الاسرار الفاطمیه

اشارة

سرشناسه : مسعودی محمدفاضل گردآورنده عنوان و نام پديدآور : الاسرار الفاطمیه تالیف محمدفاضل المسعودی تقدیم عادل العلوی مشخصات نشر : قم الزائر الروضه المقدسه

لندن رابطه الصداقه الاسلامیه 1420ق = 1999م = 1378. مشخصات ظاهری : ص 535 شابک : 964-6401-17-1 ؛ 964-6401-17-1 وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی يادداشت : عربی يادداشت : چاپ دوم 1420ق = 2000م = 1379؛ 25000 ریال یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس موضوع : فاطمه زهرا(س ، 13؟ قبل از هجرت - 11ق -- احادیث موضوع : احادیث شیعه -- قرن 14 شناسه افزوده : آستانه مقدسه قم انتشارات زائر رده بندی کنگره : BP27/28 /م 5‮الف 5 رده بندی دیویی : 297/973 شماره کتابشناسی ملی : م 78-13709

الاهداء

إلي مصباح الهدي وسفينة النجاة...

إلي الموعود بشهادته قبل ولادته...

إلي الذي بكاه رسول الله حين ولادته...

إلي الذي قضي ضمآن بجنب الفرات...

إلي الذي بكت عليه ملائكة السماء...

إلي خضيب الشيبة بالدماء...

إلي ساكن طفوف كربلاء...

إلي من تطلب بدمه سيدة النساء بعرصات يوم القيامة...

«لابدّ ان ترِدَّ القيامةَ فاطمٌ

وقميصها بدم الحسين ملطخ»

إلي خامس اصحاب حديث الكساء...

إليك يا سيدي يا أبا عبدالله الحسين بن علي (عليه السلام)...

أرفع لك هذا المجهود القليل راجياً من الله القبول...

والغفران لي ولوالدي ولمن ينتفع بهذا الكتاب

يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتي بقلب سليم...

محمد فاضل المسعودي

[ صفحه 6]

بسم الله الرحمن الرحيم

[ صفحه 7]

تقريض

تزيينا لكتابنا وتبيينا لعام الطبع طلبنا من الخطيب سماحة الشيخ محمد سعيد المنصوري «حفظه الله ورعاه» ان يتفضل علينا بتوشيح لكتابنا الأسرار الفاطمية وتأريخ يعرف به زمان طبعه فاستجاب لنا سماحته بهذه المقطوعة الشعرية المشتملة علي معاني لطيفة وخفيفة علي الطبع والذوق امد الله في عمره الشريف ووفقنا الله واياه وصالح المؤمنين لخدمة الائمة الأطهار لا سيما فاطمة الزهراء عليها السلام أنالنا الله شفاعتها يوم القيامة وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

(محمدٌ) بالاسرِارِ جاء ولم يجيء

الي_ن_ا بأس__رارٍ س_واهُ م_ؤل_فُ

عل_ي أنّه_ا بالفاطمي_ةِ عُرّفَ_ت

وكلُّ الذي يُعزي لفاطم__ة يُع_رفُ

وهذا كتابٌ في سلي_لةِ (احم_د)

ومِن ذُكرُها الذك_رَ الجَمي_ل المُشرِّفُ

بهِ قَد جَلي بالبحثِ عَن كلّ غامضٍ

وعرّف عمّا في_هِ ح__ارَ المعُ_رِّفُ

ايانَ وفي «مُستودَع السر» ما به

تُق_رطُ اذانُ ال__وري وتُ_ش_نَّ_فُ

فأبوابُ_هُ

باب_اً فبَاب__اً وبح_ثُ_هُ

لأبي_نُ مِ_ن فج_رٍ ضحَوُكٍ وألطَفُ

كتابٌ ب_ِهِ ما لَ_يسَ يحوِيه غيرُهُ

وكلُّ عل_ي ق_درٍ من ال_دوح يَقطفُ

وفكرتُ_هُ فيم_ا نري م_ن بَيانِ_ه

يمي__لُ اليه_ا العبق_َرِي المُثقَ_فُ

وفاطم_ةٌ مهم_ا نق_وُل بشأنه__ا

فتلكَ من الأق_وال اسم_ي واش_رفُ

فطوب_ي لمن م_الا اليها بوّدِهِ_م

وويلٌ لمن قالوا وفي القوَلِ اسرفُ__وا

فظ_لوا طريقا ك_ان في_ه نجَاتهم

اظلّ_م عن_هُ الهَ_وي والتَ_عجرفُ

فيانِعمَ ما دبجّتَ يا نَجلَ «فاضِلٍ»

بِمَن قد اتي فِيها من «الله» مصحفُ

غدا سوف يأتيكَ الجزاءُ مض_اعَفاً

فأرّخهُ «ان نع_م التق_ُي والتعففُ»

1419 هجري

[ صفحه 9]

تقديم

العلامة آية الله سماحة السيّد عادل العلوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرّة البهيّة

في الأسرار الفاطميّة

الحمد لله فاطر السماوات والأرضين، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، والصلاة والسلام علي أبيها محمد الأمين، سيد الأنبياء والمرسلين، حبيب الله وخاتم النبيّين، وعلي بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين، وعلي أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلي قيام يوم الدين.

قال تعالي في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم: (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهّركم تَطهيراً) [1] .

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: «لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم. فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً» [2] .

الحديث عن الزهراء عليها السلام إنّما هو حديث عمّا سوي الله سبحانه، فهي الكون

[ صفحه 10]

الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما، فإنّه سبحانه

يرضي لرضاها ويغضب لغضبها، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن، وإنّه يحبّ الجمال، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة، بل هي أعظم، فهي جمال الله وحسنه، وإنّها الحوراء الإنسية، فهي خير أهل الأرض عنصراً، فإنّها نور الله جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها، وفارقتهما في القوس النزولي، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلي عبد المطلب وأبي طالب، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش، ثمّ انتقل إلي الجنّة، وبقي في رياضها محبوراً، ثمّ أودعه الله في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها، حتي إذا عرج النبيّ الأعظم صلي الله عليه وآله إلي السماء ودخل الجنّة، وأكل من تفّاحها ورطبها، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة عليها السلام فتحوّلت نوراً في صلبه، ثمّ هبط إلي الأرض، فواقع خديجة الكبري لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة، ومن ثمّ كان النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة.

ففاطمة عليها السلام من صلب خاتم النّبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفي صلي الله عليه وآله مباشرة ومن دون واسطة، دون غيرها، فكانوا من صلب آدم عليه السلام. فهي خير أهل الأرض عنصراً، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً، وأكرم منزلاً.

فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة، ونطقت وتحدّثت في بطن أُمّها، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية، اُمّ الحسنين، أُمّ أبيها، أُمّ الأئمة النجباء، فهي الصدّيقة الكبري، وعلي معرفتها دارت القرون الاُولي. ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك

ليلة القدر.

والمعرفة أساس الحياة وروحها، فمن لا معرفة له _ كالكافر _ فلا حياة له، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء. وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها، حتّي الشريعة المقّدسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر علي

[ صفحه 11]

مستوي الاُصول والفروع والأخلاق، وإنّما يفضّل الناس بعضهم علي البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوي والعلم النافع والعمل الصالح، كما جاء في الحديث الشريف: «أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة» [3] .

فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقاً، بل جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة، ولا معرفة إلاّ بعمل، فمن عرفت دلّته المعرفة علي العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له» [4] .

فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة، حتّي قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لكميل ابن زياد:

«يا كميل، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلي معرفة» [5] .

ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها، دركاً صحيحاً وفهماً كاملاً، بدراسات حقّه ميدانيّة وتحقيقيّة، والتي يبتني صرحها الشامخ علي ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة، والحجج العمليّة الواضحة.

فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح، وقيمة الإنسان بمعرفته.

يقول الإمام الباقر لولده الصادق عليه السلام «يا بني، إعرف منازل الشيعة علي قدر روايتهم ومعرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية».

فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومين عليهم السلام، والدراية تفقّه الحديث وفهمه:

«وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلي أقصي درجات الإيمان». و «حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه». و«قيمة كلّ امريء

وقدره معرفته».

فالواحب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق، وتدبّر وتفكّر، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية، وهمّة العلماء الدراية.

فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء علي ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة،

[ صفحه 12]

وأولي شيء بالمعرفة، وإنّه مقدّم علي كلّ المعراف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين، وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة.

ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبري فاطمة الزهراء عليها السلام، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.

فمن يعرفها؟! وعلي معرفتها دارت القرون الاُولي، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتي اُمر بفضلها ومحبّتها [6] .

ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء، ومن يقدر علي أن يحيط بفاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ورسول الله محمد صلي الله عليه وآله، فإنّ الخلق كلّهم حتّي الأنبياء والملائكة والحنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه عليهما السلام.

ففاطمة الزهراء وديعة المصطفي وحليلة المرتضي مظهر النفس الكلّية علي أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي، مطلع الأنوار البهيّة، وضياء المشكاة النبويّة، صندوق الأسرار الإلهيّة، ورعاء المعارف الربّانيّة، عصمة الله الكبري، وآية الله العظمي.

لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبري، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضي.

كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة علي ذلك، يكفيك شاهداً آية التطهير، وما

أدراك ما آية التطهير، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمي الذي ينكر نور الشمس.

والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصوم عليه السلام، تعصمه وتحفظه من كلّ شين، كما تزيّنه بكلّ زين، فيعصم من

[ صفحه 13]

الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة، وما شابه ذلك، ومن كان معصوماً في دهره لا يصدر منه الشين مطلقاً.

وفاطمة الزهراء عليها السلام إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه، كما عصم اولادها الأئمة الأطهار، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن، فهما الثقلان بعد رسول الله لنت يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّي النهاية، ومنها العصمة.

مفطومة من زلل الأهواءِ

معصومةٌ من وصمة الخطاءِ

فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء عليها السلام، ولمّا كان الأذان والأقامة للصلوات اليوم إعلان وإعلام في بيان العقيدة، ولمّا كانت الحياة عقيدة وجهاد، فلا مانع، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله، كما يؤمن برسول الله ونبوّته، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها، أي في أذانه وإقامته، يخبر عن معتقده في المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام. فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة، فتقول فيها ما تقول في الشهادة الثالثة، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة.

فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة: (أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله) [7] مرّتان أو مرة واحدة أو يلحق

ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله)، فتدبّر.

وممّا يدلّ علي مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء

[ صفحه 14]

والأوصياء عليهم السلام أنّ الله يغضب لغضبها ويرضي لرضاها _ كما ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة _ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه: (وذا النون اذ ذهبا مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ).

ولكن يغضب لغضب فاطمة عليها السلام.

ثمّ لا تجد معصوماً تروّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم، فإنّ الرجال قوّامون علي النساء، فلا يكون غير معصوم قوّاماً علي المعصومة، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّي رسول الله محمّد صلي الله عليه وآله هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع، وإنّه من زواج النور من النور، كما ورد في الأخبار، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم عليها السلام.

وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة المصطفي والمرتضي وابناهما وفاطمة عليهم السلام.

وربّما قدّم المباهلة النساء والأبناء علي الأنفس للإشارة إلي أنّ الأنفس فداها.

«فداها أبوها».

وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب، وليس العيان كالبيان.

وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ وشحات من بحر معرفتها، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله، وإلاّ

فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها، فمن يعرفها ويعرف اسرارها؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب، لا ما عند المكتوب عنه، فالاسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها، فإنّ حقيقة فاطمة عليها السلام حقيقة ليلة القدر، حقيقة

[ صفحه 15]

الكون وما فيه.

والله سبحانه خلق عالم الملك _ وهو عالم الناسوت _ علي وزان عالم الملكوت _ وهو عالم الأرواح _، والملكوت علي وزان الجبروت _ وهو عالم العقول _، حتّي يستدلّ بالملك علي الملكوت، وبالملكوت علي الجبروت.

ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي قوساً نزوليّاً وصعوديّاً، وقد عبّر عن القوس النزولي في نزول فيض الله ورحمته علي الكون بالليل والليالي، كما عُبّر عن القوس الصعودي باليوم والايام.

وعصمة الله فاطمة الزهراء عليها السلام كما عبّر عنها بليلة القدر، كذلك هي يوم الله. والإنسان الكامل هو القرآن الناطق، ففي ليلة القدر نزل القرآن، ونزل أحد عشر قرآناً ناطقاً في فاطمة الزهراء فهي الكوثر، وهي الليلة المباركة، وليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، أي ألف مؤمن، فإنّها أُم الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين الأخيار، والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمد عليهم السلام وأسرارهم، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ سلامٌ هي حتي مطلع الفجر قائم آل محمد عليه السلام [8] .

وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان، وإنّه أوسع القلوب، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن فينشرح صدره، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً واحدةً في ليلةٍ واحدة، ثمّ طيلة ثلاث وعشرين عاماً ينزل تدريجاً.

فليلة القدر الذي

حمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه هي فاطمة الزهراء عليها السلام، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معني، وإنّ فاطمة عليها السلام لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، فهي القلب اللامع الذي يتجلّي فيه الغيب الجامع.

فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد، بل وحقيقة النبوّة والإمامة، وما يجمع بينهما وبين التوحيد، أي حقيقة الولاية.

[ صفحه 16]

فمن يقدر علي الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراء عليها السلام بما هي هي، وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ، هيهات هيهات، لا يعرفها حقيقة إلاّ مصوّرها وبارؤها وابوها وبعلها عليهما السلام، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء صلي الله عليه وآله إجلالاً ويقبّل صدرها ويدها، ويشمّ منها رائحة الجنّة، ولا يخرج من المدينة حتّي يودّعها ولا يدخل حتّي يسلّم عليها أوّلاً.

وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة.

فمن هي؟

هي التي كانت مفروضة الطاعة علي جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش.

هي التي لا يذكر الله الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالاً وتكريماً وتعظيماً لها.

هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق النوري من بين النساء، وبالمهدي من آل محمد صلي عليهم السلام، وبالذرّية المباركة الطاهرة، بالحسن والحسين و الأئمة المعصومين عليهم السلام.

هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان فاطراً وكانت فاطمة، وإنّها صاحبة السرّ المستودع، ولها من المناقب والفضائل ما لايمكن للبشر أن يحصيها، وإذا كانت ضربة عليّ عليه السلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو افضل، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم؟ وفاطمة كفو لعليّ عليهما

السلام، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة.

والمرأة إذا لم تكن نبيذة، فإنّ لها أن تصل إلي مقام الولاية العظمي، فتكون أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراء عليها السلام، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة، فهي نور المُهج وحجّة الحجج...

وهي بضعة المصطفي وبهجة قلبه، من سرّها فقد سرّ رسول الله، ومن آذاها فقد آذي رسول الله، ومن آذي رسول الله فقد آذي الله، ومن آذي الله ورسوله، فعليه لعنة الله أبد الآبدين، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه، فارجع إلي التأريخ لتعرف علي

[ صفحه 17]

من غضبت فاطمة؟ وماتت وكانت واجدة عليهم؟

أصفاها الله وطهّرها تطهيراً، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة، وتمرّ علي الصراط، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين.

هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ، وهي أعبد الناس، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة، ومن أحبّها فهو في الجنّة، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار.

فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها وذرّيتها وشيعتها، الويل كلّ الويل لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم خدّها وأنكر فضلها ومناقبها ومثالب أعدائها.

ثم لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة الكبيرة [9] الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي عليه السلام، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات، لوجدنا أنّها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة، لنعرف الإمام المعصوم عليه السلام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار عليهم السلام، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات الزيارة ومفرداتها.

إلاّ أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام لا تزار

بهذه الزيارة، فلا يقال في شأنها أنّها موضع سرّ الله وخزانة علمه وعيبته، فهذا كلّه من شؤون حجّة الله علي الخلق، وفاطمة الزهراء عليها السلام هي حجّة الله علي حجج الله، كما ورد عن الإمام العسكري عليه السلام:

«نحن حجج الله علي الخلائق، واُمّنا فاطمة حجّة الله علينا».

ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل الله فرجه الشريف:

«ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة».

فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم، وفاطمة اُسوة الأئمة عليهم السلام.

إنّها عليها السلام تساوي أبيها في خلقه النوري، وقال في حقّها: «فاطمة روحي التي بين جنبيّ».

وربما الجنبان إشارة إلي جنب العلم وجنب العمل، فهي تحمل روح النبيّ بعلمه

[ صفحه 18]

وعمله، وكلّ كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة، فهي الأحمد الثاني، وهي روحه التي بين جنبيه.

ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلي النبوّة المطلقة والولاية العامّة، فقد ورد في الخبر النبويّ الشريف:

«ظاهري النبوّة، وباطني الولاية».

مطلقاً التكوينية والتشريعية علي كلّ العوالم العلوية والسفلية، السماوية والأرضية، كما ورد:

«ظاهري النبوذة، وباطني غيبٌ لا يدرك».

وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت وكان مصداقها الخارجي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فالزهراء عليها السلام يعني رسول الله وأمير المؤمنين، فهي مظهر النبوّة والولاية، وهي مجمع النورين: النور المحمّدي والنور العلويّ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيته: (اللهُ نورُ السَّماوات وَالأرضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكاةٍ).

بأنّه كالمشكاة، وورد في تفسيرها وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة، وفي هذا المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام، ثمّ نور علي نور وإمام بعد إمام، يهدي الله لنوره من يشاء.

فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري، وهذا من معاني (السرّ المستودع فيها) [10] ، فهي تحمل أسرار النبوّة

والإمامة، كما تحمل أسرار الكون وما فيه، تحمل أسرار الأئمة الأطهار وعلومهم، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة، ولولا مثل هذا المعلول المقدّس لما خلق الله النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي:

«يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولو لا فاطمة لما خلقتكما».

[ صفحه 19]

ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء... والاُمّ تحمل جنينها وولدها، وفاطمة اُمّ أبيها، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها، كما تحمل أسرار الممكنات في جواهرها وأعراضها، وبنورها الزاهر ازدهرت السماوات والأرض، فالله الفاطر فطر الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها الأزهر...

ولمثل هذه الخصائق القدسيّة كان النبيّ الأعظم صلي الله عليه وآله يقول: فداها أبوها.

مشكاة ن__ور الله ج_لّ جلال__ه

زيتونة ع_مّ الوري ب_رك_اته_ا

هي قطب دائ__رة الوجود ونقطة

لمّ__ا تنزّلت أكث_ر كثرات__ها

هي أحمد الثان_ي وأحمد عصرها

هي عنصر التوحيد في عرصاتها

فاطم_ةً خي__رَ نس__اء البش_ر

ومن لها وج___ه كوج_ه القم_رِ

فض_ّلك الله عل__ي ك_لّ الوري

بفضل من خ__صّ ب_آيّ الزم_رِ

زوّج__ك الله ف__تيً فاض__لاً

أعني عليّ__اً خير من في الحضرِ

وأخيراً عن رسول الله صلي الله عليه وآله، قال «فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي، وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا، ومن تخلّف عنه هوي» [11] .

هذا وقد غمرتني الفرحة والبهجة عندما لمست أناملي الداثرة ما خطّه يراع فضيلة مروّج الأحكام حجّة الأسلام الكاتب المعتمد المؤلف السند الخطيب الكامل الشيخ محمد فاضل المسعودي دام وفّقاً.

وقد أبدع سماحته

في سفره هذا القيّم (الأسرار الفاطميّة)، وملأ فراغاً في المكتبة الإسلامية العربية، من معرفة نورانية حول السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، بقلم سلس وبيان جميل، وتصوير رائع، وقد حاول أن يؤدّي ما هو الحقّ في كلّ فصل من فصوله، فللّه درّه وعليه أجره وكثّر الله من أمثاله.

[ صفحه 20]

كان سماحته يحضر عندي كفاية الاُصول وأبحاثنا الفقهيّة _ خارج الفقه (الاجتهاد والتقليد) _ ولا يزال بحمد الله يحضر حضور تفهّم واستيعاب في جمع من طلبة العلوم الإسلامية في حوزة قم العلمية من جاليات مختلفة.

وقد سألت الله في سنين من حياتي في ليالي القدر أن يوفّق جميع أهل العلم، لا سيّما أولئك الذي حضروا عندي دروسهم الحوزوية، أن يوفّقهم لخدمة الدين والمذهب في كلّ المجالات العلمية والعملية، بأقلامهم وألسنتهم، بالتأليف والتصنيف والتدريس والتبليغ والخطابة والإمامة في المحاريب، وغير ذلك من المسؤوليات الدينية والاجتماعية الملقاة علي عاتق علماء الدين ورجال العلم، أعزّهم الله في الدارين.

وأري اليوم مرّةً اُخري قد أثمرت الجهود، ولم تذهب الأنعاب ضياعاً، بل بين حين وحين تؤتي الشجرة الطيّبة اُكلُها، بل الحوزة المباركة هي البركة والخير المستمرّ والمستقرّ، وإنّها الكوثر العذب والمنهل الصافي والينبوع المتدفّق...

والشيخ الكاتب قد أجاد في هذا الكتاب الرائع بتعريف جملة من أسرار سيّدة النساء فاطمة الزهراء علهيا السلام، وما أروع ما كتب وما أجمل ما اختار، لاسيّما وهذه الهجمات المدسوسة بين حين وحين تتغلغل في صفوفنا، من قبل الاستعمار والاستكبار العالمي، ضدّ مقامات أهل البيت عليهم السلام، وفاطمة الزهراء عليها السلام، والعجب أنّها تصدر تارةً من أبناء المذهب، وممّن ينتسب إلي الذرّية الطاهرة!! ليفرّق بيننا ويمزّقنا كي يسود علنيا وينهب خيرات بلادنا ومآرب

اُخري.

ألا أنّهم أرادوا أن يطفئوا نور الله، والله متمّ نوره ولو كره المشركون والكافرون، وإنّه يؤيّد دينه برجال تطفح من أقلامهم الإسلامية عبقات الولاء والإخلاص، ويتدفّق منها المودّة الخالصّة في قربي الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله.

أسأل الله سبحانه أن يسدّد خطاهم، ويبارك لهم في حياتهم العلمية والعملية، ويوفّقهم لما فيه من الخير من طلب العلم النافع والعمل الصالح وخدمة الدين ونشر معارف الإسلام وحقائق المذهب الناصعة.

عهدي إليهم أن لا أنساهم من الدعاء وأملي بهم أن لا ينسوني من صالح دعواتهم الطيبة.

[ صفحه 21]

بطوبي لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك المباركة، وستلقي الأجر من اُمّنا فاطمة الزهراء عليها السلام، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلاّ من أتي الله بقلبٍ سليم، والسلام عليك وعلي أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة، وعلي كلّ مؤمن ومؤمنة، ودمتم بخير وسعادة، وتقبّلوا تحيّات [12] .

العبد

عادل العلوي

قم المقدّسة _ الحوزة العلميّة

المقدمة

بسمه تعالي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي اشرف الأنبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، اللهم صلِّ علي الصديقة فاطمة الزكية حبيبة حبيبك ونبيك وأمُّ احبائك وأصفيائك التي انتجبتها وفضلتها واخترتها علي نساء العالمين، اللهم كُن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها وكن الثائر اللهم بدم اولادها اللهم كما جعلتها أمُّ أئمة الهدي وحليلة صاحب اللواء والكريمة عند الملاء الأعلي فصلِّ عليها وعلي امها صلاة تكرم بها وجه أبيها محمد صلي الله عليه وآله وسلم وتقر بها اعين ذريتها وأبلغهم عني في هذه الساعة وفي كل ساعة افضل التحية والسلام واردد علي منهم السلام انك جواد كريم.

وبعد فانه لا

يخفي علي المتتبع لسيرة وحياة أهل البيت عليهم السلام انه قد كُتِبَت فيهم الكثير من الكتب وبالخصوص في شخصية فاطمة عليها السلام ومعرفتها حيث دارت في مجمل بحوثها علي طريقة السرد التأريخي او المقارنة الموضعية _ بين حياتها سلام الله عليها وبين باقي النساء المؤمنات اللآتي ذكرهن القرآن الكريم _ أو علي طريقة الاستنتاج والتحليل الواقعي والموضوعي لجميع مواقفها الاسلامية التي اتخذتها خلال مسيرتها الحياتية والتي كانت مليئة بالدروس والعبر والعظات الإنسانية البليغة.

علي أن هذا الكتاب الذي بين يديك أيها القاريء الكريم قد جاء ليمثل مجموعة السبل التي لابد من الكتاب أو المؤلف أن يجمعها ويصبها في قالب حسن وهو يعرض شخصية مثل شخصية الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام، حيث فيه الأسرار الغمضة التي جاءت علي شكل عناوين لبعض هذه البحوث مثل: حقيقة السر المستودع، أصل يوم العذاب، فاطمة حجة الله الكبري، وأيضا فيه المقارنة الموضوعية، والإستنتاج العلمي، والتحليل المثمر، وكما سيظهر لك من خلال قراءة هذه البحوث والمحاضرات.

[ صفحه 24]

علي أنني أُنبه القاريء العزيز أنني قد وضعت في الكتاب بعض المواضيع التي ذكرتها بعض الكتب من باب اتمام الفائدة في الكتاب علي امل ان يكون شاملاً لكثير من القضايا الحساسة والعقائدية في حياة فاطمة سلام الله عليها، وليرجع اليها الكاتب والخطيب والباحث حين تعوزه المصادر والكتب، وقد توجت كل بحث في بدايته بقصيدة شعرية في حياة فاطمة عليها السلام لتكون محطات ادبية فاطمية يستفيد منها القاريء اثناء ترحاله من بحث إلي آخر، لذا جاء هذا الكتاب ليمثل مصباحاً جديداً في معرفة فاطمة عليها السلام انشاء الله راجياً أن أكون قد أديت بعض الحق الذي عليّ في توضيح بعض

القضايا العقائدية في شخصيتها الاسلامية الفذة، والحمد لله رب العالمين.

محمد فاضل المسعودي

قم المقدسة

18 ذي الحجة _ عيد الغدير المبارك [13] .

1419 ه_

[ صفحه 25]

التمهيد

(اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها

وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها...)

قبل الدخول في مضامين هذا الدعاء لابد من الإشارة إلي عدة أسئلة مهمة تتعلق بسند هذا الحديث، وهل ورد فيه سند؟ وفي أي كتاب مذكور؟ وهل جاء هذا الحديث علي لسان المعصوم أم لا؟

كل هذه الأسئلة لابد من الإجابة عليها قبل الدخول في صميم هذا البحث، فنقول: أن هذا الحديث لم نرَ له سنداً في أي كتاب من الكتب المتداولة ولم يروَّ عن أي معصوم من أهل بيت العصمة، ولكن وجدناه مكتوباً في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفي تحت عنوان (دعاء التوسل بها عليها السلام) حيث رواه مؤلف الكتاب الشيخ الهمداني بقوله: سمعت شيخي ومعتمدي أية الله المرحوم ملاّ عليّ المعصومي يقول في التوسل بالزهراء عليها السلام «الهي بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها... [14] ».

وأيضاً وجدنا هذا الدعاء ضمن الوصايا المهمة التي أوصي بها آية الله المرعشي النجفي أبناءه بالمداومة علي قراءته وبالخصوص ابنه الكبير حيث يقول: (وأوصيه _ أي ابنه الأكبر _ بمداومة قراءة هذا الدعاء الشريف في قنوتات فرائضه... اللهم أني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها أن تصلي علي محمد وآل محمد وأن تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله...» [15] .

[ صفحه 26]

بما أعظمه من دعاء بحيث يذكره السيد المرعشي النجفي رحمه الله في ضمن وصاياه المهمة التي أوصي بها، وأي

فضيلة لهذا الدعاء والتوسل بحق الزهراء عليها السلام كي يَكونَ من أهم الأدعية في قنوتات فرائض السيد المرعشي رحمه الله.

لابد له من كرامة عظيمة وأهمية جليلة بحيث لا يترك من الوقوف معه والإستضاءة من نوره وبيان مضامينهُ وتجليت حقائقه لكي نعرف فاطمة حتي معرفتها وعلي القدر المتيسر منه.

وهذا الحديث وان لم يكتب له سند في كتب الحديث، ولكن جاء مضمونه مطابقاً لكثير من الروايات الشريفه المأثورة في حق الصديقة الكبري فاطمة عليها السلام، وعلي مضمونه وحقائقه توجد أدلة وشواهد تؤكد حقيقته وان لم يرد في كتب الأدعية، ولكن يكفي في نقله علي ما استفدناه من الكتابين المذكورين اللذين ذكرا هذا الدعاء، ومن باب التسامح في أدلّة السنن يهون الخطب في سنده، وعلي ضوء ما تفهمه من هذا الدعاء سوف يكون حديثنا حوله في بحثين:

البحث الأول: التوسل والإستغاثه بالزهراء عليها السلام.

البحث الثاني: حقيقة السر المستودع في فاطمة عليها السلام.

[ صفحه 29]

حقيقة التوسل والإستغاثة بالزهراء

التوسل بفاطمة عليها السلام

للخطيب الشيخ محسن الفاضلي

توسَّل_ت بالح_وراء فاطمةَ الزّه__را

لتلهمني حت_ي أق__ولَ به_ا شِع__را

فجاء بحم__دِ الله ما كن_ت أبت_غ_ي

فأبدي_تُ للمعب_ودِ خالق_ي الشّ_ك__را

أجل هي روح المصطفي كُ_فءُ حيدرٍ

وأمُّ أبيه_ا ه_ل ت_ري مثلَ__ه ف_خرا

أول المثلِ الأعل_ي بك__لَّ خصاله_ا

ج_لالاً كم_الاً عفّ__ةً شرف_اً ق__درا

حوت مَكوُماتٍ قطُّ لم يح_و غي_رُه_ا

فمن بالثّنا منه_ا ألا قُ_لْ لَن_ا أح_ري

وسيل_تُ__نا والله خي__رُ وسي_ل__ةٍ

بحقًّ كما وه_ي الشفيع_ةُ ف_ي الأخري

أي__ا قات_َلَ اللهُ ال_ذي راعه_ا وق_د

عليها قس_ي ظلم_اً وروّعها عصْ__را

وس__وّد مت_نيه_ا وأح_رقَ بابَه__ا

وأسقطه_ا ذاكَ الجني_نَ علي

الغب__را

أي__ا مَن تواليه_ا أتنس_ي مُص_ابَها

وتَسلو وق_د أمس_ت ومقلتُه__ا حم_را

من الضّربِ ضرِب الرّجس يومِ تمانعت

بأن يذهبوا بالمرت_ض_ي بعلِه_ا قَس_را

وع_ادت تعان_ي هظمَه_ا ومصابَه_ا

بفق_دِ أبي_ه_ا وهي والهف_ت_ا عَب_ري

الي أن قضت روحي فداه_ا ولا تَس_ل

عن أحواله__ا واللهُ م_ن كلّن__ا أدري

[ صفحه 31]

حقيقة التوسل والاستغاثة بالزهراء

منذ أن خلق الله البشرية وبالتحديد منذ أن خلق أدم وحواء جعل لهم وسيلة يتوسلون بها إليه لقضاء حوائجهم خصوصا أن ابينا آدم عليه السلام عندما أذنب بترك الأولي قد توسّل إلي الله تعالي بغفران ذنبه «تركه الاولي» وكان من جملة ما توسل به الكلمات التي تلقاها من الله تعالي وتاب بها عليه تبارك وتعالي ولقد فسرت هذه الكلمات بأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالي (فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنّهُ هو التواب الرحيم) [31] ، إن آدم رأي مكتوباً علي العرش أسماء معظمة مكرمة، فسأل عنها فقيل له: هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالي والأسماء هي: محمد وعلي وفاطمة والحسين عليهم السلام فتوسل آدم عليه السلام إلي ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته.

به قد أجاب الله آدم إذ دعا

ونثجي في بطن سفينة نُوحُ

قومُ بهم غفرت خطيئة آدم

وهُمُ الوسيلة والنجوم الطُلّع [17] .

وعلي هذا الأساس كان التوسل بأولياء الله وأحبائه من الأمور المتعارفة والمتسالمة عليها عند المسلمين بل يتعدي ذلك إلي غير المسلمين فنحن نجد ان الكثير من الديانات الأخري غير الأسلامية تتوسل

بشيء ما للتقرب إلي الله تعالي أو إلي الآلهة التي يعتقدون بها وهذا ما وجدنا في مشركي قريش حيث كانوا يعبدون اللات والعزي ليقربونهم إلي الله زلفي وكما صرح بذلك القرآن الكريم في بعض آياته، وعلي كل حال فقد وردت عدة آيات قرآنية تؤكد هذه المسألة في القرآن الكريم منها قوله تعالي:

[ صفحه 32]

(وابتغوا إليه الوسيلة) [18] ، حيث كان القرآن موافقاً في هذه المسألة لعقلاء أنفسهم وهذا ما نجده في طلب حوائجهم من الذين هم في موضع القيادة أو المسؤولية فيسألونهم قضاء حوائجهم وهم أما زعيم أو رئيس أو حتي رجل كريم... وهذا ليس من الشرك في شيء، فهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي فنحن عندما نذهب إلي الطبيب نلتمس لديه الشفاء والعلاج وصولاً إلي الصحة والسلامة، وما الطبيب الحقيقي إلاّ الله تعالي فهل هذا يعتبر شركاً بالله عز وجل؟ ويدل علي هذا الأمر ماروي في قصة أبناء يعقوب علي لسان القرآن الكريم عندما أدركوا انهم قد ارتكبوا ذنوباً كثيرة بحق أخيهم يوسف حيث جاءوا أباهم يعقوب قائلين: (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنِّا كنِّا خاطئين) [19] علي أساس أن أباهم هو وسيلة الغفران لهم من قبل رب العالمين (وابتغوا إليه الوسيلة).

وعلي هذا الأساس كان التوسل أمراً دينياً قد تعارف عليه الناس منذ أن خلق الله البشرية وقد جاء الأسلام ليؤكد علي ضرورة هذا الأمر وذلك من خلال إتخاذ الوسيلة التي نتوسل بها إلي الله تعالي، ولم نجد من وقف ضد هذا الأمر _ أي التوسل _ إلاّ ما أسسه ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري، وتلاه في عقائده الباطلة والتي لا تتملك دليل منطقي برهاني محمد

بن عبد الوهاب الذي أسس أضل واطغي جماعة علي الدين الأسلامي ألا وهي الوهابية العمياء فأعتبر التوسل بأولياء الله تعالي من الأنبياء والأوصياء وعباد الله الصالحين بدعة _ تارة _ وعبادة للأولياء أنفسهم تارة أخري.

وقد خالفت الوهابية كل المرتكزات العقلائية في هذا المضمار وخصوصاً نحن نؤمن بأن القرآن الكريم قد أكد علي حقيقة اتخاذ الوسيلة وبأشكال متعددة، وليس هذا علي ما يدعيه محمد بن عبد الوهاب نوعاً من أنواع الشرك بالله تعالي، والقرآن الكريم نفسه أكد علي ضرورة اتخاذ الوسيلة إلي الله تعالي.

والتوسل يكون علي قسمين أو صورتين:

[ صفحه 33]

1_ التوسل بالأولياء أنفسهم، كأن نقول: (اللهم أني أتوسل إليك بنبيك محمد صلي الله عليه وآله وسلم أن تقضي حاجتي).

2_ التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالي كأن نقول (اللهم أني أتوسل إليك بجاه محمد وحرمته وحقه أن تقضي حاجتي).

أما الوهابية فإنهم يُحرمون الصورتين معاً، في حين أن الأحاديث الشريفة وسيرة المسلمين تشهدان بخلاف ما تدعيه الوهابية وتؤكدان جواز الصورتين معاً [20] فلقد جاء الحديث الشريف عن عثمان بن حنيف ليؤكد علي هذه الحقيقة حقيقة جواز التوسل بأولياء الله تعالي حيث يقول: «إن رجلاً ضريراً أتي إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال: أُدُع الله يعافيني.

فقال صلي الله عليه وآله وسلم: إن شئتَ دعوت، وأن شئت صبرت وهو خير؟

فقال: فادعُه _ فأمره _ ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء: اللهم أني اسئلك واتوجّه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلي الله في حاجتي لتقضي!، اللهم شفعه فيَّ.

قال ابن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتي دخل

علينا كأن لم يكن به ضرّ.

ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة السند وقد أثبتته كتب العامة قبل الخاصة حتي ابن تيمية نفسه اعتبر ناقل هذا الحديث ثقة [21] .

أن هذا الحديث من خلال التأمل الدقيق في ألفاظه يظهر معناه واضحاً جلياً. حيث دل علي ان الإنسان له أن يتوسل إلي الله تعالي بالذين جعلهم أدلاء علي مرضاته وسبل نجاته ألا وهم الأنبياء وأفضلهم وأحسنهم خاتمهم نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، والتوسل يكون بجرمتهم وكرامتهم وحقهم علي الله تعالي. أما التوسل بالأنبياء وبحقهم فهذا ما جاء علي لسان الحديث المروي في وفاة فاطمة أُمّ أمير المؤمنين حيث يقول الحديث «لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فجلس عند رأسها

[ صفحه 34]

فقال: رحمك الله يا أمي بعد أمّي ثم دعا رسول الله أسامَة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون، فحفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد حفر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيده وأخرج ترابه فلما فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه، ثم قال: والله الذي يُحي ويميت وهو حيُّ لا يموت إغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي [22] .

أما ما ورد في التوسل بالنبي نفسه، فقد روي جمع من المحدثين ان اعرابياً دخل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال: «لقد أتيناك ومالنا بعيرٌ يئط _ أي مثل صوت البعير _ ولا صبي يغط _ وهو صوت النائم _ ثم أنشأ يقول:

أتيناك والع__ذراء تدم_ي لبانُها

وقد شغلت أم الصب_يّ

ع_ن الطفلِ

ولا شيء مم_ا يأكل الناس عندنا

سوي الحنظل العامي والعلهز الفسْلِ

وليس لن__ا إلا إلي_ك فرارُن_ا

وأين فرارُ الن_اس إلا إلي الرس_لِ

فقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يَجُر رداءه، حتي صعد المنبر فرفع يديه وقال: اللهم اسقنا غيثاً... فما ردا النبي حتي ألقت السماء...

ثم قال: لله دَرُّ أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قولَهُ؟

فقام علي بن أبي طالب عليهما السلام وقال: كأنك تريدُ يا رسول الله _ قَولَهُ:

وأبيض يُستسقي الغمامُ بوجهه

ثِمال اليت_امي عصمَةُّ للأراملِ

يطوف به الُهلاك من آل هاشم

فهم عن_ده في نعم_ةٍ وفواضل

فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم أجل فانشد علي عليه السلام أبياتاً من القصيدة، والرسول يستغفر لأبي طالب علي المنبر، ثُم قام رجل من كنانة وأنشد يقول:

لك الحمد والحمد ممن شكر

سقينا بوجه النبي المَطَر [23] .

ولنعم ما قال سواد بن قارب في القصيدة التي يتوسل بها بالنبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم

وأشه_د أن الله لا ربًّ غي_رُه

وانك مأم_ون علي كل غائ_ب

وانك أدن_ي المرسلين وسيل_ة

إلي الله يابن الأكرمين الاطائب

[ صفحه 35]

فمرنا بما يأتي_ك يا خي__ر مُرسلٍ

وان كان فيما فيه شي_بُ الدوائ__ب

وكن ل_ي شفيع_اً يوم لا ذو شفاعةٍ

بِمُضض فتيلاً عن سواد بن قاربِ [24] .

أما التوسل بأولياء الله تعالي فهذا ما اثبتته الكتب الكثيرة وخاصة الموجودة في كتب العامة حيث ورد في كيفية استقساء المسلمون بعم النبي «العباس» واستسقي

عمر بن الخطاب بالعباس عام الرمادة، لما اشتَدّ القحط فسقاهم الله تعالي به، وأخصبت الأرض _ فقال عمر هذا _ والله _ الوسيلة إلي الله والمكان منه.

وقال حسّان:

سأل الأمام وق_د تتابع جد بنا

فسقي الغمام بغُرّة العَّب_اسِ

عم النبي وصف_و والِدهِ الذي

وَرث النبي بذاك دون الناس

أحيي الأله به البلاد فأصبحت

مخضرة الأجانب بعد اليأس

ولما سقي الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين [25] .

اقول: بعد هذا البيان يظهر لنا ان التوسل بالأولياء الصالحين مما جرت به السنة الشريفة فضلا عن القرآن الكريم نفسه، وعلي هذا الأساس جاء هذا الدعاء المروي عن علمائنا الأفاضل:

«اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها... والذي يظهر من خلال استقراء الروايات المأثورة في حق الزهراء أن هذا الدعاء وارد في حق التوسل بالصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام فتارة نجد بعض الأحاديث تبين كيفية التوسل بالزهراء وتارة أخري تبين كيفية الاستغاثة بالصديقة الشهيدة سلام الله عليها.

فقد ورد عن لسان العلامة المتبحر المجلسي ما نصه: وجدت نسخة قديمة من مؤلفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه:

هذا الدعاء رواه محمد بن بابويه رحمه الله، عن الأئمة عليهم السلام وقال: ما دعوت في أمر إلاّ رأيت سرعة الإجابة وهو...

(يا فاطمة الزهراء يا بنت محمد، يا قرة عين الرسول، يا سيدتنا ومولاتنا، إنّا

[ صفحه 36]

توجهنا واستشفعنا، وتوسلنا بك إلي الله، وقدمناك بين يدي حاجتنا، يا و جيهة عند الله أشفعي لنا عند الله...) [26] .

وروي في كيفية التوسل بالزهراء، أن تصلي ركعتين، فاذا سلمت فكبر الله ثلاثاً، وسبح

تسبيح الزهراء عليها السلام واسجد وقل مائة مرة: يا مولاتي، يافاطمة أغيثيني، ثم ضع خدّك الأيمن، وقل كذلك، ثم عد إلي السجود وقل كذلك، ثم خدك الأيسر علي الارض وقل كذلك، ثم عد إلي السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات، أذكر حاجتك تقضي [27] أما صلاة الاستغاثة بالبتول فهو نفس العمل السابق إضافة إلي ذلك تقول في السجود:

(يا آمناً من كلّ شيء وكل شيء منك خائف حذر، أسألك بأمنك من كل شيء وخوف كلّ شيء منك، أن تصلي علي محمد وآل محمد، وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي ومالي وولدي حتي لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً، إنك علي كل شيء قدير).

والدعاء الذي افتتحنا به البحث يؤكد علي مسألة مهمة أخري وهي حق فاطمة عليها السلام والذي يهمنا في هذا المقام هو معرفة حق فاطمة وما المقصود منه، والذي نراه بعد تتبع بعض روايات أهل البيت عليهم السلام أنّ حق أهل البيت عظيم وحقوقهم كثيرة، ولكن الأهم من هذا كله هو معرفة الحق الأكبر، والذي عبرت عنه الروايات حق المعرفة، وبعبارة أخري أهم حق هو معرفة كونهم عليهم السلام مفترضوا الطاعة وهذا ما أشارت إليه الكثير من الروايات المروية في المقام.

حيث فسرت حق الأئمة تارة بأنهم حجة الله علي الخلق والباب الذي يؤتي منه والمأخوذ عنه، وأنهم مفترضوا الطاعة، وهكذا بالنسبة للأئمة عليهم السلام، أمّا الصديقة الشهيدة، فحقها كبير علي الناس وخصوصاً الأنبياء، حيث ورد أنه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتي أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الأولي، وكذلك ورد أنها مفترضة الطاعة علي جميع البشر وهذا حقها الأكبر

[ صفحه 37]

علي الناس حيث يقول الحديث:

«ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة، علي جميع من خلق الله من الجن والأنس والطير، والوحش، والأنبياء، والملائكة» [28] علي أنه كلما ثبت من حقوق للأئمة عليهم السلام فهو ثابت للصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام وخصوصا نحن نعلم انه ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام انه قال: (نحن حجج الله علي الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا).

اذن من خلال هذا الموضوع نفهم ان لحقيقة التوسل بالصديقة الشهيدة عليها السلام لقضاء الحاجات بوجاهات عند الله دوراً مهماص في ترسيخ عقيدة الإنسان المؤمن بها حيث بعد قضاء الحاجة علي يديها يجد المؤمن ايماناً راسخاً بها هذا من جهة، وان حقيقة التوسل بها يضعناً أمام جملة من الحقائق لابد من الوقوف معها والتأمل في مغزاها من جهة اُخري.

وأوَّل هذه الحقائق المنزلة العظيمة والجليلة والفريدة التي كانت تتمتع بها بضعة النبي صلي الله عليه وآله وسلم مما جعلها موثلاً لكل مستغيث ومقصداً لكل طالب حاجة ضاق بحاجته ذرعاً وهو لا يدري باب من يطرق حتي تقضي حاجته وتجاب استغاثته، فاذا بالإمام الصادق عليه السلام يقول لنا: عليكم بالزهراء، استغيثوا بأسمها ونادوا مولاتكم فاطمة، وحينئذ تقضي حاجتكم، وتنالون مطلبكم ويكفي في مقام بيان منزلتها انها كانت المرجع لأبيها حيث كنّاها النبي صلي الله عليه وآله وسلّم باُمّ أبيها، وانها كانت بضعة منه فمن أغضبها فقد أغضبه صلي الله عليه وآله وسلم ويكفي في منزلتها أيضاً أنها سيدة نساء أهل الجنة،بل سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة، وأنها أم الأئمة المعصومين وانها حليلة سيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام.

وأما الحقيقة الثانية التي أثبتتها أحاديث التوسل بالصديقة

الشهيدة، هو مسألة الشفاعة، ولما لها من الأهمية الكبري في حياة الفرد المؤمن، حيث نجد مسألة الشفاعة لها دور كبير في بعث الأمل في روح المذنبين وأن لهم أملاً يظهر خلال الدنيا علي نحو التوسل وفي الآخرة علي نحو الشفاعة وهذا ما أكده القرآن الكريم في كثير من آياته

[ صفحه 38]

حيث يقول سبحانه وتعالي: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن) [29] ، (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن اذن له) [30] ، (لا يمكلون الشفاعة إلاّ من اتخذ عند الرحمن عهداً) [31] فإذا كان الله سبحانه وتعالي يأذن لبعض عباده بأن يشفعوا لغيرهم من الناس فمن أولي من بضعة الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بهذه الخصوصية.

والحقيقة الأخري التي كشفت عنها روايات التوسل والأستغاثة بالصديقة الشهيدة هي مسألة تسبيح الزهراء عليها السلام، ذلك التسبيح الذي علمه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لأبنته بأن تكبر الله سبحانه أربعاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتسبحه ثلاثاً وثلاثين، عندما جاءته والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام تشكو له صلي الله عليه وآله وسلم إجهادها ونصبها ومعاناتها في عمل البيت، فطلبت منه صلي الله عليه وآله وسلم أن يعينها بخادمة تكون معواناً لها، فكان أن علمها هذا التسبيح الذي عملت به سلام الله عليها وعنها أخذ المؤمنون يسبحون به ويتعبدون بعد كل صلاة، وكأنه صلي الله عليه وآله وسلم أراد ان تصبح الزهراء عليها السلام حاضرة في كل صلاة يؤديها مؤمن، إذ كلما تَعَبدَّ بهذا التسبيح متعَبِد تذَكرّ الزهراء ومكانتها من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومن الله سبحانه وتعالي.

[ صفحه 41]

حقيقة السر المستودع في فاطمة

اشاره

عبد

الحسين صادق العاملي

أنائحة مثلي علي العرص_ةِ القَف_را

تعالي أُقاسمكِ المناح_ةَ والذك__ري

حديث الجوي ياورقُ يرويه كلُّ_نا

عن العَبرةِ الوطفاءِ والكب_دِ الح_رّي

كلانا كئيبٌ يُتبعُ الن___وحَ أنّ__ةً

إذا ماوعاها الصخرُ صدّعتِ الصخرا

خذي لك شط_راً من رسي_سٍ مبّرح

ولي منُهُ ياذاتَ الجناحِ ذري شط_را

خلا إنّها تبكي وماف__اضَ دمْعُه_ا

وأرسلتُها من ذمقلت_ي أدمع_اً حمرا

فلا جمرُ أحشائي يج_ف_فُ عبرتي

ولا عبرتي في صوبها تثخمد الجمرا

وقائلةٍ وه_يَّ الخلي__ةَ من ج_ويً

معرّسُهُ أضحي في الحيازَم والصدرا

رويدكَ نهنْهْ عن غ_رامِ_كَ واتخ_ذْ

شعاريكَ في الخطبِ التجلدَ والصبرا

فقل_تُ ولك_نْ فات_ني الصب_رُ كلّهُ

لرزءٍ أُصيب_تْ فيهِ فاطم_ةُ الزهرا

غ_داةَ تب_دْت مست_باح_اً خباؤه_ا

ومهتوكةً ح_ُ_ب الخفارةِ والست_را

علي حينَ لاعي_نُ الن_ب_ي أمامه_ا

لنُبص_ر ماعانت_هُ بضعت_هُ قَس_را

علي حينَ لا يفُ الرس_ولِ بمنتضي

الغرارِ ول_م تن_ظر لرايت_هِ نش_را

بنحلتها جائ_تْ تط_الُ_ب معش_راً

بدا كفرهمْ من بعدِ ما أضمروا الكفرا

عَموُا عنْ هواها ثمّ صمّ_وا كثيرُهم

كأنّ بسمع القوم من قولِه_ا وَق__را

لقدْ أرعشت بالوعظِ ص_لَّ ضغونِهمْ

فثاروا لها والصلُّ إنْ يرتعشْ يضرا

فلو أنه_مْ أوص_ي النب_ي بظلم_همْ

لها ما استطاعوا غيرَ ما ارتكبوا أمرا

وأنّ_ي وهمْ طوراً عليها تراثَه___ا

أبوا وأبوا منها البُك__ا ت_ارةً أُخري

وه_مْ وشموها ت_ارةً بسياطه___مْ

وآونةً قدْ أوسعوا ضلعَه_ا كس__را

وخل_ي حدي_ثَ البابِ ناحيةً ف_م_ا

تمثلتُ__هُ جرتْ مقلت_ي نه__را

بنفس_ي الت_ي ليلاً توارتْ بلحده_ا

وك_ان بعي_نِ الله أنْ دُفن_تْ س_ّرا

بنفسي الت_ي أوصتْ باخفاءِ قبره_ا

ولولاهُم كان_تْ بأظه_ارِهِ أح__ري

كتمان الأسرار

أكد القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة علي اطلاع الباري عزّ وجل علي خائنة العين وما تخفي الصدور، ويعني هذا أن الله يعلم السر وما أخفي، وهو ما أضمره الإنسان وأسرّه ثمّ نسيه (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون) [32] ، وايضاً جاء قوله تعالي (وأسروا قولكم أو اجهروا به، أنه عليم بذات الصدور) [33] ليؤكد هذه الحقيقة، حقيقة السر الذي يكتمه الأنسان علي غيره ولكن لا يخفي علي الله تعالي أي سرٌ لأنّ الله تعالي خالق الإنسان في هذا العالم وإلي ذلك أشار القرآن (قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض، إنه كان غفوراً رحيما) [34] ، فيعلم الله تعال حقيقة أسرار الناس وما يكتمون، إلاّ أنّه هناك اسرار مودعة من قبل الله تعالي عند كثير من الأولياء وخصوصاً الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين حيث أمرهم بحفظها ولا يظهروها إلا لمن هو أهل لها، ولنعم ما قيل في الشعر المنسوب الي مولي الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال:

لا تَفْشِ سِرَّا ما استطعت الي امريءٍ

يُفشِي اليك سَرَ سَرَائر يُستودَعُ

فكم_ا ت_راه بِسِرّ غي_رك صانع_اً

فكذا بِسِرّكَ لا محال_ة يصن_ع

وإلي ذلك أشار الفرزدق:

لا يكْتُم السّرَّ إلا من له شَرفُ

والسِّرُّ عند كرام الناس مكتُومُ

[ صفحه 44]

السِّرُّ عندي في بيت له غلقٌ

ضلت مفاتيحه والباب مَردُومُ

اذن الأسرار المودعة من قبل الله تعالي عند الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين هي أمانات وكما ورد في المثل الذي يقول «السر أمانة فانظر عند من تضع أمانتك».

وقال الله تعالي: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها) [35] .

وأسرار الله تعالي كلها أماناته في أرضه وقلوب أوليائه ولا إجازة لهتكها وكشف قناعها إلا بين يدي صاحبها الذي هو أهلٌ لها وهذا أمرٌ أمر الله تعالي به عباده المخلصين من الأنبياء والأولياء _ عليهم السلام _ وبالغ معهم، وأمرهم ايضاً ان يأمروا بذلك المؤمنين ويبالغوا فيه، حتي قالوا «افشاء سر الربوبية كفر وهتك استار الألوهية زندقة» وقالوا «لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها، فتظلموها، ولا تمنعوها من أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الشفيق يضع الدواء موضع الداء».

وقالوا في الشعر المنسوب الفارسي «فمن منع الجهال علماً أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم»، وأقوالهم الشاهدة بذلك واشاراتهم الدالة عليه أشهر وأظهر من أن تخفي علي أحد، ومع ذلك نحن نذكر بعض ذلك استظهاراً لك ولغيرك لئلا يهمله أحد ويوقع نفسه في الهلاك الأبدي والشقاء السرمدي، حيث جاء قوله تعالي تعليماً لعباده وتأكيداً لهم في أداء الأمانة التي هي أسراره إلي أهلها (أنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان أنه كان ظلوماً جهولاً) [36] .

والمراد انه يقول: الذي هم الملائكة والجن والحيوانات والوحوش الطيور وغير ذلك _ أو علي استعداد كل واحد من السماوات والأرض والجبال بنفسها، لانها عند الأكثرين شاعرة بذاتها _ لاجل ايداع أمانتنا التي هي أسرارنا فما وجدنا أهلاً لها ومستعدين لحملها لعدم قابليتهم وضعف استعدادهم لأن حمل الشيء وقبوله موقوف علي قابليه ذلك الشيء واسعداده ووجدنا الإنسان أهلاً لها ومستعداً لحملها فأمرناه بحملها وأشرنا إليه بقبولها لأنّه كان «ظلوما جهولاً» أي بسبب أنه كان مستعداً لها ومستحقاً لحملها «بظلوميته وجهوليته».

[ صفحه 45]

فكأنه يقول: ان السبب الأعظم والمُمَد الأعلي في أهليته لهذه الأمانة المعروضة علي السماوات والأرض والجبال ومافيها من المخلوقات كان «ظلوميته وجهوليته» لانه لو لم يكن مستحقا لحملها ومستعداً لقبولها لكان كغيره من الموجودات لعدم هاتين الصفتين فيه، وعلي هذا التقدير تكون صفتا «الظلومية والجهولية» مدحاً له «يعني للإنسان» لا مذمة كما ذهب إليه أكثر المفسرين [37] ، ولا شك انه كذلك واللام في «لانه» لام التعليل لا غير، ليعرف به هذا المعني والمراد بالإنسان نوعه وبالحمل استعداده للحمل وقابليته له. وهذا هو المعني المطابق للامانة والعرض والحمل والقبول والإباء اجمالاً لاغير، وإلاّ الأمانة ما كانت شيئاً محسوساً معروضاً علي كل واحد من الموجوادات حساً وشهادة ولا كان آباؤهم عنها قولاً وفعلاً، كما يرسخ في اذهان المحجوبين عنها. اذن بما أنه تعالي مع عظمة شأنه وجلالة قدره لم يضع ويدع الأمانة إلا عند أهلها، ولم يأذن بها إلا إلي صاحبها فلا ينبغي ان يفعل غيره بخلاف ذلك وإلا يكون مخالفاً لأمره سالكاً غيره طريقه وايضاً لو لم تكن رعاية الأمانة عنده عظيمة ما مدح بنفسه للراغبين أمانته، وما سلكهم في سلك المصلين الصلاة الحقيقية، وما جعلهم من الوارثين (قد افلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون) إلي قوله تعالي (اولئك هم الوارثون الذي هم يرثون الفردوس هم فيها خالدون) فحيث مدحهم علي ذلك وسلكهم في سلك هؤلاء المعظمين بل قدمهم عليهم وجعلهم من الوارثين «الذين يرثون الفردوس» فعرفنا ان رعايتها «يعني رعاية الأمانة» معتبرة وقدرها جليل وشأنها عظيم وبالجملة الخيانة في هذه الأمانة هي أيداعها عند غير أهلها، وامساكها عن أهلها، وكلاهما غير جائز

وإليه أشار جل ذكره في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون) أي «لا تخونوا الله والرسول» بأيداع أسرارهم عند غير أهلها «وأنتم تعلمون» عاقبة الخائن وصعوبة عذابه وشدة عقوبته: (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) اي ذلك القول «وصاكم به

[ صفحه 46]

لعلكم تتقون» عنها أي تحتزرون عن الخيانة بعد ذلك وتعظمون مكانتها. جعلنا الله من الحاملين أمانته والراعين عهده، الموفين به الوارثين جنته، بمحمد وآله أجمعين.

واذ فرغنا من كلام الله تعالي، فلنشرع في كلام الأنبياء عليهم السلام ومنها قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم «من وضع الحكمة في غير أهلها جهل، ومن منع عن أهلها ظلم» «ان للحكمة حقاً، وان لها أهلاً: فأعط كل ذي حق حقه» وقوله صلي الله عليه وآله وسلم «ان من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه غلا أهل المعرفة بالله، فاذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله» وغير ذلك من الأقوال المعلومة لأهلها.

والغرض انه صلي الله عليه وآله وسلم أمر بذلك وفعل بنفسه، لأنه إذا أراد إيداع مثل هذه الأسرار في قلوب أصحابه وخواصه كان يخلو بهم ويقول في آذانهم، كما فعل بأمير المؤمنين علي عليه السلام وأخبر عنه أمير المؤمنين بقوله «تعلمت من رسول الله ألف باب من العلم، وفتح الله تعالي لي بكل باب ألف باب» وإلي كتمانه واخفائه بنفسه عن الأغيار أشار أيضاً بقوله «اندمجت علي مكنون علم، لو أبحث به لا ضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة». والي ثمرة أظهاره _ أعني من الفساد _ أشار أيضاً وقال «والله لو شئت أن أخبر بكل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت

ولكني أخاف أن يكفروا برسول الله» وهذا أمر منه بأخفاء اسرار الله وكتمانها وكناية عن أخفائها ولهذا لما قال له الخصم «أنت تتكلم بالغيب» قال ويحك! ان هذا ليس بغيب، ولكنّه علم تعلمتُ من ذي علم» أراد به النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

وكما فعل بسلمان ايضاً، أي جعله صاحب سّر وقال فيه: «سلمان منّا أهل البيت» أي من أهل بيت التوحيد والعلم والمعرفة والحكمة لا من أهل بيت النسوان والصبيان والاهل والاولاد، وقال تأكيداً لهذا المعني «لو علم أبو ذر ما فيبطن سلمان من الحكمة لكفره!» وروي «لقتله!» وكلاهما صحيح فأنظر إلي عظمة السر المودع عند سلمان، وعلي المبالغة في كتمان أسرار الله تعالي حيث عرفت أنّ كبار الصحابة كانوا يخفون بعضهم عن بعض حتي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولعظمة أن سلمان وقربه إلي حضرة الرحمان قال عليه السلام «الجنة أشوق الي سلمان من سلمان الي الجنة» وكذلك لجلالة قدر أويس القرني رحمه الله لا طلاعه علي أسرار الله تعالي كشفا وذوقا، قال صلي الله عليه وآله وسلم في حقه حيث كان

[ صفحه 47]

يستنشق من طرف اليمن روائح أنفاسه الشريفة من حيث الباطن أو الظاهر: «أني لأستنشق روح الرحمن من طرف اليمن» وورد «من ناحية اليمن» و «من قبل اليمن» وقد سأله سلمان عن هذا الشخص فقال له عليه السلام: «ان باليمن لشخصاً يقال له: «أويس القرني يحشر يوم القيامة أمة وحده يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، ألا من رآه منكم فليقرأه عني السلام، ليأمره أن يدعو لي».

وإلي غلبة هذه الأسرار بالنسبة إليه في بعض الأوقات قال:

«لي مع الله وقت لا يسعني فيه

مقرب ولا نبي مرسل» والمراد أنّ لي مع الله حالات وأوقات لا يمكن ان يطلع عليها أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهم من المخلوقات، وكأنه يشير الي أنه ما تنكشف عليه هذه الاسرار ولا تتجلي له هذه الأنوار إلاّ عنده تجرده عن جميع التعلقات الروحانية والجسمانية _ حتي النبوة والرسالة _ وعن جبرئيل وابلاغه أيضاً لقوله عليه السلام: «لو دنوت أنملة لا حترقت» وبالحقيقة المعراج عبارة عن هذا المقام، إن اُريد به العراج المعنوي، وإن اُريد به المعراج الصوري فهو ظاهر وقد عبر عليه السلام عن شدة تعلقه بالنبوة والرسالة ومنعهما من الوصول إلي حضرة الحق جل جلاله وقال حين خلاصه عنهم لحظة «لا يسعني فيه ملك مقرب أي جبرئيل وابلاغه «ولا نبي مرسل» أي النبوة ورسالتهما لأن الرسالة ابلاغ ما حصل عن النبوة وإلي هذا المقام أشار _ جل ذكره _ «ولن أجد من دونه ملحداً إلاّ بلاغاً من الله ورسالاته» وأمثال ذلك كثيرة. والغرض منه أنّ إخفاء أسرار الله تعالي _ خصوصاً الأسرار المتعلقة بهم _ واجب من غير أهلها لأنها لا زالت كذلك أي مخفية عن غير أهلها، مودعة عند أهلها، وإذا عرفت هذا فلنرجع إلي قول الأولياء عليهم السلام أعني اكتفينا منهم بأعظمهم وأكملهم الذي هو نبينا صلي الله عليه وآله وسلم ومنها قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأقواله في هذا الباب كثيرة نذكر منها أحسنها وألطفها، وهو ما جري بينه وبين كميل بن زياد النخعي رحمه الله الذي كان من أخص تلامذته وأعظم أصحابه وإليه تنسب خرقة الموحدين وطريقة المتحققين حين سأله عن «الحقيقة» بقوله «ما الحقيقة!» فقال له عليه السلام: «مالك والحقيقة؟»

يعني من أنت

[ صفحه 48]

والسؤال عن الحقيقة ولست بأهلها! فقال كميل: «أولست بصاحب سرك؟» قال: «بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي» يعني أنت صاحب سري ومن أخص تلامذتي ولكن لست بأهل لمثل هذا السر والإطلاع عليه لأنه «يرشح عليك ما يطفح من» و «إلاّ كان الأمر» يضرك ويضرني لأن ظرفك لا يحتمل فوق قدرك، وأنا مأمور بوضع الشيء في موضعه، فقال كميل: «أومثلك يخيب سائلاً؟» أي مثلك في العلوم والحقائق والإطلاع علي استعداد كل سائل «يخيب سائلاً» أي يمنعه عن حقه ويجعله محروماً عن مراده، خائباً عن مقصوده، ساكتاً عن جوابه؟ لا والله بل يجب عليك وعلي مثلك جواب كل واحد منهم بقدر استعداده وفهمه وادراكه مطاوعة لقوله تعالي: (أما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدّث) وأسوة نبيك صلي الله عليه وآله وسلم لقوله «كلموا الناس علي قدر عقولهم» فشرع الإمام عليه السلام بعد ذلك في بيانه وقال: الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة، فقال كميل: زدني فيه بياناً، قال الإمام عليه السلام: صحو الموهوم مع محو الملعوم.

قال كميل: زدني فيه بياناً، قال الإمام عليه السلام: هتك السر لغلبة الستر. قال كميل: زدني فيه بياناً. قال الإمام عليه السلام: نور يشرق من صبح الأزل، فيلوج علي هياكل التوحيد آثاره. قال كميل: زدني فيه بياناً، قال الإمام عليه السلام: أطف السراج، فقد طلع الصبح.

وهذا الكلام يحتاج إلي شرح طويل وبسط عظيم، ولكن معني الكلام الأخير انه يقول: اسكت بعد ذلك أي بعد هذا البيان التام والإظهار الكامل والكشف الجلي، عن السؤال من لسان العقل ومقام القلب ومرتبة السلوك، لأنه قد طلع تباشير شمس الحقيقة وظهر شعاعها

في الآفاق، ولست أنت بعد ذلك، محتاجاً إلي السؤال من لسان العقل الذي كالسراج بالنسبة للشمس.

والمراد أن الشخص إذا وصل إلي مقام المشاهدة والكشف فلا ينبغي له أن يطلب المقصود من طريق المجادلة والمباحثة لأنّ الكشفيات والذوقيات غير قابلة للعبارة والاشارة والسؤال والجواب كما أشار إليه أولا: «كشف سبحات الجلال من غير اشارة» فكأنه أمره بالسكوت والصمت والتوجه إلي حضرته تعالي حتي يدرك مقصوده بالذوق الذي هو أعلي مراتب الوصول إلي الله تعالي، وعن هذا المقام قال

[ صفحه 49]

العارف: «من عرف الله كلَّ لسانه» أي «من عرف الله» علي سبيل المشاهدة والذوق «كلَّ لسانه» عن العبارة والاشارة والغرض من هذا كله ان الإمام عليه السلام اذا كان بأفشاء الأسرار اللهية من أعظم خواصه وأكبر تلامذته بهذه المثابة، فلا يجوز لغيره افشاؤها مع كل أحد من العوام والجهال، فاذن عليك بكلتمانها واخفائها عن غير أهلها اتباعاً لله تعالي ولرسوله ولإمام المسلمين كافة.

ويروي عن كميل رضي الله عنه مثل ذلك أيضاً وأبلغ في كتمان الأسرار واخفائها، كما هو مذكور في نهج البلاغة، وهو أنه قال رضي الله عنه: «أخذ بيدي أمير المؤمنين علي عليه السلام فأخرجني الي الجبّابة فلمّا أصحر، تنفس الصعداء، ثم قال لي: يا كميل بن زياد! «إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فأحفظ عنّي ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم علي سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤا بنور العلم، ولم يلجأ وإلي ركن وثيق.

يا كميل: العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو علي الإنفاق وصنيع المال يزول بزواله، يا كميل!

معرفة العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد وفاته، العلم حاكم والمال محكوم عليه، يا كميل بن زياد: هلك خزان الاموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة؟ إنّ ههنا لعلّماً جماً _ وأشار بيده إلي صدره _ لو أصبت له حملة! بلي! أصبت لقناً غير مأمون عليه، مستعملاً آلة الدين للدنيا، ومستظهراً بنعم الله تعالي علي عباده، وبحججه علي أوليائه، أو منقاداً لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لاول عارض من شبهة: ألا! لاذا ولاذاك، أو منهوماً باللذة _ سلس القيادة للشهوة، أو مغرماً بالجمع والادخار ليس من رعاة الدين في شيء أقرب شيء شبهاً بهما الانعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلي: لا تخلو الأرض من قائم الله بحججه، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيّناته، ولم ذا؟ وأين أولائك _ لا والله _ الاقلون عدداً. والاعظمون عند الله قدراً، يهم يحفظ الله تعالي حججه وبيناته، حتي يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباهههم، هجم بهم العلم علي حقيقة البصيرة،

[ صفحه 50]

وباشروا ردح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وانسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأدبانٍ أرواحها معلقة بالمحل الاعلي أولائك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلي دينه، آه، آه! شوقاً الي رؤيتهم».

واذ فرغنا من كلامه في كتمان الأسرار والمبالغة فيه بقدر هذا المقام، فلنشرع فيه من كلام الأئمة المعصومين من أولاده عليهم السلام ومبالغة في هذه المقدمة، وان قيل: يكفي في هذه المقدمة ما قدمتم من آية أو آيتين، وخبر أو خبرين لأنّ المقصود

يحصل منهما، فلا فائدة في التطويل وزيادة في الكلام؟ أجيب عنه بأن المراد ليس نفس الاخفاء ولا الكتمان، بل هناك غرض آخر يفهم من البحث الاتي في آخر هذه العجالة وهو معرفة حقيقة السر المستودع في فاطمة وهل هو ظاهر أم مستور ستره الله عن جميع البشر إلا الأولياء الخلص، وبقية الأغراض سوف تظهر من بعد ذلك.

ومنها قول الأئمة المعصومين من أهل بيت النبي _ صلوات الله عليهم أجمعين _ وهو أنّه مرويٌّ برواية صحيحة عن احدهم عليهم السلام قال: «أن أمرنا صعب مستعصب، لا يحتمله إلاّ ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان»، وقال: «خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم بما ينكرون،ولا تحملوا علي أنفسكم وعلينا، أنّ أمرنا صعب مستعصب، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان» [38] .

وروي محمد بن عبدالجبار عن الحسين بن الحسين اللؤلؤي عن محمد بن الهيثم، عن ابيه، عن أبي حمزة الثمالي، قال: «سمعت أبا جعفر «يعني الإمام الباقر» _ يقول: أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحنه الله قلبه للإيمان. ثم قال: يا أبا حمزة! ألست تعلم أنّ من الملائكة مقرباً وغير مقرب؟ ومن النبيين مرسلاً، وغير مرسل؟ وفي المؤمنين ممتحناً وغير ممتحن؟ قال: قلب بلي؟ ألا تري صعوبة أمرنا؟ ان الله تعالي أختار له من الملائكة المقرب ومن النبيين المرسل ومن المؤمنين الممتحن».

[ صفحه 51]

وروي محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن جابر عن أبي عبدالله يعني الإمام جعفر الصادق عليه السلام _ أنه قال: «أمرنا سرٌّ مستور

في سّر، وسرّ مستسّر، وسرّ لا يفيده إلا سرّ وسرّ علي سرّ، مقنّع بسّر» وروي ايضاً أنّه قال: «أمرنا سرّ مستور في سرّ، مقنع بالميثاق: من هتكه أذله الله» [39] وروي ابن محبوب، عن مرازم، قال «قال لي أبو عبدالله عليه السلام: «أمرنا هو الحق وحقّ الحقّ، وهو الظاهر، وباطن الباطن، وهو السرّ، وسرّ السرّ، والسر المستتر، وسرّ مقنع بسّر». وإلي كتمان هذا السر، أشار بقوله عليه السلام: «التقية ديني ودين آبائي، فمن لا تقية له، لا دين له» [40] يعني: الإتقاء والإحتراز من افشاء الأسرار الإلهية، «ديني ودين آبائي» من الأنبياء والأولياء عليهم السلام «فمن لا تقية له» في إخفائها «لا دين له» وإلي هذا أشار علماؤنا في كتبهم وقالوا: التقية واجبة لا يجوز رفعها إلي أن يخرج الإمام القائم الذي يظهر الدين كله ويكون من المشرق إلي المغرب علي ملّة واحدة كما كان الشأن في زمان آدم عليه السلام، فمن تركها «يعني التقية» قبل خروجه فقد خرج مندين الإمامية، وخالف الله تعالي ورسوله والأئمة عليهم السلام وهذا الكلام منقول من «اعتقادات ابن بابويه رحمه الله».

وروي عمران بن موسي عن محمد بن علي وغيره، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «ذكر عليّ عليه السلام التقية في يوم عيد».

قال والله لو علم أبو ذر ماذا في قلب سلمان، لقتله!»، ولقد آخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بينهما، فما ظنك بسائر الخلق؟ «ان علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن، امتحن الله قلبه للإيمان. قال: «وإنما صار سلمان من العلماء، لأنه أمرؤ منّا أهل البيت».

فلذلك نسبته الينا [41] وإلي هذا كله أشار الإمام المعصوم زين العابدين عليه السلام في أبيات منسوبة إليه، وهو قوله:

اني لاكتم م_ن علم_ي ج_واه__ره

كيلا ي_ري الح_قَّ ذو جه_ل فيفتتنا

وق__د تقدمّن_ا فيه_ا أب__و حس_ن

مع الحسين ووصّي بها قبلها الحسنا

[ صفحه 52]

يا رب جوه_ر علم لو أبوح به

لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا!

ولا ستحل رجال مسلمون دمي

يرون أقب_ح ما يأتون_ه حسن_ا

وعلي هذا الاساس نجد ان الأئمة من آل محمد _ صلي الله عليه وآله وسلم _ كانوا يحملون الأسرار الربانية التي أفاضها الباري عليهم منذ أن خلقهم أنواراً وجعلهم بعرشه محدقين وإلي أن مَنَّ بهم علينا، ولكن لا يظهرون هذه الأسرار إلا لمن وجدوه أهلاً لحمل الأمانة، ومستودعاً لها، وإلي هذا الأمر _ أعني حمل الأسرار _ ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة لأئمة المؤمنين عليهم السلام ما نصهُ: (... السلام علي محال معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظه سر الله... اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسره... وأنصاراً لدينه، وحفظة لسره... ومستودعاً لحكمته...).

وغير ذلك من الاقوال والزيارات الواردة والتي تصفهم عليهم السلام بأنهم المستودع لسّر الله، وان هذه الاسرار لا يعطوها إلا إلي أهلها وإلي ذلك أشار الحديث المروي عن أبي بصير قال: «قال أبو عبدالله عليه السلام: يا أبا محمد، إن عندنا والله سراً منسّر الله وعلماً من علم الله، والله لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان، والله ما كلف الله ذلك، أحداً غيرنا ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا، وان عندنا سراً من

سر الله، وعلما من علم الله أمرنا بتبليغه فبلغنّا عن الله عزّ وجل ما أمرنا بتبليغه، فلم نجد موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتي خلق الله لذلك أقواماً، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته عليهم السلام، ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته وضعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً وذّريتَهُ، فبلّغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك «فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه» وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلي معرفتنا، وحديثنا فلولا أنهم من هذا لما كانوا كذلك، لا والله ما احتملوه، ثم قال: إنّ الله خلق أقواماً لجهنم والنار، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم، وأشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه، وكذبوا به وقالوا ساحرٌ كذاب، فطبع الله علي قلوبهم وأنساهم ذلك، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته، ولو لا ذلك ما عُبدَ الله في أرضه، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان، فاكتموا عمّن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن أمر الله

[ صفحه 53]

بالستر والكتمان عنه، قال: ثمّ رفع يده وبكي وقال: اللهم إن هؤلاء لشر ذمة قليلون، فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم، فأنك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلي الله علي محمد وآله وسلم تسليماً [42] ».

أقول: يظهر من هذا الحديث عدة أمور أهمها:

إنّ أهل البيت عليهم السلام عندهم أسرار قد آمنهم عليها رب العزة لا يتحملها غيرهم ولا يخرجونها إلي أحد منهم مكلفون بها وبحملها والحفاظ عليها وهذا هو معني «حفظة سرّ الله» الوارد في الزيارة الجامعة

الكبيرة، وايضاً قوله عليه السلام ان عندنا... وعلماً من علم الله يعني حكمة الله تعالي انهم هم الودائع لها وهذا معني قوله في الزيارة ومستودعاً لحكمته، وعلي هذا تكون هذه الأسرار خاصة بهم لا يخرجونها إلي غيرهم فهم أولي بحملها من غيرهم لانهم فقط الذين يحتملونها. وكذلك عندهم سّر من أسرار الله تعالي وعلماً من علم الله تعالي احتمله نبيٌ مرسل وملك مقرب وعبد امتحن الله قلبه للايمان وقد عبر الرواية ان هذه الأسرار والعلوم لا يحتملها إلا من هو مخلوق من طينتهم وهم الشيعة الحقيقيين، الذي بشرهم هذا الحديث بالدعاء من قبل الإمام عليه السلام لهم بأن تكون حياتهم مثل حياة أهل البيت عليهم السلام.

إذن يظهر من هذا الحديث وأحاديث مأثورة عنهم عليهم السلام أنهم كانوا يحملون أسرار الله تعالي قد أودعها الباري عز وجل فيهم وكما بينت ذلك الفقرات الواردة في الزيارة الجامعة، وبما أنهم ذرية الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها والتي قد أُقر بفضلها ومحبتها جميع الأنبياء والبشر وانها كانت مفروضة الطاعة وعلي معرفتها دارت القرون الاولي، تكون عندئذ ايضاً حاملة للاسرار الالهية لانه كيف تكون حجة الله علي الأئمة وكما ورد ذلك في الحديث المأثور عن الإمام الحسن العسكري «نحن حجج الله علي خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا» وهم حاملين للاسرار وهي تكون غير حاملة له؟ ولكن السؤال الذي ينقدح في المقام هو كيف كانت مستودعاً للسر الالهي وما هو حقيقة هذا السر المستودع؟ كل هذه الأسئلة لابد

[ صفحه 54]

من ادراكها وعلي ما تحتمله لكي نعرف فاطمة ولو معشار عُشر المعرفة التي فُطمنا عنها _ أي عن معرفة فاطمة عليها السلام.

اقول: قبل أن ندخل في تفاصيل السر المستودع وحقيقة ماهيته لابد أن نري كيف إقتضت ات الزهراء لحمل الأمانة الالهية التي جعلها مستودعاً لها، وهذا يظهر لنا من خلال مراجعة واستقراء الاحاديث المأثورة فيها والزيارات الواردة في علو مقامها وشأنها ونستنطقها الحال ونستقرئها الجواب لكي نفهم كيف اقتضت المشيئة الربانية ذلك، وان أول ما يظهر من الجواب علي ذلك من خلال الزيارة الواردة في شأنها في يوم الاحد والتي تقول الزيارة: «السلام عليك يا ممتحنة إمتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك وكنت لما امتحنك صابرة».

والذي يظهر من هذه الزيارة المخصوصة للصديقة الشهيدة انها أُمتحنت من قبل الباري عز وجل وقبل خلقها أي عندما كانت نوراً من الانوار التي خلقها الله تعالي قبل الخلق بالف عام والتي كانت بعرشه محدقة، والامتحان كان لها لاجل أظهار مقامها السامي ومنزلتها الحقيقية حيث كانت نتيجة الامتحان صابرة، والمعروف عند العرف العقلائي ان الامتحان يمتحن فيه الشخص لُيعرف مدي استعداداته وقابلياته «عند الامتحان يكرم المء أو...»، لذا نجد من باب ان الباري عز وجل الذي هو سيد العقلاء بل هو خالق العقل أجري الامتحان الرباني للزهراء حيث امتحنها، ونحن نعرف ان الامتحان يكون للمرء إما لزيادة منزلة ومقام أو لأجل شيء آخر، ولكن الزهراء عليها السلام إمتحنها الله تعالي لكي تكون حاملة للأسرار الالهية وذلك ما إقتضته المشيئة الربانية فيها، لذا كانت ناجحة في الامتحان الرباني قبل خلقها حيث استحقت لقب الصابرة، اما ماهية هذا الامتحان وفي أي موضوع كان، وكيف أجراه الله تعالي عليها؟ فهذا ما أشارت إليه بعض الروايات والتي نستفيد من خلال التمعن فيها والتدقيق في مدلولاتها انها امتحنت في حمل الأمانة الربانية فوجدها الباري عز

وجل صابرة علي حمل العلم والأمانة الربانية، لذا استحقت حمل الأسرار الربانية، ولكن ينقدح السؤال المهم في المقام ما هو حقيقة هذا السر المستودع في فاطمة؟.

أقول: قبل الاجابة علي حقيقة هذا السر، أود أن أشير إلي مسألة مهمة تظهر لنا من

[ صفحه 55]

خلال عرض الروايات التي تقول ان الاسرار التي اكن يحملها أهل البيت لا يتحملها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد أمتحن الله قلبه للايمان، أي من خلال عرض هذه الروايات الواردة في حمل أسرار الأئمة وانه لا يحملها إلا الممتحن ومطابقتها مع الزيارة الخاصة بالصديقة الطاهرة والتي تقول «السلام عليك يا ممتحنة» يظهر لنا من خلال هذه المطابقة ان العبد الممتحن هو الوحيد الذي يستطيع حمل الأسرار والعلوم الربانية فأفهم تغنم فان في الأمر اشارات لا يسع المقام أن يُظهرها من خلال القلم أو الكتاب.

أما حقيقة السر المستودع فيظهر لنا من خلال عدة احتمالات نحتملها في كونها هي مفاد السر المستودع، ولا تقصد من ان ظهور هذه الاحتمالات يكون بالقطع اليقيني، كلا فان الأمر أعلي وأجل من أن يظهره قلم أو يحظر علي ذهن كاتب، أو عالم، وأنما الأمر يتجاوز المقام، فان من الأسرار التي يمتلكها أهل البيت عليهم السلام ما لم يخطر علي بال بشر، وكيف لا وهم الذين اصطفاهم الله تعالي ليكونوا الدالين علي مرضاته وهم الصراط الاقوم، اما هذه الاحتمالات فلها شواهد ولها قرائن تدل عليها ولا يعني انها هي السر المستودع في فاطمة عليها السلام بل نترك ذلك للمؤمن لكي يتبحر في عرفان الصديقة الطاهرة سلام الله عليها عسي ولعل يصل الي حقيقة الأمر، اما هذه الاحتمالات مع بعض القرائن

والشواهد عليها:

1_ السر المستودع هو المهدي (عج): قد يكون السر هو صاحب الزمان عج الذي سوف يُظهِر الله الدين كله علي يديه في آخر الزمان، لكون ان الزهراء عليها السلام جدّته، وخصوصا نحن نعلم أن الأئمة من ولدها، فعليه قد يكون السر الذي سوف يُظهِرهُ الله في وقته هو الإمام الحجة، ويدل علي كون المهدي هو من ولد فاطمة عليها السلام، في الحديث المروي عن أبي أيوب الأنصاري والذي من جملته كان الخطاب لفاطمة عليها السلام... عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم... «ومنا سبطا هذه الأمة وسيّدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وهما أبناك، والذي نفسي بيده منا مهديّ هذه الأمة وهو من ولدك» [43] .

[ صفحه 56]

وعن أُم سلمة، قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» [44] .

وقد يرد علي هذا الاحتمال بأنه اذا كان المهدي (عج) سراً من الأسرار المستودعة في فاطمة في ذلك الزمان ولم يعرف ولم يُظهر لأ؛دنا فان هذا القول الآن يصبح منتفي لكون مسألة الإمام المهدي والوعد الالهي فيه أصبحت من المتسالمات عند أكثر المسلمين، هذا من جهة، وكون الدعاء يقول أي أتوسل بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها... ولفظة بنيها تشمل كل أبناء الزهراء المعصومين والدعاء في ختامه يقول والسر المستودع، فانه لا معني ان يتوسل المؤمن بالسر المستودع الذي يكون المهدي (عج) وفي نفس الوقت يتوسل ببنيها، الذي هو منهم ومشترك معهم، وربما يجاب أنّه من باب ذكر الخاص بعد العام ليفيد الحصر أو الإختصاص؟!!!

2_ وقد يكون السر المستودع أشارة الي ان ولاية الله تعالي سوف تكون في ولد فاطمة

وان الأئمة المعصومين منها سلام الله عليها، وقد وردت عدة شواهد روائية تدل علي أن الأئمة من ولد فاطمة عليها السلام وان الولاية فيهم والإمامة منحصرة في وجودهم المبارك وهذا ما اثبته القرآن الكريم والسنة الشريفة ويكفي في اثبات ولايتهم ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الاميني، ولكن ننقل لك بعض الشواهد في هذا الأمر المهم والتي كان منها ما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث طويل قال: «إن الله عز وجل نظر إلي الأرض ثالثة فاختار منها أحد عشر إماماً... وأمّهم فاطمة ابنتي [45] .

وفي حديث آخر عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: «أشهد بالله لقد دخلت علي فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأهنئها بولدها الحسين، فاذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس... فقلت: ما هذا يا بنت رسول الله؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله عز وجل إلي أبي، فيه اسم ابي وأسم الاوصياء

[ صفحه 57]

بعدي من ولدي، فسألتها ان تدفعه إلي لأنسخه ففعلت... [46] ».

وهذا الاحتمال يرد عليه بكون الدعاء، يقول بفاطمة... وبنيها والسر المستودع فيكون تكرار للقسم بالأئمة الذين هم بنيها وكذلك بالسر المستودع الذي هو الأئمة.

3_ السر المستودع هو أمرهم كما في بصائر الدرجات عن الصادق عليه السلام: «إن أمرنا سّر مستتر وسّر لا يفيده إلا سّر وسّر علي سّر وسرّ مقنع بسر».

وعنه عليه السلام أيضاً: «إن أمرنا هذا مستور مقنع بالميثاق من هتكه أذله الله».

وعنه عليه السلام: «أن أمرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السّر وسّر

السّر وسّر مستسر وسّر مقنع بالسر».

فالزهراء بما أنها أم الأئمة وهي حجة الله عليهم وانها مفروضة الطاعة علي جميع البشر كما ورد ذلك في الاحاديث المأثورة تكون الأسرار التي مودعة فيها معروفة عند الأئمة وهم يحافظون عليها وقائمون بمقتضاها، أو تعلقاتها أو تبليغ دواعيها ومحافظين علي هذه الأسرار ولا يظهرونها لأحد إلا من كان محتملاً لعلمهم واسرارهم ولذلك ظهر الشيء القليل منها، لسلمان وكميل وأبي ذر وغيرهم من المؤمنين الممتحنين، فامرهم هو سر الله تعالي المودع في فاطمة عليها السلام والأئمة يحافظون علي اسرار هذا الأمر وان كان تفسير الأمر في الروايات المأثورة هو أمر الولاية، «السلام علي محال معرفة اله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله» [47] .

4_ السر المستودع هو العلوم الربانية المودعة في فاطمة عليها السلام، وهذا ما نستطيع فهمه من خلال الأحاديث المروية في شأنها سلام الله عليها حيث كانت المحدّثة من قبل الملائكة وكان لها مصحف يتوارثه الأئمة واحداص بعد واحد وفيه كل ما يحتاجونه من الذي يجري علي البشر وفيه أسماء الحكام الذي يحكمون وحكموا من زمن آدم الي آخر يوم من الدنيا، وعليه نحتمل ان يكون المصحف هو السر المودع في فاطمة وهذا فيه من الأمور التي لم يطلع عليها سوي ابناء الزهراء الأئمة المعصومين الذين يتوارثون هذا المصحف وينظرون فيه وهو من املاء رسول الله وربما من املاء الإمام علي بن

أبي طالب عليه السلام، وهذا ما أشارت إليه جملة من الروايات الواردة في المقام ومنها:

«ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول عندي الجفر الأبيض قال قلنا وأي شيء فيه، قال: فقال لي زبور داود،

وتورة موسي، وانجيل عيسي، وصحف ابراهيم والحلال والحرام ومصحف فاطمة ما أعم أن فيه قرآنا وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلي أحد حتي أنّ فيه الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة...» [48] .

وأيضاً ما رواه أبو بصير بالسند المتصل قال دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فقلت له إني أسئلك جعلت فداك عن مسئلة ليس هيهنا أحد يسمع كلامي فرفع أبو عبدالله عليه السلام ستراً... «وساق الحديث»... حتي أجابه الإمام قائلاً: «وان عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد انما هو شيء املاها الله وأوحي اليها قال قلت هذا والله هو العلم انه لعلم وليس بذاك قال ثم سكت ساعة ثم قال: انّ عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلي أن تقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال انه العلم وما هو بذاك، قال قلت جعلت فداك، فأي شيء هو العلم، قال ما يحدث باللّيل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلي يوم القيامة [49] .

وفي حديثٍ عن حمّاد بن عثمان قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: «تظهر الزنادقة في سنة ثمانية وعشرين ومائة وذلك لأني نظرت في مصحف فاطمة قال فقلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ فقال: ان الله تبارك وتعالي لما قبض نبيه صلي الله عليه وآله وسلم دخل علي فاطمة من وفاته من الحزن مالا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل اليها ملكا يسّلي عنها غمها ويحدثها، فشكت ذلك الي أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي فاعلمته

فجعل يكتب كلما سمع حتي أثبت من ذلك مصحف قال: ثم قال اما انه ليس فيه من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.

[ صفحه 59]

أقول: يظهر من هذا الحديث وأحاديث أخري مأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ان مصحف فاطمة متوارث من قبل الأئمة وفيه علم ما كان ويكون إلي آخر الزمان، وفيه الحكام الذين يحكمون والفرق التي تظهر وتبتدع في كل زمان، ويظهر من هذا المصحف انه من إملاء الإمام علي عليه السلام حيث كانت الملائكة تحدث الصديقة الشهيدة عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتملي علي عليّ عليه السلام ويكتبه، وعلي هذا الاساس يكون المصحف متأخر رتبة في الوجود والظهور عن الاساس الذي اسسناه في كون السر المستودع في فاطمة كان بعد امتحانها قبل الخلق وكما بيّناه في مقدمة البحث، فعليه يكون هذا الاحتمال في كون المصحف هو السر المستودع في فاطمة عليها السلام بعيد وعلي ضوء الاساس الذي بيناه، لذا تكون العلوم الربانية ليست هي السر المستودع وخصوصا نحن نعلم ان ورد في الرواية الشريفة عن أبي عبدالله عليه السلام حيث يقول: (إن عندنا والله سرّاً من سرّ الله، وعلماً من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان والله ما كلّف الله ذلك أحداً غيرنا، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا...) [50] .

فيتبين من هذه الرواية ان عند أهل البيت بما فيهم فاطمة عليها السلام عندهم سراً من سر الله تعالي وهذا غير العلم وإلا لكان الإمام يقول العلم نفسه السر بل انه فصّل بين السر والعلم فعليه العلم غير السر

المستودع فيهم عليهم السلام.

5_ قد يكون السر هو ما أشارت الرواية المروية في شأن الحديث القدسي المروي عن لسان جابر بن عبدالله الاصناري عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الله تبارك وتعالي أنّه قال: «يا أحمد لولاك لما خلقت الافلاك، ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما» [51] .

أي إنه العلة الغائيّة لخلقكما كما يظهر من الحديث القدسي هو وجود فاطمة عليها السلام، أما كيف يكون هذا الأمر فهذا ما سيتبين لنا من خلال بحث هذا الحديث في موضوع

[ صفحه 60]

مستقل انشاء الله.

6_ السر المستودع هو اسم الله الأعظم.

عندما نراجع الروايات الواردة في شأن أهل البيت عليهم السلام نجد أن مما حظي به الأئمة عليهم السلام، دون غيرهم هو أنهم يحملون اسم الله الأعظم وهذا ما صرحت به الاحاديث المأثورة عنهم، حيث خصهم الباري عز وجل بهذا الكرامة العظيمة، وكما تبين لنا من الرواية المتقدمة ان السر الذي بحوزة أهل البيت هو غير العلم والحكمة التي يتملكها أهل البيت عليهم السلام، فقد يكون السر الذي يملكونه هو نفسه الاسم الاعظم لله تعالي الذي إذا دعي به أجاب، والذي يدل علي أنهم عندهم اسم الله الاعظم جملة من الروايات الواردة في المقام منها ما ورد عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ان اسم الله الاعظم علي ثلاثة وسبعين حرفاً وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فُخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتي تناول السير بيده، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الأسم الاعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف واحد عند الله استأثر

به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم [52] وعن النوفلي، عن أبي الحسن صاحب العسكري عليه السلام قال: سمعته يقول «اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، كان عند آصف حرف فتكلم به فأنخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ _ أي مملكة سبأ او مدينة سبأ حيث كان عرش بلقيس _ فتناول عرش بلقيس حتي صيره إلي سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفه عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب [53] .

أقول: وكثيرةٌ هي الأحاديث المأثور عنهم عليهم السلام في هذا الباب حيث خصهم الله تبارك وتعالي بهذه الخصوصية والذي يظهر من هذه الأحاديث انهم افضل مقاماً ومنزلةً من الأنبياء السابقين، بدلالة هذه الاحاديث، وكل ما ثبت للأئمة عليهم السلام فهو ثابت للصديقة الشهيدة عليها السلام من حيث كونها أُم الأئمة الاطهار ومن كونها حجة الله علي الأئمة وكما

[ صفحه 61]

سيمر بنا ذلك في شرح هذا الحديث، وكذلك هناك عدة اشارات في الروايات إلي مسألة أسم الله الأعظم وكيف ان الإمام علي عليه السلام الذي هو كفؤ الزهراء عليها السلام كان يحمل اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به أجاب وهذا ما وجدناه في قضية رده الشمس التي غابت في أرض بابل حيث سأله أحد أصحابه يا أمير المؤمنين كيف رددت هذه الشمس، فقال له سئلت الله تعالي بأسمه الاعظم ان يردها عليها فردها، وكما ورد في سورة الواقعة (فسبح باسم ربك العظيم) [54] وعلي هذا الأساس فان كل ما أعطاه الله تبارك وتعالي وخص به أهل البيت عليهم السلام فهو ثابت للزهراء عليها

السلام، فعليه تكون الصديقة الطاهرة حامل لاسم الله الاعظم الذي خصه الله تبارك وتعالي بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، فيكون وعلي ما احتمله بل أرجحه علي بقية الاحتمالات الاخري ان السر المستودع في فاطمة هو اسم الله الاعظم، والذي يدل عليه علي ما استفيده من الدعاء الذي بدأنا به البحث «اللهم اني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها...» حيث يظهر من هذا الدعاء أولاً التوسل بحق فاطمة... وكذلك التوسل إلي الله تعالي بالسر المستودع، والتوسل لا يكون إلي الله تعالي إلا بالذي يكون له شأن عند الله عز وجل، ونبتغي إليه الوسيلة، فعليه نحتمل أن يكون السر هو اسم الله الاعظم المستودع عند فاطمة عليها السلام، وأبناؤها وخصوصا هناك شواهد تدلل علي ان هذا الاسم لا يخرجونه أهل البيت عليهم السلام الي أحد وكما ورد في الحديث المروي في شأن عمر بن حنظلة حيث قال لأبي جعفر عليه السلام: «إني أظنّ أنّ لي عندك منزلة، قال: أجل، قال: قلت فإنّ لي إليك حاجة قال وما هي؟ قال: قلت تعلمني الأسم الأعظم قال وتطبيقه قلت نعم قال: فادخل البيت قال: فدخل البيت فوضع أبو جعفر عليه السلام يده علي الأرض فأظلم البيت فارعدت فرايص عمر فقال: ما تقول اعلمك فقال لا قال: فرفع يده فرجع البيت كما كان» [55] .

ويوجد أيضاً شاهد آخر يدل علي كون فاطمة عليها السلام تمتلك الاسم الاعظم وذلك عندما قادوا علياً عليه السلام في يوم سقيفة بني ساعدة للبيعة فخرجت نفسي لها الفداء تجر أذيالها

[ صفحه 62]

خلف ابن عمها وهي تقول خلو ابن عمي أو لاكشفن رأسي للدعاء، حيث يقول سلمان «فخرجت

فاطمة عليها السلام فقالت: يا أبا بكر أتريد أن ترملني من زوجي _ والله _ لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي، ولآتين قبر أبي، ولأصيحن الي ربي: فأخذت بيد الحسن والحسين عليهما السلام، وخرجت تريد قبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال علي عليه السلام لسلمان: أدرك أبنة محمد صلي الله عليه وآله وسلم فإني أري جنبتي المدينة تكفيان، والله ان نشرت شعرها، وشقت جيبها، وأتت قبر أبيها، وصاحت الي ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها (وبمن فيها)، فادركها سلمان رضي الله عنه فقال، يا بنت محمد، أن الله بعث أباك رحمة فارجعي فقال: يا سلمان، يريدون قتل علي، ما علي عليَّ صبر، فدعني حتي آتي أبي فأنشر شعري، وأشق جيبي، وأصبح إلي ربي، فقال سلمان أني أخاف ان تخسف بالمدينة، وعلي عليه السلام بعثني إليك ويأمرك ان ترجعي الي بيتك وتنصر في. فقالت: إذا أرجع وأصبر، وأسمع له وأطيع» [56] .

ويظهر من هذه الرواية ان الصديقة الزهراء عليها السلام لو أنها دعت الله تعالي لاستجاب الله دعائها، فان الإمام علي عليه السلام عندما قال: (فاني أري جنبتي المدينة تكفيان) يعني إشارة إلي أنّها كانت عندها الولاية التكوينية وكما سنقف مع هذا البحث انشاء الله تعالي، وعلي كل حال فان الصديقة كانت تحمل الاسم الاعظم، ولا ضير في ذلك فهي أم أبيها وأم الأئمة الاطهار الذين يحملون الأسم الاعظم الذي إذا دعي به أجاب، وهناك اشارة لطيفة في كون فاطمة الزهراء عليها السلام لها أسم مشتق من أسماء الله الحسني حيث وَرَدَ ذلك في حديث الاشتقاق «هذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم

أوليائي عما يعيرهم ويشينهم، فشققت لها أسماً من أسمي».

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أن الله شق لك يا فاطمة اسماً من اسمائه وهو الفاطر وأنت فاطمة» وعليه فان فاطمة وديعة المصطفي، فاطمة الانسية، الحوراء مطلع الانوار العلوية ومشكاة الولاية وأم الأئمة وعيبة العلم ووعاء المعرفة. واختتم هذا البحث في

[ صفحه 63]

أمرٍ قد أستفدته واستنتجته من خلال بعض الروايات الواردة في كتب الحديث كأمثال الكافي والبصائر وغيرهما، حيث يظهر من خلال الروايات أن أمر آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم أمر جسيم مقنع بالميثاق لا يستطاع فهمه وادراكه وذكره وهذا الأمر هو (كما عبرت عنه الرواية _ «أمرنا» سر في سر وسر مستتر في سر ولا يفيده إلا سر وسر علي سّر وسّر مقنع بسر وهو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وكذلك ورد في الحديث الشريف انه لو قد قام قائمنا لتكلم بهذا الأمر وصدقه القرآن، وكذلك وجدت ان هذا الأمر _ وكما ورد في الرواية _ هو الذي جعل الملائكة مقربين وغيرُ مقربين والأنبياء مرسلين وغير مرسلين والمؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين، وعليه يكون الأمر هو السر، فما هو السر؟؟؟...

(إنما أمره إذا اراد شيء ان يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون).

[ صفحه 67]

فاطمة حجة الله الكبري

اشاره

السيد محمد جمال الهاشمي

أي خطبٍ يبكي علي_ه خطاب__ي

ومصابُ قدْ ش_ابَ شهديْ بصابِ [57] .

آهِ [58] ي_ومُ الزه__راء أيٌّ ف_ؤادٍ

عل__ويًّ علي_ك غي_رُ م__ذابِ

لكَ في الده___رِ رنّةٌ رددتْ_ه_ا

بخش_وع أجي_ال_ُ_هُ واك_ت_ئاب

فهي تارٌ تذك__ي

القرونَ ون_ورٌ

رفَّ لألأؤُهُ عل__ي الأح_ق__اب

وهيّ للم_ج_دِ في__ه للس___ا

لكِ تبدوْ الصع_ابُ غي__رَ صعاب

غابَ نورُ النب_ي وانقطعَ الوح_يُ

وخ__ارتْ ع_زائ____مُ الآراب

وارتمي موكب الحي__اةِ وجاش_تْ

ن_زعاتُ النف_اقِ ف_ي الاح_زاب

فانطوي النورُ في ظ_لامٍ كثي_فٍ

نشرتْ_هُ ج_رائ___مُ الأنق__لاب

وانمحي الحقُّ والص_راح_ةُ لم_ا

س_ادَ عه_دُ الض_لالِ والإرتي_اب

موق_فٌ أرب_كَ العص_ورَ فأخفتْ

رأيه_ا في القل__وبِ والأه__داب

غضب_ةُ الحقّ ثورةٌ تجرفُ الباطلَ

ف_ي م_وجِ عزمه___ا الوثّ_اب

عج_بٌ أمرُه__ا وأعج_بُ منُهُ

أنه_ا تنت_مي ل_ذات نق__اب [59] .

واذا اللب__رة الجريح_ة ث_ارت

له_ث الم_وت بي_ن ظفر ون_اب

شم_رت للجه_اد سي_دة الاسلام

عن ذي__ل عزمه__ا الصخّ_اب

وأت_تْ ساح_ةَ الجه_ادِ بايم_انٍ

يردُّ السي_وفَ وه__ي نواب_ي [60] .

حاكم_ت عه_دّها المدمي بقل_بٍ

واغ_رٍ م_ن شجونه__ا لَه__ابِ

لم ت_دْع للمهاجري_نَ وللانص_ارِ

رأي__اً إلاّ انمح__ي كاضب__اب

[ صفحه 68]

واس__تعان__تْ بالح___قِّ درعٌ

من أم_انٍ وص_ارمٌ منْ ص_وابِ

رجمته__مْ بالمخ_زي_اتِ فآب_وا

وه_م يحمل_ونَ س_وءَ الم__آب

حج_جٌ كالنج__مِ ينثُ_رها الح_قُّ

ويرم_ي الشهابَ إث__رَ الشه_اب

فهي إم_ا عق__لٌ وإم_ا حدي_ثٌ

جاءَ عن ن_صِ سن_ةٍ أو كت__اب

فته_اوتْ احلامُه__مْ ك_ص_روحٍ

شادها الوهمُ عالي_اً في الس_راب

آهِ لولا ضَعْ_فُ النف___وسِ لم_ا

استرجعَ ركبُ الهدي علي الأعقاب

ولم__ا عادتِ الام__ارةُ للق__ومِ

وح__ازوا امام__ةَ المح__راب

واستقرتْ ه_وجُ العواص_فِ لَّم_ا

قابل_ته_ا سياس__ةُ الأره__اب

لأخط_ابُ م__ن عاذلٍ لا ج_وابٌ

ع_ن س_ؤالٍ لاهجم_ةٌ من عتاب

ومن_ذ انه_ارتْ الرج_الُ وعادوا

بتل__ولٍ من خزي_ه_مْ ورواب_ي

واخت_ف_ي الن_صُّ بالولاي_ةِ لّم_ا

أشه_رَ الكي_دُ فك_رةَ الانتخ_اب

أوق_دَ الغ_درُ في السقيف_ةِ ن__اراً

علُق_تْ في مواك_بِ الأحق__اب

وتلاش__ي الغدي__رُ إلاّ بق_اي_ا

تترام_ي به_ا بط_ونُ الشِع_اب

وت_وال__تْ مناظ_رٌ م_ؤلم_اتٌ

مث_لته__ا ع__داوةُ الأصح_اب

م_ن هج_ومِ الأرج_اسِ بالنارِ كيْ

تح_رقَ بيتَ الاك_ارمِ الاطي_اب

وانكس_ارِ الضلعِ المقدس بالضغطِ

وسق_طِ الجني_نِ عن_دَ الب__اب

وانت_زاع الوص_يّ سحباً من الدارِ

بتي__ارِ ث___ورةِ الأعص_اب

واغتصابِ الح_قُ الصري_حِ جهاراً

باختلاف الأع__ذارِ للإغتص_ابِ

[ صفحه 69]

فاطمة حجة الله الكبري

عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال

«نَحْنُ حُجج الله علي خلقه، وجّدتنا فاطمة عليها السلام حُجّة الله علينا» [61] .

يعتبر هذا الحديث من الاحاديث المهمة التي وردت عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، لذا ونحن نقف نستلهم الدروس العقائدية من سلالة بيت النبوة ومعدن الرسالة لابد لنا ان نتأمل في هذا الحديث ونري مدي مصداقيته في عالم الواقع والثبوت، وبعبارة اخري هل لهذا الحديث وجه للاستدلال به في المحاورات العقائدية التي تخص حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ام لا؟ وهل هناك وجه من الصحة بحيث تكون الصديقة الطاهرة عليها السلام الحجة علي الأئمة أم يتجاوز الأمر الي أبعد من ذلك؟ وما هي الثمرة لهذا الحديث إذا ثبت له الواقعية والمصداقية ومدي تأثيره علي الجانب العقائدي للفرد المؤمن؟ كل هذه الأسئلة نحتاج الوقوف عليها والتأمل فيها واستجلاء حقائقها وادراك مغازي هذا الحديث العقائدي. وهذا ما سيتبين لنا من خلال البحث الذي سنقسمه الي ثلاث امور اساسية وهي:

الأمر الأوّل: معني الحجة؟

الأمر الثاني: شرعية الحجة.

الأمر الثالث: كيف كانت فاطمة عليها

السلام حجة الله علي الأئمة؟

[ صفحه 70]

معني الحجة؟

وردت عدة تعاريف للحجة وماهيتها ولها عدة معاني لابد لنا من الوقوف عليها وعلي المعني الذي يهمنا في المقام والذي من شأنه ان يبين معني الحديث الشريف بحيث لا يبقي فيه أي اجمال وفي كل الجهات المبحوث عنها في المقام وجرت عادة أهل العلوم عندما يأتون إلي موضوع ما ويريدون أن يعرفوه بأي تعريف كان فانهم يعرفونه بالتعريف اللغوي وتعاريف الحجة.

1_ الحجة لغة؛ كل شيء يصلح ان يحتج به علي الغير وذلك بأن يكون به الظفر علي الغير عند الخصومة معه والظفر علي الغير علي نحوين: «أحدهما» إما بأسكاته وقطع عذره وباطاله. «والآخر» واما بأن يلجئه علي عذر صاحب الحجة فتكون الحجة معذرة لدي الغير والحجة هي الدليل والبرهان. وقال الازهري: انما سميت حجة لانها تُحَج أي تقصد لأن القصد لها واليها وكذلك معني المحجة أي محجة الطريق وهي المقصد والمسلك [62] .

2_ واما الحجة في الاصطلاح العلمي فلها معنيان أو اصطلاحان:

ما عند المناطقة: ومعناها «كل ما يتألف من قضايا تنتج مطلوباً» أي مجموع القضايا المترابطة التي يتوصل بتأليفها وترابطهما إلي العلم بالمجهول سواء كان في مقام الخصومة مع أحد أم لم يكن، وبحثنا من جهة هذا التعريف المنطقي سوف يكون بربط مجموعة من القضايا وتأليفها لكي تصل إلي العلم بالمجهول وهو كيف أصبحت فاطمة حجة علي الأئمة بل علي الأنبياء فضلاً عن الخلق كما سيتبين من خلال البحث.

وهنالك معني للحجة لدي الاصوليين وهو «كل شيء يثبت متعلقه يثبت متعلقه ولا يبلغ درجة

[ صفحه 71]

القطع» أي لا يكون سبباً للقطع بمتعلقه، وإلاّ القطع يكون القطع

هو الحجة ولكن هو حجة بمعناها اللغوي أو قل بتعبير آخر «الحجة» كل شيء يكشف عن شيء آخر ويحكي عنه علي وجه يكون مثبتاً له» [63] ونعني بكونه مثبتاً له: ان اثباته يكون بحسب الجعل من الشارع لا بحسب ذاته فيكون معني اثباته له حينئذ انه يثبت الحكم الفعلي في حق المكلف بعنوان انه هو الواقع، وانما يصح ذلك ويكون مثبتاً له فبضميمة الدليل علي اعتبار ذلك الشيء الكاشف الحاكي وعلي انه حجة من قبل الشارع.

كما تنقسم الحجة في المنطق إلي قياس وتمثيل واستقراء، والحجة ما يصح الاحتجاج به وما يحتج به المولي علي العبد في مقام المنجزية ويحتج به العبد علي المولي في مقام المعذرية، ثم الحجة تنقسم بالتقسيم الاولي إلي عقلية وشرعية، والاولي هي التي يصح التعويل عليها بصورة عامة في كل سؤال عن السبب، والثانية هي التي يصح التعويل عليها بصورة عامة في كل سؤال عن السبب، والثانية هي التي يصح الاحتجاج بها في الامور الشرعية، أي ما يصح التعويل عليها في الفتاوي للفقيه، فهي بصورة خاصة وبين الحجتين نسبة العموم المطلق، فكل شرعية عقلية ولا عكس فان الحاكم بصحة الحجة هو العقل وكل واحد من القسمين ينقسم إلي حجة الزامية وإلي حجة ارشادية والاولي بمعني ما يجب عند العقل التعويل عليه والالزام بما تقتضيه نفس الحجة والثانية ما يجوز التعويل عليه والارشاد ويكون من خواصها.

فالحجج الالزامية العقلية كالبراهين الدالة علي المبدأ والمعاد والنبوة الخ والحجج الإرشادية العقلية كاخبار العالم ورأي المتخصص وقول الخبير وتصير الزامية عند الرجوع اليها والتعويل عليها والحجج الالزامية الشرعية كالانبياء واوصيائهم المعصومين فانهم حجج الله ويجب الاخذ باقوالهم وافعالهم وتقريرهم والذي يعبر عنها القول والفعل

والتقرير بالسنة [64] ، وفيما نحن فيه من معرفة معني الحجة يفيدنا في المقام الحجة لغة ومنطقا لكونها يوصلان بالقطع بامر بحيث يصلح ان يحتج به علي الغير سواء في الدنيا أو الآخرة، وعلي ضوء الاستدلالات العقلية البرهانية. وعلي

[ صفحه 72]

ضوء التعاريف المتقدمة يكون قد لاح لنا مفهوم آخر غير الحجة وهو المحجة، والحجة تبين لك معناها من التعارف المتقدمة، أما المحجة فهي المسلك والطريق الذي يتوصل به إلي الغير والمحجة هي الطريق السليم الذي لا إعوجاج فيه، فلقد ورد في هذا المعني عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام انه قال وسمع كثيراً يردد هذا القول:

علمُ الحجة واض_ح لمري__ده

وأري القلوب عن المحجة في عمي

وق_د عجب_ت لهالك ونجات_ه

موج_ودة ولقد عجب_ت لمن نجي

شرعية الحجة

هناك عدة احتجاجات وردت في القرآن الكريم قد اثبتها الله تبارك وتعالي لنبيه محمد صلي الله عليه وآله وسلم لانبياءه المرسلين من الاولين والاخرين لكي يحتجوا بها علي للناس المشككين أو الناكرين للرسالة أو النبوة أو النبي ومعاجزه وكراماته، ولقد بين الله تعالي في كتابه الشريف بعض الايات التي نستفيد من خلالها ان الله تعالي يحتج يوم القيامة بالانبياء علي الناس وهذا ما ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالي (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده... إلي قوله تعالي... رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون الناس علي الله حجة بعدَ الرسل وكان الله عزيزاً حكيما) [65] ومن جهة اخري ورد في القرآن الكريم بعض الاحتجاجات بين الكافرين في ما بينهم في النار حيث جاء قوله تعالي (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا

لكم تبعاً فهل أنت مُغنون عنا نصيبنا من النار) [66] .

وكذلك نجد قوله تعالي (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساؤكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي

[ صفحه 73]

القوم الكافرين) [67] جاء ليؤكد حقيقة النصاري وطلبهم من الرسول الاحتجاج حول مسألة عيسي ابن مريم وكيف واجههم الرسول الاكرم صلي الله عليه وآله وسلم بقضية المباهلة التي خسروا فيها والقي ما في أيديهم من الحجة التي كانوا يحتجون بها علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.

وكثيرةٌ هي الاحتجاجات الموجودة في القرآن الكريم والتي جاءت بعضها لكي تثبت اعجاز القرآن الكريم واخري لتبين احتجاجات ابراهيم مع قومه واخري تثبت احتجاجات الرسول مع قومه وهكذا لئلا يكون للناس علي الرسول المرسل الحجة البالغة، ولذا نجد أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول في معرض بيان ان العباد لابد لهم ان يتعظوا وينتفعوا بحجج الله تعالي فانه لا ينفع أي شيء يوم القيامة إلا الإيمان المقرون بالولاية والعمل الصالح.

«انتفعوا ببيان الله واتعظوا بمواعظ الله واقبلوا نصيحة الله فان الله قد أعذر إليكم بالجلية وأخذ عليكم الحجة وبين لكم محابّه من الاعمال ومكاره منها لتبتغوا هذه وتجتنبوا هذه».

ويعني هذا ان العباد لابد لهم من الانتفاع من العلم المقرون بالعمل الصالح وإلاّ العلم وحده ليس فيه فائدة ولابد للعباد أن يستفيدوا من المواعظ ليتعظوا بها في مقام العمل، ومع ذلك نجد في كثير من الروايات الشريفة مسألة الاحتجاج البالغ من الله تعالي حيث سئل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالي «فلله الحجة البالغة» فأجاب عليه السلام: «قال إذا كان يوم القيامه

قال الله تعالي للعبد أكنت عالماً؟ فان قال نعم. قال: أفلا عملت بما علمت وان قلت كنت جاهلاً قال له: أفلا تعلمت؟ فتلك الحجة البالغة لله تعالي». وهنا ينقدح سؤال مهم قد يرد في ذهن الكثير من المؤمنين وهو هل كل الناس يحتج عليهم الله تعالي يوم القيامة علي ضوء هذا الحديث الشريف؟ والجواب علي ذلك أنه ليس كل الناس يحتج عليهم الله تبارك وتعالي يوم القيامة بل هناك عنق من الناس لا يسئلون ولا يحاسبون ومنهم المجنون الفاقد عقله، أما الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف الشرعي وماتوا فانهم يلحقون بأبائهم وعلي ما ورد في قوله تعالي

[ صفحه 74]

(والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بأيمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء). حيث قال العلامة المجلسي حول هذه الآية المباركة:

«اعلم انه لاخلاف بين أصحابنا في أن الأطفال المؤمنين يدخلون الجنة وذهب المتكلمون منا الي أن أطفال الكفار لا يدخلون النار فهم إما يدخلون الجنة أو يسكنون الاعراف وذهب أكثر المحدثين منا الي ما دلت عليه بعض الأخبار الصحيحة من تكليفهم في القيامة بدخول النار المؤججة لهم؟ فيكون من يستجيب يدخل الجنة ومن لا يستجيب يدخل النار».

وعلي ضوء الإحتجاجات الواردة في الكتب المعتبرة روي ان هناك احتجاج لطيف بين أمير المؤمنين وأحد اليهود حيث قال للامام علي عليه السلام، ما صبرتم بعد نبيكم إلا خمس وعشرين سنة حتي قتل بعضكم بعضاً.

فقال له عليه السلام: بلي ولكن ما جفّ _ جفّت _ أقدامكم من البحر حتي قلتم: يا موسي ادعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. وهناك الكثير من الاحتجاجات المهمة التي وردت في القرآن الكريم وفي الكتب المعتبرة

كل ذلك لما للحجة من امر مهم في اثبات المدعي علي الخصم الناكر مثلا او السالب للحق، والثمرة في ذلك كله من القرآن الكريم ومن الكتب الصحيحة لكي يستنير البشر بنور الحجة الربانية وليستفيدوا منها ويتعظوا بالمواعظ الربانية هذا معني الحجة وماهية الاحتجاجات والتاكيد عليها من قبل الله تعالي.

وعلي هذا الأساس تكون شرعية الحجّة ثابتة علي ضوء القرآن الكريم والسنة والعقل ولا نريد الدخول كثيراً في هذا الأمر بل اشرنا في بعض موارده فلقد جعل الله تعالي للحجة شرعية ذاتية تلزم الغير علي ضوء مقتضاها العمل بها حيث جاء قوله تعالي (وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا) أي جعلنا لهم بالجعل التكويني ان يكونوا ائمة يقصدون في كل شيء والإمام المعصوم هو الذي يحتج به علي الغير فهو حجة علي الناس جميعاً وإلاّ كيف يكون امام يقصد ويحتج به ومن هذا المنطلق تكون فاطمة الزهراء عليها السلام حجة علي الأئمة عليهم السلام كحجية الزامية شرعية فيجب من جهة الله تعالي الأخذ باقوالها وافعالها والله تبارك وتعالي هو الذي جعل لها الحجية علي الخلق بما فيهن الأئمة عليهم السلام وهذا القول بصورة اجمالية اما كيف كانت حجة بالمعني التفصيلي فهذا

ما يحتاج بيان مقدمات وامور توصلنا إلي هذه النتيجة وهذا ما سنبحثه في الأمر الثالث انشاء الله.

كيف كانت فاطمة حجة علي الأئمة

وهذا يتوقف علي بيان أمرين:

الأوّل: إن من أهم المسائل الأساسية في العقيدة الاسلامية والتي تؤخذ حيزا كبيراً، علي المستوي الدراسي سواء النظري أو الفكري هي مسألة ضرورة بعثة الأنبياء، وهذه المسألة العقائدية المهمة تأخذ ضروريتها من عدة عوامل تكون الحجر الأساسي لهذه الضرورة، فالإنسان لم يخلق عبثاً (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وانكم إلينا لا ترجعون) بل خلق الأنسان لهدف

وهو السير في طريق تكامله من خلال ممارسة الأفعال الاختيارية القادر عليها وكل ذلك لاجل التوصل إلي كماله النهائي هذا الكمال الذي لا يتوصل إليه إلاّ باختياره وانتخابه. علي ان الاختيار الصحيح والواعي بكل ما يمتلكه الإنسان من شعور وقدرة علي إدائه يحتاج أيضاً إلي المعرفة الصحيحة للاعمال الحسنة والاعمال القبيحة والطرق الصالحة وغير الصالحة، وانما تمكن الإنسان من اختيار طريق تكامله بكل حرية ووعي فيما لو كان يعرف الهدف وطريق الوصول إليه، وكان عرافاً بكل العقبات والعراقيل والانحرافات والمزالق. اذن فمقتضي الحكمة الالهية ان توفر للبشر الوسائل والمستلزمات الضرورية للحصول علي مثل هذه المعارف والمدركات وإلاّ فيكون حاله مثل الشخص الذي يدعوا ضيفاً إلي داره ثم لا يدله علي موضعه ولا علي الطريق المؤدي إليه ومن البديهي ان مثل هذا العمل مخالف للحكمة. علي ان المعارف والمدركات البشرية العادية والمتعارفة والتي يحصل عليها الإنسان نتيجة التعارف بين الحس والعقل وان كان لها الدور الفاعل في توفير ما يحتاج إليه في حياته ولكنها لا تكفي في التعرف علي طريق الكمال والسعادة

[ صفحه 76]

الحقيقية في جميع المجالات الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والدنيوية والاخروية، واذا لم يوجد طريق آخر لسد النقائص والفجوات فلن يتحقق الهدف الإلهي من خلق الإنسان، وبملاحظة هذه الامور المهمة من هدف خلق الإنسان ومعرفته لطريق الخير والشر ومحدودية مداركه الحسية والعقلية، نتوصل الي نتيجة مفادها: ان الحكمة الالهية تقتضي وضع طريق آخر للبشر _ غير الحس والعقل _ من أجل التعرف علي مسار الكمال في كل المجالات حتي يستطيع البشر من الاستفادة منه مباشرة أو بواسطة فرد آخر أو أفراد آخرين وهذا الطريق هو أرسال الأنبياء والمرسلين عبر

طريق الوحي الذي يستفيد منه البشر ويتعلموا منه كل ما يحتاجون إليه من أجل الوصول إلي السعادة والكمال النهائي. وعلي هذا الاساس شاءت قدرة الباري عز وجل ومن جهة اللطف الرباني ومن جهة اللاعبثية في خلق البشر أن يرسل الأنبياء والمرسلين الي البشر لهدايتهم وتوضيح معالم طريق التكامل لهم وعلي ما تتحمله قدرتهم في التكليف الرباني كل ذلك لئلا يقول الناس يوم القيامة لولا أرسلت الينا رسولاً فتتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزي.

ولكن قبل أرسال الأنبياء لابد من طريق لاختيارهم من البشر عامة، وهذا الاختيار أو ما يعبر عنه بالاصطفاء أو الاستخلاص لا يكون إلا عن حكمة اقتضت ذلك فان الحكيم لا يفعل إلا ما تقتضي الحكمة لوجود ذلك الشيء، فالاصطفاء والاختيار من قبل الله تعالي تارة يكون للانبياء، واخري للأوصياء وللاولياء والصلحاء والعلماء وهكذا اما كيفية الاصطفاء والاختيار، فذلك ما يكون عن طريق الاختبار والامتحان الذي يتعرض له الأنبياء لأصطفائهم للنوة وتحمل مشاقها، فالامتحان والاختبار يخرج الطاقات الكامنة في النفس البشرية، ونضرب مثال علي ذلك من الحياة العرفية للبشر، فانت عندما تريد أن تختار أو ترسل من ينوب عنك في قضية معينة فانه يقيناً لا تختار ولا ترسل إلا من كانت له القابلية والاستعداد علي تحمل ما تؤديه إليه وله الاستعداد وايضاً علي تمثيلك في تلك القضية ولا ترسل أياً كان فأن المردود يكون عليك سلبياً إذا كان الشخص المختار سلبياً في تصرفاته وايجابياً اذا كان المختار ايجابياً في تصرفاته وأفعاله ما يؤديه عنك، اما كيفية هذا الاخيار في الشخص الذي سوف

[ صفحه 77]

يمتلك فهذا ما سيكون عن طريق التجربة والامتحان والاختيار خلال مسيرة حياتك مع ذلك

الشخص الذي سينوبك في المهام والذي تريد ان تؤهله للقيام بأعمالك مثلا أو التبليغ لك فأنت تري من خلال معاشرة ذلك الشخص مدي التزامه بتعليماتك وبعد النجاح في هذه الامور تستخلصه لنفسك وتختاره وكيلا عنك ينوب عنك في هذه الامور المهمة، كذلك الحال مع الله تعالي بأعتباره سيد العقلاء بل هو خالق العقل والعقلاء فهو عندما يريد ارسال رسول أو نبي لابد له من الامتحان قبل الاصطفاء والاختيار وهذا ما نجده من خلال استقراء آيات القرآن الكريم حيث يوجد عدة شواهد علي هذه المسألة كما في قضية نبي الله ابراهيم عندما اختاره الله أولا نبياً وبعد ذلك خليلاً وبعد ذلك اماماً فانه لم ينال الإمامة إلا بعد التعرض للامتحانات والاختبارات من قبل الله تعالي وفي ذلك يقول الله تعالي في قصة أبراهيم (واذا ابتلي ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماماً...) حيث كلف الله سبحانه وتعالي نبيه ابراهيم عليه السلام بتكاليف شتي فكانت النتيجة ان ابراهيم أتم هذه التكاليف وامتثلها واطاع الله تعالي ومن هذه التكاليف قضية ذبحه لولده اسماعيل (يا بني أني أري في المنام أني أذبحك) وقد وصف الله تعالي ابراهيم عليه السلام بالوفاء حيث قال تعالي (وابراهيم الذي وفي). والخلاصة علي ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال «إن الله ابتلي ابراهيم بذبح ولده اسماعيل فعزم علي ذلك.. اما معني قوله فاتمهن _ فهو يعني الاستجابة والطاعة لأوامر الله تعالي ولذا استحق الإمامة التي هي منزلة عظيمة، جزاءً لاخلاصه ونجاحه في الامتحانات التي تعرض لها.

وهكذا الحال مع جميع الأنبياء حيث اختبرهم الله تعالي قبل اصطفائهم وكان الباري عز وجل عالماً بالانبياء أنهم أوفياء له وملتزمين لأوامره وشروطه

لذلك اصطفاهم.

الثاني: إنّ الله تعالي عندما اصطفي واستخلص الأنبياء كان ذلك بعد أن شرط عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لله تعالي ذلك وعلم الله تعالي منهم الوفاء بذلك. اما السؤال الذي يطرح في ما نحن فيه هو لماذا طلب وشرط الله تعالي من الأنبياء الزهد حب الدنيا؟ والجواب علي ذلك: انه من الملازمات العقلية لحب الدنيا هو إمال السيئات والذنوب وذلك للارتباط الوثيق بين

[ صفحه 78]

حب الدنيا والذنوب فكلما ازداد حب الإنسان للدنيا إزدادت ذنوبه وكما ورد في الحديث الشريف ان «حب الدنيا رأس كل خطيئة» فاذا لم يكن حب الدنيا له وجود في حياة الإنسان فسوف تكون النتيجة مفادها: ان الإنسان سوف يبتعد عن الذنوب بقدر ابتعاده عن حب الدنيا، وما نحن فيه فان إعمال الشرط من الله تعالي علي الأنبياء بالزهد في حب الدنيا سوف تكون من نتائجه ان يتركوا الدنيا والتعلق بها كذلك لا يعملون الذنوب والمعاصي وبالنتيجة النهائية سيكونون معصومين بالعصمة الذاتية التي تكون ملازمة لهم من جهة لطف الله تبارك وتعالي اضافة الي الضرورة الربانية اقتضت ذلك ايضاً. اما لماذا إشترط الزهد في حب الدنيا وما حاجة العصمة للانبياء، فهذا ما يكون الاحياج إليه بصورة ضرورية ومؤكد ولإحتياج الأنبياء العصمة في مقام التبليغ للرسالة السماوية بل مطلق العصمة لهم، ولئلا يكون للناس الحجة البالغة علي الله تعالي، والعصمة لا تأتي مع حب الدنيا. اما الدليل علي هذا الكلام فناهيك عن القرآن الكريم والروايات الواردة في المقام التي تدل علي المطلب بل هناك الدليل العقلي علي ذلك، اما الدليل الذي تقوم بالاستدلال به فهذا ما أثبته دعاء الدبة الشريف حيث

ورد فيه. «اللهم لك الحمد علي ما جري به قضاؤك في أولياؤك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ أخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا أضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي واهبطت عليهم ملائكتك وكرمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك وجعلتهم الدريعة اليك والوسيلة الي رضوانك... الخ».

اذن بعد الإمتحان والاختيار والمشارطة من الله تعالي بترك حب الدنيا والزهد فيها وبعد العلم من الله بهم بأنهم أوفياء كانت النتيجة النهائية لهذا الامتحان والإختبار وهي:

1_ الاستخلاص والاصطفاء.

2_ القبول من الله تعالي لهم.

3_ الذكر العلي والثناء الجلي للأنبياء «أي قدم اليهم ذلك».

[ صفحه 79]

4_ انزال الوحي عليهم.

5_ كانوا الحجج علي الخلق من قبل الله تعالي.

اما لماذا الاستخلاص والاصطفاء وتقديم هذه الامور للانبياء عليهم السلام؟ فنقول:

ان هذا كله لكي يكون:

إقامة للدين «إقامة لدينك» أي تقديم واقامة النظام والاكمل للبشرية.

ولئلا يزول الحق عن مقره ويغلب الباطن علي أهله.

ولئلا يقول أحد لولا أرسلت الينا رسولا منذراً واقمت لنا علماً هادياً نتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزي.

هكذا كان الامتحان والاختبار بالنسبة للانبياء بحيث زهدوا في حب الدنيا فكانوا من المقربين لدي الله تعالي.

أما ما علاقة هذه الامور بكون فاطمة حجة علي الأئمة؟

فنقول: نحن عندما نزور الأئمة عليهم السلام بالزيارة الجامعة الكبيرة المروي عن الإمام الهادي عليه السلام بأعتبار انها جامعة لكل الفضائل والدرجات والمقامات للأئمة عليهم السلام لا تزور بها فاطمة عليها السلام؟ لماذا؟ لانها لها زيارة مخصوصة وهي زيارتها

يوم الاحد من كل أسبوع حيث تقول هذه الزيارة «السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل ان يخلقك وكنت لما إمتحنك صابرة».

اذ نفهم من هذه الزيارة الخصوصة امتحان الزهراء عليها السلام قبل خلقها، لأظهار مقامها حيث امتحنها فكان لها المقام السامي فأصبحت الصابرة، والمعروف ان الامتحان يُمتحن به الإنسان ليعرف مدي استعدادته وقابلياته «عند الامتحان يكرم المرء أو يهان» وكذلك عرف الامتحان ليكون لزيادة منزلة ولاسباب أخري، وهذا ما جري مع فاطمة الزهراء عليها السلام حيث امتحنها الله تعالي لكي تكون حاملة لشيء إقتضت إرادة السماء وذلك نتيجة لنجاحها في الامتحان حيث اسحقت لقب الصابرة، اما ماهية هذا الامتحان وعلي أي موضوع جري امتحان الزهراء عليها السلام من قبل الله تعالي فهذا ما نتركه الي بحث آخر انشاء الله.

ولكن المهم فيما نحن فيه هو ان الله تعالي وجدها صابرة وهذا من المقامات العالية

[ صفحه 80]

فنحن نعلم، ان من ألقابها الصابرة، والصبر مقام سامي، اما معرفة علو شأن هذا المقام فهذا نراه من خلال القرآن الكريم، حيث أثبت الله تعالي الثواب لكثير من الفضائل الموجودة في القرآن أما الصبر والصابر فأن اجرهم غير محدود وهذا ما نجده في قوله تعالي (انما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب) يعني أنه لا يوجد أجر محدود للصابر وللصبر بل أجره مفتوح وهذا يؤدي الي ان الصبر يكون في اعلي مقامات الفضائل الاخلاقية، ومن هنا كان الصبر أم الاخلاق بل هو أفضلها واحسنها في كل شيء فما من شيء إلاّ ومقرون الصبر معه فالصلاة مقرون بالصبر عليها والطاعة كذلك والإيمان لابد من الصبر عليه لاثباته علي النفس الانسانية ولذلك جعل الصبر من الإيمان

بمنزلة الرأس من الجسد كما ورد في الحديث الشريف ذلك، فاذا كان الصبر هكذا مقامه فانه سوف يكون الاساس لكثير من الاخلاق، فلذا كان الزهد فرع من الاصل والام الذي هو الصبر وليس العكس صحيح فالزاهد لا يكون زاهداً حتي يصبر ويُصبر نفسه علي ترك الدنيا وزخرفها واموالها وكل شيء يؤدي به الي الزهد، ومن هنا كان بيت القصيد وهو ان الزهراء حجة علي الأنبياء من جهة صبرها في عالم الغيب والشهادة وصبرها في الدنيا علي ما جري عليها من المحن والظلم، وكذلك كانت الحجة علي الأنبياء كما شهدت الكثير من الروايات الشريفة، وكما سيأتي بعد قليل رواية مهمة تثبت هذه الفضيلة للزهراء، وهذا أيضاً ما أثبتته الشواهد فنحن نجد ان الكثير من الأنبياء كانوا يدعون الله تعالي أن يطّول عمرهم وهذا بخلاف فاطمة الزهراء عليها السلام حيث كانت مستبشرة عندما أخبرها النبي الأعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم انها أول أهله لحوقاً به وهذا ما ذكره العلامة الاردبيلي رحمه الله في فضيلتها من جهة كونها تحب الموت ولاتكرهه حث قال العلامة الاردبيلي ما نصه:

ان الطباع البشرية مجبولة علي كراهة الموت مطبوعة علي النفور منه، محبة للحياة، مايلة اليها، حتي الأنبياء عليهم السلام علي شرف مقاديرهم وعظم أخطارهم ومكانتهم من الله تعالي ومنازلهم من محال قدسه وعلمهم بما تؤول إليه أحوالهم وتنتهي إليه أمورهم أحبوا الحياة ومالوا إليها وكرهوا الموت ونفروا منه. وقصة آدم عليه السلام مع طول عمره وامتداد أيام حياته معلومة.

[ صفحه 81]

قيل: انه وهب داود عليه السلام حيث عرضت عليه ذريته أربعين سنة من عمره فلما استوفي أيّامه وحانت منّيته وانقضت مدة أجله وحّم حمامه

جاءه ملك الموت يقبض نفسه التي هي وديعة عنده فلم تطب بذلك نفسه وجزع وقال: أن الله عرفني مدة عمري وقد بقيت منه أربعون سنة، فقال: إنك وهبتها ابنك داود فأنكر أن يكون ذلك، قال النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم: فجد فجهدت ذرّيتّه.

ونوح عليه السلام كان أطول الأنبياء، أخبر الله تعالي عنه أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلما دنا أجله قيل له: كيف رأيت الدنيا؟ فقال: كدار ذات بابين دخلت في باب وخرجت من باب. وهذا يدل بمفهومه علي انه لم يرد الموت ولم يؤثر مفارقته.

وابراهيم عليه السلام: روي أنه سأل الله تعالي أن لا يميتهُ حتي يسأله عليه السلام فلما استكلمل ايامه التي قُدرّت له خرج فرأي ملكاً علي صورة شيخ فانٍ كبير قد أعجزه الضعف وظهر عليه الخراف «أي فساد العقل من الكبير» ولعابه يجري علي لحيته وطعامه وشرابه يخرجان من سبيله عن غير اختياره، فقال له: يا شيخ كم عمرك؟ فأخبره بعمر يزيد علي عمر ابراهيم بسنة، فاسترجع وقال: أنا أصير بعد سنة الي هذه الحال فسأل الموت. فهؤلاء الانبياء ممن عرفت شرفهم وعَلاء شأنهم وارتفاع مكانهم ومحلهم في الآخرة وقد عرفوا ذلك وابت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة. وفاطمة عليها السلام امرأة حديثة عهد بصبي ذات أولاد صغار وبعل كريم لم تقض من الدنيا إرباً «أي حاجة» وهي في غضارة عمرها وعنفوان شبابها يعرّفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلوا موت أبيها صلي الله عليه وآله وسلم وتضحك طيّبة نفسها بفراق الدنيا وفراق بنيها وبعلها، فرحة بالموت مايلة إليه مستبشرة بهجومه مسترسلة عند قدومه وهذا أمر عظيم لا تحيطه الالسن بصفته ولا

تهتدي القلوب الي معرفته وما ذاك إلا لأمر علّمه الله من أهل البيت الكريم وسراً وجب لهم مزّية التقديم فخصهم بباهر معجزاته وأظهر عليهم آثار علائمه وسماته وايدهم ببراهينه والصادقة ودلالاته، والله أعلم حيث يجعل رسالته [68] .

[ صفحه 82]

جوهرةُ القدس من الكنز الخفي

بدت فأبَدتْ عاليات الأحرف

وقد تجلي في سماء العَظَم_ة

من عالم الاسماء أسمي كلمة

بل هي أمُ الكلمات المحكم_ة

في غيب ذاتها نكاتٌ مبهمة

أمُّ الأئمة العق_ول الغُرِّ ب__لْ

أُمُّ أبيها وهو عل_ةُ العللْ [69] .

أليس ذلك من الفضائل العالية حيث كانت الزهراء عليها السلام حجة علي الأنبياء بأعتبار صبرها وفضلها. أما كونها عليها السلام حجة علي الأئمة كما هي حجة علي الأنبياء فهذا ما يتبين لنا من خلال عدة أحاديث مأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، منها ما ورد عن جابر بن عبدالله الأنصاري، عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، عن الله تبارك وتعالي انه قال: «يا أحمد، لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما [70] ».

أمّا الدليل الثاني: فنقول انه ورد في الحديث الشريف المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ما نصه «انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتي أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الاولي» [71] .

يعني ما تكاملت نبوة نبي _ والنبوة خلاصة التوحيد _ إلا لمن أقر بفضلها ومحبتها والإقرار هو الشهادة علي النفس والاعتراف منها للغير واقرار العقلاء علي انفسهم جائز، فهذه شهادة من الأنبياء لها بالفضل والمحبة والفضل يعني انها كانت لها زيادة

في الفضائل علي الأنبياء بل هي صاحبة الفضل عليهم بانه لم تكتمل نبوة نبي إلا بها عليها السلام.

وفي ذيل هذا الحديث اعلاه يقول المحقق البارع أبو الحسن النجفي ما نصه: ان المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من ادم فمن دونه حتي نفس خاتم الأنبياء صلي الله عليه وآله وسلم أجمعين، يعني ما بعث الله عز وجل أحداً من الأنبياء والأوصياء حتي أقروا بفضل الصديقة الكبري ومحبتها. ويؤيده ما ذكره السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان في مدينة المعاجز عنه عليه السلام ما تكاملت النبوة لنبي حتي أقر بفضلها

[ صفحه 83]

ومحبتها [72] .

وأيضاً ما ورد عن جاب بن عبدالله الأنصاري عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قلت لم سميت فاطمة الزهراء «زهراء»؟ فقال: لأنّ الله عز وجل خلقها من عظمته... الي ان يقول الله تعالي للملائكة في ماهية نور فاطمة ما نصه.. فأوحي الله إليهم: هذا نور من نوري اسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أُخرجه من صلب نبي من انبيائي أفضله علي جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمرني يهدون الي حقي واجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحي [73] وعن أبي عبدالله عليه السلام انه قال: لولا ان أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفوء الي يوم القيامة علي وجه الأرض آدم فمن دونه [74] ولقد علق علي هذا الحديث الشريف صاحب كتاب البحار العلامة المجلسي رحمه الله حيث قال: يمكن ان يستدل به _ أي بالحديث أعلاه علي كون علي وفاطمة عليهما السلام أشرف من سائر أولي العزم سوي نبينا صلي الله عليهم أجمعين. لا يقال: لا يدل

علي فضلهما علي نوح وابراهيم عليهما السلام لاحتمال كون عدم كونهما كفوءين لكونها من أجدادها عليها السلام. لأنا نقول: ذكر آدم عليه السلام يدل علي أن المراد عدم كونهم أكفاءها مع قطع النظر عن الموانع الأخر علي انه يمكن أن يتشبث بعدم القول بالفصل [75] وايضاً هناك حديث يدل علي أفضلية فاطمة الزهراء علي الأنبياء وعلي جميع البشر حيث ذكر المحدث الكبير العلامة الخبير الطبرسي رضي الله عنه:عن أبي جعفر عليه السلام: ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة علي جميع من خلق الله من الجن والنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة [76] ونقف مع وجه آخر قد يمكن أن نثبت من خلاله حجية فاطمة عليها السلام علي الأئمة، وهو ما نستفيده من خلال الحديث المذكور في كون علي عليه السلام كفواً لفاطمة الزهراء عليها السلام، حيث ورد في الحديث المذكور عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم «لولا علي لم يكن لفاطمة

[ صفحه 84]

كفو» [77] .

وأيضاً ورد عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «لولا يخلق عليّاً لما كان لفاطمة كفو [78] وهذا يعني أن أكثر المقامات التي كانت للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام هي ثابتة للصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، فهما في منزلة واحدة من الإيمان والتقوي، وإلاّ لما كان كل منهما كفواً للأخر؟ وعليه تكون فاطمة حجة علي الأئمة عليهم السلام كما كان أمير المؤمنين عليه السلام الحجة علي الأئمة عليهم السلام، فلقد ورد في عدة أحاديث ان علي عليه السلام سيد الأوصياء وخيرهم وأفضلهم لذا كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «منا خير الأنبياء وهو أبوك _

والكلام مع فاطمة عليها السلام _ ومنا خير الأوصياء وهو بعلك [79] ». وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين أنه قال: «والله لأتكلمن بكلام لا يتكلم به غيري إلا كذاب: ورثت نبي الرحمة، وزوجتي خير نساء الأمة، وأنا خير الوصيين» [80] والذي نريد القول به من هذا الكلام أن الإمام علي عليه السلام كان خير الأوصياء وافضلهم فلقد ورد في شرح نهج البلاغة في أن أمير المؤمنين كان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة. قال ابن أبي الحديد: وما ظنك برجل يبلغ من محافظته علي ورده ان يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه، وتمر علي صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك فلا يقوم حتي يفرغ من وظيفته، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفته بعير لطول سجوده، وإذا تأملت دعواته ومناجاته وقفت علي ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله وما يتضمنه من الخضوع ليبته، والخشوع لعزته والاستخذاء له، عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص، وفهمت من أي قلب خرجت وعلي أي لسان جرت، وقيل لعلي بن الحسين عليهما السلام وكان الغاية في العبادة: أين عبادتك من عبادة جدك؟ قال: عبادتي من عبادة جدي كعبادة جدي من عبادة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [81] فيظهر من هذا الحديث أحاديث أخري أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان متميز عن باقي

[ صفحه 85]

الأئمة عليهم السلام من ناحية مدي تصديه لشؤون الإمامة والولاية وتحمل المشاق للدفاع عن حريم الرسالة المحمدية، وإلاّ فالأئمة عليهم السلام جميعاً من ناحية الانوار متحدين فهم كلهم نور واحد ولكن الاختلاف كان من جهة تصديهم لشؤون الخلافة

والمشاق التي تحملوها، وعليه تكون الصديقة الزهراء عليها السلام كفو للامام أمير المؤمنين فهي أم الأوصياء وروح النبوة وبضعة الرسول، وزوجة خير الأوصياء. وعلي ضوء هذه الاحاديث وعلي أساس أحاديث أخري اغمضنا النظر عليها لئلا يطول المقام بنا، كانت فاطمة الزهراء وبدليل الاولوية وفحوي الخطاب الحجة علي الأنبياء والأئمة، ونقول ليس فقط ما تكاملت نبوة نبي فحسب بل ما تكاملت الإمامة في امامتها ولا تكامل العلماء في علمائها وإلاّ الادباء في أدبهم والحكماء في حكمهم والاتقياء في تقواهم وكل كامل في كمال حتي يقر بفضلها ويؤمن بمحبتها فهي الصديقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الاولي والاخري [82] فاذاً كانت فاطمة حجة وما تزال حجة علي الأئمة عليهم السلام.

