‌‌‌حب الله نماذج وصور

اشارة

مولف : السید عادل العلوی
ناشر : شبکة افاق العقائدیة

‌‌‌الإهداء

إلی : عشّاق سیّد الشهداء الإمام الحسین (علیه السلام) .
إلی : أبناء المواکب الحسینیة وبلابل بساتین الولاء ـ خطباء الطفّ والشعراء الرسالیّین ـ .
اُهدی هذه الرسالة ( حبّ الله نماذج وصور ) علی أمل القبول والشفاعة .
العبد
عادل العلوی

‌‌‌حبّ الله نماذج وصور [1]

[تمهید]

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله اللطیف الذی یلهم العباد حبّه وشوقه ، وینعم علیهم بالتوفیق إلی ما یحبّ ویرضی.
والصلاة والسلام علی حبیب الله ورسوله المصطفی خاتم النبیّین وسیّد المرسلین محمّد بن عبد الله.
وعلی آله وعترته أحبّاء الله وأولیائه الأطهار ، الأئمة المیامین الهداة الأبرار.
واللعن الدائم علی أعدائهم ومنکری فضائلهم ، وغاصبی حقوقهم أجمعین من بدء الخلیقة إلی قیام یوم الدین.
---
[1]طبعت خلاصة الموضوع فی مجلّة ( نور الإسلام ) البیروتیة ، سنة 1415 هـ.

‌‌‌الحبّ فی ثورة الإمام الحسین (علیه السلام)[1]

ثورة الإمام أبی عبد الله الحسین بن علی (علیهما السلام) مدرسة إنسانیة إلهیّة ، ذات معالم وشعائر تتجدّد عبر العصور والأجیال ، فإنّ فیها دروس قیّمة ، ومفاهیم سامیة ، ومعارف راقیة ، وحضارة زاهیة ، کلّ واحد ینظر فیها ویتطلّع إلیها من زاویته الخاصّة ، وثقافته واختصاصه . فإنّها کالقرآن الکریم ، بل تجسید للقرآن ومعانیه ومفاهیمه ومعارفه الربّانیّة ، التی لا تبلی ولا تُخلق ، فإنّها غضّ جدید.
فإنّ الحسین (علیه السلام) هو القرآن الناطق وثورته منطق القرآن الصامت ، وإذا کان للقرآن بطون ، ولکلّ بطن بطون ، وإنّه یحمل وجوهاً ، کما ورد فی الأخبار الشریفة ، فکذلک ثورة الحسین (علیه السلام) ، فإنّ کلّ عالم وعارف وباحث ومحقّق یجد ضالّته المنشودة فی القرآن الکریم ، کذلک یجدها فی ثورة الحسین وحیاته المقدّسة ، والکلّ یقف بخضوع وخشوع أمام قداسة القرآن الکریم وعظمة ثورة الحسین (علیه السلام) ، ویغترف منهما ما یروی الظمأ ، ویشفی الغلیل ، وینال بهما سعادة الدارین والحیاة الطیّبة والعیش الرغید.
والمقصود من هذه العجالة أن نستلهم درساً من دروس ثورته (علیه السلام) ، ونستنشق نسیماً عذباً من ریاحینه العطرة ، ونستنیر فی دروب الحیاة بشعلة وهّاجة من مشاعله الخالدة ، ألا وهو الحبّ والشعق الحسینی ، وهذا وإن کان کتاباً قطوراً یصعب ترجمته وبیانه ، وبحراً عمیقاً یستحیل غوره وعبوره ، ولکن مسیرة ألف میل خطوة ، وأوّل المطر الوابل قطرة ، عسی یکون ما نقدّمه مفتاحاً لآفاق جدیدة فی دراسة ثورة الإمام الحسین (علیه السلام) ، ومن الله سبحانه التوفیق والسداد.
قال الله تبارک وتعالی فی محکم کتابه ومبرم خطابه :
( فَسَوْفَ یَأتی اللهُ بِقَوْم یُحِبّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ )[2].
لغة الحبّ من أجمل وأروع اللغات فی قاموس القرآن الکریم ، والسنّة النبویّة المقدّسة ، والأحادیث الشریفة المرویّة عن أهل بیت العصمة (علیهم السلام) ، فهناک المئات من الآیات الکریمة ، والأخبار الشریفة ، تتحدّث لنا عن الحبّ بصوره ونماذجه المختلفة والرائعة . وحبّذا أن نستعرض أوّلا بعض المفاهیم عن الحبّ ، ثمّ نعرّج إلی واقعة الطفّ الألیمة فی کربلاء المقدّسة ، لتصویر بعض الوقائع والحوادث التی هی آیة فی الحبّ والشعق الحقیقی الخالص ، ونماذج حیّة وصور واقعیّة فی حبّ الله سبحانه وتعالی.
---
[1]بدایة هذا الموضوع کانت محاضرة دینیّة ألقاها المؤلف فی حسینیة أهل البیت (علیهم السلام) لأهالی العمارة بقم المقدّسة سنة 1412 فی عشرة محرّم الحرام ، ومن وحی المناسبة کان مطلع الحدیث عن ثورة الإمام الحسین (علیه السلام) الخالدة ، والإشارة إلی جانب الحبّ الإلهی فیها.
[2]المائدة : 54.

