فضیله العلم و العلماآ

اشارة

سرشناسه : علوی عادل - 1955 عنوان و نام پديدآور : فضیله العلم و العلماآ/ عادل العلوی مشخصات نشر : قم الموسسه الاسلامیه العامه للتبلیغ و الارشاد، 1380. مشخصات ظاهری : ص 54 فروست : (موسوعه رسالات اسلامیه شابک : 964-5915-18-x (دوره ؛ 964-5915-55-4 وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی يادداشت : عربی يادداشت : فهرستنویسی براساس اطلاعات فیپا. یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس موضوع : مجتهدان و علما -- احادیث رده بندی کنگره : BP55/2 /ع 85ف 6 رده بندی دیویی : 297/996 شماره کتابشناسی ملی : م 80-5327

القسم الأوّل

[تمهيد]

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة العلم والعلماء([1])

الحمد لله الذي علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وسيّد رسله محمّد الأمين وعلى آله الطاهرين الأئمة المعصومين .

الإسلام والدعوة إلى العلم :

قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه :

( إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ )([2]) .

وقال سبحانه :

( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )([3]) .

فالإسلام هو دين الله القويم والصراط المستقيم من يبتغ غيره فقد ضلّ وأضلّ ، ولا يقبل منه ، فخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين .

واعلم أنّ مصدر التشريع الإسلامي هو القرآن الكريم والسنّة الشريفة

المتمثّلة بقول المعصوم (عليه السلام)وفعله وتقريره وهو النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) وعترته الأئمة الأطهار (عليهم السلام) .

فالمعارف الإسلامية الغنيّة إنّما نأخذها من هذين المصدرين الثقلين كما ورد في حديث الثقلين المتّفق عليه عند الفريقين السنّة والشيعة . إنّ الرسول الأعظم قال في مواطن كثيرة :

« إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي وإنّهما لن

يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » .

وحينما نرجع إلى الآيات الكريمة والروايات الشريفة نجد الاهتمام البالغ والحثّ الأكيد على العلم والعلماء وفضلهما ، فما أعظم العلم والعلماء منزلةً ورفعةً في الإسلام وفي قاموسه وثقافته .

قال الله تعالى :

( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )([4]) .

( نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْم عَلِيمٌ )([5]) .

وقال عزّ وجلّ :

( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )([6]) .

وإنّه سبحانه قارن بينه وبين اُولي العلم في مقام الشهادة على توحيده فقال

سبحانه :

( شَهِدَ اللهُ أ نَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَاُوْلُوا العِلْمِ )([7]) .

وقد أمر نبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن يسأل ربّه في زيادة العلم بقوله تعالى :

( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً )([8]) .

وقال في وصف عبد من عباده :

( وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ )([9]) .

( وَلَقَدْ آ تَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِير مِنْ عِبَادِهِ )([10]) .

( وَلَمَّا بَلَغَ أشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً )([11]) .

وقال :

( أفَمَنْ يَعْلَمُ أ نَّمَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أعْمَى إنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُوْلُوا الألْبَابِ )([12]) .

فغير العالم يكون من العميان .

( نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ )([13]) .

( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ أ نَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ

قُلُوبُهُمْ )([14]) .

( وَمَا يَعْقِلُهَا إلاَّ العَالِمُونَ )([15]) .

( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ )([16]) .

( وَيَرَى الَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ الَّذِي اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الحَقَّ )([17]) .

( وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ )([18]) .

عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه

وآله) قال :

« أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه »([19]) .

« وأكثر الناس قيمةً أكثرهم علماً ، وأقلّ الناس قيمةً أقلّهم علماً » .

وعنه عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة » .

و « إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وإنّه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتّى الحوت في البحر » .

و « فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر » .

و « إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن

ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر » .

وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« ولا كنز أنفع من العلم » .

« قيمة كلّ امرئ ما يحسنه » .

قال الخليل بن أحمد : هذه أحثّ كلمة على طلب العلم ، فهي من غُرر الحِكَم وجوامع الكَلِم ، وطوبى لمن عرف قدر نفسه .

قال (عليه السلام) :

« تعلّموا العلم فإنّ تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الأعداء ، وزين الأخلاّء ، يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمة يُقتدى بهم ، تُرمق أعمالهم ، وتقتبس آثارهم ، ترغب الملائكة في خلّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لأنّ العلم حياة القلوب ونور الأبصار من العمى وقوّة الأبدان من الضعف ، وينزل الله حامله منازل الأبرار ، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة ، بالعلم

يُطاع الله ويُعبد ، وبالعلم يُعرف الله ويوحّد ، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، والعلم إمام العقل والعقل تابعه ، يلهمه الله السعداء ويحرّمه الأشقياء » .

فالسعيد من يلهمه الله العلم ، والشقيّ من يحرم من ذلك العلم ، والعلم هو الأساس لكلّ عمل .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« رأس الفضائل العلم » .

و « غاية الفضائل العلم » .

و « إنّه يتفاضل الناس بالعلوم والعقول لا بالأموال والاُصول » .

و « معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته ، وجميل الاُحدوثة بعد وفاته » .

قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

« إنّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال ، فإنّ المال يذهب والأدب يبقى » .

قال مسعدة : يعني بالأدب العلم .

فخير وريث العلم ، وفي الأحاديث الشريفة :

« خير منجد في الحياة العلم » .

وإنّه « حجاب من الآفات » .

و « مصباح العقل » .

و « أفضل هداية » .

فهو « جمال لا يخفى ، ونسيب لا يجفى » .

« زين الأغنياء وغنى الفقراء » .

و « أفضل شرف من لا قديم له » .

« أشرف الأحساب ، يرفع الوضيع ، كما أنّ ترك العلم يضع الرفيع » .

« فالعلم ضالّة المؤمن » .

و « لا كنز أنفع من العلم » .

و « كفى به شرفاً أن يدّعيه من لا يُحسنه ، ويفرح به إذا نسب إليه ، وكفى بالجهل ذمّاً يبرأ منه من هو فيه » .

و « من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه » .

« فلا شرف كالعلم ، فإنّ الشريف كلّ الشريف من شرّفه علمه

» .

و « إنّ قلباً ليس فيه شيء من العلم كالبيت الخراب الذي لا عامر له » .

« فتعلّموا وعلّموا وتفقّهوا ولا تموتوا جهّالا ، فإنّ الله لا يُعذِرُ على الجهل » .

فإنّ « العلم يهدي إلى الحقّ » .

فما أعظم العلم :

فإنّ « كلّ وعاء يضيق بما جُعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنّه يتّسع به » .

وهذا يعني طلب العلم دائماً ، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« إذا أتى علَيَّ يومٌ لا أزداد فيه علماً يقرّبني إلى الله تعالى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم » .

« فمن قاتل جهله بعلمه ، فقد فاز بالحظّ الأسعد » .

و « ذنب العالم واحد ، وذنب الجاهل ذنبان ، العالم يُعذّب على ركوب الذنب ، والجاهل يُعذّب على ركوب الذنب وتركه العلم » .

فهلمّوا إلى طلب العلم النافع والعمل الصالح :

« فما استرذل الله تعالى عبداً إلاّ حُرم العلم ، من علامة بُغض الله تعالى للعبد أن يبغض إليه العلم » .

أجل :

« العلم رأس الخير كلّه ، والجهل رأس الشرّ كلّه » .

« فهو أصل كلّ حال سَنيّ ، ومنتهى كلّ منزلة رفيعة » .

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه الشريف في كتابه القيّم الأخلاقي الذي لا بدّ لكلّ طالب علم أن يقرأه ، بل في كلّ عام مرّة ، قال : إعلم أنّ الله سبحانه جعل العلم هو السبب الكلّي لخلق هذا العالم العِلوي والسفلي طرّاً ، وكفى بذلك جلالة وفخراً ،

قال الله تعالى في محكم الكتاب ، تذكرةً وتبصرةً لاُولي الألباب :

( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ

شَيْء قَدِيرٌ وَأنَّ اللهَ قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً )([20]) .

وكفى بهذه الآية دليلا على شرف العلم ، لا سيّما علم التوحيد الذي هو أساس كلّ علم ومدار كلّ معرفة . وجعل سبحانه العلم أعلى شرف وأوّل منّة امتنّ بها على ابن آدم بعد خلقه وإبرازه من ظلمة العدم إلى ضياء الوجود ، فقال سبحانه في أوّل سورة أنزلها على نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) :

( ا قْرَأ بِسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَق * ا قْرَأ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )([21]) .

فتأمّل كيف افتتح كتابه الكريم المجيد الذي :

( لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد )([22]) ، بنعمة الإيجاد ، ثمّ أردفها بنعمة العلم . فلو كان ثمّة منّة أو توجد نعمة بعد نعمة الإيجاد هي أعلى من العلم لما خصّه الله تعالى بذلك([23]) . انتهى كلامه رفع الله مقامه .

هذا ، والله سبحانه خلق الإنسان من جسد وروح ، وكان الجسد من تراب فهو أرضي الوجود ، يفنى وإنّه ضيّق الحدود جدّاً ، فإنّه الذرّة في أبعادها الثلاث قبال الكوكب الذي يعيش فيه ، والكوكب الأرضي يعدّ ذرّة في مجرّة التبانة ، وهي

ذرّة في المجرّات المليونية ، وإنّها الذرّة في الفضاء الذي لا يتناهى ، وإنّه الذرّة في علم الله السرمدي الأبدي ، هذا حال جسد الإنسان في خلقته العناصريّة ، وأمّا روحه فإنّها من العالم الملكوتي ، من الله سبحانه :

( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي )([24]) .

وإنّها باقية ، ولها سعة وجوديّة ينطوي فيها العالم الأكبر ، فلا يقاس بها شيء ، استخلفت

الله في أسمائه وصفاته .

