رسائل آل طوق القطيفي

هوية الکتاب

المؤلف: الشيخ أحمد آل طوق

المحقق: شركة دار المصطفى (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

الناشر: شركة دار المصطفى (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

المطبعة: شركة دار المصطفى (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1422 ه.ق

الصفحات: 532

المکتبة الإسلامية

رسائل آل طوق القطيفي

المحرّر الرّقمي: محمّد علي ملک محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

رسائل آل طوق القطيفي

مجموعة مؤلفات العلامة المحقق الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق القطيفي

المتوفی بعد سنة 1245 ه

المجلد الأول

تحقيق ونشر

شرکة دار المصطفی صلی الله عليه وآله لإحياء التراث

ص: 3

اسم الکتاب... رسائل آل طوق القطيفي ج1

تأليف... العلامة الشيخ أحمد آل طوق

تحقيق ونشر وتوزيع... شرکة دار المصطفی (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

صف وإخراج... شرکة دار المصطفی (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة... الأولی 1422 ه- 2001 م

يطلب من:

لبنان - بيروت - ص.ب: 24/197 - هاتف

سوريا - دمشق - ص.ب: 733 - السيدة زينب - تلفاکس: 6420085 011

إيران - قم - ص.ب: 37185/3156 - هاتف: 778865 - فاکس: 778855

تحقيق و نشر شرکة دار المصطفی صلی الله عليه وآله لإحياء التراث

بيروت - لبنان - ص.ب: 24/197

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

جميع الحقوق محفوظة لشرکة دار المصطفی (صلی الله عليه وآله) لإحياء التراث

ص: 6

المجلد 1

مقدمة التحقيق

اشارة

ص: 7

ص: 8

مقدّمة التحقيق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

اللهم لك الحمد حمداً يصعد أوّله ولا ينفد آخره ، اللهم لك الحمد حمداً تضع لك السماء كنفيها ، وتسبح لك الأرض ومن عليها ، اللهم ولك الحمد حمداً سرمداً أبداً لا انقطاع له ولا نفاد ، ولك ينبغي وإليك ينتهي .. ولك الحمد ولك الشكر بجميع محامدك كلها على جميع نعمائك كلها حتى ينتهي الحمد إلى ما تحبّ ربنا وترضى (1).

اللهم وصلِّ على أمينك على وحيك ، ونجيبك من خلقك ، وصفيّك من عبادك ، إمام الرحمة ، وقائد الخير ، ومفتاح البركة محمد صلى الله عليه وآله .. وعلى آله الذين جعلتهم ورثة الأنبياء ، وختمت بهم الأوصياء ، وعلّمتهم علم ما كان وما بقي ، وجعلت أفئدة من الناس تهوي إليهم وافعل بنا ما أنت أهله (2).

وبعد :

فإن دارنا دار المصطفى صلى الله عليه وآله لإحياء التراث لما أخذت على عاتقها مهمّة نشر

ص: 9


1- مصباح المتهجّد : 77 ( حجري ).
2- انظر الصحيفة السجاديّة الكاملة : 39 ، 46.

علوم أهل بيت النبوّة ومختلف الملائكة ، ووضعت نفسها في إسار ربقة هذا الطريق ، ولمّا كانت مجموعة رسائل العلّامة الشيخ أحمد آل طوق إحدى حبّات هذا العقد الشريف من علومهم عليهم السلام ، فقد تقرر إحياؤها وإبرازها إلى النور بعد رقدة سبات طويلة. وهذه المجموعة هي كسابقتها الرسائل الأحمديّة إذ إنها عبارة عن كشكول تناول فيه المصنّف أغلب جوانب علوم أهل البيت عليهم السلام ، فهي تتوزع بين مسائل علم الكلام والأُصول والفقه والنحو والتاريخ ، أمّا الرسالة الموسومة ب- ( نزهة الألباب ) فهي أشبه ما تكون بمجموع داخل مجموع ، فقد تنوّع ما تناوله المصنّف فيها بين الأُصول الفروع المذكورة كافّة ، بل زاد عليها بعض المسائل التي تناول فيها جملة من الأُمور الغيبيّة التي لم يسبق إليها أحد سوى الشيخ سليمان صاحب ( أزهار الرياض ) كمسألة حلّيّة الزواج من الجن.

وهذا المجموع يشمل اثنتين وعشرين رسالة هي جزء من رسائله رحمه الله التي تبلغ أكثر من أربعين رسالة ، وقد رتبناه على أربعة أجزاء كالآتي :

المجلد الأوّل : وقد اشتمل على الرسائل التالية :

الرسالة الأُولى : ما يكفي المكلَّف من أدلّة الأُصول الخمسة بالدليل العقلي.

وهي رسالة موجزة في بيان أدلّة الأُصول الخمسة بالدليل العقلي ، كتبت ببيان سهل يمكّن القارئ من فهم معانيها بسهولة ويسر ، على الرغم من أنّها عالجت المواضيع المبحوثة باختصار ومن أغلب جوانبها. وهي مرتّبة على مقدّمة ، وخمسة فصول ، وخاتمة. تناول في المقدّمة فائدتين : الاولى في بيان معنى التوحيد ، والثانية في بيان معنى الإيمان. واشتمل كلّ فصل على أصل من الأُصول الخمسة : التوحيد ، العدل ، النبوّة ، الإمامة ، المعاد. أما الخاتمة : فهي في بيان معنى الشرك بالله والكفر به.

الرسالة الثانية : موجز في أدلّة الأُصول الخمسة.

وقد تناولت مواضيع الرسالة الاولى نفسها ، وكتبت بنفس الأُسلوب ، غير أنّها

ص: 10

أكثر اختصاراً ، حيث لم تشتمل على المقدّمة والخاتمة ، كما أنّها اختزلت المطالب ببيان سهل ومختصر يعطي إجمالاً لأدلّة الأُصول الخمسة.

الرسالة الثالثة : الرجعة.

تبحث هذه الرسالة في رجعة أهل البيت عليهم السلام في آخر الزمان من خلال استعراض الأدلّة على ذلك ، وتناولها المصنّف من طريقين :

الأوّل : دليل الأخبار.

الثاني : دليل الاعتبار.

وفي الأوّل استعراض لحشد كبير من الروايات التي يمكن الاستدلال بها على ذلك ومناقشة مضامينها ، وقد أخذ كلّ ذلك مشفوعاً بالآيات القرآنيّة التي يمكن الاستدلال بها أيضاً على المطلب.

أما الثاني ، فقد استعرض فيه الكثير من الوجوه الاعتبارية التي يمكن أن تكون أدلّة صالحة للاستدلال على رجعتهم عليهم السلام في دولة المهدي عجل الله فرجه الشريف وذلك من خلال محاكمته لكثير من الأُمور بالنقض تارة ، والإبرام اخرى ، واستنتاجات مهمّة تارة ثالثة.

الرسالة الرابعة : في شرح صحيح زرارة المرويّ في الكافي

إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذرّيّته : من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، ومن همّ بحسنة وعملها كتبت له عشراً ، ومن همَّ بسيئة لم تكتب عليه ، ومن همَّ بها وعملها كتبت عليه سيّئة.

وهي جواب لسؤال ورد عليه من جناب الشيخ مبارك ابن الشيخ علي ، وقد تناول في بداية الجواب استعراضاً لكثير من المفاهيم توضيحاً ومناقشة بالآيات القرآنية والأخبار ، ثمّ استعرض في آخر الجواب شرح المازندراني ( ت 1081 ه أو 1086 ه ) لهذه الرواية ، وناقشه في كثير من الموارد من خلال استعراضه لعبارة المازندراني ثمّ مناقشتها.

ص: 11

الرسالة الخامسة : بحث في التيمّم.

وهي بحث استدلالي في بعض صور عدم وجدان الماء ، كما لو لم يسع الوقت للطهارة المائية بأقلّ الواجب مع وجود الماء ، فهل فرضه التيمّم حينئذٍ ويأتي بالعبادة أداءً ، أو يستعمل الماء ويقضي؟

الرسالة السادسة : مختصر الرسالة الصلاتية للشيخ محمّد بن عبد علي آل عبد الجبّار.

عمل هذه الرسالة بإشارة من أُستاذه مؤلّف الرسالة الصلاتيّة ، حيث طلب منه الاقتصار على الواجبات ، فامتثل خير امتثال ، غير متعرّض فيها لما يخالفه من الأقوال ، كما لم يذكر فيها ما يذهب هو إليه من آراء مخالفة ، مقتصراً فيها على عبارته ما أمكن ، ومعبّراً عن معناها بأخصر من لفظه في أحيان اخرى.

الرسالة السابعة : تحديد أوّل النهار.

وهي بحث استدلالي في بيان أوّل النهار بالمعنى الحقيقي لغةً وشرعاً ، فالأشهر الأظهر عند المصنّف أنّ أوّله طلوع قرص الشمس على الأُفق الحسّي كما عليه الأكثر ، مستدلّاً على ذلك بضروبٍ من الدلالة بلغت خمساً وأربعين ضرباً. وقد ذكر في الثالث والثلاثين منها بحثاً تفصيليّاً في القواعد والعلامات التي تُعرف بها ساعات الليل والنهار.

الرسالة الثامنة : الجهر والإخفات بالقراءة في الصلاة.

وهي بحث استدلالي في موارد الجهر بقراءة الحمد والسورة وتحديد مواردهما ، كما تطرق فيه إلى حكم الأذكار في الصلاة من حيث الجهر والإخفات أيضاً.

المجلد الثاني : وقد اشتمل على الرسائل التالية :

الرسالة التاسعة : روح النسيم في أحكام التسليم.

وهي بحث استدلالي في حكم التسليم الواقع في الصلاة. ويقع في ثلاثة مقامات :

ص: 12

المقام الأوّل : في بيان وجوبه وندبيّته. واستعرض فيه الأقوال بالوجوب والندب مناقشاً لكلٍّ منها ، ومرجّحاً لما يراه راجحاً منها.

المقام الثاني : في بيان الاختلاف حول التسليم ، هل هو جزء أو خارج؟

المقام الثالث : في بيان الصيغة المُخرِجة من التسليم من الصلاة.

وفي ختام الرسالة تنبيهات عدّة اشتملت على فوائد مهمّة.

الرسالة العاشرة : في بيان حدِّ الركعة التي مَنْ أدركها أدرك الوقت.

وهي بحث استدلالي استعرض فيه أربعة أقوال في تعيين حدِّ الركعة المشار إليها ، مرجّحاً أنّ حدّها هو رفع الرأس وانفصال الجبهة من محلّ السجود بعد السجدة الثانية ، وبه يتحقّق كمال الركعة. مشفعا ذلك بالأدلّة ، ومناقشاً الآراء نقضاً وإبراماً.

الرسالة الحادية عشرة : في أحكام العمرة.

وهي بحث استدلالي في موضوع العمرة ، رتّبها على فصول ومسائل تناول فيها أحكام العمرة ومواقيتها وواجباتها بشي ء من التفصيل ، وناقش فيها الروايات متناً وسنداً ، وعارض آراء فقهاء الطائفة ورجّح بعضها على بعض ؛ مستنداً في ذلك إلى أدلة من القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، ودليل العقل.

الرسالة الثانية عشرة : مسألة في الرضاع.

وهي جواب لسؤال ورد عليه من جناب الشيخ محمّد ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ إبراهيم الدرازي يسأله فيه : هل يحلّ للأب الرضاعي نكاح مطلّقة ابنه الرضاعي؟ واشتمل السؤال والجواب عنه على بيان وجه الحرمة ومناقشة بعض الآراء في ذلك.

الرسالة الثالثة عشرة : في عدّة المطلّقة الحرّة.

بحث استدلالي في مسألة ما لو كانت المطلّقة الحرّة الحائل لا تحيض إلّا في أكثر من ثلاثة أشهر مرّة وطُلّقت وقد بقي من طهرها شهر مثلاً ، فما عدّتها؟

ص: 13

الرسالة الرابعة عشرة : بحث في الحبوة.

وهي جواب لسؤال ورد عليه من بعض علماء البحرين ، مفاده القول بتمشية الحبوة إلى ولد الولد بالنسبة إلى جدّه وذلك بعد أن يكون على الشرائط المعتبرة في استحقاق الولد للصلب لها وجوباً أو استحباباً ومجّاناً أو محتسبة. وقد بيّن في السؤال الأدلّة المفروضة لقول القائل. فردّ عليه المصنّف بالجواب مناقشاً إياه في جميع ما فرضه في السؤال.

الرسالة الخامسة عشرة : صحّة العبادات مع قصد نيل الثواب أو الخلاص من العقاب.

وهي بحث استدلالي في اختلاف الأصحاب في صحّة العبادات بقصد نيل الثواب أو الخلاص من العقاب ، بمعنى أنّها يسقط بها القضاء وينال بها الثواب والجزاء ، ويقصد الامتثال بها فيسقط العقاب ، أم لا؟ ذهب المصنّف الى أنّ الأشهر في ظاهر الحال هو الصحّة.

الرسالة السادسة عشرة : بحث في الواجب الكفائي.

وهي بحث استدلالي في تعريف الواجب الكفائي وكثير من التفريعات المتعلّقة به. وفي آخر الرسالة تنبيهات اشتملت على فوائد مهمّة.

الرسالة السابعة عشرة : أجوبة مسائل.

اشتملت هذه الرسالة على أجوبة لعدّة مسائل وردت عليه من السيّد حسين ابن السيّد أحمد البحراني :

الأُولى : ما الوجه في جعل المسجد الأقصى غاية الإسراء؟

الثانية : ما النكتة والسرّ في اختصاص مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام بلفظ أمير المؤمنين دون من سواه من المعصومين عليهم السلام؟

الثالثة : ما معنى ما في دعاء السجّاد عليه السلام في يوم عرفة قَوْلُكَ حُكْمٌ ، وَقَضَاؤُكَ حَتْمٌ ، وَإرَادَتُكَ عَزْمٌ.

ص: 14

الرابعة : حكم البهيمة المذكّاة إذا وطئت.

الخامسة : في وجوب صلاة الآيات على مَنْ لم تقع الآية في بلده.

السادسة : حول رؤية المعصوم عليه السلام في المنام وكونهم لا يشبهون أحداً.

السابعة : في معنى ( ما ) التعجبيّة الواردة في أدعيتهم عليهم السلام.

المجلد الثالث : وقد اشتمل على الرسالة التالية :

الرسالة الثامنة عشرة : نزهة الألباب ونزل الأحباب.

وهي رسالة اشتملت على الكثير من فنون العلم والمعرفة ؛ ففيها تجد المسألة الأُصولية ، والفقهية والكلامية والنحوية والمنطقية وغيرها ، فهي بحق كشكول ممتع.

المجلد الرابع : وقد اشتمل على الرسائل التالية :

الرسالة التاسعة عشرة : مواليد النبيّ صلى الله عليه وآله وآله عليهم السلام.

اشتملت الرسالة على مقدّمة وأربعة عشر فصلاً ، تكفّل كلّ فصل بتاريخ ولادة ووفاة أحد المعصومين عليهم السلام ، عدا القائم عج فاقتصر فيه على ذكر ولادته عليه السلام لأنّه حيّ يرزق ، عجل الله تعالى فرجه الشريف وسهّل مخرجه ، وجعلنا من أنصاره.

الرسالة العشرون : إعراب : صلى الله عليه وآله.

اشتملت هذه الرسالة وهي أوّل ما نطق يراعه في ميدان الكلام على حدّ تعبيره على عرض آراء النحاة حول عطف الضمير على الظاهر ، وهل أن ذلك يسوغ بدون تكرار العاطف أم لا يجوز ، وقد قابل آراء أُولئك النحاة وناقشها وخلص إلى نتيجة دعّمها بالأحاديث الشريفة ، ومفادها جواز ذلك من غير تكرار العاطف.

الرسالة الحادية والعشرون : إعراب وآله من صيغة صلى الله عليه وآله.

وهي كسابقتها ، غير أنها أخصر قليلاً.

الرسالة الثانية والعشرون : حرمة أُم وأُخت وبنت الملاط به على اللائط.

وهي رسالة موجزة في بيان ثبوت الحرمة في النكاح على اللائط من أُم وأُخت وابنة الملاط به ، وقد عثرنا عليها بعد إتمامنا إخراج هذا الكتاب.

ص: 15

المصنّف في سطور

بعد أن ألقينا نظرة خاطفة على رسائل هذا المجموع كان لا بدّ من تسليط الضوء على بعض جوانب حياة كاتبها وإن كانت المصادر قد أهملت التعرض لذلك ، غير أنه لا يترك الميسور بالمعسور.

هو العالم الفاضل الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح بن سالم آل طوق القطيفيّ.

لم تسعفنا مصادر ترجمته بسنة ولادته ولا سنة وفاته سوى أنه كان حيّاً عام ( 1245 ه / 1829 م ) ، كما لم تتطرّق لشي ء من تفاصيل حياته وجزئياتها.

قال عنه الشيخ محمد علي العصفوري في تاريخه : ( الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح آل طوق القطيفي .. تلمذ لجدي العلّامة الشيخ حسين ).

تلمذ لجماعة من العلماء أبرزهم الشيخ أحمد بن محسن بن منصور آل عمران ، والشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، وله منه إجازة رواية.

له من المؤلّفات ما يقارب الأربعين مصنّفاً أو أكثر ، منها غير ما ذكرناه في هذا المجموع : ( نعمة المنّان في إثبات وجود صاحب الزمان ) ، ( جامعة الشتات في أحكام المواريث والأموات ) ، ( نزهة الأحباب ) ، وهي غير ( نزهة الألباب ونزل الأحباب ) المذكورة ضمن هذا المجموع ، ( شرح الحديث الشريف من عرف نفسه فقد عرف ربّه ) ، مناسك الحج.

وذكره الشيخ الآقا بزرگ الطهراني في طبقاته بقوله : ( هو الشيخ أحمد بن صالح ابن سالم بن طوق القطيفي ، عالم جليل من مصنّفي عصره ).

وقال : ( ورأيت بعض تملّكاته بخطه ذكر فيه نسبه كما مرّ ، بينما لم يذكر مترجموه جدّه سالماً بل ذكروا أنه ابن صالح بن طوق. وتاريخ هذا التملك قبل ( 1245 ه ) ؛ لأنه (1) كان في هذا التاريخ ملكاً للشيخ محمد علي العريضي .. وملك ( خلاصة الأذكار ) ، و ( تلخيص الشافي ) ، و ( بصائر الدرجات ) ، و ( الدروس ) .. ).

ص: 16


1- كذا في المصدر ، دون إشارة إلى مرجع الضمير.

وذكر أن له ( المسائل العويصة ) ، وهي مسائل بعث بها إلى الشيخ أحمد الأحسائي مذكورة في موضعين من ( جوامع الكلم ) : جاء في الموضع الأول : ( أرسل إليّ الشيخ الأرشد الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق القطيفي مسائل .. ) ، وفي الموضع الثاني : ( قد وردت إلىّ مسائل جليلة بمباحث جميلة من الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح بن طوق تدلّ على كثرة خُبره ، ودقّة فكره .. ) (1).

والده ؛ :

كان والده ؛ عالماً فاضلاً مؤمناً صالحاً. وكان من المعاصرين للعلّامة الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي ، وله إليه مسائل مذكورة في جوامع الكلم أيضاً ، حيث جاء فيه : ( قد بعث إليّ الأكرم المسدد الشيخ صالح بن طوق أصلح الله أحواله ، وبلّغه آماله .. ) (2)

أولاده :

له من الأولاد الشيخ ضيف الله ، وهو من العلماء الأخيار. وهو صاحب شرح على رسالة والده في الأُصول الخمسة المطبوعة ضمن هذا المجموع ، وكان قد جمع فتاوى السيد كاظم الرشتي في الطهارة والصلاة بأمره. توفي في العراق.

منهج التحقيق

إن منهجنا في تحقيق هذا المجموع يتمركز حول محورين.

أجمع وتحصيل النسخ الخطّيّة وكانت المرحلة الأُولى هي البحث والتنقيب عن رسائل الشيخ آل طوق ، فهي مبعثرة بين القطيف ومكتبة السيد المرعشي ومناطق اخرى. وقد لاقينا بعض

ص: 17


1- انظر ترجمته في : أنوار البدرين : 281 / 24 ، طبقات أعلام الشيعة ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) : 92 - 93 ، أعيان الشيعة 2 : 607 - 608 ، معجم المؤلفين 1 : 251 ، مجلة الموسم : العدد ( 9 - 10 ) لسنة ( 1991 / 1411 ه ) ، وانظر جوامع الكلم : 1140 ، 155 ( حجري ).
2- انظر جوامع الكلم 2 : 237 - 239.

الصعوبة في العثور على هذا الجزء منها واستحصاله ، سيّما الموجود منها خارج إيران. وقد بقيت رسائل أُخر دون أن نعثر عليها حالياً فاكتفينا بنشر هذا المقدار منها. أما المرحلة الثانية فكانت فرز هذه الرسائل ، وتعيين عناوينها ، وإثبات نسبتها لمصنفها. وأمّا المرحلة الثالثة ، فكانت تعيين السقوطات وأماكن عدم الوضوح فيها ومحاولة معالجة ذلك بتصويرها ثانية وإلّا فبالاستظهارات المناسبة للسياق. وقد اعتمدنا في تحقيقنا لمجموعة رسائل الشيخ أحمد آل طوق رحمه الله على عدّة رسائل ومجموع خطّي.

أما المجموع فهو من مكتبة آية الله المرعشي برقم (2358) ، ويحتوي على (320) ورقة مختلفة السطور ، 21 × 5. 15 سم. ويتميّز بتعدد نوع الخطّ وتفاوته بين الوضوح وعدمه.

وأمّا ما يحويه من رسائل ، فهي : روح النسيم « ا پ 43 ر » ، شرح حديث من همّ بحسنة .. « 45 پ 57 پ » ، الواجب الكفائي « 58 پ 72 پ » ، قصد الثواب والعقاب في العبادة « 73 پ 90 پ » وهي إحدى نسختي المخطوط وقد رمزنا لهذه النسخة ب- « م » ، إدراك ركعة في الوقت ، وهي نسختان : الاولى « 92 پ 98 پ » ، من نسْخ يوسف بن مسعود الجشّي ، وقد رمزنا لها ب- « ش » ، والثانية « 166 پ 175 پ » من نسْخ زرع بن محمد علي بن حسين الخطّي ، وقد رمزنا لها ب- « ز » ، تحديد أوّل النهار « 99 پ 141 ر » وهي إحدى نسختي المخطوط ، وقد رمزنا لها ب- « » ، أجوبة مسائل الشيخ الدرازي « 145 پ 146 پ » ، تيمم من منعه الزحام عن الخروج « 146 پ 149 ر » ، إعراب صلى الله عليه وآله « 150 پ 157 پ » ، إعراب آله من صلى الله عليه وآله « 158 پ 163 پ » ، الرجعة « 176 پ 208 پ » ، أجوبة مسائل السيد حسين « 210 پ 217 ر » ، جواب مسألة عن الحبوة « 218 پ 225 ب » عدة المطلقة التي لا تحيض إلّا في أكثر من ثلاثة أشهر مرّة « 226 پ 235 ر » ، وجوب الإخفات في غير الأُوليين « 236 پ 248 ر » ، أحكام العمرة « 252 پ 320 پ ».

ص: 18

وأما الرسائل المتفرّقة فهي :

1 - رسالة ما يكفي المكلّف من أدلّة الأُصول الخمسة ، وتقع في (41) صفحة ، كل صفحة منها ب- (18) سطراً ، وهي من نسخ صالح بن طعّان بن ناصر المركوباني ، تاريخ نسخها سنة (1259) ه- ، جيدة الخط.

2 - رسالة موجز في أُصول الدين ، وتقع في (7) صفحات ، كل صفحة منها ب- (20) سطراً ، نسخت عام (1243) ه- ، مجهولة الناسخ ، وجيدة الخط.

3 - قصد الثواب والعقاب في العبادة ، وهي النسخة الأُخرى لهذه الرسالة ، مصوّرتها من القطيف ، من نسخ ناصر بن علي بن ناصر ، وقد رمزنا لها ب- « ن » وتقع ب- (21) ورقة كل صفحة منها ب- (19) سطراً لكل صفحة. تاريخ تأليفها (1243) ه- ، وتاريخ نسخها السنة عينها. وهي نسخة جيّدة الخط.

4 - رسالة تحديد أوّل النهار وهي نسختان كما أشرنا والنسخة الثانية مصوّرتها من القطيف ، وقد رمزنا لها ب- « ق » ، وتقع في (46) ورقة ، كل صفحة منها ب- (19) سطراً. مزيدة ببعض التصحيحات والتعليقات في هوامشها.

5 - مختصر الرسالة الصلاتيّة ، مصدرها القطيف ، وتقع في (101) ورقة ، مختلفة السطور.

6 - نزهة الألباب ونزل الأحباب ( الجزء الأوّل ) منها فقط ، مصدرها القطيف ، وتقع في (178) ورقة ، كل صفحة منها ب- (17) سطراً ، وهي نسخة جيّدة الخط.

7 - رسالة مواليد المعصومين الأربعة عشر ، وتقع في (71) صفحة مختلفة السطور ، مزيدة بتصحيحات وتعليقات في هوامشها.

8 - رسالة في حرمة أُم وأُخت وبنت الملاط به على اللائط ، وهي فصل منقول من رسالة ( نزهة الألباب نزل الأحباب ) ، والظاهر أنها من الجزء الثاني من هذه الرسالة ، وهو الجزء المفقود حالياً. وتقع في (4) صفحات ، كل صفحات منها ب- (19) سطراً.

ص: 19

ب - عملنا في المخطوطات :

لقد تحدّد عملنا أوّلاً في جمع هذه الرسائل كما أشرنا ، ثمّ تأليفها وتبويبها وفق ما ستخرج به إلى النور.

أمّا ثانياً ، فهي مرحلة مباشرة تحقيق هذه المخطوطات ، وقد مرّت بالمراحل التالية.

1 - الصف والإخراج الكامبيوتري.

2 - مقابلة المطبوع على المخطوط ثم المطبوع على المطبوع.

3 - تخريج الآيات والروايات والآراء العلمية.

4 - تقويم النص ، وقد اتبعنا فيه المنهج التالي :

أوّلاً : بعض مخطوطات المجموع لها نسختان ؛ فكانت الخطوة الاولى تعيين النسخة المعتمدة ، وإثبات ما في المتن وفقها والإشارة إلى اختلافات النسخة الثانية في الهامش بعبارة : في « .. » : ( كذا ). وفي حال كون ما في النسخة المعتمدة سقطاً أو غير مقروء يثبت ما في النسخة الثانية في المتن مع الإشارة إليه في الهامش على أنه من هذه النسخة. هذا في موارد غير الاختلاف فيهما.

ثانياً : في موارد الاختلاف كان لا بدّ من تعيين الراجح من المرجوح لإثباته في المتن لأنه الأوفق ، وهي مهمة فيها نوع من الصعوبة ؛ إذ إن انتقاء ما يناسب ذوق المصنف رحمه الله باعتبار أن أحدهما قطعاً ليس مراده إلّا في النادر ليس أمراً سهلاً ، بل هو يعتمد على متابعة دقيقة لُاسلوبه واستخداماته اللغوية والعلميّة. وقد تكون المهمّة أصعب فيما إذ لم يكن في البين مرجّح لأحد الاختلافين على الآخر.

ثالثاً : هنالك بعض السقوطات اقتضى السياق استظهارها ووضعها داخل معقوفتين ، لكن لم نُشر إليها في الهامش ، بل اكتفينا بالإشارة إليها في المقدّمة.

رابعاً : الإضافات التي ازيدت على المتن من مصادر التحقيق وأغلبها لتصحيح ألفاظ الحديث الشريف بين خطّين مائلين ، ولم يشر لها في الهامش أيضاً. في حين أن التغييرات التي أُجريت على المتن وفق المصدر بقيت بين معقوفتين ، وقد

ص: 20

أُشير إليها في الهامش.

خامساً : الكلمات غير الواضحة أو غير المقروءة ، وكنّا نستظهر بعضها ووضعها داخل معقوفين [ ] ونشير إليه في الهامش ، أو نتركها دون استظهار ، ونستعيض عنها بمعقوفتين فارغتين مع الإشارة إليها في الهامش أيضاً.

سادساً : بعض الموارد التي يمكن قراءتها لكن فيها لبس أو عدم وضوح في معناها كنا نتركها كما هي مع الإشارة إليها في الهامش بعبارة : ( كذا في المخطوط ).

سابعاً : تخريج المفردات اللغويّة الميّتة أو النادرة الاستخدام ؛ تسهيلاً للقارئ ، وحلّاً لغموض النصّ وإبهامه.

ثامناً : حل الرموز الواردة في الكتاب سواء تلك التي أُشير بها إلى أسماء المؤلّفين أو أسماء المؤلَّفات ، وقد اعتمدنا في ذلك على كتاب معجم الرموز والإشارات تأليف الشيخ محمد رضا المامقاني.

وضع فهارس عامّة للكتاب تيسيراً على القارئ المتتبّع ، وتشمل :

1 - فهرس الآيات الكريمة.

2 - فهرس الأحاديث والروايات الشريفة.

3 - فهرس الأعلام.

4 - فهرس الأديان والفرق والمذاهب والطوائف.

5 - فهرس الأماكن.

6 - مصادر التحقيق.

والمتابعة النهائيّة.

وأخيراً نسأله تعالى أن يأخذ بأيدينا لخدمة هذا الدين الحنيف والمذهب العظيم عبر إحياء تراث علمائه الأعلام.

شركة دار المصطفى (صلی الله عليه وآله) لإحياءالتراث

مصطفى آل مرهون

ضياء آل سنبل

ص: 21

الصورة

ص: 22

الصورة

ص: 23

الصورة

ص: 24

الصورة

ص: 25

الصورة

ص: 26

الصورة

ص: 27

الصورة

ص: 28

الصورة

ص: 29

الصورة

ص: 30

الرسالة الأولى : ما يكفي المكلّف من أدلّة الاُصول الخمسة بالدليل العقلي

اشارة

ص: 31

ص: 32

مقدّمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رَبِّ العالمين ، وصلّى الله بأفضل صلواته وبارك بأفضل بركاته وسلم بأزكى تسليماته على خير من اصطفى لرسالاته محمدٍ : وآله القائمين مقامه الأعلى.

وبعد : فيقول أقلّ الورى عملاً وأكثرهم زللاً أحمد بن صالح بن سالم : هذه رسالة موجزة في بيان ما يكفي المكلّف من أدلّة الأُصول الخمسة بالدليل العقلي ، وإلّا فهي أكثر من أن تُحصى إلّا لله وخاصّته [ الآخذين (1) ] عنه علومهم ، ورتّبتها على : مقدّمة ، وخمسة فصول ، وخاتمة.

ص: 33


1- في المخطوط : ( الماخذين ).

ص: 34

المقدمة

اشارة

[ وهي ] مشتملة على فائدتين :

الاولى : في معنى التوحيد

اعلم أن معنى التوحيد أن تعتقد وحدانيّة الله تعالى في ذاته ، بأنه ليس كمثله شي ء ، وفي صفاته الذاتية التي وَصَف بها نفسه على لسان رسله بأنها عين ذاته العليّة ، بمعنى أن ليس ذاته شيئاً وعلمه مثلاً أو سمعه أو بصره شيئاً آخر مستقلا بمعنًى ، حتّى إنه تعلم ذاته أو تسمع أو تبصر بعلم أو بصر أو سمع هو غيرها ، فالذات شي ء والعلم شي ء آخر. فهو تعالى وتقدّس ذات لها علم متّصف به مثلاً كما في المخلوق ، بل عين ذاته عين علمه ، وحقيقة علمه هو ذاته ، فهو يعلم ويبصر ويسمع بذاته المقدّسة عن وصف الجاهلين ؛ إذ لو لم يكن الأمر كذلك للزم أن تكون ذاته المقدّسة في نفسها خالية من العلم مثلاً ، وإنما العلم صفة مغايرة لها ، فيلزم تعطيل الذات وخلوّها في حقيقتها عن صفات الكمال ، وإنما كملت بشي ء آخر.

وللزمه أيضاً تركّب الواحد بكلّ اعتبار ووحدة حقيقته من ذات وصفة هي العلم مثلاً ، والتركيب يفتقر إلى مركّب ، ويستلزم المِثل. وتعالى القيّوم الغنيّ بذاته عمّن سواه أن يفتقر إلى خلقه المفتقر إليه بذاته ، أو يشبهه خلقه ؛ إذ ما سواه خلقه.

وإنما وصف نفسه بصفاتٍ ، وسمّى نفسه بأسماء وعرّفنا إيّاها لندعوه بها ، ودلّنا

ص: 35

على أنها صفات كمال ، وهو منبع كلّ كمالٍ وخير وأولى به ، فإنه واهبه ، ومعطي الخير أولى بالخير والفضل ، فوصفناه بها كما عَلّمنا.

وفي أفعاله بأن تعلم [ أن ] كلّ كمالٍ وجمالٍ وخيرٍ فمنه بدأ ، وهو مفيضه وواهبه لمن يشاء ، فلا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلّا هو سبحانه وتعالى ، ولا يُعبَدُ إلّا هو ، ولا يحلّ عبادة غيره بوجه ، ولا طاعة غيره أيضاً.

نعم ، له عباد طاعتُهم طاعتُه ومعصيتُهم معصيتُه وأمرهم عين أمره وقدرتهم بقدرته ، فمن لجأ إليهم أو استغاث بهم أو أطاعهم فقد عبد الله ؛ لأنهم خلفاؤه ونوّابه ، وأنه هو واهب القدرة على كلّ خير ومعجزة وكرامة لأوليائه وصفوته ورسله. فكلّ ما في الخلق من جمالٍ وكمالٍ وخيرٍ فهو واهبه تعالى ، فإن ما سواه خلقه ، فليس لرسولٍ أو وليّ أو ملكٍ قدرة ولا كمال إلّا وهو واهبه له. فدعوة الرسل والأولياء والاستغاثة بهم إذا كانت لاعتقاد أنهم نوّاب الله وخلفاؤه وأبوابه [ التي (1) ] لا يؤتى إلّا منها ، ولأنهم ألبسهم الله حلّة عزّه وقدرته ، وأقدرهم على كلّ ما يريدون بإرادته ، وأن كلّ ما يصدر عنهم من المعاجز وغيرها فهو بقدرة الله تعالى ، كان هو التوحيد الخالص الحقّ.

فلا تغترّ بقول الجاهلين الذين يظنون أنهم ينالون ما عند الله بلا واسطة خلفائه الذين اختارهم وجعلهم ملاذاً ومفزعاً لخلقه ، ودلّ الخلق عليهم وهداهم إليهم بما ألبسهم من لباس عزّته وقدرته ، وجعلهم يقدرون بقدرته على كلّ شي ء ، وظهرت منهم المعجزات بإذنه وقدرته.

كيف ظنّك بمن قدرته قدرة الله ويده يد الله ، كما أن أمرَه أمرُ الله ونهيَهُ نهيُهُ؟

الفائدة الثانية : في معنى الإيمان

اعلم أن معنى الإيمان هو أن تعلم بالدليل وحدانيّة الله تعالى كما تقدّم ويأتي

ص: 36


1- في المخطوط : ( الذي ).

إن شاء الله المتفضّل وعدله ، ووجوب بعثة الرسل ، وتعرف الرسول الذي أنت مكلّف باتّباعه والعمل بشريعته ، وتعرف مَن خلفاؤه وإمام زمانك منهم ، وتعرف وجوب عصمة الرسل والأئمّة عليهم السلام ، وأن بعثة الرسل ونصب الإمام واختياره من الله لا من الخلق ، وأن كلّ ما جاء به الرسل من عند الله ، وأخبروا به من أُمور الدنيا والآخرة حقّ ، وأن البعث بعد الموت حقّ ، والجنّة والنار حقّ.

وبالجملة ، العلم بالأُصول الخمسة بالدليل ولو على سبيل الإجمال ، وهو رُتَب ودرَجٌ متفاضلة على قدر العلم والعمل.

واعلم أن الفرق بين الإسلام والإيمان كالفرق بين الروح والجسد ، فالأيمان روح والإسلام جَسَد ، وكالفرق بين القلب والجسد وبين الكعبة والمسجد ، فكلّ مؤمن مسلم ، ولا عكس ، كما أن مَن دخل الكعبة والقلب دخل المسجد والجسد ، وليس كلّ مَن دخل المسجد أو الجسد دخل الكعبة أو القلب.

ص: 37

ص: 38

الفصل الأول : في التوحيد

اشارة

اعلم أن مَن له أوّل درجة من العقل إذا فكّر فيما علمه بالضرورة الفطريّة أو الحسيّة في أنه كان بعد أن لم يكن ووُجِدَ بعد العدم ، وكذلك أبوه وجدّه ، وأنه لم يخلق نفسه ، وإلّا لم يرضَ لنفسه بالعدم في حال ؛ لأن العدم خسيس دني ء ، والوجود شريف رفيع ، ولا خلقه مَن هو مثله ؛ إذ لا مرجّح لأحد المثلين المتساويين على الآخر حتّى يكون أحدهما خالقاً والآخر مخلوقاً ؛ لأن الخالق أشرف من المخلوق ، وشرف المخلوق إنما يكون من الخالق ، لأن الصنعة تعلو وتزكو على قدر علوّ صانعها وشرفه ، علم بذلك أن له صانعاً لا يشبهه بوجهٍ أصلاً.

وأيضاً إذا فكّر ونظر إلى تعاقب الضدّين على الشي ء الواحد كالطلوع والغروب على الكوكب ، وتنقّل مثل الشمس والقمر في البروج ، وكونهما قد يُخسَفان في بعض الأحيان ، وكون القمر تارة بدراً كاملاً وأُخرى هلالاً ، أو مختفياً لا يُرى ، وكون بعض الكواكب أنور من بعض ، وكون النباتات كلّها تارة بذراً وتارة حشيشاً مثلاً ، وتارة ثمرة مُرّة وتارة ثمرة حلوة كالرطب ، وتارة ييبس ويعود هشيماً وحطباً ، علم بذلك أنها لم توجِد نفسها ولم تُدبّر حالها ، وإلّا لما اختارت الحالة الذميمة الوضيعة على الحالة الشريفة الرفيعة ، ولا خَلَقها مَن هو مثلها لما مرّ.

ص: 39

فلو فكّر في تصوّر الإنسان وتنقّله من الماء المهين إلى أن يكون إنساناً [ يحاول (1) ] بعقله علم ما في باطن السماوات وتخوم الأرضين ، مع عجزه في كلّ أحواله عن جلب رزقه وما يصلحه ويزينه ، وعن دفع المهلكات عن نفسه ، لعلم أن له صانعاً لا يشبهه شي ء ولا يعجزه شي ء ، غنيّ عمّن سواه بذاته ، حكيم عليم.

وبالجملة ، فطر العقول مقرّة بالضرورة أن كلّ أثر وصنع وخلقٍ لا بدّ له من مؤثّر وصانع وخالق لا يشبهه.

في كونه تعالى غير مصنوع

فإذا علمت أن لهذا الخلق خالقاً موجوداً لوجود الصنع واستمراره ودوامه ، عرفت أن لهذا الخلق صانعاً غير مصنوع ؛ إذ كلّ مصنوع يفتقر إلى صانع ؛ فإمّا أن يكون في الوجود صانع غير مصنوع ، أو لا يوجد مصنوع ، وقد وجد مصنوع ، ومتى وجد مصنوع لزم وجود صانع غير مصنوع.

في كونه تعالى واحداً

فاعلم أن صانع هذا الخلق واحد حقيقيّ ، بمعنى أنه لا يشبهه شي ء ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ ) (2) ؛ إذ لو كان له شبهٌ لم يتميّز الخالق من المخلوق ، ومن المحال أن يكون أحد المتماثلين خالقاً والآخر مخلوقاً ؛ إذ لا يُعرف الخالق. مع أن حقيقة الخالقيّة ومعناها مباينة لمعنى المخلوقيّة وحقيقتها ، لأن الخالقيّة فعل وإفاضة ، والمخلوقيّة انفعال وقبول استفاضة ، فمحال أن يكونا مثلين.

وأيضاً لو كان له تعالى شبه لاحتاج كلّ منهما إلى ما يميّزه من الآخر ؛ إذ من المحال أن يكون اثنان لا يتميّز أحدهما [ من (3) ] الآخر ، ولمّا كانا اثنين متشابهين والمميّز لكلّ منهما عن شبهه حاكماً على كلّ منهما بأنه هو ، وأنه غير الآخر ، ومبيّناً

ص: 40


1- في المخطوط : ( يحاوله ).
2- الشورى : 11.
3- في المخطوط : ( عن ).

لكلّ منهما ومظهراً له عن الآخر ، وما يحكم عليه شي ء أو يظهره ويبيّنه غيره ليس بصانع غير مصنوع ، ولا غنيّ بذاته ، ولا واحد من كلّ وجه ، بل له جهة يشبهه بها غيرُه ، وجهة يمتاز بها عن المثل ، فيكون مركّباً لا واحداً ، وبمعنى أنه ليس له جزء يغاير جزءاً ، فليس ذو الأجزاء بواحدٍ.

وأيضاً يفتقر كلّ من الأجزاء إلى ما يميّزه عن الآخر. وهكذا ، فيكون مميّزات لا تحصى ، فلا يُعرف الخالق من غيره.

وأيضاً يفتقر حينئذٍ إلى ما يلائم ويركّب كلّاً من الجزأين مع الآخر ، والفقير محكوم عليه ، فليس هو صانعاً غير مصنوع ، ولا واحداً حقيقيّا.

ولا تتوهّم أن وحدة الواجب تعالى عدديّة ، بمعنى أنه واحد ، أي واحد بالعدد ، فإن جميع الأعداد ملك له ، فلا يكون هو أحدها.

وأيضاً لو كان وحدته بمعنى العدد لكان له شبهٌ ؛ إذ الواحد بالعدد كثير فيه استخدام (1) ، فتفطّن. وقد عرفت بالدليل أنه منزّه عن الشبه ، فإذا عرفت هذا علمت أنه تعالى ليس له شريك ؛ إذ المشاركة تقتضي المشابهة والمماثلة.

وأيضاً لو كان له شريك ؛ فإمّا أن يكون كلّ منهما قادراً على العلم والإحاطة بحقيقة الآخر وعلى قهره ومنعه عمّا يريد ، [ أو (2) ] لا. فعلى كلا الوجهين يكون كلّ منهما مقهوراً عاجزاً عن دفع النقص والغلبة له والعجز عن نفسه ، فليس بواجب الوجود ولا قاهرٍ غير مقهور. وإن كان أحدهما قادراً على ذلك دون الآخر فهو واجب الوجود بلا شريك ولا مثل ، دون الآخر ، لعجزه.

وأيضاً لو كان له شريك لكان له مثل ، وقد عرفت استحالته.

وأيضاً المشاركة تقتضي مشتركاً فيه وإلّا فلا شريك. والمشترك فيه ؛ إمّا أن يكون حقيقة الذات [ أو (3) ] صفاتها الذاتيّة ، وهذا يرجع إلى المشابهة المنفيّة بالدليل ، أو إلى

ص: 41


1- كذا في المخطوط.
2- في المخطوط : ( أم ).
3- في المخطوط : ( و ).

كون ما فرض اثنين واحداً من كلّ وجه ، وهو بخلاف المفروض.

وإمّا في الخلق ، وهذا يقتضي أيضاً المشابهة في الذات ؛ لأن كلّاً منهما حينئذٍ خالق ، فتتماثل حقيقتهما ، وهو محال. وفي الصفة كما هو ظاهر ؛ لأن كلّاً منهما متّصف بالخالقيّة ، وتقتضي أن يمتاز خلق كلّ منهما عن الآخر ورسله وآياته ، فإن العاجز عن تمييز خلقه لا يكون واجب الوجود ولا واحداً في كلّ وجه ، بل يكون مركّباً من جهة عجز وجهة قدرة ، وقد عرفت أنه محال ، بل فيه جزء عدميّ حينئذٍ ، ومحال أن يكون في الواجب تعالى عدم ؛ لأنه نقص وتركيب وتشبيه ، والكلّ محال.

وأيضاً نظرنا في هذا الخلق فوجدناه مرتبطاً بعضه على بعض ، فهو كالشي ء الواحد الذي له أجزاء ، فعلمنا أنه صنع واحد ، ولم نجد صنعاً آخر ولا خلقاً يباين هذا ، فعلمنا أنه سبحانه ليس له شريك ولا شبه.

وأيضاً لمّا علمنا أن النواة تكون شجرة وتُنتَج من الشجرة ، والنطفة تكون إنساناً والإنسان يُنتج (1) النطفة ، والنبات يكون تراباً ، وبالعكس ، علمنا (2) أنها مدبّرة لعليم حكيم قاهر حيّ واحد ، وأن ليس لطبائع الأشياء في تدبيرها وتكوينها مدخل ، بل هي مدبّرة على وجه لا أتقن ولا أضبط منه ، وأنه ليس له مثل في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله ، ولا شريك ، فهو الواحد وحده.

في كونه تعالى حيّاً

إذا عرفت هذا عرفت أن الصانع لما سواه لا بدّ أن يكون حيّاً ، لأنه خالق الحياة ومحيي الموتى ، كما هو مشاهد في الحيوان والنبات وغيرهما ، ولا يمكن أن تصدر الحياة عن الميّت ؛ لأنه عدم والحياة وجود ، ولا يصدر الوجود من العدم ، ولأن الحياة والوجود ضد الموت والعدم ، ولا يمكن صدور الضدّ من الضدّ ؛ إذ لا يصدر الظلمة من محض النور ولا العكس. فثبت أيضاً أنه ليس لله تعالى ضدّ ، لأنه لو كان له ضدّ

ص: 42


1- في المخطوط بعدها : ( من ).
2- في المخطوط : ( وعلمنا ).

لكان من خلقه ؛ لما ثبت من نفي الشريك والشبه عنه تعالى ، ومحال أن يضادّ المخلوق خالقه ، وإلّا لما كان خالقه.

وأيضاً المضادّة ممانعة ومغالبة ومقاومة ، ومحال أن يكون لواجب الوجود تعالى ممانع أو مغالب أو مقاوم ؛ لأن ذلك يقتضي عجزه وعدم عموم قدرته ، وهذا ينافي وحدته الحقيقية ، لأنه يقتضي أن يكون فيه جهة قدرة وجهة عجز ، وكلّ متجزّئ مركّب مخلوق ، وأنه تعالى عالم بكلّ شي ء ، لأن ما سواه خلقه ، ومن المحال أن يخلق ما لا يعلم ؛ إذ كلّ صانع يعلم صنعته قبل أن يصنعها ، وإلّا لما صنعها ؛ إذ محال أن يصنع ما لا يعلمه ، فهو عالم بصنعه قبل أن يصنعه وحال صنعه وبعد صنعه.

وأنه تعالى قادر على ما يريد ؛ إذ من المحال أن يخلق ما لا يقدر عليه ، فمن عجز عن صنعة لم تصدر عنه بالضرورة ، فكلّ ما سواه في قبضته وتحت قهره.

وأنه تعالى غنيّ عمّا سواه ، وكلّ ما سواه مفتقر إليه. أمّا الأوّل فلأنه لو افتقر إلى غيره لكان ناقصاً ، وكان الغير أكمل وأغنى منه ولو في جهة ، وكان له تعالى شبه ، لأن المفتقر إلى غيره كثير ، وكان مفتقراً إلى خلقه ، ومحال أن يفتقر الخالق إلى المخلوق ، لأن ما سواه خلقه ، وكان مركّباً من جهة فقر وجهة غنى ، وكلّ مركّب مفتقر إلى من يركّبه ، فكلّ مركّب مخلوق.

وأمّا أن كلّ ما سواه مفتقر إليه فلأنّ كلّ ما سواه خلقه وكلّ مخلوق مفتقر إلى خالقه ؛ إذ لو استغنى المخلوق عن الخالق لأشبهه في الغنى والله لا يشبهه شي ء ، والخلق محال أن يشبه الخالق ، وإلّا لما كان فعلاً له وخلقاً ، ولا كان الخالق خالقاً وفاعلاً. وعرفت أنه تعالى حكيم لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، لأنه تعالى عالم بالأصلح وقادر عليه وغنيّ عن الظلم.

ولأنا لو فكّرنا في أنفسنا وفي جميع المخلوقات لوجدنا تدبير الصنع والخلق من ابتدائه إلى انتهائه متّسقاً ، منتظماً ، محكماً ، متقناً ، مرتبطاً بعضه ببعض. وبيان بعض حكم خلق الإنسان أو غيره يطلب من كلام أهل العصمة عليهم السلام ، فإن هذه الرسالة لا تسعة.

ص: 43

إذا عرفت أنه تعالى واحد لا شريك له ولا شبه ، وأنه تعالى غنيّ بذاته عمّن سواه ، عالم بكلّ شي ء قادر على كلّ مقدور حكيم ، عرفت أنه تعالى خلق الخلق باختياره ، فليس هو تعالى بمضطرّ إلى فعله وخلقه ولا مجبور ، ولا أن فعله بالطبع ، بل طبق حكمته ، لأنه موصوف بكلّ كمالٍ ، لأنه مفيض كلّ خير وواهبه ، فهو أولى به ؛ لأن من لا يعرف الكتابة لا يقدر أن يعلّمها غيره.

ونحن علمنا من أنفسنا أنا نفعل أفعالنا باختيارٍ منّا ، ونعلم أن ليس صدور أفعالنا منّا ، كفعل القدوم في يد النجار يجبره على القطع والنجر ، ولا كفعل النار في إحراقها ، والماء في ترطيبه ما يلاقيه ، فإن ذلك فعل بالقسر والطبع. ونعلم أن الفعل الاختياري أفضل وأشرف من القسري والطبيعي ، فوجب أن نعلم أن فعل العالِم بكلّ شي ء القادر على كلّ شي ء ليس كقطع المنشار ، ولا كإحراق النار ، فإن كلّاً منهما يفعل فعله بغير علم به ولا شعور ، ولا إرادة له ولا مشيئة ، فإنه نقص يجب أن ينزّه عنه البارئ تعالى.

وأيضاً ذلك يقتضي أن يكون في خلقه من يجبره على فعله أو يركّب فيه طبيعةً تقتضي الفعل ؛ إذ ليس في الوجود إلّا الله وخلقه ؛ إذ لا يمكن أن يكون شي ء ليس بخالق ولا مخلوق ، لأنه إذا كان واجب الوجود لا بدّ أن يكون خالقاً ، وإلّا كان مخلوقاً.

وأيضاً فعل القدوم والنار لا يوصف بأنه كرمٌ وجُودٌ ، وفعل الله لا بدّ وأن يكون كرماً وجُوداً ، وإلّا لم يكن جواداً فيتّصف بالنقص ، تعالى.

وأيضاً خلق الاختيار للإنسان فلا بدّ أن يوصف به ، وإلّا لم يكن خالقه ؛ إذ لا يجود الشي ء إلّا بما يقدر عليه.

ص: 44

الفصل الثاني : في العدل

اعلم أنك إذا عرفت هذا كلّه عرفت أنه يجب تنزيهه تعالى عن كلّ نقصٍ ، فإن الواحد بالمعنى الذي عرفت ، العليم بكلّ شي ء ، القادر على كلّ شي ء ، الحكيم الذي لا يشبهه شي ء ، لا يمكن أن يلحقه نقص بوجهٍ أصلاً ، خصوصاً الظلم ، فإن الناقص عاجز عن تكميل نفسه ، وإلّا لما رضي لنفسه بالنقص.

وأيضاً الظلم لا يفعله إلّا مَن إذا أراد شيئاً عجز عنه إلّا بطريق الظلم ؛ إذ من البيّن أن القادر على تحصيل مطلوبه بغير الظلم لا يرتكبه ؛ لدناءته وخسّته فلا يرضاه لنفسه مع قدرته على غيره ، فالعليم الحكيم القادر لا يفعل الظلم.

وأيضاً الظلم والنقص [ يقتضيان (1) ] أن المتّصف [ بهما (2) ] مركّب من جهة شرّ ومن جهة خير ، ويقتضي أن يكون له مثل لوجود الناقص الظالم ، ومن أقبح الظلم وأشدّه أن يجبر عبده على فعل شي ء ثمّ يعذّبه على فعله ؛ لأن ذلك ينافي حكمته وعلمه وقدرته وعدله. فلو أن أحداً قطع بسكّين شيئاً ثمّ كسرها لأجل أنها قطعته بغير شعورها ورضاها ، بل بفعله هو بها ، عدّه العقلاء جاهلاً أحمقَ عاجزاً ظالماً ؛ فثبت أنه تعالى لا يجبر العبد على فعل المعصية ولا يخلقها فيه ثمّ يعذّبه عليها ؛ لأنه

ص: 45


1- في المخطوط : ( يقتضي ).
2- في المخطوط : ( به ).

ظلم وجهل ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

ولكنّه تعالى لمّا كان جواداً حكيماً غنيّاً بذاته ، منّ على خلقه بأن أوجدهم من العدم وأخرجهم إلى الوجود من غير حاجةٍ منه لهم ، ولكن ليعرفوه ويوحّدوه ويعبدوه لينالوا منه ، وليتفضّل عليهم بالبقاء الدائم والوجود الذي لا يفنى ، والخير الذي لا ينقطع ، وهذا لا يمكن إدراكه إلّا بمعرفته تعالى وعبادته ، لأنه لا يمكن أن يكون في الدنيا ، لأنها ذائبة مضمحلّةٌ أبداً ، ومرجعها إلى الفناء والانقطاع ، كما هو مشاهد من حالها.

فخلقَ سبحانه وتعالى بني آدم مختارين ، بمعنى أن لهم القدرة على الفعل والترك والطاعة والمعصية ، كما يشاهده الإنسان في غيره ويحسّ به ويدركه من نفسه. ولو لم يكونوا كذلك لما تحقّقت منهم الطاعة والمعصية ، وتميّزت كلّ منهما عن الأُخرى ؛ فإنك تعلم بالضرورة أن السكّين والمنشار إذا قطع بهما شي ء لا يصحّ نسبة الطاعة لهما ولا المعصية ، فإنهما مجبوران على القطع.

وكذلك لو وقف إنسان على آخر بسيف وهو جبّار متسلّط وألزمه بأكل شي ء أو يقتله ، فإن المضطرّ المجبور لا تصحّ نسبة الطاعة إليه ، وكذا لو ألقيت شيئاً في النار فأحرقته [ فإنها ] لم تعدّ طائعة ، ولو لم تحرقه لم ينسب لها أحد من العقلاء المعصية ؛ لأن إحراقها بالطبع لا بالشعور والقصد ، والطاعة والمعصية إنما تتحقّق ممّن له شعور وقصد إلى ما يفعله من غير جبر ولا إلجاء إذا كان قادراً على فعله وتركه واختار هو أحد الأمرين بنفسه وإرادته.

ص: 46

الفصل الثالث : في النبوّة

الغرض من بعثة الأنبياء

اعلم [ أنه ] لمّا خلق الله تعالى البشر كذلك ، وقد أخرجهم من بطون أُمّهاتهم لا يعلمون شيئاً ولا يدرون ماذا يريد منهم خالقهم ، ولا ما يقرّبهم لرضاه أو يبعدهم منه ، ولم يخلقهم لهذه الدنيا ، لأنها فانية منقطعة ، ولا يناسب جناب القدّوس والرحمة ، الحكيم القادر العليم أن يخلق خلقه ليبقوا مدّة يسيرة ثمّ يفنوا ، خصوصاً (1) هذه الدار ، أعني : دار النكد والبليّات والمحن والآفات.

فإذن إنما خلقهم للبقاء الدائم والراحة الأبديّة وليدوم جوده (2) وفضله ونعمه عليهم. وهذا لا يمكن كونه في الدنيا لفنائها وانقطاعها.

فثبت أن لله داراً غير هذه ، هي التي لا تزول ولا تفنى ، ولكنّها لا تدرك ولا يوصل إليها إلّا بالعلم بالله وصفاته وأفعاله ، وبأعمال مخصوصة ، والناس لا يعلمونها ، فوجب بمقتضى عدله وحكمته ورحمته أن يبعث لهم رسلاً مبشّرين ومُنذِرين يهدونهم لما يقرّبهم من رضوان الله ، يعرّفونهم ما يوجب سخط الله والبعد من رحمته.

ص: 47


1- في المخطوط بعدها : ( و ).
2- في المخطوط : ( وجوده ).

وهذه هداية النجدين ، أي الطريقين ؛ إذ لو لم يفعل بهم ذلك لكانوا يعملون ما يبعّدهم من رحمته تعالى وهم لا يشعرون ، بل لا يتحقّق منهم طاعة ولا معصية قبل التكليف والبيان ؛ إذ لا يصف عاقل مَن فعل فعلاً لم يؤمر بفعله ويبيّن له بأنه مطيع ، ولا مَن تركه بأنه عاصٍ ؛ لأن الطاعة والمعصية إنما هي بفعل المأمور به أو عدم فعله.

فإذن لا بدّ من بعثة رسول هادٍ ومعلّم لما يريد الله من عباده ، ممّا يقرّبهم إلى مرضاته وينالون به السعادة الأبديّة التي خُلِقوا ليمنّ الله عليهم بها ، وما يبعّدهم عن ذلك ويوجب لهم الشقاوة الأبديّة ، وناراً لا ينقطع عذابها أُعدّت للعاصين.

وأيضاً لمّا خلق الله البشر محتاجاً إلى معاون له في تحصيل معاشه الذي به يتمكّن من عبادة ربّه من حين يولد إلى حين يموت ، لأنه لا يعيش إلّا بالأغذية والأدوية والأشربة والملبس والمسكن والمنكح وغير ذلك ، وتحصيل ذلك لا يتمكّن منه واحد وحده ، فالناس مضطرّون إلى معاملة بعضهم بعضاً ومشاركة بعضهم بعضاً في تحصيل ذلك ، ولجهلهم لا يعرف كلّ واحد ما يخصّه وما لا يملكه ، فافتقروا إلى مَن يرشدهم لهداية الله إلى ما يحتاجون من ذلك ، ويحكم لهم وعليهم.

وأيضاً فما خلق الله بحكمته في الأرض من المعادن والنبات والحيوان ممّا فيه ضرر بالعقل أو بالبدن ، وقد [ .. (1) ] ما هو متمّ ومزكّ لهما والناس لا يعرفونه ، فلا بدّ من مرشد هادٍ إلى ذلك ، يحلّل ويحرّم ، حاكم مطاع.

وأيضاً النفوس طُبعت على حبّ الرئاسة والقهر والغلبة ، وعلى حبّ الاختصاص والانفراد بالمال وكلّ ما تهواه وتشتهيه ، فكلّ واحدٍ يجهد في تحصيل ما يمكنه [ الحصول ] عليه من الدنيا ، وهذا يقتضي التشاجر والتحارب والتخاصم. فافتقروا إلى مَن يحكم لهم وعليهم ويقهرهم ويردّ الظالم عن المظلوم ، ويأخذ للمجنيّ عليه بحقّه بهداية الله.

ص: 48


1- كلمة غير مقروءة.

وبيان حاجة الناس إلى الرسل لا تُحصى وجوهها ، فلو لم يبعث الله الرسل لخربت الدنيا في ساعة ، بل لم تعمّر ولا ساعة ، فلمّا كان الأمر كذلك وجب في حكمة الله تعالى أن يبعث الرسل حكّاماً على اممهم يُعلّمون الناس كلّ خير ورشاد من أُمور الدنيا والآخرة ، ويحذرونهم [ من (1) ] كلّ فساد ومهلك من أُمور الدنيا والآخرة.

اشتراط العصمة في النبيّ

ويجب أن يكون الرسول أكمل أُمّته وأشرفهم عقلاً وحسباً ونسباً ، وفي كلّ صفةٍ في كلّ حالاته ، فلا يجوز أن يكون في أُمّته مَن هو أشرف منه في صفة من الصفات ، أو حالة من الحالات ؛ لأن الله سبحانه وتعالى عليم حكيم قادر عدل ، كما عرفت. وتحكيم الناقص ولو بوجه واختياره للرسالة ولخلافة الله العامّة العظمى لا يكون إلّا لجهل بالأشرف وعدم علم به ، أو لعدم القدرة على اختيار الأشرف وإرساله ، أو لجهل المرسِل والمختار له بوضع الأشياء في غير مواضعها فليس بحكيم ، والله تعالى منزّه عن ذلك.

وأيضاً من المعلوم أن الأشرف أولى من غيره ، فاختيار غيره للرسالة ظلم ، والله سبحانه وتعالى عدل لا يجور.

وأيضاً الله تعالى قادر على أن يجعل رسله كذلك ، فإرساله ناقصاً ولو بوجه ينافي قدرته وحكمته وعلمه وعدله.

صفات النبيّ

ويجب أن يكون الرسول كامل العقل من حين الولادة ، لا يجري عليه ما يجري على سائر الأطفال من أُمور الجهل ونقص العقل ، وإلّا لاحتاج إلى معلّم بشري ،

ص: 49


1- في المخطوط : ( عن ).

فيكون حاكماً عليه ويكون أشرف منه ، مع أنه هو الحاكم على الكلّ وأشرفهم مطلقاً ؛ لأن حكومته عليهم وشرفه بذاته التي اصطفاها الله كذلك.

ولا بدّ أن يكون له قدرة على تلقّي الوحي ومشاهدة الملائكة ، وعلى إيصال معانيه إلى رعيته في جميع ما يحتاجون إليه ؛ إذ لا يطيق كلّ البشر مشاهدة الملائكة ولا سماع الوحي ؛ إذ لو شاهدوهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم. وكذا إذا تمّ الأجل ظهر ملك الموت ، فتزهق النفس شوقاً في السعيد وجزعاً في الشقي ، فيموت.

فوجب أن يكون الرسول له قوّة على ذلك ، ووجب أن يكون معصوماً من حين يولد إلى أن يموت وينتقل إلى دار الجزاء من جميع الذنوب صغائرها وكبائرها ، وعن جميع الرذائل ومذامّ الأخلاق والصفات القبيحة ، وعن كلّ ما ينافي المروءة وينافي كونه أشرف رعيته ولو بوجهٍ ؛ إذ لو لم يكن كذلك لساوى أُمّته في ذواتهم وفطرهم وطبائعهم وأخلاقهم ، فلا يستحقّ هو دونهم لأن يختاره العليم القادر الحكيم العدل للرسالة ، ويجعله حاكماً على غيره ، لأن ذلك ينافي اتّصاف الرسل بما ذكر.

وأيضاً لو لم تجده الرعية كذلك سقطت هيبته من قلوبهم ، فلم يقبلوا منه الأمر والنهي ولم يثقوا بخبره عن الله تعالى.

وأيضاً هو لا يصدّق حتّى تظهر منه المعاجز ، ولا تظهر المعاجز إلّا ممّن صفا وخلص من كلّ كدر في جميع حالاته ، ومَن لم يكن كذلك من حين الولادة فهو كدر مظلم القلب ، والرسالة نور لا يشرق إلّا في قلب صافٍ كمال الصفاء. انظر إلى نور السراج فإنك إذا وضعته في جسم كدر غليظ لم يظهر نوره ، بل يكتمه ويحجبه كالحجر والصفر والحديد وأشباهها ؛ [ إذ ] لو جعلتها مجوّفةً وأشعلت في باطنها سراجاً لم يظهر نوره وعدّك العقلاء أحمق ، بخلاف الجسم الصافي من الكدر والظلمة كالبلّور فإنه يستنير بالسراج ويضي ء لما حوله.

ص: 50

وأيضاً لو لم يكن كذلك لاحتمل عليه الكذب ، وتعالى الله أن يوجب على الخلق طاعة مَن يمكن منه الكذب عليه ، و [ من ] يحكم [ بأن من (1) ] أطاعه أطاع الله. وكلّ من أمكن منه الكذب أمكن منه جميع المعاصي.

وأيضاً المعاصي ظلم ورذائل ، وتعالى الله عن أن يصطفي لرسالته مَن يصدر عنه نوع من الظلم في حين من الأحيان ؛ لمنافاة ذلك لكمال عدله وحكمته وعلمه وقدرته.

وأيضاً فالرسول مستودع سرّ الله تعالى وأمينه على وحيه وخليفته في خلقه ونائبه ووليّه على شرائعه وعلى هداية الخلق إليه ، ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة الله تعالى حقيقة ، ومعصيته معصية الله حقيقة ، والأخذ منه وطلب الهداية منه أخذ من الله وطلب من الله حقيقة ، فإنه باب الله الذي فتحه برحمته لعباده ، وسبيله الذي لا يصل إليه غيره إلّا منه ، لضعفهم عن أن ينالوا ما عند الله بأنفسهم من غير واسطة ، كما ينال الرسول ما عنده بواسطة نفسه ، وإلّا لكانوا مثله فلم يحتاجوا إليه ، فيكون إرساله عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

فإذا عرفت أنه باب الله الذي اختاره برحمته وفتحه لعباده لعلمه بأنه لا أكمل منه فيهم ، وأنه هو أهل ذلك ، فلا ينالون ما عنده إلّا بواسطته ، وأن أمرَه أمرُ الله ، ونهيه نهيه ، وطاعته طاعة الله ، ومعصيته معصيته ، ومحبّته محبّته ، وبغضه بغضه ، وأنه أمين الله وخليفته ومستودع سرّه ومهبط وحيه ، فاعرف من ذلك أن الاستغاثة [ به ] وطلب كشف الضرّ وتفريج الكرب [ منه ] طلب من الله تعالى واستغاثة بالله ، وأن دعوته دعوة الله ؛ لأن طلب حاجة من حاجات الدنيا ليس بأعظم من الهداية إلى سبل رضوان الله ، وقد ائتمنه الله على ذلك ، فكيف بحوائج الدنيا الخسيسة الدنية؟

ولا فرق في ذلك بين كونه حيّاً أو بعد وفاته ، فإن الذي ألبسه ثوب عزّه وقدرته ، وأظهر المعاجز على يده قبل كمال إبلاغ الرسالة لا يجوز عليه أن يسلبه ذلك العزّ

ص: 51


1- في المخطوط : ( بمن ).

والشرف بعد أن يبلّغ رسالاته ويكابد المحن والأذى في تبليغها وهداية الخلق ؛ لأن ذلك ظلم ، بل يستحقّ المزيد من الله تعالى ويضاعِف [ له ] الكرامة. وليس بمستنكرٍ من قدرة الله تعالى الذي ألبسه ثوب قدرته ، وأقدره على ذلك وعلى الإتيان بالمعاجز العظام في حياته الدنيويّة أن يقدره على مثلها وهو عنده حيّ يرزق ، فإن الله ربّ الدنيا والآخرة ، وقد أقدر نبيّه على تناول ثمار الجنّة وهو في الدنيا (1) ، فلا عجب أن يقدره على إصلاح أمر من أُمور الدنيا بعد موته ، فإن الموت يقرّبه إلى كرامة الله لا يبعده ، وليس هو بإعدام له ، بل هو حيّ عند الله يرزق.

وقد كان يطّلع على ما أطلعه الله عليه من المغيّبات من أُمور الدنيا والآخرة ، وجعله مجاب الدعوة ؛ لأنه لا ينطق عن الهوى بحال أبداً ، وإنما ينطق بأمر الله ، ويمسك بأمر الله ، ولا يشاء إلّا ما يشاء الله ، فهو يدور في جميع حركاته وسكناته على طبق حكمة الله وإرادته ، ولذا تارة يُشجّ رأسُه ويجوع فيصبر ، وتارة يهب الأُلوف وتهابه الأُلوف ، لأنه أشجع أهل زمانه وأكرمهم ، لأن الشجاعة والكرم من المكارم ، وهو أشرفهم في كلّ مكرمة فهو أشجعهم وأكرمهم.

ولا يدلّ صبره على الجراح في الحرب وعلى الجوع على عجزه عن كشف ذلك عن نفسه ومَن يحبّ ؛ إذ لو استلزم ذلك للزم نسبة العجز إلى قدرة الله ؛ لأن الله تعالى يعلم بما ينزل على أوليائه من أعدائه. ولا يقتضي عدم كشفه ودفعه أحياناً عدم قدرته ، بل لأن ذلك على قدر حكمته ومقتضاها ، والعباد لا يفعلون إلّا ما يؤمرون به منه ، فهو دليل على كمال شرفهم. ولو كان صبرهم يقتضي عجزهم لاقتضى أنهم ليسوا مجابي الدعوة على كلّ حال ، والبرهان دلّ على أنهم مجابو الدعوة على كلّ حال ، فصبرهم على الشدائد مع أنهم مجابو الدعوة دليل على أنهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

وبالجملة أنه لمّا ثبت أن الله تعالى عليمٌ حكيمٌ قادرٌ ، ثبت أنه لا يختار لرسالته

ص: 52


1- انظر بحار الأنوار 43 : 4 - 6 / 2 - 6.

ولا يحمّلها إلّا مَن جعله كذلك ، وأنه نائبه وخليفته ونوره ، والحكيم بحكمة الله ، العالم بتعليم الله ، القادر بقدرة الله ، لا يخفى عليه شي ء من أُمور رعيّته وممّا استخلفه الله فيه ، وإلّا لم يكن مستخلفاً فيه ، ولا يعجز عن إصلاحهم في الدنيا وبعد الموت ، ولا يهمّ بالمعصية في حال أبداً ؛ لما يَعلم من شدّة خبثها وسوء عاقبتها ، وأنها تباعد من الله.

وأيضاً إذا كان لا تصدر عنه معصية في حال ، فإن الله لا يأمر إلّا بالعدل والإحسان. وأيضاً هو خليفة الله في جميع حالاته ، ولا يمكن أن يكون العاصي حال عصيانه خليفة الله ، ولا يمكن أن تصدر المعصية من خليفة الله في حال من أحواله. وأدلّة عصمة الرسل ممّا لا تحصى.

هذا ، وهم في أنفسهم قادرون على عمل الطاعة وتركها ، وعلى عمل المعصية وتركها ، فإنهم بشر ، وكلّ بشر قادر على ذلك تتحقّق منه الطاعة والمعصية ، فإن الذي لا يقدر على ترك ما يؤمر به لا يعدّ مطيعاً لو صدر منه ، كالحجر المُلقى من أعلى ، فإنه لا يقدر على الامتناع عن النزول ، فلا يعدّ مطيعاً ، والذي لا يقدر على الامتناع عمّا ينهى عنه لا يعدّ عاصياً كما هو ظاهر ، فلا تظنّ أن المعصوم مسلوب القدرة على ترك الطاعة وعلى فعل المعصية ؛ إذ لو كان كذلك لما كان له فخر وشرف يعلو به على سائر البشر ، فإن القدوم لا يوصف بالعصمة ولا يستحقّ جزاءً إذا قطع به النجّار ، ولا يعدّ له شرفاً.

وأيضاً سائر البشر يجد من نفسه القدرة على ذلك ، فكيف يكون رؤساء البشر لا يقدرون على ذلك ، وإلّا لكانوا أنقص من سائر البشر من تلك الجهة ، وهم سادات البشر من كلّ جهة ، فافهم ذلك.

ص: 53

ص: 54

الفصل الرابع : في الإمامة

اشارة

إذا عرفت شدّة حاجة الخلق إلى الرسل المتّصفين بالعصمة بجميع محاسن الأخلاق ، والمنزّهين عن النقائص البشريّة وجميع مذامّ الأخلاق والصفات ، وأنهم يجب أن يكونوا بشراً من بني آدم ، لأن سائر البشر لا يستطيع معاينة الملائكة ولا سماع الوحي منهم ، ولأن المعلّم إذا كان من نوع المتعلّم ، والحاكم من نوع الرعية ، كان أمكن لهم في التعلّم منه وفهم مقاصده وقبول أمره ونهيه وأكمل [ للحجّة ] (1) عليهم ؛ حيث لا يستوحشون منه ولا يرهبونه ولا تنفر طبائعهم منه ومن خطابه ورؤيته ، لأنه من جنس خطابهم وهو من نوعهم ، فهم إن قبلوا منه كان قبولهم عن محض الاختيار الذي يدور عليه استحقاق الثواب والعقاب ، وإن أبوا كان محض اختيارهم أيضاً وخالص رضاهم في الأمرين ، فتكمل الحجّة لله.

وإذا كان بشراً جرت عليه أحكام البشريّة العامّة من مثل الصحّة والسقم والحياة والموت ، واستحقّ بأعماله الثواب الذي لا يمكن أن يكون في الدنيا لفنائها وكونها دار الكسب والعمل دون الجزاء ، فلا بدّ أن يموت ، فإذا مات وجب في حكمة الله ومقتضى جوده وقدرته ورحمته أن يقيم لعباده مَن يسدّ مسدّه في كلّ شي ء ، لأنه لا

ص: 55


1- في المخطوط : ( الحجّة ).

يجوز خلوّ زمانٍ من خليفة لله يقوم بحججه ، ويرشد الناس إلى ما يريده الله منهم ممّا يوجب السعادة الأبديّة ، ويحذّرهم عمّا يوجب الشقاوة الأبديّة ، وهو الحاكم الذي يقوم به عمارة الدنيا وتحصيل الآخرة. ولولاه لخربت الدنيا في أقلّ من ساعة ، بل لم تقم أصلاً كما عرفت ؛ إذ هو باب الله الذي لا يؤتى إلّا منه ، فلو عدم لانسدّ باب الجود والهداية ؛ لعدم تمكّن الخلق من قبولها ومعرفتها بدونه كما بيّنا لك.

فإذن يجب بمقتضى جُود الله ورحمته وعدله وحكمته أن يكون شخص معصوم في كلّ زمانٍ ؛ إذ ليس أهل زمانٍ أولى بوجوده في زمانهم من غيرهم ، لأنه المرجع الذي يحكم لهم بالحقّ في أمر الدين والدنيا ، ويُبطل الباطل ويُصَحّح الصحيح ، فلولاه لم يرتفع التشاجر والخلاف ، ولم يُعرف الحقّ من الباطل ؛ فإن كلّ واحد يقول : الحقّ معي ويلزم غيري موافقتي ، والميزان الذي توزن به الأفعال والأقوال هو المعصوم الذي لا ينطق إلّا عن الله وبأمره.

ولمّا وصلت النوبة إلى نبيّنا محمد : صلى الله عليه وآله واقتضت حكمة الله أن يكون خاتم الرسل وأنه لا نبيّ بعده ، وجب في الحكمة أن يختار الله له خليفة بعلمه كما اختاره هو من خلقه وجعله محلّ رسالته ، ولا بدّ أن يكون خليفته صفوة الخلق بعد الرسول : صلى الله عليه وآله وأشرفهم من كلّ وجهٍ ، كما أن الرسول : صلى الله عليه وآله كذلك.

ولمّا لم يجز في الحكمة أن يكون الرسول على قدر ما يختارونه البشر ويرضونه ، بل الله أعلم حيث يجعل رسالته ، كذلك لا يجوز ولا يمكن أن يكون خليفته باختيارهم ؛ لأن خليفة الرسول يجب أن يسدّ مسدّه من كلّ وجهٍ ، ولا يمكن أن يسدّ مسدّه في كلّ وجهٍ إلّا إذا كان معصوماً مثله ، مؤيّداً من الله ، مُسدّداً بإلهام الله ، عالماً بجميع ما يحتاج له الخلق ، ولا يجوز عليه الكذب بوجه ، ولا مذامّ الأخلاق ، لأنه خليفة الله ونائبه وبابه وسبيله الذي لا يؤتى إلّا منه. ومحال أن يعرف البشر مَن هو كذلك حتّى يقيموه إماماً ، وإلّا لأمكنهم أن يعرفوا مَن هو أهل للرسالة فيختاروه رسولاً.

ص: 56

وأيضاً الإمام كالرسول واجب الطاعة من الله ، لأن نهيه وأمره أمر الله ونهيه ، فلو رجع تعيينه إلى البشر لكان الأمر محالاً ، حيث إن كلّ قوم ، بل كلّ واحد يختار غير ما يختار الآخر ، فيقع التخاصم ويفسد النظام.

وأيضاً ذلك يقتضي أن يكون حكم الله واستخلافه والنيابة عنه دائرة مدار شهوة الخلق ، وهذا لا يكون إلّا لضعف القدرة ، أو عدم العلم بمن هو أهل لذلك ، أو عدم الحكمة ، تعالى الله عن ذلك.

وأيضاً لو دار أمر الإمامة على اختيار البشر لجاز أن يقع اختيارهم على منافق ؛ إمّا زنديق ، أو يهوديّ في باطنه ، أو غير ذلك ؛ لعدم علمهم ببواطن الخلق ، فيقتضي أن يكون خليفة الله ورسوله كافراً ، وأن الله تعالى يوجب على المؤمنين طاعة ذلك الكافر ، ما هذا يرضى به عاقل ، لأنه تلاعب يقتضي الكفر بنعمة الله ، وأنه ليس كمثله شي ء.

أدلّة عصمة الإمام

والأدلّة على وجوب عصمة الإمام لا تحصى ، فكلّ دليل يدلّ على وجوب عصمة الرسول دلّ على وجوب عصمة خليفته ، وإلّا لم يكن خليفته ولا خليفة الله ، بل خليفة الناس ، فيجب أن يكون الإمام باختيار الله وأمره كالرسول. ولا يكفي بعد الرسول صلى الله عليه وآله وجود القرآن والسنّة بدون وجود المعصوم الذي يبيّنه عن أمر الله كما أراد الله ؛ إذ لا يعلم ما أراد الله إلّا الله أو مَن يعلّمه الله.

فلا بدّ من وجود معصوم لا يخطئ ولا يسهو ولا يكذب حتّى يبيّن للناس ما أراد الله في كلّ زمان ، فلو استغنى العباد عمّن يبيّن الكتاب كذلك لاستغنوا عن الرسل بالكتاب ، والله تعالى قادر على أن ينزّل كتاباً في قرطاس بدون رسول بشرٍ ، فكلّ شي ء يحتاج الناس للرسول فيه فحاجتهم له في كلّ زمانٍ ؛ إذ لا فرق بين أهل الأزمان ؛ فإمّا أن يوجد الرسول ، أو مَن هو مثله وهو خليفته ؛ إذ لولا ذلك لاستغنى الناس عن الخليفة الذي يبيّن لهم الكتاب إذا اختلفوا فيه ، ولو استغنوا عن الخليفة لاستغنوا عن الرسول.

ص: 57

فإذا عرفت هذا فاعلم أنا لم نجد بعد الرسول : صلى الله عليه وآله من اتّفقت الأُمّة على عظم شأنه وجلالة قدره وغزارة علمه واتّصافه بجميع مكارم الأخلاق ، ولم ينقل عنه مَثلَبة ولا منقصة ولا ذنب لا في حال طفولته ولا غيرها ، وعلى شدّة حبّ النبيّ : صلى الله عليه وآله وعلى أمره باتّباعه ، إلّا عليّاً : وفاطمة : والحسن : والحسين : وعلي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : ومحمّد بن علي الباقر : وجعفر بن محمّد الصادق : وموسى بن جعفر الكاظم : وعلي بن موسى الرضا : ومحمّد بن علي الجواد : وعلي بن محمّد الهادي : والحسن بن علي العسكري : والمهدي بن الحسن ، إمام هذا الزمان عجّل الله فرجه ، وأظهر به دينه.

ولم ينقل عن أحد من هذه الأُمّة غير هؤلاء معجزة ولا مكرمة تشابه معاجز الرسل وتدلّ على عصمتهم ، وإنما نُقلت عنهم وصدرت منهم كما نقله محبّهم ومبغضهم ، وهذه الرسالة لا تسع ذلك ، وقد ملئت بها كتب الخاصّة والعامّة (1) ، ولم يدّعِ أحد العصمة ولا ادّعاها له أحد غيرهم صلوات الله وسلامه عليهم بل كلّ مَن ترأس في هذه الأُمّة وقع منه ما ينافي استحقاقه للرئاسة والإمامة ، التي هي عهد الله الذي لا يناله ظالم ، وخلافة الله الكبرى التي تعالى الله أن يلبسها مَن تصدر عنه معصية فضلاً عمّن صدر عنه الكفر.

ص: 58


1- كما في ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ، وفرائد السمطين للجويني ، وخصائص النسائي ، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي ، ونور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار للشيخ مؤمن الشبلنجي ، والنور المشتعل لأبي نعيم الأصفهاني ، وذخائر العقبى للمحبّ الطبري ، وغيرها كثير.

الفصل الخامس : في المعاد

إذا عرفت أن الله سبحانه لم يخلق الخلق عبثاً ولا لحاجة له فيهم ؛ لأنه الغني وهم الفقراء إليه ، وإنما خلقهم ليوحّدوه ويعرفوه ويعبدوه وليمنّ عليهم ويرحمهم بالسعادة التي لا تفنى ، فبعث الرسل وأنزل معهم الكتب ليعرّفوا عباده كيف يحصّلون ذلك وما ذا أراد منهم سيّدهم ، وما يبعدهم من رضوانه يجتنبونه ، وتفضّل عليهم بأن أوعدهم الجزاء الدائم ، وهذه الدار لا تصلح لذلك ، لأنها غير دائمة ولا مستقرّة ، بل هي دار العمل خاصّة ، وبالوجدان نرى مَن يعمل فيها ولم نرَ له ثواباً ، فإذن لا بدّ من دار غيرها يدوم فيها الثواب والعقاب. وهذا يقتضي أن الله تعالى لا بدّ أن يبعث العباد ويحييهم بعد الموت ليحاسبهم ويريهم أعمالهم التي أحصاها عليهم ، فيثيب المطيعين بالثواب الدائم ، ويعاقب العاصين بالعذاب الدائم. وهذا مقتضى عدله وحكمته.

واعلم أن المعاد هو النفس وهذا الجسد القائم بها بالعينيّة ؛ لأن التكليف واقع عليهما دفعة ، ولكلّ منهما قسطاً منه ، فهما معاً يستحقّان الثواب والعقاب ؛ لأن الطاعة أو المعصية صادرة منهما ، لأن كلا منهما لا يستقلّ بنفسه بعملها بدون الآخر ، لتوقّف عمل كلّ منهما على كونه مصاحباً للآخر ومركّباً معه ، فالمعصية والطاعة إنما

ص: 59

[ يتحقّقان (1) ] من أحدهما بالآخر ، فيجب أن يعادا معاً مركّباً أحدهما مع الآخر كما كانا أوّلاً ، لأن هذا مقتضى العدل.

وقد أخبرت الرسل بصفة المحشر وبنشر الكتب وبنصب الميزان ومدّ الصراط على متن جهنم وبالحوض ، وغير ذلك من أحوال القيامة والجنة وصفتها ونعيمها ، وبالنار وعذابها وآفاتها وحميمها وزقّومها ، وبعذاب البرزخ ونعيمه ، وبمساءلة القبر فيجب التصديق بكلّ ما أخبرت به الرسل وجاءوا به عن الله تعالى من أُمور الدنيا والآخرة ، لأنهم معصومون [ من (2) ] الكذب والسهو والغلط ، ولا ينطقون إلّا عن الله تعالى.

واعلم أن الله تعالى كما أنه قادر على إيصال هدايته ولطفه على أيدي الرسل وخلفائهم في حياتهم الدنيويّة وبعد موتهم ، كذلك هو قادر على أن يوصل ذلك بواسطة الإمام الذي هو خليفته مع غيبته ؛ لأن معنى غيبته أنه موجود في الدنيا إلّا أنه غير معروف بعينه لأمر هو بالغه ، وحكمة هو أعلم بها. فإذا ثبت وجوب وجود حجّة الله على خلقه هادياً معصوماً في كلّ زمانٍ ، وجب الإيمان بأن هذا الزمان فيه من هو كذلك ، فإذا لم نره علمنا أنه موجود قطعاً ، وأنه باب الله وخليفته ، وليس هو بقاصر عن الشمس ، والناسُ ينتفعون ويهتدون بها وقد حجبها السحاب المتراكم ، ولا يستنكر من قدرة الله أن يمدّ له في أجله الوفاً من السنين ، ولا بدّ أن يأذن الله له في الظهور وبسط العدل وإمحاق الجور والظلم ، فترقّب ولا تيأس من روح الله إني وإيّاك لرحمة ربي لمنَ المترقّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 60


1- في المخطوط : ( يتحقق ).
2- في المخطوط : ( عن ).

خاتمة في بيان معنى الشرك بالله والكفر به

اعلم أن الشرك ضد التوحيد ، والكفر ضد الإيمان ، وهما متقاربان في المعنى كالتوحيد والإيمان (1) ، وقد عرفت معنى التوحيد والإيمان.

فكلّ مَن ظنّ أن لله مثلاً وله جزءاً ، أو فيه جهة نقص ، أو جهة ظلم ، أو له شريكاً ، أو صفاته مغايرة لذاته ، أو كلّ صفة تغاير الأُخرى كالمخلوق ، أو أن له مكاناً ، أو يصعد ، أو ينزل ، أو يُرى بالقلوب ، أو بالأبصار في الدنيا أو الآخرة ، أو أنه يفعل القبيح ، أو أنه يخلق المعصية في العبد ويعذّبه عليها ، أو أنه بعد الرسول أهمل الخلق بلا خليفة ونائب عنه وحجّة له على عباده ، [ و ] وكل ذلك لاختيارهم وشهوتهم ، أو ظهرت له إمامة الأئمّة المذكورين وعصمتهم من المعقول أو المنقول فأنكرها ، أو أنكر ما ثبت من عصمتهم أو فضائلهم ، أو أنكر ما ثبت إخبار الرسول به من أُمور الدنيا والآخرة ، أو أنكر ما ثبت من معاجزه ، فقد كفر بالله وأشرك به ، فإن ذلك بعضه يقتضي إثبات واجبين وعبادة شيئين ، أو تكذيب الله بسبب تكذيب خلفائه ، وذلك يقتضي نسبة الظلم والعجز والنقص إليه تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، ونسبة ذلك إليه تعالى يقتضي إثبات المثل والتركيب أيضاً ، كما عرفت.

وكذلك عبادة غيره أو جعل مَن لم يجعله الله وينصبه خليفة له وواسطة ووسيلة

ص: 61


1- في المخطوط : ( كالتوحيد والكفر ضد الإيمان ) ، والظاهر أن ( الكفر ضد ) زائدة.

إلى خلقه الضعفاء عن إدراك جوده إلّا بواسطة نوّابه و [ أبوابه (1) ] ، فإن ذلك يقتضي نسبة الجهل والعجز إليه تعالى. فمَن اعتقد أن شخصاً أو شيئاً وسيلةٌ وشفيعٌ إلى الله تعالى ولم ينصبه الله ويختره لذلك ويدلّ عليه عباده ، فقد اتّخذ إلهه هواه.

ومَن لجأ أو رجا أو خاف أو أطاع أحداً لم تكن [ طاعته ] طاعة الله وأمره أمر الله ، فقد عبد هواه.

ومَن ظنّ أن مخلوقاً يقدر على جلب نفع أو هداية ، أو دفع ضرر ، أو يخلق ، أو يرزق ، أو يميت أو يحيى بذاته لا بقدرة الله وإرادته وعزّته ، فقد اتّخذ مع الله إلهاً آخر ؛ لأن ذلك يقتضي أن في الوجود مَن له جُود وكمال وقدرة لم يكن لله وليست من الله ، وهذا إثبات الشبه والنقص والعجز والشريك لله ، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

فنحن نقول : إن أولياء الله يقدرون على ذلك بقدرة الله ؛ لأنه أقدرهم ، وهذا حقيقة التوحيد والإيمان ، لأنهم مستودع سرّ الله ، وخلفاؤه ، فأمرهم أمره ، وكذا كلّ وزير أمره ونهيه أمر مَلِكِه ونهيه ، وعزّته عزّته ، وإغضابه ومعصيته معصيته وإغضابه.

والمشركون أقاموا لهم شفعاء ووسائط ، أو أئمّة وخلفاء من عند أنفسهم لا بأمر الله واختيارِه ونصبِه لهم وإدلالِه خلقه عليهم ، وأمرِه لهم بالرجوع إليهم والتوسّلِ والاستشفاع له بهم ، فليست قدرتهم قدرة الله ، ولا الالتجاء إليهم التجاءً إليه ، ولا أمرهم وطاعتهم طاعته ؛ لأنهم ليسوا خلفاء الله ونوّابه ، بل نوّاب المخلوق الجاهل وخلفاؤه ، وليس للمخلوق الجاهل أن يحكم على الله بأن يجعل ويختار مَن جعله المخلوق بشهوته و [ اختاره (2) ] بجهله وسيلةً وخليفة لله وشفيعاً إليه ؛ فإن الله هو أعلم بمَن هو أهل لذلك ، ولا بدّ أن يدلّ عليه خلقه ؛ لشدّة حاجتهم إليه وشدّة ضعفهم عن أن ينالوا ما عند الله بدون واسطة يختاره الله ويدلّ خلقه عليه ويأمرهم بالرجوع إليه ، وإلّا لم تكن فائدة ولا حكمة في إرسال الرسل لو كان الخلق متساوين في طاقتهم لقبول الهداية وغيرها منه ، والواقع بخلافه.

ص: 62


1- في المخطوط : ( بوابه ).
2- في المخطوط : ( اختياره ).

فافهم هذا كلّه ، وتأمّله تأمّلاً صحيحاً بقلب فارغ من شبه الشيطان ومكائده ، فإنه ينفعك بإذن الله تعالى وحسن توفيقه ، ولا تستنكر من نفسك صرف برهة يسيرة من [ عمرك (1) ] في تحصيل ما يرضى به عنك مَن وهب لك العمر كلّه لتعبده فيه كلّه.

والله أرجو ، وبمحمّد : صلى الله عليه وآله وآله إليه أتوجّه أن يمنّ عليّ بقبول هذا العمل الحقير ، إنه كريم رحيم ، وأن ينتفع بها طلّاب الحقّ في الدين ، والحمد لله ربّ العالمين بمحامده كلّها على جميع نعمه كلّها عدد ما حمده حامد من خلقه ، وصلّى الله بأفضل صلواته على هداة الخلق إليه ووسيلتهم إليه ، بابه المفتوح بالرحمة لخلقه ، محمّد : وآله الذين اختارهم على عِلم على العالمين ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة أجمعين وسلم عليهم أجمعين كما هو أهله.

تمّت الرسالة بمنّ الله الكريم ، وحسن توفيقه العميم صبح يوم الجمعة ، هو الثامن من جمادى الآخرة سنة (1209). كتبته بنفسي لنفسي ، وأنا الأقلّ الأحقر الأذلّ الأصغر صالح بن طعان بن ناصر بن علي المركوباني الستري البحراني رحمه الله (2) ، [ عفا الله ] عنهم وعن المؤمنين أجمعين.

أسأل الله أن يوفّق لإلهام معانيها والعمل بما فيها ، إنه كريم رحيم.

ص: 63


1- في المخطوط : ( عمره ).
2- عالم تقيّ ، ورعٌ زاهد ، له كتاب ( لؤلؤة الأفكار المستخرجة من بحار الأنوار ) ، توفّيَ رحمه الله بالطاعون في ( رابغ ) سنة (1281) ه- ، وهو والد العلّامة آية الله الشيخ أحمد آل طعّان البحراني القطيفي المتوفّى سنة 1315 ه. أنوار البدرين : 235.

ص: 64

الرسالة الثانية : موجز في أدلّة الأُصول الخمسة

اشارة

ص: 65

ص: 66

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين ، إنه كريم رحيم ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطيّبين الطاهرين ، والحمد لله ربّ العالمين.

أمّا بعد :

فيقول أقلّ عباد الله عملاً وأكثرهم زللاً ، أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : هذه رسالة يسيرة في بيان الدليل على ما يجب على كافّة المكلّفين معرفته بالدليل ، وهي الأُصول الخمسة التي يجب معرفتها على كافّة المكلّفين ، وهي : التوحيد ، والعدل ، والنبوّة ، والإمامة ، والمعاد.

وقد رتّبتها على فصول خمسة :

ص: 67

ص: 68

الفصل الأول : في بيان معنى التوحيد والدليل عليه

وفيه [ مسألتان (1) ] :

الاولى : اعلم أنه أوّل ما يجب عليك أن تعرف أن لك ولهذا الخلق كلّه خالقاً غير مخلوق. والدليل على ذلك أنك كنت بعد أن لم تكن ، وكذلك أبوك وجميع مَن تشاهده مِن الخلق ، فدلّك ذلك على أنك مخلوق ، وكلّ مخلوق له خالق غير مخلوق ، بل هو واجب الوجود لذاته أي لم يخلقه غيره ، ولا كان بعد العدم ؛ إذ لو كان كذلك لكان مخلوقاً ، فاحتاج إلى خالق فهو إذن خالق غير مخلوق.

المسألة الثانية : اعلم أنه يجب على كلّ مكلّف أن يعتقد أن خالق هذا الخلق كلّه واحد لا شريك له. ومعنى أنه واحد : أنه ليس كمثله شي ء ، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شي ء. والدليل عليه أن ما سواه خلقه ، ولو أشبهه شي ء من خلقه لم يُعرف الخالق من المخلوق ، فيحتاج إلى مميّز يميّز أحدهما عن الآخر ، والمميّز لا يكون إلّا قاهراً للمميّز حاكماً عليه ، والمقهور المحكوم عليه لا يكون خالقاً غير مخلوق ؛ وقد بيّنّا أنه خالق غير مخلوق.

وأيضاً إذا كان الخالق مثل المخلوق في شي ء من ذاته أو صفاته ، احتاج إلى

ص: 69


1- في المخطوط : ( مسلتان ).

ما يميّزه من خلقه ، والمحتاج مفتقر ، والمفتقر ليس بخالق غير مخلوق. وليس معنى أنه واحد : أنه واحد بالعدد الذي هو نصف الاثنين ؛ إذ الواحد بالعدد كثير ؛ فهذا البيت واحد ، وهذا المسجد واحد ، وهذا الشخص واحد ، فأشبه الخالق المخلوق في وحدته. وقد بيّنّا أن الخالق لا يشبه الخلق ، فلو كانت وحدته بمعنى العدد لدخل في جملة المعدودات ، وأمكن أن يكون له ثانٍ.

فتبيّن لك أن معنى وحدانيّة الله أنه ليس كمثله شي ء ، وليس له جزء ، وليست وحدته تشبه وحدة الخلق. فإذا عرفت ذلك عرفت أنه لا شريك له ، فإن الشريك يشبه شريكه ، ولو في وجه الشركة ، والله عزّ اسمه لا يشبهه شي ء.

وأيضاً لو كان له شريك ؛ فإن كان ذلك الشريك يقدر على أن يمنع الخالق تعالى عمّا يريد ، فليس ذلك الخالق بخالق غير مخلوق ؛ لتبيّن عجزه ولو بالإمكان ، وإن لم يقدر فليس ذلك الشريك بشريك ؛ لأنه مغلوب عاجز.

ص: 70

الفصل الثاني : في العدل

ومعنى العدل أن تعتقد أن الله تعالى لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، وأنه لا يجور في حكمه. والدليل على ذلك أن الظلم لا يفعله الظالم إلّا إذا طلب شيئاً أو أراد شيئاً ولم يقدر عليه إلّا بطريق الظلم ، والله تعالى قادر على كلّ شي ء ، وعالم بكلّ شي ء ، فلا يفعل الظلم ؛ لغناه الذاتي عن فعله.

وأيضاً الظلم قبيح بلا شكّ ، والله تعالى لا يفعل القبيح بلا شكّ ، ولا يأمر به.

فإذا عرفت أن الله تعالى لا يفعل القبيح ولا الظلم تبيّن لك أن الله تعالى لا يخلق الظلم في العبد ولا المعاصي ، ولا يجبر العباد على فعلها. والدليل على ذلك أن الله توعّد من يفعل ذلك بالعقاب وبالنار ، وإنما خلق النار لأهل المعاصي ، فلا يمكّن الخلق على فعل المعصية ، ويخلقها فيهم ثمّ يعذّبهم عليها ؛ لأن هذا من أشدّ الظلم ، والله تعالى عدل لا يجور.

فإذن المعصية إنما يفعلها الإنسان باختياره بعد أن نهاه الله عنها ، ومكّنه من فعلها وتركها باختياره ، فلو أن عبداً أجبره مولاه على أن يأكل شيئاً فأكله ، ثمّ ضربه على أكله ، عدّه العقلاء ظالماً بلا شكّ.

ص: 71

ص: 72

الفصل الثالث : في النبوّة

اعلم أنك بعد أن تعتقد أن الله تعالى لا يجور ، حكيم بعباده ، لا يفعل بعباده إلّا الأصلح ، وقد خلق الخلق لا لحاجة به لهم ، بل ليجود عليهم فإنه الجواد الكريم بذاته ، ولا يناسب ذاته نعيم الدنيا ؛ فإنه منقطع كما هو مشاهد محسوس وَجُود الله لا ينقطع ، ولمّا كان جود الله الدائم إنما يكون في الآخرة ؛ لأنها لا تفنى ولا تتغيّر ، وذلك الجود الدائم والحياة الطيّبة لا تدرك للعباد ولا ينالونها إلّا بمعرفة الله وعبادته.

وقد خلق الله البشر في أوّل ولادته لا يعلم شيئاً ، عدلاً منه ورحمة فوجب أن يبعث لهم رسولاً يعلّمهم كيف يعبدون الله وكيف يوحّدونه ، يأمر العباد بالمعروف والخير الذي يوصلهم إلى مرضاة الله ونعيم الجنّة ، وينهاهم عن المعاصي والشرور التي توصلهم إلى غضب الله وإلى النار.

فإذن لا بدّ من بعثة الرسل ، ويجب أن يكون رسول البشر بشراً مثلهم ؛ ليفهموا كلامه ومقصده ، ويقبلوا أمره ونهيه ، ولا تستوحش منه نفوسهم وطباعهم ؛ إذ لو بعث لهم ملكاً أو جنّياً لم يقدروا على مشافهته ، لا يفهموا مخاطبته ؛ لأن نفوسهم تستوحش منه ، وطباعهم تنفر منه ، فلا يقبلون أمره ونهيه باختيارهم.

وإنما تتحقّق منهم الطاعة والمعصية التي يستحقّون عليها العقاب والثواب الدائم

ص: 73

إذا فعلوا الطاعة والمعصية بالاختيار التامّ منهم ، وهو كمال القدرة على فعل الطاعة والمعصية وتركهما ؛ لأن الذي تكون أفعاله بنوع من الجبر وسلب الاختيار لا يعدّ مطيعاً ولا عاصياً كالقَدُوم (1) في يد النجّار ، والنار إذا أحرقت الحطب ، والماء إذا بلّ الثوب ، فإن ذلك لا يعدّ طاعة ولا معصيةً.

ويجب أن يكون الرسول معصوماً من السهو والكذب والغلط والنسيان ، وعن جميع النقائص ؛ إذ لو كان الرسول ليس كذلك لم يكن أولى من غيره بالرسالة ، ولم يقطع الناس بما يخبرهم به عن الله ، وبما يأمرهم وينهاهم به عن الله أنه أمرُ الله ونهيه. ولا يمكن أن تصدر منه معصية في حال من الأحوال ؛ لأن قوله وفعله حجّة في كلّ حال ؛ وذلك أنه خليفة الله ونائبه ، وواجب الطاعة على جميع الخلق. فلو أمكن منه المعصية في حال لزم أن يوجب الله تعالى طاعة العاصي في حال عصيانه ، وهذا لا يجوز ؛ لأن هذا ظلم والله تعالى منزّه عن الظلم والعتب. أينهى الله العباد عن المعاصي ويأمر بطاعة العاصي؟ هذا محال.

ويجب أن تعلم أن الرسول إلينا هو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وآله ، وهو المدفون الآن في المدينة في بيته ؛ وذلك لأنه قال أنا رسول الله إليكم (2) ، وأتى بالمعاجز الدالّة على أنه رسول الله إلى الخلق ، فقد سلّم عليه الغزال (3) ، وسبّح في كفّه الحصى (4) ، وانشقّ له القمر (5) ، وغير ذلك من معاجزه صلى الله عليه وآله (6) التي أكبرها القرآن ؛ فقد عجز الخلق أن يأتوا بسورةٍ من مثله إلى يوم القيامة.

ص: 74


1- القَدُوم : التي ينحت بها. لسان العرب 11 : 69 قدم.
2- كنز العمال 13 : 292 / 36849 ، باختلاف.
3- دلائل النبوّة 6 : 34 - 35.
4- انظر : الخرائج والجرائح 1 : 159 / 248 ، مناقب آل أبي طالب 1 : 126 ، دلائل النبوّة 6 : 64.
5- مناقب آل أبي طالب 1 : 163 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 38 ، البداية والنهاية 3 : 146.
6- انظر السيرة النبويَّة ( ابن هشام ) 1 : 264 - 265.

الفصل الرابع : في الإمامة

إذا عرفت أنه يجب في حكمة الله بمقتضى عدله إرسال الرسول من البشر ، والرسول أشدّ طاعة لله ، فله أجزل الأجر والثواب الدائم ، وذلك لا ينال إلّا في الآخرة ، فلا بدّ أن ينتقل إلى الآخرة وما أعدّ الله له فيها من الجزاء الدائم. فإذا انتقل إلى جوار الله ودار كرامته ، فلا بدّ أن يجعل الله لعباده خليفة يسدّ مسدّ الرسول في جميع ما يحتاج الخلق إليه من أُمور الدين والدنيا ، حاكماً مطاعاً معصوماً كالرسول ، فإنه خليفة الله كالرسول.

ولا يجوز أن يكون الإمام الذي أوجب الله على الخلق طاعته [ هم الذين ] (1) يختارونه وينصبونه ، وإنما ينصبه الله ويختاره لخلافة رسوله ؛ لأنه خليفة الله وخليفة رسوله. فلو كان نصب الإمام باختيار الخلق لأمكن أن يختاروا منافقاً ، وهو في الباطن عابد صنم أو يهودي أو نصراني ، فيكون قد أوجب الله على العباد طاعة كافر ، وهذا محال في حكمة الله وعدله.

والإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله : بلا فصل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ثمّ من بعده ابنه الحسن عليه السلام ، ثمّ أخوه الحسين عليه السلام ، ثمّ ابنه زين العابدين عليّ بن

ص: 75


1- في المخطوط : ( هو الذي ).

الحسين عليه السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، ثمّ موسى ابن جعفر الكاظم عليه السلام ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا عليه السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام ، ثمّ عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام ، ثمّ الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام ، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن المهدي عليه السلام : إمام هذا الزمان عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه إلّا إنه غائب عن أبصار عامّة البشر ؛ لشدّة طلب الظالمين له.

ومع ذلك فهدايته تصل إلى الخلق ، كالشمس التي حجبتها السحاب ؛ فإن الناس يهتدون بها ولا يرونها ، ولا بدّ أن يأذن الله له بالفرج ، فيقوم ويظهر ويملأ الله [ به ] الأرض قسطاً وعدلاً. ولو لم يكن كذلك لكان الخلق الآن بلا إمام ، وبلا حجّة لله عليهم يهديهم ويثبّت به الأرض ، بل من حين موت الحسن العسكري : عليه السلام إلى الآن ، وهذا ينافي عدل الله ورحمته بالعباد.

والدليل على أن هؤلاء الاثني عشر هم الأئمّة بعد الرسول صلى الله عليه وآله دون مَن سواهم أن الأُمّة أطبقت كلّها عدوّهم وصديقهم على جلالة قدرهم وغزارة علمهم ، وعلى صدق الكرامات والمعاجز منهم ، وعلى أنهم لم تصدر منهم منقصة ولا معصية بحال ، ولم يسجد أحد منهم لصنم أبداً. ولم تتّفق الأُمّة على من هو كذلك إلّا عليهم ، بل كلّ من تراه في هذه الأُمّة غيرهم قد وقع منه ما ينافي استحقاقه لهذا المنصب الذي هو خلافة الله ورسوله ، جائياً ذلك على لسان عدوّه ووليّه ، وهذا ظاهر لا التباس فيه ، والله الهادي.

ص: 76

الفصل الخامس : في المعاد

اعلم أنك إذا عرفت أن الله تعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحّدوه ، ويجود عليهم بالجزاء الدائم والجزاء الدائم لا يكون إلّا في الآخرة ؛ لأن الدنيا لا تصلح لذلك ؛ لأنها ذائبة مضمحلّة لا دوام لشي ء فيها ولا ثبات ، كما هو محسوس فلا بدّ أن يحيي الله العباد ؛ ليجازيهم بأعمالهم الجزاء الدائم ، فإنه المناسب لجود الله تعالى وعدله.

وأيضاً العمل غير الجزاء ، فلا بدّ أن تكون دار العمل غير دار الجزاء. والدنيا دار عمل خاصّة ، فلا بدّ أن يوصل الله العباد بعدله وكرامته إلى دار الجزاء الدائم ، وينتصف إلى المظلوم من الظالم ، وهو المعاد.

والحمد لله وحده ، وصلى الله على خير خلقه وسلم.

ختم في يوم الأربعاء ، عصر السابع والعشرين [ من ] ربيع الثاني من السنة (1243) ، وصلّى الله على محمّد : وآله.

ص: 77

ص: 78

الرسالة الثالثة : الرجعة

اشارة

ص: 79

ص: 80

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فيقول أقلّ الورى بضاعة ، وأكثرهم إضاعة ، أحمد بن صالح بن طوق : إن من أنفس ما تصرف فيه الأعمار معرفة صفات الإمامة وخصائصها التي من جملتها أن أهل البيت يرجعون إلى الدنيا بعد انصرافهم وانتقالهم بالموت عنها ، وذلك بعد قيام القائم ، عجّل الله فرجه. فربّما اشتبه دليلها على شاذّ نادر ، فأحببت أن أجمع بعض ما يمنّ به أرحم الراحمين من الأدلّة على رجعتهم ، على شدّة استعجال ، وتراكم الهموم والبلبال ، ونزور الاطّلاع مع كثرة ما ضاع ، فأقول وعلى الله التكلان - : الدليل على رجعة أهل البيت : أجمع له طريقان : الأخبار والاعتبار.

ص: 81

ص: 82

الأدلّة النقليّة

أمّا الأخبار فكثيرة جدّاً بأنواع شتّى ، وطرق مختلفة :

فمنها ما رواه الشيخ حسن بن سليمان الحلّي : في كتاب ( الرجعة ) بسنده المتّصل عن أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام : أن رسول الله صلى الله عليه وآله : قال ما من نبيٍّ ولا وصيٍّ إلّا شهيد (1).

فدلّ على أن القائم عليه السلام : سيفوز بمكرمة الشهادة كما فاز بها آباؤه الذين جمعوا مراتب الكمال ؛ إذ لو لم يكونوا بأجمعهم شهداء لسبقهم بعض رعاياهم إلى هذا العُلا ، وهو محال يأباه منصب الإمامة. فإذا ثبتت شهادته فلا بدّ حينئذٍ من إمام يقوم بحجج الله ؛ إذ لا تخلو الأرض من حجّة لله بالنصّ المستفيض (2) من غير معارض ، والإجماع ، والبرهان الذي تعرف العقول عدله يلي أمر القائم عليه السلام : إذا قتل ؛ إذ لا يلي أمر الإمام إلّا إمام بالنصّ المستفيض (3) والإجماع. وهذا كلّه غير ممكن إلّا برجعة أحد آبائه.

ومنها ما رواه أيضاً بسنده المتّصل عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال ما من مؤمن إلّا وله قَتْلة وموتة ، إنه من قُتل نُشِر حتّى يموت ، ومَنْ مات نُشِر حتّى يقتل.

ص: 83


1- مختصر بصائر الدرجات : 15 ، بحار الأنوار 17 : 405 / 25.
2- كمال الدين 1 : 319 / 2 ، علل الشرائع 1 : 234 / 21 ، الاحتجاج 2 : 152 ، مختصر بصائر الدرجات : 8.
3- الكافي 1 : 384 - 385.

ثمّ تلوتُ على أبي جعفر عليه السلام ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (1) ، فقال هو عليه السلام ومنشورة (2). قلت : قولك ومنشورة ما هو؟ فقال هكذا انزل بها جبرئيل عليه السلام : على محمَّد صلى الله عليه وآله : ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) ومنشورة.

ثمّ قال ما في هذه الأُمَّة أحد برٌّ ولا فاجر إلّا فينشر ، أمّا المؤمنون فينشرون إلى قرَّة أعينهم ، وأمّا الفجّار فينشرون إلى خزي الله إيّاهم ، ألم تسمع أن الله تعالى يقول ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ ) (3) ، وقوله ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ ) (4) يعني بذلك محمَّداً صلى الله عليه وآله : قيامه في الرجعة ينذر فيها ، وقوله ( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) (5) يعني محمَّداً صلى الله عليه وآله : نذيراً للبشر في الرجعة ، وقوله ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (6) قال : يظهرها الله في الرجعة. وقوله ( حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ ) (7) هو عليٌّ بن أبي طالب صلوات الله عليه إذا رجع في الرجعة.

قال جابر : قال أبو جعفر عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : في قوله عزوجل ( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) (8) قال : هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي ، وخرج عثمان بن عفّان وشيعته ، فنقتل بني أمية ، فعندها يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين (9).

ومنه بسنده عن موسى الحنّاط : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول أيّام الله ثلاثة ، يوم القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة (10).

ومنه بسنده عن المعلّى بن خُنَيس ، وزيد الشحّام : عن أبي عبد الله عليه السلام : قالا

ص: 84


1- آل عمران : 185.
2- أي بالعطف على « ذائقة ».
3- السجدة : 21.
4- المدّثّر : 1 - 2.
5- المدّثر : 35 - 36.
6- التوبة : 33.
7- المؤمنون : 77.
8- الحجر : 2.
9- مختصر بصائر الدرجات : 17 ، بحار الأنوار 53 : 64 / 55.
10- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، وفيه : « يوم يقوم القائم » ، 41 ، وفيه : « يوم قيام القائم » ، بحار الأنوار 53 : 63 / 53 ، وفيه : « يوم يقوم القائم ».

