ كتابها قال: فلا بُدّ لي إذاً من مصرعي؛ ومضي » «3».

هذا بالنسبة إلي هذا الأمر باختصار، في ضوء كتب القوم ورواياتهم، وأمّا علي أُصولنا ورواياتنا، فللبحث طور آخر ومجال آخر.

الأمر الثالث:

لقد تواترت الأخبار من طرق الفريقين في أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 421، تاريخ دمشق 14/ 216- 217.

(2) انظر: الإرشاد 2/ 131- 132، كشف الغمّة 2/ 9.

(3) البداية والنهاية 8/ 131 حوادث سنة 60 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 249

وآله وسلّم قد أخبر بأنّ الإمام الحسين سيقتل في العراق، ومن ذلك ما أخرجه أحمد أنّه قال: «دخل علَيَّ البيتَ ملَك لم يدخل علَيَّ قبلها فقال لي: إنّ ابنك هذا- يعني حسيناً- مقتول؛ وإنْ شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها» «1» وقد نصّ الحافظ الهيثمي علي أنّ «رجال هذا الحديث رجال الصحيح» «2».

وأخرج الطبراني بسندٍ معتبر، أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كانت في يده تربة فقال: «أخبرني جبريل عليه السلام أنّ هذا- وأشار إلي الحسين- يُقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل عليه السلام: أرني تربة الأرض التي يُقتل بها: فهذه تربتها» «3».

وكذلك الأخبار عن أمير المؤمنين عليه السلام، كقوله: «ليُقتلنَّ الحسين قتلًا، وإنّي لأعرف التربة التي يُقتل فيها، قريباً من النهرين»

«4».

قال الهيثمي: «رجاله ثقات» «5».

وتواترت الأخبار في أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله أمر المسلمين بنصرة الإمام عليه السلام، ومن ذلك ما رواه جماعة من أكابر الحفّاظ بأسانيدهم عن أنس بن الحارث، أنّه قال:

«سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: إنّ ابني هذا- يعني

__________________________________________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 6/ 294، وانظر: المعجم الكبير- للطبراني- 3/ 109 ح 2819 و 2820 و ج 23/ 289 ح 637 و ص 328 ح 754، مجمع الزوائد 9/ 187.

(2) مجمع الزوائد 9/ 187.

(3) المعجم الكبير 3/ 109- 110 ح 2821.

(4) المعجم الكبير 3/ 110- 111 ح 2824.

(5) مجمع الزوائد 9/ 190.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 250

الحسين- يُقتل بأرضٍ يقال لها: كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره» «1».

لكنّ حال الإمام عليه السلام حال جدّه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام.

الأمر الرابع:

إنّه إذا كان الإمام عليه السلام عارفاً بوظيفته وعالماً بمصيره، وكان المسلمون كلّهم مأمورين بنصرته … وهو يقول في رسالته إلي بني هاشم:

«من لحق بي منكم استشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ- أو: لم يدرك- الفتح» «2» …

فما معني نهي من نهاه عن الخروج من الحجاز؟!

وأيّ معني لقول ابن عمر للإمام عليه السلام: «إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم خيّره اللَّه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنّك بضعة منه ولا تعطاها- يعني الدنيا-» «3»؟!

أكان ابن عمر جاهلًا بحقّ الإمام؟! أو كان انحيازه عن أهل البيت إلي

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 14/ 224 ح 3543، وانظر: التاريخ الكبير- للبخاري- 2/ 30 رقم 1583، البداية والنهاية 8/ 159، أُسد الغابة 1/ 146 رقم 246، الإصابة 1/ 121 رقم 266، الخصائص الكبري 2/ 125، كنز العمّال 12/

126 ح 34314، وغيرها.

(2) بصائر الدرجات: 501- 502 ح 5، كامل الزيارات: 75 ب 23 ح 15، وعنهما في: بحار الأنوار 45/ 84- 85 ح 13 و ص 87 ح 23.

(3) انظر: أنساب الأشراف 3/ 375، الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 425، تاريخ دمشق 14/ 208، سير أعلام النبلاء 3/ 296، بغية الطلب 6/ 2608.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 251

هذه الدرجة من البعد والانحراف؟!

أمّا ابن عبّاس، فقد قال له الإمام أوّلًا: «إنّك شيخ قد كبرت»، ثمّ قال: «لأنْ أُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ أن تستحلّ بي- يعني مكّة-» «1» فاستسلم ابن عبّاس وسكت.

وسنذكر كلمات أُخري للإمام عليه السلام قالها لدي خروجه من مكّة نحو العراق.

هذا، وسيقع بحثنا في فصول:

__________________________________________________

(1) انظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 428، تاريخ دمشق 14/ 211، بغيةالطلب 6/ 2611.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 253

الفصل الأول: في الكتب والرسل … ص: 253

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 255

قال ابن كثير «1»:

«قالوا: لمّا بايع الناس معاوية ليزيد، كان حسين ممّن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إليه، يدعونه إلي الخروج إليهم في خلافة معاوية، كلّ ذلك يأبي عليهم، فقدم منهم قوم … ».

يفيد هذا الخبر:

1- إنّ المكاتبة كانت في زمان حكومة معاوية.

2- وكانت لمّا بايع الناس معاوية ليزيد، والإمام ممّن لم يبايع..

3- ولم تكن مرّةً واحدة، بل كانوا «يكتبون» إليه «2» …

4- ولم يكتفوا بالكتابة، بل أرسلوا من قبلهم قوماً إلي المدينة ليرضوه عليه السلام بالخروج إليهم..

5- ووسّطوا محمّد بن الحنفيّة أيضاً..

فماذا قال الإمام عليه السلام؟

قال: «إنّ القوم إنّما يريدون أن يأكلوا بنا، ويستطيلوا بنا،

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 8/ 129، وقد تقدّم في الصفحة 155.

(2) انظر كذلك: أنساب الأشراف 3/ 370، تاريخ الطبري 3/ 277، البداية والنهاية 8/ 121

و 127.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 256

ويستنبطوا دماء الناس ودماءنا» «1».

وماذا كتب إليهم؟

كتب إليهم: «فالصقوا بالأرض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوي واحترسوا … ما دام ابن هند حيّاً … » «2».

كتب أهل الكوفة إلي مكّة

قال الشيخ المفيد:

«وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد، وعرفوا خبر الحسين عليه السلام وامتناعه من بيعته، وما كان من ابن الزبير في ذلك، وخروجهما إلي مكّة، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صُرَد، فذكروا هلاك معاوية، فحمدوا اللَّه عليه، فقال سليمان: إنّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تقبَّضَ «3» علي القوم ببيعته، وقد خرج إلي مكّة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوِّه فأعلموه، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه.

قالوا: لا، بل نقاتل عدوّه، ونقتل أنفسنا دونه.

قال: فكتبوا:

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 8/ 129، وانظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 422، بغية الطلب 6/ 2606، سير أعلام النبلاء 3/ 294.

(2) انظر: أنساب الأشراف 3/ 366، الأخبار الطوال: 222.

(3) تقبَّضَ: زَواه، وقَبَّضْتُ الشي ءَ تقبيضاً: جَمَعْتُه وزَوَيْتُه؛ انظر مادّة «قبض» في: لسان العرب 11/ 13، تاج العروس 10/ 134.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 257

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

للحسين بن عليّ عليهما السلام، من: سليمان بن صُرد، والمسيّب ابن نجبة، ورفاعة بن شدّاد، وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة..

سلامٌ عليك، فإنّا نحمد إليك اللَّه الّذي لا إله إلّاهو.

أمّا بعدُ، فالحمد للَّه الذي قصمَ عدوَّكَ الجبّار العنيد، الذي انتزي علي هذه الأُمّة فابتزَّها أمرها، وغصبها فيئَها، وتأمّر عليها بغير رضيً منها، ثمّ قتل خيارها واستبقي شرارها، وجعل مال اللَّه دولةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعداً له كما بعدت ثمود.

إنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ اللَّه أن يجمعنا

بك علي الحقّ.

والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نُجمِّعُ معه في جمعة، ولا نخرج معه إلي عيد، ولو قد بلغنا أنّك أقبلت إلينا أخرجناه حتّي نُلحقه بالشام إن شاء اللَّه.

ثمّ سرّحوا الكتاب مع عبد اللَّه بن مسمع الهمدانيّ وعبد اللَّه بن وال، وأمروهما بالنجاء، فخرجا مسرعَين، حتّي قدما علي الحسين عليه السلام بمكّة، لعشرٍ مضينَ من شهر رمضان.

ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيسَ بن مسهرٍ الصيداويّ وعبد الرحمن بن عبد اللَّه الأرحبيّ وعمارة بن عبدٍ السلوليّ إلي الحسين عليه السلام، ومعهم نحوٌ من مئةٍ وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة.

ثمّ لبثوا يومين آخرين، وسرّحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعيّ وسعيد

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 258

ابن عبد اللَّه الحنفيّ، وكتبوا إليه:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

للحسين بن عليّ من شيعته من المؤمنين والمسلمين.

أمّا بعد، فحيَّ هلا، فإنّ الناس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثمّ العجل العجل؛ والسلام.

وكتب شبث بن ربعيّ وحجّارُ بن أبجرَ ويزيدُ بن الحارث بن رُوَيْمٍ وعروةُ بن قيسٍ «1» وعمرو بن الحجّاج الزبيديّ ومحمّد بن عمرو التميمي «2»:

أمّا بعد، فقد اخضرَّ الجَناب، وأينعت الثمار، فإذا شئتَ فأقدمْ علي جُندٍ لك مجنَّدٍ؛ والسلام.

وتلاقت الرُسُلُ كلّها عنده، فقرأ الكتب وسأل الرُسُلَ عن الناسِ، ثمّ كتبَ مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد اللَّه، وكانا آخر الرُّسُلِ:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

من الحسين بن عليّ إلي الملأ من المسلمين والمؤمنين.

__________________________________________________

(1)

كذا في المصدر، والصحيح: عزرة بن قيس اليحمدي الأزدي البصري، وقيل: الأحمسي البجلي.

انظر: الجرح والتعديل 7/ 21 رقم 109، ميزان الاعتدال 5/ 83 رقم 5622، لسان الميزان 4/ 166 رقم 405، تاريخ الطبري 3/ 278، البداية والنهاية 8/ 142 و 143.

(2) كذا في المصدر، والصحيح:

محمّد بن عمير التميمي، كان له شرف وقدر بالكوفة، وولي أذربيجان.

انظر: تاريخ الطبري 3/ 278، جمهرة أنساب العرب: 232 و 233، لسان الميزان 5/ 330 رقم 1094.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 259

أمّا بعد، فإنّ هانئاً وسعيداً قَدما علَيَّ بكتبكم، وكانا آخرَ من قدم علَيَّ من رسلكم، وقد فهمت كلَّ الذي اقتصصتم وذكرتم؛ ومقالة جُلّكم:

أنّه ليسَ علينا إمامٌ فأقبلْ لعلّ اللَّه أن يجمعنا بك علي الهدي والحقِّ.

وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، فإن كتب إليَّ أنّه قد اجتمع رأيُ مَلَئِكم وذوي الحجا والفضل منكم علي مثل ما قدمتْ به رُسُلُكم وقرأتُ في كتبكم، أقدِم عليكم وشيكاً إن شاءَ اللَّهُ.

فلعمري ما الإمام إلّاالحاكم بالكتاب، القائمُ بالقسطِ، الدائنُ بدين الحقِّ، الحابسُ نفسه علي ذات اللَّه؛ والسلام» «1».

***

__________________________________________________

(1) الإرشاد 2/ 36- 39.

وانظر عن كتاب الإمام عليه السلام إلي أهل الكوفة وما قاله لمسلم ممّا يدلّ علي عدم وثوقه بأهل الكوفة: أنساب الأشراف 3/ 370- 371، تاريخ الطبري 3/ 277- 278، المنتظم 4/ 142، سير أعلام النبلاء 3/ 293- 294، الأخبار الطوال: 229- 230، مقاتل الطالبيّين: 99، تهذيب الكمال 4/ 487، الإصابة 2/ 78، الفتوح- لابن أعثم- 5/ 35- 36، الكامل في التاريخ 3/ 385- 386، تاريخ ابن خلدون 3/ 26- 27، مروج الذهب 3/ 54، مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 281- 284.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 261

الفصلُ الثاني: في إرسال مسلم بن عقيل إلي الكوفة … ص: 261

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 263

و دعا الحسين بن عليّ عليهما السلام مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداويّ وعمارة بن عبدٍ السلوليّ وعبد الرحمن بن عبد اللَّه الأرحبي، وأمره بتقوي اللَّه وكتمان أمره واللطف، فإنْ رأي الناسَ مجتمعين مستوسقين عجّلَ

إليه بذلك.

فأقبل مسلم حتّي دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيد.

وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فكلّما اجتمع إليه منهم جماعةٌ قرأ عليهم كتاب الحسين بن عليّ عليهما السلام وهم يبكون.

وبايعه الناس.. حتّي بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً، وقيل: بل بايعه أكثر من ثلاثين ألفاً.

فكتب مسلم رحمه اللَّه إلي الحسين عليه السلام يُخبره ببيعة القوم ويأمره بالقدوم …

قال المؤرّخون:

ولكنّ ابن زياد دهمهم، فألقي القبض علي الوجوه والرؤساء وزجَّهم في السجون، من أمثال المختار وسليمان بن صرد الخزاعي، وتفرّق العامّة، وبقي مسلم وحيداً، فلاذ بهاني بن عروة، فرحّب به، وجعل يتمارض مجاملةً مع ابن زياد في عدم إجابته لدعوته، حتّي تمكّن منه بإحضاره إلي

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 264

قصر الإمارة، فلمّا حضر لديه غدر به ابن زياد وأودعه السجن.

فأمسي مسلم حائراً بنفسه، فصادف في طريقه امرأةً من كندة اسمها طوعة، فاستسقاها ماءً، فجاءت المرأة بالماء وشرب ثمّ وقف، فعرفت المرأة فيه الغربة والوحشة، فدعته إلي بيتها لتخفيه حتّي الصباح، حتّي جاء ابنها، فسألها عن السبب في كثرة دخولها البيت، فأخبرته بأمر مسلم بعد أنْ أخذت منه العهود علي أنْ لا يفشي هذا السرّ، لكنّه غدا إلي ابن الأشعث وأخبره بذلك، فأبلغ ابن زياد، فأرسل الجند للقبض عليه.

وكان مسلم يتلو القرآن دبر صلاته، إذ سمع وقع حوافر الخيل وهمهمة الفرسان، فأوحت إليه نفسه بدنو الأجل، فبرز ليث بني عقيل من عرينه مستقبلًا باب الدار والعسكر وعليهم محمّد بن الأشعث، وانتهي أمر المتقابلين إلي النزال، ومسلم راجل وهم فرسان، لكنّ فحل بني عقيل شدّ عليهم شدّ الضرغام علي الأنعام، وهم يولّونه الأدبار ويستنجدون بالحاميات، وقذاءة النار ترمي عليه من السطوح، وهو لا يزال يضرب فيهم بسيفه ويقول في

خلال ذلك متحمّساً:

أقسمتُ لا أُقتل إلّاحرّا وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا

ويجعل الباردَ سُخناً مُرّا رُدَّ شُعاعُ الشمسِ فاستقرّا

كلُّ امرئٍ يوماً ملاق شرّا أخافُ أن أُكذَبَ أو أُغَرّا

ثمّ اختلف هو وبكير بن حمران الأحمري بضربتين، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلي ونصلت لها ثنيّتان، فضربه مسلم ضربة منكرة في رأسه، وثنّي بأُخري علي حبل عاتقه كادت تأتي علي جوفه، فاستنقذه أصحابه، وعاد مسلم ينشد شعره.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 265

اضطُرّ ابنُ الأشعث إلي وعده مسلماً بالأمان إذا ألقي سلاحه، فقال: لا أمان لكم.

وبعدما كرّروا عليه، رأي التسليم فريضة، محافظة للنفس وحقناً للدماء، فسلّم إليه نفسه وسلاحه، ثمّ استولوا عليه، فعرف أنّه مخدوع، فندم ولات حين مندم.

ثمّ أقبل محمّد بن الأشعث بمسلم إلي باب القصر، فاستأذن فأُذن له، فأخبر عبيد اللَّه بخبر مسلم وضرب بكير إيّاه.

فقال: بعداً له.

فأخبره بأمانه، فقال: ما أرسلناك لتؤمنه، إنّما أرسلناك لتأتي به؛ فسكت.

وانتهي مسلم إلي باب القصر وهو عطشان، وعلي باب القصر أُناس ينتظرون الإذن، منهم: عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وعمرو بن حريث، ومسلم بن عمرو الباهلي، وكثير بن شهاب، فاستسقي مسلم رضي اللَّه عنه الماء وقد رأي قلّة موضوعة علي الباب، فقال مسلم الباهلي: أتراها ما أبردها، لا واللَّه لا تذوق منها قطرة حتّي تذوق الحميم في نار جهنّم.

فقال له: ويحك من أنت؟!

قال: أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.

فقال: لأُمّك الثكل، ما أجفاك وما أفظّك وأقسي قلبك وأغلظك! أنت يا بن باهلة أَوْلي بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 266

ثمّ تساند وجلس إلي الحائط، فبعث عمرو

بن حريث مولاه سليمان فجاءه بقلّة، وبعث عمارة غلامه قيساً فجاءه بقلّة عليها منديل، فصبّ له ماءً بقدح، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً من فمه، حتّي إذا كانت الثالثة سقطت ثنيّتاه في القدح فقال: الحمد للَّه، لو كان من الرزق المقسوم لي لشربته.

ولمّا أدخلوه علي عبيد اللَّه لم يسلّم عليه بالإمرة، فقال له الحرسي:

ألا تسلّم علي الأمير؟!

فقال: إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه؟!

فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلنّ.

قال: فدعني أُوصي بعض قومي.

قال: افعل.

فنظر مسلم رضي اللَّه عنه إلي جلساء عبيد اللَّه وفيهم عمر بن سعد ابن أبي وقّاص، فقال: يا عمر! إنّ بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وهي سرّ.

فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيد اللَّه: لِم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك؟!

فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد، فقال له: إنّ علَيَّ بالكوفة سبعمائة درهم، فبع سيفي ودرعي فاقضها عنّي، وإذا قتلت فاستوهب جثّتي من ابن زياد فوارها، وابعث إلي الحسين عليه السلام من يردّه، فإنّي كتبت إليه وأعلمته أنّ الناس معه، ولا أراه إلّامقبلًا ومعه

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 267

تسعون إنساناً بين رجل وامرأة وطفل.

فقال عمر لابن زياد: أتدري أيّها الأمير ما قال لي؟!

فقال له ابن زياد- علي ما رواه في «العقد الفريد» «1» -: اكتم علي ابن عمّك!

قال: هو أعظم من ذلك، إنّه ذكر كذا وكذا.

فقال له ابن زياد: إنّه لا يخونك الأمين، ولكن قد ائتمن الخائن؛ أمّا ماله فهو له، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت، وأمّا جثّته فإنّا لا نبالي إذا قتلناه ما صُنع بها، وأمّا حسين فإنْ هو لم يُرِدْنا لم نُرِدْه.

ثمّ قال لعمر بن سعد: أمَا واللَّه إذ دللت عليه لا

يقاتله أحد غيرك!

ثمّ أقبل ابن زياد علي مسلم يشتمه ويشتم الحسين وعليّاً وعقيلًا، ومسلم لا يكلّمه، ثمّ قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر وادعوا بُكيرَ بن حمران الأحمري الذي ضربه مسلم.

فصعدوا به وهو يكبّر ويستغفر اللَّه ويصلّي علي رسوله ويقول: اللّهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذَبونا وخذلونا.

فأُشرف به علي موضع الحذّائين، فضرب عنقه بكير بن حمران، ثمّ أتبع رأسه جسده من أعلي القصر.

وكان مقتل مسلم رضي اللَّه عنه يوم الأربعاء في اليوم الثامن من ذي الحجّة- يوم التروية- وهو اليوم الذي خرج فيه الحسين عليه السلام

__________________________________________________

(1) العقد الفريد 3/ 365.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 268

يقصد الكوفة ملبّياً دعوتها.

وجاء الحسين عليه السلام هذا النبأ المفجع وهو بزرود.

وأمّا هاني بن عروة، فقد كان محبوساً عند ابن زياد، فأُخرج من الحبس- بعد قتل مسلم- وجي ء به إلي السوق الذي يباع فيه الغنم مكتوفاً، فجعل ينادي: وا مذحجاه! ولا مذحج لي اليوم، وا مذحجاه! وأين منّي مذحج؟!

فلمّا رأي أنّ أحداً لا ينصره، جذب يده فنزعها من الكتاف ثمّ قال:

أمَا من عصا أو سكّين أو حجر أو عظم يجاهد به رجل عن نفسه؟!

فتواثبوا عليه وشدّوه وثاقاً ثمّ قيل له: أُمدد عنقك!

فقال: ما أنا بها سخيّ، وما أنا بمعينكم علي نفسي.

فضربه موليً لعبيد اللَّه بن زياد تركيٌّ- يقال له: رشيد- بالسيف فلم يصنع سيفه شيئاً.

فقال هاني: إلي اللَّه المعاد، اللّهمّ إلي رحمتك ورضوانك.

ثمّ ضربه ضربة أُخري فقتله، وكان ذلك يوم التاسع من ذي الحجّة بعد قتل مسلم بيوم واحد، وكان له من العمر سبع وتسعون سنة.

وأمر ابن زياد فسُحب جثتاهما من أرجلهما بالأسواق والناس ينظرون إليهما، يا له منظراً فظيعاً وعبرة للمعتبر!

ثمّ إنّ ابن زياد بعث برأسَي مسلم وهاني

إلي يزيد، مع هاني بن أبي حيّة الوادعي والزبير بن الأروح التميمي، واستوهب جثّتيهما ودفنوهما عند القصر حيث موضعهما اليوم، وقبراهما كلّ علي حدة.

قال عبد اللَّه بن الزبير الأسدي يؤبّنهما من أبيات:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلي هانئٍ في السوق وابن عقيلِ

إلي بطلٍ قد هشّم السيفُ وجهَه وآخرَ يهوي من طمارٍ قتيلِ «1»

***

__________________________________________________

(1) انظر: الإرشاد 2/ 39- 65، تاريخ الطبري: 3/ 278- 293، الأخبار الطوال: 231- 242، الكامل في التاريخ: 3/ 386- 398، البداية والنهاية: 8/ 122- 126، مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 285- 308.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 271

الفصل الثالث: الإعلان عن العزم علي الخروج من مكّة … ص: 271

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 273

وظلّ الإمام عليه السلام مدّة بقائه في مكّة يعلن عن عزمه علي الخروج إلي العراق، ويخبر بذلك أهل مكّة والقادمين إليها، ويؤكّد أنّه إذا بقي بها قُتل واستحلّت بقتله:

«لأنْ أُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي- يعني مكّة-» «1».

«واللَّه لأنْ أُقتل خارجاً منها بشبرٍ أحبّ إلي من أن أُقتل داخلًا منها بشبر، وأيم اللَّه لو كنتُ في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّي يقضوا فيَّ حاجتهم، وواللَّه ليعتدنّ علَيَّ كما اعتدت اليهود في السبت» «2».

__________________________________________________

(1) تاريخ الإسلام حوادث 61: 106- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام؛ وقال محقّقه: «أخرجه الطبراني … ورجاله رجال الصحيح»، المعجم الكبير 3/ 120 ح 2859، الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 428، تاريخ الطبري 3/ 295- 296، الفتوح 5/ 72، بغية الطلب 6/ 2611، الكامل في التاريخ 3/ 400، سير أعلام النبلاء 3/ 293، البداية والنهاية 8/ 132، تهذيب الكمال 4/ 492، مختصر تاريخ دمشق 7/ 142، مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 314، وغيرها.

(2) تاريخ الطبري 3/ 295- 296، وانظر: الطبقات الكبري - لابن

سعد- 6/ 428، أنساب الأشراف 3/ 375، بغية الطلب 6/ 2611، الكامل في التاريخ 3/ 400، سير أعلام النبلاء 3/ 293 و 306، البداية والنهاية 8/ 135، الفصول المهمّة- لابن الصبّاغ المالكي-: 186.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 274

«واللَّه لا يدعوني حتّي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي» «1».

«إنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول اللَّه وأمرني بأمر أنا ماضٍ له، ولست بمخبر بها أحداً حتّي أُلاقي عملي» «2».

«لا بُدّ لي إذاً من مصرعي» «3».

«مهما يقضِ اللَّه من أمرٍ يكن» «4».

ولمّا سئل عن سبب العجلة في الخروج من مكّة، قال:

«لو لم أعجل لأُخِذت» «5».

«خفت أنّه يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت» «6».

ولمّا ذُكّر بما فعله أهل الكوفة بأبيه وأخيه، قال:

«إنّه ليس يخفي علَيَّ ما قلتَ وما رأيت، ولكنّ اللَّه لا يُغلب علي

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 300، البداية والنهاية 8/ 135، تاريخ دمشق 14/ 216، وانظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 431، بغية الطلب 6/ 2615- 2616، الكامل في التاريخ 3/ 401.

(2) تاريخ الإسلام 2/ 243، وانظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 426، بغية الطلب 6/ 2610، الكامل في التاريخ 3/ 402، أُسد الغابة 1/ 498، تهذيب الكمال 4/ 491، مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 283- 284، مختصر تاريخ دمشق 7/ 141، البداية والنهاية 8/ 131 و 134.

(3) الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 426، سير أعلام النبلاء 3/ 297، مختصر تاريخ دمشق 7/ 140، البداية والنهاية 8/ 131، بغية الطلب 6/ 2609.

(4) الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 426، تهذيب الكمال 4/ 490، الكامل في التاريخ 3/ 399، الفصول المهمّة- لابن الصبّاغ المالكي-: 185.

(5) تاريخ الطبري 3/ 297، البداية والنهاية 8/ 134، الإرشاد 2/ 67،

بحار الأنوار 44/ 365 ب 37.

(6) الملهوف علي قتلي الطفوف: 128.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 275

أمره» «1».

«لأن أُقتل بيني وبين الحرم باع أحبّ إليَّ من أنْ أُقتل وبيني وبينه شبر، ولئن أُقتل بالطفّ أحبّ إليَّ من أن أُقتل بالحرم» «2».

«لأن أُدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أنْ أُدفن بفناء الكعبة» «3».

وفي هذه الأثناء جاءته الرسل، وكتاب سليمان بن صرد وجماعته، وجاءه كتاب مسلم بن عقيل … كما تقدّم.

وعبد اللَّه بن الزبير يترصّد وينتظر خروجه … وقد كان ينصح الإمام بذلك، وقال له: «أمَا إنّه لو كان لي بها شيعة مثل شيعتك ما عدلت عنهم» «4».

ولمّا ودّع عبد اللَّه بن عبّاس الإمام عليه السلام قال له: «أقررتَ عين ابن الزبير».

ثمّ لمّا خرج ابن عبّاس ورأي ابن الزبير قال له: «يا ابن الزبير! قد أتي ما أحببت، قرّت عينك، هذا أبو عبد اللَّه يخرج ويتركك والحجاز.

يا لك من قنبرة بمعمر خَلا لَكِ الجوُّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري «5»

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 304، الكامل في التاريخ 3/ 404، البداية والنهاية 8/ 137.

(2) كامل الزيارات: 72 ب 23 ح 4.

(3) كامل الزيارات: 73 ب 23 ح 6.

(4) انظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 424، سير أعلام النبلاء 3/ 295، الفصول المهمّة- لابن الصبّاغ المالكي-: 186.

(5) انظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 428، أنساب الأشراف 3/ 374، سير أعلام النبلاء 3/ 297، مختصر تاريخ دمشق 7/ 142- 143، البداية والنهاية 8/ 132، بغية الطلب 6/ 2611، الفصول المهمّة- لابن الصبّاغ المالكي-: 187.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 276

كلمة حول ابن الزبير

وكم فرقٌ بين قضيّة الإمام الحسين عليه السلام وقضيّة عبد اللَّه بن الزبير!!

فقد دلَّت الأحوال والأقوال من عبد اللَّه

بن الزبير أنّه كان طالباً للحكومة وبأيّ ثمنٍ، حتّي لو تطلّب ذلك إراقة الدماء وهتك الحرمات …

قال ابن خلّكان:

«حكي سفيان الثوري، عن طارق بن عبد العزيز، عن الشعبي، قال:

لقد رأيت عجباً! كنّا بفناء الكعبة، أنا وعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعدما فرغوا من صلاتهم: ليقم رجل رجل منكم فليأخذ الركن اليماني وليسأل اللَّه حاجته، فإنّه يعطي من ساعته، قم يا عبد اللَّه بن الزبير، فإنّك أوّل مولود وُلد في الهجرة.

فقام وأخذ بالركن اليماني ثمّ قال: اللّهمّ إنّك عظيم تُرجي لكلّ عظيم، أسألك بحرمة عرشك وحرمة وجهك وحرمة نبيّك عليه الصلاة والسلام أنْ لا تميتني حتّي تولّيني الحجاز ويُسلّم علَيَّ بالخلافة.

وجاء حتّي جلس فقال: قم يا مصعب … » «1».

وخرج الإمام من مكّة …

وقال الإمام عليه السلام في الطريق لمن تكلّم معه ليمنعه من

__________________________________________________

(1) وفيات الأعيان 3/ 29- 30 رقم 321 ترجمة عبد اللَّه بن عمر.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 277

الذهاب: «لا يخفي علَيَّ شي ء ممّا ذكرت، ولكنّي صابر ومحتسب، إلي أنْ يقضي اللَّه أمراً كان مفعولًا» «1».

وما زال عليه السلام يؤكّد علي أنْ الّذين كتبوا إليه هم الّذين سيقتلونه، ومن ذلك قوله: «ما كانت كُتب مَن كَتب إليّ في ما أظنّ إلّا مكيدة لي وتقرّباً إلي ابن معاوية بي» «2».

وخرج الإمام عليه السلام بأهله وعياله ومن معه نحو العراق، وقد قال لمن سأله أنْ لا يأخذ الأهل: «ما أري إلّاالخروج بالأهل والولد» «3».

«أعلم يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصارع أصحابي، لا ينجو منهم إلّا ولدي عليّ» «4».

وعن حمله للنسوة قال عليه السلام:

«إنّ اللَّه قد شاء أن يراهنّ سبايا» «5».

***

__________________________________________________

(1) الفصول المهمّة- لابن الصبّاغ المالكي-:

189.

(2) أنساب الأشراف 3/ 393.

(3) الأخبار الطوال: 244، وانظر مؤدّاه في الصواعق المحرقة: 298.

(4) دلائل الإمامة: 74، بحار الأنوار 44/ 364 ب 37.

(5) إثبات الوصية: 166، الملهوف علي قتلي الطفوف: 128، بحار الأنوار 44/ 364 ب 37.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 279

الفصل الرابع: في مجمل الوقائع في الطريق … ص: 279

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 281

ونتعرّض في ما يلي لأهمّ الوقائع التي مرّ بها الإمام عليه السلام في طريقه من مكّة إلي العراق، كما ذكرها الرواة والمؤرّخون:

أخذه العِير في التنعيم

قالوا: خرج الإمام عليه السلام من مكّة يوم التروية، وسار هو وأصحابه فمرّوا بالتنعيم، فرأي بها عِيراً قد أقبلت من اليمن بعث بها بَحير ابن رَيْسان من اليمن إلي يزيد بن معاوية، وكان عامله علي اليمن، وعلي العِير الوَرْس والحُلل، فأخذها الحسين وقال لأصحاب الإبل: مَنْ أحبّ منكم أن يمضي معنا إلي العراق أَوْفَينا كِراءه وأحسنّا صُحْبته، ومَنْ أحبّ أن يفارقنا من مكاننا أعطيناه نصيبه من الكِراء؛ فمَن فارق منهم أعطاه حقّه، ومن سار معه أعطاه كراءه وكساه «1».

الإمام والفرزدق في الصفاح

ثمّ سار، فلمّا انتهي إلي الصفاح.. قال ابن الأثير: لقيه الفرزدق الشاعر فقال له: أعطاك اللَّهُ سُؤلك وأملك في ما تحبّ.

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ الطبري 3/ 296، الكامل في التاريخ 3/ 401.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 282

فقال له الحسين: بيّن لي خبر الناس خلفك.

قال: الخبيرَ سألتَ، قلوبُ الناس معك، وسيوفهم مع بني أُميّة، والقضاء ينزل من السماء، واللَّه يفعل ما يشاء.

فقال الحسين: صدقتَ، للَّه الأمرُ، يفعل ما يشاء، وكلّ يوم ربّنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد اللَّه علي نعمائه، وهو المستعان علي أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتدِ مَنْ كان الحقّ نيّته، والتقوي سريرته «1».

وصول كتاب عبد اللَّه بن

جعفر

وذكروا وصول كتاب عبد اللَّه بن جعفر إلي الإمام عليه السلام؛ فروي الطبري عن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال:

لمّا خرجنا من مكّة، كتب عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب إلي الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمّد:

أمّا بعد، فإنّي أسألك باللَّه لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنّك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإنّي في أثر الكتاب؛ والسلام.

قال: وقام عبد اللَّه بن جعفر إلي عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه، وقال: اكتب إلي الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان، وتمنّيه فيه البرّ والصلة، وتوثّق له في كتابك، وتسأله الرجوع، لعلّه يطمئنّ إلي ذلك فيرجع.

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 401- 402.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 283

فقال عمرو بن سعيد: اكتب ما شئت وائتني به حتّي أختمه.

فكتب عبد اللَّه بن جعفر الكتاب، ثمّ أتي به عمرو بن سعيد فقال له: اختمه وابعث به مع أخيك يحيي بن سعيد، فإنّه أحري أن تطمئنّ نفسه إليه، ويعلم أنّه الجدّ منك؛ ففعل، وكان عمرو بن سعيد عاملَ يزيد ابن معاوية علي مكّة.

قال: فلحقه يحيي وعبد اللَّه بن جعفر، ثمّ انصرفا بعد أن أقرأه يحيي الكتاب، فقالا: أَقْرَأْنَاه الكتابَ، وجهدنا به، وكان ممّا اعتذر به إلينا أن قال: إنّي رأيت رؤيا فيها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وأُمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، علَيَّ كان أَوْ لي.

فقالا له: فما تلك الرؤيا؟

قال: ما حدّثت أحداً بها، وما أنا محدّث بها حتّي ألقي ربّي «1».

قال: وكان كتاب عمرو بن سعيد إلي الحسين بن عليّ:

بسم اللَّه الرحمن

الرحيم

من عمرو بن سعيد إلي الحسين بن عليّ.

أمّا بعد، فإنّي أسأل اللَّه أن يصرفك عمّا يوبقك، وأن يهديك لِما يرشدك.

بلغني أنّك قد توجّهت إلي العراق، وإنّي أُعيذك باللَّه من الشقاق، فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد اللَّه بن جعفر ويحيي ابن سعيد، فأقبل إليّ معهما، فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار لك، اللَّه علَيَّ بذلك شهيد وكفيلٌ، ومُراع ووكيل، والسلام عليك.

__________________________________________________

(1) أورده ابن كثير- كذلك- في البداية والنهاية 8/ 134.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 284

قال: وكتب إليه الحسين:

أمّا بعد، فإنّه لم يشاقق اللَّه ورسوله من دعا إلي اللَّه عزّ وجل وعمل صالحاً وقال إنّني من المسلمين، وقد دعوت إلي الأمان والبرّ والصلة، فخير الأمان أمان اللَّه، ولن يؤمن اللَّه يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا، فنسأل اللَّه مخافةً في الدنيا توجب لنا أمانَه يوم القيامة، فإن كنت نوبت بالكتاب صلتي وبرّي، فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة؛ والسلام» «1».

وقال الخوارزمي: «لقيه رجلٌ من بني أسد يقال له: بشر بن غالب، فقال له الحسين: ممّن الرجل؟

قال: من بني أسد.

قال: فمن أين أقبلت؟

قال: من العراق.

قال: فكيف خلّفت أهل العراق؟

فقال: يا ابن رسول اللَّه! خلّفت القلوب معك، والسيوف مع بني أُميّة.

فقال له الحسين: صدقت يا أخا بني أسد، إنّ اللَّه تبارك وتعالي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

قال له الأسدي: يا ابن رسول اللَّه! أخبرني عن قول اللَّه تعالي :

«يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»؟ «2»

فقال له الحسين عليه السلام: نعم يا أخا بني أسد، هما إمامان: إمام

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 297، الكامل في التاريخ 3/ 402.

(2) سورة الإسراء 17: 71.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 285

هديً دعا إلي هديً، وإمام ضلالة دعا إلي ضلالة، فهذا

ومن أجابه إلي الهدي في الجنّة، وهذا ومن أجابه إلي الضلالة في النار» «1».

