اشراقات نبوية

اشارة

سرشناسه : علوی عادل - 1955 عنوان و نام پديدآور : اشراقات النبویه قراآه موجزه عن ادب الرسول الاعظم محمد صلی الله علیه و آله تالیف عادل العلوی مشخصات نشر : قم موسسه الاسلامیه العامه للتبلیغ و الارشاد، 1421ق = 2000م = 1379. مشخصات ظاهری : ص 32 فروست : (موسوعه رسالات اسلامیه شابک : 964-5915-44-9 2000ریال وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی يادداشت : عربی يادداشت : فهرستنویسی براساس اطلاعات فیپا. يادداشت : عنوان دیگر: رساله اشراقات نبویه قراآه موجزه عن ادب الرسول الاعظم محمد صلی الله علیه و آله یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس عنوان دیگر : رساله اشراقات نبویه قراآه موجزه عن ادب الرسول الاعظم محمد صلی الله علیه و آله عنوان دیگر : رساله اشراقات نبویه قراآه موجزه عن ادب الرسول الاعظم محمد صلی الله علیه و آله موضوع : محمد(ص ، پیامبر اسلام 53 قبل از هجرت - 11ق -- فضایل موضوع : مسجد النبی مدینه موضوع : احترام و تکریم موضوع : محمد(ص ، پیامبر اسلام 53 قبل از هجرت - 11ق -- مدایح و مناقب رده بندی کنگره : BP24/46 /ع 8‮الف 5 رده بندی دیویی : 297/93 شماره کتابشناسی ملی : م 79-22032

توضيح

قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله)

مقدمة

الحمد لله الذي علّم الإنسان ما لم يعلم وأدّبه بما فيه الخير الأتمّ ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وسيّد رسله أدب الله المسدّد أبي القاسم محمّد وعلى آله الطاهرين ، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين ، عجّل الله تعالى فرجهم ، وجعلنا من خلّص شيعتهم ، المتخلّقين بأخلاقهم ، والمتأدّبين بآدابهم ، آمين ربّ العالمين.

أمّا بعد.

فإنّ الأدب هو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يقع عليها الفعل المشروع إمّا في الدين أو عند العقلاء في مجتمعهم ، كآداب الدعاء وآداب ملاقاة الأصدقاء ، وإن شئت قلت : الأدب بالمعنى العامّ هو : ظرافة العمل[1].

ولا يكون إلاّ في الاُمور المشروعة غير الممنوعة ، فلا أدب في الظلم

والخيانة ، ولا أدب في الأعمال الشنيعة والقبيحة ، ولا يتحقّق أيضاً إلاّ في الأفعال الاختيارية التي لها هيئات مختلفة فوق الواحدة ، حتّى يكون بعضها متلبّساً بالأدب دون بعض ، كأدب الأكل مثلا في الإسلام.

فالأدب هو الهيئة الحسنة في الأفعال الاختيارية ، والحسن وإن كان بحسب أصل معناه ، وهو الموافقة لغرض الحياة ممّا لا يختلف فيه أنظار المجتمعات ، لكنّه بحسب مصاديقه ممّا يقع فيه أشدّ الخلاف ، غير أنّ هذه الاختلافات جميعاً ترجع إلى مرحلة تشخيص المصداق ، وأمّا أصل معنى الأدب وهو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يكون عليها الفعل ، فهو ممّا أطبق عليه العقلاء ولايختلف فيه اثنان.

فالأدب كالمرآة الصافية يحاكي خصوصيات أخلاق المجتمع بما يحملون من الثقافة والمعتقدات.

وليست الآداب هي الأخلاق بل هي من منشآتها ، والأخلاق من مقتضيات الاجتماع بخصوصه بسبب غايته الخاصّة ، فالغاية المطلوبة للإنسان في حياته هي التي تشخّص

أدبه في أعماله ، وترسم لنفسه خطاً لا يتعدّاه إذا أتى بعمل في مسير حياته والتقرّب من غايته.

وإذا كان الأدب يتبع في خصوصيّته الغاية المطلوبة في الحياة ، فالأدب الإلهي الذي أدّب الله سبحانه به أنبياءه ورسله (عليهم السلام) هو الهيئة الحسنة في الأعمال الدينية التي تحاكي غرض الدين وغايته ، وهو العبودية لله سبحانه على اختلاف الشرائع الحقّة بحسب كثرة موادّها وقلّتها ، وبحسب مراتبها في الكمال والرقيّ.

والإسلام لمّا كان من شأنه التعرّض لجميع جهات الحياة الإنسانية بحيث لايشذّ عنه شيء من شؤونها ، يسير أو خطير ، دقيق أو جليل ، فلذلك وسع الحياة أدباً ، ورسم في كلّ عمل هيئة حسنة تحاكي غايته.

وليس له غاية عامّة إلاّ توحيد الله سبحانه في مرحلتي الاعتقاد والعمل جميعاً ... وبذلك يسري التوحيد في باطنه وظاهره ، وتظهر العبودية المحضة من أقواله وأفعاله وسائر جهات وجوده ظهوراً لا ستر عليه ، فالأدب الإلهي أو أدب النبوّة والإمامة ، هي هيئة التوحيد في الفعل والعمل.

وخاتم النبيّين وسيّد المرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله) أدّبه ربّه كما قال : أدّبني ربّي فأحسن تأديبي[2].

ثمّ سبحانه أمر العباد أن يهتدوا بهديه ويقتدوا به في قوله تعالى.

( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )[3].

وما جاء به النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) من الآداب والسنن إنّما يطابق الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها ، وأ نّه عزّ وجلّ لا يكلّف نفساً إلاّ وسعها ، وما آتاها ، فلايأتي النبيّ (صلى الله عليه وآله) ما تنفر منه الفطرة السليمة ، إنّما يأتي بما هو الصالح من الأعمال والأفعال الذي يقرّب العباد إلى الله سبحانه ، وبهذا تصلح اُمورهم وينالون

السعادة في الدنيا والآخرة ويصلون إلى قمّة الكمال . وهو التوحيد الصادق في كلّ الأحوال[4].

وقد أدّب الله خلقه ورسله بآداب عامّة كما أدّبهم بآداب خاصّة ، ومن الأوّل تأديبهم بأدب جامع في قوله تعالى.

( يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَأ نَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )[5].

أدّبهم تعالى أن يأكلوا من الطيّبات ، أي أن يتصرّفوا في الطيّبات من موادّ الحياة ولا يتعدّوها إلى الخبائث التي تنفر منها الفطرة السليمة ، وأن يأتوا من الأعمال بالصالح منها ، وهو الذي يصلح للإنسان أن يأتي به ممّا تميل إليه الفطرة بحسب ما جهّزها الله من أسباب تحفظ بعملها بقائها إلى حين ، أو أن يأتوا بالعمل الذي يصلح أن يقدّم إلى حضرة الربوبيّة ، والمعنيان متقاربان ، فهذا أدب يتعلّق بالإنسان الفرد.