ولكن من العجب العجاب أنّ الإنسان يعتني بجسده غاية الاعتناء في مأكله ومشربه ولباسه وكلّ لوازم حياته المادّية ، مع علمه بالموت وبفناء الجسد ، فإنّه يأكل في اليوم مرّات ومرّات ، ويتغذّى بألوان من الأطعمة والأشربة ليبقى حيّاً ولو لأيام معدودات ، ويتلذّذ بالمأكولات والمشروبات ، إلاّ أ نّه قد غفل عن روحه وإطعامها وغذائها وحياتها ، وطعام الروح وحياتها إنّما هو بالعلوم والفنون ، فكيف يتغذّى كلّ يوم لا أقلّ ثلاث مرّات صباحاً وظهراً ومساءً ، ولا يتغذّى لروحه ولو لساعة في كلّ يوم بكسبها العلم ؟ ! أليس العلم طعاماً كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام)في قوله : ( فَلْيَنْظُرِ الإنسَانُ إلَى طَعَامِهِ )([25]) ; قال (عليه السلام) : « إلى علمه ممّن يأخذ » .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« العلم حياة » .

وقال :

« العلم حياة الإسلام وعماد الدين والإيمان » .

وإنّه « محيي النفس ومنير العقل ومميت الجهل » .

« حياة القلوب ونور الأبصار من العمى وقوّة الأبدان من الضعف » .

و « ما مات من أحيى علماً ، فإنّ الناس هلكى إلاّ العلماء ، اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة » .

وبهذا أصبح طلب العلم من أهمّ الواجبات العقلية والدينية الشرعية ، إذ به حياة الأرواح والقلوب .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة » .

« به يطاع الربّ ويُعبد ، وبه توصل الأرحام ، ويعرف الحلال من الحرام ... » .

« فتعلموا العلم فإنّ تعلّمه حسنة ، وإنّه خيرٌ من المال ، فإنّه العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو

على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله » .

فهو « ميراث الأنبياء » .

و « لا يحصل عليه إلاّ المؤمن » .

و « يقوّي الرجل على المرور على الصراط » .

« فأكثر الناس قيمة أكثرهم علماً ، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علماً » .

« فالعلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلّمهما ، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد في ثمنك وقدرك » .

« فإنّه بالعلم تهتدي إلى ربّك ، وبالأدب تحسن خدمة ربّك ، وبأدب الخدمة يستوجب العبد ولايته وقربه ، فاقبل النصيحة كي تنجو عن العذاب » .

« فأقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد » .

« فطالب العلم ركن الإسلام ويُعطى أجره مع النبيّين » .

« فالعلماء كأنبياء بني إسرائيل » .

فهم « مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء » .

« فتفقّه في الدين ، فإنّ الفقهاء ورثة الأنبياء » .

و « إنّ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء » .

و « قد هلك خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة » .

« فالعالم حيّ وإن كان ميّتاً ، والجاهل ميّت وإن كان حيّاً » .

و « العلم أفضل من العبادة » .

« من خرج يطلب باباً من علم ليردّ به باطلا إلى حقّ ، أو ضلالةً إلى هدى كان علمه ذلك كعبادة متعبّد أربعين عاماً » .

« فقليل العلم خيرٌ من كثير العبادة » .

و « كلمة من الحكمة والعلم يسمعها الرجل فيقول أو يعمل بها خير من عبادة سنة » .

و « تذاكر العلم ساعة خيرٌ من قيام ليلة » .

و « نوم مع علم خيرٌ من صلاة على جهل » .

و

« قليل العمل مع كثير العلم ، خيرٌ من كثير العمل مع قليل العلم والشكّ والشبهة » .

« فطلب العلم أفضل عند الله من الصلاة والصيام والحجّ والجهاد في سبيل الله تعالى » .

ومن هذا المنطلق العظيم في فضل العلم والعلماء نجد التركيز البالغ من قبل الأئمة الأطهار عترة النبيّ المختار آل محمّد الأبرار (عليهم السلام) على طلب العلم وفضله ، وإنّ الشيعي والمتابع لهم لا يكون ولا يغدو ولا يمسي إلاّ عالماً ربّانياً أو متعلّماً على سبيل النجاة ، ولا يكون من الناس ومن الغثاء الهالك ، بل الإمام الصادق (عليه السلام) يقول :

« ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الدين » .

قال الإمام الباقر (عليه السلام)لابنه الإمام الصادق (عليه السلام) :

« يا بنيّ ، اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ، إنّي نظرت في كتاب لعليّ (عليه السلام)فوجدت في الكتاب : أنّ قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته » .

قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

« اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا ، فإنّا لا نعدّ الفقيه منهم فقيهاً حتّى يكون محدّثاً ، فقيل له : أوَ يكون المؤمن محدّثاً ؟ قال : يكون مفهّماً والمفهّم محدّث » .

لا يخفى أ نّه في دراية هذه الرواية الشريفة قيل : المحدّث تارة يقرأ بالكسر ، أي يكون من اسم الفاعل ، ويعني به أ نّه يحدّث الناس بأحاديث الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) ، واُخرى بالفتح أي اسم مفعول بمعنى أنّ الملائكة تحدّثه بالعلم الإلهامي ، كما ورد في الدعاء : « وارزقني إلهام

الملائكة المقرّبين » ، أي إلهام جبرئيل وميكائيل وأمثالهما من الملائكة المقرّبين ، وهذا من العلم النوراني الذي يقذفه الله سبحانه في قلب من يشاء أن يهديه إلى الصراط المستقيم :

« ليس العلم بكثرة التعلّم ، إنّما العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء أن يهديه » .

فالمؤمن ملهم ومفهّم ومحدّث ، يناجيه ربّه في سرّه ، ويؤدّبه بأدبه ، ويخلّقه بأخلاقه ، ويعلّمه من علمه .

فضل العلم على العبادة :

وبمثل هذا ورد في الأحاديث الشريفة :

« عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد » .

و « فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر » .

و « إنّ فضله على العابد كفضل الشمس على الكواكب ، وفضل العابد على غير العابد كفضل القمر على الكواكب » .

و « إنّ الركعة من عالم بالله خيرٌ من ألف ركعة من متجاهل بالله » .

« فعالم واحد أفضل من ألف عابد وألف زاهد » .

و « ساعة من عالم يتّكئ على فراشه ينظر في علمه ، خير من عبادة العابد سبعين عاماً » .

وأمّا فلسفة تقديم العالم على العابد ، فمنها :

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« فضل العالم على العابد بسبعين درجة ، بين كلّ درجتين حضر _ أي عدو _ الفرس سبعين عاماً ، وذلك إنّ الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها ، والعابد مقبل على عبادته لا يتوجّه لها ولا يعرفها » .

قال الإمام الرضا (عليه السلام) :

« يقال للعابد يوم القيامة : نِعمَ الرجل كفت همّتك ذات نفسك ، وكفيت الناس مؤونتك فادخل الجنّة ، ألا إنّ الفقيه من أفاض على الناس خيره ، وأنقذهم من أعدائهم

... يقال له : يا أ يّها الكافل لأيتام آل محمّد ، الهادي لضعفاء محبّبيهم ومواليهم قف حتّى تشفع لكلّ من أخذ عنك أو تعلّم منك » .

قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

« إذا كان يوم القيامة بعث الله عزّ وجلّ العالم والعابد ، فإذا وقفا بين يدي الله عزّ وجلّ قيل للعابد : انطلق إلى الجنّة ، وقيل للعالم : قف تشفّع للناس بحسن تأديبك لهم » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« والذي نفس محمّد بيده لَعالمٌ واحدٌ أشدّ على إبليس من ألف عابد ، لأنّ العابد لنفسه والعالم لغيره » .

فهلمّوا لطلب العلم :

و « اطلبوه ولو كان بالصين » .

يدلّ على بعد المسافة حين صدور الرواية ،

ولو علم الناس ما في العلم من البركات والنور « لطلبوه ولو بخوض اللجج وسفك المُهج » ، فهو « السبب بين العبد وربّه » .

وما أروع نصيحة لقمان لولده :

« بنيّ ، اجعل في أيّامك ولياليك وساعاتك نصيباً لك في طلب العلم ، فإنّك لن تجد لك تضييعاً مثل تركه » .

« فالعلم أثمن من كلّ ثمين ، وأنفس من كلّ نفيس ، ولا ضياع كضياعه » .

« فطلبه واجب في كلّ حال » .

« ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم وطلاّبه » .

وهيهات أن يشبع الإنسان من طلب العلم ، فإنّه يطلبه :

« من المهد إلى اللحد » .

« منهومان لا يشبع طالبهما : طالب العلم وطالب الدنيا ، إلاّ أنّ طالب الدنيا يقتله طلبه ، وطالب العلم يحيى في طلبه ، فيزداد رضى الرحمن ، أمّا طالب المال والدنيا فيتمادى في الطغيان » .

( لَيَطْغَى * أنْ رَآ هُ اسْتَغْنَى

)([26]) .

« فالشاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله » .

و « إذا جاءه الموت وهو على طلب العلم مات وهو شهيد » .

و « ما من عبد يغدو في طلب العلم أو يروح إلاّ خاض الرحمة الإلهيّة » .

وإنّها قريبة من المحسنين .

« فطالب العلم له عزّة الدنيا وفوز الآخرة » .

وذلك هو الفوز العظيم .

« فمن طلب العلم فهو كالصائم نهاره والقائم ليله ، وإنّ باباً من العلم يتعلّمه الرجل خيرٌ له من أن يكون أبو قبيس _ جبل كبير في مكّة المكرّمة _ ذهباً فأنفقه في سبيل الله » .

و « من طلب العلم تكفّل الله برزقه » .

و « من تفقّه في الدين كفاه الله همّه ورزقه من حيث لا يحتسب » .

و « من جاء أجله وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام لم يفضله النبيّون إلاّ بدرجة » ، أي يكون دون النبيّين بدرجة واحدة .

فما أعظم منزلة طالب العلم .