كتاب الإمام إلي الكوفة من الحاجر

قال ابن الأثير:

فلمّا بلغ الحسين الحاجر، كتب إلي أهل الكوفة مع قيس بن مُسْهِر الصيداوي يعرّفهم قدومَه، ويأمرهم بالجدّ في أمرهم، فلمّا انتهي قيسٌ إلي القادسية أخذه الحصين فبعث به إلي ابن زياد، فقال له ابن زياد: اصعد القصر فسبّ الكذّابَ ابنَ الكذّاب الحسين بن عليّ!

فصعد قيسٌ فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: إنّ هذا الحسين بن عليّ خيرُ خلق اللَّه، ابن فاطمة بنت رسول اللَّه، صلّي اللَّه عليه وسلّم، أنا رسوله إليكم، وقد فارقتُه بالحاجر، فأجيبوه؛ ثمّ لعن ابنَ زياد وأباه، واستغفر لعليّ.

فأمر به ابن زياد فرُمي من أعلي القصر، فتقطّع فمات «2».

وقال الشيخ المفيد:

«بعث قيس بن مسهر الصيداوي- ويقال: بل بعث أخاه من الرضاعة عبد اللَّه بن يقطر- إلي الكوفة، ولم يكن عليه السلام علم بخبر مسلم بن عقيل رحمة اللَّه عليهما، وكتب معه إليهم:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم؛ من الحسين بن عليّ إلي إخوانه من

__________________________________________________

(1) مقتل الحسين 1/ 318.

(2) انظر: الكامل في التاريخ 3/ 402.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 286

المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم اللَّه الذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم علي نصرنا والطلب بحقّنا، فسألت اللَّه أن يحسن لنا الصنيع، وأن يثيبكم علي ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم، وجِدّوا، فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة، وكتب

إليه أهل الكوفة أنّ لك ها هنا مئة ألف سيف ولا تتأخّر، فأقبل قيس بن مسهر إلي الكوفة بكتاب الحسين عليه السلام، حتّي إذا انتهي إلي القادسية، أخذه الحُصين بن نمير فبعث به إلي عبيد اللَّه بن زياد، فقال له عبيد اللَّه:

اصعد فسبّ الكذّاب الحسين بن عليّ!

فصعد قيس فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: أيّها الناس! إنّ هذا الحسين بن عليّ خير خلق اللَّه، ابن فاطمة بنت رسول اللَّه، وأنا رسوله إليكم، فأجيبوه! ثمّ لعن عبيد اللَّه بن زياد وأباه، واستغفر لعليّ بن أبي طالب وصلّي عليه.

فأمر عبيد اللَّه أن يرمي به من فوق القصر، فرموا به فتقطّع.

وروي أنّه وقع إلي الأرض مكتوفاً فتكسّرت عظامه وبقي به رمق، فجاء رجل يقال له: عبد الملك بن عمير اللخمي، فذبحه، فقيل له في ذلك وعِيب عليه، فقال: أردت أن أُريحه» «1».

__________________________________________________

(1) الإرشاد 2/ 70- 71.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 287

قال السيّد ابن طاووس:

«وكتب الحسين عليه السلام كتاباً إلي سليمان بن صرد والمسيّب ابن نجبة ورفاعة بن شدّاد وجماعة من الشيعة بالكوفة، وبعث به مع قيس ابن مسهر الصيداوي، فلمّا قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيد اللَّه بن زياد ليفتّشه، فأخرج قيس الكتاب ومزّقه، فحمله الحصين إلي ابن زياد، فلمّا مثل بين يديه قال له: من أنت؟

قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وابنه عليهما السلام.

قال: فلماذا مزّقت الكتاب؟!

قال: لئلّا تعلم ما فيه.

قال: ممّن الكتاب؟! وإلي من؟!

قال: من الحسين بن عليّ عليهما السلام إلي جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.

فغضب ابن زياد، وقال: واللَّه لا تفارقني حتّي تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين وأباه وأخاه، وإلّا قطّعتك إرباً

إرباً.

فقال قيس: أمّا القوم فلا أُخبرك بأسمائهم، وأمّا لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل.

فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثني عليه وصلّي علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وأكثر من الترحّم علي عليّ ووُلده صلوات اللَّه عليهم، ثمّ لعن عبيد اللَّه بن زياد وأباه، ولعن عتاة بني أُميّة عن آخرهم، ثمّ قال:

أيّها الناس! أنا رسول الحسين بن عليّ عليهما السلام إليكم، وقد

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 288

خلّفته بموضع كذا وكذا، فأجيبوه!

فأُخبر ابن زياد بذلك، فأمر بإلقائه من أعلي القصر، فأُلقي من هناك فمات رحمه اللَّه.

فبلغ الحسين عليه السلام موته فاستعبر باكياً، ثمّ قال: اللّهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلًا كريماً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك، إنّك علي كلّ شي ء قدير» «1».

بين الإمام وعبد اللَّه بن مطيع في ماءٍ

قال ابن الأثير:

«ثمّ أقبل الحسين يسير نحو الكوفة، فانتهي إلي ماء من مياه العرب، فإذا عليه عبدُ اللَّه بن مُطيع، فلمّا رآه قام إليه فقال: بأبي وأُمّي يا ابنَ رسول اللَّه! ما أقدمك؟!

فاحتمله فأنزله، فأخبره الحسينُ، فقال له عبد اللَّه: أُذكِّرك اللَّه يا ابن رسول اللَّه وحرمة الإسلام أن تُنْتهك، أنشدك اللَّه في حرمة قُريش، أنشدك اللَّه في حرمة العرب، فواللَّه لئن طلبتَ ما في أيدي بني أُميّة ليقتلُنّك، ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحداً أبداً، واللَّه إنّها لحرمة الإسلام [تُنْتَهك ] وحرمة قريش وحرمة العرب، فلا تفعل، ولا تأتِ الكوفة، ولا تُعرّض نفسك لبني أُميّة!

فأبي إلّاأن يمضي» «2».

__________________________________________________

(1) الملهوف علي قتلي الطفوف: 135- 136.

(2) الكامل في التاريخ 3/ 402- 403، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 301- 302، الإرشاد 2/ 71- 72.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 289

ما سمعته زينب بنت عليّ في الخزيميّة

قال الخوارزمي:

«لمّا نزل الحسين عليه السلام بالخزيميّة، أقام بها

يوماً وليلة، فلمّا أصبح جاءت إليه أُخته زينب بنت عليّ فقالت له: يا أخي! ألا أُخبرك بشي ء سمعته البارحة؟

فقال لها: وما ذاك يا أُختاه؟

فقالت: إنّي خرجت البارحة في بعض الليل لقضاء حاجة، فسمعت هاتفاً يقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهدِ فمن يبكي علي الشهداء بعدي

علي قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلي إنجاز وعدِ

فقال لها الحسين: يا أُختاه! كلُّ ما قضي فهو كائن» «1».

بين الإمام وزهير بن القين في زرود

قال الطبري: «فأقبل الحسين حتّي كان بالماء فوق زَرُود» «2».

ثمّ روي الطبري عن رجلٍ من بني فزارة، قال:

«لمّا كان زمن الحجّاج بن يوسف كنّا في دار الحارث بن أبي ربيعة، التي في التمّارين، التي أُقطعت بعدُ زهيرَ بن القين، من بني عمرو بن يشكر من بجيلة، وكان أهل الشام لا يدخلونها، فكنّا مختبئين فيها، قال:

__________________________________________________

(1) مقتل الحسين 1/ 323- 324.

(2) تاريخ الطبري 3/ 302.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 290

فقلت للفزاري: حدّثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن عليّ.

قال: كنّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نساير الحسين، فلم يكن شي ء أبغض إلينا من أن نسايره في منزل، فإذا سار الحسين تخلّف زهير بن القين، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير، حتّي نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بُدّاً من أن ننازله فيه، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغدّي من طعام لنا، إذ أقبل رسول الحسين حتّي سلّم، ثمّ دخل فقال: يا زهير بن القين! إنّ أبا عبد اللَّه الحسين بن عليّ بعثني إليك لتأتيه.

قال: فطرح كلّ إنسان ما في يده حتّي كأنّنا علي رؤوسنا الطير.

قال أبو محنف: فحدّثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين، قالت: فقلت له: أيبعث إليك ابن رسول

اللَّه ثمّ لا تأتيه؟! سبحان اللَّه! لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت؟!

قالت: فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه، قالت: فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقُدِّم وحمل إلي الحسين، ثمّ قال لامرأته: أنت طالق، إلحقي بأهلك! فإنّي لا أُحبّ أن يصيبك من سببي إلّا خير.

ثمّ قال لأصحابه: من أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فإنّه آخر العهد، إنّي سأُحدّثكم حديثاً؛ غزونا بلنجر، ففتح اللَّه علينا، وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهلي: أفرحتم بما فتح اللَّه عليكم وأصبتم من الغنائم؟

فقلنا: نعم.

فقال لنا: إذا أدركتم شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 291

معهم منكم بما أصبتم من الغنائم.

فأمّا أنا فإنّي أستودعكم اللَّه.

قال: ثمّ واللَّه ما زال في أول القوم حتّي قُتل» «1».

وقال السيّد ابن طاووس: «قال زهير: قد عزمت علي صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي.

ثمّ أعطاها مالها وسلّمها إلي بعض بني عمّها ليوصلها إلي أهلها، فقامت إليه وودّعته وبكت وقالت: كان اللَّه لك عوناً ومعيناً، خار اللَّه لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين» «2».

واختصر ابن الأثير الخبر فقال:

وكان زُهَير بن القَين البَجَليّ قد حجّ، وكان عثمانيّاً، فلمّا عاد جمعهما الطريقُ، وكان يساير الحسين من مكّة إلّاأنّه لا ينزل معه، فاستدعاه يوماً الحسين، فشقّ عليه ذلك ثمّ أجابه علي كره، فلمّا عاد من عنده نقل ثَقَله إلي ثَقَل الحسين ثمّ قال لأصحابه: مَنْ أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فإنّه آخر العهد، وسأُحدّثكم حديثاً؛ غزونا بَلَنْجَر ففُتح علينا وأصبنا غنائم، ففرحنا، وكان معنا سلمان الفارسي فقال لنا: إذا أدركتم سيّد شباب أهل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم اليوم من الغنائم؛ فأمّا أنا

فأستودعكم اللَّه!

ثمّ طلّق زوجته وقال لها: الحقي بأهلك! فإنّي لا أُحبّ أن يصيبك

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 302.

(2) الملهوف علي قتلي الطفوف: 133.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 292

في سببي إلّاخير.

ولزم الحسين حتّي قُتل معه «1».

وصول خبر مقتل مسلم وهاني إلي الإمام بالثعلبيّة

وروي علماء الفريقين، عن عبد اللَّه بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديّين، أنّهما لقيا في زَرُود رجلًا من بني أسد قادماً من الكوفة، فاستخبراه، فأخبرهما باستشهاد سيّدنا مسلم بن عقيل وهاني بن عروة «2».

فرووا عن الأسديّين أنّهما قالا: «فأقبلنا حتّي لحقنا الحسين صلوات اللَّه عليه، فسايرناه حتّي نزل الثعلبية ممسياً، فجئناه حين نزل، فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام، فقلنا له: رحمك اللَّه، إنّ عندنا خبراً، إن شئت حدّثناك علانيةً وإن شئت سرّاً.

فنظر إلينا وإلي أصحابه، ثمّ قال: ما دون هؤلاء سرّ.

فقلنا له: رأيتَ الراكب الذي استقبلته عشي أمس؟

قال: نعم، وقد أردتُ مسألته.

فقلنا: قد واللَّه استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته، وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل، وإنّه حدّثنا أنّه لم يخرج من الكوفة حتّي قُتل مسلم وهاني، ورآهما يُجرّان في السوق بأرجلهما.

فقال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، رحمة اللَّه عليهما، يردّد ذلك مراراً.

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 403.

(2) الإرشاد 2/ 74، مقتل الحسين- للخولرزمي- 1/ 309.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 293

فقلنا له: ننشدك اللَّه في نفسك وأهل بيتك إلّاانصرفت من مكانك هذا، فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوّف أن يكونوا عليك.

فنظر إلي بني عقيل فقال: ما ترون فقد قُتل مسلم؟

فقالوا: واللَّه لا نرجع حتّي نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق.

فأقبل علينا الحسين وقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء.

فعلمنا أنّه قد عزم رأيه علي المسير، فقلنا له: خار اللَّه لك.

فقال: رحمكما اللَّه.

فقال له

أصحابه: إنّك واللَّه ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع.

فسكت، ثمّ انتظر حتّي إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه: أكثروا من الماء.

فاستقوا وأكثروا، ثمّ ارتحلوا» «1».

وقال السيّد ابن طاووس: «قال الراوي: ثمّ سار عليه السلام حتّي نزل الثعلبية وقت الظهيرة، فوضع رأسه فرقد، ثمّ استيقظ فقال: قد رأيت هاتفاً يقول: أنتم تسرعون والمنايا تسرع بكم إلي الجنّة.

فقال له ابنه عليّ: يا أبة! أفلسنا علي الحقّ؟!

فقال: بلي يا بُني والذي إليه مرجع العباد.

فقال: يا أبة! إذاً لا نبالي بالموت.

فقال الحسين عليه السلام: فجزاك اللَّه يا بنيّ خير ما جزي ولداً عن والده.

__________________________________________________

(1) الإرشاد 2/ 74- 75.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 294

ثمّ بات عليه السلام في الموضع، فلمّا أصبح فإذا برجل من أهل الكوفة يكنّي أبا هرّة الأزدي فلمّا أتاه سلّم عليه، ثمّ قال: يا ابن رسول اللَّه! ما الذي أخرجك من حرم اللَّه وحرم جدّك رسول اللَّه؟!

فقال الحسين: ويحك يا أبا هرّة! إنّ بني أُميّة أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت؛ وأيم اللَّه لتقتلني الفئة الباغية، وليلبسنّهم اللَّه ذلّاً شاملًا وسيفاً قاطعاً، وليسلّطنّ اللَّه عليهم مَن يذلّهم حتّي يكونوا أذلّ من قوم سبأ؛ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم حتّي أذلّتهم» «1».

شعرٌ للإمام عليه السلام في الشقوق

قال ابن شهرآشوب:

فلمّا نزل شقوق، أتاه رجلٌ، فسأله عن العراق، فأخبره بحاله، فقال: إنّ الأمر للَّه يفعل ما يشاء، وربّنا تبارك كلّ يوم هو في شأن؛ فإن نزل القضاء فالحمد للَّه علي نعمائه، وهو المستعان علي أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من الحق نيّته؛ ثمّ أنشد:

فإن تكن الدنيا تعدّ نفيسة فدار ثواب اللَّه أعلي وأنبلُ

وإن تكن الأموال

للترك جمعها فما بال متروك به الحرّ يبخلُ

__________________________________________________

(1) الملهوف علي قتلي الطفوف: 131- 132.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 295

وإن تكن الأرزاق قسماً مقدّراً فقلّة حرص المرء في الكسب أجملُ

وإن تكن الأبدان للموت أُنشئت فقتل امرئ بالسيف في اللَّه أفضلُ

عليكم سلام اللَّه يا آل أحمد فإنّي أراني عنكم سوف أرحلُ «1»

وصول خبر مقتل عبد اللَّه بن يقطر في زبالة

قالوا:

حتّي انتهي عليه السلام إلي زبالة، فأتاه خبر مقتل أخيه من الرضاعة عبد اللَّه بن يقطر، وكان سرّحه إلي مسلم بن عقيل من الطريق، فأخذه خيل الحصين … وقد تقدّم خبر مقتله سابقاً «2».

الإذن بالانصراف

قالوا:

فلمّا أتي الحسينَ خبرُ قتل أخيه من الرضاعة ومسلم بن عقيل، أعلم الناسَ ذلك وقال: مَن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه منّا ذِمام.

__________________________________________________

(1) مناقب آل أبي طالب 4/ 103- 104.

(2) انظر: تاريخ الطبري 3/ 303، الكامل في التاريخ 3/ 403؛ وقد تقدّم في الصفحتين 285- 286.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 296

فتفرّق الناس عنه تفرّقاً، فأخذوا يميناً وشمالًا، حتّي بقي في أصحابه الّذين جاؤوا معه من مكّة.

وإنّما فعل ذلك لأنّه علم أنّ الأعراب ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعةُ أهلِه، فأراد أن يعلموا علامَ يَقدِمون «1».

بين الإمام ورجلٍ من العرب في بطن العقبة

قال ابن الأثير:

«ثمّ سار حتّي نزل بطن العَقَبة، فلقيه رجل من العرب، فقال له:

أنشدك اللَّه لمّا انصرفتَ، فواللَّه ما تُقدِم إلّاعلي الأسنّة وحدّ السيوف، إنّ هؤلاء الّذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء فقدمتَ عليهم لكان ذلك رأياً، فأمّا علي هذه الحال التي تذكرها فلا أري لك أن تفعل.

فقال: إنّه لا يخفي علَيَّ ما ذكرتَ، ولكنّ اللَّه عزّ وجلّ لا يُغْلَب علي أمره.

ثمّ ارتحل منها» «2».

وفصّل

الشيخ المفيد الخبر فقال:

«ثمّ سار حتّي مرّ ببطن العقبة، فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمرو بن لوذان، فسأله: أين تريد؟

فقال له الحسين عليه السلام: الكوفة.

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ الطبري 3/ 303.

(2) الكامل في التاريخ 3/ 404.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 297

فقال الشيخ: أنشدك اللَّه لمّا انصرفت، فواللَّه ما تُقدِم إلّاعلي الأسنة وحدّ السيوف، وإنّ هؤلاء الّذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأياً، فأمّا علي هذه الحال التي تذكر فإنّي لا أري لك أن تفعل.

فقال له: يا عبد اللَّه! ليس يخفي علَيَّ الرأي، ولكنّ اللَّه تعالي لا يُغلب علي أمره.

ثمّ قال عليه السلام: واللَّه لا يدعوني حتّي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلّط اللَّه عليهم من يذلّهم حتّي يكونوا أذلّ فرق الأُمم» «1».

رؤيا الإمام عليه السلام

وروي ابن قولويه رحمه اللَّه بإسناده عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام، أنّه قال:

«لمّا صعد الحسين بن عليّ عليه السلام عقبة البطن قال لأصحابه:

ما أراني إلّامقتولًا.

قالوا: وما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟!

قال: رؤيا رأيتها في المنام.

قالوا: وما هي؟

قال: رأيت كلاباً تنهشني، أشدّها علَيَّ كلب أبقع» «2».

__________________________________________________

(1) الإرشاد 2/ 76.

(2) كامل الزيارات: 75 ب 23 ح 14.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 298

بين الإمام والحرّ بن يزيد في ذي حسم

قالوا:

وسار الإمام عليه السلام حتّي نزل شراف، فلمّا كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا ماءً كثيراً ثمّ ساروا منها، فلمّا انتصف النهار كبّر رجلٌ من أصحابه … فقال له: مِمَّ كبّرتَ؟

قال: رأيتُ النخل.

فقال رجلان من بني أسد: ما بهذه الأرض نخلة قطّ!

فقال الحسين: فما هو؟!

فقالا: لا نراه إلّاهوادي الخيل.

فقال: وأنا أيضاً أراه ذلك.

وقال لهما: أمَا لنا ملجأ نلجأ إليه

نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟!

فقالا: بلي ، هذا ذو حُسُم إلي جنبك تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد.

فمال إليه، فما كان بأسرع من أن طلعت الخيل وعدلوا إليهم، فسبقهم الحسين إلي الجبل، فنزل، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحُرّ ابن يزيد التميميّ ثمّ اليربوعي، فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه في حرّ الظهيرة، فقال الحسين لأصحابه وفتيانه: اسقوا القوم ورشّفوا الخيل ترشيفاً!

ففعلوا، وكان مجي ء الحرّ من القادسيّة، أرسله الحُصَين بن نُمَير

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 299

التميميّ في هذه الألف يستقبل الحسين، فلم يزل مواقفاً الحسين حتّي حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين مؤذّنه بالأذان، فأذّن، وخرج الحسين إليهم فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال:

أيّها الناس! إنّها معذرة إلي اللَّه وإليكم، إنّي لم آتِكم حتّي أتتني كتبكم ورسلكم أن اقدمْ إلينا فليس لنا إمام لعلّ اللَّه أن يجعلنا بك علي الهدي ؛ فقد جئتُكم، فإن تُعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم أقدِم مصركم، وإن لم تفعلوا أو كنتم لمقدمي كارهين انصرفتُ عنكم إلي المكان الذي أقبلتُ منه.

فسكتوا، وقالوا للمؤذّن: أقمْ! فأقام، وقال الحسين للحُرّ: أتريد أن تصلّي أنت بأصحابك؟

فقال: بل صلّ أنت ونصلّي بصلاتك.

فصلّي بهم الحسين، ثمّ دخل واجتمع إليه أصحابه، وانصرف الحرّ إلي مكانه، ثمّ صلّي بهم الحسين العصر، ثمّ استقبلهم بوجهه فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، أيّها الناس! فإنّكم إن تتّقوا اللَّه وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضي للَّه، ونحن أهل البيت أَوْلي بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم ورسلكم انصرفتُ عنكم.

فقال الحرّ: إنّا واللَّه ما ندري ما هذه الكتب

والرسل التي تذكر.

فأخرج خرجَين مملوءين صحفاً فنثرها بين أيديهم.

فقال الحرّ: فإنّا لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك، وقد أُمرنا أنّا إذا

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 300

نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّي نُقْدمك الكوفة علي عبيد اللَّه بن زياد.

فقال الحسين: الموت أدني إليك من ذلك!

ثمّ أمر أصحابه فركبوا لينصرفوا، فمنعهم الحرّ من ذلك، فقال له الحسين: ثكلتْك أُمّك! ما تريد؟!

قال له: أمَا واللَّه لو غيرك من العرب يقولها [لي ] ما تركت ذِكر أُمّه بالثكل كائناً مَنْ كان، ولكنّي واللَّه ما لي إلي ذِكر أُمّك من سبيل إلّابأحسن ما يُقدر عليه.

فقال له الحسين: ما تريد؟!

قال الحرّ: أُريد أن أنطلق بك إلي ابن زياد.

قال الحسين: إذاً واللَّه لا أتبعك.

قال الحُرّ: إذاً واللَّه لا أدَعُك.

فترادّا الكلام، فقال له الحرّ: إنّي لم أُؤمر بقتالك، وإنّما أُمرت أن لا أُفارقك حتّي أُقدمك الكوفة، [فإذا أَبَيتَ ] فخذْ طريقاً لا تُدْخلك الكوفة ولا تَرُدّك إلي المدينة، حتّي أكتب إلي ابن زياد، وتكتب أنت إلي يزيد أو إلي ابن زياد، فلعلّ اللَّه أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أُبتلي بشي ء من أمرك.

فتياسرَ عن طريق العُذَيْب والقادسيّة، والحرّ يسايره.

ثمّ إنّ الحسين خطبهم فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: أيّها الناس! إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم قال: مَنْ رأي سلطاناً جائراً مستحلّاً لحُرَم اللَّه، ناكثاً لعهد اللَّه، مخالفاً لسُنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، يعمل في عباد اللَّه بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعلٍ ولا قول، كان

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 301

حقّاً علي اللَّه أن يُدْخله مُدخَله.

ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفي ء، وأحلّوا حرام اللَّه، وحرّموا حلاله، وأنا أحَقّ من

غيري، وقد أتتني كتبكم ورسلكم ببيعتكم، وأنّكم لا تُسلموني ولا تخذلوني، فإن أقمتم علي بيعتكم تُصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن عليّ بن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهلكم، فلكم فيَّ أُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي، فلعمري ما هي لكم بنكير، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل، والمغرور من اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبَكم ضيّعتم، «فَمَنْ نَكَثَ فَإنَّمَا يَنْكُثُ عَلي نَفْسِهِ» وسيغني اللَّه عنكم؛ والسلام.

فقال له الحُرّ: إنّي أُذكّرك اللَّه في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلتَ لتُقْتَلنّ.

فقال له الحسين: أبالموت تخوّفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! وما أدري ما أقول لك؟! ولكنّي أقول كما قال أخو الأوْسيّ لابن عمّه وهو يريد نُصرة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: أين تذهب؟! فإنّك مقتول! فقال:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ علي الفتي إذا ما نوي خيراً وجاهَدَ مُسلما

وواسي رجالًا صالحينَ بنَفسِهِ وخالَفَ مثْبوراً وفارَقَ مُجرِما

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 302

فإنْ عشتُ لم أندَمْ وإنْ متُّ لم أُلمْ كفي بك ذُلّاً أن تعيشَ وتُرْغَما

فلمّا سمع ذلك الحُرّ تنحّي عنه، فكان يسير ناحيةً عنه «1».

خطبة الإمام

ورووا أنّ الإمام عليه السلام قام خطيباً بذي حسم، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال:

«إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت جَذّاء فلم يبق منها إلّاصبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهي عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء اللَّه محقّاً، فإنّي لا أري الموت إلّاسعادة، والحياة مع الظالمين إلّابرماً.

فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه: تكلّمون أم أتكلّم؟!

قالوا: لا، بل تكلّم.

فحمد اللَّه فأثني

عليه، ثمّ قال: قد سمعنا هَداك اللَّه يا ابن رسول اللَّه مقالتك، واللَّه لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنّا فيها مخلّدين إلّاأنّ فراقها في نصرك ومواساتك، لآثرنا الخروج معك علي الإقامة فيها.

قال: فدعا له الحسين، ثمّ قال له خيراً» «2».

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 407- 409، تاريخ الطبري 3/ 305- 307، الإرشاد 2/ 76- 81.

(2) تاريخ الطبري 3/ 307.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 303

وقال السيّد ابن طاووس: «ووثب هلال بن نافع البجلي فقال: واللَّه ما كرهنا لقاء ربّنا، وإنّا علي نيّاتنا وبصائرنا، نُوالي من والاك، ونعادي من عاداك.

قال: وقام برير بن خضير، فقال: واللَّه يا ابن رسول اللَّه، لقد منّ اللَّه بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطّع فيك أعضاؤنا، ثمّ يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة» «1».

بين الإمام والطرمّاح وأصحابه في عذيب الهِجانات

فسار الإمام عليه السلام حتّي وصل عذيب الهجانات، كان بها هجائن النعمان ترعي هناك فنسب إليها، قال ابن الأثير:

فإذا هو بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة علي رواحلهم يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له: الكامل، ومعهم دليلهم الطِّرِمّاح بن عديّ، فانتهوا إلي الحسين، فأقبل إليهم الحُرّ وقال: إنّ هؤلاء النفر من أهل الكوفة وأنا حابسهم أو رادّهم.

فقال الحسين: لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري، وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تمّمتَ علي ما كان بيني وبينك، وإلّا ناجزتُك.

فكفّ الحُرّ عنهم، فقال لهم الحسين: أخبروني خبر الناس خلفكم؟

فقال له مجمّع بن عبيد اللَّه العامريّ- وهو أحدهم-: أمّا أشراف

__________________________________________________

(1) الملهوف علي قتلي الطفوف: 138- 139.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 304

الناس فقد أُعظِمت رشوتهم، ومُلئت غرائرهم، فهم أَلْبٌ واحدٌ عليك.

وأمّا سائر الناس بعدهم، فإنّ قلوبهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك.

وسألهم عن رسوله

قيس بن مُسْهِر، فأخبروه بقتله وما كان منه، فترقرقت عيناه بالدموع ولم يملك دمعته، ثمّ قرأ: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَي نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلًا» «1»

؛ اللّهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة، واجمعْ بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك، وغائب مذخور ثوابك.

وقال له الطرِمّاح بن عديّ: واللَّه ما أري معك كثيرَ أحدٍ، ولو لم يقاتلك إلّاهؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفي بهم، ولقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة بيومٍ ظهرَ الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي جمعاً في صعيد واحد أكثر منه قطّ ليسيروا إليك، فأنشدك اللَّه إن قدرتَ علي أن لا تقدم إليهم شبراً فافعلْ.

فإن أردتَ أن تنزل بلداً يمنعك اللَّه به حتّي تري رأيك ويستبين لك ما أنت صانع، فسِرْ حتّي أُنزلك جبلنا أجأ، فهو واللَّه جبل امتنعنا به من ملوك غسّان وحِمْير والنعمان بن المنذر، ومن الأحمر والأبيض، واللَّه ما إن دخل علينا ذُلّ قطّ، فأسيرُ معك حتّي أُنزلك [القُرَيَّة]، ثمّ تبعث إلي الرجال ممّنْ بأجأ وسَلمي من طيّئ، فواللَّه لا يأتي عليك عشرة أيّام حتّي تأتيك طيّئ رجالًا وركباناً، ثمّ أقمْ فينا ما بدا لك، فإن هاجك هَيْجٌ، فأنا زعيمٌ لك بعشرين ألف طائيّ يضربون بين يديك بأسيافهم، فواللَّه لا يُوصل إليك أبداً وفيهم عين تطرف.

__________________________________________________

(1)

سورة الأحزاب 33: 23.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 305

فقال له: جزاك اللَّه وقومك خيراً! إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه علي الانصراف، ولا ندري علامَ تتصرّف بنا وبهم الأُمور.

فودّعه وسار إلي أهله ووعده أن يوصل الميرة إلي أهله ويعود إلي نصره، ففعل، ثمّ عاد إلي الحسين، فلمّا بلغ عُذيب الهِجانات لقيه خبر قتله، فرجع إلي أهله «1».

وقال الطبري:

«حتّي انتهوا إلي

عذيب الهِجانات وكان بها هجائن النعمان ترعي هنالك، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة علي رواحلهم، يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له: الكامل، ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عديّ علي فرسه، وهو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجري وشمّري قبل طلوع الفجرِ

بخير رُكبان وخير سفرِ حتّي تحلي بكريم النجرِ

الماجد الحرّ رحيب الصدرِ أتي به اللَّهُ لخير أمرِ

ثمّت أبقاه بقاء الدهرِ

قال: فلمّا انتهوا إلي الحسين أنشدوه هذه الأبيات، فقال: أما واللَّه إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد اللَّه بنا، قُتلنا أم ظفرنا.

قال: وأقبل إليهم الحرّ بن يزيد فقال: … » «2».

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 409- 410.

(2) تاريخ الطبري 3/ 307- 308، وانظر: مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 333.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 306

بين الإمام ورجل من الكوفة في الرهيمة

قال الشيخ الصدوق:

«ثمّ سار حتّي نزل الرهيمة، فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنّي أبا هرم، فقال: يا ابن النبيّ! ما الذي أخرجك من المدينة؟!

فقال: ويحك يا أبا هرم! شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وأيم اللَّه ليقتلنّي، ثمّ ليلبسنّهم اللَّه ذلّاً شاملًا، وسيفاً قاطعاً، وليسلّطنّ عليهم مَن يذلّهم» «1».

بين الإمام وعبيد اللَّه بن الحرّ في قصر بني مقاتل

وسار الإمام عليه الصلاة والسلام حتّي انتهي إلي قصر بني مقاتل، فنزل به، فرأي فسطاطاً مضروباً فقال: لمَنْ هذا؟

فقيل: لعبيد اللَّه بن الحُرّ الجُعفيّ.

فقال: ادعوه لي.

فلمّا أتاه الرسول يدعوه قال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، واللَّه ما خرجتُ من الكوفة إلّاكراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها، واللَّه ما أُريد أن أراه ولا يراني.

فعاد الرسولُ إلي الحسين فأخبره، فلبس الحسين نعلَيْه ثمّ جاء فسلّم عليه ودعاه إلي نصره، فأعاد عليه ابن الحُرّ تلك المقالة، قال: فإلّا

تنصرني فاتّقِ اللَّه أن تكون ممّن يقاتلنا، فواللَّه لا يسمع واعيتَنا أحدٌ ثمّ

__________________________________________________

(1) الأمالي: 218 المجلس 30.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 307

لا ينصرنا إلّاهلك.

فقال له: أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء اللَّه تعالي .

ثمّ قام الحسين إلي رحله، ثمّ سار ليلًا ساعةً فخفق برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، والحمد للَّه ربّ العالمين.

فأقبل إليه ابنُه عليّ بن الحسين، فقال: يا أبتِ جُعلتُ فداك! مِمّ حمدتَ واسترجعتَ؟

قال: يا بنيّ إنّي خفقتُ [برأسي ] خفقةً فعنّ لي فارس علي فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم؛ فعلمتُ أنّ أنفسنا نُعيت إلينا.

فقال: يا أبتِ لا أراك اللَّهُ سُوءاً، ألسنا علي الحقّ؟!

قال: بلي والذي يرجع إليه العباد.

قال: إذاً لا نبالي أن نموت محقّين.

فقال له: جزاك اللَّه من ولد خيراً ما جزي ولداً عن والده.

فلمّا أصبح نزل فصلّي ثمّ عجّل الركوبَ فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم، فأتي الحُرّ فردّه وأصحابه، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه وارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون حتّي انتهوا إلي نِينَوي » «1».

الإمام في نينوي وكتاب ابن زياد للحرّ

ووصل الإمام عليه السلام إلي نينوي ، فلمّا نزل بها «إذا براكبٍ مقبلٍ من الكوفة، فوقفوا ينتظرونه، فسلّم علي الحُرّ ولم يسلّم علي الحسين

__________________________________________________

(1) انظر: الكامل في التاريخ 3/ 410- 411، تاريخ الطبري 3/ 308- 309.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 308

وأصحابه، ودفع إلي الحُرّ كتاباً من ابن زياد، فإذا فيه:

أمّا بعد، فجعجِعْ «1» بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلّابالعراء في غير حصن وعلي غير ماء، وقد أمرتُ رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتّي يأتيني بإنفاذك أمري؛ والسلام.

فلمّا قرأ الكتاب قال لهم الحُرّ: هذا كتاب الأمير يأمرني أن أُجعجع بكم في المكان

الذي يأتيني فيه كتابه، وقد أمر رسولَه أن لا يفارقني حتّي أُنفذ رأيه.

وأخذهم الحُرّ بالنزول علي غير ماء ولا في قرية، فقالوا: دَعْنا ننزل في نينوي أو الغاضريّة أو شُفَيّة.

فقال: لا أستطيع، هذا الرجل قد بُعث عيناً علَيَّ.

فقال زُهير بن القَين للحسين: إنّه لا يكون واللَّه بعد ما ترون إلّاما هو أشدّ منه يا ابن رسول اللَّه، وإنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال مَن يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينّا من بعدهم ما لا قِبل لنا به!

فقال الحسين: ما كنتُ لأبدأهم بالقتال.

فقال له زهير: سِرْ بنا إلي هذه القرية حتّي ننزلها فإنّها حصينة وهي علي شاطئ الفرات، فإن منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون علينا مِن قتال مَن يجي ء بعدهم.

فقال الحسين: ما هي؟

قال: العَقْر.

__________________________________________________

(1)

الجَعْجَعُ: الموضع الضيّق الخشن، وقوله: «جَعْجِع» أي: ضيّق عليه المكان؛ انظر مادّة «جعع» في: لسان العرب 2/ 298، تاج العروس 11/ 67.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 309

قال: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من العَقْر!

ثمّ نزل، وذلك يوم الخميس الثاني من محرّم سنة إحدي وستّين.

فلمّا كان الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص من الكوفة في أربعة آلاف … » «1».

وقال الخوارزمي:

«وقال للحسين رجل من شيعته، يقال له: هلال بن نافع الجملي:

يا ابن رسول اللَّه! أنت تعلم أنّ جدّك رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله لم يقدر أن يُشرب الناس محبّته، ولا أن يرجعوا إلي ما كان أحبّ، فكان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر، يلقونه بأحلي من العسل ويخلفونه بأمرّ من الحنظل، حتّي قبضه اللَّه تبارك وتعالي إليه.

وإنّ أباك عليّاً صلوات اللَّه عليه قد كان في مثل ذلك، فقوم قد أجمعوا علي نصرته وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين، وقوم قعدوا عنه وخذلوه،

حتّي مضي إلي رحمة اللَّه ورضوانه وروحه وريحانه.

وأنت اليوم يا ابن رسول اللَّه علي مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرّ إلّانفسه، واللَّه تبارك وتعالي مغنٍ عنه، فسر بنا يا ابن رسول اللَّه راشداً معافيً مشرّقاً إن شئت أو مغرّباً، فواللَّه الذي لا إله إلّا هو ما أشفقنا من قدر اللَّه، ولا كرهنا لقاء ربّنا، وإنّا علي نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك.

قال: وقال للحسين آخر من أصحابه، يقال له: برير بن خضير

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 411- 412، وانظر: الأخبار الطوال: 251، تاريخ الطبري 3/ 309- 310، المنتظم 4/ 152.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 310

الهمداني: يا ابن رسول اللَّه! لقد منّ اللَّه تعالي علينا بك أن نقاتل بين يديك وتقطّع فيك أعضاؤنا، ثمّ يكون جدّك رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله شفيعاً يوم القيامة لنا، فلا أفلح قوم ضيّعوا ابن بنت نبيّهم، أُفٍّ لهم غداً ما يلاقون، سينادون بالويل والثبور في نار جهنّم وهم فيها مخلّدون.