ثمّ وصله تعالى بأدب اجتماعي فذكر لهم أنّ الناس ليسوا إلاّ اُمّة واحدة : المرسلون والمرسل إليهم ، وليس لهم إلاّ ربّ واحد فليجتمعوا على تقواه ، ويقطعوا بذلك دابر الاختلافات والتحزّبات _ وهذا تحذير من السيّد الطباطبائي (قدس سره) لدعاة الأحزاب والتحزّب ، فإنّه يتنافى مع روح القرآن الكريم _ فإذا التقى الأمران أعني الأدب الفردي والاجتماعي تشكّل مجتمع واحد بشري مصون من الاختلاف يعبد ربّاً واحداً ، ويجري الآحاد منه على الأدب الإلهي فاتّقوا خبائث الأفعال وسيّئات الأعمال فقد استووا على أريكة السعادة . وهذا ما جمعته آية اُخرى ، وهي قوله تعالى:

( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إ بْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أنْ أقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )[6] . انتهى كلامه رفع الله

مقامه[7].

---

[1]وقد اُطلقت كلمة ( الأدب ) في اللغة والمحاورات العرفيّة على معان اُخرى ، كالدقّة في الاُمور ، والاقتداء بالغير ، والعلوم والمعارف ، والسيرة المحمودة ، والأخلاق الحسنة ، وقوّة تقي صاحبها عن اقتراف السيّئات ويطلق على بعض مقدّمات العلوم النقليّة ، كاللغة والصرف والنحو والاشتقاق والمعاني والبيان والبديع والعروض والقافية ونحو ذلك ، كما يطلق على الأخلاق الفاضلة وصفاء الروح وكمال النفس ، ويطلق ( الأديب ) على المعلّم والكاتب والخطيب والشاعر . والمقصود في هذا الموجز العمل الحسن الذي أقرّه =

= الشرع والعقل ، يؤتى به على أفضل الوجوه وأجملها ، ويختلف عن الأخلاق : أ نّها من صفات الباطن كالسخاء والشجاعة ، والأدب من صفات الظاهر أو ما يصدر من الإنسان من فعل في الواقع الخارجي . فلا يطلق ( الأدب ) على الفعل غير المحمود عند العقل والدين كالكذب والخيانة والظلم ، وما أكثر الروايات التي تنصّ على مدح ( الأدب ) ومقامه الشامخ في حياة الإنسان.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « حسن الأدب زينة العقل » ، وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) : « الأدب حلل مجدّدة » ، وقال الإمام الحسن (عليه السلام) : « لا أدب لمن لا عقل له » ، راجع ما ذكرناه في « طالب العلم والسيرة الأخلاقيّة » ، المجلّد الثالث من ( رسالات إسلاميّة ).

[2]البحار 16 : 21.

[3]الأحزاب : 21.

[4]اقتباس من تفسير الميزان 7 : 255 . ولقد أجاد العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) في هذا الباب ، وقال بما فيه فصل الخطاب ، فلا تتهاون بالرجوع إليه.

[5]المؤمنون : 51 _ 52.

[6]الشورى : 13.

[7]تفسير الميزان 7 : 263 ،

سورة الأعراف.

أفضل الهدى وأشرف السنن

« فاقتدوا بهدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنّه أفضل الهدى ، واستنّوا بسنّته فإنّها أشرف السنن »[1].

وإليك ما قاله أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في نهجه المبارك في التأسّي بالنبيّ محمّد والأنبياء المرسلين[2].

رسول الله :

ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) كاف لكَ في الاُسوة ، ودليلٌ لكَ على ذمّ الدنيا وعَيبها ، وكثرة مخازيها ومساويها ، إذ قُبِضت عنه أطرافها ، ووُطِّئت لغيره أكنافها ، وفُطم عن رَضاعها ، وزُوي عن زخارفها.

موسى :

وإن شئتَ ثنَّيتُ بموسى كليم الله (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول : « ربِّ إنّي لما أنزلتَ إليَّ من خير فقير » . والله ، ما سأله إلاّ خبزاً يأكله ، لأ نّه كان يأكل بقلة الأرض ، ولقد

كانت خُضرة البَقل تُرى من شفيف صفاق بطنه ، لهزاله وتشذُّب لحمه.

داود :

وإن شئت ثلَّثتُ بداود (صلى الله عليه وسلم) صاحب المزامير ، وقارئ أهل الجنّة ، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ، ويقول لجلسائه : أ يّكم يكفيني بيعها ! ويأكل قرص الشعير من ثمنها.

عيسى :

وإن شئت قلت في عيسى بن مريم (عليه السلام) ، فلقد كان يتوسَّد الحجر ، ويلبس الخشن ، ويأكل الجشب ، وكان إدامه الجوع ، وسراجه بالليل القمر ، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها ، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم ، ولم تكن له زوجةٌ تفتنه ، ولا ولدٌ يحزنه ، ولا مال يلفته ، ولا طمع يُذلُّه ، دابَّته رجلاه ، وخادمه يداه.

الرسول الأعظم :

فتأسَّ بنبيّك الأطيب الأطهر (صلى الله عليه وآله) فإنّ فيه اُسوةً لمن تأسّى ، وعزاءً لمن تعزّى ، وأحبُّ العباد إلى

الله المتأسّي بنبيّه ، والمقتصّ لأثره ، قضم الدنيا قضماً ، ولم يعِرها طرفاً ، أهضم أهل الدنيا كشحاً ، وأخمصهم من الدنيا بطناً ، عُرِضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها ، وعَلِمَ أنّ الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه ، وحقَّر شيئاً فحقّره ، وصغَّر شيئاً فصغّره . ولو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض الله ورسوله وتعظيمنا ما صغَّر الله ورسوله ، لكفى به شقاقاً لله ، ومُحادَّةً عن أمر الله . ولقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل على الأرض ، ويجلس جلسة العبد ، ويخصف بيده نعله ، ويرفع بيده ثوبه ، ويركب الحمار العاري ، ويُردف خلفه ، ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول : « يا فلانة _ لإحدى أزواجه _ غيِّبيه عنّي ، فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها » . فأعرض عن الدنيا بقلبه ، وأمات ذِكرها من نفسه ، وأحبَّ أن تغيب زينتها عن عينه ، لكيلا يتّخذ منها رياشاً ، ولا يعتقدها قراراً ، ولا يرجو فيها مقاماً ، فأخرجها من النفس ، وأشخصها عن القلب ، وغيّبها عن البصر . وكذلك من أبغض شيئاً أبغض أن ينظر إليه ، وأن يُذكر عنده.

ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يدُلُّك على مساوئ الدنيا وعيوبها : إذ جاع فيها مع خاصّته ، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زُلفته . فلينظر ناظرٌ بعقله : أكرَمَ الله محمّداً بذلك أم أهانه ! فإن قال : أهانه ، فقد كذب _ والله العظيم _ بالإفك العظيم ، وإن قال : أكرمه ، فليعلم أنّ الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا

له ، وزواها عن أقرب الناس منه . فتأسّى مُتأسٍّ بنبيّه ، واقتصَّ أثره ، ووَلَجَ مَولِجه ، وإلاّ فلايأمن الهَلَكَة ، فإنّ الله جعل محمّداً (صلى الله عليه وآله) عَلَماً للساعة ، ومبشّراً بالجنّة ، ومنذراً بالعقوبة ، خرج من الدنيا خميصاً ، وورد الآخرة سليماً . لم يضع حجراً على حجر ، حتّى مضى لسبيله ، وأجاب داعي ربّه . فما أعظم مِنَّة الله عندنا حين أنعم علينا به سَلَفاً نَتَّبعه ، وقائداً نَطَأُ عَقِبه ، والله لقد رقَّعتُ مِدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها . ولقد قال لي قائل : ألا تنبذها عنك ؟ فقلت : اغرُب عنّي ، فعند الصباح يحمد القوم السُّرى.

---

[1]تحف العقول : 150.

[2]نهج البلاغة : الخطبة 160.

آداب النبيّ (صلى الله عليه وآله) والتأسّي به

في مكارم الأخلاق عن الإمام الصادق (عليه السلام) : إنّي لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلّة من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأتِ بها[1].

ونقصد من السنّة[2] أو الأدب في هذه الوجيزة هو العمل المستحبّ الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدأب ويداوم عليه في سيرته الشريفة ، وهي كثيرة ومتناثرة في مئات الكتب ضمن آلاف الأخبار والأحاديث الشريفة ، وقد تصدّى لضبطها وجمعها بعض الأعلام جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين ونبيّهم الأعظم خيراً ، وقد قسّمها بعض إلى ثلاثة أقسام.

1 _ سننه وآدابه (صلى الله عليه وآله) مع ربّه في العبادات والأذكار.

2 _ ومع الناس ، أي آداب العشرة.

3 _ آدابه الفردية ، كتناوله الطعام وملابسه.

ولمّا كانت ( السنخيّة علّة الانضمام ) كما يقول الفلاسفة ، وأنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال : أشبهكم بي فهو

معي في الجنّة ، وأنّ المقصود من الحياة الدنيا هو التكامل والوصول إلى الله قاب قوسين أو أدنى ، والحشر مع أوليائه وأنبيائه في مقعد صدق ، في جنّة عرضها السماوات والأرض ، اُعدّت للمتّقين ، ومن التقوى الاستنان بسنن الأنبياء والأوصياء والتخلّق بأخلاقهم ، والاقتداء بهم والتأسّي بسيرتهم من أجل الحياة الطيّبة.

( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )[3].

( إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[4].

( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )[5].

( اُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ )[6].

( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إ بْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ )[7] من سائر الأنبياء والأوصياء والأولياء ومن يحذو حذوهم.

( إنَّ أوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ )[8].

إلى غيرها من الآيات والأحاديث الشريفة ، فلمّا كان المقصود سعادة الدارين ، وأنّ من أسبابها الرئيسيّة هو التأدّب بآداب النبيّ (صلى الله عليه وآله) والتأسّي به ، عزمت بعد الاتّكال على الله أن أجمع جملةً منها _ مع حذف الأسانيد _ لأعمل بها وأنظر إليها بين حين وآخر ، لتكون ملكة راسخة في وجودي ، لأنتفع بها في آخرتي ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم ، والله وليّ التوفيق ، وإنّه خير ناصر ومعين.

[شمائل النب? و سنن النب? صلى الله عليه وآله و ...]

وأبدأ بذكر شمائل نبيّنا وشفيع ذنوبنا وطبيب نفوسنا جدّنا الأعظم الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) كما بدأ به السلف الصالح من علمائنا الأعلام كالشيخ الطبرسي في ( مكارم الأخلاق ) ، والعلاّمة الطباطبائي في ( سنن النبيّ ).

1

_ إنّه (صلى الله عليه وآله) كان فخماً مفخّماً ، وفي العيون معظّماً ، وفي القلوب مكرّماً ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أزهر منوّر اللون مشرّباً بحمرة ، لم تزريه مقلة ، ولم تعبه ثجلة _ عظيم البطن _ أغرّ أبلج _ طليق الوجه _ أحور أدعج _ شدّة سواد العين _ أكحل أزج _ دقّة الحاجب _ عظيم الهامة ، رشيق القامة مقصداً ، واسع الجبين أقنى العرنين _ الأنف _ أشكل العينين ، مقرون الحاجبين ، سهل الخدّين صلتهما ، طويل الزندين ، شيح الذراعين عظيم مشاشة المنكبين ، طويل ما بين المنكبين ، شثن الكفين _ غليظ _ ضخم القدمين ، عاري الثديين ، خمصان الأخمصين ، مخطوط المتيتين ، أهدب الأشفار ، كثّ اللحية ذا وفرة ، وافر السبلة _ الشعر على الشفة _ أخضر الشمط _ شيب اللحية _ ضليع الفم ، أشمّ أشنب _ رقّة الأنياب _ مفلّج الأسنان ، سبط الشعر ، دقيق المسربة _ شعر الصدر _ معتدل الخلق ، مفاض البطن ، عريض الصدر ، كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضّة ... كان إذا رضي وسرّ فكأنّ وجهه المرآة ، وكان فيه شيء من صور يخطو تكفّؤاً ، ويمشي هويناً ، يبدو القوم إذا سارع إلى الخير ، وإذا مشى تقلّع كأ نّما ينحطّ من صيب ، إذا تبسّم يتبسّم عن مثل المنحدر من بطون الغمام ، وإذا افتر افتر عن سنا البرق إذا تلألأ ، لطيف الخلق ، عظيم الخُلق ، ليّن الجانب ، إذا طلع بوجهه على الناس رأوا جبينه كأ نّه ضوء السراج المتوقّد ، كأنّ عرقه من وجهه

اللؤلؤ ، وريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر ، بين كتفيه خاتم النبوّة ...

2 _ كان (صلى الله عليه وآله) متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، ليس له راحة ، طويل السكت ، لا يتكلّم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه ، يتكلّم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه ، ولا تقصير ، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين ، تعظم عنده النعمة ، وإن دقّت لا يذمّ منها شيئاً ، غير أ نّه كان لا يذمّ ذوّاقاً ولا يمدحه . ولاتغضبه الدنيا وما نالها ، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتّى ينتصر له ، إذا أشار أشار بكفّه كلّها ، وإذا تعجّب قلبها ، وإذا تحدّث اتّصل بها ، فضرب راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وانشاح ، وإذا غضب غضّ طرفه ، جلّ ضحكه التبسّم ، يفتّر عن مثل حبّ الغمام.