‌‌‌الحبّ فی القرآن والروایات

الحبّ لغةً وإصطلاحاً :
الحبّ لغةً :
هو الوداد والمیل الشدید ویقابله البغض والتنفّر ، ویأتی علی معان . فیقال : أحببت الشیء فهو محبّ واستحببته مثله ، ویکون الاستحباب بمعنی الاستحسان ، وحاببته حباباً من باب قاتل ، والحِبّ اسمٌ منه ، فهو محبوب وحبیب وحِبّ ، والاُنثی حبیبة ، وجمعها حبائب ، وجمع المذکّر أحبّاء ، وحباب الماء تکسّر الموج الصغار ، والحُباب ضرب من الحیّات ، ویقال أحبّ البعیر إحباباً إذا لصق بالأرض فلم یبرح ، والحبّة بذر والحَبُّ معروف من الحنطة والشعیر ، والحَبُّ بزور الریاحین ومن هذا الباب : حبّة القلب سویداءه ، ویقال ثمرته ، ویأتی وصف القِصَر ، فالحبحباب الرجل القصیر ، والحَبَب تنضّد الأسنان ، والحَباب من الماء النفاخات ، والمحبّة أبلغ من الإرادة ، والاستحباب أن یتحرّی الإنسان فی الشیء أن یحبّه.
والحبّ مجرّداً : استعماله الصحیح فی الفصیح أن یکون لازماً ، کالتعب والبغض ، یقال : تَعِبَ وبَغُض وحَبَّ أی صار تعباً وبغیضاً وحبیباً . وبهذا المعنی استعملت فی الآیات الکریمة ، کقوله تعالی :
( رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَیَّ )[1].
( وَمَساکِنَ تَرْضَوْنَها أحَبُّ إلَیْکُمْ )[2].
( لَیُوسُفُ وَأخوهُ أحَبُّ إلی أبینا مِنَّا )[3].
أی أشدّ فی کونه حبیباً.
( قَدْ شَغَفَها حُبَّاً )[4].
أی قد شغفها الفتی من کونه حبیباً لها.
( وَتُحِبُّونَ المالَ حُبَّاً جَمَّاً )[5].
أی من جهة کونه حبیباً.
ویأتی الحبّ بمعنی الإحباب ، فهو متعدٍّ بمعنی جعله حبیباً ، ومیله إلیه مع العلاقة ، والإحباب من الله تعالی لطف وتوجّه وإحسان وإکرام وإفضال ، وعدمه منه تعالی قطع تلک الألطاف والمراحم ، نعوذ به منه.
( إنَّ اللهَ لا یُحِبُّ المُعْتَدینَ )[6].
( وَاللهُ لا یُحِبُّ الفَسادَ )[7].
( وَاللهُ لا یُحِبُّ کُلَّ کَفَّار أثیم )[8].
( فَإنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الکافِرینَ )[9].
( وَاللهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمینَ )[10].
( إنَّ اللهَ لا یُحِبُّ مَنْ کانَ مُخْتالا فَخوراً )[11].
( إنَّ اللهَ لا یُحِبُّ مَنْ کانَ خَوَّاناً أثیماً )[12].
( لا یُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ )[13].
وأمّا التحبیب فهو إحباب إذا کان النظر إلی جهة الوقوع . وأمّا الحَبّ فهو من ذلک المعنی ، من جهة کونه حبیباً للزارع ، ونتیجة عمله ، ومنتهی مقصده ، ومیله وتوجّهه . وأمّا اللزوم والثبات واللصوق فمن لوازم المحبّة ، وسائر المعانی کلّها مجازات بمناسبات مخصوصة[14].
وأمّا الحبّ اصطلاحاً :
فهو المیل الباطنی والقلبی نحو المحبوب ، ویقابله البغض والکراهة.
وقیل : الحبّ عبارة عن میل الطبع إلی الشیء الملذّ ، فإن تأکّد ذلک المیل وقوی سمّی عشقاً.
وقیل : میل الطبع إلی الملائم الملذّ ، ولا یتصوّر حبّ إلاّ بعد معرفة وإدراک ، وکذلک لا یتّصف بالحبّ جماد . ولا یحبّ الإنسان ما لا یعرفه ولم یدرکه ، فالحبّ من خاصّیة الحیّ الدرّاک ، بعد حصول الإدراک بالفعل.
ثمّ لمّا کانت المدرکات منقسمة إلی ما یوافق طبع المدرک ویلذّه ، وإلی ما یخالفه ویؤلمه ، وإلی ما لا یؤثّر فیه بإلذاذ وإیلام ، فالقسم الأوّل یکون مرغوباً عند المدرک ، ویسمّی رغبة ، ومیله إلیه حبّاً ، والقسم الثانی یکون منفوراً عنده ، وتسمّی نفرته عنه کراهة وبغضاً ، والثالث لا یوصف بمیل وکراهة ، فلا یوصف بکونه محبوباً ولا مکروهاً.
ثمّ اللذّة لمّا کانت عبارة عن إدراک الملائم الملذّ ونیله ، فالحبّ هو المیل والرغبة إلیه ، لا یخلو عن لذّة محقّقة أو خیالیّة ، وعلی هذا فیمکن أن تعرف المحبّة بأ نّها ابتهاج النفس بإدراک الملائم ونیله ، ثمّ المدرک إن کان ممّا یستحسن حبّه شرعاً وعقلا ، کان کراهته وبغضه من الرذائل وحبّه من الفضائل ، وإن کان ممّا یذمّ حبّه ، کان بالعکس من ذلک.
ثمّ الحبّ والکراهة لمّا کانا تابعین للإدراک ، فإنّهما ینقسمان بحسب انقسام القوّة المدرکة ـ التی هی الحواسّ الخمسة الظاهرة ـ والحواسّ الباطنة ، والقوّة العاقلة ، فمن الأوّل الصور الجمیلة المرئیّة والنغمات الموزونة والروائح الطیّبة والملبوسات اللیّنة وما شابه ذلک ، ومن الثانی کالصور الملائمة الخیالیّة والمعانی الجزئیّة الملائمة بالنسبة إلی المتخیّلة والواهمة ، ومن الثالث کالمعانی الکلّیة والذوات المجرّدة ، ولا ریب أنّ الثالث منها أقوی اللذات وأبلغها ، فإنّ البصیرة الباطنة أقوی وأنفذ من البصیرة الظاهرة ، والعقل أشدّ إدراکاً من الحسّ ، فالجمال الباطنی أکثر لذّةً من الجمال الظاهری ، والمعرفة الباطنیّة أقوی من الظاهریّة.
ومن هذا المنطلق جعل رسول الله (صلی الله علیه وآله) الصلاة أبلغ المحبوبات عنده فی الدنیا حیث قال : « حُبّب إلیّ من دنیاکم ثلاث : الطیب والنساء ، وجعلت قرّة عینی فی الصلاة » ، فالالتذاذ بالطیب لذّة شمّیة ، وبالنساء نظریة ولمسیّة ، وهما من مقدّمات الصلاة ، وإنّ الالتذاذ بها لذّة عقلیّة تفوق اللذات فکانت قرّة عین الرسول (صلی الله علیه وآله).
ثمّ الحبّ بحسب مبادیه المتعدّدة ینقسم علی أقسام : کحبّ الإنسان وجود نفسه وبقاءه وکماله ، وکحبّه لغیره لأجل أ نّه یلتذّ منه لذّة حیوانیّة ، کحبّ الرجل للمرأة وبالعکس لأجل المقاربة ، وحبّ المأکولات والملبوسات وهو سریع الحصول وسریع الزوال ، وکحبّه للغیر لأجل نفعه وإحسانه ، والإنسان عبد الإحسان ، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : « اللهمّ لا تجعل لفاجر علیّ یداً فیحبّه قلبی » ، وهو قابل للزیادة والنقصان بمقدار الإحسان ، وکحبّ الشیء لذاته ، لا لحظٍّ یناله منه وراء ذاته ، کحبّ الجمال والحسن ، فإنّ کلّ جمال محبوب عند مدرکه وذلک لعین الجمال[15] ، ومن هذا القسم حبّ الناس للأنبیاء والأوصیاء وبذل النفس والنفیس من أجل دینهم ومذهبهم ، وکمحبّة بعض لبعض لمناسبة خفیّة أو مجانسة معنویّة ، فإنّ الأرواح جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناکر منها اختلف ـ کما ورد فی الخبر النبویّ الشریف ـ وکالحبّ لمن حصل بینه وبینه الاُلفة والاجتماع فی بعض المواضع ، وکالمحبّة لمن یشارکه فی وصف ظاهر ، کمیل الصبیّ إلی الصبیّ لصباه ، والتاجر إلی التاجر لتجارته ، ووجب کلّ سبب وعلّة لمسبّبه ومعلوله وبالعکس ، کحبّ الأب لولده وبالعکس ، وکحبّ المعلّم لتلمیذه وبالعکس ، وکمحبّة المتشارکین فی سبب واحد بعضهم لبعض ، کمحبّة الإخوان والأقارب ، وکلّما کان السبب أقرب کانت المحبّة أوکد ، وقد یجتمع بعض أسباب المحبّة أکثرها فی شخص واحد فیتضاعف الحبّ ، وقد تکون قوّة الحبّ بقدرة قوّة السبب[16].
هذا « وقد أنکر بعض العلماء إمکان محبّة الله عزّ وجلّ ، وذلک لندرة الإیمان بها ، وقال : لا معنی لها إلاّ المواظبة علی طاعة الله عزّ وجلّ ، وأمّا حقیقة المحبّة فمحال إلاّ مع الحسن والمثال ، ولمّا أنکروا المحبّة أنکروا الاُنس والشوق ولذّة المناجاة وسائر لوازم الحبّ وتوابعه »[17].
یقول المحقّق الفیض الکاشانی فی محجّته البیضاء :
ونحن نذکر فی هذا الکتاب بیان شواهد الشرع فی المحبّة ، ثمّ بیان حقیقتها وأسبابها ، ثمّ بیان أن لا مستحقّ للمحبّة إلاّ الله عزّ وجلّ ، ثمّ بیان أنّ أعظم اللذّات ، لذّة النظر إلی وجه الله تعالی ، ثمّ بیان سبب زیادة لذّة النظر فی الآخرة علی المعرفة فی الدنیا ، ثمّ بیان الأسباب المقوّیة لحبّ الله تعالی ، ثمّ بیان السبب فی تفاوت الناس فی الحبّ لله ، ثمّ بیان السبب فی قصور الأفهام عن معرفة الله عزّ وجلّ ، ثمّ بیان معنی الشوق ، ثمّ محبّة الله عزّ وجلّ للعبد ثمّ القول فی علامات محبّة العبد لله تعالی ، ثمّ بیان معنی الاُنس بالله عزّ وجلّ ، ثمّ بیان معنی الانبساط فی الاُنس ... ثمّ بیان حکایات المحبّین وکلمات للمحبّین متفرّقة . راجع کلامه رفع الله مقامه.
إنّ الحبّ من المعانی الإضافیّة فهو رابط بین المحبّ وحبیبه ، والإنسان یمتلک غرائز ، منها غریزة الحبّ ، ویتجلّی هذا الحبّ وهذه الغریزة فی سلوکه وحرکاته وسکناته ، وبهذا المعنی ومن هذا المنطلق ینقسم باعتبار متعلّقاته إلی الحبّ المذموم والحبّ الممدوح ، کما ینقسم إلی الحبّ المجازی والحبّ الحقیقی ، وله مراتب طولیّة وعرضیّة ، فإنّ مفهومه کلّی مشکّک کالنور ، فإنّ بدایة النور الحسّی ما یتبقّی من رأس عود الکبریت بعد إخماده ، ونهایته نور الشمس فی رائعة النهار ، فبدایة الحبّ هو المیل الباطنی الجزئی الذی یوجد فی تمام المخلوقات المتکاملة ، فکلّها محبّة فی ذاتها تتحرّک بحرکة جوهریّة للوصول إلی کمالها المنشود فیها ، فالنواة تطوی مراحل کمالها ، لتکون نخلة باسقة ، والنطفة تسبح فی تکاملها لتکون إنساناً سمیعاً بصیراً ، فکلّ ما فی الکون یسبح ویسبّح بحمد ربّه ، لیصل إلی الکمال المودع فی ذاته.
ونهایة الحبّ إلی الحبیب الذی لا نهایة له فی ذاته وصفاته وأسمائه ، ( فإلی الله المنتهی ، وإلیه تصیر الاُمور ، وإنّک کادحٌ إلی ربّک کدحاً فملاقیه ، وإلیه راجعون ).
ویدلّ علی مراتب الحبّ ـ حتّی حبّ الله ـ قوله تعالی :
( وَالَّذینَ آمَنوا أشَدُّ حُبَّاً للهِ )[18].
فهو دلیل علی إثبات الحبّ لله ، وإثبات التفاوت فیه.
فکمال المحبوب هو الله سبحانه مطلق الکمال والکمال المطلق ، وإله من وَلَهَ بمعنی العشق والحبّ ، وإنّه المعشوق والمحبوب . فالمؤمن ولهان فی عبادة ربّه وحبّه ، ولا یری معبوداً وإلهاً وحبیباً سوی الله سبحانه وتعالی : ( فقولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ) فإنّ النجاح والفلاح والصلاح فی الحبّ الإلهی والعشق المقدّس ، لا العشق المجازی المذموم فی الآیات والروایات ، فإنّ الإمام الصادق (علیه السلام) لمّا سئل عن العشق المجازی ـ کعشق قیس العامری ولیلی ـ قال (علیه السلام) : « قلوب خَلَت عن ذکر الله فأذاقها الله حبّ غیره »[19].
فالحبّ میل باطنی وقلبی نحو المحبوب ، ویتولّد منه الشوق ، وهو المیل والرغبة إلی الشیء المحبوب عند غیبته ، وهو یکون فیما أدرک الشیء من وجه ولم یدرک من وجه آخر ، فما لا یدرک أصلا لا یشتاق إلیه ، إذ لا یتصوّر أن یشتاق أحد إلی شخص لم یره ولم یسمع وصفه ، وما أدرکه بکماله لا یشتاق إلیه أیضاً : فالشوق یختصّ تعلّقه بما أدرک من وجه دون وجه ، وذلک فیما یتّضح الشیء اتّضاحاً ما ولم یستکمل الوضوح ، فاحتاج إلی استکماله ، فیکون الشوق إلی ما بقی من المطلوب ممّا لم یحصل ، هذا وجه ، والوجه الآخر أن یدرک بعض کمالات المحبوب ، ووصل إلیه وعلم إجمالا أ نّه له کمالات اُخر ، فیکون له شوق إلی إدراک تلک الکمالات.
وأفضل مراتب الشوق هو الشوق إلی الله سبحانه وإلی لقائه وهی المظنّة إلی الوصول إلیه ، وإلی حبّه واُنسه والتقرّب إلیه ، وهو رأس مال السالکین ، ومفتاح أبواب السعادة للطالبین ، الوجهان الموجبان للشوق متصوّران فی حقّ الله سبحانه ، بل هما ثابتان وملازمان لجمیع العارفین ، فلا یخلو عارف من الشوق إلی الله عزّ وجلّ ، ولا یسکن قطّ شوقه ، وما من عبد إلاّ ویری فوق درجته ، درجات کثیرة لا نهایة لها :
( نُورُهُمْ یَسْعی بَیْنَ أیْدیهِمْ وَبِأ یْمانِهِمْ یَقولونَ رَبَّنا أتْمِمِ لنا نورنا )[20].
وفی بعض الکتب السماویة : « طال شوق الأبرار إلی لقائی ، وأنا إلی لقائهم لأشدّ شوقاً ».
وفی أخبار داود (علیه السلام) : « إنّی خلقت قلوب المشتاقین من نوری ونعّمتها بجلالی ».
وفیها أیضاً : « أ نّه تعالی أوحی إلی داود : یا داود ، إلی کم تذکر الجنّة ولا تسألنی الشوق إلیَّ ؟ قال : یا ربّ ، من المشتاقون إلیک ؟ قال : إنّ المشتاقین إلیَّ الذین صفّیتهم من کلّ کدر ، ونبّهتهم بالحذر ، وخرقت من قلوبهم إلیّ خرقاً ینظرون إلیّ ، وإنّی لأحمل قلوبهم بیدی فأضعها علی سمائی ، ثمّ أدعو بملائکتی ، فإذا اجتمعوا سجدوا لی ، فأقول : إنّی لم أجمعکم لتسجدوا لی ، ولکن دعوتکم لأعرض علیکم قلوب المشتاقین إلیّ ، واُباهی بهم إیّاکم ، فإنّ قلوبهم لتضیء فی سمائی لملائکتی کما تضیء الشمس لأهل الأرض ، یا داود إنّی خلقت قلوب المشتاقین من رضوانی ، ونعّمتها بنور وجهی ، فاتّخذتهم لنفسی محدّثین ، وجعلت أبدانهم موضع نظری إلی الأرض ، وقطعت من قلوبهم طریقاً ینظرون به إلیّ ، یزدادون فی کلّ یوم شوقاً ».
وأوحی الله إلیه أیضاً : « یا داود ، لو یعلم المدبورون عنّی کیف انتظاری لهم ورفقی بهم وشوقی إلی ترک معاصیهم ، لماتوا شوقاً إلیّ ، وتقطّعت أوصالهم عن محبّتی ».
وفی بعض الأخبار القدسیّة : إنّ لی عباداً یحبّوننی واُحبّهم ، ویشتاقون إلیّ وأشتاق إلیهم ، ویذکروننی وأذکرهم ، وأوّل ما اُعطیهم أن أقذف من نوری فی قلوبهم ، فیخبرون عنّی کما اُخبر عنهم ، ولو کانت السماوات والأرض وما فیهما فی موازینهم لاستعدبها لهم ، واُقبل بوجهی علیهم ، ولا یعلم أحد ما اُرید أن اُعطیه لهم »[21].
ثمّ حقیقة الدین والإیمان هو الحبّ کما ورد فی الخبر الشریف : « هل الإیمان إلاّ الحبّ والبغض »[22] فسبحانه وتعالی هو المحبوب الأصیل والأوّل ، ونحبّ کلّ شیء علیه اسم الله عزّ وجلّ بالتبع ، کما جاء فی المناجاة : « اللّهم ارزقنی حبّک وحبّ من یحبّک وحبّ کلّ عمل یوصلنی إلی قربک ».
فالحبّ الحقیقی حبّ اُویس القرنی قد مدحه الله ورسوله ، ویعطی للإنسان حرکةً ونشاطاً نحو الإیمان الکامل والعمل الصالح.
قال الإمام الصادق (علیه السلام) : المشتاق لا یشتهی طعاماً ، ولا یلتذّ شراباً ، ولا یستطیب رقاداً ، ولا یأنس حمیماً ، ولا یأوی داراً ، ولا یسکن عمراناً ، ولا یلبس ثیاباً ، ولا یقرّ قراراً ، ویعبد الله لیلا ونهاراً ، راجیاً بأن یصل إلی ما یشتاق إلیه ، ویناجیه بلسان الشوق معبّراً عمّا فی سریرته ، کما أخبر الله تعالی عن موسی بن عمران فی میعاد ربّه بقوله :
( وَعَجَلْتُ إلَیْکَ رَبِّ لِتَرْضی )[23].
وفسّر النبیّ (صلی الله علیه وآله) عن حاله : « أ نّه ما أکل ولا شرب ولا نام » . فإذا دخلت میدان الشوق فکبر علی نفسک ومرادک من الدنیا ، وودّع جمیع المألوفات ، واصرفه عن سوی مشوّقک ، ولبّ بین حیاتک وموتک ، لبّیک اللهمّ لبّیک ، أعظم الله أجرک ، ومثل المشتاق مثل الغریق لیس له همّة إلاّ خلاصه ، وقد نسی کلّ شیء دونه . وما ورد فی الأدعیة من المعصومین (علیهم السلام) من طلب الشوق أکثر من أن یحصی ، والظواهر القرآنیة والروائیة المثبتة للمحبّة والاُنس الإلهی تثبت الشوق أیضاً[24].
فالحبّ تارةً یکون عاملا هدّاماً من ورائه الانحطاط والرذالة والهلاک والنار ، کما هو أساس الذنوب والآثام فی العالم علی مرّ العصور والأحقاب ، ویعلم ذلک من هذه الروایة الشریفة :
عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : أوّل ما عُصی الله تبارک وتعالی بستّ خصال : حبّ الدنیا وحبّ الریاسة وحبّ الطعام وحبّ النساء وحبّ النوم وحبّ الراحة[25].
واُخری یکون الحبّ عاملا للتکامل والاعتلاء والتقدّم والازدهار ، وذلک لو کان لله سبحانه وفی الله عزّ وجلّ ومن الله وإلی الله وبالله جلّ جلاله.
قال الله تعالی :
( وَالَّذینَ آمَنوا أشَدُّ حُبَّاً للهِ )[26].
وعن مولانا الإمام الصادق (علیه السلام) : لا یمحض رجلٌ الإیمان بالله حتّی یکون الله أحبّ إلیه من نفسه وأبیه واُمّه وأولاده وأهله وماله ومن الناس کلّهم.
وفی الدعاء الشریف : أنت الذی أزلت الأغیار عن قلوب أحبّائک حتّی لم یحبّوا سواک ... ماذا وجد من فقدک ، وما الذی فقد من وجدک ، لقد خاب من رضی دونک بدلا.
وفی الخبر الشریف : إنّ موسی ناجی ربّه بالوادِ المقدّس فقال : یا ربّ إنّی أخلصت لک المحبّة منّی ، وغسلت قلبی عمّن سواک ـ وکان شدید الحبّ لأهله ـ فقال الله تبارک وتعالی :
( إخْلَعْ نَعْلَیْکَ )[27].
أی انزع حبّ أهلک من قلبک إن کانت محبّتک لی خالصة ، وقلبک من المیل إلی من سوای مغسولة.
وعن الإمام الصادق (علیه السلام) : القلب حرم الله ، فلا تسکن حرم الله غیر الله.
وما أجمل وأروع هذا الحدیث الشریف ، فإنّه من جوامع الکلم ، فإنّ الله یقول فی حدیث قدسیّ : « لا تسعنی سمائی ولا أرضی ، ولکن یسعنی قلب عبدی المؤمن » ، فما أعظم الإنسان هذا الکائن الذی لا زال مجهولا ، والذی یزعم أ نّه جرم صغیر ، ولکن انطوی فیه العالم الأکبر ، وکان قلبه عرش الله وحرمه ـ الله أکبر ـ .
طوبی لمن عرف قدر نفسه ، وقیمة کلّ امرئ ما یحسنه ، فقیمه الإنسان فی الدنیا والآخرة بمعرفته وعلمه ، وإنّه بطاعته یمکن أن یصل إلی هذا المقام العظیم ، والمنزلة الرفیعة ، حتّی یکون قلبه حرم الله سبحانه وتعالی یناجیه ربّه فی سرّه ـ أی فی نفسه وقلبه ـ یتکلّم مع ربّه.
فما أجمل الدنیا حینئذ ، وإنّها والله مزرعة الآخرة ومتجر أولیاء الله سبحانه . فلا بدّ لنا أن نمنع الأغیار من دخولهم قلوبنا ، وسیّد الأغیار النفس الأمّارة بالسوء ، فإنّ أعدی عدوّک نفسک التی بین جنبیک ، فمن عرف نفسه فقد عرف ربّه ، والقلب السلیم أن یلقی الله سبحانه وتعالی ، ولیس فیه سوی الله سبحانه ، ولا یلقّاها إلاّ ذو حظّ عظیم.
فلا بدّ أن نجلس علی أبواب قلوبنا ، ونمنع غیر الله ، فإنّ القلب حرم الله ، ولا تسکن حرم الله غیر الله ، اللّهم اجعل قلبی بحبّک میتّماً.
ومن دعائه (علیه السلام) : صلّ علی محمّد وآلِ محمّد واشغل قلبی بعظیم شأنک وأرسل محبّتک إلَیَّ حتّی ألقاک وأوداجی تشخب دماً.
وفی الخبر : من طلبنی وجدنی ، ومن وجدنی عشقنی ، ومن عشقنی قتلته ، ومن قتله فأنا دیته.
وأیضاً فی الدعاء الشریف : اللّهم إنّی أسألک أن تملأ قلبی حبّاً لک وخشیةً منک ، وتصدیقاً لک ، وإیماناً بک ، وفرقاً منک ، وشوقاً إلیک . اللّهم اجعل حبّک أحبّ الأشیاء إلیّ ، واجعل خشیتک أخوف الأشیاء عندی ، واقطع عنّی حاجات الدنیا بالشوق إلی لقائک.
والأدعیة والأوراد والأذکار من الرسول المختار والأئمة الأطهار (علیهم السلام)المشحونة بالحبّ الإلهی ، وطلب حبّه منه سبحانه ، فإنّه من النعم التی یختصّ به الله أولیائه من عباده.
هذا غیض من فیض فی جلالة وعظمة حبّ الله سبحانه ، وأمّا ما یورث حبّه وکیف لنا أن نصل إلی محبّته ، فقد جاء فی الأخبار عن الأئمة الأبرار (علیهم السلام) ذلک ، وإلیکم بعض النماذج :
قیل لعیسی (علیه السلام) علّمنا عملا واحداً یحبّنا الله علیه ، فقال : أبغضوا الدنیا یحببکم الله.
وفی حدیث المعراج ، قال الله تعالی مخاطباً نبیّه الأکرم وحبیبه الأعظم : یا محمّد ، وجبت محبّتی للمتحابّین فیّ ، ووجبت محبّتی للمتعاطفین فیّ ، ووجبت محبّتی للمتواصلین فیّ ، ووجبت محبّتی للمتوکّلین علیّ ، ولیس لمحبّتی عَلَم ولا غایة ولا نهایة ، وکلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم علماً.
وعن الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله) : من أکثر ذکر الموت أحبّه الله.
وعن الإمام الصادق (علیه السلام) : طلبت حبّ الله عزّ وجلّ فوجدته فی بغض أهل المعاصی.
وعنه (علیه السلام) : إذا تخلّی المؤمن عن الدنیا سما ، ووجد حلاوة حبّ الله وکان عند أهل الدنیا ، کأ نّه قد خلولط ، وإنّما خالط القوم حلاوة حبّ الله ، فلم یشتغلوا بغیره.
قال رجل للنبیّ (صلی الله علیه وآله) : یا رسول الله ، علّمنی شیئاً إذا فعلته أحبّنی الله من السماء ، وأحبّنی الناس من الأرض فقال له : ارغب فیما عند الله عزّ وجلّ ، یحبّک الله ، وازهد فیما عند الناس یحبّک الناس.
وأمّا من یحبّهم الله سبحانه فقد قال فی کتابه الکریم فی مبرم خطابه المجید :
( إنَّ اللهَ یُحِبُّ الُمحْسِنینَ )[28].
( إنَّ اللهَ یُحِبُّ التَّوَّابینَ وَیُحِبُّ المُتَطَهِّرینَ )[29].
( فإنَّ اللهَ یُحِبُّ المُتَّقینَ )[30].
( وَاللهُ یُحِبُّ الصَّابِرینَ )[31].
( إنَّ اللهَ یُحِبُّ المُتَوَکِّلینَ )[32].
( إنَّ اللهَ یُحِبُّ المُقْسِطینَ )[33].
( إنَّ اللهَ یُحِبُّ الَّذینَ یُقاتِلونَ فی سَبیلِهِ صَفَّاً کَأ نَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصوصٌ )[34].
( قُلْ إنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعونِّی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِر لَکُمْ ذُنوبِکُمْ )[35].
لقد تکرّرت لفظة ( یحبّ ) فی القرآن کثیراً ، فما معنی حبّ الله تعالی ؟ لا یخفی أنّ المولی لیس بجسم ولا یمکن أن تطرأ علیه سبحانه ما یطرأ علی الأجسام من صفات وخصوصیّات ، فحبّه تعالی عبارة عن إیجاده لآثار ذلک الحبّ ، لا حصول صفة فی ذاته کما تحصل للإنسان صفة نفسانیّة ، فالمولی عندما یحبّ فإنّه یوجد ویخلق آثاراً لذلک الحبّ لتدلّ علیه ، وهکذا فی الغضب ، فإنّ الانتقام والبطش والبلاء دلیل علی غضبه ، کما أنّ الهناء والرخاء والسعادة والاطمئنان دلیل علی حبّه ، وهکذا ... ولذا قالوا فی هذا المورد : « خذ الغایات واترک المبادئ » فالقرآن یعدّد صفات کثیرة یحبّها الله ویحبّ من یتّصف بها مثل :
یحبّ المقسطین[36] ، یحبّ التوّابین والمتطهّرین[37] ، یحبّ المتّقین[38] ، یحبّ المحسنین[39] ، یحبّ الصابرین[40] ، یحبّ المتوکّلین[41] ، یحبّ الذین یقاتلون فی سبیله[42] ، وغیرها کثیر ، کما ذکرنا نماذج منها.
وهذه الصفات کلّها نجدها فی المحبّین لله سبحانه ، وفی ساداتهم الرسول الأکرم وأهل بیته الأطهار (علیهم السلام) ، فهذه الصفات تتجلّی کلّها فی أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، بل وأکثر . الأمر الذی دعا رسول الله (صلی الله علیه وآله) أن یقول عن فضائله أ نّها لا تحصی أبداً ، وإذا کان علیّ محبوباً عند الله تعالی لأ نّه جسّد الصفات التی یحبّها الله تعالی فیکون أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) مورد حصول آثار الحبّ الإلهی ، فلا غرابة أن نجد صفة الشجاعة والقوّة الخارقة للعادة فی الإمام علیّ (علیه السلام) ، لأ نّه فی مقام القرب وفی مقام العندیة وفی مقام الحبّ الإلهی ، ولا غرابة أن نجده جامع الأضداد ، فذلک کلّه من آثار الحبّ الإلهی له . لأنّ علیّاً سیّد المحبّین وعشّاق الله قد وضع نفسه فی دائرة یحبّ ما یحبّه الله ویبغض ما یبغضه الله تعالی ، فمن جهة نراه قد جسّد الصفات التی یحبّها الله تعالی ، وأنکر وابتعد وأبعد أصحابه عن تلک الصفات التی لا یحبّها الله تعالی کالإثم والخیانة والکفر والإسراف والعدوان والظلم والاستکبار ... فکان لا بدّ من ظهور آثار الحبّ الإلهی علیه لوجود المقتضی وارتفاع المانع ...
ولا یخفی أنّ لکلّ صفة یحبّها الله أثراً خاصّاً بها ولیست هی کلّها متساویة الرتبة فی الآثار فبعض الآثار ما یتّصل بجانب الروح والقلب والعقل ، وبعضها یتّصل بجانب البدن وإلی غیر ذلک . فیظهر أنّ وجود الاُمور العجیبة والغریبة والخارقة للعادة فی شخصیّة الإمام علیّ أمر طبیعی جدّاً ، لأ نّه مورد عنایة الله تعالی بفضل ما حقّقه وأنجزه فی طریق الکمال[43].
وفی حدیث الإمام الباقر (علیه السلام) : « إنّ الله یحبّ المداعب بالجماعة بلا رفث ، المتوحّد بالفکرة ، المتحلّی بالصبر ، المساهر بالصلاة ».
وقال (علیه السلام) : إنّ الله یحبّ کلّ قلب حزین ، ویحبّ کلّ عبد شکور.
وعن رسول الله (صلی الله علیه وآله) : ثلاثة یحبّهم الله عزّ وجلّ : رجلٌ قام من اللیل یتلو کتاب الله ، ورجلٌ تصدّق بیمینه یخفیها عن شماله ، ورجل کان فی سریّة ، فانهزم أصحابه فاستقبل العدوّ.
وأمّا الذین لا یحبّهم الله ، فقال سبحانه فی کتابه المجید :
( إنَّ اللهَ لا یُحِبُّ المُعْتَدینَ )[44].
( وَاللهُ لا یُحِبُّ کُلَّ کَفَّار أثیم )[45].
( وَاللهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمینَ )[46].
( إنَّ اللهُ لا یُحِبُّ مَنْ کانَ مُخْتالا فَخوراً )[47].
( وَاللهُ لا یُحِبُّ المُفْسِدینَ )[48].
( إنَّ اللهَ لا یُحِبُّ المُسْرِفینَ )[49].
( إنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الخائِنینَ )[50].
( إنَّهُ لا یُحِبُّ المُسْتَکْبِرینَ )[51].
( إنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الفَرِحینَ )[52].
( إنَّ اللهَ لا یُحِبُّ الکافِرینَ )[53].
( لا یُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إلاّ مَنْ ظُلِمَ )[54].
---
[1]یوسف : 33.
[2]التوبة : 24.
[3]یوسف : 8 .
[4]یوسف : 30.
[5]الفجر : 20.
[6]البقرة : 190.
[7]البقرة : 205.
[8]البقرة : 276.
[9]آل عمران : 32.
[10]آل عمران : 140.
[11]النساء : 36.
[12]النساء : 107.
[13]النساء : 148.
[14]مقتبس من ( لسان العرب ) و ( تاج العروس ) و ( مجمع البحرین ) و ( مفردات الراغب ).
[15]مقتبس من جامع السعادات 3 : 136 ، ولکلام المصنّف تفصیل ، فراجع.
[16]جامع السعادات 3 : 141 ، وراجع فی تفصیل ذلک المحجّة البیضاء ، المجلّد الثامن.
[17]المحجّة البیضاء 8 : 5.
[18]البقرة : 165.
[19]میزان الحکمة 6 : 214 . وقد تعرّضت لهذا المعنی بالتفصیل فی ( رسالة فی العشق ) ، وهو مطبوع ، فراجع.
[20]التحریم : 8 .
[21]جامع السعادات 3 : 126.
[22]میزان الحکمة 1 : 330.
[23]طه : 84 .
[24]جامع السعادات 3 : 133 ، والمحجّة البیضاء 8 : 55.
[25]المواعظ العددیة : 175.
[26]البقرة : 165.
[27]طه : 12.
[28]البقرة : 195.
[29]البقرة : 222.
[30]آل عمران : 76.
[31]آل عمران : 146.
[32]آل عمران : 159.
[33]المائدة : 42.
[34]الصفّ : 64.
[35]آل عمران : 31.
[36]المائدة : 42.
[37]البقرة : 222.
[38]آل عمران : 76.
[39]المائدة : 13.
[40]آل عمران : 146.
[41]آل عمران : 159.
[42]الصفّ : 4.
[43]عظمة أمیر المؤمنین (علیه السلام) : 53 ـ 55.
[44]البقرة : 190.
[45]البقرة : 276.
[46]آل عمران : 57.
[47]النساء : 26.
[48]المائدة : 64.
[49]الأنعام : 141.
[50]الأنفال : 58.
[51]النحل : 23.
[52]القصص : 76.
[53]الروم : 45.
[54]النساء : 148.

