الزهراء علیها السلام زینةالعرش الالهی

اشارة

سرشناسه : علوی سیدعادل 1333 - عنوان و نام پديدآور : الزهراء علیها السلام زینةالعرش الالهی تالیف عادل العلوی. مشخصات نشر : قم الموسسه الاسلامیه العامه للتبلیغ والارشاد 1432 ق. 1390. مشخصات ظاهری : 36 ص. فروست : موسوعه رسالات اسلامیه. شابک : 978-600-6197-24-1 وضعیت فهرست نویسی : فیپا يادداشت : عربی. یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس. موضوع : فاطمه زهرا (س)، 8؟ قبل از هجرت - 11ق موضوع : فاطمه زهرا (س) ، 8؟ قبل از هجرت - 11ق -- احادیث رده بندی کنگره : BP27/2 /ع83ز9 1390 رده بندی دیویی : 297/973 شماره کتابشناسی ملی : 2271655

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يبلغ حمده الحامدون ولا يعدّ نعمه العادّون ، والصلاة على من كان قاب قوسين أو أدنى من ربّه الأعلى ، وعلى من هو نفسه ، ومن هي روحه التي بين جنبيه ، وعلى سبطيه ، وخلفائه أئمة الإسلام بالحقّ ، وسلّم تسليماً كثيراً.

لله تعالى في كلّ آن يدٌ علينا ، ومن أياديه وآلائه أن وفّقنا لكتابة محاضرات قيّمة ألقاها سيّدنا الفقيه الاُستاذ السيّد عادل العلوي حفظه الله تعالى في بلاد الشام وفي جوار سيّدة الحرائر بعد اُمّها ، وعقيلة الطالبيين ، وشريكة الإمام الثائر ، وصاحبة النور الزاهر ، السيّدة زينب الكبرى عليها صلوات المصلّين وتحيّات العارفين ، وكان مضمون هذه المحاضرات يقطر حبّاً لفاطمة الشهيدة سلام الله عليها ما بقي الليل والنهار ، ويفوح عطراً بذكر اسمها الشريف حيث توفّق السيّد الاُستاذ دام توفيقه للحديث عن سيّدة نساء العالمين وبيّن فيه حجّيتها ومدى قربها من خالقها ، فقال عنها وأحسن القول بأ نّها سرّ الوجود وجامعة النورين والعلّة الغائية لعالم

الإمكان ، وغاص في بحر معرفتها حتّى خشينا عليه الغرق بين أمواج بحرها المتلاطم ، إلاّ أ نّه أثبت للحاضرين أهليّته ، ودلّهم على أ نّه من أهل هذا الفنّ الذي عجز عنه كثير ممّن يدّعون العلم والمعرفة ، فكان عميقاً في معرفتها وعارفاً بشخصها بأعلى درجات المعرفة الجمالية ، فإلى محبّيها اُقدّم هذه الجواهر ، وإلى عاشقيها اُبيّن هذا الجمال الذي أظهره سيّدنا الاُستاذ ليزدادوا حبّاً وعشقاً ، فهنيئاً لنا بهذه الحديقة الغنّاء وأزهارها الشذيّة ، وأقول هنيئاً لا لقراءة هذه المحاضرات فحسب ، بل لما تؤول إليه النفوس من حبّ كبير وتقديس واسع لسيّدة النساء الذي سيعود علينا بأن يجعلنا من محبّيها عن معرفة ودراية ، فنستحقّ أن تلتقطنا يوم القيامة من بين أفواج البشر ، كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الرديء.

ولا يفوتني أن اُثني وليس لثنائي قيمة إزاء أجر الله تعالى على الفريق الذي جنّد كلّ طاقاته ليظهر حبّه للزهراء (عليها السلام) من خلال ما قدّمه من خدمات تلو الخدمات للمحاضر والحاضرين ، وأعني بذلك الإخوة المخلصين في مكتب آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (دام ظلّه) ، فللّه الحمد كلّ الحمد على هذه النعمة التي أحاط بها المحاضر والحاضر والعامل على راحتهم واُصلّي واُسلّم على المصطفى وأخيه وبضعته وبنيه تسليماً كثيراً.

الشيخ علي الفتلاوي

دمشق _ السيّدة زينب

1421 ه_

[المحاضراة]

المحاضرة الاُولى)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

بعد أن توفّقنا للحديث عن عصمة زينب الكبرى حبانا الله سبحانه بلطف آخر حيث يسّر لنا الحديث عن الصدّيقة الكبرى وسيّدة النساء فاطمة

الزهراء سلام الله عليها ، من أجل إحياء امرها بإقامة العزاء عليها في أ يّام شهادتها (عليها السلام) ، وهذا التيسير ينمّ عن وجود يد غيبيّة أرادت ذلك ، وكما تمّ لنا معرفة الله تعالى ورسوله والأئمة الأطهار وعقيلتهم اُمّ المصائب زينب صلوات الله عليهم أجمعين ، بمعرفة جمالية آن الأوان لمعرفة سرّ الوجود ومجمع النورين النبوي والعلوي[1] ، فاطمة اُمّ أبيها سلام الله عليها[2] ، بنفس تلك المعرفة ولكي يتسنّى لنا الحديث بما يليق بهذا السرّ الكوني لا بدّ لنا من مقدّمة فنقول :

من الأسئلة التي يطرحها جميع البشر تبعاً لما في فطرتهم من حبّ الاطلاع ، ولأنّ الإنسان متكوّن من بُعد مادّي وآخر مجرّد نجده يتساءل عن سرّ خلقته وفلسفة وجوده ، فيسأل نفسه أوّلا لماذا خُلقنا ؟ وقبل الخوض في جواب هذا السؤال نريد أن نقول : إنّ الروحانية المجرّدة التي يحملها الإنسان تدعوه أن يهتمّ بما وراء الطبيعة ، أي بما وراء المادّة والتي تسمّى باصطلاح الفلاسفة (الميتافيزيقيا) فتميل به إلى معرفة سرّ الوجود وفلسفة الخلقة ويذهب متسائلا : هل إنّ علاقتي بالمادّة وقوانينها فحسب أم أنّ هناك ارتباطاً يتجاوز هذه الحدود البلهاء والمادّة الصمّاء ؟ أي هل إنّ لي ربّاً وإلهاً وراء المادّة أم لا ؟ فيأتي الجواب من صميم الفطرة التي جُبل عليها ، نعم إنّ لك إلهاً وخالقاً لا شريك له في إيجادك ، ولا ندّ له في الوجود ، فيشترك بهذا الجواب الفطري المؤمن والكافر على حدّ سواء وهذا لا خلاف فيه وإن تظاهر الكافر بإنكاره ، فإنّه كما في قوله تعالى :

( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أ نْفُسُهُمْ )[3].

فهو جاحد لما استيقن ومنكر لما ثبت في الوجدان

. فالسؤال الفطري الذي يطرحه الجميع هو : من أين ؟ وإلى أين ؟ وفي أين ؟ وماذا يراد منّي ؟ فبهذه

الكلمات جُمع فيها علم الأوّلين والآخرين ، وكلّ الكتب السماوية والأديان الإلهيّة جاءت لتثبيت هذا التساؤل ، ومن ثمّ الإجابة عليه بجواب صريح وكلام مبين ، بأ نّك من الله وإلى الله تعالى ، وهذا التساؤل الذي ينقدح في ذهن السائل يدعوه إلى التفكّر ، ومن خلال تفكيره تنفتح له آفاق جديدة في سيره وسلوكه وعقائده وأعماله فيخرج من حالة الغفلة والسكر التي يعيشها الناس إلى حالة اليقظة والانتباه.

ولو بحثنا في كتاب الله الكريم الذي نزل مهيمناً على غيره من الكتب التي سبقته ، لوجدنا فيه آيات تبيّن فلسفة الخلقة وسرّ الوجود ، ففي آية يبيّن سبب خلق الكون فيقول عزّ من قائل :

( وَخَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )[4].

فسخّر لنا ما في السماوات والأرض لكي نصل إلى كمالنا ، وكأنّ هذا الوجود خلق لأجل مخلوق فيه ألا وهو الإنسان[5] ، فكان العالم التكويني هو الإنسان الكبير كما كان الإنسان هو العالم الأكبر ، وهذا المخلوق هو أكرم من في الوجود وأشرف المخلوقات ، فلذا امتدح الخالق نفسه عندما خلق هذا الإنسان ، فقال تعالى :

( فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخَالِقِينَ )[6].

فهذا يدلّ على عظمة الإنسان وكرامته على الله تعالى ، حتّى صرّح في كتابه الكريم بهذه الكرامة ، فقال سبحانه :

( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )[7].

فبترتيب هذه الآيات الكريمة التي هي كلام الحقّ سبحانه وتعالى يظهر لنا أنّ سرّ وجود الكون هو خدمة الإنسان ، وإنّما استحقّ هذه الخدمة لأ نّه أشرف المخلوقات وأكرمها ، ولكن

ما هي الحكمة من صيرورة الإنسان أشرف وأكرم من في الوجود ؟ فيأتي الجواب قرآنياً في آية صريحة تبيّن سرّ وجود الإنسان وفلسفة خلقته فيقول أحسن الخالقين :

( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ )[8].

فاتّضح بهذه الآية الكريمة سرّ الوجود جميعه وفلسفة الخلقة لهذا الخلق العجيب.

إذن وجد الإنسان ليعبد الله سبحانه ، ولازم عبادة الله أن يكفر بالطاغوت ، ولازم العبادة المعرفة ، فقوله تعالى : ( لِيَعْبُدُونِ ) أي ليعرفون ، كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) ، فالمقصود من خلق الإنسان هو أن يعرف ويتكامل ويصل إلى قاب قوسين أو أدنى من ربّه[9] ، لأ نّه محبوب لربّه ، وهذا ما أشار إليه الحديث القدسي : « خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي » ، فطوبى لمن عرف

قدر نفسه ، وطوبى لمن وقف على الحقيقة فترك الغفلة وعاش في ذكر ربّه ليلا ونهاراً.

وإنّ ذكر الله تعالى يبدأ بذكر الموت الذي هو الطريق إلى لقاء الله سبحانه ، فلا ننسى هادم اللذّات[10] ، ولا نفرّ من ذكره لأنّ في ذكره حياة القلوب والخروج من الغفلة واليقظة من النوم فلذا نجد الآيات القرآنية الكريمة تؤكّد هذا المعنى في أكثر من موضع في الكتاب الكريم كقوله تعالى :

( إنَّا للهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ )[11].

ففيها إشارة إلى نهاية المطاف ، فالله تعالى هو الغاية بعد أن كانت منه البداية ، فهذه الآيات الصريحة في ظاهرها والعميقة في باطنها لا تنفكّ عن ذكر المنتهى ولا تقصر في بيان السلوك إلى الله تعالى ، فآية تتكلّم عن المنتهى فتقول :

( وَأنَّ إلَى رَبِّكَ المُنْتَهَى )[12].

وآية تبيّن حركة وسير الإنسان فتقول :

( إنَّكَ كَادِ حٌ إلَى رَبِّكَ كَدْحاً

فَمُلاقِيهِ )[13].

فإذن لا بدّ من لقاء الله تعالى ، فإذا أيقنت النفس بذلك فما عليها إلاّ أن نعدّ

العدّة ونتأهّب لهذا اللقاء ، ولا يضيع العمر هباءً منثوراً ، فإنّ في عدم التأهّب وإعداد العدّة خوف ورهبة[14] ، وفي ذكر الموت والتهيّؤ للقاء خالق الموت والحياة اطمئنان للقلوب واطمئنان للنفوس ، فتصل النفوس إلى درجة الاطمئنان العليا[15] ، وهي اليقين بالفوز وأ نّى لنا ذلك ونحن بعد لم نصل إلى درجة أصحاب اليقين ، ولكنّ لنا عزاء في حبّنا للنبيّ وأهل بيته الأطهار مع شيء من العمل اليسير ، فنرجو الله تعالى بذلك ونفرح لحبّنا لهم (عليهم السلام) فنكون كما قال هذا الرجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا رسول الله ، ليس لي عمل صالح إلاّ الشهادتين وحبّك ، فقال له الرسول : أبشر بالجنّة ، فإنّ المرء مع من أحبّ ، فلمّا سمع المسلمون ذلك فرحوا فرحاً لا يدانيه إلاّ فرحهم بالإسلام[16] ، فالحبّ لأهل البيت (عليهم السلام) فيه ينال المحبّ أعلى درجات الجنّة إذا اقترن بالعمل الصالح ، لأنّ الأخبار الشريفة تؤكّد هذا « كذب من زعم أ نّه يحبّنا ولا يعمل بأعمالنا » ، لأنّ المحبّ لمن أحبّ مطيع كما يروى هذا القول للإمام الصادق (عليه السلام) ، ثمّ في قول أحدهم (عليهم السلام) : « عجبت لمن يدّعي حبّ الله كيف يعصي الله ؟ »[17] ، إلاّ أنّ الحبّ كلّي تشكيكي وله مراتب ، فلذا نجد شخصاً محبّاً إلاّ أ نّه يعصي الله تعالى ، فحبّه هذا في أوّل مرتبة من مراتبه ، ولكن كلّما ازداد حبّاً ازداد عملا لرضا المحبوب ، لرضا الله تعالى ورسوله وأهل بيته وفاطمة

الزهراء (عليهم السلام).

فعندما نقف امام آيات القرآن الكريم نجد آية تتكلّم عن التسخير أي عن الرحمة الإلهية ، وآية اُخرى تتكلّم عن تحصيل العلم :

( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ وَأنَّ اللهَ قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً )[18].

وآية اُخرى تتكلّم عن عبادة الله سبحانه ، ففي هذه الآيات الثلاثة تتبيّن فلسفة الخلقة الكونية ، ولكنّ العبادة التي ذكرت في الآية : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ )[19] ، المراد منها المعرفة لأنّ المعرفة تدلّ الإنسان على العمل وتدعوه إلى أنواع العبادات والتي على رأسها الدعاء ، فلذا يذكرون أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان رجلا دعّاءً[20] ، لأنّ الدعاء مخّ العبادة[21] ، كما ورد في الحديث الشريف ، فالعبادة هي الطريق إلى الله تعالى ، ولا يفتح هذا الطريق إلاّ بالمعرفة والعلم لأنّ الجهل يقصم الظهر كما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام): « قصم ظهري اثنان : جاهل متنسّك فإنّه يفرّ الناس بجهله ... »[22] ، فالعبادة مع العلم هي التحليق في سماء الفضائل حتّى يصل بها المرء إلى ربّه ، فيكون قاب قوسين أو أدنى دنوّاً واقتراباً من العليّ الأعلى . فبالإيمان والعمل الصالح يكون السلوك إلى الله تعالى ، وهناك أكثر من سبعين آية يقرن ربّ العالمين بين الإيمان والعمل الصالح ، وبهذا يقول سبحانه أ نّه لا يكفي المرء أحدهما ، فلا بدّ من الإيمان والعمل معاً حتّى نجد هذا المعنى أيضاً جليّاً في الحديث الشريف : « العلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلاّ ارتحل »[23] ، أي أنّ العمل وحشي إن تركته يمشي ،

فبالرحمة الإلهية يتمّ هذا ، فلذا نجد الأسماء الحسنى جميعها معاني للرحمة ، إلاّ بعض الأسماء التي تعبّر عن الغضب الإلهي كاسم المنتقم والقهّار وغيرهما ، ولكن التي تعبّر عن الرحمة كثيرة كاسم الودود ، الحنّان ، الشفيق ، اللطيف ... وغيرها من الأسماء التي بها أراد الله تعالى الخير لعباده ، وأراد لهم سعادة الدنيا والآخرة ، وأراد لهم الكمال ، والله تعالى إنّما أراد لهم الكمال لأ نّه تعالى هو الكمال المطلق ومطلق الكمال[24] ، ومن كماله أن يظهر كماله ، ولنا شاهد بالوجدان على ذلك ، فإنّه عندما نرى شخصاً يتّصف بصوت جميل تجده فطرياً يظهر هذا الصوت الجميل ، إمّا بصوت الرحمن فيتلو به القرآن ، وإمّا بصوت الشيطان فيطلقه في الغناء ، وكلّ مراده هو إظهار كمال صوته ، فكذلك تعالى له الكمال المطلق الذي لا تحيط به العقول ، فلا يليق بكماله المطلق إلاّ أن يظهر كماله ، وإلاّ لزم النقص وهو تعالى منزّه عنه ، فمن كمال الكمال ظهور وإظهار الكمال ، ولهذا جاء في الحديث مع غضّ النظر عن المناقشة في سنده ودلالته : « كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق لكي اُعرف » ، فحبّه للمعرفة لكماله المطلق ، وهذا يسمّى بسرّ الخالق إن صحّ التعبير ، وأمّا سرّ المخلوق فهو عبارة عن الرحمة الإلهية والعلم والعبادة ، فخلقه تعالى للخلق كافّة هو من باب الكمال لا للاحتياج ، فيندفع الإشكال في ذلك ، فخلق الخلق لأ نّه فيّاض لا لحاجته للمظهر والمعرّف ، وهذا ما أشار إليه الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة وهو من توحيد الصدّيقين : « ألغيرك من الظهور

ما ليس لك حتّى يستدّل به عليك ، أنت الذي دللتني عليك »[25] ، فبالله أعرف الله تعالى ، أي بالعلّة أعرف المعلول لا بالمعلول أعرف العلّة[26] ، فظهور الخلق من الله لوصول المخلوقات إلى كمالها ، فهذه المخلوقات تسبّح بحمده فهي في مقام الجلال ، وتحمده فتكون في مقام الجمال ، فقولنا في سورة الحمد (فاتحة الكتاب الكريم) الحمد لله : أي له الثناء كلّه وله الحمد كلّه ، فهو المستحقّ لذلك لأ نّه الجمال المطلق ومطلق الجمال وإنّه يحبّ الجمال ، وهذا معنى قول العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) عندما قالت في جواب ابن زياد اللعين عندما أراد أن يجرح شعورها ويقرح قلبها : (كيف رأيتِ صنع الله بأخيكِ الحسين) فقالت : « ما رأيت إلاّ جميلا » ، فإنّ قتل الحسين وإخوته وأولاده وأصحابه عندما ينسب إلى الله تعالى فهو جميل ، وعندما ينسب إلى يزيد فهو قبيح ، فالخلق عاشق لربّ العالمين على حدّ تعبير صدر المتأ لّهين في الأسفار[27] ، فالكون في حركة كمالية والله تعالى يفيض فيضه على الخلق كلّه سواء كان كافراً أو مؤمناً ، فإنّه تعالى يعطي الجميع ومثله تعالى عن ذلك : (مثل الفلاّح الذي يسقي الشجر ومراده الثمر ، ولكن يشرب كلّ ما في الأرض حتّى الحشائش الغير مقصودة بالذات) ، فالكون بمثابة بستان الله تعالى ومراده من هذا البستان أشجار معدودة ، ولكنّ الرحمة الإلهيّة تنال الجميع.