3 _ إذا آوى (صلى الله عليه وآله) إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزءاً لله ، وجزءاً لأهله ، وجزءاً لنفسه ، ثمّ جزّأ جزءه بينه وبين الناس ، فيردّ ذلك بالخاصّة على العامّة ولا يدّخر عنهم منه شيئاً ، وكان من سيرته في جزء الاُمّة إيثار أهل الفضل بأدبه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم ، والاُمّة من مسألته عنهم وبإخبارهم بالذي ينبغي ويقول : ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته ، فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبّت الله قدميه

يوم القيامة ، لا يذكر عنده لا ذلك ولا يقبل من أحد غيره ، يدخلون روّاداً ولا يفترقون إلاّ عن ذواق ويخرجون أحلّة.

4 _ كان يخزن لسانه إلاّ عمّا كان يعنيه ، ويؤلّفهم ولا ينفّرهم ، ويكرم كريم كلّ قوم ويعلّيه عليهم ، ويحذّر الناس ، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقّد أصحابه ، ويسأل الناس عمّا في الناس ، ويحسّن الحسن ويقوّيه ويقبّح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا ويميلوا ، ولا يقصّر عن الحقّ ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنه أعمّهم نصيحةً للمسلمين ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة.

5 _ كان لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر ، لا يوطّن الأماكن وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، ويعطي كلّ جلسائه نصيبه ، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحداً أكرم عليه منه ، من جالسه صابره حتّى يكون هو المنصرف ، من سأله حاجة لم يرجع إلاّ بها ميسور على القول ، قد وسع الناس منه خلقه فصار لهم أباً وصاروا عنده في الخلق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ، ولا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحُرم ، ولا تثنى فلتاته ، متعادلين متواصلين فيه بالتقوى ، متواضعين ، يوقّرون الكبير ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.

6 _ كان (صلى الله عليه وآله) دائم البشر سهل الخُلق ليّن الجانب ليس بفظّ ولا غليظ ولاضحّاك ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح يتغافل عمّا لا يشتهي فلا يؤيس

منه ، ولا يخيب فيه مؤمّليه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والإكثار وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحداً ولا يعيّره ولا يطلب عثراته ولا عورته ، ولا يتكلّم إلاّ فيما رجا ثوابه ، إذا تكلّم أطرق جلساؤه ، كأنّ على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلّموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلّم أنصتوا له حتّى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوّلهم ، يضحك ممّا يضحكون منه ، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه ، حتّى إن كان أصحابه يستجلبونهم ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه ، ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ ، ولا يقطع على أحد كلامه حتّى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.

7 _ كان (صلى الله عليه وآله) سكوته على أربع : على الحلم والحذر والتقدير والتفكير ، فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأمّا تفكّره ففيما يبقى ويفنى ، وجمع له الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه ، وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده في الرأي في صلاح اُمّته ، والقيام فيما جمع له خير الدنيا والآخرة.

8 _ كان يبكي حتّى يبتلّ مصلاّه خشيةً من الله عزّ وجلّ من غير جرم . كان يبكي حتّى يغشى عليه ، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ فقال : أفلا أكون عبداً شكوراً ، وكذلك كان غشيان عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)وصيّه في مقاماته.

9 _ عن زيد الشحّام

، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : كان (صلى الله عليه وآله) يتوب إلى الله في كلّ يوم سبعين مرّة ، قلت : أكان يقول : أستغفر الله وأتوب إليه ؟ قال : لا ولكن كان يقول : أتوب إلى الله . قلت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوب ولا يعود ونحن نتوب ونعود ، فقال : الله المستعان.

كان لا يقوم من مجلس وإن خفّ حتّى يستغفر الله عزّ وجلّ خمساً وعشرين مرّة . كانت من أيمان رسول الله _ أي قسم _ : لا وأستغفر الله.

10 _ كان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضاً ، وكان أرأف الناس بالناس ، وخير الناس للناس ، وأنفع الناس للناس.

11 _ كان (صلى الله عليه وآله) يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، يتآلف أهل الشرف بالبرّ لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم ، لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه.

12 _ كان (صلى الله عليه وآله) يرقّع ثوبه ويخصف نعله ، ويحلب شاته ، ويأكل مع العبد ، ويجلس على الأرض ، ويركب الحمار ويردف ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله ، ويصافح الغنيّ والفقير ، ولا ينزع يده من يد أحد حتّى ينزعها هو ، ويسلّم على من استقبله من غنيّ وفقير وكبير وصغير ، ولا يحقّر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر ، وكان خفيف المؤونة كريم الطبيعة ، جميل المعاشرة طلق الوجه ، بسّاماً من غير ضحك ، محزوناً من غير عبوس ، متواضعاً من غير مذلّة ، جواداً من

غير سرف ، رقيق القلب رحيماً بكلّ مسلم ، ولم يتجشّأ من شبع قطّ ، ولم يمدّ يده إلى طمع قطّ.

13 _ كان ينظر في المرآة ويرجّل جمّته _ مجتمع شعر الناصية _ ويمتشط ، وربما نظر في الماء وسوّى جمّته فيه ، ولقد كان يتجمّل لأصحابه فضلا على تجمّله لأهله . وقال : إنّ الله يحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل.

14 _ كان (صلى الله عليه وآله) يجلس ثلاثاً : القرفصاء ، وهو أن يقيم ساقيه ويستقبلهما بيده ويشدّ يده في ذراعه ، وكان يجثو على ركبتيه ، وكان يثني رجلا واحداً ويبسط عليها الاُخرى ولم يُرَ متربّعاً قط.

15 _ وما أكل متّكئاً قطّ حتّى فارق الدنيا ، وما سئل شيئاً قط فقال : لا ، وما ردّ سائل حاجة قطّ إلاّ أتى بها أو بميسور من القول ، وكان أخفّ الناس صلاة في تمام ، وكان أقصر الناس خطبة وأقلّهم هذراً ، وكان يعرف بالريح الطيّب إذا أقبل . وإذا أكل مع القوم كان أوّل من يبدأ وآخر من يرفع يده ، وكان إذا أكل أكل ممّا يليه ، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده ، وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس ، وكان يمصّ الماء مصّاً ولا يعبّه عبّاً ، وكان يمينه لطعامه ، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه ، وكان يحبّ التيمّن في جميع اُموره ، في لبسه وتنقّله وترجّله.

16 _ كان (صلى الله عليه وآله) يقسّم لحظاته بين أصحابه ، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسويّة ، ولم يبسط رجليه بين أصحابه قطّ ... إذا حدّث بحديث تبسّم في حديثه . وكان يداعب

الرجل بريد به أن يسرّه . كان يداعب ولا يقول إلاّ حقّاً.

وكان أكثر ما يجلس تجاه القبلة.

17 _ كان (صلى الله عليه وآله) يؤتى بالصبيّ الصغير ليدعو له بالبركة ، فيضعه في حجره تكرمةً لأهله ، وربما بال الصبيّ عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول ، فيقول (صلى الله عليه وآله) : لا تزدموا _ أي لا تقطعوا _ بالصبيّ حتّى يقضي بوله ، ثمّ يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ، ولا يرون أ نّه يتأذّى ببول صبيّهم ، فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.

