فاطمه الزهراء عليهاالسلام قدوه و اسوه

اشارة

سرشناسه : مدرسي محمد تقي 1945- م

Mudarrisi, Muhammad Taqi

عنوان و نام پديدآور : فاطمه الزهراء عليهاالسلام قدوه و اسوه محمدتقي المدرسي

مشخصات نشر : تهران : دارالمحبي الحسين عليه السلام 1384. ‮

مشخصات ظاهري : [72] ص 11×17س م.‮ ‮

شابك : 964-7373-50-3

وضعيت فهرست نويسي : فاپا

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ دوم.

يادداشت : چاپ سوم: 1426 ق.= 2005 م.= 1384.‮

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع : فاطمه زهرا (س) ، 8؟ قبل از هجرت - 11ق -- سرگذشتنامه

رده بندي كنگره : BP27/2 ‮ /م 4ف 23 ‮

رده بندي ديويي : 297/973

شماره كتابشناسي ملي : م 84-5902

تمهيد

" القدوة " هو ذلك الإنسان الذي يقود ركب البشرية إلي سبيل السلام. " والأسوة " هو ذلك المثل الأعلي لكل القيَم.

فالأسوة تعني النموذج الكامل، لأفضل ما يفكر فيه الإنسان من خُلق وعمل، بينما القدوة تعني الهاديَ إلي السبيل. بين سبل الحياة المتفرقة.

وإذ نكتب هذه السلسلة. باسم " القدوة والأسوة " فإنما نريد أن نشير إلي أن القادة الذين نشرح سيرة حياتهم ليسوا فقط " قدوة الأمة " بل هم " أسوة الأمة " أيضا.

فكما يجب أن نستنير بهداهم الذي خلّفوه لنا في أقوالهم، فكذلك يجب أن نتأسي بهم في أعمالهم التي عملوها وكانت سنّة للبشر.

ويعتبر من ميزات الرسالات الإلهية أنها تصوغ، جميعا، أشخاصاً مثاليين ليكونوا النموذج الذي يجب أن يعجعله الفرد نصب العين، فيطبق جميع شؤونه وفقه ليتخرج طبقاً لأفضل حياة كريمة.

أما سائر المبادئ فإنها حينما يفشل المنتمون إليها في صياغة نماذج مثاليين، فإنهم يعمدون إلي أحجار جامدة.. وأخشاب صامتة. فيجعلونها الأسوة الرمزية التي يجب عندهم اتِّباع ما يُنسب إليها

من الأساطير. وهكذا يحاولون سد الفراغ.. ومن ذلك كانت قديما أنصاف الآلهة التي كانت الشعوب المتخلفة تزعمها نماذج للبطولات الخارقة والأمجاد العظيمة.. ومن ذلك - حديثا - الجندي المجهول، الذي يعتبر رمزاً للفدائي الذي يجب أن يتبع من قِبَلِ سائر المواطنين.

أما في الإسلام، فقد جعل الل_ه سبحانه حامل رسالته، أسوة للأمة فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الل_ه اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الاحزَاب/21) حيث اعتبر الأسوة معصوماً، وقال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَي إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي) (النجم/3-4). وهو يعني كونه، لايرتكب أي خطأ ولا يميل إلي أي انحراف. وإن لم يكن كذلك، لبطل كونه أسوة، ولم يصح ان يجعل الرسول سيداً مطاعاً في الخلق إذا أمكن أن يخطئ فيجر إلي تابعيه الويل، وأمكن أن ينحرف فينكب بتابعيه الطريق، وأمكن أن ينجرف إلي الأهواء ويتبع الشهوات فيهوي بالخلق إلي المهاوي بعد أن يبدل حكم السماء ويحرّف كلماته.

ولم تقتصر نعمة الل_ه علي المسلمين بجعل النبي أسوة، إذ جعل لهم خلفاء للنبي، وجعل كلاًّ منهم أسوة تتبع، بعد ان جعلهم معصومين عن الزلل.. بل جعل للنساء من الأمة أسوة من جنسهن، تكون رمز الفضائل والقيم، وشاهدة علي مدي صلاحية تعاليم السماء للتطبيق العملي بكلّ تفاصيلها، وفي كلّ المجالات... وتلك هي فاطمة الزهراء (ع).

ففاطمة الزهراء التي أُضيئت هذه الأسطر بقبس من سيرتها الوهّاجة، معصومة شأن سائر الأئمة والأنبياء عليهم صلوات الل_ه. فهي إذاً، لاتفعل سوي الحق، ولا تتبع غير الحق، وهي إذاً، قد طبقت تعاليم السماء علي نفسها تطبيقاً كاملاً. وهي - إذاً - قد أصبحت المثل المحتذي في جميع الفعال والخصال، وهي لذلك كله " القدوة، والأسوة ".

فإذا كيَّفنا حياتَنا وفق سيرتِها، وأفكارَنا وفق أفكارها،

وتخلَّقنا بمثلِ خُلقها، فقد بلغنا الصواب. لأنها كانت نسخة ناطقةً عن القرآن الكريم، وشاهدة صدقٍ علي واقعية تعاليمه الحياتية.

أقول ذلك في مقدمة هذه الصفحات - لكي نعرف أهمية البحث عن الصِّديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع). لأنها تتصل بحياتنا بصورة مباشرة.

الاصل الكريم

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بإِذْنِ رَبِّهِ) (الاعراف/58)

محمد بن عبد الل_ه (صلي الل_ه عليه وآله) رسول الل_ه وخاتم النبيّين وسيّد المرسلين، هو والد فاطمة (ع)، وأَعْظِمْ به رسولاً، وأَكْرِمْ به أبّاً.

وخديجة بنت خويلد، أم المؤمنين، والسابقة إلي الإسلام والمحامية عن دين الل_ه والمضحية في سبيل الرسالة، هي أمّ فاطمة (ع).

في أجداد النبي (صلي الل_ه عليه وآله) شخص يُسمي (لؤي بن غالب) إليه يسمو نسب خويلد، والد خديجة. فهو ابن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب بن كعب بن غالب.

ولقد كان خويلد من سادة قريش ومن أثرياء مكة، وكان له من الأبناء ثلاثة: العوّام وهالة وخديجة.

الع__وّام هو والد زيد بن العوّام.. وصهر سيد قريش، عبد المطلب - جدَ النبي (صلي الل_ه عليه وآل__ه) - فمن ذلك كان لزيد صلتان بفاطمة عليها السلام في النسب. فهو من جهة ابن خال، ومن جهة ابن عمّة فاطمة (ع).

وأما هالة بنت خويلد، أخت خديجة (ع) فإنها بقيت في الحياة إلي ما بعد الهجرة، وكانت تتردد أحياناً علي النبي (صلي الل_ه عليه وآله) في المدينة، فكان الرسول (صلي الل_ه عليه وآله) يبدي لها احتراماً بالغاً نظراً إلي نسبتها إلي خديجة - الزوجة الحانية والحامية - للرسول وكان يأخذ عائشة زوجة الرسول ما يأخذ النساء من أمر ضرّاتهن. بيد أن النبي (صلي الل_ه عليه وآله) كان ينهرها، مشيداً بمواقف خديجة ومآثرها التي تقتضي تكريم

النبي (صلي الل_ه عليه وآله) لها في احترام أختها.

كان من المنتظر أن تتزوج خديجة في شبابها بابن عمها " نوفل بن أسد " ولكنّ الزواج لم يتم، لأن نوفل كان من الحكماء في الجزيرة فشغله البحث عن الحقيقة عن الزواج. وتقدم بعد نوفل سيد من زعماء بني تميم للزواج بخديجة وكان يسمي ب_ " هند بن بناس ". ولكن هذا الزواج لم يسعد إذ توفّي هند في شبابه، وترك خديجة أرملة غنيّة.

وك__ان عتي__ق بن عابد من مشاهير كرماء العرب، فتقدم إلي الزواج بخديجة، ورزق منها ابن_ة سماها ب

" هند " غير أنه مات هو الثاني وترك هنداً ابنته يتيمة في بيت خديجة.

وكان مولد خديجة خمسة عشر عاماً قبل الحدث التاريخي لهجوم أبرهة علي مكة، الذي كان مبدأ تاريخ العرب. واشتهرت تلك السنة ب_ " عام الفيل ".

ومع ذلك فقد تزوجها النبي (صلي الل_ه عليه وآله) ثالث ثلاثة، نظراً لرغبتها في ذلك، ولِمَا عرفه الرسول في نفس خديجة من حب الخير والدفاع عن الحق، ولٍمَا اتَّص__ف به من الحكمة، والخلق الفاضل. أمّا هي فقد أحبت النبيَّ (صلي الل_ه عليه وآله) بعد سفرة تجارية ارتحل بها النبي (صلي الل_ه عليه وآله) إلي الشام في مال خديجة، لِما رأت هي وأخبرها عبدُها الذي رافق النبي (صلي الل_ه عليه وآله) - في الرحلة - من مكارم الخلق، وبشائر النبوغ، والعظمة. ولعلها كانت قد علمت بنبوة الرسول، فرغبت في الزواج به.

وتمّ وسعد الزواج الجديد بين محمد بن عبد الل_ه (صلي الل_ه عليه وآله) وبين خديجة.. وكان من أكثر الزيجات بركة في الإسلام، وقد أنجبت خديجة للنبي أولاداً صالحين، هم:

1- القاسم: الذي ولد قبل

البعثة. وتوفي قبلها أيضاً. وبه كُنّي النبي (صلي الل_ه عليه وآله) بأبي القاسم.

2- عبد الل_ه: الذي كان كأخيه، في الميلاد والوفاة قبل البعثة. علي القول المشهور.

3- الطاهر: الذي ولد في الإسلام. وبذلك سمّي " الطاهر " ولكنه توفي أيضاً.

4- زينب: وكانت أكبر بنات الرسول.. وتزوجت بابن خالتها أبي العاص بن الربيع، وأنجبت له بنتاً، وولداً. وهما " أمامة وعلي ". أما أمامة فقد حظيت - في يوم من الأيام - بالزواج من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد فاطمة الزهراء (ع) وبوصية منها. وأمّا عليّ فقد وافاه الموت طفلاً.

وتوفيت زينب - أكبر بنات النبي (صلي الل_ه عليه وآله) في السنة الثامنة للهجرة.

5- رقيّة: وتزوجت بابن عمها عتبة بن أبي لهب. ولكنه كان عدوّاً شديد العناد للإسلام. مثل والده أبي لهب المعروف بعدائه الشديد للدِّين الجديد. وحيث إنه سبّب مشاكل للنبي (صلي الل_ه عليه وآله) ولسير الدعوة الإسلامية فقد دعا عليه الرسول.. واستجيبت دعوته حين مزقته أسود الحجاز، وظلّت رقيّة أرملة.

ثم تزوجها عثمان بن عفان، ورزق منها ولداً سماه " عبد الل_ه " إلا أنه توفي في الطفولة. ولم يرزق منها ولداً غيره. حتي ل_بَّ_ت رقيّة دعوة ربها. فماتت في نفس الوقت الذي كان الرسول يجاهد كفار قريش عند آبار بدر.

6- أم كلثوم: التي سميت " آمنة " باسم أمّ النبي (صلي الل_ه عليه وآله) " آمنة بنت وهب "، وتزوجت بابن عمها أبي لهب الذي كان يدعا ب_ "عُتيبة " ولكن الزواج لم يسعد. نظراً للخلاف القائم بين الزوجين حيث أصرَّ أبو لهبٍ علي عناده، وأجبر ولده علي طلاق زوجته، بنت النبي، أذيّة له وتنكيلاً به.

وتزوجها بعد

فراق عُتيبة - عثمان بن عفان - لأن رقية كانت قد توفيت في ذلك الوقت.. ولكن أمّ كلثوم ماتت هي الأخري في السنة التاسعة للهجرة.

7- فاطمة الزهراء (ع):

كانت خديجة ملكة الحجاز، في ثرائها العريض، وتجارتها الواسعة. وكانت مشهورة بحسن الخلق ورجاحة العقل، وحينما تزوجت بالنبي (صلي الل_ه عليه وآله) كانت الزوجة المثالية في إدارة الحياة داخل البيت وخارجه وفي تربية السلالة الطيبة.

وحينما بُعث النبي (صلي الل_ه عليه وآله) بالرسالة، استجابت للدعوة، قبل كل أحد، ورضخت لتعاليم الإسلام، وطبّقتها علي نفسها، وأبدت نشاطاً واسعاً في تبليغها ونشرها، كما أنها جعلت كلّ ثروتها في خدمة النبي ينفقها في سبيل الل_ه حيث يشاء، وحيث وجد الإسلام - أول الأمر - أُذناً واعية بين أبناء الطبقة الفقيرة، وفي تحرير العبيد سواء بصورة مباشرة أو عبر وسطاء كأبي بكر الذي كان ثرّياً ولم يكن شراؤه للعبيد يثير شبهة عند أثرياء قريش. لأنه إنما كان يفعل ذلك من أموال خديجة وبأمر الرسول (صلي الل_ه عليه وآله).

وقد حدا هذا العطاء اللامحدود من خديجة للإسلام، حدا بالنبي (صلي الل_ه عليه وآله) الذي لم يكن ينطق عن الهوي، بكلمة واحدة إلي أن يبيِّن الحقيقة التي أصبحت وساماً علي كتف التاريخ الرسالي بأنه: " قام الإسلام بسيف علي ومال خديجة ". فلقد كانت ثورة خديجة المالية، بمثابة الحجر الأساس لبناء الأمة إقتصاديّاً، كما كان سيف عليّ بمثابة الدرع الحصين لبنائها السياسي.. فإذا اجتمعا إلي جانب الرسول (صلي الل_ه عليه وآله) الذي كان صاحب الوحي، ومهبط الرسالة الإلهية، تكاملت شروط بناء الأمة الرسالية الحنفية ثقافيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً.

كما أن تكامل خديجة النفسي وتفاعلها الفكري مع الرسالة الإسلامية. في كل بنودها النازلة حتي

ذلك الوقت علي الرسول (صلي الل_ه عليه وآله)، حدا بالنبي الكريم (صلي الل_ه عليه وآله) إلي أن يجعل خديجة في مصاف النساء الأربع الكاملات كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام إذ قال:

" كُمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلاّ أربع:

- آسية بنت مزاحم.

- مريم بنت عمران.

-خديجة بنت خويلد.

- فاطمة بنت محمد. " [1] .

وكان ذلك أيضاً سبباً في ان يكون لموت خديجة أثر بالغ في فؤاد النبي (صلي الل_ه عليه وآله) لتأثيره في انتشار الدعوة، تأثيراً بالغاً، حتي سمي ذلك العام الذي توفيت خديجة فيه ب_ " عام الحزن " فقد ورد علي النبي (صلي الل_ه عليه وآله) فيه مصيبتان كبيرتان: وفاة أبي طالب كفيله ونصيره في كل موقف، وموت خديجة بنت خويلد زوجته المدافعة عنه وعن دعوته.

