الحجة الغراء علي شهادة الزهراء

هویة الکتاب

عنوان المؤلف واسمه: الحجة الغراء علي شهادة الزهراء/جعفر السبحاني

تفاصيل النشر: قم: امام صادق (ع)، 1389

خصائص المظهر : 109ص

حالة الاستماع: در انتظار فهرستنويسي (معلومات التسجيل)

ملحوظة : الطبعة الثالثة

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 2194257

ص: 1

اشارة

الحجة الغراء علي شهادة الزهراء

جعفر السبحاني

مشخصات نشر : قم: امام صادق (ع)، 1389

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الحوادث المريرة بعد رحيل النبي

هبّت رياح الفتن عُقْبَ وفاة النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم علي المسلمين و غُربِلُوا غربالاً شديداً حتّي تميز المؤمن الراسخ في عقيدته عن المنافق الذي تستر بواجهة الإسلام، و صدق قوله سبحانه:

(وَ ما مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل أَفَإِنْ ماتَ أوْ قُتِل انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللَّه شَيئاً وَ سَيَجْزي اللَّهُ الشّاكِرين). (1) .

و قد أسفرت هذه الفتن المحدقة بالمسلمين عن ظهور العُقَد والضغائن الكامنة حيال أهل بيت النبوة عليهم السلام الذين أذهب اللَّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيراً وفي طليعتهم الإمام علي بن أبي

ص: 5


1- آل عمران: 44.

طالب عليه السلام المنصوص علي خلافته في غير موضع من المواضع. (1) .

فقد كان اللازم علي المسلمين التمسّك باهداب وصية النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم في تعيين أميرالمؤمنين خليفة عليهم بعد رحيله، والاستظلال تحت رايته،والاحتراز عن الخلافات التي تهدِّد كيان الدولة الإسلامية الفتيّة التي كانت لا تزال بعد مهددة بأخطار جسيمة علي الصعيد الداخلي و الخارجي.

أمّا الداخلي فحرب النفاق الذي كان ينشر بذور العداء و الشحناء في صفوف المسلمين بُغية نيل مآربه و هي الإطاحة بالدولة الإسلامية والقضاء علي زعيمها النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم، و كان يترصّد بالمسلمين الدوائر للانقضاض عليهم، و ما برح علي هذا النحو حتي قضي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و اله و سلم نحبه واختاره اللَّه لجواره.

و من غريب الأمر أن يمدّ أبوسفيان يده للإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام للبيعة- و هو يجهز النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم للدفن- قائلاً:

ص: 6


1- منها: يوم الدار بعد نزول قوله سبحانه: (وَ أَنْذِرْ عَشيرتَكَ الأقْرَبين) (الشعراء: 214). و منها: يوم مغادرته المدينة صوب تبوك فقال لعلي: «أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي». و منها يوم الغدير الذي أبلغ فيه المسلمين برمتهم إمامة علي و خلافته بعد رحيله في محتشد عظيم لا ينكر. فراجع في تفاصيله إلي الكتب المؤلفة في هذا الموضوع.

«واللَّه إنّي لأري عجاجة لا يُطفئها إلّا دم، يا آل عبدمناف فيما أبوبكر من أموركم، أين المستضعفان أين الأذلّان: علي و العباس، و قال: يا أباحسن أبسط يدك حتي أُبايعك».

فأبي علي عليه و زجره و قال:

«إنّك و اللَّه ما أردت بهذا إلّا الفتنة و انّك واللَّه طال ما بغيت الإسلام شرّاً لا حاجة لنا في نصيحتك.» (1) .

و كان علي عليه السلام واقفاً علي خبث سريرته و سوء باطنه، و أنّه و أتباعه من المنافقين بصدد الانقضاض علي الإسلام والقضاء عليه لو سُنِحت لهم الفرص.

إنّ حزب النفاق الذي أعرب سبحانه عن مدي خطورتهم علي الإسلام من خلال كثرة الآيات الواردة التي تفضح خططهم، و ما زالوا بوفرة في المدينة و حولها متربّصين بالإسلام الدوائر.

هذا هو الخطر الداخلي و أمّا الخارجي فقد كان خطر الروم يهدّد كيان الإسلام، و كانت تربطه بحزب النفاق روابط وثيقة، و لم يكن هجومه علي المدينة أمراً بعيداً عن الأذهان و لم يغب عن بال

ص: 7


1- تاريخ الطبري: 2: 449، حوادث سنة 11 ه.

النبي صلي اللَّه عليه و اله و سلم خطرُهم حتي علي فراش الموت فكان يوصي أصحابه بالانضواء تحت لواء أُسامة بن زيد بغية المسير إلي ثغورهم، و كان يُلحّ عليهم بالذهاب كلّما أفاق من مرضه و يلعن من تخلّف عنه و يقول:

«جهّزوا جيش أُسامة لعن اللَّه من تخلّف عنه». (1) .

وثمّة عامل ثالث كان محطَّ إثارة قلق لكلّ من ينبض قلبه للإسلام، و هو طروء روح العصيان علي القبائل المجاورة للمدينة حيث كانوا علي عتبة الارتداد من أجل التخلّف عن أداء الزكاة و دفع الضرائب للحكومة المركزية.

هذه العوامل الثلاثة التي تكفي واحدة منها في إثارة القلق والاضطراب صارت سبباً لغض الإمام علي عليه السلام عن حقه و سكوته أمام المؤامرات التي حيكت في السقيفة، فلو كان الإمام مصرّاً علي تسنّم منصة الخلافة و خوض غمار الحرب من أجل الوصول إلي هدفه، فليس من البعيد أن تتاح الفرصة للمنافقين للتصيّد بالماء العكر، و بالتالي هجوم الروم علي المدينة و محو الإسلام، و قد نوه الإمام بهذه الأُمور العصيبة الداعية إلي السكوت في بعض خطبه، و قال:

ص: 8


1- الشهرستاني: الملل و النحل: 1: 23؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 2: 20، ط مصر.

«فواللَّه ما كان يُلقي في روعي، و لا يخطر ببالي، انّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلي اللَّه عليه و آله و سلم عن أهل بيته، و لا أنّهم مُنحّوه عني من بعده! فما راعني إلّا انثيال الناس علي فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلي محق دين محمد صلي اللَّه عليه و اله و سلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله ان أري فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيّام قلائل يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتي زاح الباطلب و زهق، و اطمأنّ الدين وتنهنه.» (1) .

إنّ النبيّ صلي اللَّه عليه و آله و سلم كان ينظر بنور اللَّه و قد تنبّأ في بعض كلامه بالأخطار التي كانت تحدق بعلي عليه السلام و أهل بيته بعد رحيله.

أخرج الحاكم في مستدركه انّ النبي صلي اللَّه عليه و اله و سلم قال لعلي عليه السلام: أما انّك ستلقي بعدي جهداً، قال علي عليه السلام: في سلامة من ديني؟، قال: في

ص: 9


1- نهج البلاغة، من كتاب له عليه السلام إلي أهل مصر، برقم 62.

سلامة من دينك. (1) .

و أخرج المحب الطبري انّ النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم قال لعلي عليه السلام: «ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها إلّا من بعدي». (2) .

و في كلام آخر للنبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم:

«يا علي انّك ستبتلي بعدي قلا تقاتلن». (3) .

و هذه الروايات تعرب عن أنّ النبي صلي اللَّه عليه و اله و سلم كان عالماً بتضافر الأُمّة علي هضم حقوق الإمام عليه السلام ولذلك أوصاه بالصبر و المثابرة دون أن يتعرض للقوم بعنف.

السقيفة و الحوادث التي رافقتها

ابتدرت الأنصار إلي عقد مؤتمر السقيفة للتباحث فيمن يلي أمر الحكومة بعد رحيل النبي صلي اللَّه عليه و اله و سلم و كان علي رأسهم سعد بن عبادة و عشيرته.

ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه يطرح نفسه و هو ما هي الدواعي التي حدث بهم إلي عقد السقيفة في وقت مبكِّر؟

ص: 10


1- مستدرك الحاكم، 30: 140 و صحّحه الذهبي أيضاً.
2- محب الدين الطبري: الرياض النضرة: 2: 210.
3- كنز الدقائق: للمناوي: 188.

وللإجابة عنه لا بدّ من الإشارة إلي أنّ ثمة مخاوف كانت تساور الأنصار حيال المهاجرين، ذلك انّهم قتلوا جمّاً غفيراً من أرحام المهاجرين في معارك بدر وأُحد،و كانوا يخافون من اعتلاء المهاجرين منصَّة الحكم، و ممارستهم الظلم والاضطهاد في حقّهم انتقاماً لما بدر منهم. فهذه المخاوف حدت بهم إلي عقد مؤتمر بغية تعيين الخليفة من بينهم ليكون لهم الشوكة والمنعة من الحوادث المريرة التي ربما يُتعرضون لها علي يد المهاجرين.

فاجتمعت قبائل الأوس و الخزرج في سقيفة بني ساعدة، و قام سعد بن عبادة رئيس الخزرج ينشد فضائل الأنصار و يقول:

يا معضر الأنصار لكم سابقة في الدين و فضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب انّ محمّداً صلي اللَّه عليه و آله و سلم لبث بضعة عشر سنة في قومه يدعوهم إلي عبادة الرحمن و خلع الأنداد و الأوثان، فما آمن به من قومه إلّا رجال قليل ما كانوا يقدرون علي أن يمنعوا رسول اللَّه و لا أن يُعزّوا دينَه و لا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عمّوا به، حتّي إذ أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة و خصّكم بالنعمة، فرزقكم اللَّه الإيمان به و برسوله، والمنع له ولأصحابه و الإعزاز له ولدينه و الجهاد لأعدائه، فكنتم أشدّ الناس علي

ص: 11

عدّوه منكم وأثقله علي عدوه من غيركم، حتي استقامت العرب لأمر اللَّه طوعاً و كرهاً، وأعطي البعيد المقادة صاغراً داخراً حتي أثخن اللَّه عزّوجلّ لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم له العرب و توفّاه اللَّه و هو عنكم راضٍ و بكم قرير عين، استبدّوا بهذا الأمر دون الناس. (1) .

كان سعد بن عبادة يخطب في سقيفة بني ساعدة والمهاجرون كلّهم حياري يتشاورون في تعيين مثوي النبي صلي اللَّه عليه و اله و سلم و كيفية تجهيزه و تغسيله والصلاة عليه، فإذا بنفرين أحدهما معن بن عدي، والآخر عويم بن ساعدة يتكلّمان مع أبي بكر و يهمسان في أُذنه بأنّ الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الخليفة، فعندئذٍ اعتزل أبوبكر و عمر و أبوعبيدة عن جماعة المهاجرين دون أن ينبسوا ببنت شفة ويخبروهم عن مقصدهم و مآربهم حتي جاءوا سقيفة بني ساعدة وسعد علي بساط متكئاً علي وسادة و هو يخطب، فأراد عمر أن يتكلّم،فنهاه أبوبكر و تكلم و قال:

نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً، وأحسنهم وجوهاً،

ص: 12


1- تاريخ الطبري: 2: 455- 456.

وأمسّهم برسول اللَّه رحماً، وأنتم إخواننا في الإسلام و شركاؤنا في الدين نصرتم وواسيتم فجزاكم اللَّه خيراً، فانحن الأُمراء و أنتم الوزراء. (1) .

و مع أنّ سعد بن عبادة و أبابكر قد خطبا و ذكر كلّ مالهم من فضل و كرامة، ولكن يقع السؤال انّه لماذا تم الاقتراع و خرجت القرعة باسم أبي بكر؟!

والجواب انّ بشير بن سعد ابن عم سعد بن عباده قد حسد ابن عمه و رأي انّه علي قاب قوسين أو أدني من الخلافة و الرئاسة ألقي خطاباً لصالح قريش و طلب من الأنصار التخلّي عن دعواهم في الخلافة، فقال:

يا معشر الأنصار انّا واللَّه لئن كنّا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلّا رضا ربنا وطاعة نبيّنا... إلي أن قال: ألا إنّ محمّداً من قريش و قومه أحقّ به و أولي، و أيم اللَّه لا يراني اللَّه أنازعهم هذا الأمر أبداً، فاتّقوا اللَّه و لا تخالفوهم و لا تنازعوهم.

ثمّ قام فبايع أبابكر:

ص: 13


1- العقد الفريد: 4: 86، منشورات دار و مكتبة الهلال، بيروت.

و لقد تنبّأ الحباب بن منذر لما دعاه إلي هذه البيعة، فخاطبه و قال: «يا بشير بن سعد عققت عقَاقِ ما أحوجك إلي ما صنعت، أنَفِسْت علي ابن عمك الإمارة». (1) .

و لمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، و ما تدعوا إليه قريش و ما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض: واللَّه لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لازالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، فقام رئيسهم أُسيد بن حضير فبايع أبابكر، و صار ذلك سبباً لبيعة عشيرته واحداً تلوا الآخر، فأنكر علي سعد بن عبادة و علي الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم.

و قد اكتفي أبوبكر ببيعة الأوس فخرجوا من السقيفة قاصدين المسجد يأخذون البيعة من كلّ من رأوه في الطريق إلي أن وصلوا إلي المسجد. (2) .

دع ما وقع في السقيفة من صخب و هياج و ضرب و شتم، فانّ الحديث ذو شجون.

و قد أخذت البيعة طوعاً و كرهاً و علي عليه السلام و أهل بيته يجهزون النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم و يا ليت الخليفة و أتباعه اكتفوا بما وقع ولكنّهم حاولوا أخذ

ص: 14


1- تاريخ الطبري: 457:2- 458.
2- انظر تاريخ الطبري: 458:2.

البيعة من علي و أهل بيته بالقوة والعنف و التهديد، و ذلك عندما اجتمع رجال من بني هاشم في بيت علي معترضين علي هذا النوع من البيعة.

و هناك ظهرت حوادث مريرة للغاية، و قد سكت قسم من المؤرخين عن سردها خوفاً و رهبة أو تزلّفاً و طمعاً.

و هناك من أخذته الحمية في الدين فسجلوا تلك الوقائع بنحو موجز، و هم علي قسمين:

أ. من اقتصر علي ما دار بين علي و البيت الهاشمي مع عمر من مناشدات و احتجاجات و تهديدات.