18 _ كان (صلى الله عليه وآله) لا يدع أحداً يمشي معه إذا كان راكباً حتّى يحمله معه ، فإن أبى قال تقدّم أمامني وأدركني في المكان الذي تريد ، ولم ينتقم لنفسه من أحد قطّ ، بل كان يعفو ويصفح . وإذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده ، وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته ، فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتّى يفعل . وكان يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم واستمالةً لقلوبهم ، ويكنّي من لم يكن له كنية ، فكان يدعى بما كنّاه ويكنّي أيضاً النساء اللاتي لهن الأولاد واللاتي لم يلدن ، ويكنّي الصبيان فيستلين به قلوبهم.

19 _ كان (صلى الله عليه وآله) إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل ، وكان يكره أن يقام له ، فكانوا إذا قدم لا يقومون لعملهم كراهة ذلك ، فإذا قام قاموا معه حتّى يدخل منزله . كان يكلّم الناس على قدر عقولهم

، ويداري الناس ويقول : أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض ، وكان خلقه القرآن . يعفو عمّن ظلم ويعطي من حرم ويصل من قطع ، كان كثير الضراعة والابتهال إلى الله تعالى ، دائم السؤال من الله تعالى أن يزيّنه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق ، ويقول في دعائه: « اللهمّ حسّن خُلقي » ، ويقول : « اللهمّ جنّبني منكرات الأخلاق » وبعث بالرأفة والرحمة ، وكان من رأفته (صلى الله عليه وآله) لاُمّته مداعبته لهم لكي لايبلغ بأحد منهم التعظيم حتّى لا ينظر إليه ، وليسرّ الرجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة وكان يقول : إنّ الله يبغض المعبّس في وجه إخوانه.

20 _ عن زيد بن ثابت قال : كنّا إذا جلسنا إليه (صلى الله عليه وآله) إن أخذنا في حديث ذكر الآخرة أخذ معنا ، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا ، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا.

21 _ كان (صلى الله عليه وآله) إذ لقى مسلماً بدأ بالمصافحة . وكان بريء من التكلّف ، ويخيط ثوبه ويخصف نعله ، ولا يستخدم الضيف ، وقال : لو دعيت إلى كراع لأجبت ، ولو اُهدي إليّ كراع لقبلت ، وكان يستشير أصحابه ثمّ يعزم على ما يريد . ويجلس مع أصحابه حلقة . وإذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة ، عاشر الخلق بخُلقه وزايلهم بقلبه ، فكان ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحقّ ، وكان يحبّ الخلوة بنفسه.

22 _ كان إذا جلس على الطعام جلس محقّراً ، وكان يلطع أصابعه ، ولم يتجشّأ قطّ ، ويجيب دعوة الحرّ والعبد ولو على ذراع أو كراع ، ويقبل الهدية

ولو أ نّها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة ، ولا يثبت بصره في وجه أحد ، يغضب لربّه ولا يغضب لنفسه . ويأكل ما حضر ولا يردّ ما وجد . وأكثر ثيابه البيض ، وكان له ثوب للجمعة خاصّة ، وكان إذا لبس جديداً أعطى خلق ثيابه مسكيناً ، يلبس خاتم فضّة في خنصره الأيمن ، يحبّ البطّيخ ، ويستاك عند الوضوء ، يشيّع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة ، يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده ، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتآلف أهل الشرف بالبرّ لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلاّ بما أمر الله ، لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه.

23 _ وكان أكثر الناس تبسّماً ما لم ينزل عليه قرآن ، لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس ، ما شتم أحداً بشتمة ، ولا لعن امرأة ولا خادماً بلعنة ، ولا لاموا أحداً إلاّ قال : دعوه . ولا يأتيه أحد حرّاً أو عبداً أو أمةً إلاّ قام معه في حاجته ، لا فظّ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيّئة السيّئة ، ولكن يغفر ويصفح ويبدأ من لقيه بالسلام . وكان (صلى الله عليه وآله) لا يقوم ولا يجلس إلاّ على ذكر الله ، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلاّ خفّف صلاته وأقبل عليه وقال : ألك حاجة ؟ وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة . وكان يكرم من دخل عليه حتّى ربما بسط ثوبه ، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته . وكان في الرضا والغضب لايقول إلاّ حقّاً.

24 _ كان (صلى

الله عليه وآله) يحبّ الفأل الحسن ويكره الطِّيَرة ، وإذا حدّث الحديث أو سُئل عن الأمر كرّره ثلاثاً ليُفهِم ويُفهَم عنه ، ويبدر من لقيه بالسلام ، ويزيد في جواب من يسلّم عليه ، وإذا بُشّر بمولودة قال : ريحانة ورزقها على الله ، وكان يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر . وقال : من سألنا لم ندّخر عنه شيئاً نجده . وما سُئل النبيّ (صلى الله عليه وآله) شيئاً قطّ فقال : لا ، إذا لم يكن عنده وعده ، وكان (صلى الله عليه وآله) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال : له حرفة ؟ فإن قالوا : لا ، قال (صلى الله عليه وآله) : سقط من عيني . قيل : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال : لأنّ المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه . وكان يقول (صلى الله عليه وآله) : إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غشّ لأحد فافعل ، وذلك من سنّتي ، ومن أحيا سنّتي فقد أحياني ، ومن أحياني كان معي في الجنّة . كان إذا أصبح قال لأصحابه : هل من مبشّرات ؟ يعني به الرؤيا ، وإذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل ما بال فلان ، ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون ، حتّى لا يفضح أحداً . وكان يحمل متاعه بنفسه ويقول : صاحب المتاع أحقّ بحمله.

25 _ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا غسل رأسه ولحيته غسلهما بالسدر ، وكان يرجّل شعره وأكثر ما كان يرجّل شعره بالماء ويقول : كفى بالماء طيباً للمؤمن ، وكان يطلي

العانة وما تحت الإليين في كلّ جمعة ، ويكتحل بالأثمد إذا آوى إلى فراشه ، يحتكل قبل أن ينام أربعاً في اليمنى وثلاثاً في اليسرى ، وكان يحبّ الطيب ويكره الرائحة الرديئة ، وكان يتطيّب بأصناف الطيب ، وإذا كان يوم الجمعة ولم يصب طيباً دعا بثوب مصبوغ به زعفران فرشّ عليه الماء ، ثمّ مسح بيده ثمّ مسح به وجهه ، ويكثر الطيب ، وربما سرّح لحيته في اليوم مرّتين وكان يضع المشط تحت وسادته إذا تمشّط به . وكان يقلّم أظفاره ويقصّ شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة.