‌‌‌علی أبواب الحبّ

[تمهید]

إعلم أنّ فی روایات النبیّ الأکرم وأهل بیته الأطهار (علیهم السلام) أبواب عدیدة فی الحبّ وأقسامه وأبعاده ، وفی کلّ باب مفاهیم قیّمة ومطالب متنوّعة سامیة ، لا یستغنی عنها الباحث الإسلامی ، حبّذا أن یشار إلی بعض هذه الأبواب ، ونبذة یسیرة جدّاً من الروایات المرویّة فی کلّ باب.

‌‌‌ـ باب ( أحبّ الناس إلی الله )

عن الإمام الصادق (علیه السلام) : ألا وإنّ أحبّ المؤمنین إلی الله من أعان المؤمن الفقیر من الفقر فی دنیاه ومعاشه ، ومن أعان ونفع ودفع المکروه عن المؤمنین.
قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : أحبّ عباد الله إلی الله جلّ جلاله أنفعهم لعباده وأقومهم بحقّه ، الذین یحبّب إلیهم المعروف وفعاله.
یقول الله تعالی : إنّ أحبّ العباد إلیَّ المتحابّون بجلالی المتعلّقة قلوبهم بالمساجد المستغفرون بالأسحار ، اُولئک إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذکرتهم فصرفت العقوبة عنهم.
أحبّ المؤمنین إلی الله من نصب نفسه فی طاعة الله ونصح لاُمّة نبیّه ، وتفکّر فی عیوبه ، وأبصر وعقل وعمل.
قال الإمام الصادق (علیه السلام) : أحبّ العباد إلی الله عزّ وجلّ رجلٌ صدوق فی حدیثه ، محافظ علی صلواته وما افترض الله علیه مع أدائه الأمانة.

‌‌‌ـ باب ( أحبّ الأعمال إلی الله )

سئل رسول الله (صلی الله علیه وآله) : أیّ الأعمال أحبّ إلی الله ؟ قال : اتباع سرور المسلم . قیل : یا رسول الله ، وما اتباع سرور المسلم ؟ قال : شبعة جوعه ، وتنفیس کُربته ، وقضاء دینه.
أحبّ الأعمال إلی الله عزّ وجلّ فی الأرض الدعاء.
قال الإمام الصادق (علیه السلام) : من أحبّ الأعمال إلی الله عزّ وجلّ زیارة قبر الحسین (علیه السلام).
الذکر أحبّ الأعمال إلی الله سبحانه.
قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : ثلاثة یحبّها الله : قلّة الکلام ، وقلّة المنام ، وقلّة الطعام . ثلاثة یبغضها الله : کثرة الکلام ، وکثرة المنام ، وکثرة الطعام.
ثلاثة یحبّها الله سبحانه : القیام بحقّه ، والتواضع لخلقه ، والإحسان إلی عباده.
إنّ الله جمیل ویحبّ الجمال ، إنّ الله یحبّ الرفق ، إنّ الله یحبّ إطعام الطعام.
وإذا أردت التفصیل فی أحبّ الأعمال إلی الله سبحانه فراجع بحار الأنوار ، کما یلی :
1 ـ ثلاث خصال هنّ أحبّ الأعمال . 74 : 365 / 12 + 74 : 360 / 6
+ 13 : 294 / 15 + 78 : 453 / 18
+ 73 : 386 / 11.
2 ـ إنّ أحبّ الأعمال إدخال السرور . 74 : 290 / 12 + 74 : 297 / 18
+ 74 : 365 / 9 + 74 : 312 / 11
+ 74 : 369 / 17.
3 ـ من أحبّ الأعمال إشباع جوعة المؤمن . 74 : 369 / 20
+ 74 : 369 / 19.
4 ـ أحبّ الأعمال إلی الله الدعاء . 93 : 295 / 1 + 93 : 297 / 5.
5 ـ أحبّ الأعمال إلی الله الصلاة . 82 : 233 / 5 + 82 : 206 / 12
+ 100 : 11 / 5.
6 ـ أحبّ الأعمال إلی الله انتظار الفرج . 10 : 94 / 14 + 52 : 123 / 16.
7 ـ أحبّ الأعمال إلی الله ذکره . 82 : 355 / 16.
8 ـ أحبّ الأعمال إلی الله زیارة قبر الحسین (علیه السلام) . 101 : 49 / 11.
9 ـ أحبّ الأعمال إلی الله ما دام علیه . 83 : 6 / 18 + 87 : 37 / 12
+ 71 : 219 / 16.
راجع فی الحبّ ومشتقّاته کتاب ( المعجم المفهرس لألفاظ أحادیث بحار الأنوار ، المجلّد السابع ، من الصفحة 4533 إلی 4628 ، وفی کلّ صفحة 150 کلمة ( حبب ) ومشتقّاتها تقریباً.
وقد تکرّرت مادّة الحبّ فی بحار الأنوار أکثر من أربعة عشر ألف مرّة ، وفی القرآن الکریم 85 مرّة ، فراجع.

‌‌‌ـ باب ( عبادة المحبّین )

عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) : بکی شعیب (علیه السلام) من حبّ الله عزّ وجلّ حتّی عمی ، فردّ الله عزّ وجلّ علیه بصره ، ثمّ بکی حتّی عمی فردّ الله علیه بصره ، ثمّ بکی حتّی عُمی فردّ الله علیه بصره ، فلمّا کانت الرابعة أوحی الله إلیه : یا شعیب ، إلی متی یکون هذا أبداً منک ؟ إن یکن هذا خوفاً من النار فقد آجرتک ، وإن یکن شوقاً إلی الجنّة فقد أبحتک . فقال : إلهی وسیّدی ، أنت أعلم إنّی ما بکیت خوفاً من نارک ولا شوقاً إلی جنّتک ، ولکن عقد حبّک علی قلبی فلست أصبر أو أراک . فأوحی الله جلّ جلاله إلیه : أمّا إذا کان هذا هکذا فمن أجل هذا سأخدمک کلیمی موسی بن عمران.
وهذا یعنی أنّ القائد یخدم الجندی ، فإنّ موسی کان من أنبیاء اُولی العزم ، وشعیب من اُمّته ورعیّته ومن جنده ، وهکذا یفعل الحبّ بأهله.
وممّا جاء فی صحیفة إدریس : طوبی لقوم عبدونی حبّاً ، واتَّخذونی إلهاً وربّاً وسهروا اللیل ، ودأبوا النهار طلباً لوجهی ، ومن غیر رهبة ولا رغبة ، ولا لنار ولا جنّة ، بل للمحبّة الصحیحة والإرادة الصریحة والانقطاع عن الکلّ إلیَّ.
فیما أوحی الله تعالی إلی داود : یا داود ، أبلغ أهل أرضی أنّی حبیب من أحبّنی ، وجلیس من جالسنی ، ومؤنسٌ لمن آنس بذکری ، وصاحبٌ لمن صاحبنی ، ومختارٌ لمن اختارنی ، ومطیعٌ لمن أطاعنی . وما أحبّنی أحد أعلم ذلک یقیناً من قلبه ، إلاّ قبلته لنفسی ، وأحببته حبّاً لا یتقدّمه أحد من خلقی ، من طلبنی بالحقّ وجدنی ، ومن طلب غیری لم یجدنی ، فارفضوا یا أهل الأرض ما أنتم علیه من غرورها ، وهلمّوا إلی کرامتی ومصاحبتی ومجالستی ومؤانستی ، وآنسونی اُونسکم واُسارع إلی محبّتکم.
قال الإمام الصادق (علیه السلام) : إنّ الناس یعبدون الله عزّ وجلّ علی ثلاثة أوجه : فطبقة یعبدونه رغبةً إلی ثوابه ، فتلک عبادة الحرصاء ، وهو الطمع . وآخرون یعبدونه خوفاً من النار ، فتلک عبادة العبید ، وهی الرهبة . ولکنّی أعبده حبّاً له ، فتلک عبادة الکرام ، وهو الأمن لقوله تعالی :
( وَهُمْ مِنْ فَزَع یَوْمَئِذ آمِنونَ )[1].
( قُلْ إنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعونی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنوبَکُمْ )[2].
فمن أحبّ الله عزّ وجلّ أحبّه الله ، ومن أحبّه الله عزّ وجلّ کان من الآمنین.
---
[1]النمل : 89 .
[2]آل عمران : 31.

‌‌‌ـ باب ( إذا أحبّ الله عبداً )

عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) أ نّه قال : یا ربّ ، وددت أن أعلم من تحبّ من عبادک فاُحبّه ؟ فقال : إذا رأیت عبدی یکثر ذکری ، فأنا أذنت له فی ذلک وأنا اُحبّه ، وإذا رأیت عبدی لا یذکرنی ، فأنا حجبته وأنا أبغضته.
وقال أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) : إذا أحبّ الله عبداً ألهمه حسن العبادة ... حبّب إلیه الأمانة ... زیّنه بالسکینة والحلم ... ألهمه الصدق ... ألهمه رشده ووفّقه لطاعته ... خطر علیه العلم ... بغّض إلیه المال وقصّر منه الآمال ... رزقه قلباً سلیماً وخلقاً قویماً ... ابتلاه فإذا أحبّه الحبّ البالغ افتناه . قالوا : وما افتنائه ؟ قال : لا یترک له مالا ولا ولداً . إذا أکرم الله عبداً أشغله بمحبّته.
وقال الإمام الصادق (علیه السلام) : من سرّه أن یعلم أنّ الله یحبّه ، فلیعمل بطاعة الله ولیتبعنا ، ألم یستمع قول الله عزّ وجلّ لنبیّه (صلی الله علیه وآله) :
( قُلْ إنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعونی ... )[1].
وقال (علیه السلام) : إذا أحبّ الله عبداً ألهمه الطاعة ، وألزمه القناعة ، وفقّهه فی الدین وقوّاه بالیقین ، فاکتفی بالکفاف واکتسی بالعفاف . وإذا أبغض الله عبداً حبَّب إلیه المال وبسط له وألهمه دنیاه ووکله إلی هواه ، فرکب العناد وبسط الفساد وظلم العباد.
---
[1]آل عمران : 31.

‌‌‌ـ باب ( علامة حبّ الله )

لکلّ شیء علامة ، ومحبّ الله له علامات ، وإنّما یقف علیها ویعلمها من کان منهم ، ورسول الله وأهل بیته الأطهار (علیهم السلام) هم سادة المحبّین واُسوتهم ، ومن إمامة أئمة الهدی (علیهم السلام) أ نّهم أشاروا إلی علامات کلّ طائفة ، کعلامات المؤمنین والمتّقین والمنافقین والمخلصین والمحبّین ، حتّی لا یلتبس ویشتبه الأمر علی من یبحث عنهم لیقتدی بهم کالمتّقین ، أو لیتجنّبهم ویحذرهم کالمنافقین.
واعلم أنّ المحبّة یمکن أن یتصوّر کلّ واحد من نفسه ویدّعیها ، فما أسهل الدعوی ، وما أعزّ المعنی ، فلا یغترّ الإنسان بتلبیس الشیاطین وخدع النفس مهما ادّعت محبّة الله عزّ وجلّ ما لم یمتحنها بالعلامات ولم یطالبها بالبراهین والأدلّة ، والمحبّة شجرة طیّبة ، أصلها ثابت وفرعها فی السماء ، وثمارها تظهر علی القلب واللسان والجوارح ، وتدلّ تلک الآثار الفائضة منها علی القلب والجوارح علی المحبّة دلالة الدخان علی النار ، ودلالة الثمار علی الأشجار ، فهی کثیرة ، منها :
1 ـ حبّ لقاء الحبیب بطریق الکشف والمشاهدة فی دار السلام ، فیحبّ ما یوصله إلی لقاء حبیبه کالموت ، فلا یفرّ منه ، وعنه (صلی الله علیه وآله) : « من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقائه » ، وإذا کره الموت فهو من باب فراق الأحبّة فی الدنیا وهو لا ینافی حبّ الله ، وربما یکره الموت لعدم الاستعداد الکامل للقاء الله سبحانه.
2 ـ أن یکون مؤثراً ما أحبّه الله عزّ وجلّ علی ما یحبّه فی ظاهره وباطنه ، فیجتنب اتّباع الشهوات ، ویترک الکسل والضجر ویتقرّب إلی الله بالطاعات والنوافل ، ویقدّم إرادة الله علی إرادته :
اُرید وصاله ویرید هجری *** فأترک ما اُرید لما یرید
وقال آخر :
تعصی الإله وأنت تظهر حبّه *** هذا لعمری فی الفعال بدیع
لو کان حبّک صادقاً لأطعته *** إنّ المحبّ لمن یحبّ مطیع
فعلامة المحبّ إیثاره من أحبّه علی نفسه ، فمن أحبّ الله عمل بطاعته وترک المناهی ، فیحبّه الله ویعینه علی أعدائه ، فهو ولیّه :
( وَاللهُ أعْلَمُ بِأعْدائِکُمْ وَکَفی بِاللهِ وَلِیَّاً وَکَفی بِاللهِ نَصیراً )[1].
فینصره علی عدوّه ، وأعدی عدوّ الإنسان نفسه التی بین جنبیه ، فیعینه علی نفسه ، بإتیان الواجبات والمستحبّات وترک المحرّمات والمکروهات ، وإنّ المعصیة تخرج المحبّ عن کمال حبّه.
3 ـ من أحبّ الله فإنّه ینشغل دائماً بذکره ، فلا یفتر عنه لسانه ، ولا یخلو عنه قلبه : « واجعل لسانی بذکرک لهِجاً ، وقلبی بحبّک متیّماً » ، فیحبّ محبوب الله کالقرآن والعترة الطاهرة والرسول الأعظم (علیهم السلام).
فمن أحبّ من یحبّ الله فإنّما أحبّ الله عزّ وجلّ ، ومن أکرم من یکرم الله تعالی فإنّما یکرم الله جلّ جلاله.
4 ـ یأنس المحبّ بخلوة حبیبه ومناجاته فی السرّ والعلن ، وفی اللیل والنهار ، فیواظب علی التهجّد ، لا سیّما فی الأسحار ، ومن أحبّ الله لا یسکن إلاّ إلیه ، وعلامة المحبّة کمال الاُنس بمناجاة المحبوب وکمال التنعّم بالخلوة به « وقد خلا کلّ حبیب بحبیبه ، وقد خلوت بک أنت المحبوب إلیّ » فتقرّ عین المحبّ بخلوة حبیبه « وإذا جنّهم اللیل فروا ویقولون سنخلو بحبیب قلوبهم » ، وأوحی الله إلی داود (علیه السلام) : « قد کذب من ادّعی محبّتی إذا جنّه اللیل نام عنّی ، ألیس کلّ محبوب یحبّ لقاء حبیبه ؟ فها أنا ذا موجود لمن یطلبنی ».
5 ـ الزهد فی الدنیا ، فلا یتأسّف علی ما یفوته ممّا سوی الله ، وإنّما یعظم تأسّفه علی فوت کلّ ساعة خلت عن ذکر الله سبحانه ، فیرجع إلیه بالتوبة والاستغفار والإنابة.
6 ـ أن ینعّم بالطاعة ولا یستثقلها ، فإنّ العاشق لا یستثقل السعی فی هوی معشوقه ، بل یستلذّ خدمته بقلبه وروحه ، وإن کان شاقّاً علی بدنه ، فالمحبّ یبذل کلّ ما عنده ، یبذل النفس والنفیس من أجل محبوبه ، کما فعل ذلک الأنبیاء والأولیاء ومنهم سیّد الشهداء الإمام الحسین بن علی (علیهم السلام).
7 ـ أن یکون مشفقاً علی جمیع عباد الله ، رحیماً بهم ، شدیداً علی جمیع أعداء الله :
( أشِدَّاءُ عَلی الکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ )[2].
ولا تأخذه فی الله لومة لائم ، فیبغضون لمحارم الله ومعاصیه ، کما یغضب النمر إذا حرد وغضب.
8 ـ أن یکون فی حبّه خائفاً ، فإنّ إدراک العظمة یوجب الهیبة ، کما أنّ إدراک الجمال یوجب الحبّ ، فالمحبّ یخاف إعراض محبوبه ، والحجاب بینه وبینه ، وخوف الإبعاد ، وشیّبت سورة هود سیّد المرسلین ، ففیها :
( ألا بُعْداً لِعاد قَوْمِ هودْ )[3].
( ألا بُعْداً لِثَمود )[4].
( ألا بُعْداً لِمَدْیَنَ کَما بَعُدَتْ ثَمود )[5].
فحدیث البعد فی حقّ المبعدین یشیّب سماعه أهل القرب فی القرب ، ثمّ خوف الوقوف وسلب المزید ، فإنّ « من استوی یوماه فهو مغبون ، ومن کان یومه شرّاً من أمسه فهو ملعون » ، ویقول الله سبحانه : « إنّ أدنی ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوة الدنیا علی طاعتی أن أسلبه لذیذ مناجاتی » ، ثمّ خوف فوت ما لا یدرک بعد فوته ، ثمّ خوف السلوّ عنه ، فالمحبّ لا یتسلّی إلاّ بلطف جدید ، ثمّ خوف الاستبدال به بانتقال القلب من حبّه إلی حبّ غیره ، فمن أحبّ شیئاً خاف لا محالة فقده.
9 ـ کتمان الحبّ ، واجتناب الدعوی ، والتوقّی من إظهار الوجد والمحبّة ، تعظیماً للمحبوب وإجلالا له . والحبّ سرّ من أسرار الحبیب.
10 ـ الاُنس والرضا من آثار الحبّ[6] ، وبالجملة جمیع محاسن الدین ومکارم الأخلاق ثمرة المحبّة ، وما لا یثمره الحبّ فهو اتّباع الهوی ، وهو من رذائل الأخلاق.
قیل : والناس فی محبّة الله عامّ وخاصّ ، فالعوامّ نالوا ذلک بمعرفتهم فی دوام إحسانه وکثرة نعمه ، فلم یتمالکوا أن أحبّوه ، إلاّ أ نّه تقلّ محبّتهم وتکثر علی قدر النعم والإحسان ، وأمّا الخاصّة فنالوا المحبّة بعظم القدر والقدرة والعلم والحکمة والتفرّد بالملک ، فلمّا عرفوا صفاته الکاملة وأسماءه الحسنی لم یمتنعوا أن أحبّوه ، إذا أ نّه استحقّ عندهم بذلک المحبّة لأ نّه أهلٌ لها ، فعبدوا الله حبّاً له لا خوفاً من ناره ، ولا طمعاً فی جنّته ، بل عبادة الأحرار حبّاً وشوقاً وشکراً وأ نّه أهل لذلک ، ولو أزال عنهم جمیع النعم.
لا تُخدعنّ فللمحبّ دلائل *** ولدیه من تحف الحبیب وسائل
منها تنعّمه بمرّ بلائه *** وسروره فی کلّ ما هو فاعل
فالمنع منه عطیّة مبذولة *** والفقر إکرام وبرّ عاجل
ومن الدلائل أن یری فی عزمه *** طوع الحبیب وإن ألحّ العاذل
ومن الدلائل أن یری متبسّماً *** والقلب فیه من الحبیب بلابل
ومن الدلائل أن یری متفهّماً *** لکلام من یحظی لدیه السائل[7]
وأمّا علامات المحبّین فی الروایات ، فمنها :
عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) : علامة حبّ الله تعالی حبّ ذکر الله ، وعلامة بغض الله تعالی بغض ذکر الله عزّ وجلّ.
وعن أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) : القلب المحبّ لله یحبّ کثیراً النصب لله ، والقلب اللاهی عن الله یحبّ الراحة ، فلا تظنّ یا بن آدم أ نّک تدرک رفعة البرّ بغیر مشقّة ، فإنّ الحقّ ثقیل مرّ ...
حبّ الله نار لا یمرّ علی شیء إلاّ احترق ، ونور الله لا یطلع علی شیء إلاّ أضاء.
وعن الإمام الصادق (علیه السلام) : حبّ الله إذا أضاء علی سرّ عبد أخلاه عن کلّ شاغل وکلّ ذکر سوی الله عند ظلمة ، والمحبّ أخلص الناس سرّاً لله ، وأصدقهم قولا ، وأوفاهم عهداً ، وأزکاهم عملا ، وأصفاهم ذکراً ، وأعبدهم نفساً ، تتباهی الملائکة عند مناجاته ، وتفتخر برؤیته ، وبه یعمر الله تعالی بلاده ، وبکرامته یکرم عباده ، یعطیهم إذا سألوا بحقّه ، ویدفع عنهم البلاء برحمته ، فلو علم الخلق ما محلّه عند الله ومنزلته لدیه ما تقرّبوا إلی الله إلاّ بتراب قدمیه[8].
فیما أوحی الله تعالی إلی موسی (علیه السلام) : کذب من زعم أ نّه یحبّنی فإذا جنّه اللیل نام عنّی ، ألیس کلّ محبّ یحبّ خلوة حبیبه ؟ ! ها أنا ذا یا بن عمران مطّلع علی أحبّائی ، إذا جنّهم اللیل حوّلت أبصارهم من قلوبهم ، ومثّلت عقربتی بین أعینهم ، یخاطبونی عن المشاهدة ، ویکلّمونی عن الحضور.
فیما أوحی الله تعالی إلی داود (علیه السلام) : یا داود ، من أحبّ حبیباً صدّق قوله ، ومن رضی بحبیب رضی فعله ، ومن وثق بحبیب اعتمد علیه ، ومن اشتاق إلی حبیب جدّ فی السیر إلیه ...
سأل أعرابی أمیر المؤمنین (علیه السلام) عن درجات المحبّین ما هی ؟ قال (علیه السلام) : أدنی درجاتهم من استصغر طاعته ، واستعظم ذنبه ، وهو یظنّ أن لیس فی الدارین مأخوذ غیره ، فغشی علی الأعرابی ، فلمّا أفاق قال : هل درجة أعلی منها ؟ قال (علیه السلام) : نعم ، سبعون درجة ...
قال الإمام الصادق (علیه السلام) : اُجری القلم فی محبّة الله فمن أصفاه الله بالرضا فقد أکرمه ، ومن ابتلاه بالسخط فقد أهانه ، والرضا والسخط خلقان من خلق الله ، والله یزید فی الخلق ما یشاء.
وقال (علیه السلام) : إنّ اُولی الألباب الذین عملوا بالفکرة حتّی ورثوا منه حبّ الله ـ إلی أن قال ـ : فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبّته فی خالقه ، فإذا فعل ذلک نزل المنزلة الکبری فعاین ربّه فی قلبه ، وورث الحکمة بغیر ما ورثه الحکماء ، وورث العلم بغیر ما ورثه العلماء ، وورث الصدق بغیر ما ورثه الصدّیقون ، إنّ الحکماء ورثوا الحکمة بالصمت ، وإنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب ، وإنّ الصدّیقین ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة.
أوحی الله إلی بعض الصدّیقین أنّ لی عباداً من عبیدی یحبّونی واُحبّهم ویشتاقون إلیَّ وأشتاق إلیهم ، ویذکرونی وأذکرهم ، أوّل ما اُعطیهم ثلاثاً :
الأوّل : أقذف من نوری فی قلوبهم فیخبرون عنّی کما اُخبر عنهم.
والثانی : لو کانت السماوات والأرضون وما فیها من مواریثهم لاستقللتها لهم.
والثالث : اُقبل بوجهی علیهم ، أفتری من أقبلت علیه بوجهی یعلم أحدٌ ما اُرید أن اُعطیه ؟ !
عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : قال الله : ما تحبّب إلیَّ عبدی بشیء أحبّ إلیَّ ممّا افترضته علیه ، وإنّه لیتحبّب إلیَّ بالنافلة حتّی اُحبّه فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به ، وبصره الذی یبصر به ، ولسانه الذی ینطق به ، ویده التی یبطش بها ، ورجله التی یمشی بها ، إذا دعانی أجبته ، وإذا سألنی أعطیته.
قال الإمام الصادق (علیه السلام) : نجوی العارفین تدور علی ثلاثة اُصول : الخوف والرجاء والحبّ ، فالخوف فرع العلم ، والرجاء فرع الیقین ، والحبّ فرع المعرفة ، فدلیل الخوف الهرب ، ودلیل الرجاء الطلب ، ودلیل الحبّ إیثار المحبوب علی ما سواه ، فإذا تحقّق العلم فی الصدر خاف ، ] فإذا کثر المرء فی المعرفة خاف [ وإذا صحّ الخوف هرب ، وإذا هرب نجا ، وإذا أشرق نور الیقین فی القلب شاهد الفضل ، وإذا تمکّن من رؤیة الفضل رجا ، وإذا وجد حلاوة الرجاء طلب ، وإذا وفّق للطلب وجد ، وإذا تجلّی ضیاء المعرفة فی الفؤاد هاج ریح المحبّة ، وإذا هاج ریح المحبّة استأنس ظلال المحبوب ، وآثر المحبوب علی ما سواه ، وباشر أوامره ] واجتنب نواهیه واختارهما علی کلّ شیء غیرهما ، وإذا استقام علی بساط الاُنس بالمحبوب مع أداء أوامره واجتناب نواهیه [ وصل إلی روح المناجاة والقرب ، ومثال هذه الاُصول الثلاثة کالحرم والمسجد والکعبة ، فمن دخل الحرم أمن من الخلق ، ومن دخل المسجد أمنت جوارحه أن یستعملها فی المعصیة ، ومن دخل الکعبة أمن قلبه من أن یشغله بغیر ذکر الله.
فانظر أ یّها المؤمن ، فإن کانت حالتک حالة ترضاها لحلول الموت ، فاشکر الله علی توفیقه وعصمته ، وإن تکن الاُخری فانتقل عنها بصحّة العزیمة ، واندم علی ما سلف من عمرک فی الغفلة ، واستعن بالله علی تطهیر الظاهر من الذنوب ، وتنظیف الباطن من العیوب ، واقطع زیادة الغفلة عن نفسک ، واطفِ نار الشهوة من نفسک.
وعنه (علیه السلام) : لا یمحض رجلٌ الإیمانَ بالله حتّی یکون الله أحبّ إلیه من نفسه وأبیه واُمّه وولده وأهله وماله ومن الناس کلّهم.
---
[1]النساء : 44.
[2]الفتح : 29.
[3]هود : 63.
[4]هود : 71.
[5]هود : 97.
[6]لقد ذکرت تفصیل الاُنس بالله فی رسالة ( مقام الاُنس بالله ) ، وهو مطبوع ، فراجع.
[7]خلاصة واقتباس من المحجّة البیضاء 8 : 68 ـ 79.
[8]بحار الأنوار 67 : 23.

