السوال والذكر في رحاب القرآن والعترة

اشارة

سرشناسه : علوی عادل - 1955 عنوان و نام پديدآور : السوال و الذکر فی رحاب القرآن و العتره تالیف عادل العلوی مشخصات نشر : قم الموسسه الاسلامیه العامه للتبلیغ و الارشاد، 1378. مشخصات ظاهری : ص 64 فروست : (موسوعه رسالات اسلامیه 2: فقه استدلالی ) شابک : 964-5915-18-x (دوره ؛ 964-5915-06-6 1500ریال وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی يادداشت : عربی يادداشت : فهرستنویسی براساس اطلاعات فیپا. يادداشت : عنوان دیگر: رساله السوال و الذکر فی رحاب القرآن و العتره یادداشت : کتابنامه عنوان دیگر : رساله السوال و الذکر فی رحاب القرآن و العتره عنوان دیگر : رساله السوال و الذکر فی رحاب القرآن و العتره موضوع : ذکر -- جنبه های قرآنی موضوع : اسلام -- پرسشها و پاسخها -- جنبه های قرآنی موضوع : ذکر -- احادیث موضوع : اسلام -- پرسشها و پاسخها -- احادیث رده بندی کنگره : BP104 /ذ8 ع8 1378 رده بندی دیویی : 297/159 شماره کتابشناسی ملی : م 78-21186

الإهداء

إلى الذِّكرِ وأهله .

إلى من يطمئنّ قلبه بذكر الله سبحانه .

إليك أ يّها القارئ العزيز .

اُقدّم هذه الرسالة المختصرة ، برجاء القبول والدعاء والشفاعة .

العبد

عادل العلوي

فاسألوا أهل الذكر[1]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد ، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه : فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ )[2].

خلق الله سبحانه الإنسان مفطوراً على التفكير وطلب العلم والكمال :

( خَلَقَ الإنْسانَ عَلَّمَهُ البَيانَ )[3].

( إقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ عَلَق اقْرَأ وَرَبّكَ الأكْرَمُ عَلَّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ )[4].

فقد افتتح ربّنا الكريم كتابه المجيد بالعلم والقراءة ، فقد ذكر في صدر الآيات خلق الإنسان من علق ثمّ تعليمه ما لم يعلم ، إذ :

( وَاللهُ أخْرَجَكُمْ مِنْ بُطونِ اُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمونَ شَيْئاً )[5].

( وَفَوْقَ كُلِّ ذي عِلْم عَليمٌ )[6].

( وَقُلْ رَبِّي زُدْني عِلْماً )[7].

فذكر في سورة العلق أوّل حال الإنسان ، وهو كونه علقة ، وهي أخسّ الأشياء ، ثمّ ذكر آخر حاله ، وهو صيرورته عالماً ، وهو أجلّ المراتب ، فكأ نّه قيل للإنسان : لقد كنت في غاية الخساسة وصرت في آخر حالك في هذه الدرجة العالية التي هي الغاية في الشرف والكرامة ، بل جعل سبحانه العلم هو السبب الكلي لخلق هذا العالم في قوله تعالى :

( اللهُ الذي خَلَقَ سَبْعَ سَماوات وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُن لِتَعْلَموا أنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ وَأنَّ اللهَ قَدْ أحاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً )[8].

والعلم ميزانه الخشية والعبادة :

( ما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدونِ )[9].

أي ليعرفون كما ورد في الخبر الشريف.

فالإنسان منذ نعومة

أظفاره يطلب العلم[10] ، ولكن العلم خزائن وكنوز ، وجُعل مفتاحه السؤال ، والسؤال من المعاني الإضافية ، يتوقّف تعقّله وتصوّره

على معان اُخرى ، فإنّ السؤال رابط بين السائل والمسؤول ، وهو باعتبار المسؤول على نحوين :

1 _ طلب العلم.

2 _ طلب الحاجة.

ودراستنا هذه في القسم الأوّل ، فإنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، واطلبوا العلم ولو في الصين ، واطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ، ولو علمتم ما في طلب العلم لطلبتموه ولو بخوض اللجج وسفك المهج ، و :

( هَلْ يَسْتَوي الذينَ يَعْلَمونَ وَالذينَ لا يَعْلَمونَ )[11].

( يَرْفَعِ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْكُمْ وَالَّذينَ اُوتوا العِلْمَ دَرَجات )[12].

ولقد حثّ الإسلام واهتمّ غاية الاهتمام بطلب العلم وآداب المعلّم والمتعلّم ، وأ نّه أيّ العلوم تنفع وأ يّها لا تنفع ... وعشرات المباحث الاُخرى في هذا المجال . والذي نقصده من هذه العجالة هو مفتاح العلوم ، وهو السؤال ، فلماذا نسأل ؟ وماذا نسأل ؟ وبأي مقدار نسأل ؟ وما قيمة السؤال ؟ وما آداب السائل والمسؤول ؟ إضافةً إلى آداب المتعلّم والمعلّم التي ذكرها علماء الأخلاق في مصنّفاتهم ؟ ثمّ ممّن نسأل ؟

فالجواب : إنّما نسأل لأ نّا اُمرنا بطلب العلم الذي في الصدور والقلوب ، فإنّ العلم ليس بكثرة التعلّم ، إنّما العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، ذلك القلب[13] الذي يكون حرم الله وعرشه ، بتهذيبه وصفائه وتخليته من الصفات الذميمة ، وتحليته بالصفات الحميدة ، وتجليتها ، فيزكّي النفس التي خلقها الله وسوّاها :

( وَنَفْس وَما سَوَّاها فَألْهَمَها فُجورَها وَتَقْواها قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها )[14].

( قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنونَ )[15].

فنأخذ العلم من

أفواه الرجال ومن صدورهم :

( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الَّذينَ اُوتو العِلْمَ )[16].

ومن قلوبهم وعقولهم ، فإنّ الكلام إذا خرج من القلب دخل في القلب ، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان.

وحينئذ ورد في غرر الحكم عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « القلوب أقفال ، ومفاتيحها السؤال »[17].

ولمثل هذا ، ولدرك سعادة الدارين ، والوصول إلى الكمال المطلق المستجمع لجميع صفات الجلال والجمال ، لا بدّ لنا في الحياة من السؤال وأخذ العلم من أفواه العلماء والرجال ، ومصنّفاتهم الثمينة ومؤلّفاتهم القيّمة.

وأمّا قيمة السؤال : فقد قال الإمام الرضا (عليه السلام) : العلم خزائن ومفتاحها السؤال ، فاسألوا يرحمكم الله فإنّه يؤجر فيه أربعة : السائل والمعلّم والمستمع ( والسامع ) ، والمحبّ لهم[18].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : العلم خزائن ومفاتيحه السؤال ، فاسألوا رحمكم الله فإنّه يؤجر أربعة : السائل والمتكلّم والمستمع والمحبّ لهم[19].

وقال (عليه السلام) : هلك كثير من الناس بتركهم السؤال.

وناهيك عن هذا الحديث الشريف في أجر وأهميّة السؤال والجواب :

حضرت امرأة عند فاطمة الصدّيقة (عليها السلام) فقالت : إنّ لي والدة ضعيفة ، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء ، وقد بعثتني إليك أسألك ؟ فأجابتها عن ذلك ، فثنّت فأجابت ، ثمّ ثلّثت فأجابت إلى أن عشّرت فأجابت ، ثمّ خجلت من الكثرة وقالت : لا أشقّ عليكِ يا بنت رسول الله ، قالت فاطمة (عليها السلام) : هاتي سلي عمّا بدا لكِ ، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل ، وكراه مائة ألف دينار أيثقل عليه ذلك ؟ فقالت : لا ، فقالت : اكريت أنا لكلّ مسألة بأكثر

من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً ، فأحرى ألاّ يثقل عليّ ، سمعت أبي (صلى الله عليه وآله) يقول : إنّ علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله ، حتّى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور »[20].

فطلباً للعلم ، ولكي لا نهلك علينا أن نسأل . ولكن ماذا نسأل ؟ وبأيّ مقدار ؟

ورد في الخبر الشريف : سل عن اُمور دينك حتّى يقال عنك مجنون ، وهذا كناية عن كثرة السؤال ، وقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) : « سل عمّا لا بدّ لك من علمه ولا تُعذر في جهله »[21].

أي العلم الذي ينفع من علمه ، ويضرّ من جهله ، وهو علم العقائد الصحيحة والفقه السليم والأخلاق الطيّبة ، بدليل الحديث النبويّ الشريف :

دخل رسول الله المسجد ، فإذا جماعة قد أطافوا برجل ، فقال : ما هذا ؟ فقيل : علاّمة . قال : وما العلاّمة ؟ قالوا : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأ يّام الجاهلية وبالأشعار والعربية . فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ذاك علمٌ لا يضرّ من جهله ، ولا ينفع من علمه ، إنّما العلم ثلاثة : آيةٌ محكمة ، أو فريضةٌ عادلة ، أو سنّة قائمة ، وما خلاهنّ فهو فضل[22].

وعن الصادق (عليه السلام) ، قال : عليكم بالتفقّه في دين الله تعالى ، ولا تكونوا أعراباً _ أي لا تكونوا كالأعراب جاهلين بالدين غير متعلّمين ، غافلين عن أحكامه ، معرضين عنها وعن تعلّمها _ فإنّ من لم يتفقّه في دين الله تعالى لم ينظر الله تعالى إليه يوم

القيامة ، ولم يزك له عملا[23].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أ نّه قال : « أ يّها الناس ، اعلموا أنّ كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إنّ المال مقسوم مضمون لكم ، قد قسمه عادل بينكم ، وقد ضمنه وسيَفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله وقد اُمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه »[24].

« فلا تزهد في مراجعة الجهل وإن كنت قد شهرت بخلافه » ، و « السؤال نصف العلم » ، ولكن :

( يا أ يَّها الَّذينَ آمَنوا لا تَسْألوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤُكُمْ )[25].

( أمْ تُريدونَ أنْ تَسْألوا رَسولَكُمْ كَما سُئِلَ موسى مِنْ قَبْلُ )[26].

( إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح فَلا تَسْألْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )[27].

( قالَ رَبِّ إنِّي أعوذُ بِكَ أنْ أسْألْكَ ما لَيْسَ لي بِهِ عِلْمٌ ).

لأنّ الله سكت عن أشياء فاسكتوا عمّا سكت الله ، كما ورد في الخبر : « وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسياناً ، فلا تتكلّفوها ».

وفي قصّة نوح قال لله تعالى :

( قالَ يا نوحُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح فَلا تَسْألْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنِّي أعِظُكَ أنْ تَكونَ مِنَ الجاهِلينَ قالَ رَبِّ إنِّي أعوذُ بِكَ أنْ أسْألُكَ ما لَيْسَ لي بِهِ عِلْمٌ وَإلاّ تَغْفِرْ لي وَتَرْحَمْني أكُنْ مِنَ الخاسِرينَ )[28].

فإنّ الله يسأل عن أعمال عباده :

( وَقِفوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤولونَ ).

فهو سبحانه يسأل ولا يُسأل عن أمره وخلقه ، فهو العالم بكلّ شيء والقادر على كلّ شيء العزيز المدبّر الحكيم العليم اللطيف الخبير ، سبحانه وتعالى عمّا يصفون ، فإنّه لا يفعل إلاّ عن

حكمة تامّة ، فإنّ المؤمن لو يسأل عن فعل الله فيما شاء الله ، فكأ نّه يشمّ منه رائحة الاعتراض على أمر الله ، وعدم التسليم التامّ لحكم الله وقضائه وقدره :

( فَلا تَسْألْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ).

( وَلا تَسْألوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤُكُمْ ).

فهناك اُمور لا بدّ أن تبقى مخزونة محفوظة ، لا يعلمها إلاّ الله ، والراسخون في العلم.