فجزّاهم الحسين خيراً.

قال: وخرج وُلد الحسين وإخوته وأهل بيته حين سمعوا الكلام فنظر إليهم وجمعهم عنده وبكي ، ثمّ قال: اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله، قد أُخرجنا وأُزعجنا وطُردنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو أُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا علي القوم الظالمين؛ ثمّ نادي بأعلي صوته في أصحابه: الرحيل! ورحل من موضعه ذلك» «1».

وروي السيّد ابن طاووس، أنّ الإمام عليه السلام لمّا بلغ هذه الأرض، وكان ذلك في اليوم الثاني من المحرّم، قال: «ما اسم هذه الأرض؟

فقيل: كربلاء.

فقال: انزلوا! ها هنا محطّ ركابنا وسفك دمائنا، ها هنا مخطّ قبورنا، وها هنا واللَّه سبي حريمنا، بهذا حدّثني جدّي.

فنزلوا جميعاً، ونزل الحرّ وأصحابه ناحية»

«2».

وقال الشيخ المجلسي:

«فجمع الحسين عليه السلام وُلده وإخوته وأهل بيته، ثمّ نظر إليهم،

__________________________________________________

(1) مقتل الحسين 1/ 336- 337 ف 11.

(2) الملهوف علي قتلي الطفوف: 139.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 311

فبكي ساعةً، ثمّ قال: اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد، وقد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو أُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا، وانصرنا علي القوم الظالمين.

قال: فرحل من موضعه حتّي نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بكربلاء، وذلك في الثاني من المحرّم سنة إحدي وستّين.

ثمّ أقبل علي أصحابه، فقال: الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ علي ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محصّوا بالبلاء قلّ الديّانون.

ثمّ قال: أهذه كربلاء؟

فقالوا: نعم يا ابن رسول اللَّه.

فقال: هذا موضع كرب وبلاء، ها هنا مناخ ركابنا، ومحطّ رحالنا، ومقتل رجالنا، ومسفك دمائنا.

قال: فنزل القوم، وأقبل الحرّ حتّي نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس، ثمّ كتب إلي ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلاء» «1».

***

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 44/ 383.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 313

الفصل الخامس: طبيعة المجتمع الكوفي في عصر عليّ والحسنين عليهم السلام … ص: 313

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 315

الذي يظهر من كلمات المؤرّخين، والنظر في أخبار الرواة، والتأمّل في مجريات الأُمور والحوادث الواقعة: أنّ أهل الكوفة في زمن أمير المؤمنين عليه السلام والحسنين عليهما السلام لم يكونوا شيعةً لأهل البيت، بل كان الطابع العامّ عليهم حبّ الشيخين واحترامهما والمتابعة لهما … بل حتّي في القرن الثالث، عصر مشايخ البخاري ومسلم، من أهل الكوفة، الموصوفين بالتشيّع، فعندما نرجع إلي تراجمهم ونسبر أحوالهم وأخبارهم، نراهم يحترمون الشيخين، وإنّما كانوا يتكلّمون في عثمان، وبعضهم أو كثير منهم يقدّم عليّاً علي عثمان ويقولون بأفضليّته عليه …

وهذا لا ينافي وجود جمع من المحدّثين قيل بتراجمهم «يسبّ الشيخين» … لكنّهم كانوا قليلين ويعيشون في

تقيّة.

لكنّ الذي يعنينا الآن هو معرفة أحوال الكوفة في زمن الإمام عليّ والحسنين عليهم السلام … فإنّا لا نشكّ في عدم كون أكثرهم شيعةً بالمعني الصحيح …

ومن الشواهد علي ذلك: الخبر التالي، عن سلمة بن كهيل، قال:

«جالست المسيّب بن نجبة الفزاري في هذا المسجد عشرين سنة وناس من الشيعة كثير، فما سمعت أحداً منهم يتكلّم في أحدٍ من أصحاب

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 316

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله ] وسلّم إلّابخير، وما كان الكلام إلّافي عليٍّ وعثمان» «1».

فإنّ «المسيّب بن نجبة» أحد قادة التوّابين، وعداده في الشيعة، ولكنّ الشيعة الحقيقيّين كانوا أقليّة، ولذا كانوا يعيشون في تقيّة.

بل إنّ أهل الكوفة لم يكونوا مطيعين للإمام أمير المؤمنين في زمانه كوليّ للأمر يجب إطاعته وامتثال أوامره.. كأيّ حاكمٍ آخر من حكّام المسلمين.. حتّي في حكمٍ جزئي …

إنّ الّذين عملوا بحكم عمر بالنافلة في شهر رمضان ولم يسألوه عن وجه هذا الحكم الذي لم تنزل فيه آية في كتاب اللَّه ولا فيه سُنّة من رسول اللَّه … لم يسلّموا للإمام عليه السلام لمّا نهاهم عن تلك الصلاة، بل قاموا معترضين عليه، معلنين مخالفته ينادون: «وا سُنّة عمراه» مع أنّ نفس الدليل القائم عندهم علي وجوب متابعة عمر يدلّ علي وجوب متابعة عليّ، وإذا كان عمر من الخلفاء الراشدين، فعليٌّ كذلك، وإذا كانوا بايعوا عمر علي السمع والطاعة، فقد بايعوا عليّاً علي ذلك أيضاً …

وهذه واحدة من القضايا … وهي قضية فرعيّة … !!

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: «قد عملتِ الولاةُ قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسولَ اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسُنّته، ولو حملتُ الناس علي تركها وحوّلتها إلي مواضعها وإلي

ما كانت في عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله، لتفرّق عنّي جندي حتّي أبقي وحدي أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض

__________________________________________________

(1) مختصر تاريخ دمشق 23/ 315 رقم 280.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 317

إمامتي من كتاب اللَّه عزّ وجلّ وسُنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله … إذاً لتفرّقوا عنّي.

واللَّه، لقد أمرتُ الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّافي فريضة، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادي بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام! غُيّرت سُنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً، ولقد خفت أنْ يثوروا في ناحية جانب عسكري.

ما لقيتُ من هذه الأُمّة من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلي النار؟!» «1».

ويلاحظ: أنّ الإمام عليه السلام يخشي من تفرّق جنده- والمفروض أن يكون الجند أطوع للإمام من غيرهم- فيما إذا أراد تحويل السنن المبتدعة إلي ما كانت عليه في عهد رسول اللَّه، فكيف لو أراد أنْ يحملهم علي مرّ الحقّ؟!

وصريح كلامه عليه السلام قلّة الشيعة الّذين عرفوا فضله وفرض إمامته …

وإذا كان هذا حال القوم مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فما ظنّك بحالهم مع الإمام السبط الأكبر … ولا سيّما مع دسائس معاوية فيهم …

أضف إلي ذلك … فرقة الخوارج التي حدثت في أُخريات أيّام أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّ هذه الفرقة كانت في ذلك العهد تتحرّك في

__________________________________________________

(1) الكافي 8/ 59 و 62- 63 ح 21.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 318

صالح بني أُميّة وتعمل في خدمتهم، وعلي يدها استشهد الإمام الحسن عليه السلام.

وسيأتي الكلام علي دورهم في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.

وعلي الجملة، فإنّ المجتمع الكوفي في ذلك الوقت كان يتكوّن في الأعمّ الأغلب من الفئات

التالية:

1- الشيعة

فلا ريب في وجود جماعةٍ من شخصيات الشيعة الموالين لأهل البيت عليهم السلام في الكوفة … من أمثال:

سليمان بن صرد؛

المختار بن أبي عبيد؛

حبيب بن مظاهر؛

مسلم بن عوسجة؛

هاني بن عروة؛

والأصبغ بن نباتة …

2- الحزب الأُموي

وهؤلاء أيضاً كانوا جماعةً من أشراف الكوفة، كالّذين كتبوا إلي يزيد يشكونه في أمر «النعمان بن بشير»، وقد عبَّر عنهم يزيد في كتابه إلي ابن زياد ب «شيعتي»، وكالّذين تعاونوا مع ابن زياد في القضاء علي مسلم بن

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 319

عقيل وأصحابه؛ فمن رجال الحزب الأُموي في الكوفة:

حصين بن نمير؛

محمّد بن الأشعث بن قيس؛

عزرة بن قيس؛

كثير بن شهاب؛

القعقاع بن شور الذهلي؛

خالد بن عرفة؛

أبو بردة بن أبي موسي الأشعري؛

عبيد اللَّه بن عبّاس السلمي؛

سمرة بن جندب؛

يزيد بن الحارث؛

أسماء بن خارجة؛

حجّار بن أبجر؛

شمر بن ذي الجوشن؛

بكر بن حمران الأحمري.

لقد كان هؤلاء وغيرهم حول ابن زياد، وهم الّذين جعلوا يخذّلون الناس عن مسلمٍ عليه السلام، وعلي أيديهم تمّ القضاء عليه وعلي أصحابه، وكان لهم دور في حشد الناس لحرب الإمام عليه السلام، ثمّ خرجوا يقودون الجيوش لحربه.

وقد كان جماعة من هؤلاء عيوناً ليزيد؛ كمسلم بن سعيد الحضرمي،

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 320

وعمارة بن عقبة «1»، وعبيد اللَّه الحضرمي «2»، ومسلم بن عمرو الباهلي.

وقد جاء أنّ الرجل الأخير- مسلم بن عمرو الباهلي- قد خاطب مسلم بن عقيل قائلًا له: «أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته» «3».

وفي «تاريخ دمشق» ومختصره: «كان عظيم القدر عند يزيد … » «4».

3- الخوارج

وهؤلاء كانوا كثرةً أيضاً، وفيهم جماعة من الأشراف؛ ولذا لمّا خطب ابن زياد في أوّل خطبةٍ له في الكوفة، أمر بأن تُكتب له أسماؤهم، ولعلّ من أشهرهم: «الأشعث

بن قيس» و «شبث بن ربعي» و «عمرو بن حريث».

ترجمة الأشعث بن قيس

وقد روي في أخبار كثيرة، أنّ هذا الملعون بايع ضبّاً- مع جماعة منهم: عمرو بن حريث وشبث بن ربعي- خارج الكوفة، وسمّوه أمير المؤمنين «5».

__________________________________________________

(1) انظر: الأخبار الطوال: 231.

(2) فهو أحد الّذين شهدوا زوراً علي حُجر بن عديّ؛ راجع الصفحة 97.

(3) تاريخ الطبري 3/ 290، البداية والنهاية 8/ 127؛ وقد تقدّم في الصفحة 263؛ فراجع!

(4) تاريخ دمشق 58/ 114 رقم 7426، مختصر تاريخ دمشق 24/ 295 رقم 266.

(5) تنقيح المقال 1/ 149، وانظر: بصائر الدرجات: 326 ح 15، الخصال: 644 ح 26، الخرائج والجرائح 1/ 225- 226 ح 70.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 321

ترجمة شَبَث بن ربعي

بايع- مع جماعة- الضبَّ بدلًا عن أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا:

إنّهما سواء «1».

قال شبث: أنا أوّل مَن حرّر الحرورية «2».

ترجمة عمرو بن حريث

كان من الصحابة، وهو أوّل قرشي اتّخذ الكوفة داراً، وكان من أغني أهل الكوفة، وولي لبني أُميّة بالكوفة، وكانوا يميلون إليه ويتقوّون به، وكان هواه معهم؛ فالرجل قرشي مخزومي.

كانت له يد في قتل ميثم التمّار «3».

***

__________________________________________________

(1) تنقيح المقال 2/ 80، وانظر: الإصابة 3/ 376 رقم 3959، معجم رجال الحديث 10/ 14 رقم 5687.

(2) التاريخ الكبير- للبخاري- 4/ 266- 267 رقم 2755.

والحَرُوريّة: فرقة من الخوارج تُنسب إلي «حَرُوراء» وقيل: «حَرَوْراء»، وهو قرية أو موضع بظاهر الكوفة، علي ميلين منها، نزل به الخوارج، وكان أوّل اجتماعهم بها.

انظر: معجم البلدان 2/ 283 رقم 3629، لسان العرب 3/ 120 مادّة «حرر».

(3) تنقيح المقال 2/ 327، وانظر: أُسد الغابة 3/ 710 رقم 3896، الاستيعاب 3/ 1172 رقم 1906، الإصابة 4/ 616 رقم 5812، معجم رجال الحديث 14/ 92 رقم 8891

و ج 20/ 107- 109.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 323

الفصل السادس: هل كان الّذين كتبوا إلي الإمام شيعةً له؟ … ص: 323

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 325

لقد تقدّم أنّ الإمام عليه السلام كان في ريبٍ من تلك الكتب، حتّي إنّه صرّح بأنّ أصحابها سيقتلونه، جاء ذلك في ما رواه يزيد الرشك عمّن شافه الإمام عليه السلام في الطريق، وفي روايةٍ أُخري - رواها البلاذري- قال عليه السلام: «ما كانت كُتتب مَن كَتب إليّ في ما أظنّ إلّامكيدةً لي، وتقرّباً إلي ابن معاوية بي» «1».

فهل كان هؤلاء كلّهم شيعةً له؟

إنّ أوّل كتابٍ ذُكرت أسماء أصحابها فيه- في ما نعلم- هو الكتاب الذي أرسله:

1- سليمان بن صرد

2- المسيَّب بن نجبة

3- رِفاعة بن شدّاد

4- حبيب بن مظاهر «2».

وقد كتبوا هذا الكتاب في منزل سليمان، بعد أن خَطَبهم؛ وقد

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 3/ 393.

(2) انظر: تاريخ الطبري 3/ 277- 278، الكامل في التاريخ 3/ 385/- 386، البداية والنهاية 8/ 121- 122.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 326

تقدّم نصُّ كلامه عن كتاب «الإرشاد» «1».

ومن الّذين كتبوا إليه جماعة ناشدهم الإمام عليه السلام في يوم عاشوراء، وهم:

1- شبث بن ربعي

2- حجّار بن أبجر

3- قيس بن الأشعث

4- يزيد بن الحارث

قال لهم عليه السلام: «ألم تكتبوا إليَّ؟!».

قالوا: لم نفعل «2».

وقد كذبوا عليهم لعنة اللَّه، فقد جاء في الأخبار أنّه بعد أنْ استُشهد الإمام عليه السلام، قال ابن سعد لشبث بن ربعي: «إنزل فجئني برأسه!

فقال: أنا بايعتُه ثمّ غدرتُ به، ثمّ أنزل فأحتزّ رأسه؟! لا واللَّه لا أفعل ذلك.

قال: إذاً أكتبُ إلي ابن زياد.

قال: أُكتبْ له!» «3».

ومنهم: عمرو بن الحجّاج الزبيدي «4»، وهو أبو زوجة هاني بن

__________________________________________________

(1) تقدّم في الصفحة 258 وما بعدها؛ فراجع!

(2) انظر: انساب الأشراف 3/ 396، الكامل في التاريخ 3/ 419، البداية والنهاية 8/ 143.

(3)

الدر النظيم: 551.

(4) بحار الأنوار 44/ 344، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 314، البداية والنهاية 8/ 122.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 327

عروة «1»، وهو الذي قاد العسكر لاحتلال الفرات، وقطع الماء عن أهل البيت ومعسكر الإمام «2».

ومنهم: عزرة بن قيس الأحمسي «3»، وهو الذي أراد ابن سعد أن يبعثه رسولًا إلي الإمام فأبي ؛ لأنّه كان ممّن كتب إليه بالقدوم «4».

ومنهم: محمّد بن عمير التميمي «5».

ولدي التحقيق يتبيّن أنّ الّذين كتبوا إليه ينقسمون إلي قسمين:

1- قسم كانوا شيعة له، وهم: سليمان بن صرد وجماعته، وفراس ابن جعدة.

2- وقسم لم يكونوا شيعةً له، وهؤلاء علي قسمين:

أ- الخوارج، أمثال «شبث بن ربعي».

ب- حزب بني أُميّة، أمثال «حجّار بن أبجر».

فأمّا «الشيعة»:

فمنهم من استشهد مع الإمام عليه السلام، كحبيب بن مظاهر الأسدي.

ومنهم: سليمان بن صرد وجماعته، الّذين سنتحدَّث عنهم فيما بعد.

__________________________________________________

(1)

بحار الأنوار 44/ 344.

(2) انظر: تاريخ الطبري 3/ 311- 312.

(3) بحار الأنوار 44/ 334، وانظر: أنساب الأشراف 3/ 370، تاريخ الطبري 3/ 317.

(4) تاريخ الطبري 3/ 310، البداية والنهاية 8/ 187.

(5) بحار الأنوار 44/ 334.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 328

رُسُل أهل الكوفة إلي الإمام

ثمّ إنّ من الرسل إلي الإمام عليه السلام:

1- عبد اللَّه بن مسمع الهمداني

2- عبد اللَّه بن وال

3- قيس بن مُسْهِر الصيداوي

4- عمارة بن عبد اللَّه السلولي

5- هاني بن هاني السبيعي

6- سعيد بن عبد اللَّه الحنفي

7- عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الكون الأرحبي.

وقد كان «سعيد» هذا ممّن بايع مسلماً عليه السلام، مع عابس الشاكري وحبيب بن مظاهر، في بيت المختار الثقفي «1»، ثمّ استشهد ثلاثتهم مع الإمام في الطفّ «2».

و «عبد الرحمن» المذكور استشهد- أيضاً- مع الإمام «3».

و «قيس بن مسهِر» استشهد في الكوفة، فقد كان حاملًا لكتابٍ

من الإمام إلي أهل الكوفة، فمضي إلي الكوفة وعبيد اللَّه بن زياد قد وضع المراصد والمصابيح علي الطرق، فليس أحد يقدر أن يجوز إلّافُتّش، فلمّا تقارب من الكوفة قيس بن مسهر لقيه عدوٌّ للَّه، يقال له: الحصين بن

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ الطبري 3/ 279.

(2) مناقب آل أبي طالب 4/ 112، البداية والنهاية 8/ 148.

(3) مناقب آل أبي طالب 4/ 122.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 329

نمير السكوني، فلمّا نظر إليه قيس كأنّه اتّقي علي نفسه، فأخرج الكتاب سريعاً فمزّقه عن آخره، فأمر الحصين أصحابه فأخذوا قيساً وأخذوا الكتاب ممزّقاً حتّي أتوا به إلي عبيد اللَّه بن زياد … «1».

و «عبد اللَّه بن وال» كان مع سليمان بن صرد، وقد استشهد معه؛ نقل ابن الأثير:

أنّ أدهم بن محرز الباهلي حمل بخيله ورجله علي التوّابين، فوصل ابنُ محرز إلي ابنِ وال وهو يتلو: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ» «2»

، فغاظ ذلك أدهم بن محرز، فحمل عليه فضرب يده فأبانها، ثمّ تنحّي عنه وقال: إنّي أظنّك وددت أنّك عند أهلك؟!

قال ابن وال: بئسما ظننت، واللَّه ما أُحبّ أنّ يدك مكانها إلّاأن يكون لي من الأجر ما في يدي؛ ليعظم وزرك ويعظم أجري.

فغاظه ذلك أيضاً، فحمل عليه وطعنه فقتله وهو مقبل ما يزول، وكان ابن وال من الفقهاء العبّاد «3».

وكذا قُتل معه جماعته الآخرون، الّذين كتبوا إلي الإمام عليه السلام أو كانوا رسلًا إليه، إلّا «حبيب بن مظاهر»، فإنّه استشهد في الطفّ، وإلّا «رفاعة بن شدّاد» فإنّه رجع إلي الكوفة بعد استشهاد سليمان والجماعة «4».

***

__________________________________________________

(1) الفتوح 5/ 92- 93؛ وقد تقدّم في الصفحات 285- 288.

(2) سورة آل عمران 3: 169.

(3) انظر: الكامل في

التاريخ 4/ 8 حوادث سنة 65 ه.

(4) سير أعلام النبلاء 3/ 395 ضمن ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 331

الفصل السابع: إجراءات ابن زياد في الكوفة … ص: 331

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 333

لقد ولّي يزيدُ بن معاوية عبيدَ اللَّه بن زياد علي الكوفة، بعد أن لعب الوالي عليها- وهو: النعمان بن بشير- دوره المأمور به، بوصيّةٍ من معاوية، فكتب إليه يزيد مع مسلم بن عمرو:

«أمّا بعد، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة، يخبروني أنّ ابن عقيل بها يجمع الجموع ويشقُّ عصا المسلمين، فسِرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّي تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخُرزة حتّي تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه؛ والسلام.

وسلّم إليه عهده علي الكوفة.

فسار مسلم بن عمرو، حتّي قدم علي عبيد اللَّه بالبصرة، فأوصل إليه العهد والكتاب، فأمر عبيد اللَّه بالجهاز من وقته، والمسير والتهيّؤ إلي الكوفة من الغد، ثمّ خرج من البصرة واستخلف أخاه عثمان، وأقبل إلي الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهليّ وشريكُ بن أعور الحارثيّ وحشمه وأهل بيته، حتّي دخل الكوفة وعليه عمامةٌ سوداء وهو مُتلثّم، والناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه السلام إليهم فهم ينتظرون قدومه، فظنّوا حين رأوا عبيد اللَّه أنّه الحسين، فأخذ لا يمرُّ علي جماعةٍ من الناس إلّاسلَّموا عليه وقالوا: مرحباً بابن رسول اللَّه، قدمتَ خيرَ مقدم.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 334

فرأي من تباشرهم بالحسين ما ساءه، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا: تأخَّروا! هذا الأمير عبيدُ اللَّه بن زياد.

وسار حتّي وافي القصر في الليل، ومعه جماعةٌ قد التفُّوا به لا يشكُّون أنّه الحسين عليه السلام، فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلي حامّته، فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب، فاطّلع إليه النعمان وهو يظنّه الحسين فقال:

أنشدك اللَّه إلّاتنحّيت، واللَّه ما أنا مسلّمٌ إليك أمانتي، وما لي في قتالك من أَرَبٍ.

فجعل لا يكلّمه، ثمّ إنّه دنا وتدلّي النعمان من شَرَفٍ فجعل يُكلّمه، فقال: افتح لا فتحت، فقد طال ليلك!

وسمعها إنسان خلفه فنكص إلي القوم الّذين اتّبعوه من أهل الكوفة علي أنّه الحسين فقال: أي قوم! ابن مرجانة والّذي لا إله غيره.

ففتح له النعمان ودخل، وضربوا الباب في وجوه الناس فانفضّوا.

وأصبح فنادي في الناس: الصلاةُ جامعةٌ؛ فاجتمع الناس، فخرج إليهم فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم، والإحسان إلي سامعكم ومُطيعكم كالوالد البرِّ، وسوطي وسيفي علي من ترك أمري وخالف عهدي، فليُبق امرؤ علي نفسه؛ الصدق ينبي عنك لا الوعيد.

ثمّ نزل، فأخذ العُرفاءَ والناسَ أخذاً شديداً فقال: اكتبوا إلي العُرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومَن فيكم من الحروريّة وأهل الريب، الّذين رأيهم الخلافُ والشِّقاق، فمن يجي ء بهم لنا فبري ء، ومن لم يكتب

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 335

لنا أحداً فليضمن لنا ما في عِرافته ألّا يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغِ علينا منهم باغٍ، فمن لم يفعل برئت منه الذمّةُ وحلالٌ لنا دمُه ومالُه، وأيّما عريفٍ وُجدَ في عرافته من بُغية أمير المؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا، صُلِبَ علي باب داره، وأُلغيت تلك العرافةُ من العطاء» «1».

واتّخذ ابن زياد فور وصوله إلي الكوفة- بعد أنْ عُرف أصحاب مسلم بن عقيل وشيعته وانكشفوا علي أثر سكوت «النعمان بن بشير» عنهم!!- إجراءات عديدةٍ غيَّرت مجاري الأُمور، وانتهت بالقضاء علي مسلم وأنصاره واستشهادهم، ثمّ استشهاد الإمام وأصحابه في كربلاء، ونحن نلخّص ما قام به في خطوط:

1- الشائعات

كان للإشاعات الدور الكبير في تفرّق الناس

عن مسلم عليه السلام، فقد أمر ابنُ زياد جماعةً ممّن حوله أنْ يعلموا الناس بوصوله إلي الكوفة ويشيعوا بينهم وصول جيشٍ من الشام ويخوّفونهم به، ويخذّلونهم عن مسلم بن عقيل «2».

ومن هؤلاء: شهاب الحارثي، فقد جاء بترجمته من «مختصر تاريخ دمشق» أنّه هو الذي قبض علي حُجر بن عديّ وجماعته وأخذهم إلي معاوية، وكان والي الريّ من قبل معاوية «3».

__________________________________________________

(1) الإرشاد 2/ 42- 45، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 281، الكامل في التاريخ 3/ 388- 389، البداية والنهاية 8/ 122- 123.

(2) انظر: بحار الأنوار 44/ 350.

(3) مختصر تاريخ دمشق 21/ 138 رقم 100.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 336

2- نصب العرفاء

وهم الّذين يعرفون أفراد القبائل ويتولّون أُمورهم، وبواسطتهم يتعرّف الأمير علي أحوالهم، فيخبرونه عمّن تخلّف عن القتال مثلًا، وعمّن وُلد له منهم، ومن مات، وعلي أيديهم تجري أُعطيات أفراد القبائل، وعن طريقهم تنفّذ السلطات مقاصدها في القبيلة «1».

وكان لهؤلاء الّذين نصبهم دور كبير في إخراج الناس لحرب الإمام عليه السلام.

3- نصب رؤساء القبائل

وجعل ابن زياد النظام القبلي في الكوفة علي النحو التالي، مع تعيين رؤساء القبائل «2»، فجعل:

عمرو بن حريث، علي أهل المدينة؛ وقد كان عليهم من قبل مسلم ابن عقيل: العبّاس بن جعدة الجدلي.

وخالد بن عرفطة، علي تميم وهمدان؛ وكان عليهم من قبل مسلم:

أبو ثمامة الصائدي، وكان أبو ثمامة- وهو: عمرو بن عبد اللَّه بن

__________________________________________________

(1) انظر: فيض القدير 2/ 476 ح 2075، ومادّة «عرف» في: النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 218، لسان العرب 9/ 154.

(2) تاريخ الطبري 3/ 286- 287.

والواضع الأوّل لهذا النظام في الكوفة هو عمر بن الخطّاب؛ انظر: تاريخ الطبري 2/ 479 حوادث سنة 17 ه، الأحكام السلطانية- للماوردي-: 249 وما بعدها.

من هم

قتلةالحسين (ع)، ص: 337

الأنصاري- يقبض الأموال لمسلم ويشتري السلاح «1».

وقيس بن الوليد بن عبد شمس، علي ربيعة وبكر وكندة؛ وكان عليهم من قبل مسلم: عبيد اللَّه بن عمرو بن عزيز الكندي.

وأبا بردة ابن أبي موسي الأشعري، علي مذحج وأسد؛ وكان عليهم من قبل مسلم: مسلم بن عوسجة.

4- بثُّ الجواسيس

وبثّ جواسيسه وعيونه بين الناس، للتعرّف علي مواقع الشيعة وشخصيّاتهم وتحرّكاتهم، بعد أن لاذوا بالكتمان والاختفاء؛ وقضيّة إرساله مولاه المسمّي ب «معقل» ومعه ثلاثة آلاف درهم ليلتمس له موضع مسلم ابن عقيل عليه السلام وأفراد أصحابه، وأنّه جاء إلي المسجد الأعظم والتقي بمسلم بن عوسجة، وتظاهر بأنّه من الشيعة وجعل يتباكي … معروفة «2».

5- محاصرة الكوفة

وقد سيطر علي جميع أطراف الكوفة والطرق المؤدّية إليها، فما يدخل إليها أو يخرج منها أحدٌ إلّاويفتّش ويفحص عن حاله ويُعرف.

وكان يزيد قد كتب إليه:

«إنّه قد بلغني أنّ الحسين بن عليّ قد توجّه نحو العراق، فضع

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 44/ 342، تاريخ الطبري 3/ 284.

(2) انظر: أنساب الأشراف 2/ 336، الفتوح 5/ 46، تاريخ الطبري 3/ 282، تهذيب الكمال 4/ 495، الأخبار الطوال: 235، سير أعلام النبلاء 3/ 299، البداية والنهاية 8/ 123.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 338

المناظر والمسالح، واحترس علي الظنّ، وخذ علي التهمة» «1».

وسأل الإمام عليه السلام في الطريق بعض الناس عمّا يجري في الكوفة، فأجاب: «لا واللَّه ما ندري، غير إنّا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج» «2».

وكان علي شرطته: سمرة بن جندب «3»، والحصين بن نمير، وقد قال له: «يا حصين بن نمير! ثكلتك أُمّك إنْ ضاع بابُ سكّةٍ من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل- يعني مسلماً عليه السلام- ولم تأتني به، وقد سلّطتك علي دور أهل الكوفة» «4».

وقد

تقدّم كيف عرف قيسَ بن مسهر الصيداوي لمّا أراد الدخول إلي الكوفة، وقبض عليه، واستشهد رحمه اللَّه «5».

وكقضيّة عبد اللَّه بن يقطر «6» - أو: بقطر- الذي كان يحمل كتاباً من

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 293.

(2) تاريخ الطبري 3/ 299.

(3) ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4/ 78- 79، وعنه في تنقيح المقال 2/ 69، وقال: إنّ سمرة بن جندب عاش حتّي حضر مقتل الحسين، وكان من شرطة ابن زياد، وكان أيّام مسير الحسين إلي العراق يحرّض الناس علي الخروج إلي قتاله، ومن قبل ذلك كان والياً علي البصرة من قبل زياد بن أبيه لمّا ولّاه معاوية المصرين.

ثمّ ناقض ابن أبي الحديد في ما ذكره، فراجعه؛ وحاصله أنّ القوم ذكروا وفاته قبل واقعة الطفّ.

(4) بحار الأنوار 44/ 351.

(5) تقدّم في الصفحات 285- 288.

(6) وُلد مع الإمام عليه السلام في زمن واحد، لذا سمّي: لدة الحسين، ورضيع الحسين؛ لأنّ أباه كان خادماً لرسول اللَّه، وكانت ميمونة زوجته في بيت أمير المؤمنين، فولدت عبد اللَّه هذا قبل ولادة الإمام الحسين بثلاثة أيّام، وكانت تحضن الإمام الحسين وترضع ولدها، فسمّي: رضيع الحسين.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 339

الإمام عليه السلام، فأخذ مالك بن يربوع التميمي الكتاب منه، فأمر ابن زياد بقتله «1».

القضاء علي الشيعة

وهكذا تمكّن ابن زياد من القضاء علي أنصار مسلم بن عقيل، كهانئ ابن عروة وغيره، حتّي إنّه قتل بعضهم بين أبناء عشيرته أمام أعين قومه، ونكتفي هنا ببعض القضايا كما ذكر المؤرّخون:

ميثم التمّار

وهو من بني أسد، وكان من خواصّ مولانا أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام، وطالما كان عليه السلام يخرج من جامع الكوفة فيجلس عنده فيحادثه، وربّما كان يبيع له التمر إذا غاب، قال له

ذات يوم: «ألا أُبشّرك يا ميثم؟».

فقال: بماذا يا أمير المؤمنين؟

قال: «بأنّك تموت مصلوباً».

فقال: يا مولاي! وأنا علي فطرة الإسلام؟

قال: «نعم».

ثمّ قال له: «يا ميثم! تريد أُريك الموضع الذي تصلب فيه والنخلة

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 44/ 343.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 340

التي تعلّق عليها وعلي جذعتها؟».

قال: نعم يا أمير المؤمنين.

فجاء به إلي رحبة الصيارف وقال له: «ها هنا»، ثمّ أراه نخلة وقال له: «علي جذع هذه».

فما زال ميثم رضي اللَّه عنه يتعاهد تلك النخلة حتّي قُطعت وشُقت نصفين، فسُقف بالنصف منها وبقي النصف الآخر، فما زال يتعاهد النصف ويصلّي في ذلك الموضع ويقول لبعض جيران الموضع: يا فلان! إنّي أُريد أن أُجاورك عن قريب فأحسن جواري.

فيقول ذلك الرجل في نفسه: يريد ميثم أن يشتري داراً في جواري؛ ولا يعلم ما يريد بقوله.

حتّي قُبض الإمام عليّ عليه السلام وظهر عبيد اللَّه بن زياد وأصحابه، وأخذ ميثم في مَن أخذ وأمر بصلبه، فصلب علي ذلك الجذع في ذلك المكان، فلمّا رأي ذلك الرجل أنّ ميثماً قد صلب في جواره قال:

إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون؛ ثمّ أخبر الناس بقصّة ميثم وما قاله في حياته، وما زال ذلك الرجل يتعاهده ويكنس تحت الجذع ويبخّره ويصلّي عنده ويكرّر الرحمة عليه، رضي اللَّه عنه «1».

يحدّثنا الكشّي في رجاله فيقول: «مرّ ميثم التمّار علي فرس له، فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحدّثا حتّي اختلف أعناق فرسيهما، ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صُلب في حبّ أهل بيت نبيّه عليه السلام،

__________________________________________________

(1) انظر: بحار الأنوار 42/ 138 ح 19.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 341

تُبقر بطنه علي الخشبة.

فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلًا أحمر له ضفيرتان يخرج

لينصر ابن بنت نبيّه فيُقتل ويُجال برأسه بالكوفة.

ثمّ افترقا.

فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذب من هذين.

قال: فلم يفترق أهل المجلس حتّي أقبل رُشيد الهجري فطلبهما، فسأل أهل المجلس عنهما فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا.

فقال رُشيد: رحم اللَّه ميثماً نسي: ويزاد في عطاء الذي يجي ء بالرأس مئة درهم.

ثمّ أدبر، فقال القوم: هذا واللَّه أكذبهم!

فقال القوم: واللَّه ما ذهبت الأيّام والليالي حتّي رأيناه مصلوباً علي باب دار عمرو بن حريث، وجي ء برأس حبيب بن مظاهر قد قُتل مع الحسين عليه السلام، ورأينا كلَّ ما قالوا» «1».

روي ابن حجر العسقلاني في «الإصابة»، قال:

كان ميثم التمّار عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه عليٌّ منها وأعتقه، وقال له: «ما اسمك؟».

قال: سالم.

قال: «أخبرني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنّ اسمك الذي سمّاك به أبواك في العجم: ميثم».

قال: صدق اللَّه ورسوله وأمير المؤمنين، واللَّه إنّه لاسمي.

__________________________________________________

(1) رجال الكشّي 1/ 292 رقم 133.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 342

قال: «فارجع إلي اسمك الذي سمّاك به رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ودع سالماً».

فرجع ميثم واكتني بأبي سالم، فقال له عليٌّ ذات يوم: «إنّك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر منخراك وفوك دماً فتخضب لحيتك، وتصلب علي باب عمرو بن حريث عاشر عشرة، وأنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، فامض حتّي أُريك النخلة التي تصلب علي جذعها».

فأراه إيّاها، وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بوركت من نخلة، لك خُلقت ولي غُذّيت، فلم يزل يتعاهدها حتّي قطعت.

ثمّ كان يلقي عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحسن جواري.

فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟

وهو لا يعلم ما يريد.

ثمّ حجّ في السنة

التي قُتل فيها، فدخل علي أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين فقالت له: من أنت؟

قال: أنا ميثم.

فقالت: واللَّه لربّما سمعت من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يذكرك ويوصي بك عليّاً.

فسألها عن الحسين، فقالت: هو في حائط له.

فقال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه فلم أجده، ونحن ملتقون عند ربّ العرش إن شاء اللَّه تعالي .

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 343

فدعت أُمّ سلمة بطيب فطيّب به لحيته، فقالت له: أما إنّها ستخضب بدم.

فقدم الكوفة، فأخذه عبيد اللَّه بن زياد، فأُدخل عليه فقيل له: هذا كان آثر الناس عند عليّ.

قال: ويحكم! هذا الأعجمي؟!

فقيل له: نعم.

فقال له: أين ربّك؟!

قال: بالمرصاد للظلمة، وأنت منهم.

قال: إنّك علي أعجميّتك لتبلغ الذي تريد؛ أخبرني ما الذي أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك؟

قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة.

قال: لنخالفنّه.

قال: كيف تخالفه؟! واللَّه ما أخبرني إلّاعن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عن جبرئيل عن اللَّه، ولقد عرفت الموضع الذي أُصلب فيه، وأنّي أوّل خلق اللَّه أُلجم في الإسلام.

فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد الثقفي- بعد شهادة مسلم ابن عقيل وهاني بن عروة بيومين أو ثلاث- فقال ميثم للمختار: إنّك ستفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يريد أن يقتلك.

فلمّا أراد عبيد اللَّه بن زياد أن يقتل المختار، وصل بريد من يزيد يأمره بتخلية سبيله، فخلّاه وأمر بميثم أن يُصلب، فلمّا رُفع علي الخشبة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 344

عند باب عمرو بن حريث قال عمرو: قد كان واللَّه يقول لي: إنّي مجاورك.

فجعل ميثم يحدّث الناس بفضائل عليّ وبني هاشم.

فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد.

