عصمة الحوراء زینب علیها السلام

اشارة

نویسنده : السید عادل العلوی
ناشر: مرکز الأبحاث العقائدیة

‌‌‌مقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الذی مَنّ علینا بآلائه ، وحبانا بنعمه ، ووفّقنا لخدمة خلقه ، حمداً یلیق بشأنه ، ونثنی علیه شاکرین ونمجّده مادحین ، وأ نّی یبلغ المادح مدحه والحامد ثناءه ، والصلاة علی الشجرة الزیتونة المبارکة وعلی فرعها ولقاحها وثمرها وورقها ـ أعنی بذلک محمّداً وآله الطاهرین ـ وسلّم تسلیماً کثیراً.
لقد جاء فی الحدیث الشریف عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « زکاة العلم تعلیمه من لا یعلمه ».
وتطبیقاً لهذا الحدیث ولکی یکون المرء مصداقاً للمعلّم والمتعلّم ، سارع مکتب آیة الله العظمی المرجع الدینی الکبیر الشیخ میرزا جواد التبریزی ( دام ظلّه العالی ) من خلال الإخوة القائمین علیه سماحة الشیخ عبّاس الهزّاع وسماحة الشیخ محمّد أبی سعود ( حفظهما الله تعالی )إلی اغتنام حضور علم من أعلام الحوزة العلمیة ، وفرع من فروع الدوحة المحمّدیة ، وعنوان من عناوین الولایة العلویة ، سماحة العلاّمة الحجّة سیّدنا الفقیه الاُستاذ الأجلّ السیّد عادل العلوی (حفظه الله تعالی)، والتمسوا منه أن یفیض علی إخوته فی بلاد الشام ـ وفی رحلته الشامیّة[1] ـ ممّا رزقه الله تعالی من العلم والمعرفة.
وکما هو دیدن هذا العالم العامل ، لم یتأخّر فی إجابة هذه الدعوة ، فاتّفقت الکلمة أن یکون الکلام عن مقام صاحبة المکان الشریف فخر المخدّرات وسلیلة الطهر والنقاء ، السیّدة زینب الکبری ، وکانت الأیام المبارکة أیام ولادتها المیمونة ، فراح خَدَمة الدین والمذهب الإخوة القائمین علی مکتب آیة الله العظمی التبریزی ( دام ظلّه العالی ) بنشر الخبر وتهیئة المکان اللائق بهذه الأبحاث وتقدیم کلّ ما یخدم المحاضر والحاضرین ، ولیس هذا بعجیب ، حیث إنّه دیدن المخلصین الذین لا همّ لهم إلاّ نشر علوم أهل البیت (علیهم السلام) من إحقاق الحقّ ودحض الباطل ومحاربة أهل البدع والضلالات.
ولکی یکتمل العمل وتعمّ الفائدة جمیع من له رغبة بتوطید العلاقة بالسیّدة العظیمة زینب وبأهلها الأطهار سارع المکتب أیضاً بنشر هذا العلم وإخراجه إلی أیدی القرّاء المحبّبین لعلوم أهل البیت (علیهم السلام) ، والذین یطلبون الحقّ والحقیقة ، فصاروا بذلک مصداقاً آخراً لحدیث آخر عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « ما تصدّق الناس بصدقة مثل علم ینشر » ، ولکی ینشر هذا العلم ویصل إلی أیدی محبّیه ، أحببت أن تحرّر هذه المحاضرات ، فاستأذنت سیّدنا الاُستاذ بکتابة هذا العلم النافع وإخراجه بصورة میسّرة ولغة سهلة ینتفع منها عامّة المؤمنین ، فاستجاب لی شاکراً لطفه إذ جعلنی بذلک من العاملین لخدمة أهل البیت وشیعتهم ، فبادرت إلی کتابة هذه المحاضرات لکی تکون أثراً جمیلا من آثار أهل العلم والمعرفة ، وهذا ما حثّ علیه الحدیث الشریف عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « قیّدوا العلم ، قیل : وما تقییده ؟ قال : کتابته » ، فتمّت کتابة هذه المحاضرات ووضعت علیها تعلیقاً یبیّن مراد المحاضر بنحو یسهل علی کلّ قارئ فهمه ، متجنّباً الإسهاب والتعقید ، علماً أنّ هذه المحاضرات اُلقیت فی سنة 1421 هـ أوّل ربیع الثانی ، فنسأل الله تعالی أن یثیبنا علی عملنا هذا ، إنّه جوادٌ کریم.
الشیخ علی الفتلاوی
سوریا ـ دمشق ـ السیّدة زینب (علیها السلام)
---
[1]طالت الرحلة شهرین متتابعین ، وألقی الاُستاذ أکثر من خمسة وخمسین محاضرة إسلامیة فی أماکن مختلفة من مکاتب المراجع و الحسینیات و المساجد . و قد تصدّی لضبط المحاضرات و تحریرها جماعة ممّن حضر عند السیّد الاُستاذ دروساً فی حوزة قم العلمیة المبارکة.

[محاضراة]

المحاضرة الاُولی )

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین ، والصلاة والسلام علی أشرف خلقه محمّد المصطفی وآله الطاهرین ، واللعن الدائم علی أعدائهم ومنکری فضائلهم من الآن إلی قیام یوم الدین.
أمّا بعد :
فإنّ الحدیث لیحلو عن مقام الحوراء زینب (علیها السلام) ، سیّما ونحن فی رحابها الواسع وفی أیام ولادتها المبارکة ، وإنّما اخترت هذا الموضع لما للمکان من أثر ، حیث إنّی حللتُ ضیفاً علیها ، فوحیاً من مکانها تاقت النفس للحدیث عنها ، ولما لزیارتها من إشعاع روحی ینعکس علی کلّ من دخل إلیها مستعدّاً بقلبه وعقله لتلقّی هذا الإشعاع ، وکلامی عنها مبیّناً عظمتها ، لأ نّها سلام الله علیها باب أمیر المؤمنین صلوات الله علیه ، وأمیر المؤمنین (علیه السلام) باب رسول الله (صلی الله علیه وآله) کما ورد فی الحدیث الشریف عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « أنا مدینة العلم وعلیٌّ بابها »[1] ، کما أ نّه (علیه السلام)باب الله الذی منه یؤتی ، کذلک الرسول الأکرم (صلی الله علیه وآله) باب الله تعالی کما ورد فی الزیارة الشریفة : « أنتم باب الله الذی منه یؤتی »[2] ، فتکون زینب الکبری (علیها السلام)باب الله تعالی لو حذفنا الوسائط[3] ، فإذن من له حاجة عند أمیر المؤمنین (علیه السلام)لا بدّ أن یدخل إلیه من الباب المقصود ، ألا وهو زینب (علیها السلام) ، وهذا المعنی ـ کون زینب باب أمیر المؤمنین (علیهما السلام) ـ حدّثنی به سیّدنا الاُستاذ آیة الله العظمی النجفی المرعشی (قدس سره) ، کما هو عند أهل السیر والسلوک إلی الله تعالی . فنحن إذن علی باب من أبواب الله تعالی وفی رحاب السیّدة الحوراء زینب الکبری (علیها السلام) ، وسنتطرّق إلی الحدیث عن عظمة هذه السیّدة الکبری لنبیّن مضمون العبارة الرائعة التی قرأتها علی سیّارة بعض المؤمنین التی تقول : ( السیّدة زینب روضة العلم والنور ) ، وحیث إنّها سلام الله علیها کذلک فلنستمدّ سویّة من علمها ومن نورها ممّا یجعلنا نعیش فی هذه الروضة ونهتدی بنورها إن شاء الله تعالی.
لقد کتب لنا التأریخ عن العشّاق ، وأجمل ما کتب عن قیس العامری العاشق ، مجنون لیلی ، فإنّه کان یمرّ علی جدران دیار لیلی بعد أن فارقته ، وکان یقبّل هذه الجدران بلهفة المشتاق وعطش العاشق ، فلامه الناس علی ذلک ووصفوا هذا الفعل بالجنون ، فردّ علیهم بقوله الرائع الذی صاغه ببیت من الشعر ، فقال :
وما حبّ الدیار شغفن قلبی *** ولکن حبّ من سکن الدیارا
فالحبّ یعلّم الإنسان ماذا یفعل مع الحبیب فی حضرته ، وکیف یتعامل مع دیار الحبیب وآثاره ، هکذا نحن عندما ندخل علی حبیبة الله وحبیبة أمیر المؤمنین (علیه السلام) وحبیبة الإمام الحسین (علیه السلام) ، حبیبة أهل البیت (علیهم السلام) ، فنقبّل الأبواب والضریح ونقول لمن یعترض علی ذلک کما قال قیس العامری[4] ، فإذا وقف الإنسان علی جمال حبیبه ، فإنّه یعشقه لأنّ الإنسان یعشق الجمال ، وإذا عشق الحبیب لجماله ، سیقبّل جداره وکلّ آثاره لو لم یتمکّن من تقبیله ، فلا یُشکل علینا أنّ هذا الفعل شرک[5] والذین توهّموا الشرک فی هذه الأفعال إنّما ینشأ توهّمهم هذا من عدم معرفة مقام أهل البیت (علیهم السلام) معرفة جمالیة ، ولو أ نّهم عرفوا مقامهم سلام الله علیهم لفعلوا کما فعل قیس العامری إلاّ أنّ معرفتهم الأئمة المسلمین حقّاً معرفة جلالیة مع أنّ لهم رتبة اُخری لا یعرفهم فیها إلاّ الله سبحانه ، وهذه المعرفة هی الرتبة العلیا فی المعرفة وتسمّی المعرفة الکمالیة[6] ، وبناءً علی هذا فإذا أردنا معرفة السیّدة الجلیلة الجمیلة الکاملة زینب الکبری(علیها السلام)لا بدّ لنا أن نعرفها بهذه الرتب الثلاثة من المعرفة التی ستکسبنا أدباً وخضوعاً وحبّاً وعشقاً زینبیّاً ، لأ نّها باب الله تعالی الذی منه یؤتی ، ووسیلته التی إلیه ترجی ، فحدیثی سیکون عن عظمة هذه السیّدة التی لو رأینا جمالها لوصلنا إلی مقام الفناء[7] فی وصفها وتمام الانبهار بجمالها ، فالعبارة التی قرأتها علی تلک السیّارة ( السیّدة زینب روضة العلم والنور ) سواء قصد کاتبها ما فهمت أو لم یقصد فإنّ زینب الکبری هکذا حقّاً ، ولکن لا بدّ من معرفة عمق هذه العبارة وکیف تکون روضة العلم والنور ؟ ولماذا لا نحسّ هذا النور سیّما ونحن بجوارها وحول ضریحها ؟ لماذا لا یُذهب نورها ظلمتنا ؟ لماذا لا یرفع علمها جهلنا ؟ لماذا لا یطیّب عطرها أرواحنا ؟ لماذا لا تعلو حقیقتها علی أوهامنا ؟
نحن نعلم أنّ الذی یقف أمام نور حسّی سیتکوّن خلفه ظلّ وظلمة ، ویتصاغر هذا الظلّ وتندحر هذه الظلمة کلّما اقتربنا من النور ، فما یعیشه الإنسان من الجهل الذی خلق من الظلمة ، وجُعل له جنوداً وهی الصفات الذمیمة وکلّها ظلمانیة ، کما خُلق العقل من النور وجعل الله له جنوداً نورانیة کما فی حدیث العقل فی کتاب الکافی.
فالظلمات التی یعیشها الإنسان هی السبب فی هذا البعد عن الحقّ والحقیقة.
فیا تُری عندما ندخل حرم السیّدة (علیها السلام) ولا نشعر النورانیة وبالعلم الإلهی ، هل المناظر الشیطانیة التی ألفناها کلّ یوم فی الشوارع والأسواق والأزقّة والسیارات العامّة ، هی الحاجب أم الأدران المعنویة أم کلاهما ؟ والحقّ أقول إنّ المناظر الشیطانیة لها دورها الذی لا یستهان به[8] ، ولکن الظلمة القلبیة الناشئة من الذنوب لها دورها الأکبر[9] ، ویکفی شاهداً علی ذلک قول النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « من رأی منکم منکراً فلیغیّره بیده فإن لم یستطع فبلسانه فإن لم یستطع فبقلبه وذلک أضعف الإیمان »[10] ، فلکثرة هذه المشاهد الشیطانیة یموت فینا هذا الإیمان الضعیف ، فنعتاد علی رؤیتها وتستأنسها النفوس وهذا ما أحسسته[11] ، فإذن لا بدّ من علاج لما نحن فیه ولا أری علاجاً ناجعاً لهذه اللوثة إلاّ معرفة زینب العقیلة کما هو اللائق بها ، لأنّ القلب لو تنجّس بشیء من هذه القاذورات فإنّه یطهر بدخوله إلی حضرة هذه اللبوة الطاهرة ویخرج منها طاهراً مرّة اُخری ، وکما أنّ الماء یطهّر البدن فزینب تطهّر القلب والروح ولا قیاس[12] ، فبعطرها نتعطّر وبطهرها نتطهّر ، وجاء عن النبیّ (صلی الله علیه وآله)[13] : إنّ من وقف قرب بائع العطر یصیبه شیء من ذلک العطر ، وهکذا الذی یدخل إلی العطر المعنوی وینغمس فیه فسیکون مصدراً للعطر أینما حلّ ، فلنعرف زینباً ، ولنزر زینباً ، لتجب لنا الجنّة ، فإنّ من زارها عارفاً بحقّها وجبت له الجنّة[14] ، وإن لم نعدم الثواب فی زیارة بلا معرفة ، إلاّ أنّ السعادة الاُخرویّة واللذّة العنویّة ، لا تتمّ إلاّ بزیارة محاطة بمعرفة کمالیة أو جمالیة ، فبهکذا زیارة تتغیّر جواهر القلوب ، وترتفع الحجب الظلمانیة ، وتفتح الأقفال.
ربما یتبادر إلی الذهن أنّ هذه الکلمات إنشاء محض وهذا التبادر ناشئ من التسرّع فی الحکم ، فنحن نقول : المعرفة من العرفان فی مقابل العلم[15] وربما
یکونان مترادفین ، إلاّ أ نّا نری أنّ هناک فرق بین العلم والمعرفة ، فالعلم یهتمّ بالکلّیات والمعرفة تهتمّ بالجزئیّات ، فیطلق علی الله تعالی عالم ولا یطلق علیه عارف[16] فالمعرفة کلّی تشکیکی لها مراتب[17] طولیة وعرضیة[18] وبالمعرفة توزن الأشیاء ، ولهذا قال مولی الموحّدین (علیه السلام) : « تکلّموا تعرفوا ، فإنّ الإنسان مخبوء تحت طیّ لسانه »[19] ، وجاء أیضاً : « تکلّموا یرحمکم الله ، فبالکلام یعرف قدرکم » ، فالمعرفة إذن هی اُسّ الکمال لکلّ قابل لها[20] وهی علی ثلاثة أنحاء کما
ذکرنا جلالیة ، وجمالیة وکمالیة واُقرّب هذا بالمثال ( فإنّک لو رأیت جبلا عن بعد فإنّک ستعرفه بحدوده وإنّه لم یکن شجراً أو حیواناً أو شیئاً آخر إنّما هو جبل ، وهذه معرفة جلالیة ، ولکن لو اقتربت منه ورأیت جماله وصلابته وشموخه فهذه معرفة جمالیة ، وعندما تصعد علیه وتری کنهه وواقعه فهذه معرفة کمالیة ) ، وهکذا معرفتنا للأئمة الأطهار (علیهم السلام).
ورد فی الزیارة الجامعة : « ما من وضیع ولا شریف ولا عالم ولا جاهل إلاّ عرف جلالة قدرکم »[21] ، أی حتّی عدوّهم یشهد بفضلهم لأ نّه یعرفهم معرفة جلالیة ، وهناک من یعرف أمیر المؤمنین (علیه السلام) والسیّدة زینب (علیها السلام) بمعرفة جمالیة فلذلک استحقّ سلمان الإخلاص سلمان التقوی ، أن یکون من أهل البیت (علیهم السلام)فقالوا فی حقّه : « سلمان منّا أهل البیت »[22] ، فتراه ملازماً لأمیر المؤمنین (علیه السلام)فکلّما دخل الأصحاب المسجد وجدوا سلمان بجوار مولاه یشرب من معینه الصافی ونمیره العذب ، فاتّفقوا علی أن یسبقوا سلمان إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام)فبکّروا بالمجیء وفعلا لم یجدوا فی الطریق إلاّ آثار أقدام الإمام (علیه السلام) ففرحوا بذلک ، ولکن ما أن وصلوا المسجد ، وإذا بسلمان جالس عند أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، فتفاجأوا فقالوا : یا سلمان ، من أین أتیت ؟ أنزلت من السماء أم خرجت من الأرض ؟ فقال سلمان : إنّما جئت من حیث جئتم . فقالوا : فأین آثار أقدامک ؟ فقال : إنّی لمّا رأیت أقدام أمیر المؤمنین (علیه السلام) فوضعت أقدامی علیها ، لأ نّی أعلم أ نّه لا یضع قدماً ولا یرفعها إلاّ بحکمة وعلم ، هکذا یعرف سلمان مولاه وهکذا یقتفی أثره ، فمعرفة سلمان معرفة جمالیة ولکن لأمیر المؤمنین (علیه السلام) معرفة اُخری وهی المعرفة الکمالیة وهذه منحصرة بالله تعالی ورسوله حیث أکّد ذلک النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « یا علیّ ، ما عرفک إلاّ الله وأنا ... »[23] لأ نّه لا یعرف حقیقة الولی والحجّة وباطن أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلاّ من کان محیطاً بذلک تمام الإحاطة ، وإن شاء الله فی المحاضرات الآتیة سنعرف زینباً بشی من المعرفة الجمالیة من خلال أحادیثهم الشریفة ، وهذا ما نفهمه من قول الإمام زین العابدین : « أنتِ عالمة غیر معلّمة » فبکلامه هذا أراد أن یعرفنا جمالها وعظمتها ، فمثل هذا الکلام من الإمام المعصوم (علیه السلام) إشارة إلی جمال زینب (علیها السلام) ، وهذا أبوها أمیر المؤمنین (علیه السلام)عندما یدخل علیها وهی تفسّر القرآن الکریم للنساء وفی آیة ( کهیعص ) فأشار أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلی سرّ هذه الحروف المقطّعة فقال : « ک یعنی کربلاء وما سیجری فیها علی زینب »[24] ، وورد فی روایات العرش أ نّه کتب علی العرش : « زینة العرش الإلهی علیّ بن أبی طالب »[25] ، وکتب فی اللوح المحفوظ : « زینة اللوح المحفوظ زینب » ، وهذا الحدیث إشارة صریحة إلی جمال زینب ، فإذن من خلال معرفتنا لجمالها (علیها السلام) نزداد حبّاً لها ، ومن خلال ازدیاد الحبّ نزداد أدباً وشوقاً ، ومن خلال الأدب والحبّ نزداد علماً ونوراً فی روضتها ودوحة علمها وعنوان بطولتها وصبرها.
العلم کثیر ومنه ما هو نافع ، ومنه ما هو ضارّ ، وفیه ما لا نفع فیه إذا عُلم ، ولا ضرر فیه إذا جُهل ، وهذا ما یوضحه الحدیث المروی عن « إنّ النبیّ (صلی الله علیه وآله) دخل المسجد فوجد الناس قد تجمهروا علی رجل فقال : ما هذا ؟ قالوا : علاّمة یا رسول الله ، فقال : وما العلاّمة ؟ قالوا : إنّه أعرف بأنساب العرب وأشعارها ، فقال النبیّ (صلی الله علیه وآله) : هذا علم لا یضرّ من جهله ولا ینفع من علمه ، إنّما العلم ثلاث : آیة محکمة ، وفریضة عادلة ، وسنّة قائمة ، ما خلاهن فضل »[26] ، فمن درایة هذا الحدیث کما عند الفیض الکاشانی فی کتاب الحقائق یقول : هذه الکلمات الثلاثة إشارة إلی علوم ثلاثة تنفع فی الدنیا والآخرة وفی عالم القبر ، فالمراد بـ « آیة محکمة » یعنی علم الکلام لأنّ علم الکلام الذی هو علم العقائد ، علم المبدأ والمعاد وما بینهما لا یثبت إلاّ بالآیة المحکمة ألا وهی البرهان العقلی الذی لا یجوز فیه التقلید[27].
وهذه القصّة شاهدة علی ذلک قصّة الفلاّح الذی دخل علیه رجل وسأله بأیّ شیء تستدلّ علی وجود الله تعالی ، انزعج الفلاّح من هذا السؤال ثمّ رفع المسحاة وضرب الرجل علی رأسه وقال : بهذا أستدلّ[28] ، وروایة النبیّ (صلی الله علیه وآله) الذی مرّ علی عجوز بیدها مغزلها وسألها عن وجود الله تعالی فقالت : أستدلّ علیه بهذا المغزل ، أی برهان الحرکة[29] فیقال إنّه قال (صلی الله علیه وآله) : علیکم بدین العجائز فإنّه دین الفطرة[30] ، لأنّ کلّ مولود یولد عل الفطرة[31] ، فهذا کلّه إشارة إلی أنّ الدلیل العقلی هو الموصل إلی الله تعالی وهو المراد بـ « آیة محکمة » وأمّا قوله « فریضة عادلة » فهو إشارة إلی علم الفقه حیث إنّه عبارة عن الفرائض الواجبة والمحرّمات ، فالفقه هو الفریضة العادلة التی تعبّر عن العدل الإلهی فبها یصل الإنسان إلی سعادة الدنیا والآخرة ، فالفریضة العادلة هی التقوی وسیکون کلامی عن التقوی العامّة وتقوی الخاصّ وتقوی خاصّ الخاصّ[32].