الشجرة المباركة

اشاره

(عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر بن عبد الل_ه قال:

قيل يا رسول الل_ه انك تلثم فاطمة وتلزمها وتدنيها منك وتفعل بها مالا تفعل بأحد من بناتك؟

فقال: إن جبرائيل أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحولت ماءً في صلبي ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة) [3] .

ولا زالت تحفها هالة من المعاجز الخارقة، وهي في بطن أمها تكبر ساعة بعد ساعة حتي أنها كانت تحدث أُمها وهي في بطنها، فتؤنسها بذلك، حتي وُلدت وكان لميلادها ميزة تدل علي اهتمام الخالق بها اهتماماً بالغاً.

وقد يتملكنا العجب حين نري مثل ذلك مخصوصاً بميلاد فاطمة، مع أنها لم تكن بالبنت الوحيدة لنبي الإسلام (صلي الل_ه عليه وآله)، ولا بالبنت الكبري، كما أنها لم تكن من الذكور.

ولكن يجب أن نعرف أن الكبر والصغر لايعترف

بهما الإسلام كمقياس.. كما أنه لايعترف بمقياس الأنثي والذكر بصفة عامة، بل المقياس المعترف به في الإسلام إنما هو الحكمة البالغة التي يفعل الل_ه بحسبها ما يشاء. كما أن هناك مقياساً آخر معترفاً به في الإسلام، وهو مقياس العمل الصالح، وكلاَّ من المقياسين له موقعه.

فالمقياس الأول: يتحكم في الشؤون الكونية. أي في مرحلة التكوين، فخلق الشمس والقمر والأرض وو..، إنما هو خاضع لمقياس الحكمة.

وأما المقياس الثاني: فهو يجري في الأمور التشريعية، أي في جانب الاختيار الذي اصبح الإنسان بسببه مختاراً مريداً.

فإذا أردنا أن نعرف الرجل الطيب الذي يحبه الل_ه، وجب علينا أن نقيسه وفق المقياس الثاني، فننظر

إلي أعماله وإلي الأمور التي فعلها هذا الفرد نفسه بإرادته وبمشيئته الخاصة. أما مقياس النسب أو العنصر أو البلد أو ما اشبه ذلك، فليست هذه المقاييس معترف بها في الإسلام، أبداً.

فالإسلام لايعترف بألف أبي لهب، في مقابل سلمانٍ واحد، مع كون أبي لهب عمّ النبي (صلي الل_ه عليه وآل_ه) وابن سيد قريش عبد المطلب، ومن الأسرة المختارة، بني هاشم. مَن بأيديهم رف__ادة البيت، وسقاية حجاجه، وكون سلمان عبداً أعجمياً، لفظَته البلاد، ونقضت قواه السنين.

كما لايعترف الإسلام بألف عتبة وعتيبة. وهما صهرا النبي (صلي الل_ه عليه وآله) الثريَّين، في قبال بلال الرجل الأسود؛ وإن كانا ابنا أبي لهب من أشد الناس بياضاً، وكان بلال من أشدّهم سواداً.

وهكذا الإسلام لايعترف بألف أبي سفيان، وهو قائد قوات مكة العربية، في قبال صهيب وهو مستضعف من بلاد الروم البعيدة.

وفاطمة الزهراء (ع) يلفتنا من حياتها جانبان كلّ منهما يرضخ لمقياس، وهما:

الأول: ما نراه يحدث قبل ميلادها. من تكوينها عن فاكهة الجنة وحديثها لامها وهي جنين،

ومرافقة ميلادها حوادث خارقة، مما يدل علي أن لله تعالي عناية خاصة بها من جميع الجوانب، أتري ذلك بأي مقياس؟.

إنه وفق المقياس الأول - أي الحكمة البالغة التي يفعل الل_ه حسبها ما يشاء سبحانه وتعالي -.

فلحكمةٍ خص الل_ه فاطمة عليه__ا السلام بهذه المزايا دون سائر النساء جميعاً، وبينهن بنات النبي (صلي الل_ه عليه وآله) وزوجاته.. وبنات المهاجرين والأنصار وزوجاتهن، وذلك لمصحلة شاء الل_ه أن يجعل بين الأمة الإسلامية مَن تَفوق درجةً علي مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها أي جميع نساء زمانها.

ولأمر خلق الل_ه فاطمة عليها السلام من ثمر الجنة. بينما كان للنبي ستة أولاد آخرين لم يخلقوا من ثمر الجنة.

ولسبب رافقت فاطمة سلام الل_ه عليها حوادث خارقة لم ترافق ميلاد سائر أولاد النبي (صلي الل_ه عليه وآله).

ونحن لانعرف كل شيء عن الحكمة الإلهية البالغة، أكان ذلك لكي تضاهي الأمة الإسلامية الأمم السابقة، فإذا كانت مريم (ع) سيدة نساء عالمها في أمة عيسي، تكون فاطمة (ع) سيدة نساء العالَمين في أمة محمد (صلي الل_ه عليه وآله).

أجل، لانعرف أكان ذلك من أجل ذلك، أم كان لأن العرب مثل سائر الأمم، كانوا يبالغون في النيل من المرأة. والحط من شأنها حتي جعلوها حيواناً خلق علي صورتهم ليخدمهم وليقضي حوائجهم الجنسية، فأراد الل_ه ان يقتلع هذا المفهوم الخاطئ المخالف للواقع عن أفكارهم وينقذ البشرية من آثاره السيئة فجعل

للنساء سيدة يفتخرن بها ويتطاولن علي الذكور؟

أم كان ذلك لأن الل_ه تعالي أراد ان يجعل لهذه الأمة أئمة يهدون بأمره ويرشدون إلي سبيله، فقدر كونهم من خير سلالة، وأفضل ذريّة، من النبي خاتم الأنبياء والوصي سيد الأوصياء، فخلق فاطمة (ع) لتكون الصلة الرابطة

بين نور الجانبين؟ نور النبي ونور الوصي؟!

كل ذلك ممكن. ولكن الأمر الذي يطمئن إليه الباحث بعد مطالعة دقيقة لجميع جوانب حياة فاطمة الزهراء عليها السلام، هو أنَّ الل_ه تعالي كما أراد أن يجعل للأمة قادة من الذكور، شاء أن يخلق لها قدوة من الإناث، لكي لايبقي للنساء مجال للعذر عن التمسك بتعاليم الإسلام ومُثله وَقيِمه بصورة مجتمعة، بحجة أن الذين تمسكوا بكل ما في الإسلام إنما كانوا من الرجال وليس من النساء، وأن قوي الرجل ومواهبه وكفاءاته أكبر من المرأة.

لقد تلطف الل_ه سبحانه في دعوة عباده إلي نفسه، حتي لم يُبق عذراً لمعتذر، ولا حجة لمن يريد التبرير. فجعل للنساء أسوة تشاركهن في المسؤوليات العامّة، كالشؤون المنزلية، مثل الحمْل والوضع والتربية. والأعمال البيتية من طبخ وتنظيف، والوظائف الشرعية، مثل الحجاب وإطاعة الزوج، وقلّة الحظ في الميراث والشهادة، وما إلي ذلك..

ان ما تختص به المرأة من المسؤوليات الفطرية أو غير الفطرية، قد تصبح عند البعض داعيا إلي انسحابها من ميادين العمل الديني والتواني عن بعض التكاليف الشرعية. ولكن الل_ه حيث جعل فاطمة (ع) مثالاً لكل الفضائل والقيم، مع ما كانت عليها من المسؤوليات الخطيرة في تلك الظروف العصيبة، لعله أراد - سبحانه - قطع حجة أية امرأة تبرر تقاعسها عن واجباتها أنها من الجنس الضعيف.

فما حكمة خلق فاطمة عليها السلام بهذه الكيفية، إلاّ كحكمة خلق الأنبياء والأوصياء، بما فيهم رسول الإسلام محمد (صلي الل_ه عليه وآله) والأئمة المعصومين عليهم جميعاً الصلاة والسلام، خلقهم بتلك الكيفية مفضلين علي سائر الناس درجات، ومخصوصين بمواهب وكفاءات.

فليست حكمة عصمة الأنبياء والأوصياء وتفضيلهم، إلاّ أنهم أسوة وقدوة للناس، وأنّ علي الخلق اتِّباعهم واتخاذهم مثالاً لحياتهم. وكذلك

حكمة خلق فاطمة عليها السلام من بين النساء. وإذا كان النبيّون والأوصياء سادة الخلق، فإن فاطمة (ع) سيدة نساء العالمين.

الثاني: والجانب الآخر من حياة فاطمة الزهراء عليها السلام، يتعلق بالآيات النازلة في حقها، والأحاديث المروية فيها عن النبي (صلي الل_ه عليه وآله). ونتسائل لماذا وردت هذه النصوص بشأن فاطمة (ع) دون غيرها من النساء؟ ولماذا جاءت هذه النصوص بحقها دون سائر أخواتها من بنات النبي (صلي الل_ه عليه وآله).

والجواب: إنم_ا وردت ه_ذه النصوص وفقاً للمقياس الثاني المذكور آنفاً، وهو: أنَّ الل_ه جعل مقياس

الفضيلة والرفعة عنده العمل الصالح دون النظر إلي شخص العامل وجنسه. وفاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام، حيث أدركت هذه الحقيقة، لم تعتمد علي مكانتها عند الناس بقربها إلي النبي (صلي الل_ه عليه وآله) والوصي (ع) نسباً وسبباً، كما لم تعتمد علي مكانتها عند الل_ه تبعاً للمقياس الأول الذي اشرنا إليه، بل راحت تجتهد بنفسها لبلوغ الكمال العظيم.

ولقد كان المفروض أن توثق فاطمة عليها الصلاة والسلام صلتها القريبة برسول الل_ه (صلي الل_ه عليه وآله) فتعتمد عليها، ولكنها أوثقت صلتها بالل_ه الذي بعث هذا الرسول، وجعله نبيّاً، وأعطاه ما أعطاه من الرفعة والسناء. وسوف تظهر في خلال الاسطر الآتية، هذه الحقيقة بصورة أوضح إن شاء الل_ه تعال__ي.

كان ذلك اليوم، يوم العشرين من شهر جمادي الثانية بعد المبعث النبوي بسنتين أو خمس سنين - وكانت شقة الخلاف تزداد بين النبي (صلي الل_ه عليه وآله) وبين قريش كل يوم، وكانت أموال خديجة تُنفق في سبيل الدعوة، فلا يبقي لها، ذلك الثراء العريض، ولا تلك التجارة الواسعة، بل اقتربت من الفقر، من جانب، وتصلّب موقفها للدعوة ضد الأفكار الرجعيّة التي كانت نساء قريش

قد تعودت عليها، وتبنّت الدفاع عنها من جانب آخر، فقد تخلت عنها نساء قريش مرة واحدة.

كانت رقعة الخلاف تتسع بين قريش والمسلمين. وكان عداء قريش وحسها بضرورة الإنتقام يتطور من سيئ إلي أسوأ، إذ أرسلت خديجة - تماماً في العشرين من شهر جمادي الثاني - أرسلت إلي نساء قريش تطلب منهن العون في أمر الولادة. ولكنهن جابهناها بالرد المشوب باللوم ورفضن التعاون معها.

جلست خديجة كئيبة حزينة، إذ لم تكن هناك نساء يستأجرن لهذا الغرض مثلما هو موجود الآن. كما لم تكن هنالك مستشفيات للولادة. ومن المعلوم أن المرأة تحتاج في مثل هذه الحالة إلي من يلي أمرها.

جلست كئيبة، وحق لها ذلك. ألم تكن بالأمس سيدة قريش، وملكة الحجاز، تقوم علي أموالها تجارة الجزيرة شمالاً، وجنوباً؟ ولكنها حين أنفقت أموالها في سبيل الل_ه، بقيت مضطرة منفردة مُعرض عنها حتي من تلك النسوة اللاتي كنّ خدمها بالأمس القريب.

وإني هنا أسأل القارئ الكريم، ماذا كان ينبغي لجلال الل_ه ورحمته الواسعة أن يفعل بخديجة التي لولا أنها تبنت الدعوة إلي الإسلام، وصرفت أموالها في سبيلها لكان وضعها مختلفاً جداً؟

ماذا ينبغي لكرم الل_ه الودود الرحيم الذي خاطب مريم الصديقة عليها السلام - في حالة متشابهة - بأن تهز جذع النخلة لِتُساقِطَ عليها رطباً جنياً. الل_ه الذي فلق جدار البيت لفاطمة بنت أسد، في حالة مماثلة لتدخل البيت، وتلد علي بن أبي طالب (ع)؟

ماذا ينبغي لكرم وجهه أن يفعل في هذه الساعة؟. لقد كانت خديجة جالسة في حالتها الكئيبة، إذ رأت نساءً سمراً طوالاً وردن عليها البيت، وقالت إحداهن: لا تخافي ولا تحزني، فانا معك، جئناك لنلي منك ما تلي النساء من مثلك في هذه

الحالة. ثم أضافت تقول: أنا سارة زوجة إبراهيم، وهذه آسية بنت مزاحم، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسي.

ثمَّ أخذن يتعاونّ في أمر المخاض، حتي ولدت فاطمة عليها الصلاة والسلام، قالت وهي تستهلّ الكلام في هذه الحياة:

(أشهد أن لا إله إلاّ الل_ه، وأن أبي رسول الل_ه، سيد الأنبياء، وأنّ بعلي سيّد الأوصياء، ووُلْدي سادة الأسباط).

ثم أخذت تنشأ نشأة مباركة.

وقد ابتدأت حياة فاطمة عليها الصلاة والسلام، في الوقت الذي كانت قد ابتدأت للنبي (صلي الل_ه عليه وآله) حياة الجهاد والمقاومة الفكرية العنيفة تماماً، وفي تلك السنين التي كان النبي يتلقي الوحي الإلهي، يأمره بأن يصرح بالرسالة دُون أن يعبأ بما في طريقه من أشواك دامية، وعقبات كأْداء، فقام النبي (صلي الل_ه عليه وآله) بأعباء الرسالة الإسلامية، وقامت ضده قوي الضلال تهدف إلي إحباط جهوده (صلي الل_ه عليه وآله) وصده عن الدعوة بكل وسيلة.

وكانت فاطمة تترعرع في تلك الظروف المتأزمة التي كان النبي (صلي الل_ه عليه وآله) كلما بالغ في الدعوة إلي الل_ه والحق، بالغ أعداؤه في التنكيل به وتعذيب أصحابه.

لقد عاشت فاطمة عليها الصلاة والسلام مأساة الشِّعب (شِعب أبي طالب) حيث كانت ضمن صغار السن الذين منعت قريش عنهم الطعام.. فكانوا يتضوّرون جوعاً، وكانت ذئاب قريش تحرس باب الشِّعب لكي لا يتسرب إلي المسلمين شيء من الطعام.

ولقد شاهدت فاطمة عليها الصلاة والسلام بعدما أفرج عن المسلمين من حصار شِعب أبي طالب، شاهدت أباها ذات مرة، وقد ألقت قريش سَلا الجزور علي رأسه، وهو ساجد يصلي لربّه، فجاءت وطرحت السلا عن رأس والدها، وقد أخذ منها الحزن والتأثر، مأخذاً بليغاً.

