الرفق فی المنظور الاسلامی

اشارة

عنوان و نام پدیدآور : الرفق فی المنظور الاسلامی [تهیه و تنظیم مرکز الرساله مشخصات نشر : قم مرکز الرساله ۱۴۱۸ق = ۱۳۷۶.
مشخصات ظاهری : ص ۶۹
فروست : (سلسله المعارف الاسلامیه‌۱۰)
شابک : 964-319-084-6۱۸۰۰ریال وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی یادداشت : عربی یادداشت : کتابنامه به‌صورت زیرنویس موضوع : مهربانی -- جنبه‌های قرآنی موضوع : قرآن -- اخلاق شناسه افزوده : مرکز الرساله رده بندی کنگره : BP۱۰۴/م‌۸۷ر۷ ۱۳۷۶
رده بندی دیویی : ۲۹۷/۱۵۹
شماره کتابشناسی ملی : م‌۷۸-۴۲۴۷

‌‌‌مقدمة المرکز

رفق
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین ، والصلاة والسلام علی أشرف الخلق أجمعین ، نبینا محمد المصطفی وعلی آله الطیبین الطاهرین .
وبعد ، إن من مهام الدین التی لا تنفصل عنه : تنظیم أنشطة الغرائز الفردیة ، وتنظیم العلاقات الاجتماعیة ، وأنشطة الغرائز لوحدها ذات بعدین : فردی تنعکس آثاره علی الفرد ذاته ، واجتماعی تمتد آثاره إلی المجتمع لتظهر فی طبیعة علاقاته وفی صورته النهائیة بالضرورة . . وهذا النظام المعنی بتنظیم ذلک کله هو النظام الأخلاقی ، ببعدیه ، الفردی والاجتماعی .
وهو من النظم التی تمیزت بها الأدیان عن النظریات الوضعیة ، حتی عادت هذه الأخیرة تستعیر من الأدیان بعض جوانب نظم الأخلاق التی لا تستقیم الحیاة بدونها .
ان ترکیز الاسلام علی ثنائیة الانسان - الروح والمادة - هو تجلیة لواقع الانسان ولضرورات الحیاة معا ، وکما أخفق المادیون فی تعطیل حاجات الروح ، أخفق الرهبانیون فی تعطیل الحاجات الجسدیة والمادیة ، ودفع الاثنان ضریبة ذلک فی فقدان التوازن ،
توازن حاجات الفرد وحاجات المجتمع ، وکما اضطر الفریق الأول إلی اقتباس بعض تعالیم الایان فی اشباع حاجات الروح ، اضطر الفریق الثانی ولو متنکرا إلی اشباع حاجات الجسد ، خضوعا اضطراریا إلی صرامة القانون الذی تفرضه الطبیعة البشریة الثنائیة ، والذی لا یمکن ضمان استقرار الانسان وتکامله من خلال التمرد علیه ، ذلک القانون الذی نلمس أکمل مصادیق صیانته فی تعالیم الاسلام الحنیف ، فهو فی الوقت الذی یحث فیه علی اشباع حاجات الروح بالعبادات من فرائض ونوافل ، صلوات وأذکار وصیام وحج وزکاة وعطاء ، نراه یحث بالقوة نفسها علی اشباع حاجات الجسد.
نعم إن النظام الأخلاقی فی بعدیه - الفردی والاجتماعی - هو رسالة الأدیان السماویة کافة ، ذلک أن مصدر هذه الأدیان کلها واحد ، وهو الواحد ذاته المتفرد بخلق الطبیعة البشریة والعالم بسرها وبما یصلحها ویقودها إلی الکمال والتألق ،
‹ صفحه 6 ›
ولربما أوجز خاتم الأنبیاء صلی الله علیه وآله وسلم دعوته فی بعض جوانبها بقوله الشریف : إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق وفی نص مماثل : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق .
وإذا کان النظام الأخلاقی ذا بعدین ، فقد عنی الاسلام برعایتهما معا وبالدرجة نفسها دون ترجیح لأحدهما علی الآخر ، فکما عنی بصلاح الفرد ووضع له نظامه الذی یصونه ، فقد عنی بصلاح المجتمع ووضع له النظم والضوابط التی تحفظه وتصونه ، ومن تلک النظم والضوابط ما تمثله التعالیم التی تهدف إلی تنمیة الروح الاجتماعیة لدی الافراد ، ابتداء بالتربیة التی توفرها صلاة الجماعة والجمعة ومواسم الأعیاد الاسلامیة وموسم الحج وصلة الأرحام وعیادة المرضی والدعاء للمؤمنین سرا وعلانیة وأداء التحیة وردها وانتهاء بقوانین التکافل الاجتماعی التی لا تقف عند حدود الزکاة والصدقات بل تتعدی إلی الایثار والتضحیة فی سبیل المجتمع المؤمن .
وفوق ذلک تمیز عمق النظام الأخلاقی فی الاسلام بالتأکید فی تعالیم متعددة علی أن صلاح أحد العنصرین - الفرد والمجتمع - لیس فقط مکملا لصلاح الآخر ، بل قد یکون وقفا علیه تماما .
ومن هذه الأهمیة التی یمثلها النظام الأخلاقی فی الاسلام فقد جعل مرکز الرسالة للبحوث المعنیة فی التعریف بهذا النظام حظها المناسب فی سلسلة اصداراته الموسومة بسلسلة المعارف الاسلامیة ، وهو فی اصداره هذا یقدم لقرائه واحدا من الاسهامات الموفقة فی تجلیة رکن من أرکان النظام الأخلاقی ، وهو الرفق .
ذلک الخلق الذی وصفه الحدیث الشریف بأنه : لو کان خلقا یری ما کان مما خلق الله شئ أحسن منه وإنه : لم یوضع علی شئ إلا زانه ، ولا نزع من شئ إلا شانه ، لنستفئ فی ظله ساعة ، متنسمین عطر الآی العظیم وحدیث النبی الکریم صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الطاهرین علیهم السلام ومقتبسین شذرات من سیر الأسوة الحسنة ، علها تکون لنا معالم هدی إلی الخلق الکریم .
والحمد لله أولا وآخرا
مرکز الرسالة
‹ صفحه 7 ›

‌‌‌المقدمة

عندما اختفت شمس الهدایة خلف غیوم الحضارة المادیة ، وحرم الانسان من دفئها وسناها الباعث روح الحیاة فی هذه النفوس ، قست القلوب وغادرت الرحمة أفق هذا الزمن وضعف الوجدان عن أداء دوره ، وغفا الضمیر علی نغمات عصره ، فلم یعد للرفق واللطف وما إلی ذلک من مفردات معنویة وجود فعلی ودور عملی علی ساحة الواقع المادی .
نعم لم یبق منها لانسان القرن العشرین إلا العناوین التی قد کبرت ، والشعارات التی قد تکثرت ، وقد استفاد من هذه وتلک قساة الصهاینة والشیوعیون وکل الطغاة والمستکبرین ، فأسسوا الجمعیات والأحزاب تحت تلک الشعارات وتلک العناوین لتحقیق أهدافهم الاستعلائیة ونوایاهم التسلطیة ، ومارسوا الغلظة بدل اللطف ، والقسوة مکان الرأفة والشدة عوض الرفق . . وحرموا الانسان من حریة الفکرة وحریة الإرادة وحریة الاختیار ، تحت شعارات تحمل هذه العناوین لفظا لکنها خالیة من المضمون واقعا .
إن رقی الأمم إنما هو بمقدار ما تمتلکه من قیم أخلاقیة تتفاضل من خلالها ،وتتنافس مع غیرها من أجل الحفاظ علیها ودیمومتها منهجا للأجیال . ومن هنا أدرک الکثیر من الأمم التی أوجدت لمجتمعاتها معاییر مادیة أخطار تلک المعاییر فی تفتیت وحدة المجتمع التی تضعها روح الإخاء بین أفراده ، فأوصدت أبواب الألفة والتعایش علی مائدة القیم
‹ صفحه 8 ›
الأخلاقیة ، بعد أن أنمت فیهم روح الأثرة وحب الذات والتنافس علی حطام زائل ، مما أدی إلی تفکک مجتمعاتهم تبعا لتمزق شمل الأسرة وانفراط عقد المودة بین أفرادها ، فازدادت بذلک مشاکلهم ، واشتدت أزماتهم الاجتماعیة والأخلاقیة والنفسیة .
ومن الواضح أنه لن تجد تلک الأمم الحل المناسب لجمیع ما عصف بها من مشاکل علی أثر مناهجها وسیاساتها إلا فی اقتباس خلق الاسلام وآدابه وتعالیمه التی هی فی الواقع الاستقامة بعینها ، والاعتدال بنفسه ، والوسط المقبول بین الافراط والتفریط ، لان القطب الوحید الذی تدور حوله رحی التوازن الفذة فی کل شئ فی السیاسة والاجتماع والأخلاق لا یستقر إلا علی محور الاسلام ، ذلک المحور الذی ینتهی بمریدیه إلی أقصی درجات الکمال الممکن للانسان فی سموه ورفعته وعزته وکرامته الحقیقیة .
وتوضیحا لمن غاب عنهم ما فی دین الاسلام العظیم من کمالات لا نظیر لها فی دساتیر العالم أجمع ولا قرین لها فی الأدیان السماویة الأخری ، تنطلق من ضرورة تصمیم الرحمة الهادیة ( وما أرسلناک إلا رحمة للعالمین ) تلک الرحمة التی بعث بها من هو علی خلق عظیم بشهادة السماء ، لعلها تشق طریقها إلی النفوس الفاضلة فتروی ضمأها من عذب نمیر الاسلام ، جاء هذا البحث . .
ولما کان المسلمون الیوم هم أحوج من غیرهم إلی التعرف علی ذلک لذا کان الخطاب إلی غیرهم عرضا وإلیهم ذاتا ، لعلهم یعرضوا تصرفاتهم وحرکاتهم وسکناتهم علی مرآة الاسلام ومفاهیمه فی کل وقت وحین
‹ صفحه 9 ›
لیشاهدوا مدی انطباقها أو افتراقها عن منهج الاسلام ، فیقوموا بذلک اعوجاجهم ویعمقوا استقامتهم علی ضوء ما سیعرضه البحث من مفردات الرفق لما فیها من رسالة تکاملیة هادفة إلی کل خیر وصلاح .
ونحن فی هذا المقتضب من الحدیث عن الرفق - کفضیلة سامیة - نحاول إعطاء فکرة مبسطة عن واقعه وأهمیته فی المنظور الاسلامی ، وذلک من خلال بیانات بعض الآیات المبارکة والأحادیث الشریفة ، لیتضح بجلاء دور الاسلام العزیز فی تربیة الانسان فی کل عصر وزمان علی الشفقة والرحمة والتعایش المعنوی من أجل الحیاة الحرة الکریمة علی وجه هذه الأرض والسعادة الأبدیة فی عالم الخلود .
ولیتبین البون الشاسع بین الحضارة المادیة الجافة القاسیة التی لا تذکی إلا الأنانیة والجشع والغلظة والقسوة ، وبین الاسلام الذی ینمی روح التراحم والتواصل والایثار ، ویربی الانسان علی مکارم الأخلاق ، ویحمله علی المحبة والصلح والتفاهم وحریة الإرادة وحریة الاختیار ، هذا من جهة ، ومن جهة أخری لیتبین البون الشاسع بین الاسلام وبین غیره من الأدیان السماویة کالمسیحیة مثلا التی یتظاهر أتباعها بالدعوة إلی الصلح والصفاء بین أبناء البشریة فی العالم . .
مبتدئین أولا ببیان معنی الرفق . .
‹ صفحه 11 ›