وقد خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : إنّ الله كتب عليكم الحجّ ، فقام عكاشة ابن محصن ، ويروى سراقة بن مالك ، فقال : أفي كلّ عام يا رسول الله ؟

فأعرض عنه حتّى عاد مرّتين أو ثلاثاً ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ويحك وما يؤمنك أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولو وجبت ، ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم . فاتركوني ما تركتكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه[29].

والكليني بإسناده عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) ، قال : « جاء رجل إليه فسأله عن مسائل فأجاب ، ثمّ عاد ليسأل عن مثلها ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : مكتوب في الإنجيل : لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ، ولمّا تعملوا بما علمتم ، فإنّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفراً ، ولم يزدد من الله إلاّ بُعداً »[30].

فعليه : إنّما نسأل لنعلم ، وإنّما نعلم لنعمل ، ولا بدّ من الإخلاص في العمل ، والمخلصون على خطر عظيم.

فالمقصود

من السؤال هو الفهم والعلم وزيادة اليقين والمعرفة ، ومثل هذا السؤال له أجرٌ عظيم وثوابٌ جسيم . ووردت النصوص الدينية تحثّنا على ذلك . أمّا السؤال عمّا لا يزيدك علماً ، ولا نفع فيه ديناً ودنياً ، فإنّه لا خير فيه.

وأمّا آداب السائل والمسؤول والسؤال : فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : من أحسن السؤال علم ، ومن علم أحسن السؤال[31].

وقال (عليه السلام) : إذا سألت فسل تفقّهاً ، ولا تسأل تعنّتاً ، فإنّ الجاهل المتعلّم شبيه بالعالم ، وإنّ العالم المتعنّت شبيه بالجاهل[32].

« فالناس منقصون مذهولون إلاّ من عصم الله ، سائلهم متعنّت ومجيبهم متكلّف »[33].

وقال (عليه السلام) : « إنّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه بالسؤال ، ولا تعنّته في الجواب ، ولا تلحّ عليه إذا كسل ، ولا تأخذه بثوبه إذا نهض ، ولا تفشِ له سرّاً ، ولا تغتابنّ عنده أحداً ، ولا تطلبنّ عثرته ، وإن زلّ قبلت معذرته ، وعليك أن توقّره وتعظّمه لله ما دام حفظ أمر الله ، ولا تجلس أمامه ، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته »[34].

فإنّما يسأل إذا أذن له ، فإنّ السؤال عمّا لم يبلغ رتبته إلى فهمه ، لا يمدح عقباه ، ولمثل هذا منع الخضر موسى (عليهما السلام) عن السؤال قبل أوانه ، وقال له : إنّك لا تستطيع معي صبراً.

هذا ، وأمّا المسؤول : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا يستحي العالم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول : لا علم له به[35].

وعن الصادق (عليه السلام) : من أجاب في كلّ ما يسأل عنه لمجنون.

ومن ترك قول : لا أدري ، اُصيب

مقاتله ، وقول لا أعلم ، نصف العلم.

عن قاسم بن محمد بن أبي بكر _ أحد فقهاء المدينة المتّفق على علمه وفقهه بين المسلمين _ أ نّه سئل عن شيء فقال : لا اُحسنه ، فقال السائل : إنّي جئت إليك لا أعرف غيرك ! فقال القاسم : لا تنظر إلى طول لحيتي ، وكثرة الناس حولي ، والله ما اُحسنه . فقال شيخ من قريش جالسٌ إلى جنبه : يا ابن أخي ألزمها ! فقال : فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم ! فقال القاسم : والله لأن يقطع لساني أحبّ إليَّ أن أتكلّم بما لا علم لي به ! ![36].

ومن وصايا النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) قال : يا أبا ذرّ ، إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل : لا أعلم ، تنجُ من تبعته ، ولا تفتِ بما لا علم لك به ، تنجُ من عذاب الله يوم القيامة.

وعن الصادق (عليه السلام) : إذا سئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليقل : لا أدري ، ولا يقل : الله أعلم ، فيوقع في قلب صاحبه شكّاً ، وإذا قال المسؤول : لا أدري فلا يتّهمه السائل[37].

فمن الأدب :

1 _ حسن السؤال وحسن الجواب.

2 _ السؤال للتفهّم والعمل ، لا للتعنّت والإعجاز والأذى والاستهانة.

3 _ لا تكثر السؤال إلاّ إذا أذن لك.

4 _ لكلّ مقام مقال ، وإنّما يُسأل في أوانه.

5 _ لا يخجل من لا يدري أن يقول : لا أعلم ، فإنّ لا أدري نصف العلم.

6 _ أن تكلّم الناس على قدر عقولهم.

هذا بعض ما يستنبط من الروايات الشريفة التي مرّت ،

وهناك آداب اُخرى ذكرها العلماء في كتبهم القيّمة ، فراجع في مظانّه.

وأخيراً إلى من نرجع في أسئلتنا ؟ وممّن نسأل ؟

إنّما نرجع إلى أهل الخبرة ، ويسأل في كلّ فنّ أهله ، وفي كلّ علم أصحابه ، وربّنا الله العالم بكلّ شيء سبحانه وتعالى ، أمرنا في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وفيه فرقان كلّ شيء ، هدىً للمتّقين ورحمةً للمؤمنين ، أن نسأل فيما لا نعلم أهل الذكر ، في قوله تعالى : فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ).

---

[1]طبع هذا الموضوع في مجلة « نور الإسلام » البيروتية في عددين سنة 1412 ، فجدّد طبعه مع إضافات جديدة.

[2]النحل : 43 . الأنبياء : 7.

[3]الرحمن : 2 _ 3.

[4]العلق : 5.

[5]النساء : 23.

[6]يوسف : 76.

[7]طه : 114.

[8]الطلاق : 12.

[9]الذاريات : 56.

[10]لقد ذكرت تفصيل ذلك في « طالب العلم والسيرة الأخلاقية » و « خصائص القائد الإسلامي » و « رسالتنا » ، وكلّها مطبوعة ، فراجع.

[11]الزمر : 9.

[12]المجادلة : 11.

[13]لقد ذكرت تفصيل ذلك في كتاب « حقيقة القلوب في القرآن الكريم » ، وهو مطبوع ، فراجع.

[14]الشمس : 8 _ 9.

[15]المؤمنون : 1.

[16]العنكبوت : 49.

[17]ميزان الحكمة 4 : 330.

[18]بحار الأنوار 1 : 196.

[19]بحار الأنوار 1 : 196.

[20]المحجّة البيضاء 1 : 30.

[21]ميزان الحكمة 4 : 330.

[22]الكافي 1 : 32.

[23]المحجّة 2 : 27.

[24]المحجّة 1 : 25 ، عن الكافي 1 : 30.

[25]المائدة : 101.

[26]البقرة : 108.

[27]هود : 46.

[28]هود : 46 و 47.

[29]ميزان الحكمة 4 : 333.

[30]المحجّة البيضاء 1 : 127.

[31]ميزان الحكمة 4 : 331.

[32]الإرشاد ; للشيخ المفيد : 111.

[33]بحار الأنوار 2 : 119.

[34]ميزان الحكمة 4 :

335 ، عن بحار الأنوار 2 : 119.

[35]المصدر نفسه.

[36]ميزان الحكمة 4 : 335 ، عن بحار الأنوار 2 : 123.

[37]الميزان والبحار.

آداب المعلّم و المتعلّم في درسهما

هذا ، ويا حبّذا أن تتحلّى هذه الرسالة المختصرة بما قاله آية الحقّ الشهيد الثاني (قدس سره) في كتابه القيّم ( منية المريد في أدب المفيد والمستفيد ) ، حينما يذكر آداب المعلّم والمتعلّم في أنفسهما ، وذلك في القسم الأوّل ، وفي الثاني : آدابهما في درسهما ، وهي اُمور :

فيقول :

الأوّل : أن لا يزال كلّ منهما مجتهداً في الاشتغال قراءةً ومطالعةً وتعليقاً ومباحثةً ومذاكرةً وفكراً وحفظاً وإقراءً[1] وغيرها ، وأن تكون ملازمة الاشتغال بالعلم هي مطلوبه ورأس ماله ، فلا يشتغل بغيره من الاُمور الدنيويّة مع الإمكان ، وبدونه يقتصر منه على قدر الضرورة . وليكن بعد قضاء وظيفته من العلم بحسب أوراده ، ومن هنا قيل : أعطِ العلم كُلَّك يُعطِك بعضه[2].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال :

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ الله عزّ وجلّ يقول : تذاكُر العلم بين عبادي ممّا تحيا عليه القلوب الميّتة إذا هم انتهوا فيه إلى أمري[3].

وعن الباقر (عليه السلام) :

رحِمَ الله عبداً أحيا العلم . فقيل : وما إحياؤه ؟ قال : أن يذاكَر به أهل الدين والورع[4].

وعنه (عليه السلام) :

تذاكُر العلم دراسه ، والدراسة صلاة حسنة[5].

الثاني : أن لا يسأل أحداً تعنّتاً وتعجيزاً ، بل سؤال متعلّم لله أو معلّم له منبِّه على الخير ، قاصد للإرشاد أو الاسترشاد ، فهناك تظهر زبدة التعليم والتعلّم وتثمر شجرته.

فأمّا إذا قَصَد مجرّد المراء والجدل ، وأحبّ ظهور الفلَج والغلبة فإنّ ذلك يثمر في النفس ملَكَةً رديَّةً وسجيّةً خبيثة ،

ومع ذلك يستوجب المقت من الله تعالى . وفيه مع ذلك عدّة معاصي : كإيذاء المخاطب وتجهيل له وطعن فيه ، وثناء على النفس وتزكية لها ، وهذه كلّها ذنوب مؤكّدة ، وعيوب منهيٌّ عنها في محالِّها من السنّة المطهّرة ، وهو مع ذلك مشوِّش للعيش ، فإنّك لا تماري سفيهاً إلاّ ويؤذيك ، ولا حليماً إلاّ ويقليك.

وقد أكّد الله سبحانه على لسان نبيّه وأئمّته (عليهم السلام) تحريم المِراء ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

لا تمارِ أخاك ولا تمازحه ، ولا تَعِده موعداً فتُخلِفه.

وقال (صلى الله عليه وآله) :

ذروا المراء ، فإنّه لا تُفهم حكمته ، ولا تُؤمن فتنته.

وقال (صلى الله عليه وآله) :

من ترك المراء وهو محقٌّ بُني له بيت في أعلى الجنّة ، ومن ترك المِراء وهو مبطلٌ بُني له بيتٌ في رَبَض الجنّة.

وعن اُمّ سلمة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

إنّ أوّل ما عَهِد إليَّ ربِّي ، ونهاني عنه _ بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر _ ملاحاة الرجال.

وقال (صلى الله عليه وآله) :

ما ضلّ قومٌ ] بعد أن هداهم الله [ إلاّ اُوتوا الجَدَل.

وقال (صلى الله عليه وآله) :

لا يستكمل عبدٌ حقيقة الإيمان حتّى يدع المراء وإن كان محقّاً.

وقال الصادق (عليه السلام) :

المِراء داءٌ دويّ ، وليس في الإنسان خصلةٌ شرٌّ منه ، وهو خُلق إبليس ونسبته ، فلا يماري في أيّ حال كان إلاّ مَن كان جاهلا بنفسه وبغيره ، محروماً من حقائق الدين.

وروي أنّ رجلا قال للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) : إجلس حتّى نتناظر في الدين . فقال :

يا هذا ، أنا بصير بديني مكشوفٌ عليَّ

هُداي ، فإن كنت جاهلا بدينك فاذهب فاطلبه ، ما لي وللمماراة ؟ وإنّ الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه ويقول : ناظِر الناس لئلاّ يظنّوا بك العجز والجهل . ثمّ المراء لا يخلو من أربعة أوجه : إمّا أن تتمارى أنت وصاحبك فيما تعلمان ، فقد تركتما بذلك النصيحة ، وطلبتما الفضيحة ، وأضعتما ذلك العلم ; أو تجهلانه ، فأظهرتما جهلا وخاصمتما جهلا ; وإمّا تعلمه أنت فظلمت صاحبك بطلب عثرته ; أو يعلمه صاحبك فتركت حرمته ، ولم تُنزله منزلته . وهذا كلّه محال ، فمن أنصف وقَبِل الحقّ وترك المماراة ، فقد أوثق إيمانه وأحسن صُحبة دينه وصان عقله[6].