ب. من أزاح الستار عما قام به عمر بن الخطاب من أخذ البيعة بالعنف حتي انتهي الأمر إلي إحراق الباب و كسره و ما تلاه من حوادث.

فها نحن نذكر كلمات كلا الفريقين ليعلم أنّ حديث الباب و شهادة بنت المصطفي من جراء تلك القلاقل ليست أُسطورة تاريخية و إنّما هي حقيقة تاريخية.

قد قرأت في هذه الأيّام مقالاً لبعض الكتاب الجدد، نقل فيه شيئاً من فضائل الزهراء عليهاالسلام ليكون ذريعة لما يريد إثباته و هو انّ

ص: 15

شهادة الزهراء عليهاالسلام أُسطورة تاريخية لا نصيب لها من الحقيقة، و من أمعن في المقال يقف علي أن الكاتب لا خبرة له في التاريخ، و قد جرّه رأيه المسبق إلي إنكار الحقيقة الساطعة، و لأجل ذلك ارتأينا أن نضع امام القارئ مصادر متقنة تُثبت شهادتها و هتك حرمتها.

و يدور بحثنا حول محاور ثلاثة:

الأوّل: عصمة الزهراء عليهاالسلام في لسان النبي.

الثاني: المكانة الرفيعة لبيت الزهراء عليهاالسلام في القرآن و السنّة.

الثالث: الحوادث المريرة التي جرت عليها عقب وفاة أبيها الرسول الأعظم صلي اللَّه عليه و آله و سلم.

عصمة الزهراء علي لسان النبي

حظيت الزهراء عليهاالسلام بمقام رفيع عند الرسول صلي اللَّه عليه و آله و سلم حتّي قال صلي اللَّه عليه و آله و سلم في حقّها:

«فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني». (1) .

إنّ إغضاب التي صلي اللَّه عليه و آله و سلم يستعقب إيذاءه، و من آذاه فقد حكم عليه بالعذاب الأليم، قال سبحانه:

ص: 16


1- فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 84:7، و أيضاً صحيح البخاري: 210:4 دارالفكر، بيروت.

(وَ الّذينَ يُؤْذُونَ رَسُول اللَّه لَهُمْ عَذابٌ أَليم). (1) .

و في رواية أُخري، بيّن انّ غضب الزهراء عليهاالسلام و رضاها يوجب غضب اللَّه سبحانه و رضاه، فقال:

«يا فاطمة إنّ اللَّه يغضب لغضبك و يرضي لرضاك». (2) .

فأية مكانة شامخة للزهراء عليهاالسلام حتّي صار غضبها و رضاها ملاكاً لغضبه سبحانه و رضاه، و هذا إن دلّ علي شي ء فإنّما يدلّ علي عصمتها، فهو سبحانه بما انّه عادل و حكيم لا يغضب إلّا علي الكافر والعاصي، و لا يرضي إلّا علي المؤمن والمطيع.

و في ظل تلك الكرامة أصبحت في لسان النبي صلي اللَّه عليه و اله و سلم سيدة نساء العالمين، فقال صلي اللَّه عليه و آله و سلم:

«يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين، و سيّدة نساء هذه الأُمة، و سيدة نساء المومنين». (3) .

و علي الرغم من أنّ الزهراء عليهاالسلام معصومة لا تعصي و لا تذنب،

ص: 17


1- التوبة: 61.
2- مستدرك الحاكم: 154:3، مجمع الزوائد: 203:9، و قد استدرك الحاكم في كتابه الأحاديث الصحيحة حسب شروط البخاري و مسلم ولكن لم يخرجاه. و علي ذلك فهذا الحديث صحيح عند الشيخين و هو متفق عليه.
3- المستدرك للحاكم: 156:3.

ولكنّها ليست بنبيّة، إذ لا ملازمة بين العصمة والنبوة، و هذه هي مريم البتول العذارء فهي معصومة بنصّ الكتاب الحكيم لكنّها ليست بنبية.

امّا انّها معصومة، فلقوله سبحانه في حقّها:

(وَ إَذْ قالَتِ الْمَلائِكَة يا مَرْيَم إِنَّ اللَّه اصْطَفاكِ وَ طهَّركِ وَاصْطَفاكِ عَلي نِساءْ العالمين). (1) .

فانّ الأخبار عن تطهير مريم بعد اصطفائها دليل علي تطهيرها من الذنوب و مخالفة شريعة زمانها.

و امّا انّها ليست بنبية فأمر واضح لا يحتاج إلي بيان. فلتكن بنت خاتم الرسل سيّدة نساء العالمين، كمريم البتول معصومة غير نبيّة.

ولنقتصر في بيان فضائل الزهراء عليهاالسلام بهذا القدر اليسير، فانّ استيفاء البحث فيها بحاجة إلي تصنيف مفرد.

المكانة الرفيعة لبيت الزهراء في القرآن و السنة

نزل قول سبحانه: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (2) علي قلب سيد المرسلين و هو صلي اللَّه عليه و آله و سلم في المسجد الشريف،

ص: 18


1- آل عمران: 42.
2- النور: 36.

فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول اللَّه؟ قال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبوبكر، فقال: يا رسول اللَّه: أهذا البيت منها؟- مشيراً إلي بيت علي و فاطمة عليهماالسلام- قال: «نعم، من أفاضلها». (1) .

فقوله سبحانه: (في بيوت) ظرف لما تقدمه من قوله (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاة فِيها مِصْباح المِصباح في زُجاجة...) (2) فالنور الذي نوهت به الآية بما له من صفات، مصدر إشعاعه هذه البيوت التي أذن اللَّه أن ترفع، فكيف لا يكون لها منزلة و كرامة.

قال السيوطي: أخرج الترمذي و صححه، و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صححه، و ابن مردويه، والبيهقي في سننه من طرق عن أُمّ سلمة (رضي اللَّه عنها) قالت: في بيتي نزلت: (إِنّما يُريدُ اللَّه لِيذهبَ عَنْكُمُ الرِّجْس أَهْل البَيْت) و في البيت فاطمة، و علي و الحسن، و الحسين عليهم السلام، فجلّلهم رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم بكساء كان عليه، ثمّ قال: «هولاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً».

و قال أيضاً: و أخرج ابن أبي شيبة و أحمد والترمذي و حسنه، و ابن جرير و ابن المنذر و الطبراني و الحاكم و صححه و ابن مردويه عن أنس: انّ رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و اله و سلم كان يمرّ بباب فاطمة عليهاالسلام إذا خرج إلي صلاة

ص: 19


1- الدر المنثور: 203:6، تفسير سورة النور؛ روح المعاني: 174:18.
2- النور، 53.

الفجر، و يقول: «الصلاة يا أهل البيت الصلاة (إِنّما يريدُ اللَّه لِيذهب عنكمُ الرِّجس أَهل البيت وَ يُطهّركُمْ تَطهيراً). (1) .

فإذا كانت هذه منزلة البيت و كرامته عنداللَّه، فيعد اقتحامه و كشفه من أكبر الذنوب وأقبحها.

لكن لم تُراعَ وصية النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم في احترام هذا البيت و أهله، و شهد حوادث مريرة تعرض لها جمع من المؤرخين و المحدّثين ننقل نصّ أقوالهم حسب التسلسل الزمني.

و المؤرخون في المقام علي طائفتين:

فطائفة تعرضت لمحاولات الترويع و التآمر المبيّت والنوايا الخبيثة.

وطائفة أُخري أشارت بمزيد من التفصيل لتلك المحاولات و ما أعقبها من حوادث.

و خصصنا الفصل الأوّل لذكر أسماء الطائفة الأُولي و أقوالهم، كما خصصنا الفصل الثاني لذكر أسماء الطائفة الثانية وأقوالهم.

ص: 20


1- الدر المنثور: 604:6- 605، ط دار الفكر، بيروت، المصنف: 527:7.

1- محاولات الترويع علي لسان المؤرخين

اشاره

1. ابن أبي شيبة والمصنف

2. البلاذري و كتاب الأنساب

3. ابن قتيبة و الإمام والسياسة

4. الطبري و تاريخه

5. ابن عبد ربّه و العقد الفريد

6. ابن عبدالبر و الاستيعاب

7. ابن أبي الحديد و شرح نهج البلاغة

8. أبوالفداء و المختصر في تاريخ البشر

9. النويري و نهاية الارب في فنون الأدب

10. السيوطي و مسند فاطمة

11. المتقي الهندي و كنزالعمال

12. الدهلوي و إزالة الخفاء

13. محمد حافظ إبراهيم والقصيدة العمرية

14. عمر رضا كحالة وأعلام النساء

ص: 21

ص: 22

* محاولات الترويع علي لسان المؤرخين

ابن ابي شيبة و كتابة المصنف

اشاره

أخرج عبداللَّه بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي (المتوفّي سنة 235) في كتابه «المصنف» المطبوع، في الجزء الثاني في باب «ما جاء في خلافه أبي بكر و سيرته في الردة» أخرج، و قال: حدّثنا محمد بن بشر، حدّثنا عبيداللَّه بن عمر، حدّثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم، انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و اله و سلم كان علي والزبير يدخلان علي فاطمة بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم فيشاورونها و يرتجعون في أمرهم، فما بلغ ذلك عمر بن الخطب خرج حتّي دخل علي فاطمة، فقال:

يا بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم! واللَّه ما من أحد أحبّ إلينا من أبيك، و ما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، و أيم اللَّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر جاءوها، فقالت: تعلمون أنّ عمر قد

ص: 23

جاءني وقد حلف باللَّه لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، و أيم اللَّه ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فَرَوا رأيكم و لا ترجعوا إلي، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتّي بايعوا لأبي بكر. (1) .

إنّ الاحتجاج بهذا الحديث رهن وثاقة المؤلف ورواته، فلنبدأ بدراسة سيرتهم.

أمّا ابن أبي شيبة، فكفي في وثاقته ما ذكره الذهبي في «ميزان الاعتدال» حيث قال:

عبداللَّه بن محمد بن أبي شيبة الحافظ الكبير، الحجة، أبوبكر. حدّث عنه أحمد بن حنبل، والبخاري، و أبوالقاسم البغوي، والناس ووثقه جماعة.

ثمّ قال: أبوبكر «يريد به أبوشيبة»، ممّن قفز القنطرة، و إليه المنتهي في الثقة، مات في أوّل سنة 235. (2) .

هذا حال المؤلف، و أمّا حال الرواة فلنبدأ بالأوّل فالأوّل:

محمد بن بشر

يعرفه ابن حجر العسقلاني، بقوله: محمد بن بشر بن الفرافصة

ص: 24


1- المصنف: 572:8، ط دار الفكر، بيروت، تحقيق و تعليق سعيد محمد اللحام.
2- ميزان الاعتدال: 490:2، رقم 4549.

بن المختار الحافظ العبدي، أبوعبداللَّه الكوفي.

وثقه ابن معين، و عرفه أبوداود بأنّه أحفظ من كان بالكوفة، قال البخاري وابن حبان في الثقات: مات سنة 203.

ثمّ نقل توثيق الآخرين له. (1) .

عبيدالله بن عمر

يعرفه ابن حجر العسقلاني، بقوله: عبيداللَّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي، العمري، المدني، أبوعثمان أحد الفقهاء السبعة، و قد توفّي عام 147 ه.

قال عمرو بن علي: ذكرت ليحيي بن سعيد قول ابن مهدي:

إنّ مالكاً أثبت من نافع عن عبيداللَّه، فغضب و قال: أبوحاتم عن أحمد: عبيداللَّه أثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية.

قال ابن معين: عبيداللَّه من الثقات.

و قال النسائي: ثقة، ثبت.

و قال أبوزرعة و أبوحاتم: ثقة.

إلي غير ذلك من كلمات الإطراء. (2) .

ص: 25


1- تهذيب التهذيب: 73:9، رقم الترجمة 90.
2- تهذيب التهذيب: 38:7- 40، رقم الترجمة 71.

زيد بن اسلم العدوي

عرفه ابن حجر العسقلاني، و قال: زيد بن أسلم العدوي، أبوأُسامة، و يقال: أبوعبداللَّه المدني، الفقيه، مولي عمر، وثّقه أحمد و أبوزرعة و أبوحاتم و محمد بن سعد، و ابن خراش.

و قال يعقوب بن شيبة: ثقة، من أهل الفقه و العلم، و كان عالماً بتفسير القرآن، مات سنة 136. (1) .

اسلم العدوي

أسلم العدوي، مولاهم أبوخالد، و يقال أبوزيد، غير انّه حبشي، و قيل من سبي عين التمر، أدرك زمن النبي و روي عن أبي بكر، و مولاه عمر، و عثمان و ابن عمر، و معاذ بن جبل، و أبي عبيدة، و حفصة.

قال العجلي: مدني، ثقة، من كبار التابعين.

و قال أبوزرعة: ثقة.

و قال أبوعبيد: توفي سنة ثمانين.

و قال غيره: هو ابن مائة و أربعة عشرة سنة. (2) .

ص: 26


1- تهذيب التهذيب: 395:3- 396، رقم الترجمة 728.
2- تهذيب التهذيب: 266:1، رقم الترجمة 501.

و قد اكتفينا في ترجمة رجال السند بما نقله ابن حجر العسقلاني، و لم نذكر ما ذكره غيره في حقّهم روماً للاختصار.

فتبين من هذا البحث انّ الرواية صحيحة، و الاسناد في غاية الصحّة.

البلاذري و الانساب

اشاره

إنّ أحمد بن يحيي بن جابر البغدادي، الكاتب الكبير، صاحب التاريخ المعروف، نقل الحادثة المريرة في كتابه و قال: في ضمن بحث مفصل عن أمر السقيفة:

لما بايع الناس أبابكر اعتذر علي و الزبير، إلي أن قال: إنّ أبابكر أرسل إلي علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر و معه فتيلة، فتلقته فاطمة علي الباب، فقالت فاطمة: يا ابن الخطاب، أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال: نعم، و ذلك أقوي فيما جاء به أبوك. (1) .

والاستدلال بالرواية رهن وثاقة المؤلف و من روي عنهم، فنقول:

ص: 27


1- أنساب الاشراف: 586:1، طبع دار المعارف بالقاهرة.