« فإنّه تبسط له الملائكة أجنحتها رضىً بما يطلب ، وتستغفر له ، وبورك في معيشته ، ولم ينقص من رزقه » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنّة ، ويفتح له باب إلى الجنّة ، بل كانت الجنّة في طلبه ، ويستغفر له كلّ شىء حتّى الحيتان في البحر » ، فإنّ حياتهم ببقائه ، وبقاؤه بتوفيقه وطاعته وطهارته وغفران ذنوبه وآثامه ، فجميع دوابّ الأرض لتصلّي على طالب العلم حتّى الحيتان في البحر ، و « من خرج من بيته يطلب علماً شيّعه سبعون ألف ملك يستغفرون له ، وكانت الملاطكة معه يحفظونه

» .

فضل معلّم الخير :

عن عيسى بن مريم (عليه السلام) :

« من عَلِمَ وَعمِلَ وعَلَّم ، عُدَّ في الملكوت الأعظم عظيماً » .

فإنّ طالب العلم والعالم ربما يستضعفه الناس ويعدّ في الأرض من المستضعفين ، إلاّ أ نّه في السماء يعدّ عظيماً ، و « زكاة العلم وأفضل الصدقة تعليمه من لا يعلمه » .

وما أروع ما يقوله الإمام الرضا (عليه السلام) :

« رحم الله عبداً أحيى أمرنا ، فقال الهروي له : فكيف يُحيي أمركم ؟ قال : يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس ، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا » .

و « ما أخذ الله سبحانه على الجاهل أن يتعلّم حتّى أخذ على العالم أن يُعلّم » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« يجيء الرجل يوم القيامة وله من الحسنات كالسحاب الركام أو كالجبال الرواسي ، فيقول : يا ربّ ، أ نّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول : هذا علمك الذي علّمته الناس يعمل به من بعدك . فمن علّم باب هدىً فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص اُولئك من اُجورهم شيئاً ، وكلّ شيء ينقص على الإنفاق إلاّ العلم » .

قال الإمام الحسن (عليه السلام) :

« علّم الناس ، وتعلّم علم غيرك ، فتكون قد أتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« إنّ الله وملائكته حتّى النملة في جُحرها وحتّى الحوت في البحر يصلّون على معلّم الناس الخير . إنّ معلّم الخير يستغفر له دوابّ الأرض وحيتان البحر وكلّ ذي روح في الهواء وجميع أهل السماء والأرض ، ولا يستخفّ بحقّ معلّم الخير إلاّ المنافق » .

قال رسول الله

(صلى الله عليه وآله) :

« ألا اُخبركم عن الأجود والأجود ؟ الله الأجود الأجود ، وأنا أجود ولد آدم ، وأجودكم بعدي رجل علّم علماً فنشر علمه ، يبعث يوم القيامة اُمّةً وحده » .

فيكون مثل خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) ، فإنّه كان اُمّة .

شرائط تعلّم العلم :

فلا بدّ لطالب العلم من الصبر على طلبه وتحمّل الأذى والمتاعب من أجله ، فلا يضجر ولا يكسل .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« من لم يصبر على ذلّ التعلّم ساعة بقي في ذلّ الجهل أبداً . وما من متعلّم يختلف إلى باب العالم إلاّ كتب الله له بكلّ قدم عبادة سنة . ومن صفات المتّقين : إنّك ترى لهم قوّة في دين وحزماً في لين وإيماناً في يقين وحرصاً في علم ، وعلماً في حلم . ولا بدّ لطالب العلم من النيّة الصادقة والإخلاص في طلب العلم » .

قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

« من تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله دُعي في ملكوت السماوات عظمياً ، فقيل : تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله » .

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

«

العالم إذا أراد بعلمه وجه الله تعالى هابه كلّ شيء ، وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كلّ شيء » .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« لو أنّ حملة العلم حملوه بحقّه لأحبّهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه ، ولكنّهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« علماء هذه الاُمّة رجلان : رجل آتاه الله علماً فطلب به وجه الله والدار الآخرة وبذله للناس ولم يأخذ عليه طمعاً ،

وعلم يشترِ به ثمناً قليلا ، وذلك يستغفر له من في البحور ، ودوابّ البرّ والبحر والطير في جوّ السماء ، ويُقدم على الله سيّداً شريفاً ، ورجلٌ آتاه الله علماً فبخل به على عباد الله ، وأخذ عليه طمعاً ، واشترى به ثمناً قليلا ، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار » .

علائم طلاّب العلم وأصنافهم :

فطالب العلم إنّما يتقرّب بعلمه إلى الله ويكون مهاباً وعزيزاً عند الناس فيما لو طلب وتعلّم لله سبحانه ، ولكلّ شيء علامة وخصيصة ، فمن علائم طلب العلم لله عزّ وجلّ وخصائص المتعلّم لله :

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال :

« من طلب العلم لله لم يصب منه باباً إلاّ ازداد به في نفسه ذلا ، وفي الناس تواضعاً ، ولله خوفاً ، وفي الدين اجتهاداً ، وذلك الذي ينتفع بالعلم فليتعلّمه ، ومن طلب العلم للدنيا والمنزلة عند الناس والحظوة عند السلطان _ أي يتقرّب به إلى الدولة والحكومة _ لم يصب منه باباً إلاّ ازداد في نفسه عظمةً وعلى الناس استطاعةً وبالله اغتراراً ، ومن الدين جفاءً ، فذلك الذي لا ينتفع بالعم فليكفّ وليمسك عن الحجّة على نفسه ، والندامة والخزي يوم القيامة » .

« فمن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا ، ومن أراد به الدنيا فهو حظّه » .

و « من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنّة » .

و « من تعلّم العلم رياءً وسمعة يريد به الدنيا نزع الله بركته ، وضيّق عليه معيشته ، ووكله الله إلى نفسه ، ومن وكله الله إليه نفسه فقد هلك » .

« فمن تعلّم العلم لغير الله تعالى فليتبوّأ مقعده

من نار » .

و « من طلب العلم لغير العمل فهو كالمستهزئ بربّه عزّ وجلّ » .

« أوحى الله إلى بعض أنبيائه : قل للذين يتفقّهون لغير الدين ، ويتعلّمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا لغير الآخرة ، يلبسون للناس مسوك الكبائش وقلوبهم كقلوب الذئاب ، ألسنتهم أحلى من العسل وأعمالهم أمرّ من الصبر : إيّاي يخادعون ؟ ! ولاُتيحنّ لكم فتنة تذر الحكيم حيراناً » .

فإنّه سبحانه يبتليه ببلاء صعب يتحيّر منه اُولي الألباب .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« خذوا من العلم ما بدا لكم ، وإيّاكم أن تطلبوه لخصال أربع : لتباهوا به العلماء ، أو تماروا به السفهاء ، أو تراؤوا به في المجالس ، أو تصرفوا وجوه الناس إليكم للترؤّس » .

فمن الناس من يطلب العلم بأمل الرئاسة على الناس ، فلا بدّ أن يهذّب نفسه من اليوم الأوّل بأن يطلب العلم لله وللعمل لا رياءً وسمعةً وحبّاً للرئاسة .

« ومن طلب العلم لأربع دخل النار : ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو ليصرف به وجوه الناس إليه ، أو يأخذ به من الاُمراء » .

أ يّها الأحبّة والأعزّاء ، يا إخوان الصفا وأخلاّء الوفا ، إنّ طلبة العلم أصناف ، فلينظر طالب العلم إلى نفسه وطلبه للعلم حتّى يعرف أ نّه من أيّ صنف هو ؟

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« طلبة العلم على ثلاثة أصناف ، ألا فاعرفهم بصفاتهم وأعيانهم : صنف منهم يتعلّمون للمراء والجدل ( الجهل ) ، تراه مؤذياً ممارياً للرجال في أندية المقال ، قد تسربل بالتخشّع ، وتخلّى من الورع ، فدقّ الله من هذا خيزومه وقطع

منه خيشومه ، وأمّا صاحب الاستطالة والختل فإنّه يستطيل على أشباهه من أشكاله ويتواضع للأغنياء من دونهم ، فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم ، فأعمى الله من هذا بصره ، وقطع من آثار العلماء أثره ، وأمّا صاحب الفقه والعمل تراه ذا كآبة وحزن ، قد قام الليل في حندسه وقد انحنى في بُرنسه ، يعمل ويخشى ، خائفاً وجلا من كلّ أحد إلاّ من كلّ ثقة من إخوانه ، فشدّ الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« العلماء ثلاثة : رجل عاش به الناس وعاش بعلمه ، ورجل عاش به الناس وأهلك نفسه _ إذ لم يعمل بعلمه _ ورجل عاش بعلمه ولم يعش به أحد غيره _ فلم يعلّم الناس من علمه _ » .

اختيار المعلّم الصالح :

ثمّ لا بدّ في طلب العلم من اختيار المعلّم الصالح والاُستاذ النافع ، فإذا رأيتم العالم مقبلا على دنياه يدخل في زمرة السلاطين وعلى موائد الأغنياء فاتّهموه في دينه ، فلا يؤخذ منه الفقه والدين ، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام)في قوله تعالى : ( فَلْيَنْظُرِ الإنسَانُ إلَى طَعَامِهِ )([27]) ; قال : « فلينظر إلى علمه الذي يأخذه ممّن يأخذه » .

« فلا تتعلّم العلم ممّن لم ينتفع به ، فإنّ من لم ينفعه علمه لا ينفعك » .

« فلا علم إلاّ من عالم ربّاني ، ومعرفة العلم بالعقل » .

فمن آثاره وصُنعه وأعماله تعرف علمه وعمله .

« وعجباً لمن يتفكّر في مأكوله كيف لا يتفكّر في معقوله ، فيجنّب بطنه ما يؤذيه ، ويودع صدره ما يزكّيه » .

« فتعلّم علم من يعلم ،

وعلّم علمك من يجهل » .