هذا كلّه[7] من كلام الصادق (عليه السلام).

واعلم أنّ حقيقة المراء الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه لفظاً أو معنىً أو قصداً لغير غرض ديني أمر الله به ، وترك المراء يحصل بترك الإنكار والاعتراض بكلّ كلام يسمعه ، فإن كان حقّاً وجب التصديق به بالقلب وإظهار صدقه حيث يطلب منه ، وإن كان باطلا ولم يكن متعلّقاً باُمور الدين ، فاسكت عنه ما لم يتمحّض النهي عن المنكر بشروطه.

والطعن في كلام الغير إمّا في لفظه بإظهار خلل فيه من جهة النحو أو اللغة أو جهة النظم والترتيب بسبب قصور المعرفة أو طغيان اللسان ; وإمّا في المعنى بأن يقول : ليس كما تقول ، وقد أخطأت فيه لكذا وكذا ; وإمّا في قصده مثل أن يقول : هذا الكلام حقّ ولكن ليس قصدك منه الحقّ ، وما يجري مجراه.

وعلامة فساد مقصد المتكلّم تتحقّق بكراهة ظهور الحقّ على يد غير يده ليتبيّن فضله ومعرفته للمسألة ; والباعث عليه الترفّع بإظهار الفضل والتهجّم على الغير بإظهار

نقصه ، وهما شهوتان رديّتان للنفس : أمّا إظهار الفضل فهو تزكية للنفس ، وهو من مقتضى ما في العبد من طغيان دعوى العلوّ والكبرياء ، وقد نهى الله تعالى عنه في محكم كتابه ، فقال سبحانه : ( فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ )[8] ; وأمّا تنقيص الآخر فهو مقتضى طبع السبعيّة ، فإنّه يقتضي أن يمزق غيره ويصدمه ويؤذيه ، وهي مُهلكة.

والمراء والجدال مقوّيان لهذه الصفات المهلكة ، ولا تنفكّ المماراة عن الإيذاء وتهييج الغضب وحمل المعترض على أن يعود فينصر كلامه بما يمكنه من حقٍّ أو باطل ، ويقدح في قائله بكلّ ما يتصوّر ، فيثور التشاجر بين المتماريَين ، كما يثور التهارش بين الكلبين ، يقصد كلّ منهما أن يعضّ صاحبه بما هو أعظم نكايةً وأقوى في إفحامه وإنكائه.

وعلاج ذلك أن يكسر الكبر الباعث له على إظهار فضله والسبعيّة الباعثة له على تنقيص غيره ، بالأدوية النافعة في علاج الكِبر والغضب من كتابنا المتقدّم ذكره في أسرار معالم الدين[9] أو غيره من الكتب المؤلّفة في ذلك.

ولا ينبغي أن يخدعك الشيطان ، ويقول لك : أظهر الحقّ ولا تداهن فيه . فإنّه أبداً يستجرّ الحمقى إلى الشرّ في معرض الخير ، فلا تكن ضُحكة الشيطان يسخر بك . فإظهار الحقّ حسن مع من يقبل منه ، إذا وقع على وجه الإخلاص ، وذلك من طريق النصيحة بالتي هي أحسن لا بطريق المماراة.

وللنصيحة صفة وهيأة ، ويُحتاج فيها إلى التلطّف ، وإلاّ صارت فضيحة ، فكان فسادها أعظم من صلاحها.

ومن خالط متفقّهة هذا الزمان ، والمتّسمين بالعلم غلب على طبعه المراء والجدال ، وعسر عليه الصمت إذا ألقى عليه قرناء السوء أنّ ذلك هو الفضل

. ففِرَّ منهم فرارك من الأسد.

الثالث : أن لا يستنكف من التعلّم والاستفادة ممّن هو دونه في منصب أو سنّ أو شهرة أو دين أو في علم آخر ، بل يستفيد ممّن يمكن الاستفادة منه ، لا يمنعه ارتفاع منصبه وشهرته من استفادة ما لا يعرفه ، فتخسر صفقته ويقلّ علمه ويستحقّ المقت من الله تعالى ، وقد قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

الحكمة ضالّة المؤمن ، فحيث وجدها فهو أحقّ بها[10].

وقال سعيد بن جبير (رحمه الله) : لا يزال الرجل عالماً ما تعلّم ، فإذا ترك التعلّم وظنّ أ نّه قد استغنى واكتفى بما عنده ، فهو أجهل ما يكون.

وأنشد بعضهم في ذلك :

وليس العمى طول السؤال وإنّما *** تمام العمى طول السكوت على الجهل

ومن هذا الباب أن يترك السؤال استحياءً ، ومن هنا قيل : من استحيا من المسألة لم يستحي الجهل منه.

وقيل أيضاً : من رقّ وجهه رقّ علمه[11].

وقيل أيضاً : لا يتعلّم العلم مستحي ولا مستكبر.

وروى زرارة ومحمّد بن مسلم وبُريد العِجلي ، قالوا : قال أبو عبد الله (عليه السلام) :

إنّما يهلك الناس ، لأ نّهم لا يسألون[12].

وعنه (عليه السلام) :

إنّ هذا العلم عليه قُفل ، ومفتاحه المسألة[13].

الرابع : وهو من أهمّها ، الانقياد للحقّ بالرجوع عند الهفوة ، ولو ظهر على يد من هو أصغر منه ، فإنّه مع وجوبه من بركة العلم ، والإصرار على تركه كبر مذموم عند الله تعالى ، موجب للطرد والبُعد ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال حبّة من كِبر . فقال بعض أصحابه : هلكنا يا رسول الله ! إنّ أحدنا يحبّ أن يكون

نعله حسناً وثوبه حسناً . فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ليس هذا الكِبر ، إنّما الكِبر بطَر الحقّ وغمص الناس[14].

والمراد ببطر الحقّ ردّه على قائله ، وعدم الاعتراف به بعد ظهوره ، وذلك أعمّ من ظهوره على يدي الصغير والكبير والجليل والحقير ، وكفى بهذا زجراً وردعاً.

الخامس : أن يتأمّل ويهذّب ما يريد أن يورده أو يسأل عنه قبل إبرازه والتفوّه به ليأمن من صدور هفوة أو زلّة أو وهم أو انعكاس فهم ، فيصير له بذلك ملكةٌ صالحة ، وخلاف ذلك إذا اعتاد الإسراع في السؤال والجواب فيكثر سقطه ويعظم نقصه ويظهر خطاؤه ، فيُعرف بذلك ، سيّما إذا كان هناك من قرناء السوء مَن يخشى أن يُصيِّر ذلك عليه وصمة ، ويجعله له عند نظرائه وحسَدَته وسمة.

السادس : أن لا يحضر مجلس الدرس إلاّ متطهّراً من الحدث والخبث متنظّفاً متطيّباً في بدنه وثوبه ، لابساً أحسن ثيابه ، قاصداً بذلك تعظيم العلم وترويح الحاضرين من الجلساء والملائكة ، سيّما إن كان في مسجد . وجميع ما ورد من الترغيب في ذلك لمطلق الناس ، فهو في حقّ العالم والمتعلّم آكد.

هذا ما بيّنه شهيدنا الثاني قدّس الله سرّه وأسكنه فسيح جنانه ، في كتابه القيّم ( منية المريد ) ، وإنّي لأنصح إخوتي الكرام بمطالعة هذا الأثر العظيم ، ليس للمرّة الواحدة ، بل تكراراً ومراراً ، لما فيه من الفوائد الثمينة والأخلاق الطيّبة والآداب الرفيعة.

ثمّ يا ترى بعد أن عرفنا أثر السؤال وأهميّته البالغة في حياة الإنسان ، ووقفنا ولو إجمالا على بعض آداب السؤال ، وعلمنا أنّ الله أمرنا في كتابه الكريم بقوله تعالى : فَاسْألوا أهلَ الذِّكْرِ

إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ).

فحينئذ لنا أن نسأل : ومَن هم أهل الذكر ؟

والجواب إنّما يكون من نفس القرآن المجيد ، ومَن عنده علم الكتاب.

فمن هم أهل الذكر ؟

---

[1]« إذا قرأ الرجل القرآن والحديث على الشيخ ، يقول : أقرأني فلان ، أي حملني على أن أقرأ عليه » ( لسان العرب 1 : 130 ، قرأ ).

[2]في ( محاضرات الاُدباء 1 : 50 ) : « قال الخليل : العلم لا يعطيك بعضه حتّى تعطيه كلّك » ; ومثله في ( إحياء علوم الدين 1 : 44 ) ; و ( ميزان العمل : 116 ) ، ونسبه إلى القيل.

[3]الكافي 1 : 40 _ 41 ، كتاب فضل العلم ، باب سؤال العالم وتذاكره ، الحديث 6.

[4]الكافي 1 : 41 ، كتاب فضل العلم ، باب سؤال العالم وتذاكره ، الحديث 7.

[5]الكافي 1 : 41 ، كتاب فضل العلم ، باب سؤال العالم وتذاكره ، الحديث 9.

[6]بحار الأنوار 2 : 135 ، الحديث 32.

[7]أي : من قوله : « قال الصادق (عليه السلام) » إلى هنا.

[8]سورة النجم : 32.

[9]يعني : كتاب ( منار القاصدين في أسرار معالم الدين ).

[10]بحار الأنوار 2 : 99 ، الحديث 58.

[11]الكافي 2 : 87 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الحياء ، الحديث 3.

[12]الكافي 1 : 40 ، كتاب فضل العلم ، باب سؤال العالم وتذاكره ، الحديث 2.

[13]الكافي 1 : 40 ، كتاب فضل العلم ، باب سؤال العالم وتذاكره ، الحديث 3.

[14]الكافي 2 : 310 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكبر ، الحديث 9.

هؤلاء أهل الذكر

قال الله سبحانه :

( الَّذينَ آمَنوا وَتَطْمَئِنّ قُلوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهَ ألا بِذِكْرِ

اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلوبُ )[1].

والدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون ، والله بلطفه وعنايته حذّر المؤمنين من الخسران ، وبيّن أسبابه في قوله تعالى :

( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تُلْهِكُمْ أمْوالُكُمْ وَلا أوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَاُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ )[2].

فاُولى صفات أهل الذكر : الإيمان ، ثمّ التقوى ، لقوله تعالى :

( إنَّ الَّذينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّروا فَإذا هُمْ مُبْصِرونَ )[3].

فالتذكّر هو الحدّ الوسط ، مقدّماته التقوى ، ونتيجته البصيرة والإبصار ، فالمتّقي أهل الذكر صاحب البصيرة ، يقف على حقائق الأشياء كما هي ، بحسب الطاقة البشرية.

أهل الذكر هم اُولو الألباب و الفكر و الدعاء :

( الَّذينَ يَذْكُرونَ اللهَ قِياماً وَقُعوداً وَعلى جُنوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرونَ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالأرْضَ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّار )[4].

هم أهل الصلاة :

( فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُروا اللهَ قِياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنوبِكُمْ )[5].

( أقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْري )[6].

أجل ، الشيطان الرجيم هو الذي يصدّ عن ذكر الله :

( إنَّما يُريدُ الشَّيْطانُ أنْ يوقِعَ بَيْنَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغْضاءَ في الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدُّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ )[7].

أتدري ماذا يقطف من يعرض عن ذكر الله ويغفل عن ربّه وينساه ؟

( نَسوا اللهَ فَأنْساهُمْ أنْفُسَهُمْ )[8].