فالشجرة المحمّدية[28] والدوحة العلوية هي التي تستحقّ الفيض الإلهي ومن يسير عل نهجهم ، وباقي الناس كالحشيش يطئه المارّة بأقدامهم (عليّ الدرّ والذهب المصفّى وباقي الناس كلّهم تراب) ، فالذي يستظلّ بهذه الشجرة هو الذي فكّر وعرف الحقّ

، وصار تفكيره في ساعة خير من عبادة سبعين عاماً ، فبالتفكّر تفتح الآفاق الجديدة ، وبالتأمّل تذهب الغفلة ، وبالتعقّل يذكر الإنسان ربّه.

---

[1]فاطمة الزهراء هي التي جمعت بين نور النبوّة ونور الإمامة ، أي أ نّها المرأة الوحيدة التي لها المكانة الاُولى في قلب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولا يدانيها أحد في ذلك لا لأ نّها ابنته فحسب ، بل لأ نّها سيّدة نساء العالمين والعلّة الغائيّة للوجود ، وهي التي أزهرت السماوات والأرض بنورها الذي هو من نور عظمة الله تعالى ، فلا كفؤ لها من الرجال من آدم فما دون إلاّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فزوّجها الله تعالى في السماوات وقال لرسوله (صلى الله عليه وآله) : إنّي زوّجت النور =

= من النور وأمره بتزويجها عليها (عليه السلام) فصارت بذلك تحمل نور النبوّة ونور الإمامة.

[2]هذه إشارة إلى الحديث الشريف الوارد في كتب الفريقين ، فلقد جاء في (اُسد الغابة 5 : 520) من كتب الجمهور في ترجمة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال : وكانت فاطمة تكنّى اُمّ أبيها اعترافاً بالحديث الوارد في حقّها بأ نّها اُمّ أبيها سلام الله عليها ، كما ورد في أحاديث أصحابنا.

[3]النمل : 14.

[4]الجاثية : 22 ، وفي هذه الآية يصرّح فيقول سبحانه : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً ) (البقرة : 29).

[5]إشارة إلى الآية الكريمة : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إنَّ فِي ذَلِكَ لاَ يَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ ) (الجاثية : 13).

[6]المؤمنون : 14.

[7]الإسراء : 70.

[8]الذاريات : 56.

[9]إشارة إلى الآيتين القرآنيتين الكريمتين : ( دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ

قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى )(النجم : 8 _ 9).

[10]إشارة إلى الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيراً ما يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول : أكثروا ذكر الموت فإنّه هادم اللذّات ، حائل بينكم وبين الشهوات (القلب السليم : 63).

[11]البقرة : 156.

[12](النجم : 42) ، وآية تقول : ( ألا إلَى اللهِ تَصِيرُ الاُمُورُ ) (الشورى : 53) ، وهناك آية اُخرى تقول : ( وَإلَى اللهِ المَصِيرُ ) (آل عمران : 28 ، النور : 42 ، فاطر : 18).

[13]الانشقاق : 6.

[14]ولذلك نجد الإمام زين العابدين (عليه السلام) يقول في دعائه : « أستجير يا ذا العفو والرضوان من الظلم والعدون _ إلى أن يقول : _ ومن انقضاء المدّة قبل التأهّب والعدّة » (مفاتيح الجنان : 23).

[15]هذه إشارة إلى قوله تعالى : ( يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ) (الفجر : 27 _ 28).

[16]وورد في حبّهم عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) « أخذ بيد حسن وحسين وقال : من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما واُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة » (كشف الغمّة 1 : 89 ) ، عن مسند أحمد بن حنبل 1 : 7.

[17]وحديث آخر في معناه عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « ما أحبّ الله من عصاه » قصار الجمل 2 : 40.

[18]الطلاق : 12.

[19]الذاريات : 56.

[20]إشارة إلى الحديث الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام) : « قال : وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلا دعّاءً » اُصول الكافي 2 : 457.

[21]هذه إشارة إلى

الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : « الدعاء مخّ العبادة » الوسائل 2 : 1087.

[22]نهج البلاغة _ قصار الجمل.

[23]قصار الجمل ; للمشكيني 2 : 59.

[24]أي أ نّه تعالى هو الكمال الحقّ الذي لا نهاية له ولا حدّ ولا مقيّد بقيد ، كما أنّ له كلّ الكمال ، وكلّ كامل غيره ناقص.

[25]دعاء عرفة للإمام الحسين (عليه السلام) ، مفاتيح الجنان : أعمال يوم عرفة.

[26]هناك معرفتان : معرفة للعلّة من خلال المعلول ويسمّى هذا بالبرهان اللمّي ، ومعرفة المعلول بالعلّة ويسمّى بالبرهان الإنّي.

[27]الأسفار 7 : 148.

[28]هذه إشارة إلى الحديث الذي صدر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقد ذكره الشهيد نور الله التستري في الجزء الخامس ، الصفحة 256 ، وذكر الحديث عن كتب العامّة كما في المستدرك للحاكم النيسابوري والخطيب البغدادي فليراجع إلى إحقاق الحقّ 5 : 256.

ونصّ الحديث « عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعليّ : يا عليّ ، الناس من شجر شتّى وأنا وأنت من شجرة واحدة ... ».

المحاضرة الثانية)

بعد البسملة والحمد والصلاة :

لقد ورد في الحديث الشريف المعروف بحديث المعراج : « يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما »[1].

فالحديث عن المعاني السامية والمضامين العميقة في هذا الخبر الشريف إنّما يحتاج إلى مقدّمات حتّى يتبيّن من خلالها معنى هذا الكلام الأقدس ، ويتبيّن أيضاً مدى تطابقه مع الدليل العقلي فضلا عن الدليل النقلي.

ومثل هذا الحديث قد يثير التساؤلات الكثيرة في نفوس الذين لا يستطيعون هضم هذه المعاني.

فلذلك نصح بعض الأعلام أن لا تطرح مثل هذه العناوين ، ولكنّي

ذكرت له من الحجج التي تدفعني إلى التعريف بمقامات أهل البيت (عليهم السلام) ولا بدّ من معرفتهم بمعرفة جمالية ، وفي هذا يتمّ لنا بيان ما لدينا من عقائد حقّة مبنيّة على الأدلّة العقلية والنقلية ، ولا يهمّنا الردود السلبية التي تصدر من البعض فإنّها لا تشكّل مانعاً شرعيّاً[2] ، فهي غاية ما تكون اتّهامات لا معنى لها ولا تستحقّ الردّ.

وعلى كلّ حال لا اُريد أن أشغلكم بهذا ، فإنّه من المسلّم أنّ من يزداد معرفةً يزداد كمالا وخضوعاً وأدباً ، فلو دخل علينا رجل كبير السنّ فإنّه نحترمه ونوقّره من باب (وقّروا كباركم) ، وإذا عرفنا أنّ هذا الرجل الكهل هو أحد مراجع التقليد فإنّه بلا شكّ يزداد احترامنا وتوقيرنا له ومحبّتنا فيه وإطاعتنا إيّاه ، ومن هذا المنطلق من عرف النبيّ والأئمة الأطهار (عليهم السلام) بمعرفة جمالية ، فإنّه يزداد مودّةً وتعظيماً وإطاعة ، فيفوز بسعادة الدارين.

فاليوم نتكلّم عن سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وهذا من وحي المناسبة[3] ولأنّ محبّيها يعيشون أحزان ذكرى شهادتها فنقول :

ثبت في محلّه أنّ الله سبحانه حكيم وعليم وقادر وجواد وحيّ ، وله الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وإنّه الكمال المطلق ، فلكلّ هذا خلق خلقاً ، وخلق أرضاً وسماءً وما فيهما وما بينهما عن حكمة وعلم ، فلم يكن خلقه لهذا الكون الكبير عبثاً.

فإذن لا بدّ أن نعرف سرّ هذه الخلقة ، ونوجز هذا القول بكلمات قصيرة فنقول :

إنّه تعالى خلق الكون لنا وخلقنا لأجله ، فنراه سبحانه قد سخّر لنا ما في

السماوات وما في الأرض لكي نصل إلى كمالنا الذي هو عبادة الله تعالى فلذلك قال في آية من آيات الكتاب العزيز :

( وَسَخَّرَ

لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إنَّ فِي ذَلِكَ لاَ يَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ )[4].

ثمّ بيّن سرّ خلقة الإنسان بقوله عزّ من قائل :

( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ )[5].

أي ليعرفون.

فإذن لا بدّ لنا من عبادة المنعم لنتكامل بهذه العبادة ، إلاّ أنّ هذه العبادة على أقسام فمنها عبادة الأحرار ومنها عبادة التجّار ومنها عبادة العبيد[6] ، ولكن كلّها تؤدّي إلى كمال الإنسان ، فالإنسان يتكامل وكلّ شيء في عالم الوجود ما سوى الله تعالى في سير تكاملي ، فالنواة تتكامل حتّى تصير شجرة مثمرة والنطفة تتكامل ، فكلّ ما في الطبيعة يتكامل ، إلاّ أنّ كماله محدود ببداية ونهاية ، إلاّ الإنسان فإنّ له بداية ولا نهاية لكماله ، لأنّ منتهاه هو الله ومقام الفناء فيه سبحانه وهو لا نهاية له :

( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً )[7].

( وَأنَّ إلَى رَبِّكَ المُنْتَهَى )[8].

فالإنسان باعتبار جسده وأ نّه من الطبيعة ومن التراب فهو محدود ، ولكن باعتبار روحه وأ نّه من السماء :

( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي )[9].

فهو بلا نهاية.

فالروح تتكامل ، وهي من الله تعالى وإليه ترجع.

( إنَّا للهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ )[10].

سؤال :

ما هو كمال الإنسان وبأيّ شيء يتكامل ؟

يأتي الجواب من الإمامين الصادقين (عليهما السلام) : « الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين ، والصبر على النائبة ، والتقدير في المعيشة »[11] ، ولازم هذا الكمال الحركة أي أنّ كلّ شيء يتحرّك في ذاته كما يتحرّك في الخارج بحركة وضعيّة أو انتقالية فهذه الحركة الذاتية تسمّى بالحركة الجوهرية كما حقّق ذلك الفيلسوف الإسلامي صدر المتأ لّهين.

فإذن كلّ شيء يسبّح بحمده وهذه هي الحركة التكاملية للأشياء ، فلازم

التكامل الحركة ، وثمرة

الحركة هو التكامل ، وعندما يقول الإمام (عليه السلام) : « الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين ، والصبر على النائبة ، والتقدير في المعيشة » ، فهو يشير إلى ثلاث حركات : علمية وأخلاقية واقتصادية ، أي حركات دينية ودنيوية لأنّ هناك ترابطاً بين الدنيا والآخرة ، ففي هذا الحديث يتّضح لنا أنّ الدنيا هي متجر أولياء الله تعالى ومزرعة الآخرة ، بل هناك من يجعل الدنيا هي الجنّة لأنّ نفسه تيقّنت بالفوز فهو قد وصل إلى علم اليقين وحقّ اليقين وعين اليقين[12] ، ومعنى هذا أنّ الكمال والسعادة لا ينحصران في الآخرة فقط ولا بالدنيا فقط بل بهما معاً ، فإن قال قائل : إنّ أحاديثاً كثيرة وردت في مذمّة الدنيا ، نقول : وهناك أحاديث اُخرى وردت في مدح الدنيا ، كما ورد ذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما سمع رجلا يذمّ الدنيا ، أجابه : « ويلك ، لمَ تذمّ الدنيا ، إنّ الدنيا متجر أولياء الله »[13] ، أي يمكن الوصول إلى الله تعالى من خلال الدنيا ، فالغني بغناه وجوده ، والفقير بصبره وعفّته ،

وإذا أردنا الجمع بين روايات الذمّ وروايات المدح نقول : إذا أراد الإنسان الدنيا على نحو الاستقلال فهذه دنيا مذمومة ، وهي التي أبغضها الله تعالى على لسان نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله) في قوله : « حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة »[14] ، وجُعل بغض الدنيا من علامات محبّي أهل البيت (عليهم السلام) ، وهذا ما صرّح به النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في قوله : « ألا ومن أحبّ أهل بيتي فله الجنّة ، ألا إنّ لمحبّيهم عشرين خصلة ،

عشرة منها في الدنيا وعشرة في الآخرة ... إلى أن يقول : وتاسعها بغض الدنيا ، وعاشرها السخاء ... »[15] ، وأمّا إذا أراد الدنيا طريقاً إلى الجنّة ومزرعةً للآخرة فلا بأس بذلك ، فالدنيا والآخرة ضرّتان في حالة الاستقلالية[16] ، وأمّا إذا كانتا على نحو المقدّمية والتبعية فلا خوف منها ولا ضرر فيها.

فهناك أ يّها الإخوة من يعيش الآخرة وهو في هذه الدنيا وهذا ما حصل لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلذلك يقول : « جلوسي في المسجد أحبّ إليّ من جلوسي في الجنّة » ، ولمّا سئل : لماذا ؟ قال : لأنّ الجلوس في المسجد رضا ربّي ، والجلوس في الجنّة رضا نفسي ، ورضا ربّي أولى من رضا نفسي ، فعلى هذا يكون المسجد جنّة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ودخوله فيه يعني دخوله في جنّته . وهناك روضات من الجنّة في الدنيا والداخل إليها داخل إلى الجنّة ، كما جاء في الخبر : إنّ قبر الإمام الرضا (عليه السلام) روضة من رياض الجنّة ، وكذلك ما بين منبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)وداره ، فهذه روضات حقيقية لا مجازية ، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)[17].

سؤال في محلّه :

ذكر الحديث عن الإمامين (عليهما السلام) يوحي بوجود ترابط بين التفقّه بالدين والصبر على النائبة والتقدير في المعيشة ، فما وجه هذا الترابط ؟

الجواب :

الكمال يبدأ بالحركة الاقتصادية ، لأ نّها العون في تحقّق الحركة العلمية والأخلاقية ، أي أنّ من لا معاش له لا معاد له ، وهكذا الاُمّة إذا فقدت الحالة

الاقتصادية فإنّها ستفشل في حركتها العلمية والأخلاقية ، فإذن لا بدّ من هذه الحركات الثلاثة لتحقّق تمام الكمال.

والتفقّه في

الدين يعني العلم الإلهي الذي فيه نفع الدنيا والآخرة ، ولكن لهذا الفقه ولهذه الحركة العلمية مقدّمات دينية ودنيوية ، فإذا أردت التكامل لا بدّ من زيادة علمك حتّى تنال السعادة التي ستُغبط عليها من قبل الآخرين ، كما ورد في الحديث الشريف : « فمن كان يومه خيرٌ من أمسه فهو مغبوط ، ومن كان أمسه خيرٌ من يومه فهو ملعون » ، أي مطرود من رحمة الله تعالى.

فعليك بملازمة العلماء والحضور في مجالسهم ، وإلاّ سينالك الخذلان كما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعاء أبي حمزة الثمالي : « أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني »[18] ، وهذا الخذلان يصيب الفرد البعيد عن مجالس العلماء ، وكذلك يصيب المجتمع الذي استهان بالعلم والعلماء فيصاب عندها بالتخلّف والأمراض الاجتماعية.

---

[1]فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليلة القدر ، بقلم سيّدنا الاُستاذ دامت إفاضاته.

[2]مراد السيّد الاُستاذ أنّ هذه الردود لا تمنعنا لأ نّها لم تكن موانع أو نواهي قال بها الشرع المقدّس ، وإلاّ لو كانت كذلك لكان حرام علينا مخالفتها.

[3]اختلفت الروايات والأقوال في يوم شهادة الزهراء (عليها السلام) ، فقيل : أربعون يوماً بعد رحلة الرسول الأعظم ، وقيل : خمسة وسبعين يوماً ، وقيل : خمسة وتعسين يوماً ، وإحياءً لأمرهم (عليهم السلام) يقام العزاء الفاطمي لمدّة ثلاثة أيّام أو اُسبوع على الأقوال الثلاثة ، وكانت محاضرات سيّدنا الاُستاذ دام ظلّه في سوريا على القول الأوّل.

[4]الجاثية : 13.

[5]الذاريات : 56.

[6]هذه إشارة إلى الحديث الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « إنّ العباد ثلاثة : قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك

وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاُجراء ، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّاً له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة » اُصول الكافي 2 : 89 ، وهناك حديث مثله لأمير المؤمنين يذكر فيه كلمة (تجّار) ، ولا فرق لأنّ المعنى واحد.

[7]طه : 114.

[8]النجم : 42.

[9]الحجر : 29.

[10]البقرة : 156.

[11]قصار الجمل ; للمشكيني 2 : 55.

[12]هذه المراتب ذكرت في كتب الأخلاق ، فكان أوّل هذه المراتب مرتبة علم اليقين وهو اعتقاد ثابت جازم مطابق للواقع كيقينك بوجود النار من مشاهدة الدخان ، والمرتبة الثانية : عين اليقين ، وهو مشاهدة المطلوب ورؤيته بعين البصيرة والباطن ومثاله التيقّن بوجود النار عند رؤيتها عياناً ، وأمّا المرتبة الثالثة وهي حقّ اليقين وهو أن تحصل وحدة معنوية بين العاقل والمعقول ومثاله الحسّي اليقين بوجود النار بالدخول فيها من غير احتراق.

[13]وتكون الدنيا متجراً لأولياء الله تعالى عندما يتّخذوها قنطرة للعبور إلى الجنّة وعندما يتّخذوها مزرعة للآخرة ، بل إنّ العمل الصالح لا يكون إلاّ في الدنيا لأ نّها دار التكليف ، وبالعمل الصالح يكون الدخول إلى الجنّة أو الخلاص من النار أو الارتزاق بلقاء الله تعالى ، وهذا ما تؤكّده الآية الكريمة : ( هَلْ أدُ لُّكُمْ عَلَى تِجَارَة تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَاب ألِيم * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) (الصفّ : 10 _ 11) ، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « إذا كنت في =

= تجارتك وحضرت الصلاة فلا يشغلنّك عنها متجرك » والمتجر هو مكان التجارة ، أي عليك أن تعمل في المتجر الحقيقي وأن تعمل بالتجارة الحقيقية الرابحة وإلاّ لو كان متجر الدنيا وتجارة الدنيا هي الحقّ لما أمرنا الإمام (عليه السلام) بعدم الانشغال في متجر الدنيا

. وهناك كلام كثير لو أردنا أن نؤلّف فيه فصلا لتمّ لنا ذلك.

[14]العلم النافع : 158 ، وجاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : « حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ، ومفتاح كلّ سيّئة ، وسبب إحباط كلّ حسنة » ، إرشاد القلوب : 21.

[15]الخصال للشيخ الصدوق والمواعظ العددية باب العشرين.

[16]ورد حديث شريف يبيّن أنّ الدنيا والآخرة ضرّتان كما في قصار الكلمات _ نهج البلاغة . ومراد سيّدنا الاُستاذ بأنّ حالة التنافس لا تحصل ولا يكون هناك نزاع بين الضرّتين إلاّ إذا فضّل صاحب الضرّتين إحداهما على الاُخرى ، أي تعامل مع إحداهما بشيء من الاستقلال والميل بحيث يؤدّي إلى الإضرار بالاُخرى ، ويؤيّد هذا الكلام قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : « من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته » الوسائل الباب61 ، الحديث 50 / عن قصار الجمل للمشكيني 1 : 132.