وأمّا السنّة القائمة فهی إشارة إلی علم الأخلاق الذی هو ملکة راسخة ، وقوله (صلی الله علیه وآله) : وما خلاهنّ فضل ، فمراده إمّا زیادة أو فضیلة وعلی کلا الأمرین یکون العلم البشری ضروریاً حسب حاجة الاُمّة إلیه ولعلّه یصیر واجباً عینیاً بعد أن کان واجباً کفائیّاً ، وهذا العلم الإلهی ینفع فی القبر أیضاً ، لأنّ السؤال الثانی الذی یوجّه إلی صاحب القبر عن الصلاة والصیام وفروع الدین بعد السؤال عن اُصول الدین ، فعلی هذا لا بدّ لنا أن نتعلّم من زینب ونزداد منها علماً ، فإذا لم نزداد أو لا نتعلّم ونحن بحضرتها المقدّسة ، فهذا القصور فینا لا فیها ، لأنّ القصور فی القابل لا فی الفاعل ، لأنّ فاعلیة الحوراء تامّة[33] ، کالشمس تضیء لذی عینین ،
ولا ینتفع منها الأرمد . وکلّما دخل الإنسان إلی حضرة زینب یزداد علماً وینفتح له باب من ذلک العلم ، وإنّ هذا العلم لا ینضب لأ نّه علم الله تعالی بل هو الله تعالی[34] ، والله تعالی لا نهایة له ، لأ نّه الأوّل والآخر والباطن والظاهر[35] ، فیکفیک أن تجلس أمام وجودها وشعاعها وتفکّر فی مسألة ، فإنّه سینفتح لک علم جدید لم تعلمه من قبل ، وهذا هو الإلهام الإلهی ، لأنّ العلم لیس بکثرة التعلّم إنّما العلم نور یقذفه الله فی قلب من یشاء[36] ، وهذا ما أکّده روح الله عیسی بن مریم (علیه السلام) بقوله : « لیس العلم فی السماء حتّی ینزل إلیکم ، ولا فی الأرض فیخرج لکم ، إنّما العلم فی
قلوبکم فتخلّقوا بأخلاق الروحانیین یظهر لکم » ، وهذا مرادف لقوله (صلی الله علیه وآله) : « من أخلص لله أربعین یوماً تتفجّر ینابیع الحکمة من قلبه »[37] ، ولکن هذا لا یعنی ترک الدراسة التی هی مقدّمة للعلم الإلهی ، فیا أ یّها الذین آمنوا لا یستحوذ الشیطان علی قلوبکم کما استحوذ علی غیرکم لأنّ حکومة الرحمن هی الحاکمة ولیس حکومة الشیطان[38] ، وهذا یتمّ بمعرفة جمال السیّدة زینب لا فی أ نّها بنت علیّ وفاطمة واُخت الحسین واُمّ المصائب ، فهذه حدودها ویعرفها القصیّ والدانی والمسلم والکافر ، وإنّها من المعرفة الجلالیة ، بل لا بدّ من المعرفة الجمالیة ، فهذا القول یوضح لنا ما هی ثمرة المعرفة الجمالیة فیقول : « من طلبنی عرفنی ، ومن عرفنی عشقنی ، ومن عشقنی قتلته ، ومن قتلته فأنا دیته ».
فنور زینب نور معنوی کالنور الحسّی ، ظاهر بنفسه ومظهر لغیره ، والنور الأوّل هو الله تعالی ، حیث إنّه نور السماوات والأرض ، فروضة النور یعنی روضة إلهیة ، والنبیّ (صلی الله علیه وآله) نور حیث إنّه سراج منیر ، فتکون روضتها (علیها السلام) روضة نبویّة وقرآنیة وولویة ، لأنّ القرآن نور والولی نور « فکلامکم نور وأمرکم رشد » ، فتکون روضتها روضة أحادیث أهل البیت (علیهم السلام) ، فالدخول فی هذه الروضة یورث العلم والتلذّذ المعنوی والروحی ، ولهذا قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) : « منهومان لا یشبعان : طالب علم وطالب دنیا » ، وطالب الدنیا ینکب علیها مع أ نّها جیفة « لأنّ الدنیا جیفة ، وطلاّبها کلاب »[39] ، فلو ناداها صاحبها : هل امتلأتِ ؟ تقول : هل من مزید ، أی آتنی من حلال أو حرام ، فطالب الدنیا نار ، وطالب العلم نور ، وذاک جهل ، وهذا علم ، وذاک شیطان وهذا رحمن.
فهیّا بنا لنزور الحوراء زینب الکبری بقلوبنا وعقولنا وأجسامنا ، فندخل روضتها المقدّسة وحرمها المبارک ، لنستلهم من روحها الزکیّة ونفسها القدسیّة ، العلم الإلهی والنور الربّانی.
وآخر دعوانا أنّ الحمد لله ربّ العالمین.
أقول قولی هذا وأستغفر الله لی ولکم ، والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.
---
[1]الوسائل 17 : 242 ، تأریخ بغداد 11 : 204 جاء الحدیث فیه عن ابن عباس ، قال : « قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : أنا مدینة الحکمة وعلیّ بابها فمن أراد الحکمة فلیأتِ من الباب » ، =
= وفی مستدرک الصحیحین 3 : 126 عن ابن عباس « قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : أنا مدینة العلم وعلیّ بابها » . وکما تعلم أ نّه لا یجوز الدخول من غیر الباب المخصّص فسیأخذک إلی غیر النبیّ (صلی الله علیه وآله) وغیره باطل محض . ومراد سیّدنا الاُستاذ بقوله : « وعلیّ باب رسول الله » أی الوسیلة إلی النبیّ (صلی الله علیه وآله) هو أمیر المؤمنین (علیه السلام) ومن وصل إلی النبیّ (صلی الله علیه وآله) فقد دخل فی الرحمة الإلهیّة لأ نّه (صلی الله علیه وآله) رحمة الله للعالمین ، ودخل فی الأمن الإلهی لأ نّه أمان للبشریة ، واستضاء بنوره لأ نّه سراج منیر.
[2]ورد هذا المقطع الشریف فی الزیارة ، ومراده أنّ النبیّ (صلی الله علیه وآله) هو باب إلی الله تعالی وهو الوسیلة إلی الله تعالی لقوله تعالی : (وَلَوْ أ نَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنفُسَهُمْ جَاؤُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ) ( النساء : 64 ) ، فحیث کان النبیّ (صلی الله علیه وآله) باباً من أبواب الله تعالی ووسیلةً إلیه ، فلا بدّ من الولوج إلی الرحمة الإلهیة من الباب الذی فتحه لنا واتّخاذ الوسیلة التی لها قابلیّة أن توصلنا لله تعالی ولأ نّه (صلی الله علیه وآله) أفضل الخلق طرّاً فهو الباب الأوسع والوسیلة الأسرع.
[3]أی لو حذفنا الواسطة بینها (علیها السلام).
[4]نعم نقول کما قال قیس العامری ، ولکن لا نستدلّ بقول قیس بل هو شاهد من التأریخ ، وحیث کان ردّه منطقیاً فاستشهدنا به ، وإلاّ لنا دلیلنا المتین کما فی جامع أحادیث الشیعة للسیّد البروجردی ( 20 : 172 ) حدیث طویل إلی أن قال : فزرنا لله شکراً لما عرفنا وقبّلنا الأرض بین یدیه وسألناه عمّا أردنا فاُجبنا ، فحملنا إلیه الأموال الخبر : ومعناه عندما التقوا بالإمام الحجّة (علیه السلام) فعلوا ذلک ولم یردعهم عنه ، فجاز أن نقبل ما یمتّ لهم بصلة تعظیماً وحبّاً ، کما أ نّه ورد فی السنّة المتّفق علیها عند الفریقین تقبیل الحجر الأسود فی الحجّ ، وینقل أنّ أحد علمائنا الکبار عند تشرّفه بزیارة بیت الله الحرام وعند لقائه بالملک فی السعودیه جعل مصحفاً فی جلد خروف وأهداه إلی الملک ، ولمّا عرف الملک ذلک قبّل القرآن ، ولکن فوق الجلد ، فقال العالم : لِمَ قبّلت الجلد أ یّها الملک ؟ قال : إنّما قبّلت القرآن الذی فی باطن الجلد وهذا هو قصدی ، فقال العالم : وهکذا الشیعة یقبّلون الضریح =
= وقصدهم من فی الضریح ولیس الحدید أو الخشب ، وإنّما کتبت هذه القصّة کشاهد فی المقام للاستدلال بها . ونقول فی التفسیر إنّ النبیّ یعقوب (علیه السلام) لمّا ألقوا علیه قمیص یوسف (علیه السلام) وارتدّ بصیراً بإذن الله تعالی ، فکان للقمیص أثراً وضعیّاً بإذن الله تعالی.
[5]إنّ الشرک له معنی عند أهل التفسیر والعقائد ألا وهو عبادة غیر الله مع الله سبحانه ، ونحن عندما نفعل هذا التعظیم لأئمة أهل البیت (علیهم السلام) ولذرّیاتهم الکریمة فلیس المقصود منه العبادة ، ولا یقول أحد من الشیعة ـ عامّتهم أو علماءهم ـ إنّنا نری فی صاحب الضریح له أو یفعل فعل الإله بالاستدلال ، ومن فی قلبه شکّ فی کلامی فلیرجع إلی کتبهم ومن فی قلبه مرض ندعو الله تعالی أن یزیل مرضه.
[6]قسّم الاُستاذ المعرفة الإلهیة إلی ثلاثة أقسام :
أوّلها ـ المعرفة الجلالیة ، والتی معناها سلب النقص عن المعرّف وبیان الحدود ، فقولنا الله تعالی لیس بجسم ، لیس متّحداً مع غیره ، لیس فی جهة وغیرها من الصفات التی یجلّ الله تعالی عنها وتسمّی الصفات الجلالیة ، وعند بیان أ نّه تعالی واجب الوجود ولیس ممکن الوجود فنکون قد بیّنّا الفرق بینه وبین مخلوقاته ، هذه هی المعرفة الجلالیة.
ثانیها ـ المعرفة الجمالیة ، وهی أن نعرف الله تعالی بصفات الجمال وأ نّه یتّصف =
= بالعلم والقدرة والحیاة وبصفات أفعالیة کالرازق والخالف وغیرها.
ثالثها ـ المعرفة الکمالیة ، وهی المعرفة التامّة أی معرفة الکنه والحقیقة ، وهذه ممتنعة علی المخلوق ولا یعرف الله بهذه المعرفة إلاّ الله تعالی لأ نّه هو الذی یعلم ذاته ولأ نّه لا محدود فلا یحیط به شیء وهو یحیط بکلّ شیء ، وقد وردت روایات کثیرة تؤکّد هذا.
وأمّا معرفة النبیّ وأمیر المؤمنین وأهل البیت (علیهم السلام) لله تعالی فهی معرفه جمالیة إلاّ أ نّها أعلی مراتب المعرفة الجمالیة لأنّ المعرفة الجمالیة لها مراتب متفاوتة . وأمّا المعرفة الکمالیة فقد ورد عنه (صلی الله علیه وآله) : « ما عرفناک حقّ معرفتک » . وهکذا أهل البیت (علیهم السلام) هناک من یعرفهم معرفة جلالیة أی بسلب النقوص عنهم فی الرتبة البشریة وأ نّهم یجلّون عن غیرهم من أهل المعصیة والفجور والزلل والخطل والوهم والانحراف والاشتباه والالتباس ، کما ورد ذلک فی الزیارة الجامعة التی سوف تأتی إن شاء الله کما أ نّهم یعرفون بالمعرفة الجمالیة أی نعرفهم کما یعرفهم سلمان المحمّدی بأ نّهم أهل الفضل ولهم أعلی الرتب فی کلّ کمال فضلا عن تنزّههم عن کلّ نقص ، ولهم معرفة اُخری هی المعرفة الکمالیة أی الإحاطة بکنههم وحقیقتهم ، وهذه لا یرتقی إلیها مخلوق إلاّ هم ، فهم یعرفون حقیقة أنفسهم فقط والله من ورائهم محیط فلذلک قال النبیّ (صلی الله علیه وآله) لعلیّ (علیه السلام) : « یا علیّ ما عرفنی إلاّ الله وأنت ، وما عرفک إلاّ الله وأنا » . وهذه الرتب تجری علی سیّدتنا زینب لأ نّها من أهل البیت (علیهم السلام) إلاّ أ نّهم حجج الله تعالی وخلفائه ولهم من الصفات والحقیقة التی لا یدانیهم فیها حتّی مثل زینب (علیها السلام) . ولکن لا بدّ أن نعرفها بالمعارف الثلاثة حتّی نطّلع علی مقامها الشامخ.
[7]المقامات التی یصل إلیها المؤمن فی السیر والسلوک الذی تعلّق قلبه بالمعشوق سواء کان هذا المعشوق هو الله تعالی ، أو من یحبّه الله تعالی ، فهی متعدّدة ومنها مقام الفناء أی أنّ العاشق یکون مرآة المعشوق.
[8]إنّ المشاهد أو المناظر سواء کانت رحمانیة أو شیطانیة لها أثرها علی القلب والروح ولذلک جاء الحدیث الشریف بمعاشرة ( من یذکّرکم الله رؤیته ) أی انظروا إلی من یذکّرکم بالله تعالی وعاشروه لکی یکون رفیق صلاح لقلوبکم ، وإنّ النظرة الثانیة للمرأة الأجنبیة سهم من سهام الشیطان.
[9]نعم ذکر أهل الحدیث عن إمامنا الصادق (علیه السلام) : « إن أذنب الرجل خرج فی قلبه نکتة سوداء » ، وکلّما ازداد الذنب اتّسعت النکتة حتّی تستولی علی القلب جمیعه فیکون قلباً محجوباً ومنکوساً بسواده عن الحقّ . وهناک للذنوب آثار اُخری کثیرة وعلیکم بمراجعة کتب الحدیث لتعرفوا مضارّ الذنوب . کما لسیّدنا الاُستاذ کتاب ( التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والعترة ) وهو مطبوع ضمن المجلّد الرابع من موسوعته الکبری ( رسالات إسلامیة ) فراجع.
[10]مستدرک الوسائل ، باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، الباب الثالث ، الخبر السابع ، عن کتاب قصار الجمل.
[11]إنّ ظاهر سیّدنا الاُستاذ دام عزّه یدلّ علی أ نّه حاو علی رتبة عالیة من الإیمان ، فلو قال إنّ رتبة أضعف الإیمان ماتت لتکرّر المشاهد الشیطانیة فلیس مراده أ نّه بقی بلا إیمان وإنّما مراده أنّ النهی عن المنکر فی القلب یستوجب رتبة ضئیلة من الإیمان وهی المعبّر عنها فی الحدیث بـ « أضعف الإیمان » ، فلو ترکنا النهی بقلوبنا لکثرة المشاهد الشیطانیة نکون قد قتلنا هذه الرتبة الضئیلة وهذا ما أحسّه السیّد حفظه الله تعالی.
[12]أی لا قیاس بین المطهّر المادّی وآثاره وبین المطهّر المعنوی وآثاره لما للمطهّر المعنوی من أهمیة کبیرة فی حیاة البشر.
[13]جاء فی الحدیث عن رفیق السوء وعشرته وعن رفیق الصلاح وعشرته : « إنّ النبیّ (صلی الله علیه وآله)قال : إنّ مثل جلیس السوء کمثل نافخ الکیر فإن لم یصبک من رائحة کیره أصابک من سواده ، وقیل الجلیس الصالح کبائع الطیب فإن لم یصبک من طیبه أصابک من رائحته ».
[14]ورد فی حقّ السیّدة فاطمة المعصومة اُخت الإمام الرضا (علیه السلام) : « عن سعد الأشعری القمّی ، عن الضرا (علیه السلام) ، قال : قال : یا سعد عندکم لنا قبر ؟ قلت : جعلت فداک قبر فاطمة (علیها السلام) بنت موسی بن جعفر (علیه السلام) ، قال : بلی ، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة » ، فما بالک بزینب ، فإنّه من الأولی أن یکون لزائرها الجنّة إذا کان عارفاً لأ نّها کفاطمة المعصومة إذا لم تکن أعلی وأرفع ، وهذا من تنقیح المناط عند الاُستاذ دام ظلّه.
[15]هنا الکلام یدور عن العلم والمعرفة ، ولو أردنا أن نتجاوز هذا الهامش لکان بالإمکان کتابة فصل خاصّ بذلک ، ولکن نبیّن ذلک بحسب ما یسمح به المقام ، فنقول : إنّ الفرق بین العلم بالمعنی الأعمّ والعرفان المأخوذ من المعرفة ، فإنّ المعرفة عبارة عن إدراک الجزئیات والعلم عبارة عن إدراک الکلّیات ، وقیل : إنّ المعرفه تصوّر والعلم تصدیق ، ولمثل هذا یقال : کلّ عالم عارف ، ولیس کلّ عارف عالم.
[16]لا یطلق علی الله تعالی عارف لأنّ المعرفه أخصّ من العلم وهی علم بالشیء مفصّلا عمّا سواه أی علم بالجزئیات ، والعلم هو إحاطة بالکلّیات والجزئیات والله تعالی محیط بالکلیات والجزئیات ، فلذلک نطلق علیه عالم ولا نطلق علیه عارف تعالی عن ذلک.
[17]مراده من الکلّی التشکیکی : أی أنّ مفهوم المعرفة مفهوم کلّی ینطبق علی مصادیقه وهذه المعرفة ذات مراتب متعدّدة وهذا مراده من کلمة تشکیکی ، والکلّی التشکیکی ما یتفاوت فی التقدّم والتأخّر والضعف أو الأولویة ویقابله الکلّی المتواطی کالإنسان.
[18]طولیة وعرضیة : أی مراتب المعرفة إحداها فی طول الاُخری أی تلیها ومتوقّفة علیها فتسمّی مراتب طولیة ، واُخری معرفة فی قبال معرفة موازیة لها فتسمّی عرضیّة.
[19]نهج البلاغة / قصار الکلمات ، ومعناها أنّ قیمة الإنسان تحدّد من کلامه ، ویستدلّ علیه أ نّه صادق أو کاذب ، عالم أو جاهل من خلال کلامه ، لأنّ الکلام صفة المتکلّم ، والظاهر عنوان الباطن.
[20]اُسّ الکمال القابل لها : أی أنّ المعرفة هی الأساس الأوّل والأهمّ فی کمال کلّ من له قابلیة لحمل هذه المعرفة وهذا القید ، لأنّ المعرفة مختصّة بمن له إدراک دون سواه.
[21]مفاتیح الجنان ; للمحدّث القمّی : 610.
[22]« سلمان منّا أهل البیت » هذا حدیث مشهور عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) وأیضاً ورد فی الدرجات الرفیعة عن أبی جعفر (علیه السلام) وفی البحار عنه أیضاً (علیه السلام) ومراد الأئمة (علیهم السلام) وسیّدهم أنّ سلمان منهم أی علی نهجهم وفکرهم وسلوکهم ویطابقهم القدم بالقدم والنعل بالنعل ، بل ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) إنّه خلق من طینتنا وروحه مقرونة بروحنا ... وهناک کلام طویل فلیراجع عنه فی الکتب المؤلّفة فیه.
[23]هذا حدیث نبوی مشهور : « إنّ النبیّ (صلی الله علیه وآله) قال لأمیر المؤمنین (علیه السلام) : یا علیّ ، ما عرف الله إلاّ أنا وأنت ، وما عرفنی إلاّ الله وأنت ، وما عرفک إلاّ الله وأنا » ، وهنا یشار إلی أنّ معرفة النبیّ (صلی الله علیه وآله) وأمیر المؤمنین لله تعالی معرفة تفوق معرفة جمیع الخلق ومختصّة بهما مع الأئمة الأطهار وفاطمة الزهراء (علیهم السلام) وأ نّهم لا یعرفهم حقّ المعرفة إلاّ الله تعالی أی بالمعرفة الکمالیة.
[24]( کهیعص ) هذه الحروف المقطّعة فی سورة مریم آیة ( 1 ) ، لها من التأویل فی قضیة کربلاء ، وإنّ کلّ حرف یدلّ علی شیء وحدث فی کربلاء مذکور فی محلّه ، فالکاف تدلّ علی کربلاء ، والهاء هلاک یزید ، والصاد تدلّ علی صبر الحسین ، والعین عطشه ، وغیر ذلک.
[25]لمعرفة هذه الکتابة علی العرش یراجع کتاب السیّد العلوی ( هذه هی الولایة ) المجلّد الخامس من الموسوعة ( رسالات إسلامیة ) ، وکذلک ( الإمام الحسین فی العرش الإلهی ) و ( زینب الکبری زینة اللوح المحفوظ ) فی المجلّد السادس من الموسوعة.
[26]قوله : « ما خلاهن فضل » أی أنّ العلوم البشریة لها أهمیة کبری لکنّها تأتی فی الدرجة الثانیة من حیث الأهمیة والحاجة البشریة لها بعد العلوم الإلهیة بحیث یصل التکلیف =
= فیها حدّ الوجوب الکفائی وأحیاناً یتعدّاه إلی الوجوب العینی حسب حاجة الاُمة الإسلامیة وأهمیة هذه الحاجة فیراجع کتب الفقه الاستدلالی فی ذلک.
[27]أی أنّ اُصول الدین التی هی العقائد لا یجوز فیها التقلید ، بل لا بدّ من الاستدلال والقناعة الخاصّة بذلک ، إلاّ أ نّه یقال فی حقّ من لیس له القدرة علی الاستدلال أ نّه یکتفی منه بحسبه ولکن عن قناعة تامّة.
[28]أی استدلّ الرجل علی أنّ لکلّ حادث محدث ، وهذا الضرب الذی سقط علی رأس السائل هو بسبب الفلاّح فکیف لا یکون لهذا الکون الحادث من محدث ؟
[29]البراهین کثیرة والطرق إلی الله تعالی بعدد أنفاس الخلائق کما قال أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، إلاّ أنّ هناک برهاناً اسمه برهان الحرکة ومفاده أنّ لکلّ متحرّک محرّک یحرّکه ، وهکذا مغزل العجوز إن حرّکته تحرّک ، وإن ترکته سکن واستقرّ ، فکیف بهذا الکون المتحرّک المتغیّر یتحرّک بدون محرّک هذا محال ؟
[30]أی أنّ هذه العجوز أجابت بحسب فطرتها التی فطرها الله علیها وبدون التشبّث بالدراسة والتعلّم فإنّ الله تعالی فطر الناس علی معرفته کما ورد فی الحدیث.