أتعلم ماذا يكون عاقبة المعرضين عن ذكر الرحمن ؟

قال الله تعالى :

( وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإنَّ لَهُ مَعيشَةً ضنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني أعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصيراً قالَ كَذلِكَ أتَتْكَ آياتي فَنَسيتُها وَكَذلِكَ اليَوْمَ تُنْسى )[9].

( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضُ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرينٌ ... )[10].

فعلى كلّ واحد منّا أن يكون من الذاكرين :

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخيفَةً وَدونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ

وَلا تَكُنْ مِنَ الغافِلينَ )[11].

وعلينا أن ننزّه أنفسنا من النفاق ، إذ قال الله تعالى :

( إنَّ المُنافِقينَ يُخادِعونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإذا قاموا إلى الصَّلاةِ قاموا كُسالى يُراؤونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرونَ اللهَ إلاّ قَليلا )[12].

فالعبد والمحبّ حقّاً من كان يذكر معبوده ومعشوقه ومحبوبه دوماً ، ولا يغفل عن ذكره طرفة عين ، وقد وعدنا الله سبحانه أن يذكرنا لو ذكرناه في قوله تعالى :

( فَاذْكُروني أذْكُرْكُمْ وَاشْكُروا لي وَلا تَكْفُرونَ )[13].

وإنّما يذكر الله من كان يرجو لقاء الله ويؤمن بالمعاد :

( لِمَنْ كانَ يَرْجو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثيراً )[14].

ونتيجة الذكر الفلاح :

( قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى )[15].

ويكون من المتّقين الذين جاء في وصفهم في قوله تعالى :

( وَسارِعوا إلى مَغْفِرَة مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُها السَّماواتُ وَالأرْضُ اُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ * الَّذينَ يُنْفِقونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكاظِمينَ الغَيْظَ وَالعافينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُمحْسِنينَ * وَالَّذينَ إذا فَعَلوا فاحِشَةً أوْ ظَلَموا أنْفُسَهُمْ ذَكَروا اللهَ فَاسْتَغْفَروا لِذُنوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلاّ اللهَ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلوا وَهُمْ يَعْلَمونَ * اُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ خالِدينَ فيها وَنِعْمَ أجْرُ العامِلينَ )[16].

كما أنّ الشاعر المبدئي والفقيه الرسالي من استثناه الله عن الشعراء الذين يتبعهم الغاوون ، فقال سبحانه :

( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوونَ ( ألَمْ تَرَ أ نَّهُمْ في كُلِّ واد يَهيمونَ * وَأ نَّهُمْ يَقولونَ ما لا يَفْعَلونَ * إلاّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ وَذَكَروا اللهَ كَثيراً )[17].

فلا بدّ من الذكر الكثير بكرةً وأصيلا ، ولمثل هذا يطلب موسى كليم الله من ربّه وزيراً :

( وَاُشْرِكْهُ في أمْري كَيْ نُسَبِّحُكَ كَثيراً وَنَذْكُرُكَ كَثيراً )[18].

ومن فلسفة العبادات هو

ذكر الله سبحانه فهذا الحجّ في قوله تعالى :

( لِيَشْهَدوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُروا اسْمَ اللهِ في أ يَّام مَعْلومات )[19].

( فَإذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُروا )[20].

وما أكرم اُولئك الذين وهبهم الله العقل فاستعملوه في موضعه ( العقل ما عُبد به الرحمن واكتسب به الجنان ) ، وقال الله عنهم :

( إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآيات لاُولي الألْبابِ الَّذينَ يَذْكُرونَ اللهَ قِياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرونَ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ )[21].

( وَاذْكُرِ اللهَ كَثيراً وَسَبِّحْ بِالعَشِيِّ وَالإبْكارِ )[22].

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً )[23].

( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتيلا )[24].

( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأصيلا )[25].

( فَإذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُروا اللهَ قِياماً وَقُعوداً وَعَلى جُنوبِكُمْ )[26].

( إنَّما المُؤْمِنونَ الَّذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلوبُهُمْ )[27].

( الَّذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلوبُهُمْ وَالصَّابِرينَ عَلى ما أصابَهُمْ )[28].

( الَّذينَ آمَنوا وَتَطْمَئِنُّ قُلوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلوبُ )[29].

فالآيات في ذكر الله كثيرة ، وما أكثر الروايات في ذلك ، لم نتعرّض لها طلباً للاختصار.

وزبدة المخاض : أهل الذكر هم أولياء الله الكرام البررة ، هم أهل القرآن الكريم ، إذ من أسماء القرآن الذكر ، لقوله تعالى :

( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحافِظونَ )[30].

( كَلاّ إنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ )[31].

( أوْ اُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا )[32].

( إنَّ الَّذينَ كَفَروا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ )[33].

( وَإنْ يَكادُ الَّذينَ كَفَروا لَيُزْلِقونَكَ بِأبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعوا الذِّكْرَ )[34].

وآيات اُخرى تدلّ على ذلك ، كما إنّ من مصاديق الذكر الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) كما ورد في الروايات.

وكذلك أهل

الذكر هم الأئمة الأطهار عترة النبيّ المختار ، ومن كان منهم يحذو حذوهم كسلمان المحمّدي ، الذي قال في حقّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) : سلمان منّا أهل البيت ، ودليلنا على أنّ أتمّ مصداق لأهل الذكر هم أئمة الحقّ المعصومون من عترة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) آيات من القرآن الكريم والروايات الكثيرة من النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام) في كتب الفريقين _ السنّة والشيعة _ فمن الآيات قوله تعالى :

( في بُيوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرُ فيها اسْمُهُ )[35].

ولقول النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض »[36] ، فكلّ ما في القرآن من العلوم والمعارف فهو عند أهل البيت ، وكلّ ما عندهم فهو في القرآن إلى يوم القيامة ، إذ لن يفترقا في كلّ شيء.

أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة ، قالا : قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله)هذه الآية : ( في بُيوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعُ ) فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال : بيوت الأنبياء . فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها _ لبيت علي وفاطمة _ ؟ قال : نعم من أفاضلها[37].

في بيوت نزل فيهم القرآن الكريم ، وما هي بيوت حجارة ولا طين ، إنّما هي بيوت الأنبياء والمرسلين ، والعلماء ورثة الأنبياء ، وأتمّ مصاديق العلماء هم أهل البيت (عليهم السلام) ، ثمّ من يحذو حذوهم ويهتدي بهداهم ويقتدي بآثارهم ويتأسّى بهم

، ولكم في رسول الله اُسوة حسنة.

عن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) لقتادة : من أنت ؟ قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.

فقال له أبو جعفر الصادق (عليه السلام) : أنت فقيه أهل البصرة ؟ قال : نعم ... فسكت قتادة طويلا ، ثمّ قال : أصلحك الله ، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّامهم ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم كما اضطرب قدّامك ؟ ! !

فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : أتدري أين أنت ؟ بين يدي ( بُيوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعُ ) ، فأنت ثَمَّ ، ونحن اُولئك.

فقال له قتادة : صدقت والله ، جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين[38].

وأمّا الروايات الواردة في خصوص الآية الشريفة : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، فإليك جملة منها من كتب الفريقين _ السنّة والشيعة _ حتّى لا يكون بعد الحقّ إلاّ الضلال.

فمن يرى هذه الروايات الشريفة وأمثالها ، هل ينجو لو ذهب إلى زيد وعمرو ؟ ! !

وهل يصحّ أن يطلب الإنسان العلم من غير أهل البيت (عليهم السلام) ، وهم معدن العلم الصافي والمعارف الصحيحة ؟ !

ولماذا نختار مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وإنّ أتباعهم هم الفرقة الناجية ، وهم أهل القرآن والسنّة ، وهم أصحاب الحقّ والحقيقة.

وقفوهم إنّهم مسؤولون ، فهل سألوا وحقّقوا في دينهم ومذهبهم ؟ أم قلّدوا آباءهم ، وكانوا على آثارهم من دون علم وتحقيق.

فهل سألوا أهل الذكر الواقعيّين ؟ كما أمرنا الله سبحانه وأراد !

أم سألوا أحبارهم الضالّين المضلّين _ ضعف الطالب والمطلوب _ .

فمن هم أهل الذكر ؟

---

[1]الرعد : 28.

[2]المنافقون :

9.

[3]الأعراف : 1 _ 2.

[4]آل عمران : 191.

[5]النساء : 103.

[6]طه : 14.

[7]المائدة : 91.

[8]الحشر : 19.

[9]ص : 124 _ 126.

[10]الزخرف : 36 _ 38.

[11]الأعراف : 205.

[12]النساء : 142.

[13]البقرة : 153.

[14]الأحزاب : 21.

[15]الأعلى : 15.

[16]آل عمران : 132 _ 136.

[17]الشعراء : 234 _ 237.

[18]طه : 34.

[19]الحجّ : 28.

[20]البقرة : 200.

[21]آل عمران : 190 _ 191.

[22]آل عمران : 41.

[23]الأعراف : 205.

[24]المزّمّل : 8 .

[25]الإنسان : 25.

[26]النساء : 103.

[27]الأنفال : 2.

[28]الحجّ : 35.

[29]الرعد : 28.

[30]الحجر : 9.

[31]المدّثّر : 55 + وعبس : 12.

[32]ص : 1.

[33]فصّلت : 41.

[34]القلم : 51.

[35]النور : 36.

[36]لقد ذكرت مصادر الرواية عند الفريقين والمقارنة بين القرآن والعترة بالتفصيل في كتاب « في رحاب حديث الثقلين » ، فراجع.

[37]ميزان الحكمة 3 : 436.

[38]ميزان الحكمة 3 : 437.

أهل الذكر في كتب العامّة

أنقل هذه الأحاديث الشريفة من كتاب « تعليقات إحقاق الحقّ » لسيّدنا الاُستاذ آية الحقّ السيّد النجفي المرعشي قدّس سرّه الشريف.

فقد جاء في المجلّد الثالث ، الصفحة 482 :

قال المصنّف رفع الله درجته :

الثالثة والثمانون _ روى الحافظ محمّد بن موسى الشيرازي من علماء الجمهور ، واستخرجه من التفاسير الاثنى عشر[1] عن ابن عباس في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ )[2] ، قال : هو محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، هم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان ، وهم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومُختَلف الملائكة ، والله ما سمّي المؤمن مؤمناً إلاّ كرامةً لأمير المؤمنين . ورواه سفيان الثوري عن السدي عن الحارث ، انتهى.

قال الناصب خفضه الله :

أقول : ليس هذا من روايات تفاسير أهل السنّة ، وهي أشياء تدلّ على فضيلة آل العباء ، وهذا أمر لا ريب فيه ، ولا ينكرها

إلاّ المنافق ولا يعتقدها إلاّ المؤمن الخالص ، ولكن لا يبتّ به النصّ . انتهى.

أقول :

لا يخفى أنّ الحافظ المذكور من مشاهير أهل السنّة والتفاسير التي استخرج منها من تفاسيرهم ، فالقول بأنّ هذا ليس من روايات تفاسير أهل السنّة لا وجه له ، وكأ نّه إنّما أنكر كون تلك التفاسير من تفاسير أهل السنّة ; لأ نّه لكمال عداوته مع الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام) ، لمّا رأى لفظ التفاسير في كلام المصنّف مضافاً إلى اثني عشر توحّش طبعه وانتشر كذي ناب أهرّه الشرّ ، أو عاص اُحضر في المحشر ، فتوهّم أنّ تلك التفاسير تفاسير الأئمة الاثني عشر أو الاثني عشرية القائلين بإمامة ذلك المعشر ، ومن كرامات المصنّف (قدس سره) أ نّه اُلهم بأنّ مثل هذا الناصب الجاهل ربما يأتي بمثل هذا الإنكار ، ففصّل فيما بعد عند ذكر مطاعن بعض الصحابة أسامي مؤلّفي تلك التفاسير ليعلم أ نّهم من أهل السنّة والجماعة ، ولا يبقى مجال للإنكار والمنازعة.