‌‌‌مدخل فی تعریف الرفق

الرفق ضد العنف والشدة ، ویراد به الیسر فی الأمور والسهولة فی التوصل إلیها ، وأصل الرفق فی اللغة هو النفع ، ومنه قولهم : أرفق فلان فلانا إذا مکنه مما یرتفق به ، ورفیق الرجل : من ینتفع بصحبته ، ومرافق البیت : المواضع التی ینتفع بها ، ونحو ذلک ( 1 ) .
ویقال : رفق - به ، وله ، وعلیه - رفقا ، ومرفقا : لان له جانبه وحسن صنیعه ( 2 ) .
والذی یعنینا من الرفق هنا ، هو ما یحمل لنا معانی اللین واللطف والسهولة والیسر ، لما لها من دور مهم فی حیاة المؤمن الرسالی ، وما یضطلع به من مهام وأدوار فی حرکته الواعیة بین شرائح وعینات المجتمع بکل أشکالها ، وما لها من لبوس حسن جمیل یدل علی حسن وجمال سریرة المتلبس به ، واستقامة ذاته واعتدال تصرفاته ، إذ إن الرفق لیس مستهدفا للغیر فی مهمته وتأثیراته فحسب ، بل هو یبدأ من الذات لیشمل غیرها من الافراد والمجتمعات ، ویوصل إلیها رسالة التکافل الاجتماعی بأبهی صوره .
وقد أکد الاسلام العزیز علی هذه السجیة الفاضلة والخصلة النبیلة
---------------
( 1 ) مختار الصحاح ، الرازی : 251 . معجم الفروق اللغویة : 259 .
( 2 ) المعجم الوسیط ( رفق ) .
‹ صفحه 12 ›
ببیانات کثیرة ومتعددة الألفاظ ، داعیا أتباعه وحملة همومه وأهدافه إلی التحلی بها وتجسیدها فی أرض الواقع العملی لتؤدی إلی الأهداف المطلوبة والغایات المرغوبة .
وجدیر ذکره أن الذی صنعه الاسلام علی صعید العنصر الأخلاقی بجمیع أرکانه ومظاهره ، کالصدق والأمانة والبر والاحسان والرفق والعفو والرحمة والسلام والحب وغیر ذلک ، إنما هو علی نحو التقریر والتنظیم والاحیاء والانماء ، لا علی نحو الفرض العلوی المتعالی علی الطبیعة البشریة ، ذلک لان العنصر الأخلاقی عنصر فطری ثابت فی الفطرة التی فطر الله علیها عباده ، ولا تبدیل لخلق الله ، فمهما احتالت الافراد أو الشعوب فی زمن من الأزمان لأجل قلب القیم وتجاهل أصالتها فإنها لا تستطیع أن تدعو بوضوح إلی إشاعة الکذب والخیانة والخسة والدناءة ، حتی ولو کانت تمارس ذلک بالفعل ، ولیس ذلک إلا لان للمبدأ الأخلاقی أصالة فی الفطرة .
‹ صفحه 13 ›

‌‌‌الفصل الأول الرفق فی القرآن الکریم

[تمهید]

حث القرآن الکریم علی اعتماد الرفق خیارا مبدئیا فی نهج الدعوة إلی الاسلام ، واعتبره رکنا وأساسا مهما یقوم علیه صرح الهدی الرسالی للفکر والعقیدة الحقة التی دعی إلیها جمیع الأنبیاء والمرسلین علیهم السلام ، ولقد تعددت لغة الخطاب القرآنی لتمتلئ بها کل الآفاق التی یمتد إلیها الرفق فی معانیه الواسعة وغایاته البعیدة . . وسوف نصنف هنا الآیات الواردة فی الرفق بحسب مواردها ، علی النحو الآتی .

الآیة الأولی : ( اللین و العفو )

خاطب الله سبحانه نبیه الأکرم محمد صلی الله علیه وآله وسلم قائلا : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو کنت فظا غلیظ القلب لانفضوا من حولک فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فی الامر فإذا عزمت فتوکل علی الله ) ( 1 ) .
اللین فی المعاملة : الرفق :
----------
( 1 ) آل عمران 3 : 159 .
‹ صفحه 14 ›
أی أن لینک لهم مما یوجب دخولهم فی الدین ، لأنک تأتیهم مع سماحة أخلاقک وکرم سجیتک بالحجج والبراهین ( 1 ) .
فلولا هذا الرفق الذی اعتمده الرسول مع من أرسل إلیهم لما تمکن من استقطاب الناس حول رسالته ، إذ إن الفضاضة والغلظة المناقضة للرفق واللین إذا ما اعتمدت خیارا منهجیا فی التبلیغ والدعوة إلی الحق فإن مردودها سیکون عکسیا ، لا یثمر استقطاب الناس حول ذلک الحق وإن کان أبلجا . بل علی العکس من ذلک ، سیعمل علی التنفیر وانفضاض الناس من ساحة ذلک القطب الهادی والمنار الواضح . فالناس فی حاجة إلی کنف رحیم ، وإلی رعایة فائقة ، وإلی بشاشة سمحة ، وإلی ود یسعهم ، وحلم لا یضیق بجهلهم وضعفهم ونقصهم . . فی حاجة إلی قلب کبیر یعطیهم ولا یحتاج منهم إلی عطاء ، ویحمل همومهم ولا یعنیهم بهمه ، ویجدون عنده دائما الاهتمام والرعایة والعطف والسماحة والود والرضا .
وتعمیقا لروح الرفق واللین التی یریدها الله جل شأنه فی الدعوة إلی الحق ، جاء التأکید فی نفس تلک الآیة المبارکة علی ما یجسد حالة الرفق واللین العملی بین یدی المؤمنین ، فی جملة مکارم الأخلاق التی اهتم الاسلام بتحقیقها علی النحو الأکمل وإشاعتها بین الناس ، فهی تأمر بالعفو لمن یسیء والغفران لمن یخطئ ، لیتجلی الرفق ویتمظهر اللین فی حرکة التغییر والاصلاح علی منهجیة المبلغ الرسالی ( فاعف عنهم واستغفر لهم ) .
----------------
( 1 ) مجمع البیان 2 : 869 .
‹ صفحه 15 ›
ولمزید من الرفق أمرت هذه الآیة الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم - ومن یقتدی به من باب أولی - أن یشاور أولئک الذین صدر عنهم الفرار من الزحف وترکوا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی المیدان مع نفر قلائل من أصحابه ، فقال عز وجل ( وشاورهم فی الامر ) وبعد ذلک یمضی ما یراه الأصوب فی ذلک ( فإذا عزمت فتوکل علی الله ) والآیة اذن تضرب علی وتر الرفق بکل أبعاده لینشد أنغامه القدسیة فی هذه الحیاة ، ولیصنع الأثر الذی یریده الله تعالی فی درب التکامل البشری من خلال رسالته السامیة .
ویحضی الامر باللین والرفق والرحمة فی هذا الموضع بالذات بوقع خاص یجلی أهمیة هذه القیم علی نحو قد یظهره موضع آخر . . إذ جاء ذلک علی أثر مخالفة المسلمین أمر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یوم أحد ، تلک المخالفة التی أدت إلی أسوء النتائج إذ دهمهم العدو ، فلم یجدوا فی أنفسهم ثباتا ، فانقلبوا منهزمین یلوذون بالجبل ، وترکوا النبی صلی الله علیه وآله وسلم مع نفر یسیر من أصحابه ، حتی أثخنته الجراح وکسرت رباعیته وشج وجهه ، وهو صامد یدعوهم فلم یفیئوا إلیه حتی انکشف العدو ، فلما رجعوا لم یعنفهم ولم یسمعهم کلمة ملامة ولا ذکرهم بأمره الذی خالفوه فتحملوا بخلافهم مسؤولیة کل ما وقع . . بل رحب بهم وکأن شیئا لم یکن ، وکلمهم برفق ولین ، وما هذا الرفق واللین إلا رحمة من الله بنبیه وعون له علی رباطة الجأش . . وإذا مدح الله نبیه بکظم الغیض والرفق بأصحابه علی اساءتهم له ، فبالأولی أن یعفو الله ویصفح عن عباده المسیئین . . ثم بین سبحانه الحکمة من لین جانب نبیه الکریم صلی الله علیه وآله وسلم بخطابه له : ( ولو کنت فظا غلیظ القلب لانفضوا من حولک ) وشمت العدو بک وطمع فیک ولم یتم أمرک وتنتشر رسالتک . .
‹ صفحه 16 ›
إن المقصود من بعثة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم هدایة الخلق إلی الحق ، وهم لا یستمعون إلا إلی قلب رحیم کبیر کقلب محمد صلی الله علیه وآله وسلم الذی وسع الناس ، کل الناس ، وما ضاق بجهل جاهل أو ضعف ضعیف ( 1 ) .

الآیة الثانیة : ( خفض الجناح )

( واخفض جناحک للمؤمنین ) ( 2 ) وخفض الجناح کنایة عن اللین والرفق والتواضع ( 3 ) .
أی ألن لهم جانبک وارفق بهم ، والعرب تقول : فلان خافض الجناح إذا کان وقورا حلیما . . والمعنی : تواضع للمؤمنین لکی یتبعک الناس فی دینک ( 4 ) . والتعبیر عن تلک المعانی بخفض الجناح تعبیر تصویری یمثل لطف الرعایة وحسن المعاملة ورقة الجانب فی صورة محسوسة علی طریقة القرآن الفنیة فی التعبیر .
وفی هذه الآیة الکریمة تعبیر آخر عن الرفق واللین واللطف والیسر ، التی یحرص القرآن المجید علی أن یتخلق بها حملته ومبلغو تعالیمه ، وقد خوطب بها الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم - وهو الذی یشهد له القرآن بقوله تعالی : ( وإنک لعلی خلق عظیم ) ( 5 ) وقوله سبحانه : ( لقد جاءکم رسول
0000000000000
( 1 ) التفسیر الکاشف 2 : 188 .
( 2 ) الحجر 15 : 88 .
( 3 ) تفسیر الرازی 9 : 211 .
( 4 ) مجمع البیان 6 : 447 .
( 5 ) القلم 68 : 4 .
‹ صفحه 17 ›
من أنفسکم عزیز علیه ما عنتم حریص علیکم بالمؤمنین رؤوف رحیم ) ( 1 ) . وهو الذی یقول لأصحابه إن أحبکم إلی یوم القیامة وأقربکم مجلسا أحسنکم أخلاقا ، الموطئون أکنافا الذین یألفون ویؤلفون ( 2 ) - فإذا کان الرسول الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم قد خوطب بمثل هذا الخطاب ( واخفض جناحک للمؤمنین ) فمن باب أولی ان یقتدی المؤمن الرسالی بتلک الأخلاق العالیة والتحلی بها ، تجسیدا لقوله تعالی : ( لقد کان لکم فی رسول الله أسوة حسنة ) ( 3 ) .
وخفض الجناح فی الآیة المبارکة وأن کان کنایة عن التواضع والرفق واللین ، إلا أنه ینطوی علی معانی أخری رفیعة تتدفق بالمودة والرأفة والتسامح ونظائر ذلک من مکارم الأخلاق التی لو وجدت طریقها فی نفوس المؤمنین وغرست فی قلوبهم لمارسوا عملیة الانفتاح علی الآخرین بأتم وجه ، واقتطفوا ثمار سعیهم فی إعلاء کلمة الحق ، برد الفعل المناسب من الانفتاح علیهم وقبول طرحهم .
وفی السیاق ذاته یتقدم هذا الخطاب الجمیل خطاب آخر ، له جرس آخر ووقع آخر ، ذلک قوله تعالی : ( فاصفح الصفح الجمیل ) ( 4 ) . وهو العفو من غیر عتاب ( 5 ) !
0000000000000
( 1 ) التوبة 9 : 128 .
( 2 ) التفسیر المبین : 292 .
( 3 ) الأحزاب 33 : 21 .
( 4 ) الحجر 15 : 85 .
( 5 ) مجمع البیان 6 : 530 .
وبعد . . فالقرآن الکریم أراد لنا عبور کل ذلک مع المؤمنین إلی بلوغ صفة التذلل لهم ( أذلة علی المؤمنین أعزة علی الکافرین ) ( 1 ) ، ومن هنا یعلم أن خفض الجناح یستلزم تلک الصفة الراقیة التی یستشعر المؤمن من خلالها کرامته ، وتقوی بذلک شخصیته ، ولا ریب أنه لا یغفل المؤمن سر التذلل له ، ویدرک جیدا أنه ولید التزام الطرف الآخر برسالته لا خوفا ولا طمعا ، وعندها سیندفع الطرف الآخر إلی نفس المبادرة ، فتتم المعادلة ، ویتحقق التوازن فی بناء شخصیة المؤمن الرسالی علی أتم وجه .
لکن ذلک إنما هو وقف علی المؤمنین المخلصین والطیبین المتواضعین ، فالتواضع لهؤلاء إنما هو تواضع لله ، وعلی العکس من ذلک یکون الموقف إزاء الخونة والمفسدین والمنافقین والمتکبرین ، فالتکبر علیهم عبادة ، بل جهاد فی سبیل الله ( 2 ) .