سمعناه يقول إن أوّل من يكرُّ في الرجعة الحسين بن علي عليهما السلام ، ويمكث في الأرض أربعين ألف سنة (1) الخبر.

ومنه عن إبراهيم بن المستنير : عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يقول الله تعالى ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ) (2)؟ فقال هي والله للنصّاب.

قلت : فقد رأيناهم في دهرهم الأطول في الكفاية حتّى ماتوا ، فقال والله ذلك في الرجعة ، يأكلون العذرة (3).

ومنه عن جميل بن دَرّاج : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : قلت له : قول الله عزوجل ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (4)؟ قال ذلك والله في الرجعة ، أما علمت أن أنبياء الله كثيراً لم يُنصروا في الدنيا وقتلوا ، وأئمّة قد قتلوا ولم ينصروا؟ فذلك في الرجعة.

قلت ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ. يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) (5)؟ قال هي الرجعة (6).

ومنه بسنده عن زرارة : قال : كرهت أن أسأل أبا جعفر عليه السلام ، فاحتلت مسألة لطيفة لأبلغ بها حاجتي ، قلت : أخبرني عمّن قتل ، مات؟ قال لا ، الموت موت ، والقتل قتل.

فقلت : [ ما أحد يقتل إلّا مات. فقال يا زرارة ، قول الله أصدق من (7) ] قولك ، قد فرّق بين القتل والموت في القرآن ، فقال ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ ) (8) ، وقال ( وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ ) (9) الآية فليس كما قلت يا زرارة ، الموت موت ، والقتل قتل ، وقد قال الله عزوجل ( إِنَّ اللهَ

ص: 85


1- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، بحار الأنوار 53 : 64 / 54.
2- طه : 124.
3- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، بحار الأنوار 53 : 51 / 28 ، ورواه في تفسير القمي 2 : 262 ، باختلاف.
4- غافر : 51.
5- ق : 41 - 42.
6- مختصر بصائر الدرجات : 18 - 19 ، بحار الأنوار 53 : 65 / 57.
7- من تفسير العيّاشي وقد أُضيف إلى نسخة ( بحار الأنوار ) التي في أيدينا من العياشي أيضاً. وفي المخطوط : ( ما أجد قولك .. ).
8- آل عمران : 144.
9- آل عمران : 158.

اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا ) (1).

قال : فقلت : إن الله عزوجل يقول ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (2) ، أفرأيت من قتل لم يذق الموت؟ قال ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه ، إن من قتل لا بدّ أن يرجع إلى الدنيا حتّى يذوق الموت (3).

ومنه بسنده عن صفوان بن يحيى : عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : قال : سمعته يقول في الرجعة

من مات من المؤمنين قتل ، ومن قتل منهم مات (4).

ومنه بسنده عن أبي بصير : عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى ) (5) الآية قال في الرجعة (6).

ومنه بسنده عنه قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عن قول الله تعالى ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ) (7) الآية ، فقال ذلك في الميثاق.

ثمّ قرأت ( التّائِبُونَ الْعابِدُونَ ) (8) ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لا تقرأ هكذا ، ولكن اقرأ : التائبون العائدون.

ثمّ قال إذا رأيت هؤلاء فهم الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم ، يعني : الرجعة.

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام ما من مؤمن إلّا وله ميتة وقتلة ، من مات بعث حتّى يقتل ، ومن قتل بعث حتّى يموت (9).

ومنه بسنده عن أبي بصير : قال : قال أبو جعفر عليه السلام : ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت:

ص: 86


1- التوبة : 111.
2- الأنبياء : 35.
3- مختصر بصائر الدرجات : 19 ، بحار الأنوار 53 : 65 - 66 / 58 ورواه في تفسير العياشيّ 1 : 225 - 226 / 160.
4- مختصر بصائر الدرجات : 19 ، بحار الأنوار 53 : 66 / 59.
5- الإسراء : 72.
6- مختصر بصائر الدرجات : 20 ، بحار الأنوار 53 : 67 / 61.
7- التوبة : 111.
8- التوبة : 112.
9- مختصر بصائر الدرجات : 21 ، بحار الأنوار 53 : 71 / 70 ، وفيهما : « ولكن اقرأ : التائبين العابدين ».

نعم. قال أما يقرءون القرآن ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (1) الآية (2).

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سئل عن قول الله عزوجل ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ ) (3) ، فقال يا جابر ، أتدري ما سبيل الله؟ قلت : لا والله إلّا إذا سمعت منك. فقال عليه السلام القتل في سبيل عليٍّ عليه السلام : وذرِّيَّته ، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله ، وليس أحد يؤمن بهذه الآية إلّا وله قتلة وميتة ، إنه من قتل يُنشر حتّى يموت ، ومن مات يُنشر حتّى يقتل (4).

ومنه بسنده عن أبي بصير : عن أبي شيبة : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول وتلا هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) (5) الآية قال - ليؤمنن برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولينصرن عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام. قال نعم ، والله من لدن آدم عليه السلام : فهلمّ جرّاً ، فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا ردّ جميعهم إلى الدنيا حتّى يقاتلوا بين يدي عليِّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام (6). ومنه بسنده عن الثمالي : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال كفى بعليٍّ عليه السلام : أن يقاتل أهل الكرَّة ، ويزوِّج أهل الجنَّة (7).

ومنه بسنده عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول إن إبليس : قال ( أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (8) فأبى الله ذلك عليه ، فقال ( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (9) ، فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس : لعنه

ص: 87


1- النمل : 83.
2- مختصر بصائر الدرجات : 25 ، بحار الأنوار 53 : 40 / 6.
3- آل عمران : 157.
4- مختصر بصائر الدرجات : 25 ، بحار الأنوار 53 : 40 / 8.
5- آل عمران : 81.
6- مختصر بصائر الدرجات : 25 - 26 ، بحار الأنوار 53 : 41 / 9.
7- مختصر بصائر الدرجات : 26 ، بحار الأنوار 53 : 50 / 22.
8- الحجر : 36.
9- الحجر : 37 - 38.

الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرّة يكرُّها أمير المؤمنين عليه السلام. فقلت : وإنها لكرّات؟ قال نعم ، إنها لكرّات وكرّات ، ما من إمام في دين إلّا ويكرُّ معه البرُّ والفاجر في دهره ، حتّى يديل الله المؤمن على الكافر ، وإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين عليه السلام : في أصحابه ، وجاء إبليس : في أصحابه ، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها الروحاء ، قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يُقتَتَل مثله منذ خلق الله عزوجل العالمين ، فكأنّي أنظر إلى أصحاب عليٍّ : م أمير المؤمنين عليه السلام : قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم ، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات ، فعند ذلك يُهبط الجبّارُ عزوجل في ظلل من الغمام الملائكة (1) وقضي الأمر ورسولَ الله صلى الله عليه وآله : إمامهم (2) بيده حربة من نور ، فإذا نظر إليه إبليس : رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه ، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول ( إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ) (3) الآية فيلحقه النبيّ صلى الله عليه وآله : فيطعنه طعنة بين كتفيه تكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه ، فعند ذلك يُعبد الله عزوجل ولا يشرك به شيئاً ، ويملك أمير المؤمنين عليه السلام : أربعاً وأربعين ألف سنة ، حتّى يلد الرجل من شيعة عليٍّ عليه السلام : ألف ولد من صلبه ذكراً في كلِّ سنة ذكراً ، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله (4).

ومنه بسنده عن يونس بن ظبيان : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن الَّذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما السلام ، فأمّا يوم القيامة ، فإنّما هو بعث إلى الجنة ، وبعث إلى النار (5).

ص: 88


1- في المخطوط : ( والملائكة ).
2- في المصدر : « فعند ذلك يُهبط الجبار عزوجل في ظل من الغمام والملائكة وقضي الأمر رسولَ الله صلى الله عليه وآله بيده حرية من نور .. ».
3- الأنفال : 48.
4- مختصر بصائر الدرجات : 26 - 27 ، بحار الأنوار 53 : 42 / 12.
5- مختصر بصائر الدرجات : 27 ، بحار الأنوار 53 : 43 / 13.

ومنه بسنده عن حمران بن أعيَن : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال إن أوّل من يرجع لجاركم الحسين بن عليّ عليه السلام ، فيملك حتّى يقع حاجباه على عينيه من الكبر (1).

ومنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول الله عزوجل ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ ) (2) قال عليه السلام يكرّون في الكرّة كما يكرّ الذهب ، حتّى يرجع كلّ شي ء إلى شبهه (3).

يعني : حقيقته.

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن لعليٍّ عليه السلام : في الأرض كرّة مع الحسين : ابنه عليهما السلام ، يُقبل برايته حتّى ينتقم له من بني أُميَّة : ومعاوية : وآل معاوية : ومن شهد حربه ، ثمّ يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً ، ومن سائر الناس سبعين ألفاً ، فيلقاهم بصفّين مثل المرّة الأُولى حتّى يقتلهم ولا يبقى منهم مخبر الخبر.

إلى أن قال ثمّ كرّة اخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتّى يكون خليفة في الأرض ويكون الأئمّة عليهم السلام عمّاله ، وحتّى يُعبد الله علانية ، فتكون عبادته علانية في الأرض كما عُبد الله سرّاً في الأرض.

ثمّ قال إي والله ، وأضعاف ذلك ثم عقد بيده أضعافاً ، يعطي الله نبيَّه صلى الله عليه وآله ملك جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الدنيا إلى يوم يفنيها ، حتّى ينجز له موعوده في كتابه ، كما قال ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (4) (5).

ومنه نقلاً من كتاب ( الواحدة ) بسنده عن أبي حمزة الثمَاليّ : عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أحد واحد الخبر.

إلى أن قال وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا ، وذلك قوله عزوجل ( وَإِذْ أَخَذَ

ص: 89


1- مختصر بصائر الدرجات : 27 ، بحار الأنوار 53 : 43 - 44 / 14.
2- الذاريات : 13.
3- مختصر بصائر الدرجات : 28 ، بحار الأنوار 53 : 44 / 15 ، وفيهما : « يكسرون في الكرّة » بدل : « يكرون في الكرة ».
4- التوبة : 33.
5- مختصر بصائر الدرجات : 29 ، بحار الأنوار 53 : 74 - 75 / 75.

اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (1) ، يعني : لتؤمنن بمحمَّد : ولتنصرنّ وصيَّه وسينصرونه جميعاً ، وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمَّد صلى الله عليه وآله : بالنصرة بعضنا لبعض ، فقد نصرت محمَّداً صلى الله عليه وآله ، وجاهدت بين يديه ، وقتلت عدوَّه ، ووفيت لله بما أخذ عليَّ : من الميثاق والعهد والنصرة لمحمَّد صلى الله عليه وآله ، ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله ؛ وذلك لما قبضهم الله إليه ، وسوف ينصرونني ، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها ، وليبعثهم الله أحياء من آدم عليه السلام : إلى محمَّد صلى الله عليه وآله : كلّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يديَّ بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً.

فيا عجباه! وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبّون زمرة زمرة بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله ، قد أحاطوا بسكاك الكوفة ، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ، ليضربوا بها هام الكفرة وجبابرتهم ، وأتباعهم من جبابرة الأوّلين والآخرين ، حتّى ينجز لهم ما وعدهم في قوله عزوجل ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (2) أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادتي ، ليس عندهم تقيَّة ، وأن لي الكرَّة بعد الكرة ، والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرّات ، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات الخبر.

إلى أن قال سلام الله عليه - وأنا دابّة الأرض.

إلى أن قال عليه سلام الله - وأنا صاحب العصا والمِيسَم (3) (4) الخبر.

ومنه بسنده إلى سعد بن عبد الله ، بسنده عن عبد الله بن سنان : قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لقد أسرى بي ربّي عزوجل ، وأوحى إليَّ من وراء حجاب ما أوحى ، وكلَّمني بما كلَّم به ، وكان ممّا كلَّمني به.

ص: 90


1- آل عمران : 81.
2- النور : 55.
3- المِيسَم : الحديدة التي يُكوى بها. لسان العرب 15 : 302 وسم.
4- مختصر بصائر الدرجات 32 - 34 ، بحار الأنوار 53 : 46 - 48 / 20 ، باختلاف فيهما.

إلى أن قال (1) يا محمَّد ، عليٌّ : أوّل من (2) أُخذ ميثاقه (3) من الأئمَّة. يا محمَّد ، عليٌّ : آخر من أقبض روحه من الأئمَّة ، وهو الدابّة التي تكلّمهم (4).

ومنه نقلاً من كتاب ( الخرائج ) (5) لسعد بن عبد الله الراوندي : بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال الحسين عليه السلام : لأصحابه قبل أن يقتل : والله (6) لئن قتلونا فإنّا نردُّ على نبيِّنا صلى الله عليه وآله ، ثمّ أمكث ما شاء الله فأكون أوّل من تنشقُّ الأرض عنه ، فأخرج خَرْجة توافق خَرْجة أمير المؤمنين عليه السلام ، وقيام قائمنا عليه السلام ، وحياة رسول الله صلى الله عليه وآله. ثمّ لينزلنَّ عليَّ وفد من السماء من عند الله عزوجل لم ينزلوا إلى الأرض قطّ ، لينزلنَّ عليَّ جبرئيل : وميكائيل : وإسرافيل : وجنود من الملائكة ، ولينزلنَّ محمَّد صلى الله عليه وآله : وعليّ عليه السلام : وأنا وأخي عليه السلام وجميع مَن مَنَّ الله عليه في حمولات من حمولات الربّ ، خيلٍ بلقٍ من نور لم يركبها مخلوق.

ثمّ ليهزنَّ محمَّد صلى الله عليه وآله : لواءه وليدفعنَّه إلى قائمنا عليه السلام : مع سيفه ، ثمّ إنا نمكث بعد ذلك ما شاء ثمّ الله إن الله يُخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن ، وعيناً من لبن وعيناً من ماء ، ثمّ إن أمير المؤمنين عليه السلام : يدفع إليَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيبعثني إلى الشرق والغرب (7) ، فلا آتي على عدوٍّ لله (8) إلّا هرقت (9) دمه ، ولا أدع صنماً إلّا أحرقته ، حتّى أقع إلى الهند وأفتحها (10) ، وإن دانيال م : ويوشع عليهما السلام (11) : يخرجان مع (12) أمير المؤمنين عليه السلام : يقولان : صدق الله ورسوله. ويبعث [ الله (13) ] معهما [ إلى البصرة (14) ] سبعين رجلاً فيقتلون [ مقاتلتهم (15) ] ، ويبعث بعثاً إلى الروم

ص: 91


1- في المخطوط بعده : ( الخبر إلى قوله ).
2- في المصدر : « مَا ».
3- في المصدر : ( بميثاقه ).
4- مختصر بصائر الدرجات : 36 ، بحار الأنوار 53 : 68 / 65.
5- الخرائج والجرائح 2 : 848 - 849 / 63.
6- في المصدر : ( فو الله ).
7- في مختصر بصائر الدرجات : « المشرق والمغرب ».
8- في الخرائج والجرائح : « على عدوٍّ » وفي مختصر بصائر الدرجات : « على عدوّ الله ».
9- في الخرائج والجرائح : « أهرقت ».
10- في المصدر : « فأفتحها ».
11- في الخرائج والجرائح : « ويونس ».
12- في المصدر : « إلى ».
13- من المصدر.
14- من الخرائج والجرائح.
15- من الخرائج والجرائح ، وفي المخطوط : « مقاتلهم ».

فيفتح (1) الله لهم.

ثم لأقتلنَّ كلّ دابَّة حرَّم الله لحمها ؛ حتّى لا يكون على وجه الأرض إلّا [ الطيِّب (2) ] ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل ولأُخيِّرنَّهم بين الإسلام والسيف ؛ فمن أسلم مننت عليه ، ومن كره أراق (3) الله دمه (4) الخبر.

ومنه بسنده عن السيّد الجليل علي بن عبد الكريم : بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : مثله (5).

ومنه بسنده عن الصدوق ، بسنده عن مُثَنّى الحنّاط : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول أيّام الله ثلاثة ، يوم قيام القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة (6).

ومنه قال : حدّثنا الشيخ أبو عبد الله محمّد بن مكّي : بإسناده عن عليّ بن إبراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير : عن حمّاد : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ما تقول الناس في هذه الآية ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (7)؟ قلت : يقولون : إنها في القيامة. قال عليه السلام ليس كما يقولون ، إن ذلك في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلّ امَّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنما آية القيامة ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (8). وقوله ( وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (9). قال الصادق عليه السلام : كلّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة ، وأمّا يوم القيامة فيرجعون ، والّذين محضوا الإيمان محضاً ، وغيرهم ممَّن لم يهلكوا بالعذاب ، ومحضوا الكفر محضاً يرجعون (10).

ومنه عن عليّ بن إبراهيم (11) : بسنده عن ابن مُسكان : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول

ص: 92


1- في الخرائج والجرائح : « ويفتح ».
2- من المصدر ، وفي المخطوط : « طيب ».
3- في المصدر : « أهرق ».
4- مختصر بصائر الدرجات : 50 و 51.
5- مختصر بصائر الدرجات : 50 و 51 ، بحار الأنوار 53 : 63 / 52.
6- مختصر بصائر الدرجات : 41 ، وانظر مختصر بصائر الدرجات 18 ، بحار الأنوار 53 : 63 / 53 وفيهما : « يوم يقوم القائم ».
7- النحل : 83.
8- الأنبياء : 95.
9- الكهف : 47.
10- مختصر بصائر الدرجات : 41 و 42 ، بحار الأنوار 53 : 60 - 61 / 49.
11- تفسير القمّيّ 1 : 134.

الله عزوجل ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) (1) الآية قال ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم عليه السلام : إلّا ويرجع إلى الدنيا ، فينصر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو قوله ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) (2) يعني : م برسول الله صلى الله عليه وآله ، ( وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) يعني : م أمير المؤمنين عليه السلام (3). وعنه (4) عن أبيه عن ابن أبي عمير : عن المفضّل : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول الله تعالى ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (5) قال عليه السلام ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا ويرجع حتّى يموت ، ولا يرجع إلّا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً (6) الخبر.

وقال عليّ بن إبراهيم : في قول الله تعالى ( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (7) قال الصادق عليه السلام : ذلك في الرجعة (8).

ومنه بسنده عن الصادق عليه السلام : في قوله ( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ) (9) الآية قال هي الرجعة (10).

ومنه بسنده عن أبي سلمة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سألته عن قول الله عزوجل ( ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) (11). قال عليه السلام يمكث عليٌّ عليه السلام (12) : بعد قتله في الرجعة ، فيقضي ما أمره (13).

ومنه بسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام : في قوله عزوجل ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ

ص: 93


1- آل عمران : 81.
2- آل عمران : 81.
3- مختصر بصائر الدرجات : 42 ، بحار الأنوار 53 : 61 / 50.
4- تفسير القمّيّ 2 : 131 - 132.
5- النمل : 83.
6- مختصر بصائر الدرجات : 43.
7- غافر : 11.
8- تفسير القمّي 2 : 209 ، بحار الأنوار 53 : 56 / 36.
9- ق : 42.
10- مختصر بصائر الدرجات : 46 ، بحار الأنوار 53 : 65 / 57 ، ورواه في تفسير القمّيّ 2 : 335.
11- عبس : 22.
12- ليست في المصدر.
13- مختصر بصائر الدرجات : 47 ، بحار الأنوار 53 : 99 / 119 ، ورواه في تفسير القمّيّ 2 : 431.

الْأُولى ) (1). قال يعني : الكرّة ، هي الآخرة للنبيِّ صلى الله عليه وآله (2) الخبر.

ومنه بسنده عن أبي بصير : عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (3). قال في الرجعة (4).

ومنه بسنده عن محمّد بن يعقوب (5) ، بسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام : في قوله عزّ اسمه ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) قال قَتْلُ عليّ بن أبي طالب ، وطَعْنُ الحسن عليهما السلام ، ( وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ) قال : قَتْلُ الحسين عليه السلام ( : فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما ) ، فإذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام ، ( بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ) ، قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم : فلا يدعون [ واتراً ] (6) لآل محمّد : إلّا قتلوه ( وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) خروج القائم عليه السلام ، ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (7) ، خروج الحسين عليه السلام ، يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البِيضُ (8) المذهّبة ، لكلّ بيضة وجهان ، يؤذِّن (9) المؤذِّنون (10) إلى الناس أن هذا الحسين عليه السلام : قد خرج حتّى لا يشكّ المؤمنون فيه ، وأنه ليس بدجّال ولا شيطان ، والحجة عليه السلام : بين أظهرهم. فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه السلام : جاء الحجَّةَ عليه السلام : الموتُ ، فيكون الذي يغسِّله ويكِّفنه ويحنِّطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي عليه السلام ، ولا يلي الوصيَّ إلّا الوصيُّ (11).

ص: 94


1- الضحى : 4.
2- مختصر بصائر الدرجات : 47 ، بحار الأنوار 53 : 59 / 43 ، ورواه في تفسير القمّيّ 2 : 459.
3- الإسراء : 72.
4- مختصر بصائر الدرجات : 20 ، بحار الأنوار 53 : 67 / 61.
5- الكافي 8 : 175 / 250.
6- في المخطوط ومختصر بصائر الدرجات وبحار الأنوار : « وتر » ، وما أثبتناه من الكافي.
7- الإسراء : 4 - 6.
8- البِيض من السلاح : جمع بيضة ، وهي الخوذة. لسان العرب : 1 : 552 بيض.
9- لم يرد في بحار الأنوار والكافي : « يؤذّن ».
10- في الكافي وبحار الأنوار : « المؤدّون ».
11- مختصر بصائر الدرجات : 48 ، بحار الأنوار 53 : 93 - 94 / 103.

ومنه بسنده عن أحمد بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام : سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال نعم.

فقيل له : من أوّل من يخرج؟ قال : م الحسين عليه السلام : يخرج على أثر القائم عليه السلام : قلت : ومعه الناس كلّهم؟ قال لا ، بل كما ذكر الله تعالى في كتابه ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ) (1) قوم بعد قوم (2).

ومنه بسنده عن جابر الجعفي : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول والله ليملكنّ منّا أهل البيت رجلٌ بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً.

قلت : متى يكون ذلك؟ قال بعد القائم عليه السلام. قلت : وكم يقوم القائم : في عالمه؟ قال تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدنيا ، وهو الحسين بن علي عليه السلام : فيطلب بدمه ودم أصحابه ، فيقتل ويسبي حتّى يخرج السفّاح ، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (3). ومنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن ( فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (4) - هي كرّة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويكون ملكه في كرَّته خمسين ألف سنة (5).

ومنه بسنده عن بُرَيدَةَ الأسلمي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله : قال وساق حديثاً طويلاً قال فيه - الموطن السابع : نبقى حتّى لا يبقى أحد ، وهلاك الأحزاب بأيدينا (6).

ومنه بسنده عن محمّد بن يعقوب : بسنده عن داود الرَّقّيّ : قال : قلت : ما معنى السلام على الله (7) وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله :؟ قال إن الله عزوجل لمّا خلق نبيَّه ووصيَّه وابنيه وابنته (8) وجميع الأئمّة عليهم السلام أخذ عليهم الميثاق ، وأن يصبروا ويصابروا وأن يتَّقوا الله ، ووعدهم أن

ص: 95


1- النبإ : 18.
2- مختصر بصائر الدرجات : 48 ، بحار الأنوار 53 : 103 / 130.
3- مختصر بصائر الدرجات : 49 ، بحار الأنوار 53 : 103 - 104 / 130.
4- المعارج : 4.
5- مختصر بصائر الدرجات : 49 ، بحار الأنوار 53 : 104 / 130.
6- مختصر بصائر الدرجات : 70 ، بحار الأنوار 53 : 59 / 44.
7- قوله : ( السلام على الله ) ليست في الكافي.
8- في الكافي : « وابنته وابنيه ».

يسلّم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن ، وأن ينزل لهم البيت المعمور ، ويظهر لهم السقف المرفوع ، وينجيهم (1) من عدوهم ، والأرض التي يبدلها من السلام ، ويسلّم ما فيها لهم ، ولا (2) [ شية (3) ] فيها ولا خصومة فيها لعدوّهم ، وأن يكون لهم منها (4) ما يحبّون ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله : على جميع الأئمّة وشيعتهم الميثاق بذلك (5) الخبر.

ومنه نقلاً من كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) للسيد الجليل علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني : بسنده عن ابن مهزيار : في حديث طويل قال فيه في كلام للحجّة : عجّل الله فرجه - فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر سواء ، فأجي ء إلى الكوفة ، فأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأوَّل ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحجُّ بالناس حجَّة الإسلام ، وأجي ء إلى يثرب فأهدم الحجرة ، وأُخرج مَن بها وهما طريّان فآمر بهما باتّجاه البقيع ، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما ، فتورقان من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الأُولى ، فينادي منادي الفتنة من السماء : يا سماء أبيدي (6) ، ويا أرض خذي. فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلّا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.

قلت : يا سيدي ما يكون بعد ذلك؟ قال الكرّة ، الكرّة الرجعة الرجعة ، ثم تلا هذه الآية ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (7) إلى آخر الآية (8).

ومنه بسنده عن النعمانيّ : في غيبته (9) بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال يملك القائم عليه السلام : تسع عشرة سنة وأشهراً (10).

ص: 96


1- في الكافي : « ويريحهم ».
2- في الكافي : « لا ».
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « شبهة ».
4- في الكافي : « فيها » بدل : « منها ».
5- الكافي 1 : 451 / 39 ، مختصر بصائر الدرجات : 172 ، بحار الأنوار 52 : 380 / 190.
6- في المصدر : « انبذي ».
7- الإسراء : 6.
8- مختصر بصائر الدرجات : 176 - 177 ، بحار الأنوار 53 : 104 / 131.
9- الغيبة : 331 / 1.
10- مختصر بصائر الدرجات : 193 ، بحار الأنوار 52 : 298 / 59 ، وفيه : « ملك » بدل : « يملك ».

وروى أيضاً أن الذي يغسّله جدّه الحسين عليه السلام (1).

أقول : كلّ ما جاء فيه تقدير مدّة ملك الحجّة : عجّل الله فرجه على اختلاف ألفاظه يدلّ على وقوع الرجعة ؛ فإن الضرورة عقلاً وديناً قاضية بأنه لا تخلو الأرض من حجّة لله ، إمّا ظاهر أو مستتر. وأجمعت الفرقة فتوًى ونصّاً (2) على أن الإمام لا يلي أمره إلّا الإمام ، فإذا مات القائم : عجّل الله فرجه فلا بدّ من أن يكون حينئذٍ أحد من آبائه الأئمّة عليهم السلام موجوداً في الدنيا ؛ ليلي أمره ويقوم بحجج الله بعده. وسيتلى عليك بعض أخبار مدّة ملكه إن شاء الله الرحمن ، فترقّب إني وإيّاكم لرحمة ربّي من المترقّبين.

ومنه بسنده عن جعفر بن محمّد بن قولويه : في مزاره (3) بسنده عن المؤتمن الجليل المفضّل بن عمر : في وصف زوّار الحسين عليه السلام : في الرجعة - ويُنزل الله على زوّار الحسين عليه السلام : غدوة وعشيَّة من طعام الجنَّة ، وخدّامهم الملائكة ، لا يسأل اللهَ عبدٌ حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا أعطاها إيّاه.

قال : قلت : هذه والله الكرامة. قال عليه السلام يا مفضَّل : أزيدك؟

قلت : نعم يا سيّدي. قال عليه السلام كأنّي بسرير من نور قد وضع ، وقد ضربت عليه قبَّة من ياقوتة حمراء مكلَّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين عليه السلام : جالساً على ذلك السرير ، وحوله تسعون ألف قبَّة خضراء وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه ، فيقول الله تعالى لهم : أوليائي ، سلوني ، فطالما اوذيتم وذلِّلتم واضطُهدتم ، فهذا يوم لا تسألونني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم. فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة ، فهذه والله الكرامة (4).

ومنه بسنده عن كتاب ( المشيخة ) للحسن : عن محمّد بن سلام : عن أبي جعفر عليه السلام

ص: 97


1- مختصر بصائر الدرجات : 193.
2- رجال الكشّي 2 : 764 / 883 ، بحار الأنوار 48 : 270 / 29.
3- كامل الزيارات : 258 - 259 / 390.
4- مختصر بصائر الدرجات : 193 - 194 ، بحار الأنوار 98 : 65 / 53.

في قول الله تعالى ( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (1) الآية قال هو خاصٌّ بأقوام (2) في الرجعة بعد الموت ، ويجري في القيامة (3).

ومنه نقلاً من كتاب ( التنزيل والتحريف ) بسنده عن عبد الله بن نجيح اليماني : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال في قوله عزّ اسمه ( كَلّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (4) قال مرّة بالكرّة ، وأُخرى يوم القيامة (5).

ومنه نقلاً من كتاب تأويلات محمّد بن العباس بسنده عن أبي مروان : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (6). فقال لا والله ، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتّى يجتمع رسول الله صلى الله عليه وآله : وعليٌّ عليه السلام بالثويَّة ، فيلتقيان ويبنيان بالثويَّة مسجداً له اثنا عشر ألف باب.

يعني موضعاً بالكوفة (7).

وبسنده عنه ، بسنده عنه عليه السلام أيضاً مثله (8).

ومنه بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال في قوله تعالى : ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ ) (9) اللاحقة : م الحسن بن علي عليهما السلام : في خمسة وسبعين ألفاً ، وهو قوله عزوجل ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) وفي الآخرة ( وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) (10) الآية (11).

ص: 98


1- غافر : 11.
2- في المصدر : « لأقوام ».
3- مختصر بصائر الدرجات : 194 - 195 ، بحار الأنوار 53 : 116 / 139.
4- التكاثر : 3.
5- مختصر بصائر الدرجات : 204 ، بحار الأنوار 53 : 107 / 135.
6- القصص : 85.
7- مختصر بصائر الدرجات : 210 ، بحار الأنوار 53 : 113 - 114 / 138.
8- مختصر بصائر الدرجات : 210 ، بحار الأنوار 53 : 114 / ذيل الحديث : 138.
9- النازعات : 6 - 7.
10- غافر : 51.
11- مختصر بصائر الدرجات : 211 ، وفيه : « الراجفة : الحسين بن علي عليه السلام ، والرادفة : علي بن أبي طالب عليه السلام وأوَّل من ينفض عن رأسه التراب الحسين بن علي عليه السلام في خمسة وسبعين ألفاً وهو قوله عزوجل .. ».

ومنه بسنده عن كتاب ( البشارة ) للسيّد علي بن طاوس : وجدت في كتاب ، تأليف جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، بسنده إلى حمران بن أعيَن : قال : عمر الدنيا مائة ألف سنة : لسائر الناس عشرون ألف سنة ، وثمانون ألف سنة لآل محمَّد صلى الله عليه وآله.

قال السيّد رضي الدين : وأعتقد أنني وجدت في كتاب طاهر : بن عبد الله : أبسط من هذه الرواية (1).

ومنه بسنده عن غيبة النعمانيّ (2) : بسنده عن الثماليّ : قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي : يقول لو قد خرج قائم آل محمّد : لينصرنَّه الله بالملائكة المسوَّمين والمردفين والمنزلين والكروبيِّين ، يكون جبرئيل عليه السلام : أمامه ، وميكائيل : عن يمينه ، وإسرافيل : عن يساره ، والرعب مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ، والملائكة المقرَّبون خدّامه (3) ، أوّل من (4) يبايعه محمَّد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعليٌّ : صلوات الله عليه الثاني ، ومعه سيف مُخْتَرَطَةٌ (5) (6) الخبر.

ومنه بسنده عن غيبة النعمانيّ (7) : أيضاً ، بسنده عن جابر الجعفي : قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي : يقول ليملكنّ رجل منّا أهل البيت : ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً.

قال : قلت له : متى يكون ذلك؟ قال بعد موت القائم. فقلت : وكم يقوم القائم في عالمه حتّى يموت؟ قال تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته (8).

ومنه بسنده إلى ابن قولويه (9) : في كتاب المزار ، بسنده عن أبي بكر الحضرميّ عن

ص: 99


1- مختصر بصائر الدرجات : 212 ، بحار الأنوار 52 : 116 / 138.
2- الغيبة : 234 - 235 / 22.
3- في المصدر « حذاءه ».
4- في مختصر بصائر الدرجات : « ما » بدل : « مَن ».
5- في الغيبة ، وبحار الأنوار : « مخترط ». اخترط السيف : سلّه من غِمده. لسان العرب 4 : 65 خرط.
6- مختصر بصائر الدرجات : 212 - 213 ، بحار الأنوار 52 : 348 / 99.
7- الغيبة : 331 - 332 / 3.
8- الغيبة ( النعماني ) : 331 - 332 / 3 ، مختصر بصائر الدرجات : 213 - 214 ، بحار الأنوار 52 : 298 - 299 / 61.
9- كامل الزيارات : 76 / 12.

أبي عبد الله : [ أو (1) ] أبي جعفر عليهما السلام : قال : قلت له : أي بقاع الأرض أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله؟ فقال الكوفة يا أبا بكر : الزكيّة الطاهرة ، فيها قبور النبيِّين المرسلين وغير المرسلين ، والأوصياء الصدّيقين (2) ، وفيها مسجد سهل (3) : الّذي لم يبعث الله نبيّاً إلّا وقد صلّى فيه. ومنها يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمه والقوّام من بعده ، وهي منازل النبيِّين والأوصياء الصالحين (4) (5).

قلت : لا يتمّ لهذا الخبر مصدوق إلّا برجعة الأوصياء [ وسُكناهم (6) ] فيها ، الضرورة قاضية بأنه لم يسكنها بعد من الأوصياء إلّا نزر قليل.

وأيضا دلّ هذا الخبر وكلّ ما دلّ على موت القائم : عجّل الله فرجه على رجعة آبائه عليهم السلام ؛ إذ لا حجّة بعدهم لله غيرهم ، فلا بدّ أن يكون منهم في الدنيا من يقوم بحجج الله وبيّناته ( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (7).

ومنه : قال رحمه الله : حدّثني الصالح محمّد بن إبراهيم بن محسن المطارآبادي : أنه وجد بخط أبيه الصالح إبراهيم : هذا الحديث ، وأراني خطّه ، وكتبته منه ، وصورته : [ الحسين (8) ] بن حمدان : عن محمّد بن إسماعيل ، وعلي بن عبد الله : عن أبي شعيب محمّد بن نصر : عن عمر بن الفرّاء : عن محمّد بن المفضّل : عن المفضّل : قال : سألت سيّدي الصادق عليه السلام : هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السلام : من وقت موقّت يعلمه الناس؟ فقال حاشا لله الخبر.

وهو طويل ذكر فيه صفة ظهور المهديّ : عجّل الله فرجه وسيرته من أوّل قيامه ، وصفة إخراجه للرجلين وسؤاله لهما وما يفعل بهما.

ص: 100


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( و ).
2- في المصدر : « الصادقين ».
3- في المصدر : « سهيل ».
4- في المصدر : « والصالحين ».
5- مختصر بصائر الدرجات : 178 ، بحار الأنوار 97 : 440 / 17.
6- في المخطوط : ( وسكونهم ).
7- الأنعام : 149.
8- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الحسن ).

إلى أن قال ثمّ يأمر ريحاً فتنسفهما في اليمّ نسفاً.

قال المفضّل : يا سيّدي ، ذلك آخر عذابهما؟ قال هيهات يا مفضَّل ، والله ليردنَّ ، وليحضرنَّ السيِّدُ الأكبر محمَّدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله : والصدِّيق الأكبر أمير المؤمنين : وفاطمة : والحسن : والحسين : والأئمّة عليهم السلام إماماً إماماً (1) ، وكلُّ من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً ، وليقتصن (2) منهما بجميع [ فعلهما (3) ] ، وليقتلان في كلِّ يوم وليلة ألف قتلة ، ويردّان إلى ما شاء الله (4) الخبر.

إلى أن قال : قال المفضل : ثمّ ماذا يعمل المهديّ : يا سيّدي؟ قال عليه السلام يثوِّر سراياه إلى السفيانيّ : إلى دمشق ، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ، ثمّ يظهر الحسين بن علي عليهما السلام : في اثني عشر ألف صدِّيق واثنين وسبعين رجلاً من الَّذين قتلوا معه يوم عاشوراء ، فيا لك عندها من كرّة زهراء ، ورجعة بيضاء!.

ثمّ يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين عليه السلام ، وتنصب له القبّة البيضاء على النجف ، وتقام أركانها : ركن بالنجف ، وركن بهَجَر ، وركن بصنعاء اليمن ، وركن بأرض طيبة ، لكأنّي (5) أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضوإ من الشمس والقمر ، فعندها تُبلى السرائر و ( تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها ، وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ) (6).

ثمّ يظهر السيّد الأكبر الأجلُّ محمَّد صلى الله عليه وآله : في أنصاره والمهاجرين إليه ومن آمن به وصدَّقه واستشهد معه ، ويحضر مكذِّبوه والشاكُّون فيه والرادُّون عليه (7) ، والقائلون : إنه ساحر أو كاهن أو مجنون ومعلّم أو (8) شاعر وناطق عن الهوى ، ومن حاربه وقاتله ؛ حتّى يقتصَّ منهم بالحقِّ ،

ص: 101


1- قوله : « إماماً إماماً » ، ليس في المصدر.
2- في المصدر : « وليقتص ».
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « المطالب ».
4- في المصدر : « ربهما » بدل : « الله ».
5- في المصدر : « فكأني ».
6- الحجّ : 2.
7- في المصدر : « والمكفّرون » ، بدل : « والرادّون عليه ».
8- في المصدر كلّ ذلك بالعطف بالواو بدل : « أو ».

ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر إلى وقت ظهور المهدي عليه السلام : مع إمام إمام ، ووقت وقت (1) ، ويحقُّ تأويل هذه الآية ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (2).

قال المفضّل : يا سيّدي ومن فرعون : وهامان :؟ قال عليه السلام : أبو بكر : وعمر. قال المفضّل : قلت : يا سيّدي ، ورسول الله صلى الله عليه وآله : وأمير المؤمنين عليه السلام : يكونان معه؟ فقال : لا بدّ أن يطآ (3) الأرض ، [ حتّى ما وراء القاف (4) إي والله ، وما في الظلمات وما في قعر البحار ، حتّى لا يبقى موضع قدم إلّا وطئاه وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى.

ثم لكأني أنظر إلينا معاشر الأئمّة ونحن بين يدي جدِّنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، نشكو إليه ما نزل بنا من الأُمَّة بعده من التكذيب ، والردِّ علينا ، وسبِّنا ولعننا ، وتخويفنا (5) بالقتل ، وقصد طواغيتهم الولاة لأُمورهم إيّانا من دون الأُمَّة ، بترحيلنا عن حرمة إلى دار ملكهم ، وقتلهم إيّانا بالقتل والحبس (6) ، فيبكي رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويقول : يا بَنيَّ ما نزل بكم إلّا ما نزل بجدِّكم قبلكم (7).

ثمّ تبتدئ فاطمة عليها السلام : وتشكو ما نالها من أبي بكر : وعمر (8) : وأخذ فدك ، ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار وخطابها له في أمر فدك وما ردّ عليها من قوله : إن الأنبياء لا تورّث ، واحتجاجها بقول زكريّا : ويحيى : عليهما السلام ، وقصّة داود : وسليمان : عليهما السلام ، وقول صاحبه : هاتِ صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك ، وإخراجهما الصحيفة ، وأخذهما إيّاها منها ، ونشرها على

ص: 102


1- في المصدر : « إماماً إماماً ، ووقتاً وقتاً » بدل : « مع إمامٍ .. وقت ».
2- القصص : 5 - 6.
3- من المصدر ، وفي المخطوط بياض.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : « إي والله حتّى ما » ، وما بعدها كلمة غير مقروءة. ]
5- في المصدر : « وإرهاقنا ».
6- قوله : « بترحيلنا عن حرمه .. والحبس » ليس في المصدر.
7- ليست في المصدر وورد مكانها : « ولو علمت طواغيتهم أن نحن والمهدي عليه السلام والإيمان والوصيَّة والولاية في غيركم لظنّوا ».
8- في المصدر : « ما نالها من عمر ، وما نالها من أبي بكر ».

رؤوس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب ، وتفله فيها وعزله لها وتمزيقه إيّاها ، وبكاءها ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله : باكية حزينة ، تمشي على الرمضاء قد أقلقتها ، واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتمثُّلها فيه بقول رقيَّة بنت صفيّة :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة (1) *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلَها *** واختلَّ أهلك فاشهدهم فقد لعبوا (2)

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم *** لمّا نأيت وحالت دونك (3) الحجب

وكلّ (4) قوم لهم قربى ومنزلة *** عند الإله على الأقصين (5) يقترب

يا ليت قبلك كان الموت حلّ بنا (6) *** أملوا أُناس ففازوا (7) بالذي طلبوا

وتقصُّ عليه قصَّة أبي بكر : وإنفاذه خالد بن الوليد : وقنفذاً : وعمر بن الخطاب (8) : وجمعاً لإخراج أمير المؤمنين عليه السلام : من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة ، واشتغال أمير المؤمنين عليه السلام : بنساء رسول الله صلى الله عليه وآله (9) ، وجمع القرآن وقضاء دَينه (10) وإنجاز عِداته ، وهي ثمانون ألف درهم (11).

وجمعهم الحطب الجزل على الباب لإحراق أمير المؤمنين : وفاطمة : والحسن : والحسين : وزينب : وامّ كلثوم : عليهم السلام.

وقصّة إضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة : عليها السلام إليهم ، وخطابها لهم من وراء الباب ، وقولها : ويحك يا عمر ، ما هذه الجرأة على الله ورسوله؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه ،

ص: 103


1- الهنبثة : الداهية ، والأمر الشديد. لسان العرب 15 : 144 هنبث.
2- في المصدر : « واختلَّ قومك فاشهدهم ولا تغب ».
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « دينك ».
4- في المصدر : « لكلّ ».
5- في المصدر : « الأدنين ».
6- في المصدر : « يأخذنا ».
7- في المصدر : « وفازوا ».
8- في المصدر : « خالداً وقنفذاً ، وعمر ».
9- في المصدر : « واشتغال أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وضمّ أزواجه وتعزيتهم ».
10- في المصدر : « ديونه ».
11- إلى هنا ما في مختصر بصائر الدرجات : 178 - 179.

وتطفئ نور الله ، والله متمّ نوره؟ وانتهاره لها وقوله لها : كفّي يا فاطمة ، فليس محمَّد : حاضراً ، ولا الملائكة تأتيه بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما عليٌّ : إلّا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر : أو إحراقكم جميعاً. فقالت وهي باكية : اللهمّ إليك نشكو فَقْدَ نبيِّك ورسولك وصفيِّك ، وارتداد أُمَّته علينا ، ومنعهم إيّانا حقَّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيّك المرسل. فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة : حماقات النساء ، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة.

و [ أخذ (1) ] النار في خشب الباب ، ومدَّ قنفذ : يده يروم فتح الباب ، وضرْب عمر : لها بالسوط على عضدها حتّى صار كالدُّملج الأسود (2) ، وركل الباب برجله حتّى أصاب الباب بطنها وهي حامل بالمحسن : لستَّة أشهر ، وإسقاطها إيّاه ، وهجوم عمر : وقنفذ : وخالد بن الوليد ، وسفقه (3) خدَّها حتّى بدا قرطُها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : وا أبتاه ، وأم رسول الله ، ابنتك تكذّب وتضرب ، ويُقتل جنينٌ في بطنها.

وخروج أمير المؤمنين عليه السلام : من داخل الدار محمرَّ العين حاسراً ، حتّى ألقى ملاءته عليها ، وضمّها إلى صدره ، وقال لها : يا ابنة رسول الله ، قد علمت أن الله بعث أباك رحمة للعالمين ، فبالله لا تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك ، فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا [ يُبقي (4) ] الله على الأرض من يشهد أن محمّداً : م رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا موسى : ولا عيسى : ولا إبراهيم : ولام نوحاً : ولا آدم ، ولا دابَّة على الأرض ولا طائراً في السماء إلّا أهلكه الله.

ثمّ قال : يا ابن الخطاب ، لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه ، اخرج قبل أن أُشهر سيفي فأفني غابر الأُمَّة. فخرج عمر : وخالد بن الوليد : وقنفذ : وعبد الرحمن بن أبي بكر ، فصاروا من خارج الدار ، وصاح أمير المؤمنين عليه السلام : م بفضة : يا فضة ، إليك مولاتك فأقبلي منها ما تقبله النساء ، فقد جاءها المخاض من الرفسة و [ ردّ (5) ] الباب فأسقطت محسناً ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنه

ص: 104


1- من الهداية ، وفي المخطوط : « أخذت ».
2- الدُّملُج : المعضد. مختار الصحاح : 211 دملج.
3- السفْقُ : لغة في الصفق. لسان العرب 6 : 284 سفق.
4- من الهداية ، وفي المخطوط : « أبقى ».
5- من بحار الأنوار ، وفي المخطوط : « ردّه ».

لاحق بجدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : فيشكو إليه.

وحمل أمير المؤمنين : عليه السلام لها في سواد الليل والحسن : والحسين : وزينب : وامّ كلثوم : إلى دور المهاجرين والأنصار ، يذكِّرهم بالله وبرسوله وعهده الّذي بايعوا الله ورسوله صلى الله عليه وآله عليه في أربعة مواطن في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها ، وكلٌّ يعده بالنصرة في يومه المقبل ، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه.

ثم يشكو إليه المحن السبعة التي امتُحن بها بعده ، وقوله : لقد كانت قصّتي مثل قصّة هارون : مع بني إسرائيل ، وقولي كقوله لموسى : ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (1) الآية فصبرت محتسباً وسلَّمت راضياً ، وكانت الحجَّة عليهم في خلافي ، ونقضهم عهدي الذي عاهدهم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، واحتملت يا رسول الله : ما لم يحتمله وصيُّ نبيٍّ من سائر الأنبياء من سائر الأُمم ، حتّى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم ، وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي.

وخروج طلحة : والزبير : م بعائشة : إلى مكّة يظهران الحجّ والعمرة ، وسيرهم بها إلى البصرة ، وخروجي لهم وتذكيري لهم الله وإيّاك فيما جئت به يا رسول الله ، فلم يرجعا حتّى نصرني الله عليهما ، أهرقت دماء عشرين ألفاً من المسلمين ، وقطعت سبعين كفّاً على زمام الجمل ، فما لقيت في غزواتك وبعدك أصعب منه يوماً أبداً. لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها وأهولها وأعظمها ، فصبرت كما أدَّبني بما أدَّبك به يا رسول الله : في قوله عزوجل ( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) (2) ، وقوله ( وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلّا بِاللهِ ) (3) الخبر.

إلى أن قال يا مفضّل ، ويقوم الحسن عليه السلام : إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيقول : يا جدّاه كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام : في دار هجرته بالكوفة حتّى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم ، فوصّاني بما وصيّته يا جدّاه. وبلغ معاوية : قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زياداً إلى الكوفة في مائة ألف

ص: 105


1- الأعراف : 150.
2- الأحقاف : 35.
3- النحل : 127.

وخمسين ألف مقاتل ، فأمر بالقبض عليَّ وعلى أخي الحسين : وسائر إخواني وأهل بيتي وشيعتنا وموالينا ، وأن يأخذ البيعة علينا لمعاوية ، فمن أبى ضُربت عنقه ، وسيِّر إلى معاوية رأسه. فلمّا علمت ذلك من معاوية خرجت من حيني إلى جامع [ الكوفة للصلاة (1) ] ورقأت المنبر واجتمع الناس ، فحمدت الله وأثنيت عليه.

وساق خطبة بليغة جدّاً أمر فيها أهل الكوفة ونهى ، وذكر فيها حالهم معه وخذلانهم إيّاه ونصرتهم لعدوّه غير عشرين رجلاً ، وما جرى عليه من عدوّه.

إلى أن قال الصادق عليه السلام : ثمّ يقوم الحسين عليه السلام : مخضّباً بدمائه هو وجميع من قتل معه ، فإذا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله : بكى بكاءً شديداً ، وبكى أهل السماوات والأرضين لبكائه ، وتصرخ فاطمة : صلوات الله عليها فتزلزل الأرض ومن عليها. ويقف أمير المؤمنين : والحسن : عن يمينه وفاطمة : عن شماله ، ويقبل الحسين عليه السلام : فيضمّه رسول الله صلى الله عليه وآله : إلى صدره ، ويقول : يا حسين ، قَرّت عيناك وعيناي فيك.

وعن يمين الحسين : حمزة : أسد الله في أرضه وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيّار ، ويأتي محسن : تحمله خديجة بنت خويلد : وفاطمة بنت أسد : أم أمير المؤمنين عليه السلام ، وهنَّ صارخات ، وفاطمة : امُّه تقول ( هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) (2) ، ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) (3).

قال : فبكى الصادق عليه السلام : حتّى خضبت لحيته بالدموع ، ثمّ قال : لا بكت عين لا تبكي عند هذا الذكر.

وبكى المفضّل : طويلاً ، الخبر.

إلى أن قال المفضّل : يا مولاي ، ثمّ ماذا؟ قال الصادق عليه السلام : تقوم فاطمة : بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتقول : اللهمَّ أنجز وعدك لي ممَّن ظلمني وغصبني وضربني وفجعني بكلِّ أولادي.

ص: 106


1- من المصدر ، وفي المخطوط : « الصلاة بالكوفة ».
2- الأنبياء : 103.
3- آل عمران : 30.

فتبكيها ملائكة السماء السبع وحملة العرش وسكّان الهواء ومن في الدنيا ومن تحت أطباق الثرى ، صائحين صارخين إلى الله ، فلا يبقى أحد ممّن قتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلّا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة الخبر.

إلى أن قال المفضّل : يا مولاي ، فإن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم. فقال الصادق عليه السلام : أما سمعوا قول جدِّنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونحن سائر الأئمّة نقول ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (1).

قال المفضّل : يا مولاي ، فما العذاب الأدنى ، وما العذاب الأكبر؟ قال الصادق عليه السلام : العذاب الأدنى : عذاب الرجعة ، والعذاب الأكبر : عذاب يوم القيامة الذي فيه تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات ، وبرزوا لله الواحد القهار الخبر.

إلى أن قال الصادق عليه السلام : أحسنت يا مفضَّل ، فمن أين قلت برجعتنا ، ومقصِّرة شيعتنا تقول : معنى الرجعة : أن يردَّ الله إلينا ملك الدنيا ، وأن يجعله للمهديِّ عليه السلام ، ويحهم متى سلبنا الملك حتّى يردّ علينا؟.

قال المفضّل : لا والله ما سلبتموه ولا تسلبونه ؛ لأنه ملك النبوّة والرسالة والوصيّة والإمامة.

قال الصادق عليه السلام يا مفضّل : لو تدبّر القرآنَ شيعتُنا لما شكّوا في فضلنا ، أما سمعوا قول الله تعالى ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ : وَهامانَ : وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (2)؟ والله يا مفضّل ، إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل ، وتأويلها فينا ، وإن فرعون وهامان : وجنودهما تيم : وعدي : الخبر.

إلى أن قال الصادق عليه السلام : ثمّ يقوم جدِّي علي بن الحسين : وأبي الباقر : عليهما السلام فيشكوان إلى جدِّهما رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فُعل بهما. ثمّ أقوم أنا فأشكو إلى جدِّي رسول الله صلى الله عليه وآله : فعل المنصور : بي ، ثم يقوم ابني موسى : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل به الرشيد ، ثمّ يقوم علي بن

ص: 107


1- السجدة : 21.
2- القصص : 5 - 6.

موسى : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعله به المأمون ، ثمّ يقوم محمَّد بن علي : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل به المتوكّل ، ثمّ يقوم علي بن محمّد : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل به المستعين ، ثمّ يقوم الحسن : فيشكو إلى جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله : ما فعل به المعتزّ ، ثمّ يقوم المهديّ : سَمِيُّ جدِّي رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعليه قميص رسول الله صلى الله عليه وآله : مضرَّجاً بدم رسول الله صلى الله عليه وآله : يوم شُجَّ جبينُه وكسرت رباعيَّته ، والملائكة تحفُّه حتّى يقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيقول : يا جدّاه الخبر.

وساق الشكاية ممّا ناله من الأذى والجحود له وغير ذلك.

إلى أن قال المفضّل : يا مولاي ، فقوله ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (1) ، ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله : ظهر على الدين كلّه؟ [ قال يا مفضَّل : لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله : ظهر على الدين كلِّه (2) ] ما كان مجوسيَّة ولا يهوديَّة ولا صابئة ولا نصرانيَّة ، ولا فرقة ، ولا خلاف ولا شكَّ ولا شرك ، ولا عبدت أصنام ولا أوثان ولا اللات والعزّى ، ولا عبدت الشمس ولا القمر ولا النجوم ولا الحجارة ، وإنما قوله ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) في هذا اليوم ، وهذا المهديُّ ، وهذه الرجعة وهو قوله ( وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ ) (3) الخبر (4).

وهو طويل جدّاً ، أخذنا منه مواضع الدلالة على ثبوت رجعة أهل البيت ، صلوات الله وسلامه عليهم.

وقد وقفت عليه في أصل هداية الحضينيّ : هكذا : قال الحسين بن حمدان : حدّثني محمّد بن إسماعيل : وعليّ بن عبد الله الحسنيّان : عن أبي شعيب محمّد بن نصر : عن

ص: 108


1- التوبة : 33.
2- من بحار الأنوار ، وفي الهداية : « يا مفضّل ، ظهر عليه علماً ، ولم يظهر علمه عليه. ولو كان ظهر عليه ، ما كانت مجوسيّة .. ». والعبارة ليست في المخطوط.
3- الأنفال : 39.
4- بحار الأنوار : 53 : 1 - 34 ، باختلاف في كثير من ألفاظه.

عمر بن الفرات : عن محمّد بن الفضل : عن المفضّل بن عمر ، وساق الحديث بتمامه (1).

وأكثر ما ذكرته أخذته من كتاب الحضينيّ : نفسه ؛ لأنه ليس عندي حال الكتابة غيبة الشيخ حسن بن سليمان الحلّي ، وإنما عندي منه قطع منقولة باختصار.

ومن هداية الحضيني : أيضاً بسنده عن سلمان الفارسي رضى الله عنه : عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما نظر إليّ قال يا سلمان ، إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلّا جعل له اثني عشر نقيباً.

قال : قلت : يا رسول الله ، قد عرفت ذلك من أهل الكتابين : التوراة والإنجيل.

قال يا سلمان ، فهل عرفت من نقبائي ، ومن الاثنا عشر الَّذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟.

فقلت : الله ورسوله أعلم.

فقال صلى الله عليه وآله يا سلمان ، خلقني الله من صفوة نوره فدعاني فأطعت ، وخلق من نوري عليّاً : فدعاه فأطاعه ، وخلق من نوري ونور علي : م فاطمة : فدعاها فأطاعته ، وخلق منِّي ومن عليٍّ : وفاطمة : م الحسن : والحسين : فدعاهما فأطاعاه ، فسمّانا أسماء من أسمائه ، الله المحمود وأنا محمَّد ، والله العليُّ وهذا عليٌّ ، والله الفاطر وهذه فاطمة ، والله ذو الإحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين ، ثمّ خلق منّا من صلب الحسين : تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوه ، قبل أن يخلق الله سماء مبنيَّة ، ولا أرضاً مدحيَّة ، ولا هواء ، ولا ماء ، ولا مكاناً ، ولا بشراً. وكنّا بعلمه نوراً نسبِّحه ونسمع ونطيع الخبر.

إلى أن قال سلمان : قلت : يا رسول الله ، فأنّى لي بهم قد عرفت إلى الحسين عليه السلام :؟ قال صلى الله عليه وآله ثمَّ سيِّد العابدين : ابنه عليُّ بن الحسين ، ثمّ محمَّد بن عليٍّ : م باقر علم الأوَّلين والآخرين : من النبيِّين والمرسلين ، ثمّ جعفر بن محمَّد : لسان الله الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم : غيظه صبراً في الله عزوجل ، ثمّ عليُّ بن موسى : م الرضا : لأمر الله ، ثمّ محمَّد بن عليِّ : المختار

ص: 109


1- الهداية الكبرى : 392 - 437. باختلاف في كثير من ألفاظه.

من خلق الله ، ثمّ عليُّ بن محمّد الهادي : إلى الله ، ثمّ الحسن بن عليٍّ : الصامت الأمين على سرِّ الله ، ثمّ محمَّد بن الحسن المهديُّ : م القائم : الناطق بأمر الله.

قال سلمان : فبكيت ، ثمّ قلت : يا رسول الله ، فأنّى لسلمان : بإدراكه؟ قال صلى الله عليه وآله يا سلمان ، إنك تدركه وأمثالك ومن تولّاهم بحقيقة المعرفة.

قال سلمان : يا رسول الله ، أأُؤجّل إلى عهده؟ قال يا سلمان ، اقرأ ( فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) (1).

قال سلمان : فاشتدّ بكائي وشوقي ، ثمّ قلت : يا رسول الله ، بعهد منك؟ فقال صلى الله عليه وآله أي والَّذي أرسل محمّداً ، إنه لعهد منِّي ومن عليٍّ : وفاطمة : والحسن : والحسين : والتسعة الأئمّة ، وكلّ من هو منّا ومظلوم فينا ، إي والله يا سلمان ، ثمّ ليحضرنّ إبليس : وجنوده ، وكلُّ من محض الإيمان محضاً ومحض الكفر محضاً حتّى يؤخذ بالقصاص والأوتار والتراث ، ولا يظلم ربُّك أحداً ، ويحقُّ تأويل ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ : وَهامانَ : وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (2) (3) الخبر.

قلت : وروى هذا الخبر في ( البحار ) (4) نقلاً من كتاب السيّد حسن بن كبش ، ممّا أخذه من ( المقتضب ) مسنداً عن سلمان الفارسيّ رحمه الله.

ورواه أيضاً صاحب ( تحفة الإخوان ).

ومنها : ما رواه الشيخ المفيد : في إرشاده عن مسعدة بن صدقة : قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمَّد عليهما السلام : يقول خطب أمير المؤمنين عليه السلام : بالكوفة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ

ص: 110


1- الإسراء : 5 - 6.
2- القصص : 5 - 6.
3- الهداية الكبرى : 375 - 376 ، بتفاوت.
4- بحار الأنوار 25 : 6 / 9 ، 53 : 142 / 162.

قال : أنا سيِّد الشيب ، وفيَّ سُنَّة من أيّوب ، وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب : شمله (1) ، وذلك إذا استدار الفلك ، وقلتم : ضلَّ أو هلك ، ألا فاستشعروا قبلها الصبر ، وبوءوا (2) إلى الله بالذنب ، فقد نبذتم قدسكم ، وأطفأتم مصابيحكم ، وقلَّدتم هدايتكم من لا يملك لنفسه ولا لكم سمعاً ولا بصراً ، ضعف والله الطالب والمطلوب (3) الخبر.

ومنها : ما رواه الشيخ المفيد : في إرشاده قال : روى عبد الكريم الجعفي (4) : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : كم يملك القائم عليه السلام :؟ قال سبع سنين ، تطول أيّامها ولياليها (5) حتّى تكون السنة من سنيِّه مقدار عشر سنين من سنيِّكم ، فتكون سنوّ ملكه سبعين سنة من سنيِّكم هذه. وإذا آن قيامه مَطُر الناس [ جمادى الآخرة (6) ] ، وعشرة أيّام من رجب مطراً لم ترَ الخلائق مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة : ينفضون شعورهم من التراب (7).

ومنها : ما رواه المجلسيّ : في ( البحار ) من ( إكمال الدين ) (8) بسنده إلى عمر بن ثابت : عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سمعته يقول لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت بأهلها ولعذَّبهم الله بأشدِّ عذابه. إن الله تبارك وتعالى جعلنا حجَّة في أرضه ، وأماناً في الأرض لأهل الأرض ، لن يزالوا في أمان الله (9) من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم ، فإذا أراد الله أن يهلكهم ولا (10) يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بين أظهرهم (11) ورفعنا [ إليه (12) ] ، ثمّ

ص: 111


1- ليست في المصدر.
2- في المصدر : « وتوبوا » ، لكن ورد في هامشه إشارة إلى أن في نسخة منه : « بوءوا » ، وكذا في هامش أُخرى.
3- الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 11 / 1 : 290.
4- في المصدر : ( الخثعميّ ).
5- في المصدر : ( الأيّام والليالي ).
6- في المخطوط : ( جميدي ).
7- الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 11 / 2 : 381.
8- كمال الدين 1 : 204 / 14.
9- ليست في المصدر.
10- في كمال الدين : « ثم لا ».
11- في المصدر : « من بينهم ».
12- من كمال الدين وفي المخطوط : « ورفعنا الله ».

يفعل الله ما يشاء وأحبّ (1) (2).

ومنه بسنده إلى عبد الله بن سليمان العامريّ : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ما زالت الأرض إلّا ولله تعالى ذكره فيها حجَّة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل الله جلَّ وعزَّ. ولا ينقطع الحجَّة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة. فإذا رفعت الحجّة أُغلق باب التوبة ، ولا (3) ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجَّة ، أُولئك شرار خلق الله (4) ، وهم الَّذين تقوم عليهم القيامة (5).

ومن ( المحاسن ) (6) مثله.

وعن محمّد بن يعقوب (7) : عن محمّد بن عبد الله : ومحمّد بن يحيى : جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميريّ : قال : قلت لأبي عمر العمريّ : إني أُريد أن أسألك عن شي ء وما أنا بشاكّ فيما أُريد أن أسألك عنه ، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجّة إلّا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً ، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة وأُغُلق باب التوبة ، فلم يكن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، فأُولئك شرار من خلق الله وهم الذين تقوم عليهم القيامة (8).

أقول : الأخبار بأن الحجّة يُرفع قبل القيامة بأربعين يوماً كثيرة ، لا نطوّل بتتبعها. فإذا ضممتها إلى ما دلّ على أن القائم : عجّل الله فرجه يُقتل ويموت ، وإلى ما دلّ على أن ملكه سبع سنين (9) أو تسع عشرة سنة أو ثلاثمائة وتسع عشرة سنة (10) -

ص: 112


1- في كمال الدين : « ما شاء ».
2- بحار الأنوار 23 : 37 / 64.
3- في كمال الدين « ولن » ، وفي المحاسن : « ولم ».
4- في المحاسن : « شرار من خلق الله ».
5- كمال الدين 1 : 229 / 24.
6- المحاسن 1 : 368 / 802.
7- الكافي 1 : 329 - 330 / 1.
8- بحار الأنوار 51 : 347 - 348.
9- الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 11 / 2 : 381 ، الغيبة ( الطوسي ) : 474 / 497 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 432 ، بحار الأنوار 52 : 291 / 35 ، 337 / 77 ، 386 / 202.
10- الغيبة ( النعماني ) : 331 - 332 / 3 ، مختصر بصائر الدرجات : 214 ، بحار الأنوار 52 : 298 - 299 / 59 - 62.

وهي أكثر ما وقفت عليه في سنيّ ملكه وجدتها دالّة ناطقة بلسان فصيح برجعة أهل البيت ، وإلّا لزم ؛ إمّا خلوّ الأرض من حجّة منهم ، أو أن القيامة بعد قيام القائم بأربعين سنة ، بعد ما ذكر من مدّة ملكه ، وأنه يرفع ، لا يموت ولا يقتل ، فيلزم طرح الآيات والروايات المستفيضة بأن كلّ مؤمن له قتلة وموتة (1) ، بل الضرورة الحاكمة بما صرّح به في الكتاب من أن ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (2). فإمّا أن نقول بالرجعة أو نطرح تلك الأدلّة الصريحة عقلاً ونقلاً ، أو نقول بالمحال ، فتفطّن. والإشارة تكفي الحرّ ، والاستعجال صدّ عن زيادة البيان.

ومنها : ما رواه في ( البحار ) أيضاً نقلاً من [ غيبة الشيخ (3) (4) ] بسنده إلى الحسن بن عليّ الخزّاز : قال : دخل عليّ بن أبي حمزة : على أبي الحسن الرضا عليه السلام ، فقال له : أنت إمام؟ قال نعم.

فقال له : إني سمعت جدّك جعفر بن محمّد : صلّى الله عليه يقول لا يكون الإمام إلّا وله عقب.

فقال عليه السلام أنسيت يا شيخ ، أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر ، إنما قال جعفر : لا يكون الإمام إلّا وله عقب إلّا الإمام الَّذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام ، فإنه لا عقب له.

فقال له : صدقت جعلت فداك (5).

ومنها : ما في ( البحار ) نقلاً من كتاب ( القائم ) للفضل بن شاذان : بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : قال قال (6) أمير المؤمنين عليه السلام : على منبر الكوفة : والله إني لديّان الناس يوم الدين ، وقسيم الله بين الجنّة والنار لا يدخلهما داخل إلّا على أحد قِسميّ ، وأنا الفاروق الأكبر ، وقرن من حديد ، وباب الإيمان ، وصاحب المِيسَمِ ، وصاحب السنين ، وأنا صاحب النشر الأوَّل والنشر الآخر ،

ص: 113


1- مختصر بصائر الدرجات : 19 ، بحار الأنوار 53 : 64 / 55 و 65 / 58 و 66 / 59.
2- آل عمران : 185.
3- في المخطوط : ( روضة الواعظين ) ، وإنما أثبتنا الرواية عن ( الغيبة ) لأن صاحب بحار الأنوار ينقلها عن الغيبة ، فضلاً عن أنها لم تكن موجودة في ( الروضة ).
4- الغيبة : 224 / 188 - 7.
5- بحار الأنوار 25 : 251 / 5 ، 52 : 75 / 77.
6- في المخطوط بعدها : « لي ».

وصاحب القضاء ، وصاحب الكرّات ، ودولة الدول ، وأنا إمام لمن بعدي ، والمؤدِّي عمَّن كان قبلي ، ما يتقدَّمني إلّا أحمد صلى الله عليه وآله ، وإن جميع الملائكة والرسل والروح خلفنا ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله : ليُدعى فينطق وأُدعى فأنطق على حدِّ منطقه (1) الخبر.

ومنها : ما في ( البحار ) (2) أيضاً بسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام ، وقد تلا هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني : رسول الله صلى الله عليه وآله ( وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (3) يعني : وصيَّه أمير المؤمنين عليه السلام.

ومنها : ما في ( الصافي ) نقلاً من ( القمّيّ ) (4) ، و ( العيّاشيّ ) (5) عن الصادق عليه السلام : ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم ... فهلمَّ جرّاً إلّا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو قوله تعالى : ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني : م رسول الله صلى الله عليه وآله ، ( وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) يعني : م أمير المؤمنين عليه السلام (6).

ومنه نقلاً من كتاب ( الواحدة ) عن الباقر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرَّد في وحدانيّته ، ثمّ تكلَّم بكلمة فصارت نوراً ، ثمّ خلق من ذلك النور محمَّداً صلى الله عليه وآله : وخلقني وذرّيّتي ، ثمّ تكلَّم بكلمة فصارت روحاً ، فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا ؛ فنحن روح الله وكلماته ، وبنا (7) احتجَّ الله على خلقه ، فما زلنا في ظلَّة خضراء ، حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف ، نعبده ونقدِّسه ونسبِّحه ، وذلك قبل أن يخلق خلقه (8) ، وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة (9) ، وذلك قوله عزوجل( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (10) يعني : لتؤمننّ بمحمَّد صلى الله عليه وآله : ولتنصرن وصيّه وسينصرونه جميعاً.

وإن الله عزوجل أخذ ميثاقي مع ميثاق محمَّد صلى الله عليه وآله : بنصرة بعضنا لبعض ، فقد نصرت

ص: 114


1- بحار الأنوار 26 : 153 و 154 / 42.
2- بحار الأنوار 26 : 297 / 63.
3- آل عمران : 81.
4- تفسير القمِّيّ 1 : 134.
5- تفسير العيّاشيّ 1 : 204 و 205 / 76.
6- التفسير الصافي 1 : 351.
7- في المصدر : « فبنا ».
8- في المصدر : « الخلق ».
9- في المصدر بعدها : « لنا ».
10- آل عمران: 81.

محمَّداً صلى الله عليه وآله ، وجاهدت بين يديه ، وقتلت عدوَّه ، ووفيت لله بما أخذ عليَّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمَّد صلى الله عليه وآله ، ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله ؛ وذلك لمّا قبضهم الله إليه ، وسوف ينصرونني ، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها ، وليبعثهم (1) الله أحياء من آدم عليه السلام : إلى محمَّد صلى الله عليه وآله : كلَّ نبيٍّ مرسل ، يضربون بين يديَّ بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً.

فيا عجباه ، وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياءَ يلبّون زمرة زمرة بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله. قد أطلّوا بسكاك (2) الكوفة ، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم ، وأتباعهم من جبابرة الأوَّلين والآخرين ، حتّى ينجز الله وعدهم (3) الخبر ، كما نقلناه من كتاب ( الرجعة ) للشيخ حسن بن سليمان الحلّيّ : بتمامه.

ومنها : ما في ( الصافي ) نقلاً من ( الكافي ) (4) ، و ( العيّاشيّ ) (5) عن الصادق عليه السلام : أنه فسّر ( الإفسادين ) في الآية (6) بقتل عليّ بن أبي طالب : وطعن الحسن عليهما السلام. و ( العلوّ الكبير ) بقتل الحسين عليه السلام ، و ( اولي البأس ) ب- قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السلام ، فلا يدعون [ واتراً (7) ] لآل محمَّد : إلّا قتلوه. و ( وعد الله ) ب- خروج القائم عليه السلام : وردّ الكرّة عليهم ب- خروج الحسين عليه السلام : في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّبة حين كان م الحجَّة : م القائم عليه السلام : بين أظهرهم.

قال (8) : وزاد العيّاشيّ ثمّ يملكهم الحسين عليه السلام : حتّى يقع حاجباه على عينيه (9).

ومن ( العيّاشيّ ) عنه عليه السلام أوّل من يكرّ إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام : ويزيد بن معاوية : وأصحابه ، فيقتلهم حذو القذَّة بالقذّة ثمّ تلا هذه الآية - : ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) (10) (11).

ص: 115


1- في المصدر : « وليبعثنهم ».
2- في المصدر : « بسكك ».
3- مختصر بصائر الدرجارت : 32 - 34 ، باختلاف.
4- الكافي 8 : 175 / 250.
5- تفسير العيّاشيّ 2 : 304 / 20.
6- الإسراء : 4 - 5.
7- من المصدر ، وفي المخطوط : « وتر ».
8- أي صاحب ( الصافي ).
9- التفسير الصافي 3 : 179.
10- الإسراء : 6.
11- تفسير العيّاشيّ 2 : 305 / 23.

ومن ( القمّيّ ) في قوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ : فِي الْكِتابِ ) (1) ، أي أعلمناهم. ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب الله امَّة محمَّد صلى الله عليه وآله ، فقال ( لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) ، يعني : فلانا وفلانا وأصحابهما ونقضهما العهد ، ( وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ) ، يعني : ما ادّعوه من الخلافة.

( فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما ) ، يعني : يوم الجمل ، ( بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) ، يعني : م أمير المؤمنين : صلوات الله عليه وأصحابه ، ( فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ ) ، أي طلبوكم وقتلوكم ، ( وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) ، يعني : يتمّ ويكون.

( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) ، يعني : م لبني أُميَّة : على آل محمّد : صلى الله عليهم ، ( وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) من الحسن : والحسين : ابني علي : صلوات الله عليهم وأصحابهما ، فقتلوا الحسين بن علي : عليهما السلام وسبوا نساء آل محمَّد صلى الله عليه وآله.

( فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ) ، يعني : م القائم عليه السلام : وأصحابه ، ( لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ) يعني : يسوِّدون وجوههم ، ( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ، يعني : م رسول الله : وأصحابه وأمير المؤمنين ، ( وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً ) ، يعني : يعلون عليكم فيقتلونكم.

ثمّ عطف على آل محمَّد : صلوات الله عليهم فقال ( عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ) ، أي ينصركم على عدوِّكم. ثمّ خاطب بني أُميَّة ، فقال ( وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا ) ، يعني : إنْ عدتم بالسفيانيّ : عدنا بالقائم : من آل محمّد ، صلّى الله عليهم (2) الخبر ، وقد ذكر.

ومنه : عن ( الغيبة ) عن أمير المؤمنين عليه السلام : م آل محمّد : يبعث الله مهديَّهم بعد جهدهم ، فيعزُّهم ويذلُّ أعداءهم (3).

وفي ( نهج البلاغة ) قال عليه السلام لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها وتلا - ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً

ص: 116


1- الإسراء : 4 - 8.
2- تفسير القمّيّ 2 : 13 - 14.
3- الغيبة ( الطوسي ) 184 / 143 ، وفيه : « عدوَّهم ».

وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (1) (2).

فهذان الخبران عبّر فيهما بالجمع ، والأصل الحقيقة ، فلا بدّ أن ينال كلّ واحد منهم ما ذكر حقيقة. والله أكرم من أن يبعث أحداً منهم يوم القيامة بغيظه لم ينتصر من عدوّه ، ولم تظهر له في الدنيا دولة عزّ يعبد الله فيها جهراً ، كما عبده سرّاً ؛ لما فيه من شائبة نقص ؛ لعدم استكمال جميع رتب الكمال ، وهم أكرم على الله من ذلك.

ومنها : ما في ( الكافي ) أن أبا جعفر عليه السلام : نظر إلى أبي عبد الله عليه السلام : يمشي ، فقال أترى (3) هذا؟ هذا من الذين قال الله عزوجل ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (4) (5).

ومن ( المعاني ) عن الصادق عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله : نظر إلى علي : والحسن : والحسين : عليهما السلام فبكى ، وقال : أنتم المستضعفون بعدي.

فقيل للصادق عليه السلام : ما معنى ذلك يا ابن رسول الله :؟ فقال معناه أنكم الأئمَّة بعدي ، إن الله عزوجل يقول ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) .

ثمّ قال : فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة (6).

وفي ( المجالس ) عنه عليه السلام أنه قال في هذه الآية هي لنا وفينا (7).

وقال القمّيّ : أخبر الله نبيّه صلى الله عليه وآله بما لقي موسى عليه السلام : وأصحابه من فرعون : من القتل والظلم ، ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته صلّى الله عليه وعليهم من أُمّته ، ثمّ بشّره بعد تعزيته بأنه يتفضّل عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء في الأرض وأئمّة على أُمّته ، وبردّهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتّى ينتصفوا منهم ، فقال ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (8). قال : وقوله :

ص: 117


1- القصص : 5.
2- نهج البلاغة : 697 / الحكمة : 209.
3- في المصدر : « ترى ».
4- القصص : 5.
5- الكافي 1 : 306 / 1.
6- معاني الأخبار : 79 / 1.
7- الأمالي ( الصدوق ) : 87 / 26 ، وفيه : « أوفينا ».
8- القصص : 5.

( وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ : وَهامانَ : وَجُنُودَهُما ) يعني : الّذين غصبوا آل محمَّد صلى الله عليه وآله : حقّهم ، وقوله ( مِنْهُمْ ) أي من آل محمّد : صلّى الله عليه وعليهم ( ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) (1) من القتل والعذاب.

قال : ولو كانت هذه الآية في موسى عليه السلام : وفرعون ، لقال : ونري فرعون : وهامان : وجنودهما منه ، أي من موسى ، ولم يقل : منهم (2).

وهو رحمه الله لا يتكلّم في هذا الكتاب إلّا بما يأخذه من الأخبار.

وفي ( الجوامع ) عن السجّاد عليه السلام : والذي بعث محمَّداً صلى الله عليه وآله : بالحقِّ بشيراً ونذيراً ، إن الأبرار منّا أهل البيت : وشيعتهم بمنزلة موسى : وشيعته ، وإن عدوَّنا وأشياعهم بمنزلة فرعون : وأشياعه (3).

ومنها : ما رواه صاحب ( تحفة الإخوان ) عن أبي جعفر عليه السلام : في تفسير قوله عزّ اسمه ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ ) (4) أنه قال [ في ] معنى قوله تعالى : ( عِبادِيَ الصّالِحُونَ ) هم آل محمَّد ، صلوات الله عليه وعليهم (5).

قال : وروى الخاصّ (6) والعامّ (7) عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنه قال :

« لكلِّ أُناس دولة يرقبونها *** ودولتنا في آخر الدهر تظهر »

ومنها : روى الشيخ محمّد بن يعقوب : عن الحسن بن شاذان الواسطيّ : قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : أشكو جفاء أهل واسط ، وكانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني ، فوقّع بخطّه إن الله تعالى قد أخذ ميثاق أوليائه على الصبر في دولة الباطل ، ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) (8) ، ولو قد قام سيِّد الخلق لقالوا ( يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) ،

ص: 118


1- القصص : 6.
2- تفسير القمّيّ 2 : 134.
3- مجمع البيان 7 : 311.
4- الأنبياء : 105.
5- تأويل الآيات الظاهرة : 346 ، كنز الدقائق 6 : 449.
6- الأمالي ( الصدوق ) : 396 ، وفيه : عن الصادق عليه السلام.
7- نقل الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب : 480 - 483 ، أحاديث بمعناه عن الرسول صلى الله عليه وآله.
8- القلم : 48 ، الإنسان : 24.

فتجيبهم الملائكة (1) ( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (2) (3).

ومنه نقلاً عن محمّد بن العباس : بسنده عن الجدليّ : قال : دخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام : يوماً ، فقال أنا دابَّة الأرض (4).

وبسنده عنه أيضاً قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال ألا أُحدِّثك؟ ثلاثاً. قلت : بلى. قال عليه السلام أنا عبد الله ، وأنا دابَّة الأرض ، ألا أُخبرك بأنف المهديّ : وعينه؟ قلت : بلى. قال : فضرب بيده على صدره ، فقال أنا (5).

ومنه بسنده عن الأصبغ : قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : وهو يأكل خبزاً وخلّاً وزيتاً ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما هذه الدابّة التي ذكرها الله في كتابه ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ) (6) ، الآية؟ قال عليه السلام هي دابَّة تأكل خبزاً وخلّاً وزيتاً (7).

ومنه بسنده عن الأصبغ : أيضاً قال : قال لي معاوية : يا معشر الشيعة تزعمون أن عليّ بن أبي طالب : م دابّة الأرض :؟ قلت : نحن نقول ، واليهود يقولون أيضاً. فأرسل إلى رأس الجالوت ، فقال له : ويحك تجدون دابّة الأرض عندكم مكتوبة؟ قال : نعم. قال : فما هي؟ أتدري ما اسمها؟ قال : اسمها أليا. قال : فالتفت إليّ معاوية ، فقال : ويحك يا أصبغ : ما أقرب أليا : من [ عليّا (8) ]! (9).

ومنه قال : وقال عليّ بن إبراهيم : قد ورد في الخبر الصحيح أن هذه الدابّة عليّ ابن أبي طالب عليه السلام.

ص: 119


1- ليست في المصدر.
2- يس : 52.
3- الكافي 8 : 207 / 346.
4- مختصر بصائر الدرجات : 206 ، بحار الأنوار 39 : 243 / 32 ، وفيهما : « قال : دخلت على علي يوماً ».
5- مختصر بصائر الدرجات : 207.
6- النمل : 82.
7- مختصر بصائر الدرجات : 208.
8- من المصدر ، وفي المخطوط : ( علي ).
9- مختصر بصائر الدرجات : 208.

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله : أنه انتهى إلى أمير المؤمنين عليه السلام : وهو راقد في المسجد ، فحرّكه رسول الله صلى الله عليه وآله : برجله ، فقال له قم يا دابّة الأرض. فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، أيُسمّي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ قال لا والله ، ما هي إلّا لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام : خاصَّة ، وهو الدابة : التي ذكرها الله تعالى في كتابه ( أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً : مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ) (1).

ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله تعالى في أحسن صورة ومعك مِيسَم ، فتسم به أعداءك (2).

فليس هذا الاسم إلّا لعليّ : خاصّة.

أقول : الأخبار بأن دابّة الأرض هو أمير المؤمنين عليه السلام : أكثر من أن أُحيط بها ، [ وأكثرها أو كلّها (3) ] دالّة على رجعة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا قائل بخصوصه بذلك ، فهي دليل على رجعتهم عليهم سلام الله أجمع.

وقال علي بن إبراهيم : الزبور فيه ملاحم ، وتحميد ، وتمجيد ، ودعاء ، وأخبار رسول الله صلى الله عليه وآله : وأمير المؤمنين عليه السلام : والأئمّة صلى الله عليهم أجمعين من ذرّيّتهما ، وأخبار الرجعة ، وذكر القائم ، سلام الله عليه (4).

ومنها : ما في ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد أُعطيت الستّ : علم المنايا ، والبلايا ، والوصايا ، وفصل الخطاب ، وإني لصاحب الكرّات ، ودولة الدول (5) الخبر.

وفي ( الصافي ) عن الصادق عليه السلام : ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا ويرجع حتّى يموت ، ولا يرجع إلّا من محض الإيمان محضاً [ ومَنْ (6) ] محض الكفر محضاً (7).

قال في ( المجمع ) : وقد تظاهرت الأخبار عن أئمّة الهدى من آل محمّد : في أن الله

ص: 120


1- النمل : 82.
2- تفسير القمّي 2 : 131 ، مختصر بصائر الدرجات : 42 - 43.
3- في المخطوط : ( أو أكثرها وكلها ).
4- تفسير القمّي 2 : 77 ، 127 ، باختلاف.
5- الكافي 1 : 198 / 3.
6- من المصدر ، وفي المخطوط : « أو ».
7- التفسير الصافي 4 : 76.

تعالى سيعيد عند قيام المهديّ عليه السلام : قوماً ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعته ؛ ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ويبتهجوا بظهور دولته. ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم ، وينالوا بعض ما يستحقّونه من العقاب والقتل على أيدي شيعته ، أو الذلّ والخزي ممّا يشاهدون من علوّ كلمته. ولا يشكّ عاقل أن هذا مقدور لله غير مستحيل في نفسه ، وقد فعل الله ذلك في الأُمم الخالية ، وقد نطق القرآن بذلك في عدّة مواضع ، مثل قصّة عزير : وغيره. وصحّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله : قوله

سيكون في أُمّتي كلّ ما كان في بني إسرائيل : حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة (1) ، حتّى إن أحدهم لو دخل جحر ضبّ لدخلتموه (2).

قال الكاشانيّ : قد صنّف الحسن بن سليمان الحلّي : كتاباً في فضائل أهل البيت عليهم السلام : أورد فيه أخباراً كثيرة في إثبات الرجعة وتفاصيل أحوالها ، وذكر فيه أن الدابّة : م أمير المؤمنين عليه السلام : في أخبار كثيرة متوافقة المعاني ، ونقل أكثرها من كتاب سعد بن عبد الله : المسمّى ب- ( مختصر البصائر ) ، ولنورد هنا من كتابه حديثاً واحداً وهو ما رواه الأصبغ بن نباتة : أن عبد الله بن الكوّاء : قال لأمير المؤمنين عليه السلام : إن أُناساً من أصحابك يزعمون أنهم يردّون بعد الموت؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نعم ، تكلّم بما سمعت ولا تزد في الكلام ، فما [ قلت (3) ] لهم؟

قال : قلت : لا اومن بشي ء ممّا قلتم. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك ، إن الله ابتلى قوماً بما كان من ذنوبهم فأماتهم قبل آجالهم الَّتي سمِّيت لهم ، ثمّ ردَّهم إلى الدنيا ليستوفوا أرزاقهم ، ثمّ أماتهم بعد ذلك.

قال : فكَبُر على ابن الكواء : ولم يهتدِ له ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك أتعلم أن الله عزوجل قال في كتابه ( وَاخْتارَ مُوسى : قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) (4) فانطلق بهم معه ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملأ من بني إسرائيل : أن ربِّي قد كلَّمني ، فلو أنهم سلَّموا ذلك

ص: 121


1- القذّة : واحدة ريش السهم ، الصحاح 2 : 568 قذ. وهو مثل يضرب للمساواة بين شيئين ، كمساواة ريشة السهم المقطوعة لأُختها. مجمع الأمثال 1 : 347.
2- مجمع البيان 7 : 304.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « زدت ».
4- الأعراف : 155.

فصدَّقوا به لكان خيراً لهم ، ولكنَّهم قالوا لموسى : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) قال الله تعالى ( فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ ) ، يعني : الموت ( وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (1) ، فترى يا بن الكوّاء : أن هؤلاء قد رجعوا إلى منازلهم بعد ما ماتوا؟.

فقال ابن الكوّاء : وما ذاك ، ثمّ أماتهم مكانهم؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك ، أوليس قد أخبرك في كتابه حيث يقول ( وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (2)؟ فهذا بعد الموت ؛ إذ بعثهم. وأيضاً مثلهم يا ابن الكواء ، الملأ من بني إسرائيل : حيث يقول الله عزوجل ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ) (3) ، وقوله عزوجل في عزير : حيث أخبر الله عزوجل ، فقال ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ ) ، وأخذه بذلك الذنب ( مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) ، وردَّه إلى الدنيا فقال ( كَمْ لَبِثْتَ ) ؟ فقال ( لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) ، فقال ( بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ) (4) ، فلا [ تشكّنّ ] (5) يا بن الكوّاء : في قدرة الله عزوجل (6).

قلت : قد وقفت بحمد الله على هذا الخبر في كتاب الشيخ حسن بن سليمان : بنفسي ، لكنه لا يحضرني حال الكتابة.

وقال الكاشانيّ : أيضاً في تفسير قوله عزوجل ( قُلْ رَبِّ إِمّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ. رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظّالِمِينَ ) (7) : في ( المجمع ) (8) عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنه قال في حجّة الوداع وهو يمشي لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم الله لئن

ص: 122


1- البقرة : 55 - 56.
2- البقرة : 57.
3- البقرة : 243.
4- البقرة : 259.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : « تشكّ ».
6- التفسير الصافي 4 : 76 - 77 ، مختصر بصائر الدرجات : 22 - 23.
7- المؤمنون : 93 - 94.
8- مجمع البيان 7 : 156.

فعلتموها لتلقونني في كتيبة يضاربونكم.

قال الراوي فغمز من خلفه منكبه الأيسر ، فالتفت ، فقال أَو عَلِيّ ، فنزلت.

ومن طريق الخاصّة ، ما رواه سعد بن عبد الله : في مختصر بصائره بإسناده عن جابر بن عبد الله : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وقد خطبنا يوم الفتح أيها الناس لأعرفنَّكم ترجعون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ولئن فعلتم لأضربنَّكم بالسيف.

ثمّ التفت عن يمينه ، فقال الناس : غمزه جبرئيل عليه السلام ، فقال له أو علي. فقال صلى الله عليه وآله أوم علي (1). وفي رواية أبان بن تغلب : عن الصادق عليه السلام : قال فنزل عليه جبرئيل عليه السلام : فقال : قل يا محمّد : إن شاء الله ، أو يكون ذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أو يكون ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام : إن شاء الله. فقال له جبرئيل عليه السلام : واحدة لك واثنتان لعلي بن أبي طالب عليه السلام : وموعدكم السلام.

قال أبان : جعلت فداك ، وأين السلام؟ فقال يا أبان ، السلام من ظهر الكوفة (2).

أقول : وذلك إنما يكون في الرجعة (3).

وقال في قوله تعالى : ( وَإِنّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ) (4) يعني : الرجعة ) (5) ، انتهى كلام الكاشانيّ.

وقال الشيخ قطب الدين الراونديّ : في ( الخرائج والجرائح ) : ( فصل في الرجعة. عن أبي سعيد سهل بن زياد : قال : حدّثنا الحسن بن محبوب : عن ابن فضيل : قال : حدّثنا سعد الحلّاب : عن جابر : عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال الحسين عليه السلام (6) : لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلى الله عليه وآله : قال لي (7) : يا بني ، إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى فيها النبيّون وأوصياء النبيِّين ، وهي أرض تدعى ب- ( عمورا ) ، وإنك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة

ص: 123


1- مختصر بصائر الدرجات : 21.
2- مختصر بصائر الدرجات : 19 - 20.
3- التفسير الصافي 3 : 408 - 409 ، وانظر شواهد التنزيل 1 : 404 ، باختلاف فيهما.
4- المؤمنون : 95.
5- التفسير الصافي 3 : 409.
6- في المصدر : « الحسين بن علي عليهما السلام ».
7- ليست في المصدر.

من أصحابك لا يجدون ألم مسِّ الحديد ، وتلا ( قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ ) ، تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً. فأبشروا ، فوالله لئن قتلونا فإنا نردُّ إلى نبيِّنا ، ثمَّ أمكث ما شاء الله فأكون أوَّل من تنشقُّ الأرض عنه ، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين عليه السلام : وقيام قائمنا عليه السلام.

ثمّ لينزلنّ علَيَّ وفد من السماء من عند الله عزوجل لم ينزلوا إلى الأرض قط ، ولينزلنّ إليّ جبرئيل : وميكائيل : وإسرافيل : وجنود من الملائكة ، ولينزلنَّ محمّد : وعلي : وأنا وأخي وجميع مَن منّ الله عليه في حمولات من حمولات الربِّ ، جِمَال من نور لم يركبها مخلوق. ثمّ ليهزنَّ محمَّد صلى الله عليه وآله : لواءه وليدفعنَّه إلى قائمنا عليه السلام مع سيفه. ثمّ إنا نمكث بعد ذلك ما شاء الله.

قال : ثمّ إن الله يُخرِجُ من مسجد الكوفة عيناً من دهن وعيناً من ماء وعيناً من لبن ، ثمّ إن أمير المؤمنين عليه السلام : يدفع إليَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيبعثني إلى المشرق والمغرب ، فلا آتي على عدوٍّ إلّا هرقت دمه ، ولا أدع صنماً إلّا أحرقته حتّى أقع إلى الهند فأفتحها. وإن دانيال : ويونس : يخرجان إلى أمير المؤمنين عليهم السلام ، يقولان : صدق الله ورسوله ، ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتلهم ، ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله له.

ثمّ لأقتلنّ كلَّ دابَّة حرَّم الله لحمها ، حتّى لا يكون على وجه الأرض إلّا طيِّب ، وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل وأُخيّرنَّهم بين الإسلام والسيف ، فمن أسلم مننت عليه ، ومن كره الإسلام أهرق الله دمه. ولا يبقى رجل من شيعتنا إلّا أنزل الله ملكاً يمسح عن وجهه التراب ويعرِّفه أزواجه ومنزلته في الجنَّة. ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلّا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت ، ولتنزلنّ البركة من السماء إلى الأرض (1) ) تم الخبر وقد مر بعضه.

ومن ( الخرائج ) أيضاً عن الصادق عليه السلام : أنه قال إذا قام القائم : اتي المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا ، إنه قد ظهر صاحبكم (2) ، فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في

ص: 124


1- الخرائج والجرائح 2 : 848 - 849 / 63 ، باختلاف.
2- في المصدر : « صاحبك ».

كرامة ربّك فأقم (1).

ومنه (2) أيضاً عن الرضا عليه السلام : أنه قال ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء :

صوتاً : ألا لعنة الله على الظالمين.

والصوت الثاني : أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.

والصوت الثالث : يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس يقول : هذا أمير المؤمنين : قد كرَّ في هلاك الظالمين (3).

ومنها : ما رواه شيخ الطائفة : في كتاب ( الغيبة ) بسنده عن المفضّل بن عمر : قال : ذكرنا القائم عليه السلام : ومن مات من أصحابنا ينتظره ، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام : إذا قام القائم : اتي المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا إنه قد ظهر صاحبكم (4) ، فإن تشأ أن تلحق به فالحق ، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربِّك فأقم (5).

أقول : ما ظنّك يا أخي بمن بُشّر في قبره بظهور دولة الحقّ ، ونصر الله للمؤمنين ، وإذنه لهم في أن يعبدوه جهراً بعد أن عبدوه سراً ، ماذا يختار؟ قل : أعلم أنه يختار الظهور واللحوق بصاحب الأمر : عجّل الله فرجه وأن يضرب بين يديه بالسيف هام أعدائه ، وهل شي ءٌ أشهى للمظلوم من الظفر بظالمه؟

ومنها : ما رواه الشيخ : أيضاً في غيبته بسنده إلى جابر الجعفيّ : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول والله ليملكنَّ منّا أهل البيت : رجل بعد موته ثلاثمائة سنة تزداد تسعاً.

قلت : متى يكون ذلك؟ قال بعد القائم ، عليه سلام الله.

قلت : وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر : فيطلب بدم الحسين عليه السلام : ودماء أصحابه فيقتل ويأسر حتّى يخرج السفّاح (6).

ومنها : ما رواه في ( كامل الزيارات ) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : أنه تلا قوله تعالى

ص: 125


1- الخرائج والجرائح 3 : 1166 / 64.
2- الخرائج والجرائح 3 : 1168 - 1169 / 65.
3- مختصر بصائر الدرجات : 38.
4- في المصدر : « صاحبك ».
5- الغيبة : 458 - 459 / 470.
6- الغيبة 478 - 479 / 505.

( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) (1) ، فقال : م الحسين بن علي عليهما السلام : منهم ، ولم ينصر بعد.

ثمّ قال عليه السلام والله لقد قتل قَتَلَةُ الحسين عليه السلام : ولم يطلب بدمه بعد (2).

ومنه بسنده عن أبي خالد الكابليّ : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول في قوله تعالى : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) (3) : م عليّ والحسن : والحسين : عليهم السلام (4).

أقول : هذا وعد من الله لهم بالنصر ، والله لا يخلف الميعاد ، فلا بدّ من رجعتهم ونصر الله لهم ، ولا يمكن هذا النصر إلّا برجعتهم.

ومنه (5) بسنده إلى بُرَيدِ بن معاوية العجلي : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله ، أخبرني عن إسماعيل : الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ : إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (6) إن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. فقال عليه السلام إن إسماعيل عليه السلام : مات قبل إبراهيم عليه السلام ، وإن إبراهيم عليه السلام : كان حجَّة لله قائماً صاحب شريعة ، فإلى من أُرسل إسماعيل عليه السلام : إذن؟

فقلت : جعلت فداك ، فمن كان؟ فقال عليه السلام ذاك إسماعيل بن حزقيل : النبيّ عليه السلام ، بعثه الله إلى قومه فكذَّبوه وقتلوه وسلخوا وجهه ، فغضب الله عليهم فوجَّه إليه سطاطائيل عليه السلام : ملك العذاب ، فقال له : يا إسماعيل ، أنا سطاطائيل : ملك العذاب وجَّهني ربُّ العزَّة إليك لُاعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئت. فقال له إسماعيل عليه السلام : لا حاجة لي إليك يا سطاطائيل.

فأوحى الله إليه : فما حاجتك يا إسماعيل :؟ فقال عليه السلام : يا ربّ ، إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبيَّة ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله : بالنبوَّة ولأوصيائه بالولاية ، وأخبرت خير خلقك صلى الله عليه وآله بما تفعل أُمَّته بالحسين بن علي عليهما السلام : من بعد نبيِّها صلى الله عليه وآله ، وأوعدت الحسين عليه السلام : أن تكرَّه إلى الدنيا حتّى ينتقم

ص: 126


1- غافر : 51.
2- كامل الزيارات : 134 / 154.
3- الحجّ : 39.
4- كامل الزيارات : 135 / 156.
5- كامل الزيارات : 38 / 163.
6- مريم : 54.

بنفسه ممَّن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرَّني إلى الدنيا حتّى أنتقم ممَّن فعل بي ما فعل كالحسين عليه السلام. فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ، فهو يكرُّ مع الحسين عليه السلام (1).

ومنها : ما رواه العلّامة السيّد هاشم التوبليّ : في ( الدرّ النضيد ) بسنده عن محمّد بن يعقوب (2) ، و (3) العيّاشي (4) : بإسنادهما عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال في قوله تعالى : ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (5) : خروج الحسين عليه السلام : في سبعين من أصحابه.

ولفظ العيّاشي في رجال من أصحابه (6) الذين قتلوا معه عليهم بيض الذهب (7) لكلّ بيضة وجهان ، فيؤذّن المؤذِّنون (8) إلى الناس أن هذا (9) الحسين عليه السلام : قد خرج ، في أصحابه حتّى لا يشكَّ المؤمنون فيه ، وأنه ليس بدجّال ولا شيطان ، والحجَّة : م القائم : بين أظهرهم (10) ، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه السلام ، جاء الحجَّةَ عليه السلام : الموتُ ، فيكون الذي يلي غسله ويكفِّنه ويحنِّطه ويلحده في حفرته (11) الحسين عليه السلام ، ولا يلي الوصيَّ إلّا الوصيُّ (12).

ومن ذلك ما نقله الشيخ الأعظم رجب البرسيّ : في ( مشارق أنوار اليقين ) من كتاب ( الواحدة ) قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال الحمد لله مُدهر الدهور.

إلى أن قال عليه السلام أنا ديّان الدين ، لأركبنَّ السحاب ولأضربنَّ الرقاب ، ولأهدمنَّ إرم حجراً حجراً ، ولأجلسنَّ (13) على حجر لي بدمشق ، ولأسومنَّ العرب سوم المنايا. فقيل : متى

ص: 127


1- مختصر بصائر الدرجات : 177 ، باختلاف.
2- الكافي 8 : 175 / 250.
3- في المخطوط بعدها : ( إلى ).
4- تفسير العيّاشيّ 2 : 304 / 20.
5- الإسراء : 6.
6- في المصدر : « في سبعين رجلاً من أصحابه ».
7- في المصدر : « البيض المذهَّب ».
8- في المصدر : « المؤدي إلى الناس » بدل : « يؤذن المؤذن إلى الناس ».
9- ليست في المصدر.
10- في المصدر : « والإمام الذي بين أظهر الناس يومئذ ».
11- في المصدر : « وكفَّنه وحنّطه وإيلاجه في حفرته ».
12- تفسير العيّاشيّ 2 : 304 / 20.
13- في المصدر : « لأجلس ».

هذا؟ فقال عليه السلام إذا متُّ وصرت إلى التراب ، وسوِّي عليَّ اللبِن ، وضربت عليَّ القباب (1).

ومنه ما رواه عن الأصبغ : عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قال في خطبة الافتخار من أنكر أن لي في الأرض كرَّة بعد كرَّة ، ودعوة بعد دعوة (2) ، وعودة (3) بعد رجعة ، حديثاً كما كنت قديماً ، فقد ردَّ علينا ، و (4) من ردَّ علينا فقد ردَّ على الله. أنا صاحب الدعوات ، أنا صاحب الصلوات.

إلى أن قال عليه السلام فيها أنا (5) أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً (6) بسيفي هذا.

إلى أن قال عليه السلام أنا صاحب الرايات الصفر ، أنا صاحب الرايات الحمر ، أنا الغائب المنتظر للأمر الأعظم (7).

إلى أن قال عليه السلام ألا وإن للباطل [ جولة (8) ] وللحقِّ دولة ، ألا (9) وإني ظاعن عن قريب ، فارتقبوا الفتنة الأُمويَّة ، والدولة الكسرويَّة.

ثمّ تقبل دولة بني العبّاس : بالفزع والبأس ، وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل الفرات ، ملعون من سكنها ، منها تخرج طينة الجبّارين تعلى فيها القصور ، وتسبل الستور ، ويتعاطون (10) بالمكر والفجور ، فيتداولها بنو العباس : اثنان وأربعون (42) ملكاً على عدد سنيِّ الملك.

ثمّ الفتنة [ الغبراء (11) ] والقلادة الحمراء في عنقها قائم الحقِّ. ثمّ اسفر عن وجهي بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضي ء بين الكواكب. ألا وإن لخروجي علاماتٍ عشراً : أوّلها تخريق (12) الرايات في أزقَّة الكوفة ، وتعطيل المساجد ، وانقطاع الحاجِّ ، وخسف وقذف بخراسان ، وطلوع كوكب (13)

ص: 128


1- مشارق أنوار اليقين : 162 - 163.
2- قوله : « ودعوة بعد دعوة » ليس في المصدر.
3- في المصدر : « عوداً » بدل : « عودة ».
4- ليست في المصدر.
5- في المصدر : « أنا الذي ».
6- في المصدر قبلها : « ظلماً ».
7- في المصدر : « العظيم ».
8- من المصدر ، وفي المخطوط : « دولة ».
9- ليست في المصدر.
10- في المصدر : « يتعلون ».
11- من المصدر ، وفي المخطوط : « الغرّاء ».
12- في المصدر : « تحريف ».
13- في المصدر : « الكوكب ».

المذنَّب ، واقتران النجوم ، وهرج ، ومرج ، وقتل ، ونهب. فتلك علامات عشر ، ومن العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا تمَّت العلامات قام قائمنا قائم الحقِّ.

ثمّ قال معاشر الناس ، نزِّهو ربَّكم ولا تشيروا إليه ، فمن حدَّ الخالق فقد كفر بالكتاب الناطق .. (1) إلى آخر الخطبة.

ومنه ما رواه عن ( الأمالي ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله : أنه قال يا معشر قريش ، كيف بكم وقد كفرتم بعدي ، ثمَّ رأيتموني في كتيبة من أصحابي أضرب وجوهكم بالسيف أنا أو عليُّ بن أبي طالب عليه السلام :؟. فنزل جبرئيل عليه السلام : مسرعاً وقال قل إن شاء الله (2).

ومنه : ما رواه من قول أمير المؤمنين عليه السلام : في الخطبة [ التطنجيّة (3) ] أنا صاحب الرفرف وبهرم ، أنا مدبِّر العالم الأوَّل حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم.

قال : فقام إليه ابن ضورية ، فقال : أنت أنت يا أمير المؤمنين :؟ فقال أنا أنا ، لا إله إلّا الله ربِّي وربُّ الخلائق أجمعين ، له الخلق والأمر ، الذي دبَّر الأُمور بحكمته ، وقامت السماوات والأرض بقدرته. كأنِّي بضعيفكم يقول : ألا تسمعون إلى ما يدّعيه ابن أبي طالب : في نفسه ، وبالأمس تكفهرُّ عليه عساكر أهل الشام فلا يخرج إليها؟ وباعثِ محمّد : وإبراهيم ، لأقتلن أهل الشام بكم قتلات ، وأيُّ قتلات؟ وحقِّي وعظمتي لأقتلنَّ أهل الشام بكم قتلات وأيُّ قتلات؟ ولأقتلنَّ أهل صفِّين بكلّ قتلة سبعين قتلة ، ولأردنَّ إلى كلِّ مسلم حياة جديدة ، ولأُسلِّمنَّ إليه صاحبه وقاتله إلى أن يشفي غليل صدره منه ، ولأقتلنَّ بعمّار ابن ياسر : وبأُويس القرني : ألف قتيل ، ولا يقال : لا ، وكيف؟ وأيّان؟ ومتى؟ وأنى؟ وحتّى؟ فكيف إذا رأيتم صاحب الشام : ينشر بالمناشير ويقطع بالمساطير ، ثمّ لُاذيقنّه أليم العذاب؟. إلى أن قال عليه السلام كأني بهذا وأشار إلى الحسن عليه السلام : قد نار نوره بين عينيه ، فأُحضره لوقته لحين طويل يزلزلها ويخسفها ، وثار معه المؤمنون من كلِّ مكان.

ص: 129


1- مشارق أنوار اليقين : 164 - 166.
2- الأمالي ( الطوسي ) : 460 / 1027 ، باختلاف.
3- من المصدر ، وفي المخطوط ( الطتنجيّة ).

إلى أن قال عليه السلام يا جابر ، إذا صاح الناموس ، وكبس الكابوس ، وتكلَّم الجاموس فعند ذلك عجائب ، وأيُّ عجائب ، إذا أنار النار بنصيبين ، وظهرت الراية العثمانيَّة بوادي سوء ، واضطربت البصرة ، وغلب بعضهم بعضاً ، وصبا كلُّ قومٍ إلى قوم ، وتحرَّكت عساكر خراسان ، وتبع شعيب بن صالح التميميّ : من بطن الطالقان ، وبويع لسعيد السوسيّ : بخوزستان ، وعقدت الراية لعماليق كردان ، وتغلب العرب على بلاد الأرمن والسقلاب ، وأذعن هرقل : بقسطنطينيَّة لبطارقة سفيان ، فتوقَّعوا ظهور مكلِّم موسى : من الشجرة على الطور ، فيظهر هذا ظاهراً مكشوفاً ، ومعايناً موصوفاً.

إلى أن قال عليه سلام الله - أنا المشرف على البحار في نواليم الزخار عند التيّار (1) ، حتّى يخرج لي ما أُعدَّ لي فيه من الخيل والرجال ، فأتَّخذ ما أحببت وأترك ما أردت ، ثمّ أُسلّم إلى عمّار بن ياسر : اثني عشر ألف أدهم ، على كلِّ أدهم منها محبٌّ لله ورسوله ، مع كلِّ واحد اثنا عشر ألف كتيبة لا يعلم عددها إلّا الله.

إلى أن قال سلام الله عليه - واهٍ للُامم المشاهدة رايات بني عتبة : من بني كتام ، السائرين أثلاثاً ، المرتكبين جبلاً جبلاً مع خوف شديد وبؤس عتيد ، ألا وهو الوقت الذي وعدتم به ، لأحملنَّهم على نجائب تحفّهم مواكب الأملاك (2) الخبر.

ومنها أيضاً : ما رواها من قول أمير المؤمنين : سلام الله عليه في خطبة له أنا الذي اقتل مرّتين وأُحيا مرَّتين ، وأظهر كيف شئت.

إلى أن قال فيها سلام الله عليه - أنا المذكور في سالف الزمان ، والخارج آخر الزمان (3).

ومنها : ما في ( الكافي ) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : إن أمير المؤمنين عليه السلام : قال : لقد أُعطيت الستّ : علم المنايا ، والبلايا ، والوصايا ، وفصل الخطاب ، وإني لصاحب دولة الدول ، وإني

ص: 130


1- في المصدر : « أنا المسترق على البحار في نواليم الزخّار عند البيار ».
2- مشارق أنوار اليقين : 168 - 170 ، باختلاف.
3- مشارق أنوار اليقين : 171 - 172 ، وفيه : « في سالف الأزمان ».

لصاحب العصا والمِيسَمِ والدابَّة التي تكلّم فيها الناس (1).

ومنها : قول سيّدنا الهادي : عليه سلام الله في الزيارة الجامعة الكبيرة التي ملأ نورها السماوات والأرض مؤمن بإيابكم ، مصدِّق برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم.

وقوله عليه السلام فيها وقلبي لكم مسلِّم ، ورائي لكم تبع ، ونصرتي لكم معدَّة حتّى يحيي الله دينه بكم ، ويردَّكم في أيّامه ، ويظهركم لعدله ، ويمكّنكم في أرضه (2).

فهذا خطاب من كلّ زائر لكلّ مزور منهم بضمير الجمع.

وكذا قوله عليه السلام فيها وجعلني ممَّن يقتصُّ آثاركم ، ويسلك سبيلكم ، ويهتدي بهداكم ، ويحشر في زمرتكم ، ويكرُّ في رجعتكم ، ويملّك في دولتكم ، ويشرّف في عافيتكم ، ويمكّن في أيّامكم ، وتقرّ عينه غداً برؤيتكم (3).

ومنها : ما رواه الشيخ : في ( المصباح ) من صفة زيارة العبّاس عليه السلام : جئتك يا ابن أمير المؤمنين ، وقلبي لكم مسلِّم ، وأنا لكم تابع ، ونصرتي لكم معدَّة حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين. فمعكم معكم لا مع غيركم ، إني بكم وبإيابكم من الموقنين (4) إلى آخره.

ومنها : ما رواه الشيخ : أيضاً في ( المصباح ) (5) وابن طاوس : في ( الإقبال ) (6) من دعاء اليوم الثالث من شعبان قال رحمه الله : ( في اليوم الثالث منه ولد الحسين بن علي عليهما السلام. وخرج إلى القاسم بن العلاء الهمدانيّ : وكيل أبي محمَّد عليه السلام : أن مولانا الحسين عليه السلام : ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، فصُمه وادعُ بهذا الدعاء : اللهمّ إني أسألك بحقِّ المولود في هذا اليوم ، الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته ، بكته السماء ومن فيها ، والأرض ومن عليها ، ولمّا يطأ لابتيها ، قتيل العبرة ، وسيِّد الأُسرة ، الممدود بالنصرة يوم الكرَّة ، المعوَّض مِن قتله أن الأئمَّة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه في أوبته ،

ص: 131


1- الكافي 1 : 198.
2- تهذيب الأحكام 6 : 99 / 177.
3- المصدر نفسه.
4- مصباح المتهجِّد : 668.
5- مصباح المتهجِّد : 758.
6- الإقبال بالأعمال الحسنة : 3 : 303 ، باختلاف.

والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته ، حتّى يدركوا الأوتار ، ويثاروا الثأر ، ويُرضوا الجبّار ، ويكونوا خير أنصار ، صلّى الله عليه مع اختلاف الليل والنهار ). وقد وقفت على قطعة من كتاب لبعض أفاضل المتأخّرين عن الشيخ ، قد عمله لإثبات رجعة أهل البيت عليهم السلام ، وقد استدلّ فيه بأخبار كثيرة ، وكثير ممّا ذكرته في هذه الرسالة استدل به بإسناده هو.

وممّا رواه بسنده فيه عن عبد الكريم بن عمر الخثعميّ : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول إن إبليس : قال ( أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (1) فأبى الله ذلك عليه ، فقال ( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (2). فإذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس : في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم : إلى يوم الوقت المعلوم ، وهو آخر كرّة يكرُّها أمير المؤمنين عليه السلام.