قال: ألجموه.

فكان أوّل من أُلجم في الإسلام، فلمّا أن كان اليوم الثالث من صلبه

طُعن بالحربة، فكبّر، ثمّ انبعث في لخر النهار فمه وأنفه دماً، وكان ذلك قبل مقدم الإمام الحسين العراقَ بعشرة أيّام «1».

عبيد اللَّه الكندي

كان عبيد اللَّه بن عمرو بن عزيز الكندي فارساً شجاعاً كوفياً من الشيعة، وشهد مع أمير المؤمنين عليّ عليه السلام مشاهده كلّها، وكان من الّذين بايعوا مسلماً، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين عليه السلام هو ومسلم بن عوسجة، فلمّا رأي مسلم بن عقيل اجتماع الناس عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي علي ربع مذحج وأسد، وعلي ربع كندة وربيعة عبيد اللَّه بن عمرو بن عزيز الكندي.

فلمّا تخاذل الناس عن مسلم قبض عليه الحصين بن نمير التميمي، فسلّمه إلي عبيد اللَّه بن زياد فحبسه.

ولمّا قُتل مسلم بن عقيل أحضره ابن زياد فسأله: ممّن أنت؟!

قال: من كندة.

قال: أنت صاحب راية كندة وربيعة؟!

__________________________________________________

(1) انظر: الإصابة 6/ 317- 318.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 345

قال قال: نعم.

قال: انطلقوا به فاضربوا عنقه!

قال: فانطلقوا به فضربت عنقه رضي اللَّه عنه «1».

عبيد اللَّه بن الحارث

وهو عبيد اللَّه بن الحارث بن نوفل بن عمرو بن الحارث بن ربيعة ابن بلال بن أنس بن سعد الهمداني، أدرك الصحبة، وشهد صِفّين مع الإمام عليّ عليه السلام، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين عليه السلام، فلمّا خرج مسلم رضي اللَّه عنه خرج معه براية حمراء.

فلمّا تخاذل الناس عن مسلم أمر عبيد اللَّه بن زياد أن يطلب عبيد اللَّه ابن الحارث، فقبض عليه كثير بن شهاب فسلّمه إلي ابن زياد، فحبسه مع مَن حبس.

ولمّا قُتل مسلم رضي اللَّه عنه أحضره عبيد اللَّه فسأله: من أنت؟! فلم يتكلّم.

فقال: أنت الذي خرجت براية حمراء وركزتها علي باب دار عمرو ابن حريث، وبايعت مسلماً، وكنت تأخذ البيعة

للحسين؟! فسكت.

فقال ابن زياد: انطلقوا به إلي قومه فاضربوا عنقه.

فانطلقوا به فضربت عنقه رضي اللَّه عنه «2».

__________________________________________________

(1) انظر: مقتل الحسين- لأبي مخنف-: 42، تاريخ الطبري: 3/ 286، وفي مقاتل الطالبيّين: 103 عبد الرحمن بن عزيز الكندي، وفي الأخبار الطوال: 238 عبد الرحمن بن كريز الكندي.

(2) انظر: مقتل الحسين- لأبي مخنف-: 61، تاريخ الطبري 3/ 293- 294.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 346

عبد الأعلي الكلبي

وهو عبد الأعلي بن يزيد الكلبي العليمي، من بني عليم، كان فارساً شجاعاً قارئاً، من الشيعة، كوفياً، وكان هو وحبيب بن مظاهر الأسدي يأخذان البيعة من أهل الكوفة للحسين عليه السلام، ثمّ خرج مع مسلم بن عقيل في مَن خرج.

فلمّا تخاذل الناس عن مسلم، قبض عليه كثير بن شهاب فسلمه إلي عبيد اللَّه بن زياد فحبسه مع مَن حبس.

ولمّا قُتل مسلم وهاني دعاه ابن زياد فسأله عن حاله، فقال له:

أخبِرني بأمرك!

فقال: أصلحك اللَّه، خرجت لأنظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب.

فقال له ابن زياد: فعليك من الأيمان المغلّظة إنْ كان ما أخرجك إلّا ما زعمت.

فأبي أن يحلف، فقال ابن زياد: انطلقوا بهذا إلي جبّانة السبيع «1» فاضربوا عنقه بها.

فانطلقوا به فضربت عنقه رضي اللَّه عنه «2».

__________________________________________________

(1)

جبّانة السبيع: محلّة بالكوفة كان بها يوم للمختار بن عبيد، وقال البلاذري: نسبت إلي ولد السبيع بن سبع بن مصعب الهمداني.

انظر: فتوح البلدان: 280، معجم البلدان 2/ 116 رقم 2914.

(2) انظر: مقتل الحسين- لأبي مخنف-: 57، تاريخ الطبري 3/ 292.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 347

العبّاس الجدلي

وهو العبّاس بن جعدة الجدلي، كان من الشيعة الّذين بايعوا مسلم ابن عقيل رضي اللَّه عنه في الكوفة، ومن المخلصين في الولاء لأهل البيت، وكان يأخذ البيعة من الناس للحسين بن عليّ

عليه السلام.

قال عبد اللَّه بن حازم: أنا واللَّه رسول ابن عقيل إلي القصر لأنظر إلي ما صار أمر هاني، فلمّا ضرب وحبس ركبت فرسي وكنت أوّل أهل الدار ممّن دخل علي مسلم بن عقيل بالخبر … فأمرني أن أُنادي في أصحابه …

فاجتمعوا إليه … وعقد لعبّاس بن جعدة الجدلي علي ربع المدينة، ثمّ أقبل نحو القصر، فلمّا بلغ ابن زياد إقباله تحرّز في القصر وغلّق الأبواب.

فلمّا تخاذل الناس عن مسلم، قبض عليه محمّد بن الأشعث الكندي فسلّمه إلي ابن زياد فحبسه.

ولمّا قُتل مسلم أحضره ابن زياد وقال له: أنت العبّاس بن جعدة الذي عقد لك ابن عقيل علي ربع المدينة؟!

قال: نعم.

قال: انطلقوا به فاضربوا عنقه!

فانطلقوا به فضربت عنقه رضي اللَّه عنه «1».

عمارة الأزدي

وهو عمارة بن صلخب الأزدي، كان فارساً شجاعاً من الشيعة الّذين

__________________________________________________

(1) انظر: مقتل الحسين- لأبي مخنف-: 42، تاريخ الطبري 3/ 286- 287.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 348

بايعوا مسلم بن عقيل رضي اللَّه عنه، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين بن عليّ عليه السلام، كان خرج مع مسلم لنصرته، فلمّا تخاذل الناس عنه خرج محمّد بن الأشعث حتّي وقف عند دور بني عمارة، وجاء عمارة بن صلخب وعليه سلاحه، فقبض عليه فبعث به إلي ابن زياد فحبسه.

فلمّا قُتل مسلم رضي اللَّه عنه أحضره ابن زياد فسأله: ممّن أنت؟!

قال: من الأزد.

فقال: انطلقوا به إلي قومه فاضربوا عنقه!

فانطلقوا به إلي الأزد فضربت عنقه بين ظهرانيهم رضي اللَّه عنه «1».

اعتقال المختار وسليمان وجماعته

وعلي الجملة، فقد قتل ابنُ زياد الشيعةَ، وقطّع الأيدي والأرجل منهم، وسمل العيون، وصلبهم علي جذوع النخل.

ومنهم من طردهم وشرّدهم، فلم يتمكّنوا من البقاء في الكوفة.

وقام بحملة اعتقالات واسعة فتمكّن من إلقاء القبض علي

مجموعة منهم، فكان من بين كبار الشخصيّات المعتلقين:

1- المختار بن أبي عبيد «2»؛

2- سليمان بن صرد وجماعته؛

__________________________________________________

(1) انظر: مقتل الحسين- لأبي مخنف-: 44 و 58، تاريخ الطبري 3/ 292.

(2) انظر: تاريخ الطبري 3/ 400- 401، الكامل في التاريخ 3/ 398.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 349

3- عبد اللَّه بن نوفل بن الحارث «1»؛

وغير هؤلاء كثيرون، ولا يعلم عددهم إلّااللَّه.

وقد جاء في خطابٍ لابن زياد ما نصّه:

«وما تركت لكم ذا ظنّة أخافه عليكم إلّاوهو في سجنكم» «2».

ثمّ إنّه لمّا خرج من البصرة- بعد موت يزيد- إلي الشام، أظهر الندم علي تركه قتل مَن كان في السجن، ففي كلامٍ له مع يساف بن شريخ اليشكري: «كنت أقول ليتني كنتُ أخرجتُ أهل السجن فضربت أعناقهم» «3».

وقد كان هؤلاء كلّهم في السجن إلي أن قُتل الإمام عليه السلام، وقد نصّ المؤرّخون علي ذلك بالنسبة إلي بعضهم.

كلمةٌ حول سليمان بن صرد

و «سليمان بن صرد» من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وله ترجمة في كتب الصحابة «4»، قالوا: وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، وممّن حضر صِفّين معه «5»، قالوا: وكان ديّناً

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ الطبري 3/ 294، الكامل في التاريخ 3/ 398 حوادث سنة 60 ه.

(2) تاريخ الطبري 3/ 364.

(3) تاريخ الطبري 3/ 375.

(4) انظر: معرفة الصحابة- لأبي نُعيم- 3/ 1334 رقم 1213، الاستيعاب 2/ 649 رقم 1056، أُسد الغابة 2/ 297 رقم 2230، الإصابة 3/ 172 رقم 3459.

(5) المنتظم 4/ 203 حوادث سنة 65 ه، سير أعلام النبلاء 3/ 395 رقم 61، تاريخ بغداد 1/ 201 رقم 41.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 350

عابداً «1»، وكان له شرف في قومه «2».

لقد كتب سليمان إلي الإمام عليه السلام ومعه

جماعة، بعد أن خطبهم في منزله بكلام لا يمكن أن يكون كلام من يريد الغدر والخديعة.

ثمّ إنّ الإمام كتب إليهم من الطريق: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من الحسين بن عليّ إلي سليمان بن صرد و … جماعة المؤمنين» فوصفهم ب «المؤمنين»، لكنّ ابن زياد علم بكتابتهم إلي الإمام، كما أنّ قيساً الصيداوي الحامل لكتابه إليهم قد أُسر وقتل … كما تقدّم.

إلّا أنّ هؤلاء لم يكونوا في كربلاء، لا مع الإمام ولا ضدّه- إلّاحبيباً رحمه اللَّه، الذي استشهد بين يديه-، ثمّ قاموا في سنة 65 «3» يطلبون بثأر الإمام بعد سنين، حتّي خرجوا إلي قتال ابن زياد وأهل الشام ومعهم أربعة آلاف، فقُتل سليمان وأصحابه إلّارفاعة.

فأين كانوا هذه المدّة؟! ولماذا خفي أمرهم وخبرهم؟!

فهل خذلوا الإمام بعد أن دعوه، وتركوا نصرته عن اختيارٍ وقدرة؟!

لقد اضطربت كلمات المؤرّخين في سليمان..

فقال: بعضهم: ترك القتال معه «4».

وقال بعضهم: تخلّوا عنه «5».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 3/ 395.

(2) المنتظم 4/ 203، تاريخ بغداد 1/ 201.

(3) وقيل سنة 67.

(4) الاستيعاب 2/ 650.

(5) العقد الثمين 4/ 238.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 351

وقال بعضهم: عجز عن نصره «1».

وبعضهم لم يذكر كتابته إلي الإمام، ولم يتعرّض لعدم قتاله معه «2».

وبعضهم لم يتعرّض لشي ء من أخباره في حوادث سنة 65 «3».

وقال الذهبي: «قال ابن عبد البرّ: كان ممّن كاتب الحسين ليبايعه، فلمّا عجز عن نصره ندم وحارب.

قلت: كان ديّناً عابداً، خرج في جيشٍ تابوا إلي اللَّه من خذلانهم الحسين الشهيد، وساروا للطلب بدمه، وسمّوا جيش التوّابين» «4».

فانظر إلي الاضطراب في كلامهم، خاصّة كلام الذهبي هذا، فتأمّله بدقّة..

أوّلًا: ليس في كلام ابن عبد البرّ: «فلمّا عجز عن نصره ندم وحارب».

وثانياً: كيف عجز؟! وما كان عذره؟!

وثالثاً: إن كان «عاجزاً»

فما معني «ندم»؟!

ورابعاً: «خرج في جيشٍ تابوا … » كلام مجمل.. فهو قد خرج في هذا الجيش، بل كان هو القائد، لكن هل كان من الّذين خذلوا؟!

هذا، ولا يخفي السبب في اختلاف كلماتهم واضطرابها؛ إذ إنّ الرجل من الصحابة، ومن رجال الصحاح الستّة «5»، وكان عابداً ديّناً شريفاً

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 3/ 395 رقم 61.

(2) تهذيب الأسماء واللغات 1/ 234 رقم 232.

(3) المختصر في أخبار البشر 1/ 194.

(4) سير أعلام النبلاء 3/ 395 رقم 61.

(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 8/ 66 رقم 2513.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 352

في قومه، ومثله- مع خطبته في داره، ثمّ الكتاب الذي كتبوه إلي الإمام، وما كتبه إليهم عليه السلام- لا يخذل مثل الحسين سبط رسول اللَّه …

لكنّ الذهبي وغيره لا يريدون التصريح باعتقاله وجماعته، تستّراً علي فضائح بني أُميّة وحكومتهم …

ومن العجب قول ابن حبّان: «وكان مع الحسين بن عليّ رضي اللَّه عنهما، فلمّا قتل الحسين انفرد من عسكره تسعة آلاف نفس، فيهم سليمان بن صرد» «1».

وهذا أيضاً ممّا يؤكّد اضطراب المؤرّخين من أهل السُنّة في هذا المقام، وسعيهم وراء تعتيم الأخبار وكتم الحقائق، ولو بالأكاذيب … فإنّ عسكر الإمام عليه السلام كان نحو مئة نفس فقط، ولم يكن سليمان فيهم …

خطبة ابن زياد بعد الإجراءات لحمل الناس علي الخروج

ثمّ إنّ ابن زياد خطب الناس وقال:

«أيّها الناس! إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون، وهذا أمير المؤمنين يزيد، قد عرفتموه، حسن السيرة، محمود الطريقة، محسناً إلي الرعيّة، يعطي العطاء في حقّه، قد أمنت السبل علي عهده، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره، وهذا ابنه يزيد من بعده، يكرم العباد ويغنيهم بالأموال ويكرمهم، وقد زادكم في أرزاقكم مئة

مئة، وأمرني أنْ أُوفّرها عليكم وأُخرجكم إلي حرب عدوّه الحسين، فاسمعوا له

__________________________________________________

(1) الثقات 3/ 160- 161.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 353

وأطيعوا» «1».

«فلا يبقينّ رجل من العرفاء والمناكب والتجّار والسكّان إلّاخرج فعسكر معي، فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمّة» «2».

قالوا: وكان ابن زياد إذا وجّه الرجل إلي قتال الحسين في الجمع الكثير، بعث بعض رجاله في خيل إلي الكوفة، وأمره أن يطوف بها، فمن وجده قد تخلّف أتاه به «3».

تحقيق في الخارجين مع ابن زياد

وهنا تحقيقٌ في أحوال الخارجين مع ابن زياد ورجال جيش ابن سعد، وذلك: أنّ عدداً منهم قد التحق بالإمام عليه السلام واستشهد بين يديه، فالذي نظنّه أنّ هؤلاء علي قسمين:

فمنهم: من كان مع ابن سعدٍ وقد خرج لقتال الإمام عليه السلام، غير إنّه تاب وتحوّل إلي جيشه واستشهد معه … وهؤلاء جماعة، أشهرهم: الحرّ بن يزيد الرياحي.

ومنهم: جماعة لم يمكنهم الالتحاق بالإمام من أوّل الأمر، للإجراءات التي اتّخذها ابن زياد بالكوفة، فلم يجدوا سبيلًا إلّاالخروج مع ابن سعد، ولو تخلّفوا لأُخِذوا وقُتلوا، فكان خروجهم مع جيش العدوّ فرصةً للالتحاق بالإمام عليه السلام؛ وقد وقفنا علي أسماء عددٍ من هؤلاء

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 44/ 385.

(2) أنساب الأشراف 3/ 386- 387، الفتوح- لابن أعثم- 5/ 99.

(3) انظر: الأخبار الطوال: 252، بغية الطلب 6/ 2626- 2627.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 354

الّذين تمكّنوا من الوصول إلي الإمام عليه السلام:

ففي ترجمة «القاسم بن حبيب بن أبي بشر الأزدي» - وكان فارساً من فرسان الشيعة في الكوفة-: «خرج مع ابن سعد، فلمّا صار في كربلاء مال إلي الحسين عليه السلام أيّام المهادنة، وما زال معه حتّي قُتل بين يديه في الحملة الأُولي » «1».

وبترجمة

«عمرو بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي»:

«كان فارساً مقدَّماً في الحروب، خرج مع ابن سعد، ثمّ ازدلف إلي الإمام … » «2».

وكذا بترجمة «عمرو بن عبد اللَّه الهمداني الجندعي» «3».

وكذا بترجمة «ضرغامة بن مالك» «4».

وأوضح من الكلّ ما جاء بترجمة «الحلاس بن عمرو الأزدي الراسبي»: «كان علي شرطة أمير المؤمنين في الكوفة، وكان هو وأخوه النعمان مع عمر بن سعد، ثمّ تحوّلا إلي معسكر الإمام ليلًا» «5».

وما جاء بترجمة «مسعود بن الحجّاج التميمي» وابنه «عبد الرحمن»: «كانا من الشيعة المعروفين، خرجا إلي الحسين أيّام المهادنة، وكانا في بداية الأمر مع ابن سعد، فازدلفا إلي الإمام وقُتلا

__________________________________________________

(1) إبصار العين في أنصار الحسين: 186.

(2) انظر: مناقب آل أبي طالب 4/ 85، إبصار العين في أنصار الحسين: 194.

(3) إبصار العين في أنصار الحسين: 136.

(4) إبصار العين في أنصار الحسين: 199.

(5) انظر: مناقب آل أبي طالب 4/ 122، إبصار العين في أنصار الحسين: 187.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 355

بين يديه … » «1».

وبما ذكرنا يظهر أنّ هناك قسماً آخر، وهم الّذين خرجوا مع ابن سعد قاصدين الالتحاق بالإمام عليه السلام كذلك، إلّاأنّهم لم يوفَّقوا لذلك ولم يباشروا عملًا ضدّ الإمام … واللَّه العالم.

***

__________________________________________________

(1) انظر: مناقب آل أبي طالب 4/ 122، إبصار العين في أنصار الحسين: 193- 194.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 357

الفصل الثامن: قادة جيش ابن زياد … ص: 357
اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 359

قد عُلم ممّا تقدّم: أنّه لم يكن كلّ من كتب إلي الإمام بالقدوم شيعةً له، فقد كان فيهم الخوارج، وفيه من ليس من الشيعة، بل تبيّن فيما بعد كونه من الحزب الأُموي في الكوفة.

أمّا من كتب له من الشيعة، فمنهم من استشهد معه بكربلاء، ومنهم من اعتقل في قضية مسلم

بن عقيل، أو طورد وشرّد قبل قدوم الإمام عليه السلام.

فأين هو الشيعي الذي كتب إليه بالقدوم ثمّ خرج لقتاله؟!

ويتجلّي هذا الذي توصّلنا إليه ويزداد وضوحاً، فيما إذا عرفنا قادة جيش ابن زياد في كربلاء، فإنّ قادتهم الكبار هم:

1- عمر بن سعد: … ص: 359

فقد خرج إلي كربلاء في 4000 آلاف، كانوا قد أُعدّوا للخروج معه إلي الريّ، لقتال الديلم «1»، فلمّا جاء الإمام عليه السلام قال ابن زياد

__________________________________________________

(1) وهذا أيضاً من الأُمور الجديرة بالبحث والتحقيق؛ فإنّا نظنُّ أنّ إعداد هذا الجيش كان لحرب الإمام عليه السلام، وإنّما قيل للناس إنّه لقتال الديلم تغطيةً للواقع حتّي لا ينكشف، وتخديعاً للناس حتّي يجتمعوا.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 360

لعمر: سِرْ إليه! فإذا فرغتَ سرتَ إلي عملك «1».

وروي ابن عساكر بإسناده عن شهاب بن خراش، عن رجل من قومه، قال: كنت في الجيش الذي بعثهم عبيد اللَّه بن زياد إلي حسين بن عليّ، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم، فصرفهم عبيد اللَّه بن زياد إلي حسين بن عليّ، فلقيت حسيناً … » «2».

فكان هذا العدد من جيش ابن زياد معبّأً من قبل، ولا يخفي عدم وجود أحد من رجالات الشيعة فيه قطّ.

كما لا يخفي أنّ عمر بن سعد من عيون الحزب الأُموي في الكوفة، وهو ممّن كتب إلي يزيد يشكو النعمان بن بشير ويطلب منه استبداله بوالٍ آخر، للوقوف أمام مسلم بن عقيل، وتقدّم أمره في البلد، بل كان معروفاً بين الناس بأنّه قاتل الحسين كما تقدّم «3».

2- الحصين بن نمير: … ص: 360

وكان في 4000، وكان صاحب شرطة ابن زياد «4»، وهو الذي أخذ قيس بن مسهر وبعث به إلي ابن زياد فاستشهد، وهو الذي عهد إليه ابن زياد حراسة سكك الكوفة لئلّا يخرج منها مسلم بن عقيل أو أحد من

__________________________________________________

(1) انظر: تاربخ الطبري 3/ 310 حوادث سنة 61 ه، الاستيعاب 1/ 394، أنساب الأشراف 3/ 385، الأخبار الطوال: 253، الفتوح 5/ 95، بغية الطلب 6/ 2615، روضة الواعظين 1/ 411، لواعج الأشجان: 105.

(2) تاريخ دمشق 14/ 215،

وانظر: تاريخ الطبري 3/ 310، الفتوح 5/ 92، أنساب الأشراف 3/ 385، الأخبار الطوال: 254.

(3) انظر: الاستيعاب 1/ 393- 394.

(4) تاريخ الطبري 3/ 308، روضة الواعظين 1/ 405.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 361

أصحابه … وقد تقدّم ذلك «1».

وهو الذي أرسله ابن زياد في ألف فارس يرصد الإمام ويسايره في الطريق، لئلّا يسمع بخبر مسلم فيرجع ولا يقتل «2».

وهو الذي قتل حبيب بن مظاهر الأسدي رحمه اللَّه «3».

وهو الذي كان علي الرماة، فلمّا رأي صبر أصحاب الإمام عليه السلام تقدّم إلي أصحابه- وكانوا خمسمئة نابل- أنْ يرشقوا أصحاب الإمام بالنبل، فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وأرجلوهم واشتدّ القتال «4» …

وهو الذي حمل عدداً من الرؤوس الشريفة إلي يزيد، «ثمّ أمر يزيد بإحضار من أتي برأس الحسين ومن معه، ليسألهم كيف كان قتله، فحضروا بين يديه، فقال لابن ربعي: ويلك أنا أمرتك بقتل الحسين؟!

فقال: لا، لعن اللَّه قاتله.

ولم يزالوا كذلك، إلي أنْ وصل السؤال إلي الحصين بن نمير، فقال مقالتهم، ثمّ قال: أتريد أنْ أخبرك بمن قتله؟!

فقال: نعم.

قال: أعطني الأمان.

فقال: لك الأمان.

__________________________________________________

(1) تقدّم في الصفحة 285 وما بعدها.

(2) نور العين في مشهد الحسين: 31.

(3) انظر: تاريخ الطبري 3/ 327، مناقب آل أبي طالب 4/ 112، البداية والنهاية 8/ 146.

(4) انظر: الإرشاد 2/ 69.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 362

فقال: إعلم- أيّها الأمير- أنّ الذي عقد الرايات، ووضع الأموال، وجيّش الجيوش، وأرسل الكتب، وأوعد ووعد، هو الذي قتله!

فقال: من فعل ذلك؟!

فقال: أنت!

فغضب منه ودخل منزله، ووضع الطشت الذي فيه رأس الحسين بين يديه وجعل يبكي ويلطم علي وجهه ويقول: ما لي وللحسين؟! … » «1».

وهو الذي قاد الجيش لحرب ابن الزبير في الحرم، فنصب المنجنيق فضرب

به الكعبة، وكان ما كان ممّا هو مذكور في الكتب … «2».

ثمّ إنّ هذا الرجل قاد جيش الشام لمحاربة التوّابين، وكان أهل الشام نحواً من أربعين ألفاً، وفيهم: عبيد اللَّه بن زياد، وفيهم من قتلة الحسين:

عمير بن الحباب، وفرات بن سالم، ويزيد بن الحضين، وأُناس سوي هؤلاء كثير … «3»، وكان الحصين في قلب العسكر «4»، كما كان سليمان بن صرد علي قلب عسكر أهل العراق «5».

فاستشهد في هذه المعركة: سليمان بن صرد والمسيَّب بن نجبة وكثير من أهل العراق، وقُتل من أهل الشام: ابن زياد والحصين بن نمير

__________________________________________________

(1) نور العين في مشهد الحسين: 70؛ وقد تقدّم في الصفحتين 208- 209.

(2) أنساب الأشراف 5/ 349، تاريخ الطبري 3/ 360، تاريخ دمشق 14/ 382 و 387.

(3) الأخبار الطوال: 293.

(4) بحار الأنوار 45/ 360.

(5) بحار الأنوار 45/ 361.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 363

وشراحيل بن ذي الكلاع وآخرون.

وبعث المختار برؤوس ابن زياد والحصين وشراحيل إلي محمّد بن الحنفية بمكّة، والإمام السجّاد عليه السلام يومئذ بمكّة … «1».

هذا، والحصين بن نمير من أهل مدينة «حمص» بالشام، قال ابن حجر عن الكلبي: «إنّه كان شريفاً بحمص، وكذا وَلده يزيد وحفيده معاوية ابن يزيد وَلِيا إمرةَ حمص» «2».

قلت: وأهل حمص في ذلك الزمان من النواصب..

قال ياقوت الحموي: «إنّ أشدّ الناس علي عليٍّ رضي اللَّه عنه بصِفّين مع معاوية كان أهل حمص، وأكثرهم تحريضاً عليه وجِدّاً في حربه» «3».

3- شبث بن ربعي: … ص: 363

وكان في 1000.

وهذا الرجل وإنْ كان ممّن كاتب الإمام عليه السلام، إلّاأنّه كان من الخوارج، المتعاملين مع حكومة بني أُميّة … نعم كان قبل ذلك- في زمن أمير المؤمنين- من الشيعة … وقد تقدّم بعض الكلام علي حروريّته «4».

قالوا: ومات بالكوفة في حدود

الثمانين «5».

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 14/ 388، الأمالي- للشيخ الطوسي-: 242.

(2) الإصابة 2/ 92.

(3) معجم البلدان 2/ 349 رقم 3914.

(4) راجع الصفحة 321 ه 2.

(5) تقريب التهذيب 1/ 411 رقم 2743.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 364

4- حجّار بن أبجر: … ص: 364

جاء إلي كربلاء في 1000.

وهذا الرجل وإن كان ممّن كاتب الإمام عليه السلام، فقد كان من غير الشيعة قطعاً … وقد ذكره علماء الرجال فلم يشيروا إلي شي ء من أحواله.

قال البخاري: «حجّار بن أبجر البكري، سمع عليّاً ومعاوية. روي عنه سماك. قال وكيع: العجلي يعدّ في الكوفيّين» «1».

وكذا قال ابن أبي حاتم، قال: «سمعت أبي يقول ذلك» «2».

هذا، وقد قام هذا الرجل في عشيرته ضدّ المختار- لمّا قام للطلب بثأر الإمام- في وقعة جبّانة السبيع «3».

5- الحرّ بن يزيد الرياحي: … ص: 364

كان علي رأس 1000.

ولم يكن ممّن كاتب الإمام عليه السلام.

وقصّته معه معروفة، تقدّم ذِكر طرفٍ منها، فقد كان مأموراً بأن يأخذ الإمام في طريق- كما قال له-: «خذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلي الحجاز» حتّي يأتي رأي ابن زياد «4».

__________________________________________________

(1) التاريخ الكبير 3/ 130 رقم 438.

(2) الجرح والتعديل 3/ 312 رقم 1388.

(3) أنساب الأشراف 6/ 398.

(4) انظر مثلًا: أنساب الأشراف 3/ 381، الأخبار الطوال: 250- 251، تاريخ الطبري 3/ 306، المنتظم 4/ 151- 152، البداية والنهاية 8/ 138، بحار الأنوار 44/ 378.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 365

ثمّ جاءه كتاب ابن زياد أن لا يحلّ الإمامَ «إلّابالعراء، علي غير خَمَر ولا ماء».

وتحوّله، ثمّ استشهاده بين يديه عليه السلام، عبرةٌ للمعتبرين.

6- شمر بن ذي الجوشن: … ص: 365

وكان في 4000 «1».

وكان من أوّل أمره من أصحاب ابن زياد، وكان ممّن أمره بأنْ يخذّلوا الناس عن مسلم، ويخوّفوهم الحرب، ويحذّروهم عقوبة السلطان «2».

وممّا يشهد بكونه من أوّل الأمر من أخصّ أصحاب ابن زياد: أنّ عبيد اللَّه بن زياد بعثه فقال: «إذهب، فإنْ جاء حسين علي حكمي وإلّا فمُرْ عمر بن سعد أنْ يقاتلهم، فإنْ تباطأ عن ذلك فاضرب عنقه، ثمّ أنت الأمير علي الناس … » «3».

وروي ابن عساكر، بإسناده عن أبي إسحاق السبيعي: «كان شمر بن ذي الجوشن الضبابي لا يكاد أو لا يحضر الصلاة، فيجي ء بعد الصلاة فيصلّي، ثمّ يقول: اللّهمّ اغفر لي، فإنّي كريم لم تلدني اللئام … » «4».

وفي رواية ابن حجر: «روي أبو بكر ابن عيّاش، عن أبي إسحاق،

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 44/ 315.

(2) بحار الأنوار 44/ 349.

(3) البداية والنهاية 8/ 140.

(4) تاريخ دمشق 23/ 189.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 366

قال: كان شمر يصلّي معنا ثمّ يقول: اللّهمّ

إنّك تعلم أنّي شريف فاغفر لي.

قلت: كيف يغفر اللَّه لك وقد أعنت علي قتل ابن بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم؟!

قال: ويحك! فكيف نصنع؟! إنّ أُمراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم، ولو خالفناهم لكنّا شرّاً من هذه الحمر الشقاة!

قال ابن حجر: إنّ هذا لعذر قبيح، فإنّما الطاعة في المعروف» «1».

7 و 8- قيس ومحمّد ابنا الأشعث بن قيس: … ص: 366

كانا من قادة جيش ابن زياد.

وكان محمّد في 1000 فارس «2» … وكان هو وعبيد اللَّه بن عبّاس السلمي وبكر بن حمران … قد قاتلوا مسلم بن عقيل وألقوا القبض عليه «3».

ولم يُذكر اسمه في من كاتب الإمام، وإنّما هو أخوه: قيس، وهو ممّن ناشده الإمام عليه السلام يوم عاشوراء.

وقد اتّسمت هذه الأُسرة ببغض أهل البيت عليهم السلام، وصدرت منهم أنواع الأذي ، فالأشعث بن قيس أبوهم من كبار الخوارج، وكان له ضلع في قتل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام «4».

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 3/ 152- 153 رقم 546.

(2) بحار الأنوار 44/ 315.

(3) بحار الأنوار 44/ 352.

(4) انظر: الإرشاد 2/ 98.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 367

وابنته جعدة سمّت الإمام الحسن عليه السلام بإيعاز من معاوية «1».

وابناه محمّد وقيس شاركا في قتل سيّدنا مسلم بن عقيلٍ ومولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.

وقد ذكر ابن كثير، أنّه لمّا ناشد الإمام شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وقيس بن الأشعث ويزيد بن الحارث … «قال له قيس بن الأشعث:

ألا تنزل علي حكم بني عمّك، فإنّهم لن يؤذوك، ولا تري منهم إلّاما تحبّ؟!

فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أنْ تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟! لا واللَّه، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لهم إقرار العبيد» «2».

9- يزيد بن الحارث: … ص: 367

ومن القادة: «يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم»، وكان في 2000.

وكان هذا الرجل ممّن كتب إلي الإمام عليه السلام بالقدوم.

وهو ممّن ناشده الإمام يوم عاشوراء.

وعداده في الحزب الأُموي في الكوفة، وقد كان يتجسّس للحكومة هناك، مع عمر بن سعد وشبث بن ربعي، علي سليمان بن صرد والمختار وجماعة الشيعة «3».

__________________________________________________

(1) راجع الصفحة 141 ه 2.

(2) البداية والنهاية

8/ 143، وانظر: تاريخ الطبري 3/ 319، المنتظم 4/ 155.

(3) انظر «أمر التوّابين» في أنساب الأشراف 6/ 367 و 381.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 368

10- عمرو بن حريث: … ص: 368

ومن القادة: «عمرو بن حريث».

وهو الذي عقد له ابن زياد رايةً في الكوفة وأمّره علي الناس «1».

وهو الذي صلب رُشيد الهجري علي باب داره «2».

وبقي علي ولائه لبني أُميّة حتّي كان خليفة ابن زياد علي الكوفة «3».

11- عمرو بن الحجّاج: … ص: 368

ومن القادة: «عمرو بن الحجّاج الزبيدي».

وكان من جملة من كتب إلي الإمام عليه السلام بالقدوم.

وهو من رؤساء الحزب الأُموي بالكوفة.

وهو الذي خاطب جيش ابن زياد قائلًا: «يا أهل الكوفة! إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام» «4».

وقد قاد هذا الرجل العسكر لاحتلال شاطئ الفرات وقطع الماء عن الإمام وأهل بيته عليهم السلام، حتّي إنّه خاطبه رافعاً صوته: «يا حسين! إنّ هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب منه الحمير والخنازير، واللَّه

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 44/ 352.

(2) لسان الميزان 2/ 461 رقم 1859 ترجمة رشيد.

(3) أنساب الأشراف 6/ 376.

(4) انظر: تاريخ الطبري 3/ 324، مقتل الحسين- للخوارزمي- 2/ 15، الكامل في التاريخ 2/ 565.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 369

لا تذوق منه جرعةً حتّي تذوق الحميم في نار جهنّم» «1».

وبقي الرجل علي ولائة لبني أُميّة، حتّي حارب المختار بعد قيامه …

ثمّ إنّه لاذ بالفرار، فروي البلاذري أنّه هرب فسقط من العطش، فلحقه أصحاب المختار وبه رمق، فذبحوه واحتزّوا رأسه «2».

12- عزرة بن قيس: … ص: 369

ومن القادة «عزرة بن قيس».

كان علي خيل أهل الكوفة «3».

ولمّا طلب منه ابن زياد أن يبعثه إلي الإمام عليه السلام أبي ، معتذراً بأنّه ممّن كتب إليه بالقدوم «4».

وهو أيضاً من رجال الحزب الأُموي بالكوفة.

وترجم له في «مختصر تاريخ دمشق»، وأنّه وَلي حُلوان في خلافة عمر، وغزا شهرزور منها فلم يفتحها «5».

أهل الشام في جيش ابن زياد … ص: 369

وبعد أن تبيّن أنّ الّذين قادوا عساكر ابن زياد لقتال الإمام عليه السلام هم رجال من الخوارج، وزعماء الحزب الأُموي في الكوفة …

__________________________________________________

(1) انظر: أنساب الأشراف 3/ 390، تاريخ الطبري 3/ 311.

(2) أنساب الأشراف 6/ 410.

(3) انظر: سفينة البحار 1/ 682 مادّة «شبث».

(4) انظر: الإرشاد 2/ 38، تاريخ الطبري 3/ 310.

(5) مختصر تاريخ دمشق 17/ 33 رقم 7.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 370

فالذي يظهر من خلال النظر في الأخبار وتتبّع الكلمات: هو وجود رجال من أهل الشام في جيش ابن زياد في واقعة الطفّ …

وقد روي الشيخ الكليني بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام، عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرَّم، فقال: «تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام وأصحابه رضي اللَّه عنهم بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين صلوات اللَّه عليه وأصحابه رضي اللَّه عنهم، وأيقنوا أنّه لا يأتي الحسين عليه السلام ناصر، ولا يمدّه أهل العراق، بأبي المستضعَف الغريب … » «1».

وروي الشيخ ابن بابويه الصدوق القمّي بإسناده، قال: «ونظر الحسين عليه السلام يميناً وشمالًا ولا يري أحداً، فرفع رأسه إلي السماء فقال: اللّهمّ إنّك تري ما يُصنع بولد نبيّك.

وحال بنو كلاب بينه وبين الماء، ورمي بسهم فوقع في نحره وخرّ عن فرسه، فأخذ السهم فرمي به وجعل

يتلقّي الدم بكفّه، فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته وهو يقول: ألقي اللَّه عزّ وجلّ وأنا مظلوم متلطّخ بدمي.

ثمّ خرّ علي خدّه الأيسر صريعاً.