[31]ورد حدیث مستفیض عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « لکلّ مولود یولد علی الفطرة حتّی یأتی أبواه فیهوّدانه أو ینصّرانه أو یمجّسانه ».
[32]أی أنّ التقوی تُقیّم بحسب صاحبها فهناک تقوی العوام من الناس الذین یعملون الواجبات ویترکون المحرّمات وهناک رتبة أعلی وهی تقوی الخاصّ أی أنّ هناک اُناس لهم تقوی أوسع وأدقّ من الطبقة السابقة ، وهناک طبقة أعلی منها ، وندع ذلک للسیّد حفظه الله تعالی فی بیان المراد منها.
[33]الفاعلیة والقابلیة : هذان مصطلحان فلسفیان فیراد من الفاعلیة أنّ الفاعل له القدرة التامّة علی الفعل ولا یمنعه شیء ، والقابلیة یراد منها أنّ الطرف المتلقّی للفیض من قبل الفاعل له القدرة والمؤهّلات لتلقّی هذا الفیض وهناک شرح فلسفی فی محلّه ، وإنّما اکتفینا بما یناسب الجمیع.
[34]مراد السیّد الاُستاذ من « أنّ العلم هو الله تعالی » أی أنّ العلم صفة ذاتیة من صفات الله تعالی ، وبما أنّ صفاته عین ذاته ، فصار تعالی علم کلّه فی عین هو قدرة وفی عین هو حیّ ، وهکذا فیصحّ أن تقول العلم هو الله تعالی بعیداً عن الاتحاد ، وإنّما المراد العینیة.
[35]إنّ الله تعالی هو الأوّل أی لم یسبق بشیء أو بالعدم أو بالزمن ، والآخر أی لم یلحق بالغیر أو العدم ، والظاهر أی المعروف والمتجلّی لخلقه فی آثاره وعلاماته ، والباطن أی لا یحاط بکنهه وبحقیقته ، وهناک کلام أوسع من هذا.
[36]ورد فی الحدیث الشریف فی بحار الأنوار ( 1 : 225 ) : « العلم نور یقذفه الله فی قلب من یشاء » أی فکرامةً لزینب (علیها السلام) یلهمک الله تعالی حلّ هذه المسألة التی فکّرت بها ، ولهذا النور مراتب حسب مراتب الإیمان . وهناک کلام أعمق فی کیفیة هذه النورانیة وما هی الشروط التی یجب أن یتحلّی بها القابل الذی فاض علیه هذا النور ، طوینا عنه کشحاً لأ نّه لا یناسب المقام الذی نحن فیه وهو معروف عند أهله.
[37]اُصول الکافی ، الجزء الثانی فی باب الأخلاق.
[38]لیس للشیطان حکومة علی أحد بل لیس له إلاّ الوسوسة والتزیین والتسویل فهو لا یسلب الاختیار عن أحد ، ولکن تضعف النفوس فتقع فی شراکه لیس إلاّ ، والله تعالی برحمته العامّة التی عمّ بها جمیع مخلوقاته حتّی الشیطان فتکون حکومته هی الحاکمة وعلی هذا یستطیع الإنسان أن یجعل الشیطان طریقاً إلی الجنّة وذلک بمخالفته له.
[39]هذا الحدیث ورد فی اُصول الکافی ، الجزء الثانی فی باب الأخلاق ، ومراده أنّ الدنیا لا تکون جیفة بذواتها لأنّ هذه الذوات هی آثار الله تعالی وآثار الله تعالی محبوبة له ، فلا یقع الذمّ علیها بل المراد هو أنّ التعلّق بهذه الآثار الذی یمنع الإنسان من التکامل هو المذموم فیکون من حیث النفع لا نفع فیها لأ نّها جیفة أی میتة نتنة الرائحة فلا یقبل علی هذا إلاّ الکلاب ، فعلی الإنسان أن لا ینزل إلی هذه المرتبة الحیوانیة ویتکالب علی الدنیا.

المحاضرة الثانیة )

بعد البسملة والحمد والصلاة :
نحن الآن بجوار السیّدة زینب الکبری (علیها السلام) ، وکلّنا حبّ لمقامها الشامخ ، فیحلو لنا الذکر ، لأنّ من أحبّ شیئاً أحبّ ذکره ، ومن لوازم الحبّ أن یذکر المحبوب[1] ، وکلّما ازداد الإنسان حبّاً ازداد ذکراً لمحبوبه ، وهذا أمر فطری وجدانی ، والوجدانیات من البدیهیات[2] ، فإذن هذا أمر بدیهی . فإتماماً لما بدأنا نقول :
إنّ تقسیم المعرفة إلی جلالیة وجمالیة وکمالیة ، فإنّما یکون هذا التقسیم أوّلا فی الصفات الإلهیة کما بیّنّا سابقاً ، وهذا التقسیم موجود أیضاً فی جمیع الشرائع السماویة ، فمثلا لو أردنا أن نعرف الأحکام الشرعیّة فنعرفها تارةً بجلالها کما لو أردنا أن نعرف الصلاة ، فمنهم من سیعرّفها لنا بحدودها کصلاة الصبح مثلا رکعتان والظهر أربعة ، وهناک من یعرّف لنا الصلاة بجمالها أی بأسرارها[3] ، وهناک من یقف علی حقیقة الصلاة وهذه معرفة کمالیة للصلاة[4] ، وهناک تقسیم مشهور لأعلامنا ولا بأس بذکره باعتبار أنّ المحفل محفل علمائی أیضاً لحضور أهل العلم حفظهم الله تعالی.
فنقول : إنّ المعرفة تارةً تکون حسّیة أی من خلال الحواسّ الظاهریة ، واُخری تکون علمیّة ، وثالثة تکون فلسفیة ، حیث إنّ هناک فرق بین المعرفة
العلمیة والفلسفیة ، ورابعة تکون شهودیّة ، وخامسة تکون دینیة ، وسنوضح هذه المعارف کالآتی :
أوّلا ـ المعرفة الحسّیة : هی المعرفة التی تکون من خلال الحواسّ الظاهریة الخمسة ، وهی الباصرة والسامعة والذائقة واللامسة والشامّة کما أنّ للإنسان قوی باطنة خمسة ، ترسم علی شکل زاویة منفرجة فی صفحة الذهن ، والتی هی عبارة عن الحسّ المشترک الذی یسمّی بالقوّة البنطاسیة حیث إنّ مدرکات الإنسان تنطبع فی الحسّ المشترک من خلال الحواسّ الخمسة ، ثمّ تنتقل بعد ذلک إلی خزانة الخیال ثمّ إلی القوّة الحافظة وهناک قوّة ثالثة تکون بین هاتین القوّتین هی القوّة المتصرّفة کما أنّ هناک أیضاً قوّة اُخری تسمّی بالقوّة العاقلة ، فهذه هی القوی الباطنیة الخمسة وأمّا المعرفة بالحواسّ الظاهریة الخمسة تسمّی بالمعرفة الحسّیة.
ثانیاً ـ المعرفة العلمیة : هی المعرفة التی یکون العلم أداة فیها[5] . وتکون المعرفة جزئیة لا کلّیة بالنسبة إلی المعرفة الفلسفیة.
ثالثاً ـ المعرفة الفلسفیة : هی المعرفة التی تهتمّ بالکلّیات ویکون الباحث فیها مهتمّاً بما هو کلّی کما لو کان بحثه فی الکون فیبحث فی العلّة والمعلول والحادث والقدیم وما شابه[6].
رابعاً ـ المعرفة الشهودیة : هی عبارة عن الکشف والشهود وهذه المعرفة تختصّ بالعرفاء[7].
خامساً ـ المعرفة الدینیة : هی المعرفة التی تبتنی علی الآیات القرآنیة والأحادیث الشریفة ، أی أ نّها تبتنی علی کتاب الله تعالی وسنّة النبیّ (صلی الله علیه وآله) والولیّ الوصیّ المتمثّلة بقول المعصوم وفعله وتقریره[8] [9].
وقفة علی المعرفة الفلسفیة والعرفانیة :
نقف علی هاتین المعرفتین لکی نبیّن الحقیقة لمن یعتبر بعض المظاهر الخاطئة أ نّها مظاهر عرفانیة وهو یخطأ بتطبیق الکلّی علی الجزئی أی علی المصداق ، فنقول : إنّ الفلاسفة یبحثون عن الوجود أو الموجود بما هو موجود حسب الطاقة البشریة وذلک من خلال الاستدلال العقلی ، وأمّا العرفاء فیبحثون عن الوجود من خلال صیقلة القلب فیقول العرفاء : بقلوبنا نصل إلی الله تعالی ، ویقول الفلاسفة : نصل إلی الله تعالی بعقولنا ، وهذا لا یتمّ إلاّ بشرطه وشروطه ، فلا کلّ من یدّعی العرفان هو صادق فی مدّعاه بل هو لا یرید إلاّ التصوّف ومن التصوّف ما فیه الانحراف الفکری أو السلوکی ، فتدبّر.
فی حین إنّ العرفان الذی نحن بصدده هو الذی ینهل من نبع أهل البیت (علیهم السلام)[10] ، ذلک النبع الصافی فبالصقل للقلب ینکشف للعارف الوجود وتنکشف الحقائق ویکون عند ذلک دلیلهم هو الکشف والشهود والإشراقات الإلهیّة ، وهذه القصّة التأریخیة توضح ما قلناه : ( ففی غابر الزمان یُنقل أنّ الاسنکندر ذی القرنین جمع الفلاسفة والعرفاء وبنی لکلّ واحد جداراً لیرسموا علیه ما عندهم من البحوث والعلوم وجعل بینهما ستاراً ، ثمّ قال : سأرجع إلیکم بعد سنة لأعرف ما أنتم علیه ، وفعلا لمّا مضی الوقت الذی قرّروه جاء الاسکندر إلیهم ودخل علی الفلاسفة فوجدهم رسموا علی الجدار من کلّ شیء فرداً ، فمن الطیور طیراً ، ومن الأشجار شجرة ، وهکذا ، فقالوا : هذا هو الموجود ونحن نبحث فی هذا ، ولمّا رفع الستار الذی بینهم وبین العرفاء وجد العرفاء قد صقلوا الجدار حتّی جعلوه کالمرآة فانعکست فیه نفس صورة الفلاسفة التی رسموها بالإضافة إلی صورة الاسکندر ، فقالوا للاسکندر : نحن نبحث عن ما یبحث عنه الفلاسفة بما فی ذلک أنت وحاشیتک من خلال صقل القلب ).
وبهذه المعارف التی بیّنّاها لکم تُعرف الأشیاء ، فلا بدّ للإنسان الذی یرید الترقّی فی سلّم الکمال من المعرفة ، فإنّ الفضل بالمعرفة ( أفضلکم أفضلکم معرفةً ) وهی التی تقود إلی العبادة الحقّة الخالصة ، ونوم العالم أفضل من قیام الجاهل[11] ، ویبیّن لنا میزان الأعمال والقرآن الناطق أمیر المؤمنین (علیه السلام) مدی
الترابط الوثیق بین العلم والعبادة فیقول : « قسم ظهری اثنان : جاهل متنسّک ، وعالم متهتّک »[12] ، فالجاهل یغرّ الناس بعبادته والعالم یغرّ الناس بعلمه ، فقیمة الإنسان بالمعرفة وهذا عند الله تعالی والراسخون فی العلم لا عند الناس ، لأنّ الناس أعداء ما جهلوا[13] ، فکم نری من عالم مهجور کما نری قرآناً مهجوراً ومسجداً مهجوراً ، وهؤلاء ممّن یشتکون إلی الله تعالی یوم القیامة[14] ، فالناس یجهلون قدر العالم الربّانی ویهجرون هذا العالم حتّی کأ نّه غریب بینهم ، مع أ نّه یدعی فی السماء عظیماً کما فی الحدیث الشریف : « من علم لله وعمل لله وعلّم لله دُعی فی ملکوت السماوات عظیماً »[15] ، فهذه العظمة التی نالها هذا العالم ، إنّما هی لإخلاصه ، لأ نّه تعلّم وعمل لله تعالی لا للریاء والجدل والاستطالة علی الناس ،
فهو عظیم عند ربّه وإن کان مستضعفاً عند أهل الأرض ، فبناءً علی هذا لا بدّ لنا من إنصاف أهل العلم والعمل الخالص ، ولا بدّ من تعظیمهم وعلی رأسهم سادتهم وأئمّتهم معدن العلم ومهبط الوحی (علیهم السلام) ، ومن یسیر علی نهجهم سیّما أولادهم الذین عکسوا ذواتهم کزینب الکبری ، فلنعرف زینب بصفاتها الجمالیة وذلک من خلال ما ورد فی حقّها وشأنها.
سؤال غبی :
هناک من یسأل هذا السؤال النابع من جهل السائل والذی ینمّ عن سطحیّة عقله ووهن رأیه ، فیقول : ( لماذا هذا الإصرار علی معرفة أهل البیت سیّما فی عصرنا الحاضر عصر العلم والتطوّر التکنولوجی ؟ ! حیث إنّ العالم أصبح قریة واحدة فی عصر الکومبیوتر وأنتم لا زلتم تبحثون عن أمیر المؤمنین هو النقطة التی تحت الباء ، أین نحن وأین العالم ولِمَ هذا الصراع علی هذه الاُمور التی لسنا بحاجة إلیها ).
الجواب : یأتی الجواب من الإمام زین العابدین (علیه السلام) ، ولکن قبل أن نسمع جواب الإمام ، اُرید أن أقول إنّ من العدل الإلهی إذا تقدّم الإنسان فی العلوم البشریة کما تقولون ، لا بدّ أن یتقدّم ویتعمّق فی العلوم الإلهیة[16] ، کما أنّ الإنسان الحاضر یبحث فی المعاش ، فلنا أن نبحث فی المعاد ، وکما أنّ العالم الغربی یبحث فی العلوم البشریة ویتعمّق ، لا بدّ لنا أن نبحث فی العلوم الإلهیة السماویة ، وهذا من صمیم حضارتنا الإسلامیة ، فنقول إنّ العلوم البشریة یتعلّمها المسلم والکافر ولکنّ العلوم الإلهیة لا یتعلّمها ولا یتقدّم فیها إلاّ العالم الإلهی الربّانی ، لأ نّه علم شریف یحتاج إلی محلّ طاهر ، فعلی هذا لو کان القلب طاهراً ، لَعَلم وفَهم ما فی القرآن الکریم وبواطنه وما فیه من المعارف ، ولکن عندما یکون القلب نجساً أو شهوانیاً أو حیوانیاً أ نّی له ذلک ، فتراه یری الحقّ باطلا ، والعلم بالعدل الثانی للقرآن وهم العترة الطاهرة ضیاعاً ، ومعرفتهم ترفاً فکریاً ، وهذا عین الظلم للقرآن ولعدله الثانی وللعلماء بهما.
والآن نأتی إلی جواب الإمام زین العابدین (علیه السلام) الذی أصبح بعد کلامنا هذا شاهد صدق علی قولنا ، فإنّه یقول (علیه السلام) : « إنّ الله علم أ نّه سیکون فی آخر الزمان أقوام یتعمّقون فأنزل سورة التوحید وآیات من سورة الحدید »[17] حیث المعرفة الحقّة وحیث المعرفة الإلهیة ولکن لا یعلم تأویله إلاّ الله والراسخون فی العلم ، ولا یقف علی هذه الحقائق إلاّ من کان طاهراً معنویاً لأنّ القرآن لا یمسّه إلاّ المطهّرون ، وأمّا غیر المطهّر لو أراد أن یمسّ أی یعلم القرآن فی بواطنه وأسراره ، فإنّه لا یستطیع ، بل لا ینال إلاّ اللعن من القرآن وهذا ما أکّده الحدیث الشریف « کم من قارئ للقرآن والقرآن یلعنه ».
فالمعرفة التی یریدها لنا الله تعالی ورسوله (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام) هی التی تقودنا إلی کمالنا الحقیقی ، وإلی سعادتنا الدنیویة والاُخرویة ، فلا بدّ من التعمّق لکی تقف علی الحقائق ولا بدّ من التعمّق لکی نکون فقهاء لأنّ الحدیث الشریف یقول : « لا یکون الفقیه فقیهاً حتّی یعرف معاریض کلامنا ، فإنّ لکلّ منها سبعون وجه ، ولکلّ وجه لنا مخرج » ، فبمعرفة هذه الوجوه تکون الفقاهة . وأذکر لکم شاهداً علی ذلک هو اُستاذنا الشیخ حسن زادة آملی[18] أ نّه ذکر واحداً وتسعین معنی لقوله (علیه السلام) : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » . کما ذکرت للحدیث النبوی الشریف « المؤمن مرآة المؤمن »[19] تسعة وتسعین معنیً ، فبهذا یتّضح أنّ حدیثاً ندریه خیر من ألف حدیث نرویه[20] ، فنحن شیعة أهل البیت (علیهم السلام) لا بدّ لنا من التعمّق بمعرفة أهل البیت (علیهم السلام) وندع الدنیا لأهلها ، فنقول إذا جاؤوا لنا بجدید فی علومهم البشریة علیناأن نأتی بجدید وعمیق فی العلم الإلهی والنبوی والولوی ، فإنّ زیادة المعرفة والعلم تعطی الإنسان الأدب والخضوع والخشوع والمودّة والإطاعة ، ومن ثمّ ینال الإنسان القرب من الله ویفوز بسعادة الدارین . إذن لا بدّ أن نتکلّم عن زینب الکبری ولا بدّ أن نتعمّق فی شخصیة زینب وأن نعرفها معرفة جمالیة ، لأنّ الأئمة (علیهم السلام) هم الذین حثّونا علی ذلک وقالوا : « نزّلونا عن الربوبیة ، وقولوا فینا ما شئتم ولن تبلغوا ، وکلّ ما تقولوا فینا إنّما هو معشار عشر »[21] ، نعم إنّنا لا نبلغ کنههم کیف نصفهم ونحن فی وصف الجنّة التی هی مکان لهم ولشیعتهم فی حیرة ؟ هذا ما أکّده الحدیث الشریف : « إنّ فی الجنّة ما لا عینٌ رأت ولا اُذن صمعت ولا خطر علی قلب بشر »[22] ، فکیف نعرف سادات الجنّة[23] لا نعرفهم إلاّ من خلال أقوالهم ، فهو (علیه السلام) الذی قال عن نفسه : « أنا النقطة التی تحت الباء » ، فبالنقطة تبدأ الحروف والأعداد ، والخطّ المستقیم الذی هو أقصر خطّ ما بین نقطتین یبدأ بنقطة وینتهی بها ، وهکذا علیّ (علیه السلام) هو البدایة والنهایة[24] ، فکلّ ما تقول فیه أو فی ابنته زینب الکبری هو معشار العشر من فضله وفضلها ، فهی صاحبة الفضل علینا کما أنّ الأرض تثبت بوجود الحجّة وبیمنه یُرزق الوری ، فلذلک نقول : « اللهمّ عرّفنی نفسک ، فإنّک إن لم تعرّفنی نفسک لم أعرف رسولک ، اللهمّ عرّفنی رسولک فإنّک إن لم تعرّفنی رسولک لم أعرف حجّتک ، اللهمّ عرّفنی حجّتک فإنّک إن لم تعرّفنی حجّتک ضللت عن دینی ، اللهمّ لا تمتنی میتة الجاهلیة »[25] ، فلنلتجئ إلی الله تعالی لیعرّفنا نفسه ورسوله وحجّته فی زمن کثرت فیه الشبهات والإشکالات والضلالات وعدم الالتفاف حول الحقائق ، اللهمّ لا تمتنی میتة الجاهلیة[26] ، وهذه زینب الکبری لنقف علی أعتابها ونستلهم من روحها العلم والمعرفة فهی التی تعرّفنا الله تعالی.
والحمد لله ربّ العالمین.
---
[1]إنّ حبّ المؤمن لربّه أو لمن یحبّه الله تعالی یقوده إلی الذکر ، ولذلک جاء عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) فی بحار الأنوار ( 77 : 84 ) قوله : « إنّ أحبّکم إلی الله ، أکثرکم ذکراً له ... » وجاء عن الإمام الصادق (علیه السلام) : « شیعتنا الرحماء بینهم ، الذین إذا خلوا ذکروا الله ، إنّا إذا ذکرنا ذکر الله ، وإذا ذکر عدوّنا ذکر الشیطان » فی الوسائل ، الجزء 23 ، الحدیث 3 ، ففی ذکرهم یتحقّق ذکر بارئهم کما ورد عند الفریقین أنّ ذکر علیّ (علیه السلام) عبادة.
[2]تنقسم القضیة الیقینیة إلی بدیهیة ونظریة کسببیة تنتهی لا محالة إلی البدیهیات ، فالبدیهیات إذن هی اُصول الیقینیات ، وهی علی ستّة أنواع : أوّلیات ، مشاهدات ، تجریبیات ، متواترات ، حدسیات ، فطریات ، وهی المراد فی متن الکتاب ، وتفصیل ذلک فی علم المنطق.
[3]للصلاة أسرار ذکرت فی الکتب المعدّة لذلک ، فهناک سرّ لکلّ فعل ولکلّ قول من أقوالها ، ففی قولک « الله أکبر » فی تکبیرة الإحرام مثلا هو أن تستصغر ما بین العلی والثری وتجعل کلّ شیء دون کبریائه فهذا ما ورد عن إمامنا الصادق (علیه السلام) ، وفی القیام یعنی المثول بین یدی الله تعالی لأداء حقّ العبودیة واستجلاب خیرات الربوبیة ، فمعرفة أرکان الصلاة وأجزائها بهکذا معرفة تسمّی هذه المعرفة معرفة جمالیة.