وحبها من الصف_ات العالية

عليه دارت الق_رون الخالية

بابي فاطم وق__د فطم_ت

بأسمها نار حشرها ولظاها

هي والله كوث_ر قد اعدت

لبنيها وك___ل من والاها

هي عند الله اع_ظ_م خلق

وبها دار في القرون رحاها

وهكذا كانت فاطمة الزهراء عليها السلام بهذه الوجوه وادلة اخري الحجة علي الأنبياء والأوصياء وبهذا المعني الذي وضحناه تبين لنا عِظم مقام فاطمة عليها السلام وعلو قدرها عند الباري عز وجل ونكتفي بهذا البيان حول الوقوف علي قول الإمام الحسن العسكري «فاطمة حجة علينا».

[ صفحه 89]

اصل يوم العذاب

في ظلامات فاطمة

الشيخ حبيب شعبان [83] .

أيا منزلَ الاحب_اب م_ا لكَ موحش__اً

بزهرتكَ الأرياحُ أودت بم___ا تسف_ي

تَعفيتَ يا رب___عَ الاحب__ةِ بعده_م

فذكرتن_ي قب_رَ البت___ولةِ إذ عفَ__ي

رمتها سه_امُ الده_رِ وه_يَ صوائبٌ

بشجوٍ إلي أن جُرّعت غصصَ الحن__فِ

شجاها فراقُ المصطفي واحتفارُه__ا

لدي كلِّ رج_سٍ من

صحابتهِ جِل___فِ

لقد بالغ__وا في هضمِه_ا وتحالف_وا

عليها وخانوا الله ف_ي محك_مِ الصح_فِ

فآبت وزن__دُ الغيظِ يق_دحُ في الحشا

تعث__رُ بالأذي_الِ مث_ني_ة العط__ف

وجائت إلي الكرارِ تشكو اهتضامَه__ا

ومدت الي__هِ الطرفَ خائع_ةَ الط_رف

أبا حسنٍ يا راسخ العلمِ والحج__ي [84]

إذا فرت الابطالُ رعباً م_ن الزح__ف

ويا واحداً أفني الجم_وعَ ولم ي__زل

بصيحته يسومونني مالا اطيق من الخسف

ويلطم وجهي نَصبَ عينيكَ ناص__بُ

العداوةِ لي بالض__رب من_ي يستشف_ي

فتُغضي ولا تُنضي حسامَ_كَ آخ__ذاً

بحقي ومنهُ الي__ومَ قد صف_رت كفَ_ي

لمن أشت_كي إلاّ الي_كَ ومَ_ن ب__هِ

الوذُ وهل لي بع_دَ بيت_كَ م_ن كه__ف

وقد أضرم_وا الني_رانَ في_هِ وأسقطوا

جنيني فوا وي__لاهُ منه_م ويا لهف__ي

وما برح_ت مهضوم_ةً ذاتَ عل__ةٍ

تأرقُه__ا البل_وي وظالمه__ا مُغ_ف_ي

إلي أن قضت مكسورةَ الضلعِ مسقِط_اً

جنينٌ لها بالضربِ مس_ودّة الك_ت__ف

[ صفحه 91]

لماذا هذا البحث (أصل يوم العذاب...)

قال المفضل للإمام الصادق عليه السلام: يا مولاي ما في الدموع ثواب؟ قال: ما لا يحصي إذا كان من محقّ. فبكي المفضل (بكاءاً) طويلاً ويقول: يا ابن رسول الله إنَّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم، فقال له الصادق عليه السلام: ولا كيوم محنتنا بكربلاء وإن كان يوم السقيفة واحراق النار علي باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهي وأمرّ، لأنّه أصل يوم العذاب [85] .

من منطلق هذه الرواية التي رواها المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام، واستناداً إلي كلام الإمام المعصوم الذي هو معصوم الكلام، والذي لا يأتيه الباطل لا من بين

يديه ولا من خلفه، حيث يعتبر كلام الإمام المعصوم من الادلة الشرعية الاربعة: القرآن الكريم والسنة والعقل والاجماع فهو داخل ضمن السنة النبوية الشريفة، باعتباره يمثل الامتداد الحية لها كان عنوان هذا البحث مستمداً من هذه الرواية والتي تروي قصة مظلومية فاطمة الزهراء سلام الله عليها والذي بَيّن فيه الإمام الصادق عليه السلام عِظم ومرارة مصيبة أهل البيت عليهم السلام عند هجوم القوم علي دار أمير المؤمنين سلام الله عليه بأعظم تعبير يجعل المؤمن الباحث عن الحقيقة والعقيدة والصحيحة يقف عنده كثيراً

[ صفحه 92]

ويدقق فيه طويلاً ليري لماذا عبّر عنه الإمام عليه السلام بهذا القول العظيم بأنه أصل يوم العذاب، لا شك ولا ريب ان كلام الإمام الصادق عليه السلام لا يأتي اعتباطا وعبثاً دون أن تكون هناك مقدمات أولية يقينية عنده بحيث تؤدي بالأمر إلي أن تصل فيه النتيجة النهائية وعلي ضوء هذه المقامات المهمة أن تكون المظلومية العظمي لأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبالخصوص اُم أبيها فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي الاساس والاصل ليوم الحسرة أو كما عبر عنه الإمام عليه السلام بيوم العذاب.

لذا جاء هذا البحث أصل يوم العذاب في ظلامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها باعتبارها قطب الرحي الي تدور حوله محورية أهل البيت عليهم السلام والذي اعتمدنا في تسميته هذه علي رواية المفضل عن لسان الإمام الصادق عليه السلام لكي لا نخرج حتي في تسميتنا لأي شيء عن تسميات وتعبيرات أهل البيت عليهم السلام.

وسيكون بحثنا في هذا الموضوع عن مقدمات مهمة، وخصوصيات قيمة مرتبطةٌ بصميم البحث وتكون هي المحور والاساس للنتيجة النهائية للبحث، وخصوصاً ما يتعلق بمقامات فاطمة الزهراء سلام

الله عليها لما لها من الأثر الكبير علي عظم ومرارة مظلوميتها سلام الله عليها فانه كلما كان المقام سامي وعظيم للانسان المؤمن فانه بالنتيجة والقطع اليقيني سوف تكون ظلامته ومظلوميته عظيمة وكبيرة وعلي قدر ايمانه ومقامه الرفيع.

وكذلك سوف يكون هناك بحث مهم وعلي ضوء القرآن والسنة لبيان هذه المقامات وكذلك اظهار مظلومية أهل البيت وبالأخص الزهراء سلام الله عليها علي ضوء السنة الشريفة وآراء ومعتقدات العلماء الأبرار إلي أن نصل إلي مسألة ارتباط هذه المظلوميات بصميم عقائدنا وبالنتيجة كيفية تعبير الاماما الصادق عليه السلام بأن مظلومية أهل البيت عليهم السلام في ذلك الوقت وحتي وقتنا هذا هي الأصل ليوم العذاب.

ما معني أصل يوم العذاب

وأصل الشيء الاساس الذي يُبني عليه ذلك الشيء وقد يكون أصل الشيء المنطلق له أو أسفله وحسب التعريفات اللغوية التي وردت في تعريفه، ومن هنا نقف مع رواية

[ صفحه 93]

المفضل التي رواها عن الإمام الصادق عليه السلام لكي نفهم كيف يجري الحال مع هذه الرواية، فالسؤال المطروح فيما نحن فيه يقتضي أن نفهم أن أصل يوم العذاب هل يقصد به الاساس الذي بني عليه ظلم أهل البيت عليهم السلام من ذلك الحين أو أنه يقتضي _ الاصل _ معناه يوم القيامة الذي سوف يكون فيه الاساس لعذاب الذين ظلموا أهل البيت عليهم السلام فيكون الجزاء جهنم خالدين فيها أبداً؟ أما الشق الأوّل الذي يقصد به ويقول ان أصل يوم العذاب هو ذلك اليوم الذي سُلبت فيه الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام _ يوم السقيفة _ وإضرام النار علي باب بيت أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام... وقتل محسن بالرفسة، حيث أسس الظلم والعذاب علي أهل البيت عليهم السلام ولم

يروّ الراحة والاطمئنان من يوم ظلم فاطمة إلي واقعة كربلاء وقتل أهل البيت وتشريدهم إلي ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) فان العذاب موجوع والاذي مبثوث لكل من ولاهم واتبعهم من شيعتهم وعلي هذا الاساس يكون أصل يوم العذاب هو اليوم الذي أسس الظلم علي أهل البيت عليهم السلام في هذه الحياة الدنيا، وهذا القول الذي يقول ان يوم العذاب هو يوم الظلم الذي جري علي أهل بيت النبوة بعيد عن المتفاهم العرفي ولا يساعد عليه الحال لأنّ هناك فرق بين أن نقول يوم الظلم ويوم العذاب لانه الظلم وارد في الحياة الدنيا أما العذاب فيكون له يوم خاص وكما عبر عنه القرآن يوم التغابن ويوم القيامة.... فلذا الظاهر من خلال الرواية ان يوم العذاب ليس هو يوم الظلم الذي جري علي أهل بيت النبوة عليهم السلام لأن العذاب لا يطلق علي هكذا حالٍ وانما يطلق علي يوم القيامة الذي سوف يكون فيه العذاب للظالمين أما ما الذي يصح ان يعبر منه فهذا ما يمكن ان نقول به هو يوم المصائب ويوم المحن الابتلاءات والظلامات اذن يكون هذا القول منتفي في كون يوم العذاب هو اليوم الذي أسس فيه الظلم لأهل بيت النبوة.

وعلي الشق الثاني من معني الأصل ليوم العذاب يكون معناه ان يوم القيامة سوف يكون فيه العذاب والخزي للذين أخذوا الخلافة من أصحابها الحقيقيين وظلموا الزهراء عليها السلام وأضرموا النار علي بيت أمير المؤمنين وقتلوا المحسن بن علي عليه السلام بالرفسة، فتكون هذه الظلامات هي الاساس والاصل ليوم العذاب في نار جهنم

[ صفحه 94]

للذين فعلوا ذلك الظلم العظيم وكما عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله

تعالي (ان الظالمين لهم عذاب أليم).

وعليه الذي علي ما احتمله ان الصحيح عندي هو المعني الوارد في تفسير الاصل ليوم العذاب يعني ان أساس يوم العذاب في القيامة سوف يكون بسبب هذا الظلامات من ظلامة يوم السقيفة واحراق النار وقتل محسن بالرفسة وغير ذلك من الظلامات ذلك لأن هناك عدة أدلة وشواهد تثبت هذه المسئلة وايضاً نفهم هذا من خلال عدة روايات شريفة وشواهد تاريخية بينت هذه المسألة، وهناك قرينة في المقام تثبت هذا المعني وهي الرواية نفسها حيث نستفيد منها ان المفضل يسأل الإمام عليه عليه السلام ويقول ان يومكم في القصاص لاعظم من يوم محنتكم... حيث عبر عن يوم القيامة بيوم القصاص الذي سوف تكون فيه جهنم عذاباً للظالمين، واضافة إلي ذلك قال المفضل ان يوم محنتكم وهذا يدل علي ان هناك فرق بين ان نقول يوم العذاب ويوم المحنة.. وايضاً هناك قرينة متصلة في الرواية الشريفة نفسها حيث توجد تكملة لهذه الرواية التي يرويها المفضل حيث تقول: «ويأتي محسن مخضباً محمولاً تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد أُم أمير المؤمنين علي عليه السلام وهما جدتاه... وفاطمة تبكي وتصيح وتقول: هذا يومكم الذي كنتم توعدون... فيأخذ رسول الله محسناً علي يديه رافعاً له إلي السماء وهو يقول: إلهي وسيدي صبرنا في الدنيا احتساباً وهذا اليوم الذي تجد كل نفس ما عملت من خيراً محضراً وما عملت من سوءٍ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً».

فعلي أساس هاتين القرينتين نحتمل احتمالاً قويا ان أصل يوم العذاب المقصود به هو يوم القيامة الذي سوف يكون فيه نار جهنم للظالمين أشد عذاباً وأكبر تنكيلاً.

وربما يرد علينا في ما نحن فيه اشكال وهو اذا

كانت ظلامات أهل البيت عليهم السلام من السقيفة واحراق بيت فاطمة وقتل محسن... الخ هو الاساس وأصل يوم العذاب في القيامة فماذا تقول في الذين كانوا قبل هذه الظلامات وقبل زمن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم _ أي الامم الاخري _ فانهم ما كانوا يعلمون ذلك فكيف توجه هذه المسألة؟

نقول: انه لا ضيرَ في ذلك ولا يقدح فيما نحن فيه ذلك لكون عندنا رواية تقول انها _

[ صفحه 95]

أي الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام _ كانت مفروضة الطاعة علي جميع من خلق الله من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة [86] ، فاذا كان هكذا حالها فبالنتيجة تكون الحجة علي جميع من خلق الله تعالي وخصوصاً انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتي أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الاولي _ أي المتقدمة علي هذا الزمان _ وعليه لو كان الأنبياء والمؤمنين قبل بعثة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حاضرين في زمن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لكانوا قسمين إما راضين بما فعل القوم من الظلم بحق فاطمة وبعلها وبنيها وإما لم يكونوا راضين. فان كانوا راضين كانت لهم جهنم مقراً ومقاما وان لم يكونوا راضين بظلمها كانت لهم الجنة دار سرور ونعيم وعلي هذا الاساس يتضح كيف يكون ظلم أهل البيت وخصوصا الصديقة الشهيدة فاطمة عليها السلام الاساس ليوم العذاب هذا من جهة. ومن جهة أخري نحن نعلم ان هناك أحاديث وردت علي لسان أهل بيت العصمة مفادها ان الله يرضي لرضا فاطمة ويغضب لغضبها فمن كانت فاطمة راضية عنه رضا عنه الله تبارك وتعالي ولا شك ولا ريب ولا

شك أن رضا الله يرضاه الأنبياء والمؤمنين السابقين علي زمن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فيكونوا عندئذ راضين عمن رضيت عنه فاطمة وغاضبين علي من غضبت عليه لانها مظهر رضا الله تعالي وغضبه وعليه يكون الاصل ثابت.

اذن ونحن نقف مع هذا البحث ومدي ثبوتيته لا بد لنا من أن نقدم بعض الأمور التي يتوقف عليها عِظَم هذه المسئلة التي نحن بصددها، وهذه الامور هي:

الأمر الأول: مقامات الزهراء

الأمر الثاني: ظلامات الزهراء عليها السلام.

مقامات الزهراء وفيه

اشاره

أ_ مقامها عند الله تعالي

ب _ مقامها عند الملائكة

ج _ مقامها عند الأنبياء والنبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم

مقامها عند الأئمة عليهم السلام

ه_ _ مقامها عند العلماء والمحدثين

ت _ مقامها يوم القيامة.

[ صفحه 97]

مقامها عند الله تعالي

إنّ من المقامات التي خصت بها فاطمة الزهراء عليها السلام هو مقام الرضا أي ان الله يرضي لرضاها ويغضب لغضبها، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة المأثورة عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة.

وهذا مما يدل علي كونها ذو مقام عالي وشريف سامي لها عند الله تعالي: إذ لا معني ان يرضي الله لشخص من دون أن يكون له عند الله منزلةً وكرامةً عليه، وهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي إضافة إلي الشواهد القرآنية الكثيرة علي هذه المسألة، فنحن نجد من خلال الممارسات الحياتية ان الكثير من الاصدقاء مثلاً يرضون لرضا شخص معين بالحق ويقبلون شفاعته وتوسطه أو رضاه عن شخص معين لحل مشكلة ما، وكذلك الحال في الغضب، وعلي هذا الاساس تكون فاطمة كريمة عند الله تعالي لعلو شأنها ومنزلتها عنده لذلك يرضي لرضاها ويغضب لغضبها.

عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: «يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضي لرضاك» [87] .

وكذلك ما ورد عنه صلي الله عليه وآله وسلم انه قال: «يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين» [88] .

ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من خلال الحديث الطويل الذي يروي عن أهل بيت العصمة عن الله تعالي حيث يقول الباري عز وجل:

«يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت علي

نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار» [89] .

فأي منزلة ومقام لها عند الله تعالي بحيث يقسم الله تعالي بعزته وجلاله أن لا يعذب بالنار شيعة الزهراء ومحبيها، وهذا الحديث له مقام عالي يثبته حديث آخر

[ صفحه 98]

ورد في شفاعة الزهراء عليها السلام في يوم القيامة واعطاء الكرامة العظمي لها آنذاك.

ومن المقامات الأخري لها عليها السلام هو علة الايجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل: «يا أحمد! لولاك لم خلقت الأفلاك، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما» [90] .

ولا نريد الوقوف مع هذا الحديث الآن بل نترك بحثه إلي الفصول القادمة من هذا الكتاب، وكثيرة هي المناقب والمقامات التي لها عند الله تعالي.

مقامها عند الملائكة

في حديث طويل.. «... فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر، الذي قد أشرقت به السموات والأرض؟ فأوحي الله إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي، وزوجة وليّي وأخو نبيّي وأبو حججي علي عبادي، أُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلي يوم القيامة» [91] .

وهذا يعني انها عليها السلام لها مقام النور الزاهر عند الملائكة فهم يعرفونها في السماء بالنور الزاهر الذي أزهرت السماوات والأرض بنورها ولأجل ذلك سميت بالزهراء.

مقامها عند الأنبياء والنبي محمد

أما عند الأنبياء فهذا ما يدل عليه الحديث المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام الذي يقول: ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتي أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الاولي، حيث يظهر من هذا الحديث ان لها مقام سامي عند الأنبياء لأنه ما تكاملت نبوتهم حتي أقروا بمنزلتها ومقامها وفضلها

[ صفحه 99]

ومحبتها، واللطيف هنا انما الأقرار يكون عند من له الحق علي الآخرين، وعليه يكون الأنبياء أقروا لله تعالي _ لأنه هو صاحب الحق عليهم _ بفضلها ومحبتها، أما عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم فان مقامها رفيع ولو أردنا أن نكتب عن مقامها عند الرسول لاحتجنا إلي مجلدات في هذا الأمر ولكن علي ما يسعنا المقام نقول: ان مقامها يظهر من خلال أحاديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم نفسه حيث تارة يقول فداك أبوك ومرة أخري يقول لها اُم أبيها، وأخري بضعة مني ولحمها لحمي ودمها دمي ولكن الأهم من هذا كله فإنها عليها السلام يكفي من مقامها ومنزلتها عند الرسول صلي الله عليه وآله انه قال في حقها: «من

عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله» [92] .

وأيضاً قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنك منّي وأنا منك، وأنت بضعة من وروحي التي بين جنبيّ ثم قال صلي الله عليه وآله وسلم: «إلي الله أشكو ظالميك من امتي» [93] .

مقامها عند الأئمة

ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال:

«نحن حجج الله علي خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا» [94] وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطي لفاطمة عليها السلام وعلي لسان حفيدها الحسن العسكري عليه السلام أكبر شهادة عظمي بحقها، وسيأتي مفصلاً البحث حول هذا الحديث الشريف.

ويظهر من خلال حديث أخر عظم منزلة ومقام فاطمة عند الأئمة عليهم السلام حيث

[ صفحه 100]

خرج من الناحية الشريفة عن الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أنه قال: «وفي ابنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لي أسوة حسنة...» [95] فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام (عجل الله تعالي فرجه الشريف) أن له اسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسي بها في المعضلات والمصائب.

وهناك الكثير من المقامات التي اشتركت الزهراء عليها السلام مع الأئمة فيها من حديث كونهم الصراط المستقيم واشتراكها معهم فيه وكذلك كونهم الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها معهم في المباهلة مع وفد نجران والذي تدل علي أنها كانت قطب الرحي الذي دار في المباهلة وكونها الشجرة الطيبة واشتراكها في النور معهم والتطهير في آية

التطهير... الخ من المناقب والمقامات العالية لها عليها السلام ولقد تظافرت الروايات الشريفة علي هذه المقامات.

مقامها عند العلماء والمحدثين

1_ قال ابن صبّاغ المالكي: ولنذكر طرفاً من مناقبها التي تشرف هذا النّسب من نسبها، واكتسي فخراً ظاهراً من حسبها، وهي فاطمة الزهراء بنت مَنْ أنزل عليه: سبحان الذي أسري، ثالثة الشمس والقمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيّدة بإجماع أهل السّداد [96] .

2_ قال الاُستاذ عبد الزهراء: ونحن حين نتناول الحديث عن الزهراء عليها السلام بصفتها غرس النبوّة، وشجرة الإمامة، فإنّما تنكشفُ لنا أبعادُ الرّسالة الإسلامية بطابع تجسيدي نلمسه في كل جانب من جوانب شخصيّتها عليها السلام ونحن نتابعها، ففي قرانها بعليِّ بن أبي طالب عليه السلام تنجلي لنا الصورة الحيّة التي رسمها الإسلام للقرآن الذي ارتضاه خالق هذا الوجود، وفي مواقفها البطولية بعد وفاة أبيها يتكشّف لنا المدي

[ صفحه 101]

البعيد الذي رسمه الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات، ومدي فاعليتها في بناء المجتمع الإسلامي. وعلي هذا الأساس تقاس سائر جوانب شخصية الزهراء عليها السلام [97] .

3_ قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي: اعلم _ أيّدك الله بروح منه _ أن الأئمة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلّف، والهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا الصنّف لهم برسول الله زيادة علي اتصالهم به بواسطة فاطمة عليها السلام. فبواسطتها زادهم الله تعالي فضل شرف وشرف فَضْل، ونيل قدر وقدر نيل، ومحلَّ علوّ وعلوّ محلّ، وأصل تطهير وتطهير أصل... فانظر بنُور بصيرتك _ أمدّك الله بهدايتها _ إلي مدلول هذه الآية [98] وترتيب مراتب عباراتها وكيفيّة إشارتها إلي علوّ مقام فاطمة الزهراء في منازل الشرف وسمو درجتها، وقد بيّن ذلك وجعلها بينه وبين عليًّ تنبيهاً علي

سرّ الآية وحكمتها، فإن الله عزَّ وجل جعلها مُكتَفةً من بين يديها ومن خلفها ليظر بذلك الاعتناء بمكانتها. وحيث كان المراد من قوله «وأنفسَنا» نفس عليًّ مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم جعلها بينهما إذا الحراسة بالأحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأنباء في دلالتها [99] .

4_ قال الحافظ أبو نعيم الإصفهاني: ومن ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة _ رضي الله تعالي عنها _ السيّدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول، وأوّلهم بعد وفاته به لحوقاً، كانت عن الدنيا ومُتعتها عازفةً، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عرافة [100] .

5_ قال عبد الحميد ابن أبي الحديد: وأكرم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنُّونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتي خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: «انها سيدة نساء العالمين، وإنها عديلة مريم بنت عمران، وإنها إذا مرّت في الموقف في الموقف نادي مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضُّوا أبصاركم

[ صفحه 102]

لتعبر فاطمة بنت محمد». وهذا من الأحاديث الصحيحة، وليس من الأخبار المستضعفة. وإنّ إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالي إيّاها في السماء بشهادة الملائكة؛ وكم قال لا مرّة: «يؤذيني ما يؤذيها، ويغضبني ما يغضبها، وإنها بضعة مني، يريبني ما رابها» [101] .

6_ قال الاُستاذ توفيق أبو علم: كانت _ رضي الله عنها _ كريمة الخليفة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، مرهفة الذهن، جزلة المروءَة، غرّاء المكارم، فيّاحة نفّاحة، جرئية الصدر، رابطة الجأش، حميّة الأنف، نائية عن مذاهب

العجب... وكانت في الذروة العالية من العفاف والتصادق، طاهرة الذيل، عفيفة المئزر، عفيفة الطرف... إنّها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء فمن تراه... واكتفائها بشرفها كأنّها في عزلة بين أبناء آدم وحوّاء [102] .

7_ قال الاُستاذ عباس محمود العقاد المصري: في كل دين صورةُ الاُنوثية الكاملة المُدّسة يتخشّع بتقديسها المؤمنون، كأنّما هي آية الله فيما خلق من ذكر واُنثي؛ فإذا تقدّست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام لا جرم تتقدّس صورةُ فاطمة البتول [103] .

8 _ قال الدكتور علي إبراهيم حسن: وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس أو كليو بطرة، استمدّت كلٌّ عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر. وهي ليست كعائشة نالت شهوتها لما انّصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش، وتتحدّي الرجال، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلي العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجأت، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء، وانما من صميم النفس... [104] .

[ صفحه 103]

9_ قال العلامة الإربلي: فنلبدأ الآن بذكر فاطمة عليها السلام التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها، واعتلي علي الأنساب بعلوّ منارها، وشرف قدره بشرف محلّها ومقدارها، فهي مشكاة النبوة التي أضاء لألاؤها، وتشعشع ضياؤها، وسحت بسحب الغرّ أنواؤها، وعقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد مراتب علا وعلاء، ومناصب آل وآلاء، ومناسب سناً وسناء، الكريمة الكريمة الأنساب، الشريفة الشريفة الأحساب، الطاهرة الظاهرة الميلاد، الزهراء الزهراء الأولاد، السيدة باجماع أهل السداد، الخيرة من الخير: ثالثة

الشمس والقمر، بنت خير البشر، اُم الأئمة الغرر، الصافية من الشوب والكدر، الصفوة علي رغم من ججد أو كفر، الحالية بجواهر الجلال، الحالّة في أعلي رتب الكمال، المختارة علي النساء والرجال، صلي الله عليها وعلي أبيها وبعلها وبينها السادة الأنجاب، وارثي النبوة والكتاب، وسلّم وشرّف وكرّم وعظّم [105] .

10_ وقال أيضاً: إن فاطمة عليها السلام هي سليلة النبوة ورضيعة درّ الكرم والاُبوة، ودرّة صدف الفخار، وغرّة شمس النهار، وذُبالة [106] مشكاة الأنوار، وصفوة الشرف والجود، وواسطة قلادة الوجود، نقطة دائرة المفاخر، قمر هالة المآثر، الزهرة الزهراء، والغُرَّة الغرّاء، العالية المحل، الحالّة في رتبة آل عُلاء السامية، المكانة المكينة في عالم السماء، المضيئة النور، المنيرة الضياء، المستغنية باسمها عن حدِّها ووَسمها، قُرّة عين أبيها، وقرار قلب أُمِّها، الحالية بجواهر عُلاها، العاطلة من زخرف دنياها، أمة الله وسيدة النساء، جمال الآباء وشرف الأبناء، يفخر آدم بمكانها، ويبوح نوح بشدّة شأنها، ويسموا إبراهيم بكونها من نسله، وينجحُ إسماعيل علي إخوته إذ هي فرع أصله، وكانت ريحانة محمد صلي الله عليه وآله وسلم من بين أهله، فما يجاريها في مَفْخر إلا مغلّب [107] ، ولا يباريها في مجد إلا مؤنّب [108] ، ولا يجحد حقّها إلا مأفون [109] ، ولا يصرف عنها وجه

[ صفحه 104]

إخلاصه إلا مغبون [110] .

11 _ قال العلامة الخبير ابن شهر آشوب (ره): وقلنا الصدّيقة بالأقوال، والمباركة بالأحوال، والطاهرة بالأفعال، الزكية بالعدالة، والرضية بالمقالة، والمرضية بالدلالة، المحدثة بالشفقة، والحرّة بالنفقة، والسيّدة بالصدقة، الحصان بالمكان، والبتول في الزمان، والزهراء بالإحسان، مريم الكبري في الستر، وفاطم بالسرّ. وفاطمة بالبرّ، النوريّة بالشهادة، والسماوية بالعبادة، والحانية بالزهادة، والعذراء بالولادة، الزاهدة الصفيّة، العابدة

الرضيّة، الراضية المرضيّة، المتهجّدة الشريفة، القانتة العفيفة، سيدة النسوان، وحبيبة حبيب الرحمن، المحتجبة عن خزّان الجنان، وصفيّة الرحمن، ابنة خير المرسلين، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين، والمتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين، ثمرة النبوّة، وام الأئمة وزهرة فؤاد شفيع الامة، الزهراء المحترمة، والغرّاء المحتشمة، المكرّمة تحت القبّة الخضراء، والإنسيّة الحوراء، والبتول العذراء، ستّلا النساء [111] ، وارثة سيد الأنبياء، وقرينة سيد الأوصياء، فاطمة الزهراء، الصدّيقة الكبري، راحة روح المصطفي، حاملة البلوي من غير فزع ولا شكوي، وصاحبة شجرة طوبي، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتي، ابنة النبي، وصاحبة الوصي، وام السبطين، وجدّة الأئمة، وسيدة نساء الدنيا والآخرة، زوجة المرتضي، ووالدة المجتبي، وابنة المصطفي، السيدة المفقودة، الكريمة المظلومة الشهيدة، السيدة الرشيدة، شقيقة مريم، وابنة محمد الأكرم، المفطومة من كل شرّ. المعلومة بكل خير، المنعوتة في الإنجيل، الموصوفة بالبرّ والتبجيل، درّة صاحب الوحي والتنزيل، جدّها الخليل، ومادحها الجليل، وخاطبها المرتضي بأمر المولي جبرئيل [112] .

12 _ قال المحقق الشهير الحاج ملاّ محمد باقر صاحب الخصائص الفاطمية: سبحانك اللهم فاطر السموات العلي، وفالق الحب والنوّي، أنت الذي فطرت اسماً من

[ صفحه 105]

اسمك، واشتققته من نورك، فوهبت اسمك بنورك حتي يكون هو المظهر لظورك، فجعلت ذلك الاسم جرثومة لجملة أسمائك، وذلك النور ارومة [113] لسيّدة إمائك، وناديت في الملأ الأعلي: أنا الفاطر وهي فاطمة، وبنورها ظهرت الأشياء من الفاتحة إلي الخاتمة. فاسمها اسمك، ونورها نورك، وظهورها ظهورك، ولا إليه غيرك، وكل كمالٍ ظلّك، وكل وجودٍ ظلّ وجودك، فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية، واختصصتها بالخصائص الفاطمية، مفطومة عن الرعونات [114] العنصريّة، ونزّهتها عن

جميع النقائص، مجموعة من الخصائل المرضيّة بحيث عجزت العقول عن إدراكها، والناس فطموا عن كنه معرفتها، فدعا الأملاك في الأفلا ك بالنوريّة السماوية، وبفاطمة المنصورة... ام السبطين وأكبر حجج الله علي الخافقين، ريحانه سدرة المنتهي، وكلمة التقوي، والعروة الوثقي، وستر الله المرخي، والسعيدة العظمي، والمريم الكبري، والصلواة الوسطي، والإنسيّة الحوراء التيم بمعرفتها دارت القرون الاولي.

وكيف احصي ثناها وإنّ فضائلها لا تحصي، وفواضلها لا تقضي؟! البتول العذراء، والحرّة البيضاء، ام أبيها، وسيدة شيعتها وبنيها، ملكة الأنبياء، الصدّيقة فاطمة الزهراء، نعم ما قال:

خجلاّ من نور بهجتها تتواري الشمس في الافق

وحياءً من شمائلها يغطّي الغصن في الورق [115] .

13 _ قال المحقق البارع السيد كاظم القزويني: فاطمة، وما أدراك من فاطمة! شخصية إنسان تحمّل طابع الانوثة لتكون آية علي قدرة الله البالغة واقتداره البديع العجيب، فإن الله تعالي خلق محمداً صلي الله عليه وآله وسلم ليكون آية قدرتة في الأنبياء، ثم خلق منه بضعته وابنته فاطمة الزهراء لتكون علامةً وآيةً علي قدرة الله في إيداع مخلوق أنثي تكون كتلة من الفضائل، ومجموعة من المواهب فلقد أعطي الله تعالي فاطمة الزهراء أوفر حظ من العظمة، وأوفي نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأيّة أنثي لأيّة أنثي أن تبلغ تلك

[ صفحه 106]

المنزلة، فهي من فصيلة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض، ونزلت في حقّهم آيات محكمات في الذكر الحكيم تتلي آناء الليل وأطراف النهار منذ نزولها إلي يومنا هذا وإلي أن تقوم القيامة. شخصية كلما ازداد البشر نضجاً وفهماً للحقائق واطّلاعاً علي الأسرار ظهرت عظمة تلك الشخصية بصورة أوسع، وتجلت معانيها ومزاياها

بصورٍ أوضح. إنّها فاطمة الزهراء الله يثني عليها , ويرضي لرضاها، ويغضب لغضبها، ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ينوّه بعظمتها وجلالة قدرها، وأمير المؤمنين عليه السلام ينظر إليها بنظر الإكبار والإعظام، وأئمة أهل البيت عليه السلام ينظرون إليها نظر التقديس والإحترام [116] .

مقامها يوم القيامة

إن أفضل مقام تعطي فاطمة عليها السلام يوم القيامة هو مقام الشفاعة الكبري والذي من خلال هذه المنزلة يظره قدر ومقام فاطمة عند الله تعالي يوم القيامة وأمام الخلائق جميعاً، فلقد ورد في تفسير فرات... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله عزوجل: يا بنت حبيبي، ما التفاتك وقد أمرت بك إلي جنتي؟

فتقول: يا رب! أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة.

قال أبو جعفر عليه السلام _ والله _ يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء. فاذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل:

يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم؛ فيقول الله: يا أحبائي

[ صفحه 107]

ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة، خذوا بيده وأدخلوه الجنة.

قال أبو جعفر عليه السلام: _ والله _ لا يبقي في الناس إلا شاك أو

كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات، نادوا كما قال الله تعالي: (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) فيقولون: (فلو أنّ لنا كرة فنكون من المؤمنين).

قال أبو جعفر عليه السلام: هيهات هيهات منعوا ما طلبوا (ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون).

[ صفحه 108]

ظلامات فاطمة الزهراء

ن_بذوا الع__هد والك__تاب وم_ا ج_اء

ب_ه ف_ي الوص_يّ خ_لف الظ_هور

ع_دلوا ع_ن أب_ي اله__داة الم_يامي_ن

إلي ب___يعة الأث__يم الك___فور

ق__دموا الرجس ب__الولاية للأم___ر

ع___لي أه__ل آي__ة الت__طهير

لست ت_دري لم أح_رقوا الب_اب ب_النار

أرادوا إط___فاء ذاك الن____ور

لست تدري ما ص_در فاطم م_ا المسمار

م_ا ح_ال ض__لعها المكس_ور

ما سقوط الج_نين م_ا ح_مره الع_ين

وم__ا ب_ال ق_رط___ها الم_نثور

دخ_لوا ال_دار وه_ي حس_ري بمرأي

م_ن ع__ليّ ذاك الأب_ي الغ__يور

واس__تداروا بغ__ياً ع_لي أس_د الله

فأض__حي ي__قاد ق__ود البع__ير

ي_نظر الن_اس م_ا ب_هم م_ن م_عين

وي__نادي وم__اله م__ن ن__صير

والب_تول الزه__راء ف_ي إثرهم تعثر

ف__ي ذي__ل ب_ردها المجرور

بأن__ينٍ ي__وهيم الص__فا بش_جاه

وح_نين ي_ذيب ص__مّ الص__خور

ودع__تهم: خ_لّوا اب_ن ع_مي عليّاً

أو لأشك__و إلي الس_ميع الب__صير

م_ا رع_وها ب_ل روع_وها وم_رّوا

ب___علي م___لبّباً ك___الأسير

ب__عض ه__ذا ي_ريك ممّن ت_ولّي

ب__ارز الك__فر ليس ب__المستور

[ صفحه 109]

تمهيد

جاء الدين الإسلامي الحنيف ليمثل عصارة الأديان السماوية المتعددة وخلال الفترات المتعاقبة حيث قدم النظام الأشمل والأكمل للحياة وعلي كافة المستويات سواء الإجتماعية أو الإقتصادية أو السياسية وهذا ما نراه واضحاً جلياً في أدني تأمل للنظرية الإسلامية المتمثلة في طرفي العقيدة والشريعة، وكان من جملة ما أكدت عليه الرسالة السماوية المتمثلة في بعثة نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم هو حرمة الظلم ومعاونة الظالمين ذلك ان الله تبارك وتعالي قد حرم علي نفسه الظلم وكما ورد في الحديث القدسي: «يا عبادي اني حرمت الظلم علي نفسي

وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».

فالإسلام دين المساواة والعدل ولا يرضي بالظلم والبغي، حيث أنزل الله تعالي في كتابه الكريم الكثير من الآيات القرآنية المباركة التي تدل دلالة قطعية واضحة البراهان علي ضرورة العدل بين الرعية وعدم البغاء والظلم فيما بينهم، حيث اعتبرت هذه الضرورة من الواجبات المهمة علي كافة الأصعدة والمجالات الحياتية، فنري من خلال الضرورة من الواجبات المهمة علي كافة الأصعدة المجالات الحياتية، فنري من خلال مراجعة الأحكام الشرعية التي أقرتها الشريعة الإسلامية أن الكثير منها قد لوحظ فيه عدم الظلم للآخرين والتعدي علي حقوقهم، كل هذه التأكيد لكي تسير الإنسانية في الطريق الذي ارتضاء الله تبارك وتعالي لها ولكي تصل إلي شاطيء الأمان والكمال وضمن الأهداف المحددة من خلال الرسالة المحمدية السمحاء.

ونجد من خلال استقراء القرآن الكريم أن أكثر الآيات القرآنية الواردة في المقام قد تكون صريحة في تحريم الظلم سواء كان ذلك بذكر لفظة الظلم بصورة مباشرة أو عن طريق ذكر نقيضه الذي هو العدل وكما سيتبين من خلال مطالعة الآيات القرآنية التالية:

[ صفحه 110]

حيث جاء قوله تعالي (ان الله لا يظلم مثقال ذرة) [117] ليؤكد علي حقيقة اختصت لها الشيعة مع بعض الفرقة الدينية الآخري ألا وهي مسألة العدل حيث أقرت الشيعة بأن من أصول الدين هو العدل وهو أن الله ليس بظالم ولا يظلم أحداً فهو العدل لهذا نجد في هذه الآية القرآنية أن الله قد حرم علي نفسه الظلم فلا يظلم عباده بل هو المفيض عليهم رحمته الربانية ونعمته الالهية.

وجاء قوله تعالي (ما للظالمين من نصير) [118] ليؤكد علي مسألة أخري بحيث انها من الأهمية قد ذكرها الله تعالي ليذكر بها

البشرية بأن الظالمين ليس لهم نصير ولا تنصرهم السماء وبنفس الوقت قد أكد الله في آية أخري وطلب من المؤمنين بأن لا ينصروا الظالمين باي شكل من الأشكال (ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) [119] .

وهكذا جاءت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة حاملة بين طياتها التأكيد علي هذا الأمر المهم والضروري لتكامل البشرية.

وقد يرد وينقدح سؤال مهم في ذهن كل إنسان واعي وفاهم للأمور الإسلامية أنه إذا كان هذا الحال في حرمة الظلم وعدم معونة الظالمين فما المفهوم من الظلم وأي ضابطة نرجع اليها في معرفة الظلم وتعريفه معناه؟

فنقول ان الظلم من الأمور التي يدرك الذهن ويفهمها بأدني تأمل ذلك أنه من الأمور الفطرية والعقلية هو قبح الظلم وأنه يأباه العقل والناس جميعاً مشتركين في هذه المسألة أعني قبح الظلم، ومع ذلك كله نعطي بعض التعاريف للظلم لكي لا يرد أي استيضاح حوله في حالة عدم فهم معناه.

الظلم لغة: أما لغة فقد جاء في لسان العرب [120] : الظلم وضع الشيء في غير موضعه. وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد، ويقال ظلمه يظلمه ظلماً ومظلمة، فالظلم

[ صفحه 111]

مصدر حقيقي وهو ظالم وظلوم والظلمة هم المانعون أهل الحقوق حقوقهم، والظلامة ما تظلمه وهي المظلمة. وتظالم القوم: ظلم بعضهم بعضاً وفي المفردات للراغب الاصفهاني [121] : والظلم عند أهل اللغة وكثيرون أهل العلم: وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه.

وقال الفيروز آبادي [122] والظلم يقال في مجاوزة الحق ويقال في الكثير والقليل.

أما عرفاً: فالظلم معناه بخس النسا أشياءهم وحقوقهم والاعتداء علي الغير باي صورة كانت سواء

قولاً أو عملاً.

وأما شرعاً: الظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي [123] والظلم أصله الجور ومجاوزة الحد ومعناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي [124] وهكذا يتبين لمن يقصد السؤال في معرفة الظلم ويدقق في مقولات علماء اللغة وغيرهم من أهل الشرع واللغة وأهل المعرفة في هذا المقام، ولنعم ما قال الحكيم أرسطو في هذا المقام حيث أطلق هذه الكلمات ليعبر عن طبيعة الفطرة الإنسانية في هذه المسألة (الظلم من طبع النفوس، وانما يصدها عن ذلك إحدي علتين: إما علة دينية لخوف معاد أو علة سياسية لخوف سيف). فيكون مقال القائل أن النفوس لا تظهر هذا الظلم للعلتين المتقدمتين، ولكن نقول إذا فقدتا هاتين العلتين فماذا سيكون الحال، قطعاً عند ذلك يسقط الواعز النفسي للإنسان فيكون من أعتي الظالمين.

إذن بعد هذه المقدمة التي ارتأينا أن نقدمها لكي يتضح الحال والمقام في الظلم وقبحه وحرمته ندخل في هذا الفصل لكي نعيش القصة والحديث التأريخي الذي لا يزال يأكل بنفوس المسلمين وإلي وقتنا الحاضر ألا وهو حدث ظلامات فاطمة الزهراء بضعة النبي الهادي المختار تلك التي لم يترك في المسلمين آنذاك من أهله ومن ذريته إلا هذه الميمونة الطاهرة ذو النسل المبارك ام الحسنين عليهما السلام.

[ صفحه 112]

فتعال معي أيها القاري العزيز لنروي لك تلك الظلامات ونغوص في أعماق التاريخ لنجد ما يطالعنا به القوم من الظلامات التي أطبقت عليها الخاصة والعامة علي ثبوتها وصدورها ولكن اتباع الأهواء والصدود عن الحق هو الذي جعل الكثير منهم يأخذ هذه الأحداث مأخذاً تاريخياً ليس فيه أي فائدة وليس له أي علاقة لا بأصول الدين ولا بالعقيدة وانما هو مجرد حدث لا

يضر من عرفه ولا ينفع من جهله، وأني لهم بالمعرفة الحقة والنور المستبين ذلك أن (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) فهلم بنا لكي نقف مع هذه الدراسة التي أفاضها لنا التاريخ ونحققها بعمق وتركيزعلي كل جوانبها وحسب ما تسعنا قابليتنا المحدودة في معرفة كوامن الأسرار ونزيح ما استتار في ظلم التاريخ عن هذه الظلامات عن غبار جعل الكثير من أبصار وبصائر الذين يدعون الصلة بالرسول الأكرم محمد صلي الله عليه وآله وسلم من جهة الإسلام انهم يحبون ويوالون الرسول في كل شيء ولكن...؟!!

ولنقف بدقة متناهية مع هذه الظلامات ونعرض جميع الأسئله الواردة في المقام ونعرضها علي كتاب الله الغريز باعتباره المصدر الأول لكل سؤال ولكل استفهام من أي من كان، ونعرضها علي سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فهو الذي (لا ينطق عن الهوي... إلا وحي يوحي علمه شديد القوي ذو مرة فاستوي).

ونستنطق بهذه الأسئلة العقل ليكون القاريء العزيز علي ثقة بما يتطلع إليه ويصل إلي مقام الإطمئنان الذي تصبو إليه النفس الإنسانية.

وقبل كل شيء ينقدح سؤال مهم ألا وهو هل أخبر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بما سيجري علي أهل بيته من بعده أم لم يخبر؟

والجواب نجده واضحاً من خلال مطالعة كتب التأريخ والحديث حيث ورد عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث طويل أنه قال في قضية الإسراء والمعراج لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من قبل الله تعالي «إن الله مختبرك _ أي محمد صلي الله عليه وآله وسلم _ في ثلاث ينظر كيف جدك؛ قال: أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي علي الصبر إلا بك، فما هن؟

إلي أن يقول الإمام الثالثة...

وأما الثالثة: فما يلقي أهل بيتك من بعدك من القتل: أما أخوك علي فيلقي من امتك

[ صفحه 113]

الشتم والتضعيف والتوبيخ والحرمات والجهد والظلم وآخر ذلك القتل.

فقال: يا رب، سلمت وقبلت، ومنك التوفيق والصبر. وأما ابنتك فتظلم، وتحرم، ويؤخذ حقها غصباً الي تجعله لها، وتصرب وهي حاملة، ويدخل علي حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً وتطرح ما بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب، قلت إنا لله وإنّا إليه راجعون قبلت يا رب وسمك ومنك التوفيق والصبر [125] .

إذن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم يعلم ما سيجري علي بضعته الطاهرة وما يكون مآل الأمور من بعده، ويعلم من الذي سوف يكون الظالم لها ولبعلها ولذلك نجده في أكثر من مرة يوصي الزهراء وأمير المؤمنين بالصبر بما سيجري عليهم من بعده، ولقد جاء في المأثور الروائي أنه طالما أخبرهم بذلك وخصوصاً عند قرب وفاته حيث أخبر الصديقة الشهيدة عليها السلام بأنها ستظلم من بعده وانها أول الناس لحوقاً به من أهل بيته بعد أربعين يوماً من وفاته وقيل بإثنين وسبعين يوماً، وهكذا تظافرت الروايات الكثيرة في إثبات هذه المأساة للزهراء من بعد أبيها، أما من الذي يظلمها حقها؟ فهذا ما ترويه قصة سقيفة بني ساعدة وإليك ما جري في تلك الواقعة الأليمة لأهل بيت النبوة والتي كانت مفتاح الظلم الذي سنه الخليفة الأول والثاني علي أهل البيت عليهم السلام.

عن عبدالله بن عبد الرحمان قال: ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي: ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلي البيعة، فينثال الناس يبايعون، فعرف

أن جماعة في بيوت مسترون، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون، حتي إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلي منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبي، فدعا عمر بحطب ونار وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ، أو لأحرقنّه علي ما فيه.

فقيل له: إنّ فاطمة بنت رسول الله،وولد رسول الله، وآثار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيه؛ وانكر الناس ذلك من قوله، فلما عرف إنكارهم قال: ما بالكم أتروني فعلت ذلك؟!

[ صفحه 114]

إنما أردت التهويل؛ قال: وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت: «لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم، تركتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جنازةً بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم، ولم تؤمّرونا، ولم تروا لنا حقّاً، كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم؛ والله، لقد عقد له يؤمئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة [126] .

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: وكان علي بن أبي طالب عليه السلام لما رأي خذلان الناس له، وتركهم نصرته، واجتماع كلمة الناس منع أبي بكر، طاعتهم له، وتعظيمهم له، جلس في بيته؛ فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنّه لم يبق أحد إلا وقد بايع، غيره وغير هؤلاء الأربعة معه؛ وكان أبو بكر أرقّ الرجلين، وارفقهما، وادهاهما، وأبعدهما غوراً؛ والآخر أفظّهما وأغلظهما، وأخشنهما، وأجفاهما، فقال: من نرسل إليه؟

فقال عمر: أرسل إليه قنفذاً _ وكان رجلاً فظّاً غليظا جافياً من الطلقاء، أحد بني

تيم _ فأرسله وأرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن، فأبي عليّ عليه السلام أن يأذن له.

فرجع أصحاب قنفذ إلي بي بكر وعمر، وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا، فقال عمر: هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه.

فانظلقوا، فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام: أخرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذنٍ؛ فرجعوا، فثبت قنفذ، فقالوا: إنّ فاطمة قالت: كذا وكذا، فحرجتنا أن ندخل عليه البيت بغير إذن منها، فغضب عمر، وقال: ما لنا وللنساء؛ ثم أمر أناساً حوله، فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله، وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام، ثم نادي عمر حتي اسمع علياً: والله لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول الله، أو لأضر منّ عليك بيتك ناراً، ثم رجع فقعد إلي أبي بكر، وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدّته.

[ صفحه 115]

ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلاّ فاقتحم عليه، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً: فانطلق قنفذ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر علي إلي سفيه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثّروا عليه فضبطوه، وألقوا في عنقه حبلاً أسود؛ وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط علي عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها؛ فأرسل أبو بكر إلي قنفذ: اضربها؛ فالجأها إلي عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، وألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتي ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها [127] .

وفي كتاب سليم بن قيس، في حديث طويل، قال: فلما كان الليل حمل علي فاطمة عليهما السلام علي

حمار وأخذ بيدي إبنيه الحسن والحسين عليهما السلام فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلي نصرته، فما استجاب منهم رجل غبرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا، وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته؛ فلما رأي علي عليه السلام خذلان الناس إيّاه وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وطاعتهم له، وتعظيمهم إياه لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع، غيره وغير هؤلاء الاربعة، وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وآدهاهما وأبعدهما غوراً، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما؛ فقال [له] أبوبكر: من نرسل إليه؟

فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، وهو رجل فظّ غليظ جافّ من الطلقاء، أحد بني عديّ بن كعب، فأرسله إليه، وأرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن علي علي عليه السلام، فأبي أن يأذن لهم.

فرجع أصحاب قنفذ إلي أبي بكر وعمر، وهما جالسان في المسجد والناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا؛ فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم، وإلاّ فادخلوا [عليه] بغير إذن!!

فانطلقوا فاستأذنوا؛ فقالت فاطمة عليها السلام: أحرّج عليكم أن تدخلوا علي بيتي بغير

[ صفحه 116]

إذن، فرجعوا، وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إنّ فاطمة قالت: كذا وكذا، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر، وقال: ما لنا وللنساء!! ثم أمر اناساً حوله أن يحملوا الحطب؛ فحملوا الحطب، وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناها عليهم السلام ثم نادي عمر _ حتي اسمع علياً وفاطمة عليهما السلام: _ والله _ لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ خليفة رسول الله، وإلا أضرمت عليك [بيتك]

النار.

فقالت فاطمة عليها السلام: يا عمر، ما لنا ولك؟

فقال: افتحي الباب، وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم؛

فقالت: يا عمر،أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ فأبي أن ينصرف، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت: يا أبتاه، يا رسول الله فرفع عمر السيف _ وهو في عمده _ فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه! فرفع السوط فضرب به ذراعها... [128] .

وروي عن زيد بن أسلم أنه قال: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلي باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه، قال: وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

فقالت فاطمة: أتحرق علياً وولدي؟ قال: إي _ والله _ أو ليخرجنّ وليبايعنّ [129] .

وروي عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن جدّه: ما أتي عليّ يوم قطّ أعظم من يومين أتيا عليّ: فأمّا اليوم الأول: فيوم قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: وأمّا اليوم الثاني: فوالله إنّي لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه، إذ قال له عمر: يا هذا، ليس في يديك شيء مهما لم يبايعك عليّ؛ فابعث إليه حتي يأتيك يبايعك، فإنّما هؤلاء رعاع.

فبعث إليه قنفذ، فقال له: اذهب فقل لعليّ: أجب خليفة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع، فقال لأبي بكر: قال لك: ما خلّف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أحداً

[ صفحه 117]

غيري.

قال: ارجع إليه فقل: أجب فإنّ الناس قد

أجمعوا علي بيعتهم إيّاه، وهؤلاء المهاجرين والأنصار يبايعونه وقريش، وإنما أنت رجل من المسلمين، لك ما لهم، وعليك ما عليهم؛ فذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع، فقال: قال لك: إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال لي وأوصاني أن _ إذا واريته في حفرته _ لا أخرج من بيتي حتي اؤلّف كتاب الله، فإنّه في جرائد النخل، وفي أكتاف الإبل، قال عمر: قوموا بنا إليه.

فقام أبو بكر، وعمر، وعثمان، وخالد بن الوليد، والمغيرة بن شعبة، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وسالم مولي أبي حذيفة، وقنفذ، وقمت معهم.

فلمّا انتهينا إلي الباب فرأتهم فاطمة (صلوات الله عليها) أغلقت الباب في وجوههم، وهي لا تشكّ أن لا يدخل عليها إلا باذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره _ وكان من سعف _ ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً عليه السلام ملبّباً.

فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت: يا أبابكر، أتريد أن ترمّلني من زوجي _ والله _ لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقّنّ جيبي، ولآتينّ قبر أبي، ولأصيحنّ إلي ربّي؛

فأخذت بيد الحسن والحسين عليهما السلام فإنّي أري جنبتي المدينة تكفيان؛ والله إن نشرت شعرها، وشقّت جيبها، وأتت قبر أبيها، وصاحت إلي ربّها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها [وبمن فيها]، فأدركها سلمان رضي الله عنه، فقال:

يا بنت محمد، إنّ الله إنّما بعث أباك رحمة، فارجعي.

فقالت: يا سلمان، يريدون قتل عليّ، ما علي عليّ صبر، فدعني حتي آتي قبر أبي فأنشر شعري، وأشقّ جيبي، وأصيح إلي ربّي، فقال سلمان: إنّي أخاف أن تخسف بالمدينة، وعليّ عليه السلام بعثني إليك، ويأمرك أن ترجعي إلي بيتك، وتنصرفي.

فقالت: إذاً أرجع، وأصبر، وأسمع وأطيع.

قال: فأخرجوه من منزله

ملّبا، ومرّوا به علي قبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: فسمعته يقول:

ي_ (ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني) [130] إلي آخر الآية.

وجلس أبو بكر في في سقيفة بني ساعدة، وقدم عليّ، فقال له عمر: بايع.

فقال له عليّ عليه السلام: فإن أنا لم أفعل، فمه؟ فقال له عمر: إذاً أضرب والله عنقك.

فقال له عليّ عليه السلام: إذاً _ والله _ أكون عبدالله المقتول، وأخا رسول الله؛

فقال عمر: أمّا عبدالله المقتول فنعم، وأمّا أخو رسول الله فلا _ حتّي قالها ثلاثاً _.

فبلغ ذلك العباس بن عبد المطّلب فأقبل مسرعاً يهرول، فسمعته يقول:

ارفقوا بابن أخي، ولكم عليّ ان يبايعكم، فأقبل العبّاس وأخذ بيد عليّ، فمسحها علي يد أبي بكر، ثم خلّوه مغضباً، فسمعته يقول _ ورفع رأسه إلي السماء _:

اللهمّ إنّك تعلم أنّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قد قال لي: إن تمّوا عشرين فجاهدهم، وهو قولك في كتابك (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين) [131] .

قال: وسمعته يقول: اللهمّ وإنّهم لم يتمّوا عشرين _ حتّي قالها ثلاثاً _ ثم انصرف [132] .

ولقد ورد عن عبد الرحمان بن عوف عن أبيه، قال: دخلت علي أبي بكر أعوده _ في احتضاره _ فاستوي جالساً... فقال إنّي لا آسي علي شيء إلا علي ثلاث وددت أنّي لم أفعلهنّ: وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته، وأن اغلق علي الحرب، وددت أنّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أبي عبيدة أو عمر، فكان أميراً وكنت وزيراً... [133] .

ويؤيد هذا المعني ما روي في حديث احتضار أبي بكر عن كتاب سليم بن قيس الهلالي.. حيث يقول:

فلقيت

محمد بن أبي بكر فقلت: هل شهد موت أبيك غير أخيك عبدالرحمان وعائشة وعمر؟ [قال: لا. قلت:] وهل سمعوا منه ما سمعت؟!

قال: سمعوا منه طرفاً فبكوا، وقالوا: يهجر! فأمّا كلمّا سمعت أنا فلا.

[ صفحه 119]

قلت: والذي سمعوا منه ما هو؟ قال: دعا بالويل والثبور؟!

فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، مالك تدعو بالويل والثبور؟ قال: هذا محمد وعلي يبشّراني بالنار، بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة، وهو يقول «[لعمري] لقد وفيت بها فظاهرت علي وليّ الله أنت وأصحابك، فأبشر بالنار في أسفل السافلين». فلمّا سمعها عمر خرج وهو يقول: إنّه ليهجر!

قال: لا _ والله _ لا أهجر [أين تذهب] قال عمر: أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار! قال: الآن أيضاً؟!

أولم احدثك أنّ محمّداً _ ولم يقل رسول الله _ قال لي وأنا معه في الغار: إنّي أري سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر»، قلت: فأرنيها، فمسح وجهي، فنظرت إليها، فاستيقنت عند ذلك أنّه ساحر! [فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك علي أنّه ساحر!].

فقال عمر: يا هؤلاء إنّ أباكم يهجر! واكتموا ما تسمعون منه، لا يشمت بكم أهل هذا البلد ثم خرج وخرج أخي [وخرجت عائشة] ليتوضأ وللصلاة، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا. فقلت له _ لمّا خلوت به _: يا أبه، قل: لا إله إلاّ الله، قال: لا أقولها أبداً، ولا أقدر عليها حتّي [أرد النار] فأدخل التابوت. فلمّا ذكر التابوت ظننت أنه يهجر. فقلت له: أيّ تابوت؟! فقال: تابوت من نار، مقفّل من نار، فيه اثنا عشر رجلاً: أنا وصاحبي هذا، قلت: عمر؟! قال نعم [فمن أعني]، وعشرة، في جبّ

في جهنّم عليه صخرة، إذا أراد الله أن يسعّر جهنّم رفع الصخرة، قلت: تهذي؟! قال: لا والله، ما أهذي، لعن الله ابن صهّاك، هو الذي صدّني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين، لعنه الله، ألصق خدّي بالأرض، فألصقت خدّه بالأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتّي غمّضته... [134] .

أما حديث إسقاط الجنين _ محسن عليه السلام _ فهناك عدة كتب تروي لنا هذه القصة إضافة إلي كسر الضلع وإضرام النار فلقد روي عن محمد بن عمار بن ياسر قال:

[ صفحه 120]

سمعت أبي يقول _ في حديث _:

قال: وحملت بالحسن عليه السلام فلمّا رزقته، حملت بعد أربعين يوماً بالحسين عليه السلام، ثم رزقت زينب، وام كلثوم، وحملت بمحسن.

فلما قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وجري ما جري في يوم دخول القوم عليها دارها، وإخراج ابن عمّها أمير المؤمنين عليه السلام وما لحقها من الرجل:

أسقطت بن ولداً تماماً، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها (صلوات الله عليها) [135] .

وقال المجلسي في البحار... عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام في حديث طويل:

وجمعهم الجزل والحطب علي الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم وفضّة، وإضرامهم النار علي الباب، وخروج فاطمة عليها السلام إليهم، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها: ويحك يا عمر، ما هذه الجرأة علي الله وعلي رسوله؟ تريد أن نقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفيء نور الله؟ والله متمّ نوره، وانتهاره لها، وقوله: كفّي يا فاطمة، فليس محمد حاضراً، ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما عليّ إلا كأحدٍ من المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه

لبيعة أبي بكر، أو إحراقكم جميعاً.

فقالت وهي باكية: اللهمّ إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك، وارتداد امّته علينا، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل علي نبيك المرسل:

فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة، حمقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة وأخذت النار في خشب الباب، وإدخال قنفذ يده (لعنه الله) يروم فتح الباب؛ وضرب عمر لها بالسوط علي عضدها حتي صار كالدملج الأسود؛ وركل الباب برجله، حتي أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر، وإسقاطها إيّاه، وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد؛ وصفقه خدّها حتي بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر بالبكاء، وتقول: واأبتاه، وارسول الله ابنتك فاطمة تكذّب، وتضرب، ويقتل جنين في بطنها.

[ صفحه 121]

وخروج أمير المؤمنين عليه السلام من داخل الدار محمرّ العين حاسراً، حتي ألقي ملاءته عليها وضمّها إلي صدره وقوله لها: يا بنت رسول الله، قد علمت أنّ أباك بعثه الله رحمة للعالمين، فالله الله أن تكشفي خمارك، وترفعي ناصيتك، فوالله يا فاطمة، لئن فعلت ذلك لا أبقي الله علي الأرض من يشهد أنّ محمداً رسول الله، ولا موسي ولا عيسي ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم، [ولا] دابّة تمشي علي الأرض، ولا طائراً في السماء إلا أهلكه الله.

ثم قال: يابن الخطّاب، لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه، اخرج قبل أن اشهر سيفي فافني غابر الامّة، فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمان بن بي بكر، فصاروا من خارج الدار.

وصاح أمير المؤمنين بفضّة يا فضّة، مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة، وردّ الباب، فأسقطت محسناً.

فقال أمير المؤمنين

عليه السلام: فإنّه لا حق بجدّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيشكو إليه الحديث [136] .

وفي علم اليقين في اصول الدين: ثم إنّ عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتي بهم إلي منزل أمير المؤمنين عليه السلام فوافوا بابه مغلقاً

فصاحوا به: اخرج يا عليّ، فإنّ خليفة رسول الله يدعوك، فلم يفتح لهم الباب؛ فأتوا بحطب فوضعوه علي الباب، وجاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمر، وقال: والله، لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنار، فلمّا عرفت فاطمة عليها السلام أنّهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب، فدفعها القوم قبل أن تتواري عنهم، فاختبت فاطمة عليها السلام وراء الباب والحائط.

ثم إنّهم تواثبوا علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس علي فراشه، واجتمعوا عليه حتي أخرجوه سحباً من داره، ملبّباً بثوبه يجرّونه إلي المسجد.

فحالت فاطمة عليها السلام بينهم وبين بعلها، وقالت:

والله، لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا

[ صفحه 122]

أهل البيت، وقد أوصاكم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا!

وقال الله تعالي: (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودّة في القربي).

قال: فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذ بن عمّ أن يضربها بسوطه.

فضربها قنفذ بالسوط علي ظهرها وجنبيها إلي أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف وكان ذلك الضرب أقوي ضرراً في إسقاط جنينها، وقد كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سماّه محسناً، وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلي المسجد حتي أوقفوه بين يدي أبي بكر، فلحقته فاطمة عليها السلام إلي المسجد لتخلّصه، فلم تتمكّن من ذلك؛ فعدلت إلي قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة

ونجيب، وهي تقول:

نفسي علي زفراتها محبوسة

يا ليتها خرجت من الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنّما

أبكي مخافة أن تطول حياتي

ثم قالت: وااسفاه عليك يا أبتاه، وأثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن، وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومن ربّيته صغيراً، وآخيته كبيراً، أجلّ أحبّائك لديك وأحبّ أصحابك عليك، أوّلهم سبقاص إلي الإسلام، ومهاجرة إليك يا خير الأنام؛ فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.

ثم إنّها أنّت أنّةً وقالت: وامحمّداه، واحبيباه، واأباه، واأبا القاسماه، واأحمداه، واقلّة ناصراه، واغوثاه، واطول كربتاه، واحزناه، وامصيبتاه، واسوء صباحاه؛ وخرّت مغشيّة عليها، فضجّ الناس بالبكاء والنجيب، وصار المسجد مأتماً.

ثم إنّهم أوقفوا أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي أبي بكر، وقالوا له: مدّ يدك فبايع، فقال: _ والله _ لا ابايع، والبيعة لي في رقابكم.

فروي عن عديّ بن حاتم أنّه قال: _ والله _ ما رحمت أحداً قطّ رحمتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام حين اتي به ملبّباً بثوبه، يقودونه إلي أبي بكر، وقالوا: بايع.

قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: نصرب الذي فيه عيناك.

قال: فرفع رأسه إلي السماء وقال: اللهم إنّي اشهدك أنّهم أتوا أن يقتلوني، فإنّي عبدالله وأخو رسول الله، فقالوا له: مدّ يدك فبايع، فأبي عليهم فمدّوا يده كرهاً فقبض عليّ عليه السلام أنامله، فراموا بأجمعهم فتحها فلم يدورا، فمسح عليها أبو بكر، وهي

[ صفحه 123]

مضمومة، وهو عليه السلام يقول وينظر إلي قبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم (يابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).

قال الراوي: إنّ علياً عليه السلام خاطب أبا بكر بهذين البيتين:

ف_إن ك_نت ب_الشوري م_لكت

ام_ورهم

فك__يف ب__هذا والمش__يرون غ__يّب

وإن كنت ب_القربي ح__ججت خ_صيمهم

ف___غيرك أولي ب___النبيّ وأق___رب

وكان عليه السلام كثيراً ما يقول: واعجباه تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالقرابة والصحابة؟! [137] .

وفي الملل والنحل: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة حتي ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها.

وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام [138] .

وعن الوافي بالوفيات: قال صلاح الدين الصفدي الشافعي المتوفّي 764 في ترجمة «النظام» في ذكر أقواله:

وقال: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة، حتي ألقت المحسن من بطنها [139] .

وعن لسان الميزان: إنّ عمر رفس فاطمة عليها السلام حتي أسقطت بمحسن [140] .

وعن العقد الفريد: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر، عليّ عليه السلام والعباس والزبير وسعد ابن عبادة، فأمّا عليّ عليه السلام والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة عليها السلام حتي بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له:

إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار علي أن يضرم عليهم الدار؛ فلقيته فاطمة فقالت: يابن الخطّاب، أجئت لتحرق دارنا؟! قال: نعم... [141] .

وعن معارف القتيبي: إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي [142] .

[ صفحه 124]

وعن إثبات الوصية:... فأقام أمير المؤمنين عليه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فوجّهوا إلي منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتي أسقطت محسناً، وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال: لا أفعل، فقالوا: نقتلك، فقال: إن تقتلوني فإنّي عبدالله وأخو رسوله...

[143] .

وعن بيت الأحزان: قال المحدّث القمّي (ره): وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولي عمر نكزها بنعل السيف [144] .

وعن ملتقي البحرين: أخذت فاطمة عليها السلام باب الدار ولزمتها عن ورائها، فمنعتهم عن الدخول، ضرب عمر برجله علي الباب؛ فقلعت فوقعت علي بطنها (سلام الله عليها)، فسقط جنينها المحسن [145] .

وروي في علة وفاة الصديقة الطاهرة عليها السلام: ان عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجلٍ علي بيتها سلام الله عليها [146] .

أقول: إنّ هذا الهجوم الشرس الذي قاده عمر وعصابته الأوباش والطلقاء والمنافقين علي بيت الوحي والرسالة وهم الذين قال الله تعالي في حقهم: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه):

وقال عز ذكره: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً):

وكان النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم لا يدخله حتي يستأذن من أهله، ولكن الأوغاد دخلوه عنوة وبغير استئذان وكان عددهم «300» نفراً كما في الرواية، وكان في مقدّمتهم عمر ومعه الفتيلة، أبو بكر، عثمان، خالد بن الوليد، المغيرة بن شعبة، أبو عبيدة بن الجرّاح، سالم مولي أبي حذيفة، قنفذ أن عمّ عمر _ وكان رجل فظاً، غليظا، جافياً من الطلقاء

[ صفحه 125]

_ اسيد بن خضير، وسلمة بن سلامة بن وقش وكانا من بني عبدالله الأشل، ورجل من الأنصار، زياد بن لبيد، وزيد بن اسلم، وكان ممّن حمل الحطب مع عمر.

وكانت بداية هذا الهجوم كما جمعته من الروايات: ادخال قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب ثمّ دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثمّ دفعها برجله فكسرها ودخل.

أرسل أبو بكر إلي قنفذ: أن اضربها فألجأها إلي

عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من أضلاعها ونبت مسمار الباب في صدرها، ثمّ لطم عمر خدّها حتّي احمرّت عينها، كما صرّح بهذا نفسه «صفقت خدّها حتي بدا قرطاها تحت خمارها». في رواية اخري: «قال عمر: فصفقت صفقة علي خدّها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها وتناثر إلي الأرض».

ثمّ عمر رفس فاطمة عليها السلام، ثمّ رفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، ورفع السوط فضرب بها ذراعها، ثمّ ضربها بالسوط عل يعضدها حتي صار كالدملج الأسود، ثمّ أخذ من خالد بن الوليد سيفاً فجعل يضرب علي كتفها، ثمّ ضرب المغيرة بن شعبة فاطمة عليها السلام حتّي أدماها، ثمّ سلّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة عليها السلام، ثمّ لكزها قنفذ بنعل السيف بأمر عمر، ثمّ ضرب قنفذ فاطمة بالسوط علي ظهرها وجنبيها إلي أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف، ثمّ ضرب عمر بطن فاطمة عليها السلام حتّي ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها.

وهذا المشهد الدامي الذي تتفطّر منه السماوات والأرض، وساعد الله قلب صاحب الأمر عجّل الله تعالي فرجه الشريف بما جري لاُمّه فاطمة عليها السلام يذكرنا أيضاً بما جري علي ولدها الإمام الشهيد الحسين عليه السلام حين داست خيول بني اميّة لعنهم الله علي جسده وصدره الشريف يوم عاشوراء.

وأخيراً كما قالت الزهراء عليها السلام الشهيدة المظلومة المضطهدة في ذلك اليوم: «أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولي أبي بكر فضرب به عضدي، فالتوي السوط علي عضدي حتي صار كالدملج، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتي انتثر قرطي من اذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم».

[ صفحه 126]

هذا ما استطعنا أن نثبته من خلال الكتب التي روت لنا قصة السقيفة وظلم الزهراء عليها السلام، أمام ظلمها في فدك فسوف يأتينا في بحثنا حول فدك وندعوا الله تعالي ونتوسل إليه عن المظلومة أن يوفقنا لخدمتها ونيل شفاعنها والسير علي هداها، واللعنة الدائمة علي ظالميها وقاتليها.

أمّا مصادر ما جري علي الصديقة فاطمة عليها السلام من الظلامات، فهي:

1 _ تاريخ اليعقوبي: 2: 116.

3 _ الإمامة والسياسة: 1: 19، 20.

5 _ الملل والنحل للشهرستاني: 1: 57.

7 _ الوافي بالوفيّات: 5: 347.

9 _ تاريخ أبو الفداء: 1: 164.

11 _ أعلام النساء: 4: 114.

13 _ قرّة العين للدهلوي: 78.

15 _ ابن خيزران في غرره: 271.

2 _ العقد الفريد: 4: 259، 5: 13.

4 _ لسان الميزان: 1: 268، 4: 189.

6 _ انساب الأشراف: 1: 586.

8 _ الكني والألقاب: 3: 219.

10 _ تاريخ الطبري: 3: 202.

12 _ إثبات الوصيّة: 123.

14 _ السيرة الحلبيّة: 3: 362.

16 _ تلخيص الشافي: 3: 76.

17 _ صحيح البخاري: 4: 96، 5: 177.

18 _ شرح نهج البلاغة: 2: 45 و46 و 50 و 56، 6: 10، 11: 113، 14: 193.

لقد تفجّرت قرائح شعراء أهل البيت عليهم السلام من خبر المسمار وآلمهم المصاب الجلل، علي مصيبة الزهراء عليها السلام عامّة، وفي خبر المسمار خاصّة، وظلّ خبر المسمار الدامي الذي نبت في صدر الزهراء البتول تتذاكره الشيعة جيلاً بعد جيل فبقيت ناراً في قلوبهم لا ينطفيء أوارها إلي يوم القيامة ومن الفقهاء العظام الذين ذكروا خبر المسمار:

السيد صدرالدين الصدر رحمه الله المتوفي

سنة 1373 ه_ ق حيث قال ضمن قصيدته:

م_ن سعي في ظلمها م_ن راع_ها

من ع_لا ف_اطمة الزه_راء ج_ارا

من غدا ظ_لماً ع_لي الدار الت_ي

ات_خذتها الإن__س والجنّ م_زارا

ط_الما الأم_لاك ف_يها أص_بحت

ت_لثم الأع__تاب ف_يها والج_دارا

[ صفحه 127]

وم_ن الن_ار ب_ها ي_نجو الوري

م_ن ع_لي أع_تابها أض_رم ن_ارا

والن_بيّ الم_صطفي ك_م ج_اءها

يطلب الإذن م_ن الزه_راء م_رارا

وع___ليها ه__جم الق__وم ولم

ت_ك لاذت لا وع___لياها الخ_مارا

لست أنس__اها وي_ا له_في له_ا

إذ وراء الب__اب لاذت ك_ي ت_وارا

ف_تك الرجس ع__لي الب_اب ولا

تسألن ع__مّا ج_ري ث_م وص_ارا

لا تسلني ك_يف رضّ_وا ض_لعها

واسألنّ الب__اب ع_نها والج__دارا

وسأل_ن لؤلؤ ق___رطيها لم__ا

انتثرت والع__ين لم تشكو إحم_رارا

وه_ل المس_مار م__وتور له_ا

فغدا ف_ي ص__درها ي_طلب ث_ارا

وقال الشيخ الفقيه المحقّق محمد حسين الاصفهاني الغروي النجفي (ره) المتوفي سنة 1361 ه_:

أي__ضرم الن_ار ب_باب داره__ا

وآي__ة الن_ور ع__لي م__نارها

وب__ابها ب_اب ن__بيّ الرح__مة

وب__اب أب__واب ن__جاة الامّ_ة

ب_ل ب_ابها ب_اب الع_ليّ الأع_لي

ف__ثم وج__ه الله ق__د ت__جلّي

م_ا اك_تسبوا ب_النار غ_ير الع_ار

وم__ن ورائ_ه ع__ذاب الن__ار

م_ا أج_هل الق_وم ف_إنّ الن_ار لا

ت_طفيء ن_ور الله ج_لّ وع___لا

لك_نّ كس_ر الض_لع ل_يس ينجبر

إلا ب_صمصام ع__زيز م___قتدر

إذ رضّ ت_لك الأض_لع الزك__يّة

رزيّ___ة لا م___ثلها رزيّ___ة

وم__ن ن_بوع الدم م_ن ث_دييها

ي_عرف ع_ظم م_ا ج_ري ع_ليها

وج__اوزوا الح_دّ ب_لطم الخ_دّ

ش_لّت ي_د

الط__غيان والت__عدّي

ف_احمرّت الع_ين وع_ين المعرفة

تذرف بالدمع ع_لي ت_لك الص__فة

ولا ت_زيل ح_مرة الع_ين س_وي

بيض السيوف ي_وم ي_نشر الل_وي

وللس__ياط رنّ_ة ص__داه__ا

في مس_مع الده_ر ف_ما أش__جاها

والأث_ر الب_اقي ك_مثل الدم_لج

في عضد الزه_راء أق_وي الح_جج

وم_ن س_واد متنها اس_ودّ الفضا

ي_ا س_اعد الله الإم__ام الم_رتضي

[ صفحه 128]

ووك_ز ن_عل الس__يف ف_ي ج_نبيها

أت_ي بك__لّ م__ا أت__ي ع_ليها

ولست أدري خ___بر المس____مار

س_ل ص_درها خ_زان_ة الأس_رار

وف_ي ج_نين المجد م_ا يدمي الحشي

وهل له_م اخ_فاء أم_ر ق_د فش_ي

والب__اب والج___دار والدم___اء

ش__هود ص__دق م_ا ب_ه خ_فاء

لق_د ج_ني الج_اني ع__لي ج_نينها

ف_اندكّت الج_بال م__ن ح__نينها

أهك__ذا ي__صنع ب__ابنة الن__بّي

حرصاً ع_لي الم_لك ف_يا لل_عجب

أت__منع المك___روبة الم__فروحة

عن البك_اء خ_وفاً م_ن الف_ضيحة

ت__الله ي_نبغي له__ا تبكي دم___ا

م__ا دامت الأرض ودارت الس_ما

لف__قد ع__زّها أب___يها الس_امي

ولاه___تضامها وذل الح___امي

أتس___تباح ن___حلة الص___دّيقة

وارث_ها م__ن أش_رف الخ__ليقة

ك__يف ي___ردّ ق__ولها ب__الزور

اذ ه___و ردّ أي__ة الت___طهير

أي__ؤخذ الدي__ن م_ن الأع_راب_ي

وي_نبذ الم_نصوص ف__ي الك_تاب

ف_استلبوا م___ا م__لكت ي__داه_ا

وارتك__بوا الخ___زية م__نتهاها

ي_ا وي_لهم ق__د سألوه__ا الب__يّنة

ع_لي خ___لاف الس__نّة الم_بيّنة

وردّه___م ش___هادة الش____هود

أك_بر ش__اهد ع__لي الم__قصود

ولم يك__ن س_دّ الث_غور غ___رضا

ب_ل س_دّ ب_ابها وب_اب الم_رتضي

ص_دّوا ع_ن الح_قّ وس_دّوا ب__ابه

كأنّ__هم ق_د آمن___وا ع__ذاب_ه

أب_ضعة الط_هر الع__ظيم ق__درها

ت__دفن لي_لاً وي_عفي

ق____برها

م__ا دف_نت لي__لاً بس__تر وخ_فا

إلا لوج__دها ع__لي أه_ل الج_فا

م__ا س__مع الس_امع ف_يما س_معا

م___جهولة ب__القدر والق_بر م_عا

ي_ا وي_لهم م___ن غ_ضب الج_بّار

ب___ظلم_هم ري__حانة الم__ختار

إذن بعد معرفة بعض مقامات الزهراء عليها السلام وظلاماتها، يأتي بيان قضية أصل يوم العذاب، فالذي يرد علي ذهن القاري قبل كل شيء كيف كان هذا التعبير من الإمام الصادق عليه السلام بأن ظلاماتهم عليهم السلام هي ألاصل ليوم الغذاب في الآخرة؟ ولقد قلنا سابقاً ان الإمام عليه السلام باعتباره يمثل الإمتداد الطبيعي لخلافة الرسول الأكرم فهو إذن لا يتكلم

[ صفحه 129]

دون وجود مقدمات أولية يقينية عنده بحيث علي ضوء هذه المقدمات يحكم بهذا الحكم العقائدي المهم.

أما ما ورد من القرآن الكريم وبيان كيف أن ظلمهم صار الأصل ليوم العذاب فهو علي ما جاء في قوله تعالي (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) [147] حيث أثبتت هذه الآية المباركة ان كل من تسول نفسه في أذية رسول اله صلي الله عليه وآله وسلم أو أذية أولياء الله تعالي (حيث قالت الآية يؤذون الله أي أن الله تعالي لا تصل إليه الأذية وإنما تكون الأذية لأولياءه فيتأذي لهم) سوف تكون له اللعنة في الدنيا وهي الطرد من رحمة الله تعالي وفي الآخرة إعداد العذاب الإلهي له وأذية رسو الله لها عدة صور فتارة تكون عبر سبه أجارنا الله تعالي وتارة أخري عن طريق أذية ذريته وخاصة الصديقة الشهيدة فاطمة عليها السلام، حيث ورد عنه صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: من آذي فاطمة فقد آذاني ومن

طلمها فقد ظلمني... الخ الأحاديث الواردة في أذي الزهراء وغضبها، فلا شك عندئذ يكون كل من ظلمها وآذاها فقد آذي الله تعالي وآذي رسوله تكون النتيجة في ذلك اللعنة علي ذلك الظلم والعذاب الأليم والمهين يوم القيامة، وهذا معناه أنه كل من ظلمهم فهو في النار وتكون عندئذ ظلاماتهم الأصل ليوم العذاب في الآخرة.

وأما ما ورد من السنة الشريفة فلقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضي لرضاك».

وهذا يعني أن غضب الله تعالي له عدة صور فمرة يكون غضبة تعالي علي انسان معين في الدنيا فيظهر نقمته عليه، ومرة أخري في الآخرة وهو ما يعبر عنه بيوم العذاب في جهنم، وعليه كل من غضبت عليه الزهراء عليها السلام فهو خالد في النار لا محالة بدليل الحديث فعليه تكون ظلامة الزهراء عليها السلام وأذيتها هو نوع من الأعمال التي تؤدي إلي غضبها وبالنتيجة سوف يكون الظالمين لها في النار فتكون عندئذ ظلامتها الأصل ليوم العذاب، أما لماذا أن رضاها هو رضا الله تعالي وغضبها هو غضب الله تعالي

[ صفحه 130]

وكيف أصبحت بهذا المقام ما نجده عزيزي القاريء في البحث الذي يثبت كيفية أن الزهراء مر تبطة بأصول الدين وخاصة بالعدل فراجع بحثنا فيه.

ومن هنا انقدح في المقام السئوال المهم الذي يقول: ماذا تقولون في الأمم السابقة الذين كانوا قبل فترة رسول الله فانه لا شك أن لهم إما الجنة أو النار فكيف صارت ظلامات الزهراء عليها السلام وأهل بيتها هم الأصل ليوم العذاب ونحن نعلم أن الأمم السابقة لم تكن موجودة في زمن الرسول وما بعده؟

الجواب: وبيان ذلك يمكن

أن يستفاد من الذي استنبطه بعض محققي علمائنا من حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام ولننقل ملاحظة كلامه مع الحديث المذكور قال رحمه الله [148] : إن أحكام الله تعالي إنما تجري علي الحقائق الكلية والمقامات النوعية فحيث ما خوطب قوم بخطاب ونسب اليهم فعل دخل في ذلك الخطاب وذلك الفعل عند العلماء واولي الألباب كل من كان من سنخ اولئك القوم وطينتهم، فصفوة الله حيث ما خوطبوا بمكرمة أو نسبوا إليأنفسهم مكرمة يشمل ذلك كل من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء والاولياء وكل من كان من المقربين إلا بمكرمة خصوا بها دون غيرهم وكذلك إذا خوطبت شيعتهم ومحبوهم بخير أو نسب اليهم خير أو خوطب أعداؤهم ومخالفوهم بسوء أو نسب اليهم سوء يدخل في الأول كل من كان من سنخ شيعتهم وطينة محبيهم وفي الثاني كل من كان من سنخ أعدائهم وطينة مبغضيهم من الأولين والآخرين وذلك لأن كل من أحبه الله ورسوله أحبه كل مؤمن من ابتداء الخلق إلي انتهائه وكل من أبغضه الله ورسوله أبغضه كل مؤمن كذلك وهو يبغض كل من أحبه الله ورسوله فكل مؤمن في العالم قديماً أو حديثاً إلي يوم القيامة فهو من شيعتهم ومحبيهم وكل جاحد في العالم قديماً أو حديثاً إلي يوم القيامة فهو من مخالفيهم ومبغضيهم، قال رحمة الله وقد وردت الإشارة إلي ذلك في كلام الإمام الصادق عليه السلام في حديث المفضل بن عمرو وهو الذي رواه الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن المفضل، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: بما صار علي بن أبي طالب صلوات الله عليه

[ صفحه 131]

قسيم الجنة والنار؟ قال: لأن حبّه

إيمان وبغضه كفر وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان وخلقت النار لأهل الكفر الكفر فهو عليه السلام قسيم الجنة والنار لهذه العلة، فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه.

قال المفضل: قلت يا بن رسول الله فالأنبياء والأوصياء هل كانوا يحبونه وأعدائهم يبغضونه؟

فقال: نعم.

قلت: فكيف ذلك؟ قال: أما علمت أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله لا يرجع حتي يفتح الله علي يده؟ قلت: بلي قال: اما علمت أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما أتي بالطائر المشوي قال: اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معي هذ الطير وعني به علياً؟ قلت: بلي قال: أيجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصيائهم من يحبه الله ورسوله ويحب الله وحبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه؟ قلت: لا. قل: فقد ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب محبين وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أه لامحبته مبغضين قلت: نعم، قال: فلا يدخل الجنة إلا ما أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار، قال المفضل: فقلت له: يا بن رسول الله فعلي بن أبي طالب يدخل محبه الجنة ومبغضه النار أو رضوان ومالك؟ فقال: يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالي بعث رسوله وهو روح إلي الأنبياء عليهم السلام وهم أرواح قبل خلاق الخلق بالفي عام؟

قلت: بلي قال: أما علمت أنه دعاهم إلي توحيد الله وطاعته واتباع أمره ووعدهم الجنة علي ذلك وأوعد من خالف ما أجاب إليه وأنكره النار؟

قال: بلي. قال: فليس رسول الله صلي الله عليه وآله

وسلم ضامناً لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل؟ قلت: بلي قال: أوليس علي بن أبي طالب خليفته وإمام منه؟ قلت: بلي قال: أوليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته؟ قلت: بلي.

قال: فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنة والنار عن رسول الله ورضوان ومالك

[ صفحه 135]

صادران عن أمره بأمر الله تعالي. يا مفضل خذها فإنه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلا إلي أهله.

فعليه كل الذي يجري في حق أمير المؤمنين يجري في الزهراء عليها السلام لأنهما كل واحد كفو للآخر وأضف إلي ذلك أن هناك الكثير من الروايات تفيد هذا المضمون، وأيضاً موجود في الآثار الشريفة أنه لو اجتمع الناس علي ولاية علي عليه السلام _ أو حبه _ لم خلق الله النار، فيكون مضمون هذا الحديث إضافة إلي أحاديث أخري بهذا المضمون أن أصل يوم العذاب مثلما هو ثابت في ظلامات فاطمة عليها السلام كذلك هو ثابت في حق غصب الخلافة من أمير المؤمنين، والذي نريد القول به من خلال هكذا مبحث أنه الناس منقسمون في قضية الصديقة الشهيدة إلي قسمين إما اشتراكهم في نصرتها وإما اشتراكهم في ظلمها، فمن نصرها فهو من الفائزن برضا الله تعالي لأن نصرتها هو رضاً لها ورضاها رضا الله تبارك وتعالي، وإما من لم ينصرها فهو مع الظالمين ومشترك في ظلمهم للصديقة الشهيدة ويكون بالنتيجة خالد في النار.

فكانت ظلاماتها (سلام الله عليها) هي الأصل والأساس الذي جعله الله تعالي في يوم القيامة لورود الظالمين إلي نار جهنم، وكما بينا ذلك من خلال الحديث المتقدم، وكذلك غصب خلافة أمير المؤمنين أيضاً هي الأصل ليوم العذاب لأنه

كما ورد أنه لو اجتمع النس علي ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما خلق الله النار، ولكن لما انه لم يجتمع الناس علي ولاية أمير المؤمنين فالنار موجودة ولها وقود من الناس والحجارة اعدت للظالمين ومن ولاهم ونصرهم.

فاطمة وعلاقتها بأصول الدين

اشاره

محمد حسن سميسم [149] .

م_ن م_بلغ ع_ني الزم__ان ع_تابا

وم____قرعّ م___ني له أع___تابا

ده_ر ت_عامي ع___ن ه_داه كأن_ما

أص_حاب أح_مد أش_ركوا م_ذ غ_ابا

نك_صوا علي الأع_قاب ب_عد م_ماتهٍ

س_يرون ف_ي ه_ذا النك_وص ع_قابا

س_ل ع_نهم الق_رآن يش_هد ف__يهم

إن ك__نت لم ت__فقه لذاك ج_واب__ا

فكأن__هم ل_م يش___هدوا خ_مّاً ولا

ب__دراً ولا أح__داً ولا الأح_زاب__ا

وب__خيبرٍ م_ن راح ي__رقل ب_اللوا

م_ن ق_دّ م_رحب م_ن أزال الب__ابا

وم_ن اش_تري إلاه ن___فس م_حمدٍ

ف__ي ن_فسه لم_ا دع__ي فأج__ابا

من في الصلاة يري الص_لاة ف_ريضةً

م__ن ن_ال خ_اتمه الش_ريف ج_وابا

م_ن ب_اب حطة غ_ير حيدرةٍ وم_ن

لم__دينة الم__ختار ك___ان الب_ابا

أع__جبت م_من أخ_رّوا م_قدام_هم

ب__عد الن__بي وق__دموا الأذن__ابا

ق_د أض_مروها لل__وصي ض_غائناً

م_ذ دح_رج__وها لل__نبّي دب__ابا

لينفرّوا الع_ضباء ع_ن قطب اله_دي

ح_تي ب_عود الدي__ن ب__عد ي__بابا

نست__بوا له ه_جراً لح_ذف ك_تابه

فكأن___هم لا يس___مهون ك___تابا

ما ك_ان ي_نطق ع_ن ه_واه وإن_ما

وح__ي ت__لقاه الن__بّي خ___طابا

ي__اباب ف__اطم لاط_رقت ب_خيفةٍ

وي_د اله_دي س_دلت ع_ليك ح__جابا

أو ه_ي ع_ليك أم_ا ع_لمت ب_فاطم

وق___فت وراك ت__ناشد الأص__حابا

لهفي ع_ليك أم_ا اس_عطعت ت_صدّهم

لم_ا أت_اك ب__نو الض_لال غ__ضابا

أو م_ارققت لض__لعها لم_ا ان_حني

كس_راً وم__نه ت__زجر

الخ___طابا

أف_هل دري المس_مار ح_ين اص_ابها

م_ن ق__بلها ق_لب الن__بيّ أص__ابا

عتبي علي الأع_قاب أس_قط م__حسن

ف_يها وم_ا ان__هالت ل_ذاك ت__راب_ا

[ صفحه 137]

تمر الكثير من الأفكار والنظريات علي ذهن الإنسان ومنها ما يجد طريقاً واضحاً الي فكر الإنسان وعقله فتكون عندئذ عقائد ثابتة وراسخة وعلي ضوء ما تمليه عليه الاستدلالات العقلية والبراهين المنطقية، ومن هنا كانت العقيدة لها معني في حياة الإنسان فهي مشتقة من المصدر عقد الذي يعني الاحكام والشد والربط لفكرة معينة في ذهن الإنسان وفكره بعد عرضها عليه والاستدلال عليها الاستدلال الصحيح المطابق للبراهين السليمة، فالعقيدة اذن عبارة عن ذلك الشي الذي يتصل بذهن الإنسان وروحه وفكره، فهو يعني التقبل أي تقبل، أي نظرية للأنسان وربطها بذهنه واحكام صلتها بروحه وفكره وعليه يكون عندئذ معني العقيدة.

وعليه لابد لكل انسان مؤمن من عقائد علي المستوي النظري ومن ثم يأتي المستوي التطبيقي لهذه العقائد وهو ما يتم بالتصديقات علي المستوي الخارجي لهذه العقائد، فالعقائد تحدد شكل الإنسان وساكلته «قل كل يعمل علي شاكلته» وتشكل هيئته الباطنية وحقيقته الواقعية وهذه العقائد هي التي تحفزه علي العمل الصالح وتحدد إتجاهه في الحياة وعلي ضوء ذلك يأتي العمل الصالح الذي يبرهن علي الإيمان الذي يعتقده الفرد المؤمن. وعلي هذا الاساس إذا كانت العقيدة صائبة ومطابقة للواقع كانت عنذئذ طريقة الإنسان المؤمن في الحياة طريقة صحيحة وصائبة وعلي ضوء تلك العقيدة التي يؤمن بها والتي كانت صائبة ومطابقة للواقع، اما اذا كانت عقيدته فاسدة باطلة فان ذلك سوف ينعكس علي طبيعة سيرته وطريقة حياته في الواقع الخارجي سوف يؤدي ذلك الي الضياع والابتعاد عن الطريق الصحيح الذي

خطه الشرع المبين، ومن هذا المنطلق كان اهتمام الاسلام بتصحيح العقيدة قبل أي شيء آخر، أي تصحيح عقيدة كل انسان مسلم، مؤمن بالله تعالي. والسؤال الذي ينقدح في المقام اذا

[ صفحه 138]

كان الاسلام يهتم اهتماماً كبيراً تصحيح العقيدة فهذا يعني ان هناك موانع تمنع تصحيح العقيدة وتقف حاجز في طريق استقرارها في النفس الانسانية فعلية فلابد لنا قبل ذكر الامور التي تصحح العقيدة من ذكر موانع تصحيح هذه العقيدة فما هي هذه الموانع؟

موانع تصحيح العقيدة

ان في عقيدة كل انسان مؤمن يريد الاجابة علي سؤال ما يخطر بذهنه ان يرجع الي القرآن الكريم أولاً بأعتبارة المصدر الأول للمسلمين، ومن بعد ذلك يرجع الي السنة الشريفة للرسول وأهل بيته الطيبين الطاهرين، ولذا لنستنطق القرآن ونستخبره عن الآيات التي أثبتت موانع تصحيح العقيدة الاسلامية فنجد منه أولا هذه الآية المباركة التي أخبرت عن الموانع التي تقف في طريق تثبيت هذه العقيدة حيث قالت الآية المباركة (ان يتبعون إلا الظن وما تهوي الانفس) [150] أي هناك عاملين ينشأ عنهما خطأ الإنسان في آرائه وعقائده:

أحدهما: اتباع الظن.

والآخر: اتباع الهوي.

كما ان هناك أموراً أخري وردت في الروايات الشريفة بأعتبار مواضع زلل الفكر، كالتعصب والتقليد والاستبداد واللجاجة إلا ان هذه الامرو تعود كلها الي الاهواء النفسية أي: أنّ كل ماجاء في الروايات الشريفة بهذا الشأن هو في الحقيقة تفسير وبيان للآية الكريمة الانفة الذكر. فنظراً الي هذه المقدمة، نستعرض موانع تصحيح العقيدة علي ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة، وهذه الموانع كما سبقت الاشارة اليها هي:

1 _ الظن.

2 _ الاهواء النفسية.

3 _ التعصب.

4 _ التقليد.

5 _ الاستبداد.

6 _ اللجاجة.

[ صفحه 139]

اما الظن فهو من أخطر العوامل التي تؤدي بأفكار الغالبية في العالم الي مهاوي العقائد الباطلة الفاسدة، وأول ما يوصي به القرآن الكريم لتصحيح العقيدة هو تجنب الاعتماد علي هذا المنزلق، ويؤكد علي اتباعه بعدم بناء عقائدهم وآرائهم علي دعائم الظن والشك والتسليم بشي دونما التأكد من صحته وثبوته فيقول سبحانه عزوجل في صريح كلامه: (ولا تقف ماليس لك به علم) [151] ففي نظر القرآن الكريم أنه لا يحق لمسلم أن يقضي شيئاً أو يجعله مداراً لعلمه مالم يثبت له انه قطعي وثابت. فلو أمعنا النظر في العقائد والآراء المتناقضة بين الناس في المجتمعات المختلفة وطرحناها علي سياق البحث والتحليل الجذري لانتهينا بلا عناء الي أن أغلب هذه العقائد فاقدة للاسس العلمية جذرياً وإنها لا تستند إلاّ الي الظن أو الي الشك وأن أهل الدنيا كانوا ومازالوا يقتفون أثر الظن في المسائل العقائدية وخاصة في أصولها ولهذا نري القرآن يعلن بصراحة بان من اتبع الاكثرية فقد ضل ومن ذلك قوله تعالي: (وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون إلا الظن وانهم إلا يخرصون) [152] .

وهكذا في بقية الموانع الاخري لتصحيح العقيدة الاسلامية وفي قبال ذلك ينقدح لنا كيفية الوصول الي شرائط تصحيح العقيدة الاسلامية كالتأني والتجربة والتمركز وتبادل النظر وكل الامور التي لها دخل في الحصول علي الاستدلالات الصحيحة للحصول علي العقيدة الاسلامية الصحيحة وعلي ضوء القرآن الكريم والنسة الشريفة، فمن هنا كان لابد لنا ان ندخل في معرفة عقيدتنا في فاطمة الزهراء ومدي ارتباط حياتها بكل ما تملكه الكلمة من معني في أصول ديننا وعقائدنا والسؤال الذي يطرح في المقام وعلي ضوء الاستدلالات

هل ان فاطمة عليها السلام وظلاماتها وحياتها الشخصية والغيبية له ارتباط بأصول الدين، وبحيث هذا الارتباط يكون ناشيء من وعي وفهم للعقائد التي أمرنا الله تعالي بالاعيان بها ام لا؟

وعلي هذا الاساس كان لابد لنا من الوقوف مع الزهراء عليها السلام ونري مدي ارتباطها بأصول الدين، وهل هناك ارتباط لها بالتوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد، أم

[ صفحه 140]

يتجاوز الأمر الي أبعد من ذلك؟ أم لا يوجد ارتباط؟ وما الثمرة في ذلك والفائدة من هذا البحث؟ كل هذه الامثلة سوف نحاول الاجابة عليها خلال هذا البحث الذي له من الاهمية العظمي في حياة الفرد المؤمن الموالي لأهل بيت العصمة عليهم السلام.

فاطمة وعلاقتها بالتوحيد

توجد عدة أدلة وشواهد تدل بالدلالة المطابقية أو الالتزامية علي أن فاطمة الزهراء عليها السلام لها ارتباط وثيق بتوحيد الله، وعلي ضوء هذه الادلة والشواهد التي سنقدمها بين يدي القاريء العزيز يتبين لنا أن لمعرفة فاطمة عليها السلام دور كبير في عقيدة الفرد المؤمن، وأما أثبات هذا الارتباط وكيفية ثبوته تصميم التوحيد فهذا ما يتوقف معرفته وثبوته علي مقدمات نري من الضرورة فيما نحن فيه التذكير بها والتمعن في مدلولاتها لكي نصل وعلي ضوءها _ أي المقدمات _ الي اثبات هذا الأمر. أما نوعية هذا الادلة والشواهد فتارة تكون عبارة عن نص ورد في حديث أو ورد في زيارة لأئمة أهل البيت أو من خلال فقرة معينة من الاحاديث التي تروي لنا، ادعيتهم عليهم السلام، وعلي هذا الحال تكون هذه الادلة مبثوثة وموزعة علي كتب الادعية والزيارات والأحاديث الشريفة لأهل البيت العصمة عليهم السلام.

وعلي هذا الأساس نجد أول الادلة التي نستطيع اثبات ارتباط فاطمة عليها السلام بصميم التوحيد

ما ورد في زيارة ائمة أهل البيت عليهم السلام بالزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة والمروي سند معتبر عن الإمام علي الهادي عليه السلام حيث تطالعنا هذه الزيارة بالفقرة التالية «من أراد الله بدأ بكم، ومن وحدّه قبل عنكم حيث ورد في تفسير هذه الفقرة أنه من لم يوحد الله لم يقبل عنكم أو بالعكس من لم يقبل عنكم لم يوحد الله تعالي فهو علي ذلك يكون من المشركني لأن معرفة الله تعالي حق المعرفة مشروط و علي ما ورد

[ صفحه 141]

في الروايات الشريفة علي معرفة شروط هذه المعرفة ومن شروط هذه المعرفة هو القبول عن أهل البيت عليهم السلام في كل ما يقولونه من المعارف الربانية الحقة وفي كل ما يقولونه من الحق فهم حجج الله علي الخلق، فالراد عليهم كالراد علي الرسول وعلي الله تعالي، هذا البيان يظهر لنا ان معرفة مراتب التوحيد متوقف علي المعارف الرانية التي جاء بها أهل البيت في بيان معني التوحيد والقبول عنهم في كل شيء يقولون به، فانه من عرفهم فقد عرف الله تعالي لانهم هم الادلاء عليه وعلي مرضاته وكل ما ثبت للائمة عليهم السلام فهو ثابت للزهراء عليها السلام فهي مشتركة معهم في كونها نورانية وكونها الصراط المستقيم وكذلك كونها الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها في المباهلة معهم عليها السلام وأيضاً اشتراكها في كونهم الشجرة الطيبة ونزول الملاكة عليهم في ليلة القدر واشتراكها معهم في بدء خلقها معهم قبل خلق آدم وعرض ولايتهم علي الاشياء... الخ. والاهم من هذا كله هو كونها عليها السلام الحجة علي الأئمة وعلي معرفتها دارت القرون الاولي وما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتي

أقر بفضلها ومحبتها وعلي هذا الاساس تكون كل من يقبل عنها الحق فهو من الموحدين وكل ما صدر منها لابد من الإيمان به وإلاّ الراد عليها كالراد علي الله ورسوله. وعليه تكون فاطمة عليها السلام مر تبطة بتوحيد الله تعالي ونعني بذلك أنه لابد من الإيمان بها والتصديق بكل ما صدر منها انه الحق وان توحيد أي مسلم أو مؤمن لا يكتمل حتي يقر بفضلها ومحبتها وولايتها، فيكون علي هذا الأساس كل من رد عليها ولم يقبل منها الحق فهو مشرك أو منافق فهي اذن لها ارتباط بالاصل الأول من اصول الدين وهو التوحيد وهذا ثابت لها وللائمة من ولدها عليهم السلام وهذا ما وجدناه في قول الإمام الحسين عليه السلام عندما خرج في واقعة كربلاء حاملاً الطفل الرضيع وهو ينادي: هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟

ومحل الشاهد هو هل من موحد يخاف الله فينا، فالذي يكون موحداً لابد ان يخاف الله في كل شيء ويقف عند حدوده التي أمرنا بالوقوف عندها، فانه من ملازمات التوحيد مخافة الله تعالي في عدم أذية الناس وخلق الله تعالي والذي

[ صفحه 142]

لا يخاف الله تعالي فهو ليس موحد فالذين ظلموا آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم لم يكونوا موحدين لانهم لم يخافوا الله تعالي في خلقه الذين خلقهم قبل كل شيء فما بالك، فيهم عليه السلام حيث كانوا من الذي استخلصهم واصطفاهم الله تبارك وتعالي علي الخلق فيكون من باب الاولوية انه كل من ظلمهم كان من المشركين وكل من رد عليهم فقد أشرك بالله تعالي

من حيث لا يعلم لأنّ الله تعالي أمر الخلق بالاخذ عنهم والتسليم لهم وان الراد علهيم راد علي الله والراد علي الله مشرك وقد أخبر الله تعالي عن حكم من أشرك فيهم حيث يقول الله تعالي في كتابه (ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلاّ ان قالوا والله ربنا ماكنّا مشركين). يعني ما وضعوا أصناماً ظاهرة يعبدونهم م دون الله ويصلون لهم ولكنهم أتخذوا رجالا م دون ولي الله و حجة الله فأمرهم بخلاف ما أمر الله فأطاعوهم في خلاف أمر الله فعبدوهم من حديث لا يعلمون فرد عليه سبحانه فقال أنظر كيف كذبوا علي أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون، وقال الإمام الصادق عليه السلام حكاية عنهم هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون.

إذن لا يعرف الله احد من الخلق حق معرفته حتي يأتي بالشروط التي تتوقف عليها المعرفة وهذه الشروط كلها معرفتهم عليهم السلام بما فيهم فاطمة الزهراء التي هي قطب الرحي التي تدور عليها معرفة أهل البيت وكما وصفت لك وفسرت فاذا كان كذلك فكيف لا يقبل عنهم أي فرد، وقد قبل عنهم لانه قبل العلم والمعرفة والتوحيد عنهم ولو لم يقبل لم يعلم ولم يعرف اذ لا يكون ذلك منه غيرهم علهم السلام، وعلي هذا كانت فاطمة عليها السلام من هذه الجهة ومن خلال فقرة الزيارة الجامعة الكبيرة مرتبط بصميم التوحيد وهذا لا يظهر إلاّ لمن تمعن وتفحص ودقق في مأثورات أهل البيت عليهم السلام فأفهم تغنم أنشاء الله.

اما ثاني الادلة التي نستطيع من خلالها الورود في مسألة ارتباط فاطمة بصميم

التوحيد فهو ماجاءت وتظافرت به الروايات الشريفة عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهذه الروايات تنقسم فيما نحن فيه الي أربعة طوائف:

[ صفحه 143]

1 _ الطائفة الاولي: اذاها عليها السلام هو أذي الله تبارك وتعالي.

2 _ الطائفة الثانية: رضاها عليها السلام هو رضي الله تبارك وتعالي.

3 _ الطائفة الثالثة: حبها عليها السلام هو حب الله تبارك وتعالي.

4 _ الطائفة الرابعة: غضبها عليها السلام هو غضب الله تبارك وتعالي.

ونستفيد من خلال التأمل والتمعن في مدلولات هذه الروايات أنه لا معني لارتباط أذية ورضي فاطمة وغضبها بالله تعالي اذا لم تكن معصومة بالعصمة المطلقة، فالله تبارك وتعالي جعلها معبرة عن غضبه ورضاه لكونها معصومة بالعصمة المطلقة الذاتية وإلاّ فان هكذا قول يكون في غاية الوهن والعبث وعدم الحكمة. فالله تبارك وتعالي جعل فاطمة عليها السلام المعبره عن غضبه ورضاه وعلي لسان نبيه الاكرم محمد صلي الله عليه وآله وسلم وهذا يدل علي انها عليها السلام معصمومة ولا تفعل إلاّ برضا الله تبارك وتعالي. وعلي كل حال فان جميع الروايات المروية عن لسان النبي صلي الله عليه وآله وسلم جاءت لتؤكد هذه الحقيقة وهي كون فاطمة لها ارتباط بالله تعالي وتوحيده سواء كان هذا الارتباط تارة يأتي علي هيئة غضب الله أو رضاه أو علي هيئة حب الله تبارك وتعالي أو أذاه. وإليك بعض النصوص التي بينت هذه الطوائف الأربعة من الروايات:

جاء في تفسير قوله تعالي (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) أنها نزلت في غصب حق أمير المؤمنين عليه السلام، وأخذ حق فاطمة «أذاها»، قد قال النبي

صلي الله عليه وآله وسلم: من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله وهو قول الله عزوجل: (ان الذين يؤذون الله ورسوله) [153] .

أقول: يظهر من هذا الآية ان الله تبارك وتعالي يتأذي من فعل بعض القوم ومن المعلوم ان الله لا تصل إليه اذية أي بشر بالمعني وانما جعل بعض المؤمنين

[ صفحه 144]

والذين هم أهل بيت النبوة مظهر من مظاهر أذيته اذا تؤذوا هم عليهم السلام، وهذا نص صريح في كونهم مر تبطين بالله، فالغضب الإلهي يتجلّي في غضبهم كما أنّ غضبهم مرآة غضب الله، وكذلك الحال في الرضا.

وجاء عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم انه قال: «ان فاطمة بضعة مني... وان الله تبارك وتعالي ليغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها» [154] .

وورد عن تفسير الثعلبي باسناده عن مجاهد قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صلي الله عليه وآل وسلم وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام وقال:

«من عرف فاطمة فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله» [155] .

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم انه قال:

«يا فاطمة، ان الله ليغضب لغضبك، ويرضي لرضاك» [156] وهذا الحديث يعتبر من أهم الاحاديث التي رواها العامة الخاصة ولقد وجدنا لهذا الحديث عدة أسانيد مختلفة سواء عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة أو عن ائمة الهدي عليهم السلام فتارة يكون

الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام واخري عن الصادق والباقر أو عن الإمام زين العابدين وهكذا نجده بأسانيد مختلفه ولكن المحتوي واحد والمضمون لا يختلف وهو ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها [157] .

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام هذا الحديث حيث قال جده النبي صلي الله عليه وآله وسلم «يا فاطمة، ان الله تبارك وتعالي ليغضب لغضبك ويرضي لرضاك»، وقد أثار هذا

[ صفحه 145]

الحديث بعض الشباب الذين كانوا في زمن الإمام عليه السلام ومنهم صندل الذي جاء إليه وقال له: يا ابا عبدالله ان هؤلاء الشباب يجيئونا بأحاديث منكره.

فقال: له جعفر عليه السلام: وما ذاك يا صندل؟

قال: جاء عنك، انك حدثتهم ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها!

قال: فقال جعفر عليه السلام: يا صندل، ألستم رويتم فيما تروون: أن الله تبارك وتعالي يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضي لرضاه؟! قال: بلي

قال: فما تنكرون ان تكون فاطمة عليها السلام مؤمنة يغضب لغضبها، ويرضي لرضها؟!. قال: فقال: «الله أعلم حيث يجعل رسالته» [158] .

ويظهر من هذا الحديث ان مسألة انكار أحاديث أهل البيت في قضية فاطمة الزهراء وان رضاها رضا الله ورسوله كانت موجودة من زمن الأئمة عليهم السلام، وكذلك توجد نقطة مهمة ونكتة خافية وهي ان الرسول انما تحدث بهذه الاحاديث في فاطمة عليها السلام ليؤكد علي مسألة مهمة وهو ان فاطمة عليها السلام سوف تظلم وتؤذي من بعده، لذا سوف ترضي عن بعض المسلمين وتغضب علي البعض الاخر فلذلك أعطي الرسول الاعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم ضابطة كلية في مسألة تقييم بعض الشخصيات في زمن فاطمة عليها السلام ألا وهي ضابطة

الرضا والغضب بالنسبة لفاطمة، فكأنما يشير غلي ما سيجري عليها من الظلم من بعده.

اذن تبين لنا من خلال تفسير الآية المباركة (ان الذين يؤذون الله...) وبيان بعض الاحاديث الشريفة حول رضا فاطمة وغضبها وانها مقرون برضا الله وغضبه، انها عليها السلام مرتبطة بصميم التوحيد وهنا يرد هذا السؤال المهم في ما نحن فيه ألا وهو ما الثمرة من هذا الارتباط؟ أن بعبارة أخري ما الفائدة في ارتباط غضب فاطمة ورضاها بالله تعالي؟ والجواب يظهر من خلال متابعة القرآن الكريم والاحاديث التي

[ صفحه 146]

رويناها لك من خلال الكتب المعتبرة والذي نراه وحسب فهمنا القاصر ان بعض الثمرات هي:

1 _ أن كل من آذي فاطمة فقد آذي الله ورسوله لذا سوف يستحق اللغنة بنص القرآن الكريم (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله...) هذا في الدنيا.

2 _ اعداد العذاب الالهي للذين يؤذون الله تعالي في ذرية رسوله (واعد لهم عذاباً مهينا).

3 _ ونستفيد من بعض الروايات ان الله تعالي ليغضب لغضب المؤمن فكيف بإبنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟

4 _ اعطاء ضابطة مهمة من الناحية التأريخية وهي كل من ثبتت أذيته لفاطمة في حياتها لابد من لعنه والبراءة منه وكل من سار علي منوال الظالمين للزهراء في حقها ورضايتهم علي فعل الظالمين فهم مع الظالمين يجب لعنهم في الدنيا والبراءة منهم وكثيرة هي الثمرات في هذا الارتباط وفي الذي سردناه لك كفاية لمن يرجوا الوصول الي حقيقة الامور.

فاطمة وعلاقتها بالنبوة

من القضايا المهمة التي يهمنا البحث عنها هو ارتباط فاطمة الزهراء عليها السلام بمقام النبوة الخاتمية ومن يمثل هذه الخاتمية أعني بذلك شخص رسول الله محمد صلي

الله عليه وآله وسلم، ولا بد لنا ونحن نر توي من الماء العذب لفاطمة عليها السلام واللآليء المتناثرة في حياتها ان نقف مع مقامها والارتباط الوثيق لهذا المقام بالنسبة للنبوة، والذي ينقدح في الذهن القاصر لصحاب هذا القلم ان هناك عدة أدلة وشواهد تثبت ان لفاطمة ارتباط وثيق بالنبوة، وهذا الارتباط تارة يتمثل علي نحو الابوة لهذه الصديقة الطاهرة وتارة آخري علي شكل حب لهذه النسمة الطيبة ومرة اخري علي الارتباط العقائدي لها عليها السلام، وسوف نعطي عدة شواهد وادلة علي ذلك، ومن خلال استقراء واستنطاق بعض الكتب الروائية والتاريخية التي تروي لنا قضية الزهراء وارتباطها بشخص النبي صلي الله عليه وآله وسلم من

[ صفحه 147]

جهة وبمقام النبوة من جهة أخري، أما كيف يكون هذا الارتباط بالنبوة ومقامها، فنقول: وردت عدة شواهد علي هذه المسألة من القرآن الكريم ولكن نكتفي علي شاهد قرآني واحد وهو الآية 57 من سورة الاحزاب (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا...) فهذه الآية الشريفة وكما تبيّن لنا لها ارتباط بمسألة أذي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ونحن نعلم انه ورد في الحديث الشريف عنه صلي الله عليه وآله وسلم انه ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت، وكذلك قوله صلي الله عليه وآله وسلم من آذي مؤمنا فقد أذاني، فهذه الأحاديث تثبت مسألة أذي رسول الله ولقد حدثنا التاريخ كيف ان القوم عندما بعث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بمكة كيف آذوه وطردوه من دياره والأكثر من ذلك نجد ان الكثير من النصوص عند العامة والخاصة قد بينت ان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد آذوه القوم بعد مماته

في إبنته فاطمة عليها السلام تبين وتؤكد علي حقيقة ثابتة ولا ينكرها إلا معاند أو منافق وهي أنهم قد أذوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في ذريته، فكانت الاحاديث المروية عنه تمثل الدعامة العظمي لارتباط أقرب الناس إليه وهي فاطمة الزهراء عليها السلام، ولا نقصد من ارتباط الصديقة الطاهرة عليها السلام به مجرد لانه والدها كلا بل هناك أمور غيبية قد ذكرت بعض الروايات اسرارها وكما بينا في بعض أحاديثنا كحديث الاقرار بفضل فاطمة جميع الأنبياء وانه ما تكاملت نبوة نبي حتّي أقرّ بفضلها ومحبتها... ممّا يدل علي ارتباطها بالنبوّة العامّة كارتباطها بالنبّوة الخاصّة... وغير ذلك من الأحاديث في هذا المضمار، وان كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه وأكثر من أكرام الرجال لبناتهم حتي خرج بها عن حد الآباء للأولاد، فقال بعض الخاص والعام مراراً لا مرة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد: إنها سيدة نساء العالمين... وإنها إذا مرت في الموقف نادي منادٍ من جهة العرش: يا أهل الموقف: غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد صلي الله عليه وآله وسلم. وهذا من الاحاديث الصحيحة [159] وعليه لابد من ذكر بعض

[ صفحه 148]

النصوص التي تبين لنا مقام فاطمة من الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم.

لفقد جاء في حديث طويل عن سعد بن أبي وقاص انه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز الناس علّي [160] .

وروي النسائي باسناده عن السور بن محزمة، قال: «سمعت رسول الله صلي الله

عليه وآله وسلم وهو علي المنبر يقول «فاطمة هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها، ومن آذي رسول الله فقد حبط عمله» [161] .

وروي أحمد بأسناده عن المسور، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم «فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما قبضها وأنه تنقطع يوم القيامة الانساب والاسباب إلا نسبي وسببي» [162] .

وروي عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ان فاطمة شعرة مني، فمن آذي شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله، ومن آذي الله لعنه الله ملء السماوات والأرض [163] .

عن عبدالله بن زبير عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث: انها _ فاطمة _ بضعة منيء يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها [164] وكثيرة هي الاحاديث التي تروي لنا ارتباط الزهراء وظلمها وأذيتها برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولئلا يطول المقام بنا ولا نخرج عن هذا الكتاب نكتفي بهذه الاحاديث ونقول:

إنّ كلام الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي هذا يدل علي انه ليس غضبه بأعتبار انه والدها، لا وانما غضب النبوة ومقامها السامي الذي تمثل السماء ونحن نعلم أيضاً انه أذي فاطمة ايضاً الله تبارك وتعالي، وإلا

[ صفحه 149]

لامعني ان يغضب الرسول _ صلي الله عليه وآله وسلم _ لانه أباها الشخصي فقط لانه في مثل هذه الحالة سوف تكون العصبية لها بأعتبار القرابة وانما يؤكد الرسول من خلال هذه الاحاديث علي حقيقة مهمة جداً وهي مسألة عصمة فاطمة عليها السلام لانها لو كانت ممن

تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذياً له صلي الله عليه وآل وسلم علي كل حال لذا ثبتت لها العصمة من خلال أقوال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في حقها عليه السلام. ويظهر ايضاً من خلال الحديث المروي في حق فاطمة عليها السلام عن أبي جعفر عليه السلام يقول: «ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة علي جميع من خلق الله من الجن والانس، والطير والوحوش والأنبياء حتي أقرّ بفضل فاطمة عليها السلام وحجيتها» حيث نستفيد من هذين الحديثين ان فاطمة عليها السلام كانت مرتبطة بنبوة الأنبياء السابقين قبل نبينا محمد صل الله عليه وآله وسلم، فهي _ أي النبوة _ لم تكتمل في أي نبي من الأنبياء حتي أقر بفضل فاطمة وحجيتها، وهذا يدل انها كانت مفروضة الطاعة علي جميع الأنبياء وكما تبين لنا من خلال البحوث المتقدمة في هذا الأمر.

فاطمة والعدل الإلهي

يعتبر العدل من الأصول الإعتقادية التي يمتاز بها الشيعة الامامية عن غيرهم من المذاهب الاخري، فمسألة العدل عندهم قد دخلت كل الأصعدة الحياتية المهمة وهذا يعود الي وجود العدل في كل أفعال الله تعالي فهو _ أي الله تعالي _ قد جعله من أسماءه الحسني فعندما يأخذ الشيعة الامامية العدل ويعتبرونه من اصول الدين لم يكن هذا جزافاً وانما كان علي اساس وأصل متين استمدوه من القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم الذي بذر فكرة العدل في قلوب وأرواح الناس ثم سقاها ونماها فكرياً وفلسفياً وعملياً واجتماعياً انه القرآن الكريم الذي طرح مسألة العدل من حيث مظاهرها المختلفة العدل التكويني، والعدل التشريعي، والعدل الاخلاقي، والعدل الاجتماعي... الخ.

[ صفحه 150]

والقرآن الكريم يصرح بان نظام الوجود مبني علي أساس العدل والتوازن علي

أساس الاستحقاق والقابلية، وعلي هذا الاساس توجد عدة آيات قرآنية تؤكد علي مسالة العدل سواء كان ذلك عن طريق ذكر المقابل للعدل أي الظلم وتأتي الآية القرآنية تنفي الظلم أي تقر العدل بالنتيجة أو عن طريق ذكر القرآن ان هناك يوم حساب يحاسبون فيه الناس ليكون العدل هو الاساس الذي سوف تكون عليه المحاسبة، وهكذا يذكر القرآن الكريم آيات العدل في كل مظاهرها الوجودية، وسنورد هنا بعض الآيات القرآنية التي تعتبر الفاعلية الالهية والتدبير الالهي قائماً علي أساس العدل حيث يقول الباري عزوجل في هذا المضمار (شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط) [165] أو أن العدل هو المعيار لله سبحانه في موضوع الخلقة (والسماء رفعها ووضع الميزان) [166] . وعلق علي هذه الآية الرسول الكريم صلي الله عليه وآل وسلم بقوله: «بالعدل قامت السماوات والأرض» واهتم القرآن الكريم اهتماماً استثنائياً بالعدل التشريعي أي مراعاة أصل العدل دائماً في النظام الاعتباري والتشريع القانوني، وقد صرح ذلك في الكتاب المعجز بان الهدف من ارسال الأنبياء وبعثة الرسل انما هو قيام النظام البشري وارساء الحياة الانسانية علي أساس العدل والقسط: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) [167] .

واضافة إلي ذلك فان الاصل الكلي الذي نسبه القرآن الي كل الأنبياء بخصوص النظام التشريعي ولا سيما في الشريعة الاسلامية هو «قل أمر ربي بالقسط» وفي مكان آخر يقول «ذلكم أقسط عند الله». ويعتبر القرآن الكريم الإمامة والقيادة عهداً الهياً ينبعث عنه النضال عنه النضال ضد الظلم والتلاؤم مع العدل، ويقول القرآن الكريم في موضوع لياقة إبراهيم عليه السلام للامامة والقيادة: (وإذا ابتلي ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني

[ صفحه 151]

جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [168] .فعندما أختار الله ابراهيم إماماً، إستفهم ابراهيم هل تشمل هذه الموهبة الالهية نسله؟

فأجيب بأن الإمامة عهد إلهي والظالمون لا نصيب لهم فيه، يعني مقتضي العدالة الربانية هكذا تكون مع الظالمين. وإذا دققنا النظر في القرآن الكريم وجدناه يدور حول محور واحد هو العدل في كل الافكار القرآنية من التوحيد الي المعاد ومن النبوة الي الإمامة والزعامة ومن الآمال الفردية الي الاهداف الاجتماعية، فالعدل في القرآن قرين التوحيد وركن المعاد وهدف لتشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة ومعيار كمال الفرد ومقياس سلامة المجتمع [169] اذن بعد هذه المقدمة في العدل يأتي السؤال في هذا المقام الذي نحن فيه وهو هل ان الله جل جلاله أعطي الي اولياؤه الكثير من المناصب والمقامات الروحانية وعلي كل المستويات بالعدل أو جزافاً اعطاهم اياها؟

فمثلاً مقام فاطمة الزهراء عليها السلام وحجيتها علي الأئمة وعلي جميع الأنبياء والجن والانس، ومقام شفاعتها يوم القيامة وانها تشفع بالجنة هل أعطي تعالي هذه المقامات بالعدل لها فتكون عندئذ مرتبط بالعدل الالهي أم لا؟

وهذا السؤال يحتاج الي ذكر مسألة مهمة وهي تعهريف العدجل سواء لغوياً أم اصطلاحياً وبعد ذلك نري مدي انطباق هذا الموضوع وعلي ضوء التعريف في حياة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ومدي ارتباطها بالعدل الالهي.

العدل في اللغة: العدل من أسماء الله سبحانه، العدل هو الذي لا يميل به الهوي فيجور في الحكم، وهو في الاصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهوأبلغ منه لانه جعل المسمي نفسه عدلاً وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل.

والعدل: الحكم بالحق، فيقال هو يقضي

بالحق ويعدل وهو حكم عادل: ذو معدلة في حكمه [170] اما تعريف العدل في الاصطلاح فلقد وردت فيه عدة تعاريف ولكن الذي يهمنا فيما نحن فيه التحريف الذي يقول: «هو رعاية الاستحقاق في افاضة الوجود

[ صفحه 152]

وعدم الامتناع عن الافاضة والرحمة حيث يتوفر امكان الوجود أو امكان الكمال». وعلي أساس هذا التعريف يتبين لنا ان الموجودات تتفاوت مع بعضها في النظام الكوني من حيث قابليتها لاكتساب الفيض الالهي من مبدأ الوجود، فكل موجود وفي أي رتبة من الوجود يملك استحقاقاً خاصاً من حيث قابليته لاكتساب الفيض، ولما كانت الذات الالهية المقدسة كمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وفياضة علي الاطلاق فهي تعطي ولاتمسك ولكنها تعطي لكل موجود ما هو ممكن له من وجودأو كمال وجود، فالعدل الالهي _ حسب هذه النظرية _ يعني ان أي موجود يأخذ من الوجود ومن كماله المقدار الذي يستحقه وبأمكانه ان يستوفيه [171] وعلي هذا الاساس تكون الزهراء عليها السلام مستحقة للعدل الالهي في افاضة الكمال لها وفي كل المقامات المعنوية والروحية، فكونها عليها السلام حجة علي الأنبياء وعلي جميع البشر وانه ما تكاملت نبوة نبي حتي أقر بفضلها وكذلك كونها صاحبة الشفاعة الكبري يوم القيامة وغيرها من المقامات التي أعطاها الله تعالي اياها كل ذلك لانها كانت مستحقة لكل هذا الكمال، أما كيف كانت مستحقة لذلك فهذا مانفهمه من خلال الزيارة الواردة في حقها «السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك صارة لما امتحنك» فعلي أساس هذا الامتحان وكونها صابرة نجد ان الله تعالي وجدها مستحقة للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها، وعليه تكون الحكمة الالهية للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها،

حيث تكون الحكمة الالهية في وضع الزهراء في مقامها السامي انما هو بالامكان اللأئق لها وبالعدل الالهي استحقت ذلك فتكون عليها السلام حينئذ مرتبطة بالعدل الالهي من حيث كونها مستحقة للافاضات الربانية وكما تبين لك من خلال الاحاديث الواردة في شأنها عليها السلام. هذا من جهة ومن جهة أخري ان مولاتنا لفاطمة عليها السلام هل هي من العدل الالهي أم لا؟

لاشك ولا ريب عندما يطلب الله تعالي منا ان نكو مع الزهراء عليها السلام في التولية والتبرئة من اعدائها هو عين العدل الالهي لأنّ الله تعالي وعلي لسانه في القرآن

[ صفحه 153]

الكريم اعتبر أذي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم من الأسباب المؤدية الي اللعنة والعذاب الأليم وبأعتبار كونها عليها السلام من لحم رسول الله بل هي نساء رسول الله المعبر عنهم «بنسائنا» في آية المباهلة وأيضاً رضاها رضي رسول الله وغضبها غضب الله ورسوله وإضافة الي ذلك انها مستحقة حسب وجودها واللفيوضات الربانية كل ذلك يعتبر من العدل الإلهي فتكون عندئذ عليها السلام مرتبطة بصميم العدل الإلهي وإن مولاتنا لها عين العدل الذي أمرنا الله تعالي ونكون له ملازمين له في كل الحالات.

فاطمة وعلاقتها بالإمامة

تشكل الإمامة أصلاً مهماً من الأصول الخمسة الدينية عند الشيعة الإمامية بعد التوحيد والنبوة والعدل، ولقد تظافرت الروايات الشريفة علي التأكيد علي هذه المسألة المهمة في الدين الاسلامي فضلاً عن القرآن الكريم الذي أكد أيضاً علي مسألة إثبات الإمامة من خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بل نقول ان من أراد الإطلاع علي هذه القضية فعليه مراجعة الكتب الكلامية التي أثبت هذه المسألة المهمة، ولقد تطرقنا الي هذه المسألة _ أي الإمامة _ في هذه الكتاب

بأعتبارها لها إرتباط عميق بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، وربما سائل يسأل كيف يمكننا أن نعرف أن الزهراء لها ارتباط بصميم الإمامة؟ وهذا سؤال مهم علي ما أتصوره ولابد من خلال استقراء الكتب الروائية وحياة الصديقة الطاهرة وقراءة بعض النصوص واستنطاقها نجد انه هناك عدة أمور يمكن من خلالها إثبات هذا الارتباط الوثيق للزهراء بالإمامة التي جعلها الله تبارك وتعالي أما ماهية هذه القضية من خلال إثباتها عن طريق الروايات أو الزيارات الواردة فهذا ما يتوقف بيانه علي إبراز بعض الأدلة والشواهد التي تؤيد هذه القضية تارة وتدعمها تارة أخري.

أولاً: أما الأدلة التي نستطيع من خلال اثبات ارتباط فاطمة بصميم الدين فهذا ما يتبين لنا من كونها عليها السلام الحجة علي الأنبياء فضلاً عن الأئمة عليهم السلام. إما كونها الحجة علي

الأنبياء فهذا ما أثبته الحديث المروي الذي يقول فيه الإمامة: «ما تكاملت نبوة نبي حتي أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الأولي» ولا نريد الوقوف مع مفهوم هذا الحيث علي أي شيء يدل فلقد تبين لك كيف انها لابد من الإقرار بفضلها ومحبتها من قبل الخلق أجمعين فضلاص عن الأنبياء، وإما كونها الحجة علي الأسمة فهذا ما تبين لنا من خلال شرح الحديث الوارد عن الإمام الحسن العسكري الذي يقول فيه «نحن حجج الله علي خلقه وجدبنا فاطمة عليها السلام حجة الله علينا» فراجع شرح هذا الحديث في كتابنا هذا وسوف يتبين لك الحال في هذا الأمر وهذا يكون أفضل شاهد علي كونها مرتبطة بصميم الإمامة ولهذا يحتاج الي تمعن في هذا الأمر وتدقيق عميق حتي نصل الي مداركه ومدلولاته.

ثانيا: إن الزهراء عليها السلام كانت الرحم الطاهر

لحمل الإمامة فهي أم الأئمة الأطهار وهي والدة الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة واللذان كانا إمامان قاما أو قعدا، فقد حملت بهما من خلال الارتباط السماوي بأمير المؤمنين حيث زوجها الله تبارك وتعالي من أمير المؤمنين وكما ورد في الحديث الذي يقول «زوج النور من النور» وهذا يشهد به الموالي والمخالف في قضية زواج الزهراء عليها السلام، أما كونها رحم طاهرة، فهذا ما أثبتته الآية الكريمة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فضلاً عن الزيارة الشريفة الواردة في حق الإمام الحسين عليه السلام والتي يقول فيها الإمام عليه السلام «أشهد إنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة الي آية التطهير تثبت كونها عليها السلام الرحم الطاهر للأئمة عليهم السلام ومن جهة شاهد علي كونها مرتبطة بصميم الإمامة بالنكتة التي بيناها لك من حيث هي أم الأئمة عليهم السلام.

ثالثاً: نجد من خلال استقراء القرآن الكريم ومتابعة آياته الشريفة أن الزهراء عليها السلام تكون مشتركة ومرتبطة بالإمامة من خلال عدة آيات قرآنية اثبت اشتراكها مع الأئمة عليهم السلام منها كونها الصراط المستقيم ومشتركة معهم عليهم السلام فلقد ورد عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال:

[ صفحه 155]

«قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أن الله جعل علياً وزوجته وأبناؤه حجج الله علي خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي، من أهتدي بهم هدي الي صراط مستقيم [172] وأيضاً عن رسول الله أنه قال: «اهتدوا بالشمس فإذا غاب الشمس فاهتدوا بالقمر، فاذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة، فاذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين، فقيل يا رسول الله ماالشمس وما القمر وما الزهرة وما الفرقدان؟ قال صلي الله عليه

وآله وسلم: الشمس أنا، والقمر عليّ، والزهرة فاطمة، والفرقدان الحسن والحسين عليهما السلام» [173] .

قوله تعالي: (فتلقّي آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنّه هو التوّاب الرحيم) [174] .

أخرج ابن النجار عن ابن عبّاس قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، سأل بحقّ محمّد وعلّي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علّي، فتاب عليه [175] .

قوله تعالي: (فقل تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم...) [176] .

قال محّب الدّين الطبريّ: لما نزل قوله تعالي: «فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم» الآية، دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلّم هؤلاء الأربعة [177] .

عن أبي سعيد رضي الله عنه: لمّا نزلت هذه الآية، دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: «اللّهمّ هؤلاء أهلي». أخرجه مسلم والترمذي [178] .

قوله تعالي: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيّبة كشجرةٍ طيّبة...) [179] .

عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: أنا شجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، وحسن وحسين ثمرها، ومحبيّهم [180] .من أمّتي أوراقها. ثمّ قال: هم في جنّة عدن والّذي بعثني

[ صفحه 156]

بالحقّ [181] .

وعنه صلي الله عليه وآله وسلم يقول: أنا شجرة، وعلّي القلب، وفاطمة اللقاح، والحسن والحسين الثمر، وشيعتنا الورق، وحيث ينبت الشجر تساقط ورقها، ثم قال: في جنّة عدن والّذي بعثني بالحقّ [182] .

وقوله تعالي: (أولئك الّذين يدعون يبتغون إلي ربهّم الوسيلة...) [183] .

عن عكرمة: هم النبّي وعلّي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام [184] .

قوله تعالي: (إنّي جزيتهم اليوم بما صبروا أنّهم هم الفائزون) [185]

.

عن عبدالله بن مسعود: يعني جزيتهم بالجنّة اليوم بصبر علّي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين في الدنيا علي الطاعات وعلي الجوع والفقر، وبما صبروا علي المعاصي وصبروا علي البلاء لله في الدنيا، أنّهم هم الفائزون والناجون من الحساب [186] .

قوله تعالي: (كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة...) [187] .

عن موسي بن القاسم، عن علّي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله الله عزّوجلّ «كمشكاة فيها مصباح» قال: المشكاة فاطمة، والمصباح الحسن، والحسين الزجاجة «كأنّها كوكب درّي» قال: كانت فاطمة كوكباً درّياً من نساء العالمين «يوقد من شجرة مباركة» الشجرة المباركة إبراهيم «لا شرقيّة ولا غربيّة» لا يهودّية ولا نصرانيّة «يكاد زيتها يضيء» قال: يكاد العلم أن ينطق منها «ولو لم _ تمسسه نار، نور علي نور» قال: فيها إمام بعد إمام «يهدي الله لنوره من يشاء» قال: يهدي الله عزّوجلّ لولا يتنا من يشاء [188] .

[ صفحه 157]

قوله تعالي: (وأمر أهلك بالصلواة اصطبر عليها...) [189] .

عن عبدالله بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه قال: أبو الحمراء خادم النبّي صلي الله عليه وآله وسلم: لمّا نزلت هذه الآية كان النبّي صلّي الله عليه وآله يأتي باب علّي وفاطمة عند كل صلوة فيقول: الصلاة _ رحمكم الله _ إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً [190] .

قوله تعالي: (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً...) [191] .

عن السدّي: نزلت في النبّي صلي الله عليه وآله وسلم وعلّي، زوّج فاطة علّياً، وهو ابنعمّه وزوج ابنته،كان نسباً وكان صهراً [192] .

قول تعالي: (واجعلنا للمتّقين إماماً) [193] .

قال

النّبي صلي الله عليه وآل وسلم قلت: يا جبرئيل من أزواجنا؟ قال: خديجة. قال: ومن ذرياتنا؟ قال: فاطمة. وقرّة أعين؟ قال: الحسن والحسين. قال: واجعلنا للمتّقين إماماً؟ قال: عليّ بن أبي طالب [194] .

قوله تعالي (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) [195] .

عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: نزلت في خمسة: في رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلّي وفاطمة والحسن والحسين، أخرجه أحمد في المناقب وأخرجه الطبرانّي [196] .

قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاً المودّة في القربي _) [197] .

قال الزّمخشريّ: إنّها لمّا نزلت «قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي» قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علّي وفاطمة

[ صفحه 158]

وابناهما... وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من مات علي حبّ آل محمّد مات شهيداً. ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مغفوراً له. ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مغفوراً له. ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات تائباً. ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان. ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد بشرّه ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير. ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد يزف إلي الجنة كما تزف العروس إلي بيت زوجها. ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلي الجنّة. ألا ومن مات علي حبّ آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة. ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات علي السنّة والجماعة. ألا ومن مات علي بغض

آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله. ألا ومن مات علي بغض آل محمّد مات كافراً. ألا ومن مات علي بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة [198] .

قوله تعالي: (ذلك بأنّ الله مولي الّذين آمنوا وأنّ الكافرين لامولي لهم) [199] .

عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس: يعني وليّ علي وحمزة وجعفر وفاطمة والحسن والحسين وولّي محمّد صلي الله عليه وآل وسلم، ينصرهم بالغلبة علي عدوّهم [200] .

قوله تعالي: (كانوا قليلاً من اللّيل ما يهجعون) [201] .

عن عبدالله بن عبّاس قال: نزلت في علّي بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة عليه السلام [202] .

قوله تعالي: (والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّيّتهم) [203] .

عن ابن عبّاس قال: نزلت في النبّي وعلّي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام [204] .

[ صفحه 159]

قوله تعالي: (مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) [205] .

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «مرج البحرين يلتقيان» قال: علّي وفاطمة، «بينهما برزخ لا يبغيان» قال: النبّي صلي الله عليه وآله وسلم، «يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان» قال: الحسن الحسين [206] .

قوله تعالي: (ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) [207] .

إنّ رجلاً جاء إلي النبّي صلي الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الجوع، فبعث إلي بيوت آزواجه فقلن: ماعندنا إلاّ الماء. فقال صلي الله عليه وآله وسلم: من لهذه الليلة؟ فقال عليّ عليه السلام: أنا يا رسول الله. فأتي فاطمة فأعلمها، فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصبية ولكنّا نؤثر به ضيفنا. فقال عليّ عليه

السلام: نؤّمي الصبية وأنا أطفيء للضيف السراج. ففعلت وعشّي الضيف. فلمّا أصبح أنزل الله عليهم هذه الآية: «ويؤثرون عن أنفسهم» [208] .

عن ابن عباس في قول الله «ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» قال: نزلت في علّي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام [209] .

قوله تعالي: (ويطعمون الطعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) [210] .

قال أبو الفضل شهاب الدين السيّد محمود الآلوسيّ: وماذا عسي يقول امرؤ فيهما يعني عليّا وفاطمة عليهما السلام سوي أنّ عليّا مولي المؤمنين ووصّي النبّي، وفاطمة البضعة الأحمديّة والجزء المحمّديّ، وأمّا الحسنان فالّروح والريحان وسيّدا شباب أهل الجنان.

وليس هذا من الرفض، بل ما سواه عندي هو الغيّ. ومن اللطائف علي القول بنزولها فيهم أنّه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين، وأنّما صرّح عزّوجلّ بولدان مخلّدين رعاية

[ صفحه 160]

لحرمة البتول وقرّة عين الرسول [211] .

قوله تعالي: (ليلة القدر خير من ألف شهر تنزّل الملائكة والروح فيها) [212] .

عن عبدالله نب عجلان السكوني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: بيت علّي وفاطمة من حجرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وسقف بيتهمعرض ربّ العالمين، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلي العرش معراج الوحي، والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً وفي كلّ ساعة وطرفة عين، والملائكة لا ينقطع فوجهم، فوج ينزل وفوج يصعد [213] .

رابعاً: من خلال الروايات الشريفة نجد ان الزهراء عليها السلام مرتبطة ومشتركة مع الأئمة الذين يمثلون الدعامة الكبري الإمامة في كثير من الامور وهذا ما نجده من خلال الروايات الشريفة التي اثبت هذه المسألة ومنها:

في خلقتها النورانية

عن النبّي صلي الله عليه وآل وسلم إنّه قال: لمّا خلق

الله تعالي آدم أبو البشر [214] ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرض فإذا في النور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا ربّ هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا، يا آدم، قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الّذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار، ولا العرش، ولا الكرسي، ولا السماء، ولا الأرض، ولا الملائكة، ولا الانس، ولا الجنّ. فأنا المحمود وهذا محّمد، وأنا العالي وهذا علّي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزّتي أنّه لا يأتيني أحد

[ صفحه 161]

بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلاّ أدخلته ناري ولا أبالي.

يا آدم، هؤلاء صفوتي من خلقي، بهم أنجيهم وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسّل. فقال النبّي صلي الله عليه و آله وسلم: نحن سفينة النجاة، من تعلّق بها نجا، ومن حا عنها هلك، فمن كان له إلي الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت [215] .