‌‌‌ـ باب ( من شرائط الإیمان حبّ الله )

لقد جعل رسول الله (صلی الله علیه وآله) الحبّ لله من شروط الإیمان فی أخبار کثیرة ، إذ قال أبو رزین العقیلی : یا رسول الله ، ما الإیمان ؟ « قال : أن یکون الله ورسوله أحبّ إلیک ممّا سواهما » . وفی حدیث آخر : « لا یؤمن أحدکم حتّی یکون الله ورسوله أحبّ إلیه ممّا سواهما » . وفی حدیث آخر : « لا یؤمن العبد حتّی أکون أحبّ إلیه من ماله وأهله والناس أجمعین » . وفی روایة « ومن نفسه ».
کیف ، وقد قال الله تعالی :
( قُلْ إنْ کانَ آباؤُکُمْ وَأبْناؤُکُمْ وَإخْوانُکُمْ ) إلی قوله : ( أحَبُّ إلَیْکُمْ مِنَ اللهِ وَرَسولِهِ )[1] الآیة.
وإنّما جری ذلک فی معرض التهدید والإنکار ، وقد أمر (علیه السلام) بالمحبّة فقال : « أحبّوا الله لما یغدوکم به من نعمة ، وأحبّونی لحبّ الله إیّای ».
وقد یروی أنّ رجلا قال : یا رسول الله ، إنّی اُحبّک . فقال : استعدّ للفقر . فقال : إنّی اُحبّ الله ، فقال : استعدّ للبلاء.
وعن عمر ، قال : نظر النبیّ (علیه السلام) إلی مصعب بن عمیر مقبلا وعلیه إهاب کبش قد تنطّق به ، فقال النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « انظروا إلی هذا الرجل الذی قد نوّر الله قلبه ، لقد رأیته بین أبویه یغذوانه بأطیب الطعام والشراب ، فدعاه حبّ الله وحبّ رسوله إلی ما ترون ».
وفی الخبر المشهور : « إنّ إبراهیم (علیه السلام) قال لملک الموت إذ جاءه لقبض روحه : هل رأیت خلیلا یمیت خلیله ؟ فأوحی الله عزّ وجلّ إلیه : هل رأیت محبّاً یکره لقاء حبیبه ؟ فقال : یا ملک الموت ، الآن فاقبض » . وهذه لا یجدها إلاّ عبدٌ یحبّ الله عزّ وجلّ بکلّ قلبه ، فإذا علم أنّ الموت سبب اللقاء انزعج قلبه إلیه ، ولم یکن له محبوب غیره ، حتّی یلتفت إلیه ، وقد قال نبیّنا (صلی الله علیه وآله) فی دعائه : « اللهمّ ارزقنی حبّک وحبّ من یحبّک ، وحبّ ما یقرّبنی إلی حبّک ، واجعل حبّک أحبّ إلیّ من الماء البارد »[2].
---
[1]التوبة : 23.
[2]المحجّة البیضاء 8 : 5 ـ 6.

‌‌‌ـ باب ( حبّ الله وحبّ الدنیا لا یجتمعان )

یا تُری أو تدری أنّ حبّ الدنیا وحبّ الله لا یجتمعان فی قلب عبد ، فإنّ حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة ، وحبّ الله رأس کلّ طاعة ، ویستحیل اجتماعهما فی جوف واحد فی آن واحد ، فهما متضادّان ومتناقضان ، فالقلب إمّا أن یکون حرم الله وعرشه ، لا یدخل الحرم إلاّ من کان طاهراً متطهّراً تقیّاً نقیّاً کالملائکة ، وإمّا أن یکون عشّ الشیطان قد عشعش فیه وباض وفرّخ ـ کما ورد فی نهج البلاغة عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) ـ فیکون القلب دار سلطنة الشیطان ـ والعیاد بالله ـ وإذا کان الشیطان سلطان القلب فإنّه یأمر بالفحشاء والمنکر ، وبدایة دخوله القلب بالوسوسة ـ الذی یوسوس فی صدور الناس ـ ونهایته السلطنة والحکومة وحینئذ یأمر عبیده ـ جوارح الإنسان وجوانحه ـ بالفحشاء والمنکر والفساد فی الأرض ، وأمّا إذا کان الحاکم فی القلب هو الله سبحانه فإنّه یأمر بالعدل والإحسان والخیر ، وهذا یعنی أنّ الإنسان لا بدّ أن یکون علی حذر تامّ ، وإنّما یستجیب لدعوة ربّه الکریم الحکیم ، فإنّه بین دعوتین : دعوة ربّانیة إلهیة نورانیّة ، کالدعوة إلی الخیر والصلح والوحدة والإیمان والعمل الصالح ، ودعوة شیطانیّة رذیلة ناریّة ، کالدعوة إلی الشرّ والفسق والفجور والظلم والکفر والفرقة والتخاصم . والله سبحانه قد خلق الإنسان مختاراً لیکون مظهراً لاختیاره ، وهداه النجدین : نجد الخیر ونجد الشرّ ، وعلامة نجد وطریق الخیر حبّ الله ، وعلامة نجد وطریق الشرّ حبّ الدنیا ، فلا یجتمعان فی قلب أبداً.
قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) :
حبّ الدنیا وحبّ الله لا یجتمعان فی قلب أبداً.
وقال أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) :
کیف یدّعی حبّ الله من سکن قلبه حبّ الدنیا.
وقال :
کما إنّ الشمس واللیل لا یجتمعان ، کذلک حبّ الله وحبّ الدنیا لا یجتمعان.
وقال : إن کنتم تحبّون الله فأخرجوا من قلوبکم حبّ الدنیا ، من أحبّ لقاء الله سلا عن الدنیا.
وقال الإمام الصادق (علیه السلام) : والله ما أحبّ الله من أحبّ الدنیا ووالی غیرنا.

‌‌‌ـ باب ( محبّ الله یغفر له )

إنّ شواهد القرآن متظافرة علی أنّ الله عزّ وجلّ یحبّ عبده ، کقوله تعالی :
( یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ )[1].
وقال عزّ وجلّ :
( إنَّ اللهَ یُحِبُّ الَّذینَ یُقاتِلونَ فی سَبیلِهِ صَفَّاً )[2].
وقال سبحانه :
( إنَّ اللهَ یُحِبُّ التَّوَّابینَ وَیُحِبُّ المُتَطَهِّرینَ )[3].
وقد ردّ سبحانه علی من ادّعی أ نّه حبیب الله ، فقال :
( قُلْ فَلِمَ یُعِذِّبُکُمْ بِذُنوبِکُمْ )[4].
فحبّ الله عبده یستوجب غفران ذنبه ، وقد روی عن النبی (صلی الله علیه وآله) أ نّه قال : « إذا أحبّ الله عبداً لم یضرّه ذنب ، والتائب من الذنب کمن لا ذنب له » ، ثمّ تلا :
( إنَّ اللهَ یُحِبُّ التَّوَّابینَ ).
ومعناه أ نّه إذا أحبّه تاب علیه قبل الموت فلم تضرّه الذنوب الماضیة ، وإن کثرت وزادت ، کما لا یضرّ الکفر الماضی بعد الإسلام ، فإنّ الإسلام یجبّ عمّا قبل.
وقد اشترط الله للمحبّة غفران الذنوب ، فقال :
( قُلْ إنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعونی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنوبَکُمْ )[5].
وقال زید بن أسلم : إنّ الله لیحبّ العبد حتّی یبلغ من حبّه له أن یقول : إعمل ما شئت فقد غفرت لک.
ومعلوم أنّ العبد المحبّ لا یعمل إلاّ بطاعة الله وما یوجب رضوانه وقربه وجنانه ، فیتقرّب إلیه بالنوافل ، حتّی یصل إلی درجة الحبّ ، فیکون تقرّبه بالنوافل سبباً لصفاء باطنه وارتفاع الحجاب عن قلبه وحصوله فی درجة القرب من ربّه ، فینبسط فی حضرته القدسیّة ، ویرتع فی ریاض قدسه ، ویکون کالعبد والملک ، حینما یتقرّب إلیه حتّی یکون بین یدیه ، ولا یکون ذلک إلاّ بالبعد عن صفات البهائم والسباع والشیاطین ، والتخلّق بمکارم الأخلاق الإلهیّة ، فهو قریب بالصفة لا بالمکان ، فقرب کلّ واحد بقدر کماله ومعرفته وحبّه وطاعته وشوقه ، وعلامة حبّ الله للعبد أن یوحشه من غیره ، حتّی یأنس به ، فإنّ من استأنس بالله استوحش من الناس ، ویحول بینه وبین غیره ، وفی الخبر : « إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن رضی اصطفاه ».
وقال (علیه السلام) : « إذا أحبّ الله عبداً جعل له واعظاً من نفسه وزاجراً من قبله یأمره وینهاه » . « وإذا أراد الله بعبد خیراً بصّره بعیوب نفسه ».
ومن أخصّ علامات الحبّ أن یحبّ الإنسان ربّه ، ومن علامات حبّ الله لعبده بعد غفران ذنبه أن یتولّی أمره وصلاحه ، ویدبّر ظاهره وباطنه ، ویزیّن أخلاقه ویحییه حیاة طیّبة ، راضیة مرضیّة ، ویناجیه فی سرّه ، ویحبّب إلیه طاعته ومعرفته ، وغیر ذلک من عنایته وألطافه العامّة والخاصّة ، الظاهرة والباطنة ، فی السرّ والعلن ، ولمثل هذا فلیعمل العاملون ، ولیتنافس المتنافسون.
---
[1]المائدة : 59.
[2]الصفّ : 4.
[3]البقرة : 222.
[4]المائدة : 21.
[5]آل عمران : 29.

‌‌‌ـ باب ( کیف یعرف العبد أنّ الله یحبّه )

هذا من الاُمور المهمّة والصعبة ، فعندنا فی الروایات : إذا أردت أن تعرف من أخیک المؤمن أ نّه یحبّک ، فارجع إلی قلبک ، فإنّه یحکی عمّا فی قلب صاحبک ، فإذا کنت تحبّه فإنّه یحبّک أیضاً ، فإنّ القلب یهدی إلی القلب ، وأنّ القلوب سواقی ، وإذا شعرت النفرة فإنّ أحدکما أحدث ما لا یرضی الآخر ، وفی مثل هذا المورد علیک أن تسأله عن السبب ، حتّی لا یصل الأمر إلی سوء الظنّ وسوء التفاهم ، ومن ثمّ التفاقم والقطعیّة ، وغیر ذلک من السلبیات التی بنیت علی شیء لا أصل له ، هذا مع الناس.
یا تری هل هناک علامة یمکن للإنسان أن یعرف مقداره عند ربّه ، وأنّ الله سبحانه وتعالی یحبّه ، أو یبغضه ، فإنّه عزّ وجلّ مرید وکاره ، محبّ ومبغض ، وربما یحبّ ذات الشیء ، وربما یحبّ صفته ، کما ورد فی الخبر الشریف : « إنّ الله یحبّ الکافر السخیّ ، ویبغض المؤمن البخیل » ، ومعلوم إنّما یحبّ صفة السخاء لأ نّه هو السخیّ ، فیحبّ ذلک حتّی من الکافر ، کما إنّه یبغض صفة البخل حتّی من المؤمن الذی یحبّ إیمانه وذاته ، فیکون ولیّه لیخرجه من ظلمات الصفات الذمیمة إلی نور حسن الأخلاق والسجایا الحمیدة ، کما إنّ الطاغوت أولیاء الذین کفروا یخرجونهم من النور إلی الظلمات ، من نور السخاء مثلا علی أ نّه لا ینفع وأنّ الناس لا یستحقّون أن یسخی علیهم ، ولماذا هذا الکرم والجود فإنّه الإسراف والتبذیر وما شابه ، فیخرجونهم من نور السخاء إلی ظلمة البخل ، وهکذا باقی الصفات.
فیا تری هل العبد یمکنه أن یعرف مقامه عند ربّه.
عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی الأربعمائة ، قال لأمیر المؤمنین علی (علیه السلام) : « من أراد منکم أن یعلم کیف منزلته عند الله ، فلینظر کیف منزلة الله منه عند الذنوب ، کذلک منزلته عند الله تبارک وتعالی »[1].
فإنّ المحبّ لمن یحبّ مطیع ، فمن أطاع الله فإنّه یدلّ ذلک علی حبّه ومعرفته ، وإنّ الله یحبّه أیضاً ( یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ ) ، فیکون الحبّ بین العبد وربّه متبادلا ، وما أجمل مثل هذا الحبّ والعشق ؟ ! اللهمّ ارزقنا ذلک بحقّ محمّد وآله.
وعن الإمام الصادق (علیه السلام) : من أحبّ أن یعلم ما له عند الله ، فلیعلم ما لله عنده[2].
قال أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) : من أحبّ أن یعلم کیف مزلته عند الله ؟ فلینظر کیف منزلة الله عنده ، فإنّ کلّ من خیّر له أمران : أمر الدنیا وأمر الآخرة ، فاختار أمر الآخرة علی الدنیا ، فذلک الذی یحبّ الله ، ومن اختار أمر الدنیا ، فذلک الذی لا منزلة لله عنده.
روی أنّ موسی (علیه السلام) قال : یا ربّ ، أخبرنی عن آیة رضاک عن عبدک ، فأوحی الله تعالی إلیه : إذا رأیتنی اُهیّئ عبدی لطاعتی ، وأصرفه عن معصیتی ، فذلک آیة رضای.
وفی روایة اُخری : إذا رأیت نفسک تحبّ المساکین ، وتبغض الجبّارین ، فذلک آیة رضای[3].
---
[1]البحار 67 : 18 ، عن معانی الأخبار : 236 ، والخصال 2 : 159 ، والمحاسن 252.
[2]البحار 67 : 18 ، عن معانی الأخبار : 236 ، والخصال 2 : 159 ، والمحاسن 252.
[3]البحار ، عن أعلام الدین للدیلمی.