ولقد شاهدت أباها أيضاً وهو مهاجر إلي الطائف، مبلِّغ

في أهلها دعوة الل_ه، ولم يستجب له أحد.

كما شاهدت ذلك اليوم الذي كانت أمها خديجة (ع) تضطرب علي فراش الموت وتلفظ أنفاسها الأخيرة وهي لا تملك من مال الدنيا شيئاً. بعدما كانت تجارتها تملأ سهول الحجاز وبطاحها. حتي إذا استجابت دعوة ربها، لم تملك حتي ما تكفَّن به.

نعم لقد لاحظت فداء أمها خديجة للدِّين، وتفانيها في سبيله، ودفاعها عنه بكل ما كانت لديها من القوة والإمكانات، فتأثرت بذلك، وطُبعت في نفسها معانٍ حيّة.. بقيت في ضميرها تبعث الحيوية والنشاط في سبيل الدين.

فكانت كآبة وفاة أمه_ا، تمتزج في قلبها ببطولات خديجة، لا كأمٍّ لها فقط، بل كأم للمؤمنين والمؤمنات

أيضاً، وكمدافعة عن الحق، ومضحية في سبيله بكل شيء.

ولقد كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام تعيش في السنين الأولي من حياتها، التجارب التي قلَّما اتفقت لأحد أن يعيشها في التاريخ.

إنها سايرت الدعوة، في معركتها العنيفة، وهي في قلب المعركة. لأنها كانت، بنت قائد المعركة، وهو النبي (ص)، فلذلك كانت تدور اينما دارت المعركة وتعيش وفق ما عاشت.

لم يذكر التاريخ عن حوادث تتعلق مباشرة بفاطمة عليها الصلاة والسلام أثناء وجودها في مكة، إلاّ أننا واثقون من أن حياتها فيها لم تكن خالية عن الأذي. ولقد بغلت الصلافة بقريش الكافرة مبلغاً يدل علي أنهم كانوا يتعرضون لاذي أهل النبي (ص) كتعرضهم لأذي النبي (صلي الل_ه عليه وآله) نفسه وكتعرضهم لأذي أهل بيت سائر المسلمين.

فمن الموثوق به أن فاطمة عليها الصلاة والسلام ابتليت باذي قريش كثيراً. كما أنَّ حياتها، كانت محفوفة بالمخاطر. هذا كله إلي جانب ما كان يصيبها من الأسي، بصورة غير مباشرة، إذ أن كل صدمة كانت ترد علي النبي (ص) فإنما

كانت صدمة بالغة الأثر بالنسبة إلي فاطمة عليها الصلاة والسلام.

وحينما أُحيط بيت محمد (ص) وقد أرادوا قتله كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام تلاحظ ذلك.. وحينما هاجر النبي (ص) إلي المدينة كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام تشعر بمرارة الفراق.. وكانت كذلك حينما كُلِّف الإمام أمير المؤمنين (ع) من قِبَلِ النبيّ (ص) بأن يهاجر مع من بقي من أهل بيت النبي. الذين كانوا يتألفون من الفواطم.

فاطمة بنت اسد. أم الإمام وزوجة سيد الأباطح أبي طالب، فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، فاطمة بنت محمد عليها الصلاة والسلام [3] .

وسار الركب إلي المدين_ة. ولحقتها سريّة مسلحة من قِبَلِ قريش لكي تمنع لحوق أهل النب__ي (ص) به، فاشتدت المعركة بين الإمام علي (ع) وبين تلك السريّة، حتي هزمها الإمام، وبعد ان كبده__ا خسائ__ر.. كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام حينذاك، في الركب المهاجَم عليه.

وكان النبي (ص) ينتظر قدوم ابنته فاطمة عليها الصلاة والسلام والإمام (ع)، فلم يدخل المدينة حتي لحقا به.

وكانت فاطمة في المدينة، ترافق الأحداث.. وتراقبها فتنصقل شخصيتها وتكتمل يوماً بعد يوم، ففي يوم أُحد إذ دارت الحرب علي المسلمين جاءت فاطمة عليها الصلاة والسلام تضمّد جراح والدها برماد

حصيرة أحرقتها وأخذت سيفي النبي والوصي عليهما السلام وغسلتهما ونظفتهما.

وكان لزواج فاطمة من بين أحداث حياتها قصة تُروي، فتأخذ جانباً عظيماً من حياتها. والواقع أن زواجها تمَّ وفق القيم الإسلامية، في كل جوانبه، ولذلك فقد أصبح النموذج والمثل لكل زواج لابد منه لكل إنسان.

ولقد جعل الفقه الإسلامي الطريقة التي اتبعت في زواج فاطمة عليها الصلاة والسلام سنّة مندوبة، لأنها كانت صورة مجسدة لتعاليم الإسلام. وإليكم شرح هذا الحدث، بإشارة إلي المواقع الحساسة منه.

الخطبة

كان الزواج يتحقق في بساطة، ودون أن يُغالي فيه أو يُنقص من شأنه، وكان مفهوم الزواج الإسلامي، مفهوماً نابعاً عن واقعه وطبيعته،من أنَّه ظاهرة فطرية، جُعلت في الإنسان لبقاء النوع واستمرار الحياة. هكذا قرر الإسلام الزواج، وهكذا وضع تعاليمه بالنسبة إليه.

ولذلك فلم يكن بحاجة إلي ما نعرفه في بعض المجتمعات المسلمة من مقدمات ومؤخرات لا فائدة منها.

كان يُبتدأ الزواج بخطبة الرجل للمرأة التي تعجبه من حيث الحسب والنسب، ثم ينظر أهل المرأة في الزوج، فإن رأوه صالحاً، عينوا مهراً بسيطاً وأنكحوه ابنتهم بدون لف ودوران، وبدون أن تمشي إلي بيت الطرفين طائفة من هؤلاء، وطائفة من هؤلاء. ثم يبدأون محادثات طويلة، بدون جدوي، وكأن الزواج تحديد للعلاقات الدولية بين الشعوب، كما هو الموجود في بعض البلاد.

ولذلك نري أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب عليه السلام يأتي إلي النبي (ص) فيسلم عليه. ويتّخذ موقعه.. فيسأله النبي (ص) عن سبب مجيئه، فيعرض عليه أمر الزواج بفاطمة (ع) فيقول النبي (ص) له بكلّ بساطة: أهلاً ومرحباً.

القبول

ولا يبت النبي (ص) الأمر إلاّ بعد أن يَعرض علي فاطمة عليها الصلاة والسلام ذلك، بكل تفاصيله، يذكر لها موجزاً من تاريخ علي عليه السلام وشيئاً من فضائله ومناقبه، وفاطمة تسكت مشيرة إلي رضاها بذلك، فيقول النبي (ص) في هذا المجال: الل_ه أكبر، سكوتها رضاها.

إن الإسلام يعتبر المرأة إنسانة لها كرامتها، ولها حقها في اختيار المصير. ورغم أن لوالدها أيضاً الحق في المساهمة في الإختيار، لأن الأب أعرف بمواقع الخير لابنته. وإلاّ فإن أجحف الوالد، وتطرف في استغلال هذا الحق، فإن الشرع سوف يحدّد سلطته ويضع كل الحق بيد المرأة. وبهذا يتخذ المنهج الإسلامي في اختيار الزواج بلا

إفراط ولا تفريط، فلا يتفق مع الاسلوب الأوروبي الذي يفصل المرأة عن أسرتها، ويجعل لها وحدها الحق في اختي_ار زوج قد يسبّب انفصالها عن سائر أفراد أسرته__ا. ولا يواف__ق

علي منهج الجاهليين الذين كانوا يبتاعون ويبيعون المرأة، كما يتعاطون الأمتعة والسلع.

الكفاءة

لقد بلغت فاطمة عليها السلام مبلغ النساء في الوقت الذي بلغت قوة المسلمين مبلغاً استطاعوا به ان يتحدوا أكبر قوة في الجزيرة.. وهي قريش مكة وتسابُق الرجال يريدون أن يكتسبوا شرف الزواج ببنت رسول الل_ه (ص) فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام التي كانت قد اشتهرت مآثرها ومناقبها، وما لها من عفة، وحياء وحكمة، وسداد، وورع واجتهاد، وعلم ومعرفة.. هذا من جانب، ومن جانب آخر، كان المسلمون يعرفون مدي حب النبي صلي الل_ه عليه وآله لفاطمة عليها الصلاة والسلام فلذلك تعرّض الكثير من ذوي الجاه والمال والشرف، في ذلك، ولكن النبي (ص) كان يردهم رداً لطيفاً لما كان يعرف من عدم صلاحيتهم لزواج فاطمة عليها الصلاة والسلام، وعدم كفاءتهم لها. مضافاً إلي ما كان يعرفه النبي (ص) عن الوحي من أن زواج فاطمة، المرأة المفضلة المعصومة في الإسلام، والتي كان المقرر أن يكون منها نسل النبي (ص) وذريته، وأوصياؤه وخلفاؤه، إن زواجها يجب أن يكون بالرجل الذي يختاره الل_ه سبحانه وتعالي.

ولذلك كان يقول لكلّ من يتعرض لهذا الأمر: إني أنتظر القضاء " أي قضاء الل_ه تعالي " وحين جاء عليّ يعرض عليه ذلك، أخبره بأن جبرائيل عليه السلام قد سبقه بذلك وهو يخبر بأن الل_ه، قد زوجها في السماء وأشهد علي ذلك الملائكة.

كل ذلك لان عليّاً عليه السلام أفضل مَن مشي علي الأرض بعد محمد (ص) وقد عرفه النبي (ص) بذلك كما عرفته

فاطمة، فهو الكفء الوحيد لفاطمة، ولا يجوز تزويج البنت بغير الكفء. وبذلك يصرح الحديث المأثور عن أبي عبد الل_ه عليه السلام أنه قال:

" لولا أن الل_ه تبارك وتعالي خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفء علي وجه الأرض آدم فمن دون__ه " [4] .

المهر والتجهيز

كلما تكلف المرء في العيش كلما ازداد تعباً. بينما البساطة والزهد يعطيانه الراحة. وكما يقول الإمام علي (ع) في حديث يصف فيه المؤمنين:

(أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم) [5] .

وتزداد أهمية هذه المعادلة عند الزعماء، وبالذات عند الأئمة والهداة الربانيين.

ولعل بساطة مهر سيدة النساء وتجهيز بيتها كانت - بالإضافة إلي الزهد في درجات الدنيا - تهدف إلي تيسير قضية الزواج ليصبح زواج فاطمة مثالاً يحتذي لكل زواج رسالي. أَوَليست فاطمة بنت محمد بن عبد الل_ه، رسول الل_ه صلَّي الل_ه عليه وآله، وهي صدِّيقة وزوجها سيد الوصيين الإمام عليّ؟. فَلِمَ لا يصبح زواجها الرمز والنموذج.

وفعلاً إِنك تجد الأئمة (ع) لايتجاوزون في زيجاتهم هذا المثل بل يحددون أنفسهم ضمن " مهر السنّة " وهي قيمة مهر علي لفاطمة (ع).

لقد كان المهر مقدار " 480 " أربعمائة وثمانين درهماً، وفي بعض النصوص أنه كان خمسمائة دره__م.

أما التجهيز الذي قام بإعداده النبي (ص) فهو كالآتي:

1- قميص بسبعة دراهم.

2- خمار بأربعة دراهم (وهو بمنزلة العباءة).

3- قطيفة سوداء خيبرية (وهي دثار له خمل).

4- سرير مزمّل. [6] .

5- فراشان من خيش مصر (وهو قماش في نسجه رقة وخيوطها غلاظ). حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر صوف الغنم.

6- أربع مرافق من أدم (وهي بمنزلة المخدّة) حشوهما أذخر (وهو نبت طيب الرائحة).

7- ستر رقيق من صوف.

8- حصير هجري (أي مصنوع في هجر وهو بلد في اليمن) وقد يكون الحصير من العلف.

9- رحي يدوية.

10- مخضب من نحاس (أي إناء تغسل فيه الثياب مثل الطشت).

11- سقاء من أدم.

12- قدح (كعب) من خشب.

13- قسنّ (سقاء).

14- مطهرة.

15- كيزان خزف.

16- نطع (وهو بساط من أدم كان يستعمل لمائدة الطعام).

17- عباءة من صنع الكوفة.

18- قربة ماء.

19- شيء من الطيب.

ولقد جهّز الإمام بيته بافتراش صحن داره بالرمل الناعم ونصب خشبة طويلة بين جانبي الحائط لغرض تعليق الثوب عليه (كالعلاقة). وافتراش غرفته بأهاب كبش ومخدة ليف فقط.

الخطاب

وقال النبي (ص) للإمام تكلم لنفسك خطيباً، فقال الإمام (ع):

(الحمد لله الذي قرب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنة لمن يتقيه، وأنذر بالنار من يعصيه. نحمده علي قديم إحسانه وأياديه، حمد مَن يعلم أنه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، وسائله عن مساويه. ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه.

ونشهد أن لا إله إلاّ الل_ه وحده لاشريك له، شهادة تبلغه وترضيه، وأنّ محمداً عبده ورسوله (ص) صلاةً تزلفه وتحضيه، وترفعه وتصطفيه، وهذا رسول الل_ه (ص) زوجني ابنته فاطمة علي خمسمائة درهم، فاسألوه وأشهدوا).

فقال رسول الل_ه (ص):

(قد زوجتك ابنتي فاطمة علي ما زوّجك الرحمن، وقد رضيت بما رضي الل_ه فنعم الختن [7] أنت، ونعم الصاحب أنت، وكفاك برضي الل_ه رضيً).

ثم أمر رسول الل_ه (ص) بطبق بسر أو تمر وأمر بنهبه.

وهناك حديث آخر يروي قصة الزواج عن لسان الإمام أمير المؤمنين (ع)، سوف نثبته فيما يلي لأهمية هذه الزيجة في الإسلام. ويدل علي هذه الأهمية أننا نجد في كتب الحديث والتاريخ حشداً ضخماً من الأخبار التي تتناول بتفصيل

أو بإيجاز زواج علي من فاطمة عليهما السلام، مما يعكس اهتمام السابقين من المسلمين بهذه الزيجة.

والحديث مروي عن الضحاك بن مزاحم قال: سمعت علي بن أبي طالب (ع) يقول:

(أتاني أبو بكر وعمر فقالا: لو أتيت رسول الل_ه فذكرت له فاطمة.

قال: فأتيته فلما رآني رسول الل_ه (ص) ضحك ثم قال: ما جاء بك يا ابا الحسن، حاجتك؟

فذكرت له قرابتي، وقدمي في الإسلام، ونصري له، وجهادي، فقال: يا علي صدقت، فأنت أفضل مما تذكر.