في بدء خلقتها

عن النبّي صلي الله عليه وآله وسلم قال: إنّ الله خلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم عليه السلام، حين لاسماء مبنّية، ولا أرض مدحيّة، ولا ظلمة ولانور، ولا شمس ولا قمر، ولا جنّة ولانار، فقال العبّاس: فكيف بدء خلقكم يا رسول الله؟ فقال: يا عمّ: لمّا أراد الله أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نوراً، ثمّ تكلّم بكلمة أخري فخلق منها روحاً، ثمّ مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين، فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّيه

حين لا تقديس، فلما أراد الله تعالي أن نشيء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري، ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش، ثمّ فتق نور أخي علّي فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور علّي، ونور عليّ من نور الله، وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض، فالسموات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض. ثمّ فتق نور ولدي الحسن، ونور الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور العين، فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين [216] .

[ صفحه 162]

في عرض ولايتها علي الأشياء

في حديث الإسراء: يا محمّد! إنّي خلقتك وخلقت عليّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين من نوري، وعرضت ولايتكم علي أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الظالّين «الظالمين خ ل». يا محمّد! لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتيّ ينقطع، أو يصير كالشنّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولا يتكم ما غفرت له حتي يقرّ بولايتكم.

يا محمّد: أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم، يا ربّ! قال: التفت، فالتفتّ عن يمين العرش، فإذا أنا باسمي وباسم علّي وفاطمة والحسن والحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسي وعلّي والحسن، والمهديّ في وسطهم كأنّه كوكب درّيّ، فقال: يا محمّد! هؤلاء حي علي خلقي، وهذا القائم من ولدك بالسيف من أعدائك [217] .

في سبق دخولها الجنة

عن علي عليه السلام عن النيّي صلي الله عليه وآله وسلم إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين. قال عليّ: فمحبّونا؟ قال: من ورائكم [218] .

في كونها في خطيرة القدس

وعنه صلّي الله عليه وآله: إنّ فاطمة وعليّا والحسن والحسين في خطيرة القدس في قبّة بيضاء، سقفها عرش الرحمن [219] .

[ صفحه 163]

في جواز دخولها مسجد النبي

وعنه صلّي الله عليه وآله: ألا لا يحلّ المسجد لجنب ولا حائض إلاّ لرسول الله وعلّي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام [220] .

في سكونتها معهم في الجنة

عن النبّي صلّي الله عليهم وآله قال: في الجنّة درجة تدعي الوسيلة، فإذا سألتم الله فاسألوا لي الوسيلة. قالوا: يا رسول الله! من يسكن معك فيها؟ قال: علّي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام [221] .

في كونها ركنا لعلي

علي النبّي صلي الله عليه وآله وسلم إنه قال لعلّي بن أبي طالب عليه السلام: سلام عليك يا أبا الريحانتين، فعن قليل يذهب ركناك، والله خليفتي عليك. فلّما قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال علي عليه السلام: هذا أحد الركنين، فلمّا ماتت فاطمة عليها السلام قال: هذا الركن الآخر [222] .

أقول: ينبغي إمعان النظر في معني الركنيّة، فأيّ معني تصوّر لركنيّة صلي الله عليه وآله وسلم لعلّي عليه السلام فهوثابت لفاطمة الزهراء عليها السلام، ولعمري هذا مقام شامخ لم ينله أحد إلاّ هي، وهو من مختصّاتها عليها السلام.

[ صفحه 164]

في إصابة نور الله لها

عن النبّي صلي الله عليه وآله وسلم قال: لمّا خلق الله الجنّة خلقها من نور وجهه، ثمّ أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، وأصاب فاطمة ثلث النور، وأصاب عليّاً وأهل بيته ثلث النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدي إلي ولاية آل محمّد صلي الله عليه وآله وسلم [223] ، ومن لم يصبه من ذلك النور ضلّ عن ولاية آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم

أقول: التدبّر في هذا الحديث يعطي جلالة شأنها وعلوّ درجاتها عليها السلام، إذ جعلها الله _ تعالي شأنه _ في النور قسيم أبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام، بل هي أكبر حظّاً منهم. وهذا لعمري شأوّ لاتنالها أيدي المتناولين، وبحر لا يدرك قعرها غوص المتعمّقين.

في كونها خير خلق الله تعالي

عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث طويل: علي ساق العرش مكتوب: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله [224] .

في اختيار الله تعالي اياها علي النساء

قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلّي عليه السلام: إنّ الله عزّ وجلّ أشرف علي الدنيا فاختارني منها علي رجال العالمين، ثمّ اطّلع الثانية فاختارك علي رجال العالمين، ثمّ اطلع الثالثة فاختار الأئمّة من ولدك علي رجال العالمين، ثمّ اطّلع الرابعة فاختار فاطمة علي نساء العالمين [225] .

قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ليلة عرج بي إلي السماء رأيت علي باب الجنّة مكتوباً: لا

[ صفحه 165]

إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ حبيب الله، والحسن والحسين صفوة الله، فاطمة خيرة الله، علي باغضهم لعنة الله [226] .

في وجوب إطاعتها علي الكائنات

عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل: ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة علي جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة _ الحديث [227] .

عن محمّد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالي لم يزل متفّرداً بوحدانّيته، ثمّ خلق محمّداً وعليّاّ وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها، وأجري طاعتهم عليها، وفوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون، ويحرّمون ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك وتعالي. ثمّ قال: يا محمّد، هذه الديانة التي من تقدّمها مرق [228] ، ومن تخلّف عنها محق، زن لزمها لحق، خذها إليك يا محمّد [229] .

قال العلامة المجلسيّ في شرح هذا الحديث: «فأشهدهم خلقها»، أي خلقها بحضرتهم وهم يطّلعون علي أطوار الخلق وأسراره. «وأجري طاعتهم عليها» أي أوجب علي جميع الأشياء طاعتهم حتّي الجمادات والسماويّات والأرضيات. «وفوّض أمورها إليهم» من التحليل والتحريم والعطاء والمنع، وإن كان ظاهره

تفويض تدبيرها إليهم من الحركات والسكنات والأرزاق والأعمار وأشباهها [230] .

عن أبي سعيد الخدريّ قال: كنّا جلوساً عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذا قبل إليه رجل فقال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ لإبليس: «أستكبرت أم كنت من

[ صفحه 166]

العالمين» [231] ، من هم يا رسول الله الّذين هم أعلي من الملائكة المقرّبين؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، كنّا في سرادق العرش نسبّح الله فسبّحت الملائكة بتسبحنا قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ آدم بألفي عام، فلمّا خلق الله عزّ وجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، ولم يؤمروا بالسّجود إلاّ لأجلنا، فسجدت الملائكة كلّهم أجمعون إلاّ إبليس أبي أن يسجد، فقال الله تبارك وتعالي: «يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالمين» أي من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش. فنحن باب الله الّذي يؤتي منه، وبنا يهتدي المهتدون، فمن أحبّنا أحبّه الله وأسكنه جنّته، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره، ولا يحبّنا إلاّ من طاب مولده [232] .

في ركوبها يوم القيامة

عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: يبعث الله الأنبياء يوم القيامة علي الدوابّ، ويبعث صالحاً علي ناقته كيما يوافي بالمؤمنين من أصحابه المحشر، وتبعث فاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام علي ناقتين من نوق الجنّة، وعليّ بن أبي طالب علي ناقتي، وأنا علي البراق، ويبعث بلالاً علي ناقته فينادي بالأذان _ الحديث [233] .

في تكلمها في بطن أمها

عن بعض الرواة الكرام: إنّ خديجة الكبري رضي الله عنها _ تمنّت يوماً من الأيّام علي سيّد الأنام أن تنظر إلي بعض فاكهة دار السّلام، فأتي جبرئيل إلي المفضّل علي الكونين من الجنّة بتفّاحتين وقال: يا محمّد، يقول لك من جعل لكلّ شيء قدراً:

[ صفحه 167]

كل واحدة وأطعم الاخري لخديجة الكبري، فاغشها، فإنّي خالق منكما فاطمة الزهراء. ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمر. فلّما سأله الكفّار أن يريهم انشقاق القمر _ وقد بان لخديجة حملها بفاطمة وظهر _ قالت خديجة: واخيبة من كذّب محمّدا وهو خير رسول ونبّي! فنادت فاطمة من بطنها: يا أمّاه لا تحزني ولا ترهبي فإنّ الله مع أبي _ الخبر [234] .

في كونها تحت قبة العرش

قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبّة تحت العرش. قلت «الحافظ الكنجيّ» ما كتبناه إلاّ من هذا الوجه «السند المذكور فيه» وهو حديث حسن عال [235] .

في ثواب

عن يزيد بن عبدالملك النوفلّي، عن أبيه، عن جدّه قال: دخلت علي الفاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: فبدأتني بالسّلام، قال: وقالت: قال أبي _ وهو ذا حيّ _ من سلّم عليّ وعليك ثلاثة أيّام فله الجنّة. قلت لها: ذا في حياته وحياتك أو بعد موته وموتك؟ قالت: في حياتنا وبعد وفاتنا [236] .

عن ابن عبّاس قال: لمّا ولدت فاطمة بنت النبّي صلي الله عليه وآله وسلم سماّها المنصورة، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: الله يقرئك السّلام ويقرئ مولودك السّلام [237] .

[ صفحه 168]

في نزول حنوطها من الجنة

عن ابن سنان رفعه قال: السّنة في الحنوط ثلاثة عشر درهماً وثلث. قال محمّد بن أحمد: ورووا أنّ جبرئيل عليه السلام نزل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بحنوط، وكان وزنه أربعين درهماً، فقسمه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء: جزءاً له، وجزءاً لعليّ، وجزءاً لفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين [238] .

اشتراكها معهم في الحرب والسلم

عن أبي حازم، عن أبي هرية قال: نزر النبّي صلي الله عليه وآله سلم إلي الحسن والحسين وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم [239] .

أقول: ولمّا جرّ البحث بنا إلي هنا ينبغي لنا أن نورد شيئاً من الأخبار ثم من الكلام حول المسالة إتماماً للفائدة وإيفاءً لبعض حقّها عليها السلام فنقول:

عن مجاهد: خرج النبّي صلي الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي، وهي روحي الّتي بين جنبّي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله» [240] .

وعنه صلي الله عليه وآله وسلم إنّما فاطمة حذية [241] منّي، يقبضني ما يقبضها.

وعن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إنّ فاطمة شعرة منّي، فمن آذي شعرة منّي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله، ومن آذي الله لعنه الله مل السماوات والأرض [242] . وعن ابن عباس قال: قال صلي الله عليه وآله وسلم: يا علي إنّ فاطمة بضعة منّي، هي نور عيني وثمرة فؤادي، يسوءني ماساءها ويسرّني ما سرّها، وإنها أوّل من يلحقني من

[ صفحه 169]

أهل بيتي، فأحسن إليها من بعدي، والحسن

والحسين فهما ابناي وريحانتاي، وهما سيدا شباب أهل الجنّة، فليكونا عليك كسمعك وبصرك. ثمّ رفع صلي الله عليه وآله وسلم يديه إلي

فقال: اللّهمّ إنّي أشهدك أنّي محبّ لمن أحبهّهم، مبغض لمن أبغضهم، سلم لمن سالمهم، حزب لم حاربهم، عدوّ لمن عاداهم، ولّي لمن والاهم [243] وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنّما فاطمة بضعة منّي، يسوءني ماساءها [244] وعن علّي عليه السلام إنّ الله عزّ وجلّ ليغضب لغضب فاطمة، ويرضي لرضاها [245] .

وعنه عليه السلام: يا فاطمة إنّ الله ليغضب لغضبك، ويرضي لرضاك [246] وإنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: فاطمة بضعة منّي ن فمن أغضبها أغضبني [247] وقال عليه السلام: إنّما فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها [248] وعنه عليه السلام: فإنّما ابنتي بضعة منّي، يريبني مارابها، ويؤذيني ما آذاها [249] وعنه عليه السلام: إنّ فاطمة بنت محمّد مضغة منّي [250] وعنه عليه السلام: «إنّما فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها». هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم _ يخرجاه [251] وعنه عليه السلام: إنّما فاطمة مضغة منّي، فمن آذاها فقد آذاني [252] وعنه عليه السلام: فاطمة بضعة منّي، يسعفني ما أسعفها [253] وعنه عليه السلام: فاطمة شجنة منّي، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها [254] .

[ صفحه 170]

اشتراكها معهم في تكون الميزان

قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنا ميزان العلم، وعليّ كفّتاه والحسن والحسين خيوطه، وفاطمة علاقته، والأئمّة من أمّتي عموده، يوزن فيها أعمال المحبّين لنا والمبغضين لنا [255] .

اشتراكها معهم في قصة سفينة نوح

عن النبّي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: لمّا أراد الله عزّوجلّ أن يهلك قوم نوح عليه السلام أوحي الله إليه أن شقّ ألواح الساج. فلّما شقّها لم يدر ما صنع، فحبط جبرئيل عليه السلام فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت فيه مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار. فسمر المسامير كلّها في السفينة إلي أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلي مسمارٍ منها، فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدرّي في أفق السماء فتحّير من ذلك نوح، فأنطق الله ذلك المسمار بلسان طلقٍ ذلق فقال: أنا علي اسم خير الأنبياء محمّد بن عبدالله صلي الله عليه وآله وسلم.

فهبط جبرئيل عليه السلام فقال له: يا جبرئيل، ما هذا المسمار الّذي ما رأيت مثله؟ قال: هذا باسم خير الأولين والآخرين محمّد بن عبدالله عليه السلام، أسمره في أوّلها علي جانب السفينة الأيمن. ثمّ ضرب بيده علي مسمار ثانٍ، فاشرق وأنار، فقال نوح عليه السلام: وما هذا المسمار؟ قال: مسمار أخيه وابن عمه علّي بن أبي طالب، فأسمره علي جانب السفينة اليسار في أولها. ثمّ ضرب بيده علي مسمار ثالث، فزهر وأشرق وأنار، فقال له جبرئيل عليه السلام: هذا مسمار فاطمة عليها السلام، فأسمره إلي جانب مسمار أبيها صلي الله عليه وآله وسلم. ثمّ ضرب بيده إلي مسمار رابع فزهر وأنار، فقال له: هذا مسمار الحسن عليه السلام فأسمره إلي جانب مسمار أليه صلي الله عليه وآله وسلم. ثمّ ضرب بيده إلي مسمار خامس،

فأشرق وأنار وبكي وأظهر النداوة [256] ، فقال: يا جبرئيل ما هذه النداوة؟ فقال: هذا مسمار الحسين بن عليّ سيّد

[ صفحه 171]

الشهداء، فأسمره إلي جانب مسمار أخيه.

ثمّ قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال الله تعالي: (وحملناه علي ذات ألواح ودسرٍ) [257] ، قال النبيّ عليه السلام: الألواح خشب السفينة، ونحن الدسر، ولولانا ماسارت السفينة بأهلها [258] .

توسل زكريا بها

عن مولانا المهديّ عليه السلام في جواب سعد بن عبدالله في حديث طويل: إنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلّمه إيّاها. فكان زكرّيا إذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة [259] فقال ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالي عن قصّته وقال: «كهيعص» [260] فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين، والعين عطشه، والصاد صبره. فلّما سمع ذلك زكرّيا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيها الناس من الدخول عليه، وأقبل علي البكاء والنحيب، وكانت ندبته: «إلهي، أتفجع خير خلقك بولده؟ أتنزل بلوي هذه الرزّية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ أتحّل كربة هذه الفجيعة بساحتهما»؟ ثمّ كان يقول: «الهي ارزقني ولداص تقرّ به عيني علي الكبر، اجعله وارثاً وصيّاً، واجعل محلّه الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه، ثمّ افجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده»، فرزقه الله يحيي عليه السلام، وفجعه به. وكان حمل يحيي ستّة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك [261] .

[ صفحه 172]

تحية الله تعالي إياها معهم بتفاحة

عن ابن عبّاس قال: كنت جالساً بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات يوم وبين يديه عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إذ هبط جبرائيل ومعه تفّاحة فيحّي بها النبّي صلي الله عليه وآل وسلم فتحيّي بها، وحيّي بها عليّ بن أبي طالب عليه السلام فتحيّي بها وقبلّها ورّدها إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فتحيّي بها، وحيّي بها الحسين فتحيّي بها وقبّلها ورّدها إلي رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم فتحّيي بها، وحييّ بها فاطمة عليها السلام فتحيّت بها وقبلتها وردّتها إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فتحيّي بها الرابعة وحيّي بها عليّ بن أبي طالب عليه السلام فتحيّي بها، ولمّا همّ أن يرّدها إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سقطت التفّاحة من بين أنامله فانفلقت نصفين فسطع منها نور حتّي بلغ السماء الدنيا، فاذا عليها سطران مكتوبان: «بسم الله الرحمن الرحيم، تحيّة من الله تعالي إلي محمد المصطفي، وعليّ المرتضي، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين سبطي رسول الله، وأمان لمحبيّهم يوم القيامة من النار» [262] .

عرض حبها علي البرية

قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: إنّ الله له الحمد عرض حبّ عليّ وفاطمة وذرّيتها علي البرّية، فمن بادر منهم بالإجابة جعل منهم الرسول، ومن أجاب بعد ذلك جعل منهم الشيعة، وإن الله جمعهم في الجنّة [263] .

اشتراكها معهم في الصلوات

عن كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت هذه الآية (إنّ الله وملائكته يصلّون علي النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلمّوا تسليماً) [264] قلنا: يا رسول الله قد علمنا

كيف نسلّم عليك، كيف نصلّي عليك؟ فقال: قولوا: اللّهمّ صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد _ إلي آخره.

وفي رواية الحاكم: فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال: قولوا: اللّهم صل علي محمد وعلي آل محمّد _ إلي آخره.

ويروي: لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللّهم صلّ علي محمّد، وتسكتون، بل قولوا: اللّهم صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد [265] ... فقيل له من أهلك يا رسول الله؟ قال: عليّ وفاطمة والحسن والحسين [266] وقال العلاّمة المحقّق المولي أحمد الأردبيليّ: واعلم أنّه قد ادّعي المصنّف «العلامة الحلّي _ ره» في «المنتهي»: إجماع علمائنا أيضاً علي وجوب الصلاة علي آله عليهم السلام، وأن المجزّي من الصلاة علي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أن يقول: «اللّهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد». ويدلّ عليه أيضاً ماروي عن طرقهم عن كعب الأحبار في كيفية الصلاة عليه حيث قال: قد عرفنا السلام عليك، فكيف الصّلاة؟ قال: اللّهمّ صلّ علي محمد وآل محمّد. والعجب أنّهم يحذفون الآل ويتركون هذا المنقول حتّي في هذا الخبر. ويقولون: قال: صلّي الله عليه. أفاده بعض السادة رحمهم الله وهو سيّد حسن السفطّي. ويدلّ علي ذلك غيره

أيضاً، والظاهر أنّ المراد بآله _ صلوات الله عليه وآله _ الأئمّة مطلقاً وفاطمة عليها السلام حقيقة لا تغليباً، يدلّ عليه وضع الآل لغة ثمّ عرفاً أيضاً، وبعض الأخبار أيضاً، ولا يدل علي الاختصاص بأمير المؤمنين وفاطمة وولديهما _ صلوات الله عليهم أجمعين _ الروايات الواقعة في سبب نزول آية التطهير، لأنّهم كانوا موجودين في ذلك الزمان، والحصر كان إضافّياً حيث يقول لبعض نسائه: إلي خير. ولهذا أثبت الأصحاب عصمتهم بالآية، فلا ينبغي قول المحقّق الثاني والشهيد الثاني [267] .

وقال العلامة الأمينيّ: أخرج الديلميّ أنّه صلي الله عليه وآله وسلم قال: الدعاء محجوب حتّي يصلّي علي محمد وأهل بيته: اللّهمّ صلّ علي محمد وآله. ورواه عنه ابن حجر في «الصواعق»

[ صفحه 174]

ص 88. وأخرج الطبراني في «الأوسط» عن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام: كلّ دعاء محجوب حتّي يصلّي علي محمّد وآل محمّد. وذكره الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» ج 1، ص 160. وقال: رجاله ثقات. وأخرج البيهقّي وابن عساكر وغيرهما عن عليّ عليه السلام مرفوعاً ما معناه: الدعاء والصلاة معلّق بين السماء والأرض لا يصعد إلي الله منه شيء حتّي يصلّي عليه _ صلّي الله عليه _ وعلي آل محمّد. _ «شرح الشفا» للخفاجي، ج 3، ص 506 [268] .

وقال الرازي في تفسيره الكبير: وأنا أقول: آل محمّد صلي الله عليه وآله هم الّذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل. ولا شك أنّ فاطمة وعلّياً والحسن والحسين كان التعّلق بينهم وبين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أشدّ التعلّقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هو الآل [269] .

وقال أيضاً: أنّ أهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم يساوونه في خمسة أشياء: في السلام، قال: السلام عليك أيّها النبيّ؛ وقال: «سلام علي آل ياسين» «الصافّات، 120»، وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد، وفي الطهارة، قال تعالي: «أي يا طاهر. وقال: «ويطهّركم تطهيراً» «الأحزاب، 33» وفي تحريم الصدقة وفي المحبّة، قال تعالي: «فاتّبعوني يحببكم الله» «آل عمران، 31». وقال: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي» «الشوري، 22».

وقال ابن حجر: صحّ عن كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت هذه الآية «يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً» قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ فقال: قولوا: اللّهمّ صلّ علي محمد وآل محمّد _ إلي آخره. فسؤالهم بعد نزول الآية وإجابتهم باللّهمّ صلّ علي محمّد وعلي آل محمد _ إلي آخره دليل ظاهر علي أنّ الأمر بالصلاة علي أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر؛ فلّما أجيبوا به دلّ علي أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به، وأنّه صلي الله عليه وآله وسلم أقامهم في ذلك مقام نفسه، لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه، ومنه تعظيمهم. ومن ثمّ لمّا

[ صفحه 175]

أدخل من مرّ في الكساء قال: اللّهم إنّهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك عليّ وعليهم. وقضّية استجابة هذا الدعاء أنّ الله صلّي عليهم معه، فحينئذٍ طلب من المؤمنين صلواتهم عليهم معه.

ويروي: لا تصلّوا علّي الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال تقولون: اللّهم صلّ علي محمّد، وتمسكون، بل قولوا: اللّهمّ صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد [270] .

خامساً: صدر من الإمام المهدي عجل الله

تعالي فجره الشؤيف في التوقيع المعروف الذي يقول فيه.

«ولولا ما عندنا من محبة صلاحكمم ورحمتكم والشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل، مما قد امتحنا من منازعة الظالم الضال الضال المتابع في غيّه، المضاد في لربّه، المدعي ماليس له، الجاحد حق من إفترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي أبنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لي أسوة حسنة وسيروي الجاهل رداءة علمه، وسيعلم الكافر لمن عقبي الدار» [271] .

انظر من خلال فهم مدلول كلمة أسوة حسنة كيف جعل الإمام المهدي «عج» جدته الزهراء عليها السلام اسوة حسنة في كل اموره وبحيث يجيب أحد شيعته من خلال بعض المسائل ويذكر له في التوقيع الشريف الصادر منه انه يقتدي بجدته الزهراء عليها السلام وجعلها قدوة له في حياته وله فيها اسوة حسنة كما لنا اسوة حسنة برسول الله وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

فاطمة والمعاد

من الأمور الهمة والقضايا الحساسة في حياة الفرد المؤمن هو مسألة يوم القيامة _ المعاد _ حيث نري الكثير من الناس عندما يسمعون المعاد ويوم القيامة واليوم الآخر يأنون من ذكره حيث هناك تلاقي البشر مع خالقهم والوقوف بين يديه للحساب.

[ صفحه 176]

ولا شك ولاريب انّ الكثير من الناس يخافون عدل الله تعالي ويطلبون منه ان يحاسبهم برحمته لا بعدله لأنه لو يحاسبهم الله تعالي.

بعدله لما ترك عليها من دابة، لذا نجد من خلال القرآن الكريم والروايات الشريفة إنّه من ظاهر رحمته الله تعالي يوم القيامة هو إعطاءه الشفاعة لبعض أولياؤه حيث تعتبر الشفاعة مظهر من ظاهر رحمة الله لكي يبين الله تعالي قدرة ومنزلة ومقام العبد المؤمن ذلك اليوم _ أي يوم الحساب _ ومن

هنا نجد إن من الذين تشملهم العناية الربانية في الشفاعة يوم القيامة هم آل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهذا ما أثبتته الكثير من الآيات والروايات ولا نريد الوقوف الطويل مع هذه الآيات والروايات بل نقف مع أحد دعائم أهل بيت النبوة والمتمثلة في الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام تلك هي بضعة الرسول وريحانته وزوجة الوصي المرتضي وأم الحسنين، وهذه الشفاعة التي نتكلم عنها هي نموذج من يوم المعاد الذي سوف تجتمع به الخلائف، وبذلك تكون الشفاعة جزءاً مهماً بل هو الامل الوحيد للخلائق يوم القيامة. اذن الشفاعة مظهر من مظاهر رحمة الله تعالي ومظهر من مظاهر المعاد، ونحن نجد من خلال إستقراء الروايات الشريفة الواردة في مقام الشفاعة يوم القيامة هو الشفاعة التي تعطي للزهراء عليها السلام، وعليه تكون الزهراء مرتبطة إرتباط وثيق بيوم القيامة والمعاد الذي نؤوب إليه، أما كيف نثبت أن لها هذا الإرتباط من خلال الروايات الشريفة فهذا ما تبينه بعض النصوص الشريفه التي تثبت إرتباط الصديقة الشهيدة بيوم المعاد:

عن أبو القاسم العلوي الحسني _ معنعناً ت عن ابن عباس: «إذا كان يوم القيامة نادي مناد: يا معشر الخلائق، غضوا أبصاركم حتي تمر فاطمة بنت محمد صلي الله عليه وآله وسلم... فيجوزون بها الصراط حتي ينتون بها إلي الفردوس فيتباشر فيها أهل الجنان...فتجلس علي كرسي من نور ويجلس حولها، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلي أحد قبلها ولا يبعث الي أحد بعدها فيقول: إن ربك يقرئك السلام ويقول: سليني أعطيك؛ فتقول قد أتم عليّ نعمته، وهنأني كرامته وأباحني جنته، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي، وحفظهم من بعدي، فيوحي الله إلي الملك من غير أن نزول من

[ صفحه 177]

مكانه: أن سرّها وبشرّها أنّي قد شفعتها في ولدها ومن ودهم بعدها وحفظهم فيها. فتقول: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأقر عيني.

قال جعفر: كان أبي يقول: كان إبن عباس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية (والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم بأيمانهم الحقنابهم ذريتهم) [272] .

عن الحسن بن سعيد _ معنعنا _ عن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة نادي مناد من بطنان العرش: يامعشر الخلائق. غضوا أبصاركم حتي تمر بنت حبيب الله إلي قصرها «إبنتي فاطمة وعليها» ويطتان خضروان حواليها سبعون الف حوراء، فإذا بلغت غلي باب قصرها وجدت الحسن قائماً ن والحسين نائماً مقطوع الرأس، فتقول للحسن: من هذا؟ فيقول: هذا أخي إنّ أمة نبيك قتلوه وقطعوا رأسه. فيأتيها النداء من عندالله: يا بنت حبيب الله إني إنما «» ما فعلت به أمة أبيك لأني أدخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه، إني جعلت نعزيتك اليوم أني لا أنظر في محاسبة العباد حتي تدخل الجنّة أنت وذريتك وشيعتك قبل أم أنظر بمحاسبة العباد، فتدخل فاطمة أبنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن أولاها معروفاً ممن ليس من شيعتها، فهو قول الله عزّ وجلّ: «لا يحزنهم الفزع الاكبر» قال: قول يوم القيامة «وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون» هي والله _ فاطمة وذريتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً ممن ليس هو من شيعتها [273] .

روي عن سلمان قال: أتيت ذات يوم منزل فاطمة عليها السلام _ في حديث إلي أن قال _ قال صلي الله عليه وآله وسلم: والذي بعثني بالرسالة وإصطفاني بالنبوه قد حرم الله تعالي النار

علي لحم فاطمة، ودمها، وشعرها، وعصبها وعظمها وذريتها وشيعتها. أن من نسل فاطمة من تطيعه النار، والشمس والقمر والنجوم والجبال وقد ضرب الجن بين يديه بالسيف ويوافي إليه الانبياء بعهودهم وتسلم إليه الأرض كنوزها وينزل عليه من السماء بركات ما فيها، الويل لمن شك في فضل فاطمة لعن الله من يبغضها،

[ صفحه 178]

ويبغض بعلها ولم يرضي بأمامة ولدها، إن لفاطمة يوم القيامة موقفاً وإن فاطمة تدعي وتكسي وتشفع، فتشفع علي رغم كل راغم [274] .

عن علي عليه السلام: دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم جالس والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره، وفاطمة بين يديه، وهو يقول: يا حسن ويا حسين، أنتما كفتا الميزان وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان ولا يقوم اللسان إلا علي الكفتين... إنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة [275] .

وقد ورد في الخبر أنها لما سمعت بأن أباها زوجها وجعل الدراهم مهراً لها، قالت يا رسول الله، إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن، أسألك أن تردها وتدعوا الله أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك؛ فنزل جبريل عليه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل الله مهر فاطمة الزهراء عليها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها؛ فلما إحتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة علي صدرها تحت الكفن فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي، وشفعت في عصاة أمّة أبي [276] .

وكثيرة هي الروايات التي ثبتت شفعة فاطمة عليها السلام للشيعة والمحبين والمذنبين من أمة محمد صلي الله عليه وآله وسلم، هذه تدل دلالة واضحة علي ارتباط الزهراء عليها بيوم المعاد وان لها منزلة

وكرامة علي الله تعالي في ذلك اليوم.

لاب__د أن ت_رد الق_يامة ف_اطم

وقميصها ب_دم الحس_ين م_لطخ

ويل لم_ن ش_فعاؤه وخ_صمائه

والصور في يوم القيام_ة ي_نفخ

[ صفحه 181]

فاطمة و حديث الكساء الشريف

للسيد محمد مهدي القزويني الحلي

روت لن__ا ف__اطمة خ_ير النس__ا

حديث أه_ل الف_ضل أص_حاب الكس_ا

ت_____قول: أن س___يد الان__ام

ق__د ج_اءني ي__وما م_ن الاي__ام

ف__قال لي: ان__ي أري ف__ي ب_دني

ض__عفا اراه الي___وم ق_د أن_حلني

ق__ومي ع__ليّ ب_الكسا الي___ماني

وف__يه غ__طيني ب__لا ت_وان__ي

ق__الت ف__جئته وق____د لب__يته

مش__روعة وب___الكساء غ___طيته

وك__نت أرن__و وج__هه ك__البدر

ف__ي أرب__ع ب_عد لي__ال عش__ر

ف__ما م_ضي إلاّ يس_ير م_ن زم_ن

ح__تي أت_ي أب_و م__حمد الحس__ن

ف___قال: ي__اأماه ان___ي اج__د

رائ___حة ط____يبة أع_____تقد

بأن__ها رائ_____حة الن_____بي

أخ__ي الوص__ي الم__رتضي ع_لي

ق__لت: ن_عم هاهو ذا ت_حت الكس_ا

م__دثر ب__ه، م__غطي واك_تس_ي

ف__جاء ن___حوه اب__نه مس___لما

مس_تأذنا ق__ال له: ادخ_ل مك__رما

ف___ما م___ضي إلاّ الق___ليل الا

ج__اء الحس__ين الس__بط مس__تقلا

ف__قال ي__ا أم أش____م ع__ندك

رائ__حة كأن__ها الم__سك الذك__ي

وح__ق م__ن اولاك م__نه ش_رفا

أظ__نها ري_ح الن__بي الم___صطفي

ق_لت: ن__عم ت_حت الكس_ا ه__ذا

ب____جنبه أخ____وك ف___يه لاذا

فأق__بل الس__بط ل__ه مس___تأذنا

مس__لما ق__ال ل_ه: ادخ_ل م__عنا

وم__ا مضي م_ن س_اعة إلاّ وق_د

ج_اء أب__وهما الغ_ضنفر الاس____د

أب__و الأئ__مة اله__داة الن___جبا

الم_رتضي راب___ع اص_حاب الكس_ا

ف___قال ي_____اسيدة النس___اء

وم__ن ب___ها زوجت ف__ي الس_ماء

ان__ي اش_م ف__ي ح_ماك رائ__حة

كأن___ها الورد الن___دي ف___ايحة

ي_حكي ش_ذاه_ا ع_رف س_يد البش_ر

وخ_ير م_ن لب_ي وط_اف واع__تمر

[ صفحه 182]

ق_لت ن_عم: ت_حت الكس__اء والت_حفا

وض___م ش____بليك وف__يه اك__تنفا

ف__جاء يس___تأذن م___نه س__ائلا

م_نه الدخ__ول ق_ال: ف_ادخل ع_اجلا

ق__الت: ف__جئت ن__حوه_م مس_لمة

ق___ال: ادخ__لي م__حبوة مك__رمة

ف___عندما ب__هم أض___اء الم_وضع

وك__لهم ت_حت الكس__اء اج____تمعوا

ق_ال الام__ين: ق_لت: ي_ا رب ومن

ت__حت الكس_ا؟ ب__حقهم لن__ا أب__ن

ف__قال لي: ه__م ف___اطمة وب_علها

والم__صطفي والحس__ن_ان نس____لها

ف__قال ع__لي: ق__لت ي_ا ح__بيبي

م__ا لجلوسنا م____ن الن____صيب؟

ق__ال الن__بي والذي اص____طفاني

وخ__صني ب___الوحي واج____تباني

م__ا أن ج__ري ذك__ر له_ذا الخ_بر

ف__ي م_حفل الاش__ياع خ_ير م_عش_ر

إلاّ وأن_____زل الاله الرح_____مة

وف___يهم ح____فت ج__نود ج__مة

م__ن الم__لائك الذي__ن ص___دقوا

ت__حرسهم ف__ي ال_ده__ر م__اتفرقوا

ك__لا وليس ف_____يهم م____غموم

إلاّ وع_____نه كش____فت ه___موم

ك___لا ولا ط__الب ح__اجة ي__ري

ق__ضاؤها ع____ليه ق___د ت__عسرا

إلاّ ق__ضي الله الك__ريم ح____اجته

وان__زل الرض__وان ف_ضلا س___احته

ق_ال ع_لي ن_حن والاح__باب أش_ياعنا

الذي____ن ق_____دما ط______ابوا

ف__زنا ب__ما ن__لنا ورب الك___عبة

ف__ليشكرن ك__ل ف___ردٍ رب_____ه

ي___اعجبا يس___تأذن الام_____ين

ع____ليهم وي___هجم الخ_____ؤون

ق__ال س___ليم ق__لت: ي__ا سلمان

ه__ل دخ__لوا ولم ي__ك اس____تئذان

ف___قال: أي وع___زة الج____بار

ليس ع____لي الزه__راء م_ن خ__مار

لك_____نها لاذت وراء الب_____اب

رع____اية للست___ر والح____جاب

ف_مذ رأوه__ا ع__صروها ع__صرة

ك__ادت ب__روحي ان ت__موت حس_رة

ت__صيح: ي__افضة اس______نديني

ف__قد ورب___ي ق__تلوا ج_____نيني

فأس__قطت ب__نت اله__دي واح__زنا

ج___نينها ذاك المس___مي م____حسنا

[ صفحه 183]

حديث الكساء الشريف

اشاره

عن جابر بن عبدالله الانصار قال سمعت فاطمة عليها السلام أنّها قالت: (دخل عليّ أبي رسول الله في بعضٍ الإيّام فقال السّلام عليك يا فاطمة فقلت عليك السلام قال إني أجد في بدني ضعفاً فقلت له أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف فقال يا فاطمة اتيني بالكساء اليماني فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلالؤ كأنّه البدر في ليلة تمامه وكماله فما كانت إلاّ ساعةً وإذا بولدي الحسن قد أقبل وقال السلام عليك يا أمّاه فقلت وعليك السلام وياقرّة عيني وثمرة فؤادي فقال يا أمّاه إنّي أشم عندك رائحةً طيّبةً كأنّها رائحة جدّي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم فقلت نعم إنّ جدك تحت الكساء فأقبل الحسن نحو الكساء وقال السّلام عليك يا جدّاه يا رسول الله أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء فما كانت إلاّ ساعة واذا بولدي الحسين عليه السلام قد اقبل وقال السلام عليك يا اماه فقلت وعليك السلام يا ولدي وياقرة عيني وثمرة فؤادي فقال لي يا اماه اني اشم عندك رائحة طيبه كأنها رائحة جدي رسول الله فقلت نعم ان جدك وأخاك تحت الكساء فدني الحسين نحو الكساء وقال السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من إختاره الله أتأذن لي أن اكون معكما تحت الكساء فقال وعليك السلام يا ولدي ويا شافع أمتي قد أذنت لك فدخل معهما تحت الكساء فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام وقال السلام عليك يا بنت رسول الله فقلت وعليك السلام يا أبا الحسن ويا

أمير المؤمنين فقال يا فاطمة إني أشمّ عندك رائحة طيبة كأنّها رائحة أخي وابن عمّي رسول الله فقلت نعم هاهو مع ولديك تحت الكساء فأقبل عليّ نحو الكساء وقال السلام عليك يا رسول الله أتاذن لي أن أكون معكم تحت الكساء قال وعليك السلام يا أخي وياوصيّي وخليفتي وصاحب لوائي قد إذنت لك فدخل علّي تحت الكساء ثمّ أتيت نحو الكساء وقلت السلام عليك يا أبتاه يا رسول الله أتأذني لي أن أكون معكم تحت الكساء قال وعليك السلام يابنتي ويا بضعتي قد أذنت لك فدخلت تحت الكساء فلما إكتملنا جميعاً تحت الكساء أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء وأومئٍ بيده اليمني الي السماء وقال

[ صفحه 184]

اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامّتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدّو لمن عاداهم ومحب لمن أحبهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك علي وعليهم وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فقال الله عز وجل يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة لا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرائيل يا ربّ ومن تحت الكساء فقال عزّوجلّ هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها فقال جبرائيل يارب أتأذن لي أن أهبط الي الأرض لأكون معهم سادساً فقال الله نعم قد أذنت لك فهبط الأمين جبرائيل وقال السلام عليك يا رسول الله العلي الأعلي يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول

لك وعزتي وجلالي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئةً ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلاّ لأجلكم ومحبتكم وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول الله فقال رسول الله وعليك السلام يا أمين وحي الله انه نعم قد أذنت لك فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء فقال لأبي ان الله قد أوحي اليكم يقول إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً فقال علي لأبي يا رسول الله أخبرني مالجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم والذي بعثني بالحق نبيا وإصطفاني بالرسالة نجيّا ماذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا الاّ ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم الي أن يتفرقوا فقال علي عليه السلام إذاً والله فزنا وفاز شيعتنا ورب الكعبة فقال أبي رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم يا علي والذي بعثني بالحق نبياً وإصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم إلاّ وفرج الله همه ولا مغموم إلاّ وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلاّ وقضي الله حاجته فقال علي عليه السلام إذاً والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والاخرة ورب الكعبة.

[ صفحه 185]

فاطمة و حديث الكساء الشريف

يعتبر حديث الكساء من الأحاديث النورانية الولائية والذي عبّر عن مدي ارتباط أهل البيت عليهم السلام بالسماء وذلك من خلال المضامين العالية التي وردت في طياته، فما أدراك ما حديث الكساء وهل أتاك نبأه! أنه الحديث

المتصل بين الأرض والسماء، فقد وعته كواكب الكون ونجوم السماوات السبع ومازال الإنسان في ريب من أمره ذلك إن الإنسان كان جهولا. لقد وعته قلوب المؤمنين وإفتدتهم قبل أن تعيه أسماعهم لذا سوف نعيش في رحابه ونقف مع حلقاته ونستضيء من نوره ونستجلي حقائقه ونحيا مع بركاته كي نصل الي شاطي نور العلم والمعرفة تلكم هي معرفة نورانية أهل البيت عليهم السلام، فحديث الكساء الشريف يعتبر مرسوم رباني قد قلده الله تبارك وتعالي لنبيه الشريف محمد صلي الله عليه وآله وسلم ولآله الطيبين الطاهرين حيث جاء موضحاً لإرادة رب العالمين التي وسمت قوله تعالي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) كل ذلك حرصاً ومحبتاً من الله تعالي للرسول ولأهل بيته عليهم السلام ولكي لا يشرق الناس أو يغربوا ولا تأخذهم الاهواء والميول والرغبات يميناً وشمالاً وحتي لا يحرف المغرضون هذه الآية المباركة العظيمة عن أهلها وأصحابها الحقيقين الذي أرادهم رب العالمين أطهاراً مطهرين يتولون قيادة الأمة ويوضحون معالم طريقها بعد رسوله الكريم محمد صلي الله عليه وآله وسلم. إن هذا الحديث يستحق منا أن نقف عنده وقفة متأمله لكي ننفذ إلي الأبعاد الانسانية والحقائق العلمية والمسائل العقائدية التي يرمي اليها والنتائج الرائعة التي تترتب عليه فهو ليس مجرد حديث يروي لأجل أن نأخذ معلومة جامدة تتوقف عند حدود الحديث وظاهر الالفاظ بل يجب أن نستشف المرامي الحضارية الكامنة خلف ألفاظه وكلماته، لا سيما أن الله سبحانه وتعالي

[ صفحه 186]

قد ميزنا عن سائر المخلوقات الاخري بأن وهب لنا عقلاً والهمنا كيف نستخدمه ونوظفه لخدمة المجتمع والانسانية جمعاء لا أن نكون مجرد مخلوقات تأكل وتنام وتضاجع دون أن

نعي ما كان ويكون حولها.

وسيكون حديثنا حول هذا الحديث المبارك في ثلاث وقفات:

الوقفة الأولي: ارتباط هذا الحديث بآية التطهير.

الوقفةالثانية: سند هذا الحديث الشريف.

الوقفة الثالثة: مضامين هذا الحديث المختلفة.

حديث الكساء و آية التطهير

اشاره

ارتبط حديث الكساء الشريف بنزول آية التطهير ارتباطاً وثيقاً حيث جاءت هذه الآية المباركة «إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» لتؤكد علي مسألة عصمة أهل البيت عليهم السلام جميعاً بما فيهم فاطمة الزهراء عليها السلام، والذي يهمنا في المقام هو عصمة فاطمة الزهراء عليها السلام، أمّا مسألة البحث حول هذه الآية المباركة ودلالتها علي عصمة أهل البيت عليهم السلام فهذا موكول إلي الكتب الكلامية الخاصة بهذا الموضوع، أمّا دلالة هذه الآية علي عصمة فاطمة الزهراء عليها السلام فهذا ما تجده من خلال الروايات التي بينت من هم أهل البيت الذين عنتهم الآية المباركة وكيفية اشتراك الزهراء مع أهل البيت في طهارتهم وعصمتهم، أمّا الروايات فسنذكر بعضها بعدما أن نقف مع مفهوم أهل البيت، ومن المراد بهم فلربما يقول قائل إنّنا لا نؤمن بالروايات أو لا نقبل هذه الروايات فنقول له تعال معنا لنقف سوية علي مفهوم أهل البيت ومن المراد بهم؟. إن التعرف علي مفهوم أهل البيت لغة والمقصود منه في هذه الآية المباركة يعد من الأبحاث الضرورية في فهم مفاد هذه الآية فلقد ضلّ

[ صفحه 187]

الكثير في تفسير هذه الآية والمراد فيها من أهل البيت ولأجل ذلك نبحث اولا وقبل كل شيء هذا المفهوم لغة علي وجه يرفع الستار عن وجه الحقيقة.

مفهوم أهل البيت عند أهل اللغة

قد ورد لفظ أهل البيت في القرآن الكريم مرتين أحداهما في هذه الآية المرتبطة بحديث الكساء الشريف والأخري في قوله تعالي (قولوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) [277] . ويمكن تحديد مفهوم الأهل من موارد استعماله فيقال:

1 _ أهل الأمر والنهي.

2 _ أهل الأنجيل.

3 _

أهل الكتاب.

4 _ أهل الأسلام.

5 _ أهل الرجل.

6 _ أهل الماء.

وهذه الموارد توقفنا علي أن كلمة أهل تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية بمن أضيف إليه، فأهل الأمر والنهي هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر، وأهل الأنجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الإسلام.

وقد اتفقت كلمة أهل اللغة علي أن الأهل والآل كلمتان بمعني واحد قال ابن منظور: آل الرجل: أهله وآل الله وآل رسوله: أولياؤه، أصلها أهل ثم بدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل فلما توالت الهمزمان أبدلوا الثانية ألفاً. كما قالوا: آدم وآخر، وفي الفعل آمن وآزر. وقد انشأ عبد المطلب عند هجوم ابرهة علي مكة المكرمة وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال:

وانصر علي آل الصليب

وعابديه اليوم آلك

وعلي ما ذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف الي شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة

[ صفحه 188]

خاصة بالمضاف إليه، فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به، وأهل المسجد المترددون كثيراً إليه، وأهل الغابة القاطنون فيها... فإذا لاحظنا موارد استعمال هذه الكلمة لانترود في شمولها للزوجة والأولاد وبل غيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج ولأجل ذلك تري أنّه سبحانه يطلقه علي زوجة إبراهيم كما عرفت في الآية هذه هو حق الكلام في تحديد مفهوم هذه الكلمة ولنأتي ببعض نصوص أئمة اللغة.

قال ابن منظور: أهل البيت سكانه وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت أزواجه وبناته وصهره أعني علياً عليه السلام، وقيل نساء النبي والرجال الذين هم أهله [278] .

فلقد أحسن الرجل في تحديد المفهوم، أولاً، وتوضيح معناه في القرآن الكريم كما أشار بقوله:

قيل: الي ضعف القول الآخر لأنه نسبه الي القيل.

وقال ابن فارس ناقلاً عن الخليل ابن أحمد: أهل الرجل زوجه والتأهل التزوج وأهل الرجل أخص الناس به وأهل البيت سكانه وأهل الأسلام من يدين به [279] .

وعلي ماذكرنا فهذا اللفظ إذا أضيف الي شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه فأهل الرجل مثلاً أخص الناس به فاذا لا حظنا موارد استعمال هذه الكلمة لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد بل وغيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة البيت من غير فرق بين الأولاد والأزواج.

اذن هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام اللغة كلها تعرب عن أن مفهوم أهل البيت في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت وأهل الرجل من له صلة به ينسب أو سبب أو غيرهما، وهناك إشكال من بعض المفسرين الذين قالوا ان لفظ أهل البيت يطلق فقط علي الزوجة ويستعمل في الأولاد والأقارب تجوزاً أي يكون استعماله حقيقة في الزوجة ومجازاً في الأولاد والأقارب وقد استدل هذا الذي أثار هذا الإشكال علي ذلك عن طريق اثباته ذلك من القرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة _ أهل البيت _ في قصة أبراهيم بالبشري حيث قال الله تعالي (وامراته قائمة فضحكت فبشرناها

[ صفحه 189]

بأسحاق من وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشيء عجيب، قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) [280] وفي قصة موسي عليه السلام أيضاً: (فلما قضي موسي الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله إمكثوا اني آنست ناراً) [281] فالمستشكل قال: إن الله استعمل هذه اللفظة علي لسان ملائكته

في زوجة إبراهيم عليه السلام لا غير كما في الآية الأولي الخاصة بالبشري واستعمل الأهل في زوجة موسي عليه السلام وهي بنت شعيب ما في الآية، إذن فالمستشكل قال إن الأهل تطلق علي الزوجة حقيقة، وهذا مردود من عدة جهات:

أولاّ: تقدم علي لسان أهل اللغة أن لفظة أهل تطلق علي أخص الناس بالزوج وهم الأولاد.

ثانياً: ان كلامه غير صحيح من كون الأهل تطلق حقيقة علي الزوجة ومجازاً علي الأولاد فنحن نقول له من أين إستظهرت هذا، فاذا قلت من آية البشري وآية موسي فإنه مردود لأنه الأطلاق هنا علي كلمة الأهل ليس دليلاً علي الأنحصار _ أي إنحصار اللفظة علي الزوجة فقط..

ثالثاً: إنّ الآية في قصة إبراهيم قالت عليكم أهل البيت ولم تقول الآية المباركة عليك تكون ظاهرة في زوجته فقط كلمة أهل.

أمّا السؤال المهم في هذا المقام هو هل أنّ مفهوم ولفظ أهل البيت يطلق علي الزوجة أو علي الزوجة والأولاد؟ وفيما نحن فيه هل هناك قرائن في آية التطهير أو قبلها أو بعدها تصرف هذا اللفظ خاصة الي أهل البيت الذين يقصد بهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، أم لا توجد قرائن؟ والجواب علي ذلك: إن بعض من وقف مع هذه الآية المباركة ومدلولاتها قال ان المراد من أهل البيت هم أزواجه ونسائه صلي الله عليه وآله وسلم والبعض الآخر قال إنّ لفظ أهل البيت خاصة يطلق علي بنت النبي صلي الله عليه وآله وسلم و صهره وولداهما الحسن والحسين عليهم السلام.

[ صفحه 190]

والحق مع من ذهب الي القول الثاني _ علي وفاطمة والحسن والحسين _ بدلالة عدة شواهد وقرائن حفت بالآية المباركة

سواء كانت قرائن حالية أو مقامية وإليك هذه القرائن.

1 _ القرينة الأولي اللام في أهل البيت للعهد وبيان ذلك: إنّ اللام قد يراد منها الجنس المدخول عليه مثل قوله تعالي «إن الإنسان لفي خسر»، وقد يراد من اللام الإستغراق مثل قوله تعالي «يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم» وقد يراد منها بأعتبار معهودية مدخولها بين المتكلم والمخاطب، أمّا الأول والثاني من الأقوال لا يمكن أن نحمل اللام عليهما أما القول الثالث فهو الحق لأنّ الله تعالي إنما يريد إذهاب الرجس عن أهل بيت معهودين بين المتكلم والمخاطب، وفمن هم هؤلاء أهل البيت؟!!

2 _ القرينة الثانية علي أن المراد من أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين هو تذكير الضمائر في الآية خلاف الضمائر الاخري التي وردة في الآية المباركة حيث جاءت مؤنثة مثل وقلن، اتقيتن. فلا تخضعن... الخ.

3 _ القرينة الثالثة: _ هي ان الإرادة وكما أثبتتها الكتب الكلامية هي الارادة التكوينية.. إنما يريد الله _ لا التشريعية فلا يصح حمل مفهوم أهل البيت علي نساء النبي صلي الله عليه وآله وسلم إذ لم يدع أحد من المسلمين كونهن معصومات من الذنب مطهرات من الزلل فلا مناص من تطبيقه علي جماعة خاصه من المنتمين إلي البيت النبوي الذين تحقق فيهم تعلقهم بالاسباب والمقتضيات التي تنتهي بصاحبها إلي العصمة ولا ينطبق هذا إلا علي الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

وأضف الي ذلك الي أن المراد من أهل البيت عليهم السلام هم أصحاب الكساء الخمسة هو وقوف النبي صلي الله عليه وآله وسلم ستة أشهر علي باب فاطمة ويناديهم بقوله تعالي _ «إنما يريد الله...» ليوقضهم للصلاة وليؤكد علي حرمة

أهل هذا البيت عليهم السلام، وكذلك نزول آية التطهير في بيت فاطمة عليها السلام حيث قالت دخل علي أبي وفيه دلالة علي أن حديث الكساء كان في بيت فاطمة عليها السلام خلاف ما يدعيه البعض أن حديث الكساء كان في بيت أم سلمة وكما سيأتينا هذا البحث.

[ صفحه 191]

إذن كان للنبي العناية الوافرة بتعريف أهل البيت لم يرّ مثلها إلا في أقل الموارد حيث قام بتعريفهم بطرق مختلفة كما كان المحدثين والمفسرين وأهل السيّر والتأريخ لهم العناية الكاملة بتعريف أهل البيت عليهم السلام في مواضع مختلفة وحسب المناسبات التي تقتضي طرح هذه المسألة وكذلك الشعراء المخلصين الاسلاميين الذين كان لهم العناية البارزة ببيان فضائل أهل البيت وتعريفهم للناس والتصريح بأسمائهم علي وجه يظهر من الجميع اتفاقهم علي نزول الآية في حق العترة الطاهرة.

أما الروايات الواردة في بيان من هم أهل البيت عليهم السلام فنروي لك شاهدين الشاهد الأول: ما روي عن أم سلمة انها قالت: ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان في بيتي فاستدعي علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؛ وجللهم بعباءةٍ خيبرية ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فقالت أم سلمة: قلت يا رسول الله أنا من أهل بيتك؟ قال لا: ولكنك إلي خير [282] .

أما الشاهد الثاني: ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في إحتجاجه علي أبي بكر حيث قال له أخبرني عن وقول الله عزّ وجلّ «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» أفينا نزلت أو في غيرنا نزلت؟ قال: فيكم: فأخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهداً علي فاطمة عليها السلام بفاحشة

ما كنت صانعاً؟ قال:

كنت أقيم عليها الحد كما أقيم علي نساء المسلمين!! قال الإمام عليه السلام كنت إذن عند الله من الكافرين قال: ولم؟ قال: لأنك رددت شهادتها وقبلت شهادة غيرها كنت عند الله من الكافرين قال: فبكي الناس وتفرقوا ودمدموا [283] .

وعلي هذا يكون الشاهدين فيهما دلالة علي أن فاطمة كانت من أهل بيت العصمة فهي معصومة من الزلل والخطأ والعصمة هنا لها هي العصمة الذاتية وليس الفعلية، ومما يؤكد العصمة فيها كذلك الأقوال والأحاديث الواردة من خلال استقراء كتب الحديث حيث روت لنا هذه الكتب إن الرسول كان دائماً يقول: فاطمة بضعة مني

[ صفحه 192]

يغضبني من أغضبها ويسرني من أسرها وإن الله ليغضب لغضبها ويرض لرضاها.

فان هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب جلّ شأنه وغضبه بغضبها حتي إنها لو غضبت أو رضيت علي أمر مباح لابد أن تكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات لم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية وهذا مثل العصمة الثابتة لها عليها السلام [284] وقد قال الشيخ المفيد طاب ثراه [285] في إثبات الحكم بكون فاطمة معصومة من الزلل والخطأ ما نصه: قد ثبت عصمة فاطمة عليها السلام بإجماع الأمة علي ذلك فتياً مطلقة، وإجماعهم علي إنّه لو شهد شهود بما يوجب إقامة الحد من الفعل المنافي للعصمة، لكان الشهود مبطلين في شهادتهم، ووجب علي الأمة تكذيبهم وعلي السلطان عقوبتهم، فإنّ الله تعالي قد دل علي ذلك بقوله: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً».

ولا خلاف بين نقلة الآثار إن فاطمة عليها السلام كانت من أهل هذه الآية، وقد بيّنا

فيما سلف إنّ ذهاب الرجس عن أهل البيت الذين عنوا بالخطاب يوجب عصمتهم ولأجماع الأمة ايضاً علي قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «من آذي فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله عزوجل». فلولا أنّ فاطمة عليها السلام كانت معصومة من الخطأ، مبرأة من الزلل، لجاز منها وقوع ما يجب آذاها بالأدب والعقوبة ولو وجب ذلك لوجب آذاها ولو جاز وجوب آذاها لجاز آذي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والأذي لله عزوجل فلمّا بطل ذلك دلّ علي أنها عليها السلام كانت معصومة حسب ما ذكرناه، وإذا ثبت عصمة فاطمة عليها السلام وجب القطع بقولها، واستغنت عن الشهود في دعواها _ في قضية فدك _ لأن المدعي إنمّا افتقر للشهود لارتفاع العصمة عنه وجواز ادعائه الباطل فيستظهر بالشهود وعلي قوله لئلا يطمع كثير من الناس في أموال غيرهم، وجحد الحقوق الواجبة عليهم وإذا كانت العصمة مغنية عن الشهادة وجب القطع علي قول فاطمة عليها السلام وعلي ظلم ما نعها فدكاً ومطالبتها بالبينة عليها.

ويكشف عن صحة ما ذكرناه أن الشاهدين إنما يقبل قولهما علي الظاهر مع جواز أن يكونا مبطلين كاذبين فيما شهدا به، وليس يصح الإستظهار علي قول من قد أمن من الكذب بقول من لا يؤمن عليه، ذلك كيما لا يصح الاستظهار علي قول المؤمن بقول الكافر، وعلي قول العدل البر بقول الفاسق الفاجر. ويدل أيضاً علي ذلك: إنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم استشهد علي قوله فشهد خزيمة بن ثابت في ناقة نازعه فيها منازع؛ فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: من أين علمت يا خزيمة، أنّ هذه الناقة لي؟ أشهدت شرائي لها؟ فقال: لا ولكني

علمت أنّها لك من حيث إنّك رسول الله، فأجاز النبي صلي الله عليه وآله وسلم شهادته كشهادة رجلين وحكم بقوله فلو لا أن العصمة دليل الصدق وتعني عن الاستشهاد، لما حكم النبي صلي الله عليه وآله وسلم بقول خزيمة من ثابت وحده وصوّبه في الشهادة له علي ما لم يره ولم يحضره، بأستدلاله عليه بدليل نبوته وصدقه علي الله سبحانه فيما أراده الي بريته، وإذا وجب قبول قول فاطمة عليها السلام بدلائل صدقها، واستغنت عن الشهود لها ثبت ان من قطع حقها وأوجب الشهود علي صحة قولها، قد جار في حكمه وظلم في فعله، وآذي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم بأيذائه لفاطمة عليها السلام وقد قال الله عزّوجلّ: (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهينا) [286] اذن لاشك في عصمة فاطمة عليها السلام، أمّا عندنا فللإجماع القطعي المتواتر والأخبار المتواترة في فضائلها ومناقبها.

وأمّا الحجة علي المخالفين:

1 _ فبآية التطهير الدالة علي عصمتها، وكما بيّنا في إثبات نزول هذه الآية في جماعة كانت داخلة فيهم بل هي قطب الرحي الذي يدور فيه أهل البيت عليهم السلام.

2 _ وبالأخبار المتواترة الدّالة علي أنّ إيذائها إيذاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وإنّ الله تعالي يغضب لغضبها ويرضي لرضاها: ووجه الإستدلال بالروايات علي عصمتها صلوات الله عليها: أنّه كانت فاطمة عليها السلام ممن تقارق الذنوب وتركتبها، لجاز إيذاؤها، بل إقامة الحد عليها، لو فعلت معصية، وارتكبت ما يوجب حداً، لم يكن رضاها رضي الله

[ صفحه 194]

سبحانه إذا رضيت بالمعصية، ولا من سرها في معصية ساراً لله سبحانه، ومن أغضبها بمنعها

عن ارتكابها مغضباً له جل شأنه، فإن قيل: لعل المراد، من آذاها ظلماً فقد آذاني، ومن سرّها في طاعة الله فقد سرّني، وأمثال ذلك، لشيوع التخصيص في العمومات قلنا:

أولاً: التخصيص خلاف الأصل، ولايصار إليه إلا بدليل فمن أراد التخصيص فعليه إقامة الدليل.

ثانياً: إن فاطمة صلوات الله عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين، لم تثبت لها خصوصية ومزية في تلك الأخبار، ولا كان لها فيها تشريف وحدمة؛ وذلك باطل بوجوه:

1 _ إنّه لا معني حينئذ لتفريع كون إيذائها إيذاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم علي كونها بضعة منه كما يصرح بذلك صحيح البخاري ومسلم في رواياته.

2 _ إنّ كثيراً من الأخبار السالفة المتضمنة لأنكاره صلي الله عليه وآله وسلم علي بني هاشم، في أن ينكحوا إبنتهم علي بن ابي طالب عليه السلام، أو النكاح بنت أبي جهل، ليس من المشتركات بين المسلمين فإنّ ذلك النكاح كان مما أباحه الله سبحانه، بل ممّا رغّب فيه وحث عليه لولا كان كونه إيذاء لسيدة النساء، وقد علل رسول صلي الله عليه وآله وسلم عدم الإذن بكونها بضعة منه يؤذيها ما آذاها ويربيه ما يريبها تظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين، علي إنه لو ثبت هذا القول بأن علي صلي الله عليه وآله وسلم ربما أو أراد أن يتزوج من المتقدمي الذكر.

3 _ إنّ القول بذلك يوجب إلقاء كلامه صلي الله عليه وآله وسلم وخلّوه من الفائدة، إذ مدلوله حينئذ أنّ بضعته كسائر المسلمين ولا يقول ذلك من أوتي حظاً من الفهم والفطانة، أو أتصف بشيء من الانصاف والأمانة، وقد أطبق محدثوهم علي إيراد تلك الروايات في باب مناقبها صلوات الله عليها.

فإن قيل:

أقصي ما يدل عليه الأخبار، هو أنّ إيذاؤها إيذاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ومن جوّز صدور الذنب عنه صلي الله عليه وآله وسلم، لا يأبي عن إيذائه إذا فعل ما يستحق به الإيذاء.

قلنا: بعد مامر من الدلائل علي عصمة الأنبياء عليهم السلام، قال الله تعالي (والذين

[ صفحه 195]

يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) [287] . وقال سبحانه: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) [288] وقال تعالي: (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً معيناً) [289] فالقول بجواز ايذائه صلي الله عليه وآله وسلم ردّ لصريح القرآن، ولا يرضي به أحد من أهل الإيمان، فإن قيل: إنّما دلّت الأخبار علي عدم عدم جواز إيذائها، وهو إنما ينافي صدور الذنب منها يمكن للناس الاطلاع عليه، حتي يؤذيها نهياً عن المنكر، ولا ينافي صدور معصية عنها خفيّة فلا يدل علي عصمتها مطلقاً.

قلنا: نتمسك في دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركب أن ماجري في قصة فدك وصدر عنها من الانكار علي أبي بكر ومجاهرتها بالحكم بكفره وكفر طائفة من الصحابة وفسقهم تصريحاً وتلويحاً، وتظلمها وغضبها علي أبي بكر، وهجرتها وترك كلامها حتي ماتت، لو كانت معصية لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أعلنت بها علي رؤوس الاشهاد، وأي ذنب أظهر وأفحش من مثل هذا الردّ والانكار علي الخليفة المفترض الطاعة علي العالمين؟ بزعمهم فلا محيص لهم عن القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمي تحرزاً عن إسناد هذه المعصية الكبري إلي سيدة النساء.

3 _ ونحتج أيضاً في عصمتها عليها السلام بالاخبار الدالة علي وجوب التمسك بأهل البيت عليهم السلام وعدم جواز التخلف عنهم، وما يقرّب

هذا المعني، ولا ريب في ذلك لا يكون ثابتاً لأحد، إلاّ إذا كان معصوماً إذ لو كان ممّن يصدر عنه الذنوب لما جاز إتباعه عند إرتكابها، بل يجب ردعه ومنعه وايذاؤه واقامة الحد عليه وإنكاره بالقلب واللسان وكل ذلك ينافي ماحث عليه الرسول صلي الله عليه و آله وسلم وأوصي به الأمة في شأنهم، ويكفي في ذلك ماروه المخالفون لنا عن الترمذي عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا، أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترتا حتّي يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فلا يهولنّك ما يقرع سمعك من الطنين آخذاً

[ صفحه 196]

من الميول والأهواء المردية بأن العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحملهم الحجية من رسالة أو إمامة، وقد تخلت الزهراء عليها السلام عنها _ النبوة والإمامة _ فلا تجب عصمتها، الجواب إنّا لم نقل بتحقق العصمة فيهم عليهم السلام لاجل تبليغ الاحكام حتي يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها، وإنما تمسّكنا بعصمتهم بعد نص الكتاب العزيز بإقتضاء الطبيعة المتكونة من النور الالهي المستحيل فيمن اشتقت منه مقارفة إثم أو تلوث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتي في ترك الاولي [290] .

وإلي ذلك يشير المرحوم الشيخ الاصفهاني في إجوزته:

ت__بتلت ع__ن دنس الط_بيعة

ف__يالها م__ن رت_بة رف___يعة

م__رفوعة اله_مة والع__زيمة

ع___ن نشأة الزخ_ارف الذم_يمة

في اف_ق المجد ه__ي الزه_راء

للشمس م_ن زه__رتها الض__ياء

ب__ل هي ن_ور ع__الم الأنوار

وم_طلع

الش___موس والاق__مار

رض_يعة الوحي م__ن الج_ليل

ح___ليفة لم__حكم الت___نزيل

م_فطومة م_ن زلل الأه___واء

معصومة م__ن وص_مة الخ_طاء

إذن في النتيجة النهائية نصل إلي أن حديث الكساء إرتباط إرتباط وثيق بنزول آية التطهير والتي تمثل الأساس المتين لإثبات عصمة أهل البيت عليهم السلام وبما فيهم فاطمة الزهراء عليها السلام ولذلك جاءت الآية المباركة للتطهير لتكون نور من أنوار حديث الكساء حيث كلما ذكرت ذكر حديث الكساء ليكون من الأهمية البارزة في حياتنا العقائدية والروحانية والدعائية، ونختم الكلام في عصمة فاطمة عليها السلام فيما قاله الأستاذ العلامة حسن زاده آملي حيث يقول: _ كانت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم _ ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة، وقد نص كبار العلماء كالمفيد والمرتضي وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات والحق معهم والمكابر محجوج مفلوج، وكانت عليها السلام جوهره قدسية في تعين إنسيّ، فهي إنسية حوراء وعصمة الله الكبري وحقيقة العصمة أنها قوة نورّية ملكوتية تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب

[ صفحه 197]

والأدناس والسهو والنسيان ونحوها من الرذائل النفسانية... فاعلم أن العترة وفاطمة منهم معصومة كما نص به الوصي الإمام علي عليه السلام في النهج: «وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين والسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطشان».

ونطق ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه بالصواب حيث قال: «فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سرّ عظيم وذلك أنه أمر المكلفين بأن يجرو العترة في إجلالها وإعظامها والإنقياد لها والطاعة لإوامرها مجري القرآن».

ثم قال: «فإن قلت: فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم _

يعني القائلين بمذهب الإعتزال _ في ذلك؟

قلت: نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية علي ان علياً عليه السلام معصوم وأدلّة النصوص قد دلّت علي عصمته والقطع علي باطنه ومغيبه وأن ذلك أمر إختص هو به دون غيره من الصحابة» فتدّبر.

وإذا دريت أن بقية النبوة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفي وزوجة ولي الله وكلمة الله والتامة فاطمة عليها السلام ذات عصمة فلا بأس بأن تشهد في فصول الآذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً: «أشهد أن فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبري أو نحوها [291] .

سند هذا الحديث

أما سند حديث الكساء الشريف فهو في غاية المتانة والصحة بل يعتبر من الأحاديث المتواترة وليس المشهورة بل هو المتواتر القطعي، ويكفي في ذلك إنّ روايات جمة تزيد علي سبعين رواية من طرق أهل السنة تروي هذا الحديث المبارك،

[ صفحه 198]

هذا فضلاً عن الطرق الخاصة لاهل المذهب الحق الشيعة الامامية، هذا من جهة ومن جهة أخري فيكفي في رواية هذا الحديث من ناحية السند جابر بن عبدالله الأنصاري الذي روي الحديث بسند معتبر عن لسان فاطمة الزهراء عليها السلام، حيث يعتبر هذا الصحابي الجليل _ جابر الانصاري _ من الذين حملوا سلام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي حفيده الإمام محمد الباقر عليه السلام، حيث تروي لنا كتب الرجال أن هذا الصحابي يكفي في وثاقته أنه عاصر الرسول والإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام حتي أدرك الإمام الباقر عليه السلام. فلقد روي لنا التأريخ كيف دخل جابر الانصاري علي الإمام الباقر عليه السلام قائلاً له:إن جدك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقرك السلام والتحية والاكرام وقال

لي يا جابر ستدرك واحد من أبنائي: إسمه اسمي يبقر العلم بقرا فأبلغه عني السلام.

فتعتبر هذه من الكرامات والمعجزات التي تثبت مدي صدق دعوة النبي وإنه ما ينطق عن الهوي إن هو إلاّ وحي يوحي وأن له شأن مع الله تعالي. اذن حديث الكساء من الاحاديث المؤكده وسنده صحيح معتبر وانه من الأحاديث المستفيضة عند العامة والخاصة.

مضامين هذا الحديث المختلفة

قبل كل شيء لابد من التأكيد علي مسالة مهمة ألا وهي مسألة عرض أي موضوع يطرح في عالم الإمكان علي القرآن والسنة النبوية الشريفة الصحيحة فما كان موافقاً للقرآن الكريم فإنّا نأخذ به وما كان مخالف للقرآن الكريم نضرب به عرض الحائط وهذا ما أكدته الكثير من الروايات في هذا المقام، وعلي ضوء هذا الأساس سيكون استقراءنا لهذا الحديث المبارك واستجلاء حقائقه علي ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة وهذا لا يعني أننّا لابد من ذكر كل الأمور القرآنية التي توافق هذا

[ صفحه 199]

الحديث فان هذا سوف يكون بحاجة الي كتاب مستقل في هذا الموضوع وأنما يكون الأمر علي ضوء التمعن والتأمل علي ضوء المرتكزات القرآنية لدي الإنسان المؤمن.

فالحديث علي كل حال قد رواه المسلمون كافة وبصورة مختلفة وهيئات متعددة ولكن جوهر الحديث واحد: هو أنّ الرسول صلي الله عليه وآله وسلم جمع أهل بيته وألقي عليهم رداء وقال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني مايؤلمهم...».

إنّ حديث الكساء ذو مصداقية كبيرة من خلال توافقه الكبير مع القرآن الكريم وهذا مانجده أثناء تطبيق حقائقه التي يدعو إليها سواء العقائدية أو العلمية أو الروحانية أو المادية مع القرآن الكريم ومضمونه وحقائقه وعليه بعد إثبات ذلك _ وكما

هو مثبوت في محله _ فإننّا لابدّ من الأخذ به والوقوف معه الوقفة الجلية لنستظهر حقائقه المعصومية.

هناك مسألة قد أثيرت حول هذا الحديث الشريف وهي هل أنذ هذا الحديث وقضيته والتي كان من مضمونها ان الرسول تغطي بكساء _ كانت في بيت أم سلمة كما روي ذلك مجموعة من العامة أم في بيت فاطمة عليها السلام؟

والجواب علي ذلك: إن قضية حديث الكساء وماله من الأهمية الكبري كان في بيت فاطمة عليها السلام وبدلالة الحديث نفسه حيث اننا سلمنا بصحة سند الحديث واستفاضته أيضا فعليه نقول: إنّ هناك قرينة واضحة ومتصلة لا منفصلة في نفس الحديث تؤكد علي كون الحديث كان في بيت فاطمة والقرينة هي إنّ الحديث يبدأ بقوله علي لسان فاطمة عليها السلام «عن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قالت دخل علّي أبي رسول الله في بعض الأيام...».

فقولها عليها السلام دخل علّي أبي رسول الله فيه دلالة واضحة علي كون دخوله صلي الله عليه وآله وسلم في بيتها لا في بيت ام سلمة أضف الي ذلك دخول الحسن والحسين وأبيهما الأمام علي عليه السلام في بيت أم سلمة لا معني له، ثم ماهي الثمرة العملية علي هذه المسألة فلربّما يقول قائل سواء كان الحديث في بيت أم سلمة أم في بيت فاطمة عليها السلام مالفائدة في ذلك؟ فنقول إنّ الفائدة تظهر إنه لو كان في بيت أم سلمة لكان البعض ممن يقول بهذا

[ صفحه 200]

القول إنّ العصمة والطهارة والإرادة التكوينية تخص نساء النبي بدلالة بيت أم سلمة، وان كان عندنا إنّه لا ملازمة فيه فتأمل.

وفي معرض الكلام حول

أم سلمة هناك إشارة لطيفة لمن تمعّن فيها وتأمل حيث تظهر من خلال حديث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وعدم قبوله أم سلمة بالدخول تحت الكساء وعدم إعطائها الإذن في ذلك حيث الإشارة تدل علي الرسول قال لها إنّك علي خير ولم يطردها ولم يأذن لها بالدخول تحت الكساء، وهذا فيه دلالة واضحة من خلال استظهار كلمة _ إنّك علي خير _ إنّها سوف تكون عاقبة أمرها إلي خير وإنّك الآن فعلاً علي خير وإنه سوف يكون مآل حياتك الي العاقبة الحسنة وهذا بخلاف ما نجده في بعض نساء النبي اللواتي خرجن علي إمام زمانهّن.

«دخل عليّ أبي في بعض الأيام فقال...» في الحديث أنّ فاطمة هي الملجاً لأبيها فاذا شعر بضعف أو ألم أسرع إلي فاطمة حيث يجد عندها الراحة والطمأنينة والهدوء لأن النظر الي فاطمة يمسح الهموم والأحزان من قلب النبي كما كان الإمام علي عليه السلام يقول: إذا نظرت الي فاطمة إنجلت عني الهموم والأحزان... وإلاّ لماذا لم يذهب النبي الي إحدي زوجاته علما بأن الرجل يشعر بالسكن لدي زوجته حيث يقول القرآن الكريم (خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، ويقول الله تعالي: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهنّ)، فلماذا لم يذهب النبي الي واحدة من زوجاته وإنّما ذهب الي الزهراء؟ والجواب أنّ فاطمة كانت أم أبيها... وكان يشعر بالدفء والراحة عندما يزور الزهراء، بل يتزود بالطاقة والحنين حيث يري فاطمة عليها السلام ولذلك نجد أن التأريخ الإسلامي يروي لنا أنّ آخر من يودع النبي في غزواته وسفره هي فاطمة وأول من يمّر عليه بعد رجوعه من سفره خارج المدينة هو بيت فاطمة عليها السلام.

«إني

أجد في بدني ضعفاً فقلت له أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف»، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم هذا القول ولم يقل أني أجد في روحي ضعفاً أو فكري وهذا خلاف ما إتهمه بعض المشركين بأنّه شاعر مجنون... إنّما هو ضعف بدني أصابه نتيجة الاجهاد والمثابرة علي العمل فهو يقول لها: أني لأجد في بدني ضعفاً وهي تقول له: أعيذك بالله

[ صفحه 201]

يا أبتاه من الضعف أي انها أعاذت أباها بالله العلي العظيم من الضعف وإن لا يصيبه الضعف لأن العالم كله بحاجة الي هذه الطاقة الجبارة الخلاقة التي تنضج رحمة وتتفجر خيراً وعطاءً.

«يال فاطمة إيتيني بالكساء فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنّه البدر في ليلة تمامه وكماله».

والسؤال المطروح حول هذا المضمون من هذه الفقرة: هو لماذا طلب النبي صلي الله عليه وآله وسلم كساء يتغطي به... لماذا لم يطلب شيئاً آخر كالطعام أو الشراب؟ لماذا طلب ذلك الكساء؟ وماهي المناسبة التي جعلت وجهة يتلألأ نوراً كأنه البدر في ليلة تمامة وكماله؟

إن المناسبة هي تلقي الوحي فهناك عدة شواهد تأريخية تنقل لنا كيفية تغير وجه رسول الله صلي الله عليه وآل وسلم أثناء تلقيه الوحي، أمّا لماذا طلب الكساء اليماني فذلك ليجمع أهل بيته ويركز عليهم دون غيرهم، وأنّهم المحور الأساس الذي تدور عليه ولاية الله تعالي، وأنهم المرتبطين بشأن نزول الوصي أثناء تغطيتهم بالكساء لتكون آية التطهير النازلة وإرادة السماء فيهم عليهم السلام، اذن فالكساء إنّما جاء للعصر... وليس لشيء آخر كما حديث يوم المباهلة حيث ان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لم يخرج معه إلاّ

هؤلاء الذين هم تحت الكساء بالإضافة إلي أنه أراد تأكيد الوصية وصية الغدير.

«إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول...».

وحديث الكساء فيه تصوير رائع لجمال أهل البيت وطيبة رائحتهم فإنها رائحة طيبة تعبق الشذي.. وأكثر من ذلك فقد كانت صبات عرق الرسول تتفوح بالعطر كما كان عطر الزهراء ورائحتها عطر الجنّه.. والرسول كان يشم فاطمة ويقول كلما اشتقت إلي رائحة الجنّة شممت رائحة إبنتي فاطمة، «ريحانة أشمها وتشمني».

ويظهر الحديث أدب الكلام والمحادثة مع النبي وأدب المعاملة مع أهل البيت بعضهم من بعض في وقوف كل واحد أمام الكساء وطلب الإذن من النبي صلي الله عليه وآله وسلم ثم جواب النبي له وهكذا تجري فصول هذا الحديث المقدس وفاطمة ترقبه وتسجله ثم تجيئ به في النهاية لإكمال المشوار.

[ صفحه 202]

وتقول الزهراء لما إكتملنا جميعاً تحت الكساء أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء _ وهذا يعني أنهم خمسة أصحاب الكساء لاينقصون ولا يزيدون.. بل هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها.. خمسه لا غير أبي قبل دخول فاطمة لم يكتمل النصاب بعد ولم يكتمل العدد بعد والقول «إكتملنا جميعاً» يشير إلي أنهم خمسة أصحاب الكساء ودعاء الرسول لهم هو تسديد من السماء لأنّ الرسول لا ينطق عن الهوي إنه إلا وحيّ يوحي. قولها عليها السلام: أوحي الله إلي ملائكته وسكان سماواته... وهذا الحدث بحد ذاته يجعل فاطمة في أعلي قمة في الوجود الامكاني وبالاضافة إلي أنه يكشف لنا عن حقيقة أهل البيت وانه لولاهم لما خلق الله الأكوان والأفلاك.

وحديث الكساء حينما نعرضه علي الميزان الفكري للإسلام وأساسياته فإنه نجد ان الحديث يسير تماماً مع القرآن الكريم وليس فيه خرق

ولا تجاوز عن أساسيات القرآن الكريم، فهم عليهم السلام عدل القرآن وعلي أساس ذلك يكون عدل القرآن معصوم ومحفوظ كما أنّ القرآن معصوم ومحفوظ، اذن يكون كل شيء في حديث الكساء هو معصوم من الخطأ والزلل وذلك لكون راوي الحديث ومثبته هو معصوم عن الخطأ والزلل، وهي فاطمة عليها السلام.

وهناك مسألة مهمة تعرض لها حديث الكساء وهي أنّ جبرئيل يسأل من الله تعالي ويقول يا رب ومن تحت الكساء؟

وربما أراد بذلك _ جبرئيل _ وعبر أنتقال هذا الحديث المبارك عبر الأجيال إلينا أن يؤكد علي شرافة أصحاب الكساء وأنهم من الله تعالي يستمدون عصمتهم وقداستهم وتربيتهم. والملفت للنظر عندما يجيب الله تعالي عن أسماء أصحاب الكساء يقول هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، ولم يقل مثلاً هم رسول الله وعلي وفاطمة... كل ذلك للتأكيد علي محورية فاطمة الزهراء عليها السلام بالنسبة لأهل بيت النبوة وأنّها القطب المركزي لدائرة أهل البيت عليهم السلام.

ويشير حديث الكساء الي نزول جبرئيل الي الأرض بعد معرفة اصحاب الكساء والتشرف في خدمتهم وطلب الأذن من الله تعالي في الدخول تحت الكساء

[ صفحه 203]

وكذلك يظهر من الحديث أن الله ورسوله قد أعطوا الأذن لجبرئيل وذلك لكونه معصوم من الخطأ والزلل بالعصمة الربانية الذاتية فلذلك لا ضير أن يكون معهم تحت الكساء لأنه لا يختلف عنهم من جهة العصمة وهذا بخلاف أم سلمة رضوان الله عليها.

وهناك إشارة لطيفة في الحديث حيث قال الله تعالي هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ولم يقل وأبنيها ونحن نعلم ان الذي كان تحت الكساء الحسن والحسين وربما أراد بذلك الصلب والذرية الطاهرة للأئمة عليهم السلام وأنهم سوف يكونون أيضاً معصومون

وامتداد لأصحاب الكساء ويأتي سؤال الإمام علي عليه السلام عن الفضل والأجر لهذا الجلوس تحت الكساء؟ وفضل ذكر هذا الحديث وماله من الأهمية؟ حيث بين هذا الجواب الذي يظهر من الحديث أنه _ أي الحديث _ غذاءاً للروح والعقل والقلب والبدن معاً، إذ أن حاجات الإنسان محدودة كالطعام والشراب واللباس فكمية منها معينة تصل بالإنسان إلي حد الاكتفاء والارتواء والشبع.

أما حاجات الروح والعقل فهي بلا حدود كالصلاة والعلم والتفقه، فغن الروح تبقي في حالة فهم إلها كلما نهلت منها شعرت باتها بحاجة إلي المزيد منها.

لذلك سأل الإمام علي ولذلك كان جواب النبي صلي الله عليه وآله وسلم ففي المرة الاولي كان جواب الرسول الأعظم تحديد لحاجات العقل والروح والنفس «نزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة وإستغفرت لهم». أما في المرة الثانية فقد كان في جواب النبي صلي الله عليه وآله وسلم تحديداً لحاجات الجسد «وفيهم مهموم إلاّ وفرج الله همه ولا مغموم إلاّ وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلاّ وقضي الله حاجته». فتفريج الهموم وكشف الغموم وقضاء الحاجات إنما هي حاجات جسدية بينما الرحمة وإحاطة الملائكة والإستغفار إنما هي هموم عقلية وروحية ونفسية.

ويكشف الحديث عن السعادة والفوز والنصر والظفر في الحياة.. لأنّ الذي يمشي في خط أهل البيت لابد أن ينتصر ويظفر لا محالة ولو بعد حين.

ويقول الحديث أنه ما ذكر في حفل فيه جمع ولم يقل علي فرد واحد. وهي إشارة رائعة إلي أهمية تنظيم المجتمع وتكثير المجالس التي يذكر فيها أهل البيت عليهم السلام.

[ صفحه 204]

لأن الإمام الصادق عليه السلم يقول تجلسون وتتحدثون... أحيوا أمرنا فإني أحب تلك المجالس... والمجلس الذي يذكر فيه

هذا الحديث هو قطعاً مجلس في الخير والصلاح ورضوان الله.. لأنك تذكر قوماً ما عصوا الله طرفة عين أبداً، وقد ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي: «... أو لعلك رأيتني مجالس البطالين فخذلتني» يقول من ترك الاستعماع من ذوي العقول مات عقله لأن الإبتعاد عن مجالس العلم والعلماء يؤدي الي الخذلان، «أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني».

وحديث الكساء يشير الي الأمور والمسائل العلمية التي وافقت القرآن الكريم كالأرض المدحية والسماء المبنية والقمر المنير والشمس المضيئة وهي من الحقائق المطابقة للواقع واللقرآن الكريم. هكذا يقرأ الحديث وهكذا يفهم جواب الرسول صلي الله عليه وآله وسلم عن الأسئلة التي وردت في الحديث عن لسان الإمام علي عليه فلعل الإمام علي عليه السلام أراد من خلال طرحه وكذلك ربط حديث الكساء بهموم الناس وحوائجهم حتي لا يبقي مجرد حديث فحسب نقرأه من أجل معلومة نعلمه أو من أجل حديث نتعرف إليه واذا كان الأمر كذلك فما أجدرنا ونحن نقف مع هذا الحديث ان نستغل هذه المضامين ونعيشها بعقولنا وأرواحنا ونفوسنا لكي نجعل من هذا الحديث المبارك حسنة لنا فنصلح به أحوالنا ونقوّم أخلاقنا ونثبت عقائدنا الصحيحة ونربي أبناءنا تربية صالحة لا سيما أن أهل البيت ليسوا بعيدين عنا وطقوسنا ليست جامدة أو فارغة بل هي طقوس هادفة الي تربيتنا تربية إسلامية حقة.

[ صفحه 207]

فاطمة سيدة نساء العالمين

إن ق__يل ح_وّا ق_لت ف_اطم ف_خرها

أو ق__يل م__ريم ق_لت ف_اطم أف_ضل

أف__هل لح___وّا وال___د ك__محمّدٍ

أم ه__ل لم__ريم م__ثل ف_اطم أش_بل

ك___لّ له__ا ع__ند الولادة ح__الة

م__نها ع__قول ذوي الب__صائر ت_ذهل

ه__ذي لن__خلتها الت_جت ف_تساقطت

رط__با ج__نيّاً ف__هي

م__نه تأك__لّ

وضعت ب_عيسي وه_ي غ_ير م_روعةٍ

أنّ__ي وح__ارسها السّ_ريّ [292] الأبس_ل

وإلي الج_دار وصفحة الب__اب الت_جت

ب_نت النّ____بيّ فأس_قطت م_ا ت_حمل

س_قطت وأس_قطت الج__نين وح_ولها

م__ن ك__لّ ذي حسبٍ لئ_يم ج___حفل

ه___ذا ي___عنّفها وذاك ي___دعّها

وي___ردها ه___ذا وه___ذا ي__ركل

وأم__امها أس__د الأس__ود ي__قوده

ب__الحبل ق__نفذ ه__ل ك_هذا م_عضل

ولس__وف تأت_ي ف_ي الق_يامة ف_اطم

تشك___و الي رب الس__ماء وت___عول

ولت___عرفنّ ج___نينها وح___نينها

بشك___ايةٍ م__نها السّ__ما ت___تزلزل

ربّ___اه م__يراث_ي وب__علي ح_قّه

غ__صبوا وأب__ناثي ج__ميعاً ق_تّلوا [293] .

[ صفحه 209]

فاطمة سيدة نساء العالمين

عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم انه قال: «ان هذا ملك مقرب لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة» [294] .

ورد هذا الحديث بسند معتبر في عدة كتب روائية سواء من العامة أو الخاصة والظاهر من خلال مراجعة هذا الحديث أنّه ممن أتفقت عليه العامة والخاصة حيث

[ صفحه 210]

نقلته كتب الفريقين المعتدة خصوصاً عند السنة وفي الصحاح الستة وعليه فلا مجال للطعن أو النقاش في سند هذا الحديث المبارك الذي يظهر كرامة فاطمة الزهراء عليها السلام علي الله وعلي الرسول الأكرم محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، والحديث يروي لنا قصة ملكاً لم ينزل إلي أرض سابقاً أستأذن الله تعالي أن يمسلم علي رسوله الكريم وإنّ يبشره بأن فاطمة الزهراء عليها السلام هي سيدة نساء هل الجنّة، وعليه نقف مع هذا الحديث لنري مدي شموليته وسعته في دلالته علي كون فاطمة الزهراء أفضل

من مريم عليها السلام أم لا؟ باعتبار وجود آية قرآنية ذكرت مريم عليها السلام في كونها سيدة نساء العالمين في قوله تعالي: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله إصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين) فلنقف مع هذه الآية ومع الحديث المبارك:

1 _ لنعرف ايهما أفضل فاطمة عليها السلام ام مريم عليها السلام؟

2 _ ومن هي سيدة نساء العالمين؟

3 _ وماهي الثمرة العقائدية في ذلك؟

كل هذه الأسئلة تطرح في المقام الذي نحن فيه وعليه لابد لنا أن نجيب عليها لكي تكون لنا قدرة خاصة علي الفهم العقائدي لحياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام. فنقول ومن باب مقدمة للبحث في هذا الموضوع المهم إنّه: _

لا شك ولا ريب إنّه ورد في كتب الفريقين عدة أحاديث تبين أفضل النساء في الدنيا والآخرة وإنّه لم يكمل من النساء إلاّ الجنّة إشتاقت إلي أربع من النساء وكذلك ورد أيضاً إنّ الله أختار من النساء أربع وكثيرة هي الأحاديث التي تظهر هذه المسألة وقد تظاهرت الروايات من العامة والخاصة في ذلك. ونحن نذكر في هذه المقدمة، بعض هذه الأحاديث وعلي أثر ذلك ندخل في صلب الموضوع الذي أخترنا البحث عنه والوقوف معه والاستفاده من دلالته، أما هذه الاحاديث التي نقلت في طياتها النساء اللواتي إختار هن الله تعالي فمنها:

ماورد عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إن الله تعالي اختار

[ صفحه 211]

من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجه وفاطمة [295] .

روي عن مسلم والترمذي، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من

النساء إلاّ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد [296] .

وجاء عن النبي صلي الله عليه و آله وسلم انه قال: اشتاقت الجنة الي أربع من النساء: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون، وخديجة بنت خويلد وفاطمة [297] .

وعن ابن عباس قال: خط رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الأرض أربعة خطوط قال: تدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم: فقال رسول صلي الله عليه وآله وسلم: أفضل نساء أهل الجنّة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون، ومريم بنت عمران [298] .

إذن يظهر من هذا الأحاديث أن الإيمان كمل فيهن وإن الله تعالي اختارهن

[ صفحه 212]

وفضلهن علي كثير من نساء الدنيا والآخرة فهلمّ معي لنقف معهن لنري خصوصية كل واحدة منهن _ وهن آسية ومريم وخديجة وفاطمة _ بحيث ورد الحديث بأنهّن خير النساء، ونقول:

لو نظرنا إلي حياة هؤلاء النسوة صارفين النظر عن نصوص الكتاب والسنة لالفينا ان كل واحدة منهّن تختص بفضيلة دون غيرها من الصالحات الباقيات.

فأسية إمرأة فرعون آمنت بالله مخلصة له لائذة به وحده وهي في بيت شر العباد، ورأس الكفر والالحاد، وقد جاهرت بأيمانها منكرة علي فرعون كفره وفساده، متحدية ظلمه وطغيانه، فأوتد لها الاوتاد، حتي قضت شهيدة الحق والإيمان ولم تكن هذه الكرامة لواحدة من الثلاثة.

أما السيدة مريم فقد كرمها بولادة السيد المسيح من غير أب وما عرفت هذه الكرامة لأمرأة علي وجه الأرض.

أما السيدة خديجة فأنها أول من آمن وصدّق الرسول محمّد صلي الله عليه وآله وسلم وصلّت هي وعلي بن أبي

طالب عليهم السلام أول صلاة أقيمت في الإسلام، وهي أول من بذل الأموال لنصرة هذا الدين... ولولا أموالها، وحماية أبي طالب لمحمد صلي الله عليه وآله وسلم لقضي علي الإسلام في مهده، ولم يكن له عين ولا أثر.. ولم تكن هذه الكرامة لغيرها من نساء العالمين.

أما فاطمة الزهراء عليها السلام فإنها بضعة من رسول الله، بل هي نفسه خلقاً وخلقاً ومنطقاً وصلاحاً وتقي يرضيه ما يرضيها، ويؤذيها ما يؤذيه، وهي أم الحسنين سيدي شباب أهل الجنّة، وعقيلة سيد الكونين، بعد رسول الله ولم تكن هذه الكرامة لأمها خديجة ولا لأسية ولا لمريم [299] أما التفاضل بينهنّ فأننا نتركه لئلا يطول المقام بنا ونقف هنا مع حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، ومريم بنت عمران لأثبات المراد من هذا البحث.

فمن القضايا العقائدية المهمة لدي الشيعة الإمامية والتي تأخذ حيزاً كبيراً علي الصعيد الفكري والعقائدي هي مسألة تفضيل سيدة نساء العالمين علي مريم وبقية

النساء المؤمنات الاخريات، فنحن بأعتبارنا شيعة ونعتقد بأهل البيت عليهم السلام وبما ورد من مقامهم ومنزلتهم وقداستهم إنّ هذه مسألة مسلمة لدينا ولكن هناك من يدعي خلاف ذلك وإن مريم عليها السلام هي سيدة العالمين وهي المفضلة علي بقية النساء الأخريات والسبب إلي ذهاب بعض من يدعي هذه المقولة هو بما ورد من القرآن الكريم حيث جاء قوله تعالي (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين) [300] ليثبت كون مريم عليها السلام رمزاً قرآنياً قد طرحه القرآن في الفكر العقائدي لدي المسيحية، فكيف اذن تحل هذه القضية وخصوصاً نحن الشيعة يجب علينا أن نحمل عقائدنا عن وعي وإستدلال وبرهان صحيح معتمد علي الإستدلالات العقلية

المثبوت في محلها، أما أن نأخذ عقائدنا في هذه القضية أو في قضايا أخري اعتماداً علي العواطف والمديح والمبالغات فهذا مما لا يقبله أهل البيت عليهم السلام وخصوصاً نحن أبناء الدليل حيث ما مال نميل، وكذلك فإن أهل البيت عليهم السلام ليسوا محتاجين مديحنا وقد مدحهم من هو أفضل واحسن وهو القرآن الكريم بأعظم ما يكون ويكون من المدح والثناء العلي حيث وصفهم بأنهم مطهرون «ويطهركم تطهيراً» وكذلك قال فيهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأنهم عدل القرآن، فما يكون كلامنا ومديحنا بعد ذلك، اذن فالقضية ليست قضية مديح وإطراء مواقف بل هي قضية عقائدية نعم،إذا أردنا أن نمدحهم ونقدم لهم الذكر والثناء فذلك من باب التقرب إلي الله تعالي وليس من باب رفع مقامهم بل مقامهم رفيع وإذا وتينا علم وفهم إنما لكي نتعرف علي علو مقامهم وشانهم عند الله تعالي فعليه إذا طرحت هذه الفكرة، أو القضية بكون فاطمة عليها السلام أفضل من مريم يجب أن تكون مدعومة بالدليل العلمي الشرعي والإستدلال المنطقي وخاصة من القرآن الكريم والسنة لكي تكون عقيدتنا في هذه القضية مبنية علي المتانة والصحة، اذن فالسؤال المطروح هو كيفية كون فاطمة أفضل من مريم والحال إن مريم يخاطبها القرآن الكريم (يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك علي نساء العالمين) والظاهر أنّ نساء العالمين نص قرآني

[ صفحه 214]

بالصراحة يقول مريم اصطفيت علي نساء العالمين فكيف تكون فاطمة أفضل منها؟ هذه سؤال مطروح فيما نحن فيه وكيف نحمله مع الحديث الذي قدمناه في أول البحث من أن فاطمة سيدة نساء الجنّة.

ومن جهة أخري ينقدح سؤال مهم أيضاً وهو أنّ مريم عليها السلام

ولدت نبياً وهو عيسي، علي نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام وكانت طريقة ولادتها بمجزة ربانية حيث حملت به من غير أب، فهي إذن ليست ولدت شخصاً عادياً بل نبي من الأنبياء العظماء وهذا الحال لم يحدث لفاطمة عليها السلام لم تولد نبياً من غير زوج فما هو باب التفضيل والحال ان مريم محاطة ومحفوفة بالمعاجز فهذه الأمور تطرح ولابد أن تعالج واحدة، ويجب علي ذلك ألاّ نحمل العقائد علي السذاجة وعلي العواطف والتقليد لأن التقليد يفيد في الأحكام الشرعية أما في العقائد فيجب علي الإنسان أن يحملها عن وعي وإدراك واستدلال وفهم. لذا أصول الدين لا يجب أن يقلد فيها الآخرين بل التقليد في الفروع بأعتبار إنها تحتاج إلي تفحص وإفناء عمر في دراستها والبحث فيها وهذا لا يتسني ولا يتيسر لكافة الناس فيكون الوجوب الكفائي فيها أما الأصول فيجب علي الجميع ان يفهموها بوعي عميق وإستدلال ولا يكون الإنسان المتدين فيها ساذج وتبعي للآخرين بل لابد من أن يصل إليها بالتفكر والإستدلال، وعليه تكون هذه الأسئلة مهمة من الناحية العقائدية ولا بدون فهمها بالدليل القرآني والسنتي فكيف نصل إلي غاية المطلوب وكيف نحصل علي الجواب الصحيح فيها؟ فنقول:

قبل ان نجيب علي هذه الأسئلة وكيفية بنائها البناء الصحيح العقائدي وعلي ضوء القرآن والسنة نقدم مقدمة بسيطة وهي أن هذه الأسئلة والإشكالات التي تطرح حول فاطمة الزهراء عليها السلام ليست شبهات ولا إشكالات جديدة بل هي كانت مطروحة من زمن نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم واللطيفة إن هذه الإشكالات والإثارات والشبهات هي في الحقيقة تخدمنا جداً، لأنها تكون مربية ومعمقة لعقائدنا فنحن نجد الكثير من العقائد في حياتنا نمر عليها مرور الكرام إما

عندما تثار الشبهات حول عقيدة معينة فكما تؤدي إلي زعزعة بعض النفوس الضعيفة كذلك تؤدي إلي أن يكون

[ صفحه 215]

أهل الأقلام والفكر والتحقيق يغوصون في فهم العقائد ودعمها قرآنياً أو روائياً وعلي ضوء الاستدلالات الصحيحة وبالنتيجة تكون العقيدة معمقة ودقيقة وتقف بوجه الشبهات والإشكالات التي تطرح عليها، والأمثله علي ذلك كثير جداّ مثلما طرحت بعض الإشكالات المغرضة حول وجود صاحب الزمان «عج» وقضية الزهراء بصورة عامة كل هذه الإشكالات بالنتيجة وكما قلنا كانت مفيدة بقدر ماهي مضرة ببعض ضعاف النفوس وعلي كل فالذي نريد القول به هو أن الردود العلمية الدقيقة للأشكالات والشبهات التي تطرح قد أنضجت القضايا العقائدية بشكل أو آخر.

أما الجواب علي مسألة تفضيل الزهراء عليها السلام علي مريم عليها السلام فيكون علي شكل نقاط نذكرها لكي يتبين لنا الحق في ذلك:

1 _ إن الحديث الذي بدأنا به البحث قال بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة وهذا القول يحمل نفس معني أن فاطمة سيدة نساء العالمين لأن الجنّة فيها المؤمنات فقط والقديسات الطاهرات فتكون فاطمة سيدتهّن فمن باب الأولوية تكون فاطمة سيدتهنّ في الدنيا كما هي سيدتهّن في الآخرة فالمعني واحد سواء في الدنيا أو في الجنّة.

2 _ أن ما طرحه القرآن الكريم من كون مريم عليها السلام قد إصطفاها الله تعالي علي نساء العالمين كان علي لسان النبي الاكرم محمد صلي الله عليه وآله وسلم فهو الذي أخبرنا بالقرآن وهو الذي أوحي إليه من الله تعالي، ونقول كذلك بإعتبار الرسول ما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي أخبرنا وبلغنا ان فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين ومريم سيدة عالمها فكما بلغنا

الرسول القرآن في الآيات الأولي من اصطفاء مريم كذلك بلغنا بقوله حول ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام والشاهد علي قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم في هذه القصة هو ما ورد عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: «ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان جالساً ذات يوم، وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام» فقال: اللهم إنك تعلم ان هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس علي فأحب من أحبهم وأبغض من ابغضهم وأوالي من والاهم وأعادي من عاداهم... إلي أن يقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في حق فاطمة... وإنها لسيدة نساء العالمين. فقيل يا رسول الله، أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: ذاك لمريم بنت عمران؛ فأما إبنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من

[ صفحه 216]

الأولين والآخرين: وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك بن الملائكة المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة! (إن الله إصطفاك وطهرك وإصطفاك علي نساء العالمين) 42 آل عمران [301] . الي آخر الحديث.

فيكون الحديث الحديث بمثابة تحديد لاطلاق كلمة العالمين التي وردت في الآية القرآنية فتكون النتيجة أن مريم سيدة نساء عالمها وفاطمة سيدة نساء الاولين والآخرين.

3) أما القرآن الكريم فلقد وردت كلمة تفضيل علي العالمين ليست لمريم فقط بل جاءت لبني إسرئيل ولانبياء بني إسرائيل فمثلاّ قوله تعالي (واسماعيل واليسع ويونس ولوط وكلا فضلنا علي العالمين) [302] فالآية الشريفة بينت أن الله تعالي فضلهم علي العالمين هذا هو الظاهر منها ولكن من منا يقول إن هؤلاء الأنبياء أفضل من نبينا محمد صلي الله عليه وآل وسلم،

ولا يوجد أحد يقول ذلك فنبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، بل هناك فرقاً شاسعاً بينه وبينهم وخاصة نحن نري أن القرآن الكريم يقول (وتلك رسلنا فضلنا بعضهم علي بعض)... إذن بلسان القرآن الكريم ان هناك فرقاً بين الأنبياء وهناك تفضيل بينهم، وهذا دليل واضح علي أنهم _ أي هؤلاء الأنبياء _ أفضل أنبياء زمانهم، إذ من القرآن الكريم نستفيد أن هذا الاطلاق يحمل تقييده معه أي يحمل قيده.

وهناك شواهد أخري تدل علي هذه المسألة المطروحة في المقام، فهذا القرآن الكريم يقول (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم علي العالمين). فالمعروف أن بني إسرائيل هم اليهود والقرآن يقول فضلتكم علي العالمين فهل هناك إنسان مسلم أو مسيحي يقول أن اليهود أفضل من عليها أو أفضل من المسلمين؟ لا شك ولا ريب لا أحد يقول بهذه المقالة إلا من كان منهم إذن ما معني أني فضلتكم علي العالمين؟ هل لانه في زمانهم كثرة الأنبياء؟ وهذا في الحقيقة لا يدل علي

[ صفحه 217]

الافضلية وإذا كانت ثمة أفضلية في المقام فهي للانبياء لكثرتهم لا لذلك الشعب المتحجرف فبالعكس أن كثرة الأنبياء تدل علي كثرة الفساد وشدة الانحراف عن طريق الأنبياء والطغيان الذي ملأهم، فالانبياء إنما يبعثون لحاجة البشر اليهم، وهذا ما أخبرنا به القرآن الكريم حيث كان اليهود بقتلون الأنبياء بغير حق فكلما كان يقتل نبي يبعث نبي آخر وهكذا وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق) [303] (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق) [304] .

إذن كثرة الأنبياء تدل علي سقوط ذلك

الشعب وكفره وإنتشار الفساد فيه وليس تدل علي أفضلية ذلك الشعب، وبني إسرائيل تلك الأمة المنحرفه والتي لازال شرها الي الآن علي العالم الاسلامي بل علي كل العالم كانت في الحقيقة أمة غير ناجحة وفاشله جداً والسبب في ذلك هو تمردها علي انبياءها وعلمائها وقديّسيها وقادتها وهذا هو السبب في فشلهم، وعلي هذا الاساس تكون كلمة الاصطفاء علي العالمين مثل كلمة التفضيل إذن من نفس مفردات القرآن الكريم نستفيد من كلمة عالمين أي عالم زمانها سواء كانت كلمة عالمين في قضية تفضيل اليهود أو تفضيل الأنبياء أو تفضيل مريم عليها السلام، فتكون كلمة عالمين يعني عالم زمانها ليس إلاّ.

4) روي أن زكريا كلما دخل علي مريم عليها السلام وهي في محرابها (وكان آنذاك رئيس الهيكل اليهودي فإهتم بها وتفقد شؤونها) وجد عندها طعاماً وعهده بها أن لا يدخل عليها أحد، فسألها متعجباً: أني لك هذا!... قالت هو من عند الله _ أي لا بواسطة أحد من الناس _ أن الله يرزق من يشاء بغير حساب. ولا شك ولاريب أن هذه كرامة لمريم عليها السلام فهل في فاطمة الزهراء عليها السلام موجودة هذه الكرامة أن انها إختصت بمريم فقط فتكون مفضلة علي الصديقة عليها السلام؟ قلنا: نعم حدثت مثل هذه الكرامة لسيدة النساء فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقد جاء في تفسير روح البيان للشيخ اسماعيل حقي عند تفسير قوله تعالي حكاية عن مريم: (هو من عند الله) جاء في هذا التفسير ما نصه

[ صفحه 218]

بالحرف: «جاع النبي صلي الله عليه وآله وسلم في زمن قحط، فأهدت له فاطمة رغيفين ولحماً.. فأتاها وإذا بطبق عندها مملوء

خبزاً ولحماً، فقال لها: اني لك هذا؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: الحمد لله الذي جعلك شبيهه بسيدة بني اسرائيل، ثم جمع رسول الله علياً والحسنين، وجمع أهل بيته عليه فاكلوا وشبعوا، وبقي الطعام كما هو فأوزعت فاطمة علي جيرانها» [305] وفي كتاب ذخائر العقبي لحب الدين الطبري «إن علياً عليه السلام استقرض ديناراً ليشتري به طعاماً لاهله، فالتقي بالمقداد بن الاسود في حال ازعاج ولما سأله الإمام قال: تركت أهلي يبكون جوعاً، فآثره بالدينار علي نفسه وأهله وانطلق الي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وصلي خلفه وبعد الصلاة قال النبي لعلي: هل عند شيء تعيشنا به؟ وكأن الله قد أوحي إليه ان يتعشي عند علي، فأطرق علي لا يحير جواباً، فأخذ النبي بيده، وانطلقا الي بيت فاطمة، وإذا بحفنه من الطعام فقال لها علي عليه السلام أنّي لك هذا؟ قال له النبي: هذا ثواب الدينار، هذا من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب، الحمد لله الذي أجراك يا علي مجري زكريا واجراك يا فاطمة مجري مريم، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً...» [306] . وعليه قد ثبتت هذه الفضيلة للزهراء عليها السلام ملما ثبتت لمريم سواء من طرق العامة أو الخاصة.

5) واستدل الكثير من العامة والخاصة بأفضلية فاطمة عليها السلام علي مريم وخصوصا ما تواتر عن أبيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم م الخاصة والعامة بقوله صلي الله عليه وآله وسلم «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني» فهذا الحديث من المواترات وفيه دلاله علي كونها من نور الرسول الاعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم وكونها لحمه ودمه فهو

خاتم الرسل فانه تكون ابنته أفضل من ابنت عمران.

أوما قال خ_اتم الرسل فيها

فاطم بض_عتي ولاي ولاها

فاطم روحي التي بين جنبي

وري_حانتي الت__ي أهواها

[ صفحه 219]

أيها الناس ب__اب فاطم ب_ابي

مثلما ق__د غدا حماي حماها

أيّها الن_اس فأحفظوني ف__يها

تاه ف_ي الغيّ من بسوء أتاها

6) إن فاطمة الزهراء عليها السلام أفضل من مريم بل هي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين وهذا ما أثبته الحديث المروي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل: «ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة علي جميع من خلق الله، من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة» [307] وكذلك ماورد في الحديث الشريف عن أهل بيت العصمة أنه «ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتي أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الاولي» [308] فالذي يظهر من هذين الحديثين ان فاطمة مفروضة الطاعة علي جميع الاولين والاخرين بما فيهم النساء والأنبياء والخلق كلهم وكذلك لا تتكامل نبوة نبي إلاّ أن يقر بفضلها ومحبتها، فاذا كان حال الصديقة الكبري هكذا مع الأنبياء فكيف مع مريم عليها السلام ولم تكن نبية؟

7) ويمكن أن نستفيد من الحديث المروي عن شفاعة فاطمة الزهراء عليها السلام يوم القيامة وان لها الشفاعة الكبري كما لأبيها رسول الله انها الافضل وانها سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين بينما لا يوجد عندنا نص في شفاعة مريم عليها السلام فلذلك يكون هذا الحديث المروي عن شفاعة فاطمة دليل علي كونها سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين وإلا كيف يكون لها مقام الشفاعة؟ واليك الحديث المروي في شفاعتها

لمحبيها وشيعتها يوم القيامة.

عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لفاطمة وقفة علي باب جهنم فاذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمجب قد كثرة ذنوبه الي النار، فتقرأ بين عينيه محباً، فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة، وفطمت بي من تولاني وتولي ذريتي من النار، ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد. فيقول الله عزوجل: صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد وإنما

[ صفحه 220]

أمرت بعبدي هذا إلي النار لتشفعي فيه فأشفعك، ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنّة [309] إذن لا يبقي أي أشكال في كون فاطمة سيدة نساء الجنّة وسيدة نساء العالمين والأولين والآخرين ولا تنافي في كون مريم قد دعمها القرآن الكريم وإن الله قد اصطفاها فإن ذلك كان في زمانها ولايمتد إلي زمان الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام، هذا من جهة اصطفاء مريم وكيفية التوفيق بين ذلك، امّا بالنسبة للمعجزة الربانّية التي خصت بها مريم عليها السلام والكرامة التي أعطاها الله تبارك وتعالي إياها وهي إنها ولدت عيسي من غير أب عيسي عليه السلام، وإنه نبي من الأنبياء، وهذا غير موجود في الصديقة فاطمة عليها السلام ولم يقع لها بل ولدت الحسن والحسين وزينب عليها السلام بالطريقة الطبيعية فتكون مريم مفضلة علي فاطمة فيكون الجواب علي ذلك:

إننّا لا نتصور ولا نصدق علي أن يكون هذا دليلاً علي أفضلية مريم عليها السلام لماذا؟ لأنّه بالنسبة لولادتها لعيسي عليه السلام

وحملها به من غير أب يكون وحسب رأينا القاصر لسببين:

1 _ إن مريم عليها السلام حملت بعيسي بهذه الطريقة لأنّه لم يكن في بني إسرائيل كفوء لها فمن من بني إسرائيل يستحق أن يكون زوجاً للقديسة الطاهرة وأباً لعيسي عليه السلام هذا من جهة، ومن جهة أخري إنّها نذرت نفسها لخدمة بيت الله آنذاك ولذلك كان اصطفاءها من قبل الله تعالي والدليل علي عدم وجود كفوء لها إنها عندما حملت بعيسي وولدته فقدوها بني إسرائيل في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج زكريا فأقبلت مريم وعيسي في صدرها وأقبلت مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتي دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها «يا مريم لقد جئت شيئاً فرّيا» أي شيئاً عظيماً في المناهي «يا أخت هارون ما كان أبوك إمرأ سوءٍ وما كانت أمّك بغيّا» ومعني قولهم يا أخت هارون إن هارون هل كان رجلا فاسقاً زانياً فشبهوها به يعني أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني

[ صفحه 221]

إسرائيل؟! فأشارت الي عيسي في المهد فقالوا لها «كيف نكلم في المهد من كان صبيّا» فأنطق الله عيسي عليه السلام فقال «إنّي عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقياً، والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيّاً.

إذن عندما جاءت إلي بني إسرائيل تحمل الطفل الكل شمتوا بها وانقلبوا عليها كما قال القرآن الكريم في ذلك «يا أخت هارون» يعني شماته... والقرآن الكريم حكي جانب من شماتتهم فمريم عرفت انه ليس في بني إسرائيل لها ناصر ولا يذكر القرآن

الكريم إنّ هناك من وقف مع مريم وانبري للدفاع عنها مثلاً حتي يقول إنها كانت إمرأة طاهرة تاريخها نظيف، هذه كانت صاحبة معجزات في أحضان نبي فلا بد أن نري القضية قبل أن نحكم عليها بهذه السرعة، فمن هذا القبيل لم يوجد رجل دافع عنها فاذاً كان هكذا موقفهم معها فأين يوجد الكفوء لها حتي تتزوج به وتكون ولادتها طبيعية فأذن لا يوجد كفوء لها يشاركها المعجزة والكرامة ويتحمل إلي جانبها مسؤولية السماء فالأكثرية بل الكل كانوا أناس غير ملتزمين والدليل علي ذلك إننّا نجد أيضاً، بعض أنصار الأنبياء جرحوا الأنبياء، أصحاب موسي عليه السلام مثلا وهكذا فما كان هناك كفوء. بينما توفر الكفوء لفاطمة عليها السلام ألا وهو سيد الأوصياء وأمير الموحدين علي أبن أبي طالب أي نفس الرسول الاكرم محمد صلي الله عليه وآله وسلم وكما أخبر بذلك القرآن، فتوفر الكفوء اذن دلالة علي عدم الحاجة الي المعجزه، هذا مانتصوره في الجواب الأوّل.

ب__نت الن__بي الذي لولا ه__داي_ته

م__ا ك__ان لل_حق لاع__ين ولاأث_ر

ه__ي الت__ي ورثت ح_قاً م_فاخره

والعطر ف_يه الذي ف__ي الورد م__دّخر

تزوجت ف_ي السما بالمرتضي ش__رفاً

والشمس يقرنها ف__ي الرت__بة الق__مر

2 _ أما بالنسبة لمريم وانها ولدت نبياً ولم تلد فاطمة نبياً فهذا يرد عليه بأن ولادة النبياء في بني اسرائيل حتي وان كانت ولادتهم طبيعية أو غير طبيعية لا يدل ذلك أن الأنبياء من بني اسرائيل أفضل من أهل البيت عليهم السلم فلقد ثبت بالادلة القاطعه ان أهل البيت لا يدانيهم آل من الآل سواء آل عمران أو آل لوط... وغيرهم ممن ذكرهم القرآن

[ صفحه 222]

الكريم

فهؤلاء لايصلون ولا يرتقون الي منزلة أهل البيت عليهم السلام وهذا مسلم به وحتي أن حديث الكساء يشير الي ذلك الأمر، هذا الحديث الذي اعترف به أحقد من عليها _ أي علي الشيعة _ ألا وهو ابن تيميه في كتابه منهاج السنة الذي ثنّي ركبتيه وشد الأحزم لنقض كل فضائل أهل البيت عليهم السلام وحتي الرواية التي يجدها تحمل فضيلة فإنه ينكرها من الأساس فيكون بذلك مخالف لإسلوب العلماء والذين يريدون التخلص مثلاً من رواية بإسقاط سندها وضعفه عن القيام بالحجية. إذن فحديث الكساء الشريف أثبت أفضلية أهل البيت عليهم السلام من بقية الآل وهذا بالحقيقة يجعل هذا الحديث يتألق في سماء العقيدة والمعرفة فإنه فاطمة ولدت حسناً وحسيناً ولا يقاس بهم لانبي من أنبياء بني إسرائيل ولا وصي وقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم «علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل» فيه دلالة واضحة علي ذلك لأنه لو أخذنا وفسرنا أن علماء أمتي هم الأئمة عليهم السلام بالخصوص فيكون الأفضلية لفاطمة عليها السلام من هذه الجهة وأضف إلي ذلك أنّ عيسي بن مريم عليه السلام وكما وردت الروايات في ذلك إنّه سوف يصلي خلف الإمام المهدي «عج» عند ظهوره الشريف وأضف الي ذلك أنّه أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام كان يقينهم ثابت ووصل مرحلة لا يصل إليها أحد من أنبياء بني أسرائيل أليس القرآن الكريم يقول في حق نبي من الأنبياء «أو لم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي» يعني لم يصل الي مرحلة الأطمئنان القلبي الراسخ الذي هو عبارة عن اليقين الحقيقي، أمّا علي وأولاد علي عليهم السلام «لو كشف لي الغطاء ما إزددت يقيناً».

إذن ولادة مريم لعيسي بالمعجزة الربانيّة وإنّه

كان نبياً لا يدل أفضليتهما من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وعليه كل الأدلة المطروحة حول ذلك مردودة، وهذا لا يعني إنّنا نطعن بشخصية مريم أو نريد أن نقلل من شأنها بل أتخذناها عظيمة من العظيمات وقسنا عليها عظماء الأمة.

والثمرة في هذا البحث من الناحية العقائدية وحسب ما نتصوره أنّه عندما ثبت أنّها سيدة نساء العالمين وأنها أفضل النساء من الأولين والآخرين فإنّه سوف يكون ظلمها وعدم رعاية حقها من قبل الذين ظلموها والذين رضوا بذلك ذا وبال عليهم

[ صفحه 223]

في الدنيا بلعنهم والبرائة من ظلمهم وأفعالهم بحقّ سيدة نساء العالمين وفي الآخرة الخزي والعذاب الأليم «إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنوا في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً أليماً». وأيضا الثمرة في ذلك هو أننا بقدر مفرفتنا بمقامات أولياء الله تعالي _ ومنهم فاطمة عليها السلام _ والتي ورد البحث عليها وعلي طلب المزيد منها، نزداد عند ذلك معرفة الله تعالي لأنّه من عرفكم فقد عرف الله تعالي لأنهّم هم الداّلين عليه وعلي عظمته، وهذا ثابت للزهراء عليها السلام كما ثبت للأئمة عليهم السلام.

وكذلك أنّه متي ما عرفنا أنّه فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين عرفنا عند ذلك انّ لها مقاماً سامياً وكرامة ربانيّة، وخاصّة نحن نؤمن بأنّها كانت مفروضة الطاعة علي جميع الخلق بما فيهم الملائكة والجنّ والأنبياء وإنّه ما تكاملت نبوة نبي حتي أقر بفضلها ومحبتها وعلي معرفتها دارت القرون الأولي، كلّ ذلك له الأثر الكبير في أنّ يعمق ارتباطنا بفاطمة عليها السلام ويدخل حبها في قلوبنا وفي صميم عقائدنا ونزداد تقاعلاً مع ظلاماتها وماجري عليها من الظلم والعدوان وعظيم المحن التي مرت عليها.

وأخيراً نختم هذا البحث بما ورد من كلمات الأعلام حول ثبوت كونها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين والأمر لا يخلو من فائدة فيما نحن فيه، وإليك أقوال المحدثين:

قال ابن أبي الحديد: إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مال إليها وأحبّها، فازاد ماعند فاطمة بحسب زيادة ميله، وأكرم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إكراماً عظيماً أكثر ممّا كان الناس يظنّونه، وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتّي خرج بها عن حدّ الآباء للأولاد؛ فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحدٍ «إنها سيّدة نساء العالمين، وإنّها عديلة مريم بنت عمران، وإنّها إذا مرّت في المواقف ناد منادٍ من جهة العرش: «يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمّد صلي الله عليه وآله»، وهذا من الأحاديث الصحيحة [310] ...

وقال شهاب الدين الآلوسيّ: عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «أربع

[ صفحه 224]

نسوة سادات عالمهّن: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وأفضلّهن عالماً فاطمة».. ووالذيّ أميل إليه أنّ فاطمة البتول أفضل النساء المتقدّمات والمتأخرات من حيث إنّها بضعة رسول صلي الله عليه وآله وسلم، بل ومن حيثيّات أخري أيضاً، ولا يعكر علي ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضلّية غيرها عليها من بعض الجهات، وبحيثّية من الحيثيّات...

إذ البضعيّة من روح الوجود وسيّد كلّ موجود، لا أراها تقابل بشيء، وأين الثرّيا من يد المتناول؟ ومن هنا يعلم أفضليّتها علي عائشة رضي الله تعالي عنها الذاهب إلي خلافها الكثير محتّجين بقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «خذوا ثلثي

دينكم عن الحميراء»...

وأنت تعلم ما في هذا الإستدلال، وأنّه ليس بنصّ علي أفضليّة الحميراء علي الزهراء، أمّا أوّلاً، فلأنّ قصاري ما في الحديث الأوّل علي تقدير ثبوته إثبات أنّها عالمة إلي حيث يؤخذ منها ثلثا الدين، وهذا لا يدلّ علي نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته علهي الصلاة والسلام، ولعلمه صلي الله عليه وآله وسلم أنّها لاتبقي بعده زمناً معتدّاً به يمكن أخذ الدين منها فيه لم _ يقل فيها ذلك، ولو علم لربمّا قال: خذوا كلّ دينكم عن الزهراء... علي أنّ قوله صلي الله عليه وآله وسلم «إنّي تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالي وعترتي أهل بيتي، لا يفترقان حتّي يردا عليّ الحوض» يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة كما لا يخفي. كيف لا، وفاطمة رضي الله تعالي منها سيّدة تلك العترة [311] .

وقال العلاّمة المجاهد السيّد شرف الدين رحمة الله: تفضيلها علي مريم عليها السلام أمر مفروغ عنه عند أئمة العترة الطاهرة وأوليائهم من الإماميّة وغيرهم، وصرّح بأفضليّتها علي سائر النساء حتّي السيّدة مريم كثير من محققّي أهل السنّة والجماعة كالتقيّ السبكيّ، والجلال السيوطيّ، والبدر، والزركشيّ، والتقّي المقريزيّ، وابن أبي داود، والمناوي فيما نقله عنهم العلاّمة النبهاني في «فضائل الزهراء» ص 59 من كتابه «الشرف المؤبّد»، وهذا هو الّذي صرّح به السيّد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعيّة ونقله عن عدّة من أعلامهم، وذلك حيث أورد تزويج فاطمة بعلّي في سيرته

[ صفحه 225]

النبوّية [312] حتّي مريم رضي الله عنها، كما اختاره المقريزيّ والزركشيّ والحافظ السيوطيّ في كتابه «شرح النقابة» و«شرح جمع الجوامع» بالأدلّة الواضحة التّي منها أنّ هذه الأمّة أفضل من غيرها، والصحيح أنّ مريم ليست بنبيّة بل

حكي الإجماع علي أنّه لم يتنبأ امرأة قطّ. وقال صلي الله عليه وآله وسلم «مريم خير نساء عالمها، وفاطمة خير نساء عالمها» [313] رواه الترمذّي. وقال صلي الله عليه وآله وسلم: «يابنّية، ألا ترضين أنّك سيدّة نساء العالمين؟ قالت: يا أبت فأين مريم؟ قال: تلك سيدّة نساء عالمها» رواه ابن عبدالبرّ. وقد أخرج الطبراني بإسناد علي شرط الشيخين، قالت عائشة: «مارأيت أحداً قطّ أفضل من فاطمة غير أبيها» [314] ...

وروي المجلسيّ «ره» قال: قال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: قالت فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوليّن والآخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقرّبين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة «إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك علي نساء العالمين» [315] .

وقال صلي الله عليه وآله وسلم: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون». وفي رواية مقاتل والضحّاك وعكرمة عن ابن عباس: «وأفضلهنّ» [316] وعن محمد بن سنان، عن المفضّل قال: قلت لأبي عبد الله عليها السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في فاطمة: «إنّها سيّدة نساء العالمين» أهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين [317] وعن الحسن بن زياد العطّار قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، أسيّدة نساء عالمها؟ قال: ذاك مريم، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين [318] .

[ صفحه 226]

وقال النبّي صلي الله عليه وآله وسلم: الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمّهما أفضل نساء أهل الأرض [319]

.

وفي الحديث: إنّ أسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجه يمشين أمام فاطمة كالحجاب لها إلي الجّنة [320] .

وروي السّيد الشبّر رحمه الله عن النبّي صلي الله عليه وآله وسلم: «فاطمة خير نساء أمتي إلاّ ما ولدته مريم». ثمّ قال: وأحسن توجيهاته علي تقدير صحّته أن تكون فيه «إلاّ» بمعني الواو كما ذكره أهل العربيّة، وحمّلوا عليه قوله تعالي «لئلاً يكون الناس عليكم حجّة إلاّ الّذين ظلموا» [321] ، ويكون المعني أنّها خير نساء أمتّي وخير نساء أمّة ماولدته مريم وهو عيسي؛ وخصّص تلك الامّة بالذكر لكثرة النساء الصالحات العابدات فيها دون أمم سائر الأنبياء [322] .

[ صفحه 231]

فاطمة الزهراء علة غائية

اشاره

الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي

ش__جون تس__تهل له__ا الدم_وع

وت_حرق م_ن لواع_جها الض__لوع

وقفت علي الب_قيع فس__أل ط__رفي

وق__لبي ف__الدموع ه__يّ الن_جيع

كأنّ م___صيبة الزه__راء ب__يت

ب__قلبي للأس__ي وه__وّ الب__قيع

أم__ثل الب__ضعة الزه_راء ت_جفي

وي_عفي ق__برها وه__وّ الرف__يع

وي__غصب ح__قّها ج_هراً وت_ؤذي

ب__حيث وص__ية اله_ادي ت_ضيع

ت__صد ع__ن البك_اء ع_لي أب_يها

ف_تحبس ف_ي م__حاجرها الدم_وع

وت__قتطع الأراك__ة ح___ين تأوي

لظ__لّ غ__صونها ك_ف ق__طيع

وي__حرق ب__يتها ب_النار ح___قداً

وي__هتك س__ترها وه__و الم_نيع

ويكس__ر ض_لعها ب_الباب ع_صراً

ف__يسقط ح__ملها وه_و الش__فيع

وي__دمي ص_درها المس_مار كس_راً

ف___ينبع ب__ين ث__دييها الن_جيع

وي__نثر ق__رطها لط_ما وي__لوي

عليها السوط والس_يف الص_نيع [323] .

وح__مرة ع__ينها لل__حشر ت_بقي

ب__ها م_ن ك_فّ لاط_مها تش__يع

ت__نوح ف_تسمع الشك_وي وت__دعو

وم_ا ف_ي المس_لمين له_ا س__ميع

م__صائب ب__الفظاعة ق_د ت_ناهت

وك__لّ م__صيبةٍ خ_طب ف__ظيع

ق__ضت الم_اً م_ن الزه____راء

حش__اشة ق__لبها وه_و الم_روع

فاطمة الزهراء العلة الغائية

(يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك؛ ولولا فاطمة لما خلقتكما) [324] .

هذا الحديث من الأحاديث المأثورة التي رواها جابر بن عبدالله الانصاري عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الله تبارك وتعالي ومن المعلوم أن كلام الله تعالي جاء علي قسمين أحدهما ماورد في القرآن الكريم والأخر ما جاء علي لسان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من دون ان يكون له وجود في القرآن الكريم وهو ما يعبر عنه بالاحاديث القدسية التي خاطب بها الله تعالي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم ولقد جمعت كثير من الكتب هذه الاحاديث القدسية مثل كتاب كلمة الله وكتاب الاحاديث القدسية عند الفريقين وغيرهما من الكتب والذي يهمنا في المقام هذا الحديث القدسي الذي جاء ليثبت للصديقة فاطمة عليها السلام كرامة أخري، ومنقبة عظمي وذلك من خلال التمعن في مدلولات هذا الحديث المبارك.

يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك

والخطاب هنا من الباري عزوجل لرسوله محمد صلي الله عليه وآله وسلم ومن المعلوم لدينا أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم له عدة اسماء وردت علي لسان القرآن الكريم مثل «مسجد» صلي الله عليه وآله وسلم (ما كان محمداً أبا أحدٍ من رجالكم) ومثل أحمد (ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد)، وكذلك ياسين، وغيرها من الأسماء التي جاءت بتعابير مختلفة،

[ صفحه 232]

وفيما نحن فيه جاء الخطاب للرسول باسم أحمد، حيث توجه إليه الخطاب الالهي ليقول له لولاك يا رسول الله لما خلقت الموجودات التي هي متيسرة في الافلاك، والافلاك هنا معناها كل الموجودت التي تدور حياتها

ووجودها في الكون سواء نعلم بوجودها أم لا نعلم، فعلة خلق الموجودات هو لأجل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام وهذا ما أكدته كثير من الاحاديث المأثورة في هذا المقام منها عن النبي «لما خلق الله آدم أبو البشر نفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فأذا في النور خمسة أشباح سجداً وركعاً.

قال آدم: يا رب! هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا، يا آدم؛

قال: من هؤلاء الخمسة الاشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟

قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من اسمائي لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي، ولا السماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الأنس ولا الجن، فان المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي وانا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الاحسان وهذا الحسن، وانا الحسن وهذا الحسين آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم الا أدخلته ناري ولا أبالي يا آدم، هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم، وبهم أهلكهم فاذا كان لك الي حاجة فبهؤلاء توسل فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم نحن سفينة النجاة. من تعلق بها نجا، ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلي الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت [325] .

أقول: يظهر من هذا الحديث عدة أمور مهمة تتطابق في مدلولاتها مع الحديث القدسي الذي نحن بشأن توضيحه، فأنوار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام مخلوقة قبل وجود آدم، وأكد الحديث علي أن علة خلق آدم هو من أجل هذه الانوار _ حيث قال الله تعالي

لادم: لولاهم ما خلقتك بل تجاوز الأمر إلي أن كل الموجودات هي مخلوقة بسببهم فالعرش والجنة والنار والكرسي والسماء والأرض والملائكة والإنس والجن كلهم لن يوجدوا لولا وجود انوار أهل البيت بما فيهم جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لذلك نجد في حديث الكساء المتقدم الذكر في كتابنا هذا انه يصف علة ايجاد الأفلاك هو لأجل أهل البيت عليهم السلام حيث يقول الله تعالي «ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء عليهم السلام [326] أي إني لأجل حبهم وأنوارهم خلقت هذه الأفلاك.

اذن يظهر من هذه الامور ومن خلال عدة احاديث مأثورة ان الأفلاك والموجودات ما خلقت لولا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «يا احمد لولاك لما خلقت الافلاك» وهذه العبارة مطابقة لمضمون كثير من الاحاديث الولائية سواء كانت من كتب الخاصة أو العامة. وبعبارة أخري لتوضيح المطلب:

أولاً: حينما نسأل، لماذا خلق الله الكون «الافلاك»؟ فإن الجواب يأتي من القرآن الكريم وهو أن الله خلق الكون والحياة من أجل الإنسان، لأنه قال: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً...)، وقال: (وسخر لكم الشمس والقمر... وسخر الليل والنهار) وسخر كل شيء في السموات، وكل شيء في الأرض، وسخرها في خدمة الإنسان، لأنه حينما يقول: سخرها، فإن ذلك يعني أنه جعلها، في خدمة الإنسان مسخرة له، يتصرف بها كيف يشاء... مثل تسخير القمر، والبحر للانسان، فمن القمر، ننتفع بالضوء، ومن البحر ننتفع بالماء... وكما ان القمر يحمل السفن الفضائية علي ظهره، كذلك البحر يحمل السفن الشراعية علي ظهره أيضاً.

إذاً: فالجواب

علي السؤال المتقدم: لماذا خلق الله الافلاك والكون، والحياة؟

أقول: الجواب، خلقها من أجل الإنسان، كما صرح بذلك القرآن الكريم، في أكثر من مائة آية كلها تؤكد المعني، وتصب اهتماما في هذا الجانب، بكلمة: سخر... وجعل.. الخ.

وثانياً: نسأل، لماذا خلق الله الإنسان؟ ويأتي الجواب من القرآن أيضاً: إنه للعبادة، (وما خلقت الجن، والانس إلاّ ليعبدون) [327] .

[ صفحه 234]

والعبادة لاتتحقق إلاّ بشروط، ومن أهم تلك الشروط:

(أ) معرفة الطريق. وكشف الوسيلة.. ووجود القائد، لأنه من دون القائد، لا يمكن الإنطلاق في اتجاه صحيح، ولذلك صار القائد، الإمام المعصوم.. ومعني ذلك: أن فقدان القائد، يعني فقدان العبادة، وإذا فقدت العبادة، انتفت الحكمة من وجود الإنسان، واذا انتفت الحكمة من وجود الإنسان، ولم يعد لوجود الافلاك معنيً، لأن الافلاك انما وجدت بوجود الإنسان الذي يعبد الله، ولذلك عندما تقوم الساعة، وينتهي دور الإنسان في الحياة، فإن الكواكب، والنجوم، والافلاك كلها تتمزق شذر مذر، وينتهي دورها: وحملت الأرض والجبال، فدكتا، دكة واحدة، ويقول: (ويسألونك عن الجبال، فقل ينسفها ربي نسفاً) [328] ويقول القرآن الكريم: (إذا السماء انشقت). (وإذا النجوم..).

وعليه فمن كل ما تقدم، نخرج بالنتيجة التالية: وهي أن الله سبحانه _ لولا الحبيب المصطفي _ لم يخلق الكون، ولا الافلاك.. ولأنّ هذه الحكمة، لا تسقط بموت النبي صلي الله عليه وآله وسلم وإنما تستمر الحكمة، من خلال الأئمة الطاهرين عليهم السلام أجمعين.

وعلي هذا الأساس كان خلق السماوات والأرض وما بينهما لاجل الإنسان وليعبد الله تعالي بعد معرفة الإنسان بان الله تعالي خلقه بقدرته لذلك وانه سيبعثه يوم القيامة لتجزي كل نفس بما كسبت ومن الضروري الذي ثبت في محله ان

الذين الذي رضي به الله تعالي واتمه واكمله لعباده هو الذي قال فيه تعالي _ (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا).

هذا هوالدين القيم الذي ارسل به رسوله محمد صلي الله عليه وآله وسلم (بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله)، فظهر مما ذكرنا اجمالا معني قوله «لولاك ما خلقت الأفلاك» وذلك لكونه سيد المرسلين وخاتم النبيين، ورسولا إلي الناس جميعا بهذا

[ صفحه 235]

الدين المبين، وفي ذلك يقول سيدنا الأستاذ آية الله السيد عادل العلوي ما نصه:

«فغاية الخلق هو الرسول الاعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم كما هو الصادر الأوّل _ لقاعدة الأشرق كما في الفلسفة _ وقد ورد في الخبر الشريف _ كما تقدم ذلك _ أول ما خلق الله نور محمد فهو العلة التامة بعد علة العلل وهوالله سبحانه [329] .

ولولا علي لما خلقتك

أي يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لولا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب لما خلقتك، وربما يظهر من هذا الكلام بعض التشويه لمن ليس له الباع الطويل لفهم ودراية احاديث أهل البيت عليهم السلام، ولكن بأبسط تأمل وتدقيق في معاني هذا الكلام ينحل لنا هذا اللغز الحير، فالرواية التقدمة في علة خلق الموجودات تبين ان لولاهم ما خلقتك يا آدم، أي ان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام مشتركين في نفس الأمر لكون الإمام علي هو نفس رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكما عبرت عنه آية المباهلة «انفسنا» فلا يتوهم المتوهمين في عدم تأويل وبيان هذا الأمر وتوجد نكته مهمة في هذا المقام متعلقة بأسرار البسملة ليست بقابلة للتقرير والتحرير، حيث

قيل في هذا المقام ان الوجود ظهر من باء بسم الله الرحمن الرحيم وكما ورد ذلك في الاحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة وقيل «بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود». وقال أمير المؤمنين ومولي الموحدين علي عليه السلام «والله! لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من «شرح» باء بسم الله الرحمن الرحيم». وقال ايضاً «انا النقطة تحت الباء» لانه كنقطة بالنسبة إلي التعين الأوّل الذي هو النور الحقيقي المحمدي لقوله _ أي رسول الله محمد صلي الله عليه وآله وسلم _ «أول ما خلق الله نوري المسمي بالرحيم» ولقوله «أنا وعلي من نور واحد» لأنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم كالباء وعلي عليه السلام كالنقطة تحتها، لأنّ الباء لا تعين إلا بالنقطة، كما أن النبي لا يتكمل إلا بالولاية، ومن هنا كان لولا علي لما خلقتك يا رسول الله فأفهم تعغنم والله الهادي إلي

[ صفحه 236]

الحق، وعلي هذا الاساس فانه لا بد للرسالة السماوية من حجج وائمة بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وما أثبت هذا في محله من علم الكلام. لأنّ الأرض لا تخلو من حجة وامام في كل زمان، وأنه «من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» وهذا علي عليه السلام امام واب الأئمة المعصومين عليهم السلام كلهم خلقوا من أجل هذا الدين الحنيف الذي روحه العبودية لله رب العالمين برسالة رسوله وخلافة هؤلاء الأئمة الامناء علي الدين، وصفوة الله وخزان علمه... عليه السلام.

اذن العلة التامة كما قلنا في كمالاتها وصفاتها التي هي مظهر لاسماء الله وصفاته هو رسول الله محمد صلي الله عليه وآله وسلم وهذا الإنسان الكامل والمخلوق الاتم _ محمد

صلي الله عليه وآله وسلم _ لابد لمثل هذه العلة النورانية والكلمة الالهية التامة من معلول يشابهه ويناسخه لقانون العلة والمعلول كما هو ثابت في الفلسفة والحكمة المتعالية ويكون عندئذ هو نفسه وهو أمير المؤمنين اسد الله الغالب علي بن ابي طالب عليه السلام ومما يدل علي ذلك هو آية المباهلة، فيظهر من هذا كله معني ولولا علي لما خلقتك.

ولولا فاطمة لما خلقتكما

وذلك لكو فاطمة عليها السلام أم ابيها فهي جمعت الكمالات المحمدية وكانت مظهراً للصفات الربوبية وهي بقية النبوة ولولاها لما قام بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم للدين عمود ولا أخضر له عود بنورها زهرت السماوات العلي.

وكذلك كونها ام الأئمة. وهي الوعاء الطاهر لذرية النبي صلي الله عليه و آله وسلم، وهي الكوثر الذي لا ينقطع عطاؤه... ومنها الامتداد العلوي لأئمة أهل البيت عليهم السلام، فاذا عرفنا ذلك أدركنا عظمة الزهراء وحكمة وجودها لأنّ صلاح العالم كله انما يكون وينطلق من ابناءها ويكفي دليلا علي ذلك، ان يكون صلاح العالم، واصلاح الدنيا اليوم، بواحد من ابناء فاطمة عليها السلام وهو الإمام المهدي عليه السلام يقول الرسول الاعظم محمد صلي الله عليه و آله وسلم «المهدي من ولد فاطمة».

اذا فإن فاطمة الزهراء، هي الصديقة الكبري، وهي الكوثر المتدفق بالعطاء، وهي

[ صفحه 237]

أم الأئمة الطاهرين، ولولاها، لانعدمت الحكمة، من وجود الإسلام، وتكوين الحضارة، لأن الحضارة إنما قامت بأبناء فاطمة أخذاً من الإمام الحسن والحسين، وعلي بن الحسين والباقر والصادق... ومروراً بالإمام الكاظم، والرضا والجواد، وانتهاءً بالإمام الهادي، والعسكري والإمام الحجة المنتظر عليهم افضل الصلاة وأزكي السلام.

ومن هنا جاء في تعريف فاطمة، أنها ليلة القدر.. وأن الذي يعرف حقها،

وقدرها يدرك ليلة القدر، ويستوعب مفهوم هذه الليلة العظمية التي نزل فيها القرآن هدي للناس، وبينات من الهدي والفرقان، ولا يتحقق هذا المعني من وجود الهداية، والبينات إلاّ بوجود الأئمة المعصومين، من أبناء فاطمة... [330] .

والنتيجة هي: أنه لولا فاطمة، لما كان هناك حكمة من وجود الاسلام، وعلي هذا الاساس، دون هذا المنطلق، تنتفي حكمة البعثة، وإذا لم يبعث النبي، لم يوجد الوصي، وهكذا نجد أن هذه المسألة علي عمقها، فإنها واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، ولذلك جاء هذا الحديث القدسي، جامعا، معبراً، قال: «يا أحمد _ لولاك، لما خلقت الافلاك، ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة، لما خلقتكما...».