وأمّا وجه الاستدلال بالآية فظاهر جدّاً ; لأنّ من سمّاه الله تعالى بأهل الذكر وأمر سائر الاُمّة بالسؤال عنه لا يكون إلاّ إماماً.

قال المصنّف رفع الله درجته :

الرابعة والثمانون _ عن الحافظ[3] في قوله تعالى : ( عَمَّ يَتَساءَلونَ عَنِ النَبَأِ العَظيمِ )[4] ، بإسناده إلى السدّي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال : ولاية عليّ ، يتساءلون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في شرق ولا في غرب ، ولا في برّ ولا في بحر ، إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت ، يقولان للميّت : مَن ربّك ؟ وما دينك ؟ ومَن نبيّك

؟ ومَن إمامك ؟ وعنه ، عن ابن مسعود ، قال : وقعت الخلافة من الله تعالى لثلاثة نفر ، آدم في قوله تعالى : ( إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَليفَةً ) ، وداود : ( إنَّا جَعَلْناكَ خَليفَةً في الأرْضِ )[5] ، وأمير المؤمنين : ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) ، داود وسليمان : ( وَلُِيمَكِّنَ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذي ارْتَضى لَهُمْ ) يعني الإسلام ( وَلِيُبْدِلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ ) من أهل مكّة ( أمْناً ) يعني في المدينة ( يَعْبُدونَني ) يعني يوحّدونني ( وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ ) لولاية عليّ ( فَاُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ ) يعني العاصين لله تعالى ولرسوله ، وهذا كلّه نقله الجمهور واشتهر عنهم وتواتر عنهم ، انتهى.

وجاء في المجلّد التاسع ، الصفحة 125 :

ومنها : قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ).

رواه جماعة من أعلام القوم :

منهم : العلاّمة محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه « المستخرج من التفاسير الاثني عشر » ( كما في كفاية الخصام : 338 ، طبعة طهران ).

قال في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، أي : فاسألوا عن أهل البيت ، والله ما سمّي المؤمن مؤمناً إلاّ بسبب حبّ عليّ بن أبي طالب.

ومنهم : العلاّمة الطبري في تفسيره ( 14 : 69 ، طبعة الميمنية بمصر ) قال : حدّثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن يمان ، عن اسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) ، قال : نحن أهل الذكر.

ومنهم : العلاّمة الثعلبي في تفسيره

كما في « العمدة » لابن بطريق ( الصفحة 150 ، طبعة تبريز ) ، في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال جابر الجعفي : لمّا نزلت هذه الآية قال علي : نحن أهل الذكر.

ومنهم : العلاّمة ابن كثير في تفسيره ( 2 : 570 ، طبعة مصر ) ، روى الحديث بعين ما تقدّم عن « تفسير الطبري ».

ومنهم : العلاّمة الآلوسي في « روح المعاني » ( 14 : 134 ، طبعة مصر ) ، ورد عن جابر ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ، اختصاص أهل الذكر بأئمة أهل البيت.

ومنهم : العلاّمة القندوزي في « ينابيع المودّة » ( الصفحة 119 ، طبعة إسلامبول ) ، روى عن الثعلبي بعين ما تقدّم عن « العمدة ».

وجاء في المجلّد الرابع عشر ، الصفحة 371 :

الآية السابعة والخمسون ، قوله تعالى ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ).

قد تقدّم ما ورد في نزولها في شأنه (عليه السلام) في 3 : 482 ، و 9 : 125 ، عن جماعة من العامّة في كتبهم ، ونستدرك النقل هاهنا عمّن لم ننقل عنهم.

وفيه أحاديث :

الأوّل _ ما رواه السدي .

رواه القوم :

منهم : العلاّمة الثعلبي في « الكشف والبيان » ( مخطوط ) ، قال :

روى في تفسير يوسف القطّان ، عن وكيع ، عن الثوري ، عن السدي ، قال : كنت عند عمر بن الخطّاب إذ أقبل عليه كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيّ بن أخطب ، فقالوا : إنّ في كتابك ( وَجَنَّة عَرْضُها السَّماواتُ وَالأرْضُ )إذا كانت سعة جنّة واحدة بسبع سماوات وسبع أرضين

، فالجنان كلّها يوم القيامة أين تكون ؟ فقال عمر : لا أعلم . فبينما هم في ذلك إذ دخل عليّ (عليه السلام) ، فقال : أفي شيء كنتم ؟ فألقى اليهوديّ المسألة عليه ، فقال لهم : خبّروني أنّ النهار إذا أقبل الليل أين يكون ؟ قالوا له : في علم الله تعالى . فقال عليّ (عليه السلام) : كذلك الجنان ، تكون في علم الله . فجاء عليّ (عليه السلام) إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأخبره بذلك . فنزل : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ).

ومنهم الحاكم الحسكاني في « شواهد التنزيل » ( 1 : 334 ، طبعة بيروت ) ، قال :

حدّثنا عبدويه بن محمد بشيراز ، حدّثنا سهل بن نوح بن يحيى ، حدّثنا أبو الحسن الحبابي ، حدّثنا يوسف بن موسى القطّان ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن السدي ، عن الحرث ، قال : سألت علياً عن هذه الآية : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : والله إنّا لنحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، ونحن معدن التأويل والتنزيل ، ولقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأته من بابه.

الثاني _ ما رواه جابر .

رواه جماعة من أعلام القوم :

منهم العلاّمة الشيخ عبيد الله الحنفي الأمرتسري من المعاصرين في « أرجح المطالب » ( الصفحة 85 ، طبعة لاهور ) ، قال :

عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) ، قال : قال عليّ بن أبي طالب : نحن أهل الذكر _ أخرجه الثعلبي في تفسيره

وصاحب « معالم التنزيل ».

ومنهم العلاّمة الخثعمي السهيلي في « التكملة » ( الصفحة 131 ، مخطوط ) :

روى الحديث عن عليّ بعين ما تقدّم عن « أرجح المطالب ».

ومنهم : الحاكم الحسكاني في « شواهد التنزيل » ( 1 : 335 ، طبعة بيروت ) ، قال :

أخبرنا أبو بكر الحرشي ، أخبرنا أبو منصور الأزهري ، أخبرنا أحمد بن نجدة ابن العريان ، أخبرنا عثمان بن أبي شيبة ، أخبرنا يحيى بن يمان ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : نحن أهل الذكر.

أخبرنا أبو سعد المعادي ، أخبرنا أبو الحسين الكهيلي ، أخبرنا أبو جعفر الحضرمي ، أخبرنا إسماعيل بن أبي الحكم الثقفي ، أخبرنا يحيى بن يمان به لفظاً سواء ، وأخبرنا أبو الحسن الأهوازي ، أخبرنا أبو بكر القاضي بن الجعابي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن هلال ، أخبرنا أبو هشام بن يمان به لفظاً سواء.

ورواه أيضاً سفيان بن وكيع ، عن يحيى في العتيق ، ورواه أيضاً أبان ابن تغلب ، عن أبي جعفر.

أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي ، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي ، أخبرنا أبو أحمد البصري ، أخبرنا أحمد بن عمّار ، أخبرنا عبد الرحمن بن صالح ، عن موسى ابن عثمان الحضرمي ، عن جابر ، عن محمد بن علي ، قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) قال عليّ (عليه السلام) : نحن أهل الذكر الذي عنانا الله جلّ وعلا في كتابه.

أخبرنا أبو الحسين ( الحسن « خ »

) الفارسي ، أخبرنا أبو بكر الفارسي ببيضاء فارس ، أخبرنا محمد بن القاسم ، أخبرنا أبو نعيم إبراهيم بن ميمون ، عن عليّ ابن عابس ، عن جابر ، عن أبي جعفر في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : نحن هم.

وأخبرنا أبو الحسن ، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن زيدان ، أخبرنا محمد ابن ثواب الهبازي ، كذا أخبرنا عبد الله بن الزبير ، أخبرنا أبو موسى ، عن سعد الإسكاف ، عن محمد بن علي في قوله عزّ ذكره : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : نحن هم.

أخبرنا أبو العباس الفرغاني ، أخبرنا أبو المفضّل الشيباني ، أخبرنا أبو زيد محمد بن أحمد بن سلام الأدسي بالمراغة ، أخبرنا السري بن خزيمة الرازي ، أخبرنا منصور بن أبي مويرة كذا عن محمد بن مروان ، عن السدي ، عن الفضيل ابن يسار ، عن أبي جعفر في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : هم الأئمة من عترة رسول الله ، وتلا : ( وَأنْزَلْنا عَلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا ) ( الطلاق : 10 ).

الثالث _ ما رواه ابن عباس .

رواه القوم :

منهم : العلاّمة علي بن عبد العالي المحقّق الكرخي المتوفّى سنة 940 في كتابه « نفحات اللاهوت » ( الصفحة 41 ) ، قال :

ونقل أنّ الحافظ محمد بن موسى الشيرازي وهو من علماء أهل السنّة روى واستخرجه من اثني عشر تفسيراً عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) ، قال : هم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، هم

أهل الذكر والعلم والعقل والبيان ، وهم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، والله ما سمّي المؤمن مؤمناً إلاّ كرامةً لأمير المؤمنين.

---

[1]المراد من التفاسير الاثنى عشر على ما صرّح به بعد مطاعن معاوية « تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان » و « تفسير ابن حجر جريح » و « تفسير مقاتل بن سليمان » و « تفسير وكيع بن جرّاح » و « تفسير يوسف بن موسى القطّان » و « تفسير قتادة » أبي علي بن عبيدة القاسم بن سلام و « تفسير حرب الطائي » و « تفسير السدي » و « تفسير مجاهد » و « تفسير مقاتل بن حيان » و « تفسير أبي صالح » و « تفسير محمد بن موسى الشيرازي ».

[2]النحل : 43.

أورده من حفّاظ القوم وأعيانهم عدّة ، ونحن نشير إلى بعض منهم فنقول :

منهم : العلاّمة الطبري في تفسيره ( 14 : 69 ، طبعة الميمنية بمصر ) حدّثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن يمان عن اسرائيل عن جابر عن أبي جعفر : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) ، قال : نحن أهل الذكر.

ومنهم : العلاّمة الثعلبي ، كما في العمدة للعلاّمة ابن بطريق ( الصفحة 150 ، طبعة تبريز ) في تفسير قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : قال جابر الجعفي : لمّا نزلت هذه الآية قال علي (عليه السلام) : نحن أهل الذكر.

ومنهم : العلاّمة ابن كثير في تفسيره ( 2 : 570 ، طبعة مصطفى محمد بمصر ) نقل عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، قال : نحن

أهل الذكر.

ومنهم : العلاّمة القطان في تفسيره ( كما في كفاية الخصام : 338 ، طبعة طهران ) روى عن الوكيع عن الثوري عن السدي نزول الآية في علي (عليه السلام).

ومنهم : الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي في كتاب المستخرج من التفاسير الاثني عشر ( كما في كفاية الخصام 338 ، طبعة طهران ) ، قال في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) : أي فاسألوا عن أهل البيت ، والله ما سمّي المؤمن مؤمناً إلاّ بسبب حبّ عليّ بن أبي طالب.

ومنهم : العلاّمة أبو الثناء الآلوسي في روح المعاني ( 14 : 134 ، طبعة المنيرية بمصر ) ، أورد عن جابر ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ، اختصاص أهل الذكر بأئمّة أهل البيت . روى ابن مردويه عن أنس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : إنّ الرجل ليصلّي ويصوم ويحجّ ويعتمر وإنّه لمنافق . قيل : يا رسول الله ، بماذا دخل عليه النفاق ؟ قال : يطعن على إمامه ، وإمامه من قال الله تعالى في كتابه : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ).