قلت : وإنها لكرّات؟ قال نعم ، إنها لكرّات وكرّات. ما من إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البَرُّ والفاجر في دهره حتّى يديل الله المؤمن على الكافر ، فإذا كان [ يوم (3) ] الوقت المعلوم كرَّ أمير المؤمنين عليه السلام : في أصحابه ، وجاء إبليس : في أصحابه ، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها الروحاء ، قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله عزوجل العالمين.

فكأني أنظر إلى أصحاب عليٍّ : م أمير المؤمنين : صلوات الله عليه قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم ، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات ، فعند ذلك يُهبط الجبار عزوجل ( فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ ) ورسولَ الله صلى الله عليه وآله : أمامهم بيده حربة من نور ، فإذا نظر إليه إبليس : رجع القهقرى ناكصاً على عقبيه ، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول ( إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ) (4).

فيلحقه النبيّ صلى الله عليه وآله : فيطعنه طعنة بين كتفيه فتكون هلاكَه وهلاكَ جميع أشياعه. فعند ذلك يُعبد

ص: 132


1- الأعراف : 14.
2- الأعراف : 15.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « اليوم ».
4- الأنفال : 48.

الله عزوجل ولا يشرك به شيئاً ، ويملك أمير المؤمنين عليه السلام : أربعاً وأربعين ألف سنة ، حتّى يلد الرجل من شيعة عليّ عليه السلام : ألف ولد من صلبه ذكراً في كلِّ سنة ذكراً ، وعند ذلك تظهر الجنَّتان المدهامَّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله (1).

وقد مرّ قريب من هذا الخبر.

ومنه بسنده عن المعلّى بن خنيس : وزيد الشحّام : قالا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام : يقول إن أوَّل من يكرّ في الرجعة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام ، فيمكث في الأرض أربعين ألف سنة (2) الخبر ، وقد مرّ مثله.

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي جعفر عليه السلام : قال ليس من مؤمن إلّا وله قتلة وميتة ، إنه من قتل نشر حتّى يموت ، ومن مات نشر حتّى يقتل.

ثمّ تلوت على أبي جعفر عليه السلام ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (3) ، فقال هو : ومنشورة الخبر.

إلى أن قال ألم تسمع أن الله تعالى يقول ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ ) (4) ، وقوله ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ ) (5) يعني بذلك محمَّداً صلى الله عليه وآله ، وقيامه في الرجعة ينذر فيها ، وقوله تعالى : ( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) (6) في الرجعة.

وقوله ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (7) قال : يظهرها الله عزوجل في الرجعة.

وقوله تعالى : ( حَتّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ ) (8) : هو عليُّ بن أبي طالب : صلوات الله عليه إذا رجع في الرجعة.

ص: 133


1- مختصر بصائر الدرجات : 26 - 27 ، بحار الأنوار 53 : 42 / 12.
2- مختصر بصائر الدرجات : 18.
3- آل عمران : 185.
4- السجدة : 21.
5- المدّثِّر : 1 - 2.
6- المدّثر : 35 - 36.
7- التوبة : 33.
8- المؤمنون : 77.

قال جابر : قال أبو عبد الله عليه السلام .. (1) الخبر كما مرّ.

ومنه بسنده عن موسى الخيّاط (2) : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول أيام الله ثلاثة ، يوم يقوم القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة (3).

ومنه بسنده عن أبي حمزة الثماليّ : قال : قال أبو جعفر عليه السلام ، كان أمير المؤمنين : صلوات الله عليه يقول : من أراد أن يقاتل شيعة الدجّال فليقاتل الباكي على دم عثمان ، والباكي على أهل النهروان. إن من لقي الله عزوجل مؤمناً بأن عثمان : قتل مظلوماً لقي الله ساخطاً عليه ويدرك الدجّال. فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، فإن مات قبل ذلك؟ قال : يبعث من قبره حتّى يؤمن به وإن رغم أنفه (4).

ومنه بسنده عن أبي بصير : عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (5) قال في الرجعة (6).

ومنه بسنده عن أبي بصير : قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام : فقلت : إنا نتحدث أن عمر بن ذر : لا يموت حتّى يقاتل قائم آل محمّد. وقال إن مثل ابن ذر : مثل رجل كان في بني إسرائيل يقال له عبد ربَّه ، وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة ، فمات فكانوا يلوذون بقبره ويتحدَّثون عنده ؛ إذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب من رأسه ، ويقول لهم : كيت وكيت (7).

ومنه بسنده عن سَدِير : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عن الرجعة؟ فقال القدريَّة تنكرها ، ثلاثاً (8).

ومنه بسنده عن أبي بصير : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( إِنَّ اللهَ

ص: 134


1- مختصر بصائر الدرجات : 17 - 18 ، وفيه : ( قال أبو جعفر ) بدل : ( وقال أبو عبد الله ).
2- في المصدر : ( الحنّاط ).
3- مختصر بصائر الدرجات : 18 ، 41 ، وفيه : « يوم قيام القائم ».
4- مختصر بصائر الدرجات : 20.
5- الإسراء : 72.
6- مختصر بصائر الدرجات : 20.
7- مختصر بصائر الدرجات : 21 ، وفيه : « إذا » بدل : « إذ ».
8- مختصر بصائر الدرجات : 20.

اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ) (1) الآية ، فقال ذلك في الميثاق.

ثمّ قرأت ( التّائِبُونَ الْعابِدُونَ ) (2). فقال أبو جعفر عليه السلام : لا تقرأ هكذا ، ولكن اقرأ التائبون العائدون (3).

ثمّ قال إذا رأيت هؤلاء فهم الّذين اشترى (4) منهم أنفسهم وأموالهم.

يعني في الرجعة (5).

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : ما من مؤمن إلّا وله ميتة وقتلة ، من مات بعث حتّى يقتل ، ومن قتل بعث حتّى يموت (6).

ومنه بسنده عن جابر : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وقد خطبنا يوم الفتح - أيّها الناس لأعرفنَّكم ترجعون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ولئن فعلتم لتعرفُنَّني أضربكم بالسيف.

ثمّ التفت عن يمينه ، فقال الناس : غمزه جبرئيل عليه السلام ، فقال أو علي.

فقال أو علي (7).

ومنه بسنده عن أبي بكر الحضرميّ : عن أبي جعفر عليه السلام : لا يسأل في القبر إلّا من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً. ولا ينال الرجعة إلّا من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً.

قلت : فسائر الناس. قال يلهى عنه (8).

ومنه بسنده عن أبي الصباح : قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : مسألة أكره أن اسمّيها لك. فقال لي هو أو عن الكرّات تسألني؟

فقلت : نعم. فقال تلك القدرة ولا ينكرها إلّا

ص: 135


1- التوبة : 111.
2- التوبة : 112.
3- في المصدر : « التائبين العابدين ».
4- في المصدر : « فعند ذلك هم الّذين يشتري .. ».
5- قوله : ( يعني في الرجعة ) ليس في المصدر.
6- مختصر بصائر الدرجات : 21.
7- مختصر بصائر الدرجات : 21 ، وانظر شواهد التنزيل 1 : 404 ، باختلاف.
8- مختصر بصائر الدرجات : 21 ، وليس فيه : « ولا ينال الرجعة .. محضاً ».

القدرية. لا تنكر تلك القدرة ، لا تنكرها (1) الخبر.

ومنه بسنده عن الأصبغ : أن عبد الله بن أبي بكر اليشكريّ : قال : يا أمير المؤمنين ، إن أبا المعتمر : تكلّم آنفاً بكلام لا يحتمله قلبي. فقال وما ذاك؟

قال : يزعم أنك حدّثته أنك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله : يقول إنا رأينا وسمعنا برجل أكبر سنّاً من أبيه.

فقال أمير المؤمنين : صلوات الله عليه - فهذا الذي كبر عليك؟

قال : نعم. فقال عليه السلام ويلك يا ابن الكوّاء ، أفقه منّي أُخبرك عن ذلك ، إن عزيراً : خرج من أهله وامرأته في شهرها وله يومئذ خمسون سنة ، فلمّا ابتلاه الله عزوجل بذنبه أماته مائة عام ، ثمّ بعثه فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة ، فاستقبله ابنه وهو ابن مائة ، وردّ الله عزيراً إلى الذي كان به.

فقال : أسألك ما أُريد؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : سل.

فقال : إن أُناساً من أصحابك يزعمون أنهم يُردّون بعد الموت. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نعم ، تكلَّم بما سمعت ولا تزد في الكلام (2) الخبر ، وقد مرّ مثله.

ومنه بسنده عن عبد الرحيم القصير : قال : قرأ أبو جعفر عليه السلام : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ) (3) ، فقال هل تدري من يعني؟.

فقلت : يقاتِل المؤمنون فيَقتلون ويُقتلون. فقال لا ، ولكن من قتل من المؤمنين رُدَّ حتّى يموت ، ومن مات رُدَّ حتّى يقتل ، وتلك القدرة فلا تنكرها (4).

ومنه بسنده عن حمران : قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أيكون في بني إسرائيل : شي ء لا يكون هاهنا مثله؟ فقال لا.

فقلت : فحدّثني عن قول الله عزوجل ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ) حتّى نظر الناس إليهم (5). الخبر.

ومنه بسنده عن محمّد بن مسلم : قال : سمعت حمران وأبا الخطّاب : يحدّثان

ص: 136


1- مختصر بصائر الدرجات : 22 ، وفيه : « لا تنكرها تلك القدرة ، لا تنكرها ».
2- مختصر بصائر الدرجات : 22 ، باختلاف.
3- التوبة : 111.
4- مختصر بصائر الدرجات : 23.
5- مختصر بصائر الدرجات : 23 - 24.

جميعاً قبل أن يُحدث أبو الخطّاب ما أحدث ، أنهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام : يقول أوّل من تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام ، وأن الرجعة ليست بعامَّة ، وهي خاصَّة لا يرجع إلّا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً (1).

ومنه بسنده عن بكير بن أعيَن : قال : قال لي من لا أشكّ فيه يعني أبا جعفر عليه السلام : - إن رسول الله صلى الله عليه وآله : وعليّاً : عليه سلام الله سيرجعان (2).

ومنه بسنده عن زرارة : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن هذه الأُمور العظام من الرجعة وأشباهها؟ فقال إن هذا الذي تسألون عنه لم يجي ء أوانه ، وقد قال عزوجل ( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (3) (4).

ومنه بسنده إلى ابن أُذينة : عن محمّد بن الطيّار : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قول الله عزوجل ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (5) ، فقال ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا سيرجع حتّى يموت ، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّى يقتل (6).

ومنه بسنده عن أبي بصير : قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : ينكر أهل العراق الرجعة؟

قلت : نعم. قال أما يقرءون القرآن ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (7)؟ (8) الآية.

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : قال : سئل أبو جعفر عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ ) (9) ، فقال يا جابر ، أتدري ما السبيل؟

قلت : لا والله إلّا إذا سمعت منك. قال القتل في سبيل عليٍّ : وذرِّيَّته ، فمن قُتل في ولايته قتل في سبيل الله ، وليس أحد يؤمن بهذه الآية إلّا وله ميتة وقتلة (10) الخبر ، وقد مرّ مثله.

ص: 137


1- مختصر بصائر الدرجات : 24 ، وفيه : « محض الشرك ».
2- مختصر بصائر الدرجات : 24.
3- يونس : 39.
4- مختصر بصائر الدرجات : 24.
5- النمل : 83.
6- مختصر بصائر الدرجات : 25.
7- النمل : 83.
8- مختصر بصائر الدرجات : 25.
9- آل عمران : 157.
10- مختصر بصائر الدرجات : 25 ، وفيه : « وله قتلة وميتة ».

ومنه بسنده عن قصير بن أبي شيبة : قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول وتلا هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) ، الآية قال - ليؤمننّ برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولينصرنّ عليّاً : أمير المؤمنين : من لدن آدم .. فهلمَّ جرّاً ، فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا ردَّ جميعهم إلى الدنيا حتّى يقاتلوا بين يدي عليِّ بن أبي طالب عليه السلام (1).

ومنه بسنده عن الثماليّ : قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : يا أبا حمزة ، لا ترفعوا عليّاً : فوق ما رفعه الله ، ولا تضعوا عليّاً : دون ما وضعه الله ، كفى بعليٍّ : أن يقاتل أهل الكرَّة ، ويزوِّج أهل الجنَّة (2).

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي جعفر عليه السلام : إن أمير المؤمنين عليه السلام : كان يقول لأصحابه : إن ( المدَّثِّر ) : هو كائن عند الرجعة.

فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، أحياه قبل يوم القيامة ثم موت؟ فقال له نعم والله ، لكفرة من الكُفرَ بعد الرجعة أشدّ من كفرات قبلها (3).

هذا لفظ النسخة التي بيدي ، وليس غيرها حتّى تراجع ، والله أعلم.

ومنه بسنده عن أبي خديجة : قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول إني سألت الله عزوجل في إسماعيل : أن يبقيه بعدي فأبى ، ولكنّه قد أعطاني فيه منزلة أنه يكون أوَّل منشور في عصره من أصحابه ، وفيهم عبد الله بن شريك العامريّ ، وفيهم صاحب الراية (4).

ومنه بسنده عن يونس بن ظبيان : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي (5) عليهما السلام : الخبر ، وقد مرّ مثله.

ومنه بسنده عن الحسين بن راشد : عن أبي إبراهيم عليه السلام : قال لترجعنَّ نفوس وليقتصنَّ يوم تقوم ، ومن عذِّب يقتصُّ بعذابه ، ومن اغيظ يقتصُّ بغيظه ، ومن قتل يقتصُّ بقتله ، ويُردّ لهم أعداؤهم حتّى يأخذوا بثأرهم. ثمّ يلبثون بعدهم ثلاثين شهراً ، ثمّ يموتون في ليلة واحدة

ص: 138


1- مختصر بصائر الدرجات : 25 - 26.
2- مختصر بصائر الدرجات : 26.
3- مختصر بصائر الدرجات : 26.
4- مختصر بصائر الدرجات : 26.
5- مختصر بصائر الدرجات : 27 ، بحار الأنوار 53 : 43 - 44 / 14.

قد أدركوا ثأرهم وشفوا نفوسهم (1) الخبر.

ومنه بسنده عن الحسين بن راشد : قال : قال أبي لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في الكرّة؟ قال أقول فيها ما قال الله عزوجل ، وذلك أن تفسيرها صار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله : قبل أن يأتي هذا الحرف بخمسة وعشرين ليلة ، قول الله عزوجل ( تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ) (2) إذا رجعوا إلى الدنيا ولم يقضوا دخولهم (3) الخبر.

ومنه بسنده عن محمّد بن سليم الديلميّ : عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ) (4)؟ فقال الأنبياء : م رسول الله : وإبراهيم : وإسماعيل : وذرِّيَّته ، والملوك : الأئمّة عليهم السلام.

قال : فقلت : أيّ ملك أُعطيتم. قال ملك الجنّة ، وملك الكرَّة (5).

ومنه بسنده عن المعلّى بن خنيس : قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أوّل من يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام ، فيملك حتّى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر.

قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام : في قول الله عزوجل ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (6) قال نبيُّكم صلى الله عليه وآله راجع إليكم (7).

ومنه بسنده عن جابر بن يزيد : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن لعليٍّ عليه السلام : في الأرض كرّة مع الحسين : ابنه عليهما السلام ، يقبل برايته حتّى ينتقم له من بني أُميَّة : ومعاوية : وآل معاوية : ومن شهد حربه ، ثمَّ يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفاً ومن سائر الناس سبعين ألفاً ، فيلقاهم بصفِّين مثل المرَّة الأُولى حتّى يقتلهم ولا يبقى منهم مخبر الخبر.

إلى أن قال عليه السلام ثم كرَّة اخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله : حتّى يكون خليفة في الأرض وتكون الأئمَّة عمّاله (8) الخبر ، وقد مرّ مثله بتمامه.

ص: 139


1- مختصر بصائر الدرجات : 27.
2- النازعات : 12.
3- مختصر بصائر الدرجات : 28.
4- المائدة : 20.
5- مختص بصائر الدرجات : 28.
6- القصص : 85.
7- مختصر بصائر الدرجات : 29.
8- مختصر بصائر الدرجات : 29.

ومنه بسنده عن أبي حمزة : عن الباقر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرَّد في وحدانيَّته ، ثمّ تكلَّم بكلمة فصارت نوراً ، ثمَّ خلق من ذلك النور محمَّداً صلى الله عليه وآله : وخلقني وذرِّيَّتي ، ثمَّ تكلَّم بكلمة فصارت روحاً الخبر.

إلى أن قال أمير المؤمنين عليه السلام : وأن لي الكرّة بعد الكرَّة ، والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرّات (1) الخبر ، وهو طويل ، وفيه تفاصيل من أحوال الرجعة ، وقد مرّ بعضه.

ومنه بسنده عن جابر : عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال الحسين : لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلى الله عليه وآله : قال لي : يا بني إنك ستساق إلى العراق الخبر.

إلى أن قال الحسين عليه السلام : لئن قتلونا فإنا نرد إلى نبيِّنا صلى الله عليه وآله ، فأمكث ما شاء الله ، فأكون أوَّل من تنشقُّ الأرض عنه ، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين ، وقيام قائمنا : عليهما السلام (2) الخبر. وقد مرّ مثله بتمامه.

ومنه بسنده عن جابر الجعفيّ : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول والله ليملكنَّ منّا أهل البيت : رجل بعد موته ثلاثمائة سنة وتزداد تسعاً.

قلت : متى يكون ذلك؟ قال بعد القائم. قلت : وكم يقوم القائم : في عالمه؟ قال تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج [ م المنتصر ] (3) إلى الدنيا وهو الحسين : فيطلب بدمه ودم أصحابه ، فيقتل ويسبي ، حتّى يخرج السفّاح : وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (4).

ومنه بسنده عن الحلوانيّ : عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إني لصاحب الكرّات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا والمِيسَم والدابّة التي تكلّم الناس (5).

ومنه بسنده عن عليّ بن إبراهيم ، بسنده عن حمّاد : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ما

ص: 140


1- مختصر بصائر الدرجات : 32 - 33 ، بحار الأنوار 53 : 46 - 48 / 20.
2- مختصر بصائر الدرجات : 50.
3- في المخطوط : ( المنتظر ) ، وما أثبتناه من المصدر.
4- مختصر بصائر الدرجات : 49.
5- مختصر بصائر الدرجات : 41.

يقول الناس في هذه الآية ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (1)؟

قال : يقولون : إنها في القيامة. قال ليس كما يقولون ، إن ذلك في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلِّ امَّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنما آية القيامة ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (2). وقوله ( وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (3) ، أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجِعُونَ في الرجعة ، وأمّا يوم القيامة فيرجعون (4) الخبر.

ومنه بسنده عن عليّ بن إبراهيم (5) : بسنده عن ابن مُسكان : عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (6). قال ما بعث الله نبيّاً من آدم عليه السلام : إلّا ويرجع إلى الدنيا فينصر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو قوله ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله ، ( وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) يعني أمير المؤمنين عليه السلام. قال علي بن إبراهيم : بعد هذا الخبر : ومثله كثير ممّا وعد الله الأئمّة عليهم السلام من الرجعة والنصر ، فقال ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (7).

قال عليّ بن إبراهيم : وهذا إنما يكون إذا رجَعوا إلى الدنيا (8).

قال (9) : وقوله ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) (10) ، فهذا كلّه ممّا يكون في الرجعة.

قال عليّ بن إبراهيم : وحدّثني أبي عن أحمد بن أبي نصر : عن عمرو بن شمر : قال

ص: 141


1- النمل : 83.
2- الكهف : 47.
3- الأنبياء : 95.
4- مختصر بصائر الدرجات : 41 - 42.
5- تفسير القمّيّ 1 : 134.
6- آل عمران : 81.
7- النور : 55.
8- تفسير القمي 2 : 108 ، وليس فيه : ( ومثله كثير ).
9- تفسير القمي 2 : 134 - 135.
10- القصص : 5 - 6.

ذكر عند أبي جعفر عليه السلام : م جابر ، فقال رحم الله جابراً ، لقد بلغ من علمه أنه كان يعرف تأويل هذه الآية ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (1) ، يعني : الرجعة (2).

قال عليّ بن إبراهيم : ومثله كثير (3).

وقال : قوله تعالى : ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً ) (4) الآية ، حدّثني أبي عن ابن أبي عمير : عن أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله : إلى أمير المؤمنين عليه السلام : وهو نائم في المسجد ، قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه ، فحرَّكه برجله ، ثمّ قال له : قم يا دابَّة الأرض. فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله : أيسمِّي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ قال : لا والله ، ما هو إلّا له خاصّة ، وهو الدابَّة : التي ذكرها الله تعالى في كتابه ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ) (5)(6).

ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عليُّ ، إذا كان آخر (7) الزمان أخرجك الله تعالى في أحسن صورة ومعك مِيسَم تسم أعداءك الخبر ، وقد مرّ مثله.

قال : والدليل على أنها في الرجعة قوله ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (8) الآية. قال : الآيات : أمير المؤمنين : والأئمَّة عليهم السلام.

فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام : إن العامّة تزعم أن قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (9) يعني القيامة. فقال أبو عبد الله عليه السلام : [ أفيحشر (10) ] الله من كلِّ امَّة فوجاً ويدع الباقين؟ لا ، ولكنَّه في الرجعة ، وأمّا آية القيامة فهي ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (11).

وقال عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي قال : حدّثني ابن أبي عمير : عن المفضّل : عن أبي

ص: 142


1- القصص : 85.
2- تفسير القمي 2 : 147 ، باختلاف يسير في المتن وفي السند.
3- لم تذكر هذه العبارة في التفسير.
4- النمل : 82.
5- النمل : 82.
6- في المخطوط : « في آخر » بدل : « آخر ».
7- في المخطوط : « في آخر » بدل : « آخر ».
8- النمل : 83.
9- النمل : 83.
10- في المخطوط : « يحشر ».
11- الكهف : 47.

عبد الله عليه السلام : في قوله ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (1) الآية ليس أحد من المؤمنين قُتِلَ إلّا ويرجع حتّى يموت ، ولا يرجع إلّا مَن محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً.

قال أبو عبد الله عليه السلام : قال رجل لعمّار بن ياسر رضي الله عنه : يا أبا اليقظان ، آية قد أفسدت قلبي وشكَّكتني. قال عمّار : وأيَّة آية هي؟ قال : قوله ( وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً ) (2) الآية فأيَّة دابّة هذه؟ فقال عمّار : والله لا أجلس ولا آكل ولا أشرب حتّى اريكها.

فجاء عمّار رضي الله عنه : مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال عليه السلام : يا أبا اليقظان : هلمَّ. فجلس عمّار : وأقبل يأكل معه ، فتعجَّب الرجل منه ، فلمّا قام عمّار : قال الرجل : سبحان الله يا أبا اليقظان ، حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتّى ترينيها. فقال عمّار : قد أريتكها إن كنت تعقل.

وقال عليّ بن إبراهيم : في قوله تعالى : ( سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها ) (3) : ( م أمير المؤمنين : والأئمّة عليهم السلام ، إذا رجعوا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم (4).

والدليل على أن الآيات هم الأئمّة عليهم السلام ، قول أمير المؤمنين عليه السلام : ما لله آية أعظم منّي ، فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا ).

ومنه عن عليّ بن إبراهيم : بسنده عن أبي خالد الكابليّ : عن علي بن الحسين عليه السلام : في قوله ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) ؟ قال يرجع إليكم نبيُّكم وأمير المؤمنين : والأئمَّة عليهم السلام (5).

وقال عليّ بن إبراهيم : في قوله ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) (6) : قال الصادق عليه السلام : ذلك في الرجعة (7).

وقال في قوله تعالى : ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (8) هو

ص: 143


1- النمل : 83.
2- النمل : 82.
3- النمل : 93.
4- عنه في البرهان في تفسير القرآن 3 : 214 / 16.
5- مختصر بصائر الدرجات : 42 - 44.
6- غافر : 11.
7- تفسير القميّ 2 : 295.
8- غافر : 51.

في الرجعة إذا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله : والأئمَّة عليهم السلام (1).

ثمّ روى بسنده عن جميل : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : قلت : قوله تبارك وتعالى ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (2) قال ذاك والله في الرجعة ، أما علمت أن أنبياء الله كثيراً لم ينصروا في الدنيا وقتلوا ، وأئمَّة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا ، وذلك في الرجعة (3).

وقال في قوله تعالى : ( يُرِيكُمْ آياتِهِ ) (4) : يعني أمير المؤمنين : والأئمّة عليهم السلام في الرجعة (5).

وقال في قوله تعالى : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) (6) قال ذاك إذا خرجوا في الرجعة (7).

وقال في قوله في آخر الآية ( إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ ) (8) يعني إلى الدنيا في الرجعة.

قال ولو كان قوله ( يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) في القيامة لم يقل ( إِنَّكُمْ عائِدُونَ ) ؛ لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها (9).

وقال عليّ بن إبراهيم : ( إن الله خبّر نبيّه صلى الله عليه وآله أن الحسين عليه السلام : يقتل ، ثمّ يردّه إلى الدنيا وينصره حتّى يقتل أعداءه ، ويملّكه الأرض وهو قوله ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) (10) الآية ، وقوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ ) (11) فبشّر الله نبيّه أن أهل بيتك يملكون الأرض

ص: 144


1- تفسير القمّيّ 2 : 262.
2- غافر : 51.
3- تفسير القمّيّ 2 : 262 باختلاف.
4- غافر : 13.
5- تفسير القمّي 2 : 259 ، وفيه : ( الأئمَّة الّذين أخبرهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله بهم ).
6- الدخان : 10.
7- تفسير القمّي 2 : 295 - 296.
8- الدخان : 15.
9- تفسير القمّيّ 2 : 296 ، وفيه : « يعني : إلى يوم القيامة » بدل : « يعني في الدنيا إلى الرجعة ».
10- القصص : 5.
11- الأنبياء : 105.

ويرجعون إليها ويقتلون أعداءهم ) (1).

ومنه بسنده عن عليّ بن إبراهيم (2) ، بسنده عن جميل : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قوله تعالى : ( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) (3). قال هي الرجعة (4).

وقال عليّ بن إبراهيم : في قوله عزّ اسمه ( يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ) (5) : ( في الرجعة ) (6) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ) (7) : م ( آل محمّد : حقّهم لهم ) ، ( عَذاباً دُونَ ذلِكَ ) قال : ( عذاب الرجعة بالسيف ).

وقوله تعالى : ( سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ) (8). قال : ( في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين عليه السلام ، ورجع أعداؤه فيسمهم بميسم معه كما توسم البهائم ) (9).

وقوله تعالى : ( حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ ) (10) قال : م ( القائم : وأمير المؤمنين : صلّى الله عليهما في الرجعة ) (11).

وقوله تعالى : ( ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) (12) قال : ( في الرجعة ، يعني : م أمير المؤمنين ). : ( كَلّا لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ ) (13) ( أي لم يقضِ أمير المؤمنين : ما أمره ، وسيرجع حتّى يقضي ما أمره ) (14).

ومنه بسنده عن محمّد بن العبّاس : المعروف بابن ماهيار ، بسنده عن أبي مروان : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ

ص: 145


1- تفسير القمّيّ 2 : 303 ، مختصر بصائر الدرجات : 18 - 19 باختلاف.
2- تفسير القمّيّ 2 : 335.
3- ق : 42.
4- مختصر بصائر الدرجات : 46.
5- ق : 44.
6- تفسير القمّي 2 : 335.
7- الطور : 47.
8- القلم : 16.
9- تفسير القمّيّ 2 : 399.
10- مريم : 75.
11- تفسير القمّيّ 2 : 51.
12- عبس : 22.
13- عبس : 23.
14- تفسير القمّي 2 : 431 ، مختصر بصائر الدرجات : 46 - 47.

لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ ) (1)؟ فقال لي لا والله ، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتّى يجتمع رسول الله صلى الله عليه وآله : وعليّ عليه السلام : بالثويّة ، فيلتقيان ويبنيان بالثويّة مسجداً له اثنا عشر ألف باب.

يعني : موضعاً بالكوفة (2).

ومنه بسنده عن عليّ بن إبراهيم (3) ، بسنده عن أبي سلمة : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عن قول الله عزوجل ( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ) ؟ قال نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، ( ما أَكْفَرَهُ ) يعني : بقتلكم إيّاه ، ثمّ نسب أمير المؤمنين عليه السلام : فنسب خلقه ، وما أكرمه الله به فقال ( مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ ) يقول : من طينة الأنبياء ( فَقَدَّرَهُ. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) ، يعني : سبيل الهدى ( ثُمَّ أَماتَهُ ) ميتة الأنبياء.

قلت : ما قوله ( ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) (4)؟ قال يمكث بعد قتله في الرجعة ، فيقضي ما أمره (5).

وعنه بسنده عن أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ) (6) قال : يعني الكرّة للنبيِّ صلى الله عليه وآله الخبر (7).

ومنه عن محمّد بن يعقوب (8) ، بسنده عن عبد الله بن القاسم البطل : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قوله عزوجل ( وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ) (9) خروج القائم عليه السلام ، ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (10) خروج الحسين عليه السلام ، يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البيض الذهب لكلِّ بيضة وجهان ، يؤذن المؤذّنون إلى الناس أن هذا الحسين عليه السلام : قد خرج حتّى لا يشكَّ المؤمنون فيه ، وأنه ليس بدجّال ولا شيطان ، والحجَّة : م القائم عليه السلام : بين أظهرهم ، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين إنه الحسين عليه السلام : جاء الحجَّةَ : الموتُ ، فيكون الذي يغسِّله ويكفِّنه

ص: 146


1- القصص : 85.
2- مختصر بصائر الدرجات : 210.
3- تفسير القمّيّ 2 : 431 ، باختلاف.
4- عبس : 17 - 22.
5- مختصر بصائر الدرجات : 47 ، باختلاف.
6- الضحى : 4.
7- مختصر بصائر الدرجات : 47.
8- الكافي 8 : 175 / 250.
9- الإسراء : 5.
10- الإسراء : 6.

ويحنِّطه ويلحده في حفرته الحسين بن عليّ عليهما السلام ، ولا يلي الوصيَّ إلّا الوصيُّ مثله (1).

ومنه عن أحمد بن عقبة : عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال نعم.

فقيل له : من أوّل من يخرج؟ قال : م الحسين عليه السلام ، يخرج إثر القائم عليه السلام.

قلت : ومعه الناس كلّهم؟ قال بل كما ذكر الله تعالى في كتابه ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً ) (2) قوماً بعد قوم (3).

وعنه عليه السلام يقبل الحسين عليه السلام : في أصحابه الذين قتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران عليه السلام ، فيدفع إليه القائم عليه السلام : الخاتم ، فيكون الحسين عليه السلام : هو الذي غسّله وكفّنه ويحنّطه ويلحده في حفرته (4).

ومنه بسنده عن عليّ بن مهزيار : في حديث طويل قال فيه ثم قال يعني : م القائم ، عليه سلام الله - إذا فقد الصينيُّ وتحرّك المغربي وسار اليمانيّ وبويع السفيانيّ (5) يؤذن لوليّ الله ، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر سواء ، فأجي ء إلى الكوفة فأهدم مسجدها وابنيه على بنائه الأوّل ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحجّ بالناس حجّة الإسلام ، وأجي ء إلى يثرب فأهدم الحجرة وأُخرج من فيها وهما طريّان فآمر بهما تجاه البقيع ، وآمر بخشبتين يُصلبان عليهما ، فيورقان من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الأُولى ، فينادي منادي الفتنة من السماء : يا سماء ابيدي (6) ، ويا أرض خذي. فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلّا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.

قلت : يا سيدي ، ما يكون بعد ذلك؟ قال الكرّة الكرّة ، والرجعة الرجعة ، ثمّ تلا هذه الآية ( ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (7) الآية .. (8).

ص: 147


1- تفسير العياشي 2 : 304 / 20 ، باختلاف ، مختصر بصائر الدرجات : 48 ، بحار الأنوار 53 : 93 - 94 / 103.
2- النبإ : 18.
3- مختصر بصائر الدرجات : 48.
4- مختصر بصائر الدرجات : 48 - 49 ، وفيه : « فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواري به في حفرته ».
5- في المصدر : « وبويع العبّاسي ».
6- في المصدر : ( انبذي ).
7- الإسراء : 6.
8- مختصر بصائر الدرجات : 176 - 177 ، باختلاف.

ومنه نقلاً من مزار جعفر بن قولويه (1) ، بسنده عن بُرَيدِ العِجلِيّ : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن إسماعيل : الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ : إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (2) وساق الخبر كما تقدّم إلى أن قال إسماعيل عليه السلام : في مناجاته لله إنك وعدت الحسين : أن تكرَّه حتّى ينتقم بنفسه ممَّن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرَّني إلى الدنيا حتّى أنتقم ممَّن فعل ذلك بي كما تكرُّ الحسين. فوعد الله إسماعيل بن حزقيل عليه السلام : ذلك ، فهو يكرُّ مع الحسين (3) : تمام الخبر ، وقد مرّ ذكره.

ومنه عنه بسنده عن حَرِيز : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، ما أقلّ بقاءكم أهل البيت : وأقرب آجالكم بعضاً من بعض ، مع حاجة هذا الخلق إليكم! فقال إن لكلِّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدَّته ، فإذا انقضى ما فيها ممّا أُمر به عرف أن أجله قد حضره ، وأتاه النبيّ صلى الله عليه وآله : ينعى إليه نفسه وأخبره بما عند الله ، وإن الحسين عليه السلام : قرأ صحيفته التي أُعطيها وفسَّر له ما يأتي وما يبقى ، وبقي منها أشياء لم تنقضِ ، فخرج إلى القتال.

وكانت من تلك الأُمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته ، فأذن لها ، فمكثت تستعدُّ للقتال ، وتتأهَّب لذلك حتّى قتل ، فنزلت وقد انقطعت مدَّته ، وقتل صلوات الله وسلامه عليه فقالت الملائكة : يا رب ، أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته فانحدرنا وقد قبضته. فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم أن الزموا قبره حتّى تروه ، وإذا خرج فانصروه ، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته ؛ فإنّكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه. فبكت الملائكة [ حزناً (4) ] وجزعاً على ما فاتهم من نصرته ، فإذا خرج صلّى الله عليه يكونون أنصاره (5).

ص: 148


1- كامل الزيارات : 138 / 163.
2- مريم : 54.
3- مختصر بصائر الدرجات : 177.
4- من المصدر ، وفي المخطوط « تعزيا ».
5- مختصر بصائر الدرجات : 178 ، باختلاف يسير.

ومنه عنه أيضاً ، بسنده عن أبي بكر الحضرمي : عن أبي عبد الله : وأبي جعفر عليهما السلام : قال : قلت له : أيّ بقاع الله أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله؟ فقال يا أبا بكر ، الكوفة الزاكية الطاهرة ، فيها قبور النبيِّين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء والصدِّيقين (1) ، وفيها مسجد سهلة الذي لم يبعث الله نبيّاً إلّا وقد صلّى فيه ، ومنها يظهر عدل الله ، وفيها يكون قائمه والقُوّام من بعده ، وهي منازل النبيِّين والأوصياء الصالحين (2) (3).

ومنه (4) بسنده عن الحضينيّ ، ونقل قطعة من حديث المفضّل : الطويل الذي نقلنا بعضه فراجعه.

ومنه نقلاً من كتاب ابن ماهيار : بسنده عن أبي بصير : عن أبي جعفر عليه السلام : في قوله تعالى : ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ) (5) قال تخضع لها رقاب بني أُميَّة ، وذلك عند بارز الشمس.

قال وذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام : يبرز عند زوال الشمس ، ويترك الشمس على رؤوس الناس ساعة حتّى يبرز وجهه ، ويعرف الناس حسبه ونسبه.

ثمّ قال أمَا إن بني أُميَّة ليختبئنّ الرجل منهم إلى جنب الشجرة ، فتقول : هذا رجل من بني أُميَّة : فاقتلوه (6).

ومنه نقلاً من مزار ابن قولويه (7) : بسنده عن المفضّل بن عمر : قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : كأنّي والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين على قبر الحسين الخبر.

إلى أن قال عليه السلام يا مفضّل : أزيدك؟

قلت : نعم. قال كأنّي بسرير من نور قد وضع وقد ضربت عليه قبَّة من ياقوتة حمراء مكلَّلة بالجوهر ، وكأنّي بالحسين عليه السلام : جالساً على السرير

ص: 149


1- في المصدر : « الصادقين ».
2- في المصدر : « والصالحين ».
3- مختصر بصائر الدرجات : 178 ، باختلاف.
4- مختصر بصائر الدرجات : 178 - 192 ، بحار الأنوار 53 : 1 - 34 ، باختلاف.
5- الشعراء : 4.
6- مختصر بصائر الدرجات : 206 ، باختلاف.
7- كامل الزيارات : 259 / 390.

وحوله تسعون ألف قبَّة خضراء ، وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلِّمون عليه ، فيقول الله عزوجل : أوليائي ، طالما اوذيتم وذُللتم واضطُهدتم ، فهذا يوم لا تسألونني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم (1) الخبر. وقد مرّ مثله بتمامه.

ومنه بسنده عن الحسن بن محبوب : عن محمّد بن سلام : عن أبي جعفر عليه السلام : في قول الله تعالى ( أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (2) قال هو خاصٌّ بأقوام في الرجعة بعد الموت ، ويجري في القيامة الخبر.

إلى غير ذلك من أخبار ذكرها صاحب كتاب ( الرجعة ) ، وتركنا ذكرها لسبق ذكرها ، وغيرها من خطب وأدعية وأخبار استدلّ بها رحمه الله على الرجعة.

وقال الشيخ فخر الدين الطريحي : في ( مجمع البحرين ) : ( الرجعة بالفتح - : هي الكرّة بعد الموت بعد ظهور المهدي عليه السلام ، وهي من ضروريّات مذهب الإماميّة ، وعليها من الشواهد القرآنيّة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام : ما هو أشهر من أن يذكر ، حتّى إنه ورد عنهم عليهم سلام الله - من لم يؤمن برجعتنا ، ولم يقرَّ بمتعتنا ، فليس منّا ) (3). وقال الصدوق رحمه الله : في ( من لا يحضره الفقيه ) : قال الصادق عليه السلام : ليس منّا من لم يؤمن بكرَّتنا ، ويستحلَّ متعتنا ) (4). وقال رحمه الله في كتاب اعتقاداته : ( باب الاعتقاد بالرجعة : اعتقادنا في الرجعة بعد الموت أنها حقّ ، وقد قال الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ) (5) ، كان هؤلاء سبعين ألفاً أهل بيت ، وكان يقع فيهم الطاعون كلّ سنة ، فيخرج الأغنياء لقوّتهم ويبقى الفقراء لضعفهم ، فيقلّ الطاعون في الذين يخرجون ، ويكثر في الذين يقيمون ، فيقول الذين يقيمون

ص: 150


1- مختصر بصائر الدرجات : 193 - 194.
2- غافر : 11.
3- مجمع البحرين 4 : 334 رجع.
4- الفقيه 3 : 291 / 1384 ، وسائل الشيعة 21 : 7 - 8 ، أبواب المتعة ، ب 1 ، 10.
5- البقرة : 243.

لو خرجنا لما أصابنا الطاعون. ويقول الذين خرجوا : لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم.

فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون ، فخرجوا بأجمعهم فنزلوا على شطّ بحر ، فلما وضعوا رحالهم ناداهم الله : موتوا. فماتوا جميعاً ، فكنستهم المارّة عن الطريق فبقوا بذلك ما شاء الله.

ثمّ مرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل : يقال له إرميا ، فقال لو شئت يا ربّ لأحييتهم ؛ فيعمِّروا بلادك ، ويلدوا عبادك ، ويعبدوك مع من يعبدك.

فأوحى الله إليه أفتحبُّ أن أُحييهم لك؟

قال نعم.

فأحياهم الله له ، وبعثهم معه.

فهؤلاء ماتوا فرجعوا إلى الدنيا ، ثم ماتوا بآجالهم.

فقال الله تعالى ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) الآية ، إلى قوله عزّ اسمه - ( أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ) (1) ، فهذا مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها ، ثم مات بأجله ، وهو عزير.

وقال الله تعالى في قصّة المختارين من قوم موسى : لميقات ربّه ( ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (2) ، وذلك أنهم لمّا سمعوا كلام الله قالوا : لا نصدّق حتّى نرى الله جهرة ، فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا ، فقال موسى عليه السلام : يا ربّ ، ما أقول لبني إسرائيل : إذا رجعت إليهم؟ فأحياهم الله عزوجل ، ورجعوا إلى الدنيا ، فأكلوا وشربوا ، ونكحوا النساء وولد لهم الأولاد ، وبقوا فيها ، ثم ماتوا بآجالهم.

وقال الله عزوجل لعيسى عليه السلام : ( وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي ) (3) ، فجميع الموتى الّذين أحياهم عيسى عليه السلام : بإذن الله رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها ، ثم ماتوا بآجالهم.

وأصحاب الكهف ( لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) (4) ، ثمّ

ص: 151


1- البقرة : 259.
2- البقرة : 56.
3- المائدة : 110.
4- الكهف : 25.

بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم.

فإن قال قائل : إن الله عزوجل قال ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) (1) ، قيل له : إنهم كانوا موتى ، وقد قال الله تعالى ( يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) (2) ، وما قالوا كذلك ، إلّا إنهم قد كانوا موتى.

فقد صحّ أن الرجعة كانت في الأُمم السالفة ، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله : يكون في هذه الأُمَّة مثل ما يكون في الأُمم السالفة ، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.

فيجب على هذا الأصل أن يكون في هذه الأُمور رجعة.

وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي : نزل عيسى بن مريم عليه السلام : فصلّى خلفه ، ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته ؛ لأن الله عزوجل قال ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ ) (3).

وقد قال الله عزوجل ( وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (4) ، وقال الله عزوجل ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ) (5) ، فاليوم الذي يحشر فيه الجميع غير اليوم الذي يحشر فيه فوج.

وقال الله عزوجل ( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (6) ، يعني : في الرجعة ، وذلك أنه يقول ( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (7) ، والتبيين يكون في الدنيا لا في الآخرة.

وساجرّد في الرجعة كتاباً ، أُبيّن فيه كيفيّتها والدلالة على صحّة كونها إن شاء الله تعالى. والقول بالتناسخ باطل ، ومن دان بالتناسخ فهو كافر ؛ لأن التناسخ إبطال الجنّة

ص: 152


1- الكهف : 18.
2- يس : 52.
3- آل عمران : 55.
4- الكهف : 47.
5- النحل : 83.
6- النحل : 38.
7- النحل : 39.

والنار. والله أعلم بالصواب ) (1). هذا آخر كلام الصدوق رحمه الله : في اعتقاداته ، وهو لا يعدو ألفاظ الأخبار.

وقال الرئيس الشيخ أحمد بن زين الدين : ( الرجعة تطلق على رجعة آل محمَّد صلى الله عليه وآله ، ومختصر القول في بيانها على ما كنت أفهم من الروايات : أن أوّل قائم منهم عليهم السلام بالحقّ هو القائم الحجّة عليه السلام ، ومدّة ملكه سبع سنين ، كلّ سنة عشر سنين ، فإذا مضى من حكمه تسع وخمسون سنة ، وبقي إحدى عشرة سنة ، خرج الحسين عليه السلام. وفي الحديث أوَّل من ينفض التراب عن رأسه الحسين عليه السلام (2) ، وفي آخر : م السفّاح : وهو الحسين عليه السلام (3) ، ويبقى إلى آخر حكم القائم عليه السلام : إحدى عشرة سنة صامتاً.

فإذا قتل القائم قيل : تقتله امرأة من بني تميم لها لحية واسمها سعيدة ، لعنها الله تعالى ، يتجاوز عليه السلام في الطريق وهي فوق سطح ، فترميه بجاون من صخر على أُمّ رأسه فتقتله ، فإذا مات غسّله الحسين عليه السلام : وكفّنه وصلّى عليه ودفنه ، وقام بالأمر من بعده. فإذا مضى من حكم الحسين عليه السلام : ثماني سنين ، خرج عليّ عليه السلام : في نصرة ابنه ، ثمّ يُقتلُ عليّ عليه السلام ، وهو قوله عليه السلام أنا الذي اقتل مرَّتين وأُبعث مرَّتين ، ولي الرجعة بعد الرجعة ، الكرّة بعد الكرّة (4).

ثم يمتدّ حكم الحسين عليه السلام : ؛ ففي رواية خمسين ألف سنة ، وفي اخرى ستة وأربعين ألف سنة. والظاهر أن حكمه يمتدّ إلى آخر الرجعات.

ثمّ يرجع الأئمّة واحداً بعد واحد ، إلّا إن الترتيب لا أعرفه ، ولكن أمير المؤمنين عليه السلام يخرج آخر الرجعات في جميع شيعته والأئمّة معهم ، ويقتتلون مع

ص: 153


1- الاعتقادات ( مطبوع ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 5 : 60 - 63.
2- مختصر بصائر الدرجات : 49 ، 211 ، بحار الأنوار 53 : 106 / 134.
3- مرّ في هذه الرسالة ص 94 أن السفّاح هو أمير المؤمنين عليه السلام.
4- مختصر بصائر الدرجات : 33 ، بحار الأنوار 53 : 47 / 20 ، بتفاوتٍ فيهما ، وانظر شرح الزيارة الجامعة 3 : 60.

إبليس : وشيعته في بابل عند الحلّة من الجانب الغربي ، ويرجع المسلمون القهقرى حتّى يقع منهم ثلاثون رجلاً في الفرات ، فعند ذلك يأتي تأويل قوله تعالى : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) (1) ، والأمر المقضيّ رسولُ الله صلى الله عليه وآله ، ينزل من الغمامة وفي يده حربة من نار ، فيتتبّع إبليس : فيولّي ، فيقول له أصحابه : أين تذهب وقد آن لنا النصر؟ فيقول ( إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ) (2).

فيتبعه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيقول : أين ما وعدتم به من الإنظار إلى يوم يبعثون؟ فيقول هو هذا اليوم.

فيطعنه بحربة من نار في ظهره فتخرج من صدره ، فيقتله ويقتلون شيعته ، ويكون رسول الله صلى الله عليه وآله : هو الحاكم في الأرض ، والأئمّة عليهم السلام وزراءه في أطراف الأرض ، وتبقى الدنيا في تمام الاستقامة ، فلا يموت الرجل حتّى يرى ألف ولد ذكر من صلبه. وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما وراء ذلك بما شاء الله ).

وقال الشيخ أيضاً في مقام آخر : ( إن الدنيا آخرها قيام القائم عليه السلام : ؛ لأن الأيّام ثلاثة قال الله تعالى ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللهِ ) (3) : يوم الدنيا ، ويوم قيام القائم ، ويوم الرجعة ، ويوم القيامة ) (4).

وقال في مقام آخر : ( م الحسين عليه السلام : يخرج وقد بقي من مدّة ملك القائم عليه السلام : إحدى عشرة سنة ، فيخرج صامتاً إلى أن تنقضي مدّته ، [ فإذا (5) ] قتل وغسّله وصلّى عليه ودفنه قام بالأمر. وبعد مضيّ ثماني سنين من قيام الحسين عليه السلام : بالحكم

ص: 154


1- البقرة : 210.
2- الأنفال : 48.
3- إبراهيم : 5.
4- كذا في المخطوط ، وما مَرَّ ذكره وتخريجه في هذه الرسالة أنها ثلاثة : « يوم يقوم القائم عليه السلام ، ويوم الكرَّة ، ويوم القيامة ». راجع ص 84 هامش 4. ويؤيِّده قول الشيخ الأحسائي رحمه الله : ( لأن الأيّام ثلاثة ).
5- في المخطوط : ( فلمّا ).

[ يقوم (1) ] م عليّ عليه السلام : لنصرة ابنه ويقتل. وقد أخبر عليه السلام بذلك حيث قال أنا الّذي اقتل مرَّتين وأُحيا مرتين ، ولي الكرّة بعد الكرة ، والرجعة بعد الرجعة (2) .. ) ، انتهى ما وقفت عليه من كلام الرئيس الشيخ أحمد بن زيد الدين رحمه الله ، وهو متون أخبار.

وبالجملة ، فالأخبار الدالّة على الرجعة أكثر من أن أُحصيها ، وما ذكرته فيه غنية لطالب الحقّ مع ما اشتمل عليه من الآيات الدالّة على الرجعة.

ص: 155


1- في المخطوط : ( قام ).
2- مختصر بصائر الدرجات 32 - 34 ، بحار الأنوار 53 : 46 - 48 / 20 ، باختلاف فيهما.

ص: 156

الوجوه الاعتباريَّة

وأما الاعتبار فمن طرق :

منها : أنه لا ريب في أن القرآن له تنزيل وتأويل ، والتأويل في كثير من الآيات لا يتمّ إلّا بالرجعة ، كما ظهر لك من الأخبار في آيات كثيرة ، مثل ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا ) (1) الآية.

و ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) (2) ، وغيرهما ممّا لا يخفى على المتأمّل في أخبار أهل البيت عليهم السلام.

ومنها : أن رسول الله صلى الله عليه وآله : وأمير المؤمنين : وفاطمة : والعشرة : الأئمّة الذين مضوا صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين إنما عبدوا الله في الدنيا سرّاً في دولة الجهل وسلطان التقيّة حتّى مضوا لم يعملوا في هذا العالم ، ولم يظهروا لهذا الخلق إلّا حرفاً أو حرفين من ثمانية وعشرين حرفاً ، ولا بدّ أن يعمل كلّ واحد منهم في الخلق بثمانية وعشرين حرفاً ، لا يختصّ بذلك القائم عليه السلام : ؛ فإنه يجري لأوّلهم كما يجري لآخرهم (3) ، كما استفاض عنهم ، صلوات الله عليهم.

والقائم : سلام الله عليه حال غيبته يعبد الله سرّاً ، كما مضى عليه آباؤه ، ولا بدّ أن يَعبُد الله جهراً كما وعده الله. وهذا غاية الشرف والكمال ، ومحال ألّا يفوز رسول الله صلى الله عليه وآله : وخلفاؤه الذين مضوا بهذا الشرف ، ويختصّ به القائم عليه السلام : ومن يكون في زمنه

ص: 157


1- غافر : 51.
2- آل عمران : 83.
3- انظر مثلاً الكافي 1 : 3.

دون آبائه صلوات الله عليهم فإن الله تعالى بلطيف حكمته ورحمته أحبّ أن يعبد سرّاً وأن يعبد جهراً ، فلا بدّ أن يعبده أوّل العابدين وخلفاؤه بالوجهين ؛ فإنهم معلّمو الخلق العبادتين.

فمحال أن يكون نوع من العبادة لا يعبدونه بها ، ولو كان كذلك لكان سائر من يوجد في زمن القائم : وأنصاره الذين يقوم بهم نالوا درجة لم ينلها محمَّد صلى الله عليه وآله : وخلفاؤه الماضين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وعبدوا الله بعبادة لم يعبدوه بها ، وحازوا عبادة السر والجهر دونهم ، وهذا محال. وهذا كلّه لا يتمّ ويندفع عنه ما قلنا إلّا بالرجعة ، فمن أنكرها أنكر فضل محمّد : وآله ، وأنكر قدرة الله تعالى ، نعوذ بالله من الجهل وجنوده.

ومنها : أن أحد الأمرين لازم ؛ إمّا القول بأن صاحب الأمر : عجّل الله فرجه حيّ لا يموت ولا يذوق الموت ولا يقتل ، أو أن الأئمّة يرجعون. والأوّل باطل بالضرورة عقلاً ونقلاً وإجماعاً ، بل ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) (1) ، ولا يلي أمر الإمام إلّا الإمام بالنصّ (2) والإجماع ، ولا تخلو الأرض من حجّة لله بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً (3) ، فثبت الثاني ، ولا قائل برجوع واحد منهم دون آخر.

ومنها : أنه لا بدّ أن ينال القائم : ما ناله آباؤه الكرام من الدرجة الّتي لا تنال إلّا بالشهادة ، بل لا بدّ له أن يقتل أوّلاً ويرجع ويموت كآبائه. فإذا مات أو قتل لا يمكن أن تخلو الأرض من حجّة لله على عباده ، به يحفظ الله الشريعة ، وبه تتمّ حجّة الله على الخلق ، وبه يمسك الله الأرض والسماوات ، ولا ترتفع الحجّة من الأرض إلّا إذا لم يكن لله في عباده حاجة ، وذلك قبل أن ينفخ في الصور ، بأربعين يوماً ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ) (4).

ومنها : مقتضى كمال المقابلة بين العقل والجهل وجنودهما في التضادّ ، وذلك من وجوه :

ص: 158


1- آل عمران : 185.
2- الكافي 1 : 384 - 385.
3- الكافي 1 : 178 - 179 / 1 - 13.
4- آل عمران : 144.

أحدها : أن محمَّداً صلى الله عليه وآله : مظهر العقل الكلّيّ الذي هو أوّلُ ما خلق الله ، فقال له أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر (1) ، وخلق بخلقه ضدّه وهو الجهل ، وقد ظهرت في هذه النشأة دولة الجهل الكاملة الّتي أوجبت استتار الإمام وعمل النبيّ : والأئمّة بعده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بالتقيّة. فلا بدّ أن تظهر دولة لمحمّد صلى الله عليه وآله : لكمال دولة العقل وجنوده ، وذلك لا يكون إلّا بالرجعة ؛ لأن القائم عليه السلام : يقتل. ولازم ظهور دولة العقل كمال الظهور أن تطّهّر الأرض من الكفر والشرك والنفاق ، حتّى لا يعبد إلّا الله سرّاً وعلانية ، وهذا لا يكون مع وجود من يقتل الإمام.

وثانيها : أن الله كما أحبّ أن يعبده العقل وجنوده وأوّل العابدين بكمال السرّ ، أحبّ أن يعبده بكمال العلانية ، حتّى يستكمل العابد وجنوده جميع مراتب العبادة ، فإن بها كمال وجود الخلق ، لأن الله إنما خلق الخلق ليعبدوه ، ولو أن المكلّفين أطبقوا على ترك عبادة ولو مستحبّة حتّى لا يوجد عامل بها غير الإمام لم يمهلوا.

وثالثها : أن مظهر الجهل له فعليّة ، وتتحقّق في هذه النشأة من كلّ وجه بها يتحقّق امتلاء الأرض ظلماً وجوراً ، فلا بدّ من أن يكون لمظهر العقل وهو محمّد : وخلفاؤه صلوات الله عليهم تحقّق وفعليّة فيها كاملة من كلّ وجه بها يكون الدين كلّه لله. ولا يتمّ هذا ويصدق إلّا بالرجعة. والوجوه كثيرة لا تخفى على العارف ، والاستعجال أوجبَ الاقتصار.

ومنها : ما ثبت بالبرهان المتضاعف من وجوب تطابق البداية والنهاية ، وأن أوّل الفكر آخر العمل ، وأن العلّة الغائيّة هي علّة فاعليّة الفاعل ، فهي أوّل وآخر ، ووجوب تطابق قوسي دائرة المبدأ والمعاد.

إذا تعقّلت هذا فاعلم أن محمَّداً صلى الله عليه وآله : وخلفاءه الاثني عشر عليهم السلام هم أوّل العابدين الداعين إلى الله ، الدالّين عليه في مقام ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (2) وقبله وبعده ، وفي كلّ مقام. فلا بدّ أن يكونوا أجمعين آخر العابدين الدالّين على الله ، الهادين إليه ، وأنهم

ص: 159


1- الكافي 1 : 26 / 26.
2- الأعراف : 172.

أوّل الخلق ؛ فيجب أن يكونوا غاية الخلق ونهايته ، وأنهم مبدأ الخلق فلا بدّ أن يكونوا معاده. كلّ ذلك بالفعل من كلّ وجه في كلّ مقام من مقامات الوجود ، وهذا لا يتم إلّا بالرجعة ، وإلّا لكان ناقصاً جزئيّاً لا كاملاً تامّاً كلّيّاً.

ومنها : أن محمَّداً صلى الله عليه وآله : لكمال شرفه كانت بعثته كأنّها ابتداءً دورتان أو هي كذلك ، فقد جمع الله له جميع معاجز الأنبياء طرّاً وأعطاه كمالاتهم أجمع ، وهي المعبّر عنها بمواريث الأنبياء ، وقد ورثها منه خلفاؤه. وجمع في أُمّته جميع ما كان في الأُمم السالفة ، فكانت امّة محمَّد صلى الله عليه وآله : مقابلة جميع الأُمم ، وقد وقع في الأُمم السالفة الرجعة بعد الموت ، فلا بدّ أن تقع على وجه أكمل في هذه الأُمّة.

ومنها : أن آدم فمن دونه تحت لواء محمَّد صلى الله عليه وآله : بالفعل في بدء الخلق ويوم القيامة ، فلا بدّ أن يكونوا في هذه النشأة كذلك بالفعل ؛ لوجوب تطابق العوالم ، وهذا لا يكون إلّا بالرجعة.

ومنها : أن الموت الطبيعيّ استكمال تدريجيّ ولذّة أُخرويّة كذلك ، والقتل استكمال دفعيّ ولذّة أُخرويّة رفعيّة ، فلا بدّ أن ينالهما محمّد : وآله المعصومون ؛ لا يمكن أن يفوت أحدَهم نوعٌ من الكمال ولا لذّة من لذّات الآخرة ، وهذا لا يكون إلّا بالرجعة بالضرورة ؛ لأنهم غير صاحب الأمر قتلوا فلا بدّ أن يموتوا ، ولا يكون إلّا بالرجعة.

ومنها : أن عالم الدنيا المحض منتقل عائد إلى الآخرة ، ولا يمكن انتقال النشأة الدنيا المحضة إلى النشأة الأُخرى المحضة دفعة واحدة لما بينهما من كمال المضادّة إذا اعتُبرت الحيثيّتان ، فلا بدّ أن يكون بينهما حالة برزخيّة هي يوم الرجعة ، وقبله يوم قيام القائم : ؛ لترتبط العوالم والنشآت.

عرف ذلك كلّ من عرف أنه لا فصل ولا وصل في الوجود ، فلا بدّ من ليل محض يعبد الله فيه بكمال السرّ ، ونهار محض يعبد الله فيه بكمال الجهر ، وحال بينهما هي الساعة الفجريّة. فقيام القائم : كأوّل الساعة الفجرية التي هي البرزخ بين الليل المحض والنهار المحض ، والرجعة كآخرها قبل طلوع الشمس في الأُفق المرئيّ ، فلا بدّ من يوم القائم ، ويوم الرجعة ، ويوم الدنيا و [ يوم ] الآخرة.

ص: 160

ومنها : أن الله أودع في قوى نفوس الأفلاك والكواكب تأثيرات وإمدادات لأجسام هذا العالم ، بإبراز جميع القوى من المعدن والنبات والحيوان ، وكمالها بالفعل من كلّ وجه ، حتّى إن الشجرة لتقصف بما عليها من الثمرة من عظم فعليّة البركات ، وذلك لا يتمّ إلّا بالرجعة ، وإلّا لزم أن ينزل على غير محمّد : وآله الماضين صلوات الله عليهم أجمعين من البركات ما لم ينزل عليهم ، وهذا محال.

ومنها : أن محمَّداً صلى الله عليه وآله : وخلفاءه الاثني عشر والزهراء : سلام الله عليهم أجمعين مجتمعون في كلّ نشأة ، وفي كلّ بدء الخلق ، وفي الآخرة ، وفي كلّ طبقة من الوجود لا على سبيل الاتّفاق ، بل لحكمة إلهيّة وسرّ ربّانيّ لا يخفى على العارف أشعّة نوره ، فلا بدّ أن يحصل لهم ذلك الكمال والجمال والجلال في النشأة الدنيويّة ، ولا يكون ذلك إلّا بالرجعة.

ومنها : أنه لا ريب أن زمن امتلاء الأرض قسطاً وعدلاً فيه من اللذّة والبهجة والسرور في قلوب المؤمنين ، ومن الغَناء والنور والعلم ما لا يستقصى ، فكيف يحرم إدراك هذا الكمال والنعمة أنبياء الله ورسله وخلفاؤهم وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، خصوصاً محمّداً : وخلفاءه ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟ ومحال أن يدركها من مات إلّا بالرجعة.

ومنها : أن الله عزوجل يحبّ أن يعبد بتأويل القرآن وباطنه ، كما أحبّ أن يعبد بتنزيله ، فقد عبد بالتنزيل ، ولا يمكن أن يعبد بالتأويل والباطن إلّا بالرجعة. ولا بدّ من ذلك ، كما يظهر على متدبّر أخبار التأويل والباطن العارف بلحنها. ومحال أن يختصّ واحد من أهل البيت بالتعبّد والعمل بالتأويل والباطن دون غيره منهم ، بل النبيّ صلى الله عليه وآله : و. عليّ : سلام الله عليه أولى بالعمل والتعبّد بذلك في كلّ نشأة ومقام ، وكذا الحسنان : من القائم سلام الله عليه وإلّا لزم أنه أفضل من الكلّ ، بل من أفضل الكلّ في الكلّ مطلقاً ، وهذا خُلف محال.

وبالجملة ، فالأخبار وطرق الاعتبار في إثبات الرجعة كثيرة جدّاً هي أكثر من أن أُحصيها ، وفيما حصل كفاية لطالب الحقّ.

ص: 161

وبالجملة ، فإجماع أهل البيت : صلّى الله عليهم وسلم وأتباعهم قائم متحقّق على ذلك في كلّ مكان ، بل من الأمر المشهور بين الأُمّة بأجمعها أن ذلك مذهب أهل البيت عليهم السلام : وأتباعهم ، حتّى إن العامّة بأجمعهم يعتقدون أن هذا مذهب أهل البيت عليهم السلام : وأتباعهم. فكم أعاب علماء العامّة على الشيعة القول بالرجعة! فالمعروف بين فرق الأُمّة أن القول بالرجعة مذهب الإماميّة.

ولا يمكن أن يقال : إن قيام القائم عليه السلام : يسمّى رجعة.

فإن الرجعة إلى الدنيا أو إلى الشي ء لا يكون إلّا بعد الخروج منه والانصراف عنه ؛ إذ لا يقال لمن هو في مكان إنه رجع إليه قبل أن يخرج منه ويعود إليه. فإن تحصيل الحاصل محال ، والقائم : عجّل الله فرجه ، وأزال عنا الحيرة به لم يخرج من الدنيا حتّى يقال : إن قيامه يسمّى رجعة.

يؤيّد هذا ، بل يدلّ عليه أن الأُمّة مطبقة على القول بقيام القائم : ومنكرة للرجعة ، إلّا أهلَ البيت عليهم السلام : وأتباعهم ، فالقول بها من خواصّهم التي انفردوا بها وامتازوا عن جميع فرق الأُمّة ، والله العالم ، وهو الهادي والعاصم.

وهذا آخر ما أردت إملاءه في هذه العجالة ، وقد جعلتها هديّة إلى حضرة صاحب الزمان : صلّى الله عليه ، وعجّل فرجه فإن قبلها فشأنه العفو والرحمة والكرم والجود ، وإن ردّها فبجرائم مؤلّفها الأقلّ المقصّر القاصر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق. وأنا أسأله العفو ، ونظرة رحيمة كما عوّد ، والحمد لله أوّلاً وآخراً ، كما هو أهله وصلّى الله على محمّد : وآله الأطهار وسلم.

اللهم أرجعني ومن نسخها أو استكتبها ووالديّ وإخواني ومن عمل لي إحساناً من المؤمنين في كرّتهم يا أرحم الراحمين.

تمَّت بقلم المذنب المخطئ العاصي زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع ، عفا الله عنهم أجمعين.

ص: 162

الرسالة الرابعة : معنى صحيح زرارة المروي في الكافي « إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريّته من همَّ بحسنَةٍ ولم يعملها كتبت له حسنة .. »

اشارة

ص: 163

ص: 164

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيِّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

أمّا بعد :

فيقول الأقلّ الأحقر أحمد بن صالح بن طوق : قد سألني سلالة العلماء الصالحين ، وخلاصة الأخلّاء الناصحين ، العامل العالم ، الكامل الزكيّ ، الشيخ محمّد (1) ابن العلّامة المقدّس شيخنا الشيخ مبارك ابن الشيخ عليّ : أيّده الله بألطافه ، وأنار فكره بأنوار الهداة له عن معنى صحيح زُرارة : المرويّ في ( الكافي ) عن أحدهما عليهما السلام أنه قال إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم : في ذرِّيَّته : مَنْ هَمَّ بحسنةٍ ولمْ يعملْها كُتِبَتْ له حَسنةٌ ، ومَنْ هَمَّ بحسنة وعَملَها كُتِبَتْ له عشراً ، ومَنْ هَمَّ بسيِّئةٍ لم تُكتَبْ عليه ، ومَنْ هَمَّ بها وعملها كُتِبَتْ عليه سيِّئة (2) ، انتهى.

ص: 165


1- العالم العامل التقي الزاهد الشيخ محمد كان سكناه في قرية ( صفوى ) إحدى قرى القطيف. وكان مضرب الأمثال في الورع والزهد والتقوى ، وله كرامات مشهورة ، ومن ورعه أنه رحمه الله كان يباشر غسل ثيابه بيده ، ويدفع كل شهر اجرة لأهله لمباشرة خدمة بيته. توفّيَ سنة ( 1266 ه / 1849 ) في القطيف ، ودفن في الحبّاكة. انظر : أنوار البدرين : 1. مجلَّة الموسم / من أعلام القطيف عبر العصور / العدد ( 9 - 10 ) / 1991 م.
2- الكافي 2 : 428 / 1.

ولعمري ، إنني لستُ مِن خدم أرباب هذه الصناعة ، ولا من تجّار هذه البضاعة ، فقد استسمن ذا ورم (1) لحسن ظنّه ، ولكنّ أمره واجب الامتثال ، ولا يسقط الميسور بالمعسور ، والحكمة ضالّة المؤمن (2) حيث ما وجدها التقطها.

ولنقدّم مقدّمة يُستعان بها على معنى الحديث ، فنقول وبالله المستعان : اعلم أيّدك الله بنوره - [ أن ] الذي يظهر لي من الأخبار وقواعد العدل والحكمة إن الحسنة والسيّئة إذا [ خطرتا (3) ] ببال المكلّف المختار مجرّد خطور وتذكّر ، وتصوّرٍ لحقيقتها ومعناها ، ولفعلها وحُسنه أو قُبحه ، أو لذّته ؛ فإن كان إحضارها بالبال لأجل الترغيب في فعل الطاعة أو ترك المعصية ، أو التحذير من ترك الطاعة أو فعل المعصية ، أُثيب ، كما يدلّ عليه الكتاب والسنّة والأخبار والاعتبار.

وإلّا يكن كذلك ، بل مجرّد تصوّر بلا عزم على فعلٍ أصلاً بل مجرّد تصوّر وتذكّر لهما أو لأحدهما فلا ثوابَ ولا عقابَ ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق ؛ إذ ربّما تخطُر أحدهما بالبال قهراً ، وربّما ألقى المَلَكُ أو الشيطانُ [ ذكرهما وتصوّرهما (4) ] هكذا ، وللزم تحريم تعلّم معنى المعصية وتعليمها ، وذكرها لأجل التحذير ، أو الترغيب به أنه لا ثوابَ ولا عقابَ بمجرّد خطور أحدهما بالبال ما لم يكن نيّةٌ على فعلٍ لما خَطَرَ أو ذَكَر ، يُثابُ ، أو يُعاقَبُ عليه.

وإن خطرت أحدهما بالبال وهَمّ [ بفعلها (5) ] ، وعَزَمَ عليه أي نوى فعله فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون المنويّ فِعلَ الطاعة الواجبة أو المندوبة ، أو ترك الواجبة أو المندوبة.

أقسام نيّة الطاعة

فأقسام النيّة بالنسبة إلى الطاعة أربعة ، ففي الأوّلين يُثابُ إن فَعَلَ ما نواه ويُكتب

ص: 166


1- انظر صبح الأعشى 1 : 530 ، وفيه : ( استسمنتْ ).
2- إشارة إلى ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله ، كما في بحار الأنوار 1 : 148 / 30 ، وغيرها.
3- في المخطوط : ( خطرت ).
4- في المخطوط : ( ذكرها وتصوُّرها ).
5- في المخطوط ( بفعله ).

له عشر حسنات وإن تفاضلت قوّة وضعفاً بحسب فضل الواجب على النفل ( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) (1) وإنما كانت الحسنة بعشر ؛ لأنها من نور الوجود الفائض من فعل المعبود ، فهي إذا صدرت من العابد صدرت من جميع مراتب وجوده العشر الكلّيّة ( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) بحسب قوّة مراتبه وضعفها ، وقوّة درجاته الإيمانيّة العشر وضعفها ، وقوّة علمه وإخلاصه وضعفهما. ولأجل أن طاعات الموحّدين من فاضل شعاع نور إمامهم ، كانت ثابتة غير مجتثّة ؛ لثبات أصلها وعلّتها.

وإن لم يفعل ما نواه :

فإن كان واجباً ؛ فإن كان تركه لحائل قهريّ لم يُعاقب على تركه ، لكنّ هذا لا يتحقّق معه نيّة الترك ؛ لأنه لم تنفكّ عنه النيّة الكلّية للفعل الكلّي ، أو الجزئيّ وهو يُثاب على همّه وعزمه ونيّته أبداً ، بل هو سبب الخلود إذا كان المنويّ يوجب الخلود ؛ وذلك ؛ لأن النيّة من أعمال القلوب التي هي مقرّ الإيمان ، وتلك الألواح المقدّسة لا تفنى ولا ينقطع عملها ؛ ولذلك دام ثوابهم بلا انقطاع وخلّدوا بنيّاتهم.

وإن كان تركه للطاعة الواجبة لا لمانع قهريّ بل اختياراً منه ، عُوقبَ على نيّتهِ ترك الطاعة. وهل يُثاب لو نوى الواجبة ثمّ نوى تركها ولم يفعلها؟

الظاهر أنه لا يُثاب ؛ لأنه محا مادّة وجودها ، و [ أطفأ (2) ] نوره بتركه لها ؛ فهو كمن راءى ، أو دخله العُجب آخر صلاته. بل لا يمكن أن توجد النيّة الجزئيّة للفعل الجزئيّ إلّا بوجوده ، ولا الكلّيّة إلّا بوجود منويّها الكلّيّ ، وهو الصورة القائمة بالنفس. فإن أعرضَ عن النيّة عُدِمَ المنويّ ؛ لأنه لا تكون الإرادة إلّا والمراد معها ، ولا وجود للمعلول بعد فناء علّته.

ويُحتمل أنه يثاب عليه في الدنيا ، لكنّه ضعيف جدّاً.

وإن نوى فعلها ، ثمّ نوى تركها ، ثمّ ندم ورجع وفعلها ، أُثيب على نيّته السابقة واللاحقة والله غفور رحيم ذو فضل عظيم ؛ فإن تحقّق معه الترك عُوقِب أيضاً على

ص: 167


1- البقرة : 261.
2- في المخطوط : ( طفي ).

ترك الطاعة ، وإن رجع وندم عن نيّته لترك الطاعة الواجبة وتداركها مع الإمكان لم يُعاقب على تلك النيّة بفضل سعة رحمة الله.

وإن كان ما هَمّ به ونواه فتركه مندوباً أُثيب على نيّته الفعلَ وإن لم يفعله ، بل لو نوى [ في ] فعل الخير أن يفعله إن تمكّن منه ، أُثيب ما بقيت نيّته. ولو مات قبل أن يتمكّن مع بقاء نيّته أن يفعله ما تمكّن منه أبداً ، أُثيب أبداً ؛ فإن نيّته حينئذٍ كلّيّة ومنويّها كلّيّ لا يفارقها ، وهو الصورة الكلّيّة القائمة بالنفس أعني : المشيئة ولم يُعاقب على تركه ؛ للإذن الشرعيّ في تركه.

أقسام نيّة المعصية

وإمّا أن يكون المنويّ الذي هَمّ به وعزم عليه فعلَ المعصية أو تركها ، فالأقسام بالنسبة إلى المعصية اثنان ، وكلّ منهما إما كلّيّ أو جزئيّ. فإذا هَمّ بالمعصية أي عزم على فعلها ونواه فإن صمّم عَزمه ونيّته وفعَلَ ما نواه كُتِبت عليه سيّئة ، ولكن لا تستقرّ الكتابة ، وتكون بالفعل في جميع مراتب مصادرها إلّا بعد سبع ساعات.

أمّا إنها إنما تُكتب سيّئة واحدة فبفضل رحمة الله التي سبقت غضبه ، ووسعت كلّ شي ء ، ولأن المعصية في الحقيقة عدمُ كمالٍ ، ونقصُ وجودٍ ، وظلمة ، والعدمُ نقطة لا فاضل لها ، ولا رتب في نفسها وحقيقتها. وإنما المعصيةُ نقصُ الوجود وظلمة ، والظلمةُ إنما هي عدمُ النورِ ، والنقصُ إنما هو عدم الكمال ، والعدم نقطة.

وأيضاً المعصية صفة الجهل ، وممدّها الجهل ، فهو مبدؤها وإليه تعود ، وهو عدم ؛ لأنه عدم العلم والعقل ، فإذا كان الأصلُ والعلّةُ عدماً مجتثّاً غير ثابت لأنه ليس من الله ، وإنما هو من سِجّين ويعود إليها فهي عدم مجتثّة لا قرار لها كأصلها ، والفاعل لها هو الجاهل العاصي ، فعلها بما أنعَم الله به عليه من القوى والآلة التي وهبها له المعبود بالحقّ ؛ ليعبده بها ، فاختار صرفها في المعصية.

انظر إلى الظلّ الفائض من الجدار بسبب إشراق نور شعاع الشمس على وجهه ، فإنه شي ء في مرتبته وليس بشي ءٍ في الحقيقة وإنما هو عدمُ نور شعاع الشمس

ص: 168

المشرق على وجه الجدار ، ظَهرَ بسبب حيلولة كثافة إنّيّة الجدار وماهيّته بين نور شعاع الشمس وبين محلّه. فهو في الحقيقة نقطة لا فاضل له ؛ لاستحالة أن يكون للعدم فضل يُفيضه على مجاورة ؛ لأنّه لو فُرِضَ له فاضل لكان ؛ إمّا أقوى منه وأشدّ عدميّة وظلمة فيثبت له من معنى حقيقة أصله وعلّته ما هو أشد فعليّة منه ، أو أضعف ظلمة وعدميّة ، وهذا لا يكون إلّا بممازجته وخلطه بشي ءٍ من النور والوجود. وكلاهما محال ؛ لما يلزمهما من أشرفيّة الفرع على الأصل في تحقّق الحقيقة ، أو إلباس الفرعِ كمالاً ليس هو لأصله ، فلا يكون منه ، فليس هو فرعه ، وقد فُرِض أنه فرعه ، بل يلزم انقلاب الأصل فرعاً في الوجهين.

وإن أسف على نيّته وهمّهِ بالمعصية لم يُكتب عليه إثم ، ومحا من نفسه أثرَ تلك النيّة ؛ لأن ندمه توبة ، وبها يُمحى أثر فعل المعصية فضلاً عن نيّتها. وكذا لو أعرض عن فعلها ونيّتها ؛ لانصراف شهوته ، أو ذهوله ونسيانه ولم يفعل ، لم يُكتب عليه شي ء بفضل رحمة الله وجوده ، ومحا إثمَ ذلك الهمّ والنيّة من نفسه ؛ لأنّه محا تلك النيّة من لوح نفسه ، فإن الحقّ أنه يأثم على نيّة المعصية كما يُثاب على نيّة الطاعة ، ويزداد نور نيّة الطاعة وظلمة نيّة المعصية في نفسه ، ويدوم بقدر اشتداد نيّته وتأكّد عزمه. ودوام ذلك منه حتّى لو مات على نيّة أن يعصي أبداً ، ولو خلد أبداً عُذّبَ دائماً أبداً بتلك النيّة ، إلا أن يكون مؤمناً فتتداركه شفاعة محمّد : وأهل بيته ، صلى الله عليه وآله أجمعين. ويدلّ على ذلك الأخبار والاعتبار وقواعد العدل.

الدليل من الأخبار على الإثابة على نيّة الطاعة

فأمّا الدليل على أنه يُثاب على نيّة الطاعة كلّيّة وجزئيّة مع الفعل ، وكلّيّة ولو لم يعملها إن كان المنويّ مندوباً ، فكثير من الأخبار (1) واجباً كان أو مندوباً ، أو تركه لمانع قهريّ مع بقائه على نيّة العمل ما تمكّن منه إلَّا أن يكون ما نواه ولم يعمله

ص: 169


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 49 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6.

واجباً تركه اختياراً. فإن الظاهر أنه لا يُثاب على تلك النيّة حينئذٍ ؛ لعدم ثباتها ، ولأنها عملٌ باطل ؛ فإن شرط صحّة هذه النيّة أن يفعل المنويّ ، ولأنه إذا نوى واجباً ثمّ عزم على تركه وصمّم ، [ أطفأ (1) ] ظلامُ عزمه واستيلائه على نفسه نورَ نيّته السابقة ، بل تكون نفسه أشدّ ظلاماً ممّا كانت عليه قبل تلك النيّة فإنه حينئذٍ قد أثم ، واستحقّ العقاب ، إلَّا أن يتوب ويرجع إلى الله ؛ فإنَّ الله توّاب رحيم.

وإمّا نيّة المعصية فيُعاقب عليها بمقتضى قواعد العدل ، وبالأخبار الكثيرة ، وخصوصاً إذا عمل ما نوى ، أو حال بينه وبين العمل مانع قهريّ مع بقائه على نيّة الفعل ما أمكنه ، بل عقاب هذه النيّة لا ينقطع ؛ لأنها عمل القلب ما لم يندم على نيّته ويرجع عنها فإنه يُثاب عليه ، والله توّاب رحيم.

وإذا كانت التوبة تمحو أثر فعل المعصية فمحوها لنيّتها أولى ، وكذا لو زالت نيّة المعصية عنه بذهول أو نسيان أو تغيير شهوته وانصرافها عن فعل ما نوى ، فإن مقتضى سبق الرحمة التي وسعت كلّ شي ء إلّا يؤاخَذ بمجرّد تلك النيّة ، ولعموم الخبر المبحوث عنه وأمثاله كذلك.

الدليل من الأخبار على العقوبة على نيّة المعصية

ومن الأخبار الدالّة على حصول الإثم والعقاب على نيّة المعصية مثل ما جاء عنهم عليهم سلام الله أنهم قالوا نيَّة المؤمن خيرٌ من عمله ، ونيّة الكافر شرٌّ من عمله (2).

والظاهر أن المراد منها : النيّة التي قد استدام عزمه على أن يفعل منويّها ما أمكنه. فهذه من أعمال القلب التي لا تنقطع ولو حال دون عمل منويّها الموت ؛ لأنهما كلّيّان كما أخبر الله عن أهل النار بقوله ( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (3)

ص: 170


1- في المخطوط : ( طفي ).
2- المحاسن 1 : 405 / 919 ، وفيه : « ونيَّة الفاجر » ، الكافي 2 : 84 / 2 ، وسائل الشيعة 1 : 50 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6 ، ح 3.
3- الأنعام : 28.

يعني في قولهم ( أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ ) (1). فدلّ ظاهر الآية على أن أهل النار مُؤاخذون بنيّاتهم التي ما أقلعوا عنها ، وظاهرها يعمّ نيّات الكفر والمعاصي.

ويدلّ عليه أيضاً ظاهر قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ) (2) حيث علّق التعذيب على الإرادة.

ومن الأخبار الّتي تؤيّد هذا الظاهر ما في ( الكافي ) عن جعفر بن محمَّد عليهما السلام : في هذه الآية أنه قال : إنها نزلت فيهم من حيث دخلوا الكعبة ، فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين عليه السلام ، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول ووليَّه ، فبعداً للقوم الظالمين (3).

فإن الظاهر أن منويّهم إنما أرادوا أن يفعلوه ظاهراً بعد موت الرسول صلى الله عليه وآله : فإنهم على ذلك منذ كلّفوا باطناً في عقائدهم ونيّاتهم ، فأخبر الله تعالى أنهم ذائقو العذاب الأليم بمجرّد تلك النيّة والعزم الذي تعاهدوا عليه في الكعبة.

ومن الأخبار أيضاً عموم ما جاء عنهم عليهم السلام إن مَنْ أسرَّ سريرة ردّاه الله رداءها (4).

ومنها ما جاء عنهم عليهم السلام أن الإنسان إذا هَمّ بكذبة تباعد عنه الملكان ميلاً لنتن ما يخرج من فيه ؛ إذ ذلك النتن إنما هو لَمِن ظلمة المعصية وبعض صفاتها الذميمة.

ومنها ما في ( الكافي ) بسنده عن عبد الله بن موسى بن جعفر : عن أبيه عليهم السلام قال : سألته عن الملكين : هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله ، أو الحسنة؟ فقال ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟

قلت : لا. قال إن العبد إذا هَمَّ بالحسنة خرج نَفَسُه طيّب الريح ، فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم فإنَّه قد هَمَّ بالحسنة ، فإذا فَعَلَها كان لسانه

ص: 171


1- فاطر : 37.
2- الحجّ : 25.
3- الكافي 1 : 421 / 44 ، ولم يرد فيه : « إنها ».
4- الكافي 2 : 294 / 6 ، وسائل الشيعة 1 : 57 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 7 ، ح 1 : 65 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 11 ، ح 5.

قلمه وريقه مداده ، فأثبَتَها له. [ وإذا (1) ] هَمَّ بالسيّئة خرج نَفَسُه منتن الريح فيقولُ صاحب الشمال لصاحب اليمين : قم فإنه قد هَمَّ بالسيّئة ، فإذا فعلها هو كان لسانه قلمه ، وريقه مداده ، وأثبَتَها عليه (2).

فدلّ على ترتّب طيب نَفَسِه الدالّ على طيب نَفسِه واستنارتها ونتن نَفَسِه الدالّ على إظلام نَفسِه وخبثها على الهمّ والنيّة. والمراد بها : العزم المتأكّد ، والنيّة المستقرّة. ونتنُ النَّفَسِ دليل على تحقّق الإثم ، والبعد عن ساحة الرضوان ، والتحقّق بصفات أهل النار ، فما زال العبد عازماً ناوياً لفعل المعصية فَنَفَسُه منتنٌ ونفسُه مظلمة وإن حال بينه وبين فعل منويّة حائل قهريّ ، ما دام عازماً على فعل المعصية ما تمكّن منه ؛ وذلك لوجود المقتضي وهو الهمّ الثابت المستقرّ من أجل غلبة النفس الأمّارة المظلمة المنتنة. وهذا النَّفَسُ خارج منها ، والمراد به : ما به مادّة حياتها وبقائها الذي يمدّها به الجهل المنتن المظلم بمقتضى الطبع الذي اقتضاه كفره.

نعم ، إن كان تركه للمعصية بعد الهمّ بها والعزم على فعلها عن رجوع وندمٍ زال ذلك الأثر زوالاً تامّاً بقدر قوّة ندمه ، وخلوص توبته ؛ فإن التوبة تمحو أثر فعل المعصية ، فلأن تمحو أثر نيّتها أولى بمقتضى وعد الله لمن تاب بالمغفرة والرحمة. وكذا لو كان تركه لها عن إعراض ، وانصراف شهوة ضَعُفَ أثر النيّة بقدر قوّة نيّة الإعراض وسببه ، وربّما زال أثره رأساً بعمل طاعةٍ وشبهها وإن لم يسبقه ندم ؛ بمقتضى سبق الرحمة الواسعة. ومن أجل سبق الرحمة واللطف يؤجّل فاعل المعصية سبع ساعات ، فإن تاب واستغفر الله لم يثبت في صحيفته ، وإلّا أُثبتت عليه ، كما في خبر فُضَيل بن عثمان المراديّ : المرويّ في ( الكافي ) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أربع مَنْ كن فيه لم يهلك على الله بعدهنّ إلّا هالك : يهمّ العبد بالحسنة [ فيعملها ، فإن (3) ] هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيَّته ، وإن هو عملها كتب

ص: 172


1- من المصدر ، وفي المخطوط : « فإذا ».
2- الكافي 2 : 429 / 3.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « ليعملها ، فإذا ».

الله له عشراً ، ويهمّ بالسيِّئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يُكتب عليه شي ء ، وإن هو عملها أُجِّلَ سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيِّئات وهو صاحب الشمال - : لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها ؛ فإنَّ الله عزوجل يقول ( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (1) ، أو الاستغفار ، فإن هو قال : أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور ، الرحيم ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه ، لم يُكتب عليه شي ء ، وإن مضت سبع ساعات ولم يُتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيِّئات : اكتب على الشقيِّ المحروم (2).

والمراد بلسانه الذي هو قلم الملك هو القوّة الناطقة المدركة للكلّيّات فإن بها ترتسم صور المعلومات في لوح النَّفس التي هي مقرّ الصور العلميّة ، وفي لوحي الخيال والوهم ، وهي أعالي وجه النفس الكلّيّة التي بها تتوجّه إلى ممدّها من العقل إن كانت مطمئنّة ، أو الجهل إن كانت أمارة ؛ ولذا ورد إن صحيفة المَلكَ جبينه.

والمراد بريقه الذي هو مداد الكاتبين هو رطوبات فكره وخياله ووهمه ، المتولّدة من هضم غذاء نفسه الذي منه تنمو صورتها ، وهو أعماله وعقائده ؛ فإنها غذاء النفس ، وهي عذبة طيّبه إن كانت النفس مطمئنّة والعقائد والأعمال حقّة ، [ و ] ملح اجاج منتن إن كانت أمارة والعقائد والأعمال باطلة ؛ فإن غذاء المطمئنّة من فضل شجرة المُزنِ (3) وغذاء الأمّارة من فضل شجرة الزقّوم.

ولكن لمّا كتب عزوجل على نفسه الرحمة اقتضى أن تُرسم الطاعة وتُثبت لفاعلها عند فعلها ، وأن يُمهَل فاعل المعصية سبع ساعات بعدد دركات جهنّم وأبوابها السبعة ؛ لِما علمت من أن المعصية مبدؤها شجرة الزقوم ، ففي كلّ ساعة يصعد دخان المعصية الثائر من تلك الشجرة إلى مرتبة من مراتب نفسه الأمّارة

ص: 173


1- هود : 114.
2- الكافي 2 : 429 - 430 / 4.
3- ورد في الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام : « إن في الجنّة لشجرة تسمّى المزن ، فإذا أراد الله أن يخلق مؤمناً أقطر منها قطرة ، فلا تصيبُ بقلة ولا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلّا أخرج الله عزوجل من صلبه مؤمناً ». الكافي 2 : 14 / 1.

السبع ، فإنها سبع طبقات فإذا بلغت الساعة السابعة ولم تُتبع بتوبة تمحوها استقرّ فعليّتها في جميع قوى الأمّارة وطبقاتها ، وتتمّ فعليّة ظهور صورة الجهل في مرآة نفسه.

فمعنى كتابتها حينئذٍ هو تمام فعليّة ثبوتها ، واستقرارها ، وتصوّر النفس بصورتها ، وبروزها بها ، فإن العقائد والأعمال مادّة تصوّر النفس وتطوّرها ، فهي متكوّنة متصوّرة بصورة أعمالها وعقائدها ، كما دلّت عليه الأخبار المستفيضة من ظهور مَن خالف الحقّ في النشأة الآخرة بصور الكلاب (1) والقردة والخنازير وغير ذلك ؛ فإن صور العقائد والأعمال الباطلة وحقائقها الغيبيّة من نوع تلك الحقائق ، فإن جميع تلك الحقائق شؤون الجهل وتطوّراته ، فهو أصل الجميع الجامع لها ، والكلّ منها بمنزلة الجزئيّات من ذلك الكلّيّ. فهذا معنى كتابة الأعمال والعقائد ، ونيّة كلّ فعل من سنخ حقيقته.

حقيقة الطاعة والمعصية

وإذا عرفت أن أصل الطاعة ومحتدها ومبدأها هو العقل وإليه تعود فإنها صفة فطرة الوجود التي فطر الله الناس عليها ، وعليها يولد كلّ مولود ، فهي متحقّقة في جميع مراتب العقل والوجود الفائض بالذات من المعبود وأن المعصية مبدؤها ومحتدها وأصلها الجهل ، وإليه تعود فلا تعود إلى الله ؛ لأن كلّ شي ء إنما يعود إلى ما منه بدأ ، كما دلّ عليه الأخبار والاعتبار ، ولا ينافي هذا أنها بقضاء من الله وقدر وإنما هذا لعدم خروجها وفاعلها عن ملك الله وقبضته عرفت أن المعصية مجتثّة لا قرار لها ، وإنما هي في الحقيقة عدمٌ كمبدئها وعلّتها ، وهو الجهل ، فإن حقيقته إنما هي عدم الوجود ، ولذا جنود الجهل إنما حقيقتها عدم ضدّها من جنود العقل ، فتأمّل

ص: 174


1- انظر الأمالي ( الطوسيّ ) 487 / 1068.

في أفراد الجندين (1) تجد الأمر كما قلناه.

فكذا حقيقة المعصية إنما هي عدم الطاعة التي هي صفة الوجود ونور العقل ، فهي عدم كأصلها وإن كانت كأصلها في مرتبتها شيئاً موجوداً ، ولكنّه في الحقيقة إنما هو عدمُ شي ء هو الكمال ، فهي كظلّ الجدار الحادث من إشراق نور شعاع الشمس على وجه الجدار ؛ فإنه في مرتبته ، وبحسب الظاهر شي ء ، وفي الحقيقة ليس بشي ء وإنما حقيقته عدم نور شعاع الشمس ؛ ولذا لم يكن له فضل ولا إفضال ولا فيض ، فهي مجتثّة من فوق أرض النفوس أي لا قرار لها ؛ لاجتثاث أصلها فلا ممعاد (2) لها من الوجود ، والعقل القارّ الثابت. والفاعل لها بما أنعم الله عليه به من الآلة التي وهبها له ليطيعه بها فعصاه بها دائماً يهوي بها وبنيّتها في دركات الجحيم ؛ لأنه بذلك لا يزال مُدبِراً عن الحقّ.

ومن ذلك يُعلم حال الكافر ونيّته ، فهم يسحبون على وجوههم ؛ لأنهم مدبرون عن الحقّ أبداً ، وقلوبهم منكوسة فليس لها ما تنتهي إليه من الحقّ. فهذا معنى سحبهم على وجوههم ، أي مدبرون عن الحقّ.

ومن هنا يُعلم أن الطاعة بعشر والمعصية بواحدة ؛ لأنها نقطة لا تقبل التكثّر ، وأن ذلك مقتضى العدل.

ص: 175


1- انظر : الخصال 2 : 588 - 591 ، أبواب السبعين وما فوقه / 13 ، بحار الأنوار 1 : 109 - 111 / 7.
2- كذا في المخطوط.

ص: 176

شرح الرواية

إذا عرفت هذا ، فلنرجع إلى الكلام على الخبر المبحوث عنه ، فنقول : قوله عليه السلام إن الله تبارك وتعالى جعل أي منّ بفضل رحمته التي وسعت كلّ شي ء ، وأنعم ، ووهب لآدم : ؛ لأنه كتب على نفسه الرحمة. والمراد بآدم : هو أبو البشر ، أو آدم الأوّل : الذي هو أب لألف ألف آدم : وما نسلوا. كلّ منهما معنى مراد ، وعلى كلّ منهما فهذا التفصيل والمنّ عامّ لجميع البشر.

ويدلّ على إرادة الثاني (1) ما رواه القمّيّ : في تفسيره من خبر المعراج عن أبي عبد الله عليه السلام : وفيه إن الله أوحى لحبيبه محمد صلى الله عليه وآله : أن مَن هَمّ من أُمّتك بحسنة يعملها فعملها كتبتُ له عشراً ، وإن لم يعملها كتبتُ له واحدة ، ومَن هَمّ مِن أُمّتك بسيّئة فعملها كتبتُ له واحدة وإن لم يعملها لم أكتب عليه شيئاً (2). والخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة بمعناه وأكثر ألفاظه.

وليس بين الخبرين منافاة ؛ فإن امّة محمّد : من ذرّيّة آدم : البشريّ ، ومحمَّد صلى الله عليه وآله : باب كلّ جود يفيض من المعبود ، فقد منّ على الأبوين بأن جعل لكلّ منهما في ذرِّيَّته أي ما ولد وتناسل منه بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط ، حسّا أو عقلاً ، فكلّ منهما ذرّيّته بحسبه ، مَنْ هَمَّ بحسنة أي عزم على فعلها عزماً مستقرّاً ونواه ؛ فإن كانت واجبة وعملها أُثيب على نيّته وعمله ، وإن لم يعملها ؛ فإن كان تركه لحائل قهريّ

ص: 177


1- أي آدم أبي البشر ؛ فهو الثاني زمناً.
2- انظر تفسير القميّ 2 : 12.

أُثيب على نيّته ما بقيت ، وإن كان الحائل حينئذٍ الموت بأن مات ناوياً لفعلها ما أمكنه أُثيب على نيّته أبداً. بل إن كان المنويّ هو الإيمان وما يتحقّق به من الأعمال ، خلّد بنيّته في ثواب عمله ؛ لأن النيّة من أعمال القلوب التي هي مقرّ العقائد وهياكل التوحيد التي لا تفنى ؛ لأن التوحيد الذي هي صفته لا يفنى ، فهي حينئذٍ كلّيّة ومنويّها كلّيّ متحقّق معها.

ويدلّ على ثبوت استمرار الثواب والعقاب على استمرار ثبوت النيّات خبر أبي هاشم : قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إنما خلِّد أهل النار في النار ؛ لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خُلِّدوا (1) فيها أن يعصوا الله أبداً ، وإنما خُلِّد أهل الجنَّة في الجنَّة ؛ لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلِّدوا فيها أن يطيعوا الله أبداً ، فبالنيّات خُلِّد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قوله تعالى - : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) (2) (3).

والوجه أن تلك النيّات عمل القلب ، فهي كلّيّات ومنويّها كلّيّ لا يفارقها ، فهما دائمان ، وما استمر العمل استمر الجزاء.

وغيره من الأخبار (4).

وإن كان تركه لما نواه من الواجب ، لا لمانع قهريّ بل عصياناً ، عُوقبَ على ذلك ، ولم يكتب له أجر النيّة وخصوصاً إذا كان عن استخفافٍ بأوامر الله ؛ لأنه [ أطفأ ] (5) نور نيّته بتركه ما نوى من الواجب وعصيانه.

وإن كان ما هَمّ به ونواه من الحسنة مندوباً ؛ فإن فعلها أُثيب على نيّته وعمله بفضل رحمة الله ، وإن لم يعملها ، ولم يكن تركه لها عن استخفاف وتهاون بأوامر الله ورغبة عن ثوابهِ أُثيب على نيّته للحسنة ، واستمرّ ثوابه على نيّته إذا مات ناوياً أنه يعملها ما بقي.

ص: 178


1- في المصدر : « بقوا » بدل : « خلِّدوا ».
2- الإسراء : 84.
3- الكافي 2 ؛ 85 / 5 ، وسائل الشيعة 1 : 50 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6 ، ح 4.
4- عطف على قوله : ( خبر أبي هاشم ) المارّ ذكره.
5- في المخطوط : ( أطفى ).

وعلى هذا إجماع أهل العدل والتوحيد ، والأخبار الدالّة عليه كثيرة مستفيضة وقد سلف بعضها ، ومنها صحيح أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إن العبد المؤمن الفقير ليقول : يا ربّ ارزقني حتّى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير ، فإذا علم الله ذلك منه بصدق نيَّة ، كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله (1).

فدلّ هذا الخبر على أنه إذا استقرّ صدق العزم والنيّة على عمل الخير ، وحيل بين الناوي وإبراز العمل بحائل قهريّ ، أُثيب ثواب العمل ؛ لأن هذا وسعه من عمل ذلك العمل و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (2).

وإن كان تركه لعمل ما نواه من ذلك استخفافاً ورغبةً عن ثواب الله ، عُوقب على تركه ، ولم يُثَب على نيّته ؛ لأنه [ أطفأ (3) ] نورها ، ومحا أثرها.

ومَنْ هَمَّ بحسنة وعملها سواء كانت واجبة أو مندوبة كُتبت له عشراً ؛ بفضل سعة رحمة الله وحكمته وعدله ، فالله عزّ اسمه يثيبه بقدر كلّ رتبة تحقّق فيها ذلك العمل من مراتب وجوده. وعند الله مزيد لاستقرار نيّته وثباتها ودوامها ؛ وبشفاعة محمّد : وآله ، صلّى الله على محمّد : وآله.

ومَنْ هَمَّ بسيِّئة ولم يعملها فإن كان تركه لها عن حائل ومانع قهريّ ، مع بقاء همّه وعزمه ونيّته أنه يفعلها ما تمكّن ، عُوقب على نيّته تلك ، بل ربّما استمرّ عقابه وخلّد فيه كما مرّ بيانه.

وإن كان تركه لما نواه من السيّئة لتذكّرٍ وندم وخوف من الله ، لم تُكتب عليه أي تلك السيّئة لأن التوبة تمحو أثر فعل المعصية فضلاً عن نيّتها ، فتمحو عنهم وزر الهم ، والعزم على فعل المعصية. وكذلك لو كان تركه لفعل ما نواه من المعصية عن إعراض لانصراف شهوةٍ وإن لم يكن عن ندم وتوبة ، والله غفور رحيم ، فلا تكتب عليه سيّئة ، بل لعلّ الله حينئذٍ يمحو ما تلوّثت به نفسه وتكدّر به صفاؤها من تلك

ص: 179


1- الكافي 2 : 85 / 3 ، وسائل الشيعة 1 : 49 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6 ، ح 1.
2- البقرة : 286.
3- في المخطوط : ( أطفى ).

النيّة السابقة بما يفعله من الطاعات بعدها. وعلى مثله تحمل الأخبار الكثيرة التي ظاهرها أن فعل الطاعة يمحو الذنب ، مثل مَن صلّى بالليل غفر له ما أجرم بالنهار (1) نقلتُهُ بالمعنى وقس عليه أمثاله.

فيكون المراد من الذنوب التي تمحوها الطاعات : مثل نيّة فعل الذنب الذي لا يعمله لا لمانع قهريّ مع بقاء نيّة فعله.

ويحتمل قويّاً دخول الصغائر التي لا يتكرّر فعلها من فاعلها ، ولم يصرّ على نيّة فعلها ، بل التي يفعلها مرّة واحدة ثمّ يُعرض عنها عن توبةٍ وندم ، أو عن إعراضٍ ؛ لانصراف شهوته أو حاجته إليها.

وعلى كلّ حالٍ ليس في الخبر المبحوث عنه دلالة على عدم الإثم بنيّة المعصية ، فإنه إنما قال سلام الله عليه - مَنْ هَمَّ بسيِّئة ولم يعملها لم تكتب عليه أي تلك السيئة. فظاهره إرادة النيّة الجزئيّة للعمل الجزئيّ ؛ لأنه في الحقيقة لا نيّة حينئذٍ ؛ إذ لا نيّة إلّا والمنويّ معها ، فإذا لم يعمل حينئذٍ ما نواه لم يكتب عليه وزر ، ولم يُنفَ وزر نيّتها والهمّ بها إذا كان كلّيّاً مستقرّاً. وهذا لا شكّ فيه ؛ فإنه مقتضى العدل ، فإن العدل الرحيم لا يؤاخِذ مَن نوى سيّئةً بعذاب مَن هَمّ بالسيّئة وعملها ، فلا يكتب عليه تلك السيّئة المنويّة ما لم يعملها ، وإنما يكتب عليه وزر نيّته التي منويّها معها ، فلا تُكتب عليه بمجرّد نيّته السيّئةُ سيّئةً حتّى يعمل السيّئة ، فتكتب عليه السيّئة ونيّتها ، فتفطّن.

ومن همّ بها أي السيّئة وعملها كُتِبتْ عليه سيِّئة بالإجماع الضروريّ ، والكتاب (2) ، والسنة المتواترة المضمون ، والعقل الذي يعرف العدل ؛ فإن هذا مقتضاه. ولا يخلّص المكلّف من إثم المعصية ونيّتها المستقرّة إلّا التوبة المعتبرة شرعاً ، أو التصفية بالعذاب في الدنيا أو الآخرة ، أو هما بعد شفاعة الشافعين ، صلوات الله وسلامه على محمّدٍ : وآله.

ص: 180


1- الأمالي ( الطوسي ) 294 / 572 ، بحار الأنوار 84 : 143 / 16 ، وفيهما : «.
2- في قوله تعالى : ( وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلّا مِثْلَها ) الأنعام : 160.

وما ذكرناه كلّه مقتضى العدل والرحمة الواسعة ، فتدبر أدلّة العدل تجدها دالّة على جميع ما فصّلناه.

مناقشة المازندراني في شرحه للخبر

وقال الفاضل المازندرانيّ : في شرح هذا الخبر : ( تفصيل المقام أن ما في النفس ثلاثة أقسام :

الأوّل : الخطرات التي لا تُقصد ولا تستقرّ ، وقد مرّ أنه لا مؤاخذة بها ولا خلاف فيه بين الأُمّة ) (1).

أقول : إن أراد كما هو الظاهر وبمعونة تقييده الثاني بالاختيار - : مجرّد تصوّر الطاعة أو المعصية عموماً أو خصوصاً ، أو معناهما ، أو كيفيّة فعلهما ، أو الخطرات التي تخطر على النفس قهراً من غير همّ بهما وعزمٍ على فعلهما ، فلا شكّ أنه لا يُؤاخذ بتصوّر المعصية كذلك ، ولا يُثاب بتصوّر الطاعة حينئذٍ كذلك ؛ إذ ليس هذا من عمل القلب ولا البدن ، والنصّ والإجماع وقواعد العدل تدلّ على ذلك.

أما لو خطر بباله فعل الطاعة وحسنها ليأمر بها ، أو لينوي فعلها ، أُثيب. وكذا لو خطر بباله فعل المعصية وخبثها لينهى عنها وينتهي ، أُثيب بتلك الأدلّة القاطعة. ولو خطر بباله فعل المعصية ليأمر بها أو يأتمر ، أو طلب معرفتها لذلك ، أثم ، وعوقب ؛ لما مرّ.

ثمّ قال رحمه الله : ( الثاني : الهمّ ، وهو حديث النفس اختياراً أن تفعل ما يوافقها أو يخالفها ، أو إلّا تفعل ، فإن كان ذلك حسنة كُتبت له حسنة واحدة ، فإن فعلها كُتبت له عشر حسنات ، وإن كانت سيّئة لم تُكتَب عليه ، فإن فعلها كُتِبَت عليه سيّئة واحدة.

كلّ ذلك مقتضى أحاديث هذا الباب ، ولا خلاف فيه أيضاً بين الأُمّة ، إلّا إن بعض العامّة صرّح بأن هذه الكرامة مختصّة بهذه الأُمّة ، وظاهر هذا الحديث أنها

ص: 181


1- شرح أُصول الكافي 10 : 144.

في الأُمم السابقة أيضاً ) (1).

أقول : هذه العبارة من المتشابه لفظاً ومعنًى :

أمّا اللفظ ، فإنه لم يفصح عن الموافق لها : هل هو الطاعة أو المعصية؟ وكلّ منهما قابل للأمرين ، فإن النفس إن كانت مطمئنّة فالذي يوافقها ذاتاً وصفة وهيئة ، ولوناً ورائحة وطعماً ، وطبعاً ونوعاً وصنفاً هو الطاعة ، والمعصية تخالفها في ذلك كلّه. وإن كانت أمارة فعلى العكس في ذلك كلّه. وهو رحمه الله قد أجمل ذكر النفس.

وأيضاً فقوله : ( أو إلّا تفعل ) على العكس من ذلك في كلّ منهما ، فالترك لما يوافق المطمئنّة معصية ، ولما يوافق الأمّارة طاعة. وكلامه كلّه مجمل متشابه غير مبيّن.

وأيضاً فقوله : ( فإن كان ذلك ) ، الإشارة محتملة للموافق فعلاً وتركاً وللمخالف كذلك ، فالعبارة متشابهة مجملة.

وأمّا المعنى ، فإنه إن كان هذا الهمّ المفسّر بحديث النفس ( أن تفعل ) أو ( لا تفعل ) اختياراً ليس معه نيّة ، فلا نعقل الفرق بينه وبين الأوّل ، والأوّل لا ثواب فيه ولا عقاب ، وإلّا لزم التكليف بالمحال ؛ لأنه لا عن اختيار كما هو الظاهر من عبارته. وإن كانت النيّة متحقّقة معه ، فلا نعقل الفرق بينه وبين الثالث ، مع أنه ادّعى الإجماع بظاهر عبارته على أنه يُثاب حينئذٍ على الهمّ كذلك بالطاعة ، وعدم العقاب على الهمّ كذلك بالمعصية ما لم يفعلها ، بل ظاهر عبارته أنه لا يُعاقب على ذلك الهمّ أصلاً.

نعم ، إن عمل ما همّ به كذلك من المعصية كتبت عليه تلك المعصية دون الهمّ بها ، وهذا كلّه بإطلاقه ممنوع لما عرفت. ثم إنه بظاهره حمل أخبار الباب على هذا. وحَملُ الخبر المذكور على هذا من غير أن يتحقّق معه نيّة ممنوع ؛ لما عرفت ، ولظهور منافاة العدل في إثابته على ما لم يعمل ولم ينوِ. ومع تحقّق النيّة معه نمنع إطلاق القول بعدم العقاب على ما نوى ، بل فيه ما مرّ من التفصيل.

وإن أراد بهذا القسم مبادئ النيّة وأوّل ظهورها في النفس ، بأن تكون حينئذٍ

ص: 182


1- شرح أُصول الكافي 10 : 144.

مشيئة مطلقة من غير إرادة ، فهذه مرتبة معدّة لحصول النيّة وليست بنيّة ، فلا نسلّم ترتّب الثواب والعقاب عليها ، ولا يمكن حمل الخبر عليها ؛ لغموض معناها ، وغموض الفرق بينها وبين النيّة التي يترتّب عليها الثواب أو العقاب. ولا يخاطب الشارع عامّة المكلّفين بمعرفة مثلها ، ولا يترتّب عليها تكليفهم.

وبالجملة ، فهذا القسم إن تحقّقت معه النيّة اتّحد بالثالث ، وجرى فيه ما مرّ من التفصيل ، وإلّا منعنا حمل الخبر عليه. ولا نعقل قسماً ثالثاً بين الأوّل والثالث إلّا ما ذكرناه من إحضار أحدهما بالبال للأمر به والائتمار ، أو النهي عنه والانتهاء ، وهذا قد مرّ تفصيل حكمه.

وأما نفيه الخلاف بين الأُمّة في هذا على الإطلاق ، ففيه ما لا يخفى على من تدبّر ما أسلفناه من التفصيل ، والاتّفاق على هذا الإطلاق ممنوع ، والسند ما ذكر من الأدلّة القاطعة. وأمّا ما نقله عن بعض العامّة من اختصاص هذه الأُمّة بهذه الكرامة ، فباطل ؛ لما مرّ ، ولأن هذه الكرامة من مقتضى رحمة الله وعدله الذي عمّ جميع مخلوقاته.

ثم قال رحمه الله : ( الثالث : العزم ، وهو : التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك. وقد اختلفوا فيه ، فقال كثير من الأصحاب : إنه لا يُؤاخذ به ؛ لظاهر هذه الأحاديث. وقال أكثر العامّة والمتكلّمين والمحدّثين ، ومنهم القاضي : أنه يُؤاخذ به ، لكن بسيّئة العزم لا بسيّئة المعزوم عليه ؛ لأنها لم تُفعل ، فإن فعلت كتبت سيّئة ثانية ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (1).

وقوله ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ) (2).

ولكثرة الأخبار الدالّة على حرمة الحسد (3) ، واحتقار الناس (4) ، وإرادة المكروه

ص: 183


1- النور : 19.
2- الحجرات : 12.
3- الكافي 2 : 306 - 307 / باب الحسد.
4- الكافي 2 : 350 - 354 / باب من آذى المسلمين واحتقرهم.

بهم ، وحملوا الأحاديث الدالّة على عدم المؤاخذة على الهمّ ) (1).

أقول : الظاهر أن هذا هو مقصود الخبر المقصود وأمثاله ، ومراده رحمه الله : توطين النفس على فعل الطاعة وترك المعصية ، وهما من أقسام الطاعة ، أو على فعل المعصية وترك الطاعة وهما من أقسام المعصية. ولكنّ توطين النفس على ترك المعصية ليس من باب النيّة في شي ء ، وإنما هو من الأخلاق المَرضيّة ، والصفات الحميدة الناشئة من ارتياض النفس بالعقائد الحقّة المقرونة بالعلم والعمل. وكذلك توطين النفس على ترك الطاعة ليس من باب النيّة في شي ء ، وإنما هو من باب الأخلاق الذميمة والصفات القبيحة الناشئة من الجهل وعبادة الهوى وإن تفاوتا شدّةً وضعفاً.

فيكون مقصود الخبر وأمثاله إنما هو توطين النفس على فعل الطاعة ، أو فعل المعصية ؛ لأنه الذي يتحقّق معه نيّةُ ومنويّ ( يفعل ) أو ( لا يفعل ). ولا يظهر في توطين النفس على الترك نيّةُ ومنويّ يغايرها كذلك ؛ لأنه عدمٌ وسكون ، والنيّة أمر وجوديّ وحركة نفسانيّة وعمل غيبيّ محدث بنفسه ، فلا يحتاج في وجوده إلى نيّة أُخرى وإلّا لم يوجد عمل ؛ لما يلزمه من الدور أو التسلسل. وإنما هي مشيئة مستقرّة متأكّدة ، وهي المعبّر عنها بالإرادة. وتوطين النفس على الترك إنما هو إقبال على الحقّ ، أو إدبار عنه.