[17]جاء في الحديث الشريف عن الإمام الرضا (عليه السلام) : « قال : إنّ في خراسان بقعة سيأتي عليها زمان تكون مختلف الملائكة لا تزال تهبط فيها فوج من الملائكة وتصعد فوح ... إلى أن يقول : وإنّها والله روضة من رياض الجنّة من زارني فيها كان كمن لو زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) » مفاتيح الجنان : 496 ، وأمّا الحديث عن أنّ ما بين منبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقبره أو داره روضة من رياض الجنّة فهذا أشهر من أن نكتب عنه شيئاً ، وهذه الروضات روضات حقيقية أي لا يكون الجالس فيها كأ نّها في روضة بل هو في روضة حقيقية ، وكما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سأله السائل : هل هذه روضة

حقيقية ؟ أجابه : لو كشف لك لرأيت ذلك.

[18]مفاتيح الجنان : 191.

المحاضرة الثالثة)

بعد البسملة والحمد والصلاة :

لا زلنا وإيّاكم في رحاب سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) لنتمّ الحديث عن كونها سرّ الوجود ، بل هي سرّ السرّ ، وإنّها جمال الله وعصمته الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى.

لقد مرّ علينا في الأبحاث السابقة أنّ فلسفة الحياة وسرّ الخلقة والوجود سيّما خلقة الإنسان هو التكامل ونيل الرتبة التي وضعت لهذا الموجود الأشرف ، كما ذكرنا أنّ الكمال كلّ الكمال هو التفقّه في الدين ، وعبّرنا عن ذلك بالحركة العلمية ثمّ يتلوه الكمال الآخر وهو الصبر على النائبة وعبّرنا عنه بالحركة الأخلاقية ، باعتبار أنّ الصبر أساس الأخلاق ، وآخره الاقتصاد في المعيشة ، وعبّرنا عن الأخير بالحركة الاقتصادية.

ولو أردنا تسليط الضوء على الحركة الثانية التي هي الحركة الأخلاقية فلا بدّ من القول بأنّ الصبر أساس الأخلاق وبه يتمّ طيّ المراحل الأخلاقية الثلاثة التي هي التخلية والتحلية والتجلية _ كما عند علماء الأخلاق والسير والسلوك _ ، ليصل المرء إلى تهذيب النفس وكمالها ، فلا بدّ من تخلية الروح والقلب من الصفات الذميمة كالرياء مثلا وتحليتهما بالصفات الحميدة كالإخلاص في مقابل

الرياء ، ثمّ تجلية هذه الصفة حتّى يصل الإنسان إلى درجة المخلَصين ليكون بعيداً عن وسوسة وتزيين الشيطان الذي تعهّد بإغواء جميع البشر ، إلاّ العباد المخلَصين حسب تعبير الآية القرآنية الكريمة :

( وَلاَُغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ * إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ )[1].

فإذن أبدى الشيطان استعداده لإغواء الجميع حتّى طبقة المخلِصين ، ولكنّه عبّر عن عجزه من أن ينال الطبقة الرفيعة التي هي طبقة المخلَصين[2].

فلا بدّ من الوصول إلى تلك الرتبة الأخلاقية العالية وذلك بطوي مراحل

الإخلاص التي لا تتمّ إلاّ باجتياز المراحل الأخلاقية الثلاثة التي أساسها الصبر ، الذي يتجلّى في النوائب والمصائب ، وإنّه من أكمل مصاديق الصبر.

ثمّ لو أردنا التحرّك في الحركة الثالثة التي هي الحركة الاقتصادية والتي عبّر عنها في الحديث الشريف « والتقدير في المعيشة » لا بدّ لنا من اتخاذ الحدّ الوسط في طريقة العيش لكي نبتعد عن الإفراط والتفريط ، وهذا معنى الاقتصاد فإنّه لغة من القصد بمعنى الحدّ الوسط.

فهذه هي الحركات الثلاثة التي يحتاجها الإنسان للوصول إلى كماله الذي هو هدف وجوده وسرّ خلقته.

وأرجأنا الكلام عن الحركة العلمية التي هي الحركة الاُولى في سلّم الكمال لكي يكون البحث عنها بشيء من التفصيل ، فنقول :

إنّ كمال الإنسان في الرتبة الاُولى هو تحصيل العلم ، ومحور هذا العلم هو التفقّه في الدين الذي يبتني على اُصول خمسة كما هو معتقد الشيعة وفروع عشرة[3] ، ومن هذه الاُصول الخمسة التي يجب الاهتمام بمعرفتها أصل الإمامة ، وممّا يبحث في هذا الأصل هو الاعتقاد بأنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) سرّ الوجود.

والذي نبغيه من هذا البحث الولائي هو إثبات العقيدة الصحيحة بالبرهان العقلي والدليل النقلي ثمّ العمل على ضوء هذه العقيدة الصحيحة لأنّ الحياة عقيدة وجهاد ، ولا يصحّ الجهاد من أجل عقيدة فاسدة ، فلا بدّ من إثبات صحّة هذه العقيدة وتثبيتها ، فما ذكرناه كان من المقدّمة للحديث عن فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين (عليها السلام).

فالحديث عن الخبر الشريف : « لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » ، يحتاج إلى مقدّمة ، فنقول :

إنّ الوجود أمر بديهي لا يحتاج إلى تعريف ، وما ذكر له من

تعاريف بأ نّه الثابت العين أو الذي يمكن أن يخبر عنه أو ما ينقسم إلى علّة ومعلول أو قديم

وحادث وغير ذلك فهو من باب شرح الاسم[4] ، فهو بديهي ولشدّة بداهته تجده في غاية الخفاء كما في منظومة السبزواري[5].

فعندنا الموجود هو ذات ، أو قل : ماهيّة ثبت لها الوجود ، كالإنسان فإنّه ذات ثبت لها الوجود فيسمّى موجوداً.

فإذن هناك فرق بين الوجود وبين الموجود ، ثمّ إنّ الله تعالى علّة العلل والعلّة الاُولى للكون ، فهو الأوّل وهو الآخر ، وهو الظاهر وهو الباطن ، أزلي سرمدي . وساُوضح هذا لأنّ فيه شيئاً من الصعوبة لوجود هذه المصطلحات الغريبة على البعض ، ولكن لا بدّ من الثقافة لأنّ المجتمع الشيعي هو الأجدر بمثل هذه الثقافة ، فأقول : إنّ العلل على أربعة أقسام[6] ، وقبل معرفة هذه الأقسام لا بدّ من معرفة العلّة ، فالعلّة هي الشيء الذي يؤثّر في شيء آخر وهذا الشيء الآخر المتأثّر يسمّى المعلول ، مثلا (النار والحرارة) ، ولا ينفكّ المعلول عن علّته إلاّ بمعجزة فيما إذا كانت العلّة ناقصة[7] وليست تامّة كما ينفك في النار التي أشعلها النمرود لنبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) ، فإنّها صارت عليه برداً وسلاماً بالمعجزة ، والآن نقول : إنّ العلل أربعة : علّة فاعليّة ، وعلّة مادّية ، وعلّة صورية ، وعلّة غائية[8] ، واُقرّب لكم هذا بالمثال : (إنّ هذا الكرسي الذي نجلس عليه يحتاج إلى أربع علل : الاُولى تسمّى العلّة الفاعلية أي التي فعلت الكرسي وصنعته وذلك هو النجّار ، والعلّة الثانية هي العلّة المادّية أي المادّة التي صنع منها الكرسي ، والعلّة الثالثة هي العلّة الصورية أي الصورة

التي يكون عليها الكرسي لكي يمتاز عن غيره ، والعلّة الرابعة هي الغائية أي التي من أجلها صار الكرسي) . وهكذا الكون الرحب الوسيع الذي يقع الإنسان ضمن مجموعته ، فإنّ العلّة الفاعلية له هو الله تعالى ، وإنّه تعالى الخالق لهذا الخلق ، وإنّ أوّل ما خلق نور النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ اشتقّ منه نور عليّ (عليه السلام) واشتقّ منهما نور فاطمة ثمّ الأئمة (عليهم السلام) فشيعتهم من الأنبياء والأوصياء والأولياء والمؤمنين ، وهذا الحديث ثابت عندنا كما في كتاب (بحار الأنوار) ، وهو مذكور في كتابنا (هذه هي الولاية)[9].

والعلّة هي عبارة عن وجود المقتضي وعدم المانع واُضيف إليهما تحقّق الشرائط ووجود المعدّ.

فالصادر الأوّل لله تعالى هو نور النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وببركته خلق هذا الكون ، وهذا المعنى موجود في الفلسفة المشائية والإشراقية معاً ، فإنّ المشّائين يقولون بالعقول العشرة أي أنّ العقل الأوّل باعتبار وجوده وماهيّته خلق العقل الثاني والفلك الأوّل ، وهكذا حتّى يصلوا إلى العقل العاشر ، وهو العقل الفعّال المدبّر لهذا الكون الطبيعي ، كما أنّ الإشراقيين يقولون إنّ الله تعالى صدر منه العقل الأوّل ثمّ أرباب العقول لهذا الكون[10] ، إذن هم يعتقدون بالعلّة والمعلول ، ولا بدّ منهما في هذا الخلق لقاعدة الأشرف[11] ، فإنّ الله تعالى خلق الكائنات ببركة النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام) لأ نّهم نور واحد كما ورد في الحديث : « أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد بل كلّنا محمّد »[12] ، فهم نور واحد في الحقيقة المحمّدية والولاية الإلهية العظمى ، وأمّا اختلافهم فهو في الشؤون ، فكلّهم جواد ، وكلّهم كاظم للغيظ ، وهكذا باقي الصفات إلاّ

أنّ الصفة تبرز في زمن أحدهم فيمتاز بها كما برز الجود في زمن الإمام الجواد (عليه السلام) ، فعرف به ، وكذلك كظم الغيض في زمن الإمام الكاظم (عليه السلام) فعرف به ، وإلاّ لا فرق بينهم في مقام دون آخر ، فإذن هم صنايع لله تعالى ، والناس صنايع لهم ، كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الحجّة عجّل الله فرجه الشريف : « نحن صنايع الله والخلق صنايعنا » ، ومعنى الصنعة هنا إمّا يراد منها الأدب ، فأدّبهم ربّهم ، وهم بدورهم أدّبوا الناس بآداب الله تعالى ، أو يراد منها الصانعية وهذا يتمّ بحسب سلسلة العلل والمعاليل ، فالعلّة الفاعلية الاُولى لله تعالى ، ثمّ الصادر الأوّل ، ثمّ سلسلة العلل والمعاليل ، وأمّا العلّة الصورية فقد ورد في الحديث الشريف : « إنّ من دخل الجنّة سيكون على صورة النبيّ محمّد » ، وأمّا النساء فعلى صورة الزهراء ، والزهراء تشبه أباها ، وأمّا العلّة المادّية في عالم الأنوار ، فالمؤمنين خلقوا من أنوارهم ، وفي عالم الطينة من فاضل طينتهم[13] ، وأمّا العلّة الغائية فنقول ما هي الغاية من خلق هذا الكون ؟ الغاية هي أن يكون الإنسان الجامع لجميع صفات الله الجمالية والكمالية الذي هو النبي الأكرم أشرف خلق الله تعالى ، فلذلك قال له الله تعالى في المعراج : « يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك » ، فأنت يا أحمد (صلى الله عليه وآله) الغاية ، وأنت سرّ الوجود ، وأنت سرّ المعبود لهذا الكون ، فلأجلك خُلق الكون ، وأنت الجامع لصفات الله تعالى والعاكس لها ، فإذا كان الله تعالى كريماً فإنّ

كرمه يظهر فيك ، وإذا كان ستّاراً فإنّ ستّاريته تظهر فيك ، وهكذا باقي الصفات ، وهذا الكلام ثابت بالعقل والعلم الحديث ، وذلك عندما نرى أنّ الحركة الدائرية البسيطة لا بدّ لها من مركز (قطب) كالرحى ، فذلك المركز وذلك القطب الذي هو أشرف المخلوقات ليس إلاّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، فلذلك صار حجّة على الخلق ، وهذه الحجّية ثابتة لمن يليه في المسؤولية[14] ، ولكن من هو الذي يليه ؟ فنقول : إنّ الذي يليه لا بدّ أن يكون بينه وبين النبيّ (صلى الله عليه وآله) من سنخية لأنّ السنخية هي الترابط والتشابه بين العلّة والمعلول ، فإذا كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو العلّة الغائية لا بدّ ان يكون له معلولا يشترك معه في الغاية ، ولا بدّ أن تكون سنخية بينهما بموجب قاعدة السنخية[15] ، ولكن لا بدّ من توضيح هذا بالمثال لنقرّبه إلى الأذهان ، فنقول : (النار علّة للحرارة لوجود تشابه وترابط بينهما ، ولولا هذا التشابه والترابط لاستحال أن تصدر الحرارة من النار كما يستحيل صدور البرودة من النار ، ولكن صدرت الحرارة من النار ، إذن لا بدّ من التشابه والترابط لأنّ « الطيور على أشكالها تقع » و « كلّ جنس إلى جنسه يميل » ، فنرجع إلى أوّل حديثنا فنقول : إذا كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو العلّة الغائية لهذا الكون ، لأ نّه هو الإنسان الكامل وهو جامع الجمع لأسماء الله وصفاته ، فالمعلول الذي يكون من سنخه ومن جنسه ومن نفسه ليس هو إلاّ أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لآية المباهلة في

قوله تعالى : ( وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ... )[16] ، فلذلك صار الحديث « لولا عليّ لما خلقتك » لأ نّك يا رسول الله يلزمك معلولا يشابهك لكي تكون أنت العلّة وليس هذا المعلول إلاّ عليّ (عليه السلام) ، فأنت يا رسول الله نور النبوّة وعليّ نور الإمامة وكلاكما من نور التوحيد ، فلا بدّ لكما من معلول يجمع بين نوريكما وبين حجّتيكما ، وهذا المعلول الذي يشبهكما وبمستواكما ، ما هو إلاّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فلذلك قال : « ولولا فاطمة لما خلقتكما » ، لأ نّها بطن الإمامة وصلب النبوّة ، وهي روح النبوّة والإمامة ، والإسلام والعقيدة ، فإذن هي سرّ الوجود أو سرّ السرّ ، وهي مجمع النورين النبوي والعلوي ، وهي بنت النبيّ وزوجة الوصيّ.

ومن هذا المنطلق يقال : السنخية علّة الانضمام.

---

[1]الحجر : 39 _ 40 . ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ * إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ )(ص : 82 _ 83 ).

[2]طبقة المخلِصين _ بكسر اللام (اسم فاعل) _ : هم الذين أخلصوا لله تعالى قولا وفعلا ونيّةً ، وطبقة المخلَصين _ بفتح اللام (اسم مفعول) _ هم الذين استخلصهم الله تعالى لنفسه بعد أن تحلّوا بالإخلاص وعلم منهم ثباتهم عليه طول حياتهم.

[3]اُصول الدين خمسة حسب ما يعتقده الشيعة ، وهذا القول في قبال من يعتقد أ نّها ثلاثة ، فلذلك يذهب البعض من العلماء إلى تسميتها باُصول المذهب ، والحقّ أ نّها اُصول للمسلمين جميعاً ، ولكن رفض بعض المسلمين أن تكون الإمامة من الاُصول وجعلها فرعاً من فروع الدين كما أ نّه رفض تسمية العدل الإلهي أصلا لشبهة في أذهانهم ، ولهذا صارت عندهم ثلاثة ،

وقد ذهب إلى هذا المعنى السيّد الاُستاذ في دروس اليقين في معرفة اُصول الدين _ المجلّد الأوّل من موسوعته الكبرى (رسالات إسلامية) ، فراجع.

[4]توضيح هذا الكلام مفصّلا في بداية الحكمة للعلاّمة الطباطبائي في المرحلة الاُولى من الكتاب في الفصل الأوّل ، الصفحة 10.

[5]ورد في منظومة السبزواري عن مفهوم الوجود هذا البيت من الشعر :

مفهومه من أعرف الأشياءِ *** وكنهه في غاية الخفاءِ

الصفحة 4 من المنظومة.

[6]تنقسم العلّة إلى أقسام متعدّدة بلحاظ جهات مختلفة ، فمن تقسيماتها أ نّها تنقسم إلى علل داخلية وتسمّى (علل القوام) ، وهي المادّة والصورة المقوّمتان للمعلول ، وإلى علل خارجية وتسمّى (علل الوجود) هي الفاعل والغاية ، وربما سمّي الفاعل (ما به الوجود) والغاية (ما لأجله الوجود).

[7]العلّة التامّة هي التي يصدر عنها المعلول من دون أن يقلّ من العلّة شيئاً كشاعريّة الشاعر وتكلّم المتكلّم ، فيصدر الكلام منه من دون أن ينقص من علّيته شيئاً ، بخلاف العلّة الناقصة.

[8]العلّة الفاعليّة : هي التي تفيض وجود المعلول وتفعله ، العلّة الغائية : وهي الكمال الأخير الذي يتوجّه إلى الفاعل في فعله ، العلّة الصوريّة : هي الصورة للشيء وهي تشترك في تركيب الشيء مع العلّة المادّية التي هي مادّة الشيء.

[9]المجلّد الخامس من الموسوعة الكبرى (رسالات إسلاميّة) ، وهذه الموسوعة عبارة عن أكثر من مئة وخمسين كتاباً ورسالة بقلم سيّدنا الاُستاذ في مئة مجلّد ، طبع منها (12) مجلّداً ، والموسوعة تضمّ علوم وفنون إسلامية مختلفة.

[10]يقول المشّائون إنّ العقول عشرة والصادر الأوّل هو العقل الأوّل ثمّ هذا العقل الأوّل أوجد الفلك الأوّل والعقل الثاني ، وإنّ العقل الثاني أوجد الفلك الثاني والعقل الثالث ، وهكذا حتّى يصلوا إلى العقل العاشر الذي يسمّى بالعقل

الفعّال ، ويقول الإشراقيون إنّ في الوجود عقولا عرضية لا علّية ومعلولية بينها وهي تدبّر الأنواع المادية وتسمّى ب_ (أرباب الأنواع) ، و (المثل الأفلاطونية) ، وفي هذا كلام مفصّل يؤخذ من مصادره الفلسفية.

[11]مفاد قاعدة إمكان الأشرف : أنّ الممكن الأشرف يجب أن يكون أقدم في مراتب الوجود من الممكن الأخسّ ، فلا بدّ أن يكون الممكن الذي هو أشرف منه قد وجد قبله ، وهذا مرتبط بوجود العلّة التي هي أشرف من المعلول فتكون قبله من حيث الوجود.

[12]بحار الأنوار.

[13]اُصول الكافي 2 : 5 ، باب طينة المؤمن والكافر.

[14]مراده حفظه الله تعالى في المسؤولية ليس هي الخلافة الحكومية بل مراده إيصال الناس إلى المطلوب ، وهذا لا يتمّ إلاّ للمعصوم ، علماً أنّ الخلافة شأن من شؤون الإمامة ، والإمام إمام مسؤول نائب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سواءٌ كان خليفة أم لم يكن لأنّ الإمامة غير الحكومة واستلام المنصب.