ومنهم : العلاّمة الشيخ السيّد سليمان القندوزي في ينابيع المودّة ( الصفحة 119 ، طبعة إسلامبول ) ، أخرج الثعلبي عن جابر بن عبد الله ، قال : قال علي بن أبي طالب : نحن أهل الذكر ، بكلا معنييه ، فقول تعالى : ( وَأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلْنَّاسِ ما نَزَلَ إلَيْهِمْ ) ، وقوله تعالى : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، وأمّا معناه محمد (صلى الله عليه وسلم) فالآية في سورة

الطلاق ، فاتّقوا الله يا اُولي الألبابِ ، إلى آخرها.

[3]هو أبو بكر بن مؤمن الشيرازي في رسالة الاعتقاد ( كما في مناقب الكاشي ، المخطوط ) ، قال : روى عن عبد الخير ، عن عليّ (عليه السلام) ، قال : سأل صخر بن حرب عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الأمر بعده ، قال (صلى الله عليه وسلم) : يا صخر ، الأمر بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى ، فنزلت ( عَمَّ يَتَساءَلونَ عَنِ النَبَأِ العَظيمِ الَّذي هُمْ فيهِ مُخْتَلِفونَ كَلاّ سَيَعْلَمونَ ثُمَّ كَلاّ سَيَعْلَمونَ ) ، فلا يبقى ميّت في شرق الأرض ولا غربها في بحر ولا برٍّ إلاّ منكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين وخلافته ، يقولان للميّت : مَن ربّك ، وما دينك ، ومن إمامك ؟

[4]النبأ : 1.

والنبأ محرّكة الخبر ، والنبي المخبر عن الله تعالى من نبأ وترك الهمزة.

[5]يعني أرض بيت المقدس ، كذا في شواهد التأويل.

أهل الذكر في كتب الخاصّة

يُعدّ بحار الأنوار لشيخنا الأجلّ العلاّمة المجلسي (قدس سره) من أنفس وأوسع الموسوعات الروائية لأصحابنا الكرام ، لجامعيّته وسعته ، وإنّه اسمٌ على مسمّىً ، وإن كان فيه الضعاف من الأحاديث ، إلاّ أنّ كثرة الروايات في كلّ باب ، يغنينا عن المراجعة إلى المصنّفات الاُخرى ، ولمثل هذا أكتفي بذكر الروايات المتعلّقة بالموضوع من هذا السفر القيّم والكتاب العظيم.

1 _ في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال علي (عليه السلام) : نحن أهل الذكر[1].

2 _ في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : آل محمّد هم أهل الذكر[2].

3 _ في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ

) ، أي أهل العلم بأخبار من مضى من الاُمم ، أو أهل الكتاب ، أو أهل القرآن ، لأنّ الذكر القرآن[3] . ويقرب منه ما رواه جابر ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أ نّه قال : نحن أهل الذكر ، وقد سمّى الله رسوله ذكراً في قوله : ( ذِكْراً رَسولا ) على أحد الوجهين[4].

4 _ في تفسير القمي ، في قوله تعالى : ( قَدْ أنْزَلَ اللهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا ) ، قال : ( الذكر ) اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونحن أهل الذكر[5].

5 _ عن الكلبي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قال لي : كم لمحمد اسمٌ في القرآن ؟ قال : قلت : إسمان أو ثلاث . فقال : يا كلبي ، له عشرة أسماء :

( وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ).

( وَمُبَشِّراً بِرَسول يَأتي مِنْ بَعْدي اسْمُهُ أحْمَدُ ).

( وَلَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ كادوا يَكونونَ عَلَيْهِ لُبَداً ).

( طه ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى ).

( يس وَالقُرْآنِ الحَكيمِ إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلينَ عَلى صِراط مُسْتَقيم ).

( نْ وَالقَلَمِ وَما يَسْطُرونَ ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنون ).

( يا أ يُّها المُزَّمِّلُ ).

( يا أ يُّها المُدَّثِّرُ ).

( إنَّا أنْزَلْنا إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا ) ، فالذكر اسم من أسماء محمد (صلى الله عليه وآله) ، ونحن أهل الذكر ، فسل يا كلبي عمّا بدا لك . قال : فاُنسبت والله القرآن كلّه ، فما حفظت منه حرفاً أسأله عنه[6].

6 _ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ

لا تَعْلَمونَ ) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الذكر أنا ، والأئمة (عليهم السلام) أهل الذكر ، وقوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : نحن قومه ونحن المسؤولون[7].

7 _ عن شعيب قال : كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه يونس فسأله _ وذكر الحديث ، وهو مفصّل ، فراجع _ إلاّ أ نّه يقول في حديث شعيب عند قوله ليونس : إذا أردت العلم الصحيح فعندنا ، فنحن أهل الذكر الذي قال الله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ )[8].

8 _ عن جابر الجعفي في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : قال عليّ (عليه السلام) : نحن أهل الذكر[9].

9 _ عن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث طويل في احتجاجه مع المأمون حول الآية الشريفة : ( ثُمَّ أوْرَثْنا الكِتابَ الَّذينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) أنّ المراد هم العترة ، فيستدلّ الإمام (عليه السلام) على ذلك بآيات من القرآن الكريم ، فقال : وأمّا التاسعة : فنحن أهل الذكر الذين قال الله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) ، فنحن أهل الذكر ، فاسألونا إن كنتم لا تعلمون . فقالت العلماء _ الذين كانوا مع المأمون _ : إنّما عنى بذلك اليهود والنصارى ! فقال أبو الحسن (عليه السلام) : سبحان الله ، وهل يجوز ذلك ؟ إذاً يدعونا إلى دينهم ويقولون : إنّه أفضل من دين الإسلام ! فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا

الحسن ؟ فقال (عليه السلام) : نعم ، الذكر رسول الله ، ونحن أهله ، وذلك بيّنٌ في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول في سورة الطلاق : ( فَاتَّقوا يا اُولي الألْبابِ الَّذينَ آمَنوا قَدْ أنْزَلَ اللهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا يَتْلو عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّنات ) ، فالذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونحن أهله ، فهذه التاسعة[10].

10 _ بحار الأنوار 23 : 172 ، الباب 9 : « إنّهم (عليهم السلام) الذكر وأهل الذكر وإنّهم المسؤولون ، وإنّه فرض على شيعتهم المسألة ، ولم يفرض عليهم الجواب » ، وفي الباب 65 رواية ، منها :

في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، تفسير : قيل : المراد بأهل الذكر أهل العلم ، وقيل : أهل الكتاب ، وستعلم من الأخبار المستفيضة أ نّهم الأئمة (عليهم السلام)لوجهين : الأوّل : أ نّهم أهل القرآن لقوله تعالى بعد تلك الآية في سورة النحل : ( وَأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلْنَّاسِ ما نَزَلَ إلَيْهِمْ ) ، والثاني : أ نّهم أهل الرسول ، وقد سمّاه الله ذكراً في قوله : ( ذِكْراً رَسولا ) ، وهذا ممّا روته العامّة أيضاً . روى الشهرستاني في التفسير المسمّى بمفاتيح الأسرار عن جعفر بن محمد (عليه السلام)أنّ رجلا سأله فقال : من عندنا يقولون : قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) أنّ الذكر هو التوراة ، وأهل الذكر هم علماء اليهود . فقال (عليه السلام) : والله إذاً يدعوننا إلى دينهم ، بل نحن والله أهل الذكر الذين أمر الله تعالى بردّ المسألة إلينا ، قال : وكذا

نقل عن عليّ (عليه السلام) أ نّه قال : نحن أهل الذكر.

11 _ في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال الإمام الباقر (عليه السلام) : نحن أهل الذكر.

12 _ قال أبو جعفر الطوسي : سمّى الله رسوله ذكراً ، قوله تعالى : ( قَدْ أنْزَلَ اللهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا ) ، فالذكر رسول الله ، والأئمة أهله ، وهو المروي عن الباقر والصادق والرضا (عليهم السلام).

13 _ قال سليمان الصهرشتي : الذكر القرآن ( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ )وهم حافظوه والعارفون بمعانيه ، تفسير يوسف القطّان ووكيع بن الجرّاح واسماعيل السدّي وسفيان الثوري إنّه قال الحارث : سألت أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه الآية ، قال : والله إنّا لنحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، نحن معدن التأويل والتنزيل.

14 _ عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) من المعنون بذلك ؟ قال : نحن . قلت : فأنتم المسؤولون ؟ قال : نعم . قلت : ونحن السائلون ؟ قال : نعم . قلت : فعلينا أن نسألكم ؟ قال : نعم . قلت : وعليكم أن تجيبونا ؟ قال : لا ، ذاك إلينا ، وإن شئنا فعلنا وإن شئنا تركنا ، ثمّ قال : هذا عطاؤنا فامنن او أمسك بغير حساب.

15 _ عن البزنطي ، فيما كتب إليه الرضا (عليه السلام) ، قال الله تبارك وتعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، وقال : ( وَما كانَ المُؤْمِنونَ لِيَنْفِروا كافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَةٌ لَيَتَفَقَّهوا

في الدِّينِ وَلِيُنْذِروا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرونَ ) ، فقد فرضت عليكم المسألة ، والردّ علينا ، ولم يفرض علينا الجواب.

16 _ عن الفضيل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله تعالى : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : الذكر القرآن ، ونحن قومه ، ونحن المسؤولون . ومثله عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وعن زرارة مثله.

17 _ عن عمر بن يزيد ، قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأهل بيته الذكر ، وهم المسؤولون.

قال العلاّمة في بيان ذلك : فسّر المفسّرون الذكر بالشرف ، والسؤال بأ نّهم يسألون يوم القيامة عن أداء شكر القرآن والقيام بحقّه ، وعلى هذه الأخير المعنى أ نّكم تسألون عن علوم القرآن وأحكامه في الدنيا.

18 _ عن أبي بصير في قول الله تعالى : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأهل بيته هم المسؤولون ، وهم أهل الذكر.

19 _ عن صفوان عن الرضا (عليه السلام) ، في قول الله : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : نحن هم.

20 _ بالإسناد عن الرضا (عليه السلام) ، قال : قال الله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ )وهم الأئمة ، ( إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) فعليهم أن يسألوهم وليس عليهم أن يجيبوهم ، إن شاؤوا أجابوا وإن شاؤوا لم يجيبوا.

21 _ عن أبي بكر الحضرمي ، قال : كنت عند أبي جعفر

(عليه السلام) ودخل عليه الورد أخو الكميت ، فقال : جعلني الله فداك ، اخترت لك سبعين مسألة وما يحضرني مسألة واحدة منها ، قال : ولا واحدة يا ورد ؟ قال : بلى قد حضرني واحدة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله تبارك وتعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : يا ورد ، أمركم الله تبارك وتعالى أن تسألونا ، ولنا إن شئنا أجبناكم ، وإن شئنا لم نجبكم.

22 _ عن الوشّاء ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : قال علي بن الحسين (عليه السلام) : على الائمة من الفرض ما ليس على شيعتهم ، وعلى شيعتنا ما ليس علينا ، أمرهم الله أن يسألونا ، فقال : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب ، إن شئنا أجبنا ، وإن شئنا أمسكنا.

23 _ عن هشام بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) من هم ؟ قال : نحن . قال : قلت : علينا أن نسألكم ؟ قال : نعم ، قلت : عليكم أن تجيبونا ؟ قال : ذلك إلينا . ومثله عن ابن أبي عمير.

24 _ عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قول الله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) من هم ؟ قال : نحن . قلت : فمن المأمورون بالمسألة ؟ قال : أنتم . قال

: قلت : فإنّا نسألك كما اُمرنا ، وقد ظننت أ نّه لا يمنع عنّي إذا أتيته من هذا الوجه . قال : فقال : إنّما اُمرتم أن تسألونا ، وليس لكم علينا الجواب ، إنّما ذلك إلينا.

25 _ عن معلّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : هم آل محمّد ، فعلى الناس أن يسألوهم ، وليس عليهم أن يجيبوا ، ذلك إليهم ، إن شاؤوا أجابوا ، وإن شاؤوا لم يجيبوا.