وما عزاه لكثير من الأصحاب لظاهر هذه الأخبار يدلّ على أنهم إنما فهموا من الأخبار إرادة النيّة التي فسّروها بتوطين النفس ، يعنون بها : المشيئة المتأكّدة المسمّاة بالإرادة ، ولكنّه ليس على إطلاقه بل الحقّ ما فصّلناه. وكذلك ما عزاه لأكثر العامّة والمتكلّمين والمحدّثين ليس على إطلاقه ، وإنما الحقّ ما فصّلناه. فإطلاق القولين ممنوع ؛ لما عرفت.

وأمّا إنه حينئذٍ إنما يُؤاخذ بسيّئةِ العزم لا بسيّئة المعزوم عليه ؛ لأنها لم تُفعل ، فحقّ ؛ لأن الله لا يُؤاخذ العبد بما لم يعمل ؛ لعدله وسعة رحمته ، لكن إذا استقرّ العزم

ص: 184


1- شرح أُصول الكافي 10 : 144.

على الفعل ، ولم يحصل عنه إقلاع وإعراض عن توبة وندم أو غيرها ، بل إذا تعقّبه الفعل أو حال بينه وبين الفعل حائل قهريّ مع بقاء العزم واستقراره على الفعل ما أمكن ، فكما مرّ تفصيله. وذلك ما قام عندي عليه الدليل عقلاً ونقلاً.

وأمّا الاستدلال على هذه الدعوى بثبوت العذاب على ( الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ ) ، والأمر باجتناب كثير من الظنّ ، وتحريم الحسد ، فليس فيه من الدلالة على المدّعى شي ء بوجه ؛ إذ ليس شي ء ممّا ذُكِر من باب نيّة الطاعة والمعصية ، وإنما هو من باب الأخلاق الذميمة والصفات الخبيثة والطبائع المؤوفة (1) المنحرفة عن الفطرة. والفرق بين النيّات والطبائع الناشئة عنها الأخلاقُ والصفات النفسانيّة الذميمة المعوجة ، ظاهر لا يخفى.

وأما إرادة المكروه بالناس ؛ فإن كان بمعنى أنه يحب أن تقع المكاره بالناس والبلايا والضرر ، فهو من باب الأخلاق والطبائع الخبيثة الذميمة المحرّمة ، وإن كان بمعنى أنه يُريد أن يفعل الضرر بالناس هو ، فهو من باب النيّات. ولا ريب أن نيّة المعصية حرام ، فيجري فيها التفصيل السابق.

وأمّا حمل الأخبار الدالّة على عدم المؤاخذة على الهمّ فكلامٌ مجمل ، فإن الهمّ إن تحقق معه نيّة جرى فيه الكلام والتفصيل ، وإلّا فلا ينبغي التوقّف في أنه لا يترتّب عليه ثواب ولا عقاب ، فإنه لا يخرج حينئذٍ عن مجرّد التصوّر أو التردّد في أنه يعزم أو لا يعزم ، وكلاهما خارج عن البحث ، وحكمه يُعلم ممّا تقدّم.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( والمنكرون أجابوا عن الآيتين بأنهما مخصّصتان بإظهار الفاحشة والمظنون كما هو الظاهر من سياقهما ) (2).

أقول : إظهار الفاحشة لا يخرج عن الغيبة أو البهت ، وكلاهما خارج عن منطوق الآية ، فإن الفرق بينهما وبين المحبّة ظاهر لا يخفى ، فلا تخصّص به. وأمّا إظهار

ص: 185


1- المؤوف : الذي أصابته آفة. لسان العرب 1 : 263 أوف.
2- شرح أُصول الكافي 10 : 144 - 145.

الظنون فهو لا يكون إلّا بالذكر اللسانيّ ، وهو خارج عن معنى الظنّ بلا شبهة ، فلا يخصّص به منطوق الآية ؛ لمباينته لمعناه. على أنا قد بيّنّا عدم دلالة الآيتين على المدّعى.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( وعن الثالث : بأن العزم المختلف فيه ما له صورة في الخارج كالزنا وشرب الخمر ، وأمّا ما لا صورة له في الخارج كالاعتقادات وخبائث النفس ، مثل الحسد وغيره ، فليس من صور محلّ الخلاف ، فلا حجّة فيه على ما نحن فيه ) (1).

أقول : هذا حقّ ، يُعلم وجه حقيقته ممّا مرّ.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( وأمّا احتقار الناس وإرادة المكروه بهم فإظهاره حرام يؤاخذ به ، ولا نزاع فيه ، وبدونه أوّل المسألة ) (2).

أقول : أمّا أن إظهاره حرام يؤاخذ به فحقّ لا شكّ فيه ، والعقل والنقل والإجماع عليه متطابقة بلا معارض ؛ لظهور أنه ليس من باب النيّات ، وإنما هو من الأفعال المنويّة.

وأمّا أنه ( بدونه أوّل المسألة ) فممنوع ، بل هو أيضاً خارج عن محلّ البحث كما عرفت.

ثمّ قال رحمه الله : ( والحقّ أنها محلّ إشكال ) (3).

أقول : لا إشكال يكاد يتحقّق بعد التأمّل فيما قرّرناه وأوضحناه.

ثمّ قال رحمه الله : ( ثمّ الظاهر أنه لا فرق في قوله عليه السلام ومَنْ هَمَّ بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه بين من لم يعملها خوفاً من الله ، أو خوفاً من الناس ، أو صوناً لعرضه ) (4).

أقول : أمّا أنه لا فرق بين من ترك ما نواه من المعصية خوفاً من الله أو خوفاً من الناس ، فإطلاقه ممنوع ؛ فإنّا قد أقمنا الدليل على أنه لو نوى المعصية ، وحال بينه

ص: 186


1- شرح أُصول الكافي 10 : 145.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.

وبين فعلها حائل ومانع قهري مع بقاء عزمه ونيّته أنه يفعلها إذا زال المانع ، فإنه حينئذٍ معاقب على نيّته ، ولا شكّ أن خوف الناس مانعٌ قهريّ يمكن مجامعته لبقاء النيّة المستقرّة.

نعم ، لا يبعد أن يلحق تركه لها صوناً لعرضه بتركه لها خوفاً من الله في عدم العقاب ؛ بفضل رحمة الله ، ولأنها حينئذٍ لاحقة بباب الشهوات ، فإن المانع حينئذٍ من الفعل نفسانيّ ، فلا تتحقّق معه إرادة مستقرّة ، وأعني النيّة.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( ويدلّ على التعميم أيضاً روايات أُخر ) (1).

أقول : لم نظفر بما يدلّ على ذلك ، بل ظفرنا من العقل والنقل والعدل على ما يدلّ على المؤاخذة بالنيّات المستقرّة كما عرفت.

ثمّ قال رحمه الله : ( فقول مَن قالَ : التعميم لا وجه له ، لا وجه له ) (2).

أقول : قد عرفت الوجه في أن التعميم لا وجه له بالدليل ، فراجع.

ثم قال رحمه الله تعالى - : ( وإن عشرة أمثال الحسنة مضمونة البتّة لدلالة نصّ القرآن عليه (3) ، وإن الله تعالى قد يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف ، كما جاء في بعض الأخبار (4) ، وإلى ما لا [ يأخذه (5) ] حساب ، كما قال تعالى ( إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (6) ) (7).

أقول : هذا كلّه حقّ ثابت بالإجماع والنصوص من كتاب وسنّة ، وكرم الله ونعمته لا يحيط بها العادّون ، أدخلنا الله وإيّاكم في رحمته برحمته.

ثمّ قال رحمه الله : ( بقي هنا شي ء ، وهو : أنه سألني بعض الأفاضل عن وجه الجمع بين

ص: 187


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.
3- هو قوله تعالى : ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) الأنعام : 160.
4- الكافي 2 : 93 / 21 ، وسائل الشيعة 1 : 55 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 6 ، ح 20. بل وفي نصّ الكتاب ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة : 261.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( يؤاخذه ).
6- الزمر : 10.
7- شرح أُصول الكافي 10 : 145 - 146.

أحاديث هذا الباب ، وبين ما مرّ في باب النيّة عن الصادق عليه السلام قال إنما خُلِّد أهل النار في النار لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خُلِّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً ، وإنما خلِّد أهل الجنّة في الجنّة لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً ، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء.

ثمّ تلا قوله تعالى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) (1). قال على نيَّته (2).

فإنه دلّ أحدهما على المؤاخذة بالنيّة ، ودلّ الآخر على عدم المؤاخذة بها ) (3).

أقول : وجه الجمع لا يخفى على مَن أحاط علماً بما أسلفناه ، وهو أن الحديث الدالّ على المؤاخذة بالنيّة والخلود بها محمول على النيّة المستقرّة الدائمة ، بحيث إنه ناوٍ أبداً أنه متى تمكّن من فعل المنويّ وزال المانع القهريّ من فعلها ، فعلها أبداً. وهي من النيّات الكلّيّة التي هي من أعمال القلب ولوازمه ، ومنويّها كلّيّ لا يفارقها ، وهو الصورة القائمة بالنفس التي تظهر النفس بصورتها.

وهذا الخبر وشبهه ممّا دلّ على عدم المؤاخذة بالنيّة إذا لم يفعل المنويّ محمول على الترك الاختياريّ وإن لم يكن عن ندم ، وهو النيّة الجزئيّة للمنويّ الجزئيّ ، فإنه حينئذٍ لا يتحقّق معه بقاء النيّة ولا يحكم عليه حينئذ أنه ناوٍ إلّا مجازاً كما هو الحقّ ، فلا اختلاف بين الأخبار.

والدليل على هذا الجمع أنه مقتضى العدل والرحمة ، فأدلّة العدل تقتضيه.

ثمّ قال رحمه الله : ( فقلت له : لا منافاة بينهما ؛ إذ دَلّ أحدهما على عدم المؤاخذة بنيّة المعصية إذا لم يفعلها ، ودلّ الآخر على المؤاخذة بنيّة المعصية إذا فعلها ، فإن المنويّ كالكفر واستقراره مثلاً موجود في الخارج ، فهذه النيّة ليست داخلة في النيّة بالسيّئة التي لم يعملها ) (4).

أقول : أمّا أنه لا يُؤاخذ بنيّة المعصية إلّا إذا فعلها ، فهو بإطلاقه ممنوع ؛ لما مرّ وخصوصاً خبر التخليد بالنيّات ، فإنه نصّ في أنهم مؤاخذون بنيّاتهم ، بل مخلّدون

ص: 188


1- الإسراء : 84.
2- راجع 174 هامش 3.
3- شرح أُصول الكافي 10 : 146.
4- المصدر نفسه.

بها إذا كان المنويّ ممّا يوجب الخلود ، مع أنهم بعد الموت يستحيل منهم عمل المنويّ الجزئيّ الذي عناه بحسب الظاهر ؛ فإنه جزئيّ من كلّيّ هو النيّة الكلّيّة لعمل نوع المنويّ ؛ لأنه لا يمكن تحقّق عمل المنويّ إلّا في الخارج ، والخارج لا يقع فيه الكلّيّ من حيث هو كلّيّ ، وإنما يقع فيه جزئيّ من كلّيّه ، بل يختصّ وقوع العمل الجزئيّ وهو المنويّ بنيّة جزئيّة من النيّة الكلّيّة لكلّيّةٍ بالزمان. وفي الآخرة التي هي مقام ظهور الثواب والعقاب لا زمان ، فلا يمكن أن يقع ذلك الجزئيّ المنويّ فيها ، مع أنه في الحقيقة إنما نوى عمل المعصية الدنيويّة الزمانيّة في الدنيا والزمان ، وقد انطمست الدنيا وفنيت ، فلا يمكن أن يقع ما نوي أن يُعمل فيها في غيرها ، وكلّ عمل جزئيّ له نيّة جزئيّة.

فإذن ما همّ عليه من تلك النيّات وإن بقي اتّصاف النفس وتلبّسها بها في الآخرة ليس منويّها بمعمول في خارج الزمان ، وهو قد أناط الحكم به.

وقد دلّ هذا الخبر على أنهم مؤاخذون بها ، فليس إطلاق الشارح على ما ينبغي ، بل الحقّ التفصيلُ. فتخصيص ما دلّ على عدم المؤاخذة على النيّة بما إذا لم يفعلها بإطلاقه لا دليل عليه ، وليس فيه ما يدلّ على هذا الإطلاق.

وأمّا أنه دلّ الآخر على المؤاخذة بنيّة المعصية إذا عملها ، فنحن أيضاً نمنع دلالته على حصر المؤاخذة بالنيّة فيما إذا عملها في الزمان وإن كانت مؤاخذته بها حينئذٍ مسلّمة إجماعيّة ، فإنّا دلّلنا على أنه يُؤاخذ بها إذا أصرّ عليها وإن لم يفعل المنويّ ، وصريح خبر التخليد بالنيّات يدلّ عليه. فليس فيما قرّره الشارح جمعٌ للأخبار ؛ لعدم الدليل عليه ، بل الدليل قام على غيره ، وهو ما فصّلناه.

وأمّا أن الكفر مستقرّ في الخارج ، فإطلاقه ممنوع ؛ لأن الكفر قسمان : اعتقاديّ وفعليّ.

والأوّل ليس بموجود في الخارج ، فضلاً عن أن يكون مستقرّاً فيه.

وأما الفعليّ كقتل المعصوم ، أو سبّه ، وما أشبه ذلك فموجود في الخارج.

ص: 189

وكلا القسمين ليس من باب نيّات الأعمال في شي ء ؛ لأن الأوّل اعتقادٌ لا عمل ، ولا نيّة عمل في الخارج ، والبحث في الأعمال الخارجيّة ونيّاتها. والثاني إنما هو عمل يفتقر إلى نيّة ، فليس هو بنيّة.

فلا يظهر لقوله ( فهذه النيّة ليست داخلة ) إلى آخره ، معنًى يظهر لي ولا وجه للتفريع.

ثمّ قال رحمه الله : ( ثمّ قال يعني بعض الأفاضل - : كما أن المعصية ليست سبباً للخلود على ما يُفهم من الحديث المذكور يعني : حديث التخليد بالنيّات لكونها في زمان محصور منقطع هو مدّة العمر ، كذلك نيّتها ؛ لأنها تنقطع أيضاً عند انقطاع العمر ، لدلالة الآيات والروايات على ندامة العاصي عند الموت ، ومشاهدة أحوال الآخرة ، فينبغي أن يكون ناويها في النار بقدر كونه في الدنيا لا مخلّداً ) (1).

أقول : تقرير السؤال على ما يظهر أنه كما أن العمل محدود بمدّة العمر وبعده ينقطع ، كذلك نيّته محدودة بمدّة العمر وبعده تنقطع. أمّا الأوّل ، فظاهر ، والخبر يدلّ عليه. وأمّا الثاني ، فلأن الآيات والروايات دلّت على ندامة العاصي عند الموت والمعاينة وانكشاف الغطاء. فكما أن مقتضى العدل أنه لا يخلّد بعمله المنقطع الواقع في زمن يسير حقير قصير منقطع ، كذلك مقتضى العدل ألّا يخلد بنيّة منقطعة واقعة في أيّام قليلة.

والجواب ما أشرنا له من أن البدنيّة مختصّة بالدنيا ، منقطعة بانقطاع العمر ؛ ولذلك صرّح الخبر أن خلودهم ليس بمقتضى أعمالهم ؛ لانقطاعها ، والمنقطع لا يقتضي المؤبّد ، لمنافاته للعدل ، ولأن جميع الأعمال البدنيّة الزمانيّة جزئيّات ، والجزئيّ محدود معدود منقطع ، وكذلك نيّاتها الجزئيّة منقطعة بانقطاع المنويّ ، فإن كلّ عمل جزئيّ له نيّة جزئيّة تختصّ به وتنطبق عليه وتساويه ، لا تزيدُ عليه ، ولا تنقص عنه ، فهي منتهية بانتهاء المنويّ ، منقطعة بانقطاعه ، بخلاف كلّيّ ذلك الجزئيّ ، فإنه غير

ص: 190


1- شرح أُصول الكافي 10 : 146.

محدود ولا معدود ، وإلّا لم يكن كلّيّاً ، وذلك مثل أن تنوي أن تزني أو تصلّي أو تقتل أبداً ما بقيت ، فالنيّة الجزئيّة منتهية بانتهاء عمل منويّها.

وأمّا العقائد والنيّات المستقرّة على الدوام في العمل ما أمكن وبقي محلّه من الدنيا والأخلاق والطبائع اللازمة المستقرّة ولو بالتطبّع ، وهي الكلّيّات ، فإنها كلّها لازمة للنفس الأمّارة ، والقلب المنكوس المختوم عليه ، المظلم بسبب تلك الأحوال اللازمة ، فإنها مادّة صورة الأمّارة ، بل هي مادّة وجودها وحقيقتها المتكوّنة الممتدّة من تلك الأحوال التي هي من إمدادات الجهل المركّب الشقيّ المدبر أبداً.

فالنيّات إذن هي أعمال النفس الباقية ببقائها ، فإنها من لوازم ذاتها ، فهم يحشرون على صنو عقائدهم ونيّاتهم المستقرّة ، فما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج ، فقلوبهم المظلمة المنتكسة لا تنفكّ عن تلك الأعمال ولا تزايلها ، فلا فناء لتلك النفوس ولا لصورها ومواد وجودها ، ولا لأعمالها ؛ إذ لا تتوقّف أعمال النفوس على وجود الزمان والمكان. ولأجل ذلك قلنا : إن النيّات حتّى في الأعمال الزمانيّة خارجة عن المكان والزمان ، ولا طائل في الخلاف في أنها شرط أو شطر في الصلاة ، فإنها إنما هي رتبة من رتب وجود العمل الخارجيّ غيبيّة ، وإن قلّ من تنبّه لذلك من الفقهاء.

وأظنّ أن عبارة فاضل ( المناهج ) تشير إلى هذا.

وبالجملة ، فالمراد بالنيّات التي يخلّد بها صاحبها هي الكلّيّات اللازمة للنفس المتصوّرة بصورها المتطبّعة بطبائعها ومنويّاتها كلّيّات لا يحدّها ولا يعدّها الزمان ولا المكان ، وهي لازمة لنيّاتها ، دون الجزئيّات المختصّ كلّ جزئيّ منها بجزئيّ من المنويّات ، فإنها منقطعة بانقطاع منويّها ، ومنويّها زمانيّ منقطع وإن كانت هي خارجة عن الزمان غير داخلة تحت دور معدّل النهار ، بل لا تتحقّق إلا بتحقّق منويّها فإنه لا تكون الإرادة إلّا والمراد معها. وكلام السائل إنما يرد على النيّات الجزئيّة المنطبقة على الأعمال الجزئيّة المقدّرة بقدرها ، فإن العمل الجزئيّ إنما هو تفصيل نيّة الجزئيّة ، فهي منقطعة بانقطاعه ، فلا إشكال في الأخبار ، ولا منافاة بينها.

ص: 191

ومن الأدلّة على بقاء تلك النيّات الكلّيّة وعدم انقطاعها بالموت ما أخبر الله عزّ اسمه عن الكفّار بقوله ( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (1).

فهم أظهروا الندم نفاقاً ؛ لما انطوت عليه حقائقهم من لوازمها التي هي من دخان الجهل ، مع بقاء نيّاتهم الكلّيّة التي لزمتها نفوسهم ، وتغذّت بها وظهرت بصفاتها ؛ ولذا كذّبهم الله تعالى فأخبر بأنهم كاذبون في إظهار الندم ، وأن الذي حملهم على إظهار الندم نفاقاً هو ظهور حقّيّة ما كذّبوا به وظهور كفرهم وضلالهم ، فأظهروا الندم تمنّياً لزوال العذاب عنهم بذلك ، وهو دليل على أنهم لم يقلعوا عن نيّة التكذيب بآيات الله.

ويؤيّد أن تمنّيَهم ذلك إنما هو نفاق ، ما رواه العياشيّ (2) : في تفسير هذه الآية عن الصادق عليه السلام أنها نزلت في بني أُميّة ؛ فإن المنافق في الدنيا منافق في الآخرة ، بل ومنافق في الذرّ ، فنفاقه في الذرّ لا يزايله في الدنيا والآخرة.

وأنت إذا تأمّلت الكتاب والسنّة لم يعسر عليك الدلالة على هذا.

وبالجملة ، فخبر التخليد بالنيّات يراد به النيّات الكلّيّة للمنويّ الكلّيّ ، وخبر الباب الدالّ على أنه لا يُؤاخَذ بالنيّة المجرّدة عن العمل ، مخصوص بما فصّلناه ، وندامة الكافر والعاصي إذا لم يكن مؤمناً نفاق ، فسقط السؤال وانكشف الحال.

ثمّ قال رحمه الله في الجواب عن الإشكال : ( فقلت له :

أوّلاً : إن هذه النيّة موجبة للخلود لدلالة الحديث عليه بلا معارض ، فوجب التسليم والقبول ) (3).

أقول : ليس الإشكال إلّا في دلالته على ذلك ووجوب تسليمه ، وقبوله على ما

ص: 192


1- الأنعام : 27 - 28.
2- تفسير العيّاشي 1 : 388 - 390 ، ورواه في تفسير القمّي 1 : 224.
3- شرح أُصول الكافي 10 : 146.

فيه من الإشكال ليس بجواب عن الإشكال.

وأيضاً نفي المعارض ممنوع ؛ فإنه موجود وهو الحديث المبحوث عنه ؛ فإن السؤال تضمّن طلب وجه الجمع بينهما ، فليس هذا بجواب عن الإشكال العقليّ المذكور ، ولا بجامع بين الخبرين ، وطلب وجه الجمع ودفع الإشكال ليس ردّاً للخبر.

ثمّ قال رحمه الله : ( وثانياً : إن صاحبها في هذه الدنيا التي هي دار التكليف لم يفعل شيئاً يُوجب نجاته من النار ، وندامته بعد الموت لا تنفع لانقطاع زمان التكليف ) (1).

أقول : إن صاحبها وإن لم يفعل في الدنيا التي هي دار التكليف شيئاً يُوجب نجاته من النار ، فهو أيضاً لم يفعل في دار التكليف ما يوجب الخلود في العذاب ؛ لأن أيّام عمله منقطعة محصورة قليلة ، فالعدل أن يتساوى قدرا عمله وعقابه ، فالإشكال بحاله ، وعدم نفع ندامته بعد الموت ، يُوجب زيادة قدر عذابه على قدر عمله ، بل ندمه بعد الموت وإن لم ينفع في إسقاط عذابه بقدر ما عمل ، لكنّ الأوفق في بادئ النظر بالعقل أنه يسقط زيادة قدر عذابه على قدر عمله ، فليس في هذا الجواب كالذي قبله جمع بين الأخبار ، ولا دفع للإشكال بحال.

ثمّ قال رحمه الله تعالى - : ( وثالثاً : إن سبب الخلود ليس ذات المعصية ونيّتها من حيث هي ، بل هو المعصية ونيّتها على فرض البقاء أبداً ، ولا ريب أنها معصية أبديّة موجبة للخلود أبداً ، فتأمّل تعرف ) (2) ، انتهى كلام الشارح ، شكر الله سعيه.

وأقول : إذا لم يكن ذات المعصية ولا نيّتها سبباً للخلود فلا خلود بالعزم على فرض أن يبقى بطريق أولى ، بل لمانع أن يمنع كون فرض البقاء المنويّ فيه المعصية ذنباً ؛ لأن مظروف المفروض مفروض. ولو سلّم أنه نيّة معصية فهي نيّة معصية لم يعملها ؛ لأنها كنيّتها مفروضة ، فلا تكتب عليه كما هو ظاهر النصّ ، فهذا كسابقيه غير جامع للأخبار ولا رافع للإشكال ، بل لا يظهر عليه دليل.

ص: 193


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.

نعم ، إن أراد ما قرّرناه من أن النّيّة الكلّيّة المتعلّقة بالمنويّ الكلّيّ الذي لا يفارقها نيّة وذنباً معمولاً ، يخلد به صاحبه إن كان يُوجب الخلود ، وأنه المراد بخبر : أنهم بنياتهم خلّدوا فحقّ ، ولعلّه أراد هذا ، لكنّه لم يبيّن حينئذٍ ما المراد بالخبر المبحوث عنه ، فلم يظهر به وجه الجمع وإن رفع الإشكال ، والله العالم بحقيقة الحال.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطيّبين الطاهرين ، وسلم عليهم أجمعين كما هم أهله.

تمَّت بقلم مؤلِّفها الأقلِّ الأحقر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : عصر يوم الحادي والعشرين من شهر شوال سنة (1243) الثالثة والأربعين بعد المائتين والألف.

ص: 194

الرسالة الخامسة : أحكام التيمّم في بعض صور عدم وجدان الماء

اشارة

ص: 195

ص: 196

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيِّبين.

اعلم أن الكتاب والسنّة والإجماع قد دلّوا على أنه لا تشرع الطهارة الترابيّة إلّا حال عدم وجدان الماء وإن وقع الخلاف في بعض صور عدم الوجدان ، هل هي داخلة في عدم الوجدان ، أم لا؟ كما لو لم يسع الوقت للطهارة المائيّة مع ركعة بأقلّ الواجب مع وجود الماء ، فهل فرضه التيمّم حينئذٍ ، ويأتي بالعبادة أداءً ، أو يستعمل الماء ويقضي؟

فالأكثر وهو المشهور المنصور - [ على ] الأوّل ؛ لصدق عدم الوجدان ، وعدم جواز ترك العبادة في وقتها اختياراً مع التمكّن من استعمال أحد الطهورين ، فإن ربّ الماء ربّ الصعيد ، ولأنه لو سقط الأداء سقط القضاء ؛ لأن حقيقة القضاء تدارك ما فات وما سقط التكليف به لم يفت.

وقد دلّ الإجماع والنصّ على أن سبق الطلب للماء شرط في مشروعيّة التيمّم وإن اختلفوا في كيفيّة الطلب ، وكمّيّة زمانه ومكانه. فالمشهور بل كاد أن يكون بين المتأخرين إجماعاً أنه يجب الطلب حتّى يتضيّق الوقت ، ولا يشرع التيمّم إلّا في

ص: 197

آخر الوقت ، وبه جملة من الأخبار المعتبرة (1). وادّعى عليه المحقّق (2) : والعلّامة (3) وغيرهما الإجماع وإن اختلفوا هل هو آخر وقت الفضيلة أو الأجزاء؟ فالأكثر على الثاني (4) ، وجماعة على الأوّل جمعاً بين الأخبار. ولعلّه الأظهر.

وقيل يشرع في أوّل الوقت اختياراً وإن استحبّ التأخير (5) ، وله إطلاق الأخبار (6) المفضّلة لأوّل الوقت لكنها مقيّدة بأدلّة المشهور.

نعم ، لو حصل اليقين بفقد الماء في أوّل الوقت ، واليقين بعدم حصوله إلى آخر الوقت شرعت المبادرة للعبادة في أوّله كما عليه جماعة ، خلافاً للأكثر فأطلقوا عدم المشروعيّة إلّا في آخر الوقت. والمشهور بل كاد أن يكون إجماعاً أن من شرع له التيمّم فتيمّم وصلّى به لا تجب عليه الإعادة لا أداءً ولا قضاءً مطلقاً في سفر كان أو حضر ، لفقد عين الماء ، أو لتعذّر الوصول إليه ، أو لخوف الضرر باستعماله ، أو لضيق الوقت عنه ، أو لغير ذلك.

وقد جاء في خبر السكوني : عن جعفر : عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليه السلام : أنه سُئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام قال يتيمّم ويصلّي ، ويعيد إذا انصرف (7).

وموثّقة سماعة عنه أيضاً عن آبائه عن عليّ عليه السلام : أنه سُئِلَ عن رجل يكون في الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة ، فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء ، ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام قال يتيمَّم ويصلِّي معهم ، ويعيد إذا هو انصرف (8).

ص: 198


1- الكافي 1 : 63 / 1 ، تهذيب الأحكام 1 : 203 / 590 ، وسائل الشيعة 3 : 384 ، أبواب التيمّم ، ب 22.
2- المعتبر 1 : 392.
3- النهاية 1 : 216.
4- المهذّب 1 : 47 ، الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 92 ( حجريّ ).
5- منتهى المطلب 1 : 140.
6- تهذيب الأحكام 1 : 194 / 562 ، وسائل الشيعة 3 : 368 ، أبواب التيمّم ، ب 14 ، ح 9.
7- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 534 ، وفيه : « ويصلّي معهم ».
8- تهذيب الأحكام 3 : 248 / 678.

وخبر الجعفريّات على ما نقله الشيخ حسين : في ( شرح المفاتيح ) عن موسى بن جعفر : عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السلام : أنه سُئِلَ عن رجل يكون في الزحام في صلاة جمعة أحدث ولا يقدر على الخروج ، فقال يتيمَّم ويصلِّي معهم ، ويعيد (1).

ومثله ما نقله رحمه الله أيضاً من نوادر الراونديّ : بالإسناد المنتهى إلى عليّ عليه السلام.

وما نقله أيضاً من ( الدعائم ) مرسلاً عنهم عليهم السلام ، أنهم قالوا ولا يتيمَّم في الحضر إلّا في عذر أو يكون في زحام ، ولا يخلص منه ، وحضرت الصلاة فإنه يتيمَّم ويصلِّي (2).

وقد نقل عن الشيخ (3) وابن الجنيد (4) : وظاهر الصدوق (5) : العمل بظواهر هذه الأخبار من مشروعيّة التيمّم حينئذٍ والصلاة به ووجوب الإعادة.

وتبعهم على ذلك ابن سعيد : في ( الجامع ) (6) ، وتبعهم جماعة من المتأخرين (7) في العمل بظواهرها في مشروعيّة التيمّم ، والصلاة دون وجوب الإعادة ، وقالوا باستحباب الإعادة حينئذٍ.

وأقول : الظاهر ومن الله الهداية أن التيمّم حينئذٍ غير مشروع ، وفاقاً لظاهر كلّ من لم يذكر أن هذا من أسباب مشروعيّة التيمّم ، ولم يعرّج على ذكر شي ء من هذه الأخبار ، بل حصر أسباب مشروعيّته في فقد عين الماء ، أو عدم التمكّن من استعماله لخوف الضرر على اختلاف ضروب الضرر التي ذكروها ، ولم يذكروا فيها هذا الوجه ، أو عدم الوُصلة إليه على اختلاف ضروب عدم الوُصلة له ، ولم يذكروا فيها هذا الوجه.

ولظاهر كلّ من أطلق وجوب التربّص بالعبادة إلى آخر الوقت ، وعدم مشروعيّة

ص: 199


1- مستدرك الوسائل 2 : 525 ، أبواب التيمُّم ب 2 ، ح 1 ، وفيه : « وليعد .. ».
2- دعائم الإسلام 1 : 165 ، وفيه : « إلّا من علَّة ، أو يكون رجل أخذه زحام .. ».
3- المبسوط 1 : 31 ، النهاية : 47 ، مختلف الشيعة 1 : 279 / المسألة : 207.
4- عنه في مختلف الشيعة 1 : 279 / المسألة : 207.
5- المقنع : 27 ، وفيه نصٌّ وتصريح بذلك ، أمّا في ( الفقيه ) 1 : 60 ، فقد صرَّح بالتيمُّم وذهب إلى عدم الإعادة.
6- الجامع للشرائع : 45.
7- مدارك الأحكام 2 : 241 ، التنقيح الرائع 1 : 137.

التيمّم إلّا في آخر الوقت.

ولظاهر كلّ من قال بأن الجمعة ليست واجباً عينيّاً.

ولعدم الدليل على أن ذلك من أسباب مشروعيّة التيمّم.

وللإجماع في الجملة على أنه لا يشرع إلّا بعد الطلب.

ولإطلاق الأخبار الدالّة على وجوب الطلب للماء قبل التيمّم (1) ، والأخبار الدالّة على أنه لا يشرع إلّا في آخر الوقت (2) ، وكلاهما كثير.

وهذه الأخبار (3) فيها :

أوّلاً : أنها ضعيفة لا تقاوِم تلك الإطلاقات الكثيرة المتلقّاة بين العصابة بالقبول.

وثانيا : القائل (4) بمضمونها نادر عند التأمّل ؛ إذ ليس إلّا من أوجب حينئذٍ التيمّم والصلاة.

ثمّ الطهارة والإعادة في عرف المتشرّعة لا يطلق إلّا على فعل العبادة ثانياً قبل خروج وقتها ، وليس في هذه الأخبار ما يدلّ على وجوب القضاء لو خرج الوقت ولمّا تُعَد ، وهو لا يثبت إلّا بدليل ، ولا دليل. فالقائل بوجوب الإعادة في الوقت أو القضاء في خارجه إن لم يعد فيه ، غير عامل في الحقيقة بهذه الأخبار ، ولا دليل على فتواه ، ولم نقف على مصرّح بالعمل بمضمونها من وجوب الإعادة حينئذٍ دون القضاء. فالقول بمضمونها نادر.

وثالثاً : [ أنها (5) ] بظواهرها تدلّ على وجوب جمعة وظهر في يوم ، أو ظهرين في يوم ، وهو إيجاب لستّ فرائض يوميّة في يوم أداءً ، وهو خلاف ما عليه الأُمّة.

ورابعاً : أن الظاهر أنها إنما عني بها : حال الصلاة مع المخالفين تقيّة ، والقرينة من خارجٍ ما ذكرناه ، ومنها : أنها كلّها أُسندت إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يفتِ فيها أحد

ص: 200


1- وسائل الشيعة 3 : 341 ، أبواب التيمُّم ، ب 1.
2- وسائل الشيعة 3 : 384 ، أبواب التيمُّم ، ب 22.
3- أي الدالّة على مشروعيّة التيمّم ، ثم إعادة الصلاة بالطهارة المائيّة بعد زوال العذر.
4- في المخطوط : ( فالقائل ).
5- في المخطوط : ( فإنها ).

من الأئمّة المسئولين ، بل رووها عن أبيهم أمير المؤمنين عليه السلام.

وأيضاً فقد عبّر فيها أنه يتيمّم ويصلّي معهم ، فالتعبير بضمير الغيبة من قرائن إرادة العامّة ، فإن أكثر الأخبار الواردة بالصلاة معهم ومعاشرتهم بالمعروف إنما يعود فيها عليهم ضمير الغيبة ، وكني عنهم به لمناسبة لا تخفى.

وأيضاً فكلّها أُجمل فيها ذكر الأمر بالصلاة معهم ، ولم يذكر في شي ءٍ منها صلاة معيّنة جمعة أو ظهراً. وهذا كلّه يدلّ على أن المعنيّ بها حال الصلاة مع المخالفين جمعة أو جماعة ، كما يدلّ عليه أيضاً الأمر بالإعادة ، فإن الحال لا يخلو ؛ إمّا أن تكون تلك الصلاة المؤدّاة بذلك التيمّم فرضاً صحيحاً ، فلا معنى للإعادة ، بل لا تشرع لما يلزم من وجوب ستّ فرائض يوميّة في يوم إن أعيدت على وجه الفرض والوجوب ، كما هو ظاهر تلك الأخبار.

وإن كانت الإعادة على سبيل الندب طالبنا القائل بدليل استحباب إعادة الفريضة المؤدّاة في جماعة ، فرادى أو في جماعة. وفي دليل استحباب إعادة الجمعة ظهراً كذلك ، ولا دليل.

أو باطلة ، فلا معنى للتيمّم ولا لتلك الصلاة ، ولا معنى للأمر بالإتيان بصلاة باطلة ، ولا يشرع التيمّم ليصلّي به صلاة باطلة بيقين إجماعاً.

وعن المجلسي : أنه في ( البحار ) أجاب عن أخبار الزحام بأنه ( ليس الموجب للتيمّم ضيق الوقت وخوف فوت الصلاة وحده ، بل الحامل عليه التقيّة ؛ لأن الجمعة والإمامة العامّة في مثل هذه المجامع إنما كانت لأئمّتهم ، فلا يسع الخروج في الأثناء والمبادرة إلى الطهارة لأحد أمرين : إمّا لأن هذا الحدث غير ناقض ؛ لسبقه وعدم اختياره فيه ، كما عليه الحنفيّة. أو لأنه صادر عن النوم وهو متماسك قاعد ، وذلك غير ناقض عند الأكثر منهم. والقرينة على هذا إضافة عرفة إلى الجمعة فيكون بمجرّد صلاة الجماعة فيها معهم ) (1) ، انتهى. نقلناه تيمّناً وتبرّكاً.

ص: 201


1- بحار الأنوار 78 : 163 - 164 ، باختلاف.

وهنا وجه ثالث هو أنه ربّما لا يسعه الخروج لئلّا يفوته الجمعة أو الجماعة معهم ، فيتيمّم ، وما ذكره رحمه الله حسن أيضاً.

فإذن تبيّن أنها إنما عني بها حال الصلاة مع المخالفين ، وقد جاء الأمر من أئمّة الهدى سلام الله عليهم بالطهارة لمن يريد أن يوقع معهم صورة الصلاة ، من الإتيان بصورة الركوع والسجود ولو بلا نيّة العبادة ، وأمروا بالطهارة لذلك ، بل جاء عنهم وعيد لمن دخل معهم في صلاتهم ولو بلا نيّة صلاة من غير طهارة (1).

وجاء عنهم عليهم السلام الأمر بالصلاة معهم بنيّة التنفّل (2) ، وهي غير مشروعة إلّا بالطهارة ، فإذا كان الأمر كذلك ودخل معهم إنسان للصلاة معهم نفلاً أو صورة وأحدث ولم يتمكّن من الخروج للطهارة لأحد تلك الأسباب ، أو غيرها كعدم المكنة من الخروج بالكلّيّة ، سقط الطلب لتعذّره حينئذٍ ، وجاء آخر وقت تلك الصلاة ؛ لأن وقت تلك الصلاة وقت فعل صلاتهم فشرع التيمّم حينئذٍ ، وانطبقت هذه الأخبار على غيرها وصحّ العمل بها. فإن لم نقل فيها بهذا ، وإلّا فسبيلها الاطّراح لما ذكرنا فيها من العلل.

وأمّا القول بما في ظاهرها من مشروعيّة التيمّم لمن منعه الزحام من الخروج في الجمعة وعرفة مطلقاً ولو في غير حال الصلاة مع المخالفين ، والإتيان بتلك الصلاة وإعادتها استحباباً ، ففيه ما مرّ. وفيه أنه قول بلا دليل ، والاستحباب حكم شرعي فيحتاج إلى دليل.

وهذه الأخبار ظاهرها وجوب الإعادة ، فإمّا القول بظاهرها ، أو اطّراحها ، أو حملها على ما ذكرناه. ولا دليل غيرها على مشروعيّة التيمّم حينئذٍ مطلقاً ، وفعل الصلاة به واستحباب إعادتها مطلقاً.

هذا ، وينبغي قصر القول بمشروعيّة التيمّم حينئذٍ والصلاة به مطلقاً على القول به

ص: 202


1- الفقيه 1 : 251 / 1128 ، وسائل الشيعة 1 : 367 - 368 ، أبواب الوضوء ، ب 2 ، ح 1.
2- الفقيه 1 : 250 / 1125.

حال وجوب الجمعة عيناً ليتمّ له القول بسقوط الطلب حينئذٍ لامتناعه ، وتحقّق فعل التيمّم حينئذٍ في آخر الوقت ، حتّى لا يتنافى القول بهذا مع القول بوجوب سبق طلب الماء لصحّة التيمّم ، ومع القول بأن التيمّم لا يشرع إلّا به وفي آخر الوقت ، وأن الجمعة واجب تخييراً حال الغيبة. وفي قصره على حال وجوب الجمعة عيناً أن ذكر جريانه وصحّته في عرفة ينافيه ؛ إذ لا قائل بوجوب الجمعة أو الجماعة في عرفة مطلقاً ، ولا قائل به فيما ظهر ولا دليل عليه.

أمّا القول بهذا وذاك كلّه فممّا لا يرجى التئامُه ؛ ولذا قال الشهيد الثاني : في ( المسالك ) في شرح قول المحقّق : ( وقيل فيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلك ) (1) إلى آخره - : ( التقييد بمنعه عن الخروج ؛ للاحتراز عمّا لو كان المانع من الخروج خوف فوت الجمعة مع إمكان الخروج لسهولة الزحام وضيق الوقت ، فإنه لا يجوز التيمّم .. وإن فاتته الجمعة ) (2) ، انتهى.

مع أنه غير منطبق إلّا على القول بوجوب الجمعة عيناً ، أمّا في غير وقت وجوب الجمعة عيناً فلا يتمّ القول بمشروعيّة هذا التيمّم وصحّة الصلاة به ، لا في الجمعة ولا عرفة. على أنه لا يظهر فرق بين الجمعة وعرفة وغيرهما إذا أحدث في المسجد ومنعه الزحام أو التقيّة عن الخروج.

فينبغي تعميم الحكم ، ولم نقف على مصرّح بالتعميم ، بل ظاهر كلّ من ظاهره الفتوى بذلك اختصاص هذا الحكم بالجمعة وعرفة مع جريان السبب [ المذكور ] (3) لمشروعيّة التيمّم حينئذٍ ، وهو مانعيّة الزحام عن الخروج. وتحصيل الطهارة المائية جار في غير الجمعة وعرفة كثيراً.

وملخَّص البحث أن هذه الأخبار إمّا أن تطرح لما اعتلّت به ممّا ذكر ، أو تحمل على خصوص حال الصلاة مع المخالفين تقيّة. ويعمّم الحكم في كلّ صلاة ، ولا

ص: 203


1- شرائع الإسلام 1 : 41.
2- مسالك الأفهام 1 : 115.
3- في المخطوط : ( المذكر ).

يخصّ الجمعة وعرفة ، أو تقصر حال وجوب الجمعة عيناً. وفي هذا الأخير أن ما تضمّنته من حال عرفة ينافي القول بقصر الحكم فيها على حال وجوب الجمعة عيناً أيضاً كما مرّ.

والحاصل أنه لم يظهر لي دليل من نصّ أو إجماع على مشروعيّة التيمّم حينئذٍ ، ولا صحّة الصلاة به إلّا أن يحبس ذلك المحدث إلى الوقت الاختياري على الأظهر ، أو الاضطراري على الأحوط الأشهر ، فيشرع حينئذٍ التيمّم والصلاة ، ولا إعادة مطلقاً.

تنبيه

فحوى الفتوى وهذه الأخبار أن المراد من ذلك الحدث هو الأصغر ؛ لأنه الذي يغلب وقوعه في تلك الحال. وعليه يبقى حكم الأكبر حينئذٍ مسكوتاً عنه ، فيردّ إلى عمومات الفتاوى والنصوص في أحكام وقواعد مشروعيّة التيمّم بدله. وظاهر إطلاق هذه الأخبار وفتاوى العاملين بها عموم الحكم للأكبر والأصغر ، فإذا كان الأكبر ولم يتمكّن من الخروج وجب التيمّم ؛ للّبث في المسجد ، لا لما ذكر من الأخبار ، بل للإجماع المؤيّد بالنصوص الكثيرة ، والله العالم بحقيقة أحكامه.

ص: 204

الرسالة السادسة : مختصر الرسالة الصلاتيّة للشيخ محمّد بن عبد علي آل عبد الجبّار القطيفي رحمه الله

اشارة

ص: 205

ص: 206

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، ومدبّر الخلائق بلطفه في الدنيا والدين ، وصلّى الله على سيّد العالمين محمّد : المبعوث دليلاً على الصراط المستقيم ، وعلى آله المخصوصين ب- ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) أفضل صلاة ، وسلم عليه وعليهم كما [ هم (2) ] أهله.

وبعد :

فيقول الأحقر أحمد بن صالح : قد نظرت في كتاب أُستاذي الأعظم ، ربّ المعقول ورئيس المنقول ، حاكم الرواية ، ومعلّم الدراية ، الذي صنّفه في فقه الطهارة والصلاة (3) ، فوجدته لطيف الحجم ، عظيم النفع ، فأشار عَلَيّ بأن الخّص منه الواجبات ، فشرّف وأنعم حيث رفع القدر المنخفض كما هي عادته ، فلخّصته كما أمر مقتصراً على عبارته ما أمكن ، ومعبّراً عن معناها بأخصر من لفظه الشريف ، فإنه قصد غاية الإيضاح تسهيلاً على الطالبين ، غير متعرّض فيها لشي ء يخالفه من فتاوى العلماء راجحاً ومرجوحاً ، فليس فيها شي ء من عندي أصلاً ، والله أرجو أن يمنّ بإتمامه ، إنه لا يعجزه شي ء ، وهو اللطيف الخبير ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

ص: 207


1- الأحزاب : 33.
2- في المخطوط : ( هو ).
3- هي الرسالة الصلاتيّة الصغرى للشيخ محمد بن عبد علي آل عبد الجبار. انظر أنوار البدرين : 281 / 24.

ص: 208

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على إمام الأُمم محمّدٍ : وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

كتاب الطهارة

مقدّمة

أقسام المياه وأحكامها

الماء المطلق طاهر مطهّر له ولغيره نصّاً (1) وإجماعاً. وهذا بأصل خلقته ، فإن مازجه طاهر لم يسلبه الإطلاق حقيقة ، أمّا لو سلبه ذلك فطاهر غير مطهّر.

ولكون الماء أشدّ الأشياء اتّصالاً وانفصالاً وميعاناً جُعِلَ مطهّراً مع خلوّه من اللون على الأصحّ ، ولا يُنافي ذلك بوصفه بمثل : ماء البحر ، والسماء ، والبئر ، وحال (2) ، ومثل ذلك.

وكلّه يرفع الحدث مطلقاً ، وهو المانعيّة من الدخول في مشروطٍ بالطهارة. ويزيل الخبث مطلقاً ، وهو عين النجاسة. وإن ذهبت عينها بغير مطهّر فتطهيره للمحلّ حينئذٍ إزالة الخبث.

ص: 209


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 133 ، أبواب الماء المطلق ، ب 1.
2- كذا في المخطوط.

ولو شكّ في البقاء فالأصل البقاء. ولو وقع عليه ماء ولم يعلم نجاسته فطاهر ، وليس عليه السؤال إجماعاً.

والماء الجاري لا يتنجّس إلّا بالقطع بتغيّر لونه أو ريحه أو طعمه حسّا بمخالطة النجاسة ، لا بالمتنجّس ولا بمجاورتها. فلو شكّ هل هي قبل التغيير أم بعده ، فطاهرٌ ، وعلى ذلك الإجماع والنصّ (1) ولو عموماً قائمان. ولا يشترط في تحقّق الجريان دوام النبع ولا قوّته ، فإن انقطعت المادّة فالباقي له حكم الواقف على الأشهر الأقوى.

ومن الجاري ما يحصل من رشح الأرض إذا كان قويّاً في الجملة ، بل لا يبعد عدم اعتبار الشرط ؛ أخذاً بإطلاق المادة في النصّ (2) مع ظهور تفاوتها. ومراعاته أحوط ، وأحوط منه إدخاله في الواقف.

والعين [ التي لا ينفك (3) ] ماؤها عنها لا شكّ في [ دخولها (4) ] في الجاري.

ولا يشترط في الجاري الكرّيّة على الأقوى الأشهر ، بل لا يبعد انقطاع المُشتَرِط. ولو تغيّر بعضه بها اختصّ بالمتنجّس ، وما قبله جارٍ ، وما بعده واقف.

ولو انقطع نبعه والباقي أقلّ من كرّ مع سبق النجاسة وذهاب عينها وعدم تغيّر أحد أوصافه السابقة فمطهّر ، وإلّا فنجس.

ولو شكّ في وجود مادّته فالأصل عدمها إن لم يسبق تحقّقها ، وإلّا فيستصحب البقاء.

وماء المطر حال نزوله كالجاري ، جرى من ميزاب أم لا على الأشهر الأقوى في الأخير ، بشرط تحقّق أقلّ الجري ، وبعد انقطاع نزوله كالواقف. وطينه طاهر مطلقاً ما لم يلاقِ نجاسة. وغير بعيد ملاحظة العادة المفيدة للعلم بنجاسته ولو بالظنّ القويّ وإن خرج هذا عن ذاك.

ص: 210


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 133 - 143 ، أبواب الماء المطلق ، ب 1 ب 5.
2- انظر وسائل الشيعة 1 : 149 ، أبواب الماء المطلق ، ب 7 ، ح 4 ، ب 14 ، ح 6 - 7.
3- في المخطوط : ( الذي لا ينفل ).
4- في المخطوط : ( دخوله ).

والبئر يتميّز بتميّز قسيميه ، بل من الجاري ؛ لأن له مادّة وإن غايره اسماً ، ولا يتعدّى محلّه غالباً ، ولا يخرج عنها بوصل الآبار. وينجس بما ينجس به الجاري نصّاً (1) وإجماعاً ، ولا ينفعل بمجرّد الملاقاة ؛ للنصوص المستفيضة (2) المحكمة المشهورة المعلّلة الموافقة للقرآن والأصل وغير ذلك ، وللإجماع القائم. إلّا إن تطهيرها وجوباً عند القائلين بانفعالها ، واستحباباً على الأقوى مختلف باختلاف الملاقي.

فينزح البئر كلّه لوقوع البعير والثور والخمر ولو قطرة وكلّ مسكر مائع أصالة وإن جمد لا الجامد أصالة وإن ميّع ، والمنيّ ودم الحيض والاستحاضة والفقاع على الأشهر ، وفي ( الغنية ) (3) و ( السرائر ) (4) الإجماع. وإن تعذّر نزحه تراوح عليه يوماً مطلقاً أربعةٌ : اثنان اثنان من الطلوع إلى الليل ، ولا يكفي أقلّ وإن سدّ مسدّ الأربعة ، ويكفي النساء والصبيان ، والأحوط الاقتصار على الرجال. ويجوز لهم الصلاة جميعاً جماعة وفرادى ، والأكل جميعاً أيضاً ؛ لدلالة العرف على استثنائه ، وتجوز الزيادة على الأربعة ، ولا يجزي مقدار اليوم من الليل ولا الملفّق ، والأحوط الابتداء في النزح من الفجر الثاني ، ولا بدّ من سبق تهيئة الأسباب قبل طلوع الشمس أو الفجر ، ومن إدخال جزء سابق ولاحق من باب المقدّمة.

وينزح كرّ لموت الحمار والفرس والبغل والبقرة ، وعن ( الغنية ) (5) الإجماع في الأوّلين.

وينزح سبعون دلواً لموت الإنسان مطلقاً إجماعاً في المسلم ، وعلى الأشهر في

ص: 211


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 137 ، أبواب الماء المطلق ، ب 3.
2- انظر وسائل الشيعة 1 : 170 ، أبواب الماء المطلق ، ب 14.
3- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 380 - 381.
4- السرائر 1 : 69 - 70.
5- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 381 ، وفيه : ( منه ما يوجب نزح كرّ واحد ، وهو موت أحد الخيل فيها أو ما ماثلها في مقدار الجسم ).

الكافر ، حتّى كاد أن يكون إجماعاً.

وخمسون للعذرة الرطبة وإن لم تذب ، وكذا للدم الكثير على أشهر الأقوال ، وفي ( الغنية ) (1) و ( السرائر ) (2) الإجماع ، والعبرة في كثرة الدم بحاله في نفسه كدم الشاة.

ولموت الكلب والثعلب والأرنب والخنزير والسنّور وشبه ذلك في الحجم الأربعون.

وكذا في بول الإنسان على الأقوى ، وفي ( الغنية ) (3) الإجماع. وادّعى بعض تواتر الأخبار بالعدد لبول الإنسان (4) ، وفي ( الوسائل ) (5) رُوِيَ. والأحوط إلحاق بول المرأة بما لا نصّ فيه.

وثلاثون لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب. ولو خالط أحدها خاصّة نزح له ما نصّ فيها ، أو تلحق بما لا نصّ فيه.

وعشرة للعذرة اليابسة ، وفي ( السرائر ) (6) و ( الغنية ) (7) الإجماع. ومثله لقليل الدم ، كدم الطير ، ويسير الرعاف. والعبرة بالقلّة بحال الدم أيضاً.

وينزح سبع لاغتسال الجُنب مطلقاً إذا غسل بدنه من النجاسة ، والعبرة في الترتيب بتمام الغسل ، والأحوط نزحها لمطلق وقوعه. وكذا لموت الطير كالدجاجة والحمامة والنعامة وشبه ذلك ، ولخروج الكلب حيّاً ، وللفأرة إن تفسّخت أو انتفخت ، ولبول الصبي المفطوم على الأشهر ، وحكي عليه الإجماع.

وخمس لذرق الدجاج الجلّال.

وثلاث للفأرة مع عدم الوصفين (8) ، وكذا للحيّة.

ودلو للعصفور وهو ما نقص عن الحمامة في الحجم ولبول الرضيع الذي لم

ص: 212


1- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 381.
2- السرائر 1 : 79.
3- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 381.
4- السرائر 1 : 78.
5- وسائل الشيعة 1 : 181 ، أبواب الماء المطلق ، ب 16 ، ح 4.
6- السرائر 1 : 79.
7- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 381.
8- أي التفسّخ والانتفاخ.

يتغذّ بالطعام مستنداً إلى شهوته ، فإن اختلف فالعبرة بالغالب دون النادر. وما ذكرناه هو الأشهر عند القائلين بانفعاله.

وأمّا ما لا نصّ فيه ، فأقوى الأقوال فيه وجوباً وندباً - : ينزح كلّ البئر (1).

ولو غيّرته المنصوصة ، فأقوى الأقوال : النزح حتّى يزول التغيير خاصّة (2).

ولا فرق بين صغير الحيوان وكبيره ، ولا بين سمينة ومهزوله.

والعبرة بالدلو المعتادة لنزح مثله مطلقاً ، فإن اختلف فبالأكثر ، وإن تساوى فالتخيير.

ولا يكفي نزح العدد دفعة ، ولا يشترط النيّة ، لأنه تطهير خبث. وبآخر دلو يطهر البئر والدلو والآلة وما معه. وما يتساقط من الدلو مطلقاً عفو.

ولو [ تكثّرت (3) ] النجاسة ، فإن اتّحدت نوعاً كفى المقدّر له مرّة كما لو كانت بعضاً من كلّ ، وإلّا فالأقوى التضاعف. ولا يدخل شي ء تحت أكثر منه.

ولا ينزح المقدّر إلّا بعد ذهاب عين النجاسة منه ولو بالاستحالة. ولو انصبّ دلو من العدد كفى دلو بدله ، سواء كان الأوّل أو الأوسط أو الآخر. والأحوط في الأخير إلحاقه بما لا نصّ فيه إن لم يكن له مقدّر ، وإلّا فيه ، وكذا لو صبّ في غيرها ، أو اتّصل بها ماء البالوعة. والعبرة بحال النجاسة.

ولا يجب التباعد بين البئر والبالوعة قدراً معيناً.

والواقف إن نقص عن كرّ [ فماؤه (4) ] ينجس بملاقاتها وإن كانت دماً قليلة مطلقاً على الأشهر الأقوى ، وإلّا فماء الجاري إن كان مائعاً. والجامد مطلقاً كغيره من الجامدات.

ولو تغيّر بعض الكثير اختصّ بالتنجيس إن كان الباقي كرّاً ، ويطهر بزواله مطلقاً. وإن نقص الباقي تنجّس الجميع. ولو وقع فيه ما لا يغيّره من النجاسة ، فإن استهلكت

ص: 213


1- انظر مدارك الأحكام 1 : 99.
2- انظر مدارك الأحكام : 1 : 101.
3- في المخطوط : ( بكثرة ).
4- في المخطوط : ( ماؤه ).

فطاهر ، وإلّا فإن أخذ منه فالمأخوذ طاهر مطلقاً إن لم تؤخذ فيه ، وإلّا فإن كان كرّاً فطاهر ما لم يتغيّر ، وإلّا فنجس مطلقاً. والباقي كذلك.

ولو شكّ في بلوغه الكرّيّة فالأصل العدم ، وفي ملاقاتها للكرّ فالأصل الطهارة وعدمها (1) ، وفي ملاقاتها القليل كذلك.

والكرّ : ألف ومائتا رطل عراقي على الأشهر روايةً (2) وفتوى (3) ، والأشهر (4) أنه (5) مائة وثلاثون درهماً ، هي أحدٌ وتسعون مثقالاً ، وهو الدينار الذي هو المعيار لجميع الأوزان الشرعيّة ، فهو باقٍ لم يتغيّر إلى الآن. والصيرفي : مثقال وثلث شرعي.

ومساحة الكرّ : ثلاثة وأربعون شبراً مستوية إلّا ثُمناً على الأشهر (6) ، وعن ( الغنية ) (7) الإجماع ، وهو الأقرب إلى التقدير الوزني.

وماء الاستنجاء طاهر نصّاً (8) وإجماعاً ، ومطهّر من الخبث إجماعاً ، ولا يرفع الحدث ، وفي ( المعتبر ) (9) و ( المنتهى ) (10) أنه إجماعاً ، وهو : ما يُزال به البول والغائط عن مخرجه ، ولم تلاقِه نجاسة خارجة ، ولم يعلم تغييره بما أزيل به ولو انفصل جزء منه معه أو سبقت اليد إلى المحلّ ، وإلّا فغسالة ، و [ هي (11) ] : ما تزال [ بها (12) ] الأخباث مطلقاً - [ لا غيرها (13) ] ، والأظهر طهارته مطلقاً ، والنجاسة مطلقاً أحوط ، بل أولى ، ويحكم بها بعد الانفصال.

ص: 214


1- كذا في المخطوط ، والظاهر أنه ( لا عدمها ).
2- الكافي 3 : 3 / 6 ، تهذيب الأحكام 1 : 41 / 113 ، الإستبصار 1 : 10 / 4 ، وسائل الشيعة 1 : 167 ، أبواب الماء المطلق ، ب 11 ، ح 1 ، 2.
3- المقنع : 31 ، المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 64 ، النهاية : 3.
4- مدارك الأحكام 1 : 47.
5- أي الرطل.
6- مدارك الأحكام 1 : 49.
7- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 2 : 379.
8- وسائل الشيعة 1 : 221 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ب 13.
9- المعتبر 1 : 90.
10- منتهى المطلب 1 : 24 ( حجريّ ).
11- في المخطوط ( هو ).
12- في المخطوط : ( به ).
13- في المخطوط : ( غيره ).

وماء الوضوء مطلقاً والأغسالِ المسنونة طاهر مطهّر نصّاً (1) وإجماعاً.

وما يرفع الحدث الأكبر ومنه مسّ الأموات على الأحوط إن لم يكن الأولى ، والأولى إدخال غسل الأموات في الغسالة طاهر نصّاً (2) وإجماعاً ، ومطهّر من الخبث كذلك ، وعن ( المنتهى ) (3) والفخر (4) الإجماع أيضاً ، ومن الحدث كما عليه عامّة المتأخّرين ؛ لعدم عروض ما ينجّسه ، فيشمله الأصل وغيره ، وتركه أحوط.

والأقوى في غسالة الحمّام الطهارة.

ولو تمّم الملاقي للنجاسة كرّاً ولو بنجس فالأقوى الطهارة ؛ لحديث لم يحمل خبثاً (5) ، ولأن الطهوريّة ليست بسبب الطاري أو السابق بملاحظة الانفصال ، بل من وحدة الكرّيّة الحاصلة بَعدُ ، ولأن المفهوم من إذا كان الماء قدر كرّ (6) وأمثاله أنه متى تحقّقت الكرّيّة لم ينجّسه شي ء ، وكما تدفع الطاري تدفع السابق ، وإلّا لم تدفع الطاري ، والاحتياط مطلوب خصوصاً في مثل هذا المقام.

وأمّا السؤر وهو ماء قليل باشره جسم حيوان مطلقاً ، كما هو ظاهر الفتوى والنصّ ، وفهمه من اللغة (7) غير عزيز فيتبع [ مُباشِرَة (8) ] طهارةً ونجاسةً كفضلاته ، عدا البول والغائط من بعضها فسيأتي.

وأمّا المضاف فهو : ما لا يطلق عليه الماء بلا قيد ، ويصحّ سلبه عنه ، وهو المعتصر من الأجسام والمصعّد منها مطلقاً ، حتّى عرق الماء المتصاعد منه بالطبخ ، والممزوج

ص: 215


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 209 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ب 8.
2- انظر وسائل الشيعة 1 : 211 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ب 9.
3- منتهى المطلب : 23.
4- إيضاح الفوائد 1 : 19.
5- بحار الأنوار 63 : 505.
6- وسائل الشيعة 1 : 158 - 160 ، أبواب الماء المطلق ، ب 9 ، ح 1 ، 2 ، 5 ، 6 ، 8.
7- لسان العرب 6 : 132 سأر.
8- في المخطوط : ( ذوه ) ، وما أثبتناه من مخطوطة الرسالة الصلاتية الصغرى للشيخ محمّد بن عبد علي آل عبد الجبار : 3 ( مخطوط ).

يتبع الاسم مطلقاً ، ولا عبرة بالريح أو اللون أو الطعم ، وهو طاهر غير مطهّر من الحدث ولا من الخبث مطلقاً نصّاً (1) وإجماعاً ، والمخالف شاذّ منقطع (2) ، ومستنده معارض بأقوى من وجوهٍ ، وينجس وإن كثر بملاقاة النجاسة وإن قلّت إجماعاً ، ولا ينجّس الأسفل الأعلى في ظاهر المذهب ، والاحتياط مطلوب.

ولو وقع متنجّسة فيما يطهّره ، فإن لم يسلبه إطلاقه فطاهر مطهّر ، وإلّا فطاهر فقط.

ولو كان مع المكلّف مطلقٌ لا يكفيه لطهارته ومضافٌ ، وجب عليه مزجه بما لا يسلبه الإطلاق ، ولا يتيمّم على الأقوى.

ولو شكّ في سلبه الحقيقة فالأصل البقاء على ما تيقّن ، ففي المطلق الإطلاق ، وفي الإضافة الإضافة.

ولو اشتبه المطلق بالمضاف مع طهارتهما وجب الطهارة من كلّ واحد ، ولو انكفى أحدهما وجبت الطهارة بالباقي والتيمّم ، مخيّراً في تقديم أيّهما شاء ، وتقديم الطهارة أولى.

ولو اشتبه المطلق الطاهر بالنجس المحصور وجب اجتناب الجميع والتيمّم نصّاً (3) وإجماعاً ، وفي غير المحصور الكلّ طاهر بلا خلاف نعلمه ، ولا يجب إراقة المحصور حينئذٍ على الأقوى الأشهر ، وهو أحوط ما لم تعارض ، بل قد يجب عدمها. ولا تكفي الطهارة بكلّ على حدةٍ ولو عاقب الصلاة ، ولا التحري ولو بأمارة ، وكذلك لو ذهب أحدهما أو اشتبه بالمشتبه. ولو لاقى أحدهما طاهراً نجّسه على الأقوى.

والمشتبه بالمغتصب لا يرفع حدثاً ولو تكرّرت بكلّ واحد ، لكنّه يزيل الخبث

ص: 216


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 201 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ب 1.
2- نسب الخلاف للشيخ الصدوق في مدارك الأحكام 1 : 110 ، الهداية ( الصدوق ) : 65.
3- وسائل الشيعة 1 : 151 ، أبواب الماء المطلق ، ب 8 ، ح 2 ، 1 : 169 ، أبواب الماء المطلق ، ب 12 ، ح 1.

على الأقوى ويلزمه الضمان.

ولو اشتبه المضاف بالنجس والمغصوب لم يرفع حدثاً ، ولكن يزيل الخبث إذا تعاقبا ، ويضمن.

ولا يحكم بنجاسة ماءٍ الأصلُ فيه الطهارة إلّا أن يتغيّر ؛ إذ لا ينقض بالشكّ أبداً ، ومنه المشاهدة ، وإخبار صاحب اليد ولو كافراً ، وشهادة عدلين ، ولو شهد العدل الواحد فالأقوى عدم الثبوت ، وإن كان قبوله أحوط خصوصاً إذا استند إلى سبب.

ولو تعارضت البيّنتان فالشيخ : في ( الخلاف ) (1) على اطّراحهما والرجوع إلى الأصل ، وفي ( المبسوط ) (2) إن أمكن الجمع فيحسن ، ورجّح في ( النهاية ) نجاسة أحدهما لا بعينه ، فأوجب اجتنابهما ، وهو قويّ ، وسقوط البيّنتين للتعارض يوجب ثبوت الاشتباه الذي كانا عليه لا الرجوع إلى أصل الطهارة وإن احتمل ، ويحتمل العمل بالقرعة.

ومتى حكم بنجاسة الماء ولو بالاشتباه لم يجز استعماله في رفع حدث ، أو إزالة خبث ، أو أكل أو شرب ، اختياراً لا اضطراراً ، ويجوز سقيه الحيوان مطلقاً كسائر المضافات النجسة ، كما يجوز الصبغ بها مع وجوب التطهير بعد.

ومتى تنجّس الماء وله مادّة طهر بزوال [ التغيّر (3) ] مطلقاً ولو بعلاج. [ و ] ينجس بأيّ نجاسة [ تغيّره (4) ] على الأقوى ؛ [ وإن كانت (5) ] له مادّة ، وهو ظاهر الفتوى والنصّ ، مثل

كلّما غلب .. (6).

وما له مادة هو الجاري ، والبئر ، والمطر حال نزوله ، ومطلق النابع ، والواقف

ص: 217


1- الخلاف 1 : 201 / المسألة : 162.
2- المبسوط 1 : 8 - 9.
3- في المخطوط : ( التغيير ).
4- في المخطوط : ( تغير ).
5- في المخطوط : ( لان ).
6- تهذيب الأحكام 1 : 216 - 217 / 625 ، وسائل الشيعة 1 : 137 ، أبواب الماء المطلق ، ب 3 ، ح 1 ، وفيها : « كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغيّر الماء أو تغيّر الطعم فلا توضّأ منه ولا تشرب ».

المتّصل به ، إلّا إن الاحتياط في الأخير [ عدم طهارته ] إلّا بعد زواله (1).

والواقف مطلقاً يطهر بإلقاء كرّ متّصل عرفاً يزاح عليه ، ومراعاة الدفعة والامتزاج أحوط ، وإلّا فصدق الاتّصال والإلقاء ولو بالاتّصال من حوض آخر كافٍ ، لكن إذا زال التغيّر من الكثير والنجاسة من القليل ولو بنفس الاتّصال. كما يطهر باتّصاله بما له مادّة مع الزولان. ولا يطهر الكثير المتغيّر أو القليل الملاقي من الواقف بزوالهما مطلقاً. على الأقوى الأشهر.

والمضاف مطلقاً يطهر بامتزاجه بكرّ أو جارٍ ، فإن سلبه الإطلاق فهو طاهر غير مطهّر ، وإلّا فمطهّر. والدهن لا يقبل التطهير مطلقاً على الأقوى.

ص: 218


1- أي زوال التغيّر.

أقسام النجاسات

والنجاسات عشر :

البول والغائط من غير مأكول اللحم ممّا له نفس سائلة مطلقاً ، حتّى الطير على الأشهر الأقوى ، حُرّم بالأصالة ، أو بالعارض كالجلّال قبل استبرائه ونسله أبداً ، [ وعدم ] قبوله الاستبراء كموطوء الإنسان ونسله. وهما من المأكول طاهران وإن كره كالخيل والبغال والحمير.

والمنيّ ، والدم ممّا له نفس سائلة مطلقاً ، إلّا ما يتخلّف من الدم في اللحم بعد خروج المسفوح أجمع ، إلّا علقة القلب فإنها نجسة مطلقاً كدم البيضة ، وعموم بعض ما يشمله مع أنه علقة.

والكلب والخنزير البرّيّان حتّى ما لا تحلّه الحياة منها ، واستثناؤها شاذّ منقطع (1). ولو نزا أحدهما على حيوان مطلقاً ، فإن دخل الناتج في نوعٍ ولو بوجود خاصّةٍ كمَشية خلف الغنم أو معه ، وأكله العلف وكرعه الماء وعدمهما ، أو وجود كرش له أو معدة كالإنسان وأمثال ذلك الحق به ، وإن اشتبه فالحلّيّة ، والأحوط النجاسة. ولو نزا أحدهما على الآخر فالناتج إن أشبه أحدهما أو غيرهما الحق به ، وإلّا فالتحريم والنجاسة ، مع احتمال الطهارة ، والأحوط النجاسة مطلقاً.

والكافر مطلقاً كأخويه حتّى الشعر ، وهو من أنكر الأُلوهيّة ، أو من ثبتت نبوّته بالتوراة والقرآن ، أو شيئاً ممّا ثبت بالضرورة الدينيّة كالصلاة ، ومن ألقى قرآناً في

ص: 219


1- الناصريات 100 / المسألة : 19.

نجاسة ، أو بال في الكعبة استهزاءً زادها الله شرفاً ومن سبّ محمَّداً صلى الله عليه وآله : أو أهل بيته أو مواليهم لأجلهم ، أو من ظهر له الدليل على إمامة الأئمّة بعد الرسول فأنكرها ، أو فضيلة [ فألحدها (1) ] ، والخوارج والمجسّمة والغلاة ولو أظهر أحدهم الشهادتين.

والطفل كأبويه ، وإن كان أحدهما مسلماً تبعه ، والمسبيّ كالسابي ، واللقيط كالدار ، إلّا أن يوجد في دار الكفر مسلم يمكن تولّده منه فهو بحكمه. أمّا مطلق المخالف فطاهر ، غير ناصب ولا منكر بل جاهل. والإنكار ضدّ المعرفة ، ولا يكون إلّا بعد قيام الدليل ، وبدونها جاهل ، وهو ضد العلم ، وعلى ذلك النصوص مستفيضة (2). ولو شكّ في المخالف فالأصل الطهارة وحقن المال والدم ، وفي كفر شخص وإسلامه وقف حتّى يثبت أحدهما ، وما باشره برطوبة ممّا أصله الطهارة طاهر حينئذٍ.

والميتة من ذي النفس السائلة بجميع أجزائها التي تحلّها الحياة ، فما لا تحلّه من غير الكافر وأخويه طاهر ، وهي الصوف والشعر والوبر والقرن والظفر والظلف والبيض المكتسي بالقشر الأعلى والعظم والإنفحة ، فتصحّ الصلاة فيها إن كانت من مأكول. أمّا لبن ميتة المأكول فنجس على الأشهر الأقوى ، ولو أُبين ما تحلّه الحياة من حيّ فنجس ، إلّا الأجزاء الصغار التي تسقط من الإنسان كالجلد من البثور والثآليل. ولا يطهر جلد الميتة بالدبغ.

والخمر وجميع المسكرات المائعة أصالةً وإن عرض لها الجمود ، إلّا الجامد أصالةً.

وكالخمر الفُقّاع وإن لم يسكر. وما يتولّد في حبّات العنب إن أسكر فنجس ، وما أسكر كثيره حرم قليله ، والإجماع على ذلك قائم ، ولا فرق في الفقاع بين ما غلى وغيره وهو النشيش.

والعصير ، وهو المُعتصَر من العنب خاصّة في ظاهر الأصحاب وإن لم يسكر ،

ص: 220


1- في المخطوط : ( لأحدها ).
2- انظر الكافي 2 : 25 - 27 / 1 - 5.

أو أخذ من مستحلّ لما دون الثلث إذا غلى بأن صار أعلاه أسفله بنار أو غيرها ، فإذا ذهب ثلثاه حلّ وطهر ، والآلة والمُزاوِل والإناء. وليس الاشتداد بشرط مع عدم انضباطه.

أمّا الزبيبي والتمري فطاهر ما لم يسكر ، ونفى الخلافَ في الثاني بعضٌ ، وقيل به في الأوّل ، والاحتياط لا يخفى. وما سوى ذلك طاهر وإن كره بعض ، والحديد (1) طاهر إجماعاً ، وكذا ماء المطر بعد الثلاثة ، ولبن البنت.

أحكام النجاسات

ويجب إزالة جميع النجاسات من المصاحف والضرائح المقدّسة والمساجد لأنفسها ، ولو دخل بها فيهما ولم تتعدّ لم تجب الإزالة على الأظهر الأشهر.

وعن الأواني مطلقاً عند استعمالهما في مشروطٍ بالطهارة وفي الأكل والشرب.

وعن الثياب والبدن للصلاة والطواف الواجبين ولو بالعارض ، والطواف المندوب على الأحوط ، ولدخول المساجد ، ومكان المصلي إن تعدّت في غير موضع الجبهة ، وعنه مطلقاً.

وعفي عنها فيما إذا جهلها مطلقاً ، وفيما إذا تعذّرت الإزالة ، وفيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً للرجل على حالٍ ، وفي خرقة الاستحاضة ودائم الحدث وإن لم تكونا في محالّهما ، وفي المصاحب كالدرهم ونحوه ، وعمّا نقص عن سعة لا وزناً الدرهم البَغليّ من الدم غير الدماء الثلاثة على الأشهر ، وحكي عليه الإجماع (2).

ولا فرق في ذلك بين الثوب والبدن ، ولا دم الإنسان نفسه وغيره. وفَرقُ بعض متأخّري المتأخّرين في الأخير شاذّ ، ودليله لا يدلّ عليه. ولا يستثنى دم نجس العين كما قيل ، وهو أحوط. والمتفرّق يقدّر مجتمعاً على الأقوى الأشهر ، كان في

ص: 221


1- كذا في المخطوط.
2- منتهى المطلب 1 : 172 ( حجريّ ) ، تذكرة الفقهاء 1 : 73 / المسألة : 23 ، مختلف الشيعة 1 : 318 / المسألة : 235.

الثوب والبدن أو أحدهما على الأقوى ، فإن بلغ سعته الدرهم وجب إزالته ، والزائد تجب إزالته إجماعاً (1) ، ويكفي إزالة ما يزول به القدر ولو خرق الدم الثوب الكثيف ، والأحوط احتسابهما اثنين. ولو صاحب الثوب متنجّساً أو نجاسة أُخرى فلا عفو.

وعفي أيضاً عن ثوب المربّية مطلقاً ولو بأُجرة للصبيّ خاصّة وإن كان أحوط ، لكن بشرط عدم تمكّنها من البدل على حال. وبول الولد ولو متعدّداً في ثوب المربّية خاصّة إذا غسلته في اليوم والليلة بالماء مرّة واحدة. ولا يلحق غيرهما بهما مطلقاً ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على النصوص ، ويراعى في غيرهما المشقّة وعدمها.

وعن دم الجروح والقروح في الثوب والبدن مطلقاً حتّى تبرأ فترجع إلى التقدير ولو لم يسل مدّة الصلاة ولم يشقّ زوالها وأمكن تبديل الثوب على الأقوى ، والاحتياط أولى.

ص: 222


1- مختلف الشيعة 1 : 318 / المسألة : 235 ، السرائر 1 : 177.

المطهّرات

ويكفي في التطهير بالماء مطلقاً إذا كان جارياً أو كثيراً إزالة النجاسة مطلقاً إجماعاً ، إلّا في ولوغ الكلب في الإناء فلا بدّ من التراب على الأشهر الأقوى. وإذا كان قليلاً لم يطهر النجس إلّا بصبّه عليه مطلقاً ، إلّا في بول في ثوب أو بدن فمرّتين أحوط ، وإن كان الاكتفاء بالمرّة قويّاً ، إلّا في الاستنجاء.

وبعصره فيما [ يكون (1) ] متوسّطاً لإخراج ما فيه من الغسالة ، وإلّا فالغمس كافٍ ولا حاجة إلى الفرك في مثل الجسد وإن كان أحوط. وتتحقّق المرّتان بمفارقة الماء المحلّ وعوده ثانياً وإن لم ينقطع ، والقطع أحوط.

ويكفي في بول الصبي الرضيع الذي لم يتغذّ بالطعام أكلاً مستنداً إلى شهوته وإرادته الصبّ عليه من غير عصر نصّاً (2) وإجماعاً. ولا يبعد مساواة الصبيّة (3). وما سوى ذلك تكفيه المرّة مطلقاً ، والمرّتان أحوط ، خصوصاً فيما له ثخن وقوام.

ويغسل الإناء عن ولوغ الكلب ولطعه إيّاه بفيه ثلاثاً أُولاهنّ بما يسمّى تراباً ، والأولى عدم خلطه بالماء أصلاً ، ولا يقوم غير التراب مقامه ولو ضرورةً لتعيّن كونه مطهّراً شرعيّاً ، وعدم دليل على البدليّة حتّى الواقع بين غسلتي الماء. ومن غيره مرّة ، والثلاث أحوط مطلقاً. ويتحقّق بصبّ الماء فيه حتّى يعلو على النجاسة ، ثمّ إفراغه ولو بالدلاء يعود ويصبّه وإدارته فيه وإفراغه كذلك.

ص: 223


1- في المخطوط : ( يكن ).
2- الكافي 3 : 56 / 6 ، وسائل الشيعة 3 : 397 - 398 أبواب النجاسات ، ب 3 ، ح 2.
3- في المخطوط بعدها : ( والأحوط ).

وتحرم آنية الذهب والفضّة خاصّة ولو قُنية ، ولا يحرم المأكول فيها ، ولا يبطل الوضوء منه. ويجب اجتناب موضع الفضّة في المفضّض والمكحلة من الآنية دون المرود والخاتم.

والأرض إن كانت صُلبَةً منحدرةً منفصل عنها الغُسالة ولا ترشح فيها ، طهرت بجري الماء عليها مرّة أو مرّتين في ظاهر المذهب ، وإلّا فبإلقاء كرّ أو بإشراق الشمس وتجفيفها للنجاسة بعد ذهاب العين ، كالأحجار والأشجار وثمارها وورقها قبل القطع ، والحصر والبواري وكلّ ما لا ينقل عادةً أو في نقله مشقّة ، إلّا إنه لا بدّ أن يستند جفافها فيما ذكر إلى إشراق الشمس خاصّة دون حرارتها ، ودونها بمعونة الهواء ، ولا يضرّ انضمامه إذا ترجّح استناده إليه ، ولو تيبّست بدونه وصبّ عليها الماء فإذا جفّفها طهرت ، ولا تعود النجاسة لو عادت الرطوبة بعده على الأقوى الأشهر ، ولا تطهر بصبّ القليل عليها ، ورواية الذنوب شاذّة مطّرحة (1).

والأرض تطهّر باطن النعل والخفّ والقدم وخشبة الأقطع وكلّ ما يُوطأ به إذا زالت النجاسة بها مطلقاً إذا كانت طاهرة جافّة ، ولو زالت بدون المشي أو المسح كفى مسمّى الإمساس ، أما أسفل الرمح والعصا فلا. ولا بدّ من ذهاب الأثر بعد العين. ويدخل في هذا تطهير الإناء بالتراب ، والاستجمار بالحجر.

ومن المطهّرات الاستحالة ، فيطهر المستحيل بالنار رماداً ودخاناً وبخاراً ، فماء الورد النجس طاهر إن قيل باستحالتها بخاراً. ولا يطهر العجين بالخَبز ولا الطين بالتفخير ؛ لعدمها. وأعيان النجاسات باستحالتها جسماً طاهراً ، ومنه استحالة المسفوح دمَ ما لا نفس له ، والبول والخمر والعصير بول مأكول اللحم ، والخمر والعصير [ العنبي ] استحالتهما خلّاً ولو بعلاج ، ويتبعه إناؤه ومزاوله وآلته. ولو وقعت في قدر نجاسة لم يطهر ما فيها بوجه إن كان مائعاً ، وإلّا طهر بالغسل نصّاً وإجماعاً ،

ص: 224


1- سنن أبي داود 1 : 103 / 380.

كما في ( التحرير ) (1) على عدم طهارة المائع ، وعلى إباحة غيره بعد الغسل ، والاحتياط لا يخفى.

والكافر مطلقاً بصيرورته مسلماً ، ويتبعهُ ولده الذين لم يبلغوا وإن وجب غسل ما على بدنه حين إسلامه في وجه قويّ ، وهو أحوط.

ومنه المرتدّ الراجع ولو عن فطرة في وجه قويّ وإن لم ترجع له زوجته وماله. ومسبيّ المسلم الصبيّ يتبعه فيطهر.

ومنها مجرّد زوال عين النجاسة عمّا سوى الإنسان من الحيوان ولو لم يغب إجماعاً ، وفيه إن غاب مطلقاً على الأشهر الأظهر ، ومراعاة ظنّ الزوال أحوط إن علم المتنجّس بها. وعن البواطن فتطهر رطوباتها المختصّة دون ما فيها من غيرها كباقي الطعام ، بل بالمضمضة بالماء مرّة أو أكثر ، وما دخلها وخرج غير متلوّث بنجاستها طاهر للشكّ في تنجّسه ، والأحوط النجاسة.

ومنها النزح في البئر عند الحاكم بتنجّسه بالملاقاة ، أو مع التغيّر إن أزاله إجماعاً إن لم نقل الأصل المادة.

ومنها ذهاب الثلثين في العصير بالحرارة ولو بعلاج في وجه قويّ ، ويطهر حينئذٍ الإناء والمزاول والآلة.

ويكفي في الحكم بالطهارة إخبار صاحب اليد ولو وكيلاً غير عدل كالخادم ، أو شهادة عدلين ، أو واحد في وجهٍ.

ولا تطهر العين بغير ذلك ، ولا الصقيل بالمسح ، ولا يزول بالمضاف ، ولا بالريح ، ولا التصاق الدم ولا غليانه ، ولا الدهن بإلقائه في الكثير ، ولا العجين بالخَبز ، ولا الطين بالتطيين به ، ولا جلد الميتة بالدبغ. والقول بما في ذلك كلّه شاذّ قائلاً ودليلاً ومنقطع.

ولا يفتقر جلد غير المأكول ممّا يقع عليه الذكاة إلى الدبغ قبل استعماله ، وهو

ص: 225


1- تحرير الأحكام 1 : 25 ، 160 ( حجريّ ) ، ولم يذكر فيه الإجماع.

أولى كما عليه الشيخ (1) : وعلم الهدى (2). وعليه لا يفتقر الدبغ إلى فعل ، بل يكفي وقوعه في المدبغة ، ولا إلى الغسل بعد.

ولا يجوز استعمال الجلد إلّا مع العلم بالتذكية ، ويكفي أخذه من بلد المسلمين أو سوقهم ولو من غير معلوم الحال ، فلو كان فيهم غيرهم فبالأغلب ، ولو أُخِذَ من كافر لم يجز استعماله وإن كان في سوق المسلمين إلّا أن يحصل العلم بذكاته ، وكذا لو أخذ من مسلم يعتقد طهارته بالدبغ على الأحوط ؛ لأن الأصل في الجلد الموت ، فيكون نجساً ، إلّا أن يحصل حكم شرعي يدفع أصالة موته ، كما لو كان في سوق المسلمين أو أخذ من يد مسلم أو اطّلع على ذكاته ، وإذا انتفى المعارض للأصل يبقى على أصالته.

ص: 226


1- الخلاف 1 : 64 / المسألة : 11.
2- الانتصار : 92 / المسألة : 5 ، الناصريات : 99 / المسألة : 18.

تتمّة في أحكام الخلاء

يجب على المتخلّي ستر عورته وهي الدبر والقبل خاصّة عن ناظر محترم ، وهو ما سوى الزوجة ، والمملوكة الغير المزوّجة ، والمشتركة ، والصبيّ والصبيّة الغير المميّزين ، وهو الأحوط فيما زاد على ثلاث سنين. ولا يبعد جواز نظر السيّد لمن أحلّ نظرها ؛ لأخبار جواز إباحة نظر أكثر من سائم (1) ، فالمولى أولى ، فينعكس فيهما ، والأحوط العدم فيهما. ولا يستلزم جواز الخدمة النظر ولا العكس.

ويجب على المتخلّي تجنّب ما لا يجوز له التصرّف فيه ولو به ، كما يجب تنزيهه. ومال الغير ولو وقفاً بما ينافي غرضه ، وما يضرّ جلوسه فيه بالمسلمين ، واستقبال القبلة واستدبارها بمقاديم بدنه وضدها أجمع مطلقاً على الأشهر ، وفي ( الغنية ) (2) و ( الخلاف ) (3) الإجماع. ولو اضطرّ لأحدهما مع التمكين في الآخر تخيّر ، ولو أُلجئ وخيّر قدّم اختيار الاستدبار ، ولو جهلها تخيّر أيضاً ، ولو تعارض أحد الممنوعين والستر ترجّح الستر ، والاستقبال والاستدبار كلّ بحسبه ، فهماً في القائم غير المضطجع ، وفيه غير الجالس.

ص: 227


1- وسائل الشيعة 18 : 273 ، أبواب بيع الحيوان ، ب 20.
2- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ) 1 : 372.
3- الخلاف 1 : 102 / المسألة : 148.

ويجب غسل مخرج البول بالماء خاصّة مطلقاً نصّاً (1) وإجماعاً (2) مرّة واحدة ؛ للنصّ الصحيح ، وعليه جماعة ، والمرّتان أحوط. فلو لم يتمكّن ولو خوفاً خفّف النجاسة وصلّى ، ولا إعادة عليه إلّا احتياطاً ، والمحلّ على النجاسة.

وما سوى البول ممّا خرج من القبل كنوعه ، والمرأة كالرجل ، والأغلف كغيره في وجوب تطهير الحشفة ، والجواري كالمختونات في وجوب غسل المخرج أيضاً. وليس على المرأة إلّا غسل ظاهر الفرج ، وهو ما يظهر حالة الجلوس بالخلاء.

ولو توضّأ قبل غسل مخرج البول صحّ.

ويجب أيضاً الاستنجاء عن الغائط بالماء إن تعدّى المخرج أو مازجته نجاسة أُخرى ولو من المحلّ أو غائط من غيره. ولا يكفي الحجر ، والجمع أفضل ، بل قد يتعيّن كما لو قلّ الماء.

وحدّه الإنقاء ، ولا يضرّ بقاء اللون والريح إجماعاً. نعم ، لا بدّ من زوال الأثر ، وهو الأجزاء الصغار المتخلّفة بالمحلّ ، بخلاف الاستجمار.

ولا يجب الاستنجاء إلّا بخروج نجاسة وإن لم يتعدّ الغائط المخرج. وإن لم يتجاوز حلقة الدبر تخيّر بين الماء والأحجار إجماعاً ، لكن لا يجزي أقلّ من ثلاثة أحجار وإن نقى بأقلّ عند جماعة (3) ، ونقل عليه الشهرة جمع ، وهو المتبادر من ظاهر النصّ (4). كما لا يكفي ذو الجهات لذلك وإن كان للاكتفاء بهما وجه قويّ بما لا ينافي النصّ لولا الشهرة.

ويشترط في الحجر طهارة محلّ الاستعمال وتعدّد المسح بتعدّد الحجر ، ويتحقّق

ص: 228


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 349 ، أبواب أحكام الخلوة ، ب 31.
2- الخلاف 1 : 104 / المسألة : 49 ، تذكرة الفقهاء 1 : 124 / المسألة : 35.
3- النهاية : 10 ، الخلاف 1 : 104 / المسألة : 50 ، السرائر 1 : 96 ، نقلاً عن الشيخ المفيد ، مختلف الشيعة 1 : 102 / المسألة : 60.
4- عوالي اللآلي 2 : 184 / 53 ، السنن الكبرى 1 : 166 / 499.

باستعمال الحجر ثمّ كسر محلّ النجاسة منه وهكذا ثلاثاً ، والأحوط العدم. وتجزئته أوّلاً ، وهو كغيره ممّا يستجمر به. ولا يتحقّق التثليث باستعمال واحد وتطهيره ثلاثاً. ويشترط جفاف الحجر وشبهه ، ولا يضرّ هنا بقاء الأثر.

ويجوز بكلّ قالع إجماعاً ما لم يكن عظماً أو روثاً أو مطعوماً عادةً اختياراً أو غير قالع كما [ لو كان ] يزلق والرخو أو محترماً. وهل يطهر المحلّ لو أُزيلت بشي ء من ذلك؟ الأقوى المنع ؛ لعدم جعله مطهّراً شرعاً. ولا يكفي الإصبع مطلقاً.

ولو انسدّ المخرج جرى في غيره بأوّل مرّة ، وبدون الانسداد مع الاعتياد. وفي جريان الاستجمار حينئذٍ قولان ، الأقوى نعم ، والاحتياط لا.

ولو استعمل المغصوب أثمَ وصحّ ، ولزمته الأُجرة والقيمة ، والأحوط تجنّبه.

ولو لم ينقَ بالثلاث وجب الزائد إجماعاً (1). ولا يدخل في المستعمل ما قطع عليه بعد النقاء.

ختم : يجب في الحمّام ستر العورة كغيره.

ص: 229


1- الخلاف 1 : 105 / المسألة : 50.

ص: 230

الباب الأول : في الوضوء

اشارة

وفيه فصول :

الفصل الأول : في ما يشرع له وأسبابه
اشارة

يجب لكلّ مشروطٍ به ، وهو : الصلاة مطلقاً ولو نفلاً أو احتياطاً أو جزءاً مقضيّاً ، وسجدتا السهو ، والطواف الواجب ولو بالعرض مطلقاً ، ولمس خطّ المصحف مطلقاً إن وجب بما تحلّه الحياة ، ومنه المدّ والحرف المشدّد ، لا الإعراب والنقط [ لتجرّده (1) ] أوّلاً منها ، والأحوط التجنّب لما بين الدفتين. أمّا المنسوخ حكماً وتلاوة والكتب المنسوخة والحديث فجائز ، والأولى تجنيب الصبي. وإن قلنا بجواز كتابته على جسد المُحدِث ولو من أكبر ؛ لعدم صدق المسّ حينئذٍ ، فلا يجوز له مسّه بعد ، والأولى ترك الكتابة. ويجب الوضوء بالنذر وشبهه.

ص: 231


1- في المخطوط : ( لتجريد ).
موجبات الوضوء

وأسباب الوضوء : خروج الغائط والريح من الدبر.

والبول من القبل.

وهذه المواضع المعتادة لها ، فتنقض وتوجب بمجرّد الخروج ، وكذا لو اتّفق غيرها بأصل الخلقة أو مع انسداد الأصل. وبدون ذلك أقوال أقواها مراعاة الاعتبار ، وهو يحصل بالعود ، فينقض في الثالثة حينئذٍ ، والأحوط النقض مطلقاً. ولا يجب بما يخرج منها غير الثلاثة.

والنوم الغالب على حاسّتي السمع والبصر.

والإغماء والجنون ، وكلّ مزيل للعقل مطلقاً نصّاً (1) وإجماعاً (2).

والاستحاضة القليلة على الأشهر الأظهر.

وخروج المقعدة (3) متلوّثة بالغائط الذي لم ينفصل غير ناقض على الأقوى.

والبول المحتقن في الغُلفَةِ ناقض.

والبلل المشتبه إن سبقه استبراء فطاهر غير ناقض ، وإلّا فحكمه حكم البول. والقول بوجوبه في غير ذلك شاذّ منقطع مردود بالنصّ (4) والإجماع (5) إلّا الوضوء المصاحب لما عدا غسل الجنابة من الأغسال. ولا ينقض يقين الطهارة إلّا يقين الحدث.

ص: 232


1- انظر وسائل الشيعة 1 : 257 ، أبواب نواقض الوضوء ، ب 4.
2- الخلاف 1 : 107 / المسألة : 53.
3- كذا في المخطوط ، والظاهر أنه قدس سره يريد : الدود أو ما شابه.
4- انظر وسائل الشيعة 1 : 248 - 257 ، أبواب نواقض الوضوء ، ب 2 - 4.
5- الخلاف 1 : 118 / المسألة : 60.
الفصل الثاني : في واجباته
اشارة

وهي :

النيّة : وهي على التحقيق : القصد الخاصّ للوضوء مثلاً تقرّباً إلى الله تعالى ، أو طاعة لله موافقة لإرادته وامتثالاً لأمره ، أو طلباً لثوابه ، أو هرباً من عقابه ، وأمثال ذلك. وملاحظته الوجوب أو الندب والرفع أو الاستباحة أو هما وهما متلازمان أحوط. ودائمُ الحدثِ ملاحظتُه الاستباحةَ فقط أحوطُ.

ولا بدّ فيها من القصد القلبي ، والتلفّظ لا يبطلها ، ولا يغني بدونه (1). ولو تلفّظ بخلاف المقصود لا يضرّ. ولو اجتمعت أسباب كفى وضوء واحد ونيّة واحدة مطلقة ، ولو نوى رفع أحدها ارتفع الكلّ ، ولو نوى استباحة صلاة معيّنة ارتفع في نفسه وصحّ غيرها.

ولمّا كانت النيّة القصد لا تصوّر المنويّ فهي من أفعال النفي وإرادة خاصّة ، فلا تركيب فيها ، فهو في متعلّقها ، فلا يتصوّر تفريقها على أجزائه حتّى يقال بالصحّة وعدمها. نعم ، يتصوّر تجدّد القصد وتواليه ، وهو غير ضار.

ولو ضمّ الرياء والسمعة بطلت ، وكذا التبرّد على الأقوى ، ولو ضمّ راجحاً لم يضرّ ، كما هو ظاهر في أبواب الفقه.

ولو نوى ما لا تشرع له الطهارة لم يرتفع حدثه. ولو جدّد ثمّ تيقّن إخلالاً بعضو من أحدهما ارتفع حدثه.

ص: 233


1- أي واللفظ لا يغني بدون القصد القلبي.

ومحلّها أوّله ، كغسل أوّل الوجه مثلاً ، ويجوز تقديمها في الوضوء عند غسل البدن ، ويجب استدامتها إلى الفراغ بأن يكون باقياً على قصده ولا ينوي ما يخالفه ، وتفسيره بألّا ينوي الوجوب في المندوب أو العكس ، فالأقوى الصحّة مطلقاً.

وغسل الوجه ، وهو من قصاص شعر الرأس من مستوي الخلقة إلى محادر الذقن طولاً ، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضاً من مستوي الخلقة مع مقدّمتهما.

والأسماء المحيطة بالوجه اثنا عشر : الذقن من أسفل ، والناصية من أعلى تكنفها النَّزعتان ، وهما البياضان المرتفعان في الرأس ، وفوق الذقن العارض وهو ما فوقه من جانب اللحية إلى شعر العِذار ، وفوقه العِذار متّصلاً بالصدغ ، وفوقه الصدغ ، وفوقه مواضع التحذيف ، وهي منابت شعر خفيف لين بين النزعة والصدغ.

ولا يجب غسل ما استرسل من شعر الوجه وتجاوز المقدار ومقدّمته ، ولا يجب تخليلها وإن خفّت ما لم تبدُ البشرة ، فيجب غسل ما يبدو.

والمرأة كالرجل ، ولا يؤثّر في الطهارة زوال الشعر ولا الجلد. ويرجع الأنزع والأغمّ ومن طالت أصابعه أو قصرت أو خرج وجهه من المعتاد رجع إلى المستوي ، فيغسل قدر ما يغسل ، ويترك ما زاد عليه. وذو الوجهين يغسلهما. والواجب غسل ما ظهر من المغسول دون ما بطن.

وغسل اليدين مقدّماً لليمنى وجوباً من المرفق وهو مجمع عظام الذراع والعضد بإدخاله ومقدّمته لأصالته احتياطاً إلى منتهى الأصابع. ويجب غسل ما دخل في الحدّ ولو زائداً أو مستدلياً من غيره إليه لا ما خرج ولو منه ، أمّا ما على نفس المرفق فلا. واليد الزائدة إن اشتبهت بالأصليّة وجب غسلها ، وإن تميّزت بالقوّة ونحوها [ اقتُصر (1) ] على الأصليّة. ولو نكس مطلقاً في أحد اليدين أو الوجه لم يجز.

ويتحقّق الغسل فيهما بمسمّاه عرفاً ، فلو صبّ بالإناء مبتدئاً بالأعلى أو غمس العضو مبتدئاً به مرتّباً أو نوى بإخراج العضو كذلك صحّ ، ولو غمس وجهه ويده كذلك

ص: 234


1- في المخطوط : ( اقتصاراً ).

دفعة صحّ غسل الوجه. وفي الثانية اليمنى والثالثة اليسرى ، والأحوط العدم في هذه. ولو قطع بعض المغسول وجب غسل الباقي ولو مرفقاً ، ويسقط إن لم يبقَ شي ء. ويجب غسل الأظفار وإن طالت ، وإزالة وسخها إن منع. وشعر اليدين كالمحلّ أيضاً.

ويتحقّق البدأة بالأعلى بحسب العرف والظاهر عند المكلّف ، بأن يسدل الماء من أعلى الوجه والمرفق رافعاً له ، ولا يجب كلّ جزء من اليد منحدراً ، أو من الوجه يغسل قبل السافل لتعسّره ، بل يقدّر على الظاهر.

وواجب الغسل مرّة ، وأقلّ مسمّاه انتقال الجزء من موضعه ولو بمعاون ولو دَهناً ، ولا يجزي المسح عنه مطلقاً ، وضمّه إلى التيمّم في الضرورة أحوط. ولو انكشط جلد من المغسول والتحم رأسه بغيره أو بالعكس وتجافى وسطه غسل كلّه لصدق أنه مبدل من محلّ الفرض أو زائد فيه ، والبدأة بالمرفق به حينئذٍ أيضاً مطلقاً.

ومسح مقدّم الرأس وهو ما قابل مؤخّره قبل الرجلين بباطن الكف ، فإن تعذّر فبظاهره ، فإن تعذّر فبالزائد ، وكونه على الناصية باليمنى أولى وأحوط. والمسمّى من المسح مطلقاً به من الماسح عليه [ و ] من الممسوح كافٍ ، ويجوز على شعره الغير المتجاوز حدّه ، لا على حائل مطلقاً ، إلّا لضرورة أو تقيّة.

ومسح ظاهر القدم اليمنى ثمّ اليسرى من رؤوس أصابعهما إلى منتهى كعبيهما تحقيقاً وهما قبّتا القدم مطلقاً بالمسمّى مسحاً وماسحاً وهو ماسح الرأس على مسمّى الممسوح بنداوة الوضوء كالرأس أيضاً. ولو جفّت يده أخذ من أشفار عينيه وبعض أعضائه ، فإن جفّت جميعاً أعاد ، إلّا إذا تعذّر لسرعة الجفاف بحرّ مثلاً أخذ ماءً جديداً حينئذٍ ، وضمّ التيمّم له حينئذٍ أحوط. ولا يجزيه المسح بماءٍ جديد ، ولا غسل الرجلين إلّا لتقيّة ، فإنه فرض حينئذٍ ، فلو لم يعمل بمقتضاها لم تصحّ طهارته ويفسد مشروطها ، ولو زالت انتقضت بها. ولا تكرار في المسح مطلقاً. ولو وضع بعض ممسوح أو كلّه فكمغسول ولا يكمله بتيمّم. ولا بدّ من تأثير الممسوح به في الممسوح ، ومن كون المسح على البشرة أو شعرها المختصّ كالرأس ، ولا يجزي على حائل إلّا

ص: 235

لضرورة ، والغسل أرجح من المسح على الخُفّ حال التعارض ، ولا يشترط في التقيّة عدم المندوحة. ولا يبطل المسح التكرار ولو اعتقد مشروعيّته وإن أبدع حينئذٍ.

شرائط الوضوء

ويشترط في الوضوء :

ملك الماء وإباحته ولو بالفحوى ، أو شاهد الحال كالعيون والأنهار في المشارع مثلاً ، فلو توضّأ بمغصوب عالماً بالغصب لم يصحّ وإن جهل الحكم. ولو شراه في الذمّة صحّ ، ولو دفع ثمناً مغصوباً ملَكه له وتعلّق الثمن بذمّته حينئذٍ ، ولو شراه بعين المغصوب لم يصحّ استعماله. ويصحّ لو شراه شراءً فاسداً مع عدم علمه بالفساد لا معه على وجهٍ.

وطهوريّته ، وإطلاقه ، وإباحة المكان كذلك والإناء والدلو والماتح (1) وشبهها على الأحوط. وأن يتولّى أفعاله الواجبة بنفسه اختياراً ، والمضطرّ كالمريض ، وفاقد اليد تجب عليه التولية ولو بأُجرة ولو بأكثر من واحد ، ويتولّى هو النيّة لا الموضّئ ، ولا ينتقض لو زال السبب.

والترتيب حتّى في الرجلين على الأقوى ، فالأوّل الوجه ، ثمّ اليد اليمنى ، ثمّ اليسرى ، ثمّ مسح الرأس باليمنى على الأحوط ، ثمّ الرجل اليمنى ، ثمّ اليسرى. والأحوط اختصاص اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، بل لا ينبغي تركه ، ولو خالفه أعاد حتّى يحصل الترتيب ما لم تفت الموالاة ، ولو نسي جزءاً أعاد عليه وعلى ما بعده ما لم تفت الموالاة.

والموالاة ، وهي على الأقوى مراعاة جفاف جميع الأعضاء السابقة حسّا لا تقديراً وصل أو فصل ؛ لنفاد الماء أو غيره ما لم يكن الجفاف لشدّة حرّ يتعذّر به بقاء رطوبة سائل.

ص: 236


1- الماتِح : المُسْتَقِي. لسان العرب 13 : 13 متح.
الوضوء الاضطراري

يتحقّق مسوّغ الوضوء الاضطراري وهو غسل الوجه من الاذنِ إلى الاذنِ ، واليدين من رؤوس الأصابع إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً ، ومسح كلّ الرأس أو مقدّمة ، وغسل الرجلين إلى مفصل الساق ، وغير ذلك بالخوف على نفس مؤمن أو ماله أو عرضه في الحال أو الاستقبال ، أو تخوّف أن يقتدي بك من لا يفرّق بين الحالين فيوقع نفسه في الهلكة ، فحينئذ تتّقي منه عليه. ولا يشترط المندوحة ، ولا يجب بذل المال لدفعها ؛ لأن حفظه من أسبابها كما هو ظاهر النصوص (1) ، فلو زالت بين طهارة وصلاة انتقضت على الأقوى لا في أثنائهما ، بل يكمل الباقي بصفة الاختيارية كما لو عرضت في الأثناء فإنه يكملها بمقتضاها.

ولا يصحّ الوضوء بالمعصور ولا النبيذ ، فإن لم يمكنه الوضوء تيمّم ولا إعادة إذا تمكّن ، ولو لم يتمكّن من تطهير النجاسة بسببها فتطهّر وصلّى أجزأه ؛ فإنه بحكم العاجز عن تطهير البدن أو الثوب. ولو كانت على بعض أعضاء الوضوء فالبطلان ، وتحتمل الصحّة.

ولا يشرع لمن سقط منه عضو أن يتيمّم إلّا لضرورة ، أو يبدله بعضو آخر.

ودائم الحدث إذا لم تحصل له فترة تسع الطهارة والصلاة يتوضّأ لكلّ فرض ويحتقن بخريطة (2) ، ويغتفر له التجدّد كالاستحاضة على الأقوى.

ومَن على أحد أعضائه خمرة (3) ، أو دواء أو غيره من لاصق فإن أمكن نزعه نزعه ، وإلّا كرّر العمل حتّى يصل الماء إلى ما تحته ، وإن لا يمكن للمشقّة أو خوف زيادة المرض أو حدوث مرض أو بطئه فهي بحكم المحلّ ، فتغسل في محلّه ، وتمسح في محلّه واكتفى بأقلّ الفرض ، ولا يجب استيعاب ظاهر الجبيرة وما في

ص: 237


1- انظر وسائل الشيعة 16 : 215 ، أبواب الأمر والنهي ، ب 25.
2- الخريطة : الخرقة. لسان العرب 4 : 65 خرط.
3- الخُمْرَةُ : الوَرْسُ وأشياء من الطيب تطلي به المرأة وجهها ليحسن لونها. لسان العرب 4 : 214 خمر.

معناها ولا ما بين خيوطها ، بل ما تيسّر. ولا يكفي المسح مطلقاً ، وله وجه. ولا غسل ما حولها خاصّة ، هذا إن كان الظاهر طاهراً ، وإلّا وضع عليه طاهرٌ ، وفعل به ذلك. ولا فرق بين عمومه للمحلّ وعدمه ولو عمّت الأعضاء.

والقرحة والجرح الظاهران النجسان يعصّبان ويفعل بهما ذلك ، ولا يتيمّم إلّا إذا تضرّر بالماء مطلقاً ، ولا يجزي حكم الجبيرة في الرمد ووجع الأعضاء ، بل إن [ أمكن ] استعمال الماء ، وإلّا تيمّم.

في بعض أحكام الوضوء

ومن أحكام الوضوء أنه لو شكّ في عضو فإن كان في حال العمل أتى به وبما بعده ما لم تفت الموالاة ، وإلّا أعاد من رأس ، إلّا أن يكون كثير الشكّ عرفاً فلا يلتفت ولو بعده بلا فصل.

ولو نسي عضواً أتى به وبما بعده إن لم تفت الموالاة ، وإلّا أعاد من رأس.

ولو جدّد ندباً وذكر أنه ترك عضواً من أحدهما فهو متطهّر ، والإعادة أحوط ، ولو صلّى بينهما أعاد.

والشاكّ في الطهارة أو الحدث مع تيقّن النقيض يبني على يقينه ، ولا ينقضه بالشكّ. ومتيقّنها الشاكّ في السابق محدث على الأقوى ، ما لم يترجّح أحدهما بعادة فيبني عليه.

ولو ذكر ترك عضو من إحدى طهارتيه وصلّى بكلّ منهما صلاة أعاد صلاة واحدة ينوي بها ما في ذمّته إن اتّحدتا عدداً وكيفيّة ، وإلّا أعادهما. ولو كانت الطهارة الأخيرة بعد حدث أيضاً تطهّر وصلّى كذلك. وكثير الشكّ عرفاً يبني على الصحّة مطلقاً.

ص: 238

الباب الثاني : في الأغسال

اشارة

[ و ] الواجب منها : جنابة ، وحيض ، واستحاضة ، ونفاس ، وغسل أموات ، ومسّهم نصّاً (1) وإجماعاً (2) حتّى في الأخير ، إلّا من شاذّ منقطع (3) كالقول بوجوب غيرها. وكيفيّة جميع الأغسال الواجبة والمندوبة واحدة ؛ أمّا ترتيباً ، أو ارتماساً. ولا بدّ مع كلّ غسل من الوضوء حتّى يرتفع الحدث على الأشهر الأقوى ، إلّا غسل الجنابة. ولو اجتمعت تداخلت مطلقاً على الأشهر الأظهر نوى الجميع أو البعض.

والأغسال المسنونة ، وهي : غسل يوم الجمعة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الزوال. وأول ليلة من شهر رمضان ، وليلة النصف منه ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وليلة الفطر ، ويوم العيدين ، وليلة النصف من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، ويوم المبعث وهو يوم السابع والعشرين من رجب والغدير ، ويوم المباهلة ، وغسل الإحرام ، وزيارة النبيّ : صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام وقضاء

ص: 239


1- انظر وسائل الشيعة 3 : 289 ، أبواب غسل المسّ ، ب 1.
2- مختلف الشيعة 1 : 149.
3- عنه في الخلاف 1 : 222 / المسألة : 193 ، ونص عبارته في رسائله : ( وقد ألحق بعض أصحابنا مسّ الميت ). انظر رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) :3. 25.

الكسوف مع الترك عمداً ، واحتراق القرص كلّه ، وغسل التوبة ، وصلاة الحاجة والاستخارة ، ودخول الحرم والمسجد الحرام ومكّة والكعبة والمدينة ومسجد النبيّ ، وغسل المولود.

ص: 240

الفصل الأول : في الجنابة
اشارة

وفيه أبحاث :

الأوّل في موجباتها

تحصل الجنابة وتجب أحكامها بإنزال ما يعلم أنه منيّ مطلقاً للذكر والأنثى ، وكذا لو وجده في ثوبه المختصّ به لكن من غير ما يرجّح خروجه ، والأحوط هنا أعاده العبادة من آخر غسل. ومن أمارات السبق على الوجدان وجوده جافّاً ، أو في ثوب خلعه قبل. ولو وجد المنيّ على المشترك ولا قرينة على الاختصاص فليس أحد بجُنب به ، وفي ائتمام بعض ببعض إشكال ، والأقوى الصحّة. ولا تصير المرأة جنباً بخروج منيّ الرجل منها. ولو شكّ في خروجه فالأصل العدم. ولو لم يبرز المنيّ عن الآلة فلا جنابة ولو أمسكه بيده فيها ، ولو خرج من غير المعتاد فكالأصغر ، والاعتبار به مطلقاً أحوط.

ومَن خرج من قبله شي ء فإن علم الحق بصنفه ، وإلّا فإن كان بعد الإنزال وقبل الاستبراء بالبول فحكم المنيّ ، وإلّا اعتبر في الصحيح بمصاحبة الشهوة وفتور البدن والعضو وشدّة الدفق ورائحة الطلع ، فإن وجد أحدهما فهو منيّ ، وإلّا فإن كان بعد

ص: 241

البول وقبل الاستبراء منه فحكم البول ، وإلّا فطاهر غير ناقض.

وصورة الاستبراء من البول أن تمسح من حلقة الدبر إلى أصل القضيب ثلاثاً ، وتعصره ثلاثاً ، وتنتره ثلاثاً.

والمريض يكفي فيه الشهوة والفتور بدون الدفق ، وكذا المرأة.

وتيقّن غيبوبة الحشفة كلّها أو قدرها من مقطوعها (1) في قبل أو دبر مطلقاً ولو كانا غير بالغين على الفاعل والقابل. ولو أولج في قبل خنثى مشكل أو أولجت مطلقاً فلا جنابة ؛ لاحتمال الزيادة.

نعم ، تحصل بخروج المنيّ منهما ، أو بإيلاجها ، مع الإيلاج فيها. وغير البالغ يخاطب بأحكامها إذا بلغ وإن سبقته. والكافر تجب عليه ولا تصحّ منه إلّا إذا أسلم.

