فاطمة الزهراء علیها السلام سر الوجود

اشارة

نویسنده : السید عادل العلوی
ناشر : مرکز الأبحاث العقائدیة

‌المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الذی لا یبلغ حمده الحامدون ولا یعدّ نعمه العادّون ، والصلاة علی من کان قاب قوسین أو أدنی من ربّه الأعلی ، وعلی من هو نفسه ، ومن هی روحه التی بین جنبیه ، وعلی سبطیه ، وخلفائه أئمة الإسلام بالحقّ ، وسلّم تسلیماً کثیراً.
لله تعالی فی کلّ آن یدٌ علینا ، ومن أیادیه وآلائه أن وفّقنا لکتابة محاضرات قیّمة ألقاها سیّدنا الفقیه الاُستاذ السیّد عادل العلوی حفظه الله تعالی فی بلاد الشام وفی جوار سیّدة الحرائر بعد اُمّها ، وعقیلة الطالبیین ، وشریکة الإمام الثائر ، وصاحبة النور الزاهر ، السیّدة زینب الکبری علیها صلوات المصلّین وتحیّات العارفین ، وکان مضمون هذه المحاضرات یقطر حبّاً لفاطمة الشهیدة سلام الله علیها ما بقی اللیل والنهار ، ویفوح عطراً بذکر اسمها الشریف حیث توفّق السیّد الاُستاذ دام توفیقه للحدیث عن سیّدة نساء العالمین وبیّن فیه حجّیتها ومدی قربها من خالقها ، فقال عنها وأحسن القول بأ نّها سرّ الوجود وجامعة النورین والعلّة الغائیة لعالم الإمکان ، وغاص فی بحر معرفتها حتّی خشینا علیه الغرق بین أمواج بحرها المتلاطم ، إلاّ أ نّه أثبت للحاضرین أهلیّته ، ودلّهم علی أ نّه من أهل هذا الفنّ الذی عجز عنه کثیر ممّن یدّعون العلم والمعرفة ، فکان عمیقاً فی معرفتها وعارفاً بشخصها بأعلی درجات المعرفة الجمالیة ، فإلی محبّیها اُقدّم هذه الجواهر ، وإلی عاشقیها اُبیّن هذا الجمال الذی أظهره سیّدنا الاُستاذ لیزدادوا حبّاً وعشقاً ، فهنیئاً لنا بهذه الحدیقة الغنّاء وأزهارها الشذیّة ، وأقول هنیئاً لا لقراءة هذه المحاضرات فحسب ، بل لما تؤول إلیه النفوس من حبّ کبیر وتقدیس واسع لسیّدة النساء الذی سیعود علینا بأن یجعلنا من محبّیها عن معرفة ودرایة ، فنستحقّ أن تلتقطنا یوم القیامة من بین أفواج البشر ، کما یلتقط الطیر الحبّ الجیّد من الردیء.
ولا یفوتنی أن اُثنی ولیس لثنائی قیمة إزاء أجر الله تعالی علی الفریق الذی جنّد کلّ طاقاته لیظهر حبّه للزهراء (علیها السلام) من خلال ما قدّمه من خدمات تلو الخدمات للمحاضر والحاضرین ، وأعنی بذلک الإخوة المخلصین فی مکتب آیة الله العظمی المیرزا جواد التبریزی (دام ظلّه) ، فللّه الحمد کلّ الحمد علی هذه النعمة التی أحاط بها المحاضر والحاضر والعامل علی راحتهم واُصلّی واُسلّم علی المصطفی وأخیه وبضعته وبنیه تسلیماً کثیراً.
الشیخ علی الفتلاوی
دمشق ـ السیّدة زینب
1421 هـ

المحاضراة

المحاضرة الاُولی)

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین ، والصلاة والسلام علی أشرف خلق الله محمّد وآله الطاهرین ، واللعن الدائم علی أعدائهم ومنکری فضائلهم أجمعین من الآن إلی قیام یوم الدین.
بعد أن توفّقنا للحدیث عن عصمة زینب الکبری حبانا الله سبحانه بلطف آخر حیث یسّر لنا الحدیث عن الصدّیقة الکبری وسیّدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله علیها ، من أجل إحیاء امرها بإقامة العزاء علیها فی أ یّام شهادتها (علیها السلام) ، وهذا التیسیر ینمّ عن وجود ید غیبیّة أرادت ذلک ، وکما تمّ لنا معرفة الله تعالی ورسوله والأئمة الأطهار وعقیلتهم اُمّ المصائب زینب صلوات الله علیهم أجمعین ، بمعرفة جمالیة آن الأوان لمعرفة سرّ الوجود ومجمع النورین النبوی والعلوی[1] ، فاطمة اُمّ أبیها سلام الله علیها[2] ، بنفس تلک المعرفة ولکی یتسنّی لنا الحدیث بما یلیق بهذا السرّ الکونی لا بدّ لنا من مقدّمة فنقول :
من الأسئلة التی یطرحها جمیع البشر تبعاً لما فی فطرتهم من حبّ الاطلاع ، ولأنّ الإنسان متکوّن من بُعد مادّی وآخر مجرّد نجده یتساءل عن سرّ خلقته وفلسفة وجوده ، فیسأل نفسه أوّلا لماذا خُلقنا ؟ وقبل الخوض فی جواب هذا السؤال نرید أن نقول : إنّ الروحانیة المجرّدة التی یحملها الإنسان تدعوه أن یهتمّ بما وراء الطبیعة ، أی بما وراء المادّة والتی تسمّی باصطلاح الفلاسفة (المیتافیزیقیا) فتمیل به إلی معرفة سرّ الوجود وفلسفة الخلقة ویذهب متسائلا : هل إنّ علاقتی بالمادّة وقوانینها فحسب أم أنّ هناک ارتباطاً یتجاوز هذه الحدود البلهاء والمادّة الصمّاء ؟ أی هل إنّ لی ربّاً وإلهاً وراء المادّة أم لا ؟ فیأتی الجواب من صمیم الفطرة التی جُبل علیها ، نعم إنّ لک إلهاً وخالقاً لا شریک له فی إیجادک ، ولا ندّ له فی الوجود ، فیشترک بهذا الجواب الفطری المؤمن والکافر علی حدّ سواء وهذا لا خلاف فیه وإن تظاهر الکافر بإنکاره ، فإنّه کما فی قوله تعالی :
( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أ نْفُسُهُمْ )[3].
فهو جاحد لما استیقن ومنکر لما ثبت فی الوجدان . فالسؤال الفطری الذی یطرحه الجمیع هو : من أین ؟ وإلی أین ؟ وفی أین ؟ وماذا یراد منّی ؟ فبهذه
الکلمات جُمع فیها علم الأوّلین والآخرین ، وکلّ الکتب السماویة والأدیان الإلهیّة جاءت لتثبیت هذا التساؤل ، ومن ثمّ الإجابة علیه بجواب صریح وکلام مبین ، بأ نّک من الله وإلی الله تعالی ، وهذا التساؤل الذی ینقدح فی ذهن السائل یدعوه إلی التفکّر ، ومن خلال تفکیره تنفتح له آفاق جدیدة فی سیره وسلوکه وعقائده وأعماله فیخرج من حالة الغفلة والسکر التی یعیشها الناس إلی حالة الیقظة والانتباه.
ولو بحثنا فی کتاب الله الکریم الذی نزل مهیمناً علی غیره من الکتب التی سبقته ، لوجدنا فیه آیات تبیّن فلسفة الخلقة وسرّ الوجود ، ففی آیة یبیّن سبب خلق الکون فیقول عزّ من قائل :
( وَخَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ وَلِتُجْزَی کُلُّ نَفْس بِمَا کَسَبَتْ وَهُمْ لا یُظْلَمُونَ )[4].
فسخّر لنا ما فی السماوات والأرض لکی نصل إلی کمالنا ، وکأنّ هذا الوجود خلق لأجل مخلوق فیه ألا وهو الإنسان[5] ، فکان العالم التکوینی هو الإنسان الکبیر کما کان الإنسان هو العالم الأکبر ، وهذا المخلوق هو أکرم من فی الوجود وأشرف المخلوقات ، فلذا امتدح الخالق نفسه عندما خلق هذا الإنسان ، فقال تعالی :
( فَتَبَارَکَ اللهُ أحْسَنُ الخَالِقِینَ )[6].
فهذا یدلّ علی عظمة الإنسان وکرامته علی الله تعالی ، حتّی صرّح فی کتابه الکریم بهذه الکرامة ، فقال سبحانه :
( وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ )[7].
فبترتیب هذه الآیات الکریمة التی هی کلام الحقّ سبحانه وتعالی یظهر لنا أنّ سرّ وجود الکون هو خدمة الإنسان ، وإنّما استحقّ هذه الخدمة لأ نّه أشرف المخلوقات وأکرمها ، ولکن ما هی الحکمة من صیرورة الإنسان أشرف وأکرم من فی الوجود ؟ فیأتی الجواب قرآنیاً فی آیة صریحة تبیّن سرّ وجود الإنسان وفلسفة خلقته فیقول أحسن الخالقین :
( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِیَعْبُدُونِ )[8].
فاتّضح بهذه الآیة الکریمة سرّ الوجود جمیعه وفلسفة الخلقة لهذا الخلق العجیب.
إذن وجد الإنسان لیعبد الله سبحانه ، ولازم عبادة الله أن یکفر بالطاغوت ، ولازم العبادة المعرفة ، فقوله تعالی : ( لِیَعْبُدُونِ ) أی لیعرفون ، کما ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام) ، فالمقصود من خلق الإنسان هو أن یعرف ویتکامل ویصل إلی قاب قوسین أو أدنی من ربّه[9] ، لأ نّه محبوب لربّه ، وهذا ما أشار إلیه الحدیث القدسی : « خلقت الأشیاء من أجلک وخلقتک من أجلی » ، فطوبی لمن عرف
قدر نفسه ، وطوبی لمن وقف علی الحقیقة فترک الغفلة وعاش فی ذکر ربّه لیلا ونهاراً.
وإنّ ذکر الله تعالی یبدأ بذکر الموت الذی هو الطریق إلی لقاء الله سبحانه ، فلا ننسی هادم اللذّات[10] ، ولا نفرّ من ذکره لأنّ فی ذکره حیاة القلوب والخروج من الغفلة والیقظة من النوم فلذا نجد الآیات القرآنیة الکریمة تؤکّد هذا المعنی فی أکثر من موضع فی الکتاب الکریم کقوله تعالی :
( إنَّا للهِ وَإنَّا إلَیْهِ رَاجِعُونَ )[11].
ففیها إشارة إلی نهایة المطاف ، فالله تعالی هو الغایة بعد أن کانت منه البدایة ، فهذه الآیات الصریحة فی ظاهرها والعمیقة فی باطنها لا تنفکّ عن ذکر المنتهی ولا تقصر فی بیان السلوک إلی الله تعالی ، فآیة تتکلّم عن المنتهی فتقول :
( وَأنَّ إلَی رَبِّکَ المُنْتَهَی )[12].
وآیة تبیّن حرکة وسیر الإنسان فتقول :
( إنَّکَ کَادِ حٌ إلَی رَبِّکَ کَدْحاً فَمُلاقِیهِ )[13].
فإذن لا بدّ من لقاء الله تعالی ، فإذا أیقنت النفس بذلک فما علیها إلاّ أن نعدّ
العدّة ونتأهّب لهذا اللقاء ، ولا یضیع العمر هباءً منثوراً ، فإنّ فی عدم التأهّب وإعداد العدّة خوف ورهبة[14] ، وفی ذکر الموت والتهیّؤ للقاء خالق الموت والحیاة اطمئنان للقلوب واطمئنان للنفوس ، فتصل النفوس إلی درجة الاطمئنان العلیا[15] ، وهی الیقین بالفوز وأ نّی لنا ذلک ونحن بعد لم نصل إلی درجة أصحاب الیقین ، ولکنّ لنا عزاء فی حبّنا للنبیّ وأهل بیته الأطهار مع شیء من العمل الیسیر ، فنرجو الله تعالی بذلک ونفرح لحبّنا لهم (علیهم السلام) فنکون کما قال هذا الرجل لرسول الله (صلی الله علیه وآله) : یا رسول الله ، لیس لی عمل صالح إلاّ الشهادتین وحبّک ، فقال له الرسول : أبشر بالجنّة ، فإنّ المرء مع من أحبّ ، فلمّا سمع المسلمون ذلک فرحوا فرحاً لا یدانیه إلاّ فرحهم بالإسلام[16] ، فالحبّ لأهل البیت (علیهم السلام) فیه ینال المحبّ أعلی درجات الجنّة إذا اقترن بالعمل الصالح ، لأنّ الأخبار الشریفة تؤکّد هذا « کذب من زعم أ نّه یحبّنا ولا یعمل بأعمالنا » ، لأنّ المحبّ لمن أحبّ مطیع کما یروی هذا القول للإمام الصادق (علیه السلام) ، ثمّ فی قول أحدهم (علیهم السلام) : « عجبت لمن یدّعی حبّ الله کیف یعصی الله ؟ »[17] ، إلاّ أنّ الحبّ کلّی تشکیکی وله مراتب ، فلذا نجد شخصاً محبّاً إلاّ أ نّه یعصی الله تعالی ، فحبّه هذا فی أوّل مرتبة من مراتبه ، ولکن کلّما ازداد حبّاً ازداد عملا لرضا المحبوب ، لرضا الله تعالی ورسوله وأهل بیته وفاطمة الزهراء (علیهم السلام).
فعندما نقف امام آیات القرآن الکریم نجد آیة تتکلّم عن التسخیر أی عن الرحمة الإلهیة ، وآیة اُخری تتکلّم عن تحصیل العلم :
( اللهُ الَّذِی خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ یَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَیْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللهَ عَلَی کُلِّ شَیْء قَدِیرٌ وَأنَّ اللهَ قَدْ أحَاطَ بِکُلِّ شَیْء عِلْماً )[18].
وآیة اُخری تتکلّم عن عبادة الله سبحانه ، ففی هذه الآیات الثلاثة تتبیّن فلسفة الخلقة الکونیة ، ولکنّ العبادة التی ذکرت فی الآیة : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِیَعْبُدُونِ )[19] ، المراد منها المعرفة لأنّ المعرفة تدلّ الإنسان علی العمل وتدعوه إلی أنواع العبادات والتی علی رأسها الدعاء ، فلذا یذکرون أنّ أمیر المؤمنین صلوات الله علیه کان رجلا دعّاءً[20] ، لأنّ الدعاء مخّ العبادة[21] ، کما ورد فی الحدیث الشریف ، فالعبادة هی الطریق إلی الله تعالی ، ولا یفتح هذا الطریق إلاّ بالمعرفة والعلم لأنّ الجهل یقصم الظهر کما ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السلام): « قصم ظهری اثنان : جاهل متنسّک فإنّه یفرّ الناس بجهله ... »[22] ، فالعبادة مع العلم هی التحلیق فی سماء الفضائل حتّی یصل بها المرء إلی ربّه ، فیکون قاب قوسین أو أدنی دنوّاً واقتراباً من العلیّ الأعلی . فبالإیمان والعمل الصالح یکون السلوک إلی الله تعالی ، وهناک أکثر من سبعین آیة یقرن ربّ العالمین بین الإیمان والعمل الصالح ، وبهذا یقول سبحانه أ نّه لا یکفی المرء أحدهما ، فلا بدّ من الإیمان والعمل معاً حتّی نجد هذا المعنی أیضاً جلیّاً فی الحدیث الشریف : « العلم یهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلاّ ارتحل »[23] ، أی أنّ العمل وحشی إن ترکته یمشی ، فبالرحمة الإلهیة یتمّ هذا ، فلذا نجد الأسماء الحسنی جمیعها معانی للرحمة ، إلاّ بعض الأسماء التی تعبّر عن الغضب الإلهی کاسم المنتقم والقهّار وغیرهما ، ولکن التی تعبّر عن الرحمة کثیرة کاسم الودود ، الحنّان ، الشفیق ، اللطیف ... وغیرها من الأسماء التی بها أراد الله تعالی الخیر لعباده ، وأراد لهم سعادة الدنیا والآخرة ، وأراد لهم الکمال ، والله تعالی إنّما أراد لهم الکمال لأ نّه تعالی هو الکمال المطلق ومطلق الکمال[24] ، ومن کماله أن یظهر کماله ، ولنا شاهد بالوجدان علی ذلک ، فإنّه عندما نری شخصاً یتّصف بصوت جمیل تجده فطریاً یظهر هذا الصوت الجمیل ، إمّا بصوت الرحمن فیتلو به القرآن ، وإمّا بصوت الشیطان فیطلقه فی الغناء ، وکلّ مراده هو إظهار کمال صوته ، فکذلک تعالی له الکمال المطلق الذی لا تحیط به العقول ، فلا یلیق بکماله المطلق إلاّ أن یظهر کماله ، وإلاّ لزم النقص وهو تعالی منزّه عنه ، فمن کمال الکمال ظهور وإظهار الکمال ، ولهذا جاء فی الحدیث مع غضّ النظر عن المناقشة فی سنده ودلالته : « کنت کنزاً مخفیّاً فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق لکی اُعرف » ، فحبّه للمعرفة لکماله المطلق ، وهذا یسمّی بسرّ الخالق إن صحّ التعبیر ، وأمّا سرّ المخلوق فهو عبارة عن الرحمة الإلهیة والعلم والعبادة ، فخلقه تعالی للخلق کافّة هو من باب الکمال لا للاحتیاج ، فیندفع الإشکال فی ذلک ، فخلق الخلق لأ نّه فیّاض لا لحاجته للمظهر والمعرّف ، وهذا ما أشار إلیه الإمام الحسین (علیه السلام) فی دعاء عرفة وهو من توحید الصدّیقین : « ألغیرک من الظهور ما لیس لک حتّی یستدّل به علیک ، أنت الذی دللتنی علیک »[25] ، فبالله أعرف الله تعالی ، أی بالعلّة أعرف المعلول لا بالمعلول أعرف العلّة[26] ، فظهور الخلق من الله لوصول المخلوقات إلی کمالها ، فهذه المخلوقات تسبّح بحمده فهی فی مقام الجلال ، وتحمده فتکون فی مقام الجمال ، فقولنا فی سورة الحمد (فاتحة الکتاب الکریم) الحمد لله : أی له الثناء کلّه وله الحمد کلّه ، فهو المستحقّ لذلک لأ نّه الجمال المطلق ومطلق الجمال وإنّه یحبّ الجمال ، وهذا معنی قول العقیلة زینب الکبری (علیها السلام) عندما قالت فی جواب ابن زیاد اللعین عندما أراد أن یجرح شعورها ویقرح قلبها : (کیف رأیتِ صنع الله بأخیکِ الحسین) فقالت : « ما رأیت إلاّ جمیلا » ، فإنّ قتل الحسین وإخوته وأولاده وأصحابه عندما ینسب إلی الله تعالی فهو جمیل ، وعندما ینسب إلی یزید فهو قبیح ، فالخلق عاشق لربّ العالمین علی حدّ تعبیر صدر المتأ لّهین فی الأسفار[27] ، فالکون فی حرکة کمالیة والله تعالی یفیض فیضه علی الخلق کلّه سواء کان کافراً أو مؤمناً ، فإنّه تعالی یعطی الجمیع ومثله تعالی عن ذلک : (مثل الفلاّح الذی یسقی الشجر ومراده الثمر ، ولکن یشرب کلّ ما فی الأرض حتّی الحشائش الغیر مقصودة بالذات) ، فالکون بمثابة بستان الله تعالی ومراده من هذا البستان أشجار معدودة ، ولکنّ الرحمة الإلهیّة تنال الجمیع.
فالشجرة المحمّدیة[28] والدوحة العلویة هی التی تستحقّ الفیض الإلهی ومن یسیر عل نهجهم ، وباقی الناس کالحشیش یطئه المارّة بأقدامهم (علیّ الدرّ والذهب المصفّی وباقی الناس کلّهم تراب) ، فالذی یستظلّ بهذه الشجرة هو الذی فکّر وعرف الحقّ ، وصار تفکیره فی ساعة خیر من عبادة سبعین عاماً ، فبالتفکّر تفتح الآفاق الجدیدة ، وبالتأمّل تذهب الغفلة ، وبالتعقّل یذکر الإنسان ربّه.
---
[1]فاطمة الزهراء هی التی جمعت بین نور النبوّة ونور الإمامة ، أی أ نّها المرأة الوحیدة التی لها المکانة الاُولی فی قلب النبیّ (صلی الله علیه وآله) ولا یدانیها أحد فی ذلک لا لأ نّها ابنته فحسب ، بل لأ نّها سیّدة نساء العالمین والعلّة الغائیّة للوجود ، وهی التی أزهرت السماوات والأرض بنورها الذی هو من نور عظمة الله تعالی ، فلا کفؤ لها من الرجال من آدم فما دون إلاّ علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) فزوّجها الله تعالی فی السماوات وقال لرسوله (صلی الله علیه وآله) : إنّی زوّجت النور =
= من النور وأمره بتزویجها علیها (علیه السلام) فصارت بذلک تحمل نور النبوّة ونور الإمامة.
[2]هذه إشارة إلی الحدیث الشریف الوارد فی کتب الفریقین ، فلقد جاء فی (اُسد الغابة 5 : 520) من کتب الجمهور فی ترجمة فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، قال : وکانت فاطمة تکنّی اُمّ أبیها اعترافاً بالحدیث الوارد فی حقّها بأ نّها اُمّ أبیها سلام الله علیها ، کما ورد فی أحادیث أصحابنا.
[3]النمل : 14.
[4]الجاثیة : 22 ، وفی هذه الآیة یصرّح فیقول سبحانه : ( هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ مَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً ) (البقرة : 29).
[5]إشارة إلی الآیة الکریمة : ( وَسَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً مِنْهُ إنَّ فِی ذَلِکَ لاَ یَات لِقَوْم یَتَفَکَّرُونَ ) (الجاثیة : 13).
[6]المؤمنون : 14.
[7]الإسراء : 70.
[8]الذاریات : 56.
[9]إشارة إلی الآیتین القرآنیتین الکریمتین : ( دَنَا فَتَدَلَّی * فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أوْ أدْنَی )(النجم : 8 ـ 9).
[10]إشارة إلی الحدیث الشریف عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، یقول : کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) کثیراً ما یوصی أصحابه بذکر الموت فیقول : أکثروا ذکر الموت فإنّه هادم اللذّات ، حائل بینکم وبین الشهوات (القلب السلیم : 63).
[11]البقرة : 156.
[12](النجم : 42) ، وآیة تقول : ( ألا إلَی اللهِ تَصِیرُ الاُمُورُ ) (الشوری : 53) ، وهناک آیة اُخری تقول : ( وَإلَی اللهِ المَصِیرُ ) (آل عمران : 28 ، النور : 42 ، فاطر : 18).
[13]الانشقاق : 6.
[14]ولذلک نجد الإمام زین العابدین (علیه السلام) یقول فی دعائه : « أستجیر یا ذا العفو والرضوان من الظلم والعدون ـ إلی أن یقول : ـ ومن انقضاء المدّة قبل التأهّب والعدّة » (مفاتیح الجنان : 23).
[15]هذه إشارة إلی قوله تعالی : ( یَا أیَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِی إلَی رَبِّکِ رَاضِیَةً مَرْضِیَّةً ) (الفجر : 27 ـ 28).
[16]وورد فی حبّهم عن علیّ بن الحسین عن أبیه عن جدّه أنّ رسول الله (صلی الله علیه وآله) « أخذ بید حسن وحسین وقال : من أحبّنی وأحبّ هذین وأباهما واُمّهما کان معی فی درجتی یوم القیامة » (کشف الغمّة 1 : 89 ) ، عن مسند أحمد بن حنبل 1 : 7.
[17]وحدیث آخر فی معناه عن الإمام الصادق (علیه السلام) : « ما أحبّ الله من عصاه » قصار الجمل 2 : 40.
[18]الطلاق : 12.
[19]الذاریات : 56.
[20]إشارة إلی الحدیث الشریف عن أبی عبد الله (علیه السلام) : « قال : وکان أمیر المؤمنین (علیه السلام) رجلا دعّاءً » اُصول الکافی 2 : 457.
[21]هذه إشارة إلی الحدیث الشریف عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : « الدعاء مخّ العبادة » الوسائل 2 : 1087.
[22]نهج البلاغة ـ قصار الجمل.
[23]قصار الجمل ; للمشکینی 2 : 59.
[24]أی أ نّه تعالی هو الکمال الحقّ الذی لا نهایة له ولا حدّ ولا مقیّد بقید ، کما أنّ له کلّ الکمال ، وکلّ کامل غیره ناقص.
[25]دعاء عرفة للإمام الحسین (علیه السلام) ، مفاتیح الجنان : أعمال یوم عرفة.
[26]هناک معرفتان : معرفة للعلّة من خلال المعلول ویسمّی هذا بالبرهان اللمّی ، ومعرفة المعلول بالعلّة ویسمّی بالبرهان الإنّی.
[27]الأسفار 7 : 148.
[28]هذه إشارة إلی الحدیث الذی صدر عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) وقد ذکره الشهید نور الله التستری فی الجزء الخامس ، الصفحة 256 ، وذکر الحدیث عن کتب العامّة کما فی المستدرک للحاکم النیسابوری والخطیب البغدادی فلیراجع إلی إحقاق الحقّ 5 : 256.
ونصّ الحدیث « عن جابر بن عبد الله (رضی الله عنه) قال : سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقول لعلیّ : یا علیّ ، الناس من شجر شتّی وأنا وأنت من شجرة واحدة ... ».