حقوق العلم وحدوده :

ولا يخفى أنّ للعلم حدوداً وحقوقاً ، لا بدّ من مراعاتها حتّى يتمّ المطلوب ونصل إلى المراد والمقصود ، فإنّه لمّا سئل رسول الله عن العلم ؟ قال : الإنصات ، قال : ثمّ مه ؟ قال : الاستماع له ، قال : ثمّ مه ؟ قال : الحفظ له ، قال : ثمّ مه ؟ قال : العمل به ، قال : ثمّ مه ؟ قال : ثمّ نشره .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : تواضعوا لمن تتعلّمون منه العلم ولمن تعلّمونه ، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : تواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبّارين فيذهب باطلكم بحقّكم .

وقال (عليه السلام)في قوله تعالى : ( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ )([28]) : « ليكن الناس عندك في العلم سواء » .

فالتواضع من الاُصول الأساسية في طلب العلم عالماً أو متعلّماً .

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام)في رسالة الحقوق المرويّة عنه في حقوق المتعلّم على المعلّم قال :

« أمّا حقّ رعيّتك بالعلم : فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ إنّما جعلك قيّماً لهم فيما آتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإذا أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلّك » .

وأمّا في حقوق المعلّم على المتعلّم ، فقال :

« حقّ سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير

لمجلسه ، وحسن الاسمتاع إليه ، والإقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، وأن لا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه به ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذاك شهد لك ملائكة الله بأ نّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للناس » .

قال الإمام الباقر (عليه السلام) :

« إذا جلست إلى عالم فكن على أنّ تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلّم حسن القول ، ولا تقطع على أحد حديثه » .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« من حقّ العالم عليك أن تسلّم على القوم عامّة وتخصّه دونهم بالتحيّة ، وأن تجلس أمامه ، ولا تشيرنّ عنده بيدك ، ولا تغمزن بعينيك ، ولا تقولن ( قال فلان ) خلافاً لقوله ، ولا تغتابنّ عنده أحداً ، ولا تسارّ في مجلسه ، ولا تأخذ بثوبه ، ولا تلحّ عليه إذا أملّ ، ولا تعرض من طول صحبته ، فإنّما هو بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء ، فإنّ المؤمن العالم لأعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله ، فإذا مات العالم انثلمت في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم القيامة » .

و « ليس من أخلاق المؤمن التملّق ولا الحسد إلاّ في طلب العلم » .

و « إذا رأيت عالماً فكن له خادماً » .

« فمن وقّر عالماً فقد وقّر ربّه » .

و «

من استقبل العلماء فقد استقبل رسول الله ، ومن زارهم فقد زاره ، ومن جالسهم فقد جالسه ، ومن جالس رسول الله فكأ نّه جالس الله سبحانه » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« من علّم شخصاً مسألةً فقد ملك رقبته ، فقيل له : يا رسول الله ، أيبيعه ؟ فقال : لا ولكن يأمره وينهاه » .

وهذا من قولهم : ( من علّمني حرفاً فقد صيّرني عبداً ) .

فينبغي :

« عل المتعلّم أن يدأب نفسه في طلب العلم ، ولا يملّ من تعلّمه ولا يستكثر ما علم » .

« ولا يحرز العلم إلاّ من يطيل درسه » .

و « من أكثر الفكر فيما تعلّم أتقن علمه ، وفهم ما لم يكن يفهم » .

« فلا فقه لمن لا يديم الدرس » .

« فاطلب العلم تزدد علماً » .

و « تفرّغ للعلم إن كنت تريده ، فإنّ العلم لمن تفرّغ » .

« فلا تسأم من طلب العلم طول عمرك » .

وإليكم هذا الحديث الجامع في طلب العلم :

العلاّمة المجلسي بسنده عن عنوان البصري _ وكان شيخاً كبيراً قد أتى عليه أربع وتسعون سنة _ قال : كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين ، فلمّا قدم جعفر الصادق المدينة اختلفت إليه ، وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك ، فقال لي يوماً : إنّي رجل مطلوب ومع ذلك لي أوراد في كلّ ساعة من آناء الليل والنهار ، فلا تشغلني عن وردي ، وخذ عن مالك واختلف إليه كما كنت تختلف إليه ، فاغتممت من ذلك وخرجت من عنده وقلت في نفسي : لو تفرّس فيّ خيراً لما زجرني عن

الاختلاف إليه والأخذ عنه ، فدخلت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلّمت عليه ثمّ رجعت من الغد إلى الروضة وصلّيت فيها ركعتين وقلت : أسألك الله يا الله أن تعطف عليّ قلب جعفر وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم ، ورجعت إلى داري مغتمّاً ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما اُشرب قلبي من حبّ جعفر ، فما خرجت من داري إلاّ إلى الصلاة المكتوبة حتّى عيل صبري ، فلمّا ضاق صدري تنعّلت وتردّيت وقصدت جعفراً وكان بعدما صلّيت العصر ، فلمّا حضرت باب داره واستأذنت عليه فخرج خادم له فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : السلام على الشريف ، فقال : هو قائم في مصلاّه ، فجلست بحذاء بابه ، فما لبثت إلاّ يسيراً إذ خرج خادم فقال : ادخل على بركة الله ، فدخلت وسلّمت عليه ، فردّ السلام وقال : إجلس غفر الله لك ، فجلست ، فأطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه ، وقال : أبو من ؟ قلت : أبو عبد الله . قال : ثبّت الله كنيتك ووفّقك يا أبا عبد الله ، ما مسألتك ؟ فقلت في نفسي : لو لم يكن لي من زيارته والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيراً ، ثمّ رفع رأسه ثمّ قال : ما مسألتك ؟ فقلت : سألت الله أن يعطف قلبك عليّ ويرزقني من علمك وأرجو أنّ الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته ، فقال : يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلّم ، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله تعالى أن يهديه ، فإن أردت العلم فاطلب أوّلا في نفسك حقيقة

العبوديّة ، واطلب العلم باستعماله ، واستفهم الله يفهمك ، فقلت : يا شريف ، فقال : قل يا أبا عبد الله ، قلت : يا أبا عبد الله ، ما حقيقة العبوديّة ؟ قال : ثلاثة أشياء : أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً ، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك ، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به ، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً ، وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى ونهاه عنه ، فإذا لم يرَ العبد لنفسه فيما خوّله الله تعالى ملكاً هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه ، وإذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره هان عليه مصائب الدنيا ، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس ، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا وإبليس والخلق ، ولا يطلب الدنيا تكاثراً وتفاخراً ، ولا يطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً ، ولا يدع أيامه باطلا ، فهذا أوّل درجة التقى ، قال الله تبارك وتعالى : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلا فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )([29]) ، قلت : يا أبا عبد الله أوصني ، قال : اُوصيك بتسعة أشياء فإنّها وصيّتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى ، والله أسأل أن يوفّقك لاستعماله ، ثلاثة منها في رياضة النفس ، وثلاثة منها في الحلم ، وثلاثة منها في العلم ، فاحفظها وإيّاك والتهاون بها . قال عنوان : ففرّغت قلبي له .

فقال :

أمّا اللواتي في الرياضة :

__ فإيّاك أن تأكل ما لا تشتهيه ،

فإنّه يورث الحماقة والبله .

__ ولا تأكل إلاّ عند الجوع .

__ وإذا أكلت فكل حلالا وسمّ الله واذكر حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) : ما ملأ آدمي وعاءً شرّاً من بطنه ، فإذا كان ولا بدّ فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه .

وأمّا اللواتي في الحلم :

__ فمن قال لك : إن قلت واحدةً سمعت عشراً ، فقل : إن قلت عشراً لم تسمع واحدة .

__ ومن شتمك فقل له : إن كنت صادقاً فيما تقول فأسأل الله أن يغفر لي ، وإن كنت كاذباً فيما تقول فالله أسأل أن يغفر لك .

__ ومن وعدك بالخِنى _ الفحش في الكلام _ فعده بالنصيحة والدعاء .

وأمّا اللواتي في العلم :

__ فاسأل العلماء ما جهلت ، وإيّاك أن تسألهم تعنّتاً وتجربة .

__ وإيّاك أن تعمل برأيك شيئاً ، وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا .

__ واهرب من الفتيا هربك من الأسد ، ولا تجعل رقبتك للناس جسراً .

قم عنّي يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ولا تفسد عليّ وردي ، فإنّي امرؤٌ ضنين بنفسي ، والسلام على من اتّبع الهدى([30]) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الثاني

[تمهيد]

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمّد وآله .

لا يخفى على ذوي النهى أنّ الإسلام بمصدره الغني في علومه ومعارفه _ القرآن الكريم والسنّة الشريفة _ ليحثّ معتنقيه حثيثاً بالغاً على طلب العلم النافع والعمل الصالح ويامر بذلك ، وإنّ الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات .

وأساس الإيمان العلم ، وإنّه النور الذي يسعى بين يدي المؤمن في حياته الدنيوية والاُخرويّة ، وما أكثر النصوص الدينية من

الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة الصادرة عن النبيّ المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله) وعن أهل بيته وعترته الأطهار الأئمة الأبرار (عليهم السلام) التي تذكر فضائل العلم والعلماء ، وإنّ السعادة الأبدية تتبلور في حمل العلم الإلهي المقارن بالنوايا الصادقة والأعمال الصالحة .

وقد ذكرنا جملة منها في القسم الأوّل وكان المحور الأساس هو فضيلة العلم وبركاته وآثاره في الدنيا والآخرة ، وشمّة من آدابه ولوازمه .

والمقصود من هذا القسم بيان جوانب اُخرى من مكارمه ومعالمه ، ليزداد طالب العلم بصيرةً وشوقاً وعشقاً وهمّةً عالية وصبراً وحلماً في طلبه وتحمّله ، فإنّ العلم إذا أعطيته كلّك أعطاك بعضه . ومن طلب العُلى سهر الليالي ، لا سيّما في أيام الشباب ، فإنّ من أتعب نفسه في شبابه استراح في شيبته ، وتعرف أواخر الأشياء بأوائلها ، فمن كان في بدايته مستقيماً وخالصاً يتعلّم لله ويعمل لله ويعلّم لله ، سيكون على خير في عاقبة الاُمور ، فما كان لله ينمو ، وما عند الله فهو الباق .

« فاغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وحياتك قبل مماتك ، وصحّتك قبل مرضك ، وفراغك قبل شغلك ... » .

شموخ مقام العلماء :

هذا وقد بيّن القرآن الكريم والرسول الأعظم والأئمة الأطهار (عليهم السلام) عظمة العلم وشموخ مقام العلماء .

قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

« علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلّط عليهم إبليس وشيعته » .

« فالعلماء اُمناء والأتقياء حصون والأوصياء سادة » .

« العلماء قادة » .

و « الملوك حكّام على الناس والعلماء حكّام على الملوك » .

« العلماء حكّام على الناس » .

يقول الإمام الهادي

(عليه السلام) :

« لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه ، والدالّين عليه ، والذّابّين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله » .

« فالعلماء أطهر الناس أخلاقاً ، وأقلّهم في المطامع أعراقاً » .

« فهم اُمناء الله على خلقه » .

« العلم وديعة الله في أرضه ، والعلماء اُمناؤه عليه ، فمن عمل بعلمه أدّى أمانته ، ومن لم يعمل بعلمه كتب فى ديوان الخائنين » .

« فالعلماء اُمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« فضل العالم على غيره كفضل النبيّ على اُمّته » .

و « العالم يعرف الجاهل لأ نّه كان قبلُ جاهلا ، والجاهل لا يعرف العالم لأ نّه لم يكن قبلُ عالماً » .

و « إنّه ينظر بقلبه وخاطره ، والجاهل ينظر بعينه وناظره » .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« إنّما العالم من دعاه علمه إلى الورع والتقى ، والزهد في عالم الفناء ، والتولّه بجنّة المأوى » .

« فلا يكون العالم عالماً حتّى لا يحسد من فوقه ، ولا يحتقر من دونه ، ولا يأخذ على علمه شيئاً من حُطام الدنيا » .

و « لا يعظ إلاّ من يقبل عظته ، ولا ينصح معجباً برأيه ، ولا يخبر بما يخاف إذاعته » .

« ألا اُنبّئكم بالعالم كلّ العالم ؟ من لم يزيّن لعباد الله معاصي الله ، ولم يؤمّنهم مكر الله ، ولم يؤيّسهم من رَوحه » .

و « للعالم ثلاث علامات : العلم والحلم والصمت

» .

و « العالم من عرف قدره ، وكفى بالمرء جهلا ألاّ يعرف قدره » .

« فالعالم الذي لا يملّ من تعلّم العلم » .

و « من قال : أنا عالم ، فهو جاهل » .

« فلا تجعلوا علمكم جهلا ، ويقينكم شكّاً ، إذا علمتم فاعملوا ، وإذا تيقّنتم فأقدموا » .

« فإنّ ثمرة العلم العمل به ، وإخلاص العمل والعبادة » .

ثمرات العلم :

ومن ثمراته :

« التقوى واجتناب الهوى واتّباع الحقّ ومجانبة الذنوب ومودّة الإخوان والاستماع من العلماء والقبول منهم ، ترك الانتقام عند القدرة ، واستقباح مقاربة الباطل ، واستحسان متابعة الحقّ ، وقول الصدق والتجافي عن سرور في غفلة ، وعن فعل ما يعقّب ندامة ، والعلم يزيد العاقل عقلا ، ويورث متعلّمه صفات حمد ، فيجعل الحليم أميراً ، وذا المشورة وزيراً ، ويقمع الحرص ويخلع المكر ، ويميت البخل ، ويجعل مطلق الفحش مأسوراً _ أي كلّ مصاديق الأعمال والأقوال الفاحشة يجعلها أسيرةً لعقله وعلمه _ ويعيد السدّاد قريباً » .

فالعلم النافع المقرون بالعمل يورث الخشية والخوف من الله سبحانه :

( إنَّ الَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً )([31]) .

« فالخشية ميراث العلم ، والعلم شعاع المعرفة وقلب الإيمان ، ومن حُرم الخشية لا يكون عالماً وإن شقّ الشعر بمتشابهات العلم » .

قال الله تعالى :

( إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ )([32]) .

« ويعني بالعلماء من صدّق فعله قوله ، ومن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم » .

« فأعلم الناس بالله أخوفهم لله ، وأخوفهم له أعلمهم به

، وأعلمهم به أزهدهم في الدنيا » .

فمن ثمرة العلم وعلائمه الزهد في هذه الدنيا بأن لا تملكه الدنيا ولا يفرح بما هو آت ولا يحزن على ما فات ويغتنم الساعة التي هو فيها ، كما ورد جمع الزهد كلّه في قوله تعالى :

( لِكَيْلا تَأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آ تَاكُمْ )([33]) .

و « من اُوتي من العلم ما لا يبكيه لحقيقٌ أن يكون قد اُوتي علماً لا ينفعه ، لأنّ الله نعت العلماء فقال عزّ وجلّ ( إنَّ الَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً )([34]) » .

« فمن خشي الله كمل علمه » .

« أعلمكم أخوفكم » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلا ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله لا تدرون تنجون أو لا تنجون » .

أجل : للعلم النافع علامات وشعب وأشعّة نورانية تضيء العالم وتضفي عليه وعلى حامله جمالا ، ويحضى بالبركات والخيرات الفردية والاجتماعية .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« أمّا العلم فيتشعّب منه الغنى وإن كان فقيراً ، والجود وإن كان بخيلا ، والمهابة وإن كان هيّناً ، والسلامة وإن كان سقيماً ، والقرب وإن كان قصيّاً ، والحياء وإن كان صلفاً ، والرفعة وإن كان وضيعاً ، والشرف وإن كان رَذلا ، والحكمة والحظوة ، فهذا ما يتشعّب للعاقل بعلمه » .

العلم مقرون بالعمل :

نعم ، إنّ مقام العلم لمقام عظيم وشامخ في الدنيا والآخرة ، إلاّ أ نّه بشرطها وشروطها ، وأوّل شرط هو العمل

بالعلم ، فإنّ :

« العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، ولا يزيده سرعة السير من الطريق إلاّ بعداً » .

و « من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح » .

و « المتعبّد بغير فقه كالحمار في الطاحون يدور ولا يبرح » .

و « مثل العابد الذي لا يتفقّه كمثل الذي يبني بالليل ويهدم بالنهار » .

بل قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

« قصم ظهري اثنان عالم متهتّك لا يعمل بعلمه وجاهل متنسّك يعبد من غير علم » .

« فالعلم مقرون إلى العمل ، فمن علم عمل ، ومن عمل علم ، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلاّ ارتحل » .

« فيا حملة القرآن اعملوا به ، فإنّ العالم من علم ثمّ عمل بما علم ووافق عمله علمه » .

« فليس بنافعك أن تعلم ما لم تعمل ، إنّ كثرة العلم لا يزيدك إلاّ جهلا إذا لم تعمل به » .

« فما علم من لم يعمل بعلمه » .

و « ما زكا العلم بمثل العمل به » .

« فالعلم رشد لمن عمل به » .

« وما أكثر من يعلم العلم ولا يتّبعه » .

« فالعلم الذي لا يصلحك ضلال ، كما أنّ المال الذي لا ينفعك وبال » .

و « من لم يتعاهد علمه في الخلأ _ أي لا يراعي علمه في الخلوات _ فضحه في الملأ ، فإنّه يفتضح بعلمه ويكون عليه نقمة ولا خير في علم لا ينفع » .

كان الرسول الأعظم يتعوّذ بالله من علم لا ينفع ، وهو العلم الذي يضادّ العمل بالإخلاص :

« فالعلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه ،

أتعب صاحبه نفسه في جمعه ، ولم يصل إلى نفعه » .

و « ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه » .

« فعلم لا ينفع كدواء لا ينجع » .

ويصف أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)زمانه بقوله :

« أ يّها الناس إنّا قد أصبحنا في دهر عنود وزمن كنود ( شديد ) يُعدّ فيه المحسن مسيئاً ، ويزداد الظالم فيه عتوّاً ، لا ننتفع بما علمنا ، ولا نسأل عمّا جهلنا » .

سيّدي ومولاي ، إذا كان زمانك هكذا فكيف بعصرنا الراهن .

و « الدنيا كلّها جهل إلاّ مواضع العلم والعلم كلّه حجّة إلاّ ما عمل به » .

«

قال رجل : يا رسول الله ، ما ينفي عنه حجّة الجهل ؟ قال : العلم ، قال : فما ينفي عنّي حجّة العلم ؟ _ أي كيف أتخلّص من حجّة العلم فإنّ الله يحتجّ عليّ بعلمي _ فقال : العمل » .

و « إنّ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله ، بل الحجّة عليه أعظم ، والحسرة له ألزم ، وهو عند الله ألوم » .

و « كلّ علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلاّ من عمل به » .

« فالعلم بلا عمل ضلال » .

والعالم غير العامل فتنة للناس .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« إيّاكم والجهّال من المتعبّدين ، والفجّار من العلماء ، فإنّهم فتنة كلّ مفتون ، قطع ظهري رجلان من الدنيا : رجل عليم اللسان فاسق ، ورجل جاهل القلب ناسك ، هذا يصدّ بلسانه عن فسقه ، وهذا بنسكه عن جهله ، فاتّقوا الفاسق من العلماء ، والجاهل من المتعبّدين ، اُولئك فتنة كلّ

مفتون ، فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : يا عليّ ، هلاك اُمّتي على يدي كلّ منافق عليم اللسان » .

« فالجاهل يغشّ الناس بتنسّكه ، والعالم ينفّرهم بتهتّكه » .

« فتناصحوا في العلم _ أي ينصح بعضكم بعضاً _ فإنّ خيانة أحدكم في علمه أشدّ من خيانته في ماله ، وإنّ الله سائلكم يوم القيامة » .

تأديب النفس بالعلم :

وينبغي للعالم في مقام الوعظ والإرشاد والنصيحة والتعليم أن يبدأ بنفسه أوّلا ، فإنّ الكلام إذا خرج من القلب دخل في القلب ، وإذا خرج من اللسان ، فإنّه لم يتجاوز الآذان .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم » .

و « على العالم أن يعمل بما علم ، ثمّ يطلب تعلّم ما لم يعلم » .

و « إنّكم إلى العمل بما علمتم أحوج منكم إلى تعلّم ما لم تكونوا تعلمون » .

و « على العالم إذا علّم أن لا يعنف _ أي يستعمل العنف مع المتعلّمين من الناس أو التلامذة _ وإذا عُلّم أن لا يأنف _ ممّن ذكّره بشيء لا يستنكف من ذلك _ » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« ينبغي للعالم أن يكون قليل الضحك ، كثير البكاء ، لا يمازح ولا يصاخب ولا يماري ولا يجادل ، إن تكلّم تكلّم بحقّ ، وإن صمت صمت عن الباطل ، وإن دخل دخل برفق ، وإن خرج خرج بحلم » .

« فاعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية ،

لا عقل رواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل » .

و « تعلّموا ما شئتم أن تعلّموا ، فلن ينفعكم الله بالعلم حتّى تعملوا به ، لأنّ العلماء همّتهم الرعاية والسفهاء همّتهم الرواية » .

« فكونوا للعلم وعاةً ولا تكونوا رواةً » .

« فإنّ همّة العلماء الوعاية ، وهمّة السفهاء الرواية » .

و « علم المنافق في لسانه ، وعلم المؤمن في عمله » .

« فتعلّم ما تعلّم لتعمل به ، ولا تعلّمه لتحدّث به ، فيكون عليك بوره ، ويكون على غيرك نوره » .

و « إنّ أشدّ الناس حسرةً يوم القيامة الذين وصفوا العدل ثمّ خالفوه ، وهو قول الله تعالى : ( أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ )([35]) » .

وهل هذا إلاّ من الجهل ، ولا بدّ من طرده ورفعه بكلّ ما اُوتي الإنسان من قوّة ومثابرة .

منابع العلم :

وإذا كان العلم خزائن وكنوز فإنّ مفتاحه السؤال ، وإنّما نسأل من أهل الذكر أي من العلماء الصالحين ومن ساداتهم محمّد وآل محمّد ، فإنّ العلم الصافي والآيات البيّنات في صدور الذين اُوتوا العلم ، ولا يوجد هذا العلم إلاّ من منابعه النورانية ومناهله العذبة ، فشرّق أو غرّب لا تجد ما يشفي الغليل ويروي الظمآن ، إلاّ في القرآن وسنّة النبيّ وعترته الأطهار (عليهم السلام) .

ولا شيء أفضل _ بعد المعرفة _ من الصلاة ، وهذا يعني تقدّم العلم والمعرفة على الصلاة التي هي عمود الدين وإنّها أفضل الأعمال ، ركعتان يصلّيهما العالم خيرٌ من قيام الجاهل طيلة ليله بالعبادة ، وذلك فإنّ الجاهل ربما يتزلزل في عقائده وعبادته بورود شبهة عليه أو وسواس من الشيطان

، أو أوهام وانحرافات يترك بها العبادة ، ولكنّ العالم على علم ويقين في عبادته ، وأ نّه كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف من التيّارات الفكرية المنحرفة والشبهات العارمة ، فبالعلم يُعبد الله ويوحَّد ، فإنّ الخوارج في حرب أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) كانوا يقيمون الصلاة وإنّهم أصحاب الجباه السود من كثرة السجود ، إلاّ أ نّهم لم يكن عندهم المعرفة التامّة والعلم النافع ، فحاربوا إمام زمانهم وخرجوا عليه .

ورد في التاريخ كان أحد أصحاب أمير المؤمنين في إحدى الليالي يمشي معه في إحدى أزقّة الكوفة فسمع من يقرأ القرآن بصوت حزين قوله تعالى : ( أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آ نَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً )([36]) فخطر على باله منزلة الرجل وقربه من الله ، فقال له أمير المؤمنين : « لا يغرّنك الرجل إنّه من أهل النار » ، ومرّت الأيّام ، وإذا بقارئ القرآن مع قتلى الخوارج .

وفضل العالم بعلمه ما دام يقترن بعمله الصالح ، ويتخلّق بأخلاق الله ويخشى الله :

( إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ )([37]) .

وعنى بالعلماء من صدق قوله فعله ، وبمثل هذا إذا صلح العالِم صلح العالَم ، وبمثل هذا العالم الصالح تكون البركة ، ويكون مباركاً على الخلق ، فينقذ عباد الله من الجهل والشبهات والانحراف ويهدي الناس والمستضعفين إلى معرفة الله ورسوله وإمام زمانهم حتّى تكون حياتهم ومماتهم على الحقّ والعلم .

« فمن لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية » .

وإنّ الله ليرفع العذاب عن اُمّة بحضور عالم ربّاني ، ولمثل هذا إذا فقد العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلاّ بعالم آخر .

علماء الخير و علماء السوء :

ولا ينال ما عند الله من القرب

والثواب إلاّ بالعلم النافع والعمل الصالح .

قال الإمام الباقر (عليه السلام)لخيثمة :

« أبلغ شيعتنا أ نّه لا ينال ما عند الله إلاّ بالعمل ، وأبلغ شيعتنا أنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ خالفه إلى غيره » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« إنّ أشدّ أهل النار ندامةً وحسرةً رجل دعا عبداً إلى الله عزّ وجلّ فاستحاب له ، وقبِل منه وأطاع الله عزّ وجلّ فأدخله الله الجنّة ، وأدخل الداعي النار بتركه علمه واتّباعه الهوى » .

« أعظم الناس وزراً العلماء المفرّطون » .

« أشقى من هو معروف عند الناس بعلمه مجهول بعمله » .

و « من تعلّم العلم ولم يعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة أعمى » .

« يؤتى بعلماء السوء يوم القيامة فيقذفون في نار جهنّم ، فيدور أحدهم في جهنّم بقصبة كما يدور الحمار بالرحى ، فيقال له : يا ويلك ، بك اهتدينا ، فما بالك ؟ قال : إنّي كنت اُخالف ما كنت أنهاكم » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« يطّلع قوم من أهل الجنّة على قوم من أهل النار فيقولون : ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنّة لفضل تأديبكم وتعليمكم ؟ فيقولون : إنّا كنّا نأمر بالخير ولا نفعله » .

وعنه (صلى الله عليه وآله)قال :

« أتيت ليلة اُسري بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار ، كلّما قُرضت وَفَت _ أي تمّت وطالت _ فقلت : يا جبرئيل ، من هؤلاء ؟ قال : خطباء اُمّتك الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويقرأون كتاب الله ولا يعملون به » .

وقال (صلى الله عليه وآله) :

« الزبانية أسرع

إلى فسقة حملة القرآن منهم إلى عبدة الأوثان ، فيقولون : يُبدأ بنا قبل عبدة الأوثان ؟ فيقال لهم : ليس من يعلم كمن لا يعلم » .

« إنّه يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد » .

لأ نّه يعلم وبما أنّ مقامه عظيم وله درجات العلى في الجنّات ويزيد على العابد بألف ، فكذلك ذنبه بألف :

« لا يستوي عند الله في العقوبة الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، نفعنا الله وإيّاكم بما علمنا وجعله لوجهه خالصاً إنّه سميع مجيب » .

« فأشدّ الناس عذاباً عالم لا ينتفع من علمه بشيء » .

« إنّ أهل النار ليتأذّون من ريح العالم التارك لعلمه » .

و « وقود النار يوم القيامة كلّ غنيّ بخل بماله على الفقراء ، وكلّ عالم باع الدين بالدنيا » .

« إنّ في جهنّم رحىً تطحن علماء السوء طحناً » .

قال الإمام الكاظم (عليه السلام) :

« أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام) : قل لعبادي لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّهم عن ذكري وعن طريق محبّتي ومناجاتي ، اُولئك قطّاع الطريق من عبادي ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبّتي ومناجاتي من قلوبهم » .

فالعمدة في الحياة ومن أهمّ فلسفتها أن يتعلّم الإنسان أوّلا ، ثمّ يعمل بعلمه ويصون نفسه من الخطأ والزلل .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« زلّة العالم كانكسار السفينة تَغرق وتُغرق » .

« زلّة العالم تفسد عوالم » .

« إنّ كلام الحكماء إذا كان صواباً كان دواءً ، وإذا كان خطأً كان داءً » .

« احذروا زلّة العالم ، فإنّ زلّته تكبكبه في النار » .

«

ألا إنّ شرّ الشرّ شرار العلماء ، وإنّ خير الخير خيار العلماء » .

« فشرّ الناس العلماء إذا فسدوا » .

ولمّا سئل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) عن خير الخلق بعد الأئمة (عليهم السلام)قال : « العلماء إذا صلحوا » ، قيل : فمن شرار خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود وبعد المتسمّين بأسمائكم ؟ قال : « العلماء إذا فسدوا هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق » .

فالعالم الفاسد ينضح بما فيه من الفساد ، فيظهر الأباطيل بين آونة واُخرى باسم التجدّد والمدنيّة وما شابه ذلك ويكتم الحقائق .

عن الإمام العسكري (عليه السلام)في صفة علماء السوء ، قال :

« وهم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن عليّ (عليه السلام)وأصحابه ، فإنّهم يسلبونهم الأرواح والأموال ، وهؤلاء علماء السوء ... يدخلون الشكّ والشبهة على ضعفاء شيعتنا فيضلّونهم » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« أشرار علماء اُمّتنا المضلّون عنّا ، القاطعون للطرق إلينا ، المسمّون أضدادنا بأسمائنا ، الملقّبون أندادنا بألقابنا ، يصلّون عليهم وهم للّعن مستحقّون » .

« ويل لاُمّتي من علماء السوء » .

و « من ازداد علماً ولم يزدد هدىً لم يزدد من الله إلاّ بُعداً » .

و « من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما آتى الله عبداً علماً فازداد للدنيا حبّاً إلاّ ازداد من الله تعالى بُعداً وازداد تعالى عليه غضباً » .