[ صفحه 243]

فاطمة والولاية التكوينية

اشاره

الشيخ علي مديحلي العاملي

أدمت خش___اشة ف__اطم الام__ها

م_ذ ض_م والده_ا الع_ظيم رغ__امها

ودت غ__داة ب__فقده ق__د اثك_لت

لو زاده__ا م_ن ق_بل ذاك ح_مام_ها

ت__بكي وم__ا بكت الف_وائد م_ثلها

م___ولي ت__ضن ب__مثله اي__امها

ك__م ك_ابدت م_حنا ت_نوء ب_حملها

ه_مم الرج_ال ويش_تكي ض_رغام_ها

ام الأئ_مة ب__نت م_ن ب__لغ الذري

م_جدا أظ__لما ت__خفي أع___لامها

ب_الله ك__يف ت_ضام زج_راً ب_عدما

م__دح الاله له__ا وب__ان م__قامها

شلت ي_د م_دت إلي ح_رم اله__دي

ك_انت ت__عنفها وخ__اب م_رام_ها

ش__اءوا م__ذلتها ب_ظعن م_حمدٍ

ف_عدا ع__لي ب_يت الن_بي لئ___امها

ت__باً لم__ن ق_اد اله_جوم لب_يتها

ب___عد الن__بي وم___اثناه ك_لامها

ت_باً لم_ن أم__ر الل_عين ب_ضربها

ف_ازداد م__ن الم الس_ياط س_قام__ها

ت_باً لغ__اصبها وك__اسر ض_لعها

ح__تي ي___تم له ب__ذاك ن__ظامها

وج___نينها لا ت__ذكرن ج__نينها

ف__بذكره ع___يني ي__زول م_نامها

ولعينيها بكت الم__لائك ف_ي الس_ما

وك__ذا ام_ير الم__ؤمنين ام___امها

له_في ع_ليها م_ذ ق_ضت وب_جنبها

أس__د الاله وق__د اب__يح ذم__امها

ق_د ق_يد الص_بر الج_ميل حس_امه

وب_حده ك__ل الام__ور (حس_امها)

[ صفحه 243]

فاطمة عليها السلام والولاية التكوينية

من المواضيع المهمة التي اخذت حيزاً كبيراً في العقائد الشيعية هي مسألة الولاية التكوينية حيث كانت بين النفي والاثبات عند بعض علماء الكلام، وسوف نتطرق إلي اثباتها علي ضوء الكتاب الكريم والسنة الشريفة، وينبغي أولا وقبل كل شيء بسط الكلام في معرفتها وبيان معناها وحدودها الشرعية التي أثبتها الباري عزوجل للانبياء والأوصياء بما فيهم خاتم الرسل محمد صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين فالولاية المطلقة التي كانت للرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته انما كانت علي جميع اصناف المخلوقين من الجهاد والنبات والحيوان والإنسان والملائكة، وبتعبير ادق الولاية هي باطن النبوة المطلقة، وصاحبها هو الموسوم بالخليفة الاعظم وقطب الاقطاب والإنسان الكبير، وآدم الحقيقي المعبر عنه بالقلم الاعلي والعقل الأوّل والروح الاعظم وإليه اشير في الحديث الشريف الوارد عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أول ما خلق الله نوري وكنت نبياً وآدم بين الماء والطين» وإليه استند كل العلوم والاعمال، وإليه ينتهي جميع المراتب والمقامات نبياً كا أو ولياً، ورسولاً كان او وصياً

وقد قال بعض الأعلام في هذه الولاية [331] : فحقيقة الولاية الرتق والفتق في المولي عليه ما بإمساكه عما عليه وجربه فيما له.

وبعبارة أخري: استحقاق تربية المملوك: لكونه أولي به من نفسه، فهو اسم له تعالي باعتبار أولويته بخلقه من أنفسهم، ثم إن هذه الولاية منشأها هو احتواء الولي للمولي عليه قادراً علي الاستبداد به، الذي

هو حقيقة الملك فهو الولاية الحقيقية، وإما منشأها الخلافة من المولي الحقيقي؛ لكونه متعالياً عن مجانسة مخلوقاته وجليلاً عن ملائمة كيفياتهم، فينصب الخليفة لتربية المملوكين ماهو يتسحقه منهم عليه؛ لحفظ

[ صفحه 244]

علو شأنه وصون ضياع مماليكه عماله عليهم.

مثلاً من لوازم ولايته تعالي علي العباد بذل مالهم، ووقف أنفسهم عليه تعالي، وتفديتهم انفسهم واولادهم فلما كان غنياً عن ذلك، ومنزها عما هو من صفات المخلوقين، وكان عباده لا يظهر صدقهم وحقيقة عبوديتهم إلا بأمثال ذلك من لوازم العبودية، فنصب الخليفة لمثل هذه اللوازم؛ لأن ترتبها عليه والعباد ملتزمون بها فقال: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) فالرسول والمؤمنون إنما هم خلفاؤه تعالي في الولاية لا شركاؤه تعالي أن يكون له ولي من الذل عواً كبيراً.

اقول: لقد بين من خلال قوله هذا حقيقة الولاية التكونية بالوجه العقلي، مع اختصاص الولاية الحقيقية لله تعالي بنحو لا ينقدح في ذهن أحد فيه غلو والشرك.

وقال بعض العارفين [332] : اعلم أنه لما اقتضت الكلمة الالهية الجامعة لجميع الكلمات، المشتملة علي الاسماء الحسني والصفات العليا بسط مملكة الايجاد والرحمة، ونشر لواء القدرة والحكمة باظهار المملكات، وايجاد المكونات، وخلق الخلائق، وتسخير الامور وتدبيرها، وكانت مباشرة هذا الامر من الذات القديمة الأحدية بغير واسطة بعيدة جداً. والاحسن ان يقال: واقتضت الحكمة الازلية عدم مباشرة الامور بذاته المقدسة، بل اقتضت الوساطة؛ كما أشير إليه في بعض الاخبار، وذلك لأنّ التعبير المذكور ربما يعطي عدم امكان المباشرة بلا واسطة، مع انه لا ريب في امكان ذلك له تعالي بقدرته، نعم لا بالمباشرة الحسية بل بالقدر والخلق لكل شيء حين لزومه

بلا واساطة فتدبر تفهم، لبعد المناسبة بين عزة القدم وذلة الحدوث [333] .

فقضي سبحانه بتخليف نائب عنه في التصرف والولاية والحفظ والرعاية، فلا محالة له وجه له القدم يخلف عنه في التصرف، وخلع عليه خلع جميع أسمائه وصفاته، ومكنه في مسند الخلافة بالقاء مقادير الامور إليه واحالة الجمهور عليه. فالمقصود من وجود العالم أن يوجد الإنسان، الذي هو خليفة الله في العالم، فالغرض من الاركان

[ صفحه 245]

حصول النباتات، ومن النباتات حصول الحيوانات، ومن الحيوان حصول الإنسان، ومن الإنسان حصول الارواح، ومن الارواح الناطقة حصول خليفة الله في الأرض كما قال الله تعالي: (إني جاعل في الأرض خليفة). فالنبي لابد من أن يكون آخذاً من الله، متعلما من لدنه، معطيا لعباده، هاديا لهم، فهو واسطة بين العالمين سمعا من جانب ولسانا إلي جانب، وهكذا حال سفراء الله إلي عباده وشفعاء يوم تناده، فلقلب النبي بابان مفتوحان: باب مفتوح إلي عالم الملكوت، وهو عالم اللوح المحفوظ، ومنشأ الملائكة العليمة والعملية، وباب مفتوح إلي القوي المدركة؛ ليطلع علي سوانح مهمات الخلق، فهذا النبي يجب ان يلزم الخلائق في شرعه الطاعات والعبادات؛ ليسوقهم بالتعويد عن مقام الحيوانية إلي مقام الملكية، فان الأنبياء رؤوس القوافل.

وقال في الفرق بين النبوة والولاية: اعلم أن النبوة وضع الآداب الناموسية والولاية كشف الحقائق الالهية، فان ظهر من النبي تبين الحقائق فهو بما هو ولي، فان كل نبي ولي ولا عكس، لان النبي كمرآ لها وجهان: وجه إلي الخلق، ووجه إلي الخلق، فولايته من وجهه إلي الحق، ونبوته من وجهه إلي الخلق.

وقيل: النبوة وضع الحجاب، والولاية رفع الحجاب؛ لأنّ دفع الفساد أهم في نظر النبي، وهو لايتأتي

إلاّ بوضع الحجاب.

وفي شرح الصحيفة السجادية علي منشيها آلاف الثناء والتحية ماملخصه: الولي فعيل: بمعني المفعول، وهو من يتولي الله أمره كما قال تعالي: (وهو يتولي الصالحين) [334] وقيل: بمعني الفاعل أي الذي يتولي عبادة الله، ويوالي طاعته من غير تخلل معصية، وكلا الوصفين شرط في الولاية.

وقال المتكلمون: الولي من كان آتيا بالاعتقاد الصحيح المبني علي الدليل، وبالأعمال الشرعية، والتركيب يدل علي القرب، فكأنه قريب منه تعالي لاستغراقه في أنوار معرفته وجمال جلاله.

وقيل في بيانه: الولي من يتولي الله تعالي بذاته أمره، فلا تصرف له اصلا اذ

[ صفحه 246]

لا وجود له ولا ذات ولا فعل، ولا وصف، فهو الفاني بيد المفني يفعل ما يشاء حتي يمحو رسمه واسمه ويمحق عينه وأثره، ويحييه بحياته ويبقيه ببقائه، هذا عام يشمل غير الأئمة عليهم السلام. وقيل: الولي هو المطلع علي الحقائق الالهية، ومعرفة ذاته تعالي وصفاته وأفعاله كشفاً وشهوداً من الله خاصة من غير واسطة ملك أو بشر. وقيل: هو من تثبت له الولاية، التي توجب لصاحبها التصرف في العالم العنصري، وتدبيره باصلاح فساده واظهار الكمالات فيه، لاختصاص صاحبها بعناية الهية توجب له قوة في نفسه، لا يمنعها الاشتغال بالبدن عن الاتصال بالعالم العلوي، واكتساب العلم الغيبي منه في حال الصحة واليقظة، بل تجمع بين الأمرين لما فيها من القوة التي تسع الجانبين، والولاية بهذا المعني مرادفة للامامة عند الامامية. وفي الكلمات المكنونة للمولي العارف الكامل الفيض الكاشاني (رضوان الله تعالي عليه) كلمة فيها اشارة إلي النبوة والولاية: الإنسان الكامل اما نبي او ولي ولكل من النبوة والولاية اعتباران: اعتبار الإطلاق، واعتبار التقييد، أي العالم والخاص. فالنبوة المطلقة وهي النبوة

الحقيقية الحاصلة في الأزل، الباقية إلي الابد، وهو اطلاع النبي المخصوص لها علي استعداده من حيث انه الانباء الذاتي والتعليم الحقيقي الازلي المسمي بالربوبية العظمي والسلطنة الكبري. وصاحب هذا المقام هو الموسوم بالخليفة الأعظم، وقطب الأقطاب، والإنسان الكبير، وآدم الحقيقي المعبر عنه بالقلم الاعلي، والعقل الأوّل، والروح الاعظم، وإليه الاشارة بقوله صلي الله عليه وآله وسلم: أول ما خلق الله نوري، وكنت نبياً وآدم بين الماء والطين ونحو كان او وليا، رسولا كان او وصيا. وباطن هذه النبوة هي الولاية المطلقة، وهي عبارة عن حصول هذه الكمالات بحسب الباطن في الأزل وبقائها إلي الأبد، ويرجع إلي فناء العبد في الحق وبقائه به، وإله الاشارة بقوله: أنا وعلي من نور واحد، وخلق روحي وروح علي ابن ابي طالب قبل أن يخلق الخلق بألفي عام، وبعث علياً مع كل نبي سراً ومعي جهرا، وبقول امير المؤمنين عليه السلام: كنت وليا وآدم بين الماء والطين إلي غير ذلك. والنبوة المقيدة هي الأخبار عن الحقائق الالهية أي معرفة ذات الحق وأسمائه وصفاته وأحكامه، فان ضم مع تبليغ الاحكام والتأديب بالاخلاق

[ صفحه 247]

والتعليم، وبالحكمة والقيام بالسياسة، فهي النبوة التشريعية وتختص بالرسالة، وقس عليها الولاية المقيدة. فكل من النبوة والولاية من حيث هي صفة الهية مطلقة، ومن حيث استنادها إلي الأنبياء والأولياء مقيدة، والمقيد متقوم بالمطلق، والمطلق ظاهر في المقيد فنبوة الأنبياء كلهم جزئيات النبوة المطلقة، وكذلك ولاية الأولياء جزئيات الولاية المطلقة، ولكل من الاقسام الاربعة ختم، أي مرتبة ليست فوقها مرتبة اخري، ومقام لانبي علي ذلك المقام ولاولي سوي الشخص المخصوص به، بل الكل يكون راجعا إليه وان تأخر وجود طينة صاحبه فانه بحقيقته موجودة

قبله. وخاتم النبوة المطلقة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم وخاتم الولاية المطلقة امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والنبوة المقيدة انما كملت وبلغت غايتها بالتدريج، فأصلها تمهد بآدم عليه السلام ولم تزل تنمو وتكمل حتي بلغ كمالها نبينا صلي الله عليه وآله وسلم ولهذا كان خاتم النبيين، وإليه الاشارة بما روي عنه صلي الله عليه وآله وسلم: مثل النبوة مثل دار معمورة لن يبق فيها إلاّ موضع لبنة، وكنت انا تلك اللبنة، او لفظ هذا معناه. وكذلك الولاية المقيدة انما تدرجت إلي الكمال حتي بلغت غايتها إلي المهدي الموعود ظهورة، الذي هو صاحب الأمر في هذا العصر، وبقية الله اليوم في بلاده وعباده (صلوات الله وسلامه عليه وعلي آبائه المعصومين). وقال بعضهم [335] : الولاية هي قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه، وعند ذلك يتولي الحق إيّاه حتي يبلغه مقام القرب التكمين، وشرحه بعضهم بقوله: الولاية مأخوذة من الولي وهو القرب ولذا يسمي الحبيب وليا، لكونه قريبا من محبه، وفي الاصطلاح: هو القرب من الحق وهي عامة وخاصة، والعامة حاصلة لكل نبي آمن بالله وعمل صالحا، والخاصة هي الفناء في الله ذاتا وصفة وفعلا، فالولي هو الفاني في الله القائمن به الظاهر بأسمائه وصفاته. وعن السيد نعمة الله الجزائري رحمة الله قال: الولاية بقاء العبد بالحق في حال الفناء. وقيل: هي التخلق بأخلاق الله تعالي بأخلاق الله تعالي والفناء بعد الفناء وصحو بعد المحو. وقال السبزواري في شرحه علي الاسماء الحسني ص 9: الولي له معان كثير منها: المتولي لأمور العالم التصرف فيه، إلي ان قال: وهو بما هو ولي أتم

[ صفحه 248]

وأكمل منه بما هو

نبي، لأن ولايته جنبته الحقانية واشتغاله بالحق ونبوته وجهه الخلقي وتوجيه اليهم. ولا شك في أن الاولي اشرف لكونها أبدية، بخلاف الثانية فانها منقطعة. فاذا سمعتم يقولون: الولاية أفضل من النبوة، فيعنون ذلك في شخص واحد وهو: ان النبي من حيث هو ولي افضل من حيث هو نبي لا الولي التابع، هذه بعض التعارف في معني النبوة والولاية في كلمات القوم وهناك تعاريف متقاربة اللفظ والمعني حاصلها يرجع إلي الولاية الحقيقية التي بيناها، فما ذكرنا من التعاريف يشير إلي تعريفها الحقيقي الوجداني الجامع ولكن معلوم لدينا ان احاديثهم عليهم السلام من الصعب المستصعب، وان بعص الاحاديث المأثورة تشير إلي حقيقة ولايتهم التي منحها الله تعالي اياهم وهي من غوامض اسرارهم ومعارفه، فأصل حقيقتها لم يحتملها احد بل هي امر مخصوص بهم، وربما منحوا بعض شؤونها للاولياء الخلص، اذن فأصل الولاية لم تظهر حقيقتها لأحد،وأما ما سمعت من التعاريف لها فهي التي عرضها كل منهم عليحسب دركه وإلاّ فحقيقتها بعد مبهمة علينا والوجه في ذلك عدم قابليتنا لدركها كما أشير إليه في بعض الاحاديث، ففي البصائر عن جابر قال عليه السلام «يا جابر ماسترنا عنكم أكثر مما أظهرنا لكم». وفي حديث مفضل في البصائر قوله عليه السلام: «فأحسن الحديث حديثنا، ال يحتمل احد من الخلائق أمره بكماله حتي يجده، لأنه من حد شيئا فهو اكبر منه». ولذا تري الأئمة عليهم السلام انما بينوا ولايتهم المطلقة التكوينية ببيان آثارها اما علماً أو عملا اما الأول: فكا الاحاديث الواردة في بيان شؤون ولايتهم بالسنة وهي مختلفة التي منها الزيارة الكبيرة.

وأما الثاني: فكالمعجزات التي صدرت عنهم فانها تحكي حقيقة ولايتهم التكوينية وهي أكثر من أن تحصي وقد ذكر

كثيراً منها السيد السند السيد هاشم البحراني رضي الله عنه في كتاب مدينة المعاجز، فراجع.

وهكذا القران الكريم ايضاً فانه سبحانه وتعالي بين فيه غالباً ولاية أولياته بأفعالهم الغريبة التي أقدرهم الله عليها، وكما سيأتي بيان ذلك.

الولاية التكوينية يمكن أن تعرف بأنها: القدرة والقابلية علي التصرف في التكوينات مطلقا من قبل النبي والأوصياء عليهم السلام وبأذن الله تعالي وليست بالاستقلال

[ صفحه 249]

ويمكن اعطاء معني آخر لهذه الولاية بان نقول: ان الولاية تكوينية الثانية بالوجدان للنبي والأئمة عليهم السلام ومن الأحاديث الشريفة ومن القرآن نفسه هو انه تعالي لما كانت ذاته المقدسة علم وقدرة كله ونور كله كما في توحيد الصدوق [336] ، بإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لم يزل الله جل وعز ربنا، والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته والامبصر، والقدرة ذاته ولا مقدرة فلما أحدث الاشياء وكان المعلوم وقع العلم علي المعلوم، والسمع علي المسموع، والبصر علي البصر والقدرة علي المقدور. وأراد أن يخلق لكي يعرف، فخلق كلهم مظاهر لعلمه وقدرته و نوره، أي وجوده، فجميع مافي الوجود مظاهر لصفاته وأفعاله، فالموجودات لها مراتب مختلفة في اتصافها بالمظهرية حسب اختلافها في القرب إليه تعالي والبعد عنه تعالي، فكل موجود كان أقرب إليه تعالي كان أكثر مظهراً لصفاته وأفعاله تعالي.

ومن المعلوم أن المستفاد من الآيات والاحاديث هو: أن أول الموجودات قرباً حدوثاً وبقاءً بالنسبة إليه تعالي هو أرواح محمد وآله الطاهرين الأئمة المعصومين عليهم السلام.

فلذا هم المظاهر الاتم لصفاته وافعاله تعالي، فكل موجود كان أتم وأكمل في المظهرية فهو أكبر من آية وعلامة ودليلاً عليه تعالي، وحيث

لا أقرب إليه تعالي ولا أتم في المظهرية منهم عليهم السلام فهم الآية الكبري.

ولذا قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم والوصي عليه السلام: «مالله آية أكبر مني» وجهة كونهم أتم المظاهر؛ لكونهم أقرب الموجودات إليه تعالي، ولأنّ علمه تعالي وقدرته ونوره أكثر ظهوراً فيهم عليهم السلام وذلك لانهم الاسماء الحسني.

ففي كتاب التوحيد من الكافي، في باب النوادر باسناده عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل: (ولله الاسماء الحسني فادعوه بها) [337] قال: نحن والله الاسماء الحسني التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا [338] .

[ صفحه 250]

وشرحه الاجمالي ما قاله الصادق عليه السلام ففيه في ذلك الباب باسناده عن مروان ابن صباح قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: ان الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، و لسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة علي عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتي منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الاشجار، وأينعت الثمار، وجرت الانهار، وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبدالله، ولولا نحن ما عبدالله، هكذا غيره من الاحاديث الأخر.

ولازم ذلك هو أن آثار القدرة وآثار العلم فيهم عليهم السلام أكثر ظهوراً مما ظهر من غيرهم، ومن المعلوم أن قدرته تعالي هي النافذة في الاشياء والمتصرفة فيها، بل لا وجود لغيره تعالي مطلقا إلاّ بالقدرة، فحينئذ لازمه أن قدرتهم هي قدرة الله الظاهرة فيهم عليهم السلام النافذة في الاشياء بإذنه تعالي، فهم بهذا المعني أولياؤه تعالي أي المتصرفون بإذنه في الوجود، وهذا معني الولاية التكوينية [339] .

وعلي أساس هذا

البيان الذي قدمناه في معني الولاية وتعريف الولاية التكوينية، وكلام القوم فيها، سوف يكون بحثنا في مقامين:

المقام الأوّل: امكان وقوع الولاية التكوينية.

المقام الثاني: الولاية التكوينية لفاطمة عليها السلام.

امكان وقوع الولاية التكوينية

اختلف العلماء الاعلام في امكان الولاية التكوينية ووقوعها في ثلاث أقوال:

1 _ فمنهم من قال لا وجود للولاية التكوينية في القرآن ولا يوجد دليل واحد يدل عليها، واستدل علي ذلك بان القرآن الكريم نفسه يؤكد علي ان النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم لا يملك من أمره شيئاً إلاّ ماملّكه الله بشكل طاريء... وايضاً الأنبياء لا يملكون ان

[ صفحه 251]

يقدموا أي شيء فيما يقترحه الناس، ولو كانوا يملكون لاستجابوا لاقتراحات الناس.

2 _ القول الثاني يقول بامكان هذه الولاية التكوينية للانبياء والأوصياء ولكن اختلف في وقوعها أو عدم وقوعها.

3 _ والقول الاخير يقول بامكان هذه الولاية وانها وقعت في المحيط الخارجي واستدل هذا الاخير بعدة أدلة قدمها لكي تكون له برهان علي مصداقية هذه المسألة. وقبل أن مختار أي الاقوال هو الصحيح؟ لابد لنا من الوقوف مع المصدر الأوّل الذي أمرنا الله تعالي بالرجوع إليه والذي هو (تبياناً لكل شيء) والذي نعتبره اهم مصادرنا التي نستدل به علي كثير من القضايا بل كل الوقائع وهو القران الكريم.

اقول: لابد لنا من استنطاق القرآن الكريم ليخبرنا عن امكان هذه المسألة وامكان وقوعها في الخارج، وعليه لابد من ان نوضح مسألة مهمة قبل الدخول في بحث القرآن الكريم لاثبات هذه القضية، وهي ان كل مانقوله في شأن هذه الولاية التكوينية ولمن ثبتت له نقول انما تكون بالتبع لا بالذات ولا بالاستقلال فانه لا يوجد من يقول من العلماء بأنه

هذه الولاية انما تكون بالذات كلا والف كلا فان كل من قال بها انما يقول هي بالذات وبالاصل لله تعالي وبالتبع وبالتفرع للانبياء والأوصياء عليهم السلام فلابد لنا ونحن نقف مع هذا البحث المهم أن نتذكر في كل استدلالاتنا هذا الاصل أي انها بالتبع لابالذات.

السؤال المطروح الآن هو: هل توجد آيات قرآنية تدل علي امكان هذه الولاية او بتعبير ادق علي وقوع هذه الولاية التكوينية؟ والجواب: جاء في لسان القرآن الكريم عدة آيات مباركة تدل علي امكان وقوعها بل انها وقعت لكثير من الأنبياء، وليس هذا مجرد قول من دون دليل او برهان علمي يصدق هذه المسألة بل لتوضيح الأمر لابد لنا ان نقف مع هذه الايات لكي نعرف مدي دلالاته علي هذه المسألة ومنها:

قوله تعالي: (... أنّي اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً

[ صفحه 252]

بأذن الله وأبرئ الأكمة والابرص وأحي الموتي بأذن الله) [340] .

فالمستفاد من هذه الآية هو نسبة الخلق إلي غير الله تعالي كما يشعر به قوله تعالي (فتبارك الله أحسن الخالقين) حيث الله هو الخلق الحقيقي، وفي هذه الآية نسب الله تبارك وتعالي الخلق إلي عيسي عليه السلام وعليه هذه التصرفات التي صدرت من عيسي عليه السلام واثبتها القرآن الكريم انما هي كانت منصبة علي التكوينات مثل خلق الطير أي جمع اجزاءه وكذلك ابراء الاكمة والابرص الذين هم في خلقتهم خلل تكويني، والاعظم من هذا كله هو احياء الموتي، وهل هذا إلاّ في دلالة كبيرة علي عظمه الأنبياء وعلي الولاية العظيمة التي اعطاها الله تبارك وتعالي لهم والتي نعبر عنها بالولاية التكوينية أي الولاية العظيمة التي اعطاها الله تبارك

وتعالي لهم والتي نعبر عنها بالولاية التكوينية أي التصرف في التكوينيات، علي ان قوله تعالي «بأذن الله» الذي تكرر في الآية المباركة مرتين سيق للدلالة علي ان صدور هذا التصرف التكويني عبر الآيات الباهرات للعقول من عيسي عليه السلام انما كان مستنداً إلي الله تعالي من غير ان يستقل عيسي عليه السلام بشيء من ذلك وانما كرره تكراراً يشعر بالاصرار منه تعالي بالوهيته استدلالا بالايات المعجزة الصادرة عنه، ولذا كان يقيد كل آية يخبر بها عن نفسه مما يمكن ان يضلوا به الخلق والاحياء بأذن الله. وفي ذلك يقول العلامة السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان وظاهر قوله: أني أخلق لكم «الخ» ان هذه الايات كانت تصدر عنه صدوراً خارجيا لا ان الكلام مسوق لمجرد الاحتجاج والتحدي، ولو كان مجرد قول لقطع العذر واتمام الحجة لكان من حق الكلام ان يقيد بقيد يفيد ذلك كقولنا: ان سألتم او اردتم او نحو ذلك. علي ان ما يحكيه الله سبحانه من مشافهته لعيسي يوم القيامة يدل علي ان وقوع هذه الايات أتم الدلالة، قال: (اذ قال الله يا عيسي بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلي والدتك _ إلي ان قال _ واذ تخلق من الطين كهيئة الطير بأذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بأذني وتبريء الاكمة والابرص بأذني واذ تخرج الموتي) [341] ومن هنا يظهر فسد ماذكره بعضهم: أن قصاري ما تدل عليه الآية ان الله سبحانه جعل في عيسي بن مريم هذا السر، وان احتج علي الناس بذل وأتم الحجة عليهم بحيث لو سألوه شيئاً من ذلك لأتي به، أما ان كلها او بعضها فلا دلالة فيها علي ذلك [342] وعلي اساس هذا البيان يظهر لنا من خلال

التمعن والتدقيق في مدلولات هذه الآية اضافة إلي آيات اخري الولاية التكوينية لنبي الله عيسي وعلي ضوء الاساس والاصل الذي اعتمدناه في مقدمة حديثنا الذي نقول فيه ان الولاية التكوينية انما هي بالتبع لا بالاستقلال لذلك نجد ان الآية المباركة تقول بأذن الله أي جعلت الولاية والتصرف في التكوينات باذن الله تعالي لا بالاستقلال، وعليه ثبوت هذا القول بهذا البيان، تكون هذه الولاية ايضا ثابتة لاهل البيت عليهم السلام وذلك لأنهم عليهم السلام افضل من جميع الأنبياء وكيف وقد ثبت لنا بالادلة النقلية ان عيسي عليه السلام يصلي خلف الإمام المهدي عند ظهورة الشريف هذا ملخص البيان في الآية الاولي التي أثبت الولاية التكوينية وعلي لسان القرآن الكريم.

أما الآية الثانية فهي في قصة سليمان وملكة سبأ: (قال يا ايها الملؤ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أشكر ام أكفر...) [343] والذي يهمنا في هذه الايات قوله تعالي «قال الذي عنده علم من الكتاب» الذي يستفاد منه ان الذي عنده علم من الكتاب انما قال قوله هذا قبال من كان من الجن وهذا يدل علي انه كان من الانس، وقد وردت الروايات عن ائمة أهل البيت عليهم السلام انه كان آصف بن برخيا وزير سليمان وانه كان كما قيل عنده اسم الله الأعظم، وقد تصرف آصف بن برخيا في التكوينات عن طريق ولايته، في ذلك حيث نقل عرش بلقيس بأقل من طرفة عين، وهذا

فيه دلالة واضحة علي ولايته التكوينية علي انه لم تقل الآية المباركة التي جاءت لسياق بيان هذه الولاية انها كانت بأذن الله تعالي وانما بينت القضية عن طريق العلم الذي بحوزته من الكتاب، والمراد من هذا الكتاب الذي هو مبدأ هذا العلم العجيب الذي جعله يتصرف هذا التصرف اما جنس

[ صفحه 254]

الكتب السماوية او اللوح المحفوظ والعلم الذي أخذه هذا العالم منه كان علما يسهل الوصول إلي هذه البغية، وهذه كله ليس فيه تنافي من ان تكون ولايته بأذن الله تعالي لأنه هو الذي اعطاها له، وعليه تكون هذه الولاية مطابقة للاصل الذي يقول بالتبع لا بالإستقلال وقد ذكر المفسرون انه كان يعلم اسم الله الاعظم اذا سئل به اجاب ذكر بعضهم ان ذلك الاسم هو الحي القيوم، وقيل: ذو الجلال والاكرام وقيل: الله الرحمن وقيل: هو العبرانية آهيا شراهيا، وقيل: انه دعا بقوله: يا الهنا واله كل شيء الها واحدا لا اله إلاّ انت اتيني بعرشها إلي غير ذلك مما قيل. علي انه من الحال _ علي ما ذكره المفسرون _ ان يكون الاسم الاعظم الذي له التصرف في كل شيء من قبيل الالفاظ ولا المفاهيم التي تدل عليها وتكشف عنها الالفاظ بل ان كان هناك اسم له هذا الشأن او بعض هذا الشأن فهو حقيقة الاسم الخارجية التي ينطبق عليها مفهوم اللفظ نوعاً من الانطباق وهي الاسم حقيقة واللفظ الدال عليها اسم الاسم، ولم يرد في لفظ الآية نبأ من هذا الاسم الذي ذكروه بل الذي تتضمنه الآية انه كان عنده علم من الكتاب وانه قال: انا آتيك به، ومن المعلوم مع ذلك ان الفعل فعل الله حقيقة،

وبذلك كله يتحصل انه كان له من العلم بالله والارتباط به مااذا سأل ربه شيئا بالتوجه إليه لم يتخلف عن الاستجابة وان وتبين مما تقدم ايضا ان هذا العلم لم يكن من سنخ العلوم الفكرية التي تقبل الاكتساب والتعلم [344] وعلي كل حال فان الآية المباركة اثبتت الولاية التكوينية في التصرف في الاشياء من خلال اسم الله الاعظم، فتكون هذه الآية الثانية في اثبات حقيقة الولاية لوصي نبي من الأنبياء وهو اصف بن برخيا.

(واذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحي الموتي قال أو لم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم أجعل علي كل جبل منهن جزءً ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم) [345] .

وهذا الآية من الايات التي استدل بها علي الولاية التكوينية وامكان وقوعها في الواقع الخارجي وعلي ضوء المصدر الأوّل للمسلمين القرآن الكريم وبيان الحال فيها

[ صفحه 255]

يكون علي ضوء التقرير المستفاد من هذه الآية المباركة وهو كالاتي: ان ابراهيم عليه السلام طلب من الله تعالي الرؤية في قضية احياء الموتي وانه كيف يحي الله الموتي، وليس المراد من الله تعالي البيان الاستدلالي لابراهيم في هذه القضية فان الأنبياء، وليس المراد من الله تعالي البيان الاستدلالي لابراهيم في هذه القضية فان الأنبياء مثل ابراهيم الخليل ارفع قدرا وشأنا من ان يعتقد البعث ولا حجة له عليه، والاعتقاد النظري من غير حجة عليه ما اعتقاد تقليدي أو ناشيء عن اختلال فكري وشيء من هذا القبيل لا ينطبق علي ابراهيم عليه السلام، علي أنه سأل بلفظ كيف وانما يستفهم بكيف عن خصوصية وجود الشيء لا عن اصل

وجوده فانك اذا قلت: ارأيت زيداً كان معناه السؤال عن تحقق اصل الرؤية، واذا قلت كيف رأيت زيدا كان اصل الرؤية مفروغاً عنه وانما السؤال عن خصوصيات الرؤية، فنظر انه انظر سأل البيان بالإرائة والإشهاد لا بالإحتجاج والإستدلال.

علي ان إبراهيم إنما سأل عن يشاهد كيفية الاحياء لا أصل الاحياء كما ان ظاهر قوله: كيف تحي الموتي، والسؤال بأجزائها الذي به تلبس الحياة، ويرجع محصلة اي السؤال عن السبب وكيفية تأثيره، وهذا بوجه هو الذي يسميه الله سبحانه بملكوت الاشياء في قوله تعالي عز من قائل: (انما امره اذا اراد ان يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون) ولقد اعطي الله تبارك وتعالي القدرة علي التصرف عن طريق ولاية او عن طريق قوة او شيء آخر في احياء الطيور الاربعة، وقضية احيائها انما عن طريق التصرف في التكوينيات بواسطة قوة مؤثرة فاعلة حقيقية جعلها الباريء علي يد ابراهيم عليه السلام وليس مثل ماتوهم بعضهم من دعوة ابراهيم للطيور في احيائها وقول عيسي عليه السلام لميت عند احيائه: قم بأذن الله وجريان الله تعالي في الفاظهم المؤلفة من حروف الهجاء، او في ادراكهم التخيلي الذي تدل عليه الفاظهم نظير النسبة التي بين الفاظنا العادية ومعانيها وقد خفي عليهم ان ذلك انما هو عن اتصال باطني بقوة الهية غير مغلوبة وقدرة غير متناهية هي المؤثرة الفاعلة بالحقيقة، وعلي أي حال انما امر الله تعالي نبيه ابراهيم الخليل بأخذ اربعة من الطير ليعرفها فلا شك فيها عند اعادة الحياة اليها، ولا ينكرها، وليري ما هي عليه من

[ صفحه 256]

الإختلاف والتغير اولا وزوالها ثانيا، وقوله تعالي فصرهن اليك ثم

اجعل علي كل جبل منهن جزءا اي اذبحهن وبدد اجزائهن واخلطها ثم فرقها علي الجبال، الموجودة هناك لتتباعد الاجزاء وهي غير متميزة، وقوله ثم ادعهن أي ادع الطيور يأتنيك سعيا، أي يتجسدن واتصفن بالاتيان والاسراع اليك. والذي نريد القول به من كل هذا البيان ان الله تعالي اجري الولاية التكوينية علي يد ابراهيم الخليل وبأذنه تعالي حيث يقول الباري عزوجل: فخذ، فصرهن، ثم اجعل بصيغة الأمر ويقول ثم ادعهن يأتينك فان الله تعالي جعل إتياهن سعيا وهو الحياة مرتبطا متفرعا علي دعوة ابراهيم نفسه فهذه الدعوة هي السبب الذي يفيض عنه حياة مااريد احيائه، ولا الاحياء إلاّ بامر الله تعالي، قد كانت متصلة نحو اتصال بأمر الله الذي منه تترشح حياة الاحياء، وعند ذلك شاهده ابراهيم ورأي كيفية فيضان الأمر بالحياة، ولو كانت دعوة ابراهيم اياهن غير متصلة بأمر الله الذي هو ان يقول لشيء اراده: كن فلا يكون فلا تأثير جزافي في الوجود فيظهر من هذا كله ان ابراهيم كان تصرفه تكوينيا أي اعطاه الله الولاية التي نسميها ولاية تكوينية وبأذن الله تعالي. وكذلك قوله تعالي: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) [346] في قضية سليمان حيث اعطاه لله تبارك وتعالي ولاية وتصرف في الريح وهل هذا إلاّ ولاية وتصرف في التكوينات؟ ومنها قوله تعالي: (ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الأرض او كلم به الموتي بل الله الأمر جميعا...) [347] عن تفسير علي بن إبراهيم قوله: ولو ان قرآناً الخ الآية قال: لو كان شيء من القرآن كذلك لكان هذا أقول: يعني لو كان شيء مما أقدره الله لعباده فيما انزل عليهم من الوحي مما فيه هذه القدرة،

التي بها تسير الجبال وتقطع الأرض ويحي الموتي لكان هو هذا القرآن المنزل عليه صلي الله عليه وآله وسلم. ولاريب ان هذه الاثار الثلاثة تنبيء عن ان المنزل عليهم هذا القرآن قد امكنهم الله من هذه الامور، فم أعطاهم من القدرة، التي بها يتصرفون في الموجودات، وهذه حقيقة الولاية التكوينية الثابتة، لهم

[ صفحه 257]

بنص القرآن، وإليه يشير ما عن اصول الكافي باسناده عن ابراهيم، عن ابيه، عن ابي الحسن الأوّل عليه السلام «قال: قلت له: جعلت فداك، اخبرني عن النبي ورث النبيين كلهم قال: نعم، قلت: من لدن آدم حتي انتهي إلي نفسه؟ قال: ما بعث الله نبيا إلاّ ومحمد صلي الله عليه وآله وسلم اعلم منه، قال: قلت ان عيسي بن مريم كان يحيي الموتي باذن الله، قال: صدقت، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقدر علي هذه المنازل؟ قال فقال: ان سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وغضب عليه (لأعذبنه عذابا شديدا او لا ذبحنه او ليأتيني بسلطان مبين)، وانما غضب لانه كان يدله علي الماء فهذا وهو طائر قد اعطي مالم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه، وان الله يقول في كتابه: (ولو قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الأرض او كلم به الموتي). وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال، وتقطع به البلدان ويحيي به الموتي، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وان في كتاب الله لايات مايراد بها امر إلاّ باذن الله به مع ماقد يأذن الله بما كتبه الماضون جعله الله لنا في أم الكتاب، ان الله يقول:

(وما من غائبة في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين) ثم قال (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفيناه من عبادنا) فنحن الذين اصطفانا الله عزوجل واورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شي». حيث دل هذا الحديث علي انه تعالي اعطي انبياءه الأئمة عليهم السلام قدرة يتصرفون بها في الامور الغيبية، التي يعجز عنها غيرهم من احياء الموتي كما لعيسي ومن تسيير الجبال وتقطيعها وتكليم الموتي وغيرها مما ستأتي الاشارة إليه، ثم بين عليه السلام جامعا كليا في هذا الأمر مما جعله الله لهم في ام الكتاب، واستدل عليه بان قوله تعالي: (وما من غائبة في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين) يدل علي ان أي امر غائب عن الناس مما هو ثابت في السماء او الأرض يكون في كتاب مبين. ثم بين قوله تعالي: ثم اورثنا الكتاب، دل علي ان الكتاب الذي مامن غائبة سماوية او ارضية إلاّ وهي فيه، هو هذا الكتاب الذي اورثه الله تعالي اياهم فقوله عليه السلام: فنحن اصطفانا الله عزوجل، اورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شيء، بيان لأن المراد من العباد في الآية المباركة هو النبي والأئمة عليهم السلام. ثم ان

[ صفحه 258]

المراد من قوله فيه تبيان كل شيء، اقتباسا من الآية الشريفة لايراد التبيان العلمي، بل المراد الاعم منه، ومن التبيان الشهودي والعلمي بأعمال القدرة وما أقدرهم الله عليه كما لا يخفي علي الناقد البصير، والله العالم وأولياؤه بكلامه، وقوله تعالي: (وإذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم) [348] ففي تفسير البرهان عن الإمام العسكري... إلي ان «قال عليه السلام: ثم قال الله

عزوجل: (واذ استسقي موسي لقومه) قال: واذكروا يابني اسرائيل اذ استسقي موسي لقومه، طلب لهم السقايا لما لحقهم العطش في التيه، وضجوا بالبكاء، وقالوا: أهلكنا العطش يا موسي. فقال موسي: الهي بحق محمد سيد الأولياء، وبحق علي سيد الأوصياء، وبحق فاطمة سيدة النساء، وبحق الحسن سيد الأولياء، وبحق الحسين افضل الشهداء، وبحق عترتهم وخلفاؤهم سادة الازكياء لما سقيت عبادك هؤلاء، فأوحي الله تعالي إليه، يا موسي اضرب بعصاك الحجر، فضرب بها، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم، كل قبيلة من اولاد يعقوب مشربهم، فلايز احمهم الاخرون في مشربهم» الحديث. فظاهر هذا الحديث ونحوه اعطاءه تعالي هذا القدر لموسي عليه السلام بظهور هذا المعجز منه بواسطة ضرب العصا، وحقيقته ترجع إلي انه تعالي مكنه من هذا الأمر المعجز بما منحه من الولاية التكوينية، التي اثرها التصرف في الموجودات وسيجيء قريبا توضيحه. ولعصا موسي معاجز اخري، منها ما في تفسير نور الثقلين، عن تفسير العياشي، عاصم بن المصري في قضية بعثة موسي إلي فرعون، إلي ان قال: فمكث بذلك ماشاء الله يسأله ان يستأذن له قال: فلما أكثر عليه (أي علي الاذن) قال له: اما وجد رب العالمين من يرسله غيرك؟ قال: فغضب موسي عليه السلام فضرب الباب بعصاه، فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلاّ انفتح حتي انظر إليه فرعون وهو في مجلسه، الخبر، وفيه عن اصول الكافي باسناده إلي محمد ابن الفيض عن ابي جعفر عليه السلام قال: كانت عصا موسي لادم عليه السلام فصارت إلي شعيب عليه السلام ثم صارت إلي موسي عليه السلام وانها لعندنا، وان عهدي بها آنفا وهي خضر

[ صفحه 259]

كهيئتها حين

انتزعت من شجرتها، وانها لتنطق اذا استنطقت، اعدت لقائمنا يصنع بها ما كان يصنع موسي، وانها لتروع ولتلقف ما يأفكون وتصنع ما تؤمر به، انها حيث اقبلت، تلقف ما يأفكون تفتح لها، شفتان احدهما في الأرض والاخري في السقف وبينهما اربعون ذراعا تلقف ما يأفكون بلسانها، وفي تفسير البرهان عند قوله تعالي: (وقطعناهم اثنتي عشرة اسباط) أي وأوحينا إلي موسي اذا استسقاه ان اضرب بعصاك الحجر، حيث جاء محمد بن يعقوب باسناده إلي أبي سعد الخراساني، قال: أبو جعفر عليه السلام: ان القائم اذا قام بمكة واراد ان يتوجه إلي الكوفة نادي مناديه: ألا لا يحمل احد منكم طعاما ولا شرابا، ويحمل حجر موسي بن عمران وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلا إلاّ انبعثت عين منه، فمن كان جائعا شبع، ومن كان ظامئا روي، فهو زادهم تي ينزلوا النجف من ظهر الكوفة. وفيه وعنه باسناده عن ابي حمزة الثمالي عن ابي عبدالله عليه السلام قال: سمتعه يقول: الواح موسي عندنا وعصا موسي عندنا ونحن ورثة النبيين. فهذه الايات تثبت هذا النحو من التصرف للانبياء وهذه الاحاديث دلت علي انها للائمة ايضا.

اذن هذه الادلة القرآنية يظهر منها ان الله تعالي قد اعطي الولاية التكوينية لكثير من الأنبياء وبأذنه يستعملونها وبأمره يعملون (وعباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون) وعليه لا مانع من ان يتصرفوا في الكون بالقدرة التي اودعها الله تعالي فيهم لكن، لا علي نحو الاستقلال بل بارادة الله تعالي فالله تعالي منحهم هذه القدرة فيقولون للشيء كن فيكون لكن بارادة الله ومع وجود هذه القدرة فيهم فهم لا يتمكنون من اعمالها إلاّ بامر من الله تعالي وارادته، اما الذي يقول ان الله

تعالي لابد ان يباشر نفسه ادارة نظام الكون فان قوله هذا مخالف لصريح القران الكريم الذي يقول (والمدبرات أمرا) حيث جعل الله تعالي نظام العلية والمعلولية وسيلة لصدور كثير من الاشياء في الكون وكما بينّا من خلال توضيح الايات المباركة المتقدمة وعلي هذا الاساس فان الولاية التكوينية ثابتة للانبياء ولا وصيائهم وامكانها متحقق في القرآن الكريم.

[ صفحه 260]

الولاية التكوينية لفاطمة

اشاره

بعد ان ثبت لدينا امكان وقوع الولاية التكوينية لكثير من الأنبياء عليهم السلام من خلال القران الكريم، نجد ايضا وقوع هذه الولاية من خلال استقرائنا لكثير من الروايات والحوادث التاريخيه التي قدمت لنا الكثير من النماذج الخارقة للعادة والتي صدرت من ائمة أهل البيت عليهم السلام ويكفي في الدلالة علي ذلك بعد ثبوت هذه الولاية من خلال القرآن الكريم.

أقول: يكفي ما ورد في متن الزيارة الجامعة الكبيرة التي أثبتت الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السلام، وذلك من خلال التدقيق في مدلولاتها «بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم ينفس الهم ويكشف الضر وعندكم مانزلت به رسله وهبطت به ملائكته» علي ان هذه الولاية التكوينية كانت ثابتة لأئمة أهل البيت عليهم السلام من خلال اسم الله الاعظم الذي كان عندهم وفي بيان ذلك نقول:

قد تقدم في بداية البحث كيف ان آصف بن برخيا الذي كان وزيرا لسليمان عنده علما من الكتاب وكان عنده ايضا اسم الله الاعظم علي ما قيل واستطاع من خلال ذلك التصرف في التكوينات حتي بعرش ملكة سبأ في أقل من طرفت عين، فاذا كان هذا ثابت لوزير نبي الله سليمان فما ظنك بأهل البيت عليهم السلام الذين هم أفضل من جميع الأنبياء ما خلا نبينا محمد

صلي الله عليه وآله وسلم فانهم افضل واعظم في هذه الولاية وتوجد عدة أدلة علي ذلك، فان اصف برخيا، استخدم ولايته بما عنده من اسم الله الاعظم بينما عندنا احاديث مأثورة وشواهد تدل علي ان أهل البيت عليهم السلام كان عندهم اسم الله الاعظم وخصوصا ان الاحرف التي عندهم من اسم الله الاعظم اكثر من الاحرف التي كانت عند آصف بن برخيا، فلقد ورد في الحديث الشريف عن ابي جعفر عليه السلام قال: «ان اسم الله الاعظم علي ثلاثة وسبعين حرفاً، وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتي تناول السرير بيده، ثم عادت الأرض كما كانت، اسرع من طرقة عين، ونحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان

[ صفحه 261]

وسبعون حرفا، وحرف واحد عندالله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم [349] [350] وايضا عن ابي عبدالله عليه السلام قال: «ان الله عزوجل جعل اسمه الاعظم علي ثلاثة وسبعين حرفا فاعطي آدم منها خمسة وعشرين حرفاً واعطي نوحاً منها خمسة عشر حرفاً واعطي منها ابراهيم ثمانية احرف واعطي موسي منها اربعة احرف واعطي عيسي منها حرفين وكان يحي بهما الموتي ويبريء بهما الاكمة والابرص واعطي محمد صلي الله عليه وآله وسلم اثنين وسبعين حرفا و احتجب حرفا لئلا يعلم مافي نفسه ويعلم ما نفس العباد» [351] .

أقول: يظهر من الحديثين ان اسم الله الاعظم انه قد استفاد منه الأنبياء عليهم السلام في استخدام ولايتهم التكوينية لاعمال المعجزات والكرامات وقضاء حاجات الناس وحسب ما ترتضيه المشيئة الالهية وعلي هذا الاساس نفهم ان محمداً صلي الله

عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار مما استأثرهم به الله تعالي هو اعطاءهم اسمه الاعظم وبقابلية أكبر واكثر من الأنبياء السابقين وأوصيائهم.

اذن الرسول الأعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته كانت لديهم هذه الولاية التكوينية ويستخدمونها بما عندهم من اسم الله الاعظم وبما فيهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام باعتبارها ام الأئمة ووعاء الإمامة وأم ابيها وكونها حجة الله الكبري علي الانبياء والأوصياء من ابناءها عليهم السلام وسيأتينا كيفية اعمال فاطمة لهذه الولاية والشواهد علهيا من خلال الاحاديث الشريفة.

الولاية التكوينية إنما يكون باذن الله تعالي

هذه بعض الأحاديث المأثورة تبين إنّ إعمال الولاية التكوينية إنما يكون باذن الله تعالي، وانها وقعت لأهل بيت النبوة هذه الولاية واستخدموها كما يظهر ذلك من

[ صفحه 262]

الاحاديث الاتية:

1 _ عن ابي بصير قال دخلت علي ابي عبدالله عليه السلام وابي جعفر عليه السلام وقلت لها: انتما ورثة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. قال نعم. قلت: فرسول الله وارث الأنبياء علم كلما علموا؟ فقال لي: نعم. فقلت: انتم تقدرون علي ان تحيوا الموتي وتبرؤه الاكمة والابرص فقال لي: نعم باذن الله ثم قال: اذن مني يا ابا محمد فمسح يده علي عيني ووجهي وابصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار. قال: اتحب ان تكون هكذا ولك ماللناس وعليك ماعليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا. قلت: اعود كما كنت قال فمسح عيني فعدت كما كنت. قال علي: فحدثت به ابن ابي عمير. فقال: اشهد ان هذا حق كما ان النهار حق.

2 _ عن محمد بن الفضل عن ابي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: قلت

له أسالك فداك عن ثلاث خصال أنفي عني فيه التقية قال: فقال ذلك لك، قلت: أسالك عن فلان بن فلان قال: فعليها لعنة الله بلعناته كلها ماتا والله وهما كافران مشركان بالله العظيم قلت الأئمة يحيون الموتي ويبرؤن الاكمة والابرص ويمشون علي الماء قال: ما اعطي الله نبيا شيئا قط إلاّ وقد اعطاه محمدا صلي الله عليه وآله وسلم واعطاه ما لم يكن عندهم.

قلت: وكل ما كان عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقد اعطاه امير المؤمنين صلي الله عليه وآله وسلم؟ قال: نعم ثم الحسن والحسين عليهم السلام ثم بعد كل امام اماما إلي يوم القيامة مع الزيادة التي تحدث في كل سنة وفي كل شهر ثم قال: أي والله في كل ساعة.

3 _ عن علي بن معيد يرفعه قال: دخلت حبابة الوالبية علي ابي جعفر عليه السلام محمد بن علي عليهم السلام قال: يا حبابة مالذي ابطاك، قالت: قلت: بياض عرض لي في مفرق راسي كثرت له همومي، فقال: ياحبابة ادنيني به قال: فدنوت منه فوضع يده في مفرق رأسي، ثم قال: ائتوا لها بالمرأة فأتيت فنظرت فاذا شعر مفرق راسي قد اسود فسررت بذلك وسر أبو جعفر عليه السلام بسروري.

4 _ وعن علي ابن ابي حمزة عن ابي بصير قال حججت مع ابي عبدالله عليه السلام فلما كنا في الطواف قلت له: جعلت فداك يابن رسول الله يغفر الله الخلق؟ فقال: يا ابا بصير ان اكثر من تري قردة وخنازير، قال: قلت له ارنيهم قال: فتكلم بكلمات ثم أمّر

[ صفحه 263]

يده إلي بصري فرايتهم قردة وخنازير فهالني ذلك ثم أمّر يده علي

بصري فرايتهم كما كانوا في المرة الاولي ثم قال: يا ابا محمد انتم في الجنة تحبرون وبين اطباق النار تطلبون فلا توجدون والله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا والله ولا اثنان لا والله ولا واحد.

5 _ وعن أبي بصير قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام تريد ان تنظر بعينك إلي السماء. قلت نعم فمسح يده علي عيني فنظرت إلي السماء.

6 _ وعن ابي عوف عن ابي عبدالله عليه السلام قال: دخلت عليه فالطفني وقال ان رجلا مكفوف البصر أتي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ادع الله ان يرد علي بصري فدعا الله له فرد عليه بصره ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ادع الله لي ان يرد علي بصري قال فقال الجنة احب اليك ام ان يرد عليك بصرك قال يا رسول الله وان ثوابها الجنة فقال ان الله اكرم من ان يبتلي عبده المؤمن بذهاب بصره لا يثيبه الجنة.

7 _ وعن جميل بن دراج قال: كنت عند ابي عبدالله عليه السلام فدخلت عليه امرأة فذكرت انها تركت ابنها بالملحفة علي وجهه ميتا قال لها: لعله لم يمت فقومي فاذهبي إلي بيتك واغتسلي وصلي ركعتين وادعي وقولي يامن وهبه لي ولم يك شيئا جدد لي هبته ثم حركيه ولا تخبري بذلك احدا قال ففعلت فجائت فحركته فاذا هو قد بكي.حدثنا احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن المغيرة قال مر العبد الصالح عليه السلام بامرأة بمني وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون وقد ماتت بقرة لها فدنا منها ثم قال لها

ما يبكيك ياامه الله قالت ياعبد الله ان لي صبيانا ايتاما فكانت لي بقرة معيشتي ومعيشة صبياني كان منها فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي ولا حيلة لنا فقال لها يا امة الله هل لك ان احييها لك قالت فالهمت ان قالت نعم يا عبدالله قال فتنحي ياحية فصلي ركعتين ثم رفع يديه يمينه وحرك شفتيه ثم قام فمر بالبقرة فنخسها نخسا او ضربها برجله فاستوت علي الأرض قائمة فلما نظرت المرأة إلي البقرة قد قامت صاحب عيسي بن مريم ورب الكعبة قال فخالط الناس وصار بينهم ومضي عليه السلام وعلي آبائه الطاهرين [352] .

[ صفحه 264]

أقول: يظهر من هذه الأحاديث المأثورة ان أهل البيت عليهم السلام كانوا يعملون الولاية التكوينية بما اعطاهم من علمه وبأذنه تعالي، وذلك لكونهم ورثوا علوم جميع الأنبياء، بل ان الذي عندهم افضل واعلي رتبة ودرجة في العلم الرباني، وعلي هذا الاساس فان الولاية التكوينية لهم ثابتة ولاينكرها إلاّ معاند او ليس له حظ من العلم إلاّ قليلا، فهم عليهم السلام تارة يستخدمون هذه الولاية عن طريق اسم الله الاعظم فيتصرفون في التكوينات وتارة من خلال ماعندهم من العلوم الربانية التي ورثوها من الأنبياء والأوصياء السابقين بل من الذي ورثوه من جدهم رسول الله عليه السلام لذا نري في الزيارات الواردة في حقهم هذه العبارات الواضحة البيان بل هي مطلقة في كل شي يرثونه من الأنبياء حيث تقول هذه الزيارات «السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله تعالي، السلام عليك يارواث نوح نبي الله السلام عليك ياوارث موسي كليم الله السلام عليك يا وارث عيسي روح الله...» الخ. فدلالة قوله عليه السلام يا وارث أي

مطلق الوراثة سواء المادية او المعنوية، اذن فهم ورثة الأنبياء في كل ما أعطاهم الله تبارك وتعالي.

وأيضاً استخدم أهل البيت عليهم السلام الولاية التكوينية من خلال كرامات ومعجزات بل ازدادوا عليهم بأنهم ورثوا كل ماعند نبي عن الاخر زيادة، وهكذا الحال في كل أهل البيت الذي عصمهم وامنهم الله من الزلل، ومن هنا كانت فاطمة الزهراء عليها السلام عندها الولاية التكوينية حيث ثبتت لها من خلال عدة امور منها:

انها حليلة سيد الأوصياء امير المؤمنين علي عليه السلام فهي كفوله وهو كفو لها وهذا يقتضي كونها عندها من المقامات مالامير المؤمنين علي عليه السلام إلاّ ماخصه الله تعالي من الولاية التي يتصدي بها لخلافة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ومن المعلوم ان امير المؤمنين عنده هذه الولاية أعني الولاية التكوينية وقد أعطت الكثير من الكتب الشواهد العديدة علي هذه القضية ويكفي شاهد علي ذلك في قضية رده الشمس، وهل هذا الاتصرف تكويني من خلال اسم الله الاعظم، وعليه المقام ثابت للصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام.

انها حجة الله الكبري علي الخلق بما فيهم الأنبياء والأوصياء ويدل علي ذلك الحديث المروي نصه: «ما تكاملت نبوة نبي حتي أقر بفضلها ومحبتها وعلي معرفتها

[ صفحه 265]

دارت القرون الاولي»، فاذا كانت النبوة لا تكتمل لنبي من الأنبياء حتي يقر بفضلها ومحبتها، فمن باب الاولوية ان كل مقام من المقامات المعنوية والمادية التي كانت ثابتة للأنبياء كانت ثابته ايضا للصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام إلاّ ما خرج بالدليل مثل النبوة الخاصة بكل نبي، وايضا بينا في حديث «نحن حجج الله علي الخلق وجدتنا فاطمة عليها السلام حجة الله علينا» قضية انها حجة

الله الكبري فما كان ثابت للائمة من الولاية التكوينية فهو ثابت لها عليها السلام، هذه بعض الادلة بصورة اجمالية ولو كان لنا تقصي المسألة لا حتجنا إلي كتاب خاص في هذه المسألة، واعطي لك شاهدين علي ثبوت الولاية التكوينية لفاطمة عليها السلام واترك لك مراجعة المطولات في هذه القضية....

«عن أبي عبدالله عليه السلام عن سلمان الفارسي: انه استخرج أمير المؤمنين من منزله، خرجت فاطمة حتي انتهت إلي القبر، فقالت: خلوا عن ابن عمي، فوالذي بعث محمداً بالحق لئن تخلوا عنه لا نشرن شعري ولا ضعن قميص رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي رأسي ولا صرخن إلي الله، فما ناقة صالح بأكرم علي الله من والدي. قال سليمان: فرأيت والله اساس حيطان المسجد تقلعت من اسفلها، حتي لو أراد وتعالي بعث اباك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتي سطعت الغبرة من اسفلها، فدخلت في خياشيمنا» [353] .

وفي مشارق انوار اليقين ص 86 مثل هذا الحديث ولكن باختلاف وهو: «ثم رفعت جنب قناعها إلي السماء، وهمت ان تدعو فارتفعت جدران المسجد عن الأرض وتدل العذاب...

وأخيرا اختم هذا الموضوع بقول الإمام الخميني قدس سره الذي يري ثبوت الولاية التكوينية للصديقة الطاهرة فاطمة حيث يقول ما نصه:

«وثبوت الولاية والحاكمية للامام عليه السلام لا تعني تجرده عن منزلته التي هي له عند الله، ولا تجعله مثل من عداه من الحاكم فان للامام مقاماً محموداً ودرجة سامية

[ صفحه 266]

وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وان من ضروريات مذهبنا ان لائمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وبموجب مالدينا من الروايات والاحاديث فان الرسول الاعظم

صلي الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام كانوا قبل هذا العالم انواراً فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفي ما لا يعلمه إلاّ الله وقد قال جبرئيل، كما ورد في روايات المعراج لو دنوت انملة لا حترقت، وقد ورد عنهم عليهم السلام: ان لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل، ومثل هذه المنزلة موجودة لفاطمة الزهراء عليها السلام لا بمعني انها خليفة أو حاكمة أو قاضية، فهذه المنزلة شي آخر وراء الولاية والخلافة والأمرة، وحين نقول: ان فاطمة عليها السلام لم تكن قاضية أو حاكمة أو خليفة فليس يعني تجردها عن تلك المنزلة المقربة كما لا يعني ذلك انها امرأة عادية من المثال ما عندنا» [354] .

[ صفحه 271]

فاطمة ام ابيها

ألق__اب ب__نت الم__صطفي ك__ثيرة

ن____ظّمت م___نها ن__بذة يس___يرة

س____يدة إنس_____يّة ح____وراء

ن_____وريّة ح_____انية ع____ذراء

ك____ريمة رح____يمة ش____هيدة

ع_____فيفة ق_____انعة رش____يدة

ص____فيّة ع_____المة ع____لمية

ص____ابرة س____ليمة مك_____رمة

ص____فيّة ع____المة ع_____ليمة

م___عصومة م___غصوبة م____ظلومة

م___يمونة م___نصورة م____حتشمة

ج____ميلة ج_____ليلة م_____عظمة

ح___املة الب___لوي ب__غير شك__وي

ح____ليفة الع_____بادة والت____قوي

ح____بيبة الله وب___نت الص____فوة

رك___ن اله___دي وآي__ة الن____بوّة

ش____فيعة الع____صاة أمّ الخ___يرة

ت___فّاحة الج____نّة والم_____طهّرة

س__يّدة النس__اء ب_نت الم____صطفي

ص___فوة ربّ__ها وم__وطن اله___دي

ق___رّة ع__ين الم__صطفي وب_ضعته

م___هجة ق____لبه ك___ذا ب___قيّته

حك____يمة ف____هيمة ع_____قيلة

م_____حزومة مك____روبة ع___لية

ع____ابدة زاه____دة ق___وّام__ة

ب___اك___ية ص___ابرة ص__وّام_ة

ع___طوفة رؤوف___ةه ح_____نّانة

الب____رّة الش_____فيقة الأنّ____انة

والدة الس___بطين دوح___ة الن___بيّ

ن___ور س__ماويّ و زوج__ة الوص_يّ

ب__در ت___مام غ___رّة غ____رّاء

روح أب________يها درّة ب___يضاء

واس___طة ق___لادة والج______ود

درّة ب____حر الش___رف الوج___ود

وليّ_______ة الله وس______رّ الله

أم____ينة الوح____ي وع___ين الله

مك____ينة ف___ي ع__الم الس__ماء

ج___مال الآب___اء ش__رف الأب__ناء

درّة ب____حر الع____لم والك___مال

ج____وهر الع_____زّة والج___لال

ق__طب رح__ي الم__فاخر الس___نيّة

م____جموعة المآث___ر والج___لال

مشك___اة ن____ور الله والزج___اجة

ك___عبة الآم__ال لأه___ل الح__اجة

لي___لة ق___در لي___لة م___باركة

اب__نة م__ن ص__لّت ب_ه الم__لائكة

ق___رار ق___لب أمّ__ها الم__عظّمة

ع___الية الم__حلّ س__رّ الع___ظمة

مكس__ورة الضلع رض_يض الص___در

م___غصوبة الح_قّ خ_فيّ الق__بر [355] .

عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال

إن فاطمة عليها السلام كانت تكني: أم أبيها [356] .

نقف مع هذه الحديث لكي نستلهم منه المعاني الرائعة والجميلة التي تضمنها بين طياته، فكلمة أم أبيها كلمة عذبة أفضل ما تفوهت به حنجرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عندما قال مرحباً بأم أبيها، فهذه الكلمة رغم أنها صغيرة ولكنها في نفس الوقت كبيرة مملوءة بالحب والأمل والعطف وكل ما في القلب البشري من الرقة والعذوبة، لذا نري لا بد من تسليط الأضواء علي هذه الكلمة لكي نستخلص روائع الفكر من هذا الحديث الشريف الذي قلده رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا بنته فاطمة فجعل جيدها يشع نوراً لمن أراد أن يستضي من نور معرفته.

ولقد ورد في صحاح اللغة العربية أن معني كلمة أم هو الأصل كما هو معروف في لسان القرآن الكريم حيث عبر عن مكة المكرمة ب_ (أم القري) أي أصل القري في الجزيرة العربية، ومنها انطلقت روح الحياة لكي تغذي

القري ومن حولها وتقوم برعيايتها، وذلك لما لها من مكان وموقع جغرافي في قلب الجزيرة العربية مما جعلها قطب الرحي لبقية القري... وعلي هذا الأساس نفهم معني هذا الحديث «أم أبيها» حيث نستطيع تفسير بأن فاطمة عليها السلام كانت مصدر ذرية رسول الله ومنبع نسله وهذا ينطبق ويتماشي مع تفسير الكوثر الذي هو مصدر ذرية رسول الله صلي الله عليه ومنبع نسله وهذا ينطبق ويتماشي مع تفسير الكوثر الذي هو مصدر ذرية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

أقول: إن في التأمل في حياة فاطمة عليها السلام واستقراء حياتها في ظل رعاية أبيها رسول

[ صفحه 272]

الله صلي الله عليه وآله وسلم نجد عدة معاني وتفاسير تجعل هذا الحديث وهذه الكلمة أم أبيها كنظرية ولها تطبيقات عديدة في حياة الصديقة الطاهرة عليها السلام وعلي هذا الاساس نري الوقوف مع هذا الحديث مما يزيدنا معرفة في فاطمة عليها السلام ويجعلنا نتقرب من الأسرار التي كانت تحيط بحياتها الشخصية وإليك بعض التفاسير والمعاني الرائعة لهذه الكلمة:

ان التدقيق في حياة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مع ابنته فاطمة عليها السلام يجعلنا نفهم معني أم أبيها حيث أن الزهراء عليها السلام كانت تقوم بمداراة أبيها رسول الله ورعايته أفضل ما تكون المراعاة بالنسبة لأم لولدها وفي قبال ذلك كان الرسول يحترمها كما يحترم الولد أمه، وهذا نجد جلياً وواضحاً في سيرته الشريفة وعلاقته بالبضعة الطاهرة عليها السلام حيث كان الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ينادي بالزهراء عندما تقبل عليه: مرحباً بأم أبيها، ويقدم لها ضروب الإحترام وألوان التعظيم، حتي وصل الأمر إلي أن يقوم لها إجلالاً وتعظيماً ويأخذ يدها ويقبلها ثم

يجلسها إلي جانبه ويقبل عليها بكليته، وكان إذا يقبلها يقول: أشم منها رائحة الجنة.

إن رسالة نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم لا بد لها من امتداد يمثلها في كافة جوانبها ويعطيها التفسير الصحيح، وهذا لم نجده إلا من خلال الإمتداد الطبيعي للرسول صلي الله عليه وآله وسلم المتمثل في ذريته من فاطمة عليها السلام، لذا كان الرسول يقول: «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً» أي إن الحسين ابني وامتدادي الطبيعي فهو قرة عيني وثمرة فؤادي وفي نفس الوقت أنا من حسين، وعليه فإن هذا الحديث يحدد المفهوم الذي أراده من هذا الحديث أي بدقة متكاملة وبتمعن نري أن هذا الأمر يعني استمرار الرسالة السماوية وإحياء معالم الدين والعقيدة انما هو بوجود الحسين وذرية فاطمة من الأئمة المعصومين، لذلك قيل ان الدين الإسلامي محمدي الوجود حسيني البقاء وهذا ما نراه في التضحية التي قدمها الحسين يوم عاشوراء حيث أرخص الغالي والنفيس لإحياء شجرة الرسالة المحمدية في كل جوانبها فغذاها بدمه ودم عيالاته من الأطفال والشباب والشيوخ والنساء حتي الطفل الرضيع، وعلي هذا الأساس يكون معني أم أبيها ان استمرار الإسلام وبقاء رسالة السماء وحفظ القرآن الكريم وعقائده مناهجه إنما يكون بواسطة فاطمة الزهراء عليها السلام ومن خلال ذريتها، وهذا ما كان يراه الرسول

في فاطمة من خلال تطلعه إلي آفاق المستقبل الذي سيكون لولد فاطمة فكان يكرمها ويحترمها ويقول لها مرحباً بأم أبيها.

ولعل وجه تكنيتها بأمّ أبيها هو أنه صلي الله عليه وآله وسلم يعاملها عليها السلام معاملة الولد أمه. وانها تعامله معاملة الأم ولدها كما ان التاريخ يؤيد ذلك والأخبار تعضده، ففي الأخبار الكثيرة أنه صلي الله عليه

وآله وسلم يقبل يدها ويخصها بالزيارة عند كل عودة منه إلي المدينة المشرفة ويودعها منطلقاً عنها في كل أسفاره ورحلاته، وكأنه يتزود من هذا المدينة المشرفة ويودعها منطلقاً عنها في كل أسفاره ورحلاته. وكأنه يتزود من هذا النبع الصافي عاطفة لسفره كما يتزود الولد المؤدب من أمه، ونلاحظ من جهةٍ أخري ان فاطمة الزهراء عليها السلام تحتضنه وتضمد جروحه وتخفف من آلامه كالأم المشفقة لولدها، وبالجملة كل ما يجده الولد في امه من العطف والرقة والشفقة والأنس فهو صلي الله عليه وآله وسلم يجده في فاطمة وكأنها أمه [357] .

ونقل المولي الأنصاري (ره): إنّ النكتة في هذه التكنية إنما هي محض إظهار المحبة، فإن الإنسان إذا أحبّ ولده أو غيره وأراد أن يظهر في حقّه غاية المحبّة قال: «يا أمّاه» في خطاب المؤنّث، ويا «أياه» في خطاب المذكّر، تنزيلاً لهما بمنزلة الأمّ والأب في المحبّة والحرمة علي ما هو معروف في العرف والعادة [358] .

أو أنّ الله عزّ وجلّ لمّا شرّف وكرّم أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم بتكنيتهنّ بأمّهات المؤمنين صرن في معرض أن يخطر ببالهنّ أنّهن أفضل النساء حتي من بضعة المصطفي فاطمة الزهراء عليها السلام، ولأجل ذلك كنّاها أبوها بأمّ أبيها صوناً لهذه الخواطر والوساوس، يعني يا نساء النبي إن كنتنّ أمّهات المؤمنين، ففاطمة عليها السلام أمّ النبيّ، أمّ المصطفي، أمّ الرسول، أمّ أبيها.

ويمكن أن يراد بهذه التكينة معنيً أدق وأعمق من الأول والثاني وإن كان الأول هو الأظهر، وهو: أنّ أمّ كلّ شيء أصله ومجتمعه كما صرّح به أهل اللغة كأم القوم وأمّ الكتاب وأم النجوم وأم الطرق وأم القري وهي مكّة شرّفها الله تعالي، وأم الرأس

وأم الدماغ و... فعليه يمكن أن يقال: إنّه صلي الله عليه وآله وسلم أراد منها أنّ ابنتي فاطمة هي أصل شجرة

[ صفحه 274]

الرسالة وعنصر النبوّة، كما قال الباقر عليه السلام: الشجرة الطيّبة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وفرعها عليّ عليه السلام وعنصر الشجرة فاطمة عليها السلام وثمرتها أولادها، وأغصانها وأوراقها شيعتها [359] وكما أنّه لولا العنصر يبست الشجرة وذهبت نضرتها، فكذلك لولا فاطمة لما اخضرّت شجرة الإسلام، فإنّ الشجرة تسمو وتنمو بتغذيتها من أصلها. وشجرة الشريعة الحنيفيّة قد سمعت ونمت بمجاهداتها ودفاعها من إمامها وبعلها الشريف المظلوم ومجاهدات أولادها وتضحيّاتهم، لا سيّما شبليها الكريمين، فإنّ الحسن عليه السلام بصلحه أبقي شجرة الإسلام ومنعها من الاصطدام والحسين عليه السلام بإبائه عن البيعة وبذل مهجته الشريفة سقاها وربّاها، ولولا صلح الحسن وقيام الحسين عليها السلام ليبست شجرة الإسلام وما قام لها عود ولا اخضرّ لها عمود. ولا يخفي أنّ أصل الحسن والحسين عليهما السلام أمّهما فاطمة الزهراء عليها السلام، ولولاها لم يكن أبوها وبعلها وبنوها عليهم السلام كما تقدم في صدر الكتاب.

ولتمام البحث فاستمع لم يتلي من بعض الأخبار في هذا المعني: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنا شجرة، وفاطمة أصلها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرها [360] .

وعن المفضّل بن محمد الجعفيّ قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: (حبة أنبتت سبع سنابل) [361] قال: الحبّة فاطمة عليها السلام، والسبع السنابل سبعة من ولدها، سابعها قائمهم... [362] .

وقال بعض أهل التحقيق: سرّ التعبير عنها عليها السلام بالحبّة يحتمل وجهين:

الأول: إمّا كناية عن أنها هي المقصود أولاً وبالذات، وإما أن

تكون مجري هذه الأمانات الإلهيّة ومظاهر التوحيد الحقيقيّ صلوات الله عليها، ووجه التشبيه أنّ من لم يكن من الزرّاع عنده حبّه فهو آيس من تحصيل الزراعة، فأصل النظر عنه دائماً إلي الحبّة فقطّ وإلا فالنتيجة منها غير حاصلة، وكذلك وجود الزهراء صلوات الله عليها

[ صفحه 275]

هي المصدر والأصل لهذه الأنوار الإلهية، رزقنا الله حبّها وشفاعتها.

الثاني: أنّ الزراعة أصلاً وحقيقة هي تلك الجبّة مع إضافات أخريأ عملت فيها، فتصور بصرة أخري، وإنما الفرق بينهما الإجمال والتفصيل، وإلا هي هي مادة وأصلاً. فعلي هذا تكون الأنوار المقدّسة هي المتشعبّة والمشتقّة من هذه الحبّة الإلهية [363] ...

إن النبي كان يكشف عن مكانة فاطمة في الإسلام، في كل كلمة يقولها لفاطمة، وكل صنيع يصنعه لها. وهنا أراد النبي الكريم، أن يبيّن عظمة فاطمة الزهراء، وأنها تختلف عن نسائه اختلافاً كبيراً، أي أن مكانة الزهراء تفوق مكانة نساء النبي لأنها تختلف عن نسائه اختلافاً كبيراً، أي أن مكانة الزهراء تفوق مكانة نساء النبي لأنها معصومة.. وهنّ لسنن بمعصومات.. ولأنها مطهرة من الرجس، وهن لسن مطهرات من الرجس.. ففاطمة زعيمة آية التطهير، بينما لم تدخل واحدة من نساء النبي في آية التطهير، حتي أم سلمة علي جلالة قدرها، لما اقتربت من الكساء والنبي يقرأ قوله تعالي: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) [364] .

وكان تحت الكساء يومها محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين _ عليهم أفضل الصلاة وأزكي السلام _ أقول: لما اقتربت أم سلمة من طرف الكساء، وقالت: وأنا منهم يا رسول الله _ روحي فداك _؟ قال: لا.. لست منهم، ولنك علي خير، أو إلي خير.

وفي يوم

المباهلة نجد النبي لم يخرج معه من النساء سوي فاطمة في حين أن آية المباهلة واضحة بقولها: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءكم ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين).

أقول: ولما خرج النبي إلي مباهلة النصاري، لم يخرج معه سوي الحسن والحسين وفاطمة وعلي عليهم السلام فالحسن والحسين يمثلان الأبناء، وفاطمة تمثل النساء، وعلي يمثل نفس النبي، وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن فاطمة سيدة النساء، ولو كانت واحدة من نساء النبي في مستوي فاطمة لأخرجها معه، ولكنه _ أي الرسول _ لم يجد

[ صفحه 276]

في نسائه، ولا في بني هاشم ولا في نساء الخلافة، واحدة تقوم مقام الزهراء، فاطمة بنت محمد _ صلوات الله وسلامه عليها. والذين يحاولون إدخال زوجات النبي في أهل البيت، عليهم أن يتفكروا في أمر آية المباهلة لتستبين لهم جادة الحق والصواب كالشمس الصافية المشرقة.

ولتأصيل هذا المعني، وتأكيده اقرأوا معي إذا شئتم أول سورة التحريم، وهو قوله تعالي: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) [365] ، والتعبير واضح جداً.

فحينما يقول: تبتغي مرضاة أزواجك، فإن معني ذلك أن رضي زوجات النبي لا قيمة له أمام رضا الله سبحانه وتعالي لأن رضا أزواج النبي خاضع للهوي، وليس لموازين الإيمان، وهذا ليس انتقاصاً لنساء النبي وإنما هو الواقع، والحقيقة فنساء النبي لسن معصومات وما فيهن واحدة يمكن أنت تصل إلي مستوي فاطمة، لذلك يقول القرآن في استنكار شديد (يا أيها النبي لم تحرم ما الله لك، تبتغي مرضاة أزواجك).

علماً بأن النبي لا يحرّم ما

أحل الله له في التشريع الإسلامي الحنيف، وإنما كانت القضية، مسألة خاصة تتعلق بشيء من السمن والعسل أهدي إلي زوجة النبي زينت بنت جحش، وحدث أن كان النبي عندها، فقدمت له من ذلك الطعام شيئاً يسيراً فأكله النبي، غير أن غيرة عائشة وبعض نسائه أدت إلي أن تقوم اثنتان من نساء النبي _ كما ورد في سورة التحريم _ وهما عائشة وحفصة، أن تقوما بمظاهرة ضد الرسول الأعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم وبدأت المظاهرة بقول عائشة وحفصة للنبي إننا نشم من فمك رائحة كريهة، فتعجب النبي أن تكون رائحة فمه كريهه وهو الذي كانت حبات عرقه تتضوع عطراً، بل كان جسمه يفوح بعطر الجنة كما جاء ذلك في سيرته الذاتية، وأحواله الشخصية.. ولكن لا بأس، إذا كان هذا الطعام الذي أكلته _ هكذا قال النبي _ فيه رائحة غير جيدة فقد حرمته علي نفسي أي أن النبي حرّم ذلك الطعام الذي هو

[ صفحه 277]

عند زوجته زينب بنت جحش ولم يحرم كل أنواع العسل... ولذلك قلت لكم _ آنفاً _ إن التحريم كان خاصاً به ولم يكن عاماً وشاملاً، لأن النبي لا يحرم ما أحل الله: (وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي). ومحل الشاهد هنا، هو قول الحق سبحانه: (يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك). وهذا يدل بوضوح، علي أن رضا أزواج النبي لا وزن ولا قيمة له أمام رضا الله سبحانه وتعالي.

هذا بالنسبة لرضا أزواج النبي ونسائه.. أما بالنسبة لفاطمة الزهراء _ سلام الله عليها _ فالأمر يختلف اختلافاً جذرياً. يقول النبي: «إن الله ليرضي لرضا فاطمة ويغضب

لغضبها».

ويقول: يا فاطمة إن الله ليرضي لرضاك ويغضب لغضبك.

ويقول في حديث ثالث: «رضا فاطمة من رضاي وسخطها من سخطي». والويل لمن غضبت عليه فغضبها يعني غضب الله، وإذا غضب الله علي أحد أحل به نقمته، وجنّبه رحمته.

يقول: الله عزّ وجلّ: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوي) [366] .

ونحن نعرف أن فاطمة ماتت وهي غاضبة وواجدة علي أبي بكر وعمر، كما جاء في صحيح البخاري، فما أدري كيف تكون المعادلة.. إذا كان غضب فاطمة، هو غضب الله، وأن الله ليرضي لرضا فاطمة، ويغضب لغضبها، ثم تموت الزهراء، وهي واجدة _ غاضبة _ علي أبي بكر وعمر، فالقرآن يقول بصراحة: إن الذي يحلل عليه غضب الله يكون من الهالكين: (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوي).

والعجيب أن هذه الأحاديث كلها موجودة في صحيح البخاري وفي كتب الصحاح الأخري، وكلها تؤكد أن الله ليرضي لرضا فاطمة ويغضب لغضبها.. وأن فاطمة ماتت وهي واجدة علي أبي بكر و عمر... ماتت ولم تكلمهما كلمة واحدة... ماتت ودفنت في الليل ولم يحضر أبو بكر ولا عمر تجهيزها ولا الصلاة عليها.. وهذه قضية معروفة

[ صفحه 278]

لدي المسلمين كافة. أما لماذا يرضي الله لرضا فاطمة ويغضب لغضبها، فواضح جداً وذلك أنها طاهرة نقية، معصومة لا تتعامل مع الخطأ في قول ولا فعل وهي التي كانت تقول: «أيها الناس إعلموا أني فاطمة، وأبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم.

أقول: حقاً عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً..» فلا غلط في قولها.. ولا شطط في فعلها علي الإطلاق.

حادثتان تكشفان حقيقة حديث النبي:

والذي يهمني هنا هو ذكر حادثتين اثنتين

فقط، لأنهما تسلطان الضوء علي الحديث الذي نحن بصدده، إضافة إلي كون الحادثتين اللتين سأذكرهما، تعكسان صورة واضحة وجلية تكشف لنا عن حقيقة حديث مرحباً بأم أبيها.

الحادثة الأولي هي المؤاخاة، فقد آخي النبي بين كل أصحابه لينزع الغل من بعض القلوب، ويجعلهم صفاً واحداً في مواجهة العدو، كأنهم بنيان مرصوص.. فقال: هذا أخو هذا، وفلان أخو فلان، حتي لم يبق أحد سوي علي ظل واقفاً إلي جواز النبي فأخذ النبي بعضده وقال له: أنت أخي أو قال: «وهذا أخي..».. وهنا تجدر الملاحظة بدقة متناهية، حيث أن النبي اختار علياً من دون أصحابه ليكون أخاً له دون غيره.

إذن اجعلوا هذه الحادثة، عالقة في أذهانكم ثم تعالوا معي إلي الحادثة الثانية: وهي لما نزلت آية الحجاب: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهم من رواء حجاب) [367] .

قال طلحة: أيريد محمد أن يمنعنا من النظر إلي بنات عمنا، أما والله لئن مات محمد لنتزوجن نساءه، ونجول بين خلاخيلهن...!!...

حقاً إنه عجب يثير الهم يجلب الحزن، أن نسمع مثل هذا الكلام من طلحة وهو من العشرة المبشرين بالجنة (....) ولا أعتقد أن بوابة الجنة سوف تنخلع أمامه ليدخل الجنة من أعرض الأبواب. هذا الذي لا يتورع من إظهار الهوي والغرام لزوجات النبي وهن أمهات المؤمنين. ولم يحفظ حرمة رسول الله. ولكن ما علينا بطلحة، لنتركه يعيش مع غرامه الباطل فإن عذاب جهنم كان غراماً. ولنرجع إلي الحادثة الثانية،

[ صفحه 279]

وهي حين نزلت آيات الحجاب، وظهر من بعض المنافقين مثل الكلام الذي قد مرّ نزلت آية تقول: (ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً) [368] .

ثم

جاء آية ثانية تتحدث عن مكانة زوجات النبي وأنهن بمثابة الأمهات لكم أيها المؤمنون قالت الآية: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) [369] .

وهذا يعني أن عائشة أم المؤمنين وأن زينب بنت جحش أم المؤمنين، ومارية القبطية أم المؤمنين، وحفصة أم المؤمنين، وخديجة الكبري أم المؤمنين.. فأثارت هذه الآية سؤالاً عريضاً علي الشفاه السؤال هو: إذا كانت كل واحدة من زوجات النبي أماً للمؤمنين.. فاطمة أم من؟ وهنا جاء الجواب علي لسان الرسول الأمين الذي ما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي حيث قال «فاطمة أم أبيها...» ومن ذلك الحين أصبحت فاطمة أم أبيها، وصار الرسول يناديها بأم أبيها، فيقول: مرحباً بأم أبيها.

وأورد صاحب كتاب «رياحين الشريعة» جملة من الألقاب والكني للسيّدة الكبيرة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وعلي بعلها وبنيها، وهي: ابنة الصفوة، إحدي الكبر، أرومة العناصر، أعزّ البريّة؛ أمّ الأئمّة المعصومين، أمّ الأبرار، أمّ الأبرار، أمّ الأخيار، أمّ الأزهار، أمّ الأطهار؛

أمّ الأنوار، أمّ البدريّين، أمّ البررة، أمّ البريّة، أمّ البلجة، أمّ التقي، أمّ الحسن:

أمّ الحسين، أمّ الخيرة، أمّ الرأفة، أمّ الرواق الحسيبة، أمّ الريحانتين، أمّ السبطين؛

أمّ العطيّة، أمّ العلا، أمّ العلوم، أم الفضائل، أمّ الكتاب، أمّ المحسن، أمّ المؤمنين؛

أمّ الموانح، أم النجباء، أمّ النقي، أمّ النورين، أمة الله، آية الله، آية الله العظمي.

باكية العين، البتول، برزخ النبوّة والولاية، بضعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، بقيّة النبوّة، بهجة الفؤاد، بهجة بيضاء بضّة، تفّاحة الفردوس، التقيّة؛ ثالثة الشمس والقمر، ثمرة النبوّة، جرثومة المفاخر، جمال الآباء، الجميلة الجلية، حاملة البلوي، الحانية، الحبّة النابتة حبّها خير العمل، حبيبة المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم، حجاب الله

المرخي، حجّة الله الكبري،

[ صفحه 280]

الحرّة، الحصان، حظيرة القدس، الحوراء خامسة أهل العبا، الخيرة من الخير، درّة التوحيد، الدرّة المنضدة، الدعوة المستجابة، الذروة الشامخة، ذريعة الشيعة، الراضية، ربيبة مكّة، الرشيدة، ركن الدين، روح بين جنبي المصطفي، ريحانة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. زجاجة الوحي، الزكيّة زوجة وليّ الله الأعظم، الزهراء، زين الفواطم، ستر الله الكبري، سفينة النجاة، سلالة الرضوان، سلالة الفخر، سماء الكواكب الدريّة، السيّدة، سيّدة بنات آدم عليه السلام، سيّدة الأوّلين والآخرين، سيّدة نساء الجنّة، سيّدة نساء هذه الأمّة، سيدة النسوان، شرف الأبناء، شفيعة الأمّة، الشفيعة يوم القيامة، الشمس المضيئة، الشهيدة، الصائمة في النهار، الصابرة في المحن، صاحبة الأحزان الطويلة، صاحبة الجنّة السامية، صاحبة المصحف، الصادقة في السرّ والعلن، الصدف الفخّار، الصدّيقة، الصدّيقة الكبري، صفوة الشرف، صلوة الوسطي؛ امن الشفاعة، الطاهرة، الطاهرة في الأفعال، الطاهرة الميلاد، ظلّ الله الممدود، العابدة التقيّة، العارفة بالأشياء، العالمة بما كان وما يكون، عالية الهمّة، عديلة مريم الكبري، العذراء، عروة الوثقي، العفيفة، عقيلة الرسالة، عيبة العلم، عين الحجّة، عين الحياة الغرّة الغرّاء، الفاضلة الفضلي، فخر الأئمّة، فلذّة كبد المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم، القائمة في الليل، القانتة، القانعة، والقدوة المسدّدة، قرار القلب، قرّة عين الخلائق، قلادة الوجود، الكئيبة، الكريمة في النفقة، كلمة الله التامّة، كلمة التقوي الكلمة الطيّبة، الكوثر، الكوكب الدرّي. لية القدر، المباركة، مبشّرة الأولياء، المتعوبة في الدنيا، المتهجّدة، محترقة القلب، المحدّثة، المرضيّة، مريم الكبري، المزوّجه في الملأ الأعلي، مشكوة الأنوار، المضطهدة، المظلومة، معدن الحكمة، المعروفة في السماء، معصّبة الرأس، المعصومة، المغصوبة حقّها، مقتولة الجنين، مكسورة الضلع، الممتحنة، الممنوعة إرثها، المنصورة، المنعوتة في الإنجيل، المنهدّة الركن، الموصوفة بالبرّ والتبجيل، موطن الرحمة،

مهجة العالم، مهجة قلب المصطفي، الميمونة، ناحلة الجسم، الناطقة بالشهادتين عند الولادة، النبيلة، نجمة إكليل النبوّة، نخبة أبيها، النعمة الجليلة، نور الأنوار، النوريّة، والدة الحجج، والدة الحسن والحسين عليه السلام، الوالهة الثكلي، الوحيدة الفريدة، وديعة الرسول، وعاء المعرفة، وليّة الله العظمي، الوليدة في الإسلام، ينابيع الحكمة، ينبوع العلم.

[ صفحه 285]

فلسفة تسبيح فاطمة الزهراء

اشاره

الشيخ صالح كواز الحلي

الواث____بين لظ___لم آل م___حمد

وم___حمد م___لقي ب__لا تك___فين

والق____ائلين لف____اطم آذي___تنا

ف___ي ط___ول ن_وح دائ_م وح_نين

والق__اطعين اراك__ة ك_ي م__اتقيل

ب____ظل اوراق له___ا وغ___صون

ومجمعي حطب ع__لي الب__يت ال_ذي

لم ي__جتمع ل_ولاه ش_____مل الدي__ن

والداخ___لين ع__لي الب__تولة ب_يتها

والمس___قطين له___ا أع___ز ج_نين

والق____ائدين ام___امهم ب___نجاده

والط___هر ت__دعو خ__لفهم ب__رنين

خلو ابن عمي او لاك___شف لل__دعا

رأس__ي وأشك____و للال_ه ش__جّوني

م__ا ك__ان ن_اقة ص_الح وف_صيلها

ب___الفضل ع____ند الله إلاّ دون___ي

ورنت إلي الق__بر الش__ريف ب__مقلة

ع___بري وق__لب مك__مد م__حزون

ق___الت واظ_فار الم__صاب ب_قلبها

غ__وثاه ق__ل ع__لي الع__داة م_عيني

أب__تاه ه__ذا الس__امري وع__جله

ت__بعا وم__ال الن__اس ع_ن ه_ارون

أي الرزاي____ا ات__قي ب___تجلدي

هو في النوائب مذ ح__ييت ق_____ريني

فقدي ابي ام غ__صب ب_علي ح___قه

ام كس_ر ضلعي ام س____قوط ج__نيني

ام اخذهم ارث__ي وف__اضل ن__حلتي

ام ج___هلهم ح__قي وق__د ع__رفوني

قهروا ي_تيميك الحس___ين وص__نوه

وسئلتهم ح__قي وق__د ن___هروني [370] .

فلسفة تسبيح فاطمة الزهراء

من الشعائر الإسلامية التي أكد عليها القرآن الكريم هي شعيرة التسبيح، تلكم الشعيرة التي تزيد في إيمان الإنسان وتضيف عليه هالة من النورانية عبر

أداء هذه الركيزة الإسلامية التي أكد عليها القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة فقد جاء في قوله تعالي (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) ليؤكد علي هذه الحقيقة الخالدة التي أثبتها الله تبارك وتعالي لجميع الأشياء، فالكون يسبح والنجوم تسبح في مداراتها الغارقة في أعماق الفضاء والشجر والنباتات والحيوانات بكل صنوفها تشترك في هذا الموكب الرهيب الذي يثير الدهشة ويجتذب القلوب، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) [371] .

وأيضاً قوله تعالي: (فسبح باسم ربك العظيم).. أي نزّه الله سبحانه عن السوء، والشرك وعظمه بحسن الثناء عليه، ومعناه أيضاً نزه اسمه عما لا يليق به... فلا تضف إليه صفة نقص أو عملاً قبيحاً.. ومعناه أيضاً قولوا سبحان ربي العظيم.. والعظيم في صفة الله تعالي معناه كل شيء سواه يقصر عنه فإنه القادر العالم الغني الذي لا يساويه شيء ولا يخفي عليه شيء جلت آلاؤه وتقدست أسماؤه.

وورد في التفسير المروي في هذه الآية المباركة: أي فبرئ الله تعالي مما يقولون في وصفه، ونزهه عما لا يليق بصفاته، وقيل معناه قل سبحان (لله) ربي العظيم، فقد صح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه لما نزلت هذه الآية قال «اجعلوها في ركوعكم» وراجع في ذلك تفسير مجمع البيان ليتضح لك الحال والبيان.

ولقد ورد في القرآن الكريم عدة ألفاظ للتسبيح فتارة يأتي علي نحو صيغة الأمر تسبح وتارة أخري بصيغة الماضي أو الحاضر.. يسبح.. تسبّح.. وسبحان الله.. وهذا

[ صفحه 286]

يعني أن التسبيح له صفة الإستمرارية في كل شيء وكما قلنا فالكون يسبح.. الخ.

وإذا تفحصنا القرآن الكريم نجد زخماً

كبير من الآيات المباركة تصل العشرات تؤكد علي مسألة التسبيح ومنها: (سبّح لله ما في السموات والأرض) [372] (يسبح له ما في السموات وما في الأرض) [373] (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) [374] (صبح اسم ربك الأعلي الذي خلق فسوي والذي قدر فهدي) [375] .

إذن رحلة التسبيح في القرآن الكريم عظيمة وكبيرة جداً كل ذلك ليكون إيمان الإنسان عبر التسبيح في القرآن الكريم عظيمة وكبيرة جداً كل ذلك ليكون إيمان الإنسان عبر التسبيح أعظم وأفضل ما يكون عليه الإيمان، وقد ذكرنا هذه المقدمة لتكون لنا عوناً علي استيعاب الموضوع الذي نحن فيه _ تسبيح الزهراء عليها السلام _ ومن الطبيعي جداً نرجع إلي المصدر الأول للمسلمين الذي هو القرآن الكريم لنري كيف أكد علي هذا التسبيح، وبعد ننطلق ونسبح في فضاء تسيبح الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام.

فالقرآن الكريم قال ان الكل يسبح ولكن لا نعرف نحن القاصرون عن إدراك الكثير من الحقائق التي تخصنا نحن كبشر في حياتنا، وإلا فالكل يسبح ولكن نحن لا نعرف لغة هذا التسبيح الذي يخص الكائنات الأخري سواء النباتية أو الحيوانية وأو الجمادية أو الأفلاك المتحركة، فإن لهذه الوجودات لغات خارجة عن تصوراتنا وعن حدود معرفتنا، وليس لنا القابلية في معرفة هوية هذا التسبيح الخاص بها، إلا من وفقه الله تعالي في مجاهدة نفسه ووصل إلي مرحلة الكشف والشهود لكثير من الحقائق الكونية.. وهذا ما نجده متحقق في كثير من الأنبياء عليهم السلام كما في قصة سليمان عليه السلام الذي أعطاه الله تبارك وتعالي معرفة لغة الحيوانات (وعلمنا منطق الطير) ويقول الله تعالي في ذلك: (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان

وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكاً من قولها) [376] .

[ صفحه 287]

فسليمان يعرف لغة الغير من الحيوانات كالنمل والطير وإلا لو كان لا يعرف لغة النمل لما تبسم ضاحكاً من قولها، وعلي هذا الأساس فإن لكل شيء في هذا الكون لغة ومنطق ولكننا لا نفقه لغته ولا نعرف منطقه ولا ندرك ذلك إلا لمن أعطاه الله تبارك وتعالي نور البصيرة في كل شيء (ومن لم يجعل الله له نور فما له من نور).

إذن فكل شيء له لغة وله منطق غير أننا لا نفقه تلك اللغات اللهم إلا أن يكون الإنسان نبياً أو وصي نبي أو أحد الأئمة الهداة الذين علمهم الله منطق كل شيء وكما ورد ذلك في كتاب مدينة المعاجز الذي يعطيك عشرات الشواهد علي ذلك.. أما نحن فلاحظّ لنا من ذلك علي الإطلاق، وفي حديث أن الحصي كانت تسبح في كف النبي والصحيح هو أن النبي كا يسمع صوت الحصي حينما تسبح الله وتقدسه... وإلا فالحصي هي مسبحة لله تعالي في يد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وفي يد غيره من البشر غاية ما في الأمر أن الأنبياء لهم القدرة علي سماع هذا التسبيح بشكل واضح وملموس. وبعد أن وقفنا بعض الشيء مع معالم التسبيح في القرآن الكريم نأتي الآن إلي نورانية تسبيح فاطمة عليها السلام الذي يعبتر من الشعائر الدينية لدي الشيعة والسنّة والذي يعتزون به كأفضل الأعمال عقيب الصلاة المفروضة.

ولقد جاء الحث عليه من قبل الأئمة عليهم السلام في كثير من الأحاديث التي وصلت إلينا عبر الرواة والمحدثين ومنها ما جاء عن لسان أبي جعفر عليه السلام قال:

«ما عبدالله بشيء من التمجيد

أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام» [377] .

وعنه عليه السلام قال: «من سبّح تسبيح الزهراء عليها السلام ثم استغفر غفر له وهي مائة باللسان، وألف في الميزان، وتطرد الشيطان، وترضي الرحمان» [378] .

وجاء عن هارون المكفوف، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «يا أبا هارون! إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة فالزمه، فإنه لم يلزمه عبد فشقي» [379] .

[ صفحه 288]

وأيضاً عن الصادق عليه السلام قال: «من سبح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجله بعد انصرافه من صلاة الغداة غفر له ويبدأ بالتكبير» ثم قال أبو عبدالله عليه السلام لحمزة بن حمران: «حسبك بها يا حمزة» [380] .

تشريع التسبيح

من منّا لا يعرف كفاح فاطمة عليها السلام وكيف كانت حياتها تجري في بيت زوجها علي أمير المؤمنين _ عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام _ فالتاريخ يحدثنا أنها كانت قليلة الهجوع في لليل، وكانت تستغفر الله في الأسحار، فتقف في محرابها للصلاة حتي تورمت قدماها من كثرة العبادة والدعاء... وكانت تذوب رقة وخشوعاً في صلاتها وعند دعائها، ولدي قراءتها القرآن الكريم... فإذا مرت بآية فيها وعد أو وعيد رددتها في بكاء وحزن ودموع...

هذا كان بعض شأنها في الليل... أما في النهار، فقد كانت فاطمة تطحن بالرحي حتي أثّرت الرحي بيدها، واستقت بالقربة حتي أثرت القربة بنحرها، وكنست البيت حتي اغبرّت ثيابها، وأو قدت تحت القدر حتي طبع الدخان أثره علي ملابسها وترك لونه علي ثيابها وقت العمل بالطبع [381] وبلغ بها الحال أن دخل عليها النبي صلي

الله عليه وآله وسلم ذات صباح، وهي تطحن بالرحي وعليها كساء من وبر الإبل، وطفلها يبكي إلي جانبها، فبكي النبي، وقال «تجرعي يا فاطمة مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة» [382] .

وذات مرة، وقفت فاطمة الزهراء عليها السلام بين يدي أبيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فنظر اليها، وقد بدت آثار التعب علي وجهها، من شدة الجوع والكفاح، فوضع يده الكريمة علي صدرها، ورمق السماء بطرفه، وراح يدعو لها، والدموع تترقرق في عينيه، وهو يقول: «يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا، لحلاوة الآخرة». وقد تكرر هذا الموقف من رسول الله

[ صفحه 289]

لفاطمة، وفي كل مرة يكرر عليها هذه العبارة: يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة... وفي ذلك درس عظيم لكل فتاة تبحث عن النجاح في الحياة.. فيه درس عظيم لكل امرأة تفتش عن السمو.. تفتش عن التكامل في الإسلام.

يقول جابر بن عبدالله الأنصاري رحمه الله: رأي النبي صلي الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة، وعليها كساء من أجلة الإبل، وهي تطحن بيدها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال: يا بنتاه تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة، فقالت: الحمد لله علي نعمائه، والشكر لله علي آلائه [383] .

إن فاطمة الزهراء من خلال سيرتها الذاتية هذه تعطي الفتاة المسلمة أعظم درس في الحياة، يؤدي بها إلي سلوك الصراط المستقيم لتعيش في ظلال رحمة الله سبحانه.

أجل.. إن فاطمة تعلم المرأة كيف تصبح فتاةً مسؤولية...، تتحمل مسؤولية الأسرة، والمجتمع في ثقة وشجاعة.

ونعلم من سيرة الزهراء أنها لما أرهق بدنها الكدح والنضال، وأتعبها الطحن بالرحي، جاءت أباها تمشي علي استحياء، تطلب منه خادمةً تساعدها علي

تخفيف أعباء المنزل، وثقل الحياة العائلية التي كانت تكابدها ليلاً نهاراً، علّها تخفّف عنها بعض همومها. وقفت بين يدي أبيها رسول الله، مطرقةّ برأسها حياة بعد أن سلمت عليه، فرد عليها السلام، وكان من عادته أنه إذا أقبلت عليه فاطمة، كان يقوم إجلالاً لها ويقبل يدها ثم يجلسها في مجلسه، فجلست وهي مطرقة برأسها إلي الأرض، وما كادت تجلس في مكانها، حتي سألها الرسول الأعظم قائلاً: ما جاء بك... وما حاجتك أي بنية؟ فغلبها الحياء ولم تتمكن من سؤال النبي، فقالت: جئت لأسلم عليك.. وبعد لحظات قامت فودعها النبي، ورجعت إلي دارها دون أن تحقق هدفها الرامي إلي طلب فتاة لخدمة المنزل.

وبعد هذا اللقاء بأيام وجدت فاطمة نفسها لا تستطيع مواصلة العمل دون وجود فتاة إلي جانبها في البيت، فقررت أن تشكو حالها إلي أبيها الحبيب المصطفي لعله هذه

[ صفحه 290]

المرة يلبي نداءها، ويستجيب لدعوتها، خصوصاً وقد انتصر المسلمون في معارك الجهاد، فاحرزوا غنائم كثيرة وأموالاً عظيمة.. فقامت فاطمة الزهراء عليها السلام من ساعتها، وأتت أباها النبي صلي الله عليه وآله وسلم وطلبت منه خادمة، فقال لها: يا فاطمة أعطيك ما هو خير لك من خادم وم الدنيا وما فيها.

قالت: وما ذلك يا رسول الله؟

قال: «تكبّرين الله بعد كل صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثم تخنمين ذلك بلا إله إلاّ الله، وذلك خير لك من الذي أردت ومن الدنيا وما فيها» [384] .

وإليك قضيته كما نقله كتاب من لا يحضره الفقيه:

روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعدٍ: ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة

الزهراء (سلام الله عليها)؟ إنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتّي أثّر في صدرها، وطحنت بالرحي حتّي مجلت يداها [385] ، وكسحت البيت حتي اغبرّت ثيابها، وأو قدت تحت القدر حتي دكنت ثيابها [386] فأصابها من ذلك ضرّ شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.

فأتت النبي صلي الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده حداثاً، فاستحيت فانصرفت، فعلم صلي الله عليه وآله وسلم أنها قد جاءت لحاجة، فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا، ثمّ قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف _ وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً، فإن اذن له وإلا انصرف _ فقلنا: وعليك السلام يا رسول الله ادخل، فدخل وجلس عند رؤؤسنا، ثمّ قال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد؟ فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، فأخرجت رأسي فقلت: أنا والله اخبرك يا رسول الله، إنّها استقت بالقربة حتي أثّر في صدرها، وجرّت

[ صفحه 291]

بالرحي حتي مجلت يداها، وكسحت البيت حتي اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتي دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّما أنت فيه من هذا العمل.

قال: أفلا اعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدةً. فأخرجت فاطمة رأسها وقالت: رضيت عن الله وعن رسوله، رضيت عن الله وعن رسوله [387] .

وعادت فاطمة إلي دارها تحمل معها أعظم هدية ربّانية، وأكبر عطاء تربوي فكري. تلكم كانت قصة حديث تسبيح فاطمة الذي أطلقوا

عليه اسم تسبيح الزهراء، وشاع صيته في الآفاق وأصبح المسلمون يرددونه في أعماق كل صلاة في خشوع ودموع. ولكن هل انتهت قصة هذا التسبيح العظيم _ تسبيح الزهراء _؟ كلا.. بالطبع إن تسبيح الزهراء _ سلام الله عليها يعتبر شعيرة عظيمة، من شعائر الله التي هي من تقوي القلوب. ونحن نعرف أن فاطمة لها أسلوب خاص، وسيرة ذاتية تتعامل بها مع شعائر الله.. إن مفهوم الشعائر عند فاطمة يختلف عن مفهوم الآخرين للشعائر.. ولكي تأتي الصورة _ صورة البحث _ أكثر وضوحاً، فإنه لا بد من الدخول في الموضوع من أبوابه العريضة، ولكن باختصار شديد مع الوضوح الكاملي في الفكرة والتعبير.

إن الصفة الملازمة لفاطمة الزهراء _ هي أنها تستطيع أن تصور الإسلام في كل خطوة تخطوها، وفي كل شيء تلمسه بيدها الطاهرة وهي _ أي هذه الصفة _ وإن كانت موجودة في كل أهل البيت _ عليهم السلام _ إلا أنها تتألق في شخص الصديقة فاطمة الزهراء، بشكل يشد القلوب، ويبهر الألباب.

إن فاطمة تصوّر الإسلام بكل أبعاده حيث تجلس إلي الرحي تطحن فيها القمح والشعير _ لتسد أود أبنائها وبعلها ومن يلوذ بها في ظل أهل البيت. وإن فاطمة تصور

[ صفحه 292]

الإسلام بكل أبعاده، حين تخرج مع أبيها رسول الله في ساحات القتال والجهاد، تضمّد جراحه وجراح بعلها الوصي، وتمسح عنهما الآلام والأحزان، كانت تصور الإسلام، عندما تستقبل بطل الإسلام علياً أمير المؤمنين، وهو عائد من الحرب، فيدفع السيف لها قائلاً:

أفاطم هاك السيف غير ذم_يم

ف__لست ب_رعديدٍ ولا ب_ملميم

أجل.. إنها تصور الإسلام عندما ما تخلع ثوبها ليلة الزفاف وتدفعه لفتاة فقيرة تبدو عليها

رقة الحال، ويسألها أبوها عن ثوبها الجديد، فتجيبه بقولها: أبتاه يا رسول الله لقد طرقت عليّ الباب فتاة فقيرة تطلب ثوباً فأخذت ثوبي القديم القديم لأدفعه لها.. ولكنني تذكرت قوله تعالي: (لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون) [388] .

وأنا أحب الثوب الجديد فآثرتها به علي نفسي فخلعت ثوبي الجديد وأعطيته لها!

أية عظمة هذه، وأية نفس كبيرة تطالعنا بها حياة فاطمة، وسيرتها العذبة التي تتضوع عطر الجنة؟! إن فاطمة تخطوها.. وبكل كلمة تقولها.. إن ذلك يظهر بوضوح في خطبتها المشهورة المليئة بالفكر، والعطاء، والمبادرة، ان شعائر الإسلام تتحول إلي سلوك عندها فإذا أنت أمام شعائر تفور بالحركة، والعطاء، وتتفجر بالصور الساخنة، والمعاني الحية وتتحول في النهاية إلي واقع معيوش أساسه الإيمان وركائزه الفضائل وهيا كله التسامح والرحمة.

ليس عند فاطمة شعائر جامدة، ولا عبادة راكدة، ولا طقوس فارغة من المحتوي، بل الشعيرة الدينية عند فاطمة متدفقة بالعطاء، مليئة بالمبادرة والانطلاق الصائب نحو الهدف والغاية إن الشعيرة الدينية _ أية شعيرة _ من دون فاطمة، تغدو شعيرة جامدة باهتة، تجري في رتابة مملّة، فإذا لمستها فاطمة الزهراء، لمسة واحدة، اهتزت، وربت وأعطت ثمارها، ان لمسة واحدة من فاطمة للشعائر، تكفي لتحويله إلي سلوك عملي يمشي في الناس مشية لنور.. وذلك أن فاطمة لا تتامل مع الشعارات الفارغة، ولا تتعاطي مع الأوهام.. وإنما هي تؤمن بالحق ولا تتعامل إلاّ مع الحق والحقيقة.

إن فاطمة الزهراء _ سلام الله عليها _ لتضرب آباط الإبل بحثاً عن الحق ورواده.. علماً بأن الحق لا يتمثل إلاّ بها ولكن مع هذه كله، ففاطمة البتول، تفتش أبداً عن أهل الحق، ولا تمشي إلا في طريق الحق، كوان قلّ سالكوه، إنها

لا تستوحش من طريق الحق لقلة سالكيه.. فإذا كان هناك واحد يمشي معها في هذا الطريق، فإن ذلك يدخل السرور في قلبها، ويجعلها تأنس برفيق الإيمان ولهذا كانت إذا نظرت إلي وجه الإمام علي، تدفقت السعادة في وجهها وإذا نظر علي اليها أشرق وجهه بالبشري، حتي كان يقول: إذا رأيت فاطمة انجلت عني الهموم والأحزان، فهي حين علمها أبوها النبي، التسبيح المعروف بتسبيح الزهراء، أخذته بقوة لتحوله _ رأساً _ إلي منهج عملي، وسلوك يتحرك بنوره في الناس.. فهي بدل أن تذهب إلي بيتها نراها ذهبت إلي قبر الحمزة بن عبد المطلب لتصنع من تراب القبر حبات لمسبحتها التي ستدير تسبيح الزهراء فيها! [389] . ومن هذا القصة والقضية التي حصلت للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام شرّع هذا التسبيح المنسوب إليها.

كيفية التسبيح

قد وقع الخلاف بين العلامة والخاصة في كيفية تسبيحها عليها السلام، ومنشاً هذا الإختلاف ناشئ من الأخبار المختلفة في الباب من كلا الفريقين علي أن كلاهما يقول عند البدء به بالتكبير ووقوع الإختلاف إنما كان في تقديم التحميد علي التسبيح أو العكس، واختلف أصحابنا والمخالفون في ذلك، مع اتفاقهم جميعاً علي استحبابه.

وإليك الأقوال المختلفة في الأخبار عند العامة ثم نقدم بعد ذلك أخبار وأقوال الخاصة من الشيعة الإمامية لكي يتضح لنا بعد ما هو الصحيح.

عن مسند فاطمة للسيوطي: عن ابن شهاب [390] . سمعت أبا هريرة يقول: سمعت

[ صفحه 294]

النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: كلّ أمّتي معافي إلا الجاهرين، فان من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره ربّه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه فيبيت

يستره ويكشف ستر الله عنه... وكان يأمر عند الرقاد، وخلف الصلاة بأربع وثلاثين تكبيرة، وثلاث وثلاثين تسبيحة وثلاث وثلاثين تحميدة، فتلك مائة و.. ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال ذلك لابنته فاطمة عليها السلام [391] .

وعن الذريّة الطاهرة المطهرة: (بإسناده) عن أبي هريرة، عن فاطمة ابنة النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إنها انطلقت إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم تسأله خادماً، قال صلي الله عليه وآله وسلم: ألا أدلك علي ما هو خير لك من ذلك؟

إذا أويت إلي فراشك فسبحي ثلاثاً وثلاثين، واحمدي ثلاثاً وثلاثين، وكبّري أربعاً وثلاثين، فهو خير لك من ذلك، أرضيت يا بنيّة! قالت: قدر رضيت [392] .

وعن شرح السنّة: (بإسناده) عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة عليها السلام إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم تسأله خادماً، فقال صلي الله عليه وآله وسلم: ألا أدلّك ما هو خير من خادم؟ تسبّحين الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبّرين الله أربعاً وثلاثين عند كلّ صلاة، وعند منامك.

(هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم بن اميّة بسطام، ولم يذكر الصلاة) [393] .

وعن مسند أحمد بن حنبل: (بإسناده) عن شهر، قال:

سمعت أمّ سلمة تحدّث، زعمت أنّ فاطمة عليها السلام جاءت إلي نبيّ الله صلي الله عليه وآله وسلم تشتكي إليه الخدمة: فقالت: يا رسول الله! لقد مجلت يدي من الوحي، أطحن مرّة، وأعجن مرّة؛ فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إن يرزقك الله شيئاً يأتك، وسأدلّك علي خير من ذلك.

إذا الزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثاً وثلاثين، وكبّري ثلاثاً وثلاثين، واحمدي

[ صفحه 295]

أربعاً وثلاثين، فذلك مائة،

فهو خير لك من الخادم... [394] .

أقول: يظهر من هذه الأخبار التي روتها العامة ان الإختلاف وقع بينهم في قضية تقديم التكبير علي التسبيح وبالعكس فالخبر الأول يقدم التكبير والخبر الثاني يقدم التسبيح ومنه يظهر التعارض بين أخبارهم علي أنه هناك الكثير من الأخبار التي تنقل لنا هذا الإختلاف فيما بينهم ولا يسعنا المقام لنقل أخبارهم كله فنكتفي بهذه.

وأما ما ورد عن الخاصة:

فعن جامع الأحاديث: عن القاسم مولي معاوية: أنّه سمع عليّ بن أبي طالب عليه السلام فذكر أنّه أمر فاطمة عليها السلام تستخدم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقالت:

يا رسول الله، انّه قد شقّ عليّ الرحي _ وأرته أثراً في يديها من أثر الرحي _ فسألته أن يخدمها خادماً، فقال: أولا اعلمّك خيراً من ذلك _ أو قال: خيراً من الدنيا وما فيها؟ _

إذا أويت إلي فاشك: فكبّري أربعاً وثلاثين تكبيرة، وثلاثاً وثلاثين تحميدة، وثلاثاً وثلاثين تسبيحة، فذلك خير لك من الدنيا وما فيها [395] .

وع مشكاة الأنوار: قال: دخل رجل علي أبي عبدالله عليه السلام وكلّمة فلم يسمع كلام أبي عبدالله عليه السلام وشكي إليه ثقلاً في أذنيه، فقال له: ما ينعك؟ وأين أنت من تسبيح فاطمة عليها السلام؟ قال: جعلت فداك، وما تسبيح فاطمة عليها السلام؟

فقال: تكبّر الله أربعاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتسبّح الله ثلاثاً وثلاثين تمام المائة.

قال: فما فعلت ذلك إلا يسيراً، حتّي أذهب عنّي ما كنت أجده [396] .

وعن المحاسن: عن يحيي بن محمد؛ وعمرو بن عثمان، عن محمد بن عذافر، قال: دخلت مع أبي علي أبي عبدالله عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح فاطمة عليها السلام؟

فقال: الله أكبر حتّي أحصاها أربعة وثلاثين، ثم قال: الحمد الله حتي بلغ سبعاً

[ صفحه 296]

وستّين، ثم قال: سبحان الله حتي بلغ مائة، يحصيها بيده جملة واحدة.

أقول: هذه الأخبار ظاهرة في تقديم التكبير أولاً ثم يعقبها بالتحميد وبعد ذلك التسبيح.. أما الطائفة من الأخبار التي رواها أصحابنا فهي ظاهرة في أن التسبيح مقدم علي التحميد وإليك بعضها:

عن فقه الرضا عليه السلام قال: إذا فرغت من صلاتك فارفع يديك _ وأنت جالس _ فكبّر ثلاثاً وقل: لا إله إلا الله وحده وحده [لا شريك له]، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وأعزّ جنده وحده، فله الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وييت ويحيي، بيده الخير وهو علي كلّ شيء قدير.

وتسبّح بتسبيح فاطمة عليها السلام: وهو أربع وثلاثون تكبيرة، وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة؛ ثمّ قل: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، ولك السلام، وإليك يعود السلام، سبحان ربّك ربّ العزّة عما يصفون، وسلام علي المرسلين والحمد لله ربّ العالمين.

وتقول: السلام عليك أيّها النبّي ورحمة الله وبركاته، السلام علي الأئمة الراشدين المهديّين من آل طه ويس... [397] .

وعن الإحتجاج: وسأل عن تسبيح فاطمة عليها السلام، من سهي فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين، هل يرجع إلي أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبّح تما سبعة وستين هل يرجع إلي ستّة وستّين أو يستأنف، وماالذي يجب في ذلك؟

فأجاب عليه السلام: إذا سهي في التكبير حتّي تجاوز أربعاً وثلاثين، عاد إلي ثلاث وثلاثين، ويبني عليها، واذا سهي في التسبيح فتجاوز سبعاً وستّين تسبيحة عاد إلي ستّ وستّين، وبني عليها، فإذا جاوز التحميد فلا شيء عليه [398] .

وعن التهذيب:

عليّ بن حاتم، عن محمد بن جعفر بن أحمد بن بطّة القمّي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان، وأبو محمد هارون بن موسي، قال: حدّثنا محمد بن علي بن معمّر، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد

[ صفحه 297]

بن سنان عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد عليه السلام _ في حديث نافلة شهر رمضان _ قال: سبّح تسبيح فاطمة عليها السلام، وهو «الله أكبر» أربعاً وثلاثين مرّة، و «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين مرّة، و«الحمد لله» ثلاثاً وثلاثين مرّة؛ _ فوالله _ لو كان شيء أفضل منه لعلّمه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إياها [399] .

اقول: يظهر من هذه الأخبار اختلافها عن المتقدمة من جهة الحيثية التي استظهرناها، ومن هنا كان لابد لنا من معالجة الأخبار لكي نخرج هذا الاختلاف عن ظاهرة وتوجيهه التوجيه الصحيح بحيث لا يبقي أي اختلاف وتعارض قال في المختلف: المشهور تقديم التكبير، ثم التحميد، ثم التسبيح ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في المقنعة وسلار وابن الصلاح وابن ادريس. وقال علي بن بابويه، يسبح تسبيح الزهراء، وهو أربع وثلاثون تكبيرة، وثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وهو يشعر بتقديم التسبيح علي التحميد وكذا قال ابنه أبو جعفر وابن جنيد، والشيخ في الاقتصاد واحتجوا برواية فاطمة عليها السلام.

والجواب: انه ليس فيها تصريح بتقديم التسبيح، اقصي ما في الباب ان قدمه في الذكر، وذلك لا يدل علي الترتيب، والعطف بالواو لا يدل عليه، انتهي. وقال الشيخ البهائي رحمة الله في مفتاح الفلاح: أعلم ان المشهور استحباب تسبيح الزهراء عليها السلام في وقتين: أحدهما بعد الصلاة، والآخر

عند النوم، وظاهر الرواية الواردة في تسبيح الزهراء عليها السلام علي الاطلاق يقتضي تاخيره عنه. والمشهور الذي عليه العلماء في التعقيبات: تقديم التحميد علي التسبيح، وظاهر الروايات المعتبرة الصحيحة ذلك وهي شاملة بأطلاقها لما يفعل بعد الصلاة وما يفعل عند النوم، وما احتج به بعضهم في كون تقديم التسبيح علي التحميد انما يكون عند النوم مردود بكون الرواية التي استدلوها بها غير صريحة في تقديم التسبيح علي التحميد فان الواو لا تفيد الترتيب وانما هي لمطلق الجمع علي الاصح كما مبين في محله من الاصول، إلاّ اللهم ان يقال ان ظاهر اللفظ يقتضي ذلك.

[ صفحه 298]

علي انه لم يوجد قائلا بالفرق بين التسبيح عند النوم وبعد الصلاة بل يظهر من خلال تتبع اقوال الفريقين القائلين بتقديم التحميد بتقديم التحميد علي التسبيح مطلقا سواء وقع بعد الصلاة كتعقيب او قبل النوم وهذا هو الصحيح، واما من ذهب بالتفصيل فقوله احداث لقول اخر في مقابل الاجماع الذي عليه الشيعة وهو مخاف كما تري.

التسبيح من شعائر الدين

من كتاب اعلموا اني فاطمة: 2: 642.

فالتسبيح شعار، او قل: شعيرة من شعائر الدين ومحتواه الفداء والتضحية والفداء لا يكون إلاّ اذا سبقته تربية، وهو بعد ذلك كل يحتاج إلي رمز يدل عليه، وهنا نستطيع بقليل من التركيز والانتباه ان نلمس هذين الشرطين في تسبيح الزهراء...

الشرط الأوّل، هو الشرط التربوي.. ونلمسه في تركيبة هذا التسبيح الذي علمه النبي _ صلي الله علي وآله وسلم _ لا بنته فاطمة الزهراء والتسبيح يتكون من أربع وثلاثين مرة الله اكبر... وثلاث وثلاثين مرة الحمد لله، وثلاث وثلاثين مرة سبحان الله... وفي نظرة واعية نلقيها علي هذا الترتيب المتقدم نجد ان

التسبيح يبدأ باسم الله وينتهي باسم الله، فهو لم يبدأ بالحمد الله، ولابدأ بسبحان الله، وانما بدأ بالله اكبر. وختم بسبحان الله حتي تكون اول كلمة في التسبيح هي كلمة الله، واخر كلمة في التسبيح هي كلمة الله. (الله اكبر.. سبحان الله.. الحمد لله). انظروا إلي الكلمتين اللتين احاطتا بالتسبيح كما يحيط الهلال بحفة النجوم في صدره، هذا هو الشرط الأوّل، الشرط التربوي.. حيث ظهرت فيه الاشارة واضحة إلي المبدأ والمعاد.. فنحن من الله وسنرجع إليه... انا لله، وانا إليه راجعون، وهذا معناه ان القراءة والدعاء، والتسبيح وكل حركة في الحياة يجب ان تكون باسم الله... كما كانت اول كلمة في القرآن: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم) [400] .

[ صفحه 299]

فجعل القراءة منصبة في قالب أدبي تربوي.. (اقرأ باسم ربك) أي ان القراءة يجب ان تنصب في اطار تربوي أدبي، لأنّ التربية مشتقة من الرب، او كلمة الرب مشتقة من التربية وهو الاصح في اللغة. هذا هو الشرط الأوّل، اما الشرط الثاني والذي يعني ان هناك رمزاً نتخذ منه قدوة، واسوة حسنة في تطبيق مضمون التسبيح، فهو الفداء، والتضحية... وهنا تجد فاطمة الزهراء عليها السلام حين اخذت درس هذا التسبيح من أبيها الرسول الاعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم اقول: حين اخذته من أبيها، هذا الدرس انطلقت به إلي قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عليه السلام وحين وصلت إلي القبر، جلست تصنع جبات لمسبحتها من تراب قبر الشهيد، اجل.. فاطمة تصنع مسبحة من تراب قبر الحمزة من اجل ان تعبق حبات هذه المسبحة

برائحة الشهادة، وتتضوع بعطر الشهيد الذي أقدم الفداء والتضحية، من اجل الحق، من أجل ان يحيا الإنسان في أمن وطمأنينة، من اجل ان يعبد الناس رب العالمين في حرية ودون اكراه.. من اجل اعطاء الناس حرية وحقا وعدالة اجتماعية.. من اجل ان يندحر الظالمون، وينهزم المستكبرون ويذل الطغاة في الأرض. وفاطمة الزهراء، هنا تعطي الصلاة بعدا جهاديا تربويا، انها تعطي العبادات ابعادا توعوية تزيد في رشد الأمة، وتنقص من غبائها وبلادتها، نعم انها مسبحة للصلاة، ولكنها ليست مسبحة جامدة فيها حبات من الطين... كلا.. انما هي مسبحة مصنوعة من تراب ممزوج بدم الشهادة ونور الولاية.. وهذا هو الذي يجعل للصلاة معني وقيمة ووزنا. ومن هنا جاءت فكرة السجود علي تربة الحسين عليه السلام في الصلاة وذلك حتي نتذكر دائما ان الصلاة لا تقوم في الأرض إلاّ بدماء الشهداء حيث:

لا يسلم الش_رف ال_رفيع م_ن الاذي

ح__تي ي__راق ع_لي ج_وان_به الدم

من كل ذلك نخرج بحصيلة نافعة مفادها: ان الشعائر الفارغة لا تؤدي دورا نافعا في الحياة... بخلاف الشعائر المليئة بالمضمون، والمحتوي فانها تبني الحياة وتسعد القلوب، وتربي النفوس، وهي بعد ذلك قائمة علي التقوي، وملاكها طهارة القلوب وصفاء النفوس. ولهذا نجد الزهراء، حولت الشعائر الاسلامية إلي سلوك يتحرك في اعماق الإنسان، وبين يديه ومن خلفه.. ان فاطمة حركت الشعائر في القلوب واعطتها قوة

[ صفحه 300]

دفع كبيرة يوم استطاعت ان تحرك العواطف، وكثيراً من المشاعر، وتغذي العقول بفصاحتها وبلاغتها وقوة بيانها. فهي لم تحرك مشاعر الذين عاصروها، بل وأيضاً استطاعت ان تؤثر في كل الاجيال، وفي الشعوب كافة بحيث اصبح اسمها رمزا للفداء والتضحية والبطولة والعظمة. نعم، عندما

يكون للشعار مضمون، فهذه كانت نظرة الزهراء الثاقبة في التسبيح.

الشعار وحامله

شعارات كثيرة ارتفعت في الدنيا، وزعماء لمعت اسماؤهم فترة من الزمن، ولكنهم انطفأوا وانطفأت أسماؤهم، عندما داست الجماهير شعارتهم تحت الارجل. في حين نجد شعارات انطلقت علي أفواه زعماء آخرين مخلصين فعاش الزعماء والقادة في القلوب، وظلت الشعارات متوجهة متدفقة لا ينقطع عطاؤها أبداً.. ولم تستطع قوي الظلام والضلال مجتمعة ان تطفيء شعيرة واحدة من تلكم الشعائر.. لانها انطلقت من الصدق والحق والحرية فعاشت في القلوب. ومن هنا نستطيع ان ندرك _ علي الفور _ السبب المباشر في بقاء شعائر، واندثار اخري.. وفي انطفاء زعيم وعيش زعيم اخر. ان السبب الرئيسي في كل ذلك هو الصدق.. والصدق وحده هو الذي يستبقي الشعار ويجعله خالداً.. لأنّ معني ذلك ان ليس هناك تنافر ولا تنازع بين الشعار وبين المبدأ الذي يحمله هذا القائد او ذلك. ان اول ما يؤدي سقوط الشعار هو ان يكون الشعار مخالفاً لسلوك الزعيم الذي يرفعه.. اما اذا التقيا: الشعار والمبدأ فان النتيجة واضحة وستكون حسنة وجيدة، وهي الخلود الكامل للشعار وحامله، ومن هنا فاننا نجد شعارات الاسلام وجيدة، وهي الخلود الكامل للشعار وحامله، ومن هنا فاننا نجد شعارات الاسلام خالدة وباقية لانها تنطلق من فطرة الإنسان تتغذي بالتقوي، والإيمان بالله. يقول الحق: (ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوي القلوب) [401] .

أي ان القلوب المليئة بالتقوي هي وحدها التي تغذي هذه الشعائر وتخفظها من

[ صفحه 301]

الضياع، ومن هذا المنطلق نجد الشعائر حين تلمسها فاطمة الزهراء _ عليها السلام _ تحولها إلي حياة ونور، وواقع.. وآلية تحفظ الحقوق وترعي الزمام، فمثلا _ التسبيح من شعائر الله، لانه

يعيد الإنسان إلي واقعه، وحقيقته التي خلق من اجلها، وهي العبادة المطلقة لله وحده والتوجه إلي الخالق القادر الذي لا اله غيره.. وهو _ أي _ التسبيح بعد كل ذلك رحلة ينسجم المرء فيها مع كل ما يجري في هذا الكون، لانه مامن شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ وهو يسبح الله ويقدسه، تقول الارقام العلية التي نأخذها من القرآن الكريم: ان كل شيء في هذا الكون ساجد يسبح لله ويقدسه، اخذا من الذرة والخلية وانتهاء بأكبر سديم في الفضاء ابتداء من الأميبا، الحيوان ذي الخلية الواحدة، وانتهاء باكبر جرم حيواني في الأرض. ابتداء من اصغر عشب نائم في العراء، وانتهاء باكبر دوحة في الأرض، هذه كلها تشترك في تسبيحة واحدة، وسجود واحد وتقديس للحق جل وعلا.. ومن هنا جاءت فكرة التسبيح لترد الإنسان إلي هذه الحقيقة وهي الانسجام الكامل مع ما يجري في هذا الكون. هذا هو كل ما يمكن ان يقال في التسبيح في مثل هذا الجال.. ولكن تعالوا معي لنري الصديقة الزهراء كيف حولت هذا الشعار إلي صهريج مليء بالنور والحركة والعطاء.. انظروا كيف استطاعت الزهراء ان تجعل من هذه الشعيرة الاسلامية، منهجا تربوياً، حضاريا، يسكب الراحة والطمأنينة في النفس، ويجعل المسلم اقوي من الجبال في مواجهة الطغاة الظالمين. فالتسبيح بتسبيح الزهراء يبدأ ب_ 34 تكبيرة و 33 تحميدة، و33 تسبيحة، وهو تسبيح معروف، ومشهور، وخصوصا عند أهل البيت عليهم السلام حيث كانوا يأمرون اولادهم بحفظه وقراءته، قبل النوم، وكان الإمام الصادق عليه السلام يقول: كنا نعلم اولادنا، او قال: نعلم صبياننا حفظ هذا التسبيح وقرائته بعد الصلاة وفي اول دقائق النوم، وقد تقدم ذكر هذا التسبيح والتعليق، عليه، ونحن اذا

اردنا ان ندرك ما تقول فاطمة.. علنيا أن نجعل منها قدوة، واسوة حسنة تفتح أبواب الحياة امامنا، وتضيء عالمنا الذي اطبق عليه الظلام، وذلك في فهمنا لتسبيح الزهراء.. فعندما نسبح بتسبيح فاطمة في اعقاب الفرائض.. يجب ان نتأثر به، ونتخلق بآدابه ونسعي إلي ان يترك اثره الطيب في سلوكنا في الحياة بحيث ان الذي يقرأ هذا التسبيح او يقدم علي ان عمل في حياته

[ صفحه 302]

اليومية عليه ان يشعر انه من احب الزهراء او من انصارها الذين يحملون مبادئها، وافكارها واهدافها إلي شعوب الارض وإلي الناس اجعين، ولم لا؟ الم تكن فاطمة رحمة للعالمين، كما كان أبوها النبي رحمة للعالمين؟.. واذا كانت كذلك، فان رسالتها هي رسائل لكل شعوب الأرض، وعلي شيعتها ان يرفعوا صوتها إلي العالم اجمع فانه احب واقرب صوت إلي القلوب.

الزهراء تعلمت التسبيح من النبي

وفي تسبيح الزهراء، نجد ان الصديقة الكبري فاطمة الزهراء عليها السلام قد حاولت هذا الشعار إلي سلوك يومي، وذلك عندما علمها أبوها النبي صلي الله عليه وآله وسلم هذا التسبيح، ذهبت إلي قبر الحمزة بن عبد المطلب.. وأخذت تصنع من تراب قبره حبات لمسبحتها لتدير بها هذا التسبيح. ومعني ذلك انها اعطت الشعار محتوي ومضمونا، ومعنيّ، أي انها جعلته شعارا حيا، وليس مجرد كلمات تتحرك بها الشفاه واللسان، دون ادراك ولا اسيتعاب. ان التسبيح هو تنزيه الله عن البعث، انه تسبيح يؤكد الحكمة التي اقامهاالله عزوجل عليها الكون والحياة والإنسان.. والشهادة هي قمة هذه الحكمة.. أي ان الشهيد قد بلغ حداً من الحكمة والكمال ليس بعده حد.. وهذه هي الفلسفة،والرشد، الذي تريده الزهراء، انه امتزاج بين التسبيح وبين دماء الشهداء. ان الصلاة من دون دم الشهيد

لا تساوي شيئا. او قل؛ لولا الشهداء لما قام لهذا الدين عمود، وحمزة هو سيد الشهداء، طبعا قبل واقعة الط، وقبل مجيء يوم عاشوراء، فلما جاء يوم عاشوراء، يوم الحسين، اصبح الحسين عليه السلام هو سيد الشهداء، كما انه سيد شباب أهل الجنة، وسيد الاحرار في العالم، انه احتكاك فكري، وحضاري بين التسبيح وبين دماء الشهداء، وهذا هو الفارق الذي تنفرد به الحضارة الاسلامية عن غيرها من حضارات خاوية فارغة، ونحن حينما نصلي علي تربة الحسين، فاننا نقيم هذا المعني في القلوب، وهو: ان الصلاة لا تقوم إلاّ بالشهادة، وذلك نخاطب الحسين في الزيارة؛ اشهد انك قد أقمت الصلاة» أي اشهد انك بشهادتك قد أقمت الصلاة، وحفظتها من

[ صفحه 303]

الضياع، وانت قد أقمت الصلاة بأهدافها ومبادئها قبل مصرعك، وقبل يوم شهادتك. علي ان السجود هو علي التربة الحسينية، وليس للتربة، وهماك فرق بين السجود علي الشيء والسجود للشيء، فالسجود للأشياء قطعا حرام. كأن يسجد احد الناس صنعم أي يسجد له لا عليه. في حين ان السجود علي التربة انما هو سجود لله وليس للتربة. فالتربة ليست اكثر من انها تحقق مصداق السجود علي الأرض لأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يقول: جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، ونحن نعرف ان المسلمين كانوا يصلون علي تراب المسجد في ايام رسول الله. ثم ان التسبيح جاء في اطار التربية، فهو يبدأ بالله، وينتهي بالله، وانه ليلخص مسيرة الحضارة الاسلامية، من منطلقها وإلي هدفها.. من الله وإلي الله فهو يبدأ بالله اكبر... وينتهي بسبحان الله، فيكون قد بدأ بالله واختتم بالله، في حتي ان هذا المعني لم يكن ليحصل لو كان البدأ

بالحمد لله مثلاً. اذن: فالتسبيح _ تسبيح الزهراء _ قد جاء في اطار تربوي لانه يستقي نوره من القرآن الكريم، والقرآ، قد جاء للتربية، واول آية، وسورة نزلت في القرآن، نجدها نزلت في اطار تربوي، فأول كلمة فيه هي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق). ولم يقل: اقرأ باسم الله مثلاً، وانما قال: اقرأ باسم ربك وكلمة الرب مأخوذة من التربية، بمعني ان القراءة يجب ان تأتي في اطار تربوي. ونفس الشيء في تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام، وروي في كتاب مزار المفيد عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: ان فاطمة كانت مسبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت عليها السلام بيدها تديرها تكبر وتسبح إلي ان مفتل معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت عليها السلام بيدها تديرها تكبر وتسبح إلي ان قتل حمزة بن عبد المطلب عليه السلام فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس.. [402] وهنا اود ان اتوقف معكم لحظات نتأمل من خلالها هذا الحديث العظيم اذ لا شك ان ذهابها إلي قبر سيد الشهداء الحمزة بن عبد المطلب الذي هدّ مصرعه قلب النبي فقال في تأبينه: ما وقفت موقفا أغيظ علي من هذا الموقف حيث كانت هند زوجة ابي سفيان قد قامت بأبشع جريمة يمكن ان تقوم بها امرأة في مثل وضع هند آكلة الاكباد، اذ شقت صدر الحمزة واخرجت كبده وارادت ان تمضغها

[ صفحه 304]

فحولها الله إلي حجر في فمها فلفظتها، ثم فلفظتها، ثم جدعت انفه، واذنه، وقطعت اعضاءه وشوهت صورته النورانية بوحشية وحقد يظهران نكسة الشر في طبعها، والدناءة والخباثة القابعة في داخلها، والمعروف ان الحمزة بن عبد المطلب، ويوم شهادته في احد،

كان صائما فأفطر في الجنة مع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح علي روحه الطاهرة، فهو يومذاك كان يمثل قمة الشهادة، وسيد الشهداء، لانه قتل يوم احد، وأحد قبل يوم كربلاء بقرابة خمسين عاما من الزمن، ومعني ذلك الحمزة كان سيد الشهداء بحق ودون منازع، فماذا يعني بالنسبة لنا ذهاب فاطمة إلي قبر الحمزة سيد الشهداء احد؟... ان فاطمة عندما تذهب إلي قبر الحمزة، وتصنع مسبحة من التراب الممزوج بدم الشهادة، فانها تعطينا درساً بليغا في ان اشعار وحده لا يبني مجتمعا، ويقيم امة، وانما لابد للشعار من محتوي عملي، ومنهج تطبيقي، وبكلمة.. لابد للشعار من ممارسة فعلية وذلك ان الشعار لابد له من هدف يتجه نحوه، ومن دون هدف، يغدو تافها لا يثير دهشة احد، ولا يشد انتباه احد، ولايربط علي قلب احد. واقبح ما يكون ان يرفع الإنسان شعارا يخالفة، ويعمل ضده، يقول القرآن الكريم في هذا المضمار: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم) [403] ولذلك كان ولايزال ملاك الشعائر وتطبيقها.. واصبح تعظيمها يعني العمل بها.. ولا يطبقها إلاّ من امتحن الله قلبه للتقوي (ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوي القلوب) [404] .

وللفائدة أقول: إنه لا فرق بين الشعار والشعيرة في هذا الموضوع بالذات.. فالشعار جمعه شعارات والشعيرة جمعه شعائر، وكلها تصب في نهر واحد، لأنّ الغاية من ذكرها هنا تحقيق غاية سامية، وهدف شريف رباني واذا كان الشعار وحده لا يبني مجتمعا خاصة، اذا كان خاليا من محتوي، فان اهداف الشهادة هي المضمون الجيد للشعار، وهي المحتوي الراقي لشعائر الله والتسبيح معناه التنزية لله من كل عبث في الكون

[ صفحه 305]

والحياة والإنسان، واذا كان التسبيح

معناه التنزيه ومعناه معرفة الله، فمن _ يا تري _ ينزه الله، ويعرف اكثر من الشهداء؟ ان الشهيد يشكل قمة حضارية عالية في معرفة الحق سبحانه وتعالي، ولذلك صنعت فاطمة حبات المسبحة من تراب اقدس شهيد هوي إلي الأرض بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويكفي ان الزهراء حين تصلي وتسبح الله في صلاتها، تتمثل صورة الشهادة في انصع اشكالها، واروع معانيها امام عينيها وكفي بذلك فخراً وتربية وارتفاعا في سماء الجد، وآفاق السماحة والشجاعة، والفصاحة والمحبة في قلوب المؤمنين، من هنا جاءت فكرة السجود علي تراب كربلاء، لأن ّ تراب كربلاء تضمن جسد الحسين عليه السلام.. ومن هو الحسين؟ الحسين بن رسول الله... الحسين اب فاطمة.. الحسين الذي قال فيه النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «حسين مني وأنا من حسين احب الله من احب حسينا» علما بان الرسول قال: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا». فالسجود علي الأرض وترابها سنة شريفة متبعة في سيرة النبي الاكرم.. ونحن عندما نسجد علي قطعة من تراب كربلاء ونحتفظ بها في جيوبنا فان ذلك يرمز إلي شيئين:

الأوّل: اننا نطبق سنة شريفة جارية، وهي السجود علي الأرض وفقا لتعاليم الحبيب المصطفي.

والثاني: اننا نتذكر الحسين دائما الذي كان اقرب الناس إلي قلب جده رسول الله، والذي كان يوم عاشوراء يلبس جبة النبي، وعمامته.. والقرآن الكريم يقول: (ما أتاكم الرسول فخذوه، ومانهاكم عنه فانتهوا) [405] وقد أتانا النبي بالحسين وأهل بيته، فقال: «حسين مني وانا من حسين احب الله من احب حسينا». فكما ان الزهراء، تريد ان تجعل اهداف الشهداء نصب عينيها حين تصنع سبحة لها من تراب قبر الشهيد، كذلك نحن نريد ان نتذكر اهداف

الإمام الحسين _ عليه السلام _ حين نصلي علي قطعة من تراب ارض كربلاء المقدسة. اذن ففاطمة الزهراء بذهابها إلي قبر الحمزة، اعطت شعيرة للتسبيح هذه دفقا معنويا، وحياة، وعطاء تربويا، لا حدود له، هذا بالاضافة إلي انها علمتنا كيف نتعامل مع شعائر الله، وكيف نحول الشعار إلي

[ صفحه 306]

سلوك عملي نمشي به في الناس، علي ان تسبيح الزهراء، قد صبه النبي في اطار تربوي عميق حين جعله يبدأ وينتهي بالله عزووجل. ان نظرة فاحصة نلقيها علي هيكل التسبح المذكور، ترينا بوضوح، ان التسبيح مؤلف من اربع وثلاثين تكبيرة وثلاث وثلاثين تحميدة... وثلاث وثلاثين تسبيحة وهذا يعني انه بدأ بالله اكبر. فأول كلمة في التسبيح كلمة الله اذ انه لو بدأ مثلا في التحميد لكانت اول كلمة فيه كلمة الحمد وليس كلمة الله، وهكذا اراد النبي لهذا التسبيح ان يصب في قالب تربوي كما هو شأن كل الشعائر الاسلامية.. فجعله يبدأ بالله اكبر.. وينتهي بسبحان الله انه بدأ بالله وختم بالله.. وهذا هو المراد من الاطار التربوي في منهج التسبيح.. وهو موافق لسلسلة الفكر الاسلامي في القرآن الكريم... فنحن نعرف ان اول كلمة نزلت في القرآن هي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق..) والرب كلمة مشتقة من التربية، بمعني ان القراءة المطلوبة يجب ان تكون في اطار التربية الربانية.. وإلاّ لكان يقول: اقرأ باسم الله الذي خلق... ولكنه لم يقل باسم الله الذي خلق، في هذه السورة بالذات، وانما قال: (اقرا باسم ربك الذي خلق..) هذا بالاضافة إلي ان القراءة معناها تغذية العقل، لأنّ العقل يتغذي بالعلم، ومن دون علم تموت العقول، وحين يقول الحق سبحانه: اقرا باسم ربك.. فان ذلك

يعني غذ عقلك بالتربية العلمية، حتي يصلعقلك إلي مرحلة الرشد الفكري، ان لفاطمة الزهراء _ سلام الله عليها _ قدرة عجيبة، ومدهشة علي تصوير المعاني الجافة واعطائها صورا حية، ثم منحها ريشا رقيقا فيه المعاني في ارفع درجات الفهم، والاسيتعاب وان قدرتها كما قلت آنفا _ علي تصوير قضايا الاسلام تصويرا دقيقا، لمدهشة جدا، فما من كلمة تقولها فاطمة، وما من دمعة تسكبها من عينها، ومامن خطوة تخطوها فاطمة إلاّ صورت الاسلام بكل ابعاده تصويرا حقيقيا وواضحا، يبهر الالباب ويأخذ بمجامع القلوب، وهذه ميزة في أهل البيت لايشاركهم فيها احد من العالمين... بخلاف غيرهم من الناس، او بتعبير اكثر دقة بخلاف الآخرين.. فالاسلام الذي يعرضه الاخرون يبدو اسلاما مزيفا مرقعا مهلهلا يضرب بعضه بعضا في حين ان الاسلام يعرضه أهل البيت عليهم السلام يبدوا اسلاما يشد بعضه بعضا، وله نور وعليه حلاوة وجمال رشيق، له قوة جذب شديدة،وبكلمة: الحديث

[ صفحه 307]

الذي يأتينا من النبي وأهل بيته، وهم فاطمة وعلي والحسن والحسين، والتسعة المعصومون، من ذرية الحسين عليهم السلام.