المحاضرة الثانیة)

بعد البسملة والحمد والصلاة :
لقد ورد فی الحدیث الشریف المعروف بحدیث المعراج : « یا أحمد ، لولاک لما خلقت الأفلاک ، ولولا علیّ لما خلقتک ، ولولا فاطمة لما خلقتکما »[1].
فالحدیث عن المعانی السامیة والمضامین العمیقة فی هذا الخبر الشریف إنّما یحتاج إلی مقدّمات حتّی یتبیّن من خلالها معنی هذا الکلام الأقدس ، ویتبیّن أیضاً مدی تطابقه مع الدلیل العقلی فضلا عن الدلیل النقلی.
ومثل هذا الحدیث قد یثیر التساؤلات الکثیرة فی نفوس الذین لا یستطیعون هضم هذه المعانی.
فلذلک نصح بعض الأعلام أن لا تطرح مثل هذه العناوین ، ولکنّی ذکرت له من الحجج التی تدفعنی إلی التعریف بمقامات أهل البیت (علیهم السلام) ولا بدّ من معرفتهم بمعرفة جمالیة ، وفی هذا یتمّ لنا بیان ما لدینا من عقائد حقّة مبنیّة علی الأدلّة العقلیة والنقلیة ، ولا یهمّنا الردود السلبیة التی تصدر من البعض فإنّها لا تشکّل مانعاً شرعیّاً[2] ، فهی غایة ما تکون اتّهامات لا معنی لها ولا تستحقّ الردّ.
وعلی کلّ حال لا اُرید أن أشغلکم بهذا ، فإنّه من المسلّم أنّ من یزداد معرفةً یزداد کمالا وخضوعاً وأدباً ، فلو دخل علینا رجل کبیر السنّ فإنّه نحترمه ونوقّره من باب (وقّروا کبارکم) ، وإذا عرفنا أنّ هذا الرجل الکهل هو أحد مراجع التقلید فإنّه بلا شکّ یزداد احترامنا وتوقیرنا له ومحبّتنا فیه وإطاعتنا إیّاه ، ومن هذا المنطلق من عرف النبیّ والأئمة الأطهار (علیهم السلام) بمعرفة جمالیة ، فإنّه یزداد مودّةً وتعظیماً وإطاعة ، فیفوز بسعادة الدارین.
فالیوم نتکلّم عن سیّدة النساء فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، وهذا من وحی المناسبة[3] ولأنّ محبّیها یعیشون أحزان ذکری شهادتها فنقول :
ثبت فی محلّه أنّ الله سبحانه حکیم وعلیم وقادر وجواد وحیّ ، وله الأسماء الحسنی والصفات العلیا ، وإنّه الکمال المطلق ، فلکلّ هذا خلق خلقاً ، وخلق أرضاً وسماءً وما فیهما وما بینهما عن حکمة وعلم ، فلم یکن خلقه لهذا الکون الکبیر عبثاً.
فإذن لا بدّ أن نعرف سرّ هذه الخلقة ، ونوجز هذا القول بکلمات قصیرة فنقول :
إنّه تعالی خلق الکون لنا وخلقنا لأجله ، فنراه سبحانه قد سخّر لنا ما فی
السماوات وما فی الأرض لکی نصل إلی کمالنا الذی هو عبادة الله تعالی فلذلک قال فی آیة من آیات الکتاب العزیز :
( وَسَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ جَمِیعاً مِنْهُ إنَّ فِی ذَلِکَ لاَ یَات لِقَوْم یَتَفَکَّرُونَ )[4].
ثمّ بیّن سرّ خلقة الإنسان بقوله عزّ من قائل :
( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِیَعْبُدُونِ )[5].
أی لیعرفون.
فإذن لا بدّ لنا من عبادة المنعم لنتکامل بهذه العبادة ، إلاّ أنّ هذه العبادة علی أقسام فمنها عبادة الأحرار ومنها عبادة التجّار ومنها عبادة العبید[6] ، ولکن کلّها تؤدّی إلی کمال الإنسان ، فالإنسان یتکامل وکلّ شیء فی عالم الوجود ما سوی الله تعالی فی سیر تکاملی ، فالنواة تتکامل حتّی تصیر شجرة مثمرة والنطفة تتکامل ، فکلّ ما فی الطبیعة یتکامل ، إلاّ أنّ کماله محدود ببدایة ونهایة ، إلاّ الإنسان فإنّ له بدایة ولا نهایة لکماله ، لأنّ منتهاه هو الله ومقام الفناء فیه سبحانه وهو لا نهایة له :
( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِی عِلْماً )[7].
( وَأنَّ إلَی رَبِّکَ المُنْتَهَی )[8].
فالإنسان باعتبار جسده وأ نّه من الطبیعة ومن التراب فهو محدود ، ولکن باعتبار روحه وأ نّه من السماء :
( وَنَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی )[9].
فهو بلا نهایة.
فالروح تتکامل ، وهی من الله تعالی وإلیه ترجع.
( إنَّا للهِ وَإنَّا إلَیْهِ رَاجِعُونَ )[10].
سؤال :
ما هو کمال الإنسان وبأیّ شیء یتکامل ؟
یأتی الجواب من الإمامین الصادقین (علیهما السلام) : « الکمال کلّ الکمال التفقّه فی الدین ، والصبر علی النائبة ، والتقدیر فی المعیشة »[11] ، ولازم هذا الکمال الحرکة أی أنّ کلّ شیء یتحرّک فی ذاته کما یتحرّک فی الخارج بحرکة وضعیّة أو انتقالیة فهذه الحرکة الذاتیة تسمّی بالحرکة الجوهریة کما حقّق ذلک الفیلسوف الإسلامی صدر المتأ لّهین.
فإذن کلّ شیء یسبّح بحمده وهذه هی الحرکة التکاملیة للأشیاء ، فلازم
التکامل الحرکة ، وثمرة الحرکة هو التکامل ، وعندما یقول الإمام (علیه السلام) : « الکمال کلّ الکمال التفقّه فی الدین ، والصبر علی النائبة ، والتقدیر فی المعیشة » ، فهو یشیر إلی ثلاث حرکات : علمیة وأخلاقیة واقتصادیة ، أی حرکات دینیة ودنیویة لأنّ هناک ترابطاً بین الدنیا والآخرة ، ففی هذا الحدیث یتّضح لنا أنّ الدنیا هی متجر أولیاء الله تعالی ومزرعة الآخرة ، بل هناک من یجعل الدنیا هی الجنّة لأنّ نفسه تیقّنت بالفوز فهو قد وصل إلی علم الیقین وحقّ الیقین وعین الیقین[12] ، ومعنی هذا أنّ الکمال والسعادة لا ینحصران فی الآخرة فقط ولا بالدنیا فقط بل بهما معاً ، فإن قال قائل : إنّ أحادیثاً کثیرة وردت فی مذمّة الدنیا ، نقول : وهناک أحادیث اُخری وردت فی مدح الدنیا ، کما ورد ذلک عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) عندما سمع رجلا یذمّ الدنیا ، أجابه : « ویلک ، لمَ تذمّ الدنیا ، إنّ الدنیا متجر أولیاء الله »[13] ، أی یمکن الوصول إلی الله تعالی من خلال الدنیا ، فالغنی بغناه وجوده ، والفقیر بصبره وعفّته ،
وإذا أردنا الجمع بین روایات الذمّ وروایات المدح نقول : إذا أراد الإنسان الدنیا علی نحو الاستقلال فهذه دنیا مذمومة ، وهی التی أبغضها الله تعالی علی لسان نبیّه الکریم (صلی الله علیه وآله) فی قوله : « حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة »[14] ، وجُعل بغض الدنیا من علامات محبّی أهل البیت (علیهم السلام) ، وهذا ما صرّح به النبیّ الأکرم (صلی الله علیه وآله) فی قوله : « ألا ومن أحبّ أهل بیتی فله الجنّة ، ألا إنّ لمحبّیهم عشرین خصلة ، عشرة منها فی الدنیا وعشرة فی الآخرة ... إلی أن یقول : وتاسعها بغض الدنیا ، وعاشرها السخاء ... »[15] ، وأمّا إذا أراد الدنیا طریقاً إلی الجنّة ومزرعةً للآخرة فلا بأس بذلک ، فالدنیا والآخرة ضرّتان فی حالة الاستقلالیة[16] ، وأمّا إذا کانتا علی نحو المقدّمیة والتبعیة فلا خوف منها ولا ضرر فیها.
فهناک أ یّها الإخوة من یعیش الآخرة وهو فی هذه الدنیا وهذا ما حصل لأمیر المؤمنین (علیه السلام) ، فلذلک یقول : « جلوسی فی المسجد أحبّ إلیّ من جلوسی فی الجنّة » ، ولمّا سئل : لماذا ؟ قال : لأنّ الجلوس فی المسجد رضا ربّی ، والجلوس فی الجنّة رضا نفسی ، ورضا ربّی أولی من رضا نفسی ، فعلی هذا یکون المسجد جنّة أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، ودخوله فیه یعنی دخوله فی جنّته . وهناک روضات من الجنّة فی الدنیا والداخل إلیها داخل إلی الجنّة ، کما جاء فی الخبر : إنّ قبر الإمام الرضا (علیه السلام) روضة من ریاض الجنّة ، وکذلک ما بین منبر النبیّ (صلی الله علیه وآله)وداره ، فهذه روضات حقیقیة لا مجازیة ، کما ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام)[17].
سؤال فی محلّه :
ذکر الحدیث عن الإمامین (علیهما السلام) یوحی بوجود ترابط بین التفقّه بالدین والصبر علی النائبة والتقدیر فی المعیشة ، فما وجه هذا الترابط ؟
الجواب :
الکمال یبدأ بالحرکة الاقتصادیة ، لأ نّها العون فی تحقّق الحرکة العلمیة والأخلاقیة ، أی أنّ من لا معاش له لا معاد له ، وهکذا الاُمّة إذا فقدت الحالة
الاقتصادیة فإنّها ستفشل فی حرکتها العلمیة والأخلاقیة ، فإذن لا بدّ من هذه الحرکات الثلاثة لتحقّق تمام الکمال.
والتفقّه فی الدین یعنی العلم الإلهی الذی فیه نفع الدنیا والآخرة ، ولکن لهذا الفقه ولهذه الحرکة العلمیة مقدّمات دینیة ودنیویة ، فإذا أردت التکامل لا بدّ من زیادة علمک حتّی تنال السعادة التی ستُغبط علیها من قبل الآخرین ، کما ورد فی الحدیث الشریف : « فمن کان یومه خیرٌ من أمسه فهو مغبوط ، ومن کان أمسه خیرٌ من یومه فهو ملعون » ، أی مطرود من رحمة الله تعالی.
فعلیک بملازمة العلماء والحضور فی مجالسهم ، وإلاّ سینالک الخذلان کما ورد عن الإمام زین العابدین (علیه السلام) فی دعاء أبی حمزة الثمالی : « أو لعلّک فقدتنی من مجالس العلماء فخذلتنی »[18] ، وهذا الخذلان یصیب الفرد البعید عن مجالس العلماء ، وکذلک یصیب المجتمع الذی استهان بالعلم والعلماء فیصاب عندها بالتخلّف والأمراض الاجتماعیة.
---
[1]فاطمة الزهراء (علیها السلام) لیلة القدر ، بقلم سیّدنا الاُستاذ دامت إفاضاته.
[2]مراد السیّد الاُستاذ أنّ هذه الردود لا تمنعنا لأ نّها لم تکن موانع أو نواهی قال بها الشرع المقدّس ، وإلاّ لو کانت کذلک لکان حرام علینا مخالفتها.
[3]اختلفت الروایات والأقوال فی یوم شهادة الزهراء (علیها السلام) ، فقیل : أربعون یوماً بعد رحلة الرسول الأعظم ، وقیل : خمسة وسبعین یوماً ، وقیل : خمسة وتعسین یوماً ، وإحیاءً لأمرهم (علیهم السلام) یقام العزاء الفاطمی لمدّة ثلاثة أیّام أو اُسبوع علی الأقوال الثلاثة ، وکانت محاضرات سیّدنا الاُستاذ دام ظلّه فی سوریا علی القول الأوّل.
[4]الجاثیة : 13.
[5]الذاریات : 56.
[6]هذه إشارة إلی الحدیث الشریف عن أبی عبد الله (علیه السلام) ، قال : « إنّ العباد ثلاثة : قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفاً فتلک عبادة العبید ، وقوم عبدوا الله تبارک وتعالی طلب الثواب فتلک عبادة الاُجراء ، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّاً له فتلک عبادة الأحرار وهی أفضل العبادة » اُصول الکافی 2 : 89 ، وهناک حدیث مثله لأمیر المؤمنین یذکر فیه کلمة (تجّار) ، ولا فرق لأنّ المعنی واحد.
[7]طه : 114.
[8]النجم : 42.
[9]الحجر : 29.
[10]البقرة : 156.
[11]قصار الجمل ; للمشکینی 2 : 55.
[12]هذه المراتب ذکرت فی کتب الأخلاق ، فکان أوّل هذه المراتب مرتبة علم الیقین وهو اعتقاد ثابت جازم مطابق للواقع کیقینک بوجود النار من مشاهدة الدخان ، والمرتبة الثانیة : عین الیقین ، وهو مشاهدة المطلوب ورؤیته بعین البصیرة والباطن ومثاله التیقّن بوجود النار عند رؤیتها عیاناً ، وأمّا المرتبة الثالثة وهی حقّ الیقین وهو أن تحصل وحدة معنویة بین العاقل والمعقول ومثاله الحسّی الیقین بوجود النار بالدخول فیها من غیر احتراق.
[13]وتکون الدنیا متجراً لأولیاء الله تعالی عندما یتّخذوها قنطرة للعبور إلی الجنّة وعندما یتّخذوها مزرعة للآخرة ، بل إنّ العمل الصالح لا یکون إلاّ فی الدنیا لأ نّها دار التکلیف ، وبالعمل الصالح یکون الدخول إلی الجنّة أو الخلاص من النار أو الارتزاق بلقاء الله تعالی ، وهذا ما تؤکّده الآیة الکریمة : ( هَلْ أدُ لُّکُمْ عَلَی تِجَارَة تُنجِیکُمْ مِنْ عَذَاب ألِیم * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) (الصفّ : 10 ـ 11) ، وورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) : « إذا کنت فی =
= تجارتک وحضرت الصلاة فلا یشغلنّک عنها متجرک » والمتجر هو مکان التجارة ، أی علیک أن تعمل فی المتجر الحقیقی وأن تعمل بالتجارة الحقیقیة الرابحة وإلاّ لو کان متجر الدنیا وتجارة الدنیا هی الحقّ لما أمرنا الإمام (علیه السلام) بعدم الانشغال فی متجر الدنیا . وهناک کلام کثیر لو أردنا أن نؤلّف فیه فصلا لتمّ لنا ذلک.
[14]العلم النافع : 158 ، وجاء عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة ، ومفتاح کلّ سیّئة ، وسبب إحباط کلّ حسنة » ، إرشاد القلوب : 21.
[15]الخصال للشیخ الصدوق والمواعظ العددیة باب العشرین.
[16]ورد حدیث شریف یبیّن أنّ الدنیا والآخرة ضرّتان کما فی قصار الکلمات ـ نهج البلاغة . ومراد سیّدنا الاُستاذ بأنّ حالة التنافس لا تحصل ولا یکون هناک نزاع بین الضرّتین إلاّ إذا فضّل صاحب الضرّتین إحداهما علی الاُخری ، أی تعامل مع إحداهما بشیء من الاستقلال والمیل بحیث یؤدّی إلی الإضرار بالاُخری ، ویؤیّد هذا الکلام قول النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « من أحبّ دنیاه أضرّ بآخرته » الوسائل الباب61 ، الحدیث 50 / عن قصار الجمل للمشکینی 1 : 132.
[17]جاء فی الحدیث الشریف عن الإمام الرضا (علیه السلام) : « قال : إنّ فی خراسان بقعة سیأتی علیها زمان تکون مختلف الملائکة لا تزال تهبط فیها فوج من الملائکة وتصعد فوح ... إلی أن یقول : وإنّها والله روضة من ریاض الجنّة من زارنی فیها کان کمن لو زار رسول الله (صلی الله علیه وآله) » مفاتیح الجنان : 496 ، وأمّا الحدیث عن أنّ ما بین منبر النبیّ (صلی الله علیه وآله) وقبره أو داره روضة من ریاض الجنّة فهذا أشهر من أن نکتب عنه شیئاً ، وهذه الروضات روضات حقیقیة أی لا یکون الجالس فیها کأ نّها فی روضة بل هو فی روضة حقیقیة ، وکما ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) عندما سأله السائل : هل هذه روضة حقیقیة ؟ أجابه : لو کشف لک لرأیت ذلک.
[18]مفاتیح الجنان : 191.