فقلت: يا رسول الل_ه، فاطمة تزوجينها؟

فقال: يا علي، إنه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن علي رسلِك حتي أخرج إليك.

فدخل عليها فقامت فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته بالوضوء فوضأته بيدها وغسلت رجليه، ثم قعدت،

فقال لها: يا فاطمة! فقالت: لبيك لبيك، حاجتك يا رسول الل_ه؟

قال: إن علي بن أبي طالب مَن قد عرفت قرابته، وفضله، وإسلامه، وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟

فسكتت ولم تحوّل وجهها، ولم يَرَ فيه رسول الل_ه (ص) كراهة، فقام وهو يقول: الل_ه أكبر، سكوتها إقرارها.

فأتاه جبرائيل (ع) فقال: يا محمد زوجْها علي بن أبي طالب، فإن الل_ه قد رضيها له ورضيه لها فقال علي: فزوجني رسول الل_ه (ص) ثم أتاني فأخذ بيدي فقال: قم بسم الل_ه، وقل علي بركة الل_ه، وما شاء الل_ه، لا قوة إلا بالل_ه، توكلت علي الل_ه. ثم جاء بي حتي أقعدني عندها (عليه السلام)، ثم قال: الل_هم إنهما أحب خلقك إليّ فأحبهما، وبارك ذريتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم. [8] .

الزفاف

وركبت فاطمة

علي بغلة أبيها الشهباء؛ وحفّت بها نساء النبي ينشدن أهازيج الفرح. وقد أخذ سلمان بلجام البغلة. وتقدم عليها النبي (ص) في وسط فتيان بني هاشم الذين كانوا قد جردوا السيوف وهم يلوحون بها، إيماء بدفاعهم عن العرض والزمام.

نعم كانت حفلة العرس، قد زينت بأشعار نساء النبي حيث كانت سائر النسوة يرددن بعض أبياتها.

كانت أم سلمة. تنشد قائلة:

س_رن بع__و ن الل__ه جاراتي

وأذك_رن__ه ف_ي ك__ل ح_الات

واذكرن م__ا أنع_م رب العل_ي

من كشف مك__روه وآف__اة

وقد هدانا بعد كفر وقد

أنعشن_ا ربّ السم__وات

وس__رن م__ع خي_ر نساء ال_وري

تُف__دي بعمّ__ات وخالات

يا بن_ت مَن فضَّل__ه ذو العل__ي

بالوح_ي من_ه والرس_الات

وكانت عائشة تقول:

يا نس__وة است__رن ف__ي المغاب_ر

واذك__رن م_ا يحسن ف__ي المحاضر

واذك__رن ربّ الن__اس إذ خصنا

بدين__ه م__ع كلّ عب_د شاك__ر

والحم_د لل__ه علي إفضال__ه

والشكر لله العزيز القادر

س_رن بها فالل_ه أعل_ي ذكره__ا

وخصها الل__ه بطه_ر طاه_ر

وفضة كانت تنشد أبياتاً فتقول:

فاطم__ة خي__ر نس_اء ال__بشر

وم__ن له_ا وج_ه كوج__ه القمر

فضّلك الل_ه علي ذي الوري

بفضل م__ن خ__ص ب_آي الزُّب_ر

زوج_ك الله فت__يً فاض__لاً

أعني عليّ_اً خي_ر م_ن في الحضر

وس__رن جارات__ي بها إنه_ا

كريم_ة بن__ت عظي__م الخطر

وبعد أن وصلت فاطمة إلي دار علي عليه السلام تقدم النبي (ص) وأخذ بيد فاطمة. ووضعها بين يدي عليّ عليهما السلام، بعد أن بث بينهما الحب بكلماته الذهبية الدافئة، التي مدح بها كلاّ من الزوجين للآخر.

ومضت فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام

تعيش حياة جديدة، وهي حياة الزوجية، بعدما عاشت تسع سنين تضرب المثل الأعلي للبنت الفاضلة في بيت أبيها. نعم راحت فاطمة، تكوّن أوّل أسرة مثالية في المجتمع الإسلامي، لكي تعرّف العالم معني الحياة الهادفة في ظلّ تعاليم الإسلام.

وإليك صورة عن هذه الأسرة النموذجية التي كونتها فاطمة بالإشتراك مع عليّ أمير المؤمنين (عليهما السلام)، وبوحي من الرسول (ص) من الل_ه تعالي.

1- الحبّ العميق كان يوثق صلة كل منهما بالآخر. وهو الحبّ الذي كان منشأه إيمان كل منهما بما للآخر من المناقب والفضائل. ففاطمة كانت تعرف عليّاً (ع) كسيّد الأوصياء ووالد الأسباط، وأفضل الناس بعد الرسول، ومَن له عند الل_ه الجاه العظيم والدرجة الرفيعة، ولذلك كانت تحبه أشدَّ الحب، وعليّ عليه السلام كان يعرف ما لفاطمة من مجد وسناء، وأنها سيدة نساء العالمين، وأنها والدة الأسباط، والشفيعة المقبولة شفاعتها عند الل_ه، فكان يحب_ّها حبّاً شديداً.

2- التعاون في العمل؛ فلم تكن فاطمة عليها السلام تتواني عن مسؤولياتها داخل البيت؛ كما لم يكن عليّ عليه السلام يترك وظيفة مما يتعلق به. وقد كان النبي (ص) قسَّم الأعمال من أول يوم كالآتي:

أ - علي الزوج أن يمارس تنظيف الأرض (الكنس) واستقاء الماء بالإضافة الي ما عليه من النفقة.

ب - علي الزوجة الطحن والعجن والإخباز، بالإضافة إلي أمر تربية الأولاد.. ومراعاة شؤونهم.

وجاء في حديث عن الإمام الباقر (ع) قال:

(إن فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقمَّ البيت. وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام. فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام

شيء نقريك به. قال: أفلا أخبرتني؟ قالت كان رسول الل_ه (ص) نهاني أن أسالك شيئاً. فقال: لا تسألين ابن عمك شيئاً. إن جاءكِ بشيء، وإلا فلا تسأليه).

وقد كانت هذه الأعمال تكلفها تعباً ونصباً بالغين. وذات مرة دخ_ل النبي (ص) عليهما، فرآهما قد

أعياهم_ا العمل. فقال: أيكما أكثر تعباً؟ فقال علي: فاطمة فأقامها النبي عن العمل وجلس مكانها يعمل.

وجاءت فاطمة عليها السلام تسعي إلي النبي (ص) وقد أصابت المسلمين غنائم كثيرة وطلبت منه أن يجعل نصيبها من الغنائم، خادمة تستعين بها علي الأعمال والواجبات البيتية التي لم تعد تحتملها خصوصا في غياب زوجها الكريم الذي كان يتكرر بسبب الحروب المستمرة.

فعن عليٍّ (ع) أنه قال لرجل من بني سعد: ألا أحدثك عني وعن فاطمة؟ إنها كانت عندي وكانت من أحب أهلي إليّ. وإنها استقت بالقربة حتي أثر في صدرها، وطحنت بالرحي حتي مجلت يداها، وكسحت البيت حتي اغبرَّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتي دكنت ثيابها. فأصابها من ذلك ضمار شديد. [9] .

فلما طلبت خادمة تستعين بها. قال النبي (ص) لها:

" اني سوف أعلمكِ شيئاً يفيدك أكثر من الخادمة.

قالت وما هو يا أبتاه؟

قال لها: إذا فرغت من الصلاة.. فقبل " أن تلتفتي يمين__اً أو شمالاً قولي: [الل_ه أكبر ثلاثا وثلاثين مرة. ثم قولي الحمد لله وسبحانه مثل ذلك].

فإذا فعلت ذلك، أعطاكِ الل_ه القوة والنشاط.. ثم توجه إليها النبي (ص) يقول: هل رضيتِ بذلك!

قالت: نعم يا رسول الل_ه، رضيت ".

وهذه هي التسبيحة المشهورة ب_ " تسبيحة الزهراء " التي يلتزم بها أكثر الشيعة، عقيب صلواتهم المفروضة.

هذه هي السيدة الطاهرة الزهراء عليها السلام التي علَّمتنا كيف يجب أن

يتحمل الإنسان عناء العمل، ويرضي بالدرجات الرفيعة التي ينالها عند الل_ه، دون ان يلتفت إلي ما يفوته من الدنيا الزائلة.

وحين تأتي " فضة " لتفتخر بشرف خدمة الزهراء (ع) بعد أن تنزل هذه الآية:

(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ - يعني عن قرابتك وابنتك فاطمة - ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً) (الاسراء/28)

وينفذ الرسول فضةً إليها بمقتضي هذه الآية التي تأمره بذلك حسب بعض الروايات، فتأبي فاطمة عليها السلام أن تتعامل معها، كما كانت سيدات العرب تعامل الخادمة.. كانت تأمر وتنهي وما علي الخادمة إلاّ أن تطيع السيدة بكل خضوع.

كلا، إنها قسّمت الأيام بينها وبين فضة (الخادمة) دون أن ترجّح نفسها علي فضة بأية ميزة.

3- وكانت فاطمة عليها السلام تتحمل شظف العيش وجشوبة المأك_ل وخشون_ة الملبس، محتسبة

ذلك عند الله ولليوم الآخر. وقد جاء في حديث شريف عن سويد بن غفلة قال: أصابت عليّاً عليه السلام شدَّة فأتت فاطمة عليها السلام رسول الل_ه (ص) فدقّت الباب فقال:

(أسمع حسَّ حبيبتي بالباب، يا أمَّ أيمن قومي انظري!. ففتحت لها الباب، فدخلت، فقال (ص): لقد جئتنا في وقت ما كنت تأتينا في مثله، فقالت فاطمة: يا رسول الل_ه ما طعام الملائكة عند ربّنا؟ فقال: التحميد؟ فقالت: ما طعامنا؟ قال رسول الل_ه (ص):

والذي نفسي بيده ما أقتبس في آل محمد شهراً ناراً، وأعلّمك خمس كلمات علمنيهن جبرائيل عليه السلام قالت: قلت يا رسول الل_ه ما الخمس الكلمات؟ قال:

[يا رب الأولين والآخرين، يا ذا القوَّة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين].

ورجعت فلما أبصرها عليٌّ (ع) قال: بأبي أنت وأمي ما وراءك يا فاطمة؟ قالت: ذهبت للدنيا وجئت للآخرة، قال عليٌّ

(ع): خير خير أمامك خير أمامك.

وعن الإمام جعفر بن محمد (ع) قال:

(شكت فاطمة إلي رسول الل_ه (ص) عليّاً، فقالت: يا رسول الل_ه لا يدع شيئاً من رزقه إلاّ وزَّعه علي المساكين، فقال لها: يا فاطمة أتستخطِ_يني في أخي وابن عمي، إنَّ سخطه سخطي وإنَّ سخطي سخط الل_ه عزَّ وجلَّ. [10] .

وفي غضون الفترة الواقعة بين زواج الزهراء، وبين وفاتها، كانت البتول تقوم بمهمة الوسيط بين النبي (ص) وبين نساء المسلمين في المسائل الشرعية. فكانت النساء ترتاد بيتها وتسألن منها ما اشكل عليهن من المسائل العملية أو الفكرية، فتحلّ فاطمة لهن ذلك وتعلمهن من ثقافة الوحي، ما يشفي صدورهنَّ ويروي غليلهن.

كما كانت تسافر في بعض الرحلات الهامة، وتقوم ببعض المهمات، فقد اشتركت في فتح مكة، وكانت تقوم بأعمال والدها النبي (ص) وزوجها الوصي (ع) الشخصية. ليتوفر لهما الوقت المناسب للمهام التي كان عليهما إنجازها.

مقام الزهراء

روي الزمخشري في الكشاف عند ذكر قصة زكريا ومريم عليهما السلام عن النبي (ص) أنه جاع في زمن قحط، فأهدت له فاطمة رغيفين وبضعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها وقال هلمِّي يا بُنية، وكشف عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً ولحماً. فبهتت وعلمت أنها نزلت من الل_ه. فقال لها أني لك هذا، فقالت: هو من عند الل_ه، إن الل_ه يرزق من يشاء بغير حساب. فقال: الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل. ثمَّ جمع رسول الل_ه (ص) عليَّ بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم الس_لام، وجمع أهل بيته حتي شبعوا. وبقي الطعام كما هو، وأوسعت فاطمة علي جيرانها.

وعن صحيح الترمذي، عن صبيح مولي أم سلمة، وزيد بن أرقم قالا: إنّ رسول الل_ه (ص) قال

لعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: (أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم).

وعن ابن خالويه في كتاب الآل يرفعه عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام، قال رسول الل_ه (ص): (إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ من بطنان العرش يا محشر الخلائق غُضُّوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة بنت محمد صلي الل_ه عليه وآله).

وفي رواية أخري: (يا أهل الجمع، نكِّسوا رؤوسكم وغُضُّوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة علي الصراط، فهي ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين).

وروي البخاري في صحيحه بسنده أن رسول الل_ه (ص) قال: (فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني).

وروي هذا المضمون أكثر علماء الحديث من الفريقَين بأسانيد صحيحة ونصوص صريحة، حتي كان البعض يستشهد به كقضية مفروغ من صحتها. فهذا أبو الفرج الاصبهاني يحدثنا: أن عبد الل_ه بن الحسن المثني ابن الإمام الحسن السبط (ع) دخل علي عمر بن عبد العزيز وهو (أي عبد الل_ه) حديث السن وله وقار وتمكين، فرفع عمر مجلسه وأكرمه وقضي حوائجه، فسئل عمر عن ذلك فقال: إنَّ الثقة حدثني ان رسول الل_ه (ص) قال: فاطمة بضعة من__ي يسرني ما يسرها، ويغضبني ما يغضبها. فعبد

الل_ه بضعة من بضعة رسول الل_ه (ص).

وعن ابن سعد وابن المثني عن علي (ع) قال: قال رسول الل_ه (ص): (يا فاطمة إن الل_ه يغضب لغضبكِ ويرضي لرضاك).

وروي أبو نعيم أحمد بن عبد الل_ه الاصفهاني بسنده عن مسروق عن عائشة قال: كنّا عند رسول الل_ه (ص) في مرضه الذي مات فيه إذ جاءت فاطمة، ما تخطيء مشيتها عن مشية النبي (ص) شيئاً، فلما رآها قال:

(مرحباً يا بنتي، فأقعدها عن يمينه أو عن يساره ثم سارّها بشيء فبكت،

فقلت لها أنا من بين نسائ__ه، خصك رسول الل_ه من بيننا بالسرار وأنت تبكين؟! " ثم سارها بشيء فضحكت. فسألتها عائش_ة. فقالت: ما كنت لأُفشي علي رسول الل_ه (ص) سرّاً " فلما توفي النبي (ص) سألتها " فقالت: أما بكائي، فإنّ رسول الل_ه قال لي: إن جبرائيل عليه السلام كان يعرض عليّ القرآن كل عام مرة فعرضه العام مرتين، ولا أراني أجلي إلاّ قد اقترب، فبكيت. فقال لي اتقي الل_ه واصبري فإني أنا نعم السلف لك. ثم قال: يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، أو نساء هذه الامة، فضحكت).