الآیة الثالثة : ( عباد الرحمن )

( وعباد الرحمن الذین یمشون علی الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) ( 3 ) الرحمن ربنا سبحانه یعرف عباده بجملة من الآیات المبارکات فی نهایة سورة الفرقان ، ویبتدئ ذلک بهاتین الصفتین المذکورتین فی الآیة المتقدمة .
الصفة الأولی : هی السیر علی الأرض هونا أی بسکینة ووقار ،
----------------
( 1 ) المائدة 5 : 54 .
) 2 ) انظر التفسیر الکاشف 4 : 490 .
( 3 ) الفرقان 25 : 63 .
‹ صفحه 19 ›
بلا استعلاء وخیلاء .
الهون ، مصدر هان علیه الشیء یهون ، أی : خف ، وهذا یعنی أن مشیهم علی الأرض مشیة مرفق بها لا یثیر غبارها ، لسهولة التعامل معها واللین فی تماسها ، وخفة الروح علیها . ومن کانت هذه صفته مع الأرض التی یطأها فهو مع ساکنیها - من بنی جنسه - أهون فی تعامله وأرق فی معاشرته وأخف فی روحه .
وبهذه الکلمات یرسم القرآن صورة المؤمن الحق ظاهرة وباطنة فالمشیة ککل حرکة تعبیر عن الشخصیة وعما یستکن فیها من مشاعر ، والنفس السویة المطمئنة الجادة القاصدة تخلع صفاتها هذه علی مشیة صاحبها .
ولیس معنی ( یمشون علی الأرض هونا ) أنهم یمشون متماوتین منکسی الرؤوس متداعی الأرکان متهاوی البنیان ، کما یفهم بعض الناس ممن یریدون إظهار التقوی والصلاح !
فهذا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم کان إذا مشی تکفأ تکفئا وکان أسرع الناس مشیة وأحسنها وأسکنها . . قال الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام : کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا مشی تکفأ تکفؤا کأنما ینحط من صبب ( 1 ) وهی مشیة أولی العزم والهمة والشجاعة .
وأما الصفة الثانیة : فهی ( إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) فهم لا یمارون الجاهل ولا یقارعونه بالحجة تلو الحجة التی لا یستطیع هضمها وفهمها ، بل یرفقون به ویقدرون مبلغ علمه ومستوی جهله ویرأفون بحاله
00000000000000
( 1 ) تاریخ الطبری 2 : 221 .
‹ صفحه 20 ›
ولا یسمعونه ما یثقل علیه من کلمات تجرح شعوره مما هی فیه وهو أهلها ویستحقها لغروره وتبلد ذهنه إذ وضع نفسه الوضیعة فی غیر موضعها ، بل راح یتعالی علیهم بمخاطبتهم . وهذا یعنی : أن الجاهل یبلغ به عجبه بنفسه وعلمه بأن یری الآخرین - وإن کانوا علماء - هم دونه فی المستوی ، وعند ذلک تسمح له تصوراته المغرورة هذه فی تنصیب نفسه خطیبا علیهم ، له أن یتکلم وعلیهم أن یسمعوا .
نعم ، فإذا کانت هذه حقیقة ماثلة فی أغلب النفوس ، وهی کذلک ، فلماذا لا یرفق العالم بالجاهل ، والأعلم بالمتعلم ، ویقول له : سلاما ، فی المواضع التی یتطاول فیها الجاهل ، ویترک للزمن إقناعه ، وللمراحل التی یلزم طیها حتی یبلغ الفهم ویبلغ التواضع للحقیقة التی یراد له الوصول إلی فهمها وبلوغها ؟
الرحمانیون :
فمن لم یتلطف ویرأف بهذه النفوس المریضة بداء الجهل والغرور ، ولم یداوها بدواء الرفق والسماحة فلیس هو بالحکیم الذی یضع الأمور فی محلها ، کما هو لیس أهلا بأن ینسب إلی الرحمن بالعبودیة ( وعباد الرحمن الذین یمشون علی الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) ( 1 )
والملاحظ فی هذه الآیة الکریمة أنها أتت باسم وصفة الرحمن فی هذا المجال ، هذا یعنی أن المنسوبین إلی الله ( الرحمن ) بالعبودیة یجب
---------------
( 1 ) الفرقان 25 : 63 .
‹ صفحه 21 ›
أن یتخلقوا بأخلاقه ، فیکونون رحمانیین ورحماء ، وإلا فلیس حریا أن ینسبوا إلیه مع تجافیهم وتباعدهم عن الرفق والرحمة .
والرحمانیون من النمط الأول تجلت وتجسدت بهم الرحمة المطلوبة فی حیاتهم الرسالیة بکل وضوح ، وهم الأنبیاء والأوصیاء والصلحاء ، والآیات فی ذلک کثیرة ، إذ إنهم مأمورون بمکارم الأخلاق .

الآیة الرابعة : ( هجرا جمیلا )

( واصبر علی ما یقولون واهجرهم هجرا جمیلا ) ( 1 ) .
الهجر الجمیل : أن لا تتعرض لخصمک بشئ ، وإن تعرض لک تجاهلت ( 2 ) . أمر النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی هذه الآیة المبارکة بالصبر - الذی منه کظم الغیض - علی ما یسمعه من الأقوال البذیئة التی لا تلیق ومقام النبوة الشامخ ، صبرا لا عتاب فیه علی أحد ، ولا اعتزاز بالشخصیة ، أو دفاع عن الذات ، بل ترکهم إلی الله سبحانه ، مع الهجر الجمیل الذی لا یترک فی نفوسهم شیئا من وخز الضمیر ما داموا لم یقابلوا بالمثل ، بل بالهجر الجمیل الذی لم یترک فی نفوسهم اشمئزازا من النبی صلی الله علیه وآله وسلم ولم یزرع فیهم ما یحول بینهم وبینه صلی الله علیه وآله وسلم مستقبلا فلا یقبلوا علیه ولا یسمعوا هدیه ، بل کان هجرا جمیلا لم یقطع خیوط المودة ولم یهدم جسور التواصل التی تمر من خلالها رسالة السماء التی تنشد لأولئک التکامل وسعادة الدارین .
----------------
( 1 ) المزمل 73 : 10 .
( 2 ) التفسیر الکاشف 7 : 449 .
‹ صفحه 22 ›
والملاحظ فی هذه الآیة المبارکة أن الله سبحانه استخدم لفظة الهجر ولم یستخدم مکانها لفظة الترک ، ولعل الامر یعود إلی أن الترک یعنی التخلی تماما عنهم ، بینما الهجر یحمل معه معنی إمکانیة الرجوع إلیهم والتبلیغ فیهم مرة ثانیة ، ولأجل هذه الاحتمالیة یلزم أن یکون الهجر جمیلا ، لأنهم فی حاجة إلی المعاودة والنصح والارشاد الذی لا یتحقق مع تواصل الهجر المستمر بلا انقطاع . ومن هنا یعلم أن رحمة الله عز وجل لا یمکن تصور حدودها ، فهی شملت حتی من یسیء إلی مقام الرسل والأنبیاء ، أملا أن یصلحوا فی مستقبل أیامهم ویعودوا إلی حضیرة الاسلام لینهلوا من آدابه ویتخلقوا بمکارم أخلاقه .
ولا یخفی ما فی ذلک من عبرة عظیمة ، وموعظة جلیلة ، إذ یمکن للمسلم الرسالی أن یستثمر الصبر علی الأذی والهجر الجمیل ، لیحصد ما یحمد عقباه .

الآیة الخامسة : ( ادفع بالتی هی أحسن )

( ولا تستوی الحسنة ولا السیئة ادفع بالتی هی أحسن فإذا الذی بینک وبینه عداوة کأنه ولی حمیم ) ( 1 ) فی هذه الآیة المبارکة یتبین لنا حکم الله جل جلاله فی المجالین : التکوینی والتشریعی ، عند التفریق بین الحسن والحسنة من جهة ، والسئ والسیئة من جهة أخری ، إذ إن إرادته سبحانه شاءت أن تکون الطبیعة ویکون العقل شاهدین علی التفاوت بین الاثنین ، وإلا کان الحسن والقبیح علی حد سواء ، والمحسن والمسئ بمنزلة واحدة ، وواقع الحال لیس کذلک ، إذ عدم التساوی بین الحسنة والسیئة
00000000000000
( 1 ) فصلت 41 : 34 .
‹ صفحه 23 ›
مسلم عند سائر العقلاء ، ومقرر فی جمیع الشرائع بلا خلاف .
ولا یخفی بأن الإساءة للآخرین لها آثارها السلبیة فی تحقیق التکافل والتعاون ، وإثارة البغضاء والعداوة ، لذا کان الامر بدفعها من أقصر الطرق وأوضحها فائدة ، وأکثرها عائدة ، وذلک بان تقابل بالاحسان ، إذ الانسان مجبول علی حب وتقدیر من أحسن إلیه .
وقد حملت لنا هذه الآیة التوجیه الفذ الذی یمکن من خلاله الوصول إلی هذه الغایة السامیة ، وذلک بعقد مبدأ الرفق واللطف فی عملیة التدافع بین الحسن والأحسن فلا یقدم الحسن علی الأحسن ، ولا الفاضل علی الأفضل ، أو المهم علی الأهم . وهذه قاعدة عقلائیة تستذوقها النفوس وترضاها الطبائع وتدعو إلیها الفطرة ، وأمر بها الشرع - کما عرفت - بقوله : ( ادفع بالتی هی أحسن ) .
الآیة تقول : فرق بعید بین عملک یا محمد وأنت تدعو إلی الله وتتحمل الأذی فی سبیله صابرا محتسبا وبین عمل الذین أجابوا دعوتک بالاعراض والأذی والافتراء . .
إن عملک صلوات وحسنات ، وعملهم سیئات ولعنات . . وعلی الرغم من ذلک فعلیک ان ترفق بهم وتتسامح معهم وتصبر علی سفاهتهم ، فإن منهم من لو قابلته بهذه السماحة لعاد إلی ربه وعقله ، وانقلبت عداوته لک إلی محبة ، وبغضه إلی مودة ( 1 ) .
کأنه ولی حمیم :
ثم أن الآیة - من أجل إرساء هذه الدعامة المهمة فی آثارها
----------------
( 1 ) التفسیر الکاشف 6 : 492 .
‹ صفحه 24 ›
والموضوعیة فی واقعها - أسست بناء مهذبا للنفوس یقوم علی هذه الحقیقة المتینة فی حکمتها ، اللطیفة فی رقتها ، الرحیمة فی هدفیتها فقالت : ( فإذا الذی بینک وبینه عداوة کأنه ولی حمیم ) ( 1 ) أی اصبر علی الأذی ، واکظم الغیظ الذی تبتلی به ، واحلم عمن أساء إلیک ، وتعامل مع مصدر اتعابک وشانئیک تعامل الرؤوف الرحیم العطوف الکریم برفق ولطف یمس قلوبهم القاسیة فیحولها من قسوتها وجفوتها علیک إلی تعاطفها وتجاذبها إلیک ، ومن غفوتها ونومتها التی هی علیها ، إلی الیقظة والصحوة التی أنت فیها . فهی تأمرنا باعتماد منهجیة الرفق مع أعداءنا إلی الحد الذی یجلی الفرد الواحد منا أمام أعداء دعوته ( کأنه ولی حمیم ) فیستقطب مجامع قلوبهم إلیه حتی تصیر اذان صاغیة لهدیه وارشاده فیستنقذها من ضلالها وجهالتها إلی الهدی والنور الذی هو علیه والدین والفکر الذی یدعو إلیه .
ثم أن الدفع بالتی هی أحسن والتحلی بالرفق قبال الذی بینک وبینه عداوة حتی تبدو له کأنک ولی حمیم ، لیست قضیة تخص البعد التبلیغی فحسب دون المجالات الحیاتیة الأخری ، سیاسیة أو اجتماعیة أو سلوکیة عامة . فکل هذه المساحات وغیرها هی لیست فی غنی عن هذا المبدأ الأخلاقی القویم الذی یبلور الشخصیة الرصینة فی حرکتها الفردیة والاجتماعیة ، ویکشف عن سماحتها وعلو همتها وعظم قدرها .
وکم صدقت هذه القاعدة علی حالات کانت فی منتهی التوتر ، وشیکة أن تقود إلی سفک دماء کثیرة بغیر حق ، فإذا الهیاج ینقلب إلی سکون ، ویعود الزمام المنفلت إلی محله ، ذلک حین قوبل الغضب المجنون
0000000000000
( 1 ) فصلت 41 : 34 .
‹ صفحه 25 ›
بنبرات هادئة من نفس مطمئنة ! وبالعکس تصنع الکلمة الأخری ، فینقلب السکون غضبا مجنونا ، وینفلت الزمام . .
المؤرخ الفیلسوف أبو علی مسکویه ینقل فی ( تجارب الأمم ) بالتفصیل الحوار الخطیر الذی أداره الامام أمیر المؤمنین علیه السلام مع الزبیر بن العوام قبل نشوب معرکة الجمل ، إذ دعاه فالتقیا بین الصفین فقال له : ( یا زبیر ، أتذکر یوم مررت مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی بنی غنم فنظر إلی وضحک وضحکت إلیه ، فقلت : لا یدع ابن أبی طالب زهوه ! فقال لک رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
مه ! إنه لیس کذلک ، ولتقاتلنه وأنت له ظالم ؟
قال الزبیر : اللهم نعم ، ولو ذکرت ما سرت مسیری هذا ، والله لا أقاتلک أبدا . فانصرف علی علیه السلام وحکی ذلک لأصحابه ، ورجع الزبیر إلی عائشة فقال لها : ما کنت فی موطن مذ عقلت إلا وأنا أعرف فیه أمری ، غیر موطنی هذا !
قالت : ما ترید أن تصنع ؟
قال : أرید أن أدعهم وأذهب .
قال له ابنه عبد الله : جمعت هذین الفارین حتی إذا جرد بعضهم لبعض أردت أن تترکهم وتذهب ؟ ! أحسست رایات ابن أبی طالب وعلمت أنها بأیدی فتیة أنجاد ! !
فغضب الزبیر حتی أرعد ، ثم قال : ویحک ، إنی قد حلفت ألا أقاتله !
قال : کفر عن یمینک ! !
‹ صفحه 26 ›
فدعا غلاما له یقال له مکحول فأعتقه .
فقال عبد الرحمن بن سلیمان التمیمی : لم أر کالیوم أخا إخوان * * * * أعجب من مکفر الایمان بالعتق فی معصیة الرحمن
قال مسکویه : وإنما حکینا هذه الحکایة لان فیها تجربة تستفاد ، وإن ذهب ذلک عن قوم فإنا ننبه علیه ، وذلک أن المحنق ربما سکن بالکلام الصحیح ، والساکن ربما أحنق بالزور من الکلام ) ( 1 ) .
غیر أن تلک السماحة لا تؤتی أثرها إلا وهی صادرة مع القدرة علی الرد ، وإلا انقلبت فی نفس المسئ ضعفا وذلا ، فلا یبقی عندئذ للحسنة أثر علی الاطلاق . کما أن هذه السماحة لا تتعدی حالات الإساءة الشخصیة ، أما العدوان علی العقیدة أو علی العرض والمال فلا یقابل إلا بمثله ، فالنبی الکریم صلی الله علیه وآله وسلم الذی کان یحسن إلی من أساء إلیه فوضع الأذی فی طریقه أو أسمعه غلیظ الکلام ونحو ذلک ، ویعفو ویصفح ، هو نفسه القائل حین یکون العدوان علی العقیدة : والله ، لو وضعوا الشمس فی یمینی والقمر فی یساری علی أن أترک هذا الامر ، ما ترکته حتی یظهره الله أو أهلک دونه ( 2 ) .
000000000000000
( 1 ) تجارب الأمم 1 : 322 . ونص الحوار الذی دار بین أمیر المؤمنین علیه السلام وبین الزبیر ثابت لدی سائر المؤرخین ، فانظر : الکامل فی التاریخ 2 : 335 .
( 2 ) تاریخ الطبری 1 : 545 .
‹ صفحه 27 ›
ولا شک أن الوصول لمثل هذا أمر متعسر علی الجمیع ولا یحلق فی سماء فضیلته إلا الکمل من الناس وبدرجات متفاوتة هی علی قدر همة الساعین إلیه ذو حظ عظیم :
ولأجل هذه الحقیقة القائمة بین الناس نری الآیة القرآنیة المبارکة التی تلتها تصرح بهذا الامر . إذ تقول ( وما یلقها إلا الذین صبروا وما یلقها إلا ذو حظ عظیم ) ( 1 ) فهی تعلن أن مبدأ الرفق والبلوغ من خلاله إلی درجة الدفع بالتی هی أحسن حتی یصیر کأنه ولی حمیم ، أمر یلیق بالعینات السائرة فی درب التکامل ، وقد استحقت الدخول فی زمرة الذین صبروا وطبیعی أن هذه الزمرة هی من ذوات الحظ العظیم أی من ذوات الرأی السدید ، والعقل الراجح ، والرعایة الخاصة ، والنصیب الأوفر فی مجال الفیوضات الربانیة بما یستحقونه علی صبرهم وتحملهم فی سبیل الله ، وبما لهم من حظ وافر فی مکارم الأخلاق وفواضل السجایا .
فهنیئا للصابرین منا فی درب الاسلام العزیز ( الذین صبروا وعلی ربهم یتوکلون ) ( 2 ) ( . . . وبشر الصابرین * الذین إذا أصابتهم مصیبة قالوا إنا لله وإنا إلیه راجعون * أولئک علیهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئک هم المهتدون ) ( 3 ) .
فی حدیث قدسی شریف - یسنده الإمام الصادق علیه السلام إلی رسول
00000000000000
( 1 ) فصلت 41 : 35 .
( 2 ) النحل 16 : 42 .
( 3 ) البقرة 2 : 155 - 157 .
‹ صفحه 28 ›
الله صلی الله علیه وآله وسلم - قال الله تعالی : إنی جعلت الدنیا بین عبادی قرضا ، فمن أقرضنی منها قرضا أعطیته بکل واحدة عشرا إلی سبع مئة ضعف وما شئت من ذلک ، فمن لم یقرضنی قرضا فأخذت منه شیئا قسرا فصبر أعطیته ثلاث خصال لو أعطیت واحدة منهن ملائکتی لرضوا بها منی .
قال الإمام الصادق علیه السلام : قوله تعالی : ( الذین إذا أصابتهم مصیبة قالوا إنا لله وإنا إلیه راجعون * أولئک علیهم صلوات من ربهم ) فهذه واحدة من ثلاث خصال ، ( ورحمة ) اثنان ، ( وأولئک هم المهتدون ) ثلاث . . هذا لمن أخذ الله منه شیئا قسرا فصبر ( 1 ) .
هذه الصلوات والرحمة علیهم فی الدنیا تصنع فیهم الشخصیة الفذة وتمنحهم العزیمة الصامدة ( ولمن صبر وغفر إن ذلک لمن عزم الأمور ) ( 2 )
فالغفران - وهو مفردة من المفردات التی یقوم علیها مبدأ الرفق - هو من أعلی الأعمال شرفا وأکثرها ثباتا ، وإنه لکاشف قطعا عن همم عالیة وعقول راجحة ومروءة صادقة ، یلازمها علی الدوام ترفع علی تتبع عثرات الآخرین ، وبهذا یکسب ودهم ویسمو علیهم لسمو روحه عن دوافع الثأر للذات والتذبذب فی حضیض ( الأنا ) .
هذه بعض الآیات المحکمات التی یمکن الاستفادة منها والاستضاءة بأنوارها والاهتداء بها فی موضوع الرفق تفیأنا تحت ظلالها الوارفة فی وقفتنا القصیرة هذه ، والمتأمل فی آیات الذکر الحکیم یجد غیرها من الآیات البینات التی تدعو إلی الرفق واللین واللطف والرأفة فی حرکة الفرد والمجتمع .
---------------
( 1 ) تفسیر البرهان 1 : 359 - 360 تحقیق مؤسسة البعثة - ط 1 - 1415 ه.
( 2 ) الشوری 42 : 43 .
‹ صفحه 29 ›