أمّا المؤلف فقد وصفه الذهبي في كتاب «تذكرة الحفاظ» ناقلاً عن الحاكم بقوله:كان واحد عصره في الحفظ و كان أبوعلي الحافظ و مشايخنا يحضرون مجلس وعظه يفرحون بما يذكره علي رؤوس الملأ من الأسانيد، و لم أرهم قط غمزوه في اسناد إلي آخر ما ذكره. (1) .

و قال أيضاً في سير أعلام النبلاء: العلّامة، الأديب، المصنف، أبوبكر، أحمد بن يحيي بن جابر البغدادي، البلاذري، الكاتب، صاحب «التاريخ الكبير». (2) .

و قال ابن كثير في كتاب «البداية و النهاية» نقلاً عن ابن عساكر: كان أديباً،ظهرت له كتب جياد. (3) .

هذا هو حال المؤلف، و أمّا حال الرواة الواردة أسماؤهم في السند، فإليك ترجمتهم:

المدائني

و هو علي بن محمد أبوالحسن المدائني الأخباري، صاحب التصانيف، روي عنه الزبير بن بكار، و أحمد بن زهير، و الحارث بن

ص: 28


1- تذكرة الحفاظ: 892:3 برقيم 860.
2- سير اعلام النبلاء: 162:13، رقم 96.
3- البداية و النهاية: 11: 69، حوادث سنة 279.

أبي أُسامة، و نقل الذهبي عن يحيي انّه قال: المدائني ثقة، ثقة، ثقة، توفّي عام أربع أو خمس و عشرين و مائتين. (1) .

مسلمة بن محارب

مسلمة بن محارب الزيادي عن أبيه، ذكره البخاري في تاريخه. (2) .

و قد قال أهل العلم انّ سكوت أبي زرعة أو أبي حاتم أو البخاري عن الجرح في الراوي توثيق له، و قد مشي علي هذه القاعدة الحافظ ابن حجر في «تعجيل المنفعة» فتراه يقول في كثير من المواضع: ذكره البخاري و لم يذكر فيه جرحاً. (3) .

سليمان بن طرخان

سليمان بن طرخان التيمي- ولاءً- روي عن أنس بن مالك و طاووس و غيرهم، قال الربيع بن يحيي عن سعيد: ما رأيت أحداً أصدق من سليمان التيمي.

ص: 29


1- ميزان الاعتدال: 153:3، رقم الترجمة 5921.
2- التاريخ الكبير: 387:7، رقم الترجمة 1685.
3- لاحظ قواعد في علوم الحديث: 385 و 403 و تعجيل المنفعة: 219، 223، 225، 254.

و قال عبداللَّه بن أحمد عن أبيه: ثقة.

و قال ابن معين و النسائي: ثقة.

و قال العجلي: تابعي، ثقة فكان من خيار أهل البصرة.

إلي غير ذلك من التوثيقات، توفّي عام 97. (1) .

ابن عون

عون بن ارطبان المزني البصري، رأي أنس بن مالك (توفّي عام 151).

قال النسائي في الكني: ثقة، مأمون.

و قال في موضع آخر: ثقة، ثبت.

و قال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه، عبادة و فضلاً و ورعاً و نسكاً و صلابة في السنة و شدة علي أهل البدع. (2) .

إلي هنا تبين صحّة السند و انّ الرواية صحيحة، رواتها كلّهم ثقات، وكفي في ذلك حكماً.

و هذان النصان المرويان عن الثقات يعرب عن نوايا سيئة

ص: 30


1- تهذيب التهذيب 201:4- 202، رقم الترجمة 341.
2- تهذيب التهذيب 346:5- 348، رقم الترجمة 600.

للخليفتين، و سيوافيك في القسم الثاني انّهم جسدوا نواياهم حيال أهل بيت النبوة عليهم السلام.

ابن قتيبة و الامامة و السياسة

المؤرخ الشهير عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213- 276) و هو من رواد الأدب و التاريخ، و قد ألف كتباً كثيرة منها «تأويل مختلف الحديث» و «أدب الكاتب» و غيرهما من الكتب. (1) .

قال في كتابه الإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء:

إنّ أبابكر رضي اللَّه عنه تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرم اللَّه وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها علي من فيها، فقيل له: يا أباحفص انّ فيها فاطمة، فقال: وإن.

إلي أن قال:

ثمّ قام عمر فمشي معه جماعة حتي أتوا فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلي

ص: 31


1- الأعلام: 137:4.

صوتها: يا أبت [يا] رسول اللَّه، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، و ابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين. وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تتفطر وبقي عمر و معه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلي أبي بكر، فقالوا له بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذاً و اللَّه الذي لا إله إلّا هو نضرب عنقك.... (1) .

إنّ من قرأ كتاب «الإمامة و السياسة» يري أنّها نظير سائر الكتب لقدمائنا المؤرخين كالبلاذري والطبري و غيرهم، و قد نسب هذا الكتاب إليه ابن أبي الحديد في شرحه علي نهج البلاغة، و نقل عنه مطالب كثيرة ربما لا توجد في هذه النسخة المطبوعة بمصر، و هذا إن دلّ علي شي ء فإنّما يدل علي تطرق التحريف لهذا الكتاب، كما نسبه إليه الياس سركيس في معجمه. (2) .

نعم ذكر صاحب الأعلام انّ للعلماء نظراً في نسبته إليه، و معني ذلك انّ غيره تردد في نسبته إليه، والتردد غير الإنكار.

و علي كلّ حال فهو كتاب تاريخي نظير سائر الكتب التاريخية.

ص: 32


1- الإمامة والسياسة: 12، 13 طبعة المكتبة التجارية الكبري، مصر.
2- معجم المطبوعات العربية: 212:1.

الطبري و تاريخه

اشاره

محمد بن حرير الطبري (224- 310 ه) صاحب التاريخ والتفسير المعروفين بين العلماء، و قد صدر عنهما كلّ من جاء بعده، قد ذكر قصة السقيفة المحزنة، و قال:

حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد بن كليب قال: أتي عمر بن الخطاب، منزل علي وفيه طلحة والزبير و رجال المهاجرين فقال: واللَّه لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلي البيعة فخرج عليه الزبير، مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه. (1) .

و هذا المقطع من تاريخ الإسلام يعرب عن أن أخذ البيعة للخليفة كان عنوة، وإنّ من تخلف عنها سوف يواجه مختلف أساليب التهديد من حرق الدار و تدميره، وبما انّ الطبري نقل الأثر بالسند فعلينا دراسة سنده مثلما درسنا ما رواه ابن أبي شيبة والبلاذري حتي يعضد بعضه بعضه و لا يبقي لمشكك شك و لا لمرتاب ريب.

أمّا الطبري فليس في إمامته و وثاقته كلام، فقد وصفه الذهبي

ص: 33


1- تاريخ الطبري: 443:2، طبع بيروت.

بقوله: الإمام الجليل، المفسر، صاحب التصانيف الباهرة، ثقة، صادق. (1) .

و أمّا دراسة رواة السند، فنقول:

ابن حميد

هو محمد بن حميد الحافظ، أبوعبداللَّه الرازي، روي عن عدّة منهم يعقوب ابن عبداللَّه القمي، و إبراهيم بن المختار، و جرير بن عبدالحميد، و روي عنه أبوداود و الترمذي، و ابن ماجة، و أحمد بن حنبل، و يحيي بن معين، إلي غير ذلك.

نقل عبداللَّه بن أحمد، عن أبيه: لا يزال بالري علم ما دام محمد بن حُميد حيّاً.

و قيل لمحمد بن يحيي الزهري: ما تقول في محمد بن حميد: قال: ألا تراني هوذا، أُحدث عنه.

و قال ابن خيثمة: سأله ابن معين، فقال: ثقة، لا بأس به، رازي، كيّس.

و قال أبوالعباس بن سعيد: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، يقول: ابن حُميد ثقة، كتب عنه يحيي. مات سنة

ص: 34


1- ميزان الاعتدال: 498:4، رقم 7306.

248 ه. (1) نعم ربما جرحه بعض غير انّ قول المعدل مقدم علي الجارح.

جرير بن عبدالحميد

جرير بن عبدالحميد بن قرط الضبي، أبوعبداللَّه الرازي، القاضي، ولد في قرية من قري إصفهان، و نشأ بالكوفة، و نزل الري، روي عنه إسحاق بن راهويه، وابنا أبي شيبة، و علي بن المديني، و يحيي بن معين و جماعة.

كان ثقة يرحل إليه.

و قال ابن عمار الموصلي: حجّة، كانت كتبه صحيحة. (2) .

المغيرة بن مقسم الضبي

المغيرة بن مِقْسم الضبي، الكوفي، الفقيه، روي عنه شعبة، و الثوري، وجماعة، قال أبوبكر بن عياش: ما رأيت أحداً أفقه من مغيرة فلزمته.

قال العجلي: المغيره ثقة، فقيه الحديث.

ص: 35


1- تهذيب التهذيب: 128:9- 131، رقم الترجمة: 180.
2- تهذيب التهذيب: 75:2، رقم الترجمة 116.

و قال النسائي: ثقة، توفي سنة 136 ه.

و ذكره ابن حِبّان في الثقات. (1) .

زياد بن كليب

عرفه الذهبي بقوله: أبومعشر التميمي، الكوفي، عن إبراهيم و الشعبي و عنه مغيرة، مات كهلاً في سنة 110 ه وثّقه النسائي و غيره. (2) .

و قال ابن حجر: قال العجلي: كان ثقة في الحديث، و قال ابن حبان: كان من الحافظ المتقنين. (3) .

إلي هنا تمّت دراسة سند الرواية التي رواها الطبري، ولنقتصر في دراسة الاسناد بهذا المقدار لأنّ فيما ذكرنا غني وكفاية.

ابن عبد ربه والعقد الفريد

إنّ شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفّي عام 463 ه) عقد فصلاً لما جري في سقيفة بني ساعدة، و قال: تحت عنوان «الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر»:

ص: 36


1- تهذيب التهذيب: 270:10، برقم 482.
2- ميزان الاعتدال: 92:2، برقم 2959.
3- تهذيب التهذيب: 382:2، برقم 698.

علي و العباس، و الزبير، و سعد بن عبادة، فأمّا علي والعباس و الزبير فقعدوا في بيت فاطمة حيث بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليُخرجهمن من بيت فاطمه، و قال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار علي أن يضرم عليهم الدار فلقتيه فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة. (1) .

و هذا النص من هذا المؤرخ الكبير، أقوي شاهد علي انّ الخليفة قد رام احراق الباب والدار بغية أخذ البيعة من علي و من لازم بيته، و ما قيمة بيعة تؤخذ عنوة.

ابن عبدالبر و الاستيعاب

روي أبوعمرو يوسف بن عبداللَّه بن محمد بن عبد البر (368- 463 ه) في كتابه القيم «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» بالسند التالي:

حدّثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن أيّوب، حدّثنا أحمد بن عمرو البزاز، حدّثنا أحمد بن يحيي،

ص: 37


1- العقد الفريد: 87:4، خليل شرف الدين.

حدّثنا محمد بن نسير، حدّثنا عبداللَّه بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، انّ عليّاً و الزبير كانا حين بُويع لأبي بكر يدخلان علي فاطمة فيشاورانها و يتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها عمر، فقال: يا بنت رسول اللَّه، ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، و ما أحد أحبّ إلينا بعده منك، ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ و لأفعلنّ. ثمّ خرج و جاءوها. فقالت لهم: إنّ عمر قد جاءني و حلف لئن عدتم ليفعلنّ، و أيم اللَّه ليفينّ بها. (1) .

ثمّ إنّ أباعمرو لم ينقل نصّ كلام عمر بن الخطاب، و إنّما اكتفي بقوله: «لأفعلن و لأفعلنّ».

و قد تقدّم نصّ كلامه في نصوص الآخرين كابن أبي شيبة والبلاذري والطبري، و لعلّ الظروف لم تسنح له بالتصريح بما قال.

ابن ابي الحديد و شرح نهج البلاغة

نقل عبدالحميد بن هبة اللَّه المدائني المعتزلي (المتوفّي عام

ص: 38


1- الاستيعاب: 975:3، تحقيق علي محمد البجاوي، ط، القاهرة.

655) عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبدالعزيز الجوهري انّه قال:

لما بويع لأبي بكر كان الزبير و المقداد يختلفان في جماعة من الناس إلي عليّ، و هو في بيت فاطمة، فيتشاورون و يتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتي دخل علي فاطمة عليهاالسلام، و قال: يا بنت رسول اللَّه، ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك، و ما من أحد أحبّ إلينا قلت بعد أبيك، و أيم اللَّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم، فلمّا خرج عمر جاءوها، فقالت: تعلمون انّ عمر جاءني، وحلف لي باللَّه إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، و أيم اللَّه ليمضين لما حلف له. (1) .

ابوالفداء و المختصر في اخبار البشر

ألّف إسماعيل بن علي المعروف بأبي الفداء (المتوفّي عام 732 ه) كتاباً أسماه «المختصر في أخبار البشر» ذكر فيه قريباً ممّا ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد، حيث قال:

ص: 39


1- شرح نهج البلاغة: 45:2، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم.

ثمّ إنّ أبابكر بعث عمر بن الخطاب إلي علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي اللَّه عنها، و قال: إن أبوا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشي ء من نار علي أن يضرم الدار فلقيته فاطمة رضي اللَّه عنها، و قالت: إلي أين يابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو يدخلوا فيما دخل فيه الأُمّة. (1) .

النويري و نهاية الارب في فنون الادب

أحمد بن عبدالوهاب النويري (677- 733 ه) أحد كبار الأدباء، له خبرة في التاريخ يعرّفه في الأعلام بقوله: عالم، بحاث، غزير الاطّلاع و قال في كتابه «نهاية الإرب في فنون الأدب»- الذي وصفه الزركلي بقوله: إنّ نهاية الارب علي الرغم من تأخر عصره يحوي أخباراً خطيرة عن صقيلة نقلها عن مؤرخين قدماء لم تصل إلينا كتبهم مثل ابن الرقيق، و ابن الرشيق و ابن شداد و غيرهم- (2) .