[15]قاعدة السنخية : مفادها أن يكون بين العلّة والمعلول رابطة تكوينية وذاتية غير موجودة بين تلك العلّة ومعلول آخر أو بين ذلك المعلول وعلّة اُخرى ، وإذا لم تكن هذه الرابطة يلزم أن يصدر كلّ شيء من كلّ شي.

مثال ذلك : (النار علّة لوجود الحرارة للسنخية بينهما ولولا السنخية لجاز أن تصدر البرودة من النار ، وهذا محال) ، والسنخية علّة الانضمام.

[16]آل عمران : 61.

المحاضرة الرابعة)

لا زال الحديث عن سيّدتنا ومولاتنا وشفيعة ذنوبنا وطبيبة قلوبنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وأ نّها من سرّ الوجود وهي من الحججّ الإلهية ، فلا بدّ أن نعرفها بمعرفة جلالية وجمالية ، ولا بدّ من زيادة المعرفة ; لأنّ الفضل لا يكون إلاّ بالمعرفة ، فكلّما ازداد الإنسان

معرفةً ، ازداد عملا ، وازداد قرباً من الله تعالى :

( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات )[1].

فرفع الدرجات في يوم القيامة لأهل العلم والمعرفة ، فإذن لنعرف فاطمة الزهراء (عليها السلام) بما يمكننا ذلك ، ولكن قبل هذه المعرفة أذكر بأ نّنا قد ذكرنا معنى الوجود والموجود والفرق بينهما ، كما ذكرنا دليل العلّة والمعلول ، وأنّ بينهما سنخية ، وبيّنا ما معنى ذلك ، وأمّا الآن فنقول : إنّ قانون العلّة والمعلول أقوى من القوانين الرياضية ، وهو الحاكم على كلّ هذا الكون ، فبه برهنّا على صحّة كلامنا عقلا ، ولكن لكي يتّضح المطلب أكثر ويكون بلغة الجمهور سأذكر وجهاً آخر للحديث الشريف حتّى لا يتبادر إلى الذهن أنّ عليّاً أفضل من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأنّ فاطمة أفضل منهما ، وسيكون بيان ذلك بالمثال الحسّي : الإنسان هو الجرم الذي انطوى فيه العالم المادّي الكبير والعالم المجرّد الأكبر ، لأنّ جسده من الأرض وروحه وعقله من السماء ، فهو ذو بعدين : بُعد سماوي وبعد أرضي ، وقد ركّب في بدنه عقل وروح وشهوة ، وفي هذا البدن المادّي دماغ الذي هو محطّ العقل ، وفيه قلب الذي هو محطّ الروح ، وفيه الطحال الذي له دور في تصفية الدم الذي يذهب إلى القلب ، فبدن الإنسان حيّ بدماغه ولولا هذا الدماغ لما كان له قيمة تذكر ، لأنّ الدماغ هو المدبّر لبدن الإنسان ، ولكن لولا القلب لما كان للدماغ دوره الذي وجد من أجله ، وليس هذا يعني أنّ القلب أهمّ من الدماغ ، بل إنّ الدماغ أهمّ وأشرف من القلب ، ولكن للقلب دور

يجعل البدن يتحرّك ، ذلك البدن الذي سلطانه الدماغ ومدبّره الدماغ ، ولكي يبقى البدن مستمرّ الوجود ، لا بدّ له من القلب ، وهذا القلب الذي يضخّ الدم يحتاج إلى مصفاة تصفّي هذا الدم وليس هناك إلاّ الطحال ، فهو الذي يؤدّي هذا الدور ، وهذا المثال للتقريب بالحسّ مع العلم أنّ المثال يقرّب من جهة ويبعد من ألف جهة ، ولكن نريد أن نقول : إنّ هذه الأعضاء كلّ واحد منها له دوره الخاصّ ، وقولنا : لولا العقل لما كان الجسد ، ولولا القلب لما كان العقل ، ولولا الطحال لما كان القلب ، لا يعني أنّ القلب أفضل من العقل أو أنّ الطحال أفضل منهما ، فليس المقام لبيان الأفضلية ، فإنّ الأفضلية محفوظة بينها ، وهكذا المعنى في الحديث الشريف : « لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما ».

ثمّ إنّ الإمام هو عقل عالم الإمكان أو قلبه ، كما ورد في الرواية التي ذكرت محاججة هشام بن الحكم مع ذلك الرجل في البصرة عندما قال له : ما هو أثر العين ؟ قال : ننظر بها ، وما هو أثر الاُذن ؟ قال : نسمع بها ، وما هو أثر القلب ؟ قال : نميّز به الحقّ من الباطل ، فقال هشام : هكذا هو الإمام[2] ، فالإمام سرّ الوجود وبه ثبتت السماوات والأرض ، ولولاه لساخت الكائنات والأرض بأهلها ، ومعنى سرّ الوجود أي باطن الوجود ، فلذلك يعبّر عن الخفي بالسرّ أي الباطن وليس الظاهر ، وعندما نقول للميّت : قدّس سرّه ، أي قدّس الله نفسه ، والنفس أمر

خفي فتكون سرّاً ، كما يقال في المثل : (الولد على سرّ أبيه) ، أي على خلق ونفس أبيه ، وهكذا أهل البيت (عليهم السلام) سرّ الوجود أي باطن الوجود.

أ يّها الإخوة الأعزّاء : نحن الآن في عصر الغيبة الكبرى ، عصر الغربلة والبلبلة والامتحان والشبهات والتشكيك ، فالتزموا الدعاء لكي تنجوا من هذه الهزّات الفكرية ، ولكي تبتعدوا عن الشكّ بالله ورسوله وأهل البيت سيّما صاحب الأمر عجّل الله فرجه الشريف ، فعليكم بدعاء الغريب الذي مطلعه : « اللهمّ عرّفني نفسك ... » لأنّ من لم يعرف الله تعالى سوف يجهل رسول الله ، ويجهل الحجّة فيقع في الضلال ، فيموت ميتة الجاهلية ، لأنّ من لم يعرف إمام زمانه يموت ميتة الجاهلية ، فلا بدّ من معرفة الحجج (عليهم السلام) الذين عددهم بعدد الأسباط وبعدد الحواريين ، حيث إنّ عددهم اثنا عشر خليفة وكلّهم من قريش كما ورد في الصحيحين[3] عند الجمهور ، فإمام الزمان هو الحجّة الثاني عشر ، وهو الإمام المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً ، وأبوه الإمام الحسن العسكري الحجّة الحادي عشر (عليه السلام) يقول : « نحن حجج الله واُمّنا فاطمة حجّة الله علينا » ، فإن فاطمة حجّة الحجج ، ولذلك قال الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله فرجه الشريف : إنّي أقتدي باُمّي فاطمة لما لها من الفضل والعظمة التي يقرّ بها جميع الأنبياء ، بل هي ليلة القدر كما ورد ذلك في حديث مسند في بحار الأنوار[4] ، ومذكور كذلك في تفسير البرهان وتفسير نور الثقلين ، ففاطمة الزهراء (عليها السلام) إنّما سمّيت بذلك لأنّ الناس فطموا عن معرفتها ، فكيف

لا تكون كذلك وهي اُمّ أبيها أي مقصودة أبيها فكان يشمّ نحرها ويقبّل يدها ويقول الرسول الأعظم بعظمته وعلمه : فداها أبوها[5] ، فإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على أ نّها سرّ الوجود ولا يستقيم أمر لأحد سواء كان عالماً أو شاعراً أو خطيباً أو أديباً إلاّ أن يقرّ بفضلها ومحبّتها وأن يعرفها بما أمكنه معرفتها ، وهي التي فطم الناس عن حقيقة معرفتها ، لأ نّها كفؤ لعليّ (عليه السلام) ، ولا يعرف علي (عليه السلام) إلاّ الله ورسوله ... وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الناس فطموا عن معرفتها ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى.

---

[1]المجادلة : 11.

[2]اُصول الكافي 1 : 225 ، فيه قصّة مفصّلة عن محاججة هشام بن الحكم الذي هو من أفضل أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) مع الرجل الذي كان متصدّراً مجلس البصرة وهو عمرو ابن عبيد.

[3]صحيح البخاري وصحيح مسلم ، فضلا عن مصادرنا.

[4]بحار الأنوار 42 : 105.

[5]؟؟؟.

المحاضرة الخامسة)

بعد البسملة والحمد والصلاة :

لا زال الحديث حول سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأ نّها سرّ الوجود ، وبناءً على أنّ الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه الشريف) هو سرّ الوجود أيضاً ، تكون فاطمة الزهراء (عليها السلام) سرّ السرّ ، لأنّ الحجّة (عليه السلام) ، هو قطب الأرض ، ولولاه لساخت بأهلها وبالموجودات التي على ظهرها ، ولولاه لانعدمت البركات ، ولولاه لما ثبتت الأرض والسماء ، وبيُمنه رزق الورى ، فهو إذن سرّ الموجودات ، وسرّ الله تعالى في الكائنات ، وعبّرنا بسرّ الله تعالى ، لأنّ الوجود الحقيقي التامّ الأتمّ هو الحقّ سبحانه ، فيكون الإمام الحجّة (عليه السلام) سرّ الله تعالى في كائناته . ولمعرفة منزلة ومقام

اُمّه الزهراء (عليها السلام) نستمع إلى ما يقوله الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فيقول : « نحن حجج الله واُمّنا فاطمة حجّة الله علينا » ، وبهذا نعرف أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) سرّ السرّ للموجودات ، وهذا هو معنى ما ورد في الحديث الشريف : « ولولا فاطمة لما خلقتكما » كما تمّ بيان ذلك.

واليوم نتحدّث عن وظيفة الإنسان الذي يعرف فاطمة الزهراء (عليها السلام) بهذه المعرفة ، وماذا يترتّب على هذه المعرفة من وظيفة شرعيّة وسلوك أخلاقي وعقيدة قلبية ، فلقد تمّ الاعتقاد بمقام فاطمة من خلال ما عرفناه عنها ، فإذن لا بدّ من العمل على أساس هذه العقيدة الراسخة في القلب ، ولكي اُبسّط البحث ويكون بلغة الجمهور ، بعيداً عن الطريقة الحوزوية أقول :

إنّ الله تعالى كلّفنا بالاعتقاد والعمل معاً في اُصول الدين وفروعه ، وعند الوقوف على هذه الفروع العشرة التي هي : الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتولّي والتبرّي ، نلاحظ أنّ كلّ فرع من هذه الفروع لو أردنا العمل به فسيكون على نحوين : عمل جوارحي أي ما يتعلّق بالجوارح التي هي اليد والرجل والعين والاُذن وغير ذلك ، فاليد تعمل والرجل تسعى وهكذا ، ونحو آخر هو العمل الجوانحي أي العمل الباطني مثلا النيّة (نيّة المؤمن خيرٌ من عمله)[1] ، هذه من أعمال القلب وكالحبّ لله ولرسوله ولأهل البيت وفاطمة الزهراء (عليهم السلام) فهو أيضاً عمل جوانحي ، وكذلك التولّي والتبرّي من أعمال القلب وتسمّى هذه الأعمال بالأعمال الجوانحيّة.

ومعنى التولّي لغةً : الاتباع بدون فاصلة بين الوليّ والمتولّى ، فمثلا عندما يركب شخص خلف آخر على فرس فيقال مثلا :

زيد ولي عمر ، فيما إذا كان زيد خلف عمر ولم يكن بينهما فاصلة.

وأمّا معناه اصطلاحاً : هو أن يتولّى الإنسان ربّه تعالى فيكون تابعاً لربّه سبحانه وهو أقرب إليكم من حبل الوريد ، أي لا فاصلة بينه وبين أولياءه ، فلذلك جاءت الآيات الكريمة تبيّن هذا المعنى كما في قوله تعالى :

( وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَ مَا كُنْتُمْ )[2].

( وَهُوَ وَلِيُّهُمْ )[3].

( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا )[4].

فهذه الآيات صريحة في بيان مدى العلاقة بين المؤمن وربّه تعالى ، فالمؤمن قريب من ربّه تعالى والله سبحانه أقرب من ذلك ، ثمّ يتولّى المؤمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتولّى وصيّه ويتولّى أولياء الله تعالى ، فبهذا الولاء يحبّ الله ورسوله وأوليائه ، ولازم هذا الحبّ الإطاعة ، فنجد الآية الكريمة :

( أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ )[5].

تؤكّد هذا اللازم وتبيّن المصاديق التي وجبت طاعتها ثمّ تأتي آية اُخرى تحصر الولاء والحبّ والإطاعة بنفس المصاديق التي بيّنتها الآية السابقة ، فتقول :

( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )[6].

فلازم الولاية الحبّ ، ولازم الحبّ الإطاعة ، وهذا كلّه عمل قلبي جوانحي ، ولكن هذا العمل الجوانحي يستلزم إظهاره بواسطة الجوارح ، فمن كان محبّاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) سيكون مطيعاً له ، وهذا ما أكّده الإمام الصادق (عليه السلام) : « عجبت لمن يدّعي حبّ الله كيف يعصي الله »[7] ، فإنّ المحبّ لمن أحبّ مطيع ، وعلى هذا يكون التولّي عمل قلبي ، وبما أنّ القلب هو سلطان البدن فبصلاحه تصلح الجوارح وبفساده تفسد ، وهذا مشابه للملك والرعيّة ، فإذا صلح الملك صلحت الرعيّة لأنّ الناس على دين ملوكها ، فإذا كان

القلب يتولّى الله ورسوله وأولياءه فيحبّهم فيطيعهم فيمتثل البدن للقلب ، ويظهر الطاعة على قدر طاعة القلب وحبّه وانقياده.

وأمّا التبرّي الذي هو الجناح الثاني في السير والسلوك إلى الله تعالى ، ولكي يصل الإنسان إلى ربّه تعالى لا بدّ له من جناحين ، أوّلهما التولّي وثانيهما التبرّي . فالتولّي لله ولرسله ولكتبه ولأوليائه ، والتبرّي من أعداء الله ورسوله وأوليائه ومن أعداء فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فالذي يعرف فاطمة بأ نّها سرّ الوجود لا بدّ له أن يتولاّها ويتبرّأ من أعدائها ، وممّن ظلمها ، وممّن ضربها وأسقط جنينها.

ولهذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « كذب من زعم أ نّه يحبّني ويحبّ عدوّي »[8] ، وهذا القول الذي صدر من الإمام المعصوم موافقاً لقوله تعالى :

( مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )[9].

فلذلك نعجب ممّن يدّعي حبّ عليّ (عليه السلام) وحبّ عدوّه معاً ، ونعجب ممّن يقول إنّ الرجوع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى عدوّه هو الرجوع إلى الإسلام ، هذا كلام ما أنزل الله تعالى به من سلطان وهو خلاف المنطق ، كيف يكونا على طرفي نقيض والرجوع إليهما رجوع إلى الإسلام . التولّي والتبرّي عملان قلبيّان ، فالأوّل حبّ باطني ، والثاني بغض باطني ، والأوّل هو حبّ لله ولرسوله ولأمير المؤمنين (عليه السلام) ، والثاني بغض لعدوّ الله وعدوّ رسوله وعدوّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلا يجتمع في قلب واحد حبّ الطيبة وحبّ الخبث ، وحبّ الله تعالى وحبّ عدوّه ، لأ نّهما نقيضان ، إن طاب قلبك بحبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنّه يخبث بحبّ عدوّه ، وهذا القلب لا يمكن له أن يكون طيّباً

وخبيثاً في آن واحد ، فلهذا نجد التركيز في الشريعة الإسلامية على التولّي والتبرّي ، فلا يمكن أن يدّعي أحد التولّي دون أن يبغض عدوّ من يتولّى ، لأ نّه لو كان يمكن ذلك لصحّ أن نتصالح مع الشيطان ونحبّه ، وبما أنّ للشيطان أولياء فلنحبّ أولياءه فيجتمع في قلبنا حبّ أولياء الله وأولياء الشيطان ، ولكن هذا مستحيل لأنّ الشيطان وأولياءه أعداء أولياء الله تعالى منذ اليوم الأوّل ، ومنذ بدء الخليفة ، فالشيطان عدوّ لله تعالى لأ نّه تكبّر على آدم وعصى أمر الله تعالى ، فآدم الذي عكس الصفات الإلهيّة والأسماء الحسنى ظهر له عدوّه من لحظة وجوده . فحبّ الجميع وعدم كراهية أحد من الناس هذه مقولة شيطانية ، لأنّ من الناس من هم أولياء للشيطان ، بل هم من شياطين الإنس ، وهذه المقولة تسرّ الشيطان وتفرح حزبه ، وهذه المقولة تعمل على تخريب عقائد البسطاء من الناس ، وهذه المقولة من تزيين الشيطان ، فتراهم يحسبون أ نّهم يحسنون صنعاً وهم لا يعلمون بأنّ هذا خلاف قول أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي قاله في حقّ الأصدقاء والأعداء فقال (عليه السلام) :

« الأصدقاء ثلاثة : صديقي وصديق صديقي وعدوّ عدوّي ، والأعداء ثلاثة : عدوّي وعدوّ صديقي وصديق عدوّي »[10] ، فصديق عدوّي يعاديني لأ نّه صديق العدوّ ، وعدوّ صديقي يعاديني لما بيني وبين عدوّه من صداقة وهذه مسألة وجدانية فطرية حسّية ، وهذا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو القول الحقّ لأنّ علياً هو الحقّ والحقّ مع عليّ يدور الحقّ حيثما يدور علي ، وهذا لا يمكن إنكاره ، فإذا كان الحقّ مع عليّ فهو قسيم الجنّة والنار

، وهو سفينة النجاة ، وهو الذي يقول للنار هذا عدوّي فخذيه وهذا وليّي فدعيه ، فإذن الذي ينجو بولاية عليّ (عليه السلام) ثلاث طوائف :

أوّلهم _ صديق عليّ (عليه السلام) أي الذي يصدق مع عليّ (عليه السلام) في كلّ شيء كسلمان المحمّدي (رضوان الله عليه) الذي قيل في حقّه : « سلمان منّا أهل البيت » ، فلقد كان صديقاً لأمير المؤمنين ، بل هو تالي تلو أمير المؤمنين (عليه السلام)وخير شاهد على ذلك هذه القصّة التي ذكرناها سابقاً[11] وهي عندما أراد الأصحاب أن يدخلوا المسجد ويسبقون سلمان بالحضور إلى جوار عليّ (عليه السلام) فلم يتوفّقوا لذلك ، إلاّ أ نّهم في يوم ما نظروا إلى الطريق فلم يروا إلاّ آثار أقدام عليّ (عليه السلام) ففرحوا بذلك وعندما ذهبوا مسرعين وجدوا سلمان عنده فاندهشوا من ذلك وسألوه : من أين أتيت يا سلمان ؟ هل نزلت من السماء أم خرجت من الأرض ؟ فأجابهم سلمان بكلّ هدوء : إنّي أتيت من نفس الطريق الذي جاء به أمير المؤمنين (عليه السلام) وكنت أضع قدمي على موضع قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) لأ نّني أعلم أ نّه لا يرفع قدماً ولا يضعها إلاّ بحكمة وعلم ، فإنّه يرى أنّ خطوات أمير المؤمنين صادقة حتّى في مثل هذاالموقف ، فلذلك صار من أهل البيت ومن أهل النجاة.