ولا تثبت الجنابة بوطء البهيمة بدون إنزال في قول قويّ خلافاً للمرتضى ، وادّعى عليه الإجماع (2) ، وهو أحوط. ولا تثبت بالإيلاج في غير المعتاد ولكنّه أحوط.

الثاني في أحكام الجنب

يحرم على الجنب ما يحرم على المحدث بالأصغر ، واللبث في المشاهد والمساجد ولو متردّداً غير مستقرّ ، ويجوز الاجتياز بالدخول من باب والخروج من آخر ما لم يكن أحد مسجدي مكّة والمدينة زادهما الله تعالى شرفاً فلا يجوز الاجتياز فيهما أيضاً. ولو احتلم في أحدهما أو دخله جنباً لزمه التيمّم للخروج ، ولا يغتسل فيه وإن قصر زمانه عن زمان التيمّم ، وزوائدهما كالأصل على الأقوى. وربّما قيل بحرمة الاجتياز في الروضات أيضاً. و [ إن ] لم يتمكّن من الخروج أو أُلجئ للدخول والمكث وجب التيمّم مع المكنة حتّى يزول السبب. ولا يشرع الوضوء وقراءة شي ء من العزائم الأربع ، وهي : الم. تَنزِيل (3) ، و ( فصّلت ) ، و ( النجم ) ،

ص: 242


1- في المخطوط بعدها : ( ومقطوعها ).
2- عنه في مختلف الشيعة 1 : 168 / المسألة : 112.
3- السجدة : 1 - 2.

واقرأ (1) ، حتّى البسملة. ومسّ أسماء الله تعالى وأنبيائه والأئمّة على الأشهر ، لا أسماء غيرهم وإن توافق اللفظان ، والعبرة بالقصد. ووضع شي ء في المساجد مطلقاً وإن لم يدخل ، وله الأخذ منها ولو بالدخول مع التعذّر.

ويجب الغسل أيضاً للصيام قبل الفجر ولو ندباً مع علمه وتمكّنه ، وقضائه المضيّق والنذر المعيّن ، ولم يصحّ في المطلق والموسّع والندب. والجنابة الحادثة نهاراً لا توجب الغسل للصوم.

الثالث في أقسام الغسل

يصحّ الغسل ترتيباً وارتماساً في جميع الأغسال ، فينوي رفع الحدث واجباً أو ندباً قربة إلى الله تعالى ، والكلام فيه كالوضوء. ولا يجوز تأخيرها عند أوّل غسل [ عن ] أوّل مغسول وجوباً ، وهو أوّل جزء مغسول من الرأس مرتّباً ، وأوّل ملاقٍ من البدن مرتمساً ، ويجوز تقديمها مع أحد مندوباتها ، ويجب استدامتها كغيره. وأن يبدأ بغسل جميع بشرة الرأس والرقبة ، ولا يجب غسل الشعر ، وهو أحوط ، ثمّ الجانب الأيمن من أصل العنق إلى آخر القدم ، ثمّ الأيسر كذلك ، ولا ترتيب في نفس العضو ، فيجوز بالبدأة في كلّ واحدٍ من الثلاثة أيّ جزء اتّفق ولو آخره كالرقبة وأصابع الرجل ، فلا تجب البدأة من أعلى العضو إجماعاً. والعورة مع الجانبين ، أحدهما أصالة والآخر مقدّمة ، والأهداب.

وأقلّ واجب الغسل مسمّاة عرفاً كالوضوء ، ويجب الترتيب بين الثلاثة ، فلو قدّم وأخّر ، أو أغفل عن لُمعة من عضو أعاد وغسلها والعضو المتأخّر حتّى يحصل ترتيبها. ولا تجب فيه الموالاة حتّى في العضو الواحد إجماعاً (2) ، واللازم الغسل كيف اتّفق حتّى يعمّه.

ويتحقّق الترتيب أيضاً برمس الرأس ثمّ الجانب الأيمن ثمّ الأيسر ، وبرمس

ص: 243


1- العلق : 1.
2- نهاية الإحكام 1 : 111.

بعض والصبّ على بعض ، والارتماس ثلاثاً ناوياً بالأُولى غسل الرأس والثانية الأيمن والثالثة الأيسر ، وبالكون تحت مطر غزير كذلك ، وبالخروج من الماء ناوياً أيضاً كذلك ، ويغسل الرأس مطلقاً ثمّ تحريك الجانب الأيمن ثمّ الأيسر ناوياً غسلهما.

والارتماس [ أن ] تجعل البدن كلّه تحت الماء دفعة مع النيّة ، وإن أمكن بالكون تحت المطر الغزير صحّ ، وبأن ينوي بعد أن يغمره الماء فيحرك جسده ، وليس هو ترتيباً حكميّاً ، ولو نسي فيه لُمعة أو منع من وصول الماء إليه مانع أعاده على الأقوى.

ويجب إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة فيهما. ويجب إباحة مائه وطهوريّته وإباحة المكان ، لا الإناء ولا مسقط الماء ولكنه أحوط ، فلو اغتسل بالمغصوب عالماً فهو جنب. وأن يتولّاه بنفسه ، إلّا في الضرورة ولو أكثر من واحد مع الترتيب. ويجب الاستئجار لو توقّف عليه. ولو أحدث في أثنائه أتمّ وتوضّأ على الأقوى ، وهو مع الإعادة على الأحوط ، أمّا غيره من الأقسام فالإتمام مع الوضوء بلا شكّ.

وحكم الجبيرة واللصوق هنا حكمها في الوضوء. والأقوى [ ماء غسل ] (1) الزوجة على الزوج ، وتسخينه ونقله لها ، أو يدعها تذهب إليه وعليه أجرة الحمّام.

ولا يشرع معه الوضوء ، ويجب مع غيره مطلقاً. وغير بعيد الاكتفاء بإزالة النجاسة قبل غسل العضو ، وقبل الغسل أحوط.

ص: 244


1- في المخطوط : ( غسل ماء ).
الفصل الثاني : في الحيض
اشارة

وفيه بحثان :

الأوّل في دم الحيض

دم الحيض في الأغلب حار أسود أو أحمر يميل له ، عبيط له قوّة ودفع. وأقلّه ثلاثة متوالية ، وهو أن تراه في أكثر كلّ يوم من الثلاثة بحيث لا تعدّ نقية على الأظهر ، لا في ضمن عشرة. وأكثره عشرة كأقلّ الطهر بين حيضتين. ولا يشترط التوالي بعد الثلاثة ، بل يكفي انقطاعه عليها ولو تخلّل نقاء ؛ إذ هو في أيّام الحيض حيض. فكلّ دم تراه فيها مع تحقّق الثلاثة والانقطاع على العشرة وعدم تيقّن أنه قرح أو بكارة فإنه حيض نصّاً (1) وإجماعاً (2) مع الانقطاع عليها وإن لم يكن بتلك الصفات ؛ إذ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض ، وهذا ممكن ، كما هو ظاهر الفتوى (3) والنصّ.

ولو رأته ثلاثة مثلاً ، ثمّ نقت عشرة ، ثمّ رأته ثلاثة مثلاً ، فكلّ منها حيض ؛

ص: 245


1- انظر وسائل الشيعة 2 : 293 ، أبواب الحيض ، ب 10.
2- منتهى المطلب 1 : 98 ( حجريّ ).
3- منتهى المطلب 1 : 98 ( حجري ).

لإمكان كونه حيضاً. وليس منه ما تراه قبل إكمال التسع وبعد حدّ اليأس ، وهو بلوغ خمسين مطلقاً ، وللتفصيل بين القرشية فستّون ، وغيرها فخمسون وجهٌ قوي ، والاحتياط لهنّ مطلقاً العمل بالعملين ضمن العشر ، أمّا جعل النبطية كالقرشية فلا وجه له يعتدّ به.

وإن اشتبه دم الحيض بالعذرة استدخلت قطنة ، فإن خرجت مطوّقة فهو بكارة ، وإلّا فحيض. وإن اشتبه بدم القرحة استدخلتها وأخرجتها برفقٍ ، فإن خرج الدم فيها من الأيمن فهو قرحة ، أو من الأيسر فحيض على الأقوى ، وهو أوفق بالطبع أيضاً. ومع القطع يلحق بالمقطوع به مطلقاً. ويجامع الحيض الحمل على أصحّ الأقوال وأشهرها.

وإذا عبر الدم العشرة بعد استقرار العادة وتتحقّق بتواليه مرّتين ، فإن اتّفقتا زمناً واحداً وانقطاعاً فهي عددية ووقتية ، أو عدداً فقط فهي عددية ، أو زمناً كأوّل الشهر مثلاً فقط فهي وقتية ، ولا يشترط في تحقّقها تساوي الطهرين وإن اختلفتا أخذت ذات العددية مطلقاً العدد وما زاد استحاضة إجماعاً ، وفهمه من النصّ غير عزيز ، فإن استظهرت حينئذٍ ولو إلى العشرة لجوازه لها كذلك ؛ لأنه زمان مشكوك فيه قضت ما فاتها من العبادة كما لو حصلت العادة بالتمييز ، فلو رأت في الأوّل ستّة أحمر وعشرة أصفر ومثله في الثاني واختلف في الثالث أو اتّحد ، فالستّة الحيض ولو كانت الأضعف ، والزائد استحاضة.

ولو تعارض التمييز والعادة رجّحت العادة على الأقوى الأشهر ، فذات الخمسة لو استمرّ بها إلى الخمسة عشر مثلاً وهو فيها رقيق أحمر أو أصفر وفي الزائد أسود حار بحرقة ، فالحيض الأوّل ، وكذا لو استمرّ إلى وقت العادة فعادتها حيض وما زاد استحاضة.

وغير متّحدة الوقت مخيّرة في جعل عدد الحيض أيّ زمن أرادت ، فالأولى الأوّل منصوصاً مع الصفات ، هذا في الشهر الأوّل ، وفيما بعده يتعيّن له ذلك الذي

ص: 246

عيّنته. ولا اعتراض لزوجها في تعيين الوقت ، وليس له منعها عن الاختيار ، وليس لها الرجوع إلى اختياره ، فالحيض لها. ولو ذكرت بعد التحيّض أن أيّامها غير ما جلست رجعت إليها وقضت ما تركته.

وتتحيّض ذات الوقتية وإن اختلف العدد بمجرّد رؤيته.

أمّا المبتدئة وهي من لم تستقر لها عادة لابتدائها بالدم والمضطربة وهي من نسيت عادتها أو تكرّر لها الدم من غير استقرار عادة فالأشهر إنهما كذلك. وعن المرتضى (1) : التربّص ثلاثة أيّام ليقين وجوب العبادة وعدم تعيّن الحيض ، وليس ببعيد مع أنه أحوط ، والعادة قد تتقدّم وقد تتأخّر.

ولو رأت العادة وطهرت عشرة ، ورأت ما بصفته جامعاً لشروطه فهو حيض ، والأقوى أنه استحاضة حتّى يحصل لها الاعتياد له.

ومن اعتادت ستّة مثلاً ، ورأت ثلاثة وانقطع ، ثمّ يوماً ، وهكذا ، فإن عبر العشرة فعادتها حيض خاصّة وإن لم يستوعبها الدم إجماعاً بعد توالي ثلاثة ، ولزوجها وطؤها بعد العادة مع انقطاع الدم وإن جاز انقطاعه على العشرة.

ولو كان يعتادها في شهر أربعة وفي شهر خمسة وفي شهر ستّة وفي رابع أربعة وهكذا ثمّ عبر في شهر ، رجعت إلى نوبته إن ذكرتها ، وإلّا أربعة لأنه المتيقّن إن لم تعلم زيادتها عليها أو على عدد ، وإلّا أخذت بأقلّ الباقي ، فلو علمت الزيادة فالخمسة كذلك ، وهكذا.

ولو اختلفت لا على ترتيب [ كخمسة (2) ] في الأوّل وسبعة في الثاني وتسعة في الثالث وهكذا رجوعاً ، فإن ذكرت نوبة الشهر تحيّضت مع العبور ، ومع النسيان الخمسة. وهكذا في باقي الصور.

وقد يحصل لذات العادة الوقتية حيض مع العبور كما لو ذكرت يوماً منه أنه أوّله أو وسطه أو آخره ، فتضيف يومين بعده في الأوّل وتوسّطه في الثاني وتقدمه في

ص: 247


1- عنه في المعتبر 1 : 213.
2- في المخطوط : ( الخمسة ).

الثالث ، والثلاثة حيض بيقين ، ويكمل بمقتضى رواية من الروايات مراعية فيها التقديم ، أو التأخير ، أو التعويض.

ولا يجب فيما زاد على الثلاثة من تكملتها بإحدى الروايات على الاستحاضة ولا أن تغتسل بانقطاع دم الحيض في كلّ وقت تحتمله وتقضي عشرة أيّام أو أحد عشر فتكلّف بالتكليفين ، بل عليها لازم ذلك العدد خاصّة ، وإن كان ذلك أحوط.

ولو ذكرت يوماً ولم تعلمه أوّله أو غيره أو ما زاد كمّلته بإحدى الروايات ، ولا تعمل عمل المستحاضة في المتقدّم والمتأخّر ، ولا أن تغتسل في كلّ وقت يحتمل فيه الانقطاع ، إلّا على ذلك القول.

وذاكرة العدد لو ذكرته في وقت إجمالاً ، فلو كان نصف الوقت كخمسة من عشرة ، أو ينقص عنه كأربعة من عشرة كذلك تخيّرت في وضعه ما شاءت منه كما مرّ ، وليس عندها يقين حيض قبله ، وإن زاد عن نصفه فالزائد وضعفه من الذي يليه قبله حيض بيقين وتتمّ العدد أوّلاً وآخراً ، أو بالتفريق ، فلو قالت : حيضتي ثمانية من هذه العشرة ، فالزائد عن نصف العشرة مع مثله وهو ستّة حيض بيقين وتضيف يومين.

والمضطربة والمبتدئة إذا عبر دمهما العشرة ترجعان إلى التمييز باختلاف لون الدم أو غيره ممّا يميّز القويّ من غيره إن أمكن ، وكان المجعول حيضاً لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد على عشرة والمجعول طهراً لا ينقص عنها. ولا يشترط التكرار في التمييز ، فإذا كملت الشروط جعلت ما بصفة الحيض حيضاً وغيره استحاضة.

ولو رأت ثلاثة أسود وثلاثة أصفر وعشرة أسود فلا تمييز ، وعند الشيخ : العشرة حيض ، وتقضي الثلاثة الأُول.

ولو رأت خمسة أحمر فعشرة أصفر فستّة أسود ، فالستّة الحيض ، وتقضي ما تركته في غيرها.

ولو رأت خمسة استحاضة وبقية الشهر أسود ، فالأقرب أنه لا تمييز.

ص: 248

ولو رأت خمسة أسود وعشرة أصفر وخمسة أسود ، فكلّ من الأسودين حيض برأسه ، والعشرة طهر ، والاحتياط بالعملين في الكلّ أولى.

ومتى تكرّر لها التمييز في الشهر الثاني كالأوّل كانت ذات عادة.

ومتى فقدتا التمييز باتّحاد الدم صفة أو عدم تحصيل أقلّ الحيض في صفة ، أو عدم تحصيل أقلّ الطهر في غيرها ولو مع النقاء ، فالمبتدئة حينئذٍ ترجع إلى عادة أهلها وأقاربها من الطرفين ، وإن اختلفن فإلى الأغلب على الأقوى.

ولا يعتبر اتّحاد البلد على الأقوى ، ولا عبرة بالأتراب مع فقد الأهل أو اختلافهم على الأقوى ؛ لعدم دليل واضح عليه إن لم يكن الإجماع على اعتبارهنّ معتمداً ، والظاهر العدم. فإن فقدت الأهل واختلفن وفقدت الأقران عند من يعتبرهنّ رجعت هي والمضطربة الفاقدة للتمييز أيضاً للروايات ، وهي : ستّة من كلّ شهر ، أو سبعة ، أو ثلاثة دائماً ، أو من شهر وعشرة من آخر ، أو عشرة دائماً ، أو عشرة طهر وعشرة حيض ، والأقوى السبعة من كلّ شهر. هذا في ناسية العدد والوقت ، فلو كان الوقت خاصّة أخذت العدد ، وهي مخيّرة في جعله أوّلا أو وسطاً أو أخيراً ، ولا اعتراض لزوجها ، ومتى اختارت عدداً أو وقتاً في الشهر الأوّل لزمها في الثاني. ولو نسيت العدد جعلت ما تيقّنت من الوقت حيضاً وأكملته بعدد من الروايات يطابق يقينها ، سواء كانت أوّلاً أو أخيراً أو محفوفاً بمتساويين أو مطلقاً.

المبحث الثاني في أحكام الحائض

كلّ ما يحرم على الجنب يحرم على الحائض على الأقوى الأشهر ، ولا تصحّ منها صلاة مطلقاً ، ولا يرتفع حدثها ولو انقطع دمها ، إلّا أن تغتسل بعده ، ولا يصحّ طلاقها ، وليس عليها قضاء صلاة فاتتها بسببه مطلقاً ، حتّى الآيات ، إلّا صلاة الطواف فإنها تأتي بها بعد الغسل منه أداءً وقضاءً وألّا يمضي من الوقت قدر واجب الطهارة ، والصلاة سفراً أو حضراً قبل شروع دمه ، أو تطهر قبل آخر بقدر واجب الطهارة

ص: 249

وركعة ولم تأتِ فيهما بها فإنه يجب حينئذٍ القضاء نصّاً (1) وإجماعاً (2) ، فلو أدركت قبل الغروب قدر الطهارة وركعة وجب عليها العصر أداءً على الأصحّ الأقوى ، ولو أدركت قبله قدر خمس ركعات بعد تحصيل واجب الطهارة وباقي شروط الصحّة وجب الفرضان على الترتيب.

ويجب عليها قضاء الصوم الواجب مطلقاً حتّى النذر المعيّن ، والأحوط لذات العشرة مع التجاوز لمن أخذتها من الروايات قضاء أحد عشر يوماً ؛ لاحتمال الكسر. ويحرم على زوجها وطؤها قبلاً خاصّة أيّام الحيض وأيّام الاستظهار على الأحوط ، بل الأولى ذلك إلى العشرة ، إلّا أن يتبيّن عدمه فيها إن كان عالماً عامداً ، ويكفي إخبارها إن لم تتّهم ويحتمله مطلقاً. والقول (3) بتحريم الاستمتاع بما بين السرّة والركبة منها ضعيف جدّاً. ونهاية تحريم وطئها انقطاع الدم على الأقوى الأشهر.

ولا يجب على الزوج الكفّارة لو وطئها فيه مطلقاً ، لكنّه أحوط فلا يترك ، لأنه الأشهر عند المتقدّمين ، وحكى عليه جماعة الإجماع (4) ، لكنّه يعزّر. وهي دينار في ثلثه الأول ونصف في الثاني وربع في الأخير. ومصرفها مصرف الزكاة ، وتتكرّر بتكرّره ، ولا كفّارة عليها مطلقاً ، لكنّها تعزّر. إلّا في وطء الأمة زمنه مطلقاً ، فإنه يجب عليه الكفّارة بثلاثة أمداد من طعام ، ولا كفّارة في وطء الأجنبية فيه للأصل وعدم الناقل عنه ، لكنّه أحوط.

ولو تلت العزيمة أو استمعتها أو سمعتها على الأحوط فهي كغيرها. ولا يصحّ طلاقها إلّا أن تكون غير مدخول بها ، أو زوجها غائباً عنها وقد مضى شهر أو له علم بعادتها. وفي حكمه المحبوس الذي لا يتمكّن من معرفتها فإنه يصحّ طلاقها حينئذٍ بلا خلاف ، وحكمها في قراءة سورة العزائم كالجنب ، ولو كان عليها جنابة أيضاً لم

ص: 250


1- وسائل الشيعة 2 : 361 ، أبواب الحيض ، ب 49.
2- كشف اللثام 2 : 137.
3- مختلف الشيعة 1 : 346 ، نقلاً عن السيّد المرتضى.
4- الانتصار : 126 / المسألة : 26 ، الخلاف 1 : 225 / المسألة : 194.

ترتفع بغسلها حالته ، وحكم النقاء المتخلّل الحيض حكمه مطلقاً ، وغسلها كالجنب ، إلّا إنه لا بدّ من الوضوء وقيل : أفضل ، ولا يجزيها عنه وضوؤها حالته لذكر الله ، إلّا أن يظهر أنه وقع بعد انقطاعه ، فالأقوى الاكتفاء به ولو فعلته معتقدة بقاء الحيض ، والأحوط العدم ، ويجوز لها أن تنوي بوضوئها حينئذٍ رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى ولو تقدّم ، ولا تمنع من غسل مسنون.

وبالحيض يثبت البلوغ مع جهل السن ؛ لأن ما تراه قبل كمال التسع استحاضة.

لحاقة

لو اعتادت الدم من غير المخرج الطبيعي مع انقطاعه منه فهو حيض للنصّ والشهرة الأكيدة ، بل كاد أن يكون إجماعاً. وتلزمها أحكام الحيض مطلقاً ، إلّا الجماع فلزوجها جماعها في السبيلين ، وليس له الإيلاج في موضع الدم ، فإن فعل فعليه الكفّارة وجوباً أو استحباباً.

ولو رأت مَن اعتادت الدم في الشهر مرّة ومرّة أُخرى ، فإن [ كانت ] عادتها بأن لم يكن بينهما عشرة قبلها أو بعدها ، فهي استحاضة ، وإلّا فكما مرّ.

ص: 251

ص: 252

الفصل الثالث : دم الاستحاضة

دم الاستحاضة يخالف دم الحيض غالباً ، فهو مائل إلى الصفرة بارد رقيق بالنسبة إليه ، ولا حدّ له قلّةً ولا كثرةً. واحترز بالغالب عمّا زاد عن العبور على العادة والتمييز والعدد من المختار من الروايات ، وقبل البلوغ ، وما نقص عن ثلاثة ، وما تراه بعد اليأس ، ووقت الحمل بعدم مجامعته ، وبعد أكثر النفاس وهو عشرة ، وما زاد منه على عادة ذات العادة في الحيض مع العبور ما لم يكن قرحاً أو جرحاً ، فإنه كلّه استحاضة وإن كان بصفة الحيض.

ويجب عليها [ اختبار (1) ] دمها بالكُرسُفِ ، فإن لطّخ الدم وجه الكرسف الداخلي ولم يثقبه فهي صغرى ، ويجب عليها تغيير القطنة إجماعاً (2) ، وغسل ما يظهر من الفرج عند الجلوس على القدمين أو غيره إن أصابه الدم ، ثمّ الوضوء لكلّ صلاة فرضاً كانت أو نفلاً على الأشهر ، وعن ( الناصرية ) (3) الإجماع. فلا تجمع بين صلاتين مطلقاً بوضوءٍ واحد ، ويجب أن تكون الصلاة عقيب الوضوء كما هو عند

ص: 253


1- في المخطوط : ( اعتبار ).
2- الناصريّات 147 - 148 / المسألة : 45.
3- المصدر نفسه.

جمع (1) اقتصاراً في العفو على محلّ الضرورة ؛ لأنها مستمرة الحدث. ولعدم الوجوب وجه. ولا يضرّ الفصل بتحصيل مقدّمات الصلاة.

وإن غمس الدم الكرسف ولم يسِل فهي الوسطى ، ويجب عليها ما مرّ من تغيير الخرقة وتطهيرها وغسل الغداة وإن دخل وقتها وهي كذلك ، وإلّا فحكمها ما يتّفق فيها من الأنواع الثلاثة ، فإن صادف وقت الغداة وهي صغرى فحكمها كما مرّ ، فلو غمسه بعد ذلك إلى الظهر فعليها غسل ، وهكذا في غيرها ، أمّا لو صادف الغمس الأوقات كلّها فغسل الغداة فقط ووضوء لكلّ صلاة على الأشهر ، وعن بعض نفي الخلاف (2) ، وعن ( الخلاف ) (3) و ( الناصرية ) (4) الإجماع. وإيجاب ابن الجنيد (5) : وابن أبي عقيل (6) : الأغسال الثلاثة هنا ضعيف كعدم إيجاب الثاني (7) في الأُولى شيئاً.

وإن سال الدم فهي الكبرى ، ويجب عليها مع ما مرّ كلّه غسل للظهرين أيضاً ، وغسل للعشاءين ، تجمع بين كلّ فرضين منها بغسل. ولا خلاف في وجوب الأغسال الثلاثة عليها حينئذٍ ، وإنما هو في وجوب الوضوء لكلّ فرض ، وهو أحوط ، والاكتفاء للفرضين بوضوء واحد مع الغسل قويّ ، ولتكن الصلاة معاقبة للطهارة.

ولو كان السيلان في وقتٍ خاصّة ففيه خاصّة كالغمس ، وتجمع بين كلّ صلاتين مطلقاً بغسل ، ويجوز لها أن تغتسل لكلّ واحدة من الخمس. وغير بعيد ضمّ نوافل كلّ فرض له من غير غسل للتبعيّة وكذا نافلة الليل إن ضمّتها للغداة أو الغسل [ لكل ] واحد بدونه ، والاحتياط ظاهر.

ص: 254


1- المبسوط 1 : 68 ، السرائر 1 : 152. الجامع للشرائع : 1. البيان : 66.
2- كشف اللثام 2 : 150.
3- الخلاف 1 : 249 - 250 / المسألة : 221.
4- الناصريّات 147 - 148 / المسألة : 45.
5- عنه في مختلف الشيعة 1 : 210 / المسألة : 151.
6- المصدر نفسه.
7- أي ابن أبي عقيل ، عنه في مختلف الشيعة 1 : 210 / المسألة : 151.

ويجب عليها التحفّظ حال الصلاة عن تعدّي الدم ، والاعتبار بحالها في الدم قبل وقت الصلاة لا حال العمل ، وربّما قيل : الاعتبار بحالها وقت العمل. والأحوط مراعاة أشقّ الحالتين ، فإذا فعلت ذلك فهي بحكم الطاهر مطلقاً ، وإن أخلّت بشي ء من ذلك لم تصحّ صلاتها ولا طلاقها ؛ لأنها إمّا محدثة أو ذات نجاسة غير معفوّ عنها. ويلزمها الغسل لدخول المساجد والوضع فيها ولقراءة العزائم الأربع ومسّ القرآن كالوضوء بالنسبة لغير ذات الغسل ، ويجوز لبثها في المساجد مطلقاً ، وفي توقّف حِلّ جماعها على جميع الأفعال (1) أو على الغسل خاصّة (2) أو العدم مطلقاً (3) أقوال ، أقواها الأخير ؛ لما دلّ على الإطلاق من النصّ (4). أو بعد أيّام الحيض الموافق للأصل والقرآن. والأوّل أحوط كما عليه الأكثر.

ولا يصحّ صومها إلّا مع الغسل ، فلو أخلّت بغسل من الصبح أو الظهرين فسد.

وقيل : لا يشترط في صحّة اليوم غسل ليلته (5) ؛ نظراً إلى أن شرطيّته في هذا الحدث للصوم تابع للصلاة وجوداً وعدماً ، وسعة وضيقاً ، فيجوز تأخيره إلى آخر وقتها.

ومن نظر إلى أنه شرط للصوم أوجب تقديمه على الفجر بحيث يقارن فراغه الفجر ولو ظنّاً ، فلو تبيّن خلافه لم يضرّ ما لم يطل الفصل (6) ، وهذا أولى.

ويجب عليها قضاء الصلاة لو أخلّت بشي ء ممّا يلزمها. ولو دخلت في الصلاة بحكم الصغرى ثمّ فاجأتها الكبرى أتمّتها واغتسلت للأُخرى إن بقيت ، والإعادة أحوط. وبالعكس لا شي ء إن لزمها غسل الانقطاع ، وانقطاع دمها إن لم يكن للبرءِ

ص: 255


1- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 57.
2- الفقيه 1 : 50 ، الهداية : 99.
3- المهذّب 1 : 38 ، تحرير الأحكام 1 : 16 ( حجري ) ، البيان : 66.
4- وسائل الشيعة 2 : 372 ، أبواب الاستحاضة ، ب 1 ، ح 4.
5- البيان : 66.
6- مسالك الأفهام 1 : 74.

لا ينقض وضوءها ، وإن كان له فعليها ما يلزم بحسب الدم ، وعليها التحفّظ من تعدّي الدم بالاحتشاء والاستثفار (1) كمن به السلَس والبَطَن ، فإنه يتحفّظ بحسب الإمكان بعد تطهّر المحلّ ويتوضّأ لكلّ صلاة. وغسلها كالحائض بلا فرق مع الوضوء أيضاً.

ص: 256


1- استثفر بثوبه : ردّ طرفه بين رجليه إلى حجزته. مختار الصحاح : 84 ثفر.
الفصل الرابع : النفاس

النفاس : دم يقذفه الرحم بعد الولادة إجماعاً (1) ، ومعها ولو بخروج جزء على الأشهر الأقوى ، بل خلافه شاذّ الآن. وما يخرج قبل خروج جزء ليس بنفاس إجماعاً (2) ، بل استحاضة. ولو ولدت ولم ترَ دماً فلا نفاس إجماعاً (3) ، ولا غسل عليها ، وكذا ما تراه بعد أكثر النفاس. ولا يشترط في كونه نفاساً تماميّة خلقة الحمل إجماعاً (4) ، فلو ولدت علقة يعلم كونها مبدأ رقيّ ولو بشهادة القوابل كان الدم نفاساً. ولو تعدّد الحمل فلكلّ نفاس على حدة ، ويتداخل ما اتّفقا فيه ، فابتداء النفاس في الأوّل ، والعدد في الثاني إن لم يتخلّل بين الدمين أقلّ الطهر ، فإن تخلّل فلكلّ عدد غير الثاني ، وتَبِين بالثاني إذا اعتدّت بالوضع. ولا حدّ لأقلّه إجماعاً (5).

وإن انقطع دمها في العشرة وخرج الكرسف نقيّاً اغتسلت فهي طاهر ، وإن انقطع على العشرة فكلّه نفاس من غير فرق بين النساء إجماعاً (6).

ص: 257


1- مختلف الشيعة 1 : 215 / المسألة : 156.
2- مختلف الشيعة 1 : 215 / المسألة : 156.
3- الذكرى : 33 ( حجريّ ).
4- الذكرى : 33 ( حجريّ ).
5- الخلاف 1 : 245 / المسألة : 214 ، الذكرى : 33 ( حجريّ ).
6- الخلاف 1 : 243 / المسألة : 213.

وكذا لو رأت الأوّل والعاشر وانقطع عليه ، فالعشرة نفاس ، وكذا ما بين كلّ دمين إذا لم يتجاوز العشرة ، ولا كذلك النقاء المتخلّل مع العبور تقدّم أو تأخّر.

ولو رأت الخامس فقط أو العاشر فقط فهو النفاس. ولو رأت العاشر واستمرّ فإن كان العاشر من عادتها فهو النفاس والزائد استحاضة ، وإلّا فالكلّ استحاضة.

ولو عبر العشرة سواء ابتدأ من أوّلها أو أثنائها فإن كانت ذات عادة عدديّة في الحيض أخذته نفاساً وما زاد استحاضة ، ولا ترجع إلى عادتها ولا عادة قرابتها في النفاس ، وإلّا فقياسها عشرة على الأشهر الأقوى ، وخلافه شاذّ ، والزائد استحاضة ولو صادف أيّام عادة حيضها ؛ إذ لا بدّ من فصل أقلّ الطهر بين النفاس والحيض.

ويفارق النفاس الحيض في الأقلّ إجماعاً (1) وفي الأكثر على قولٍ (2) ، وفي الدلالة على البلوغ ، فإن الحمل سابق وبه يثبت ، وفي انقضاء العدّة فإن للحيض تعلّقاً بها دونه ، فإنه بالولادة إلّا أن يكون من زنا ، فإن النفاس يحسب قرءاً ؛ إذ لا حرمة للزنا ، فلو رأت قرائن زمن الحمل فهو ثالث وانقضت العدّة بابتدائه أو انتهائه. وفي عدم اعتبار أقلّ الطهر بين الحيض وبينه على قول ضعيف.

ويتساويان في جميع الأحكام مطلقاً ، وجوباً وكراهة واستحباباً حتّى كفّارة الوطء حالته ، وكراهة الوطء قبل الغسل أو تحريمه ، وقضاء الصوم دون الصلاة ، وبطلان الطلاق ، وغير ذلك ككيفيّته وغيره فإنه حيض في المعنى ، فحكمه حكمه مطلقاً ، إلّا فيما ظهر تصريحاً أو تلويحاً.

ص: 258


1- الحدائق الناضرة 3 : 325.
2- الحدائق الناضرة 3 : 325.
الفصل الخامس : في غسل الأموات
اشارة

وفيه أبحاث :

الأوّل في الوصيّة

تجب الوصيّة خصوصاً مع ظهور علامة الموت بما على المكلّف وما لَهُ ، وقد يجب عيادة المريض ، ويحرم تمنّي الموت لبؤس دنيوي ، ويجب كفايةً توجيه المُحتضِر المسلم ومَن بحكمه إلى القبلة ، وإن اشتبه موته انظِرَ ثلاثة أيّام ، إلّا أن تظهر فيه أمارات الموت كارتفاع البيضتين وتدلي جلدة وجهه وانخلاع الرجل من الكعبين وغَور العينين. وهل نجاسة الميّت عينيّة أو حكميّة أو مركّبة؟ الأرجح أنها حكميّة على إشكال.

الثاني في بعض أحكامه

يحرم النظر إلى عورة الميّت ، وتجب إزالة النجاسة عن بدنه قبل الغسل. والنيّة من الصابّ ؛ لأنه الغاسل لا المقلّب ، ولو نويا فلا بأس. وهي مع كلّ غسل ، والبدء بغسله بماء مزج بشي ء من ماء السدر مزجاً لا يسلبه الإطلاق ، ثمّ تغسيله بماء مزج بشي ء من الكافور كذلك ، ثمّ بماء خالٍ منهما ، ومزج الأوّلين مع الإمكان شرط

ص: 259

صحّتهما كخلوّ الثالث على الأقوى ، ولو عدم أحدهما وجب بدله بالقراح ، ولا يسقط. والأحوط أن يتمّم في محلّ المفقود بعد غسله بالقراح بدله. ولو فقد الماء ولم يتمكّن من استعماله حذراً على الغاسل أو على الميّت من تناثر لحمه كالحريق والمجدور أو غير ذلك من أسباب عدم التمكّن من استعماله وجب أن ييمّم ثلاثاً. ولو لم يحصل له ماء إلّا لغسلةٍ فالسدر وهكذا ، وييمّم بدل المفقود. ويجب ترتيب الثلاثة كما مرّ ، فلو أخّر وقدّم أعاد المؤخّر ، ولو أهمل عضواً أو بعضه من مقدّم أعاد عليه وما بعده إن كان وأعاد تاليه من رأس.

ويكفي الإرماس في كثير وضع فيه سدر ، ثمّ ما فيه كافور ، ثمّ في قراح. ومسمّى الخليطين كافٍ ، وفي الكثرة ما لا يخرجه عن الإطلاق. وأخضر السدر أولى من مطحون يابسه.

وكيفيّة كلّ غسل كالجنابة ، ويكفي فيه ما يكفي فيه من القدر ، فلا بدّ من إيصال الماء إلى البشرة ، ولو كان عليه ما يمنع منه ولو جبيرة وجب نزعه ، فإن تعذّر غسل ظاهره. والجرح يحشّى ويعصّب ويغسل ، ولو لم يمكن حبس الدم ولو بوضع شي ء ترك مخرج الدم وغسل غيره.

ولو أُبين عضو أو بعضه غسل في موضعه ليحصل الترتيب وجعل في الكفن. ومن مات وعليه غسل واجب كفى غسل الأموات إجماعاً (1). ولو خرجت منه نجاسة في أثناء الغسل أو بعده ، طهّرت ولا يعاد الغسل ولا يوضّأ لها. والميّت مُحرماً كغيره مطلقاً إلّا في الكافور ، فإنه لا يقربه في غسل ولا حنوط ولا بدل له. ولو غسل محرم محلّاً ضرورةً فإن توقّف على مسّه سقط غسل الكافور ، ويحتمل عدم السقوط وتلزم الكفّارة كالمضطرّ.

ويجب تغسيل كلّ مظهر للشهادتين عدا من حكم بكفره فإنه لا يغسّل ولا يدفن إلّا أن يتضرّر المسلمون بريحه. وبحكم المسلم طفله حتّى السقط إذا كمل له أربعة

ص: 260


1- منتهى المطلب 1 : 432.

أشهر ، ولقيط دار فيها مسلم يمكن تولّده منه ، ومسبيّ المسلم ، والصدر وبعضه على الأحوط ؛ لأنه من جملة ما يجب تغسيلها ، والقطعة المبانة ولو من حيّ إذا كان فيها عظم ، أو [ كانت ] عظماً على الأحوط. أمّا قطعة اللحم خاصّة والسقط الأقل من أربعة أشهر فيلفّ في خرقة ويدفن بغير غسل. ولو وجد عظم أو قطعة وشكّ في أصلهما فلا شكّ.

ويسقط الغسل وإن كان عليه غسل واجب عمّن قدّم غسله ليقتل أو يرجم حدّا فقتل بأمر الإمام ، ولا يشترط في كون الغسل السابق بأمر الإمام ، وعمّن قتل في معركة الإمام أو نائبه الخاصّ حيث كان ، أو بالغاً ولو بحجّة أو رجوع سلامه عليه قاتَلَ الإمامُ أو لا ، إذا مات في المعركة أو وجد فيها ميّتاً وإن لم يكن فيه أثر الضرب. أمّا لو رفع فمات فيغسّل وإن حكم

له بالشهادة كسائر من أطلق عليه اسم الشهيد غير ما ذكر. وينزع عمّن مات في معركته كذلك الخفّان وإن أصابهما الدم والفرو وإن أصابه أيضاً ، ولا يكفّن ، بل يدفن بثيابه إن لم تذهب ، فإنه حينئذٍ يكفّن.

وغسل المعصوم تعبّد شرعي ، فلا غسل مسّ في مسّه ، ولا يلي أمره إلّا مثله حتّى يواريه. وما ربّما قيل أو روي ممّا يوهم خلاف ذلك فشاذّ لا [ تعويل (1) ] عليه ، ولا أصل له في المذهب.

والقول بوجوب وضوء الميّت شاذّ (2) ، بل العدم أحوط.

ويجب في الغاسل المماثلة مع الإسلام. ويجوز للرجل اختياراً تغسيل محارمه ، وهم من حرم عليه نكاحهنّ مؤبّداً ، والأحوط كونه من وراء الثياب ، والاقتصار فيه على الضرورة أحوط.

ولكلّ من الزوجين تغسيل الآخر اختياراً ، والأحوط أيضاً كونه من وراء الثياب حتّى لو مات وهي في العدّة الرجعية ، دون البائن حتّى لو خرجت وتزوّجت وإن

ص: 261


1- في المخطوط : ( تصريح ).
2- الكافي في الفقه ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 1 : 185.

بعد الفرض. والأَمَة لا تغسل مولاها ؛ لانتقالها لغيره ، إلّا أن تكون أمّ ولد فيجوز مطلقاً. ولا يغسل الخنثى أَمَته. ويجوز لكلّ من الرجل والمرأة تغسيل ابن ثلاث سنين وبنتها اختياراً ، وروى في المذكّر الخمس (1).

ولو عدم المماثل والرحم ووجد الكافر المماثل علّمه المسلم أو المسلمة الغسل فغسّله عند جماعة ، ويعاد لو وجد المسلم قبل الدفن. والمسألة مشكلة ، ولا يبعد أنه كفاقد من يجوز له التغسيل ، والأقوى فيه أن يدفن بغير غسل ولا تَيمّم. ولا يغسّل ولا ييمّم إن استلزم محرّماً.

الثالث : في التكفين

كلّ من يغسّل يجب تكفينه حتّى الصدر على الأقوى في ثلاثة أثواب : مئزر يستر ما بين السرّة والركبة ، والأفضل إلى القدم ومن الصدر ، لكن مع إذن الوارث أو الوصية من الثلث. وقميص يصل إلى نصف الساق ، وإلى القدم أفضل بشرط ما مرّ وعدمه فيهما. وإزار شامل للبدن كلّه.

ولا يجب الاقتصار على الأدون وإن ناكس الوارث أو كان غير مكلّف ، مع احتماله. ولا يجزي في الاختيار غير الثلاثة ، ولا تبديل غير الشامل به ولا العكس ، على الأقوى الأشهر ، بل الإجماع (2) عليه قائم ، وخلافه شاذّ (3). وفي الضرورة المتيسّر ولو ساتر العورة وحده ، ولو حصل ما يستر عورة المرأة الحقيقية أو رأسها قدّمت العورة.

ويجب حلّية الكفن ، وأن يكون ممّا تجوز فيه الصلاة للرجال اختياراً ، فلا يجزي الحرير حتّى للنساء ، ولا المذهّب ، ولا النجس ، ولا الحاكي لِلون البشرة ، لكن مجموعة لا كلّ قطعة ، كالصلاة. والأحوط مراعاة الستر في كلّ قطعة. ويجوز في

ص: 262


1- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 87 ، مقتصراً فيه على ذكر الحكم دون الرواية.
2- الخلاف 1 : 701 / المسألة : 491 ، المعتبر 1 : 279.
3- المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 1 : 253.

جلد المأكول المذكى ، والعدم أولى. وفي الضرورة يجوز [ بكلّ (1) ] مباح.

ولا يجوز الزيادة في كفن الرجل على ست قطع : الثلاث ، وحبرة يمنية غير مطرّزة بالذهب ، وهي ثوب شامل وجوازها إجماعي (2) ، ويقوم مقامها إذا عدمت لفّافة ثانية. وخرقة طولها ثلاثة أذرع ونصف وعرضها نصف ذراع ، يثفر بها ، ويلفّ الباقي [ حول ] حقويه وفخذيه. وعمامة يتحقّق بها التعمّم ، بحيث تُثنى ويحنّكُ بها ويخرج طرفاها من تحت حنكه ويلقيان على صدره على الأشهر في عدد قطع كفنه.

ولا في كفن المرأة على سبع قطع : الثلاث ، ولفافة لثدييها تشدّ إلى ظهرها ، ونمط كبير كاللفّافة من صوف له خطوط تخالف لونه ، وتقوم لفافة ثانية مقامه إذا عدم على الأصحّ ، وقناع يستر رأسها ورقبتها غير الوجه ويجب تحنيط الميّت والصدر بعد الغسل ، بأن يمسّ مساجده السبعة بمسمّى الكافور وأكمل ، الكافور الواجب وجميع مستحبّاته ثلاثة عشر درهماً وثلث شرعية ، وهي تسعة مثاقيل شرعية ، وهي سبعة مثاقيل صيرفية ، وتسمّى في زماننا ( چكي ) ، وزن ريال ومثقال صيرفي.

ويكره جعل أكمام للقميص المبتدأ ، وقيل بالمنع (3) ، ولو كفّن في قميصه وجب نزع أزراره ، ولا يكره إبقاء أكمامه. ولو لاقى كفنه أو جسده نجاسة غسلت إن أمكن ، وإن كان بعد طرحه في القبر قرضت إلّا أن تتفاحش فتترك.

وواجب الكفن من الأصل مقدّم على جميع الديون والوصايا ، وكذا الكافور وباقي مؤن تجهيزه. ولو بذل الوارث مستحبّاته مع قصور التركة عن الدين فللغرماء المنع. ولو أوصى بالكفن الكامل فالواجب من الأصل والزائد من الثلث إلّا أن ينصّ على إخراج الجميع من الثلث. ولو لم يكن له كفن دفن عارياً ، ولا يجب بذله ولا

ص: 263


1- في المخطوط : ( لكل ).
2- المعتبر 1 : 282 ، تذكرة الفقهاء 2 : 9 / المسألة : 159.
3- المهذّب 1 : 61.

غيره من مؤن التجهيز.

وكفن المماليك على أربابهم إجماعاً (1) ، وكفن الزوجة الواجب وباقي مؤن التجهيز على زوجها دائمة كانت أو منقطعة ، ناشزة أو مطيعة ، مدخولاً بها أو غير مدخول بها ، موسرة أو معسرة ، والمطلّقة رجعيّاً كالزوجة. وإن كان الزوج معسراً لا يملك غير المستثنى في الدين وهي موسرة ، فهل يجب عليه من نصيبه ، أم لا ويخرج من أصل التركة؟ الأولى الثاني ؛ إذ بالإعسار سقط عنه. والميراث بعد الكفن أصالةً ، وليس سبيله كالدين السابق ، فلو تلفت التركة قبل أن يوفّى ثمنه لم يتعلّق بذمّته إلّا أن يكون أمر بشرائه.

الرابع : في الصلاة عليه

يجب أن يصلّى على الميّت بعد تغسيله وتكفينه قبل دفنه ، فإن لم يكن له كفن وأمكن ستر عورته سُتِرَت وصُلّيَ عليه. ويجب أن يصلّى على مَن بلغ ستّ سنين آخرها الموت من المسلمين ولو كان قاتل نفسه ومَن بحكمهم كمسبيّهم ولقيط دار فيها مسلم يمكن تولّده منه ، وبعض الجسد إذا كان صدراً وهو فيه. ولا فرق بين العبد والحرّ والذكر والأنثى. ولا يصلّى على من حكم بكفره من فرق المنتسبين إلى الإسلام ، ولا يشرع على من لا يستهلّ وإن كمل.

ويجب كون الميّت حاضراً بين يدي المصلّي ، وألّا يتباعد عنه عرفاً ، ولا يضرّ طول الصفّ وكثرة الصفوف عادةً. وكون الميّت مستلقياً ورأسه إلى يمين المصلّي ، وكون المكان مستقرّاً ومباحاً ، فلو اختلّ شرط منها أعيدت الصلاة ولو بعد الدفن إلى يوم وليلة ، أو ما لم تتغيّر صورته على الأحوط. وإذا اشتبه المسلم بغيره صُلّيَ على الجميع وخصّ النيّة بالمسلم.

ويجب فيها القيام مع القدرة ، ويسقط الوجوب عن القادر عليه بصلاة العاجز عنه

ص: 264


1- تذكرة الفقهاء 2 : 15 / المسألة : 164 ، مدارك الأحكام 2 : 118.

وإن تمكّن ، وستر العورة ، والنيّة. ولا يشترط فيها الطهارة من الحدث ولا من الخبث نصّاً (1) وإجماعاً (2) ، ولا قراءة فيها ولا تسليم.

وإذا تعدّدت الجنائز جاز تشريكها في صلاة واحدة ويفرد كلّاً بدعاء بعد الرابعة إن اختلفوا ، وإفراد كلّ بصلاة. ولو حضرت أُخرى في أثنائها جاز الإتمام والابتداء ، وجاز القطع والتشريك على الأشهر. وتصلّى في كلّ وقت ما لم تتضيّق حاضرة فيجب تقديمها ، ولو تبيّن ضيقها في أثنائها وجب قطعها ، ولو تضيّقت الجنازة لخوف عليه وجب تقديمها مع سعة الحاضرة.

وتجب على كلّ مكلّف حتّى المرأة على الكفاية ، ولا يتوقّف المنفرد على إذن الولي وإن توقّفت جماعةً. وأولاهم بها أولاهم بميراثه ولو أوصى لغيره على الأشهر ، ونسبه في ( المختلف ) (3) إلى علمائنا ، فإن تمّ إجماع ، وإلّا فتقديم الغير حينئذٍ أولى. وظاهر الأصحاب من غير خلاف أولويّة الذكر على الأُنثى ، والزوج أولى بالزوجة حتّى المنقطعة ، والمالك بالمملوكة من غيرهما مطلقاً ، ولا عكس. والأب أولى من الابن ، وهو وإن نزل أولى من الجدّ ، والخليص أولى من المنفرد ، والحرّ أولى من العبد ، كذا قالوه.

ولو لم يجمع الوليّ شروط الإمامة قدّم الجامع ، وإن امتنع سقطت ولايته ، ويجوز له تقديم غيره مع استجماعه ، ولا يُصلّى بدون إذنه مع إمكانه. ويقف المأموم مطلقاً خلف الإمام ، والمرأة إذا أمّت النساء وسط الصف كإمام العراة. وفي وجوب عدالة إمامتها شي ء ؛ لأنها ليست صلاة حقيقية ، إلّا أن يكون الاشتراط إجماعياً فلا معدل عنه ، وغير بعيد تحقّقه.

وكيفيّتها خمس تكبيرات ، يتشهّد الشهادتين بعد الاولى ، ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه وآله :

ص: 265


1- انظر وسائل الشيعة 3 : 110 - 113 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 21.
2- الخلاف 1 : 724 / المسألة : 545 ، الذكرى : 60 ( حجريّ ).
3- مختلف الشيعة 1 : 304.

بعد الثانية ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات بعد الثالثة ، ويدعو للميّت بما يناسبه بعد الرابعة ، والمأثور أفضل. ولو فات المأموم بعض التكبيرات إن لم يتمكّن من الدعاء أصلاً ولو رفعت الجنازة ولو ماشياً ، ويدخل مع الإمام ولو بين تكبيرتين ، ولو تقدّم المأموم بالتكبير لم تبطل ، وتابعه في الباقي وأتمّ.

ولو مات ولد الحامل دونها فإن أمكن إسقاطه ، وإلّا قطع وأخرج ، ويتولّاه النساء إن أمكن ، ثمّ المحرم ، ثمّ الأجنبي ولو كان عارفاً. ولو ماتت هي دونه شقّ بطنها من الجانب الأيسر وجوباً بعد موتها بلا فصل وأخرج وإن كان ممّا لا يعيش عادةً ، ويجب أن يخاط بطنها بعد.

الخامس : في الدفن

يجب دفن الميّت بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه ، بأن يحفر له قبر يواري ريحه عن الانتشار وجسده عن السباع في جوف الأرض ، ويجعل له فيها لحد في جهة القبلة أو ضريح في وسطها ، ولا يجوز من قرار الضريح إلى وجه الأرض أكثر من قامة ، ولا يكفي كونه كذلك على وجه الأرض ببناء إلّا لضرورة ، بل يجب مراعاة الممكن من ذلك ويسقط المتعذّر. ويجب في كيفيّة وضعه أن يضجع على جنبه الأيمن ولو معتمداً على ما خلفه ووجهه إلى القبلة ، ورأسه الأيمن المستقبل غير منكبّ ولا مستلقٍ. وسعة اللحد أو الضريح بقدر ما يتمكّن الرجل من الجلوس.

ولو حملت ذمّيّة من مسلم فماتت وجب الاستدبار بها ليكون وجه الجنين إلى القبلة ، وتدفن في مقابر المسلمين لحرمة الجنين. ويُنزل الميّت القبر من يجوز له ملامسته ، فإن تعذّر في المرأة فمسلم صالح ، ثمّ يدفن دفناً متقناً بحسب المكنة. وظاهر النصّ (1) المنع من نقل ذكر وأُنثى في جنازة ودفنهما في قبر إلّا في الضرورة.

والميّت في البحر إن تعذّر البرّ غُسّل وكُفّن وصُلّي عليه وجعل في وعاء ثقيل

ص: 266


1- انظر وسائل الشيعة 3 : 208 ، أبواب الدفن ، ب 42.

أو مثقل واستقبل به القبلة وأرسل ، وإلّا ثُقّلَ هو وأُرسل كذلك ، وإلّا فما أمكن.

ولا يجوز نقل الميّت إلى الأبعد مع إمكان الأقرب إذا استلزم المثلة. ولا [ نبشه (1) ] إلّا لنقله إلى أحد المشاهد ، والمنع ضعيف جدّاً.

ويجب نبشه إذا دفن في أرض مغصوبة أو كفّن في مغصوب ، أو معه مال محترم ، أو لتقام الشهادة على عينه ، أو ابتلع شيئاً في حياته ولم تحضر ضرورة لإخراجه قبل ، فإن حضرت قيل : شقّ بطنه وأخرج وخيط ، ويحتمل دفع القيمة من التركة ، فعليه لا شَقّ ولا نَبشَ.

أو دفن بلا غسل أو غير مستقبل ، لا [ أنه (2) ] دفن بلا كفن أو صلاة ، بل يُصلّى على قبره. ويجوز نبشه بعد صيرورته رميماً لدفن الغير أو غيره من المصالح ، فإن لم يصر رميماً وجب طمّه.

ويحرم خدش الوجه ، وجزّ الشعر ، والقول بالباطل ، وما ينافي الصبر على المصاب ، وكذا كلّ ما كان سخطاً ولو صياحاً كشقّ القميص ، وفي المشهور تقييد جوازه بالمرأة أو على الأخ أو الأب.

ص: 267


1- في المخطوط : ( نبش ).
2- في المخطوط : ( ان ).

ص: 268

الفصل السادس : غسل مسّ الميّت

يجب الغسل أيضاً بمسّ ما تحلّه الحياة ، ولا غسل بمسّ من قدّم غسله ليصلب أو يحدّ فقتل به ، ولا بمسّ الشهيد ولا المعصوم ، ولا بمسّ من غُسّل غسلاً واحداً. والأقوى ثبوته لو مُسّ عضو كمل غسله ، أو [ لمن (1) ] له يمّم ، أو غسّله كافر ، أو غسل غسلاً فاسداً.

ولو مسّ ميتة الآدمي قبل البرد أو سائر الحيوانات برطوبة تنجّس الملامس ولا شي ء بدونها ، والأحوط غسل المباشر مطلقاً.

ويجب غسل المسّ أيضاً بمسّ قطعة مبانة ممّن يجب بمسّه ولو من حيّ إذا كان فيها عظم ، أو هي هو على الأحوط ، أو يسقط بعد غسلها ، ولو كانت قطعة لحم فكسائر الميتات ، ولا شي ء في مسّ البثر مطلقاً ظاهراً. ولا غسل في مسّ مباشرة الميّت برطوبة. ومسّ الميت الآدمي الموجب للغسل حدث ناقض مطلقاً ، والقول بعدمه (2) ضعيف منقرض ، فهو مانع من كلّ ما يمنع منه الأصغر ، والأحوط أنه كالأكبر. وكيفيّته كغيره ، ولا بدّ معه من الوضوء ، والمنويّ رفع حدث المسّ.

ص: 269


1- في المخطوط : ( من ).
2- رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : 25.

ص: 270

الباب الثالث : في التيمّم

اشارة

وفيه فصول :

الفصل الأول : في ما يشرع له

يجب التيمّم إذا فقد الماء عند إرادة فعل مشروطٍ بالطهارة ، ويشرع بكلّ ما يشرع له الوضوء والغسل مطلقاً ؛ لعموم البدليّة ، ويشرع بكلّ مشروط بالطهارة ، وكلّ عبادة يشرع لها فتؤدّى به فهي مبرئة الذمّة على الأقوى الأشهر مطلقاً سفراً وحضراً في الوقت ، بناءً على صحّته في السعة أو خارجه ، حتّى متعمّد الجنابة سفراً مع عوز الماء ، أو مع نجاسة الثوب ، أو مع الزحام في الجمعة ، والإعادة في جميع ذلك أحوط.

وكلّ ما ينقض الطهارة المائية ينقضه ، ويزيد بالتمكّن من استعمال الماء استعمالاً تامّاً ، فلو وجد الماء بعد تكبيرة الإحرام لفرضٍ ثمّ عدم قبل التسليم أو لم يمض زمان [ يسع (1) ] الطهارة المائية ، أو منع من استعماله لم ينتقض ، ولا كذلك في وجه التيمّم ، وكذا لو وجده بعد [ تكبيرة ] الإحرام في وجهٍ هو البناء على جواز قطعها.

ص: 271


1- في المصدر : ( ليسع ).

ويدخل به في جميع العبادات ما لم ينتقض.

ولو تمكّن من ماءٍ لا يكفيه إلّا لإزالة نجاسة ثوبه أو بدنه لم ينتقض ، ولو تمكّن من ماء يكفيه للوضوء أو للغسل خاصّة انتقض تيمّمه له خاصّة وإن لم يستعمله ، ولو حصل له ماء يكفيه لأحدهما فهو بالخيار ، والغسل أولى ، وإن لم يستعمله حينئذٍ وعدم فالأحوط إعادة التيمّمين ، ولو تمكّن من غسل بعض أعضاء الطهارة فقط لم ينتقض.

ص: 272

الفصل الثاني : في أسباب التيمّم

ويجمعها تعذّر استعمال الماء بعدم وجوده مطلقاً ، أو عدم بدله إلّا بثمن يضرّ بحاله وقت الحاجة أو بعد ، وإلّا وجب الشراء ولو بأضعاف الثمن ، ولو وُهِبَ الماء وجب القبول ، والأحوط قبول هبة الثمن. أو يوجب تحصيله الخوف من ذهاب مالٍ وإن قلّ ، أو عرضٍ ، أو حيوان محترم ، أو على حرمٍ ، أو من مرض أو عسر برئه أو علاجه ، أو من عدوّه في طريقه ولو حيناً أو عدم رفيق ، أو من فوات الوقت لو ذهب إليه ، أو على نفسه ولو من التيه ، أو تجاوز الضرر من استعماله على نفسه لظمأ أو أكل أو لنفس محترمة أو حيوان ما لم يكن مباح الدم ، أو حدوث ضرر ولو من البرد مع تعذّر الإسخان إن اندفع به ، أو بضيق الوقت عن استعماله والصلاة.

وأصل العبرة حينئذٍ ؛ بكمال الصلاة ، أو تحصل ركعة قدر الواجب فيهما؟ الأقوى الأوّل.

ولو توقّف الماء على تحصيل إجارة آلة أو إعارة أو شقّ ثوب ولو نفيس أو سعي أو رحلة وجب ما يتوقّف عليه ، ولو بُذل بثمن يقدر عليه في بلده مع إنظاره وجب شراؤه ، وإلّا فلا. ولا يجوز له هبة مائه الذي لا بدّ منه له في الوقت ، ولو فعل فهو على ملكه وهبته باطلة ، ولو تطهّر به الموهوب لم يصحّ إلّا أن يُوجِد الواهب الماءَ

ص: 273

قبل طهارة الموهوب [ له ].

ولو كان معه ما يكفيه لإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أو لطهارة أزالها وتيمّم ؛ لأن له بدلاً. ولو كان عنده ما يكفيه لبعض الطهارة تيمّم ولا يتبعّض ، ولو أراق الماء في الوقت عصى ويتيمّم ، ويصلّي ويقضي احتياطاً ، ولا فرق في جميع ذلك بين السفر والحضر ، بل متى تعذّر وجود الماء أو حصل مانع من استعماله ممّا مرّ وأمثاله سقطت المائيّة ووجب التيمّم عند حضور مشروطٍ بها ، ولا قضاء.

ولو ارتكب الممنوع في تحصيله وحصّله وجبت المائيّة وصحّت وإن إثم ، إلّا أن يكون ما يوجب مرضاً أو خوفاً على نفس محترمة فإن الأقوى حينئذٍ البطلان.

ويجب الطلب على فاقد الماء غلوة سهمين في السهلة وسهم في الحَزَنَة من الأربع إن احتمل وجدانه ، ولو اختلفت الجهات فلكلّ حكمها ، ولو علم عدمه في جهة سقطت. ولا يجزيه الطلب قبل الوقت ويعيده بعده إن احتمله. والعبرة بحال الوسط في الرمية والرامي والآلة. ولو غلب على ظنّه وجوده فيما زاد عنهما وجب الطلب إن وسع الوقت وعدم المانع. ولو دخل وقت [ أُخرى (1) ] في مكان طلبه فيه كسابقه سقط الطلب لها ما لم يتجدد احتمال الوجود. ولو طلبه في مكان وانتقل إلى غيره قبل أن يصلّي وجب الطلب [ مرّة ] أُخرى.

ولو صلّى بتيمّم وانتقل إلى مكان آخر فحضرت اخرى فطلب ولم يجد ولم ينتقض تيمّمه صلّى بتيمّمه الأوّل ، وكذا لو تيمّم لمشروط بالطهارة ثمّ دخل وقت صلاة فلا إعادة طلب ولا تيمّم. ولا يصحّ تيمّمه بدون الطلب مطلقاً ولو ظهر بَعدُ عَدَمُ الماءِ. ولو طلب وتيمّم وصلّى ثمّ ظهر أن الماء موجود حال تيمّمه فلا إعادة للصلاة. ولو أخلّ بالطلب وتيمّم آخر الوقت وصلّى صحّت مطلقاً وإن أثم.

ويجوز التوكيل في الطلب ، ويعتمد على خبره ولو واحداً غير عدل إذا أفاد العلم ، كما يعتمد عليه في إخباره بعدمه في القفار أو أرضه أو عدم سعة الوقت لتحصيله

ص: 274


1- في المخطوط : ( آخر ).

وأمثال ذلك. ويُشترى الماء للميّت من تركته إن كانت وإلّا يمّم ، ولا يجب على غيره الشراء له. ولو اجتمع جنب وميّت ومحدث وهناك ماء لا يكفي إلّا واحداً منهم ، فإن كان ملكاً لأحدهم اختصّ به ، وإن كان مباحاً لهم أو بذل لهم أو لأحوجهم فالأقوى تخصيص الجنب به ويتيمّم غيره ، وهو أيضاً أرجح من باقي المحدثين. ولو تغلّب المرجوح واستعمله فالظاهر البطلان ؛ لأنها أولويّة وجوب ، فعليه التيمّم. ويقدم ذو النجاسة على الجميع حتّى الجنب ، والعطشان على الكلّ ، والحائض أولى من الميّت. ولو وجدت نجاسة على ثوب المكلّف وبدنه ومعه ماء يكفي لأحدهما طهّر البدن وصلّى عارياً.

ص: 275

ص: 276

الفصل الثالث : في ما يتيمّم به

وهو الأرض تفرّقت كالتراب مطلقاً ، أو اتّصلت كالطين بجميع أصنافه والحجر كذلك وأرض البطحاء والنورة والجصّ قبل الإحراق وتراب القبر الطاهر والتراب الممزوج بغيره إن بقي الاسم ، والأولى الاقتصار على التراب اختياراً والحجر اضطراراً. ولا يجزي التيمّم بالمعادن كلّها ولا بالرماد ولا بالدقيق والأُشنَانِ (1) وشبههما ولا بمغصوب ولا بنجس ولا بوحل ، ولا بأس بالمستعمل في تيمّم آخر. ولا يجزي التيمّم بالثلج وإن حصل منه أقلّ الغسل ، وإلّا فلا ، ولا يكفي المسح به.

وإن فقدت الأرض أو حصل ما يمنع التيمّم بها تيمّم بغبار ثوبه أو لِبد سرجه أو عُرفِ دابّته مقدّماً الأكثر غباراً ، يجمعه ويضرب عليه.

ومع فقد ذلك تيمّم بالوحل بعد تجفيفه ، ومع فقده [ فالأحوط (2) ] الصلاة والقضاء. والمحبوس ظلماً يتيمّم من الأرض ولو كانت مغصوبة إن تعذّر غيرها في وجه ، والأولى القضاء أيضاً ، ولا يُدخل في مشروطٍ بالطهارة بالتيمّم للجنازة والنوم مع وجود الماء.

ص: 277


1- الأُشْنَانُ من الحمض : ما يغسل به الأيدي. لسان العرب 1 : 151 أشن.
2- في المخطوط : ( الأحوط ).

ص: 278

الفصل الرابع : كيفيّة التيمّم

يجب في التيمّم النيّة كما مرّ ، ولا بدّ فيها من قصد بدليّته لما هو بدل منه ، ولا يجوز تأخيرها عن أوّل الضرب ، ثمّ تضرب بيديك معاً [ ما ] تتيمّم به ، ثمّ تمسح بهما الجبهة مبتدئاً من قصاص الشعر من مستوي الخلقة إلى طرف الأنف الأعلى وبعض الحاجبين جزماً ، والجزم في إدخالهما معاً ، والأولى ضمّ الجبينين أيضاً. ثمّ تمسح ظهر اليد اليمنى من الزند إلى طرف الأصابع ببطن اليسرى ، ثمّ ظهر اليسرى كذلك ببطن اليمنى.

ويجب أخذ التراب بالقصد إلى الأرض وبما يسمّى ضرباً ، فلا يكفي وضع اليد بدون تحقّق مسمّاه ، ولا تلقّي التراب من الريح ، ولا بنقله من سائر بدنه ، ولا بِمَعكِ العضو على التراب ، ولا إيصاله لمحلّ الفرض بغير اليد كالعصا ونحوها. ويجب اتّصال بشرة الماسح ببشرة الممسوح ، فيجب إزالة المانع ، ومثل الجبائر واللصوق في محلّ الفرض يمسح إن كانت طاهرة ، وإلّا وضع عليها طاهراً ومسح عليه. ويجب كون الضرب والمسح بباطن الكفّ ، فإن تعذّر فبظهرها ، فإن تعذّر المسح به تولّاه غيره كالوضوء.

ومقطوع بعض العضو يمسح الباقي ، فإن استوعبه سقط وكفى مسح غيره

ص: 279

كالوضوء ، وليس في مسحه تكرار. ولا يلزم تفريج الأصابع ، ولا إيصال التراب إلى منابت الشعر وإن خفّ ، ولا تخليل الأصابع ، ولا استغبار الماسح ولا الممسوح ، بل بما يسمّى عرفاً. وأن ظاهر اليد من الزند إلى أطراف الأصابع ممسوح (1). ويجب استيعاب ذلك فلو نقص جزء بطل.

ويجب فيه الترتيب : فالجبهة من القصاص ، ثمّ اليد اليمنى ، ثمّ اليسرى من الزند ، فلو خالف مطلقاً بطل.

والموالاة ، وهي المتابعة.

و [ اشتراط (2) ] العلوق لا ينافي استحباب النفض.

ويتعيّن الحجر الخالي من الغبار بعده. ويشترط إباحة التراب والمكان.

وفي عدد الضربات أقوال ، أرجحها أنه ضربة في بدل الوضوء ، وضربتان في بدل الغسل ، والأحوط فيهما ضربة يمسح بها وجهه ويديه ، وأُخرى يمسح بها يديه أيضاً. وأحوط منه تيمّمان بضربة وبضربتين فيهما.

ص: 280


1- كذا في المخطوط.
2- في المخطوط : ( اشتراطها ).
الفصل الخامس : أحكام التيمّم

متى تيمّم لمشروطٍ بالطهارة صحّ الدخول به في كلّ ما شرط بها من غير إعادة ، ولا يشرع التيمّم قبل الوقت ، ويجب حال تضيّقه. ولو أخلّ بالطلب أو في صحّته فبه أقوال ، أرجحها الجواز ، وأحوطها التأخير إلى آخر الوقت مطلقاً.

ولو دخل الوقت وهو متيمّم لمشروط جاز له الصلاة به في أوّله بلا شبهة ، والمتيمّم بدلاً من غسل غير الجنابة يتيمّم مرّة بدله ومرّة بدل ما معه من الوضوء.

وإذا أحدث المتيمّم بدلاً عن غسل أعاده بدلاً منه ، ففي الجنابة مرّة ، وفي غيره مرّتان.

ولو كان مع من عليه غير الجنابة ما يكفيه للغسل فقط اغتسل وتيمّم بدل الوضوء ، أو للوضوء فقط توضّأ وتيمّم بدل الغسل. ولو شكّ في شي ء منه قبل الفراغ أعاد غسله وحده إن لم تفت الموالاة ، وإلّا الكلّ ، وبعده لا يلتفت.

ولو نسي عضواً أو بعضه أتى به وبما بعده إن لم تفت الموالاة ، وإلّا الكلّ.

وكثير الشكّ يبني على الصحّة كغيره ، وفاقد الصعيد وما يسدّ مسدّه يطلبه كالماء مع تجويز حصوله وعدم المانع ، والأحوط ما بقي الوقت.

ولو وجد الماء بعد كمال ما تيمّم له فلا إعادة ولو اتّسع الوقت على الأقوى ، وفي

ص: 281

أثناء الصوم لا إعادة جزماً ، وفي الصلاة أقوال ، أقواها أنه لا يقطع ولو بعد تكبيرة الإحرام ، ولا يعدل إلى النفل ولو اتّسع الوقت ، ولو نوى به فرضاً مشروطاً بالطهارة دخل نفله وغيره مطلقاً كالعكس.

ولو تيمّم الصبي ليومية مثلاً ثمّ بلغ بغير المبطل دخل به فيها وغيرها ، والأولى الإعادة. والعاصي بسفره كغيره ولا يعيد ، والردّة لا تنقضه ، ويطلب الماء للميّت كالحيّ ، ولو يمّم ووجد الماء قبل أن يلحد فالأقوى تغسيله وإعادة الصلاة عليه.

ولو اجتمعت أحداث كحيض وجنابة وغيرهما كفى ما نوى بدل أحدهما ، فإن [ كان ] بدل الجنابة تيمّمم مرّة وإلّا مرّتين.

ويشترط في صحّته طهارة أعضائه دون باقي البدن ، ولا يتيمّم لنجاسة البدن مع تعذّر الماء ، ويمسح وجوباً إن خشي تعدّيها. ولو وجد فاقد الطهورين أحدهما بعد الدخول في الصلاة انصرف وتطهّر وصلّى.

ووقت التيمّم وقت العمل. ولو وجد جماعة متيمّمون ماءً مباحاً لكلّهم لا يكفي إلّا أحدهم فانتقاض تيمّمهم كلّهم أحوط ؛ لعدم اختصاصه بواحد ، ولو خصّ به مالكه أحداً اختصّ به وانتقض تيمّمه خاصّة بلا إشكال.

ولو مرّ المتيمّم بالماء ولم يعلم به إلّا بعد فقده لم ينتقض تيمّمه ، ولو لم يجد الماء إلّا في المسجد دخل متيمّماً وأخذه واغتسل خارجه ، ولو تعذّر إخراجه لم يصحّ غسله به إن أوجب اللبث.

ص: 282

كتاب الصلاة

اشارة

مقدمة

الواجب من الصلاة : اليوميّة ، والجمعة ، والعيدين إن تمّت شروط وجوبهما ، والطواف ، والآيات ، وما يلزمه نفسه بنذر أو عهد أو يمين أو إجارة ، والجنازة على القول بأنها حقيقة ، والقضاء ، وأمّا الاحتياط فداخلة في اليومية.

ويشترط في وجوب الصلاة التكليف بالبلوغ ، ويتحقّق بخروج المنيّ مطلقاً في الذكر والأُنثى ، وإنبات الشعر الخشن على العانة فيهما ، وبإنبات الشعر في وجه الرجل كما عليه جماعة (1) ، وبالسنّ ، والأشهر الأقوى أنه في الذكر كمال خمس عشرة سنة والأُنثى تسع سنين. وبالحيض في المرأة مع جهل السنّ ، وكذلك جعله أمارة كاشفة عن سبق التسع كالحمل في الكشف عن خروج المنيّ.

والخنثى المشكل بالإنبات والمنيّ منهما ، أو بلوغ خمس عشرة أو الحيض من مخرجه مع المنيّ من مخرجه ، وبالعقل وبالسلامة من الحيض والنفاس ، وبوجدان الطهور على الأقوى فيه. وكلّها شروط لصحّتها أيضاً إلّا البلوغ.

ويشترط في صحّتها أيضاً الإيمان وإن كان [ غير ] المؤمن مخاطباً بالفروع لتضييعه الشرط ، ولكن يسقط عنه القضاء بعد الإيمان مَنّاً وإن كان واجباً لنفسه أيضاً بعد الكمال. وهو أعظم أركانها ، فلا بدّ من معرفة الله تعالى وتقدّس بما يصحّ عليه وما

ص: 283


1- انظر المناهل : 89 ( حجريّ ).

يمتنع من الصفات وأفعاله ، ومعرفة النبيّ صلى الله عليه وآله : وخليفته عليه السلام في كلّ زمان وصفاتهما المميّزة لهما كمال التمييز ، ومعرفة وجوب المعاد ومعرفة عدل الله. ويجب أن يكون كلّ ذلك بدليل تركن إليه نفس المكلّف ، والناس فيه متفاوتون فكلّ بما في وسعه.

أمّا معرفة دفع الشبه فواجب كفائي ، ومن عرف ذلك بغير دليلٍ ما بل بمجرّد تقليد المعاشرين والخلطاء واطمأنت به نفسه ومات عليه فهو ناجٍ وإن عصى بترك الدليل ، بل محال أن تستنير نفسه باعتقاد ذلك ولا يحصل لها هداية للدليل ، فمن صلّى بغير أن يعرف ذلك فلا صلاة له ، فكيف يعبد من لا يعرف أو يطاع من لا يتبيّن ويوصف ، فالأعمال لطائف الاعتقادات.

وطريق معرفة العامل عمله حتّى يحصل له يقين البراءة ؛ أمّا الاجتهاد ومعرفة دليله تقصيّاً ، أو الأخذ عمّن هو كذلك ولو بوسائط عدلٍ أو واحدة كذلك ، فإن لم يتمكّن منهما فما يوجب الاحتياط ما أمكن حتّى يحصل المخرج كما وعد الله المتّقين ، ولا يعمل بهواه فيضلّ.

وشروط صحّتها : طهارة الثوب ممّا لا يعفى عنه ، وطهارة البدن عنه ومن الأحداث.

ومن شروط وجوبها وصحّتها : دخول الوقت ، فالظهر وهي أوّل صلاة فرضت من زوال الشمس إلى أن يمضي قدر تحصيل شروطها المفقودة ، وأداء واجبها بحسب حال العامل ووسعه قصراً كانت أو تماماً حتّى صلاة الخوف بمراتبه. ولو نسي جزءاً لا قضاء له سقط اعتبار زمنه ، ولا يدخل فيه زمن سجود السهو على الأقوى ؛ لانفصاله ، والأحوط اعتباره. والظاهر اعتبار زمن الجزء المنسيّ الذي يجب قضاؤه مع أنه أحوط.

وبعد ذلك يدخل وقت العصر ، وتشترك مع الظهر إلى أن يبقى من الغروب مقدار أداء العصر كذلك فيختصّ بها ، ويصلّي الظهر قضاءً بعدها.

ولو بقي عن الغروب قدر خمس ركعات وجب الظهر ثمّ العصر أداءً كمَن أدرك من الوقت ركعة. ولو صلّى العصر في المختصّ بالظهر بظنّ الإتيان بها ؛ فإن تبيّن له وهو

ص: 284

فيها عدل إلى الظهر ولو قبل التسليم وجوباً ثمّ أتى بالعصر ، وإلّا أتى بالظهر ثمّ العصر. ولو صلّى الظهر في المختصّ بالعصر ؛ فإن ذكر قبل التسليم عَدَلَ ، وإلّا قضاهما.

ولو تجدّد المسقط فإن لم يمضِ من الزوال ما يسعها وشروطَها تامّة كما مرّ سقطت إن استوعب الوقت ولا قضاء ، وإلّا فإن مضى قدر الظهر فقط وجب قضاؤها فقط ، أو إن مضى ما يسع الظهرين كذلك وجب قضاؤهما ، وكذلك الحكم لو زال آخر الوقت. ولو زال وقد بقي من النهار ما يسع واجب الشروط وواجب ركعة وجب العصر خاصّة ، أو واجب خمس فالظهران ، وكذلك لو بلغ الصبيّ أو أسلم الكافر. وإن ضاق عن ركعة فلا شي ء أصلاً. ومتى استوعب العذر الوقت سقطت أداءً وقضاءً.

ولو صلّى العصر قبل الظهر بظنّ أنه صلّى الظهر أو ناسياً ؛ فإن ذكر قبل السلام عدل مطلقاً ، وإلّا فإن أوقعها كلّها في المختصّ بالظهر أعادها بعدها ، وإلّا أجزأته ويصلّي الظهر بعدها. وهذه ثمرة الاختصاص والاشتراك.

ويعرف الزوال بزيادة الظلّ بعد انتهاء نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه.

ووقت فضيلة الظهر إلى أن يحدث مثل ظلّ الزوال ، أو مثل الشاخص على الأقوى الأشهر. والعصر ضعف الظهر.

ووقت المغرب غروب الشمس الحقيقي ، وأمارته ميل الحمرة المشرقيّة عن سمت الرأس ، ولا عبرة بالصفرة. وإذا مضى منه قدرها على نحو ما مرّ دخل وقت العشاء ، فيشتركان حتّى يبقى من الانتصاف قدر ثلاث ركعات على نحو ما مرّ ، فيختصّ بالعشاء ويُقضى المغرب ، والكلام فيهما كالظهرين. ولو بقي عن الانتصاف قدر أربع صلّى المغرب ثمّ العشاء أداءً فيهما كَمَن أدرك قبل الغروب خمساً ، والأحوط هنا قضاء المغرب أيضاً.

وفضيلة المغرب إلى غياب الشفق الأحمر ، والعشاء إلى ثلث الليل.

ووقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني المعترض في الأُفق وآخره طلوع القرص. والفضيلة إلى طلوع الحمرة.

ص: 285

ووقت صلاة الخسوفين من ابتدائه إلى تمام الانجلاء على الأشهر.

والزلزلة منها إلى آخر العمر ، فيقع أداءً أبداً. وباقي الآيات مدّة حصولها.

والجمعة من الزوال إلى مثل فضيلة الظهر أو إلى قدر أدائها مع الخطبتين.

[ و ] الجنازة قبل الدفن بعد التغسيل والتكفين.

والطواف بعده قبل السعي ، ويتضيّق بتضيّقه السعي ، وإلّا سعى معه بعده ما لم يرد الخروج من مكّة أو عملاً مشروطاً فيتضيّق ، وكونها بعد الطواف حينئذٍ أولى. وما يلتزمه المكلّف بحسب ما يلتزمه.

ولا تصحّ الصلاة إلّا مع العلم بدخول الوقت ، أو الظنّ الغالب مع تعذّر اليقين كذوي الأعذار ويوم الغيم ، وأذان الواحد العارف ممّا يفيده ، فلو صلّى قبل ذلك لم تصحّ ولو دخل الوقت في أثنائها أو تبيّن أنه أوقعها كلّها فيه ؛ [ لأنه (1) ] دخل فيها على أن الوقت لم يدخل سواء كان عمداً أو سهواً ، عالماً أو جاهلاً.

[ و ] لا تصحّ أيضاً لو ظنّ دخوله فتبيّن أنه قبله ، إلّا أن يدخل حينئذٍ وقبل أن يسلّم فإنها تصحّ كما لو دخل فيها قبله سهواً فدخل قبل التسليم ، وإعادة الساهي أحوط ، والشكّ لا يكفي. ولو شكّ في خروج الوقت صلّى أداءً ولا إعادة لو تبيّن خروجه ، ولو ظنّ الخروج فصلّى قضاءً ثمّ تبيّن بقاؤه فلا إعادة أيضاً.

والأعمى والمحبوس والعامّي الذي لا يعرفه ولو بأمارة يقلّد العارف أو غيره إن أفاده الظنّ ، فلو تبيّن خلافه فهو كالظانّ. ومقدار الركعة التي مَن أدركها أدرك أداء الصلاة : مِن أوّلها إلى ابتداء الرفع من السجدة الأخيرة ، وليُسقِط أيضاً السورة على الأقوى الأظهر. ويجب ترتيب الفوائت إن ذكر أوّلها.

مكان المصلّي

ومن شروطها ملكيّة مكان أدائها عيناً أو منفعة أو الإذن فيه مطلقاً خصوصاً أو

ص: 286


1- في المخطوط : ( لأنها ).

عموماً ولو بالفحوى كالضيف والأجير أو بشاهد الحال كبستان الغير وشبهه ، إلّا أن يكون مغصوباً أو يعلم الكراهية من المالك فلا يكفي شاهد الحال ، وظاهر الأصحاب على ذلك ، والأحوط التنزّه هنا حتّى يحصل الإذن الصريح.

ومكان المصلّي ما يشغله حال صلاته بحركاته وسكناته ويعتمد عليه بوضع ثقله حالتها عليه ولو بواسطة ، فلو صلّى في مغصوب ولو بعضه ، أو كان الهواء الذي يتحرّك فيه الواقف عليه مغصوباً ، أو كان مكانه روشناً مخرجاً فيما لا يملك أو ساباطاً موضوعاً أطراف خشبه على ممنوع منه لم تصحّ ، عالماً كان أو جاهلاً بالتحريم أو بالصحّة والفساد ، لا الجاهل بالغصب والناسي فإنها تصحّ منهما ، وإعادة الناسي أحوط. ولو ظنّ المصلّي الغصب لم تصحّ ولو ثبتت الإباحة.

والمحبوس في مكان مغصوب ظلماً أو على حقّ عاجز عنه يصلّي ولا إعادة ما لم يمكنه التخلّص فيجب ، ولو أمكنه الخروج صلّى خارجه ، فإن ضاق الوقت صلّى وهو آخذ في الخروج ، والقضاء هنا أحوط. ولو صلّى في فضاء [ أو (1) ] أرض أحاط بها مغصوب كالخيمة مثلاً صحّ.

ويجوز الصلاة في المكان المغصوب مع إذن المالك عموماً أو خصوصاً ما لم يكن هو الغاصب فإنه لا بدّ له من الإذن الصريح الخاصّ. ولو أذن المالك ثمّ منع ؛ فإن كان قبل التلبّس لم تجز الصلاة فيه ، فإن ضاق الوقت صلّى وهو آخذ في الخروج وحيثما توجّه ، وإن كان بعده فله الإتمام ولا عبرة بمنعه حينئذٍ على الأقوى ولو اتّسع الوقت أو كان الإذن من شاهد الحال. والإتمام وإن كان آخذاً في الخروج حال ضيق الوقت أحوط. ولا فرق في المغصوب بين الخاصّ والمشترك كالمسجد والوقف المطلق ولو في صحراء مع تعيّنه في محصور ، لا بدونه فإنه يجوز.

ولا يشترط طهارة مكان المصلّي أو مساجده إلّا ممّا يتعدّى ممّا لا يعفى عنه

ص: 287


1- في المخطوط ( و ).

على الأشهر الأقوى ، إلّا في محلّ الجبهة فإنه يشترط طهارته من النجاسة مطلقاً ولو لم يتعدّ نصّاً (1) وإجماعاً (2). وجاهل نجاسة المسجد أو الثوب أو البدن لو علم بها بعدُ لا يعيد صلاته مطلقاً ، وجاهل الحكم أو الصحّة والفساد يعيد مطلقاً كالناسي.

ولو اشتبه النجس في مكان محصور اجتُنب كلّه دون غير المحصور ، ويزول المنع بوضع طاهر عليه ، ولو شُدّ في المصلّي حبل طرفه نجس لم يضرّه ولو تحرّك بحركته ، ولا يضرّ أيضاً لو كان معه قارورة فيها نجاسة.

ويشترط أيضاً في المكان عدم ارتفاع موضع الجبهة عن موضع القدمين بأكثر من عرض أربعة أصابع مضمومة ، وبالعكس على الأولى ، إلّا في الأرض المنحدرة فلا يضرّ الاختلاف ولو زاد على ذلك فيها. ولو وضع الجبهة على ما لا يصحّ السجود عليه ؛ فإن مسحها إلى ما يصحّ صحّ ، وإن رفعها ووضعها بطلت ، ولو وضعها على أرفع من المغتَفَر لم يضرّه الرفع والوضع ؛ لأنه حينئذٍ كالهاوي.

ويجوز صلاة المرأة إلى جانب الرجل مطلقاً. ويجب استقرار المكان عرفاً ، فلا تصحّ على المنهال حال انهياله ، ولا الدابة ولو كانت معقولة ، ولا السفينة حال اضطرابها ، إلّا أن يضطرّ فيصحّ. ويكبّر حينئذٍ مستقبل القبلة ويدور إليها في باقي الصلاة بحسب الإمكان ، فإن تعذّر سقط ، والأقوى صحّة الصلاة في السفينة وإن أمكن الخروج إلى البرّ ، وهو أحوط وأولى. وتصحّ الفريضة في جوف الكعبة وعلى سطحها اختياراً على الأقوى الأشهر ، ولا تصحّ الصلاة في مكان ضيّق يمنع من بعض واجباتها إلّا اضطراراً.

ويجب في موضع الجبهة في السجود أن يكون أرضاً وهو ما يتيمّم به أو

ص: 288


1- انظر وسائل الشيعة 3 : 451 أبواب النجاسات ، ب 29 ، ح 1 ح 3. 3 : 1. أبواب النجاسات ، ب 30 ، ح 6.
2- الخلاف 1 : 472 / المسألة : 217 ، المعتبر 1 : 433 ، مختلف الشيعة 2 : 130 / المسألة : 70.

نباتاً منها أو قرطاساً بجميع أنواعه كما هو ظاهر النصّ (1) والفتوى (2) ، بشرط ألّا يكون النبات مأكولاً ولا ملبوساً عادةً ولو توقّفا على الطحن والغزل ، فلا يسجد على جوز القطن ولا على مثل البندق والأرز إلّا أن يميّز القشر فيجوز السجود عليه حتّى قشر الشعير فإنه غير مأكول عادة. ولو اختلفت العادة فيهما فالأقوى أن لكلّ بلد حكماً ، والأحوط عموم التحريم.

ولو كان له حالتان كقشر اللوز اختصّ المنع بحالة المأكوليّة ولا عبرة بأكل الحيوان العَجم. ولو شكّ في كونه مأكولاً أو ملبوساً فالمنع. ويجوز ضرورةً كتقية وشدّة حرّ السجود على الممنوع منه كالمعدن وغيره ، ولا إعادة. ولا يجوز السجود على نفس الكتابة لأنها جسم لا يصحّ السجود عليه ، ولو سجد على ما لا يصحّ السجود عليه [ وهو ] يظنّه أنه ممّا يصحّ السجود عليه أعاد في الوقت دون خارجه ، والأحوط القضاء.

ولو صلّى مع شكّه في صحّة السجود عليه لم تصحّ ولو تبيّن أنه ممّا يصحّ السجود عليه. ولعدم الإعادة فيما لو صلّى [ ظانّاً ] أنه ممّا يصحّ السجود عليه فبانَ خلافُه وجهٌ قويّ ، كالجاهل بكون اللباس ممّا لا تصحّ الصلاة فيه فبانَ خلافُه.

ولا يجوز الصلاة في مكان يتقدّم فيه المصلّي على قبر المعصوم مع عدم الحائل ، ولا يعدّ مثل الصندوق حائلاً ، والأقوى عدم تحريم المساواة ، وقيل بالمنع (3).

وتحرم الصلاة في الطريق إن منعت المارّة ، ولا يجب تعيين مكان المصلّي إلّا مقام إبراهيم لركعتي الطواف الواجب ، وإلّا ما يلتزمه الإنسان على نفسه من الصلاة في معيّن له مزية.

ولا يصحّ وقف مسجد ينقص عن مكان صلاة واحد ، ولا وقف كنيف إلّا بعد طمّه

ص: 289


1- انظر وسائل الشيعة 5 : 343 ، أبواب ما يسجد عليه ، ب 1.
2- المبسوط 1 : 89 - 90 ، منتهى المطلب 1 : 252 ( حجريّ ) ، تذكرة الفقهاء 2 : 434 / المسألة : 100.
3- انظر الحدائق الناضرة 7 : 222.

وتطهيره ، ولا يجوز بيع آلة المسجد في حالة إلّا أن يخرج عن الانتفاع به فيها ، ويجوز استعمالها في مسجد آخر مع غنائه وحاجته كما وقفه ، ولا يجوز إدخال شي ء من الطريق فيها ولا شي ء منها في غيرها في حال. ويجوز جعل البِيَع والكنائس مساجدَ مع اندراس أهلها. ويحرم إدخال النجاسة المتعدّية فيها إجماعاً (1) ، ويجب تطهيرها منها لنفسها ، والأحوط عدم صحّة الصلاة ما لم تزل النجاسة عنها مع سعة الوقت وعلمه بها وتمكّنه من إزالتها.

ومن شروط صحّة الصلاة ستر لون بشرة العورة دون حجمها للصلاة وإن لم يرَه أحد من كلّ جهة سوى الأسفل ، ولو انكشفت في أثنائها بدون اختياره لم يضر ، ووجوب المبادرة إلى سترها متى علم. وهي من الرجل القبل والدبر والبيضتان دون العانة والعِجَانة ، ومن المرأة في الصلاة جميع بدنها وشعرها إلّا الوجه ، وهو هنا ما يواجه به أوسع من وجه الوضوء ، والكفّين من الزندين من ظاهرهما وباطنهما ، والقدمين من الساقين كذلك ، هذا من الحرّة البالغة. وجميع الرأس والرقبة وشعرهما من الأَمَة والصبية ليسا عورة فيها ، ولو لم يمكن إلّا ستر البعض وجب ، وعورة الرجل أولى من سائر جسدهما (2). ولو شكّ في تحقّق الستر لم تصحّ. ولا فرق في الساتر بين حصوله بالثوب الواحد أو المتعدّد إذا حصل بالجميع سواء في ذلك الذكر والأُنثى.

لباس المصلي

ويشترط في لباس المصلّي كلّه الطهارة إلّا ممّا يعفى عنه ، ومرّ بيانه ، وأن يكون مباحاً ، وألّا يكون من ميتة مطلقاً ولو بعضه حتّى شِسع النعل ، إلّا أن يكون ممّا لا تحلّه الحياة إلّا من نجس العين حيّاً فلا يستثنى. ولا بدّ [ من العلم (3) ] بالتذكية ، أو

ص: 290


1- الحدائق الناضرة 7 : 277.
2- أي وستر مقدار عورة الرجل من الأمة والصبيّة أولى من سائر جسدهما.
3- في المخطوط : ( للعلم ).

أخذِه من سوق يغلب على أهلها الإسلام ، أو من يد مسلم لا يستحلّ الميتة. ولا يحكم بتذكية ما وجد مطروحاً إلّا إذا وجد فيه أمارة شرعيّة كالهدي المعلّم ، ولا يكفي عدم العلم بعدمها. ولا تجوز الصلاة فيما ينفصل منها إلّا فيما لا تحلّه الحياة كالشعر والوبر والصوف من مأكول اللحم ، ولا بأس بمثل القمل والبرغوث والذباب والزنبور والبقّ ونحوها أيضاً وفضلاتها كالعسل والشمع ، والأحوط التجنّب. ولا يقبل إخبار مستحلّ الميتة بالتذكية.

وخصّ جماعة (1) الميتة بذي النفس السائلة ، وجوّزوا في ميتة غيرها ، وله وجه ، إلّا إن التعميم أولى. وعلى القولين يستثنى ما لا تحلّه الحياة منها ، ولا تجوز الصلاة في جلد غير مأكول اللحم مطلقاً ولا شعره ولا وبره ومنه السّمّورُ (2) والفَنَكُ (3) والثعلب والأرنب ولو كان ما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً. ولا بأس بما ينفصل من الإنسان حال حياته إذا كان طاهراً كالشعر والعرق لعدم إمكان التحرّز عنه والتسامح فيه وإعارة الثوب من غير نكير سواء في ذلك فضلة المصلّي نفسه وغيره.

ويجوز استعمال جلد غير المأكول وشعره ووبره في غير الصلاة بعد التذكية إن وقعت عليه ، والأولى كونه بعد الدبغ. ويجوز في جلد الخزّ ووبره إجماعاً (4) ، وفي السنجاب والحواصل (5) قولان ، والمنع أولى. ولا بأس بالمصاحب الممنوع كالمحمول ، والمنع أحوط.

ص: 291


1- المعتبر 2 : 84 ، جامع المقاصد 2 : 77 ، مدارك الأحكام 3 : 161.
2- السَّمُّور : دابّة تسوّى من جلودها فِرَاءٌ غالية الأثمان. لسان العرب 6 :2. 361 سمر.
3- الفَنَك : قيل : نوع من جراء الثعلب التركي ، وحكي أنه يطلق على فرخ ابن آوى في بلاد الترك. المصباح المنير : 481 فنك.
4- المعتبر 2 : 84 - 85 ، مختلف الشيعة 2 : 95 / المسألة : 36.
5- الحواصل : جمع حوصل ، وهو طائر كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو. حياة الحيوان الكبرى 1 : 388.

ولا يصحّ الصلاة في الحرير الخالص (1) للرجال والخناثى إلّا في الضرورة والتقيّة والحرب ، ويجوز افتراشه جلوساً ونوماً والتدثّر والالتحاف به وكفّ الثوب به وقُدّر بعرض أربعة أصابع والزرّ به والتعليم ، ولا يجب على الوليّ منع الصبي منه ، ويجوز للنساء الصلاة فيه اختياراً ، وللرجل فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً حين يراد الصلاة فيه ، فلو كان ممّا لا تتمّ فيه حينئذٍ وتتمّ لو غُيّر عن تلك الهيئة صحّت قبل التصرّف ومنعت بعده. والعبرة بما يستر عامّة الناس لا شديد الغلظ ولا النحيف. ولو نسي المصلّي كونه حريراً أو جهله صحّت ، ولو جهل التحريم أو الصحّة والفساد لم تصحّ ، وتصحّ في الممزوج مطلقاً ما لم يكن الخليط مستهلكاً لقلّته جدّاً فإنه كالخالص.

ولا تصحّ الصلاة للرجل والخنثى في الذهب ولو خاتماً إذا كان ملبوساً أو منسوجاً في ثوبه ، والمنع في المموّه أحوط ، ولا منع في المصاحب ، والأحوط في غير السكّة المنع من المصاحبة.

ويشترط في الساتر أيضاً أن يكون ممّا يعتاد لبسه كالجلود والأصواف والأثواب وشبهها ، وفي الضرورة يجوز بكلّ ما يستر العورة كالحشيش وورق الشجر والخوص والليف ما لم يحصل بصورة الثوب فتجزي اختياراً ، فإن تعذّر مثله استتر بالطين ، فإن تعذّر فبالماء إن أمكن معه تأدية الصلاة ، فإن تعذّر فبالحفيرة إن أمكن ، فإن تعذّر فبتابوت ضيّق إن أمكن. ولا يجزي الستر باليدين ولا ستر الدبر بالأليتين ولا بالظلمة ولا بالحفيرة اختياراً ، فإن فقد الساتر مطلقاً صلّى عارياً قائماً مع أمن المطّلع المحرم ، مومياً للركوع والسجود ، وجالساً إن لم يأمنه ، مومياً لهما أيضاً.

ويجوز في الضرورة الصلاة في الممنوع منه كالنجس وجلد غير المأكول وأمثالهما إلّا المغصوب ، والمشتبه بالممنوع له حكمه ، إلّا إنه يجب أن يصلّي الصلاة

ص: 292


1- احترز بالخالص عن الممتزج بنحو القطن والكتّان قلّ أو كثر ، إلّا أن تكون قلّة الخليط بحيث لا يسمّى في العادة إلّا حريراً محضاً فإنه لا تجوز الصلاة فيه حينئذٍ. قال علي بن عبد العالي في حاشية ( الشرائع ) : ( وهل يجوز التدثّر أي الالتحاف به؟ فيه وجهان ، وليس ببعيد الجواز ). ( هامش المخطوط ).

الواحدة أكثر من عدد الممنوع منه بواحد ، فلو اشتبه ثوب نجس بطاهر أو أكثر صلّى في اثنين مرّتين متعاقبتين ، أو اثنان نجسان بأكثر منهما صلّى ثلاثاً كذلك .. وهكذا ، هذا مع سعة الوقت ، وإلّا أجزي الممكن.

وليس من الضرورة فقد السائغ (1) بل إن فقد صلّى عارياً ، وعن الشيخين (2) وجماعة (3) المنع من الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا ساق له ، وهو أحوط. وأمّا ما له ساق فسائغ إجماعاً (4).

وتجوز في جلد المأكول أن ذكّاه وفي شعره ووبره وصوفه مطلقاً. ويحرم اللثام والنقاب إن منعا واجباً. وتجوز في الثوب الواحد للرجل والمرأة اختياراً إجماعاً (5) ، وفي ثوب عَمله كافرٌ إن لم يعلم مباشرته له برطوبة ، فإن علم وجب غسله. وإبراز اليدين من الثياب أولى. والأقوى إعادة الصلاة إذا ترك الستر ناسياً ، والجاهل عامد سواء جهل الحكم أو الصحّة والفساد.

تتميم

أُمّ الولد والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤدّ شيئاً كالقنّ الخالص ، ولو تحرّر بعض الأَمَة فكالحرّة ، ولو أعتقت في أثناء الصلاة أو بلغت الصبية كذلك وجب عليهما ستر ما تستره الحرّة البالغة ، فإن توقّف على فعل منافٍ قطعت الصلاة واستأنفتها إن وسع الوقت ، وإلّا استمرت. ولو لم تعلم بوجوب الستر حينئذٍ فاستمرت أعادت مع السعة ، ولو لم تعلم بالعتق والبلوغ إلّا بعد الفراغ أجزأتها وإن بقي الوقت.

ص: 293


1- كذا في المخطوط.
2- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 153 ، النهاية : 98.
3- المراسم ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 3 : 368 ، المهذّب 1 : 75 ، شرائع الإسلام 1 : 59 ، المعتبر 2 : 93.
4- تذكرة الفقهاء 2 : 498 / المسألة : 133.
5- كشف اللثام 3 : 232 ، وذكر فيه الإجماع للرجل خاصّة.

وإن كان في ثوبه خرق يوازي العورة فجمعه بيده وأمسكه أجزته إن تحقّق الستر بالثوب ، ولو ظهرت عورته من أسفل لم يضرّه إلّا إن [ كان ] على مرتفع ، فالبطلان قويّ. ولو رأى عورته من جيبه ولم يبادر إلى سترها فوراً بطلت صلاته من حينه

لا من أوّلها ، فيتمّ المأموم منفرداً.

ويجب تحصيل الستر بكلّ ما أمكن حتّى الشراء بأكثر من ثمن المثل ما لم يضرّ بحاله ، أو بالإعارة أو الهبة إلّا أن يرجو حصوله فإن الأحوط التأخير. ولو لم يكن عنده إلّا ثوب يمنع بعض واجباتها فالأرجح طرحه والصلاة عارياً ، وقيل : يصلّي فيه لتعذّر بعضها على التقديرين (1).

ومن شروط صحّة صلاة الفريضة مطلقاً استقبال القبلة بمقاديم بدنه حتّى الوجه والقدمين على الأحوط إلّا اليدين ، كأجزائها المعيّنة ، وصلاة الاحتياط وسجدتي السهو ، دون التلاوة. ويجب استقبالها أيضاً بالذبح والنحر مع التمكّن ، وبالأموات حال الاحتضار والدفن ، ويحرم حال التخلّي كالاستدبار. ولو اضطرّ إلى الصلاة على الراحلة أو لم يتمكّن من الاستقبال في حالٍ استقبل ما أمكن ، فإن تعذّر استقبل بتكبيرة الإحرام ، فإن تعذّر سقط ، ولو تمكّن منه في أثنائها وجب ، وإن عرض التعذّر في أثنائها سقط ولا إعادة فيهما ولو بقي الوقت. ولو دخل في الصلاة ظانّاً الاستقبال أو ناسياً وتبيّن له الانحراف اليسير في أثنائها استقبل وأجزته كما لو تبيّن بعد الفراغ ، ولو بقي الوقت ؛ فإن تبيّن أنه إلى محض اليمين أو اليسار في أثنائها قطع وأعادها ما لم يتضيّق الوقت فيستمر كما لو تبيّن له ذلك بعد الفراغ وبقي الوقت ، ولو تبيّن له الاستدبار فكذلك ، والأحوط والأولى فيه الإعادة والقضاء.

ويجب تحصيل القبلة لما يجب له الاستقبال أو يحرم فيه ، والاستدبار ؛ فإن تعذّر العلم كفى الظنّ مراعياً الأقوى فالأقوى. ويعوّل على محاريب الإسلام وقبورهم وذبحهم ما لم يظهر الخطأ ، وعلى قبلة صلّى [ إليها (2) ] معصوم ولا اجتهاد حينئذٍ ،

ص: 294


1- قواعد الأحكام 1 : 27 ، جامع المقاصد 2 : 96.
2- في المخطوط : ( عليها ).

وعلى إخبار الكافر إن تعذّر غيره وأفاد الظنّ ، وعلى قبلتهم إن علم دلالتها عليه بالمقابلة ونحوها ، ولا يعتمد على إخبار من يشكّ في عدالته ما لم يفد الظنّ.

والعامّي والأعمى يرجع إلى من يقلّده ، ولو تبيّن له الخطأ ولو بإخبار الأعدل والأشدّ اجتهاداً في أثنائها استدار إن لم يكن إلى محض اليمين أو اليسار ، وإلّا أعاد كالمستدبر ، والاستدارة لها وجه.

ولو صلّى عن اجتهاد فعرض له الشكّ في أثنائها مضى ، وبعدها يعيد إن تبيّن الخطأ باجتهاد آخر. والمقلّد يقلّد الأعلم بمعرفتها ، فإن تساووا طلب المرجّح ، ومع الضيق مخيّراً (1). ولو ضاق الوقت على المجتهد قبل تحصيلها قلّد المجتهد المحصّل ، ولا يقلّد المجتهد المجتهد ، والمقلّد له لا يعدل لتقليد غيره إلّا أن يتبيّن له أعلميّة الآخر أو [ خطؤه (2) ].

فمن تعذّر عليه تحصيلها صلّى إلى ما اشتبهت عليه فيه ، وإن كان في جهتين صلّى إلى كلّ منهما ، أو في ثلاث فإلى كلّ منهم ، أو في أربع صلّى إلى الأربع ، يقيسها على خطوط أربعة قائمة على زوايا قوائم ، وغير بعيد الاكتفاء بثلاثة قائمة. هذا مع سعة الوقت ، وإلّا صلّى إلى ما أمكن ، وإلّا قضى. ولو صلّى إلى غيرها عمداً أو جهلاً بالحكم لم يجزه ولو تبيّن أنه إليها.

واعلم أن الكعبة قبلةُ حاضرها ومَن في حكمه كمن يمكنه مشاهدتها ، والنائي قبلته الجهة. ولا تصحّ صلاة مَن خرج عن المسجد إليه بدون محاذاتها ، ولا من فيه إلى الحجر ؛ إذ ليس شي ء منه من الكعبة ولا قلامة ظفر وإن وجب إدخاله في الطواف ، والشاذروان وهو الأساس دورها منها.

والقبلة ما حاذى البناء الموجود من تخوم الأرض السابعة إلى السماء السابعة المحاذي للبيت المعمور في السماء ، فالمصلّي [ في (3) ] أعلى جبل أو في أسفل بئر

ص: 295


1- أي يقلّد مخيّراً.
2- في المخطوط : ( خطيئته ).
3- في المخطوط : ( إلى ).

يتوجّه إليها ، وكذا المصلّي في جوفها أو على سطحها ، فلو أدبر لا يرجع ، ولكن يجب عليه إبراز شي ء من فضائها أمامه. وغير المشاهد لها يعوّل في تحصيل الجهة على ما قرّر في السمتِ الذي يرجّح على كلّ جزء منه أنه الكعبة ويقطع بعدم خروجها عنه ، فكلّ أهل إقليم وصقع يستندون إلى العلامات الموضوعة لهم باستنباط أهل الهيئة ، فإنه يرجع لهم فيها. وبعض ما ذكروه يوافق النصوص والنظر أيضاً.

فأهل أوساط العراق كالنجف وكربلاء والزوراء وسامراء ومَن قاربهم يجعلون الجدي بين الكتفين لمسامتته حينئذٍ للقطب الذي هو العلامة الحقيقية ، ويجعلون مغرب الاعتدال على اليمين ومشرقه على اليسار.

ومثل القطيف والبحرين والحساء يجعلون الجدي خلف المنكب الأيمن بأربع أصابع ، وعلى ما ذكره باقر ( البحار ) (1) : يزيد على ذلك ، لكن هذا البيّن من النظر في العلامات.

وتعرف القبلة أيضاً بمعرفة الجهة ، ويعوّل في معرفتها على الآلات الموضوعة لها وهي مشهورة ، وبالرياح الأربع في بعض البقاع ، وتكفي الجهة العرفية إذا فقدت الأمارات الشرعيّة ، والضابط العلم ، ومع فقده يعوّل على الظنّ الأقوى ، فإن فُقدا فكما مرّ.

ومقتضى الأصل وظاهر القرآن (2) عدم جواز الانحراف عن سمت القبلة حيث تتشخّص ، ولا بالقليل فتبطل به الصلاة عمداً وإن لم يضر الاختلاف اليسير في القدوة ، والأولى عدم صحّتها.

ص: 296


1- بحار الأنوار 81 : 28 - 89.
2- البقرة : 150.
الباب الأول : في كيفيّة الصلاة
اشارة

إذا أراد المكلّف بها فعلها حصّل شروطها ، وقام وقصد بقلبه أداء الفرض قربةً إلى الله ، وكبّر وقرأ الحمد وسورة ، وركع مطمئناً وسبّح مطلقاً ، واعتدل قائماً مطمئناً وسجد مطمئناً على السبعة المساجد وسبّح مطلقاً ، وجلس مطمئناً وسجد كذلك وقام ، وفعل كما فعل في الأُولى وجلس مطمئناً وقال أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّداً : عبده ورسوله ، اللهمّ صَلّ على محمّد : وآل محمّد.

ويسلّم بإحدى الصيغتين إذا كانت ثنائيّة ، وإلّا قام قبل التسليم حتّى يطمئن وذكر الله مطلقاً وركع وسجد وتشهّد ويسلّم كما مرّ إن كانت ثلاثيّة ، وإلّا قام وأتى بالرابعة كالثالثة وتشهّد وسلم ، هذا هو الواجب منها.

ومنها أركان هي : القيام مع القدرة ، وتكبيرة الإحرام ، والركوع ، والسجود ، والنيّة على قولٍ (1) ، وهي بالشرط أشبه وإن كانت كالركن تبطل الصلاة بزيادته مطلقاً إلّا في مواضع مخصوصة ، وبعدمها مطلقاً.

وقراءة الحمد وسورة ، وذكر الركوع والسجود ، والسجود على غير الجبهة من

ص: 297


1- المبسوط 1 : 100 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 93 ، مختلف الشيعة 2 : 156 / المسألة : 87 ، منتهى المطلب 1 : 266 ( حجريّ ).

السبعة ، والتشهّد ، والتسليم ، والترتيب ، والطمأنينة ، والتوالي ، والرفع والجلوس من السجدتين ، والتشهّد واجبات غير أركان ، تبطل الصلاة بتركها عمداً وجهلاً لا سهواً. والهويّ والنهوض واجبان بالتبعيّة.

ولكلّ من الواجبات والأركان أحكام تذكر في فصول.

ص: 298

الفصل الأول : في النيّة

وحقيقته القصد إلى الإتيان بالمنويّ المعيّن إن اشترك متقرّباً به إلى الله تعالى ، وملاحظة الوجوب أو الندب والأداء والقضاء والقصر والتمام في مواضع التخيير أحوط ، ولا يعتبر ملاحظة عدد الركعات ، ولو نوى بها الأقلّ لم تبطل ، ولا إحضار تفصيل الصلاة وواجبها ومندوبها فيها ، بل يكفي القصد إليها إجماعاً ، ولا يصحّ أن تنوي بها شيئاً فشيئاً. ويشترط استدامتها حكماً كسائر العبادات ، ويبطلها العجب والرياء ولو في أثنائها في واجبها أو مندوبها على وجهٍ ، وهو أحوط. ولا تبطل لو عرض أحدهما بعدها ، ولا بمجرّد حضوره إذا لم يتعلّق بشي ء منها.

وليست النيّة تصوّر المنويّ ، فما ذكر من معنى مقارنتها للتكبيرة قليل الجدوى ، بل عديمه ؛ لابتنائه على أنها تصوّر المنويّ مع تعسّره عليه أيضاً ، كيف وهي بسيطة وإنما التركيب فيه؟ وهي من أفعال القلب وهو من المقارب ، فكيف تتصوّر المقارنة بينهما كما قالوه؟ كيف ، ونسبتها منه نسبة الروح من الجسد؟ فلا ملاحظة للمقارنة كما قيل. ولا يشترط التلفّظ بها ، بل عدمه أولى ، ولو تلفّظ بغير ما قصد لم يضرّ ، ولو شكّ فيما نوى بعد الجزم بسبق القصد إلى معيّن جعله هو.

ولو ذكر أن عليه سابقة عدل إليها إن أمكن ، وإلّا هدمها. ولو تردّد في أنه نوى

ص: 299

الحاضرة أو الفائتة جعلها الفائتة ، ولو نوى القطع أو تردّد فيه ولم يطل الفصل ولم يفعل المنافي لم يضرّ. ولو علّمه النيّة غيره جزءاً فجزءاً وتكلّم بها لم يضر إذا كان القصد متحقّقاً ، لكنّه يجب قطع همزة لفظة الله من التحريمة ، ولو وصلها بلفظة النيّة بطلت.

ولا فرق بين أن يقصد بالصلاة القربة إلى الله تعالى أو الإخلاص أو الطاعة أو الشكر له أو امتثال أمره أو طلب مرضاته أو الخوف من سخطه أو عذابه أو الرجاء لثوابه أو الرغبة فيه أو ما تركّب من ذلك ، فالكلّ نيّة صحيحة. وتبطل لو قصد بها التوصّل لأمر دنيوي. ولو قصد المصلّي الظهر فسبق لسانه أو خياله للعصر مثلاً فالبناء على ما قام قاصداً له ، ولو نوى القضاء فتبيّن له الأداء أو بالعكس أو الندب بالوجوب أو العكس لم يضرّ ذلك كلّه ، والأحوط الإعادة مطلقاً.

ولو شكّ هل نوى نفلاً ، أو فرضاً؟ فهي لما قام له ولا إعادة. ويجب على المأموم نيّة الائتمام بالإمام المعيّن ، ولا يجب على الإمام نيّة الإمامة إلّا أن تجب عليه الجماعة. ويجب أن تنوي الصلاة وأنت قائم مطمئن مع القدرة ، أو في باقي المراتب لعجزٍ عنه على الترتيب.