قال:

روي ابن عمر بن عبدالبر، بسنده عن زيد بن أسلم، عن أبيه: انّ عليّاً والزبير كان حين بويع لأبي

ص: 40


1- المختصر في تاريخ البشر: 156:1، ط دار المعرفة، بيروت.
2- الاعلام: 165:1.

بكر، يدخلان علي فاطمة، يشاورانها في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها، فقال: يا بنت رسول اللَّه ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك و ما أحد أحبّ إلينا بعده منك، و قد بلغني انّ هؤلاء النفر يدخلون عليك و لئن بلغني لأفعلنّ و لأفعلنّ! ثمّ خرج و جاءوها، فقالت لهم: إنّ عمر قد جاءني و حلف إن عدتم ليفعلنّ وأيم اللَّه ليفين. (1) .

السيوطي و مسند فاطمة

جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (848- 911 ه) ذلك الباحث الكبير، و المؤرخ الخبير، يذكر في كتابه «مسند فاطمة» نفس ما رواه المؤرخون عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم:

انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم كان علي والزبير يدخلون علي فاطمة بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و يشاورونها و يرجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتي دخل علي فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللَّه، و اللَّه ما من الخلق أحد أحبّ إليّ من أبيك و ما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك،

ص: 41


1- نهاية الارب في فنون الأدب: 40:19، ط القاهرة، 1395 ه.

و أيم اللَّه ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، ان آمرهم أن يحرق عليهم الباب، فلما خرج عليهم عمر جاءوا، قالت: تعلمون انّ عمر قد جاءني و قد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنّ عليكم الباب، و أيم اللَّه ليمضين لما حلف عليه. (1) .

المتقي الهندي و كنزالعمال

نقل علي بن حسام الدين المعروف بالمتقي الهندي (المتوفّي عام 975) في كتابه القيم «كنزالعمال» ما جري علي بيت فاطمة الزهراء عليهاالسلام وفق ما جاء في كتاب «المصنف» لابن أبي شيبة حيث قال:

عن أسلم انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم كان علي والزبير يدخلون علي فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و يشاورونها و يرجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتّي دخل علي فاطمة عليهاالسلام، فقال: يا بنت رسول اللَّه ما من الخلق أحد أحبُّ إليَّ من أبيك، و ما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، و أيم اللَّه ماذاك بما نعي إن اجتمع

ص: 42


1- مسند فاطمة: السيوطي: 36، ط مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.

هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب. إلي آخر ما ذكر. (1) .

الدهلوي و ازالة الخفاء

نقل ولي اللَّه بن مولوي عبدالرحيم العمري، الدهلوي، الهندي، الحنفي (1114- 1176 ه) في كتابه «إزالة الخفاء» ما جري في سقيفة بني ساعدة، و قال:

عن أسلم باسناد صحيح علي شرط الشيخين، و قال:

انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم كان عليّ والزبير يدخلان علي فاطمة بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم فيشاورونها و يرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب، خرج حتّي دخل علي فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم، و اللَّه ما من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، و ما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، و أيم اللَّه فانّ ذلك لم يكن بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت. (2) .

ص: 43


1- كنزالعمال 651:5، برقم 14138.
2- إزالة الخفاء: 178:2.

و ذكر قريباً من ذلك في كتابه الآخر «قرة العينين». (1) .

محمد حافظ ابراهيم والقصيدة العمرية

محمد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس، الشهير بحافظ إبراهيم (1287- 1351 ه) شاعر مصر القومي. طبع ديوانه في مجليدين، و له قصيدة عمرية احتفل بها أُدباء مصر، و ممّا جاء فيها قوله:

و قولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع و بنت المصطفي فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها (2) .

والعجب انّ شاعر النيل يجعل الموبقات منجيات، و بعد السيئات من الحسنات، و ما هذا إلّا لأنّ الحب يعمي و يصم.

و معني هذا انّه لم يكن لبنت المصطفي أي حرمة و مكرمة عند عمر حين استعد لإحراق الدار و من فيها لكي يصبح أبوبكر خليفة للمسلمين.

ص: 44


1- قرة العينين: 78.
2- ديوان حافظ إبراهيم: 82:1.

قال الأميني عقب نقله للأبيات الثلاثة، ما هذا نصّه:

ماذا أقول بعد ما تحتفل الأُمّة المصرية في حفلة جامعة في أوائل سنة 1918 م بإنشاد هذه القصيدة العمرية التي تتضمن ما ذكر من الأبيات، و تنشرها الجرائد في أرجاء العالم، و يأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين، و أحمد الزين، و إبراهيم الابياري، و علي جارم، و علي أمين، و خليل مطران، و مصطفي الدمياطي بك و غيرهم و يعتنون بنشر ديوان هذا شعره، و بتقدير شاعر هذا شعوره، و يخدشون العواطف في هذه الازمة، في هذا اليوم العصيب، و يعكرون بهذه النعرات الطائفية صفو السلام و الوئام في جامعة الإسلام، و يشتتون بها شمل المسلمين، و يحسبون انّهم يحسنون صنعاً.

إلي أن قال: و تراهم بالغوا في الثناء علي الشاعر و قصيدته هذه كأنّه جاء للأُمّة بعلم جم أو رأي صالح جديد، أو أتي لعمر بفضيلة رابية تسرُّ بها الأُمّة و نبيُّها المقدَّس، فبشري بل بشريان للنبي الأعظم، بأنّ بضعته الصديقة لم تكن لها أي حرمة و كرامة عند من يلهج بهذا القول، و لم يكن سكناها في دار طهّر اللَّه أهلها يعصمهم منه و من حرق الدار عليهم. فزهً زهً بانتخاب هذا شأنه، و بخٍ بخٍ ببيعة تمت بهذا الارهاب وقضت بتلك الوصمات. (1) .

ص: 45


1- الغدير: 86:7- 87.

عمر رضا كحالة و اعلام النساء

عمر رضا كحالة من الكتاب المعاصرين اشتهر بكتابه «أعلام النساء» ترجم فيه حياة بنت النبي فاطمة الزهراء عليهاالسلام و ممّا قال في ترجمتها:

و تفقد أبوبكر قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب كالعباس، والزبير وسعد بن عبادة فقعدوا في بيت فاطمة، فبعث أبوبكر إليهم عمر بن الخطاب، فجاءهم عمر فناداهم و هم في دار فاطمة، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، و قال:و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها علي من فيها. فقيل له: يا أباحفص إنّ فيها فاطمة، فقال: وإن...

ثمّ وقفت فاطمة علي بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا و لم تردوالنا حقاً». (1) .

ص: 46


1- اعلام النساء: 114:4.

إلي هنا تمّ ما وقفنا عليه في كتب أهل السنة ممّن أشار إلي نوايا الخليفة السيئة حيال بنت المصطفي و بيتها و من فيه، إلّا أنّ أغلب هذه المصادر لم تخض في التفاصيل و لم تشر إلي الحوادث المريرة التي تلتها، لكن هناك أُناساً أبدوا شجاعة في اظهار الحقّ حيث أشاروا إلي الحوادث المريرة التي مرت علي البيت الهاشمي.

و ها نحن نشير إلي أسمائهم حسب التسلسل التاريخي.

ص: 47

ص: 48

2- كشف بيت فاطمة علي لسان المؤرخين

اشاره

15. أبوعبيد و كتاب الأموال

16. ابن سعد والطبقات الكبري

17. النظام و كتاب الوافي بالوفيات

18. المبرد و كتاب الكامل

19. المسعودي و مروج الذهب

20. ابن أبي دارم و ميزان الاعتدال

21. الطبراني والمعجم الكبير

22. ابن عبد ربه و العقد الفريد

23. ابن عساكر و مختصر تاريخ دمشق

24. ابن أبي الحديد و شرح نهج البلاغة

25. الجويني و كتاب فرائد السمطين

26. الذهبي و تاريخ الإسلام

27. نورالدين الهيتمي و مجمع الزوائد

28. ابن حجر العسقلاني ولسان الميزان

29. المتقي الهندي و كنز العمال.

30. عبدالفتاح عبدالمقصود و كتاب الإمام علي

ص: 49

ص: 50

* كشف بيت فاطمة علي لسان المؤرخين

ابوعبيد و كتاب الاموال

أبوعبيد قاسم بن سلّام (المتوفّي عام 224) أحد الفقهاء الكبار في القرن الثالث، و قد اشتهر بكتابه النفيس «الأموال» الذي طبع غير مرة. فقد أزاح الستار عن وجه الحقيقة، و أشار إلي ما جري علي بيت فاطمة من المصائب. فقد نقل عن عبدالرحمن بن عوف قوله:

دخلت علي أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّي فيه فسلمت عليه، وقلت: ما.ري بك بأساً، والحمدللَّه، و لا تأس علي الدنيا، فواللَّه إن علمناك إلّا كنت صالحاً مصلحاً.

فقال: إنّي لا آسي علي شي ء إلّا علي ثلاث فعلتهم، وودت أنّي لم أفعلهم، و ثلاث لم أفعلهم وددت انّي

ص: 51

فعلتهم، و ثلاث وددت انّي سألت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم عنهم، فأمّا التي فعلتها و وددت انّي لم أفعلها، و فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا و كذا. لخلة ذكرها قال أبوعبيد: لا أريد ذكرها- و وددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة، فكان أميراً و كنت وزيراً، ووددت انّي حيث كنت وجهت خالداً إلي أهل الردة أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون ظفروا و إلّا كنت بصدد لقاء أو مدد. الخ. (1) .

ثمّ إنّ صاحب «الأموال» و إن لم يصرح بلفظ الخليفة وكره التلفّظ به، لكن غيره جاء بنفس النص الذي أدلي به الخليفة يوم كان طريح الفراش و ستقف علي كلام الآخرين في هذا المجال.

ابن سعد و الطبقات الكبري

يذكر محمد بن سعد (المتوفّي عام 229 ه) عند ترجمة أبي بكر ما هذا نصّه:

قال: أخبرنا عبداللَّه بن الزبير، حدّثنا إسماعيل بن

ص: 52


1- الأموال: 193- 194، مكتبة الكليات الأزهرية.

عامر، قال: جاء أبوبكر إلي فاطمة حين مرضت فاستأذن، فقال علي: هذا أبوبكر علي الباب، فإن شئت أن تأذني له؟ قالت و ذلك أحب إليك؟ قال: نعم، فدخل عليها واعتذر إليها وكلّمها فرضيت عنه. (1) .

النظام و الوافي بالوفيات

ألّف صلاح الدين خليل بن إيبك الصفدي كتاباً أسماه «الوافي بالوفيات»، استدرك علي كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان، و قد ترجم فيه النظام المعتزلي إبراهيم بن سيار البصري (160- 231 ه).

و قال: قالت المعتزلة إنّما لقب ذلك (النظام) لحسن كلامه نظماً و نثراً، و كان ابن أُخت أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة، و كان شديد الذكاء و نقل آراءه، فقال:

انّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّي ألقت المحسن في بطنها. (2) .

ص: 53


1- الطبقات: 27:8، ط دار صادر.
2- الوافي بالوفيات: 17:6؛ والملل والنحل للشهرستاني: 57:1 طبع دار المعرفة، و لا حظ في ترجمة النظام كتابنا «بحوث في الملل و النحل»: 248:3- 255.

المبرد و الكامل

محمد بن يزيد بن عبدالأكبر البغدادي (210- 285 ه) أحد الأُدباء الكتّاب، و صاحب الآثار الممتعة، و قد نقل في كتاب «الكامل» ما روي عن عبدالرحمن بن عوف عند ما زار أبابكر في مرضه الذي مات فيه، و قال:

دخلت علي أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلمت و سألته: كيف به؟ فاستوي جالساً، إلي أن قال: قال أبوبكر: أمّا إنّي لا آسي إلّا علي ثلاث فعلتهنّ ووددت انّي لم أفعلهنّ، و ثلاث لم أفعلهنّ و وددت انّي فعلتهن، و ثلاث وددت انّي سألت رسول اللَّه عنهم.

فأمّا الثلاث التي فعلتها و وددت انّي لم أكن كشفت عن بيت فاطمة و تركته و لو أغلق علي حرب، ووددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: عمر أو أبي عبيدة، فكان أميراً وكنت وزيراً، وودت انّي إذا أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته و كنت قتله بالحديد أو أطلقته.

ص: 54

و أمّا الثلاث التي تركتها و وددت انّي فعلتها... الخ. (1) .

المسعودي و مروج الذهب

إنّ أباالحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (المتوفّي عام 346 ه)، أحد المؤرخين البارعين الذين كان لهم دور هام في تدوين تاريخ الإسلام، و قد ذكر في تاريخه المعروف ب«مروج الذهب» عند ذكر أبي بكر و نسبه و لمع من أخباره و سيره، قال:

و من كلامه انّه لما احتضر، قال: ما آسي علي شي ء إلّا علي ثلاث فعلتها وددت أنّي تركتها، و ثلاث تركتها وددت انّي فعلتها، و ثلاث وددت انّي سألت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم عنها، فأمّا الثلاث التي فعلتها وددت انّي تركتها، فوددت انّي لم أكن فتشت بيت فاطمة- و ذكر في ذلك كلاماً كثيراً- و وددت انّي لم

ص: 55


1- شرح نهج البلاغة: 45:2- 47 ولاحظ الكامل: 11:1، تحقيق الدكتور محمد أحمد الدّالي، مؤسسة الرسالة، بيروت و يظهر من محقّق الكتاب انّه وجد النص في الكامل حيث نقل شيئاً منه حول هذا النص. إلّا انّ اليد الأمينة علي التراث حرفت الباقي فلم تذكر الرواية برمتها حسب ما نقله ابن أبي الحديد عن الجوهري عن الكامل للمبرد. نعم أشار المحقق في ذيل الصفحة إلي ما رواه صاحب العقد الفريد.

أكن حرقت الفجاءة و أطلقته نجيحاً أو قتلته صريحاً، ووددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين فكان أميراً و كنت وزيراً، والثلاث التي تركتها وودت انّي فعلتها... الخ. (1) .

ابن ابي دارم و ميزان الاعتدال

أحمد بن محمد المعروف بابن أبي دارم، المحدث الكوفي (المتوفّي عام 357 ه) الذي يعرفه الذهبي، بقوله: كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة. (2) و ينقل عنه الحاكم.