وقد روي علماء الحديث هذا الخبر بأسانيد كثيرة، ونصّ واحد، أو مختلف قليلاً.

وفي الاستيعاب بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الل_ه (ص): سيدة نساء أهل الجنة مريم ثم فاطمة بنت محمد. ثم خديجة. ثم آسية امرأة فرعون.

وروي عن الفصول المهمة. لابن الصباغ المالكي عن كل من البخاري ومسلم والترمذي عن النبي (ص) قال:

(كَمُل من الرجال كثير، ولم يَكمل من النساء إلاّ مريم ابنة عمران، وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد).

وهذان النصَّان مرويَّان في كتب الحديث باسانيد كثيرة مستفيضة. وهناك في الأحاديث ما يؤكد علي أن فاطمة أفضلهن جميعاً. بيد أن مريم سيدة نساء عالَمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين جميعاً. ويؤيد ذلك ما روي من قول النبي (ص) لفاطمة: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة.. ولا شك في أن هذه الأمة أفضل من سائر الأمم، فسيدتها أفضل من سائر السيدات أيضاً.

روي الحاكم في المستدرك أنه كان رسول الل_ه (ص) إذا رجع من غزوة أو سفر أتي المسجد فصلَّي ركعتين، ثم ثَنَّي

بفاطمة، ثم يأتي أزواجه.

ولكنّ النبي كان إذا أراد سفراً أو غزوةً اختتم وداعه بفاطمة بعد كل أزواجه، كما يرويه لنا الحاكم أيضاً عن ابن عمران أنه قال: كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة.

وهذه الواقعة مأثورة في كتب الحديث بأسانيد مستفيضة.

وفي كتاب الاستيعاب عن عائشة أنها سئلت عن أحب الناس إلي رسول الل_ه؟ فقالت: فاطمة. فسئلت فمن الرجال؟ قالت: زوجها.

وفي نفس الكتاب بسند مرفوع إلي ابن بريد عن أبيه قال: كان أحب النساء إلي رسول الل_ه (ص) فاطمة ومن الرجال عليّ بن أبي طالب (ع).

وتقول عائشة في الحديث الذي ذكره الحاكم في المستدرك عن جميع بن عمير، تقول بعدما سألت عن علي: تسألينني عن رجل والل_ه ما أعلم رجلاً أحب إلي رسول الل_ه (ص) من عليّ، ولا في الأرض امرأة كانت أحب إلي رسول الل_ه (ص) من امرأته.

وقد روي البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النبي (ص) قوله: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة).

الصديقة فاطمة تتحدي نكسة الأمة

اشاره

وقبض النبي (ص) في يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدي عشرة من الهجرة، بعد أن اكتملت الرسالة الإلهية، وبتحقيق آخر هدف من أهدافها الرئيسية، وهو نصب القائد والمنفِّذ الصالح، وإرساء قواعد القيادة الصالحة للمسلمين إلي الأبد.

وكان ذلك القائد الذي نصَّبه الل_ه للمسلمين بعد النبي (ص) الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي كان صورةً حية وماثلة للتعاليم والْمُثل الإسلامية جميعاً.

وكانت تلك القيادة التي أمر بها الل_ه تعالي، قيادة الفرد الذي أدرك الشريعة الإسلامية إدراكاً كاملاً، حتي صار فقيهاً في أحكامها، بصيراً بأهدافها، ثم طبّقها علي نفسه، وامتزج فيها وتجاوبت أطرافه لها، ثم عرف الناس ذلك منه واطمأنوا علي زعامته، فجعلوه

حجة بينهم وبين ربهم.

ولما اكتملت أهداف الرسالة، اكتملت مسؤوليات الرسول وأعلن الل_ه ذلك بقوله:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة/3)

ومرض النبيّ (ص) واشتدّ مرضه. وأخذ السم الذي دس إليه يؤثر فيه، يوماً بعد يوم.. وكل يوم كان يقضيه الرسول، كان خطوة إلي الموت.

وفاطمة (ع) تعرف أباها كأفضل ما تكون المعرفة. تعرف فضله، ومجده وتعرف خدماته في سبيل الل_ه والإنسانية.. وهي تحبه، لأنه والدها، وكان أحب الناس إلي الل_ه جميعاً، والل_ه أحب إلي فاطمة من كل شيء.

فهي تحب أباها، لأنه أقرب إليها، ولأنه رسول الل_ه الذي يجب أن تكنّ له الحب والإحترام.

وأما الآن فهي تري والدها يجود بنفسه، فلم تستطع أن تصبر علي هذا المنظر الكئيب.. فخرجت.. وأُخرج كل من كان في الغرفة، إلاّ عليّاً (ع)، الذي كان يراقب أحوال الرسول (ص). ذهبت فاطمة إلي بيتها، وقبل أن يستقر بها المجلس، إذا بها تسمع الصياح قد ارتفع من حجرة الرسول. وكانت قريبة إلي بيت فاطمة عليها الصلاة والسلام، فأسرعت إليها مدهوشة، وإذا بها تنبأ بوفاة والدها.

كان لموت الرسول (ص) أثر عميق وبليغ في فؤاد فاطمة (ع) حتي أنها ما رؤيت مبتسمةً بعده قط، إلاّ حين نَعَي إليها نفسَها، حيث علمت باقتراب أجلها وحلول ميعاد الالتحاق بأبيها.

فمازالت فاطمة بعد أبيها معصبة الرأس، ناحل__ة الجسم، منهَّدة الركن، يغشي عليها ساعة بعد ساعة.

وبلغ بها البكاء علي أبيها أنَّ أهل المدينة شكوا إلي أمير المؤمنين أمرها واقترحوا عليها أن تبكي إما ليلاً أو نهاراً. بيد أنها لما سمعت بذلك اشتد بكاؤها وأبت إلاّ أن تبكي علي والدها أبداً، حتي تلتحق به، وأضافت بأنه ما أقل مكثي

بين أظهرهم.

وقد كان لبكاء فاطمة أثر ديني، كما كان لمنع أهل المدينة مغزي سياسي.. كانت فاطمة تبكي فتلفت أنظ__ار العالم إلي أنها هي المخصوصة بالنبي (ص). وه__ي بقيَّته في الأرض، ومنها نسكه الطاهر المطهَّر، وأولادها أولاده إلي أبد الآبدين. وكان لمنع أهل المدينة لها من البكاء تحدٍّ لهذا البيت - بيت أمير المؤمنين (ع) - الذي يحمل أعباء حفظ الرسالة بعد النبيِّ، وتحدٍّ للنبيِّ ولكل ما جاء به عن ربَّه، بدأوا يظهرونه مرةً بعد مرة إلي أن انتهي بأخذ فدك، ونهبها وغصبها.

النصوص تتحدث عن فضائل الزهراء

العابدة الزاهدة

اشاره

1- روي ابن شهر اشوب عن الحسن البصري أنه قال: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتي تورَّمت قدماها.

2- وروي عن الإمام الحسن عليه السلام أنه قال: رأيت أمي فاطمة ليلة الجمعة وقد وقفت للعبادة.. ومازالت بين راكعة وساجدة وقائمة وقاعدة، حتي أسفر الصبح. وهي تدعو للمؤمنين والمؤمنات، تسميهم بأسمائه_م.. ق_ال الإمام (ع) فقلت يا أماه: لماذا لم تدعي لنفسك، وإنما دعوتِ لسائر المؤمنين؟ قالت: يا بُنَيَّ الجار ثم الدار.

3- وروي عن الصادق (ع) انه حدّث: بانه دخل رسول الل_ه (ص) علي فاطمة يوماً، فرآها قد لبست ثوباً من صوف الإبل. وهي تطحن بيديها، وترضع ابنها، فلما رأي الرسول ذلك بكي وقال: بنيّة، ذوقي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة. فقالت فاطمة: أحمد الل_ه علي نعمائه وأشكره علي آلائه.. فنزلت هذه الآية:

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي) (الضحي/5)

4- وروي أحم__د بن حنبل في مسنده: أن رسول الله (ص) كان إذا سافر، آخر عهده بإنسان، فاطمة.

وأوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة. فقدم من غزاة، فأتاها فإذا بمسع [11] علي بابها، ورأي علي الحسن والحسين، قلبين [12] من

فضة فرجع ولم يدخل عليها. فظنت أنه من أجل ما رأي، فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيَّين، فقطعتهما. فبكي الصبيان فقسمته بينهما فانطلقا إلي رسول الل_ه وهما يبكيان فأخذه منهما، وقال: (يا ثوبان - هو مولي الرسول الراوي لهذا الحديث - اذهب بهذا إلي بني فلان واشتر لفاطمة قلادة من عصب - وهو سن دابة بحرية - وسوارين من غاح، فإن هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا).

وف__ي رواية أخري أن النبي (ص) حين وصلت إليه هذه الأمتعة وأمرته فاطم_ة بإنفاقها في سبيل الل_ه قال: (فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها، ومثل هذا الحديث ما روي عن الرضا (ع) عن آبائه، عن علي بن الحسين (ع) أنه قال: حدّثتني اسماء بنت عميس قالت: كنت عند فاطمة (ع) إذ دخل عليها رسول الل_ه (ص) وفي عنقها قلادة من ذهب كان اشتراها لها علي بن أبي طالب (ع) من فيء، فقال لها رسول الل_ه (ص): يا فاطمة لا يقول الناس إن فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة، فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة - أي أَمَةً - فأعتقتها، فسرَّ رسول الل_ه (ص)).

5- وروي الصدوق (ره) عن عليّ (ع) أنه قال:

(إنَّ فاطمة (ع) أستقت بالقربة حتي أثّرت في صدرها، وطحنت بالرحي حتي نحلت [13] يداها، وكسحت [14] البيت حتي أغبرت ثيابها وأوقدت النار تحت القدر حتي دكنت [15] ثيابها) الحديث.

6- وكانت فاطمة عليها السلام تتحمل مع علي مشاكل الحياة في ظروف الجهاد الصعبة فقد جاء في الحديث عن أبي جعفر (ع) قال:

(إن فاطمة (ع) ضمنت لعلي (ع) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت وضمن لها علي (ع)

ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظّم حقّك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به. قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الل_ه نهاني أن أسألك شيئاً. فقال: لا تسألين ابن عمّك شيئاً إن جاءك بشيء، وإلاّ فلا تسأليه.

قال فخرج عليه السلام فلقي رجلاً فاستقرض منه ديناراً ثمَّ أقبل به وقد أمسي فَلقي المقداد ابن الأسود فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع والذي عظّم حقك يا أمير المؤمنين، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ورسول الل_ه (ص) حيٌّ، قال: ورسول الل_ه (ص) حيٌّ؟ قال: فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً وسأؤثرك به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الل_ه (ص) جالساً وفاطمة تصلي وبينهما ش_يء مغطّي. فلمّا فرغت أجترّت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم قال: يا فاطمة أني لك هذا؟ قالت: هو من عند الل_ه إن الل_ه يرزق من يشاء بغير حساب، فقال له رسول الل_ه (ص): ألا أحدِّثك بمثلك ومثلها؟ قال: بلي، قال: مثلك مثل زكريا إذ دخل علي مريم المحراب فوجد عندها رزقاً قال: يا مريم أنّي لك هذا؟ قالت: هو من عند الل_ه إنّ الل_ه يرزق من يشاء بغير حساب. فأكلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأكل منها القائم (ع) وهي عندنا).

وفي حديث آخر مأثور في المراسيل أن الحسن والحسين كان عليهما ثياب خَلَقة وقد قرب العيد، فقالا لأمهما فاطمة (ع):

(إنّ بني فلان خِيطت لهم الثياب الفاخرة، أفلا تخيطين لنا ثياباً للعيد يا أماه؟ فقالت: يخاط لكما إن شاء الل_ه، فلما أن جاء العيد جاء جبرائيل بقميصين من حلل الجنّة إلي رسول

الل_ه (ص)، فقال له رسول الل_ه (ص): ما هذا يا أخي جبرائيل؟ فأخبره بقول الحسن والحسين لفاطمة وبقول فاطمة يخاط لكما إن شاء، ثمَّ قال جبرائيل: قال الل_ه تعالي لما سمع قولها: لانستحسن أن نكذِّب فاطمة بقولها، يخاط لكما إن شاء الل_ه.

وعن سعيد الحفّاظ الديلمي بإسناده عن أنس قال: قال رسول الل_ه (ص):

(بينما أهل الجنّة في الجنّة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون إذا لأهل الجنّة نور ساطع، فيقول بعضهم لبعض: ما هذا النور لعلَّ ربُّ العزَّة اطَّلع فنظر إلينا. فيقول لهم رضوان: لا، ولكن عليّاً (ع) مازح فاطمة فتبسمت فأضاء ذلك النور من ثناياها) [16] .

ولم يكد الإمام علي (ع) يفرغ من دفن رسول الل_ه (ص) حتي هبت علي الأمة رياح الجاهلية وأوشكت أن تقتلع شجرة الإسلام الطرية.. وكان علي بيت الرسالة أن يقف كالجبل الأشم في وجه عواصف الرِّدة. ويحافظ علي كيان الإسلام وفاءً بعهده مع رسول الل_ه، وتحقيقاً لدوره المرسوم الذي عبّر عنه صاحب الوحي (ص) حيث قال:

(إني تارك فيكم الثقلَين: كتابَ الل_ه، وعترتي أهلَ بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً).

وحين قال: (مَثًلُ أهل بيتي كسفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها هلك).

وحين قال: (فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الل_ه).

وكانت فاطمة قطب الرحي في بيت الرسالة.. فماذا فعلت وكيف نهضت بأعباء الحركة التصحيحية؟

والج__واب: أنه بالرغم من سيطرة الإسلام السياسية علي شبه الجزيرة العربية التي ضمنت دخول الناس

أفواج__اً في دين الل_ه، ابتداء من صلح الحديبية، فإن دعائم الإيمان وشرائع الإسلام لَمَّا تَترسَّخ في النفوس..

بل كانت النفوس الطامحة للمغانم. والتي مردت

علي النفاق، تهدد سلامة المجتمع الإسلامي، خصوصاً بعد غياب النبي (ص) الذي كان يشكِّل: الرسول، والقائد، والأب، والعمد، والثقل الأعظم في الدين والدولة والمجتمع.

وبالرغم من أن الرسول لم يترك فرصة إلاّ انتهزها لتوجيه أنظار المسلمين إلي الخط الرسالي الذي يمثل الصراط المستقيم في الأمة ويؤدي دوره، وينهض بذات المسؤوليات التي كان يقوم بها، كل ذلك من أجل التعويض عن الفراغ الذي كان سيسببه غيابه (ص) عن الأمة.