المحاضرة الثالثة)

بعد البسملة والحمد والصلاة :
لا زلنا وإیّاکم فی رحاب سیّدة نساء العالمین فاطمة الزهراء (علیها السلام) لنتمّ الحدیث عن کونها سرّ الوجود ، بل هی سرّ السرّ ، وإنّها جمال الله وعصمته الکبری ، وعلی معرفتها دارت القرون الاُولی.
لقد مرّ علینا فی الأبحاث السابقة أنّ فلسفة الحیاة وسرّ الخلقة والوجود سیّما خلقة الإنسان هو التکامل ونیل الرتبة التی وضعت لهذا الموجود الأشرف ، کما ذکرنا أنّ الکمال کلّ الکمال هو التفقّه فی الدین ، وعبّرنا عن ذلک بالحرکة العلمیة ثمّ یتلوه الکمال الآخر وهو الصبر علی النائبة وعبّرنا عنه بالحرکة الأخلاقیة ، باعتبار أنّ الصبر أساس الأخلاق ، وآخره الاقتصاد فی المعیشة ، وعبّرنا عن الأخیر بالحرکة الاقتصادیة.
ولو أردنا تسلیط الضوء علی الحرکة الثانیة التی هی الحرکة الأخلاقیة فلا بدّ من القول بأنّ الصبر أساس الأخلاق وبه یتمّ طیّ المراحل الأخلاقیة الثلاثة التی هی التخلیة والتحلیة والتجلیة ـ کما عند علماء الأخلاق والسیر والسلوک ـ ، لیصل المرء إلی تهذیب النفس وکمالها ، فلا بدّ من تخلیة الروح والقلب من الصفات الذمیمة کالریاء مثلا وتحلیتهما بالصفات الحمیدة کالإخلاص فی مقابل
الریاء ، ثمّ تجلیة هذه الصفة حتّی یصل الإنسان إلی درجة المخلَصین لیکون بعیداً عن وسوسة وتزیین الشیطان الذی تعهّد بإغواء جمیع البشر ، إلاّ العباد المخلَصین حسب تعبیر الآیة القرآنیة الکریمة :
( وَلاَُغْوِیَنَّهُمْ أجْمَعِینَ * إلاَّ عِبَادَکَ مِنْهُمُ المُخْلَصِینَ )[1].
فإذن أبدی الشیطان استعداده لإغواء الجمیع حتّی طبقة المخلِصین ، ولکنّه عبّر عن عجزه من أن ینال الطبقة الرفیعة التی هی طبقة المخلَصین[2].
فلا بدّ من الوصول إلی تلک الرتبة الأخلاقیة العالیة وذلک بطوی مراحل الإخلاص التی لا تتمّ إلاّ باجتیاز المراحل الأخلاقیة الثلاثة التی أساسها الصبر ، الذی یتجلّی فی النوائب والمصائب ، وإنّه من أکمل مصادیق الصبر.
ثمّ لو أردنا التحرّک فی الحرکة الثالثة التی هی الحرکة الاقتصادیة والتی عبّر عنها فی الحدیث الشریف « والتقدیر فی المعیشة » لا بدّ لنا من اتخاذ الحدّ الوسط فی طریقة العیش لکی نبتعد عن الإفراط والتفریط ، وهذا معنی الاقتصاد فإنّه لغة من القصد بمعنی الحدّ الوسط.
فهذه هی الحرکات الثلاثة التی یحتاجها الإنسان للوصول إلی کماله الذی هو هدف وجوده وسرّ خلقته.
وأرجأنا الکلام عن الحرکة العلمیة التی هی الحرکة الاُولی فی سلّم الکمال لکی یکون البحث عنها بشیء من التفصیل ، فنقول :
إنّ کمال الإنسان فی الرتبة الاُولی هو تحصیل العلم ، ومحور هذا العلم هو التفقّه فی الدین الذی یبتنی علی اُصول خمسة کما هو معتقد الشیعة وفروع عشرة[3] ، ومن هذه الاُصول الخمسة التی یجب الاهتمام بمعرفتها أصل الإمامة ، وممّا یبحث فی هذا الأصل هو الاعتقاد بأنّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) سرّ الوجود.
والذی نبغیه من هذا البحث الولائی هو إثبات العقیدة الصحیحة بالبرهان العقلی والدلیل النقلی ثمّ العمل علی ضوء هذه العقیدة الصحیحة لأنّ الحیاة عقیدة وجهاد ، ولا یصحّ الجهاد من أجل عقیدة فاسدة ، فلا بدّ من إثبات صحّة هذه العقیدة وتثبیتها ، فما ذکرناه کان من المقدّمة للحدیث عن فاطمة الزهراء سیّدة نساء العالمین (علیها السلام).
فالحدیث عن الخبر الشریف : « لولاک لما خلقت الأفلاک ، ولولا علیّ لما خلقتک ، ولولا فاطمة لما خلقتکما » ، یحتاج إلی مقدّمة ، فنقول :
إنّ الوجود أمر بدیهی لا یحتاج إلی تعریف ، وما ذکر له من تعاریف بأ نّه الثابت العین أو الذی یمکن أن یخبر عنه أو ما ینقسم إلی علّة ومعلول أو قدیم
وحادث وغیر ذلک فهو من باب شرح الاسم[4] ، فهو بدیهی ولشدّة بداهته تجده فی غایة الخفاء کما فی منظومة السبزواری[5].
فعندنا الموجود هو ذات ، أو قل : ماهیّة ثبت لها الوجود ، کالإنسان فإنّه ذات ثبت لها الوجود فیسمّی موجوداً.
فإذن هناک فرق بین الوجود وبین الموجود ، ثمّ إنّ الله تعالی علّة العلل والعلّة الاُولی للکون ، فهو الأوّل وهو الآخر ، وهو الظاهر وهو الباطن ، أزلی سرمدی . وساُوضح هذا لأنّ فیه شیئاً من الصعوبة لوجود هذه المصطلحات الغریبة علی البعض ، ولکن لا بدّ من الثقافة لأنّ المجتمع الشیعی هو الأجدر بمثل هذه الثقافة ، فأقول : إنّ العلل علی أربعة أقسام[6] ، وقبل معرفة هذه الأقسام لا بدّ من معرفة العلّة ، فالعلّة هی الشیء الذی یؤثّر فی شیء آخر وهذا الشیء الآخر المتأثّر یسمّی المعلول ، مثلا (النار والحرارة) ، ولا ینفکّ المعلول عن علّته إلاّ بمعجزة فیما إذا کانت العلّة ناقصة[7] ولیست تامّة کما ینفک فی النار التی أشعلها النمرود لنبیّ الله إبراهیم (علیه السلام) ، فإنّها صارت علیه برداً وسلاماً بالمعجزة ، والآن نقول : إنّ العلل أربعة : علّة فاعلیّة ، وعلّة مادّیة ، وعلّة صوریة ، وعلّة غائیة[8] ، واُقرّب لکم هذا بالمثال : (إنّ هذا الکرسی الذی نجلس علیه یحتاج إلی أربع علل : الاُولی تسمّی العلّة الفاعلیة أی التی فعلت الکرسی وصنعته وذلک هو النجّار ، والعلّة الثانیة هی العلّة المادّیة أی المادّة التی صنع منها الکرسی ، والعلّة الثالثة هی العلّة الصوریة أی الصورة التی یکون علیها الکرسی لکی یمتاز عن غیره ، والعلّة الرابعة هی الغائیة أی التی من أجلها صار الکرسی) . وهکذا الکون الرحب الوسیع الذی یقع الإنسان ضمن مجموعته ، فإنّ العلّة الفاعلیة له هو الله تعالی ، وإنّه تعالی الخالق لهذا الخلق ، وإنّ أوّل ما خلق نور النبیّ (صلی الله علیه وآله) ثمّ اشتقّ منه نور علیّ (علیه السلام) واشتقّ منهما نور فاطمة ثمّ الأئمة (علیهم السلام) فشیعتهم من الأنبیاء والأوصیاء والأولیاء والمؤمنین ، وهذا الحدیث ثابت عندنا کما فی کتاب (بحار الأنوار) ، وهو مذکور فی کتابنا (هذه هی الولایة)[9].
والعلّة هی عبارة عن وجود المقتضی وعدم المانع واُضیف إلیهما تحقّق الشرائط ووجود المعدّ.
فالصادر الأوّل لله تعالی هو نور النبیّ (صلی الله علیه وآله) ، وببرکته خلق هذا الکون ، وهذا المعنی موجود فی الفلسفة المشائیة والإشراقیة معاً ، فإنّ المشّائین یقولون بالعقول العشرة أی أنّ العقل الأوّل باعتبار وجوده وماهیّته خلق العقل الثانی والفلک الأوّل ، وهکذا حتّی یصلوا إلی العقل العاشر ، وهو العقل الفعّال المدبّر لهذا الکون الطبیعی ، کما أنّ الإشراقیین یقولون إنّ الله تعالی صدر منه العقل الأوّل ثمّ أرباب العقول لهذا الکون[10] ، إذن هم یعتقدون بالعلّة والمعلول ، ولا بدّ منهما فی هذا الخلق لقاعدة الأشرف[11] ، فإنّ الله تعالی خلق الکائنات ببرکة النبیّ وأهل بیته (علیهم السلام) لأ نّهم نور واحد کما ورد فی الحدیث : « أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد بل کلّنا محمّد »[12] ، فهم نور واحد فی الحقیقة المحمّدیة والولایة الإلهیة العظمی ، وأمّا اختلافهم فهو فی الشؤون ، فکلّهم جواد ، وکلّهم کاظم للغیظ ، وهکذا باقی الصفات إلاّ أنّ الصفة تبرز فی زمن أحدهم فیمتاز بها کما برز الجود فی زمن الإمام الجواد (علیه السلام) ، فعرف به ، وکذلک کظم الغیض فی زمن الإمام الکاظم (علیه السلام) فعرف به ، وإلاّ لا فرق بینهم فی مقام دون آخر ، فإذن هم صنایع لله تعالی ، والناس صنایع لهم ، کما ورد فی الحدیث الشریف عن الإمام الحجّة عجّل الله فرجه الشریف : « نحن صنایع الله والخلق صنایعنا » ، ومعنی الصنعة هنا إمّا یراد منها الأدب ، فأدّبهم ربّهم ، وهم بدورهم أدّبوا الناس بآداب الله تعالی ، أو یراد منها الصانعیة وهذا یتمّ بحسب سلسلة العلل والمعالیل ، فالعلّة الفاعلیة الاُولی لله تعالی ، ثمّ الصادر الأوّل ، ثمّ سلسلة العلل والمعالیل ، وأمّا العلّة الصوریة فقد ورد فی الحدیث الشریف : « إنّ من دخل الجنّة سیکون علی صورة النبیّ محمّد » ، وأمّا النساء فعلی صورة الزهراء ، والزهراء تشبه أباها ، وأمّا العلّة المادّیة فی عالم الأنوار ، فالمؤمنین خلقوا من أنوارهم ، وفی عالم الطینة من فاضل طینتهم[13] ، وأمّا العلّة الغائیة فنقول ما هی الغایة من خلق هذا الکون ؟ الغایة هی أن یکون الإنسان الجامع لجمیع صفات الله الجمالیة والکمالیة الذی هو النبی الأکرم أشرف خلق الله تعالی ، فلذلک قال له الله تعالی فی المعراج : « یا أحمد ، لولاک لما خلقت الأفلاک » ، فأنت یا أحمد (صلی الله علیه وآله) الغایة ، وأنت سرّ الوجود ، وأنت سرّ المعبود لهذا الکون ، فلأجلک خُلق الکون ، وأنت الجامع لصفات الله تعالی والعاکس لها ، فإذا کان الله تعالی کریماً فإنّ کرمه یظهر فیک ، وإذا کان ستّاراً فإنّ ستّاریته تظهر فیک ، وهکذا باقی الصفات ، وهذا الکلام ثابت بالعقل والعلم الحدیث ، وذلک عندما نری أنّ الحرکة الدائریة البسیطة لا بدّ لها من مرکز (قطب) کالرحی ، فذلک المرکز وذلک القطب الذی هو أشرف المخلوقات لیس إلاّ النبیّ الأکرم (صلی الله علیه وآله) ، فلذلک صار حجّة علی الخلق ، وهذه الحجّیة ثابتة لمن یلیه فی المسؤولیة[14] ، ولکن من هو الذی یلیه ؟ فنقول : إنّ الذی یلیه لا بدّ أن یکون بینه وبین النبیّ (صلی الله علیه وآله) من سنخیة لأنّ السنخیة هی الترابط والتشابه بین العلّة والمعلول ، فإذا کان النبیّ (صلی الله علیه وآله) هو العلّة الغائیة لا بدّ ان یکون له معلولا یشترک معه فی الغایة ، ولا بدّ أن تکون سنخیة بینهما بموجب قاعدة السنخیة[15] ، ولکن لا بدّ من توضیح هذا بالمثال لنقرّبه إلی الأذهان ، فنقول : (النار علّة للحرارة لوجود تشابه وترابط بینهما ، ولولا هذا التشابه والترابط لاستحال أن تصدر الحرارة من النار کما یستحیل صدور البرودة من النار ، ولکن صدرت الحرارة من النار ، إذن لا بدّ من التشابه والترابط لأنّ « الطیور علی أشکالها تقع » و « کلّ جنس إلی جنسه یمیل » ، فنرجع إلی أوّل حدیثنا فنقول : إذا کان النبیّ (صلی الله علیه وآله) هو العلّة الغائیة لهذا الکون ، لأ نّه هو الإنسان الکامل وهو جامع الجمع لأسماء الله وصفاته ، فالمعلول الذی یکون من سنخه ومن جنسه ومن نفسه لیس هو إلاّ أسد الله الغالب الإمام علی بن أبی طالب (علیه السلام) لآیة المباهلة فی قوله تعالی : ( وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَکُمْ ... )[16] ، فلذلک صار الحدیث « لولا علیّ لما خلقتک » لأ نّک یا رسول الله یلزمک معلولا یشابهک لکی تکون أنت العلّة ولیس هذا المعلول إلاّ علیّ (علیه السلام) ، فأنت یا رسول الله نور النبوّة وعلیّ نور الإمامة وکلاکما من نور التوحید ، فلا بدّ لکما من معلول یجمع بین نوریکما وبین حجّتیکما ، وهذا المعلول الذی یشبهکما وبمستواکما ، ما هو إلاّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، فلذلک قال : « ولولا فاطمة لما خلقتکما » ، لأ نّها بطن الإمامة وصلب النبوّة ، وهی روح النبوّة والإمامة ، والإسلام والعقیدة ، فإذن هی سرّ الوجود أو سرّ السرّ ، وهی مجمع النورین النبوی والعلوی ، وهی بنت النبیّ وزوجة الوصیّ.
ومن هذا المنطلق یقال : السنخیة علّة الانضمام.
---
[1]الحجر : 39 ـ 40 . ( قَالَ فَبِعِزَّتِکَ لاَُغْوِیَنَّهُمْ أجْمَعِینَ * إلاَّ عِبَادَکَ مِنْهُمُ المُخْلَصِینَ )(ص : 82 ـ 83 ).
[2]طبقة المخلِصین ـ بکسر اللام (اسم فاعل) ـ : هم الذین أخلصوا لله تعالی قولا وفعلا ونیّةً ، وطبقة المخلَصین ـ بفتح اللام (اسم مفعول) ـ هم الذین استخلصهم الله تعالی لنفسه بعد أن تحلّوا بالإخلاص وعلم منهم ثباتهم علیه طول حیاتهم.
[3]اُصول الدین خمسة حسب ما یعتقده الشیعة ، وهذا القول فی قبال من یعتقد أ نّها ثلاثة ، فلذلک یذهب البعض من العلماء إلی تسمیتها باُصول المذهب ، والحقّ أ نّها اُصول للمسلمین جمیعاً ، ولکن رفض بعض المسلمین أن تکون الإمامة من الاُصول وجعلها فرعاً من فروع الدین کما أ نّه رفض تسمیة العدل الإلهی أصلا لشبهة فی أذهانهم ، ولهذا صارت عندهم ثلاثة ، وقد ذهب إلی هذا المعنی السیّد الاُستاذ فی دروس الیقین فی معرفة اُصول الدین ـ المجلّد الأوّل من موسوعته الکبری (رسالات إسلامیة) ، فراجع.
[4]توضیح هذا الکلام مفصّلا فی بدایة الحکمة للعلاّمة الطباطبائی فی المرحلة الاُولی من الکتاب فی الفصل الأوّل ، الصفحة 10.
[5]ورد فی منظومة السبزواری عن مفهوم الوجود هذا البیت من الشعر :
مفهومه من أعرف الأشیاءِ *** وکنهه فی غایة الخفاءِ
الصفحة 4 من المنظومة.
[6]تنقسم العلّة إلی أقسام متعدّدة بلحاظ جهات مختلفة ، فمن تقسیماتها أ نّها تنقسم إلی علل داخلیة وتسمّی (علل القوام) ، وهی المادّة والصورة المقوّمتان للمعلول ، وإلی علل خارجیة وتسمّی (علل الوجود) هی الفاعل والغایة ، وربما سمّی الفاعل (ما به الوجود) والغایة (ما لأجله الوجود).
[7]العلّة التامّة هی التی یصدر عنها المعلول من دون أن یقلّ من العلّة شیئاً کشاعریّة الشاعر وتکلّم المتکلّم ، فیصدر الکلام منه من دون أن ینقص من علّیته شیئاً ، بخلاف العلّة الناقصة.
[8]العلّة الفاعلیّة : هی التی تفیض وجود المعلول وتفعله ، العلّة الغائیة : وهی الکمال الأخیر الذی یتوجّه إلی الفاعل فی فعله ، العلّة الصوریّة : هی الصورة للشیء وهی تشترک فی ترکیب الشیء مع العلّة المادّیة التی هی مادّة الشیء.
[9]المجلّد الخامس من الموسوعة الکبری (رسالات إسلامیّة) ، وهذه الموسوعة عبارة عن أکثر من مئة وخمسین کتاباً ورسالة بقلم سیّدنا الاُستاذ فی مئة مجلّد ، طبع منها (12) مجلّداً ، والموسوعة تضمّ علوم وفنون إسلامیة مختلفة.
[10]یقول المشّائون إنّ العقول عشرة والصادر الأوّل هو العقل الأوّل ثمّ هذا العقل الأوّل أوجد الفلک الأوّل والعقل الثانی ، وإنّ العقل الثانی أوجد الفلک الثانی والعقل الثالث ، وهکذا حتّی یصلوا إلی العقل العاشر الذی یسمّی بالعقل الفعّال ، ویقول الإشراقیون إنّ فی الوجود عقولا عرضیة لا علّیة ومعلولیة بینها وهی تدبّر الأنواع المادیة وتسمّی بـ (أرباب الأنواع) ، و (المثل الأفلاطونیة) ، وفی هذا کلام مفصّل یؤخذ من مصادره الفلسفیة.
[11]مفاد قاعدة إمکان الأشرف : أنّ الممکن الأشرف یجب أن یکون أقدم فی مراتب الوجود من الممکن الأخسّ ، فلا بدّ أن یکون الممکن الذی هو أشرف منه قد وجد قبله ، وهذا مرتبط بوجود العلّة التی هی أشرف من المعلول فتکون قبله من حیث الوجود.
[12]بحار الأنوار.
[13]اُصول الکافی 2 : 5 ، باب طینة المؤمن والکافر.
[14]مراده حفظه الله تعالی فی المسؤولیة لیس هی الخلافة الحکومیة بل مراده إیصال الناس إلی المطلوب ، وهذا لا یتمّ إلاّ للمعصوم ، علماً أنّ الخلافة شأن من شؤون الإمامة ، والإمام إمام مسؤول نائب عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) سواءٌ کان خلیفة أم لم یکن لأنّ الإمامة غیر الحکومة واستلام المنصب.
[15]قاعدة السنخیة : مفادها أن یکون بین العلّة والمعلول رابطة تکوینیة وذاتیة غیر موجودة بین تلک العلّة ومعلول آخر أو بین ذلک المعلول وعلّة اُخری ، وإذا لم تکن هذه الرابطة یلزم أن یصدر کلّ شیء من کلّ شی.
مثال ذلک : (النار علّة لوجود الحرارة للسنخیة بینهما ولولا السنخیة لجاز أن تصدر البرودة من النار ، وهذا محال) ، والسنخیة علّة الانضمام.
[16]آل عمران : 61.

المحاضرة الرابعة)