‌‌‌ـ باب ( الناس یحبّون حبیب الله )

لقد حدث فی حیاتک ولو لمرّة ، أ نّه تری شخصاً لم تره من قبل ، ولکن تشعر من قلبک أ نّک تحبّه ، حتّی تقول لآخر : لا أدری لماذا اُحبّ هذا الشخص مع أ نّی لم ألتقِ به من قبل ؟ !
هذا یرجع إلی أمر غیبی ، فإنّ من کان حبیب الله ، فإنّه سبحانه یلقی محبّته وودّه فی قلوب المؤمنین ( سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدَّاً )[1] ، وحتّی ورد فی الخبر الشریف : إنّ محبّة المؤمن تلقی فی الماء ، فمن شرب من ذلک الماء ، فإنّه یحبّ المؤمن . وکأ نّه هذا من الاُمور التکوینیّة ، وورد « أنّ الکاسب حبیب الله » و « أنّ المجاهد فی سبیل الله حبیب الله » ، فکلّ واحد منّا یحبّ الکاسب والکادّ لعیاله ، الذی یبذل ما فی وسعه ویتعب نفسه من أجل راحة وترفیه عائلته واُسرته ، کما إنّ کلّ واحد منّا یحبّ المجاهد ، حتّی ولو لم یعرفه ، وهذا من الأسرار الغیبیّة ، کما أ نّه یحبّ المحبوب عند الله عزّ وجلّ.
والعجیب أنّ محبّ الله یحبّه من فی السماوات والأرض من الطیبّین الأخیار.
قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : إذا أحبّ الله عبداً من اُمّتی قذف فی قلوب أصفیائه وأرواح ملائکته وسکّان عرشه محبّته ، لیحبّوه ، فذلک المحبّ حقّاً ، طوبی له ثمّ طوبی له ، وله عند الله شفاعة یوم القیامة[2].
---
[1]مریم : 96.
[2]البحار 67 : 24 ، عن مصباح الشریعة : 64.

‌‌‌ـ باب ( کیف ندعو الناس إلی حبّ الله )

فإنّ معرفة اُسلوب الدعوة إلی الله سبحانه وإلی حبّه ، لها تأثیر بالغ فی نجاح العمل وسلامته ودیمومیّته.
والله سبحانه هو المعلّم الأوّل یهدینا من خلال أنبیائه الکرام وأوصیائهم الأطهار والعلماء الأبرار.
فعن رسول الله (صلی الله علیه وآله) :
قال الله عزّ وجلّ لداود (علیه السلام) : أحبّنی وحبّبنی إلی خلقی.
قال : یا ربّ ، نعم أنا اُحبّک ، فکیف اُحبّبک إلی خلقک ؟
قال : اُذکر أیادیّ ـ أی نعمی وآلائی وفضلی ـ عندهم ، فإنّک إذا ذکرت ذلک لهم أحبّونی.
وعن الإمام الباقر (علیه السلام) :
أوحی الله تعالی إلی موسی (علیه السلام) : أحببنی وحبّبنی إلی خلقی . قال موسی : یا ربّ ، إنّک لتعلم أ نّه لیس أحد أحبّ إلیَّ منک ، فکیف لی بقلوب العباد ؟ فأوحی الله إلیه : فذکّرهم نعمتی وآلائی ، فإنّهم لا یذکرون منّی إلاّ خیراً.
ثمّ العلماء ورثة الأنبیاء ، فمن مسؤولیاتهم الخطیرة دعوة الناس إلی حبّ الله سبحانه وتعالی وطاعته وطاعة أنبیائه وأوصیائهم الأطهار (علیهم السلام).
وإلاّ فکما جاء فی دعاء عرفة عن الإمام الحسین (علیه السلام) :
عمیت عین لا تراک علیها رقیباً ، خسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّک نصیباً ...

‌‌‌ـ باب ( الحبّ فی الله )

‌‌‌حبّ الله له جلوات ومظاهر ، ومن أعظمها وأجلاها الحبّ فی الله سبحانه وتعالی ، وهو من روح الدین ومن أوثق عری الإسلام کما ورد فی الروایات الشریفة.
والمتحابّین فی الله فی ظلّ عرشه ، یغبطهم بمنزلتهم کلّ ملک مقرّب ، وکلّ نبیّ مرسل . وإنّهم یذهبون إلی الجنّة بغیر حساب ، وإنّهم یسمّون فی القیامة جیران الله ، ویدخلون الجنّة بغیر حساب[1].
عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) : أوثق عُری الإسلام أن تحبّ فی الله وتبغض فی الله.
عن أبی عبد الله (علیه السلام) :
إنّ من أوثق عری الإیمان أن تحبّ فی الله وتبغض فی الله وتعطی فی الله وتمنع فی الله[2].
عنه (علیه السلام) : من أحبّ کافراً فقد أبغض الله ، ومن أبغض کافراً فقد أحبّ الله ، ثمّ قال : صدیق عدوّ الله عدوّ الله.
عنه (علیه السلام) : من أحبّ لله وأبغض عدوّه ، لم یبغضه لوتر وتره فی الدنیا ، ثمّ جاء یوم القیامة بمثل زبد البحر ذنوباً ، کفّرها الله له.
عن الإمام الصادق (علیه السلام) : وهل الإیمان إلاّ الحبّ والبغض ، ثمّ تلا هذه الآیة : ( حَبَّبَ إلَیْکُمُ الإیْمانَ )[3].
وعنه (صلی الله علیه وآله) : أفضل الأعمال الحبّ فی الله والبغض فی الله تعالی.
الحبّ فی الله فریضة ، والبغض فی الله فریضة.
وبمثل هذه الروایات القدسیة الشریفة یکون التولّی والتبرّی من فروع الدین.
قال الإمام الباقر (علیه السلام) : إذا أردت أن تعلم أنّ فیک خیراً فانظر إلی قلبک ، فإن کان یحبّ أهل طاعة الله عزّ وجلّ ، ویبغض أهل معصیته ففیک خیر ، والله یحبّک ، وإذا کان یبغض أهل طاعة الله ویحبّ أهل معصیته فلیس فیک خیر ، والله یبغضک ، والمرء مع من أحبّ.
قال الإمام الصادق (علیه السلام) : إنّ المتحابّین فی الله یوم القیامة علی منابر من نور ، قد أضاء نور أجسادهم ونور منابرهم کلّ شیء ، حتّی یعرفوا به فیقال : هؤلاء المتحابّون فی الله.
عن الإمام الصادق (علیه السلام) : إنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان یقول : إنّ لله خلقاً عن یمین العرش بین یدی الله وعن یمین الله ، وجوههم أبیض من الثلج ، وأضوء من الشمس الضاحیة ، یسأل السائل : ما هؤلاء ؟ فیقال : هؤلاء الذین تحابّوا فی جلال الله.
عن الإمام الجواد (علیه السلام) : أوحی الله إلی بعض الأنبیاء : أمّا زهدک فی الدنیا فتعجلک الراحة ، وأمّا انقطاعک إلیَّ فیعزّزک بی ، ولکن هل عادیت لی عدوّاً أو والیت لی ولیّاً.
إنّ الله تعالی قال لموسی (علیه السلام) : هل عملت لی عملا ؟ قال : صلّیت لک وصمت وتصدّقت وذکرت لک ، قال الله تبارک وتعالی : أمّا الصلاة فلک برهان ، والصوم جُنّة ، والصدقة ظلّ ، والذکر نور ، فأیّ عمل عملت لی ؟ قال موسی (علیه السلام) : دُلّنی علی العمل الذی هو لک . قال : یا موسی ، هل والیت لی ولیّاً ، وهل عادیت لی عدوّاً قطّ ؟ فعلم موسی أنّ أفضل الأعمال الحبّ فی الله والبغض فی الله.
قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) :
ودّ المؤمن للمؤمن فی الله من أعظم شعب الإیمان ، ألا ومن أحبّ فی الله وأبغض فی الله وأعطی فی الله ومنع فی الله ، فهو من أصفیاء الله.
وقال لبعض أصحابه : یا عبد الله ، أحبّ فی الله وأبغض فی الله ، والِ فی الله ، فإنّه لا ینال ولایة الله إلاّ بذلک ، ولا یجد الرجل طعم الإیمان وإن کثرت صلاته وصیامه ، حتّی یکون کذلک ، وقد صارت مؤاخاة الناس یومکم هذا أکثرها فی الدنیا ، علیها یتوادّون وعلیها یتباغضون.
وقل الإمام الصادق (علیه السلام) : کلّ من لم یحبّ علی الدین ولم یبغض علی الدین ، فلا دین له.
وقال أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) : المحبّة لله أقرب نسب ، المحبّة فی الله آکد من وشیج الرحم.
قال رجلٌ لعلیّ بن الحسین (علیهما السلام) : إنّی لاُحبّک فی الله حبّاً شدیداً ، فنکس (علیه السلام) رأسه ، ثمّ قال : اللّهم إنّی أعوذ بک أن اُحبّ فیک وأنت لی مبغض ، ثمّ قال له : اُحبّک للذی تحبّنی فیه.
فی مکتوب للإمام الرضا (علیه السلام) : کن محبّاً لآل محمّد (علیهم السلام) وإن کنت فاسقاً ، ومحبّاً لمحبّیهم وإن کانوا فاسقین.
---
[1]سفینة البحار 2 : 11.
[2]سفینة البحار 2 : 12 ، عن البحار 69 : 243.
[3]الحجرات : 7.

‌‌‌ـ باب ( حبّ النبیّ المصطفی وأهل بیته الأطهار )[1]

ومن مظاهر حبّ الله حبّ حبیبه النبیّ الأعظم محمّد (صلی الله علیه وآله) وعترته الطاهرین وذرّیته الأبرار.
فعنه (صلی الله علیه وآله) : لا یؤمن أحدکم حتّی أکون أحبّ إلیه من ولده ووالده والناس أجمعین.
لا یؤمن أحدکم حتّی أکون أحبّ إلیه من نفسه وأهلی أحبّ إلیه من أهله ، وعترتی أحبّ إلیه من عترته ، وذرّیتی أحبّ إلیه من ذرّیته.
أحبّوا الله لما یغدوکم به من نعمة ، وأحبّونی لحبّ الله عزّ وجلّ ، وأحبّوا أهل بیتی لحبیّ.
قال الإمام الباقر (علیه السلام) : من أحبّنا أهل البیت فلیحمد الله علی أوّل النِّعَم . قیل : وما أوّل النعم ؟ قال : طیب الولادة ، ولا یحبّنا إلاّ من طابت ولادته.
قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : حبیّ وحبّ أهل بیتی نافع فی سبعة مواطن أهوالهنّ عظیمة : عند الوفاة ، وفی القبر ، وعند النشور ، وعند الکتاب ، وعند الحساب ، وعند المیزان ، وعند الصراط.
وقال : من لم یحبّ عترتی فهو لإحدی ثلاث : إمّا منافق ، وإمّا لزنیة ، وإمّا امرئ حملت به اُمّه فی غیر طهر.
وقال : الأئمة من ولد الحسین هم العروة الوثقی ، وهم الوسیلة إلی الله تعالی.
وقال : من أحبّ أن یرکب سفینة النجاة ویستمسک بالعروة الوثقی ویعتصم بحبل الله المتین ، فلیوالِ علیّاً بعدی ولیعادِ عدوّه ولیأتمّ بالأئمة الهداة من ولده.
عن حارث الأعور قال : أتیت أمیر المؤمنین (علیه السلام) ذات یوم نصف النهار ، فقال : ما جاء بک ؟ قلت : حبّک والله . قال (علیه السلام) : إن کنت صادقاً لترانی فی ثلاث مواطن : حیث تبلغ نفسک هذه ـ وأومأ بیده إلی حنجرته ـ وعند الصراط ، وعند الحوض.
عن اُصبغ بن نباتة ، قال : کنت مع أمیر المؤمنین (علیه السلام) فأتاه رجلٌ فسلّم علیه ثمّ قال : یا أمیر المؤمنین ، إنّی والله لاُحبّک فی الله واُحبّک فی السرّ کما اُحبّک فی العلانیة واُدین بولایتک فی السرّ کما اُدین بها فی العلانیة ـ وبید أمیر المؤمنین عود ـ فطأطأ رأسه ثمّ نکث بالعود ساعة فی الأرض ثمّ رفع رأسه إلیه فقال : إنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله) حدّثنی بألف حدیث ، لکلّ حدیث ألف باب ، وإنّ أرواح المؤمنین تلتقی فتشمّ وتتعارف ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناکر منها اختلف ، وبحقّ الله لقد کذبت ، فما أعرف فی الوجوه وجهک ، ولا اسمک فی الأسماء.
ثمّ دخل علیه رجل آخر فقال : یا أمیر المؤمنین ، إنّی لاُحبّک فی الله واُحبّک فی السرّ کما اُحبّک فی العلانیة . فقال : فنکت الثانیة بعوده فی الأرض ، ثمّ رفع رأسه إلیه فقال له : صدقت ، إذهب فاتّخذ للفقر جلباباً ، فإنّی سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله)یقول : یا علیّ بن أبی طالب ، الفقر أسرع إلی محبّینا من السیل إلی بطن الوادی.
قال الإمام الصادق (علیه السلام) فی صفة محبّیهم : ... وطبقة یحبّونا فی السرّ والعلانیة ، هم النمط الأعلی ، شربوا من العذب الفرات ، وعلموا بأوائل الکتاب وفصل الخطاب وسبب الأسباب ، فهم النمط الأعلی ، الفقر وأنواع البلاء أسرع إلیهم من رکض الخیل ، مسّتهم البأساء والضرّاء وزلزلوا وفتنوا ، فمن بین مجروح ومذبوح متفرّقین فی کلّ بلاد قاصیة.
قال الإمام الباقر (علیه السلام) لجابر الجعفی الصحابی الجلیل : یا جابر ، بلّغ شیعتی عنّی السلام وأعلمهم أ نّه لا قرابة بیننا وبین الله عزّ وجلّ ، ولا یتقرّب إلیه إلاّ بالطاعة.
یا جابر ، من أطاع الله وأحبّنا فهو ولیّنا ، ومن عصی الله لم ینفعه حبّنا.
وقال أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) : أنا مع رسول الله (صلی الله علیه وآله) ومعی عترتی علی الحوض ، فمن أرادنا فلیأخذ بقولنا ولیعمل بعملنا.
قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : من رزقه الله حبّ الأئمة من أهل بیتی فقد أصاب خیر الدنیا والآخرة فلا یشکّن أ نّه فی الجنّة ، وإنّ فی حبّ أهل بیتی عشرین خصلة ، عشرٌ منها فی الدنیا ، وعشرٌ فی الإخرة ، أمّا فی الدنیا فالزهد والحرص علی العلم والعمل ، والورع فی الدین ، والرغبة فی العبادة ، والتوبة قبل الموت ، والنشأة فی قیام اللیل ، والیأس ممّا فی أیدی الناس ، والحفظ لأمر الله ونهیه عزّ وجلّ ، والتاسعة بغض الدنیا ، والعاشرة السخاء . وأمّا فی الآخرة : فلا ینشر له دیوان ، ولا ینصب له میزان ، ویعطی کتابه بیمینه ، ویکتب له برائة من النار ، ویبیّض وجهه ، ویکسی من حلل الجنّة ، ویشفع فی مئة من أهل بیته ، وینظر الله عزّ وجلّ إلیه بالرحمة ، ویتوّج من تیجان الجنّة ، والعاشرة یدخل الجنّة بغیر حساب ، فطوبی لمحبّی أهل بیته[2].
الکافی : عن الحکم بن عتیبة ، قال : بینا أنا مع أبی جعفر (علیه السلام) والبیت غاصّ بأهله ، إذ أقبل شیخ یتوکّأ علی عنزة له ، حتّی وقف علی باب البیت فقال : السلام علیک یا بن رسول الله ورحمة الله وبرکاته ، ثمّ سکت . فقال أبو جعفر (علیه السلام) : وعلیک السلام ورحمة الله وبرکاته ، ثمّ أقبل الشیخ بوجهه علی أهل البیت وقال : السلام علیکم ، ثمّ سکت ، حتّی أجابه القوم جمیعاً ، وردّوا علیه السلام ، ثمّ أقبل بوجهه علی أبی جعفر (علیه السلام) ثمّ قال : یا بن رسول الله ، ادننی منک جعلنی الله فداک ، فوالله إنّی لاُحبّکم ، واُحبّ من یحبّکم ، ووالله ما اُحبّکم واُحّب من یحبّکم لطمع فی دنیا ، وإنّی لاُبغض عدوّکم وأبرأ منه ، ووالله ما اُبغضه وأبرأ منه لوتر کان بینی وبینه ، والله إنّی لاُحلّ حلالکم واُحرّم حرامکم وأنتظر أمرکم ، فهل ترجو لی جعلنی الله فداک ؟ فقال أبو جعفر (علیه السلام) : إلیَّ إلیَّ ، حتّی أقعده إلی جنبه ، ثمّ قال : أ یّها الشیخ ، إنّ أبی علیّ بن الحسین (علیه السلام) أتاه رجلٌ فسأله عن مثل الذی سألتنی عنه ، فقال له أبی : إن تمت ترد علی رسول الله (صلی الله علیه وآله) وعلی علیّ والحسن والحسین (علیهم السلام) وعلی علیّ بن الحسین (علیهما السلام) ویثلج قلبک ، ویبرد فؤادک وتقرّ عینک ، وتستقبل الروح والریحان مع الکرام الکاتبین ، لو قد بلغت نفسک ها هنا ، وأشار بیده إلی حلقه ، وإن تعش ، تری ما یقرّ الله به عینک ، وتکون معنا فی السنام الأعلی ...[3].
قال أبو جعفر (علیه السلام) : إنّما یحبّنا من العرب والعجم أهل البیوتات وذو الشرف ، وکلّ مولود صحیح ، وإنّما یبغضنا من هؤلاء کلّ مدنّس مطرد[4].
العلوی (علیه السلام) : لا یحبّنا مخنّث ولا دیّوث ولا ولد زنا ولا من حملته اُمّه فی حیضها.
وقد وردت روایات کثیرة فی أنّ حبّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) علامة الإیمان ، وبغضه علامة النفاق[5].
المناقب : معاویة بن عمّار عن الصادق (علیه السلام) : قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : إنّ حبّ علیّ (علیه السلام) قذف فی قلوب المؤمنین ، فلا یحبّه إلاّ مؤمن ، ولا یبغضه إلاّ منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسین (علیهما السلام) قذف فی قلوب المؤمنین والمنافقین والکافرین ، فلا تری لهم ذامّاً.
تفسیر الفرات : النبویّ (صلی الله علیه وآله) : والذی بعثنی بالحقّ ، لحبّنا أهل البیت أعزّ من الجوهر ومن الیاقوت الأحمر ومن الزمرّد.
مجالس المفید : بإسناده عن ابن فضّال ، عن عاصم بن حمید ، عن الثمالی ، عن جیش بن المعتمر ، قال : دخلت علی أمیر المؤمنین (علیه السلام) وهو فی الرحبة متّکئاً ، فقلت : السلام علیک یا أمیر المؤمنین ورحمة الله وبرکاته ، کیف أصبحت ؟ قال : فرفع رأسه وردّ علیّ وقال (علیه السلام) : أصبحت محبّاً لمحبّینا ، ومبغضاً لمن یبغضنا ، إنّ محبّنا ینتظر الروح والفرج فی کلّ یوم ولیلة ، فإنّ مبغضنا بنی بناءً فأسّس بنیانه علی شفا جرف هار فکان بنیانه هار ، فانهار به فی نار جهنّم ، یا أبا المعتمر : إنّ محبّنا لا یستطیع أن یبغضنا ، قال : فمبغضنا لا یستطیع أن یحبّنا ، إنّ الله تبارک وتعالی جبل قلوب العباد علی حبّنا ، وخذل من یبغضنا ، فلن یستطیع محبّنا بغضنا ، ولن یستطیع مبغضنا یحبّنا ، ولن یجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا فی قلب أحد ، ما جعل الله لرجل من قلبین فی جوفه ، یحبّ بهذا قوماً ویحبّ بالآخر أعدائهم[6].
قال النبیّ الأکرم (صلی الله علیه وآله) : ألا ومن أحبّ علیاً فقد أحبّنی ، ومن أحبّنی فقد رضی الله عنه ، ومن رضی عنه کافأه الجنّة ، ألا ومن أحبّ علیاً لا یخرج من الدنیا
حتّی یشرب من الکوثر ، ویأکل من طوبی ، ویری مکانه فی الجنّة ، ألا ومن أحبّ علیّاً فتحت له أبواب الجنّة الثمانیة ، یدخلها من أیّ باب شاء بغیر حساب[7].
قال العلاّمة الحلیّ فی کتاب کشف الحقّ : وقال الرازی فی تفسیره الکبیر : روی الکلبی عن ابن عباس : قال : إنّ النبی (صلی الله علیه وآله) لمّا قدم المدینة ، کانت تنوبه نوائب وحقوق ولیس فی یده سعة ، فقال الأنصار : إنّ هذا الرجل قد هداکم الله تعالی علی یده ، وهو ابن اُختکم وجارکم فی بلدکم ، فاجمعوا له طائفة من أموالکم ، ففعلوا ، ثمّ أتوه به فردّه علیهم ونزل قوله تعالی : ( قُلْ لا أسْألُکُمْ عَلَیْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فی القُرْبی ) ، أی علی الإیمان إلاّ أن تودّوا أقاربی ، فحثّهم علی مودّة أقاربه ، ثمّ قال : نقل صاحب الکشّاف عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) أ نّه قال : من مات علی حبّ آل محمّد (صلی الله علیه وآله)مات شهیداً ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستکمل الإیمان ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد بشّره ملک الموت بالجنّة ، ثمّ منکر ونکیر ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد یُزفّ إلی الجنّة کما تزفّ العروس إلی بیت زوجها ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد فتح له فی قبره بابان إلی الجنّة ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائکة الرحمة ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات علی السنّة والجماعة ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد جاء یوم القیامة مکتوب بین عینیه آیس من رحمة الله ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد لم یشمّ رائحة الجنّة[8].
تفسیر العیاشی : عن برید بن معاویة العجلی ، قال : کنت عند أبی جعفر (علیه السلام)
إذ دخل علیه قادم من خراسان ماشیاً ، فأخرج رجلیه وقد تفلّقتا ، قال : أما والله ما جاء بی من حیث جئت إلاّ حبّکم أهل البیت ، فقال أبو جعفر (علیه السلام) : والله لو أحبّنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدین إلاّ الحبّ[9].
عن الإمام الرضا (علیه السلام) : لا تدعوا العمل الصالح والاجتهاد فی العبادة اتّکالا علی حبّ آل محمّد (علیهم السلام) ، لا تدعوا حبّ آل محمّد (صلی الله علیه وآله) والتسلیم لأمرهم اتّکالا علی العبادة ، فإنّه لا یقبل أحدهما دون الآخر[10].