و يقول أيضاً في كتابه «ميزان الاعتدال»: كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثمّ في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب و حضرته و رجل يقرأ عليه:

انّ عمر رفص فاطمة حتي أسقطت بمحسن. (3) .

الطبراني و المعجم الكبير

أبوالقاسم سليمان بن أحمد الطبراني (260- 360 ه) صاحب

ص: 56


1- مروج الذهب: 301:2، ط دار الأندلس، بيروت.
2- سير اعلام النبلاء: 578:15، رقم الترجمة 349.
3- ميزان الاعتدال: 139:1، رقم الترجمة 552.

«المعجم الكبير» يعرفه الذهبي في ميزانه، و يقول: حافظ، ثبت. (1) .

فقد نقل في فصل أسماه «مما اسند أبوبكر عن رسول اللَّه» فجاء في ذلك الفصل حديث عبدالرحمن بن عوف أبابكر في مرضه الذي توفّي فيه، فقال أبوبكر له:

أمّا انّي لا آسي علي شي ء إلّا علي ثلاث فعلتهن ووددت انيّ لم أفعلهن، و ثلاث لم أفعلهن وددت انّيّ فعلتهن، و ثلاث وددت انّي سألت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم عنها، فأمّا الثلاث اللاتي وددت أني لم أفعلهن، فوددت انّي لم أكن كشفت بيت فاطمة و تركته وان أُغلق علي الحرب، ووددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر، فكان أميراً و كنت وزيراً... الخ. (2) .

ابن عبد ربه و العقد الفريد

قد تقدّم كلام ابن عبد ربه عند ذكر الحوار الذي دار بين فاطمة و عمر بن الخطاب من دون أن يشير هناك إلي الحوادث المريرة

ص: 57


1- ميزان الاعتدال: 195:2، رقم الترجمة 3423.
2- المعجم الكبير: 62:1، برقم 43.

التي وقعت بعده ولكنّه صرح في مورد آخر يكشف الدار حيث نقل حديث عبدالرحمن بن عوف عند ما زار أبابكر في مرضه، فقال: و قال تحت عنوان استخلاف أبي بكر لعمر:

أجل انّي لا آسي علي شي ء من الدنيا إلّا علي ثلاث فعلتهن، وودت اني تركتهن، و ثلاث تركتهن ووددت انّي فعلتهن، و ثلاث وددت انّي سألت رسول للَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم عنهن.

فأمّا الثلاث التي فعلتهن ووددت انّي تركتهن، فوددت انّي لم أكشف بيت فاطمة عن شي ء و إن كانوا أغلقوه علي الحرب،... الخ. (1) .

ابن عساكر و مختصر تاريخ دمشق

ألف علي بن حسن المعروف بابن عساكر (المتوفّي عام 571 ه) كتاباً في تاريخ دمشق طبع في ثمانين جزءاً و قد لخصه محمد بن مكرم المعروف بأبي منظور (620- 711 ه) فجاء في ترجمة أبي بكر انّه دخل علي أبي بكر في مرضه الذي توفّي فيه، فأصابه مفيقاً إلي أن قال:

فقال أبوبكر: لا آسي علي شي ء من الدنيا إلّا علي

ص: 58


1- العقد الفريد: 93:4، تحت عنوان استخلاف أبي بكر لعمر.

ثلاث فعلتهن وودت أنّي لو تركتهن، و ثلاث تركتهن وودت انّي فعلتهن، و ثلاث وددت لو أنّي سألت عنهن رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم فأمّا التي وددت انّي تركتهن: يوم سقيفة بني ساعدة وددت لو أني ألقيت هذا الأمر في عنق أحد هذين الرجلين- يعني عمر و أباعبيدة- فكان أحدهما أميراً، و كنت وزيراً، وددت انّي لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شي ء مع أنّهم أغلقوه علي الحرب. (1) .

ابن ابي الحديد و شرح نهج البلاغة

عبدالحميد بن هبة اللَّه المدائني المعتزلي (المتوفّي عام 655 ه) المؤرخ و الكاتب القدير مؤلف «شرح نهج البلاغة» في عشرين جزاءاً، فيها تاريخ و أدب، و كلام و فلسفة، يعرب عن تضلّعه في العلوم الإسلامية عامة، فقد نقل عن أحمد بن عبدالعزيز الجوهري مؤلف كتاب «السقيفة» (2) بلا غمز وردّ.

ص: 59


1- مختصر تاريخ دمشق: 122:13.
2- كتاب السقيفة لمؤلفه أحمد بن عبدالعزيز، أقدم وأبسط كتاب تناول حوادث السقيفة بالشرح والتفصيل، ينقل عنه ابن أبي الحديد كثيراً في أجزاء مختلفة من كتابه فلو قام أحد بجمع ما نقل عنه في شرح نهج البلاغة لعاد ذلك الكتاب إلي الساحة بعد افتقاده.

فذكر قوله: إنّي لا آسي إلّا علي ثلاث فعلتهن ووددت انّي لم أفعلهنّ، و ثلاث لم أفعلن وودت انّي فعلتهن، و ثلاث وددت انّي سألت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم عنهنّ، فأمّا الثلاث التي فعلتها ووددت انّي لم أكن فعلتها، فوددت انّي لم أكن كشفت عن بيت فاطمة و تركته ولو أُغلق علي حرب. (1) .

و قال في مكان آخر نقلاً عن القاضي عبدالجبار:

و أمّا حديث الإحراق فلو صحّ لم يكن طعناً علي عمر لأنّ له أن يهدد من امتنع عن المبايعة إرادة للخلافة علي المسلمين. (2) .

الجويني و فرائد السمطين

إبراهيم بن محمد الحديد المعروف بالجويني (المتوفّي عام 722 ه) من مشايخ الذهبي، يقول في حقه: إمام، محدث، فريد، فخر الإسلام و صدرالدين. (3) .

ص: 60


1- شرح نهج البلاغة: 46:2- 47.
2- شرح نهج البلاغة: 272:16 و قال المعلق: نقله المرتضي في الشافي: 234- 235.
3- معجم شيوخ الذهبي: 125 رقم الترجمة: 156.

فقد روي في كتاب فرائد السمطين بالسند المذكور فيه عن ابن عباس، انّ رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السلام، فلما رآه بكي، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بُنيّ فما زال يُدنيه حتي أجلسه علي فخذه اليمني. ثمّ أقبل الحسين عليه السلام فلمّا رآه بكي، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بُنيّ، فمازال يُدنيه حتّي أجلسه علي فخذه اليُسري. ثمّ أقبلت فاطمة عليهاالسلام، فلمّا رآها بكي، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بُنيّة فاطمة، فاجلسها بين يديه. ثمّ أقبل أميرالمؤمنين علي عليه السلام، فلمّا رآه بكي، ثمّ قال: إليّ إليّ يا أخي، فمازال يدنيه حتي أجلسه إلي جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه يا رسول اللَّه! ما تري واحداً من هؤلاء إلّا بكيت! أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟ فقال صلي اللَّه عليه و آله و سلم والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني جميع البرية، إنّي و إيّاهم لأكرم الخلائق علي اللَّه عزّ و جلّ و ما علي وجه الأرض نسمة أحبَّ إليَّ منهم.

إلي أن قال: و أمّا ابنتي فاطمة فانّها سيدة نساء العالمين من الأوّلين و الآخرين، و هي بضعة منّي و هي نور عيني، و هي ثمرة فؤادي، و هي روحي التي بين جنبيّ، و هي الحوراء الانسية، متي قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله، زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.

و يقول اللَّه عزّ و جلّ لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلي أمتي

ص: 61

فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي، ترعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها علي عبادتي، أُشهدكم انّي قد أمّنت شيعتها من النار. و انّي لما رأيتها ذكرتُ ما يُصنع بها بعدي كأنّي بها و «قد دخل الذُّل بيتها وانتهكت حرمتها و غصب حقّها، و منعت إرثها، و كُسر جنبها، وأسقطت جنينها، و هي تنادي يا محمداه فلا تجاب، و تستغيث فلا تغاث. (1) .

الذهبي و تاريخ الاسلام

يقول شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (المتوفّي 748 ه) في كتاب تاريخ الإسلام:

روي علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبدالرحمن عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه، و قد رواه الليث بن سعد عن علوان عن صالح نفسه، قال: دخلت علي أبي بكر أعوده في مرضه فسلمت عليه و سألته كيف أصبحت؟ فقال: بحمداللَّه بارثاً، إلي أن قال: ثمّ قال: إني لا آسي علي شي ء إلّا علي ثلاث فعلتهن

ص: 62


1- فرائد السمطين: 34:2- 35، ط بيروت.

و ثلاث لم أفعلهن، و ثلاث وددت أنّي سألت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم عنهن: وددت انّي لم أكن كشفت بيت فاطمه و تركته و أن أُغلق عليّ الحرب، وددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق عمر أو أبي عبيدة. (1) .

نورالدين الهيتمي و مجمع الزوائد

أخرج الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيتمي(المتوفّي سنة 807 ه) في كتابه مجمع الزوائد و ضبع الفوائد في باب كراهة الولاية و لمن تستحب.

روي و قال: فعن عبدالرحمن بن عوف، قال: دخلت علي أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفي فيه وسلمت عليه و سألته كيف أصحبت؟ فاستوي جالساً و قال: أصبحت بحمداللَّه بارئاً- إلي أن قال:- أمّا انّي لا آسي علي شي ء إلّا علي ثلاث فعلتهن وددت انّي لم أفعلهن، و ثلاث لم أفعلهن وددت انّ فعلتهن، و ثلاث وددت انّي سألت

ص: 63


1- تاريخ الإسلام: 117:3- 118.

رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم عنهن.

فأمّا الثلاث التي وددت انّي لم أفعلهنّ فوددت انّي لم أكن كشفت بيت فاطمة و تركته و ان اغلق علي الحرب، وددت انّي يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق الرجلين أبوعبيدة أو عمر و كان اميرالمؤمنين و كنت وزيراً. (1) .

ابن حجر العسقلاني و لسان الميزان

أخرج الإمام الحافظ شهاب الدين أبوالفضل المعروف بالعسقلاني (المتوفّي سنة 852 ه) في كتابه لسان الميزان بسنده عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه، قال:

دخلت علي أبي بكر أعوده فاستوي جالساً فقلت: أصبحت بحمداللَّه بارئاً، فقال أبوبكر: أمّا إنّي علي ماتري بي... انّي لا آسي علي شي ء إلّا علي ثلاث وددت انّي لم أفعلهن وددت انّي لم أكشف بيت فاطمة و تركته وإن أُغلق علي الحرب، وددت انّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أبي عبيدة أو عمر فكان أميراً و كنت وزيراً. (2) .

ص: 64


1- مجمع الزوائد: 202:5- 203.
2- لسان الميزان: 188:4- 189.

المتقي الهندي و كنزالعمال

روي علاءالدين المتقي الهندي (المتوفّي عام 975 ه) في كنز العمال حديث عبدالرحمن بن عوف بنحو مفصل، و قال:

عن عبدالرحمن بن عوف انّ أبابكر الصديق، قال له في مرض موته: إنّي لا آسي علي شي ء إلّا علي ثلاث فعلتهن ووِددت انيّ لم أفعلهن وثلاث لم أفعلهن ودِدت انيّ فعلتهن، و ثلاث وددت انّي سألت رسول اللَّه عنهن، فأمّا اللاتي فعلتها ووددت انّي لم أفعلها فوددت انّي لم أكن أكشف بيت فاطمة وتركته و إن كانوا قد غلقوه علي الحرب.... (1) .

عبدالفتاح عبدالمقصود و كتاب الامام علي

إنّ عبدالفتاح مؤلف كتاب الإمام علي عليه السلام» أحد الكتّاب البارعين في العصر الحاضر، فقد جدّ و ثابر و بذل جهود جبارة و أخذ زبدة المخض من الحقائق الناصعة و قدم بكتابه هذا خدمة مشكورة و قال في حادثة الدار:

إنّ عمر قال: والذي نفسي بيده، ليخرجنّ أو

ص: 65


1- كنزالعمال: 631:5، رقم الحديث 14113.

لأحرقنّها علي من فيها.

قالت له طائفة- خافت اللَّه، ورعت الرسول في عقبه-: يا أباحفص انّ فيها فاطمة....

فصاح لا يبالي: وإن

واقترب وقرع الباب، ثمّ ضربه واقتحمه... و بدا له عليّ.

ورنّ حينئذاك صوت الزهراء عند مدخل الدار.

فان هي إلّا رنة استغائة أطلقتها «يا أبت رسول اللَّه...» تستعدي بها الراقد بقربها في رضوان ربّه علي عسف صاحبه، حتّي تبدّل العاتي المدل غير إهابه، فتبدّد علي الأثر جبروته، و ذاب عنفه و عنفوانه، وودّ من خزي لو يخرّ صعقاً تبتلعه مواطئ قدميه ارتداد هدبه إليه.

و عندما نكص الجمع، وراح يفرّ كنوافر الظباء المفزوعة أمام صيحة الزهراء، كان عليّ يقلّب عينيه من حسرة و قد غاض حلمه، وثقل همّه، و تقبضت أصابع يمينه علي مقبض سيفه كهمّ من غيظه أن تغوص فيه. (1) .

ص: 66


1- عبدالفتاح عبدالمقصود: الإمام علي عليه السلام: 274:4- 277. و له كلمة أُخري في هذا الموضوع لاحظ الجزء 192:1- 193 لم نأت بها روماً للاختصار.

في الوثائق التاريخية

اشاره

انّ هنا وثائق تاريخية تكشف عمّا جري عليها من ظلم وقسوه و هضم حقّ ممّا يندي له جبين الإنسانية.

الوثيقة الأُولي: احتجاج عروة بن الزبير بعمل الخليفة لتبرير فعل أخيه عبداللَّه الذي جمع الحطب لإحراق بني هاشم.

الوثيقة الثانية: كتاب يزيد بن معاوية إلي عبداللَّه بن عمر.

الوثيقة الثالثة: الأحاديث التي رواها البخاري في كتاب «الخمس و المغازي».