‌‌‌رفق الفصل الثانی الرفق فی السنة المطهرة

[تمهید]

جاء فی کثیر من الأحادیث الشریفة الحث علی الرفق والدعوة إلیه وبیان أهمیته وتحدید أبعاده وتشخیص ثمراته ، ولا بأس بالوقوف علی ضفاف شواطئ تلک الأحادیث ، لنغترف من عذب مائها الرقراق فی زمن الضمأ ، حیث الأفکار المادیة العکرة وما نصبته لهذا الانسان من کؤوس مرة المذاق لا تروی الغلة ولا تشفی العلة .
النبی صلی الله علیه وآله وسلم یمدح الرفق :
لقد مدح النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم الرفق بأحادیث کثیرة نذکر بعضا منها :

1 - الرفق یمن والخرق شؤم :

قال صلی الله علیه وآله وسلم : الرفق یمن والخرق شؤم ( 1 ) .
وهذا الحدیث یصف الرفق بالیمن ، أی : البرکة ، لما له من دور حیوی
00000000000000
( 1 ) الکافی 2 : 119 / 4 باب الرفق . إحیاء علوم الدین 3 : 185 . والخرق : الجهل والحمق .
‹ صفحه 30 ›
فی شد أزر الناس بعضهم إلی البعض الآخر من خلال ما یزرعه فی نفوسهم من المحبة والصفاء ، حتی یعودوا مبارکین فی تصرفاتهم ، فیعم الیمن ساحتهم وتتغشاهم برکات السماء .

2 - الرفق جمال :

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : إن الرفق لم یوضع علی شئ إلا زانه ، ولا
نزع من شئ إلا شانه ( 1 ) .
وهذا الحدیث یحکی جمالیة الرفق فی أنه لبوس حسن ، یزین مرتدیه ، فمن تخلق بالرفق فإن الرفق سیزینه ویزیده جمالا ووقارا وهیبة ، فلا یلتفت الآخرون إلی ما هو علیه من عیوب ونقاط ضعف لا ینجو منها عادة إلا الکمل من الناس ، وعلی العکس من ذلک فلو أن إنسانا یستجمع من المزایا الحمیدة الشیء الکثیر غیر أنه لا یتخلق بالرفق فی تصرفاته ، فإن مثل هذا الانسان سرعان ما ینفر الناس منه لما للرفق من دور مهم فی الکشف عن الأخلاق العملیة التی یتفاعل معها الآخرون .

3 - جمال ماهیة الرفق وحسن جوهره :

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : لو کان الرفق خلقا یری ما کان مما خلق الله
عز وجل شئ أحسن منه ( 2 ) .
ویبین لنا هذا الحدیث جمال ماهیة الرفق وحسن جوهره الباهر ،
000000000
( 1 ) الکافی 2 : 119 / 6 باب الرفق . وقریب منه فی إحیاء علوم الدین 3 : 185 .
( 2 ) الکافی 2 : 120 / 13 باب الرفق .
‹ صفحه 31 ›
فهو صلی الله علیه وآله وسلم یقول : لو کان الرفق خلقا یری ، أی : لو أن لحقیقة الرفق صورة مجسدة تظهر للعیان وتتمثل للانسان ما کان مما خلق الله عز وجل شئ أحسن منه فهو یفوقها حسنا وجمالا ، وبهذا الطرح الافتراضی والتصویری یبین لنا صلی الله علیه وآله وسلم ما للرفق من جمالیة فی حقل الأخلاق وکیانها التکاملی الشامخ .

4 - الرفق خیر :

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : من أعطی حظه من الرفق أعطی حظه من خیر الدنیا والآخرة ( 1 ) .
وفی هذا الحدیث إخبار عن الصادق الأمین بأن من یرزق الرفق یرزق الخیر کله . وهذا یعنی أن الذی یزداد رفقا ، یزداد من خیر الدنیا والآخرة ، وعلی العکس سیکون حال الآخر الذی حرم حظه من العقل والوقار ، وصرعته الأنا ، فاستبدل أناة بالحمق ، وجهلا بالحلم ، فزرع لدنیاه وآخرته ما یسوءه حصاده ، وتطیل ندامته عقباه . .

5 - الرفق نصف المعیشة :

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : التودد إلی الناس نصف العقل والرفق نصف المعیشة ، وما عال امرؤ فی اقتصاد ( 2 ) .
وبهذا التشخیص الدقیق فی بعده الاجتماعی تتوضح أهمیة الانفتاح
----------------
( 1 ) شرح نهج البلاغة ، لابن أبی الحدید 6 : 229 . إحیاء علوم الدین 3 : 185 .
( 2 ) بحار الأنوار 71 : 249 .
‹ صفحه 32 ›
علی الآخرین ، ومداراة عقولهم ، والانسجام معهم من خلال الرفق بهم دون الغلظة علیهم ، ویعتبر ذلک الرفق معادلا لنصف الجهد الذی یبذله الانسان فی دائرة عمله الاقتصادی بین أفراد المجتمع ، وهو صلی الله علیه وآله وسلم بهذا یعطی أهمیة فائقة للأخلاق فی المجال الاجتماعی والاقتصادی اللذین لا ینفکان عن تلازمهما فی تسییر عجلة الحیاة المعاشیة للفرد والأمة ، ولأجل هذه الحقیقة الحیویة جاء قوله صلی الله علیه وآله وسلم فی الفقرة الأخیرة وما عال امرؤ فی اقتصاد .

6 - الرفق کرم :

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : الرفق کرم ، والحلم زین ، والصبر خیر مرکب ( 1 ) .
بهذا الوصف النبوی الشریف یکون المتخلق بالرفق کریما موقعه بین الناس ، یلزمهم تبجیله وتعظیمه علی سجیته هذه . وبهذا الاحترام تتوسع دائرة الرفق بینهم لما للقدوة من أثر فی تعمیق المفهوم ، واستحقاقه لهذا التجلیل جاء من تکرمه وترفعه عن متابعة الآخرین فی هفواتهم وزلاتهم .