أقول: الحديث الذي أتينا من أهل البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، يأتي حديثا لهم نور هو من نور القرآن، بل اننا نجد حديثهم يتعانق مع القرآن عناقا طويلا، في مودة واخلاص.. فليس هناك حديث عن أهل البيت يخالف القرآن ابداً.. ومن هنا جاء حديث الثقلين الشهير الذي تذكره كل كتب الصحاح والحديث بدءا من صحيح البخاري ومسلم، مرورا بصحيح الترمذي والنسائي وابن ماجه وابي داود، وانتهاء بمسند بن حنبل والصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني... كل هذه الكتب قد اجمعت واتفقت علي كلمة واحدة وهي: ان النبي صلي الله عليه

وآله وسلم قال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي، وقد نبأني اللطيف الخبير انهما، أي الكتاب والعترة لن يفترتا حتي يردا علي الحوض».

والآن وبعد هذه الجولة السريعة في رحاب التسبيح، وبعد هذه السباحة في شاطيء تسبيح الصديقة فاطمة الزهراء _ صلوات الله وسلامه عليها _ فانه يجدر بنا ان نرجع إلي معالم هذا التسبيح الذي اصبح شعاراً يرفعه المناضلون، والمجاهدون في وجوه الطغاة والجلادين.. بل ان هذا التسبيح _ أعني تسبيح الزهراء _ قد جمع كل مناهج الإنسان المؤمن في، الحياة فهو يبدأ بالله اكبر.. ثم الحمد لله وينتهي بسبحان الله. وهذه هي مناهج المؤمن ومعالم الإيمان في الأرض. ان تبدأ بسم الله.. وتعتقد ان الله اكبر من كل شيء في هذا الوجود، انه اكبر من المال، واكبر من السطان، واكبر من لاهل، والنفس، والحياة، واذا كان اكبر من كل هذه الاشياء، فمعني ذلك انك تكون علي اهبة الإستعداد لأن تضحي بنفسك واهلك، ومالك وكل غال ونفيس في سبيل كلمة «الله اكبر».. ومن هنا ندرك السر المكنون الذي جعل الصديقة الزهراء تذهب إلي قبر الحمزة سيد الشهداء وتصنع من تراب قبره حبات لمسبحتها، وكأنها بهذا العمل تلقنا درسا لاننساه ابدا، وهو ان كلمة الله اكبر التي جاءت في أول تسبيح الزهراء، هذه الكلمة لا يحفظها إلاّ الشهداء، ولا يحصنها من غائلة العوادي إلاّ دماء الشهداء... ان كلمة الله اكبر.. تعني الصدق والوفاء والاخلاص، والشجاعة والعفة والزهد، والشرف

[ صفحه 308]

الرفيع، وهذه لاتسلم ابدا من ايدي العابثين إلاّ بسفك المهج واراقة الدماء. وصدق الشاعر حين قال:

لا يسلم الشرف

الرفيع من الاذي

حتي ي__راق ع__لي ج_وان_به الدم

ويقول أبو القاسم الشابي

إذا الشع__ب ي__وما اراد الح_ياة

ف____لابد ان يس____تجيب الق_در

ولاب____د لل__يل ان ي__نجلي

ولاب__د لل__قيد ان ي__نكس____ر

اجل... ان فاطمة الزهراء عليها السلام لتدرك جيداً ان هذا الشعار الذي اخذته من النبي لايمكن حفظه إلاّ بالتضحية، والشهادة ولذلك قامت بخطوة تكريمية للشهداء، وهي انها جعلت من تراب قبر الشهيد حبات لمسبحتها، لتدير عليها هذا المنهج الملائكي النوراني الذي سمي: تسبيح الزهراء. ونفس الشيء يقال بالنسبة للحمد، فالحمد هو اعلي قمة يمكن ان يصل اليها الإنسان، ومن هنا كانت سورة الحمد ام الكتاب، لانها جمعت التعبير كله ولخصت مسيرة الأنبياء جميعا في مضمونها، وكما في التكبير والتحميد كذلك في التسبيح، وهو سبحان الله وكما قلت سابقا ان هذا التسبيح جاء مصبوبا في قالب ادبي واخلاقي وتربوي، وذلك انه بدأ ب_ «اسم الله» وانتهي ب_ «باسم الله» فهو يبدأ ب_ «الحمد الله» مثلا لما حصل هذا المعني وهذا الاطار التربوي الجميل، وهو مشتق ونابع من قول الله تعالي: (انا الله وانا إليه راجعون) اذن تسبيح فاطمة الزهراء _ سلام الله عليها _ انما جاء ليزرع في أعماقنا شتائل النور، ويبادر الحب والعطاء.. لقد جاء هذا التسبيح الجامعي العظيم، ليشعل في قلوبنا قناديل الامل والرجاء ويمنحنا الطمأنينة والسلام، ولكي نتذوق حلاوة التسبيح، فانه لابد لنا من المواظبة علي قراءته في أعقاب كل صلاة نصليها وذلك لانه يدفع البلاء عنا، ويجلب الرزق ويعمنا بسحاب البركة والخير الكثير والله ولي التوفيق [406] وختاما للموضوع نذكر اهم فوائد وآثار هذا التسبيح المبارك الذي منه رسول الله علينا من لسان ابنته

[

صفحه 309]

فاطمة علما بان هذه الاثار والفوائد انما اخذناها واستفدناها من خلال عد كبير من الاحاديث المأثورة عن لسان أهل البيت عليهم السلام.

1 _ ان تسبيح فاطمة عليها السلام من الخير الكثير للمؤمن [407] .

2 _ من قرأ هذا التسبيح عند النوم بات وله الف حسنة وعند قيامه من نومه _ الذي قرأ فيه التسبيح _ له الف حسنة [408] .

3 _ ان هذا التسبيح مائة باللسان وألف في الميزان وذلك قوله تعالي «من جاء بالحسنة فله عشر امثالها» إلي مائة الف [409] .

4 _ انه ما عبدالله تعالي بشيء من التمجيد افضل من تسبيح فاطمة [410] .

5 _ من سبح هذا التسبيح ثم استغفر الهل غفر له وهي مائة باللسان _ أي التسبيحة _ وألف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن [411] .

6 _ انه مايلزمه عند مؤمن فشقي في حياته [412] .

7 _ انه من سبح هذا التسبيح في دبر الصلاة المكتوبة من قبل ان يبسط رجليه اوجب الله له الجنة _ وفي رواية غفر له [413] .

8 _ من سبح هذا التسبيح قبل ان يثني رجليه بعد انصرافه من صلاة الغداة غفر له [414] .

9 _ ان من قرأه وكان في سمعه ثقل دفع الله عنه هذا الثقل الذي في أذنيه [415] .

10 _ ان هذا التسبيح افضل شي علمه رسول الله لفاطمة عليها السلام [416] .

[ صفحه 310]

11 _ ان هذه التسبيح عند الأئمة عليهم السلام دبر كل صلاة احب اليهم من صلاة الف ركعة في كل يوم [417] .

12 _ انه

من الذكر الكثير _ أي من سبح هذا التسبيح المبارك كان من الذاكرين من الله كثيرا «واذكروا الله ذكرا كثيرا» والذاكرين الله والذاكرات الله» [418] .

13 _ ان من سبح تسبيح الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام بسبحة من طين قبر الحسين عليه السلام كتب الله له اربعمائة حسنة ومحي عنه اربعمائة سيئة وقضيت له اربعمائة حاجة ورفع له اربعمائة درجة [419] .

[ صفحه 315]

معرفة فاطمة

اشاره

السيد محمد رضا حيدر شرف الدين العاملي

ي___اصاح لا ع___ذل ولا ارغ____ام

رف___قا ب___نفسي ف__الملام ح__رام

لا غ___رو خ__لي ان بك__يت ب__عبرة

ح___ري ف___قلبي ألهب وض____رام

م__ا ك__نت أذرف لل__صبابة أدم__عي

س__فها ولا ادم__ي الف__ؤاد غ___رام

ح_فت بش_خصي الح__ادثات ت___رومني

ف_دفعت ج_يش الح_زن وه_و غ___رام

ولك__م ج___رعت م_ن الح_ياة ح_ميمها

لم ي____ثني م___نها أذي وس____قام

ص__رعت ف___رسان الل__يالي والاب__ا

ط___بعي فأح__نت ه__امها الاي___ام

م__اهزني الخ___طب الم__روع ب_عظه

ح___تي ولو ه__تنت ع___لي س__هام

لك_ن ي_وم الدار خ___لف ف_ي الحش__ي

ن___دبا ف__مابين الض___لوع ح__طام

ي__وم ب__ه ارب__د الف__ضاء وغ_اض

ن__ور الخ__افقين ف__حلها الاظ___لام

وت__داعت الاف__لاك ف___ي ع__ليائها

ب__النوح والس___بع الط__باع ج__هام

والشمس وارت في الح___جاب ض__ياءها

ح___زنا وص___دع الب__در لاي__لتام

اذ اوزف___ت ب____ضغائن م___عهودة

والن__اس ف___ي م__هد الخ_نوع ن_يام

زم__ر الن__فاق ت__روم اك__رم م_نزل

ف__يه الب__تولة والف___تي الض__رغام

ه__جموا ع___لي دار الوص_ي وح_رقوا

ب___ابا اع___ز ح____ريمه الع__لام

وان__هال ص__احبهم ي___لوع ف__اطما

ب__السوط ض__ربا رق م____نه لئ_ام

ث__م ان__بري ع_صرا ي__هشم ض_لعها

ف__هوي الج__نين وق_د ع__راه ح_مام

س__قطت م_ضرج_ة ت___جود ب_نفسها

لم ي__رع ف___يها لل_____نبي ذم_ام

ف___اهتز ع__رش الله م__ن أن__اتها

وبك___ي دم__ا لم__صابها الإس__لام

معرفة فاطمة

«من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها، ما تكاملت النبوة لنبي حتي أمر بفضلها ومحبّتها وهي الصديقة الكبري وعلي معرفتها دارت القرون الأولي» [420] .

تعتبر مسألة المعرفة والبحث عن الحقيقة من المسائل العقائدية المهمة التي تأخذ وتشغل حيزاً كبيراً في العقيدة الإسلامية والتي لا بد من دراستها وتوجيه العقل نحوها لكي يدركها إدراكاً منطقياً عقلائياً، فلقد أقدمت المدرسة الشيعية الحقة علي وضع الكثير من القضايا العقائدية علي طاولة البحث والتحقيق للوصول إلي المعرفة الحقيقية التي تتمثل في كافة المستويات العقائدية، وحسب ما أعتقده فإن أكثر المدارس وأفضلها في تقديم الشروط الصحيحة واللازمة للوصول للحقيقة هي مدرسة الشيعة الإمامية، تلك المدرسة التي دعت الناس إلي التحقيق والتفكير والتفقه والتعقل في عقائدها ومبادئها لكي يصلوا إلي نور الحقيقة وفهمها والإستضاءة من نورها في كل جوانب الحياة الإنسانية، فنحن نري أن أبسط حركات الإنسان الإرادية يجب أن تكون مدروسه ومسموحاً بها من جانب العقل، ففي وصية أمير المؤمنين علي عليه السلام لكميل قال:

«يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلي معرفة».

وهذا يعني أن الإسلام لا يسمح للإنسان بالقيام بعمل من دون التحقيق والعلم بصحته، لكي تكون النتيجة النهائية هي المعرفة الحقيقية، فأكثر المؤمنين أفضلية أكثرهم معرفة وإيماناً، والمعرفة لا تكون إلا بإدراك القضايا المطروحة ودراستها

[ صفحه 316]

الدراسة الصحيحة والتي يكون بناءها علي ضوء الإستدلالات العقلية والمنطقية، من هنا كان لا بد لنا من

الوقوف مع بعض الأحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة لكي نفهمها وندركها إدراكاً عقلياً ونورانياً وحسب ما يمليه علينا المنطق السليموالذوق الرفيع. ومرة أخري نقف مع حديث آخر في معرفة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام لكي ندركه الإدراك الصحيح الذي جاء المدح عليه، وخاصة معرفة دراية الرواية وفهمها، وهذا ما أوصي به الإمام الباقر عليه السلام لولده الإمام الصادق عليه السلام بقوله:

«يا بني اعرف منازل الشيعة علي قدر روايتهم ومعرفتهم فإن المعرفة هي الدراية للرواية».

و«الرواية» هي عبارة عن كلام منقول عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام أما «الدراية» فهي عبارة عن التحقيق والدراسة والإجتهاد للمعرفة وإدراك المفهوم الحقيقي للرواية وعين م يقصده النبي صلي الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام، وبعبارة أخري، الرواية هي حفظ الحديث ونقله، والدراية هي نفته الحديث وفهمه، والراوي هو ناقل الحديث والفقيه هو المحقق وعالم الحديث «دري درياً ودراية الشيء توصل إلي علمه.. المنجد».

فالإمام الباقر عليه السلام يوصي ابنه الصادق عليه السلام أولاً بمعرفة منازل الشيعة علي قدر رواياتهم ومعرفتهم، ثم يوضح بعد ذلك أن ما يعنيه من بالمعرفة. هو دراية الروايات، حيث يقول: «وبالدّرايات للرّوايات يعلو المؤمن إلي أقصي درجات الإيمان».

أي أن المهم، هو التحقيق والمعرفة وفهم الحديث لأن الرواية إذا لم تصحبها الدراية لا تجدي فتيلاً.

وقال الإمام الصادق عليه السلام في كلام آخر له بشأن قيمة دراية الرواية ومعرفة الحديث: «حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه» [421] .

فرواية الحديث ونقله، يمكن أن تكون لها فائدتها الكبيرة وقيمتها العظيمة، وتقع موقعها الأفضل لدي من ينقل الحديث اليهم _ فرب حامل فقه إلي من هو أفقه

منه، ورب حامل فقه غير فقيه _ ولكنها بالنسبة للراوي تكون مفيدة إذا ما اقترنت

[ صفحه 317]

بالدراية، ورواية الحديث دون درايته لا تجدي نفعاً للراوي _ «وكما قال أمير المؤمنين» «قيمة كل امرءٍ وقدره معرفته» [422] _ بل ربما كانت في بعض الأحيان مضرّة له ولغيره أيضاً إذ لو لم يكن الراوي علي علم بالحديث فقد يتسبب حتي في تحريفه ولهذا قال أمير المؤمنين: «عليكم بالدرايات لا بالروايات» [423] .

وجاء في كلام آخر له عليه السلام: «همة السفهاء الرواية، وهمة العلماء الدّراية» [424] .

من هذا المنطلق وعلي هذا الأساس كانت لنا هذه الوقفة الجديدة مع حديث آخر يوضح لنا معرفة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وارتباطها الوثيق بليلة القدر، وسيأتي إن شاء الله ارتباطها الوثيق بليلة في البحث الثالث عشر.

معرفة فاطمة عليها السلام

إن من القضايا المهمة في عقيدة الفرد المؤمن هي معرفة الحقيقة التي دعا اليها القرآن الكريم إضافة إلي دعوة أهل البيت عليهم السلام إلي الوقوف عليها ولو علي قدر القابليات والإستعدادات التي يمتلكها الفرد المؤمن (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، فلذا جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادق عليه السلام الذي يقول فيه «من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم علي شبهة هامدة حتي يعلم منتهي الغاية، ويطلب الحاديث من الناطق عن الوارث وبأي شيء جهلتم ما أنكرتم، وبأي شيء عرفتم ما أبصرتم إن كنتم مؤمنين»، أي لا بد من أن يكون للمؤمن حقيقة في معرفة، والتي من شأنها (هذه الحقيقة) أن لا تخرج الإنسان عن الاستقامة عن الجادة التي أمرنا الله تعالي باتباعها والإلتزام بها، ومعرفة هذه الحقيقة يحتاج فيها الإنسان

المؤمن إلي وجود عدة أمور لا يستغني عنها في سبيل تحصيل هذه الحقيقة، ومن هذه الأمور هو التعقل عن الله تعالي والذي من شأن هذا التعقل أن يؤدي إلي المعرفة الصحيحة التي لا تزيل قدم الإنسان المؤمن عن

[ صفحه 318]

الصراط المستقيم فيكون نور هذه الحقيقة يظهر في قلب المؤمن علي سبيل الذوق والوجدان فتأخذه هذه الحقيقة كل كيانه بل تكون هذه الشغل الشاغل في حياته ويسعي إلي الوصول اليها وعلي قدر القابليات والإستعدادات التي منحها الله تبارك وتعالي إليه هذا ما نجده من خلال أصحاب الأئمة عليهم السلام الذين كانوا دائماً يسعون إلي الوصول والحصول علي هذه الحقيقة فلذا تري كميل بن زياد يسأل أمير المؤمنين علي بن طالب عليه السلام عن هذه الحقيقة في الحديث المروي وهو أنه سأله عن الحقيقة بقوله ما الحقيقة فقال له عليه السلام مالك والحقيقة؟ فقال كميل: «أولست صاحب سرك» قال: «بلي! ولكن يرشح عليك ما يطفح مني» فقال كيمل: «أو مثلك يخيب سائلاً؟».

فقال عليه السلام: «الحقيقة كشف سجات الجلال من غير إشارة» فقال كميل: «زدني فيه بياناً». قال الإمام عليها السلام: «صحو الموهوم مع محو المعلوم». قال كميل: «زدني فيه بياناً» قال الإمام عليه السلام: «هتك السر لغلبة الستر» قال كميل: «زدني فيه بياناً». قال الإمام عليه السلام: «نور يشرق من صبح الأزل، فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره» قال كميل: «زدني فيه بياناً». قال الإمام عليه السلام: «إطف السراج، فقد طلع الصبح».

إذن بسؤال المؤمن عن الحقيقة يصل إلي العلم بها وببعض جوانبها فلربما لا يستطيع معرفة كنهها كما في قضية كميل بن زياد التي مرت عليك الآن، فالعلم أول دليل يؤدي

إلي المعرفة التي تنور القلب بحقيقة الإيمان، والتي تكون هذه المعرفة برهان صدقٍ عليي نور الاسلام وحقيقة الإيمان، وعليه نجد في كثير من الروايات الشريفة أن الأفضلية فيما بين المؤمنين بغض النظر عن التقوي الي هي من ملازمات المعرفة، أقول نجد أن الأفضلية هي بالمعرفة فيعضنا أكثر حجاً من بعض وبعضنا أكثر صياماً وصلاة وصدقة من البعض، ولكن الأفضلية بالمعرفة، وعليه نجد في الروايات المأثور أن «أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة» [425] .

إذن يظهر من خلال استقراء الأحاديث المأثور عن أهل بيت العصمة أن قضية المعرفة الحقيقة في حياة الفرد المؤمن مما لا يكن الإستهانة بها بل لا بد من السعي إلي

[ صفحه 319]

الوقوف عليها في كل جوانبها التي تدعو إلي التعقل بها وهضمها بالصورة الصحيحة، فلقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: «لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة علي العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له...» [426] .

حيث دل هذا الحديث علي أن العمل والمعرفة أحدهما ملازم للآخر وأن من الضروري علي أن الذي يعمل لا بد له من المعرفة بحقيقة عمله وإلا فان الله تعالي لا يقبل عملاً إلا بمعرفة، وعلي هذا الأساس تأخذ قضية المعرفة حيزاً كبيراً في جميع جوانب الشريعة الإسلامية سواء كان علي مستوي الأصول أو علي مستوي الفروع، فعلي المستوي الأول الذي يتمثل في التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد لا بد من المعرفة التي من شأنها أن تجعل الحقيقة التي سعي المؤمنون الأوائل في الوقوف عليها ثابتة والراسخة في قلوبهم تجعل الحقيقة التي سعي المؤمنين الأوائل في الوقوف عليها ثابتة

والراسخة في قلوبهم لكي لا تميل بهم الأهواء شرقاً ولا غرباً، والمعرفة التي نسعي الوقوف عليها في الجانب العقائدي المتمثل في قضيتنا التي نطرحها الآن هي المعرفة الخاصة بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام لكي ندرك بعض الحقيقة الخاصة بها وإلا فالمعرفة الحقيقية لها لا يستطيع الوصول إلي طبيعتها ومعرفة كنهها إلا من كان في مستواها وهذا لا يكون إلا في الذي كان كفواً لها وهي كفو له ذلك هو أمير المؤمين علي بن أبي طالب عليه السلام أما نحن فمعرفتنا لها تكون أما بالحواس الخمس أو تكون معرفتنا من خلال معرفة الشيء بأشباهه، أما الحواس الخمسة فان لا بد لها من من دليل يرشدها ويعرفها بالوجدان الأمر الذي يعرض عليها، وهذا ما جاء في مناظرة الإمام الصادق عليه السلام للطبيب الهندي حيث قال له: «أما إذ أبيت إلا الجهالة وزعمت أن الأشياء لا تدرك إلا بالحواس فإني أخبرك أنّه ليس للحواس دلالة علي الأشياء ولا فيما معرفة إلا بالقلب، فانه دليلها ومعرّفها الأشياء التي تدعي أن القلب لا يعرف إلاّ بها» [427] .

حيث يظهر من هذا الحديث أن المعرفة الذوقية الوجدانية تكون نابعة من القلب،

[ صفحه 320]

لذا فإن معرفة فاطمة عليها السلام تحتاج إلي ذوق سليم ووجدان حكيم لكي تظهر لنا بعض أنوار هذه المعرفة، هذا من تجهة ومن ناحية أخري يمكن معرفة فاطمة من خلال دراسة حياتها دراسة تحليلية مقارنة للقديسات والمؤمنات علي مر العصور وان كان القياس مع الفارق وكما هو مثبوت في محله فإن فاطمة لا تصل إلي مقامها أي إمرأة مهما كانت في المستوي الإيماني الذي تعلق بحياتها.

وعلي كل حال فإن ما نطرحه

في هذا البحث حول معرفة فاطمة إنما هو معرفة ظاهرية وعلي ما نمتلكه من وسائل المعرفة الظاهرية وإلا فنحن كما قال أمير المؤمنين في غرر الحكم: «كيف يعرف غيره من جهل نفسه» فأكثر الناس يجهلون حال انفسهم فكيف بغيرهم ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور فمن هذا الباب لابد لنا ان نلج في هذا الأمر ونقف مع معفرفة فاطمة عليها السلام الحقيقية.

مستويات معرفة فاطمة

هناك عدة مستويات نستطيع من خلالها معرفة أي شخصية تاريخية او اسلامية ولابد لنا من الالتفات اليها ونحن نسعي في طريق معرفة فاطمة ام ابيها فاطمة سلام الله عليها بل كل الأئمة عليهم السلام يتجلي هذا الأمر في معرفتهم المعرفة الحقيقية اما المستويات فهي:

1 _ المستوي الأوّل: المعرفة التأريخية لها عليها السلام.

2 _ المستوي الثاني: المعرفة المناقبية لها عليها السلام.

3 _ المستوي الثالث: المعرفة العلمية والفكرية لها عليها السلام.

4 _ المستوي الرابع: المعرفة النورانية لها عليها السلام.

[ صفحه 321]

محمد جمال الهاشمي

شعت ف_لا الشمس ت_حكيها ولا الق__مر

زه__راء م_ن ن_ورها الأك_وان ت_زدهر

ب_نت الخ_لود له_ا الأج__يال خ_اشعة

أم الزم__ان الي__ها ت___نتمي الع_صر

روح الح_ياة ف_لولا لط__ف ع_نصرها

لم تأت__لف ب___يننا الارواح والص__ور

س__مت ع_ن الأف_ق لاروح ولام__لك

وف___اقت الارض لاج__ن ولا بش__ر

م__جبولة م__ن ج__لال الله ط__ينتها

ي_رف لط_فاً ع__ليها الص_ون والخ_فر

م__اعاب م__فخرها التأن_يث ان ب__ها

ع__لي الرج__ال نس_اء الأرض ت_فتخر

خ__صالها الغ_رّ ج_لت ان ت_لوك ب_ها

م__نا الم__قاول أو ت_دنو له___ا الفكر

معني الن_بوة س_ر الوح_ي ق__د ن_زلت

في ب_يت ع_صمتها الاي_ات والس___ور

ح__وت خ__لال رس_ول

الله أج__معها

لولا الرس__الة س__اوي أص__له الث_مر

تدرجت في م_راق_ي الح_قّ ع_ارج__ة

لمش_رق الن_ور ح_يث الس__ر مس__تتر

ث_م ان__ثنت ت_ملأ الدن_يا م_عارف__ها

ت_طوي الق_رون عي_اءا وه__ي ت_نتشر

قل لل_ذي راح ي_خفي ف_ضل_ها حس__داً

وج__ه الح__قيقة ع__نا ك_يف ي_نستر

أت_قرن الن__ور ب_الظلماء م__ن س_فهٍ

م__ا أنت ف_ي الق_ول إلاّ ك_اذب أش__ر

ب__نت الن__بي ال_ذي لولا ه__داي__ته

م__ا ك__ان للح__ق لاع__ين ولا أث_ر

ه___ي الت__ي ورثت ح__قاً م_فاخرة

والع__طر ف_يه الذي ف__ي الورد م_دخر

ف__ي ع_يد م_يلادها الام_لاك ح__افلة

والحور ف_ي الج_نة الع_ليا له__ا س__مر

تزوجت في الس___ما ب_المرتضي ش_رفا

والش_مس ي_قرن_ها ف__ي الرت_بة الق_مر

ع__لي الن_بوة أض_فت في م_رات__بها

ف__ضل الولاي__ة لا ت__بقي ولا ت__ذر

ام الأئ__مة م__ن ط__وعها لرغ_بتهم

ي_علو الق__ضاء ب_نا او ي_نزل الق___در

قف يا يراع_يّ عن م_دح الب_تول ف_في

م___ديحها ت____هتف الالواح والزب__ر

وارج__ع لنس_تخبر الت_اريخ ع_ن ن_بأٍ

ق__د ف__اجئتنا ب_ه الان____باء والس_ير

هل اسقط الق_وم ح_قا ح_ملها ف__هوت

ت__ئن م__ما ب__ها والض_لع م___نكسر

وه_ل ك_ما ق_يل ق_ادوا ب_علها ف_عدت

وراه ن____ادبة والدم___ع م____نهمر

ان ك_ان ح_قا ف_ان الق_وم ق_د م_رقوا

عن دينهم وبش__رع الم__صطفي ك_فروا

[ صفحه 322]

المعرفة التاريخية لها

اشاره

وذلك من جهة ولادتها وشهادتها زمانا ومكانا ومارافق ذلك من ملابسات واحداث مهمة وما عاصرته تغيرات في حياة الأمة سياسيا وفكريا واجتماعيا وما يرتبط بذلك من سلاطين الجور واتباع الظالمين وفقهاء الفسق والفجور وغدر لمنافقين والمتملقين واتباع اللقمة والراقصين علي رنين الدراهم والدنانير وانصار الوفاء والاخلاص وما سارق

ذلك من تفصيلات لها الاهمية في حياتهم عليهم السلام او في حياة اتباعهم واولياؤهم.

ولادة فاطمة

أما ولادة الصديقة فكان في العشرين من جمادي الاخرة كما صرح به المفيد في مساره [428] ونقل عن حدائقه [429] ، وصرح به الشيخ في مصباحه [430] ، ورواه الطبري الامامي [431] عن الصادق عليه السلام ولم نقف علي مخالف صريح، وان سكت تكثير.

واختلف في سنته فالكليني [432] قال: بعد النبوة بخمس سنين وكذلك المسعودي في الاثبات [433] وذهب المفيد والكتابين [434] إلي انه بعده باثنتين.

[ صفحه 323]

وفي مصباح الشيخ [435] كان مولدها عليها السلام سنة اثنين من المبعث في بعض الروايات، وفي رواية اول سنة والعامة تروي قبل المبعث بخمس. والصحيح الأوّل كما رواه ابن خشاب علي نقل الكشف [436] عن شيوخه، مرفوعاً عن الباقر عليه السلام، والطبري إلامامي [437] مسندا عن الصادق، والكليني [438] صحيحا عن الباقر عليه السلام وذهب العامة كمحمد بن اسحاق [439] ، وأبي نعيم [440] وأبي الفرج [441] إلي انها كانت قبل النبوة حين تبني قريش الكعبة، ورواه الاخير باسناده عن الصادق والتعويل عليه علي رواية الخاصة، ولايبعد انهم قالوا بكون مولدها قبل النبوة انكارا لما ورد ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يقول اشم من فاطمة رائحة الجنة لأنّ انعقادها كان من فاكهة الجنة ليلة المعراج [442] .

عن أبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: معاشر الناس، أتدرون لما خلقت فاطمة؟ قالوا: الله ورسوله اعلم. قال: خلقت فاطمة حوراء انسية لا انسية، وقال: خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه. قالوا:

يا رسول الله، استشكل ذلك علينا، تقول: حوراء انسية لا انسية، ثم تقول: من عرق جبرئيل عليه السلام، فضمها إلي صدره فعرق جبرئيل، وعرقت التفاحة، فصار عرقهما شيئا واحدا، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قلت: وعليك السلام يا جبرئيل فقال: ان الله اهدي اليك تفاحة من الجنة، فأخذتها وقبلتها ووضعتها علي عيني وضممتها إلي صدري. ثم قال يا محمد، كلها، قلت: يا حبيبي يا جبرئيل، هدية ربي تؤكل؟ قال: نعم، قد امرت بأكلها، فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا ففزعت من ذلك النور، قال: كل فان ذلك نور المنصورة قلت: يا جبرئيل، ومن

[ صفحه 324]

المنصور؟ قال: جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة، وفي الأرض فاطمة، فقلت: يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟ قال: سميت «فاطمة» في الأرض لانه فطمت شيعتها من النار، وفطموا أعداؤها عن حبها، وذلك قول الله في كتابه: (ويؤمئذًٍ يفرح المؤمنون بنصر الله) [443] بنصر فاطمة عليها السلام.

بيان: الزغب: الشعيرات الصغري علي ريش الفرخ؛ وكونها من زغب جبرئيل إما لكون التفاحة فيها وعرقت من بينها، أو لانه التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي صلي الله عليه وآله وسلم [444] .

وعن المفضل بن عمر قال: قلت لابي عبدالله جعفر بن محمد عليها السلام: كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام؟ قال: نعم، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هجرتها نسوة مكة، فكن لايدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك، فلما حملت بفاطمة عليها السلام صارت تحدثها في بطنها وتصبرها، وكانت

خديجة تكتم ذلك عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. فدخل يوماً وسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. فقال: لها: هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثي وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالي سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة رضي الله عنها علي ذلك إلي ان حضرت ولادتها، فوجهت إلي نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ماتلي النساء من النساء، فأرسلن اليها: عصيتينا ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولانلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة لذلك، فبينا هي كذلك اذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من من نساء بني هاشم. ففزعت منهن، فقالت لها احداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك اليك، ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت

[ صفحه 325]

عمران، وهذه صفراء [445] بنت شعيب، بعثنا الله تعالي اليك لنلي من أمرك ماتلي النساء من النساء.

فجلست واحدة عن يمينها، والاخري عن يسارها، والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة. فلما سقطت إلي الأرض أشرق منها نور حتي بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها، موضع إلا أشرق فيه حتي دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن واطيب رائحة من

المسك والعنبر، فلفتها بواحدة، وقنعتها بالاخر، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بشهادة «أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء، وأن ولدي سيد الاسباط»، ثم سلمت عيلهن، وسمت كل واحدة منهن باسمها، وضحكن اليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سميت «الزهراء» عليها السلام، وقالت: خذيها عليها السلام فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت، فدر عليها. وكانت عليها السلام تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في الشهر، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنةٍ صلي الله عليها وعلي أبيها وبعلها وبنيها [446] .

وقيل: بينما النبي صلي الله عليه وآله وسلم جالس بالأبطح ومعه عمار ابن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبوبكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام في صورته العظمي، قد نشر أجنحته حتي أخذت من المشرق إلي المغرب، فناداه: يا محمد الاعلي يقريء عليك السلام وهو يأمرك ان تعتزل عن خديخة أربعين صباحاً. فشق ذلك علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وكان لها محباً وبها وامقاً [447] . قال: فأقام النبي صلي الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل، حتي إذا كان

[ صفحه 326]

في آخر أيامه تلك، بعث إلي خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها: يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك (هجرة) ولاقلي، ولكن ربي عزوجل أمرني بذلك لتنفذ امره، فلا تظني يا خديجة الاّ خيراً، فان الله عزوجل

ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً. فإذا جنك الليل فأجيفي الباب [448] وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد. فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد، العلي الاعلي يقرئك السلام وهو يأمرك، ان تتأهب لتحيته وتحفته، قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: يا جبرئيل، وما تحفه ربّ العالمين؟ وما تحيته؟ قال: لاعلم لي. قال: فبينما النبي صلي الله عليه وآله وسلم كذلك اذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطي بمنديل سندس _ او قال استبرق _ فوضعه بين يدي البني صلي الله عليه وآله وسلم

حسست بثقل فاطمة في بطني [449] ولقد علق العلامة الهمداني علي هذا الحديث بقوله: يستفاد من هذا الحديث الشريف امور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة علي سمو جلالة بضعة خير المرسلين، وعلو منزلة زوجة افضل الوصيين وام الائمة الطاهرين _ صلوات الله عليهم اجمعين. منها نزول جبرئيل عليه السلام علي صورته الاصلية كنزوله في اول البعثة. ففي «البحار» ج 18: ص 247: «ان محمدا صلي الله عليه وآله وسلم كان بحراء، فطلع له جبرئيل عليه السلام من المشرق، فسد الافق إلي المغرب». ومعلوم ان مجيئه عليه السلام علي هذه الهيئة لأمر عظيم. ومنها اعتكافه صلي الله عليه وآله وسلم اربعين يوما في بيت فاطمة بنت اسد _ رضي الله عنها _ قائما ليلة، صائما نهاره، واعتزاله عن الناس وعن زوجته الكريمة خديجة الكبري سلام الله عليها، كما كان معتكفا ومعتزلا في اول البعثة بحراء، نعم كان اعتكافه صلي الله عليه وآله وسلم يؤمئذ لاجل ان يكون

مهيئا للنبوة والرسالة، وفي هذا الموقف لكونه متأهبا للتحفة الالهية التي ستكون منشاً الإمامة والولاية، بل هي عنصر شجرة النبوة كما جاء عن الباقر عليه السلام [450] ومنه نزول ترك سنته في افطاره، من ادخال كل من يرد للافطار، واختصاصه صلي الله عليه وآله وسلم بذلك الطعام. ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده

[ صفحه 327]

المنزل للصلاة عند النوم. ولا يخفي ان الترك انما يكون للأهم، فتفطن.

تحقيق و تبيين

الذي يستفاد من الأخبار والاحاديث التي وصلت الينا من طريق أهل البيت عليهم السلام إن فاطمة عليها السلام ولدت علي فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي علي أبيها صلي الله عليه وآله وسلم خلافا لما في بعض كتب العامة، فاليك بعض نصوصها:

1 _ قال علي بن الحسين عليهم السلام في حديث طويل: ولم يولد لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من خديجة عليها السلام علي فطرة الاسلام إلاّ فاطمة عليها السلام، وقد كانت خديجة قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة [451] ...

2 _ عن حبيب السجستاني قال: سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: ولدت فاطمة بنت محمد صلي الله عليه وآله وسلم بعد مبعوث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بخمس سنين، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما [452] .

3 _ عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ولدت فاطمة في جمادي الآخرة اليوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة ابيها خمساً وسبعين يوماً [453] .

4 _ قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد ووفاة

أهل البيت عليهم السلام نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي عليها السلام قال: ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه صلي الله عليه وآله وسلم وانزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً [454] .

أقول: قوله «وقريش تبني البيت» لا تنطبق علي نزول الوحي، لأنّ بناء البيت منهم

[ صفحه 328]

كان قبل المبعث. ثم هذا الموقف أخبار تؤكد وتؤيد مضامين تلك الأخبار، وهي روايات تدل علي انه صلي الله عليه وآله وسلم اسري به إلي السماء وادخل الجنة فتناول من ثمار الجنة، فلما رجع واقع خديجة عليها السلام فتكوت نطفة فاطمة الزهراء عليها السلام من تلك الثمار، ومعلوم ان قضية الاسراء وقعت بعد البعثة بلا خلاف.

شهادة الصديقة فاطمة

إلام الت_وان_ي ص_احب الط_لعة الغ_را

اما آن م__ن أع__داك ان ت_طلب الوت_را

فديناك لم أغضيت ع__مّا ج_ري ع_لي

بني المصطفي منها وق_د صدع الص__خرا

أت_غضي وت_نسي امك الط_هر ف__اطما

غداة عليها الق_وم ق_د ه__جموا ج__هرا

أتغ_ضي وشبوا الن_ار ف_ي ب_اب دارها

وق_د اوسعوا في عص_رهم ضلعها كس_را

أتغضي ومنها أسقطوا الط__هر م_حسنا

وقادوا ع_لي الم__رتضي ب_علها قس_را

أت_غضي وس_وط الع_بد وش_ح م_تنها

ومن لطمة الطاغي غ__دت عينها ح_مرا

أتغضي وق_د م__اتت وم_لؤ ف_واده_ا

ش__جيً وع_لي ب_عد ش_يعّها س_را [455] .

اما كيفية شهادتها بنعل عليها السلام فلقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام سبب وفاتها عليها السلام: أن قنفذ مولي عمر لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً [456] ، وكان

علي عليه السلام يمرضها بنفسه، وتعينه علي ذلك السماء بنت عميس، وفي يوم دخلت نسوة من المهاجرين والانصار علي فاطمة بنت رسول الله يعدنها فقلن: السلام عليك يا بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كيف أصبحت؟ فقالت: أصبحت والله عائفة لديناكن قالية لرجالكم، لفظتهم بعد اذ مججتهم وسئمتهم بعد ان سبرتهم، فقبحاً لافون الرأي وخطل القول وخور القناة، ولبئس ما قدمت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم الله لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها فجدعا ورغما للقوم الظالمين.

[ صفحه 329]

ويحهم أني زحزحوها عن ابي الحسن، مانقموا والله منه إلاّ نكير سيفه ونكال وقعه، وتنمره في ذات الله، وتالله لو تكافوا عليه عن زمام نبذه إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأتميله، ثم لسار بهم سيرة سجحا فانه قواعد الرسالة ورواسي النبوة، ومهبط الروح الامين، والطبيب بأمر الدين والدنيا والاخرة إلاّ ذلك هو الخسران المبين، والله لا يلتكم خشاشة، ولا يتعتع راكبه، ولا وردهم منهلا رويا فضفاضا تطفح ضفته، ولا صدرهم بطانا قد خثر بهم الري، غير متحل بطائل إلاّ تغمر الناهل وردع سورة سغب، ولو فتحت عليهم بركات من السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون، فهلم فاسمع، فما عشت اراك الدهر عجبا، وان تعجب بعد الحادث، فما بالهم باي سند استندوا، ام بأي عروة تمسكوا، لبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا الذنابي بالقوادم، والحرون بالقاحم، والعجز بالكاهل، فتعسا لقوم يحسبون انهم يحسنون صنعا، ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، أفمن يهدي إلي الحق احق ان يتبع ام من لا يهدي إلاّ ان يهدي لكم كيف تحكمون. لقحت قنطرة

فنظرة ريثما تنتج، ثم احتبلوا طلاع القعب دما عبيطا، وذعافا ممضا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسس الاولون، ثم طيبوا بعد ذلك بانفسكم لفتنها، ثم اطمأنوا للفتنة جأشا وابشروا بسيف صارم، وهرج دائم شامل، واستبداد من الظالمين. يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لهم، ولقد عميت عليهم الانباء أنلزمكموها وانتم كارهون [457] .

الهموم المتراكمة

ليس المرض لوحده سبب الام الزهراء، عليها السلام ووجدها وحزنها، وانما كانت الهموم تجتاحها من كل حدب وصوب، فحينما كانت تمد جسدها النحيل المكدور علي جلد الكبش وتتكيء علي وسادة الليف، تنساب الخواطر إلي رأسها الشريف، وتهجم عليها الهواجس، وكأنّ لسان حالها الشريف: آه... تركوا وصية ابي... وغصبوا الخلافة

[ صفحه 330]

من زوجي؟! ولن تنتهي آثارها إلي يوم القيامة... فبئس عاقبة الخلافة التي توسلت بالحيلة والجور.. بماذا سار المسلمون وانتشرت كلمة الاسلام؟! بوحدة الكلمة! والاتحاد بين فصائل المجتمع وصلوا إلي العظمة والرقي...

آه.. اذهبوا ريحهم.. واوقعوا الخلاف بينهم، وبدلوا قوة الاسلام الواحدة وطاقة المسلمين المهيبة إلي قوي وطاقات متناثرة، وجروا العالم الاسلامي إلي العجز والضعف والفرقة والذالة... آه... انا فاطمة _ عزيزة رسول الله _ ارقد الآن علي فراش المرض؟! لم يخف انيني من ضربات هذه الأمة المبرحة.. وأقف علي اعتاب الموت؟... أين وصايا أبي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟.

.. رباه.. أعلي الشجاع القوي أراه _ اليوم _ مضطراً إلي السكوت عن حقه المشروع لحفظ مصلحة الاسلام العليا؟...

اقتربت ساعتي.. وحان أجلي.. وها أنذا أودع الحياة في ربيع عمري وأيام شبابي... وسأنجو من الهموم والغصص...

ولكن.. ماذا عن أيتامي الذين سيبقون بعدي؟.. أولادي.. الحسن.. الحسين.. زينب.. أم كلثوم..

آه.. ياللمصائب التي تصب

عليهم _ أيتامي الأعزاء علي قلبي _. فاني سمعت ابي يقول _ مراراً _: يموت ولدك الحسن مسموماً، والحسين مقتولاً بالسيف شهيداً عطشاناً.. وهذه علامات ذلك وامارته تلوح لي وأراها بعيني... كان صلي الله عليه وآله وسلم يأخذ صغيري الحسين _ مرة _ ويقبل نحره ويبكي لمصيبة، ويأخذ الحسن _ اخري _ ويلصق صدره بصدره ويقبله في فمه، ويذكر مصائب زينب، وأم كلثوم فيبكي...

نعم.. كانت تمر هذه الخواطر في ذهن فاطمة عليها السلام وتؤلمها، فتشحب يوما بعد يوم، وتنحل ساعة بعد ساعة، وقد ورد في الاثر ان فاطمة لما حضرتها الوفاة بكت، فقال لها أمير المؤمنين: يا سيدتي ما يبكيك؟ قالت: أبكي لما تلقي بعدي، فقال لها: لا تبكي، فوالله ان ذلك لصغير عندي في ذات الله [458] .

العيادة المبغوضة

كان الصحابة رجالاً ونساءً يعودون فاطمة عليها السلام بين الحين والحين، إلاّ عمر وأبابكر لم يعوداها لأنها قاطعتهم ورفضتهم ولم تأذن لهم بعيادتها، وحينما ثقل عليها المرض وقاربتها الوفاة لم يجدا بداً من عبادتها لئلا تموت بنت النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وهي ساخطة عليهما، وتبقي وصمة العار تلاحق الخليفة وجهازه الحاكم إلي يوم القيامة.

فجاء لعيادتها تحت ضغط الرأي العام، فسألا عنها، وقالا لأمير المؤمنين عليه السلام: قد كان بيننا وبينها ما قد علمت فان رأيت ان تأذن لنا لنعتذر اليها من ذنبنا.

قال: ذلك اليكما. فقاما فجلسا الباب.

ودخل علي عليه السلام علي فاطمة عليها السلام فقال لها: أيتها الحرة، فلان وفلان بالباب، يريدان ان يسلما عليك فما تريدين؟ قالت: البيت بيتك، والحرة زوجتك، افعل ما تشاء!

فقال: شدي قناعك، فشدت قناعها، وحولت وجهها إلي الحائط. فدخلا وسلما وقالا: ارضي عنا رضي

الله عنك، فقالت: مادعا إلي هذا؟ فقالا: اعترفنا بالإساءة ورجونا ان تعفي عنا. فقالت: ان كنتما صادقين فأخبراني عم أسألكم عنه، فإني لا أسألكما عن أمر إلاّ وانا عارفة، بانكما تعلمانه، فان صدقتماني علمت انكما صادقان في مجيئكما. قالا: سلي عما بدالك. قالت: نشدتكما بالله، هل سمعتما رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني»؟ قالا: نعم.

فرفعت يدها إلي السماء، فقالت: اللهم انهما قد أذاني، فأنا اشكوهما اليك وإلي رسولك، لا والله لا أرضي عنكما أبداً حتي ألقي أبي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما.

قال: فعند ذلك دعا أو بكر بالويل والثبور، فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من قول امرأة [459] .

[ صفحه 332]

وصية فاطمة

مرضت فاطمة عليها السلام مرضاً شديداً، ومكثت اربعين ليلة في مرضها، فلما نعيت اليها نفسها قالت لعلي عليه السلام: يابن عم، انه قد نعيت الي نفسي، وانني لا أري مابي إلاّ انني لاحقه بأبي ساعة بعد ساعة، وانا أوصيك بأشياء في قلبي.

قال لها علي عليه السلام: أوصي بما أحببت يابنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت، ثم قالت: يابن عم، ما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني.

فقال عليه السلام: معاذ الله، أنت أعلم الله وأبر واتقي وأكرم وأشد خوفاً من الله، من أن أوبخك بمخالفة، وقد عزعلي مفارقتك وفقدك إلا انه أمر لابد منه، والله جددت علي مصيبة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقد عظمت وفاتك وفقدك، بإنا

الله وانا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه الله مصيبة لاعزاء لها، ورزية لا خلف لها، ثم بكيا جميعاً ساعة [460] . لخّصت فاطمة عليها السلام في هذا الحوار حياتها الزوجية في هذه العبارات، فذكرت الامير عليه السلام باخلاصها وطهارتها واطاعتها لزوجها.

وشكر لها الإمام وفاءها، وأثني علي طهارتها وقدسيتها ومعاناتها وتقواها، وأبدي لها حبة ووده وتعلقه بها. وهاجت بهما الذكريات وحاشت الخواطر وتذكرا حياتهما السعيدة التي غمرتها الغبطة والدفء، والوقوف جنباً إلي جنب في مواجهة الاحداث والمشاكل وتذليل الصعاب، فانهمرت لذلك عيناهما بالدموع، لعلها تطفيء نار القلب التي تقضي علي الجسد.

وبعد ان بكيا ساعة أخذ علي عليه السلام رأسها وضمها إلي صدره ثم قال: أوصيني بم شئت، فانك تجديني فيها أمضي كما امرتيني به، واختار أمرك علي أمري.

ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء، وأوصته بوصاياها، وهي:

1 _ يابن عم، أوصيك ان تتزوج بعدي بابنة أختي امامة، فانها تكون لولدي مثلي،

[ صفحه 333]

فإنّ الرجال لابد لهم من النساء [461] .

2 _ ان أنت تزوجت إمرأة فاجعل لها يوماً وليلة واجعل لاولادي يوماً وليلة، يا أبا الحسن لا تصح في وجوههم فيصبحا يتيمين غريبين [462] .

3 _ أوصيك يابن عم، ان تتخذ لي نعشا، فقد رأيت الملائكة صوروا صورته، فقال لها: صفيه لي.. فوصفته، فاتخذه لها [463] .

4 _ أوصت لأزواج النبي لكل واحدة منهن اثنتي عشرة أوقية [464] .

5 _ ولنساء بني هاشم مثل ذلك.

6 _ وأوصت لأمامة بنت أبي العاص بشيء [465] .

وكانت لها وصية مكتوبة جاء فيها: «هذا ما أوصت فاطمة بنت رسول الله

بحوائطها السبع؛ ذي الحسني والساقية، والدلال، والغراف، والرقمة، والهيثم، ومال أم ابراهيم، إلي علي بن أبي طالب، ومن بعده فإلي الحسن، فإلي الحسين، ومن بعد الحسين فإلي الاكبر فالاكبر من ولده، شهد الله علي ذلك وكفي به شهيداً، وشهد المقداد ابن الاسود، والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب [466] .

وروي ابن عباس وصية مكتوبة اخري لها عليها السلام جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أوصت وهي تشهد ان لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله، وان الجنة حق، والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور، يا علي: أنا فاطمة بنت محمد، زوجني الله منك لا كون لك في الدنيا والآخرة، انت اولي بي من غيري، حنطني وغسلني وكفني بالليل وصل علي وادفني بالليل ولا تعلم أحدا، واستودعك الله وأقرأ علي ولدي السلام إلي يوم القيامة» [467] .

[ صفحه 334]

لحظات عمرها الأخيرة

ثقل عليها المرض، والإمام لا يفارقها، وأسماء تمرضها، والحسن والحسين وزينب وام كلثوم عندها، وهي تفيق مرة ويغشي عليها اخري من شدة المرض، وتجيل بصرها في أولادها.. يقول الإمام علي عليه السلام: انها لما حضرتها الوفاة فتحت عينيها وقالت: السلام عليك يا جبرئيل، السلام عليك يا رسول الله، اللهم احشرني مع رسولك، اللهم اسكني جنتك وفي جوارك.

ثم قالت: هؤلاء ملائكة ربي، جبريل ورسول الله حاضرون عندي، وأبي يقول: القدوم الينا [468] يقول علي عليه السلام: فلما كان الليلة التي أراد الله ان يكرمها ويقبضها إليه اخذت تقول: وعليكم السلام. يابن عم،هذا جبريل أتاني مسلماً، وقال: السلام يقرئك

السلام يا حبيبة حبيب الله وثمرة فؤاده _ اليوم تلحقين بالرفيق الاعلي وجنة المأوي ثم انصرف عني.

ثم اخذت تقول: وعليكم السلام، وتقول: يابن عم، هذا ميكائيل يقول كقول صاحبه. ثم اخذت ثالثاً تقول: وعليك السلام، ثم فتحت عينيها شديداً وقالت: يابن عم هذا والله الحق، عزرائيل نشر جناحه في المشرق والمغرب، وقد وصفه لي أبي وهذه صفته.

ثم قالت: يا قابض الارواح عجل بي ولا تعذبني، ثم قالت: اليك ربي لا إلي النار، ثم غمضت عينيها، ومدت يديها ورجليها، وكأنها لم تكن حية قط.

أبكني ان بكيت ي_اخير ه__ادي

وأسبل الدمع فهو ي__وم الف_راق

ياقرين البتول اوص__يك بالنسل

ف_قد أص_بحنا ح_ليف اش_تياق

أبكن___ي وابك لليتامي ولاتنسي

ق__تيل الع_دي ب_طف الع_راق

ف__ارقوا فأص__بحوا ح_ياري

ي_خلف الله ف_هو ي_وم الف_راق

وروي عن اسماء ان فاطمة لما حضرتها الوفاة قالت لاسماء: ان جبرئيل أتي

[ صفحه 335]

النبي صلي الله عليه وآله وسلم _ لما حضرته الوفاة _ بكافور من الجنة فقسمه أثلاثاً، ثلثاً لنفسه، وثلثا لعلي، وثلثا لي، وكان اربعين درهما، فقالت يا أسماء اتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي، فوضعته ثم قالت يا أسماء أتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا وضعيه عند رأسي، فوضعته ثم قالت لاسماء حين توضأت وضوءها للصلاة، هاتي طيبي الذي أتطيب به، وهاتي ثيابي التي أصلي فيها، فتوضأت ثم تسجت بثوبها، ثم قالت: انتظريني هنيئة وادعيني، فان اجبتك وإلاّ فاعلمي اني قدمت علي ابي فأرسلني إلي علي. فانتظرت هنيئة ثم نادتها، فم تجبها، فكشف الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا،

فوقعت عليها تقبلها، فبينا هي كذلك اذ دخل الحسن والحسين فقالا لها: يا أسماء ما ينيم امنا في هذا الساعة، قالت: يا ابني رسول الله. ليست امكما نائمة، قد فارقت الدنيا، فوقع عليها الحسن يقبلها مرة ويقول: يا اماه كلميني قبل ان تفارق روحي بدني، وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول: انا ابنك الحسين كلميني قبل ان يتصدع قلبي فأموت. قالت لهما اسماء: يا ابني رسول الله، انطلقا إلي أبيكما علي فاخبراه بموت امكما، فخرجا حتي اذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فقالا: قد ماتت أمنا فاطمة عليها السلام فوقع علي عليه السلام علي وجهه يقول: بمن العزاء يا بنت محمد، كنت بك أتعزي فبمن العزاء من بعدك؟ [469] .

التشييع والدفن

ارتفعت أصوات البكاء من بيت علي عليه السلام فصاح أهل المدينة صيحة واحدة، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها، فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع لها، وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلي علي عليه السلام، وهو جالس، والحسن والحسين بين يديه يبكيان، وخرجت ام كلثوم، وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله، الآن فقدناك حقا لا لقاء بعده ابدا. واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجون، وينتظرون خارج الجنازة

[ صفحه 336]

ليصلوا عليها، وخرج أبو ذر، وقال: انصرفوا فان ابنة رسول الله قد اخر اخرابها في العشية [470] وأقبل أبوبكر وعمر يعزيان عليا عليه السلام، ويقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة علي ابنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [471] . ولكن عليا غسلها وكفنها هو واسماء في تلك الليلة ثم نادي: يا ام كلثوم، يا زينب يا حسن، يا حسين، هلموا تزودوا من امكم فهذا الفراق واللقاء والجنة، وبعد

قليل نحاههم امير الؤمنين عليه السلام [472] عنها. ثم صلي علي علي الجنازة، وشيعها والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار وبريدة والعباس وابنة الفضل [473] . فلما هدأت الاصوات ونامت العيون ومضي شطر من الليل أخرجها امير المؤمنين عليه السلام ودفنها سرا وأهال عليها التراب، والمشيعون من حوله يترقبون لئلا يعرف القوم، ويمنعهم المنافقون، فدفنوها وعفوا تراب قبرها.

وقوف الإمام علي قبرها

انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من انكشاف امرهم وهجوم القوم عليهم، فلما نفض الإمام يده من تراب القبر هاج به الحزن فقد بضعة الرسول التي تذكر به وزوجته الودود التي عاشت معه الصفا والطهارة والتضحية، وتحملت من اجله الاهوال والصعاب فواغوثاه... من هظمها.. من آلامها... من تصدع قلبها... وأغوثاه من كسر ضلعها... واسوداد عضدها... واسقاط جنينها... ولكن.

لك_ل اجتماع من خليلين فرقة

وك_ل الذي دون الممات قليل

وان افتقادي فاطم بعد اح_مد

دليل علي ان لا ي_دوم خ_ليل

فأرسل دموعه علي خديه، وحول وجهه إلي قبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك، والبائنة

[ صفحه 337]

في الثري ببقعتك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل _ يا رسول الله عن صفيتك صبري وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلاّ ان في التأسي لي بسنتك، والحزن الذي حل بي لفراقك، موضع التعزي، ولقد وسدتك في ملحودة قبرك، بعد ان فاضت نفسك علي صدري، وغمضتك بيدي وتوليت امرك بنفسي، نعم، وفي كتاب الله انعم القبول، انا الله وانا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، واخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما اقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله. اما

حزني فسرمد، واما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي او يختار الله لي دارك التي انت مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق الله (بيننا)، وإلي الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر امتك علي، وعلي هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من عليل معتلج بصدرها، لم تجد إلي بثه سبيلا، وستقول، ويحكم الله وهو خير الحاكمين. سلام عليك يا رسول الله، سلام مودع لاسئم ولا قال، فان انصرف فلا عن ملالة وان اقم فلا عن سوء ظني بما وعد الله الصابرين، الصبر أيمن واجمل. ولو لا غلبة المستولين علينا، لجعلت الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، ويهتضم حقها قهرا، ويمنع ارثها جهرا، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فالي الله _ يا رسول الله _ المشتكي وفيك اجمل العزاء، فصلوات الله عليها ورحمة الله وبركاته [474] .

وروي ان عليا عليها السلام سوي قبرها مع الأرض مستويا، وقيل: سوي حواليها قبورا مرورة سبعة حتي لا يعرف احد قبرها، وروي انه رش اربعين قبرا حتي لا يبين قبرها من غيره من القبور خوفا من الاعداء [475] فلما اصبح الناس اقبل عمر وأبو بكر والناس يريدون الصلاة علي فاطمة عليها السلام. فقال المقداد: قد دفنا فاطمة عليها السلام البارحة.

فالتفت عمر إلي ابي بكر فقال: الم اقل لك، انهم سيفعلون؟

قال العباس: انها اوصت ان لاتصليا عليها.

فقال عمر: لا تتركون _ بني هاشم _ حسدكم القديم لنا أبدا، ان هذه الضغائن التي في

[ صفحه 338]

صدوركم لن تذهب، والله لقد هممت ان انبشها فاصلي عليها، فقال علي عليه السلام: والله لو رمت ذاك لارجحت اليك يمينك، لئن سللت سيفي لا أغمدته

دون ازهاق روحك، فانكسر عمر وسكت وعلم ان علياً اذا حلف صدق [476] .

تاريخ وفاتها

لاشك ان وفاتها عليها السلام كانت في السنة الحادية عشر من الهجرة _ ظاهراً _ لأنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم حج حجة الوداع في السنة العاشرة وتوفي في اوائل السنة الحادية عشر، واتفق المؤرخون والكتاب علي ان فاطمة عاشت بعد ابيها اقل من سنة، الا انهم اختلفوا في يوم وشهر وفاتها اختلافاً شديداً، فروي المعروف بالدلائل [477] عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام قبضت في جمادي الاخرة، يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدي عشر من الهجرة. وبه صرح المفيد في المسار [478] ، وفي المصباح [479] ، ونسبه الاقبال [480] إلي جماعة، فقال: روينا عن جماعة من أصحابنا ذكرناهم في كتاب التعريف للمولد الشريف، ان وفاة فاطمة عليها السلام كانت يوم ثالث جمادي الآخرة، وعن ابن همام، قال: روي لعشر بقين منه.

وعن الكشف [481] قيل: لثلاث ليال من شهر رمضان.

ونقل عن العاصمي [482] باسناده عن محمد بن عمر.

ونقل المصباح [483] ، عن ابن عياش انه في اليوم الحادي والعشرين من رجب، وبعضهم لم يعين يومه، لكن قالوا بعيشها بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم بمدة واختلفوا.

[ صفحه 339]

قال أبو الفرج [484] فالمكثر يقول: ثمانية اشهر، والمقلل، اربعين يوماً. إلاّ ان الثابت في ذلك ماروي عن ابي جعفر محمد بن علي عليها السلام انها توفيت بعده بثلاثة أشهر. حدثني بذلك الحسن بن علي، عن الحارث، عن ابن سعيد، عن الواقدي، عن عمرو بن دينار، عنه عليه السلام. قلت: نقل الثلاثة اشهر، الكشف [485] عن كتاب الذرية للدولابي عن رجاله،

وعن ابن شهاب الزهري ستة اشهر، وقال ابن قتيبة [486] : مائة يوم بعده.

وقال الكشف [487] ، عن الباقر عليه السلام: خمس وتسعين ليلة. وروي الاحتجاج [488] عن كتاب سليم: اربعين يوماً. وقال الكليني [489] : خمس وسبعون يوما. ورواه ابن الخشاب [490] ، عن شيوخه، عن الباقر عليه السلام. وبه قال في عيوم المعجزات [491] ، ورواه الكليني [492] صحيحاً في خبرين عن الصادق عليها السلام.

سند أحدهما: أحمد بن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن أبي محبوب، عن ابن رباب، عن أبي عبيدة، عنه عليها السلام.

والآخر: العدّة [493] ، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن هشام بن سالم، عنه عليها السلام.

وفي خبر [494] حسن وصحيح سنده علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عنه عليه السلام.

ويمكن تأويل خمسة وسبعين في الثلاثة بكونه محرف خسمة وتسعين، حتي ينطبق

[ صفحه 340]

علي الخبر الدالّ علي كونه في ثالث جمادي الآخره، مع كون وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الثامن والعشرين من صفر، وينطبق علي خبر ثلاثة أشهر مجمله علي التسامح في الكمية الزائدة.

ويشهد له ما قاله الكشف [495] عن الباقر عليه السلام خمس وتسعين إن صحت النسخة لكن وقوع التحريف في أخبار ثلاثة مشكل، مع عدم ثبوت كون وفاته صلي الله عليه وآله وسلم في الثامن والعشرين من صفر، بل عرفت قول كثير بكونه الثاني عشر من ربيع الأوّل من أنذ الخبر الخامس من أربعين أبي نعيم في أخبار المهدي الذي نقله الكشف [496] ، قال عليّ عليه السلام: لم تبقي

فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوماً، حتي ألحقها الله به صلي الله عليه وآل وسلم.

لكنّ الكلام في ثبوت عدد صفر [497] ، وإلاّ فالتحريف للتشابه الخطّي ولو في أكثر غير بعيد [498] .

[ صفحه 341]

المعرفة المناقبية لها

اشاره

وذلك بالإطلاع علي ماجزاها وكراماتها المحيرة للعقول والأفكار سواء في حياتها، أو بعد شهادتها عليها السلام وما انبأت به من غيب وأسرار تعجز أكثر العقول البشرية عن الإحاطة بها والإلمام بحقائق دقائقها، وما كانت عليه من أخلاق عالية وشرف رفيع، وسمو أدب وكرامة نفس وسخاء طبع لامثله سخاء وعبادة لا نظير لها، وعلي هذا الأساس سيكون كلامنا في هذا المقام في أمرين وهما:

(1) _ معاجزها في حياتها عليها السلام:

(2) _ أخلاقها عليها السلام.

معاجزها في حياتها

روي أنّ سلمان قال: كانت فاطمة عليها السلام جالسة قدّامها رحي تطحن بها الشعير، وعلي عمود الرحي دم سائل، والحسين في ناحية الدار (يتضوّر من الجوع).

فقلت: يا بنت رسول الله، دبرت كفّاك، وهذه فضّة؛

فقالت: أوصاني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوماً، فكان أمس يوم خدمتها.

قال سلمان: قلت إنّي مولي عناقة، إمّا أنا أطحن الشعير أو اسكّت الحسين لك؟

فقالت: أنا بتسكيته أرفق، وأنت تطحن الشعير.

فطحنت شيئاً من الشعير، فإذا أنا بالإقامة، فمضيت وصلّيت مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلمّا فرغت قلت لعليّ ما رأيت، فبكي وخرج، ثمّ عاد فتبسّم.

فسأله عن ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: دخلت علي فاطمة وهي مستلقية لقفاها،

[ صفحه 342]

والحسين نائم علي صدرها، وقدّامها رحي تدور من غير يد.

فتبسّم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال: يا عليّ، أما علمت أنّ الله ملائكة سيّاره في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلي أن تقوم الساعة [499] .

وروي عن اسامة بن زيد، قال:

افتقد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذات يوم

عليّاً، فقال:

اطلبوا إليّ أخي في الدنيا والآخرة، اطلبوا الي فاصل الخطوب اطلبوا إليّ المحكّم في الجنة في اليوم المشهود، اطلبوا الي حامل لوائي في المقام المحمود.

قال اسامة: فلمّا سمعت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذلك، بادرت إلي باب عليّ، فناداني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من خلفي: يا اسامة، عجّل عليّ بخبره وذلك بين الظهر والعصر.

فدخلت فوجدت عليّاً كالثوب الملقي لاطياً بالأرض، ساجداً يناجي الله تعالي، وهو يقول: سبحان الله الدائم، فكّاك المغارم، رزّاق البهائم، ليس له في ديموتمه إبتداء، ولا زوال ولا انقضاء.

فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتي يرفع رأسه، وسمعت أزيز الرحي فقصدت نحوها لأسلّم علي فاطمة عليها السلام واخبرها بقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بعلها، فوجدتها راقدة علي شقّها الأيمن، مخمرة وجهها بجلبابها _ وكان من وبر الإبل _ وإذا الرحي تدور بدقيقها، وإذا كفّ يطحن عليها برفق، وكفّ اخري تلهي الرحي، لها نور لا أقدر أن أملي عيني منها، ولا أري إلا اليدين بغير أبدان، فامتلأت فرحاً بما رأيت من كرامة الله لفاطمة عليها السلام.

فرجعت إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتباشير الفرح في وجهي بادية، وهو في نفر من أصحابه، قلت: يا رسول الله! انطلقت أدعو عليّاً، فوجدته كذا وكذا؛

وانطلقت نحو فاطمة عليها السلام فوجدتها راقدة علي شقّها الأيمن، ورأيت كذا وكذا!

فقال: يا اسامة! أتدري من الطاحن، ومن الملهي لفاطمة؟

إنّ الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة، واحدة منها لذنوبه ما تقدّم منها وما

[ صفحه 343]

تأخّر، وتسعة وستّين مذخورة لمحبّيه، يغفر الله بها بها

ذنوبهم يوم القيامة.

وإن الله تعالي رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل، ومكابدتها للرحي والخدمة في النهار، فأمر الله تعالي وليدين من الولدان المخلّدين أن يهبطا في أسرعت من الطرف، وإنّ أحدهما ليطحن، والآخر ليلهي رحاها.

وإنّما أرسلتك لتري وتخبر بنعمة الله علينا، فحدّث يا اسامة!

لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما، وإنما سألتني خادماً فمنعتها؛

فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنّة، الذين رأيت منهنّ.

وإنّا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة الباقية علي الدنيا الفانية [500] .

وعن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس قال: سألني الحجاج بن يوسف عن حديث عائشة، وحديث القدر التي رأت في بيت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهي تحركها بيدها، قلت: نعم أصلح الله الأمير دخلت عائشة علي فاطمة عليها السلام وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم، في قدر، والقدر علي النار يغلي (وفاطمة صلوات الله عليها) تحرّك ما في القدر بإصبعها، والقدر علي النار يبقبق [501] .

فخرجت عائشة فزعة مذعورة، حتي دخلت علي أبيها، فقالت: يا أبه، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً [عجبا]، رأيتها وهي تعمل في القدر، والقدر علي النار يغلي، وهي تحرّك ما في القدر بيدها! فقال لها: يا بنيّة! اكتمي، فإنّ هذا أمر عظيم.

فبلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فصعد المنبر، وحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار؛ والذي بعثني بالرسالة، واصطفاني بالنبوّة، لقد حرّم الله تعالي النار علي لحم فاطمة، ودمها، وشعرها، وعصبها، [وعظمها] وفطم من النار ذريّتها وشيعتها. إنّ من نسل فاطمة من

تطيعه النار، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، وتضرب الجنّ بين يديه بالسيف، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها، وتسلّم إليه الأرض كنوزها، تنزّل عليه من السماء بركات ما فيها

[ صفحه 344]

الويل لمن شك في فضل فاطمة.

[لعن الله من يبغضها] لعن الله من يبغض بعلها، ولم يرض بإمامة ولدها.

إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً، ولشيعتها موقفاً.

وإنّ فاطمة تدعي فتكسي، وتشفع فتشفّع، علي رغم كلّ راغم [502] .

روي عن جابر بن عبدالله قال: إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أقام أيّاماً ولم يطعم طعاماً حتّي شقّ ذلك عليه، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهنّ شيئاً، فأتي فاطمة فقال: يا بنيّة! هل عندك شيء آكله، فإنّي جائع؟

قالت: لا _ والله _ بنفسي وأمّي. فلمّا خرج عنها، بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم، فأخذته ووضعته في جفنة وغطّت عليها، وقال: لأوثرنّ بها بهذا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فرجع إليها فقالت: قد أتانا الله بشيء فخبّأته لك، فقال: هلمّي يا بنيّة، فكشفت الجفنة، هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلمّا نظرت إليه بهتت وعرفت أنّه من عند الله، فحمدت الله، وصلّت علي نبيّه أبيها، وقدّمته إليه فلمّا رآه حمد الله. وقال: من أين لك هذا؟

قالت: هو من عند الله، (إنّ الله يزرق من يشاء بغير حساب) [503] . فبعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي علي، فدعاء وأحضره، وأكل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وجميع أزواج النبّي حتي شبعوا. قالت فاطمة عليها السلام: وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت منها علي جميع جيراني، جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً [504] .

وعن أبي الفرج محمد بن المكّي، عن المظفر بن أحمد بن عبد الواحد، عن محمد بن علي الحلواني، عن كريمة بنت أحمد بن محمد الروندي:

وأخبرني أيضاً به عالياً قاضي القضاة محمد بن الحسين البغدادي، عن الحسين ابن

[ صفحه 345]

محمد بن علي الزينبي، عن الكريمة فاطمة بنت أحمد بن محمد المروزيّة بمكّة حرسها الله تعالي، عن أبي علي زاهر بن أحد، عن معاذ بن يوسف الجرجاني، عن أحمد بن محمد ابن غالب، عن عثمان بن أبي شيبة، عن نمير، عن مجالد، عن ابن عبّاس، قال:

خرج أعرابي من بني سليم يتبدّي في البريّة، فإذا هو بضبّ قد نفر من بين يديه، فسعي وراءه، حتي اصطاده، ثمّ جعله في كمّه، وأقبل يزدلف نحو النبي صلي الله عليه وآله وسلم _ إلي أن قال _ فقال: من يزوّد الأعرابي، وأضمن له علي الله عز وجل زاد التقوي.

قال: فوثب إليه سلمان الفارسي فقال: فداك أبي وأمّي وما زاد التقوي؟

قال: يا سلمان، إذا كان آخر يوم من الدنيا، لقّنك الله عزّ وجلّ قول: شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله؛ فإن أنت قلتها لقيتني ولقيتك، وإن أنت لم تقلها لم تلقني ولم ألقك أبداً.

قال: فمضي سلمان حتي طاف تسعة أبيات من بيوت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلم، يجد عندهنّ شيئاً، فلمّا أن ولّي راجعاً نظر إلي حجرة فاطمة عليها السلام.

فقال: إن يكن خير فمن منزل فاطمة بنت محمّد صلي الله عليه وآل وسلم، فقرع الباب:

فأجابتة من رواه الباب: من بالباب؟ فقال لها: أنا سلمان الفارسي.

فقالت له: يا سلمان! وما تشاء؟ فشرح قصّة

الأعرابي والضبّ مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

قالت له: يا سلمان! والذي بعث محمداً صلي الله عليه وآله وسلم بالحقّ نبيّاً إنّ لنا ثلاثاً ما طعمنا، وإنّ الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع، ثمّ رقداكأنّهما فرخان منتوفان؛ ولكن لا أردّ الخير [إذا نزل الخير ببابي] يا سلمان؛ خذ درعي هذا، ثمّ امض به إلي شمعون اليهودي، وقل له: تقول فاطمة بنت محمد: أقرضني عليه صاعاً من تمر وصاعاً من شعير أردّه عليك إن شاء الله تعالي.

قال: فأخد سلمان الدرع، ثمّ أتي به إلي شمعون اليهودي؛

قال: فأخذ شمعون الدرع، ثمّ جعل يقلّبه في وعيناه تذرفان بالدموع وهو يقول: يا سلمان! هذا هو الزهد في الدنيا، هذا الذي أخبرنا به موسي بن عمران في التوراة، أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فأسلم وحسن إسلامه.

ثمّ دفع إلي سلمان صاعاً من تمر، وصاعاً من شعير، فأتي به سلمان إلا فاطمة عليها السلام،

[ صفحه 346]

فطحنته بيدها، وأختبزته، ثمّ أتت به إلي سلمان؛

فقالت له: خذه وامض به إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم. قال: فقال لها سلمان: يا فاطمة، خذي منه قرصاً تعلّلين به الحسن والحسين. فقالت: يا سلمان،هذا شيء أمضيناه لله عز وجل لسنا نأخذ منه شيئاً. قال: فأخذه سلمان، فأتي به النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فلمّا نظر النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي سلمان قال له: يا سلمان، من أين لك هذا؟ قال: من منزل بنتك فاطمة. قال: وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يطعم طعاماً منذ ثلاث. قال: فوثب النبي صلي الله عليه

وآله وسلم حتي ورد إلي حجرة فاطمة، فقرع الباب، وكان إذا قرع النبي صلي الله عليه وآله وسلم الباب لا يفتح له الباب إلي فاطمة؛ فلمّا أن فتحت له الباب، نظر النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي صفار وجهها وتغيّر حدقتيها، فقال لها: يا بنيّة، ما الذي أراه من صفار وجهك وتغيّر حدقيت؟ فقالت: يا أبة، إن لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً؛ وإن الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع، ثمّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان.

قال: فأنبههما النبي صلي الله عليه وآله وسلم فاخذ واحداً علي فخذه الأيمن، والآخر علي فخذه الأيسر، وأجلس فاطمة عليها السلام بين يديه واعتنقها النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ودخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فاعتنق النبي صلي الله عليه وآله وسلم من ورائه، ثم رفع النبي صلي الله عليه وآله وسلم طرفه نحو السماء فقال: إلهي وسيّدي ومولاي، هؤلاء أهل بيتي، اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً!

قال: ثمّ وثبت فاطمة بنت محمد صلي الله عليه وآله وسلم حتي دخلت إلي مخدع لها، فصفّت قدميها، فصلّت ركعتين ثمّ رفعت باطن كفّيها إلي السماء وقالت:

إلهي وسيدي، هذا محمد نبيّك، وهذا عليّ ابن عمّ نبيّك، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيّك، إلهي أنزل علينا مائدة [من السماء] كما أنزلتها علي بني إسرائيل، أكلوا منها وكفروا بها، اللهم أنزلها علينا فإنّا بها مؤمنون.

قال ابن عباس: _ والله _ ما استتمّت الدعوة، فإذا هي بصحفة من ورائها يفور قتارها، وإذا قتارها [505] أزكي من المسك الأذفر، فاحتضنتها.

ثمّ أتت بها إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين، فلمّا أن نظر إليها علي بن أبي

[ صفحه 347]

طالب عليه السلام قال لها: يا فاطمة، من أين لك هذا؟ ولم يكن أجد عندك شيئاً!

فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: كل يا أبا الحسن، ولا تسأل، الحمد لله الذي لم يمتني حتي رزقني ولداً، مثلها مثل مريم بنت عمران (كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّي لك هذا قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب) [506] .

قال: فأكل النبي صلي الله عليه وآله وسلم وعليّ والحسن والحسين، وخرج النبي صلي الله عليه وآله وسلم، الحديث [507] .

وعن عبيد بن كثير _ معنعنا _ عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم فقال: يا فاطمة! هل عندك شيء تغذينه؟ قالت: لا، والذي اكرم أبي بالنبوة، وأكرمك بالوصية، ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء أطعمنا مذ يومين إلاّ شيء كنت أوثرك به علي نفسي وعلي ابني هذين الحسن والحسين عليهما السلام. فقال علي عليه السلام: يا فاطمة! إلاّ كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟ فقالت: يا أبا الحسن! أني لأستحي من الهي ان اكلف نفسك ما لا تقدر عليه. فخرج علي بن ابي طالب عليه السلام من عند فاطمة عليها السلام واثقا بالله بحسن الظن بالله فاستقرض دينارا، فبينا الدينار في يد علي بن ابي طالب عليه السلام يريد ان يبتاع لعياله ما يصلحهم، فتعرض له المقداد بن الاسود في يوم شديد الحر، قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته، فلما رآه علي بن أبي طالب عليه السلام انكر شأنه، فقال: يا مقداد! ما ازعجك هذه الساعة من رحلك!

قال: يا أبا الحسن خلي سبيلي ولاتسألني عما ورائي. فقال: يا اخي انه لا يسعني ان تجاوزني حتي اعلم علمك.

فقال: يا أبا الحسن! رغبة إلي الله واليك ان تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي. فقال

[ صفحه 348]

له: يا اخي انه لا يسعك ان تكمي حالك.

فقال: يا أبا الحسن! اما اذا ابيت فو الذي اكرم محمدا بالنبوة، واكرمك بالوصية، ما ازعجني من رحلي، إلاّ الجهد، وقد تركت عيالي يتضرعون جوعا، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض، فخرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالي وقصتي، فانهملت عينا، علي عليه السلام بالبكاء حتي بلت دمعته لحيته، فقال له: احلف بالذي حلفت، ما ازعجني إلاّ الذي ازعجك من وحلك، فقد استقرضت ديناراً، فقد آثرتك علي نفسي، فدفع الدينار إليه، ورجع حتي دخل مسجد النبي صلي الله عليه وآله وسلم فصلي فيه يوم الظهر والعصر والمغرب. فلما قضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المغرب مر بعلي بن ابي طالب عليه السلام وهو في الصف الأوّل، فغمزه برجله، فقام علي عليه السلام متعقبا خلف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتي لحقه علي باب من أبواب المسجد، فسلم عليه فرد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليه السلام. فقال: يا أبا الحسن! هل عندك شيء نتعشاه فنميل معك؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا، حياء من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهو يعلم ما كان من امر الدينار ومن اين اخذه، واين وجهه، وقد كان اوحي الله تعالي إلي نبيه محمد صلي الله عليه وآله وسلم ان يتعشي الليلة عند علي ابن أبي طالب عليه السلام. فلما نظر رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي سكوته، فقال: يا أبا الحسن! مالك لا تقول: لا، فانصرف، أو تقول: نعم، فأمضي معك؟ فقال _ حياء وتكرما _: فاذهب بنا؟ فاخذ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يد علي بن ابي طالب عليه السلام فانطلقا حتي دخلا علي فاطمة الزهراء عليها السلام وهي في مصلاها قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في رحلها، خرجت من مصلاها، فسلمت عليه، وكانت اعز الناس إليه، فرد صلي الله عليه وآله وسلم، ومسح علي رأسها، وقال لها: يا بنتاه! كيف امسيت رحمك الله.

قالت: بخير، قال عشينا غفر الله لك، وقد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي وعلي بن ابي طالب عليهما الصلاة والسلام.

فلما نظر علي بن أبي طالب عليه السلام إلي الجفنة والطعام وشم ريحه، رمي فاطمة ببصره رميا شحيحا [508] قالت: له فاطمة سبحان الله، ما اشح نظرك واشده! هل اذنبت فيما بيني

[ صفحه 349]

وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟! قال: وأي ذنب أعظم من ذنب اصبته، اليس عهدي اليك اليوم الماضي وانت تحلفين بالله مجتهدة، ماطعمت طعاما مذ يومين؟ قال: فنظرت إلي السماء، فقالت: الهي يعلم في سمائه ويعلم في ارضه اني لم أقل إلاّ حقاً.

فقال لها: يا فاطمة! اني لك هذا الطعام الذي لم انظر إلي مثل لونه قط، ولم اشم مثل ريحه قط، ومالم آكل اطيب منه قط؟ قال: فوضع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن ابي طالب عليه السلام، فغمزها، ثم قال: يا علي! هذا بدل دينارك،

وهذا جزاء دينارك من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب.

ثم استعبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم باكيا، ثم قال: الحمد لله الذي هو ابي لكم ان تخرجا من الدنيا حتي يجزيكما، ويجزيك يا علي، مجزي زكريا، ويجزي فاطمة مجزي مريم بنت عمران (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا@ [509] .

- وروي عن يوسف بن يحيي، عن ابيه، عن جده، قال: رأيت رجلا بمكة شديد السواد له بدن، وخلق غابر، وهو ينادي، أيها الناس، دلوني علي اولاد محمد، فأشار إليه بعضهم وقال: مالك؟ قال: انا فلان بن فلان. قالوا: كذبت ان فلانا كان صحيح البدن صبيح الوجه، وانت شديد السواد غابر الخلق. قال: وحق محمد اني لفلان، اسمعوا حديثي.

اعلموا اني كنت جمال الحسين، فلما ان صرنا إلي بعض المنازل برز للحاجة وانا معه فرأيت تكة لباسه وكان اهداها ملك فارس حين تزوج بنت اخيه شاه زنان بنت يزدجود، فمنعني هيبة أسألها اياه، فدرت حوله لعلي اسرقها، فلم اقدر عليها.

فلما صار القوم بكربلاء، وجري ما جري، وصارت ابدانهم ملقاة تحت سنابك

[ صفحه 350]

الخيل، اقبلنا نحو الكوفة راجعين، فلما ان صرت إلي بعض الطريق ذكرت التكة، فقلت في نفسي: قد خلا ماعنده، فصرت إلي موضع المعركة، فقربت منه فاذا هو مرمل بالدماء، قد حز رأسه من القفا وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح، فممدت يدي إلي التكة وهممت ان احل عقدها، فرفع يده وضرب بها يدي، فكادت اوصالي وعروقي تتقطع، ثم اخذ التكة من يدي، فوضعت رجلي علي صدره وجهدت جهدي لازيل اصبعا من اصابعه، فلم اقدر، فأخرجت سكينا كان معي، فقطعت اصابعه

ثم مددت يدي إلي التكة، وهممت بحلها ثانيا، فرأيت خيلا اقبلت من نحو الفرات، وشممت رائحة لم اشم رائحة اطيب منها، فلما رأيتهم قلت: انا الله وانا إليه راجعون، انما اقبلوا هؤلاء لينظروا إلي كل انسان به رمق «فيجهزوا عليه».

فصرت بين القتلي، وغاب غني عقلي من شدة الجزع، فاذا رجل يقدمهم _ كان وجهه الشمس _ وهو ينادي: انا محمد رسول الله، والثاني ينادي: انا حمزة اسد الله، والثالث ينادي: انا جعفر الطيار، والرابع ينادي: انا الحسن بن علي. وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول: حبيبي، وقرة عيني، ابكي علي رأسك المقطوع، ام علي يديك المقطوعتين، ام علي بدنك المطروح، ام علي اولادك الاساري، ثم قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: اين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين، فرأيت الرأس في كفي النبي، فوضعه علي بدن الحسين، فاستوي جالسا، فاعتنقه النبي وبكي _ فذكر الحديث _ إلي أن قال _: فقال: ياعدو الله! ما حملك علي قطع اصابع حبيبي وقرة عيني الحسين _ إلي ان قال: _ ثم قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: اخسأ ياعدوا الله! غير الله لونك، فقمت، فاذا انا بهذه الحالة [510] .

- وروي ان رجلا كان محبوسا بالشام مدة طويلة مضيقاً عليه، فرأي في منامه كان الزهراء صلوات الله عليها أتته فقالت: ادع بهذا الدعاء، فتعلمه ودعا به فتخلص ورجع إلي منزله وهو: اللهم بحق والعرش ومن علاه، وبحق الوحي ومن اوحاه، وبحق النبي من نباه، وبحق البيت ومن بناه، ويا سامع كل صوت، ويا جامع كل فوت،

يا باريء النفوس بعد الموت، صل علي محمد وأهل ابيته، وآتنا وجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها فرجا من

عند، عاجلا بشهادة إن لا إله إلاّ الله، وان محمدا عبدك وروولك، صلي الله عليه وعلي ذريته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما [511] .

وفي جواهر العقدين للشريف السمهودي المصري من العجائب ان ابا الحسن نصر بن عيين الشاعر توجه إلي مكة المعظمة ومعه متاع ومال، فخرج عليه بعض الاشراف من بني داود المقيمين بوادي الصغري فأخذوا ما كان معه وجرحوه فكتب قصيدة إلي الملك، الناصر ان يذهب بالساحل ويفتحه من ايدي الافرنج القصيدة هذه:

أغنت ص_فاتك ذاك الم_صقع الس_نا

جزت بالجود حد الحسن والم_حسنا

ولا ت_قل س_احل الاف_رنج اق_تحمه

ف_ما يس_اوي اذا ق__اسيته ع_دنا

ط__هر س_يفك ب_يت الله م_ن دنس

وم__ا احاط ب_ه م_ن خسة وخ_نا

ولا ت___قل ان___هم اولاد ف_اطمة

لو ادركوا آل حرب حاربوا الحس_نا

فلم اتم هذه القصيدة رأي في النوم فاطمة عليها السلام وهي تطوف بالبيت فسلم عليها فلم تجبه، فتضرع اليها وتذلل عندها وسألها عن ذنبه الذي أوجب ذلك، فانشدت فاطمة عليها السلام هذه القصيدة:

[ صفحه 352]

ح__اشا ب__ني ف__اطمة ك__لهم

من خس_ة ي_عرض او م_ن خ_نا

وان__ما اي__ام ف__ي غ___درها

وفعلها السوء اساءت ب_نا لئن ج_نا

م______ن ولدي واح______د

ت__جعل ك__ل السب ع_مدا لن_ا

ف__تب إلي الله ف___من ي__قترف

اث__ما ب_نا لا يأمن م__ما ج__نا

فاصفح لاج__ل الم_صطفي اح_مد

ولا ت___ثر م__ن آله اع___ينا

فك__ل م__ا نالك م__نهم غ__دا

ت__لقي ب_ه ف_ي الحش_ر م_نامنا

ثم صب بيدها المباركة المكرمة المقدسة شيئا شبه الماء علي جرحه، ثم ايقظ من منامه فرأي ان جراحته التي

كانت في بدنه صارت ملتئمة صحيحة، فكتب فورا قصيدة فاطمة صلي الله عليها السلام التي انشدتها في رؤياه، ثم قال معتذرا:

عذر إلي بنت نبي اله___دي

تصفح عن ذنب محب ج__نا

وت_وبة ت_قبلها ع__ن اخ_ي

م__قالة ت_وقعها ف_ي الع_نا

والله لو ق___طعني واح__د

منهم بسيف البغ__ي او بالقنا

لم اره ب___فعله ظ___الما

بل ان_ه ف_ي ف_عله احس_نا

فكتب هذه الحكاية إلي ملك اليمن فارسل الملك الهدايا الكثيرة لهذه الاشراف وأهل مكة وهذه القصيدة مشهورة بين الناس ومسطورة في ديوان ابن عيين [512] .

- وروي أن عليا عليها السلام أستقرض من يهودي شعيرا، فاسترهنه شيئا فدفع إليه ملاءة [513] فاطمة، رهنا، وكانت من الصوف فأدخلها اليهودي إلي داره ووضعها في البيت. فلما كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة بشغل، فرأت نوراً ساطعاً في البيت أضاء به كله فانصرفت إلي زوجها، فأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءاً عظيماً فتعجب اليهودي من ذلك وقد نسي ان في بيته ملاءة فاطمة. فنهض مسرعاً ودخل البيت فاذا ضياء الملاءة ينشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير، يلمع من قريب فتعجب من ذلك، فأنعم النظر في موضع الملاءة، فعلم ان ذلك النور من ملاءة فاطمة عليها السلام، فخرج اليهودي يعدو إلي أقربائه وزوجته تعدوا إلي أقربائها

[ صفحه 353]

فاجتمع ثمانون من اليهود فرأوا ذلك فأسلموا كلهم [514] .

- وعن سلمان الفارسي: انه لما استخرج امير المؤمنين من منزله، خرجت فاطمة حتي انتهت إلي القبر، فقالت خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمدا بالحق لئن لم تخلوا عنه لا نشرن شعري ولأضعن قميص رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم علي رأسي، ولأصرخن إلي الله، فما ناقة صالح بأكرم علي الله من ولدي. قال سلمان: فرأيت والله اساس حيطان المسجد تقلعت من اسفلها، حتي لو اراد الرجل ان ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي: ان الله تبارك وتعالي بعث اباك رحمة فلاتكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتي سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في غياشيمنا [515] .

اخلاقها

تجدست في شخصية فاطمة عليها السلام مختلف ابعاد الاخلاق الاسلامية التي دعت واكدت عليها التعاليم القرآنية، ولقد ضربت المثل الاعلي للمرأة المؤمنة الكاملة، وهذا مانراه واضحا، وجليا من خلال استقراء سيرتها عليها السلام وفي مختلف الابعاد الانسانية، فقد ورد عن علي عليه السلام قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: اخبروني أي شيء خير للنساء؟ فعيينا بذلك حتي تفرقنا، فرجعت إلي فاطمة، فأخبرتها الذي قال لنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وليس أحد منا علمه، ولاعرفه.

قالت: ولكني أعرفه: خير للنساء ان لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فرجعت إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله، سألتنا: أي شيء خير للنساء؟ وخيرهن ان لايرين الرجال ولايراهن الرجال. قال: من اخبرك، فلم تعلمه وأنت عندي؟ قلت فاطمة فأعجب ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال ان فاطمة بضعة مني [516] .

[ صفحه 354]

أقول: والذي يظهر من هذه الاحاديث ان فاطمة حددت الضابطة الكلية التي فيها خير المرأة والصلاح لها في الحياة الدنيا والاخرة ذلك هو ان لا يري المراة رجل ولاتري رجل، وفي أمر ورد ايضا عن الإمام موسي بن جعفر عليه

السلام استأذن أعمي علي فاطمة عليها السلام فحجبته.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لها: لم حجبته وهو لا يراك؟

فقالت عليها السلام: ان لم يكن يراني فأني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أشهد انك بضعة مني [517] وسأل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أصحابه عن المرأة، ماهي؟ قالوا: عورة: قال فمتي تكون أدني من ربها؟ فلم يدروا، فلما سمعت فاطمة عليها السلام ذلك قالت: أدني ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إن فاطمة بضعة مني [518] .

أقول: يظهر من هذا الحديث ان الرسول سأل اصحابه ولم يكن فيهم علي عليه السلام، وهذا معارض للحديث الأوّل من حيثية وجود علي عليه السلام، فالحديث الأوّل بين ان الإمام علي يعرف جواب السؤال الذي سأله الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وهذا مخالف لكثير من الاحاديث التي تبين مقام علي عليه السلام العلمية ولذا سيكون من حيث الدلالة الحديث الاخير الذي قدمناه وهو الاصح، وإلاّ لو كان علي عليه السلام حاضرا لأجاب علي سؤال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وخاصة نحن نعلم ان علي عليه السلام وفاطمة احدهما كفوا للاخر في كل الأمور التي أقرأتها الاحاديث التي وردت عن السان المعصومين عليهم السلام.

وأعطي لك شاهداً واحداً من خلال استقراء احاديث العلماء والصالحين في قضية اخلاق فاطمة الزهراء عليها السلام تاركا لك مراجعة أقوال الاخرين فضلا عن احاديث أهل البيت الذي هي بحر عميق لمن اراد الغوص فيه واستخراج الدرر المتناثرة فيه، ومن هذه الاقوال [519] . لم تكن الزهراء امراة عادية كانت امرأة

روحانية امرأة ملكوتية... كانت انسانا بتمام معني الكلمة نسخة انسانية متكاملة... امرأة حقيقية كاملة... حقيقة الإنسان الكامل، لم امراة عادية، بل هي كائن ملكوتي تحلي في الوجود بصورة

[ صفحه 355]

انسان... بل كائن الهي جبروتي ظهر علي هيئة امرأة... فقد اجتمعت في هذه المرأة جميع الخصال الكمالية المتصورة للانسان وللمرأة. انها المرأة التي تتحلي بجميع خصال الانبياء... المرأة التي لو كانت رجلا لكانت نبيا... لو كانت رجلا لكانت بمقام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. غدا يوم المرأة حيث ولدت جميع ابعاد منزلتها وشخصيتها، غدا ذكري مولد كائن الذي اجتمعت فيه المعنويات، والمظاهر الملكوتية، والالهية والجبروتية والملكية والانسية، غدا ميلاد الإنسان لجميع الانسانية من معني، غدا ميلاد امرأة بكل ما تحمله كلمة «المرأة» من معني ايجابي. ان المرأة تتسم بأبعاد مختلفة كما هو الرجل، وان هذا المظهر الصوروي الصبيعي يمثل ادني مراتب المرأة، وادني مراتب الرجل، بيد ان الإنسان يسمو في مدارج الكمال انطلاقا من هذه المرتبة المتدنية، فهو في حركة دؤوبة من مرتبة الطبيعة إلي مرتبة الغيب، إلي الفناء في الالهية وان هذا المعني متحقق في الصديقة الزهراء، التي انطلقت في حركتها من مرتبة الطبيعة وطوت مسيرتها التكاملية بالقدرة الالهية، بالمدد الغيبي وبتربية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لتصل إلي مرتبة دونها الجميع. امرأة هي مغفرة بيت النبوة وتسطع كما تسطع الشمس في جبين الاسلام العزيز، امرأة تماثل فضائلها الرسول الاكرم والعترة الطاهرة غير متناهية... امراة لا يفي حقها من الثناء كل من يعرفها مهما كانت نظرته، ومهما ذكر لأن الاحاديث التي وصلتنا عن بيت النبوة هي علي قدر أفهام المخاطبين، واستيعابهم فمن غير الممكن صب البحر

في جرة، ومهما تحدث عنها الاخرون فهو علي قدر فهمهم ولا يضاهي منزلتها. اذن فمن الاولي ان نمر سريعا من هذا الوادي العجيب.

وكانت الصديقة فاطمة عليها السلام عادية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني، فمتي ما كانت تقوم في محرابها بين يدي الله تعالي، زهر عند ذلك نورها لملائكة السماوات والأرض كما نير هو نور الكواكب لأهل الأرض [520] ، وروت هي سلام الله عليها انها قالت: سمعت النبي صلي الله عليه وآله وسلم يقول: ان في الجمعة لساعة لا يراقبها رجل مسلم يسأل الله عزوجل فيها خيرا إلاّ اعطاه اياه. فقلت: يا رسول الله أي ساعة هي؟ قال اذا تدلي

[ صفحه 356]

نصف عين الشمس للغروب. لذا نجدها سلام الله عليها كانت تقول لغلامها اصعد علي الظراب فاذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلي للغروب فاعلمني حتي ادعوا ولذلك نجد في كتب الادعية والزيارة استحباب قراءة دعاء السمات اخر ساعة من يوم الجمعة تأسيا بما ورد عن لسان فاطمة عن أبيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وورد عن الإمام الحسن عليها السلام انه قال: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتي انصع عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولاتدعو لنفسها بشيء فقلت لم لهذا يا اماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار [521] ، واخيرا قول الحسن البصري الذي قال في حقها عليها السلام: «ما كان في هذه الأمة اعبد من فاطمة عليها السلام كانت تقوم حتي تتورم قدماها» [522] .

[ صفحه 357]

المعرفة العلمية والفكرية لها

اشاره

ألا ه__ل إلي ط__ول الح_ياة س_بيل

وأن__ي وه_ذا الم_وت ليس ي_حول

واني وان اصبحت ب__الموت م__وقنا

ف__لي ام__ل م_ن دون ذاك ط_ويل

ولل__دهر الوان ت__روح وت___غتدي

وان ن___فوسا ب___ينهن تس___يل

وم___نزل ح__قّ لا م_عرج دون_ه

لك__ل ام__ريء م_نها إلي_ه س_بيل

ق___طعت بأي__ام الت__عزز ذك_ره

وك___ل ع__زيز م__اهناك ذلي_ل

اري ع__لل الدن__يا ع__لي ك_ثيرة

وص__احبها ح__تي الم_مات ع_ليل

واني وان ش_طت ب_ي الدار ن_ازح_ا

وق__د م_ات ق_بلي ب_الفراق ج_ميل

وقد قال ف__ي الامثال في البين ق_ائل

اض__رّ ب_ه ي_وم الف__راق رح_يل

لك__لّ اج_تماع م_ن خ_ليلين ف_رقة

وك__ل الذي دون الف__راق ق___ليل

وان اف__تقادي ف__اطما ب_عد اح_مد

دلي__ل ع__لي ان لاي__دوم خ__ليل

وكيف هناك العيش من بعد ف___قدهم

لع__مرك ش_يء م_ا إليه س_بيل

[523] .

وليس ج___ليلا رزء م_الٍ وف__قده

ولك___ن رزء الاك__رمين ج__ليل

يتساوي النساء في الحقوق والجواجبا من جهة التشريع الاسلامي ومنطلقاته الاصلية، فهم سواسية كأسنان المشط في المظهر الخارجي، ولكن من حيث حقيقة وجوهر كل انسان تختلف من شخصية إلي اخري، وقديما قيل: الناس مخابر، وليسوا بمناظر أي الإنسان بجوهره وحقيقته، وذلك ان المخبر بكشف عن سلوك الإنسان ويبدو علي سيرته الذاتية بشكل واضح لا لبس فيه... فما أضمر ابن ادم شيئا الا وظهر

[ صفحه 358]

علي فلتات لسانه وصفحات وجهه، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ذلك في نهج البلاغة «تكملوا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت طيات لسانه» فالكلمة تعرف حقيقة الإنسان وطبيعة شخصية يكون عبر توجيه بعض الاسئلة إليه ومن خلال الجواب

عليها يظهر طبع شخصيتها وحقيقتها ومدي سعتها واستيعابها، وهل هي شخصية عالية ذا همة كبيرة ام لا؟ وغير ذلك من الامور المعمة، ذلك ان الكلمة التي تخرج من الفم تحمل معها صورة قائلها ونبضات قلبه، وخلجات نفسه ودخائل شخصيته، وهذه حقيقة معروفة لدي علماء النفس والتربية والاجتماع، كل ذلك نقوله لكي نهتدي إلي سواء السبيل.

وعلي هذا الاساس اننا نهتدي إلي معرفة الشخصية العلمية والفكرية بها سلام الله عليها من خلال عدة امور مهمة ومن خلالها نعبر إلي شخصيتها وندخل في فهم حقيقتها وهذه الامور هي:

يمكن معرفة شخصيتها...

يمكن معرفة شخصيتها يمكن معرفة شخصيتها من خلال سيرتها الذاتية التي يرويها لنا أهل البيت عليهم السلام والاقربون من ذويها، ذلك لأنّ أهل البيت ادري بما فيه وأه مكة ادري بشعابها كما يقول المثل.

إذ ان هناك امور في الحياة صحيحة وثابته وفق مقاييس العقل والبرهان ولا تحتاج إلي اثبات اثبات احقيتها واصحيتها إلي دليل من الخارج ولا تحتاج إلي اثبات صحة دعواها ايضا إلي شاهد فدليلها مستمد منها، ومن هذهالامور الثابتة في حيات الإنسان الكامل «فاطمة الزهراء» هي سيرتها الذاتية التي تثبت من خلالها معرفتها الحقيقية فهذه السيرة هي السبيل الصحيح للوقوف علي حياتها عليها السلام. فهي الضابط والمعاير الصحيح للحكم عليها من خلالها. فالإنسان لايعرف المعرفة الصحيحة إلاّ من خلال هذه السيرة علي وجه الدقة اما بقية المسائل الاخري في حياة المسائل الاخري في حياة الإنسان من الشعارات والاطروحات والادلة والشواهد وغير ذلك لاتمثل سوي الجانب النظري من حياة الإنسان الشخصية، ومدي صدق هذه الدعوي

[ صفحه 359]

فهي متروكة للجانب التطبيقي في حياته، اذن السيرة الذاتية الصديقة الطهرة تمثل جانب تطبيقي من حياتها

الشخصية علي كافة المستويات، ولا نريد الوقوف مع السيرة الذاتية لفاطمة عليها السلام في هذا الكتاب بصورة تفصيلية حيث قد اعطينا بعض النماذج للسيرة الذاتية له في نفس هذا الكتاب هذه النماذج، علي شكل امور متناثرة في طيات البحوث فلانقف تفصيليا معها هنا.

يمكن ان نعرف شخصيتها...

يمكن ان نعرف شخصيتها من خلال مواقفها لأنّ الموقف عمل والعمل ماهو إلاّ انعكاس لطبيعة شخصية الفرد وهذا ما اثبته التاريخ الاسلامي لفاطمة عليها السلام حيث اخبرنا بمواقفها الفذة في جميع الحالات التي مرت بها. فعندما كانت قريش تؤذي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتتعرض له بأنواع المواجهة كانت الزهراء عليها السلام تقف إلي جانبه صابرة محتسبة، فيدخل إلي البيت وقد حثي الكافرون التراب علي رأسه الشريف، فتستقبله الزهراء عليها السلام وتغسل التراب عن رأسه وهي باكية، فيقول لها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: لا تبكي فان الله نصار أباك، وعندما رمي أبو لهب رسول الله صلي الله عليه وآل وسلم بروث البقر اندفعت فاطمة عليها السلام لتذب عن أبيها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وتسمع ابا لهب من الكلام ما يتوقف خلاله من الاندفاع بالسخرية برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. كما انها عليها السلام التحقت بأبيها صلي الله عليه وآله وسلم بعد هجرته إلي المدينة مجازفة بحياته ومضحية، بروحها في سبيل نصر الاسلام واعزاز مبادئه المثلي، ولا يمكن ان يغفل دورها في الوقوف إلي جانب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أيام دعوته المباركة، تؤنسه وتزيح عنه الهموم والآلام، وتعيد البسمة إلي وجهه المبارك اذا اشتدت عليه الخطوب.

اضف إلي مواقفها الرسالية ايام الحروب وهي صغيرة السن بعد، ففي معركة أحد تكسر رباعية رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم ويشج جبينه، فتقبل الزهراء عليها السلام لتغسل وجهه، وتزيل الدماء عن محياه،وتعالج نزيف جراحاته، فقد جاء في صحيح مسلم: «قال سهل بن سعد: جرح وجه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة عن رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تغسل الدم، وكان علي بن أبي طالب

[ صفحه 360]

يسكب عليها بالمحن، فلما رأت فاطمة ان الماء لايزيد الدم إلاّ كثرة، اخذت قطعة حصير فأحرقته حتي صار رمادا ثم الصقته بالجرح فاستمسك الدم». ونقل ابي نعيم في (حلية الأولياء) عن أبي ثعلبة انه قال: «قدم رسول الله من غزاة له، فدخل المسجد فصلي فيه ركعتين، ثم خرج فأتي فاطمة عليها السلام فبدأ به قبل بيوت ازواجه، فاستقبلته فاطمة عليها السلام وجعلت تقبل عينيه ووجهه وتبكي» والاعجب من ذلك ان فاطمة عليها السلام كانت تهيء لابيها صلي الله عليه وآله وسلم السلاح في المعركة التي جرت في اليوم القادم. وفي معركة الخندق تقبل علي ابيها بأقراص من الخبز معدودة بعد ان بقي اياما بلا طعام، فجاء في ذخائر العقبي: «روي عن علي عليه السلام في حفر الخندق عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ان فاطمة عليها السلام جاءت إليه بكسرة من خبزٍ فرفعتها إليه فقال: ما هذه يا فاطمة؟ قالت: من قرص اختبزته لابنتي جئتك منه بهذه الكسرة. فقال: يابنية اما انها لاول طعام دخل في فم أبيك منذ ثلاث».

وفي الفتح المبين نري الزهراء عليها السلام تضرب لا بيها صلي الله عليه وآله وسلم خيمة وتهيء له طعاما ليستحم ويغتسل حتي يزول عن جسده المبارك

غبار الطريق، ويرتدي ثيابا نظيفة يخرج بها لإلي المسجد الحرام، ومن موقع الامومة وكونها زوجة وفية مخلصة لعلي عليه السلام نري انها عليها السلام زهدت في الدنيا وترفعت عن الدنيا، ولم يكن لها من هم إلاّ تحمل المسؤولية الالهية بجدارة واستحقاق وتجسيد الصفات الالهية كأمثل ما يكون. فيروي ان علياً عليه السلام قد اشتري لها عقدا عليها السلام من اموال الفيء، وتقلدته الزهراء عليها السلام وتقبلت هذه الهدية من زوجها بسرور، وبينما هي متقلدة ذلك واذا برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يأتي لزيارتها، فسلمت عليه وسلم عليها، إلاّ انها وعلي غير المعتاد رأت مسحة من الحزن يقولون ابنة محمد تلبس لباس الجبابرة، ويوصيها ا تذخر ذلك لاخرتها لتكون اسوة في الزهد ومثالا للايثار والقناعة، فتنزع الزهراء عليها السلام ذلك العقد وتتصدق بثمنه في سبيل الله وهي مليئة بالرضا والقناعة. ويروي ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يدخل يوما علي فاطمة عليها السلام فيراها قد علقت سترا علي احد الأبواب لتزين الدار، فيتألم رسول الله عليها السلام لذلك ويقول لابنته: «اني لا احب ان يأكل أهل بيتي طيباتهم في حياتهم الدنيا».

فتبادر الزهراء عليها السلام من حينها للقيام ونزع الستر ممتثلة اوامر أبيها، ومن اورع امثلة

[ صفحه 361]

للايثار ماطفحت به كتب الحديث والتفسير من تقديم الزهراء عليها السلام وزوجها وولديها لطعامهم لثلاثة ايام متوالية لمسكين ويتيم واسير وبقائهم جياعا طيلة هذه المدة قربة لوجه الله الكريم، فنزل بشأنهم: (ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عينا يشرب بها عباد الله ويفجرونها تفجيرا، يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا، ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما واسيرا،

انم نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءا ولا شكورا). ومن المواقف التي خلدت من خلالها الزهراء عليها السلام الزهد والايثار والقناعة انها عليها السلام قد طلبت من ابيها صلي الله عليه وآله وسلم ان يكون مهرها الشفاعة للمذنبين من امته يوم القيامة، فنزل جبرئيل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مخبرا اياه بتلبية الله تعالي لطلب فاطمة عليها السلام وبما ان درع علي عليه السلام كان المهر التقليدي لفاطمة عليها السلام فان اغلي قيمة ذكرت لذلك الدرع هي خمسمائة درهم [524] .

و تستطيع معرفة فاطمة و شخصيتها...

وتستطيع معرفة فاطمة وشخصيتها الربانية من خلال نور كلامها الشريف الذي هو عبارة عن صورة حقيقية والنعكاس صادق لشخصيتها الالهية، فمن خلال اقوالها وكلماتها نستطيع ان نستدل عليها، ونكتشف حقيقتها في سهولة ويسر وبساطة، ولقد تجلت انوار كلماتها المضيئة في مختلف أبواب العلوم والفنون كعلم الفقه والاخلاق وسائر العلوم الاخري التي تكلمت فيها، او عه عنها علي اختلاف انواعها من علوم رتيبة او غريبة ظاهرة او باطنة، نقلية او عقلية، علمية او ادبية انسانية او طبيعية الهية او دنيوية فانها سلام الله عليها قد كشف القناع عن الكثير من الأسرار التي تخص هذا الوجود وبينت الكثير من عجائبه وفي كل ذلك نستطيع ان نلتمس منه وفيه شيئا يسيرا م معرفتها سلام الله عليها اما انوار كلامها فهذا ما بينته الكثير من الكتب الروائية التي نقلت لنا بين طياتها احاديثها وعد ذاتها احرازها وادعيتها وولايتها وغير ذلك فراجع المطويات للاطلاع والوقوف علي هذه الأنوار الفاطمية.

[ صفحه 362]

قصيدة للشيخ المنصوري

لك ذك__ري ت__مر ف___ي ك__ل ع_ام

وع____ليها ت___مر م__ر الك___رام

ه__ي ذك__ري له__ا ن_قيم اح___تفالا

ب__ابتهاج وف___رح__ة واب____تسام

ه___ي ذك___ري ولادة س__رّ ف__يها

س___يد الم__رسلين خ___ير الان___ام

ب_صبوح يش_ع ف__ي الك___ون ش_مسا

لا كش__مس الض_حي وب___درالت__مام

هي شمس والش_مس ي_اصاح ف_____يها

ان ت___قسمها ف___مالها من م____قام

هي شمس ال___هدي وش__مس الم__عالي

وه__ي اح___ري ب__الذكر والاح__ترام

م__ن س__واه__ا فخلني وس___روري

لح__ظات ب___عد الدم____وع الس_جام

ان ق___لبي م____ن اله__موم م__ليء

وم__ليء م___ن الخ__طوب الجس__ام

ث__م أمس__ي خ__لي ب__ال ط__روب_ا

راق___دا ب__ين، ن__ايه، والم___دام

ان ض_رب الام_ثال ف_ي م_ثل ه____ذا

ه_و ض_رب، وم_ن ف_ضول الك___لام

ف__التزام__ي ب_حب آل رس____ول الله

ي___غني ع__ن الب_يان الت__زام____ي

ف__مصاب الزه__راء روح__ي ف__داها

ه__و ف__ي وس_ط ق_لبي المس____تظام

والحسين الش_هيد ف___ي الط___ف لي_لا

ي___تراءي لم___قلتي ف___ي الم___نام

فكأن الس____يوف ت____نهل م____نه

ن__صب ع_يني والظ__المون ام____امي

هو م_رمي ف_وق الص__عيد وم____رمي

ب__عد وخ_ز الض_با لرش__ق الس___هام

فس_____ماحا ام الحس____ين اذا م__ا

شط بي مزبر الش___جاء ع__ن م_رام_ي

وطأة ال_رزء أث____قلتني ف_____راحت

دون ق____صد ت____خطه أق____لامي

ع___لمتها ان_____املي ان ت____طيل

الق____ول ف_____ي وذم الل_____ئام

ف___عليك الس__لام م__ني ي____تري

ان ت__فضلت ف__ي ق__بول س____لامي

ي__ا اب__نة الم__صطفي وي__ا خ_ير ام

لب__ني الم__رتضي اله__داة الك____رام

ام___نحينا ب__نظرة م____نك ف__ضلا

ف_س____ماها م_____لبد ب____الظلام

انت ب__اب الن____جاة م__نك ف__ضلا

فادفعي الس___وء ع__ن رب__ي الاس_لام

واح__رسينا م__ن خ__صنا ب____دعاء

ه__و ام_ضي م__ن الف الف حس____ام

[ صفحه 363]

المعرفة النورانية لها

وذلك بالاطلاع علي حقيقة نورها سلام الله عليها والمبدأ الذي

منه انحدر وفيه علا ذلك النور، ويمكن مراجعة الكثير من الروايات الواردة في المقام لكي تعرف هذه المعرفة النورانية لها والتي هي كفوا لعلي عليه السلام والذي يقول هو نفسه عليه السلام عندما سأله أبوذر الغفاري وسلمان رضوان الله عليهما عن معرفته بالنورانية فقال عليه السلام.

«انه لا يستكمل احد الإيمان حتي يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فاذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره اللاسلام وصار عرافا مستبصرا ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك مرتاب. يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك يأ أمير المؤمنين، قال عليه السلام: معرفتي بالنورانية معرفة الله عزوجل، معرفة الله عزوجل، ومعرفة الله عزوجل ومعرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالي: (وما امروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له حنفاء ويقيمون الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة). إلي ان يقول عليه السلام: (يا سلمان ويا جندب، قالا: لبيك صلوات الله عليك، قال عليه السلام: أنا أمير كل مؤمنن ومؤمنة ممن مضي وممن بقي، وايدت بروح العظمة، وانما انا عبد من عبيد الله لا تسمونا اربابا وقولوا في فضلنا ماشئتم فانكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا، ولا معشار العشر». وهذا يؤيده علي ما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة «من عرفكم فقد عرف الله» اي ان معرفتكم من شأنها ان تؤدي إلي معرفة الله تعالي لانهم هم الدالين عليه تعالي لذا ورد في الحديث عن جابر عن عبدالله الأنصاري يقول: «سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول: انما يعرف الله عزوجل ويعبده من عرف وعرف امامه منا أهل البيت وعن لا يعرف الله عزوجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فانما يعرف ويعبد غير الله

هكذا والله ضلالا» [525] . اذن معرفة فاطمة بالنورانية

[ صفحه 364]

كمعرفة علي عليه السلام بالنورانية «نحن أهل البيت عجنت طينتنا بيد العناية بعد رش علينا فيض الهداية ثم خمرت بخميرة النبوة وسقيت بماء والوحي ونفخ فيها روح الأمر فلا أقدامنا تنزل، ولا أبصارنا تضل، ولا أنوارنا تفل، واذا ضللنا فمن بالقوم يدل». الناس من شجرة شتي وشجرة النبوة واحدة محمد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اصلها وانا فرعها وفاطمة الزهراء ثمرها، والحسن والحسين اغصانها، أصلها نور وفرعها نور وثمرها نور، وغصنها نور، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور علي نور» [526] .

علي ان هناك مراتب عديدة للمعرفة فهي كلي مشكك له مراتب طولية وعرضية وقد قسموها إلي:

1 _ المعرفة البرهانية: والتي تكون بالدليل العقلي

2 _ المعرفة الإيمانية: والتي تكون بالدليل النقلي من الكتاب والسنة.

3 _ المعرفة الشهودية: والتي تكون بالاشراف والكشف والشهود بالقلب. ولقد أضاف اليها سيدمنا الاستاذ آية الله السيد عادل العلوي (دام ظله) تقسيماً آخر كما يلي:

1 _ المعرفة الجلالية: وهي تعني معرفة الشيء في حدوده وشكله الهندسي كمعرفة الجبل من بعيد.

2 _ المعرفة الجمالية: وهي تعني معرفة الشيء من باطنه وجوهره.

2 _ المعرفة الكمالية: وهي تعني الوقف علي هدف الشيء وغايته.

[ صفحه 369]

فاطمة و ليلة القدر

للشيخ محمد علي اليعقوبي

ولق_د ي_عز ع_لي رس_ول

الله م__اجنت الص__حابة

ق_د م__ات ف_انقلبوا ع_لي

الاعقاب ل__م يخشوا عقابه

م__نعوا الب_تولة ان ت_نوح

ع__ليه او ت_بكي م_صابه

ن__عش الن__بي أم__امهم

ووراءه__م ن_بذوا ك_تابه

لم ي___حفظوا لل__مرتضي

رح__م الن_بوة والق_راب_ة

لو لم يك__ن خ_ير ال__وري

بعد الن_بي لم_ا اس__تنابه

قد اط_فأوا ن_ور اله___دي

ضرباً ب_حضرته الم__هابة

وعدوا علي بنت اله____دي

ضرباَ ب_حضرته الم__هابة

في أي حكم ق_د أب__اح__وا

ارث ف__اطم واغ__تصابه

ب___يت الن___بوة ب__يتها

شادت يد الب__اري ق__بابه

اذن الاله ب________رفعه

والقوم قد هتكوا ح___جابة

بأب__ي ودي__عة اح___مد

جرعاً سقاها الظلم ص__ابه

عاشت م__عصبة الج__بين

تئن م__ن ت_لك الع_صابة

ح__تي ق_ضت وع__يونها

عبري وم_هجتها م__ذاب_ة

وأم__ضّ خطب ف_ي حش_ا

الاسلام ق___د اوري التهابة

ب___الليل واراها الوص__ي

وق_برها ع_في ت_رابه [527] .

فاطمة وليلة القدر

«من عرف فاطمة حق معرفتها فقد ادرك ليلة القدر وانما سميت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها...».

في فاطمة الزهراء عليها السلام سر مستودع كما تقدم ذلك في حديثنا حول هذا الموضوع _ أي السر الستودع _ وايضا في ليلة القدر سر عظيم لا يعرفه إلاّ المقربون الذين امتحن الله قلوبهم للايمان والتقوي، فليلة القدر رفعها الباري عزوجل وجعلها خيراً من الف شهر وفيها تشويق لذيذ لمعرفة ذلكم السر المكنون في اعماقها، (وما ادراك ماليلة القدر) حيث خاطب الله تعالي المؤمنين في ضمائرهم لكي يحرك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم اسرار ليلة القدر بالتمعن والتدقيق فيها، علي ان معرفة ليلة القدر تفوق الادراك البشري العادي أي انها تفوق ادراك سائر الناس من السواد الاعظم فانه لابد ان يكون فيها سر عظيم، والسر تقتضي معرفته استيعابا كاملا لمعني ليلة القدر والغاية التي نزلت ليلة القدر من اجلها ولا جل تحقيقها في الأرض.

وعلي هذا الاساس

لابد من معرفة الاساس الذي بني عليه الحديث الذي ذكرناه في أول بحثنا حول علاقة معرفة فاطمة عليها السلام بليلة القدر فانه لابد من وجود الترابط في هذا الموضوع المهم، ففاطمة فيها سر مستودع وكذلك ليلة القدر فيها سر مكنون، فمن عرف فاطمة والسر المستودع فيها عرف سر ليلة وعظمتها، فليلة القدر عظيمة كعظمة فاطمة عليها السلام لذا كانت مجهولة في اثباتها ودقتها من حيث الزمان لمختص بليالي شهر رمضان.

علي ان عرف فاطمة فقد ادرك ليلة القدر هذا كونه ناتج عن معرفة فاطمة التي

[ صفحه 370]

تجعلنا ندرك الاسلام ونستوعب اهمية ليلة القدر من خلال هذه المعرفة، ولقد طرح الكثير من العلماء أوجه للشبه بين ليلة القدر وفاطمة عليها السلام [528] ومنها:

- ليلة القدر وعاء وظرف زماني لنزول كل القرآن الكريم (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، (ذلك الكتاب لا ريب فيه هديً للمتقين)، لا يأتيه الباطل من بين يديه، وفيه كل شيء، وتبيان كل شيء، وسعادة الدراين. وكذلك الحوراء الانسية فاطمة الزكية، فان قلبها ظرف مكاني وروحاني، وصدرها وعاء الهي للقرآن الكريم والمصحف الشريف، وانها كانت محدثة تحدثها الملائكة، فهي وعاء للامامة وللمصحف الشريف.

- وفي ليلة القدر يفرق كل أمرٍ أحكمه الله خلال السنة، فيفرق ما يحدث فيها من الامور الحتمية وغيرها، وينزل بها روح القدس علي ولي العصر والزمان وحجة الله علي الخلق الذي بيمنه رزق الوري وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، وان الإيمان بليلة القدر فارق بين المؤمن والكافر. كذلك بفاطمة الزهراء الطيبة الطاهرة المطهرة يفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، والمؤمن والكافر، وقد ارتد الناس في العمل وفي الولاية بعد رحلة رسول الله صلي الله عليه

وآله وسلم إلا ثلاث.

أو خمس أو سبع، وفيهم سيدة النساء فهم علي حق، وغيرهم استحوذ عليهم الشيطان فاغرهم وأضلهم فكانوا أئمة الضلال.

- وفي ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء إلي الله سبحانه فيزاد في علمهم اللدني والرباني ويكسبوا من الفيض الاقدس الالهي. كذلك ولاية فاطمة المعصومة النقية التقية، فهي مرقاة لوصولهم إلي النبوة ومقام الرسالة والعظمة الشموخ الانساني والروحاني، فما تكاملت النبوة لنبي حتي أقر بفضلها ومحبتها وذلك في عالم (ألست بربكم) أو في عالم الذر أو عالم الانوار أو الارواح أو النشأة الإنسانية التي وراء نشأتنا هذه، وهذه انما هي صورة لتلك كما عند بعض الاعلام.

ففاطمة، الزهراء قطب الأولياء والعرفاء ومعراج الأنبياء والأوصياء، صدرها خزانة

[ صفحه 371]

الأسرار، ووجودها ملتقي الانوار، فهي حلقة الوصل بين أنوار النبوة وأنوار الإمامة، فأبوها محمد رسول الله، وبعلها علي وصيه وخليفته امام المتقين وامير المؤمنين، ومنها أئمة الحق والرشاد وأركان التوحيد وساسة العباد.

- وليلة القدر خير من الف شهر فيضاعف فيها العمل والثواب كل واحدٍ بألف، فالتسبح والتمجيد والتهليل والتكبير والصلاة وكل عمل كل واحد بالف، فكذلك محبة الزهراء وولايتها يوجب مضاعفة الاعلمال فان تسبيحها (34 مرة الله اكبر و33 مرة الحمد الله و33 مرة سبحان الله) بعد كل صلاة واجبة او نافلة يجعل كل ركعة بألف ركعة كما ورد في الخبر الشريف. فمودتها هي الاكسير الاعظم، يجعل من كان معدنه الحديد ذهباً، وان الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، فمن والادها واحبها وأطاعها واطاع ابنائها الاطهار، وعادي عدوها واعداء ذريتها، فانه يكون كالذهب المصفي وباقي الناس كلهم التراب، وان الله يضاعف الاعمال بحبها كما تضاعف في ليلة القدر، وامتازت ليلة القدر

عن كل ليالي السنة بالخير والبركة والشرافة والعظمة وعلو الشأن والرفعة، كذلك خير نساء الاولين والاخرين فاطمة الزهراء عليها السلام فهي خير أهل الأرض والسماء عنصرا وشرفا وكرامة بعد ابيها الرسول المصطفي وبعلها الوصي المرتضي.

- وليلة القدر ليلة مباركة (انا انزلناه في ليلة مباركةٍ)، والبركة بمعني النماء والزيادة والخير المستمر والمستقر الدائم والثابت وما يأتي من قبله الخير الكثير، ومن ألقاب فاطمة الزهراء انها (المباركة) ففيها كل بركات السماوات والأرض، فهي الكوثر في الدنيا والاخرة، وهي المنهل العذب والمعين الصافي لكل في اراد البركة، فما ادراك ما فاطمة، خير من الوجود بعد أبيها وبعها.

ولو ك__ن النس_اء ك_مثل ه_ذه

لفضلت النس_اء ع_لي الرج_ال

ولا التأنيث لاس___م الشمس عار

ولا الت__ذكير ف_خر لل__هلال

وقال آخر:

هي مشكاة نور الله جل ج__لاله

زي__تونة ع_م الوري ب__ركاتها

فهي الكوثر، والكوثر، الخير الكثير (انا اعطيناك الكوثر)، ومنها ذرية الرسول

[ صفحه 372]

الاكرم، وعدم انقطاع نسله إلي يوم القيامة، وفي وصف النبي، انما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب، والعبادة في ليلة القدر تكون منشأ للفيوضات الالهية، والكمالات الربانية والفيوضات القدسية، والبركات السماوية، كذلك التوسل بفاطمة الزهراء فهي منشأ البركات والخيرات، ونزل القرآن الكريم وهو النور والفرقان والبيان والتبيان في ليلة القدر، فليلة القدر نزول النور الالهي، وفاطمة الزهراء عليها السلام هي نور الله، وهي الكوكب الدري، كما جاء ذلك في تفسير آية النور في قوله تعالي: (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري يوقد شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية

يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور الله يهدي لنوره من يشاء) [529] . عن موسي بن القاسم عن علي بن جعفر قال: سألت ابا الحسن _ الإمام الكاظم عليه السلام _ عن قول الله عزوجل (كمشكاة فيها مصباح)، قال: المشكاة فاطمة والمصباح الحسن والحسين. (كانها كوكب دري) قال: كانت فاطمة كوكباً دريا من نساء العالمين. (يوقد من شجرة مباركة)، الشجرة المباركة ابراهيم (لا شرقية ولا غربية)، لا يهودية ولا نصرانية (يكاد زيتها يضيء) قال: يكاد العلم ان ينطق (ولو لم تمسسه نار نور علي نور)، قال: يهدي الله عزوجل لولايتنا من يشاء [530] .

عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها: اعلم يا أبا الحسن ان الله تعالي خلق نوري وكان يسبح الله جل جلاله، ثم ادعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما فلما دخل ابي الجنة اوحي الله إليه الهاما ان اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وادرها في لهواتك، ففعل، فأوعني الله سبحانه صلب ابي صلي الله عليه وآله وسلم ثم اودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني، وانا من ذلك النور اعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالي [531] وما أروع ما يقوله الشاعر:

[ صفحه 373]

مشك__اة ن__ور الله ج_ل ج_لال_ه

زي__تونة ع__م الوري ب__رك_اتها

هي قطب دائ__رة الوج__ود ونقطة

لم__ا ت_نزلت اك_ثرت ك_ثرات__ها

هي أحمد الثاني واحمد ع___صرها

هي عنصر التوحيد في عرص___اتها

ويقول المحقق العلامة الشيخ محمد باقر صاحب (الخصائص الفاطمية) في كتابه: سبحانك اللهم يا فاطر السماوات العلي وفالق الحب والنوي، انت الذي فطرت اسما من اسمك واشتقته من

نورك، فوهبت اسمك بنورك حتي يكون هو المظهر لظهورك، فجعلت ذلك الاسم اصل لجملة اسمائك وذلك النور ارومة لسيدة امائك، وناديت بالملا الاعلي: أنا الفاظر وهي فاطمة، وبنورها ظهرت الاشياء من الفاتحة إلي الخاتمة، فاسمها اسمك ونورها نورك وظهورك ظهورها، ولا اله غيرك، وكل كمالٍ ظلك وكل وجود ظل وجودك، فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية واختصصتها بالخصائص الفاطمية، مفطومة عن الرعونات العنصرية، ونزهتها عن جميع النقائص مجموعة من الخصائص الفاطمية، مفطومة عن الرعونات العنصرية، ونزهتها عن جميع النقائص مجموعة من الخصائل المرضية بحيث عجزت العقول عن ادراكها، والناس فطموا عن كنه معرفتها، فدعا الاملاك في الافلاك بالنورية السماوية وبفاطمة المنصورة... ام السبطين واكبر حجج الله علي الخافقين، ريحانة سدرة المنتهي وكلمة التقوي والعروة الوثقي وستر الله المرخي والسعيدة العظمي والمريم الكبري والصلاة الوسطي والانسية الحوراء التي بمعرفتها دارت القرون الاولي. وكيف احصي ثناها وان فضائلها لا تحصي وفواضلها لا تقضي، البتول العذراء الحرة البيضاء ام ابيها وسيدة شيعتها وبنيها، ملكة الأنبياء الصديقة فاطمة الزهراء عليها سلام الله [532] .

- وكثير من الناس ادركتهم السعادة في ليلة القدر، فهي ليلة السعادة، وكذلك السيدة فاطمة الزهراء فهي سر السعادة، ومحبتها ومعرفتها والاقتداء بها واطاعتها ونصرتها يوجب السعادة الابدية، ويحلق الإنسان في آفاق الكمال ويسبح في يم الجلال. وكم من شاهد وقصة تدل علي ان هناك من ادركتهم السعادة ببركة فاطمة الزهراء عليها السلام، كما الله هدي ذلك المجوسي وأهل بيته إلي الاسلام فاسلموا جميعا لما

[ صفحه 374]

اكرم العلوية التي جاءت إليه تشكو حالها، كما يحدثنا بذلك العلامة المجلسي قدس سره في كتابه القيم (بحار الانوار 93: 225 _ 236)، فراجع.

ان الله سبحانه جعل حريماً لكل امر مقدس ومعظم، فانه لا صلاة إلاّ بطهور وتكبيرة الاحرام، وان الحجر الاسود ومكة المكرمة جعل لها حرما، فلا يدخلها إلاّ من كان محرما، وقد حرم علي نفسه الملاذ، كالنساء واستعمال الطيب ولبس المخيط وطلب الراحة كالاستظلال، فكان الحجر الاسود مواقعيت، وتقدست بقعة من الأرض لاجله، ولأنّ مكة المكرمة والكعبة المعظمة مهبط الوحي ونزول الرسالة المحمدية السمحاء المتمثلة بالقرآن الكريم، والكعبة المعظمة مهبط الوحي ونزول الرسالة المحمدية السمحاء المتمثلة بالقرآن الكريم، فمكة المكرمة مكان نزول القرآن وليلة القدر زمان نزوله، وصار للكعبة حرما اثر عظمة الوحي، وكذلك شهر رمضان، فانه نزل القرآن كله في ليلة قدره، ولكن سرت القداسة والتكريم والتعظيم إلي ان كل ايام وليالي الشهر، بل تشرف ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن فأقسم به الله في سورة العصر، كمما أقسم بالمكان الذي نزل فيه الوحي (لا اقسم بهذا البلد) فشعاع الوحي والقرآن الكريم قد نور ميدانا وسيعا في الزمان والمكان. فما تقدس عند ربك الاكرم الذي علم الإنسان مالم يعلم، فانه يكون له حريم مقدس وتوابع مقدسة، كليلة القدر بشرفها تشرفت ليالي شهر رمضان وايامه، وكذلك فاطمة الزهراء تقدست عند ربها، فوجب اجلالها واكرامها، بل وينبغي تعظيم ذريتها ومودتهم وتكريمهم، فانه الف عين لاجل عين تكرم، فوجب علي كل مسلم اكرام السادة والذرية الطيبة، من ولد فاطمة الزهراء وعلي المرتضي عليهما السلام، فالصالح منهم يكرم الله والطالح منهم لرسوله وعترته. ان الله سبحانه وتعالي قد دعا عباده لضيافتهم العامة في شهر رمضان المبارك، فالصائم وافد علي الله وضيفه ولكل ضيف قري، وقري الله الاعتاق من النار ودخول الجنة، وان الله ليغفر لعباده الصائمين ويعتق الرقاب من

جهنم في الشهر كله، فانها خير من الف شهر، كما جاء نص ذلك في الأخبار، وفاطمة الزهراء عليها السلام سميت فاطمة، لانها تفطم شيعتها من النار، وتعتق رقابهم وتدخلهم الجنة (ومن زحزح عن

[ صفحه 375]

النار، وادخل الجنة فقد فاز) [533] . عن الإمام الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: انما سميت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبيها عن النار [534] . قال النبي: انما سميت فاطمة ابنتي لأنّ الله فطمها ومحبيها عن النار [535] وانفردت ليلة القدر بعظمتها وشموخها من بين ليالي السنة، فليس لها مثيل ولا نظير، فهي سيدة الليالي والأيام. وفاطمة الزهراء عليها السلام لا مثيل لها بين النساء، فهي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين في الدنيا والاخرة، ولو لا امير المؤمنين علي المرتضي عليها السلام لما كان لها كفؤ من الرجال آدم ومن دونه، وهذا مانصت علهي الأخبار الشريفة عند الفريقين السنة والشعية، ذات الله سبحانه سر لا يعلمه إلاّ هو، وله في خلقه اسرار لا يعلمها إلاّ هو ورسوله والراسخون في العلم من عترة النبي الهادي المختار عليهم السلام.

وليلة اقدر سر من اسرار الله، وفاطمة الزهراء عليها السلام عصمة الله وسر من اسراره العظمي، لا يعرف حقيقتها ومقامها الرفيع وآياتها الباهرة إلاّ الله ورسوله وأهل بيته الاطهار عليهم السلام، فهي سر في وجودها وفي ولادتها وحياتها ورحلتها إلي جوار ربها.

وليلة القدر قد جهلها الناس من حيث الليالي ومن حيث القدر والمنزلة فقطعوا وفطموا عن معرفتها، كذلك البضعة الاحمدية والجزء المحمدي فهي مجهولة القدر (وانما سميت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها)، كما

جهل قدرها اولئك الكفرة احرقوا بابها وكسروا ضلعها واسقطوا جنينها وغصبوا فدكها وحقها، ولم ينصروها فخفي علي الناس مقامها وقدرها حتي قبرها الشريف وتأريخ وفاتها، ليكون شاهدا في التأريخ علي مظلوميتها وشهادتها ومظلومية بعلها (اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له علي ذلك).

عن مجاهد: خرج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بيد فاطمة فقال: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني وهي قلبي وهي روحي التي

[ صفحه 376]

بين جنبي من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله [536] ومن اذي الله لعنه الله ملأ السماوت والأرض [537] ومن طرق العامة، عن نصر بن مزاحم، عن زياد بن المنذر، عن زادان، عن سلمان، قال: قال النبي: يا سلمان، من احب فاطمة بنتي فهو في الجنة معي ومن ابغضها فهو في النار، يا سلمان، حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن، ايسر ذلك المواطن الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه، يال سلمان، ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها امير المؤمنين عليا وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها [538] .

وأخيراً نختم هذا الموضوع بحديث ورد في معرفة ليلة القدر وما الذي يفرق في هذه الليلة حيث جاء عن زرارة عن حمران قال: «سألت ابا عبدالله عما يفرق في ليلة القدر هل هو ما يقدر سبحانه وتعالي فيها؟ قال: لا توصف قدرة الله تعالي إلاّ أنه قال فيها يفرق كل امر حكيم فكيف يكون

حكيما إلاّ ما فرق ولا توصف قدرة الله سبحانه لانه يحدث ما يشاء واما قوله «خير من ألف شهر» يعني فاطمة في قوله تعالي «تنزل الملائكة والروح فيها» والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم والروح روح القدس وهي فاطمة عليها السلام «من كل امر سلام» يقول كل امر سلمه حتي يطلع الفجر يعني حتي يقوم القائم «عج» [539] .

[ صفحه 379]

فلسفة اسماء فاطمة الزهراء

اشاره

الشيخ صالح الكواز

ه__ل ب__عد م__وقفنا ع__لي ي__برين

أح__بي ب__طرفٍ ب__الدموع ض__نين

وإدٍ إذا ع___اينت ب_____ين ط__لوله

أج___ريت ع__يني لل__ظباء الع__ين

لم ت__خب ن__ار ق__طينةٍ ح__تي ذكت

ن___ار الف__راق ب__قلبي الم__حزون

واب___تاع ج__دّته الزم__ان ب__مخلق

ورم__ي ح__ماه ب__صفقةٍ الم__غبون

ق__ال الح_داة وق__د ح_بست م__طّيهم

م__ن ب__عدما أط_لقت م__اء شؤوني

م__اذا وق__وفك ف__ي م_لاعب خ_رّدٍ

ج___دّ الع__فاء ب__ربعها المسك__ون

وقفوا م_عي ح_تي إذا م_ا اس__تيأس__وا

خ__لصوا ن__جيبّاً ب__عدما ت__ركوني

فكأنّ ي__وسف ف__ي الدي__ار م__حكم

وكأن___ني ب__صواع__ه ات__هموني

وي__لاه م__ن ق__وم أس_اؤوا ص_حبتي

م__ن ب__عد إحس__اني لك__لّ ق_رين

قد كدت لولا الحلم م_ن ج_زعي لم____ا

ألق__اه أص__فق ب__الشمال وي__ميني

لك___نّما والده____ر ي__علم أن__ني

ألق___ي ح__وادث__ه ب_حلم رزي__ن

ق__لبي ي_قل م__ن اله_موم ج___بالها

وتس__يخ ع__ن ح_مل الرداء م__توني

وأن___ا الذي لا أج___زعن لرزي___ةٍ

لولا رزاي___اك___م ب__ني ي__اسين

ت__لك الرزاي__ا الب__اعثات لم__هجتي

م___اليس ي___بعثه لظ__ي س__جّين

ك__يف الع__زاء له__ا وك__لّ عش_يةٍ

دمك__م ب__حمرتها الس__ماء ت_رين_ي

والب__رق ي__ذكرني وم__يض ص_وارمٍ

أردتك___م ف__ي ك__فّ ك_لّ

لع__ين

والرع__د ي_عرب ع_ن ح_نين نس__ائكم

ف__ي ك__لّ لح__نٍ للش__جون م_بين

ي___ندبن ق__وماً م__أهتفن ب__ذكرهم

إلاّ ت___ضعضع ك___لّ ليث ع__رين

الس___البين الن___فس أول ض___ربةٍ

والم__بلسين الم__وت ك__لّ ط__عين

لا ع__يب ف__يهم غ_ير ق_بضهم اللّ_وا

عند اص_طكاك الس_مر ق_بض ض__نين

س__لكوا ب__حاراً م__ن دم__اء أم_يةٍ

ب___ظهور خ__يلٍ لا ب__طون س__فين

[ صفحه 380]

ما ساهموا ال_موت الزؤام ولا اش___تكوا

ن___صباً ب___يوم ب__الردي م_قرون

ح__تي إذا الت__قمتهم ح__وت الق__نا

وه__ي الأم__اني دون خ__ير أم__ين

ن__بذتهم اله__يجاء ف__وق ت__لاعها

ك___النون ي__نبذ ب__العرا ذا الن__ون

خ__ذ ف__ي ث_ناثهم الج_ميل م_قرضاً

ف__القوم ق__د ج__لّوا ع__ن التأب_ين

هم أف_ضل الش_هداء والق___تلي الأولي

م__دحوا ب_وحيٍ ف_ي الك_تاب م__بين

ليت الك__واكب والوص__ي زع__يمها

وق___فوا ك__موقفهم ع__لي ص__فين

بالطفّ ك_ي ي_روا الأولي ف__وق الق_نا

رف___عت م__صاحفها إت__قاء م_نون

ج__علت رؤوس ب_ني الن_بّي مك__انها

وش__فت ق__ديم لواع__جٍ وض__غون

الواث___بين لظ___لم آل م____حمدٍ

وم___حمد م____لقيً ب__لا تك__فين

والق____ائلين لف___اطم آذي____تنا

ف__ي ط__ول ن__وحٍ دائ__م وح__نين

والق___اطعين اراك__ة ك_ي لات__قيل

ب___ظلّ أوراقٍ له____ا وغ___صون

وم_جمعي ح_طبٍ ع_لي الب_يت ال_ذي

لم ي___جتمع لولا ش___مل الدي____ن

والداخ__لين ع__لي الب__تولة ب__يتها

والمس____قطين له__ا أع__زً ج__نين

والق____ائدين إم___امهم ب___نجاده

والط___هر ت__دعو خ__لفهم ب__رنين

خ_لوا اب_ن ع_مي أو لأكش_ف لل__دعا

رأش___ي وأشك__و للإله ش__جون__ي

م__ا ك__ان ن__اقة ص_الحٍ وف_صيلها

ب___الفضل ع___ند الله إلا دون____ي

ورنت الي الق__بر الش__ريف ب__مقلةٍ

ع__بي وق__لبٍ مك__مدٍ م____حزون

ن__ادت وأظ__فار الم_صاب ب__قلبها

أب__ناه ع__زّ ع__لي الع__داة م_عيني

أب___تاه ه__ذا الس__امريّ وع__جله

ت__بعا وم__ال الن__اس ع__ن ه_رون

أيّ الرزاي___ا أت___قي ب_____تجلدٍ

هو ف_ي الن_وائب م_ذ ح___ييت ق_ريني

ف__قدي أب__ي أم غ_صب ب_علي ح_قه

أم كس___ر ض_لعي أم س__قوط ج_نيني

أم أخ__ذهم إرث__ي وف_اضل ن__حلتي

أم ج__هلهم ح__قي وق___د ع__رفوني

ق__هروا ي__تميك الحس__ين وص_نوه

وسألت__هم ح__قي وق___د ن__هروني

[ صفحه 381]

فلسفة أسماء فاطمة الزهراء

عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّ وجل: فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء [540] .