وأقبل عدوّ اللَّه سنان بن أنس الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما اللَّه في رجالٍ من أهل الشام، حتّي وقفوا علي رأس الحسين عليه

__________________________________________________

(1) الكافي 4/ 147 ح 7.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 371

السّلام … » «1».

وروي الشيخ الطوسي بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام، عن صوم يوم عاشوراء، فقال: «ذاك يوم قتل فيه الحسين عليه السلام، فإن كنتَ شامتاً فصم.

ثمّ قال: إنّ آل أُميّة عليهم لعنة اللَّه ومن أعانهم علي قتل الحسين من أهل الشام نذروا نذراً، إنْ قتل الحسين عليه السلام، وسلم من خرج إلي الحسين عليه السلام، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان، أن يتّخذوا ذلك اليوم عيداً لهم، وأن يصوموا فيه شكراً، ويفرّحون أولادهم، فصارت في آل أبي سفيان سُنّة إلي اليوم في الناس … » «2».

أقول:

أمّا «الحصين بن نمير» فقد تقدّم كونه من أهل حمص.

وأمّا من كان مع شمر، فهم خمسون من الرجّالة، ومنهم أبو الجنوب عبد الرحمن الجعفي، وترجمته في بغية الطلب «3».

وقد تقّدم سابقاً أنّه قد خرج- مع عبيد اللَّه لقتال المختار في جيش الشام- رجالٌ من قتلة الحسين، منهم:

عمير بن الحباب

وفرات بن سالم

__________________________________________________

(1) الأمالي- للشيخ الصدوق-: 226 المجلس 30.

(2) الأمالي- للشيخ الطوسي-: 667 ح 1397.

(3) انظر: بغية الطلب 10/ 4380.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 372

ويزيد بن الحضين

وأُناس سوي هؤلاء كثير «1».

و «عمير بن حباب» من عشيرة أبي الأعور السلمي «2» صاحب معاوية.

و «فرات بن سالم» الجزري، هو والد: نوفل بن فرات، ترجم له ابن منظور في «مختصر تاريخ دمشق»، فقال: «ثقة» «3».

رجل من

أهل الشام يقترح الأمان علي عليّ بن الحسين عليه السلام

قال ابن سعد: «دعا رجل من أهل الشام عليَّ بن حسين الأكبر- وأُمّه آمنة بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأُمّها بنت أبي سفيان ابن حرب- فقال: إنّ لك بأمير المؤمنين قرابةً ورحماً، فإنْ شئت آمنّاك وامض حيث ما أحببت.

فقال: أما واللَّه لقرابة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كانت أَوْلي أن تُرعي من قرابة أبي سفيان؛ ثمّ كرّ عليه وهو يقول:

أنا عليُّ بن حسين بن علي نحن وبيت اللَّه أَوْلي بالنبي

من شمر وعمر وابن الدعي» «4»

__________________________________________________

(1) الأخبار الطوال: 293.

(2) أنساب الأشراف 13/ 331.

(3) مختصر تاريخ دمشق 20/ 261 رقم 95.

(4) الطبقات الكبري 6/ 439، وانظر: نسب قريش: 57.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 373

وعبد الرحمن بن أَبْزي

وكان في جيش يزيد: عبد الرحمن بن أبزي .

ذكره غير واحدٍ في الصحابة، روي عنه أصحاب الصحاح الستّة، قال المزّي: «سكن الكوفة واستُعمل عليها» «1»، لكنْ في «الأخبار الطوال» ما هو ظاهر في كونه من أهل الشام، وكان ممّن حضر قتال الإمام عليه السلام بكربلاء، إلّاأنّه ادّعي أنّه لم يقاتل، بل أتي الكوفة في حاجةٍ؛ وهذا نصّ الخبر:

«ولمّا تجرّد المختار لطلب قتلة الحسين، هرب منه عمر بن سعد ومحمّد بن الأشعث- وهما كانا المتولّيَين للحرب يوم الحسين-، وأُتي بعبد الرحمن بن أبزي الخزاعي، وكان ممّن حضر قتال الحسين، فقال له:

يا عدوّ اللَّه! أكنت ممّن قاتل الحسين؟!

قال: لا، بل كنت ممّن حضر ولم يقاتل.

قال: كذبت، اضربوا عنقه!

فقال عبد الرحمن: ما يمكنك قتلي اليوم حتّي تعطي الظفر علي بني أُميّة، ويصفو لك الشام، وتهدم مدينة دمشق حجراً حجراً، فتأخذني عند ذلك فتصلبني علي شجرة بشاطئ نهر، كأنّي أنظر إليها الساعة.

فالتفت

المختار إلي أصحابه وقال: أما إنّ هذا الرجل عالم بالملاحم.

ثمّ أمر به إلي السجن، فلمّا جنّ عليه الليل بعث إليه من أتاه به، فقال له: يا أخا خزاعة! أظرفاً عند الموت؟!

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 11/ 90 رقم 3731.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 374

فقال عبد الرحمن بن أبزي : أنشدك اللَّه أيّها الأمير أنْ أموت ها هنا ضيعةً.

قال: فما جاء بك من الشام؟!

قال: بأربعة آلاف درهم لي علي رجل من أهل الكوفة أتيته متقاضياً.

فأمر له المختار بأربعة آلاف درهم، وقال له: إنْ أصبحتَ بالكوفة قتلتك.

فخرج من ليلته حتّي لحق بالشام» «1».

وآخرون من أهل الشام بكربلاء

وقال بعض المحقّقين- بعد نقل رواية الشيخ الكليني المتقدّمة «2» -:

«الرواية صريحة في اجتماع أهل الشام في كربلاء، وسنذكر في ترجمة مسلم بن عقيل أنّ في صبيحة يوم شهادته- وهو التاسع من ذي الحجّة- ورد الكوفة عشرة آلاف من جند أهل الشام، ذكره الطبري وغيره.

فما في بعض الروايات- أنّه ازدلف عليه ثلاثون ألفاً لا فيها شامي ولا غيره، وفي كتاب ابن زياد إلي ابن سعد أنّه بعث إليه جنوداً لا فيها شامي ولا حجازي، ومثله في بعض العبائر وكتب المقاتل- إنّما أراد بذلك الجند النظامي والعسكر الحكومي الكوفي، وهم ثلاثون ألفاً، ليس فيهم شامي ولا غيرهم، قد مرّ غير مرّة تحقيق ذلك.

وسنذكر أنّ أزرق الشامي وأمثاله من جند الشام، إمّا شامي يسكن

__________________________________________________

(1) الأخبار الطوال: 298- 299.

(2) تقدمت في الصفحة 368.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 375

الكوفة، أو أنّه شبامي تصحيف شامي.

فمن أنكر وجود جنودٍ من الشام، فهو من عدم علمه بالتاريخ.

بل في (المناقب) أنّ خيل شمر بن ذي الجوشن- وهم أربعة آلاف- كلّهم شاميّون.

وفي الأربعين الحسينيّة- تأليف الفاضل المعاصر المحدّث القمّي قدّس سرّه-: رأيت في بعض

كتب الأنساب أنّ خيل الشام لمّا ورد كربلاء جاؤوا بأمان من يزيد بن معاوية لعليّ بن الحسين عليه السلام … » «1».

أهل مصر وأهل اليمن في جيش ابن زياد … ص: 375

هذا، وقد تقدّم أنّ عمر بن سعد قاد 4000 رجلًا لقتال الديلم، فتوجّهوا إلي حرب الإمام..

وقد ذكر الحافظ ابن عبد البرّ:

«إنّما نُسِب قتل الحسين إلي عمر بن سعد؛ لأنّه كان الأمير علي الخيل التي أخرجها عبيد اللَّه بن زياد إلي قتال الحسين وأمّر عليهم عمر بن سعد، ووعده أنْ يولّيه الريّ إنْ ظفر بالحسين وقتله! وكان في تلك الخيل- واللَّه أعلم- قوم من مضر ومن اليمن» «2».

وابن العديم، حين أورد هذا الكلام قال: «قومٌ من مضر من اليمن» «3».

وقال المحبّ الطبري:

__________________________________________________

(1) الإمام الحسين وأصحابه- للشيخ فضل علي القزويني- 1/ 253- 254.

(2) الاستيعاب 1/ 394 رقم 556.

(3) بغية الطلب 6/ 2571.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 376

«وما نُقل من أنّ عمر بن سعد بن أبي وقّاص قتله، فلا يصحّ، وسبب نسبته إليه أنّه كان أمير الخيل التي أخرجها عبيد اللَّه بن زياد لقتاله، ووعده إنْ ظفر أن يولّيه الريّ، وكان في تلك الخيل- واللَّه أعلم- قوم من أهل مصر وأهل اليمن» «1».

العثمانيّون في جيش ابن زياد … ص: 376

ثمّ إنّ في كلمات غير واحدٍ من رجال جيش ابن زياد في يوم العاشر من المحرّم، الثناء البالغ والترحّم الصريح علي عثمان بن عفّان، بل أعلن بعضهم بأنّه علي «دين عثمان»!! بل إنّ بعضهم قد باهل علي ذلك!!:

روي الطبري، عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس، قال:

«وخرج يزيد بن معقل- من بني عميرة بن ربيعة، وهو حليفٌ لبني سليمة، من عبد القيس- فقال: يا بُرير بن حضير! كيف تري صنع اللَّه بك؟!

قال: صنع اللَّهُ- واللَّهِ- بي خيراً وصنعَ اللَّه بك شرّاً.

قال: كذبتَ، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً، هل تذكر- وأنا أُماشيك في بني لوذان- وأنت تقول: إنّ عثمان بن عفّان كان علي نفسه مسرفاً، وإنّ

معاوية بن أبي سفيان ضالٌ مضلٌّ، وإنّ إمام الهدي والحقّ عليُّ بن أبي طالب؟!

فقال له برير: أشهد أنّ هذا رأيي وقولي.

فقال له يزيد بن معقل: فإنّي أشهد أنّك من الضالّين.

__________________________________________________

(1) ذخائر العقبي : 250.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 377

فقال له برير بن حضير: هل لك فلأُباهلك، ولندع اللَّه أنْ يلعن الكاذب وأنْ يقتل المبطل، ثمّ اخرج فلأُبارزك.

قال: فخرجا، فرفعا أيديهما إلي اللَّه يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقُّ المبطلَ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربةً خفيفةً لم تضرّه شيئاً، وضربه برير بن حضير ضربةً قدّت المغفر وبلغت الدماغ، فخرّ كأنّما هوي من حالق، وإنّ سيف ابن حضير لثابت في رأسه، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه.

وحمل عليه رضيُّ بن منقذ العبدي، فاعتنق بريراً، فاعتركا ساعة، ثمّ إنّ بريراً قعد علي صدره فقال رضي: أين أهل المصاع والدفاع؟

قال: فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه، فقلت:

إنّ هذا برير بن حضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد، فحمل عليه بالرمح حتّي وضعه في ظهره، فلمّا وجد مسّ الرمح برك عليه فعضّ بوجهه وقطع طرف أنفه، فطعنه كعب بن جابر حتّي ألقاه عنه وقد غيّب السنان في ظهره، ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّي قتله …

فلمّا رجع كعب بن جابر، قالت له امرأته- أو أُخته- النوار بنت جابر-: أعنتَ علي ابن فاطمة، وقتلت سيّد القرّاء، لقد أتيت عظيماً من الأمر، واللَّه لا أُكلّمك من رأسي كلمةً أبداً!

وقال كعب بن جابر:

سلي تُخبري عنّي وأنتِ ذميمةٌ غداةَ حسينٍ والرماحُ شوارعُ

ألم آتِ أقصي ما كرهتِ ولم يخل علَيَّ غداةَ الروعِ ما أنا صانعُ

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 378

معي

يَزَنيٌّ لم تخنه كعوبُه وأبيض مخشوب الغرارين قاطعُ

فجرّدته في عصبةٍ ليس دينهم بديني وإنّي بابن حربٍ لقانعُ

ولم تر عيني مثلهم في زمانهم ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافعُ

أشدّ قراعاً بالسيوف لدي الوغي ألا كلّ مَن يحمي الذمار مقارعُ

وقد صبروا للطعن والضرب حُسّراً وقد نازلوا أنّ ذلك نافعُ

فأبلِغ عبيدَ اللَّه إمّا لقيتَه بأنّي مطيعٌ للخليفةِ سامعُ

قتلتُ بريراً ثمّ حمّلت نعمةً أبا منقذ لمّا دعا من يماضعُ» «1»

أقول:

وفي هذا الخبر فوائد لا تخفي ، فإنّ بريراً كان يري أنّ عثمان ومعاوية ضالّان، وكان رأي معقل علي أنّهما علي حقّ وبرير ضالّ، وقضيّة المباهلة وانتصار برير علي عدوّه، ثمّ تصريح قاتل برير بأنّ أصحاب الحسين عليه السلام ليس دينهم دينه، فهو كان علي دين ابن حرب ومطيع للخليفة يزيد!!

وروي الطبري:

«إنّ نافع بن هلال كان يقاتل يومئذٍ وهو يقول:

أنا الجملي، أنا علي دين علي

فخرج إليه رجل يقال له: مزاحم بن حريث، فقال: أنا علي دين عثمان.

فقال له: أنت علي دين شيطان.

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 322- 323 حوادث سنة 61 ه.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 379

ثمّ حمل عليه فقتله» «1».

وقد ذكر ابن الأثير الخبر فلم يذكر مقالة الرجل «2»!!

ثمّ انظر إلي كتاب ابن زياد إلي عمر بن سعد في أوّل الأمر:

«أمّا بعد، فحُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان» «3».

وإلي كلام عمرو بن سعيد الأشدق- الوالي علي المدينة-:

عن عبد الملك بن أبي الحارث السلمي، قال: «دخلت علي عمرو ابن سعيد فقال: ما وراءك؟

فقلت: ما سَرَّ الأمير، قتل الحسين بن عليّ.

فقال: نادِ بقتله.

فناديت بقتله، فلم أسمع واللَّه واعيةً قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ علي الحسين.

فقال

عمرو بن سعيد- وضحك-:

عجّت نساء بني زياد عجّةً كعجيج نسوتنا غداة الأرنبِ

ثمّ قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان» «4».

بقي أن نشير إلي خطبٍ وكلمات

1- خرج الإمام عليه السلام يوم عاشوراء حتّي أتي الناس فقال لهم:

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 324، وانظر: مقتل الحسين- للخوارزمي- 2/ 18.

(2) الكامل في التاريخ 3/ 426.

(3) تاريخ الطبري 3/ 311.

(4) تاريخ الطبري 3/ 341- 342.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 380

«تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً … فهلّا- لكم الويلات- إذ كرهتمونا تركتمونا، فتجهّزتموها والسيف لم يُشهر، والجأش طامن، والرأي لم يستحصف، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الدبا، وتداعيتم إليها كتداعي الفراش، فقبحاً لكم، فإنّما أنتم من طواغيت الأُمّة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيري عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمّة المستهزئين، الّذين جعلوا القرآن عضين، وأنتم ابنَ حرب وأشياعه تعتمدون، وإيّانا تخذلون.

أجل واللَّه الخذلُ فيكم معروف، وشجت عليه عروقكم، وتوارثته أُصولكم وفروعكم، ونبتت عليه قلوبكم، وغشيت به صدوركم، فكنتم أخبث شي ء سنخاً للناصب وأكلةً للغاصب.

ألا لعنة اللَّه علي الناكثين، الّذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللَّه عليكم كفيلًا، فأنتم واللَّه هم» «1».

2- سألهم: «لم تقتلوني» - أو: «تقاتلوني» -؟!

قالوا: نقتلك بغضاً منّا لأبيك.

فعند ذلك غضب الإمام غضباً شديداً وجعل يقول:

خيرة اللَّه من الخلق أبي بعد جدّي وأنا ابن الخيرتين

والدي شمس وأُمّي قمرٌ وأنا الكوكب وابن النيّرين

فضّةٌ قد صيغت من ذهب وأنا الفضّة وابن الذهبين

__________________________________________________

(1) مقتل الحسين- للخوارزمي- 2/ 9، وانظر: تاريخ دمشق 14/ 218- 219، بحار الأنوار 45/ 8- 9.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 381

من له جدّ كجدّي المصطفي أو كأُمّي في جميع الثقلين

فاطم الزهراء أُمّي وأبي

فارس الخيل ورامي النبلتين

هازم الأبطال في هيجائه يوم بدرٍ ثمّ أُحْدٍ وحنين «1»

3- صاح بهم الإمام عليه السلام:

«ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إنْ لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلي أحسابكم إنْ كنتم عُرباً كما تزعمون» «2».

قضايا تؤكّد علي كونهم شيعة آل أبي سفيان

لقد صاح بهم الإمام عليه السلام بهذا الكلام لمّا قصدوا حرق الخيام ونهب ما فيها وإرعاب النساء وقتل الأطفال … وقد فعلوا كلّ ذلك..

قال ابن الأثير:

«فلمّا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وصاروا رجّالة كلّهم، وقاتل الحرّ بن يزيد راجلًا قتالًا شديداً، فقاتلوهم إلي أن انتصف النهار أشدّ قتال خلقه اللَّه، لا يقدرون أن يأتوهم إلّامن وجه واحد لاجتماع مضاربهم.

فلمّا رأي ذلك عمر أرسل رجالًا يقوّضون البيوت عن أيمانهم

__________________________________________________

(1) نور العين في مشهد الحسين: 47، وانظر: مقتل الحسين- للخوارزمي- 2/ 37.

(2) انظر: الفتوح- لابن أعثم- 5/ 134، مقتل الحسين- للخوارزمي- 2/ 38، الكامل في التاريخ 3/ 431.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 382

وشمائلهم ليحيطوا بهم، فكان النفر من أصحاب الحسين الثلاثة والأربعة يتخلّلون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوّض وينهب، ويرمونه من قريب، أو يعقرونه، فأمر بها عمر بن سعد فأُحرقت، فقال لهم الحسين: دعوهم فليحرقوها، فإنّهم إذا أحرقوها لا يستطيعون أن يجوزوا إليكم منها؛ فكان كذلك.

وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلي زوجها، فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجهه وتقول: هنيئاً لك الجنّة! فأمر شمر غلاماً اسمه رستم فضرب رأسها بالعمود فشدخه، فماتت مكانها.

وحمل شمر حتّي بلغ فسطاط الحسين ونادي : علَيَّ بالنار حتّي أُحرق هذا البيت علي أهله!

فصاحت النساء وخرجن، وصاح به الحسين: أنت تحرق بيتي علي أهلي؟! أحرقك اللَّه

بالنار!

فقال حميد بن مسلم لشمر: إن هذا لا يصلح، تعذّب بعذاب اللَّه، وتقتل الولدان والنساء، واللَّه إنّ في قتل الرجال لَما يرضي به أميرك!

فلم يقبل منه، فجاءه شبث بن ربعي فنهاه فانتهي ، وذهب لينصرف … » «1».

وفي رواية الطبري:

قال له شبث: «ما رأيت مقالًا أسوأ من قولك، ولا موقفاً أقبح من موقفك، أمرعباً للنساء صرت؟!

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 3/ 424- 425.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 383

قال: فأشهد أنّه استحيا فذهب لينصرف» «1».

وفي رواية ابن الجوزي:

«جاء سهم فأصاب ابناً للحسين وهو في حجره، فجعل يمسح الدم عنه وهو يقول: اللّهمّ احكم بيننا وبين قومٍ دعونا لينصرونا فقتلونا؛ فحمل شمر بن ذي الجوشن حتّي طعن فسطاط الحسين برمحه ونادي : علَيَّ بالنار حتّي أُحرق هذا البيت علي أهله!

فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح به الحسين عليه السلام: حرّقك اللَّه بالنار» «2».

وقال البلاذري:

« … فرشقوا الحسين وأصحابه بالنبل حتّي عقروا خيولهم، فصاروا رجّالة كلّهم، واقتتلوا نصف النهار أشدّ قتال وأبرحه، وجعلوا لا يقدرون علي إتيانهم إلّامن وجه واحد؛ لاجتماع أبنيتهم وتقاربها، ولمكان النار التي أوقدوها خلفهم.

وأمر عمر بتخريق أبنيتهم وبيوتهم، فأخذوا يخرقونها برماحهم وسيوفهم، وحمل شمر في الميسرة حتّي طعن فسطاط الحسين برمحه ونادي : علَيَّ بالنار حتّي أُحرق هذا البيت علي أهله.

فصحن النساء وولولن وخرجن من الفسطاط، فقال الحسين:

ويحك! أتدعو بالنار لتحرق بيتي علي أهلي؟!

وقال شبث بن ربعي: يا سبحان اللَّه! ما رأيت موقفاً أسوأ من

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 326.

(2) المنتظم 4/ 155- 156.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 384

موقفك، ولا قولًا أقبح من قولك!

فاستحيا شمر منه» «1».

وقال النويري:

«دعا عمرُ بن سعد الحصينَ بن نمير وبعث معه المجففة وخمسمئة من المرامية، فلمّا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا

أن عقروا خيولهم وصاروا رجّالة كلّهم، وقاتل الناس أشدّ قتال حتّي انتصف النهار، وهم لا يقدرون علي أن يأتوا الحسين وأصحابه إلّامن وجه واحد؛ لاجتماع أبنيتهم، وتقارب بعضها من بعض.

فأرسل عمر بن سعد رجالًا يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم، ليحيطوا بهم، فكان النفر من أصحاب الحسين، الثلاثة والأربعة، يتخلّلون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوّض وينهب.

فأمر بها عمر بن سعد فأُحرقت، فقال الحسين: دعوهم يحرّقوها، فإنهم إذا أحرقوها لا يستطيعون أن يجوزوا منكم إليها! فكان ذلك كذلك، وجعلوا لا يقاتلونهم إلّامن وجه واحد.

وخرجت أُمّ وهب- امرأة الكلبي- تمشي إلي زوجها، حتّي جلست عند رأسه، فجعلت تمسح التراب عن وجهه وتقول: هنيئاً لك الجنّة! فقال شمر لغلام اسمه رستم: اضرب رأسها بالعمود! فضرب رأسها، فشدخه فماتت مكانها.

وحمل شمر حتّي بلغ فسطاط الحسين، ونادي : علَيَّ بالنار حتّي أُحرق هذا البيت علي أهله.

__________________________________________________

(1) أنساب الأشراف 3/ 402.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 385

فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح به الحسين ودعا عليه، فردّه شبث بن ربعي عن ذلك» «1».

ففي هذه الأخبار:

1- قتلهم طفلًا للإمام في حجره.

2- حرقهم للخيام.

3- إرعابهم النساء.

4- قتلهم المرأة الكلبيّة.

5- نهبهم ثَقَل الإمام عليه السلام …

ففي روايةٍ للذهبي: «أخذ رجلٌ حليَّ فاطمة بنت الحسين وبكي ، فقالت: لِمَ تبكي؟!

فقال: أأسلبُ بنتَ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ولا أبكي؟!

قالت: فدعه!

قال: أخافُ أنْ يأخذه غيري!» «2».

وتلخّص

إنّ معاوية كان يخبر أنّ أهل الكوفة سيدعون الإمام عليه السلام إلي الكوفة وأنّهم سيقتلونه هناك، وقد جاء ذلك في وصيّته ليزيد أيضاً، ثمّ جعلت الكتب تتري علي الإمام في حياة معاوية، والإمام عليه السلام في ريبٍ منها ومن أصحابها كما أخبر بذلك مراراً، بل قد صرّح بأنّ أصحاب

__________________________________________________

(1) نهاية الأرب في فنون الأدب:

4518.

(2) سير أعلام النبلاء 3/ 303.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 386

الكتب هم الّذين سيقتلونه، فمات معاوية وبرزت وصيّته ليزيد بتولية ابن زياد الكوفة- مع أنّ يزيد كان يكره ابن زياد.. فجاء ابن زياد.. وكان ما كان..

نتائج البحث … ص: 386

فهل يري الباحث الخبير أنّ هذه القضايا إنّما وقعت صدفةً؟!

وهل أنّ والي المدينة لم يلحّ علي الإمام عليه السلام بالبيعة، ثمّ حمد اللَّه علي خروجه، كان ذلك من عند نفسه؟!

وهل أنّ والي مكّة الذي لم يتعرّض للإمام، بل لم يهدّده علناً، وإنّما دسّ إليه الرجال فقط، كان ذلك منه عن اختيار؟!

وهل أنّ والي الكوفة لمّا تسامح مع مسلم وشيعته لم يكن من قصده انكشاف حال مسلم ومعرفة أصحابه، وقد كان- كما قال البلاذري- عثمانياً مجاهراً ببغض عليٍّ، ويسي ء القول فيه، وهو ممّن أغار علي بعض البلاد التابعة لحكومة الإمام عليّ عليه السلام؟!

وكيف أنّ معاوية كان يداري الإمام عليه السلام، ويخبر عن مقتله في العراق علي يد أهل الكوفة، وقد أوصي بتولية ابن زياد عليها في الوقت المناسب؟!

إنّ للباحث أن يستنتج أنّ هناك خطّة مرسومة من معاوية وأعوانه في الحجاز، بالتواطؤ مع أنصاره في الكوفة، بأنْ يدعي الإمام عليه السلام من قِبل أهل الكوفة، ويضيّق عليه ويُطارد من داخل الحجاز من قِبل عمّال بني أُميّة، حتّي يُقبل نحو الكوفة، فيحاصَر في الطريق، فلا يصل إلي الكوفة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 387

ولا يرجع إلي الحجاز، بل يُقتل في الفلاة.

وهذا ما رواه في «بحار الأنوار» عن تاريخ الريّاشي، بإسناده عن راوي حديثه، قال: «حججت فتركت أصحابي وانطلقت أتعسّف الطريق وحدي، فبينما أنا أسير، إذ رفعت طرفي إلي أخبية وفساطيط، فانطلقت نحوها، حتّي أتيت أدناها، فقلت: لمن هذه الأبنية؟

فقالوا: للحسين.

قلت: ابن عليّ وابن

فاطمة؟

قالوا: نعم.

قلت: في أيّها هو؟

قالوا: في ذلك الفسطاط.

فانطلقت، فإذا الحسين متّكٍ علي باب الفسطاط يقرأ كتاباً بين يديه، فسلَّمت فردَّ علَيَّ، فقلت: يا ابن رسول اللَّه! بأبي أنت وأُمّي، ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف ولا منعة؟!

قال: إنّ هؤلاء أخافوني، وهذه كتب أهل الكوفة، وهُمْ قاتليّ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعو للَّه محرّماً إلّاانتهكوه، بعث اللَّه إليهم من يقتلهم، حتّي يكونوا أذلّ من فرم الأَمَة» «1».

فتأمّل في عبارة: «إنّ هؤلاء أخافوني»، يعني: حكومة الحجاز، و «هذه كتب أهل الكوفة، وهم قاتليّ»!!

ولذا، فقد ورد عن الإمام عليه السلام أنّه لمّا ورد أرض كربلاء «2»،

__________________________________________________

(1) بحار الأنوار 44/ 368، وانظر: بغية الطلب 6/ 2616.

(2) وروي ابن أعثم الكوفي أنّه عليه السلام قاله قبل الورود إلي كربلاء؛ انظر: الفتوح 5/ 93.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 388

كان أوّل كلامه:

«اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد وقد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا … » «1».

وقد جاء هذا بعينه في ما كتبه ابن عبّاس إلي يزيد:

«وما أنسَ من الأشياء، فلستُ بناسٍ اطّرادك الحسين بن عليّ من حرم رسول اللَّه إلي حرم اللَّه، ودسّك إليه الرجال تغتاله، فأشخصته من حرم اللَّه إلي الكوفة … » «2».

ثمّ عرفنا الّذين باشروا قتل الإمام عليه السلام، فلم نجد فيهم أحداً من الشيعة أبداً، بل إنّ شيعته منهم من قضي نحبه مع مسلم بن عقيل، ومنهم من استشهد قبل عاشوراء في تصفية ابن زياد الشيعة في الكوفة، ومنهم من سُجن … والكلام كلّه علي وجوه الشيعة ورجالها في الكوفة وليس علي السواد الأعظم، كما هو واضح.

ويقع الكلام بعد ذلك علي دور علماء السوء في تبرير ما وقع، والدفاع عن معاوية ويزيد وأتباعهما …

***

__________________________________________________

(1) بحار

الأنوار 44/ 383.

(2) تاريخ اليعقوبي 2/ 163.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 389

الحلقة الثالثة: دور علماء السوء … ص: 389

اشارة

في فصول:

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 391

ثمّ جاء دور العلماء …

لقد رأينا كيف أنّ بعض الصحابة والتابعين حضروا قتل ريحانة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، ونفّذوا أوامر يزيد، وكانوا يده في إبادة ذرّيّة النبيّ وسبي عيالاته من بلدٍ إلي بلدٍ …

وسنري في بعض الكلمات الاستناد إلي موقف بعضهم- كعبد اللَّه ابن عمر- في إضفاء صبغة الشرعية لولاية يزيد، التي دعا إليها معاوية وبذل الجهود المختلفة اللامشروعة حتّي تمكّن من حمل الناس علي البيعة له، كما عرفت سابقاً …

والكلام الآن … علي دور العلماء النواصب، ورجال البلاطين الأُموي والعبّاسي وأنصار المنافقين … الّذين حاولوا الدفاع عن معاوية ويزيد وأرادوا تبرير ما وقع …

فمحطّ النظر كلمات العلماء الكبار السابقين، وأمّا أقاويل المتأخّرين والمعاصرين، فلا نعبأ بها؛ لكونهم مقلّدين لأسلافهم المعاندين.

وسيكون بحثنا في فصول:

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 393

الفصل الأوّل: في وضع الأحاديث … ص: 393

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 395

لقد وضعوا أحاديث في فضل معاوية ويزيد، وفي فضل صوم يوم عاشوراء، وهو يومٌ قتل فيه سبط رسول اللَّه وريحانته وسيّد شباب أهل الجنّة أبو عبد اللَّه الحسين وأصحابه!

اتّخاذ النواصب يوم عاشوراء عيداً

أخرج البخاري، عن ابن عبّاس، قال: «قدم النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم المدينة، فرأي اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا:

هذا يوم صالح، هذا يوم نجّي اللَّه بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسي .

قال: فأنا أحقّ بموسي منكم؛ فصامه وأمر بصيامه» «1».

وأخرج مسلم، عن ابن عبّاس، أنّه قال لهم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجي اللَّه فيه موسي وقومه وغرق فرعون وقومه، فصامه موسي شكراً، فنحن نصومه. فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: فنحن أحقّ وأَوْلي بموسي منكم؛ فصامه رسول اللَّه صلّي

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 3/

96 ح 111، وانظر: شرح معاني الآثار 2/ 75، السنن الكبري - للبيهقي- 4/ 286 ح 473، السنن الكبري - للنسائي- 2/ 156 ح 2834.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 396

اللَّه عليه وسلّم وأمر بصيامه» «1».

وأخرج مسلم، عن أبي موسي ، قال: «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتّخذونه عيداً، ويُلبسون نساءهم فيه حليّهم وشارتهم، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: فصوموه أنتم» «2».

فقال ابن الجوزي: «قد تمذهب قوم من الجهّال بمذهب أهل السُنّة، فقصدوا غيظ الرافضة، فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء، ونحن برآء من الفريقين … » «3».

وقال ابن تيميّة: «إنْ كلّ ما يفعل فيه- سوي الصوم- بدعة مكروهة، لم يستحبّها أحد من الأئمّة، مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك، وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم» «4».

وقال ابن كثير: «وقد عاكس الرافضةَ والشيعةَ يوم عاشوراء النواصبُ من أهل الشام، فكانوا يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيّبون ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً، يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح» «5».

وقال العيني: «النوع السادس: ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء ويوم

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 3/ 150، وانظر: فتح الباري 4/ 306 ح 2004، شرح السُنّة- للبغوي- 4/ 194 ح 1782.

(2) صحيح مسلم 3/ 150.

(3) الموضوعات 2/ 199.

(4) منهاج السُنّة 8/ 151.

(5) البداية والنهاية 8/ 162.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 397

عاشوراء، وفي فضل الكحل يوم عاشوراء، لا يصحّ، ومن ذلك حديث جويبر عن الضحاك عن ابن عبّاس … وهو حديث موضوع، وضعه قتلة الحسين رضي اللَّه تعالي عنه.

وقال الإمام أحمد: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم فيه أثرٌ، وهو بدعة» «1».

لكنّ بعض علماء القوم، كالسيوطي،

يرتؤون صحّة هذه الأحاديث … مع أنّهم لا يُعدُّون في النواصب، فالذي نراه أنّ ذلك من أجل الدفاع عن كتابَي البخاري ومسلم الموسومين بالصحيحين، وعن سائر كتبهم الراوية لمثل هذه الأحاديث، أخذاً بسُنّة اليهود!!

هذا، ومن العجيب أنّهم لم يكتفوا بهذا حتّي وضعوا ذلك في الحيوانات، فقد روي الدميري عن «المعجم» لعبد الغني بن قانع، عن أبي غليظ أُميّة بن خلف الجمحي، قال: «رآني رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وعلي يدي صرد، فقال صلّي اللَّه عليه وسلّم: هذا أوّل طير صام. ويروي :

إنّه أوّل طير صام يوم عاشوراء، وكذلك أخرجه الحافظ أبو موسي .

قال الدميري: والحديث مثل اسمه غليظ.

قال الحاكم: وهو من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسين رضي اللَّه عنه …

وهو حديث باطل، ورواته مجهولون» «2».

__________________________________________________

(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 11/ 118 ذ ح 106.

(2) حياة الحيوان الكبري - للدميري- 2/ 61- 62 مادّة «صُرَدْ»، وانظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري 11/ 118 ذ ح 106.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 398

حديثٌ في مدح يزيد!!

كالحديث في مدح يزيد … ذكره غير واحدٍ منهم، كابن تيميّة والذهبي، وهو حديث غزو القسطنطينيّة:

قال ابن تيميّة مدافعاً عن يزيد:

«وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عمر، عن النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم، قال: أوّل جيش يغزو القسطنطينيّة مغفور لهم. وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد … » «1».

أقول:

قد قال محقّق «منهاج السُنّة»: «لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن وجدت عن عبادة بن الصامت الحديث في البخاري 4/ 42- كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في قتال الروم- ونصّ الحديث: أوّل جيش من أُمّتي يغزون البحر قد أوجبوا. قالت أُمّ حرام: قلت يا رسول اللَّه! أنا فيهم؟

قال: أنتِ فيهم. ثمّ قال النبي صلّي

اللَّه عليه وسلّم: أوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول اللَّه؟ قال:

لا» «2».

ثمّ الكلام أوّلًا: في وجود يزيد في ذلك الجيش، وكونه أميراً عليه.

وثانياً: في شمول الحديث ليزيد علي فرض كونه فيه.

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 4/ 571- 572.

(2) منهاج السُنّة 4/ 572، وانظر: صحيح البخاري 4/ 114 ح 135.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 399

ففي حين يذكر الطبري وجود يزيد في الجيش المذكور، وكونه قائداً له «1»، يروي ابن الأثير: إنّ معاوية سيَّر جيشاً كثيفاً إلي بلاد الروم للغزاة، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتلّ، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد، فأنشأ يزيد يقول:

ما إن أُبالي بما لاقت جموعهم بالفرقدونة من حمّي ومن مومِ

إذا اتّكأت علي الأنماط مرتفقاً بدير مرّان عندي أُمّ كلثومِ

وأُمّ كلثوم امرأته، وهي ابنة عبد اللَّه بن عامر.

فبلغ معاوية شعره، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم، ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جمع كثير أضافهم إليه أبوه، وكان في هذا الجيش ابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيّوب الأنصاري وغيرهم، وعبد العزيز بن زرارة الكلابي …

ثمّ رجع يزيد والجيش إلي الشام، وقد توفّي أبو أيوب الأنصاري عند القسطنطينيّة، فدفن بالقرب من سورها» «2».

وعلي فرض وجوده فيه، فلا دلالة للحديث علي كونه مغفوراً له:

قال المناوي «3» بشرحه ما نصّه: «لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 3/ 206 حوادث سنة 49 ه.

(2) الكامل في التاريخ 3/ 314 و 315 حوادث سنة 49 ه.

(3) هو: محمّد عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدّادي المناوي القاهري الشافعي، يُعدّ من كبار علماء الجمهور في شتّي العلوم والفنون، له

مصنّفات كثيرة، منها: كنوز الحقائق، الكواكب الدرّيّة، فيض القدير شرح علي الجامع الصغير.

وُلد سنة 952 ه، وتوفّي بالقاهرة سنة 1031 ه.

انظر: خلاصة الأثر 2/ 412، البدر الطالع 1/ 249 رقم 238، الأعلام- للزركلي- 6/ 204، معجم المؤلّفين 3/ 410 رقم 14048.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 400

مغفوراً له لكونه منهم؛ إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة، ويزيد ليس كذلك، لخروجه بدليلٍ خاصّ.

ويلزم من الجمود علي العموم، أنّ من ارتدّ ممّن غزاها مغفور له.