26 _ كان (صلى الله عليه وآله) يسافر يوم الخميس ، وإذا سافر حمل معه خمسة أشياء : المرآة والمكحلة والمذري والسواك والمقراض . وإذا مشى مشياً يعرف أ نّه ليس بعاجز ولا كسلان . وإذا سلك طريقاً لم يرجع فيه ، وإذا هبط سبّح وإذا صعد كبّر ،

ولم يرتحل من منزل إلاّ وصلّى عليه ركعتين وقال : حتّى يشهد عليّ بالصلاة . وإذا ودّع المؤمنين قال : زوّدكم الله التقوى ووجّهكم إلى كلّ خير ، وقضى لكم كلّ حاجة ، وسلّم لكم دينكم ودنياكم وردّكم إليَّ سالمين . وكان يقول للقادم من مكّة : تقبّل الله نسكك وغفر ذنبك وأخلف عليك نفقتك.

27 _ كان (صلى الله عليه وآله) يلبس من الثياب ما وجد من إزار أو رداء أو قميص أو جبّة أو غير ذلك . وكان يعجبه الثياب الخضر ، وكان له عمامة تسمّى السحاب ، فوهبها من عليّ (عليه السلام) فربما خلع علي (عليه السلام) فيها فيقول (صلى الله عليه وآله) : أتاكم عليّ في السحاب ، وكان إذا لبس ثوباً لبسه

من قبل ميامنه ، ويقول : « الحمد لله الذي كساني ما اُواري به عورتي وأتجمّل به في الناس » ، وإذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره ، وكانت له عباءة تفرش له حيثما تنقّل ، تثنّى طاقين تحته ، كان يصلّي في الثوب الواحد الواسع ، وكان لباسه القطن ولم يكن يلبس الشعر أو الصوف إلاّ من علّة ، وكان يكره السواد إلاّ في ثلاثة : العمامة والخفّ والكساء ، وكره الحمرة في اللباس.

28 _ توفّي رسول الله وما وضع لبنة على لبنة ، وكان في منزله زوج حمام أحمر ، وكره أن يدخل بيتاً مظلماً إلاّ بسراج ، وكره أن يصوّروا سقوف البيت ، وكان يأتي دار قوم من الأنصار ودونه دور لا يأتيها فشقّ عليهم ذلك فكلّموه ، فقال : إنّ في داركم كلباً ، قالوا : فإنّ في دارهم سنوراً ، فقال (صلى الله عليه وآله) : السنور سبع . وكان ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره ، وما استيقظ من نوم إلاّ خرّ لله ساجداً . وإذا آوى إلى فراشه كان يقول : ( اللهمّ باسمك أحيا وباسمك أموت ) ، فإذا قام من نومه قال : ( الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور ) . ويقرأ قبل نومه آية الكرسي ويقول : ( بسم الله آمنت بالله وكفرت بالطاغوت ، اللهمّ احفظني في منامي وفي يقظتي ) ، وإذا راعه شيء في منامه قال : ( هو الله الذي لاشريك له ) ، ومن سننه صلاة الليل.

29 _ كان (صلى الله عليه وآله) يقول : ألا خيركم خيركم لنسائه ( لأهله ) وأنا خيركم لنسائي ،

وكان إبراهيم (عليه السلام) غيوراً وأنا أغير منه ، وكان المتعة من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكان يقسّم بين نسائه ، وكان يقول في دعائه : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من ولد يكون عليَّ ربّاً ، ومن مال يكون عليّ ضياعاً ، ومن زوجة تشيّبني قبل أوان مشيبتي ».

30 _ وما شيء أحبّ إليه (صلى الله عليه وآله) من أن يظلّ جائعاً خائفاً في الله ، وما كان يأكل متّكئاً على يمينه ولا على يساره ويجلس جلسة العبد تواضعاً لله . وكان يأكل الأصناف من الطعام ، يأكل ما أحلّ الله له مع أهله وخدمه إذا أكلوا ومع من يدعوه من المسلمين على الأرض ، وكان أحبّ الطعام إليه ما كان على ضعف . وإذا أكل مع القوم طعاماً كان أوّل من يضع يده وآخر من يرفعها ليأكل القوم . وما قدّم إليه طعام فيه تمر إلاّ بدأ بالتمر . وإذا لبناً مضمض فاه وقال : إنّ له دسماً . وكان يتخلّل وهو يطيّب الفم ويتخلّل بكلّ ما أصاب إلاّ الخوص والقصب ، ويمصّ الماء مصّاً ولا يعبّه عبّاً ، ويقول : الكباد من العبّ . يتنفّس في الإناء ثلاثة أنفاس ، يسمّي عند كلّ نفس ، ويشكر الله في آخرهن ، ويحبّ من اللحم الذراع ويعجبه العسل ، وما على وجه الأرض ثمرة أحبّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من الرمّان ، وإذا أكلها أحبّ أن لا يشركه فيه أحد ، وكان لا يأكل الحارّ حتّى يبرد ، ويقول : إنّ الطعام الحارّ غير ذي بركة فأبردوه ، وكان إذا أكل سمّى ، وما ذمّ طعاماً قطّ ،

كان إذا أعجبه أكله وإذا كرهه تركه ولا يحرمه على غيره . وكان يلحس القصعة ويقول : آخر الصحفة أعظم الطعام بركة ، وكان يغسل يده من الطعام حتّى ينقيها ، وكان لايأكل وحده . وكان إذا أكل الدسم أقلّ شرب الماء ، ويعجبه أن يشرب في القدح الشامي وكان يقول : هي أنظف آنيتكم ، ويشرب من أفواه القِرَب والأداوي ولايختتنها اختناتاً ويقول : إنّ اختنائها ينتنها . ولم يمتلئ قطّ شبعاً . وكان لا يأكل وحده ما أمكنه.

31 _ كان (صلى الله عليه وآله) إذا شرب الماء قال : « الحمد لله الذي لم يجعله اُجاجاً بذنوبنا ، وجعله عذباً فراتاً بنعمته » . وقال : اخلعوا نعالكم عند الطعام فإنّه سنّة جميلة وأروح للقدمين ، وأتى النبيّ سفرجلا فضرب يده على سفرجلة فقطعها ، وكان (صلى الله عليه وآله) يحبّه حبّاً شديداً فأكل وأطعم من بحضرته من أصحابه ، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله) : عليكم بالسفرجل فإنّه يجلو القلب ويذهب بطخاء الصدر . كان لا يردّ الطيب والحلواء.

32 _ كان (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن ينخّع غطّى رأسه ثمّ دفنه ، وإذا أراد أن يبزق فعل مثل ذلك ، وكان إذا أراد الكنيف غطّى رأسه . وكان يستاك كلّ ليلة ثلاث مرّات : مرّة قبل نومه ، ومرّة إذا قام من نومه إلى ورده ، ومرّة قبل خروجه إلى صلاة الصبح ، وكان يستاك لكلّ صلاة ، وإذا استاك استاك عرضاً ، وكان يستاك بالأراك أمره بذلك جبرئيل (عليه السلام) وكان يكثر من السواك.