لا زال الحدیث عن سیّدتنا ومولاتنا وشفیعة ذنوبنا وطبیبة قلوبنا فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، وأ نّها من سرّ الوجود وهی من الحججّ الإلهیة ، فلا بدّ أن نعرفها بمعرفة جلالیة وجمالیة ، ولا بدّ من زیادة المعرفة ; لأنّ الفضل لا یکون إلاّ بالمعرفة ، فکلّما ازداد الإنسان معرفةً ، ازداد عملا ، وازداد قرباً من الله تعالی :
( یَرْفَعِ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَالَّذِینَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات )[1].
فرفع الدرجات فی یوم القیامة لأهل العلم والمعرفة ، فإذن لنعرف فاطمة الزهراء (علیها السلام) بما یمکننا ذلک ، ولکن قبل هذه المعرفة أذکر بأ نّنا قد ذکرنا معنی الوجود والموجود والفرق بینهما ، کما ذکرنا دلیل العلّة والمعلول ، وأنّ بینهما سنخیة ، وبیّنا ما معنی ذلک ، وأمّا الآن فنقول : إنّ قانون العلّة والمعلول أقوی من القوانین الریاضیة ، وهو الحاکم علی کلّ هذا الکون ، فبه برهنّا علی صحّة کلامنا عقلا ، ولکن لکی یتّضح المطلب أکثر ویکون بلغة الجمهور سأذکر وجهاً آخر للحدیث الشریف حتّی لا یتبادر إلی الذهن أنّ علیّاً أفضل من النبیّ (صلی الله علیه وآله) وأنّ فاطمة أفضل منهما ، وسیکون بیان ذلک بالمثال الحسّی : الإنسان هو الجرم الذی انطوی فیه العالم المادّی الکبیر والعالم المجرّد الأکبر ، لأنّ جسده من الأرض وروحه وعقله من السماء ، فهو ذو بعدین : بُعد سماوی وبعد أرضی ، وقد رکّب فی بدنه عقل وروح وشهوة ، وفی هذا البدن المادّی دماغ الذی هو محطّ العقل ، وفیه قلب الذی هو محطّ الروح ، وفیه الطحال الذی له دور فی تصفیة الدم الذی یذهب إلی القلب ، فبدن الإنسان حیّ بدماغه ولولا هذا الدماغ لما کان له قیمة تذکر ، لأنّ الدماغ هو المدبّر لبدن الإنسان ، ولکن لولا القلب لما کان للدماغ دوره الذی وجد من أجله ، ولیس هذا یعنی أنّ القلب أهمّ من الدماغ ، بل إنّ الدماغ أهمّ وأشرف من القلب ، ولکن للقلب دور یجعل البدن یتحرّک ، ذلک البدن الذی سلطانه الدماغ ومدبّره الدماغ ، ولکی یبقی البدن مستمرّ الوجود ، لا بدّ له من القلب ، وهذا القلب الذی یضخّ الدم یحتاج إلی مصفاة تصفّی هذا الدم ولیس هناک إلاّ الطحال ، فهو الذی یؤدّی هذا الدور ، وهذا المثال للتقریب بالحسّ مع العلم أنّ المثال یقرّب من جهة ویبعد من ألف جهة ، ولکن نرید أن نقول : إنّ هذه الأعضاء کلّ واحد منها له دوره الخاصّ ، وقولنا : لولا العقل لما کان الجسد ، ولولا القلب لما کان العقل ، ولولا الطحال لما کان القلب ، لا یعنی أنّ القلب أفضل من العقل أو أنّ الطحال أفضل منهما ، فلیس المقام لبیان الأفضلیة ، فإنّ الأفضلیة محفوظة بینها ، وهکذا المعنی فی الحدیث الشریف : « لولاک لما خلقت الأفلاک ، ولولا علیّ لما خلقتک ، ولولا فاطمة لما خلقتکما ».
ثمّ إنّ الإمام هو عقل عالم الإمکان أو قلبه ، کما ورد فی الروایة التی ذکرت محاججة هشام بن الحکم مع ذلک الرجل فی البصرة عندما قال له : ما هو أثر العین ؟ قال : ننظر بها ، وما هو أثر الاُذن ؟ قال : نسمع بها ، وما هو أثر القلب ؟ قال : نمیّز به الحقّ من الباطل ، فقال هشام : هکذا هو الإمام[2] ، فالإمام سرّ الوجود وبه ثبتت السماوات والأرض ، ولولاه لساخت الکائنات والأرض بأهلها ، ومعنی سرّ الوجود أی باطن الوجود ، فلذلک یعبّر عن الخفی بالسرّ أی الباطن ولیس الظاهر ، وعندما نقول للمیّت : قدّس سرّه ، أی قدّس الله نفسه ، والنفس أمر خفی فتکون سرّاً ، کما یقال فی المثل : (الولد علی سرّ أبیه) ، أی علی خلق ونفس أبیه ، وهکذا أهل البیت (علیهم السلام) سرّ الوجود أی باطن الوجود.
أ یّها الإخوة الأعزّاء : نحن الآن فی عصر الغیبة الکبری ، عصر الغربلة والبلبلة والامتحان والشبهات والتشکیک ، فالتزموا الدعاء لکی تنجوا من هذه الهزّات الفکریة ، ولکی تبتعدوا عن الشکّ بالله ورسوله وأهل البیت سیّما صاحب الأمر عجّل الله فرجه الشریف ، فعلیکم بدعاء الغریب الذی مطلعه : « اللهمّ عرّفنی نفسک ... » لأنّ من لم یعرف الله تعالی سوف یجهل رسول الله ، ویجهل الحجّة فیقع فی الضلال ، فیموت میتة الجاهلیة ، لأنّ من لم یعرف إمام زمانه یموت میتة الجاهلیة ، فلا بدّ من معرفة الحجج (علیهم السلام) الذین عددهم بعدد الأسباط وبعدد الحواریین ، حیث إنّ عددهم اثنا عشر خلیفة وکلّهم من قریش کما ورد فی الصحیحین[3] عند الجمهور ، فإمام الزمان هو الحجّة الثانی عشر ، وهو الإمام المنتظر الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً ، وأبوه الإمام الحسن العسکری الحجّة الحادی عشر (علیه السلام) یقول : « نحن حجج الله واُمّنا فاطمة حجّة الله علینا » ، فإن فاطمة حجّة الحجج ، ولذلک قال الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله فرجه الشریف : إنّی أقتدی باُمّی فاطمة لما لها من الفضل والعظمة التی یقرّ بها جمیع الأنبیاء ، بل هی لیلة القدر کما ورد ذلک فی حدیث مسند فی بحار الأنوار[4] ، ومذکور کذلک فی تفسیر البرهان وتفسیر نور الثقلین ، ففاطمة الزهراء (علیها السلام) إنّما سمّیت بذلک لأنّ الناس فطموا عن معرفتها ، فکیف لا تکون کذلک وهی اُمّ أبیها أی مقصودة أبیها فکان یشمّ نحرها ویقبّل یدها ویقول الرسول الأعظم بعظمته وعلمه : فداها أبوها[5] ، فإن دلّ هذا علی شیء فإنّما یدلّ علی أ نّها سرّ الوجود ولا یستقیم أمر لأحد سواء کان عالماً أو شاعراً أو خطیباً أو أدیباً إلاّ أن یقرّ بفضلها ومحبّتها وأن یعرفها بما أمکنه معرفتها ، وهی التی فطم الناس عن حقیقة معرفتها ، لأ نّها کفؤ لعلیّ (علیه السلام) ، ولا یعرف علی (علیه السلام) إلاّ الله ورسوله ... وإنّما سمّیت فاطمة لأنّ الناس فطموا عن معرفتها ، وعلی معرفتها دارت القرون الاُولی.
---
[1]المجادلة : 11.
[2]اُصول الکافی 1 : 225 ، فیه قصّة مفصّلة عن محاججة هشام بن الحکم الذی هو من أفضل أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) مع الرجل الذی کان متصدّراً مجلس البصرة وهو عمرو ابن عبید.
[3]صحیح البخاری وصحیح مسلم ، فضلا عن مصادرنا.
[4]بحار الأنوار 42 : 105.
[5]؟؟؟.

المحاضرة الخامسة)

بعد البسملة والحمد والصلاة :
لا زال الحدیث حول سیّدة نساء العالمین فاطمة الزهراء (علیها السلام) بأ نّها سرّ الوجود ، وبناءً علی أنّ الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه الشریف) هو سرّ الوجود أیضاً ، تکون فاطمة الزهراء (علیها السلام) سرّ السرّ ، لأنّ الحجّة (علیه السلام) ، هو قطب الأرض ، ولولاه لساخت بأهلها وبالموجودات التی علی ظهرها ، ولولاه لانعدمت البرکات ، ولولاه لما ثبتت الأرض والسماء ، وبیُمنه رزق الوری ، فهو إذن سرّ الموجودات ، وسرّ الله تعالی فی الکائنات ، وعبّرنا بسرّ الله تعالی ، لأنّ الوجود الحقیقی التامّ الأتمّ هو الحقّ سبحانه ، فیکون الإمام الحجّة (علیه السلام) سرّ الله تعالی فی کائناته . ولمعرفة منزلة ومقام اُمّه الزهراء (علیها السلام) نستمع إلی ما یقوله الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) فیقول : « نحن حجج الله واُمّنا فاطمة حجّة الله علینا » ، وبهذا نعرف أنّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) سرّ السرّ للموجودات ، وهذا هو معنی ما ورد فی الحدیث الشریف : « ولولا فاطمة لما خلقتکما » کما تمّ بیان ذلک.
والیوم نتحدّث عن وظیفة الإنسان الذی یعرف فاطمة الزهراء (علیها السلام) بهذه المعرفة ، وماذا یترتّب علی هذه المعرفة من وظیفة شرعیّة وسلوک أخلاقی وعقیدة قلبیة ، فلقد تمّ الاعتقاد بمقام فاطمة من خلال ما عرفناه عنها ، فإذن لا بدّ من العمل علی أساس هذه العقیدة الراسخة فی القلب ، ولکی اُبسّط البحث ویکون بلغة الجمهور ، بعیداً عن الطریقة الحوزویة أقول :
إنّ الله تعالی کلّفنا بالاعتقاد والعمل معاً فی اُصول الدین وفروعه ، وعند الوقوف علی هذه الفروع العشرة التی هی : الصلاة والصوم والزکاة والخمس والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والتولّی والتبرّی ، نلاحظ أنّ کلّ فرع من هذه الفروع لو أردنا العمل به فسیکون علی نحوین : عمل جوارحی أی ما یتعلّق بالجوارح التی هی الید والرجل والعین والاُذن وغیر ذلک ، فالید تعمل والرجل تسعی وهکذا ، ونحو آخر هو العمل الجوانحی أی العمل الباطنی مثلا النیّة (نیّة المؤمن خیرٌ من عمله)[1] ، هذه من أعمال القلب وکالحبّ لله ولرسوله ولأهل البیت وفاطمة الزهراء (علیهم السلام) فهو أیضاً عمل جوانحی ، وکذلک التولّی والتبرّی من أعمال القلب وتسمّی هذه الأعمال بالأعمال الجوانحیّة.
ومعنی التولّی لغةً : الاتباع بدون فاصلة بین الولیّ والمتولّی ، فمثلا عندما یرکب شخص خلف آخر علی فرس فیقال مثلا : زید ولی عمر ، فیما إذا کان زید خلف عمر ولم یکن بینهما فاصلة.
وأمّا معناه اصطلاحاً : هو أن یتولّی الإنسان ربّه تعالی فیکون تابعاً لربّه سبحانه وهو أقرب إلیکم من حبل الورید ، أی لا فاصلة بینه وبین أولیاءه ، فلذلک جاءت الآیات الکریمة تبیّن هذا المعنی کما فی قوله تعالی :
( وَهُوَ مَعَکُمْ أیْنَ مَا کُنْتُمْ )[2].
( وَهُوَ وَلِیُّهُمْ )[3].
( اللهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا )[4].
فهذه الآیات صریحة فی بیان مدی العلاقة بین المؤمن وربّه تعالی ، فالمؤمن قریب من ربّه تعالی والله سبحانه أقرب من ذلک ، ثمّ یتولّی المؤمن رسول الله (صلی الله علیه وآله) ویتولّی وصیّه ویتولّی أولیاء الله تعالی ، فبهذا الولاء یحبّ الله ورسوله وأولیائه ، ولازم هذا الحبّ الإطاعة ، فنجد الآیة الکریمة :
( أطِیعُوا اللهَ وَأطِیعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِی الأمْرِ مِنْکُمْ )[5].
تؤکّد هذا اللازم وتبیّن المصادیق التی وجبت طاعتها ثمّ تأتی آیة اُخری تحصر الولاء والحبّ والإطاعة بنفس المصادیق التی بیّنتها الآیة السابقة ، فتقول :
( إنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا )[6].
فلازم الولایة الحبّ ، ولازم الحبّ الإطاعة ، وهذا کلّه عمل قلبی جوانحی ، ولکن هذا العمل الجوانحی یستلزم إظهاره بواسطة الجوارح ، فمن کان محبّاً لأمیر المؤمنین (علیه السلام) سیکون مطیعاً له ، وهذا ما أکّده الإمام الصادق (علیه السلام) : « عجبت لمن یدّعی حبّ الله کیف یعصی الله »[7] ، فإنّ المحبّ لمن أحبّ مطیع ، وعلی هذا یکون التولّی عمل قلبی ، وبما أنّ القلب هو سلطان البدن فبصلاحه تصلح الجوارح وبفساده تفسد ، وهذا مشابه للملک والرعیّة ، فإذا صلح الملک صلحت الرعیّة لأنّ الناس علی دین ملوکها ، فإذا کان القلب یتولّی الله ورسوله وأولیاءه فیحبّهم فیطیعهم فیمتثل البدن للقلب ، ویظهر الطاعة علی قدر طاعة القلب وحبّه وانقیاده.
وأمّا التبرّی الذی هو الجناح الثانی فی السیر والسلوک إلی الله تعالی ، ولکی یصل الإنسان إلی ربّه تعالی لا بدّ له من جناحین ، أوّلهما التولّی وثانیهما التبرّی . فالتولّی لله ولرسله ولکتبه ولأولیائه ، والتبرّی من أعداء الله ورسوله وأولیائه ومن أعداء فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، فالذی یعرف فاطمة بأ نّها سرّ الوجود لا بدّ له أن یتولاّها ویتبرّأ من أعدائها ، وممّن ظلمها ، وممّن ضربها وأسقط جنینها.
ولهذا قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : « کذب من زعم أ نّه یحبّنی ویحبّ عدوّی »[8] ، وهذا القول الذی صدر من الإمام المعصوم موافقاً لقوله تعالی :
( مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ )[9].
فلذلک نعجب ممّن یدّعی حبّ علیّ (علیه السلام) وحبّ عدوّه معاً ، ونعجب ممّن یقول إنّ الرجوع إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام) وإلی عدوّه هو الرجوع إلی الإسلام ، هذا کلام ما أنزل الله تعالی به من سلطان وهو خلاف المنطق ، کیف یکونا علی طرفی نقیض والرجوع إلیهما رجوع إلی الإسلام . التولّی والتبرّی عملان قلبیّان ، فالأوّل حبّ باطنی ، والثانی بغض باطنی ، والأوّل هو حبّ لله ولرسوله ولأمیر المؤمنین (علیه السلام) ، والثانی بغض لعدوّ الله وعدوّ رسوله وعدوّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، فلا یجتمع فی قلب واحد حبّ الطیبة وحبّ الخبث ، وحبّ الله تعالی وحبّ عدوّه ، لأ نّهما نقیضان ، إن طاب قلبک بحبّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) فإنّه یخبث بحبّ عدوّه ، وهذا القلب لا یمکن له أن یکون طیّباً وخبیثاً فی آن واحد ، فلهذا نجد الترکیز فی الشریعة الإسلامیة علی التولّی والتبرّی ، فلا یمکن أن یدّعی أحد التولّی دون أن یبغض عدوّ من یتولّی ، لأ نّه لو کان یمکن ذلک لصحّ أن نتصالح مع الشیطان ونحبّه ، وبما أنّ للشیطان أولیاء فلنحبّ أولیاءه فیجتمع فی قلبنا حبّ أولیاء الله وأولیاء الشیطان ، ولکن هذا مستحیل لأنّ الشیطان وأولیاءه أعداء أولیاء الله تعالی منذ الیوم الأوّل ، ومنذ بدء الخلیفة ، فالشیطان عدوّ لله تعالی لأ نّه تکبّر علی آدم وعصی أمر الله تعالی ، فآدم الذی عکس الصفات الإلهیّة والأسماء الحسنی ظهر له عدوّه من لحظة وجوده . فحبّ الجمیع وعدم کراهیة أحد من الناس هذه مقولة شیطانیة ، لأنّ من الناس من هم أولیاء للشیطان ، بل هم من شیاطین الإنس ، وهذه المقولة تسرّ الشیطان وتفرح حزبه ، وهذه المقولة تعمل علی تخریب عقائد البسطاء من الناس ، وهذه المقولة من تزیین الشیطان ، فتراهم یحسبون أ نّهم یحسنون صنعاً وهم لا یعلمون بأنّ هذا خلاف قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) الذی قاله فی حقّ الأصدقاء والأعداء فقال (علیه السلام) :
« الأصدقاء ثلاثة : صدیقی وصدیق صدیقی وعدوّ عدوّی ، والأعداء ثلاثة : عدوّی وعدوّ صدیقی وصدیق عدوّی »[10] ، فصدیق عدوّی یعادینی لأ نّه صدیق العدوّ ، وعدوّ صدیقی یعادینی لما بینی وبین عدوّه من صداقة وهذه مسألة وجدانیة فطریة حسّیة ، وهذا قول أمیر المؤمنین (علیه السلام) وهو القول الحقّ لأنّ علیاً هو الحقّ والحقّ مع علیّ یدور الحقّ حیثما یدور علی ، وهذا لا یمکن إنکاره ، فإذا کان الحقّ مع علیّ فهو قسیم الجنّة والنار ، وهو سفینة النجاة ، وهو الذی یقول للنار هذا عدوّی فخذیه وهذا ولیّی فدعیه ، فإذن الذی ینجو بولایة علیّ (علیه السلام) ثلاث طوائف :
أوّلهم ـ صدیق علیّ (علیه السلام) أی الذی یصدق مع علیّ (علیه السلام) فی کلّ شیء کسلمان المحمّدی (رضوان الله علیه) الذی قیل فی حقّه : « سلمان منّا أهل البیت » ، فلقد کان صدیقاً لأمیر المؤمنین ، بل هو تالی تلو أمیر المؤمنین (علیه السلام)وخیر شاهد علی ذلک هذه القصّة التی ذکرناها سابقاً[11] وهی عندما أراد الأصحاب أن یدخلوا المسجد ویسبقون سلمان بالحضور إلی جوار علیّ (علیه السلام) فلم یتوفّقوا لذلک ، إلاّ أ نّهم فی یوم ما نظروا إلی الطریق فلم یروا إلاّ آثار أقدام علیّ (علیه السلام) ففرحوا بذلک وعندما ذهبوا مسرعین وجدوا سلمان عنده فاندهشوا من ذلک وسألوه : من أین أتیت یا سلمان ؟ هل نزلت من السماء أم خرجت من الأرض ؟ فأجابهم سلمان بکلّ هدوء : إنّی أتیت من نفس الطریق الذی جاء به أمیر المؤمنین (علیه السلام) وکنت أضع قدمی علی موضع قدم أمیر المؤمنین (علیه السلام) لأ نّنی أعلم أ نّه لا یرفع قدماً ولا یضعها إلاّ بحکمة وعلم ، فإنّه یری أنّ خطوات أمیر المؤمنین صادقة حتّی فی مثل هذاالموقف ، فلذلک صار من أهل البیت ومن أهل النجاة.
وأمّا الطائفة الثانیة ـ هی (صدیق صدیقی) ، أی من کان صدیقاً لسلمان ومن یحذو حذوه ، النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ، فعندها سیکون محبّاً لأمیر المؤمنین (علیه السلام) ویکون شیعیاً خالصاً مخلصاً ، فلو نظرنا إلی الروایات التی تتحدّث عن صفات الشیعی نجد تقصیراً واضحاً لدینا ، لأنّ من صفات الشیعی أ نّهم خمص البطون من الجوع ، عمش العیون من البکاء ، صفر الوجوه من السهر ، ومن صفات محبّی أهل البیت (علیهم السلام) حبّ العلم والعمل الصالح وبغض الدنیا والسخاء ، فهی من صفات المتّقین الذین إمامهم علیّ (علیه السلام) ، وهذه صفات الطائفة الثانیة فأین نحن من هذه الصفات وهل فینا منها ؟
فإذن لا یبقی لدینا إلاّ أن ننتسب إلی الطائفة الثالثة وهی طائفة (عدوّ عدوّی) هذه لنا ونستطیع أن ندّعی أ نّنا أعداء لعدوّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) ونطالبه بذلک فی یوم القیامة ، لا سیّما إنّنا کثیراً ما نقول فی زیارة عاشوراء « اللهمّ ألعن أوّل ظالم ظلم حقّ محمّد وآل محمّد وآخر تابع له علی ذلک » ، فهذه براءة معلنة من أعداء آل محمّد (صلی الله علیه وآله) نتقرّب بها إلی الله تعالی ، فنأمل النجاة بهذه الرتبة ، ولکن هناک من ینجو بالولایة إذا کان من أهلها ، وینجو بالطاعة إذا کان من أهل العبادات ، أمّا من کان مثلی فکیف یمکن له أن ینجو یوم القیامة ؟ لیس له إلاّ التبرّی من أعداء أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، فلا نستمع إلی الأقلام المأجورة ولا نستمع إلی الألسن المرتزقة التی تحاول أن تلمّع شخصیات صدأت ، بل هی لیست بشیء منذ الیوم الأوّل للإسلام ، وما هی إلاّ شیاطین الإنس التی عادت أمیر المؤمنین وعادت الزهراء وأولادهم (علیهم السلام) ، فکیف لهذه الأقلام الهزیلة تحاول أن تظهر عدوّ أهل البیت بأ نّه خدم الإسلام ؟ فلا تنجرّوا وراء أفکار سقیمة ، ونفوس جشعة ، وعقول سطحیة لا تتعمّق فی علوم أهل البیت (علیهم السلام) ، فعلیکم بالبراءة وعلیکم بالولایة ، وأظهروا مظاهر هذه الولایة ، وهذا الحبّ ، وعظّموا الشعائر الحسینیة ، فإنّها من مظاهر الولایة والبراءة.
والتزموا شعار الولایة الذی هو الصلاة علی محمّد وآل محمّد ، فإنّ الصلاة علیهم دعاء لهم لیرع الله تعالی درجاتهم ، وکما ورد فی الزیارة الجامعة « وصلواتنا علیکم ، طهارة لأنفسنا وکفّارة لذنوبنا »[12] ، والتزموا أیضاً شعار البراءة الذی هو (لعن أعداء أهل البیت (علیهم السلام” وأعداء فاطمة الزهراء (علیها السلام) وهذا اللعن أیضاً دعاء ولکنّه علی أعداء أهل البیت (علیهم السلام) لأنّ معنی اللهمّ العن فلان أی أبعده عن رحمتک ، لأ نّه لا یستحقّ الرحمة الإلهیة ، ولهذا نجد فی کلّ زیارة بجانب السلام والتحیّة لهم (علیهم السلام) لعناً لأعدائهم وأحیاناً یقدّم اللعن علی السلام ، لأ نّه بغض ، والبغض تخلیة ، والحبّ تحلیة ، والتخلیة تقدّم علی التحلیة ، فعندما نتکلّم عن عظمة الزهراء وعن مظلومیّتها ، لأنّ رضا فاطمة رضا الله وغضبها غضب الله ، وهذا ما ورد فی صحیح البخاری عن الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله) : « من أرضی فاطمة فقد أرضانی ، ومن أرضانی فقد أرضی الله ، ومن أغضب فاطمة فقد أغضبنی ، ومن أغضبنی فقد أغضب الله »[13] ، وتقرأ فی نفس الصحیح : « إنّ فاطمة ماتت وهی واجدة علی فلان وفلان » ، یعنی ماتت سلام الله علیها وهی غاضبة علیهما ، فإذن حلّ علیهما غضب الله تعالی ، ومن حلّ علیه غضب الله تعالی فهو ملعون بصریح القرآن ، ویلعنه الله ویلعنه اللاعنون ، لأ نّه آذی الله ورسوله وأمیر المؤمنین (علیه السلام)[14] ، فهذا هو الحقّ ، وعلیک بمعرفة الحقّ لکی تعرف أهله ، فاعرف الحقّ تعرف أهله ، ولا یُعرف الحقّ بالرجال ، بل یُعرف الرجال بالحقّ ، فلا تبهر بفلان وفلان ، اعرف الحقّ وانظر إلی الحقّ وانظر إلی ما قال لا إلی مَن قال.
ثمّ التبرّی موجود عند کلّ المسلمین ، إلاّ أ نّهم اختلفوا فی المصادیق ، لأنّ الأمر اشتبه علیهم ، ولو عرفوا الحقّ لاتّبعوه ، إلاّ من کان فی قلبه مرض فزادهم الله مرضاً.
---
[1]الحدیث عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : « نیّة المؤمن خیرٌ من عمله ، ونیّة الکافر شرّ من عمله ، وکلّ عامل یعمل علی نیّته » (اُصول الکافی 2 : 89 ).
[2]الحدید : 4.
[3]الأنعام : 127.
[4]( اللهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَی النُّورِ ) (البقرة : 257).
[5]( یَا أ یُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أطِیعُوا اللهَ وَأطِیعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِی الأمْرِ مِنْکُمْ ) (النساء : 59).
[6]( إنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ ) (المائدة : 55) ، فإنّ الآیة حصرت الطاعة لله ولرسوله ولعلیّ أمیر المؤمنین لأ نّه هو الذی أعطی الزکاة إلی ذلک الفقیر فی مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله) وهو فی حالة الرکوع فأشار بإصبعه إلیه ـ فی قصّة مفصّلة ، وقد حدث هذا لکلّ الأئمة ، والآیة تعمّ جمیع الأئمة الاثنا عشر کما هو ثابت عندنا ـ وهذا متّفق علیه فی کتب التفسیر عند الفریقین.
[7]؟؟؟.
[8]؟؟؟.
[9]( مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَیْنِ فِی جَوْفِهِ ) (الأحزاب : 4).
[10]نهج البلاغة.
[11]جاءت فی (عصمة الحوراء زینب (علیها السلام”.
[12]مفاتیح الجنان : زیارة الجامعة الکبری.
[13]صحیح البخاری ، الجزء الرابع ، باب مناقب فاطمة (علیها السلام).
[14]( ... وَالَّذِینَ یُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ ألِیمٌ ) (التوبة : 61) ، فالذی یؤذی رسول الله (صلی الله علیه وآله) فی نفسه أو فی من کنفسه وأعنی بذلک علیاً (علیه السلام) أو الذی یؤذیه فی روحه وأعنی بذلک فاطمة لأ نّها روحه التی بین جنبیه کما ورد فی الحدیث أو فی أهل بیته ، فإنّه ظالم ومتجاسر ومعتدی فیستحقّ اللعن بصریح القرآن الذی یقول : ( ألا لَعْنَةُ اللهِ عَلَی الظَّالِمِینَ ) (هود : 18) ، ثمّ صرّحت الآیة القرآنیة الکریمة بلعن من آذی الله ورسوله فقالت : ( إنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّ نْیَا وَالآخِرَةِ ) (الأحزاب : 57).