من الأمور المهمة التي أخذت جانباً وحيزاً واضحاً في الشريعة الإسلامية وأكد عليها الرسول الاعظم محمد صلي الله عليه وآله وسلم والأئمة: من خلال أحاديثهم المباركة مسألة تسمية المولود بإسم مبارك يدل علي معني لائق وجميل وحسب ما ترتضيه النفس المؤمنة ويميل إليه الوجدان الانساني ذلك لأنّ الإسم الذي يمنحه الأب أو الأم للمولود يكون ذو أثر كبير ومهم في النفس الإنسانية حيث اثبتت البحوث العلمية المتأخرة التي قام بها علماء النفس والإجتماع أن للإسم أثراً بالغاً علي منشأ تصرفات وسلوك الأفراد الذين يحملون ذلك الإسم، وان كانت هذه المسألة تتفاوت في مدي تأثيرها علي السلوك الفردي للإنسان من فرد إلي آخر إلا أنه في النتيجة النهائية يترك بعض الآثار المعينة الواضحة البرهان لذلك المعني الذي يحمله الإسم، علي أن هذه الأمور الواضحة تدرك بأدني تأمل لدي الإنسان الواعي الفطن الذي يدرك الكثير من الحقائق المعنوية قبل أن تطرق ذهنه وسمعه.

وعلي هذا الأساس نجد

أن هناك تمايزاً واضحاً في الأسماء التي تطرح وتعطي لأي فرد، حيث نجد أن الكثير م الأسماء التي حملها بعض الأفراد وان كانت ذات مغزي

[ صفحه 382]

لطيف وأصيل وحسن إلا أنه المسمي بها غير منزه بل أنه مثلاً يدل علي خلاف اسمه، وهذا بخلاف ما نجده في بعض الأسماء التي تحمل معني قبيح وصاحبها ذو أصالة وأخلاق حسنة وأفعال جميلة.

وهكذا نجد من خلال استقراء سيرة التاريخ في هذا المجال أن هناك الكثير من الأسماء اللامعة والتي يشير اليها المسلمون بالبنان مثل عبد الملك وهارون الرشيد والمتوكل علي الله والواثق بالله أن بينهم وبين أسماءهم وألقابهم البون الشاسع، فأسمائهم تدل علي أنهم عاشوا في ملكوت التوكل والرشد والتقوي والوثوق بالله والإعتصام به بينما السيرة الذاتية لحياتهم وشخصياتهم تدل علي خلاف ذلك، فمثلاً لو طالعنا حياة هارون الرشيد ذلك الخليفة العباسي وكيف تصرف برعونة وحماقة مع الأحرار والسادة العلويين من ذرية رسول الله صليالله عليه وآله وسلم، وخصوصا [541] وخاصة اجرامه بحق الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام نجد ان هذا الأمر واضح وبصورة جلية، ولنعم ما قال الشاعر الكبير أبو فراس الحمداني في رائعته التي يقول فيها:

الدين مخترم والحق مهتضم

وفي آل رس_ول الله م_قتسم

إلي أن يقول...

ليس الرشيد كموسي ف___ي الق_ياس ولا

مأمونكم ك_الرضا ان أن_صف الح_ك_م

إذا ت___لوا أي__ة غ__ني خ__طيبكم

ق__ف ب_الديار الت_ي لم ي_عفها الق_دم

بينما إذا نظرنا إلي أهل بيت النبوة علهيم السلام نجد أن أسماءهم تدل علي المعاني العالية المنال وفي نفس الوقت نري أن السيرة الذاتية لحياتهم ومواقفهم وتصرفاتهم ذات دلالة واضحة علي

أسماءهم وألقابهم.

فحين نقرأ سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نجد كل ألقابه وكناه منطلقة من صفاته الأصيلة الثابتة في أعماقه وفي جذوره المشرقة المضيئة بنور الله تعالي فهو الإمام العابد الزاهد الصادق القائد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وهكذا في الحسن المجتبي والحسين الشهيد والساجد والباقر عليهم السلام أجمعين.

[ صفحه 383]

ومن هذا المنطلق نري أن الرسول وأهل بيته عليهم السلام قد أكدوا ومن خلال الكثير من الروايات علي ضرورة تسمية المولود بخير الاسماء وافضلها وذلك لما يتركه الاسم من البصمات الواضحة والاثار الجميلة علي طبيعة تصرف الفرد وعلي ضوء ذلك المعني الذي يحمله الإسم، ولذلك جاءت الأحاديث لتؤكد علي هذه المسألة وللفلسفة الرائعة لها، حيث ورد الإستحباب المؤكد علي ضرورة تسمية المولود بأحسن الأسماء حيث روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: «لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمد فإذا مضي لنا سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا» [542] .

وقد أكد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم علي هذه التسمية بقوله: «من ولد له أربعة أولاد ولم يسمّ أحدهم بإسمي فقد جفاني» [543] .

وكان الديدن العام لأئمة أهل البيت عليهم السلام علي هذا الأمر والاهتمام به كل الإهتمام فهم عليهم السلام كانوا يحثوا المسلمين علي تسمية أبناءهم وبناتهم بالأسماء التالية (عبد الرحمن _ وباقي أسماء العبودية _ محمد، أحمد، علي، حسن، حسين، جعفر، طالب، فاطمة) [544] .

وجاء التأكيد علي هذه الأسماء من خلال عدة روايات أثبتت هذه المسألة المهمة كل ذلك لأجل تحصين الطفل من السخرية والإستهزاء من قبل الآخرين في حالة تسميته بأسماء ورد فيها الكراهة

مثل الحكم، خالد، مالك، حارث، ولئلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة.

وبعد هذه المقدمة المهمة في مضمونها نصل إلي موضوع البحث الذي نريد الدخول فيه وهو أسماء فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وفلسفتها، فان أسمها بن الباري عز وجل وهو الواضع لهذه المعصومة الشهيدة اسمها وكما سيتبين من خلال البحث، وهنا في هذا في هذا المقام ينقدح لدينا عدة أسئلة مهمة مرتبطة بصميم بحث أسماءها ألا وهي:

1 _ لماذا الباري عز وجل وضع الأسماء لفاطمة الزهراء عليها السلام؟

2 _ وما فلسفة أسماءها؟

[ صفحه 384]

3 _ وماهية المعاني لها؟ ولم التأكيد من قبل الله تعالي علي أهمية أسماء الزهراء عليها السلام؟

كل هذه الأسئلة لابد لنا من التوقف عندما والإلمام بمعرفتها من خلال مراجعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام واستظهارها وكيفية بيان معاني أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام.

أما كون أسماءها من الله تعالي وهو الذي سماها بفاطمة فيوجد في هذا المضار أحاديث كثيرة تبين هذه المنقبة لفاطمة (سلام الله عليها)، فلقد ورد عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة عليها السلام: «شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه، فهو الفاطر وأنت فاطمة».

وجاء في حديث عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبدالله عليه السلام «لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدّثة والزهراء» [545] .

وفي حديث آخر قال أبو الحسن عليه السلام: «... فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالي فاطمة».

أقول: فيتبين من خلال هذه الأحاديث وأحاديث أخري أغفلنا من ذكرها لئلا يطول المقام بها إن

أكثر أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام هي من وضع الله تعالي وهو الذي سماها بهذه الأسماء المباركة، ففي رواية يثبت الإمام عليه السلام أن للزهراء عليها السلام اسم واحد سماها به الله تعالي وفي رواية أخري يثبت معصوم آخر أن للزهراء عليها السلام تسعة أسماء عند الله تبارك وتعالي، كل ذلك نتيجة المقام السامي لفاطمة الزهراء عند الله تعالي، وربما يوحي هذا الكلام أن هناك تعارض في عدد أسماء الزهراء عليها السلام ولكن بأدني تأمل للروايات يظهر لنا أن هذا ناشيء من طبيعة حال السائل، وعلي هذا الأساس انقدح في ذهننا الأسئلة المتقدمة الذكر وهو لماذا الباري عز وجل هو الذي سمي فاطمة بهذه الأسماء؟ وما هي فلسفتها؟ وما هي المناسبة بين ذات الزهراء وأسماءها التي أعطاها الله تبارك إياها؟ وعليه كل الأسئلة المتقدمة سوف نجيب عليها من خلال

[ صفحه 385]

هذا البحث بإجماله.

فنقول: إنما وضع الله أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام منه لتكون علامة لشيء ما، وهذا الشيء سوف يتضح لنا من خلال الأبحاث القادمة، وربما تسأل أيها القاريء العزيز كيف يكون الإسم علامة للمسمي والمفهوم من العلامة هو الوسم والذي يظهر هذا من خلال مراجعة أفراد اللغة العربية؟

والجواب علي ذلك: أن بين الأسماء والمعاني الموضوع لها مناسبة ذاتية، والواضع عندما يضع الإسم المعين للمسمي المعين يكون عالماً بالمناسبة وقادراً علهيا ولوجود الحكمة والإتقان في وضع الأسماء لتلك المعاني، ومن هنا كان الواضع لأسماء فاطمة الزهراء هو الله تعالي وذلك لوجود المناسبة والحكمة في ذات الزهراء عليها السلام، وكذلك اقتضت حكمة الباري عز وجل ان تكون العلامة فيها مناسبة لها وهي ذات الزهراء في مادتها وصورتها حيث كانت

دلالة فاطمة الزهراء ذاتية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع اسمها فكان التعبير من الله تعالي أدق في التعريف لذات الزهراء عليها السلام وأظهر في تميز ذاتها عن بقية الذوات.

فالله سبحانه وتعالي لم يهمل الحكمة ولم يظلمها ولم يضعها في غير ما جعلها مقتضية لها فمن شاء أن يطلعه علي علل الأشياء وأسبابها علمه ذلك بتفهيمه أو بوضع القرائن له والامارات علي ذلك وكما فعل ذلك مع أهل البيت عليهم السلام حيث هو الذي وضع أسماءهم وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي لأهل البيت عليهم السلام، فالله تبارك وتعالي يحب أن تكون أسماء أهل البيت عليها السلام منه تعالي وكما قال الله تعالي: (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون).

وأما إن قال شخص ما إن الواضع لأسماء فاطمة هو غير الله تعالي وبغض النظر عن الرواية الواردة في المقام والشواهد والقرائن الأخري؟

فالجواب عليه: أنه لو قلنا بأن الواضع غير الله تعالي لم يكن هناك محذور في أن الألفاظ بينها وبين المعاني مناسبة ذاتية لأن الوضع لا يمكن إلا ممّن له قوة المعرفة التي تنقص عن المعرفة بالمناسبة واعتبارها، ويدل علي هذا إنّا وجدنا في اللغة واشتقاق الألفاظ بعضها من بعض ونظمها علي ما يوافق الحكمة ما يبصر العقول مع ما عرفنا

[ صفحه 386]

من قصورنا عن أكثر أسرارها ولا يكون ذلك إلا ممن يقدر علي المناسبة ويعرف كمال حسنها وشرفها علي عدمها وإذا كان قادراً علي العلم بها وعلي معرفتها بأنّها أكمل وأدلّ علي المطلوب وأوفق بالحكمة كان العدول عن ذلك نقصاً في الكمال وعدولاً إلي الإهمال عن الحكمة لأن الأسماء في الحقيقة صفات المسمّيات فلو لم يكن بين الصفة

وموصوفها مناسبة ذاتية ومطابقة حقيقة لكانت صفة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) التي تطلب بها تمييزها تصلح أن تكون لغيرها وإذا صلحت لغيرها كان تميزها بها ممايز في الإلتباس وعدم المعرفة.

وعلي كل حالٍ فإن البحث في هذا المقام لطويل وشائك فالذي نريد القول به والنتيجة التي نريد استعراضها وإظهارها هو أن الواضع هو الله تبارك وتعالي لأسماء فاطمة الزهراء عليها السلام، وانما وضعها لتكون العلامات المميزات والصفات المعينات لفاطمة الزهراء عليها السلام، ولكي يتبين معرفة الحال في المقام أكثر نقول: ان المراد من هذه الأسماء الأعم من اللفظية والمعنوية لأن العلامة والتمييز يحصل بكل منهما، والحاصل أن أسماءها (سلام الله عليها) التي اشير اليها في الرواية المتقدمة الذكر سواءً كانت من الاسماء الصفاتية او الفظية فإنها مشتقة م أسمائه تعالي يعني اشتقها سبحانه وتعالي م أسمائه وهذا معني ما روي عن علي بن الحسين عليه السلام حيث قال: حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي أن قال: «قال الله يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت له اسماً من اسمي وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسماً من اسمي وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عمّا يعّرهم ويشينهم شققت لها اسماً من اسمي...».

وهذا يعني أنها فيض وجودها ونورها من فيض نور الله تبارك وتعالي ونسبتها إلي الله تعالي من حيث وجودها ومبدأ نورها وصفاتها (سلام الله عليها) وبأبسط تأمل لهذا الحديث يظهر أنه سبحانه وتعالي يريد بالإسم ما هو أعم من اللفظ ولو أراد خصوص اللفظ فقط يعني اسم

فاطمة لما قال تعالي وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض ولو أراد خصوص المعني لما علقه بالألفاظ ولكنه تعالي يريد الأسماء

[ صفحه 387]

المعنوية والأسماء اللفظية وهو المفهوم من أحاديثهم الكثيرة وكما سيتبين لنا من خلال اظهار معاني أسماء فاطمة (سلام الله عليها) فافهم تغنم [546] .

معاني اسماء فاطمة الزهراء

اشاره

عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبدالله عليها السلام لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّ وجل: فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء [547] .

علي ضوء هذا الحديث سوف يكون كلامنا حول أسماء فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حيث نأخذ كل اسم من اسماءها وحسب تسلسله ووروده في الحديث المبارك ومن خلال ذلك نقف مع أقوال أهل البيت عليهم السلام في ذلك وبيان أقوال العلماء في هذه الأسماء المباركة.

فاطمة

إن الظاهر من خلال استقراء أحاديث أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم) أن أول اسم سميت به بضعة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم هو فاطمة، وهذا علي القطع اليقيني ثابت ولا يعتريه الشك ولا الشبهة ولذا ورد في كثير من أحاديث أهل البيت التأكيد علي هذا الإسم وإكرامه وإطائه الهيبة اللائق به حيث كان لاسم فاطمة (سلام الله عليها) وقع كبير في نفوس ومحبي أهل البيت وخصوصا في نفوس أهل البيت عليهم السلام وكان له المنزلة العظمي كما يظهر من الروايات والأخبار الصحيحة المسندة.

[ صفحه 388]

فلقد روي عن فضالة بن أيوب، عن السكوني قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: يا سكوني ما عمّ ك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكوني علي الأرض ثقلها، وعلي الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك، فسري والله عني، فقال: ما سميتها؟ قلت: فاطمة. قال: آه آه ثمّ وضع يده علي جبهته _ إلي أن قال _ ثم قال: أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها [548] .

وعن بشار المكاري قال: دخلت علي أبي عبدالله

عليه السلام بالكوفة وقد قدم له طبق طبرزد [549] وهو يأكل، فقال: يا بشار أدن فكل. فقلت: هنّاك الله وجعلني فداك، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريق! أوجع قلبي وبلغ منّي، فقال لي: بحقي لما دنوت فأكلت.

قال: فدنوت فأكلت، فقال لي: حديثك، قلت: رأيت جلوازاً [550] يضرب رأس إمرأة ويسوقها إلي الحبس وهي تنادي بأعلي صوتها: «المستغاث بالله ورسوله» ولا يغيثها أحد. قال: ولم فعل بها ذلك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت: «لعن الله ظالميك يا فاطمة» فارتكب منها ما ارتكب.

قال: فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتي ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع. ثم قال: يا بشار، قم بنا إلي مسجد السهلة فندعوا الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة. قال: ووجّه بعض الشيعة إلي باب السلطان وتقدم إليه بأن لا يبرح إلي ان يأتيه رسوله، فان حديث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا. قال: فصرنا إلي مسجد السهلة، وصلي كل واحد منّا ركعتين، ثم رفع الصادق عليه السلام يده إلي السماء وقال: أنت الله _ إلي آخر الدعاء _ قال: فخر ساجداً لا أسمع منه إلا النفس ثم رفع رأسه فقال: قم فقد أطلقت المرأة.

قال: فخرجنا جميعاً، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه إلي باب السلطان، فقال له عليه السلام: ما الخبر؟ قال: قد اطلق عنها، قال: كيف كان أخراجها؟ قال: لا أدري ولكنني كنت واقعاً علي باب السلطان، إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلمت؟ قالت: عثرت فقلت «لعن الله ظالميك يا فاطمة» ففعل بي ما فعل. قال: فأخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه واجعلي الأمير في حل: فأبت أن

تأخذها، فلما رأي ذل منها دخل وأعلم صاحبه بذلك ثم خرج فقال: انصرفي إلي بيتك فذهبت إلي منزلها.

فقال أبو عبدالله عليه السلام: أبت أن تأخذ المائتي درهم؟ قال: نعم، وهي والله محتاجة اليها، قال: فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال: اذهب أنت بهذه إلي منزلها فأقرئها مني السلام، وادفع إليها هذه الدنانير، قال: فذهبنا جميعاً، فأقرأناها منه السلام، فقالت: بالله أقرأني جعفر بن محمد السلام، فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها قال: فصبرنا حتي أفاقت، وقال: أعدها عليّ، فأعدناها عليها حتي فعلت ذلك ثلاثاً، ثم قلنا لها: خذي، هذا ما أرسل به إليك، وأبشري بذلك، فأخذته منا وقالت: سلوه أن يستوهب أمته من الله، فما أعرف أحداً توسّل به إلي الله أكثر منه ومن آبائه وأجداده عليهم السلام [551] .

أقول: الذي يظهر من خلال التأمل في هذه الرواية أن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يتأثرون أشد التأثر عندما يسمعون اسم فاطمة وخصوصا ما جري عليها من الظلم والعدوان بعد وفاة أبيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكذلك نري كيف أن الإمام ألقي اهتمامه البالغ بهذه المرأة التي لعنت ظالمي فاطمة الزهراء وعدي له الدعاء الذي علي أثره أطلق الله سراحها، وكذلك كيف أكرمها بالسبعة دنانير لأنها موالية ومؤمنة بالتولي لأهل البيت والتبري من أعدائهم.

وورد عن سليمان الجعفري أنه قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن والحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء [552] .

[ صفحه 390]

وأيضاً عن الإمام موسي بن جعفر عن أبيه عليه السلام

في حديث طويل عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عند قرب وفاته: «ألا ان فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله» قال عيسي (الراوي للحديث): فبكي أبو الحسن عليه السلام طويلاً وقطع بقية كلامه وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمّه _ صلوات الله عليها [553] .

هذه هي بعض الأحاديث التي بينت كرامة اسم فاطمة عند الأئمة: أما معني فاطمة وتسميتها بهذا الإسم المبارك فلا يخلو من أسباب ومناسبات فهلم معي إلي طائفة كبيرة من الأحاديث التي تذكر اسم سيدتنا فاطمة الزهراء ووجه التسمية وبيان معاني اسمها المبارك وأقوال العلماء فيه.

وعن يونس بن ظبيان انه قال له الإمام أبو عبدالله عليه السلام: أتدري أيّ شيء تفسير فاطمة؟ قلت: أخبرني يا سيدي، قال: فطمت من الشرّ.قال: ثم قال: لولا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام تزوّجها لما كان لها كفو إلي يوم القيامة علي وجه الأرض آدم فمن دونه [554] .

وعن علي بن إبراهيم، عن اليقطيني، عن محمد بن زياد مولي بني هاشم قال: حدّثنا شيخ لنا ثقة يقال له نجيّة بن إسحاق الفزاريّ قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن بن حسن قال: قال أبو الحسن عليه السلام: لم سميّت فاطمة فاطمة؟ قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء. قال: إنّ ذلك لمن الأسماء، ولكنّ الاسم الذي سميّت به، أنّ الله تبارك وتعالي علم ما كان قبل كونه، فعلم من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يتزوّج في الأحياء وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله، فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالي «فاطمة» لما أخرج منها وجعل في ولدها، ففطمهم

عمّا طمعوا؛ فبهذا سمّيت فاطمة «فاطمة» لأنّها فطمت طمعهم. ومعني فطمت: قطعت [555] .

وعن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال: «إنّا أنزلناه في ليلة القدر»الليلة: فاطمة، والقدر:

[ صفحه 391]

الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر. وإنّما سمّيت «فاطمة» لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها [556] .

وقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم لفاطمة: شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه، فهو الفاطر وأن فاطمة [557] .

وقال عليّ عليه السلام: إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الله فطم من أحبّها عن النار [558] .

وقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: إنّما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبّيها عن النار.

وقال الصادق عليه السلام: تدري أيّ شيء تفسير فاطمة؟ قال: فطمت من الشرّ. ويقال: إنّما سمّيت فاطمة لأنّها فطمت عن الطمث [559] .

وعن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لفاطمة عليها السلام وقفة علي باب جهنّم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلي النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محبّاً فتقول: إلهي وسيّدي سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولّي ذرّيتي من النار، ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عزّ وجلّ: صدقت يا فاطمة، إنيّ سمّيتك فاطمة، وفطمت بك من أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيتك وتولاّهم من النار، ووعدي الحقّ وأنا لا أخلف الميعاد _ الحديث [560] .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: لمّا ولدت فاطمة عليها السلام أوحي الله عزّ وجل إلي ملك فانطلق به لسان محمّد صلي الله عليه وآله وسلم فسمّاها فاطمة، ثم قال:

إنّي فطمتك بالعلم، وفطمتك عن الطمث. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله تبارك وتعالي بالعلم وعن الطمث بالميثاق [561] .

إأقول: أما معني قوله «فطمتك بالعلم» يعني أرضعتك بالعلم أو قطعتك عن الجهل

[ صفحه 392]

بسبب العلم، وهذا كناية عن كونها في بدو فطرتها عالماً بالعلوم الرانية.

وقال المولي محمد عليّ الأنصاري رحمه الله: وقد تلخّص منها (أي الأخبار) وجوه متعدّدة لتسميتها عليها السلام بتلك التسمية: مثل فطم نفسها بالعلم، وفطمهاعن الشرّ، وفطمها عن الطمث، وفطم ذرّيّتها وشيعتها من النار، وكذلك فطم من تولاّها وأحبّها منها، وفطم الأعداء عن طمع الوارثة في الملك، وعن حبّها، ونحو ذلك. ولا مناقاة بين الأخبار، لأنّ الفطم معني يصدق مع كلّ من الوجوه المذكورة؛ واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضّار من حيث الاستعداد الذاتيّة، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة؛ وكلّ هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معني واحد، الذي هو مخالف للقواعد الظاهريّة اللفظيّة، لأنّ فاطمة مشتقّ من الفطم بمعني الفصل، ومنه الفطام في الطفل بمعني فصله عن اللبن والارتضاع، يقال: فطمت المرضع الرضيع فطماً، من باب ضرب، فصلته عن الرضاع، فهي فاطمة، والصغير فطم بمعني المفطوم. وأفطم الرجل: دخل في وقت الفطام، مثل أحصد الزرع، إذا حان حصاده. وفطمت الحبل: قطعته. وفطمت الرجل عن عادته: إذا منعته عنها. وليس الفطم مخصوصاً بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه، بل هو مطلق الفصل عن الشيء، ومعني القطع والمنع راجع إليه أو متفرّغ منه، فيكون معني «فاطمة» فاصلة أو قاطعة أو مانعة، وكلّ منها معني كلّيّ وماهيّة مطلقة يصدق مع

القيود الكثيرة، فسمّيت من عندالله بها.

ويلزم في تحقّق معني الفصل أن يكون هناك فاصل ومفصول له، مثلاً إذا كانت الامّ فاطمة لطفلها، فهي فاصلة، والطفل مفصول، واللبن مفصول عنه، والغذاء مفصول به. فيكون معني فاطمة أنّها تفطم نفسها ولو بسبب قابليّتها الذاتيّة عن الجهل بالعلم، وعن الشرّ بالخير، وعن الطمث بالطهارة عن الحمرة، وتفطم ذرّيّتها وشيعتها ومن تولّيها وأحبّها من النار بالجنّة، وتفطم أعداءها عن طمع الوراثة باليأس عنها، وعن حبّها ببغضها. فلوحظ في وجه تسميتها بهذا الاسم وجوه متعدّدة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتّي توجب تعدّد معاني اللفظ. بل هي لحاظات خارجيّة باعتبارها وقعت التسمية.

[ صفحه 393]

مثلاً لو كان مجيء زيد من جهة أغراض مخلتفة وأسباب متعدّدة، فقيل: «جاء زيد»، لم يوجب ذلك كون المجيء مستعملا في المعاني التعدّدة. نعم لو جعل فاطمة بالنسبة إلي فطم الأعداء أو الأحبّاء بمعني كونها ذات فطم من المبنيّ للفاعل _ كما هو كذلك _ أي ذات فاطميّة، وفي فطمها عن الشرّ بمعني ذات فطم من المبنيّ للمفعول أي ذات مفطومية لزم المحذور المذكور،، ولكن علي التقرير المسطور لا يلزم ذلك المحذور. ويمكن جعلها بمعني ذات الفطم مطلقاً من باب النسبة فيكون جامداً يستوي فيه المذكّر والمؤنثّ... نعم، يمكن جعل فاطمة في جميع الوجوه بمعني المفعول، أي المفطومة، من باب الصفة بحال المتعلّق بلحاظ المآل والحقيقة؛ أو جعله بمعني ذات الفطم، من المصدرالمبنيّ للفاعل أو المفعول لكن علي سبيل القضيّة الكلّيّة لا الجزئيّة، كما لا يخفي.

وبالجملة فاختلاف الأخبار في بيان وجه التسمية إشارة إلي عدم انحصاره في شيء؛ أو كون معناها معني كلّيّا يشمل علي وجوه كثيرة، فيحتمل احتمالاً

ظاهراً أن يكون ملحوظاً في وجه التسمية امور علي حدة أيضاً كفطمها علي الإخلاق الرذيلة بالأخلاق الفاضلة، وعن الأحوال الخبيثة بالأحوال الطيّبة الزكيّة، وعن الأفعال القبيحة بالأفعال الحسنة، وعن الظلمانيّة بالنورانيّة، وعن السهو والغفلة بالذكر والمعرفة، وعن عدم العصمة بالمعصوميّة، وبالجملة عن جميع جهات النقيصة بالكمالات العقلانيّة والورحانيّة والنفسانيّة ولوازمها الظاهرّية والباطنيّة، فيلزم حينئذٍ أن تكون لها العصمة الكبري في الدنيا والآخرة والاولي. فتكون حينئذ معصومة تقيّة نقيّة وليّة صدّيقة مباركة طاهرة إلي آخر الأسماء المذكورة في الرواية وغير الرواية. وتخصيص أسمائها بالتسعة في الخبر الصادقيّ عليه السلام إمّا من جهة اشتمالها من حيث المعني علي سائر الأسماء أيضاً؛ أو من جهة صدور التسمية بها من جانب الله سبحانه بلا واسطةٍ كما يشعر به قوله عليه السلام: لفاطمة تسعة أسماء عند الله [562] ...

وقال العلامة الهمداني [563] في بيان اسم فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) ما نصة: هذا الإسم سواء كان من عند الله عزّ وجل أو بإلهام من الله تعالي كما لا حظت في

[ صفحه 394]

الأخبار الماضية، لم يكن للعلامة تمييز المسماّة به عن غيرها فحسب، كما في أسامي سائر الناس التي لم تراع المناسبة غالباً بينها وبين الأعيان والذوات، بل في هذا الجعل وهذه التسمية الإلهيّة حكمة وسرّ وتناسب عميق بين الإسم والمسماة به. وإن مادّة «فطم» علي أيّ وجه فرضت فيها فاعلاً أو مفعولاً، كانت يمعني القطع والفصل علي نحو الإطلاق، ولا يختصّ بأحد الوجوه السابقة من الشرّ والطمث والجهل والخطأ وسوء الخلق والحمرة والحيض وما أشبه ذلك، لأنّها (سلام الله عليها) متّصفة بجميع المكارم، منفطمة عن جميع العيوب والنقائص، فتناسب الاسم لها _ فاعلاً _

لكونها (سلام الله عليها) فطمت نفسها وذرّيّتها وشيعتها من النار وما يوجب الشنار والعار، وتناسبه لها _ مفعولا _ لأنّها (سلام الله عليها) مفطومة عن معرفتها الناس فهو وصف المتعلّق.

فمن الذي يبلغ معرفتها؟! هيهات! ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخشئت العيون، وتصاغرت العلماء، وحصرت الخطباء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وجهلت الألبّاء، وكلّت الشعراء، وعجزت الادباء، وعييت البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنها، ودرك درجة من سموّ رفعتها.

هي قطب دائرة الوج_ود ون_قطة

لمّ__ا ت_نزّلت اك_ثرت ك_ثرات_ها

هي أحمد الثاني وأحمد ع_صرها

هي عنصر التوحيد في عرص__اتها

ومن عرف فاطمة عليها السلام حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر [564] والتشابه من وجوه:

الأول: إنّ ليلة القدر مجهولة للناس من حيث القدر والمنزلة والعظمة، والناس فطموا وقطعوا عن معرفتها، وكذلك البضعة الأحمديّة والجزء المحمّديّة عليها السلام مجهولة قدرها، محفيّة قبرها.

والثاني: كما أنّ ليلة القدر يفرق فيها كلّ أمر حكيم، كذلك بفاطمة يفرق بين الحقّ والباطل، والمؤمن والكفار.

والثالث: كما صارت ليلة القدر ظرفاً لنزول الآيات والسور، فهي (سلام الله عليها)

[ صفحه 395]

صارت وعاءً للإمامة والمصحف.

الرابع: إنّ ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء، وكذلك ولايتها مرقاة لوصولهم إلي النبوّة الرسالة والعظمة [565] .

والخامس: إنّ ليلة القدر منشأ للفيوضات والكمالات، وكذلك التوسّل بها وسيلة للخيرات والبركات ودفع البليّات [566] .

والسادس: إنّ ليلة القدر خير من ألف شهر، وكذلك هي (سلام الله عليا) خير نساء الأولين والآخرين، بل إنّ فاطمة خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.

هي مشكاة نور الله جلّ جلاله

زي_تونة ع_مّ الوري ب_ركاتها

وهي (سلام الله عليها) كما قال

الباقر عليه السلام عنصر الشجرة الطيّبة التي هي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اصلها وفرعها عليّ عليه السلام.

فلاحظ هذا الحديث وتدبّر فيها، ثم ارجع البصر كرّتين حتي يظهر لك المعارف والحكم وسرّ «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما» وسرّ قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «يا عليّ، أنفذ ما أمرتك به الزهراء عليها السلام» وسرّ قول عليّ عليه السلام: «يا بقيّة النبوّة»، فوالله لولا فاطمة ما قام بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم عمود، ولا اخضرّ له عود. ولنعم ما قال الازريً رحمه الله:

نحن م_ن ب_اري الس_ماوات س___رّ

لو ك__رهنا وج__ودها م_ا ب_راها

ب__ل بآث__ارنا ولط__ف رض__انا

س__طح الأرض والس___ماء ب_ناها

وبأض__وائ__نا الت_ي ل__يس ت_خبو

حوت الشمس ما ح___وت من سناها

وممّا ينبغي لفت النظر إليه هو أنّ المعصومين ينتمّون بهذا الإسم الشريف اهتماماً شديداً، ويكرمونه إكراماً عظيماً، وإذا سمعوا به يبكون ويتأسّفون، ويحبّون التي سمّيت به، ويحبّون بيتاً كان فيه اسم فاطمة، وهم يتوسّلون به. فلاحظ الحديث الذي نقلناه عن أبي جعفر عليه السلام فإنّه ذيّله بالقسم والتأكيد بقوله: والله فطمها الله تبارك وتعالي بالعلم وعن الطمث بالميثاق.

[ صفحه 396]

وأيضاً إنّه عليه السلام _ إذا وعكه الحمّي (وقبل وجعها آلمها) استعان بالماء البارد، ثم ينادي حتي يسمع صوته علي باب الدار: فاطمة بنت محمد صلي الله عليه وآله وسلم.

قال العلاّمة المجلسي رحمه الله: لعلّ النداء كان استشفاعاً بها صلوات الله عليها للشفاء. قال المحدّث القمّي: إنّي أحتمل قوّياً كما أنّه أثّر الحمّي في جسده اللطيف كذلك أثّر كتمان

حزنه علي أمذه المظلومة في قلبه الشريف، فكما أنّه يطفي حرارة جسده بالماء، يطفي لوعة وجده بذكر اسم فاطمة سيّدة النساء، وذلك مثل ما يظهر من الحزين المهموم من تنفّس الصعداء، فإنّ تأثير مصيبتها صلوات الله عليها علي قلوب أولادها الأئمة الأطهار آلم من حزّ الشفار، وأحرّ من جمرة النار [567] .

الصديقة

وهو ثاني الأسماء المباركة لفاطمة الزهراء الذي هو معروف علي لسان أهل البيت:، وقد سماها به الله تبارك وتعالي أجلالاً وإكراماً لمقامها السامي ولما وصلت إليه من التصديق بكل ما اتاه الله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم، والصديقة صيغة مبالغة في الصدق والتصديق أي انها سلام الله عليها كثيرة الصدق، ولقد ورد في كتاب تاج العروس معني التصديق والصدق حيث قيل ان الصدّيق أبلغ من الصدوق، وقيل: انه الكامل في الصدق الذي يصدق قوله بالعمل، البار، الدائم التصديق، وقيل: انه من لم يكذب قط، وقيل: من صدق بقوله واعتقاده، وحقق صدقه بفعله، وأياً كان منها معني الصديق فان فاطمة الزهراء سلام الله عليها تنطبق عليها جميع الأقوال فهي سلام الله عليها كانت المداومة علي التصديق بما يوجبه الحق جلّ وعلا حيث كانت المصدقة بكل ما أمر الله به وبأنبيائه ولا يدخلها في أي شيء من ذلك أي شك كان وكانت المصداق الأفضل _ مع أوليائه المعصومين _ لقوله تعالي: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصّدّيقون) [568] وقوله تعالي: (وما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله

[ صفحه 397]

الرسل وأمه صدّيقة) [569] ، حيث فسرت كلمة صديقة في هذا الآية المباركة بأنها تصدق بآيات ربها، ومنزلة ولدها وتصدقه فيها أخبرها به، بدلالة قوله تعالي: (وصدقت

بكلمات ربها)، وقيل: لكثيرة صدقها وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها.

وعلي كل حال فإن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت الصديقة الطيبة التي صدّقت بالله ورسوله وبما جاء به من عند الله تعالي وكانت المؤمنة بكل عقائدها الربانية والتي كانت تعمل علي ضوء تلك العقائد والمعتقدات ولقد جاءت الروايات الكثيرة لكي تؤكد علي هذه الحقيقة الواضحة للزهراء عليها السلام فلقد ورد عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حديث طويل: يا عليّ، إنّي قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثم ضمّها إليه وقبّل رأسها، وقال: فداك أبوك يا فاطمة [570] .

وعن مفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: من غسل فاطمة عليها السلام؟ قال: ذاك أميرالمؤمنين عليه السلام،فكأنّما استضقت (استفظعت) ذلك من قوله، فقال لي: كأنّك ضقت ممّا أخبرتك به، فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك، فقال: لا يضيقنّ فإنّها صدّيقة لم يكن يغسّلها إلا صدّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إليعيسي؟ [571] _ الحديث.

وكذلك قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إنّه قال لعليّ عليه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يؤتيهنّ أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي ولم اوت أنا مثلي، واوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم اوت مثلها زوجة، واوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم اوت من صلبي مثلهما، ولكنّكم منّي وأنا منكم [572] .

وجاء عن علي بن جعفر، عن أخيه، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إنّ فطمة عليها السلام صدّيقة شهيدة». والصدّيقة فعّيلة للمبالغة في الصدق والتصديق، أي كانت كثيرة التصديق لما

[ صفحه 398]

جاء به أبوها صلي الله عليه وآله

وسلم، وكانت صادقةً في جميع أقوالها، مصدّقةً أقوالها بأفعالها، وهي معني العصمة، ولا ريب في عصمتها صلوات الله عليها لدخولها في الذين نزلت فيهم آية التطهير بإجماع الخاصّة والعامّة، والروايات المتواترة من الجانبين [573] .

وقال الصادق عليه السلام: وهي الصدّيقة الكبري، وعلي معرفتها دارت القرون الاولي [574] .

المباركة

وهو ثالث الأسماء التي وردت عن لسان المعصوم عليه السلام لفاطمة الزهراء سلام الله عليها عند الباري عز وجلّ: والظاهر من خلال سيرتها عليها سلام وما تركت من ذرية طيبة من بعدها أن مسألة البركة واضحة البرهان في حياته الواقعية، حيث نجد أن ذرية كل رسول من ولده وخصوصاً الذكور إلا نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم حيث كانت ذريته من ابنته المباركة فاطمة سلام الله عليها، وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي في حياة الرسول وأهل بيته عليهم السلام.

وقبل الدخول في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ومدي دلالات هذه الأحاديث علي هذا الإسم لفاطمة سلام الله عليها نراجع كتب اللغة لنري مدي انطباق معني المباركة أو البركة علي حياتها الشخصية وما تركته في هذه الدنيا.

فلقد ورد في معني كلمة البركة هي النماء والزيادة، وعن الزجاج المبارك ما يأتي من قبله الخير الكثير [575] .

وقيل: ان البركة: هي النماء والسعادة والزيادة [576] .

وقال الراغب: ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحبس، وعلي وجه لا يحصي ولا يحصر قيل _ لكل ما يشاهد منه زيادة محسوسة هو مبارك فيه وفيه بركة.

[ صفحه 399]

ولا شك ولا ريب ومن خلال استقراء حياة فاطمة عليها السلام قبل وبعد وفاتها هي الخير الكثير الذي ورد فيه قوله تعالي:

(إنا اعطيناك الكوثر)، ولقد انطبقت عليها هذه المعاني لكثرة بركتها علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعلي أهل بيته وعلي شيعة أمير المؤمنين، فأي بركة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مثل فاطمة والتي علي معرفتها دارت القرون الاولي، وأي بركة أكبر وأفضل من بركة فاطمة سلام الله عليها علي الشيعة وخاصة في هذه الحياة الدنيا حيث كانت الوعاء الأكبر للإمامة التي مثلت أفضل مصاديق الولاية الكبري وأي بركة أفضل منها عندما تأتي يوم القيامة وتخلص شيعتها ومحبيها من عذاب النار.

ولقد طفحت كتب السيرة والتاريخ دلالة علي كثرة بركة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وكذلك الكتب الروائية والكلامية والتفسيرية حيث أظهرت من خلال طيات صفحاتها هذه الصفة الواردة فيها، فاقرأ معي ما كتب حول بركة الزهراء سلام الله عليها فيما ورد عن عبدالله بن سليمان قائلاً... (قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلي الله عليه وآله وسلم: نكّاح النساء ذو النسل القليل، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صغب فيه ولا نصب، يكفلها في آخر زمان كما كفل زكريا أمك، لها فرخان مستشهدان) [577] .

ولقد ورد في تفسير سورة الكوثر (إنا أعطيناك الكوثر) أ، الكوثر هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، والكوثر معناه الخير الكثير.

ويعني ذلك أن لكثرة ذرية رسول الله من جهة إبنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها خاطب القرآن الرسول الأكرم محمد صلي الله عليه وآله وسلم بأنه له الكوثر كرامة من الله تعالي له.

قال العلامة الطباطبائي رحمة الله: إنّ كثرة ذرّيّته هي المراده وحدها بالكوثر الذي اعطيه النبّي صلي الله عليه و آله وسلم أو المرادبها الخير الكثير، وكثرة الذرّيّة مرادة

في ضمن الخير الكثير، ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله: (إنّ شانئك هو الأبتر) خالياً عن الفائدة.

وقد استفاضت الروايات أنّ السورة إنّما نزلت فيمن عابه صلي الله عليه وآله وسلم بالأبتر بعد ما مات ابنه القاسم وعبدالله، وبذلك يندفع ما قيل: إنّ مراد الشانيء بقوله (أبتر) المنقطع عن

[ صفحه 400]

قومه أو المنقطع عن الخير، فردّ الله عليه بأنّه هو المنقطع من كلّ خير. ولما فيه قوله (إنّا أعطيناك) م الامتنان عليه صلي الله عليه وآله وسلم جيء بلفظ المتكلّم مع الغير الدالّ علي العظمة، ولما فيه من تطبيب نفسه الشريفة أكدّت الجملة بإنّ، وعبّر بلفظ الإعطاء الظاهر في التمليك.

وبالجملة لا تخلو من دلالة علي أنّ ولد فاطمة عليها السلام ذرّيّته صلي الله عليه وآله وسلم، وهذا في نفسه من ملامح القرآن الكريم، فقد كثّر الله تعالي نسله بعد كثرة لا يعادلهم فيها أيّ نسل آخر، مع ما نزل عليهم من النوائب، وأفني جموعهم من المقاتل الذريعة [578] .

وقال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالي: (إنّا أعطيناك الكوثر)، والقول الثالث: الكوثر أولاده. قالوا: لأنّ هذه السورة إنما نزلت ردّاً علي من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعني أنّه يعطيه يبقون علي مرّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت، ثم العالم ممتليّ منهم ولم يبق من بني _ اميّة في الدنيا أحد يعبأ به! ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام والنفس الزكيّة وأمثالهم [579] .

وقال أيضاً: إنّا إذا حملنا الكوثر علي كثرة الأتباع أو علي كثرة الأولاد وعدم انقطاع النسل كال هذا إخباراً عن الغيب، وقد وقع مطابقاً

له، فكان معجز [580] .

وقال الآلوسي في تفسير: (إنّ شانئك هو الأبتر)، الأبتر: الذي لا عقب له حيث لا يبقي منه نسل ولا حسن ذكر، وأمّا أنت فتبقي ذرّيّتك... عليه دلالة علي أنّ أولاد البنات من الذرّيّة [581] .

وقال العلامة القزوينيّ: ووجه المناسبة أنّ الكافر شمت بالنبّي صلي الله عليه وآله وسلم حين مات أحد أولاده وقال: إنّ محمداً أبتر، فإن مات مات ذكره. فأنزل الله هذه السورة علي نبيّه عليه السلام تسلية له، كأنّه تعالي يقول: إن كان ابنك قد مات فإنّا أعطيناك فاطمة، وهي وإن كانت واحداة وقليلة ولكنّ الله سيجعل هذا الواحد كثيراً.

[ صفحه 401]

وتصديقاً لهذا الكلام تري في العالم _ اليوم _ ذرّية فاطمة الزهراء عليه السلام الذين هم ذرّية رسول الله عليه السلام منتشرين في بقاع العالم، ففي العراق حوالي مليون، وفي إيران حوالي ثلاث ملايين، وفي حصر خمس ملايين، وفي المغرب، الأقصي خمس ملايين، وفي الجزائر وتونس وليبيا عدد كثير، وكذلك في الاردن وسوريا ولبنان والسودان وبلاد الخليج والسعوديّة ملايين، وفي اليمن والهند وباكستان والأفغان وجزر أندونيسيا حوالي عشرين ملايين، وقلّ أن تجد في البلاد الإسلاميّة بلدة ليس فيها أحد من نسل السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ويقدّر مجموعهم بخمسهة وثلاثين مليوناً، ولو اجريت إحصائيّات دقيقة وصحيحة فلعلّ العدد يتجاوز هذا المقدار [582] .

ويؤيّد ما استفادة العلاّمة (ره) وغيره أخبار كثيرة وردت من الفريقين العامّة والخاصّة، كما روي الحافظ الكنجيّ الشافعيّ عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم قال: «إنّ الله عزّ وجلّ جعل ذرّية كلّ نبيّ في صلبه، وإنّ الله عزّ وجلّ جعل ذرّيّتي في صلب علي بن أبي طالب».

قلت: رواه الطبراني في معجمه الكبير، في ترجمة الحسن. فإن قيل: لا اتّصال لذرّيّة النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم بعلّي عليه السلام إلا من جهة فاطمة عليها السلام، وأولاد البنات لا تكون ذرّيّة لقول الشاعر:

ب_نونا ب_نو وب_نات__نا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

قلت: في التنزيل حجّة واضحة تشهد بصحّة هذه الدعوي، وهو قوله عزّ وجلّ في سورة الأنعام: (ووهبنا له (أي لإبراهيم) إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته (أي ذّريّة نوح) داود وسليمان (إلي أن قال) وزكريّا ويحيي وعيسي وإلياس) [583] . فعدّ عيسي عليه السلام من جملة الذرّيّة الذين نسبهم إلي نوح عليه السلام وهو ابن بنت لا اتّصال له إلا من جهة امّه مريم. وفي هذا أكدّ دليل [علي] أنّ أولاد فاطمة عليها السلام ذرّيّة للنبّي صلي الله عليه وآله وسلم ولا عقب له إلا من جهتها... وقد قال عطاء ومن شايعه من المفسّرين: الهاء من قوله (ومن ذرّيّته) راجعة إلي إبراهيم. ويحصل في هذا فائدة

[ صفحه 402]

اخري لطيفة وهو أنه عدّ من جملة الذرّيّة الذين نسبهم إلي إبراهيم لوطاً ولم يكن من صلبه، لأنّ لوطاً ابن أخي إبراهيم، والعرب تجعل العمّ أباً كما أخبر عزّ وجلّ عن ولد يعقوب حيث قال: (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) ومعلوم أنّ إسماعيل عمّ يعقوب ولكن نزّله منزلة الأب، فيحصل من هذا جواز انتساب أولاد عليّ عليه السلام إلي النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم علي الإطلاق، لأنّه أخوه وهو منه بمنزلة هارون من موسي، كما نسب الله لوطاً إلي إبراهيم، ولوط إنّما هو ابن أخيه، وكذلك هنا... ابن حصين عن

عمر قال: سمعت رسول الله يقول: كلّ بني أنثي فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم [584] .

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حديث طويل: يا فاطمة، ما بعث الله نبيّاً إلا جعل له ذرّيّة من صلبه، وجعل ذرّيّتي من صلب عليّ، ولولا عليّ ما كانت لي ذرّيّة [585] .

قال ابن أبي الحديد في ذيل كلام عليّ عليه السلام: «املكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني، فإنّني أنفس بهذين _ يعني الحسن والحسين 8 _ علي الموت لئلاً ينقطع بهما نسل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [586] .

فإن قلت: أيجوز أن يقال للحسن والحسين وولدهما أبناء رسول الله وولد رسول الله وذرّيّة رسول الله ونسل رسول الله؟

قلت: نعم، لأنّ الله سماهم أبنائه في قوله تعالي: (ندع أبنائنا وأبنائكم) [587] ، وإنما عني الحسن والحسين... وسمّي الله تعالي عيسي ذرّيّة إبراهيم في قوله: (ومن ذرّيّته دواد وسليمان _ إلي أن قال _ ويحيي وعيسي)...

فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالي: (ما كان محمّد أبا أحدٍ من رجالكم) [588] ؟

قلت: أسألك عن أبوّته لأبراهيم بن مارية، فكلّ ما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن والحسين عليهما السلام. والجواب الشامل للجميع أنّه عني زيد بن حارثة، لأنّ

[ صفحه 403]

العرب كانت تقول: زيد بن محمّد، علي عادتهم في تبنّي العبيد، فأبطل الله ذلك ونهي عن سنّة الجاهليّة...

قيل لمحمّد ابن الحنفيّة: لم يغرّر بك أبوك في الحرب ولم لا يغرّر بالحسن والحسين؟ فقال: لأنّهما عيناه، وأنا يمينه، وهو يذبّ عن عينيه بيمينه [589] .

وروي الخطيب عن عبدالله

بن عبّاس قال: كنت أنا وأبي العبّاس بن عبد المطّلب جالسين عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ دخل علي بن أبي طالب، فسلّم فردّ عليه رسول الله: وبشّ به وقام إليه واعتنقه قبّل بين عينيه وأجلسه عن يمينه، فقال العبّاس: يا رسول الله، أتحبّ هذا؟ فقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: يا عمّ رسول الله، والله لله أشدّ حباً له منّي، إنّ الله جعل ذرّية كلّ نبيّ في صلبه، وجعل ذرّيتي في صلب هذا [590] .

وجرت مناظرة طويلة بين الإمام موسي بن جعفر عليهم السلام وبين هارون الرشيد، وفيه قال له هارون: لم جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلي رسول الله صلي الله عليه وآل وسلم ويقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو عليّ؟ وإنّما ينسب المرء إلي أبيه، وفاطمة إنّما هي وعاء، والنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم جدّكم من قبل أمّكم! فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله! ولم لا اجيبه بل أفتخر علي العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت: لكنّه عليه السلام لا يخطب إليّ ولا ازوّجه. فقال: ولم؟ فقلت: لأنّه ولدني ولم يلدك. فقال: أحسنت يا موسي.

ثم قال: كيف قلتم إنّا ذرّيّة النبي، والنبيّ صلي الله عليه وآل وسلم لم يعقب، وإنّما العقب للذكر لا للانثي، وأنتم ولد الابنة ولا يكون لها عقب؟ فقلت: أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفيتني عن هذه المسألة، فقال: أولا تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد عليّ، وأنت يا موسي يعسوبهم وإمام زمانهم؟ كذا انهي إليّ، ولست أغفيك في كلّ ما أسالك عنه

حتّي تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله، فأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلا وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ: (ما فرّطنا في

[ صفحه 404]

الكتاب من شيء) [591] وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات. فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسي وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريّا ويحيي وعيسي) [592] ، من أبو عيسي، يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسي أب، فقلت: إنّما الحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليها السلام، وكذلك الحقنا بذراري النبّي صلي الله عليه وآله وسلم من قبل امّنا فاطمة عليها السلام.

أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات. قلت: قول الله عزّ وجلّ: (فمن حاجّك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وابنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [593] ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم تحت الكساء عند مباهلة النصاري إلا عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وكان تأويل قوله عزّ وجلّ (أبنائنا) الحسن والحسين (ونسائنا) فاطمة (وأنفسنا) عليّ بن أبي طالب. إنّ العلماء قد أجمعوا علي أنّ جبرئيل قال يوم احد: «يا محمّد، إنّ هذه لهي المواساة من عليّ. قال: لأنّه منّي وأنا منه. فقال: جبرئيل: وأنما منكما يا رسول الله. ثمّ قال: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتي إل عليّ» فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله عليه السلام إذ يقول: (فتي يذكرهم يقال له إبراهيم) [594]

، إنّا معشر بني عمّك نفتخر بقول جبرئيل إنّه منّا. فقال: أحسنت يا موسي _ الحديث [595] .

عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا أبا الجارود، ما يقولون في الحسن والحسين عليها السلام؟ قلت: ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟ قلت: بقول الله عزّ وجلّ في عيسي بن مريم: (ومن ذرّيّته داود وسليمان (إلي قوله) وكذلك نجزي المحسنين)، وجعل عيسي من ذرّية إبراهيم، قال: فأيّ شيء قالوا لكم؟ قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال: فبأيّ شيء احتججتم عليهم؟ قال: قلت: احتججنا عليهم بقول الله تعالي: (قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم) الآية: قال: فأيّ شيء قالوا لكم؟ قلت: قالوا قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد، فيقول: أبنائنا، وإنّما هما ابن واحدٍ. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: والله يا أبا الجارود لاعطينّكها من كتاب الله تسمّي لصلب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا يردّها إلاّ كافر. قال: قلت: جعلت فداك، وأين؟ قال: حيث قال الله (حرمّت عليكم امّهاتكم وبناتكم (إلي أن ينتهي إلي قوله) وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) [596] ، فسلهم يا أبا الجارود، هل حلّ لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نكاح حليلتهما؟ فإن قالوا: نعم، فكذبوا والله وفجروا، وإن قالوا: لا فهما والله ابناه لصلبه، وما حرمتا عليه إلاّ للصلب [597] .

وعن عامر الشعبيّ إنّه قال: بعث إليّ الحجّاج ذات ليلة، فخشيت، فقمت وتوضّأت وأوصيت، ثم دخلت عليه فنظرت فإذا نطع منشور وسيف

مسلول، فسلّمت عليه، فردّ السلام فقال: لا تخف، فقد أمنتك الليلة وغداً إلي الظهر. وأجلسني عنده، ثمّ أشار فأتي برجل مقيّد بالكبول والأغلال، فوضعوه بين يديه فقال: إنّ هذا الشيخ يقول: إنّ الحسن والحسين كانا ابني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؛ ليأتينّي بحجّة من القرآن وإلا لأضربنّ عنقه.

فقلت: يجب أن تحلّ قيده فإنّه إذا أحتجّ فإنّه لا محالة يذهب، وإن لم يحتجّ فإنّ السيف لا يقطع هذا الحديد. فحلّوا قيوده وكبوله، فنظرت فإذا هو سعيد بن جبير، فحزنت بذلك وقلت: كيف يجد حجّة علي ذلك من القرآن؟ فقال له الحجّاج: أئتني بحجّة من القرآن علي ما ادّعيت وإلا أضرب عنقك. فقال له: انتظر فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك، فقال: انتظر. فسكت ساعة ثم قال له مثل ذلك، فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب (إلي

[ صفحه 406]

قوله) وكذلك نجزي المحسنين). ثم سكت. وقال للحجّاج: اقرأ ما بعده، فقرأ: (وزكريّا ويحيي وعيسي)، فقال سعيد: كيف يليق ههنا عيسي؟ قال: إنّه كان من ذرّيّته، قال: اين كان عيسي من ذرّيّة إبراهيم ولم يكن له أب بل كان ابن ابنة فنسب إليه مع بعده، فاحسن والحسين أولي أن ينسبا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مع قربهما منه. فأمر له بعشرة آلاف دينار وأمر بأن يحملوها معه إلي داره، وأذن له في الرجوع.

قال الشعبّي: فلما أصبحت قلت في نفسي: قد وجب عليّ أن آتي هذا الشيخ فأتعلّم منه معاني القرآن، لأنّي كنت أظنّ أنّي أعرفها فإذا أنا لا أعرفها، فأتيته فإذا هو في المسجد وتلك الدنانير بين

يديه يفرّقها عشراً عشراً ويتصدّق بها، ثم قال: هذا كلّه ببركة الحسن والحسين عليهما السلام، لئن أغممنا واحداً لقد أفرحنا ألفاً وأرضينا الله ورسوله [598] .

الطاهرة

من الأسماء الجميلة والتي تدل علي معني يصبو إليه كل مؤمن هو الطهارة الباطنية والظاهرية، حيث سميت به فاطمة سلام الله عليها، وقد دلت عدة روايات مهمة في هذا الباب علي مدي طهارتها عليها السلام هذا بالإضافة إلي الشواهد الأخري التي أيدت هذه المسألة عنها عليها السلام من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بل هي المحور الذي يدور عليه أهل البيت عليهم السلام، وأفضل دليل علي طهارتها هو آية التطهير، فهي سلام الله عليها مطهرة نقية مبرءة من كل الأرجاس الظاهرية والباطنية وإليك بعض الأحاديث والشواهد التي تدل علي أنها طاهرة سواء الطهارة الظاهرية أو الباطنية.

فلقد ورد عن أبي جعفر، عن آبائه: قال: إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد صلي الله عليه وآله وسلم «الطاهرة» لطهارتها من كلّ دنس، وطهارتها من كلّ رفث، وما رأت قطّ يوماً حمرة

[ صفحه 407]

ولا نفاساً [599] .

وعن الصادق عليه السلام قال: إنّ الله حرّم النساء علي عليّ ما دامت فاطمة حيّة، لأنّها طاهرة لا تحيض [600] .

ولقد بيّن العلامة المولي محمد علي الأنصاري وجه الطهارة عن أهل البيت: بما فيهم فاطمة سلام الله عليها حيث قال: ووجه الطهارة في جميع ما ذكر منهم من حيث الحكمة أنّ منشأ النجاسة ونحوها إنّما هو جهة النفسانيّة، وليس في تلك الأنوار الإسفهبديّة جهة النفسانيّة بالمرّة ولو مثقال ذرّة. وما ورد في طهارة أجسادهم الشريفة إنّما هو محمول علي أجزائها الظاهريّة والباطنيّة من كلّ حيثيّة، وإلا فظواهر الأجساد

طاهرة من كلّ مسلم أيضاً فلا يكون لهم حينئذ فضل من هذه الجهة... [601] .

أما قضية سد الأبواب بالنسبة للمسجد النبوي الشريف إلاّ لأهل البيت عليهم السلام في زمن النبي محمد صلي الله عليه وآله وسلم فهي أفضل شاهد علي طهارتهم الظاهرية والباطنية.

وقال العلامة الأميني [602] رحمه الله إشارة إلي هذا المسألة: إنّ سدّ الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيرة عن الأدناس الظاهريّة والمعنويّة، فلا يمرّ به أحد جنباً، ولا يجنب فيه أحد. وأمّا ترك بابه صلي الله عليه وآله وسلم وباب أمير المؤمنين عليه السلام فلطهارتهما عن كلّ رجس ودنس بنصّ آية التطهير، حتّي إنّ الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما...

وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: ألا إنّ مسجدي حرام علي كلّ حائض من النساء وكلّ جنب من الرجال إلاّ علي محمد وأهل بيته عليهم السلام علي وفاطمة والحسن والحسين [603] (صلوات الله عليهم أجمعين). وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب ولا الحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن لا تضلّوا [604] ...

[ صفحه 408]

فزبدة المخض من هذه كلّها أنّ إبقاء ذلك الباب والإذن لأهله بما أذن الله لرسوله ممّا خصّ به مبتنٍ علي نزول آية التطهير النافية عنهم كلّ نوع من الرجاسة.

وقال العلامة الشيخ السعيد جمال الدين الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني رحمه الله: وروي الصدوق في كتاب «من لا يحضره الفقيه» عن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم مرسلاً أنّه قال: «إنّ فاطمة (صلوات الله عليها) ليست كأحد منكنّ، إنّها لا تري دماً في

حيض ولا نفاس كالحوريّة...» ولا يخفي ما في هذه الروايات من المافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة من أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يأمر فاطمة عليه السلام بذلك. ووجه الجمع حمل أمره صلي الله عليه وآله وسلم لها عليها السلام علي إرادة تعليم المؤمنات، وهو نوع من التجوّز في الخطاب شائع، ولعلّ المقتضي له في هذا الموضع رعاية خفاء هذه الكرامة كغيرها ممّا ينافي ظهوره بلاء التكليف [605] وفي ختام هذا البحث ينبغي أن تلاحظ ما جاء في غسلها ووصيّتها عليه السلام قبل الوفاة، وهو أدلّ دليل وأقوي حجّة علي أنّها كانت طاهرة ميمونة في حياتها وبعد مماتها، ولم يحدث الموت فيها رجاسة ولا دناسة، مع أنك تعلم أنّه ممّا لا خلاف فيه تنجّس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس عنه، ولأجل ذلك لا بدّ أن يغسّل الميّت حتّي يطهّر بدنه وينظّف جسمه، إلا أنّ سيّدة النساء عليه السلام أوصت أن لا يكشفها أحد، وأن تدفن بغسلها قبل الوفاة.

روي أحمد في مسنده عن أمّ سلمي (زوجة أبي رافع) قالت: اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه، فكنت امرّضها، فأصبحت يوماً كأمثل من رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج عليّ لبعض حاجته، فقالت: يا امّه اسكبي لي غسلاً. فسكبت لها غسلاً، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغسل، ثم قالت: يا أمّه أعطيني ثيابي الجدد، فأعطيتها، فلبستها، ثم قالت: يا أمّه قدّي لي فراشي وسط البيت، ففعلت؛ واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدّها، ثم قالت: يا امّه إنّي مقبوضة الآن وقد تطهّرت، فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، قالت: فجاء عليّ فأخبرنه [606] .

[ صفحه 409]

وقال في «كشف الغمّة»: واتفاقهما من طرق الشيعة والسنة علي نقله مع كون الحكم علي خلافة عجيب، فإنّ الفقهاء من الطرفين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في موضع ليس هذا منه... ولعلّ هذا أمر يخصّها عليها السلام. نعم إنّها عليها السلام كأبيها في طهراتها كما تقدّم عن الصدق عليه السلام إنّه لمّا سئل: هل اغتسل عليّ حين غسل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ قال: النبّي طاهر مطهّر ولكن اغتسل عليّ عليه السلام وجرت به السنة.

الزكية

ومعني هذا الاسم مماثل ومرادف للمباركة، والذي يقتضي الحال ان الزكاة هي النمو والزيادة في الشيء علي وجه ما بحيث يكون ذا أثر واضح نتيجة تلك الزيادة التي تطرأ عليه، فالزهراء زكية من جهة أن الله تعالي قد جعل ذرية الرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد ازدادت ونمت عن طريق الرحم الطاهر للزهراء سلام الله عليها فلقد كثر وبانت ذرية الرسول من جهتها سلام الله عليها وهذا يقتضي أن تكون الزهراء هي المنبع الذي عن طريقه كثرة ذرية رسول الله، فهي الزكية بكثرة بركتها علي شيعتها ويمن المراجعة في هذا الموضوع في باب اسمها المباركة فإنه كما هي مباركة فهي زكية بسبب اخلاصها وحبها الله تعالي تفانيها في ذات الله.

الراضية

من الأمور المهمة والتي تكون ذا أهمية كبيرة في معرفة درجة أيمان الفرد المسلم مسألة الرضا عن الله تعالي.، فمقام الرضا يحتاج إلي معرفة ويقين حتي يصل إليه الإنسان ويكون من الراضين بما قسم الله تعالي حتي يصل في النهاية إلي مرحلة إيمانية

[ صفحه 410]

عالية جداً، وكما ورد في دعاء كميل «وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً» أي أن الإنسان المؤمن يطلب من الله تعالي أن يوصله إلي مقام الرضا منه جل وعلا في كل ما يقسمة له سواء من خير أو غير ذلك، ومع هذا كله فلقد ورّد في عدة أحاديث مروية عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أن رأس طاعة الله تعالي الصبر والرضا عن الله تبارك وتعالي.

فلقد جاء في الحديث الشريف عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: «الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضي عليه فيما أحب

أو كره، لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له» [607] لأنه سبحانه وتعالي كما ورد في بعض الأخبار _ عند حسن ظن عبده المؤمن به، إضافة إلي أن الله سبحانه لا يختار لعبده إلا ما فيه خيره ومصلحته، وان خفيف تلك المصلحة علي العبد لمحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده.

وجاء في حديث آخر عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل [608] .

فمن خلال هذا الحديث وأحاديث أخري يظهر مقام الزهراء سلام الله عليها العلي حيث أنها كانت راضية عن الله تعالي بكل ما قدر لها من خير وبلاء، وهذا ينم عن الحالة الإيمانية عند فاطمة سلام الله عليها، فمبلاحظة اسمها إلا لمن حاز علي مرتبة شريفة وسامية، فبملاحظة أمور أخري في حياتها سلام الله عليها يتضح ويظهر آنها عليها السلام كانت ذا مرتبة علمية وعرفانية بلغت أوج عظمتها، وكما ورد علي لسان المعصوم عليه السلام «نحن حجج الله علي الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا» والحجة لا يكون علي الآخرين إلا إذا كان ذو مقام علمي وسامي علي الآخرين وإلا لا يكون حجة علي غيره.

إذن فاطمة كانت راضية وهذا يظهر من خلال أبسط تأمل لحياتها وما جري عليها

[ صفحه 411]

من الظلم والأذي، وبما قدّر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها وبلاياها.

وبمراجعة بعض الروايات في المقام يظهر ان هناك حالة ترابط بين اسم الصديقة لفاطمة سلام الله عليها وبين اسمها الراضية، فهناك حالة تلازم كما يظهر من الحديث الذي سوف أنقله إليك بين حالة الرضا بقضاء الله تعالي وبين الصدّيق الذي

يكون عند الله بهذا المقام، فلقد روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: «قال الله عز وجل: عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيراً له، فليرض بقضائي، وليصبر علي بلائي، وليشكر نعمائي أكتبه، أكتبه يا محمد من الصدّيقين عندي» [609] .

وتمام هذا الحديث منطلق علي سيرتها الذاتية عليها السلام فهي كانت راضية بقضاء الله تعالي وصابرة علي ما جري عليها من الظلم والهوان، وكانت شاكرة لله تعالي فالشكر يدي علي الرضا، وبملاحظة أسماء الزهراء في الرواية المتقدمة في أول الفصل نجد أن من أسماءها الصديقة وأن من الأسماء الأخري لها هو الراضية، إذن الرضا يؤدي بالعبد إلي درجة الصديقين، والزهراء من خلال استقراء حياتها وسيرتها الذاتية نجد أنها كانت راضية بكل ما قدر الله لها، فهي إذن صديقة وهذا من أفضل البراهين علي أنها كانت صديقة سلام الله عليها.

أما من خلال الأحاديث والأقوال الواردة في المقام فهي كثيرة والتي من خلالها بينت أن فاطمة سلام الله عليها كانت الراضية،وكما قلنا أن سيرتها الذاتية طافحة بالأحداث الكثيرة التي أثبت أنها كانت راضية بما قدر الله لها، فعن علي بن أعبد قال: قال لي عليّ رضي الله عنه: ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكانت من أحبّ أهله إليه؟ قلت: بلي. قال: إنّها جرّت بالرحي حتّي أثّر في يدها، واستقت بالقربة حتّي أثّر في نحرها، وكنست البيت حتّي اغبرّت ثيابها، وأوقدت القدر حتّي دكنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضرّ، فأتي النبيّ عليه السلام خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألته خادماً. فأتته فوجدت عنده حدّاثاً، فاستحيت فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: ما كان حاجتك؟ فسكتت، فقلت:

أحدّثك يا رسول عليه السلام، جرّت عندي

[ صفحه 412]

بالرحي حتّي أثّر في يدها، وحملت القربة حتّي أثّر في نحرها وكسحت البيت حتّي اغبرّت ثيابها، [و] أوقدت القدر حتّي دكنت ثيابها، فلمّا جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتسخدمك خادماً يقيها حرّ ماهي فيه.

قال: اتّقي الله يا فاطمة، وأدذي فريضة ربّك، واعملي عمل أهلك، إن أخذت مضجعلك فسبّحي ثلاثاً وثلاثين، وكبّري أربعاً وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم. فقالت: رضيت عن الله وعن رسوله؛ ولم يخدمها [610] .

ولقد ذكر المولي محمد علي الأنصاري شارح الخطبة، في مسالة رضاها سلام الله عليها ومسألة من وجوه اقتضاها حال الرواية حيث قال: وإطلاق الرضيّة لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فطلبت منه خادمة وقالت: لا اطيق علي شدائد أشغال البيت، فعلّمها النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم تسبح فاطمة وبشّر لها بقوابه: فقالت ثلاثاً: رضيت عن الله ورسوله. فرجعت إلي بيتها فقالت: طلبت من أبي خير الدنيا، فأعطاني خير الآخرة. أو لرضاها عن الله تعالي فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب والعالية في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة النعمة الشرف والفضيلة. أو لرضاها عنه تعالي في جعل الشفاعة الكبري بيدها من الإنتقام من قتلة ولدها في الدنيا والآخرة [611] .

المرضية

وهذا اسم آخر لفاطمة الزهراء سلام الله عليها، والذي يظهر من خلال التأمل والتدير في السيرة الذاتية لها أنه هناك احتمالا، في معني كونها مرضية، أحدهما هو كون جميع أعمالها وأفعالها وأقوالها وما صدر منها خلال مسيرة حياتها مرضية عند الله تبارك وتعالي فهي رضي الله عنها

ورضت عنه، فهي راضية مرضية راضية عن

[ صفحه 413]

الباري عز وجل ومرضية بما وعد الله تبارك وتعالي عباده بالرضوان الأكبر.

والإحتمال الآخر أنها سلام الله عليها كانت مرضية، من جهة ما أعطاها الله تبارك وتعالي من المقامات النورانية التي بها فضلها علي غيرها وكذلك، ومن خلال ما اعطاها تبارك وتعالي من الذرية الكثيرة حيث جعل منها الائمة الهاديين، وكذلك هي مرضية سلام الله عليها من جهة أن لها مقام الشفاعة الكبري وكما ورد في أحاديث مجيئها يوم القيامة وكيفية شفاعتها لشيعتا ومحبيها، وهذا ما بحثناه في الفصل الخاص الذي بيناه فيه مقاماتها سلام الله عليها، وأياً كان تفسير معني المرضية سواء كان الاحتمال الأولي أو الثاني، فغن فاطمة سلام الله عليها قد حازت وفازت بهذه المنزلة الرفيعة والدرجة الراقية فهي راضية مرضية أعمالها عند الله عز وجل (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي).

المحدثة

اشاره

ونقف هنا في هذا الصفحات مع اسم آخر لفاطمة سلام الله عليها والذي نستفيده من خلال مراجعة مصادر اللغة إن هذا الإسم ومن دون تحريك حرف الدال نحتمل فيه اما أن تكون الدال المشدّدة مكسورة واما أن تكون الدال المشددة فيه مفتوحة. وعلي الاحتمال الأول يكون معني هذا الإسم أنها سلام الله عليها كانت تحدث امها خديجة عليه السلام وهذا ما يظهر من خلال مراجعة بعض الروايات، حيث أنها سلام الله عليها كانت تحدث أمها وهي في بطنها، وكما ورد عندما سئل رسول الله من زوجته خديجة اثناء دخوله عليها قائلاً لها مع تتحدثين قالت: الجنين الذي في بطني يؤنسني ويحدثني.

وعلي الإحتمال الثاني وهو الأصح علي ما يظهر

من بعض الأحاديث في المقام (وسوف تأتينا خلال البحث) يكون معني المحدّثة هو أنها سلام الله عليها كانت تحدثها الملائكة وتؤنسها وخصوصا بعد فقد أبيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

وهنا سؤال يطرح نفسه في المقام وينقدح في ذهن القاري ء وهو هل من الممكن أن

[ صفحه 414]

تكون الملائكة تحدث بعض الناس مع أن المعلوم أن الوحي انقطع بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وفي حالة تكون تحديث الملائكة وامكان وقوعه ولو علي غير نحو الوحي هل يقع هذا مع فاطمة سلام الله عليها؟

وللإجابة علي هذا السؤال لا بد لنا من مراجعة القرآن الكريم ونستقرأه في هذه المسألة وامكان وقوعها في الأمم السابقة باعتبار أن القرآن الكريم المصدر الأول للمسلمين في عرض الأشياء عليه.

فنجد من خلال عدة آيات قرآنية كثيرة جداً ثبتت هذه الحقيقة وهي أن الملائكة يمكن أن تتحدث مع البشر، فهذا صريح القرآن يثبت هذه الحقيقة الواضحة البرهان والتي لا يبقي معها شك وإليك بعض هذه الآيات القرآنية التي ثبتت هذه المسألة:

1 _ قال الله تعالي (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً...) [612] .

2 _ (وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك...) [613] .

ان الظاهر من خلال التأمل في الآتين المباركتين أن مريم سلام الله عليها تحدثت مع الملائكة، وهذا منأفضل الأدلة علي مسألة تحدث الملائكة مع أناس ليسوا بأنبياء فإن مريم سلام الله عليها لم تكن بنبي ولم تكن إمام بل هي أم نبي من انبياء الله تعالي، ومع ذلك فالملائكة تحدثت معها.

2 _ قوله تعالي: (وامرأته قائمة...)

[614] .

4 _ وقوله تعالي: (وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه) [615] وقوله تعالي: (فخرج علي قومه من المحراب فأوحي إليهم أن سبّحوا بكرة وعشياً) [616] (فقضهن سبع سموات في يومين وأوحي في كل سماء أمرها) [617] (وإذ أوحيت

[ صفحه 415]

إليالحواريين أن آمنوا بي وبرسولي) [618] . (إذ يوحي ربّك إلي الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا) [619] . (وأوحي ربك إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً) [620] . (وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه) [621] . (إذ أوحينا إلي أمك ما يوحي) [622] .

اذن يظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أخري أن الوحي ليس مختص بالأنبياء والرسل فقط بل هو يتعدي إلي أولياء الله تعالي، نعم الوحي هنا في هذه الآيات المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلي الأنبياء بل هو شأن آخر من الوحي.

فالوحي لغة الإعلام الخفي السريع، واصطلاحاً الطريقة الخاصة التي يتصل بها الله تعالي برسله وأنبيائه لاعلامهم ألوان الهداية والعلم، وانما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ولذا عبر الله تعالي عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي [623] .

قال سبحانه (إنا أوحينا اليك كما أوحينا إلي نوح والنبيين من بعده...) [624] .

وقال الله تعالي (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) [625] .

وهذه الآية الآخيره حددت معني الوحي الذي يختص بالأنبياء والمرسلين أما الآيات الاخري المتقدمة الذكر فلها معاني آخر للوحي، والذي نقول به أن فاطمة الزهراء إنما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي الذي بينته

الآيات

[ صفحه 416]

الآنفة الذكر، فلا محالة أن تكون قد حدثت من قبل الملائكة كما دل القرآن علي إمكان وقوع ذلك كما حديث مع أم موسي وكيفية إيحاء الله تعالي لها.

وثمة شواهد أخري تدل علي علي أنها كانت محدثة من قبل الملائكة، وهذا ما نجده في المأثور الروائي الذي نقل إلينا عبر الرواة والمحدثون.

فعن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسي بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إنّما سمّيت فاطمة محدّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك علي نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين [626] . فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة علي نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين [627] .

وعن عبدالله بن الحسن المؤدّب، عن أحمد بن علي الاصفهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن اسماعيل بن بشّار قال: حدّثنا عليّ بن جعفر الحضرميّ بمصر منذ ثلاثين سنة قال: حدّثنا سليمان قال: محمد بن أبي بكر لمّا قرأ: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ) [628] ولا محدّث، قلت: وهل يحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء؟ قال: إنّ مريم لم تكن نبيّة وكانت محدّثة، وأمّ موسي بن عمران كانت محدّثة ولم تكن نبيّة، وساره امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولم تكن نبيّة، وفاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كانت محدّثة ولم تكن نبيّة [629] .

وجاء في

الكتاب القيم (الغدير الذي يعتبر من أهم الكتب التي ألفت في حق ولاية أهل البيت عليهم السلام) حول مسألة الأناس المحدثون حيث قال: «أصفقت الامّة الإسلامية علي أنّ في هذه كما لدي الامم السابقة اناس محدّثون _ علي صيغة المفعول _

[ صفحه 417]

وقد أخبر بذلك النبّي الأعظم كما ورد في الصّحاح والمسانيد من طريق الفريقين الامّة والخاصّة، والمحدّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة، أو يلهم له ويلقي في روعه شيء من العلم علي وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلي، او ينكت له في قلبه من حقايق تخفي علي غيره، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه. فوجود من هذا شأنه من رجالات هذه الأمّة مطبق عليه بين فرق الإسلام، بيد أنّ الخلاف في تشخيصه. فالشيعة تري عليّاً أمير المؤمنين وأولاده الأئمة صلوات الله عليهم من المحدّثين...» [630] .

وقال رحمة الله: «إنّ في هذه الامّة اناس محدّثون كما كان في الامم الماضية، وأمير المؤمنين وأولاده الأئمة الطاهرون علماء محدّثون وليسوا بأنبياء. وهذا الوصف ليس من خاصّة منصبهم ولا ينحصر بهم بل كانت الصدّيقة كريمة النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم محدّثة، وسلمان الفارسيّ محدّثاً، نعم كلّ الأئمّة من العترة الطاهرة محدّثون، وليس كلّ محدّث بإمام، ومعني المحدّث هو العالم بالأشياء بإحدي الطرق الثلاث المفصّلة في الأحاديث. هذا ما عند الشيعة ليس إلا» [631] .

وورد عن العلامة المناوي في ذيل الحديث الذي جاء عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم حول مسألة تحديث الملائكة مع الناس ما نصه: «قد كان فيما مضي قبلكم من الامم اناس محدّثون». قال القرطبيّ: الرواية بفتح الدال، اسم

مفعول جمع محدّث بالفتح أي ملهم، أو صادق الظنّ، وهو من القي في نفسه شيء علي وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلي، أو من يجري الصواب علي لسانه بلا قصد، أو تكلّمه الملائكة بلا نبوّة، أو من إذا رأي رأياً أو ظنّ ظنّاً أصاب، كأنّه حدّث به والقي في روعه من عالم الملكوت فيظهر علي نحو ما وقع له. وهذه كرامة بكرم الله بها من شاء من صالح عباده، وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء [632] .

إذن يظهر من الأحاديث والأقوال المأثورة عن الخاصة والعامة أن مسألة تحديث

[ صفحه 418]

الملائكة لأناس ليسوا بأنبياء متسالمة وما شذ عنها إلا من يدعي الزور والبهتان ضد الشيعة، فالأمم الماضية وقع فيها هذا الأمر وهذا ما ظهر لنا من خلال القرآن الكريم حيث آوحي الله إلي الحواريين وإلي الملائكة وإلي النحل وإلي أم موسي...

مصحف فاطمة

وعلي هذا الأساس كان مصحف فاطمة سلام الله عليها، هذا المصحف الذي أثاروا عليه الأقويل الباطلة التي ليس لها أي حقيقة وأي برهان سوي أنهم اعتبروا إطلاق هذا المصحف علي أنه قرآناً غير القرآن الموجودة حالياً وأنه عند الشيعة يخفونه تقية، وأمثال هذا الدعاوي الباطلة والتي لا تمت إلي الدين بصلةٍ وكل دليلهم الذي اعتمدوا عليه هو أن لفظ المصحف يطلق علي القرآن لذلك قالوا بأن مصحف فاطمة قرآن غير هذا القرآن الكريم المتداول الآن.

أما القول الصحيح في هذا المقام فبعد معرفة أن فاطمة سلام الله عليها كانت محدّثة دون أن تكون نبية وحسب ما ورد من الإستدلال علي هذه المسألة، فإن حديث الملائكة لها كان يكتب من قبل الإمام علي عليه السلام أو من قبل فاطمة نفسها

سلام الله عليها وهذا ما يظهر من الأحاديث الآتية، أما مضمون هذا المصحف وماهيته وكيف نعطي القول الفصل فيه فهذا ما سيتبين من خلال بيان معني لفظ المصحف، وماهية مضمون هذا المصحف وما فيه من العلم والأحاديث والأمور الغيبية.

أما لفظ المصحف في صحاح اللغة:

ورد في كتاب لسان العرب: المصحف والمصحف الجامع للصّحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أصحف والكسر والفتح فيه لغة.

وفي المصباح المنبر: والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه... والجمع صحف بضمتين وصحائف... والمصحف بضم الميم أشهر من كسرها.

وفي أقرب الموارد: المصحف اسم مفعول... وحقيقتها مجمع الصحف أو ما جمع منها بين دفتي الكتاب المشدود... وفيه لغتان أخريات وهما المصحف والمصحف جمع

[ صفحه 419]

مصاحف.

إذن يظهر من هذه المعاني التي وردت في صحاح اللغة أن المصحف ما جمعت فيه الصحف وليس كما يدعي أنه قرآن غير هذا القرآن الموجودة.

وهناك شواهد أخري تثبت هذه الحقيقة حيث ورد في حديث عن الإمام أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، إنما هو شيء أملاها الله وأوحي إليها. قال: قلت: هذا والله العلم [633] .

إن هذا الحديث يعطي دلالة واضحة علي أن مصحف فاطمة سلام الله عليها يختلف اختلافاً كبيراً عن ما موجود في القرآن من جهة مضمونه، وقد علق العلامة السيد محسن العاملي (ره) علي هذه المسألة بقوله: «لا يخفي أنه قد تكرر نفي أن يكون فيه شيء من القرآن والظاهر أنه لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد قد نسخ المصاحف الشريفة، فنفي هذا الإيهام وفي بعض الأحاديث أن فيه وصيتها،

ولعل أحد محتوياته، ثم إن بعضها دال علي أنه من إملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام» [634] .

وعلق العلامة الخطيب محمد كاظم القزويني (ره) علي هذه الرواية بقوله: «وليس معناه أن القرآن الموجود بين أيدينا ناقص، وأن مصحف فاطمة مكمل له، كلا وألف كلا، وليس معناه أن الله أنزل علي فاطمة عليها السلام قرآناً وكل من ادعي غير هذا فهو إما جاهل أو معاند مفتر كذاب» [635] .

أقول: يظهر من أقوال علماء الشيعة الإمامية وعلي ما ورد في أحاديث أهل البيت أن مسألة مصحف فاطمة قد تسالمت عليه الشيعة، ويؤمنون به، ويعتبرونه من المواريث التي تركتها فاطمة سلام الله عليها لابناءها الأئمة المعصومين، ولا يظهر هذا المصحف إلا بظهور الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالي فرجه باعتباره الوريث الشرعي لجدته الزهراء سلام الله عليها.

[ صفحه 420]

مصحف فاطمة في الأحاديث الشريفة

في حديث عن أبي عبدالله عليه السلام: «ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلي أحد حتّي إنّ فيه الجلده ونصف الجلده وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش» [636] .

وفي حديث طويل عن أبي عبدالله عليه السلام: «وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث، مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، إنّما هو شيء أملاها الله وأوي إليها. قال: قلت: هذا والله العالم... [637] ».

وفي حديث آخر: «وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن، ولكنّه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخطّ علي [638] .

وعن أبي عبدالله

عليه السلام، قيل له: إنّ عبدالله بن الحسن يزعم أنّه ليس عنده من العلم إلا ما عند النس، فقال: «صدق والله ما عنده من العلم إلا ما عند الناس، ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام، وعندنا الجفر، أفيدري عبدالله أمسك بعير أو مسك شاة؟ وعندنا مصحف فاطمة، اما والله ما فيه حرف من القرآن، ولكنّه إملاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخطّ علي عليه السلام، كيف يصنع عبدالله إذا جاء الناس من كلّ فنّ يسألونه، أما ترضون أن تكونوا يوم القيامة آخذين بحجزتنا، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّه»؟ [639] .

وعن حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: «تظهر زنادقة سنة ثمانية وعشرين ومائة، وذلك لأنّي نظرت في مصحف فاطمة. قال: فقلت: وما مصحف فاطمة؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالي لمّا قبض نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم دخل علي فاطمة من وفاته

[ صفحه 421]

من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ، فأرسل اليها ملكاً يسلّي عنها غمّها ويحدّثها، فشكت ذلك إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي. فأعلمته، فجعل يكتب كلّ ما سمع حتّي أثبت من ذلك مصحفاً. قال: ثم قال: أما إنّه ليس الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون» [640] .

وفي حديث آخر قال له الراوي: فمصحف فاطمة؟ فسكت طويلاً ثمّ قال: «إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً وقد كان دخلها حزن شديد علي أبيها، وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها علي أبيها، ويطيّب نفسها،

ويخبرها عن أبيها ونكانه، ويخبرها [641] .

وعن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليها السلام عن مصحف فاطمة، فقال: «أنزل عليها بعد موت أبيها. قلت: ففيه شيء من القرآن؟ فقال: ما فيه شيء من القرآن. قلت فصفه لي، قال: له دفّتان من زبرجدتين علي طول الورق، وعرضه حمراوين. قلت: جعلت فداك فصف لي ورقه، قال: وروقه من درّ أبيض، قيل له: كن فكان. قلت: جعلت فداك فما فيه؟ قال: في خبر ما كان وخبر ما يكون إلي يوم القيامة، وفيه خبر سماءٍ سماءٍ، وعدد ما في السموات من الملائكة، وغير ذلك، وعدد كلّ م خلق الله مرسلاً وغير مرسل وأسماؤهم، وأسماء من أرسل إليهم، وأسماء من كذّب ومن أجاب، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولّين والآخرين، وأسماء البلدان، وصفة كلّ بلد في شرق الأرض وغربها، وعدد ما فيها من المؤمنين، وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كلّ من كذّب، وصفة القرون الاولي وقصصهم، ومن ولي من الطواغيت ومدّة ملكهم وعددهم. وأسماء الأئمّة وصفتهم، وما يملك كلّ واحدٍ واحدٍ، وصفة كبرائهم، وجميع من ترددّ في الأدوار.

قلت: جعلت فداك وكم الأدوار؟ قال: خمسون ألف عام. وهي سبعة أدوار، فيه

أسماء جميع ما خلق الله وآجالهم، وصفة أهل الجنّة، وعدد من يدخلها، وعدد من يدخل النار، وأسماء هؤلاء وهؤلاء، وفيه علم القرآن كما أنزل، وعلم التوراة كما انزلت، وعلم الإنجيل كما انزل كما انزل، وعلم الزبور، وعدد كلّ شجرة ومدرة في جميع البلاد».

قال أبو جعفر عليه السلام: «ولمّا أراد الله تعالي أن ينزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزلون به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث

الثاني من الليل، فهبطوا به وهي قائمة تصلّي، فما زالوا قيّاماً حتّي قعدت، ولمّا فرغت من صلاتها سلّموا عليها وقالوا: السلام يقرئك السلام؛ ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت: لله السلام ومنه السلام وإليه السلام وعليكم يا رسل الله السلام، ثمّ عرجوا إلي السماء. فما زالت من بعد صلاة الفجر إلي زوال الشمس تقرأه حتّي أتت علي آخره. ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة علي جميع من خلق الله من الجنّ والإنس، والطير والوحش، والأنبياء والملائكة».

قلت: جعلت فداك فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيّها؟ قال: «دفعته إل أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا مضي صار إلي الحسن ثم إلي الحسين عليهما السلام، ثم عند أهله حتّي يدفعوه إلي صاحب هذا الأمر. فقلت: إنّ هذا العلم كثير! قال: يا أبا محمد، إنّ هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوّله، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية ولا تكلّمت بحرف منه» [642] .

وختاماً للبحث حول اسم المحدثة نذكر ما قاله العلامة الهمداني تعليقاً حول الروايات الواردة في هذا المقام حيث قال تحت عنوان فائدتان: إنّ ما يستفاد من هذا الأخبار في شأن مصحف فاطمة سلام الله عليها في وجوه مختلفة:

منها: ما يدلّ علي أنّ الله تعالي أرسل ملكاً أو يأتيها جبرئيل بعد قبض نبيّه صلي الله عليه وآله وسلم يحدّها عليه السلام ويكتب عليّ عليه السلام، كما في الحديث الأوّل والثاني من البحار.

ومنها: ما يدلّ علي أنّ مصحف فاطمة عليه السلام كان موجوداً في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما

[ صفحه 423]

لاحظت في حديث «البصائر» بقوله عليه السلام: ولكنّه إملاء رسول الله صلي الله عليه

وآله وسلم وخطً عليّ عليه السلام.

ومنها: ما يدلّ علي أنّ الله عزّ وجلّ أوحي إليها كا لاحظت في الحديث الثالث من «البصائر» بقوله عليه السلام: «إنّما هو شيء أملاها الله وأوحي إليها». ويستفاد أيضاً أنّ مصحفها سلام الله عليها يشتمل علي جميع الأحكام الشرعيّة من نصف الجلدة أو جلدة واحدة حتي أرش الخدش، وأنّ فيه أسماء جميع الناس والكائنات جميعها من الشجر والمدر وغير ذلك كما في حديث «دلائل الإمامة»، وفيه ذكر الحوادث المهمّة إلي يوم القيامة. ويستفاد أيضاً أنّ من مصادر علوم أهل البيت عليهم السلام وكانوا يرجعون إليه [643] .

الزهراء

وهو من أشهر أسماءها وأشهرها شيوعاً عند الشيعة، فنراهم كثيراً ما يسمون أسماء مواليدهم من الاناث بهذا الاسم المبارك اضافة إلي اسمها فاطمة، وقد تقدم بنا الحديث في كيفية تطابق الإسم علي المسمي وبيان فلسفته، وكذلك الحال في هذا المقام، ففاطمة سلام الله عليها سميت بهذا الإسم (زهراء) لأن نورها الذي زهرت به السموات والأرض ولم يأت هذا الإسم اعتباطاً وإنما جاء ليعبر عن طبيعة ذاتها، فنجد ومن خلال مطابقة الكثير من الروايات التي تروي مبدء نور فاطمة وخلقته ان لها نوراً يسطع من جبينها ومن وجهها المتلأليء بنور الله تعالي والذي كان من شأنه أن زهرت به السموات والأرض كرامةً من الله تعالي لها ولمقامها السامي عنده، أما بيان هذا الاسم فانه لا يحتاج إلي كثير تأمل وخاصة بالنسبة للمطلع علي الأسماء العربية، فانها بسيطة ومفهومةً عندما تطرق الأذهان، ومع ذلك نقف مع هذه الروايات التي تبين علة تسميتها الزهراء ففي حديث طويل عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم انه قال:

[ صفحه 424]

«ثم أظلمت المشارق

والمغرب، فشكت الملائكة إلي الله تعالي أن يكشف عنهم تلك الظلمة، فتكّلم الله جلّ جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلي تلك الروح وأقامها مقام العرش، فزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء، ولذلك سمّيت «الزهراء» لأنّ نورها زهرت بن السموات [644] »، الحديث.

وعن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: يا ابن رسول الله، لم سمّيت الزهراء «زهراء»؟ فقال: «لأنّها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرّات بالنور، كان يزهر نور وجهها الغداة والناس في فراشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلي حجراتهم بالمدينة، فتبيض حيطانهم، فيعجبون من ذلك، فيأتون النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فيسألونه عمّا رأوا، فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها، فيعلون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة، فإذا انتصف النهار وترتّبت للصلاة، زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس، فتصرّ ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم فيسألونه عمّا رأوا، فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس، أحمّ وجه فاطمة، فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّ وجلّ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم، فيعجبون من ذلك ويأتون فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس، احمرّ وجه فاطمة، فاشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً الله عزّ وجلّ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم، فيعجبون من ذلك ويأتون النبيّ صلي الله عليه

وآله وسلم ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلي منزل فاطمة، فيرونها جالسة تسبّح وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة، فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتّي ولد

[ صفحه 425]

الحسين عليه السلام، فهو يتقلّب في وجوهنا إلي يوم القيامة في الأئمة منّا أهل البيت إمام بعد إمام» [645] .

وعن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر عليه السلام: لم سمّيت فاطمة «الزهراء» عليه السلام؟ فقال: «كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين عليه السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيً» [646] .

وعن الحسن بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: لم سمّيت فاطمة «الزهراء»؟ قال: «لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة. معلّقة بقدرة الجبّار، لا علاقة لها من فوقها فتمسكها، ولا دعامة لها من تحتها فتلزمها، لها مائة آلف باب، علي كلّ باب بألف من الملائكة، يراها أهل الجنة كما يري أحدكم الكوكب الدرّيً الزاهر في افق السماء، فيقولون: هذه الزهراء لفاطمة» [647] .

وعن ابن عمارة، عن أبيه قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن فاطمة لم سمّيت «زهراء»؟ فقال: «لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض» [648] .

وعن جابر، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت: لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء؟ فقال: «لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السموات والأرض بنورها، و غشيت أبصار الملائكة، وخرّت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيّدنا، ما هذا النور؟ فأوحي الله إليهم: هذا

نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، اخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي، افضّله علي جميع الأنبياء، واخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري، ويهدون إلي حقّي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي» [649] .

[ صفحه 426]

وعن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: «لمّا خلق الله آدم وحوّاء تبخترا في الجنّة، فقال آدم لحوّاء: ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا. فأوحي الله إلي جبرئيل عليه السلام: ائت بعبديّ الفردوس الأعلي. فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلي جارية علي درنوك من درانيك الجنّة، وعلي رأسها تاج من نور، وفي أذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من حسن وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرئيل! من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟ فقال: هذه فاطمة بنت محمد نبيّ من ولدك يكون في آخر الزمان، قال: فما هذا التاج الذي علي رأسها؟ قال: يعلها عليّ بن أبي طالب عليه اسلام... قال: فما القرطان اللذان في اذنيها؟ قال: ولداها الحسن والحسين. قال آدم: حبيبي جبرئيل! خلقوا قبلي؟ قال: هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة» [650] .

ف_ي الدّرّ ك_وّنها الب__اري وص__وّرها

من قبل إيجاد خ_لق الل_وح والق___لم

وت__وّجت ت__اج ن__ور ح__وله درر

يضي كالشمس أو كالنجم ف___ي الظلم

لله اش__باح ن__ور ط__الما سك__نوا

س__رّ الغ_يوب فس_ادوا س_ائر الام_م

قال العلامة المقرّم: اشتهرت الصدّيقة بالزهراء لجمال هيئتها والنور الساطع في غرّتها، حتّي إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر الكوكب لأهل الارض، وإن حضرت للإستهلال أوّل الشهر لا يري نور الهلال لغلبة نور وجهها

علي ضيائه [651] ...

وعن سلمان الفارسّي (ره) مرفوعاً قال: كنت جالساً عند النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم في المسجد إذا دخل العبّاس بن عبد المطّلب، فسلّم، فردّ النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ورحّب به، فقال: يا رسول الله بما فضّل الله علينا أهل البيت عليّ بن أبي طالب والمعادن واحدة؟ فقال النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: «إذن أخبرك يا عمّ، إنّ الله خلقني وخلق عليّاً ولا سماء ولا أرض ولا جنّة ولا نار ولا لوح ولا قلم. فلمّاً أراد الله عزّ وجلّ بدو خلقنا تكلمّ بكلمة فكانت نوراً، ثمّ تكلمّ بكلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما واعتدلا، فخلقني وعليّاً منهما.

[ صفحه 427]

ثمّ فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من العرش. ثمّ فتق من نور عليّ نور السماوات، فعليّ أجلّ من السماوات. ثمّ فتق من نور الحسن نرو الشمس، ومن نور الحسين نور القمر، فهما أجلّ من الشمس والقمر. وكانت الملائكة تسبّح الله تعالي وتقول في تسبيحها: «سبّوح قدّوس من أنوارها ما أكرمها علي الله تعالي»! فلمّا أراد الله تعالي أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أوّلها من آخرها ولا آخرها من أوّلها، فقالت الملائكة، إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحقّ هذه الأنوار إلا ما كشفت عنّا. فقال الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي لأفعلنّ؛ فخلق نور فاطمة الزهراء عليها السلام يومئذ كالقنديل، وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، من أجل ذلك سمّيت فاطمة «الزهراء». وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه، فقال الله: وعزّتي وجلالي، لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلي يوم القيامة

لمحبّي هذه المرأة وأبيها...».

إذن قد تبين من هذه الأخبار والأحاديث الشريفة الوجه من تسميتها بالزهراء فتارة لأشراق نورها للإمام علي عليه السلام وأخري لأن الأرض والسموات العلي زهرت من نورها، وتارة أخري نتيجة عبادتها ودخول نورها إلي بيوتات المدينة وإشعاع هذا النور علي جميع الناس آنذاك.

خجلاً من ن_ور ب_هجتها

تتواري الشمس بالشفق

وح__ياءً م_ن ش_مائلها

يتغطي الغصن ب_الورق

البتول

جرت عادة الباحثين والكاتبين حول حياة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها عند التعرض لاسمها المبارك (البتول) البحث حول قانون العلية والمعلولية كقانون وسنة ربانية جعلها الباريء عزوجل منذ الخلقة الاولي، فنجد أنه لا يوجد معلول دو علة مؤثرة فيه أو لا توجد أسباب إلا ولها مسبب حقيقي، وبعبارة أخري لا

[ صفحه 428]

يوجد أي شيء دون أن تكون له علة مؤثرة فيه، وعلي هذا الأساس نجد أن الكثير قد طعنوا في اسمها الذي نحن بصدد الوقوف معه في هذه الصفحات حيث يقتضي اسم البتول مخالفة قانون العلية كل ذلك لما لهذا الإسم (البتول) من معني مؤثر وفاعل علي طبيعة الحياة البشرية، ولو أن هؤلاء الذين وقفوا موقف التعنت لهذه الكرامة ولهذا المقام السامي وتأملوا في مراجعة القوانين الكونية والسنن الإلهية لوجدوا أن هناك الكثير من هذه القوانين قد خرقت وبتأييد من الله تعالي وهذا ما نجده من خلال مراجعة القرآن الكريم باعتباره المصدر الأول للتشريع الإسلامي ولقضايا المهمة التي ربما لا يوجد لها حل (ونزلنا القرآن تبياناً لكل شيء) أي لا يوجد شيء من الامور التي تعرض لنا في الحياة إلا وله أساس ومعرفة وبيان من القرآن الكريم، أما من الذي يستطيع إدراك هذا البيان

ومعرفته المعرفة الحقة فهذا ما نراه واضحاً بالرسول صلي الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده: ثم من بعد ذلك نرجع إلي الذين أوصي بهم الأئمة بالعودة اليهم بعد غيبة القائم عجل الله تعالي فرجه «وأما الحوادث الواقعة في زمن الغيبة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم)، إذن لا بد بالنتيجة النهائية أن نرجع إلي القرآن الكريم ونري هل ان هناك قوانين شذ عنها الكثير من الناس وحسب ما ارتضاه تبارك وتعالي؟

(نعم) بهذا القول سوف يجيبنا القرآن الكريم فثمة هناك شواهد واضحة البرهان جلية البيان، صريحة في معناها متقدة في مغزاها أثبتت من خلال واقعيتها مدي صحة مدركيتها فهذه النار التي جعلت لإبراهيم عليه السلام برداً وسلاماً وخالفت قوانين الطبيعة في سلوكها وخاصيتها المحرقة وهذه شجرة من يقطين أنبتت ليونس عليه السلام بعد أن نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم، مع العلم بأن حبة اليقطين تحتاج إلي مدة غير قصيرة، حتي تثبت وتورق وتستر بورقها جسم إنسان أو غير إنسان، وهكذا نجد في شذوذ الكثير من المسائل عن القوانين والسنن الإلهية، فهذه مريم مخالفة في ولادة عيسي عليه السلام من غير أب مسألة قانون التناسل البشري الطبيعي، وكذلك هناك طوائف عديدة وأمثلة واضحة تدل دلالة صريحة علي أنه هناك الكثير من القوانين قد خرقت بقدرة الله تعالي باعتباره هو مسبب الأسباب الطبيعي بل هو الجاعل لهذه السنن القدرة بهذه

[ صفحه 429]

الكيفية كل هذا المقال الذي قلنا به وبيّنا الشيء اليسير منه لكي نرجع إلي قضية فاطمة سلام الله عليها في كونها بتول منقطعة عن الحيض، فهل هذا اخلاف وتغير في قانون الطبيعة أم هي

كرامة من الله تعالي لها؟

وهل لهذه مسألة وجه يخرج عنه المتحير فكره إلي الصحيح من البيان؟ نعم نقول في فاطمة عليها السلام كانت بتول بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني وسبق أن قلنا أن هذه المسألة لم تكم الفريدة من نوعها، بل توجد شواهد قرآنية عليها ومن خلال أبسط استقراء للقرآن الكريم نري هذا الشيء الواضح.

أما بيان البتول والوقوف عليها، وبيان الوجه في ذلك فهذا ما سيظهر لنا من خلال مراجعة كتب اللغة والحديث والتاريخ لنري كيف كانت فاطمة سلام الله عليها بتول بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدلولات واضحة.

أما بيان معني هذه الكلمة من خلال مراجعة كتب اللغة فيظهر من خلال هذه الكتب أنه سئل أحمد بن يحيي عن فاطمة رضوا الله عليها بنت سيدّنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لم قيل لها: البتول؟ فقال: لا نقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الامّة عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً. وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلي الله عزّ وجلّ... وقيل: تبتيل خلقها انفراد كلّ شيء عنها بحسنه لا يتّكل بعضه علي بعض. قال ابن الأعرابيّ: المبتّلة من النساء: الحسنة الخلق، لا يقصر شيء عن شيء لا تكون حسنة العين سمجة الأنف، ولا حسنة الأنف سمجة العين، ولكن تكون تامّة [652] .

وقال ابن الأثير: وامرأة بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم: وبها سمّيت مريم أمّ المسيح عليهما السلام. وسمّيت فاطمة «البتول» لا نقطاعها من نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً. وقيل: لا نقطاعها عن الدنيا إلي الله تعالي [653] .

وقال الطريحي: والبتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قيل: سمّيت بذلك لانقطاعها إلي الله وعن

نساء زمانها فضلاً، وعن نساء الامّة فضلاً وحسباً وديناً [654] .

[ صفحه 430]

وورد عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: «سمّيت فاطمة بتولاً لأنّها تبتّلت وتقطّعت عمّا هو معتاد العورات في كلّ شهر، ولأنّها ترجع كلّ ليلة بكراً. وسمّيت مريم بتولاً لأنّها ولدت عيسي بكراً» [655] .

وعنه صلي الله عليه وآله وسلم: «وإنّما سمّيت فاطمة «البتول» لأنّها تبتّلت من الحيض والنفاس...» [656] .

وعن عليّ عليه السلام قال: «إن النبي صلي الله عليه وآله وسلم سئل: ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول: إنّ مريم بتول، وفاطمة بتول؟ فقال: البتول التي لن تر حمرةً قطّ، أي لم تحض، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء» [657] .

وعن عائشة قال: إذا اقبلت فاطمة كانت مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكانت لا تحيض قطّ، لأنّها خلقت من تفّاحة الجنّة، ولقد وضعت الحسن بعد العصر، وطهرت من نفاسها، فاغتسلت وصلّت المغرب [658] ...

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «إنّ ابنتي فاطمة حوراء، إذ لم تحض ولم تطمث» [659] .

وروي الحافظ أبو بكر الشافعي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «إبنتي حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث...» [660] ... الخ.

وروي ابن عساكر عن أنس بن مالك عن ام سليم قالت: لم تر فاطمة (رضي الله عنها) دماً في حيض ولا في نفاس [661] .

وروي الطبري عن أسماء بنت عميس قالت: قبلت: (أي ولدت) فاطمة بالحسن فلم أر لها في حيض ولا نفاس، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «أما علمت أن ابنتي طاهرة،

لا يري لها دم في طمث ولا ولادة» [662] .

[ صفحه 431]

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: حرّم الله النساء علي عليّ ما دامت فاطمة حيّة، لأنها طاهرة لا تحيض» [663] .

وفي كتاب «مولد فاطمة عليها السلام» لابن بابويه، يرفعه إلي أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقد كنت شهدت فاطمة إنّ فاطمة خلقت حوريّة في صورة إنسيّة [664] .

وعن أبي جعفر عليه السلام، عن آبائه: قال: «إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد «الطاهرة» لطهارتها من كلّ دنس، وطهارتها من كلّ رفث، وما رأت قطّ يوماً حمرةً ولا نفاساً» [665] .

أقول: يظهر من التأمل في كلمات أصحاب الصحاح من أهل اللغة والبيان أنهم حملوا معني الانقطاع بالنسبة للفظ البتول محملاً جيداً وفسروه بأنه انقطاع عن نساء زمان فاطمة سلام الله عليها من ناحية العفة والفضل والدين والحسب، وكذلك حملوه علي الزهد عن الدنيا وانقطاعها سلام الله عليها عن الدنيا وهذه المعاني التي حملوا اسم البتول عليها وان كانت جيدة ومفيدة وواضح من خلال السليقة العربية ومفاهيمها إلا واقع الحال والمقام لا يساعد علي هذا الحمل ولا يظهر فيه نتيجة وجود مرجحات وشواهد وقرائن واضحة لمن أراد استقصاءها في معني اسم البتول، وخير شاهد علي هذه القرائن هو ما قدمناه من الروايات الواردة في المقام من الخاصة والعامة، فهي أفضل دليل علي أن المراد من كلمة واسم البتول هو ما أطلقت وبينت الروايات الشريفة، فالمقول الذي نقول به ونرجحه علي كلمات أهل اللغة في معني البتول في انه هذا الاسم ظاهر في التي لم تر حمرة قط ولم تحض أبداً وهو الذي

يساعد عليه المقام فتأمل في هذه الروايات المباركة.

أما ما يظهر من كلمات بعض الذين وقفوا موقف المتحير ولا يجد أي طريق لحل هذه المعضلة والتي حسب آرائهم انها مخالفة لنظام العلل والمعاليل والأسباب، وان

[ صفحه 432]

قصية أن فاطمة سلام الله عليها لا تري الدم ولا الحيض وأمثال هذه القذارة، فحسب قولهم انها مخالفة لحديث الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: «أبي الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها فجعل لكل شيء سبباً» وذلك من جهة خروجها عن هذا النظام الأكمل في الطبيعة فنقول: قد تبين الحال من خلال مراجعة القرآن الكريم وان الكثير من الشواهد القرآنية تدل دلالة قطعية علي أن الله تعالي قد تصرف في ملكه وقهر الكثير من القواعد المطردة في الطبيعة الكونية «ذلت لقدرتك الصعاب وتسببت بلطفك الأسباب» «ويا مسبب الأسباب من غير سبب».

وقد علق المحقق الهمداني [666] علي هذه المسألة ببيان واضح ذو فائدة جلية ومضامين عالية وغير مخالفة لما هو الأساس من هذه المسألة حيث قال:

توجد في القرآن الكريم طائفة من القصص والوقائع والحوادث لا يساعد عليها جريان العادة المشهورة في عالم الطبيعة علي نظام العلّة والمعلول المعهودة، كحمل مريم سلام الله عليها، فإنّها مع أنّه لم تمسسها بشر حملت بولدها عيسي عليه السلام، وكحمل سارة بإسحاق عليه السلام مع أنّها كانت عجوزاً، وكحمل امرأة زكريّا بيحيي مع أنّها كانت عاقراً، وأمثال ذلك في العجزات وخوارق العادات التي يثبتها القرآن لعدّة من الأنبياء الكرام كمعجزات نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وداود وسليمان وموسي وعيسي ومحمد عليهم السلام، فإنّ كلّ ذلك امور خارقة للعادة.

فبعد هذا البيان يظهر للقارئ الكريم بطلان ما يقال: إنّ

الحيض في النساء من لوازم الخلقة، فخلوّ المرأة عنه نقص، وإنّ العادة الشهريّة علامة وسبب للولادة؛ لأنّا نقول: ليس الخروج من مضايق الطبيعة نقصاً بل ربما يكون كرامة يا لها من كرامة! علي أنّ الحيض بنفسه قذارة ورجس، كما قال الله عزّ وجلّ (قل هو أذيً) أي قذارة يتأذّي منها، فإنّ المرأة حين حدثت لها العادة الشهريّة تنفعل وتخجل وتنكسر ولا ترضي أن تصرّح بها لكلّ أحد وإن كان أمسّ الناس إليها من الرجال والنساء، وقد تحدث فيها ضعف، ومن ذلك سقطت عنها في هذه الأيّام الصلاة والصوم، وحرم عليها اللبث في

[ صفحه 433]

المساجد، وغير ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الفقه، حتّي حين حاضت صارت ناقصة الإيمان كما نبّه عليه الإمام عليّ عليه السلام بقوله: «فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصلاة والصيام في أيّام حيضهنّ» [667] .

فعل هذا: إنّ الل عزّ وجلّ تفضّل علي سيّدة النساء فاطمة البتول العذراء سلام الله علهيا بالولادة الكاملة من دون رؤية هذه القذارة. وهذا فضيلة سامية لها، وتطهير زائد في ذاتها سلام الله عليها. وإنّ الله عزّ وجلّ لا يرضي أن تتلوث سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين بهذه القذارة أو غيرها ظاهرة كانت أو باطنة، كما قال في حقّها: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)؛ وعن النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم: يا حميراء إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميّين لا تعتلّ كما يعتللن [668] .

[ صفحه 437]

فدك عنوان الولاية

اشاره

لبعض أشراف مكة [669] .

ما لعيني قد غ_اب ع__نها ك_راه_ا [670]

وع__راه__ا م__ن ع_برةٍ م_اعراها

ألدارٍ ن_____عمت ف____يها زم__اناً

ث___م ف__ارقتها

ف__لا أغش___اها

أم لح__يّ ب__انوا ب____اقمار ث__مً

ي__تجلّي الدج_ي ب____ضوء س_ناها

ح_اش لله لس___ت أط___مع ن__فسي

أخ__ر الع_مر ف_ي اتّ_باع ه__واه_ا

بل بك_ائي لذك_ر م____ن خ_صّها الله

ت___عالي ب____لطفه واج____تباها

خ____تم الله رس____له بأب____يها

واص___طفاه لوح__يه واص___طفاها

وح___باها ب____السيّدين الزك___يين

الأم__امين ح__نه ح___ين ح___باها

ولفكري ف___ي الص___احبين الّ__لذين

اأم___امين م__نه ح__ين ح___باها

م__نعا ب_علها م_ن الع__هد والع___قد

وك____ان الم____نيب والأوّاه___ا

واس____تبدّا بأم___رةٍ دبّ___راه__ا

ق__بل دف__ن الن___بيّ وان___تهزاها

وأتت ف__اطم ت___طالب ب____الأرث

م__ن الم___صطفي ف__ما ورث__اها

ليت ش__عري ل__م خ_ولفت س___نن

الق__رآن ف___يها والله ق_د أب_داه__ا

نس_خت آي__ة الم____واريث م__نها

أم ه__ما ب__عد ف__رضها ب___دّلاها

ق___الا أب____وك ج___اء ب__هذا

ح__جة م___ن ع___نداهم ن_صباها

ق____ال للأن____بياء حك__م بأن لا

ي__ورثوا ف__ي الق_ديم وان_تهراه__ا

أف__بنت الن__بيّ لم ت___در إن ك__ا

ن ن____بيّ اله__دي ب__ذلك ف__اها

بضعة من م_حمدٍ خ_الفت م_ا ق___ال

ح____اشا م____ولاتنا ح___اشاها

س___معته ي__قول ذاك وج____اءت

ت___طلب الارث ض__لة وس___فاها

ه__ي ك___انت لله أت__قي وك__انت

اف__ضل الخ___لق ع__فّةً ون__زاها

أو ت_قول الن_بيّ ق_د خ_الف الق____ر

آن وي_ح الأخ__بار م__من رواه___ا

سل بإبطال ق_ولهم س___ورة الن___مل

وس___ل م__ريم الت__ي ق_بل ط__ه

[ صفحه 438]

ف__هما ي__نبئان ع__ن إرث ي_حيي

وس____ليمان م___ن أراد ان__تباها

ف_دعت واش_تكت إلي الله م____ن ذا

ك وف___اضت ب__دمعها م___قلتاها

ث_مّ ق_الت ف_نحلة لي م____ن والدي

الم___صطفي ف___لم ي____نحلاها

فأق__امت ب__ها ش__هوداً ف___قالوا

ب___علها

ش___اهد له__ا واب__ناها

لم يجيزوا شهادة ابني رس_____ول الله

ه____ادي الأن___ام إذ ن__اصباها

لم يك__ن ص___ادقاً ع___لي ولاف_ا

ط___مة ع___ندهم ولا ول___داها

ك___ان أت__قي لله م___نهم ف__لان

ق__بح الق__ائل الم__حال وش__اها

ج___رّعاها م__ن ب__عد والده___ا

الغ_يض م_راراً ف_بئس م_اج_رعاها

ليت ش__عري م__ا ك__ان ض__رّهما

الح_فظ لع_هد الن_بيّ لو ح___فظاها

ك__ان إك_رام خ_اتم الرّس__ل اله__ا

دي البش___ير الن__ذير لو اك__رماها

ولو اب___تيع ذاك ب__الثمن الغ____ا

لي لما ض_اع ف_ي اتّ_باع ه_واه__ا

ولك___ان الج____ميل أن ي__قطعاها

ف___دكاً لا الج__ميل أن ي__قطعاها

أت__ري المس__لمين ك__انوا ي__لومو

ن__هما ف___ي الع_طاء لو أع_طياها

ك__ان ت__حت الخ_ضراء ب_نت ن_بيّ

ص__ادقٍ ن_اطقٍ أم__ين س_واه__ا

ب__نت م___ن أمّ م__ن ح_ليلة م_ن

وي__ل لم__ن س___نّ ظلمها وأذاها

قل لنا أي_ها الم_جادل ف_ي الق____ول

ع____ن الغ__اصبين إذ غ__صباها

أه__ما م__ا تعمّداه__ا ك_ما ق__لت

ب____ظلم ك__لاّ ولا اه__تضم_اها

ف___لماذا إذ ج____هزت لل____قاء

لله ع__ند الم__مات لم ي_حضراه__ا

ش__يعت ن___عشها ملائكة الرح__من

رف___قاً ب___ها وم__ا ش___يعّاها

ك_ان زه_داً ف_ي أج_رها أم ع___ناداً

لأب____يها الن____بيّ لم ي___تبعاها

أم لأنّ الب_________تول أوصت بألا

يش__هدا دف__نها ف__ما ش__هداه__ا

أغ__ضباها وأغ_ضبا ع___ند ذاك الله

ربّ الس_____ماء إذ أغ____ضباها

وك____ذا أخ____بر الن____بي بأنّ

الله ي__رضي س__بحانه لرض___اها

لا ن____بيّ اله___دي أط___يع ولا

ف___اطمة أك___رمت ولا حس__ناها

ولأيّ الام____ور ت____دفن س__رّاً

بضعة الم_صطفي وي_عفي ث_راه___ا

[ صفحه 439]

فدك عنوان الولاية

قد تعرض الكثير من الباحثين والمحققّين

لقضية فدك وكتبت أقلامهم الشريفة في ما يتعلق بها من أمور عقائدية وولائية أفضل وأروح الكتب والتحقيقات سواء كانت هذه المؤلفات من الأفذاذ من العلماء الدينيين وكتّاب الشيعة المخلصين أو الذين تنورت بصيرتهم بنور الإيمان من جمهور العامة، حيث تعتبر هذه الكتب من روائع التراث الأسلامي عبر مرّ السنين والدهور، وفي خضم الأحداث إلي وقتنا الحاضر في أرث الزهراء عليها السلام خاصة والولاية لعلي عليه السلام بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم عامة، ويدافعون عن الباطل ويمدههم الشيطان بطغيانهم لحرف المسلمين عن الطريق المستقيم، والمحجة البيضاء بولاية عليّ و أولاده الأئمة الاطهار عليهم السلام.

فمن هذا المنطلق كان لابدلنا من وقفة يسيرة من عنوان الولاية والحق السليب من أهل بيت النبوة عليهم السلام تلك هي فداك التي جاءت لتعبر عن معاني الولاء أو البراءة بالنسبة للذين يقفون في سدة الحكم الإسلامي إذ بان رحلة النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم، وفدك قرية بالحجاز، بينهما وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة، أفاءها الله إلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم في سنة «سبع» صلحاً، وذلك أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لما نزل خيبر وفتح حصونها، ولم يبق إلا ثلاث واشتد بهم الحصار، راسلوا رسول الله يسألونه أن ينزلهم علي الجلاء وفعل، وبلغ ذلك من أهل فدك، فأرسلوا الي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يصالحهم علي النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلي ذلك، فهي ممالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فيها عين خوارة ونخيل كثير، وهي التي أقطعها رسول الله فاطمة صلوات الله عليها [671] ولقد نزلت الآيات القرآنية الكريمة علي قلب

الرسول الأكرم كي تثبت حقيقة خالدة علي من العصور ألا وهي منح فاطمة الزهراء فدكا

وعلي لسان القرآن الكريم، لذلك تعتبر فدك منحة ربانية قبل أن تكون هدية نبوية، حيث جاء قوله تعالي: (وما أفاء الله علي رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله علي من يشاء والله علي كل شيء قدير ما أفاء الله علي رسوله من أهل القربي فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل لكيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ان الله شديد العقاب) [672] . ليكون دليلاً علي أنّ قوله تعالي «وآت ذا القربي حقه» هو كون فدك للصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام، ولقد أيدت هذا القول الكثير من الكتب الواردة في تفسير قوله تعالي «وآت ذا القربي حقه» منها كشف الغمة [673] وتفسير العياشي [674] وكتاب تأويل الآيات [675] وتفسير مجمع البيان [676] وتفسير فرات [677] ، حيث أجمعت جميع هذه الكتب أنّ فدك هبة من الله تعالي في القرآن الكريم وعلي لسان الرسول لفاطمة عليها السلام، والذي يظهر من جميع هذه الكتب ان فدك لفاطمة ولعقبها من بعدها أي للائمة عليهم السلام، ولقد غصبت فدك ظلماً وعدواناً بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم، أما الشاهد علي كونها هبة من الله تعالي ما روي في تفسير الإمام الرضا عليه السلام، في مسألة اصطفاء أهل البيت في الكتاب العزيز في أثني عشر موطناً... قال عليه السلام: والآية الخامسة: قول الله عزوجل: (وآت ذي القربي حقه)؛ خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها، واصطفاهم علي الأمة؛ فلما نزلت هذه الآية علي رسول الله صلي الله

عليه وآله وسلم قال أدعوا إليّ فاطمة، فدعيت له: «فقال، قالت: لبيك يا رسول الله. فقال: هذه فدك، هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة، دون المسلمين، قد جعلتها لك لما أمرني الله تعالي به، فخذيها لك ولي ولدك» [678] .

[ صفحه 441]

ولكن القوم لم يتحملوا أن تكون فدك خالصة لأهل بيت النبوة بل شحت عليها أنفس القوم، وإلي ذلك أشار الإمام علي عليه السلام في رسالته لابن حنيف: «بلي كانت في أيدينا فدك من كل ما أضلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم الله» [679] ، والذي يظهر من جميع الروايات الواردة في المقام: إن فدك كانت فيئاً أفاءها الله علي نبيه خاصة دون المسلمين لانه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله تعالي: (وآت ذي القربي حقه) فقال صلي الله عليه وآله وسلم لجبرائيل عليه السلام ومن ذا القربي؟ وما حقه؟: أعط فاطمة فدكاً، فأعطاها حوائط فدك، ومالله ولرسوله فيها فدعا حوائط فدك، وما الله ولرسوله فيها فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة عليهم السلام وقال لها عليه السلام: إن الله قد أفاء علي أبيك فدكاً، واختصه بها، فهي لي خاصة دون المسلمين، أفعل بها ما أشاء. وقال: كان لأمك خديجة علي أبيك مهر وأنّ أباك قد جعل فدك لك بذلك.

أقول: يظهر من هذا الكلام أنّ مسألة المهر الحاضر للزوجة يكون في ذمة الرجل في حالة عدم دفعه بعد وفاة الزوجة ولابد من أعطاءه للورثة الذين هم أبناء الزوجة لذا كانت فاطمة وريثة أمها خديجة في مهرها فأعطاها فدك في قبال ذلك، هذا مانستفيده من خلال الرواية وقال

صلي الله عليه وآله وسلم: نحلتكها لتكون لك ولولدك من بعدك فخذيها، وقال صلي الله عليه وآله وسلم: أكتب لفاطمة نحلة من رسول الله.

وبالجملة فرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أعطاها حقها بأمر الله فدكاً، فكانت لها من الله تعالي وقد جعلها في حياته لها نحلة، وأشهد علي ذلك أمير المؤمنين وأم أيمن. وقالت فاطمة عليها السلام: لست أحدث فيها حدثاً وأنت حي، أنت أولي بي من نفسي ومالي لك ثم قالت في احتجاجها عليها السلام في مسجد النبي صلي الله عليه وآله وسلم: هذا كتاب رسول الله أوجبها لي ولولدي دون احتجاجها عليها السلام في مسجد النبي صلي الله عليه وآله وسلم: هذا كتاب رسول الله أوجبها لي ولولدي دون المؤمنين، وعلي كل فليس في الروايات في تعيين من له فدك، ذكر علي أو ما يشعر بأن فدكاً له وهو أول الأئمة، أو لخصوص الأئمة من ولد الحسين عليه السلام، أو للامامة ومن يتصدي لها، بل هي عطية ونحلة وهبها وأعطاها النبي صلي الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام لذي قربي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في اليوم، وهم فاطمة وولديها الحسن والحسين عليهم السلام كما

[ صفحه 442]

دعاهم واعطاها لتكون لفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ولا إختصاص في عقب فاطمة عليها السلام بالأئمة من ولد الحسين دون الحسن عليهم السلام، وبعد فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام تكون ميراثاً لعقب الحسن والحسين عليهم السلام.

ثمّ قالت فنحلة لي م_ن والدي

الم__صطفي ف__لم ي_نحلاها

فأقامت ب_ها ش_هوداً ف_قالوا

ب__علها ش_اهد له_ا واب_ناها

لم يجيزوا شهادة ابني رسول

الله هادي الان_ام

إذ ن_اصباها

اخراج عمال فاطمة من فدك

وردت عدة أحاديث وروايات أثبتت حقيقة واضحة البرهان [680] جليلة البيان وهي أنه لما بويع أبو بكر، واستقام له الأمر علي جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلي فدك وأخرج وكيل فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منها، فجاءت فاطمة عليها السلام مستعدية فطالبها بالبينة؛ فجاءت بعلي والحسنين صلوات الله عليهم وأم أيمن المشهود لها بالجنة، فرد شهادة أهل البيت عليهم السلام بجرّ النفع وشهادة أم أيمن بقصورها عن نصاب الشهادة ثم أدعتها علي وجه الميراث، فغضبت عليه وعلي عمر فهجرتهما، واوصت بدفنها ليلاً، لئلاً يصلّيا عليها فاسخطا بذلك ربّهما ورسوله، واستحقا اليم النكال، وشديد الوبال، ثم لما انتهت الإمارة إلي عمر بن عبد العزيز ردّها علي بني فاطمة عليهم السلام، ثم انتزعها منهم يزيد بن عبدالملك، ثم دفعها السفاح الي الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، ثم أخذها المنصور، ثم اعادها المهدي، ثم قبضها الهادي، ثم ردها المأمون لما جاءه رسول بني فاطمة، فنصب وكيلاً من قبلهم وجلس محاكماً فردها عليهم، وفي ذلك يقول دعبل الخزاعي:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

ب__رد مأم_ون ه_اشماً ف_دكا

[ صفحه 443]

خطأ الخليفة الأول

ولنبين خطأ أبي بكر في تلك القضية مع وضوحها بوجوه:

أما أن فدكاً كانت لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فمما لا نزاع فيه، وقد أوردنا من رواياتنا وأخبارنا للمخالفين مافيه كفاية ونزيده وضوحاً بما رواه في جامع الأصول: مما أخرجه من صحيح «أبي داود» عن عمر، قال:

إنّ أموال بني النضير مما أفاء الله علي رسول مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صلي الله عليه وآله

وسلم خاصة قري عرينة وفدك عرينة وفدك وكذا وكذا ينفق علي أهله منها نفقة سنتهم، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله وتلا: (ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول) الآية.

وروي أيضاً: عن مالك بن أوس قال: كان فيما احتج به عمر أن قال: كانت لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك، إلي آخر الخبر.

وروي ابن أبي الحديد: قال أبو بكر: حدّثني أبو زيد عمر بن شبّه، قال: حدثنا حيان ابن بشير، قال: حدثنا يحيي بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة [681] ، عن محمد ابن إسحاق، عن الزهري، قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا؛ فسألوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم، ففعل، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا علي مثل ذلك، وكانت للنبي صلي الله عليه وآله وسلم خاصة، لانه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب «قال»: قال أبوبكر: وروي محمد بن اسحاق أيضاً: إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فصالحوه علي النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق، أو بعد ما قدم المدينة [682] ، فقبل ذلك منهم وكانت فدك لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خالصة له، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، قال: وقد روي انه صالحهم عليها كلّها، الله أعلم أيّ الأمرين كان، انتهي.

وسيأتي اعتراف عمر بذلك في تنازع عليّ عليه السلام والعباس؛ وأما أنّه وهبها لفاطمة عليها السلام

[ صفحه

444]

فلأنّه لاخلاف في أنّها صلوات الله عليها ادّعت النحلة مع عصمتها بالأدلة المتقدمة، وشهد له من ثبت عصته بالأدلة الماضية والآتية والمعصوم لا يدّعي، إلاّ الحقّ ولا يشهد إلاّ بالحقّ ويدور الحقّ معه، حيثما دار؛ وأمّا انها كانت في يدها صلوات الله عليها فلأنّها ادعتها بعد الوفاة صلي الله عليه وآله وسلم علي وجه الاستحقاق وشهد المعصوم بذلك لها، فإن كانت الهبة قال الموت تبطل بموت الواهب، كما هو المشهود، ثبت القبض وإلاّ فلا حاجة إليه في إثبات المدّعي.

قد مرّ من الأخبار الدالّة علي نحلتها وانّها كانت في يدها عليها السلام مايزيد علي كفاية المنصف بل يسدّ طريق إنكار المتعسف، ويدّل علي أنها كانت في يدها صلوات الله عليها ما ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلي عثمان بن حنيف، حيث قال: «بلي عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله «وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غير جدث!» [683] .

وأمّا أنّ أبا بكر وعمر أغضبا فاطمة عليها السلام فقد اتضح بالاخبار المتقدمة، ثم اعلم أنا لم نجد أحداً من المخالفين أنكر كون فدك خالصة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في حياته، ولا أحداً من الأصحاب طعن علي أبي بكر بإنكاره ذلك، إلاّ ما تفطّن به بعض الافاضل من الاشارف، من أنه يظهر من أخبار المؤالف والمخالف ذلك. وقد تقدم ما رواه ابن ابي الحديد في ذلك، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري وغيرها من الأخبار،

[ صفحه 445]

ولا يخفي، ان ذلك يتضمن إنكار الآية وإجماع المسلمين: إذ القائل:

إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يصرف شيئاً من غلّة فدك

وغيره من الصفايا في بعض مصالح المسلمين، لم يقل بأنها لم تكن لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، بل قال: بأنه فعل ذلك علي وجه التفضّل وابتغاء مرضاة الله، وظاهر الحال أنه أنكر ذلك دفعاً لصحة النحلة، فكيف كان يسمع الشهود علي النحلة مع ادّعائه أنها كانت من أموال المسلمين.

واعتذر المخالفون من قبل أبي بكر بوجوه سخيفة:

الأول: منع عصمتها صلوات الله عليها، وقد تقدمت الدلائل المثبتة لها.

الثاني: أنه لو سلم عصمتها، فليس للحاكم أن يحكم بمجرد دعواها، وإن تيقن صدقها، وأجاب أصحابنا بالادلة الدالة علي أن الحاكم يحكم يعلمه؛ وأيضاً اتّفقت الخاصة والعامة علي رواية قصة خزيمة بن ثابت وتسميته بذي الشهادتين لما شهد للنبي صلي الله عليه وآله وسلم بدعواه، ولو كان المعصوم كغيره لما جاز النبي صلي الله عليه وآله وسلم قبول شاهد واحد والحكم لنفسه، بل كان يجب عليه الترافع إلي غيره، وقد روي أصحابنا:

أن أمير المؤمنين عليه السلام خطّا شريحاً في طلب البينّة، وقال: إن إمام المسلمين يؤتمن من امور علي ماهو أعظم من ذلك، وأخذ ما ادّعاه من درع طلحة بغير حكم شريح، والمخالفون، حرّفوا هذا الخبر وجعلوه حجة لهم، واعتذروا بوجوه اخري سخيفة لا يخفي علي عاقل بعد ما أوردنا في تلك الفصول ضعفها ووهنها، فلا نطيل الكلام بذكرها.

بطلان دعوي عدم توريث الأنبياء

ستدل أصحابنا علي بطلان ذلك بآي من القرآن الكريم منها: قوله تعالي مخبراً عن زكريا عليه السلام: (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولّياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً) قوله تعالي: «ولياً» أي: ولداً يكون أولي بميراثي، وليس المراد بالواليّ من يقوم مقامه ولداً كان أو

غيره، لقوله

[ صفحه 446]

تعالي حكاية عن زكريّا (ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة).وقوله (ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير المؤمنين - فاستجبنا له ووهبنا له يحيي)، والقرآن يفسّر بعضه بعضاً، واختلف المفسرون في أن المراد بالميراث العلم أو المال فقال ابن عباس والحسن والضحاك: أن المراد به في قوله تعالي: «يرثني» وقوله سبحانه: (ويرث من آل يعقوب) ميراث المال. وقال أبو صالح: المراد به في الموضعين ميراث النبوة.

وقال السدي ومجاهد والشعبي: المراد في الأول: ميراث المال، وفي الثاني: ميراث النبوة، وحكي هذا القول عن ابن عباس والحسن والضحاك.

وحكي عن مجاهد، أنه قال: المراد من الأول: العلم، ومن الثاني: النبوة.

وأما وجه دلالة الآية علي المراد فهو أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة والعرف إذا اطلق ولم يقيد، لا يفهم منه إلاّ الأموال ومافي معناها، ولا يستعمل في غيرها إلاّ مجازاً، وكذا لا يفهم من قول القائل: «لا وارث لفلان» إلاّ من ينتقل إليه وأمواله وما يضاهيها دون العلوم وما يشاكلها، ولا يجوم العدول، عن ظاهر اللفظ وحقيقة إلاّ لدليل، فلو لم يكن في الكلام قرينة توجب حمل اللفظ علي أحد المعنيين، لكفي في مطلوبنا، كيف والقرائن الدالة علي المقصود موجودة في اللفظ.

أما أوّلاً: فلأنّ زكريا عليه السلام اشترط في وارثه أن يكون رضياً، وإذا حمل الميراث علي العلم والنبّوة لم يكن الإشتراط معني، بل كان كان لغواً عبثاً، لأنّه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم والنبوة فقد دخل في سؤاله الرضا، وما هو أعظم منه، فلا معني لاشتراطها، ألا تري أنه لا يحسن أن يقول أحد: اللهم ابعث إلينا نبياً واجعله مكلفاً عاقلاً.

وأما تري

أنه لا يحسن الخوف من بني العمّ ومن يحذر حذوهم يناسب المال دون النبوة والعلم، وكيف يخاف مثل زكرياً عليه السلام من أن يبعث الله تعالي إلي خلقة نبياً يقيمه مقام زكرياً ولم يكن أهلاً للنبوة والعلم سواء كان من موالي زكرياً أو من غيرهم؛

علي أن زكرياً عليه السلام كان إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس، فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته؛ فإن قيل: كيف يجوز علي مثل زكرياً عليه السلام الخوف من أن يرث الموالي ماله، وهل هذا إلاّ الشحّ والبخل؟

قلنا: لمّا علم زكرياً عليه السلام من حال الموالي أنهم من أهل الفساد، خاف أن ينفقوا أمواله

[ صفحه 447]

في المعاصي، ويصرفوه في غير الوجوه المحبوبة، مع أنّ في وراثتهم ماله كان يقوي فسادهم وفجورهم، فكان خوفه خوفاً من قوة الفسّاق، وتمكنهم في سلوك الطرائق المذمومة وانتهاك محارم الله عزّ وجلّ، وليس مثل ذلك من الشحّ والبخل؛

فإن قيل: كما جاز الخوف علي المال جاز الخوف علي وراثتهم العلم، لئلاّ يفسدوا به الناس ويضلّوهم، ولا ريب في أنّ ظهور آثار العلم كان فيهم من دواعي إتباع الناس وإياهم وانقيادهم لهم؟

قلنا: لا يخلو هذا العلم الذي ذكرتموه من أن يكون هو كتب علمية وصحف حكمية، لأنّه قد يسمي علما مجازاً، أو يكون هو العلم الذي يملأ القلوب وتعيه الصدور؛

فإن كل الأوّل، فقد رجع إلي معني المال، وصح أن الأنبياء عليهم السلام يورثون الاموال وكان حاصل خوف زكرياّ عليه السلام أنه خاف من أن ينتفعوا ببعض أمواله نوعاً خاصاً من الإنتفاع، فسأل ربّه ان يرزقه الولد حذراً من ذلك؛

وإن كان الثاني:

فلا يخل أيضاً من أن يكون هو العلم، الّذي بعث النبي لنشره وأدائه إلي الخلق، أو أن يكون علماً مخصوصاً لا يتعلق بشريعة، ولا يجب إطلاع الأمة عليه كعلم العواقب وما يجري في مستقبل الأوقات ونحو ذلك. والقسم الأول: لا يجوز أن يخاف النبي من وصوله إلي بني عمّه، وهم من جملة امته المبعوث إليهم لأن يهديهم ويعلمهم وكان خوفه من ذلك خوفاً من غرض البعثة.

والقسم الثاني: لا معني للخوف من أن يرثوه إذ أمره بيده، ويقدر علي ن يليقه إليهم ولو صحّ الخوف علي القسم الأوّل لجري ذلك فيه أيضاً فتأمل.

هذا خلاصة ما ذكره السيّد المرتضي رضي الله عنه في الشافي عند تقرير هذا الدليل وما أورده عليه من تأخّر عنه يندفع بنفس التقرير، كما لا يخفي علي الناقد البصير فلذا لانسوّد بإيرادها الطوامير.

الآية الثانية: قوله تعالي: (وورث سليمن داود) وقال: (يا أيها الناس علّمنا منطق الطير واوتينا من كلّ شيء إن هذا لهو الفضل المبين) وجه الدلالة هو أنّ المتبادر من قوله تعالي ورث: أنّه ورث ماله كما سبق في الآية المتقدمة، فلا يعدل عنه إلاّ لدليل؛

[ صفحه 448]

وأجاب قاضي القضاء في المغني: بأن في ما يدل علي أن المراد وراثة العلم دون المال، وهو قوله تعالي: وقال: (يا أيّها الناس علّمنا منطق الطير)، فإنه يدل علي أنّ الّذي ورث هو هذا العلم وهذا الفضل، وإلاّ لم يكن لهذا تعلّق بالاول؛

وقال الرازي في تفسيره: لو قال تعالي ورث سليمن داود ماله لم يكن لقوله تعالي وقال: (يا أيها الناس علّمنا منطق الطير) معني، وإذا قلنا: ورث مقامه من النبوّة والملك حسن ذلك، لانّ علم

منطق الطير يكون داخلاً في جملة ماورثه، وكذلك قوله: (واوتينا من كل شيء) لأن وارث العلم يجمع ذلك، ووارث المال لا يجمعه، وقوله: (إنّ هذا لهو الفضل المبين) يليق أيضاً بما ذكر دون المال، الّذي يحصل للكامل والناقص. وما ذكره الله تعالي من جنود سليمان بعده، لا يليق إلاّ بما ذكرنا فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنّه لا يورث إلاّ المال فأما إذا ورث المال والملك معاً؛ فهذا لا يبطل بالوجوه الّذي ذكرنا بل بظاهر قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»؛

وردّ السيّد المرتضي رضي الله عنه في الشافي كلام المغني بأنّه: لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصّة، ثمّ يقول مع ذلك إنّا علّمنا منطق الطير ويشير بالفضل المبين إلي العلم والمال جميعاً، فله في الأمرين جميعاً فضل علي من لم يكن كذلك؛ وقوله: (وأوتينا من كلّ شيء) يحتمل المال كما يحتمل العلم، فليس بخالص لما ظنه ولو سلّم دلالة الكلام لما ذكره، فلا يمتنع، أن يريد أنه ورث المال بالظاهر والعلم بهذا النوع من الإستدلال، فليس يجب إذا دلّت الدلالة في بعض الألفاظ علي المجاز أن نقتصر بها عليه، بل يجب ان نحملها علي الحقيقة التي هي الأصل، إذا لم يمنع من ذلك مانع؛ وقد ظهر بما ذكره السيد قدس سره، بطلان قول الرازي أيضاً، وكان القاضي يزعم أنّ العطف لو لم يكن للتفسير لم يكن للمعطوف تعلق بما عطف عليه، وانقطع نظام الكلام وما اشتهر من أن التأسيس أولي من التأكيد، من الأغلاظ المشهورة، وكان الرازي يذهب إلي أنّه لامعني للعطف، إلاّ إذا كان المعطوف داخلاً في المعطوف عليه، فعلي أي شيء يعطف حينئذ قوله تعالي:

(وأوتينا من كل شيء) فتدبروا: أمّا قوله: أنّ المال يحصل للكامل والناقص، فلو حمل الميراث علي المال لم يناسب قوله: (إن هذا الفضل المبين) فيرّد عليه:

أنّه إنما يستقيم إذا كانت الإشارة إلي أوّل الكلام فقط، وهو وراثة المال وبعده ظاهر،

[ صفحه 449]

ولو كانت الإشارة إلي مجموعة الكلام كما هو الظاهر أو إلي أقرب الفقرات؛ أعني قوله: (واوتينا من كل شيءٍ) لم يبق لهذا الكلام مجال؛ وكيف لا يليق الإشارة دخول المال في جملة المشار إليه وقد منّ الله تعالي علي عباده، وفي غير موضع من كلامه المجيد بما أعطاهم في الدنيا من صنوف الأموال وأوجب علي عباده الشكر عليه، فلا دلالة فيه علي عدم إرادة وراثة المال سواء كان من كلام سليمان أو من كلام المالك المنّان؛ وقد ظهر بذلك بطلان قوله أخيراً إنّ كلام سليما أو من كلام المالك المنّان؛ وقد ظهر بذلك بطلان قوله أخيراً إنّ ما ذكره الله من جنود سليمان لا يليق إلاّ بما ذكرنا، بل الاظهر أنّ حشر الجنود من الجن والإنس والطير قرينة علي عدم إرادة الملك من قوله: (ورث سليمان داود) فإنّ تلك الجنود لم تكن لداود حتّي يرثها سليمان، بل كانت عظّية مبتدئاة من الله تعالي لسليمان عليه السلام، وقد أجري الله تعالي علي لسانه أنّه أخبر الإعتراف بأنّ ما ذكره لا يبطل قول من حمل الآية علي وارثةالملك معاً فإنّه يكفينا في إثبات المدّعي؛

وسيأتي الكلام في الحديث الّذي تمسّك به.

الآية الثالثة: ما يدّل علي وارثة الاولاد والأرقاب، كقوله تعالي: (للرجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ نصيب أو كثر مفروضاً) وقوله

تعالي: (وصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأثنين) وقد اجتمعت الأمّة علي عمومها إلاّ من أخرجه الدليل، فيجب أن يتمسك بعمومها إلاّ إذا قامت دلالة قاطعة؛ وقد قال سبحانه عقيب آيات الميراث: (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك هو الفوز العظيم - ومن يعص الله و رسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين)؛ ولم يقل دليل علي خروج النبي صلي الله عليه وآله وسلم من قوله: نحن معاشر الانبياء لا نورث، ما تركناه صدقة؛

قال صاحب المغني: لم يقتصر أبو بكر علي رواية حتّي استشهد عليه عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف، فشهدوا به فكان لا يحل لأبي، وقد صار الأمر إليه أن يقسم التركة ميراثاً، وقد أخبر الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بأنّها صدقة وليس بميراث؛ وأقلّ ما في الباب أن يكون الخير من أخبار الآحاد، فلو أنّ شاهدين شهدا

[ صفحه 450]

في التركة أنّ فيها حقّاً، أليس كان يجب أن يصرفه عن الإرث؟ فعلمه بما قال الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مع شهادة غيره أقوي، ولسنا نجعله مدعياً، لأنّه لم يدّع ذلك لنفسه وإنّما بين أنه ليس بميراث، وأنه صدقة ولا يمتنع تخصيص القرآن بذلك كما يخص في العبد والقاتل وغيرهما.