7 - الرفق وزیر الحلم :

وقال صلی الله علیه وآله وسلم : نعم وزیر الایمان العلم ، ونعم وزیر العلم الحلم ، ونعم وزیر الحلم الرفق ، ونعم وزیر الرفق اللین ( 2 ) .
استوزر الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم العلم للایمان ، الحلم للعلم ، الرفق للحلم
---------------
( 1 ) بحار الأنوار 69 : 414 .
( 2 ) بحار الأنوار 75 : 52 .
‹ صفحه 33 ›
واللین للرفق ، وبهذه المنظومة المبارکة بین لنا التماسک الحیوی بین الایمان والعلم والأخلاق ، فمن أراد الایمان فعلیه بالعلم ، ومن أراد العلم الذی یفضی إلی الایمان فعلیه أن یتزین بالحلم الذی یجعل من العلم علما هادفا نحو التکامل لا العلم الذی یرافقه الغرور والعجب والتکبر ، ومن أراد إیمانا یستند إلی العلم النافع والمستوزر بالحلم فما علیه إلا التخلق بالرفق الکاشف عن واقعیة الحلم وحقیقته .
الرفق الذی یتضمن : السماحة واللطف والانفتاح والتواضع وتکلیم الناس علی قدر عقولهم والتجاوز عن سیئاتهم والترفع من متابعة هفواتهم ، رفقا یتجلی فیه اللین وتمحی من ساحته الغلظة ، فلا خشونة عند التعامل ولا جفوة بعد التخاصم ، ولا طغیان عند البغی ، هکذا یریدنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی أبعادنا العلمیة والایمانیة والأخلاقیة ، وهکذا کان هو - روحی له الفدی - مجسدا لأخلاق القرآن ، وسنته العملیة هی التعبیر الأدق لکل ذلک الخلق النبوی العظیم ، ولأجل هذه الحقیقة الناصعة والمحجة البیضاء عرفه ربه سبحانه وتعالی بقوله : ( وإنک لعلی خلق عظیم ) .

8 - الله رفیق یحب الرفق :

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إن الله رفیق یحب الرفق ویعطی علی الرفق ما لا یعطی علی العنف وما لا یعطی علی سواه ( 1 ) .
وفی حدیث آخر قال صلی الله علیه وآله وسلم : إن الله عز وجل رفیق یحب الرفق فی الامر
0000000000000
( 1 ) الکافی 2 : 119 / 5 باب الرفق . إحیاء علوم الدین 3 : 185 .
‹ صفحه 34 ›
کله ( 1 ) .
فالله جل جلاله رفیق ، والرفق خلقه ، إذ هو اللطیف بعباده والرحمن بخلقه والرحیم بالمؤمنین ، یرأف ویتحنن ویعفو ویسامح ویغفر ویتوب ، بر کریم ، ودود حلیم ، وهو - جل ثناؤه - یحب لنا أن نتخلق بأخلاقه حتی نغدوا ربانیین بأخلاقنا ، فربنا الصادق یحب لنا أن نکون صادقین ، وربنا المحسن یحب لنا أن نکون محسنین ، وربنا الرفیق یحب لنا أن نکون رفقاء . ولا شک أنه یعطی علی الرفق ما لا یعطی علی العنف .

9 - الله یعین علی الرفق :

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إن الله یحب الرفق ویعین علیه ( 2 ) . فی هذا الحدیث المبارک یبین لنا النبی صلی الله علیه وآله وسلم أن الله مع کونه یحب الرفق ، فهو سبحانه یعین علیه ، فمن أراد التخلق بالرفق وسعی لاکتساب هذه الفضیلة فإن المد الإلهی یقبل علیه ویقوی فیه هذه العزیمة ، وهذا کقوله تعالی : ( إنهم فتیة آمنوا بربهم وزدناهم هدی ) ( 3 ) فبعد أن أقبلوا علی الایمان زادهم الله هدی ، فکذا الحال فی اکتساب سجیة الرفق ، فإن الله یعین الساعین إلیها بأن یسهل لهم سبل الوصول إلی بغیتهم التکاملیة هذه فإذا وجدنا أنفسنا غیر متخلقین بهذه السجیة الفاضلة فإن العیب فینا ،
0000000000000
( 1 ) کنز العمال : خبر 5370 .
( 2 ) الکافی 2 : 120 / 12 باب الرفق .
( 3 ) الکهف 18 : 13 .
‹ صفحه 35 ›
إذ لم نسع نحوها حتی تقبل هی إلینا .

10 - الرفق رأس الحکمة :

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الرفق رأس الحکمة ، اللهم من ولی شیئا من أمور أمتی فرفق بهم ، فارفق به ، ومن شقق علیهم فاشقق علیه ( 1 ) .
الحکمة کما لا یخفی هی وضع الشیء فی محله ، ولما کان الرفق هو من محامد الصفات التی یتصف بها الخالق المتعال وأنبیاءه الکرام وذوی الحجی والألباب ، وبه یعالجون سقم الناس ، فهو الدواء المحکمة مراهمه ، والبلسم الناجح شفاؤه ، ینفع مع الفرد فی تطبیبه وتهذیبه ، ومع الأمة فی تدبیر أمرها وسوسها .
فالنبی الأعظم صلی الله علیه وآله وسلم بعد أن یعرف الرفق بأنه رأس الحکمة ، یتوجه إلی ربه بالدعاء بالرفق لمن یرفق بمن ولی علیه ، وبالمشقة علی من یشق علیهم ، ولا شک أن دعوة المصطفی حبیب الله هی دعوة مستجابة حتما ، وهی فی الوقت نفسه کشف عن قانون وإرادة سماویة فی المکافأة والمجازاة علی الافعال .

11 - أفضل الصاحبین :

الصحبة فی الله عمل ممدوح ، بارکه الاسلام کثیرا ، وحث علیه ، وبشر أهله بالثواب الجزیل والمنزلة الرفیعة ، لکن بین المتصاحبین فی الله تفاضل ، فأحدهما أرفع منزلة وأعظم أجرا من أخیه ، فبأی مزیة نال هذا
0000000000000
( 1 ) بحار الأنوار 75 : 352 .
‹ صفحه 36 ›
التفضیل ؟
رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یکشف لنا عن سر هذه المفاضلة ، فیقول : ما اصطحب اثنان إلا کان أعظمهما أجرا وأحبهما إلی الله عز وجل : أرفقهما بصاحبه ( 1 ) .
الرفق إذن هو الذی رفع أحد الصاحبین علی أخیه درجة ، وشرفه بمنزلة من حب الله أعلی .

12 - الزیادة والبرکة :

إن الله تعالی لیجازی عباده علی مکارم الأخلاق فی الدنیا فیریهم ثمراتها ، کما یدخر لهم لیوم لقائه ما هو أنمی وأبقی ، فما الذی یراه المتحلی بالرفق فی دنیاه ؟
قال صلی الله علیه وآله وسلم : إن فی الرفق الزیادة والبرکة ، ومن یحرم الرفق یحرم الخیر ( 2 )
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : ما زوی الرفق عن أهل بیت إلا زوی عنهم الخیر ( 3 ) .
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : من کان رفیقا فی أمره نال ما یرید من الناس ( 4 ) .
وقال الإمام الصادق علیه السلام : أیما أهل بیت أعطوا حظهم من الرفق فقد وسع الله علیهم فی الرزق ، والرفق فی تقدیر المعیشة خیر من السعة فی المال ،
----------------
( 1 ) الکافی 2 : 120 / 15 باب الرفق .
( 2 ) الکافی 2 : 119 / 7 باب الرفق .
( 3 ) الکافی 2 : 119 / 8 باب الرفق .
( 4 ) الکافی 2 : 120 / 16 باب الرفق .
‹ صفحه 37 ›
والرفق لا یعجز عنه شئ والتبذیر لا یبقی معه شئ ، إن الله عز وجل رفیق یحب الرفق ( 1 ) .

13 - الرفق سور الایمان :

عن هشام بن أحمر ، قال : جری بینی وبین رجل من القوم کلام ، فقال لی أبو الحسن علیه السلام : ارفق بهم ، فإن کفر أحدهم فی غضبه ، ولا خیر فی من کان کفره فی غضبه ( 2 ) .
وفی کلام بعض الصالحین : ما تکلم الناس بکلمة صعبة ، إلا وإلی جانبها کلمة ألین منها تجری مجراها ( 3 ) .

‌ الرفق فی حقوق المؤمنین :

رکز الاسلام کثیرا عنایته بحقوق المؤمنین بعضهم علی بعض ، حفظا لکرامة الانسان المؤمن ، وصیانة للمجتمع ورصا لصفوفه ، قال تعالی : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولیاء بعض ) ( 4 ) .
والرفق واحد من تلک الحقوق التی ینبغی حفظها ، وفی ( رسالة الحقوق ) التی أفاض بها الإمام علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام أکمل دستور یتناول شعب الحقوق وجوانبها وألوانها ، وفیها تجد للرفق حظه المبرز وهو یوزعه علی أولی الفئات التی ینبغی أن یحفظ لها حقها فیه ،
00000000000000
( 1 ) الکافی 2 : 119 / 9 باب الرفق .
( 2 ) الکافی 2 : 119 - 120 / 10 باب الرفق .
( 3 ) إحیاء علوم الدین 3 : 186 .
( 4 ) التوبة 9 : 71 .
ومنها :
المسلمون عامة :
قال علیه السلام : وحق أهل ملتک : إضمار السلامة ، والرحمة لهم ، والرفق بمسیئهم ، وتألفهم ، واستصلاحهم ، وشکر محسنهم ، وکف الأذی عنهم ( 1 ) .
المستنصح :
وقال علیه السلام : وحق المستنصح : أن تؤدی إلیه النصیحة ، ولیکن مذهبک الرحمة له والرفق به ( 2 ) .
الزوجة :
وقال علیه السلام : حق الزوجة : أن تعلم أن الله عز وجل جعلها لک سکنا وأنسا وتعلم أن ذلک نعمة من الله علیک ، فتکرمها ، وترفق بها ، وإن کان حقک علیها أوجب فإن لها علیک أن ترحمها لأنها أسیرک ، وتطعمها وتسقیها وتکسوها ، وإذا جهلت عفوت عنها ( 3 ) .
وفی الزوجة جاءت وصیة النبی صلی الله علیه وآله وسلم : رفقا بالقواریر ( 4 ) .
الصغیر :
وقال علیه السلام : وحق الصغیر : رحمته فی تعلیمه ، والعفو عنه ، والستر علیه ،
----------------
( 1 ) شرح رسالة الحقوق ، للسید حسن القبانچی 2 : 541 .
( 2 ) رسالة الحقوق 2 : 387 حق المستنصح .
( 3 ) المصدر السابق 1 : 517 حق الزوجة .
( 4 ) مسند الحمیدی : 1209 .
‹ صفحه 39 ›
والرفق به ، والمعونة له ( 1 ) .
وهکذا یزین الرفق أخلاق المرء وحیاته ، بل أخلاق المجتمع کله ، لیسهم مع أخوانه من مکارم الأخلاق فی بناء انسان متکامل ومجتمع متین متجانس یسوده الائتلاف والوئام ، وتتجذر فیه کل عناصر الصحة والقوة والصلاح .

15 - الرفق بالحیوان :