الوثيقة الرابعة: الخطبة الغرّاء لفاطمة الزهراء عليهاالسلام التي ألقتها في محتشدٍ عظيم ضمّ المهاجرين والأنصار.

ص: 67

ص: 68

3- الوثائق التاريخية

انّ ما ذكرناه من المصادر الجمّة يكفي في إثبات المقصود ولو أضفنا إليه ما ذكره مؤرّخو الشيعة و محدّثوهم حول حوادث السقيفة، لأصبحت القضية من المتواترات بل الضروريات التي لا يشكّ فيها من له إلمام بالتاريخ.

و قد كانت القضية في العصور الأُولي من الأُمور المسلمة حتي أنّ بعض من تلطّخت أيديهم بدماء المسلمين أخذوا يبرّرون ما يقترفونه بعمل الخليفة، وإليك هذه الوثائق التاريخية.

ص: 69

الوثيقة 01

روي المسعودي «انّ ابن الزبير عمد إلي مكة من بني هاشم، فحصرهم في الشعب، و جمع لهم حطباً عظيماً لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد، و في القوم محمد بن الحنيفة.

ثمّ قال وحدّث النوفلي في كتابه في الاخبار، عن ابن عائشة، عن أبيه، عن حماد بن سلمة، قال: كان عروة بن الزبير يعذِّر أخاه إذا جري ذكرُ بني هاشم و حصره إياهم في الشعب و جمعه لهم الحطب لتحريقهم، و يقول: إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته إذا هم أبوا البيعة فيما سلف، و هذا خبر لا يحتمل ذكره هنا، و قد أتينا علي ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت و أخبارهم المترجم بكتاب «حدائق الأذهان». (1) .

و نقله ابن أبي الحديد أيضاً و قال: و كان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبداللَّه في حصر بني هاشم في الشعب، و جمعه الحطب ليحرقهم و يقول: إنّما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة، و لا يختلف

ص: 70


1- مروج الذهب: 77:3، ط دار الأندلس.

المسلمون، و أن يدخلوا في الطاعة، فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لمّا تأخروا عن بيعة أبي بكر، فانّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار. (1) .

ص: 71


1- شرح نهج البلاغة: 147:20.

الوثيقة 02

روي البلاذري قال: لما قتل الحسين عليه السلام كتب عبداللَّه بن عمر إلي يزيد بن معاوية:

أمّا بعد، فقد عظمت الرزية و جلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، و لا يوم كيوم قتل الحسين.

فكتب إليه يزيد: أمّا بعد، يا أحمق، فانا جئنا إلي بيوت مجدَّدة، و فرش ممهدة، ووسادة منضّدة، فقاتلنا عنها فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا. و إن كان الحقّ لغيرنا، فأبوك أوّل من سنّ هذا، و استأثر بالحقّ علي أهله. (1) .

ص: 72


1- نهج الحق و كشف الصدق: 356، علق عليه فرج اللَّه الحسيني، مكتبة المدرسة. نقله عن الأنساب للبلاذري.

الوثيقة 03

إنّ هناك قرائن و شواهد تدل بوضوح علي أنّ سيدة نساء العالمين استقبلت بعد رحيل أبيها حوادثَ مريرء من قبل من تسنّم منصة الخلافة، و يدل علي ذلك الأُمور التالية:

أ. انّ فاطمة هجرت أبابكر و لم تكلمه إلي أن ماتت.

أخرج البخاري في كتاب الخمس «فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتي توفيت». (1) .

و أخرج في كتاب الفرائض و قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتي ماتت. (2) .

وذكر في كتاب المغازي في باب غزوة خيبر قوله: فوجدت فاطمة علي أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتي توفيت. (3) .

فما ظنك بروايات يرويها الإمام البخاري، و ما هذا إلّا لأنّها انتهكت حرمتها حتي لاذت بقبر أبيها، و قالت:

ص: 73


1- صحيح البخاري: 42:4، دارالفكر، بيروت.
2- صحيح البخاري: 30:8، دارالفكر، بيروت.
3- صحيح البخاري: 82:5، دارالفكر، بيروت.

ماذا علي من شمّ تربة أحمد *** لّا يشم مدي الزمان غواليا

صُبَّت عليَّ مصائب لو أنّها *** صُبَّت علي الأيّام صرن ليالياً (1) .

ب. انّ عليّاً لما جهز فاطمة الزهراء و أودعها في قبرها، هاج به الحزن، و خاطب الرسول صلي اللَّه عليه و اله و سلم و قال:

«ستنبّئك ابنتك بتضافر أُمّتك علي هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا و لم يطل العهد و لم يخل منك الذكر». (2) .

كلّ ذلك يعرب عن أنّها عليهاالسلام ماتت مظلومة، مقهورة، مغصوبة الحقّ.

ج. انّها دفنت ليلاً بإيصاء منها، فما هو السرّ في هذا الإيصاء.

قال البلاذري بعد ذكره السند: انّ علياً دفن فاطمة عليهاالسلام ليلاً، إلي أن قال: وأوصت فاطمة عليهاالسلام أن تحمل علي سرير طاهر، فقالت لها أسماء بنت عميس: اصنع لك نعشاً كما رأيت أهل

ص: 74


1- وفاء الوفا: 444:2.
2- نهج البلاغة: الخطبة 202.

الحبشة يصنعون فأرسلت إلي جريد رطب فقطعته، ثمّ جعلت لها نعشاً، فتبسمت و لم تر متبسمة بعد وفاة النبي صلي اللَّه عليه و آله و سلم إلّا ساعتها تيك، و غسلها عليّ، وأسماء، و بذلك أوصت و لم يعلم أبوبكر و عمر بموتها. (1) .

ص: 75


1- أنساب الأشراف: 405:1.

الوثيقه 04

خطبة الزهراء عليهاالسلام بعد وفاة أبيها

و ممّا يدلّ علي أنّها ماتت مقهورة، مظلومة، مغصوبة الحقّ، هي خطبتها المعروفة التي هي في غاية الفصاحة والبلاغة، والمتانة وقوة الحجة، و هي من محاسن الخطب و بدائعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة، قد أوردها الموالف و المخالف وسيوافيك اسنادها في آخر الخطبة.

روي المؤرخون و المحدِّثون انّه لمّا أجمع أبوبكر و عمر علي منع فاطمة بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم فدكاً و بلغ فاطمة عليهاالسلام لاثت خمارها علي رأسها، واشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمّة من حفدتها (1) و نساء قومها، تطأ ذيولها (2) ، ما تخرم مشيتها مشية [أبيها] رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم (3) .

ص: 76


1- ساغ الشراب في الحلق: سهل مدخله في الحلق- لسان العرب: 435:8.
2- خامر الشي ء: قاربه و خالطه- لسان العرب: 254:4.
3- الغَدْرُ. ضدَ الوفاء بالعهد- لسان العرب: 8:5.

حتّي دخلت علي أبي بكر و هو في حشد (1) من المهاجرين و الأنصار و غيرهم، فنيطت (2) دونها ملاءة (3) ، فجلست، ثمّ أنَّت أنَّةً أجهش (4) القوم لها بالبكاء، فارتجّ (5) المجلس، ثمّ أمهلت هُنيئة حتّي إذا سكن نشيج (6) القوم و هدأت (7) فورتهم (8) ، افتتحت الكلام بحمداللَّه تعالي والثناء عليه والصلاة علي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و اله و سلم فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليهاالسلام:

الحمدللَّه علي ما أنعم، وله الشكر علي ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، و تمام منن أولاها، جمّ عن الإحصاء عددها، و نأي عن الجزاء أمدها، و تفاوت عن الإدراك أبدها، و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلي

ص: 77


1- الشِّعار: ما ولي الجسد من الثياب- الصحاح: 699:2.
2- النفث: أقل من التفل، لأنّ التفل لا يكون إلّا معه شي ء من الريق والنفت شبيه بالنفخ- لسان العرب: 195:2.
3- الخور: بالتحريك، الضعف- لسان العرب: 262:4.
4- القناة الرّمح- المصباح: 202:2.
5- البث: أشدّ الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتّي يبثه أو يشكوه- مجمع البحرين.
6- النّقب: الثقب في أي شي ء كان، يقال نقب البعير بالكسر: إذا رقّت أخفافه- لسان العرب: 765:1.
7- الشَّنار: أقبح العيب والعار- لسان العرب: 430:4.
8- الفور: الغليان و الاضطراب- مجمع البحرين.

الخلائق بإجزالها، وثني بالندب إلي أمثالها، و أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، و ضمّن القلوب موصولها، و أنار في التفكّر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، و من الألسن صفته، و من الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شي ء كان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثلة (1) امتثلها، كوّنها بقدرته، و ذرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلي تكوينها، و لا فائدة له في تصويرها، إلّا تثبيتاً لحكمته، و تنبيهاً علي طاعته، و إظهاراً لقدرته، و تعبّداً لبريّته و إعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثواب علي طاعته، و وضع العقاب علي معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، و حياشته (2) لهم إلي جنته.

و أشهد أنّ أبي، محمّد [النبيّ الأُمّي] صلي اللَّه عليه و آله و سلم عبده و رسوله اختاره وانتجبه قيل أن أرسله، و سمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، و بستر الأهاويل مصونة (3) .

ص: 78


1- يقال احتذي مثاله: أي اقتدي به- الصحاح: 2311:6.
2- قال المجلسي قدس سره: الذود و الذياد، بالذال المعجمة: السوق و الطرد و الدفع و الإبعاد. وحشت الصيد أحوشه: إذا جئته من حواليه لتصرفه إلي الحبالة، و لعلّ التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عمّا يوجب دخول الجنّة- بحار الأنوار.
3- و قال المجلسي رحمه اللَّه أيضاً: لعلّ المراد بالستر ستر العدم، أو حجب الأصلاب والأرحام، و نسبته إلي الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الأحوال من موانع الوجود و عوائقه. و يحتمل أن يكون المراد أنّها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم إذ هي إنّما تلحقها بعد الوجود. وقيل: التعبير بالأهاويل من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظّلمات- نفس المصدر.

و بنهاية العدم مقرونة، علماً من اللَّه تعالي بمآيل الأُمور، و إحاطة بحوادث الدهور، و معرفة بمواقع المقدور.

ابتعثه اللَّه إتماماً لأمره، وعزيمة علي إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأي الأُمم فرقاً في أديانهم، عُكَّفاً علي نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة للَّه مع عرفانها، فأنار اللَّه بأبي، محمّد صلي اللَّه عليه و آله و سلم ظُلَمَها، و كشف عن القلوب بهمها (1) ، وجلا عن الأبصار غممها (2) ، و قام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، و بصّرهم من العماية، وهداهم إلي الدّين القويم، و دعاهم إلي الصّراط المستقيم.

ثمّ قبضه اللَّه إليه قبض رأفة واختيار، و رغبة و إيثار، فمحمّد صلي اللَّه عليه و آله و سلم من تعب هذه الدار في راحة، قد حُفّ بالملائكة الأبرار، و رضوان الربّ الغفّار، و مجاورة الملك الجبّار، صلّي اللَّه علي أبي، نبيّه و أمينه علي الوحي، و صفيّه [في الذّكر] و خيرته من الخلق و رضيّه،

ص: 79


1- البُهَمْ جمع بهمة بالضمّ، و هي مشكلات الأُمور- النهاية: 168:1.
2- الغُمَمُ: جمع الغمّة، يقال: هو في غمّة أي في حيرة ولبس- مجمع البحرين.

والسلام عليه و رحمة اللَّه و بركاته.

ثمّ التفتت عليهاالسلام إلي أهل المجلس و قالت: أنتم عباداللَّه نصب (1) أمره ونهيه، و حملة دينه و وحيه، وأُمناء اللَّه علي أنفسكم، و بلغاؤه إلي الأُمم، و زعمتم حقّ لكم،للَّه فيكم عهد، قدّمه إليكم، و بقيّة استخلفها عليكم: كتاب اللَّه الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللّامع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبط به أشياعه، قائد إلي الرضوان أتباعه، مؤدّ إلي النجاة استماعه، به تنال حجج اللَّه المنوّرة، و عزائمه المفسّرة، و محارمه المحذرة، و بيّناته الجالية، و براهينه الكافية، و فضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، و شرائعه المكتوبة.

تفجعل اللَّه الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاه تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجّ تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، و إمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام [وذلًّا لأهل الكفر والنفاق]، والصبر معونة علي استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبرّ الولدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة (2) في العمر و منماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء،

ص: 80


1- النَّصبُ والنُّصُبُ: العَلَمُ المنصوب- لسان العرب: 759:1.
2- النّس ء: تأخير في الوقت- المفردات: 492.

والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، و توفية المكاييل و الموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللّعنة، و ترك السرقة إيجاباً للعفّة، و حرّم اللَّه الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتّقوا اللَّه حقّ تقاته، و لا تموتنّ إلّا و أنتم مسلمون، و أطيعوا اللَّه فيما أمركم به و [ما] نهاكم عنه، فإنّه إنّما يخشي اللَّه من عباده العلماء.

ثمّ قالت: أيّها الناس اعلموا: إنّي فاطمة و أبي محمّد صلي اللَّه عليه و آله و سلم أقول عَوداً و بدواً و لا أقول غلطاً، و لا أفعل ما أفعل شططاً (1) ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تعزوه (2) و تعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزي إليه صلي اللَّه عليه و آله و سلم فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين (3) ، ضارباً ثَبَجهم (4) .

ص: 81


1- يقال: شطّ فلان في حكمه شطوطاً و شططاً: جار و ظلم- المصباح: 377:1.
2- قال المجلسي رحمه اللَّه: يقال عزوته إلي أبيه أي: نسبته إليه. أي إن ذكرتم نسبه و عرفتموه تجدوه أبي- بحار الأنوار.
3- و قال أيضاً: الصّدع: الإظهار، تقول: صدعت الشي ء: أي أظهرته و صدعت بالحق: إذا تكلمت به جهاراً. والنذارة بالكسر: الإنذار و هو الإعلام علي وجه التخويف. و المدرجة: المذهب والمسلك- نفس المصدر.
4- الثَّبَجُ بالتحريك: وسط الشي ء و معظمه- النهاية: 206:1.