33 _ وكان (صلى الله عليه وآله) يحدّد الوضوء لكلّ فريضة وكلّ صلاة ، وقد

جمع عليه بوضوء واحد كان يتوضّأ بمدّ من ماء ، ويغتسل بصاع . وقال (صلى الله عليه وآله) : خصلتان لااُحبّ أن يشاركني فيهما أحد : وضوئي فإنّه من صلاتي ، وصدقتي فإنّها تقع في يد الرحمان . وكان يتمضمض ثلاث مرّات في وضوء وكذلك يستنشق ثلاث مرّات.

34 _ كان (صلى الله عليه وآله) يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة ويصوم من التطوّع مثلي الفريضة وكان لا يترك صلاة الليل ، وكان يفتتح الصلاة الفريضة بسبع تكبيرات ، وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم يرفع بها صوته ، وكان يقول قبل القراءة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وكان أتمّ الصلاة وأوجزهم ، ولا يصلّي مكتوبة إلاّ قنت فيها ، في ثاني كلّ ركعتين ، وإذا سجد يستقبل الأرض بركبتيه مثل يديه ، ويسجد وهو مجنّح.

35 _ وكان (صلى الله عليه وآله) في صلاة الجماعة يمسح مناكب المصلّين في الصلاة ويقول : استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم . كان ينتظر وقت الصلاة ويشتدّ شوقه ويترقّب دخوله ويقول لبلال مؤذّنه : أرحنا يا بلال . وإذا دخل وقت الصلاة كان لايعرف أهلا ولا حميماً . كان يصلّي وقلبه كالمرجل يغلي من خشية الله تعالى ، يطأطئ رأسه ويرمي ببصره إلى الأرض ، وكان (صلى الله عليه وآله) يسمع صوت الصبيّ يبكي وهو في الصلاة ، فيخفّف الصلاة فتصير إليه اُمّه ، وقال لعليّ (عليه السلام) : يا عليّ ، عليك بتلاوة ( آية الكرسي ) في دبر صلاة مكتوبة فإنّه لا يحافظ عليها إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد.

ويقول : لركعتان في جوف الليل أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها . وكان يرفع يده عند كلّ

تكبيرة في الصلاة.

36 _ كان (صلى الله عليه وآله) يصوم حتّى يقال لا يفطر ويفطر حتّى يقال لا يصوم ، ثمّ صام يوماً وأفطر يوماً ثمّ صام الاثنين والخميس ، ثمّ آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أوّل الشهر والأربعاء في وسط الشهر والخميس في آخر الشهر . وكان يصوم تسع ذي الحجّة وثلاثة أيام من كلّ شهر ، وإذا دخل شهر رمضان تغيّر لونه وكثرت صلاته وابتهل في الدعاء وأشفق منه ، وإذا حزنه أمر استعان بالصوم والصلاة . وكان يفطر على التمر ، وإذا دخل العشر الأواخر من شهر رمضان شدّ المئزر واجتنب النساء وأحيا الليل وتفرّغ للعبادة ، ولم يزل يعتكف في العشر الأواخر.

37 _ ما منع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سائلا قطّ ، إن كان عنده أعطى وإلاّ قال : يأتي الله به . كان (صلى الله عليه وآله) أجود الناس بالخير من الريح الهابّة ، يعطي فلا يبخل ، ويمنح فلايمنع ، وكان لا يحجزه عن قراءة القرآن إلاّ الجنابة ، ولا ينام حتّى يقرأ السبحات سورة الحديد والحشر والصفّ والجمعة والتغابن . وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن ويمدّ صوته ، وإذا ختم السورة قال : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ، وإذا مرّ بآية فيها استبشار دعا ورغب ، وإذا مرّ بآية فيها تخويف دعا واستعاذ ، وكان يقعد في الحجر ويقرأ القرآن.

38 _ كان (صلى الله عليه وآله) يرفع يده إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين ، وإذا نظر في المرآة قال : « الحمد لله الذي أكمل خلقي وأحسن صورتي وزان منّي ما شان من غيري وهداني للإسلام

» ، وإذا استوى على راحلته خارجاً للسفر كبّر ثلاثاً ثمّ قال : « سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون ، اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى ومن العمل ما ترضى ، اللهمّ هوّن علينا سفرنا واطوِ عنّا بعده ، اللهمّ أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال » ، وإذا رجع قال : « آئبون تائبون عابدون لربّنا حامدون » ، وإذا لبس ثوباً جديداً قال : « الحمد لله الذي كساني ما يواري عورتي وأتجمّل به في الناس » ، وإذا قام من مجلسه قال : « سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك ».

وإذا دخل المسجد قال : « اللهمّ افتح لي أبواب رحمتك » ، فإذا خرج قال : « اللهمّ افتح لي أبواب رزقك » ، وفي خبر آخر يقول إذا دخل : « بسم الله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك » ، وإذا خرج يقول : « بسم الله اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك » ، وإذا آوى إلى فراشه اضطجع على شقّه الأيمن ووضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن ثمّ يقول : « اللهمّ قني عذابك يوم تبعث عبادك » وله أصناف من الدعوات يدعو بها إذا أخذ مضجعه ، وكان إذا وضعت المائدة بين يديه يقول : « سبحانك اللهمّ ما أحسن ما تبتلينا ، سبحانك ما أكثر ما تعطينا ، سبحانك

ما أكثر ما تعافينا ، اللهمّ أوسع علينا وعلى فقراء المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، اللهمّ اجعلها نعمةً مشكورة تصل بها نعمة الجنّة » ، وإذا وضع يده على الطعام قال : « بسم الله بارك لنا فيما رزقتنا وعليك خلفه » ، وإذا رفعت المائدة قال : « اللهمّ أكثرت وأطبت وباركت فأشبعت وأرويت ، الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم » ، وإذا رأى فاكهة جديدة قبّلها ووضعها على عينيه وفمه ثمّ قال : « اللهمّ أريتنا أوّلها في عافية فأرنا آخرها في عافية ».

وإذا أراد دخول المتوضّأ قال : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان ، اللهمّ أمط عنّي الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم » ، وإذا استوى جالساً للوضوء قال : « اللهمّ اذهب عنّي القذى والأذى واجعلني من المتطهّرين » ، وإذا رأى القذى قال : « اللهمّ كما أطعمتنيه طيّباً في عافية فأخرجه منّي خبيثاً في عافية » ، وإذا دخل الخلاء يقول : « الحمد لله الحافظ المؤدّي » ، وإذا خرج مسح بطنه وقال : « الحمد لله الذي أخرج عنّي أذاه وأبقى فيّ قوّته ، فيا لها من نعمة لا يقدّر القادرون قدرها » ، وإذا مرّ بالقبور قال : « السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون » ، وإذا ورد عليه أمر يسرّه قال : « الحمد لله على هذه النعمة » ، وإذا ورد عليه أمر يغتمّ به قال : « الحمد لله على كلّ حال » ، وإذا رأى ما يحبّ قال : « الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ».