المحاضرة السادسة)

بعد البسملة والحمد والصلاة :
ورد فی الحدیث الشریف : « اُغدُ عالماً أو متعلّماً »[1].
وورد أیضاً فی الحدیث الشریف : « الناس ثلاث ، إمّا عالم ربّانی ، أو متعلّم علی سبیل النجاة ، أو همج رعاع »[2].
فکلّ إنسان لا یخلو من أحد هذه الصفات الثلاثة : إمّا أن یکون عالماً ربانیاً ینتسب إلی الله تعالی ویتجلّی فیه ربّه سبحانه ، وإمّا أن یکون متعلّماً یطلب النجاة ، لأنّ العلم الذی یترجم إلی عمل هو وسیلة النجاة ، وإمّا أن یکون بعیداً عن العلم والعلماء فهو همج رعاع ، ینعق مع کلّ ناعق ویمیل مع کلّ ریح ، ویتحوّل فی بعض الأحیان إلی مصداق من مصادیق الأنعام ، بل یتسافل حتّی یکون أضلّ سبیلا.
فإذا تبیّن هذا لنا وعینا قول المعصوم (علیه السلام) بدقّة ، وأ نّه لا بدّ من استغلال
العمر والتزوّد بالعلم والعمل الصالح ، لأنّ العمر یمرّ کما یمرّ سحاب الربیع ، لأنّ من صفات سحاب الربیع تراه فی السماء کثیفاً ، وسرعان ما یزول ، وهکذا العمر فهو سرعان ما یمرّ ، فلا تکن مصداقاً لهذا البیت من الشعر :
یا من بدنیاه اشتغل *** قد غرّه طول الأمل
الموت یأتی بغتةً *** والقبر صندوق العمل
فطوبی لمن اغتنم فرصة العمل واستغلّها فی طاعة الله تعالی.
وأوّل هذه الطاعات هو طلب العلم الإلهی ، وخیر شاهد علی ذلک هذه القصّة التی ملؤها العبر والموعظة :
یُنقل أنّ النبیّ (صلی الله علیه وآله) کان جالساً وإلی جنبه شابّ جالس أیضاً ، فنزل أحد الملائکة المقرّبین (علیهم السلام) وأخذ ینظر إلی هذا الشابّ الجالس بنظرة عمیقة ، فلمّا رأی الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله) هذا سأل الملک عن سبب نظرته هذه ، فأجابه بأنّ هذا الشابّ لم یبقَ لدیه إلاّ ثلاثة أیام من حیاته . فبعد أن عرج الملک إلی السماء ، توجّه النبیّ (صلی الله علیه وآله) إلی الشابّ وأخبره بذلک ، فقال الشابّ : یا رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، بِمَ تنصحنی أن أفعل فی هذه الأیام الثلاثة ، وما هو العمل الذی یقرّبنی إلی الله تعالی ؟ أجابه رسول الله (صلی الله علیه وآله) : اطلب العلم ، فإنّه أفضل عمل یقرّبک إلی الله تعالی . وهذا القول النبوی الشریف یشیر إلی هذه الآیة القرآنیة الکریمة :
( یَرْفَعِ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَالَّذِینَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات )[3].
فإذن لا بدّ من طلب العلم واطلبه من المهد إلی اللحد ، أی فی کلّ مرحلة من عمرک ، لا بدّ أن تکون متعلّماً ، ولا بدّ أن تفتح خزائن العلم ، ومفتاح خزائن العلم هو السؤال ، فأکثر من السؤال فی اُمور دینک حتّی یقال لک مجنون ، وخذ العلم من أفواه الرجال کما تأخذه من بطون الکتب ، فلیس کلّ العلم قد کتب بل منه ما فی صدور الرجال ، أی علوم إلهامیة ألهم الله تعالی العالِم بها ، لأنّ العلم نور یقذفه الله فی قلب من یشاء ، فلهذا یقول الإمام الرضا (علیه السلام) : « إسألوا یرحمکم الله ، فإنّه یؤجر أربعة : السائل والمسؤول والسامع والمحبّ لذلک » ، ففی السؤال عبادة وفی الجواب عبادة وفی الاستماع إلیهما عبادة والذی یحبّ ذلک أیضاً فی عبادة ، لأ نّه یفرح بذکر الله تعالی وذکر أولیائه.
فعلیکم بالسؤال ، ولکن علیکم الالتزام بآداب السؤال ، لأنّ للسؤال أدب خاصّ به ، وخیر شاهد علی ذلک هذه القصّة ، ینقل أنّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) عندما قال : سلونی قبل أن تفقدونی ، وإنّی أعرف منکم بطرق السماء منکم بطرق الأرض ، فقام إلیه رجل من المنافقین یسأل الإمام (علیه السلام) : کم طاقة من الشعر فی لحیتی ؟ وأراد أن یخجل أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، قال : ویلک إنّی أعرف ذلک ولکن سل تفهّماً ولا تسل تعنّتاً.
فإذن لا بدّ أن یکون السؤال للتعلّم والتفهّم لا للامتحان ولا لإحراج المسؤول ، ولا یکن ترفاً وتسلیة ، بل لا بدّ أن یراد منه القربة إلی الله تعالی ، ثمّ طلب العلم النافع والعمل به.
ثمّ أجاب الإمام (علیه السلام) : اعلم أ یّها السائل إنّ تحت کلّ طاقة من شعرات لحیتک شیطاناً ، وإنّه فی بیتک سخل یقتل ولدی الحسین (علیه السلام)[4] ، ومراده (عمر ابن سعد).
فاسألوا یرحمکم الله ، فإنّما یؤجر علی ذلک : السائل والمجیب ، والسامع والمحبّ لهم[5].
والحمد لله ربّ العالمین.
---
[1]الحدیث « اُغدُ عالماً أو متعلّماً أو أحبّ أهل العلم ، ولا تکن رابعاً فتهلک ببغضهم » اُصول الکافی 1 : 83 .
[2]وهناک حدیث آخر عن أبی عبد الله (علیه السلام) : « الناس ثلاثة : عالم ومتعلّم وغثاء » اُصول الکافی 1 : 83 .
[3]المجادلة : 11.
[4]راجع کتاب (الإرشاد) للشیخ المفید (قدس سره).
[5]بعد کلّ محاضرة کان المجال مفتوحاً للسؤال والجواب ، وقد جمعنا الأسئلة والأجوبة ، وسوف تطبع بعنوان (فی رحاب أنت تسأل) إن شاء الله تعالی ، ثمّ وقفنا علی بعض مکتوبات سیّدنا الأجلّ العلوی وقد کتبها من قبل حول اُمّه الزهراء البتول (علیها السلام) ، فآثرنا طبعها تعمیماً للفائدة وتکمیلا للمحاضرات ، ومن الله التوفیق والسداد.
کما قد طبع للسیّد الاُستاذ من قبل رسالتان بعنوان (فاطمة الزهراء (علیها السلام) لیلة القدر) و (الدرّة البهیّة فی الأسرار الفاطمیّة) وهذه الرسالة (فاطمة الزهراء (علیها السلام) سرّ الوجود) تکون الثالثة ، نسأل الله أن تردف بأمثالها العشرات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین.

‌الخصائص الفاطمیّة

[تمهید]

اعلم أنّ قانون الزوجیّة کقانون العلّیة ، بنصّ القرآن الکریم هو الحاکم علی العالم التکوینی :
( وَمِنْ کُلِّ شَیْء خَلَقْنَا زَوْجَیْنِ )[1].
ومن مصادیق الأزواج العقل الکلّ والنفس الکلّ وکذا العلم والعمل ، والعلم مقوّم روح الإنسان والعمل یشخّص بدن الإنسان ، والعقل العملی یتبع العقل النظری ، فالعلم إمام العمل.
ومن مصادیق الأزواج : السماء والأرض ، والوجود والماهیّة ، وکلّ مذکّر ومؤنّث من الحیوان والروح الذی یتکوّن من نطفة الرجل والبدن المتکوّن من نطفة المرأة.
وهذا القانون حاکم فی کلّ شیء حتّی أعصاب المخّ فإنّه یتکوّن من أعصاب زوجیّة.
والنکاح اللقاح التکوینی هو الحاکم فی قانون الزوجیّة ، ویتولّد منه العوالم المعنویّة والروحیّة والنفسیة والمثالیة والحسّیة ، فالنکاح الأوّل کان فی الأسماء الإلهیّة ثمّ فی عالم الأرواح والعقول المفارقة ثمّ عالم الأجساد الطبیعیة والعنصریة ، ثمّ ما یتولّد منه المولّدات الثلاثة ـ المعادن والنباتات والحیوانات ـ والنکاح الأخیر یختصّ بالإنسان الکامل والکون الجامع ، فالروح بمنزلة الزوج والنفس بمنزلة الزوجة.
والخلق یکون علی أساس التثلیث ، فالولد من نطفة من الأبوین.
والإنسان الکامل سواء الرجل أو المرأة هو ثمرة شجرة الوجود ، فهو غایة الحرکتین الوجودیة والإیجادیة ، فالمرأة مصنع الصنع الإلهی ، فهی کالشجرة الطیّبة أصلها ثابت وفرعها فی السماء تؤتی اُکلها کلّ حین.
والإنسان الکامل لو کان رجلا فهو مظهر العقل الکلّ ، وإن کان امرأة فهو مظهر وصورة النفس الکلّیة.
فعلیّ (علیه السلام) مظهر العقل الکلّی علی أتمّ الوجوه الممکنة ، فهو اُمّ الکتاب ، وفاطمة الزهراء مظهر النفس الکلّیة علی أتمّ الوجوه الممکنة.
إنّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) ودیعة المصطفی ، الحوراء الإنسیّة ، مطلع الأنوار العلویة ، وضیاء المشکاة الولویّة ، اُمّ أبیها ، واُمّ الأئمة النجباء ، صندوق العلم ، ووعاء المعرفة.
لا ریب ولا شکّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهیة الکبری ، وکما ذهب الأعاظم من علمائنا الأعلام کالشیخ المفید والسیّد المرتضی إلی عصمتها ، کما تدلّ الآیات الکریمة کآیة التطهیر والروایات الشریفة علی ذلک ، ومن أنکر ذلک فإنّه کالأعمی الذی ینکر نور الشمس.
والعصمة قوّة نوریّة ملکوتیة فی المعصوم تعصمه عن جمیع ما یشین الإنسان الکامل من الذنوب والمعاصی والسهو والنسیان والغفلة وما شابه ذلک ، ومن کان معصوماً من أوّله إلی آخره لا یصدر منه الشین.
فاطمة الزهراء معصومة بعصمة الله سبحانه کما عصم أولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم کعصمة القرآن ، فهما الثقلان اللذان لن یفترقا فی کلّ شیء من البدایة وحتّی النهایة.
والأذان إعلام وإعلان لما یحمل الإنسان من العقیدة ، فالشیعی إنّما یعلن عن عقائده الصحیحة فی أذانه وإقامته للصلاة ، فیعلن للعالم کلّ یوم أ نّه یؤمن بالله ووحدانیّه کما یؤمن برسول الله ونبوّته ویؤمن بولایة علیّ وإمامته ، کما یشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أی فی أذانه وإقامته یخبر عن معتقده فی الأربعة عشر معصوم (علیهم السلام).
وفاطمة الزهراء بقیّة النبوّة وعقیلة الرسالة ، زوج ولیّ الله الأعظم وکلمة الله الأتمّ ، حازت مقام العصمة ، فلا مانع بل من الراجح أن یشهد بعصمتها فی الأذان والإقامة کما یشهد بنبوّة والدها وبولایة زوجها ، فنقول فی الأذان والإقامة بعد الشهادة الثالثة : (أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله)[2] . أو یلحقها بالشهادة الثالثة ، أی (أشهد أنّ علیّاً وأولاده المعصومین حجج الله ، وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله) ، فیقولها لا بقصد الجزئیّة کما أفتی المشهور من الفقهاء بذلک فی الشهادة الثالثة.
وممّا یدلّ علی عصمتها أنّ الله یغضب لغضبها ویرضی لرضاها ، کما ورد متواتراً فی کتب الفریقین السنّة والشیعة.
ولا تجد معصوماً تزوّج بمعصومة إلاّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، ولولا علیّ لما کان لفاطمة کفؤ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا یتزوّجها إلاّ المعصوم ، فمن خصائص أمیر المؤمنین التی لا یشارکه فیها أحد حتّی النبیّ الأعظم محمّد (صلی الله علیه وآله)هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، وهو الزواج المبارک وزواج النور من النور کما ورد فی الأخبار ، فلا یستولی علی المعصومة إلاّ المعصوم ; لأنّ الرجال قوّامون علی النساء ، فالمعصومة لا یتزوّجها إلاّ المعصوم ، بخلاف المعصوم فإنّه یتزوّج غیر المعصومة ، فتدبّر.
وفاطمة سیّدة نساء العالمین من الأوّلین والآخرین ، فی الدنیا والآخرة ، کما یشهد بذلک آیة التطهیر وحدیث الکساء وأصحابه الخمسة : المصطفی والمرتضی وابناهما وفاطمة.
وإنّما قدّم فی آیة المباهلة النساء والأبناء علی الأنفس ربما للإشارة إلی أنّ الأنفس فداهما.
وفاطمة تربیة النبیّ والوصیّ ، خامس آل العباء وأصحاب الکساء ، والخمسة من الأعداد المقدّسة.
وفاطمة حقیقتها حقیقة لیلة القدر ، فمن عرفها حقّ المعرفة فقد أدرک لیلة القدر ، وسمّیت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن کنه معرفتها.
والله خلق عالم الملک علی وزان عالم الملکوت ، والملکوت علی وزان الجبروت ، حتّی یستدلّ بالملک علی الملکوت وبالملکوت علی الجبروت وهو عالم العقول.
وقد عبّر عن القوس النزولی باللیل واللیالی ، کما عبّر عن القوس الصعودی بالیوم والأیام ، فعصمة الله فاطمة عبّر عنها بلیلة الله ، فهی یوم الله کذلک ، والإنسان الکامل هو القرآن الناطق ، فنزل أحد عشر قرآناً ناطقاً فی لیلة القدر ، أی فی فاطمة الزهراء ، فهی الکوثر وإنّا أعطیناک الکوثر ولیلة القدر خیر من ألف شهر أی ألف مؤمن ، فإنّ فاطمة اُمّ الأئمة النجباء واُمّ المؤمنین والملائکة من المؤمنین الذین حملوا علوم آل محمّد (علیهم السلام) ، وروح القدس فاطمة یتنزّلون فی لیلة القدر بإذن ربّهم من کلّ أمر ، سلام هی حتّی مطلع فجر قائم آل محمّد (علیهم السلام).
وأیام الله کما ورد فی خبر العسکری هم الأئمة فلا تعادوا أیام الله فتعادیکم.
والمعرفة علی نحوین : مفهومیّة استدلالیة ومعنویّة ذوقیّة ، والثانیة یحصل علیها العارف بالشهود والکشف لا بالبرهان والکسب ، والعیان لیس کالبیان.
ولیلة القدر قلب الإنسان الکامل الذی هو عرش الرحمان وأوسع القلوب ، فروح الأمین فی لیلة مبارکة ینزل بالقرآن ، فانشرح صدره ، فلیلة القدر الصدر النبویّ الوسیع.
ومثل هذا الصدر الشریف یحمل القرآن العظیم دفعة واحدة فی لیلة مبارکة ، وفرق بین الإنزال فهو دفعی والتنزیل فهو تدریجی ، فنزل القرآن دفعة واحدة فی لیلة القدر ثمّ طیلة 23 سنة نزل تدریجاً.
(ولقد کانت مفروضة الطاعة علی جمیع خلق الله من الجنّ والإنس والطیر والوحوش والأنبیاء والملائکة)[3].
والقلب یطلق علی الشکل الصنوبری اللحمی الموجود فی الجانب الأیسر من القفص الصدری ، کما یطلق علی اللطیفة الربانیة المتعلّقة بالقلب الجسمانی ، فکذلک هذا المعنی یطلق فی لیلة القدر.
ولیلة القدر الذی یحمل القرآن دفعة واحدة فی معارفه وحقائقه هی فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، وما من حرف فی القرآن إلاّ وله سبعین ألف معنی ، وفاطمة تعرف تلک المعانی ، فمن عرفها حقّ معرفتها أدرک لیلة القدر ، فهی درّة التوحید وودیعة المصطفی لیلة القدر ویوم الله والکون الجامع والقلب اللامع الذی یتجلّی فیه الغیب.
ثمّ النبوّة والوحی علی نحوین تشریعیة مختصّة بالرجال وقد ختمت بمحمّد فحلاله حلال إلی یوم القیامة ، ومقامیة تکوینیة ـ تسمّی بالنبوّة العامّة ـفتعمّ الرجال والنساء ، کما فی قوله تعالی : ( وَأوْحَیْنَا إلَی اُمِّ مُوسَی )[4] ، کما قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : أری نور الوحی وأشمّ رائحته ، کما قال الرسول : تسمع ما أسمع وتری ما أری ، إلاّ أ نّه لا نبیّ بعدی ، وأنت وزیری ، وإنّک علی خیر.
فمثل هذه النبوّة مستمرّة إلی یوم القیامة ینالها أصحاب النفوس القدسیة فیتمثّل لها الصور الملکیة والملکوتیة کما وقع لمریم العذراء بحملها عیسی کلمة الله . وفاطمة کانت ممّن تحدّثها الملائکة ، فهی المحدّثة ـ بالکسر والفتح ـ .
فهناک من عنده علم من لدن حکیم کالخضر (علیه السلام) ، ومثل موسی من أنبیاء اُولی العزم یرید أن یستصحبه کی یتعلّم رشداً ، إلاّ أ نّه لا یستطیع صبراً.
وفاطمة اسم من اسماء الله الحسنی ، واشتقّ اسمها من الفاطر ، فلا یقاس بها أحد بعد أبیها خاتم النبیّین وبعلها سیّد الوصیّین.
والعلم نور یتّحد مع العالم والمعلوم ، فیدخل جنّة الذات والأسماء ، والحکمة جنّة ، فمن یدخل الحکمة فقد دخل الجنّة ، والإنسان الحکیم الکامل جنّة ، وهو القرآن الناطق ، وکلّ یعمل علی شاکلته فاقرأ وارقأ.
ن والقلم ، فما یکتب فی العصمة الکبری فاطمة الزهراء إلاّ رشحات من بحر معرفتها ، وقد فطم الخلق عن کنه معرفتها ، فمن یعرفها ویعرف أسرارها ؟
قال رسول الله : إنّ الله جعل علیاً وزوجته وأبناءه حجج الله علی خلقه ، وهم أبواب العلم فی اُمّتی ، من اهتدی بهم هدی إلی صراط مستقیم[5].
وفی قوله تعالی: ( مَرَجَ البَحْرَیْنِ یَلْتَقِیَانِ * بَیْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا یَبْغِیَانِ * فَبِأیِّ آ لاءِ رَبِّکُمَا تُکَذِّبَانِ * یَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ )[6] ، أخرج ابن مردویه عن ابن عباس فی قوله : ( مَرَجَ البَحْرَیْنِ یَلْتَقِیَانِ ) قال : علیّ وفاطمة ( بَیْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا یَبْغِیَانِ ) قال النبیّ ( یَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) قال : الحسن والحسین[7].
وأذاها أذی رسول الله ، ومن یؤذی الرسول فقد آذی الله ، ومن یؤذیهم فعلیه لعنة الله فی الدنیا وعذاباً مهیناً فی الآخرة ، کما فی قوله تعالی: ( إنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّ نْیَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِیناً )[8] . وما اُوذی نبیّ بمثل ما اُوذیت ، أیّ أذی أکبر ممّا ورد علی فاطمة الزهراء من المصائب من قبل الظالمین ؟ وثبتت العصمة لها من خلال الأحادیث الواردة فی فضائلها ومقاماتها.
من أهمّ الخصائص الفاطمیّة :
وإلیکم جملة من الخصائص ، قد استخرجتها من الروایات الشریفة ، وهی تدلّ علی الاُمور الغیبیة فی تکوینها وفی حیاتها الملکیّة والملکوتیّة ، فإنّها :
1 ـ أوّل بنت تکلّمت فی بطن اُمّها.
2 ـ أوّل مولودة اُنثی سجدت لله عند ولادتها.
3 ـ اُمّ أبیها.
4 ـ شرافتها العنصریّة ، فهی الحوراء الإنسیّة.
5 ـ اشتقاق اسمها من اسم الله الفاطر سبحانه وتعالی.
6 ـ رشدها الخاصّ.
7 ـ إنّها من أصحاب الکساء (علیهم السلام).
8 ـ الإمام المهدی المنتظر (علیه السلام) من ولدها.
9 ـ ذرّیتها لا یدخلون النار ولا یموتون کفّاراً ، والنظر إلیهم عبادة.
10 ـ لم یکن لها کفو من الرجال آدم ومن دونه إلاّ أسد الله الغالب الإمام علیّ بن أبی طالب (علیهما السلام).
11 ـ هی لیلة القدر.
12 ـ فطم الخلق عن معرفتها.
13 ـ علی معرفتها دارت القرون الاُولی.
14 ـ کتب اسمها علی العرش.
15 ـ تحضر الوفاة لکلّ مؤمن ومؤمنة.
16 ـ لها ولادة خاصّة.
17 ـ ینفع حبّها فی مئة موطن.
18 ـ نجاة شیعتها بیدها المبارکة ، وتجلّی الشفاعة الفاطمیّة یوم القیامة.
19 ـ زیارتها وحجّیتها علی الأئمة الأطهار (علیهم السلام).
20 ـ فی خلقتها النوریّة تساوی النبیّ (صلی الله علیه وآله).
21 ـ إنّها مجمع النورین النبوی والعلوی.
22 ـ إنّها مفروضة الطاعة المطلقة علی کلّ الخلائق.
23 ـ هی العصمة الکبری والطهارة العظمی.
24 ـ اسمها المبارک (فاطمة) یوجب الغنی.
25 ـ هی النسلة المیمونة والمبارکة.
26 ـ زواجها کان فی السماء قبل الأرض.
27 ـ حدیث اللوح.
28 ـ تسبیحها وآثاره.
29 ـ یفتخر الله بعبادتها علی الملائکة.
30 ـ إقرار الأنبیاء والأوصیاء بفضلها ومحبّتها.
31 ـ یُشمّ منها رائحة الجنّة.
32 ـ الوحیدة التی قبّل النبیّ یدها.
33 ـ هدیة الله لنبیّه (صلی الله علیه وآله).
34 ـ خیر نساء العالمین من الأوّلین والآخرین فی الدنیا والآخرة.
35 ـ تبکی الملائکة لبکائها.
36 ـ وجوب الصلاة علیها کالنبیّ وآله الأطهار (علیهم السلام).
37 ـ قرّة عین الرسول (صلی الله علیه وآله).
38 ـ ثمرة فؤاد النبیّ (صلی الله علیه وآله).
39 ـ مهرها وصداقها.
40 ـ اُمّ الأئمة الأطهار (علیهم السلام).
41 ـ مصحف فاطمة (علیها السلام).
42 ـ بحر النبوّة.
43 ـ کوثر القرآن.
44 ـ شوق النبیّ للقائها وإنّه یبدأ بها بعد السفر کما یختم بها حین السفر.
45 ـ أوّل من تدخل الجنّة.
46 ـ ظلامتها.
وخصائص اُخری سأذکرها إن شاء الله تعالی فی موضع آخر مع روایاتها الشریفة ، والحمد لله ربّ العالمین.
---
[1]الذاریات : 49.
[2]کما ذهب إلی هذا شیخنا الاُستاذ آیة الله الشیخ حسن زاده الآملی فی (فص حکمة عصمتیة فی کلمة فاطمیة) ، فراجع.
[3]دلائل الإمامة : 28.
[4]القصص : 7.
[5]شواهد التنزیل ; للحافظ الإسکافی الحنفی 1 : 58.
[6]الرحمن : 19 ـ 22.
[7]الدرّ المنثور ; للسیوطی 7 : 697.
[8]الأحزاب : 57.