ويرد عليه: أنّ الإعتماد في تخصيص الآيات، إمّا علي سماع أبي بكر ذلك الخبر من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويجب علي الحاكم ان يحكم بعمله؛ وإما علي شهادة من زعموهم شهوداً علي الرواية، أو علي مجموع الأمرين، أو علي سماعه من حيث الرواية منع انضمام الباقين

إليه؛ فإن كان الأول فيرد عليه بوجوه من الايراد عليه:

الأول: ما ذكره السيّد رضي الله عنه في «الشافي» من أنّ أبا بكر في حكم المدّعي لنفسه والجار إليها نفعاً في حكمه، لأن أبابكر وسائر المسلمين سوي أهل البيت عليه السلام تحل لهم الصدقة، ويجوز أن يصيبوا منها، وهذه تهمة في الحكم والشهادة ثمّ قال رضي الله عنه: وليس له ان يقول يقتضي أن لا تقبل شهادة شاهدين في تركة فيها صدقة بمثل ما ذكرتم، وذلك لأن الشاهدين إذا شهدا بالصدقة فحظهما منها كحظّ صاحب الميراث، بل سائر المسمين، وليس كذلك حال تركة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لأنّ كونها صدقة يحرّمها علي ورثته، ويبيحها لسائر المسلمين، انتهي.

ولعلّ مراده رحمهم الله أنّ لحرمان الورثة في خصوص تلك المادة شواهد علي التهمة بأن كان غرضهم إضعاف جانب أهل البيت عليهم السلام، لئلاّ يتمكنوا عن المنازعة في الخلافة، ولا يميل الناس لنيل الزخارف الدنيوية، فيكثر أعوانهم وأنصارهم ويظفروا بإخراج الخلافة والإمارة من أيدي المتغلبينّ، اذ لا يشك أحد ممن نظر

في أخبار العامة والخاصة، في أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في ذلك الوقت طالباً للخلافة، مدّعياً لإستحقاقه لها، وأنّه لم يكن إنصراف الاعيان والاشراف عنه، وميلهم إلي غيره إلا لعلمهم بأنه لا يفضّل أحداً منهم علي ضعفاء المسلمين، وأنه يسويّ بينهم في العطاء والتقريب، ولم يكن إنصراف سائر الناس عنه إلا لقلة ذات يده، وكون المال والجاه مع غيره.

والأولي أن يقال في الجواب: أنه لم تكن التهمة لأجل أن له حصة في التركة، بل لأنه

[ صفحه 451]

كان يريد أن يكون تحت يده، ويكون حاكماً فيه يعطيه من يشاء،

ويمنعه من يشاء ويؤيده: قول أبي بكر فيما رواه في جامع الاصول من سنن أبي داود، عن أبي الطفيل، قال: جاءت فاطمة عليها السلام إلي أبي بكر تطلب ميراثها من أبيها، فقال لها، سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنّ الله إذا أطعم نبياً طعمة فهو للذي يقوم من بعده؛ ولا ريب في أنّ ذلك ممّا يتعلق به الأغراض، ويعد من جلب المنافع، ولذا لا تقبل شهادة الوكيل فيما هو وكيل فيه والوصي فيما هو وصي فيه؛ وقد ذهب قوم إلي عدم جواز الحكم بالعلم مطلقاً لأنّه مظنة التهمة، فكيف إذا قامت القرائن عليه من عداوة ومنازعة، وإضعاف جانب ونحو ذلك، والعجب أنّ بعضهم في باب النحلة منعوا بعد تسليم عصمة فاطمة عليها السلام جواز الحكم بمجرد الدعوي وعلم الحاكم بصدقها، وجوزوا الحكم بأن التركة صدقة، للعلم بالخبر مع معارضته للقرآن وقيام الدليل علي كذبه.

الثاني: أنّ الخبر معارض للقرآن لدلالة الآية في شأن زكريّا وداود عليهم السلام علي الوارثة وليست الآية عامّة حتّي تخصص بالخبر فيجب طرح الخبر، لايقال: إذا كانت الآية خاصّة فينبغي تخصيص الخير بها، وحمله علي غير زكريا وداود عليهما السلام لأنّا نقول: الحكم بخروجهما عن حكم الأنبياء مخالف لإجماع الأمة، لإنحصارها بالإيراث مطلقاً، وعدمه مطلقاً، فلا محيص عن الحكم بكذب الخبر، وطرحه.

الثالث: أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يري الخبر موضوعاً باطلاً، وكان عليه السلام لا يري إلاّ الحق والصدق، فلابد من القول بأنّ من زعم أنّه سمع الخبر كاذب.

أما الأولي: فلما رواه مسلم، في «صحيحة» وأورده في «جامع الأصول» أيضاً عن مالك بن أوس _ في رواية طويلة _ قال: عمر لعليّ عليه السلام

والعبّاس، قال أبو بكر: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا نورث، ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذباً آثمناً غادراً خائناً، والله يعلم أنّه لصادق بار راشد تابع للحق، ثمّ توفي أبو بكر، فقلت: أنا وليّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذباً غادراً آثماً خائناً، والله يعلم أنّي لصادق بار تابع للحقّ فولّيتها.

وعن البخاري: في منازعة علي والعباس فيما أناه الله علي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم من بني

[ صفحه 452]

النضير، أنه قال عمر بن الخطاب: قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقبضها فعمل فيها بها عمل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم _ وأنتما حينئذ _ وأقبل علي علي عليه السلام والعباس تزعمان أن أبابكر فيها كذا. والله يعمل أنّه فيها صادق بار راشد تابع للحق وكذلك زاد في حق، نفسه، قال: والله يعلم أنّي فيها صادق بار راشد تابع للحق، إلي آخر الخبر، وقد روي ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة،: من كتاب «السقيفة» عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري «مثله» بأسانيد. وأما المقدمة الثانية: فلما مر وسيأتي من الأخبار المتواترة، في أنّ عليّاً عليه السلام لا يفارق الحق والحق لا يفرقه، بل يدور معه حيث ما دار، ويؤيده روايات السفينة والثقلين وأضرابهما.

الرابع: أنّ فاطمة عليها السلام أنكرت رواية أبي بكر، وحكمت بكذبه فيها، ولا يجوز الكذب عليها، فوجب الرواية وراويها.

أما المقدمة الاولي: فلما مر في خطبتها وغيرها، وسيأتي من شكايتها في مرضها وغيرها، وقد رووا في صحاحهم: أنها عليها السلام انصرفت من عند أبي بكر ساخطة، وماتت عليه

واجدة، وقد اعترف بذلك ابن أبي الحديد؛ وأما الثانية: فلما من من عصمتها وجلالتها عليها السلام.

الخامس: أنّه لو كانت تركة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صدقة، ولم يكن لها صلوات الله عليها حظّ فيها، لبيّن النبي صلي الله عليه وآله وسلم الحكم لها إذا التكليف في تحريم أخذها، يتعلق بها ول بينه لها لما طلبتها لعصمتها، ولايرتاب عاقل في أنّه لو كانت بين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأهل بيتهأن تركتي صدقة لاتحل لما خرجت ابنته وبضعته من بيتها مستعدية ساخطة صارخة في معشر المهاجرين، والانصار، تعاتب إمام زمانها بزعمكم، وتنسبه إلي الجور والظلم في غصب تراثها، وتستنصر المهاجر، والانصار، في الوثوب عليه، وإثارة الفتنة بين المسلمين، وتهيّج الشرّ، ولم تستقر بعد أمر الامارة والخلافة، وقد أيقنت بذلك طائفة من المؤمنين، أن الخليفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة، فصبّوا عليه اللعن والطعن إلي نفخ الصور وقيام النشور؛ وكان ذلك من أكد الدواعي إلي شقّ عصا المسلمين، وافتراق كلمتهم، وتشتت الفتهم، وقد كانت تلك النيران يخمدها بيان الحكم لها ولامير المؤمنين عليه السلام، ولعله لا يجسر من اوتي حظاً من الاسلام علي القول

[ صفحه 453]

بان فاطمة عليها السلام مع علمها بأن ليس لها في التركة بأمر الله نصيب، كانت تقدم علي مثل ذلك الصنيع، أو كان أمير المؤمنين عليه السلام مع علمه بحكم الله، لم يزجرها عن التظلم والإستعداء، ولم بالقعود في بيتها، راضية بأمر الله فيها، وكان ينازع العباس، بعد موتها ويتحاكم إلي عمر ابن الخطاب؛ فليت شعري هل كان ذلك الترك والإهمال لعدم الإعتناء بضعته الّتي كانت تؤذيه ما آذاها، ويريبه مارابها، أو بأمر

زوجها وابن عمّه وأخيه المساوي لنفسه ومواسيه بنفسه، أو لقلة المبالاة بتبليغ أحكام أحكام الله وأمر امته، وقد أرسله الله بالحق بشيراً ونذيراً للعالمين.

السادس: أنّا مع قطع النظر عن جميع ما تقدم، نحكم قطعاً بأن مدلول هذا الخبر كاذب باطل ومن اسند إليه هذا الخبر، لا يجوز عليه الكذب، فلابد من القول بكذب من رواه، والقطع بأنه وضعه وافتراه؛ وأما المقدمة الثانية فغنية عن البيان.

وأما الاولي: فبيانها أنّه قد جرت عادة الناس قديماً وحديثاً بالإخبار عن كل ما جري، بخلاف المعهود بين كافة الناس، وخرج عن سنن عاداتهم، سيمّا إذا وقع في كل عصر وزمان، وتوفرت الدواعي، إلي نقله وروايته؛ ومن العلوم لكل أحد، أن جميع الامم علي اختلافهم في مذاهبهم يهتمون بضبط أحوال الأنبياء وسيرتهم، وأحوال أولادهم، وما المعلوم أيضاً أنّ العادة قد جرت من يوم خلق الله الدنيا واهلها، إلي زمان انقضاء مدتها وفنائها، بأن يرث الاقربون من الاولاد، وغيرهم أقاربهم وذوي أرحامهم، وينتقعون ماموالهم وما خلفوه بعد موتهم؛ ولا شك لأحد في أنّ عامة الناس، عالمهم وجاهلهم، وغنيهم وفقيرهم وملوكهم، ورعاياهم يرغبون إلي كل ما نسب إلي ذي شرف وفضيلة، ويتبركون به ويحرزه الملوك في خزائنهم، ويوصون به لاحب أهلهم، فكيف بسلاح الانبياء في ثيابهم وأمتعتهم، ألا تري إلي الاعمي إذ أبصر في مشهد من المشاهد المشرفة، أو توهمت العامة أنّه أبصر اقتطعوا ثيابه وتبركوا بها وجعلوها حرزاً من كل بلاء؛ إذا تمهّدت المقدمات فنقول:

لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلي الخاتم صلي ال عليه وآله وسلم صدقة، لقسمت بين الناس، بخلاف المعهود من توارث الآباء والاولاد وسائر الاقارب، ولا يخلو الحال: إمّا أن

[ صفحه 454]

يكون كلّ نبي يبين الحكم لورثته بخلاف نبينا صلي الله عليه وآله وسلم، أو يتركون البيان كما تركه صلي الله عليه وآله وسلم فجري علي سنّة الذين خلوا من قبله، من أنبياء الله عليهم السلام:

فإن كان الأوّل، فمع أنّه خلاف الظاهر، كيف خفي هذا الحكم علي جميع أهل الملل والأديان، ولم يسمعه أحد إلاّ أبوبكر، ومن يحذو حذوه، ولم ينقل أحد أنّ عصا موسي عليه السلام فجري علي وجه الصدقة إلي فلان، وسيف سليمان عليه السلام صار إلي فلان، وكذا ثياب سائر الأنبياء وأسلحتهم وأدواتهم فرقّت بين الناس، ولم يكن في ورثة أكثر من مائة الف نبي، قوم ينازعون في ذلك، وإن كان بخلاف حكم الله عزوجل؛ وقد كان أولاد يعقوب عليه السلام مع علوّ قدرهم يحسدون علي أخيهم، ويلقونه في الجبّ لما رأوه أحبّهم إليه، أو وقعت تلك المنازعة كثيراً، ولم ينقلها أحد في الملل السابقة وأرباب السير، مع شدّة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء وخصائهم، وما جري بعدهم كما تقدم؛ وإن كان الثاني، فكيف كانت حال ورثة الأنبياء أكانوا يرضون بذلك ولا ينكرون؟ فكيف صارت ورثة الأنبياء جميعاً يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء، ولم ترض به سيّده النساء؟ أو كانت سنة المنازعة جارية في جميع الامم، ولم ينقلها أحد ممّن تقدّم، ولا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم؛ إنّ هذا لشيء عجاب، وأعجب من ذلك، أنّهم ينازعون في وجود النص علي أمير المؤمنين عليه السلام، مع كثرة الناقلين له من يوم السقيفة إلي الآن؛ ووجوه الأخبار في صحاحهم، وادّعائهم الشيعة تواتر ذلك، من أول الأمر إلي الآن ويستندون في ذلك إلي أنه لو كان حقاً، لما خفي

ذلك لتوفر الدواعي إلي نقله وروايته، فانظر بعين الإنصاف أن الدواعي لشهرة أمر خاص، ليس الشاهد له إلاّ قوم مخصوص من أهل قرن معين أكثر، أم لشهرة أمر قل زمان من الأزمنة من لدن آدم عليه السلام إلي الخاتم صلي الله عليه وآله سلم عن وقوعه فيه؟ مع أنّه ليس يدعو إلي كتمانه وإخفائه في الامم السالفة داع، ولم يذكره رجل في كتاب، ولم يسمعه أحد من أهل ملّة؛ ولعمري لا أشك في أن من لزم الإنصاف وجانب المكابرة، والإعتساف، وتأمل في مدلول الخبر وأمعن النظر، يجزم قطعاً بكذبه وبطلانه؛ وإن كان القسم الثماني،وهو أن يكون إتماد أبي بكر في تخصيص الآيات بالخبر من حيث رواية الرواة له دو علمه بأنه من كلام الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، لسمعه باذنه فيرد عليه أيضاً

وجوه من النظر:

الأوّل: أن ما ذكره قاضي القضاة، من أنه شهد بصدق الرواية في أيام أبي بكر: عثمان وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمان، باطل غير مذكور في سيرة ورواية من طرقهم وطرق أصحابنا؛ وإنما المذكور في رواية مالك بن أوس التي رووها في صحاحهم: أنّ عمر بن الخطاب لمّا تنازع عنده أمير المؤمنين عليه السلام والعبّاس استشهد نفراً فشهدوا بصدق الرواية:

ولنذكر ألفاظ صحاحهم في رواية مالك بن أوس علي اختلافها، حتّي يتضح حقيقة الحال: روي البخاري ومسلم وأخرجه الحميدي، وحكاه في جامع «الأصول» في الفرع الرابع من كتاب الجهاد من حرف الجيم، عن مالك أنّه قال: أرسل إليّ عمر فجئته حين تعالي النهار، قال: فوجدته في بيته جالساً علي سرير مفضياً [684] ، إلي رماله، متكئاً علي وسادة [685] من أدم، فقال لي: يا مالك، أنّه قد دفّ أهل

أبيات من قومك [686] وقد أمرت فيهم برضخ [687] فخذه فأقسم بينهم قال: قلت: لو أمرت بهذا غيري، قال: خذه يا مالك، قال: فجاء يرفأ [688] فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؛ فقال عمر: نعم فأذن لهم فدخوا؛ ثمّ جاء فقال: هل لك في عباس وعلي عليه السلام قال: نعم فأذن لهما: فقال العباس: اقض بيني وبين هذا، فقال القوم أجل! فاقض بينهم وارحهم، قال مالك بن أوس: فخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك، فقال عمر اتّئدوا [689] : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا نوّرث ما تركنا صدقة؟ قالوا: نعم؛ ثم أقبل علي العبّاس وعليّ عليه السلام فقال: أنشدكما بالله الذي بأذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمان أنّ رسول

[ صفحه 456]

الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة؟ قالا: نعم، إلي آخبر الخبر؛ ثمّ حكي في جامع الأصول، عن البخاري ومسلم، أنّه قال عمر لعلي عليه السلام: قال أبوبكر: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا نورث، ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً، خائناً، وتزعمان أنّه فيها كذا كما نقلنا سابقاً؛ وحكي في جامع الاصول، عن أبي دواد، أنّه قال أبو البختري: سمعت حديثاً من رجل فأعجبني، فقلت: اكتبه لي، فاتي به مكتوباً مدبراً [690] ، دخل العباس وعلي عليه السلام علي عمر، وعنده طلحة والزبير وعبدالرحمان وسعد وهما يختصمان، فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمان وسعد: ألم تعلموا أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: كل مال النبي صلي الله عليه وآله

وسلم صدقة، إلاّ مااطعمه أهله، أو كساهم، إنا لانورث؟ قالوا: بلي [691] .

توضيح: ولا يذهب علي ذي فطنة أن شهادة الاربعة التي تضمنتها الرواية الاولي والثانية علي اختلافهما، لم يكن من حيث الرواية والسماع عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، بل لثبوت الرواية عندهم بقول أبي بكر، بقرينة أن عمر ناشد علياً عليه السلام والعباس: أتعلمان أن الرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: لا نورث، ما تركناه صدقة؟ فقالا: نعم؛ وذلك لانه لا يقدر أحد في ذلك الزمان علي تكذيب تلك الرواية، وقد قال عمر في آخر الرواية: رأيتماه، يعني أبا بكر كاذباً آثماً غادراً خائناً، وكذا في حق نفسه؛ والعجب أن القاضي لم يجعل علياً عليه السلام والعباس شاهدين علي الرواية مع تصديقهما كما صدّق الباقون، بل جميع الصحابة لأنهم يشهدون بصدقهما.

وقال ابن أبي الحديد بعد حكاية كلام السيد رضي الله عنه في أن الاستشهاد كان في خلافة عمر دون أبي بكر، وأن معول المخالفين علي إمساك الأمة عن النكير علي أبي بكر دون الاستشهاد ما هذا لفظه: قلت: صدق المرتضي فيما قال، أما عقيب وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم ومطالبة فاطمة عليها السلام بالإرث فلم يرو الخبر إلاّ أبا بكر وحده، وقيل: إنّه رواه معه مالك بن أوس ابن الحدثان؛ وأما المهاجرين الذين ذكرهم قاضي القضاة فقد شهدوا بالخبر في خلافة عمر، وتقدم ذكر ذلك، وقال في الموضع المتقدم الذي أشار إليه،

[ صفحه 487]

وهو الفضل الذي ذكر فيه روايات أبي البختري علي مارواه أحمد بن عبد العزيز الجوهري، بإسناده عنه: قال جاء عليّ والعباس إلي عمر، وهما يختصمان، فقال عمر لطلحة

والزبير وعبدالرحمان وسعد: أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: كل مال نبي فهو صدقة إلاّ ما أطعمه أهله، إنّا لا نورّث! فقالوا: نعم؛ قال: وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يتصدّق به، ويقسم فضله، ثمّ توفّي، فولّيه أبو بكر سنتين يصنع فيه ما كان يصنع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأنتما تقولان، إنه كان بذلك خاطئاً، وكان بذلك ظالماً وما كان بذلك إلاّ راشداً، ثم ولّيته بعد أبي بكر فقلت لكما: إن شئتما قبلتماه علي عمل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعهده الذي عهد فيه، فقلتما: نعم، وجئتماني الآن تختصمان؛ يقول هذا: اريد نصبي من ابن أخي، ويقول هذا: اريد نصبي من امرأتي! والله لا أقضي بينكما إلاّ بذلك.

قال ابن ابي الحديد: قلت: وهذا أيضاً مشكل، لأن أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلاّ أبا بكر وحده، ذكر ذلك معظم المحدثين، حتي أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا علي ذلك في إحتجاجهم في الخبر برواية الصحابي والواحد. وقال شيخنا أبو علي: لا يقبل في الرواية إلاّ رواية إثنين كالشهادة، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلّهم، واحتجّوا عليه بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده، قال: «نحن معاشر الأنبياء لانورث» حتّي أن أصحاب أبي علي تكلف لذلك جواباً، فقال: قد روي أن أبا بكر يوم حاجّ فاطمة عليها السلام قال: انشد الله امرءً سمع من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في هذا شيئاً! فروي مالك بن أوس بن الحدثان: أنه سمع من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهذا الحديث ينطق بأنه استشهد عمر وطلحة والزبير وعبد الرحمان وسعداً، فقالوا: سمعناه من رسول

الله صلي الله عليه وآله وسلم فأين كانت هذه الرواية أيّام أبي بكر! ما نقل أنّ أحداً من هؤلاء يوم خصومة فاطمة عليها السلام وأبي بكر روي من هذا شيئاً. انتهي. فظهر أنّ قول القاضي ليس إلا شهادة زور، ولو كان لما ذكره من إستشهاد أبي بكر مستند لاشار إليه كما هو الدأب في مقام الإحتجاج، وأما هذه الرواية التي رواها ابن أبي الحديد فمع أنّها لا تدل علي الإستشهاد في خلافة أبي بكر، فلا تخلو من تحريف، لما عرفت من أن لفظ رواية

[ صفحه 458]

أبي البختري علي ما رواه أبو داود، وحكاه في جامع الاصول [692] : ألم تعلموا أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: كلّ مال النبي صدقة أسمعتم [693] رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، كما رواه الجوهري، علي أنّه لا يقوم فيما تفر دّوابه من الأخبار حجّة علينا، وأنّما الإحتجاج بالمتفق عليه، أو ما اعترف به الخصم والإستشهاد علي الرواية لم يثبت عندنا لا في أيّام أبي بكر ولافي زمن عمر ثمّ أورد السيد رحمه الله علي كلام صاحب المغني بأنا لو سلّمنا إستشهاد من ذكر علي الخبر لم يكن فيه حجة، لأن الخبر علي كل حال لا يخرج من أن يكون غير موجب للعلم، وهو في حكم أخبار الآحاد، وليس يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن بما يجري هذا المجري، لأن المعلوم لا يخص إلاّ بمعلوم؛ قال: علي أنّه لو سلم لهم أنّ الخبر الواحد يعمل به في الشرع لا حتاجوا إلي دليل مستأنف علي نّه يقبل في تخصيص القرآن لأن مادل علي العمل به في الجملة لا يتناول هذا الموضع

كما لا يتناول جواز النسخ به، وتحقيق هاتين المسئلتين من وظيفة اصول الفقه.

والثاني: أنّ رواه الخبر كانوا متّهمين في الرواية بجلب النفع من حيث حلّ الصدقة وما أجاب به شارح كشف الحق من الفرق بين الرواية والشهادة، وأنّ التهمة إنّما تضر في الشهادة دون الرواية، فسخيف جداً ولم يقل أحد بهذا الفرق غيره.

الثالث و الرابع: ما تقدم في الإيراد الثالث والرابع من القسم الأوّل.

الخامس: ما تقدم من وجوب البيان للورثة.

أما القسم الثالث: وهو أن يكون مناط الحكم علي علم أبي بكر مع شهادة النفر؛ وكذلك الرابع: وهو أن يكون الإعتماد علي روايته معهم، فقد ظهر بطلانها مما سبق، فإن المجموعة وإن كان أقوي من كل واحد من الجزئين، إلاّ أنه لا يدفع التهمة ولامناقضة الآيات الخاصة ولا باقي الوجوه السابقة؛ وقد ظهر بما تقدم أن الجواب عن قول أبي علي: «أتعلمون كذب أبي بكر أم تجوزون صدقة، وقد علم أنّه لا شيء يعلم به كذبه قطعاً فلابد من تجويز كونه صادقاً كما حكاه في المغني» هو أنا نعلم كذبه قطعاً والدليل عليه:

[ صفحه 459]

ما تقدم من الوجوه الستّة المفصلة، وأن تخصيص الآيات من هذا الخبر ليس من قبيل تخصيها في القاتل والعبد كما ذكره قاضي القضاة. إذ مناط الثاني روايات معلومة الصدق، والأول خبر معلوم الكذب. وقد سبق في خطبة فاطمة عليها السلام إستدلالها بقوله تعالي: (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) وبثلاث من الآيات السابقة، وهو يدل مجملاً، علي بطلان ما فصّلوه من الأجوبة؛ ثمّ إن بعض الاصحاب حمل الرواية علي وجه لا يدل علي ما فهم منها الجمهور وهو أن يكون ما

تركناه صدقة مفعولاً ثانياً للفعل أعني «نورث» سواء كان بفتح الراء علي صيغة المجهول من قولهم: ورثت أبي شيئاً، أو بكسرها من قولهم: أورثه الشيء أبوه. وأما بتشديد الراء فالظاهر أنه لحن، فإن التوريث إدخال أحد في المال علي الورثة كما ذكره الجوهري وهو لا يناسب شيئاً من المحامل ويكون صدقة منصوباً علي أن يكون مفعولا لتركنا، والإعراب لا تضبط في أكثر الروايات؛ ويجوز أن يكون النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقف علي الصدقة فتوهّم أبو بكر أنه بالرفع وحينئذ يدل علي أن ماجعلوه صدقة في حال حياتهم لا ينتقل بموتهم إلي الورثة أي مانووا فيه الصدقة من غير أن يخرجوه من أيديهم لايناله الورثة حتي يكون للحكم إختصاص بالإنبياء عليهم السلام ولا يدل علي حرمان الورثة مما تركوه مطلقاً؛ والحق أنه لا يخلو عن بعد، ولا حاجة لنا إليه لما سبق، وأما الناصرون لأبي بكر فلم يرضوا به وحكموا ببطلانه، وإن كان لهم فيه التخلص عن القول بكذب أبي بكر، فهو إصلاح لم يرض به أحد المتخاصمين، ولا يجري في بعض رواياتهم.

واعلم أن بعض المخالفين استدلوا _ علي صحّة الرواية وما حكم به أبو بكر _ بترك الامة النكير عليه، وقد ذكر السيد الأجل رضي الله عنه في الشافي كلمهم ذلك علي وجه السؤال، وأجاب عنه بقوله فإن قيل: إذا كان أبو بكر قد حكم بخطأ في دفع فاطمة عليها السلام من الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه، فما بال الامة اقرتّه علي هذا الحكم ولم تنكر عليه وفي رضاها وإمساكها دليل علي صوابه؛ قلنا قد مضي أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا، إلاّ في الموضع الّذي لا يكون له وجه

سوي الرضا وبينا في الكلام علي إمامة أبي بكر هذه الموضع بياناً شافياً.

[ صفحه 460]

وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال جواباً جيّد المعني واللفظ، نحن نذكره علي وجهه ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها. قال: وقد زعم ناس أن الدليل علي صدق خبرهما يعني أبابكر وعمر في منع الميراث وبراءة ساحتهما ترك أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم النكير عليهما؛ ثمّ قال: فيقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلاً علي صدقهما ليكونن ترك النكير علي المتظلمين منهما والمحتجين عليهما والمطالبين لهما بدليل دليلاً علي صدق دعواهم وإستحسان مقالتهم لا سيما وقد طالت المشاحات، وكثرت المراجعة والملاحات، وظهرت الشكيمة، واشتدت الموجدة، وقد بلغ ذلك من فاطمة عليها السلام حتي أنّها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر وقد كانت؛ قالت له حين أتته طالبة بحقها ومحتجة برهطها: من يرثك يا أبا بكر، إذا مت؟ قال: أهلي وولدي، قالت: فما بالنا لا نرث النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فلما منعها ميراثها وبخسها حقها، واعتل عليها، ولج في أمرها، وعاينت التهضم، وآيست من النزوع، ووجدت مس الضعف وقلة الناصر؛ قالت:

والله لأدعونّ الله عليك، قال: والله لا دعون الله لك. قالت: _ والله _ لا اكلمك أبداً، قال: والله أهجرك أبداً؛ فإن يكن ترك النكير علي أبي بكر دليلاً علي صواب منعه إنّ في ترك النكير علي فاطمة عليها السلام دليلاً علي صواب طلبها؛ وأت ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت عادلاً، أو تقطع واصلاً، فإذا لم نجدهم أنكروا علي الخضمين جميعاً فقد تكافأت الامور واستوت الاسباب والرجوع إلي أصل حكم

الله في المواريث أولي بنا وبكم، وأوجب علينا وعليكم، وإن قالوا كيف يظن ظلمها والتعدي عليها؟ وكلما، ازدادت فاطمة عليها السلام غلظة ازداد عليها ليناً ورقّة حيث تقول: _ والله _ لا اكلّمك أبداً فيقول: والله لا أهجرك أبداً، ثم تقول: والله لأدعونّ الله عليك فيقول: والله لأدعون الله لك؛ ثم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلي البهاء والرفعة وما يجب لها من التنويه والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذراً أو متقرباً كلام المعظم لحقها، المكبر لقيامها والصائن لوجهها، والمتحنن عليها: ما أحد أعزّ عليّ منك فقراً ولا حبّ إليّ منك غنيّ

[ صفحه 461]

ولكن سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه فهو صدقة؛

قيل لهم: ليس ذلك بدليل علي البرائة من الظلم والسلامة من الجور، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصف، وجدة الوامق، ومقة المحق؛ وكيف جعلتم ترك النكير حجّة قاطعة ودلالة واضحة؟ وقد زعمتم أنّ عمر قال علي منبره: متعتان كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم متعة النساء ومتعة الحجّ، أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما، فما وجدتم أحداً أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطأه في معناه، ولا تعجب منه ولا استفهمه، وكيف تقضون بترك النكير، وقد شهد عمر يوم السقيفة، وبعد ذلك أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال:

الأئمة من قريش ثم قال في مكانه: لو كان سالم حيّاً ما يخالجني فيه شك حين أظهر الشك في استحقاق

كل واحد من الستة الذين جعلهم شوري وسالم عبد لأمراة من الأنصار وهي اعتقته وحازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قريش قوله منكر ولا قابل إنسان بين قوليه ولا تعجب منه؛ وإنما يكون ترك النكير علي من لا رغبة ولا رهبة عند دليلاً علي صدق قوله وثواب عمله، فأما ترك النكير علي من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي والقتل والإستحياء والحبس والإطلاق فليس بحجة تشفي ولا دليل يغني؛

قال: وقال آخرون: بل الدليل علي صدق قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما وهم الذين وثبوا علي عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ النصوص، ولو كانوا يقولون ويصفون ما كان سبيل الامة فيهما إلاّ كسبيلهم فيه وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً وثروة وأقوي عدة. قلنا: إنهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص ولكنهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة ادّعيا رواية وتحدثا بحديث لم يكن محالاً كونه ولا يمتنع في حجج العقول مجيئه وشهد لهما عليه من علته مثل علتهما فيه؛ ولعل بعضهم كان يري التصديق للرجل إذا كان عدلاً في وهطه مأموناً في ظاهره، ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة، ولا جرّب عليه غدرة، فيكون تصديقه له علي جهة حسن الظن وتعديل الشاهد؛ ولأنه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج والذي يقطع بشهادته علي

[ صفحه 462]

الغيب، وكان ذلك شبهة علي أكثرهم، فلذلك قلّ النكير وتواكل الناس واشتبه الأمر، فصار لا يتخلص إل معرفة حق ذلك من باطله إلاّ العالم المتقدم والمؤيد المرشد؛ ولأنه لم يكن لعثمان في صدور العوام، وفي قلوب السفلة والطغات ما كان لهما من الهيبة والمحبة،

ولأنهما كانا أقل استيثاراً بالفيء واقل تفكهاً بمال الله منه، ومن شأن الناس إهمال السلطان ماوفر عليهم أموالهم ولا يستأثر بخراجهم ولم يعطل ثغورهم؛ ولأن الذي صنع أبو بكر من منع العترة حظها والعمومة ميراثها قد كان موافقاً لجلة قريش ولكبراء العرب، ولأن عثمان أيضاً كان مضعوفاً في نفسه مستخفاً بقدرة لا يمنع ضيماً ولا يقمع عدواً؛ ولقد وثب ناس علي عثمان بالشتم والقذف والتشنيع والنكير لامور لو أتي عمر أضعافها وبلغ أقصاها لما اجترؤا علي اغتيابه فضلاً عن مباداته والإغراء به ومواجهته كما أغلظ عيينة بن حصين له:

فقال: أما إنّه لو كان عمر لقمعك ومنعك؛ فقال عيينة: إنّ عمر كان خيراً إلي منك أرهبني فابقاني، ثم قال: والعجب أنّا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث علي اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصومه، ما هو أقرب استناداً وأوضح رجالاً وأحسن اتّصالاً حتّي إذا صاروا إلي القول في ميراث النبي صلي الله عليه وآله وسلم نسخوا الكتاب وخصوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه وأكذبوا ناقليه وذلك أنّ كل إنسان منهم إنما يجري إلي هواه ويصدق ما وافق وضاه، هذا آخر كلام الجاحظ؛ ثم قال السيد رضي الله عنه: فإن قيل: ليس ما عارض به الجاحظ من الإستدلال بترك النكير، وقوله كما لم ينكروا علي أبي بكر فلم ينكروا أيضاً علي فاطمة عليها السلام ولا غيرها من المطالبين بالميراث كالازواج وغيرهن معارضته صحيحة؛ وذلك أن نكير أبي بكر لذلك ودفعه والإحتجاج عليه يكفيهم ويغنيهم عن تكلف نكير ولم ينكر علي أبي بكر مارواه منكر فيستغنوا بإنكاره؛ قلنا: أوّل ما يبطل هذا السؤال أن أبا بكر لم

ينكر عليها ما أقامت عليه بعد إحتجاجها بالخبر من التظلم والتألم والتعنيف والتبكيت وقولها علي ما روي: والله لأدعون الله عليك، ولا كلّمتك أبداً، وما جري هذا المجري فقد كان يجب أن ينكره غيره فمن المنكر الغضب علي المنصف وبعد فإن كان إنكار أبي بكر مقنعاً أو مغنياً عن إمكار غيره من المسلمين،

[ صفحه 463]

فإنكار فاطمة عليها السلام حكمه مقامها علي التظلم منه يغني عن نكير غيرها، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه، انتهي كلامه «رفع الله مقامه»

الخامس: قال ابن أبي الحديد: اعلم أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة عليها السلام أبا بكر كان في أمرين في الميراث والنحلة، وقد وجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر ثالث ومنعها أبو بكر إيّاها أيضاً وهو سهم ذي القربي؛ روي أحمد بن عبدالعزيز الجوهري عن أنس، أن فاطمة عليها السلام أتت أبا بكر فقالت: قد علمت الذي حرم علينا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربي، ثم قرأت عليه قوله تعالي: (واعلموا أنّما غنمتم من شيء فان الله خمسه وللرسول ولذي القربي) الآية: فقال لها أبو بكر: بأبي أنت وأميّ وولدي وولدك، السمع والطاعة لكتاب الله ولحقّ رسوله وحقّ قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الّذي تقرأين، ولم يبلغ علمي منه أنّ هذا السهم من الخمس مسلّم إليكم كاملاً، قالت: أملك هو لك ولا قربائك؟ قال: لا، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين.

قالت: ليس هذا بحكم الله تعالي، فقال: هذا حكم الله فإن كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عهد إليك في هذا عهداً صدقّتك وسلّمته

كلّه إليك وإلي أهلك.

قالت: إنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يعهد إليّ في ذلك بشيء إلاّ أنّي سمعته يقول لمّا أنزلت هذه الآية: ابشروا آل محمد فقد جاءكم الغني، قال أبوبكر: لم يبلغ من هذه الآية أن أسلم اليكم هذا السهم كلّه كاملاً ولكن لكم الغني الّذي يغنيكم ويفضل عنكم، هذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن ذلك وأنظري هل يوافقك علي ماطلبت أحد منهم؟ فانصرفت إلي عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر، فقال لها مثل ما قال لها أبو بكر فتعجبت فاطمة عليها السلام من ذلك وتظنّت قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه. ثم قال: قال أحمد بن عبد العزيز:

حدثّنا أبو زيد بإسناده إلي عروة قال: أرادت فاطمة عليها السلام أبا بكر علي فدك وسهم ذي القربي تأبي عليها وجعلهما في مال الله تعالي.

ثمّ روي عن الحسن بن عليّ عليه السلام: أنّ أبا بكر منع فاطمة عليها السلام وبني هاشم سهم ذي القربي وجعلها في سبيل الله في السلاح والكراع. ثمّ روي بإسناده عن محمّد بن

[ صفحه 464]

إسحاق قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام قلت: أرأيت علياً عليه السلام حين ولّي العراق وما ولي من أمر الناس، كيف صنع في سهم ذي القربي؟ قال: سلك بهم طريق أبي بكر وعمر، قلت: كيف ولم وأنتم تقولون، ما تقولون: أما والله ما كان أهله يصدرون إلاّ عن رأيه، فقلت: فما منعه، قال: يكره أن يدعي عليه من مخالفة أبي بكر وعمر. انتهي ما أخرجه ابن أبي الحديد بن كتاب أحمد بن عبدالعزيز.

وروي في جامع الأصول: من

سنن أبي داود، عن جبير بن مطعم: أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يكن يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً كما قسم لبني هاشم قال: وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي منه قربي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما يعطيهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه. وروي مثله بسند آخر، عن حبير بن طعم؛

ثمّ قال: وفي اخري له والنسائي: لمّا كان يوم خيبر وضع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سهم ذي القربي في بني هاشم وبني عبد المطلب.

ثمّ قال: وأخرج النسائي أيضاً بنحو من هذه الروايات من طرق متعددة بتغيير بعض ألفاظها وإتفاق المعني.

وروي أيضاً، عن أبي داود بإسناده، عن يزيد بن هرمز: أنّ ابن الزبير أرسل إلي ابن العباس يسأله عن سهم ذي القربي لمن يراه؟

فقال له: لقربي رسول الله صلي الله عليه و آله سلم، قسّمه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لهم، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا ورددناه عليه وأبينا أن نقبله. وروي مثله عن النسائي أيضاً وقال: وفي اخري له مثل أبي داود، وفيه: وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم ويقضي عن غارمهم ويعطي فقيرهم وأبي أن يزيدهم علي ذلك. وروي العياشي في تفسيره: رواية ابن عبّاس ورويناه في موضع آخر.

وروي أيضاً: عن أبي جميلة، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليهم السلام، قال: قد فرض الله الخمس نصيباً لآل محمد عليهم السلام فأبي أبو بكر أن

يعطيهم نصيبهم، حسداً وعداوة، وقد قال الله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون)؛ والأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام في ذلك أكثر من أن تحصي؛ وسيأتي

[ صفحه 465]

بعضها في أبواب الخمس والانفال إن شاء الله تعالي؛

فإذا اطّلعت علي ما نقلناه من الأخبار من صحاحهم، نقول: لا ريب في دلالة الآية، علي اختصاص ذي القربي القربي بسهم خاص؛ سواء كان هو سدس الخمس كما ذهب إليه أبو العالية، وأصحابنا، ورووه عن أئمتنا عليهم السلام وهو الظاهر من الآية كما اعترف به البيضاوي وغيره؛ أو خمس الخمس لإتّحاد سهم الله وسهم رسوله صلي الله عليه وآله وسلم وذكر الله للتعظيم كما زعم ابن عباس، وقتادة وعطا؛

أو ربع الخمس، والأرباع الثلاثة الباقية للثلاثة الاخيرة، كما زعمه الشافعي؛

وسواء كان المراد بذي القربي أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم في حياته، وبعده الإمام من أهل البيت كما ذهب إليه أكثر أصحابنا، أو جميع بني هاشم كما ذهب إليه بعضهم وعلي ما ذهب إليه الاكثر يكون دعوي فاطمة عليها السلام نيابة عن أمير المؤمنين عليه السلام تقيّة أو كان المراد بني هاشم وبني المطلب كما زعمه الشافعي، أو آل عليّ، وعقيل وآل عبّاس، وولد الحارث بن عبد المطلب، كما قال أبو حنيفة. وعلي أي حال فلا ريب أيضاً في أن الظاهر من الآية تساوي الستّة في السهم، ولم يختلف الفقهاء في أنّ إطلاق الوصيّة والإقرار لجماعة معدودين يقتضي التسوية لتساوي السنة، ولم يشترط الله عزّ وجلّ في ذي القربي فقراً أو مسكنة بل قرنه بنفسه وبرسوله صلي الله عليه وآله وسلم للدلالة علي عدم الإشتراط؛ وأما التقييد

إجتهاداً فمع بطلان الإجتهاد الغير المستند إلي حجة فعل النبي صلي الله عليه وآله وسلم يدفع التقييد لدلالة خبر جبير وغيره علي أنّه لم يعطيها ما كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعطيهم، وقد قال أبوبكر في رواية أنس: لكم الغني الّذي يغنيكم ويفضل عنكم؛ فما زعمه أبو بكر من عدم دلالة الآية علي أن السهم مسلم الذي القربي ووجوب صرف الفاضل من السهم عن حاجتهم في مصالح المسلمين مخالف للآية والأخبار المتفق علي صحّتها؛ وقد قال سبحانه في آخر الآية: (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا علي عبدنا)؛ واعترف الفخر الرازي في تفسيره بأن من لم يحكم بهذه القسمة فقد خرج عن الإيمان، وقال تعالي: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فالئك هم الكافرون)؛ وقال: هم الفاسقون، وقال هم الظالمون، فاستحق بما صنع ما يستحقه الراد علي الله وعلي رسوله صلي الله عليه وآله وسلم.

[ صفحه 466]

السادسة: مادلت عليه الروايات السالفة وما سيأتي في باب شهادة فاطمة عليها السلام، من أنّها أوصت أن تدفن سراً، وأن لا يصلي عليها أبو بكر وعمر لغضبها عليهما في منع فدك وغيره من أعظم الطعون عليهما؛ وأجاب عنه قاضي القضاة في «المغني» بأنه قد روي أنّ أبا بكر هو الذي صلي علي فاطمة عليها السلام وكبر أربعاً، وهذا أحد ما استدل به كثير من الفقهاء في التكبير علي الميّت ولا يصح أنّها دفنت ليلاً؛ وإن صحّ ذلك فقد دفن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ليلاً وعمر دفن ليلاً، وقد كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يدفنون بالنهار ويدفنون بالليل؛ فما في هذا ما يطعن به بل

الاقرب في النساء أنّ دفنهنّ ليلاً أستر وأولي بالسنة.

وردّ عليه السيّد الأجلّ في الثاني: بأن ما ادّعيت من أنّ أبا بكر هو الذي صلّي علي فاطمة عليها السلام وكبر أربعاً، وإنّ كثيراً من الفقهاء يستدلون به في التكبير علي الميت فهو شيء ما سمع إلاّ منك وإن كنت تلقّيته عن غيرك فممن يجري مجراك في العصبّية وإلاً فالروايات المشهورة وكتب الآثار والسير خالية من ذلك، ولم يختلف أهل النقل في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّي علي فاطمة عليها السلام إلاّ رواية شاذّة نادرة وردت بأن العباس صلّي عليها.

روي الواقدي: بإسناده، عن عكرمة، قال: سألت ابن عباس متي دفنتم فاطمة عليها السلام؟ قال: دفناها بليلٍ بعد هدأة. قال: قلت: فمن صلّي عليها؟ قال: عليّ عليه السلام.

وروي الطبرسي، عن الحرث بن أبي أسامة، عن المدايني، عن أبي زكريا العجلاني أن فاطمة عليها السلام عمل لها نعش قبل وفاتها فنظرت وقالت: سترتموني ستركم الله. قال أبو جعفرمحمد بن جرير: والثبت في ذلك أنّها زينب؛ لأن فاطمة عليها السلام دفنت ليلاً ولم يحضرها إلاّ العباس وعليّ عليه السلام، والمقداد والزبير.

وروي القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه: عن الزهري، قال: حدّثني عروة بن الزبير، أنّ عائشة أخبرته: أنّ فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عاشت بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ستّة أشهر فلما توفيت دفنها علي عليه السلام ليلاً وصلّي عليها عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وذكر في كتابه هذا أنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهما السلام دفنوها ليلاً وغيّبوا قبرها.

[ صفحه 467]

وروي سفيان بن عيينة، عن عمرو عن الحسن

بن محمد: أنّ فاطمة عليها السلام دفنت ليلاً وروي عبدالله بن أبي شيبة، عن يحيي بن سعيد العطار، عن معمر،عن الزهري: مثل ذلك؛ وقال البلاذري في تاريخه: إن فاطمة عليها السلام لم تر مبتسمة بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها؛ والأمر في هذا أوضح وأظهر من أن يطنب في الإستشهاد عليه، وبذكر الروايات فيه، فأما قوله ولا يصح، أنّها دفنت ليلاً، وإن صحّ فقد دفن فلان وفلان ليلاً فقد أنّ دفنها ليلاً في الصحّة كالشمس الطالعة، وأن منكر ذلك كدافع المشاهدات ولم نجعل دفنها ليلاً بمجرد، وهو الحجّة.

فيقال: فقد دفن فلان وفلان ليلاً بل مع الإحتجاج بذلك علي ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة الّتي هي كالمتواتر أنها عليها السلام أوصت بأن تدفن ليلاً حتي لا يصلي عليها الرجلان، وصرّحت بذلك وعهدت فيه عهداً بعد أن كانا استاذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما فلّما طال عليهما المدافعة رغبا إلي أمير المؤمنين عليه السلام، في أن يستأذن لهما وجعلاها حاجة إليه فكلّما أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك وألحّ عليها فأذنت لهما في الدخول ثمّ أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما؛ فلمّا خرجا قالت لأمير المؤمنين عليه السلام: قد صنعت ما أردت، قال: نعم؛ قالت: فهل أت صانع ما آمرك؟ قال: نعم؛ قالت: فإنّي أنشدك الله لا يصليا علي جنازتي، ولا يقوما علي قبري، وروي أنه عليه السلام عمي علي قبرها، ورشّ أربعين قبراً في البقيع ولم يرش علي قبرها حتي لا يهتديا إليه، وأنهما عاتباه علي ترك إعلامهما بشأنها وإحضارهما للصلاة عليها، فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلاً، ولو كان ليس غير الدفن

بالليل من غير ما تقدم عليه وتأخر عنه، لم يكن فيه حجّة، انتهي كلامه رفع الله مقامه.

ومما يدل من صحاح أخبارهم علي دفنها ليلاً، وأن أبا بكر لم يصلّ عليها، وعلي غضبها عليه وهجرتها إيّاه:

مارواه مسلم في «صحيحة» وأورده في «جامع الاصول» في الباب الثاني من كتاب الخلافة والإمارة من حرف الخاء عن عائشة _ في حديث طويل _ بعد ذكر مطالبة فاطمة عليها السلام أبا بكر في ميراث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وفدك وسهمه من خيبر؛ قالت: فهجرته فاطمة عليها السلام، فلم تكلّمة في ذلك حتي ماتت، فدفنها علي عليه السلام ولم يؤذن بها

[ صفحه 468]

أبابكر؛ قالت: فكان لعلّي وجه من الناس حياة فاطمة عليها السلام فلّما توفيت فاطمة عليها السلام انصرفت وجوه الناس عن عليّ، ومكثت فاطمة عليها السلام بعد رسول الله ستة أشهر ثم توفيت، وروي ابن أبي الحديد: عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري، عن هشام بن محمد، عن أبيه، قال: قالت فاطمة عليها السلام لأبي بكر: إنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أعطاني فدك، فقال: يا بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والله ما خلق الله خلقاً احب إلي من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أبيك ولوددّت أن السماء وقعت علي الأرض يوم مات أبوك، والله لئن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري، أتراني اعطي الأسود والأحمر حقّه وأظلمك حقّك وأنت بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إنّ هذا المال لم يكن للنبيّ صلي الله عليه وآله وسلم ولّيته كما كان يليه، قالت: والله لا كلمتك

أبداً قال: والله لا هجرتك أبداً قالت: والله لادعون الله عليك قال: والله لأدعون الله لك: فلّما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها، فدفنت ليلاً وصلي عليها العباس بن عبد المطلب، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها صلي الله عليه وآله وسلم إثنتان وسبعون ليلة، ومما يؤيّد إخفاء دفنها، جهالة قبرها والإختلاف فيه بين الناس إلي يومنا هذا، ولو كان بمحضر من الناس لما اشتبه علي الخلق ولا اختلف فيه.

السابعة: ممّا يرد علي الطعون علي أبي بكر في تلك الواقعة.

أنّه مكّن ازواج النبيّ التصرفّ في حجراتهّن بغير خلاف ولم يحكم فيها بأنّها صدقة، وذلك يناقض ما منعه في أمر فدك وميراث الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فإن انتقالها إليهنّ إمّا علي جهة الإرث أو النحلة والأوّل مناقض لروايته في الميراث؛ والثاني يحتاج إلي الثبوت ببينّة ونحوها ولم يطالبهنّ بشيء منها كما طلب فاطمة عليها السلام في دعواها وهذا من أعظم الشواهد لمن له أدني بصيرة علي أنّه لم يفعل إلاّ عداوة لأهل بيت الرسالة ولم يقل ما قال إلاّ إفتراء علي الله وعلي رسوله!!

ولنكتف بما ذكرنا، فإن بسط الكلام في تلك المباحث ممّا يوجب كثرة حجم الكتاب وتعسّر تحصيله علي الطلاّب؛ فانظر أيّها العاقل المنصف بعين البصيرة فيما اشتمل عليه الأخبار الكثيرة التي أوردوها في كتبهم المعتبرة عندهم، من حكم سيدة النساء صلوات الله عليها مع عصمتها وطهارتها باغتصابهم للخلافة، وأنّهم اتباع الشيطان وأنّه ظهر فيه حسيكة النفاق، وأنّهم أرادوا إطفاء نور الدين وإهماد سننّ سيد

[ صفحه 469]

المرسلين صلوات الله عليه وآله و أنّهم آذوا أهل بيته واضمروا لهم العداوة وغير ذلك ممّا اشتملت عليه الخطبة

الجليلّة فهل يبقي بعد ذلك شك في بطلان خلافة أبي بكر ونفاقه ونفاق أهل بيته؟!

ثمّ أنّها عليها السلام حكمت بظلم أبي بكر في منعها الميراث صريحاً بقولها عليها السلام لقد جئت شيئاً فريّاً، ودعت الأنصار إلي قتاله فثبت جواز قتله، ولو كان إماماً لم يجز قتله، ثمّ انظر إلي هذا المنافق كيف شبّه أمير المؤمنين وسيّد الوصيين وأخا سيد المرسلين وزوجته الطاهرة بثعالة شهيده ذنبه وجعله مريّاً لكل فتنة!

ثمّ إلي موت فاطمة صلوات الله عليها ساخطة علي أبي بكر، مغضبة عليه منكرة لإمامته وإلي انكار أبي بكر كون فدك خالصة لرسول الله صلي الله عليه آله وسلم مع كونه مخالفاً للآية والإجماع وأخبارهم وإلي أنّه انتزع فدك من يد وكلاء فاطمة عليها السلام وطلب منها الشهود مع أنّها لم تكن مدعية، فحكم بغير حكم الله وحكم الرسول وصار بذلك من الكافرين بنص القرآن وإلي طلب الشاهد من المعصومة وردّ شهادة المعصومين الذين أنزل الله تعالي فيهم ما أنزل وقال فيهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما قال، ومنعها الميراث خلافاً لحكم الكتاب وافترائه علي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بما شهد الكتاب والسنة بكذبه فتبوء مقعده من النار وظلمه عليها صلوات الله عليها في منع سهم ذي القربي خلافاً لله تعالي ومناقضة لما رواه حيث مكن الازواج من التصرف في الحجر وغيرهما ممّا يستنبط من فحاوي ما ذكر من الأخبار ولا يخفي طريق استنباطها علي أولي الابصار.

احتجاج فاطمة الزهراء

اشاره

علي القوم لمّا منعوها فدك [694] .

روي عبدالله بن الحسن عليه السلام بإسناده عن آبائه عليهم السلام أنّه لمّا أجمع [695] أبو بكر علي منع فاطمة عليها السلام فدك، وبلغها ذلك، لاثت خمارها

علي رأسها [696] ، واشتملت بجلبابها [697] ، وأقبلت في لمةٍ [698] من حفدتها [699] ونساء قومها، تطأ ذيولها [700] ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [701] ، حتّي دخلت علي أبي بكرٍ _ وهو في حشدٍ [702] من المهاجرين

[ صفحه 471]

والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة [703] ، فجلست، ثم أنّت أنّه أجهش القوم [704] لها بالبكاء. فارتج المجلس [705] ثم أمهلت هنيّة [706] .حتي اذا سكن نشيج القوم [707] ، وهدأت فورتهم [708] ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة علي رسول الله، فعاد القوم في بكائهم، فلّما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السلام:

الحمد لله علي ما أنعم، وله الشكر علي ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتدأها [709] ، وسبوغ آلاء أسداها [710] ،وتمام مننٍ والاها [711] ، جمّ عن الاحصاء عددها [712] ، ونأي عن الجزاء أمدها [713] ، وتفاوت عن الإدراك أبدها [714] ، وندبهم

[ صفحه 472]

لاستزادتها بالشكر لا تصالها [715] ، واستحمد إلي الخلايق بإجزالها [716] ، وثنّي بالندب إلي أمثالها [717] وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها [718] ، وضمن القلوب موصولها [719] ، وأنار في الفكر معقولها [720] . الممتنع من

[ صفحه 473]

الأبصار رؤيته [721] ، ومن الألسن صفته [722] ، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لامن شيء كان قبلها [723] ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ امتثلها [724] ، كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجةٍ منه إلي تكوينها، ولافائدة له في تصويرها إلاّ

تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً علي طاعته [725] ، وإظهاراً لقدرته، وتعبداً لبريته [726] ، وإعزازاً لدعوته [727] . ثمّ جعل الثواب علي طاعته، ووضع العقاب علي معصيته، ذيادةً لعباده عن نقمته [728] ، وحياشةً منه إلي جنته [729] . أشهد أن أبي محمداً صلي الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتبله [730] ، واصطفاه قبل ان ابتعثه، اذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة [731] ، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالي بمآيل

[ صفحه 474]

الأمور [732] ، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور [733] ، ابتعثه الله تعالي إماماً لأمره [734] وعزيمةً علي إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه [735] فرأي الامم فرقاً في أديانها، عكّفاً علي نيرانها [736] عابدة لأوثانها منكرةً لله مع عرفانها [737] . فأنارالله بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم ظلمها [738] وكشف عن القلوب بهمها [739] ، وجلي عن الابصار غممها [740] وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية [741] ، وهداهم إلي الدين القويم، ودعاهم إلي الطريق المستقيم، ثمّ قبضه الله إليه قبض رأفةٍ واختيار [742] ورغبةٍ وايثار بمحمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم [743] عن تعب هذه الدار في راحةٍ، قد حفّ بالملائكة

[ صفحه 475]

الأبرار ورضوان الرّب الغفار، ومجاورة الملك. صلي الله علي أبي نبيّه وأمينه علي الوحي، وصفيه وخيرته من الخلق ورضيه، والسلام عليه رحمة الله وبركاته.

ثمّ التفت إلي أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه [744] وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله علي أنفسكم، وبلغاؤه إلي الامم [745] ، وزعمتم حق لكم [746] لله

فيكم، عهد قدمه اليكم، وبقية استخلفها عليكم [747] : كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره [748] ، منكشفة سرائره [749] ، متجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه [750] ، قائد إلي الرضوان اتباعه، مؤدٍ إلي النجاة إسماعه [751] به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة [752] ، وشرايعه المكتوبة.

[ صفحه 476]

فجل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس [753] ونماء في الرزق [754] ، والصيام تثبيتاً للإخلاص [755] ، والحجّ تشييداً للدين [756] ، والعدل تنسيقاً للقلوب [757] ، واطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة، والجهاد عزاً للإسلام، والصبر معونةً علي استيجاب الأجر [758] ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة، وبر الوالدين وقايةً من السخط [759] ، وصلة الارحام منماةً للعدد [760] ، والقصاص حصناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين

[ صفحه 477]

تغييراً للبخس [761] ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس [762] ، واجتناب القذف حجاباً عن اللّغة [763] ، وترك السرقة إيجاباً للعفة [764] ، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية، (فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون) وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه (إنّما يخشي الله من عباده العلماء).

ثمّ قالت: أيّها الناس! اعلموا أنّي فاطمة، وأبي محمّد صلي الله عليه وآله وسلم، أقول عوداً وبدءاً [765] ، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً [766] : (ولقد جاءكم رسول من أنفسكم [767] عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم [768] بالمؤمنين

روؤف رحيم [769] ) [770] فإنّ تعزوه [771] وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزّي إليه صلي الله عليه وآله سلم. فبلغّ الرسالة صادعاً بالنذارة [772] مائلاً عن مدرجة

[ صفحه 478]

المشركين [773] ، ضارباً ثبجهم [774] ، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة [775] ، يكسر الأصنام وينكت الهام [776] حتي انهزم الجمع وولوا الدبر، حتي نفرّي اللّيل عن صبحه [777] وأسفر الحق عن محضه [778] ، ونطق زعيم الدين [779] ، وخرست شقاشق الشياطين [780] ، طاح وشيظ النفاق [781] ، انحلّت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص [782] في نفر من البيض الخماص [783] ، وكنتم علي شفا

[ صفحه 479]

حفرةٍ من النار [784] ، مذفة الشارب، ونهزة الطامع [785] ، وقبسة العجلان [786] ، وموطيء الاقدام [787] ، تشربون الطرق [788] ، وتقتاتون الورق [789] ، أذلةً خاسئين [790] ، «تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم» [791] فأنقذكم الله تبارك وتعالي بمحمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم بعد اللتيا والتي [792] ، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب [793] ، «كلما

[ صفحه 480]

أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله»، أو نجم قرن للشيطان [794] ، وفغرت فاغرة من المشركين [795] قذف أخاه في لهواتها [796] ، فلا ينكفيء [797] حتي يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه [798] ، مكدوداً في ذات الله [799] ، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله سيد أولياء الله [800] ، مشمّراً ناصحاً [801] ، مجداً كادحاً [802] ، وأنتم في رفاهية

من العيش، وادعون فاكهون آمنون [803] ، تتربصون بنا الدوائر [804] ، وتتوكّفون

[ صفحه 481]

الأخبار [805] ، وتنكصون عند النزال [806] ، وتفرون عند القتال.

فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوي أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق [807] ، وسمل جلبات الدين [808] ، ونطق كاظم الغاوين [809] ، ونبغ خامل الأقلّين [810] ، وهدر فنيق المبطلين [811] .

فخطر في عرصاتكم [812] ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه، هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين [813] ، وللغرّة فيه ملاحظين [814] ثم استنهضكم [815] فوجدكم

[ صفحه 482]

خفافاً [816] ، وأحمشكم فألفاكم غضاباً [817] ، فوسمتم [818] غير ابلكم، وأوردتم غير شربكم [819] ؛ هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل [820] ، والرسول لمّا يقبر [821] زعمتم خوف الفتنة [822] ، «ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين» [823] .

فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنّي تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم [824] ، اموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة [825] ، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبةً عنه تريدون، أم بغيره تحكمون، «بئس للظالمين بدلاً [826] » [827] «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من

[ صفحه 483]

الخاسرين» [828] ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها [829] ثم أخذتم تورون وقدتها [830] ، وتهيّجون جمرتها [831] ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي [832] ، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهماد سنن النبي الصفي [833] ، تسرون خشوا في أرتعاء [834] ، وتمشون لأهله ووله في الخمر والضراء [835] ، ونصبر منكم علي

مثل حزّ المدي [836] ، ووخز السّنان في الحشا [837] ، وأنتم تزعمون ألاّ إرث لنا، «أفحكم

[ صفحه 484]

الجاهلية تبغون ومن أحسن من حكماً لقوم يوقنون» [838] أفلا تعلمون؟ بلي تجلّي لكم كالشمس الضاحية [839] أنّي ابنته.

أيها المسلمون أاغلب علي إرثيه [840] يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي؟ «لقد جئت شيئاً فرياً [841] » [842] ، أفعلي عمدٍ تركتم كتاب الله، ونبذتمونه وراء ظهوركم، إذ يقول: «وورث سليمان داود» [843] , وقال فيما اقتصّ من خبر يحيي بن زكريا عليها السلام إذ قال ربّ «هب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب» [844] وقال: «واولوا الأرحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله» [845] وقال:«يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظ الانثيين» [846] وقال: «إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً علي المتقين» [847] ، وزعمتم ألاّ حظوة لي [848] ، ولا إرث من أبي لا رحم بيننا!

[ صفحه 485]

أفخصّكم الله بأية أخرج منها أبي؟ أم هل تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان، ولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي [849] ؟ فدونكها مخطمة مرحولة [850] تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزّعيم محمدّ [851] ، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون [852] ، ولا ينفعكم إذ تندمون، «ولكل نبأٍ مستقرّ وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه [853] ويحلّ عليه عذاب مقيم» [854] ثم رمت بطرفها [855] نحو الأنصار فقالت: يا معاشر الفتية [856] ، وأعضاد الملّة [857] ، وأنصار الإسلام! ما هذه الغميزة في حقّي

[858] ؟ والسّنة عن

[ صفحه 486]

ظلامتي [859] ، أما كان صلي الله عليه وآله وسلم أبي يقول: «المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالةً [860] ، ولكم طاقة بما احاول، وقوّة علي ما أطلب وازاول! أتقولون مات محمد صلي الله عليه وآله وسلم؟! فخطب جليل استوسع وهيه [861] ، واستنهر فتقه، وانفتق رتقه [862] ، وأظلمت الأرض لغيبته، وكسفت النجوم لمصيبته [863] ، واكدت الآمال [864] ، وخشعت

[ صفحه 487]

الجبال، واضيع الحريم [865] ، وازيلت الحرمة عند مماته [866] فتلك والله النّازلة الكبري [867] ، والمصيبة العظمي، لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة [868] أعلن بها كتاب الله _ جل ثناؤه _ في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم [869] هتافاً وصراخاً وتلاوة وإلحاناً [870] ، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله، حكم فصل [871] وقضاء حتم [872] : «وما محمد إلا رسول قد خلت [873] من قبله الرسول أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم [874] ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين [875] » [876] .

[ صفحه 488]

أيها بني قيلة! [877] أاهضم تراث أبيه [878] وأنتم بمرأي منّي ومسمع [879] ، ومبتدأ

[ صفحه 489]

ومجمع [880] ؟! تلبسكم الدّعوة، وتشملكم الخبرة [881] ، وأنتم ذوو العدد والعدّة، والأداة والقوّة، وعندكم السلاح والجنّة؛ توافيكم الدعوة فلا تحبيبون، وتأتيكم الصّرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح [882] ، معروفون بالخير والصّلاح، والنجّبة التي انتجبت [883] ، والخيرة التي اختيرت! [884] قاتلتم العرب، وتحمّلتم الكذّ والتعب، وناطحتم الامم [885] ، وكافحتم البهم [886]

، فلا نبرح أو تبرحون [887] ، نأمركم فتأتمرون [888] حتي دارت بنا رحي الإسلام [889] ،

[ صفحه 490]

ودرّ حلب الأيام [890] ، وخضعت نعرة الشرك [891] ، وسكنت فورة الإفك [892] ، وخمدت نيران الكفر [893] ، وهدأت دعوة الهرج [894] ، واستوسق نظام الدين [895] ، فأنّي جرتم بعد البيان [896] ، واسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام [897] ، وأشركتم بعد الإيمان؟ «ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق ان تخشوه إن كنتم مؤمنين [898] » [899] .

[ صفحه 491]

ألا قد أري أن قد أخلدتم إلي الخفض [900] ، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض [901] ، وخلوتم بالدعة [902] ، ونجوتم من الضيق بالسّعة، فمججتم ما وعيتم [903] ، ودسعتم الذي تسوّغتم [904] ، «فإن تكفروا [905] أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنّ الله لغني

[ صفحه 492]

حميد» [906] ألا وقد قلت ما قلت علي معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم [907] ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم [908] ، ولكنها فيضة النفس [909] ، ونفثة الغيظ [910] ، وخور القنا [911] ، وبثّة الصدور [912] ، وتقدمة الحجّة [913] .

فدونكموها فاحتقبوها [914] دبرة الظّهر [915] ، نقبة الخفّ [916] ، باقية العار [917] ، موسومة بغضب الله وشنار الأبد [918] ، موصولة بنار الله الموقدة [919] التي تطلع علي

[ صفحه 493]

الأفئدة. فبعين الله ما تفعلون [920] «وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب [921] ينقلبون [922] ». وأنا ابنة نذير لكم [923] بين يدي عذاب شديد،،

«فاعملوا [924] إنّا عاملون وانتظروا إنّا منتظرون [925] .

فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان، فقال: يا ابنة رسول الله، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، وعلي الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً: فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخاً لبعلك دون الأخلاء، آثره علي كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبّكم إلاكل سعيد، ولا يبغضكم إلا كل شقي: فأنتم عترة رسول الله صلي الله عليه وآله الطيبون، والخيرة المنتجبون، علي الخير أدلّتنا، وإلي الجنّة مسالكنا، وأنت _ يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء _ صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودةٍ عن حقك، ولا مصدودةٍ عن صدقك، ووالله، ما عدوت رأي رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نوّرث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً، وإنما نورّث والحكمة، والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه».

وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسّلاح يقابل به المسلمون، ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة [926] ثم الفجّار. وذلك بإجماع من المسلمين لم أتفرّد به وحدي، ولم

[ صفحه 494]

أستبد [927] بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي، ومالي هي لك وبين يديك، لا نزوي عنك [928] ولا ندّخر دونك. ونت سيدة أمّة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا يدفع ما لك من فضلك، ولا يوضع من فرعك وأصلك؛ [929] حكمك نافذ فيما ملكت يدأي، فهل ترين [930] أن اخالف في ذلك أباك صلي الله عليه وآله؟

فقالت عليها السلام: سبحان الله! ما كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفاً [931] ، ولا لأحكامه

مخالفاً، بل كان يتّبع أثره [932] ، ويقفو سوره [933] ، أفتجمعون إلي الغدر اعتلالاً عليه بالزور [934] ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته [935] هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلاً، يقول: «يرثني ويرث من آل يعقوب»، «وورث سليمان داود» فبيّن عزّ وجلّ فيما وزّع عليه من الأقساط، وشرّع من الفرايض والميراث، وأباح من حظّ الذّكران والإناث ما أزاح علّة المبطلين [936] ، وأزال التّظنّي والشبهات في الغابرين [937] ، كلا «بل سؤّلت لكم أنفسكم [938] أمراً فصبر جميل [939] والله المستعان علي

[ صفحه 495]

ما تصفون» [940] .

فقال أبو بكر صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته؛ انت معدن الحكمة، وموطن الهدي والرحمة، وركن الدين وعين الحجّة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك [941] هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلّدوني ما تقلّدت، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت [942] غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر [943] ، وهم بذلك شهود.

فالتفتت فاطمة عليها السلام وقالت: معاشر الناس المسرعة إلي قيل الباطل [944] ، المغضية [945] علي الفعل القبيح الخاسر «أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها [946] » [947] كلا بل ران علي قلوبكم [948] ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأوّلتم [949] ، وساء ما به أشرتم [950] ، وشرّ ما عنه اعتضتم [951] ، لتجدنّ _ والله _ محمله ثقيلاً [952] ، وغبّه وبيلاً [953] إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه

[ صفحه 496]

الضراء [954] «بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون [955] » [956] و «خسر هنالك المبطلون [957] » [958] .

ثم عطفت

علي قبر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقالت: [959] .

ق_د ك__ان ب__عدك أن__باء وه__نبثة

لو ك_نت ش_اه_دها لم تك__بر الخ_طب

إنّ__ا ف__قدناك ف__قد الأرض واب__لها

واختلّ ق_ومك فاشهدهم وق__د نك_بوا [960] .

وك___ل أه__ل له ق__ربي وم__نزلة

ع_ند الإله ع_لي الأدن_ين م__قترب [961] .

[ صفحه 497]

أب_دت رج_ال لن_ا ن___جوي ص_دورهم

لمّا مضيت وح___الت دونك التّ_رب [962] .

ت___جهّمتنا رج__ال واس__تخفّ ب__نا

لمّا فقدت وك___ل الأرض م_غتصب [963] .

وك__نت ب__دراً وق__وراً يس_تضاء ب_ه

ع_ليك ت_نزل م__ن ذي الع_زة الك_تب

وك__ان ج__بريل ب___الآيات ي__ونسنا

فقد فقدت فك___ل الخ_ير م_حتجب [964] .

ف__ليت ق_بلك ك___ان الم_وت ص_ادفنا

لمّا مضيت وح___الت دونك الكتب [965] .

إنّ__ا رزئ__نا ب__ما لم ي_رز ذو ش_جن

م__ن الب__ريّة لا ع_جم ولا ع_رب [966] .

ثم انكفأت عليها السلام وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه [967] فلما استقرت بها الدار [968] قالت لأمير المؤمنين عليه السلام: يابن أبي طالب! اشتملت شملة الجنين [969] .

[ صفحه 498]

وقعدت حجرة الظنين [970] نقضت قادمة الأجدل [971] ، فخانك ريش الاعزل [972] ؛ هذا ابن أبي قحافة [973] يبتزني نحيلة أبي وبلغة ابني [974] ، لقد أجهر في خصامي [975] ، وألفيته ألدّ في كلامي [976] ، حتي حبستني قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها [977] ، وغضّت الجماعة

[ صفحه 499]

دوني طرفها [978] ؛ فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمةً، وعدت راعمةً [979] ، أضرعت خدّك [980] يوم أضعف حدّك

[981] ، افترست الذئاب، افترشت التراب [982] ، ما كففت قائلاً، ولا أغنيت باطلاً [983] ، ولا خيار لي. ليتني مت قبل هنيتي [984] ودون زلّتي [985] عذيري الله منك عادياً ومنك حامياً [986] .

[ صفحه 500]

ويلاي في كل شارقٍ [987] ، مات العمد [988] ، ووهت العضد. شكواي إلي أبي، وعدو أي إلي ربّي [989] .

اللهم أنت أشدّ قوة وحولاً [990] ، وأحدّ بأساً وتنكيلاً [991] .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ويل عليك، الويل لشانئك [992] ، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصّفوة [993] وبقيّة النبوة، فما ونيت عن ديني، ولا أخطأت مقدوري [994] ، فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون، كفيلك مأمون، وما أعد لك أفضل مما قطع عنك [995] .

[ صفحه 501]

فاحتسبي الله [996] ؛ فقالت: حسبي الله؛ وأمسكت [997] .

كلامها مع نساء المهاجرين والأنصار عند ما يعدنها

روي العلامة المجلسي رحمه الله عن الشيخ الثقة الصدوق رحمه الله: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، قال: حدثنا عبد الرحمان بن محمد الحسيني، قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي، قال: حدثنا أبو عبدالله محمد بن زكرياً، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمان المهلّبي، قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبدالله بن الحسن، عن امه فاطمة بنت الحسين عليه السلام قالت: لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وغلبها، اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار، فقلت لها، يا بنت رسول الله: كيف أصبحت عن علّتك؟ فقالت عليها السلام: أصبحت والله عائفة لدنياكم [998] ، قالية رجالكم [999] ، لفظتهم قبل أن عجمتهم [1000] ، وشنئتهم بعد أن

سبرتهم [1001] ، فقبحاً

[ صفحه 502]

لفلول الحد [1002] ، وخور القناة [1003] ، وخطل الرأي [1004] ، «بئس قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون» [1005] لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشننت عليهم غارها [1006] ، فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين [1007] .

ويحهم أنّي زحزحوها عن رواسي الرسالة [1008] ، وقواعد النبوة، ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين [1009] ، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا من أبي الحسن [1010] ، نقموا والله منه نكير سيفه [1011] ، وشدّة وطئه [1012] ، ونكال وقعته [1013] ، وتنمّره في ذات الله عزّ وجلّ [1014] .

[ صفحه 503]

والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إليه لا عتلقه [1015] ، ولسار بهم سيراً سجحاً [1016] ، لا يكلم خشاشه [1017] ، ولا يتعتع راكبه [1018] ، ولأوزدهم منهلاً نميراً فضفاضاً [1019] تطفح ضفّتاه [1020] ولأصدرهم بطاناً [1021] ، قد تحيرّ بهم الريّ [1022] غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء [1023] وردعة شررة الساغب [1024] ، ولفتحت عليهم بركات من

[ صفحه 504]

السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا هلمّ فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب [1025] ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث! إلي أيّ سناد استندوا، وبأيّ عروة تمسّكوا، استبدلوا الذّنابي والله بالقوادم [1026] ، والعجز بالكاهل [1027] ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون [1028] ، (أفمن يهدي إلي الحقّ أحق أن يتبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدي فما

لكم كيف تحكمون) [1029] أما لعمر إلهك [1030] لقد لقحت [1031] فنظرة ريث ما

[ صفحه 505]

تنتج [1032] ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً [1033] ، وذعافاً ممقراً [1034] ، هناك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما سنّ الأولون [1035] ، ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً [1036] وطأمنوا للفتنة جأشاً [1037] ، وأبشروا بسيف صارم [1038] ، وهرج شامل [1039] ، واستبداد من الظالمين [1040] ، يدع فيئكم زهيداً [1041] ، وزرعكم حصيداً [1042] فياحسرتي لكم وأنّي بكم [1043] ، وقد عمّيت [قلوبكم] عليكم أنلزمكموها [1044] وأنتم لها كارهون [1045] .

[ صفحه 506]

إن هذه الخطبة الفاطمية والدرة البيضاء لفي غاية الفصاحة ونهاية البلاغة من ناحية عذوبة ألفاظها وجميل محتواها وعظيم مضمونها الذي لابد للموالي والمخالف من الوقوف علي مضمونها وطبيعة أهدافها التي أنشدتها الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام والتي لم تخرج فيها عن حد الشرع المقدس بل سارت مع كل ما دعي إليه الرسول وأهل بيته الأطهار، ففيها من الجلالة والنور بحيث لا بد من الإستضاءة من نورها الذي لو عرض علي الظلمات لأضاءت منه، ولو خوطب بها الجبال الشامخات لرأيتها خاشعة من بهاءها وجلالها، وان كانت لم تترك الأثر الواضح علي القلوب القاسية التي لم تمل إلي هداية بل كانت كالحجارة بل أن الحجارة لما يتفجر منها الماء الذي فيه حياة القلوب والنفوس، فكانت سلام الله عليها في هذه الخطبة مظهرة لنور ثمار النبوة وعبق أرج الرسالة فهي عصن الدوحة المحمدية وحليلة العصمة العلوية ومجمع الأنوار الولائية فهي كلمة الله التامة وأم أبيها التي يفرغ لسانها عنه صلي الله عليه وآله وسلم، وهي الصديقة الكبري

التي فطمت الخلق عن م معرفتها فضلاً عن معرفة أنوارها وكلامها الذي لا بد من الوقوف معه وتجلية أنواره، ومعرفة أركانه وأهدافه فلذا لا بد من التعرض لأهداف هذه الخطبة لكي يتضح لنا برهانها الظاهر، وكلامها المؤثر الذي ينبع م مشكاة النبوة المحمدية وظهر علي لسان الأسرار الفاطمية.

[ صفحه 507]

اهداف خطبة الزهراء

هناك مجموعة أهداف لتصلّب الزهراء في مواقفها:

أوّلاّ _ أرادت الزهراء استرجاع حقها المغصوب، وهذا أمر طبيعي لكل إنسان غصب حقّه أن يطالب به بالطرق المشروعة.

ثانياً _ كان الحزب الحاكم قد استولي علي جميع الحقوق السياسية والإقتصادية لبني هاشم، وألغي جميع امتيازاتهم المادية والمعنوية، فهذا عمر بن الخطاب يقول لابن عباس: أتدري ما منع قومكم (أي قريش) منكم بعد محمد صلي الله عليه وآله وسلم؟ كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا علي قومكم بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت [1046] ، هذا بالنسبة للخلافة، وبالنسبة للأموال فقد منعوا بني هاشم فدك والميراث والخمس _ أي سهم ذوي القربي _ واعتبروهم كسائر الناس.

وكان بنو هاشم وفي مقدّمتهم علي عليه السلام لا يقدرون علي المطالبة بحقوقهم المغصوبة بأنفسهم، فجعلت الزهراء من نفسها مطالبة بحق بني هاشم وحقها، ومدافعة عنهم اعتماداً علي فضلها وشرفها وقربها من رسول الله، واستناداً إلي أنوثتها حيث النساء أقدر من الرجال في بعض المواقف. ومعلوم أن الزهراء إذا استردّت حقوقها استردّت حينئذ حقوق بني هاشم معها.

ثالثاً _ استهدفت الزهراء من مطالبتها الحثيثة بفدك فسح المجل أمامها للمطالبة بحق زوجها المغلوب علي أمره، والواقع أنّ فدك صارت تتمشّي مع الخلافة جنباً إلي جنب، كما صار لها عنوان كبير وسعة في المعني، فلم تبق فدك قرية زراعية

محدودة بحدودها في عصر الرسول، بل صار معانها الخلافة والرقعة الإسلامية بكاملها.

ومما يدل علي هذا تحديد الأئمة لفدك، فقد حدها علي عليه السلام في زمانه بقوله: حدّ منها جبل أحد، وحدّ منها عريش مصر، وحدّ منها سيف البحر، وحدّ منها دومة الجندل [1047] وهذه الحدود التقريبية للعالم الإسلامي آنذاك.

[ صفحه 508]

أما الإمام الكاظم عليه السلام فقد حدها للرشيد بعد أن ألحّ عليه الرشيد أن يأخذ فدكاً، فقال له الإمام: ما آخذها إلا بحدودها، قال الرشيد: وما حدودها؟ قال: الحدّ الأول عدن، والحدّ الثاني سمرقند، والحدّ الثالث أفريقيّة، والحدّ الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية، فقال له الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحوّل في مجلسي [1048] ، أي أنّك طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها.

فقال الإمام: قد أعلمتك أني إن حدّدتها لم تردّها.

ففدك تعبير ثانٍ عن الخلافة الإسلامية، والزهراء جعلت فدكاً مقدمة للوصول إلي الخلافة، فأرادت استرداد الخلافة عن طريق استرداد فدك.

ومما يدل علي هذا تصريحات الزهراء في خطبتها بحق علي وكفاءته وجهاده، فهي القائلة في خطبتها الكبيرة التي ألقتها في مسجد رسول الله: «فأنقذكم الله بأبي محمد بعد بعد اللّتيّا والّتي، وبعد أن مني يبهم الرجال وذؤبان العرب ومرده أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو نجم قرن للشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه (أي عليّاً) في لهواتها، فلا ينكفي حتي يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيد أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، وأنتم في رفاهيةٍ من العيش وادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر ووتركّفون الأخبار، وتنكصون

عن النزال، وتفرّون من القتال».

وتقول أيضاً: «ألا وقد أري والله أن قد أخلدتم إلي الخفض، وبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض». وهو أمير المؤمنين.

وكان لإشادة الزهراء بفضل علي عليه السلام في خطبتها أثر بالغ في نفوس الأنصار حتي هتف قسم منهم باسمه، فاستشعر أبوبكر الخطر من هذه البادرة، وشقّ عليه مقالتها، فصعد المنبر وقال: «أيها الناس ما هذه الرعة إلي كلّ قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ ألا من سمع فليقل، ومن شهد فيلتكلّم، إنّما هو ثعالة:

[ صفحه 509]

شهيده ذنبه، مربّ لكلّ فتنة. هو الذي يقول كرّوها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء كأمّ طحال أحبّ أهلها اليها البغي، ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت، ولو قلت لحبت،إنّي ساكت ما تركت».

ثم التفت إلي الأنصار فقال: «قد بلغني يا معشر الانصار مقالة سفهائكم، وأحقّ من لزم عهد رسول الله أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إنّي لست باسطاً يداً ولا لساناً علي من لم يستحقّ ذلك منّا». ثم نزل [1049] .

قال ابن ابي الحديد: قرأت هذا الكلام علي النقيب أبي يحيي جعفر بن يحيي بن أبي زيد البصريّ وقلت له: بمن يعرّض؟ فقال: بل يصرّح، قلت: لو صرّح لم أسألك، فضحك وقال: بعليّ بن أبي طالب عليه السلام. قلت: هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله؟ قال: نعم إنّه الملك يا بنّي، قلت: فما مقالة الأنصار؟ قال: هتفوا بذكر عليّ، فخاف من اضطراب الأمر عليهم _ انتهي.

لهذا قلت: إن الزهراء اتّخذت من فدك ذريعةً للوصول إلي استرداد خلافة علي عليه السلام، وإلا فما الذي حداها وهي تطالب

بميراثها أن تشيّد بمواقف الإمام وأحقّيته بالخلافة حتي أثارث الأنصار، فهتفوا بذكر علي؟ وما الذي حدا أبابكر أن يذكر عليّاً بسوء في خطبته كقوله: إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه، مربّ لكل فتنة.

رابعاً: أرادت الزهراء عليها السلام بمنازعة أبي بكر إظهار حاله وحال أصحابه للناس، وكشفهم علي حقيقتهم، ليهلك من هلك عن بيّنهة، ويحيي من حيّ عن بيّنة، وإلاّ فبضعة الرسول أجل قدراً وأعلي شأناً من أن تقلب الدنيا علي أبي بكر حرصاً علي الدنيا، ولا سيّما أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به، ولذا لم ينهها عليّ عليه السلام عن منازعة أبي بكر في فدك وهو القائل: «وما أصنع بفدك وغير فدك،

[ صفحه 510]

والنفس مكانها في غد جدث» [1050] ، ولم تكن الزهراء أقلّ من علي تقيً وزهداً في الدنيا. ثم إنّ عليّاً عليه السلام كان بإمكانه أن يعوّض الزهراء عن ما غصب منها بما يملكه من الأموال، ويمنعها من الهوان، فإنّ ممّا يملك إرثي البغيبغة وأبي نيزر، وهما أكثر قيمة من فدك، وقد جعلهما عليه السلام قبل وفاته وقفاً علي الفقراء، وكنا واردهما السنويّ 470 ألف درهم.

وأيضاً هذا هو السبب في حمل عليّ الزهراء علي بغلة، والمرور بها علي دور المهاجرين والانصار، ومطابتهم بنصرتها مع علمها بخذلانهم، كلّ ذلك لاطلاع الناس أبد الدهر علي حقيقة الأمر، وإظهار حال الغاصبين وحال أصحابهم...

قال ابن أبي الحديد: قلت لمتكلّم من متكلّمي الإماميّة يعرف بعليّ ابن تقي من بلدة النيل: وهل كان فدك إلا نخلاً يسيراً وعقاراً ليس بذلك الخطير؟ فقال لي: ليس الأمر كذلك، بل كانت جليلةً جدّاً، وكان فيها من النخل نحو

ما بالكوفة الآن. (أي في القرن السادس الهجري)، وما قصد أبوبكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا ألاّ يتقوّي بحاصلها وغلّتها علي المنازعة في الخلافة، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطّلب حقّهم في الخمس، فإنّ الفقير الذي لا مال له تضعف همّته، ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرئاسة [1051] .

وقال الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل بن عمر: «لمّا بويع أبو بكر أشار عليه عمر أن يمنع علياً وأهل بيته الخمس والفي وفدكاً، فإنّ شيعته إذا عملوا ذلك تركوه، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا، فصرفهم أبو بكر عن جميع ما هو لهم».

وثمّة سبب أخر وهو إرادة التظاهر بالقوّة أمام أهل البيت، وسدّ الطريق أمامهم، وقطع أيّ أملٍ في نفوسهم للوصول إلي غايتهم [1052] .

قال العلامة المجلسي رحمه الله: إنّ طلب الحقّ والمبالغة فيه وإن لم يكن منافياً للعصمة لكنّ زهدها صلوات الله عليها وتركها للدنيا، وعدم اعتدادها بنعيمها ولذّتها، وكمال عرفانا

[ صفحه 511]

ويقينها بفناء الدنيا، وتوجّه نفسها القدسيّة وانصراف همّتها العالية دائماً إلي اللذات المعنويّة والدرجات الاخروية، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك، والخروج إلي مجمع الناس، والمنازعة مع المنافقين في تحصيله.

والجواب عنه من وجهين، الأوّل: أن ذلك لم يك حقّاً مخصوصاً لها، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه، فلم يكن يجوز لها المداهنة والمساهلة والمحاباة وعدم المبالاة في ذلك ليصير سبباً لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام والأشراف الكرام. نعم لم كان مختصاً بها كان تركه والزهد فيه وعدم التأثر من فوته.

والثاني: إنّ تلك الامور لم تكن لمحبّة فدك وحبّ الدنيا، بل

كان الغرض إظهار ظلمهم وجورهم وكفرهم ونفاقهم، وهذا كان من أهمّ امور الدين وأعظم الحقوق علي المسلمين، ويؤيّده أنّها صلوات الله عليها صرّحت في آخر الكلام حيث قال: «قلت ما قلت علي معرفةٍ منّي بالخذلة...»، وكفي بهذه الخطبة بيّنة علي كفرهم ونفاقهم... [1053] .

قال المحقق الفاضل الألمعي عبدالزهراء عثمان محمد: ربما يعترض البعض علي موقف فاطمة فيقول: لماذا إذن تقف فاطمة هذا الموقف الصلب في مطالبتها بفدك، فلو لم يكن هناك هدف آخر تبتغيه من ورائه، لما طالبت هذه المطالبة الحقيقيّة به.

ولأجل أن نبرز الحقائق التي دفعت الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام للمطالبة بفدك نضع أمامنا النقاط الآتية:

1 _ إنّها عليها السلام رأت أنّ تأميم فدك قد هيّأ لها فرصة ذهبيّةً في الإدلاء برأيها حول الحكومة القائمة، وكان لا بدّ لها أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير، وقد هيّأت لها قضيّة فدك هذه الملابسات المناسبة، فحضرت دار الحكومة في المسجد النبوي صلي الله عليه وآله وسلم، وألقت بتصريحاتها التي لا تنطوي علي أيّ لبس أو غموض.

2 _ تبيان أحقيّة عليّ في قيادة الامة بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وقد تجلّي ذلك في خطبتها التي ألقتها في مسجد

[ صفحه 512]

أبيها صلي الله عليه وآله وسلم علي مسمع ومرأي من المسلمين، وبضمنهم الحكومة الجديدة، فكان من بعض أقوالها: «أم أنتم أعلم بخصصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟» وقولها: «وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض». حيث أو ضحت أنّ عليّاً عليه السلام أعلم الناس بعد محمّد صلي الله عليه وآله وسلم بمعرفة الرسالة وأحكامها وقوانينها، وهو ذلك أحقّ برعاية شئون الامّة التي صنعها الوحي المقدّس.

3 _

كشف ألاعيب الحكومة الجديدة علي الشرع المقدّس، واجتهاداتهم التي لا علاقة لها بأهداف الرسالة... وهذه النقاط الثلاث هي التي استهدفتها فاطمة عليها السلام في مطالبتها الحثيثة بفدك، ليس غير، وليس لها وراء ذلك هدف ماديّ رخيص، كما يعتقد البعض من مورّخي حياتها، فهي _ لعمر الحقّ _ قد تصرّفت ما من شأنه أن يحفظ الرسالة من شبح الإنحراف الذي تنبّأت بوقوعه بعد انتخاب الحكومة الجديدة، فاتّخذف من فدك خير فرصةٍ لخدمة المبدأ، وإلقاء الحجّة وإلقاء الحجّة علي الامّة تأديةً للمسؤوليّة، ونصراً للرسالة، وحفظاً لبيضة الإسلام [1054] .

قال المحقق المتتبع السيد كاظم القزويني: من الممكن أن يقال: إنّ السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الزاهدة عن الدنيا وزخارفها، والتي كانت يمعزل عن الدنيا ومغريات الحياة، ما الذي دعاها إلي هذه النهضة وإلي هذا السعي المتواصل، والجهود المستمرّة في طلب حقوقها؟ وما سبب هذا الإصرار والمتابعة بطلب فدك والاهتمام بتلك الأراضي والنخيل، مع ما كانت تتمتّع به السيّدة فاطمة من علوّ النفس وسموّ المقام؟ وما الداعي إلي طلب الدنيا التي كانت أزهد عندهم من عفطة عنز، وأحقر من عظم خنزير في فم مجذوم، وأهون من جناح بعوضة؟ وما الدافع بسيّدة نساء العالمين أن تتكلّف هذا التكليف وتتجشّم هذه الصعوبات المجهدة للمطالبة بأراضيها، وهي تعلم أنّ مساعيها تبوء بالفشل، وأنّها لا تستطيع التغلّب علي الموقف، ولا تتمكّن من انتزاع تلك الأراضي من المغتضبين؟ هذه تصوّرات يمكن أن تتبادر إلي الأذهان حول الموضوع.

[ صفحه 513]

أوّلاً: إنّ السلطة حينما صادرت أموال السيدة فاطمة الزهراء، وجعلتها في ميزانيّة الدولة (بالاصطلاح الحديث) كان هدفهم تضعيف جانب أهل البيت، أرادوا أن يحاربوا عليّاً محاربة اقتصاديّة، أرادوا أن يكون

علي فقيراً حتّي لا يلتفّ الناس حوله، ولا يكون له شأن علي الصعيد الاقتصادي [1055] .

وهذه سياسة أراد المنافقون تنفيذها في حقّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حين قالوا: «لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتي ينفضّوا» [1056] .

ثانياً: لم تكن أراضي فدك قليلة الإنتاج، ضئيلة الغلاّت، بل كان لها وارد كثير يعبأ به، بل ذكر ابن أبي الحديد أن نخيلها كانت تمثل نخيل الكوفة في زمان ابن أبي الحديد؛ وذكر الشيخ المجلسي عن «كشف المحجّة» أنّ وارد فدك كان أربعة وعشرين ألف دينار في كلّ سنة؛ وفي رواية اخري: سبعين ألف دينار، ولعلّ هذا الاختلاف في واردها بسبب اختلاف السنين. وعلي كلّ تقدير فهذه ثروة طائلة واسعة لا يصحّ التغاضي عنها.

ثالثاً: إنّها كانت تطالب من وراء المطالبة بفدك الخلافة والسلطة لزوجها عليّ بن أبي طالب، تلك السلطة العامّة والولاية الكبري التي كانت لأبيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؛ فقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه، قال: سألت عليم بن الفارقي مدّرس مدرسة الغربيّة ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبوبكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلّة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرّد دعواها، لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه؛ ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء، لأنّه يكون قد أسجل علي نفسه بأنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلي بيّنة ولا

[ صفحه 514]

شهود. وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه الدعابة والهزل [1057] .

... لهذه الأسباب قامت السيدة فاطمة

الزهراء عليها السلام، وتوجّهت نحو مسجد أبيها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأجل المطالبة بحقّها، إنّها لم تذهب إلي دار أبي بكر ليقع الحوار بينها وبينه فقطّ، بل اختارت المكان الأنسب وهو المركز الإسلامي يومذاك، ومجمع المسلمين حينذاك، وهو مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، كما وأنّها اختارت الزمان المناسب أيضاً ليكون المسجد غاصّاً بالناس علي اختلاف طبقاتهم من المهاجرين والأنصار؛ ولم تخرج وحدها إلي المسجد بل خرجت في جماعة من النساء، وكأنّها في مسيرة نسائية، وقبل ذلك تقرر اختيار موضع من المسجد الجلوس بضعة رسول الله وحبيبته، وعلّقوا ستراً لتجلس السيدة فاطمة خلف الستر، إذ هي فخر المخدّرات، وسيدة المحجّبات. كانت هذه النقاط مهمّة جدّاً واستعدّ أبوبكر لاستماع احتجاج سيدة نساء العالمين، وابتة أفصح من نطق بالضاد، وأعلم امرأة في العالم كلّه.

خطبت السيدة فاطمة الزهراء خطبة ارتجاليّة منظّمة منسّقة بعيدة عن الاضطراب في الكلام، و منزّهة عن المغالطة والمراوغة والتهريج والتشنيع، بل وعن كلّ ما لا يلائم عظمتها وشخصيّتها الفذّة، ومكانتها السامية، وتعتبر هذه الخطبة معجزة خالدة للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وآية باهرة تدلّ علي جانب عظيم من الشقافة الدينيّة التي كانت تتمتّع بها الصدّيقة فاطمة الزهراء.

وأمّا الفصاحة والبلاغة، وحلاوة البيان، وعذوبة المنطق، وقوة الحجة، ومتانة الدليل، وتنسيق الكلام، وإيراد أنواع الإستعارة بالكناية، وعلوّ المستوي، والتركيز علي الهدف، وتنوّع البحث... [1058] .

[ صفحه 517]

فاطمة و علاقتها بالحسين

اشاره

الشيخ محمد علي اليعقوبي

أي ب_رق ح_زوي ف_استهلت دم_وعه

وه__اج ب__من ي__هواه ف_يها ولوع_ه

خليلّي مالي كلّما ص_نت ف___ي الحشا

ه__وايّ ب_دا دم_ع الش___وون ي_ذيعه

أحنّ لعهدٍ قد خلا ب_عدما ح_لي هيهات

ي___رج___ي

ع___وده ورج__وعه

ليّ الله كم ن_هنهت ق_لبّي ع_ن ه_وي

ت__حمّل م__نه ف__وق م__ا يستطيعه

وكفكفت من طرفي الدموع فلم تك___ن

لغ_ير ب_ني الزه_راء ت_همي دم__وعه

وخطب جري ب_الطف لم ي_نس وق_عه

ولم ت_لتئم ط__ول الزم__ان ص_دوعه

عش__ية أمس_ي م_نزل الب_غّي اه_لاً

وم__نزل وحّ__ي الله أق__وت رب_وعه

لق_د ك_ان م_ن ي_وم الس_قيفة أص_له

وك__لّ الرزاي__ا الح__ادثات ف_روعه

ف__ما ع_ذرهم ع_ند الن_بّي ولم ي_زل

ي__ري ك__لّ آن م__نهم م__ايروعه

أفي غ_صبهم ح_قّ الوص_يّ وظ_لمهم

لب__ضعته الزه__راء ي_جزي ص_نيعه

لو أنّ رس__ول الله ي__نظر ف__اطماً

ت__نوح ولم ت__هجع لع__زّ ه__جوعه

ف__لولا جنين أس__قطوه لم_ا ه_وي

صريعاً ع__لي صدر الحسين رض__يعه

ومن رضّهم ضلع الب_تولة ق_د غ_دت

ت__رض ب_جري الصافنات ض__لوعه

[ صفحه 519]

فاطمة وعلاقتها بالحسين

للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام عدة أولاد منهم الحسن والحسين عليهم السلام، علما ان علاقتها كانت بهذين الولدين تفوق علاقة أكثر الامهات في تاريخ البشرية وذلك نابع من كونهم ذرية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اضافة إلي كونهم النسل الطاهر لها، وبمقتضي علاقة الام بأبنائها ولقد حدثنا التاريخ عن نشوء هذه العلاقة بين الام من جهة وبين ابنائها ومن خلال الاحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام من جهة اخري، والذي نريد التركيز عليه هنا في هذا الموضوع الختامي لكتابنا هذا هو علاقة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام بولدها الحسين عليها السلام ريحانة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، الذي كان يلقمه حباً وحجراً دافأ خلال حياته الشريفة، كيف لا وكان الرسول صلي الله

عليه وآله وسلم ينظر إلي الحسين بأنه حامل فكره علي مدي الزمن حياةً وشهادةً لكي يضيء من خلال ذلك للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية عبر مرّ العصور، وعلي أي حال فان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم استمد من وراء الغيب علمه بأن بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام سوف يتفرع منها الغصن والثمرة الطيبة لأئمة أهل البيت عليهم السلام والذين يعملون اعباء الإمامة ويدعون الناس عبر مرّ الالسنين والاعوام إلي طريق الهداية والتقوي والصلاح في الدين والدنيا والاخرة لذا كان الرسول يولي اهتماماً بالغاً ببضعته الطاهرة عليها السلام وبولديها الحسن والحسين عليهم السلام، وفي الموضوع وعلي هذا الاساس سوف نولي اهتماما بارزاً من خلال النصوص بحياة الصديقة الشهيدة وعلاقتها انذاك بولدها الحسين عليه السلام مستمدين ذلك من آثار الرسول وأهل بيته وكلماتهم النورانية التي نشروها خلال سيرة حياتهم الشريفة والتي كلها دروس وعبر للمؤمنين علي مر العصور والازمان،

[ صفحه 520]

الولادة الميمونة

مضت عدة ايام علي ولادة الإمام الحسن عليه السلام وامتلأ البيت النبوي سروراً وفرحاً ولم تمض الايام القليلة حددها المؤرخين باثنين وخمسين يوماً حتي علقت سيدة النساء بحمل جديد ظل يتطلع إليه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وسائر المسلمين بفارغ الصبر وكلهم رجاء وأمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر ليضيء في سماء الأمة الاسلامية ويكون امتداداً لحياة المنقذ العظيم [1059] ورأت السيدة ام الفضل بنت الحارث [1060] في منامها رؤية غريبة لم تهتد إلي تأويلها، فهرغت إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قائلة له: «إني رأيت حلماً منكراً كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري؟...» فأزاح النبي مخاوفها وبشرها بخير قائلاً: «خيراً

رأيت، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك...» ومضت الايام سريعاً فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل كما أخبرها النبي صلي الله عليه وآله وسلم [1061] .

اخبار فاطمة بقتل الحسين

عن ابي عبدالله عليه السلام: ان جبرئيل عليه السلام نزل علي محمد صلي الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام، ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليها السلام تقتله أمتك من بعدك.

فقال: يا جبرئيل، وعلي ربي السلام، لاحاجة لي في مولود تقتله امتي من بعدي، قال: فعرج جبرئيل إلي السماء، ثم هبط فقال له مثل ذلك.

فقال: يا جبرئيل وعلي ربي السلام، لاحاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي، فعرج جبرئيل إلي السماء، ثم هبط فقال له: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام، ويبشرك انه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: قد رضيت، ثم أرسل إلي

[ صفحه 521]

فاطمة عليها السلام أن الله «تبارك وتعالي» يبشرك بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي، فأرسك إليه: أن لاحاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك، من بعدك. فأرسل اليها ان الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية فأرسلت: أني قد رضيت، «حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتي إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلي والدي وان أعمل صالحاً ترضيه وأصلح لي في ذريتي إني تبت اليك واني من المسلمين» [1062] .

وايضا عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان الحسين مع أمه صلي الله عليه وآله وسلم تحمله، فأخذه النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وقال: لعن الله

قاتلك، ولعن الله سالبك واهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من اعان عليك.

قالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبة، أيّ شيء تقول؟

قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الاذي والظلم والغدر والبغي وهو يومئذ في عصبة، كأنهم نجوم السماء يتهاوون إلي القتل، وكأني أنظر بالي معسكرهم وإلي موضع رحالهم، وتربتهم، قالت يا أبة، وأبة، واين الوضع الذي تصف؟

قال الموضع يقال له: «كربلاء» وهي دار كرب وبلاء علينا وعلي الأمة.

يخرج عليهم شرار امتي، ولو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار.

قال يا أبة، فيقتل؟ قال: نعم يا بنتاه، وما قتل قتلته أحد كان قبله، وتبكيه السماوات والأرضين والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي علي الأرض منقذ، ويأتيه من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم، وليس علي ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، اولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم _ إذا وردوا علي _ بسيماهم. وكل أهل دين يطلبون ائمتهم وهم يطلبوننا ولا يطلبون غيرنا، وهم قوّام الأرض وبهم ينزل الغيث.

[ صفحه 522]

فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبة إنا لله، وبكت.

فقال لها: يا بنتاه، إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً، فما عندالله خير من الدنيا وما فيها، قتلة أهون من ميتة ومن كتب عليه القتل خرج إلي مضجعه ومن لم يقتل سوف يموت.

يا فاطمة محمد، أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر،

فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض، فيسقي منه أوليائه ويذود عنه أعدائه؟..

أما ترضين أن يكون بعلك مشيم النار بأمر النار، فتطيعه يخرج منها من يشاء، ويترك من يشاء. أما ترضين أن تنظرين إلي الملائكة علي أرجاء السماء ينظرون إليك وما تأمرين به وينظرون إلي بعلك، قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله، فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتلك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجته علي الخلائق وامرت النار أن تطيعه؟

اما ترضين ان تكون الملائكة تبكي لأبنك ويأسف عليه كل شيء؟

اما ترضين ان يكون من أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلي بيت الله واعتمر ولم يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وأن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ولم يزل في حفظ الله وأمنه، حتي يفارق الدنيا.

قال يا أبة، سلمت ورضيت وتوكلت علي الله فمسح علي قلبها ومسح علي عينيها وقال: إنّي وبعلك وانت وابنيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك [1063] .

[ صفحه 523]

اول مأتم للحسين

عندما بشر جبرئيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم بولادة الحسين من ابنته الزهراء عليها السلام فرح فرحاً شديداً ولكن سرعان ما تبدد هذا الفرح وتحول إلي حزن وذلك عندما أخبر جبرئيل الرسول محمد صلي الله عليه وآله وسلم بأن ولده هذا سوف يقتل من قبل امته في أرض تسمي كربلاء في العراق، ولكن الله سبحانه وتعالي علي أثر شهادته وكرامةً له يجعل من صلبه

تسعة من الأئمة الطاهرون المطهرون آخرهم قائمهم «عج» يملأ الله به الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ولذلك كان أول مأتم عزاء حقيقي في تأريخ هذه الأمة عندما ولد الحسين عليه السلام حيث بكته أمه الزهراء وأباه أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وإلي ذلك أشار التأريخ عبر رواياته وتاريخه الحافل، حيث يقول الشيخ التستري في كتابه الخصائص الحسينية «ان أول مأتم للحسين اقيم في عهد هذه الأمة في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم» فلو نظرنا إلي قوله هذا نجد هناك قرينة واضحة البيان وهي «في عهد هذه الأمة» دالة علي انه كانت هناك مآتم في غير عهد هذه الأمة.

اذن كانت هناك مآتم عزاء علي الحسين عليه السلام من قبل الأنبياء والرسل الذين سبقوا خاتم الأنبياء محمد صلي الله عليه وآله وسلم ولكن كيف اقاموا هؤلاء الأنبياء المآتم علي الحسين، وكيف بكواعليه؟ هذا ما نجده واضحاً من خلال استقراء التاريخ حيث يخبرنا التاريخ أن ذلك كان ناتج من أخبار الله تعالي لهم بما يجري علي الحسين وان يجعلوه وسيلة لقربة وان يدعوا علي قاتليه باللعنة وسوء العذاب وهذا ما تراه في كتاب عوالم الإمام الحسين واضحاً وجلياً، اذن كان أول مأتم في عهد امه الزهراء حيث بكت عليه وناحت لأجله لذا لابد لنا ان نقوي علاقتنا مع الحسين لما له من تأثير كبير في زيادة علاقتنا بالصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام.

[ صفحه 524]

حب فاطمة للحسين

روي أنه دخل الحسن والحسين عليهما السلام علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم يوماً فشم الحسن في فمه الشريف وشم الحسين في نحره فقام الحسين واقبل

إلي أمه فقال لها: اماه شمي فمي هل تجدين فيه رائحة يكرهها جدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فشمته في فمه فإذا هو أطيب من المسك ثم جاءت به إلي ابيها فقالت له: ابه لم كسرت قلب ولدي الحسين فقال صلي الله عليه وآله وسلم مم؟ قالت: تشم اخاه في فمه وتشمه في نحره فلما سمع بكي وقال: بنيه اما ولدي الحسن فإني شممته في فمه لأنه يسقي السم فيموت مسموماً واما الحسين عليه السلام فإني شممته في نحره لأنه يذبح منالوريد إلي الوريد فلما سمعت فاطمة بكت بكاء شديداً وقالت: أبه متي يكون ذلك؟ فقال: بنية في زمان خال مني ومنك ومن أبيه وأخيه فأشتد بكاؤها ثم قالت: ابه فمن يبكي عليه ومن يلتزم بأقامة العزاء عليه؟ فقال لها: بنية فاطمة أن نساء أمتي يبكين عل نساء أهل بيتي ورجالهم يبكون علي ولدي الحسين وأهل بيته ويجددون عليه العزاء جيلاً بعد جيل فاذا كان يوم القيامة انت تشفعين للنساء وانا اشفع للرجال وكل من يبكي علي ولدي الحسين أخذنا بيده وادخلناه الجنة.

الحسين وحجر فاطمة

وعنت سيدة نساء عليها السلام بتربية وليدها الحسين فغمرته بالحنان والعطف لتكون له بذلك شخصيته الإستقلالية والشعور بذاتياته كما غذته بالآداب الإسلامية، وعودته علي الإستقامة والإتجاه المطلق نحو الخير والصلاح، كيف لا، وهي ربيبة الوحي وسليلة التقوي فهي أم أبيها، وزوجة أمير المؤمنين، كيف لا ونحن نعلم ان الأم الطاهرة هي المدرسة الأولي للطفل فيها ينشأ وإليها يغدوا وعليها يربوا، وكما قيل:

الأم م_درسة إذا اع__ددتها

اعددت شعباً طيب الأع_راق

الأم روض تع__هده الح_يا

ب_الري أورق اي_ما اي_راق

الأم استاذ الأس_اتذة الال_ي

شغلت مآثرهم

مدي الآف_اق

[ صفحه 525]

هكذا هي الام فهي شمعة مقدسة تضيء ليل الحياة بتواضع ليل الحياة بتواضع ورقة وفائدة،فهي التي تصنع الحياة وهي الكنز الحقيقي الذي لا اضمحلال له، وكما قيل: مدرستي الأولي علي صدر امي، وإني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجوا أن أصل إليه من الرفعة إلي أمي الملاك فالأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها، وهكذا كانت الزهراء الام المثالية التي تربي في حجرها الحسين عليه السلام وغذته بالاخلاق الحميدة والخصال الرفيعة وإلي ذلك يقول العلائلي في كتابه الإمام الحسين ص 289: «والذي انتهي إلينا من مجموعة أخبار الحسين ان امه عنيت ببث المثل الإسلامية الإعتقادية لتشييع في نفسه فكره الفضيلة علي أتم معانيها، وأصح أوضاعها ولا بدع فأن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أشرف علي توجيهه أيضاً في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالإستقلال، فالسيدة فاطمة نمت في نفسها فكرة الخير، والحب المطلق والواجب ومددت في جوانحه وخوالجه افكار الفضائل العليا بأن وجهت المباديء الأدبية في طبيعته الوليدة، من أن تكون هي نقطة دائرتها إلي الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع، وبذلك يكون الطفل قد رسم بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المباديء الأدبية علي شخص والدته وقصرها عليها وما تجاوز بها إلي سواها من الكوائن، ورسمت له والدته دائرة غير متناهية حينجعلت فكرة الله نقطة الارتكاز، ثم أدارت المباديء الأدبية والفضائل عليها فاتسعت نفسه لتشمل وتستغرق العالم بعواطفها المهذبة، وتأخذه بالمثل الأعلي للخير والجمال...» لقد نشأ الحسين في تلك الأسرة الطبيعية الأعراف الطاهرة من الأدناس وفي حجر سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وقد صار بهذه التربية المثل الأعلي

للأجيال حيث رسم الشهادة في جبين الإسلام كتضحية من أجل الأهداف التربوية التي تغذاها من حجر امه ومن ضمير جده ورعاية أبيه المرتضي، أجل إنّه الحسين الكبير ذلك الفذ من الأفذاذ الذي علموا البشرية وعلموا الأجيال كل طرق الخير والصلاح لا خير في أن يقول غاندي محرر الهند «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر».

[ صفحه 526]

فاطمة يوم القيامة

للصديقة فاطمة عليها السلام يوم القيامة مواقف عديدة تقف فيها ضد قتلة الحسين وأنصارهم، فمنها عندما تأتي يوم القيامة وتقف في عرصات المحشر، فيأتيه الخطاب من الباري عزوجل... يا فاطمي: سلي حاجتك، فتقول يا رب... يارب أرني الحسين... فيأتيها الحسين عليه السلام وأوداجه تشخب دماً، وهو يقول: يا رب، خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني، عند ذلك تقف سلام الله عليها مؤقتا موقفا شريفا من مواقف يوم القيامة، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين عليه السلام بيدها ملطخا بدمه:

لاب_د ان ت_رد الق_يامة ف_اطم

وقميصها ب__دم الحسين ملطخ

ويل لم_ن ش_فعاؤه خ_صمائه

والص_ور ف_ي الق_يامة ي_نفخ

وتقول يا رب، هذا قميص ولدي، وقد علمت ماصنع به، يا عدل، احكم بيني وبين قاتل ولدي... أنت الجبار العدل اقضي بيني وبين من قتل ولدي... فيغضب عند ذلك الجليل، وتغضب لغضبه جهنم والملائكة اجمعون... فيأتيها النداء من قبل الله عزوجل: يا فاطمة! لك عندي الرضا فتقول يا رب انتصر لي من قاتله، فيأمر الله تعالي عنقا من النار فتخرج من جهنم، فتلتقط من جهنم قتلة الحسين بن علي عليه السلام كما يلتقط الطير الجيد من الحب الرديء، ثم يعود العنق بهم إلي النار فيعذبون فيها بأنواع العذاب، ولها مواقف آخر مع

انصار الحسين واصحابه وشيعته وفيمن بكي عليه في الدنيا وأقام العزاء لمصابه الجليل حيث ورد في الأخبار الشريفة، انها تأتي يوم القيامة، فتقول ي رب حاجتي أن تغفر لي، ولمن نصر ولدي الحسين عليه السلام.

اللهم اشفعني فيمن بكي علي مصيبته... الهي أنت المني وفوق المني، أسألك أن لا تعذب محبي ومحب عترتي بالنار... إلهي وسيدي ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد... فيأتيها الخطاب... يا فاطمة قد غفرت لشيعتك... وشيعة ولدك الحسين... يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت علي نفسي من قبل أن اخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار... فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين، فتسير فاطمة ومعها شيعتها، وشيعة ولدها

[ صفحه 527]

الحسين عليه السلام وشيعة آمير المؤمنين عليه السلام آمنة روعاتهم، مستورة عوراتهم، قد ذهبت عنهم الشدائد، وسهلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظماً الناس وهم لا يظمأون... عند ذلك تصر فاطمة عليها السلام وتسير إلي الجنة... فتكون أول من تكسي ويستقبلها من الفردوس، اثنتا عشر ألف حوراء لم يستقبل أحداً قبلها ولا أحد بعدها علي نجائب من ياقوتة اجنحتها وأزمتها اللؤلؤ عليها، حائل من درّ... فيجوزون بها الصراط حتي ينتهون بها إلي الفردوس... فيباشر بها أهل الجنان... فتجلسي علي كرسي من نور ويجلس حولها، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلي أحد بعد فتقول: قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته، وأباحني جنته، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي، وحفظهم من بعدي، فيوحي الله إلي الملك من غير أن يزول من مكانه: أن سرّها وبشرها أني قد شفعتها في ولدها ومن ودّهم بعدها وحفظهم فيها... فتقول

عليها السلام: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن وأقر عيني (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بأيمانهم ألحقنا بهم ذريتهم) [1064] .

[ صفحه 528]

يابن العسكري

لا صبر ي_ابن العسك_ري فش___رعة ال_

ه__ادي الن_بي اس_تنصرت أن_صارها

ه__دمت ق__واع__دها وط_اح م_نارها

فأق__م بس__يفك ذي الف__قار م_نارها

ف__الام ت__غضي والط__غاة ت__حكمت

ف_ي المس_لمين وحك_مت أش__راره_ا

مولاي م__اسن الض_لال س___وي الالي

ه_جموا ع_لي الط_هر البت_ولة داره_ا

منعوا الب__تول ع_ن الن_ياحة اذ غ__دت

ت__بكي أب___اها لي__لها ون__هارها

ق___الوا له___ا ق_ري ف__قد آذي__تنا

انّ_أ وق_د س_لب الم_صاب ق_راره_ا

ق___طعوا اراك___تها وم__ن أب__ناها

ق___طعت اميّ ي__مينها ويس__ارها

ج__معوا ع__لي ب_يت الن_بي م__حمدٍ

ح__طباً وأوق__دت الض__غائن نارها

رض___وا س__ليلة أح__مد ب___الباب

ح_تي أن_بتوا ف_ي ص_درها مس_مارها

عصروا ابنة الهادي الام__ين واس__قطوا

م__نها الج_نين وأخ_رج_وا كراره_ا

ق___ادوه والزه__راء ت__عدو خ__لفهم

م__نها الج___نين وأخ_رجوا كرارها

والع_بد س__ود م__تنها ف_استنص__رت

أس__فاً ف__ليتك تس__مع اس_تنصارها

ف__قضت وآث__ار الص___ياد ب__متنها

ي___اليت ع__ينك ع__اينت آث_ارها

تم الإنتهاء من تأليف ووضع اللمسات الآخيرة لهذا الكتاب في ذكري تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير المبارك، نسأل الله تعالي أن يتقبله منّا بأحسن القبول ويجعله في الباقيات الصالحات، وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون.

محمّد فاضل المسعودي

پاورقي

[1] الأحزاب: 33.

[2] الأحزاب: 33.

[3] البحار 3: 14.

[4] الكافي 1: 44.

[5] ميزان الحكمة: الحديث رقم 7421.

[6] البحار 42: 105، عن تفسير الفرات.

[7] لقد سبقني في هذا المعني والفتوي شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه في (حكمة

عصمتيّة في كلمة فاطميّة: 14) قائلاً: كانت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة، وقد نص ّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضي وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات، والحقّ معهم، والمكابر محجوج ومفلوج، وكانت عليها السلام جوهرة قدسيّة في تعيّن إنسيّ، فهي إنسيّة حوراء، وعصمة الله الكبري، وحقيقة العصمة، إنّها قوّة نوريّة ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب والادناس والسهو النسيان ونحوها من الرذائل النفسانيّة... وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفي وزوجة وليّ الله وكلمة الله التامّة فاطمة عليها السلام ذات عصمة، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلا:(أشهد أنّ فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبري)، ونحوها.

[8] إذا أردت تفصيل ذلك فراجع (حكمة عصمتية في كلمة فاطميّة).

[9] وردت في مفاتيح الجنان، في قسم الزيارات، فراجع.

[10] كما من معانيه سيّدنا محسن الشهيد بقرينة (وبنيها)، كما جاء في الدعاء: (اللهمّ إنّي أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها)، فكان المراد من البنين الحسن والحسين لولادتهما وظهورهما في الدعاء، والسرّ المستودع سيّدنا المحسن الشهيد عليه السلام الذي سقط بين الباب والجدار. وليت الكاتب الجليل أشاره إلي هذا المعني في فصل بيان أسرار الدعاء.

[11] فرائد السمطين 2: 66.

[12] سماحة آية الله العلاّمة الأستاذ السيّد عاجل العلوي.

ولد في مدينة الكاظميّة المقدّسة بين الطلوعين في السادس من شهر رمضان المبارك عام 1955 م _ 1375ه_ ويتصل نسبه ب_ (38) واسطة إلي مولانا الإمام علي بن الحسين (زين العابدين عليه السلام).

والده العلاّمة آية الله السيد علي بن الحسين العلوي، من علماء الكاظميّة والنجف وبغداد، تلقّي دروسه في العراق علي يد والده المرحوم وعلي غيره،

وفي قم المقدّسة علي يد كبار المراجع العظام والعلماء الأجلاء أمثال السيّد المرعشي النجفي قدس سره والسيّد محمد رضا الكلبايكاني قد سره والشيخ محمد فاضل اللنكراني (دام ظله) والشيخ جواد التبريزي (دام ظله) وغيرهم.

يُعد اليوم من المدرسين الكبار في حوزة قم المقدّسة، يقوم بتدريس الكفاية إضافة إلي دروسه في خارج الفقه وكذلك المكاسب والفلسفة والكلام، مضافاً إلي محاضرات في التفسير والأخلاق، وكتب رسالته (زبدة الأفكار في نجاسة أو طهارة أهل الكتاب) التي نال عليها درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، مضافاً إلي شهادات الاعلام باجتهاده في الفقه والأصول، وقد اشتهر بكثرة تأليفاته المتنوعة، فهو يسعي إلي تأسيس موسوعة إسلاميّة بقلمه الشريف في شتّي العلوم والفنون تقع في (120) كتاب ورسالة، وقد طبع منها (64) كتاب ورسالة، فضلاً عن المقالات، هذا وقد عُرف بخدماته الثقافية والإجتماعيّة، مثل تأسيس مستوصف الإمام السجاد الخيري والمؤسسة الإسلاميّة العامّة للتبليغ والإرشاد، وجماعه العلماء والخطباء في الكاظمية وبغداد، ومكتبات عامّة، وحسينيّات كحسينيّة الإمامين الجوادين عليها السلام في مشهد الإمام الرضا عليه السلام، ولقد أجازه في الرواية ما يقرب عن عشرين من مشايخ الرواية كالآيات العظام: السيد المرعشي النجفي قدس سره والسيد الكلبايكاني قدس سره والشيخ الاراكي قدس سره والشيخ اللنكراني (حفظه الله) والسيد عبدالله الشيرازي (حفظه الله) والسيد محمد الشاهرودي (حفظه الله) وغيرهم.

[13] من اللطائف الجميلة والصدف الحميدة التي شاهدناها خلال الإنتهاء من العمل في هذا الكتاب المبارك إن شاء الله تعالي، أننا تفألنا بالقرآن الكريم في يوم الإنتهاء من وضع اللمسات الأخيرة عليه وذلك يوم الغدير الإفعم، فخرجت لنا الآية المباركة المختصّة بيوم الغدير ويوم تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية العظمي، وهي قوله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ ما اُنزل

إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).

[14] فاطمة بهجة قلب المصطفي 252.

[15] قبسات من حياة سيّدنا الأستاذ المرعشي النجفي رحمه الله: ص 124.

ولقد ذكر مؤلّف هذا الكتاب السيد العلوي: إنّ هذا الدعاء قد تلقّاه السيد المرعشي في ضمن الوصايا المهمة التي أعطاها الإمام المهدي (عج) للسيّد المرعشي في إحدي تشرفاته بلقاء الإمام (عج).

[16] البقرة: 37.

[17] البرهان: 1: 86، مجمع البيان 1: 89.

[18] المائدة: 25.

[19] يوسف: 97.

[20] الوهابية في الميزان: 163.

[21] سنن ابن ماجة: 1: 441، الوهابية في الميزان 164.

[22] كشف الأرتياب: 312، حلية الأولياء: 121، وفاء الوفا 3: 899.

[23] شرح نهج البلاغة 15: 80، السيرة الحلبية: 3: 263.

[24] الدرر السنية: 27 زميني دحلان، التوصل إلي حقيقة التوسل: 300.

[25] تاريخ اُسد الغاية في معرفة الصحابة: 3: 111.

[26] البحار: 12: 247.

[27] البلد الأمين: 159، البحار: 102: 254 ح 13، مستدرك الوسائل: 6: 331 ح 3 مثله.

[28] دلائل الإمامة: 28.

[29] طه آية 109.

[30] سبأ آية 23.

[31] مريم آية 87.

[32] النحل: 19.

[33] الملك 13.

[34] الفرقان 6.

[35] النساء: آية 58.

[36] الأحزاب: آية 72.

[37] راجع تفسير الميزان: 16: 356، حيث فيه القول الفصل لهذا الموضوع.

[38] بصائر الدرجات: 1: 48.

[39] بصائر الدرجات: 1: 48.

[40] راجع التقية بين الأعلام، بقلم سيّد عادل العلوي.

[41] بصائر الدرجات 1: 45.

[42] اصول الكافي: 1: 467 ح 5.

[43] ينابيع المودة: 436، منتخب الاثر: 192.

[44] من سنن أبي داود عن العوالم: 1031.

[45] احقاق الحق 5: 40.

[46] النصوص علي الأئمة الأثني عشر: 67، ح 5 عن أمالي الطوسي، وعيون أخبار الرضا عليه السلام.

[47] الزيارة الجامعة الكبيرة.

[48] بصائر الدرجات: 3: 170 ح1.

[49] بصائر الدرجات: 3: 172 ح3.

[50] الكافي: 1: 467 ح 5.

[51] الجنة العاصمة: 148:

كشف اللآلي: 5، مستدرك سفينة البحار: 3: 334 عن مجمع النورين: 14 عن العوالم: 1: 44.

[52] الكافي: 1: 286 ح 1، بصائر الدرجات: 4: 228.

[53] نفس المصدر السابق.

[54] راجع بصائر الدرجات: 5: 237.

[55] بصائر الدرجات: 4: 230.

[56] تفسير العياشي: 2: 66 ح 76، البرهان: 2: 93 ح 4، الاختصاص: 181.

[57] الشهد: العسل والصاب: شجر مر.

[58] آه: اسم فعل للتوجع بمعني المضارع أي اتوجع من هذا الأمر.

[59] سادة القوم.

[60] نوابي: غير قاطعة.

[61] تفسير أطيب البيان: 13: 226.

[62] لسان العرب مادة حجة.

[63] اُصول المظفر: 2: 18.

[64] هذا التقسيم استفدناه من درس استاذنا اية الله السيد عادل العلوي حفظه الله (خارج الفقه) _ الاجتهاد والتقليد.

[65] النساء: آية 163 _ 165.

[66] غافر: آية 47.

[67] آل عمران: آية 61.

[68] كشف الغمة: 1: 355.

[69] الانوار القدسية: للمرحوم الشيخ محمد حسين الاصفهاني.

[70] الجنة العاصمة: 148، مستدرك سفينة البحار: 3: 334، عن مجمع النورين: 14.

[71] البحار: 43: 105.

[72] ملتقي البحرين: 40.

[73] البحار: 43: 19.

[74] البحار: 43: 10 و11.

[75] البحار: 43: 10 _ 11.

[76] دلائل الإمامة: 28.

[77] مصباح الانوار: 133، كشف الغمة 1: 472، فردوس الأخبار: 3: 418 ح 517.

[78] ينابيع المودة: 177، 181.

[79] ينابيع المودة: 436، منتخب الاثر: 192.

[80] البحار: 43: 143.

[81] شرح نهج البلاغة: 1: 10.

[82] فاطمة الزهراء ليلة القدر «للسيّد عادل العلوي».

[83] الشيخ حبيب شعبان من شعراء أهل البيت يمتاز شعره بالمتانة والسلاسة. ولد في النجف سنة 1290 ه_ تقريباً.

أما وفاته فقد سافر إلي الهند في سنة 1325 وانقطعت اخباره إلي سنة 1336ه_ وردت اخبار وفاته هناك. ترجمه السيد جواد شبر في ادب الطف وعلي الخاقاني في شعراء الغري.

[84] الحجي: العقل والفطنة.

[85] نوائب الدهور: 3: 194، الهداية الكبري: 417.

[86] دلائل الإمامة:

28.

[87] المناقب: 3: 106.

[88] كنز الفوائد: 1: 150.

[89] سفينة البحار: 2: 375.

[90] ملتقي البحرين: 14، فاطمة بهجة قلب المصطفي: 9، عن كشف اللآلي.

[91] تأويل الآيات: 1: 137: ح 16، البرهان: 1: 392 ح 5.

[92] كشف الغمة: 1: 467، الفصول المهمة: 128، نور الأبصار: 52، ونزهة المجالس: 2: 228.

[93] كشف الغمة: 1: 498.

[94] تفسير أطيب البيان: 3: 226.

[95] البحار: 53: 179 و 180، غيبة الطوسي: 172، الاحتجاج: 2: 277، الزام المناصب: 1: 439.

[96] الفصول المهمة: 143.

[97] الزهراء: 12 _ 13.

[98] يعني قوله تعالي: قل تعالوا نَدْع أبناءنا وأبناءَكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكُم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين: (آل عمران: 61).

[99] مطالب السؤول: 6 و 7.

[100] حلية الأولياء: 2: 49.

[101] شرح نهج البلاغة: 9: 193.

[102] أهل البيت: 132، 133.

[103] أهل البيت لتوفيق أبو علم: 128.

[104] فاطمة الزهراء عليها السلام للعلامة دخيل: 171.

[105] كشف الغمة: 1: 484.

[106] الذُّبالة: الفتيلة.

[107] علّبه: أثّر فيه وخدشه.

[108] التأنيب: المبالغة في التوبيخ.

[109] المأفون: الضعيف الرأي.

[110] المصدر: 454.

[111] أي سيّدتهنّ.

[112] المناقب: 3: 357، 358.

[113] الارومة: أصل الشجرة.

[114] الرّعونة: الاسترخاء، الحمق، والمراد هنا الأول.

[115] الخصائص الفاطمية: 1.

[116] فاطمة الزهراء من المهد إلي اللحد: 13 و 14.

[117] النساء: 40.

[118] الحج: 71.

[119] هود: 113.

[120] لسان العرب لابن منظور: 15: 226.

[121] المفردات في غريب القرآن للراغب الاصفهاني: 315.

[122] بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي: 4: 230.

[123] صحيح البخاري بشرح العسقلاني: 5: 95.

[124] عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني: 12: 238.

[125] الدمعة الساكبة: 69، كامل الزيارات: 332، البحار: 28: 61.

[126] الاحتجاج: 1: 105، الإمامة والسياسة: 12، بلاغات النساء: 4: 114.

[127] 1: 106 الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي.

[128] كتاب سليم بن قيس: 3: 583.

[129] نهج الحق وكشف الصدق:

271.

[130] الأعراف: 150.

[131] الأنفال: 65.

[132] تفسير العياشي: 2: 66 ح 76، البرهان: 2: 93 ح 4، الاختصاص: 181.

[133] لسان الميزان: 4: 189، 17 ج 28، الإمامة والسياسة: 1: 18 مثله.

[134] كتاب سليم بن قيس: 2: 820

[135] دلائل الإمامة: 26.

[136] البحار: 53: 18، بهجة قلب المصطفي: 528 ح 23، اعلموا أني فاطمة: 8: 716.

[137] علم اليقين في اصول الدين: 686 للفيض الكاشاني.

[138] 1: 57 للشهرستاني.

[139] 5: 347، عنه اعلموا أني فاطمة: 8: 715.

[140] 1: 268.

[141] 5: 12، عنه البحار: 28: 339.

[142] عنه المناقب لابن شهر اشوب: 3: 132.

[143] 143، عنه البحار: 28: 308 ضمن ح 50.

[144] 160.

[145] 418.

[146] العوالم: 2: 58.

[147] الأحزاب: 57.

[148] البرهان: 1: 8.

[149] زعيم أسرة آل سميسم من أصحاب الفضل والأدب والسخاء وله ديوان شعر مخطوط أكثره في أهل البيت. ولد شاعرنا سنة 1279 ه_ و توفي 1343 ه_.

[150] سورة النجم: 23.

[151] الاسراء: 36.

[152] الانعام: 16.

[153] تفسير علي بن إبراهيم 533. عنه البحار 43: 25 ح 23 في تفسير الآية 57 من الأحزاب، وجاء في المناقب 3: 210 في رواية مقاتل: «الذين يؤذون المؤمنين» يعني علياً. «والمؤمنات» يعني فاطمة «فقد احتملوا بهتاناً واثماً مبيناً».

[154] معاني الأخبار: 303،؛ ح 2.

[155] كشف الغمة: 1: 467، الفصول المهمة 1281، نور الابصار: 52، نزهة المجالس 2: 228، ائمة الهدي: 82، الاحقاق: 10: 212، 213.

[156] المناقب: 3: 106 ومثله عن الحسين «ع» كشف الغمة 1: 458.

[157] ولقد روي هذا الحديث في كتب مختلفة واسانيد معتبرة ومن هذا الكتب مقتل الخوارزمي 1: 51، ومجالس المفيد 94 وروضة الواعظين 180، تاريخ دمشق 1: 159، وسيلة النجاة 212، وكنز العمال 12: 111، ميزان الاعتدال 1: 535 ح 2002، غاية المرام: 294،

صحيفة الرضا 90: ح 23.

[158] كنز العمال: 13: 674 ح 37725، الحاكم في مستدركه: 3: 153 ميزان الاعتدال: 1: 535 ح 2002، التذكرة لابن الجوزي: 320، كفاية الطالب 363 أسد الغابة: 5: 522، ذخائر العقبي: 39: ينابيع المودة: 173، 198 الاصابة: 4: 378، خصائص السيوطي: 2: 265، الكامل في الرجال: 2: 762، اسعاف الراغبين: 187 عنهم، العوالم: 1: 154.

[159] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد والقول كله له: 9: 193، عنه اعلموا اني فاطمة: 4: 55.

[160] مجالس المفيد: 259، أمالي الطوسي: ح 1، 24، بشارة المصطفي: 85.

[161] الخصائص: 35.

[162] مسند أحمد 4: 332.

[163] كشف الغمة 1: 467.

[164] مسند أحمد 4: 5، صحيح الترمذي 5: 698 ح 3869، الصواعق المحرقة: 114، لسان العرب: 1: 758، النهاية: 5: 62.

[165] آل عمران: آية 18.

[166] الرحمن: آية 7.

[167] الحديد: آية 25.

[168] البقرة: آية 124.

[169] العدل الالهي: 46.

[170] لسان العرب مادة عدل.

[171] العدل الالهي: 71.

[172] شواهد التنزيل للحافظ الاسكافي الحنفي 1: 58، 59.

[173] شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني الحنفي 1: 58، 59.

[174] البقرة: آية 37.

[175] «الدر المنثور» 1: 147.

[176] آل عمران: آية 61.

[177] «ذخائر العقبي»: 25، 24.

[178] «ذخائر العقبي» 25، 24.

[179] ابراهيم: آية 24.

[180] كذا، والصواب «محبّوهم»

[181] شواهد التنزيل: 1: 312 _ 313.

[182] شواهد التنزيل: 1: 312، 313.

[183] الاسراء: آية 57.

[184] شواهد التنزيل: 1: 324.

[185] المؤمنون: آية 11.

[186] المصدر: 408.

[187] النور: آية 35.

[188] المناقب لابن المغازليّ: 317.

[189] طه: آية 132.

[190] شواهد التنزيل: 1: 381. والآية في الأحزاب: آية 33.

[191] الفرقان: آية 54.

[192] المصدر: 414.

[193] الفرقان: آية 74.

[194] شواهد التنزيل: 1: 416.

[195] الأحزاب: آية 33.

[196] ذخائر العقبي: 24.

[197] الشوري: آية 23.

[198] الكّشاف: 3: 467.

[199] محمد صلّي الله عليه وآله: آية 11.

[200] شواهد

التنزيل: 2: 174، 194، 197.

[201] الذاريات: آية 17.

[202] شواهد التنزيل: 2: 174، 194، 197.

[203] الطور: آية 21.

[204] شواهد التنزيل: 2: 174، 194، 197.

[205] الرحمن: آية 19 _ 22.

[206] الدر المنثور: 7: 697.

[207] الحشر: آية 8.

[208] شواهد التنزيل: 2: 246 _ 247.

[209] شواهد التنزيل: 2: 246 _ 247.

[210] الدهر: آية 8.

[211] روح المعاني: 29: 158.

[212] القدر: آية 3 _ 4.

[213] تأويل الآيات: للعلامة السيّد شرف الدين النجفّي: 2: 818.

[214] كذا.

[215] فرائد السمطين: 1: 36.

[216] بحار الانوار: 15: 10.

[217] تأويل الآيات: 1: 98.

[218] مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيوطيّ: 45، 46.

[219] مسند فاطمة الزهراء عليها السلام: للسيوطي: 45، 46.

[220] تأويل الآيات: 1: 98.

[221] المصدر السابق: 69.

[222] ذخائر العقبي: 56.

[223] البحار: 43: 44.

[224] بحر المعارف: للمولي عبدالصمد الهمداني: 428.

[225] زين الفتي: للحافظ العاصميّ، كما في «فاطمة الزهراء» للعلاّمة الأميني ص 43.

[226] تاريخ بغداد: 1: 259.

[227] دلائل الإمامة: للطبريّ، ص 28.

[228] مرق من الدين: خرج منه بضلالة أو بدعة.

[229] بحار الانوار: 15: 19.

[230] مرآة العقول: 5: 190 _ 192.

[231] 75.

[232] تأويل الآيات: 2: 509.

[233] كنز العمّال: 6: 193، كما في فضائل الخمسة: 3: 163.

[234] روض الفائق: للعلاّمة الشيخ شعيب الحريفش، مطبعة المصطفي البابي الحلبي، ص 255 وهذا الاشتراك مع ابنها الحسين عليه السلام حيث يكلّمها في بطنها.

[235] كفاية الطالب: الباب 85:311.

[236] المناقب: لابن المغازليّ: 363.

[237] ملحقات إحقاق الحقّ: 10: 134.

[238] البحار: 22: 504.

[239] مسند أحمد: 2: 442.

[240] نور الأبصار للشبلنجي: 52.

[241] الحذية من اللحم ما قطع طولاً.

[242] البحار: 43: 54.

[243] أهل البيت توفيق أبو علم: 124.

[244] الطبقات لأبن سعد: 8: 262.

[245] «كنز العمّال» 12: 111، «مجمع الزوائد» 9: 203.

[246] كنز العمّال: 12: 111، مجمع الزوائد: 9: 203.

[247] صحيح البخاري:

5: 26.

[248] صحيح مسلم: 7: 141، 142، باب الفضائل، ورابني الأمر وأرابني إذا رأيت منه ماتكره.

[249] «صحيح البخاري» 5: 141 و 142، باب الفضائل، ورابني الأمر وأرابني إذا رأيت منه ما تكره.

[250] صحيح مسلم: 7: 141 و 142. باب الفضائل. ورابني الأمر وأرابني إذا رأيت منه ما تكره.

[251] «مستدرك الصحيحين»: 3: 159.

[252] مستدرك الصحيحين: 3: 159.

[253] كنز العمّال: 12: 111. والاسعاف: القرب والإعانة وقضاء الحاجة.

[254] كنز العمال: 12: 111.

[255] مقتل الحسين الخوارزمي: 107.

[256] النداوة: البلل.

[257] القمر: آية 13.

[258] عبقات الأنوار: حديث السفينة: 1081.

[259] البهرة: تتابع النفس وانقطاعه.

[260] مريم: 1.

[261] البحار: 52: 84.

[262] مقتل الحسين للخوارزمي: 95.

[263] المناقب المرتضويّة للعلامة الكشفي: 97.

[264] الأحزاب: آية 56.

[265] ينابيع المودّة: 295.

[266] احقاق الحق: 9: 237، عن عبد الوهاب الشعراني في كشف الغمّة: 1: 110.

[267] شرح إرشاد الأذهان: 2: 276، 277.

[268] الغدير: 2: 304.

[269] التفسير الكبير: 27: 166.

[270] الصواعق: 146.

[271] البحار: 53: 179 _ 180.

[272] تفسير فرات: 169، دلائل الإمامة: 57 تأويل الآيات: 2: 618: ح 7.

[273] مستدرك الحاكم: 3: 161، الخصائص: 2: 265، الفصول المهمة 127 فضائل الصحابة: 2: 763 ح 1344، ميزان الاعتدال: 2: 538، كفاية الطالب: 364، تفسير فوات الكوفي: 97.

[274] الثاقب في المناقب: 293: ح 250.

[275] كشف الغمة: 1: 506.

[276] اخبار الدول: 88، الاحقاق: 10: 367، وسيلة النجاة: 217.

[277] هود: آية 73.

[278] لسان العرب: 11: 29 «أهل».

[279] معجم مقاييس اللغة: 1: 150.

[280] هود: آية 73.

[281] القصص: آية 30.

[282] التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي: 8: 339.

[283] علل الشرائع: 191 باب 151.

[284] وفاة الصديقة الزهراء: 55 للمقرم.

[285] الفصول المختارة من العيون المحاسن: 88.

[286] الأحزاب: آية 57.

[287] التوبة: آية 61.

[288] الأحزاب: آية 53.

[289] الأحزاب: آية 57.

[290] وفاة الصديقة

الزهراء: 54.

[291] قص حكمة عصمتية في كلمة فاطمية 14.

[292] السّري: السيّد الشريف السّخي، الأبسل: الموطّن نفسه علي الموت.

[293] القصيدة للمرحوم الشيخ محسن أبو الحب الكبير. قال السيّد جواد شبّر في «أدب الطفّ» ج 8: ص 56: الشيخ محسن خطيب بارع وشاعر واسع الآفاق خصب الخيال. ولد سنة 1235 ه ونشأ بعناية أبيه وتربيته، وتحدّر من أسرةٍ عربية تعرف بآل أبي الحب تمتّ بنسبها الي قبيلة خثعم. تدرّج علي نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم، ولا سيّما مجالس أبي الشهداء عليه السلام مدارس سيّارة وهي من أقوي الوسائل لنشر الأدب وقرض الشّعر، وشاعرنا الشيخ محسن نظمٍ فأجاد وأكثر من النوح والبكاء علي سيّد الشهداء عليه السلام وصوّر بطوله شهداء الطفّ تصويراً شعرّيا لا زالت الأدباء ومجالس العلماء تترشّفه وتستعيده وتتذوّقه. كتب عنه الشيخ محمّد السماوي في كتاب «الطليعة» فقال: محسن بن محمّد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرّفاً في فنون الكلام اذا ارتقي الأعواد تنقّل في المناسبات.

[294] 5/660 ح 7381، عنه ذخائر العقبي: 129، ومفتاح النجا: 117، وجامع الأصول: 10: 82 وتيسير الوصول: 2: 154، وكنز العمّال: 12: 96 ح 34158 و ص 102 ح 34192 وص 107 ح 34217 وص 110 ح 34230 وفي ج 13: 640 ح 37617 وفي ص 189، والفتح الكبير: 1: 28 وص 249 وص 426. وسعد الشموس: 203، والإدراك: 49، وحسن الأسوة: 290، وينابيع المودّة: 165 وص 264، ومرقاة المفاتيح: 11: 393، وأحمد في مسنده: 5: 391، عنه الفصول المهّمة: 127، وتاريخ دمشق: 51 ح 73، والخصائص: 118، ومقتل الحسين: 1: 80 و 130، وروي في ص 55 «صدره»، وكفاية الطالب: 422، وحلية الأولياء: 4: 190،

عنه المنتخب من صحيح البخاري ومسلم: 219 «مخطوط»، وتاريخ الاسلام: 2: 90 وص 217، وفوائد السمطين: 2: 20 ح 363. وأخرجه في الحبائك: 105 و 106، وتوضيح الدلائل: 348، ووسيلة المآل: 161.