الرفق مع الاقتدار ، مبدأ ، ولیس وسیلة لتحقیق غایة آنیة أو مرحلیة ، من هنا فلیس هناک حد زمنی بین الرفق وضده ، بل قد یکون هناک حد تفرضه طبیعة سلوک الطرف الآخر المقصود بالرفق ، طبیعة سلوکه ولیس ذاته . . فالتحول مع الطفل من الرفق الظاهر إلی التأدیب اللازم أمر یفرضه سلوک الطفل لا ذات الطفولة التی کنا قبل صدور هذا السلوک نتعامل معها بالرفق کله . . وکذا فالذات الانسانیة أیضا لا تحتکر الرفق لنفسها ، بل تشارکها فیه کل ذوات الأرواح ، وحتی النبات ، وربما الجمادات المیتة أیضا ، فلربما رأیت صبیا یعبث بالحصی بکل عنف ، یهشم ویحطم ، فأخذتک علی هذه الحصی شفقة ، أو أثار فیک المنظر اشمئزازا . وهذا شأن الخلق حین یکون متأصلا فی الفطرة ، فکیف بک وأنت تری معتوها یبطش ببهیمة ضعیفة لا تملک الدفاع عن نفسها ولا حیلة لها بالفرار من بین یدیه ، إلا أنها تصرخ وتجأر بکل ما تحسبه یرقق القلوب ویستدر العواطف علیها من صوت ؟
00000000000
( 1 ) رسالة الحقوق 2 : 455 حق الصغیر .
‹ صفحه 40 ›
وکم استغل الشذوذ البشری ضعف الحیوان وقلة حیلته لیتخذه وسیلة للعبه وطیشه ، فیجری علیه تجارب طیش معتوه بفنون الحبس وفنون التعذیب ، وربما اتخذها مخبرا لقدراته فی الصید ، فیجندل منها حتی یروی غروره فیعود منتفخ الصدر ومن ورائه عشرات الجثث الهامدة من أنواع الحیوان التی کانت تملأ الصحاری والحقول والأنهار والخلجان روحا وحرکة وزینة وحیاة . .
فإذا کان الاسلام دین الهدایة الحقة الذی أخذ علی عاتقه مسؤولیة نظم الحیاة واعمار الدنیا ، فلا تفوته العنایة بالحیوان وحفظ حقه ، بعد أن أعطی الانسان ما یستحقه ، بل بعد أن تعدت رعایته للنبات الذی جعل تعاهده ورعایته عبادة جزاؤها الثواب العظیم ، وأعطی فی الجنة شجرة تضله لمن غرس فی الدنیا مثلها ، وزاد علی ذلک أن نفخ فی روع تابعه أن لو کانت بیدک فسیلة ، ولیس بینک وبین قیام الساعة إلا أن تغرس هذه الفسیلة فاغرسها قبل قیام الساعة !
تری کیف کانت رعایته للحیوان الذی یعیش مع الانسان ویساهم فی اعمار دنیاه ؟
صاحبة السفر :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إن الله یحب الرفق ویعین علیه ، فإذا رکبتم الدواب العجف فأنزلوها منازلها ، فإن کانت الأرض مجدبة فانجوا عنها ، وإن کانت مخصبة فأنزلوها منازلها ( 1 ) .
----------------
( 1 ) الکافی 2 : 120 / 12 باب الرفق .
‹ صفحه 41 ›
إنها تحملکم وتحمل أثقالکم ، وکل عزائها أن تمر بأرض مخصبة تنهش منها أو ترتع فیها فتقوی علی أمرها وتخفف العناء عن نفسها ، فلا تصنعوا معها صنع الحانق الناقم ، أو الغافل الذی همه نفسه وقد هیأ لها الماء والزاد والراحلة دون أن یشعر بأن راحلته لها روح مثله ، فهی تضمأ وتجوع وتجهد مثله . .
وفی المعنی ذاته قال أبو جعفر الباقر علیه السلام : إذا سرت فی أرض خصبة فارفق بالسیر ، وإذا سرت فی أرض مجدبة فعجل بالسیر ( 1 ) .
وذاک الذی همه نفسه ، سیهرع إذا بلغ مقصده إلی أدنی فراش طلبا للاسترخاء ، ویدعو عاجلا بالماء والطعام فلقد أضناه السفر . . تارکا وراءه ظهرا حمله الطریق کله ، لأنه لا یملک نطقا یفصح فیه عن عنائه وحاجته ، وربما لو نطقت أیضا لما کان حظها أحسن عند هؤلاء ! ! ولهؤلاء یقول رسول الاسلام صلی الله علیه وآله وسلم :
من سافر منکم بدابة فلیبدأ حین ینزل بعلفها وسقیها ( 2 ) قبل ان ینشغل بطعام نفسه وسقیها . .
حقوق الحیوان :
إن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أبصر ناقة معقولة وعلیها جهازها ، فقال : أین صاحب هذه الراحلة ، ألا تتقی الله فیها ، إما أن تعلفها ، وإما أن ترسلها حتی تبتغی لنفسها ( 3 ) . هذه هی العدالة النموذجیة .
----------------
( 1 ) من لا یحضره الفقیه 2 : 190 / 6 باب 91 .
( 2 ) من لا یحضره الفقیه 2 : 189 / 5 باب 91 .
( 3 ) کنز العمال : خبر 24983 .
‹ صفحه 42 ›
النبی ینصب محکمة لمن یترک الحمل علی البعیر فی حالة توقفه عن السیر ولا یدعه یستریح خلال هذا التوقف .
لا تتخذوها کراسی :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ارکبوا هذه الدواب سالمة وتدعوها سالمة ، ولا تتخذوها کراسی لأحادیثکم فی الطرق والأسواق ، فرب مرکوبة خیر من راکبها وأکثر ذکرا لله تبارک وتعالی منه ( 1 ) ! .
فلیس من حق المستخدم للدابة فی الحمل والتنقل أن یتخذ منها کرسیا لحدیثه وتأمله وتفرجه ، فیوقفها وهو علی ظهرها من أجل التأمل بمنظر أو الحدیث مع شخص ، بل یلزمه النزول من علی ظهرها حتی یقضی حاجته ثم یمتطیها لسفره . ثم یلزمه أن لا یرکبها إلا وهی سالمة حتی لا یجهدها ویشق علیها ، ویضیف بذلک علة مرضیة أخری إلی علتها الأولی کما هو ملزم أیضا أن ینزل من علیها وهی سالمة وهذا یعنی مراعاتها فی سفره فی الأکل والشرب والراحة .
ضرب الدابة :
حج علی بن الحسین علیهما السلام علی ناقة أربعین حجة فما قرعها بسوط ( 2 ) . قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : اضربوها علی النفار ولا تضربوها علی العثار ( 3 ) .
----------------
( 1 ) کنز العمال : خبر 24957 . مستدرک الوسائل 2 : 50 .
( 2 ) وسائل الشیعة 8 : 352 .
( 3 ) الکافی 6 : 539 / 12 باب نوادر فی الدواب کتاب الدواجن .
‹ صفحه 43 ›
وضربها علی النفار تأدیب لها علی الوضع الطبیعی الذی لا یخرجها عن مهمتها التی شاءها الله لها فی الطاعة عند التسفیر من حیث کونها مسخرة للانسان ، وقد ذللها الله له ، أی جعلها سهلة الانقیاد ، والضرب حال ترویضها وتأدیبها عندما تنفر لا یمنع منه الاسلام ویقبله العقل . أما فی حالة عثارها فهذا أمر لا یتعمده الحیوان بل هو یجری علیه دون اختیار . کما یحصل للانسان ، أیضا فمن المنطقی أن لا یؤاخذ علیه الحیوان ، وهذا ما جاءت به الشریعة الغراء .
هذه التعالیم المبارکة قد لا یجد فیها إنسان العصر الحدیث شیئا جدیدا فی الرفق واللطف ، أما فی ذلک الزمن البعید وقبل أربعة عشر قرن فهی تعالیم جدیدة أوقدت مصباح الرفق فی دنیا الغلظة وحنادس الجهل ( 1 ) .
ست خصال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : للدابة علی صاحبها ست خصال : یعلفها إذا نزل ، ویعرض علیها الماء إذا مر به ، ولا یضربها إلا علی حق ، ولا یحملها ما لا تطیق ، ولا یکلفها من السیر إلا طاقتها ، ولا یقف علیها أفواقا ( 2 ) .
داجن البیت :
وفی حدیث وفاة أمیر المؤمنین علیه السلام قالت أم کلثوم : ثم نزل إلی الدار
----------------
( 1 ) للمزید راجع حقوق الدابة المندوبة والواجبة فی کتاب وسائل الشیعة 8 : باب 9 .
( 2 ) مستدرک الوسائل 2 : 50 . أفواق : جمع فواق بضم الفاء وهو الوقت بین الحلبتین ،
إشارة إلی الوقت القلیل جدا .
‹ صفحه 44 ›
وکان فی الدار وز قد أهدی إلی أخی الحسن علیه السلام فلما نزل خرجن وراءه وصحن فی وجهه وکن قبل تلک اللیلة لم یصحن ، ثم قال : یا بنیة بحقی علیک إلا ما أطلقتیه فقد حبست ما لیس له لسان ولا یقدر علی الکلام إذا جاع أو عطش ، فأطعمیه واسقیه ، وإلا خلی سبیله یأکل من حشائش الأرض ( 1 ) .
عذبت امرأة فی هرة :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : رأیت فی النار صاحبة الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة ، کانت أوثقتها ، فلم تکن تطعمها ولم ترسلها تأکل من حشائش الأرض ( 2 ) . فالعدل الإلهی إذن بالمرصاد لمن لا یرفق بالحیوان .
غفر لامرأة فی کلب :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : غفر الله لامرأة مومسة مرت بکلب علی رأس رکی ، یلهث کاد یقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلک ( 3 ) . فاللطف والرحمة والعفو والمغفرة اذن تشمل المومسة إذا صدر عنها مثل هذا الرفق بالحیوان ، فما بال من یدرک ذی لهفة من بنی الانسان ویرفق بالضعیف والمحتاج والیتیم والأرملة وما شاکل ذلک ؟
قتل الحیوان بغیر حق :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما من دابة ، طائر ولا غیره ، یقتل بغیر الحق إلا
00000000000
( 1 ) مستدرک الوسائل 2 : 58 .
( 2 ) مستدرک الوسائل 2 : 58 .
( 3 ) کنز العمال : خبر 16354 ، 43068 . رکی : حافة البئر .
‹ صفحه 45 ›
ستخاصمه یوم القیامة ( 1 ) . نعم ، ( وإذا الوحوش حشرت ) ( 2 ) وحشر الناس لرب العالمین ستظهر العدالة الکاملة فی یوم التغابن فلا مظلومیة یعفو علیها الزمان حتی مظلومیة الحیوانات . . ما من إنسان یقتل عصفورا فما فوقها بغیر حقها إلا سأله الله عنها یوم القیامة ( 3 ) .
أحسنوا الذبح :
إذا کان الله تعالی قد کرم الانسان وسخر له ما فی السماوات وما فی الأرض ، بما فی ذلک أصناف من الحیوان یتقوت بلحومها ، یضع حدا لحیاتها من أجل أن یقیم حیاته ، فإنه تعالی بر رؤوف رحیم بهذه المخلوقات التی أدت رسالة خلقت لأجلها ، فلا یرضی استغلال اباحتها بما یتنافی مع الرحمة والرأفة والرفق بها ، فأمر عباده علی لسان نبیه صلی الله علیه وآله وسلم ، صاحب الخلق العظیم ، الذی لا ینطق عن الهوی ، إذ قال : إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، لیحد أحدکم شفرته ، لیریح ذبیحته ( 4 ) .
قتل العصفور :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من قتل عصفورا عبثا عج إلی الله یوم القیامة منه یقول : یا رب إن فلانا قتلنی عبثا ولم یقتلنی لمنفعة ( 5 ) .
0000000000000
( 1 ) کنز العمال : خبر 39968 .
( 2 ) التکویر 81 : 5 .
( 3 ) کنز العمال : خبر 39970 .
( 4 ) التفسیر الکاشف 2 : 188 .
( 5 ) کنز العمال : خبر 39971 .
‹ صفحه 46 ›
قتل المؤذی :
وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم : نهی عن قتل کل ذی روح إلا ان یؤذی ( 1 ) .
وبهذه التعالیم المسالمة والرحیمة بالحیوان یربی الاسلام أتباعه علی الهدفیة النافعة غیر العبثیة ، ویصنع من أحدهم مخلوقا ودیعا رؤوفا رحیما یرفق بالضعیف ولا یطغی علیه . . فهنیئا لمن صاغ الاسلام شخصیتهم علی فضائله ومکارم أخلاقه حتی صاروا وجودا نافعا لا ضرر فیه .
حضارة الغرب والرفق بالحیوان :
لعل الحضارة الغربیة التی تتبجح بتأسیسها جمعیات الرفق بالحیوان وإنفاقها الکثیر فی توفیر الخدمات الصحیة للحیوان وحمایته وتحسین أحواله المعیشیة . . لکنها . .
أولا : هل تملک مثل هذا الرصید فی عمق التأریخ ، تستند إلیه فی طروحاتها
المعاصرة . . . ؟ !
وثانیا : هل تستطیع أن تفتح للانسان أفق السماء ، وتعده بالعفو والمغفرة الإلهیة والنعیم الأبدی بغیر الرجوع إلی الاسلام ؟ !
وثالثا : ألیس الأجدر بدعاة الرفق بالحیوان الاعتزاز بمن دعا إلی ذلک فی عمق الزمان ، والانتساب إلیه فی المبدأ والطروح ، والاخذ عنه بما هو أهم من ذلک فیما یعود للانسان ؟ !
ورابعا : وأخیرا ، هل یخفی علی الضمیر الحی هذا التناقض البشع
---------------
( 1 ) کنز العمال : خبر 39981 . الوسائل 8 : 297 .
‹ صفحه 47 ›
المریع بین ما یدعونه وینفقونه فی خدمة الحیوان عامة ، والکلاب خاصة ، وبین واقعهم الوحشی الذی قام وتنامی علی دماء الشعوب البریئة وطاقاتها ؟
إن اللبنة الأولی التی أنشأت علیها الحضارة الغربیة المعاصرة کانت تجارة الرقیق ! العمل الوحشی المشین ! الذی ما کان یجری - مع بشاعته - إلا بأبشع الأسالیب وأکثرها همجیة وعدوانا ، إذ یباغتون أبناء القری الضعیفة فی إفریقیا ، فیقتطعون منهم من شاءوا من الشباب والنساء ، غیر مبالین بأطفال یفصلون بهذه الطریقة عن أمهاتهم ، ولا بالأمهات یسقن قسرا تحت وقع السیاط بعیدا عن أطفالهن وأزواجهن وبیوتهن !
لقد عرفت هذه الحضارة لکلاب أوربا من الحقوق ما لا تعرفه لجمیع شعوب العالم ! ولم تنته سیاسة امتهان الشعوب وسحق الأطفال والنساء فی عالم یدعی مناصرة الطفل والمرأة ویعلن حروبا تحت هذا الستار ، لم تنته هذه السیاسة بانتهاء زمن تجارة الرقیق ، بل هی السیاسة القائمة الیوم فی ظل ما یسمی ب( النظام الأمنی الجدید ) ! إنه التناقض المفضوح ، ولکنه تناقض الأقویاء الذین یغلفون سوءاتهم بما یمتلکون من قوة وبطش وقدرة علی إلجام الضعفاء .
‹ صفحه 49 ›

‌‌‌الفصل الثالث الرفق آفاقه و فلسفته

أ - إرفق یرفق بک :

لما کان الله جل شأنه رفیق ویحب الرفق فلا شک أنه سبحانه سیقابل رفق الانسان بأخیه الانسان ، ورفق الانسان بالحیوان بالرفق واللطف والسماحة والتجاوز . فیما یخص تعامل الخالق مع مخلوقه فی الدنیا أو ما یعود لمحاسبته فی الأخری قال تعالی : ( هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ) ( 1 ) .
فعن زین العابدین علی بن الحسین علیهما السلام إنه قال : من وصایا الخضر لموسی علیه السلام ، . . . ما رفق أحد فی الدنیا إلا رفق الله عز وجل به یوم القیمة ( 2 ) .
----------------
( 1 ) الرحمن 55 : 60 .
( 2 ) بحار الأنوار 72 : 286 .
‹ صفحه 50 ›
فمن أراد أن یرفق الله به فما علیه إلا ان یرفق بغیره .