‌من خصائصها (علیها السلام)

قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) :
« لو کان الحسن شخصاً لکان فاطمة ، بل هی أعظم ، فإنّ فاطمة ابنتی خیر أهل الأرض عنصراً وشرفاً وکرماً »[1].
لو قرأنا زیارة الجامعة الکبیرة الواردة بسند صحیح عن الإمام الهادی (علیه السلام)والتی تعدّ من أفضل وأعظم الزیارات ، لوجدناها تذکر وتبیّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، ومعرفة الإمام بمعرفة مشترکة لکلّ الأئمة الأطهار (علیهم السلام) ، فکلّ واحد منهم ینطبق علیه أ نّه عیبة علمه وخازن وحیه.
إلاّ أنّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) لا تزار بهذه الزیارة ، فلا یقال فی شأنها : موضع سرّ الله ، خزّان علم الله ، عیبة علم الله ... فهذا کلّه من شؤون حجّة الله علی الخلق ، وفاطمة الزهراء هی حجّة الله علی الحجج ، کما ورد عن الإمام العسکری (علیه السلام) : « نحن حجج الله علی الخلق ، وفاطمة الزهراء حجّة الله علینا ».
ثمّ فاطمة الزهراء هی لیلة القدر ، فهی مجهولة القدر کلیلة القدر فی شهر رمضان ، فلا یمکن تعریفها وأنّ الخلق فطموا عن معرفتها . ولا زیارة خاصّة لها ، ربما لأنّ أهل المدینة بعیدون عن ولایتها ویجهلون قبرها فکیف تزار ، أو یقال : لا یمکن للزهراء أن تعرّف فی قوالب الألفاظ ، فإنّ الشخص تارةً یعرف بأ نّه عالم ورع ، واُخری یقال : فلان لا یمکن وصفه ومعرفته ، فالزهراء (علیها السلام) إمام علی ما جاء فی زیارة الجامعة الکبیرة.
کما أ نّه ورد فی توقیعات صاحب الأمر (علیه السلام) أنّ اُسوته ومقتداه اُمّه فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، فالجامعة زیارة الإمام ، ولکن اُسوة الأئمة وحجّة الله علیهم هی فاطمة الزهراء ، فلا یمکن وصفها وبیان قدرها.
ومن خصائصها : کما أنّ لها مبان خاصّة فی الفقه والعقائد والمعارف السامیة ، إلاّ أ نّه من خصائصها أنّ حبّها ینفع فی مئة موطن ، وحبّ الأئمة الأطهار (علیهم السلام) ینفع فی سبع مواطن للنجاة من أهوال یوم القیامة.
ومنها : أ نّها فی خلقتها النوریة تساوی النبیّ ، فهی کما قال النبیّ : روحه التی بین جنبیه ، وربما الجنبین إشارة إلی جنب العلم وجنب العمل ، فهی واجدة روح النبیّ بعلمه وعمله وکلّ کمالاته إلاّ النبوّة فهی الأحمد الثانی ، فهی علم الرسول وتقواه وروحه.
ویحتمل أن تکون إشارة الجنبین إلی النبوّة المطلقة والولایة ، فقد ورد فی الخبر النبوی الشریف : « ظاهری النبوّة وباطنی الولایة » التکوینیة والتشریعیة علی کلّ العوالم ، کما ورد : « ظاهری النبوّة وباطنی غیب لا یدرک » ، وأنفسنا فی آیة المباهلة تجلّیها وظهورها ومصداقها هو أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) ، فالزهراء یعنی رسول الله وأمیر المؤمنین ، فهی مظهر النبوّة والولایة ، وهی مجمع النورین : النور المحمّدی والنور العلوی ، وکما ورد فی تمثیل نور الله فی سورة النور وآیتها : ( اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ )[2] بأ نّه کالمشکاة ، وورد فی تفسیره وتأویله أنّ المشکاة فاطمة الزهراء وفی هذه المشکاة نور رسول الله وأمیر المؤمنین ثمّ بعد ذلک الأئمة الأطهار (علیهم السلام) یهدی الله لنوره من یشاء.
فالنبوّة والإمامة فی وجودها ، وهذا من معانی (والسرّ المستودع فیها) فهی تحمل أسرار النبوّة والولایة ، تحمل أسرار الکون وما فیه ، تحمل أسرار الأئمة وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحیاة.
ولا فرق بین الأحد والأحمد إلاّ میم الممکنات الغارقة فیها ، والاُمّ تحمل جنینها وولدها ، وفاطمة الزهراء (علیها السلام) اُمّ أبیها ، فهی تحمل النبیّ فی أسرار نبوّته وودائعها ، کما تحمل کلّ الممکنات فی جواهرها وأعراضها ، فخلاصة النبوّة تحملها فاطمة فهی اُمّ أبیها.
ومن خصائصها : أ نّها تساوی النبیّ والولیّ فی قالبها الطینی والصوری فی عرش الله ، کما فی الروایات فیما یلتفت آدم إلی العرش ویری الأشباح الخمسة النورانیة فی العرش.
ومن خصائصها : أنّ خلقتها العنصری لیس کخلقة آدم (علیه السلام) ، فإنّه خلق من طین وبواسطة الملائکة ، ولکنّ خلق فاطمة إنّما کان بید الله ، بید القدرة ومن شجرة الجنّة ومن عنصر ملکوتی فی صورة إنسان ، فهی حوراء إنسیة کما ورد فی الأخبار ، وإنّ النبیّ کان یقبّلها ویشمّها ویقول : أشمّ رائحة الجنّة من فاطمة ، ففاطمة الزهراء خیر أهل الأرض عنصراً وشرفاً وکرماً.
ومن خصائصها : أنّ الله خلق السماوات والأرض من نورها الأنور ، وازدهرت الدنیا بنورها بعدما اظلمّت کما فی خبر ابن مسعود ، وهذا معنی اشتقاق فاطمة من الفاطر بمعنی الخالق الذی فطر السماوات والأرض ، ففطر الخلائق بفاطمة الزهراء (علیها السلام) ونورها الأزهر.
ولمثل هذه الخصائص الإلهیّة کان النبیّ یقول : فداها أبوها ، وأ نّها اُمّ أبیها ، وکان یقوم أمامها إجلالا لها وتکریماً ویجلسها مجلسه ، ویقبّل یدیها وصدرها قائلا : أشمّ رائحة الجنّة من صدرها ، ذلک الصدر الذی کان مخزن العلوم ومصداق السرّ المستودع فیها . وقد کسر الظالمون ضلعها وعصروها بین الباب والجدار وأسقطوا ما فی أحشائها محسناً (علیه السلام) :
ولست أدری خبر المسمارِ *** سل صدرها خزانة الأسرارِ
---
[1]فرائد السمطین 2 : 68.
[2]النور : 35.

‌لیلة القدر فاطمة الزهراء (علیها السلام)

فی تفسیر نور الثقلین والبرهان وکتاب بحار الأنوار[1] عن تفسیر فرات الکوفی مسنداً عن الإمام الباقر (علیه السلام) فی تفسیر سورة القدر ، قال : إنّ فاطمة هی لیلة القدر ، من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرک لیلة القدر ، وإنّما سمّیت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ، ما تکاملت النبوّة لنبیّ حتّی أقرّ بفضلها ومحبّتها وهی الصدّیقة الکبری ، وعلی معرفتها دارت القرون الاُولی.
وعن أبی عبد الله الإمام الصادق (علیه السلام) أ نّه قال : ( إنَّا أنزَلْنَاهُ فِی لَیْلَةِ القَدْرِ )[2] ، اللیلة فاطمة الزهراء والقدر الله ، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرک لیلة القدر ، وإنّما سمّیت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.
عن زرارة عن حمران قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عمّا یفرق فی لیلة القدر ، هل هو ما یقدّر الله فیها ؟ قال : لا توصف قدرة الله إلاّ أ نّها قال : ( فِیهَا یُفْرَقُ کُلُّ أمْر حَکِیم )[3] ، فکیف یکون حکیماً إلاّ ما فرق ، ولا توصف قدرة الله سبحانه لأ نّه یحدث ما یشاء ، وأمّا قوله : ( لَیْلَةُ القَدْرِ خَیْرٌ مِنْ أ لْفِ شَهْر )[4] ، یعنی
فاطمة (علیها السلام) ، وقوله : ( تَنَزَّلُ المَلائِکَةُ وَالرُّوحُ فِیهَا )[5] والملائکة فی هذا الموضع المؤمنون الذین یملکون علم آل محمّد (علیهم السلام) ، « والروح روح القدس وهو فی فاطمة (علیها السلام) » ( مِنْ کُلِّ أمْر * سَلامٌ )[6] یقول من کلّ أمر مسلّمة ( حَتَّی مَطْلَعِ الفَجْرِ )[7] یعنی حتّی یقوم القائم (علیه السلام)[8].
قال العلاّمة المجلسی فی بیان الخبر : وأمّا تأویله (علیه السلام) لیلة القدر بفاطمة (علیها السلام) فهذا بطن من بطون الآیة ، وتشبیهها باللیلة إمّا لسترها وعفافها ، أو لما یغشاها من ظلمات الظلم والجور ، وتأویل الفجر بقیام القائم بالثانی أنسب ، فإنّه عند ذلک یسفر الحقّ ، وتنجلی عنهم ظلمات الجور والظلم ، وعن أبصار الناس أغشیة الشبه فیهم ، ویحتمل أن یکون طلوع الفجر إشارة إلی طلوع الفجر من جهة المغرب الذی هو من علامات ظهوره ، والمراد بالمؤمنین هم الأئمة (علیهم السلام)وبین أ نّهم إنّما سمّوا ملائکة لأ نّهم یملکون علم آل محمّد (علیهم السلام) ویحفظوها ونزولهم فیها کنایة عن حصولهم منها موافقاً لما ورد فی تأویل آیة سورة الدخان أنّ الکتاب المبین أمیر المؤمنین (علیه السلام) واللیلة المبارکة فاطمة (علیها السلام) ( فِیهَا یُفْرَقُ کُلُّ أمْر حَکِیم )[9] أی حکیم بعد حکیم وإمام بعد إمام.
وقوله : ( مِنْ کُلِّ أمْر * سَلامٌ هِیَ )[10] علی هذا التأویل هی مبتدأ ، وسلام
خبره ، أی ذات سلامة ، ومن کلّ أمر متعلّق بسلام ، أی لا یضرّها وأولادها ظلم الظالمین ، ولا ینقص من درجاتهم المعنویة شیئاً ، أو العصمة محفوظة فیهم فهم معصومون من الذنوب والخطأ والزلل إلی أن تظهر دولتهم ویتبیّن لجمیع الناس فضلهم[11].
هذا وقد ذکرت فی رسالة (فاطمة الزهراء (علیها السلام) لیلة القدر) أربعة عشر وجه شبه بین فاطمة الزهراء سیّدة النساء (علیها السلام) وبین لیلة القدر ، وإجمالها کما یلی :
1 ـ لیلة القدر وعاء زمانی للقرآن الکریم وفاطمة الزهراء وعاء مکانی.
2 ـ لیلة القدر یفرق فیها کلّ أمر حکیم ، کذلک الزهراء (علیها السلام) فهی الفاروق بین الحقّ والباطل.
3 ـ لیلة القدر معراج الأنبیاء لکسب العلوم والفیوضات الإلهیّة ، کذلک فاطمة الزهراء فهی مرقاة النبوّة ومعرفتها معراج الأنبیاء.
4 ـ لیلة القدر هی خیر من ألف شهر ، کذلک تسبیح فاطمة الزهراء تجعل کلّ صلاة بألف صلاة وبمحبّتها تضاعف الأعمال کلیلة القدر.
5 ـ لیلة القدر لیلة مبارکة ، ومن أسماء فاطمة الزهراء (المبارکة) (علیها السلام).
6 ـ علوّ شأن لیلة القدر ومقامها الشامخ بین اللیالی ، کذلک الزهراء ، وأ نّه لولاها لما خلق الله محمّد وعلیّ (علیهما السلام) کما ورد فی الخبر الشریف.
7 ـ العبادات فی لیلة القدر تضاعف کرامةً لها ، کذلک حبّ الزهراء (علیها السلام)یوجب تضاعف الأعمال ، وإذا کانت لیلة القدر منشأ الفیوضات الإلهیّة ، فکذلک الزهراء والتوسّل بها.
8 ـ القرآن هو النور ونزل فی لیلة القدر لیلة النور ، وفاطمة هی النور فهی لیلة القدر کما فی تفسیر آیة النور : ( اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ )[12].
9 ـ لیلة القدر لیلة السعادة ، وفاطمة سرّ السعادة.
10 ـ تقدّست لیلة القدر وما قبلها من الأیام واللیالی وما بعدها کرامةً لها وتعظیماً لمقامها ، کذلک الزهراء یحترم ذرّیتها ویقدّسون عند الاُمّة کرامةً لها وحبّاً بها ولغیر ذلک.
11 ـ لیلة القدر لیلة الخلاص من النار والعتق من جهنّم ، کذلک فاطمة تفطم شیعتها من النار وتلتقطهم من المحشر کما تلتقط الدجاجة حبّات القمح.
12 ـ لیلة القدر سرّ من أسرار الله ، وکذلک الزهراء (علیها السلام) فهی من سرّ الأسرار.
13 ـ لیلة القدر سیّدة اللیالی ، وفاطمة الزهراء (علیها السلام) سیّدة النساء.
14 ـ لقد جهل قدر لیلة القدر ، وکذلک فاطمة الزهراء بنت الرسول (علیها السلام) فقد جهل الناس ولا زالوا قدرها ، کما أ نّها مجهولة القبر إلی ظهور ولدها القائم من آل محمّد (علیهم السلام).
---
[1]بحار الأنوار 42 : 105.
[2]القدر : 1.
[3]الدخان : 4.
[4]القدر : 3.
[5]القدر : 4.
[6]القدر : 4 ـ 5.
[7]القدر : 5.
[8]البحار 25 : 97.
[9]الدخان : 4.
[10]القدر : 4 ـ 5.
[11]المصدر : 99.
[12]النور : 35.