[4]عند الوقوف علی حقیقة الصلاة فإنّک ستراها معراجاً للمؤمن یعرج بها إلی ربّه ، وتراها أیضاً أ نّها صلة بین العبد وربّه فتکون هذه الصلاة فی نظرک کما قال النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « إنّ الصلاة تمکّن ، وتواضع ، وتیأّس ، وتندّم ، وتقنّع ، فتمد یدیک وتقول : اللهمّ فمن لم یفعل فهی خداج » ، بحیث لو کبّرت الله تعالی وکان عملک وقولک مخالفاً ومضادّاً للتکبیر فسیسمّی هذا التکبیر تحقیراً ولیس تکبیراً ، فهکذا معرفة هی المعرفة الکمالیة ، ومن رام الزیادة فلیرجع إلی کتب أسرار الصلاة ، کالآداب المعنویة للصلاة للسیّد الإمام (قدس سره) وأسرار الصلاة للشهید الثانی وأسرار الصلاة لمیرزا ملک التبریزی.
[5]عندما یجعل المحاضر السیّد الاُستاذ المعرفة العلمیة فی قبال غیرها من المعارف ویقول : إذا کان العلم أداتها فمراده بالعلم بالمعنی الأخصّ الذی یبحث حول الجزئیات فی قبال الفلسفة التی تبحث حول الکلّیات ، وأمّا العلم بالمعنی الأعمّ فإنّه شامل للفلسفة وغیرها.
[6]المعرفة الفلسفیة : بما أ نّها تهتمّ بالکلّیات فیکون بحثها فی الموجود بما هو موجود ، =
= وهذا البحث یهتمّ بمعرفة الموجود هل هو علّة أو معلول ، قدیم أو حادث ، فلذلک یکون الفیلسوف مهتمّاً بالمعرفة الکلّیة للأشیاء أی أ نّه ینظر إلی الکلّیات لا إلی الجزئیات ، والکلام فی الفلسفة طویل وکثیر فلتأخذ من مظانّها.
[7]المعرفة العرفانیة : یعنی هی المعرفة التی بها تکشف الحقائق الکونیة وما وراء الطبیعة من خلال صفاء القلب بعد تذهیبه وتزکیته فتنعکس حقائق الکون علیه ، فیصل العارف إلی مقام الکشف والشهود ، ونقول عندما تصفو النفس وننقطع إلی التفکیر فی الاُمور العلویة وتتخلّی عن ارتباطها واشتغالها بالاُمور الدینیة إلاّ ما تحتاجه من الضرورة ونصب همّها واهتمامها فی التعرّف علی ما وراء الطبیعة فإنّها ستحصل لها حالات نفسیة وتتوارد علیها خواطر قلبیة تستشعر من خلالها الارتفاع عن عالمها المادّی الضیّق وتتّصل بعالم المثال أو عالم الأرواح والعقول ومن خلال هذا الاتّصال یبدأ الإنسان بدرک الحقائق شیئاً فشیئاً وحسب ما تتوفّر له من عوامل موضوعیة وذاتیة لها مدخلیة فی تحصیل هذه المعرفة ، وهذا ما یعبّر عنه بالکشف والشهود ، أو الإشراق أو التجلّی علی اختلاف التسمیات.
[8]فعل المعصوم أی الفعل الذی یفعله المعصوم إمام المسلمین فهو حجّة لنا بالتمسّک به کسنّة نفهم منه درجة الإباحة وکونه مشرعاً ، وأمّا قوله هو عندما یقول لنا افعل کذا ولا تفعل کذا ، وأمّا تقریره معناه أ نّه یری الفعل ولا یردع فاعله عنه بشرط أن یکون عدم الردع والسکوت خالی من التقیّة فهذا إقرار منه (علیه السلام) للفاعل بصحّة فعله.
[9]شرط العرفان هو صفاء القلب وتهذیبه وصقله لکی یکون قابلا لتلقّی الحقائق =
= وتنعکس فیه بواطن الاُمور کالمرآة کلّما کانت صافیة کلّما کان الانعکاس فیها واضحاً وکلّما کانت ملوّثة کلّما کان الانعکاس ضئیلا وقد یکون منعدماً ، ولا نعنی بتصفیة القلب عدم التعلّق بالاُمور الدنیویة فحسب بلی لا بدّ من العمل العبادی المتمثّل بأداء الواجبات وترک المحرّمات والتضرّع إلی علاّم الغیوب والاتصال به دوماً ویقال عن بعض الأعلام إنّ بعض المؤمنین سألوا العارف المتألّه الشیخ جواد آملی عن العرفان العملی فقال : « مفاتیح الجنان والرسالة العملیة » ، أی تطبیق ما فی الرسالة العملیة وما فی مفاتیح الجنان ، بالإضافة إلی محاربة الهوی ومجاهدة النفس وتزکیة القلب وتخلیته وتحلیته بما یوصل إلی الکمال.
[10]منهج أهل البیت (علیهم السلام) یدعو إلی التقوی فیوافق مذاقهم القرآن الکریم الذی هو العدل الأکبر فورد فی القرآن الکریم (إنْ تَتَّقُوا اللهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقَاناً) ( الأنفال : 29 ) ، وقال تعالی : (وَاتَّقُوا اللهَ وَیُعَلِّمُکُمُ اللهُ) ( البقرة : 282 ) ، وهذا هو منهج أهل البیت (علیهم السلام) =
= لأ نّه لن یفترق عن القرآن کما فی حدیث الثقلین المعروف ، وعندما سئل الإمام (علیه السلام) عن قوله تعالی : (أفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَی نُور مِنْ رَبِّهِ) ( الزمر : 22 ) ، قال (علیه السلام) : نور یقذفه الله فی قلبه فیشرح صدره ، قیل : هل لذلک علامة ؟ قال (علیه السلام) : « علامته التجافی عن دار الغرور ، والإنابة إلی دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلول الفوت » ، وهکذا یلتقی الإمام مع القرآن فی ... منهج واحد لأ نّه لا انفصال بینهما ، بل هما واحد فلن یفترقا فی کلّ شیء منذ البدایة وحتّی النهایة.
[11]ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) عندما رأی رجلا من الخوارج قائماً یصلّی قال : « نوم علی یقین خیرٌ من قیام فی شکّ » ، وهذا معناه أنّ الذی علی یقین هو العالم والذی علی شکّ هو الجاهل ، فصار نوم العالم أفضل من قیام الجاهل ، وورد عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « یا علیّ ، نوم العالم أفضل من عبادة العابد » ، أی العابد الجاهل . قصار الجمل ـ المشکینی 2 : 63.
[12]نهج البلاغة ، قصار الجمل.
[13]ورد فی نهج البلاغة قصار الجمل : « الناس أعداء ما جهلوا » ، ومراده (علیه السلام) بحسب ما نفهم من قوله أنّ الإنسان لا یعرف قیمة وثمن ما یجهل فیقع منه تجاهلا وإهمالا لهذا المجهول وقد یقع منه محاربة له وذلک بسبب جهله بمقامه أو بقیمته فیکون عدوّاً له.
[14]ورد فی الحدیث الشریف : « عن الصادق (علیه السلام) : ثلاثة یشکون إلی الله : مسجد خراب لا یصلّی فیه أهله ، وعالم بین جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع علیه غبار لا یقرأ فیه » ، کتاب قصار الجمل ـ المشکینی ( 2 : 63 ) ، ثمّ جاء فی بحار الأنوار ( 77 : 140 ) عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « ارحموا عزیزاً ذلّ ، وغنیّاً افتقر ، وعالماً ضاع فی زمان جهّال ».
[15]رسالات إسلامیة ( موسوعة السیّد الاُستاذ ) المجلّد الثالث.
[16]التعمّق فی العلوم الإلهیة أهمّ من التعمّق فی العلوم البشریة ، لأنّ الإنسان ذو بعدین ، البعد المادّی والبعد الروحی ، فالعلوم البشریة هی التی تهتمّ بالبعد المادّی للإنسان وهو البدن ، وأمّا العلوم الإلهیّة تهتمّ بالبعد الروحی والإنسان کما هو واضح بروحه وعقله لا ببدنه ، =
= فلو کانت المقاییس علی الأبدان لسبقنا کثیر من الحیوانات فی ذلک کالفیل والجمل وکلّ من هو أکبر منّا جسماً ، ولکنّ المقاییس علی العقول والأرواح ، فلذلک صار کلّ شیء مسخّر لنا (سَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ) ( لقمان : 20 ) ، وعلی هذا لا ینبغی للإنسان أن یدع الرتبة الکریمة (وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ) ( الإسراء : 70 ) ، وینزل إلی رتبة البهیمة (اُوْلَئِکَ کَالأنْعَامِ) ( الأعراف : 79 ) ، ثمّ قد یتسافل فینزل إلی أخسّ من الأنعام لقوله : ( بَلْ هُمْ أضَلُّ سَبِیلا ) ( الفرقان : 44 ) ، والفرق الآخر بین العلوم البشریة والإلهیة الذی هو السبب فی دفعنا إلی التعمّق بالعلوم الإلهیة هو موضوع العلوم ، فتلک لا تتجاوز المادّة وهذه موضوعها خالق المادّة وهو الله تعالی ، فصارت أشرف وأعلی تبعاً لموضوعها ; لأنّ العلوم تشرّف بموضوعاتها ، وأمّا الارتباط بین المعرفة والعمل فسیأتی فی المحاضرات القادمة.
[17]من کتاب ( علیّ بن أبی طالب نقطة باء البسملة ) للسیّد الاُستاذ.
[18]هو من کبار العلماء ومن أساتذة الحوزة العلمیة فی قم المقدّسة ومن أهل السیر والسلوک وتتلمذ علی یدیه فی هذا الفنّ الکثیر من الفضلاء.
[19]هو لسماحة سیّدنا الاُستاذ السیّد الحجّة عادل العلوی دامت برکاته.
[20]هذا إشارة إلی حدیث ورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «علیکم بالدرایات، لا بالروایات »، =
= قصار الجمل ـ المشکینی ( 1 : 138 ) . وعنه (علیه السلام) فی حدیث آخر : « اعقلوا الخبر إذا سمعتموه ، عقل رعایة لا عقل روایة ... » نفس المصدر.
[21]بحار الأنوار 26 : 6 ، کما للاُستاذ رسالة بعنوان ( جلوة من ولایة أهل البیت ) یذکر فیها وجوه هذا الحدیث الشریف فی موسوعته ( رسالات إسلامیة ـ الجزء الخامس ).
[22]رسالات إسلامیة ; للسیّد الاُستاذ ، الجزء الخامس ، جلوة من ولایة أهل البیت : 13.
[23]هذه العبارة مراده فیها الحدیث الشریف فی فضل الحسنین(علیهما السلام) حینما قال رسول الله(صلی الله علیه وآله)فی حقّهما « الحسن والحسین سیّدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خیرٌ منهما » سنن ابن ماجة فی باب فضائل أصحاب رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، وجاء فی سنن الترمذی 2 : 306 ، وجاء فی مسند أحمد بن حنبل ، وغیرها ...
[24]کما للاُستاذ کتاب مفصّل عن هذا الحدیث « علیّ نقطة باء البسملة » وهو مطبوع.
[25]هذا الدعاء یسمّی بدعاء الغیبة الوارد فی مفاتیح الجنان للمحدّث القمّی.
[26]هذا إشارة إلی الحدیث المتّفق علیه : « من مات ولم یعرف إمام زمانه فقد مات میتةً جاهلیة ».

المحاضرة الثالثة )

بعد البسملة والحمد والصلاة :
لا زلنا وإیّاکم فی رحاب عصمة الحوراء زینب (علیها السلام) ، لا زلنا فی روضة العلم والنور ، وذکرنا فی ما سبق شیئاً من المعرفة وأهمّیتها فی حیاة الإنسان ، وقلنا بأ نّها کلّی تشکیکی أی أنّ لها مراتب طولیة وعرضیة ، وتختلف من حیث الشدّة والضعف.
وهذه المراتب التی تمّ ذکرها هی اُمّهات المراتب إذا صحّ التعبیر ، فأوّلها المرتبة الجلالیة ، ثمّ المعرفة الجمالیة ، وآخرها المعرفة الکمالیة.
فعندما نرید تعریف أیّ شیء لا بدّ أن نعرفه بالمعرفة الجلالیة أی بذکر صفاته السلبیة وذکر حدوده ، وإذا أردنا أن نعرفه بالمعرفة الجمالیة فنعرفه بذکر صفاته الجمالیة ، وإذا أردنا أن نقف علی کنهه وذاته فهذا یتمّ بالمعرفة الکمالیة.
وفی دعاء سحر شهر رمضان المبارک إشارة إلی هذه المعارف الثلاثة فی قوله (علیه السلام) : « اللهمّ إنّی أسألک من جلالک بأجلّه وکلّ جلالک جلیل ، اللهمّ إنّی أسألک بجلالک کلّه ، اللهمّ إنّی أسألک من جمالک بأجمله وکلّ جمالک جمیل اللهمّ إنّی أسألک بجمالک کلّه ، اللهمّ إنّی أسألک من کمالک بأکمله وکلّ کمالک کامل اللهمّ إنّی أسألک بکمالک کلّه »[1] ، وذکرنا أیضاً أ نّه کما تتقدّم البشریة فی العلوم الحدیثة والعصریة ، فمن العدل الإلهی أن یتقدّم العلماء الإلهیون فی العلوم الإلهیة أیضاً ، فإذا لمسنا تأخّراً فی العلوم الإلهیة فلیس هذا التأخّر من جهة الفاعل وإنّما هو من جهة القابل ، أی أنّ القصور فی المتلقّی وإلاّ فالعلماء الإلهیون علی درجة عالیة من الفاعلیة للفیض[2] علی من یرید معرفة العلوم الإلهیّة ، وذکرنا أیضاً أنّ للإنسان علوم معاشیة ، فلا بدّ له من علوم معادیة أیضاً ، وقلنا إنّ العلوم المعادیة تنحصر بحسب ما جاء فی الحدیث الشریف فی علوم ثلاثة[3] ، تبعاً لحاجة الإنسان إلیها ، فالعلم الأوّل الذی هو علم العقائد والذی یسمّی عند أهل الفنّ بعلم الکلام[4] ، هو الذی یعتنی بکمال العقل وتربیته والترقّی فیه إلی الدرجات العلی ، والعلم الثانی هو علم الأخلاق وهذا یهتمّ ببناء الروح الإنسانیة وتهذیبها وصیقلة القلب وتزکیته ، والعلم الثالث هو علم الفقه فوظیفته تربیة البعد المادّی والروحی معاً للإنسان أی یهتمّ بتربیة البدن وفیه نصیب للروح والعقل أیضاً.
وعلم العقائد کما تعلمون هو علم اُصول الدین أی یعتنی یمعرفة المبدأ والمعاد[5] وما بینهما من النبوّة والإمامة ومن صفات الله تعالی کالعدل الإلهی ، أی یکون البحث فیه عن الله تعالی وعن فعله وعن إرسال الرسل للناس وإنزال الکتب ونصب الإمام من قبل الله تعالی ، وعلم الأخلاق : یبحث عن الأخلاق الحمیدة والحثّ علیها وذکر آثارها الدنیویة والاُخرویة ، وذکر الأخلاق الذمیمة والنهی عنها والترفّع عن التلبّس بها وذکر آثارها أیضاً ، وعلم الفقه : یبحث عن فروع الدین کالصلاة والصوم والحجّ وغیرها وبیان فلسفة هذه التکالیف ومعرفة آثارها کالاقتصادیة المتمثّلة بدفع الزکاة وأداء الخمس وکالاجتماعیة المتولّدة عن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وغیر ذلک ، وکذلک یبحث عن المعاملات بالمعنی الأعمّ والأخصّ.
فهذه العلوم التی فصّلنا الحدیث فیها هی العلوم التی تنفع الإنسان فیما لو علمها ، وتضرّه فیما لو جهلها . ربما یسأل السائل لماذا هذا التعمّق فی هذه العلوم ؟ فنجیب عن هذا التساؤل ، بأ نّنا قد ذکرنا قول الإمام السجّاد (علیه السلام) وذکرنا أنّ من العدل الإلهی أن تتساوی علی أقلّ التقادیر کفّتی العلم البشری والعلم الإلهی ، فإذا استطاع الإنسان من خلال علومه البشریة تسخیر الفضاء والصعود إلی الکواکب الاُخری ، فلا بدّ له أیضاً من تسخیر الروح الإنسانیة والصعود فیها إلی أعلی درجات الکمال والرفعة ، فإذن لا بدّ من التعمّق فی اُصول الدین وفی الأخلاق وفی الفقه ، ولا بدّ من التعمّق فی معرفة القرآن الکریم وکلمات أهل البیت (علیهم السلام) ، فبهذه المعرفة وبهذا العمق یزداد الإنسان عملا ، فإنّه جاء فی الحدیث الشریف : « المعرفة تدلّ الإنسان علی العمل والعمل علی المعرفة »[6] . فعلی هذا القول یتّضح لنا أنّ هناک ارتباطاً وثیقاً بین معرفة الإنسان وعمله.
وإذا عرفنا السیّدة زینب (علیها السلام) بمعرفة جمالیة بعدما کنّا نعرفها بمعرفة جلالیة ، تلک المعرفة التی یعرفها بها الوضیع والشریف والجاهل والعالم ، وتجد الجمیع عندما یدخل إلی حرمها یعظّمها ویحترمها ، ولو کان إنساناً غیر متأدّب بالآداب الدینیة ، فنراه یقبّل الضریح والباب حبّاً وتعظیماً ولسان حاله یقول :
وما حب الدیار شغفن قلبی *** ولکن حبّ من سکن الدیارا
نراه یعرف عظمة زینب وأهل زینب (علیهم السلام) ، ولکن هذه الزیارة السطحیّة غیر کافیة فی أن تمنع هذا الإنسان من المعصیة ، لأ نّها بُنیت علی معرفة جلالیة ، ولذلک تجد ذلک الرجل المسیحی[7] عندما یکتب عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) ویعرف أنّ علیّاً رجل عظیم شدید العدل ولشدّة عدله قتل فی المحراب ، لکنّه لا یترک مسیحیّته ، ولم یتمسّک بنهج علی (علیه السلام) مع أ نّه یعترف بعظمة علی وسموّ علی وجلال علی (علیه السلام) ، إلاّ أ نّه یبقی علی مسیحیّته ، فمعرفة هذا الرجل هی معرفة جلالیة ، ثمّ تراه یقول فی حقّ نهج البلاغة إنّه کلام دون الخالق وفوق کلام المخلوق ، ولکن مع ذلک لا تجده یوالی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی عقیدته ، ولا یتّبعه فی سلوکه وأفعاله ، فهذا دلیل علی أنّ معرفته لم تصل إلی رتبة المعرفة الجمالیة التی لها الأثر الکبیر فی علاقة العارف بأهل البیت (علیهم السلام) ، وهکذا معرفة البعض لزینب (علیها السلام) فإنّه یعرفها أ نّها شقیقة الإمام الحسین (علیه السلام) وهی البطلة التی تحدّت الطغاة فی عصرّها وعلّمت الأجیال کیف یعیش الإنسان حرّاً ، وهی التی کان لها الدور الأکبر والأوسع فی نشر ثورة الحسین (علیه السلام) لکنّه مع ذلک لا یتورّع عن النظر إلی المرأة الأجنبیة وهو فی حرم زینب (علیها السلام) ، وهذا ینطبق علی کلّ عارف بزینب معرفة جلالیة إذا لم یکن هناک ورع ومانع للمعصیة ، ومن جهة اُخری لو خلّیناه ومعرفته الجلالیة فإنّها غیر کافیة عن منعه من ارتکاب المعصیة.
إنّ المذیاع ومکبّرات الصوت فی الصحن والحرم الشریف یکرّر مراراً بقوله : علی الشباب أن لا یکونوا فی قسم النساء من الصحن الشریف ، لهو دلیل علی أنّ الداخل إلی الحرم الشریف لا یراه حرماً ولا یراه شریفاً ، وإلاّ کیف یجرؤ علی المعصیة ، إنّه لشیء عجیب ، مسلم غیور یحتاج إلی منعه عن سوء الأدب فی الحرم الشریف ، إلی تنبیه ، بل إلی وجود رجال شرطة وأمن ، من هذا الذی یحتاج إلی ذلک ؟ المسلم الغیور لا یحتاج إلی ذلک ، والشیعی الحقیقی لا یحتاج إلی ذلک ، مع أنّ الکلّ یحترم زینب (علیها السلام) لکنّ المعرفة متفاوتة ، فمنهم یعرفها بمعرفة جلالیة فقط ، فلذلک لا یتورّع عن المعصیة ، ولو کان عارفاً بحقّها معرفه جمالیة لصدرت منه أعلی درجات التقدیس لصاحبة المکان ، وتراه یدخل إلی حضرتها خاشعاً متأدّباً بآداب المکان ، وتتجلّی فیه الآیة الکریمة :
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أ بْصَارِهِمْ وَیَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِکَ أزْکَی لَهُمْ إنَّ اللهَ خَبِیرٌ بِمَا یَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أ بْصَارِهِنَّ)[8].
فهذا الغضّ البصری فیه دلالة علی أنّ الداخل عارف بجمال زینب (علیها السلام)وعلوّ قدرها ، لکن هل یستطیع الإنسان أن یعرف ذات زینب وحقیقتها ؟ نقول قد یرتقی الإنسان إلی معرفة زینب (علیها السلام) إلی أعلی درجات المعرفه الجمالیة ولکنّه ربما لا یمکن له أن یقف علی الذات الزینبیة إلاّ من کان محیطاً بها کالمعصومین (علیهم السلام).