وقد أطلق جمع محقّقون حلّ لعن يزيد به، حتّي قال التفتازاني:

الحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت، ممّا تواتر معناه وإنْ كان تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقّف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة اللَّه عليه وعلي أنصاره وأعوانه.

قال الزين العراقي «1»: وقوله: (بل في إيمانه)، أي: بل لا يُتوقّف في عدم إيمانه؛ بقرينة ما قبله وما بعده» «2».

هذا، ومن أعاجيب الأكاذيب ما جاء في «تاريخ دمشق» بترجمة الإمام عليه السلام، من أنّه «وفد علي معاوية، وتوجّه غازياً إلي

__________________________________________________

(1) هو: الحافظ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، أبو الفضل زين الدين الشافعي العراقي.

كردي الأصل، انتقل صغيراً مع أبيه من العراق إلي مصر بعد مولده، سمع كثيراً في الشام ومصر والحجاز، فصار من كبار أئمّة الحديث في زمانه، وكان عالماً بالنحو واللغة والغريب والفقه وأُصوله، له مصنّفات عديدة، أشهرها «طرح التثريب».

وُلد سنة 725 ه، وتوفّي سنة 806 ه بالقاهرة ودُفن بها.

انظر: الضوء اللامع 4/ 171 رقم 452، البدر الطالع 1/ 246 رقم 236، شذرات الذهب 7/ 55، النجوم الزاهرة 12/ 284، غاية النهاية في طبقات القرّاء 1/ 382 رقم 1630.

(2) فيض القدير شرح الجامع الصغير 3/ 109 ح 2811.

من هم قتلةالحسين (ع)،

ص: 401

القسطنطينية في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية» «1»!

بل إنّ مثل هذا الكلام الباطل، الذي أرسله ابن عساكر بلا سندٍ، يصلح لأنْ يكون قرينةً أُخري علي كذب أصل الدعوي .

حديث أنّ الإمام مَدَحَ معاوية! … ص: 401

وكحديث مدح الإمام عليه السلام لمعاوية:

روي ابن عساكر، بإسناده عن أبي عمرو الزاهد، قال:

أخبرنا عليّ بن محمّد بن الصائغ، حدّثني أبي، قال: رأيت الحسين بن عليّ بن أبي طالب بعينيَّ وإلّا فعميتا، وسمعته بأُذنيّ وإلّا فصمّتا، وفد علي معاوية بن أبي سفيان زائراً، فأتاه في يوم جمعة وهو قائم علي المنبر خطيباً، فقال له رجل من القوم: يا أمير المؤمنين! ائذن للحسين بن عليّ يصعد المنبر.

فقال معاوية: ويلك، دعني أفتخر!

فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: سألتك باللَّه يا أبا عبد اللَّه، أليس أنا ابن بطحاء مكّة؟!

فقال الحسين: إي والذي بعث جدّي بالحقّ بشيراً.

ثمّ قال: سألتك باللَّه يا أبا عبد اللَّه، أليس أنا خال المؤمنين؟!

فقال: إي والذي بعث جدّي نبيّاً.

ثمّ قال: سألتك باللَّه يا أبا عبد اللَّه، أليس أنا كاتب الوحي؟!

فقال: إي والذي بعث جدّي نذيراً.

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 14/ 111.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 402

ثمّ نزل معاوية.

وصعد الحسين بن عليّ، فحمد اللَّه عزّ وجلّ بمحامد لم يحمده الأوّلون والآخرون، ثمّ قال:

حدّثني أبي، عن جدّي، عن جبريل عليه السلام، عن ربّه عزّ وجلّ، أنّ تحت قائمة كرسي العرش ورقة آس خضراء مكتوب عليها: لا إله إلّااللَّه محمّد رسول اللَّه، يا شيعة آل محمّد! لا يأتي أحد منكم يوم القيامة يقول: لا إله إلّااللَّه، إلّاأدخله اللَّه الجنّة.

فقال معاوية بن أبي سفيان: سألتك باللَّه يا أبا عبد اللَّه، من شيعة آل محمّد؟

فقال: الّذين لا يشتمون الشيخين أبا بكر وعمر، ولا يشتمون عثمان، ولا يشتمون أبي، ولا يشتمونك يا معاوية «1».

هذا هو

الحديث..

وقد كفانا ابن عساكر مؤنة التحقيق عن سنده بقوله: «هذا حديث منكَر، ولا أري إسناده متّصلًا إلي الحسين» «2».

أقول:

وقد حقّقتُ في «شرح منهاج الكرامة» أنْ لا أصل لوصف معاوية ب «خال المؤمنين» و «كاتب الوحي»، لا من كلام الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، ولا من كلام أحدٍ ممّن يُعني بكلامه.

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 14/ 113- 114.

(2) تاريخ دمشق 14/ 114.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 403

أمّا في الوصف الأوّل، فقد اعترف ابن تيميّة- أيضاً- اعترافاً ضمنيّاً بما ذكرناه، وإنّما قال في وجه توصيف معاوية به أنّه: «صار أقوام يجعلونه كافراً أو فاسقاً، ويستحلّون لعنه ونحو ذلك، فاحتاج أهل العلم أن يذكروا ما له من الاتّصال برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، ليُرعي بذلك حقّ المتّصلين» «1».

هذا غاية ما عند القوم.

وهو مردود بأنّ من كفّر معاوية ولعنه، إنّما تأسّي في ذلك برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، واتّبع كبار السادة في الإسلام، وذلك نفي للاتّصال برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

وهو منقوض- أيضاً- بأنّه إذا صحَّ أن يكون إخوة أزواج النبيّ أخوالًا للمؤمنين، فمحمّد بن أبي بكر- الذي هو أخ أفضل أزواجه عند القوم، وهو أفضل من معاوية قطعاً- أحقّ بأنْ يوصف بالوصف المذكور، ويُراعي حقّ اتّصاله برسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، علي رغم أنف من رَغم.

وأمّا في الوصف الثاني، فإنّ معاوية لم يكتب من الوحي حرفاً واحداً، حتّي إنّ ابن تيميّة- ونصبه معروف- لم يدّع ذلك، وإنّما قال:

«فما الدليل علي أنّه لم يكتب له كلمةً واحدةً من الوحي؛ وإنّما كان يكتب له رسائل؟!» «2».

وهذا كلام جاهل بأُصول البحث والتحقيق كما لا يخفي علي أهله …

والذي في «كتاب مسلم»، في حديث طلب أبي

سفيان من النبيّ

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 4/ 372.

(2) منهاج السُنّة 4/ 427.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 404

ثلاثة أُمور، قال: «ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك» «1»، فليس فيه كتابة الوحي.

لكنّ هذا الحديث نصَّ الأئمّةُ- كذلك- علي سقوطه..

فقال النووي: هذا الحديث من الأحاديث المشهور بالإشكال «2».

وقال ابن القيّم: غلط لا خفاء فيه «3».

وقال ابن الجوزي: وهم من بعض الرواة لا شكّ فيه ولا تردّد «4».

وقال الذهبي: منكَر «5».

وقال ابن حزم: هو موضوع بلا شكّ «6».

ثمّ جاء بعضُ الوضّاعين فأضاف جملة «كان يكتب الوحي» أو نحوها في كلام مَن وصف معاوية بالكتابة للنبيّ من المؤرّخين، ومن ذلك ما جاء في «تطهير الجَنان» لابن حجر الهيتمي المكّي، قال: «قال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية يكتب للنبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم في ما بينه وبين العرب. أي: من وحيٍ وغيره، فهو أمين رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم علي وحي ربّه» «7».

فإنّه كذب وتدليس وإيهام؛ ففي «الإصابة» لابن حجر العسقلاني:

«قال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية يكتب للنبيّ

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 7/ 171، وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي 16/ 52 ح 2501.

(2) صحيح مسلم بشرح النووي 16/ 53 ذ ح 2501.

(3) زاد المعاد 1/ 62.

(4) زاد المعاد 1/ 62- 63.

(5) سير أعلام النبلاء 7/ 137.

(6) زاد المعاد 1/ 62.

(7) تطهير الجَنان واللسان- ملحق ب «الصواعق المحرقة» -: 12.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 405

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في ما بينه وبين العرب»؛ انتهي «1».

فالزيادة كذب وتدليس وإيهام من ابن حجر الهيتمي المكّي، ولو كان موضوعها صحيحاً لنوّه به العسقلاني؛ لتوفّر الداعي علي نقله!

لم يصحّ في فضل معاوية شي ء … ص: 405

وبصورةٍ عامّة … هل صحّ في فضل معاوية شي ء عن رسول اللَّه

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من طريق القوم؟

لقد نصَّ غير واحدٍ من كبار حفّاظهم المتقدّين علي أنّه لم يصحّ عن رسول اللَّه في فضله شي ءٌ..

قال البخاري: «باب فضائل أصحاب النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله» «2» فذكرهم، حتّي إذا وصل إلي معاوية قال: «باب ذِكر معاوية» «3»..

فقال الحافظ بشرحه: «تنبيه: عبّر البخاري في هذه الترجمة بقوله:

(ذِكر)، ولم يقل: (فضيلة) ولا (منقبة)»؛ لأن شيخه إسحاق بن راهويه قد نصَّ علي أنّه لم يصحّ في فضائل معاوية شي ء.

ثمّ أشار ابن حجر إلي قصّة النسائي وقصّة الحاكم، وذكر أنّ ابن الجوزي أورد في كتاب «الموضوعات» جملةً ممّا وُضع لمعاوية، ثمّ قال:

«وأخرج ابن الجوزي- أيضاً- من طريق عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل:

سألت أبي: ما تقول في عليٍّ ومعاوية؟ فأطرق ثمّ قال: اعلم أنّ عليّاً كان كثير الأعداء، ففتّش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلي رجلٍ قد

__________________________________________________

(1) الإصابة في معرفة الصحابة 6/ 153 ترجمة معاوية بن أبي سفيان.

(2) صحيح البخاري 5/ 62.

(3) صحيح البخاري 5/ 105.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 406

حاربه فأطروه كيداً منهم لعليّ».

قال ابن حجر: «فأشار بهذا إلي ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل ممّا لا أصل له، وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكنْ ليس فيها ما يصحّ من طريق الإسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما» «1».

وقال النسائي مستنكراً ما روي من فضائل معاوية: «أمَا يكفي معاوية أن يذهب رأساً برأس حتّي يروي له فضائل؟!» «2».

وقال ابن تيميّة: «طائفة وضعوا لمعاوية فضائل، ورووا أحاديث عن النبيّ صلّيغ اللَّه عليه وسلّم في ذلك كلّها كذب» «3».

وقال العجلوني: «باب فضائل معاوية ليس فيه حديث صحيح» «4».

وقال العيني: ليس فيها حديث يصحّ من طريق الإسناد» «5».

وقال إسحاق

بن إبراهيم الحنظلي: «لا يصحّ في فضل معاوية حديث» «6».

***

__________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7/ 131 ب 28 ذ ح 3766.

(2) البداية والنهاية 1/ 104 حوادث سنة 303 ه.

(3) منهاج السُنّة 4/ 400.

(4) كشف الخفاء 2/ 420.

(5) عمدة القاري 16/ 249 ح 254.

(6) الفوائد المجموعة: 407 ح 155، اللآلئ المصنوعة 1/ 388.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 407

الفصل الثاني: في الأكاذيب والتحريفات … ص: 407

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 409

ومن أساليبهم في الدفاع عن يزيد: الكذب والتحريف للوقائع والأقوال … نذكر ها هنا بعضها علي سبيل التمثيل بالإجمال:

1- ندم الإمام عليه السلام!! … ص: 409

لقد جاء في المصادر المعتبرة لدي الشيعة والسُنّة قول الإمام الشهيد أبي عبد اللَّه الحسين عليه السلام: «لا واللَّه، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل … » «1»، ومن رواته: ابن الجوزي في «المنتظم»، وابن كثير في «البداية والنهاية».

وحتّي الّذين خرجوا لقتاله اعترفوا بذلك، فمثلًا: يقول زحر بن قيس ليزيد:

«فسألناهم أن يستسلموا، أو ينزلوا علي حكم الأمير عبيد اللَّه بن زياد، أو القتال، فاختاروا القتال علي الاستسلام» «2».

__________________________________________________

(1)

راجع الصفحة 367 ه 2.

(2) الإرشاد 2/ 118، وانظر: الطبقات الكبري - لابن سعد- 6/ 447، تاريخ الطبري 3/ 338، تاريخ دمشق 18/ 445، البداية والنهاية 8/ 153.

وقد تقدّم الخبر في الصفحة 208.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 410

وقد تقدّم- أيضاً- ما رواه الليث بن سعد، من أنّ الإمام أبي الاستسلام «1».

فكلّ ما يكون علي خلاف هذا فهو كذب..

كالخبر الذي في «مقاتل الطالبيّين»: «فذكر مَن حضره يوم قُتل وهو يلتفت إلي حرمه وإخواته وهنّ يخرجن من أخبيتهنّ جزعاً لقتل من يقتل معه وما يرينه به، ويقول: للَّه درّ ابن عبّاس في ما أشار علَيَّ به «2». يعني:

منعه من الخروج إلي العراق.

فمن هذا الرجل الثقة الذي كان حاضراً عند الإمام عليه السلام يوم عاشوراء- وهو بين أهله وحريمه- فسمع منه هذا الكلام، ونقله إلي بني أُميّة ولا علم لأهل البيت بذلك أصلًا؟!

وفي «الصواعق»، عن الإمام الحسن عليه السلام، أنّه قال له: «إيّاك وسفهاء الكوفة أن يستخفّوك، فيخرجوك ويسلموك، فتندم ولات حين مناص» قال: «وقد تذكّر ذلك ليلة قتله، فترحّم علي أخيه الحسن» «3».

فمن هو الراوي لنصيحة الإمام الحسن عليه السلام

هذه؟!

وعلي من اعتمد ابن حجر في قوله: «وقد تذكّر ذلك … »؟!

وقد سبق ابنُ تيميّة في الافتراء علي الإمام الحسن عليه السلام في أنّه نصح أباه أمير المؤمنين عليه السلام أنْ لا يقاتل معاوية، قال: وقد تذكّر عليٌّ ذلك ليلة صِفّين، وأنّه قال: للَّه درّ مقام عبد اللَّه بن عمر … ثمّ قال

__________________________________________________

(1) تقدّم في الصفحة 221.

(2) مقاتل الطالبيّين: 110.

(3) الصواعق المحرقة: 298.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 411

ابن تيميّة: هذا رواه المصنّفون «1».

هذا، والحال أنّ كبار حفّاظهم يروون عن الإمام عليه السلام أنّ قتاله مع الناكثين والقاسطين والمارقين كان عهداً من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وأنّه قد أمره بذلك … وقد صحّ عند الحاكم والهيثمي والذهبي وغيرهم أسانيد هذه الروايات «2».

فانظر، كيف يكذبون علي الأئمّة دفاعاً عن معاوية ويزيد وأشياعهما، وتبريراً لأفعالهم!!

2- همّ الإمام بالرجوع وهو في الطريق!! … ص: 411

إنّه لمّا بلغ الإمام عليه السلام- وهو في الطريق- نبأ استشهاد مسلم ابن عقيل رضي اللَّه عنه … التفت إلي بني عقيل وقال:

ما ترون، فقد قتل مسلم؟

فقالوا: واللَّه لا نرجع حتّي نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق.

فقال عليه السلام: لا خير في العيش بعد هؤلاء.

هكذا روي الخبرَ العلماءُ من الفريقين «3».

لكنْ في تاريخ ابن الجوزي: «فهمَّ أن يرجع» فقالوا:

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 8/ 145.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 150 ح 4674، مجمع الزوائد 7/ 238.

(3) انظر: الإرشاد 2/ 75، تاريخ الطبري 3/ 303، الإصابة 2/ 80 رقم 1726، سير أعلام النبلاء 3/ 308 رقم 48، تهذيب الكمال 4/ 496 رقم 1305، البداية والنهاية 8/ 135، مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 328.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 412

«لا نرجع» «1»!!

3- اختاروا منّي خصالًا ثلاثاً؛ قاله ليلة عاشوراء!! … ص: 412

وجاء في تاريخ الطبري: إنّ الإمام عليه السلام قال لعمر بن سعد وأصحابه:

«إختاروا منّي خصالًا ثلاثاً: إمّا أنْ أرجع إلي المكان الذي أقبلت منه، وإمّا أنْ أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيري فيما بيني وبينه رأيه، وإمّا أنْ تسيّروني إلي أيّ ثغرٍ من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلًا من أهله، لي ما لهم وعلَيَّ ما عليهم».

قال الطبري: «قال أبو مخنف: فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان، قال: صحبت حسيناً، فخرجت معه من المدينة إلي مكّة، ومن مكّة إلي العراق، ولم أُفارقه حتّي قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة، ولا بمكّة، ولا في الطريق، ولا بالعراق، ولا في عسكرٍ، إلي يوم مقتله إلّاوقد سمعتها.

ألا واللَّه ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون، من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أنْ يسيّروه إلي ثغرٍ من ثغور المسلمين، ولكنّه قال: دعوني فلأذهب

في هذه الأرض العريضة، حتّي ننظر ما يصير أمر الناس» «2».

فانظر، كيف يصنعون الأكاذيب ثمّ يشيعونها بين الناس، بل حتّي

__________________________________________________

(1) انظر: المنتظم 4/ 145.

(2) تاريخ الطبري 3/ 312.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 413

الذهبي، لم يذكر من الخصال إلّاالثالثة، فقد روي الخبر عن ابن سعدٍ، فجاء في ما رواه: «وقال الحسين: يا هؤلاء! دعونا نرجع من حيث جئنا.

قالوا: لا.

وبلغ ذلك عبيد اللَّه فهمَّ أنْ يخلّي عنه، وقال: واللَّه ما عرض لشي ء من عملي، وما أراني إلّامخلٍ سبيله يذهب حيث يشاء.

فقال شمر: إنْ فعلت وفاتك الرجل، لا تستقيلها أبداً.

فكتب إلي عمر:

الآن حيث تعلّقته حبالنا يرجو النجاة ولات حين مناص

فناهضه، وقال لشمر: سِرْ! فإنْ قاتل عمر وإلّا فاقتله وأنت علي الناس.

وضبط عبيد اللَّه الجسر، فمنع من يجوزه لمّا بلغه أنّ ناساً يتسلّلون إلي الحسين» «1».

وجاء في رواية الخوارزمي:

«ثمّ كتب إلي ابن زياد: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، إلي الأمير عبيد اللَّه بن زياد من عمر بن سعد: أمّا بعد، فإنّي نزلت بالحسين، ثمّ بعثت إليه رسولًا أسأله عمّا أقدمه إلي هذا البلد؛ فذكر أنّ أهل الكوفة أرسلوا إليه يسألونه القدوم عليهم ليبايعوه وينصروه، فإنْ بدا لهم في نصرته فإنّه ينصرف من حيث جاء، فيكون بمكّة أو يكون بأيّ بلدٍ أمرتَه، فيكون كواحدٍ من المسلمين، فأحببتُ أن أُعلم الأمير بذلك ليري رأيه؛ والسلام.

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 3/ 300.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 414

فلمّا قرأ عبيد اللَّه كتابه فكّر في نفسه ساعة، ثمّ أنشد:

ألآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص

ثمّ قال: أيرجو ابن أبي تراب النجاة؟! هيهات هيهات، لا أنجاني اللَّه من عذابه إن نجا الحسين منّي!

ثمّ كتب إلي عمر: أمّا بعد، فقد بلغني كتابك وما ذكرت فيه

من أمر الحسين، فإذا أتاك كتابي فاعرض عليه البيعة لأمير المؤمنين يزيد، فإنْ فعل وبايع، وإلّا فأتني به؛ والسلام.

فلمّا ورد الكتاب علي عمر وقرأه، قال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، إنّ عبيد اللَّه لا يقبل العافية، واللَّه المستعان.

قال: ولم يعرض ابن سعد علي الحسين بيعة يزيد؛ لأنّه علم أنّ الحسين لا يجيبه إلي ذلك أبداً «1».

4- عدد القتلي في جيش ابن زياد … ص: 414

ومن الأكاذيب: ما وجدته في غير واحدٍ من المصادر- كالكامل في التاريخ- أنّ عدد القتلي في جيش عمر بن سعد 88 شخصاً فقط، قال: فصلّي عليهم عمر ودفنهم «2».

***

__________________________________________________

(1) مقتل الحسين- للخوارزمي- 1/ 343 ف 11 ح 7.

(2) الكامل في التاريخ 4/ 80.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 415

الفصل الثالث: في التناقضات في الكلمات … ص: 415

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 417

وحار أذناب بني أُميّة وأتباعُهم المدافعون عنهم أمام هذه القضيّة، واضطربت كلماتهم، واختلفت أساليبهم، ووقعوا في تناقض شديد..

فمنهم: من حاول تبرئة يزيد، والمنع من لعنه، بتكذيب كلّ ما وقع!

ومنهم: من اعترف، وتكلّم في الإمام، وصوّب فعل يزيد!

ومنهم: من جعل يلفّ ويدور، ويطرح الاحتمالات والتأويلات، فلا يكذّب، ولا يقول الحقّ، ويدعو إلي الإمساك عن لعن يزيد، بل عن كلّ مجرمٍ حتّي إبليس!!

وإلي القارئ الكريم هؤلاء:

ابن تيميّة … ص: 417

يقول ابن تيميّة:

«إنّ يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتّفاق أهل النقل، ولكن كتب إلي ابن زياد أنْ يمنعه عن ولاية العراق، والحسين رضي اللَّه عنه كان يظنّ أنّ أهل العراق ينصرونه … فقاتلوه حتّي قتل شهيداً مظلوماً، رضي اللَّه عنه.

ولمّا بلغ ذلك يزيد أظهر التوجّع علي ذلك، وظهر البكاء في داره.

ولم يَسبِ له حريماً أصلًا، بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتّي ردّهم

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 418

إلي بلدهم …

وقد اتّفق الناس علي أنّ معاوية رضي اللَّه عنه وصّي يزيد برعاية حقّ الحسين وتعظيم قدره … وإذا قيل: إنّ معاوية رضي اللَّه عنه استخلف يزيد، وبسبب ولايته فعل هذا. قيل: استخلافه إنْ كان جائزاً لم يضرّه ما فعل، وإن لم يكن جائزاً فذاك ذنب مستقلّ ولو لم يقتل الحسين … » «1».

أقول: وفي كلامه:

1- إنّ يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتّفاق أهل النقل.

2- إنّه لمّا بلغ ذلك يزيد أظهر التوجّع …

3- إنّ يزيد لم يسب له حريماً أصلًا.

4- إنّ معاوية ليس له دور في هذه القضيّة.

ثمّ لماذا تعرّض للدفاع عن معاوية؟!

لأنّ المرتكز في أذهان الناس أنّه لولا استخلاف معاوية يزيد الخمور والفجور، وبتلك الأساليب البشعة والماكرة- التي تقدّم ذِكر بعضها في الفصل الأوّل- لَما فعل يزيد هذا

ولا بُدّ من الدفاع عن معاوية!!..

لأنّ معاوية- أيضاً- منصوب من قِبَل عمر بن الخطّاب علي الشام … ولولا ذلك لَما فعل ما فَعَل، ولَما وصلت النوبة إلي يزيد …

أمّا نحن … فقد استظهرنا من الأخبار أنّ لمعاوية- نفسه- دوراً في قتل الإمام عليه السلام، وأنّ كلّ ما حدث ووقع فقد خطّط له معاوية

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 4/ 472- 473.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 419

مباشرةً …

ولعلّ ابن تيميّة وأمثاله يرون- أيضاً- هذه الحقيقة …

وعلي أيّة حال …

فلا سبيل لإنكار دور معاوية في القضيّة …

ولا يمكن إنكار انتهاء الأمر إلي الأعلي فالأعلي … !!

وهذا هو السبب في اضطراب القوم …

فابن تيميّة أجاب بجوابٍ هو في الواقع التزامٌ بالحقيقة …

ابن العربي المالكي … ص: 419

ورأي ابن العربي المالكي أنّ حماية معاوية ومن فوقه متوقّفة علي القول بأنّ الحسين لم يقتل إلّابسيف جدّه «1» …

وحكي ذلك عنه المناوي حيث قال:

«قيل لابن الجوزي- وهو علي كرسي الوعظ- كيف يقال: يزيد قتل الحسين، وهو بدمشق، والحسين بالعراق؟!

فقال:

سهم أصاب وراميه بذي سلم مَن بالعراق لقد أبعدتَ مرماكا

وقد غلب علي ابن العربي الغضّ من أهل البيت حتّي قال: قتله بسيف جدّه» «2».

وقال ابن خلدون منكِراً علي ابن العربي كلامه في هذا الشأن:

__________________________________________________

(1) انظر: العواصم من القواصم: 214.

(2) فيض القدير 1/ 265 ح 281.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 420

«وقد غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذي سمّاه (العواصم من القواصم)، ما معناه أنّ الحسين قُتل بشرع جدّه، وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل؛ ومَن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء؟!» «1».

وقال ابن حجر المكّي في كلامٍ له عن يزيد:

«قال أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك

به ورعاً وعلماً يقضيان بأنّه لم يقل ذلك إلّالقضايا وقعت منه صريحةً في ذلك ثبتت عنده، وإنْ لم تثبت عند غيره:

كالغزّالي، فإنّه أطال في ردّ كثير ممّا نُسب إليه، كقتل الحسين، فقال: لم يثبت من طريقٍ صحيح أنّه قتله ولا أمر بقتله. ثمّ بالغ في تحريم سبّه ولعنه.

وكابن العربي المالكي، فإنّه نقل عنه ما يقشعرّ منه الجلد، إنّه قال:

لم يقتل يزيدُ الحسينَ إلّابسيف جدّه. أي: بحسب اعتقاده الباطل أنّه الخليفة، والحسين باغ عليه، والبيعة سبقت ليزيد، ويكفي فيها بعض أهل الحلّ والعقد، وبيعته كذلك، لأنّ كثيرين أقدموا عليها مختارين لها.

هذا، مع عدم النظر إلي استخلاف أبيه له، أمّا مع النظر لذلك فلا يشترط موافقة أحد من أهل الحلّ والعقد علي ذلك» «2».

إذاً، رجع الأمر مرّةً أُخري إلي معاوية!!

__________________________________________________

(1) مقدّمة ابن خلدون: 171. لكنْ يظهر من كلام الحافظ الهيثمي كما سيأتي عن الحافظ السخاوي أنّ ابن خلدون كان يقول بقول ابن العربي فذكر الحافظ ابن حجر أنّ ذلك كان في النّسخة التي رجع عنها من تاريخه.

(2) المنح المكّيّة- شرح القصيدة الهمزية: 271.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 421

أقول:

روي ابن العربي المالكي أخبار عهد معاوية لابنه يزيد وكيفيّة أخذه البيعة له، إلي أن قال:

«فإنْ قيل: ليس فيه شروط الإمامة.

قلنا: ليس السنّ من شروطها، ولم يثبت أنّه يقصر يزيد عنها.

فإن قيل: كان منها العدالة والعلم، ولم يكن يزيد عدلًا ولا عالماً.

قلنا: وبأيّ شي ء نعلم عدم علمه أو عدم عدالته؟! ولو كان مسلوبهما لذكر ذلك الثلاثة الفضلاء الّذين أشاروا عليه بأنْ لا يفعل، وإنّما رموا إلي الأمر بعيب التحكّم، وأرادوا أن تكون شوري .

فإن قيل: كان هناك من هو أحقّ منه عدالةً وعلماً، منهم مئة وربّما ألف.

قلنا: إمامة المفضول- كما قدّمنا-

مسألة خلاف بين العلماء كما ذكر العلماء في موضعه» «1».

قال:

«وقد حسم البخاري الباب، ونهج جادّة الصواب، فروي في صحيحه ما يبطل جميع هذا المتقدّم، وهو أنّ معاوية خطب وابن عمر حاضر في خطبته … » «2»، فأورد أخبار بيعة عبد اللَّه بن عمر ليزيد، فقال:

__________________________________________________

(1) العواصم من القواصم: 206- 207.

(2) العواصم من القواصم: 207.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 422

«فانظروا معشر المسلمين إلي ما روي البخاري في الصحيح، وإلي ما سبق ذِكرنا له في رواية بعضهم أنّ عبد اللَّه بن عمر لم يبايع … » «1».

قال:

«فهذه الأخبار الصحاح كلّها تعطيك أنّ ابن عمر كان مسلّماً في أمر يزيد، وأنّه بايع وعقد له، والتزم ما التزم الناس، ودخل في ما دخل فيه المسلمون، وحرّم علي نفسه ومَن إليه بعد ذلك أن يخرج علي هذا أو ينقضه.

وظهر لك أنّ من قال: إنّ معاوية كذب في قوله: بايع ابنُ عمر ولم يبايع؛ وإنّ ابن عمر وأصحابه سُئلوا فقالوا: لم نبايع؛ فقد كذب.

وقد صدق البخاري في روايته قولَ معاوية في المنبر: إنّ ابن عمر قد بايع؛ بإقرار ابن عمر بذلك وتسليمه له وتماديه عليه … » «2».

قال:

«فإن قيل: كان يزيد خمّاراً.

قلنا: لا يحلُّ إلّابشاهدين، فمن شهد بذلك عليه؟! …

فإن قيل: ولو لم يكن ليزيد إلّاقتله للحسين بن عليّ!

قلنا: يا أسفاً علي المصائب مرّةً، ويا أسفاً علي مصيبة الحسين ألف مرّة، وإنّ بوله يجري علي صدر النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم ودمه يراق علي البوغاء ولا يحقن، يا للَّه ويا للمسلمين!!» «3».

__________________________________________________

(1) العواصم من القواصم: 208.

(2) العواصم من القواصم: 209.

(3) العواصم من القواصم: 210 و 211.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 423

قال:

«وذكر المؤرّخون: أنّ كتب أهل الكوفة وردت علي الحسين، وأنّه أرسل مسلم

بن عقيل، ابنَ عمّه، إليهم ليأخذ عليهم البيعة، وينظر هو في اتّباعه، فنهاه ابن عبّاس، وأعلمه أنّهم خذلوا أباه وأخاه، وأشار عليه ابن الزبير بالخروج، فخرج، فلم يبلغ الكوفة إلّاومسلم ابن عقيل قد قُتل، وأسلمه من كان استدعاه؛ ويكفيك بهذا عظةً لمن اتّعظ!

فتمادي واستمرّ غضباً للدين وقياماً بالحقّ، ولكنّه رضي اللَّه عنه لم يقبل نصيحة أعلم أهل زمانه ابن عبّاس، وعَدَل عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر، وطلب الابتداء في الانتهاء، والاستقامة في الاعوجاج، ونضارة الشبيبة في هشيم المشيخة، ليس حوله مثله، ولا له من الأنصار من يرعي حقّه، ولا من يبذل نفسه دونه، فأردنا أنْ نطهّر الأرض من خمر يزيد، فأرقنا دم الحسين، فجاءتنا مصيبة لا يجبرها سرور الدهر.

وما خرج إليه أحد إلّابتأويل، ولا قاتلوه إلّابما سمعوا من جدّه المهيمن علي الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذّر من الدخول في الفتن، وأقواله في ذلك كثيرة، منها: قوله صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أنْ يفرّق أمر هذه الأُمّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان؛ فما خرج الناس إلّابهذا وأمثاله.

ولو أنّ عظيمها وابن عظيمها، وشريفها وابن شريفها الحسين، وسعه بيته أو ضيعته أو إبله، ولو جاء الخلق يطلبونه ليقوم بالحقّ، وفي جملتهم ابن عبّاس وابن عمر، لم يلتفت إليهم، وحضره ما أنذر به النبيّ

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 424

صلّي اللَّه عليه وسلّم، وما قال في أخيه، ورأي أنّها خرجت عن أخيه ومعه جيوش الأرض وكبار الخلق ينصرونه، فكيف ترجع إليه بأوباش الكوفة وكبارُ الصحابة ينهونه وينأون عنه؟!

ما أدري في هذا إلّاالتسليم لقضاء اللَّه، والحزن علي ابن بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بقيّة الدهر.

ولولا معرفة أشياخ وأعيان الأُمّة بأنّه أمر

صرفه اللَّه عن أهل البيت، وحال من الفتنة لا ينبغي لأحدٍ أن يدخلها، ما أسلموه أبداً … وكلٌّ منهم عظيم القدر، مجتهد، وفي ما دخل فيه مصيبٌ مأجور، وللَّه فيه حكم قد أنفذه … » «1».

أقول:

هذه نصوص عباراته باختصار، تدبّر فيها لتري أنّ الغرض الأصلي هو الحماية والدفاع عن الخلفاء والصحابة الّذين حملوا بني أُميّة علي رقاب الناس، فالدفاع عن يزيد ومعاوية، والقول بأنّ الحسين إنّما قتل بسيف جدّه، إنّما هو من أجل تصحيح ما فعله المشايخ، وهذا ما صرّح به بالتالي حيث قال: «ولولا معرفة أشياخ وأعيان الأُمّة بأنّه أمر صرفه اللَّه عن أهل البيت … ».

عبد المغيث البغدادي … ص: 425

وأصرح من ذلك كلام الشيخ عبد المغيث بن زهير الحنبلي

__________________________________________________

(1) العواصم من القواصم: 212- 215.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 425

البغدادي؛ فقد ذكر في رسالته التي وضعها في الدفاع عن يزيد والمنع من لعنه وجوهاً «1»، أهمّها:

1- قد قال النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم في حقّ معاوية: اللّهمّ اجعله هادياً واهد به. ومَن هو هادٍ لا يجوز أنْ يُطعن عليه في ما اختاره مِن ولاية يزيد.

2- ولاية يزيد ثبتت برضا الجميع إلّاخمسة: عبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر، وابن الزبير، والحسين، وابن عبّاس.

3- أحاديث وجوب الطاعة للأئمّة وإنْ جاروا، فذهب قوم إلي أنّ الحسين كان خارجيّاً.

4- السكوت عن يزيد احتراماً لأبيه.

أقول:

الملاحَظ أنّ أوّل شي ء يطرحه هو الدفاع عن معاوية؛ لأنّه صرّح بانتهاء الأمر إليه، فلا بُدّ من الدفاع عنه، وقد تعرّض لحديثٍ في فضله عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، لكنّه حديث موضوع بإقرار علماء القوم، بل قد نصَّ الأئمّة منهم علي أنّه لم يصحّ في فضل معاوية ابن أبي سفيان عن رسول اللَّه شي ء

«2».

__________________________________________________

(1) رسالته غير مطبوعة، وقد وردت هذه الوجوه في رسالة معاصره الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي، التي أسماها ب «الردّ علي المتعصّب العنيد المانع من لعن يزيد»، وهي مطبوعة؛ انظر: الردّ علي المتعصّب العنيد: 67- 68.

(2) تقدّم مفصّلًا في الصفحتين 407 و 408؛ فراجع.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 426

ثمّ يدّعي موافقة رجال الأُمّة علي ولاية يزيد إلّاالخمسة، فيذكر فيهم «عبد اللَّه بن عمر»!

والأحاديث في وجوب طاعة الولاة غير منطبقة علي يزيد.

فيعود مرّةً أُخري ، للدفاع عن معاوية وحمايته … وهذا هو المهمّ … !!

هذا، وقد قالوا بترجمة هذا الرجل: كان إماماً، حافظاً، محدّثاً، زاهداً، صالحاً، متديّناً، صدوقاً، ثقةً، ورعاً، أميناً، حسن الطريقة، جميل السيرة، حميد الأخلاق، مجتهداً في اتّباع السُنّة …

فقال الذهبي: «وقد ألّف جزءاً في فضائل يزيد، أتي فيه بعجائب وأوابد، لو لم يؤلّفه لكان خيراً» «1».

وقال ابن كثير: «له مصنَّف في فضل يزيد بن معاوية، أتي فيه بالغرائب والعجائب، وقد ردّ عليه أبو الفرج ابن الجوزي، فأجاد وأصاب» «2».

وقال ابن العماد: «قال الذهبي: صنَّف جزءاً في فضائل يزيد أتي فيه بالموضوعات» «3».

ثمّ لمّا سُئل عبد المغيث عن السبب في دفاعه عن يزيد أجاب:

«يا هذا! إنّما قصدت كفّ الألسنة عن لعن الخلفاء» «4».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 21/ 160.

(2) البداية والنهاية 12/ 290 حوادث سنة 583 ه.

(3) شذرات الذهب 4/ 276 حوادث سنة 583 ه.

(4) سير أعلام النبلاء 21/ 161.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 427

أقول:

وهذا معني كلام الشيخ السعد التفتازاني في «شرح المقاصد»، حيث قال: «تحامياً عن أن يُرتقي إلي الأعلي فالأعلي ».

وهذا نصّ كلامه بكامله:

«إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات علي الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور علي ألسنة الثقات، يدلّ بظاهره علي أنّ

بعضهم قد حاد عن طريق الحقّ وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلي اللذّات والشهوات؛ إذ ليس كلّ صحابيّ معصوماً، ولا كلّ من لقي النبيَّ صلّي اللَّه عليه وسلّم بالخير موسوماً.