آخذاً بأكظامهم (1) ، داعياً إلي سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، و ينكث الهام، حتّي انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتّي تفرّي (2) الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين، و خرست شقاشق (3) الشياطين، و طاح (4) و شيظ النفاق (5) ، وانحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم (6) بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص (7) .

(الَّذينَ أَذْهَبَ اللَّه عَنْهُمُ الرِّجس وَ طَهَّرهُمْ تَطْهِيراً)

ص: 82


1- الكَظَمُ بالتحريك: مخرج النَّفَس من الحلق- مجمع البحرين، لسان العرب: 520:12.
2- تفرّي: أي انشق، يقال تفرّي الليل عن صبحه- الصحاح: 2454:6.
3- الشقاشق: جمع شِقْشِقَة بالكسر- و هي شي ء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج- لسان العرب: 185:10.
4- طاح: هلك و سقط- مجمع البحرين.
5- قال المجلسي قدس سرّه: الوشيظ بالمعجمتين: الرذل و السّفلة... و في بعض النسخ: الوسيط بالمهملتين: أشرف القوم نسباً و أرفعهم محلاً و هو أيضاً مناسب- بحارالأنوار.
6- فاه الرجل بكذا، يفوه: تلفّظ به- المصباح: 161:2.
7- قال المجلسي رحمه اللَّه: البيض: جمع أبيض و هو من الناس خلاف الأسود والخماص بالكسر جمع خميص والخماصة: تطلق علي دقة البطن خلقة و علي خلوه من الطعام يقال: فلان خميص البطن من أموال الناس: أي عفيفٌ عنها. والمراد بالبيض الخماص: إمّا أهل البيت عليهم السلام و يؤيده ما في كشف الغمة: 111:2: في نفر من البيض الخماص الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً. ووصفهم بالبيض لبياض وجوههم... و بالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلة الأكل أو لعفّتهم عن أكل أموال الناس بالباطل. أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان- رضي اللَّه عنه- و غيره و يقال لأهل فارس: «بيض» لغلبة البياض علي ألوانهم و أموالهم، إذ الغالب في أموالهم الفضّة... والأوّل أظهر- بحار الأنوار.

و (كُنْتُمْ عَلي شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّار)، مذقة الشارب (1) و نهزة (2) الطامع وقبسة (3) العجلان، و موطئ الأقدام، تشربون الطَّرَق (4) ، و تقتاتون القدّ (5) أذلّة خاسئين [صاغرين]، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم اللَّه تبارك و تعالي بأبي محمّد صلي اللَّه عليه و آله و سلم بعد اللّتيّا والّتي، و بعد أن مني ببهم (6) الرجال و ذؤبان العرب، و مردة

ص: 83


1- مذقه الشارب: شربته- لسان العرب: 340:10.
2- النهزة: الفرصة، وانتهزتها: اغتنمتها- النهاية: 135:5.
3- القبس: شعلة من نار تقتبسها من مُعْظَم- لسان العرب: 167:6. وقال المجلسي رحمه الله: والإضافة إلي العجلان لبيان القلّة و الحقارة، ووطي الأقدام، مثل مشهور في المغلوبيّة والمذلّة- بحارالأنوار.
4- الطَّرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل و تبعر- الصحاح: 1513:4.
5- القِدّ بالكسر: سير يقدّ من جلد غير مدبوغ- النهاية: 21:4. و قال المجلسي قدس سرّه: والمقصود وصفهم بخبائة المشرب و جشوبة المأكل لعدم إهتدائهم إلي ما يصلحهم في دنياهم و لفقرهم و قلة ذات يدهم- بحار الأنوار. و في بحارالأنوار: تقتاتون الورق.
6- قال المجلسي رحمه اللَّه: مُنِيَ بكذا علي صيغة المجهول، أي ابتلي. وَ بُهم الرجال كصُرَد: الشجعان منهم، لأنّهم لشدة بأسهم لا يدري من أين يؤتون و ذؤبان العرب: لصوصهم و صعاليكهم الذين لا مال لهم و لا اعتماد عليهم- بحار الأنوار.

أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللَّه، أو نجم قرن الشيطان (1) أو فغرت فاغرة من المشركين (2) قذف أخاه في لهواتها (3) فلا ينكفئ حتّي يطأ صماخها بأخمصه (4) و يخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات اللَّه، مجتهداً في أمر اللَّه، قريباً من رسول اللَّه، سيّداً في أولياء اللَّه، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، و أنتم في رفاهية من العيش، وادعون (5) ، فاكهون آمنون،

ص: 84


1- نجم: ظهر وطلع- مجمع البحرين. و قال المجلسي رحمه اللَّه: المراد بالقرن: القوّة و فسّرّ قرن الشيطان بأمّته و متابعيه- بحار الأنوار.
2- الفغر: الفتح، يقال: فغر فاه كمنع و نصر: فتحه- مجمع البحرين. و قال المجلسي رحمه اللَّه: الفاغره من المشركين: الطائفه العاديه منهم تشبيها بالحيه او السبع- بحار الانوار.
3- اللهوات: جمع لهات و هي سقف الغم و قيل: هي اللحمه الحمراء المتعلقه في اصل الحنك- مجمع البحرين.
4- انكفأ: مال و رجع- لسان العرب: 141:1. و صماخ الأذن بالكسر: الخرق الذي يفضي إلي الرأس و هو السمع و قيل: هو الاذن نفسها- مجمع البحرين، المصباح: 419:1 والأخمص من القدم: الموضع الّذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء- النهاية: 80:2.
5- الدّعة: الخفض، والهاء عوض من الواو، تقول: منه وَدُعَ الرجل بالضم فهو وَديعٌ أي ساكن ووداعٌ أيضاً الصحاح: 1295:3.

تتربّصون بنا الدوائر، و تتوكّفون الأخبار (1) ، و تنكصون عند النزال (2) ، و تفرّون من القتال.

فلمّا اختار اللَّه لنبيّه دار أنبيائه، و مأوي أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النّفاق (3) ، و سمل جلباب الدين (4) ، و نطق كاظم الغاوين، و نبغ خامل (5) الأقلّين (6) ، و هدر فنيق المبطلين (7) ، فخطر (8) في

ص: 85


1- التوكُّف: التوقع والانتظار- لسان العرب: 364:9. و قال المجلسي قدس سرّه: والمراد أخبار المصائب والفتن. و في بعض النسخ: تتواكفون الأخيار يقال: واكَفَهُ في الحرب: أي واجهه- بحار الأنوار.
2- و قال أيضاً: النُّكُوص: الإحجام و الرجوع عن الشي ء. والنزال بالكسر: أن ينزل القرنان عن إبلهما إلي خيلهما فيتضاربا. والمقصود من تلك الفقرات أنّهم لم يزالو منافقين لم يؤمنوا قطّ- نفس المصدر.
3- الحَسَكُ: حسك السعدان، الواحدة: حكسة وقولهم: في صدره عليّ حسيكة وحُساكه: أي ضغنٌ و عداوة- الصحاح: 1579:4. و في بحارالأنوار: حسيكة النفاق.
4- السَّمَلُ بالتحريك: الخلق من الثياب- مجمع البحرين.
5- الخميل: هو الخامل الساقط الذي لا نباهة له- مجمع البحرين.
6- قال المجلسي رحمه اللَّه: الخامل: من خفي ذكره و صوته و كان ساقطاً لا نباهة له. والمراد بالأقلين: الأذلّون. وفي بعض الروايات: الأوّلين- بحار الأنوار.
7- يقال: هدر البعير هديراً أي ردّد صوته في حنجرته- الصحاح: 853:2. والفتيق: هو الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب و لا يهان لكرامته علي أهله- لسان العرب: 313:10.
8- يقال: خَطر البعير بذنبه، يخطِر بالكسر، خَطراً و خطراناً، إذا رفعه مرة بعد مرّة و ضرب به فخذيه- لسان العرب: 250:4.

عرصاتكم، و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه (1) هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزّة فيه ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، و أحمشكم (2) فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم.

هذا والعهد قريب و الكلم رحيب (3) ، و الجرح لمّا يندمل، والرّسول لمّا يُقْبَر؛ ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة الا في الفتنه سقطوا و إنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، و كيف بكم، و أنّي تؤفكون! و كتاب اللَّه بين أظهركم، أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره لايحة، و أوامره واضحة، [و] قد خلفتموه وراء ظهوركم، أَرَغْبَةً عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلًا، و من يتّبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، ثمّ لم تلبثوا إلّا ريث (4) أن تسكن نفرتها (5) و يسلس

ص: 86


1- قال المجلسي رحمه اللَّه: مغرز الرأس بالكسر ما يختفي فيه و قيل لعلّ في الكلام تشبيهاً للشيطان بالقنفذ فإنّه إنّما يطلع رأسه عند زوال الخوف أو بالرجل الحريص المقدم علي أمرٍ، فإنّه يمدّ عنقه إليه- بحار الأنوار.
2- يقال: أحمشت الرجل: أغضبته وأحمشت النار: الهبتها- لسان العرب: 288:6.
3- الكلم: الجَرْح. والرُّحب بالضم: السِّعة- مجمع البحرين.
4- الريث: الإبطاء و هي لغة فاشية في الحجاز يقال: ما قعد فلان عندنا إلّا ريث أن حدثنا... أي ما قعد إلّا قدر ذلك- لسان العرب: 157:2.
5- يقال: نفرت الدابّة: جزعت و تباعدت- مجمع البحرين.

قيادها (1) ثمّ أخذتم تورون وقدتها (2) و تهيّجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف (3) الشيطان الغويّ، وإطفاء أنوار الدين الجلّي، و إهماد (4) سنن النبيّ الصفيّ، تشربون حسواً في ارتغاء، و تمشون لأهله و ولده في الخمرة والضراء، و نصبر منكم علي مثل حزّ المدي، و وخز السنان في الحشا (5) ، و أنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا، أفَحُكم الجاهليّة تبغون و من أحسن من اللَّه حكماً لقوم يوقنون؟!! أفلا تعلمون؟ بلي، قد تجلّي لكم كالشّمس الضاحية: أنّي ابنته.

أيّها المسلمون! أأُغْلَبُ علي إرثيه؟ يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللَّه أن ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً [علي اللَّه و رسوله]! أفعلي عمد تركتم كتاب اللَّه و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ

ص: 87


1- السَّلِسُ ككتف: اللين المنقاد السهل. وسلس سلساً من باب تعب: إذا سهل و لان... مجمع البحرين.
2- الوَقَدُ بفتحتين: النّار نفسها و الوَقود بالفتح: الحطب و بالضم: مصدر- مجمع البحرين.
3- الهَتْفُ: الصوت، هتف بي هاتف أي صاح- مجمع البحرين.
4- إهماد النّار: إطفاؤها، هَمِدتِ النار، أي طفئت- مجمع البحرين. قال المجلسي رحمه اللَّه: والحاصل أنّكم إنّما صبرتم حتّي استقرت الخلافة المغصوبة عليكم، ثمّ شرعتم في تهييج الشرور و الفتن و اتّباع الشيطان و إبداع البدع و تغيير السنن- بحار الأنوار.
5- وَخَزَه بالرمح والخنجر، يخزه وخزاً، طعنه طعناً غير نافذ- لسان العرب: 428:5. والحشا والحشوه بضم الحاء و كسرها: الأمعاء- المصباح: 169:1.

يقول: (وَوَرِثَ سُلَيْمانَ داوُدَ) (1) و قال فيما اقتصّ من خبر يحيي بن زكريّا عليهماالسلام اذ قال: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً- يَرِثُني وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (2) ، و قال [أيضاً]: (وَ أُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَولْي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ) (3) ، و قال: (يُوصيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) (4) ، و قال: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلي الْمُتَّقينَ) (5) ، و زعمتم: أن لا حظوة (6) لي ولا إرث من أبي و لا رحم بيننا، أفخصَّكم اللَّه بآية [من القرآن] أخرج أبي [محمّداً صلي اللَّه عليه و آله و سلم] منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل الملّتين لا يتوارثان؟ أوَ لست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة (7) تلقاك يوم حشرك، فنعم الحَكَم اللَّه، والزعيم محمّد صلي اللَّه عليه و آله و سلم والموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون، و لا ينفعكم [ما قتلم] إذ تندمون، ولكلّ نبأ

ص: 88


1- النمل: 16.
2- مريم: 5- 6.
3- الأنفال: 75.
4- النساء: 11.
5- البقرة: 180.
6- الحظوة- بضمّ الحاء و كسرها-: المكانة و المنزلة- لسان العرب: 185:14.
7- الخطام بالكسر: زمام البعير، لأنّه يقع علي الخطم و هو الأنف و ما يليه و جمعه خطم ككتاب و كتب- مجمع البحرين. والرَّحْلُ: رَحْلُ البعير و هو كالسرج للفرس- مجمع البحرين.

مستقرّ، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم.

ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت [لهم]: يا معشر النقيبة (1) و أعضاد الملّة و حضنة الإسلام، ما هذا الغميزة (2) في حقّي والسِّنة (3) عن ظلامتي؟ أما كان رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم أبي يقول: «المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم، وعَجلان ذا إهالةً ولكم طاقة بما أحاول، وقوّة علي ما أطلب و أزاول، أتقولون مات محمّد صلي اللَّه عليه و آله و سلم؟ فخطب جليل، استوسع و هنه (4) و استنهز فتقه (5) ، وانفتق رتقه، واظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس و القمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكْدت (6) الآمال، و خشعت الجبال، وأضيع الحريم، و أُزيلت الحرمة

ص: 89


1- النقيبة: يُمنُ الفعل، يقال: رجل ميمون النقيبة: مبارك النفس مظفر بما يحاول-لسان العرب: 768:1. و في البحار: «الفتية» بدل «النقيبة».
2- الغَميزة: ضعف في العمل... وجهلة في العقل- لسان العرب: 389:5. و قال المجلسي قدس سرّه: و لعلّه كان بالضاد المعجمة، فصحّف، فانّ استعمال إغماض العين في مثل هذا المقام شائع- بحار الأنوار.
3- السِّنة: النعاس من غير نوم، والهاء في السنة عوض من الواو المحذوف- لسان العرب: 449:13. وفي المفردات: السنة الغفلة.
4- في البحار: وهيه. و هو بمعني الخرق و الشقّ- الصحاح: 2531:6.
5- استنهر الشي ء: اتّسع- لسان العرب: 238:5. والفتق: الفصل و هو ضد الرتق- المفردات: 371.
6- أكدي: قلّ خيره و قطع عطيّته- مجمع البحرين.