وكان أعظم مناسبة أكَّد فيها الرسول دور وصيّه، الإمام علي (ع) وأهل بيته الصدِّيقين، هي مناسبة عودته من حجة الوداع وتوقُّفه في منطقة صحراوية سميت باسم " غدير خُم " فاشتهرت المناسبة بغدير خم حيث رفع النبي يد الإمام علي (ع) أمام أكثر من مائة ألف من مرافقيه وقال:

(من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه).

أقول بالرغم من ذلك كله، فإنّ تكريس عهد الوصاية بعد عهد الرسالة لم يتم من دون صعوبات، بل تضحيات. وكانت فاطمة الزهراء أول مضحية في سبيل الل_ه. ومن أجل هذا الهدف.

كانت صرخة محمدية دوت في حياة الأمة قائلة: إن مات محمد فإن خطه لم يمت.. وإن سكت محمد (ص) فإن بضعته الطاهرة تنطق عنه، وتُخرس أصوات الجاهلية بكل قوة.

كانت فاطمة البدر الزاهر الذي تحدَّي ظلام الأفق بعد غياب شمس الرسالة وهي تقول: إن كان الوحي قد انقطع وغاب، فإن شعاعه لايزال منيراً، لأنه صب في ضمير فاطمة بنت محمد (ص) كل رسالاته وشرائعه وخُلقه. فهي انعكاس ذلك الضوء، ومشكاة ذلك النور.

وكانت فاطمة الشمس الدافئة التي التمس الناس منها الدفء في عهد كاد زمهرير حب الراحة والركون إلي الدعة تقضي علي حرارة الإيمان وعنفوان الجهاد والتضحية.

لم تقف فاطمة الزهراء،

ضد السلطة السياسية، بقدر ما وقفت ضد عوامل الضعف والتواني التي كادت تتغلب علي المجتمع، وبالذات علي الطليعة، من المهاجرين والأنصار..

وقد اتبعت فاطمة (ع) خُططاً حكيمة، لتحقيق الهدف، ومن أبرزها:

أولاً: تحريض النساء علي رجالهن.

ثانياً: إحياء ذكرَي الرسول في الأمة، بالوله إليه والبكاء عليه.

ونحن نتحدث إليكم ببعض التفصيل عن هاتين الخطتين:

فاطمة الزهراء تحرض نساء المدينة

لم تعش فاطمة الزهراء (ع) بعد أبيها إلاّ تسعين يوماً حسب بعض التواريخ. وأما حسب البعض الآخ__ر

فانها عاشت أقل من ذلك بكثير وخلال الفترة كانت حزينة كئيبة منهَّدة الركن، بل كانت مريضة طريحة الفراش، فزارتها نسوة من المهاجرين والأنصار يَعُدْنَها في علتها، فقلن: السلام عليكِ يا بنت رسول الل_ه (ص)، كيف أصبحتِ؟

فقالت: أصبحت والل_ه عائفة لدنياكنَّ، قالية لرجالكن لفظتهم بعد إذ عجمتهم [17] وسئمتهم بعد أن سبرتهم فَقُبحاً لأفون الرَّأي، وخطل القول، وخَوَر القناة [18] ، ولبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم أن سخط الل_ه عليهم وفي العذاب هم خالدون، لاجرم والل_ه لقد قلّدتُهم ربقتها، وشننتُ عليهم غارها، فجدعاً ورغماً للقوم الظالمين [19] .

ويحهم أَنَّي زحزحوها عن أبي الحسن، ما نقموا والل_ه منه إلاّ نكير سيفه [20] ونكال وقعه، وتنمّره في ذات الل_ه [21] ، وتالل_ه لو تكافّوا عليه من زمام نبذه إليه رسول الل_ه (ص) لاعتلقه [22] ، ثمَّ لسار بهم سيرة سحجاً، بجحاً، فإنه قواعد الرسالة، ورواسي النبوَّة، ومهبط الرُّوح الأمين، والطَّبين [23] بأمر الدين والدُّنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين.

والل_ه لايكتلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولا وردهم منهلاً رويّاً فضفاضاً [24] تطفح ضفَّته، ولا صدرهم بطاناً قد خثر بهم الرّيُّ غير متحل بطائل إلاّ تغمر الناهل وردع سورة سغب [25] ، ولفتحت عليهم. بركات

من السماء والأرض، وسيأخذهم الل_ه بما كانوا يكسبون.

فهلمَّ فاسمع، فما عشت أراك الدَّهر عجباً، وإن تعجب بعد الحادث فما بالهم؟ بأيِّ سند استندوا، أم بأية عروة تمسَّكوا، لبئس المولي ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا.

استبدلوا الذنابي بالقوادم، والحرون بالقاحم، والعجز بالكاهل [26] ، فتعساً لقوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون، أفمن يهدي إلي الحقِّ أحق أن يُتبع أمَّن لا يَهِدي إلا أن يُهدي، فمالكم كيف تحكمون؟..

لقحت فنظرت ريثما تنتج، ثمَّ احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً، وذعافاً ممضّاً [27] هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبَّ ما أسكن الأولون، ثمَّ طيبوا بعد ذلك عن أنفسكم لفتنها، ثمَّ اطمئنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وهرج دائما شامل، واستبداد من الظالين، فزرع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لهم، وقد عميت عليهم الأنباء، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون.

فاطمة الزهراء تندب أباها

ل__م تكن علاقة فاطمة بأبيها كأيَّة بنت بوالدها، بل إنها أضحت امتداداً لجميع أبعاد شخصية رسول الل__ه، أولم يقل عنها النبي (ص) وهو آخذ بيدها:

(من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبيّ فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الل_ه) [28] .

أولم يحدثنا علي عليه السلام عن فاطمة عليها السلام انها قالت:

(قال لي رسول الل_ه: يا فاطمة من صلَّي عليك غفر الل_ه له وألحقه بي حيث كنت من الجنة) [29] .

وحب فاطمة لأبيها كان أسمي من حب النسب. بل كان حبّاً إلهيّاً نابعاً من معرفتها بمقام الرسول من الل_ه، وعظمته عند ربه.

وحين افتقدت فاطمة رسول الل_ه أحست بخطورة الموقف كما لم يشعر بذلك أحد، وشعرت وكأنَّ جبال

الأرض تداكَّت علي رأسها الشريف.

وبالرغم من أن الحزن قد دب إلي كل قلب مؤمن بفقد الرسول، وإلي قلب الأمة، وضمير الحياة، إلاّ أن شلال الحزن صب في فؤاد ابنته ووريثته الوحيدة، وقلبه المنفصل!!

ولقد أذهل المصاب الجلل الكثير عن التفكر الجدِّي في إملاء الفراغ الكبير بإحياء ذكري الرسول.

وكان علي فاطمة أن تملأ هذا الفراغ بذكر رسول الل_ه، وبيان عظمته، والصلاة عليه، وإعلان شديد الحزن عليه. و. و.

إن فاطمة كانت تتعبدلله بالكباء علي فقد رسول الل_ه (صلي الل_ه عليه وآله). لأن ذلك كان يحيي ذكر الرسول.

وقد بلغ بكاء الزهراء علي والدها حداً عُدّت من البكائين الخمسة إلي جنب آدم ويعقوب ويوسف عليهم السلام، ثم علي بن الحسين (ع) [30] .

وجاء في حديث مروي عن فضة التي لازمت خدمة فاطمة الزهراء، قصة حزن فاطمة، الحديث يقول:

ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب، والأقرباء والأحباب، أشدَّ حزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً (علي رسول الل_ه) من مولاتي فاطمة الزهراء (ع)، وكان حزنها يتجدَّد ويزيد، وبكاؤها يشتدُّ.

فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، كلُّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوَّل، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صباراً إذ خرجت وصرخت، فكأنها من فم رسول الل_ه صلي الل_ه عليه وآله تنطق، فتبادرت النسوان، وخرجت الولائد والولدان، وضجَّ الناس بالبكاء والنحيب وجاء الناس من كلِّ مكان، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء وخُيِّل إلي النسوان أنّ رسول الل_ه صلي الل_ه عليه وآله قد قام من قبه، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم، وهي (ع) تنادي وتندب أباها: وا أبتاه، وا صفيّاه، وا محمّداه!

وا أبا القاسماه، وا ربيع الارامل واليتامي، من للقبلة والمصلَّي، ومن لابنتك الوالهة الثكلي.

ثم أقبلت تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئاً من عبرتها، ومن تواتر دمعتها حتي دنت من قبر أبيها محمد صلي الله عليه وآله، فلما نظرت إلي الحجرة وقع طرفها علي المأذنة فقصرت خطاها، ودام نحيبها وبكاها، إلي أن أغمي عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلي صدرها وجبينها حتي أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول:

(رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوّي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانه فريدة، فقد انْخَمَد صوتي، وانْقَطَع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدَّر دهري، فما أجد يا ابتاه بعدك أنيساً لوحشتي، ولا راداً لدمعتي، ولا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرائيل، ومحلُّ ميكائيل. انقلبت بعدك ي__ا أبتاه الأسباب، وتغلّقت دوني الأبواب، فأنا للدُّنيا بعدك قالي_ة، وعليك ما تردَّدت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، ولا حزني عليك).

ثم نادت: يا أبتاه والبّاه، ثم قالت:

إن حزن_ي علي__ك ح_زن ج_دي_دُ

وفؤادي و الل_ه صبُّ ع__ن__ي__دُ

ك_ل ي__وم ي__زي_د في__ه شج_ون_ي

واكتئاب__ي علي__ك لي__س يبي_دُ

ج_لَّ خطب__ي فب_ان عنّي عزائ_ي

فبكائي ف__ي ك_لَّ وق__ت جدي_دُ

إن قلب_اً علي__ك يأل__ف ص_براً

أو ع__زاءً، ف_إنه لَجَليدُ

ثم نادت: يا أبتاه، انقطعت بك الدني__ا بأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسودَّ نهاره_ا، فصار يحكي حنادسها ويابسها، يا أبتاه لازلت آسفة عليك إلي التلاق، يا ابتاه زال غمضي منذ حقَّ الفراق، يا أبتاه من للأرامل والمساكين، ومن للأمة إلي يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفي_ن، يا ابتاه أصبحت الناس عنّا معرضين، ولقد

كنا بك معظّمين في الناس غير مستضعفين، فأيُّ دمعةٍ لفراقك لا تنهمل، وأيُّ حزن بعدك عليك لا يتَّصل، وأيُّ جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنت ربيع الدِّين، ونور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، وللبحار بعدك لاتغور، والأرض كيف لم تتزلزل.

رُميتُ يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرّزية بالقليل، وطرفت يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول.

بكتك يا أبتاه الأملاك، ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنّة مشتاقة إليك وإلي دعائك وصلاتك.

يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك إلي أن أقدم عاجلاً عليك، واُثكْلَ أبي الحسن المؤتمن أبي ولديك، الحسن والحسين، وأخيك ووليّك وحبيبك ومن ربّيته صغيراً، وواخيته كبيراً، وأحلي أحبابك وأصحابك إليك من كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً، والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسي لازمنا.

ثم زفرت زفرة وأنّت أنّه كادت روحها أن تخرج ثمَّ قالت:

ق_لَّ صب_ري وب_ان عن_ي عزائي

بع__د فق_دي لخات__م الأنبياء

عي__ن يا عي__ن فاسكب_ي الدمع سح_ّاً

وي_ك لا تبخل__ي بفي__ض الدم_اء

ي_ا رس__ول الإل__ه يا خي__رة الل____هِ

وكه_ف الأيتام والضعفاء

قد بكت__ك الجبال والوحشُ جمع_اً

فبك__تِ الأرض م_ن بكاء السم_اء

وبكاء الحج_ون والرك_ن وال_مَشْعَرِ

يا سي__دي م_ع البطح_اء

وبكاك المح_راب والدَّرس للق_رآنٍ

ف__ي الصبح معلناً والمساء

وبك__اك الإسلام إذ ص__ار ف_ي الن_اسِ

غريب__اً م__ن سائر الغرباء

لو ت_ري المنب_ر ال__ذي كنت تع_ل_وهُ

علاه الظ__لام بعد الضياء

يا إله_ي عجّل وفاتي سريعاً

فلقد نقَّ_ص الحياة بك__ائ__ي

قالت: ثمَّ رجعت إلي منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي لاترقأ دمعتها، ولا تهدأ زفرته__ا.

واجتمع شيوخ

أهل المدينة وأقبلوا إلي أمير المؤمنين علي (ع) فقالوا له: يا أبا الحسن إنَّ فاطمة (ع) تبكي الليل والنهار، فلا أحد منّا يتهنأ بالنوم في الليل علي فُرشنا، ولا بالنهار لنا قرار علي أشغالنا وطلب معايشنا. وإنّا نخبرك أن تسألها إمّا أن تبكي ليلاً او نهاراً، فقال (ع): حُبّاً وكرامةً.

فأقبل أمير المؤمنين (ع) حتي دخل علي فاطمة (ع) وهي لاتفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء. فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الل_ه (ص)، إنَّ شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإمّا نهاراً.

فقالت: يا أبا الحسن ما أقلَّ مكثي بينهم، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالل_ه لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الل_ه صلي الل_ه عليه وآله. فقال لها علي عليه السلام: افعلي يا بنت رسول الل_ه ما بدا لك.

ثمَّ إنه بني لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمي بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدَّمت الحسن والحسين (ع) أمامها، وخرجت إلي البقيع باكية. [31] .

وكانت فاطمة الزهراء تستغل بعض المناسبات لتعريف الناس برسول الل_ه، وتجديد ذكراه العطرة. فلقد روي [أنّه] لما قبض النبي (ص) امتنع بلال من الأذان، قال: لا أؤذن لأحد بعد رسول الل_ه (ص)، وإن فاطمة (ع) قالت ذات يوم: إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذِّن أبي (ص) بالأذان، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان، فلمّا قال: الل_ه أكبر الل_ه أكبر، ذكرت أباها وأيامه، فلم تتمالك من البكاء، فلما بلغ إلي قوله: اشهد أن محمداً رسول الل_ه شهقت فاطمة (ع) وسقطت لوجهها وغشي عليها، فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال فقد فارقت أبنة رسول الل_ه (ص)

الدُّنيا، وظنوا أنها قد ماتت، فقطع أذانه ولم يتمه فأفاقت فاطمة (ع) وسألته أن يتمَّ الأذان، فلم يفعل، وقال لها: يا سيدة النسوان إنّي أخشي عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك.

الصديقة تلتحق بوالدها

كان النبي (ص) يتقلب علي فراش المنيّة، وكانت فاطمة تجلس بجانبه فيسارُّها النبي فتبكي، ثم يسارُّها ثانية فيتهلل وجهها الكريم. وحين تُسأل عن السر الأول تقول: إنه أسر إليها بأن جبرائيل كان يعرض عليه القرآن كل عام مرة واحدة. فعرض عليه هذا العام مرتين، وما ذلك إلاّ لاقتراب أجله..

أما السر الثاني فإنها ستكون أول من تلتحق به..

وهكذا، ظلت فاطمة تعزي نفسها رغم شدة الظروف المحيطة بها، بأنها ستكون أول من يلتحق برسول الل_ه (ص).