و فی محبّة أهل البیت وأمیر المؤمنین (علیهم السلام)

[توضیح]

أبواب کثیرة یذکرها العلاّمة المجلسی فی موسوعته القیّمة بحار الأنوار ، کالأبواب التالیة :

‌‌‌ـ باب وجوب طاعة النبیّ (صلی الله علیه وآله) وحبّه والتفویض إلیه ( البحار 17 / 1 )

2 ـ فضل حبّ آل محمّد ( 46 / 363 ) ( 22 / 143 ) ( 21 / 154 )
( 32 / 108 )

‌‌‌ـ باب أنّ حبّهم علامة طیب الولادة وبغضهم علامة خبث الولادة

( 27 / 145 ) ( 42 / 17 )

‌‌‌ـ باب حبّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) علامة الإیمان ، وبغضه علامة النفاق

( طبعة قدیمة 8 / 15 / 182 )

‌‌‌ـ باب ما ینفع حبّهم فیه من المواطن ( 27 / 157 ) ( 38 / 68 )

( 46 / 362 )

‌‌‌ـ باب فیه أ نّه یسئل عن حبّهم وولایتهم فی یوم القیامة ( 27 / 311 )

‌‌‌ـ باب ما یحبّهم من الدوابّ والطیور ( 27 / 261 )

‌‌‌ـ باب فی أ نّه لا ینفع مع عداؤهم عمل صالح ، ولا یضرّ مع محبّتهم وولایتهم ذنب غیر الکبائر ( 28 / 61 )

‌‌‌ـ باب فی أنّ محبّیهم ثلاث طبقات : من أحبّهم فی العلانیة ، ومن أحبّهم فی السرّ ، ومن أحبّهم فی السرّ والعلانیة ( 68 / 131 )

‌‌‌ـ باب فضل حبّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) ( 7 / 221 ) ( 39 / 277 )

( 68 / 124 ) ( 27 / 114 ) ( 23 / 232 )

‌‌‌ـ باب ثواب حبّهم ونصرهم وولایتهم وأ نّها أمان من النار ( 27 / 73 )

( 27 / 111 ) ( 68 / 132 )

‌‌‌ـ باب أنّ علیّاً (علیه السلام) کان أخصّ الناس برسول الله وأحبّهم إلیه

( 38 / 294 )

‌‌‌ـ باب خبر الطیر وأنّ علیّاً أحبّ الخلق إلی الله ( 38 / 348 )

‌‌‌14 ـ باب قوله تعالی : ( فَسَوْفَ یَأتی اللهُ بِقَوْم یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ ) فی علیّ (علیه السلام)

( 36 / 32 )

‌‌‌ـ باب فی بیان أنّ جمیع أنبیاء الله ورسله وجمیع الملائکة وجمیع المؤمنین کانوا لعلیّ بن أبی طالب (علیه السلام) محبّین ( 39 / 194 )

‌‌‌16 ـ باب أ نّه لو اجتمع الناس علی حبّ أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) ما خلق الله النار ( 39 / 246 ) ( 42 / 44 )

وهناک أبواب کثیرة یقف علیها الباحث المحقّق ، وقد ذکرت ما یقرب من مئة باب ونیّف فی کتاب ( الأصل حبّنا أهل البیت (علیهم السلام) ) ، فراجع.
---
[1]لقد کتبت الشیء الکثیر عن حبّ الرسول (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته الأطهار (علیهم السلام) فی ( الأصل حبّنا أهل البیت (علیهم السلام) ) ، و ( هذه هی الولایة ) ، فراجع.
[2]المواعظ العددیة : 269.
[3]سفینة البحار 2 : 14.
[4]بحار الأنوار 27 : 149 ، باب أنّ حبّهم علامة طیب الولادة.
[5]سفینة البحار 2 : 16 ، عن البحار.
[6]السفینة 2 : 18 ، عن البحار 68 : 38.
[7]المصدر ، عن البحار 7 : 221.
[8]السفینة 2 : 20 ، عن البحار 23 : 332.
[9]المصدر ، عن البحار 27 : 95.
[10]المصدر ، عن البحار 78 : 347.

‌‌‌ـ باب ( المرء مع من أحبّ )

وأخیراً یحشر الإنسان مع من أحبّ ، وهذه بشری عظیمة للمتحابّین فی الله ولله.
قال الله سبحانه وتعالی فی محکم کتابه الکریم :
( وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَالرَّسولَ فَاُولئِکَ مَعَ الَّذینَ أنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَالصِّدِّیقینَ وَالشُّهَداءُ وَالصَّالِحینَ وَحَسُنَ اُولئِکَ رَفیقاً )[1].
جاء رجل إلی النبیّ (صلی الله علیه وآله) فقال : یا رسول الله ، إنّک لأحبّ من نفسی وإنّک لأحبّ من ولدی ، وإنّی لأکون فی البیت فأذکرک فما أصبر حتّی آتی فأنظر إلیک ، وإذا ذکرت موتی وموتک عرفت أ نّک إذا دخلت الجنّة رفعت مع النبیّین ، وإنّی إذا دخلت الجنّة خشیت أن لا أراک . فلم یزد علیه النبی (صلی الله علیه وآله) شیئاً حتّی نزل جبرئیل بهذه الآیة :
( وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَالرَّسولَ ... ).
أتی رجلٌ النبیّ (صلی الله علیه وآله) فقال : یا رسول الله ، رجلٌ یحبّ من یصلّی ولا یصلّی إلاّ الفریضة ، ویحبّ من یتصدّق ولا یتصدّق إلاّ بالواجب ، ویحبّ من یصوم ولا یصوم إلاّ شهر رمضان ؟ فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : المرء مع من أحبّ.
عن أنس قال : جاء رجل من أهل البادیة ـ وکان یعجبنا أن یأتی الرجل من أهل البادیة یسأل النبیّ (صلی الله علیه وآله) ـ فقال : یا رسول الله ، متی قیام الساعة ؟ فحضرت الصلاة ، فلمّا قضی صلاته قال : أین السائل عن الساعة ؟ قال : أنا یا رسول الله ؟ قال : فما أعددت لها ؟ قال : والله ما أعددت لها من کثیر عمل صلاة ولا صوم ، إلاّ أ نّی اُحبّ الله ورسوله . فقال له النبیّ (صلی الله علیه وآله) : المرء مع من أحبّ . قال أنس : فما رأیت المسلمین فرحوا بعد الإسلام بشیء أشدّ من فرحهم بهذا[2].
زبدة المخاض :
المقصود من خلق السماوات والأرض والکون الرحب هو الإنسان ، والمقصود من الإنسان أن یکون خلیفة الله فی أرضه ، والخلافة بالمعرفة ، ویتولّد من المعرفة الحبّ والشوق والطاعة والقرب ، فالمقصود هو القرب إلی الله بالمعرفة والحبّ والطاعة.
یروی أنّ عیسی (علیه السلام) مرّ بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم وتغیّرت ألوانهم ، فقال لهم : ما الذی بلغ بکم ما أری ؟ فقالوا : الخوف من النار . فقال : حقّ علی الله أن یؤمن الخائف . ثمّ جاوزهم إلی ثلاثة اُخری ، فإذا هم أشدّ نحولا وتغیّراً ، فقال : ما الذی بلغ بکم ما أری ؟ قالوا : الشوق إلی الجنّة . قال : حقّ علی الله أن یعطیکم ما ترجون . ثمّ جاوزهم إلی ثلاثة اُخری ، فإذا هم أشدّ نحولا وتغیّراً کأنّ علی وجوههم المرایا من النور ، فقال : ما الذی بلغ بکم ما أری ؟ قالوا : حبّ الله عزّ وجلّ . فقال : أنتم المقرّبون ، أنتم المقرّبون.
وقال عبد الواحد بن زید : مررت برجل قائم فی الثلج ، فقلت له : أما تجد البرد ؟ فقال : من شغله حبّ الله لم یجد البرد.
عن سری المسقطی أ نّه قال : تُدعی الاُمم یوم القیامة بأنبیائها ، فیقال : یا اُمّة موسی ، ویا اُمّة عیسی ، ویا اُمّة محمّد ، غیر المحبّین لله تعالی فإنّهم ینادون : یا أولیاء الله ، هلمّوا إلی الله سبحانه وتعالی ، فتکاد قلوبهم تنخلع فرحاً.
وقال هرم بن حیّان : المؤمن إذا عرف ربّه عزّ وجلّ أحبّه ، وإذا أحبّه أقبل إلیه ، وإذا وجد حلاوة الإقبال إلیه ، لم ینظر إلی الدنیا بعین الشهوة ، ولم ینظر إلی الآخرة بعین الرغبة ، وهو بجسده فی الدنیا وروحه فی الآخرة.
وقال یحیی بن معاذ : عفوه یستغرق الذنوب ، فکیف رضوانه ، ورضوانه یستغرق الآمال فکیف حبّه ؟ وحبّه یدهش العقول فکیف ودّه ؟ وودّه ینسی ما دونه فکیف لطفه.
وفی بعض الکتب : عبدی أنا وحقّک لک محبّ ، فبحقّی علیک کن لی محبّاً.
وقال یحیی بن معاذ : مثقال خردلة من الحبّ أحبّ لله من عبادة سبعین سنة بلا حبّ.
عن الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام) : « حبّ الله نار لا تمرّ علی شیء إلاّ احترق ، ونور الله لا یطّلع علی شیء إلاّ أضاء ، وسماء الله ما ظهر من تحته من شیء إلاّ غطّاه ، وریح الله ما تهبّ فی شیء إلاّ حرّکته ، وماء الله یحیی به کلّ شیء ، وأرض الله ینبت منها کلّ شیء ، فمن أحبّ الله أعطاه کلّ شیء من الملک والملک ».
قال النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « إذا أحبّ الله عبداً من اُمّتی قذف فی قلوب أصفیائه وأرواح ملائکته وسکّان عرشه محبّته لیحبّوه ، فذلک المحبّ حقّاً ، طوبی له ثمّ طوبی له ، وله عند الله شفاعة یوم القیامة ».
قیل : وقد ورد فی حبّ الله من الأخبار والآثار ما لا یدخل حصر حاصر ، وذلک أمر ظاهر[3].
فالمستحقّ للمحبّة الخالصة والتامّة هو الله سبحانه وحده ، وأمّا محبوب الله کالأنبیاء والأولیاء وما هو محبوب لله ، فهو عین حبّ الله ، فإنّ محبوب المحبوب محبوب ، فلا محبوب بالحقیقة عند ذوی البصائر إلاّ الله سبحانه ، ولا مستحقّ للمودّة والشوق سواه ، بأیّ سبب من الأسباب التی ذکرناها.
فکلّ ما سوی الله قائم به ، ومن عرف نفسه عرف ربّه ، ومن أحبّ نفسه أحبّ ربّه ، فهو منبع الإحسان والخیر ، وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ، فهو المحسن حقیقة ، وما سواه فهو بالمجاز ، وهو الجمیل والجمال المطلق ومطلق الجمال والجمیل ، وإنّ العبد یتخلّق بأخلاق الله عزّ وجلّ باکتساب محامد الصفات التی هی من صفات الله سبحانه من العلم والبرّ والإحسان والرحمة وغیر ذلک من مکارم الشریعة ، فصار خلیفة الله فی الأرض ، ولا یزال یتقرّب العبد بالنوافل حتّی یحبّه الله فیکون سمعه وبصره ویده ولسانه ، فالمعقول المقبول هو حبّ الله تعالی فقط ، وما کان فی خطّ الله فهو منه.
فعلی العبد المحبّ أن یشتغل بربّه ، ومن کان مشغولا الیوم بربّه ، فهو غداً مشغولا به.
قیل لرابعة : ما حقیقة إیمانکِ ؟ قالت : ما عبدته خوفاً من ناره ، ولا رجاءً لجنّته ، فأکون کالأجیر السوء ، بل عبدته حبّاً له وشوقاً إلیه ، وقالت فی معنی المحبّة نظماً :
اُحبّک حبّین : حبّ الهوی *** وحبّاً لأ نّک أهل لذاکا
فأمّا الذی هو حبّ الهوی *** فشغلی بذکرک عمّن سواکا
وأمّا الذی أنت أهلٌ له *** فکشفک لی الحجب حتّی أراکا
فلا الحمد فی ذا ولا ذاک لی *** ولکن لک الحمد فی ذا وذاکا
ولعلّها أرادت بحبّ الهوی حبّ الله تعالی لإحسانه إلیها وإنعامه علیها بحظوظ العاجلة ، وبحبّها لما هو أهل له الحبّ لجماله وجلاله الذی انکشف لها وهو أعلی الحبّین ، وأقواهما ، ولذّة مطالعة جمال الربوبیّة هی التی عبّر عنها (صلی الله علیه وآله) : حیث قال ـ حاکیاً عن الله تعالی ـ : « أعددت لعبادی الصالحین ما لا عینٌ رأت ولا اُذنٌ سمعت ، ولا خطر علی قلب بشر » ، وقد یتعجّل بعض هذه اللذات لمن انتهی صفاء قلبه إلی الغایة ... فمقصد العارفین کلّهم وصله ولقاؤه ، فهی قرّة العین التی لا تعلم نفس ما اُخفی لها منها ، وإذا حصلت انمحقت الهموم والشهوات کلّها ، فصار القلب مستغرقاً بنعیمها ، فلو اُلقی فی النار لم یحسّ بها لاستغراقه ، ولو عرض علیه نعیم الجنّة لم یلتفت إلیه ، لکمال نعیمه ، وبلوغه الغایة التی لیس فوقها غایة.
ولیت شعری من لا یفهم إلاّ حبّ المحسوسات کیف یؤمن بلذّة النظر إلی وجه الله تعالی ، وما له شبه وصورة وشکل ، وأیّ معنی لوعد الله تعالی به عباده وذکره أ نّه أعظم النعم ، بل من عرف الله عرف أنّ اللذّات المقرونة بالشهوات المختلفة کلّها تنطوی تحت هذه اللذّة ، کما قال بعضهم :
کانت لقلبی أهواءٌ مفرّقةٌ *** فاستجمعت مذ رأتک العین أهوائی
فصار یحسدنی من کنت أحسده *** فصرت مولی الوری مذ صرت مولائی
ترکت للناس دنیاهم ودینهم *** شغلا بذکرک یا دینی ودنیائی
ولذلک قال بعضهم : وهجره أعظم من ناره ، ووصله أطیب من جنّته . وما أرادوا بهذا إلاّ إیثار لذّة القلب فی معرفة الله تعالی علی لذّة الأکل والشرب والنکاح ، فإنّ الجنّة معدن تمتّع الحواسّ ، فأمّا القلب فلذّته فی لقاء الله عزّ وجلّ فقط ، ومثال أطوار الخلق فی لذّاتهم ، ما نذکره وهو أنّ الصبیّ فی أوّل حرکته وتمییزه تظهر فیه غریزة بها یستلذّ اللعب واللهو حتّی یکون ذلک عنده ألذّ من سائر الأشیاء ، ثمّ تظهر بعده لذّة الزینة ولبس الثیاب ورکوب الدوابّ ، فیستحقر معها لذّة اللعب ، ثمّ تظهر بعده لذّة الوقاع وشهوة النساء ، فیترک بها جمیع ما قبلها فی الوصول إلیها ، ثمّ تظهر بعده لذّة الرئاسة والعلوّ والتکاثر وهی أحبّ لذّات الدنیا وأغلبها وأقواها ، کما قال سبحانه :
( اعْلَموا أ نَّما الحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزینَةٌ وَتَفاخُرٌ )[4].
ثمّ بعد هذا تظهر غریزة اُخری یدرک بها لذّة معرفة الله تعالی ، ومعرفة أفعاله ، فیستحقر معها جمیع ما قبلها ، وکلّ متأخّر فهو أقوی ، وهذا هو الأخیر ، إذ یظهر حبّ اللعب فی سنّ الصبیّ ، وحبّ الزینة فی سنّ التمییز ، وحبّ النساء فی سنّ البلوغ ، وحبّ الرئاسة بعد العشرین ، وحبّ العلوم بقرب الأربعین ، وهی الغایة العلیا ، وکما أنّ الصبیّ یضحک علی من یترک اللعب ویشتغل بملاعبة النساء وطلب الرئاسة ، فکذلک الرؤساء یضحکون علی من یترک الرئاسة ویشتغل بمعرفة الله تعالی ، والعارفون یقولون :
( إنْ تَسْخَروامِنَّا فَإنَّا نَسْخَرُ مِنْکُمْ کَما تَسْخَرونَ فَسَوْفَ تَعْلَمونَ )[5].
فأسعد الناس فی الدنیا والآخرة أشدّهم حبّاً لله سبحانه ، وکلّما ازداد الحبّ ازدادت اللذّة ، وإنّما یکتسب العبد أصل الحبّ من الدنیا فهی مزرعة الآخرة ومتجر أولیاء الله ، وإنّما یحصل بالمعرفة ، وهی بقطع العلائق الدنیویة وإخراج حبّ غیر الله من القلب ، فإنّ القلب کالإناء لا یتّسع للماء ما دام الهواء :
( وَما جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَیْنِ فی جَوْفِهِ ).
وکمال الحبّ أن یحبّ الله جلّ جلاله بکلّ قلبه ، وما دام یلتفت إلی غیره فزاویته من قلبه مشغولة بغیره ، وبقدر ما یشتغل بغیر الله ینقض منه حبّ الله . وإلی هذا التجرید والتوحید الإشارة بقوله تعالی :
( قُلْ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ )[6].
وبقوله :
( إنَّ الَّذینَ قالوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اسْتَقاموا )[7].
بل هو معنی وروح قولک کلمة التوحید التی توجب الفلاح ( لا إله إلاّ الله ) أی لا معبود ولا محبوب سواه.
وکلّ محبوب فإنّه معبود ، فإنّ العبد هو المتعبّد ، والمعبود هو المتعبّد له ، وکلّ محبّ فهو یعبد لما یحبّه ، ولذلک قال تعالی :
( أفَرَأیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهَهُ هَواهُ )[8].
وقال (علیه السلام) : أبغض إله عُبد فی الأرض الهوی . ولذلک قال (علیه السلام) : « من قال لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنّة » ، ومعنی الإخلاص أن یخلّص قلبه لله عزّ وجلّ فلا یبقی فیه شرکة لغیر الله ، فیکون الله محبوب قلبه ومعبود قلبه ومقصود قلبه فقط ، ومن هذا حاله فالدنیا سجنه ، فإنّها تمنعه عن مشاهدة محبوبه ، وموته خلاصه من السجن وقدومه علی المحبوب ، فمن أسباب ضعف حبّ الله فی القلوب حبّ الدنیا ، ومنه حبّ الأهل والمال والولد والأقارب والعقارات والبساتین والسیارات والمتنزّهات ، وحتّی الالتذاذ بروح نسیم الأسحار ، فبمقدار ما یأنس بالدنیا یحرم من اُنسه بالله سبحانه ، والدنیا والآخرة ضرّتان ، کالمشرق والمغرب ، فمن قرب من أحدهما ابتعد عن الآخر.
وفی أخبار داود النبیّ أنّ الله تعالی أوحی إلیه : یا داود ، إنّک تزعم أ نّک تحبّنی ، فإن کنت تحبّنی فأخرج حبّ الدنیا عن قلبک ، فإنّ حبّی وحبّها لا یجتمعان فی قلب ،... ضعنی بین عینیک وانظر إلیّ ببصر قلبک ، ولا تنظر بعینک التی فی رأسک إلی الذین حجبت عقولهم عنّی فامزجوها وسمحت بانقطاع ثوابی عنها[9].
فلا بدّ من تطهیر القلب من جمیع شواغل الدنیا وعلائقها ، حتّی تستولی محبّة الله علی القلب ، ولا یکون ذلک إلاّ بالمعرفة والعلم فهو الأوّل وهو الآخر ، ولا یکون ذلک إلاّ بالفکر الصافی والتفکّر الدائم فی آیات الآفاق والأنفس حتّی یتبیّن لهم الحقّ :
( أوَ لَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أ نَّهُ عَلی کُلِّ شَیْء شَهید )[10].
( سَنُرِیَهُمْ آیاتِنا فی الآفاقِ وَفی أنْفُسِهِمْ )[11].
( أوَ لَمْ یَنْظُروا فی مَلَکوتِ السَّماواتِ وَالأرْضِ )[12].
( قُلْ انْظُروا ماذا فی السَّماواتِ وَالأرْضِ )[13].
فمن الناس الأوحد یعرف الحقّ بالحقّ ، کما یعرف الخلق بالحقّ ، ومنهم من یعرف الحقّ بالخلق ، والناس مشترکون فی أصل المحبّة لاشتراکهم فی أصل الإیمان ، ولکنّهم یتفاوتون لتفاوتهم فی المعرفة وفی حبّ الدنیا ، وتفاوت أهل المعرفة فی الحبّ لا حصر له ، وکلّ العالم هو تصنیف الله تعالی ، یدلّ علی قدرته وعلمه وحیاته وجمیع أسمائه الحسنی وصفاته العلیا.
فمن نظر إلیه من حیث أ نّه فعل الله ، وعرفه من حیث أ نّه فعل الله ، وأحبّه من حیث أ نّه فعل الله ، لم یکن ناظراً إلاّ فی الله ، ولا عارفاً إلاّ بالله ، ولا محبّاً إلاّ لله ، فکان هو الموحّد الحقّ الذی لا یری إلاّ الله ، فلا یری الأشیاء إلاّ ویری الله قبلها ومعها وبعدها ، بل لا ینظر إلی نفسه من حیث نفسه ، بل من حیث إنّه عبد الله ، فهذا هو الذی یقال فیه : أ نّه فنی فی التوحید ، وأ نّه فنی فی نفسه ، وإلیه الإشارة بقول من قال : کنّا بنا ، ففینا عنّا ، فبقینا بلا نحن ، فهذه اُمور معلومة عند ذوی البصائر[14].
وختاماً : هلمّ معی لنحلّق فی سماء الحبّ الإلهی وعشق الله سبحانه فی صحیفة إمام المحبّین وزین العابدین وسیّد الساجدین الإمام علیّ بن الحسین (علیهما السلام) فی مناجاة المحبّین والمریدین من المناجاة الخمسة عشر المعروفة :
---
[1]النساء : 69.
[2]نقلت روایات هذه الرسالة من کتاب میزان الحکمة 2 : 211 ـ 243 ، ینقلها عن بحار الأنوار الأجزاء 5 ، 16 ـ 18 ، 61 ، 62 ، 70 ، 73 ـ 75 ، 77 ، 82 ، 93 ، 95 ، 97 و 98 ، ومن کتاب کنز العمّال ومستدرک الوسائل وغرر الحکم وغیرها ، فراجع.
[3]المحجّة البیضاء 8 : 7 ـ 8 .
[4]المحجّة البیضاء 8 : 32 ـ 34 . والآیة فی سورة الحدید : 20.
[5]هود : 38.
[6]الأنعام : 91.
[7]فصّلت : 30.
[8]الجاثیة : 22.
[9]المحجّة 8 : 61.
[10]فصّلت : 53.
[11]فصّلت : 52.
[12]الأعراف : 184.
[13]یونس : 101.
[14]المحجّة 8 : 54.