فإذا عرف الإنسان أنّ المعرفة تدلّه علی العمل ، وأنّ هناک ارتباط وثیق بین المعرفة والعمل ، تجده حینها یغتنم کلّ الفرص لینهل من المعارف الإلهیّة لما یؤهّله أن یکون الأفضل فی یوم القیامة ، لأنّ الفضل علی درجة المعرفة ، وهذا ما أشار إلیه إمامنا الصادق (علیه السلام) بقوله : « لیس الفضل بالصلاة والصوم والحجّ وإنّما الفضل بالمعرفة »[9] فربما یحجّ المرء ولا یعرف الحقّ وربما یحجّ ولا یعرف إمام زمانه ، فمثل هذا الحجّ لا ینفع ، لأنّ الله سبحانه ابتلی الإنسان لیری من هو أحسنهم عملا لا من هو أکثرهم عملا ، فالتعرّف إلی کیف العمل لا إلی کمّ العمل ، حتّی أ نّه ورد فی کتاب الکافی أ نّه یستحبّ قلّة العمل[10] ، لأنّ کثرة العمل ربما تؤدّی إلی العجب أو إلی الریاء والسمعة ، ولهذا أیضاً یعتمد علماء الأخلاق علی حسن العمل ولکن لکی یکون العمل حسناً لا بدّ من شروط ، وأهمّ هذه الشروط حسن العقیدة ، أی أنّ أوّل الشروط : الإیمان حیث أنّ العمل بلا إیمان لا ثواب فیه ولا قیمة له[11] ، فإذن الکفر یحبط العمل مهما کان هذا العمل کثیراً وکبیراً[12] ، وخیر شاهد علی ذلک ما حصل للشیطان ذلک العابد الذی تعجّبت من عبادته الملائکة إلاّ أ نّه فی لحظة غرور وعجب أنهی کلّ شیء ، واضطرّ لمطالبة الله تعالی بأجره الدنیوی ، فأعطاه الله تعالی أجره حیث أنظره إلی یوم معلوم[13] ، وهکذا کلّ من یعمل عملا جبّاراً لا ثواب له فی الآخرة طالما هو کافر ، وتری ذلک واضحاً فی هذا العالم الذی خدم البشریة خدمةً لا یستهان بها وأقصد بذلک ( أدیسون ) مکتشف الکهرباء ، إنّما أجره حصل علیه فی الدنیا ، فکلّما بقیت الکهرباء ونفعت بقیت ذکری أدیسون قائمة إلی حین ، وأمّا فی یوم القیامة فإنّه یحبط العمل بالکفر ، لأنّ حسن العمل مشروط بالإیمان.
الشرط الثانی ـ العلم والمعرفة : فإنّ العالم خیرٌ من العابد الجاهل[14] حتّی لو عبد الله تعالی لیل نهار فإنّ عمله لا یرتقی إلی مستوی عمل العالم ، فلذلک قال أمیر المؤمنین روحی فداه : « قصم ظهری اثنان : جاهل متنسّک ، وعالم متهتّک » ، فتری الذی قصم ظهر أمیر المؤمنین (علیه السلام) ذلک العابد الجاهل لأنّ حسن العمل بالمعرفة ، وحسن العقیدة بالمعرفة ، والفضل بالمعرفة.
الشرط الثالث ـ التقوی : لأنّ الله تعالی لا یتقبّل من الفاسق :
(إنَّمَا یَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِینَ)[15].
وإن کان العمل مسقطاً للتکلیف ، ولکن قبول العمل غیر سقوط وجوبه ، فصلاته قد أسقطت التکلیف لکن لا تکون مقبولة[16] ، ولا ناهیة عن الفحشاء والمنکر ، ولا معراجاً إلی السماء ، ولا تکون هذه الصلاة الفارغة عن المضمون قرباناً ، لأنّ الصلاة قربان کلّ تقیّ ومعراج کلّ مؤمن ، ففی هذه الصلاة الفارغة لا یحسّ بالمعراجیّة إلی الله سبحانه.
إذا عرج بالنبیّ (صلی الله علیه وآله) فی لیلة إلی السماء ، فإنّ المؤمن یعرج فی کلّ صلاة إلی الله تعالی ، وهذا ما یؤکّده الحدیث الشریف : « الصلاة معراج المؤمن » ، فالنبیّ (صلی الله علیه وآله)عرج به إلی السماء ورأی ما رأی عند سدرة المنتهی ، وما کذب الفؤاد ما رأی.
فلماذا لا نری فی صلاتنا شیئاً ، إذا کانت الصلاة معراج المؤمن ؟
فالجواب واضح جدّاً وهو أنّ الحجب التی بیننا وبین الملکوت هی الحائل دون الرؤیة . ونجد أنّ نبیّ الله إبراهیم (علیه السلام) حینما طلب من ربّه رؤیة الملکوت ، تفضّل علیه ربّه وأراه ملکوت السماوات والأرض[17] أی اراه ظاهر وباطن کلّ شیء ، لأنّ لکلّ شیء ظاهر وباطن حتّی الجنّة والنار لهما ظاهر وباطن ، مع أنّ من الأشیاء ظاهره الرحمة وباطنه الغضب ، وربما العکس ظاهره الغضب وباطنه الرحمة.
فظاهر هذه الأشیاء التی أمامنا تسمّی بالملک وباطنها یسمّی بالملکوت ، ولهذا نری الإمام زین العابدین (علیه السلام) فی دعائه یقول : « اللهمّ أرنا حقائق الأشیاء »[18] ، یعنی اللهمّ أرنا ملکوت الأشیاء وأرنا هذه الحالة التی تعمّ جمیع الکون وهی تسبیح هذا الکون لبارئه ، إلاّ أ نّنا لا نفقه تسبیحهم بسبب الذنوب التی صارت حجاباً بیننا وبین هذا التسبیح ، فکلّ شیء یسبّح ویهلّل لله سبحانه وتعالی ، وذلک فی سیره التکاملی فی حرکته الجوهریة ، وکلّ شیء یمشی لکی یصل إلی معشوقه الأوّل وهو الله تعالی ، وهذا التسبیح هو مقام الجلال ، والحمد لله هو مقام الجمال ، والشواهد والقصص فی هذا الباب کثیرة ، فإنّ أحد أولیاء الله تعالی یسمع حفیف الشجر ویسمع من خلاله التهلیل والتسبیح ، وذلک من ضرب الورق بعضه ببعض ، فیمکن للإنسان أن یصل إلی هذه المرحلة ، فلا تعجب من ذلک ، فقد اتّفق الفریقان ـ السنّة والشیعة ـ علی أنّ الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله) قال فی الحدیث القدسی عن الله تعالی : « العبد یتقرّب إلیَّ بالنوافل حتّی اُحبّه فإذا أحببته أکون سمعه الذی به یسمع ، وبصره الذی به یبصر ، ویده التی بها یبطش » ، فیکون سمعه سمع الله ، وبصره بصر الله ، ویده ید الله ، وید الله فوق أیدیهم ، ینقل أنّ شابّاً اشتکی عند عمر ابن الخطّاب علی أبی الحسن علیّ بن أبی طالب أسد الله الغالب (علیه السلام) بأ نّه ضربه فی السوق فاحمرّ وجهه ، فقال عمر : یا أبا الحسن ، لِمَ ضربته ؟ قال : لأ نّه نظر إلی امرأة أجنبیة ورأیت ذلک منه ، فضربته کی یمتنع عن هذا ، فقال عمر بن الخطّاب : عین الله رأت وید الله ضربت . هذه معرفة عمریّة ، فکیف بالمعرفة العلویّة ، فأکثر أولیاء الله وصلوا إلی هذا المقام ، وکلّ أحد له أن یصل إلی هذه المرحلة سیّما الشباب ، فإنّه یکفیهم التحرّک بقدمین : القدم الاُولی أن یضعها علی النفس[19] ، والقدم الثانیة فی الجنّة ، فإنّ فی مخالفة الهوی ومخالفة النفس الجنّة ، وهذا ما أشارت إلیه الآیة الکریمة :
(وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَی النَّفْسَ عَنِ الهَوَی * فَإنَّ الجَنَّةَ هِیَ المَأوَی)[20].
والجنّة یمکن رؤیتها لأ نّها من الملکوت ، وکلّما وصل الإنسان إلی الرتبة التی تؤهّله لرؤیة الملکوت فإنّه یراها ، وخیر شاهد علی ذلک الرجل الذی جاء إلی اُستاذنا (قدس سره) وهو رجل قروی یقول : عندما قمت إلی صلاة اللیل نظرت إلی السماء وإذا بی أری عرش الله تعالی ، وقطعاً إنّه رأی العرش المسمّی ولیس العرش الإسمی[21] ، وهذا یتمّ بشروطه ، التی هی حسن العمل ، والعلم والمعرفة ، والتقوی ، لأنّ الله سبحانه إنّما یتقبّل من المتّقین.
الشرط الرابع ـ الولایة : جاء فی الحدیث الصحیح فی مناقب علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) لابن المغازلی : « لو عبد الإنسان ربّه بین الرکن والمقام فی اللیل والنهار حتّی یکون کالشنّ البالی قائماً لیله صائماً نهاره ولم یوالی علیّ بن أبی طالب (علیه السلام) فإنّه لا یقبل منه »[22] ، فحسن العمل ولایة أهل البیت (علیهم السلام) ، فهذا هو الذی جعل العدوّ یشهد لعلیّ (علیه السلام) بقوله[23] :
قسماً بمکّة والحظیم وزمزم *** والراقصات وسعیهنّ إلی منی
بغض الوصیّ علامة مکتوبة *** کتبت علی جبهات أولاد الزنی
من لم یوالی فی البریّة حیدراً *** سیّان عند الله صلّی أم زنی
فحسن العمل یعتمد علی المعرفة والتقوی والإیمان والولایة ، إذن من عرف أهل البیت (علیهم السلام) حقّ المعرفة فإنّه لا یرتکب ذنباً ، وکذلک من عرف الله تعالی وأ نّه یری عمله کما أنّ رسوله والمؤمنون الذین هم أهل البیت (علیهم السلام)یرون الأعمال[24] ، وقد یراه أیضاً الأمثل فالأمثل أی من کان قریباً من الأئمة کزینب الکبری وإن کانت هذه الرؤیة جزئیة ولیست کلّیة ، فإنّه لا یقدم علی أیّ ذنب حیاءً وخجلا ممّن یری ، فإذا عرفنا أنّ الإمام الحجّة (علیه السلام) تُعرض علیه الأعمال فی کلّ خمیس واثنین[25] ، وتیقّنّا ذلک وآمنّا به ، فعندها لا یمکن أن یصدر منّا ذنباً.
وهکذا فإنّ من یدخل إلی حرم السیّدة زینب الکبری (علیها السلام) وهو یعلم أ نّها تراه ، فإنّه لا یعصی الله سبحانه خجلا منها واحتراماً لها ، فتکون زینب (علیها السلام) سبباً فی منعه عن المعصیة ، لأنّ الدخول فی رحابها یجعل الداخل فی عالم آخر ، ولکن لو دخل إلیها ومع کلّ ذلک عصی ربّه وأساء الأدب فی الحرم الزینبی ، فهذا مثله مثل اُولئک الذین قالوا لرسول الله (صلی الله علیه وآله) : ما لنا یا رسول الله عندما نجلس إلیک وتحدّثنا عن الدنیا نزهد فیها ونتوجّه إلی الله ، ولکن إذا خرجنا منک ولقینا الأهل والأولاد نسینا کلّ ذلک فأدرکنا یا رسول الله لعلّنا صرنا من المنافقین ، فأجابهم النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « لولا هیام الشیاطین علی قلوبکم لرأیتم ما أری ، ولسمعتم ما أسمع ».
ومن الشواهد علی هذا وصیّة سیّدنا الاُستاذ المرعشی النجفی رحمة الله علیه إلی ولده السیّد محمود ، یقول : « ولدی محمود ، إنّی من خلال الأوراد والأذکار وصلت إلی مقام أسمع ما لا یسمعه غیری ، وأری ما لا یراه غیری »[26] ، وکثیر معی عاصروا هذا السیّد الجلیل فلیس الکلام عن هذا من المثالیات ، بل هو قدوة حاضرة ، فإذن لا بدّ من المعرفة والعمق فیها لنزداد عملا حسناً ، ونحصل علی سلوک أخلاقی رفیع ، ولکی نزداد خضوعاً وخشوعاً وتقرّباً إلی الله تعالی ، لا بدّ من معرفة أهل البیت (علیهم السلام) والتعمّق فی معرفتهم ومعرفة مقامهم الشامخ ، لأ نّهم الوسیلة إلی الله تعالی ، ولکن إنّما تتمّ المعرفة من خلالهم ، بل حتّی لو أردنا معرفة القرآن الکریم فلا بدّ أن یکون من طریقهم وهذا ما یؤیّده حدیث الثقلین المتواتر عند الفریقین فی أنّ النبیّ (صلی الله علیه وآله) قال : « إنّی مخلّف فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا بعدی وإنّهما لن یفترقا حتّی یردا علیَّ الحوض »[27] ، فهما لن یفترقا فی کلّ شیء فمتی ما کان القرآن الکریم کان ترجمانه معه ، لأنّ القرآن الکریم هو القرآن الصامت التدوینی ، وأهل البیت (علیهم السلام)هم القرآن الناطق العلمی[28] ، وإنّی أری أنّ القرآن کان قبل خلق الإنسان ، ویدلّ علی ذلک ما جاء فی سورة الرحمن فی قوله تعالی :
(الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإنسَانَ * عَلَّمَهُ البَیَانَ)[29].
فالإنسان یکون بین علمین علم القرآن وعلم البیان ، بل إنّ الإنسان خلق بین علم القرآن وعلم بیان القرآن ، ولکن لا بدّ للقرآن من مبیّن ألا وهم أهل البیت (علیهم السلام) ومن حذا حذوهم من العلماء الصالحین ، وبما أ نّنا عرفنا أنّ أهل البیت لن یفترقوا عن القرآن ، فیلزم أن یکونوا مع القرآن فی أوّل وجوده ، وبهذا یکونوا قد سبقوا الخلق بوجودهم.
فإذا اردنا أن نعرف القرآن فلا بدّ أن یکون من خلالهم (علیهم السلام) ونعرفهم من خلال القرآن ، ولا نقول کما قال غیرنا حسبنا کتاب الله ، ولا نقول کما قالوا : حسبنا أهل البیت (علیهم السلام)[30] ، بل نقول القرآن مع أهل البیت لن یفترقا ، ولهذا الترابط الوثیق نجد أهل البیت (علیهم السلام) یحثّون شیعتهم علی عرض أقوالهم وأحادیثهم علی القرآن الکریم ، فما وافق القرآن نأخذ به ، وما خالفه نضرب به عرض الجدار ، وأ نّه من زخرف القول ، وباطل لم یصدر عنهم ، لأ نّهم لا یخالفون القرآن[31] ، وهذا معنی قول أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) عندما رفع القرآن علی الرماح فی صفّین : « أنا القرآن الناطق » ، وهذا قرآن صامت مع ما له من الإکرام والعزّة ، فإذا عرفنا هذا الکلام سیبدو بنا الشوق للقاء إمامنا الحجّة (علیه السلام) هذا الأمل الوحید للشیعی الخالص المخلص ، بل اُمنیة کلّ مؤمن أن یری مولاه وإمام زمانه (علیه السلام) ولکن إذا منعتک الموانع[32] من رؤیته فها هو شریکه بین یدیک وهو کتاب الله العزیز عدل صاحب الزمان ، فلنشتاق إلیه ونقوم له إجلالا کما نقوم عند ذکر صاحب الزمان ، فإذا کان مدلول قیامک لإمامک الحجّة ( عجّل الله فرجه الشریف ) هو أ نّک منتظر خروجه ، فإنّ هذا القرآن لا بدّ من احترامه والقیام له ، فإنّه کتاب عزیز کریم ، ولذا نجد السیّد الطباطبائی صاحب تفسیر المیزان کان لا یبیت فی مکان فیه قرآن ، ولا یمدّ رجله فی مکان فیه قرآن أبداً فی طوال حیاته تعظیماً للقرآن الکریم . فإذا أردنا أن نحترم القرآن لا بدّ من تأدیة حقّه ، وهو أن نتلوا منه فی کلّ یوم علی أقلّ التقادیر خمسین آیة کما ورد فی الروایات الشریفة[33] ، فنأنس بالقرآن وبأهله الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً ، وقد نزل الوحی فی بیوتهم ، ألا وهم محمّد وآل محمّد (علیهم السلام) ، ومن آل محمّد زینب الکبری روحی فداها ، ولا یزال الحدیث عن مقام من مقاماتها الشامخة ، ألا وهی عصمتها ، وهذا ما سنذکره إن شاء الله تعالی.
والحمد لله ربّ العالمین.
---
[1]مفاتیح الجنان: أعمال شهر رمضان ، دعاء السحر.
[2]إنّ العلماء لهم القدرة علی العطاء والإفاضة علی من یرید تحصیل هذه العلوم بشرط استعداده لتلقّیها.
[3]إشارة إلی الحدیث الذی تقدّم « إنّما العلم ثلاثة : آیة محکمة ، وفریضة عادلة ، وسنّة قائمة ، وما خلاهن فضل ... ».
[4]عُرّف علم العقائد بعلم الکلام لدواعی متعدّدة منها أنّ العلماء عندما بحثوا فی أنّ کلام الله تعالی هل هو مخلوق أو قدیم وهل إنّ کلامه کلام نفسی أو إیجاد الکلام فی الأشیاء وصار فی هذه الأبحاث خلاف کبیر أدّی إلی محاربة بعضهم البعض فسمّی البحث فی العقائد بعلم الکلام للغلبة فی ذلک ، وهناک وجوه ستّة اُخری ذکرها سیّدنا الاُستاذ فی ( دروس الیقین فی معرفة اُصول الدین ) المجلّد الأوّل من موسوعته الکبری ( رسالات إسلامیة ) فراجع.
[5]المبدأ والمعاد هما مصطلحان فی علم الکلام ویراد بالأوّل إثبات وجود وتوحید الله تعالی وما یتعلّق ببحث التوحید ویراد بالثانی ما یتعلّق بیوم الحساب ویوم المعاد الذی ترجع فیه الناس للحساب.
[6]عن حسین الصیقل قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : « لا یقبل الله عملا إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة علی العمل ... » ، الکافی 1 : 94.
[7]الکاتب العربی المسیحی المعروف جورج جرداق فی کتابه ( الإمام علی صوت العدالة الإنسانیة ).
[8]النور : 30 ـ 31.
[9]إشارة إلی الحدیث الشریف فی میزان الحکمة ـ کلمة عرف.
[
10]إشارة إلی الحدیث الشریف عن حنان بن سدیر ، قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول : إنّ الله عزّ وجلّ إذا أحبّ عبداً فعمل قلیلا جزاه بالقلیل الکثیر ... اُصول الکافی 2 : 92 ، وعنه (علیه السلام) عن علیّ بن الحسین (علیه السلام) یقول : « إنّی لاُحبّ أن اُداوم علی العمل وإن قلّ » ، وهناک أحادیث کثیرة فی هذا الباب ـ اُصول الکافی 2 : 88 .
[11]فی هذا إشارة إلی الآیات الکریمة فی سورة العصر حیث تقول السورة : (وَالعَصْرِ * إنَّ الإنسَانَ لَفِی خُسْر * إلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ( العصر : 1 ـ 3 ) ، ولم تکتفِ الصورة بقوله تعالی : (إلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا) ، کما أ نّها لم تکتفِ فقط بالإیمان بل أردف ذلک بالعمل الصالح (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) بل (وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
[12]إشارة إلی الحدیث الشریف عن أبی اُمیّة یوسف بن ثابت ، قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام)یقول : « لا یضرّ مع الإیمان عمل ، ولا ینفع مع الکفر عمل ... » الکافی 2 : 453.
[13]إشارة إلی الآیة الکریمة التی تبیّن المحاورة بین الله سبحانه والشیطان الذی طلب من ربّه أجره فقال کما فی الآیة الشریفة : (قَالَ أنظِرْنِی إلَی یَوْمِ یُبْعَثُونَ * قَالَ إنَّکَ مِنَ المُنظَرِینَ) ( الأعراف : 14 ـ 15 ).
[14]إشارة إلی أحادیث کثیرة فی هذا المعنی ، ومنها قوله (صلی الله علیه وآله) : « فضل العالم علی العابد کفضل القمر علی سائر النجوم لیلة البدر » ، قصار الجمل للمشکینی 2 : 62 ، ولا یکون للعالم فضل علی العابد إلاّ إذا کان العابد لیس بعالم.
[15]المائدة : 27.
[16]إشارة إلی الأحادیث التی تبیّن أنّ الصلاة إذا کانت فارغة المضمون لیس لها قیمة تذکر کما جاء عن الإمام الصادق (علیه السلام) : « إنّ الصلاة تنهی عن الفحشاء والمنکر » ، قال الصلاة حجزة الله وذلک أ نّها تحجز المصلّی عن المعاصی ما دام فی صلاته . وکما فی قوله (علیه السلام) : « أوّل ما یحاسب به العبد الصلاة ، فإن قبلت قبل سائر عمله وإذا ردّت ردّ علیه سائر عمله » ـ قصار الجمل 1 : 387 ـ 388.
[17]إشارة إلی الآیة الکریمة: (وَکَذَلِکَ نُرِی إبْرَاهِیمَ مَلَکُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِیَکُونَ مِنَ المُوقِنِینَ) ( الأنعام: 75 ).
[18]إشارة إلی الدعاء الوارد فی الصحیفة السجّادیة للإمام زین العابدین (علیه السلام).
[19]مراد السیّد الاُستاذ أن یسحق المؤمن العاقل هوی النفس ویضع جمیع شهواتها تحت قدمه لکی ینتصر علی هواه ویخالفه ، فإنّ فی مخالفته دخول الجنّة ، وکما فی الآیة الشریفة : (وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَی النَّفْسَ عَنِ الهَوَی * فَإنَّ الجَنَّةَ هِیَ المَأوَی)( النازعات : 40 ـ 41 ).