فالمقصود هو العلم النافع والعمل الصالح والتقرّب من الله لزيادة الهداية وحبّه والزهد في الدنيا وزخارفها وزبرجها ومظاهرها ، وعندئذ يكون عالماً وفقيهاً حقّاً ، وخليفة الله وأمينه في أرضه .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« الفقهاء اُمناء

الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ويتّبعوا السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم » .

و « إذا رأيتم العالم محبّاً للدنيا فاتّهموه على دينكم ، فإنّ كلّ محبّ يحوط بما أحبّ » .

فطوبى لمن عرف قدر نفسه ، وعرف قدر الحياة ، وطوبى لطالب العلوم النافعة والعامل بالأعمال الصالحة ، فإنّه قد سعد في دنياه وفي آخرته ، ونال الحظّ الأوفر من حياته .

أنواع العلوم وخيرها :

هذا وفي نهاية المطاف لا بدّ أن نعرف أيّ علم هو المراد والمقصود ، فهل المقصود كلّ العلوم والفنون ، وهذا من العسر والحرج بمكان ، بل خارج عن طاقة الإنسان ، فإنّه كما قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« العلم لا ينتهي » .

فليس له غاية ، وإنّ :

« العلم أكثر من أن يحاط به » .

« شيئان لا تبلغ غايتهما : العلم والعقل » .

و « من ادّعى من العلم غايته فقد أظهر من جهله نهايته » .

فلا بدّ أن يؤخذ من كلّ علم وفنّ لبّه ولبابه :

« فخذوا من كلّ علم أحسنه » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« العلم أكثر من أن يحصى ، فخذ من كلّ شيء أحسنه » .

« فإنّ النحل يأكل من كلّ زهر أزيَنه ، فيتولّد منه جوهران نفيسان : أحدهما فيه شفاء للناس ، والآخر يستضاء به _ أي الشمع _ فخذ من كلّ علم خيره » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« خير العلم ما نفع » .

« خير العلم ما أصلحت به رشادك ، وشرّه ما أفسدت به معادك » .

« خير العلوم ما أصلحك » .

« العلم بالله أفضل العلمَين » .

«

أنفع العلم ما عمل به » .

و « كلّ علم لا يؤيّده عقل مضلّة » .

فالعلم النافع الذي يعمل به وما يؤيّده العقل السليم والفطرة السليمة .

« فرُبّ علم أدّى إلى مضلّتك » .

و « اعلم أ نّه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب » .

فالعلم النافع ما فيه سلامه قلبك من الذنوب والآثام والصفات الذميمة والأخلاق السيّئة .

قال الإمام الكاظم (عليه السلام) :

« أولى العلم بك ما لا يصلح لك العلم إلاّ به ، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به ، والزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك وأظهر لك فساده ، وأحمد العلم عاقبةً ما زاد في عملك العاجل ، فلا تشتغلنّ بعلم ما لا يضرّك جهله ، ولا تغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه » .

و « من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، ثمّ عليك من العلم بما لا يصحّ العمل إلاّ به وهو الإخلاص » .

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا سأله رجل عن أفضل الأعمال ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : « العلم بالله والفقه في دينه » ، وكرّرهما عليه ، فقال : يا رسول الله ، أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم ؟ فقال : « إنّ العلم ينفعك معه قليل العمل ، وإنّ الجهل لا ينفعك معه كثير العمل » .

وما أروع ما يقوله أمير المؤمنين علىّ (عليه السلام) لمّا سئل عن العلم ؟ فقال : هو أربع كلمات : « أن تعبد الله بقدر حاجتك إليه ، وأن تعصيه بقدر صبرك على النار ، وأن تعمل لدنياك بقدر عمرك فيها ، وأن تعمل

لآخرتك بقدر بقائك فيها » .

وفي هذا المضمار يقول الإمام الصادق (عليه السلام) :

« جمع علم الأوّلين والآخرين في أربع كلمات : أن تعلم من أين ؟ وإلى أين ؟ وماذا يراد منك ؟ وما الذي يخرجك عن ذنبك ؟ » .

« فتفقّهوا في دينكم وإلاّ أنتم أعراب » .

وإنّ الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً ومردةً على الحقّ .

ولا بدّ لكلّ مسلم ومؤمن أن يعرف ربّه ويتعلّم أحكام دينه من الحلال والحرام في كتاب الله وسنّة نبيّه .

قال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)في وصيّته لابنه الحسن (عليه السلام) :

« إنّ ابتداءك بتعليم كتاب الله عزّ وجلّ وتأويله ، وشرائع الإسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، لا اُجاوز ذلك بك إلى غيره » .

قال الإمام الصادق (عليه السلام) :

« حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خيرٌ من الدنيا وما فيها من ذهب أو فضّة » .

وعنه (عليه السلام) :

« ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام » .

و « هل يسأل الناس عن شيء أفضل من الحلال والحرام ؟ » .

فالعلم وإن كان أكثر من أن يحصى إلاّ أنّ اُمّهات العلوم أربعة : ( الفقه للأديان ، والطبّ للأبدان ، والنحو للّسان ، والنجوم لمعرفة الأزمان ) .

و « العلم علمان : مطبوع ومسموع ، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع » في القلوب الذي يكون بإلهام من الله سبحانه ، وذلك بالتقوى والإيمان الكامل .

« فالعلم علمان : علم في القلب ، وذلك العلم النافع ، وعلم على اللسان ، فذلك حجّة الله على ابن آدم » .

و « اعلم أ نّه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينتفع

بعلم لا يحقّ تعلّمه » .

و « ليس العلم بكثرة التعلّم إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه ، فإن أردت العلم فاطلب أوّلا من نفسك حقيقة العبودية ، واطلب العلم باستعماله واستفهم الله يفهمك » .

« فأشعِر قلبك بالتقوى تنل العلم » .

و « من اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم عَلِم » .

« فالعلم يرشدك إلى ما أمرك الله به ، والزهد يسهّل لك الطريق إليه » .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« لو خفتم الله حقّ خيفته لعلمتم العلم الذي لا جهل معه » .

و « من عمل بما يعلم علّمه الله علم ما لا يعلم » .

« فمن تعلّم فعمل علّمه الله ما لم يعلم » .

و « من عمل بما علم كُفي ما لم يعلم » .

و « علم الباطن سرّ من أسرار الله عزّ وجلّ ، وحكم من حُكم الله ، يقذفه في قلوب من شاء من عباده » .

وكلّ هذا يكون بالتخلّق بأخلاق الروحانيين ، كما ورد عن عيسى بن مريم :

« ليس العلم في السماء فينزل إليكم ، ولا في الأرض فيخرج إليكم ، إنّما العلم فيكم ، تخلّقوا بأخلاق الروحانيّين يظهر لكم » .

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا قيل له : لأحبّ أن أكون أعلم الناس ، قال :

« اتّق الله تكن أعلم الناس » .

و « لا يدرك العلم براحة الجسم » .

بل لا بدّ من التعب والنصب وأخذ العلم الصافي من كلّ منبع طاهر :

« خذوا العلم من أفواه الرجال » .

وفي الإنجيل :

« لا تقولوا : نخاف أن نعلم

فلا نعمل ، ولكن قولوا : نرجوا أن نعلم ونعمل » .

عن الإمام الباقر (عليه السلام) :

« رحم الله عبداً أحيى الأمر ، فقيل : وما إحياؤه ؟ قال : أن يذاكر به أهل الدين والورع » .

و « واضع العلم عند غير أهله كمقلّد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب » .

و « آفة العلم النسيان ، وإضاعته أن تحدّث به غير أهله » .

و « يسير العلم ينفي كثير الجهل » .

فيا إخوان الصفا ، أ يّها المؤمنون ، يا شباب الاُمّة الإسلامية ، هلمّ لنكون من أهل العلم ، ولنطلبه من ينابيعه الصافية ومناهله الرويّة ، من كتاب الله الكريم وسنّة نبيّه المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ومنهاج عترته الأطهار الأئمة الأبرار (عليهم السلام) ، فهم اُصول العلم ومهبط الوحي ، وفي أبياتهم نزل الكتاب ، فعندهم العلم الصحيح .

قال الإمام الباقر (عليه السلام) لسلمة بن كهيل والحكم بن عُتيبة :

« شرّقا وغرّبا لن تجدا علماً صحيحاً إلاّ شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت » .

وعنه (عليه السلام) :

« أما إنّه ليس عندنا لأحد من الناس حقّ ولا صواب إلاّ من شيء أخذوه منّا أهل البيت » .

وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« إنّ العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فصّلت به النبيّون إلى خاتم النبيّين في عترة محمّد (صلى الله عليه وآله) » .

وعنه (عليه السلام) :

« لو اقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادّخرتم الخير في موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحقّ نهجه ، لنهجت بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام » .

فالحقّ مع محمّد وعترته وفيهم ومنهم وإليهم ، وإنّما

ينجو المرء لو ركب سفينتهم ، أمّا من تخلّف فقد غرق وهوى ، وكان حطب جهنّم ووقودها .

وختاماً عن الإمام الكاظم (عليه السلام) :

« وجدت علم الناس في أربع : أوّلها : أن تعرف ربّك ، والثانية : أن تعرف ما صنع بك ، والثالثة : أن تعرف ما أراد منك ، والرابعة : أن تعرف ما يخرجك من دينك » .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) يوماً لأحد تلامذته : « أيّ شيء تعلّمت منّي ؟ » قال له : يا مولاي ثمان مسائل ، قال له (عليه السلام) : « قصّها عليّ لأعرفها » ، قال :

الاُولى : رأيت كلّ محبوب يفارق عند الموت حبيبه ، فصرفت همّتي إلى ما لا يفارقني بل يونسني في وحدتي ، وهو فعل الخير ، فقال : « أحسنت والله » .

الثانية : قال : رأيت قوماً يفخرون بالحسب وآخرين بالمال والولد ، وإذا ذلك لا فخر ، ورأيت الفخر العظيم في قوله تعالى : ( إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ )([38]) ، فاجتهدت أن أكون عنده كريماً . قال : « أحسنت والله » .