ولا يجوز نقل النيّة من صلاة إلى أُخرى إلّا لمن دخل في حاضرة فذكر فائتة مع إمكان العدول وسعة الوقت لهما ، ولمن دخل في لاحقة فذكر أن عليه سابقة ترتّبت عليها على جهة الوجوب إن وسعها الوقت ، ولا فرق بين كونهما من مؤدّاتين إلى مقضيّتين ، كما يجب من الفائتة إلى الحاضرة إذا تضيّق وقتها وأمكن العدول.

فلو شرع في قضاء رباعيّته قبل طلوع الشمس مثلاً فذكر أنه لم يصلّ فرض الصبح الحاضر ؛ فإن وسعهما الوقت أتمّ للقضاء وأتى بالأداء ولو لم يدرك من وقته إلّا قدر ركعة ، وإلّا قطع المقضي وأتى بالحاضر ، ثمّ قضى الفائت. ولمن شرع في مقضيّة ثمّ علم البراءة فإنه يعدل إلى المؤدّاة جوازاً على الأقوى. ولمن شرع في فرض إلى النفل إذا خشي فوات الجماعة وبقي محلّ العدول. ولو نوى القصر وعليه

ص: 300

التمام عدل إليه كالعكس وأتمّ. وإلى الانفراد مع العذر إجماعاً ، وبدونه على الأقوى ، لكنّه إن كان لفساد صلاة الإمام أو عدم أهليّته فعلى الوجوب ، وإلّا فهو جائز. ومن الائتمام بإمام إلى الائتمام بآخر إذا عرض له مانع.

أمّا من الانفراد إلى الائتمام ومن نفل إلى فرض فلا يجوز.

كلّ ذلك [ إن (1) ] لم يفت محلّ العدول ووسع الوقت.

ولو نسي تعيين الفائتة لم يجب التعيين في النيّة ، بخلاف ما إذا لم ينسَ.

ص: 301


1- في المخطوط : ( فإن ).

ص: 302

الفصل الثاني : في القيام

وهو واجب ركنيّ في الاختيار ، ولا يضرّ فيه الإطراق بالعنق أو ميله ، ويجب فيه اختيار الاستقلال ، فلو استند فيه إلى شي ء بحيث لو أُزيل سقط اختياراً ، لم يصحّ. ولا يجوز الميل حالته إلى أحد الجانبين اختياراً ، ولا يجب التسوية بينهما في الاعتماد ، ولكنّه أحوط.

والركن منه هو المتّصل بالركوع ، قبله ، وغيره يتبع الفعل وجوباً وغيره ، فلو أخلّ به حال القراءة أو بدلها سهواً لم تبطل صلاته ، ولو ترك القراءة سهواً وركع عن قيام لم تبطل أيضاً ، فالركن من القيام المتّصل بالركوع هو الأمر الكلّي.

وتجب الطمأنينة حال القيام ، فلا تصحّ صلاته اختياراً مضطرباً ولا ماشياً ولا على ما لا تستقرّ عليه قدماه ، ولا يضرّ تحريك بعض الأعضاء بما لا يخرجه عنها. ولا يجوز تباعد قدميه بما يخرجه عن القيام عرفاً كالفحج (1) ، فإن تعذّر أتى بالممكن ، فيستند على شي ء ولو حيواناً ولو بأجرة زائدة ما لم يضرّ بحاله قبل الجلوس ، فإن عجز صلّى جالساً.

والإنسان أبصر بنفسه في حد العجز المسوّغ له الانتقال من رتبة إلى أُخرى ،

ص: 303


1- الفحج : تباعد ما بين أوساط الساقين ، وقيل : تباعد ما بين الفخذين. لسان العرب 10 : 191 فحج.

ومنه خوف طول المرض وحدوثه والمعالجة منه بما ينافيه ، ولا يقدر بالعجز عن المشي قدر الصلاة لعدم التلازم ، ومن العجز عن القيام خشية رؤية العدو وقصر سقف المكان إذا حبس فيه ظلماً. ومن الأعذار شدّة البرد إن حصل هونه في القعود ، ودوران الرأس كذلك كما يعرض لبعض راكب البحر.

ولو قدر العاجز على الاستقلال على الاتّكاء والاعتماد قدّمه على الانحناء المقدّم على الجلوس.

ولو قدر على المشي لم يقدّمه على الجلوس ، بل ينتقل إليه ويسقط القيام ولو معتمداً ، ويصلّي قاعداً أو مضطجعاً إذا كان به مرض كالرمد لا يبرأ إلّا به لأجل العلاج نصّاً (1) وإجماعاً.

ولو قدر على القيام في بعضها والاعتماد في الآخر والجلوس في آخر وجب كلّ في محلّه.

ولو تمكّن من القيام وعجز عن الركوع أو السجود قام وأومأ إلى الركوع وجلس وأومأ إلى السجود.

ويجب على المصلّي قاعداً أن يرفع فخذيه وينحني حالة الركوع بحيث يحاذي وجهه قدّام ركبتيه من الأرض ، ولو أمكنه القيام منفرجاً كثيراً أو مائلاً إلى أحد الجانبين فغير بعيد تقديمه على الجلوس.

ولو عجز عن الركوع أو السجود حال جلوسه أومأ إلى الركوع ورفع ما يجب عليه بحسب الإمكان وسجد عليه وإلّا يمكنه أومأ أيضاً.

وإن عجز عن ذلك كلّه صلّى مضطجعاً على الجانب الأيمن كالملحود ، وإن عجز فعلى الأيسر مستقبلاً ، فإن عجز فمستلقياً كالمحتضر. ويومي للركوع والسجود والرفع منهما في الحالات بالرأس ، فإن عجز فبالعينين تغميضاً للركوع والسجود وتفتيحاً للرفع منهما ، إلّا إن تغميض السجود أخفض من الركوع.

ص: 304


1- وسائل الشيعة 5 : 496 ، أبواب القيام ، ب 7.

ويراعى الميسور في الحالات ويأتي بالأركان والقراءة وما أمكن من كلّ واجب.

وإن عجز عن ذلك كلّه أو عن بعضه ولو لعدم من يوجّهه كفاه إجراء الأفعال والأقوال على قلبه ، وينطق بالممكن ويتحرّى بعد الاستلقاء الممكن والأقرب فالأقرب ، ولا يسقط عنه الصلاة ، وإن أخلّ بممكن أقرب ممّا يستطيع لم يصحّ وعليه القضاء ، وإلّا أجزأه الممكن وإن بقي الوقت نصّاً (1) وإجماعاً.

ومتى تجدّد العجز للقادر في حالة انتقل إلى ما دونها وجوباً على الترتيب ، ويترك الذكر حال الانتقال على الأقوى وبالعكس كذلك ، إلّا إنه إذا تجدّدت القدرة انتقل إلى ما يستطيع ولا يراعي الترتيب ، فلو قدر المضطجع على القيام في أثنائها وجب ، ولو قدر على الركوع عن قيام وجب ، وكلّ ما هو بدل القيام حال العجز عنه فله حكمه في الركنيّة وغيرها.

ص: 305


1- وسائل الشيعة 5 : 494 ، أبواب القيام ، ب 6.

ص: 306

الفصل الثالث : في تكبيرة الإحرام

وهي ركن ، فلو أخلّ بها مطلقاً أو أزادها مطلقاً لم تصحّ ، وصورتها الله أكبر بالعربية المعربة ؛ فإن عجز وجب التعلّم ، وإن ضاق الوقت كبّر بأي لغة شاء من غير ترجيح ، وإن أمكن المرادف العربي وملحونها وجب تقديمه على غيره من اللغات ، ويحتمل في الثاني مساواة سائر اللغات.

ولا تجوز الزيادة عليها ولو بصفة ولو كانت حقّا ، ولا التبديل ولو بمرادف. ولا يجوز نقصها ولو بحرف ، ولا زيادتها كذلك ، ولا إشباع حركة الباء حتّى تكون ألفاً معه ، [ فإنه (1) ] ينقلب المعنى حينئذٍ ، ويجب حينئذٍ إخراج الحروف من مخارجها. كلّ ذلك تبعاً للمنقول عنهم عليهم السلام وتحصيلاً ليقين البراءة.

ويأتي ب- أكبر على صيغة ( أفعل ) ، ويقدّم لفظ الله على أكبر ، ويوالي بينهما ، ويقطع همزة لفظ

الله كلّ ذلك وجوباً ، ويجب أن يسمعها المصلّي نفسه تحقيقاً أو تقديراً ، ويجب وقوعهما قائماً مطمئناً كالنيّة.

والعاجز عن النطق بتكبيرة الإحرام كالأخرس يحرّك بها لسانه ويشير ويعقد

ص: 307


1- في المخطوط : ( إنه ).

بها قلبه ، كما يلزمه ذلك في جميع الأذكار والقراءة. وليس في الصلاة تكبير واجب سوى تكبيرة الإحرام. وأنت مخيّر في جعلها أيّ السبع شئت. وتكفي مَن أدرك الإمام راكعاً عنها وعن تكبير الركوع إن نواها خاصّة.

ص: 308

الفصل الرابع : في القراءة

تجب قراءة الحمد وسورة بعدها في كلّ ركعة من الثنائيّة وأُوليي غيرها بعد النيّة وتكبيرة الإحرام بلا فصل يعتدّ به طولاً. والبسملة آية من كلّ سورة. ولا يجزي عن الحمد غيرها ، ولا هي عن غيرها اختياراً. ولا يتعيّن سورة بعدها ، ولكن ما يفوت الوقت بقراءتها لا يجوز قراءتها ، كما لا يجوز قراءة سور العزائم الأربع ، فلو قرأ أحدها عمداً بطلت الصلاة ، وسهواً يعدل ما لم يتجاوز السجدة ، وإن تجاوز أتمّ وسجد بعد الصلاة.

ويحرم القرآن بين سورتين في فرض ، فلو قرأ سورتين بطلت الصلاة ، كما لو اقتصر على بعض سورة ، أو قرأ سورة وبعض أخرى ، أو كرّر سورة واحدة قاصداً الجزئيّة ، وبدونه لا يضرّ ما لم يطل الفصل ، كما لو قرأ في أثنائها أو غيرها قراءة ، وكما لا يضرّ العدول من سورة إلى أخرى في محلّ الجواز. وإذا ارتجّ على القارئ في سورة عدل إلى أُخرى ولو في آخرها.

ويجب تقديم الحمد كما يجب تقديم آيهما وكلمهما وحروفهما بحسب الرسم ، ولا يجوز ترك شي ء منهما ولو حرفاً ، ولا تبديله بآخر حتّى الضاد بالظاء ، ولا بدّ من القراءة بإحدى العشر ، وهي السبع ، وقراءة أبي جعفر : وخلف : ويعقوب ، ولا يجزئ

ص: 309

غيرها ، ولا اللحن إعراباً وغيره.

وتجب الموالاة بينهما وبين أجزائهما ، ولو قرأ خلالهما أو [ خلال ] أحدها شيئاً أو سكت عامداً أعاد القراءة إن نافاها ، والصلاة إن نافاها ولو سهواً ، ولو نوى القطع ولم يفعل المنافي أو نواه بالسكوت ولم ينافِ القراءة أو الصلاة لم تبطل ، والأحوط الإتمام والإعادة. ولو أخلّ بإدغام بين كلمتين أو وقف في غير محلّه مع الحركة أو وصل مع السكون لم تبطل ، والأحوط التجنّب.

و ( الضحى ) و ( الانشراح ) سورة واحدة في الفرض ، فلا يكفي أحدهما في ركعة ، ولا بدّ من البسملتين ك- ( الفيل ) و ( الإيلاف ) ، فلو قرأهما وجب الترتيب كالمرسوم. ولا يكفي القراءة بالترجمة اختياراً ولا بمرادفها ولا في المصحف ، بل لا بدّ من كونها على ظهر الغيب ، وتكفي الترجمة اضطراراً مع العجز وضيق الوقت وعدم التمكّن من الائتمام. ويجب التعلّم ، فإن عجز وضاق الوقت بدّل حينئذٍ ما عجز عنه من الفاتحة من القرآن ومن مطلق الذكر بالعربية أو غيرها مع العجز ، ويراعي الترتيب. ويقدّم القراءة في المصحف ، أو الاتّباع لقارٍ على التبديل والترجمة. والاعتبار في البدل بعدد حروف الفاتحة المقروءة لا المكتوبة.

وتسقط السورة مع العجز عن معرفتها بالتعلّم ، ولا يجب الإبدال منها ، ومع ضيق الوقت عنها ، وحال التقيّة. [ و ] لو لم يتمكّن من الفاتحة حال التقيّة أو من بعضها فمذهب جماعة السقوط حينئذٍ أيضاً وصحّة الصلاة ، وقيل بالإعادة مع المكنة أو القضاء ، وهو أحوط وأولى.

ويجب الجهر بالقراءة في العشاءين وفي الصبح على الرجل والخنثى ، والإخفات في الظهرين حتّى على النساء ، فلو عكس المصلّي عالماً عامداً بطلت صلاته ، وكذا لو كان عالماً بالحكم جاهلاً للمحلّ. ولو كان ناسياً أو جاهلاً للحكم فصلاته صحيحة ، ولو ذكر أو علم بالحكم في أثناء القراءة جهر أو أخفت بالبقيّة. ويجوز للمرأة الجهر في موضعه إذا لم يسمعها أجنبي.

ص: 310

ويجب على المصلّي مطلقاً الإخفات في الأخيرتين من الرباعيّة وفي ثالثة المغرب ؛ قرأ أو سبّح ، وتبطل الصلاة لو جهر ، ويجوز الإجهار بالبسملة إذا قرأ فيها. ويجزي بدل الحمد فيها التسبيح بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر مرّة أو أكثر ، ومطلق الذكر كافٍ ، ولا يتعيّن ذكر على الأقوى ، ولا يجب فيما سوى ذلك في أذكار الصلاة جهر ولا إخفات ، كما لا يجبان في غير اليوميّة. ولو شرط في النذر كيفيّة منهما وجبت. وصلاة الآيات تتبع غيرها. وأقلّ الإخفات أن يُسمع نفسه ، ولا يكفي الهمهمة ولا حديث النفس ، وأكثره أن يسمع القريب مع عدم اشتماله على الجهورة. وأدنى الجهر إسماع القريب الصحيح مع اشتماله عليها ، وأكثره ألّا يبلغ العلوَّ المفرط ، فالجهر والإخفات حقيقتان متباينتان.

والأقوى في التخيير بين الحمد والتسبيح أن لا فرق بين ناسي الحمد في الأُوليين وغيره على الأقوى الأشهر. ويسقط الجهر والإخفات في الضرورة والتقيّة ، ويكفي معهم مثل حديث النفس ، وعن المأموم. وحكم القضاء حكم الأداء جهراً وإخفاتاً ولو قضي فائت النهار بالليل وبالعكس. والاعتبار بحال النائب لا المنوب عنه.

ويجوز العدول من سورة إلى أُخرى ما لم يتجاوز النصف إلّا في ( التوحيد ) و ( الجحد ) فلا يعدل من أحدهما إلى أُخرى إلّا في الجمعة وظهرها ، فإنه يجوز له العدول من أحدهما ل- ( لجمعة ) أو ( المنافقون ) ، إلّا أن يكون تعمّد قراءتهما أو تجاوز النصف فلا يعدل مطلقاً. ومتى عدل إلى سورة بسمل لها وجوباً.

وأن يقرأ وهو قائم مطمئن اختياراً ، فلو أراد التقدّم أو التأخّر عن الصفّ ونحوه سكت حتّى يطمئن في جميع الحالات.

والأخرس يعقد قلبه ويحرّك لسانه ويشير بحسب مكنته في جميع أذكار الصلوات وقراءاتها. كما هو حكمه في جميع الصلوات والأذكار الواجبة والعقود والإيقاعات ، فإن لم يعرف الحاكم إشارته عرّفه مترجمان.

ص: 311

ولا بدّ من أن يقصد بالبسملة سورة معيّنة ، ويكفي قصدها من أوّل الصلاة ، وكونه معتاداً قراءة سورة معيّنة فلا حاجة للقصد حينئذٍ ، وكونه ناذراً لقراءتها. ولا يشترط القصد بها في الفاتحة لتعيّنها. ولو قرأ سورة تامّة سهواً كفته سواء قصد سورة وشرع فيما قرأ سهواً قبل الشروع في سورة أو بعد العدول إلى غيرها ، حتّى لو شرع في معيّنة وسها في أثنائها مطلقاً وقرأ سورة تامّة فإنها تكفيه ، ولو شكّ بعد البسملة في أنه قصد بها ما قرأ لم يلتفت وأجزته. ويجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين ( الحمد ) ويسبّح في الأُخرى. ولو قصد أحدهما وشرع في الآخر سهواً جاز له العدول إلى الآخر والاكتفاء بما شرع فيه ، وهو أحوط. ويحرم على المصلّي قول : ( آمين ) مطلقاً في أثنائها مطلقاً إن كان عامداً إلّا حال التقيّة ، فإنه يجوز وقد يجب. والساهي يسجد للسهو ، ولا يجب فيه التورية حالتها ، والأحوط عدم تركه حالتها.

ولو أخلّ سهواً بالقراءة أو بعضها ولو حرفاً أو تشديداً أو بالموالاة أو شي ء من واجباتها ؛ فإن ذكره قبل الركوع أتى به وبما بعده مرتّباً ، وإلّا يمضي ويسجد للسهو. والعامد تبطل صلاته ولو جاهلاً ، ولو شكّ في شي ء من القراءة ، فإن كان في محلّه أتى به ، وإن تجاوزه لا يلتفت. ولا يشرع التعوّذ في غير الركعة الأُولى.

وأوّل المفصّل ( الحجرات ) أو سورة ( م محمَّد صلى الله عليه وآله : ) على أظهر الأقوال ، وطواله إلى ( عمّ ) ، ومتوسطاته منها إلى ( الضحى ) ، وقصاره منها إلى آخره.

ولو صلّيت خلف مَن لا يؤتمّ به تقيّة وقرأ العزيمة فإن لم يسجد الإمام أو سجد وتمكّن المصلّي خلفه من عدم متابعته سجد بعد الصلاة متى تمكّن ولا ضرر ، وإن تابعه في السجود أعاد متى تمكّن ، وإن كانت صلاة المأموم نفلاً سجد وصحّت.

ويجوز تكرير السورة الواحدة في الركعتين خصوصاً ( التوحيد ) ، ولا بأس بتكرير الآية للتدبّر مرّة فأكثر.

ويجب على المصلّي ردّ السلام وإسماعه تحقيقاً أو تقديراً كغيره إن لم يردّ عليه غيره ، ولا ترتفع مشروعيّة الردّ لو قام به الغير أيضاً ، لكن المصلّي يردّ بمثل ما يقول

ص: 312

المسلّم احتياطاً ، ولو ردّ بغير صيغة التسليم فالأقوى عدم البطلان إن كان بأحد صيغ السلام الشرعيّة. ولو لم يردّ السلام فهل تبطل مطلقاً ، أو إن لم يشتغل بواجب منها من غير سكوت ، أو تصحّ مطلقاً؟ الأقوى الأوّل ، والأحوط الإتمام والإعادة. هذا كلّه إن كان المسلّم مسلماً بالغاً عاقلاً ، وإلّا لم تبطل الصلاة بترك الردّ عليه ، بل تبطل بالردّ على غير المسلم لحرمته ، وهو على الصبيّ والمجنون المسلمين جائز غير واجب. ولو حُيّيَ المصلّي بغير السلام جاز له الردّ بغيره قاصداً الدعاء. ويجوز للمصلّي تسميت العاطس ، وأن يحمد الله ويصلّي على محمّد : وآله صلى الله عليه وآله إذا عطس أو سمعه ، ويجوز الدعاء في جميع حالات الصلاة للدين والدنيا إلّا بالمحرّم ، ولو دعا به بطلت وإن كان جاهلاً بالتحريم أو بالدعاء ، والأولى ترك الملحون وبغير العربية مع القدرة عليها.

ص: 313

ص: 314

الفصل الخامس : الركوع

وهو ركن في مطلق الصلاة ، تبطل بنقصانه مطلقاً وزيادته مطلقاً ، إلّا في حالة مخصوصة ، وهو في كلّ ركعة مرّة ، إلّا في الآيات فإنه يجب فيها في كلّ ركعة خمسة ركوعات. ويتحقّق بالانحناء إلى حيث تصل كفّاه إلى ركبتيه ، ولا يجب وضعها عليها. ولا بدّ أن يكون الانحناء دون الاختلاس ودون أن يكون على جانب. وتجب فيه الطمأنينة ، وهي سكون الأعضاء واستقرارها بقدر واجب الذكر فيه ، وهو مطلق الذكر ولو في الاختيار.

وأفضله سبحان الله ثلاثاً ، أو سبحان ربّي العظيم ثلاثاً ، ويجب أن يكون بالعربية مع الإمكان. وعديم اليدين وقصيرهما وطويلهما يرجعون إلى مستوي الخلقة في قدر الانحناء.

ولا يجب القصد في الهوي للركوع ، فلو هوى لا بقصده ، وقصده حين وصوله إلى حدّ الراكع صحّ على الأقوى ، والأحوط الانتصاب ثمّ الهويّ له. ويجب الانتصاب بعده ، والطمأنينة فيه أيضاً بما يتحقّق به المسمّى ولا حدّ له ، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة في الفرض والنفل. وإن تعذّر عليه الانحناء وجب عليه تحصيله ولو بالاعتماد على شي ء ولو بأجرة ؛ فإن لم يتمكّن منه كاملاً حصّل الممكن ، وإلّا أومأ.

ص: 315

ومَن كان في هيئة الراكع خلقةً أو لكبر أو مرض لا يجب عليه الانحناء زيادة على ذلك للفرق كما قيل (1) ؛ لسقوطه مع تعذّره ، ولا يلزمه الإيماء حينئذٍ أيضاً ، لكن عليه نيّة الركوع. ولو زال المانع بعد الإتيان بالممكن كفى ولا يعيده ، وقبله يأتي به ، والأحوط الإتمام ثمّ الإعادة حينئذٍ.

ولو ركع وهوى للسجود قبل الرفع منه أو قبل الطمأنينة فيه سهواً صحّت صلاته وعليه سجود السهو كما لو هوى قبل ذكر الركوع أيضاً ، ولو هوى للسجود قبل الركوع سهواً انتصب وركع إن ذكر قبل السجود ، وإلّا بطلت الصلاة. ولا فرق في ذلك كلّه بين الرجل والمرأة.

ص: 316


1- شرائع الإسلام 1 : 75 ، قواعد الأحكام 1 : 34 ، تحرير الأحكام 1 : 39 ( حجريّ ) ، مسالك الأفهام 1 : 214.
الفصل السادس : في السجود
اشارة

يجب في كلّ ركعة سجودان بعد الرفع من الركوع. وهما ركن تبطل الصلاة بزيادتهما ونقصهما معاً مطلقاً ولو سهواً ، ويجب أن يأتي بهما أو بأحدهما إذا ذكر قبل الركوع ، فإن ركع بطلت الصلاة إن ترك سجدتي الركعة معاً ، وإن ترك سجدة واحدة من ركعة أو أكثر من أكثر أتمّ ثمّ قضى ما سها عنه ، ثمّ سجد للسهو ، وإن ترك سجدة بطلت صلاته وإن كان جاهلاً. وكذلك الحكم في الزيادة سهواً يتمّ ويسجد له ، وعمداً تبطل ولو كان جاهلاً. ولا فرق في شي ء من ذلك بين الركعات.

ويجب في كلّ سجدة السجود على المسمّى من الأعضاء السبعة : الجبهة وهي الركن وباطن الكفّين ، وإبهامي الرجلين سواء فيه رؤوسهما أو ظهورهما وبطونهما ، وعيّن الأوّل بعض (1) ، وظهري الركبتين. وهذه السبعة واجبة ومن المحلّ.

ولا يجب في الجبهة قدر الدرهم ، بل يجوز على مثل السواك وما يتحقّق به المسمّى. ويجب الاطمئنان حال وضع الكلّ بقدر واجب الذكر ، ولو رفع بعض السبعة بعد وضعه ثمّ وضعه لم يضرّ ، سواء أتى بواجب الذكر قبل رفعه أو بعد وضعه ، وسواء [ كان ] وضعه الأوّل بقدر واجب الذكر أو لا.

ص: 317


1- السرائر 1 : 225.

ويجب وضع الجبهة خاصّة على ما يصحّ السجود عليه ، ويجب ألّا يرتفع موضع الجبهة [ عن (1) ] الموقف بأكثر من عرض لَبِنَةٍ ، وقدّر بعرض أربعة أصابع مضمومة من مستوي الخلقة كالعكس على الأحوط الأولى ، ما لم يكن المكان منحدراً فإنه لا يضرّ فيهما ، ولا يجب ذلك في الستّة.

ولو كان في الجبهة قرح أو جرح ، فإن لم يستوعب المحلّ وجب حفر حفرة ليقع السليم منها على ما يصحّ السجود عليه ، ولو لم يتمكّن من السجود كذلك كما لو استوعبها سجد على الجبين الأيمن ، فإن تعذّر فعلى الأيسر ، وإن تعذّر سجد على الذقن. وقدّم الصدوقان السجود على الكفّ قبل الذقن (2).

ويجب أن يأتي بالممكن من السجود ولو بتقريب ما يصحّ السجود عليه ورفعه إلى حدّ الممكن ، ويسجد عليه ولو كان جالساً ، ويسقط حينئذٍ السجود على المسند ، فعلى أيّ نحو وضعت صحّ ، كما لو تعذّر وضع أحدها فإنه يأتي بالميسور منه خاصّة ، وإن تعذّر السجود بوجهه أومأ برأسه له وللرفع منه ، فإن تعذّر أومأ بعينيه لهما ، فإن تعذّر أومأ بأحدهما لهما ، ويجب أن يكون إيماء السجود أخفض من الركوع.

ولو وضع الجبهة على ما لا يصحّ السجود عليه جرّها إلى ما يصحّ من غير رفع ، فإن رفعها ووضعها بطلت صلاته على الأقوى الأظهر. ولا كذلك باقي المساجد ، بل هي كرفع أحد الرجلين حال القيام ، فإن رفع أحدها قبل الذكر الواجب وضعه وأتى به بعد الطمأنينة ، وليس مثل رفع اليدين ووضعهما فعل كثير.

ويجب في السجود مطلق الذكر على الأقوى كالركوع ، ويجب رفع الرأس من السجدة الأُولى والجلوس بعدها مطمئناً ولا حدّ له ، ولو على كور العمامة وما لا يصحّ السجود اضطراراً أو تقيّة صحّ. ويجوز الدعاء حال السجود للدين والدنيا ما لم يكن محرّماً.

ص: 318


1- في المخطوط : ( على ).
2- المقنع : 87.

ويجب على القارئ والمستمع لأحد آيات العزائم الأربع ، وهو الأحوط للسامع على الفور ، فإن تعذّر سجد متى تمكّن إذا طال الزمان. ويتمّ سببه بكمال الآية كلّها ، وإن كان لفظ السجود في وسطها فلا يجب حتّى يكمل الآية ، ويتكرّر بتكرّر السبب. ولا يشترط فيه الطهارة مطلقاً ولا الستر ولا القبلة ولا تكبير قبله ولا تشهّد بعده ولا سلام.

نعم ، لا بدّ فيه من النيّة ووضع الجبهة على ما يسجد عليه ومطلق الذكر له ، والأحوط وضع باقي المساجد.

في سجود السهو

ويجب سجود السهو بعد الصلاة لأسباب ستعرفها إن شاء الله الكريم. ويجب سجدتان وجلسة بينهما والطمأنينة في الكلّ ، ومطلق الذكر على الأقوى ، والأَولى باسم الله وبالله ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته.

أو باسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّدٍ.

والطهارة والستر والقبلة وجميع شروط الصلاة (1). ويجب بعدهما تشهّد خفيف ، ويكفي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً : رسول الله عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ ، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولا يضرّ تكميله. وكلّ ما أوجبناه احتياط في العبادة وتحصيل ليقين البراءة ، والنصّ في بعضها ظاهر.

ص: 319


1- أي ويجب في سجود السهو ..

ص: 320

الفصل السابع : في التشهّد

وهو واجب غير ركن ، ومحلّه بعد الرفع من ثانية سجدتي الثانية مطلقاً في كلّ صلاة ، ومن ثالثة الثلاثيّة ورابعة الرباعيّة والمفردة أيضاً ، ففي المفردة والثنائية يجب مرّة وغيرهما مرّتين ، ويجب الجلوس له والطمأنينة فيه بقدره ، ويجب في كيفيّته ذكر الشهادتين والصلاة على محمّد : وآله ، فلو أتى ببعض ذلك قبل أن يطمئن جالساً أو هو آخذ في القيام أو قائم عامداً مختاراً بطل وعليه إعادته إن أمكن تداركه ، وإلّا بطلت الصلاة ، والأولى لمن أتى بشي ء منه قائماً وأمكنه تداركه أن يتداركه ويتمّ ويعيد. وصورته الواجبة أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً : عبده ورسوله ، اللهمّ صلّ على محمّدٍ : وآل محمّدٍ. ويجب فيه الترتيب والموالاة كما ذكر ، ولا يجوز أن يبدله بذكر آخر ولو مرادفاً ، ولا أن يأتي به بغير العربية اختياراً ، ويجوز اضطراراً.

ويجوز للخائف من عدوّ ولمن صلّى مع من لا يُقتدى به ودخل معه في ثانيته إن لم يتمكّن منه جالساً أن يتشهّد قائماً بعد الاطمئنان لا وهو آخذ في القيام ، وذِكرُ القيام بعده ، فإن لم يتمكّن أتى بالممكن وسقط المعسور. والاحتياط والحزم في ألّا يحذف وحده لا شريك له ، ولا أحد حرفي العطف ، ولا أشهد من الثانية ، ولا عبده

ص: 321

منها ، ولا أن يضاف رسوله إلى غير محمّد : مطلقاً ، ولا أن تضيف الآل إلى غيره مطلقاً ، ولا أن تفصل بين عاطف آل وبينه ب- ( على ) ، ولا تغيير شي ء من هذه الصورة بوجه ، وإن كان الأشهر عدم وجوب جميع ذلك ، فلو قال رسول الله أو أسقط وحده لا شريك له أو عبده فغير بعيد الصحّة.

ومن لم يحسن التشهّد يجب عليه التعلّم ، وإن ضاق الوقت انتقل إلى الترجمة ، فإن عجز فإلى أيّ ذكر شاء ، مراعياً الأقرب فالأقرب.

ص: 322

تتميم

التسليم واجب داخل

كما هو أقوى الأقوال ، ومحلّه بعد التشهّد الذي بعد السجدة الأخيرة من الصلاة ، وله أحد صيغتين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مخيّراً على الأقوى ، ويقع الخروج به ، ولا تجب نيّته ، وغير بعيد تعيين الثانية ، وكلّ منهما صورة سلام. والثانية أظهر فيه وأشهر ، فالأولى الإتيان بهما.

وعلى اختيار الثانية ، فقول ورحمة الله وبركاته واجب ، وما ورد من إسقاطه (1) محمول على التقيّة. والأحوط أيضاً في الإتيان بالصيغتين مقدّماً السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ولا يجوز تغيير شي ء من ألفاظ الصيغتين بوجه أصلاً ؛ تبعاً للمنقول (2) ، وتحصيلاً ليقين البراءة في المخرج.

واعلم أن الترتيب في جميع أقوال الصلاة وأفعالها كالموالاة ، فلو أخلّ بالترتيب مطلقاً ولو ناسياً ؛ فإن قدّم ركناً على ركن بطلت مطلقاً ، أو على واجب بطلت ، إلّا ساهياً فإنّه يتمّ العمل به ويسجد للسهو ، أو قضاه إن كان يقضى ثمّ سجد له. وإن قدّم واجباً على واجب أعاد بما يحصل به الترتيب مطلقاً ما لم تفت ، وإلّا أتمّ وصحّت وسجد للسهو إن كان سهواً ، وإلّا بطلت الصلاة مطلقاً.

ص: 323


1- وسائل الشيعة 6 : 426 - 427 ، أبواب التسليم ، ب 4.
2- وسائل الشيعة 6 : 426 - 427 ، أبواب التسليم ، ب 4.

وكلّ ما فصل به بين أجزاء العمل إن محا صورته أبطله ولو كان ذِكراً أو قرآناً مطلقاً ولو سهواً ، ويختلف في كلّ مكان بحسبه ، فالفصل بين أجزاء الكلمة يبطلها ولو كان يسيراً ، وبين الآيات مثلاً لا يبطلها إلّا ما يعدّ فاصلاً عرفاً ، وبين الحمد والسورة لا يعدّ مثل الكلمة والكلمتين فاصلاً ما لم يكن مبطلاً ، ومثل الدعاء والقرآن إن محا صورة العمل أبطله ، وإلّا فلا.

ص: 324

الباب الثاني : في بقيّة الصلوات الواجبة
اشارة

وفيه فصول :

الفصل الأول : في الجمعة

وهي ركعتان في أصل الشرع ، وهي في زمن حضور الإمام أو نائبه الخاصّ واجبة عيناً ، وفي زمن الغيبة أقوال ، أقواها الوجوب التخييري بينها وبين الظهر ، والقول بالعينيّة (1) ضعيف ، بل حكم جمع بحدوثه (2) ، وهو غير بعيد. والأحوط عدم صلاتها فيه ؛ لذهاب جمع من المتقدّمين (3) وبعض المتأخّرين (4) إلى تحريمها حينئذٍ ، فإن صلّيتَ فاحتط بالظهر بعدها. وعلى كلّ حال يشترط فيها الجماعة ، فلا تصحّ فرادى ، وهذا شرط في الابتداء لا مطلقاً ، فلو حدث على الإمام حادث ولم يؤمّهم

ص: 325


1- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 163 - 164 ، الكافي في الفقه : 151 ، الحدائق الناضرة 9 : 378 - 381.
2- عنهم في الحدائق الناضرة 9 : 397.
3- رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الأُولى ) : 272 ، المراسم ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 3 : 376 ، السرائر 1 : 290.
4- منتهى المطلب 1 : 317 ( حجريّ ) ، الذكرى : 230 ( حجريّ ).

غيره أتمّوها جمعة ، وتدرك الجمعة بالاجتماع مع الإمام في قوس الراكع من الثانية. ولو منع المأموم الزحام عن السجود بقي واقفاً حتّى يقوم الإمام ثمّ يسجد ويلحقه ولو في السجود ، فإن لم يلحقه أتمّها جمعة ، وإن لم يمكنه لحوقه بعد الركوع الأوّل إلّا في سجود الثانية سجد وجعلها الاولى وأتى بركعة ، ولو لم يتمكّن من الركوع معه في الأُولى بقي قائماً حتّى يقوم ويركع معه في الثانية وأتمّ جمعة. فإن منع من السجود حينئذٍ سجد بعد رفعه وأتمّ جمعة ، فلو فاته حينئذٍ ركوع الثانية أيضاً فاتته الجمعة.

ويجب على الإمام نيّة الإمامة وعلى المأموم نيّة الائتمام ، وكون الإمام جامعاً لشروط الاجتهاد ، فلا يكفي في إمامها شروط إمام الجماعة ، وبدون الجامع لشرائط الفتوى لا تشرع ، والنصّ والاعتبار دالّان عليه ، وما قيل بخلافه ضعيف جدّاً.

العدد ، والأقوى أنه خمسة ، أحدهم الإمام ، وهذا أيضاً شرط في الابتداء ، فلو نقص بعد التحريمة أتمّ في جمعة ولو بفقد الإمام ، ولو لم يبقَ إلّا الإمام أتمّ جمعة على الأقوى.

والوقت ، والأشهر أنه وقت فضيلة الظهر ، وهو المثل ، وحكي عليه الإجماع (1) ، والمسألة مشكلة بعد ، والأقوى أنه قدر الخطبة والصلاة بعد الزوال ، وأنه من المضيّق كما في النصّ (2) ، وفيه إجمال ، ويتحقّق بالمثل ، فلو خرج الوقت ولم تُصَلّ صلّيت ظهراً ، ولو خرج وقد تلبس منها بركعة ، فإن كان دخوله منها بظنّ إدراك الائتمام فيه أتمّ جمعة ، وإلّا لم تشرع من أصلها ، ولا يصح للمخاطب بها أن يصلّي الظهر قبل صلاة الإمام ، وعليه الحضور ، ولو صلّى ظهراً فإن أدرك وإلّا أعاد ظهراً ، وهذا ليس على الوجوب التخييري.

والأمن في فعلها ، فلو خشي الضرر سقطت.

ص: 326


1- المنتهى 1 : 318 ( حجريّ ).
2- انظر وسائل الشيعة 7 : 315 - 320 ، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، ب 8.

والخطبتان فلا تكفي واحدة ، ولا بدّ من الجلوس بينهما ، ويجب في كلّ واحدة حمد الله والصلاة على رسول الله والوصيّة بتقوى الله في الأولى وقراءة سورة خفيفة فيها وفاقاً لجماعة (1) أو آية تامّة الفائدة ، وفي الثانية الصلاة على أئمّة المسلمين مع النبيّ صلى الله عليه وآله. ويجب وقوعهما بعد الزوال قبل الركعتين ، والأحوط إسماع العدد والصلاة على أئمّة المسلمين في الأولى ، وعربيتهما ، وإن لم يفهم لما سوى العدد مع العجز عن التعلّم يسقط اعتبارها ، وقيل : تسقط الجمعة حينئذٍ. ويجب القيام فيهما مع القدرة والترتيب في واجباتها ، والأحوط اشتراط الطهارة من الحدث والخبث فيهما ، ولا تعادان لو حدث على الإمام بعدهما حدث وقام غيره مقامه ، ولا يشترط في النائب منابه حينئذٍ حضوره الخطبتين. فإذا فرغ الإمام من الخطبتين نزل وأقام المؤذّن وصلّى بهم ركعتين.

وإذا أذّن المؤذّن لها حرم البيع وغيره على من خوطب بها ، لكنّه لو باع انعقد وأثم ، ولو خوطب بها أحد المتبايعين حرم عليه خاصّة. ويحرم السفر بعد الزوال قبل أن تصلّى ، والأحوط الأولى عدم تغاير الإمام. ولا فرق بين من يخطب على ظهر قلبه أو من قرطاس. وواحدة الجمعة في أقل من فرسخ ، ولو في مصرين ، فلو قصرت مسافة بينهما عن الفرسخ ؛ فإن اقترنا بأن أحرم الإمامان دفعة بطلتا ، ( وتسد المسافة وآخر طرفي الصفوف ) (2) ويعيدون جمعة واحدة إن بقي ، وظهراً إن خرج. وإلّا بطلت المتأخّرة منهما خاصّة ، ويصلّون جماعتها مع الأولى إن أمكن وإلّا ظهراً ، ولو اشتبهت السابقة مع الجزم أعادوا جميعاً ظهراً للقطع بها ، ولو اشتبه السبق والاقتران ولو متجدداً أعادوا جمعة إن بقي الوقت وإلّا ظهراً. ولو أخبر الإمام بعد الإحرام بسبق أُخرى أعادها ظهراً ، ولا يصحّ إتمامها ظهراً.

والجمعة تجب على كلّ مكلّف ذكر ، حرّ ، صحيح ، حاضر فرضه الإتمام ، لكنّها

ص: 327


1- المبسوط 1 : 147 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 103 ، السرائر 1 : 292 ، المختصر النافع : 87 ، تذكرة الفقهاء 4 : 66 / المسألة : 407.
2- كذا في المخطوط.

تنعقد بأحدهم ، ولو حضر الصبي والمجنون والمرأة ومن كان بينه وبينها فرسخ وجب عليه الحضور ، أو أكثر منه وأقلّ من الفرسخين تخيّر بين الحضور وإقامتها عنده إن حصلت شرائطها ، وإن كان بينهما فرسخان [ فلا (1) ] يجب عليه الحضور ، بل إن أقيمت عنده صلّاها وإلّا حضر.

والأحوط الحضور لمن يدركها إذا غدا من أهله بعد الغداة إن لم تقم عنده. ويسقط وجوب حضورها أيضاً عمّن اشتغل بتجهيز ميّت ، أو رعاية مريض ، أو خائف على نفسه ، أو ماله ، أو من حبس ولو على حقّ عاجز عنه ، أو من التضرّر لشدّة الحرّ والبرد ، أو مطر أو وحل يشقّ عليه.

وكلّ من لم يجب عليه الحضور له أن يصلّي الظهر من أوّل الوقت ، ولو صلّى ثمّ حضر لم يجب عليه الحضور ، ولو أُعتق العبد أو نوى المسافر الإقامة بعد الزوال لم يجب عليه الحضور ، وهكذا في الباقي.

ص: 328


1- في المخطوط : ( ولا ).
الفصل الثاني : صلاة العيدين

وتجب جماعة على الأعيان إن حصل شرائط الجمعة العينيّة كلّها ، فإن اختلّ منها شرط كزمن الغيبة انتفى الوجوب ، والخطبتان فيها [ تابعتان (1) ] للصلاة وجوباً وندباً على الأقوى ، وهما بعد الصلاة ، ولا يجب سماعهما ، والأحوط اشتراط القيام بينهما إن وجبت ، وكيفيّتهما كالجمعة ، إلّا إنه يذكر هنا حال الفطرة والأضحية.

ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال ، ولو فاتت ولو عمداً لم تقضَ مطلقاً ، وكيفيّتها كالصبح ، وشروطها [ كشروطها (2) ] ، وتزيد عليها بخمس تكبيرات غير التحريمة بعد القراءة في الأُولى ، وبأربع في الثانية بعدها أيضاً غير تكبيرتي الركوع. ويقنت بعد كلّ تكبيرة من السبع ، ووجوب التسع والقنوتات هو الأشهر الأظهر.

ويحرم السفر بعد طلوع الشمس حتّى تصلّى ، إلّا إذا تمكّن من الوصول لما تقام فيه ويتمّ فيه ولو بالإقامة ، والأحوط العدم.

وإذا اتّفق جمعة وعيد واجب تخيّر مصلّي العيد بين حضور الجمعة فيصلّيها وعدمه فيصلي ظهراً ، والأولى اختصاص النائي بالتخيير ، إلّا الإمام فإنها لا تسقط ويعلمهم بذلك في الخطبة. ولو نسي شيئاً من تكبيرات الصلاة لم يقضه مطلقاً لكنّه

ص: 329


1- في المخطوط : ( تابعة ).
2- في المخطوط : ( كهي ).

يسجد للمشهور وبعدهما نسي كالتشهّد فيهما ، ولو شكّ في عدد التكبير بنى على اليقين ، أو في عدد الركعات أعاد ، ولو لم يدرك المأموم الإمام من أوّل التكبير يصبر إلى الثانية ، ويحتمل إتمامه قبل الركوع ولا يلحقه في الركوع.

ص: 330

الفصل الثالث : في الآيات

تجب صلاة الآيات فوراً على كلّ مكلّف باليومية عيناً للخسوفين والزلزلة والريح الصفراء والحمراء والصيحة الشديدة والصاعقة العظيمة ، وكلّ مخوف سماوي على الأقوى الأشهر ، ومرجعه إلى ما يخاف منه ويزعج أكثر الناس ، فلا عبرة بشديد ضعف النفس ولا بشديد قساوتها ولا تجب بخسوف كوكب.

ويثبت الكسوفان بالرؤية ، أو الشياع ، أو إخبار عدلين ، أو واحد عارف ، أو واحد مطلقاً على الأحوط. ووقتهما من الابتداء إلى تمام الانجلاء على الأشهر الأقوى. وفي الزلزلة العمر ، فتصلّي أداءً دائماً لأنها سبب. وفي باقي الآيات مدّة وجودها ، وإذا خرج الوقت في الخسوفين فلا قضاء مع العلم والإهمال مطلقاً ، أو احتراق فإنه يجب القضاء كما يجب في غيرهما عدا الزلزلة مع العلم مطلقاً. ولا تجب صلاة الآية إلّا مع سعة وقتها ، وفعلها مطلقاً كالزلزلة أحوط ، غير متعرّض في نيّتها مع ضيق الوقت عنها لقضاءٍ أو أداءٍ على الأحوط خصوصاً في الكسوفين.

ولو شرع في الصلاة ثمّ انجلت الآية لم يجب الإتمام ، كما لو أخبر بنقص الزمان عن أقلّ المجزي. ولو خرج الوقت المتسع لها ولما يتمّها أتمّها وجوباً ، وإن علم بالضيق في أثنائها خفّفها. ولا ترتيب بين الآية واليومية ، أو بين الآيات لو تعدّد

ص: 331

الفائت منها. وتصلّى أداءً لو استتر القرص بسحاب وهو منكسف ، أو طلعت الشمس والقمر منخسف ، أو غاب أحدهما قبل الانجلاء إلى أن يخبر به من أهل المعرفة بذلك. ولا خطبة فيها لو صليت جماعة. ولو كانت وقت فريضة من الخمس فإن اتسع لهما الوقت فأنت بالخيار في تقديم أيّهما شئت.

وإن تضيّق وقت أحدهما قدّمها ، فإن تضيّقا قدّم اليوميّة ، حتّى لو تبيّن له ضيق وقتها وهو في أثناء الآية قطعها وصلّى اليومية ثمّ قضى الآية من رأس ، لكنّه احتياط مع عدم التفريط ، والأحوط البناء ثمّ الإعادة مطلقاً.

ولو نذر صلاة في وقت معيّن ثمّ اتّفق فيه آية ، فإن وسعهما مطلقاً تخيّر ، إلّا أن يدخل وقت النذر وقد شرع في الآية فإنه يتمّها حينئذٍ ، وإن لم يسعهما صلّى المنذورة وقضى الآية احتياطاً ، حتّى لو دخل وقت المنذورة وقد شرع في الآية فإنه يقطعها حينئذٍ ويأتي بالمنذورة ويقضي الآية احتياطاً.

ولو وقعت آيتان في وقت فإن وسعهما تخيّر ، وإلّا فإن كان أحدهما أحد الكسوفين قدّمه وقضى الآخر احتياطاً ، وإلّا فإن سبق أحدهما بجزءٍ ما قدّمه وقضى الآخر احتياطاً ، وإلّا تخيّر وقضى الآخر احتياطاً. ويحتمل القرعة مع الإمكان.

هذا كلّه إن لم يكن أحدهما الزلزلة فإنها تؤخّر مطلقاً لسعة وقتها وكونها أداءً دائماً.

ويشترط في الآية كما يشترط في الثنائيّة ، وتزيد بأنه يركع في كلّ واحدة منهما خمسة ركوعات.

وصورتها أن ينوي ويحرم ويقرأ الحمد ثمّ سورة ثم يركع ، ثمّ يقرأ الحمد وسورة ثمّ يركع ، وهكذا خمس مرّات ، ثمّ يسجد بعد رفعه من الخامس سجدتين ، ثمّ يقوم ويفعل كما فعل في الاولى ، ثمّ يجلس ويتشهّد كاليوميّة وجوباً وندباً.

ويجوز هنا تفريق السورة على [ الخمسة (1) ] الركوعات ، وقراءة سورة في واحد

ص: 332


1- في المخطوط : ( خمسة ).

وسورة [ في ] الأُخر في كلّ ركوع جزءاً إلّا إنه لا بدّ من إكمال سورة في الركعة. ومتى ركع عن سورة أو بعض سورة وأراد أن يقرأ من سورة أخرى أو من غير ما ركع عليه أعاد الحمد. وإن قرأ في الركوع الثاني من حيث قطع لا يعيد الحمد ، وإذا لم يدرك المأموم الإمام إلّا وقد فات بعض ركوعات الاولى صبر حتّى يدخل في الثانية فيدخل معه إن اتسع الوقت ، وإلّا صلّى منفرداً كما لو لم يدركه إلّا وقد فاته بعض ركوعات الثانية مطلقاً.

ص: 333

ص: 334

الفصل الرابع : فيما يُلزم به المكلّف نفسه بنذر وشبهه وبإجارة من الصلوات

ويجب كما ألزم نفسه كيفيّةً وكميّةً وماهيّةً ومكاناً وزماناً مطلقاً على الأقوى الأشهر فيهما ، ومع المزية فيهما إجماعاً ، فلو لم يأتِ به كما التزم لم يصحّ ووجب عليه الكفّارة في الأوّل ، ولم يستحقّ الأجرة في الثاني. ولو نذر أكثر من ركعتين سلّم على كلّ ثانية ولو لم يعيّنه ، ولو نذر خمس ركعات صلّى ثلاثة متّصلة كالمغرب وثنائية ، وغير بعيد إجزاء رباعيّة ومفردة. ولو نذر صلاة وأطلق [ كفى (1) ] ركعتان ، وقيل واحدة ، ولا تنصرف معه إلّا إلى ذات الركوع والسجود.

ولو نذر الآية والعيد وجبت في وقتها ، ولو نذر واجبة أو مندوبة معيّنة صحّ ووجب المندوب. ولو لم يكن بقيد النذر بوقت كان وقته العمر ، ويتضيّق بترجّح الموت ما لم يكن مؤقّتاً فإن وقته وقته.

ويشترط في المنذورة ما يشترط في غيرها من الواجبات ، فلو نذر مع ترك شرط لم يصحّ ، ولو نذر ركعة صحّ ، ولو نذر واجبة أو معيّنة أو مندوبة لم يلزمه

ص: 335


1- في المخطوط : ( في ).

مندوباتها ، ولو نذر نافلة الليل لزمه ثمانٍ خاصّة ، ولو نذر نافلة فله أن يصلّيها سفراً على الراحلة ، ولو نذر واجبة معيّنة في غير وقتها لم ينعقد ، ولو نذر صلاة في يوم معيّن فتجدّد له فيه عذر مسقط فعليه القضاء دون الكفارة كما لو تركه عمداً إلّا إن عليه الكفّارة.

ويتحقّق الإخلال بالنذر بترك قيد من قيوده ، فإن تركه عالماً عامداً مختاراً أثم أيضاً وكفّر ، وهل ينحلّ عنه النذر حينئذٍ فلا تتعدّد الكفّارة لو تعدّد ، أم لا فيجب في الآخر وتتعدّد بتركها فيه بعدده؟ الأشهر الانحلال وعدم تكرارها ، والأحوط عدم الانحلال. وإلّا فلا انحلال ولا إثم ولا كفّارة. ولو عجز عن المنذور انحلّ ولا كفّارة.

ولو نذر في وقت عبادة مضيّقة أو اتّفق تضيّقها ولم يكن فيه جامعاً لشروط التكليف أو لم يسلم له منه ما يسعها أو تجدّد العجز فيه مطلقاً ، فلا نذر ولا قضاء.

ولو نذر الطهارة كفى الوضوء أو التيمّم مع تعذّر الماء كما لو نذره. ولو نذر صلاة لم تجزِ الفريضة مطلقاً ، ولو نذر فريضة فإن عيّن تعيّنت ، وإلّا أجزأ ما ينوي به أدّاه (1) منها مطلقاً ، وتداخلا فيهما. ولو نذر ركوعاً أو سجوداً من صلاة لزمه ركعتان أو ركعة على وجه ، وغير بعيد اللزوم مع الإطلاق أيضاً ، والسجود خاصّة إن كان هو المنذور. ولو نذر الصلاة في وقت كراهة لزمه. ويشترط في صحّة نذر الزوجة والولد والمملوك إذن الزوج والأب والمالك على الأشهر الأقوى ، ولا يتعدّى إلى الجدّ والأُمّ. وكالنذر العهد واليمين في جميع ما ذكر.

وممّا يلزم المكلّف من الصلاة ، الصلاة بالإجارة ، ويجب على الأجير أن يأتي به كما استؤجر بشروطه وقيوده من كيفيّة وزمان ومكان وغيرها إذا كانت مشروعة ، سواء كانت بتسليم بعد كلّ ركعتين أو كاليوميّة.

ويشترط في الأجير العدالة لعدم الركون لخبر غير العدل لا لعدم صحّة عمله.

وعدم نقصان صلاته عن الأصل ، فلا يستأجر العاجز عن فعل أو قول عن القادر

ص: 336


1- كذا في المخطوط.

عليه على الأقوى الأحوط ، أمّا لو تجدّد العجز للنائب فهل تنفسخ بنفسها ، أو تتوقّف على الفسخ ، أو الصحّة والرجوع إلى الأرش وهو التفاوت بين اجرة الفعل كاملاً وناقصاً أو الصحّة بلا أرش ، فالميسور مع تعذّر المعسور كالكامل؟ وجوه [ أقواها (1) ] الأخير ، وأحوطها الأوّل.

والبلوغ ، فلا يكفي تمييز الصبي.

هذا كلّه إذا كان الاستئجار واجباً ، كالوصيّة على الوصي ، فإنه يجب عليه إنفاذ الوصيّة على وجهها. أمّا المتبرّع بها فلا يشترط في صحّتها إلّا مطابقة المشروع. ولو عيّن على النائب زمن مثلاً تعيّن ، فإن خالف فلا اجرة له ، وإن لم يعيّن عليه وقتاً فموسّع عليه. ولا تجب عليه على الفور ولا المستحبّات إلّا مع الشرط. والعبرة في الجهر والإخفات بحال النائب لا المنوب عنه.

وليس عقد الإجارة ناقلاً لما في ذمّة الميت إلى ذمّة الأجير حتّى تبرأ بمجرّده ، بل لا تبرأ إلّا بالإتيان به ، فلو لم يأت به وجب الاستئجار على الوصي مثلاً اخرى. ويجب عليه استرجاع الأُجرة ممّن لم يقم بالعمل ، فإن تعذّر فإن كان تفريطه فهي عليه ، وإلّا فلا تسقط الإجارة عنه حينئذٍ إن لم يبقَ لها أصل يتدارك به. ويجب الترتيب على النائب إذا شرط إجماعاً ، وبدونه في الأيام فترتب كلّ يوم بحسب البداية ، فإن عيّنت تعيّنت ، وإلّا فله الابتداء بأي الخمس شاء ، فيرتّب باقي اليوم عليه ، وله الابتداء في يوم بالصبح وآخر بالظهر وهكذا ، لكن يرتّب باقي اليوم عليه ، وليس له أن يصلّي صبح شهر مثلاً ولاءً ثمّ ظهره كذلك على الأقوى. وتجوز نيابة الرجل عن المرأة والعكس.

ص: 337


1- في المخطوط : ( أقواه ).

ص: 338

الفصل الخامس : في قضاء الفوائت
اشارة

الإتيان بالصلاة ثانياً في وقتها مطلقاً تسمّى إعادة ، وفي غير وقتها لعدم الإتيان بها فيه يسمّى قضاءً ، فيجب القضاء على من لم يأتِ بالصلاة في وقتها مطلقاً حتّى لو كان بسبب شربه أو أكله مسكراً لم يعلم أنه مسكر إذا كان مسلماً مكلّفاً بها في وقتها. ولا قضاء على من لم يبلغ ولا على المجنون إن استوعب الوقت ولا على الحائض والنفساء ولا على المغمى عليه وإن كان بسببه. والقضاء حينئذٍ أحوط كجعل المغمى عليه كالسكران إن استوعب المسقط الوقت في الثلاثة أيضاً.

وتقضى كما كانت قصراً ولو حضراً ، وتماماً ولو سفراً ، والعبرة بحال الفوات لا الأداء ، فلو سافر آخر الوقت وفات قضاها قصراً وبالعكس. ولا قضاء للجمعة ولا للعيدين مطلقاً. والأحوط قضاء الصلاة إذا صلّيت حال فقد الطهورين ما لو لم يصلّ حينئذٍ فعليه القضاء لوجوبها عليه حينئذٍ.

ووقت القضاء من حين الذكر ، ولا يجب على الفور ما لم تتضيّق حاضرة فتقدّم إجماعاً (1). ويسقط القضاء عن الكافر إذا أسلم ، ويقضي المرتدّ مطلقاً صلاة زمن ردّته ، ولا يقضي المخالف إذا آمن إلّا ما أخلّ به عندهم.

ص: 339


1- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 4 : 561.

وتقضى الجهريّة جهراً ولو نهاراً ، والسريّة إخفاتاً ولو ليلاً. والعبرة بحاله حين القضاء لا الفوات ، فيقضي القادر على القيام مثلاً ما فاته وهو عاجز عنه ، وبالعكس. ويجب ترتيب الفوائت ، فلو فاته فرض من الجمعة وآخر من السبت قدّم الأوّل واحتياطه وسجدة سهوه مطلقاً وأجزاءه المنسيّة المقضيّة. ويسقط وجوب الترتيب إذا جهل المتقدّم ، ولا يجب التكرار حتّى يحصّله. وجميع واجبات الأداء وشروطه معتبرة في حال القضاء به بحسب الإمكان ، إلّا فيما عرفت فيقضي بحسب الميسور ، وإلّا في الطهارة مطلقاً ، فلا يصحّ مع فقد الطهورين ، بل يؤخّر حتّى يتمكّن من أحدهما إلّا أن يتضيّق بظنّ الموت فيصحّ بدونها.

ولو فاتته صلاة واحدة من يوم ولم يعلمها قضى ثنائيّة وثلاثيّة معيّنتين ورباعيّة مطلقة ينوي بها ما في ذمّته ، ويتخيّر بين الجهر والإخفات. ولو كان حينئذٍ مسافراً فبدل الرباعيّة ثنائيّة مطلقة ، مخيّراً بين الجهر والإخفات ، وثلاثيّة معينة. ولو لم يعلم بأنها سفريّة أم حضريّة فثنائيّة مطلقة وثلاثيّة معيّنة ورباعيّة مطلقة.

ولو كان الفائت فرضان من يوم صلّى ثنائيّة ثم رباعيّة مطلقة ثم ثلاثيّة ثم رباعيّة مطلقة ، فإن كان حينئذٍ مسافراً قضى ثنائيّتين مطلقتين وثلاثيّة بينهما. ويتعيّن على من فاتته رباعيّة في أحد الأربعة وهو مسافر القصر خصوصاً إذا قضيت في غيرها. ولو فاتت صلاة لا يعلم كم فرض هي ، فإن علم أنها كلّها من صنف ثنائيّة صلّى ثنائيات مثلاً حتّى يعلم عدد ما قضى أو يغلب على ظنّه الوفاء ، وإلّا ثلاثاً وأربعاً واثنتين حتّى يغلب على ظنّه الوفاء.

ومن ترك الصلاة عمداً ، فإن كان مستحلا قتل ، إلّا أن يدّعي شبهة تمكن في شأنه ، وإلّا عزّر ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد عزّر ، ويقتل في الرابعة. ولو ترك ما اختلف فيه من شروطها لم يقتل ؛ لأنه ليس من ضروري الدين ، لكنّه يعزّر.

ويجب على أكبر الولد الذكور أن يقضي عن أبيه ما فاته من صلاته أو صومه من غير تفريط ، فإن تساووا قسّم عليهم بالسوية ، ولو كان عند الموت غير بالغ قضى بعد

ص: 340

البلوغ. ولا يقضي ما تركه الأب عمداً ولا عن الجدّ ولا عن الأمّ ، ولا تقضي البنت مطلقاً ، والأحوط قضاؤها إذا لم يكن ابن ، وعن الميّت مطلقاً أباً كان أو امّاً حرّا كان أو عبداً ، وكما فاته مطلقاً.

ولو أوصى الميّت بالقضاء سقط عن الوليّ ، وإذا عيّن لها اجرة فمن الثلث.

وهل لمن وجب عليه القضاء من وليّ يستأجر عليها؟ الأحوط العدم بناءً على [ مخاطبته (1) ] بها. والصلاة عن الحيّ لا تقبل النيابة ، ولو تبرّع بها متبرّع لم تبرأ ذمّة الوليّ ، ووجوبها على الولي لا يدور على وجه الحياة ، فهي واجبة عليه وإن لم يكن ، وعليه أن يقضي عنه أيضاً صلاة الطواف والآيات.

تتمّة في صلاة الطواف

صلاة الطواف واجبة في الواجب مطلقاً ، وتجب بإيقاع واجبها خلف المقام بقربه تحت السقف حيث هو الآن ، فإن تعذّر فخلفه إلى الطاق ، فإن تعذّر فإلى أحد جانبيه ، مراعياً الأقرب فالأقرب ، فإن تعذّر فحيث أمكن من المسجد ولو أمكن خلفه بقربه (2) في وقت آخر وبما ذكر على الترتيب المذكور ، ووجب التأخير إن اتّسع الوقت ولم ينافِ السعي.

وكيفيتها وشروطها كالصبح ، ولو تركها ناسياً وخرج فعليه الرجوع ، وإن تعذّر صلّى حيث يمكن.

ص: 341


1- في المخطوط : ( خطابه ).
2- كذا في المخطوط.

ص: 342

الباب الثالث : في حال الصلاة
اشارة

الباب الثالث : في حال الصلاة (1)

وفيه فصول :

الفصل الأول :

يبطل الصلاة ولو نفلاً قول : ( آمين ) في أيّ حالة منها حتّى بعد دعاءٍ أو في أثنائه ، بل ولو في دعاءٍ وارد بها على الأحوط الأولى ، سواء اعتقد وجوبها أم لا ، إلّا التقيّة فيجوز مطلقاً ، وقد تجب حينئذٍ. ولو تركها مع وجوبها عيناً فلا شكّ في عصيانه ، وفي الإبطال إشكال.

ووضع إحدى اليدين على الأُخرى مطلقاً بأيّ نحو كان وفي أي حالة من الصلاة [ سواء ] اعتقد إبطاله أم لا ، ولا بأس به حال التقيّة ، ولو ترك حينئذٍ فحكم التأمين وحال الضرورة ولو في غير تقيّة.

والكلام كما هو ظاهر الفقهاء وأهل اللغة : النطق بحرفين مطلقاً ، أو حرف واحد مفهم معنًى ، وترك هاء السكت حينئذٍ لحن أيضاً ، وفي أي جزء منها وقعت حتّى لو لم يكن باختياره وإن لم يأثم ، والإتمام حينئذٍ مع الإعادة أحوط. ولا فرق بين كونه

ص: 343


1- في المخطوط : ( الباب الرابع ).

من نفخ أو قهقهة أو سعال أو تنخّم أو تأوّه أو أنين أو غيرها ، ولا بين كونه لأجل الصلاة أو لا. ولا يبطلها القرآن وإن لم يقصد ، بل للإفهام للغير. هذا في المختصّ به ، وأمّا في المشترك فلا بدّ من القصد. ومثله الدعاء ولو بفرد ما لم يشتمل على محرّم فيبطلها.

ومن الكلام المبطل التسليم في غير محلّه مطلقاً ، وسلام المصلّي على آخر. ولا يبطلها خروج الصوت في سعال وغيره وإن طال زمنه على الحرفين.

وهل إشارة الأخرس كالحرف لقيامها مقام لفظه فتُرَاعى كما يُرَاعى في الإبطال وعدمه به [ أو ] أن الكلام هو المؤلّف من الحروف والأصوات وهو منتفٍ عنها ، فلا يراعى ذلك؟ وجهان ، والأولى المراعاة ؛ لأنها كنطقه مطلقاً.

والبكاء ولو بمجرّد خروج الدمع من غير اشتماله على صوت أو كلام إن كان للدنيا ، أمّا الخوف من الله أو رجاه فهو حسن مرغّب فيه مطلقاً ، بل أُمر من لم يستطعه بالتباكي كذلك في كلّ حالة.

والقهقهة وهي الضحك المشتمل على صوت وإن قلّت. والتبسّم وهو ما لا يشتمل من الضحك على صوت لا يبطلها. ولا فرق في البكاء والقهقهة المبطِلَين بين الاختيار وغيره ، ولكن لا يتمّ في الاضطراري.

والسكوت الطويل ، والفعل الكثير الماحي لصورتها ، وعدم اعتبار المحو أحوط. وميزان الكثرة العرف ، وقد تمحى القراءة دون الصلاة فتعاد وحدها.

والإشارة باليد والرأس ، ولبس النعال وخلعه ، والثوب السريع لبسه ونزعه ، ومناولة الشي ء السريعة ، وقتل الحيّة والعقرب ، وغسل الدم إذا لم يستلزم أمراً آخر ، وكلّ ما ورد النصّ بفعله ، ولا يعدّ ذلك فعلاً كثيراً وإن سمّي بعضه كثيراً لو صحّ ؛ لعدم المحو ، لكن لا يتخطّى ، فكان النبيّ صلى الله عليه وآله : يضع عمامته ويرفعها في كلّ ركعة ويضع ابنه ويحمله وابنة بنته في الصلاة (1).

ص: 344


1- السنن الكبرى 2 : 372 / 3421 - 3423.

ويعدّ مثل الوثبة كثيراً ، وتحصل الكثرة من القليل لو توالى في الركعات.

ويجوز للمصلّي عدّ الركعات بإصبعه أو بشي ء معه ، وينوي العدّ في ضميره بلا نطق.

والأكل والشرب إذا كثر على الأقوى ولو عن إكراه ، ويجوز ابتلاع ما بين الأسنان وما يذوب من السكّر في الفمّ. ولا تتحقّق الكثرة بالشرب مرّة ، والأحوط التجنّب ولو لم يحصل الكثرة ولو بمضغ العلك. ولو نذر ما يسوغ فيه الأكل والشرب من النافلة كانت كالفريضة ، فلا يسوغ فيها.

والالتفات إلى دبر القبلة بشي ء ممّا يجب استقبالها به من بدنه ، أو يميناً أو يساراً بجميعه.

هذا كلّه إذا لم يقع شي ء ممّا ذكر سهواً ، فإن وقع كذلك لم يبطلها إلّا الالتفات إلى دبر القبلة فإنه مبطل مطلقاً كالفعل الكثير الماحي على الأقوى فيه. والأحوط في البكاء الإبطال مطلقاً.

ويحرم قطع الصلاة الواجبة على الأقوى إلّا لضرورة دينيّة كإنقاذ مؤمن أو الدخول مع إمام الأصل في الصلاة ، أو دنيويّة كإنقاذ مال.

وهل تصحّ الصلاة لو أتى بها مع سعة الوقت مَن عليه دينٌ وقد طالبه به الغريم ، ومَن عليه زكاة وشبهها من الحقوق الماليّة مع وجود المستحقّ وطلبه له ولو عموماً ومعرفته به ، أم لا؟ قولان ، والأقوى الثاني كما عليه بعض ، فلا تصحّ إلّا إذا ضاق الوقت ، فإنها تصحّ حينئذٍ إجماعاً.

ص: 345

ص: 346

الفصل الثاني : في مبطلات الصلاة

تُبطل الصلاةَ مطلقاً ولو جهلاً أو سهواً مخالفةُ الترتيب المذكور.

ونقصان ركن من الخمسة ، وهي : النيّة ، والقيام ، وتكبيرة الإحرام ، والسجدتان من ركعة واحدة ، والركوع. إلّا إنه إن تداركه قبل الدخول في ركن آخر أتى به وبما بعده تحصيلاً للترتيب وصحّت ، كمَن تدارك التحريمة قبل الوصول إلى قوس الراكع وأتى بهما قائماً مطمئناً وبما بعده ، أو تدارك الركوع في القيام المتّصل به قبل السجود. ولو هوى متعمّداً وأتى به بعد القيام مطمئناً صحّت ، وهكذا في الباقي ، وإلّا بطلت ، كمن ترك التحريمة حتّى ركع ، أو الركوع حتّى وضع جبهته على المسجد ، أو السجدتين حتّى وصل إلى قوس الراكع.

ولا فرق في ذلك كلّه بين الأُوليين وغيرهما ، ولا بين الصبح أو المغرب وغيرها ، ولو نقص من عدد الركعات وسلم وتكلّم ثمّ ذكر ولم يستدبر أو يفعل المبطل مطلقاً أتمّها وسجد للسهو. ولو نقص سجدتين ولو لم يعلم أنهما من ركعة أو ركعتين بطلت.

وزيادة ركن إلّا النيّة مطلقاً. والركوع والسجود في بعض أحوال المأموم وفي الاحتياط على وجه. ولو ذكر في الركوع أنه خامس فإن ذكر أنه تشهّد قبلها وسلم

ص: 347

صحّت وإن ترك بعض الواجبات سهواً لخروج الزيادة ، وإلّا أعاد مطلقاً على الأقوى ، فإن كان قبل الركوع جلس وتشهّد وسلم وسجد للسهو ، ولو ذكر في الركوع أنه ركع قبلُ بطلت. ولا يكفيه إرساله نفسه منه.

والشكّ في عدد الثنائيّة مطلقاً ، كالصبح والمقصورة والآية والعيد والطواف والملتزمَة. وفي عدد الثلاثيّة ولو مُلتَزَمة ، وفي عدد أُوليي الرباعيّة ولو مُلتَزَمة. والشكّ في عدد غير معيّن كَمَن لم يدرِ كم صلّى.

ومَن شكّ أنه صلّى أم لم يصلّ ، فإن كان في الوقت لزمه أن يصلّي ، وإلّا فلا قضاء.

أو زيادة السجدتين لا يدري هما من ركعة أو ركعتين سهواً. والإتمام والإعادة أحوط.

واستدبار القبلة بها ، وإلى محض اليمين أو الشمال ، سواء تبيّن له ذلك قبل وسَهَا أو بعد ، لكن إذا بقي الوقت. والأحوط في المستدبر الإعادة مطلقاً. والمتعمّد فيها يعيد مطلقاً ولو بانحرافٍ ما.

والسجود على موضع نجس مطلقاً. وغير بعيد تخصيص جاهل النجاسة بالإعادة دون القضاء ، لا جاهل الحكم.

وفساد الطهارة وتركها وعروض الناقض لها فيها مطلقاً ولو قبل التسليم.

والسكوت الماحي لصورتها ، وكلّ فعل يمحو صورتها مطلقاً. ولا يضرّ نقص مندوب ولا زيادته مطلقاً ، إلّا أن يُنشئ منه شيئاً ينافي على الأشهر.

ص: 348

الفصل الثالث : الخلل الواقع في الصلاة

من أخلّ عمداً بواجب أو شرط أو جزء من أحدهما أو كيفيّة في أحدها كالترتيب والطمأنينة أو فعل ما يجب تركه مطلقاً أو زاد واجباً عمداً بطلت صلاته ولو كان جاهلاً بالحكم أو بالصحّة والفساد ، وإلّا في الجهر والإخفات فيعذر الجاهل كالناسي فيهما ، وإلّا في الضرورة فلا يجب إلّا الميسور كما مرّ.

ص: 349

ص: 350

الفصل الرابع : في السهو
اشارة

كلّ مَن نسي واجباً غير ركن وسجدة واحدة من كلّ ركعة أو جزأه أو السجود على غير الجبهة من السبعة ، فإن نسيان السجود على الجبهة في سجدتين من ركعة يفوّت الركن ، فإن ذكره ومحلّه باقٍ أتى به وبما بعده وصحّت صلاته ، ومحلّ استدراكه ما لم يستلزم زيادة ركن.

ومن سَهَا وأتى بما لم يبطلها مطلقاً كالأكل والشرب ، والكلام غير المستثنى ، والفعل الكثير غير الماحي على ما هو الأقوى ، والقهقهة ، والبكاء للدنيا وإن كان الأحوط فيه الإعادة مطلقاً أو انكشاف العورة من غير علمه ، لم تبطل صلاته أيضاً. فمن نسي واجباً من واجبات سجدة حتّى رفع ، أو من واجبات الجلوس بينهما حتّى سجد ، أو وضع غير الجبهة من المساجد حتّى رفع ، مضى وصحّت.

ولو نسي القراءة أو بعضها ، أو واجباً فيها ، فإن ذكر قبل الركوع أتى به وبما بعده حتّى السورة بعد الحمد ولو كان منهما ، وإلّا مضى وصحّت.

ومَن نسي الرفع من الركوع أو طمأنينته ، فإن ذكر قبل الدخول في السجود رفع مطمئناً ، وإلّا مضى.

ومَن نسي السجدتين فإن ذكر قبل أن يركع أتى بهما ، وإلّا بطلت. ومِن نسي

ص: 351

واحدة وذكرها قبل الركوع إن نسي معها الجلوس قبلها أو طمأنينة أتى به وسجد ، وإلّا سجد خاصّة ، وإلّا مضى.

ومَن شكّ في الجلوس بعد الأُولى أتى به وسجد ما لم يتجاوز محلّه.

ومَن نسي التشهّد أو بعضه أو واجباً فيه فإن ذكر قبل الركوع أتى به ، وإلّا مضى.

ومَن نسي السجدة الأخيرة أو التشهّد الآخر أو بعضه أو واجباً في أحدهما أتى به وبما بعده كغيره ولو بعد التسليم ما لم يقع منه المبطل مطلقاً.

ومَن نسي واجباً من سجدة فإن ذكر قبل أن يرفع أتى به ، وإلّا سجد ما لم يدخل في الثانية فإنه حينئذٍ يمضي ، وكذا الجلوس بينهما.

ومتى لم يذكر المنسيّ إلّا بعد تجاوز محلّه فإنه يمضي ولا يعود له ، فإن كان عمداً أو جهلاً بطلت صلاته ، وإن كان سهواً لم تبطل ، لكن ألّا يعيد ما أتى به من ذكر وغيره قبل ، فإن أعاده بعده سهواً أيضاً لم تبطل إلّا أن تمحى صورة الصلاة به.

والحاصل أنه متى نقص جزءاً وأمكن الرجوع إليه أتى به ما لم يدخل في ركن ، وإلّا مضى وصحّت. ومن زاد في الصلاة مثل ذكر أو دعاء أو تكبيرة أو قراءة لا توجب القرآن الممنوع ، لم تبطل ؛ سهواً كان أو عمداً ولو قصد الجزئيّة لا الذكر المطلق ، والأحوط حينئذٍ الإتمام والإعادة. ولا تبطل لو رفع غير الجبهة من الستّة حالة السجود ووضعها فيه ، والأحوط التجنّب خصوصاً مع نيّة السجود. ولو زاد مندوباً لم تبطل وإن قصد المشروعيّة وإن أثم حينئذٍ.

ومن نظر لمحرّم لم تبطل ، ومَن زاد قياماً ولم يأت بعده بركن جلس وأتم ، وكذا لو زاد تشهّداً سهواً أو سجدة واحدة سهواً فإنها لا تبطل. ومَن سَهَا عن باقي صلاته فكبّر لأخرى فذكر فهل يعدل للأُولى ويتمّها أو تبطل؟ الأولى البطلان ؛ لنيّة القطع مع فعله ، والاحتياط لا يخفى. ولو سَهَا في فرض وظنّ أنه نفل لم يبطل ، فهي على ما أُقيمت له أوّلاً. ومن ذكر بعد القيام للثالثة أو بعد الرفع من السجود أنه نسي السجدتين من الأولى والركوع من الثانية فقد سلمت له ركعة واحدة ويتمّ صلاته ،

ص: 352

وما زيد حينئذٍ من قراءة أو تشهّد سهواً لم يضر.

تنبيه

الجاهل معذور لو أخلّ بالجهر والإخفات فجهر في غير محلّه أو أخفت في غير محلّه كالساهي ، وفي إتمام المقصورة ، والناسي هنا يعيد في الوقت ، وعلى الأحوط يقضي في خارجه. ولا إعادة على الجاهل بغصبيّة الثوب أو المكان أو الماء أو المسجد أو بنجاسة الثوب أو البدن أو الماء أو المسجد أو بكون الجلد جلد ميتة إذا شراه من سوق المسلمين أو أخذه من مسلم لا يستحلّ جلدها على الأحوط ، ومَن لا يعلم أن اللباس أو المسجد من جنس ما يصلّى فيه لم تصحّ صلاته لوجوبه ، ولا تصحّ إذا استعمل المشكوك في أنه حرير أم لا ، أو جلد ميتة أم لا ، أو ذهب أم لا. ولا عبرة بالشكّ مع يقين الأصل أو أمارة شرعيّة على أحدهما.

تتمّة

لا حكم للسهو في النافلة إن لم يكن المنسيّ ركناً ، ولا يسجد له ، ولا في صلاة الجنازة ، ولا في سجود التلاوة ، ولا في سجود السهو ، ولا يسجد لترك المندوب ولا لزيادته ، والأحوط حينئذٍ السجود.

ولو نقص [ من (1) ] الواجبة أو زاد فيها ما لا يبطلها سهواً صحّت ولم يجب قضاء المنسيّ بعد التسليم ، إلّا أن يكون المنسيّ التشهّد أو بعضه على الأقوى ، خصوصاً إحدى الشهادتين أو سجدة من الركعة ولو من أكثر من ركعة ، فإنه يجب الإتيان به بعد التسليم بلا فصل أصلاً ، مستقبل القبلة جامعاً لجميع شروط الصلاة الممكنة.

ولو تعدّد المنسيّ منهما قدّم الأوّل إن عُلم. ولو تخلّل المنافي من الصلاة والمنسيّ فالأولى عدم البطلان ، والأحوط أنه إن كان ممّا يبطلها عمداً ووقع سهواً أتى به وسجد له بعد السجود له. ولو كان المنسيّ من التشهّد لفظة واحدة أتى بها

ص: 353


1- في المخطوط : ( في ).

وبما تتمّ به الجملة ، والأولى الإتيان بجميعها بعدها إن كان.

ولو اجتمع الجزء المقضيّ مع صلاة الاحتياط قدّمت ، كما تقدّم صلاة الاحتياط على سجود السهو وإن تأخّر موجب الاحتياط عن موجب سجود السهو. والأقوى الأحوط وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة أو نقيصة تبطل الصلاة عمداً فقط ، ويتعدّد بتعدّد السبب اتّحد نوعاً أو اختلف ، توالى السببان أم لا ، بل لا خلاف ، ويجب ترتيبها وتقديم السجود للسابق من الأسباب مطلقاً ، إلّا أن ينسى الترتيب فيسقط كلّاً أو بعضاً ، وقيل : الأولى تقديم ما سببه النقص إن ذكر.

ولو تبيّن له خطأ ترتيبه بعد السجود لم يُعِد ، وهي (1) أحوط.

ومَن تعدّد الكلام منه سهواً تعدّد عليه السجود إن تحقّقت فواصل بينه جزماً ، وإلّا فعليه سجود واحد. ومَن أتى بصيغ التسليمات الثلاث سجد ثلاثاً ، ويحتمل سجوداً واحداً. ولو تبيّن له في أثناء الجزء المقضيّ أو السجود صحّت الصلاة مطلقاً ولا شي ء. ومَن أخّر السجود عن دبر الصلاة وجب عليه الإتيان به وإن طال الزمان.

وتجب السجدتان للقيام في محلّ الجلوس أيضاً وبالعكس ، وفي الشكّ بين الأربع والخمس إذا كان بعد الرفع من السجدتين قبل الركوع ، ومحلّها بعد التسليم سواء كانا من زيادة أو نقصان ، ويكفي فيهما مطلق الذكر ، والأولى المأثور. ويشترط فيهما شروط سجود الصلاة [ و ] وجوب الجلوس بينهما. ويجب [ فيهما (2) ] ، وفي الجزء المقضيّ النيّة ، وصورتها أن يقصد قضاء المعيّن المنسيّ قربةً إلى الله ، أو يقصد السجود لما تركه أو زاده قربةً إلى الله. والأحوط ضمّ الوجوب ، كما أن الأحوط وجوب التعرّض للأداء والقضاء في الجزء المقضيّ وفي السجدتين ، خصوصاً في الأوّل. وليس في سجدتي السهو ركوع ولا قراءة ولا تكبير واجب ، ويتشهّد بعدهما تشهّداً خفيفاً يجزي فيه أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمّداً : رسول الله أو بالضمير اللهمّ صَلّ على محمّد وآله ، والتشهّد التامّ جائز ، ثمّ يسلّم.

ص: 354


1- أي والإعادة.
2- في المخطوط : ( بينهما ).

ولو وقع السهو في الجزء المقضيّ أو في السجود للسهو لم يلزم سجود السهو فيهما ، ولو شكّ في حصول السهو فلا شي ء ؛ لأصالة العدم. ولا حكم للسهو مع الترجيح ، ولا سهو على مَن كثر سهوه ، والحكَم العرف ، ولكنّه يأتي بالمتروك في محلّه إن بقي ، وإلّا بعد الصلاة إن كان ممّا يقضى وإن سقط عنه السجود له ، وتفسد صلاته لو ترك أو فعل ما يبطله مطلقاً.

ص: 355

ص: 356

الفصل الخامس : في الشكّ

وهو تردّد النفس بين الفعل والترك من غير ترجيح ، فإن ترجّح أحد الطرفين فالراجح ظنّ والمرجوح وهم. ومتى حصل للمصلّي ترجيح اعتمده وعمل بمقتضاه مطلقاً ولو في الأُوليين. ولا يعارض اليقين ظنّ ولا شكّ في حال مطلقاً ، فلو ظنّ المكلّف أنه تطهّر أو صلّى لم يجزِه ، بل هو حينئذٍ مشغول الذمّة.

ولا حكم للشكّ إذا كثر ، بل يبني على المصحّح مطلقاً ، فلو شكّ في ذكر الركوع مثلاً بنى على أنه أتى به ، ولو شكّ بين الثلاث والأربع أو بين الأربع والخمس يبني على الأربع فيهما ، ولا فرق فيه بين الأُوليين وغيرهما ، ولا بين الشطر والشرط في أثناء العمل وقع أو بعد العمل.

ولو فعل المشكوك فيه مطلقاً بطلت عبادته مطلقاً ولو كان غير ركن ، ولو طرأت الكثرة بعد تعلّق سهو أو شكّ به قبلها لزمه حكمه ، وليس على كثيره احتياط ولا سجود. ولو كان كثير الشكّ في نوع خاصّ خاصّة [ كالشك (1) ] بين الثلاث والأربع خاصّة دون غيره مثلاً ، فهل يعد كثيره في غيره أيضاً ، أو فيه خاصّة؟ وجهان ، أرجحهما الأوّل ؛ لدورانه على التسمية عرفاً. وفسّر الكثرة بعض (2) بأنها السهو أو الشكّ في فريضة واحدة ثلاث مرّات متواليات أو في ثلاث فرائض متوالية ، والأقوى الأشهر الرجوع

ص: 357


1- في المخطوط : ك.
2- السرائر 1 : 248.

إلى العرف فإن الحكم لم يرد فيه نصّ ، ومرجع معرفة حكم العرف إلى العارفين.

ولا حكم لشكّ المأموم إذا حفظ الإمام كالعكس ، ولا للشكّ في حصول الشكّ ؛ لأصالة العدم. ويتخيّر الشاكّ في عدد النوافل أو النافلة بين البناء على الأقلّ والأكثر ، ويتعيّن الأوّل إذا أوجب الثاني البطلان ، ويتخيّر الشاكّ أيضاً في فعل منها وعدده ركناً كان أو غيره ، تجاوز المحلّ أم لم يتجاوزه.

ولو شكّ في نفس الشرط كالوضوء والستر والاستقبال فإن كان بعد الفراغ لم يلتفت ولو بقي الوقت ، وإلّا أتمّها وحصّله وأعاد ، والأحوط الإعادة مطلقاً إن بقي الوقت.

ومَن شكّ في نفس الصلاة فإن كان في الوقت صلّى ، وإلّا لم يلتفت. والأحوط لمعتاد التهاون بها القضاء خارجه إن لم نقل باللزوم وهو غير بعيد. ومن شكّ في جزئها فإن كان بعد التسليم لم يعتدّ به ولو فيه إن شكّ فيه بعد تصوّر الفراغ ، وإلّا أتى به لأنه في محلّه إن لم يطل الزمان. وإن كان قبله فإن لم ينتقل إلى واجب آخر أتى به ولو كان ركناً ، كالشكّ في النيّة قبل التحريمة ، أو فيها قبل القراءة ، أو فيها أو بعضها قبل الركوع ؛ لأن القراءة فعل واحد على الأقوى ، فلو شكّ في الفاتحة أو بعضها أو في السورة أو القنوت لم يعدّ انتقالاً وأتى به ، ومَن شكّ في الركوع قبل السجود ولو في الهويّ أتى به ، كمَن شكّ في السجود قبل التشهّد أو الانتصاب ، أو في التشهّد قبل الانتصاب. وحكمه الإتيان به ، ولا فرق بين الأُوليين وغيرهما ، وكذلك حكم المندوب.

وكلّما أتى بمشكوك [ أتى ] بما بعده تحصيلاً للترتيب ، ولو ذكر بعد الإتيان به أنه أتى به قبل ؛ فإن كان ركناً بطلت ، وإلّا صحّت ولزمه سجود السهو ، فلو ذكر أنه ركع قبل وهو في قوس الراكع بطلت ، ولا يكفيه إرساله نفسه ولو كان في الأخيرتين.

وإن دخل في واجب آخر من واجباتها أصالة لا ما كان مقدّمة كالهويّ والنهوض مضى نصّاً (1) وإجماعاً (2) ، كمَن شكّ في النيّة وقد كبّر للإحرام ، أو فيها وقد

ص: 358


1- انظر وسائل الشيعة 8 : 237 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 23.
2- مدارك الأحكام 4 : 231.

دخل في القراءة ، أو فيها وقد ركع ، أو فيه وقد رفع ، أو فيه وقد سجد ، أو فيه وهو يتشهّد أو قائم ، أو في التشهّد وقد انتصب .. وهكذا.

هذا كلّه في غير الشكّ في عدد الركعات ، فإن له أحكاماً تخصّه ، وله صور أكثرها دوراناً خمسة (1) :

الأوّل منها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد كمال سجدتي الثانية ، وحكمه البناء على الثلاث ويأتي بالرابعة ، وبعد أن يسلّم يحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ، والأوّل أولى.

الثاني : الشكّ بين الثلاث والأربع مطلقاً ، وحكمه البناء على الأربع فيتمّها ، وبعد التسليم يحتاط بركعة أو ركعتين كالأوّل.

الثالث : الشكّ بين الاثنتين والأربع بعد كمال سجدتي الأُوليين ، وحكمه البناء على الأربع ، وبعد التسليم يحتاط بركعتين من قيام.

الرابع : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد كمال سجدتي الأُوليين ، وحكمه البناء على الأربع ، وبعد التسليم يحتاط بركعتين من قيام ثمّ بركعتين من جلوس.

الخامس : الشكّ بين الأربع والخمس ، فإن وقع قبل الركوع جلس لينزل الشكّ بين الثلاث والأربع فيلزمه حكمه وسجود السهو للقيام المهدوم ، وإن عرض على التشهّد أتمّه وسلم وسجد للسهو ، وإن عرض وهو راكع ، أو رافع منه ، أو هاوٍ للسجود ، أو فيه ، أو بين السجدتين ، أو قبل الرفع من الأخيرة ، بطلت الصلاة في الجميع. والأحوط حينئذٍ الإتمام وسجود السهو والإعادة. وهذه هي الشكوك المنصوصة.

ويعلم منها ومن أحاديث الشكّ [ و ] الإعادة قاعدة (2) هي البناء على الأكثر ، ومنها يعلم أحكام في شكوك أُخر منها الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس فما زاد ، فإن عرض حال التشهّد أتمّه وسلم ، واحتاط بركعتين قائماً وسجد للسهو ، وإلّا

ص: 359


1- من هامش المخطوط ( نسخة بدل ) ، وفي المخطوط : ( أربعة ) ، وقد أثبتنا ما في الهامش ؛ لأنه المطابق لعدد الصور التي ذكرها المصنّف قدس سره بعد ذلك.
2- إذا تأمّلت وجدت مبنى قاعدة أحكام الشكوك على ترجيح الظاهر على الأصل ، فالظاهر هو الأصل فيها. 2. ، هامش المخطوط.

فسدت الصلاة ؛ لأنه إن هدم لم تسلم له الأُوليان ، وإن أتمّها لم يحصل يقين البراءة وإن كان من صور المبطلة في الخامس زيادة على عدم يقين الأُوليين.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فإن عرض قبل الرفع من السجدة الأخيرة فهو مبطل لما مرّ ، وإلّا تشهّد وسلم ، واحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس وسجد للسهو بعدها.

ومتى تضمّن الشكّ بين الاثنتين وما زاد على الخامسة فهو مبطل ، وكذا لو شكّ بين الاثنتين والخمس وبين الثلاث والخمس.

ومنها : الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس ، فإن كان قبل الركوع هدمه لينقلب شكّه حينئذٍ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيتشهّد ويسلّم ، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام ، ثمّ بركعتين من جلوس ويسجد للسهو. وإن كان بعد الفراغ من السجدة الأخيرة تشهّد وسلم ، ثمّ احتاط بركعة قائماً أو بركعتين جالساً وسجد للسهو ، ويحتمل البطلان ، وإن كان في غير هذين الحالين بطلت الصلاة.

ومنها : الشكّ بين الثلاث والخمس ، فإن كان حال القيام هدمه ورجع شكّه فيما بين الاثنتين والثلاث ويعمل بحكمه ، وإلّا فهو مبطل.

ومن تأمّل هذا يظهر له بطلان ما قاله الشيخ يوسف : في شرح صلاتيته : ( إن حكم الشكّ بين الاثنتين والأربع والخمس البناء على الأربع ، والاحتياط بركعتين والسجود للسهو ، فإنه اشتمل على شكّين منصوصين ، والشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس مشتمل على ثلاثة شكوك منصوصة ، فليزمه فيه ما يلزم فيها ، ويزيد على الاحتياط السابق ركعتين من جلوس. والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس مشتمل على شكّين منصوصين ، فيحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ، ويسجد للسهو ) (1) ، انتهى.

ص: 360


1- شرح الرسالة الصلاتية : 236.

وليس كلّ شكوك متعدّدة مجتمعة ، بل شكّ واحد ورد به النصّ (1) ، إنما هو كما بيّناه. ولو تعلّق الشكّ بالسادسة يحتمل البطلان مطلقاً لعدم يقين البراءة من زيادة الركن والبناء على الأقلّ وهذا ضعيف جدّاً وإلحاقه بغيره. فما يمكن إرجاعه من صورة لما يكون صحيحاً يصحّ وما لا يمكن لا يصحّ. وهذا غير بعيد ؛ فما أعاد الصلاة فقيه قطّ يحتال فيها ويدبّرها (2) و [ يظهر (3) ] من غيره [ أن (4) ] الإعادة أولى.

كما أن الاحتياط في الإتمام والإعادة في ما عدا الشكوك الأربعة الأُوَل ، ولنذكر جملة من ذلك :

فمنها : الشكّ بين الخمس والستّ ، فإن عرض وهو قائم هدمه ورجع شكّه لما بين الأربع والخمس بعد السجود ، وعرفت حكمه ، وإلّا بطلت الصلاة.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والستّ والشكّ بين الأربع والستّ ، وهو مبطل في جميع حالات هذه الصور عدا الثالثة بعد السجود خاصّة ، ولكنّه يسجد للسهو لاحتمال الزيادة.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والستّ ، والشكّ بين الاثنتين والأربع والستّ ، والشكّ بين الاثنتين والخمس والستّ ، والشكّ بين الثلاث والأربع والستّ ، والشكّ بين الثلاث والخمس والستّ ، والشكّ بين الأربع والخمس والستّ.

وتصحّ الصلاة في الثانية إذا كان بعد السجود ؛ لرجوعه حينئذٍ إلى الشكّ بين الاثنتين والأربع ، وحكمه حكمه ، ويسجد للسهو. وفي الرابعة إذا كان بعد كمال السجود ، ويلزمه احتياطُ الشكّ بين الثلاث والأربع وسجود للسهو. وتبطل في ما عدا ذلك من حالاتهما مطلقاً ؛ لتردّده في جميعها بين النقص والزيادة. وفي الخامسة والسادسة إن وقع قبل الركوع هدم القيام ورجع شكّه في الأوّل إلى ما بين الاثنتين والأربع والخمس ، فيحتاط بركعتين ويسجد للسهو. وفي الثانية إلى ما بين الثلاث

ص: 361


1- انظر وسائل الشيعة 8 : 222 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 13.
2- انظر وسائل الشيعة 8 : 215 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 9 ، ح 3.
3- في المخطوط : ( مظهر ).
4- في المخطوط : ( و ).

والأربع والخمس ، فيحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً ويسجد للسهو ؛ لاحتمال الزيادة. ويحتمل صحّة السادسة أيضاً إن وقع بعد السجود ، ويسجد للسهو حينئذٍ خاصّة. وفي ما عدا ذلك من الستّ وحالاتها هو مبطل.

ومنها : الشكّ بعد كمال السجدتين والرفع منهما بين الاثنتين والثلاث والأربع والستّ ، والشكّ بين الاثنتين كذلك والثلاث والخمس والستّ ، والشكّ بين الاثنتين كذلك والأربع والخمس والستّ ، والشكّ بين الثلاث والأربع والخمس والستّ ، فإن وقع في الأولى بعد السجود احتاط بركعتين من قيام أو ركعة من جلوس وسجد للسهو ، وكذا في الثالثة كذلك ليس فيها ركعتان من جلوس ، وفي الرابعة إن كان قبل الركوع هدم القيام وصار شكّه بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فيتشهّد ويسلّم ويحتاط بركعتين قائماً وركعتين جالساً ويسجد للسهو.

وفي ما عدا ذلك من الصور الأربع وحالاتها هو مبطل.

ومنها : الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس والستّ ، فإن كان بعد الرفع من السجود بنى على الأربع ، واحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، ويسجد للسهو ، وإلّا فهو مبطل.

والأولى ملازمة الإعادة في جميع الصور السابقة ، وتتعيّن فيما تعلّق بالسابعة وإن أمكن انسحاب الحكم بالصحّة في نظائر الصور الصحيحة المتعلقة بالخامسة ، ولو تعلّق الشكّ بما زاد على السابعة مطلقاً فهو مبطل مطلقاً ، والأولى ما مرّ.

ومتى تعلّق الشكّ بما بين الاولى وغيرها مطلقاً فهو مبطل مطلقاً. ولو قال : لا أدري قيامي لثالثة أو رابعة ، فهو شكّ بين الاثنتين والثلاث. ولو قال : لرابعة أو خامسة ، قعد ولزمه حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ويسجد للسهو. ولو قال : لثالثة أو خامسة ، قعد وتشهّد وسلم ، وانقلب شكّه إلى ما بين الثانية والثالثة ، ولزمه حكمه ويسجد للسهو.

ولو شكّ ثمّ رجّح بنى على الثاني وبالعكس. ومَن عرضت له شكوك مترتّبة لزمه حكم المتأخّر. ومَن حصل له شي ء ثمّ شكّ في أنه شكّ أو ظنّ فهو شكّ ؛ لأن الأصل

ص: 362

عدم الترجيح. ومَن شكّ في شكّ سابق أنه مبطل أم لا بنى على الصحّة إن عرض في دخوله في فعل آخر. ومَن شكّ بعد مجاوزة محلّ الشكّ في أنه موجب لركعة أو ركعتين بنى على الركعة ، أو أنه موجب للسجود أو مع ركعتين ، فالسجود ؛ لأن الأقلّ هو المتبيّن ، والأحوط الإتيان بهما ثمّ الإعادة.

ولو شكّ شكّاً يوجب الركعتين وبعد الفراغ منها انقلب شكّه إلى ما يوجب الركعة ، بنى على الأوّل. وكذا لو كان في أثناء الاحتياط. والأحوط الإتيان بهما ثمّ الإعادة.

ومن شكّ ثمّ جهل شكّه من رأس أعاد ؛ لرجوعه إلى من لم يدرِ كم صلّى. ولا يجوز لمن لزمه احتياط أو سجود أن يتركه ويعيد الصلاة ، فلو فعل فعليه الإتيان بالجبر ؛ لأنه مشغول الذمّة ، ولأنه لم يبطل بفعل المنافي بناءً على أنها صلاة مستقلّة ، وإن قلنا بالجزئيّة فقد أبطل الصلاة بفعل المنافي وهو الصلاة المعادة فعليه إعادة الصلاة بَعدُ أيضاً ، والأحوط الإتيان بالجبر ثمّ الإعادة بعده.

وكيفيّة صلاة الاحتياط أن يقصد بقلبه صلاة ركعة أو ركعتين احتياطاً عمّا لعلّه نقص قربةً إلى الله تعالى ، ثمّ يكبّر تكبيرة الإحرام كما مرّ ، ثمّ يقرأ الفاتحة وحدها سرّاً ، ويجوز الجهر بالبسملة ، والأحوط الإخفات بها أيضاً ، ولا يكفي التسبيح بدل الحمد وإن كانت جبراً في الأخيرتين ، ثمّ يركع ثمّ يسجد بعد الرفع منه سجدتين كما مرّ ، ثمّ يتشهّد ويسلّم ، أو يأتي بأخرى كذلك إن كان بركعتين ، وتجري فيهما جميع أحكام الصلاة المذكورة من الشروط وغيرها ، إلّا إنه لا أذان بها ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت. ولو حصل له شكّ أو سهو ؛ فإن كان في محلّه تداركه ، وإلّا فلا شي ء ولا سجود سهو.

ويجب الإتيان بالاحتياط بعد التسليم فوراً بلا فصل. وهل [ هي ] جزء من الصلاة ، أم صلاة مستقلّة؟ قولان ، أظهرهما الثاني. فلو تخلّل المبطل بينها وبين التسليم بطلت الصلاة على الأوّل ، وتطهّر وأتى بها ، وصحّت على الثاني. والإتيان بها بعد الطهارة ثمّ الإعادة أحوط.

ومن ذكر نقصان الصلاة قبل الاحتياط فهو كمن سلّم على ركعة أو ركعتين ، وإن

ص: 363

ذكر الزيادة أعاد الصلاة كما لو ذكرها بعد الاحتياط. ومن ذكر النقصان بعد الاحتياط صحّت صلاته وإن لم يطابق الاحتياط ، كما لو ذكر الثلاث وقد أتى بركعتين من جلوس. وهذا إنما يدلّ على استقلالها ، مضافاً إلى أنها جبر. وبعد التسليم فهي خارجة مشتملة على النيّة والتحريمة. وكونها ركعة في بعض الأحوال له نظير [ مثل ] مفردة الوتر. ومن تبيّن له التمام في الاحتياطية تخيّر بين إتمامها نافلة ، والقطع ؛ لأنها نافلة ، ويجوز فيها القطع.

وإن ذكر النقصان في أثنائها فأظهر الوجوه الصحّة ووجوب إتمام الاحتياط ، سواء كان الاحتياط موافقاً كما لو تبيّن نقص ركعة وقد دخل في ركعة قيام أو ركعتين وقد دخل في ركعتي قيام ، أو مخالفاً كالموافق كما لو نقص ركعة وقد دخل في ركعتي جلوس ، أو مخالفاً كما لو نقص ركعة وقد دخل في ركعتي قيام ، ولو دخل في ركعتي جلوس أتمّها وأتى بالباقي بعد.

ولو ذكر النقصان بعد الاحتياط أو في أثنائه وقد تخلّل المنافي بين الاحتياط وبين الصلاة ففي الإعادة إشكال ، وهي أحوط فيهما بعد الإتمام.

ومن صلّى قبل الاحتياط صلاة مطلقة بطلت لفوريّته ، فيقتضي النهي عنها ، وهو يقتضي الفساد ، وعليه الإتيان به.

ولو لزمه احتياط في الظهر فضاق الوقت إلّا عن العصر زاحم العصر إن بقي من الوقت ما يسع منه واجبات ركعة ، وإلّا صلّيت العصر. وفي بطلان الظهر حينئذٍ وجهان مبنيّان على أن فعل المنافي قبل الاحتياط مبطل ، أم لا؟ والأولى العدم. وكذا لو أخّره عمداً حتّى خرج الوقت ، لكنّه يأثم إجماعاً ، وعليه أن يأتي به قضاءً لأن وقته تبعٌ للفرض. ولا يجوز الاقتداء في الاحتياط ولو بمثله على الأظهر ؛ لاحتمال الفصل.

ص: 364

الباب الرابع : في الجماعة

الباب الرابع : في الجماعة (1)

[ و ] لا تجب إلّا في الجمعة والعيدين بشروطهما وفي الملتزم جماعة ، وتنعقد بإمام ومأموم واحد ولو امرأة أو صبيّاً على الأقوى وإن قلنا : إن عبادته تمرينيّة ، ولا يجب تأخّر المرأة الواحدة على الأقوى ، فيجوز لها الوقوف عن يمينه أو بجنبه كالرجل على الأقوى الأشهر.

واعلم أنه قد يجب حضور جماعة أهل الخلاف كفاية أو عيناً وإن لم تصحّ نيّة الاقتداء بهم ، ولا يجوز أن يصلّي معهم بغير وضوء ، فإن لم يتمكّن يتيمّم ، فإن تعذّر فلا ينوي الصلاة ، وأرِهم كأنّك تركع وتسجد ولا تركع ولا تسجد. ولو اضطررت للدخول معهم بغير نيّة الصلاة فلا تستخفّ بها في حال. ومن نوى الائتمام بهم لم تصحّ صلاته فإنهم كالخشب المسنّدة.

ويلزم المصلّي معهم القراءة ولو سرّاً ، ويكفي معهم مثل حديث النفس. ويسقط الجهر في الجهريّة ، وينصت إلى قراءة إمامهم إذا سمعها ، فإذا سكت قرأ ، وإن لم يسكت قرأ في نفسه. ومن فرغ من السورة قبل إمامهم تخيّر بين أن يكمل السورة أو يذكر الله تعالى حتّى يركع ، وبين أن يؤخّر آية من آخر السورة ويذكر الله حتّى

ص: 365


1- في المخطوط : ( الباب الخامس ).

يركع إمامهم فيقرأها ويركع. ومن لم يتمكّن من قراءة السورة سقطت عنه إجماعاً (1).

ومن لم يدرك إمامهم إلّا في الركوع ولم يتمكّن من إسقاط تلك الركعة دخل معهم واعتدّ بها على رواية ابن عمّار ، وفيها إنها من أفضل ركعاتك (2).

وعمل بها بعض الفقهاء إلّا إن الإعادة حينئذٍ أولى وأحوط.

ومن لم يتمكّن من التشهّد جالساً ولو على عقبه أو هيئة أخرى تشهّد قائماً مطمئناً كما لو دخل معهم في ثانيتهم ، ولا يتشهّد حينئذٍ وهو آخذ في القيام.

ولو قرأ إمامهم العزيمة فإن لم يسجد صحّت صلاتك وتقضي السجود بعد الصلاة ولو في مكان آخر ، أو وقت آخر بحسب المكنة ، وإن سجد فاسجد معه ، وأعد الصلاة وقتاً واقضها خارجاً. وإن كانت صلاتك نَفلاً فاسجد معهم ولا شي ء. ولا يضرّ معهم التأمين ولا التكفير ولا التسليم في أثناء التشهّد ولو لم تندفع التقيّة إلّا به ، لكن يسجد للسهو حينئذٍ ، والإعادة حينئذٍ أحوط. ولا إعادة على مَن صلّى معهم. ويجوز أن يصلّي قبل صلاتهم ثمّ يصلّي معهم وتكون كالمعادة ، ولو صلّوا في غير وقت فصلّ معهم واجعلها نافلة وصلّ الفرض بعد دخوله. والمسبوق معهم يذكر الله مدّة التشهّد ثمّ يتمّ صلاته ، ولا يضرّه ترك التجافي.

ولا تشرع الجماعة في نافلة مطلقاً إلّا الاستسقاء إجماعاً (3) ، وفي ندب العيدين على الأشهر الأقوى ، وفي الغدير كما عليه جماعة (4) ، ولا بأس به. وتشرع في الواجبة مطلقاً ولو بالعارض.

ولا يشترط تساوي صلاة الإمام والمأموم عدداً ولا صِنفاً ، فيجوز الاقتداء في صلاة المغرب بمن يصلّي العشاء مثلاً وبالعكس ، وفي الطواف والمستأجر عليها بمن

ص: 366


1- مدارك الأحكام 4 : 325.
2- تهذيب الأحكام 3 : 38 / 133 ، الإستبصار 1 : 431 / 1166 ، وسائل الشيعة 8 : 368 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 34 ، ح 4.
3- تذكرة الفقهاء 4 : 235 / المسألة : 537.
4- الكافي في الفقه : 160.

يصلّي اليوميّة مثلاً وبالعكس ، والمسافر بالحاضر ، فيسلّم إذا كمل فرضه كغيره ، كمن قصر فرضه عن فرض الإمام ، ويجوز له أن ينتظر تسليم الإمام فيسلّم بعده ولا يتابع الإمام ، وبالعكس.

ومتى زاد عدد فرض المأموم على فرض الإمام قام المأموم ناوياً الانفراد بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة إن لم يكن عليه تشهّد حينئذٍ ، [ وإلّا فعليه ] أن يتابع الإمام في التشهّد ، فإذا سلّم الإمام قام وأتمّ ، ولا يتابعه في التسليم.

نعم ، يشترط اتّفاق صلاتي الإمام والمأموم نوعاً ، فلا يقتدي مصلّي العيد أو الآية بمصلّي اليوميّة مثلاً ، ولا العكس. ويقتدي المفترض مطلقاً بالمتنفّل نافلة تشرع فيها الجماعة كالمعادة في جماعة. والمتنفل بمثله وبالمفترض في المعادة للجماعة ، أو لطول الآية مع توافق هيئتي صلاتيهما.

وإذا أعاد مَن صلّى منفرداً لوجدان من يصلّي معه جماعة إماماً كان أو مأموماً فلينوِ بالثانية النفل لا الفرض ، وفي استحباب الإعادة لمن صلّى جماعة إشكال ، والعدم أولى.

والمسبوق بركعة يجلس على الثانية ويتشهّد تشهّداً خفيفاً ويلحق بالإمام ، وإذا جلس الإمام للتشهّد ولم يكن على المأموم تشهّد جلس معه ذاكراً لله أو متابعاً له.

ولو أزاد الإمام ركعة وجب على المأموم الانفراد ولو كان عليه ركعة ، كما إذا كان مسبوقاً بركعة.

والمسبوق يجعل أوّل ما يدخل فيه مع الإمام أوّل صلاته ، فيراعي فيها ما يلزمه فيها من قراءة وغيرها ، فلو أدركه في الثانية أنصت ولم يقرأ في أُولاه ، وقرأ الحمد وسورة في ثانيته التي هي ثالثة الإمام سرّاً ولو في جهريّة ، ويجلس بعدها ويتشهّد ويلحق بالإمام. وكذا لو دخل معه في ثالثة قرأ الحمد وسورة كذلك في أُولاه وثانيته ، فلو ترك القراءة عمداً أو جهلاً مع تمكّنه بطلت صلاته ، وسهواً يصحّ ويسجد للسهو ، وإن لم يتمكّن من السورة والحمد ومن إتمامهما قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع سقطت ، فيلحقه في الركوع ولا يتمّ الحمد والسورة ، فإن فاته

ص: 367

الركوع حينئذٍ لحقه في السجود على الأقوى ، فإذا سلّم الإمام قام المسبوق بعده وأتمّ صلاته ولا يسلّم معه ، بلا خلاف في شي ء من ذلك سوى ما أشرنا له.

وليس للمسبوق الاقتداء في التتمّة بإمام آخر إلّا إذا كان مؤتمّاً معه كمسبوق آخر ، وكمن قدّم الجماعة بعد عروض عذر للإمام فينوي الائتمام به حينئذٍ بقلبه.

ويدرك المأموم الركعة ويعتدّ بها بإدراك الإمام قبل أن يرفع رأسه من الركوع ولو بعد الذكر الواجب على الأقوى الأشهر ، ولو شكّ هل أدركه راكعاً ، أو رافعاً؟ لم يعتدّ بها. ولو خشي المأموم فوت الركعة إذا وصل الصفّ مثلاً وقف في موضع تصحّ فيه القدوة وكبّر وركع ثمّ لحق به على أيّ حال ولو بعد السجدتين ، لكن بشرط أن يجرّ رجله جرّاً قاطعاً للذكر حال المشي محافظةً على الطمأنينة.

ويشترط ألّا يقع منه حينئذٍ فعل كثير أيضاً ؛ محافظة على ترك ما قام الدليل على المنع منه ، إلّا ما استثناه الدليل ، وتحصيلاً ليقين البراءة.

ويشترط في إمام الجماعة البلوغ ، فلا تصحّ إمامة الصبيّ حتّى المميّز إلّا لمثله. والعقل ، وتصحّ إمامة الدَّوري حال إفاقته. والإيمان وطهارة المولد ، فلا تصحّ ممّن ثبت شرعاً أنه ابن زنا ولو عدلاً ، وبولد الشبهة. وألّا تنقص هيئة صلاته عن هيئة صلاة المأموم ، فلا يأتم القائم بالجالس. وهكذا باقي المراتب. وألّا يكون مفلوجاً والمأموم صحيحاً. وتصحّ إمامة القاعد والمفلوج لمثله. ولو عرض أحدهما في أثنائها وجب الانفراد. والعدالة. وأن يكون متقناً للقراءة والأذكار الواجبة. وألّا يكون متأوّف اللسان كالألثغ (1) والفَأفَاء (2) والتمتام (3) ، إلّا أن يكون المأموم مثله في جهل ما جهله من ضبط القراءة وآفة اللسان ، أو ناقصاً عاجزاً عن التعلّم لضيق الوقت عن التعلّم وعدم التمكّن من الاقتداء بالأكمل. ومثل ذلك الألحن عند

ص: 368


1- الألثغ : الذي لا يستطيع أن يتكلم بالراء. لسان العرب 12 : 235 لثغ.
2- الفَأْفَاء : الذي يكثر ترداد الفاء إذا تكلَّم. لسان العرب 10 : 167 فأفأ.
3- التمتمة : الترديد في التاء. لسان العرب 2 : 56 تمم.

جماعة (1) ، وهو حسن. وألّا يكون امرأة والمأموم رجل ، وتصحّ إمامة المرأة للمرأة في النافلة والفريضة ، والأحوط العدم. ولا تصحّ إمامة الخنثى مطلقاً. وألّا يكون الإمام أغلف مقصّراً في تأخير الختان.

وألّا يكون مكان الإمام أعلى من مكان المأموم [ أو ] مرتفعاً بما يعدّ عرفاً أرفع ، فما كان قدر ذراع امتنع ، دون ما نقص ، وتبطل حينئذٍ صلاة المأموم دون الإمام ، ولا يضرّ العكس مطلقاً ما لم يفرط علوّ المكان ، كأن يكون المأموم على منارة. هذا كلّه ما لم تكن الأرض منحدرة ، فإنه يغتفر العلوّ فيها من الجانبين.