ب - قد یکون الرفق خرقا :

إذا ادلهمت النفوس بآثامها وأطفئ مصباح فطرتها وعمت بصیرتها عن معرفة الصواب وضلت عن درب رشدها وسبیل تکاملها لما تجمع من صدأ الذنوب علی أفئدتها ( کلا بل ران علی قلوبهم ما کانوا یکسبون ) ( 1 ) . فعند ذلک لا تستذوق تلک النفوس الفاسقة المنحرفة حلاوة الرفق الذی یستعمل معها ویستخدم من أجل خیرها وصلاحها ، فهی تقابل الرفق واللین واللطف والرحمة والسماحة والتجاوز أو العطف والرأفة بما یضاد ذلک من الخرق والشدة والغلظة والقسوة وتتبع العثرات والمحاسبة علی الزلات والنقمة واللؤم .
والحکمة تقتضی التعامل مع هذه النوعیة من النفوس الخائبة الخاسرة بما یناسب ذلک مما یؤدی إلی تأدیب نزقها وتعدیل مسارها ، وتقویم اعوجاجها فقد ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام : وإذا کان الرفق خرقا کان الخرق رفقا ( 2 ) .
وعلیه فان من لا یصلحه الرفق أصلحته الشدة ، ومن لم یتقوم بالمسامحة تقوم بالمحاسبة ، ومن إذا ما رفقت به اندفع فی غیه وعناده وغروره وغطرسته ولم ینتفع بما تقدمه له من علاج ناجح ودواء نافع فما علیک إلا ترکه فی مستنقع مرضه الأخلاقی وسقمه السلوکی وداءه الذی
00000000000000
( 1 ) المطففین 83 : 14 .
( 2 ) شرح نهج البلاغة ، لابن أبی الحدید 16 : 97 کتاب 31 .
‹ صفحه 51 ›
هو فیه حتی یتحول هذا الداء إلی موقظ له من غفلته ، فیصحوا بعد مصارعته طویلا ومعاناته کثیرا بما سیجره علیه من بلاء وخیم حتی یتحسس ویدرک ما ینفعه مما یضره ، فإن استقام فهو المطلوب وإلا فدع ما به یقضی علیه وهو حسبه .
وفی الشعر الحکمی :
ووضع الندی فی موضع السیف بالعلا * مضر ، کوضع السیف فی موضع الندی ( 1 )
وعن أمیر المؤمنین علیه السلام أیضا : من لم یصلحه حسن المداراة یصلحه حسن المکافأة ( 2 ) .
ومن کتاب لأمیر المؤمنین علیه السلام إلی بعض عماله واخلط الشدة بضغث من اللین وارفق ما کان الرفق أرفق ( 3 ) .
وفی غرر الحکم : اخلط الشدة برفق ، وارفق ما کان الرفق أرفق .
فالمحمود عند اعتدال الأصول هو التوسط بین اللین والعنف ، کما فی سائر الأخلاق . .
یقول الغزالی : لما کانت الطباع إلی العنف والحدة أمیل ، کانت الحاجة إلی ترغیبهم فی جانب الرفق أکثر ، فلذلک أکد الشرع علی جانب الرفق دون العنف ، وإن کان العنف فی محله حسنا ، کما أن الرفق
0000000000000
( 1 ) إحیاء علوم الدین 3 : 186 .
( 2 ) غرر الحکم : 602 / 557 .
( 3 ) شرح نهج البلاغة ، لابن أبی الحدید 17 : 3 کتاب 46 .
‹ صفحه 52 ›
فی محله حسن . . فإذا کان الواجب هو العنف فقد وافق الحق الهوی ، وهو ألذ من الزبد بالشهد ! . .
والحاجة إلی العنف قد تقع ولکن علی الندور ، وإنما الکامل من یمیز مواقع العنف فیعطی کل أمر حقه ، فإن کان قاصر البصیرة ، أو أشکل علیه حکم واقعة من الوقائع فلیکن میله إلی الرفق فإن النجاح معه فی الأکثر ( 1 )
فالرفق هو وسیلة التعامل الفضلی ما أدی الغرض وأصاب الهدف الاصلاحی وحقق الغایة المنشودة ، إلا إذا کانت النتیجة خلافا لذلک المبتغی ولم یکن الرفق أوفق فیتوسل بالشدة من أجل الروع المقدم والهادی إلی سواء الصراط .

ج - الرفق فی العبادة :

معلوم أمر العبادة أنها علی نمطین اثنین : واجبة ومستحبة .
فالأولی : فرض یلزم الاتیان بها بحدودها وکیفیاتها وتوقیفاتها . .
والثانیة : لک فیها الخیار فی إثباتها وعدمه ، إلا أن الاتیان فیه ثواب مضاعف
وأجر جزیل ومردودات ایجابیة علی شخصیتک وبناءها التکاملی .
وما قد فرضه الله الحکیم سبحانه هو علی قدر طاقة الانسان فلم یکلفه مالا یقدر علیه :
---------------
( 1 ) إحیاء علوم الدین 3 : 186 .
‹ صفحه 53 ›
( لا یکلف الله نفسا إلا ما آتیها ) ( 1 ) .
( لا یکلف الله نفسا إلا وسعها ) ( 2 ) .
( فمن کان منکم مریضا أو علی سفر فعدة من أیام اخر وعلی الذین یطیقونه فدیة طعام مسکین ) ( 3 ) .
( ولله علی الناس حج البیت من استطاع إلیه سبیلا ) ( 4 ) .
( وإذا ضربتم فی الأرض فلیس علیکم جناح أن تقصروا من الصلاة ( 5 )
( ولا علی المریض حرج ) ( 6 ) .
( یرید الله بکم الیسر ولا یرید بکم العسر ) ( 7 ) .
( وما جعل علیکم فی الدین من حرج ) ( 8 ) .
هذه الآیات المبارکات وغیرها تخص العبادات الواجبات ولیس المستحبات ، وکلها تتحدث عن مراعاة الله ، فیها طاقة الانسان ومقدوره وترفعه عن الإصر ولا تثقل علیه بما یشق علیه وبما یسبب له حرجا أو
---------------
( 1 ) الطلاق 65 : 7 .
( 2 ) البقرة 2 : 286 .
( 3 ) البقرة 2 : 184 .
( 4 ) آل عمران 3 : 97 .
( 5 ) النساء 4 : 101 .
( 6 ) النور 24 : 61 .
( 7 ) البقرة 2 : 185 .
( 8 ) الحج 22 : 78 .
‹ صفحه 54 ›
عسرا فی أمر من الأمور العبادیة ، وتفصیل ذلک والوقوف عند کل آیة لا یتسع لها هذا البحث .
فالله جل جلاله یرفق بهذا العبد ویلزمه بالتکالیف الممکنة والسهلة ویرضی منه بالیسیر إذا ما جاء وفق الضوابط الشرعیة .
ویؤکد هذا ما جاء فی کتاب أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحارث الهمدانی خادع نفسک فی العبادة ، وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ونشاطها ، إلا ما کان مکتوبا علیک من الفریضة ، فإنه لابد من قضائها وتعاهدها عند محلها ( 1 ) .
المخاطب بالتکالیف والوعظ والنصح هو الانسان ، والانسان إنسان بعقله إذ لا یحاسب إلا علی قدر ذلک العقل الذی آتاه الله .
ولهذا نجد أمیر المؤمنین علیه السلام قد خاطب فی کتابه الشریف العقل وحمله مسؤولیة مخادعة النفس وعدم تفویت الفرصة علی مخادعتها والمکر بها قبل أن تمکر هی به ، فخداع العقل ومکره یعنی التخطیط السلیم للهدف السلیم ، وخداع النفس ومکرها هو علی العکس من ذلک ، فمن أراد کبح جماح نفسه وتحریر إرادته وعقله من أسر هواها ، فما علیه إلا أن یجعل المبادرة بید عقله حتی یسجل فی میدان الصراع سبقا وغلبة علی نفسه الامارة بالسوء .
ولما کانت النفس تمیل إلی التحلل من التکالیف ومنها العبادة ، فما علی العقل إلا أن یمکر بها ویخدعها بخطة خفیة یبرمج فیها أوقات هذه النفس علی ما لیس فیه الملل من العبادة التی لابد من الالتزام بها لاسعاف وجودها العاقل حتی تنمو وتسمو وتتقدم فی مدارج الکمال .
00000000000000
( 1 ) شرح نهج البلاغة ، لابن أبی الحدید المعتزلی 18 : 42 کتاب 69 .
‹ صفحه 55 ›
والرفق بها فی هذا المجال یعنی عدم تحمیلها ما لا تطیق من المسنونات المستحبة ککل ما جاء من الأوراد والأذکار والأدعیة والصلوات ، إذ إن قهرها علی ذلک یولد ردة فعل معاکسة - والعیاذ بالله - تسأم فیه الاسلام کله ، فلابد إذن من الرفق بها وأخذها بالتدریج وبما تتسع له حرکتها ونشاطها ، بل وعدم أخذها بما یوقف حرکتها أو یحد من نشاطها وینفرها من المستحبات ، بل علیه أن یقهرها فی الواجبات علی وفق الشروط والحدود والأوقات ، لأنها تکالیف من الحکیم الرحیم علی قدر الطاقة والسعة . وما تعلل النفس وتسویفها إزاء تلک الواجبات إلا طغیان منها یجب قمعه من أجل إصلاحها والنفس کالطفل إن تهمله شب * علی حب الرضاع ، وإن تفطمه ینفطم فالرفق بالنفس وترویضها علی العبادة المستحبة التی تطیقها هو السبیل الأمثل فی منهجیة التکامل ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : خذوا من العبادة ما تطیقون ، فإن الله لا یسأم حتی تسأموا ( 1 ) .
وعن حفیده الإمام الصادق علیه السلام : لا تکرهوا إلی أنفسکم العبادة ( 2 ) . فمن أکره نفسه علی العبادات المستحبة بما تمل منه فقد کره العبادة إلی نفسه .

د - الرفق والتعمق فی الدین :

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إیاکم والتعمق فی الدین ، فإن الله قد جعله سهلا
00000000000
( 1 ) کنز العمال : خبر 5301 .
( 2 ) الکافی 2 : 86 / 2 باب الاقتصاد فی العبادة .
‹ صفحه 56 ›
فخذوا منه ما تطیقون ، فإن الله یحب ما دام من عمل صالح وإن کان یسیرا ( 1 ) .
وهذا أمیر المؤمنین علیه السلام یعنف أحد أصحابه حین کلف نفسه مالا یأمر به الله ولا سنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو یظن أنه متعمق فی العبادة !
ذلک أن أمیر المؤمنین علیه السلام قد زار العلاء بن زیاد الحارثی وهو من أصحابه . . . ، فقال له العلاء ، یا أمیر المؤمنین ، أشکو إلیک أخی عاصم بن زیاد .
قال علیه السلام : وماله ؟ قال : لبس العباءة وتخلی عن الدنیا . قال علیه السلام : علی به . فلما جاء قال علیه السلام : یا عدی نفسه ! لقد استهام بک الخبیث ! أما رحمت أهلک وولدک ! أتری الله أحل لک الطیبات ، وهو یکره أن تأخذها ! أنت أهون علی الله من ذلک !
قال : یا أمیر المؤمنین ، هذا أنت فی خشونة ملبسک وجشوبة مأکلک ! قال علیه السلام : ویحک ، إنی لست کأنت ، إن الله تعالی فرض علی أئمة العدل ( الحق ) أن یقدروا أنفسهم بضعفة الناس ، کیلا یتبیغ بالفقیر فقره ( 2 ) .
التحذیر من التعمق فی الدین یخص الجهلة به والذین یغورون فی بحره بجهلهم دون علم ودرایة وتدبر ، حتی یختنقوا بأوهامهم وتصوراتهم التی لا تقوم علی أسس موضوعیة ، وعندها یخیل إلیهم أن الدین شاق فی تکالیفه ، عسیر فی عباداته ، والحال هو العکس تماما إلا أنهم أخذوا بالمستحبات مأخذ الواجبات ، فشق علیهم الامر وخرجوا بالنتیجة المغلوطة . أو أنهم وسوسوا فی الغسل والوضوء والطهارة والنجاسة وألفاظ الصلاة فملؤه . ولو أنهم أخذوا بما یطیقون لوجدوه سهلا یسیرا ، ولو لم یوسوسوا فیه لما ملوه .
0000000000000
( 1 ) کنز العمال : خبر 5348 .
( 2 ) نهج البلاغة ، خ 209 .
‹ صفحه 57 ›