39

_ وكان (صلى الله عليه وآله) إذا فرغ من صلاته تربّع ووضع يده اليمنى على رأسه ثمّ قال : « بسم الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم صلّ على محمّد وآل محمّد وأذهب عنّي الهمّ والحزن » ، وكان يقول بعد ما يفرغ من صلاته : « اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وإسرافي على أمري ( نفسي خ ) وما أنت أعلم به منّي ، اللهمّ أنت المقدّم والمؤخّر ، لا إله إلاّ أنت بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أجمعين ما علمت الحياة خيراً لي فأحيني ، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهمّ إنّي أسألك خشيتك في السرّ والعلانية ، وكلمة الحقّ في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرّة عين لا ينقطع ، وأسألك الرضا بالقضاء ، وبركة الموت بعد العيش ، وبرد العيش بعد الموت ، ولذّة النظر إلى وجهك ، وشوقاً إلى رؤيتك ولقائك ، من غير ضرّاء مضرّة ولا فتنة مضلّة ، اللهمّ زيّنّا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهديّين ، اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، اللهمّ إنّي أسألك عزيمة الرشاد ، والثبات في الأمر والرشد ، وأسألك شكر نِعَمك وحسن عافيتك ، وأداء حقّك ، وأسألك يا ربّ قلباً سليماً ، ولساناً صادقاً ، وأستغفرك لما تعلم ، وأسألك خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم ، فإنّك تعلم ولا نعلم ، وأنت علاّم الغيوب » ، وكان له تعقيبات عامّة وخاصّة بعد كلّ صلاة ، وإذا وضع وجهه للسجود يقول : « اللهمّ مغفرتك

أوسع في ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي فاغفر لي ذنوبي يا حيّاً لا يموت » ، وإذا أراد الانصراف من صلاته مسح جبهته بيده اليمنى ثمّ يقول : « اللهمّ لك الحمد إله إلاّ أنت عالم الغيب والشهادة ، اللهمّ أذهب عنّا الهمّ والحَزَن والفتن ما ظهر منها وما بطن » ، وكان يدعو بعد الصلاة : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لايخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يُسمع ، اللهمّ إنّي أعوذ بك من هؤلاء الأربع » ، وكان (صلى الله عليه وآله) يحمد الله في كلّ يوم ثلاثمائة مرّة وستّين مرّة عدد عروق الجسد يقول : « الحمد لله ربّ العالمين كثيراً على كلّ حال » ، وفي خبر إذا أصبح يقول 360 مرّة وكذلك إذا أمسى . وله عوذات كثيرة كما في كتب الأدعية والأوراد ، وكان (صلى الله عليه وآله) إذا نزل به كرب أو همّ دعا : « يا حيّ يا قيّوم يا حيّاً لا يموت يا حىّ لا إله إلاّ أنت كاشف الهمّ مجيب دعوة المضطرّين أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلاّ أنت المنّان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ربّ ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك يا أرحم الراحمين » ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما دعا أحد من المسلمين بهذه ثلاث مرّات إلاّ اُعطي مسألته ، إلاّ أن يسأل مأثماً أو قطيعة رحم . وكان من دعائه لحفظ القرآن الكريم : « اللهمّ ارحمني بترك معاصيك ما أبقيتني وارزقني حُسن النظر فيما يرضيك عنّي وألزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني

واجعلني أتلوه على النحو الذي يرضيك عنّي ، اللهمّ نوّر بكتابك بصري واشرح به صدري وفرّح به قلبي وأطلق به لساني ، واستعمل به بدني ، وقوّني على ذلك ، فإنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بك » ، كان يتضرّع عند الدعاء حتّى يكاد يسقط رداؤه . وكان إذا أصبح يقول : « اللهمّ إنّي أسألك إيماناً تباشر به قلبي ويقيناً حتّى أعلم أ نّه لا يصيبني إلاّ ما كتبت لي ورضّني بما قسمت لي » ، وكان من دعائه (صلى الله عليه وآله) : « اللهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك ، ومن اليقين ما يهوّن علينا من مصائب الدنيا ، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا » ، وكان يدعو : « اللهمّ اجعل حبّك أحبّ إليّ من نفسي وسمعي وبصري وأهلي ومالي ومن الماء البارد ».

40 _ وفي الحجّ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطوف بالليل والنهار عشرة أسابيع ثلاثة أوّل الليل وثلاثة آخر الليل ، واثنين إذا أصبح واثنين بعد الظهر ، وكان فيما بين ذلك راحته ، وكان يستلم الحجر في كلّ طواف فريضة ونافلة . ويقبل الأسود واليماني ويضع خدّه عليهما ، ويستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة ، وكان يلبّى كلّما لقي راكباً أو علا أكمة أو هبط وادياً ، ومن آخر الليل وفي أدبار الصلوات ، ويوم النحر يحلق رأسه ويقلّم أظفاره ويأخذ من شاربه ومن أطراف لحيته ، وحجّ عشرين حجّة مستسرّة.

كان (صلى الله عليه وآله) إذا ذكر لنفسه

فضيلة قال : ولا فخر ، وكان إذا سمع صوت الرعد قال : « سبحان من يسبّح الرعد بحمده » ، وإذا انكسفت الشمس والقمر قال للناس : اسعوا إلى مساجدكم.

هذا واعلم أنّ أوّل ما خلق الله نور محمّد (صلى الله عليه وآله) ثمّ خلق منه كلّ خير ، فكان في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة ، قال أمير المؤمنين في نهجه : ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالَم ليله ونهاره ، ولقد كنتُ أتّبعه اتباع الفصيل أثر اُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحرّاء _ جبل بمكّة معروف _ فأراه ولا يراه غيري _ إلى أن قال : _ ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله) فقلت : يا رسول الله : ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أ نّك لست نبيّاً.

ولكم في رسول الله وأوصيائه الطاهرين والعلماء الصالحين اُسوة حسنة وقدوة صالحة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

---

[1]مكارم الأخلاق : 95 ، الحديث 183.

[2]تطلق السنّة عند المؤرّخين بمعنى تأريخ حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعند المحدّثين عبارة عن أقواله وأفعاله وتقريراته ، وعند الفقهاء عبارة عن حكم من الأحكام الخمسة التكليفيّة أي الحرام والواجب والمكروه والمباح والمستحبّ وهو السنّة ، وفي الأحاديث الشريفة اُطلق على جميع الأوامر والأحكام التي قالها وعمل

بها النبيّ (صلى الله عليه وآله) . ( سنن النبيّ : 13 ).

[3]التوبة : 128.

[4]آل عمران : 31.

[5]الأنفال : 24.

[6]الأنعام : 90.

[7]الممتحنة : 4.

[8]آل عمران : 68.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.