ولا يضرّ اختلاف المأموم والإمام في الفروع ، إلّا أن تكون صلاة الإمام باطلة عند المأموم فلا تصحّ قدوته به حينئذٍ ، كما لو اعتقد الإمام استحباب السورة مثلاً ، والمأموم وجوبها ، فإنه لا تصحّ القدوة حينئذٍ ولو قرأها الإمام ، على الأحوط. أو يرى الإمام جواز الصلاة في فرو السنجاب وهو لابس له حينئذٍ والمأموم العدم. أو يرى الإمام الجهر في الأخيرتين والمأموم الإخفات. أو في القبلة ، وأمثال ذلك.

ولو علم المأموم بنجاسة ثوب الإمام ولم يعلم الإمام ، صحّت صلاة الإمام دون المأموم ، ولا يجب على المأموم إخباره حينئذٍ بها.

نعم ، يشترط علم المأموم بصحّة صلاة الإمام ظاهراً عنده ، فلو تبيّن له بطلان صلاة الإمام بعد الفراغ فلا إعادة. ولو بقي الوقت قبله ينفرد من موضعه وما مضى صحيح ، ولا يعيد القراءة لو فرغ منها ولا ما مضى لو تبيّن في أثنائها.

ولو أمّ القوم آخر ليتمّ بهم لفراغ الأوّل أو حدوث حادث به ، بنى اللاحق على ما مضى ، ولو وقعت في أثناء السورة فالأقوى البناء على ما مضى منها. وصرّح بعضٌ بعدم اشتراط كون النائب من المأمومين (2) ، والاشتراط أولى وأحوط.

ولو استناب الإمام اختياراً جاز ، ولو لم يستنب جاز للمأمومين أن يستنيبوا كلّهم أو بعضهم ، وجاز لهم الانفراد كذلك.

ص: 369


1- السرائر 1 : 281.
2- منتهى المطلب 1 : 381.

ولو صلّى اثنان ، فقال كلّ منهما : كنت مأموماً ، بعد الفراغ أعادا مطلقاً ، كما لو شكّا فيما نوياه. ولو قال كلّ منهما : كنت إماماً ، صحّت صلاتهما.

ولا يجوز تقدّم المأموم على الإمام ولو في الأثناء ، ويجوز مساواته على الأشهر الأقوى. والعبرة في المساواة والتأخّر والتقدّم بالعقب لا بالعرف على الأشهر ، ولا بالأصابع ولا بالمسجد ، فمتى تأخّر عقب المأموم تحقّق تأخّره ولو طالت أصابعه على أصابع الإمام وتقدّم مسجده على مسجده ، والأحوط تأخّر المأموم بالأصابع أيضاً. ولو صلّوا جلوساً فالعبرة بالمقعد ، ومضطجعين فبالجنب. ولو صلّوا حول الكعبة بالاستدارة فهل المعتبر فيمن هو في عين جهة الإمام عدم كون مسجده أقرب إلى الكعبة من مسجد الإمام ، أو تأخّره عنه بالعقب؟ قولان ، الأوّل أولى.

ويشترط في صحّة القدوة أيضاً عدم بُعد المأموم عن الإمام عرفاً ، أو عمّن هو متّصل به من الجماعة كالصفّ الأوّل بالنسبة للصفّ الذي خلفه ، وهكذا. ومحلّ البعد ما بين مسجد المأموم وموقف الإمام ، وهكذا في المصلّين. ومرجعه أن يقال عرفاً : إنه لا يصلّي خلفه ، وتقديره بما لا يتخطّى أحوط ، ولا يضرّ البعد إذا اتّصلت الصفوف ولو زاد على فرسخ. والظاهر جواز إحرام البعيد قبل القريب لصدق الاتّصال ، والأحوط العدم.

ولو خرج جماعة عن الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو غيره في أثنائها ، فهل تبطل قدوة البعيد حينئذٍ وينفرد ، أو لا ينفرد إلّا إذا لم يمكنه على القرب وألّا يستلزم المبطل؟ الأوّل [ .. (1) ] ، و [ الثاني (2) ] مع الإعادة أحوط.

ويشترط أيضاً في صحّة القدوة نيّة الائتمام بمعيّن جامع لشرائط الإمامة ، فلو لم ينوِها بطلت صلاته [ إن (3) ] أخلّ بما يلزم المنفرد ، ولو قرأ حينئذٍ غير معتقد الوجوب فالإعادة أحوط. وتعيين الإمام يحصل إمّا بالاسم أو الصفة أو بهذا الحاضر. ولو اقتدى بمن لا يعلم جمعه للشرائط ، قيل : لم تصحّ ولو تبيّن بعدُ كونه كذلك. ومن

ص: 370


1- بياض في المخطوط.
2- في المخطوط : ( التنافي ).
3- في المخطوط : ( فإن ).

نوى القدوة بواحد من اثنين أو بهما بطلت صلاته ولو جمعا للشروط ، وكذا من ائتمّ بحاضر على أن اسمه زيد فبان أنه عمرو على الأحوط ، والأولى الصحّة ؛ لأن الخطأ في الاسم خاصّة. ومن نوى الائتمام بزيد فبانَ أنه عمرو بطلت صلاته قطعاً.

وتجب نيّة الإمامة على الإمام فيما يجب من الجماعة ، ولا تصحّ من المأموم نيّة القدوة في أثناء الصلاة بعد أن دخل فيها بنيّة الانفراد ، وألّا يفارق الإمام الأوّل وينوي الاقتداء بآخر إذا عرض له مبطل أو انتهت صلاته. ويجوز للمأموم عدم المتابعة بنيّة الانفراد في الأثناء لعذرٍ وبدونه وبغيرها إلّا في التسليم فلا يسلّم عليه قبله عالماً عامداً بدون نيّة الانفراد ، والاحتياط لا يخفى ، فإن وقع فالإعادة أحوط.

ويشترط في قدوة الرجل خاصّة دون المرأة عدم الحيلولة بينه وبين الإمام أو من يشاهده من المأمومين بما يمنع مشاهدة المأموم للإمام أو من يشاهده ولو بوسائط إن لم يعلم بطلان صلاة الوسائط ، ولا تضرّه إلّا بمنع المشاهدة من الحاجز كالشبّاك المخرّق ، ومنع الاستطراق ، ولا ما يمنع الرؤية في بعض حالات الصلاة دون بعض. ولو صلّى الإمام في محراب داخل على وجه لا يمكن أن يراه من في جانبي الصفّ الأوّل بطلت صلاة الجانبين لعدم المشاهدة له مطلقاً ، أمّا باقي الصفوف فتصحّ لمشاهدتهم المشاهد ولو بوسائط. وهل تكفي المشاهدة مطلقاً ، أو لا بدّ من فقد الحائل بين المأموم أو الصفّ السابق؟ الأشهر الأوّل ، والأحوط الثاني ، فتصحّ صلاة مَن على يمين الباب ويساره لمشاهدتهم لمن يشاهد مَن في الدار. ولا تصحّ على الثاني إلّا صلاة من فيه ؛ لمشاهدتهم.

ويغتفر الحائل مطلقاً للمرأة إذا ائتمّت بالرجال أما إذا ائتمّت بالنساء فلا يغتفر. ولا تعدّ الظلمة ولا النهر ولا الطريق حائلاً.

ويجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال ، فلا يجوز له التقدّم عليه ، إمّا بعده أو معه ، والبعديّة أحوط ، فلو تقدّم أثم ، ولا تبطل صلاته ، والإعادة بعده أحوط. وإذا تقدّمه عمداً في رفع من ركوع أو سجود لم يجز له الرجوع له فيه ، فلو رجع بطلت صلاته قطعاً ، بل ينتظره حتّى يرفع. ولو رفع المأموم رأسه قبل أن يرفع الإمام من

ص: 371

الركوع أو السجود ناسياً أو ظانّاً رفعه فتبيّن خلافه ، وجب عليه أن يعود مع الإمام ، فإن لم يعد مع سعة الوقت بطلت صلاته ، ويغتفر حينئذٍ زيادة الركن. والجاهل عامد.

وأمّا في الأقوال فالأكثر على عدم وجوب المتابعة ؛ لعدم وجوب الإسماع ، ولو لا الشهرة لكان القول بالوجوب هنا قويّاً ، ولا ينافيه عدم وجوب الإسماع ، إلّا تكبيرة الإحرام فإنه تجب المتابعة فيها ، فلو تقدّم المأموم بها بطلت صلاته ، والأحوط ترك المقارنة فيها أيضاً ، والأحوط عدم قراءة المأموم غير المسبوق خلف الإمام مطلقاً ، والمنع مطلقاً قويّ. ولو لم يسمع المأموم الإمام بنى على ظنّه في الأذكار وغيرها ، فلو تبيّن خلافه أجزأه ولا إثم. ولا يجوز له التقدّم على الإمام بركن أو أكثر ، [ و ] مع العذر يجوز ويلحقه ولو بعد ركعة فأكثر بعد الدخول.

ولا يتحمّل الإمام عن المأموم واجباً غير القراءة ، وعلى المأموم أن يأتي بجميع الواجبات غيرها ، ولكلّ منهما حكم نفسه شكّاً وسهواً في واجب أو غيره ، وإذا لزم أحدهما سجود اختصّ به ، ويسجد الإمام له بعد التسليم.

أمّا الشكّ في عدد الركعات فيرجع كلّ منهما إلى يقين الآخر ، والشاكّ منهما إلى الظانّ ، والظانّ إلى المستقرّ ، ولا فرق حينئذٍ في المأموم بين كونه واحداً أو أكثر ، ذكراً أو أنثى ، حرّا أو عبداً ، عدلاً أو غير عدل ، ولا يتعدّى الحكم إلى غيره ولو كان عدلاً إلّا مع إفادة الظنّ أو شهادة عدلين.

ولو اشتركا في الشكّ واتّحد محلّه لزمهما حكمه ، ولو اتّفقا في الظنّ واختلف المحلّ تعيّن الانفراد ، وإن اختلف الظنّ رجع إلى ما اتّفقا عليه وتركا ما انفرد به كلّ واحد ، وإن لم تجمعهما رابطة تعيّن الانفراد ولزم كلّ منهما حكم شكّه ، ولو اختلف المأمومون والإمام رجعوا إلى الرابطة إن كانت ، وإلّا انفرد كلّ بحكمه ، ولو اشترك الشكّ بين الإمام وبعض المأمومين رجع الظانّ منهم والشاكّ إلى الإمام. ويجب على المأموم تنبيه الإمام لو صدر منه سهو أو غلط ، فإن لم يتنبّه ؛ فإن كان سهوه عن ركن أو واجب ، بطلت صلاة المأموم إن لم ينفرد ؛ لوجوب الانفراد حينئذٍ.

ص: 372

الباب الخامس : في صلاة القصر
اشارة

يتأكّد التخلّص من الحقوق الواجبة عليك لله أو للناس إذا أردت السفر. والذي يقصر من الصلوات في السفر هي العشاء والظهران ، وإنما يجب القصر بشروط :

الأوّل : القصد إلى المسافة وكون المقصود معلوماً ، فلو خرج لطلب آبق أو دابّة ضالّة بغير قصدها لم يقصّر ولو بلغ الصين ، وكذا التابعُ للغير إذا لم يعلم قصد متبوعه ، والعبدُ والزوجة إذا خرجا مع المولى أو الزوج يجوّزان العتق والطلاق مع ظهور الأمارة ولم يُرِدا السفرَ معه. والمجبور على السفر إن علم مقصد المُكرِه ولم يحتمل التخلّص منه بحسب الظنّ الغالب من حصول الأمارة وجب عليه التقصير إن قصد المسافة ، وإن عزم على الهرب متى قدر مع احتماله لم يقصّر لعدم قصدها ، وإن احتمل الأمرين أو جهل حاله أو مقصد المُكرِه لم يقصّر.

وقصد المتبوع للمسافة كافٍ ، فلو سافر بعبدٍ أو زوجته وعلم قصده لها قصّر. ولا يعتبر في التابع كونه ممّن تجب متابعته للمتبوع ، بل هو كلّ من وطّن نفسه على المتابعة. ومنتظر الرفقة إذا خرج إن لم يبلغ محلّ الترخّص أتمّ مطلقاً ، وإن بلغه فإن جزم بالسفر قصّر ما لم ينوِ الإقامة أو يمضِ له ثلاثون يوماً فيتمّ كما لو بلغ المسافة ، (1)

ص: 373


1- في المخطوط : ( الباب السادس ).

وإن تردّد أو لا يعلم بحال الرفقة وحاله متعلّق عليه أتمّ ؛ لعدم قصدها.

ولو قصد ثلاثة فراسخ ثمّ ثلاثة أخرى وهكذا أتمّ ، لكنّه في الرجوع يقصّر إن تحصّل له قصد المسافة ؛ إذ لا فرق في قصد المسافة بين الذاهب والراجع. ومن رجع عن قصد المسافة قبل بلوغها ولو في أثناء الصلاة أتمّ ، إلّا أن يقصد مسافة أخرى ، ولا يعيد ما صلّاهُ قصراً قبل عدوله ، ولا يضمّ ما بقي من الذهاب إلى الرجوع مطلقاً ، وحكي عن الأكثر ، والأولى ضمّه إن كان الرجوع مسافة ، وعدمه إن لم يكن ولو بلغها مع التبعيّة لتعدّد المقصد ، والأحوط حينئذٍ الجمع بين الإتمام والقصر.

والمعتبر قصد المسافة النوعيّة لا الشخصيّة ، فمن قصد مسافة معيّنة وسلك بعضها ثمّ عدل إلى قصد غاية أخرى بقي على التقصير إن كان ما سلكه مع ما يبلغها به مسافة. ولا بدّ من العلم بكون المقصد مسافة ، ويحصل بذَرعِ الطريق وبشهادة عدلين وبمسير يوم معتدل للإبل القطار ذوات الأثقال.

ومن تردّد في بلوغ الطريق المسافة لم يقصّر ، والأحوط حينئذٍ وجوب الاعتبار. ومن أتمّ مع الشكّ ثمّ تبيّن [ أنه ] لم يتحقّق المسافة لا يعيد. ولو تعارضت البيّنات قدّمت بيّنة الإثبات. وقد يحصل العلم بها بالشياع.

وقدر المسافة [ التي (1) ] يجب التقصير على مَن قصدها بريدان ، وهي ثمانية فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع ، والذراع عرض أربعة وعشرين إصبعاً من مستوي الخلقة ، والإصبع عرض سبع شعيرات ، والشعيرة عرض سبع شعرات من شعر البرذون (2).

ومبدؤها من منتهى عمارة بلد السفر لا من بساتينها ومزارعها ، هذا في المتوسّطة. وفي المتّسعة من منتهى عمارة محلّته.

ولا يتعيّن لقطعها زمن ، لكن من قطعها في زمن طويل بحيث يخرج عن اسم

ص: 374


1- في المخطوط : ( الذي ).
2- البِرْذَوْن : الدابّة ، والبراذين من الخيل : ما كان من غير نتاج العِراب. لسان العرب 1 : 370 برذن.

المسافر كما لو قطعها في ثلاثة أشهر لم يقصّر كما عليه جماعة (1). ومسافة البحر قدر مسافة البرّ ولو قطعت في ساعة. ومن قصد مكاناً له طريقان أحدهما مسافة دون الآخر ؛ فإن سلك الأطول قصّر ذهاباً وإياباً ولو من الأقصر ولو كان سلوكه لأجله ، وإن سلك الأقصر أتمّ ، وكذلك إن رجع منه ، وإلّا قصّر في رجوعه خاصّة.

وقصد المسافة يتحقّق بقصد الثمانية ذهاباً ، وبقصد أربعة فراسخ فما فوقها إلى ما دون الثمانية ذهاباً إذا رجع في يومه أو ليلته مع اتّصال السفر عرفاً ، فمن كان كذلك قصّر مطلقاً لشغل يومه حينئذٍ ، ومن لم يرد الرجوع كذلك أتمّ مطلقاً على الأقوى الأشهر. ومن قصد أقلّ من أربعة لم يقصّر إجماعاً ولو رجع ليومه أو حصّل المسافة.

والحاجّ إذا دخل مكّة ولم ينوِ الإقامة فيها ثمّ خرج إلى عرفات يبقى على قصره مطلقاً ولو صلّى تماماً في مكّة من جهة التخيير ، والمقيم بمكّة إذا خرج لعرفات يتمّ لعدم رجوعه في يومه أو ليلته ، هذا هو الأشهر وعليه تجتمع النصوص (2).

ولا بدّ في تحقّق صحّة القصر من تحقّق الدخول في السفر ، وهو الضرب المذكور في الآية (3) ، فلا يكفي قصد المسافة بدون الخروج من محلّ الإقامة. ولا يعتبر في الضرب قدر معيّن ، بل متى بلغ محلّ الترخّص وهو مكان يخفى فيه أذان محلّ إقامته وجدران بيوته قصّر ، ولا عبرة بسواده ولا حدوده ولا بشاهق الأبنية ولا صيّت المؤذّنين ولا حديد السمع له ، بل العبرة في كلّ ذلك بالوسط.

ويقدّر أيضاً مرتفع الأرض ومنخفضها بمستويها. وعادم الحسّ يرجع لواجده. ويكفي خفاء أحدهما إن لم يوجد الآخر ، ولو وجدا وخفي أحدهما دون الآخر فالأقوى عدم التقصير. هذا في قاصد السفر الصحيح من محلّ إقامته. ومثل غير القاصد والعاصي بسفره يقصّر متى زال المانع إن بقي له قصد مسافة.

ص: 375


1- الذكرى : 257 ( حجريّ ) ، مدارك الأحكام 4 : 433.
2- انظر وسائل الشيعة 8 : 537 - 538 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 27.
3- النساء : 101.

ومنتهى القصر مبدؤه إن انتهى سفره إلى بلده ، فيتمّ إذا وصل في عوده إلى حدّ محلّ الترخّص في ذهابه وإن لم يدخل البلد ، فضلاً عن المنزل. ولو ردّته الريح في البحر قصّر ما لم يبلغ أحدهما ، والأحوط حينئذٍ الجمع بين الإتمام والقصر.

ولو قصد الصبيّ مسافة فبلغ في أثنائها قصّر في الباقي وإن قصر عنها ، وكذا من عرض له الجنون أو الإغماء في السفر ثمّ زال.

الثاني : كون السفر سائغاً ، فلا يجوز القصر لمن غايته بسفره المعصية كالإباق والهرب عن الغريم وقطع الطريق وإضرار مسلم في ماله أو عرضه أو نفسه أو الاستعانة بظالم على التمكّن من مظلمة. ويقصّر من ركب دابّة مغصوبة أو على رَحلٍ مغصوب أو استصحب مغصوباً إن لم نقل : إنه بحكم الغريم الهارب ، وإنه منهيّ عنه ، وإلّا أتمّ ، والأحوط القصر والإتمام حينئذٍ. والسالك الطريق يرجّح العطب فيه يتمّ ، وهذا الشرط معتبر ابتداءً واستدامةً ، فلو عرض له قصد المعصية في أثنائه انقطع الترخّص حينئذٍ ، ولو عاد إلى الطاعة عاد الترخّص ، ويشترط كون الباقي مسافة ولو بالعَودِ. ولو كان الباعث على السفر طاعة ثمّ عرضت له المعصية لم تضرّ بما هو سبب لترخّصه ما لم تكن المعصية غايته ولو في الأثناء.

والثالث : ألّا يكون السفر عمله ، وهو كثير السفر ، فمن كان كذلك لم يقصّر ولم يفطر ، كالبريد والجابي والمكاري والملّاح وإن لم يكن أهله معه ، والتاجر يدور بتجارته من سوق للأُخرى.

وتتحقّق الكثرة على الأقوى بالسفر مرّتين بدون إقامة عشرة أيّام في بلده مطلقاً ، وفي غيرها إن نوى الإقامة. وبحكمها العشرة بعد الثلاثين ، فمتى تحقّقت له سفرتان كذلك وجب الإتمام والصيام في الثالثة ، سواء جدّ به السير أم لا. ولا يرتفع عنه هذا الحكم في أن السفر عمله حتّى يقطعها بأحد الأمرين السابقين ، فتنقطع الكثرة ويرجع حكمه إلى القصر حتّى تحصل له سفرتان كذلك ، فيتمّ في الثالثة ، وهكذا.

ص: 376

ومن تحقّق أن السفر عمله عرفاً ولم تحصل له سفرتان كذلك فالأحوط له القصر ، والإتمام لمن تحقّقت له كذلك ولم يتحقّق أنه عمله عرفاً. ولو أقام مَن تحقّقت له وكان السفر عمله عرفاً خمسة أيّام لم يفطر ولم يقصّر ، والأحوط الإتمام والقصر والصوم والقضاء.

وهل يكفي في قطع السفر به نيّة العشرة وإن لم يستوعبها بالفعل ، أو لا بدّ من استيعابها؟ الظاهر الثاني ، والاحتياط أولى.

ولو نوى عشرة ثمّ بدا له السفر قبل مضيّها وخرج إلى حدّ المسافة ، ثمّ نوى الإقامة ، وسافر قبل مضيّ العشرة بقصد جديد ، وهكذا ، صدق على الثالثة أنها ثالثة جديدة ، فلا يرجع إلى القصر فيها ، بل يتمّ ، والجمع حينئذٍ أولى.

تنبيه :

المراد من إقامة العشرة القاطعة للسفر ولكثرته تحقّقُ العزم في النفس على إقامة عشرة أيّام متوالية بلياليها من غير شكّ وتردّد في بلد أو قرية أو بادية أو غيرها ، ولا يضرّ قصد الخروج إلى حدود مكان الإقامة المتّصل به إذا صدق معه الإقامة فيه عرفاً ، وإلّا ضرّ كما في البلد المتّسعة.

ومَن علّق نيّة إقامة العشرة على حصول شي ء لا يحصل إلّا بعد العشرة أتمّ ، ولا تخلّ بها حصوله قبلها لو اتّفق.

ولو نوى إقامة عشرة في قرى متعدّدة ينتقل من بعضها لبعض كمَن نواها في مطلق الأحساء أو القطيف أو البحرين ولم يعيّنها في قرية منها بخصوصها لم يبطل سفره ويقصّر ولو طال الزمان وتجاوز الثلاثين.

ومَن قال : إني إن لقيت فلاناً في البلد أقمت وإلّا لم أقم ، لم ينقطع سفره. ومن تردّد في الإقامة في محلّ وهو فيه ، أو نوى السفر قبل العشرة ولم يسافر ، قصّر إلى ثلاثين يوماً ، وبعدها يتمّ ما بقي فيه ولو صلاة واحدة ، وغير بعيد الاكتفاء بالهلالي ، والعشرة التي بعد الثلاثين بحكم المنويّة ابتداءً.

ص: 377

ومن نوى الإقامة ثمّ بدا له العزم على السفر قبل أن يصلّي صلاة مقصورة تامّة رجع إلى القصر. ومن بدا له وهو في أثناء الصلاة ؛ فإن كان لم يتجاوز محلّ العدول قصّر وبقي على حكم المسافر ، وإلّا فليس له العدول ، فيتمّ حتّى يسافر سفراً جديداً مستجمعاً لشروط القصر.

ولا يكفي النافلة ، ولا صلاة غير المقصورة سفراً ، ولا صلاتها تماماً لا بنيّة الإقامة ولو جهلاً أو نسياناً ، ولا إتمامها في موضع التخيير ، ولا صلاة فرض تماماً قضاءً ، ولا الصوم وإن خرج الوقت ، ولا خروج وقت الرباعيّة مع تركها عمداً أو سهواً ؛ وقوفاً على المتيقّن من النصّ (1).

ولو دخل المسافر في مقصورة ثمّ نوى الإقامة في أثنائها أتمّ.

ويكفي في العشرة كونها ملفّقة فيكملها من الحادي عشر. ولو تجدّد نيّة السفر للمقيم قبل مضيّ العشرة جاز له السفر ويقصّر إذا خرج. والمسافر إذا نوى الإقامة ثمّ خرج في العشرة إلى أبعد من محلّ الترخّص بعد أن صلّى تماماً يبقى على الإتمام ما بقي في محلّه ، أو رجع إلى محلّ إقامته ناوياً إقامة عشرة مستأنفة ، أو تردّد في إقامته في عشرة مستأنفة ذهاباً ، وفي محلّته التي خرج إليها ، وإياباً إلى محلّ الإقامة وفيه.

وإن لم يقصد الإقامة في رجوعه أصلاً ، أو قصد إقامة أقلّ من عشرة ، قصّر في عوده وفي محلّ إقامته جزماً ؛ لقصده المسافة وهي مبطلة للإتمام ، وتكون بلد إقامته أوّلاً كغيرها ، وللضرب في السفر. لكن هل يضمّ الذهاب إلى العود حينئذٍ فيقصّر ذهاباً أيضاً كما عليه جماعة إذا بلغ موضع الترخّص تكون بلد الإقامة كبلد الوطن على الأقوى ، أم لا يضمّه فلا يقصّر في الذهاب؟ الأرجح الأوّل ، والجمع أحوط.

وإن خرج ناوياً العشرة غير قاصد شيئاً من الرجوع والسفر وعدمهما أو متردّداً ، فقولان ، أولاهما الإتمام ذهاباً وفي القصد وعوداً ؛ لعدم قصد المسافة ، والأحوط

ص: 378


1- انظر وسائل الشيعة 8 : 508 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 18.

الجمع خصوصاً في المتردّد.

ومن خرج بعد العشرة لما دون المسافة إن كان متردّداً أو ذاهلاً أو ناوياً العود عشرة مستأنفة أو متردّداً بَعدُ يتمّ مطلقاً ، والجمع أحوط ، فإن نوى بخروجه السفر قصّر. وفَرقُ بعض المتأخّرين في الخارج قبل العشرة بين الرجوع ليومه فيتمّ مطلقاً ، وعدمه فيقصّر ، ضعيفٌ لا دليل عليه.

الرابع : أن يكون مستمر القصد والسفر ، فلو قطعه بإقامة أتمّ ، فالعاصي بسفره والواصل إلى حدود وطنه يتمّ ولو لم ينوِ الإقامة.

ولا فرق في الملك بين المسكن وغيره ، بل ينقطع السفر بما لو وصل إلى مكان له فيه ملك مطلقاً ولو مثل النخلة والجدار ، ولكن لا بدّ من استيطانه ستّة أشهر اتّصلت أم تفرّقت قبل البلوغ أو بعده أو ملفّقة ، مختاراً كان أو مضطراً ، فرضه فيه التمام أو القصر.

ولا يشترط السكون في الملك ولا دوام استيطانه المدّة المذكورة في كلّ سنة ، ولا عدم اغتصابه منه كلّ ذلك ؛ للإطلاق في موضع البيان الموجب للعموم. ولو خرج عن ملكه ساوى مَن لا ملك له لا بإعارة أو إجارة. ولو اتّخذ غير ذلك البلد وطناً فهل يتمّ بمجرّد الوصول إليه ، أو إذا نوى الإقامة؟ الأولى الأحوط الثاني ، والأحوط منه الجمع. وبحكم بلد الملك البلد المتّخذة وطناً على الدوام ، لكن بعد الاستيطان ستّة أشهر ، والأحوط نيّة الإقامة إلّا في ملك استوطنه ستّة أشهر على الدوام.

ومتى اجتمعت الشروط وجب قصر الرباعيّة ، فلو أتمّها عالماً عامداً لم تجزِه ، كما لو كان عالماً بوجوبه جاهلاً بالمحلّ. والجاهل بالحكم تجزيه لو أتمّ مطلقاً ، والناسي يعيد وقتاً لا خارجاً على الأشهر ، والأحوط القضاء. ومن قصّر غير الرباعيّة اليوميّة لم يجزِه مطلقاً.

والمدار في وجوب القصر والتمام على وقت الفعل ، فلو دخل الوقت ومضى منه قدر الشروط والصلاة قبل مجاوزة محلّ الترخّص ولم يصلّ حتّى جاوزه صلّى

ص: 379

قصراً ، وبالعكس تماماً.

والعبرة في القضاء بحال الفوات لا الوجوب ، ففي الأوّل لو لم يصلّ قضى قصراً ، وفي الثاني تماماً. وتقضى القصر قصراً ولو في الإقامة ، والتمام تماماً ولو في السفر. ومن قصّر في محلّ الإتمام لم يجزِه بحال.

وإذا كان المسافر في مسجد حرم مكّة أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله : أو جامع الكوفة أو حائر الحسين عليه السلام : وهو دَورُ الضريح بخمسة وعشرين ذراعاً على الأقوى تخيّر بين القصر والإتمام إن وسع الوقت ، والإتمام أفضل على الأشهر ، والقصر مطلقاً أحوط ، هذا في المؤدّاة ، أما المقضيّة فتقضى كما فاتت مطلقاً. ولو فاتت الفريضة في أحدها قضيت قصراً مطلقاً ، ويحتمل بقاء التخيير إن قضيت في أحدها. ولا يتخيّر في الصوم مطلقاً. واعلم أن زوائد مسجد الحرم بمكّة وزوائد مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله : بالمدينة بحكمها.

ولا يشترط في النيّة نيّة التمام أو القصر مطلقاً على الأقوى ، وكلّ ما أقصر بالسفر أفطر ، وبالعكس ، إلّا إن المسافر إن تجاوز محلّ الترخّص قبل الزوال أفطر ، ولم يجزِه صيام ذلك اليوم ، وإلّا صام وأجزأه ، ولا فرق بين تبييت نيّة السفر وعدمه.

ص: 380

الباب السادس : باب صلاة الخوف

الباب السادس : باب صلاة الخوف (1)

اعلم أن الخوف سبب مستقلّ في إيجاب قصر الرباعيّة سفراً وحضراً ، وكلّ أسباب الخوف سواءٌ في إيجاب القصر ، كالخوف من اللصّ أو السبع أو السيل. ومن رأى شيئاً فظنّه عدوّاً فقصّر أجزأه ولو تبيّن خلافه. وليس التوحّل والغرق من أسبابه. وتجزي صلاة الخوف ولو بأقلّ درجاتها ، وتعاد أو تقضى لو لم يصلّ بها. ولا يشترط ضيق الوقت في القصر لمطلق الخوف ، واعتباره أحوط.

ولو صلّيت صلاة الخوف جماعة فلها صور :

منها : ذات الرقاع ، وصورتها : أن يقسم الإمام الجماعة فرقتين ، ويصلّي بفرقة ركعة مخفّفة ، فإذا قام للثانية انفرد من صلّى معه ، وأطال القراءة حتّى يفرغوا ، ويقفون تجاه العدوّ ، وتأتي الفرقة الأُخرى فتدخل مع الإمام ويركع ويسجد بهم ، ويطيل التشهّد حتّى يقوموا فيأتوا بركعة ، ويلحقونه في التشهّد ويسلّم بهم ، وينفسخ قدوتهم حال إتيانهم بالركعة الثانية على الأقوى. وإن كانت الصلاة ثلاثيّة تخيّر بين أن يصلّي بالفرقة الأُولى ركعة والثانية ركعتين ، وبين العكس على ما وصف. ولا

ص: 381


1- في المخطوط : ( الثالث ).

يتحمّل الإمام عمّن انفرد شيئاً أصلاً ؛ للانفراد ، وقبله يتحمّل كما مرّ.

وتصلّى هذه بشرط كون العدوّ في غير جهة القبلة ، وعدم الأمن من هجومه حال الصلاة ، وعدم الاحتياج في مقابلته إلى أكثر من فرقة. ولا يشترط في الفرقة عدد ، بل ما يكفي ولو واحداً ، ويجب أخذ السلاح ما لم يمنع واجباً أو يؤذي مَن إلى جانبه.

ومنها : صلاة بطن النخل وادٍ أو قرية بالحجاز وصورتها : أن يقسم الإمام الجماعة فرقتين أيضاً ، ويصلّي لكلّ فرقة الصلاة بكمالها ، لكنّها مع الثانية له نفل ولهم فرض ، كما في المعادة حال الأمن.

ومنها : صلاة عُسفَان وهي قرية جامعة على اثني عشر فرسخاً من مكّة ويشترط فيها كون العدوّ في جهة القبلة والمسلمون يرونه مع عدم أمنهم منه. وصورتها : أن يجعلهم الإمام صفّين ويحرم بهم جميعاً ، ثمّ يركع بهم ، فإذا انتصبوا سجد الإمام بالصفّ الأوّل وبقي الثاني قائماً يحرس ، فإذا قام الإمام مع الأوّل للثانية سجد الأخير ، ثمّ انتقل كلّ صفّ إلى موضع الآخر على الأولى للتأسّي ، ويصحّ بدونه ، فإذا ركع بهم جميعاً وانتصبوا سجد بالذي كان يحرس أوّلاً ، وبقي الآخر قائماً حتّى يجلس من سجد معه إلى التشهّد ، ثمّ يسجد من بقي قائماً ويلحق الإمام في التشهّد ، ويسلّم بهم جميعاً. ويجوز اختصاص الحراسة في الركعتين بصفّ ، وكون الحارس أكثر من صفّ كما لو تكثّرت الصفوف.

ولو حضرت الصلاة حال التحام الهيجاء ومعانقة الحديد للرجال صلّوا بحسب الإمكان مشاةً وركباناً ، ولو تعذّر الاستقبال حتّى بتكبيرة الإحرام سقط ، والسجود ولو على عُرف دابّته أو قَرَبوس سرجه ، أومأ برأسه ، فإن تعذّر فبعينيه ، وإن لا يمكن فبواحدة.

وتشرع الجماعة حينئذٍ بشرط عدم تقدّم المأموم على الإمام ، ويغتفر حينئذٍ

ص: 382

اختلاف الجهة ، فالجهات لهم حينئذٍ قبلة. وقال الشيخ رحمه الله (1) : بجواز الجماعة حال الأمن بصورة الخوف. ولا يجوز صلاة الخوف في طلب العدوّ ، ولا في القتال المحرّم ، وغير بعيد الصحّة إذا لم يخلّوا بركن ، لكن لو صلّوا بالإيماء لم تجزِ. وكذا الفارّ من الزحف لا يجزيه.

ولو انتهى الحال في صلاة الخوف إلى تعذّر الأقوال والأفعال ولو بالإيماء ، أجزأ عن مجموع الركعة الواحدة مع أقوالها أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر مرّة واحدة بعد النيّة وتكبيرة الإحرام ، ويتشهّد ويسلّم بعد.

ومن أراد قضاء فائتة في تلك الحال قضاها بالكيفيّة وأجزته. ولو فاتت صلاة الخوف قضيت صلاة أمنٍ في الكيفيّة. أمّا العدد ؛ فإن كان مسافراً قضاها قصراً ، وإلّا تامّاً ، والجمع أحوط. وكلّ ما جعل بدلاً في الاضطرار يلحقه حكمه ، ركناً كان أو واجباً أو ندباً في الزيادة والنقصان وغيرهما من سجود سهو أو احتياط وغيرهما ، ويؤتى به معهما كهيئتها.

ص: 383


1- المبسوط 1 : 167.

ص: 384

خاتمة

الذكر مقسوم على سبعة أعضاء كما في حديث ( الخصال ) اللسان ، والروح ، والنفس ، والعقل ، والسرّ ، والقلب ، والمعرفة.

واستقامة اللسان صدق الإقرار ، والروح صدق الاستغفار ، والنفس صدق الاعتذار ، والعقل صدق الاعتبار ، والقلب صدق الافتخار ، والسرّ السرور بعالم الأسرار ، والمعرفة صدق اليقين ومعرفة الجبّار.

وذكر اللسان الثناء ، وذكر النفس الجهد والعناء ، وذكر الروح الخوف والرجاء ، وذكر القلب الصدق والصفاء ، وذكر العقل التعظيم والحياء ، وذكر المعرفة التسليم والرضا ، وذكر السر الاقتصار على رؤية اللقاء (1).

واعلم أنه لا يحرم أخذ الأُجرة على تعليم القرآن ، ولا يقرأ بما ورد عنهم عليهم السلام من القراءات في زمن الغيبة إلّا أن توافق أحد العشر للتقيّة ، ولأمرهم بأن نقرأ كما يقرأ الناس (2). ويجوز إهداء ما تقرؤه منه لمحمّد : وآله صلّى الله عليه وعليهم وسلم.

وعليك بالمستحبّات في جميع العبادات فإنها حصن وحرز ومتمّمة للواجبات ، حتّى النفقات المستحبّة وهي نفقة ما عدا الآباء وإن علوا ، والأبناء وإن نزلوا ،

ص: 385


1- الخصال 2 : 404 / ذيل الحديث : 114 ، باب السبعة ، بتفاوت وقد نسبه إلى بعض الصالحين عليهم السلام.
2- التوحيد : 284 / 3.

والزوجة والمملوك والدابّة تتمّم ما نقص من فرضها ما لم يقبل أو نقص ثوابه ، وحرز للعامل ودينه وماله وأهل حُزانته ، فواظب عليها ما استطعت ، خصوصاً صدقة السرّ.

والحمد الله آخراً كما بدأ ، والسلام دائماً على أئمّة الهدى والجُنّة من الردى محمّد : وآله أبواب الرضا.

تمّت بمنّ الله تعالى ظهر اليوم الثالث من جمادى [ الآخرة (1) ] سنة (1209) بقلم أفقر العباد لعفو الله الكريم صالح بن طعّان بن ناصر الستري البحراني (2) ، عُفِيَ عنه وعن والديه والمؤمنين والمؤمنات ، إنه غفور رحيم وتوّاب حليم ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطاهرين.

ص: 386


1- في المخطوط الرقم : (2).
2- عالم فقيه ( ت 1281 ه ) ، والستري نسبة إلى مدينة سترة في البحرين ، تلمذ لأفاضل عصره منهم الشيخ عبد الله الستري ، والشيخ سليمان آل عبد الجبار ، أرسل إليه السيد شبّر ابن السيد علي ابن السيد مشعل البحراني نزيل المحمّرة مسائل في أُصول الفقه ، أجاب عنها ابنه العلّامة الشيخ أحمد برسالة سمّاها ( الدرر الفكرية في أجوبة المسائل الشبّريّة ). منتظم الدرّين : رقم 2. ( مخطوط ).

الرسالة السابعة : تحديد أوّل النهار

اشارة

ص: 387

ص: 388

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله العليِّ العظيم ، وصلّى الله على محمَّد : وآله الطيِّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فيقول أقلّ الورى أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : اعلم أن أصحابنا عظّم الله أُجورهم وضاعف إحسانه إليهم قد اختلفوا في تحديد أوّل النهار بعد اتّفاقهم على أن آخره غروب الشمس وإن اختلفوا فيما يتحقّق به الغروب على قولين :

أحدهما وهو المشهور عندهم - : أنه ذهاب الحمرة المشرقيّة ومجاوزتها سَمتَ الرأس ، وهو الأقوى.

والثاني : أنه استتار القرص.

ولسنا هنا بصدد بيان هذه المسألة ، وإنما غرضنا في هذه الرسالة بيان أوّل النهار بالمعنى الحقيقيّ لغةً وشرعاً ، فقد اختلفوا فيه على قولين : فالأشهر الأظهر أن أوّله طلوع قرص الشمس على الأُفق الحسّيّ ، كما عليه الأكثر ، وهو ظاهر كلّ من قال

ص: 389

انتصاف الليل زواله. ومن فسّر زواله بانحدار النجوم الطالعة وقت الغروب ، وهم المعظم ، فإنه لا ينطبق إلّا على تنصيف ما بين الغروب إلى الطلوع كما هو ضروريّ.

وقال جماعة : إنه طلوع الفجر الثاني (1). وببيانه يتبيّن آخر الليل ووسطه وأوّله.

ص: 390


1- مجمع البيان 1 : 138 ، تذكرة الفقهاء 2 : 386 / المسألة : 79.

الأدلّة على أن أوّل النهار طلوع قرص الشمس

ولنا على ما اخترناه ضروب من الدلالات :

أحدها : ما جاء عنهم عليهم السلام لما سُئلوا : كم بين المشرق والمغرب؟ أنهم قالوا مسيرة يوم للشمس ، كما في ( نهج البلاغة ) (1) ، فدلّ على أن النهار زمان مسير الشمس من المشرق إلى المغرب.

ومثله ما في ( الاحتجاج ) أن أبا حنيفة : سأل أبا عبد الله عليه السلام : كم بين المشرق والمغرب؟ فقال مسيرة يوم ، بل أقلّ من ذلك فاستعظمه ، فقال يا عاجز ، لم تشكُّ في هذا؟ إن الشمس تطلع في المشرق وتغرب في المغرب في أقلَّ من يوم (2) الخبر.

فإن الظاهر أنه أراد به مسير الشمس ، فدلّ على أن النهار زمن مسيرها من المشرق إلى المغرب ؛ إذ لا خلاف في ترادف اليوم والنهار ، ولعلّه قال بل أقلّ نظراً إلى تفاوت ما بين كونها على الأُفق الحسّيّ والحقيقيّ ، فأجاب أوّلاً بما هو محسوس مُدرَك لعامّة البشر ، وهو المتعارف بينهم ، ثمّ أبان بالإضراب الحقيقة.

والتفاوت بينهم بحسب الظاهر ، هو قدر ما بين استتار القرص إلى ذهاب الحمرة من جهة المشرق ، وهو وقت فرض المغرب على المشهور ؛ فإنه الوقت الذي تغيب فيه الشمس من شرق الأرض وغربها حقيقة ، وهو آخر النهار حقيقة.

إمّا حسّا وبحسب العرف ، فهو استتار القرص عن أبصار أهل ذلك الأُفق ، ولا

ص: 391


1- نهج البلاغة : 718 / قصار الحكم : 294.
2- الاحتجاج 2 : 272 / 239.

يكون مثل هذا في حال الطلوع ، بل هي إذا طلعت طلعت في شرق ذلك الأُفق وغربه ؛ لأن المشرق مطلّ على المغرب ، كما جاء في الأخبار المعتمدة. ولذا اختلف الفقهاء وظواهر الأخبار فيما يتحقّق به الغروب دون الطلوع ، فإن الأخبار والأُمّة متّفقة على أن آخر وقت أداء الصبح طلوع قرص الشمس من الأُفق ؛ فمن أجل ذلك قال عليه السلام مسيرة يوم ، [ أي بحسب الحسّ والعرف العامّ ] ، بل أقلّ ، [ أي حقيقة (1) ].

الثاني : ما رواه العيّاشيّ : في تفسير قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (2) عن حريز : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال طرفاه : المغرب والغداة ، و ( زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) : هي صلاة العشاء الآخرة (3).

فدلّ على أن المراد بطرفي النهار هما الطرفان الخارجان منه ؛ بدليل جعل وقت المغرب طرفاً. ولا قائل بأن وقتها من النهار ، فيكون وقت صلاة الصبح وهو الطرف الثاني خارجاً أيضاً بمقتضى المقابلة ، فيكون وقت صلاة الصبح خارجاً من النهار وداخلاً في الليل. وعلى هذا أوّل النهار طلوع القرص.

الثالث : ما في ( التهذيب ) عن الحسين بن عليّ بن بلال :

قال : كتبت إليه عليه السلام في وقت صلاة الليل ، فكتب عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوَّله وآخره جائز (4).

فقد دلّ على أن انتصاف الليل زواله ، وقد ثبت أن آية ذلك انحدار النجوم الطوالع وقت مغيب الشمس ، وهذا لا يتمّ إلّا على أن الليل من الغروب إلى الطلوع ؛ لأن النجوم الطالعة وقت الغروب لا تنحدر عن وسط السماء ، ودائرة نصف النهار الأوسط زمان ما بين الغروب إلى الطلوع ، وسيأتي إن شاء الله بيان تلك النجوم.

الرابع : ما رواه الصدوق : في الصحيح عن الحلبيّ : عن أبي عبد الله عليه السلام : سُئل عن

ص: 392


1- ورد في النسختين لفظ : ( أي حقيقة ) بعد قوله عليه السلام : « مسيرة يوم » ولفظ : ( بحسب الحسِّ والعرف العامِّ ) بعد قوله عليه السلام : « بل أقلّ ».
2- هود : 114.
3- تفسير العياشيِّ 2 : 170 / 73.
4- تهذيب الأحكام : 2 : 337 / 1392.

الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم ، فقال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وليقضِ ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمَّ صومه (1).

وهو نصّ في أن نصف النهار هو الزوال ، وبالضرورة الحسّيّة أن الزوال لا ينصّف إلّا ما بين الطلوع والغروب فليس النهار إلّا ذاك.

الخامس : ما ورد أن النبيّ صلى الله عليه وآله : كان يغلس بصلاة الفجر (2). وقال صلى الله عليه وآله صلِّها بغبش (3) فقد ذكر بعض أئمة اللغة أن الغلس (4) : والغبش (5) : ظلمة آخر الليل. وستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى. فدلّ على أن صلاة الصبح في آخر الليل لا في أوّل النهار ، فدلّ على أن أوّل النهار طلوع الشمس.

السادس : ما رواه الشيخ : بسند معتبر ، أو هو حسن عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال كان أمير المؤمنين عليه السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلِّي العشاء حتّى ينتصف الليل (6).

فقد دلّ على أن صلاة الصبح في الليل ، فإذن أوّل النهار طلوع الشمس.

السابع : ما رواه أيضا عن زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال كان عليّ عليه السلام : لا يصلِّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل ، ولا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس (7).

فدلّ على أن أوّل النهار طلوع الشمس كالذي قبله.

الثامن : ما رواه الصدوق : في ( من لا يحضره الفقيه ) عن أبي جعفر : أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يصلِّي بالنهار (8) شيئاً حتّى تزول الشمس ، فإذا زالت صلّى ثماني ركعات ، وهي

ص: 393


1- الفقيه 2 : 92 / 412.
2- الفقيه 1 : 302 / 926.
3- بحار الأنوار : 135.
4- الصحاح 3 : 956 غلس ، النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 377 غلس ، لسان العرب 10 : 100 غلس.
5- الصحاح 3 : 1013 غبش ، لسان العرب 3 : 11 غبش.
6- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1060.
7- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1061.
8- في المصدر : « من النهار ».

صلاة الأوّابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء ، وتهبُّ الرياح وينظر الله إلى خلقه. فإذا فاء الفي ء ذراعاً صلّى الظهر أربعاً ، وصلّى بعد الظهر ركعتين ، ثمّ صلّى (1) ركعتين أُخراوين (2) ، ثم صلّى العصر أربعاً إذا فاء الفي ء ذراعين ، ثمّ لا يصلِّي بعد العصر شيئاً حتّى تؤوب الشمس ، فإذا آبت وهو أن تغيب صلّى المغرب ثلاثاً ، وبعد المغرب أربعاً ثمّ لا يصلّي شيئاً حتّى يسقط الشفق ، فإذا سقط الشفق صلّى العشاء ، ثمّ آوى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فراشه ولم يصلِّ شيئاً حتّى يزول نصف الليل ، فإذا زال نصف الليل صلّى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات ، وقرأ (3) فيهن بفاتحة (4) الكتاب ، وقُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ ، ويفصل بين الثلاث بتسليمة ، ويتكلَّم ويأمر بالحاجة ، ولا يخرج من مصلّاه حتّى يصلِّي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ، ثمّ يسلِّم ويصلِّي ركعتي الفجر قبل الفجر ، وعنده وبعده ، ثمّ يصلِّي ركعتي الصبح وهو (5) الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً. فهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله : التي قبضه الله تعالى عليها (6).

ووجه الدلالة [ في ] الخبر معلوم ممّا سبق ، ومثله ما رواه الشيخ : عن زرارة عنه عليه السلام (7).

التاسع : ما رواه الشيخ : في الصحيح عن زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : سألته عمّا فرض الله من الصلوات ، فقال خمس صلوات في الليل والنهار.

فقلت : هل سمّاهنّ الله عزوجل ، وبيّنهن في كتابه؟ قال (8) نعم قال الله عزوجل لنبيِّه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (9) ودلوكها : زوالها ، ففي ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهن وبيَّنهنَّ ووقَّتهن. وغسق الليل : انتصافه. ثمَّ قال ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (10) فهذه الخامسة ، وقال في ذلك ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ

ص: 394


1- ليست في المصدر.
2- كذا في المخطوط والمصدر.
3- في المصدر : « يقرأ ».
4- في المصدر : « فاتحة ».
5- في المصدر : « وهي ».
6- الفقيه 1 : 146 / 678.
7- في « ق » : ( فقال ).
8- تهذيب الأحكام 2 : 36 / 111.
9- الإسراء : 78.
10- الإسراء : 78.

النَّهارِ ) (1) وطرفاه : المغرب والغداة ، ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (2) وهي : صلاة العشاء الآخرة ، وقال ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (3) وهي : صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي وسط النهار ووسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر (4).

وهو نصّ في المطلوب ؛ فإنه لا يكون الزوال إلّا وسطاً ما بين الطلوع والغروب بالضرورة ، وأمّا أن صلاة الغداة من صلاة النهار فسيأتي إن شاء الله له معنًى غير أن أوّل النهار طلوع الفجر ، وإلّا لتناقض صدر هذا الخبر وعجزه ، وهو محال.

العاشر : ما رواه الشيخ : عن عمّار بن موسى الساباطي : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس ، وهو في سفر ، كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ، ولكن يؤخّرها فيقضيها بالليل (5).

وهذا ظاهر في أن صلاة الصبح بالليل.

الحادي عشر : ما رواه الشيخ : عن ابن فضّال : عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام : قال السنَّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنَّة في صلاة الليل بالإجهار (6).

فدلّ بإطلاقه على أن صلاة الصبح من صلاة الليل ؛ لأنها بالإجهار ، فيكون أوّل النهار ما بعد آخر وقتها ، وهو طلوع الشمس.

الثاني عشر : ما رواه الشيخ : بسنده عن الحسين بن عليّ بن بلال : قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب عليه السلام عند زوال الليل ، وهو نصفه (7).

فدلّ على أن انتصاف الليل بالزوال ، وزواله لا يكون إلّا بانحدار النجوم عن وسط السماء ؛ وذلك لا يكون منصّفاً إلّا لما بين الغروب والطلوع ، كما سيجي ء إن شاء الله

ص: 395


1- هود : 114.
2- هود : 114.
3- البقرة : 238.
4- تهذيب الأحكام 2 : 241 / 954.
5- تهذيب الأحكام 2 : 272 / 1081.
6- تهذيب الأحكام 2 : 289 / 1161.
7- تهذيب الأحكام 2 : 337 / 1392.

بيانه. ومثل هذا الخبر في هذه الدلالة كثير.

الثالث عشر : ما في ( الكافي ) عن : عليّ بن إبراهيم : عن أبيه عن ابن أبي عمير : عن ابن أُذينة : عن عدّة من أصحابنا ، أنهم سمعوا أبا جعفر عليه السلام ، يقول كان أمير المؤمنين عليه السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلِّي العشاء الآخرة حتّى ينتصف الليل (1).

فنفي صلاته بالنهار حتّى تزول الشمس دليل على أن وقت صلاة الصبح ليس من النهار ، فيكون أوّل النهار طلوع الشمس.

الرابع عشر : ما رواه الصدوق : في ( الخصال ) (2) ، و ( العلل ) (3) بسنده عن أبي هاشم الخادم : قال : قلت لأبي الحسن الماضي عليه السلام : لم جعلت صلاة الفريضة والسنّة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال لأن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة فجَعل لكلّ ساعة ركعتين ، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، فجعل لشفق الصبح ركعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجَعل لكلّ ساعة ركعتين ، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق فجَعل للغسق ركعة.

فدلّ بظاهره على خروج الساعة التي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن ساعات النهار ، بل على أنها من ساعات الليل من وجهين :

الأوَّل : الإجماع عرفاً ولغةً على أنه لا مثلث للّيل والنهار من الزمان.

والثاني : إفراد ذكر ساعات النهار عنها ، وذكرها في سياق ساعات الليل ، وتخصيصها بالذكر لا ينافي ذلك ، كما لا ينافي ذكر الساعة المغربيّة بخصوصها كونها من ساعات الليل.

الخامس عشر : ما دلّ على أن نصف النهار هو الزوال ، وهو كثير جدّاً ، مثل صحيح الحلبيّ : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو

ص: 396


1- الكافي 3 : 289 - 290 / 7.
2- الخصال 2 : 488 ، باختلاف.
3- علل الشرائع 2 : 22 ، ب 23 ، ح 1 ، باختلاف يسير.

صائم ، فقال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقضِ ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه (1).

وصحيح محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال إذا سافر الرجل في شهر رمضان ، فخرج بعد نصف النهار ، فعليه صيام ذلك اليوم ، ويعتدُّ به من شهر رمضان (2).

وصحيح ابن سنان : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال من أصبح وهو يريد الصيام ثمّ بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ، ثمّ يقضي ذلك اليوم (3) الخبر.

وحسنة الحلبي : أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : سألته عن الرجل يصبح وهو يريد الصيام ، ثمّ يبدو له فيفطر قال هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار (4).

وخبر ابن بكير : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ، ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار قال يصوم إن شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار (5).

وخبر سماعة : عن أبي عبد الله عليه السلام : في قوله الصائم بالخيار إلى زوال الشمس قال إن ذلك في الفريضة ، فأمّا في النافلة فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلى غروب الشمس (6).

وفي ( التهذيب ) ، و ( الاستبصار ) أن عليّاً عليه السلام قال إن الصائم تطوُّعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم (7).

وفي صحيح عبد الله بن سنان (8) ، وخبر إسحاق بن عمّار (9) ، وأخبار كثيرة (10) أن من أراد الصيام فهو بالخيار إلى زوال الشمس.

وبالجملة ، فالأخبار بأن نصف النهار هو زوال الشمس مستفيضة المضمون ،

ص: 397


1- الفقيه 2 : 92 / 412.
2- الفقيه 2 : 92 / 413.
3- تهذيب الأحكام 4 : 187 / 524.
4- الكافي 4 : 121 / 1.
5- تهذيب الأحكام 4 : 322 / 989.
6- تهذيب الأحكام 4 : 187 / 527.
7- تهذيب الأحكام 4 : 281 / 850 ، الاستبصار 2 : 122 / 397 ، وليس فيهما قوله : « إن ».
8- الكافي 4 : 122 / 3.
9- تهذيب الأحكام 4 : 280 / 848.
10- انظر وسائل الشيعة 10 : 15 ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ، ب 4.

بحيث يحصل القطع بمضمونها بلا مخالجة الشكّ. ومن الضروريّ أن الزوال منتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها ، وأن الليل ما سوى النهار من الزمان ، فيكون الليل هو زمن ما بين غروبها وطلوعها.

قال السبزواريّ : في رسالته المعمولة في المسألة بعد أن نقل جملة من هذه الأخبار ، وغيرها ممّا في معناها من طرق العامّة أيضاً المصرّحة بأن نصف النهار هو الزوال - : ( وهل يستقيم لعاقل أن يقول : أحد النصفين يزيد على النصف الآخر بساعة ، أو بقريب من ساعة ونصف ، بل أكثر كما في كثير من البلاد؟ ) ، انتهى.

السادس عشر : ما رواه عليّ بن إبراهيم : في تفسيره عن أبيه عن إسماعيل بن أبان : عن عمرو بن أبان الثقفي : قال : سأل نصرانيّ الشام أبا جعفر الباقر عليه السلام : عن ساعةٍ ما هي من الليل ولا من النهار ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

قال النصرانيّ : إذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ، فمن أيّ الساعات هي؟ قال أبو جعفر عليه السلام من ساعات الجنة ، وفيها تفيق مرضانا (1).

ورواه الكليني (2) ، وجملة من كتب الفضائل (3).

فدلّ هذا الخبر على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من النهار ، فتكون من الليل.

فإن قلت : كما دلّ هذا على أنه ليس من النهار دَلّ على أنه ليس من الليل ، فيكون من النهار.

قلت : المنازِع لا يدّعي خروجه من النهار ولا يقول أحد الفريقين بخروجه عنهما ، ونهاية الأمر تعارض الدلالتين. وتترجّح دلالته على أن ذلك الزمان من الليل بموافقة الاستصحاب ، والعرف العامّ المحكّم في الوضعيّات.

السابع عشر : ما صحّ عن أهل البيت عليهم صلوات الله - : من قولهم أسألك ..

ص: 398


1- تفسير القمّي 1 : 126 ، وفيه : « وفيها تفيق مرضى » ، عنه في بحار الأنوار 46 : 313 - 314 / 2.
2- الكافي 8 : 106 / 94.
3- مدينة معاجز الأئمة 5 : 64.

باسمك الذي وضعته على النهار فأضاء ، وعلى الليل فأظلم (1).

والضرورة الوجدانيّة قاضية ببقاء الظلام بعد طلوع الفجر الثاني ، وهو آية بقاء أثر الاسم الموضوع على الليل فيه ، فيكون من الليل ، ولو كان من النهار لاستنار بالاسم الموضوع على النهار استنارة كاستنارة النهار ؛ لأن أثره نوع واحد ، ولا يتعقّب هذا بما في قرب طلوع الشمس وغروبها من الاستنارة في الجملة ، فإن ذلك لمجاورته نور النهار وقربه منه ، والنور والوجود له فاضل وفضل يفيض منه على ما جاوره وقرب منه ، بخلاف الظلمة والعدم ، فإنه ليس له فضلٌ ولا فاضلٌ يفيض منه على الوجود والنور ؛ لأنه نقطة ، وإلّا لكان الوجود والنور قابلاً مستمدّاً من العدم والظلام ، والضرورة قاضية باستحالته.

وعليك باعتبار ظلّ الجدار وشعاع الشمس فإنّك لا تجد من الظلّ أثراً في شعاع الشمس ، وليس له فاضل يفيضه عليه عند المجاورة والمقابلة ، وتجد لنور شعاع الشمس فاضلَ نور يُلقيه ويفيضه على ظلّ الجدار المجاور له حتّى إنه تُبصر فيه النواظر ، ولفاضله فاضلاً يفيضه على مجاورة من الظل. وهكذا إلى أربعين رتبة فينقطع ظهور أثره وفيضه وتستحكم الظلمة وتخلص.

ومثل هذا جاء في أسماء أهل البيت عليهم السلام : الذين هم أسماء الله العليا أن الله كتبها على كلّ شي ء ، وبها قام كلّ شي ء ، وقبِل الوجود بحسب قابليّته الاختياريّة في جميع أنحاء وجوده ولوازمه ، فقد روى خاتمة الحكماء الشيخ أحمد بن زين الدين : في ( شرح الجامعة الكبيرة ) عن كتاب الحسن بن سليمان الحلي : المعروف ب- ( مختصر بصائر سعد ) ، بروايته عن بعض علماء الإماميّة في كتاب ( منهج التحقيق إلى سواء الطريق ) بسنده إلى سلمان : أنه قال : يا أمير المؤمنين ، كيف تملك وتعلم بهذه الأشياء؟ قال عليه السلام أعلمُ ذلك بالاسم الأعظم الذي إذا كتب على ورق الزيتون وأُلقي في النار لم يحترق ، وبأسمائنا التي كتبت على الليل فأظلم وعلى النهار فأضاء واستنار ، وإنّا

ص: 399


1- بحار الأنوار 95 : 317 / 3.

المحنة النازلة على الأعداء ، وإنّا الطامَّة الكبرى ، أسماؤنا مكتوبة على السماوات فقامت ، وعلى الأرض فانبسطت ، وعلى الرياح فذرت ، وعلى البرق فلمع ، وعلى النور فسطع ، وعلى الرعد فخشع (1) الخبر.

فإن المراد بأسمائهم : صفاتُهم العليا ، فإن الاسم صفة لموصوف (2) ، كما جاء عن مولانا الرضا عليه السلام ، والمراد : أنهم سلام الله عليهم لمّا كانوا خُزّان رحمة الله وجوده ، فهم يفيضون على كلّ شي ء ما تقبله فطرته من الوجود وكمالاته ، بكمال اختياره بحسب قابليّته. فالجود والوجود واحد ، والقوابل مختلفة ، فاختلف باختلافها ظهوره كاختلاف ألوان الماء وأوضاعه باختلاف أوانيه ، فاللون والوضع [ اللذين ] (3) حكاهما الماء إنما هما للإناء ، وكقطر المطر في أجواف الأصداف درّ ، وفي أجواف الأفاعي سمّ (4). وفي معادن الذهب ينبت الذهب ، وفي معادن الكبريت ينبت (5) الكبريت ، وهكذا.

فالاسم الأعظم كتب على النهار ليكون نشوراً مبصراً ، ونوراً تهتدي به أبصار الحيوانات لتطلب معاشها لمعادها ، وتميّز بين ضارّها ونافعها ، وتصلح به المواليد الثلاثة التي هي مراقي الإنسان لمعاده ، فقد خلقت له كما قال تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (6) ، فقبله على ذلك فأُوتى قسطه وما يستحقّه بسؤاله ، فجعل وكان كذلك ، فهو يسبّح اللهَ ويسجد له بضيائه واستنارته ، وإبصاره وضياؤه واستنارته [ هي (7) ] أثر تلك الكتابة وقبوله لها ، بل هي ذلك الاسم المكتوب ، أي صفته.

وكذلك الليل كتب عليه ذلك الاسم الأعظم ليكون ستراً وجماماً ، وقوّةً ولباساً ،

ص: 400


1- شرح الزيارة الجامعة الكبيرة 4 : 16.
2- التوحيد : 192 / 5.
3- في النسختين : ( الذي ).
4- إشارة إلى البيت المشهور : كقطر الماء في الأصداف در *** وفي بطن الأفاعي صار سمّا شرح المشاعر : 61.
5- ليست في « ق ».
6- البقرة : 29.
7- في النسختين : « هو ».

وليصلح بظلامة وبرده أمر المواليد الثلاثة. فظلامه من حيث هو كذلك هو أثر تلك الكتابة ، بل هي هو ، أي صفته ، فهو يسبّح الله ويسجد له بظلامة من حيث هو كذلك ؛ لأنه كماله الذي يكمل به النظام الجمليّ كالنهار ، ونوره وضيائه. فسبحان من جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً ، فكلّ من ضياء النهار وظلام الليل آية تدلّ على وحدانيّة مبدعه.

وذلك سرّ كتابة الاسم على كلّ منهما ، فكانا كما أمرهما وكتبه عليهما أي خلقه فيهما وفطرهما عليه من كمالات الوجود وما يصلح به النظام الجمليّ وهكذا في كلّ شي ء كتابه أسمائهم أي خلق الصفات الكمالية فيها التي فاضت عليها منهم وبهم فإنها جهة كمالها الموهوب ، فكتابتها على النار هو إحراقها وتعذيبها وقاهريّتها لمن القي فيها ، وعلى الجنّة هو بهجتها ونعيمها وسرورها لمن سكنها ، وحورها وارتفاع المنافيات والمحن والأخباث عن أهلها ، فهما يسبّحان الله عزّ اسمه ، ويسجدان له بذلك الاسم والصفة ، بل كتابتهُ على كلّ منهما هو عين كماله الفائض عليه من باب الرحمة الأعظم. فسبحان مَن أنزل مِن السماء ماء فسالت أودية بقدرها ، ووسعت رحمته كلّ شي ء.

فكلّ وُجود وَجود وكمالُ وُجودٍ فهو منهم وبهم فاض ، فقد أفاضوا على كلّ ذرّة من ذرّات الوجود قسطاً ممّا أنعم الله به عليهم ، وآتاهم من فضله ممّا يناسبه ويقبله بكمال اختيار فطرته وقابليّته ورتبته ؛ ليكمل النظام الجمليّ بكمالهم وتكميلهم ، وتكمل حجّة الله على جميع خلقه ، فهم الرحمة التي وسعت كلّ شي ء ، وبهم رحم الله الخلق ، قبِل من قبِل ، وأبى من أبى ، حتّى إنهم أفاضوا على قلب الكافر وجوارحه كماله من القدرة على الكفر والإيمان بعد إفاضة وجوده. وذلك هو جهة كتابة الاسم الأعظم عليه ، بل هي هو فإنها صفة كمال ، وكلّ كمال فهو فاضل شي ء من كمالهم [ الذي (1) ] لا تبلغ العقول وَصفه وحكايته ، كلّ ذلك بكمال الاختيار.

ص: 401


1- في النسختين : ( التي ).

فإذا عرفت أن كتابة الاسم الأعظم على النهار ضياؤه وإبصاره ، وعلى الليل هو ظلامه واستتاره ، من حيث إنَّهما كمالان لوجوديهما وللنظام الجمليّ ، لأمن حيث إن الليل يطمس الأبصار بفقد النور ، ولا من حيث أنه عدم النور والضياء ، فليس ظلامه الفطريّ إنكاراً لذلك الاسم الذي كتب عليه ، ولا لأنه لم يقبل تلك الصفة التي هي من فاضل نور اسمهم الأعظم وصفتهم العليا ، وإلّا لما كان مكتوباً عليه الاسم الأعظم بالفعل ، ولم يكن قولهم : إن الاسم كتب عليه فأظلم ، حقيقة ، وهو حقيقة كما يرشد إليه تفريع ظلامه على تلك الكتابة ، حيث قال عليه السلام كتب على النهار فأضاء ، وعلى الليل فأظلم ، وعلى البرق فلمع ، وعلى الرعد فخشع (1).

ففرّع ذلك على الكتابة.

فهي إذن العلّة لضياء النهار ، وظلام الليل ولجميع كمالات الوجود ، فلا يكون ظلامه متسبّباً عن إنكاره وإبائه لقبول كتابة ذلك الاسم وتلك الصفة. وممّا يرشدك إلى ما قلناه ما رواه في ( الكافي ) بسنده عن أبي ولّاد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله خلق حجاباً من ظلمة ممّا يلي المشرق ، ووكّل به ملكاً ، فإذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيده ، ثمّ استقبل بها المغرب يتبع الشفق ، ويخرج من بين يديه قليلاً قليلاً ، ويمضي فيوافي المغرب عند سقوط الشفق فيسرح الظلمة ، ثمّ يعود إلى المشرق فإذا طلع الفجر نشر جناحيه فاستاق الظلمة من المشرق إلى المغرب حتّى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس (2).

فلو كان ظلام الليل متسبّباً وناشئاً عن إنكاره للاسم ، وعدم قبوله لتلك الصفة الكماليّة لما كان ظلامه إنما يخرج من كفّ الملك ، ولا كان الملك هو المغترف له من بحر ذلك الحجاب ، فلله حجب من ظلمة كما لَهُ حجب من نور.

عرفت (3) أن ما في الساعة الفجريّة من الظلام هو من ظلام الليل ، فتكون من الليل ؛ إذ لو كانت من النهار لكان الاسم الذي كتب على النهار فأضاء قد كتب عليها ،

ص: 402


1- شرح الجامعة الكبيرة 4 : 16.
2- الكافي 3 : 279 / 3.
3- جواب أداة الشرط ( إذا ) في قوله : ( فإذا عرفت أن كتابة الاسم الأعظم على النهار ضياؤه .. ) الواردة في أول الصفحة.

ولو كتب عليها لم يكن فيها ظلام بوجه أصلاً ، بل كانت مثل سائر أجزاء النهار في الإضاءَة ، وإلّا لم تكن كتابة ذلك الاسم علّة لإضاءة النهار مطلقاً ، وهي علّة تامّة لإضاءة النهار مطلقاً بجميع أجزائه على حدّ سواء.

ومن البيّن أن ما في تلك الساعة من الإضاءة ليس من نوع إضاءة سائر أجزاء النهار ، وإنما هي من فاضل نور النهار ، بسبب المجاورة كالساعة المغربيّة كما بيّناه.

الثامن عشر : قد تبيّن من مطاوي هذه الأخبار أن لليل زوالاً ، وزواله انتصافه ، وعلامة زواله وآيته انحدار النجوم ، كما في خبر عمر بن حنظلة : أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام ، فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار ، فكيف لنا بالليل؟ فقال عليه السلام لليل زوال كزوال الشمس.

قال : فبأيّ شي ء نعرفه؟ قال بالنجوم إذا انحدرت (1).

فإن المراد منه : زوالها وانحدارها عن دائرة نصف النهار بمعونة العرف والتبادر ، حيث لا يفهم من زوال النجم إلّا هبوطه عنها ، ويرشد إليه تشبيهه عليه السلام زوال الليل الذي عرّفه بانحدار النجوم بزوال الشمس ، ولا وجه للشبه إلّا ذلك.

وقد كلّف الشارع عليه سلام الله العباد بمعرفة انتصاف الليل الذي هو زواله ؛ لأنه كلّفهم بأداء نافلة الليل ، وجعل أوّل وقتها انتصاف الليل إجماعاً ، وكلّفهم بأداء صلاة العشاء وجعل آخر وقتها انتصاف الليل على الأشهر الأظهر ، بل الظاهر شذوذ القول بأنه الصبح ، والقول بأنه ثلث الليل. بل الظاهر انقطاعهما ، وذكر عبادات ندب إليها في الثلث الأخير من الليل.

وبالجملة ، فافتقار الخلق إلى معرفة انتصاف الليل للعبادات والمعاملات وغير ذلك لا يخفى.

وحكم (2) بأن انتصاف الليل زواله ، وجعل آية زواله انحدار النجوم عن دائرة نصف النهار ، وهذا لا يتمّ ولا يضبط إلّا على أن الليل عبارة عمّا بين الغروب

ص: 403


1- الفقيه 1 : 146 / 677.
2- عطف على قوله : ( وذكر عبادات ندب .. ) ، أو على قوله : ( كلّف الشارز. . ).

والطلوع ؛ وذلك لأنه تكليف عامّ فعلامته لا بدّ أن تكون ظاهرة معلومة لأكثر المكلّفين ؛ إذ لا يجزي التقليد في الأوقات إلّا للمعذورين كالعميّ وسائر من استثناه الفقهاء.

فلا بدّ أن يريد عليه سلام الله - : نجوماً مخصوصة ؛ لأن إرادة كلّ نجم فُرض واضحة الفساد ، بل ضروريّته ، فإنه لا يريد : النجوم الطالعة وقت العصر ولا الظهر ، فإن زوالها لا ينصّف الليل بالضرورة ، فلا بدّ أن يريد عليه السلام نجوماً مخصوصة.

والذي وقفت عليه في كثير من كتب الفقه أن المراد بها : النجوم التي تطلع وقت الغروب ، وهذا مجمل ، فإنه ليس كلّ نجم يطلع وقت الغروب يزول نصف الليل بالضرورة ؛ فإنه يطلع وقت الغروب نجم على المدارات الجنوبيّة المقاربة للقطب الجنوبيّ ، ونجم على المدارات الشماليّة المقاربة للقطب الشماليّ ، فمحال أن يزولا معاً بالضرورة.

وقال المجلسيّ : في ( البحار ) : ( وقال الشهيد : في ( الذكرى ) (1) : روى محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه ، ثمَّ لا يصلّي شيئاً إلّا بعد انتصاف الليل.

ومثله عن أبي جعفر عليه السلام : قال حتّى يزول الليل ، فإذا زال الليل صلّى ثماني ركعات وأوتر في الركعة الأخيرة ، ثمّ يصلّي ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعيده.

قلت (2) : عبّر بزوال الليل عن انتصافه كزوال النهار ).

ثمّ نقل رواية عمر بن حنظلة : المتقدّمة ، ثمّ قال : ( والظاهر أنه عنى : انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس.

والجعفي : اعتمد على منازل القمر الثمانية والعشرين المشهورة ، فإنه قال : إنها مقسومة على ثلاثمائة وأربعة وستّين يوماً لكلّ منزلة ثلاثة عشر يوماً ، فيكون الفجر مثلاً بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوماً ، ثم ينتقل إلى ما بعده ، وهكذا. فإذا جُعل

ص: 404


1- الذكرى : 125 ( حجريّ ).
2- أي المجلسي رحمه الله.

القطب الشماليُّ بين الكتفين نُظر ما على الرأس وبين العينين من المنازل ، فيُعدُّ منها إلى منزله الفجر ، ثمّ يؤخذ لكلّ منزلة نصف سبع ).

قال : ( والقمر يغرب ليلة الهلال على نصف سبع من الليل ، ثمّ يتزايد كذلك إلى ليلة أربع عشرة ، ثمّ يتأخّر إلى (1) ليلة خمس عشرة نصف سبع ، وعلى هذا إلى آخره. قال : وهذا تقريب ) ، انتهى كلام ( الذكرى ).

إلى أن قال : ( ثمّ اعلم أن ما ذكره الشهيد : وتبعه شيخنا البهائيّ رحمه الله : من تخصيص النجوم المذكورة في الخبر بالتي تطلع عند غروب الشمس إنما يستقيم إذا كان كلّ أُفق من الآفاق منصّفاً لمدارات جميع الكواكب ، وليس هو كذلك ، بل هذا مخصوص بافق خطّ الاستواء ، أمّا في الآفاق المائلة باعتبار قلّة ميل معدّل النهار عن سَمتِ الرأس ، وكثرته وقرب مدارات الكواكب بالنسبة إلى المعدّل وبعدها عنه فتختلف اختلافاً فاحشاً.

ففي أواسط المعمورة إذا اتّفق طلوع كوكب غروب الشمس ، فربّما وصل قبل انتصاف الليل إلى دائرة نصف النهار قريباً من ساعة ، كفرد الشجاع ، وربّما وصل قبله قريباً من ساعتين كالشعرى اليمانية ، وربّما تأخّر وصوله إلى دائرة نصف النهار عن (2) الانتصاف بساعة ونصف تقريباً كالسماك الرامح ، ورأس الجوزاء ، وفم الفرس ، أو بساعتين تقريباً كالنسر الطائر ، والعيّوق ، ونير الفكّة ، أو بثلاث ساعات تقريباً كالنسر الواقع ، أو أربع ساعات كالردف. وربّما اتّفق وصول بعض الكواكب القريبة من القطب الشمالي إلى دائرة نصف النهار بعد طلوع الشمس ، فلا بدّ على طريقتهم من تخصيص آخر ، وهو أن تكون كواكب قوس نهارها موافقة لقوس درجة الشمس من منطقة البروج أو قريباً منها كالسماك الأعزل بالنسبة إلى بعض درجات أواخر الحمل.

وحمل كلام الإمام عليه السلام في بيان القاعدة التي يحتاج إليها عامّة الخلق على معنًى

ص: 405


1- ليست في « ق ».
2- في « ق » : ( من ).

لا يعرفه إلّا أوحديّ الناس في هذا الفنّ في غاية البعد ، وربّما يحمل على الكواكب التي كانت معروفة عند العرب ، وكانوا يعرفون بالتجارب طلوعها وغروبها ، ووصولها إلى دائرة نصف النهار ، ويكون الغرض تنبيههم على أنه يمكن استعلام الأوقات بأمثال ذلك ، بعد تحصيل التجربة ، وفيه أيضا ما فيه.

وذكر بعض أفاضل الأذكياء لذلك علامات ، فقال : علامة زوال الليل في أوائل الحمل طلوع الردف ، وفي أواسطه انحدار السّماك الأعزل ، وفي أواخره طلوع النسر الطائر وغروب الشعرى الشاميّة والعيّوق.

وفي أوائل الثور انحدار السّماك الرامح ، وفي أواسطه غروب فرد الشجاع ، وفي أواخره طلوع فم الفرس وانحدار نير الفكّة وعنق الحيّة ، وغروب قلب الأسد.

وفي أوائل الجوزاء انحدار رأس الجوزاء ، وفي أواسطه انحدار قلب العقرب ، وفي أواخره إشراف النسر الواقع على الانحدار.

وفي أوائل السرطان انحدار النسر الواقع ، وفي أواسطه غروب السّماك الأعزل ، وفي أواخره انحدار النسر الطائر.

وفي أوائل الأسد طلوع العيّوق وانحدار الردف ، وفي أواسطه طلوع الثريّا وغروب الرامح ، وفي أواخره طلوع عين الثور وانحدار فم الفرس وغروب عنق الحيّة.

وفي أوائل السنبلة إشراف نير الفكّة على الغروب ، وفي أواسطه غروب نير الفكّة ، وفي أواخره طلوع يد الجوزاء اليمنى ورجلها اليسرى.

وفي أوائل الميزان غروب رأس الجوزاء ، وفي أواسطه طلوع الشعرى اليمانيّة ، وفي أواخره إشراف النسر الطائر على الغروب.

وفي أوائل العقرب غروب النسر الطائر ، وفي أواسطه طلوع قلب الأسد وغروب النسر الواقع ، وفي أواخره طلوع فرد الشجاع.

وفي أوائل القوس انحدار عين الثور وغروب فم الفرس ، وفي أواسطه انحدار

ص: 406

العيّوق ورجل الجوزاء اليسرى وغروب الردف ، وفي أواخره انحدار رجل الجوزاء اليمنى.

وفي أوائل الجدي انحدار اليمانيّة ، وفي أواسطه انحدار الشاميّة وطلوع الرامح ، وفي أواخره طلوع الأعزل ونير الفكّة.

وفي أوائل الدلو إشراف قلب الأسد على الانحدار ، وفي أواسطه انحدار قلب الأسد وطلوع العنق ، وفي أواخره إشراف رجل الجوزاء اليسرى على الغروب.

وفي أوائل الحوت طلوع الواقع وغروب رجل الجوزاء اليسرى ، وفي أواسطه غروب عين الثور ، وفي أواخره غروب اليمانيّة ويد الجوزاء اليمنى.

وهذا كله مبنيّ على أخذ الليل من غروب الشمس إلى طلوعها.

والجعفيّ رحمه الله : جعل بناء استعلام زوال الليل تارة على منازل القمر المعروفة بين العرب ولعلّه حمل الخبر عليه وتارة على غروب القمر وطلوعه :

أما الأوّل ، فلأن العرب قسّموا مدار القمر ثمانية وعشرين قسماً ، وضبطوا حدود تلك الأقسام بكواكب وسمّوها منازل القمر ، ومدة قطع الشمس تلك المنازل في ثلاثمائة وخمسة وستّين يوماً وشي ء ، فإذا قسّمت على المنازل يقع بإزاء كلّ منزلة ثلاثةَ عشرَ يوماً وشي ءٌ.

وإذا حصل الاطّلاع على منزلة الشمس من تلك المنازل ، يمكن استخراج ما مضى من الليل وما بقي منه بملاحظة الطالع والمنحدر والغارب من تلك المنازل تقريباً بأدنى تأمّل ؛ إذ عند غروب الشمس يكون المنزل السابع من المنزل الذي فيه الشمس على دائرة نصف النهار ، والرابع عشر على المشرق وفي نصف كلّ سُبع من الليل يتفاوت بقدر منزلة ، فيكون التفاوت في ربع الليل بقدر ثلاثة منازل ونصف ، وفي نصف الليل بقدر سبعة منازل ، وعلى هذا القياس.

وهذا أيضاً تقريبيّ ، لاختلاف مدار الشمس والقمر وجهات أُخر ، فلو حملنا الخبر عليه حملنا النجوم على المنزل الذي يكون مقابلاً للمنزل الذي فيه الشمس.

ص: 407

وأما الثاني ، وهو بناء الأمر على غروب القمر في أوائل الشهر ، وطلوعه في أواخره ، فضابطه أن يضرب عدد ما مضى في أوائل الشهر إلى الرابع عشر ، ومن خامس عشر إلى الثامن والعشرين في الستّة ، وقسمة الحاصل على السبعة ، فالخارج في الأوّل قدر الساعات المعوجة الماضية من الليل إلى غروب القمر ، وفي الثاني قدر الساعات المذكورة إلى طلوعه.

مثاله : إذا ضربنا الأربعة في الستّة حصل أربعة وعشرون ، فإذا قسّمناه على السبعة خرج ثلاثة وثلاثة أسباع ، فيكون غروب القمر في الليلة الرابعة ، وطلوعه في الثامنة عشرة بعد ثلاث ساعات وثلاثة أسباع ساعة ، وكذا إذا قسّمنا الحاصل من ضرب الخمسة في الستّة ، وهو الثلاثون على السبعة خرج أربعة وسبعان ، فغروب القمر في الليلة الخامسة وطلوعه في الليلة التاسعة عشرة بعد أربع ساعات وسبعي ساعة ، وهكذا. وهذا أيضا تقريبي ) (1). إلى هنا عبارة المجلسيّ : باختصار.

وأقول : ما نقله عن الشهيد ، وعن الجعفيّ : من القاعدتين المشهورتين بين العلماء والجهّال ، بل كاد أن يكون الاعتماد عليهما في سائر الأصقاع والأزمان مجمعاً عليه ، وما نقله عن بعض الأفاضل أيضاً لا يتمّ إلّا على أن المراد من الليل : ما بين الطلوع إلى الغروب ، كما لا يخفى على ذي مسكة. وما خصّص به كلامهم من أنها نجوم قوس نهارها موافق لقوس درجة الشمس من المنطقة حسن ، لكنه مجمل أيضاً وإن كان أقلّ إجمالاً من إطلاق القول بأنها النجوم الطالعة وقت الغروب ، فلا يحمل كلام الشارع فيما كلّف به عامّة البشر ، من معرفة نصف الليل الذي هو آخر أداء العشاء وأوّل صلاة الليل.

والحقّ ما أشار له في توجيه كلام الجعفيّ : الأوّل من أن المراد بها : المنزلة المقابلة لمنزلة الشمس ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وليس ما نقله من القواعد مبنيّاً على التقريب ، وإن تخلّف في بعض الحالات شي ء يسير لا يضرّ بالتحديد ، لأسباب عرضيّة.

ص: 408


1- بحار الأنوار 80 : 139 - 143.

ورأيت في حواشي ( الفقيه ) على هذا الخبر ما صورته : ( لعلّ المراد بالنجوم هي التي طلعت في أوّل الليل من موضع تطلع منه الشمس في يوم كان على مقدار ذلك الليل. فإذا فرضنا أن الليل المفروض تسع ساعات ، اعتبر مطلع الشمس في يوم كان تسع ساعات. ويمكن استعلام ذلك بمطلع الشمس ، فإن طلعت على مشرق الاعتدال اعتبر كوكب يطلع منه ، وإن كان مشرقها جنوبيّا اعتبر كوكب شماليّ بعد مشرقه عن مشرق الاعتدال في الشمال بمثل بعد مشرق الشمس عنه في الجنوب ، وإن كان مشرقها شماليّاً فبالعكس والانحدار الانهباط ). ونسب هذا الكلام للملّا مراد رحمه الله.

ولا يخفى ما فيه من الخفاء بحيث يحصل القطع بأن معنى الخبر غيره ، فإنه لا يعرفه إلّا الأوحديّ في الفلكيّات والتقويم بشرط استعمال الآلات التي يضبط بها حركات الكواكب ، ودرج الفلك وعروض الآفاق. والتكليف بمعرفة انتصاف الليل الّذي عليه مدار تكليفات كثيرة في الحجّ وغيره ، وأعمّها معرفة آخر وقت العشاء وأوّل وقت نافلة الليل ، فلا تكون علامته وآيته اللازمة له إلّا جليّة يعرفها عامة المكلّفين ؛ إذ لو كلّف العامّة بما لا يعرفه إلّا أفراد قليلة من خاصّة الخاصّة ، لكان تكليفاً بالمحال أو قل : تكليفٌ بدون بيان.

والذي ظهر لي أنه عليه السلام إنما أراد انحدار رقيب منزلة الشمس من المنازل المعروفة عند عامّة المكلّفين ، فإن أكثر المكلّفين يعرف منازل الشمس والقمر من منطقة البروج ، فإن رقيب منزلة الشمس من المنازل ، وهي التي تطلع إذا غابت منزلة الشمس ككفّتي ميزان فإنها تزول عن سَمت الرأس ، ودائرة نصف النهار ونصف الليل أبداً في كلّ برج وكلّ يوم من أيّام السنة في كلّ صقع وبلد من المعمور على وجه التحقيق لا التقريب. وهذه آية واضحة عامّة شاملة توافق عموم التكليف.

فإن قلتَ : في البشر من لا يعرف المنازل.

قلتُ : وفيهم من لا يعرف زوال الحمرة المغربيّة ولا غروب الشمس ، وهذا لا يدور عليه التكليف ولا يخلّ بعمومه ، بل جعل الشارع لمثل هذا سبيلاً آخرَ ، هو الرجوع

ص: 409

لغيره كالأعمى والمسجون.

ورقيب منزلة الشمس هي الخامسة عشرة من منزلة الشمس إذا عددتها على التوالي ، ولا بأس بذكر ما معرفته تُعين على ذلك ، فنقول : دائرة نصف النهار دائرة مفروضة قاسمة لدائرة الأُفق بقوسين : شماليّ وجنوبيّ ، مقاطعة لها على نقطتي الشمال والجنوب على زوايا قوائم ، فالنجم يسمّى صاعداً من حين طلوعه حتّى يبلغ تلك الدائرة ، ثمّ يسمّى منحدراً حتّى يغيب ، وهذا يختلف باختلاف الآفاق ؛ بسبب كرؤيّة الأرض المقطوع به ، ورقيب منزلة الشمس من المنازل الثمانية والعشرين هي الخامسة عشرة منها إذا عدّت على توالي البروج والمراقبة ثابتة بينهما ثلاث عشرة ليلة ، وهكذا في كلّ منزلتين ؛ وذلك لأن الشمس تقيم في كلّ منزلة ثلاث عشرة ليلة وشيئاً قليلاً ، جمعوا تلك الكسور وأضافوها إلى الهَنعَة فجعلوا لها أربع عشرة ليلة. وقد فصّل أصحاب هذه الصناعة ذلك.

قال بعض أئمّتهم : مهما طلع برج أو منزلة غار رقيبها ، ومهما اعتدل برج أو منزلة فرقيبه الوتد تحت القدم ، ورقيب البرج سابعه ، ورقيب المنزلة خامس عشرها ، فرقيب الحمل الميزان ، ورقيب الثور العقرب ، وهكذا. وقد نظمها بعض المتقدّمين ، فقال :

أرى الكبش بالميزان يقسم لحمه *** وبين بنان الثور عقرب يعقر

وفي مِنكب الجوزاء قوس معلّق *** وإنّ ظهر السرطان فالجدي ينفر

أرى الليث نحو الماء يرسل دلوه *** وفي قبضة العذراء حوت ميسَّر

وممّن أحسن في جمع رقائب المنازل عبد الله بن أبي بكر بن عفيف المكّي ، حيث نظمها ، فقال :

يا ناطحاً غفر الله الكريم له *** من نثر ذبح الكرى في الوجنتين دما

قد أضمر البطن فاستولى الزبان على *** ما تحته واستفاد الطرف بلعهما

ص: 410

وللثرى كلل الدمع المصون له *** من جبهة السعد في الداجي إذا انقسما

تدبَّر القلب آيات الزبور وفي *** تلك الزوايا (1) خبايا أغلت القيما

ما هقعة الشول (2) تغني المستبدَّ بها *** شيئاً إذا انصرف المقدام منهزما

أيضاً ولا هنع الأنعام شاكرة *** إذا عوى صاحب التأخير وانفحما

وكم ذرعنا بأخفاف المطي بلداً *** وأعللنا سماك الحوت إن نجما (3)

فمهما كان النطح طالعاً كان الغفر غارباً ، والنثرة وتداً ، والذابح متوسّطاً على الرأس ، أو كان الغفر طالعاً فالنطح غارباً ، والنثرة متوسّطاً ، والذابح وتداً ، أو كان النثرة طالعاً فالذابح غارباً ، والنطح متوسّطاً ، والغفر وتداً ، أو كان الذابح طالعاً ، فالنثرة غارباً ، والغَفر متوسّطاً والنطح وتداً ، وعلى هذا فقس. انتهى.

وهذا لا يشكّ فيه من له أدنى معرفة بهذا الفنّ ، وهو غير جار إلّا على أن الليل هو ما بين الغروب إلى الطلوع ، وسيأتي لهذا مزيد كشف وبيان إن شاء الله تعالى.

التاسع عشر : إطباق العرف من الخاصّ والعامّ في كلّ زمان ومكان ، وإجماع الفلكيّين والمقوّمين والمنجّمين وأصحاب الأرصاد وأهل اللغة وعرف المتشرّعة في ضبط الآجال ، وأيّام الإقامة ، ومسافة القصر ، ووقت النفر ، وإفطار المسافر ، وغير ذلك من النذور وغيرها ، على أن نصف النهار هو زوال الشمس ، وإجماع أهل كلّ فنّ حجّة كما بُيّن في محلّه ، ومحال بالضرورة أن يكون أحد نصفي النهار أطول من الآخر ، والليل يقابل النهار البتّة ، فنصفه ما فصل ما بين الغروب والطلوع بمتساويين ، كما عليه عرف أهل الشرع في تحديد وقت صلاة العتمة.

العشرون : إطباق العرف عامّاً وخاصّاً في كلّ زمان ومكان ، وإجماع الفلكيّين والمقوّمين وأصحاب الأرصاد أن تساوي الليل والنهار عبارة عن تساوي ما بين الطلوع والغروب مع ما بين الغروب والطلوع ، ومثله ما لو قيل : زاد الليل على النهار

ص: 411


1- في « ق » : ( الروايات ) ، وهو مخلٌّ بالوزن.
2- في « ق » : ( الشبول ).
3- كذا النسختين ، وهو مختلُّ الوزن.

بساعة مثلاً أو بالعكس. ولا ريب أن في كلّ سنة يومين يتساوى فيهما الليل والنهار ، والإجماع عليه منعقد في كلّ زمان ومكان ، وأنهما يوما حلول الشمس نقطتي الاعتدالين عند حلول الشمس أوّل الحمل وأوّل الميزان.

وهذا إنما ينطبق على تساوي ما بين الطلوع والغروب ، وبين الغروب والطلوع ، فلو كان النهار من طلوع الفجر لكان يوما الاعتدالين غير ذلك ، ولم يذكر غيره في كلام عالم ولا حَبر (1). فعلى هذا لا يكون يوما الاعتدالين معروفين ، وهما معروفان بالضرورة.

الحادي والعشرون : التكليف بمعرفة الأوقات عامّ ، وقد ورد من الشارع لوقت المغرب ولوقت العشاء وللظهرين علامات جليّة واضحة عامّة يعرفها عامّة المكلّفين ، ولم نظفر بعلامة من الشارع ولا من فقيه من فقهاء الأُمّة ، بل ولا من لغويّ ولا فلكيّ ولا مقوّم ، ولا من أحد من أصحاب الأرصاد وأرباب الزيجات بعلامة لانتصاف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ، مع أن هؤلاء قد عيّنوا علامات لانتصاف الليل لا ينطبق شي ء منها على تنصيف ذلك ، فكيف يكلّف الشارع بمعرفة وقت لم يجعل له آية ولا علامة؟ ما هذا إلّا محال.

فدلّ على أن المراد بالليل شرعاً ما نصّفته العلامات الشرعيّة المذكورة ، والعرفيّة المذكورة وغيرها ، وهو ما بين الغروب والطلوع.

الثاني والعشرون : اتّفاق كلمة المصنّفين في علم الميزان على تعريف الشمس بأنها كوكب نهاريّ ينسخ طلوعه وجود الليل. فإنه ظاهر جليّ في أنه متى لم تطلع الشمس فلا نهار. وعلى قولهم : متى كانت الشمس طالعة فالنهار موجود في الشرطيّات العامّة ، ومفهومه أنه إذا لم تكن الشمس طالعة فلا نهار موجود.

الثالث والعشرون : قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (2) ، فإن الظاهر أن آية النهار الشمس ، وآية الشي ء

ص: 412


1- في « ق » : ( خبر ) بدل : ( حبر ).
2- الإسراء : 12.

علامته ودليله الذي يعرف به ، فإذا كانت الشمس هي دليل وجود النهار فلا نهار قبل طلوعها.

ويدلّ على هذا ما في ( نهج البلاغة ) من قول أمير المؤمنين عليه السلام : وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوَّة من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدّر مسيرهما في مدارج مدرجهما ؛ ليميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما (1).

فجعل الشمس آية للنهار مميّزة بين النهار والليل ، فما لم توجد العلامة والمميّز الذاتيّين لم يوجد النهار.

وفي ( العلل ) (2) عن النبي صلى الله عليه وآله : أنه سئل : ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور؟ قال لمّا خلقهما الله عزوجل أطاعا ولم يعصيا شيئاً ، فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه ، فأثَّر المحو في القمر خطوطاً سوداء. ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم (3) يُمحَ ، لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولا عرف الناس عدد السنين ، وذلك قول الله عزوجل ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ) الآية.

وفي ( الاحتجاج ) (4) أن أمير المؤمنين عليه السلام : قال لابن الكوّاء : أما سمعت الله يقول ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) ؟ لمّا سأله عن المحو الذي يرى في القمر.

وهما صريحان في أن الشمس آية النهار التي لا يعرف ويتميّز عن الليل إلّا بها. فإذن ما لم توجد وتطلع في أُفق لم يوجد النهار.

الرابع والعشرون : ما في حديث الإهليلجة عن الصادق عليه السلام : أنه قال في قوله تعالى : ( وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) (5) يسبحان في ذلك ، يدور بهما دائبين ، يطلعهما تارة ويؤفلهما اخرى حتّى تعرف عدَّة الأيّام والشهور والسنين ، وما يستأنف من الصيف

ص: 413


1- نهج البلاغة : 155 / الخطبة 91.
2- علل الشرائع 2 : 181 / 33.
3- في « ق » : « لما ».
4- الاحتجاج 1 : 615 / 139.
5- الفرقان : 61.

والربيع والشتاء والخريف ، أزمنة مختلفة باختلاف الليل والنهار (1).

فقد جعل اختلاف الليل والنهار إنما يعرف بطلوع الشمس وإنارة القمر ، فلا نهار ما لم تطلع الشمس ويخفى نور القمر ، ومتى كان للقمر ضياء في سطح الأرض فالليل موجود.

الخامس والعشرون : ظاهر قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) (2) ، فإنه بمعنى : يخلف كلّ منهما الآخرَ ويحلّ محلّه ويعاقبه ، فلا بدّ من كمال التمايز بينهما ليكمل الاستدلال بذلك على وحدانيّة خالقهما ، وليكون تعاقبهما نعمة على العبد يجب شكرها حيث إن حوائج العباد وخصوصاً المواليد الثلاثة ، وخصوصاً الإنسان لا تتمّ ولا يستقيم معاشها ومعادها إلّا بتعاقبهما.

فمنها ما لا يتمّ بل لا يكون إلّا بالليل ، ومنها ما لا يكمل أو يكون إلّا بالنهار ، ومنافع تعاقبهما وحلول كلّ منهما محلّ الآخر لا تحصى ، منها تدارك ما فات من شكر المنعم الموقّت له الليل بالنهار ، وبالعكس ، كما جاء في بعض تفاسير الآية عن أهل البيت عليهم السلام (3).

ومن المحسوس عدم (4) معاقبة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لليل ، وعدم ظهور التمايز بينها وبين أجزاء الليل ، فالصفات الصفات ، والآية التي هي ضوء القمر الآية ، خصوصاً مع ما بين غروب الشمس إلى ذهاب البياض من المغرب بعد العشاء الذي هو من الليل بلا خلاف ؛ فإن بينهما كمال المطابقة ، فلا تكون الساعة الفجريّة من النهار وإلّا لقامت بها صفاته ولوازمه ، ولزمتها آيته وعلامته ، وتحقّقت معها علّته.

السادس والعشرون : قوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (5)

ص: 414


1- التفسير الصافي 4 : 22 ، نور الثقلين 4 : 25 - 26 / 86.
2- الفرقان : 64.
3- كنز الدقائق 7 : 196.
4- ليست في « ق ».
5- يس : 37.

، حيث جعل سلخ النهار ورفعه ملزوماً لوجود الظلام ، بل جعل الليل هو الظلام الحادث بسبب سلخ النهار ورفعه عنه ، والحسّ شاهد بوجود الظلام المشابه لظلام الليل بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس كالساعة الاولى من الليل. وقد ورد في تأويل هذه الآية كما في ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام : أنه قال يعني قبض محمد صلى الله عليه وآله ، وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل البيت ، عليهم سلام الله (1).

والتأويل طبق التنزيل ، فكما لا نهار ولا نور بعد غياب شمس الرسالة ، لا نهار قبل طلوع شمس الآفاق.

السابع والعشرون : قوله تعالى : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (2) ، فإن ظاهرها أن الشمس لا تطلع في سلطان القمر وهو الليل ، فمهما لم تكن الشمس طالعة فهو من سلطان القمر وهو الليل ، وإن الليل وظلامه لا يكون في شي ء من النهار ، والحسّ شاهد بوجود الظلام قبل طلوع الشمس فلا يكون من النهار.

يدلّ على ذلك ما في ( تفسير القمي : ) عن الباقر عليه السلام : أنه قال الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل ، لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل ولا يسبق الليل النهار. يقول : لا يذهب الليل حتّى يدركه النهار ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (3) ، يقول : يجي ء وراء الفلكِ الاستدارةُ (4).

فقد صرّح الخبر بأن الشمس سلطان النهار أي دليله وبرهانه فلا نهار في أفق بدون طلوعها فيه فقبله ليل لا نهار ، والقمر سلطان الليل فمادام ضياؤه ونوره ظاهراً فالليل موجود ، وضياؤه ونوره قبل طلوع الشمس موجود بالضرورة ، فالليل موجود لوجود سلطانه وبرهانه وآيته ودليله.

ص: 415


1- الكافي 8 : 311 / 74.
2- يس : 40.
3- يس : 40.
4- تفسير القمّي 2 : 216.

الثامن والعشرون : التقابل بين الليل والنهار (1) إمّا تقابل الملكة والعدم ، كما يشعر به قوله عزّ اسمه ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ) (2) ، فالتعبير بالسلخ يشعر بأنه كالموضوع للنهار ، وقوله تعالى : ( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) (3) ، وإمّا تقابل التضادّ كما يشعر به ما جاء عن أهل البيت : عليهم سلام الله في أخبار متعدّدة أن النهار خلق قبل الليل (4) ، ولكلّ وجه ، وهما صحيحان كلّ باعتبار.

ومن المحسوس أن الساعة الفجريّة لا تقابل الليل بشي ء من المعنيين ، وإنما تقابل النهار مقابلة كمقابلة أوّل الليل ، فلا تكون من النهار.

التاسع والعشرون : ممّا قام عليه البرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً أن الوجود سبق العدم ، والنور خلق قبل الظلمة ، والنهار خلق قبل الليل ؛ لأنك إذا علمت أن الباري عزّ اسمه علّة تامّة علمت ذلك ، ولسنا بصدد بيانه ، وإنما نحن بصدد بيان أن النهار خلق قبل الليل فقط بذكر شي ء من الأخبار الدالّة عليه دون ذكر الاعتبارات العقليّة ؛ لعدم احتمال هذه الأوراق لها ، والأخبار بذلك كثيرة ، كما لا يخفى على الفطن بلحن القول :

منها : ما في ( المجمع ) نقلا عن ( م العيّاشي : ) (5) عن الرضا عليه السلام : أنه قال إن النهار خلق قبل الليل (6).

وقال في تفسير قوله تعالى : ( وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (7). قال أي قد سبقه النهار (8).

وفي ( الاحتجاج ) عن الصادق عليه السلام : أنه قال خلق النهار قبل الليل ، والشمس قبل القمر ، والأرض قبل السماء (9).

ص: 416


1- في « ق » : ( النهار والليل ).
2- يس : 37.
3- الحج 61.
4- الاحتجاج 2 : 249 / 223.
5- عنه في كنز الدقائق 8 : 411.
6- مجمع البيان 8 : 548 ، باختلاف.
7- يس : 40.
8- مجمع البيان 8 : 548.
9- الاحتجاج 2 : 249 / 223.

ورواه في ( الكافي ) وزاد وخلق النور قبل الظلمة (1).

إلى غير ذلك من الأخبار.

فإذا كان النهار قبل الليل والنور قبل الظلمة ، لزم أن ابتداء النهار وأوّله ليس فيه ظلمة بوجه أصلاً ؛ إذ لم يسبقه ظلام ولا ليل بوجهٍ أصلاً ، وإنما سبقه نور علّته الّذي نوره قبس من نورها ، فلو كان ما بين الطلوعين من النهار كان مبدأ النهار ظلمة وقبله ليل ، وهو محال. وهذه الأخبار وما في معناها يردّه ، فلزم أن أوّل النهار طلوع شمسه وانبساط نورها.

الثلاثون : قوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) (2) الآية ، فإنها حكمت باختلافهما ، والإطلاق يحمل على الفرد الأكمل ، فثبت أن بينهما كمال الاختلاف ، وليس بين الساعة الفجريّة وبين الليل كمال اختلاف ، بل مشابهة خصوصاً للساعة الاولى منه فإنّهما متطابقتان.

وفي ( تفسير الإمام ) في تفسير هذه الآية قال بعد كلام ثمّ ما في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنتشروا في معاشكم ، ومن القمر المضي ء لكم في ليلكم لتبصروا في ظلماته ، وألجأكم بالاستراحة بالظلمة التي بها ترك مواصلة الكدِّ الذي ينهك أبدانكم ، وَاخْتِلَافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ المتتابعين عليكم بالعجائب التي يحدثها ربّكم في عالمه (3) الخبر.

فقد دلّ بفحواه على أن الشمس لا تضي ء إلّا في النهار ، ولا نهار إلّا مع ضياء الشمس ، وضياء الشمس ممتاز عن ضياء الفجر وإن كان من فاضل ضيائها ، بل صريحُهُ أن استنارة الشمس يعني الكاملة بمقتضى الإطلاق ظرفها النهار ، ولازمها المساوي ، ودلّ على أن القمر لا يضي ء إلّا بالليل. فإذن ما قبل طلوع

ص: 417


1- الكافي 8 : 127 / 116 ، عن الباقر عليه السلام ، باختلاف.
2- البقرة : 164.
3- التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام : 575 ، باختلاف.

الشمس ليس من النهار ، لإضاءة القمر فيه. ودلّ على كمال الاختلاف بين الليل والنهار ، ولا اختلاف كذلك بين الليل وما قبل طلوع الشمس كما مرّ.

الحادي والثلاثون : لا ريب أنه للّيل طرفان : أوّل وآخر ، هما حدّاه ، يعقب طرفه الأوّل النهار ويعقب النهار طرفه الآخر ، فيجب تشابههما وتماثلهما ، وكذلك النهار له أوّل يعقب الليل ، وآخر يعقبه الليل يجب تشابههما وتماثلهما. ولا ريب ولا خلاف أن آخر النهار غروب الشمس ، فيجب بحكم التقابل أن يكون أوّله طلوعها ، وكذا لا ريب ولا خلاف أن أوّل الليل ما بعد غروب الشمس بلا فصل ، فيجب بحكم المقابلة والمشابهة ، بل التطابق أن يكون آخره ما قبل الطلوع بلا فصل ؛ لتشابه الوقتين من كلّ وجه ، فالحكم بأن الأُولى منه والأُخرى خارجة خارجٌ عن الصواب وتحكّم ، وحكم بالمضادّة ، بل المناقضة بين المتماثلين من كلّ وجه ، وبطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان.

قال المجلسيّ : في ( البحار ) بعد أن ادّعى أن أوّل النهار طلوع الفجر ، واستدلّ عليه بما سنشير إليه إن شاء الله تعالى - : ( واستدلّ بعض الأفاضل على خلاف هذا المدّعى بقوله تعالى : ( يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (1) ، حيث قال : فقد قيل في تفسيره : إن الله تعالى يقلّب بالمعاقبة بينهما ، أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر ، أو بتغيير أحوالهما بالحرّ والبرد والظلمة والنور وما يعمّ ذلك.

وعندي : كلّ هذه الوجوه خلاف الظاهر ، وفرق بين تقليب الشي ء وتبديل الشي ء بالشي ء ومعاقبتهما. والظاهر من التقليب : جعل الصدر عجزاً وبالعكس ، وذلك إنما يتحقّق في كلّ واحد من الليل والنهار بالمعنى الذي ذكرناه حسب ، بناءً على أن في أوّل الليل الحمرة في جهة المغرب ، ثمّ يزداد الليل ظلمة وتزول الحمرة وتبقى الصفرة والبياض المعترض ، ثمّ البياض المرتفع إلى السماء ، ثمّ السواد المحيط بالآفاق. ويزداد الليل ظلمة وإن لم يظهر أثر الازدياد حتّى ينتصف الليل ، ويصير

ص: 418


1- النور : 44.

رأس ظلّ المخروط على دائرة نصف النهار فوق الأرض ، ويكون المخروط حينئذٍ إمّا قائماً أو مائلاً إلى جهة الجنوب أو الشمال مع تساوي بعده عن جهة المشرق والمغرب.

ثمّ إذا زال الليل مال رأس المخروط عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب ، وأخذت الظلمة إلى الانتقاص وإن لم يظهر ذلك حسّا ، وانقلبت الحالات الواقعة في النصف الأوّل فيميل النور إلى جهة المشرق حتّى يصير النور المستطيل في الأُفق الشرقيّ ، ثمّ الفجر المعترض ، ثمّ الصفرة والحمرة المشرقيّتان ، إلى أن تطلع الشمس من المشرق. وفي هذا حالات تقليب للحالة الاولى وانعكاس لأمرها.

وكذلك إذا طلع الشمس من المشرق كثر النور في الجهات الشرقيّة والظلّ ممتدّ من جهة المغرب ، وكلّما ارتفعت نقص الظلّ وازداد النور والشعاع ، وجميع ما يترتّب على ذلك ، حتّى إذا زالت الشمس انعكس الأمر وانقلب الحال فصارت الجهات الغربيّة في حكم الشرقيّة وبالعكس ) (1) ، انتهى.

وعنى بصاحب هذا الكلام الفاضل الخراسانيّ : في رسالته الموضوعة في هذه المسألة ، فقد اختار أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، وأطال في الاستدلال بطرق مختلفة.

وجميع ما ذكره من تفصيل حالات الليل والنهار لا يشكّ فيه من له أدنى أثارة من علم ، فإن الليل عبارة عن وقوع مخروط ظلّ الأرض ممّا يلي المعمور ، وهو لا يكون إلّا بهذا الترتيب. وقد اتّفق الفلكيّون والمقوّمون والمنجّمون وأهل الأرصاد والزيجات على أن الليل عبارة عن ذلك ؛ ولذا يعبّرون عن زمان طلوع الكوكب بقوس نهاره ، وعن مدّة كونه تحت الأُفق بقوس ليله ، فقوس ليل الشمس أي مدّة كونها تحت الأُفق هو الليل ، وقوس نهارها أي مدّة كونها فوق الأُفق هو الليل ، فما لم تطلع فالليل باقٍ.

ص: 419


1- بحار الأنوار 80 : 103 - 104.

الثاني والثلاثون : ما ذكره أهل اللغة وغيرهم بلا نكير من أسماء ساعات الليل والنهار ، وهي غير منطبقة إلّا على كون الليل إلى طلوع الشمس ، ففي ( الخصال ) وغيره عن الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري : عن عمّه عن أبي إسحاق : قال : ( أملى علينا ثعلب : ساعات الليل : الغَسَق ، والفَحمَة ، والعُشوَة ، والهَدأة ، والسياع (1) الجِنح ، والهَزيع ، والفقدة وفي بعض النسخ بدل الفقدة : العفر بالعين المهملة والفاء وفي بعضها بالمعجمة ، نصّ عليه في ( البحار ) ، وقال : ( وفي بعض النسخ : الفغر بالفاء ثم الغين المعجمة. وعلى التقادير آخره راء ، وفي بعضها بالفاء ثم القاف وفي بعضها بالنون ثم القاف ، وعلى التقادير آخره دال مهملة ) والزلفة ، والسحرة ، والبُهرة.

وساعات النهار : الرادّ ، والشروق ، والمتوع ، والضّحاء ، والترحّل ، والدلوك ، والجنوح ، والهجيرة ، والظهيرة والأصيل ، والطفل ) (2).

ووجدت في بعض الكتب ما صورته : ( إن العرب قسّموا الليل والنهار كلّاً منهما إلى اثنتي عشرة ساعة ، لكلّ ساعة اسم هكذا :

ساعات النهار : البكور ، والشروق ، والغدوة ، والضحى (3) ، والهاجرة ، والظهيرة ، والرواح ، والعصر ، والقصر ، والأصيل ، والعشاء ، والغروب.

وساعات الليل : الشفق ، والغسق ، والعتمة ، والسدفة ، والجهمة ، والزلفة ، والبهرة ، والسحر ، والسحرة ، والفجر ، والصبح ، والصباح.

وبعضهم ذكر في ساعات النهار : الذرور ، والبزوغ ، والضحى ، والغزالة ، والهاجرة ، والزوال ، والدلوك ، والعصر ، والأصيل ، والصبوب ، والحدود ، والغروب.

وبعضهم هكذا : البكور ، والشروق ، والإشراق ، والرادّ ، والضحى ، والمتوع ،

ص: 420


1- في البحار : ( السباع ) بدل : ( السياع ).
2- الخصال 2 : 488 ، أبواب الاثني عشر / 67 ، ولم يرد فيه لفظتا : ( السياع ) و ( الضحاء ) ، بحار الأنوار 56 : 5 - 6.
3- في « ق » : ( الضحاء ).

والهاجرة ، والأصيل ، والقصر (1) ، والعصر ، والطفل ، والغروب. وهذه كلّها مبنيّة على أن النهار من الطلوع ، والليل إلى الطلوع ) (2).

وقال محمّد بن فارس : ( أسماء ساعات النهار عند العرب : الاولى : الشروق ، ثمّ الرادّ ، ثمّ المتوع ، ثمّ الرحل ، ثمّ المعة ، ثمّ الزوال ، ثمّ الظهر ، ثمّ الجنوح ، ثمّ الإبراد ، ثمّ العصر ، ثمّ الأصيل ، ثمّ الطفل. وأسماء ساعات الليل : الاولى : الغسق ، ثمّ الفحمة ، ثمّ العشوة ، ثمّ الهديّة ، ثمّ السواع ، ثمّ الجنح ، ثمّ المربع ، ثمّ [ .. (3) ] ثمّ البهرة ، ثمّ الهزيع ، ثمّ الزلفة ، ثمّ السحر ) ، انتهى.