وأمّا الطائفة الثانية _ هي (صديق صديقي) ، أي من كان صديقاً لسلمان ومن يحذو حذوه ، النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ، فعندها سيكون محبّاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) ويكون شيعياً خالصاً مخلصاً ، فلو نظرنا إلى الروايات التي تتحدّث عن صفات الشيعي نجد تقصيراً واضحاً لدينا ، لأنّ من صفات

الشيعي أ نّهم خمص البطون من الجوع ، عمش العيون من البكاء ، صفر الوجوه من السهر ، ومن صفات محبّي أهل البيت (عليهم السلام) حبّ العلم والعمل الصالح وبغض الدنيا والسخاء ، فهي من صفات المتّقين الذين إمامهم عليّ (عليه السلام) ، وهذه صفات الطائفة الثانية فأين نحن من هذه الصفات وهل فينا منها ؟

فإذن لا يبقى لدينا إلاّ أن ننتسب إلى الطائفة الثالثة وهي طائفة (عدوّ عدوّي) هذه لنا ونستطيع أن ندّعي أ نّنا أعداء لعدوّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ونطالبه بذلك في يوم القيامة ، لا سيّما إنّنا كثيراً ما نقول في زيارة عاشوراء « اللهمّ ألعن أوّل ظالم ظلم حقّ محمّد وآل محمّد وآخر تابع له على ذلك » ، فهذه براءة معلنة من أعداء آل محمّد (صلى الله عليه وآله) نتقرّب بها إلى الله تعالى ، فنأمل النجاة بهذه الرتبة ، ولكن هناك من ينجو بالولاية إذا كان من أهلها ، وينجو بالطاعة إذا كان من أهل العبادات ، أمّا من كان مثلي فكيف يمكن له أن ينجو يوم القيامة ؟ ليس له إلاّ التبرّي من أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلا نستمع إلى الأقلام المأجورة ولا نستمع إلى الألسن المرتزقة التي تحاول أن تلمّع شخصيات صدأت ، بل هي ليست بشيء منذ اليوم الأوّل للإسلام ، وما هي إلاّ شياطين الإنس التي عادت أمير المؤمنين وعادت الزهراء وأولادهم (عليهم السلام) ، فكيف لهذه الأقلام الهزيلة تحاول أن تظهر عدوّ أهل البيت بأ نّه خدم الإسلام ؟ فلا تنجرّوا وراء أفكار سقيمة ، ونفوس جشعة ، وعقول سطحية لا تتعمّق في علوم أهل البيت (عليهم السلام) ، فعليكم بالبراءة

وعليكم بالولاية ، وأظهروا مظاهر هذه الولاية ، وهذا الحبّ ، وعظّموا الشعائر الحسينية ، فإنّها من مظاهر الولاية والبراءة.

والتزموا شعار الولاية الذي هو الصلاة على محمّد وآل محمّد ، فإنّ الصلاة عليهم دعاء لهم ليرع الله تعالى درجاتهم ، وكما ورد في الزيارة الجامعة « وصلواتنا عليكم ، طهارة لأنفسنا وكفّارة لذنوبنا »[12] ، والتزموا أيضاً شعار البراءة الذي هو (لعن أعداء أهل البيت (عليهم السلام” وأعداء فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهذا اللعن أيضاً دعاء ولكنّه على أعداء أهل البيت (عليهم السلام) لأنّ معنى اللهمّ العن فلان أي أبعده عن رحمتك ، لأ نّه لا يستحقّ الرحمة الإلهية ، ولهذا نجد في كلّ زيارة بجانب السلام والتحيّة لهم (عليهم السلام) لعناً لأعدائهم وأحياناً يقدّم اللعن على السلام ، لأ نّه بغض ، والبغض تخلية ، والحبّ تحلية ، والتخلية تقدّم على التحلية ، فعندما نتكلّم عن عظمة الزهراء وعن مظلوميّتها ، لأنّ رضا فاطمة رضا الله وغضبها غضب الله ، وهذا ما ورد في صحيح البخاري عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : « من أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أرضاني فقد أرضى الله ، ومن أغضب فاطمة فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب الله »[13] ، وتقرأ في نفس الصحيح : « إنّ فاطمة ماتت وهي واجدة على فلان وفلان » ، يعني ماتت سلام الله عليها وهي غاضبة عليهما ، فإذن حلّ عليهما غضب الله تعالى ، ومن حلّ عليه غضب الله تعالى فهو ملعون بصريح القرآن ، ويلعنه الله ويلعنه اللاعنون ، لأ نّه آذى الله ورسوله وأمير المؤمنين (عليه السلام)[14] ، فهذا هو الحقّ ، وعليك بمعرفة

الحقّ لكي تعرف أهله ، فاعرف الحقّ تعرف أهله ، ولا يُعرف الحقّ بالرجال ، بل يُعرف الرجال بالحقّ ، فلا تبهر بفلان وفلان ، اعرف الحقّ وانظر إلى الحقّ وانظر إلى ما قال لا إلى مَن قال.

ثمّ التبرّي موجود عند كلّ المسلمين ، إلاّ أ نّهم اختلفوا في المصاديق ، لأنّ الأمر اشتبه عليهم ، ولو عرفوا الحقّ لاتّبعوه ، إلاّ من كان في قلبه مرض فزادهم الله مرضاً.

---

[1]الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ، ونيّة الكافر شرّ من عمله ، وكلّ عامل يعمل على نيّته » (اُصول الكافي 2 : 89 ).

[2]الحديد : 4.

[3]الأنعام : 127.

[4]( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ ) (البقرة : 257).

[5]( يَا أ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) (النساء : 59).

[6]( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (المائدة : 55) ، فإنّ الآية حصرت الطاعة لله ولرسوله ولعليّ أمير المؤمنين لأ نّه هو الذي أعطى الزكاة إلى ذلك الفقير في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في حالة الركوع فأشار بإصبعه إليه _ في قصّة مفصّلة ، وقد حدث هذا لكلّ الأئمة ، والآية تعمّ جميع الأئمة الاثنا عشر كما هو ثابت عندنا _ وهذا متّفق عليه في كتب التفسير عند الفريقين.

[7]؟؟؟.

[8]؟؟؟.

[9]( مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُل مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) (الأحزاب : 4).

[10]نهج البلاغة.

[11]جاءت في (عصمة الحوراء زينب (عليها السلام”.

[12]مفاتيح الجنان : زيارة الجامعة الكبرى.

[13]صحيح البخاري ، الجزء الرابع ، باب

مناقب فاطمة (عليها السلام).

[14]( ... وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ ) (التوبة : 61) ، فالذي يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفسه أو في من كنفسه وأعني بذلك علياً (عليه السلام) أو الذي يؤذيه في روحه وأعني بذلك فاطمة لأ نّها روحه التي بين جنبيه كما ورد في الحديث أو في أهل بيته ، فإنّه ظالم ومتجاسر ومعتدي فيستحقّ اللعن بصريح القرآن الذي يقول : ( ألا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (هود : 18) ، ثمّ صرّحت الآية القرآنية الكريمة بلعن من آذى الله ورسوله فقالت : ( إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّ نْيَا وَالآخِرَةِ ) (الأحزاب : 57).

المحاضرة السادسة)

بعد البسملة والحمد والصلاة :

ورد في الحديث الشريف : « اُغدُ عالماً أو متعلّماً »[1].

وورد أيضاً في الحديث الشريف : « الناس ثلاث ، إمّا عالم ربّاني ، أو متعلّم على سبيل النجاة ، أو همج رعاع »[2].

فكلّ إنسان لا يخلو من أحد هذه الصفات الثلاثة : إمّا أن يكون عالماً ربانياً ينتسب إلى الله تعالى ويتجلّى فيه ربّه سبحانه ، وإمّا أن يكون متعلّماً يطلب النجاة ، لأنّ العلم الذي يترجم إلى عمل هو وسيلة النجاة ، وإمّا أن يكون بعيداً عن العلم والعلماء فهو همج رعاع ، ينعق مع كلّ ناعق ويميل مع كلّ ريح ، ويتحوّل في بعض الأحيان إلى مصداق من مصاديق الأنعام ، بل يتسافل حتّى يكون أضلّ سبيلا.

فإذا تبيّن هذا لنا وعينا قول المعصوم (عليه السلام) بدقّة ، وأ نّه لا بدّ من استغلال

العمر والتزوّد بالعلم والعمل الصالح ، لأنّ العمر يمرّ كما يمرّ سحاب الربيع ، لأنّ من صفات

سحاب الربيع تراه في السماء كثيفاً ، وسرعان ما يزول ، وهكذا العمر فهو سرعان ما يمرّ ، فلا تكن مصداقاً لهذا البيت من الشعر :

يا من بدنياه اشتغل *** قد غرّه طول الأمل

الموت يأتي بغتةً *** والقبر صندوق العمل

فطوبى لمن اغتنم فرصة العمل واستغلّها في طاعة الله تعالى.

وأوّل هذه الطاعات هو طلب العلم الإلهي ، وخير شاهد على ذلك هذه القصّة التي ملؤها العبر والموعظة :

يُنقل أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان جالساً وإلى جنبه شابّ جالس أيضاً ، فنزل أحد الملائكة المقرّبين (عليهم السلام) وأخذ ينظر إلى هذا الشابّ الجالس بنظرة عميقة ، فلمّا رأى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هذا سأل الملك عن سبب نظرته هذه ، فأجابه بأنّ هذا الشابّ لم يبقَ لديه إلاّ ثلاثة أيام من حياته . فبعد أن عرج الملك إلى السماء ، توجّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى الشابّ وأخبره بذلك ، فقال الشابّ : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بِمَ تنصحني أن أفعل في هذه الأيام الثلاثة ، وما هو العمل الذي يقرّبني إلى الله تعالى ؟ أجابه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اطلب العلم ، فإنّه أفضل عمل يقرّبك إلى الله تعالى . وهذا القول النبوي الشريف يشير إلى هذه الآية القرآنية الكريمة :

( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَات )[3].

فإذن لا بدّ من طلب العلم واطلبه من المهد إلى اللحد ، أي في كلّ مرحلة من عمرك ، لا بدّ أن تكون متعلّماً ، ولا بدّ أن تفتح خزائن العلم ، ومفتاح خزائن العلم هو السؤال ، فأكثر من السؤال في اُمور دينك

حتّى يقال لك مجنون ، وخذ العلم من أفواه الرجال كما تأخذه من بطون الكتب ، فليس كلّ العلم قد كتب بل منه ما في صدور الرجال ، أي علوم إلهامية ألهم الله تعالى العالِم بها ، لأنّ العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، فلهذا يقول الإمام الرضا (عليه السلام) : « إسألوا يرحمكم الله ، فإنّه يؤجر أربعة : السائل والمسؤول والسامع والمحبّ لذلك » ، ففي السؤال عبادة وفي الجواب عبادة وفي الاستماع إليهما عبادة والذي يحبّ ذلك أيضاً في عبادة ، لأ نّه يفرح بذكر الله تعالى وذكر أوليائه.

فعليكم بالسؤال ، ولكن عليكم الالتزام بآداب السؤال ، لأنّ للسؤال أدب خاصّ به ، وخير شاهد على ذلك هذه القصّة ، ينقل أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، وإنّي أعرف منكم بطرق السماء منكم بطرق الأرض ، فقام إليه رجل من المنافقين يسأل الإمام (عليه السلام) : كم طاقة من الشعر في لحيتي ؟ وأراد أن يخجل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، قال : ويلك إنّي أعرف ذلك ولكن سل تفهّماً ولا تسل تعنّتاً.

فإذن لا بدّ أن يكون السؤال للتعلّم والتفهّم لا للامتحان ولا لإحراج المسؤول ، ولا يكن ترفاً وتسلية ، بل لا بدّ أن يراد منه القربة إلى الله تعالى ، ثمّ طلب العلم النافع والعمل به.

ثمّ أجاب الإمام (عليه السلام) : اعلم أ يّها السائل إنّ تحت كلّ طاقة من شعرات لحيتك شيطاناً ، وإنّه في بيتك سخل يقتل ولدي الحسين (عليه السلام)[4] ، ومراده (عمر ابن سعد).

فاسألوا يرحمكم الله ، فإنّما يؤجر على ذلك : السائل والمجيب ، والسامع

والمحبّ لهم[5].

والحمد لله ربّ العالمين.

---

[1]الحديث « اُغدُ عالماً أو متعلّماً أو أحبّ أهل العلم ، ولا تكن رابعاً فتهلك ببغضهم » اُصول الكافي 1 : 83 .

[2]وهناك حديث آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) : « الناس ثلاثة : عالم ومتعلّم وغثاء » اُصول الكافي 1 : 83 .

[3]المجادلة : 11.

[4]راجع كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد (قدس سره).

[5]بعد كلّ محاضرة كان المجال مفتوحاً للسؤال والجواب ، وقد جمعنا الأسئلة والأجوبة ، وسوف تطبع بعنوان (في رحاب أنت تسأل) إن شاء الله تعالى ، ثمّ وقفنا على بعض مكتوبات سيّدنا الأجلّ العلوي وقد كتبها من قبل حول اُمّه الزهراء البتول (عليها السلام) ، فآثرنا طبعها تعميماً للفائدة وتكميلا للمحاضرات ، ومن الله التوفيق والسداد.

كما قد طبع للسيّد الاُستاذ من قبل رسالتان بعنوان (فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليلة القدر) و (الدرّة البهيّة في الأسرار الفاطميّة) وهذه الرسالة (فاطمة الزهراء (عليها السلام) سرّ الوجود) تكون الثالثة ، نسأل الله أن تردف بأمثالها العشرات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

الخصائص الفاطميّة

[تمهيد]

اعلم أنّ قانون الزوجيّة كقانون العلّية ، بنصّ القرآن الكريم هو الحاكم على العالم التكويني :

( وَمِنْ كُلِّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )[1].

ومن مصاديق الأزواج العقل الكلّ والنفس الكلّ وكذا العلم والعمل ، والعلم مقوّم روح الإنسان والعمل يشخّص بدن الإنسان ، والعقل العملي يتبع العقل النظري ، فالعلم إمام العمل.

ومن مصاديق الأزواج : السماء والأرض ، والوجود والماهيّة ، وكلّ مذكّر ومؤنّث من الحيوان والروح الذي يتكوّن من نطفة الرجل والبدن المتكوّن من نطفة المرأة.

وهذا القانون حاكم في كلّ شيء حتّى أعصاب المخّ فإنّه يتكوّن من أعصاب زوجيّة.

والنكاح اللقاح التكويني هو الحاكم في قانون الزوجيّة ، ويتولّد منه العوالم

المعنويّة والروحيّة والنفسية والمثالية والحسّية ، فالنكاح الأوّل كان في الأسماء الإلهيّة ثمّ في عالم الأرواح والعقول المفارقة ثمّ عالم الأجساد الطبيعية والعنصرية ، ثمّ ما يتولّد منه المولّدات الثلاثة _ المعادن والنباتات والحيوانات _ والنكاح الأخير يختصّ بالإنسان الكامل والكون الجامع ، فالروح بمنزلة الزوج والنفس بمنزلة الزوجة.

والخلق يكون على أساس التثليث ، فالولد من نطفة من الأبوين.

والإنسان الكامل سواء الرجل أو المرأة هو ثمرة شجرة الوجود ، فهو غاية الحركتين الوجودية والإيجادية ، فالمرأة مصنع الصنع الإلهي ، فهي كالشجرة الطيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اُكلها كلّ حين.

والإنسان الكامل لو كان رجلا فهو مظهر العقل الكلّ ، وإن كان امرأة فهو مظهر وصورة النفس الكلّية.

فعليّ (عليه السلام) مظهر العقل الكلّي على أتمّ الوجوه الممكنة ، فهو اُمّ الكتاب ، وفاطمة الزهراء مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة.

إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) وديعة المصطفى ، الحوراء الإنسيّة ، مطلع الأنوار العلوية ، وضياء المشكاة الولويّة ، اُمّ أبيها ، واُمّ الأئمة النجباء ، صندوق العلم ، ووعاء المعرفة.

لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهية الكبرى ، وكما ذهب الأعاظم من علمائنا الأعلام كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى إلى عصمتها ، كما تدلّ الآيات الكريمة كآية التطهير والروايات الشريفة على ذلك ، ومن أنكر ذلك فإنّه كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.

والعصمة قوّة نوريّة ملكوتية في المعصوم تعصمه عن جميع ما يشين الإنسان الكامل من الذنوب والمعاصي والسهو والنسيان والغفلة وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً من أوّله إلى آخره لا يصدر منه الشين.

فاطمة الزهراء معصومة بعصمة الله سبحانه كما عصم أولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ،

فهما الثقلان اللذان لن يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية.

والأذان إعلام وإعلان لما يحمل الإنسان من العقيدة ، فالشيعي إنّما يعلن عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم كلّ يوم أ نّه يؤمن بالله ووحدانيّه كما يؤمن برسول الله ونبوّته ويؤمن بولاية عليّ وإمامته ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته يخبر عن معتقده في الأربعة عشر معصوم (عليهم السلام).

وفاطمة الزهراء بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ، زوج وليّ الله الأعظم وكلمة الله الأتمّ ، حازت مقام العصمة ، فلا مانع بل من الراجح أن يشهد بعصمتها في الأذان والإقامة كما يشهد بنبوّة والدها وبولاية زوجها ، فنقول في الأذان والإقامة بعد الشهادة الثالثة : (أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله)[2] . أو يلحقها بالشهادة الثالثة ، أي (أشهد أنّ عليّاً وأولاده المعصومين حجج الله ، وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله) ، فيقولها لا بقصد الجزئيّة كما أفتى المشهور من الفقهاء بذلك في الشهادة الثالثة.

وممّا يدلّ على عصمتها أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، كما ورد متواتراً في كتب الفريقين السنّة والشيعة.

ولا تجد معصوماً تزوّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفؤ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فمن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وهو الزواج المبارك وزواج النور من النور كما ورد في الأخبار ، فلا يستولي على المعصومة إلاّ المعصوم ; لأنّ الرجال قوّامون على النساء ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، بخلاف

المعصوم فإنّه يتزوّج غير المعصومة ، فتدبّر.

وفاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، كما يشهد بذلك آية التطهير وحديث الكساء وأصحابه الخمسة : المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة.

وإنّما قدّم في آية المباهلة النساء والأبناء على الأنفس ربما للإشارة إلى أنّ الأنفس فداهما.

وفاطمة تربية النبيّ والوصيّ ، خامس آل العباء وأصحاب الكساء ، والخمسة من الأعداد المقدّسة.

وفاطمة حقيقتها حقيقة ليلة القدر ، فمن عرفها حقّ المعرفة فقد أدرك ليلة القدر ، وسمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن كنه معرفتها.

والله خلق عالم الملك على وزان عالم الملكوت ، والملكوت على وزان الجبروت ، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت وبالملكوت على الجبروت وهو عالم العقول.