إلّا أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلي أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق، صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة، سيّما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشّرين بالثواب في دار القرار.

وأمّا ما جري بعدهم من الظلم علي أهل بيت النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه علي الآراء، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وتنهدّ منه الجبال وتنشقّ الصخور، ويبقي سوء عمله علي كرّ الشهور ومرّ الدهور، فلعنة علي من باشر أو رضي أو سعي ، «وَلَعَذَابُ

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 428

الآخِرَةِ أَشَدُّ وأَبْقَي » «1»

.فإن قيل: فمِن علماء المذهب مَن لم يجوّز اللعن علي يزيد، مع علمهم بأن يستحقّ ما يربو علي ذلك ويزيد؟!

قلنا: تحامياً عن أن يُرتقي إلي الأعلي فالأعلي ، كما هو شعار الروافض علي ما يروي في أدعيتهم ويجري في أنديتهم، فرأي المعتنون بأمر الدين إلجام العوامّ بالكلّية طريقاً إلي الاقتصاد في الاعتقاد، وبحيث لا تزلّ الأقدام عن السواء، ولا تضلّ الأفهام بالأهواء، وإلّا فمَن يخفي عليه الجواز والاستحقاق؟! وكيف لا يقع عليهما الاتّفاق؟! وهذا هو السرّ في ما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال، وسدّ طريق لا يؤمن أن يجرّ إلي الغواية في المآل، مع علمهم بحقيقة الحال وجليّة المقال» «2».

أقول:

إنّه ليس

تحامياً عن أنْ يُرتقي إلي الأعلي فالأعلي فقط، بل لئلّا ينزل إلي الأسفل والأسفل …

إنّهم بتحاميهم عن يزيد ومعاوية يريدون الإبقاء علي حكومات الجور في أزمنتهم أيضاً؛ ولذا رووا أنّه لمّا سأل الخليفةُ الناصر عبدَ المغيث الحنبلي عن سبب منعه من لعن يزيد، أجابه بأنّه: لو فتحنا هذا الباب لزم لعن خليفتنا- يعني الناصر- وعَزْله عن الخلافة … «3».

__________________________________________________

(1) سورة طه 20: 127.

(2) شرح المقاصد 5/ 310- 311.

(3) انظر: البداية والنهاية 12/ 290 حوادث سنة 583 ه، سير أعلام النبلاء 21/ 161، ذيل طبقات الحنابلة 3/ 299.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 429

ومن هنا يظهر سرّ ممانعة الحكومات الجائرة عن لعن يزيد وقراءة مأتم الإمام عليه السلام وإقامة العزاء عليه …

هذا، ولا يخفي التهافت والتناقض بين كلام عبد المغيث كلام ابن العربي، فإنّ ابن العربي أكّد علي أنّ ابن عمر قد بايع يزيد بن معاوية، وكذّب القولَ بأنّه لم يبايع، واستند إلي خبرٍ رواه البخاري ووصفه ب «شيخ الصحابة» «1»، وعبد المغيث ينصُّ علي عدم مبايعته ليزيد …

وهذا من موارد تناقضات القوم فيما بينهم في دفاعهم عن الأشياخ!

وسيأتي أنّ واحدهم أيضاً قد يناقض نفسَه وتتهافت كلماته …

الغزّالي

وأمّا الغزّالي … فهذه نصوص كلماته باختصار:

«فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد، لأنّه قاتل الحسين أو آمر به؟

قلنا: هذا لم يثبت أصلًا …

فإن قيل: فهل يجوز أن يقال: قاتل الحسين لعنه اللَّه، أو: الآمر بقتله لعنه اللَّه؟

قلنا: الصواب أن يقال: قاتل الحسين إنْ مات قبل التوبة لعنه اللَّه، لأنّه يحتمل أنْ يموت بعد التوبة … » «2».

ولمّا سُئل عن لعن يزيد بن معاوية، أجاب:

«لا يجوز لعن المسلم أصلًا، ومن لعن المسلم فهو الملعون …

__________________________________________________

(1) العواصم من القواصم: 213.

(2) إحياء علوم

الدين 3/ 269 و 270 كتاب آفات اللسان/ الآفة الثامنة.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 430

ويزيد صحّ إسلامُه، وما صحّ قتلُه للحسين رضي اللَّه عنه، ولا أَمرُه ولا رِضاه بذلك، ومهما لم يصحّ ذلك عنه لم يجز أنْ يظنّ ذلك به، فإنّ إساءة الظنّ- أيضاً- بالمسلم حرام، قال اللَّه تعالي : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ» «1»

، وقال صلّي اللَّه عليه وسلّم: إنّ اللَّه حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه، وأنْ يُظنّ به ظنّ السوء.

ومن أراد أن يعلم حقيقة مَن الذي أمر بقتله لم يقدر علي ذلك، وإذا لم يعلم وجب إحسان الظنّ بكلّ مسلم يمكن إحسان الظنّ به.

ومع هذا، لو ثبت علي مسلم أنّه قتل مسلماً، فمذهب أهل الحقّ أنّه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر، بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربّما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم يجز لعنه، فكيف مَن تاب مِن قَتْل؟!

ولم يُعرف أنّ قاتل الحسين مات قبل التوبة، «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ» «2».

فإذاً لا يجوز لعن أحد ممّن مات من المسلمين، ومن لعن كان فاسقاً عاصياً اللَّه عزّ وجلّ، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصياً بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة: لِمَ لَم تلعن إبليس؟! ويقال للّاعن: لِمَ لعنت؟! ومن أين عرفت أنّه ملعون؟!

والملعون هو المبعَد من اللَّه عزّ وجلّ، وذلك لا يُعرف إلّافي من مات كافراً، فإنّ ذلك عُلم بالشرع.

__________________________________________________

(1)

سورة الحجرات 49: 12.

(2) سورة الشوري 42: 25.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 431

وأمّا الترحّم عليه فجائز، بل مستحبٌّ، بل داخل في قولنا: اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ فإنّه كان مؤمناً» «1».

أقول:

فهو- قبل كلّ

شي ء- يشكّك في أمر يزيد بقتل الإمام عليه السلام … ثمّ يؤكّد علي إسلام الرجل ليحرّم لعنه باحتمال التوبة قبل الموت!

أمّا أنّ يزيد قد أمر بقتل الحسين عليه السلام فهذا ثابت بالضرورة من التاريخ، وكتب القوم ورواياتهم شاهدة بذلك، وكلمات علمائهم تؤكّده … حتّي إنّ ابن العربي ومَن تبعه يرون خلافة يزيد علي حقٍّ، وأنّ الإمام عليه السلام إنّما قُتل بسيف جدّه- والعياذ باللَّه-، وسيأتي تصريح الحافظ بأنّه قاتل الحسين عليه السلام وإنْ حاول الدفاع عنه بعض الشي ء …

وأمّا كفره، فليس لقتل الإمام عليه السلام فقط، بل لأسبابٍ أُخري أيضاً، ولذا أفتي بذلك مثل أحمد بن حنبل، وسائر أئمّة القوم المعروفين عندهم بالزهد والورع …

ومن العجب أن يضطرّه الدفاع عن يزيد ويلجئه إلي الدفاع عن إبليس وكلّ شيطان مريد، بترجيح السكوت عنه علي لعنه، وهو يري بأُمّ عينيه أنّ الكتاب والسُنّة مشحونان بلعنه ولعن أتباعه والمطيعين له، وعلي ذلك سيرة المسلمين كافّة إلي يومنا هذا!

__________________________________________________

(1) حياة الحيوان الكبري - للدميري- 2/ 225- 226.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 432

وما ذلك كلّه إلّادفاعاً عن الخلفاء، كما قال عبد المغيث، وتحامياً عن أن يُرتقي في اللعن إلي الأعلي … كما جاء في كلام التفتازاني …

عبد القادر الجيلاني … ص: 432

ولبعض مشايخ القوم في التصوّف والسلوك إلي اللَّه!! أُسلوب آخر، ظاهره أنيق، وباطنه إغراء وتخديع …

يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني في يوم عاشوراء: «فصلٌ: وقد طعن قومٌ علي من صام هذا اليوم العظيم وما ورد فيه من التعظيم، وزعموا أنه لا يجوز صيامه لأجل قتل الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما فيه، وقالوا: ينبغي أن تكون المصيبة فيه عامة لجميع الناس لفقده فيه، وأنتم تتخذونه يوم فرح وسرور، وتأمرون فيه بالتوسعة علي العيال والنفقة

الكثيرة والصدقة علي الفقراء والضعفاء والمساكين، وليس هذا من حق الحسين رضي اللَّه عنه علي جماعة المسلمين.

وهذا القائل خاطئ ومذهبه قبيه فاسد، لأن اللَّه تعالي اختار لسبط نبيّه صلّي اللَّه عليه وسلّم الشهادة في أشرف الأيام وأعظمها وأجلها وأرفعها عنده، ليزيده بذلك رفعة في درجاته وكراماته مضافة إلي كرامته، وبلّغه منازل الخلفاء الراشدين الشهداء بالشهادة، ولو جاز أن نتخذ يوم موته يوم مصيبة لكان يوم الإثنين أولي بذلك، إذْ قبض اللَّه تعالي نبيه محمداً صلّي اللَّه عليه وسلّم فيه، وكذلك أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه قبض فيه، وهو ما روي هشام بن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنهما قالت: قال أبو بكر رضي اللَّه عنه: أي يوم توفي النبي صلّي اللَّه عليه وسلّم فيه؟ قلت: ويوم

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 433

الاثنين، قال رضي اللَّه عنه: إني أرجو أن أموت فيه، فمات رضي اللَّه عنه فيه، وفقد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم وفقد أبي بكر رضي اللَّه عنه أعظم من فقد غيرهما، وقد اتفق الناس علي شرف يوم يوم الإثنين، وفضيلة صومه وأنه تعرض أعمال العباد فيه، وفي يوم الخميس ترفع أعمال العباد.

وكذلك يوم عاشوراء لا يتخذ يوم مصيبة، ولأن يوم عاشوراء إنْ اتخذ يوم مصيبة ليس بأولي من أن يتخذ يوم فرح وسرور، لما قدمنا ذكره وفضله، من أنه يوم نجّي اللَّه تعالي فيه أنبياءه من أعدائهم وأهلك فيه أعداءهم الكفار من فرعون وقومه وغيرهم وأنه تعالي خلق السماوات والأرض والأشياء الشريفة فيه وآدم عليه السّلام وغير ذلك، وما أعدّ اللَّه تعالي لمن صامه من الثواب الجزيل والعطاء الوافر وتكفير الذنوب وتمحيص السيئات، فصار عاشوراء بمثابة بقية الأيام الشريفة، كالعيدين والجمعة وعرفة وغيرهما.

ثم لو

جاز أن يتخذ هذا اليوم مصيبة لاتّخذته الصحابة والتابعون رضي اللَّه عنهم، لأنهم أقرب إليه منا وأخص به، وقد ورد عنهم الحث علي التوسعة علي العيال فيه والصوم فيه، من ذلك ما روي عن الحسن رحمة اللَّه تعالي عليه أنّه قال: كان صوم يوم عاشوراء فريضة وكان علي رضي اللَّه عنه يأمر بصيامه فقالت لهم عائشة رضي اللَّه عنها: من يأمركم بصوم يوم عاشوراء؟ قالوا: علي رضي اللَّه عنه قالت: إنه أعلم من بقي بالسنّة، وروي عن علي رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم: من أحياء ليلة عاشوراء أحياه اللَّه تعالي ما شاء.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 434

فدلّ علي بطلان ما ذهب إليه هذا القائل. واللَّه أعلم» «1».

الذهبي … ص: 434

والذهبي جاءت كلماته بترجمة يزيد متهافتة.

أمّا في (تاريخه) «2» فذكر ما ملخّصه أنّه روي عن أبيه، وروي عنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان، وأنّه بويع بعد أبيه، ثمّ ذكر أنّ أُمّه ميسون رأت في النوم كأنّ قمراً خرج من قُبلها، فقيل لها: تلدين من يُبايع له بالخلافة «3»!

قال: وفي سنة خمسين غزا يزيد أرض روم ومعه أبو أيّوب الأنصاري، وحجّ بالناس سنة إحدي وخمسين وسنة اثنتين وسنة ثلاث.

ثمّ روي عن عبد اللَّه بن عمرو، قال: أبو بكر الصدّيق، أصبتم اسمه؛ عمر الفاروق، قرن من حديدٍ، أصبتم اسمه؛ ابن عفّان ذو النورين، قُتل مظلوماً، يؤتي كفلين من الرحمة؛ معاوية وابنه ملكا الأرض المقدّسة؛ والسفّاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العُصَب، كلّهم من بني كعب بن لؤي، كلُّهم صالح لا يوجد مثله «4».

قال: روي نحوه محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي أُسامة، عن الثوري، عن هشام بن حسّان، ثنا محمّد

بن سيرين..

قال: وله طريق آخر. قال: ولم يرفعه أحد.

__________________________________________________

(1) غنية الطالبين: 684- 687.

(2) تاريخ الإسلام (61- 80): 269.

(3) انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 36، تاريخ دمشق 65/ 398- 399.

(4) انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 38.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 435

ثمّ روي عهد معاوية، وأنّه قال: ابني أحقّ؛ وأنّه خطب فقال: اللّهمّ إنْ كنتُ أنّ ما عهدتُ ليزيد لِما رأيتُ من فضله، فبلّغه ما أَمّلتُ وأعِنه …

ثمّ روي أنّه وفد عبد اللَّه بن جعفر علي يزيد فأعطاه ألف ألف، فقال عبد اللَّه له: بأبي أنت وأُمّي!! فأمَرَ له بألف ألف أُخري ، فقال له عبد اللَّه:

واللَّه لا أجمعهما لأحدٍ بعدك «1»!!

ثمّ روي عن أبي الدرداء: سمعت صلّي اللَّه عليه وسلّم يقول: أوّل من يبدّل سُنّتي رجل من بني أُميّة يقال له: يزيد «2» … وناقش في بعض إسناده.

وعقّبه بأنّ عبد اللَّه بن عمر بن الخطّاب قال لبنيه وأهله- لمّا خلع أهلُ المدينة يزيد-: إنّا قد بايعنا هذا الرجل علي بيعة اللَّه ورسوله …

فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد.

وبأنّ محمّد بن الحنفيّة ردّ علي من تكلّم في يزيد بأنّه يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّي حكم اللَّه بقوله: «ما رأيتُ منه ما تذكرون، قد أقمتُ عنده فرأيته مواظباً للصلاة، متحرّياً للخير، يسأل عن الفقه» «3».

وروي بالتالي أنّ رجلًا قال عند عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين

__________________________________________________

(1) انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 39.

(2) انظر الحديث بمختلف ألفاظه وأسانيده، والمؤدّي واحد، في:

سير أعلام النبلاء 1/ 330 و ج 4/ 39، مصنّف ابن أبي شيبة 8/ 341 ح 145، تاريخ دمشق 65/ 250، البداية والنهاية 8/ 165 حوادث سنة 64 ه، الجامع الصغير: 169 ح 2841، سبل الهدي والرشاد 10/ 89 ب 13،

تطهير الجَنان: 87، كنز العمّال 11/ 167 ح 31062 و 31063.

(3) انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 39- 40، البداية والنهاية 8/ 186- 187.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 436

يزيد بن معاوية، فقال: تقول: أمير المؤمنين؟! وأمر به فضرب عشرين سوطاً «1».

أقول:

فلم يذكر بترجمة يزيد شيئاً من مساوئه ومخازيه، ولربّما يُستفاد من سياق كلامه المدح له …

وأورده الذهبي في (أعلام النبلاء)! فذكر شيئاً من سيرته، إلّاأنّه افتتحها بقوله:

«له علي هناته حسنة، وهي غزو القسطنطينيّة، وكان أمير ذلك الجيش، وفيهم مثل أبي أيّوب الأنصاري؛ عقد له أبوه بولاية العهد من بعده، فتسلّم الملك عند موت أبيه في رجب سنة ستّين … » «2».

قال: «ويزيد ممّن لا نسبّه ولا نحبّه، وله نظراء من خلفاء الدولتين، وكذلك في ملوك النواحي، بل فيهم من هو شرٌّ منه، وإنّما عظم الخطب لكونه وُلِّيَ بعد وفاة النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم بتسع وأربعين سنة، والعهد قريب، والصحابة موجودون، كابن عمر الذي كان أَوْلي بالأمر منه ومن أبيه وجدّه» «3».

أقول:

فما معني هذا الكلام وهو يعترف بأنّ يزيد هو قاتل الإمام الحسين

__________________________________________________

(1) انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 40، تهذيب التهذيب 9/ 376 رقم 8058.

(2) سير أعلام النبلاء 4/ 36.

(3) سير أعلام النبلاء 4/ 36.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 437

عليه السلام؛ إذ قال: «افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس، ولم يبارَك في عمره … » «1»؟!

ثمّ لماذا عقّب هذا الاعتراف بما رواه عن عبد اللَّه بن عمرو، ولم يطعن في سنده، مع طعنه في سند الحديث عن النبيّ بأنّه: «لا يزال أمر أُمّتي قائماً حتّي يثلمه رجل من بني أُميّة يقال له: يزيد» «2»؟! علي أنّ لفظه في (تاريخه): «أوّل من يبدّل

سُنّتي» «3».

وكيف يروي الكلام المذكور عن عبد اللَّه بن عمرو في كتابيه، ويتغافل عن أنّ عبد اللَّه بن عمرو لم يدرك السفّاح ومَن بعده؟!

وأمّا ما رواه عن عبد اللَّه بن جعفر، فكذب قطعاً.

وبعدُ، فإذا كان يزيد «افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس» و «كان ناصبياً» «4»، فبِمَ يُحكم عليه في رأي الذهبي؟!

والجدير بالذكر أنّه تارةً يقول: «وإنّما عظم الخطب، لكونه وُلِّي بعد وفاة النبيّ بتسع وأربعين سنة، والعهد قريب، والصحابة موجودون، كابن عمر الذي كان أَوْلي بالأمر منه ومن أبيه وجدّه».

ويقول تارةً أُخري - دفاعاً عن يزيد وخلافته- بأنّ عبد اللَّه بن عمر قد قال لبنيه وأهله- لمّا خلع أهل المدينة يزيد-: «إنّا قد بايعنا هذا

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 4/ 38.

(2) سير أعلام النبلاء 4/ 39، وقد تقدّم تخريجه مفصّلًا في الصفحة 435 ه 2؛ فراجع.

(3) انظر: سير أعلام النبلاء 1/ 330.

(4) سير أعلام النبلاء 4/ 37.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 438

الرجل … »!

ابن حجر العسقلاني … ص: 438

ومن علمائهم من يترحّم علي يزيد، ولا يتعرّض لشي ء من قضاياه أصلًا، ولا يتكلّم فيه بمدحٍ ولا ذمّ، كابن حجر العسقلاني في «تهذيب التهذيب» «1» و «تعجيل المنفعة» «2».

وإنّما قال في «تقريب التهذيب»: «ليس بأهلٍ أنْ يروي عنه» «3».

ولكنْ لماذا؟!

وكذلك لم يتعرّض ليزيد بشي ء، بترجمة مولانا الإمام الحسين الشهيد، من كتابه «الإصابة في معرفة الصحابة» «4».

وهذا أُسلوب آخر …

السبب في الدفاع عن معاوية ويزيد … ص: 438

وبعدُ.. فقد عرفنا كيف يدافعون عن يزيد ليدافعوا عن معاوية؛ لأنّ الذي ولّي يزيد هو معاوية، فجميع ما صدر من يزيد يحسب علي معاوية.

وأيضاً: فقد ثبت عندنا- ممّا سبق- كون قتل الإمام كان من تخطيط معاوية.

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 11/ 360- 361 رقم 699.

(2) تعجيل المنفعة: 503- 504 رقم 1187.

(3) تقريب التهذيب 2/ 332 رقم 7805.

(4) الإصابة 2/ 76- 81 رقم 1726.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 439

ولكنْ لماذا يدافعون عن معاوية؟!

لقد جاءت الكلمات التالية بترجمة معاوية من كتاب «تاريخ دمشق» «1»، عن كبار أئمّة القوم:

1- معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلي معاوية شزراً، اتّهمناه علي القوم، أعني علي أصحاب محمّد صلّي اللَّه عليه وسلّم «2».

2- جاء رجل إلي سفيان فقال: ما تقول في شتم معاوية؟

قال: متي عهدك بشتيمة فرعون؟!

قال: ما خطر ببالي.

قال: ففرعون أَوْلي بالشتم.

3- قال الربيع بن نافع: معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، فإذا كشف الرجلُ الستر اجترأ علي ما وراءه «3».

4- قال وكيع: معاوية بمنزلة حلقة الباب، من حرّكه اتّهمناه علي مَن فوقه.

5- عن أحمد: إذا رأيت رجلًا يذكر أحداً من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم بسوء، فاتّهمه علي الإسلام «4».

نعم، من تكلّم في معاوية، فإنّه سوف يتكلّم في «مَن فوقه» وذلك:

أوّلًا: لأنّ أُولئك هم الّذين

تسبّبوا في وصول الأمر إلي معاوية ويزيد وغيره، وإلي يومنا هذا … برفضهم كون الإمامة والولاية بعد

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ دمشق 59/ 209- 210.

(2) وانظر: البداية والنهاية 8/ 112.

(3) وانظر: تاريخ بغداد 1/ 209 رقم 15، البداية والنهاية 8/ 112.

(4) وانظر: البداية والنهاية 8/ 112.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 440

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالنصّ، وأنّه قد نصّ علي عليٍّ عليه السلام وبايعوه غير مرّة.

وثانياً: لأنّ عمر بن الخطّاب ولّي معاوية علي الشام، وجعل يدافع عنه ويمدحه ويقوّيه، ثمّ تبعه عثمان علي ذلك.

وهكذا ينتهي قتل الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه إلي «الأعلي فالأعلي »، كما قال سعد الدين التفتازاني «1».

***

__________________________________________________

(1) انظر: شرح المقاصد 5/ 311.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 441

الفصل الرابع: في قول العلماء بكفر يزيد ولعنه … ص: 441

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 443

يزيد في كتب الحديث والرجال … ص: 443

قالوا: إنّه لم يُرْوَ عن يزيد في الكتب الستّة إلّارواية واحدة مرسلة عند أبي داود، وهذا ما رمز له الحافظ ابن حجر، ومن أجل ذلك ترجم له في كتابه «تهذيب التهذيب»، وقال: «وجدت له رواية في مراسيل أبي داود، وقد نبّهت عليها في الاستدراك علي الأطراف» «1».

وقال أيضاً: «ظفرت له في (المراسيل) لأبي داود بروايةٍ، ذكرت له من أجلها ترجمةً في (تهذيب التهذيب)» «2».

ولم ينقلوا للرجل توثيقاً عن أحدٍ من الرجاليّين، بل إنّهم أهملوه، ومَن ذكره فقد نصَّ علي أنّه ليس بأهلٍ لأنْ يروي عنه..

قال الذهبي: «يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأُموي. روي عن أبيه، وعنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان، مقدوح في عدالته، ليس بأهلٍ أنْ يروي عنه. وقال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أنْ يروي عنه» «3».

وكذا قال ابن حجر في «التقريب» «4».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 9/ 376 رقم 8058.

(2) تعجيل المنفعة: 504 رقم 1187.

(3) ميزان الاعتدال 7/ 262 رقم 9762.

(4) تقريب التهذيب 2/ 332 رقم 7805.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 444

القولُ بلعن يزيد … ص: 444

قد تقدّم أنّه قول أحمد بن حنبل، حكاه عنه جماعة من الأعيان، كابن الجوزي وابن حجر المكّي وغيرهما «1».

منشور الخليفة العبّاسي … ص: 444

وهو قول المعتضد، الخليفة العبّاسي، الذي أخرج كتاباً في ذمّ بني أُميّة، فقال فيه عن معاوية ويزيد:

«ومنه إيثاره بدين اللَّه، ودعاؤه عباد اللَّه إلي ابنه يزيد المتكبّر الخمّير، صاحب الديوك والفهود والقرود، وأخذه البيعة له علي خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهديد والرهبة، وهو يعلم سفهه، ويطّلع علي خبثه ورهقه، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره.

فلمّا تمكّن منه ما مكّنه منه ووطّأه له، وعصي اللَّه ورسوله فيه، طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحرّة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش، ممّا ارتكب من الصالحين فيها، وشفي بذلك عَبَد نفسه وغليله، وظنّ أنْ قد انتقم من أولياء اللَّه وبلغ النوي لأعداء اللَّه، فقال مجاهراً بكفره، ومظهراً لشركه:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرم من ساداتكم وعدلنا ميل بدرٍ فاعتدل

فأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثمّ قالوا: يا يزيد لا تُشل

__________________________________________________

(1) راجع الصفحة 193 ه 1.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 445

لستُ من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

ولعت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل

هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع إلي اللَّه ولا إلي دينه ولا إلي كتابه ولا إلي رسوله، ولا يؤمن باللَّه ولا بما جاء من عند اللَّه.

ثمّ مِن أغلظ ما انتهك، وأعظم ما اخترم، سفكه دم الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، مع موقعه من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم له

ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة، اجتراءً علي اللَّه، وكفراً بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهدةً لعترته، واستهانةً بحرمته، فكأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفّار أهل الترك والديلم، لا يخاف من اللَّه نقمةً، ولا يرقب منه سطوة، فبتر اللَّه عمره، واجتثّ أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقّه من اللَّه بمعصيته» «1».

مِن القائلين بذلك … ص: 445

وهو قول:

القاضي أبي يعلي الفرّاء

والحافظ أبي الفرج ابن الجوزي

والحافظ أبي الحسن الهيثمي «2»

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 5/ 623 حوادث سنة 284 ه.

(2) قال الحافظ السخاوي في كتاب «الضوء اللامع»، بترجمة ابن خلدون: «وقد كان شيخنا الحافظ أبو الحسن- يعني الهيثمي- يبالغ في الغضّ منه، فلمّا سألته عن سبب ذلك، ذكر لي أنّه بلغه أنّه ذكر الحسين بن عليّ رضي اللَّه عنهما في تاريخه فقال: قتل بسيف جدّه.

ولمّا نطق شيخنا بهذه اللفظة أردفها بلعن ابن خلدون وسبّه وهو يبكي».

ثم نقل السخاوي عن الحافظ ابن حجر أنّ هذا الكلام من ابن العربي كان في النسخة التي رجع عنها في تاريخه.

انظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع 4/ 147.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 446

والشيخ سعد الدين التفتازاني

والحافظ جلال الدين السيوطي

والعلّامة شهاب الدين الآلوسي

والعلّامة شهاب الدين ابن حجر المكّي

والعلّامة البرزنجي

والشيخ محمّد عبده

وغيرهم من العلماء الكبار والأئمّة الأعلام، وسنورد كلمات بعضهم في ما يأتي:

كلام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي … ص: 446

قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي، المتوفّي سنة 597:

«سألني سائل في بعض مجالس الوعظ عن يزيد بن معاوية وما فعل في حقّ الحسين صلوات اللَّه عليه، وما أمر به من نهب المدينة، فقال لي:

أيجوز أن يلعن؟

فقلت: يكفيه ما فيه، والسكوت أصلح.

فقال: قد علمتُ أنّ السكوت أصلح، ولكن هل تجوز لعنته؟

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 447

فقلت: قد أجازها العلماء الورعون، منهم: أحمد بن حنبل» «1».

كلام الآلوسي … ص: 447

وقال شهاب الدين الآلوسي البغدادي بتفسير قوله تعالي : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُم» «2»

ما ملخّصه:

«واستدلّ بها أيضاً علي جواز لعن يزيد- عليه من اللَّه تعالي ما يستحقّ-: نقل البرزنجي في الإشاعة، والهيثمي في الصواعق، أنّ الإمام أحمد لمّا سأله ولده عبد اللَّه عن لعن يزيد قال: كيف لا يُلعن من لعنه اللَّه تعالي في كتابه؟!

فقال عبد اللَّه: قد قرأت كتاب اللَّه عزّ وجلّ فلم أجد فيه لعن يزيد؟!

فقال الإمام: إنّ اللَّه تعالي يقول: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ» الآية؛ وأيّ فسادٍ وقطيعة أشدّ ممّا فعله يزيد؟! انتهي .

وعلي هذا القول، لا توقّف في لعن يزيد؛ لكثرة أوصافه الخبيثة وارتكابه الكبائر في جميع أيّام تكليفه، ويكفي ما فعله أيّام استيلائه بأهل المدينة ومكّة، فقد روي الطبراني بسندٍ حسن: اللّهمّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه

__________________________________________________

(1) الردّ علي المتعصّب العنيد: 6.

(2) سورة محمّد 47: 22.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 448

صرف ولا عدل.

والطامة الكبري ما فعله بأهل البيت، ورضاه بقتل الحسين علي جدّه وعليه الصلاة والسلام، واستبشاره بذلك وإهانته لأهل بيته ممّا تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً، وفي الحديث: ستّة لعنتهم- وفي رواية: لعنهم

اللَّه- وكلُّ نبيّ مجاب الدعوة: المحرّف لكتاب اللَّه- وفي روايةٍ: الزائد في كتاب اللَّه-، والمكذّب بقدر اللَّه، والمتسلّط بالجبروت ليعزّ من أذلّ اللَّه ويذلّ من أعزّ اللَّه، والمستحلّ من عترتي، والتارك لسُنّتي.

وقد جزم بكفره وصرّح بلعنه جماعة من العلماء، منهم: الحافظ ناصر السُنّة ابن الجوزي، وسبقه القاضي أبو يعلي ، وقال العلّامة التفتازاني: لا نتوقّف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة اللَّه تعالي عليه وعلي أنصاره وأعوانه.

وممّن صرّح بلعنه: الجلال السيوطي عليه الرحمة.

وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات: إنّ السبي لمّا ورد من العراق علي يزيد، خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرّيّة عليّ والحسين رضي اللَّه عنهما، والرؤوس علي أطراف الرماح وقد أشرفوا علي ثنيّة جيرون، فلمّا رآهم نعب غراب، فأنشأ يقول:

لمّا بدت تلك الحمول … البيتين.

يعني: إنّه قتل بمن قتله رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يوم بدر، كجدّه عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما؛ وهذا كفر صريح، فإذا صحَّ عنه فقد كفر به، ومثله تمثّله بقول عبد اللَّه بن الزبعري قبل إسلامه:

ليت أشياخي … الأبيات.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 449

وأفتي الغزّالي عفا اللَّه عنه بحرمة لعنه.

وتعقّب السفاريني- من الحنابلة- نقل البرزنجي والهيثمي السابق عن أحمد رحمه اللَّه تعالي ، فقال: المحفوظ عن الإمام أحمد خلاف ما نقلا، ففي الفروع ما نصّه: من أصحابنا من أخرج الحجّاج عن الإسلام، فيتوجّه عليه يزيد ونحوه، ونصّ أحمد خلاف ذلك، وعليه الأصحاب، ولا يجوز التخصيص باللعنة، خلافاً لأبي الحسين وابن الجوزي وغيرهما.

وقال شيخ الإسلام- يعني واللَّه تعالي أعلم: ابن تيميّة-: ظاهر كلام أحمد الكراهة.

قلت: والمختار ما ذهب إليه ابن الجوزي وأبو حسين القاضي ومن وافقهما.

انتهي كلام السفاريني.

وأبو بكر ابن العربي المالكي- عليه من اللَّه تعالي ما يستحقّ- أعظم الفرية،

فزعم أنّ الحسين قتل بسيف جدّه، صلّي اللَّه عليه تعالي وسلّم.

وله من الجهلة موافقون علي ذلك، «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً» «1»

.قال ابن الجوزي عليه الرحمة في كتابه (السرّ المصون): من الاعتقادات العامّة التي غلبت علي جماعةٍ منتسبين إلي السُنّة أن يقولوا: إنّ يزيد كان علي الصواب، وإنّ الحسين رضي اللَّه تعالي عنه أخطأ في الخروج عليه؛ ولو نظروا في السير لعلموا كيف عُقدت له البيعة، وأُلزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك كلّ قبيح.

__________________________________________________

(1) سورة الكهف 18: 5.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 450

ثمّ لو قدّرنا صحّة عقد البيعة، فقد بدت منه بوادٍ كلّها توجب فسخ العقد، ولا يميل إلي ذلك إلّاكلُّ جاهل عامّيّ المذهب يظنّ أنّه يغيظ بذلك الرافضة.

وأنا أقول: الذي يغلب علي ظنّي أنّ الخبيث لم يكن مصدّقاً برسالة النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم، وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم اللَّه تعالي وأهل حرم نبيّه عليه الصلاة والسلام وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة علي عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر.

ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً علي أجلّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين، لم يسعهم إلّاالصبر ليقضي اللَّه أمراً كان مفعولًا.

ولو سُلّم أنّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلمٌ جمعَ من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان.

وأنا أذهب إلي جواز لعن مثله علي التعيين ولو لم يتصوّر أن يكون له مثلٌ من الفاسقين.

والظاهر أنّه لم يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه، ويُلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة؛ فلعنة اللَّه عزّ وجلّ عليهم أجمعين، وعلي أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم، ومن مال إليهم إلي يوم

الدين، ما دمعت عين علي أبي عبد اللَّه الحسين.

ويعجبني قول شاعر العصر، ذي الفضل الجلي، عبد الباقي أفندي العمري الموصلي، وقد سُئل عن لعن يزيد اللعين:

يزيد علي لعني عريض جنابه فأغدو به طول المدي ألعن اللعنا

ومن كان يخشي القال والقيل، من التصريح بلعن ذاك الضليل، فليقل: لعن اللَّه عزّ وجلّ مَن رضي بقتل الحسين، ومَن آذي عترة النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم بغير حقّ، ومَن غصبهم حقّهم؛ فإنّه يكون لاعناً له؛ لدخوله تحت العموم دخولًا أوّليّاً في نفس الأمر.

ولا يخالف أحدٌ في جواز اللعن بهذه الألفاظ ونحوها، سوي ابن العربي المارّ ذِكره وموافقيه؛ فإنّهم علي ظاهر ما نُقل عنهم لا يجوّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين رضي اللَّه تعالي عنه، وذلك لعمري هو الضلال البعيد، الذي يكاد يزيد علي ضلال يزيد» «1».

وقال الآلوسي:

«وما أخبر به الرسول صلّي اللَّه عليه وسلّم من فساد الدين علي أيدي أغيلمة من سفهاء قريش؛ وقد كان أبو هريرة رضي اللَّه تعالي عنه يقول: لو شئت أن أسميهم بأسمائهم لفعلت.

أو المراد الأحاديث التي فيها تعيين أسماء أُمراء الجور وأحوالهم وذمّهم، وقد كان رضي اللَّه تعالي عنه يكنّي عن بعض ذلك ولا يصرّح؛ خوفاً علي نفسه منهم بقوله: أعوذ باللَّه سبحانه من رأس الستّين وإمارة الصبيان؛ يشير إلي خلافة يزيد الطريد لعنه اللَّه تعالي علي رغم أنف أوليائه، لأنّها كانت سنة ستّين من الهجرة، واستجاب اللَّه تعالي دعاء أبي هريرة رضي اللَّه تعالي عنه، فمات قبلها بسنة» «2».

وقال:

__________________________________________________

(1) روح المعاني 26/ 108- 111.

(2) روح المعاني 6/ 280- 281.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 452

««وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ» «1»

، أي بأيّ نوع من الإيذاء كان، وفي صيغة الاستقبال المشعرة بترتّب الوعيد علي الاستمرار علي

ما هم عليه إشعارٌ بقبول توبتهم.

«لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»، أي بسبب ذلك، كما ينبئ عنه بناء الحكم علي الموصول، وجملة الموصول وخبره مسوق من قبله عزّ وجلّ علي نهج الوعيد، غير داخل تحت الخطاب.

وفي تكرير الإسناد، بإثبات العذاب الأليم لهم، ثمّ جعل الجملة خبراً، ما لا يخفي من المبالغة، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة مع الإضافة إلي الاسم الجليل لغاية التعظيم والتنبيه، علي أنّ أذيّته عليه الصلاة والسلام راجعة إلي جنابه عزّ وجلّ، موجبة لكمال السخط والغضب منه سبحانه.

وذكر بعضهم أنّ الإيذاء لا يختصّ بحال حياته صلّي اللَّه عليه وسلّم، بل يكون بعد وفاته صلّي اللَّه عليه وسلّم أيضاً، وعدّوا من ذلك التكلّم في أبويه صلّي اللَّه عليه وسلّم بما لا يليق، وكذا إيذاء أهل بيته رضي اللَّه تعالي عنهم، كإيذاء يزيد عليه ما يستحقّ لهم، وليس بالبعيد» «2».

وقال:

«و «الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ» «3»

أبلغ من (عدوّك)؛ ولذا اختير عليه مع اختصاره، والآية قيل: نزلت في أبي سفيان ابن حرب، كان عدوّاً مبيناً لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم، فصار عند أهل السُنّة وليّاً مصافياً،

__________________________________________________

(1) سورة التوبة 9: 61.