‌فاطمة الزهراء (علیها السلام) فی معراج النبیّ

إنّ من الحقائق الثابتة فی حیاة النبیّ وسیرته هو معراجه الشریف من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی المبارک ، ومن ثمّ عرج إلی ربّه قاب قوسین أو أدنی ، وقد وردت قصّة المعراج فی سورة الإسراء کما وردت فی سورة النجم ، ویقال : إنّ الغرض فی سورة النجم هو تذکیر الناس بالاُصول الثلاثة : وحدانیة الله فی ربوبیّته أی المبدأ ، ثمّ المعاد ، ثمّ النبوّة بینهما . فتبدأ السورة بالنبوّة فتصدّق الوحی إلی النبیّ (صلی الله علیه وآله) وتذکر بعض أوصافه المبارکة فی قصّة المعراج ، ثمّ تتعرّض لوحدانیة الله وتنفی الأوثان والشرکاء ، ثمّ تصف انتهاء الخلق والتدبیر إلیه تعالی من الإحیاء والإماتة وغیرهما ، وتختم الکلام بالإشارة إلی المعاد والأمر بالسجدة والعبادة ، التی هی الطریق لسعادة الدارین ، ومن فلسفة الحیاة والخلقة.
ثمّ المقصود من الوحی فی الآیات الاُولی کما فی الروایات هو وحی المشافهة الذی أوحاه الله إلی نبیّه لیلة المعراج ، وأصل القصّة فی سورة الإسراء ، إلاّ أ نّه فی سورة النجم یشار إلی بعض معالمها ، فیقسم ویحلف سبحانه بالنجم إذا هوی ـ بمطلق الجرم السماوی عند سقوطه للغروب أو القرآن لنزوله نجوماً ، أو الثریا أو الشعری أو الشهاب الذی یرمی به شیاطین الجنّ ـ .
( مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ )[1] النبیّ الأکرم (صلی الله علیه وآله) عن الطریق الموصل إلی الله
ولا أخطأ فی الغایة ، فأصاب الواقع فی رشده ( وَمَا غَوَی ).
( وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الهَوَی )[2] هوی النفس ورأیها فی مطلق نطقه أو ما ینطق به من القرآن الکریم.
( إنْ هُوَ إلاَّ وَحْیٌ یُوحَی )[3] من الله سبحانه بالمشافهة أو بواسطة جبرئیل (علیه السلام).
( عَلَّمَهُ شَدِیدُ القُوَی )[4] علّم النبیّ القرآن جبرئیل أو الله الذی هو شدید القوی.
( ذُو مِرَّة فَاسْتَوَی )[5] ذو شدّة أو حصافة العقل والرأی أو نوع من المرور من جبرئیل فاستوی علی صورته الأصلیة واستولی بقوّته علی ما جعله له من الأمر ، أو ذو مرّة أی النبیّ ذو شدّة فی جنب الله فاستوی واستقام واستقرّ.
( وَهُوَ بِالاُ فُقِ الأعْلَی )[6] بالاُفق والناحیة العلیا من السماء ، فهو جبرئیل أو النبیّ بالاُفق الأعلی حال استوائه.
( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی )[7] أی قرب بل واقترب أکثر فأکثر ، فقرب جبرئیل من النبیّ لیعرج به إلی السماوات ، أو قرب النبیّ من الله سبحانه وزاد فی القرب کما
هو الظاهر.
( فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أوْ أدْنَی )[8] قاب أی مقدار قوسین أو ذراعین کنایة عن شدّة القرب ، فکان البعد قدر قوسین أو ذراعین بل وأقرب من ذلک.
( فَأوْحَی إلَی عَبْدِهِ مَا أوْحَی )[9] فأوحی جبرئیل إلی عبد الله ما أوحی أو أوحی الله بواسطة جبرئیل إلی عبده محمّد (صلی الله علیه وآله) ما أوحی ، کما هو الظاهر.
( مَا کَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأی )[10] فما کذب فؤاد النبیّ فیما رأی وأراه الله ، فشهد النبیّ بفؤاده ما أراده الله وکان صدقاً وحقّاً ، فالرؤیة هنا لله سبحانه رؤیة قلبیّة ولغیره إدراکیة قلبیة أو حسّیة ، والفؤاد القلب أو النفس أو الوجود ، فما کذب أو کذّب وجود النبیّ ونفسه وفؤاده ما رأی من آیات الله الکبری ، وما قال فؤاده ـ ما رآه ببصره ـ لم أعرفک وکذّبه ، ففؤاده صدّق بصره فیما رأی ، فما کان یقوله النبیّ ویخبر به الناس کان بما یشاهده عیاناً لا عن فکر وتعقّل ، فلا مجال لمجادلة المشرکین ومماراتهم إیّاه فیما یشاهده عیاناً.
( أ فَتُمَارُونَهُ عَلَی مَا یَرَی )[11] وهذا توبیخ للمشرکین فی مجادلتهم النبیّ ، فإنّ المجادلة تتمّ فی الآراء النظریة والاعتقادات الفکریة لا بما یشاهد بالعیان ، فلا تصرّوا علی مجادلته.
( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخْرَی )[12] النزلة بمعنی النزول الواحد والمرّة ، فرأی
جبرئیل النبیّ فی نزلة اُخری أو رأی النبیّ جبرئیل فی نزلة اُخری ، فبعد القوس الصعودی فی معراجه رأی ما رأی کما سنذکر ثمّ رجع ونزل مرّة اُخری فرأی جبرئیل بصورته الأصلیة عند سدرة المنتهی ، أو المعنی أنّ النبیّ رأی الله برؤیة قلبیة أثناء معراجه عند سدرة المنتهی کما رآه فی النزلة الاُولی.
( عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَی * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأوَی * إذْ یَغْشَی السِّدْرَةَ مَا یَغْشَی )[13] السدرة شجرة معروفة وهو اسم مکان ولعلّه منتهی السماوات فإنّ الجنّة المأوی عندها والجنّة فی السماء ، وفی الروایات أ نّها شجرة فوق السماء السابعة إلیها تنتهی أعمال بنی آدم ، عندها جنّة المأوی التی یأوی إلیها المؤمنون وهی من جنان الآخرة ، بعد جنّة اللقاء والأسماء التی هی جنّة الله سبحانه . إذ یغشی السدرة أی یحیط بالسدرة ما یحیط بها.
( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَی )[14] فلم یمل عن الاستقامة ولم یتجاوز الحدّ فی العمل فما زاغ بصر النبیّ أ نّه یری علی غیر ما هو علیه ، وما طغی فی إدراکه ما لا حقیقة له ، والمراد بالإبصار رؤیته بقلبه لا بحاسّة بصره ، فما رآه النبیّ فی النزلة الاُولی الذی ما کذّب الفؤاد ما رأی وفی النزلة الاُخری عند سدرة المنتهی رأی من آیات الله الکبری التی تدلّ علی الله سبحانه.
( لَقَدْ رَأی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الکُبْرَی )[15] فشاهد الله برؤیة قلبیة من خلال بعض آیاته الکبری[16].
أجل ، النبیّ الأعظم محمّد (صلی الله علیه وآله) رأی ما رأی فی لیلة معراجه ـ وما أکثر الروایات فی هذا الباب بأ نّه رأی الجنان والنیران وصلّی خلفه جمیع الأنبیاء ـ وجاز سرادقات الجمال والجلال والکبریاء فرأی وما کذّب الفؤاد ما رأی ، ثمّ ثمرة هذا الفؤاد النبویّ المبارک هو فاطمة الزهراء (علیها السلام) . فهی سیّدة النساء (علیها السلام) ; وهی سرّ الوجود وعصارته ، فإنّ النبیّ الأعظم محمّد (صلی الله علیه وآله) شجرة الوجود کما قال : « أنا وعلیّ من شجرة واحدة ، وباقی الناس من شجر شتّی ».
وقال (صلی الله علیه وآله) : « فاطمة ثمرة فؤادی وقرّة عینی ومهجة قلبی ».
ومن خصائص الثمرة أ نّها :
1 ـ عصارة الشجرة وخلاصتها.
2 ـ قیمة الشجرة بثمرتها.
3 ـ جمال الشجرة بالثمرة.
4 ـ تعرف الشجرة بثمرتها کما یقال : هذه شجرة التفّاح.
5 ـ غایة وجود الشجرة هی الثمرة.
6 ـ لذّة الشجرة بالثمرة.
7 ـ حلاوة الشجرة بثمرتها.
8 ـ مقصود الفلاّح من الأشجار أثمارها.
وخصائص کثیرة اُخری.
وإنّ فاطمة الزهراء لهی ثمرة فؤاد النبیّ (صلی الله علیه وآله) ، فیعلم ویعرف عظمة النبیّ بثمرته ، ولولاها ـ وهی حجّة الحجج ـ ولولا الحجّة ، لما عرف النبیّ الأعظم (صلی الله علیه وآله) ، فیعرّف النبیّ للملائکة فی حدیث الکساء بالثمرة « هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها » ، فهی غایة الرسول ومقصوده ، فهی اُمّ أبیها ، وهی لذّته وحلاوته وعصارته وخلاصته وجماله ، کما هی جمال الله ومقصوده جلّ جلاله.
وقد رأی النبیّ فی معراجه فی القوسین الصعودی والنزولی ما رأی من آیات الله الکبری ، بل رأی الله سبحانه بقلبه ، وما کذب الفؤاد ما رأی . ورؤیة العلّة یستلزم رؤیة کلّ المعلول ، فرؤیة الله لازمها رؤیة الکون والإحاطة العلمیة بما فیه ، فالنبیّ أحاط بکلّ الممکنات وبعالم الإمکان ، وفاطمة ثمرة فؤاده رأت الله سبحانه وأحاطت بما سواه ، فإنّها ثمرة فؤاد النبیّ الذی رأی الله بقلبه ، ورأی الآیات الکبری فی کلّ العوالم من الجبروت والملکوت والمثال والسماوات والأرض ، کلّ ذلک رآه عند سدرة المنتهی فی نزلة اُخری فرأی العرش وما دونه ، وتجاوز حجب النور والظلمات حتّی وصل إلی الحجاب الأکبر وهو مقام الإمامة.
فکان النبیّ هو الموج الأوّل فی بحر الله سبحانه ، کما کان اللمعة الاُولی من نوره الأتمّ ، ثمّ اشتقّ من نور النبیّ (صلی الله علیه وآله) نور علیّ (علیه السلام) ، ومن نورهما نور فاطمة ، ثمّ الأئمة الأطهار (علیهم السلام) ، ثمّ شیعتهم من الأنبیاء والأوصیاء والمؤمنین ، فکانوا أمواجاً ، موجاً بعد موج ، ولا یتحقّق هذا القرب إلاّ بالعبودیة ، فإنّها جوهرة کنهها الربوبیة . فأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ عترته الأطهار عباد الله المکرمون.
---
[1]النجم : 2.
[2]النجم : 3.
[3]النجم : 4.
[4]النجم : 5.
[5]النجم : 6.
[6]النجم : 7.
[7]النجم : 8 .
[8]النجم : 9.
[9]النجم : 10.
[10]النجم : 11.
[11]النجم : 12.
[12]النجم : 13.
[13]النجم : 14 ـ 16.
[14]النجم : 17.
[15]النجم : 18.
[16]تفسیر المیزان : سورة النجم.

‌العصمة الفاطمیّة

أشهد أنّ فاطمة عصمة الله
إنّ الله سبحانه وتعالی هو الحکیم العلیم المختار ، وقد اختار من خلقه صفوةً لیحملوا رسالاته السماویة ، ویبلّغونها ویهدون الناس سواء السبیل وإلی الصراط المستقیم ، فإنّه کتب علی نفسه الرحمة ، فهو اللطیف الخبیر ، ومن لطفه اختار الأنبیاء والرسل للهدایة ولیقوموا الناس بالقسط ، ثمّ اختار الأوصیاء خلفاء ، ثمّ وفّق العلماء ورثة الأنبیاء.
وقد اشترط علی الأنبیاء الزهد فی هذه الدنیا ، فإنّ اختیار الله بالاختبار والامتحان والاصطفاء عن حکمة ، من دون الوصول إلی حدّ الإلجاء ، وإنّ لله الحجّة البالغة ، فلا بدّ من اختبار لمن یقع علیه الاختیار ولغیره حتّی لا تکون فتنة ، ویکون الدین کلّه لله.
فاختبر الأنبیاء والأوصیاء فی عوالم تسبق هذا العالم الناسوتی ، فشرط الله سبحانه علیهم الزهد ، وعلم منهم الوفاء فقبلهم وقرّبهم وقدّم لهم الذکر العلی والثناء الجلی ، کما جاء ذلک فی دعاء الندبة[1].
وإنّما اشترط علیهم الزهد ، لأنّ حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة ، والنبیّ والوصیّ لا بدّ أن یکون معصوماً بقاعدة اللطف وغیره من الأدلّة العقلیة والنقلیة.
فلا بدّ أن یزهد فی دنیاه ، ویُعصم من الذنوب ومن کلّ ما یشینه مطلقاً ، حتّی تطمئنّ النفس إلیه ، ویؤخذ بقوله وفعله وتقریره مطلقاً ، فیکون الاُسوة والقدوة علی الإطلاق.
وهذا الزهد من شؤون القیادة بصورة عامة المتمثّلة بالنبوّة والإمامة ، ومن یحذو حذوهم ویسلک مسالکهم ومناهجهم من العلماء الصالحین.
فیشترط علی العالم الربانی الزهد فی هذه الدنیا أیضاً ، حتّی یؤخذ بقوله ویتّبع أمره ، وإذا رأیتم العالم زاهداً فادنوا منه فإنّه یلقی علیه الحکمة وإنّها تتفجّر من ینابیع قلبه ، وإنّ الله یرفده ویضیّفه علی موائد علمه وحکمته ، وإذا رأیتم العالم مقبلا علی دنیاه ، یخلط الحرام بالحلال ، فاتّهموه فی دینه ، فإنّه لا یؤخذ منه العلم ، فلینظر الإنسان إلی علمه ممّن یأخذه ، فإنّه من أصغی إلی ناطق فقد عبده ، فإن تکلّم عن الله فقد عبد الله وإلاّ فلا ، فمن ینطق عن الشیطان فقد عبد الشیطان ، وإنّ الشیاطین لیوحون إلی أولیائهم.
فمن أوّلیات شؤون الإمامة والقیادة الروحیة علی الصعیدین الفردی والاجتماعی إنّما هو الزهد فی درجات هذه الدنیا الدنیّة وزخرفها وزبرجها.
فعصمة الأنبیاء الذاتیة المطلقة تبتنی علی العلم اللدنی أوّلا ـ کما هو ثابت فی محلّه ـ وعلی الزهد ثانیاً.
وأمّا عصمة فاطمة الزهراء (علیها السلام) :
فقد اختار الله من خلقه واختصّها لذاته واصطفاها لنفسه لیتجلّی فیها أسماؤه وصفاته ، وتکون مظهراً لجماله ، فإنّه لو کان الحُسن شخصاً لکان فاطمة بل هی أعظم ، فقدّم لها الذکر العلیّ والثناء الجلیّ ، بعد أن اختبرها وامتحنها أیضاً . إلاّ أ نّها امتحنها بالصبر ، والصبر کما ذکرنا تکراراً هو اُمّ الأخلاق وأساسه ، فإنّها بمراحلها الثلاثة ـ التخلیة والتحلیة والتجلیة ـ مدعومة بالصبر ، کما أ نّه أساس الکمال.
وإنّما وقفنا علی امتحانها بالصبر باعتبار ما ورد فی زیارتها فی یوم الأحد من کلّ اُسبوع ، کما فی مفاتیح الجنان للشیخ عباس القمّی (قدس سره) : « السلام علیکِ یا ممتحنة قد امتحنکِ الله قبل أن یخلقکِ بالصبر فوجدکِ لما امتحنکِ صابرة ».
فتجلّت العصمة الإلهیة فی جمال فاطمة الزهراء إذ جمعت بین نوری النبوّة والإمامة ، فعصمتها من العصمة بالمعنی الأخصّ ، المختصّة بالأربعة عشر معصوم (علیهم السلام).
وممّا یدلّ علی عصمتها :
1 ـ آیة التطهیر فی قوله تعالی : ( إنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً )[2] ، فالله الطاهر طهّر بإرادة تکوینیة أهل البیت (علیهم السلام)ومنهم فاطمة (علیها السلام) وعصمهم بعصمة ذاتیة ومطلقة واجبة عقلا ونقلا.
2 ـ إنّها عدل القرآن الکریم لحدیث الثقلین المتّفق علیه عند الفریقین ـ السنّة والشیعة ـ ولمّا کان القرآن معصوماً فکذلک عدله أهل البیت عترة الرسول المصطفی (علیهم السلام).
3 ـ إنّها کفؤ علیّ ولولاه لما کان لها کفؤ آدم وما دونه ، ولا یتزوّج المعصومة إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون علی النساء ، فلفاطمة ما لعلیّ (علیهما السلام) إلاّ الإمامة.
فکلّ ما ثبت لعلیّ (علیه السلام) بالمطابقة ثبت للزهراء (علیها السلام) بالالتزام ، وکلّ شیء ثبت لفاطمة بالمطابقة ثبت بالدلالة الالتزامیّة لأمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام).
4 ـ إنّها حوریّة بصورة إنسیة ، والملائکة معصومون فکذلک فاطمة الحوریّة.
5 ـ وحدة الإرادة الإلهیّة والفاطمیّة ، فإنّ الله یرضی لرضاها ویغضب لغضبها ، وإنّه لم یغضب لیونس صاحب الحوت ، بل یغضب لغضبها ، فوحدة الإرادة دلیل علی العصمة.
6 ـ إنّها سیّدة النساء فی الدنیا والآخرة ، وکیف تکون سیّدة الأوّلین والآخرین وهی غیر معصومة.
7 ـ آیة المباهلة ، وقدّم النساء علی الأنفس ، ربما إشارة إلی أنّ النفوس فداها ، « فداکِ أبوکِ » « فداها أبوها ».
8 ـ إنّها العالم العلوی والعالم السفلی فی قوسی الصعودی والنزولی.
9 ـ إنّها صدر النبیّ (صلی الله علیه وآله) وإنّ صدره یحمل القرآن دفعة واحدة وفی لیلة القدر ، فی لیلة القدر وهی فاطمة الزهراء (علیها السلام).
10 ـ لا یعرف قدرها إلاّ من قدّرها ، ولا یعرف أسرارها إلاّ من خلقها ، ومن أذن له الرحمن.
11 ـ إنّها مفروض الطاعة علی الخلق مطلقاً ، وکیف تکون مفروض الطاعة علی الإطلاق وهی غیر معصومة.
12 ـ هی حجّة الحجج واُسوتهم ـ کما ورد فی الأخبار الشریفة ـ .
13 ـ مجمع النورین بحدیث الأفلاک ، فتحمل أسرار النبوّة والإمامة ، وإنّها اُمّ أبیها.
14 ـ حبل الله الممدود ، فلا بدّ أن یکون معصوماً ، وإلاّ کیف یتمسّک علی الإطلاق بما لم یکن معصوماً ، « قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : فاطمة بهجة قلبی وحبله الممدود بینه وبین خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوی »[3].
15 ـ امتحانها بالصبر وهو أساس الکمال والأخلاق الذی منها الزهد.
16 ـ علمها اللدنّی.
17 ـ الإجماع القطعی الدالّ علی عصمتها ، کما عند المشایخ الصدوق والمفید والطوسی وغیرهم.
18 ـ الآیات والروایات الکثیرة الدالّة علی فضلها وعظمتها ، وتعلّقها بعالم الغیب.
19 ـ سیرتها وحیاتها یفوح منها عطر العصمة الإلهیّة.
ووجوه اُخری یقف علیها المحقّق والمتتبّع ، ویعلم بیقین وقطع أ نّه لا ریب ولا شکّ أنّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) عصمة الله الکبری.
---
[1]راجع آخر مفاتیح الجنان دعاء الندبة الذی یستحبّ قراءته فی کلّ عید وفی یوم الجمعة.
[2]الأحزاب : 33.
[3]فرائد السمطین 2 : 66.

‌الشرافة العنصریّة الحوراء الإنسیّة

قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : « لو کان الحسن شخصاً لکان فاطمة ، بل هی أعظم ، فإنّ فاطمة ابنتی خیر أهل الأرض عنصراً وشرفاً وکرماً »[1].
فقوله : « لو کان الحسن شخصاً لکان فاطمة » یعنی أ نّها جمال الله وحسنه.
ثمّ خلق الله سبحانه آدم أبا البشر من ماء وتراب بید ملائکته ، فهو فی خلقته العنصریّة من العناصر الأربعة المادّیة ، ولکن خلق فاطمة الزهراء (علیها السلام) فی خلقتها العنصریة إنّما کان من شجرة طوبی فی الجنّة التی غرسها الله بیده ید القدرة المطلقة ، فهی من عنصر ملکوتی فی صورة إنسان ناسوتی ، فهی الحوراء الإنسیّة.
عن العیون وأمالی الشیخ بسندهما ، قال النبیّ (صلی الله علیه وآله) : لما عرج بی إلی السماء أخذ بیدی جبرئیل فأدخلنی الجنّة ، فناولنی من رطبها ، فأکلت فتحوّل ذلک نطفة فی صلبی ، فلمّا هبطت إلی الأرض واقعت خدیجة فحملت بفاطمة حوراء إنسیّة ، فکلّما اشتقت إلی رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتی فاطمة[2].
کان رسول الله (صلی الله علیه وآله) یکثر تقبیل فاطمة علیها وعلی أبیها وبعلها وأولادها ألف ألف تحیّة وسلام ، فأنکرت عائشة ذلک فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : یا عائشة ، إنّی لمّا اُسری بی إلی السماء دخلت الجنّة فأدنانی جبرئیل من شجرة طوبی وناولنی من ثمارها فأکلته فحوّل الله ذلک ماءً فی ظهری ، فلمّا هبطت إلی الأرض واقعت خدیجة فحملت بفاطمة ، فما قبّلتها قطّ إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبی منها[3].
عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : شجرة طوبی شجرة یخرج من جنّة عدن غرسها ربّها بیده[4].
عن حارثة بن قُدامة قال : حدّثنی سلمان قال : حدّثنی عمّار وقال : اُخبرک عجباً ؟ قلت : حدّثنی یا عمّار ؟ قال : نعم شهدت علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) وقد ولج علی فاطمة (علیه السلام) فلمّا أبصرت به نادت : اُدن لاُحدّثک بما کان وبما هو کائن وبما یکن إلی یوم القیامة حین تقوم الساعة . قال عمّار : فرأیت أمیر المؤمنین (علیه السلام)یرجع القهقری ، فرجعت برجوعه إذ دخل علی النبیّ (صلی الله علیه وآله) فقال له : اُدن یا أبا الحسن ، فدنا فلمّا اطمأنّ به المجلس قال له : تحدّثنی أم اُحدّثک ؟ قال : الحدیث منک یا رسول الله ، فقال : کأنّی بک قد دخلت علی فاطمة وقالت لک کیت وکیت فرجعت ، فقال علیّ (علیه السلام) : نور فاطمة من نورنا ؟ فقال (علیه السلام) : أوَ لا تعلم ؟ فسجد علیّ شکراً لله تعالی . قال عمّار : فخرج أمیر المؤمنین (علیه السلام) وخرجت بخروجه ، فولج علی فاطمة (علیها السلام) وولجت معه ، فقالت : کأنّک رجعت إلی أبی (صلی الله علیه وآله)فأخبرته بما قلته لک ؟ قال : کان کذلک یا فاطمة ، فقالت : اعلم یا أبا الحسن إنّ الله تعالی خلق نوری ، وکان یسبّح الله جلّ جلاله ، ثمّ أودعه شجرة من شجر الجنّة ، فأضاءت ، فلمّا دخل أبی الجنّة أوحی الله تعالی إلیه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلک الشجرة وأدرها فی لهواتک ، ففعل ، فأودعنی الله سبحانه صلب أبی (صلی الله علیه وآله) ثمّ أودعنی خدیجة بنت خویلد ، فوضعتنی ، وأنا من ذلک النور ، أعلم ما کان وما یکون وما لم یکن ، یا أبا الحسن ، المؤمن ینظر بنور الله تعالی[5].
عن زید بن موسی بسنده عن علیّ (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : إنّ فاطمة خُلقت حوریة فی صورة إنسیّة ، وإنّ بنات الأنبیاء لا یحضن[6].
ففاطمة الزهراء حوراء إنسیّة ، اشتقّ اسمها من اسم الله ومسمّاها من شجرة غرسها الله بیده ، فما أحلی اسمها ومعناها وجمالها وکمالها وجلالها.
« سبحان من فطم بفاطمة من أحبّها من النار »[7].
---
[1]فرائد السمطین 2 : 68.
[2]البحار 8 : 119.
[3]المصدر : 120.
[4]المصدر : 143 ، عن العیّاشی.
[5]بهجة قلب المصطفی : 287 ، عن عوالم المعارف 11 : 6 ـ 7.
[6]دلائل الإمامة : 52.
[7]مصباح المتهجّد ; للشیخ الطوسی ، فی أعمال شهر رمضان : 575.