[20]النازعات : 40 ـ 41.
[21]تفصیله فی کتاب ( الإمام الحسین (علیه السلام) فی عرش الله ) للسیّد المحاضر ، وهو مطبوع.
[22]مناقب علیّ بن أبی طالب ; لابن المغازلی ، وللسیّد الاُستاذ بحث مفصّل عن الولایة فی کتابه القیّم ( هذه هی الولایة ) المجلّد الخامس من موسوعة ( رسالات إسلامیة ) فراجع.
[23]قال ذلک أحد العباسیین ، وهو الناصر العباسی.
[24]إشارة إلی الآیة الشریفة : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ)( التوبة : 105 ).
[25]إشارة إلی الحدیث الشریف عن النبیّ (صلی الله علیه وآله) : « تعرض أعمال الناس کلّ جهة مرّتین ، یوم الاثنین ویوم الخمیس ، فیغفر لکلّ عبد مؤمن إلاّ من کانت بینه وبین أخیه شحناء ، فقال اترکوا هذین حتّی یصطلحا » ، قصار الجمل : 72 . وهناک أحادیث کثیرة تشیر إلی عرض العمل فی یومی الخمیس والاثنین.
[26]کما جاء فی کتاب السیّد الاُستاذ العلوی ( قبسات من حیاة سیّدنا الاُستاذ ).
[27]هذا الحدیث جاء فی کتب الفریقین ، أخرجه الترمذی 5 : 338 ، الحدیث 3874 ، وفی ینابیع المودّة : 33 ، کنز العمّال : 153 ، وغیرها من الکتب السنّیة المعتبرة ، وهو عندنا من باب أولی.
[28]لأنّ للقرآن مراتب ووجودات متعدّدة ومن مراتبه القرآن العینی الذی یترتّب علیه الأثر وهم أهل البیت (علیهم السلام).
[29]الرحمن : 1 ـ 4.
[30]أوّل من قال ذلک هو عمر بن الخطّاب فی مرض النبیّ (صلی الله علیه وآله) عندما طلب منهم (صلی الله علیه وآله) دواة وکتف لیکتب لهم کتاب وحصل نزاع بین القوم بین من یؤیّد إحضار الدواة والکتف وبین من لا یؤیّد ذلک ، فحسمها عمر بقوله هذا : « حسبنا کتاب الله » ، أی لا حاجة بنا إلی غیره ، ولا نقول إنّ أهل البیت (علیهم السلام) یغنونا عن کتاب الله تعالی لأ نّهما لن یفترقا فلا بدّ من التمسّک بهما لا بأحدهما دون الآخر.
[31]ورد عنهم أحادیث کثیرة تحثّ شیعتهم علی عرض ما ورد عنهم علی کتاب الله تعالی لکی یمتاز ما کان عنهم عن ما وضع من قبل الواضعین لأنّ حدیثهم لا یختلف عن ما فی القرآن الکریم ومن هذه الأحادیث عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) : « إنّ علی کلّ حقّ حقیقة ، وعلی کلّ صواب نور ، فما وافق کتاب الله فخذوه ، وما خالف کتاب الله فدعوه » ( بحار الأنوار 2 : 227 ) ، وهناک أحادیث ورد فیها کلمة « فاضربوا به عرض الجدار » « فهو زخرف لم نقله » ، والکلّ یؤدّی نفس المعنی.
[32]هذه الموانع هی الذنوب والمعاصی التی أشار إلیها الإمام الحجّة ( عج ) فی وصایاه لشیعته فقال فی هذه الفقرة : « ولو أنّ أشیاعنا وفّقهم الله لطاعته علی اجتماع من القلوب فی الوفاء بالعهد علیهم لما تأخّر عنهم الیمن بلقائنا ».
[33]عن حریز عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال : « القرآن عهد الله إلی خلقه ، فقد ینبغی للمرء المسلم أن ینظر فی عهده وأن یقرأ منه فی کلّ یوم خمسین آیة » اُصول الکافی 2 : 582.

المحاضرة الرابعة )

الحمد لله ربّ العالمین والصلاة والسلام علی أشرف خلقه سیّد الأنبیاء والمرسلین أبی القاسم محمّد وآله الطیّبین الطاهرین ، واللعن الدائم علی أعدائهم ومنکری فضائلهم أجمعین من الآن إلی قیام یوم الدین.
لا زلنا وإیّاکم فی رحاب السیّدة زینب الکبری فی رحاب روضة العلم والنور.
ولقد کان الحدیث عن أحد مقاماتها إلاّ وهو عصمتها ، فهل إنّ زینب الکبری معصومة ؟
وهل هناک فرق بین عصمتها وعصمة اُمّها الصدّیقة الکبری فاطمة (علیها السلام) ؟
هذا ما سنتحدّث عنه الیوم إن شاء الله تعالی.
قبل الوصول فی حدیثنا إلی عصمة السیّدة زینب (علیها السلام) لا بدّ لنا أن نتحدّث عن عصمة اُمّها الصدّیقة الطاهرة إجمالا.
فنقول :
إنّ فاطمة الزهراء (علیها السلام) تتجلّی فیها العصمة الإلهیّة الکبری ، لأنّ الله تعالی له الأسماء الحسنی والصفات العلیا ، فعند خلقه للإنسان أشار إلی فلسفة خلقته ، وبیّن أنّ المراد من خلق الإنسان هو تکامل هذا الإنسان[1] ، وإنّ هذا التکامل لا یتمّ إلاّ بالرحمة والعلم والعبادة فیصیر الإنسان خلیفة الله تعالی فی الأرض ویکون مظهراً لأسمائه وصفاته وقال تعالی :
(إنِّی جَاعِلٌ فِی الأرْضِ خَلِیفَةً)[2].
وهذه الخلافة هی خلافة الأسماء والصفات[3].
فالخلافة تارةً تکون مادّیة واُخری أخلاقیة ، وخلافة الإنسان لله تعالی هی من القسم الثانی ونسمّیها بخلافة الأسماء والصفات لأنّ الله تعالی ذات محیطة بکلّ شیء ولا یحاط به ، فمعرفة ذاته محال ، بل تقود إلی الحیرة والضلال کما ورد فی الحدیث الشریف[4] ، إلاّ أنّ لنا أن نعرفه من خلال أسمائه وصفاته ، وأمرنا الشارع بذلک فلنا أن نتفکّر بصفاته الذاتیة والفعلیة وکونه عالماً وقادراً وحیّاً ، وأنّ هذه الصفات تتجلّی فی خلقه فتری الخلق کلّه یسبّح بحمده[5] ، فمثلا نری صفة الحیاة تتجلّی فی خلقه ، ولکن هذه الحیاة لها مراتب متعدّدة ، کالرتبة الجمادیة والنباتیة والحیوانیة والإنسانیة والملائکیة والرتبة العلیا هی الرتبة الإلهیة ، وهکذا قدرته وکلّ أسمائه وصفاته تتجلّی وتظهر فی هذا الکون الذی هو مرآة عاکسة لصفات الله تعالی ، والذی یجمع هذه الصفات ویعکسها کلّها وتتجلّی فیه هو الإنسان الکامل فیسمّی بجامع الجمع[6] ، لأنّ هناک من المخلوقات ما یتجلّی فیه صفة واحدة من صفات الله تعالی وبعضها أکثر من ذلک وکلّ بحسبه ، فالإنسان الکامل هو المخلوق الوحید الذی تتجلّی فیه ألف وواحد من الصفات ، وتسعة وتسعون منها تسمّی بالأسماء الحسنی لورودهافی القرآن الکریم ، وهذه الأسماء لها الأثر التامّ عند الدعاء بها ، ولکن لا بدّ لنا أن نعرف من هو الإنسان الکامل ؟ فیکون الجواب هو من کانت له الرتبة العلیا والسیادة المطلقة علی الخلق ألا وهو النبیّ الأکرم محمّد بن عبد الله (صلی الله علیه وآله) أی أنّ هذه الأسماء والصفات تتجلّی کاملةً فی الحقیقة المحمّدیة ، وهذه الحقیقة تتجلّی فی الأنبیاء والأئمة (علیهم السلام) ثمّ العلماء ثمّ الأمثل فالأمثل . فلهذا صار الإنسان خلیفة الله تعالی فی الأرض الذی یحمل أسماء وصفات الله تعالی.
ومن أسماء وصفات الله تعالی اسم الطاهر والمعصوم أی المنزّه عن کلّ نقص وقبیح ، مع أ نّه قادر علی فعل القبیح ، إلاّ أ نّه لا یفعل القبیح وهذا ما یعتقده الشیعة فی قبال اعتقاد الأشاعرة والمعتزلة[7] ; لأ نّه بفعله للقبیح یکون محتاجاً أو جاهلا أو ناقصاً ، ولکنّه تعالی عن ذلک علوّاً کبیراً.
فالله تعالی هو الطاهر مطلقاً والمعصوم مطلقاً بالقیاس إلی غیره أی الممکن الذی تحدّه بدایة ونهایة ، والذی تکون العصمة فیه أمراً نسبیاً ، بینما تکون فی الله تعالی مطلقة ، لأ نّه أزلی أبدی سرمدی وهو الخالق للزمن وما وراء الزمن.
وبناءً علی ما سبق فإنّ العصمة والطهارة تتجلّی فی الأنبیاء وفی الأئمة(علیهم السلام)، لأنّ مسؤولیة الجمیع واحدة ووظیفتهم واحدة ، فالنبیّ مسؤول عن هدایة البشر والإمام مسؤول عن حفظ هذه الهدایة وإدامتها ، فتتجلّی العصمة الإلهیة فی الأنبیاء ، وتتجلّی العصمة الإلهیة والنبویة فی الأئمة ، فعلی هذا لا بدّ للخلیفة الذی یلی الرسول فی مهمّته الإلهیة وحفظ الرسالة ، أن یکون معصوماً ، لأ نّه الحافظ للشریعة التی جاء بها النبیّ ، ثمّ إنّ القرآن الذی هو کتاب الهدایة معصوم من کلّ خطأ ، فلا بدّ لحافظه ومفسّره ومبیّنه أن یکون معصوماً ، وهذا ما أشارت إلیه الآیة الکریمة التی أمرتنا أن نعتصم بحبل الله تعالی وقالت :
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِیعاً وَلا تَفَرَّقُوا)[8].
فلو لم یکن الحبل معصوماً لما طلبت الآیة الاعتصام به ، ونحن نعلم أنّ القرآن الناطق هو الإمام فلا بدّ له أن یکون معصوماً.
وإلی ذلک أیضاً أشارت الآیات القرآنیة فی قصّة الطوفان وسفینة نوح (علیه السلام)وبیّنت أنّ السفینة هی المکان الوحید للنجاة وکلّ ما سواها لا یعصم من الغرق حتّی الجبل بشموخه وصلابته ، فإنّه لا یستطیع أن یحمی ابن النبی نوح (علیه السلام) الذی التجأ إلیه[9] ، ففی هذا دلالة واضحة علی عصمة السفینة ومن یرکبها ینجو ومن یتخلّف عنها یغرق ویهوی ، ولوجود مناسبة وتشابه بین سفینة نوح (علیه السلام)وأهل البیت (علیهم السلام) نری النبیّ الأکرم (صلی الله علیه وآله) یمثّل أهل بیته بسفینة نوح ویأمر الاُمّة فی مواطن عدیدة بالتمسّک بهم حیث أشرت إلی ما یقارب أربعین وجهاً بین آیة السفینة وحدیث السفینة[10] وهو قول الرسول الأعظم محمّد (صلی الله علیه وآله) فی حقّهم : « مثل أهل بیتی کسفینة نوح من رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوی »[11] ، فالعصمة الإلهیة إذن تتجلّی فی النبیّ الأکرم (صلی الله علیه وآله) ثمّ تتجلّی فی الوصیّ من بعده (علیه السلام) ، وهذه العصمة عصمة ذاتیّة کلّیة ، فکما تتجلّی فی النبیّ (صلی الله علیه وآله) تتجلّی أیضاً فی خلفاء النبیّ (صلی الله علیه وآله) الاثنی عشر (علیهم السلام) الذین کلّهم من قریش کما ورد فی الصحیحین[12] ، ولهذه العصمة النبویّة والولویّة جامع ألا وهی فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، فهی جامعة للنور النبوی والنور العلوی ، فلذا یعبّر عنها بالصدّیقة الکبری ویعبّر عنها بعصمة الله تعالی ، لأ نّها جمعت بین العصمتین ، ثمّ إنّ هذه العصمة منحها الله تعالی لعباده ناشئة عن اختبار وامتحان فامتحن الله تعالی الأنبیاء بأن شرط علیهم العلم والزهد فی هذه الدنیا الدنیّة ، فشرطوا له ذلک ، وعلم منهم الوفاء فقبلهم وقرّبهم إلیه ، وهذا ما أشار إلیه الإمام فی الدعاء ، حیث یقول : « بعد أن شرطت علیهم الزهد فی درجات هذه الدنیا الدنیّة وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لک ذلک وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقرّبتهم وقدّمت لهم الذکر العلیّ والثناء الجلیّ »[13].
إذن عصمهم الله تعالی بعد اختباره لهم فی العوالم السابقة ـ کعالم الجبروت والملکوت والأرواح والمثال ـ علی هذا العالم الناسوتی وهکذا بالنسبة لفاطمة الزهراء (علیها السلام) اختبرها الله تعالی بالصبر کما ورد فی زیارتها یوم الأحد : « السلام علیکِ یا ممتحنة ، امتحنکِ الذی خلقک قبل أن یخلقکِ ، وکنت لما امتحنکِ به صابرة »[14] ، فإذن اختبرها الله تعالی بالصبر الذی هو أساس الأخلاق ولم یختبرها بالزهد ، لأنّ الزهد فرع من فروع الأخلاق . فلو سأل سائل : لِمَ اختبر الله تعالی أنبیائه بالزهد ؟ فالجواب : إنّ الزهد فی هذا الدنیا یؤهّل النبیّ لممارسة وظیفته التی بعث من أجلها ، ألا وهی هدایة الناس ، فلا یکون غیر الزاهد فی الدنیا له القدرة علی دعوة الناس للآخرة ، فزهد الأنبیاء یؤهّلهم للخوض فی المجتمعات وعدم التلوّث بالمحیط الکافر ، والبیئة المتلوّثة بالشرک والمعاصی.
نکتة أخلاقیة :
إنّ العلماء ورثة الأنبیاء کما ورد فی الأخبار الشریفة ، وللنبیّ أکثر من عشرین مقاماً ومن هذه المقامات مقام الهدایة والحکومة والزهد ، ولهذا فإنّ کلّ نبیّ زاهد حتّی النبیّ سلیمان (علیه السلام) الذی ملک الدنیا بأسرها ، لأنّ الزهد جمع فی کلمتین کما فی القرآن الکریم :
(لِکَیْلا تَأسَوْا عَلَی مَا فَاتَکُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آ تَاکُمْ)[15].
فإذا قلنا إنّ العالِم یرث النبیّ ، فلا بدّ أن یکون زاهداً بالإضافة إلی علمه ، وهذه اللابدّیة أخلاقیة ولیست شرعیّة ، لأنّ الزاهد یحکم قلوب الناس ، فلهذا حکم الأنبیاء علی قلوب المؤمنین به ، وهکذا العالم الربانی فإنّه یحکم علی قلوب المؤمنین إذا کان زاهداً ورعاً تقیّاً ، فإذا کان الزهد شرطاً للنبوّة فی عالم الذرّ فهو شرط للعلماء فی هذا العالم الناسوتی.
فإذن تبتنی عصمة الأنبیاء الذاتیة الکلّیة الواجبة علی العلم والزهد ، وأمّا النبیّ الخاتم (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته ابتنت عصمتهم علی العلم والصبر.
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَکَانُوا بِآیَاتِنَا یُوقِنُونَ)[16].
الفرق بین العصمتین :
أقول : إنّ هناک فرق بین عصمة الأنبیاء السابقین لنبیّنا (علیهم السلام) وبین عصمة خاتم الأنبیاء وأهل بیته الأطهار صلوات الله علیهم أجمعین ، ولکن هذا الفرق من حیث المبادئ والنتیجة ، أی أنّ عصمة الأنبیاء یصدر معها ترک الأولی[17] ، ولکن عصمة النبیّ (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته لا یصدر معها ترک الأولی ، کما یلاحظ ذلک فی قصّة آدم وداود (علیهما السلام)[18] ، إلاّ أنّ ترک الأولی لا یضرّ بالعصمة.
ثمّ إنّ العصمة التی تبتنی علی الصبر تجعل صاحبها علی درجة من الیقین بحیث لو کشف له الغطاء لما ازداد یقیناً بینما نری أنّ إبراهیم الخلیل (علیه السلام) طلب من ربّه أن یری ما یطمئنّ به القلب ، وهذا لأنّ عصمته بنیت علی العلم والزهد ، فی حین أنّ أمیر المؤمنین علیاً (علیه السلام) لم یطلب ذلک من ربّه لأنّ صبره أساس الأخلاق ، والیقین جزء من الأخلاق ، إنّ الزهد والتقوی جندیّان من جنود العقل وحبّ الدنیا من جنود الجهل کما هو مبیّن فی محلّه[19].
فلا بدّ للعاقل من الاتصاف بالزهد والتقوی وباقی الصفات التی أعدّها الله من جنود العقل ، والصبر أساس لکلّ هذه الجنود ، کما عند علماء الأخلاق والعرفان أنّ مراحل التهذیب عبارة عن التخلیة والتحلیة والتجلیة ، وکلّها تبتنی علی الصبر.
فبالصبر لم یصدر من علیّ (علیه السلام) ترک الأولی ، فلا یقال لمثله (علیه السلام) : کان الأولی له أن یفعل کذا فی سیاسته أو اقتصاده ، وأعماله وسلوکه ، وهکذا کان أولاده المعصومین (علیهم السلام) بالعصمة الذاتیة المبتنیة علی العلم التامّ اللدنّی وعلی الصبر.
فإذا عرفنا أنّ العصمة التی عند النبیّ (صلی الله علیه وآله) وأهل بیته (علیهم السلام) عصمة ذاتیة ، أی ذاتاً عصمهم الله من کلّ شین ونقص وذنب وخطأ ونسیان وحتّی ترک الأولی فی النبیّ محمّد وآله الطاهرین (علیهم السلام) ، وذلک باختبار وامتحان منه سبحانه فی العوالم السابقة ، فأعطاهم الله العصمة ، فإذا عرفنا هذا ، فإنّ التی عند زینب وأمثال زینب الذین تربّوا فی أحضان النبوّة والإمامة[20] عصمة أفعالیة أی لم یرتکبوا الذنب فی أفعالهم من حین ولادتهم وحتّی حین وفاتهم ، فعصمتهم هذه تسمّی بالعصمة الأفعالیة أو الکسبیة وأ نّها الجزئیة ولیست عصمة ذاتیة فلاتجب علیهم عقلا ، لأنّ العصمة الذاتیة مختصّة بالأنبیاء والأئمة وفاطمة (علیهم السلام).
ثمّ لا بأس من أجل توضیح العصمة الذاتیة والعصمة الأفعالیة والفرق بینهما أذکر هذا المثال الطبّی ، ولا یخفی أنّ المثال کما یقال ( یقرّب من جهة ویبعّد من ألف جهة ) وأ نّه لا مناقشة فی الأمثال ، فالمقصود وهو تقریب المعقول بأمر محسوس.
ففی الطبّ العصری یلقّح الأطفال منذ الصغر بتلقیح عدم الشلل ، فمن یُلقّح ـ من قبل الأبوین مثلا ـ فی صغره فإنّه یعصم من الشلل ، حتّی ولو وقع فی محیط غیر صحّی ، فکأ نّه یعصم من الیوم الأوّل علی عدم التلوّث بالشلل ، ومن لم یلقّح فإنّه یمکن أن لا یتلوّث أیضاً إلاّ أ نّه هو بأفعاله ووقایته یبتعد عن البیئة الملوّثة فینجو من الشلل أیضاً ، إلاّ أ نّه بأفعاله ، لا بتلقیح الطبیب والوالدین.
فالعصمة الذاتیة تلقیح إلهی للأنبیاء والأئمة الأطهار بعد اختبارهم فی العوالم السابقة ، ونجاحهم فی الامتحانات الإلهیّة ، کنجاحهم فی الدنیا ، کما ابتلی إبراهیم الخلیل بکلمات فأتمّهن.
وأمّا العصمة الأفعالیة فتلقیح فی الأفعال بأن یتّقی الذنوب وأن لا یتلوّث بها حفظاً لبقاء سلامته . وکلاهما بالاختیار والاختبار ، فلا یقال : لو کانت العصمة ذاتیة ، فلا فضل لمن اتّصف بها . ثمّ العصمة الذاتیة کلّیة تعمّ العصمة عن الذنوب والخطأ والنسیان وما یشین الإنسان ، بخلاف الأفعالیة فإنّها العصمة عن الذنوب والمعاصی ، وأمّا القضایا الاجتماعیة أو الاقتصادیة فربما یخطأ فإنّه غیر معصوم.
ثمّ العصمة الذاتیة للأنبیاء واجبة عقلا ونقلا ، أی لا بدّ منها . ویدلّ علی ذلک الأدلّة العقلیّة ، کعدم الاعتماد علی قول من لم یکن معصوماً ، والأدلّة النقلیّة من الآیات الکریمة والأحادیث الشریفة کآیتی التطهیر والولایة وحدیث الثقلین والسفینة ، وأمّا العصمة الأفعالیة فلم تکن ضروریة ، وبهذا ربما یصدر من غیر المعصوم ما یتنافی مع العصمة الذاتیة.
والعصمة الذاتیة المطلقة إنّما تکون بنصّ من الله سبحانه کما یقول الإمام السجّاد (علیه السلام) : « الإمام منّا لا یکون إلاّ معصوماً ، ولیست العصمة فی ظاهر الخلق لتعرف ، ولذلک لا یکون إلاّ منصوصاً »[21].