(2) روح المعاني 10/ 185.

(3) سورة فصّلت 41: 34.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 453

وكأنّ ما عنده انتقل إلي ولد ولده يزيد عليه من اللَّه عزّ وجلّ ما يستحقّ» «1».

وقال:

««أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ» «2»

، والمراد به الجنس، فهو في معني الجمع؛ ولذا قيل: «أُولئك»، وإلي ذلك أشار الحسن بقوله: هو الكافر العاقّ لوالديه المنكر للبعث؛ ونزول الآية في شخص لا ينافي العموم كما قرّر غير مرّة، وزعم مروان عليه ما يستحقّ أنّها نزلت في عبد الرحمن ابن أبي بكر الصدّيق رضي اللَّه تعالي عنهما، وردّت عليه عائشة رضي

اللَّه تعالي عنها.

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، عن عبد اللَّه، قال: إنّي لفي المسجد حين خطب مروان، فقال: إنّ اللَّه تعالي قد أري لأمير المؤمنين- يعني: معاوية- في يزيد رأياً حسناً أن يستخلفه، فقد استخلف أبو بكر عمر.

فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: أهرقلية؟! إنّ أبا بكر رضي اللَّه تعالي عنه واللَّه ما جعلها في أحد من وُلده ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية إلّارحمة وكرامة لولده.

فقال مروان: ألستَ الذي قال لوالديه أُفٍّ لكما؟!

فقال عبد الرحمن: ألستَ ابن اللعين الذي لعن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم أباك؟!

__________________________________________________

(1) روح المعاني 24/ 190.

(2) سورة الأحقاف 46: 18.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 454

فسمعت عائشة فقالت: مروان! أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا؟! كذبت واللَّه ما فيه نزلت، نزلت في فلان بن فلان.

وفي رواية تقدّمت رواها جماعة، وصحّحها الحاكم، عن محمّد بن زياد، أنّها كذّبته ثلاثاً، ثمّ قالت: واللَّه ما هو به- تعني أخاها- ولو شئت أن أُسمّي الذي أُنزلت فيه لسمّيته!

إلي آخر ما مرّ، وكان ذلك من فضض اللعنة، إغاظة لعبد الرحمن وتنفيراً للناس عنه؛ لئلّا يلتفتوا إلي ما قاله، وما قال إلّاحقّاً، فأين يزيد الذي تجلّ اللعنة عنه وأين الخلافة؟!

ووافق بعضهم- كالسهيلي في (الإعلام)- مروان في زعم نزولها في عبد الرحمن، وعلي تسليم ذلك لا معني للتعيير، لا سيّما من مروان، فإنّ الرجل أسلم وكان من أفاضل الصحابة وأبطالهم، وكان له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره، والإسلام يجبّ ما قبله، فالكافر إذا أسلم لا ينبغي أن يعيّر بما كان» «1».

وقال:

«وذكروا من علامات النفاق بغض عليٍّ كرّم اللَّه تعالي وجهه..

فقد أخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: ما كنّا نعرف المنافقين علي عهد

رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم إلّاببغضهم عليّ بن أبي طالب.

__________________________________________________

(1) روح المعاني 26/ 31- 32، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم 10/ 3295 ح 18572، تفسير الفخر الرازي 28/ 24.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 455

وأخرج هو وابن عساكر، عن أبي سعيد الخدري ما يؤيّده «1».

وعندي أنّ بغضه رضي اللَّه تعالي عنه من أقوي علامات النفاق، فإنْ آمنتَ بذلك فيا ليت شعري ماذا تقول في يزيد الطريد؟! أكان يحبّ عليّاً كرّم اللَّه تعالي وجهه أم كان يبغضه؟!

ولا أظنّك في مرية من أنّه عليه اللعنة كان يبغضه رضي اللَّه تعالي عنه أشدّ البغض، وكذا يبغض ولديه الحسن والحسين علي جدّهما وأبويهما وعليهما الصلاة والسلام كما تدلّ علي ذلك الآثار المتواترة معنيً؛ وحينئذ لا مجال لك من القول بأنّ اللعين كان منافقاً» «2».

كلام الشيخ محمّد عبده … ص: 455

والشيخ محمّد عبده يمجّد بمولانا أبي عبد اللَّه عليه السلام، ووصف يزيد بأنّه:

«إمام الجور والبغي، الذي ولي أمر المسلمين بالقوّة والمنكَر، يزيد ابن معاوية، خذله اللَّه وخذل من انتصر له من الكرّامية والنواصب» «3».

***

__________________________________________________

(1) انظر: تاريخ دمشق 42/ 286، تذكرة الحفّاظ 2/ 673، الدرّ المنثور 7/ 504.

(2) روح المعاني 26/ 117.

(3) المنار في تفسير القرآن 12/ 183.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 457

الخاتمة … ص: 457

اشارة

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 459

وبعد الفراغ من البحث، نري من الضروريّ التعرّض لبعض المسائل المتعلّقة بحركة الإمام عليه السلام وواقعة الطفّ، تقويةً لعقيدة أهل الإيمان، ودحضاً لتشكيكات بعض أهل النصب والنفاق:

التغيّرات السماوية والحوادث الكونيّة … ص: 459

إنّ الأخبار المعتبرة في كتب القوم المشهورة المعتمدة، في أنّ السماء صارت تمطر دماً بعد استشهاد الإمام وأصحابه، وأنّه ما رُفع حجر من الأرض إلّاوتحته دم، وأنّه ما ذُبح جزور إلّاوكان كلّه دماً، وأنّ الشمس انكسفت، وأنّ من شارك في قتله قد ابتُلي بعاهة … هذه الأخبار كثيرة، تجدها في: «دلائل النبوّة» للبيهقي، و «معرفة الصحابة» لأبي نُعيم، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي، و «البداية والنهاية» لابن كثير، و «مجمع الزوائد» للهيثمي، و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي، وفي غير هذه الكتب.

ونحن نكتفي بإيراد بعض ما نصَّ الحافظ الهيثمي والحافظ ابن كثير- وهما من نقدة الحديث عندهم- علي صحّته أو حسنه سنداً:

قال الهيثمي: «عن أُمّ حكيم، قالت: قُتل الحسين وأنا يومئذٍ جويرية، فمكثت السماء أيّاماً مثل العلقة».

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 460

قال: «رواه الطبراني، ورجاله إلي أُمّ حكيم رجال الصحيح» «1».

وفيه: «عن أبي قبيل، قال: لمّا قُتل الحسين بن عليّ انكسفت الشمس كسفةً حتّي بدت الكواكب نصف النهار، حتّي ظننّا أنّها هي».

قال: «رواه الطبراني، وإسناده حسن» «2».

وفيه: «الزهري، قال: قال لي عبد الملك: أيّ واحدٍ أنت إنْ أعلمتني أيّ علامةٍ كانت يوم قتل الحسين؟

فقال: قلت: لم تُرفع حصاة ببيت المقدس إلّاوُجد تحتها دم عبيط.

فقال لي عبد الملك: إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان».

قال: «رواه الطبراني، ورجاله ثقات» «3».

قال: «وعن الزهري، قال: ما رُفع بالشام حجر يوم قُتل الحسين ابن عليّ إلّاعن دم».

قال: «رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح» «4».

وفيه: «عن دويد الجعفي، عن أبيه، قال: لمّا

قُتل الحسين انتُهِبت جزورٌ من عسكره، فلمّا طُبخت إذا هي دم».

قال: «رواه الطبراني، ورجاله ثقات» «5».

وقال ابن كثير: «وأمّا ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت مَن قتله فأكثرها صحيح، فإنّه قلّ مَن نجا مِن أُولئك الّذين قتلوه من آفة

__________________________________________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 196، وانظر: المعجم الكبير 3/ 113 ح 2836.

(2) مجمع الزوائد 9/ 197، وانظر: المعجم الكبير 3/ 114 ح 2838.

(3) مجمع الزوائد 9/ 196، وانظر: المعجم الكبير 3/ 119 ح 2856.

(4) مجمع الزوائد 9/ 196، وانظر: المعجم الكبير 3/ 113 ح 2835.

(5) مجمع الزوائد 9/ 196، وانظر: المعجم الكبير 3/ 121 ح 2864.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 461

وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتّي أُصيب بمرضٍ، وأكثرهم أصابهم الجنون» «1».

البكاء علي الحسين … ص: 461

اشارة

وفيه مطلبان:

المطلب الأوّل: في أصل البكاء عليه: … ص: 461

أخرج أحمد، عن نَجِيّ، أنّه سار مع عليٍّ رضي اللَّه عنه، وكان صاحب مطهرته، فلمّا حاذي نينوي وهو منطلق إلي صِفّين، فنادي عليٌّ رضي اللَّه عنه: اصبر أبا عبد اللَّه! اصبر أبا عبد اللَّه بشطّ الفرات!

قلت: وماذا؟!

قال: دخلتُ علي النبيّ صلّي اللَّه عليه وسلّم ذات يوم وعيناه تفيضان … «2».

قال الهيثمي: «رواه أحمد وأبو يعلي والبزّار والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجيٌّ بهذا» «3».

وأخرج الطبراني، عن أُمّ سلمة، قالت: «كان رسول اللَّه جالساً ذات يوم في بيتي، فقال: لا يدخل علَيَّ أحد!

فانتظرت، فدخل الحسين رضي اللَّه عنه، فسمعت نشيج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم يبكي، فاطّلعت فإذا حسين في حجره والنبيّ يمسح

__________________________________________________

(1) البداية والنهاية 8/ 161 حوادث سنة 61 ه.

(2) مسند أحمد 1/ 75، وانظر: مسند أبي يعلي 1/ 298 ح 103.

(3) مجمع الزوائد 9/ 187.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 462

جبينه وهو يبكي، فقلت: واللَّه ما علمت حين دخل.

فقال: إنّ جبرئيل عليه السلام كان معنا في البيت، فقال: تحبّه؟

قلت: أمّا من الدنيا فنعم. قال: إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرضٍ يقال لها:

كربلاء. فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأراها النبيّ … » «1».

قال الهيثمي: «رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات» «2».

وأخرجه الحاكم النيسابوري في «المستدرك» «3».

المطلب الثاني: في تكرار البكاء عليه واستمراره: … ص: 462
اشارة

قال الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام لمّا سُئل عن كثرة بكائه علي أبيه واستمراره علي ذلك، في ما رواه الحافظ أبو نُعيم:

«لا تلوموني! فإنّ يعقوب فقد سبطاً من وُلده، فبكي حتّي ابيضّت عيناه ولم يعلم أنّه مات؛ وقد نظرت إلي أربعة عشر رجلًا من أهل بيتي في غزاة واحدةٍ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي؟!» «4».

فالإمام عليه السلام استشهد بقصّة يعقوب، وكثرة بكائه واستمراره علي ذلك كلّما ذكره …

كما في القرآن الكريم … حتّي ابيضّت عيناه …

والنبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لمّا أمر بالبكاء علي سيّدنا حمزة عليه السلام، جعل الناس يبكون حمزة كلّما أرادوا البكاء علي قتلاهم أو موتاهم، والنبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يقرّهم علي ذلك … قالوا:

__________________________________________________

(1) المعجم الكبير 3/ 108 ح 2819.

(2) مجمع الزوائد 9/ 189.

(3) المستدرك علي الصحيحين 3/ 194 ح 4818.

(4) حلية الأولياء 3/ 138.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 463

فكانت هذه سُنّة عند المسلمين في المدينة المنوّرة، وكانت عادة باقية مستمرّة لقرون كثيرة، قال الحاكم: «وإلي يومنا هذا» «1».

النياحة والجزع علي الحسين … ص: 463

لقد أفتي فقهاؤنا بجواز النياحة والجزع علي كلّ ميّتٍ من المسلمين، قال السيّد اليزدي في «العروة»: «يجوز النوح علي الميّت بالنظم والنثر ما لم يتضمّن الكذب … » «2».

قال: «وأمّا البكاء المشتمل علي الجزع وعدم الصبر، فجائز ما لم يكن مقروناً بعدم الرضا بقضاء اللَّه؛ نعم، يوجب حبط الأجر، ولا يبعد كراهته» «3».

هذا، وقد ورد في خصوص الجزع علي سيّد الشهداء عليه السلام ما يدلّ علي عدم الكراهية؛ فقد روي الشيخ عن المفيد، بإسناده عن أبي عبد اللَّه عليه السلام:

«كلّ الجزع والبكاء مكروه سوي الجزع والبكاء علي الحسين عليه السلام» «4».

***

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 1/ 537 ح 1407.

(2) العروة الوثقي 1/ 329 المسألة 1.

(3) العروة الوثقي 1/ 329 المسألة 2.

(4) الأمالي- للشيخ الطوسي-: 162 ح 268.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 465

فهرس المصادر والمراجع … ص: 465

1- في البدء: القرآن الكريم.

2- إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام، لمحمّد بن طاهر السماوي، تحقيق محمّد جعفر الطبسي، نشر مركز الدراسات لحرس الثورة الإسلامي، قم 1419.

3- إثبات الوصية للإمام عليّ بن أبي طالب، لعليّ بن الحسين الهذلي المسعودي (ت 346)، نشر مؤسّسة أنصاريان، قم 1417.

4- الاحتجاج، لأحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (ت 520)، تحقيق إبراهيم البهادري وآخرين، نشر دار الأُسوة، قم 1416.

5- الأحكام السلطانية، لعليّ بن محمّد الماوردي (ت 450)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1405.

6- أحوال الرجال، لإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت 259)، تحقيق صبحي البدري السامرّائي، بيروت 1405.

7- إحياء علوم الدين، للغزّالي محمّد بن محمّد (ت 505)، نشر دار الجيل، بيروت 1412.

8- الأخبار الطوال، لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت 282)، تحقيق عبد المنعم عامر، نشر مكتبة المثنّي ، بغداد.

9- أخبار القضاة، لوكيع محمّد بن خلف بن حيّان

(ت 306)، نشر عالم الكتب، بيروت.

10- أخبار مكّة، للفاكهي، محمّد بن إسحاق المكّي (ت 272) ط مصر.

11- الاختصاص (سلسلة مؤلّفات المفيد)، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان (ت 413)، نشر دار المفيد، بيروت 1414.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 466

12- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، للشيخ الطوسي (ت 460)، تحقيق مهدي الرجائي، نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم 1404.

13- الإرشاد، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان (ت 413)، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، نشر دار المفيد، بيروت.

14- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ليوسف بن عبد اللَّه بن محمّد ابن عبد البَرّ (ت 463)، تحقيق عليّ محمّد البجاوي، نشر دار الجيل، بيروت 1412.

15- أُسد الغابة، لعزّ الدين ابن الأثير أبي الحسن عليّ بن محمّد الجزري (ت 630)، تحقيق ونشر دار الفكر، بيروت 1409.

16- الإصابة، لابن حجر أحمد بن عليّ العسقلاني (ت 852)، تحقيق عليّ محمّد البجاوي، نشر دار الجيل، بيروت 1412.

17- إعلام الوري بأعلام الهدي ، للفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548)، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم 1417.

18- أعيان الشيعة، لمحسن الأمين العاملي (ت 1371)، تحقيق حسن الأمين، نشر دار التعارف، بيروت 1406.

19- الأغاني، لأبي الفرج عليّ بن الحسين الأصفهاني (ت 356)، شرح عبد عليّ مهنّا وسمير جابر، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1412.

20- الأمالي، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه (ت 381)، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، طهران 1417.

21- الأمالي، للشيخ الطوسي أبي جعفر محمّد بن الحسن (ت 460)، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، قم 1414.

22- الإمام الحسين وأصحابه، للشيخ فضل القزويني، (ت 1367) تحقيق السيد أحمد الحسيني، الطبعة الاولي سنة 1415 قم.

23- الإمامة

والسياسة، لابن قتيبة عبد اللَّه بن مسلم الدينوري (ت 276)، تحقيق علي شيري، نشر دار الأضواء، بيروت 1410.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 467

24- إمتاع الأسماع، لتقي الدين المقريزي (ت 845) تحقيق محمد عبدالحميد، دار الكتب العلمية 1420.

25- الإنباء بأبناء الأنبياء (تاريخ القضاعي)، لمحمّد بن سلامة القضاعي (ت 454)، تحقيق عمر عبد السلام، نشر المكتبة العصرية، بيروت 1420.

26- الأنساب، لأبي سعد عبد الكريم بن محمّد بن منصور السمعاني (ت 562)، تحقيق عبد اللَّه عمر الباروني، دار الجنان، بيروت 1408.

27- أنساب الأشراف (جمل من … )، لأحمد بن يحيي البلاذري (ت 279)، تحقيق سهيل زكّار وآخرين، نشر دار الفكر، بيروت 1417.

28- بحار الأنوار، لمحمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت 1110)، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت 1403.

29- البداية والنهاية، لابن كثير إسماعيل بن عمر القرشي البصري (ت 771)، تحقيق مجموعة من الأساتذة، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1415.

30- البدر الطالع، لمحمّد بن عليّ الشوكاني (ت 1250)، تحقيق خليل المنصور، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1418.

31- بغية الطلب في تاريخ حلب، لابن العديم عمر بن أحمد (ت 660)، تحقيق سهيل زكّار، نشر دار الفكر، بيروت.

32- بصائر الدرجات الكبري ، لمحمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار (ت 290)، تحقيق ميرزا محسن، نشر الأعلمي، طهران 1362.

33- تاج العروس، لمحمّد مرتضي الزبيدي الحنفي (ت 1205)، تحقيق علي شيري، نشر دار الفكر، بيروت 1414.

34- تاريخ ابن خلدون، لابن خلدون عبد الرحمن بن محمّد الحضرمي (ت 808)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1413.

35- تاريخ الإسلام، لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748)،

36- تاريخ بغداد، لأحمد بن عليّ الخطيب البغدادي (ت 463)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 468

37- تاريخ

الخلفاء، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911)، نشر دار الجيل، بيروت 1415.

38- تاريخ خليفة بن خيّاط، لخليفة بن خيّاط العصفري البصري (ت 240)، تحقيق سهيل زكّار، نشر دار الفكر، بيروت 1414.

39- تاريخ الخميس، لحسين بن محمّد بن الحسن الدياربكري (ت 966)، نشر مؤسّسة شعبان، بيروت.

40- تاريخ دمشق، لأبي قاسم عليّ بن الحسن ابن عساكر (ت 571)، تحقيق أبي سعيد عمر بن غرامة العَمري، نشر دار الفكر، بيروت 1415.

41- تاريخ الطبري (تاريخ الأُمم والملوك)، لمحمّد بن جرير الطبري (ت 310)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

42- التاريخ الكبير، لأبي عبد اللَّه محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري (ت 256)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

43- تاريخ يحيي بن معين، ليحيي بن معين الغطفاني (ت 233)، تحقيق عبد اللَّه أحمد، نشر دار القلم، بيروت.

44- تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن أبي يعقوب الكاتب (ت 292)، تحقيق عبد الأمير مهنّا، نشر مؤسّسة الأعلمي، بيروت 1413.

45- تحرير تقريب التهذيب، لبشّار عوّاد و شعيب الأرنؤوط، نشر مؤسّسة الرسالة، بيروت 1417.

46- تذكرة الحفّاظ، للذهبي محمّد بن أحمد بن عثمان (ت 748)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

47- تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزي يوسف بن فرغلي البغدادي (ت 654)، نشر مكتبة الشريف الرضي، قم 1418.

48- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، لمحمّد بن سعد الهاشمي (ت 230)، تحقيق عبد العزيز الطباطبائي، نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت 1416.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 469

49- تطهير الجنان واللسان (مرفق مع الصواعق المحرقة)، لأحمد بن حجر الهيتمي المكّي (ت 974)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1414.

50- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمّة الأربعة، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852)، تحقيق أيمن صالح

شعبان، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1416.

51- تفسير ابن أبي حاتم، لابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمّد (ت 327)، تحقيق أسعد محمّد الطيّب، نشر دار الفكر، بيروت 1424.

52- تفسير ابن كثير، لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774)، نشر دار الجيل، بيروت.

53- تفسير البحر المحيط، لأبي حيّان محمّد بن يوسف الأندلسي (ت 754)، نشر دار الفكر، بيروت 1403.

54- تفسير الفخر الرازي، لمحمّد بن عمر فخر الدين الرازي (ت 606)، تحقيق خليل محيي الدين، نشر دار الفكر، بيروت 1414.

55- تفسير المنار، لمحمّد رشيد رضا، نشر دار المعرفة، بيروت.

56- تقريب التهذيب، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852)، تحقيق مصطفي عبد القادر، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1415.

57- تنقيح المقال في شرح علم الرجال، لعبد اللَّه المامقاني (ت 1351)، نشر المطبعة المرتضوية، النجف الأشرف 1350.

58- تهذيب الأسماء واللغات، للنووي يحيي بن شرف الدين الدمشقي (ت 676)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

59- تهذيب التهذيب، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852)، نشر دار إحياء التراث، بيروت.

60- تهذيب الكمال، ليوسف بن عبد الرحمن المزّي (ت 742)، تحقيق أحمد علي عبيد وغيره، نشر دار الفكر، بيروت 1414.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 470

61- الثقات، لمحمّد بن حبّان التميمي البُستي (ت 354)، نشر دائرة المعارف الإسلامية، الهند 1393.

62- الجامع الصغير، لجلال الدين بن أبي بكر السيوطي (ت 911)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1410.

63- الجرح والتعديل، لأبي محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي (ت 327)، نشر الكتب العلمية، بيروت.

64- جمهرة الأمثال، للحسن بن عبد اللَّه بن سهل العسكري (ت 382)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم وغيره، نشر دار الجيل،

بيروت.

65- جمهرة أنساب العرب، لعليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي (ت 456)، تحقيق لجنة من العلماء، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1418.

66- جواهر التاريخ، للشيخ علي الكوراني العاملي، الطبعة الاولي سنة 1426.

67- الحسين والسُنّة، لعبد العزيز الطباطبائي (ت 1416)، قم.

68- حلية الأولياء، لأبي نُعيم الأصفهاني أحمد بن عبد اللَّه (ت 430)، تحقيق السعيد بسيوني، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

69- حياة الحيوان الكبري ، لكمال الدين الدميري (ت 808)، نشر دار الفكر، بيروت.

70- الخرائج والجرائح، لقطب الدين الراوندي (ت 573)، تحقيق مؤسّسة الإمام المهديّ عليه السلام، نشر دار الكتاب الإسلامي، بيروت.

71- خصائص أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، للشريف الرضي (ت 406)، نشر مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

72- الخصائص الكبري ، لجلال الدين السيوطي (ت 911) دار الكتاب العربي- بيروت.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 471

73- الخصال، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه (ت 381)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم 1416.

74- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، للمحبّي، نشر دار صادر، بيروت.

75- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911)، نشر دار الفكر، بيروت 1414.

76- الدرّ النظيم في مناقب الأئمة اللّهاميم، لجمال الدين يوسف بن حاتم الشامي (القرن السابع) تحقيق مؤسسّة النشر الإسلامي. قم 1420.

77- دلائل الإمامة، لمحمّد بن جرير الطبري الإمامي، نشر المطبعة الحيدرية، النجف 1383.

78- ذخائر العقبي ، لأحمد بن محمّد بن الطبري المكّي (ت 694)، تحقيق أكرم البوشي، نشر مكتبة الصحابة، جدّة 1415.

79- ذيل طبقات الحنابلة، لزين الدين أبي الفرج عبد الرحمن البغدادي الدمشقي الحنبلي (ت 795)، تحقيق أبو حازم أُسامة بن حسن وأبو الزهراء حازم علي، نشر دار الفكر، بيروت 1417.

80- رأس الحسين،

لابن تيميّة (ت 728)، مرفق مع «استشهاد الحسين» لمحمّد بن جرير الطبري (ت 310)، تحقيق السيّد الجميلي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت 1417.

81- ربيع الأبرار، لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538)، تحقيق سليم النعيمي، نشر منشورات الشريف الرضي، قم 1410.

82- الردّ علي المتعصّب العنيد، لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت 597)، تحقيق محمّد كاظم المحمودي، 1403.

83- روح المعاني، لمحمود الآلوسي البغدادي (ت 1270)، تحقيق محمّد حسين العرب، نشر دار الفكر، بيروت 1414.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 472

84- روضة الواعظين، لمحمّد بن الفتّال النيشابوري (ت 508)، تحقيق مجتبي الفرجي، نشر دليل ما، قم 1423.

85- زاد المعاد، لابن قيّم الجوزية محمّد بن أبي بكر (ت 751)، تحقيق عبد القادر عرفان، نشر دار الفكر، بيروت 1415.

86- الزهور المقتطفة من تاريخ مكّة المشرّفة، لمحمّد بن عليّ القرشي الفاسي (ت 832)، تحقيق أديب محمّد الغزّاوي، نشر دار صادر، بيروت 2000.

87- سبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد، لمحمّد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942)، تحقيق عادل أحمد وعلي محمّد، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1414.

88- سفينة البحار، لعبّاس بن محمّد رضا القمّي (ت 1359)، نشر دار التعارف، بيروت.

89- السنن الكبري ، لأحمد بن شعيب النَّسائي (ت 303)، تحقيق عبد الغفّار سليمان وكسروي حسن، نشر دار الكتب العلميّة، بيروت 1411.

90- السنن الكبري ، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458)، نشر دار الفكر، بيروت.

91- سير أعلام النبلاء، لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748)، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، نشر مؤسّسة الرسالة، بيروت 1414.

92- السيرة النبويّة، لمحمّد بن حبّان التميمي البُستي (ت 354، تحقيق عزيز بك وغيره، نشر مؤسّسة الكتب العلمية، بيروت 1407.

93- شذرات الذهب، لأبي الفلاح عبد الحيّ

الحنبلي (ت 1089)، نشر دار الفكر، بيروت 1414.

94- شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار، لأبي حنيفة النعمان بن محمّد المغربي (ت 363)، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم 1414.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 473

95- شرح صحيح مسلم، للنووي يحيي بن شرف الدين الدمشقي (ت 676)، تحقيق صدقي جميل العطّار، نشر دار الفكر، بيروت 1415.

96- شرح معاني الأخبار، لأحمد بن محمّد بن سلام الطحاوي (ت 321)، تحقيق محمّد زهري النجّار، دار الكتب العملية، بيروت 1416.

97- شرح المقاصد، لمسعود بن عمر الشهير بسعد الدين التفتازاني (ت 793)، تحقيق عبد الرحمن عميرة، نشر الشريف الرضي، قم 1409.

98- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي عزّ الدين عبد الحميد ابن هبة اللَّه المدائني (ت 656)، نشر دار الجيل، بيروت 1416.

99- الشعر والشعراء، لابن قتيبة الدينوري عبد اللَّه بن مسلم (ت 276)، تحقيق أحمد محمّد شاكر، نشر دار الحديث، القاهرة 1417.

100- صحيح البخاري، لمحمّد بن إسماعيل البخاري (ت 256)، نشر المكتبة الثقافية، بيروت.

101- صحيح مسلم، لمسلم بن الحجّاج النيسابوري (ت 261)، نشر دار الجيل، بيروت.

102- صلح الحسن عليه السلام، للشيخ راضي آل ياسين، نشر الشريف الرضي سنة 1414.

103- الصواعق المحرقة، لأحمد بن حجر الهيتمي المكّي (ت 974)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1414.

104- الضعفاء والمتروكين، للنسائي أحمد بن شعيب (ت 303)، تحقيق بوران الضناوي، نشر مؤسّسة الكتب الثقافية، بيروت 1407.

105- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902)، نشر دار الجيل، بيروت 1412.

106- الطبقات، لأبي عمرو خليفة بن خيّاط (ت 240)، تحقيق سهيل زكّار، نشر دار الفكر، بيروت 1414.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 474

107- الطبقات الكبري ، لمحمّد بن سعد الهاشمي (ت 230)، تحقيق محمّد عبد القادر

عطا، نشر دار الكتب العلميّة، بيروت 1410.

108- عارضة الأحوذي، لمحمّد بن عبد اللَّه بن العربي المعافري المالكي (ت 543)، تحقيق صدقي جميل العطّار، نشر دار الفكر، بيروت 1415.

109- العروة الوثقي ، لمحمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (ت 1337)، نشر مؤسّسة إسماعيليان، قم 1416.

110- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، لتقي الدين الفاسي (ت 832) تحقيق محمد عبد القادر، دار الكتب العلمية 1419.

111- العقد الفريد، لأحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي (ت 327)، نشر دار الأندلس، بيروت 1416.

112- علل الشرائع، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن عليّ (ت 381)، نشر دار الحجّة الثقافية، قم 1416.

113- عُمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، لابن عنبة الداودي (ت 828)، تحقيق محمّد حسن آل الطالقاني، نشر المطبعة الحيدرية، النجف 1380.

114- عُمدة القاري بشرح صحيح البخاري، لبدر الدين بن أحمد العيني (ت 855)، نشر دار الفكر، بيروت.

115- العواصم من القواصم، لمحمّد بن عبد اللَّه بن العربي المعافري المالكي (ت 543)، تحقيق محبّ الدين الخطيب، نشر دار البشائر، دمشق.

116- غنية الطّالبين، لعبد القادر الجيلاني. ط مصر.

117- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني (ت 852)، تحقيق عبد العزيز بن باز ومحمّد فؤاد، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1410.

118- الفتوح، لأحمد بن أعثم الكوفي (ت 314)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1406.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 475

119- فتوح البلدان، لأحمد بن يحيي البغدادي البلاذري (ت 279)، تحقيق رضوان محمّد، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1412.

120- الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة عليهم السلام، لعلي بن محمّد بن الصبّاغ المالكي (ت 855)، نشر دار الكتب التجارية، النجف الأشرف.

121- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، لمحمّد بن علي الشوكاني (ت 1250)، تحقيق عبد الرحمن اليماني،

نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

122- فيض القدير لشرح الجامع الصغير، لمحمّد بن عبد الرؤوف المناوي (ت 1031)، تحقيق أحمد عبد السلام، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1415.

123- الكافي، للكليني محمّد بن يعقوب الرازي (ت 329)، تحقيق علي أكبر الغفّاري، نشر دار الكتب الإسلامية، طهران 1367.

124- كامل الزيارات، لجعفر بن محمّد بن قولويه (ت 367)، تحقيق عبد الحسين الأميني، نشر المطبعة المرتضوية، النجف 1356.

125- الكامل في التاريخ، لابن الأثير علي بن محمّد الجزري (ت 630)، تحقيق عبد اللَّه القاضي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1415، وطبعه دار صادر بيروت 1385.

126- كشف الخفاء ومزيل الإلباس، لإسماعيل بن محمّد العجلوني الجراحي (ت 1162)، نشر دار إحياء التراث، بيروت 1351.

127- كشف الغمّة، لأبي الحسن عليّ بن عيسي بن أبي الفتح الإربلّي (ت 693)، تحقيق هاشم الرسولي المحلّاتي، نشر مكتبة بني هاشم، قم 1381.

128- كنز العمّال، لعليّ بن حسام الدين المتّقي الهندي (ت 975)، تحقيق بكر بن حيّان، نشر مؤسّسة الرسالة، بيروت 1413.

129- اللآلئ المصنوعة، لجلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911)، تحقيق صلاح بن محمّد، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1417.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 476

130- لسان العرب، لابن منظور محمّد بن مكرم (ت 711)، تحقيق علي شيري، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت 1408.

131- لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني (ت 852)، نشر مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1406.

132- لواعج الأشجان، للسيد محسن الأمين العاملي (ت 1371) ط النجف الأشرف.

133- مثير الأحزان، لنجم الدين ابن نما الحلّي (ت 645) ط النجف الأشرف.

134- المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين، لمحمّد بن حبّان أبي حاتم التميمي البُستي (ت 354)، تحقيق محمود إبراهيم زايد، نشر دار الوعي، حلب 1402.

135- مجمع الأمثال،

لأحمد بن محّمد النيسابوري الميداني (ت 518)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار الجيل، بيروت 1407.

136- مجمع الزوائد، لعليّ بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807)، نشر دار الكتب العليمة، بيروت 1408.

137- المحبّر، لمحمّد بن حبيب البغدادي (ت 245)، تحقيق الحسن بن حسين، نشر المكتب التجاري، بيروت.

138- مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور محمّد بن مكرم (ت 711)، تحقيق روحيّة النحّاس وآخرين، نشر دار الفكر، دمشق 1404.

139- المختصر في أخبار بني البشر، لأبي الفداء إسماعيل بن عليّ (ت 732)، نشر مكتبة المتنبّي، القاهرة.

140- مرآة الجنان وعبرة اليقظان، لأبي محمّد عبد اللَّه بن أسعد اليافعي اليماني (ت 768)، تحقيق خليل المنصور، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1417.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 477

141- مراصد الاطّلاع، لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحقّ البغدادي (ت 739)، تحقيق علي محمّد البجاوي، نشر دار الجيل، بيروت 1412.

142- مروج الذهب، لعليّ بن الحسين المسعودي (ت 346)، تحقيق يوسف أسعد داغر، نشر دار الأندلس، 1416.

143- المستدرك علي الصحيحين، لأبي عبد اللَّه محمّد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابوري (ت 405)، تحقيق مصطفي عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1411.

144- المسند، لأحمد بن حنبل (ت 241)، نشر دار صادر، بيروت.

145- المسند، لأبي يعلي الموصلي أحمد بن علي التميمي (ت 307)، تحقيق حسين سليم أسد، نشر دار المأمون للتراث، دمشق 1410.

146- المصنّف في الأحاديث، لعبداللَّه بن أبي شيبة الكوفي (ت 235)، تحقيق سعيد اللحّام، نشر دار الفكر، بيروت 1409.

147- معجم البلدان، لياقوت بن عبد اللَّه الحموي الرومي البغدادي (ت 626)، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت.

148- المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360)، تحقيق أيمن

صالح شعبان، نشر دار الحديث، القاهرة 1417.

149- معجم رجال الحديث، للسيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413)، قم 1413.

150- المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360)، تحقيق حمدي عبد المجيد، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت 1417.

151- معجم ما استعجم من أسماء البلاد، لعبد اللَّه بن عبد العزيز البكري (ت 487)، تحقيق مصطفي السقّا، نشر عالم الكتب، بيروت 1403.

152- معرفة الصحابة، لأبي نُعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد الأصبهاني (ت 430)، تحقيق عادل يوسف العزازي، نشر دار الوطن، الرياض 1419.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 478

153- مقاتل الطالبيّين، لأبي الفرج الأصفهاني (ت 354)، تحقيق أحمد صقر، نشر مؤسّسة الأعلمي، بيروت 1408.

154- مقتل الحسين عليه السلام، لأبي مخنف، نشر المكتبة الحيدرية، 1427.

155- مقتل الحسين عليه السلام، لأبي المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّي أخطب خوارزم (ت 568)، تحقيق محمّد السماوي، نشر أنوار الهدي ، قم 1418.

156- مقدّمة ابن خلدون، لعبد الرحمن بن محمّد بن خلدون الحضرمي (ت 808)، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1413.

157- الملهوف علي قتلي الطفوف، لابن طاووس عليّ بن موسي بن جعفر (ت 664)، تحقيق فارس الحسّون، نشر دار الأُسوة، قم 1414.

158- مناقب آل أبي طالب، لمحمّد بن عليّ بن شهر آشوب المازندراني (ت 588)، تحقيق يوسف البقاعي، نشر دار الأضواء، بيروت 1412.

159- المنح المكّية في شرح القصيدة الهمزية، لابن حجر المكّي (ت 973) ط مصر 1292.

160- المنتظم، لابن الجوزي أبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ (ت 597)، تحقيق سهيل زكّار، نشر دار الفكر، بيروت 1415.

161- منهاج السُنّة النبويّة، لأحمد بن عبد الحليم ابن تيميّة الحرّاني (ت 728)، تحقيق محمّد رشاد سالم، نشر دار أُحد، الرياض.

162- الموضوعات، لابن الجوزي أبي الفرج عبد

الرحمن بن عليّ (ت 579)، تحقيق عبد الرحمن محمّد، نشر دار الفكر، بيروت 1403.

163- ميزان الاعتدال، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي (ت 748)، تحقيق عبد الفتّاح أبو سِنّة، نشر دار الكتب العلمية، بيروت 1416.

164- نسب قريش، لمصعب الزبيري (ت 236)، تحقيق بروفنسيال، نشر دار المعارف، القاهرة.

165- النصّ والاجتهاد، لعبد الحسين شرف الدين الموسوي (ت 1377)، تحقيق أبو مجتبي ، نشر الدار الإسلامية، بيروت 1404.

من هم قتلةالحسين (ع)، ص: 479

166- نهاية الإرب في فنون الأدب، لأحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733) ط مصر.

167- النهاية في غريب الحديث، لأبي السعادات المبارك بن محمّد بن الأثير (ت 606)، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، نشر المكتبة العلمية، بيروت.

168- وفيات الأعيان، لأبي العبّاس شمس الدين أحمد بن محمّد بن أبي بكر بن خلّكان (ت 681)، تحقيق إحسان عبّاس، نشر دار صادر، بيروت.

***

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.