عند مماته، فتلك واللَّه النازلة الكبري، والمصيبة العظمي، لا مثلها نازلة، و لا بائقة (1) عاجلة، أعلن بها كتاب اللَّه جلّ ثناؤه، في أفنيتكم (2) ، في ممساكم، و مصبحكم، [يهتف في أفنيتكم] هتافاً، و صراخاً، و تلاوةً و ألحاناً، ولقبله ما حلّ بأنبياء اللَّه و رسله، حكم فصل و قضاء حتم: (وَ مَا مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلي أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزي اللَّهُ الشّاكِرينَ) (3) ، إيهاً بني قيلة (4) ، ءَأُهضَمُ (5) تراث أبي؟ و أنتم بمرأي مِنّي و مسمع؟ و منتديّ (6) و مجمع؟ تلبسكم الدعوة، و تشملكم الخبرة، و أنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة و عندكم السلاح و الجُنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، و تأتيكم الصرخة فلا تغيثون، و أنتم موصوفون بالكفاح (7) ، معروفون بالخير

ص: 90


1- البائقة: الداهية- مجمع البحرين.
2- الفِناء:- بالكسر- سعة أمام الدار.- و بالفتح- نقيض البقاء- لسان العرب: 164:15.
3- آل عمران: 144.
4- بنوقيله: الأوس والخزرج، قبيلتا الأنصار، و «قيلة»: اسم أمّ لهم قديمة و هي قيلة بنت كاهل- النهاية: 134:4.
5- هَضَمَهُ هَضْماً: ظلمه و غصبه و قهره- لسان العرب: 613:12.
6- الندي و النّادي: المجلس- مجمع البحرين.
7- المكافحة: المضاربة و المدافعة تلقاء الوجه- لسان العرب: 573:2.

والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.

قاتلتم العرب، و تحمّلتم الكد والتّعب، وناطحتم (1) الأُمم، وكافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون (2) ، نأمركم فتأتمرون، حتّي إذا دارت بنارحي الإسلام، و درَّ حلب الأيّام، و خضعت ثغرة (3) الشّرك، وسكتت فورة الإفك، و خمدت نيران الكفر، و هدأت (4) دعوة الهرج [والمرج]، واستوسق (5) نظام الدين، فأنّي حرتم بعد البيان؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتم (6) بعد الإقدام؟ و أشركتم بعد الإيمان؟ بؤساً لقوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم، وهمّوا بإخراج الرسول، و هم

ص: 91


1- نَطَحَهُ، نَطحاً: أصابه بقرنه- مجمع البحرين.
2- لا نبرح، لا نزال- المصباح: 54:1.
3- الثَّغْرُ: الموضع الذي يكون حدّاً فاصلاً بين بلاد المسلمين و الكفّار، و هو موضع المخافة من أطراف البلاد- النهاية: 213:1، و في لسان العرب: 104:4: الثُّغرة بالضمّ: نقرة النحر التي بين الترقوتين. و هو كناية عن محق الشرك و سقوطه كالحيوان الساقط علي الأرض كما أشار إليه العلّامة المجلسي رحمه اللَّه. و ما في المتن كان موجوداً في النسخ الّتي بأيدينا ولكن في البحار نقلاً عن الاحتجاج: «و خضعت نعرة الشرك» والنعّرة بمعني الخيشوم والخيلاء والكبر.
4- هَدَأ: سكن-لسان العرب: 180:1.
5- الوَسق: ضم الشي ء إلي الشي ء، واستوسق أي اجتمع- لسان العرب: 380:10.
6- نَكَصَ: رَجَعَ- المصباح: 336:2.

بدأوكم أوّل مرّة، أتخشونهم فاللَّه أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين.

ألا و قد أري أن قد أخلدتم (1) إلي الخَفْضُ (2) و أبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض، و خلوتم بالدعة (3) ونحوتم بالضيق من السعة، فمججتم (4) ما وعيتم، و دسعتم (5) الذي تسوغتم (6) فإن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعاً فإنّ اللَّه لغنيّ حميد.

ألا و قد قلت ما قلت هذا علي معرفة منّي بالخذلة التي خامرتك (7) والغدرة (8) التي استشعرتها (9) قلوبكم، ولكنّها فيضة النفس، و نفثة (10) الغيظ، و خور (11) القناة (12) ، وبثّة الصدر (13) .

ص: 92


1- أخْلَدَ: ركن و مال- لسان العرب: 164:3.
2- الخَفْضُ: لين العيش وسعته- لسان العرب: 145:7.
3- الدعة: الخفض في العيش والراحة، والهاء عوض من الواو- لسان العرب: 381:8.
4- مَجّ الشي ء من فيه: رماه- لسان العرب: 361:2.
5- الدَّسع: الدفع- لسان العرب: 85:8.
6- ساغ الشراب في الحلق: سهل مدخله في الحلق- لسان العرب: 435:8.
7- خامر الشي ء: قاربه و خالطه- لسان العرب: 254:4.
8- الغَدْرُ. ضدَ الوفاء بالعهد- لسان العرب: 8:5.
9- الشِّعار: ما ولي الجسد من الثياب- الصحاح: 699:2.
10- النفث: أقل من التفل، لأنّ التفل لا يكون إلّا معه شي ء من الريق والنفت شبيه بالنفخ- لسان العرب: 195:2.
11- الخور: بالتحريك، الضعف- لسان العرب: 262:4.
12- القناة الرّمح- المصباح: 202:2.
13- البث: أشدّ الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتّي يبثه أو يشكوه- مجمع البحرين.

و تقدمة الحجّة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف (1) باقية العار، موسومة بغضب اللَّه و شَنار (2) الأبد، موصولة بنار اللَّه الموقدة التي تطّلع علي الأفئدة، فبعين اللَّه ما تفعلون، و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون. و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنّا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون.

ص: 93


1- النّقب: الثقب في أي شي ء كان، يقال نقب البعير بالكسر: إذا رقّت أخفافه- لسان العرب: 765:1.
2- الشَّنار: أقبح العيب والعار- لسان العرب: 430:4.

اسناد الخطبة

اشاره

روي الخطبة غير واحد من المحدِّثين و المؤرخين نذكر من وقفنا عليه حسب التسلسل التاريخي:

ابوالفضل احمد بن ابي طاهر (204- 280 ه)

قال الإمام أبوالفضل في كتاب «بلاغات النساء»: ذكرت لأبي الحسين (1) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللَّه عليهم كلام فاطمة عليهاالسلام عند منع أبي بكر إيّاها فدك، وقلت له: إنّ هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع وأنّه من كلام أبي العيناء «الخبر منسوق البلاغة علي الكلام». (2) .

فقال لي: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم و يعلّمونه أبناءهم، وقد حدّثنيه أبي عن جدّي يبلغ به فاطمة عليهاالسلام علي هذه الحكاية، ورواه مشايخ الشيعة و تدارسوه بينهم قبل أن

ص: 94


1- ربما يتصوّر وجود السقط في السند لأنّ صاحب البلاغات لم يدرك زيداً الشهيد (أعيان الشيعد: 315:1) و يحتمل أن يكون المراد من أبي الحسين هو زيد الأصغر الذي هو من أصحاب الهادي، انظر تهذيب التهذيب: 420:30 و إرشاد المفيد، ص 332، ولاحظ تعليقة الشافي للسيد عبدالزهراء الحسيني الخطيب: 76:4.
2- يعني انّ الطعن هو في نسبة هذا الكلام البليغ إلي فاطمة عليهاالسلام، أمّا نفس الواقعة و هي منع الإرث فهي صحيحة و مبثوثة في كتب التاريخ.

يولد جدّ أبي العيناء، و قد حدّث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي أنّه سمع عبداللَّه بن الحسن يذكره عن أبيه، ثمّ قال أبوالحسين و كيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكرونه و هم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة يتحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت، ثمّ ذكر الحديث، قال:

لما أجمع أبوبكر رحمه اللَّه علي منع فاطمة بنت رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و عليها فدك و بلغ ذلك فاطمة لاثت خمارها علي رأسها، وأقبلت في لمة من حفدتها... (1) .

ابوبكر احمد بن عبدالعزيز الجوهري (المتوفي 323 ه)

روي أبوبكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري، الخطبة برمتها في كتابه «السقفية» ص 97- 101، و قد رواها عنه غير واحد من الأعلام كابن أبي الحديد في شرح النهج، و الإربلي في «كشف الغمة» كما سيوافيك.

الشريف المرتضي (355- 436 ه)

قال الشريف المرتضي في مقام الرد علي القاضي عبدالجبار مؤلف المغني: روي أكثر الرواة الذين لا يتهمون بتشيّع و لا عصبية

ص: 95


1- بلاغات النساء: 33-23.

فيه من كلامها عليهاالسلام في تلك الحال، بعد انصرافها عن مقام المنازعة و المطالبة ما يدلّ علي ما ذكرناه من سخطها و غضبها، و نحن نذكر من ذلك ما يستدلّ به علي صحة قولنا.

أخبرنا أبوعبداللَّه محمد بن عمران المرزباني قال: [حدثني محمد بن أحمد الكاتب]، حدّثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال: حدثنا الزيادي، قال: حدثنا الشرقي بن القطامي، عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة.

قال المرزباني: وحدثنا أبوبكر أحمد بن محمد المكي قال: حدثنا أبوالعينا محمد بن القاسم السيمامي، قال: حدثنا ابن عائشة قال: لما قبض رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم أقبلت فاطمة عليهاالسلام في لمة من حفدتها إلي أبي بكر، و في الرواية الأُولي.

قالت عائشه: لما سمعت فاطمة عليهاالسلام إجماع أبي بكر علي منعها فدك لاثت خمارها علي رأسها، واشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها [ثم اجتمعت الروايتان في هاهنا] و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم حتي دخلت علي أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة ثمّ أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء وارتج المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتّي إذا سكن نشيج القوم و هدأت قورتهم، افتتحت كلامها بالحمدللَّه

ص: 96

عّز و جلّ والثناء عليه و الصلاة علي رسوله صلي اللَّه عليه و اله و سلم ثمّ قالت:.... (1) .

محمد بن علي بن الحسين الصدوق (306- 381 ه)

ذكر الشيخ الصدوق في معاني الأخبار خطبة أُخري يقرب مضمونها مع تلك الخطبة (2) ، رواها بسندين.

محمد بن الحسن الطوسي (385- 460 ه)

ذكر شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي الطائر الصيت مؤلف تفسير «التبيان في تفسير القرآن» في عشرة مجلدات، في أماليه خطبة أُخري يقرب مضمونها مع تلك الخطبة باسناده عن الحفّار، قال: حدثنا الدعبلي، قال: حدثنا أحمد بن علي الخزّاز، قال: حدثنا أبوسهل الرفا، قال: حدثنا عبدالرزّاق. قال الدعبلي: وحدثنا أبويعقوب: إسحاق بن إبراهيم الديري، قال: حدثنا عبدالرزّاق، قال: أخبرنا معمّر عن الزهري، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه، عن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، قال: دخلن نسوة من المهاجرين و الأنصار.... (3) .

ص: 97


1- الشافي في الإمامة: 69:4- 77.
2- معاني الأخبار: 354.
3- أمالي الطوسي: 384، المجلس الثالث عشر.

ابن ابي الحديد (المتوفي 655 ه)

رواها المؤرخ المحقّق في شرحه علي نهج البلاغة عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري قال:

قال أبوبكر: فحدّثني محمّد بن زكريا قال: حدّثني جعفر بن محمد بن عُمارة الكنديّ قال: حدثني أبي، عن الحسين بن صالح بن حيّ، قال: حدثني رجلان من بني هاشم، عن زينبَ بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام. قال: و قال جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه. قال أبوبكر: وحدّثني عثمان بن عمران العجيفيّ، عن نائل بن نجيح بن عمير بن شَمِر، عن جابر الجُعفيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام، قال أبوبكر: وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد، عن عبداللَّه بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبداللَّه بن حسن بن الحسن. قالوا جميعاً: لمّا بلغ فاطمة عليهاالسلام إجماعُ أبي بكر علي منعها فَدَك، لاثتْ خِمارَها، وأقبلت في لُمّةِ من حَفَدتِها و نساء قومها، تطأ في ذيولها، ما تخرم مشْيتها مشْية رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم، حتّي دخلت علي أبي بكر... (1) .

ابوالحسن الاربلي (المتوفي 693 ه)

روي أبوالحسن علي بن عيسي بن أبي الفتح الاربلي في كتاب

ص: 98


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 211:16.

«كشف الغمة» و قال: «حيث انتهي بنا القول إلي هنا، فلنذكر خطبة فاطمة عليهاالسلام و قد أوردها الموالف و المخالف و نقلتُها من كتاب «السقيفة» تأليف أبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة علي مؤلفها، وقرئت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين و عشرين و ثلاثمائة، روي رجاله عن عدّة طرق انّ فاطمه عليهاالسلام لما بلغها إجماع أبي بكر علي منعها فدكاً لاثت خمارها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها. (1) .

ولنقتصر بهذا المقدار من الاسناد، فلو أردنا الاستقصاء، لطال بنا الكلام، ولطال موقفنا مع القراء.

و نختم الرسالة بالسلام علي الصدّيقة الشهيدة الممنوع إرثها،

المسكور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها

سلاماً، لا بداية له و لانهاية.

جعفر السبحاني

قم- مؤسسه الإمام الصادق عليه السلام

29: ذي الحجة الحرام من شهور عام 1421 ه.

ص: 99


1- كشف الغمة: 108:1- 116.

ص: 100

فهرس المصادر

الصورة

ص: 101

الصورة

ص: 102

الصورة

ص: 103

الصورة

ص: 104

الصورة

ص: 105

الصورة

ص: 106

فهرس المحتویات

الصورة

ص: 107

الصورة

ص: 108

الصورة

ص: 109

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.