‌‌‌المناجاة الثامنة ـ مناجاة المریدین

سُبْحانَکَ ما أضْیَقَ الطُّرُقُ عَلی مَنْ لَمْ تَکُنْ دَلیلَهُ ، وَما أوْضَحَ الحَقُّ عِنْدَ مِنْ هَدَیْتَهُ سَبیلَهُ ، إلهی فَاسْلُکْ بِنا سُبُلَ الوصولِ إلَیْکَ ، وَسَیِّرْنا فی أقْرَبِ الطُّرُقِ لِلوُفودِ عَلَیْکَ ، قَرِّبْ عَلَیْنا البَعیدَ ، وَسَهِّلْ عَلَیْنا العَسیرَ الشَّدیدَ ، وَألْحِقْنا بِعِبادِکَ الَّذینَ هُمْ بِالبِدارِ إلَیْکَ یُسارِعونَ وَبابَکَ عَلی الدَّوامِ یَطْرُقونَ ، وَإیَّاکَ فی اللَّیْلِ وَالنَّهارِ یَعْبُدونَ ، وَهُمْ مِنْ هَیْبَتِکَ مُشْفِقونَ ، الَّذینَ صَفَّیْتَ لَهُمُ المَشارِبَ وَبَلَّغْتَهُمُ الرَّغائِبَ ، وَأنْجَحْتَ لَهُمُ المَطالِبَ ، وَقَضَیْتَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِکَ المَآرِبَ وَمَلأتَ لَهُمْ ضَمائِرَهُمْ مِنْ حُبِّکَ ، وَرَوَّیْتَهُمْ مِنْ صافی شِرْبِکَ ، فَبِکَ إلی لَذیذِ مُناجاتِکَ وَصَلوا وَمِنْکَ أقْصی مَقاصِدِهِمْ حَصَّلوا ، فَیا مَنْ هُوَ عَلی المُقْبِلینَ عَلَیْهِ مُقْبِلٌ ، وَبِالعَطْفِ عَلَیْهِمْ عائِدٌ مُفَضِل ، وَبِالغافِلینَ عَنْ ذِکْرِهِ رَحیمٌ رَؤوفٌ ، وَبِجَذْبِهِمْ إلیْ بابِهِ وَدودٌ عَطوفٌ ، أسْألُکَ أنْ تَجْعَلَنی مِنْ أوْفَرِهِمْ مِنْکَ حَظاً ، وَأعْلاهُمْ عِنْدَکَ مَنْزِلا ، وَأجْزَلَهُمْ مِنْ وُدِّکَ قِسْماً ، وَأفْضَلَهُمْ فی مَعْرِفَتِکَ نَصیباً ، فَقَدْ انْقَطَعَتْ إلَیْکَ هِمَّتی ، وَانْصَرَفَتْ نَحْوَکَ رَغْبَتی ، فَأنْتَ لا غَیْرَکَ مُرادی ، وَلَکَ لا لِسِواکَ سَهَری وَسُهادی ، وَلِقاؤُکَ قُرَّةَ عَیْنی ، وَوَصْلُکَ مُنی نَفْسی ، وَإلَیْکَ شَوْقی ، وَفی مَحَبَّتِکَ وَلَهی ، وَإلی هَواکَ صَبابَتی ، وَرِضاکَ بُغْیَتی ، وَرُؤیَتُکَ حاجَتی ، وَجِوارُکَ طَلَبی ، وَقُرْبُکَ غایَةُ سُؤْلی ، وَفی مُناجاتِکَ رَوْحی وَراحَتی ، وَعِنْدَکَ دَواءُ عَلَّتی ، وَشِفاءُ غُلَّتی ، وَبَرْدَ لَوْعَتی ، وَکَشْفَ کُرْبَتی ، فَکُنْ أنیسی فی وَحْشَتی ، وَمُقیلَ عَثْرَتی ، وَغافِرَ زَلَّتی ، وَقابِلَ تَوْبَتی ، وَمُجیبَ دَعْوَتی ، وَوَلِیَّ عِصْمَتی ، وَمُغْنی فاقَتی ، وَلا تَقْطَعْنی عَنْکَ ، وَلا تُبْعِدْنی مِنْکَ ، یا نَعیمی وَجَنَّتی ، وَیا دُنْیایَ وَآخِرَتی.

‌‌‌المناجاة التاسعة ـ مناجاة المحبّین

إلهی مَنْ ذا الَّذی ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِکَ فَرامَ مِنْکَ بَدَلا ، وَمَنْ ذا الَّذی أنِسَ بِقُرْبِکَ فَابْتَغی عَنْکَ حِوَلا ، إلهی فَاجْعَلْنا مِمَّنْ اصْطَفَیْتَهُ لِقُرْبِکَ وَوِلایَتِکَ وَأخْلَصْتَهُ لِوُدِّکَ وَمَحَبَّتِکَ ، وَشَوَّقْتَهُ إلی لِقائِکَ ، وَرَضَّیْتَهُ بِقَضائِکَ ، وَمَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ إلی وَجْهِکَ ، وَحَبَوْتَهُ بِرِضاکَ ، وَأعَذْتَهُ مِنْ هَجْرِکَ وَقَلاک ، وَبَوَّأتَهُ مَقْعَدَ الصِّدْقِ فی جِوارِکَ ، وَخَصَصْتَهُ بِمَعْرِفَتِکَ ، وَأهَّلْتَهُ لِعِبادَتِکَ ، وَهَیَّمْتَ قَلْبَهُ لإرادَتِکَ ، وَاجْتَبَیْتَهُ لِمُشاهَدَتِکَ ، وَأخْلَیْتَ وَجْهَهُ لَکَ ، وَفَرَّغْتَ فُؤادَهُ لِحُبِّکَ ، وَرَغَّبْتَهُ فیما عِنْدَکَ ، وَألْهَمْتَهُ ذِکْرَکَ ، وَأوْزَعْتَهُ شُکْرَکَ ، وَشَغَلْتَهُ بِطاعَتِکَ ، وَسَیَّرْتَهُ مِنْ صالِحی بَرِیَّتِکَ ، وَاخْتَرْتَهُ لِمُناجاتِکَ ، وَقَطَعْتَ عَنْهُ کُلَّ شَیْء یَقْطَعْهُ عَنْکَ ، اللهُمَّ اجْعَلْنا مِنَّنْ دَأبُهُمُ الارْتِیاحُ إلَیْکَ وَالحَنینَ ، وَدَهْرُهُمُ الزَّفْرَةُ وَالأنینُ ، جِباهُهُمْ ساجِدَةٌ لِعَظَمَتِکَ ، وَعُیونُهُمْ ساهِرَةٌ فی خِدْمَتِکَ ، وَدُموعُهُمْ سائِلَةٌ مِنْ خَشْیَتِکَ ، وَقُلوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحَبَّتِکَ ، وَأفْئِدَتُهُمْ مُنْخَلِعَةٌ مِنْ مَهابَتِکَ ، یا مَنْ أنْوارُ قُدْسِهِ لأبْصارِ مُحِبِّیهِ رائِقَةٌ ، وَسُبُحاتُ وَجْهِهِ لِقُلوبِ عارِفیهِ شائِقَةٌ ، یا مُنی قُلوبِ المُشْتاقینَ ، وَیا غایَةَ آمالِ الُمحِبِّینَ ، أسْألُکَ حُبَّکَ وَحُبَّ مَنْ یُحِبُّکَ وَحُبَّ کُلِّ عَمَل یوصِلُنی إلی قُرْبِکَ ، وَأنْ تَجْعَلَکَ أحَبَّ إلَیَّ مِمَّا سِواکَ ، وَأنْ تَجْعَلَ حُبِّی إیَّاکَ قائِداً إلی رِضْوانِکَ ، وَشَوْقی إلَیْکَ ذائِداً عَنْ عِصْیانِکَ ، وَالاُنْسَ بِالنَّظَرِ إلَیْکَ عَلَیَّ ، وَانْظُرْ بِعَیْنِ الوُدِّ وَالعَطْفِ إلَیَّ ، وَلا تَصْرِفْ عَنِّی وَجْهَکَ ، وَاجْعَلْنی مِنْ أهْلِ الأسْعادِ وَالحَظْوَةِ عِنْدَکَ ، یا مُجیبُ ، یا أرْحَمُ الرَّاحمینَ.