وقد عبّر عن القوس النزولي بالليل والليالي ، كما عبّر عن القوس الصعودي باليوم والأيام ، فعصمة الله فاطمة عبّر عنها بليلة الله ، فهي يوم الله كذلك ، والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، فنزل أحد عشر قرآناً ناطقاً في ليلة القدر ، أي في فاطمة الزهراء ، فهي الكوثر وإنّا أعطيناك الكوثر وليلة القدر خير من ألف شهر أي ألف مؤمن ، فإنّ فاطمة اُمّ الأئمة النجباء واُمّ المؤمنين والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمّد (عليهم السلام) ، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمر ، سلام هي حتّى مطلع فجر قائم آل محمّد (عليهم السلام).

وأيام الله كما ورد في خبر العسكري هم الأئمة فلا تعادوا أيام الله فتعاديكم.

والمعرفة على نحوين : مفهوميّة استدلالية ومعنويّة ذوقيّة ، والثانية يحصل عليها العارف بالشهود والكشف لا بالبرهان والكسب ، والعيان ليس كالبيان.

وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان وأوسع القلوب ،

فروح الأمين في ليلة مباركة ينزل بالقرآن ، فانشرح صدره ، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع.

ومثل هذا الصدر الشريف يحمل القرآن العظيم دفعة واحدة في ليلة مباركة ، وفرق بين الإنزال فهو دفعي والتنزيل فهو تدريجي ، فنزل القرآن دفعة واحدة في ليلة القدر ثمّ طيلة 23 سنة نزل تدريجاً.

(ولقد كانت مفروضة الطاعة على جميع خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة)[3].

والقلب يطلق على الشكل الصنوبري اللحمي الموجود في الجانب الأيسر من القفص الصدري ، كما يطلق على اللطيفة الربانية المتعلّقة بالقلب الجسماني ، فكذلك هذا المعنى يطلق في ليلة القدر.

وليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعين ألف معنى ، وفاطمة تعرف تلك المعاني ، فمن عرفها حقّ معرفتها أدرك ليلة القدر ، فهي درّة التوحيد ووديعة المصطفى ليلة القدر ويوم الله والكون الجامع والقلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب.

ثمّ النبوّة والوحي على نحوين تشريعية مختصّة بالرجال وقد ختمت بمحمّد فحلاله حلال إلى يوم القيامة ، ومقامية تكوينية _ تسمّى بالنبوّة العامّة _فتعمّ الرجال والنساء ، كما في قوله تعالى : ( وَأوْحَيْنَا إلَى اُمِّ مُوسَى )[4] ، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أرى نور الوحي وأشمّ رائحته ، كما قال الرسول : تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أ نّه لا نبيّ بعدي ، وأنت وزيري ، وإنّك على خير.

فمثل هذه النبوّة مستمرّة إلى يوم القيامة ينالها أصحاب النفوس القدسية فيتمثّل لها الصور الملكية والملكوتية كما وقع لمريم العذراء بحملها عيسى كلمة الله . وفاطمة كانت ممّن تحدّثها الملائكة ، فهي

المحدّثة _ بالكسر والفتح _ .

فهناك من عنده علم من لدن حكيم كالخضر (عليه السلام) ، ومثل موسى من أنبياء اُولي العزم يريد أن يستصحبه كي يتعلّم رشداً ، إلاّ أ نّه لا يستطيع صبراً.

وفاطمة اسم من اسماء الله الحسنى ، واشتقّ اسمها من الفاطر ، فلا يقاس بها أحد بعد أبيها خاتم النبيّين وبعلها سيّد الوصيّين.

والعلم نور يتّحد مع العالم والمعلوم ، فيدخل جنّة الذات والأسماء ، والحكمة جنّة ، فمن يدخل الحكمة فقد دخل الجنّة ، والإنسان الحكيم الكامل جنّة ، وهو القرآن الناطق ، وكلّ يعمل على شاكلته فاقرأ وارقأ.

ن والقلم ، فما يكتب في العصمة الكبرى فاطمة الزهراء إلاّ رشحات من بحر معرفتها ، وقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف أسرارها ؟

قال رسول الله : إنّ الله جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه ، وهم أبواب العلم في اُمّتي ، من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم[5].

وفي قوله تعالى: ( مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأيِّ آ لاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ )[6] ، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ( مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) قال : عليّ وفاطمة ( بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ) قال النبيّ ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) قال : الحسن والحسين[7].

وأذاها أذى رسول الله ، ومن يؤذي الرسول فقد آذى الله ، ومن يؤذيهم فعليه لعنة الله في الدنيا وعذاباً مهيناً في الآخرة ، كما في قوله تعالى: ( إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّ نْيَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً )[8] . وما اُوذي نبيّ

بمثل ما اُوذيت ، أيّ أذى أكبر ممّا ورد على فاطمة الزهراء من المصائب من قبل الظالمين ؟ وثبتت العصمة لها من خلال الأحاديث الواردة في فضائلها ومقاماتها.

من أهمّ الخصائص الفاطميّة :

وإليكم جملة من الخصائص ، قد استخرجتها من الروايات الشريفة ، وهي تدلّ على الاُمور الغيبية في تكوينها وفي حياتها الملكيّة والملكوتيّة ، فإنّها :

1 _ أوّل بنت تكلّمت في بطن اُمّها.

2 _ أوّل مولودة اُنثى سجدت لله عند ولادتها.

3 _ اُمّ أبيها.

4 _ شرافتها العنصريّة ، فهي الحوراء الإنسيّة.

5 _ اشتقاق اسمها من اسم الله الفاطر سبحانه وتعالى.

6 _ رشدها الخاصّ.

7 _ إنّها من أصحاب الكساء (عليهم السلام).

8 _ الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) من ولدها.

9 _ ذرّيتها لا يدخلون النار ولا يموتون كفّاراً ، والنظر إليهم عبادة.

10 _ لم يكن لها كفو من الرجال آدم ومن دونه إلاّ أسد الله الغالب الإمام عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام).

11 _ هي ليلة القدر.

12 _ فطم الخلق عن معرفتها.

13 _ على معرفتها دارت القرون الاُولى.

14 _ كتب اسمها على العرش.

15 _ تحضر الوفاة لكلّ مؤمن ومؤمنة.

16 _ لها ولادة خاصّة.

17 _ ينفع حبّها في مئة موطن.

18 _ نجاة شيعتها بيدها المباركة ، وتجلّي الشفاعة الفاطميّة يوم القيامة.

19 _ زيارتها وحجّيتها على الأئمة الأطهار (عليهم السلام).

20 _ في خلقتها النوريّة تساوي النبيّ (صلى الله عليه وآله).

21 _ إنّها مجمع النورين النبوي والعلوي.

22 _ إنّها مفروضة الطاعة المطلقة على كلّ الخلائق.

23 _ هي العصمة الكبرى والطهارة العظمى.

24 _ اسمها المبارك (فاطمة) يوجب الغنى.

25 _ هي النسلة الميمونة والمباركة.

26 _ زواجها كان في السماء قبل الأرض.

27 _ حديث اللوح.

28 _ تسبيحها وآثاره.

29 _ يفتخر الله بعبادتها على

الملائكة.

30 _ إقرار الأنبياء والأوصياء بفضلها ومحبّتها.

31 _ يُشمّ منها رائحة الجنّة.

32 _ الوحيدة التي قبّل النبيّ يدها.

33 _ هدية الله لنبيّه (صلى الله عليه وآله).

34 _ خير نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة.

35 _ تبكي الملائكة لبكائها.

36 _ وجوب الصلاة عليها كالنبيّ وآله الأطهار (عليهم السلام).

37 _ قرّة عين الرسول (صلى الله عليه وآله).

38 _ ثمرة فؤاد النبيّ (صلى الله عليه وآله).

39 _ مهرها وصداقها.

40 _ اُمّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام).

41 _ مصحف فاطمة (عليها السلام).

42 _ بحر النبوّة.

43 _ كوثر القرآن.

44 _ شوق النبيّ للقائها وإنّه يبدأ بها بعد السفر كما يختم بها حين السفر.

45 _ أوّل من تدخل الجنّة.

46 _ ظلامتها.

وخصائص اُخرى سأذكرها إن شاء الله تعالى في موضع آخر مع رواياتها الشريفة ، والحمد لله ربّ العالمين.

---

[1]الذاريات : 49.

[2]كما ذهب إلى هذا شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي في (فص حكمة عصمتية في كلمة فاطمية) ، فراجع.

[3]دلائل الإمامة : 28.

[4]القصص : 7.

[5]شواهد التنزيل ; للحافظ الإسكافي الحنفي 1 : 58.

[6]الرحمن : 19 _ 22.

[7]الدرّ المنثور ; للسيوطي 7 : 697.

[8]الأحزاب : 57.

من خصائصها (عليها السلام)

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فإنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »[1].

لو قرأنا زيارة الجامعة الكبيرة الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي (عليه السلام)والتي تعدّ من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدناها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، ومعرفة الإمام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه أ نّه عيبة علمه وخازن وحيه.

إلاّ أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) لا تزار بهذه الزيارة

، فلا يقال في شأنها : موضع سرّ الله ، خزّان علم الله ، عيبة علم الله ... فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء هي حجّة الله على الحجج ، كما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) : « نحن حجج الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء حجّة الله علينا ».

ثمّ فاطمة الزهراء هي ليلة القدر ، فهي مجهولة القدر كليلة القدر في شهر رمضان ، فلا يمكن تعريفها وأنّ الخلق فطموا عن معرفتها . ولا زيارة خاصّة لها ، ربما لأنّ أهل المدينة بعيدون عن ولايتها ويجهلون قبرها فكيف تزار ، أو يقال : لا يمكن للزهراء أن تعرّف في قوالب الألفاظ ، فإنّ الشخص تارةً يعرف بأ نّه عالم ورع ، واُخرى يقال : فلان لا يمكن وصفه ومعرفته ، فالزهراء (عليها السلام) إمام على ما جاء في زيارة الجامعة الكبيرة.

كما أ نّه ورد في توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) أنّ اُسوته ومقتداه اُمّه فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فالجامعة زيارة الإمام ، ولكن اُسوة الأئمة وحجّة الله عليهم هي فاطمة الزهراء ، فلا يمكن وصفها وبيان قدرها.

ومن خصائصها : كما أنّ لها مبان خاصّة في الفقه والعقائد والمعارف السامية ، إلاّ أ نّه من خصائصها أنّ حبّها ينفع في مئة موطن ، وحبّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ينفع في سبع مواطن للنجاة من أهوال يوم القيامة.

ومنها : أ نّها في خلقتها النورية تساوي النبيّ ، فهي كما قال النبيّ : روحه التي بين جنبيه ، وربما الجنبين إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي واجدة روح النبيّ بعلمه وعمله وكلّ كمالاته إلاّ النبوّة فهي الأحمد الثاني

، فهي علم الرسول وتقواه وروحه.

ويحتمل أن تكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية ، فقد ورد في الخبر النبوي الشريف : « ظاهري النبوّة وباطني الولاية » التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم ، كما ورد : « ظاهري النبوّة وباطني غيب لا يدرك » ، وأنفسنا في آية المباهلة تجلّيها وظهورها ومصداقها هو أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، فالزهراء يعني رسول الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلوي ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيتها : ( اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ )[2] بأ نّه كالمشكاة ، وورد في تفسيره وتأويله أنّ المشكاة فاطمة الزهراء وفي هذه المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين ثمّ بعد ذلك الأئمة الأطهار (عليهم السلام) يهدي الله لنوره من يشاء.

فالنبوّة والإمامة في وجودها ، وهذا من معاني (والسرّ المستودع فيها) فهي تحمل أسرار النبوّة والولاية ، تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار الأئمة وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة.

ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات الغارقة فيها ، والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة الزهراء (عليها السلام) اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل كلّ الممكنات في جواهرها وأعراضها ، فخلاصة النبوّة تحملها فاطمة فهي اُمّ أبيها.

ومن خصائصها : أ نّها تساوي النبيّ والوليّ في قالبها الطيني والصوري في عرش الله ، كما في الروايات فيما يلتفت آدم إلى العرش ويرى الأشباح الخمسة النورانية في العرش.

ومن خصائصها : أنّ خلقتها العنصري ليس كخلقة آدم (عليه السلام) ، فإنّه خلق من طين وبواسطة الملائكة ، ولكنّ

خلق فاطمة إنّما كان بيد الله ، بيد القدرة ومن شجرة الجنّة ومن عنصر ملكوتي في صورة إنسان ، فهي حوراء إنسية كما ورد في الأخبار ، وإنّ النبيّ كان يقبّلها ويشمّها ويقول : أشمّ رائحة الجنّة من فاطمة ، ففاطمة الزهراء خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.

ومن خصائصها : أنّ الله خلق السماوات والأرض من نورها الأنور ، وازدهرت الدنيا بنورها بعدما اظلمّت كما في خبر ابن مسعود ، وهذا معنى اشتقاق فاطمة من الفاطر بمعنى الخالق الذي فطر السماوات والأرض ، ففطر الخلائق بفاطمة الزهراء (عليها السلام) ونورها الأزهر.

ولمثل هذه الخصائص الإلهيّة كان النبيّ يقول : فداها أبوها ، وأ نّها اُمّ أبيها ، وكان يقوم أمامها إجلالا لها وتكريماً ويجلسها مجلسه ، ويقبّل يديها وصدرها قائلا : أشمّ رائحة الجنّة من صدرها ، ذلك الصدر الذي كان مخزن العلوم ومصداق السرّ المستودع فيها . وقد كسر الظالمون ضلعها وعصروها بين الباب والجدار وأسقطوا ما في أحشائها محسناً (عليه السلام) :

ولست أدري خبر المسمارِ *** سل صدرها خزانة الأسرارِ

---

[1]فرائد السمطين 2 : 68.

[2]النور : 35.

ليلة القدر فاطمة الزهراء (عليها السلام)

في تفسير نور الثقلين والبرهان وكتاب بحار الأنوار[1] عن تفسير فرات الكوفي مسنداً عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير سورة القدر ، قال : إنّ فاطمة هي ليلة القدر ، من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ، ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها وهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى.

وعن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) أ نّه قال : ( إنَّا أنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ )[2] ، الليلة فاطمة

الزهراء والقدر الله ، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.

عن زرارة عن حمران قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمّا يفرق في ليلة القدر ، هل هو ما يقدّر الله فيها ؟ قال : لا توصف قدرة الله إلاّ أ نّها قال : ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أمْر حَكِيم )[3] ، فكيف يكون حكيماً إلاّ ما فرق ، ولا توصف قدرة الله سبحانه لأ نّه يحدث ما يشاء ، وأمّا قوله : ( لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أ لْفِ شَهْر )[4] ، يعني

فاطمة (عليها السلام) ، وقوله : ( تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا )[5] والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد (عليهم السلام) ، « والروح روح القدس وهو في فاطمة (عليها السلام) » ( مِنْ كُلِّ أمْر * سَلامٌ )[6] يقول من كلّ أمر مسلّمة ( حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ )[7] يعني حتّى يقوم القائم (عليه السلام)[8].

قال العلاّمة المجلسي في بيان الخبر : وأمّا تأويله (عليه السلام) ليلة القدر بفاطمة (عليها السلام) فهذا بطن من بطون الآية ، وتشبيهها بالليلة إمّا لسترها وعفافها ، أو لما يغشاها من ظلمات الظلم والجور ، وتأويل الفجر بقيام القائم بالثاني أنسب ، فإنّه عند ذلك يسفر الحقّ ، وتنجلي عنهم ظلمات الجور والظلم ، وعن أبصار الناس أغشية الشبه فيهم ، ويحتمل أن يكون طلوع الفجر إشارة إلى طلوع الفجر من جهة المغرب الذي هو من علامات ظهوره ، والمراد بالمؤمنين هم الأئمة (عليهم السلام)وبين أ نّهم إنّما سمّوا ملائكة لأ نّهم يملكون علم آل محمّد (عليهم السلام) ويحفظوها ونزولهم فيها

كناية عن حصولهم منها موافقاً لما ورد في تأويل آية سورة الدخان أنّ الكتاب المبين أمير المؤمنين (عليه السلام) والليلة المباركة فاطمة (عليها السلام) ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أمْر حَكِيم )[9] أي حكيم بعد حكيم وإمام بعد إمام.

وقوله : ( مِنْ كُلِّ أمْر * سَلامٌ هِيَ )[10] على هذا التأويل هي مبتدأ ، وسلام

خبره ، أي ذات سلامة ، ومن كلّ أمر متعلّق بسلام ، أي لا يضرّها وأولادها ظلم الظالمين ، ولا ينقص من درجاتهم المعنوية شيئاً ، أو العصمة محفوظة فيهم فهم معصومون من الذنوب والخطأ والزلل إلى أن تظهر دولتهم ويتبيّن لجميع الناس فضلهم[11].

هذا وقد ذكرت في رسالة (فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليلة القدر) أربعة عشر وجه شبه بين فاطمة الزهراء سيّدة النساء (عليها السلام) وبين ليلة القدر ، وإجمالها كما يلي :

1 _ ليلة القدر وعاء زماني للقرآن الكريم وفاطمة الزهراء وعاء مكاني.

2 _ ليلة القدر يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، كذلك الزهراء (عليها السلام) فهي الفاروق بين الحقّ والباطل.

3 _ ليلة القدر معراج الأنبياء لكسب العلوم والفيوضات الإلهيّة ، كذلك فاطمة الزهراء فهي مرقاة النبوّة ومعرفتها معراج الأنبياء.

4 _ ليلة القدر هي خير من ألف شهر ، كذلك تسبيح فاطمة الزهراء تجعل كلّ صلاة بألف صلاة وبمحبّتها تضاعف الأعمال كليلة القدر.

5 _ ليلة القدر ليلة مباركة ، ومن أسماء فاطمة الزهراء (المباركة) (عليها السلام).

6 _ علوّ شأن ليلة القدر ومقامها الشامخ بين الليالي ، كذلك الزهراء ، وأ نّه لولاها لما خلق الله محمّد وعليّ (عليهما السلام) كما ورد في الخبر الشريف.

7 _ العبادات في ليلة القدر تضاعف كرامةً لها ، كذلك حبّ الزهراء (عليها السلام)يوجب تضاعف الأعمال ،

وإذا كانت ليلة القدر منشأ الفيوضات الإلهيّة ، فكذلك الزهراء والتوسّل بها.

8 _ القرآن هو النور ونزل في ليلة القدر ليلة النور ، وفاطمة هي النور فهي ليلة القدر كما في تفسير آية النور : ( اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ )[12].

9 _ ليلة القدر ليلة السعادة ، وفاطمة سرّ السعادة.

10 _ تقدّست ليلة القدر وما قبلها من الأيام والليالي وما بعدها كرامةً لها وتعظيماً لمقامها ، كذلك الزهراء يحترم ذرّيتها ويقدّسون عند الاُمّة كرامةً لها وحبّاً بها ولغير ذلك.

11 _ ليلة القدر ليلة الخلاص من النار والعتق من جهنّم ، كذلك فاطمة تفطم شيعتها من النار وتلتقطهم من المحشر كما تلتقط الدجاجة حبّات القمح.

12 _ ليلة القدر سرّ من أسرار الله ، وكذلك الزهراء (عليها السلام) فهي من سرّ الأسرار.

13 _ ليلة القدر سيّدة الليالي ، وفاطمة الزهراء (عليها السلام) سيّدة النساء.