ورواه في مصابيح السنّة: 108، ومرآة المؤمنين: 184، ومنال الطالب: 22، وغالية المواعظ: 2: 73، والبداية والنهاية: 3: 206 ووسيلة النجاة: 207، وابتسام البرق علي مافي الإحقاق: 19: 32، والتاج الجامع للأصول: 3: 206 ووسيلة النجاة: 207، وابتسام البرق علي مافي الإحقاق: 19: 32، والتاج الجامع للأصول: 3: 317، والمطالب العالية: 4: 67، وأشعة اللمعات: 4: 705، وآل محمد صلي الله عليه وآله وسلم: 92 ح 418 وأخرجه في ص 145 ح 662، والروض الأزهر: 200، والحاوي للفتاوي: 2: 267، وأسد الغابة: 5: 574، وجمع الوسائل: 1: 269، وجامع الأحاديث: 4: 515 ح 14120. والحاكم في المستدرك: 3: 151، عنه جواهر البحار: 1: 360 والخصائص الكبري: 2: 226، وسير أعلام المستدرك: 3: 151، عنه جواهر البحار: 1: 360 والخصائص الكبري: 2: 226، وسير أعلام النبلاء: 2: 123، وأرجح المطالب: 241، والجامع الصغير: 1: 71، والمختارٍ: 56، أخرجه عن بعضها الإحقاق: 10: 69 ح 1 وج 19: 31، وج 18: 384. ورواه مرسلاً في طرح التثريب: 1: 149، ورسالة المفاضلة: 216، وفي جمع الوسائل: 1: 270، وشرح الفقه: 120، عنها الإحقاق: 10: 102. ورواه مرسلاً أيضاً في تاريخ الإسلام: 2: 88، عنه الإحقاق 10: 110، وفي ج 19: 25، عن سير أعلام النبلاء: 2: 120 عن العوالم ج 1 ص 137.

[295] الخصائص: 225، وسائل الشيعة: 1: 225 ح 58، البحار: 14: 201 ح 11.

[296] الفصول المهمة ص 127، مطالب السؤول ص 10: شرح ثلاثيات مسند

أحمد 2: 511. احقاق الحق 10: 100، 19: 49.

[297] قلائد الدرر علي مافي الاحقاق: 10: 99.

[298] مسند احمد ج 1: 293، رواه مثله في الاسيتعاب: 4: 376، ومستدرك الحاكم: 2: 497، وج 3: 160 من طريقين والإصابة: 4: 378، وتهذيب التهذيب: 12: 441، ومرآة المؤمنين: 184، وسير أعلام النبلاء: 2: 126، وتهذيب الكمال: 22، وجامع الأحاديث: 685، وتفسير القرآن لابن كثير: 9: 467، وكنز العمّال: 12: 143، ومنتخب كنز العمّال: 5: 284، والفتح الكبير: 1: 214، وقصص الأنبياء: 2: 377، وينابع المودة: 172 و 198 من ثلاث طرق، ومجمع الزوائد: 9: 223، وتهذيب التهذيب: 134، وأرجح المطالب: 240 و 243، وآل محمّد: ح 106، ومشكل الآثار: 1: 48، وأسد الغابة: 5: 437، والبداية والنهاية: 2: 60، وتأريخ الخميس: 1: 265، وذخائر العقبي: 42، ووسيلة المآل: 80، وإرشاد الساري: 6: 168، وطرح التثريب: 149، وخصائص السيوطي: 3: 362، ومسنده ص 57 ح 139، والجامع الصغير: 1: 168، والإعتقاد: 165، وروضة الاجباب: 626 «مخطوط» والسراج المنير: 271، ومفتاح النجا: 102 «مخطوط» وحسن الأسوة: 31، والبيان والتعريف: 1: 123، وضوء الشمس: 91، وتأريخ الإسلام: 2: 92 من قوله: أفضل...، عن بعضها الإحقاق: 10: 52، وفي ج 19: 41 عن ضوء الشمس، ورواه في ذخائر العقبي: 42، وفي سير أعلام النبلاء: 2: 124 عنه في الإحقاق: 19: 51،وفي وسيلة المآل: 80، عنه الإحقاق: 10: 57، وذكره في الدرة اليتيمة علي مافي الإحقاق: 19: 25، وكذا في الأنوار المحمّدية علي ما في الإحقاق: 10: 85 عن العوالم ص 119: ج 1.

[299] تفسير الكاشف: 2: 59.

[300] آل عمران: آية 42.

[301] أمالي الصدوق: 393: ح 18، عنه البحار: 43: 24 ح 20:

تأويل الآيات: 1: 111 ح 17 نور الثقلين: 1: 281 ح 135. اثبات الهداة: 1: 538 ح 166. بشارة المصطفي: 218 روضة الواعظين 180، غاية المرام 52 ح 32.

[302] الانعام: آية 86.

[303] البقرة: آية 61.

[304] النساء: 155.

[305] الخرائج والجرائح: 528 ح 3، البحار: 43: 27 ح 30، الثاقب في المناقب: 295 تفسير الثعلبي: 202:، فرائد السمطين: 2: 51، ابن كثير البداية والنهاية: 6: 111 وروح المعاني: 3: 124، الدرر المنثور: 2: 20، واحقاق الحق: 3: 538.

[306] ذخائر العقبي: 45، كفاية الطالب: 367، ووسيلة المآل: 89، ينابيع المودة: 199، كشف الغمة: 1: 469، أمالي الطوسي: 2: 228 البحار: 43: 59 ح 51.

[307] دلائل الإمامة: 28.

[308] البحار: 43: 105.

[309] البحار: 8: 51.

[310] «شرح النهج»: 9: 193.

[311] تفسير روح المعاني: 3: 155.

[312] هامش النصّ والاجتهاد: المورد، 114.

[313] إنما قال «عالمها» لأنّ عالمها أفضل من عالم مريم كما صرّح به المؤلف آنفاً. «فاطمة مهجة قلب المصطفي 95.

[314] «السيرة الحلبيّة»: 2: 6.

[315] العوالم: 11: 46، 49.

[316] العوالم: 11: 46، 49.

[317] نفس المصدر السابق.

[318] «العوالم»: 11: 49، 51.

[319] نفس المصدر السابق.

[320] نفس المصدر السابق.

[321] البقرة: آية 150.

[322] «مصابيح الأنوار» 2: 393، 394.

[323] السيف: الصقيل.

[324] الجنة العاصمة: 148، مستدرك سفينة البحار: 3: 334 عن مجمع النورين: 14، عن العوالم: 44.

[325] فرائد السبطين: 1: 36 ح 1، عنه غاية المرام: 5 ح 1، ح 15 ح 1 أرجح الطالب: 461.

[326] راجع حديث الكساء الشريف.

[327] سورة الذاريات: الآية 56.

[328] سورة طه: الآية 105.

[329] راجع فاطمة ليلة القدر: 14.

[330] اعلموا اني فاطمة: 8: 522.

[331] هو العلامة المحقق السيد حسن الهمداني في رسالته في شرح الاسماء الحسني: 103.

[332] صاحب كتاب هداية المسترشد: 226.

[333] شرح الزيارة الجامعة:

1: 305.

[334] الأعراف: 196.

[335] وهو الملا عبدالرزاق الكاشاني علي مافي عقائد الإيمان.

[336] توحيد الصدوق: 139.

[337] الاعراف: 180.

[338] الكافي _ كتاب التوحيد: 2: 115.

[339] شرح الزيارة الجامعة: 326.

[340] آل عمران: آية 49.

[341] المائدة: آية 110.

[342] تفسير الميزان: 3: 200.

[343] النمل: آية 38، 40.

[344] تفسير الميزان: 15: 363.

[345] البقرة: آية 260.

[346] سورة ص: آية 36.

[347] الرعد: آية 31.

[348] البقرة: آية.

[349] أي لا يقع من هذه الامور او غيرها إلا بارادة الله وقدرته سبحانه.

[350] الكافي: 1: 286، بصائر الدرجات 4: 228 ح 1.

[351] بصائر الدرجات: 4: 229.

[352] راجع بصائر الدرجات: 6: 289، 293.

[353] المناقب: 3: 118.

[354] الحكومة الاسلامية: 52.

[355] الجنة العاصمة: 66 _ 68، عنه بهجة قلب المصطفي: 29.

[356] مقاتل الطالبيين: 29، المناقب لابن المغازلي: 340 ح 392، أُسد الغابة: 5: 520، الإستيعاب: 4: 380، تهذيب التهذيب: 12: 440.

[357] فاطمة بهجة قلب المصطفي: 204.

[358] اللمعة البيضاء: 50.

[359] مجمع البحرين: مادة شجر.

[360] ميزان الأعتدال: 1: 234، علي ما في إحقاق الحق: 9: 152.

[361] البقرة: 261.

[362] تفسير نور الثقلين: 1: 282.

[363] القطرة للسيد أحمد المستنبط: 158.

[364] اعلموا أني فاطمة: 2: 723 _ 731.

[365] التحريم: 1.

[366] طه: 81.

[367] الأحزاب: 53.

[368] الأحزاب: 53.

[369] الأحزاب: 6.

[370] هذه القصيدة العصماء للشاعر المرحوم الشيخ صالح الكواز الحلي.

[371] النور: 41.

[372] الحديد: 1.

[373] الحشر: 24.

[374] ق: 31.

[375] الأعلي: 1.

[376] النمل: 18 _ 19.

[377] الكافي: 3: 343: ح 14، الوسائل: 4: 1024: ح 1، التهذيب: 2: 105.

[378] ثواب الأعمال: 196: ح 2، الوسائل: 4: 1023 ح 3.

[379] أمالي الصدوق: 464 ح 16، ثواب الأعمال: 195، الكافي: 3: 343 ح 13.

[380] قرب الإسناد: 165.

[381] صفوة الصفوة: 2: 6 و كتاب فاطمة الزهراء لمحمد علي دخيل: 63.

[382] أعلام النساء لعمر

كحالة 3: 216 وكتاب فاطمة الزهراء لمحمد علي دخيل: 63.

[383] سفينة البحار: 1: 571 وكتاب فاطمة الزهراء لمحمد علي دخيل: 65.

[384] شرح خطبة الزهراء للشيخ نزيه: 29.

[385] مجلة يداها أي ظهر فيها المجل وهو ماء يكون بين الجلد واللحم من كثرة العلم الشاق. والمجلة القشرة الرقيقة التي يجتمع فيها ماء من أثر العمل الشاق.

[386] الدكنة: لون يضرب إلي السواد.

[387] من لا يحضره الفقية: 1: 320 _ 321.

[388] آل عمران: 92.

[389] للاطلاع اكثر راجع كتاب اعلموا أني فاطمة: 2: 661 _ 672.

[390] هو محمد بن مسملم بن عبيد الله بن عبدالله بن مهاجر الحارث بن زهرة. راجع «تهذيب التهذيب: 9: 445».

[391] هو سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبدالله المدني روي عن أبيه وعن أبي هريرة، وعنه ابنه أبوبكر والزهري. راجع في ذلك «تهذيب التهذيب: 3: 436».

[392] 103، عنه الإحقاق: 25: 346.

[393] 5: 107، عنه الإحقاق: 25: 345.

[394] 6: 298، كنز العمال: 20: 55.

[395] جامع الإحاديث: 4: 614، كنز العمال: 2: 57.

[396] مشكاة الأنوار: 278 ح 14، البحار: 85: 334 ح 21.

[397] فقه الرضا: 115، مستدرك الوسائل: 5: 51 ح 1.

[398] الإحتجاج: 1: 315، الوسائل: 4: 1039 ح 4.

[399] التهذيب: 3: 67 ح 21.

[400] سورة العلق: الايات من 1 _ 5.

[401] سورة الحج: الآية 32.

[402] المزار الكبير: 149: ح 207، مستدرك الوسائل: 4: 12 ح 2.

[403] سورة الصف: الايتان 2 و 3.

[404] سورة الحج: الآية 32.

[405] سورة الحشر: الآية 7.

[406] اعلموا اني فاطمة: 2: 681 _ 698.

[407] شرح السنة: 5: 107، مسند احمد: 6: 298 وكنز العمال: 20: 55.

[408] حلية الأولياء: 1: 69، نظم درر السمطين: 192 فتح الباري في شرح البخاري: 11:

102، اعلام النساء: 3: 1202.

[409] كنز العمال: 2: 58.

[410] الكافي: 3: 343 ح 14، الوسائل: 4: 1204 ح 1.

[411] ثواب الاعمال: 196 ح 2، البلد الامين: 9 قطعة _ الوسائل: 4: 1023 ح 3.

[412] امالي الصدوق: 464 ح 16، ثواب الاعمال: 195.

[413] فلاح السائل: 165، ثواب الاعمال: 196 ح 4.

[414] المصدر السابق.

[415] مشكاة الانوار: 278 ح 14.

[416] التهذيب: 3: 67 ح 21.

[417] كشف الغمة: 1: 471.

[418] معاني الأخبار: 193 ح 5، تفسير العياشي: 1: 68.

[419] البحار: 85: 340 ح 32.

[420] البحار: 42: 105.

[421] البحار: 2: 182.

[422] معاني الأخبار: 2.

[423] البحار: 2: 160.

[424] البحار: 2: 160.

[425] البحار: 3: 14.

[426] الكافي: 1: 44.

[427] البحار: 3: 159.

[428] مسار الشيعة: 21.

[429] حدائق الرياض: نقلا عن الاقبال: 621، عن البحار: 43: 8 ح 12.

[430] مصباح المتهجد: 733، عن البحار: 43: 9 ح 15.

[431] دلائل الإمامة: 10 عن البحار: 43: 9 ح 16.

[432] الكافي: 1: 457 ح 10، عن البحار: 43: 9 ح 13.

[433] اثبات الوصية: 154، وذهب المسعودي في ذكر تاريخ ولادة الإمام الحسن عليه السلام ونسبه له إلاّ ان هذا التاريخ لفاطمة عليها السلام علما بان ولادة الإمام الحسن المشهورة سنة 2 للهجرة.

[434] مسار الشيعة: 31.

[435] مصباح المتهجد: 733، عن البحار، 43: 9 ح 8.

[436] كشف الغمة: 1: 449،عن البحار: 43: 7 ح 8.

[437] دلائل الإمامة: 79 ح 18.

[438] الكافي: 1: 457 ح 10.

[439] لم نعثر عليه في السيرة.

[440] حلية الأولياء.

[441] مقاتل الطالبين: 48.

[442] تواريخ النبي والال: 25.

[443] الروم: 4.

[444] «البحار» 43: 18.

[445] قيل انها صفوراء.

[446] «البحار» 16: 80.

[447] الوامق: المحب.

[448] أجفت الباب: رددته.

[449] البحار: 16: 78 _ 80.

[450] انظر «مجمع البحرين».

[451] روضة الكافي: 340، الرقم 536.

[452] البحار: 43:

9.

[453] «البحار» ج 43، ص 9.

[454] «كشف الغمة» ج 1، ص 339.

[455] القصيدة للمرحوم الخطيب السيد خضر القزويني، ديوان شعراء الحسين عليه السلام: ص 230.

[456] دلائل الإمامة 45، البحار 43 ص 170.

[457] الاحتجاج للطبرسي: 1: 147، البحار: 43: 161، شرح ابن ابي الحديد: 16: 233، بلاغات النساء: 19.

[458] البحار: 43: 218.

[459] البحار: 43: 198.

[460] البحار: 43: 191.

[461] مناقب ابن شهر اشوب: 3: 362.

[462] البحار: 43: 178.

[463] البحار: 43: 192.

[464] المصدر السابق.

[465] دلائل الإمامة: 42.

[466] دلائل الإمامة: 42.

[467] البحار: 43: 214.

[468] دلائل الإمامة: 44.

[469] البحار: 43: 186.

[470] البحار: 43: 192.

[471] البحار: 43: 199.

[472] البحار: ج 43: ص 179.

[473] البحار: 43: 183.

[474] البحار: 43: 211، 193.

[475] البحار: 43: 183.

[476] البحار: 43: 199.

[477] دلائل الإمامة: 46، عن البحار: 43: 171 ح 11.

[478] مسار الشيعة: 31.

[479] مصباح المتهجد: 733، عنه البحار، 43: 215 ح 46.

[480] الاقبال: 633، عنه البحار: 43: 196 ح 26.

[481] كشف الغمة: 1: 503 عنه البحار: 43: 189.

[482] ونقل البحار عن العاصمي: 43: 213 ح 44.

[483] مصباح المتهجد: 748، عنه البحار: 43: 215 ح 47.

[484] مقاتل الطالبيين: 49، عنه البحار: 43: 215.

[485] كشف الغمة: 1: 502، عنه البحار: 43: 188 ح 19.

[486] المعارف لابن قتيبة: 142.

[487] كشف الغمة: 1: 503.

[488] الاحتجاج: عن كتاب سليم بن قيس الهلالي: 212، عنه البحار: 43: 199 ضمن ح 29.

[489] الكافي: 458: 1.

[490] كشف الغمّة: 1: 449، عن ابن الخشّاب.

[491] عينم المعجزات: 55، عه البحار: 43: 212 ح 41.

[492] الكافي: 1: 241 ح 5، عنه البحار: 43: 194 ح 22.

[493] الكافي: 4: 561 ح 4، عنه البحار، 43: 195 ح 24.

[494] الكافي: 3: 228 ح 3، عنه البحار: 43: 195 ذح

24.

[495] كشف الغمّة: 1: 503.

[496] كشف الغمة: 1: 503.

[497] كلام المؤلف (ره) هنا في ثبوت وفاة النبي صلي الله عليه وآله وسلم من صفر من كونه الثامن والعشرين وعدم ثبوته، وعلي قول أنه الثاني عشر من ربيع الأول والمقصود هنا وقع التحريف والتصحيف للتشابه وفي أكثر من هذا من الأقوال وهو غير بعيد من التحريف.

[498] تواريخ النبي والآل: 55 _ 57.

[499] الخرائج والجرائح: 530: ح 6.

[500] الثاقب في المناقب: 291 ح 249.

[501] البقبقة: حكاية صوت القدر في غليانه (تاج العروس: 6: 297).

[502] العوالم: 1: 198.

[503] آل عمران: 37.

[504] الخرائج والجرائح: 528 ح 3، عنه البحار، 43: 27 ح 30. ورواه في الثاقب في المناقب: 295 بإسناده عن زينب، والعرائس: 57، ومقتل الحسين: 1: 57، وفرائد السمطين: 2: 51، وابن كثير في البداية والنهاية: 6: 111 وفي تفسيره: 2: 222، والدرّ المنثور: 2: 20، وروح المعاني: 3: 124، عن بعضها الإحقاق: 3: 538، و 10: 314.

[505] القتار: هو ريح القدر والشواء ونحوهما (النهاية: 4: 12).

[506] آل عمران: 37.

[507] البحار: 43: 69، وقد قال في البحار بعد هذه الرواية:

أقول: وجدت هذا الحديث في كتاب قديم من مؤلفات العامّة، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي الطرشيشي ببغداد سنة 84؛ قال: حدّثتنا كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزي بمكّة حرسها الله بقراءتها علينا في المسجد الحرام في ذي الحجة 431، قالت: أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه _ الخ. يراجع البحار. ورواه في مقتل الحسين: 1: 71، وفي نزهة المجالس: 1: 224 (نحوه)، عنه الإحقاق: 10: 318، المستدرك: 10: 310 ح 1 (قطعة).

[508] قوله: رميا شحيحا، الشح: البخل مع حرص، وهو لا يناسب المقام إلاّ

بتكلف. ويحتمل ان يكون اصله سحيحا، بالسين المهملة من السح بمعني: السيلان، كناية عن المبالغة في النظر والتحديق بال بالبصر وعلي ما في النسخ يحمتل ان يكون من الحرص كناية عن المبالغة في النظر، او البخل كناية عن النظر بطرف البصر علي وجه الغيظ.

[509] كشف الغمة: 1: 469، أمالي الطوسي: 2: 228، عنها البحار: 43: 59 ح 51. تأويل الايات: 1: 108 ح 15، والبحار: 96: 147 ح 25، واخرجه في ذخائر العقبي: 45، وكفاية الطالب: 367 وينابيع المودة: 199، ملخصا عن الاربعين الطوال الدمشقي، ورواه في أهل البيت: 122، والاحقاق: 10: 323 وج 19: 120. ورواه في المعيار والموازنة: 236، وتوضيح الدلائل عنهما الاحقاق: 18: 50.

[510] مدينة المعاجز: 239.

[511] البحار: 89: 365 ح 59، البلد الامين: 523، الجنة الواقية: 179.

[512] ينابيع المودة: 367.

[513] الملاءة _ بالضم والمد _: الازار والريطة.

[514] المناقب: 3: 117، والخرائج والجرائح: 357 ح 13.

[515] المناقب: 3: 118.

[516] كشف الغمة: 1: 466، مقتل الخوارزمي: 1: 62، حلية الأولياء: 2: 40 أرجح المطالب: 244، اسعاف الراغبين: 187.

[517] نوادر الراوندي: 13.

[518] البحار: 43: 92.

[519] المرأة في فكر الإمام الخميني: 23 _ 24.

[520] امالي الصدوق: 394 ح 18 بشارة المصطفي: 218.

[521] علل الشرايع: 1: 181 ح 1، دلائل الإمامة (56).

[522] المناقب: 3: 119، ربيع الابرار: 2: 104.

[523] البحار: ج 43: ص 216، عن الديوان المنسوب لأمير المؤمنين انشدها بعد وفاة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام ولم يذكر الجامع للديوان المنسوب لامير المؤمنين عليه السلام من هذه القصيدة سوي ثلاثة ابيات فقط.

[524] السفينة: 5 «الشيخ جعفر الباقري».

[525] الكافي: 1: 181 ح 4.

[526] عن الإمام علي ع من حبه عنوان الصحيفة 38 نقلها عن عبقات الانوار.

[527]

القصيدة للمرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي: الذخائر: ص 12.

[528] راجع فاطمة الزهراء ليلة القدر _ لآية الله السيد عادل العلوي حفظه الله.

[529] سورة النور: آية 66.

[530] المناقب لابن المغازلي: (من علماء العامة): 317.

[531] عوالم العلوم والمعارف 6: 7.

[532] فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفي: 24: عن الخصائص الحسينية: 1.

[533] سورة آل عمران: الآية 185.

[534] فرائد السمطين: 2: 58.

[535] البحار 43: 16.

[536] نور الابصار: 52.

[537] البحار: 43: 54.

[538] فرائد السمطين: 2: 67.

[539] تفسير البرهان: 3: 487 ح 24.

[540] امالي الصدوق: 474، ح 18، علل الشرائع: 1: 178، الخصال: 414، ح 3، روضة الواعظين: 179.

[541] راجع كتابنا العبد الصالح الإمام موسي بن جعفر.

[542] الكافي: 2: 18، باب الأسماء والكني.

[543] الكافي: 6: 19، باب الأسماء والكني.

[544] الكافي: 6: 19، باب الأسماء والكني.

[545] أمالي الصدوق: 474 ح 18، علل الشرائع: 1: 178، الخصال: 414 ح 3، روضة الواعظين: 179، دلائل الإمامة: 10.

[546] المراد م الأسماء المعنوية أي المعاني التي تدل عليها الأسماء الظاهرية لفاطمة (عليها السلام).

[547] امالي الصدوق: 474، ح 18، علل الشرائع: 1: 178، الخصال: 414، ح 3، روضة الواعظين: 179.

[548] وسائل الشيعة: 15: 100 باب 87.

[549] نوع من التمر سمي به لشدة حلاوته تشبيهاً بالسكر الطبرزد.

[550] الجلواز الشرطي الذي يخف في المجيء والذهاب بين يدي الأمير.

[551] البحار: 47: 379 _ 381.

[552] سفينة البحار: 1: 662.

[553] البحار: 22: 477.

[554] كشف الغمة: 1: 463.

[555] البحار: 43: 13 ح 7، علل الشرائع: 1: 178 ح 2.

[556] البحار: 43: 65.

[557] البحار: 43: 15.

[558] البحار: 43: 16، المناقب لابن شهر اشوب: 3: 110.

[559] البحار: 43: 16.

[560] البحار: 43: 14 _ 15، الجواهر السنية: 247، المختصر: 132.

[561] البحار: 43: 13 _ 14، الكافي: 1:

46 ح 6، المحجة البيضاء: 4: 212.

[562] اللمعة البيضاء: 37 _ 39.

[563] فاطمة بهجة قلب المصطفي: 152.

[564] البحار: 43: 65.

[565] ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتي أقرّ بفضلها ومحبّتها، ملتقي البحرين، للمرندي: 39.

[566] راجع فرائد السمطين: 1: 38.

[567] بيت الأحزان: 100.

[568] سورة الحديد: 19.

[569] المائدة: 75.

[570] البحار: 22: 491.

[571] الوسائل: 2: 714 _ 715.

[572] الرياض النضرة: 2: 202 علي ما في الغدير: 2: 305.

[573] مرآة العقول: 5: 315.

[574] البحار: 43، 105.

[575] لسان العرب: مادة برك.

[576] تاج العروس: مادة البركة.

[577] البحار: 43: 22.

[578] الميزان: 20: 370 _ 371.

[579] التفسير الكبير: 32: 124.

[580] التفسير الكبير: 32: 128.

[581] روح المعاني: 30: 247.

[582] فاطمة الزهراء من المهد إلي اللحد: ص 86 _ 87.

[583] الأنعام: 84 _ 85.

[584] كفاية الطالب: 379.

[585] البحار: 43: 101.

[586] نهج البلاغة: الخطبة 205.

[587] آل عمران: 61.

[588] الأحزاب: 40.

[589] شرح النهج: 11: 26.

[590] تاريخ بغداد: 1: 316 _ 317.

[591] الأنعام: 38.

[592] الأنعام: 84.

[593] آل عمران: 61.

[594] الأنبياء: 60.

[595] البحار: 48: 127.

[596] النساء: 23.

[597] البحار: 43: 233.

[598] البحار: 43: 229.

[599] البحار: 43: 19، 16. مصباح الأنوار علي ما في العوالم: 222 مخطوط.

[600] الماقب: 3: 110. التهذيب: 7: 475. بشارة المصطفي: 306.

[601] اللمعة البيضاء: 24.

[602] الغدير: 3: 211.

[603] سنن البيهقي: 7: 65.

[604] سنن البيهقي: 7: 65.

[605] منتقي الجمان: 1: 224.

[606] مسند أحمد: 6: 461، وكذلك ورّد هذا الخبر في كتب مختلفة للعامّة والخاصّة، منها «الاصابة» لابن حجر في ترجمتها عليها السلام، و «حليةالأولياء»: 2: 43، و «كشف الغمّة»: 1: ص 502، و «الماقب» لابن شهر آشوب: 3: 364، و «المستدرك» للمحدث النوريّ: 1: 104 في نوادر الغسل.

[607] اصول الكافي: 2: 66.

[608] اصول الكافي: 2: 66.

[609] اصول الكافي: 2: 68.

[610]

مسند فاطمة عليها السلام للحافظ البوطي: 110.

[611] اللمعة البيضاء: 92.

[612] سورة مريم: آية 16 _ 21.

[613] آل عمران: 43.

[614] هود آية: 71 _ 73.

[615] القصص: 7.

[616] سورة مريم: آية 11.

[617] فصلت: 12.

[618] المائدة: 111.

[619] الأنفال: 12.

[620] النحل: 68.

[621] القصص: 7.

[622] طه: 38.

[623] موجز علوم القرآن: 110.

[624] النساء: 163.

[625] الشوري: آية 51.

[626] إشارة إلي الآية: 42 من سورة آل عمران.

[627] البحار: 43: 78.

[628] الحج: 52.

[629] البحار: 43: 79.

[630] الغدير: 5: 42.

[631] الغدير: 5: 49.

[632] فيض القدير: 4: 507.

[633] بصائر الدرجات: 156.

[634] أعيان الشيعة: 1: 97.

[635] فاطمة من المهد إلي اللحد: 83.

[636] راجع بصائر الدرجات: 151 _ 161.

[637] بصائر الدرجات: 151 _ 161.

[638] نفس المصدر السابق.

[639] نفس المصدر السابق.

[640] البحار: 43: 80.

[641] البحار: 43: 80.

[642] دلائل الإمامة للطبري: 27 _ 28.

[643] فاطمة بهجة قلب المصطفي: ص 176.

[644] البحار: 40: 44، ارشاد القلوب، 403، الفضائل لابن شاذان: 172.

[645] البحار: 43: 11 ح 2، علل الشرائع 1: 180 ح 2.

[646] البحار: 43: 16، المناقب: 3: 110.

[647] البحار: 43: 16، المناقب: 3: 111.

[648] معاني الأخبار: 64 ح 15، دلائل الإمامة: 54.

[649] البحار: 43: 12.

[650] البحار: 43: 52.

[651] وفاة الزهراء: 15.

[652] لسان العرب: مادة بتل.

[653] النهاية: مادة بتل.

[654] مجمع البحرين: مادة بتل.

[655] احقاق الحق: 10: 25، المناقب المرتضوية 119.

[656] ينابيع المودة: 260.

[657] معاني الأخبار: 64.

[658] أخبار الدول: 87، احقاق الحق: 10: 244.

[659] ذخائر العقبي: 26.

[660] تاريخ بغداد: 3: 331.

[661] التاريخ الكبير لابن عساكر: 1: 391.

[662] نزهة المجالس: 227.

[663] البحار: 43: 16.

[664] البحار: 43، ص 7.

[665] البحار: 43: 19.

[666] فاطمة بهجة قلب المصطفي: 160 _ 161.

[667] نهج البلاغة: خطبة 78.

[668] البحار: 43: 16.

[669] يقول السيد الأمين في المجالس السنية ص 101 ج

5 وجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي ويظهر أنها لبعض أشراف مكة.

[670] الكري: النعاس.

[671] معجم البلدان: 4: 238، لسان العرب: 10: 203.

[672] الحشر: آية 6 _ 7.

[673] ج 1: ص 476.

[674] 2: 287 ح 50.

[675] 1: 435 ح 5، البرهان: 3: 264 ح 3.

[676] 6: 411.

[677] 239: ح 323، 322: ح 437.

[678] عيون أخبار الرضا: 1: 233 ضمن ح 1، البرهان: 2: 415 ح 2، غاية المرام: 323 ح 219، نور الثقلين: 5: 275.

[679] نهج البلاغة: 417 ضمن كتاب: 45.

[680] العوالم: 707 الخاصة بفاطمة عليها السلام.

[681] شرح نهج البلاغة: 16: 210.

[682] في الشرح: ما أقام بالمدينة.

[683] أقول: إنّ فدك كانت في أيديهم، وتحت تصرّفهم، وعلي هذا فلم يكن للخليفة الغاصب مطالبتهم بالبينة، فإنّها خلاف موازين القضاء، ولم يكن إقطاع الرسول صلي الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام وأهلها أمراً فريداً يخصّها:

ففي فتوح البلدان للبلاذري: 31: انه صلي الله عليه وآله أقطع من أرض بني النضير أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة، وغيرهم، وفي ص 34: وأقطع الزبير بن العوام أرضاً من أرض بني النضير ذات نخل.

وفي ص 27: وأقطع بلالا أرضاً فيها جبل ومعدن، وقال مالك بن أنس: أقطع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع؛ وأقطع علياً عليه السلام أربع أرضين: الفقيرين وبئر قيس والشجرة. وفي ص 34: وأبو بكر نفسه أقطع الزبير الجرف، وعمر أقطعه العقيق، أجمع. فما أدري لماذا أخذوا من فاطمة نحلة أبيها صلي الله عليه وآله؟ وهل كانت هي فقط من الأموال العامة للمسلمين؟ نعم، كان سبب ابتزازها نحلة فاطمة وأبنيها تكون دعماً لبيت الإمامة ملازمة.

[684] أي ملقياً

نفسه علي الرمال لا حاجز بينهما، ورمال السرير _ بالكسر: ما رمل أي نسج، جمع رمل بمعني مرمول كالخلق بمعني المخلوق، والمراد به أنّه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف ولم يكن علي السرير وطا سوي الحصير.

[685] الوسادة: المخدّة.

[686] ودفّ أهل أبيات: أي دخلوا المصر، يقال: دفّ دافّة من العرب.

[687] الرضخ _ بالضاد والخاء المعجمتين _: العطاء القليل.

[688] يرفاً _ بالراء والفاء والهمز علي صيغة المضارع _: كينع، علم مولي عمر بن الخطاب.

[689] اتئدوا: امر من التؤدة أي التاني والتثبت.

[690] أي مسنداً.

[691] جامع الاصول: 3: 311.

[692] 3: 311.

[693] كذا في البحار.

[694] قال العلامة المجلسي رضي الله عنه في البحارج 8: ص 114، ط الكمباني: ولنوضح الخطبة الغّراء عن سيدّة النساء صلوات الله عليها، الّتي تحيّر من العجب منها والاعجاب بها أحد الفصحاء والبلغاء، ونبني الشرح علي رواية، «الاحتجاج» ونشير أحياناً إلي الروايات الأخر.

[695] أي أحكم النيّة والعزيمة عليه.

[696] أي عصبته وجمعته يقال: لاث العمامة علي رأسه يلوثها لوثاً، أي شدّها وربطها.

[697] الجلباب، بالكسر: يطلق علي الملحفة والرداء والازارة، والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة والثوب كالمقنعة تغطّي بها المرأة رأسها وصدرها وظهرها. والأول هنا أظهر.

[698] اللمة، بضم اللام وتخفيف الميم: الجماعة. قال في النهاية: «في حديث فاطمة عليها السلام أنّها خرجت في لمة من نسائها، تتوطّأ ذيلها إلي أبي بكر فعاتبته، أي في جماعة من نسائها. قيل: هي ما بين الثالثة إلي العشرة، وقيل: اللمة: المثل في السن والترب». وقال الجوهري: «الهاء عوض من الهمزة الذاهبة من وسطه، وهو مما اخذت عينه كسهٍ ومذ، وأصلها فعلة من الملائمة وهي الموافقة». انتهي. أقول: ويحتمل أن يكون بتشديد الميم، قال الفيروز آبادي: «اللّمّة بالضم: الصاحب والاصحاب في السفر

والمونس، للواحد والجمع».

[699] الحفدة، بالتحريك: الأعون والخدم.

[700] أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها وتضع عليها قدمها عند المشي. وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدد الثياب.

[701] في بعض النسخ «من مشي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم». والخرم: الترك والنقص والعدول. المشية بالكسر: الاسم من مشي يمشي مشيا، أي لم تنقص مشيتها من مشيته صلي الله عليه وآله وسلم شيئاً كأنّه هو بعينه. قال في النهاية: «فيه: ما خرمت من صلاة رسول الله شيئاً، أي ما تركت. ومنه الحديث: لم أخرم منه حرفاً، أي لم أدع».

[702] الحشد، بالفتح وقد يحرّك: الجماعة. وفي الكشف: «إنّ فاطمة عليها السلام لمّا بلغها إجماع أبي بكر علي منعها فدكاً لاثت خمارها، وأقبلت في لميمه من حفدتها ونساء قومها، تجرّ أدراعها، وتطأ في ذيولها، ما تخرم من مشية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتّي دخلت علي أبي بكر وقد حشد المهاجرين والأنصار، فضرب بينهم بريطة بيضاء _ وقيل: قبطيّة _ فأنّت أنّه أجهش لها القوم بالبكاء، ثمّ أمهلت طويلاً حتي سكنوا من فورتهم، ثمّ قالت: ابتديء بحمد من هو أولي بالحمد والطول والمجد، الحمد لله علي ما أنعم».

[703] الملاءة، بالضم والمدّ: الريطة والازار، ونيطت بمعني علّقت، أي ضربوا بينها عليها السلام وبين القوم ستراً وحجاباً. والريطة، بالفتح: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين، أوهي كلّ ثوب ليّن رقيق، والقبطّية، بالكسر: ثياب بيض رقاق من كتّان تتّخذ بمصر، وقد يضمّ لأنّهم يغيّرون في النسبة.

[704] الجهش أن يفزع الإنسان إلي غيره وهو مع ذلك يريد البكاء كالصبيّ يفزع إلي امه وقد يتهيّا للبكاء يقال: جهش إليه _ كمنع _ وأجهش.

[705] الارتجاع: الاضطراب.

[706] أي صبرت زماناً قليلاً.

[707] النشيج: صوت

معه توجع وبكاء كما يردد الصبيّ بكاءه في صدره.

[708] هدأت _ كمنعت _ أي سكنت. وفورة الشيء: شدته، وفارالقدر أي جاشت.

[709] أي بنعم أعطاها العباد قبل أن يستحقوها. ويحتمل أن يكون المراد بالقديم الإيجاد والفعل من غير ملاحظة معني الابتداء فيكون تأسيساً.

[710] السبوغ: الكمال. والآلاء: النعماء، جمع ألي، بالفتح والقصر وقد يكسر الهمزة. وأسدي وأولي وأعطي بمعني واحد.

[711] والاها، أي تابعها بإعطاء نعمة بعد اخري بلافصل.

[712] جمّ الشيء أي كثر. والجم: الكثير، والتعدية بعن لتضمين معني التعدي والتجاوز.

[713] الأمد بالتحريك: الغاية «و» المنتهي، أي بعد عن الجزاء بالشكر غايتها. فالمراد بالأمد إمّا الأمد المفروض إذلا أمد لها علي الحقيقة، أو الأمد الحقيقي لكل حد من حدودها المفروضة، يحتمل أن يكون المراد بأمدها ابتداؤها، وقد مر في كثير من الخطب بهذا المعني. وقال في النهاية: «في حديث الحجّاج قال للحسن: ما أمدك؟ قال: سنتان من خلافة عمر. أراد أنه ولد لسنتين من خلافته. وللإنسان أمدان: مولده وموته» انتهي. وإذا حمل عليه يكون أبلغ. ويحتمل علي بعد أن يقرأ بكسر الميم، قال الفيروز آبادي: «الآمد: المملوّ من خير وشرّ، والسفينة المشحونة».

[714] التفاوت: البعد. والأبد: الدهر، والدايم، والقديم الازليّ. وبعده عن الإدراك لعدم الانتهاء.

[715] يقال: ندبه لإمر وإليه فانتدب، أي دعاه فأجاب. واللام في قولها «لا تصالها» لتعليل الندب، أي رغّبهم في استزاده النعمة بسبب الشكر لتكون نعمة متصلة لهم غير منقطعة عنهم. وجعل اللام الاولي للتعليل والثانية للصلة بعيد. وفي بعض النسخ: «لإفضالها» فيحتمل تعلقه بالشكر.

[716] أي طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم، يقال: أجزلت له من العطاء، أي أكثرت، وأجزاك النعم، كأنه طلب الحمد، أو طلب منهم الحمد حقيقة لإجزال النعم. وعلي التقديرين التعدية

بإلي لتضمين معني الانتهاء أو التوجه؛ وهذه التعدية في الحمد شايع بوجه آخر، يقال: أحمد إليك الله، قيل، أي أحمده معك، وقيل: أي أحمد إليك نعمة الله بتحديثك إياها. ويحتمل أن يكون «استحمد» بمعني تحمّد، يقال: فلان يتحمّد عليّ، أي يمتن، فيكون إلي بمعني علي، وفيه بعد.

[717] أي بعد أن أكمل لهم النعم الدينوية ندبهم إلي تحصيل أمثالها من النعم الاخروية أو الأعم منها ومن مزيد النعم الدنيوية. ويحتمل أن يكون المراد بالندب إلي أمثالها أمر العباد بالإحسان والمعروف وهو إنعام علي المحسن إليه، وعلي المحسن أيضاً، لأنه به يصير مستوجباً للأعواض والمثوبات الدنيوية والاخروية.

[718] المراد بالاخلاص جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالي، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة، وعدم التوسل بغيره تعالي في شيء من الامور؛ فهذا تأويل كلمة التوحيد، لأن من أيقن بأنه الخالق والمدبر وبأنه لا شريك له في الالهية فحق له أن لا يشرك في العبادة غيره، ولا يتوجه في شيء من الامور إلي غيره.

[719] هذه الفقرة تحتمل وجوهاً.

الأول: أن الله تعالي الزم وأوجب علي القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركيبه تعالي وعدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة وأشباه ذلك مما يؤول إلي التوحيد.

الثاني: أن يكون المعني: جعل ما يصل إليه العقل من تلك الكملة مدرجاً في القلوب بما أراهم من الآيات في الآفاق وفي أنفسه، أو بما فطرهم عليه من التوحيد.

الثالث: أن يكون المعني لم يكلف العقول الوصول إلي منتهي دقايق كلمة التوحيد وتأويلها، بل إنما كلف عامة القلوب بالإذعان بظاهر معناها وصريح مغزاها، وهو المراد بالوصول.

الرابع: أن يكو الضمير في «موصولها» راجعاً إلي القلوب، أي لم يلزم القلوب إلاّ ما يمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة والدقايق

المستنبطة منها، أو مطلقاً؛ ولولا التفكيك لكان أحسن الوجوه بعد الوجه الأوّل، بل مطلقاً.

[720] أي أوضح في الاذهان ما يتعقل من تلك الكلمة بالتفكر في الدلايل والبراهين. ويحتمل إرجاع الضمير إلي القلوب. والفكر بصيغة الجمع، أي أوضح بالتفكر ما يعقلها العقول. هذا يؤيّد الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة.

[721] يمكن أن يقرأ «الأبصار» بصيغة الجمع، والمصدر، والمراد بالرؤية العلم الكامل والظهور التامّ.

[722] الظاهر أنّ الصفة هنا مصدر، ويحتمل المعني المشهور بتقدير، أي بيان صفته.

[723] «لا من شيء» أي مادة.

[724] احتذي مثاله: اقتدي به. «وامتثلها» أي تبعها ولم يتعدّ عنها، أي لم يخلقها علي وفق صنع غيره.

[725] لأن ذوي العقل ينتبهون بمشاهدة مصنوعاته بأن شكر خالقها والمنعم بها واجب وأنّ خالقها مستحق للعبادة، أو بأنّ من قدر عليها بقدر علي الإعادة والانتقام.

[726] أي خلق البرّية ليتعبدهّهم، أو خلق الأشياء ليتعبد البرايا بمعرفته والاستدلال بها عليه.

[727] أي خلق الأشياء ليغلب ويظهر دعوة الأنبياء إليه بالاستدلال بها.

[728] الذود والذياد، بالذال المعجمة: السوق والطرد والدفع والإبعاد.

[729] حشت الصيد أحوشه: إذا جئته من حوإليه لتصرفه علي الحبالة، ولعل التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عما يوجب دخول الجنة.

[730] الجبل: الخلق، يقال: جبلهم الله أي خلقهم، وجبله علي الشيء أي طبعه عليه، وعلي المعني أنّه تعالي سماه لأنبيائه قبل أن يخلقه -؛ ولعل زيادة البناء للمبالغة تنبيها علي أنه خلق عظيم. وفي بعض النسخ بالحاء المهملة، يقال: احتبل الصيد، أي أخذه بالحبالة، فيكون المراد به الخلق أو البعث مجازاً، وفي بعضها «قبل أن اجتباه» أي اصطفاه بالبعثة، وكلّ منها لا تخلو من تكلف.

- قال السيوطي في «الاتقان» ج 2: ص 141 اخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال: خمسة سموا

قبل أن يكونوا: محمد: ومبشراً برسول يأتي من بعدي آسمه أحمد...

[731] لعل المراد بالستر ستر العدم، أو حجب الأصلاب والأرحام. ونسبته إلي الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الاحوال من موانع الوجود وعوائقه ويحتمل ان يكون المراد انها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم إذ هي إنّما تلحقها بعد الوجود. وقيل: التعبير بالأهاويل من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظلمات.

[732] علي صيغة الجمع أي عواقبها، وفي بعض النسخ بصيغة المفرد.

[733] أي لمعرفته تعالي بم يصلح وينبغي من أزمنة الامور الممكنة، المقدورة وأمكنتها ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدر، بل هو أظهر.

[734] أي للحكمة التي خلق الأشياء لأجلها.

[735] الإضافة في «مقادير حتمه» من قبيل اضافة الموصوف إلي الصفة، أي مقاديره المحتومة.

[736] تفصيل وبيان للفرق بذكر بعضها، يقال: عكف علي الشيء _ كضرب ونصر _ أي أقبل عليه مواظباً ولازمه فهو عاكف، ويجمع علي عكّف بضم العين وفتح الكاف المشددة كما هو الغالب في فاعل الصفة نحو شهّد وغيّب. والنيران جمع نار وهو قياس مطرد في جمع الأجوف نحو تيجان وجيران.

[737] لكون معرفته تعالي فطرية، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة علي وجوده سبحانه.

[738] الضمير في «ظلمها» راجع إلي الامم، والضميران التاليان له يمكن ارجاعهما اليها وإلي القلوب والابصار. والظلم بضم الظاء وفتح اللام: جمع ظلمة، استعيرت هنا للجهالة.

[739] البهم: جمع بهمة بالضم، وهي مشكلات الامور.

[740] جلوت الأمر: أوضحته وكشفته، والغمم: جمع غمة. يقال: أمر غمّة، أي مبهم ملتبس، قال الله تعالي: «ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة» قال أبو عبيدة: مجازها ظلمة وضيق، وتقول غممت الشيء إذا غطيته وسترته.

[741] العماية: الغواية واللجاج، ذكره الفيروز آبادي.

[742] واختيار، أي من الله له ماهو خير له، أو باختيار منه صلي

الله عليه وآله ورضاً، وكذا الايثار، والأول أظهر فيهما.

[743] لعلّ الظرف متعلق بالايثار بتضمين معني الضنة أو نحوها، وفي بعض النسخ: «محمد» بدون الباء بتكون الجملة استينافيه، أو مؤكدة للفقرة السابقة أو حالية بتقدير الواو. وفي بعض كتب المناقب القديمة «فمحمد صلي الله عليه وآله وسلم» وهو أظهر. وفي رواية كشف الغمّة: «رغبة بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم عن تعب هذه الدار» وفي رواية أحمد بن أبي طاهر: «بأبي عزّت هذ الدار» ولعّل المراد دار القرار، ولو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة. وعلي التقادير لايخلو من تكلف.

[744] قال الفيروز آبادي: «النصب بالفتح: العلم المنصوب، ويحرك. وهذا نصب عيني، بالضم والفتح» انتهي. أي نصبكم الله لأوامره ونواهيه وهو خير الضمير. و «عباد الله» منصوب علي النداء.

[745] أي تؤدون الأحكام إلي ساير الناس لأنكم أدركتم صحبة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.

[746] أي زعمتم أن ما ذكر ثابت لكم، وتلك الأسماء صادقة عليكم بالاستحقاق. ويمكن أن يقرأ علي الماضي المجهول. وفي إيراد لفظ الزعم إشعار بأنهم ليسوا متصفين بها حقيقة وإنما يدّعو ذلك كذبا. ويمكن أن يكون «حق لكم» جملة اخري مستانفة، أي زعمتم أنكم كذلك وكان يحق لكم وينبغي أن تكونوا كذلك لكن قصرتم. وفي بعض النسخ: «وزعمتم حق له فيكم وعهد» وفي كتاب المناقب القديم: «زعمتم أن لا حق لي فيكم، عهداً قدمه إليكم» فيكون «عهداً» منصوباً باذكروا ونحوه - وفي الكشف: «إلي الامم حولكم، لله فيكم عهد».

- وفي الإحتجاج المطبوع: «زعيم حقّ له فيكم وعهد...» فلا يحتاج إلي التكلف.

[747] العهد: الوصية. وبقية الرجل: ما يخلفه في أهله. والمراد بهما القران، أو بالاوّل ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته، وبالثاني القرآن، وفي

رواية أحمد بن أبي طاهر: «وبقيّة استخلفنا عليكم ومعنا كتاب الله» فالمراد بالبقية أهل البيت عليهم السلام، وبالعهد ما أوصاهم به فيهم.

[748] البصائر: جمع بصيرة وهي الحجّة.

[749] المراد بانكشاف السرائر وضوحها عند حملة القرآن وأهله.

[750] الغبطة أن يتمني المرء مثل حال المغبوط من غير أن يريد زولها منه، تقول: غبطته فاغتبط. والباء للسبيية أي أشياعه مغبوطون بسبب اتباعه. وتلك الفقرة غير موجودة في ساير الروايات.

[751] علي بناء الافعال، أي تلاوته. وفي بعض نسخ الاحتجاج وساير الروايات: «استماعه».

[752] المراد بالعزائم: الفرائض، وبالفضائل: السنن، وبالرخص: المباحات بل ما يشمل المكروهات، وبالشرايع ما سوي ذلك من الاحكام كالحدود والديات والأعم، وأما الحجج والبينات والبراهين فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض، ويمكن تخصيص كل منها ببعض ما يتعلق باصول الدين لبعض المناسبات. وفي رواية أبي طاهر: «وبيناته الجالية وجمله الكافية» فالمراد بالبينات: المحكمات وبالجمل: المتشابهات، ووصفها بالكافية لدفع توهم نقص فيها لاجمالها فإنها كافية فيما اريد منها، ويكفي معرفة الراسخين في العلم بالمقصود منها فإنهم المفسرون لغيرهم. ويحتمل أن يكون المراد بالجمل العمومات التي يستنبط منها الأحكام الكثيرة.

[753] أي من دنس الذنوب، أو من رذيلة البخل، إشارة إلي قوله تعالي: (تطهرهم وتزكيهم بها).

[754] إيماء إلي قوله تعالي (وما آتيتم من زكوة تريدون وجه الله فاولئك هم المضعفون)، علي بعض التفاسير.

[755] أي لتشيد الإخلاص وإيقائه أو لا ثباته وبيانه. ويؤيد الأخير أن في بعض الروايات: «تبيينا». وتخصيص الصوم بذلك لكونه أمراً عدمياً لا يظهر لغيره تعالي، فهو أبعد من الرياء وأقرب الي الاخلاص. وهذا أحد الوجوه في تفسير الحديث المشهور: «الصوم لي وأنا أجزي به» وقد شرحناه في حواشي الكافي وسياتي في كتاب الصوم إن شاء الله تعالي.

[756] إنما خص التشيد

به لظهوره ووضوحه وتحمل المشاق فيه وبذل النفس والمال له؛ فالاتيان به أدل دليل علي ثبوت الدين؛ أو يوجب استقرار الدين في النفس لتلك العلل وغيرها مما لا نعرفه. ويحتمل أن يكون إشارة إلي ما ورد في الأخبار الكثيرة من أن علة الحج التشرف بخدمة الإمام وعرض النصرة عليه وتعلم شريع الدين منه، فالتشييد لا يحتاج إلي تكلف. وفي العلل ورواية ابن أبي طاهر: «تسليةً للدين» فلعل المعني تسلية للنفس بتحمل المشاق وبذل الأموال بسبب التقيد بالدين؛ أو المراد بالتسلية الكشف والأيضاح فإنها كشف الهم؛ أو المراد بالدين أهل الدين. أو اسند إليه مجازاً. والظاهر أنه تصحيف «تسنية» وكذا في بعض نسخ العلل، أي يصبير سبباً لرفعة الدين وعلوّه.

[757] التنسيق: التنظيم. وفي العلل: «مسكاً للقلوب» أي ما يمسكها. وفي القاموس: «المسكة بالضم: ما يتمسك به وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب، والجمع كصرد. والمسك محركة: الموضع يمسك الماء». وفي رواية ابن أبي طاهر والكشف: «تنّسكا للقلوب» أي عبادةً لها، لأن العدل أمر نفساني تظهر آثاره علي الجوارح.

[758] إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات.

[759] أي سخطهما أو سخط الله تعالي، والأول أظهر.

[760] المنماة: اسم مكان أو مصدر ميمي أي بصير سبباً لكثرة عدد الأولاد والعشاير، كما أن قطعها يذر الديار بلاقع من أهلها.

[761] في ساير الروايات: «للبخسة»، أي لئلا ينقص مال من ينقص المكيال والميزان إذ التوفية موجبة للبركة وكثرة المال؛ أو لئلا ينقصوا أموال الناس، فيكون المقصود أن هذا أمر يحكم العقل بقبحه.

[762] إي النجس أو ما يجب التنزه عنه عقلاً، والأوّل أوضح في التعليل، فيمكن الاستدلال علي نجاستها.

[763] أي لعنة الله، أو لعنة المقذوف، أو القاذف، فيرجع إلي الوجه الأخير في السابقة، والأول

أظهر، إشارة إلي قوله تعالي: (لعنوا في الدنيا والآخرة).

[764] أي لاولة عن التصرف في أموال الناس مطلقاً، أو يرجع الي ما مر، وكذا الفقرة التالية. وفي الكشف بعد قوله «للعفة»: «والتنزه عن أموال الأيتام، والإستيثار بفيئهم إجارة من الظلم، والعدل في الاحكام إيناساً للرعية، والتبري من الشرك إخلاصاً للربوبية».

[765] أي أوّلاً وآخراً، وفي رواية أبن أبي الحديد وغيره «أقول عوداً علي بدء». والمعني واحد.

[766] الشطط بالتحريك: البعد عن الحقّ ومجاوزة الحدّ في كل شيء. وفي الكشف: «ما أقول ذلك سرفاً ولا شططاً».

[767] أي لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، بل عن نكاح طيب، كما روي عن الصادق عليه السلام. وقيل: أي من جنسكم من البشر، ثمّ من العرب، ثمّ من بني إسماعيل.

[768] أي علي إيمانكم وصلاح شانكم.

[769] التوبة: آية 128.

[770] أي رحيم بالمؤمنين منكم ومن غيركم، والرأفة: شدة الرحمة، والتقديم لرعاية الفواصل. وقيل: رؤوف بمن رآه، رحيم بمن لم يره. فالتقديم للاهتمام بالمتعلق.

[771] يقال: «عزوته إلي أبيه» أي نسبته إليه، أي لن ذكرتم نسبه وعرفتموه تجدوه أبي وأخا بن عمّي، فالاخوة ذكرت استطرداً، ويمكن ان يكون الانتساب أعمّ من النسب ومما طرأ أخيراً، ويمكن ان يقرأ «وآخا» بصيغة الماضي، وفي بعض الروايات: «فإن تعزّروه وتوقروه».

[772] الصدع: الإظهار تقول: صدعت الشيء، أي أظهرته، وصدعت بالحقّ إذا تكلمت به جهاراً، قال الله تعالي: «فاصدع بما مؤثر». والنذارة بالكسر: الإنذار وهو الإعلام علي وجه التخويف.

[773] المدرجة: المذهب والمسلك. وفي الكشف: «ناكباً عن سنن مدرجة المشركين» وفي رواية ابن أبي طاهر «مائلاً علي مدرجة» أي قائماً للرد عليهم، وهو تصحيف.

[774] الثبج بالتحريك: وسط الشيء ومعظمه، والكظم بالتحريك: مخرج النفس من الحلق، أي كان صلي الله عليه وآله لا يبالي

بكثرة المشركين واجتماعهم ولا يداريهم في الدعوة.

[775] كما أمره سبحانه: «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن». وقيل: المراد بالحكمة: البراهين القاطعة، وهي للخواص وبالموعظة الحسنة،: الخطابات المقنعة والعبر النافعة، وهي للعوام، وبالمجادلة التي هي أحسن: إلزام المعاندين والجاحدين بالمقدمات المشهورة والمسلمة، وأمّا المغالطات والشعريات فلا يناسب درجة أصحاب النبوات.

[776] النكت: إلقاء الرجل علي رأسه، ويقال: طعنه فنكته. والهام جمع الهامة، بالتخفيف فيهما، وهي الرأس والمراد قتل رؤساء المشركين، وقمعم وإذلا لهم، أو المشركين مطلقاً وقيل: أريد به إلقاء الأصنام علي رؤوسها، ولا يخفي بعده لا سيما بالنظر إلي ما بعده. وفي بعض النسخ: «ينكس الهام» وفي الكشف وغيره: «يجذّ الاصنام» ومن قولهم: جذذت الشيء: كسرته. ومنه قوله تعالي: «فجعلهم جذاذا».

[777] الواو مكان حتي كما في رواية ابن أبي طاهر أظهر: و «تفرّي الليل» أي انشق حتي ظهر ضوء الصباح.

[778] يقال: «أسفر الصبح» أي أضاء.

[779] زعيم القوم: سيّدهم والمتكلم عنهم. والزعيم أيضاً الكفيل. والإَضافة لاميّة، ويحتمل البيانية.

[780] خرس بكسر الراء. والشقاشق جمع شقشقة بالكسر، وهي شيء كالرية يخرجها البعير من فيه إذا هاج. وإذا قالوا للخطيب: ذو شقشقة فإنما يشبّه بالفحل. وإسناد الخرس إلي الشقاشق مجازيً.

[781] يقال: طاح فلان يطوح، إذا هلك أو أشرف علي الهلاك وتاه في الارض وسقط. والوشيظ المعجمتين: الرذل والسفلة من الناس، ومنه قولهم: إياكم والوشايظ. وقال الجوهري: «الوشيظ: لفيف من الناس «ليس» أصلهم واحد «أ» أو بنو فلان وشيظة في قومهم أي هم حشو فيهم. والوسيط بالمهملتين: أشرف القوم نسباً وأرفعهم محلاً: وكذا في بعض النسخ وهو أيضاً مناسب.

[782] يقال: فاه فلان بالكلام _ كقال _ أي لفظ به، كتفوّه. وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد. وفيه تعريض

بأنه لم يكن إمانهم عن قلوبهم.

[783] البيض: جمع أبيض وهو من الناس خلاف الاسود. والخماص بالكسر: جمع خميص؛ والخماصة تطلق علي دقة البطن خلقة وعلي خلوّه من الطعام، يقال: فلان خميص البطن من أموال الناس، أي عفيف عنها. وفي الحديث: «كالطير تغدو خماصاً، وتروح بطاناً». والمراد البيض الخماص إما أهل البيت عليهم السلام ويؤيده ما في كشف الغمة: «في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، ووصفهم بالبيض لبياض وجودهم، أو هو من قبيل وصف الرجل بالاغر؛ وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلّة الاكل ولعفتهم عن أكل أموال الناس بالباطل. أو المراد بهم من آمن من العجم لسلمان _ رضي الله عنه _ وغيره، وياقل لأهل فارس: بيض، لغلبة البياض علي الوانهم وأموالهم، إذا الغالب في أموالهم الفضة، كما يقال لأهل الشام: حمر، لحمرة ألوانهم وغلبة الذهب في أموالهم؛ والأول أظهر. ويمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين فيكون المراد بهم غير الراسخين الكاملين في الإيمان، وبالبيض الخماص الكمل منهم.

[784] شفا كل شيء: طرفه وشفيره، أي كنتم علي شفير جهنم مشرفين علي دخولها لشرككم وكفركم.

[785] مذقة الشارب: شربته. والنهزة بالضم: الفرصة، أي محل نهزته. أي كنتم قليلين أذلاء يتخطفكم الناس بسهولة.

[786] القبسة بالضم، شعلة من نار يقتبس من معظمها. والإضافة إلي العجلان لبيان القلة والحقارة.

[787] وطي الاقدام مثل مشهور في المغلوبية والمذلة.

[788] الطرق بالفتح: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتعبر.

[789] الورق بالتحريك: ورق الشجر. وفي بعض النسخ: «تقتاتون القد» وهو بكسر القاف وتشديد الدال: سير يقد من جلد غير مدبوغ. والمقصود وصفهم بخباثة المشرب وجشوبة المأكل لعدم اهتدائهم إلي ما يصلحهم في ديناهم، ولفقرهم وقلة ذات يدهم، وخوفهم من الاعادي.

[790] الخاسيء:

المبعد المطرود.

[791] التخطف: استلاب الشيء وأخذه بسرعة؛ اقتبس من قوله تعالي: «واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون ان يتخطفكم الناس فآويكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون». وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام إن الخطاب في تلك الآية لقريش خاصة، والمراد بالناس ساير العرب أو الاعم.

[792] اللتيا بفتح اللام وتشديد الياء: تصغير التي، وجوز بعضه فيه ضم اللام، وهما كنايتان عن الداهية الصغيرة والكبيرة.

[793] يقال: مني بكذا _ علي صيغة المجهول _ أي ابتلي. وبهم الرجال _ كصرد _: الشجعان منهم، لأنهم لشدة بأسهم لا يدري من أين يؤتون. وذؤبان العرب: لصوصهم وصعاليكهم الذين لامال لهم ولا اعتماد عليهم. والمردة: العتاة المتكبرون المجاوزون للحد.

[794] نجم الشيء _ كنصر _ نجوماً: ظهر وطلع. والمراد بالقرن: القوّة. وفسر قرن الشيطان بامته ومتابعيه.

[795] فغر فاه، أي فتحه، يتعدي ولا يتعدي. والفاغرة من المشركين: الطائفة العادية منهم تشبيهاً بالحية أو السبع. ويمكن تقدير الموصوف مذكراً علي أن يكون التاء للمبالغة.

[796] القذف: الرمي، ويستعمل في الحجارة، كما أن الحذف يستعمل في الحصا؛ يقال: هم بين حاذف وقاذف. واللهوات بالتحريك: جمع لهاة وهي اللحمة في أقصي سقف الفم.وفي بعض الروايات: «في مهواتها» بالميم وهي بالتسكين: الحفرة وما بين الجبلين ونحو ذلك. وعلي أي حالٍ المراد أنه صلي الله عليه وآله كلما أراده طائفة من المشركين أو عرضت له داهية عظيمة بعث علياً عليه السلام لدفعها وعرضه للمهالك. وفي رواية الكشف وابن أبي طاهر: «كلما حشوا ناراً للحرب ونجم قرن للضلال». قال الجوهري: «حششت النار: أوقدتها».

[797] انكفأ، بالهمزة: أي رجع؛ من قولهم: كفأت القوم كفأ: إذا أرادوا وجهاً فصرفتهم عنه إلي غيره فانكفؤا، أي رجعوا.

[798] الصماخ، بالكسر،

ثقب الاذن، والاذن نفسها، وبالسين كما في بعض الروايات لغة فيه. والاخمص: مالا يصيب الأرض من باطن القدم عند المشي. ووطي الصماخ بالاخمص عبارة عن القهر والغلبة علي أبلغ وجه، وكذا اخماد اللهب بماء السيف استعارة بليغة شايعة.

[799] المكدود: من بلغه التعب والأذي. وذات الله: أمره ودينه وكلّ ما يتعلق به سبحانه. وفي الكشف: «مكدوداً دؤوباً في ذات الله».

[800] بالجر صفة الرسول، أو بالنصب عطفاً علي الأحوال السابقة، ويؤيد الأخير ما في رواية ابن أبي طاهر «سيداً في أولياء».

[801] التشمير في الأمر: الجدّ والإهتمام فيه.

[802] الكدح: العمل والسعي.

[803] قال الجوهري: «الدعة: الخفض، تقول منه: ودع الرجل فهو وديع أي ساكن، ووادع أيضاً، يقال: نال فلان المكارم وادعاً من غير كلفة». وقال: «الفكاهة بالضمّ: المزاح، وبالفتح مصدر فكه الرجل _ بالكسر _ فهو فكه: إذا كان طيب النفس مزاجاً والفكه أيضاً: الاشر والبطر» وقريء «ونعمة كانوا فيه فاكهين» أي أشرين، وفاكهين أي ناعمين. والمفاكهة: الممازحة. وفي رواية ابن أبي طاهر: «وأنتم في بلهنية وادعون آمنون» قال الجوهري: «هو في بلهنيةٍ من العيش أي سعة ورفاهية، وهو ملحق بالخماسي بألف في آخره، وإنّما صارت ياء لكسرة ماقبلها» وفي الكشف: «وأنتم في رفهنية» وهي مثلها لفظاً ومعني.

[804] صروف الزمان وحوادث الأيام والعواقب المذمومة، وأكثر ما تستعمل الدائرة في تحول النعمة إلي الشدة. أي كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا، وزوال النعمة عنا.

[805] التوكّف: التوقع. والمراد إخبار المصائب والفتن. وفي بعض النسخ: «تتواكفون الإخيار»، يقال: واكفه في الحرب أي واجهه.

[806] النكوص: الإحجام والرجوع عن الشئ. والنزال بالكسر: أن ينزل القرنان عن إبلهما إلي خيلهما فيتضاربا. والمقصود من تلك الفقرات أنّهم لم يزالوا منافقين لم يؤمنوا قطً.

[807] الحسيكة: العداوة. قال الجوهري:

«الحسك: حسك السعدان، الواحدة: حسكة وقولهم: في صدره عليّ حسيكة وحساكة أي ضغن وعداوة». وفي بعض الروايات «حسكة النفاق» فهو علي الاستعارة.

[808] سمل الثوب _ كنصر _ صار خلقاً. والجلباب بالكسر: الملحفة، وقيل: ثوب واسع للمرأة غير الملحفة، وقيل: هو إزار ورداء، وقيل: هو كالمقنعة تغطّي به المرة رأسها وظهرها وصدرها.

[809] الكظوم: السكوت.

[810] نبغ الشي _ كمنع ونصر _ أي ظهر، ونبغ الرجل: اذا لم يكن في ارث الشعر ثم قال وأجاد. والخامل: من خفي ذكره وصوته وكان ساقطاً لانباهة له. والمراد بالأقلين: الأذلون. وفي بعض الروايات: «الأوّلين» وفي الكشف: «فنطق كاظم، ونبغ خامل».

[811] الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته. والفنيق: الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان لكرامته علي أهله.

[812] يقال: خطر البعير بذنبه يخطر _ بالكسر _ خطراً و خطراناً: إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخديه، ومنه قول الحجاج لما نصب المنجنيق علي الكعبة: «خطّارة كالجمل الفنيق»، شبه رميها بخطران الفنيق.

[813] مغرز الرأس، بالكسر: ما يختفي فيه. وقيل: لعل في الكلام تشبيهاً للشيطان بالقنفذ، فإنه انما يطلع رأسه عند زوال الخوف؛ أو بالمرجل الحريص المقدم علي أمر، فانه يمد عنقه إليه. والهتاف: الصياح. «وأللفاكم» أي وجدكم.

[814] الغرة، بالكسر: الاغترار والانخداع. والضمير المجرور راجع إلي الشيطان. وملاحظة الشيء: مراعاته؛ وأصله من اللحظ وهو النظر بمؤخر العين، وهو اينما يكون عند تعلق القلب بشيء، أي وجدكم الشيطان لشدة قبولكم للإنخداع كالذي كان مطمح نظره أن يغتر بأباطيله. ويحتمل أن يكون «للعزة» بتقدم المهملة علي المعجمة. وفي الكشف: «واللعزة ملاحظين» أي وجدكم طالبين للعزة.

[815] النهوض: القيام، واستنهضه لأمر أي امره بالقيام إليه.

[816] أي مسرعين إليه.

[817] أحمشت الرجل: أغضبته، وأحمشت النار: ألهبتها. أي

حملكم الشيطان علي الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه، أو من عند انفسكن. وفي المناقب القديم: «عطافاً بالعين المهملة والفاء، من العطف بمعني اليل والشفقة، ولعلة أظهر لفظاً ومعني.

[818] الوسم: أثر الكي، يقال: وسمته _ كوعدته _ وسماً.

[819] الورود: حضور الماء للشرب، والايراد: الاحضار. والاحضار. والشرب بالكسر: الحظً من الماء، وهما كنايتان عن أخذ ما ليس لهم بحق من الخلافة والإمامة وميراث النبوة. وفي الكشف: «وأوردتموها شرباً ليس لكم».

[820] الجرح بالضم، الاسم، وبالفتح المصدر. و «لما يندمل» أي لم يصلح بعد.

[821] قبرته: دفنته.

[822] «ابتداراً» مفعول له للأفعال السابقة، ويحتمل المصدر بتقدير الفعل. وفي بعض الروايات: «بداراً زعمتم خوف الفتنة» أي ادعيتم وأظهرتم لناس كذباً وخديعة أنا اجتمعنا في السقيفة دفعاً لفتنة، مع أن الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها وهو علين الفتنة. والالتفات في «سقطوا» لموافقة الآية الكريمة.

[823] التوبة: 49.

[824] «هيهات» للتبعيد، وفيه معني التعجب كما صرح به الشيخ الرضي، وكذلك «كيف» و «أني» تستعملان في التعجب. وأفكه _ كضربه _: صرفه عن الشي وقلبه، أي إلي أين يصرفكم الشيطان وأنفسكم والحال أن كتاب الله بينكم! وفلان بين أظهر قوم وبين ظهرانيهم أي مقيم بينهم محفوف من جانبيه أو من جوانبه بهم.

[825] الزاهر: المتلألئ المشرق. وفي الكشف: «بين أظهركم، قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نيرة شرائعه.

[826] الكهف: 50.

[827] «بدلاً» أي من الكتاب ما اختاروه من الحكم الباطل.

[828] آل عمران: 85.

[829] ريث _ بالفتح _ بمعني قدر، وهي كلمة يستعملها أهل الحجاز كثيراً، وقد يستعمل مع ما، يقال: لم يلبث إلا ريثما فعل كذا، وفي الكشف هكذا: «ثم لو تبرحوا ريثاً» وقال بعضهم: هذا ولم تريثوا حتها إلا ريث. وفي رواية ابن أبي طاهر: «ثم لم تريثوا اختها» وعلي

التقديرين ضمير المؤنث راجع إلي فتنة وفاة الرسول صلي الله عليه وآله. وحتّ الورق من الغصن: نثرها، أي لم تصبروا إلي ذهاب أثر تلك المصيبة. ونفرة الدابة، بالفتح: ذهابها وعدم انقيادها.

والسلس، بكسر اللام: السهل اللّين المنقاد، ذكره الفيروز آبادي، وفي مصباح اللغة: سلسل سلساً من باب تعب: سهل ولإن. والقياد بالكسر: ما يقاد به الدابة من خبل وغيره.

[830] في الصحاح: «وري الزّند يري ورياً: إذا خرجت ناره. وفي لغة اخري: «وري الزند يري، بالكسر فيهما، وأوريته أنا وكذلك وريته توريةً. وفلان يستوري زناد الضلالة». ووقده النار بالفتح: وقودها، ووقدها: لهبها.

[831] الجمرة: المتوقد من الحطب، فاذا برد فهو فحم. والجمر بدون التاء جمعها.

[832] الهتاف، بالكسر: الصياح، وهتف به أي دعاه.

[833] إهماد النار ك: إطفاؤها بالكلية. والحاصل أنكم انما صبرتم حتي استقرت الخلافة المغصوبة عليكم، ثم شرعتم في تهييج الشرور والفتن واتباع الشيطان وإبداع البدع وتغيير السنن.

[834] الإسرار: ضد الإعلان. والحسو بفتح الحاء وسكون السين المهملتين: شرب المرق وغيره شيئاً بعد شي: والارتغاء: شرب الرغوة وهو زبد اللبن، قال الجواهري: «الرغوة مثلثة: زبد البن. وارتغيت: شربت الرغوة. وفي المثل: «يسر حسواً في ارتغاء» يضرب لمن يظهر أمراً ويريد غيره. قال الشعبي لمن سأله عن رجل قبل أم امرأته [قال]: يسر حسواً في ارتغاء، وقد حرمت عليه امرأته». وقال الميداني: قال أبو زيد والأصمعي: أصله الرجل يؤتي باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها فيشربها وهو في ذلك ينال من اللبن؛ يضرب لمن يريك أنه يعينك وإنما يجر النفع إلي نفسه.

[835] الخمر، بالتحريك ما واراك من شجر وغيره، يقال: نواري الصيد عني في خمر الوادي؛ ومنه قولهم: دخل فلان في خمار الناس _ بالضم _ أي

ما يواريه ويستره منهم. والضراء الضاد المعجمة المفتوحة والراء المخففة: الشجر الملتفت في الوادي؛ ويقال لمن ختل صاحبه وخاده: يدب له الضراء ويمشي له الخمر. وقال الميداني: قال ابن الأعرابي: الضراء ما انخفض من الأرض.

[836] الحزّ، بفتح الحاء المهملة: القطع أو قطع الشي من غير إبانة. والمدي بالضم: جمع مدية وهي السكّين والشفرة.

[837] الوخز: الطعن بالرمح ونحوه لا يكون نافذاً، يقال: وخزه بالخنجر.

[838] المائدة: 50. وفيها «يبغون».

[839] أي الظاهرة البيّنة، يقال: فعلت ذلك الأمر ضاحية أي علانية.

[840] في رواية ابن أبي طاهر: «وبها معشر المهاجرة ابتز إرث أبيه» قال الجوهري: «إذا أغريته بالشي قلت: ويها يا فلان، وهو تحريض» انتهي. ولعل الانسب هنا التعجب. والهاء في «أبيه» في الموضعين «وإرثيه» _ بكسر الهمزة بمعني الميراث _ للسكت، كما في سورة الحاقة، «كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانية» تثبت في الوقف وتسقط في الوصل. وقرئ بإثباتها في الوصل أيضاً. وفي الكشف: «ثم أنتم أولاء تزعمون أن لا إرث ليه» فهو أيضاً كذلك.

[841] اقتباس من سورة مريم: 27.

[842] أي أمرأ عظيما بديعا، وقيل: أي أمرأ منكراً قبيحاً. وهو مأخوذ من الافتراء بمعني الكذب. واعلم أنه قد وردت الروايات المتظافرة _ كما ستعرف _ في أنها عليها السلام ادّعت أن فدكاً كانت نحلة لها من رسول الله صلي الله عليه وآله _ فلعل عدم تعرضها _ صلوات الله عليها _ في هذه الخطبة لتلك الدعوي ليأسها عن قبولها إياها، إذ كانت الخطبة بعد ما ردّ أبو بكر شهادة أمير المؤمنين عليه السلام ومن شهد معه، وقد كان المنافقون الحاضرون معتقدين لصدقه، فتمسكت بحديث الميراث لكونه من ضروريات الدين.

[843] النمل: 16.

[844] مريم: 6.

[845] الأنفال: 75.

[846] النساء: 11.

[847] البقرة: 180.

[848] بكسر الحاء

وضمّها وسكون الظاء المعجمة: المكانة والمنزلة، ياقل: حظيت المرأة عند زوجها: إذا دنت من قبله.

[849] في الكشف: «فزعمتم أن لا حظ لي ولا إرث لي من أبيه. أفحكم الله بآية أخرج أبي منها، أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي؟ أفحكم الجاهليّة (الآية). إيها معاشر المسلمة أأبتزّ إرثيه؟ الله أن ترث أباك ولا ارث أبيه؟ لقد جئتم شيئاً فرياً».

[850] الضمير راجع إلي فدك المدلول عليها بالمقام، والأمر بأخذها للتهديد، والخطام، بالكسر: كل ما يوضع في أنف البعير ليقاد به، والرحل _ بالفتح _ للناقة كالسرج للفرس، ورحل البعير _ كمنع _ شد علي ظهره الرحل. شبهتها عليها السلام في كونها مسلمة لايعارضه في أخذها احد بالناقة المنادة المهياة للركوب.

[851] في بعض الروايات: «والغريم» أي طالب الحق.

[852] كلمة «ما» مصدرية، أي في القيامة يظهر خسرانكم.

[853] «ولكل نبأ مستقر» أي لكل خبر _ يريد نبأ العذاب او الايعاد به _ وقت استقرار ووقوع «وسوف تعلمون» عند وقوعه «من ياتيه عذاب يخزيه».

[854] الاقتباس من موضعين: احدهما سورة الانعام، والاخر في سورة هود قصة نوح عليه السلام حيث قال: «ان تسخروا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم» فالعذاب الذي يخزيهم الغرق والعذاب المقيم عذاب النار.

[855] الطرف بالفتح: مصدر طرفت عين فلان: اذا نظرت، وهو ان ينظر ثم يغمض. والطرف أيضا: العين.

[856] المعشر: الجماعة، والفتية بالكسر: جمع فتي وهو الشاب والكريم السخي. وفي المناقب «يا معشر البقية، وأعضاد الملة وحصنة الاسلام» وفي الكشف: «يا معشر البقية، ويا عماد الملة وحصنة الاسلام».

[857] الأعضاد: جمع عضد بالفتح: يقال: عضدته كنصرته لفظار ومعني.

[858] قال الجواهري: «ليس

في فلان غميزة، أي مطعن»، ونحوه ذكر الفيروز آبادي وهو لا يناسب المقام إلاّ بتكلف، وقال الجواهري: «رجل غمز، أي ضعيف». وقال الخليل في كتاب العين: «الغميزة بفتح العين المعجمة والزاي: ضعفة في العمل وجهلة في العقل، ويقال: سمعت كلمة فاغتمزتها في عقله، أي علمت انه احمق» وهذا المعني انسب. وفي الكشف: «ما هذه الغميزة» بالفاء المفتوحة وسكون التاء، وهو السكون، وهو أيضا مناسب، وفي رواية ابن ابي طاهر بالراء المهملة، ولعله من قولهم: غمر علي اخيه، أي حقد وضغن، او من قولهم،غمز عليه، أي اغمي عليه، أو من الغمر، بمعني الستر، ولعله كان بالضاد المعجمة فصحف، فان استعمال اغماض العين في مثل هذا المقام شايع.

[859] السنة بالكسر: مصدر وسن يوسن _ كعلم يعلم _ وسنا وسنة، والسنة: اول النوم او النوم الخفيف، والهاء عوض عن الواو. والظلامة بالضم كالمظلمة بالكسر: ما اخذه الظالم منك فتطلبه عنده. والغرض تهييج الانصار لنصرتها، او توبيخهم علي عدمها. وفي الكشف بعد ذلك،: «ما كان لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ان يحفظ».

[860] سرعان مثلثة السين: وعجلان بفتح العين كلاهما من أسماء الأفعال بمعني سرع وعجل، وفيهما معني العجب، أي ما اسرع واعجل. وفي رواية ابن ابي طاهر: «سرعان ما اجديتم فاكديتم» يقال: اجدب القوم أي أصابهم الجدب. واكدي الرجل: اذا قل خيره، والاهالة بكسر الهمزة: الودك وهو دسم اللحم. وقال الفيروز آبادي: «قولهم: سرعان اذا اهالة، اصله ان رجلا كانت له نعجة عجفاء وكانت رغامها يسيل من منخريها لهزالها، فقيل له: ما هذا الذي يسيل؟ فقال السائل: سرعان ذا اهالة. ونصب «اهالة» علي الحال: وذا اشارة إلي الرغام او تميز علي تقدير نقل الفعل كقولهم: تصبب زيد

عرقا، والتقدير: سرعان اهاله هذه، وهو مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته» انتهي. والرغام بالضم: ما يسيل من انف الشاة والخيل، ولعل المثل كان بلفظ عجلان، فاشتبه علي الفيروز ابادي او غيره. او كان كل منهما مستعملا في هذا المثل. وغرضها صلوات الله عليها التعجب من تعجيل الانصار ومبادرتهم إلي احداث البدع، وترك السنن والاحكام، والتخاذل عن نصرة سيد الانام، مع قرب عهدهم به، وعدم نسيانهم ما اوصاهم به فيهم، وقدرتهم علي نصرتها واخذ حقها ممن ظلمها ولا يبعد ان يكون المثل اخبارا مجملا بما يترتب علي هذه البدعة من المفاسد الدنيوية وذهاب الاثار النبوية.

[861] الخطب، بالفتح: الشان والأمر عظم أو صغر. والوهي كالرمي: الشق والخرق يقال: وهي الثوب: اذا بلي وتخرق واستوسع.

[862] استنهر: استفعل من النهر _ بالتحريك _ بمعني السعة، أي اتسع، والفتق: الشق، والرتق ضده. انقتق أي انشق. والضماير المجرورات الثلاثة راجعة إلي الخطب بخلاف المجرورين بعدهما فانهما راجعان إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

[863] كسف النجوم: ذهاب نورها، والفعل منه يكون متعديا ولازما، والفعل كضرب. وفي رواية ابن ابي طاهر مكان الفقرة الاخيرة: «واكتأبت خيرة الله المصيبة» والاكتئاب: افتعال من الكآبة بمعني الحزن. وفي الكشف: «واستنهز فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض، وأكتأبت لخيرة الله _ إلي قولها _ واديلت الحرمة _» من الادالة بمعني الغلبة.

[864] يقال: اكدي فلان أي بخل او قل خيره.

[865] حريم الرجل: ما يحميه ويقاتل عنه.

[866] الحرمة: ما لا يحل انتها كه. وفي بعض النسخ: «الرحمة» مكان «الحرمة».

[867] النازلة: الشديدة.

[868] البائقة: الداهية.

[869] فناء الدار، ككساء: العرصة المتسعة امامها. والممسي والمصبح. بضم الميم فيها _ مصدران وموضعان من الاصباح والامساء.

[870] الهتاف: بالكسر: الصياح، والصراخ، كغراب: الصوف

او الشديد منه، والتلاوة، بالكسر: القراءة والالحان: الافهام يقال: ألحنه القول أي افهمه اياه، ويحتمل ان يكون من اللحن بمعني الغناء والطرب، قال الجوهري: «اللحن واحد الالحان واللحون، ومنه الحديث: اقرأوا القرآن بلحون العرب، وقد لحن قرائته اذا طرد به وغرد، وهو الحن الناس اذا كان احسنهم قراءة او غناء» انتهي. ويمكن ان يقرأ علي هذا بصيغة الجمع ايضا، والأوّل اظهر. وفي الكشف: «فتلك نازلة اعلن بها كتاب الله في قبلتكم ممساكم ومصبحكم هتافا هتافا».

[871] الحكم الفصل: هو المقطوع به الذي لا ريب فيه ولا مرد له، وقد يكون بمعني القاطع الفارق بين الحق والباطل.

[872] والحتم في الاصل: احكام الامر، والقضاء الحتم هو الذي لا يتطرق إليه التغيير.

[873] مضت.

[874] الانقلاب علي العقب: الرجوع القهقري، اريد به الارتداد بعد الإيمان.

[875] آل عمران: 144.

[876] الشاكرون: المطيعون المعترفون بالنعم الحامدون عليها. قال بعض الامائل: واعلم ان الشبهة العارضة للمخاطبين، بموت النبي صلي الله عليه وآله وسلم اما عدم تحتم العمل بأوامره وحفظ حرمته في أهله، فان العقول الضعيفة مجبولةعلي رعاية الحاضر اكثر من الغايب وانه اذا غاب عن ابصارهم ذهب كلامه عن اسماعهم ووصاياه عن قلوبهم، فدفعها اشارة إليه صلوات الله عليه واله _ من اعلان الله جل ثناؤه واخباره بوقع تلك الواقعة الهايلة قبل وقوعها وان الموت مما قد نزل بالماضين من انبياء الله ورسله _ تثبيتا واخباره بوقوع تلك الواقعة الهايلة قبل وقوعها وان الموت مما قد نزل بالماضين من انبياء الله ورسله _ تثبيتا للامة علي الإيمان، وازالة لتلك الخصلة الذميمة عن نفوسهم. ويمكن ان يكون معني الكلام. اتقولون مات محمد صلي الله عليه وآله وسلم وبعد موته ليس لنا زاجر ولامانع عما، نريد ولانخاف

احدا في ترك الانقياد للاوامر وعدم الانزاجار عن النواهي. ويكون الجواب ما يستفاد من حكاية قوله سبحانه «افأن مات او قتل» الآية لكن لايكون حينئذ لحديث اعلان الله سبحانه واخباره، بموت الرسول مدخل في الجواب إلاّ بتكلف. ويحتمل ان يكون شبهتهم عدم تجويزهم الموت علي النبي صل الله عليه وآله وسلم كما افصح عنه عمر بن الخطاب، وسيأتي في مطاعنه، فبعد تحقق موته عرض لهم شك في الأيمان، ووهن في الاعمال، فلذلك خذلوها وقعدوا عن نصرتها، وحينئذ مدخلية حديث الاعلان وما بعده في الجواب واضح. وعلي التقادير لا يكون قولها _ صلوات الله عليها _ «فخطب جليل» داخلا في الجواب ولا مقولا لقول المخاطبين علي استفهام التوبيخي، بل هو كلا مستأنف لبث الحزن والشكوي، بل يكون الجواب ما بعد قولها «فتلك والله النازلة الكبري» ويحتلم ان يكون مقولا لقوهم، فيكون حاصلا شبهتهم ان موته صلي الله عليه وآله والذي هو اعظم الدواهي قد وقع، فلا يبالي بما وقع بعده من لمحظورات، فلذلك لم ينهضوا بنصرها، والانتصاف ممن ظلمها. ولما تضمن ما زعموه كون مماته صلي الله عليه وآله أعظم المصائب سلمت عليها السلام اولا في مقام تلك المقدمة لكونها محض الحق ثم نبهت علي خطابهم في انها مستلزمة لقلة المبالاة بما وقع والقعود عن نصرة الحق وعدم اتباع اوامره صلي الله عليه و آله بقولها اعلن بها كتاب الله إلي اخر الكلام، فيكون حاصل الجواب: ان الله قد اعلمكم بها قبل الوقوع واخبركم بانها سنة ماضية في السلف من انبيائه وحذركم الانقلاب علي اعقابكم كيلا تتركوا العمل بلوازم الإيمان بعد وقوعها، ولا تهنوا عن نصرة الحق وقمع الباطل، وف تسليمها ما سلمته اولا دلالة علي

ان كونها اعظم المصائب مما يؤيد وجوب نصرتي، فاني انا المصاب بها حقيقة وان شاركني فيها غيري، فمن نزلت به تلك النازلة الكبري فهو بالرعاية احق واحري. ويحتمل ان يكون قولها عليها السلام «فخطب جليل» من اجزاء الجواب، فتكو شبهتهم بعض الوجوه المذكورة او المركب من بعضها مع بعضها مع بعض، وحاصل الجواب حينئذ انه اذا نزل بي مثل تلك النازلة وقد كان الله عزوجل اخبركم بها وامركم ان لا ترتدوا بعدها علي اعقابكم، فكان الواجب عليكم دفع الضيم عني والقيام بنصرتي. ولعل الانسب بهذا الوجه ما في رواية ابن ابي طاهر من قولها «وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله» بالواو دون الفاء.

ويحتمل ان لا تكون الشبهة العارضة للمخاطبين مقصورة علي احد الوجوه المذكورة بل تكون الشبهة لبعضهم بعضا وللآخري اخري، ويكون كل مقدمة من مقدمات الجواب اشارة إلي دفع واحدة منها.

أقول: ويحتمل ان لا تكون هناك شبهة حقيقية، بل يكون الغرض انه ليس لهم في اتكاب تلك الامور الشنيعة حجة ومتمسك إلاّ ان يتمسك احد بامثال تلك الامور الباطلة الواهية التي لا يخفي علي احد بطلانها. وهذا شايع في الاحتجاج.

[877] ايها _ بفتح الهمزة والتنوين _ بمعني هيهات. وبنو قيلة: الاوس والخزرج قبيلتا الانصار. وقيلة بالفتح: اسم ام لهم قديمة وهي قيلة بنت كاهل.

[878] الهضم: الكسر يقال: هضمت الشيء أي كسرته، وهضمته: اذا ظلمه وكسر عليه حقه. والتراث، واصل التاء فيه الواو.

[879] أي بحيث اراكم واسمعكم (اسمع ظ) كلامكم. وفي رواية ابن ابي طاهر: «منه» أي من الرسول صلي الله عليه واله و سلم.

[880] والمبتدأ في اكثر النسخ بالباء الموحدة مهموزاً، فلعل المعني انكم في مكان يبتدأ منه الامور والاحكام، والاظهر أنه تصحيف المنتدا

بالنون غير مهموز بمعني المجلس، وكذا في المناقب القديم، فيكون «المجمع» كالتفسير له. والغرض الاحتجاج عليهم بالاجماع (بالاجماع _ خ ل) الذي هو من اسباب القدرة علي دفع الظلم. واللفظان غير موجودين في رواية ابن ابي طاهر.

[881] «تلبسكم» علي بناء المجرد أي تغطيكم وتحيط بكم. والدعوة: المرة من الدعاء أي النداء كالخبرة _ بالفتح _ من الخبر بالضم بمعني العلم، او الخبرة بالكسر بمعناه. والمراد بالدعوة نداء المظلوم للنصرة، وبالخبرة علمهم بمظلوميتها صلوات الله عليها. والتعبير بالاحاطة والشمول للمبالغة او للتصريح بان ذلك قد عمهم جميعاً. وليس من قبيل الحكم علي الجماعة بحكم البعض او الاكثر. وفي رواية ابن ابي طاهر: «الحيرة» بالحاء المهملة، ولعلة تصحيف، ولا يخفي توجيهه.

[882] الكفاح: استقبال العدو في الحرب بلا ترس ولا جنة، ويقال: فلا يكافح الامور أي يباشرها بنفسه.

[883] النجبة، كهمزة: النجيب الكريم. وقيل: يحتمل ان يكون بفتح الخاء المعجمة او سكونها بمعني المنتخب المختار، ويظهر من ابن الاثير انها بالسكون تكون جمعا.

[884] الخيرة، كعنية: المفضل من القوم المختار منهم.

[885] أي حاربتم الخصوم ودافعتموها بجد واهتمام كما يدافع الكبش قرنه بقرنه. واليهم: الشجعان كما مر ومكافحتها: التعرض لدفعها من غير توانٍ وضعف.

[886] في المناقب: «لنا هل البيت قاتلتم وناطحتم الامم وكافحتم البهم».

[887] «أو تبرحون» معطوف علي مدخول النفي، فالمنفي احد الأمرين، ولا ينتفي إلاّ بانتفائهما معاً، فالمعني لا نبرح ولا تبرحون.

[888] أي كما لم نزل آمرين، وكنتم مطيعين لنا في اوامرنا، وفي كشف الغمة: «وتبرحون بالواو، فالعطف علي مدهول النفي ايضا ويرجع إلي مامر. وعطفه علي النفي اشعارا بأنه قد كان يقع منهم براح عن الاطاعة كما في عزوة احد وغيرها بخلاف أهل البيت عليهم السلام اذا لم يعرض

لهم كلال عن الدعوة والهداية، بعيد عن المقام. والاظهر ما في رواية ابن ابي طاهر من ترك املعطوف رأسا: «لانبرح نأمركم» أي لم نزل عادتنا الأمر، وعادتكم الايتمار، وفي المناقب «لا نبرح ولا تبرحون نأمركم» فيحتمل ان يكون «أو» في تلك النسخة ايضا بمعني الواو، أي لانزال نأمركم ولا تزالون تأتمرون، ولعل ما في المناقب اظهر النسخ واصوبها.

[889] دوران الرحي كناية عن انتظام امرها، والباء للسببية.

[890] در اللبن: جريانه وكثرته. والحلب بالفتح: استخراج ما في الضرع من اللبن،وبالتحريك: اللبن المحلوب، والثاني اظهر للزوم ارتكاب تجوز في الاستناد، او في المسند إليه علي الأوّل.

[891] والنعرة بالنون والراء المهملتين مثال همزة: الخيشوم والخيلاء والكبر او بفتح النون من قولهم نعر العرق بالدم أي فار. فيكون الخضوع بمعني السكون، او بالغين المعجمة من نغرت القدر أي فارت. وقال الجوهري «نغر الرجل _ بالكسر _ أي اغتاض. قال الاصمعي: هو الذي يغلي جوفه من الغيظ. وقال ابن السكيت: يقال: ظل فلان يتنعر علي فلان أي يتذمر عليه». وفي اكثر النسخ بالثاء المثلثة المضمومة والغين المعجمة وهي نقرة النحر بين الترقوتين. فخضوع ثغرة الشرك كناية عن محقه وسقوطه كالحيوان الساقط علي الأرض، نظيره قول امير المؤمنين _ صلوات الله عليه وسلامه عليه _: «انا وضعت كلكل العرب» أي صدورهم.

[892] الافك بالكسر: الكذب وفورة الافك: غليانه وهيجانه.

[893] خمدت النار: أي سكن لهبها ولم يطفاً جمرها. ويقال: همدت _ بالهاء _ اذا طفي جمرها. وفيه اشعار بنفاق بعضهم وبقاء مادة الكفر في قلوبهم. وفي رواية ابن ابي طاهر: «وباخت نيران الحرب» قال الجوهري: «باخ الحر والنار والغضب والحمي أي سكن وفتر».

[894] هدأت أي، سكنت، والهرج، الفتنة والاختلاط. وفي الحديث: الهرج القتل.

[895] استوسق

أي اجتمع وانضم، من الوسق بالفتح وهو ضم الشيء إلي الشيء، واتساق الشيء: انتظامه. وفي الكشف: «فناويتم العرب، وبادهتم الامور (إلي قولها عليها السلام) حتي دارت لكم بنا رحي الاسلام، ودر حلب البلاد وخبت نيران الحرب» يقال: بدهه بأمر أي استقبله به، وبادهه: فاجاه.

[896] كلمة «اني» ظرف مكان بمعني «أين» وقد يكون بمعني «كيف» أي من اين حرتم وما كان منشأه؟ و «جرتم» اما بالجيم من الجور وهو الميل عن القصد والعدول عن الطريق، أي لماذا تركتم سبيل الحق بعد ما تبين لكم. او بالحاء لمهملة المضمومة من الحور بمعني الرجوع او النقصان، يقال: «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» أي من النقصان بعد الزيادة، واما بكسرها من الحيرة.

[897] النكوص: الرجوع إلي الخلف.

[898] التوبة: 13.

[899] نكث العهد، بالفتح: نقضه والإيمان جمع يمين وهو القسم. المشهور بين المفسرين ان الآية نزلت في اليهود الذين نقضوا عهودهم، وخرجوا مع الاحزاب، وهموا باخراج الرسول من المدينة، وبدأوا بنقض العهد والقتال. وقيل: نزلت في مشركي قريش وأهل مكة حيث نقضوا ايمانهم التي عقدوها مع الرسول والمؤمنين علي ان لا يعاونوا عليهم اعدائهم، فعاونوا بني بكر علي خزاعة، وقصدوا اخراج الرسول صلي الله عليه وآله من مكة حين تشاوروا بدار الندوة وأتاهم ابليس بصورة شيخ نجدي _ إلي اخر مامر في القصة _، فهم بدأوا بالمعاداة والمقاتلة في هذا الوقت، أو في يوم بدر، او بنقض العهد، والمراد بالقوم الذين نكثوا ايمانهم في كلامها _ صلوات الله عليها _ اما الذين نزلت فيهم الآية، فالغرض بيان وجوب قتال الغاصبين للامامة ولحقها، الناكثين لما عهد اليهم الرسول صلي الله عليه وآله في وصيه عليه السلام وذوي قرباه وفي أهل بيته كما

وجب بأمره سبحانه قتال من نزلت الآية فيهم. او المراد بهم الغاصبون لحق هل البيت عليهم السلام، فالمراد بنكثهم ايمانهم نقض ما عهدوا إلي الرسول حين بايعوه من الانقياد له في اوامره والانتهاء عند نواهيه وان لا يضمروا له العداوة، فنقضوه وناقضوا ما امرهم به، والمراد بقصدهم بقصدهم اخراج الرسول عزمهم علي اخراج من كنفس الرسول وقائم مقامه بامر الله وامره عن مقام الخلافة، وعلي ابطال اوامر ووصاياه في أهل بيته النازل منزلة اخراجه من مستقره وحينئذ يكون من قبيل الاقتباس، وفي بعض الروايات: «لقوم نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدأوكم اول مرة اتخشو نهم». فقوله «لقوم» متعلق بقوله «تخشونهم».

[900] الرؤية هنا بمعني العلم أو بالنظر بالعين، وأخلد إليه: ركن ومال. والخفض بالفتح: سعة العيش.

[901] المراد بمن هو احق بالبسط والقبض امير المؤمنين صلوات الله عليه، وصيغة التفضيل مثلها في قوله تعالي: «قل اذلك خير ام جنة الخلد».

[902] خلوت الشيء: انفردت به واجتمعت معه في خلوة. والدعة: الراحة والسكون.

[903] مج الشراب من فيه: رمي به. و «وعيتم» أي حفظتم.

[904] الدسع، كالمنع: الدفع والقيء واخراج البعير جرته إلي فيه. وساغ الشراب يسوغ سوغا: اذا سهل مدخله في الحلق، وتسوغه: شربه بسهولة.

[905] صيغة «تكفروا» في كلامها عليها السلام اما من الكفران وترك الشرك كما هو الظاهر من سياق الكلام المجيد حيث قال تعالي: «واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لا زيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي بالمعني الاخص. والتغيير في المعني لاينافي الاقتباس، مع ان في الآية ايضا يحتمل هذا المعني. والمراد ان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا من الثقلين فلا يضر ذلك إلا انفسكم فانه سبحانه غني عن شكركم وطاعتكم، مستحق للحمد في ذاته، او محمود

تحمده الملائكة بل جميع الموجودات بلسان الحال، وضرر الكفران عائد اليكم حيث حرمتم من فضله تعالي ومزيد انعامه واكرامه. والحاصل انكم انما تركتم الإمام بالحق، وخلعتم بيعته من رقابكم، ورضيتم ببيعة ابي بكر لعلمكم بأن امير المؤمنين عليه السلام لايتهاون ولا يداهن في دين الله ولا تأخذه في الله لومة لاثم، ويأمركم بارتكاب الشدائد في الجهاد وغيره، وترك ما تشتهون من زخارف الدنيا، ويقسم الفيء بينكم بالسوية، ولايفضل الرؤساء والأمراء، وان ابابكر رجل سلس القياد، مداهن في الدين لارضاء العباد، فلذا رفضتم الإيمان، وخرجتم عن طاعته سبحانه إلي طاعة الشيطان، ولا يعود وباله إلاّ اليكم. وفي الكشف: «إلاّ وقد أري _ ان قد اخلدتم إلي الخفض وركنتم إلي الدعة فمججتم الذي أوعيتم، ولفظتم الذي سوغتم» وفي رواية ابن ابي طاهر: «فعجتم عن الدين». يقال: ركن إليه _ بفتح الكاف _ وقد يكسرت أي مال إليه وسكن. وقال الجوهري: «وعجت بالمكان اعوج أي أقمت به. وعجت غيري، يتعدي ولا يتعدي. وعجت البعير: عطفت رأسه بالزمام. والعايج: الواقف. وذكر ابن الاعرابي: فلان ما يعوج عن شي أي ما يرجع عنه».

[906] إبراهيم: 8 وفيها «إن تكفروا».

[907] الخذالة: ترك النصر. و«خامرتكم» أي خالطتكم.

[908] الغدر: ضد الوفاء. واستشعره أي لبسه، والشعار: الثوب الملاصق اللبدن.

[909] الفيض في الاصل كثرة الماء وسيلانه، يقال: فاض الخبر أي شاع، وفاض صدره بالسر أي باح به واظهره، ويقال: فاضت نفسه أي خرجت روحه، والمراد به هنا اظهار المضمر في النفس لاسيتلاء الهم وغلبة الحزن.

[910] النفث بالضم شبيه بالنفخ، وقد يكون للمغتاط تنفس عال تسكينا لحر القب واطفاء لناثرة الغضب.

[911] الخور، بالفتح والتحريك: الضعف. ولاقنا: جمع قناة وهي الرمح، وقيل: كل عصا مستوية او معوجة قناة.

ولعل المراد بخور القنا ضعف النفس عن الصبر علي الشدة وكتمان الضر او ضعف ما يعتمد عليه في النصر علي العدو، والأوّل انسب.

[912] البث: النشر والاظهار والهم الذي لا يقدر صاحبه علي كتمانه فيبثه أي يفرقه.

[913] تقدمة الحجة: اعلام الرجل قبل وقت الحاجة قطعا لاعتذاره بالغفلة والحاصل ان استصاري منكم وتظلمي لديكم واقامة الحجة عليكم لم يكن رجاء للعون والمظاهرة، بل تسلية للنفس وتسكينا للغضب واتماما للحجة، لئلا تقولوا يوم القيامة «انا كنا عن هذا غافلين».

[914] الحقب، بالتحريك: حبل يشد به الرحل إلي بطن البعير، يقال: احقبت البعير، أي شددته به، وكل ماشد في مؤخر رحل او قتب فقد احتقب، ومنه قيل: احتقب فلان الاثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه، فظهر ان الانسب في هذا المقام «أحقبوها» بصيغة الافعال، أي شدوا عليها ذلك، وهيأواها للركوب، لكن فيما وصل الينا من الروايات علي بناء الافتعال.

[915] الدبر، بالتحريك: الجرح في ظهر البعير، وقيل: جرح الدابة مطلقاً.

[916] النقب، بالتحريك: رقة خف البعير.

[917] العار الباقي: عيب لا يكون في معرض الزوال.

[918] وسمته وسما وسمة: اذا اثرت فيه بسمة وكي: والشنار: العيب والعار.

[919] نار الله الموقدة: المؤججة علي الدوام. والاطلاع علي الفئدة: اشرافها علي القلوب بحيث يبلغ المها، كما يبلغ ظواهر البدن. وقيل: معناه ان هذه النار تخرج، الباطن إلي الظاهر بخلاف نيران الدنيا، وفي الكشف «انها عليهم مؤصدة» والمؤصدة: المطبقة.

[920] أي متلبس بعلم الله اعمالكم ويطلع عليها كما يعلم احدكم ما يراه ويبصره. وقيل في قوله تعالي: «تجري باعيننا» ان المعني تجري بأعين اولياؤنا من الملائكة والحفظة.

[921] المنقلب: المرجع والمنصرف. «أيّ» منصوب علي انه صفة مصدر محذوف والعامل فيه «ينقلبون» لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه وانما يعمل

فيه ما بعده والتقدير: «سيعلم الذين ظلموا ينقلبون انقلابا أي انقلاب».

[922] الشعراء: آية 227.

[923] أي انا ابنة من انذركم بعذاب الله علي ظلمكم، فقد تمت الحجة عليكم.

[924] الأمر في «اعلموا» و «انتظروا» للتهديد. واما قول الملعون: «الرائد لا يكذب اهله» - فهو مثل استشهد به في صدق الخبر الذي افراه علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم. الرايد: من يتقدم القوم يبصر لهم الكلاء ومساقط الغيث. جعل نفسه لاحتماله الخلافة التي هي الرياسة العامة بمنزلة الرائد للامنة الذي يجب عليه ان ينصحهم ويخبرهم بالصدق.

- هذه الفقرة غير موجودة في الخطبة.

[925] اقتباس من سورة هود: اية 121، و 122.

[926] المجالدة: المضاربة بالسيوف.

[927] استبد فلان بالرأي، أي انفرد به واستقل.

[928] أي لانقبض ولانصرف.

[929] أي لانحط درجتك ولا ننكر فضل اصولك واجدادك وفروعك واولادك.

[930] ترين: من الرأي بمعني الاعتقاد.

[931] الصادف عن الشيء: المعرض عنه.

[932] الاثر، بالتحريك وبالكسر، اثر القدم.

[933] القفو: الاتباع والسور بالضم: كل مرتفع عال، ومنه سور المدينة، ويكون جمع سورة وهي كل منزلة من البناء، ومنه سورة القرآن، لأنها منزلة بعد منزلة، وتجمع علي سور بفتح الواو، وفي العبارة يحتملها، والضماير المجرورة تعود إلي الله تعالي أو إلي كتابه والثاني اظهر.

[934] الاعتدال: ابداء العلة والاعتذار، والزور: الكذب.

[935] البغي: الطلب، والغوايل: المهالك والدواهي اشارات عليها السلام بذلك إلي مادبروا _ لعنهم الله _ في اهلاك النبي صلي الله عليه وآله وسلم واستيصال أهل بيته عليهم السلام في العقبتين وغيرهما مما أوردناه متفرقا.

أقول: سيأتي الكلام في مواريث الأنبياء في باب المطاعن ان شاء الله تعالي. والتوزيع: التقسيم، والقسط بالكسر: والحصة ولنصيب.

[936] الازاحة: الاذهاب والابعاد.

[937] التظني: اعمال الظن واصله التظنن، والغابر، الباقي: وقد يطلق علي الماضي.

[938] التسويل: تحسين ماليس

بحسن وتزيينه وتحبيبه إلي الإنسان ليفعله او يقوله: وقيل: هو تقدير معني في النفس علي الطمع في تماهه.

[939] أي فصبري جميل أو الصبر الجميل اولي من الجزع الذي لا يغني شيئا. وقيل: انما يكون الصبر جميلا اذا قصد به وجه الله تعالي وفعل للوجه الذي وجب، ذكره السيد المرتضي رضي الله عنه.

[940] يوسف: آية 18.

[941] من المصدر المضاف إلي الفاعل.

[942] مراده بما تقلدوا ما اخذ فدك او الخلافة، أي اخذت الخلافة بقول المسلمين واتفاقهم فلزمني القيام بحدودها التي من جملتها اخذ فدك، للحديث المذكور.

[943] المكابرة: المغالبة والاستبداد والاستيثار: الانفراد بالشيء.

[944] القيل بمعني القول:، وكذا القال، وقيل: القول في الخير، والقيل والقال في الشر، وقيل: القول مصدر، والقيل والقال اسمان له.

[945] الاغضاء: ادناء الجفون، واغضي علي الشيء، أي سكت ورضي به.

[946] روي عن الصادق والكاظم عليهما السلام في الآية: ان المعني: أفلا يتدبرون القرآن فيقضوا بما عليهم من الحق؟ وتنكير القلوب لا رادة قلوب هؤلاء ومن كان مثلهم من غيرهم.

[947] محمد: آية 24.

[948] الرين: الطبع والتغطية، واصله الغلبة.

[949] التأول والتاويل: التصيير والارجاع ونقل الشيء عن موضعة، ومنه تأويل الالفاظ أي نقل اللفظ عن الظاهر.

[950] الاشارة: الأمر بأحسن الوجوده في أمر.

[951] شرّ _ كفرّ _ بمعني ساء _ ولاعتياض: أخذ العوض والرضاء به، والمغني: ساء ما اخذتم منه عوضا عما تركتم.

[952] المحمل _ كمجلس _ مصدر.

[953] الغب، بالكسر:العاقبة، والوبال، في الاصل: الثقل والمكروه، ويراد به في عرف الشرع عذاب الاخرة، والعذاب الوبيل: الشديد.

[954] الضراء، بالفتح والتخفيف: الشجر الملتف كما مر، يقال: تواري الصيد مني في ضراء، والوراء يكون بمعني خلف، وبالاول فسر قوله تعالي: «وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا». ويحتمل ان تكون الهاء زيدت من

النساخ، او الهمزة، فيكون علي الاخير بتشديد الراء من قولهم «وري الشي تورية» أي اخفاه، وعلي التقادير فالمعني: وظهر لكم ما ستره عنكم الضراء.

[955] اقتباس من سورة الزمر، 47.

[956] أي ظهر لكم من صنوف العذاب ما لم تكونوا تنتظرونه ولا تظنونه واصلا اليكم ولم يكن في حسبانكم.

[957] الغافر: آي 78.

[958] المبطل: صاحب الباطل، من ابطل الرجل: اذا اتي بالباطل.

[959] في الكشف: «ثم التفتت إلي قبر ابيها متمثلة بقول هند ابنة اثاثة» ثم ذكر الابيات.

[960] قال في النهاية: «الهنبثة: واحدة الهنابث، وهي الامور الشداد المختلفة، والهنبثة: الاختلاط في القول، والنون زائدة» وذكر «فيه: ان فاطمة عليها السلام قالت بعد موت النبي صلي الله عليه وآله: «قد كان بعدك انباء» إلي اخر البيتين، إلاّ انه قال: «اشهدهم ولا تغب». والشهود: الحضور، والخطب، بالفتح: الأمر الذي تقع فيه المخاطبة، والشأن والحال، والوابل: المطر الشديد ونكب فلان عن الطريق _ كنصر وفرح _ أي عدل ومال.

[961] القربي، في الاصل: القرابة في الرحم، والمنزلة: المرتبة والدرجة، ولا تجمع، والادنين: هم الاقربون. واقترب أي تقارب. وقال في مجمع البيان: «في اقترب زيادة مبالغة علي قرب. كما ان في اقتدر زيادة مبالغة علي قدر» ويمكن تصحيح تركيب البيت وتأويل معناه علي وجوه:

الأوّل، وهو الاظهر: ان جملة «له قربي» صفة لاهل، والتنوين في «منزلة» للتعظيم، والظرفان متعلقان بالمنزلة لما فيها من معني الزيادة والرجحان، و«متقرب» خبر لكل، أي ذو القرب الحقيقي، اوعند ذي الاهل كل أهل كانت له مزية وزيادة علي غيره من الاقربين عنه الله تعالي.

والثاني: تعلق الظرفين بقولها «متقرب» أي كل له قرب ومنزلة من ذي الاهل فهو بين عند الله تعالي مقترب مفضل علي ساير الادنين.

والثالث: تعلق الظرف الأوّل بالمنزلة،

والثاني بالمقترب، أي كل أهل اتصف بالقربي بالرجل وبالمنزلة عند الله، فهو مفضل علي من هو أبعد منه.

الاحتمالات: ان يكون جملة «له قربي» خبرا للكل، و «مقترب» خبرا ثانيا، وفي الظرفين يجري الاحتمالات السابقة، والمعني، ان كل أهل نبي من الأنبياء له قرب ومنزلة عند الله ومفضل علي ساير الاقارب عند الامة.

[962] بدا الأمر بدواً: ظهر، وابداه: أظهر.والنجوي: الاسم من نجوته. اذا ساررته؛ ونجوي صدورهم: ما أضمروه في نفوسهم من العداوة ولم يتمكنوا من اظهاره في حياته صلي الله عليه وآله وسلم. وفي بعض النسخ: «فحوي صدورهم»، وفحوي القول: معناه؛ ولم يسمع لسايرها بجمع» انتهي. فيمكن ان يكون بصيغة المفرد، والتأنيث بتأويل الأرض، كما قيل، والاظهر انه بضم التاء وفتح الراء: جمع تربة، قال في مصباح اللغة: «التربة: المقبرة، والجمع: ترب، مثل غرفة وغرف». وحال الشيء بيني وبينك أي منعني من الوصول اليك، ودون الشيء: قريب منه، يقال: دون النهر جماعة، أي قبل ان تصل إليه.

[963] التهجم: الاستقبال بالوجه الكريه، والمغتصب علي بناء المفعول: المغصوب.

[964] المحتجب علي بناء الفاعل.

[965] صادفه: وجده ولقيه. والكثب، بضمتين: جمع كثيب وهو التل من الرمل.

[966] الرزء، بالضم مهموزا: المصيبة بفقد الاعزة، ورزيتا علي بناء المجهول، والشجن بالتحريك: الحزن. وفي القاموس: «العجم، بالضم وبالتحريك، خلاف العرب».

أقول: وجدت في نسخة قديمة لكشف الغمة منقولة من خط المصنف مكتوبا علي هامشها بعد ايراد خطبتها _ صلوات الله عليها _ ما هذا لفظة: وجد بخط السيد المرتضي علم الهدي الموسوي _ قدس الله روحه _ انه لما خرجت فاطمة عليها السلام من عند أبي بكر ردها عن فدك استقبلها امير المؤمنين عليه السلام فجعلت تعنفه ثم قالت: اشتملت إلي اخر كلامها عليها السلام.

[967] الانكفاء:

الرجوع. وتوقعت الشيء واستوقته، أي انتظرت وقوعه. وطلعت علي القوم: اتيتهم. وتطلع الطلوع. انتظاره.

[968] أي سكنت كانها اضطربت وتحركت لخروجها، أو علي سبيل القلب، وهذا شايع، يقال: استقرت نوي القوم واستقرت بهم النوي، أي اقاموا.

[969] اشتمل بالثوب أي اداره علي جسده كله. والشملة، بالفتح: كساء يشتمل به. والشملة، بالكسر، هيئة الاشتمال، فالشملة اما مفعول مطلق من غير الباب كقوله تعالي: «نباتا» او في الكلام حذف وايصال. وفي رواية السيد: «مشية الجنين» وهي محل الولد في الرحم؛ ولعلة اظهر. والجنين: الولد مادام في البطن.

[970] الحجرة، بالضم: حظيرة الابل، ومنه حجرة الدار، والظنين، المتهم؛ والمعني: اختفيت عن الناس الجنين، وقعدت عن طلب الحق ونزلت منزلة الخائف المتهم. وفي رواية السيد: «الحجزة» بالزاء المعجمة. وفي بعض النسخ: «قعدت حجزة الظنين». وقال في النهاية: «الحجزة: موضع شد الازار، ثم قيل للازار حجزة، للمجاورة». وفي القاموس: «الحجزة، بالضم: معقد الازار، ومن الفرس: مركب مؤخر الصفات بالحقو.» وقال: «شدة الحجزة كناية عن الصبر».

[971] قوادم الطير: مقاديم ريشه، وهي عشر في كل جناح، واحدتها: قادمة. والاجدل: الصقر.

[972] الاعزل الذي لاسلاح معه. قيل: لعلها _ صلوات الله عليها _ شبهت الصقر الذي نقضت قوادمه. بمن لا سلاح له. والمعني: تركت طلب الخلافة في أول الأمر قبل ان يتمكنوا منها ويشيدوا أركانها، وظننت ان الناس لا يرون غيرك اهلا للخلافة، ولا يقدمون عليك احدا، فكنت كمن يتوقع الطيران من صقر منقوضة القوادم.

اقول: يحتمل ان يكون المارد انك نازلت الابطال، وخض الاهوال، ولم تبال بكثرة الرجال حتي نقضت شوكتهم، واليوم غلبت من هؤلاء الضعفاء والارذال، وسلمت لهم الأمر ولاتنازعهم. وعلي هذا، الاظهر انه كان في الاصل «خاتك» بالتاء المثناة الفوقانية فصحف. قال الجوهري: «خات البازي

واختات، أي انقض لياخذه» وقال الشاعر: «يخوتون اخري القوم خوت الاجادل». والخائتة: العقاب اذا انقضت فسمعت صوت انقضاضها. والخوات: دوي جناح العقاب. والخوات، بالتشديد: «الرجل الجريء». وفي رواية السيد: «نفضت» بالفاء، وهو يؤيد المعني الأوّل.

[973] قحافة بضم القاف وتخفيف المهملة.

[974] الابتزار: الاستلاب واخذ الشيء بقهر وغلبة، من البز بمعني السلب. والنحلة: فعلية مفعول، من النحلة _ بالكسر _ بمعني الهبة والعطية عن طيبة نفس من غير مطالبة او من غير عوض. والبلغة بالضم: ما يتبلغ به من العيش يكتفي به. وفي اكثر النسخ: «بليغة» بالتصغير، فالتصغير في النحيلة ايضا انسب. وابني اما تبخفيف الياء، فالمراد به الجنس، او تشديدها علي التثنية.

[975] اجهاز الشيء: اعلانه. والخصام: مصدر كالمخاصمة، ويحتمل ان يكون جمع خصم، أي اجهر العداوة او الكلام لي بين الخصام، والأوّل اظهر.

[976] «الفيته» أي وجدته. والالد: شديد الخصومة، وليس فعلا ماضيا، فان فعله علي بناء المجرد. - والاضافة في «كلامي» اما من قبيل الاضافة إلي المخاطب او إلي المتكلم. و«في» للظرفية او السببية. وفي رواية السيد «هذا بني ابي قحافة _ إلي قوله _ لقد اجهد في ظلامتي، والد في خصامتي». قال الجزري: «يقال جهد الرجل في الأمر، اذا جد وبالغ فيه. واجهد دابته، اذا حمل عليها في السير فوق طاقتها».

- قد اتي فعله علي بناء الافعال ايضا كما في القاموس وغيره.

[977] قلية، بالفتح: اسم ام قديمة لقبيلتي الانصار، والمراد بنو قيلة. وفي رواية السيد: «حين منعتني الانصار نصرها» وموصوف المهاجرة الطائفة او نحوها. والمراد بوصلها عونها.

[978] الطرف، بالفتح: العين. وغضه: حفظه.

[979] في رواية السيد بعد قولها «ولا مانع ولا ناصر ولا شافع» خرجت كاظمة، وعدت راغمة» كظم الغيظ: تجرعه والصبر عليه، ورغم فلان، بالفتح:

إذا ذل وعجز عن الإنتصاف ممن ظلمه. والظاهر من الخروج، الخروج من البيت وهو لا يناسب «كاظمة» إلاّ ان يراد بها الامتلاء من الغيظ فانه من لوازم الكظم، ويحتمل أن يكون المراد الخروج من المسجد المعبر عنه ثانيا بالعود، كما قيل في رواية السيد مكان «عدت» «رجعت».

[980] ضرع الرجل، مثلثة: خضع وذل. وأضرعه غيره. واسناد الضراعة إلي الخد، لأنّه أظهر أفرادها وضع الخد علي التراب، أو لأنّ الذل يظهر في الوجه.

[981] اضاعة الشيء وتضييعه: اهماله واهلاكه. وحد الرجل، بالحاء المهملة: بأسه وبطشه. وفي بعض النسخ بالجيم، أي تركت اهتمامك وسعيك. وفي رواية السيد: «فقد أضعت جدك يوم اصرعت خدك».

[982] فرس الأسد فريسته _ كضرب _ وافترستها: دق عنقها، ويستعمل في كل قتل. ويمكن أن يقرأ بصيغة الغايب، فالذئاب مرفوع، والمعني: قعدت عن طلب الخلافة ولزمت الأرض مع انك اسد الله والخلافة كانت فريستك، حتي افترسها واخذها الذئب الغاصب لها. ويحتمل ان يكون بصيغة الخطاب، أي كنت تفترس الذئاب واليوم افترشت التراب. وفي بعض النسخ: «الذباب» بالبائين الموحدتين، جمع ذبابة، فيتعين الأوّل. وفي بعضها: «افترست الذئاب، وافترسك الذئاب». وفي رواية السيد مكانهما: «وتوسدت الوراء كالوزع، ومستك الهناة والنزع»، والوراء بمعني خلف والهناة: الشدة والفتنة. والنزع: الطعن والفساد.

[983] الكف: المنع. والاغناء: الصرف والكف، يقال: اغن غني شرك، أي اصرفه وكفه و «و» به فسر قوله سبحانه: «انهم لن يغنوا عنك من الله شيئا» وفي رواية السيد: «ولا أغنيت طائلا» وهو أظهر. قال الجوهري: «يقال: هذا امر لا طائل فيه، اذا لم يكن فيه غناء ومزية» انتهي. فالمراد بالغناء: النفع، ويقال: ما يغني عنك هذا، أي ما يجديك وما يفعك.

[984] الهنية بالفتح: العادة في الرفق والسكون، ويقال: امش

علي هنيتك، أي علي رسلك، أي ليتني مت قبل هذا اليوم الذي لابد لي من الصبر علي ظلمهم ولامحصيص لي عن الرفق.

[985] الزلة، بفتح الزاي كما في النسخ: الإسم من قولك: زللت في طين أو منطق، إذا زلقت، ويكون بمعني السقطة، والمراد بها عدم القدرة علي دفع الظلم، ولو كانت الكلمة بالذال المعجمة كان أظهر واوضح كما في رواية السيد، فان فيها: «والهفتاه! ليتني مت قبل ذلتي ودون هنيتي».

[986] العذير بمعني العاذر كالسميع، أو بمعني العذر كالأليم. وقولها «منك» أي من أجل الإساءة إليك وايذائك. و«عذيري الله» مرفوعان بالإبتدائية والخبرية. و«عادياً» أما من قولهم: عدوت فلانا عن الأمر أي صرفته عنه، أو من العدوان بمعني تجاوز الحد، وهو حال عن ضمير المخاطب، أي الله يقيم العذر من قبلي في إساءتي اليك حال صرفك المكارة ودفعك الظلم عني، أو حال تجاوزك الحد في القعود عن نصري، أي عذري في سوء الأدب إنك قصرت في إعانتي والذب عني. والحماية عن الرجل: الدفع عنه. ويحتمل ان يكون «عذيري» منصوبا كما هو الشايع في هذه الكلمة، و«الله» مجروراً بالقسم، يقال: عذيرك من فلان أي هات من يعذرك فيه. ومنه قول امير المؤمنين عليه السلام حين نظر إلي ابن ملجم _ لعنه الله _: «عذيرك من حليلك من مراد». والأوّل أظهر.

[987] قال الجوهري: «ويل» كلمة مثل ويح إلاّ انها كلمة عذاب، يقال: ويله وويلك وويلي، وفي الندبة ويلاه». ولعله جمع بين الف الندبة وياء المتكلم. ويحمتل ان يكون بصيغة التثنية، فيكون مبتدأ والظرف خبره، والمراد به تكرر الويل.

وفي رواية السيد: «ويلاه في كل شارق، ويلاه في كل غارب، ويلاه مات العمد، وذل العضد _ إلي قولها عليها السلام _ اللّهمّ

أنت أشد قوة وبطشا». والشارق: الشمس، أي عند كل شروق شارق وطلوع صباح كل يوم. قال الجوهري: «والشرق: المشرق، والشرق: الشمس، يقال: طلع الشرق، ولا آتيك ما ذر شارق، وشرقت الشمس تشرق شروقا، وشرقا، أيضا، أي طلعت اشرقت أي أضاءت».

[988] العمد، بالتحريك وبضمتين: جمع العمود. ولعل المراد هنا ما يعتمد عليه في الامور.

[989] الشكو: الإسم من قولك: شكوت فلانا شكاية. والعدوي: طلبك إلي وآل لينتقم لك ممن ظلمك.

[990] الحول: القوة والحيلة والدفع والمنع، والكل هنا محتمل.

[991] البأس: العذاب. والتنكيل: العقوبة، وجعل الرجل نكالا وعبرة لغيره.

[992] العذاب والشر لمبغضك، والشناءة: البغض. وفي رواية السيد: «لمن احزنك».

[993] نهنهت الرجل عن الشيء فتنهنه، أي كففته وزجرته فكف. والوجد: الغضب أي امنعي نفسك عن غضبك، وفي بعض النسخ: «تنهنهي» وهو أظهر. والصفوة، مثلثة: خلاصة الشيء وخياره.

[994] الوني، كفتي: الضعف والفتور والكلال، والفعل كوقي يقي، أي ماعجزت عن القيام بما أمرني به ربيء وما تركت ما دخل تحت قدرتي.

[995] البلغة: بالضم: ما يتبلغ به من العيش، والضامن والكفيل للرزق هو الله تعالي. ومااعد لها هو ثواب الاخرة.

[996] الاحتساب: الاعتداد. ويقال لمن ينوي بعمله وجه الله تعالي: احتسبه. أي اصبري وادخري ثوابه عند الله تعالي. وفي رواية السيد: «فقال لها امير المؤمنين عليه السلام: لاويل لك، بل الويل لمن احزنك؛ نهنهي عن وجدك يابنية الصفوة وبقية النبوة، فما ونيت عن حظك، ولا اخطات (مقدرتي)، فقد ترين. فان ترزئي حقك، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما عند الله خير لك مما قطع عنك. فرفعت يدها الكريمة وقالت: رضيت وسلمت». قال في القاموس: «رزأه ماله _ كجعله وعلمه _ رزءاً بالضم: اصاب منه شيئاً».

[997] «بحار الانوار» ج 8، ص 109 _ 112، ط الكمباني.

وانما اوردنا الخطبة من نفس المصدر لامن «الاحتجاج» لأن الالفاظ المفسرة كانت علي نسخة المؤلف (ره)، ولها اختلاف معتد به مع النسخة المطبوعة من «الاحتجاج» وقد اشير إلي موارده في ضمن الشرح.

[998] عائفة: أي كارهة، يقال: عاف الرجل الطعام يعافه عيافاً أذا كرهه.

[999] القالية: المبغظة، قال تعالي: «ما ودعك ربك وما قلي».

[1000] لفظت الشيء من فمي: أي رميته وطرحته، العجم: العض، تقول: عجمت العود اعجمه _ بالضم _ اذا عضضته.

[1001] شنأة، كمنعه وسمعه: أبغضه، وسبرتهم: أي اختبرتهم. فعلي ما في اكثر الروايات المعني: طرحتهم وأبغضتهم بعد امتحانهم ومشاهدة سيرتهم واطوارهم. وعلي رواية الصدوق المعني: اني كنت عالمة بقيح سيرته وسوء سريرتهم فطرحتهم ثم لما اختبرتهم شنأتهم وأبغضتهم، أي تأكد انكاري بعد الاختبار. ويحتمل ان يكون الأوّل اشارة إلي شناعة اطوارهم الظاهرة، والثاني إلي خبث سرائرهم الباطنة.

[1002] قبحا، بالضم، مصدر حذف فعله، اما من قولهم: قبحه الله قبحا، او من قبح بالضم قباحة، فحرف الجر علي الأوّل داخل علي المفعول، وعلي الثاني علي الفاعل. والفلول بالضم: جمع فل بالفتح، وهو الثملة والكسر في حد السيف، وحكي الخليل في «العين» انه يكون مصدراً، ولعله انسب بالمقام، وحد الشيء: شباته، وحد الرجل باسه.

[1003] الخور بالفتح وبالتحريك: الضعف. والقناة: الرمح.

[1004] الخطل بالتحريك: المنطق الفاسد المضطرب، وخطل الرأي: فساده واضطرابه.

[1005] المائدة: 80.

[1006] الشن: رش الماء رشا متفرقا والسن بالمهملة: الصب المتصل، ومنه قولهم: شنت عليهم الغارة اذا فرقت عليهم الغارة اذا فرقت عليهم من كل وجه.

[1007] الجدع قطع الانف او الاذن او الشفة، وهو بالانف اخص، ويكون بمعني الحبس، والعقر بالفتح: الجرح، ويقال في الدعاء علي الإنسان: عقراً له وحلقا، أي عقر الله جسده وأصابه بوجع في حلقه، واصابه بوجع

في حقله، واصل العقر: ضرب قوائم البعير او الشاة بالسيف ثم اتسع فيه فاستعمل في القتل والهلاك، وهذه المصادر يجب حذف الفعل منها. والسحق بالضم: البعد.

[1008] ويح كلمة تستعمل في الترحم والتوجع والتعجب، والزحزحه، التنحية والتعبيد. والزعزعة: بالتحريك. والرواسي من الجبال: الثوابت الرواسخ. وقواعد البيت: اساسه.

[1009] الطبين: هو بالطاء المهملة والباء الموحدة: الفطن الحاذق.

[1010] في كشف الغمة: «وما الذي نقموا من ابي الحسن». يقال: نقمت علي الرجل كضربت، وقال الكسائي: كعلمت لغة، أي عتبت عليه وكرهت شيئا منه.

[1011] التنكير: الانكار، والتنكير: التغير عن حال يسرك إلي حال تكرهما، والاسم: النكير، وما هنا يحتمل المعنين، والأوّل اظهر أي انكار سيفه فانه عليه السلام كان لا يسل سيفه إلاّ لتغيير المنكرات.

[1012] الوطأة: الأخذة الشديدة والضغطة، وأصل الوطيء: الدوس بالقدم ويطلق علي الغزو والقتل لأنّ من يطأ الشيء فقد استقصي في هلاكه واهانته.

[1013] النكال: العقوبة التي تنكل الناس. والوقعة: صدمة الحرب.

[1014] تنمر فلان: أي تغير وتنكر واوعد، لأنّ النمر لا تلقاه ابداً إلاّ متنكراً غضبان. «في ذات الله»، قال الطيبي: ذات الشيء: نفسه وحقيقته، والمراد ما اضيف إليه، وقال الطبرسي في قوله تعالي:: «واصلحوا ذات بينكم»: كناية عن المنازعة والخصومة، والذات: هي الخلقة والبينة، يقال: فلان في ذاته صالح: أي في خلقته وبينته، يعني اصلحوا نفس كل شيء بينكم، او اصلحوا حال كل نفس بينكم، وقيل: معناه: واصلحوا حقيقة وصلكم، وكذلك معني اللهم اصلح ذات البين: أي اصلح الحال التي بها مجتمع المسلمون. انتهي.

أقول فالمراد بقولها: في ذات الله، أي في الله ولله، بناء علي ان المراد بالذات الحقيقة، او في الامور والاحوال التي تتعلق بالله من دينه وشرعه وغير ذلك كقوله تعالي: «انه عليم بذات الصدور» أي

المضمرات التي في الصدور.

[1015] التكاف، تفاعل من الكف: هو الدفع والصرف، والزمام ككتاب: الخيط الذي يشد في البرة والخشاش ثم يشد في طرفه المقود، وقد يسمي المقود زماماً، ونبذه: أي طرحه. وفي «الصحاح»: «اعتلقه: أي احبه» ولعله هنا بمعني تعلق به وان لم اجد فيم عندنا من كتب اللغة.

[1016] السجح، بضمتين: اللين السهل.

[1017] الكلم: الجرح والخشاش بكسر الخاء المعجمة: ما يجعل في انف البعير من خشب ويشد به الزمام ليكون اسرع لا نقياده.

[1018] تعتعت الرجل: أي اقلقته وازعجته.

[1019] المنهل: المورد، وهو عين ماء ترده الابل في المراعي، وتسمي المنازل التي في المفاوز علي طرق السفار: مناهل، لأنّ فيه ماء، قاله الجوهري، وقال: ماء نمير: أي ناجع، عذبا كان او غيره. وقال الصدوق نقلا عن الحسين بن عبدالله بن سعيد العسكري: النمير: الماء النامي في الجسد (في الحشد _ ظ). وقال الجوهري: «الروي سحابة عظيمة القطر، شديدة الوقع ويقال: شربت شربا روياً» والفضفاض: الواسع، يقال: ثوب فضفاض، وعيش فضفاض، ودرع فضفاضة.

[1020] تطفح: أي تمتليء حتي تفيض. وضفتا النهر بالكسر وقيل: وبالفتح ايضاً: جانباه.

[1021] بطن كعلم: عظم بطنه من الشبع، ومنه الحديث: تغدو خماصاً وتروح بطاناً، والمراد عظم بطنهم من الشرب.

[1022] تحير الماء: أي اجتمع ودار كالمتحير، يرجع اقصاه إلي ادناه، ويقال: تحيرت الأرض بالماء، اذا امتلأت، ولعل الباء بمعني في، أي تحير فيهم الري، او للتعدية، أي صاروا حياري لكثرة الري. والري بالكسر والفتح: ضد العطش. وفي رواية الشيخ: «قد خثر» بالخاء المعجمة والثاء المثلثة: أي اثقلهم، من قولك: اصبح فلا خاثر النفس أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط.

[1023] حلي منه بخير: كرضي: أي اصاب خيراً، وقال الجوهري: «قولهم: لم يحل منها بطائل، أي يستفاد

منها كثير فائدة». والتحلي: التزين، والطائل: الغناء والمزية والسعة والفضل.

[1024] الردع: الكف والدفع. والردعة: الدفعة منه، وفي جميع الروايات سوي معاني: الاخبار: «سورة الساغب» وفيه شررة الساغب»، ولعله من تصحيف النساخ. والشرر: ما يتطاير من النار، ولا يبعد ان يكون من الشره بمعني الحرص، وسورة الشيء بالفتح: حدته وشدته. والسغب: الجوع.

[1025] في رواية ابن ابي الحديد: «ألا هلمن فاسمعن، وما عشتن اراكن الدهر عجبا، إلي أي لجأوا واستندوا، وبأي عروة تمسكوا؟ لبئس المولي ولبئس العشير ولبئس للظالمين بدلا». قال الجوهري: «هلم يا رجل، بفتح الميم: بمعني تعال، يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث، في لغة أهل الحجاز، وأهل نجد يصرفونها فيقولون للاثنين: هلما، وللجمع هلموا، وللمرأة: هلمي، وللنساء هلممن، والأوّل افصح، واذا ادخلت عليه النون الثقيلة قلت: هلمن يا رجل، وللمرأة هلمن بكسر الميم، وفي التثنية هلمان للمؤنث والمذكر جميعا، وهلمن يا رجال بضم الميم، وهلممنان يا نسوة» انتهي، وعلي الروايات الاخر الخطاب عام. وما عشتن: أي اراكن الدهر شيئا عجيبا لا يذهب عجبه وغرابته مدة حياتكن، او يتجدد لكن كل يوم امر عجيب متفرع علي هذا الحادث الغريب.

[1026] الذنابي: بالضم: ذنب الطائر، ومنبت الذنب، والذنابي، في الطاائر اكثر استعمالا من الذنب، وفي الفرس والبعير ونحوهما الذنب اكثر، وفي جناح الطائر اربع ذنابي بعد الخوافي، وفي الفرس والبعير ونحوهما الذنب اكثر، وفي جناح الطائر اربع ذنابي بعد الخوافي وهي مادون الريشات العشر من مقدم الجناح التي تسمي قوادم، والذنابي من الناس: السفلة والاتباع.

[1027] العجز كالعضد: مؤخر الشيء، يؤنث ويذكر، وهو للرجل والمرأة جميعا، والكاهل: الحارك، وهو ما بين الكتفين، وكاهل القوم: عمدتهم في المهمات وعدتم للشدائد والملمات.

[1028] رغما، مثلثة: مصدر رغم انفه أي لصق بالرغام، بالفتح،

وهو التراب، ورغم الانف يستعمل في الدل والعجز عن الانتصار، والانقياد علي كره. والمعاطس جمع معطس بالكسر والفتح وهو الآنف، وقال الجوهري: «شعرت بالشيء أشعر به شعرا أي فطنت له ومنه قولهم: ليت شعري، أي ليتني علمت». واللجا محركة: الملاذ والمعقل كالملجأ، ولجأت إلي فلان اذا استندت إليه واعتضدت به. والسند: ما يستند إليه.

[1029] يونس: 35.

[1030] في بعض نسخ ابن ابي الحديد: «اما لعمر الله» وفي بعضها: «اما لعمر الهكن»، والعمر بالفتح والضم بمعني: العيش الطويل، ولا يستعمل في القسم الا العمر بالفتح، ورفعه بالابتداء، أي لعمر الله قسمي، ومعني عمر الله بقاؤه ودوامه.

[1031] لقحت كعلمت: أي حملت، والفاعل فعلتهم، او فعالهم، او الفتنة، او الازمنة.

[1032] النظرة بفتح النون وكسر الظاء: التأخير، واسم يقوم مقام الانظار، ونظرة اما مرفوع بالخبرية والمبتدأ محذوف كما في قوله: «فنظرة إلي ميسرة» أي فالواجب نظرة ونحو ذلك، واما منصوب بالمصدرية، أي انتظروا «او انظروا» نظرة قليلة، والاخير اظهر كما اختاره الصدوق. وريثما تنتج، أي قدرما تنتج، يقال: نتجت الناقة _ علي مالم يسم فاعله _ تنتج نتاجا وقد نتجها اهلها نتجا _ وانتجت الفرس: اذا حان نتاجها.

[1033] القعب: قدح من خشب يروي الرجل، او قدح ضخم. واحتلاب طلاع القعب: هو ان يمتليء من اللبن حتي يطلع عنه ويسيل. والعبيط: الطري.

[1034] الذعاف كغراب: السم. والمقر بكسر القاف: الصبر، وربما يسكن، وأمقر أي صار مرا.

[1035] غب كل شيء: عاقبته.

[1036] طاب نفس فلان بكذا: أي رضي به من دون ان يكرهه عليه احد، وطابت نفسه عن كذاء أي رضي ببذله، ونفسا، منصوب علي التمييز.

[1037] في كتاب ناظر عين الغريبين: «طأمنته: سكنته فاطمان». والجأش مهموزا: النفس والقلب، أي اجعلوا قلوبكم مطمئنة لنزول الفتنة.

[1038]

الصارم: القاطع. والغشم: الظلم.

[1039] الهرج: الفتنة والاختلاط. وفي رواية ابن ابي الحديد: «وقرح شامل» فالمراد بشمول القرح، اما للافراد او للاعضاء.

[1040] الاستبداد بالشيء: التفرد به.

[1041] الضمير المرفوع في «يدع» راجع إلي الاستبداد. والفيء: الغنيمة والخراج وما حصل المسلمين من اموال الكفار من غير حرب. والزهيد: القليل.

[1042] الحصيد: المحصود، وعلي رواية «زرعكم» كناية عن اخذ اموالهم بغير حق، وعلي رواية «جمعكم» يحتمل ذلك، وان يكون كناية عن قتلهم واستنصالهم.

[1043] أي واني تلحق الهداية بكم.

[1044] عميت عليكم، بالتخفيف: أي خفيف والتبست، وبالتشديد علي صيغة المجهول أي، لبست، وقريء في الآية بهما، والضمائر فيها، قيل: هي مراجعة إلي الرحمة المعبر عن النبوة بها، وقيل إلي البينة وقي المعجزة، او اليقين والبصيرة في امر الله، وفي المقام يحتمل رجوعها إلي رحمة الله الشاملة للامامة والاهتداء إلي الصراط المستقيم بطاعة امام العدل، او إلي الإمامة الحقة، وطاعة من اختاره الله وفرض طاعته، او إلي البصيرة في الدين ونحوها.

[1045] «البحار» 43: 158 _ 159. وقد اخذنا الشرح منه مع حذف الزوايد والمكررات واوردناه كالتعليقة كما فعلنا ذلك بشرح الخطبة الفدكية، وقد اورد هذا الكلام جمع من الافذاذ من الخاصة والعامة وهم:

1 _ ابن ابي الحديد المعتزلي المتوفي 655 في «شرح النهج»: 16: 234.

2 _ ابن ابي طيفور احمد بن طاهر المتوفي 280 في «بلاغات النساء» 19.

3 _ ابن جرير بن رستم الطبري، من اعلام القرن الرابع في «دلائل الإمامة»: 40 _ 41.

4 _ الشيخ الثقة الصدوق ابن بابويه المتوفي 381 في «معاني الأخبار»: 354 _ 355.

5 _ العلامة علي بن عيسي الاربلي قدس سره المتوفي 693 في «كشف الغمة»: 1: 492 _ 494.

6 _ الشيخ الجليل أبو منصور الطبرسي من اعلام

القرن السادس، في «الاحتجاج»: 1: 147 _ 149.

[1046] ذكره ابن ابي الحديد في شرح النهج: 12: 53، والطبري في تأريخه: 5: 31.

[1047] مجمع البحرين: مادة فدك.

[1048] أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: القسم الثالث من الجزء الرابع: 47، عن ربيع الأبرار، للزمخشري.

[1049] شرح ابن ابي الحديد: 16: 214 _ الرعة: بالتخفيف أي الاستماع والاصغاء، القالة: القول، فعالة: اسم الثعلب تحكم غير معروف، شهيده ذنبه: أي لا شاهد له علي ما يدعي إلاّ بعضه وجزء منه، واصله مثل، قالوا: ان الثعلب اراد ان يغري الاسد بالذئب فقال الثعلب: انه قد اكل الشاة التي كنت قد اعددتها لنفسك وكنت حاضرا قال: فمن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه وعليه دم، وكان الاسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته وقتل الذئب.

[1050] نهج البلاغة: قسم الكتب، 45.

[1051] شرح نهج البلاغة: 16: 236.

[1052] فدك: 166 _ 174.

[1053] البحار: 8: 127 _ 128.

[1054] الزهراء عليها السلام: 118 _ 120.

[1055] قال العلامة المجلسي رحمه الله: روي العلامة في كشكوله المنسوب إليه عن المفضل بن عمر قال: قال مولاي جعفر الصادق عليه السلام: لما ولي أبو بكر بن أبي قحافة، قال له عمر: إنّ الناس عبيد هذه الدنيا، لا يريدون غيرها، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس والفيء وفدكا، فإنّ شيعته إذا عملوا ذلك تركوا عليّا، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا وإيثاراً ومحاماة عليها... (البحار: ج 8، ص 104، ص الكمباني).

[1056] المنافقون: 7.

[1057] شرح النهج: 16: 284.

[1058] فاطمة الزهراء من المهد اللحد: 353 _ 359.

[1059] حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي: 1: 25.

[1060] راجع ترجمتها في الطبقات الكبري: 8: 278، والاصابة: 4: 464.

[1061] مستدرك الصحيحين: 3: 127 عن حياة الإمام الحسين للقريشي: 26.

[1062] كامل الزيارات: 56: الكافي:

1: 464 ح 4، اثبات الهداية: 1: 414 ح 13.

[1063] تفسير فرات الكوفي: 171، عنه البحار: 44: 264 ح 22.

[1064] هذه المضامين ملخص احاديث من الكتب التالية: تفسير فرات: 169، ينابيع المودة: 260، مجالس المفيد: 84، عيون اخبار الرضا: 2: 8 ح 12، امالي الصدوق: 25 ح 4، علل الشرائع 1: 179 ح 6، دلائل الامامة: 57، تأويل الايات: 2: 483 ح 12، روضة الواعظين: 179، مناقب ابن شهر آشوب: 3: 107 بشارة المصطفي: 22.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.