‌نبذة من الأحادیث الشریفة فی فضائلها (علیها السلام)

نبذة من الأحادیث]

1 ـ سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن فاطمة : لِمَ سمّیت زهراء ؟ فقال :
« لأ نّها کانت إذا قامت فی محرابها زهر نورها لأهل السماء کما یزهر نور الکواکب لأهل الأرض ».
2 ـ قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) :
« فاطمة بضعة منّی من سرّها فقد سرّنی ومن ساءها فقد سائنی ، فاطمة أعزّ الناس علیّ ».
3 ـ ومن ألقابها (علیها السلام) : اُمّ أبیها.
فقیل : الاُمّ بمعنی الأصل والأصالة ، فالزهراء (علیها السلام) بأولادها الطاهرین الأئمة المعصومین (علیهم السلام) ومواقفهم وفدائهم وتضحیاتهم أعطوا الأصالة لرسالة أبیها (صلی الله علیه وآله) ، فالإسلام محمّدی الحدوث وحسینی البقاء وکلّهم نور واحد ، فأصبحوا بمنزلة الأصل فی دیمومیّة الرسالة المحمّدیّة ، کما قالها الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله) :
« حسین منّی وأنا من حسین ».
وفاطمة الزهراء سیّدة النساء (علیها السلام) اُمّ أبیها.
4 ـ عن زید بن موسی بسنده عن علیّ (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) :
« إنّ فاطمة خلقت حوریّة فی صورة إنسیّة ، وإنّ بنات الأنبیاء لا یحضن »[1].
5 ـ عن الله تبارک وتعالی :
« یا أحمد ، لولاک لما خلقت الأفلاک ، ولولا علیّ لما خلقتک ، ولولا فاطمة لما خلقتکما »[2].
6 ـ عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) :
« لو کان الحُسنُ شخصاً لکان فاطمة ، بل هی أعظم ، إنّ فاطمة ابنتی خیر أهل الأرض عنصراً وشرفاً وکرماً »[3].
7 ـ عن الحسین عن رسول الله (علیهما السلام) قال :
« فاطمة بهجة قلبی ، وابناها ثمرة فؤادی ، وبعلها نور بصری ، والأئمة من ولدها اُمناء ربّی وحبله الممدود بینه وبین خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوی »[4].
8 ـ عن أبی جعفر عن آبائه (علیهم السلام) :
« إنّما سمّیت فاطمة بنت محمّد (الطاهرة) لطهارتها من کلّ دنس وطهارتها من کلّ رفث ، وما رأت قطّ یوماً حمرةً ولا نفاساً »[5].
9 ـ عن أبی عبد الله (علیه السلام) :
« حرّم الله النساء علی علیّ ما دامت فاطمة حیّة ; لأ نّها طاهرة لا تحیض »[6].
10 ـ عن أبی الحسن موسی بن جعفر (علیهما السلام) :
« لا یدخل الفقر بیتاً فیه اسم محمّد أو أحمد أو علیّ أو الحسن أو الحسین أو فاطمة من النساء (علیهم السلام) »[7].
11 ـ عن الرضا (علیه السلام) ، قال النبیّ (صلی الله علیه وآله) :
« لمّا عرج بی إلی السماء أخذ بیدی جبرئیل (علیه السلام) ، فأدخلنی الجنّة ، فناولنی من رطبها ، فأکلته ، فتحوّل ذلک نطفة فی صلبی ، فلمّا هبطت إلی الأرض واقعت خدیجة فحملت بفاطمة (علیها السلام) ، ففاطمة حوراء إنسیّة ، فکلّما اشتقت إلی رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتی فاطمة »[8].
12 ـ عن أبی الحسن الثالث (علیه السلام) : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) :
« إنّما سمّیت ابنتی فاطمة لأنّ الله عزّ وجلّ فطمها وفطم من أحبّها من النار »[9].
13 ـ عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) فی حدیث طویل :
« علی ساق العرش مکتوب : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین خیر خلق الله »[10].
14 ـ فی تفسیر نور الثقلین والبرهان وکتاب بحار الأنوار[11] ، عن تفسیر فرات بن إبراهیم الکوفی مسنداً عن الإمام الباقر (علیه السلام) فی تفسیر سورة القدر
قال :
« إنّ فاطمة هی لیلة القدر ، من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرک لیلة القدر ، وإنّما سمّیت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ، ما تکاملت النبوّة لنبیّ حتّی أقرّ بفضلها ومحبّتها وهی الصدّیقة الکبری ، وعلی معرفتها دارت القرون الاُولی ».
15 ـ وعن أبی عبد الله (علیه السلام) أ نّه قال :
« ( إنَّا أنزَلْنَاهُ فِی لَیْلَةِ القَدْرِ )[12] اللیلة فاطمة الزهراء ، والقدر الله ، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرک لیلة القدر ، وإنّما سمّیت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها »[13].
ولنعم ما قیل :
مشکاة نور الله جلّ جلاله *** زیتونة عمّ الوری برکاتها
هی قطب دائرة الوجود ونقطة *** لمّا تنزّلت أکثرت کثراتها
هی أحمد الثانی وأحمد عصرِها *** هی عنصر التوحید فی عرصاتها
* * *
فاطمةٌ خیر نساء البشرِ *** ومن لها وجه کوجهِ القمرِ
فضّلکِ الله علی کلّ الوری *** بفضل من خصّ بآی الزُمَرِ
زوّجکِ الله فتیً فاضلا *** أعنی علیّاً خیرُ من فی الحضرِ
* * *
شرّف الله جمادی الآخرة *** فغدت وهی جمادی الفاخرة
وتباهت أشهرُ الحول بها *** حیث جاءت بالبتول الطاهرة
وانظروا العشرین منها لتروا *** فرحة الهادی علیه ظاهرة
واجعلوه بالتأسّی عیدکم *** فمن الإسلام ذکری عطرة
اسمها فی العرش :
16 ـ عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) أ نّه قال :
« لمّا خلق الله تعالی آدم أبو البشر ونفخ فیه من روحه ، التفت آدم یمنة العرش ، فإذا فی النور خمسة أشباح سجّداً ورکّعاً ، قال آدم : یا ربّ ، هل خلقت أحداً من طین قبلی ؟
قال : لا یا آدم.
قال : فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذین أراهم فی هیئتی وصورتی ؟
قال : هؤلاء الخمسة من ولدک لولاهم ما خلقتک ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائی ، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش ولا الکرسی ولا السماء ولا الأرض ولا الملائکة ولا الإنس ولا الجنّ ، فأنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العالی وهذا علیّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا المحسن وهذا الحسین ، آلیت بعزّتی أ نّه لا یأتینی أحد بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناری ولا اُبالی . یا آدم هؤلاء صفوتی من خلقی بهم اُنجیهم وبهم اُهلکهم ، فإذا کان لک إلیَّ حاجة فبهؤلاء توسّل.
فقال النبیّ (صلی الله علیه وآله) : نحن سفینة النجاة من تعلّق بها نجا ، ومن حاد عنها هلک ، فمن کان له إلی الله حاجة فلیسأل بنا أهل البیت »[14].
17 ـ عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) قال :
« إنّ الله خلقنی وخلق علیاً وفاطمة والحسن والحسین قبل أن یخلق آدم (علیه السلام) حین لا سماء مبنیّة ولا أرض مدحیّة ، ولا ظلمة ولا نور ، ولا شمس ولا قمر ، ولا جنّة ولا نار ، فقال العباس : فکیف کان بدء خلقکم یا رسول الله ؟ فقال : یا عمّ ، لمّا أراد الله أن یخلقنا تکلّم بکلمة خلق منها نوراً ، ثمّ تکلّم بکلمة اُخری فخلق منها روحاً ، ثمّ مزج النور بالروح فخلقنی وخلق علیاً وفاطمة والحسن والحسین فکنّا نسبّحه حین لا تسبیح ونقدّسه حین لا تقدیس.
فلمّا أراد الله تعالی أن ینشئ خلقه فتق نوری فخلق منه العرش ، فالعرش من نوری ونوری من نور الله ، ونوری أفضل من العرش ، ثمّ فتق نور أخی علی فخلق منه الملائکة ، فالملائکة من نور علیّ ونور علیّ من نور الله وعلیّ أفضل من الملائکة ، ثمّ فتق نور ابنتی فخلق منه السماوات والأرض ، فالسماوات والأرض من نور ابنتی فاطمة ، ونور ابنتی فاطمة من نور الله وابنتی فاطمة أفضل من السماوات والأرض ، ثمّ فتق نور ولدی الحسن فخلق منه الشمس والقمر ، فالشمس والقمر من نور ولدی الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر ، ثمّ فتق نور ولدی الحسین فخلق منه الجنّة والحور العین فالجنّة والحور العین من نور ولدی الحسین ونور ولدی الحسین من نور الله وولدی الحسین أفضل من الجنّة والحور العین »[15].
18 ـ قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) :
« أنا وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین یوم القیامة فی قبّة تحت العرش »[16].
19 ـ عن أبی جعفر (علیه السلام) فی حدیث طویل :
« ولقد کانت (علیها السلام) مفروضة الطاعة علی جمیع من خلق الله من الجنّ والإنس والطیر والوحش والأنبیاء والملائکة »[17].
20 ـ عن مجاهد : خرج النبیّ (صلی الله علیه وآله) وهو آخذ بید فاطمة فقال :
« من عرف هذه فقد عرفها ومن لم یعرفها فهی فاطمة بنت محمّد ، وهی بضعة منّی ، وهی قلبی ، وهی روحی التی بین جنبیّ ، من آذاها فقد آذانی ومن آذانی فقد آذی الله »[18].
حبّها الإکسیر الأعظم :
21 ـ فی حدیث طویل عن الله عزّ وجلّ :
« یا فاطمة ، وعزّتی وجلالی وارتفاع مکانی ، لقد آلیت علی نفسی من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفی عام أن لا اُعذّب محبّیکِ ومحبّی عترتک بالنار »[19].
22 ـ فی حدیث طویل قال أبو جعفر (علیه السلام) :
« والله یا جابر ، إنّها ذلک الیوم (یوم القیامة) لتلتقط شیعتها ومحبّیها کما یلتقط الطیر الحبّ الجیّد من الحبّ الردیء ، فإذا صار شیعتها معها عند باب الجنّة یلقی الله فی قلوبهم أن یلتفتوا ، فإذا التفتوا فیقول الله عزّ وجلّ : یا أحبّائی ، ما التفاتکم وقد شفعت فیکم فاطمة بنت حبیبی ؟ فیقولون : یا ربّ ، أحببنا أن یعرف قدرنا فی مثل هذا الیوم ، فیقول الله : یا أحبّائی ارجعوا وانظروا من أحبّکم لحبّ فاطمة ، انظروا من أطعمکم لحبّ فاطمة ، انظروا من کساکم لحبّ فاطمة ، انظروا من سقاکم شربة لحبّ فاطمة ، انظروا من ردّ عنکم غیبةً فی حبّ فاطمة ، خذوا بیده وأدخلوه الجنّة ، قال أبو جعفر (علیه السلام) : والله لا یبقی فی الناس إلاّ شاکّ أو کافر أو منافق[20].
23 ـ عن ابن عباس :
« والله ما کان لفاطمة کفؤ غیر علیّ (علیه السلام) »[21].
24 ـ وعنه (علیه السلام) :
« واللهِ لقد أخذتُ فی أمرها وغسّلتها فی قمیصها ولم أکشفه عنها ، فوالله کانت میمونة طاهرة مطهّرة.
ثمّ حنّطتها من فضلة حنوط رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، وکفّنتها وأدرجتها فی أکفانها ، فلمّا هممت أن أعقد الرداء نادیت : یا اُمّ کلثوم ، یا زینب ، یا سکینة ، یا فضّة ، یا حسن ، یا حسین ، هلمّوا تزوّدوا من اُمّکم فهذا الفراق ، واللقاء فی الجنّة.
فأقبل الحسن والحسین (علیهما السلام) وهما ینادیان : وا حسرتاه ، لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمّد المصطفی واُمّنا فاطمة الزهراء ، یا اُمّ الحسن یا اُمّ الحسین إذا لقیت جدّنا محمّداً المصطفی فاقرئیه منّا السلام وقولی له : إنّا قد بقینا بعدک یتیمین فی دار الدنیا ».
فقال أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) :
« إنّی اُشهد الله أ نّها قد حنّت وأنّت ومدّت یدیها وضمّتهما إلی صدرها ملیّاً ، وإذا بهاتف من السماء ینادی : یا أبا الحسن ، ارفعهما عنها فقد أبکیا والله ملائکة السماوات ، فقد اشتاق الحبیب إلی المحبوب ».
قال : « فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشد بهذه الأبیات :
فراقکِ أعظم الأشیاء عندی *** وفقدکِ فاطم أدهی الثکول
سأبکی حسرة وأنوح شجواً *** علی خِلٍّ مضی أسنی سبیل
ألا یا عین جودی واسعدینی *** فحزنی دائم أبکی خلیلی »[22]
نجاة محبّیها من النار بیدها المبارکة :
25 ـ فی الصحیح عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول : لفاطمة وقفةٌ علی باب جهنّم ، فإذا کان یوم القیامة کتب بین عینی کلّ رجل : مؤمن أو کافر ، فیؤمر بمحبّ قد کثرت ذنوبه إلی النار ، فتقرأ بین عینیه محبّاً (محبّنا) فتقول : إلهی وسیّدی سمّیتنی فاطمة وفطمت بی من تولاّنی وتولّی ذرّیتی من النار ، ووعدُک الحقّ وأنت لا تخلف المیعاد ، فیقول الله عزّ وجلّ : صدقتِ یا فاطمة ، إنّی سمّیتکِ فاطمة ، وفمطتُ بکِ من أحبّکِ وتولاّکِ وأحبّ ذرّیتکِ وتولاّهم من النار ، ووعدی الحقّ وأنا لا اُخلف المیعاد ، وإنّما أمرت بعبدی هذا إلی النار لتشفعی فیه ، فاُشفّعکِ لیتبیّن لملائکتی وأنبیائی ورسلی وأهل الموقف موقفکِ منّی ومکانتک عندی ، فمن قرأت بین عینیه مؤمناً ، فجذبت بیده وأدخلته الجنّة.
26 ـ عن أبی الحسن الثالث (الإمام الهادی (علیه السلام” قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): إنّما سمّیت ابنتی فاطمة لأنّ الله عزّ وجلّ فطمها وفطم من أحبّها من النار[23].
---
[1]دلائل الإمامة : 52.
[2]کشف اللآلئ لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس : فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفی : 9 ، فی جنّة العاصمة للسیّد میرجانی : 148 ، وملتقی البحرین للعلاّمة المرندی : 14.
[3]فرائد السمطین 2 : 68.
[4]فرائد السمطین 2 : 66.
[5]البحار 43 : 19.
[6]المناقب ; لابن شهرآشوب 3 : 33.
[7]سفینة البحار 1 : 663.
[8]عوالم العلوم والمعارف 6 : 10.
[9]العوالم 6 : 30.
[10]بحر المعارف : 428.
[11]بحار الأنوار 42 : 105.
[12]القدر : 1.
[13]بحار الأنوار 43 : 13.
[14]فرائد السمطین 1 : 36.
[15]بحارالأنوار 15 : 10.
[16]کفایة الطالب : 311.
[17]دلائل الإمامة : 228.
[18]نور الأبصار ; للشبلنجی : 52.
[19]سفینة البحار 2 : 375.
[20]بحار الأنوار 43 : 65.
[21]البحار 43 : 101.
[22]البحار 43 : 179.
[23]العوالم 6 : 30.

‌حدیث « لولاک »

من الأحادیث المشهور ، بل کاد أن یکون متواتراً ، من طرق الشیعة ، بل وعند السنّة ، أ نّه ورد فی الحدیث القدسی فی لیلة المعراج : قال الله تعالی : « یا أحمد ، لولاک لما خلقت الأفلاک ».
وعن ابن عساکر عن سلمان : قال رسول الله : هبط جبرئیل علیّ فقال : إنّ ربّک یقول إن کنت اتّخذت إبراهیم خلیلا فقد اتّخذتک حبیباً ، وما خلقت خلقاً أکرم علیّ منک ، ولقد خلقت الدنیا وأهلها لاُعرّفهم کرامتک ومنزلتک عندی ، ولولاک ما خلقت الدنیا[1].
فی الدلائل والحاکم والطبرانی والعسقلانی عن عبد الرحمن بن زید بن أسلم عن عمر بن الخطّاب عن رسول الله قال : لمّا اقترف آدم الخطیئة قال : ربّ أسألک بحقّ محمّد لما غفرت لی ، فقال تعالی : یا آدم ، وکیف عرفت محمّداً ولم أخلقه ؟ قال : لأ نّک یا ربّ لمّا خلقتنی بیدک ، ونفخت فیّ من روحک فرفعت رأسی فرأیت علی قوائم العرش مکتوباً : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فعلمت أ نّک لم تضف إلی اسمک إلاّ أحبّ الخلق لدیک ، فقال تعالی : صدقت یا آدم إنّه لأحبّ الخلق إلیّ ، فقال تعالی : وإذا سألتنی بحقّه فقد غفرت لک ، ولولا محمّداً لما خلقتک[2] . وزاد الطبرانی : وهو آخر الأنبیاء.
وفی المواهب من طرق العامّة روی أ نّه لمّا اُخرج آدم من الجنّة رأی مکتوباً علی ساق العرش وعلی کلّ موضع من الجنّة اسم محمّد (صلی الله علیه وآله) مقروناً باسم الله تعالی ، فقال : یا ربّ ، هذا محمّد من هو ؟ فقال الله : هذا ولدک الذی لولاه لما خلقتک ، فقال : یا ربّ ، بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد ، فنودی یا آدم : لو تشفّعت إلینا بمحمّد فی أهل السماوات والأرض لشفّعناک[3].
وفی خبر آخر قرن اسم علیّ مع محمّد ، وفی آخر : محمّد رسول الله أیّدته بعلیّ.
وفی الدلائل بأسانیده عن عمر بن الخطّاب فی ذیل قوله تعالی: ( فَتَلَقَّی آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَات )[4] ، قال آدم : أسألک بحقّ محمّد وآله إلاّ غفرت لی ، فتاب الله علیه وقال : ولولا هو ما خلقتک.
وفی الخصائص العلویّة عن ابن عباس فی حدیث : ولمّا نفخ فی آدم من روحه تداخله العجب فقال : یا ربّ خلقت خلقاً هو أحبّ إلیک منّی ؟ فقال تعالی : نعم ولولاهم ما خلقتک ، فقال : یا ربّ أرنیهم ، فرفعت الملائکة الحجب فرأی آدم بخمسة أشباح قدّام العرش فقال : یا ربّ من هؤلاء ؟ قال تعالی : هذا نبیّی وهذا علیّ أمیر المؤمنین ابن عمّ النبیّ (صلی الله علیه وآله) ، وهذه فاطمة بنت نبیّی ، وهذان الحسن والحسین أبناء علیّ وولد نبیّی ، ثمّ قال : یا آدم هم ولدک ، ففرح بذلک ، فلمّا اقترف الخطیئة قال آدم : أسألک بمحمّد وعلیّ وفاطمة والحسن والحسین لمّا غفرت لی ، فغفر الله له فلمّا هبط إلی الأرض ، فنقش علی خاتمه : محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین ، ویکنّی آدم بأبی محمّد[5] وأبی البشر ، وکنیة حوّاء اُمّ الزهراء.
ومن طرق الإمامیة ما رواه الصدوق فی الإکمال بسنده عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال : قال رسول الله : فأنت أفضل أم جبرئیل ؟ فقال (علیه السلام) : یا علیّ إنّ الله تبارک وتعالی فضّل أنبیاءه المرسلین علی ملائکته المقرّبین ، وفضّلنی علی جمیع النبیّین والمرسلین ، والفضل بعدی لک یا علیّ وللأئمة من بعدک ، فإنّ الملائکة لخدّامنا وخدّام محبّینا ، یا علی ، الذین یحملون العرش ومن حوله یسبّحون بحمد ربّهم ویستغفرون للذین آمنوا بولایتا ، یا علیّ ، لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، وکیف لا نکون أفضل من الملائکة وقد سبقناهم إلی التوحید ومعرفة ربّنا عزّ وجلّ وتسبیحه وتقدیسه وتهلیله ، لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ أرواحنا فأنطقنا بتوحیده وتمجیده ، ثمّ خلق الملائکة ، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا اُمورنا ، فسبّحنا لتعلم الملائکة إنّا خلق مخلوقون وأ نّه منزّه عن صفاتنا ، فسبّحت الملائکة لتسبیحنا ونزّهته عن صفاتنا ، فلمّا شاهدوا عظم شأننا ، هلّلنا لتعلم الملائکة أن لا إله إلاّ الله وأنّا عبید ولسنا بآلهة ، یجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلاّ الله ، فلمّا شاهدوا کبر محلّنا کبّرنا الله لتعلم الملائکة أنّ الله أکبر من أن ینال ، وأ نّه عظیم المحلّ ، فلمّا شاهدوا ما جعله الله لنا من العزّة والقوّة ، قلنا : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلیّ العظیم لتعلم الملائکة أن لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، فقالت الملائکة : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علینا وأوجبه من فرض الطاعة قلنا : الحمد لله ، لتعلم الملائکة ما یحقّ لله تعالی ذکره علینا من الحمد علی نِعمه ، فقالت الملائکة : الحمد لله ، فبنا اهتدوا إلی معرفة الله تعالی وتسبیحه وتهلیله وتحمیده ، ثمّ إنّ الله تعالی خلق آدم (علیه السلام) وأودعنا صلبه وأمر الملائکة بالسجود له تعظیماً لنا وإکراماً ، وکان سجودهم لله عزّ وجلّ عبودیّة ، ولآدم إکراماً وطاعة لکوننا فی صلبه ، فکیف لا نکون أفضل من الملائکة وقد سجدوا لآدم کلّهم أجمعون[6].
---
[1]الزاهب اللدنیّة 1 : 12 ، تهذیب تأریخ دمشق 1 : 323.
[2]کنز العمّال 6 : 114 ، دلائل الإمامة 5 : 489 ، المستدرک 2 : 615 ، المواهب 1 : 43.
[3]المواهب 1 : 12.
[4]البقرة: 37.
[5]تفسیر البرهان 1 : 89 ، عن الخصائص العلویّة ، تأویل الآیات 1 : 27 ، والبحار 26 : 325.
[6]مکیال المکارم 1 : 33.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.