الثالثة : قال : رأيت لهو الناس وطربهم ، وسمعت قوله تعالى : ( وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى )([39]) ، فاجتهدت في صرف الهوى عن نفسي حتّى استقرّت على طاعة الله تعالى . قال : « أحسنت والله » .

الرابعة : قال : رأيت كلّ من وجد شيئاً يُكرم عنده اجتهد في حفظه ، وسمعت قوله سبحانه يقول : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ )([40])

، فأحببت المضاعفة ، ولم أرَ أحفظ ممّا يكون عنده ، فكلّما وجدت شيئاً يكرم عندي وجّهت به إليه ليكون لي ذخراً إلى وقت حاجتي إليه . قال : « أحسنت والله » .

الخامسة : قال : رأيت حسد الناس بعضهم للبعض في الرزق وسمعت قوله تعالى : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّ نْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )([41]) ، فما حسدت أحداً ولا أسفت على ما فاتني . قال : « أحسنت والله » .

السادسة : قال : رأيت عداوة بعضهم لبعض في دار الدنيا والحزازات في صدورهم وسمعت قول الله تعالى : ( إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً )([42]) ، فاشتغلت بعداوة الشيطان عن عداوة غيره . قال : « أحسنت والله » .

السابعة : قال : رأيت كدح الناس واجتهادهم في طلب الرزق ، وسمعت قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا اُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْق وَمَا اُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ * إنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ )([43]) ، فعلمت أنّ وعده وقوله صدق ، فسكنت إلى وعده ، ورضيت بقوله ، واشتغلت بما له عليّ عمّا لي عنده ، قال : « أحسنت والله » .

الثامنة : قال : رأيت قوماً يتكلّمون على صحّة أبدانهم ، وقوماً على كثرة أموالهم ، وقوماً على خلق مثلهم ، وسمعت قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )([44]) ، فاتّكلت على الله وزال اتّكالي على غيره ، فقال له

: « والله إنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وسائر الكتب ترجع إلى هذه الثمان المسائل » .

عن الإمام الكاظم (عليه السلام)قال : دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل ، فقال : ما هذا ؟ فقيل : علاّمة ، قال : وما العلاّمة ؟ قالوا : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية وبالأشعار العربيّة ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : « ذاك علم لا يضرّ من جهله ولا ينفع من علمه » ، ثمّ قال : « إنّما العلم ثلاثة : آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنّة قائمة ، وما خلاهنّ فهو فضل » .

أجل : يعدّ هذا الحديث النبويّ الشريف من غُرر الأحاديث ودُرر الكَلِم ، وفيه خلاصة العلوم الإسلاميّة ، وإنّها تنفع لمن علم بها ، كما تضرّ لمن جهلها وأهملها ، فعلى كلّ واحد أن يلمّ بها ولو في أوّليّاتها والمسائل المبتلى بها .

ولا يخفى أنّ التاء في ( العلاّمة ) للمصدريّة ، فتفيد المبالغة والتأكيد ، والعلاّم ( على وزن فعّال ) صيغة مبالغة من عالم ( اسم فاعل ) ، فالعلاّمة يفيد المبالغة في المبالغة ، أي من كان غزير العلم كثير المعرفة ، وكان عند العرب آنذاك عبارة عمّن يعرف التاريخ والأدب العربي من الوقائع والأشعار وما شابه ذلك ، إلاّ أنّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) صحّح المسير وبيّن الحقّ بأنّ العلم النافع ليس كما عندهم ، وإن كان ذلك من الفضل ، والفضل إمّا بمعنى الزيادة أو بمعنى الفضيلة .

فالعلوم النافعة والواجبة على كلّ مسلم ومسلمة ، وإنّها تنفع في الدنيا والآخرة لمن علم

بها ، كما أ نّها تضرّ لمن جهلها ، هي عبارة عن ( علم العقائد الصحيحة ) المبتنية على البراهين المحكمة والأدلّة القاطعة ، ويشير إليه قوله (صلى الله عليه وآله) : « آية محكمة » .

و ( علم الفقه ) الذي فيه معرفة التكاليف الشرعيّة من الواجبات والمحرّمات ، ويلحق بهما المستحبّات والمكروهات ، ويشير إليه قوله (صلى الله عليه وآله) : « أو فريضة عادلة » .

و ( علم الأخلاق ) الذي هو عبارة عن الآداب والسنن القائمة في النفوس والأرواح والقلوب بتخلية الصفات الذميمة منها ، وتحليتها بالصفات الحميدة ثمّ تجليتها ، ويشير إلى ذلك قوله (صلى الله عليه وآله) : « أو سنّة قائمة » .

وما سوى هذه العلوم فهي من الفضل بمعنى الزيادة أو الفضيلة ، فالعلوم الاُخرى إنّما تنفع لو كانت مقدّمة لهذه العلوم الضروريّة ، كعلم الطبّ ( علم الأبدان ) وعلم النحو ( علم اللسان ) والعلوم الأكاديميّة المدرسية والجامعية التي يتمّ بها المعاش والحياة الدنيوية .

والحوزات العلمية المباركة كحوزة النجف الأشرف وحوزة قم المقدّسة إنّما بُني أساسهما لبيان وتحكيم هذه العلوم الأساسيّة وتبيين مقدّماتها ، ومن ثمّ ترويجها ونشرها في البلاد وفي أقطار العالم ، وفي عصرنا هذا يسعى بعض الأعلام _ مع التقدّم الصناعي وحضور الكومبيوتر في المنازل وسهولة حصول العلوم والفنون _ استغلال الموقف وتطوير العمل ونجاحه باُسلوب شيّق يتلاءم مع الحداثة والعصريّة ، مع حفظ الأصالة والاُسس .

ومن اُولئك الأفاضل الإخوة الكرام أصحاب مؤسسة ( السّلام ) العالمية ، فإنّها تصدّت لنشر معارف الإسلام وعلومه وفنونه من منابعها الأصيلة ومصدر تشريعها القويم ، من القرآن الكريم والسنّة الشريفة المتمثّلة بقول المعصوم _ النبيّ

والإمام (عليهما السلام) _ وفعله وتقريره انطلاقاً من الدروس الحوزوية لنخبة من الأساتذة الأفاضل جزاهم الله خيراً .

ونتمنّى لهم ولكم أوقاتاً طيّبةً وحياةً سعيدةً ، يسودها العلم النافع والعمل الصالح ، وعلى بركة الله بنيّة صادقة وإيمان وتقوى خالص ، فليتوكّل المؤمنون والمؤمنات بطلب العلم والعمل به ، ومن الله التوفيق والسداد إنّه خير ناصر ومعين ، والسلام عليكم أبداً ورحمة الله وبركاته .

هذا ودمتم بخير وعافية وصحّة وسلامة ، تحوطكم وأهليكم السعادة الأبديّة والرحمة الإلهيّة ، وتقبّلوا منّا خالص تحيّاتنا ، ولا تنسونا من خالص دعواتكم كما لا ننساكم .

قال مولانا الإمام الرضا (عليه السلام) : « أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا » ، قيل : وكيف نحيي أمركم ؟ قال : بتعلّم علومنا ثمّ يُعلّمها الناس ، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا .

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

العبد

عادل العلوي

الحوزة العلمية _ قم المقدّسة

المؤسسة الإسلامية العامّة للتبليغ والإرشاد

قم _ ص ب 3634

_ftnref1([1]) محاضرتان لسماحة السيّد العلوي ألقاها لمؤسسة ( السلام ) الإسلامية ( برنامج الحوزة العلمية العالمية على الكومبيوتر ) . « الناشر »

_ftnref2([2]) آل عمران : 19 .

_ftnref3([3]) آل عمران : 85 .

_ftnref4([4]) المجادلة : 11 .

_ftnref5([5]) يوسف : 76 .

_ftnref6([6]) الزمر : 9 .

_ftnref7([7]) آل عمران : 18 .

_ftnref8([8]) طه : 114 .

_ftnref9([9]) البقرة : 247 .

_ftnref10([10]) النمل : 15 .

_ftnref11([11]) يوسف : 22 .

_ftnref12([12]) الرعد : 19 .

_ftnref13([13]) الأعراف : 32 .

_ftnref14([14]) الحجّ : 54 .

_ftnref15([15]) العنكبوت : 43 .

_ftnref16([16]) العنكبوت : 49 .

_ftnref17([17]) سبأ : 6 .

_ftnref18([18]) العلق : 3 _ 4 .

_ftnref19([19]) نقلنا هذه الروايات كلّها من بحار الأنوار المجلّد الأوّل ، والكافي

المجلّد الأوّل ، وميزان الحكمة كلمة ( العلم ) ، فراجع .

_ftnref20([20]) الطلاق : 12 .

_ftnref21([21]) العلق : 1 _ 5 .

_ftnref22([22]) فصّلت : 42 .

_ftnref23([23]) منية المريد : 93 .

_ftnref24([24]) الحجر : 29 .

_ftnref25([25]) عبس : 24 .

_ftnref26([26]) العلق : 6 _ 7 .

_ftnref27([27]) عبس : 24 .

_ftnref28([28]) لقمان : 18 .

_ftnref29([29]) القصص : 83 .

_ftnref30([30]) البحار 1 : 224 .

_ftnref31([31]) الإسراء : 107 _ 109 .

_ftnref32([32]) فاطر : 28 .

_ftnref33([33]) الحديد : 23 .

_ftnref34([34]) الإسراء : 107 _ 109 .

_ftnref35([35]) الزمر : 56 .

_ftnref36([36]) الزمر : 9 .

_ftnref37([37]) فاطر : 28 .

_ftnref38([38]) الحجرات : 13 .

_ftnref39([39]) النازعات : 40 _ 41 .

_ftnref40([40]) الحديد : 11 .

_ftnref41([41]) الزخرف : 32 .

_ftnref42([42]) فاطر : 6 .

_ftnref43([43]) الذاريات : 56 _ 58 .

_ftnref44([44]) الطلاق : 2 _ 3 .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.