14 _ لقد جهل قدر ليلة القدر ، وكذلك فاطمة الزهراء بنت الرسول (عليها السلام) فقد جهل الناس ولا زالوا قدرها ، كما أ نّها مجهولة القبر إلى ظهور ولدها القائم من آل محمّد (عليهم السلام).

---

[1]بحار الأنوار 42 : 105.

[2]القدر : 1.

[3]الدخان : 4.

[4]القدر : 3.

[5]القدر : 4.

[6]القدر : 4 _ 5.

[7]القدر : 5.

[8]البحار 25 : 97.

[9]الدخان : 4.

[10]القدر : 4 _ 5.

[11]المصدر : 99.

[12]النور : 35.

فاطمة الزهراء (عليها السلام) في معراج النبيّ

إنّ من الحقائق الثابتة في حياة النبيّ وسيرته هو معراجه الشريف من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك ، ومن ثمّ عرج إلى ربّه قاب قوسين أو أدنى ، وقد وردت قصّة المعراج في سورة الإسراء كما وردت في سورة النجم ، ويقال : إنّ الغرض في سورة النجم هو تذكير الناس بالاُصول الثلاثة : وحدانية الله

في ربوبيّته أي المبدأ ، ثمّ المعاد ، ثمّ النبوّة بينهما . فتبدأ السورة بالنبوّة فتصدّق الوحي إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتذكر بعض أوصافه المباركة في قصّة المعراج ، ثمّ تتعرّض لوحدانية الله وتنفي الأوثان والشركاء ، ثمّ تصف انتهاء الخلق والتدبير إليه تعالى من الإحياء والإماتة وغيرهما ، وتختم الكلام بالإشارة إلى المعاد والأمر بالسجدة والعبادة ، التي هي الطريق لسعادة الدارين ، ومن فلسفة الحياة والخلقة.

ثمّ المقصود من الوحي في الآيات الاُولى كما في الروايات هو وحي المشافهة الذي أوحاه الله إلى نبيّه ليلة المعراج ، وأصل القصّة في سورة الإسراء ، إلاّ أ نّه في سورة النجم يشار إلى بعض معالمها ، فيقسم ويحلف سبحانه بالنجم إذا هوى _ بمطلق الجرم السماوي عند سقوطه للغروب أو القرآن لنزوله نجوماً ، أو الثريا أو الشعرى أو الشهاب الذي يرمى به شياطين الجنّ _ .

( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ )[1] النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن الطريق الموصل إلى الله

ولا أخطأ في الغاية ، فأصاب الواقع في رشده ( وَمَا غَوَى ).

( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى )[2] هوى النفس ورأيها في مطلق نطقه أو ما ينطق به من القرآن الكريم.

( إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )[3] من الله سبحانه بالمشافهة أو بواسطة جبرئيل (عليه السلام).

( عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى )[4] علّم النبيّ القرآن جبرئيل أو الله الذي هو شديد القوى.

( ذُو مِرَّة فَاسْتَوَى )[5] ذو شدّة أو حصافة العقل والرأي أو نوع من المرور من جبرئيل فاستوى على صورته الأصلية واستولى بقوّته على ما جعله له من الأمر ، أو ذو مرّة أي النبيّ ذو شدّة في جنب الله فاستوى واستقام واستقرّ.

( وَهُوَ

بِالاُ فُقِ الأعْلَى )[6] بالاُفق والناحية العليا من السماء ، فهو جبرئيل أو النبيّ بالاُفق الأعلى حال استوائه.

( ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى )[7] أي قرب بل واقترب أكثر فأكثر ، فقرب جبرئيل من النبيّ ليعرج به إلى السماوات ، أو قرب النبيّ من الله سبحانه وزاد في القرب كما

هو الظاهر.

( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى )[8] قاب أي مقدار قوسين أو ذراعين كناية عن شدّة القرب ، فكان البعد قدر قوسين أو ذراعين بل وأقرب من ذلك.

( فَأوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أوْحَى )[9] فأوحى جبرئيل إلى عبد الله ما أوحى أو أوحى الله بواسطة جبرئيل إلى عبده محمّد (صلى الله عليه وآله) ما أوحى ، كما هو الظاهر.

( مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى )[10] فما كذب فؤاد النبيّ فيما رأى وأراه الله ، فشهد النبيّ بفؤاده ما أراده الله وكان صدقاً وحقّاً ، فالرؤية هنا لله سبحانه رؤية قلبيّة ولغيره إدراكية قلبية أو حسّية ، والفؤاد القلب أو النفس أو الوجود ، فما كذب أو كذّب وجود النبيّ ونفسه وفؤاده ما رأى من آيات الله الكبرى ، وما قال فؤاده _ ما رآه ببصره _ لم أعرفك وكذّبه ، ففؤاده صدّق بصره فيما رأى ، فما كان يقوله النبيّ ويخبر به الناس كان بما يشاهده عياناً لا عن فكر وتعقّل ، فلا مجال لمجادلة المشركين ومماراتهم إيّاه فيما يشاهده عياناً.

( أ فَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى )[11] وهذا توبيخ للمشركين في مجادلتهم النبيّ ، فإنّ المجادلة تتمّ في الآراء النظرية والاعتقادات الفكرية لا بما يشاهد بالعيان ، فلا تصرّوا على مجادلته.

( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخْرَى )[12] النزلة بمعنى النزول الواحد والمرّة ، فرأى

جبرئيل النبيّ في نزلة اُخرى

أو رأى النبيّ جبرئيل في نزلة اُخرى ، فبعد القوس الصعودي في معراجه رأى ما رأى كما سنذكر ثمّ رجع ونزل مرّة اُخرى فرأى جبرئيل بصورته الأصلية عند سدرة المنتهى ، أو المعنى أنّ النبيّ رأى الله برؤية قلبية أثناء معراجه عند سدرة المنتهى كما رآه في النزلة الاُولى.

( عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأوَى * إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )[13] السدرة شجرة معروفة وهو اسم مكان ولعلّه منتهى السماوات فإنّ الجنّة المأوى عندها والجنّة في السماء ، وفي الروايات أ نّها شجرة فوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم ، عندها جنّة المأوى التي يأوي إليها المؤمنون وهي من جنان الآخرة ، بعد جنّة اللقاء والأسماء التي هي جنّة الله سبحانه . إذ يغشى السدرة أي يحيط بالسدرة ما يحيط بها.

( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى )[14] فلم يمل عن الاستقامة ولم يتجاوز الحدّ في العمل فما زاغ بصر النبيّ أ نّه يرى على غير ما هو عليه ، وما طغى في إدراكه ما لا حقيقة له ، والمراد بالإبصار رؤيته بقلبه لا بحاسّة بصره ، فما رآه النبيّ في النزلة الاُولى الذي ما كذّب الفؤاد ما رأى وفي النزلة الاُخرى عند سدرة المنتهى رأى من آيات الله الكبرى التي تدلّ على الله سبحانه.

( لَقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى )[15] فشاهد الله برؤية قلبية من خلال بعض آياته الكبرى[16].

أجل ، النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) رأى ما رأى في ليلة معراجه _ وما أكثر الروايات في هذا الباب بأ نّه رأى الجنان والنيران وصلّى خلفه جميع الأنبياء _ وجاز سرادقات الجمال والجلال والكبرياء فرأى وما كذّب الفؤاد ما

رأى ، ثمّ ثمرة هذا الفؤاد النبويّ المبارك هو فاطمة الزهراء (عليها السلام) . فهي سيّدة النساء (عليها السلام) ; وهي سرّ الوجود وعصارته ، فإنّ النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) شجرة الوجود كما قال : « أنا وعليّ من شجرة واحدة ، وباقي الناس من شجر شتّى ».

وقال (صلى الله عليه وآله) : « فاطمة ثمرة فؤادي وقرّة عيني ومهجة قلبي ».

ومن خصائص الثمرة أ نّها :

1 _ عصارة الشجرة وخلاصتها.

2 _ قيمة الشجرة بثمرتها.

3 _ جمال الشجرة بالثمرة.

4 _ تعرف الشجرة بثمرتها كما يقال : هذه شجرة التفّاح.

5 _ غاية وجود الشجرة هي الثمرة.

6 _ لذّة الشجرة بالثمرة.

7 _ حلاوة الشجرة بثمرتها.

8 _ مقصود الفلاّح من الأشجار أثمارها.

وخصائص كثيرة اُخرى.

وإنّ فاطمة الزهراء لهي ثمرة فؤاد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فيعلم ويعرف عظمة النبيّ بثمرته ، ولولاها _ وهي حجّة الحجج _ ولولا الحجّة ، لما عرف النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، فيعرّف النبيّ للملائكة في حديث الكساء بالثمرة « هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها » ، فهي غاية الرسول ومقصوده ، فهي اُمّ أبيها ، وهي لذّته وحلاوته وعصارته وخلاصته وجماله ، كما هي جمال الله ومقصوده جلّ جلاله.

وقد رأى النبيّ في معراجه في القوسين الصعودي والنزولي ما رأى من آيات الله الكبرى ، بل رأى الله سبحانه بقلبه ، وما كذب الفؤاد ما رأى . ورؤية العلّة يستلزم رؤية كلّ المعلول ، فرؤية الله لازمها رؤية الكون والإحاطة العلمية بما فيه ، فالنبيّ أحاط بكلّ الممكنات وبعالم الإمكان ، وفاطمة ثمرة فؤاده رأت الله سبحانه وأحاطت بما سواه ، فإنّها ثمرة فؤاد النبيّ الذي رأى الله

بقلبه ، ورأى الآيات الكبرى في كلّ العوالم من الجبروت والملكوت والمثال والسماوات والأرض ، كلّ ذلك رآه عند سدرة المنتهى في نزلة اُخرى فرأى العرش وما دونه ، وتجاوز حجب النور والظلمات حتّى وصل إلى الحجاب الأكبر وهو مقام الإمامة.

فكان النبيّ هو الموج الأوّل في بحر الله سبحانه ، كما كان اللمعة الاُولى من نوره الأتمّ ، ثمّ اشتقّ من نور النبيّ (صلى الله عليه وآله) نور عليّ (عليه السلام) ، ومن نورهما نور فاطمة ، ثمّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، ثمّ شيعتهم من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ، فكانوا أمواجاً ، موجاً بعد موج ، ولا يتحقّق هذا القرب إلاّ بالعبودية ، فإنّها جوهرة كنهها الربوبية . فأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ عترته الأطهار عباد الله المكرمون.

---

[1]النجم : 2.

[2]النجم : 3.

[3]النجم : 4.

[4]النجم : 5.

[5]النجم : 6.

[6]النجم : 7.

[7]النجم : 8 .

[8]النجم : 9.

[9]النجم : 10.

[10]النجم : 11.

[11]النجم : 12.

[12]النجم : 13.

[13]النجم : 14 _ 16.

[14]النجم : 17.

[15]النجم : 18.

[16]تفسير الميزان : سورة النجم.

العصمة الفاطميّة

أشهد أنّ فاطمة عصمة الله

إنّ الله سبحانه وتعالى هو الحكيم العليم المختار ، وقد اختار من خلقه صفوةً ليحملوا رسالاته السماوية ، ويبلّغونها ويهدون الناس سواء السبيل وإلى الصراط المستقيم ، فإنّه كتب على نفسه الرحمة ، فهو اللطيف الخبير ، ومن لطفه اختار الأنبياء والرسل للهداية وليقوموا الناس بالقسط ، ثمّ اختار الأوصياء خلفاء ، ثمّ وفّق العلماء ورثة الأنبياء.

وقد اشترط على الأنبياء الزهد في هذه الدنيا ، فإنّ اختيار الله بالاختبار والامتحان والاصطفاء عن حكمة ، من دون الوصول إلى حدّ الإلجاء ، وإنّ لله الحجّة البالغة ، فلا بدّ من اختبار لمن يقع عليه

الاختيار ولغيره حتّى لا تكون فتنة ، ويكون الدين كلّه لله.

فاختبر الأنبياء والأوصياء في عوالم تسبق هذا العالم الناسوتي ، فشرط الله سبحانه عليهم الزهد ، وعلم منهم الوفاء فقبلهم وقرّبهم وقدّم لهم الذكر العلي والثناء الجلي ، كما جاء ذلك في دعاء الندبة[1].

وإنّما اشترط عليهم الزهد ، لأنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة ، والنبيّ والوصيّ لا بدّ أن يكون معصوماً بقاعدة اللطف وغيره من الأدلّة العقلية والنقلية.

فلا بدّ أن يزهد في دنياه ، ويُعصم من الذنوب ومن كلّ ما يشينه مطلقاً ، حتّى تطمئنّ النفس إليه ، ويؤخذ بقوله وفعله وتقريره مطلقاً ، فيكون الاُسوة والقدوة على الإطلاق.

وهذا الزهد من شؤون القيادة بصورة عامة المتمثّلة بالنبوّة والإمامة ، ومن يحذو حذوهم ويسلك مسالكهم ومناهجهم من العلماء الصالحين.

فيشترط على العالم الرباني الزهد في هذه الدنيا أيضاً ، حتّى يؤخذ بقوله ويتّبع أمره ، وإذا رأيتم العالم زاهداً فادنوا منه فإنّه يلقى عليه الحكمة وإنّها تتفجّر من ينابيع قلبه ، وإنّ الله يرفده ويضيّفه على موائد علمه وحكمته ، وإذا رأيتم العالم مقبلا على دنياه ، يخلط الحرام بالحلال ، فاتّهموه في دينه ، فإنّه لا يؤخذ منه العلم ، فلينظر الإنسان إلى علمه ممّن يأخذه ، فإنّه من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن تكلّم عن الله فقد عبد الله وإلاّ فلا ، فمن ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ، وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم.

فمن أوّليات شؤون الإمامة والقيادة الروحية على الصعيدين الفردي والاجتماعي إنّما هو الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها.

فعصمة الأنبياء الذاتية المطلقة تبتنى على العلم اللدني أوّلا _ كما هو ثابت في محلّه _ وعلى الزهد ثانياً.

وأمّا

عصمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) :

فقد اختار الله من خلقه واختصّها لذاته واصطفاها لنفسه ليتجلّى فيها أسماؤه وصفاته ، وتكون مظهراً لجماله ، فإنّه لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة بل هي أعظم ، فقدّم لها الذكر العليّ والثناء الجليّ ، بعد أن اختبرها وامتحنها أيضاً . إلاّ أ نّها امتحنها بالصبر ، والصبر كما ذكرنا تكراراً هو اُمّ الأخلاق وأساسه ، فإنّها بمراحلها الثلاثة _ التخلية والتحلية والتجلية _ مدعومة بالصبر ، كما أ نّه أساس الكمال.

وإنّما وقفنا على امتحانها بالصبر باعتبار ما ورد في زيارتها في يوم الأحد من كلّ اُسبوع ، كما في مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمّي (قدس سره) : « السلام عليكِ يا ممتحنة قد امتحنكِ الله قبل أن يخلقكِ بالصبر فوجدكِ لما امتحنكِ صابرة ».

فتجلّت العصمة الإلهية في جمال فاطمة الزهراء إذ جمعت بين نوري النبوّة والإمامة ، فعصمتها من العصمة بالمعنى الأخصّ ، المختصّة بالأربعة عشر معصوم (عليهم السلام).

وممّا يدلّ على عصمتها :

1 _ آية التطهير في قوله تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )[2] ، فالله الطاهر طهّر بإرادة تكوينية أهل البيت (عليهم السلام)ومنهم فاطمة (عليها السلام) وعصمهم بعصمة ذاتية ومطلقة واجبة عقلا ونقلا.

2 _ إنّها عدل القرآن الكريم لحديث الثقلين المتّفق عليه عند الفريقين _ السنّة والشيعة _ ولمّا كان القرآن معصوماً فكذلك عدله أهل البيت عترة الرسول المصطفى (عليهم السلام).

3 _ إنّها كفؤ عليّ ولولاه لما كان لها كفؤ آدم وما دونه ، ولا يتزوّج المعصومة إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلفاطمة ما لعليّ (عليهما السلام) إلاّ الإمامة.

فكلّ ما ثبت لعليّ (عليه السلام) بالمطابقة

ثبت للزهراء (عليها السلام) بالالتزام ، وكلّ شيء ثبت لفاطمة بالمطابقة ثبت بالدلالة الالتزاميّة لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).

4 _ إنّها حوريّة بصورة إنسية ، والملائكة معصومون فكذلك فاطمة الحوريّة.

5 _ وحدة الإرادة الإلهيّة والفاطميّة ، فإنّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، وإنّه لم يغضب ليونس صاحب الحوت ، بل يغضب لغضبها ، فوحدة الإرادة دليل على العصمة.

6 _ إنّها سيّدة النساء في الدنيا والآخرة ، وكيف تكون سيّدة الأوّلين والآخرين وهي غير معصومة.

7 _ آية المباهلة ، وقدّم النساء على الأنفس ، ربما إشارة إلى أنّ النفوس فداها ، « فداكِ أبوكِ » « فداها أبوها ».

8 _ إنّها العالم العلوي والعالم السفلي في قوسي الصعودي والنزولي.

9 _ إنّها صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإنّ صدره يحمل القرآن دفعة واحدة وفي ليلة القدر ، في ليلة القدر وهي فاطمة الزهراء (عليها السلام).

10 _ لا يعرف قدرها إلاّ من قدّرها ، ولا يعرف أسرارها إلاّ من خلقها ، ومن أذن له الرحمن.

11 _ إنّها مفروض الطاعة على الخلق مطلقاً ، وكيف تكون مفروض الطاعة على الإطلاق وهي غير معصومة.

12 _ هي حجّة الحجج واُسوتهم _ كما ورد في الأخبار الشريفة _ .

13 _ مجمع النورين بحديث الأفلاك ، فتحمل أسرار النبوّة والإمامة ، وإنّها اُمّ أبيها.

14 _ حبل الله الممدود ، فلا بدّ أن يكون معصوماً ، وإلاّ كيف يتمسّك على الإطلاق بما لم يكن معصوماً ، « قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فاطمة بهجة قلبي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى »[3].

15 _ امتحانها بالصبر وهو أساس الكمال والأخلاق الذي

منها الزهد.

16 _ علمها اللدنّي.

17 _ الإجماع القطعي الدالّ على عصمتها ، كما عند المشايخ الصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم.

18 _ الآيات والروايات الكثيرة الدالّة على فضلها وعظمتها ، وتعلّقها بعالم الغيب.

19 _ سيرتها وحياتها يفوح منها عطر العصمة الإلهيّة.

ووجوه اُخرى يقف عليها المحقّق والمتتبّع ، ويعلم بيقين وقطع أ نّه لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) عصمة الله الكبرى.

---

[1]راجع آخر مفاتيح الجنان دعاء الندبة الذي يستحبّ قراءته في كلّ عيد وفي يوم الجمعة.

[2]الأحزاب : 33.

[3]فرائد السمطين 2 : 66.

الشرافة العنصريّة الحوراء الإنسيّة

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فإنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »[1].

فقوله : « لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة » يعني أ نّها جمال الله وحسنه.