‌‌‌لقطات و نماذج من الحبّ و العشق الإلهی

یجفّ القلم ویکلّ اللسان لو أراد أن یرسم للقرّاء الکرام شخصیات المحبّین فی الله ولله سبحانه ، والمتفانون فی هواه وعشقه ، وأکمل خلق الله فی حبّه وأتمّهم هو الرسول المختار وعترته الأئمة الأطهار (علیهم السلام) ، فحیاتهم المقدّسة وأرواحهم الزکیّة النورانیّة کلّها فی محبّة الله وولهه ، فهم سادة المحبّین وعشّاق الله جلّ جلاله.
ومن اُولئک الأطیاب الأخیار الأبرار سیّد الشهداء مولانا الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ، فثورته الخالدة ـ فصل من حیاته ـ آیات فی الحبّ الإلهی الحقیقی وبراهین ساطعة فی عشق الله سبحانه وتعالی.
یخبرنا عن ذلک ما ورد عن مولانا أبی جعفر الإمام الباقر (علیه السلام) ، عن أبیه الإمام السجّاد علی بن الحسین (علیه السلام) ، قال : مرّ علیّ (علیه السلام) بکربلاء فقال لمّا مرّ به الصحابة وقد اغرورقت عیناه یبکی ویقول : هذا مناخ رکابهم ... إلی أن قال (علیه السلام) : حتّی طاف بمکان یقال له المقدّمات فقال : قُتل فیها مائتا نبیّ ومائتا سبط کلّهم شهداء ومناخ رکاب ومصارع عشّاق ، شهداء لا یسبقهم من کان قبلهم ولا یلحقهم من بعدهم[1].
فکربلاء المقدّسة رمز الثورة الخالدة ، رمز البطولة والتضحیة والشهادة ،
ومناخ رکاب العاشقین ، ومصارع عشّاق الله ومحبّیه والمتفانین فی صفاته وأسمائه الحسنی ، والمستشهدین من أجل دینه القویم الإسلام العظیم.
وستبقی کربلاء العشق مناراً لعشّاق أهل البیت (علیهم السلام) وشعلة وهّاجة فی دروب الأحرار والمجاهدین الثوّار ، الذین لا تأخذهم فی الله لومة لائم . وستبقی کربلاء المعلّی قرآن المحبّین ، ویبقی عاشوراء الحسین باب الهدی وطریق سفینة النجاة ، وتبقی ملحمة الطفّ نبراس الحبّ الإلهی الذی یتجلّی فی حبّ رسول الله وأهل بیته عترته الطاهرین وسبطه سیّد الشهداء الإمام الحسین ابن علی (علیه السلام).
عابس الشاکری آیة من آیات الحبّ :
ومن اللقطات الجمیلة التی تُعدّ آیة من آیات الحبّ الحسینی قتال الشهید البطل عابس بن شبیب الشاکری ( رضوان الله تعالی علیه ) ، حتّی أصبحت مقولته المشهورة « حبّ الحسین أجنّنی » رمزاً لعشّاق أهل البیت (علیهم السلام) ومن یتفانی فی حبّ الحسین (علیه السلام) ویبذل النفس والنفیس فی هواه وعشقه.
یذکر أبو المؤیّد الموفّق بن أحمد المکّی أخطب خوارزم المتوفّی سنة 568 هـ[2] :
« وجاء عابس بن شبیب الشاکری ومعه شوذب مولی شاکر ، فقال : یا شوذب ، ما فی نفسک أن تصنع ؟ قال : وما أصنع ! اُقاتل حتّی اُقتل . فقال له : ذلک الظنّ بک ، فتقدّم بین یدی أبی عبد الله ، أحتسبک ویحتسبک کما احتسب غیرک ، فإنّ هذا الیوم ینبغی لنا أن نطلب فیه الأجر بکلّ ما قدرنا علیه ، فإنّه لا عمل بعد الیوم ، وإنّما هو الحساب.
ثمّ تقدّم فسلّم علی الحسین ، وقال له : یا أبا عبد الله ، أما والله ما أمسی علی ظهر الأرض قریبٌ ولا بعید أعزّ علیّ ولا أحبّ إلیَّ منک ، ولو قدرت علی أن أدفع عنک الضیم والقتل بشیء أعزّ علیّ من نفسی ودمی لفعلت ـ اُنظر أ یّها القارئ الکریم ما أروع منطق العشّاق ، فإنّ العاشق یکون موحّداً لا یری إلاّ معشوقه ، وبمثل هذه الروح الخالصة والقلب الواله والفؤاد العاشق یخاطب عابس سیّده وحبیب قلبه قائلا : ( أما والله ما أمسی علی ظهر الأرض قریبٌ ولا بعیدٌ أعزّ علیّ ولا أحبّ إلیِّ منک ) ثمّ یصدّق قوله ببذل نفسه ودمه الذی هو أعزّ شیء عنده ، وهذا منطق عشّاق الحسین (علیه السلام) ، وکفاهم بهذا شرفاً وکرامة وعزّة ، ثمّ قال عابس : ـ السلام علیک یا أبا عبد الله ، أشهد أ نّی علی هداک وهدی أبیک . ثمّ مشی بالسیف نحوهم.
قال ربیع بن تمیم : فلمّا رأیته مقبلا عرفته ـ وقد کنت شاهدته فی المغازی ـ فکان أشجع الناس فقلت للقوم : أ یّها الناس ! هذا أسد الاُسود ، هذا ابن شبیب ، لا یخرجنّ إلیه أحدٌ منکم ، فأخذ ینادی : ألا رجل ! ألا رجل ! فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة ، فرمی بالحجارة من کلّ جانب ، فلمّا رأی ذلک ألقی درعه ومغفره ، ثمّ شدّ علی الناس ـ ویقال هنا ناداه القوم : أجننت یا عابس ، فقال : إی والله أجنّنی حبّ الحسین ـ فوالله لقد رأیته یطرد أکثر من مئتین من الناس ، ثمّ تعطّفوا علیه من کلّ جانب فقتل ـ رضوان الله تعالی علیه ـ فرأیت رأسه فی أیدی رجال ذوی عدّة ، هذا والله لم یقتله إنسان واحد ، ففرق بینهم بهذا القول ».
ولیس هذا حال عابس وحسب ، بل کلّ أصحاب الحسین وأهل بیته کان هذا منطقهم کما یحدّثنا بذلک العلاّمة السیّد عبد الرزّاق الموسوی المقرّم[3] فی حدیث لیلة عاشوراء :
« ثمّ دخل الحسین خیمة زینب ووقف نافع بإزاء الخیمة ینتظره ، فسمع زینب تقول له : هل استعلمت من أصحابک نیّاتهم ، فإنّی أخشی أن یسلموک عند الوثبة.
فقال لها : والله لقد بلوتهم فما وجدت فیهم إلاّ الأشوس الأقعس یستأنسون بالمنیّة دونی ، استیناس الطفل إلی محالب اُمّه.
قال نافع : فلمّا سمعت هذا منه بکیت ، وأتیت حبیب بن مظاهر ، وحکیت ما سمعت منه ومن اُخته زینب.
قال حبیب : والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسیفی هذه اللیلة . قلت : إنّی خلّفته عند اُخته ، وأظنّ النساء أفقن وشارکنها فی الحسرة ، فهل لک أن تجمع أصحابک وتواجهوهنّ بکلام یطیّب قلوبهنّ . فقام حبیب ونادی : یا أصحاب الحمیّة ولیوث الکریهة . فتطالعوا من مضاربهم کالاُسود الضاریة ، فقال لبنی هاشم : ارجعوا إلی مقرّکم لا سهرت عیونکم.
ثمّ التفت إلی أصحابه وحکی ما شاهده وسمعه نافع ، فقالوا بأجمعهم : والله الذی منّ علینا بهذا الموقف ، لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسیوفنا الساعة ! فطب نفساً وقرّ عیناً . فجزّاهم خیراً ، وقال : هلمّوا معی لنواجه النسوة ونطیّب خاطرهنّ . فجاء حبیب ومعه أصحابه وصاح : یا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتیانکم ، آلوا ألاّ یغمدوها إلاّ فی صدور من یفرّق نادیکم.
فخرجن النساء إلیهنّ ببکاء وعویل ، وقلن : أ یّها الطیّبون ، حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمیر المؤمنین . فضجّ القوم بالبکاء حتّی کأنّ الأرض تمید بهم.
وفی یوم عاشوراء عندما خطب زهیر بن القین ونصح قوم عمر بن سعد ، فرماه الشمر بسهم وقال : اسکت أسکت الله نامتک ، أبرمتنا بکثرة کلامک . فقال زهیر : یا ابن البوّال علی عقبیه ، ما إیّاک اُخاطب ، إنّما أنت بهیمة ، والله ما أظنّک تحکم من کتاب الله آیتین فابشر بالخزی یوم القیامة والعذاب الألیم . فقال شمر : إنّ الله قاتلک وصاحبک عن ساعة . فقال زهیر : أفبالموت تخوّفنی ؟ فوالله للموت معه أحبّ إلیّ من الخلد معکم ...[4].
وحینما صرع مسلم بن عوسجة مشی إلیه الحسین ومعه حبیب بن مظاهر ، فقال له الحسین : رحمک الله یا مسلم ، منهم من قضی نحبه ومنهم من ینتظر وما بدّلوا تبدیلا . ودنا منه حبیب وقال : عزّ علیَّ مصرعک یا مسلم ، أبشر بالجنّة . فقال بصوت ضعیف : بشّرک الله بخیر . قال حبیب : لو لم أعلم أ نّی فی الأثر لأحببت أن توصی إلیَّ بما أهمّک . فقال مسلم : اُوصیک بهذا ـ وأشار إلی الحسین ـ أن تموت دونه . قال : أفعل وربّ الکعبة . وفاضت روحه بینهما ...[5].
وهکذا یفعل العشق والحبّ بأهله ، فلو طالعنا ثورة الحسین ثورة العشّاق والمحبّین لاتّضح لنا ما کان علیه اُولئک الأبرار الأخیار من الثبات والتضحیة والفداء ، وأ نّهم غیر مکترثین بما لاقوه من ألم الجراح والرماح والسیوف والسهام ، ولعاً منهم بالغایة ، وحبّاً لهم بمولانا الحسین ودینه ، وشوقاً إلی جوار جدّه المصطفی ، وعشقاً لحضورهم بین یدی الله ، فی مقعد صدق فی الحضیرة القدسیّة ، ویا لها من سعادة لا توصف.
« ولا یستغرب هذا من یعرف حالة العشق وأ نّه عند توجّه مشاعره نحو المحبوب لا یشعر بما یلاقیه من عناء وکبد . ولقد حکی المؤرّخون أنّ کُثیراً الشاعر کان فی خبائه یبری سهاماً له ، فلمّا دخلت علیه عزّة ( معشوقته ) ونظر إلیها أدهشه الحال ، فأخذ یبری أصابعه ، وسالت الدماء وهو لا یحسّ بالألم »[6].
کما حدّثنا بذلک القرآن الکریم فی قصّة النسوة ( قَطَّعْنَ أیْدِیَهُنَّ ) عندما شاهدن جمال یوسف لحظات :
( وَلَمَّا رَأیْنَهُ أکْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أیْدِیَهُنَّ وَقُلْنَ حاشا للهِ ما هذا بَشَراً إنْ هُوَ إلاّ مَلَکٌ کَریمٌ )[7].
فکیف بأصحاب سیّد الشهداء الحسین (علیه السلام) وقد شاهدوا جماله یوم عاشوراء ، وهو جمال الله جلّ جلاله.
« وإذا لم تشعر النسوة بمضض الجراح ، فلیس من الغریب ألاّ یجد أصحاب الحسین (علیه السلام) وهم زبدة العالم کلّه ألم مسّ الحدید عنه ، نهایة عشقهم لمظاهر الجمال الإلهی ، ونزوع أنفسهم إلی الغایة القصوی من القداسة بعد التکهرب بولاء سیّد الشهداء (علیه السلام) »[8].
ویقول العلاّمة الشیخ محمّد جواد مغنیة[9] فی ذیل الآیة الشریفة :
( قُلْ إنْ کانَ آباؤُکُمْ وَأبْناؤُکُمْ وَإخْوانُکُمْ وَأزْواجُکُمْ وَعَشیرَتُکُمْ وَأمْوالٌ اقْتَرَفْتُموها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ کَسادَها وَمَساکِنَ تَرْضَوْنَها أحَبُّ إلَیْکُمْ مِنَ اللهِ وَرَسولِهِ وَجِهاد فی سَبیلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتَّی یَأتِیَ اللهُ بِأمْرِهِ وَاللهُ لا یَهْدی القَوْمَ الفاسِقینَ )[10].
إنّ هذه الآیة الکریمة نصّ صریح فی صفات عمر بن سعد ، حتّی کأ نّها نزلت فیه بالذات . فلقد دعاه الحسین إلی أن یکون معه ویدع ابن زیاد ، فقال ابن سعد : أخاف أن تهدم داری . وهذا مصداق قوله تعالی :
( وَمَساکِنَ تَرْضَوْنَها ).
قال الحسین : أنا أبنیها لک.
قال ابن سعد : أخاف أن تؤخذ ضیعتی . وهذا ما دلّ علیه قوله سبحانه :
( وَأمْوالٌ اقْتَرَفْتُموها ).
قال الحسین : أنا أخلف علیک خیراً منها.
قال ابن سعد : إنّ لی بالکوفة عیالا أخاف علیهم ابن زیاد . وهذا ما أشار إلیه قوله تعالی :
( وَأبْناؤُکُمْ وَأزْواجُکُمْ وَعَشیرَتُکُمْ ).
هذا هو مبدأ ابن سعد الذی علیه یموت ویحیا : ضیعته وداره وأهله وعشیرته ، أمّا الدین والضمیر ، أمّا الله ورسوله ، فألفاظ یجترّها ما دامت تحفظ له الضیعة والدار والأبناء والأقارب.
حارب ابن سعد حسیناً بدافع المنفعة الشخصیّة وحبّ الدنیا.
وکلّ من آثر المال والأهل علی طاعة الله والرسول ، فإنّه علی مبدأ ابن سعد ودینه . وإن بکی علی الحسین حتّی ابیضّت عیناه ، ولعن ابن سعد فی الیوم ألف مرّة ، ما دام لا یفعل إلاّ بنفس الباعث الذی بعث ابن سعد علی قتل الحسین.
قال النبیّ (صلی الله علیه وآله) :
والذی نفسی بیده لا یؤمن عبد حتّی أکون أحبّ إلیه من نفسه وأبویه وأهله وولده والناس أجمعین.
وإذا عطفنا هذا الحدیث الشریف علی الحدیث الذی رواه السنّة والشیعة : « حسین منّی وأنا من حسین » تکون النتیجة الطبیعیة أنّ العبد لا یؤمن حتّی یکون الحسین أحبّ إلیه من نفسه وأبویه وأهله وولده والناس أجمعین.
وقد وجد بین المسلمین من الرجال والنساء من أحبّ النبیّ هذا الحبّ وفدوه بالأرواح والأولاد.
وتجمّع الناس مع الحسین وهو سائر فی طریقه إلی العراق ، ولمّا جدّ الجدّ تفرّقوا عنه ، کما تفرّقوا عن جدّه فی یوم اُحد إلاّ قلیل القلیل ، ولم یبقَ معه إلاّ صفوة الصفوة من الذین أحبّوا الله والرسول وآله ، وآثروا الموت من أجلهم علی الأهل والمال ، کما قالها عابس الشاکری وحبیب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وأبطال کربلاء المقدّسة ...
وکان غلام مع اُمّه فی کربلاء قُتل أبوه فی المعرکة ، فقالت له اُمّه : إخرج یا بنیّ وقاتل بین یدی الحسین ، فخرج ، ولمّا رآه الحسین (علیه السلام) قال : هذا شابّ قُتل أبوه ، ولعلّ اُمّه تکره خروجه ، فقال الغلام : اُمّی أمرتنی بذلک ، فبرز وهو یقول :
أمیری حسینٌ ونعم الأمیر *** سرور فؤاد البشیر النذیر
علیٌّ وفاطمةٌ والداه *** فهل تعلمون له من نظیر
وقاتل حتّی قُتل . فأخذت اُمّه رأسه وقالت : أحسنت یا بنی ، یا سرور قلبی ویا قرّة عینی.
أرأیت إلی هذه ! ... اُمّ لا ترضی عن ولدها وأعزّ من کبدها ، إلاّ أن تراه مضرّجاً بدمائه ، جثّة بلا رأس.
ولا عجب ، إنّه حبّ الله ورسوله وعترته ، ولیس کمثل الله ورسوله وعترته شیء . فکذلک حبّهم عند المؤمنین حقّاً لا یعادله شیء ، حتّی الأرواح والأبناء.
بهذا الحبّ ، بهذا الإخلاص لأهل البیت ، بهذه التضحیة ، بهذه الروح وحدها یستعدّ المؤمنون الخلّص لما بعد الموت.
وبهذا الزهد فی العاجل یقفون غداً مرفوعی الرؤوس أمام جبّار السماوات والأرض . لقد ترک الحسین وأصحابه الدنیا وما فیها لله وفی الله سبحانه وتعالی ، وضحّوا بالأرواح والأزواج والأبناء والأموال فی حبّ الله وفی حبّ الحسین (علیه السلام)ومودّة القربی وإعلاء کلمة الحقّ وإدحاض کلمة الباطل . فکانوا مع الحسین وجدّه فی الآخرة ، کما کانوا معه فی الدنیا ، وحسن اُولئک رفیقاً.
قال الإمام الباقر (علیه السلام) :
إذا أردت أن تعلم أنّ فیک خیراً فانظر إلی قلبک ، فإن کان یحبّ أهل طاعة الله عزّ وجلّ ، ویبغض أهل معصیته ، فإنّ فیک خیراً . وإن کان یحبّ أهل معصیة الله ویبغض أهل طاعته ، فلیس فیک خیراً ، والله یبغضک . والمرء مع من أحبّ.
عجباً لقلبی وهو یألف حبّکم *** لِمَ لا یذوب بحرقة الأرزاءِ
وعجبت من عینی وقد نظرت إلی *** ماء الفرات فلم تسل فی الماءِ
تبکیک عینی لا لأجل مثوبة *** لکنّما عینی لأجلک باکیة
هذا والنفس الإنسانیة فی جوهرها عاشقة بالفعل للکمال المطلق ومطلق الکمال ، فلا بدّ أن یکون المعشوق فعلیّاً کذلک ، کما یکون العشق الرابط بینهما فعلیّاً ، فیتّحد العاشق والمعشوق والعشق ، ثمّ عشق الکمال فی وجود الإنسان من جبلّته وفطرته ، ولا یشبعه ولا یملی فراغه ، ولو ملک ما ملک من أقطار السماوات والأرض ، إلاّ حبّ الله سبحانه وتعالی ، فیرجع الإنسان إلی ربّه ، ویفنی فیه ، وتصل نفسه المطمئنّة بذکر الله إلی غایتها ، فیأتیه الخطاب من مصدر الجلالة ( فَادْخُلی فی عِبادِ ) أی العباد المنسوب إلی ( هو ) إلیه سبحانه ، فیختلف عن خطاب عباد الله وعباد الرحمن ، کما یأتیه خطاب ( وَادْخُلی فی جَنَّتی ) لا فی جنّة عرضها السماوات والأرض بل فی جنّة ( هو ) فیقف علی الأسرار والعلوم الإلهیة التی هی فی جُنّة وحصن عن الغیر ، فیدخل فی جَنّته اللامتناهیة ، بعد أن یخرق حُجب النور والظلام ، فیصل إلی معدن العظمة ومصدر الجلالة ، ومن حجب النور وجود الإنسان نفسه ، فإنّ الوجود نور ، کما أنّ من حجب النور الصفات الحمیدة ، فلا بدّ للإنسان المتکامل أن یتجاوز عن وجوده وعن صفاته المجیدة ، فیتجاوز عن الإخلاص لیصل إلی مقام المخلَصین ـ بفتح اللام ـ الذین انتهت مجاهداتهم مع النفس ، وتجاوزوا مراحل الإخلاص ، وکذلک باقی الصفات الکریمة بعد تخلّیهم من الصفات الذمیمة وحجب الظلام ، بعد نزع لباس الماهیة الظلمانیة من وجودهم النورانی ، ووصولهم إلی قاب قوسین أو أدنی ، فلا یرون إلاّ الحقّ وأنّ ما سواه باطل ، وإنّ وجوده من وجود ربّه ، فیتصبّغ بصبغة الله ، ولا یری فی الدیر دیّاراً إلاّ هو ، ولا یری شیئاً إلاّ ورأی الله قبله ومعه وبعده ، فإنّه داخلٌ فی الأشیاء لا کدخول شیء فی شیء ، وخارج عنها لا کخروج شیء عن شیء ، فیری الإنسان وجوده حقّاً بعد سیره فی القوس النزولی والصعودی ، وظهوره إلی میدان الموجودات بعدما لم یکن شیئاً مذکوراً ، فتأمّل وتفکّر فلا ینالها إلاّ ذو حظٍّ عظیم.
---
[1]سفینة البحار 2 : 197.
[2]فی کتابه ( مقتل الحسین ) 2 : 22.
[3]فی کتابه ( مقتل الحسین ) : 219.
[4]مقتل الحسین ; للمقرّم : 232.
[5]المصدر : 241.
[6]مقتل الحسین ; للمقرّم : 71.
[7]یوسف : 31.
[8]المصدر : 73.
[9]فی کتابه ( الحسین وبطلة کربلاء ) : 48.
[10]التوبة : 23.

‌‌‌خاتمة المطاف - الإمام الحسین (علیه السلام) سیّد المحبّین

الأئمة الأطهار کجدّهم المختار اُسوة لنا فی کلّ شیء ، نهتدی بهداهم ، ونسیر علی خطاهم ، ونستنیر بأنوارهم القدسیّة ، فهم القدوة فی کلّ المکارم والفضائل ، وهم الاُسوة فی فضیلة حبّ الله . ومولانا الحسین إمام عشّاق الله سبحانه.
جاء فی مقتل الخوارزمی بسنده : إنّ الحسین (علیه السلام) خطب أصحابه ـ یوم عاشوراء ـ فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : أ یّها الناس خُطّ الموت علی بنی آدم کمخطّ القلادة علی جید الفتاة ، وما أولعنی بالشوق إلی أسلافی اشتیاق یعقوب إلی یوسف ، وإنّ لی مصرعاً أنا لاقیه ، کأ نّی أنظر إلی أوصالی تقطعها وحوش الفلوات غبراً وعفراً ، قد ملأت منّی أکراشها ، رضی الله رضانا أهل البیت ، نصبر علی بلائه لیوفّینا اُجور الصابرین ، لن تشذّ عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لحمته وعترته ، ولن تفارقه أعضاؤه ، وهی مجموعة له فی حضیرة القدس ، تقرّ بها عینه ، وتنجز له فیهم عدته.
لقد ضرب الإمام الحسین (علیه السلام) أروع الأمثلة فی حبّ الله وعشقه یوم عاشوراء ، فإنّه قدّم کلّ ما یملک ، قدّم الأهل والأصحاب والأقرباء ، وآل الأمر إلی سبی الحرائر بنات رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، کلّ ذلک من أجل الولع والشوق والحبّ الإلهی ، حتّی هوی علی الأرض صریعاً مفضوخ الهامة ، قد نبت السهم المثلّث فی قلبه المقدّس ، ظمآن عطشان ولسان حاله یترنّم :
ترکت الخلق طرّاً فی هواکا *** وأیتمت العیال لکی أراکا
فلو قطّعتنی فی الحبّ إرباً *** لما مال الفؤاد إلی سواکا

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.