26 _ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : قلت له : إنّ مَن عندنا يزعمون أنّ قول الله ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) أ نّهم اليهود والنصارى . قال : إذاً يدعونهم إلى دينهم ، ثمّ أشار بيده إلى صدره فقال : نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.

27 _ عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أ نّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : هم آل محمّد ، وأنا منهم.

28 _ عن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : كتاب الله الذكر ، وأهله آل محمد الذين أمر الله بسؤالهم ، ولم يؤموا بسؤال الجهّال ، وسمّى الله القرآن ذكراً فقال : ( وَأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلْنَّاسِ ما نَزَلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرونَ ).

29 _

عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قول الله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : الذكر القرآن ، وآل رسول الله أهل الذكر ، وهم المسؤولون.

30 _ عن عبد الله بن عجلان ، في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأهل بيته من الأئمة هم أهل الذكر.

31 _ عن حمّاد بن بريد ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : الذكر القرآن ، ونحن أهله.

32 _ عن عبد الله بن جعفر ، بسنده ، وعن عبد الله بن عطا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : نحن اُولو الذكر ، واُولو العلم ، وعندنا الحلال والحرام.

33 _ عن حمزة بن محمد الطيّار ، قال : عرضت على أبي عبد الله (عليه السلام) بعض خطب أبيه حتّى انتهى إلى موضع ، فقال : كفّ فاسكت ، ثمّ قال لي : اكتب ، وأملى عليَّ : إنّه لا يسعكم فيما نزل بكم ممّا لا تعلمون إلاّ الكفّ عنه والتشبّث فيه ، وردّه إلى أئمّة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد ، ويحلّوا عنكم فيه العمى ، قال الله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ).

34 _ عن أحمد بن محمد ، قال : كتب إليَّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) : عافانا الله وإيّاك أحسن عافيته ، إنّما شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا ، وإذا خفنا خاف ، وإذا أمنّا أمن ، قال الله

: ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، وقال : ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَةٌ لَيَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِروا قَوْمَهُمْ ) الآية . فقد فرضت عليكم المسألة ، والردّ إلينا ، ولم يفرض علينا الجواب أو لم تنهوا عن كثرة المسائل فأبيتهم أن تنتهوا ؟ إيّاكم وذاك ، فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم لأنبيائهم ، قال الله : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَسْألوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسؤكُمْ ).

35 _ عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : نحن.

36 _ في تفسير الثعلبي ، قال عليّ (عليه السلام) في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) : نحن أهل الذكر.

37 _ عن أبانة أبي العباس الفلكي ، قال علي (عليه السلام) : ألا إنّ الذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونحن أهله ، ونحن الراسخون في العلم ، ونحن منار الهدى وأعلام التقى ، ولنا ضربت الأمثال.

38 _ ( الَّذينَ آمَنوا وَتَطْمَئِنُّ قُلوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ) ، قال : ( الَّذينَ آمَنوا )الشيعة ، و ( ذِكْرِ اللهِ ) أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) ، ثمّ قال : ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب.

39 _ قال العلاّمة (قدس سره) في كتاب كشف الحقّ ، روى الحافظ محمد بن موسى الشيرازي من علماء الجمهور ، واستخرجه من التفاسير الاثنى عشر عن ابن عباس في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، وهم أهل

الذكر والعلم والعقل والبيان ، وهم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، والله ما سمّي المؤمن مؤمناً إلاّ كرامةً لأمير المؤمنين (عليه السلام) . ورواه سفيان الثوري عن السدّي عن الحارث ، انتهى.

40 _ عن ابن نباتة ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، في قوله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : نحن أهل الذكر.

41 _ عن سليم بن قيس ، عن علي (عليه السلام) ، قال : قوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، فنحن قومه ونحن المسؤولون.

42 _ عن محمد الحلبي ، قال : قوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، فرسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم أهل الذكر ، وهم المسؤولون ، أمر الله الناس أن يسالوهم فهم ولاة الناس وأولاهم بهم ، فليس يحلّ لأحد من الناس أن يأخذ هذا الحقّ الذي افترضه الله لهم.

43 _ عن صفوان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : قوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) من هم ؟ قال : نحن هم.

44 _ عن عبد الله ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : قوله ( وَلِقَوْمِكَ ) يعني عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وسوف تسألونَ عن ولايته.

45 _ عن خالد بن نجيح ، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) ، في قوله تعالى : ( ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلوبُ ) ، قال : بمحمّد (صلى

الله عليه وآله) تطمئنّ القلوب ، وهو ذكر الله وحجابه.

46 _ عن الحسين بن سعيد ، بإسناده ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : نحن أهل الذكر[11].

47 _ وفي تعقيبات الصلوات ، جاء في الدعاء : « ... اللّهم صلِّ على محمّد وآله ، وتقبّلها منّي بأحسن قبولك ، ولا تؤاخذني بنقصانها وما سها عنه قلبي منها ، فتمّمه لي برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، اُولي الأمر الذين أمرت بطاعتهم ، واُولي الأرحام الذين أمرت بصلتهم ، وذوي القربى الذين أمرت بمودّتهم ، وأهل الذكر الذين أمرت بمسألتهم ، والموالي الذين أمرت بموالاتهم ومعرفة حقّهم ، وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم

تطهيراً »[12].

48 _ عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أ نّه قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له : ولئن تقمّصها _ أي الخلافة _ دوني الأشقيان ، ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ ، وركباها ضلالة ، واعتقداها جهالة ، فلبئس ما عليه وردا ، ولبئس ما لأنفسهما مهّدا ، يتلاعنان في دورهما ، ويتبرّأ كلّ من صاحبه ، يقول لقرينه إذا التقيا : ( يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين ) ، فيجيبه الأشقى على رثوثه : يا ليتني لم أتّخذك خليلا ، لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا ، فأنا الذكر الذي عنه ضلّ ، والسبيل الذي عنه مال ، والإيمان الذي به كفر ، والقرآن الذي إيّاه هجر ، والدين الذي عنه مال ، والإيمان

الذي به كفر ، والقرآن الذي إيّاه هجر ، والدين الذي به كرب ، والصراط الذي عنه نكب ... إلى تمام الخطبة المنقولة في روضة الكافي[13].

49 _ في قوله تعالى : ( ذِكْراً رَسولا ) ، عن الرضا (عليه السلام) : أنّ الذكر هنا هو الرسول ، ونحن أهل الذكر[14].

50 _ عن هارون بن حمزة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : ( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الَّذينَ اُوتو العِلْمَ ) ، قال : هي الأئمة خاصّة[15].

نستنتج من الروايات التي مرّت وإنّها متواترة معنىً وبالإجمال ، أنّ الذكر

هو القرآن الكريم والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وأهل الذكر هم أهل العلم والقرآن آل النبيّ الأطهار الأئمة الأبرار (عليهم السلام) ، فكلّهم نور واحد ، ومن أصل واحد ، في بيوتهم نزل الكتاب ، وبهم يعرف الصواب ، فنرجع إليهم في كلّ شيء في حضورهم ، وفي عصر غيبتهم نرجع إلى من أرشدونا وأمرونا أن نرجع إليهم ، وهم الفقهاء العظام والعلماء الكرام.

وهذا هو الحقّ ، وهل بعد الحقّ إلاّ الضلال ؟ !

اُكرّر لزيادة التقرير :

إنّما نسأل أهل الذكر ، وهم أهل القرآن وأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإنّما يعرف القرآن من خوطب به ونزل في بيته ، ثمّ نرجع إلى رواة أحاديثهم ومن يحمل علومهم ، من فقهائهم الكرام ، من صان نفسه وحافظ على دينه ، وأطاع مولاه وخالف هوى ، وأحيى سنّة النبيّ في زهده وورعه وتقواه ، أصحاب الإيمان والتوحيد والبكاء والخشوع والخشية ، كما ذكرهم الله في كتابه الكريم ، الذي يدعو إلى الله بإخلاص ويعمل لله بإخلاص

، فإنّ من استمع إلى ناطق فقد عبده ، فإن نطق عن الله فقد عبد الله ، وإن نطق عن الهوى وعن الشيطان فقد عبد هواه وأطاع شيطانه ، فنأخذ العلم ونسأل العلماء الذين مدادهم أفضل من دماء الشهداء.

نحضر مجالس العلم والذكر كما أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله : « إذا مررتم في رياض الجنّة فارتعوا ، قالوا : يا رسول الله ، وما رياض الجنّة ؟ قال : حلق الذكر ، فإنّ لله سيّارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر ، فإذا أتوا عليهم حفّوا بهم »[16] . وحلق الذكر مجالس الحلال والحرام والعلم مخزون عند أهله ، وقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « أ يّها الناس اعلموا أنّ كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسّمه عادل بينكم وقد ضمنه وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد اُمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه »[17].

وعنه (عليه السلام) : « لمجلسٌ أجلسه إلى من أثق به أوثق في نفسي من عمل سنة »[18].

ومن الحكمة القديمة : قال لقمان لابنه : « يا بني ، اختر المجالس على عينك ، فإن رأيت قوماً يذكرون الله تعالى فاجلس معهم ، فإن تكن عالماً ينفعك علمك وإن تكن جاهلا علّموك ، ولعلّ الله تعالى أن يظلّهم برحمة فتعمّك معهم ، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله تعالى فلا تجلس معهم ، فإن تكن عالماً لا ينفعك علمك ، وإن تكن جاهلا يزيدوك جهلا ، ولعلّ الله أن يظلّهم بعقوبة فتعمّك معهم »[19].

فنجالس ونسأل من زهر

مصباح الهدى في قلبه ، وخلع سرابيل الشهوات ، وخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس ، أحيا قلبه وأمات نفسه الأمّارة بالسوء ، حتّى دقّ جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة.

قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لا تجلسوا عند كلّ داع مدّع يدعوكم من اليقين إلى الشكّ ، ومن الإخلاص إلى الرياء ، ومن التواضع إلى الكِبر ، ومن النصيحة إلى العداوة ، ومن الزهد إلى الرغبة ، وتقرّبوا إلى عالم يدعوكم من الكِبر إلى التواضع ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الشكّ إلى اليقين ، ومن الرغبة إلى الزهد ، ومن العداوة إلى النصيحة »[20].

فنرجع إلى الفقيه كلّ الفقيه : ذلك الذي لم يقنط الناس من رحمة الله سبحانه ، ولم يؤمنهم من مكر الله عزّ وجلّ ، ولم يؤيّسهم من روح الله عزّ وجلّ ، ولم يدع القرآن رغبةً عنه إلى ما سواه ، كما ورد في الخبر الشريف.

ولا نطلب العلم ممّن طلبه ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه ، فإنّه يتبوّء مقعده من النار ، وإنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها.

ولا نأخذ ديننا ممّن أقبل على الدنيا ، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه

فاتّهموه على دينكم ، فإنّ كلّ محبٍّ للشيء يحوط ما أحبّ »[21].

وعنه (عليه السلام) : « قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل : يا رسول الله ، وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم »[22].

روى الشيخ الصدوق في كتابه الخصال بإسناده إلى أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : إنّ من العلماء من يحبّ أن يجمع علمه ولا يحبّ أن يؤخذ عنه ، فذاك في الدرك الأوّل من النار . ومن العلماء من إذا وُعظ أنف وإذا وَعَظ عنّف ، فذاك في الدرك الثاني من النار . ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة والشرف ولا يرى له في المساكين وضعاً ، فذاك في الدرك الثالث من النار . ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن ردّ عليه من قوله أو قصّر في شيء من أمره غضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار . ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه _ أي ليكثر به علمه _ ويكثر به حديثه ، فذلك في الدرك الخامس من النار . ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ، ولعلّه لا يصيب حرفاً واحداً ، والله لا يحبّ المتكلّفين ، فذاك في الدرك السادس من النار . ومن العلماء من يتّخذ العلم مروة وعقلا _ أي يطلب العلم ويبذله ليعدّه الناس من أهل المروّة والعقل _ فذاك في الدرك السابع من النار.