ثمّ خلق الله سبحانه آدم أبا البشر من ماء وتراب بيد ملائكته ، فهو في خلقته العنصريّة من العناصر الأربعة المادّية ، ولكن خلق فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خلقتها العنصرية إنّما كان من شجرة طوبى في الجنّة التي غرسها الله بيده يد القدرة المطلقة ، فهي من عنصر ملكوتي في صورة إنسان ناسوتي ، فهي الحوراء الإنسيّة.

عن العيون وأمالي الشيخ بسندهما ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة ، فناولني من رطبها ، فأكلت فتحوّل ذلك نطفة في صلبي ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة حوراء إنسيّة ، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة[2].

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكثر تقبيل فاطمة عليها وعلى أبيها وبعلها وأولادها ألف ألف تحيّة

وسلام ، فأنكرت عائشة ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عائشة ، إنّي لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فأكلته فحوّل الله ذلك ماءً في ظهري ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فما قبّلتها قطّ إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبى منها[3].

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : شجرة طوبى شجرة يخرج من جنّة عدن غرسها ربّها بيده[4].

عن حارثة بن قُدامة قال : حدّثني سلمان قال : حدّثني عمّار وقال : اُخبرك عجباً ؟ قلت : حدّثني يا عمّار ؟ قال : نعم شهدت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقد ولج على فاطمة (عليه السلام) فلمّا أبصرت به نادت : اُدن لاُحدّثك بما كان وبما هو كائن وبما يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة . قال عمّار : فرأيت أمير المؤمنين (عليه السلام)يرجع القهقرى ، فرجعت برجوعه إذ دخل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال له : اُدن يا أبا الحسن ، فدنا فلمّا اطمأنّ به المجلس قال له : تحدّثني أم اُحدّثك ؟ قال : الحديث منك يا رسول الله ، فقال : كأنّي بك قد دخلت على فاطمة وقالت لك كيت وكيت فرجعت ، فقال عليّ (عليه السلام) : نور فاطمة من نورنا ؟ فقال (عليه السلام) : أوَ لا تعلم ؟ فسجد عليّ شكراً لله تعالى . قال عمّار : فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت بخروجه ، فولج على فاطمة (عليها السلام) وولجت معه ، فقالت : كأنّك رجعت إلى أبي (صلى الله عليه وآله)فأخبرته بما قلته لك ؟ قال : كان

كذلك يا فاطمة ، فقالت : اعلم يا أبا الحسن إنّ الله تعالى خلق نوري ، وكان يسبّح الله جلّ جلاله ، ثمّ أودعه شجرة من شجر الجنّة ، فأضاءت ، فلمّا دخل أبي الجنّة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ، ففعل ، فأودعني الله سبحانه صلب أبي (صلى الله عليه وآله) ثمّ أودعني خديجة بنت خويلد ، فوضعتني ، وأنا من ذلك النور ، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن ، يا أبا الحسن ، المؤمن ينظر بنور الله تعالى[5].

عن زيد بن موسى بسنده عن عليّ (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ فاطمة خُلقت حورية في صورة إنسيّة ، وإنّ بنات الأنبياء لا يحضن[6].

ففاطمة الزهراء حوراء إنسيّة ، اشتقّ اسمها من اسم الله ومسمّاها من شجرة غرسها الله بيده ، فما أحلى اسمها ومعناها وجمالها وكمالها وجلالها.

« سبحان من فطم بفاطمة من أحبّها من النار »[7].

---

[1]فرائد السمطين 2 : 68.

[2]البحار 8 : 119.

[3]المصدر : 120.

[4]المصدر : 143 ، عن العيّاشي.

[5]بهجة قلب المصطفى : 287 ، عن عوالم المعارف 11 : 6 _ 7.

[6]دلائل الإمامة : 52.

[7]مصباح المتهجّد ; للشيخ الطوسي ، في أعمال شهر رمضان : 575.

نبذة من الأحاديث الشريفة في فضائلها (عليها السلام)

نبذة من الأحاديث]

1 _ سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن فاطمة : لِمَ سمّيت زهراء ؟ فقال :

« لأ نّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ».

2 _ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« فاطمة بضعة منّي من سرّها فقد سرّني ومن ساءها فقد سائني ، فاطمة أعزّ الناس

عليّ ».

3 _ ومن ألقابها (عليها السلام) : اُمّ أبيها.

فقيل : الاُمّ بمعنى الأصل والأصالة ، فالزهراء (عليها السلام) بأولادها الطاهرين الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ومواقفهم وفدائهم وتضحياتهم أعطوا الأصالة لرسالة أبيها (صلى الله عليه وآله) ، فالإسلام محمّدي الحدوث وحسيني البقاء وكلّهم نور واحد ، فأصبحوا بمنزلة الأصل في ديموميّة الرسالة المحمّديّة ، كما قالها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) :

« حسين منّي وأنا من حسين ».

وفاطمة الزهراء سيّدة النساء (عليها السلام) اُمّ أبيها.

4 _ عن زيد بن موسى بسنده عن عليّ (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« إنّ فاطمة خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، وإنّ بنات الأنبياء لا يحضن »[1].

5 _ عن الله تبارك وتعالى :

« يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما »[2].

6 _ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

« لو كان الحُسنُ شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، إنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »[3].

7 _ عن الحسين عن رسول الله (عليهما السلام) قال :

« فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى »[4].

8 _ عن أبي جعفر عن آبائه (عليهم السلام) :

« إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد (الطاهرة) لطهارتها من كلّ دنس وطهارتها من كلّ رفث ، وما رأت قطّ يوماً حمرةً ولا نفاساً »[5].

9 _ عن أبي عبد الله (عليه السلام) :

« حرّم الله النساء على عليّ ما دامت فاطمة حيّة

; لأ نّها طاهرة لا تحيض »[6].

10 _ عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) :

« لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو فاطمة من النساء (عليهم السلام) »[7].

11 _ عن الرضا (عليه السلام) ، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

« لمّا عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) ، فأدخلني الجنّة ، فناولني من رطبها ، فأكلته ، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة (عليها السلام) ، ففاطمة حوراء إنسيّة ، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة »[8].

12 _ عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله عزّ وجلّ فطمها وفطم من أحبّها من النار »[9].

13 _ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل :

« على ساق العرش مكتوب : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله »[10].

14 _ في تفسير نور الثقلين والبرهان وكتاب بحار الأنوار[11] ، عن تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي مسنداً عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير سورة القدر

قال :

« إنّ فاطمة هي ليلة القدر ، من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ، ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها وهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى ».

15 _ وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نّه قال :

« ( إنَّا أنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ )[12]

الليلة فاطمة الزهراء ، والقدر الله ، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها »[13].

ولنعم ما قيل :

مشكاة نور الله جلّ جلاله *** زيتونة عمّ الورى بركاتها

هي قطب دائرة الوجود ونقطة *** لمّا تنزّلت أكثرت كثراتها

هي أحمد الثاني وأحمد عصرِها *** هي عنصر التوحيد في عرصاتها

* * *

فاطمةٌ خير نساء البشرِ *** ومن لها وجه كوجهِ القمرِ

فضّلكِ الله على كلّ الورى *** بفضل من خصّ بآي الزُمَرِ

زوّجكِ الله فتىً فاضلا *** أعني عليّاً خيرُ من في الحضرِ

* * *

شرّف الله جمادى الآخرة *** فغدت وهي جمادى الفاخرة

وتباهت أشهرُ الحول بها *** حيث جاءت بالبتول الطاهرة

وانظروا العشرين منها لتروا *** فرحة الهادي عليه ظاهرة

واجعلوه بالتأسّي عيدكم *** فمن الإسلام ذكرى عطرة

اسمها في العرش :

16 _ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أ نّه قال :

« لمّا خلق الله تعالى آدم أبو البشر ونفخ فيه من روحه ، التفت آدم يمنة العرش ، فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً ، قال آدم : يا ربّ ، هل خلقت أحداً من طين قبلي ؟

قال : لا يا آدم.

قال : فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي ؟

قال : هؤلاء الخمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي ، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ ، فأنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العالي وهذا عليّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا المحسن وهذا الحسين ، آليت بعزّتي أ

نّه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا اُبالي . يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم اُنجيهم وبهم اُهلكهم ، فإذا كان لك إليَّ حاجة فبهؤلاء توسّل.

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا ، ومن حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت »[14].

17 _ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال :

« إنّ الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ، ولا ظلمة ولا نور ، ولا شمس ولا قمر ، ولا جنّة ولا نار ، فقال العباس : فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله ؟ فقال : يا عمّ ، لمّا أراد الله أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نوراً ، ثمّ تكلّم بكلمة اُخرى فخلق منها روحاً ، ثمّ مزج النور بالروح فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح ونقدّسه حين لا تقديس.

فلمّا أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش ، فالعرش من نوري ونوري من نور الله ، ونوري أفضل من العرش ، ثمّ فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة ، فالملائكة من نور عليّ ونور عليّ من نور الله وعليّ أفضل من الملائكة ، ثمّ فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض ، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ، ونور ابنتي فاطمة من نور الله وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض ، ثمّ فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر ، فالشمس والقمر من

نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر ، ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور العين فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله وولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين »[15].

18 _ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

« أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبّة تحت العرش »[16].

19 _ عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل :

« ولقد كانت (عليها السلام) مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة »[17].

20 _ عن مجاهد : خرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بيد فاطمة فقال :

« من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد ، وهي بضعة منّي ، وهي قلبي ، وهي روحي التي بين جنبيّ ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله »[18].

حبّها الإكسير الأعظم :

21 _ في حديث طويل عن الله عزّ وجلّ :

« يا فاطمة ، وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا اُعذّب محبّيكِ ومحبّي عترتك بالنار »[19].

22 _ في حديث طويل قال أبو جعفر (عليه السلام) :

« والله يا جابر ، إنّها ذلك اليوم (يوم القيامة) لتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديء ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا ، فإذا التفتوا فيقول الله عزّ وجلّ : يا أحبّائي ، ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟ فيقولون : يا ربّ

، أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ، فيقول الله : يا أحبّائي ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة ، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة لحبّ فاطمة ، انظروا من ردّ عنكم غيبةً في حبّ فاطمة ، خذوا بيده وأدخلوه الجنّة ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : والله لا يبقى في الناس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق[20].

23 _ عن ابن عباس :

« والله ما كان لفاطمة كفؤ غير عليّ (عليه السلام) »[21].

24 _ وعنه (عليه السلام) :

« واللهِ لقد أخذتُ في أمرها وغسّلتها في قميصها ولم أكشفه عنها ، فوالله كانت ميمونة طاهرة مطهّرة.

ثمّ حنّطتها من فضلة حنوط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكفّنتها وأدرجتها في أكفانها ، فلمّا هممت أن أعقد الرداء ناديت : يا اُمّ كلثوم ، يا زينب ، يا سكينة ، يا فضّة ، يا حسن ، يا حسين ، هلمّوا تزوّدوا من اُمّكم فهذا الفراق ، واللقاء في الجنّة.

فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان : وا حسرتاه ، لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمّد المصطفى واُمّنا فاطمة الزهراء ، يا اُمّ الحسن يا اُمّ الحسين إذا لقيت جدّنا محمّداً المصطفى فاقرئيه منّا السلام وقولي له : إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا ».

فقال أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) :

« إنّي اُشهد الله أ نّها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها مليّاً ، وإذا بهاتف من السماء ينادي : يا أبا الحسن ، ارفعهما عنها فقد أبكيا والله ملائكة السماوات ، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب ».

قال :

« فرفعتهما عن صدرها وجعلت أعقد الرداء وأنا أنشد بهذه الأبيات :

فراقكِ أعظم الأشياء عندي *** وفقدكِ فاطم أدهى الثكول

سأبكي حسرة وأنوح شجواً *** على خِلٍّ مضى أسنى سبيل

ألا يا عين جودي واسعديني *** فحزني دائم أبكي خليلي »[22]

نجاة محبّيها من النار بيدها المباركة :

25 _ في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لفاطمة وقفةٌ على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل : مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار ، فتقرأ بين عينيه محبّاً (محبّنا) فتقول : إلهي وسيّدي سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاّني وتولّى ذرّيتي من النار ، ووعدُك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد ، فيقول الله عزّ وجلّ : صدقتِ يا فاطمة ، إنّي سمّيتكِ فاطمة ، وفمطتُ بكِ من أحبّكِ وتولاّكِ وأحبّ ذرّيتكِ وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقّ وأنا لا اُخلف الميعاد ، وإنّما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه ، فاُشفّعكِ ليتبيّن لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفكِ منّي ومكانتك عندي ، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً ، فجذبت بيده وأدخلته الجنّة.

26 _ عن أبي الحسن الثالث (الإمام الهادي (عليه السلام” قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله عزّ وجلّ فطمها وفطم من أحبّها من النار[23].

---

[1]دلائل الإمامة : 52.

[2]كشف اللآلئ لصالح بن عبد الوهاب بن العرندس : فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 9 ، في جنّة العاصمة للسيّد ميرجاني : 148 ، وملتقى البحرين للعلاّمة المرندي : 14.

[3]فرائد السمطين 2 : 68.

[4]فرائد السمطين 2 : 66.

[5]البحار 43 : 19.

[6]المناقب ;

لابن شهرآشوب 3 : 33.

[7]سفينة البحار 1 : 663.

[8]عوالم العلوم والمعارف 6 : 10.

[9]العوالم 6 : 30.

[10]بحر المعارف : 428.

[11]بحار الأنوار 42 : 105.

[12]القدر : 1.

[13]بحار الأنوار 43 : 13.

[14]فرائد السمطين 1 : 36.

[15]بحارالأنوار 15 : 10.

[16]كفاية الطالب : 311.

[17]دلائل الإمامة : 228.

[18]نور الأبصار ; للشبلنجي : 52.

[19]سفينة البحار 2 : 375.

[20]بحار الأنوار 43 : 65.

[21]البحار 43 : 101.

[22]البحار 43 : 179.

[23]العوالم 6 : 30.

حديث « لولاك »

من الأحاديث المشهور ، بل كاد أن يكون متواتراً ، من طرق الشيعة ، بل وعند السنّة ، أ نّه ورد في الحديث القدسي في ليلة المعراج : قال الله تعالى : « يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ».

وعن ابن عساكر عن سلمان : قال رسول الله : هبط جبرئيل عليّ فقال : إنّ ربّك يقول إن كنت اتّخذت إبراهيم خليلا فقد اتّخذتك حبيباً ، وما خلقت خلقاً أكرم عليّ منك ، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لاُعرّفهم كرامتك ومنزلتك عندي ، ولولاك ما خلقت الدنيا[1].

في الدلائل والحاكم والطبراني والعسقلاني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن عمر بن الخطّاب عن رسول الله قال : لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي ، فقال تعالى : يا آدم ، وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه ؟ قال : لأ نّك يا ربّ لمّا خلقتني بيدك ، ونفخت فيّ من روحك فرفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فعلمت أ نّك لم تضف إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق لديك ، فقال تعالى : صدقت يا آدم إنّه لأحبّ الخلق إليّ ، فقال تعالى : وإذا

سألتني بحقّه فقد غفرت لك ، ولولا محمّداً لما خلقتك[2] . وزاد الطبراني : وهو آخر الأنبياء.

وفي المواهب من طرق العامّة روي أ نّه لمّا اُخرج آدم من الجنّة رأى مكتوباً على ساق العرش وعلى كلّ موضع من الجنّة اسم محمّد (صلى الله عليه وآله) مقروناً باسم الله تعالى ، فقال : يا ربّ ، هذا محمّد من هو ؟ فقال الله : هذا ولدك الذي لولاه لما خلقتك ، فقال : يا ربّ ، بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد ، فنودي يا آدم : لو تشفّعت إلينا بمحمّد في أهل السماوات والأرض لشفّعناك[3].

وفي خبر آخر قرن اسم عليّ مع محمّد ، وفي آخر : محمّد رسول الله أيّدته بعليّ.

وفي الدلائل بأسانيده عن عمر بن الخطّاب في ذيل قوله تعالى: ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات )[4] ، قال آدم : أسألك بحقّ محمّد وآله إلاّ غفرت لي ، فتاب الله عليه وقال : ولولا هو ما خلقتك.

وفي الخصائص العلويّة عن ابن عباس في حديث : ولمّا نفخ في آدم من روحه تداخله العجب فقال : يا ربّ خلقت خلقاً هو أحبّ إليك منّي ؟ فقال تعالى : نعم ولولاهم ما خلقتك ، فقال : يا ربّ أرنيهم ، فرفعت الملائكة الحجب فرأى آدم بخمسة أشباح قدّام العرش فقال : يا ربّ من هؤلاء ؟ قال تعالى : هذا نبيّي وهذا عليّ أمير المؤمنين ابن عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وهذه فاطمة بنت نبيّي ، وهذان الحسن والحسين أبناء عليّ وولد نبيّي ، ثمّ قال : يا آدم هم ولدك ، ففرح بذلك ، فلمّا اقترف الخطيئة قال آدم : أسألك بمحمّد

وعليّ وفاطمة والحسن والحسين لمّا غفرت لي ، فغفر الله له فلمّا هبط إلى الأرض ، فنقش على خاتمه : محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين ، ويكنّى آدم بأبي محمّد[5] وأبي البشر ، وكنية حوّاء اُمّ الزهراء.

ومن طرق الإمامية ما رواه الصدوق في الإكمال بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : قال رسول الله : فأنت أفضل أم جبرئيل ؟ فقال (عليه السلام) : يا عليّ إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا عليّ وللأئمة من بعدك ، فإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا ، يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتا ، يا عليّ ، لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربّنا عزّ وجلّ وتسبيحه وتقديسه وتهليله ، لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده ، ثمّ خلق الملائكة ، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا اُمورنا ، فسبّحنا لتعلم الملائكة إنّا خلق مخلوقون وأ نّه منزّه عن صفاتنا ، فسبّحت الملائكة لتسبيحنا ونزّهته عن صفاتنا ، فلمّا شاهدوا عظم شأننا ، هلّلنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلاّ الله وأنّا عبيد ولسنا بآلهة ، يجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلاّ الله ، فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا الله لتعلم الملائكة أنّ الله أكبر من أن ينال ، وأ نّه عظيم المحلّ ، فلمّا شاهدوا ما جعله الله

لنا من العزّة والقوّة ، قلنا : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، فقالت الملائكة : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه من فرض الطاعة قلنا : الحمد لله ، لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نِعمه ، فقالت الملائكة : الحمد لله ، فبنا اهتدوا إلى معرفة الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده ، ثمّ إنّ الله تعالى خلق آدم (عليه السلام) وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبوديّة ، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون[6].

---

[1]الزاهب اللدنيّة 1 : 12 ، تهذيب تأريخ دمشق 1 : 323.

[2]كنز العمّال 6 : 114 ، دلائل الإمامة 5 : 489 ، المستدرك 2 : 615 ، المواهب 1 : 43.

[3]المواهب 1 : 12.

[4]البقرة: 37.

[5]تفسير البرهان 1 : 89 ، عن الخصائص العلويّة ، تأويل الآيات 1 : 27 ، والبحار 26 : 325.

[6]مكيال المكارم 1 : 33.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.