أم_ا الظروف التي عاشتها فاطمة (ع) بعد وفاة الرسول، فكانت صعبة جدّاً، لأنها وقفت وحدها تتحدي

العواصف العاتية. وحتي الإمام علي بطل الإسلام الأول لم يكن من الحكمة أن يشاطرها الجهاد، فكان عليها أن تتصدَّي لذلك وحدها، وهي امرأة لما تبلغ العشرين ربيعاً.. ولكل تلك الظروف يكفينا أن نستمع إليها وهي مفجوعة تشكو إلي علي (ع) حالها بكلمات تتقطر ألماً وتحدياً:

لما انصرفت فاطمة من عند أبي بكر أقبلت علي أمير المؤمنين (ع) فقالت له:

(يابن أبي طالب شملت شيمة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، فنقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل. أضرعت خدَّك يوم وضعت جدك، افترست الذئاب وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا أغنيت باطلاً هذا ابن أبي قحافة يبتزُّني نحيلة أبي، وبليغة ابنيّ، والل_ه لقد أجهر في خصامي، وألفيته ألدَّ في كلام_ي، حتي منعتني القيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، ولا خيار

لي، ليتني متُّ قبل هينتي، ودون زلّتي، عذيري الل_ه منك عادياً، ومنك حاميا، ويلاي في كلِّ شارق، ويلاي مات العمد ووهنت العضد، وشكواي إلي أبي، وعدواي إلي ربي. الل_همَّ أنت أشدُّ قوَّة، فأجابها أمير المؤمنين: لا ويل لك، الويل لشانئك، نهنهي عن وجدك ي__ا بُنية الصفوة، وبقية النبوَّة، فما ونيت عن ديني، ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما أعدَّ لك خير ممّا قطع فاحتسبي الل_ه. فقالت حسبي الل_ه ونعم الوكيل) [32] .

وحان ميعاد اللقاء، واستعدت الصديقة للقاء الل_ه والالتحاق برسول الل_ه، وكان لذلك قصة تروي فلقد مرضت فاطمة (ع) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها، إلي أن توفيت صلوات الل_ه عليها. فلما نعيت إليها نفسها دعت أمَّ أيمن واسماء بنت عميس ووجّهت خلف عليّ وأحضرته، فقالت: ابن عمِّ إنّه قد نعيت إليَّ نفسي وإنني لا اري ما بي إلا أنني لاحقةٌ بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي.

(قال لها علي (ع): أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الل_ه! فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ثمَّ قالت: يابن عمِّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني. فقال (ع): معاذ الل_ه أنتِ أعلم بالل_ه، وأبرُّ وأتقي وأكرم وأشدُّ خوفاً من الل_ه [من] أن أوبّخك بمخالفتي قد عزَّ عليَّ مفارقتك وتفقدك، إلاّ أنه امر لابدَّ منه، والل_ه جدّدت عليَّ مصيبة رسول الل_ه (ص)، وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها. هذه والل_ه مصيبة لا عزاء لها، ورزيّة لا خلف لها.

ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ عليٌّ رأسها وضمّه إلي صدره ثمَّ قال:

أوصيني بما

شئت، فإنّك تجدينني فيها أمضي كما أمرتني به، وأختار أمرك علي أمري.

ثمَّ قالت: جزاك الل_ه عنّي خير الجزاء يابن عمِّ رسول الل_ه، أوصيك أوَّلاً أن تتزوّج بعدي بأبنة [أخت_ي]

أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فإنَّ الرِّجال لابدَّ لهم من النساء.

ثمَّ قالت: أوصيك يابن عمِّ أن تتخذ لي نعشاً، فقد رأيت الملائكة صوّروا صورته، فقال لها: صفيه لي فوصفته فاتّخذه لها. فأوَّل نعش عُمل علي وجه الأرض ذاك.

ثمَّ قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقّي فإنّهم عدوَّي وعدوُّ رسول الل_ه (ص)، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم، ولا من أتباعهم، وادفنّي في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار، ثمَّ توفّيت صلوات الل_ه عليها وعلي أبيها وبعلها وبنيها.

فصاح أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخوا صرخة واحدة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهنَّ وهنَّ يقلن: يا سيدتاه!. يا بنت رسول الل_ه!. وأقبل الناس مثل عُرف الفرس إلي عليٍّ (ع)، وهو جالس والحسن والحسين (ع) بين يديه يبكيان، فبكي الناس لبكائهما.

وخرجت أمُ كلثوم وعليها برقعة وتجرُّ ذيلها متجلّلة برداء عليها وقد علا نشيجها وهي تقول: يا أبتاه، يا رسول الل_ه، الآن حقّاً فقدناك، فقداً لا لقاء بعده أبداً.

واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون، وينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها، وخرج أبو ذرّ وقال: انصرفوا فإنَّ ابنة رسول الل_ه (ص) قد أخّر إخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا.

فلمّا أن هدأت العيون ومضي شطر من الليل أخرجها عليٌّ والحسن والحسين (ع)، وعمّار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذرّ وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواصهم، صلّوا عليها ودفنوها في جوف اللي_ل، وسوَّي عليٌّ

(ع) حواليها قبوراً مزوَّرة مقدار سبعة حتي لايعرف قبرها. وقال بعضهم من الخواصِّ: قبرها سُوِّي مع الأرض مستوياً فَمُسِحَ مسحاً سواء مع الأرض حتي لايُعرف موضعه [33] .

ثم إن عليّاً (ع) حوّل وجهه إلي قبر رسول الل_ه ثم قال:

(السلام عليك يا رسول الل_ه عنّي!. والسلام عليك عن أبنتك، وزائرتك والبائتة في الثري ببقعتك، والمختار الل_ه لها سرعة اللّحاق بك. قَلَّ يا رسول الل_ه عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمي_ن تجلّدي، إلاّ أنَّ ف_ي التأسّي لي بسنّتك في فرقتك، موضع تعزٍّ، فلقد وسّدتك في ملح_ودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري.

بلي!. وفي كتاب الل_ه لي أنعم القبول، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرّهينة، أخْلست الزَّهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الل_ه!.

أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، وهمٌّ لايبرح من قلبي، أو يختار الل_ه لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيِّح، وهمٌّ مهيَّج، سرعان ما فُرِّق بيننا. وإلي الل_ه أشكو.

وستنبئ_ك ابنتُك بتضافر أُمَّتك علي هضمها، فأَحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج

بصدرها، لم تجد إلي بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الل_ه وهو خير الحاكمين) [34] .

وظلت فاطمة الزهراء شعلة الحب التي لاتخبو في صدور المؤمنين، وراية الكفاح التي لاتسقط عن يد الرساليين، وقبسة الخلق الرفيع، وظُلامة الحق التي تصبغ صفحات الشفق بلون الدم الموتور، والحق المغدور، فتتحول نبضة ثورية في عروق فتيان المروة، يتزودون بها عبر مسيرتهم الجهادية ضد المتسلطين والانتهازيين والقشريين..

وما أحوج أمتنا اليوم إلي تجديد ذكري فاطمة، ليقتدي بها النساء، بل الرجال أولاً..

ولنصلي عليها. وعلي أبيها، وعلي بعلها وبنيها، كما صلّي الل_ه عليها، وملائكته. والمؤمنون..

ولقد بلغ من

التزامها بتطبيق الإسلام علي نفسها تطبيقاً حرفيّاً، ما روي من أنّ_ه لما نزلت الآية المباركة:

(لاَ تَجْعَلُوا دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضاً) (النُّور/63)

صار اللازم علي المسلمين أن يغيروا خطابهم مع الرسول، من قولهم: يا محمد!! إلي قولهم يا رسول الل_ه. الكلم__ة التي شاعت بعد نزول هذه الآية باعتبار ذكر الرسول في الآية، تعبيراً عن النب__ي - محمد -.

وكان هذا الدستور مختصاً بالذين كانوا يستخفون باسم النبي ويدعونه باسمه المدعي به، دون أي احترام.

ولكنَّ فاطمة، لما سمعت نزول هذه الآية، غيّرت أيضاً طريقة خطابها مع النبي (ص) فبينما كانت تقول لوالدها: يا أبتاه!! أضحت تناديه بقولها: يا رسول الل_ه. فلما سمع النبي منها ذلك. تساءل عن وجه ذلك. فقالت: إطاعة لحكم الل_ه. فقال النبي: إني أحبّ من فمك كلمة " يا أبتاه ".

اصدق الناس لهجةً

كانت عائشة ترباً لفاطمة في العمر تقريباً. وكانت الزوجة الأولي للرسول (ص) بعد خديجة.. وكانت تغار من خديجة كثيراً، وكان يزيد غيرتها شدة انَّ النبي (ص) كان يحب فاطمة كثيراً ويشيد بها ويقبل يدها ويذكر أنها سيدة نساء العالمين وما إلي ذلك، مع أنه لايذكر شيئا من ذلك لعائشة.

و مع ذلك فانها اعترفت ذات مرة بهذا الإعتراف العجيب فقالت: ما رأيت أحداً أصدق لهجةً من فاطمة، إلاّ أن يكون الذي ولدها (أي رسول الل_ه صلَّي الل_ه عليه وآله).

بطلة الايثار

كانت فاطمة (ع) حينذاك ربَّة البيت.. وكانت الظروف الإقتصادية متأزمة جّداً. وكانت فاطمة، وسائر أفراد أسرتها يريدون الصوم وفاء بالنذر، وأي نذر؟. لقد كان الحسنان (ع) قد أصابهما مرض منذ وقت سابق، وكان الإمام علي (ع) قد نذرلله أن يصوم لو شوفيا. وكانت فاطمة والحسنان وفضة (الخادمة) قد تبعوا عليّاً في هذا النذر، فالآن قد عوفيا. فجاء دور الوفاء بالنذر.

المرسوم في بلادنا، اليوم، انَّ الأسرة المسلمة إذا شاءت أن تصوم صوماً واجباً أو مندوباً، هيأت مقداراً من الطعام، أطيب وأكثر من سائر الأيام التي لا تريد صومها.

أمّا أسرة عليٍّ (ع)، فقد كانت فقيرة في تلك الأيام، حتي عن المقدار اللازم للطعام.

نعم لم يكن في بيت العلم والشرف والتقوي، عين من المال لا قليلاً ولا كثيراً، ليفطروا. فذهب أمير المؤمنين وأخذ مقداراً من الصوف وأعطاه لفاطمة عليها السلام لكي تغزله. وأخذ مكانه ثلاثة أَصْوُعٍ من الشعير أجراً علي ذلك. لكي يفطروا عليها.

و جاء بالشعير إلي البيت، وصامت الاسرة، وصنعت الزهراء منه خمسة أقراص من الخبز.. وانتهي النهار، وجلسوا ليأكلوا.. وتماماً في الوقت الذي أرادوا الأكل سمعوا صوتاً من وراء الباب يقول:

السلام عليكم

يا أهل بيت النبوَّة. إني مسكين من مساكين المدينة وجائع.. فأعطوني.. بارك الل_ه فيكم.

فأخذ الإمام أمير المؤمنين رغيفه وتبعته فاطمة ثم الحسن والحسين (ع) وحتي فضة، أخذوا أرغفتهم الخمسة وأعطوها للمسكين.. ثم أفطروا بالماء القراح وشكروا الل_ه.

وفي اليوم الثاني، كان الوقت عند الإفطار، وكانت فاطمة قد صنعت خمسة أرغفة أيضاً.. وكانوا قد أرادوا الإفطار فجاء يتيم وطلب منهم طعاماً؛ فقدم كل منهم رغيفه وأفطروا بالماء وحمدوا الل_ه.

وجاءت الليلة الثالثة.. وجاء دور الأسير.. ففي نفس الوقت - أي عند الإفطار - طلب منهم الأسير، وأعطوه الأرغفة وباتوا جياعاً لثلاثة أيام وليال كاملة.

والمفروض أنَّ ثروة هذه الأسرة، كانت لا تتجاوز ثلاثة أَصْوُعٍ من الشعير. وها هي قد تمت.. وقد صاموا ثلاثة أيام بلياليها، غير شربة من ماء أفطروا عليها فقط.

ولما جاء الرسول لزيارتهم، وشاهد الحسنين يرتجفان جوعاً، وفاطمة عليها السلام قد اشتد بها الضعف، والإمام وفضة. كلاًّ منهما قد أثر فيه الجوع أثراً بليغاً، قال الرسول حينذاك:

واغوثاه بالل_ه أهل بيت محمد (ص) يموتون من الجوع.. وها هنا نزلت عليه سورة (هَلْ أَتَي) (الإِنسَان/1) في حق أهل البيت.

وجاءت فيها الآيات التالية:

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَي حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الل_ه لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ الل_ه شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) (الإِنسَان/7-11).

وهك_ذا ضربت فاطمة الزهراء عليها السلام وبعلها وابناها وحتي خادمتها، مثلاً رائع_اً للايث_ار، وأخ_ذت

أسرتها مدالاً عظيماً من ربهم علي ذلك.

وفي حديث شريف رواه علماء المسلمين عن ابن عباس. نقرأ فصولاً من فضائل الزهراء، التي تجعلها سيدة نساء العالمين،

وقدوة الصديقات، وأسوة المؤمنات الفاضلات..

وإلي القارئ هذا الحديث الذي نختم به هذا الفصل:

عن ابن عباس قال:

خرج أعرابيٌّ من بني سليم يتبدَّي في البريّة، فإذا هو بضبّ قد نفر من بين يديه، فسعي وراءه حتي اصطاده، ثمَّ جعله في كمّة وأقبل يزدلف نحو النبي (ص). فلما أن وقف بازائه ناداه: يا محمد يا محمد، وكان من أخلاق رسول الل_ه (ص) إذا قيل له: يا محمد، قال: يا محمد، وإذا قيل له: يا أحم__د، قال: يا أحمد، وإذا قيل له: يا أبا القاسم، قال: يا ابا القاسم، وإذا قيل [له]: يا رسول الل_ه، قال: لبيك وسعديك وتهلّل وجهه.

فلمّا أن ناداه الأعرابي: يا محمد يا محمد قال له النبيُّ: يا محمد يا محمد، قال له: أنت الساحر الكذَّاب الذي ما أظلّت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة هو أكذب منك، أنت الذي تزعم أن لك في هذه الخضراء إلهاً بعث بك إلي الأسود والأبيض؟ واللاّت والعزّي، لولا أني أخاف أنَّ قومي يسمونني العجول لضربتك بسيفي هذا ضربة أقتلك بها، فَأَسُودُ بك الأوَّلين والآخرين.

فوثب إليه عمر بن الخطاب ليبطش به فقال النبيُّ (ص): اجلس يا ابا حفص فقد كاد الحليم أن يكون نبيَّاً.