أجل من طلب العلم لله سبحانه ، وعمل به مخلصاً

، وعلّمه متواضعاً ، دُعي في السماوات عظيماً ، ويستغفر له كلّ شيء حتّى الحوت في البحر.

كما وردت النصوص الكثيرة في هذا المعنى ، ويتبادر إلى ذهني ، أنّ العالم والكون كلّه مجموعة واحدة مرتبطة بعضها مع بعض ، فوقائع الأرض تؤثّر في السماء ، وسير الكواكب وحوادثها تؤثّر في الأرض ، وكلّ شيء له دور في هذه المجموعة الكونيّة ، وحتّى أفعال الناس تؤثّر في هذه المجموعة ، فإنّ كثرة الزنا في الأرض يحبس مطر السماء وبركاتها.

والقوّة المحرّكة والمسيّرة لهذا الكون الرّحب بنظم دقيق وحكمة متقنة هو العلم ، وجميع صفات الله سبحانه ترجع إلى العلم ، وكأنّ العلم هو كلّ شيء ، فهو الأساس وهو النتيجة ، وهو الأوّل وهو الآخر ، وهو الظاهر وهو الباطن ، وإنّ الله يحبّ بغاة العلم وأهله ، فإنّهم يحملون القوّة الأساسيّة في حركة الكون ، ومن هذا المنطلق ( إذا صلح العالِم صلُح العالَم ، وإذا فسد العالِم فسد العالَم ) ، وكما أنّ الدماغ هو الحاكم والمختار والمدبّر في البدن ، ولولاه لاختلّ النظام الجسدي ، فكذلك العالِم فإنّه الأساس ، وهو المظهر لعلم الله سبحانه ، فإذا أذنب ، فإنّ ذنبه لا ينحصر به ، بل يعمّ المخلوقات الاُخرى في هلاكها ، ولهذا يغفر للجاهل سبعين ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنباً واحداً ، فإنّ ذنبه عظيم جدّاً ، ويؤثّر على هلاك نفسه وهلاك غيره ، فالكلّ يدعون له في صلاحه وعدم هلاكه ، حتّى الحوت في البحر يستغفر لطالب العلم ، حتّى يتوفّق في حياته ويتكامل وينصلح ، وإذا صلح فقد أصلح العالم والكون معه ، وإذا هلك فإنّه يهلك معه حتّى الحوت

في البحر ; للوحدة الحاكمة في المجموعة الكونيّة ، ولأنّ العالم الدماغ والقوّة المحرّكة لهذه المجموعة الكبرى.

فما أعظم العالم مقاماً ؟ ! وما أعظم العلم شأناً ؟ ! وما خطر العالم والعلم ؟ !

وربما من هذا المنطلق يقول الإمام السجّاد زين العبّاد علي بن الحسين (عليهما السلام) : « لو علمتم ما في طلب العلم لطلبتموه ولو بخوض اللجج وسفك المهج » ، أي لو يخوض الإنسان البحار ويسفك دمه ومهجة حياته في طلب العلم ، لما كان ذلك كثيراً ، لجلالة العلم وعظمته.

والله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرين (عليهم السلام) أوضحوا لنا الطريق المستقيم وسبيل العلم النافع ، ومنهاج العلماء والصالحين ، وإنّه ممّن نأخذ علمنا وديننا.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : أوحى الله إلى داود (عليه السلام) : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّك عن طريق محبّتي ، فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم _ من باب العقوبة _ أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم »[23].

هذه الرواية الشريفة من تلك الروايات التي ترتعد الفرائص منها ، فكثيراً ما نسأل : لماذا طالب العلم في بداية طلبه يحسّ بروحانية خاصّة وقرب إلى الله ويستلذّ من عباداته ، ويتوفّق إلى صلاة الليل والأعمال الصالحة والأدعية والأوراد ، ولكن كلّما ازداد علماً ، كأ نّما يحسّ أ نّه يزداد بعداً من الله سبحانه ، ويفقد تلك الروحانيات والمعنويّات الأوّلية ، والمفروض أ نّه بزيادة العلم يزداد عملا وقربةً وروحانيّة.

فلماذا هذا الانتكاس والتراجع إلى القهقرى ؟

فالجواب يعلم من هذه الرواية الشريفة « إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم

».

فإنّ طالب العلم كلّما ازداد علماً ، ازدادت مسئولياته الفردية والاجتماعية ، إلاّ أ نّه لمّا لا يقوم بها وأمام مجتمعه كما هو المطلوب ، وتغرّه الدنيا الدنيّة بزخرفها وزبرجها ، وتحوطه الماديات من كلّ صوب ، فإنّه من سنّة العلم أن يفقد المعنويّات ، وينزع من قلبه حلاوة المناجاة _ والعياذ بالله _ .

فعن مولانا الصادق (عليه السلام) : أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود (عليه السلام) : إنّ أهون ما أنا صانع بعالم غير عامل بعلمه أشدّ من سبعين عقوبة باطنيّة ، أن اُخرج من قلبه حلاوة ذكري.

وفي مصباح الشريعة عنه (عليه السلام) : « إنّه قال : العالم حقّاً هو الذي ينطق عنه أعماله الصالحة ، وأوراده الزاكية ، وصدقه وتقواه ، لا لسانه وتطاوله ودعواه ، ولقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان من كان فيه عقل ونسك وحكمة وحياء وخشية ، وإنّا نرى طالبه اليوم من ليس فيه من ذلك شيء ، والعالم يحتاج إلى عقل ورفق وشفقة ونصح وعلم وصبر وبذل ، والمتعلّم يحتاج إلى رغبة وإرادة وفراغ ونسك وخشية وحفظ وحزم ». فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، وهم في زماننا هذا العلماء العاملون المخلصون ، لا علماء السوء والدنيا الذين هم شرّ الناس ، كما ورد في الخبر الشريف ، بل علماء الآخرة والإصلاح والخير ، فإنّ الأخلاق التي ورد بها القرآن لا ينفكّ عنها علماء الآخرة ، لأ نّهم يتعلّمون القرآن والسنن للعمل ، لا للدراسة والمباحثة ولقلقة اللسان وحسب ، وأهل البيت أدرى بما في البيت ، وحتّى القرآن الكريم يذكر العلامات والصفات لكلّ طائفة ، كصفات المنافقين وصفات المؤمنين ،

حتّى لا يتيه طالب الحقّ والحقيقة ، ويكون على بصيرة من أمره في معاشرته ومجالسته ورجوعه وطلبه العلم وغير ذلك.

فإليكم خصال خمسة من الأخلاق الإسلامية ، هي من علامات علماء الآخرة ، يفهم من خمس آيات كريمة ، وهي : الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة على الدنيا وهو الزهد.

أمّا الخشية ، فمن قوله تعالى :

( إنَّما يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ )[24].

وأمّا الخشوع ، فمن قوله تعالى :

( خاشِعينَ للهِ لا يَشْتَرونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَليلا )[25].

وأمّا التواضع ، فمن قوله سبحانه :

( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ )[26].

وأمّا حسن الخلق ، فمن قوله عزّ وجلّ :

( فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ )[27].

وأمّا الزهد ، فمن قوله عزّ من قائل :

( وَقالَ الَّذينَ اُوتو العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ )[28].

ولمّا تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ لِلإيْمانِ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ )[29] ، فقيل : ما هذا الشرح يا رسول الله ؟ فقال : إنّ النور إذا قُذف في القلب انشرح له الصدر وانفسح . قيل : فهل لذلك علامة ؟ قال : نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله[30].

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أ نّه قيل له : يا رسول الله ، أيّ الأعمال أفضل ؟ قال : اجتناب المحارم ، ولا يزال فوك رطباً من ذكر الله تعالى . قيل : فأيّ الأصحاب خير ؟ قال : صاحبٌ إن ذكرت الله أعانك وإن نسيته ذكّرك . قيل : فأيّ الأصحاب شرّ ؟ قال : صاحب إن

نسيت لم يذكّرك وإن ذكرت لم يعنك . قيل : فأيّ الناس أعلم ؟ قال : أشدّهم لله خشية . قالوا : فأخبرنا بخيارنا نجالسهم ؟ قال : الذين إذا رُؤوا ذكر الله عزّ وجلّ برؤيتهم ، وإذا ذكر الله اقشعرّ جلودهم . قالوا : فأيّ الناس شرّ ؟ قال : اللهمّ غفراً . قالوا : أخبرنا يا رسول الله . قال : العلماء إذا فسدوا[31].

فتعالوا يا إخوان الصفا ، أ يّها المؤمنون والمسلمون ، وكلّ من يبحث عن الحقّ ويطلب الحقيقة ، ويريد النجاة في الدارين ، تعالوا إلى كلمة الحقّ ، إنّما نسأل في اُمور ديننا ودنيانا أهل الذكر ، اُولئك الذين أمرنا الله سبحانه بمودّتهم وإطاعتهم واتّباعهم والاقتداء بهم ، وهم النبيّ المختار محمّد (صلى الله عليه وآله) ، والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وعلماؤنا الأبرار الصلحاء الأخيار ، وهذا ما يحكم به العلم والدين ، ويدلّ عليه النقل والعقل ، ويصدّق به من له قلبٌ سليم ووجدان حيّ وألقى السمع وهو شهيد.

هذا ولنا عشرات الآيات ومئات الروايات في هذا المجال ، إنّما نصفح عنها طلباً للاختصار ، ونستنتج منها : إنّه أمرنا بطلب العلم النافع ، والعلم خزائن ، ومفتاحها السؤال ، وإنّما نسأل من أهل الذكر ، وهم في عصرنا هذا علماء الآخرة ، علماء الخير والصلاح ، العاملون المخلصون الزاهدون الخاشعون المتواضعون ، اُولئك الذين قذف الله العلم في قلوبهم ، وناجاهم في سرّهم ، الذين صانوا أنفسهم ، وحافظوا على دينهم ، وأطاعوا مولاهم ، وخالفوا أهواءهم ، وخافوا مقام ربّهم ، رواة الأحاديث ، فقهاء آل محمّد (صلى الله عليه وآله).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

العبد

عادل العلوي

9 شهر رمضان 1412

---

[1]البحار 9 : 125.

[2]المصدر 9 : 224.

[3]قد استعمل الذكر بهذا المعنى في مواضع كثيرة من القرآن ، منها : في آل عمران : 58 ، 63 و 69 ، وسورة الحجر : 5 و 9 ، ويس : 69 ، وفصّلت : 40 ، والقمر : 25 ، والطلاق : 10 ، والقلم : 51.

[4]البحار 11 : 17.

[5]البحار 16 : 90.

[6]البحار 16 : 101.

[7]البحار 16 : 359.

[8]البحار 36 : 405.

[9]البحار 36 : 177.

[10]البحار 25 : 232.

[11]البحار 23 : 172 _ 188.

[12]البحار 83 : 15.

[13]البحار 24 : 19 ، عن روضة الكافي : 27 و 28.

[14]البحار 64 : 56.

[15]البحار 23 : 201 ، الباب 10 أ نّهم (عليهم السلام) أهل علم القرآن والذين اُوتوه والمنذرون به والراسخون في العلم ، وفي الباب 54 رواية ، وكذلك الأبواب ، يدلّ على المراد ، فراجع.

[16]المحجّة 1 : 23.

[17]الكافي 1 : 30.

[18]الكافي 1 : 39.

[19]المحجّة 1 : 33.

[20]المحجّة 1 : 69.

[21]المحجّة 1 : 127.

[22]المحجّة 1 : 128.

[23]المحجّة 1 : 128.

[24]فاطر : 28.

[25]آل عمران : 199.

[26]الشعراء : 215.

[27]آل عمران : 159.

[28]القصص : 80 .

[29]الأنعام : 125.

[30]الدرّ المنثور 3 : 44.

[31]المحجّة 1 : 158.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.