وکون النبیّ والعترة الطاهرة یمتازون بالعصمة الذاتیة باعتبار علمهم اللدنی الخاصّ من غیر کسب متعارف ، کما فی قوله تعالی :
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَکَانُوا بِآیَاتِنَا یُوقِنُونَ)[22].
فالیقین عند الإمام المعصوم (علیه السلام) یختلف عن العلوم المتعارفة التی عند الناس ، فیؤیّد النبیّ والإمام (علیهما السلام) بروح القدس.
فی حدیث جابر عن أبی جعفر (علیه السلام) قال : سألته عن علم العالم ؟ فقال لی : یا جابر ، إنّ فی الأنبیاء والأوصیاء خمسة أرواح : روح القدس وروح الإیمان وروح الحیاة وروح القوّة وروح الشهوة . فبروح القدس یا جابر عرفوا ما تحت العرش إلی ما تحت الثری . ثمّ قال : یا جابر ، إنّ هذه الأربعة أرواح یصیبها الحدثان ، إلاّ روح القدس فإنّها لا تلهو ولا تلعب[23].
وفی صحیح زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) فی قول الله عزّ وجلّ: (وَکَذَلِکَ أوْحَیْنَا إلَیْکَ رُوحاً مِنْ أمْرِنَا مَا کُنْتَ تَدْرِی مَا الکِتَابُ وَلا الإیمَانُ وَلَکِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)[24] ، فقال أبو جعفر (علیه السلام) : منذ أنزل الله ذلک الروح علی نبیّه (صلی الله علیه وآله) ما صعد إلی السماء وإنّه لفینا[25].
وفی صحیح أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول الله تبارک وتعالی: (وَیَسْأ لُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّی)[26] ، قال : خلق أعظم من جبرائیل ومیکائیل ، کان مع رسول الله (صلی الله علیه وآله) وهو مع الأئمة وهو من الملکوت[27].
عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) قال : إنّ الله عزّ وجلّ أیّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ، لیست بملک لم تکن مع أحد ممّن مضی إلاّ مع رسول الله (صلی الله علیه وآله) ، وهی مع الأئمة منّا ، تسدّدهم وتوفّقهم ، وهو عمود من نور بیننا وبین الله عزّ وجلّ[28].
فقوله (علیه السلام) : « لم تکن مع أحد ممّن مضی إلاّ مع رسول الله وهی مع الأئمة منّا » یدلّ علی أنّ علمهم وفضلهم وعصمتهم یختلف عمّا سبق وعمّا لحق ، فإنّه یختصّ بهم ، وإنّهم أفضل الخلق ، ولمثل هذه العصمة الأخصّ نقول بأ نّهم (علیهم السلام) لا یصدر منهم ترک الأولی ، بخلاف بقیّة الأنبیاء والأوصیاء ، فإنّه لهم عصمة الخاصّ ، وعند زینب (علیها السلام) عصمة العامّ ، وما عند غیرها عصمة الأعمّ.
ومعنی العصمة فی الأنبیاء والأوصیاء : لطف إلهی خاصّ باعتبار القوّة النوریة الملکوتیة الراسخة ، فتعصم الإنسان فی حیاته.
فالنبیّ والإمام (علیهما السلام) لهما العلم الخاصّ وبطریق خاصّ یمنح صاحبه ملکة العصمة الخاصّة والمطلقة بإذن الله تعالی . فیکون الاُسوة والقدوة المطلقة (لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[29] ، ثمّ الأمثل فالأمثل بمقدار ما عندهم من العلم والعصمة ، ولمثل هذا نقول : إنّ زینب الکبری (علیها السلام) هی من الاُسوة والقدوة أیضاً.
ثمّ بهذه العصمة الکلّیة تجب الطاعة المطلقة ، کما تجب المودّة والمحبّة.
قال أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) : « إنّما الطاعة لله عزّ وجلّ ولرسوله ولولاة الأمر ، وإنّما اُمر بطاعة اُولی الأمر لأ نّهم معصومون مطهّرون لا یأمرون بمعصیته »[30].
وقال الإمام الصادق (علیه السلام) : « الأنبیاء وأوصیائهم لا ذنوب لهم لأ نّهم معصومون مطهّرون »[31].
وزبدة المخاض : یبدو لی من خلال المطالعة والمراجعة إلی مباحث العصمة فی الکتاب والسنّة وعبائر الفلاسفة وعلماء الکلام ، إنّما العصمة من الکلّی التشکیکی فلها مراتب طولیّة وعرضیّة ، فبدایتها العدالة التی یشترط فی کلّ مسلم وإمام جماعة : من إتیان الواجبات وترک المحرّمات وأن لا یأتی بما ینافی المروّة کما عند البعض ، ونهایتها عصمة الله الکبری التی بلا نهایة ، ثمّ بینهما مراتب ، فبعد عدالة إمام الجماعة کما فی مذهب أهل البیت (علیهم السلام) ، یشترط العدالة فی مرجع التقلید ، وعندی عدالته أعلی رتبة من عدالة إمام الجماعة ، کما ذکرت تفصیل ذلک فی کتاب ( القول الرشید فی الاجتهاد والتقلید ـ المجلّد الأوّل ) ثمّ یأتی دور عصمة أمثال زینب الکبری (علیها السلام) وهی التی نسمّیها بالعصمة الأفعالیة العالیة ، ثمّ عصمة الأنبیاء والأوصیاء وهی العصمة الذاتیة الکلّیة المطلقة الواجبة ، ثمّ عصمة الأربعة عشر معصوم محمّد والأئمة الاثنی عشر وفاطمة الزهراء (علیهم السلام) ، والکلّ یشترک بالطهارة وبعدم ارتکاب الذنوب والمعاصی ، إلاّ أ نّه کلّ واحد یمتاز عن الآخر بخصائص وممیّزات ، کعصمة الأربعة عشر معصوم (علیهم السلام) لیس فیها ترک الأولی ، بخلاف عصمة الأنبیاء فإنّه لا یضرّها ترک الأولی ، وتفصیل الکلام یطلب من محلّه.
سؤال :
لو سئل من أین لنا أن نعلم بعصمة زینب (علیها السلام) ونحکم بأ نّها معصومة بالعصمة الأفعالیة ؟
الجواب :
نعرف ذلک من خلال سیرتها وما ورد فی حقّها کما فی غیرها ، وأذکر لکم شاهداً علی ذلک ، ما ورد فی حقّ فاطمة بنت الإمام موسی بن جعفر (علیها السلام) أ نّها کانت فی سنّ أربع أو خمس سنین عندما جاء بعض الشیعة إلی دار الإمام (علیه السلام)لیسألوا عن بعض المسائل إلاّ أ نّهم لم یجدوا الإمام (علیه السلام) ، فبعد طرق الباب خرجت لهم زوجة الإمام (علیه السلام) وأخبرتهم بعدم وجود الإمام (علیه السلام) ، فقالوا لها : إنّنا جئنا من مکان بعید ولا بدّ لنا من أجوبة هذه المسائل ، فکیف بنا ومن نسأل ؟ فقالت لهم زوجة الإمام (علیه السلام) : هنا فی البیت فاطمة بنت الإمام (علیه السلام) ، قالوا : إذن نسأل فاطمة ، ولمّا دخلوا علیها وسألوها أجابتهم بکلّ الأجوبة وبتمامها ، فأخذوا أجوبتهم وذهبوا ، ولمّا جاء الإمام حدّثته زوجته بکلّ ما جری وقالت : إنّ فاطمة أجابت بکذا وکذا ، فقال عند ذلک : إنّ فاطمة حکمت بحکم الله سبحانه وتعالی ، وهکذا زینب (علیها السلام)کان عمرها سنتین کما ورد فی الروایة وهی جالسة فی حجر أبیها أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقال لها أبوها : بنیّة قولی واحد ، فقالت : واحد ، ثمّ قال لها : قولی اثنین ، قالت : لا أقول یا أبتاه ، قال : بنیّتی لِمَ لا تقولین اثنین ؟ قالت : لسانی جری علی الواحد ولا یجری علی الاثنین . فمن تلک القصّة الاُولی وهذه القصّة الثانیة نفهم أنّ السیّدتین الجلیلتین عالمتان غیر معلّمتین ، کما أ نّهما تربّیتا تربیة نبویة علویة ، ومثل هذه التربیة لا تنتج إلاّ عصمة أفعالیة ، ثمّ عندما نطّلع علی حالة زینب (علیها السلام) وهی تصلّی صلاة اللیل فی لیلة الحادی عشر من المحرّم فی تلک اللیلة التی تهدّ الجبال بمصیبتها نلمس من ذلک مدی علم زینب وعصمة زینب (علیها السلام) ، وهذا لیس بعجیب فإنّ مثل هذه العصمة ثبتت لمن هو أقلّ من مقام زینب (علیها السلام) التی قال فی حقّها الإمام زین العابدین (علیه السلام) : « عمّة ، أنتِ بحمد الله عالِمة غیر معلَّمة ، وفهِمة غیر مفهَّمة » أی أنّ معلّمکِ هو ربّ العالمین فأنتِ لست بحاجة إلی معلّم آخر ، فإنّه تعالی أدّبکِ فأحسن تأدیبک ، فهی عالمة لأ نّها فی أعلی مراحل التقوی وکانت مصداقاً واضحاً للآیة الکریمة :
(وَاتَّقُوا اللهَ وَیُعَلِّمُکُمُ اللهُ)[32].
وهی صابرة لم یسبقها فی ذلک إلاّ اُمّها فاطمة (علیها السلام) فلکلّ هذا هی معصومة بالعصمة الأفعالیة.
وکما قلت لکم إنّ هذه العصمة ثابتة لغیرها ممّن هو أدنی منها مرتبةً کسیّدنا الاُستاذ النجفی المرعشی (قدس سره) ، فإنّه قال لی یوماً وقد أقسم بفاطمة الزهراء (علیها السلام)أ نّه ما فعل شیئاً هوته نفسه قط ، أی کان ( مخالفاً لهواه مطیعاً لأمر مولاه ) منذ الیوم الأوّل ، فلهذا ( علی العوام أن یقلّدوه ) کما ورد فی الحدیث الشریف ، وکذلک السیّد الخوانساری (قدس سره) الذی قضی صلاته طیلة حیاته ثلاث مرّات ، مع أ نّه من مراجع الدین وما کان ذلک إلاّ لشدّة احتیاطه ، فمثل هذه الأفعال تدلّ علی عصمتهما الأفعالیة.
وهذا ما أکّده الإمام الصادق (علیه السلام) بقوله : « عجبت لمن یحبّ الله کیف یعصیه » ، فالمحبّ لله تعالی لا یعصی الله تعالی ولا یفعل ما یؤثّر علی هذه العلاقة مع ربّه ومولاه ومحبوبه . کما أ نّه ورد فی الحدیث الشریف : « ثمرة العلم العصمة » ، فکلّما ازداد الإنسان علماً نافعاً وعملا صالحاً ازداد عصمة وورعاً عن المعاصی والذنوب والآثام والقبائح ، وهناک شواهد کثیرة أذکر منها ذلک الرجل المتواضع الذی لا یقرأ ولا یکتب أخی الحاجّ محمّد علی مشهدی فإنّه کان له شرف اللقاء بالإمام الحجّة (علیه السلام) تکراراً ولمّا سألته عن مؤهّلاته لذلک قال : إنّه ما کذب یوماً ، ولا اتّهم أحداً ، ولا استغاب شخصاً ، بل بمقدار ما عرف من دینه لم یرتکب ذنباً منذ بلوغه ، فالمعرفة والحبّ یستوجبان العمل والقرب ، حتّی یصل المرء إلی العصمة فی أفعاله ، والتی نسمّیها بالعصمة الأفعالیة ، ولا بأس أن أذکر شاهداً آخر لتأثیر حبّ الله فی الحیاة وفی أداء الواجبات ، أذکر أ نّی کنت راکباً فی القطار مع بعض الشباب وکانوا من الجیش فلمّا وقف القطار ونزلنا لأداء الصلاة کان أحدهم لا یؤدّی الصلاة وبمجرّد أن سألته : هل تحبّ الله تعالی ؟ قال : نعم ، قلت له : اذهب وتکلّم مع من تحبّ ، فقام فعلا وذهب للصلاة ، وغیر ذلک من الشواهد ویکفینا ما نراه من طاعة العاشق لمعشوقه فی العشق المجازی ، مع أنّ الحبّ بینهما شهوانی ، فکیف إذا کان الحبّ الإلهی ؟
فلذا من عرف فإنّه لا یعصیه ، ومن عرف زینب فإنّه یتأدّب فی حضرتها بخشوع ، فبالحبّ تکون الطاعة ، وحبّ مجنون لیلی کان مجازیاً ، ومن طریف ما یحکی أ نّه کتب علی أرض الصحراء اسم لیلی ، فلمّا سئل عن سبب ذلک ؟ أجابهم : اُسلّی قلبی بذکری لیلی ، وهکذا یفعل الحبّ المجازی بأهله ، فکیف بالعشق الحقیقی وهو عشق الله سبحانه ، ومن أنس به استوحش من الناس ، ولهج لسانه بذکره :
(ألا بِذِکْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ)[33].
فإذن إذا علمنا وزهدنا وصبرنا أطعنا حقّاً ، وزادنا الله عصمةً ، ومثل زینب الحوراء (علیها السلام) التی وصلت إلی مقام الفناء فی الله کما یشهد لها قولها فی جواب ابن زیاد اللعین : کیف رأیتِ صنع الله ؟ فقالت (علیها السلام) : « ما رأیت إلاّ جمیلا » . ولا یقول هذا إلاّ العارف الفانی فی إرادة الله وحبّه ، فتری شهادة إخوتها الکرام من الله صنعاً جمیلا ، وإن کان من بنی اُمیّة ویزید الطاغیة ظلماً وعدواناً ، فمثلها کیف لا تکون معصومة ؟
کیف لا تکون معصومة وقد صبرت حتّی عجز الصبر من صبرها ، وهل یمکن لغیرها أن ترفع جسد أخیها الإمام الحسین فی عصر یوم عاشوراء وهو مقطّع بالسیوف والرماح والسهام وتقول: اللهمّ تقبّل هذا القربان من آل محمّد ؟
کیف لا تکون معصومة وإمام زمانها زین العابدین (علیه السلام) یقول فی حقّها : أنتِ بحمد الله عالمة غیر معلّمة ؟ فلا ریب ولا شکّ فی أ نّها معصومة ، إلاّ أنّ عصمتها عصمة أفعالیة تختلف عن عصمة اُمّها فاطمة الزهراء (علیها السلام) ، تختلف عن عصمة الأنبیاء والأئمة الأطهار (علیهم السلام).
اللهمّ نسألک بعصمة الأنبیاء والأولیاء وبعصمة زینب الحوراء اغفر لنا فیما مضی من حیاتنا واعصمنا فیما بقی من عمرنا ، آمین ربّ العالمین.
---
[1]إشارة إلی الآیة القرآنیة الکریمة (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِیَعْبُدُونِ) ( الذاریات : 56 ) ، ومن تفاسیر کلمة ( لیعبدون ) أی لیعرفون ، فإنّ المعرفة هی أساس العبادة لأنّ « أوّل الدین معرفته » وبالمعرفة یتکامل الإنسان.
[2]البقرة : 30 ، (وَإذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إنِّی جَاعِلٌ فِی الأرْضِ خَلِیفَةً) ، وفی الآیة 36 من سورة ص ما یدلّ علی الخلافة الإلهیة.
[3]مراده من خلافة الأسماء والصفات هو التخلّق بأخلاق الله تعالی کما ورد فی الحدیث الداعی إلی التخلّق بأخلاق الله تعالی وعکس صفاته وأسمائه فیکون الإنسان هو المخلوق الوحید الذی یحمل کلّ صفات الله تعالی فاستحقّ أن یکون خلیفته فی ذلک.
[4]إشارة إلی الحدیث الشریف : « عن أبی جعفر (علیه السلام) : تکلّموا فی خلق الله ولا تتکلّموا فی الله ، فإنّ الکلام فی الله لا یزداد صاحبه إلاّ تحیّراً » الکافی ، الجزء الأوّل ، باب
التوحید.
[5]إشارة إلی الآیات القرآنیة الکثیرة التی تصرّح بأنّ کلّ ما فی الوجود یسبّح لله تعالی : (وَإنْ مِنْ شَیْء إلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ) ( الإسراء : 44 ) ، وهذا ما ورد فی سورة الحشر أیضاً (سَبَّحَ للهِ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأرْضِ وَهُوَ العَزِیزُ الحَکِیمُ) ( الحشر : 1 ) ، وهذه الآیة تکرّرت فی سورة الصفّ ـ سورة الحدید ـ وسورة الجمعة بزیادة.
[6]سمّی بجامع الجمع لأ نّه جامع لجمیع الصفات الإلهیة والأسماء الحسنی.
[7]هناک ثلاثة أقوال فی المسألة :
الأشاعرة : قالوا بأ نّه تعالی فاعل لکلّ فعل حتّی القبیح ولا یُسأل عمّا یفعل وهم یُسألون ، فتعالی الله عن ذلک.
المعتزلة : فراراً من هذا القول قالوا : القبیح فعل صادر من الإنسان ولیس لله تعالی أیّ دخل فیه فعزلوا الله تعالی عن سلطانه ، فلزم من ذلک النقص والنقص قبیح.
الإمامیة : یقولون إنّ الله تعالی علی کلّ شیء قدیر حتّی علی فعل القبیح ، لکنّه لا یفعل القبیح لعدم وجود الداعی ، لأ نّه لیس بجاهل أو محتاج أو عابث أو مجبور علی فعل القبیح ، فإذا انتفی الداعی لفعل القبیح امتنع وقوعه.
( وهناک تفصیل فی المسألة مذکور فی محلّه ).
[8]آل عمران : 103.
[9]إشارة إلی الآیة القرآنیة الکریمة : (قَالَ سَآوِی إلَی جَبَل یَعْصِمُنِی مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الیَوْمَ مِنْ أمْرِ اللهِ إلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَیْنَهُمَا المَوْجُ فَکَانَ مِنَ المُغْرَقِینَ) ( هود : 43 ).
[10]جاء بیان ذلک فی ( الإمام الحسین (علیه السلام) فی عرش الله ) فراجع.
[11]السواعق : 135 ، مستدرک الحاکم ، الجزء 3 ، الطبرانی ـ المراجعات : 17.
[12]روی البخاری عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقول : کنّا اثنا عشر أمیراً ، فقال کلمة لم أسمعها ، فقال أبی : کلّهم من قریش ( صحیح البخاری 9 : 81 ) ، وفی صحیح مسلم : « لا یزال الدین قائماً حتّی تقوم الساعة أو یکون اثنا عشر خلیفة کلّهم من قریش » ( صحیح مسلم 6 : 4 ).
[13]مفاتیح الجنان ، دعاء الندبة : 606.
[14]مفاتیح الجنان : 96 ، زیارة فاطمة الزهراء یوم الأحد.
[15]الحدید : 23.
[16]السجدة : 24.
[17]مراده من ترک الأولی هو أنّ الأولی للإنسان أن یفعل کذا لأ نّه فی مصلحته ولائق بحاله ولکنّه لو لم یفعل فیسمّی تارک للأولی ، وترک ما هو أولی من غیره لیس بمعصیة لأ نّه مخالفة لأمر إرشادی ولیس لأمر مولوی أی أمر واجب.
[18]فی قصّة آدم (علیه السلام) عندما أکل من الشجرة التی نهاه الله تعالی عنها فکان الأولی أی الأحسن أن لا یأکل منها ولکنّه خالف الأمر الإرشادی وأکل وهذا ما ذکرته الآیات القرآنیة ، وقصّة داود (علیه السلام) الذی کان الأولی به أن یستمع إلی أصحاب الدعوی علی حدّ سواء ولا یسمع أحدهما ویترک الآخر ولکنّه استمع إلی أحدهما دون الآخر ، وهذا مذکور فی الآیات القرآنیة.
[19]ذکر أهل البیت (علیهم السلام) أنّ للعقل جنوداً وللجهل جنوداً ، وهذا مفصّل فی اُصول الکافی باب العقل والجهل ، فراجع.
[20]من أمثال زینب الکبری الذین تربّوا فی أحضان النبوّة أو الإمامة کأبی الفضل العباس وعلیّ الأکبر وفاطمة بنت موسی بن جعفر سلام الله علیهم وغیرهم.
[21]معانی الأخبار : 132.
[22]السجدة : 24.
[23]الکافی 1 : 272.
[24]الشوری : 52.
[25]بصائر الدرجات : 457.
[26]الإسراء : 85.
[27]الکافی 1 : 273.
[28]بحار الأنوار 25 : 48.
[29]الأحزاب : 21.
[30]بحار الأنوار 25 : 200.
[31]المصدر 25 : 199.
[32]البقرة : 282.
[33]الرعد : 28.

‌‌‌فصل فی الأسئلة[1]

سؤال : إنّ حدیث « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » صدر من سقراط قبل ثلاثة آلاف سنة قبل المیلاد ، فما هو رأی سماحتکم ؟
الجواب :
إنّ هذا الحدیث ورد فی أحادیث أهل البیت (علیهم السلام) ولا ضیر أن یکون من قبل ، لأنّ منبع العلم واحد وهو الله سبحانه وتعالی ، فربما هذا الحدیث وصل ممّن سبق سقراط من الأنبیاء (علیهم السلام) باعتبار أنّ معرفة النفس هی بدایة الفلسفة ، فلذا یبحث الفیلسوف عن مثل هذه الروایات الواردة عن الأنبیاء (علیهم السلام) وکلّ العلوم الصحیحة واردة عنهم (علیهم السلام) فلا مانع أن یکون سقراط أخذه عن الأنبیاء (علیهم السلام)وهو یوافق ما موجود عند أهل البیت (علیهم السلام) ، فإنّهم أعرف بعلوم الأوّلین والآخرین.