ثمَّ التفت النبيُّ (ص) إلي الأعرابيِّ فقال له:

(يا أخا بني سليم، هكذا تفعل العرب؟ يتهجمون علينا في مجالسنا يجابهوننا بالكلام الغليظ؟. يا أعرابيُّ والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً إنَّ ضرّبين في دار الدنيا هو غداً في النار يتلظي، يا أعرابيُّ والذي بعثني بالحق نبيّاً إن أهل السماء السابعة يسمونني أحمد الصادق، يا أعرابيُّ أسلم تسلم من النار يكون لك مالنا وعليك ما علينا وتكون أخانا في الإسلام).

قال: فغضب الأعرابيُّ

وقال: واللاّت والعزّي لا أؤمن بك يا محمد أو يؤمن هذا الضبُّ ثمَّ رمي بالضبِّ من كمَّه، فلمّا أن وقع الضبُّ علي الأرض ولَّي هارباً، فناداه النبيُّ (ص) أيُّها الضب أقْبِلْ إليَّ؛ فأقبل الضبُّ ينظر إلي النبيِّ (ص)، قال: فقال له النبي (ص):

(أيُّها الضبُّ من أنا؟. فإذا هو ينطق بلسان فصيح ذرب غير مقطَّع فقال: " أنت محمد بن عبد الل_ه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ". فقال له النبيُّ (ص): من تعبد؟ قال: أعبد الل_ه عزَّ وجلَّ الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة واتخذ إبراهيم خليلاً واصطفاك يا محمد حبيباً ثمَّ أنشأ يقول:

إلا ي_ا رس_ول الل_ه إ ن_ك صادق

فب_وركت مهدّي__اً وب_وركت هادي_ا

ش_رع_ت لن_ا دين الحنيفة بع_د م_ا

عبدن__ا كأمث_ال الحمي_ر الطواغي_ا

فيا خير مدع_وّ وي_ا خي__ر م_رس_ل

إلي الج_نِّ بع_د الإنس لبيك داعي_ا

ونح_ن أن_اس من سلي_م وإنن_ا

أتيناك نرج_و أن نن_ال العواليا

أتي__ت ببرهان من الله واض_ح

فأصبحت فينا صادق الق_ول زاكي_اً

فب_وركت ف__ي الأح_وال حيّاً وميتاً

وبوركت مولوداً وبوركت ناشي__اً

قال: ثمَّ أطبق علي فم الضبِّ فلم يحر جواباً. فلمّا أن نظر الأعرابي إلي ذلك قال: واعجباً، ضبُّ اصطدته من البرية ثمَّ أتيت به في كمّي لا يفقه ولا ينقه ولا يعقل، يكّلم محمداً (ص) بهذا الكلام ويشهد له بهذه الشهادة، وأنا لا أطلب أثراً بعد عين، مدّ يمينك فأنا أشهد أن لا إله إلا الل_ه وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، فأسلم الأعرابيُّ وحسن إسلامه.

ثمَّ التفت النبيُّ (ص) إلي أصحابه فقال لهم: " علّموا الأعرابيَّ سوراً من القرآن "، قال: فلما علّم

الأعرابيُّ سوراً من القرآن قال له النبي (ص): " هل لك شيء من المال "؟ قال: والذي بعثك بالحقِّ نبيّاً، إنّا أربعة آلاف رجل من بني سليم ما فيهم أفقر منّي ولا أقلُّ مالاً.

ثمَّ التفت النبيُّ (ص) إلي أصحابه فقال لهم: " من يحمل الأعرابيَّ علي ناقة أضمن له علي الل_ه ناقة من نوق الجنّة "؟ قال: فوثب إليه سعد بن عبادة فقال: فداك أبي وأمّي عندي ناقة حمراء عشراء وهي للأعرابيِّ.

فقال له النبيُّ (ص): " يا سعد تفخر علينا بناقتك؟. ألا أصف لك الناقة التي نعطيكها بدلاً من ناقة الأعرابيِّ؟ فقال: بلي فداك أبي وأمّي.

فقال: " يا سعد ناقة من ذهب أحمر وقوائمها من العنبر، ووبرها من الزَّعفران وعيناها من ياقوتة حمراء، وعنقها من الزَّبرجد الأخضر، وسنامها من الكافور الأشهب، وذقنها من الدُّرِّ، وخطامها من اللؤل_ؤ الرطب، عليها قبة من درَّة بيضاء يري باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها تطير بك في الجن_ة ".

ث__م ألتفت النبي (ص) إلي أصحابه فقال لهم: " من يتوَّج الأعرابيَّ أضمن له علي الل_ه تاج التُّقي "، قال: فوثب إليه أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (ع) وقال: (فداك أبي وأمّي وما تاج التقي؟ فذكر من صفته)، قال: فنزع عليُّ (ع) عمامته فعمّم بها الأعرابيَّ.

ثمَّ التفت النبيُّ (ص) فقال: من يزوِّد الأعرابيَّ وأضمن له علي الل_ه عزَّ وجلَّ زاد التقوي "، قال: فوثب إليه سلمان الفارسي فقال: (فداك أبي وأمي وما زاد التقوي) قال: " يا سلمان إذا كان آخر يوم من الدنيا لقّنك الل_ه عزَّ وجلَّ قول شهادة أن لاإله إلاّ الل_ه وأنَّ محمداً رسول الل_ه، فإن أنت قلتها لقيتني ولقيتك، وإن أنت

لم تقلها لم تلقني ولم ألقك أبداً ".

قال: فمضي سلمان حتي طاف تسعة ابيات من بيوت رسول الل_ه (ص) فلم يجد عندهن شيئاً، فلمّا أن ولّي راجعاً نظر إلي حجرة فاطمة (ع) فقال: إن يكن خير فمن منزل فاطمة بنت محمد (ص)، فقرع الباب فأجابته من وراء الباب: من بالباب؟. فقال لها: أنا سلمان الفارسي. فقالت له: يا سلمان وما تشاء؟. فشرح قصّة الأعرابيِّ والضبِّ مع النبيِّ (ص). قالت له: يا سلمان والذي بعث محمداً (ص) بالحقِّ نبيّاً إنَّ لنا ثلاثاً ما طعمنا، وإنَّ الحسن والحسين قد اضطربا عليَّ من شدة الجوع، ثمَّ رقدا كأنهما فرخان منتوفان، ولكن لا أردُّ الخير إذا نزل الخير ببابي.

يا سلمان خذ درعي هذا ثمَّ أمضِ به إلي شمعون اليهوديّ وقل له:

تقول لك فاطمة بنت محمد: أقرضني عليه صاعاً من تمر وصاعاً من شعير أردُّه عليك إن شاء الل_ه تعالي.

قال: فأخذ سلمان الدرع ثمَّ أتي به إلي شمعون اليهوديِّ فقال له: يا شمعون هذا درع فاطمة بنت محمد (ص)، تقول لك: أقرضني عليه صاعاً من تمر وصاعاً من شعير أردّه عليك إن شاء الل_ه.

قال: فأخذ شمعون الدِّرع ثمَّ جعل يقلّبه في كفِّه وعيناه تذرفان بالدُّموع وهو يقول: يا سلمان هذا هو الزهد في الدنيا، هذا الذي أخبرنا به موسي بن عمران في التوراة. أنا أشهد أن لا إله إلاّ الل_ه واشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، فأسلم وحسن إسلامه.

ثمَّ دفع إلي سلمان صاعاً من تمر وصاعاً من شعير فأتي به سلمان إلي فاطمة فطحنته بيدها واختبزته خبزاً، ثمَّ أتت به إلي سلمان فقالت له: خذه وامض به إلي النبي (ص)، قال: فقال لها سلمان: يا

فاطمة خذي منه قرصاً تعلّلين به الحسن والحسين، فقالت، يا سلمان، هذا شيء أمضيناه لله عزَّ وجلَّ لسنا نأخذ منه شيئاً.

قال: فأخذه سلمان فأتي به النبيَّ (ص)، فلمّا نظر النبي (ص) إلي سلمان قال له: يا سلمان من أين لك هذا؟. قال: من منزل ابنتك فاطمة، قال: وكان النبيُّ (ص) لم يطعم طعاماً منذ ثلاث.

قال: فوثب النبيُّ (ص) حتي ورد حجرة فاطمة، فقرع الباب وكان إذا قرع النبيُّ (ص) الباب لا يفتح الباب إلاّ فاطمة فلمّا أن فتحت له الباب نظر النبيُّ (ص) إلي صفار وجهها وتغيّر حدقتيها، فقال لها: يا بنية ما الذي أراه من صفار وجهك وتغيّر حدقتيك؟ فقالت: يا أبه إنَّ لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً وإنَّ الحسن والحسين قد اضطربا عليَّ من شدَّة الجوع ثمَّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان.

قال: فأنبههما النبيًّ (ص) فأخذ واحداً علي فخذه الأيمن والآخر علي فخذه الأيسر وأجلس فاطمة بين يديه واعتنقها النبيُّ (ص) ودخل عليُّ بن أبي طالب (ع) فاعتنق النبي (ص) من ورائه، ثم رفع النبيُّ (ص) طرفه نحو السماء فقال: " إلهي وسيّدي ومولاي، هؤلاء أهل بيتي، الل_هم أذهب عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً ".

قال: ثمَّ وثبت فاطمة بنت محمد (ص) حتي دخلت إلي مخدع لها فصفّت قدميها فصلّت ركعتين ثمَّ رفعت باطن كفّيها إلي السماء وقالت: (إلهي وسيدي هذا محمد نبيُّك، وهذا عليُّ ابن عمِّ نبيك، وهذان الحسن والحسي__ن سبط__ا نبيّك،‘إلهي أنزل علينا مائدة من السماء كما أنزلتها علي بني إسرائي__ل، أكل_وا

منها وكفروا بها، الل_همَّ أنزلها علينا فإنّا بها مؤمنون).

قال ابن عباس: والل_ه ما استتمّت الدعوة فإذا هي بصحفة من ورائها يفور قتارها وإذا قتارها أزكي من المسك

الأذفر، فاحتضنتها ثمَّ أتت بها إلي النبيَّ (ص) وعلي والحسن والحسين، فلما أن نظر إليها عليُّ بن أبي طالب (ع) قال لها: (يا فاطمة من أين لك هذا؟. ولم يكن عهد عندها شيئاً) فقال له النبي (ص): " كل يا أبا الحسن ولا تسأل، الحمد لله الذي لم يمتني حتي رزقني ولداً مثلها مثَل مريم بنت عمران ".

(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّي لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الل_ه إِنَّ الل_ه يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران/37)

قال: فأكل النبيُّ (ص) وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين وخرج النبيُّ (ص)، وتزود الأعرابيُّ واستوي علي راحلته وأتي بني سليم وهم يومئذ اربعة آلاف رجل. فلمّا ان وقف في وسطهم ناداهم بعلوّ صوته قولوا: " لا إله إلاّ الل_ه محمد رسول الل_ه "، قال: فلما سمعوا منه هذه المقالة أسرعوا إلي سيوفهم فجرَّدوها، ثمَّ قالوا له: لقد صبوت إلي دين محمد السّاحر الكذّاب، فقال لهم: ماهو بساحر ولا كذّاب.

ثم قال: يا معشر بني سليم، إنَّ إله محمد (ص) خير إله، وإنَّ محمداً (ص) خير نبيّ أتيته جائعاً فأطعمني، وعارياً فكساني، وراجلاً فحملني، ثمَّ شرح لهم قصّة الضبِّ مع النبي (ص) وأنشدهم الشعر الذي أنشد في النبيِّ (ص).

ثمَّ قال: يا معاشر بني سليم أسلموا تسلموا من النّار، فأسلم في ذلك اليوم أربعة آلاف رجل، وهم أصحاب الرايات الخضر، وهم حول رسول الل_ه (ص). [35] .

پاورقي

[1] أنوار التنزيل - في تفسير سورة التحريم.

[2] بحار الأنوار: ج 43، ص 5.

[3] بحار الأنوار: ج 19، ص 65.

[4] أعيان الشيعة: ج 22، ص 569.

[5] نهج البلاغة رسائل (27).

[6] كان السرير يصنع علي

الظاهر من سعف النخيل، ويقيد بليف حتي يكون بالإضافة إلي شد الأعواد بعضها إليبعض زينة وجمالاً.

[7] أي الصهر.

[8] بحار الأنوار: ج 43، ص 31.

[9] بحار الأنوار: ج 43، ص 82.

[10] بحار الأنوار: ج 43، ص 153.

[11] وهو كساء.

[12] أي سوارين.

[13] كما يحدث عند كثرة ممارسة العمل.

[14] أي كنست.

[15] أي أسودت.

[16] بحار الأنوار: ج 43، ص 75.

[17] " عائفة " كارهة. و " قالية " مبغضة و " لفظت " الشيء من فمي - رميته و " عجمت " العود - إذا عضضته.

[18] " شن____أه " أبغضه و " سبرتهم " اختبرتم و " الفلول " - التلمة والكسر و " الخور " - الضع____ف و " الخطل " الفاسد المضطرب.

[19] " لقد قلدتهم ربقتها " جعلت أتم الخطيئة في رقابهم و " شننت عليهم غارها " فرقت الفارة عليهم من كل صوب و " جدعاً " قطع الأنف والأذن أو الشفة.

[20] " نكير سيفه " انكار سوفه وخوف شجاعته.

[21] " نكال وقعه " هيبة صدمته في الحرب و " تنمّره في ذات الل_ه " - سكرته من أجل الل_ه كما النمر لاتكفاه إلاّ غاضباً شديداً.

[22] " لو تكافوا عليه من زمام " لو منعوا أنفسهم عن التصرف في مفوداً أعطاه الرسول و " لاعتلقه " أخذ المقود بحب شديد.

[23] " سيراً سحجاً " سيراً ليناً سهلاً. " الطبين " الفطن الحاذق.

[24] " لايكتلم " لا يجرح و " الخشاش " ما يجعل في أنف البعير وربما التعبير كناية عن قدرته الكبيرة علي متابعة السير. و " يتعتع راكبه " يزعج راكبه " المنهل " المورد " و " الفضفاض " الواسع.

[25] " ردع سورة سغب

" مقاومة شدة الجوع.

[26] " الذنابي بالقوادم " المتأخر بالمتقدم والذنابي آخر ريش الطائر والقوادم أول ريشه. و " الحرون " الفرس الذي لاينقاد استعير للجاهل و " القاحم " و " العجز بالكاهل " المتأخر بالمتقدم.

[27] " لقحت " حملت " فريت لما تنتج " انتظروا ساعة الولادة و " ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً " دعوا القدح يمتلئ من الدم العبيط، و " ذعافاً ممضّاً " سُماً مراً.

[28] بحار الأنوار: ج 43، ص 80.

[29] بحار الأنوار: ج 43، ص 55.

[30] بحار الأنوار: ج 43، ص 155.

[31] بحار الأنوار: ج 43، ص 175 - 177.

[32] بحار الأنوار: ج 43، ص 148.

[33] بحار الأنوار: ج 43، ص 191 - 193.

[34] بحار الأنوار: ج 43، ص 193.

[35] بحار الأنوار: ج 43، ص 69 - 74.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.