هالوغول فی الدین برفق :

قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إن هذا الدین متین فأوغلوا فیه برفق ، ولا تکرهوا عبادة الله إلی عباد الله فتکونوا کالراکب المنبت الذی لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقی ( 1 ) .
نعم إن هذا الدین متین ، لأنه دین لکل زمان ولکل مکان ، وکتابه تبیان لکل شئ . . فمن لم یدخل إلی حریمه برفق ، وفق منهجیة حکیمة ، ینبهر بجماله ، أو یصطدم بجلاله ، ومن یتکلف العبادة دفعة واحدة دون التدرج المرحلی المناسب للداخل فی هذا الدین یصعب علیه تحمل هذا الدین ، فیترکه ، وبترکه والعیاذ بالله یترک سعادته الدنیویة والأخرویة . وعلی المسلم الرسالی أن یتصرف بحکمة متناهیة فی الدقة مع من یکسبه إلی الاسلام ، ولا یحمله ما لا یطیق فیکره الاسلام والدین وعبادة رب العالمین والله یقبل الیسیر .
عن أبی عبد الله علیه السلام قال : اجتهدت فی العبادة وأنا شاب فقال لی أبی : یا بنی دون ما أراک تصنع ، فأن الله عز وجل إذا أحب عبدا رضی عنه بالیسیر ( 2 ) .
وعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : إن النفس ملولة وإن أحدکم لا یدری ما قدر المدة ، فلینظر من العبادة ما یطیق ، ثم لیداوم علیه ، فإن أحب الأعمال إلی الله ما
00000000000000
( 1 ) کنز العمال : خبر 5350 .
( 2 ) الکافی 2 : 87 / 5 باب الاقتصاد فی العبادة .
‹ صفحه 58 ›
دیم علیه وإن قل ( 3 ) .
فالنبی الأکرم فی هذا الحدیث وغیره یؤکد لنا حقیقة أن النفوس تمل ، وعلینا أن نرفق بها فی أن لا نکلفها ما لا تطیق ، وأن نستدیم علی الیسیر من المسنونات التی لا تنفر منها نفوسنا ، وذاک أحب عند الله .
و - الرفیق من یرفقک علی صلاح دینک :
عن الامام أمیر المؤمنین علیه السلام : إنما سمی الرفیق رفیقا لأنه یرفقک علی صلاح دینک فمن أعانک علی صلاح دینک فهو الرفیق ( 1 ) .
فاختر لنفسک رفیقا یرفق بک علی صلاح دینک ویعینک علی تکامل سبیلک .
الرفق والایمان :
عن الإمام الباقر علیه السلام : من قسم له الرفق قسم له الایمان ( 2 ) ، هذا یعنی أن الرفق یفضی إلی الایمان .
وعن الإمام الباقر علیه السلام : لکل شئ قفل ، وقفل الایمان الرفق ( 3 ) فمن کان رفیقا بنفسه وبالناس وبالحیوان کان قلبه منفتحا للایمان .
---------------
( 1 ) کنز العمال : خبر 5312 .
( 2 ) غرر الحکم : 273 / 20 ، ط دار الکتاب الاسلامی . میزان الحکمة 4 : 158 والنص منه .
( 3 ) الکافی 2 : 118 / 2 باب الرفق .
( 4 ) الکافی 2 : 118 / 1 باب الرفق .
‹ صفحه 59 ›
نتائج عدم الرفق بالنفس :
إن قصة البقرة فی القرآن قصة طریفة تحکی سهولة التشریع الإلهی ، وتشدید الانسان علی نفسه فیما یضعه من قیود وضوابط لم یکن ملزم بها من قبل ربه ، فبنو إسرائیل بعد أن ضیقوا علی أنفسهم ضیق الله علیهم ، أولم یطلب منهم إلا ذبح بقرة نکرة . غیر معرفة بوصف معین کما هو منطوق الآیة الشریفة ( وإذ قال موسی لقومه إن الله یأمرکم أن تذبحوا بقرة ) ( 1 ) فهو سبحانه لم یعرفها بالألف واللام لیسهل علیهم التکلیف ولیتحقق مراده بذبح أی بقرة أرادوا ذبحها ، وتحل مشکلتهم تلک بمعرفة الجانی الذی قتل أحد مشایخهم الأثریاء بضربه ببعضها لیحیا ویشخص لهم القاتل وینتهی الخلاف المتأزم بینهم .
إلا أنهم مارسوا اللجاجة وماطلوا کثیرا فی أداء التکلیف ، متهمین موسی علیه
السلام بالهزو فیهم ، إذ قالوا : ( أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أکون من الجاهلین ) ( 2 ) ، لان الهزو یناسب الجهال وهو کلیم الله ( قالوا ادع لنا ربک یبین لنا ما هی ) ( 3 ) ظنا منهم أنها ذات خصوصیة فریدة فی أوصافها قال : ( إنه یقول إنها بقرة لا فارض ولا بکر ) ( 4 ) أی لیست مسنة ولا صغیرة وإنما هی ( عوان بین ذلک ) أی متوسطة ( فافعلوا ما تؤمرون ) ( 5 ) فی ذبح هکذا بقرة ولا تماطلوا ( قالوا ادع لنا ربک یبین لنا ما لونها ) متکلفین
00000000000000
( 1 ) البقرة 2 : 67 .
( 2 ) البقرة 2 : 67 .
( 3 ) البقرة 2 : 68 .
( 4 ) البقرة 2 : 68 .
( 5 ) البقرة 2 : 68 .
‹ صفحه 60 ›
البحث فیما لیس مطلوبا منهم ومشددین علی أنفسهم بما لم یشدد به علیهم ( قال إنه یقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرین ) ( 1 ) غیر أنهم لم یقفوا عند هذا الحد من اللجاجة والمماطلة فیذبحوا بقرة صفراء متوسطة العمر ، وما أکثر البقر الذی یتمتع بهذه المواصفات ، فلم یریحوا أنفسهم ولا نبیهم من عناء البحث والتدقیق بل نراهم اندفعوا فی أسئلتهم التی تعقد علیهم الامر ( قالوا ادع لنا ربک یبین لنا ما هی إن البقر تشابه علینا ) ؟ ! ! ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ( 2 ) یا لهم من حمقی لا یرفقون بأنفسهم ولا یتأدبون مع نبیهم ، إذ لم یسکتوا عما سکت عنه ، ویا لهم من متکبرین فی نفوسهم وألفاظهم إذ لم یقولوا ادع لنا ربنا وإنما قالوا ادع لنا ربک ؟ ! !
ومثل هذا الطرح یدلل علی ضعف الایمان وغلظة الجنان ، ولعل المقصود من قولهم ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) یعنی إلی التصدیق العملی بأوامرک وتنفیذها ، قال : ( إنه یقول إنها بقرة لا ذلول ) بین یدی مالکها ، طبعها النفور وعدم الانصیاع ، صعباء لا تنقاد . فهی متمردة علی العمل لا ( تثیر الأرض ) ( 3 ) أی لا تستخدم فی حراثة الأرض کغیرها من البقر الذلول الذی ذلل بین یدی صاحبه ( ولا تسقی الحرث ) إذ هی ترفض العمل کغیرها فی إدارة الناعور ( مسلمة ) من العیوب الجسدیة ( لا شیة فیها ) لونها أصفر بالکامل حتی قرنها وظلفها .
وهکذا شدد الله علیهم بتشدیدهم علی أنفسهم ( قالوا الآن جئت بالحق ) أی بالوصف
0000000000
( 1 ) البقرة 2 : 69 .
( 2 ) البقرة 2 : 70 .
( 3 ) البقرة 2 : 71 .
‹ صفحه 61 ›
الشامل الکامل ( فذبحوها وما کادوا یفعلون ) ( 1 ) للجاجتهم وقد أتعبتهم هذه المواصفات وأبهضهم ثمنها ، إذ لم تکن هناک إلا بقرة واحدة تتمتع بهذه الأوصاف النادرة ، ولم یعثروا علیها إلا بشق الأنفس ، فلو رفقوا بأنفسهم لرفق الله بهم ، ولکنهم ضیقوا علی أنفسهم فضیق الله علیهم .
روی عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنه قال : لولا أن بنی إسرائیل قالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ما أعطوا أبدا ، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولکنهم شددوا فشدد الله علیهم ( 2 ) .
وعن الإمام علی علیه السلام : لکل دین خلق وخلق الایمان الرفق ( 3 ) . فالرفق إذن خلق الایمان وهذا یعنی إنک لا تجد مؤمنا حقا إلا وتجده رفیقا وسهلا لینا عطوفا رؤوفا ، ولا تجد متمتعا بهذه الخصال إلا ووجدته سهل الانقیاد إلی الایمان .
اللهم أعنا علی أن نرفق بأنفسنا وبمن حولنا ولا تحرمنا رفقک ولطفک یا أرحم الراحمین .
---------------
( 1 ) البقرة 2 : 71 .
( 2 ) المیزان فی تفسیر القرآن 1 : 104 . والکشاف ، للزمخشری 1 : 151 . وتفسیر القرآن العظیم ، لابن کثیر 1 : 115 .
( 3 ) غرر الحکم : 542 / 32 ، ط دار الکتاب الاسلامی .
‹ صفحه 63 ›

الخاتمة

إن نظریة الاسلام فی الأخلاق الاجتماعیة تقوم علی الرفق واللطف والتسامح والتجاوز ، من غیر ضعف ولا مداهنة بل من أجل الهدایة للرشد والتکامل . إن القرآن المجید یعتبر التخلق باللین ومجانبة الفظاظة والغلظة من أهم عوامل استقطاب الناس فی درب الحق ، ویدعو إلی العفو عن المسئ والاستغفار للمذنب ومشاورتهم فی الأمور العامة ، والعزیمة بعد ذلک من حصة القیادة الشرعیة .
إن القرآن یأمر بخفض الجناح للمؤمنین رفقا بهم وتواضعا لهم وإعزازا لشخصیتهم .
إن القرآن یصف عباد الله المتواضعین بقوله : ( وعباد الرحمن الذین یمشون علی الأرض هونا ) أی من غیر استعلاء ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) ( 1 ) أی لا یمارون بل یرفقون بالآخرین ولا یحملوهم فوق ما یطیقون .
ویعتبر المتواضعین فی سیرهم الرسالی هم الرحمانیون ما داموا متخلقین بالرحمة .
----------------
( 1 ) الفرقان 25 : 63 .
‹ صفحه 64 ›
إن القرآن یری الهجر الجمیل هو النموذج الرسالی الواعی فی عملیة التبلیغ ، ویرفض ترک الآثار السلبیة فی نفوس المعاندین ما دام هناک أمل للعودة للتبلیغ فی وسطهم .
إن القرآن یلزم أتباعه بأن یدفعوا السیئة بالحسنة وبالطریقة الحسنی ویرید منهم أن یتعاملوا مع الآخرین تعامل الولی الحمیم رفقا بهم من أجل خیرهم وصلاحهم . إن القرآن یعتبر المتخلقین بذلک هم من اولی الحظ العظیم فی السجایا الفاضلة . ومن أهل الکرامة والنعیم الأبدی .
إن أحادیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم تأکد علی الرفق وتنعته بأفضل النعوت ، فهو الیمن والبرکة والجمال فی الجوهر والمظهر ، وهو الخیر والکرم ونصف المعیشة ووزیر الحلم .
إن الأحادیث الشریفة تؤکد أن الله رفیق ویحب الرفق فی الامر کله ، وأن الله سبحانه یعین علی الرفق .
إن الاسلام یأمر بالرفق بالحیوان ویحاسب علی ذلک دنیا وآخرة . إن أحادیث النبی صلی الله علیه وآله وسلم والعترة الطاهرة المطهرة علیهم السلام تقول : إرفق بالآخرین یرفق بک .
إن الرفق رأس الحکمة .
إن من لا یستحق الرفق یکون الرفق معه خرقا .
إن من لم یصلحه الرفق تصلحه الشدة .
‹ صفحه 65 ›
إن من الرفق الرفق بالنفس ، وعدم تحمیلها ما لا تطیق تحت شعار العبادة .
إن من یضیق علی نفسه یضیق الله علیه .
علی العقل أن یمکر ویخطط لمواجهة مکر النفس وخداعها .
نهی الجهال عن التعمق فی الدین من غیر وعی .
إن هذا الدین متین فأوغلوا فیه برفق .
إن الرفیق من أعانک علی صلاح دینک .
إن الایمان یفضی إلی الرفق وإن الرفق یفضی إلی الایمان .
والحمد لله رب العالمین

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.