1 ـ سؤال : هل إنّ سقراط من الأنبیاء (علیهم السلام) ؟
الجواب :
لم یثبت ذلک ، ولکن هناک من یذهب إلی هذا القول ، واُرید أن أقول شیئاً عن الفلسفة ، فأقول : إنّ هناک نزاع بین الفقهاء وبین المحدّثین ، فمنهم من ینکر الفلسفة نهائیاً سیّما الفلسفة الیونانیة ، ومنهم من یثبت ذلک ، وورد فی أحادیث أهل البیت (علیهم السلام) مذمّة الفلسفة کما أنّ هناک أیضاً عدم إنکار لها ، کما ذکر فی کتاب حدیقة الشیعة المنسوب إلی المقدّس الأردبیلی عن الإمام العسکری (علیه السلام) کما فی ذاکرتی یقول : إنّه سیأتی فی آخر الزمان أقوام ... إلی أن یقول : فإنّ علمائهم یمیلون إلی الفلسفة والتصوّف ، وهنا الحدیث فی مقام الذمّ لهما ، کما أ نّه ورد أنّ أمیر المؤمنین (علیه السلام) تکلّم عن النفس وتقسیمها إلی رجل یهودی الذی تحدّث أمام أمیر المؤمنین بکلمات فلسفیة فلمّا سمع مقولة الإمام (علیه السلام) تعجّب من ذلک ، وقال للإمام (علیه السلام) : سیّدی ، کأ نّما جمعت کلّ الفلسفة فی کلامک هذا ، فمن هذا نستشفّ عدم الردع عن الفلسفة بل جواز التحدّث بها ، إلاّ أ نّنی أری إن کانت الفلسفة طریقاً إلی الله تعالی وأداة وسلاح فی الردّ علی الفلسفة الغربیة ودحراً لأعداء الإسلام فلا بأس بذلک وربما لا بدّ منه ، ولکن لیست الفلسفة هی الطریق الوحید إلی الله تعالی.
2 ـ سؤال : ما معنی الرحمن ، وما معنی الرحیم ؟
الجواب : الرحمن من أسماء الله سبحانه وتعالی ، وبمعنی ما فیه تکامل الشیء وکلّ ما فیه تکامل الشیء فهو من رحمانیة الله ، کما أنّ من مصادیق رحمانیّته تعالی الهدایة العامّة ، والرزق فإنّه عامّ یشمل الکافر والمؤمن وکلّ ما یشمل الخلق فهو الرحمة الرحمانیة ، وهناک الرحمة الخاصّة التی هی قریبة من المحسنین ومختصّة بالمؤمنین فی الدنیا والآخرة ، وهذا معنی الرحیم.
3 ـ سؤال : هل هناک علاقة بین التشیّع والتصوّف ، ویرون أنّ مصادر أعلام الصوفیة هم أهل البیت (علیهم السلام) سیّما أمیر المؤمنین وفاطمة الزهراء ، کما أنّ المتصوّفة یؤمنون بالولایة ، ولکن لا یؤمنون بالبراءة ، فما هو رأی سماحتکم ؟
الجواب :
التصوّف علم من العلوم ومسلک من المسالک التی هی فی قبال الفلسفة ، فالتصوّف یعبّر عنه بالعرفان ، والعرفاء هم المتصوّفة ، وهم یقولون : إنّ للنبیّ (صلی الله علیه وآله)ثلاث حالات وهی : أقواله وأفعاله وحالاته ، فأقواله عبارة عن الشریعة ، وأفعاله عبارة عن الطریقة ، وحالاته عبارة عن الحقیقة ، فالشریعة نأخذها من الفقهاء ، والطریقة نأخذها من الأقطاب ; لأنّ کلّ صوفی عنده قطب ، وهذه الأقطاب تتّصل بقطب الأقطاب ألا وهو أمیر المؤمنین (علیه السلام) ، فالسلسلة تنحدر منه (علیه السلام) إلی الإمام الحسن إلی أن تصل إلی الإمام الرضا (علیه السلام) ثمّ إلی معروف الکرخی وهکذا إلی یومنا هذا.
فهم یأخذون أفعالهم وحالاتهم من أقطابهم ، فمثلا عندما یرید أن یأخذ ذِکراً لمدّة أربعین یوماً یأخذه من قطبه ، کما أنّ لدیهم شکل هرمی فی درجاتهم ، أوّلهم القطب ثمّ المرید ثمّ الفقیر ، وهکذا . وهذه المعانی موجودة عند المتصوّفة ، کما أنّ الصوفیة تنقسم إلی أکثر من مئتی فرقة ، کالصوفیة الشاذلیة فی الجزائر والقادریة فی العراق وغیرها من فرق التصوّف السنّی ، وأمّا صوفیة الشیعة کالصوفیة الذهبیة الموجودة فی شیراز وغیرها فی المدن الإیرانیة الاُخری ، وسمّوا بالصوفیة لأنّ أقطابهم یلبسون الصوف أو أ نّها مأخوذة من صوفیا بمعنی الحکمة التی عند الفلاسفة أی ما یشابه الحکمة أو فی قبال قول الفلاسفة ، وأمّا مرام الصوفیّة فإن کان التصوّف بمعنی تهذیب النفس وتربیتها فهذا حقّ ، وإن کان غیر ذلک فقد وردت أحادیث کثیرة فی مذمّتهم ، راجع کلمة ( صوف ) من سفینة البحار للمحقّق القمّی (قدس سره) ، أمّا بالنسبة إلی البراءة والولایة فهذا أمر مهمّ جدّاً لا بدّ من التکلّم فیه ، فنقول : إنّ أمیر المؤمنین روحی فداه یقول : « عجبت لمن یدّعی حبّی کیف یحبّ عدوّی » ، فهذا أمر مستحیل لأ نّه ما جعل الله تعالی فی جوف من قلبین یحبّنی ویحبّ عدوّی الذی ذکره أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی الخطبة الشقشقیة ، ولا بدّ أن نقول إنّ لکلّ ولاء من براءة سابقة علیه ، الفلاّح الذی یرید زرع الأرض لا بدّ له من رفع الموانع لکی تعطی الأرض زرعاً جیّداً ، فکذلک بالنسبة للقلب لا بدّ أن یخرج منه محبّة أعداء الله تعالی وأعداء رسوله وأولیائه لتحلّ مکانها محبّة الله تعالی ورسوله وأولیائه ، وبکلمة اُخری إنّ لنا شعوراً وشعاراً ، فالشعور الولائی شعاره ( الصلاة علی محمّد وآل محمّد ) ، والشعور البرائتی شعاره اللعن لأعداء الله تعالی ولأعداء رسوله وأهل البیت (علیهم السلام) ، فکما یتقرّب الإنسان بالصلاة یتقرّب باللعن ، فإنّما لا یمکن التحلیق فی عالم المعرفة والقربة إلی الله إلاّ بجناحین وهما الصلاة واللعن.
4 ـ سؤال : ما هو رأی أهل البیت (علیهم السلام) فی المقولة التی تقول إنّ البحث عن الله تعالی بحسب الطاقة البشریة ؟
الجواب :
هذه المقولة لم تکن فی مذهب أهل البیت (علیهم السلام) وإنّما هی مقولة فلسفیة ولیس قولهم البحث عن الله تعالی ، بل البحث عن الموجود لأنّ الموجود هوموضوع الفلسفة کما ورد ذلک فی بدایة ونهایة الحکمة للسیّد الطباطبائی عند تعرّضه إلی تعریف الفلسفة . فیقول : موضوع الفلسفة هو الموجود بما هو موجود حسب الطاقة البشریة . وهذه العبارة ( حسب الطاقة البشریة ) مذکورة فی الأسفار لصدر المتأ لّهین علیه الرحمة ولغیره ، فلیس لهذا القول علاقة بأهل البیت (علیهم السلام).
5 ـ سؤال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله) : علماء اُمّتی کأنبیاء بنی إسرائیل ، فما المقصود بأنبیاء بنی إسرائیل ، هل هم الأنبیاء المرسلون أم ماذا ؟
الجواب :
الأنبیاء علی طبقات کما فی کتاب التوحید للشیخ الصدوق ، فمنهم من کان نبیّ نفسه فقط ، ومنهم لاُسرته ، ومنهم لعشیرته ، ومنهم نبیّ عالمی أی ذو رسالة عالمیة ، وهذه الرتبة الأخیرة مختصّة بأنبیاء اُولی العزم الخمسة الذین کانت رسالتهم عالمیة فی عصرهم کما فی رسالة موسی وعیسی (علیهما السلام) ، أی أنّ علی جمیع من فی الکرة الأرضیة أن یؤمنوا بصاحب الرسالة العالمیة ، فمثلا رسالة عیسی (علیه السلام) رسالة عالمیة ، فعندما جاء بها عیسی (علیه السلام) کان علی جمیع الناس أن یؤمنوا بها إلی أن جاءت رسالة سیّد الرسل محمّد (صلی الله علیه وآله) وهی الرسالة الإسلامیة فنسخت الدیانة المسیحیة : فـ (إنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ)[2] و (وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِینَ)[3].
وعلیه لا بدّ ـ عقلا ونقلا ـ أن یدخل جمیع الخلق فی الدیانة الإسلامیة حیث إنّها خاتمة الأدیان ، فصارت من حیث الزمن إلی یوم القیامة وهذا ما یؤیّده الحدیث الشریف : « حلال محمّد (صلی الله علیه وآله) حلال إلی یوم القیامة ، وحرام محمّد (صلی الله علیه وآله)حرام إلی یوم القیامة ».
6 ـ سؤال : قال الله تعالی : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَی النِّسَاءِ)[4] ، وینطلق البعض من هذه الآیة علی قیمومیة الرجال علی النساء مطلقاً ، فلذلک إذا کانت المرأة معصومة کالزهراء (علیها السلام) فلا بدّ أن یکون زوجها معصوماً وکفواً لها حتّی تتمّ القیمومة ، وعلی هذا إذا کانت السیّدة زینب (علیها السلام) لا تعرف بمعرفة کمالیة فلماذا زوّجها أمیر المؤمنین من عبد الله بن جعفر ؟
الجواب :
إنّ ما جاء فی الآیة الشریفة من باب المناسبة بین الموضوع والحکم کما فی الفقه ، حیث یقول الفقهاء لا بدّ من مناسبة بین الموضوع والحکم کما عند الفلاسفة فإنّهم یقولون : لا بدّ من سنخیة بین العلّة والمعلول ، فالآیة حکمت بأنّ الرجال قوّامون علی النساء ، فالموضوع هو الرجال والنساء والحکم هو القیمومیة ، ومفهوم القیمومیة له مصادیق متعدّدة ، منها الوصایة کوصایة وقیمومیة الوصی علی الطفل ، أو قیمومیة الإمام علی الاُمّة أو قیمومیة المعلم علی التلمیذ ، فکلّ موضوع له حکم یناسبه . وفی مقامنا تکون القیمومیة فی دائرة الزوجیة ولیس علی نحو عامّ أیّ لیس أنّ کلّ رجل قائم علی کلّ امرأة ، بل المراد أنّ کلّ زوج قائم علی زوجته فالقیمومیة بسبب الزوجیة ، وقیمومیة الرجل فی نطاق الاُسرة وإنّما شرّع ذلک لأنّ الله تعالی خلق الإنسان وهو عارف بمکنوناته وذاته.
وأنا تعرّضت لهذا البحث الاجتماعی فی شهر رمضان فی قم المقدّسة بالتفصیل[5] ، فقلت :
إنّ الرجل والمرأة کلاهما ناقصان ، وکلّ واحد منهما له کمال یمتاز به عن الآخر ، وحیث إنّ الله تعالی خلق الکون کلّه بزواج تکوینی ، والبّنة الشرعیة تکون بشاهدین عدلین ، فکانت البیّنة التکوینیة کذلک ، فخلق الله من کلّ شیء زوجین لتکون بیّنة علی وحدانیّته ، فهذه الخلقة فیها دلالة وبیّنة علی أنّ الله تعالی واحد أحد ، وهذه البیّنه بیّنة تکوّنیة علی مدّعی الله تعالی بأ نّه واحد أحد ، فالرجل والمرأة من الزوجیة التکوّنیة وهما یتّصفان بالنقص کما أسلفنا فأراد الله تعالی لهما أن یتکاملا ببعضهما فی میادین کثیرة ، ومن هذه المیادین میدان العقل والعاطفة ، فإنّ العقل فی الرجال أقوی ممّا عند النساء ، والعاطفة أکثر ممّا عند الرجال علی نحو الغالبیة والجوهریة والأصالة ، ولهذا جعل الرجل قائماً علی المرأة عند الزوجیة ولیس معنی کلامنا هذا أنّ المرأة ناقصة العقل أی مجنونة أو قاصرة ، وإنّما مرادنا أنّ الجانب العاطفی عندها أکثر من التعقّل ولذلک فی الاُمور التی یحتاج المجتمع بها إلی التعقّل تسند الوظیفة إلی الرجل کما فی ( القضاء والمرجعیة ) فقولنا هذا لا دلالة فیه علی الانتقاص من المرأة بل فیه بیان خلقة المرأة وبیان ما یناسبها من وظیفة ، وإلاّ لو کان کلامنا نافیاً لعقل المرأة فکیف یعتبرها الإسلام مکلّفة بالتکالیف الشرعیة عند بلوغها تسع سنین ، فتکون مکلّفة قبل الرجل ولوجود هذا الفارق فی التعقّل صار الرجل قائماً علی المرأة عندما یرتبطون برابطة الزوجیة وتکوین الاُسرة ، وکذلک المرأة لها من العاطفة ما لیس للرجل فلذلک تقوم بما لا یستطیع الرجل القیام به ، إذن تکوین الاُسرة یحتاج إلی تعقّل وعاطفة وهذا لا یعنی أنّ المرأة تنقص عن الرجل مطلقاً بل ربما تکون المرأة یضرب بها المثال للمؤمنین وهم رجال کما فی قصّة آسیا امرأة فرعون حیث ضرب الله بها مثلا للمؤمنین.
وأمّا بالنسبة لزینب (علیها السلام) فإنّها معصومة ولکن عبد الله بن جعفر لم یکن أکفأ منه لزینب حیث بینهم نسب وحسب وهو ابن عمّها وهذا یکفی فی نظر العرف آنذاک مع ما لعبد الله بن جعفر من العلم والتربیة حیث إنّه تربّی فی أحضان النبوّة والإمامة فلهذا لا تنافی بین کون عبد الله بن جعفر قائم علی زینب بموجب الآیة وبین عصمة زینب وعلوّ مقامها.
7 ـ سؤال : هل عصمة العلماء کعصمة زینب (علیها السلام) ، وهل أنّ للعصمة الأفعالیة مراتب ؟
الجواب :
لیس عصمة العلماء کعصمة زینب (علیها السلام) ، لأنّ العصمة الأفعالیة التی لزینب ـ سلام الله علیها ـ فی أعلی مراتبها ، حیث إنّ لهذه العصمة مراتب متعدّدة . ولکن من حیث الإمکان العقلی یمکن لغیر زینب الوصول إلی رتبتها ، أمّامن حیث الإمکان الوقوعی لم یقع هذا ، لاختلاف ظروف زینب الکبری واختلاف مربّی زینب ومعلّمیها فهی تالی المعصوم (علیه السلام) ، کما ورد فی الزیارة.
8 ـ سؤال : هل یلهم العالم أحیاناً ؟
الجواب :
نعم ، وهذا ما تؤکّده الآیة الکریمة :
(وَاتَّقُوا اللهَ وَیُعَلِّمُکُمُ اللهُ)[6].
فالعالم یمکن أن یعطیه الله تعالی من العلم الإلهامی إذا وصل إلی رتبة تؤهّله لذلک ، فالعالم یرزق من هذا العلم وکذلک الأولیاء والأنبیاء ، ولکن کلّ بحسبه لأنّ لهذا العلم مراتب.
ولهذا یستحبّ قبل المطالعة أن یدعو الإنسان لکی یهبه الله علماً من عنده ، وهذا ما یتّضح من الدعاء الذی یقول : « اللهمّ ارزقنی فهم النبیّین وحفظ المرسلین وإلهام الملائکة المقرّبین ، ولا یؤوده حفظهما وهو العلیّ العظیم ، برحمتک یا أرحم الراحمین ».
وکثیراً ما یلهم العالم علماً لم یکن یعلمه من قبل ، سیّما عند المخاصمة بین الحقّ والباطل ، وهذا من المجرّبات.
9 ـ سؤال : ما هو الترابط بین عصمة فاطمة الزهراء وبین عصمة زینب الکبری ؟
الجواب : الترابط اتّضح ممّا ذکرنا هو أنّ عصمة الزهراء (علیها السلام) عصمة ذاتیة کلّیة واجبة ، وعصمة زینب الکبری سلام الله علیها عصمة أفعالیة جزئیة ومکتسبة.
10 ـ سؤال : لو أذنب شخص ذنباً فی أوّل حیاته وتاب بعد ذلک ولم یقترف ذنباً إلی أن مات ، هل یعتبر هذا معصوماً أو لا ؟
الجواب :
هذه عصمة أفعالیة وهی میسّرة لکلّ واحد منّا ، إلاّ أ نّها تختلف من حیث رتبتها ومن حیث السعة والضیق ، وهذه أدنی من غیرها حیث یمکن أن یکون من هو معصوم عن الذنوب الکبیرة وهناک من هو معصوم عن الکبائر والصغائر ، إلاّ أنّ ذلک فی آخر عمره وهناک من هو معصوم من أوّل بلوغه ، وهناک معصوم من أوّل حیاته حتّی مماته ، وهکذا قصّة السیّدین المرتضی والرضی شاهد علی ذلک.
11 ـ سؤال : هل یجوز السجود علی النقشة الموجودة فی التربة الشریفة ؟
وهل یجوز السجود علی تربتین إحداهما فوق الاُخری ؟
الجواب :
نعم ، یجوز السجود علی تربتین إذا لم یکن ارتفاعهما أکثر من أربعة أصابع ، وهی مختلف ـ عند الفقهاء ـ فی کونها مضمومة أو مفتوحة ، أمّا بالنسبة للسجود علی النقشة فینقل عن السیّد البروجردی (قدس سره) أ نّه لا یصحّ ذلک ، فإنّه یشکل من حیث النقش أی بالعنوان الثانوی ، وتبادر إلی ذهنی ربما یرد الإشکال من حیث العنوان الأوّلی وهو أنّ النقشة قد لا تفی بالسجود الصحیح الذی هو بمقدار الإبهام أو یزید أی بمقدار الدرهم البغلی ، وأیضاً تبادر الجواب فی ذهنی أ نّه یمکن دفع هذا الإشکال وهو لو وضع الساجد جبهته فربما تملأ التجعیدات التی فی جبهته تلک الفراغات التی فی النقشة ، فالأحوط الأولی أن لا یسجد علی النقشة.
12 ـ سؤال : لقد عرّفتم العلم بأ نّه صورة الشیء فی الذهن ، ألیس هذا مخالفاً لتعریف أهل البیت (علیهم السلام) حیث عرّفوه بأ نّه نور ؟
الجواب :
للعلم تعاریف عدیدة منها التعریف المنطقی والتعریف الفلسفی ، وله تعریف فی علم الکلام ، وتعریف آخر فی الأحادیث الشریفة ، وتعریف العلم بأ نّه انطباع صورة الشیء فی الذهن هو تعریف منطقی ، ویستفاد منه فی کلّ العلوم ، لأنّ المنطق أداة العلوم ، فلهذا یمکن تعریفه هکذا ، أمّا العلم الإلهی الذی هو نور فهو بمعنی الانکشاف کما أنّ العلم بالتعریف المنطقی أیضاً انکشاف لأنّ الجهل ظلام والعلم نور وعندما یعلم الإنسان علماً أی تنوّر قلبه ، فانکشفت له المجاهیل فلا مخالفة بینهما.
13 ـ سؤال : إذا استمرّت رسالة الله تعالی إلی یوم القیامة فما معنی ختم
النبوّة ؟
الجواب :
النبوّة والرسالة بدایتها من آدم (علیه السلام) ونهایتها إلی محمّد الخاتم (صلی الله علیه وآله) ، وحیث إنّ رسالة الخاتم (صلی الله علیه وآله) تسمّی بالإسلام الذی هو بالمعنی الخاصّ المقابل للإسلام بالمعنی العامّ والذی یعنی الانقیاد ، جاءت الآیة تقول :
(وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِینَ)[7].
فأمرنا الله تعالی باعتناق هذا الإسلام الخاصّ الذی کمل بولایة أمیر المؤمنین علیّ (علیه السلام) ، لقوله تعالی :
(الیَوْمَ أکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإسْلامَ دِیناً)[8].
فیبقی هذا الدین بعد أن أکمله الله تعالی وصار صالحاً للتدیّن به فی کلّ الأزمان والأعصار إلی یوم القیامة ، فلکمال الرسالة السماویة السمحاء التی جاء بها الأنبیاء قد ختمت النبوّة ، وتبقی الرسالة الإسلامیة إلی یوم القیامة ، والحمد لله الذی جعلنا من المسلمین والمتمسّکین بولایة أمیر المؤمنین والأئمة الطاهرین ، ورزقنا الله فی الدنیا زیارتهم وفی الآخرة شفاعتهم وحشرنا فی زمرتهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین.
---
[1]لقد کان المجال مفتوحاً للسؤال والجواب بعد کلّ محاضرة ، وقد أجاب سیّدنا الاُستاذ دام ظلّه فی رحلته الشامیّة هذه عن أکثر من خمسمائة سؤال ، آثرنا أن نحرّر ما سجّله لنا الکاسیت وشریط الفیدیو ، ونقدّمه للقراء الکرام لما فیه من الفوائد والفرائد.
[2]آل عمران : 19.
[3]آل عمران : 85 .
[4]النساء : 34.
[5]لقد ذکر الاُستاذ تفصیل ذلک فی کتاب ( تربیة الاُسرة علی ضوء القرآن والعترة ) ، فراجع.
[6]البقرة : 282.
[7]آل عمران : 85 .
[8]المائدة : 3.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.