الثالث والثلاثون : ذكر العلماء الأوائل والأواخر من الإماميّة وغيرهم لمعرفة ساعات الليل والنهار علاماتٍ وقواعدَ تعرف بها ، لا ينطبق شي ء منها إلّا على أن الليل من الغروب إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع إلى الغروب ، وأنا أذكر لك جملة منها تنتفع بها في موارد كثيرة إن شاء الله الرحمن ، وأبدأ بما ذكره بعض أصحابنا في رسالة له وضعها لمعرفة أوقات الملوين (4).

قال رحمه الله تعالى - : ( وبعد : فقد بيّنت في هذه المقالة ملخّص ما ذكره الأوائل في معرفة المنازل ليستدلّ بها على معرفة ساعات الليل ؛ إذ كان العابد يفتقر إلى معرفة ساعات الليل ومراعاتها ، فإن صلاة الليل بعد انتصافه ، ولا تكون قبله. والساعة السابعة من الليل رُغّب إلى القيام فيها وخُصّت بإجابة الدعاء على ما ورد به الآثار عن الصادقين عليهم السلام (5) ، والصائم يفتقر إلى معرفة الفجر ، فإذا كان عارفاً بالمنازل عرف بها قدر ما بقي عن طلوعه.

فوضعنا هذه الرسالة لمعرفة ساعات الليل تقريباً ، وهي مرتّبة على فصول :

الأول : في ضبطها. وهي ثمانٍ وعشرون منزلة ، ينزل القمر في كلّ ليلة منزلة ،

ص: 421


1- في المخطوط : ( القصر ، والعصر ).
2- بحار الأنوار : 56 : 7.
3- بياض في أصل المخطوط.
4- الملوان : الليل والنهار. لسان العرب 13 : 190 ملا.
5- الكافي 2 : 477 / 6 ، 478 / 9 ، 10 ، وليس فيه إشارة إلى الساعة السابعة.

وهي : شرطان ، بطين ، ثريّا ، دبران ، هقعة ، هنعة ، ذراع ، نثرة ، الطرف ، جبهة ، زبرة ، صرفة ، عوّا ، سماك ، غفر ، زبانى ، إكليل ، قلب ، شولة ، نعائم ، بلدة ، سعد الذابح ، سَعد بُلع ، سعد السعود ، سعد الأخبية ، الفرغ المقدّم ، الفَرغ المؤخّر ، بطن الحوت.

واعلم أن العرب نظروا في حال القمر فوجدوه قد قطع الفلك في قريب من ثلاثين يوماً ، ووجدوه قد استتر في يومين منها بالتقريب ، فقسّموا الفلك وهو اثنا عشر برجاً على ثمانٍ وعشرين منزله فأصاب كلّ برج منها منزلتين وثلثاً. ثمّ نظروا في حال الشمس فوجدوها قد قطعت كلّ منزله في ثلاثة عشر يوماً تقريباً.

وإنما عرفوا ذلك من جهة مرور كلّ منزلة تحت شعاع الشمس بالغدوات ، فإذا جمعوا أيّام المنازل بلغت ثلاثمائة وأربعة وستّين يوماً ، ووجدوا الشمس تعود إلى كلّ منزلة بعد قطع المنازل في ثلاثمائة وخمسة وستّين يوماً ، فزادوا في أيام الغَفر يوماً واحداً.

وعند المحقّقين أن السنة الشمسيّة ثلاثمائة وخمسة وستّون يوماً وربع يوم ، والقمريّة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وخمس وسدس يوم.

وكان العرب أشدّ الناس اعتناءً بضبط المنازل ومعرفة الكواكب ، قيل لأعرابي : ما أعرفك بالنجوم! فقال : من ذا الذي لا يعرف أجذاع بيته (1).

الفصل الثاني : في تحقيق هذه المنازل :

أمّا الشّرَطان ، فكوكبان نيّران معترضان من الشمال إلى الجنوب بينهما قاب قوسين ، وبقرب الجنوبيّ منهما من شرقيّة كوكب صغير بينهما قدر نصف ذراع في الرؤية ، وتسمي العرب الثلاثة أشراطاً.

وأمّا البُطَين ، فثلاثة كواكب على هيئة مثلّث متساوي الأضلاع كالأثافي ، وبينه وبين الشرطين قدر رمح في رؤية العين.

وأمّا الثريا ، فستّة كواكب ، وقيل : سبعة صغار مجتمعة كعنقود عنب ، وتسمى

ص: 422


1- ربيع الأبرار 1 : 87 / 24.

النجم في إطلاق العرب.

وأمّا الدبران ، فهو كوكب أحمر نيّر مع أربعة كواكب أصغر منه ، وهو معها كصورة ( دال ) ، ويسمّى المجدح ، وحادي النجوم.

أمّا الهقعة ، فهي ثلاثة كواكب خفيّة مجتمعة كنقط الثاء كأنها لطخة سحابيّة.

وأمّا الهَنعَة ، فكوكبان أحدهما صغير والآخر أنور منه ، بينهما قدر باع ، يتّصل بهما ثلاثة أنجم ، فيرى الجميع كصورة صولجان ، وقيل : كباء منكوسة الرأس.

وأمّا الذراع ، فكوكبان نيّران معترضان بين الشمال والجنوب ، وهي ذراع الأسد ، وللأسد ذراع منقبضة ؛ لأنها تَخفى عند طلوع الأسد فكأنه قبضها ، وتقاربها نجوم صغار تسمّى الأضفار ، ومبسوطة وهي أرفع منه في السماء ، أحد كواكبها الشعرى الغميصاء ، والآخر الأحمر يسمّى مرزم الذراع. والشعرى شعريان : أحدهما الشعرى العبور ، وهي يمانيّة نيّرة تقطع السماء عرضاً ، وتقابلها الشعرى الغميصاء التي هي ذراع الأسد المبسوطة ، ويقال : العبور ، وهي في المجرة من شماليّها. والغميصاء أقلّ نوراً من العبور ، والغمص والرمص واحد ، وهو قذى العين (1) ، ويقال العُميصاء والغُميصاء بالعين المهملة و [ الغين ] المعجمة.

وأمّا النثرة ، فكواكب صغار مجتمعة سحابيّة كأنها لطخة غيم ، وربّما يسمّونها مخطة الأسد.

وأمّا الطرف ، فكوكبان معترضان من الجنوب إلى الشمال وقدّامهما كواكب صغار تسمى الأشفار.

وأمّا الجبهة ، فهي أربعة كواكب على أثر الطرف كالنعش إلا إن فيه اعوجاجاً ، وهي معترضة بين الشمال والجنوب ، والجنوبيّ منها أحمر نيّر يقال له قلب الأسد.

وأمّا الزبرة ، فكوكبان نيّران معترضان بين الشمال والجنوب ، بينهما قيد سوط في الرؤية.

ص: 423


1- مختار الصحاح : 481 غمص ، 256 رمص.

وأمّا الصّرفَة ، فكوكب أبيض نيّر عنده كواكب صغار.

وأمّا العَوّا ، فخمسة كواكب متقاربة الأقدار متباينة الأبعاد ، ثلاثة منها مصطفّة من الجنوب إلى الشمال ، واثنان من المغرب إلى المشرق كهيئة لام كتبت باليد اليسرى.

وأمّا السّماك ، فكوكب نيّر في الجنوب منه أربعة كواكب كمربّع فيه انحراف ، وتسمّى عرش السّماك ، ويسمّى الخباء ، وهو الأعزل. والسّماك الرامح كوكب نيّر في الشمال وبين يديه كوكب صغير يقال له : راية السّماك ، ورمحه ، ولا ينزله القمر ، وهو الحدّ بين النجوم الشماليّة والجنوبيّة لقربه من مطلع الاستواء ، فمن كان مطلعة فوق السّماك الأعزل فهو شماليّ ، وما كان من تحته فهو جنوبيّ.

وأمّا الغَفر ، فثلاثة كواكب معترضة من الجنوب إلى الشمال على خطّ فيه تقويس ؛ بسبب بروز الأوسط منها عن استواء الخطّ إلى جهة الغرب. وهي خفيّة ، أنورها الأوسط ، وهو أوّل المنازل اليمانيّة.

وأمّا الزّبانى ، فكوكبان معترضان في الشمال والجنوب بينهما قدر رمح.

وأمّا الإكليل ، فثلاثة كواكب خفيّة على سطر مقوّسة شبيهة بالغَفر ، ويتلوها جبهة العقرب ، سمّيت بذلك لأنها على جبهة العقرب فشبّهت بإكليل التاج ، وجبهة العقرب ثلاثة أنجم مضيئة قدّام القلب. ويظنّ بعضهم أنها الإكليل ، وهو خطأ.

وأمّا القلب ، فكوكب نيّر محمرّ لمّاع بين كوكبين : شرقيّ وغربيّ.

وأمّا الشّولَة فكوكبان صغيران بينهما قدر فتر في رأي العين في ذنب العقرب ، وذنب العقرب كواكب في المجرّة اليمانية ويسميان أيضاً أبرة العقرب.

وأمّا النعائم فثمانية كواكب : أربعة منها في المجرّة وتسمّى النعائم الواردة ، وأربعة منها خارج المجرّة وتسمّى النعائم الصادرة. وفوق النعائم كوكب مضي ء مرتفع يسمّى راعي النعائم ، إذا أُضيف إليهنّ صار الجميع كبناء قبّة.

وأمّا البَلدة ، فرقعة في السماء ليس فيها كوكب وتسمّى أيضاً المفازة ، وهي خلف القلادة ، والقلادة ستّة كواكب : ثلاثة شماليّة ، وثلاثة جنوبيّة ، صورة دائرة غير تامّة

ص: 424

الاستدارة تُشبه القوس ، وحيالهنّ كوكب يقال له سهم الرامي ، وهو عصا الراعي. وزعم بعضهم أن البَلدة هي القلادة ، وهو نادر.

وأمّا سعد الذابح ، فكوكبان معترضان من الشمال إلى الجنوب بينهما قدر باع ، وليسا بالنيّرين ، يلي الشماليّ منهما كوكب صغير يكاد يلصق به يسمّى الذبيح ، ويسمّى شاة الذابح. وقيل : إن شاته هي الثاني من كوكبي سعد.

وأمّا سَعد بُلع ، فثلاثة أنجم معترضة بين الشمال والجنوب على خطّ فيه تقويس ، حدبته إلى الغرب ، وأوسطها أخفاها. وقيل : كوكبان نيّران بينهما قدر ذراع ، أحدهما أنور من الآخر كأنه بلع ضوءه.

وأمّا سعد السعود ، فثلاثة كواكب على خطّ فيه تقويس بين الشمال والجنوب حدبته إلى الغرب ، والشمالي أنور إخوته.

وأمّا سعد الأخبية ، فأربعة كواكب ثلاثة منها على شكل مثلّث ، والرابع في وسطه ، وهو سعد ، والثلاثة خباؤه.

وأمّا الفَرغ المقدّم بالغين المعجمة فكوكبان نيّران معترضان بين الشمال والجنوب بينهما قدر رمح.

وأمّا الفَرغ المؤخّر ، فمثله.

والأربعة على صورة مربع متساوي الأضلاع.

وأمّا بطن الحوت ، فكوكب أحمر من جملة كواكب السمكة ، ويسمّى قلب الحوت ، والقمر يحاذيه ، ويسمّى البطن ، مقطوعاً عن الإضافة ، ويسمى الرشا أيضا.

فهذه جملة المنازل.

الفصل الثالث : اعلم أن هذه المنازل شاميّ ويمانيّ ، وإن شئت قلت : شماليّ وجنوبيّ ، فالشاميّة من الشرطين إلى السّماك ، واليمانيّة من الغَفر إلى بطن الحوت. ولكلّ فصل من فصول السنة سبع منازل ، فالربيع من الشرطين إلى الذراع ، وللصيف من النثرة إلى السّماك ، وإلى الخريف من الغَفر إلى البَلدة ، وللشتاء من الذابح إلى الرشا ).

ص: 425

يقول مؤلّف هذه الرسالة الأحقر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : إن أراد رحمه الله تعالى بهذا التقسيم الرباعيّ فصول السنة على اصطلاح الفلكيّين من جعل الحمل والثور والجوزاء لفصل الربيع ، والسرطان والأسد والسنبلة للصيف ، والميزان والعقرب والقوس للخريف ، والجدي والدلو والحوت للشتاء ، فلا يتمّ تقسيمه هذا للمنازل إلّا على الأرصاد القديمة مع الحكم بسكون المكوكب ، وأمّا على الأرصاد الجديدة والحكم بحركة المكوكب حركة بطيئة في كلّ سبعين سنة شمسيّة درجة ، فتتأخّر المنازل إلى الشرق بدرجة على ما وجدناه في التقويم المستخرج من التقاويم والزيجات المعتمدة كزيج ألغ بيك : وغيره. ومقتضاه في عامنا هذا وهو سنة ثلاث وأربعين بعد المائتين والألف من هجرة سيّد الخلق صلى الله عليه وآله : أن للحمل من المنازل ثلاثاً : الفَرغ المقدّم ، والفَرغ المؤخّر ، والرشا. وعلى هذا فقس ؛ فإن البرج في المشهور هو جزء من اثني عشر جزءاً من المعدّل.

وإن أراد رحمه الله بهذا التقسيم على اصطلاح الفلّاحين ، فهو غير بعيد من الصواب ، لكنه بحسب الغالب في أصقاع دون أصقاع ؛ فإن الفصول الأربعة عندهم تختلف باختلاف شدّة الحرّ والبرد وزمني الاعتدالين ، وهذا يختلف باختلاف الأصقاع ، بل باختلاف السنين.

قال قسطوس الحكيم : ( فصول السنة عند جميع الناس أربعة : أوّلها الربيع ثمّ الصيف ، ثمّ الخريف ، ثمّ الشتاء. واختلفوا في مقادير الفصول وحدودها ، فذهبت طائفة إلى أن زمان الربيع شهران ، وكذا الخريف ، وكلّ من الشتاء والصيف أربعة أشهر. واعتمدوا على أن زماني الحرّ والبرد أطول من زماني الاعتدال وذلك محسوس. وذهبت طائفة إلى أن هذه الفصول ليس لها حدّ معلوم في الطول والقصر ، بل يختلف في البلاد بحسب اختلافها في العرض ، فمن البلاد ما يقصر فيها زمان الخريف ويطول الربيع ، ومنها ما هو على العكس ، ومنها ما يقصر فيها زمن الشتاء ويطول الصيف ، وهذا كلّه موجود بالمشاهدة. وذهب أهل النجوم إلى أن فصول

ص: 426

السنة على الإطلاق متساوية الأزمان في جميع البلاد ، كلّ فصل ثلاثة أشهر.

والذي أرى أن فصول السنة عند المنجّمين غير فصولها عند أهل الفلاحة ، فإن المنجّمين يراعون في فصول السنة قطع الشمس لأرباع الفلك ، فزمان الربيع عندهم هو الذي تقطع فيه الشمس الحمل والثور والجوزاء ، والصيف هو الذي تقطع فيه الشمس السرطان والأسد والسنبلة ، والخريف هو الذي تقطع فيه الميزان والعقرب والقوس ، والشتاء هو الذي تقطع فيه الجدي والدلو والحوت.

وأمّا فصول السنة عند أهل الفلاحة فغير ما قدّمناه ، فإنهم يراعون في فصولها أحوال النبات :

فزمان الربيع عندهم هو الزمان الذي تكثر فيه حركة الحيوان ونشاطه وشبقه ، ويفصح فيه الطير ، وتورق الأشجار وتزهر ، ويعقد الثمر. وأوّل هذا الفصل ليس واحداً في جميع البلاد ، فإن أوّله في بعض البلاد في أوّل شباط ، وفي بعضها في وسطه وفي بعضها في أواخره. وفي بعضها في أوائل نيسان ، وفي بعضها في أواسطه أو أواخره. وفي بعض البلاد في أوائل آذار ، وفي بعضها في أواسطه ، وفي بعضها في أواخره. وقد يكون في بعض البلاد أوّل الربيع عند هبوب ريح الصبا.

وزمان الصيف عندهم هو زمان الحصاد واستكمال البزور خلقها.

وزمان الخريف عندهم هو الزمان الذي تتمّ فيه الأثمار ، ويظهر اليبس في الأشجار وتتناثر أوراقها.

وزمان الشتاء عندهم هو الذي يتمّ به يبس الأشجار ) ، انتهى.

وأنت خبير باختلاف هذا بحسب اختلاف الأصقاع ، وكأن صاحب الرسالة رحمه الله تعالى قسّم المنازل على الفصول بحسب الرصد القديم مع القول بعدم حركة المكوكب ، والحقّ أنه يتحرّك حركة بطيئة يقطع الدورة في قريب من ستّة وثلاثين ألف عام.

ثمّ قال صاحب الرسالة رحمه الله تعالى - : ( واعلم أن البعد من الشرطين إلى

ص: 427

البُطَين اثنتا عشرة درجة ، ومن البُطَين إلى الثريّا ثلاث عشرة درجة ، ومن الثريّا إلى الدبران خمس عشرة درجة ، ومن الدبران إلى الهقعة أربع عشرة درجة ، ومن الهقعة إلى الهَنعَة ستّ عشرة درجة ، ومن الهَنعَة إلى الذراع اثنتا عشرة درجة ، ومن الذراع إلى النثرة ثلاث عشرة درجة ، ومن النثرة إلى الطرف اثنتا عشرة درجة ، ومن الطرف إلى الجبهة عشر [ درجات (1) ] ، ومن الجبهة إلى الزبرة أربع عشرة درجة ، ومن الزبرة إلى الصرفة ثلاث عشرة درجة ، ومن الصرفة إلى العوّا ستّ عشرة درجة ، ومن العوّا إلى السّماك اثنتا عشرة درجة ، ومن السّماك إلى الغَفر اثنتا عشرة درجة ، ومن الغَفر إلى الزّبانى اثنتا عشرة. وتسمّى هذه متساوية الأبعاد.

ومن الزّبانى إلى الإكليل أربع عشرة درجة ، ومن الإكليل إلى القلب خمس درجات. وهذه غاية القرب.

ومن القلب إلى الشّولَة ستّ عشرة درجة ، [ ومن الشولة إلى النعائم عشرون درجة. وهي غاية البعد.

ومن النعائم إلى البَلدة تسع [ درجات ]. وهو أوسط الأبعاد.

ومن البلدة إلى الذابح إحدى عشرة درجة ، ومن الذابح إلى بلع عشر [ درجات ] ، ومن بلع إلى سعد السعود عشر [ درجات ] ، ومن سعد السعود إلى الأخبية عشر [ درجات ] ومن الأخبية إلى الفَرغ المقدّم عشر [ درجات ]. وهذه الأربعة أيضاً متساوية الأبعاد.

ومن المقدّم إلى الفَرغ المؤخّر ستّ عشرة درجة ومن المؤخّر إلى بطن الحوت عشر درجات.

الفصل الرابع : في معرفة الطالع من هذه المنازل ، والمتوسّط ، والغارب مع الفجر الثاني في كلّ شهر من شهور الروم. وإنما جعل مدار العمل عليها ؛ لأنها أقلّ اضطراباً من غيرها. واعلم أنه لمّا كانت المنازل ثمانياً وعشرين كان الظاهر منها في الأُفق

ص: 428


1- في النسختين : ( درج ) ، وكذا الهوامش الخمسة التي بعدها.

ثلاث عشرة منزلة ، وطالعاً وغاربا ، فهذه خمس عشرة ، وكذا حكم الأُفق الأسفل لا يدرك منها ثلاثة عشر طالعاً ورقيبه. فإذا عرفت الطالع كان رقيبه الخامس عشر منه والمتوسّط ثامنه ، فالطالع والغارب كما يعدّان الأُفق الأعلى يعدّان الأُفق الأسفل وتبقى الثلاث عشرة الظاهرة واحداً متوسّطاً في خطّ السّماء وستّاً على جهة المشرق وستّاً إلى المغرب ، وكذلك الثلاث عشرة السفليّة. فإذا غربت منزلة طلع من المشرق اخرى ، ويتوسّط ما بعد المتوسّط في العدد.

ومهما كان الطالع فالغارب الخامس عشر منه والثامن منه متوسّط ، فإذا كان وقت المغرب منزلة متوسّطه فإذا توسّطت السابعة كان نصف الليل ، ثمّ إذا توسّطت السابعة الأُخرى كملت ثلاث عشرة منزلة ، وكان وقت الفجر. فبهذا يعرف ربع الليل ونصفه وثلثه تقريباً.

فإذا عرفت هذا ، فالشّرَطان يطلع مع الفجر في رابع عشر نيسان ، ويتوسّط الذابح ويغرب الغَفر ، ويكون الزّبرة متوسّطاً وقت المغرب ، والسّماك ربع الليل ، والغَفر ثلث الليل ، والإكليل نصف الليل.

والبُطَين يطلع مع الفجر في سابع أيّار ، ويتوسّط بلع ، ويغرب الزّبانى ، ويكون الصّرفَة متوسّطاً وقت المغرب ، والغَفر ربع الليل والزّبانى ثلث الليل ، والقلب نصف الليل.

والثريّا يطلع مع الفجر في عشري أيّار ، ويتوسّط سعد السعود ، ويغرب الإكليل ، ويكون العَوّا متوسّطاً وقت المغرب ، والزّبانى ربع الليل ، والإكليل ثلث الليل ، والشولَة نصف الليل.

والدبران يطلع مع الفجر في ثاني حزيران ، ويتوسّط الأخبية ، ويغرب القلب ، ويكون السّماك متوسّطاً وقت المغرب ، والإكليل ربع الليل ، والقلب ثلث الليل ، والنعائم نصف الليل.

والهقعة تطلع مع الفجر في خامس عشر حزيران ، ويتوسّط الفَرغ المقدّم ، وتغرب

ص: 429

الشولَة ويكون الغَفر متوسّطاً وقت المغرب ، والقلب ربع الليل ، والشّولَة ثلث الليل ، والبَلدة نصف الليل.

والهَنعَة تطلع مع الفجر في ثامن عشر حزيران ، ويتوسّط الفَرغ المؤخّر ، وتغرب النعائم ، ويكون الزّبانى متوسّطاً وقت المغرب ، والشولَة ربع الليل ، والنعائم ثلث الليل ، وسعد الذابح نصف الليل.

والذراع يطلع مع الفجر في حادي عشر تموز ، ويتوسّط الرشا ، وتغرب البَلدة ، ويكون الإكليل متوسّطاً وقت المغرب ، والنعائم ربع الليل ، والبَلدة ثلث الليل ، وبلع نصف الليل.

والنثرة تطلع مع الفجر في رابع عشر تمّوز ، ويتوسّط الشّرَطان ، ويغرب الذابح ، ويكون القلب متوسّطاً وقت المغرب ، والبَلدة ربع الليل ، والذابح ثلث الليل ، وسعد السعود نصف الليل.

والطرف يطلع مع الفجر في ثالث آب ، ويتوسّط البُطَين ، ويغرب بلع ، ويكون الشّولَة متوسّطاً وقت المغرب ، والذابح ربع الليل ، وبلع ثلث الليل ، والأخبية نصف الليل.

والجبهة تطلع مع الفجر في تاسع عشر آب ، ويتوسّط الثريّا ، وتغرب السعود ، ويكون النعائم متوسّطاً وقت المغرب ، وبلع ربع الليل ، والسعود ثلث الليل ، والمقدم نصفه.

والزّبرة يطلع مع الفجر في ثاني أيلول ، ويتوسّط الدبران ، ويغرب الأخبية ، ويكون البَلدة متوسّطاً وقت المغرب ، والسعود ربع الليل ، والأخبية ثلث الليل ، والمؤخّر نصف الليل.

والصّرفَة تطلع مع الفجر في خامس عشر أيلول ، ويتوسّط الهقعة ، ويغرب المقدّم ، ويكون الذابح متوسّطاً وقت المغرب ، والأخبية ربع الليل ، والمقدّم ثلثه ، والرشا نصفه.

ص: 430

والعَوّا يطلع مع الفجر في ثامن عشر أيلول ، ويتوسّط الهَنعَة ، ويغرب المؤخّر ، ويكون بلع متوسّطاً وقت المغرب ، والمقدّم ربع الليل ، والمؤخّر ثلثه والشّرطان نصفه.

والسّماك يطلع ] (1) مع الفجر في حادي عشر تشرين الأوّل ، ويتوسّط الذراع ، ويغرب البُطَين ، ويكون الصعود متوسّطاً وقت المغرب ، ومؤخّر الدلو ربع الليل ، والرشا ثلثه ، والبُطَين نصفه.

والغَفر يطلع مع الفجر رابع عشر تشرين الأوّل ، وتتوسّط النثرة ، ويغرب الشّرَطان ، ويكون الأخبية متوسّطاً وقت المغرب ، والرشا ربع الليل ، والشّرطان ثلثه ، والثريّا نصفه.

والزّبانى يطلع مع الفجر سادس تشرين الآخر ، ويتوسّط الطرف ، ويغرب البُطَين ، ويكون مقدّم الدلو متوسّطا وقت المغرب ، والشّرطان ربع الليل ، والبُطَين ثلثه ، والدبران نصفه.

والإكليل يطلع مع الفجر تاسع عشر تشرين الآخر ويتوسّط الطرف ، ويغرب الثريّا ، ويكون مؤخّر الدلو متوسّطاً وقت المغرب ، والبُطَين ربع الليل ، والثريّا ثلثه ، والهقعة نصفه.

والقلب يطلع مع الفجر ثاني كانون الأوّل ، ويتوسّط الزبرة ، ويغرب الدبران ، ويكون بطن الحوت متوسّطاً وقت المغرب ، والثريّا ربع الليل ، والدبران ثلثه ، والهقعة نصفه.

والشّولَة يطلع مع الفجر خامس عشر كانون الأوّل ، وتتوسّط الصرفة وتغرب الهقعة ، ويكون الشّرَطان متوسّطاً وقت المغرب ، والدبران ربع الليل ، والهقعة ثلثه ، والذراع نصفه.

والنعائم يطلع مع الفجر ثامن عشر كانون الأوّل ، وتتوسّط الصّرفَة ، وتغرب الهقعة ،

ص: 431


1- قوله في ص 428 : ( ومن الشَّولَة إلى النعائم .. السماك يطلع ) من « ق ».

ويكون البُطَين متوسّطاً وقت المغرب ، والهقعة ربع الليل ، والهَنعَة ثلثه ، والنثرة نصفه.

والبَلدة يطلع مع الفجر في عاشر كانون الثاني ، ويتوسّط السّماك ، ويغرب الذراع ، وتكون الثريّا متوسّطة وقت المغرب ، والهَنعَة ربع الليل ، والذراع ثلثه ، والطرف نصفه.

وسعد الذابح يطلع مع الفجر ثالث عشر كانون الآخر ، ويتوسّط الغَفر ، وتغرب النثرة ، ويكون الدبران متوسّطاً وقت المغرب ، والذراع ربع الليل ، والنثرة ثلثه ، والجبهة نصفه.

وسَعد بُلع يطلع مع الفجر خامس شباط ويتوسّط الزّبانى ويغرب الطرف ، وتكون الهقعة متوسّطة وقت المغرب ، والنثرة ربع الليل ، والطرف ثلثه ، والزبرة نصفه.

وسعد السعود يطلع مع الفجر ثامن عشر شباط ، ويتوسّط الإكليل ، وتغرب الجبهة ، وتكون الهَنعَة متوسّطة وقت المغرب ، والطرف ربع الليل ، والجبهة ثلثه ، والصّرفَة نصفه.

والأخبية يطلع مع الفجر ثالث آذار ، ويتوسّط القلب ، وتغرب الزبرة ، ويكون الذراع متوسّطاً وقت المغرب ، والجبهة ربع الليل ، والزبرة ثلثه ، والعَوّا نصفه.

والفَرغ المقدّم يطلع مع الفجر ثالث عشر آذار ، ويتوسّط النعائم ، وتغرب الصّرفَة ، ويكون النثرة متوسّطاً وقت المغرب ، والزبرة متوسّطاً ربع الليل ، والصّرفَة ثلثه ، والسّماك نصفه.

والمؤخّر يطلع مع الفجر في الثلاثين من آذار ، ويتوسّط النعائم ويغرب العَوّا ، ويكون الطرف متوسّطاً وقت المغرب ، والصّرفَة ربع الليل ، والعَوّا ثلثه ، والغَفر نصفه.

والرشا يطلع مع الفجر حادي عشر نيسان ويتوسّط النثرة (1) ويغرب السّماك ، وتكون الجبهة متوسّطاً وقت المغرب ، والعَوّا ربع الليل ، والسّماك ثلثه ، والزّبانى نصفه.

تتمّة : وهنا طريق آخر إلى معرفة ساعات الليل والاستدلال عليه بغروب القمر وطلوعه ، وذلك أنه في كلّ ليلة من أوّل الشهر يغرب على ستّة أسباع ساعة إلى

ص: 432


1- من « ق » ، وفي « م » : ( البَلدة ).

الليلة الرابعة عشرة ، فإذا كان الليلة الخامسة مثلاً ضربت خمسة في ستّة ، يبلغ ثلاثين ، تقسمها على سبعة ، يخرج أربع ساعات وسُبعا ساعة ، فالقمر يغيب تلك الليلة على هذه المقدار. وإذا كان الليلة السابعة ضربت ستّة في سبعة ، تبلغ اثنتين وأربعين ، فإذا قسّمتها على سبعة خرج ستّ ساعات ، فالقمر يغيب نصف الليل ، فإذا كان الليلة الخامسة عشرة ، فالقمر يطلع على ستّة أسباع ساعة ، وليلة العشرين يطلع على خمس ساعات وسبع ساعة. وعلى هذا القياس.

لكن الطريق الأوّل أضبط ؛ لأن القمر في بعض الشهور يكبس الليلة الرابعة عشرة ، وفي بعضها لا يكبس الليلة الخامسة عشرة ، ولأن الإنسان قد ينام ويستيقظ فيجد القمر طالعاً ولا يدري أيّ وقت طلع ، وكذا في غروبه بخلاف المنازل.

الفصل الخامس : شهور الروم اثنا عشر ، وهي : تشرين الأوّل ، وتشرين الثاني ، وكانون الأوّل ، وكانون الثاني ، وشباط ، وآذار ، ونيسان ، وأيّار ، وحزيران ، وتمّوز ، وآب ، وأيلول. وهي متفاوتة الأعداد ، فكلّ من تشرين الثاني ونيسان وحزيران وأيلول ثلاثون يوماً. وشباط ثمانية وعشرون يوماً إلّا في الكبيسة ، فإنه تسعة وعشرون يوماً ، وتدور في كلّ أربع سنين ؛ لأنه ثمانية وعشرون يوماً وربع يوم ، والبواقي كلّ شهر أحد وثلاثون يوماً.

وقد جمعت في أربع كلمات : ( فاز ضيف هنا نزل ). فالفاء : تشرين الأوّل ، ولها نقطة من فوق ؛ فهو أحد وثلاثون يوماً ، والألف : تشرين الثاني وهو مهمل فيكون ثلاثين. وعلى هذا فقس ) ، انتهى ما أردنا نقله من الرسالة.

وأنت خبير بأنه لا ينطبق شي ء من علامات ربع الليل وثلثه ونصفه إلّا على أجزاء ما بين الغروب والطلوع ، وهذه الأمارات تحتاج إلى مزيد بيان ، هو معرفة مداخل الشهور الروميّة من الشهور الفارسيّة ، لأنها معروفة عند أكثر الناس متداولة بينهم.

فنقول : الذي قرّره الزواويّ : في جدوله المستخرج من الزيجات والتقاويم المعتمدة عند أهل هذه الصناعة أن آذار يدخل في العشرين من الحوت ، ونيسان في

ص: 433

الثالث والعشرين من الحمل ، وأيّار في الثاني والعشرين من الثور ، وحزيران في الثاني والعشرين من الجوزاء ، وتمّوز في العشرين من السرطان ، وآب في العشرين من الأسد ، وأيلول في العشرين من السنبلة ، وتشرين الأوّل في العشرين من الميزان ، وتشرين الثاني في العشرين من العقرب ، وكانون الأوّل في العشرين من القوس ، وكانون الثاني في ثاني وعشرين الجدي ، وشباط في ثاني وعشرين الدلو ، وآذار في ثاني وعشرين الحوت ، انتهى.

ومثله ما في جدول محمّد مكيتل المدنيّ ، وهو كبير المؤذّنين بالحرم الشريف ، إلّا إنه ربّما تفاوتا بيوم أو يومين من أجل اختلاف الآفاق ، بسبب كرؤيّة الأرض.

وقد نظمها السيّد أبو الحسن علي بن أبي الرضا العلويّ الحائريّ ، فقال :

( اعلم بأن الشمس لمّا خلقت *** في أوَّل الشرطين حقَّا وضعت

وعندها كان ابتداء العالم *** سمعته من قول شيخ عالم

في شهر آذار اعتدال الوقت *** في قول كلِّ عالم ومفت

ثلاث عشْرٍ (1) منه تنزل الحملْ *** وكائن الصبح مع الليل اعتدلْ

ويوم خامس عشْرِ من نيسان *** تنزل بالثور على تبيان

وتنزل الشمس بخمس عشرهْ *** في أوّل الجوزاء وقت بكرهْ

من شهر أيّار إذا توسّطا *** فلا تكن في حفظه مفرِّطا

وفي ثلاث عشْرِ (2) يوم كاملهْ *** إذن حزيران أتى في القابلهْ

بالسرطان تنزل المسخِّنه *** وهو إذن أطول يوم في السنهْ

وهكذا تمّوز إن تمّ العددْ *** فإنها تنزل في برج الأسد

وسبع عشْر (3) ليلة مكمّلهْ *** من آب تنزل شمسُه بالسنبلهْ

ص: 434


1- كذا بتذكير جزأي المركّب.
2- كذا بتذكير جزأي المركّب.
3- كذا بتذكير جزأي المركّب.

أيلول لا فيلول فيما ذكروا *** بستّ عشر (1) شارق قد حرروا

تنزل فيه الشمس بالميزان *** فلا تكن في حفظه بوانِ

يعتدل الليل مع النهار *** كقسمة الساعات في آذار

في ستّة قد ذهبت وعشر *** من شهر تشرين بُعيد الفجر

قد تتنزّل بقول العرب *** إذن تُبيَّت برأس العقرب

وتنزل الشمس بخمس عشرهْ *** من شهر تشرين الأخير بكرهْ

بالقوس وهو منكب النعائم *** فاصغِ إلى مقال شيخ عالم

ويوم ثالث عشْر من كانون *** تكون في الجدي على تمكين

لأنه أقصر يوم يأتي *** إذا توسَّط الزمان الشاتي

ثم تعد (2) في درج الصعود *** وهي إذن بأوّل السعود

والشمس قد تنزل برج الدلوِ *** في [ قول (3) ] كلّ حاضر وبدوي

من شهر كانون الأخير ؛ إذ مضت *** ثلاث عشْر (4) ليلة قد فرضت

وتنزل الشمس على احتياط *** في سادس عشر من شباط (5)

بالحوت فاسمع يا سديدُ منّي

ولا [ تجاوزنْه (6) ] واروِ عني )

انتهى.

وفي جدول الزواوي : ( تتوسّط الصّرفَة نصف الليل أوّل يوم من الحمل ، والعَوّا في رابع عشرِهِ ، والسّماك في السادس والعشرين منه.

والغَفر يتوسّط نصف الليل في ثامن الثور ، والزّبانى في عاشرِهِ ، والإكليل في رابع الجوزاء ، والقلب في سابع عشره ، والشّولَة في اليوم الثلاثين منه.

والنعائم تتوسّط نصف الليل في عاشر السرطان ، والبَلدة في الرابع والعشرين منه.

ص: 435


1- كذا بتذكير جزأي المركّب.
2- كذا ( بالجزم ).
3- في المخطوط : ( مقال ).
4- كذا بتذكير جزأي المركّب.
5- كذا ، العجز غير موزون.
6- في النسختين : ( تجاوزه ) ، وما أثبتناه أوفق للوزن.

والذابح يتوسّط نصف الليل في سادس الأسد ، وبلع في ثامن عشرهِ ، والسعود في آخر يوم منه ، وهو الحادي والثلاثون.

وتتوسّط الأخبية نصف الليل في ثالث عشر السنبلة ، والمقدّم في خامس عشرهِ.

والمؤخّر يتوسّط نصف الليل في ثامن الميزان ، والرشا في الحادي والعشرين منه.

ويتوسّط الشّرَطان نصف الليل في رابع العقرب ، والبُطَين في سابع عشرِهِ ، والثريّا في التاسع والعشرين منه.

والدبران يتوسّط نصف الليل في ثالث عشر القوس ، والهقعة في السادس والعشرين منه.

والهَنعَة تتوسّط نصف الليل في التاسع من الجدي ، والذراع في الثاني والعشرين منه.

والنثرة تتوسّط نصف الليل في ثامن الدلو ، والطرف في الحادي والعشرين منه.

والجبهة تتوسّط نصف الليل في رابع الحوت ، الزبرة في ثامن عشرهِ ، والصّرفَة في التاسع والعشرين منه ) ، انتهى.

وأكثر اعتمادي عليه ؛ لأن الظاهر أنه مستخرج على عرض هجر والبحرين وقطر.

وقال السيّد يحيى بن محمّد المكّي : في كتابه ( وسيلة الفلاح ) ، وهو من علماء التقويم وقد رأيته سنة الحادية والعشرين بعد المائتين والألف : ( الفصل الخامس : في معرفة الماضي والباقي من النهار. وطريقته أن تعرف الظلّ في وقتك الذي تريد ، وزد عليه قامة ، وهي سبعة أقدام ، واطرح من المجتمع ظلّ الزوال في يومك أو ما قبله بلا فصل ، والباقي اقسم عليه

اثنين وسبعين ، فما خرج من الصحيح والكسور فهو الماضي من ساعات النهار الزمانيّة وكسورها إن كنت قبل الزوال ، والباقي منه إن كنت بعده.

واعرف قدر الساعات الزمانيّة وابسطها درجاً ، فما اجتمع من الدرج فهو قدر الماضي من الدرج إن كنت قبل الزوال ، والباقي منه إن كنت بعده ، وهو المسمّى بالدائر ، واطرحه من نصف قوس النهار يحصل فضل الدائر ، والباقي للزوال إن كنت قبله ، والماضي منه إن كنت بعده ).

ص: 436

أقول : معنى قوله : ( ابسطها درجاً ) أنك تأخذ لكلّ ساعة خمس عشرة درجة ، فإنها حصّة الساعة من قسمة ثلاثمائة هي عدد درج المعدّل وما حواه من الأفلاك.

ثمّ قال يحيى بن محمّد : ( ولك طريق آخر ، وهو أن تعرف الظلّ في وقتك وأسقِط منه ظلّ الزوال ، ثمّ إن كان الباقي أربعين قدماً فأكثر فهي الساعة الأُولى ، أو دونها إلى عشرين فهي الساعة الثانية ، أو دونها إلى عشرة فهي الثالثة ، أو دونها إلى ستّة فهي الرابعة ، أو دونها إلى ثلاثة فهي الخامسة ، أو دونها إلى الزوال فهي السادسة ، وعكس ذلك من الزوال إلى الغروب ) ، انتهى.

وليس شي ء منه منطبقاً إلّا على أن الليل من الغروب إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع إلى الغروب ، كما هو جليّ ظاهر لا يكاد ينكره من له أدنى معرفة بهذا الفنّ ، كالذي قبله من العلامات المنقولة عن العلماء ، فإن شيئاً منها غير منطبق إلّا على هذا.

وقال الحكيم سرجس بن هلبا الروميّ : في تعريب كتاب ( الفلاحة الرومية ) تأليف الحكيم قسطوس الرومي : ( الباب الخامس : في معرفة ما مضى من ساعات النهار أو الليل. قال قسطوس : يجب على من أراد ذلك أن يكون عالماً بأقصر الظلال في أوائل البروج ، وهي ظلال نصف النهار إذا كانت الشمس في أوائل البروج ، فإن هذه الظلال إذا كانت محصّلة عند الطالب في إقليمه تهيّأ له أن يعلم الماضي من الساعات في إقليمه في أيّ يوم كان من أيّام السنة.

والطريق إلى تحصيل هذا الظلّ أن تعمد إلى أرض مستوية وتدير فيها دائرة سعتها أربعة أذرع ، ثم تعمد إلى عود مصطحب لا اعوجاج فيه طوله ذراع ، وتقيمه على مركز الدائرة قياماً ثابتاً صحيحاً لا ميل فيه. أما إثباته فيكون بأن يدفن في الأرض نصفه ويبقى الظاهر منه شبر ، وتدعمه دعماً قويّاً. وأمّا ما يعمل حتّى يكون قيامه على الأرض صحيحاً لا ميل فيه ، فهو بأن يُعلّم على محيط الدائرة ثلاث علامات متباعدة تكاد تقسم الدائرة بثلاثة أقسام متساوية أو ما يقرب منه ، ثمّ تقيس بُعد رأس العود من العلامات الثلاث التي على محيط الدائرة بخيط أو بعود ،

ص: 437

فإن كانت أبعاد رأس العود من العلامات الثلاث متساوية ، فالعود قائم قياماً صحيحاً وإلّا فمائل فأصلحه.

فإذا تمّ ذلك فارقب ظلّ هذا العود بعد طلوع الشمس بقليل إلى أن يوافي محيط الدائرة ، وعلّم عليه في محيطها علامة وسمّها مدخل الظلّ ، ثمّ ارقب ظلّ العود أيضاً في النصف الثاني من النهار إلى أن يوافي محيط الدائرة ، وعلّم عليه أيضاً في محيطها علامة سمّها مخرج الظلّ ، ثمّ اقسم القوس من محيط الدائرة التي بين مدخله ومخرجه بنصفين ، وكذلك وتر هذه القوس وهو الخطّ المستقيم القاسم بين مدخله ومخرجه بنصفين ، ثمّ خطّ خطّاً يمرّ على منتصف القوس ، ومنتصف الوتر وينتهي إلى أصل العود ، فيكون ظلّ العود القائم على مركز الدائرة أقصر ما يكون في كلّ يوم من أيّام السنة إذا وقع على هذا الخطّ.

فإذا تمّ ذلك ، فاقسم بالبركار طول العود من أصله إلى أعلاه [ إلى اثني (1) ] عشر قسماً متساوية ، من غير أن تزيله عن موضعه ولا تغيّره عمّا كان عليه ، وسِم كلّ قسم منها إصبعاً ، ثمّ افتح البركار بقدر إصبع منها واتركه على فتحته ، وقسّم به الخطّ الذي خططته وهو الذي يقع عليه الظلال القصار وليكن مبدأ القسمة من طرفه الذي عند أصل العود ، ومنتهاها في جهة الشمال ، وليكن مبلغ هذه الأقسام خمسة وأربعين قسماً.

فإذا تمّ ذلك فارتقب إذا كانت الشمس في أوّل برج الجدي ظلّ العود إلى أن يقع على خطّ نصف النهار وهو الخطّ الذي تقع عليه الأظلال القصار واعلم كم فيه من أجزاء هذا الخطّ ، فما كان فاحفظه ؛ فإنه أقصر ظلّ يكون إذا كانت الشمس في أوّل برج الجدي. ثمّ ارتقب أيضاً إذا كانت الشمس في أوّل برج الدلو ظلّ العود المذكور إلى أن يقع على خطّ نصف النهار ، واعلم كم فيه من أجزاء خطّ نصف النهار ، فما كان فاحفظه ؛ فإنه أقصر ظلّ يكون إذا كانت الشمس في أوّل برج الدلو.

ص: 438


1- في المخطوط : ( باثني ).

ثمّ ارتقب أيضاً إذا كانت الشمس في أوّل برج الحوت ظلّ العود المذكور إذا وقع على خطّ نصف النهار واعلم كم فيه من أجزاء خطّ نصف النهار ، فما كان فاحفظه ؛ فإنه أقصر ظلّ إذا كانت الشمس في أوّل برج الحوت. وهكذا حصّل الظلّ الأقصر إذا كانت الشمس في أوّل برج الحمل ، وفي أوّل برج الثور ، وفي أوّل الجوزاء ، وفي السرطان.

وأما الظلّ الأقصر إذا كانت الشمس في أوّل الأسد ، فهو مثل الظلّ الأقصر إذا كانت الشمس في أوّل الجوزاء ، وكذا الظلّ الأقصر في أوّل السنبلة مثل الظلّ الأقصر في أوّل الثور ، والظلّ الأقصر في أوّل الميزان مثل الظلّ الأقصر في أوّل الحمل ، والظلّ الأقصر في أوّل العقرب مثل الظلّ الأقصر في أوّل الحوت ، والظلّ الأقصر في أوّل القوس مثل الظلّ الأقصر في أوّل الدلو.

فإذا حصّلت ذلك وأردت أن تعلم الظلّ الأقصر إذا كانت الشمس في غير أوائل البروج ، فاعرف عدد ما للشمس في البرج الذي هي فيه من الأيّام ، وانسبه من عدد الأيّام التي تقطع الشمس فيها ذلك البرج ، واحفظ تلك النسبة ، ثمّ خذ تفاوت ما بين الظلّ الأقصر في أوّل ذلك البرج وبين الظلّ الأقصر في أوّل البرج الذي يتلوه ، وخذ من هذا التفاوت مثل تلك النسبة التي حفظتها ، وزده على الظلّ الأقصر في أوّل ذلك البرج إن كان أقلّ من ظلّ أوّل البرج الذي يتلوه الأقصر ، وأنقصه منه إن كان الظلّ الأقصر في أوّل ذلك البرج أكثر من الظلّ الأقصر في أوّل البرج الذي يتلوه ، فما كان من الظلّ الأقصر في أوّل ذلك البرج بعد الزيادة عليه أو النقص منه ، فهو الظلّ الأقصر في اليوم المطلوب.

فإذا علمت ذلك فأردت أن تعلم الماضي من النهار من الساعات ، فاعرف الظلّ الأقصر في ذلك النهار ، وقف في أرض مستوية واستدبر الشمس استدباراً صحيحاً ، واعرف ما في ظلّك من الأقدام واضربها في اثني عشر ، وأقسم المجتمع على سبعة ؛ فما خرج أنقص منه الظلّ الأقصر في ذلك اليوم ، فما بقي منه اقسم عليه اثنين

ص: 439

وسبعين أبداً ، فما خرج فهو عدد ما مضى من الساعات من أوّله إلى الوقت الذي نسبت فيه ظلّك ، هذا إذا كان قياسك قبل نصف النهار. وأمّا إذا كان بعد نصفه فالخارج من القسمة هو الباقي من النهار من الساعات ، فإذا نقصته من اثني عشر كان الباقي هو الماضي من أوّل النهار إلى الوقت الذي قست فيه من الساعات.

وإذا أردت أن تعلم الماضي من الليل من الساعات ، فاعرف منزلة الشمس في الليلة التي تريد فيها ذلك ، وعدّ منها على توالي المنازل ثمانية ، والمنزلة التي انتهيت إليها هي التي تتوسّط في أوّل تلك الليلة. فإذا أردت أن تعلم الماضي من تلك الليلة من الساعات فاستدبر جدي بنات نعش استدباراً صحيحاً ، فارفع وجهك نحو السماء قليلاً قليلاً من غير أن تميله شمالاً أو يميناً ، فما رأيته من المنازل بين عينيك فهي المنزلة المتوسّطة في ذلك الوقت ، فعدّ من المنزلة المتوسّطة في أوّل تلك الليلة إلى هذه المنزلة ، فما كان فاضربه في ستّة وأسقط المجتمع سبعة سبعة ، واحسب لكلّ سبعة ساعة ، وما بقي أقلّ من سبعة فهو ما مضى من الساعة التي أنت فيها من الأسباع.

ولمعرفة ما مضى من الليل من الساعات وجه آخر أصحّ من هذا ، وذلك بأن ترقب أوّل منزلة تُرى في وسط السماء في تلك الليلة ، وآخر منزلة تُرى في وسط السماء فيها ، وخذ ما كان من المنازل من نصف المنزلة التي قبل تلك المنزلة إلى نصف المنزلة التي بعد هذه ، واحفظه. فإذا أردت أن تعلم الماضي من الليل من الساعات ، فاعرف المنزلة المتوسّطة في الوقت الذي تريد فيه ذلك وعدّ من أوّل المنازل التي حفظتها ، فما خرج فهو الماضي من أوّل الليل إلى الوقت الذي قست فيه. إلّا إن هذا العمل لا يتمّ إلّا أن تستعدّ له في الليلة التي قبلها بمعرفة متوسّطة أوّل الليل وآخره بالمشاهدة.

الباب الثاني (1) : في معرفة أوقات طلوع القمر ومغيبه.

ص: 440


1- كذا في المخطوط ، والظاهر أنه ( السادس ) ؛ إذ ما مرّ هو الباب الخامس.

اعلم أن القمر في أوّل ليلة من الشهر القمريّ يغيب إذا مضى من الليل ستّة أسباع ساعة ، وفي الثانية إذا مضى ساعة وخمسة أسباع ساعة ، وعلى هذا الترتيب يتأخّر مغيبه في كلّ ليلة عن مغيبه في التي قبلها بستّة أسباع ساعة.

ففي ليلة أربع عشرة يكون غروبه آخر الليل ، وذلك على انقضاء ساعاته الاثنتي عشرة ، وفيما بقي من الشهر يصير مغيبه نهاراً.

وفي الليلة الخامسة عشرة يطلع إذا مضى من الليل ستّة أسباع ساعة.

وفي الليلة السادسة عشرة يطلع إذا مضى ساعة وخمسة أسباع ساعة.

وعلى هذا الترتيب يتأخّر طلوعه في كلّ ليلة عن وقت طلوعه في التي قبلها بستّة أسباع ساعة ، فإذا كان في ليلة سبع وعشرين طلع على مضيّ إحدى عشرة ساعة وسبع ساعة ، وفي ليلة ثمانٍ وعشرين يختفي بشعاع الشمس.

فإذا كنت في النصف الأوّل من الشهر القمريّ ، وأردت أن تعلم الماضيَ من الليل وقت مغيب القمر ، فاعرف كم مضى من ليالي الشهر بالتي أنت فيها ، واضرب عدد ذلك في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة ، وأعط لكلّ سبعة تسقطها ساعة ، وما بقي بيدك دون سبعة فأسباع من ساعة ، فما كان من ذلك فهو الماضي من أوّل الليل إلى وقت مغيب القمر في ليلتك. وإذا كنت في النصف الثاني من الشهر وأردت أن تعلم الماضي من الليل إلى وقت طلوع القمر ، فاعلم كم ليلة مضت منه بالليلة التي أنت فيها ، واضرب عدد ذلك في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة ، وأعط لكلّ سبعة ساعة ، وما بقي دون سبعة فهو أسباع من ساعة ، فما حصل معك من ساعات وأسباع فهو الماضي من الليل إلى وقت طلوع القمر في ليلتك.

واعلم أن هذا الباب ليس هو على التحرير والتقرير ، بل هو على الجليل من النظر والاعتبار ) ، انتهى كلام الحكيم.

وأقول : أراد بالساعة جزءاً من اثني عشر من الليل أو من النهار ، وما ذكره هو

ص: 441

وغيره من الاعتبار بمغيب القمر وطلوعه ، هو ما حكاه الشهيد : عن الجعفيّ (1) ، وإنما كرّرنا نقله ليعلم أنها طريقة مألوفة للعلماء والحكماء وإن كانت تقريبيّة لما يعرض للقمر من الإقامة والاستقامة والرجوع ، ولليل والنهار من الطول والقصر والتفاوت بينهما.

وقال بعض فضلاء علماء أهل البحرين والظاهر أنه الشيخ أحمد بن عبد السلام - : ( اعلم أن معرفة آناء الليل والنهار وما مضى منها وما بقي ، مقدّمة عظيمة في كثير من العبادات وحقوق الناس المحدودة بالساعات ، لا جرم كان معرفة القوانين الموصلة إليها من أهمّ المهمّات ، بل ربّما كانت من الواجبات ).

وساق ذكر بعض ما يضطرّ الناس إليه في ذلك من العبادات والمعاملات من الإجارات ، وقسمة المياه والمهاياة والآجال وغير ذلك ، ثمّ قال : ( فنقول : أمّا معرفة آناء النهار والقدر الماضي منه والباقي ، فله قانون نظمه بعض أهل العلم ، فقال :

وإن أردت ما مضى وما بقى *** من النهار بالحساب الأوفقِ

فاعمد إلى عود كقدر الشبرِ *** وانصبه نصباً واستعن بالصبرِ

ثم أرصد الظلَّ إلى ما ينتهي *** بالعُود قدِّره على ما ينبغي

فما انتهى ذاك إلى التعديدِ *** فزد عليه مثل قدر العودِ

وألقِ منه ظلَّ نصف يومكْ *** فإن في ذاك كمالَ أمركْ

فما بقي فاقسم عليه وهنا *** اثنين معْ سبعين حتّى يفنى

وافهم إذا قسَمت باب المخرجِ *** فتلك ساعات صحيح المخرجِ

فهي إذا كان النهار مقبلا *** فقد مضى أوَّلا فأوّلا (2)

وهي إذا كان النهار مدبرا *** فقد مضى آخرا فآخرا (3)

ص: 442


1- الذكرى : 125 ( حجريّ ).
2- كذا ، العجز غير موزون.
3- كذا ، العجز غير موزون.

وتفصيل ذلك على سبيل الإيضاح أنه متى أردت معرفة كم مضى من النهار فلا يخلو إمّا أن يكون قبل الزوال أو بعده ، فإن لمعرفة الزوال طرقاً كثيرة ، مثل الدائرة الهنديّة ، وزيادة الظلّ ، وغير ذلك.

فإن كان في أوّل النهار نصبنا مقياساً من عود أو غيره ، ونظرنا امتداد ظلّه على الأرض كم إصبعاً مثلاً ، وزدنا على قدر امتداد الظلّ قدر امتداد المقياس نفسه ، ونقصنا من المجموع قدر ما يبقى من المقياس وقت الزوال ، وهو ظلّ نصف النهار ، وقسمنا الباقي على اثنين وسبعين ، فما أخرجته القسمة فهو الماضي من النهار من الساعات إن خرج صحيحاً ، وإن كان في القسمة كسر فاقسم الكسر واستخرج نسبته من الساعة.

وإن كان آخر النهار فاعمل هذا العمل إلى آخره ، وخارج القسمة هو الباقي من النهار من الساعات إن خرج صحيحاً ، وإلّا فبالنسبة.

ومثال ذلك في الطرف الأوّل من النهار أن تأخذ مقياساً طوله أربعة أصابع مثلاً وطول ظلّه ستة عشر إصبعاً ، فعند الجمع يصير عشرين إصبعاً ، وظلّ نصف النهار يومئذ إصبعان فيكون الباقي بعد أن ينقص منه ثمانية عشر إصبعاً ، فإذا قسمنا عليه اثنين وسبعين كان خارج القسمة أربعاً (1) ، فالماضي من النهار أربع ساعات وهو الثلث من النهار.

وإن قلت : إن ظلّ نصف النهار أربعة أصابع فالباقي من المجموع ستّة عشر إصبعاً ، وبعد القسمة يكون الخارج أربع ساعات ونصف ساعة ؛ لأن أربعة وستين إصبعا أربع مرّات العدد المقسوم عليه ، وهو ستّة عشر ، تبقى ثمانية أقلّ كسر تتوافق الثمانية فيه ، والستّة عشر مثلان ، والواحد نصف الاثنين ، وقس عليه في سائر ما يقع فيه الكسر.

ومثال ما إذا كان في الطرف الأخير من النهار : المثالان المذكوران ، ولكنّ الخارج

ص: 443


1- في « ق » : ( الربع ).

في المثال الأوّل والثاني ما بقي من النهار ، كما لا يخفى.

وهكذا ذكر أرباب هذه الصناعة. وعندي فيه مناقضة ، وهي أنه لو تمّ هذا القانون لزم منه الحكم بمضيّ نصف النهار قبل الزوال ، وهو باطل.

بيان ذلك : أنا لو فرضنا أن المقياس طوله ثمانية ، وامتداد ظلّه خمسة ، وظلّ نصف النهار إصبعاً كان الباقي بعد الجمع والنقص اثني عشر ، وبعد القسمة يكون الخارج ستّ ساعات ، وقد فرضنا أن الزوال لا يكون إلّا بعد بلوغ ظلّ المقياس إصبعاً والفرض أن ظلّه خمسة ، وكان الوقت المفروض فيه ذلك قبل الزوال لافتقاره إلى أربعة أصابع اخرى ، واللازم من القاعدة مضيّ ستّ ساعات من النهار ، ولا يخفى عليك بطلانه.

والأولى الرجوع في ذلك إلى طريق اخرى ، ولا بدّ فيها من تحصيل مقدّمات كثيرة مجملها أن تعرف أن الليل والنهار مقسومان بأربع وعشرين ساعة مستقيمة ، كما في يومي الاعتدال ، وكلّ يوم يزيد في أحدهما شعيرة وهي سهم من ثلاثين سهماً من ساعة وينقص من الآخر ، فتكمل زيادة أحدهما ونقصان الآخر في كلّ عشرة أيام ثلث ساعة ، وفي الثلاثين ساعة كاملة ، وبعد تقدير الشعيرة بأمر مضبوط مثل خروج مقدار من الرمل أو الماء من ثقب معلوم بقدر الشعيرة ، ومعرفة اليوم الذي أنت فيه كم شعيرة هو ، وامتحان اليوم من طلوع شمسه أو زوال يومه ، يظهر لك القدر المطلوب استعلامه ، وهذا الطريق جارٍ في أجزاء الليل والنهار.

وأمّا طريق معرفة آناء الليل ، فقد ذكروا لذلك طريقين :

الاولى : جعل طلوع القمر وأُفوله دليلاً على الماضي والباقي ، فأمّا في النصف الأوّل منه فيحسب الماضي من الشهر من ليلة الرؤية ، ثمّ اضرب المجتمع في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة فتجعل كلّ سبعة لساعة ، وما بقي فأضفه كسراً على الصحاح.

مثاله : مضى من الشهر ثلاث ليالٍ مثلاً ، فإذا ضربتها في ستّة فخارج قسمتها على

ص: 444

سبعة هو الماضي من الليل وقت افول القمر.

وأمّا في النصف الأخير من الشهر فتأخذ الماضي وتُسقط منه أربعة عشر ، وتضرب الباقي في ستّة ، وتقسم المجتمع على سبعة ، فالخارج هو الماضي من الليل وقت طلوع القمر.

مثلاً الماضي عشرون فالباقي بعد إسقاط أربعة عشر ستّة ، وبعد الضرب في ستّة يكون المجتمع ستّة وثلاثين ، وبعد القسمة يكون الخارج خمس ساعات وسبع ساعة ، ويكون الماضي من الليل وقت الطلوع المقدار الخارج.

وأنت تعرف عدم شمول القاعدة لجميع أوقات الليل ؛ لاختصاصه بوقتي الطلوع والأُفول.

الطريقة الثانية : الاعتماد على المنازل ، فقد تحقّق عندهم أن من أوّل الليل إلى طلوع الشمس أربع عشرة منزلة ، ومن طلوعها إلى الغروب أربع عشرة منزلة اخرى ، وكلّ منزلة وسدس منزلة لساعة ، وكلّ ستّة أسباع ساعة منزلة كاملة ، وجعلوا سواد الليل لاثنتي عشرة منزلة ، ومن طلوع الفجر لطلوع الشمس لمنزلتين. فأنت متى عرفت أوّل منزلة من أوّل الليل فاجعل لمنزلتين بعدها سدس الليل ، ولثلاث بعدها ربع الليل ، ولستّ بعدها نصف الليل ، وهكذا إلى طلوع الفجر ، وطلوع الفجر بعد اثنتي عشرة منزلة ، كما لا يخفى.

وفي رواية عمر بن حنظلة : أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام : زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال لليل زوال كزوال الشمس.

قال : فبأيّ شي ءٍ نعرفه؟ قال بالنجوم إذا انحدرت (1).

قال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( والظاهر أنه عنى به : انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس ) (2).

ونقل أن الجعفيّ : اعتمد على منازل القمر الثماني والعشرين ، فإنه قال وساق

ص: 445


1- الفقيه 1 : 146 / 677.
2- الذكرى : 125 ( حجريّ ).

عبارته كما تقدم ثمّ قال : ( أقول : لا يخفى عليك أن الظاهر من كلام الجعفي : قسمة سواد الليل الذي هو الليل شرعاً على أربع عشرة منزلة ؛ لأنه جعل لكلّ منزلة نصف سبع ، والأمر ليس كذلك ؛ لأن سواد الليل الذي هو الليل الشرعيّ مقسوم على اثنتي عشرة منزلة ؛ لأن من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس محسوباً بمنزلتين ، فلو قال مكان نصف سبع : سدس ، لكان أوفق. ويمكن تكلّف الجواب بحمل الليل على الليل الاصطلاحي ، وحينئذٍ نحتاج إلى تكلّف في إفادة المطلوب ) ، انتهى كلام الشيخ أحمد بن عبد السلام.

وأقول : ما ذكره رحمه الله من المعارضة وإن كان وارداً في الظاهر على ما قرّروه ، ولكنّه أخطأ التقرير ؛ فإنه فرض طول العمود ثمانية لظنّه أن مرادهم بطوله مساحة جسمه بالأصابع ، وليس كذلك ، فإنهم إنما يعنون بطوله : اثني عشر دائماً طال أو قصر. فعلى هذا ، فقسمة الاثنين والسبعين على ستّة عشر بعد الجمع والنقص في مثاله (1) ، فخارج القسمة هو ما مضى ، فسقطت المعارضة فلا تغفل.

والمقصود أنهم أجمع إنما أرادوا بالنهار المطلوب : استعلام ما مضى منه ، هو ما بين الطلوع والغروب ، وقد جعلوه مقابل الليل. وكذا ما ذكره الشيخ أحمد بن عبد السلام : في القانون الذي قرّره لاستعلام ما مضى من ساعات النهار والليل أي من الأجزاء الاثني عشر من كلّ منهما إنما ينطبق على أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، والليل من الغروب إلى الطلوع. فأرباب الفنّ لا يعرفون إلّا ذلك.

وبهذا ، مضافاً إلى قوله رحمه الله في المعارضة : ( أنه يلزمهم أن يكون نصف النهار قبل الزوال ، وهو باطل ) تسقط معارضته للجعفيّ ، ويظهر به ظهوراً تامّاً أنه أراد بالليل : ما بين الغروب والطلوع بلا تكلّف ، وأن ذلك عنده هو الليل حقيقة عرفاً وشرعاً كما هو مدلول رواية ابن حنظلة ، وقد مرّ بيانه (2).

هذا مع أنه سلّم اعتماد طريقة طلوع القمر ومغيبه المشتهرة بين فضلاء الفنّ ،

ص: 446


1- في « ق » : ( أمثاله ).
2- الفقيه 1 : 146 / 677.

وهي غير منطبقة إلّا على أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، والليل من الغروب إلى الطلوع ، فسقط اعتراضه على الجعفيّ. وأيضا فهو قد سلّم أن من غياب الشمس إلى طلوعها أربع عشرة منزلة ، ومن طلوعها إلى غروبها أربع عشرة منزلة ، فللّيل أربع عشرة منزلة ، وللنهار أربع عشرة منزله. فإذا كان للنهار أربع عشرة منزلة لزم أن يكون للّيل مثلها بمقتضى المقابلة ، فلزم أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع ، فسقط اعتراضه على الجعفيّ. إلا أن يلتزم خروج ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن حقيقة الليل وعن حقيقة النهار ، وأنها ليست من ساعاتهما حقيقة ، وإنما هي حقيقة أُخرى خارجة عنهما بالكلّيّة.

ولا أظنّ أن أحداً من البشر يقول بذلك ، بل النصّ والإجماع من كلّ ذي علم على عدم خروجه عنهما إلّا ما حكاه بعض الشافعيّة عن يحيى بن سعيد الزبيريّ ، وأبي محمّد العبديّ ، وأبي العبّاس الصفّار ، وأبي جعفر البصريّ ، ولم يثبت.

ولو صحّ لم يضرّ بالإجماع قبلهم وبعدهم ، ولا يعارض قولهم شيئاً ممّا قدّمناه ؛ لشذوذه وندوره ، فسقط ما قاله في معارضته للجعفيّ : كلّه.

وقال صاحب كتاب ( اليواقيت في معرفة المواقيت ) وقد زعم مؤلّفه ، وهو من أئمّة الشافعيّة أنه استخرجه من نيّف وخمسين كتاباً ، بعد أن قرّر معرفة الزوال بطريق زيادة الظلّ بعد نقصانه - : ( فإذا قدّرت الظلّ ، ورأيته قد ابتدأ في الزيادة فأوّل ما يبتدئ وتراه يقيناً فاعلم أن الشمس قد زالت ودخل الوقت ، فاعرف الظلّ كم هو من قدم حينئذٍ وصلّ الاولى ، وما من الظلّ في الميزان فهو مثل ظلّ الرجل ، والميزان أصحّ وأسرع ).

إلى أن قال : ( فصل : نذكر فيه صفة الميزانين اللذين يتوصل بهما إلى معرفة الزوال على السهولة : اعلم أن الميزان هو أن تأخذ قطعة من خشب طولها نصف شبر ، وعرضها إصبعان من كلّ جهة يسمّونها ميلاً في ميل وتأخذ ميلين مربّعين طول كلّ واحد منهما ثلاثة أصابع ، فتنزلهما في طرفي الخشبة تنزيلاً صحيحاً حتّى

ص: 447

[ ينفذا (1) ] من أسفل الخشبة ، والباقي منها (2) تقسمه ستّة أقسام ونصفاً ، وتسميها أقداماً ، وتأخذ قياس قدم منها بمجذر (3) النقط ، فتقسم عليه تلك الخشبة من أصل الميل إلى أصل الثاني قسماً صحيحاً حتّى تأتي آخر نقطة ملصقة مع الميل ، ولو قسمته قبل أن تنزل الميلين [ لسهل (4) ] عليك ، ولا تلتفت إلى عدد الأقدام. وتحدر فيه أربعة أحدار على القرن من الخشبة ، وتُولِج فيه خيوطاً متساوية ، وتجمع أطرافها بعضد ، وحينئذٍ كمل الميزان.

فصل : إذا أردت معرفة الزوال فيه فاستدبر الشمس به في صدر النهار رافعاً له بالخيوط ، فترى ظلّ الميل منبسطاً على تلك الأقدام ، وهو يتقاصر عنها قدماً فقدماً ، فلا يزال كذلك حتّى تصير الشمس في أعلى الفلك ، فيقف عن التقاصر بجري الشمس في الفلك ، ووقوفه بقدر طلوع ربع منزلة على التقريب.

وعلم الميزان علم صحيح شرعيّ ، لا يختلف في الأزمان ولا في البلدان ، وليس العمل إلّا على أحد الميلين لا غير ، ولكنّ الحكمة في عملنا فيه ميلين ليصحّ لك إذا استدبرت الشمس بأحد الميلين ووقع ظلّه مثلاً على قدم فاستدبر الشمس بالثاني ؛ فإن وقع ظلّه على قدم كالأوّل فقد صحّ ، وإن زاد أو نقص لم يصحّ ميل ، بل يفتقر إلى تعديل الخيوط.

ومن الناس من يجعله ميلاً واحداً في وسط الميزان ليعتبره من كلتا الجهتين ، ويرى أن هذا أسهل ، وهو كما قال ، غير أنه يبطل في بعض الأقاليم التي تمرّ الشمس فيها على قمّة الرأس أيّاما يسيرة ؛ لأنك كلّما رفعته بالخيوط وقع ظلّ يدك على الميل ، فتبطل معرفة الزوال ).

قلت : لا تسامت الشمس رؤوس أهل بلد أكثر من يوم أو يومين ، والأمر فيهما سهل إلّا في خطّ الاستواء.

ص: 448


1- في النسختين : ( ينفد ).
2- من « ق » ، وفي « م » : ( منهما ).
3- في « ق » : ( منهما بمنحدر ).
4- في النسختين : ( ليسهل ).

ثمّ قال : ( فصل : واعلم أن الميزان على ضربين : ضرب تعتبر به الأقدام وهو ما ذكرناه ، وضرب يعتبر به الأصابع. ولا فرق بينهما في الصنعة (1) ، وإنما الفرق بينهما في القسمة ، فإن قسمة ميزان الأقدام على جزء من ستّة أجزاء ونصف جزء من الميل ، وهو المسمّى بالقدم ، وقسمة ميزان الأصابع على جزءاً من اثني عشر جزءاً ممّا صغر وكبر. ولسنا نعني إصبع الكفّ لأن قسمة كلّ شي ء عندهم اثنا عشر إصبعا ، أو أربعة وعشرون.

وقد عرفتك الزوال بميزان الأقدام. فإذا أردت اعتبار الزوال والساعات بميزان الأصابع فاستدبر به الشمس ، وانظر على كم يقع ظلّ الميل من إصبع ، وزد عليه طول الميل وهو اثنا عشر إصبعاً وأسقط من الجميع ظلّ زوال يومك ، فما بقي بعد الإسقاط فاجعله مكيالاً وكِل به اثنين وسبعين ، فما حصل فهي ساعات قد مضت من النهار إن كان قبل الزوال ، وإن كان بعده فهي ما بقي منه. وما حصل كسراً فهو من الساعة التي أنت فيها على حصّة المكيال ، فإن كنت قبله فالكسر الداخل منها ، وإن كنت بعده فالكسر الباقي ).

ثمّ قال : ( فصل : في معرفة ساعات الليل مطّرداً في البلدان والأزمان : اعلم أني نظرت إلى منازل القمر ، فإذا هي يطلع في كلّ ليلة منها إلى طلوع الفجر اثنا عشر منزلاً ويغيب مثلها ، كلّما طلع منزل غرب منزل لا يختلف مدى الدهر ، فقسّموا ليل الصائم على اثني عشر جزءاً ، وقالوا : كلّما طلع منزل فقد مضى من الليل جزء من اثني عشر جزءاً ، وكذا في السقوط.

ومن الناس من يعتبر ساعات الليل بالمتوسّط من المنازل ، وقد عرّفتك أنه متى طلع منزل من المشرق غرب رقيبه من المغرب ، لكن قد يدرك المراقب رقيبه في بعض المنازل فتراهما يتناظران. وقد أنشدوا في معرفة مراقبة المنازل :

ص: 449


1- من « ق » ، وفي « م » : ( الصيغة ).

كم أقالوا من ناطحٍ باغتفار *** وأحالوا على البُطَين الزُّبانى

والثريّا تكلَّلت فأرتنا *** كوكب القلب يرقب الدبرانا

هقعوا شولة هنعوا نعاما (1) *** بعد ما درَّعوا البلاد زمانا

نثروا ذبحهم لطرف بلوغ *** جبهة السعد في زبور خبانا

فانصرفنا إذ المقدَّم يعوي *** آخرا والسماك مدَّ رشانا

وأنشدوا في مراقبة البروج :

أرى الكبش في الميزان يقسم لحمه *** وبين بنات الثور عقرب يعقر

وفي منكب الجوزاء قوس معلَّق *** فإن زبر السرطان فالجدي ينفر

وكالليث نحو الماء يدلي دلوه (2) *** وفي قبضة العذراء حوت ميسّر )

انتهى ما أردنا نقله من كتاب ( اليواقيت ).

يقول أقلّ العباد وأحقرهم مؤلّف هذه الرسالة أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : كلّ ما تلي عليك من قواعد يعرف بها أجزاء الليل والنهار ، لا ينطبق شي ء منها إلّا على أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع ؛ فإذن أربابها وواضعوها قائلون بذلك.

وأسهل الطرق إلى معرفة أجزاء النهار أن تحصّل ظلّ قامتك في الوقت الذي تريد تحصيلاً صحيحاً ، بعد أن تحصّل أقصر الظلال في اليوم الذي قبل يومك وهو ظلّ زواله إن كنت في النصف الأوّل من النهار وأقصر ظلال يومك وهو ظلّ زواله إن كنت في النصف الثاني من النهار كلّ ذلك بقدمك ، ثمّ تجمعه مع عدد ساعات النهار التي هي اثنتا عشرة أبداً ، وتنقص منه أقصر ظلال أمسك أو يومك ، وتقسم على الباقي مضروبَ عددِ ساعات نصف النهار وهي ستّ أبداً في عدد ساعات النهار كلّه وهي اثنتا عشرة أبداً وهو اثنان وسبعون ، فما أخرجته القسمة صحيحاً

ص: 450


1- كذا ، غير موزون.
2- كذا غير موزون ، وقد مرّ هذا المصراع في ص 410 بلفظ : أرى الليث نحو الماء يرسل دلوه.

فهو عدد ما مضى من ساعات يومك إن كنت قبل الزوال ، وما بقي إن كنت بعده ، والكسور كسور من ساعة فيهما.

مثاله : أردنا معرفة كم مضى من ساعة قبل الزوال ، وكان زوال أمسنا على قدمين ، فكِلنا ظلّ تلك الساعة فإذا هو ثمانية أقدام ، جمعنا الثمانية مع اثني عشر ، وأنقصنا من المجتمع اثنين ، وقسمنا الاثنين والسبعين على البقيّة وهي ثماني عشرة ، فخارج القسمة أربعة فهي ما مضى من ذلك النهار وهي ثلثه ، وإن كان العمل بعد الزوال فهي الباقي منه.

ومن هنا يُعلم أنك وقت أوّل الزوال لا تحتاج إلى جمع أقدام نصف النهار إلى الاثني عشر ؛ لأنه لا بدّ من طرحها بعد الجمع ، فلا فائدة ، بل تقسم حينئذٍ الاثنين والسبعين على اثني عشر ابتداءً فيكون خارج القسمة ستّة ، وهي نصف النهار.

ولانتصاف النهار وهو الزوال طرق عديدة يعرف بها منها ما مضى وغيره.

وأسهل الطرق إلى معرفة أجزاء الليل ضبط الطالع والغارب والمتوسّط من المنازل وقت الغروب ، فإن لكلّ ساعة من ساعات الليل الاثنتي عشرة ، منزلة وسدس منزلة ، فكلّما طلع منزلة وسدس مضت من الليل ساعة.

واعلم أن البعد بين كلّ منزلتين نصفه يحسب من الاولى ونصفه الآخر من التي بعدها ، فالمنزلة نصف مساحة ما بينها وبين التي (1) قبلها ، ونصف مساحة ما بينها وبين التي بعدها لها والاسم لمجموع ذلك ، فاعلم ذلك. وإذا لاحظت ما سبق من كلام العلماء عرفت تحصيل أجزاء الليل بالمنازل بلا كلفة.

وقال الكاشانيّ : في ( المفاتيح ) : ( يُعرف الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصه ، كما في الأخبار ، أو حدوثه بعد عدمه في بعض المواضع ، وبميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن استقبل نقطة الجنوب ، وبميل الظلّ عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق للحساب ) (2) ، انتهى.

ص: 451


1- من « ق » ، وفي « م » : ( الذي ).
2- مفاتيح الشرائع 1 : 94 / 105.

وقال شارحه الإمام المقدّم محمّد الكاشانيّ : ( قوله : ( وبميل الشمس ) إلى آخره ، لا تأمّل في أنه لو استقبل المكلّف نقطة الجنوب وجعلها بين عينيه ، فإذا رأى الشمس مالت إلى الحاجب الأيمن فلا شكّ في أنها زالت ، إلّا إنه يظهر ذلك بعد مدّة من الزوال ولا يظهر منه ابتداؤه. ومعرفة أوائل الميل إلى الحاجب في غاية الصعوبة ، ومعرفة نقطة الجنوب أشكل ، فإن نقطة الشمال مع كونها أظهر من نقطة الجنوب [ لكن ] تشخيصها في غاية الصعوبة ، كلّ ذلك بالظنّ والتخمين. ولو روعي العلم فلا شكّ في حصوله إلّا إنه بعد مضيّ مدّة مديدة عن الزوال ).

ثم قال الكاشانيّ : في الشرح أيضاً : ( قوله : ( وبميل الظلّ ) إلى آخره ، هذا أقوى المعرّفات ، ويعرف بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خطّ نصف النهار الذي إذا وقع ظلّ الشاخص المنصوب في وسط الدائرة عليه كان في وقت الاستواء ووقوف الشمس ، فإذا مال عنه إلى الجانب الذي فيه المشرق كان أوّل الزوال.

وطريقها أن تسوّي موضعاً من الأرض خالياً من ارتفاع وانخفاض تسوية صحيحة كاملة ، ثمّ يدار عليها دائرة بأيّ بُعد تكون ، وينصب على مركزها مقياس مخروط محدّد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريباً ، ويكون نصبه نصباً مستقيماً بحيث يحصل عن جوانبه زوايا قوائم ، ويُعلم ذلك بأن يقدّر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاث نقط. وترصد رأس الظلّ عند وصوله إلى محيطها وهو يريد الدخول فيها ، فتُعلّم عليه علامة ، ثمّ ترصده بعد الزوال عند خروج رأس الظلّ المذكور من الدائرة ، فإذا وصل إليه وأراد الخروج منه عُلّم عليه أيضاً علامة ، ووصل ما بين العلامتين بخطّ مستقيم ، ثمّ ينصّف القوسان. ويكفي تنصيف القوس الشماليّ فيخرج من تنصيفه خطّ مستقيم يتّصل بالمقياس ، هو خطّ نصف النهار ، فإذا ألقى المقياس الشاخص ظلّه على هذا الخطّ الذي هو خطّ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، وهو وقت وقوفها وسكونها في النظر ، وإلّا فهي غير واقفة قطعاً ، لكن من جهة عدم ظهور حركة في الظلّ أصلاً يتراءى

ص: 452

سكونها ، فإذا أخذ رأس الظلّ يخرج عن هذا الخطّ فقد زالت الشمس البتّة.

وذكروا أن الأولى والأضبط إحداث الدائرة المذكورة ، ورصد دخول رأس الظلّ إلى الدائرة وخروجه عنها ، وتعليم موضع الدخول والخروج في أوّل انتقال الشمس من الحوت إلى الحمل ، أو من السنبلة إلى الميزان ، أي وقت استواء اليوم مع الليل بحسب المقدار ) ، انتهى.

ثمّ قال الكاشانيّ : في ( المفاتيح ) : ( ويُعرف انتصاف الليلِ بانحدار النجوم الطالعة عند الغروب عن سَمتِ الرأس ، كما في الخبر ، وبمنازل القمر ، وقاعدة غروبه ، وطلوعه ) (1) ، انتهى.

وقال الشارح الإمام : المشار إليه : ( قوله : ( يعرف انتصاف الليل ) إلى آخره : أقول : من أمكنه معرفة نقطة الجنوب فعرفها وتوجّه إليها ، فإذا رأى النجم الطالع عند غروب الشمس مال إلى الجانب الأيمن ، فقد انتصف الليل ودخل وقت صلاة الليل. ويعرف أيضاً في أوقات مساواة الليل مع النهار ، تحقيقاً أو تقريباً بطي الفرقدين من ابتداء الغروب مقدار ربع الدائرة ، فإنهما يدوران حول الجدي في الليل والنهار دورة واحدة من ابتداء الغروب ، [ فإذا (2) ] أُخذ ابتداء طيّه ودورانه إلى أن يتحقّق ربع الدائرة صار نصف الليل ، وإن تحقّق نصف الدائرة فهو وقت طلوع الشمس.

وأمّا في الأوقات التي يكون الليل طويلاً والنهار قصيراً أو بالعكس [ فيمكن ] (3) معرفة الانتصاف بنوع من التخمين والتقدير لمن تمكّن منها. مثلاً إذا طلع على الطي من ابتداء الغروب مقدار ربع دورة ، يقول : هذا نصف الليل في ليالي الاعتدال ، فإذا كان الليل أربع عشرة ساعة يصير مقدار السدس : الربع أيضاً ؛ لأن طيّ الفرقدين مقدار ربع الدائرة ).

ثمّ أخذ في بيان الحيلة في ذلك بما ذهب من النسخة الموجودة حال هذه الكتابة.

ص: 453


1- مفاتيح الشرائع 1 : 94 / 105.
2- في النسختين : ( إذا ).
3- في النسختين : ( يمكن ).

إلى أن قال : ( وما أشار إليه من الخبر ما ذكر في ( الفقيه ) : سأل عمر بن حنظلة : أبا عبد الله عليه السلام ، فقال : زوال الشمس نعرفه بالنهار ) (1). وساق بقيّة الخبر.

ثم قال : ( والمراد : النجوم (2) الطالعة ابتداء الغروب ، فإنها إذا طلعت لا تزال في الصعود إلى أن تبلغ خطّ نصف النهار ، ثمّ تشرع في الانحدار والهبوط ، فعند ابتداء انحدارها يكون انتصاف الليل ) ، انتهى.

وكلامهما صريح في أن النهار من الطلوع ، والليل إلى الطلوع.

وقال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( وقت الظهر زوال الشمس إجماعاً ، ويعلم بزيادة الظلّ بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه .. وقد يعلم بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة أهل العراق ، ذكره في ( المبسوط ) (3) بصيغة : وروى.

وما رواه سماعة : عن الصادق عليه السلام : أنه أخذ عوداً فنصبه حيال الشمس ، ثمّ قال إن الشمس إذا طلعت كان الفي ء طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول ، فإذا زالت زاد ، فإذا استبنت الزيادة فصلِّ الظهر (4).

ونحوه رواية عليّ بن أبي حمزة : عنه عليه السلام (5).

وقد ذكر الأصحابُ الدائرةَ الهنديّة كالمفيد (6) : وغيره ) (7) ، انتهى.

ومرّ ذِكرُ عبارته في بيان انتصاف الليل ، ونَقلُهُ كلامَ الجعفيّ (8). وقد صرّحنا بأن علامة انتصاف الليل انحدار النجوم الطالعة عند الغروب عن دائرة نصف النهار.

وقال في ( الدروس ) : ( ويُعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمستقبل قبلة العراق ) (9) ، انتهى.

ص: 454


1- الفقيه 1 : 146 / 677.
2- في « ق » : ( بالنجوم ).
3- المبسوط 1 : 73.
4- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75.
5- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 76.
6- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 92.
7- الذكرى : 117 ( حجريّ ).
8- الذكرى : 125 ( حجريّ ).
9- الدروس 1 : 138.

وقال في ( اللمعة ) (1) : ( إن الزوال يُعلم بزيد الظلّ بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ). ووافقه الشهيد الثاني : في الشرح (2).

وقال في ( الألفيّة ) : ( وللظهر زوال الشمس المعلوم بظهور الظلّ في جانب المشرق ) (3).

وقال شارح ( الألفية ) الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسين التستريّ : في شرح هذه العبارة : ( أمّا وقت الظهر فيُعلم بزوال الشمس ، أي بتجاوزها عن دائرة نصف النهار وهي دائرة مارّة بقطبي العالم وبسَمتِ الرأس والقدم ويعلم ذلك إذا مال الظلّ الشاخص العمود على خطّ نصف النهار عنه إلى جهة المشرق.

والمراد بخطّ نصف النهار : خطّ حاصل على سطح الأرض من تنصيف دائرة نصف النهار لكرة الأرض. وبعبارة اخرى : هو الخطّ المقاطع لخطّ المشرق والمغرب على قوائم. وخطّ المشرق والمغرب : هو خطّ مارّ بنقطتي المشرق والمغرب.

وأنت تعلم أن ما ذكره إنما يظهر بعد استخراج خطّ نصف النهار ووضع عمود عليه ، وربّما يعسر تحصيل ذلك بالنظر لبعض الأشخاص. والعلامة التي تسهل للكلّ غير أنه تقريبيّ هو أن تنظر إلى الجدي أو الفرقدين في حال ارتفاعه أو انحطاطه ، فتجعله بين كتفيك وتنظر في الموضع الذي يقع بين عينيك من السماء ، فإذا تجاوز الشمس عنه فقد تحقّق الزوال. هذا في البلاد الشماليّة ، وأمّا الجنوبيّة فالأمر بالعكس بأن يجعل نقطة الجنوب أو ما يحاذيه بين كتفيه ، وما يقع بين عينيه هو الموضع الذي إذا زالت الشمس عنه تحقّق وقت الظهر ) ، انتهى.

وقال الشهيد الثاني : في شرح هذه العبارة من ( الألفية ) : ( إذا كانت الشمس في وسط السماء على دائرة نصف النهار ، كان ظلّ (4) الشاخص على خطّ نصف النهار

ص: 455


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 174 ( المتن ) ، وليس فيه : ( أو حدوثه بعد عدمه ).
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 174.
3- الألفية : 42.
4- في « ق » : ( الظلّ ) بدل : ( ظلّ ).

من الشمال أو الجنوب إن كان له ظلّ ، فإذا زالت بأن مالت عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب مال ظلّ الشاخص إلى جانب المشرق إن كان له ظلّ ، وحدث من ذلك الجانب إن لم يكن.

وعبارة الرسالة شاملة للظلّ الحادث الزائد ؛ فإن كلا الظلّين يظهر عند الزوال في جانب المشرق فتشمل هذه العلامة سائر البلاد في جميع الفصول ، لكن ظهور الظلّ في جانب المشرق إنما يعلم في أوّله. كذلك عند إخراج خطّ نصف النهار على سطح الأرض بنحو الدائرة الهنديّة أو ربع الدائرة أو الأصطرلاب ، فإذا وصل ظلّ الشاخص إليه كانت الشمس على دائرة نصف النهار لم تزل ، فإذا خرج الظلّ عنه إلى جهة المشرق فقد تحقّق زوالها وهو ميلها عن تلك الدائرة إلى جهة المغرب.

وما ذكره الأصحاب عن علمه بزيادة الظلّ بعد نقصانه أو حدوثه بعد عدمه ، فلا يتوقّف إلّا على نصب الشاخص كيف اتّفق. لكن تبيّن الزوال الأوّل قبل الثاني بزمان كثير ، فإن تحقّق الزيادة بعد النقصان لا يظهر إلّا بعد مضيّ نحو ساعة من أوّل الوقت ، بخلاف ما لو أخرج خطّ نصف النهار على سطحٍ مستوٍ ، كما لا يخفى على من مارس ذلك ) (1) ، انتهى.

وكلام الشارحين غير منطبق إلّا على أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع.

وقال المحقّق : في ( المعتبر ) : ( معنى الزوال : ميل الشمس عن وسط السماء ، ويعرف بزيادة ظلّ الشاخص المنصوب بعد نقصانه .. ولو لم يكن ظلّ فعند الزوال يظهر للشاخص في ء فيعلم الزوال بظهوره ) (2).

وقال في ( الشرائع ) : ( ويعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصانه ، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ) (3). يعني : نقطة الجنوب قبلة أهل العراق ، كما

ص: 456


1- المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة : 175 - 176.
2- المعتبر 2 : 49.
3- شرائع الإسلام 1 : 51.

قاله الشارح في ( المسالك ) (1).

قال (2) رحمه الله : ( قوله : ( ويعلم الزوال ) إلى آخره. بناءً على ما هو الواقع في بلاد المصنّف ، بدليل قوله بعدُ : ( وبميل الشمس إلى الحاجب الأيمن ) ، أو مبنيّ على الغالب في الربع المسكون. ولو أُريد تعميم الفائدة زيد : ( أو حدوثه بعد عدمه ) ، ويجمع العلامتين ظهور الظلّ في جانب المشرق عند إخراج خطّ نصف النهار.

قوله : ( أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ) أي قبلة أهل العراق ، سواء في ذلك الركن العراقي وغيره ، لكن لا يعلم الزوال بهذه العلامة إلّا بعد مضيّ زمان طويل من أوّل الوقت ، فإن قبلة العراق تميل عن خطّ الجنوب نحو المغرب. وأضبط من ذلك أن يستقبل نقطة الجنوب بإخراج خطّ نصف النهار ، فيكون ميل الشمس حينئذٍ إلى الحاجب الأيمن علامة الزوال ) (3) ، انتهى.

[ وظاهرهما أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ، ولم يذكرا ما ينافي ذلك (4) ].

وقال السيّد : في ( المدارك ) في شرح هذه العبارة : ( زوال الشمس : هو ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ) (5) - : ( وقد ذكر المصنّف وغيره أنه يعلم (6) بأمرين :

أحدهما : زيادة الظلّ بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه ؛ وذلك أن الشمس إذا طلعت وقع لكلّ شاخص قائم على الأرض ظلّ طويل في جانب المغرب ، ثمّ لا يزال ينقص كلّما ارتفعت الشمس حتّى تصير إلى دائرة نصف النهار وهي دائرة عظيمة

ص: 457


1- مسالك الأفهام 1 : 140.
2- عبارة الشهيد الثاني سوف ينقلها المصنِّف في الصفحة : 459 ، وقد حذفناها هناك ، إلّا إنه أضاف إليها هناك معلّقاً ما أشرنا له في الهامش 4 من هذه الصفحة.
3- مسالك الأفهام 1 : 140.
4- منه رحمه الله ، وقد نقلناها من ذيل العبارة المحذوفة المشار إليها في الهامش 4 من الصفحة : 466.
5- في المصدر بدلها : ويعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصانه أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة.
6- من « ق » والمصدر ، وفي « م » : ( يعرف ).

موهومة تفصل بين المشرق والمغرب فهناك ينتهي نقصان الظلّ أو ينعدم ، فإذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار إلى المغرب فإن لم يكن قد بقي ظلّ عند الاستواء حدث الفي ء في جانب المشرق ، وإن كان قد بقي ، فحينئذٍ يزيد متحوّلاً إليه. فإذا أُريد معاينة ذلك ينصب مقياس ويقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ، ثمّ يصبر قليلاً ويقدّر ، فإن كان دون الأوّل أو بقدره فإلى الآن لم تزل ، وإن زاد فقد زالت.

وقد ورد هذا الاعتبار في عدّة أخبار كرواية سماعة : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يميناً وشمالاً كأنه يطلب شيئاً ، فلمّا رأيت ذلك تناولت عوداً فقلت : هذا تطلب؟ قال نعم.

فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ، ثمّ قال إن الشمس إذا طلعت كان الفي ء طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول ، فإذا زالت زاد ، فإذا استبنت الزيادة فصلِّ الظهر (1) الخبر.

ورواية عليّ بن أبي حمزة : قال : ذُكر عند أبي عبد الله عليه السلام : زوال الشمس ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : تأخذون عوداً طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ، فيقام ، فما دام الظلّ ينقص فلم تزل ، فإذا زاد الظلّ بعد النقصان فقد زالت (2).

وينضبط ذلك بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خطّ نصف النهار الذي إذا وقع ظلّ الشاخص المنصوب في مركز الدائرة عليه كان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلى الجانب الذي فيه المشرق كان أوّل الزوال ).

ثمّ أخذ في بيان وضع الدائرة بمثل ما تقدّم بيانه ، إلى أن قال : ( ثمّ ينصّف القوسان ، ويكفي تنصيف القوس الشمالي فيخرج من منصفه خطّ مستقيم يتّصل بالمركز ، فذلك خطّ نصف النهار ، فإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخطّ الذي هو خطّ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، فإذا ابتدأ رأس الظلّ يخرج عنه فقد زالت.

ص: 458


1- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75.
2- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 76.

وثانيهما : ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ، والمراد بها : قبلة أهل العراق ، ولا بدّ من حمله على أطراف العراق الغربيّة التي قبلتها نقطة الجنوب ، فإن الشمس عند الزوال تكون على دائرة نصف النهار المتّصلة بنقطتي الجنوب والشمال ، فيكون حينئذٍ لمستقبل نقطة الجنوب بين العينين ، فإذا زالت مالت إلى طرف الحاجب الأيمن.

وأمّا أوساط العراق وأطرافها الشرقيّة فقبلتهم تميل عن نقطة الجنوب نحو المغرب ، كما سيأتي ، فلا يعلم الزوال بصيرورة الشمس على الحاجب الأيمن لمستقبلها إلّا بعد مضيّ زمان طويل من أوّل الوقت ) (1) ، انتهى.

وكلام المتن والشارحين كغيرهم نصّ في أن منتصف النهار هو الزوال ، كما دلّت عليه الأخبار ، ولا ينصّف الزوال إلّا ما بين الطلوع والغروب ، فيكون الليل عندهم ما قابل ذلك. وهم لا يقولون بالواسطة الخارجة عن حقيقتيهما ؛ لوضوح فساد القول بذلك ، وشدّة شذوذ القول به في الملّة الإسلاميّة وإن عزاه الداماد : على ما نقله عنه في ( البحار ) (2) إلى اصطلاح أعاظم علماء الهيئة من أهل الهند.

ونقل عن أبي الريحان البيرونيّ : أنه ذكر في القانون المسعودي أن براهمة الهند ذهبوا إلى أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وكذا ما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شي ء من الليل والنهار ، بل ذلك بمنزلة الفصل المشترك بينهما (3).

وأن البرجنديّ : أورد ذلك في شرح الزيج الجديد. فإنه مجرّد اصطلاح يكفي في شدّة ضعفه مخالفة أهل الإسلام وغيرهم من الحكماء الأوّلين والآخرين له.

وقال المجلسيّ : في ( البحار ) : ( أوّل وقت الظهر زوال الشمس عن وسط السماء وهو خروج مركزها عن دائرة نصف النهار بإجماع العلماء. نقله في ( المعتبر ) (4) ،

ص: 459


1- مدارك الأحكام 3 : 64 - 66.
2- انظر بحار الأنوار 80 : 84.
3- بحار الأنوار 80 : 106.
4- المعتبر 2 : 27.

و ( المنتهى ) (1) ، وتدلّ عليه الآية (2) والأخبار المستفيضة (3) ) (4).

وقال أيضاً بعد أن أورد ما رواه الصدوق : في ( المجالس ) (5) ، و ( العلل ) (6) بسنده عن الحسن بن عليّ عليهما السلام ، من حديث [ أسئلة (7) ] اليهود للنبيّ صلى الله عليه وآله : في حديثٍ طويل قال فيه : إنه صلى الله عليه وآله قال إن الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها ، فإذا دخلت فيها زالت الشمس الخبر ، وهو طويل - : ( يحتمل أن يكون المراد بالحلقة : دائرة نصف النهار المارّة بقطبي الأُفق ، وبقطبي معدّل النهار ، وإنما يكون زوال الشمس بمجاوزتها عنها وصيرورتها إلى جانب الغرب منها ) (8) ، انتهى.

والعجب منه رحمه الله كلّ العجب ، كيف يقرّر أن منتصف النهار زوال الشمس ، وأن هناك دائرة تمرّ بالأقطاب الأربعة تسمّى دائرة نصف النهار إذا بلغتها الشمس انتصف النهار ، وأن هناك خطّاً يسمّى بخطّ نصف النهار إذا ألقى الشاخص ظلّه عليه فقد انتصف النهار ، ومع هذا يقول : ( إن أوّل النهار طلوع الفجر؟ ) ما هذا إلّا تناقض جليّ ؛ إذ لا يتصوّر أن عاقلاً يقول : الشي ء المنصّف يزيد نصف منه على نصف ، بمثل زمن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. وهو أعلم بما قال.

وقال العلّامة : في ( الإرشاد ) (9) ، والشهيد الثاني : في ( الروضة ) (10) : أوّل وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس أي مالت عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار نحو المغرب فذلك هو الزوال المعلوم بزيادة الظلّ بعد نقصه وحدوثه بعد عدمه.

ثمّ أخذ في بيانه بنصب الشاخص ، وبالدائرة الهنديّة ، واستخراج خطّ نصف النهار على نحو ما تقدّم ، وذكر أن الزوال وتنصيف النهار المعلوم بالزوال يعلم بطرق

ص: 460


1- منتهى المطلب 1 : 198 ( حجري ).
2- الإسراء : 78.
3- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75 - 76.
4- بحار الأنوار 80 : 39.
5- الأمالي : 256 / 1 ، وفيه : ( إن الشمس إذا طلعت عند الزوال .. ).
6- علل الشرائع 2 : 33 / 1.
7- في النسختين : ( أسولة ).
8- بحار الأنوار 79 : 254.
9- إرشاد الأذهان 1 : 242 ، بالمعنى.
10- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 174 ، بالمعنى.

منها زيادة الظلّ أو حدوثه ، ومنها الدائرة الهنديّة التي يستخرج بها خطّ نصف النهار ، ومنها الربع المجيب. ولم يتكلّما في تحديد الليل ، وظاهرهما بل صريحهما أن الليل ما قابل الزمان المنصّف بالزوال.

وقال الشيخ بهاء الدين : في ( الحبل المتين ) : ( ما تضمّنه الأحاديث الثلاثة (1) الأُول من دخول وقت الظهر والعصر بزوال الشمس ، أي ميلها عن دائرة نصف النهار إلى جانب المغرب ممّا لا خلاف فيه بين أهل الإسلام. والمذكور في كتب الأصحاب أن ذلك يُعلم بأمور :

الأوّل : ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن استقبل قبلة عراق العرب ).

وأخذ يبيّن اختلاف قبلة العراق ، إلى أن قال :

( الثاني : ظهور الظلّ في جانب المشرق ، وهذا يشمل أمرين : زيادة الظلّ بعد نقصانه ، وحدوثه بعد عدمه.

ويدلّ على الأوّل رواية سماعة : عن الصادق عليه السلام : ) (2).

وساق الخبر المتقدّم ، وذكر كلاماً طويلاً له مع العلّامة ، إلى أن قال :

( الثالث : ميل الظلّ عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق ، وهو يتوقّف على استخراج خطّ نصف النهار. ولاستخراجه طرق كثيرة : منها ما هو مشهور بين الفقهاء من الدائرة الهنديّة ، وقد ذكر طريق العمل بها جماعة من علمائنا ، وأنا أذكر ما ذكره العلّامة في ( المنتهى ) (3) .. ).

وساق تقريره بما لا يخرج عمّا سبق ، وعارضه وتكلّم في بيان وضع الدائرة الهنديّة بكلامٍ طويل لا نطوّل بذكره ، حقّق فيه أن وضع الدائرة أضبط ما يكون في يومي الاعتدالين ، ثمّ قال : ( ومنها : العمل بالأصطرلاب ؛ وذلك بأن يستعلم ارتفاع الشمس عند قرب الزوال آناً بعد آن ، فمادام ارتفاعها في الزيادة لم تزل ، وإذا شرع

ص: 461


1- من « ب » والمصدر ، وفي « أ » : ( الثلاث ).
2- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75.
3- منتهى المطلب 1 : 198 - 199 ( حجري ).

في النقصان فقد تحقّق الزوال.

والعمل في ذلك أن تضع درجة الشمس على خطّ وسط السماء في الصفحة المعمولة لعرض البلد ، ثمّ تنظر ارتفاع المقنطرة الواقعة عليها حينئذٍ وتنقص منه درجة أو أقلّ ، فإذا بلغ ارتفاع الغربيّ مقدار الباقي فقد زالت الشمس.

ومنها : العمل بالشاقول ، وطريقه أن تعلّق شاقولاً على أرض مستوية قبيل الزوال ، وتخطّ على ظلّ خيطه خطّاً بعد سكون اضطرابه ، وبه يستعلم الارتفاع الشرقيّ للشمس في ذلك الوقت وتحفظه ، ثمّ تستعلم ارتفاعها الغربي ، فإذا بلغ ذلك المقدار [ فخطّ (1) ] على ظلّ الخيط خطّاً آخر ، فإن قاطع الخطّ الأوّل كما هو الغالب ، فالخطّ المنصّف للزاوية خطّ نصف النهار ، فإن اتّصلا خطّاً واحداً فهو خطّ الاعتدال والمقاطع له على قوائم خطّ نصف النهار.

ولا يخفى عليك جريان مباحث الدائرة الهنديّة هنا.

وأسهل الطرق في استخراج خطّ نصف النهار ، وهو غير محتاج إلى شي ء من آلات الارتفاع أن تخطّ على ظلّ خيط الشاقول عند طلوع الشمس خطّاً ، وعند غروبها آخر ، وتكمل العمل ) (2) ، انتهى.

وصريحه كغيره وهم الجمّ الغفير (3) أن منتصف النهار هو الزوال ، ولم يتعرّض كأكثر من تكلّم في معرفة الزوال إلى تقدير الليل ، فظاهره كغيره أنه ما قابل المنصّف بالزوال ، بل صريحهم ذلك لعدم تعقّل القول بزيادة أحد النصفين من النهار على الآخر.

وقد نقل البهائيّ : في ( الحبل ) أيضاً في بيان الفجر الثاني عن العلّامة : في ( المنتهى ) كلاماً يدلّ بظاهره إن لم نقل بصريحه على أن النهار من الطلوع ، والليل إلى

ص: 462


1- في النسختين : ( خط ).
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 136 - 139 ( حجري ).
3- في « ق » : ( الغَفْر ).

الطلوع. قال رحمه الله : ( اعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس ، وإنما يستضي ء بها ما كان كمداً في نفسه كثيفاً في جوهرة كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتّصلة والمنفصلة. وكلّ ما يستضي ء من جهة الشمس فإنه يقع له ظلّ.

وقد قدّر الله بلطيف حكمته دوران الشمس حول الأرض (1) ، فإذا كانت تحتها وقع ظلّها فوق الأرض على شكل مخروط ، ويكون الهواء المستضي ء بضياء الشمس محيطاً بجوانب ذلك المخروط ، فتستضي ء نهايات الظلّ بذلك الهواء المضي ء. لكن ضوء الهواء ضعيف ؛ إذ هو مستعار ، فلا ينفذ كثيراً في أجزاء المخروط ، بل كلّما ازداد بعداً ازداد ضعفاً ، فإذا كان في وسط المخروط يكون أشدّ الظلام ، فإذا قربت الشمس من الأُفق الشرقيّ ، مال المخروط عن سَمتِ الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة من حواشي الظلّ بضياء الهواء من البصر ، وفيه أدنى قوّة ، فيدركه البصر عند قرب الصباح.

وعلى هذا كلّما ازدادت الشمس قرباً من الأُفق ازداد ضوء نهايات الظلّ قرباً من البصر إلى أن تطلع الشمس ، وأوّل ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقّاً مستطيلاً كالعمود ، ويسمّى الصبح الكاذب والأوّل. ويشبّه بذنب السرحان ؛ لدقّته واستطالته. ويسمّى الأوّل ؛ لسبقه على الثاني ، والكاذب لكون الأُفق مظلماً أي لو كان يصدق أنه نور الشمس لكان المنير ممّا يلي الشمس دون ما يبعد منه ضعيفاً دقيقاً ، ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظلّ الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولاً وعرضاً فينبسط في عرض الأُفق كنصف دائرة وهو الفجر الثاني الصادق ، لأنه صدقك عن الصبح وبيّنه لك ، والصبح ما جمع بياضاً وحمرةً ، ثم يزداد الضوء إلى أن يحمرّ الأُفق ، ثم تطلع الشمس ) (2) ، انتهى كلام العلّامة.

ص: 463


1- هذا وفق ما كان معتقداً في زمان العلّامة : رحمه الله وبعده ، أمّا ما ثبت من عهد كوبرنيكوس : وغاليليو غاليلي : فهو خلاف هذا ؛ إذ ثبت بما لا مجال للشك فيه أن الأرض تدور حول الشمس لا العكس.
2- منتهى المطلب 1 : 206.

ثمّ أخذ الشيخ بهاء الدين : في شرح كلامه وتحقيقه ، إلى أن قال : ( وقوله : ( لكن ضوء الهواء ضعيف ؛ إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيراً ) يريد به أن الهواء لمّا كان تكيّفه بالضوء بواسطة مخالطة الأجزاء البخاريّة القليلة الكثافة لم يكن شديد الضوء ، وأنه كلّما ازداد بعداً عنّا ازداد ضوؤه ضعفاً في الحسّ إلى أن ينعدم بالكلّيّة. ولذلك لا يرى في أوساط الليل شي ء من ذلك الضوء أصلاً ) (1) إلى آخر ما شرح به كلامه.

وكلامهما ظاهر ، بل صريح في أن النهار هو زمن إشراق الشمس على وجه الأرض ، والليل منصّف بمسامتة رأس مخروط الظلّ للرأس. وهذا صريح في أنه من الغروب إلى الطلوع ، ولم يذكرا ما ينافي ذلك.

وقال العلّامة : في ( التحرير ) : ( يدخل وقت الظهر بزوال الشمس وانحرافها عن دائرة نصف النهار المعلوم بزيادة ظلّ كلّ شخص في جانب المشرق بعد نقصانه ، أو ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ) (2) ، انتهى.

وظاهره بل صريحه : المنصّف بالدائرة هو ما بين الطلوع والغروب ، فالليل ما قابلة. ولم يذكر ما ينافيه.

وقال السيوريّ : في ( التنقيح ) : ( زوال الشمس ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ) (3). ثم بيّن أن علامته زيادة الظلّ بعد كمال نقصانه ، أو حدوثه بعد عدمه. وظاهره كالذي قبله ، ولم يذكر ما ينافيه.

وقال ابن البراج : في ( المهذّب ) : ( زوال الشمس يعرف بميزانها أو بالأصطرلاب ، وذلك مشهور ، فإن لم يتمكّن من يريد معرفة ذلك بما ذكرناه أمكن أن يعرفه بالدائرة الهندسيّة ) (4).

ثمّ قرر كيفيّة وضعها كما تقدّم ، إلى أن قال : ( فإن الظلّ لا يزال ينقص حتّى يدخل

ص: 464


1- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 145.
2- تحرير الأحكام 1 : 27 ( حجريّ ).
3- التنقيح الرائع 1 : 167.
4- كذا في النسختين ، والمصدر.

الدائرة ، وبعد ذلك إلى نصف النهار ، ثمّ يعود في الزيادة بعد نصف النهار ).

إلى أن قال : ( ثم يخطّ خطّاً مستقيماً من العلامة الاولى إلى العلامة الثانية ، فيكون كالوتر لقوس ، ثمّ يقسم القوس الذي تحته بنصفين ، ويقسم الدائرة بمجموعها من نصف القوس أرباعاً تتقاطع بخطّين ، فيكون الخطّ الخارج من نصف القوس إلى أعلى الدائرة ، هو خطّ نصف النهار الممتدّ من الشمال إلى الجنوب ) (1) ، انتهى.

وظاهره أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ولم يذكر ما ينافيه.

وقال الشيخ عليّ : في ( الجعفرية ) : ( للظهر زوال الشمس ، ويُعلم بزيادة الظلّ بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ) (2).

وقال بعض شرّاحها : زوال الشمس ميلها عن دائرة نصف النهار ، والتفصيل أن الشمس إذا طلعت وقع لكلّ شاخص ظلّ في جهة المغرب ، ثمّ ينقص بنسبة ارتفاع الشمس إلى أن تصل إلى دائرة نصف النهار ، فإذا وصلت إليها انتهى نقصانه. وقد لا يبقى للشاخص ظلّ في بعض البلاد ، فإذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار فهو الزوال. انتهى ملخصاً.

وظاهرهما أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ولم يذكرا ما ينافيه.

وقال المحقّق الثاني : بعد قول العلّامة : في ( الإرشاد ) : ( ويُعلم الزوال أيضاً بظهور الظلّ في جانب المشرق ) (3) - : ( المراد به أوّل ميله عن خطّ منتصف النهار إلى جهة المشرق ) ، انتهى.

وقال رحمه الله في شرح قول العلّامة : في ( القواعد ) : ( وقت الظهر زوال الشمس ، وهو ظهور زيادة الظلّ لكلّ شاخص في جانب المشرق ) (4) - : ( زوال الشمس : هو ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ، فإن الشمس إذا طلعت وقع لكلّ

ص: 465


1- المهذب 1 : 72 - 73.
2- الرسالة الجعفرية ( ضمن رسائل المحقق الكركي ) 1 : 99.
3- إرشاد الأذهان 1 : 241 - 242.
4- قواعد الأحكام 1 : 24.

شاخص ظلّ في جانب المغرب ، ثمّ ينقص بحسب ارتفاع الشمس حتّى تبلغ كبد السماء ، وهي حالة الاستواء ، فينتهي النقصان ، وقد لا يبقى للشاخص ظلّ أصلاً في بعض البلاد. فإذا مالت إلى جانب الغرب فإن لم يكن قد بقي ظلّ ، فحينئذٍ يحدث في جانب المشرق ، وإن كان قد بقي فحينئذٍ يزيد متحوّلاً إليه. فإذا أُريد معاينة ذلك يُنصب مقياسٌ ويُقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ، ثمّ يُصبر قليلاً ويُقدّر ، فإن كان دون الأوّل أو بقدره فإلى الآن لم تزل ، وإن زاد زالت.

وفي الأخبار ما يدلّ على ذلك ، مثل رواية سماعة (1) ، وغيرها (2) ، وينضبط ذلك بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خطّ نصف النهار الذي إذا وقع ظلّ المقياس عليه أعني : الشاخص المنصوب على مركز الدائرة كان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلى جانب المشرق وهو الجانب الذي فيه المشرق بالنسبة إلى خطّ نصف النهار كان أوّل الزوال ) (3) ، انتهى (4).

وقال الشيخ المفيد : في ( المقنعة ) : وعلامة الزوال رجوع الفي ء بعد انتهاء نقصانه. وطريق معرفة ذلك بالأصطرلاب ، وميزان الشمس وهو معروف عند كثير من الناس وبالعمود المنصوب في الدائرة الهنديّة أيضاً. فمن لم يعرف حقيقة العمل بذلك ولم يجد آلته ، فلينصب عوداً من خشب أو غيره في أرض مستوية التسطيح ، ويكون أصل العود غليظاً ورأسه دقيقاً شبه المدريّ الذي ينسج به التكك ، أو المسلّة التي يخاط بها الأحمال. فإن ظلّ هذا العود يكون في أوّل النهار أطول منه ، وكلّما ارتفعت الشمس نقص حتّى يقف القرص في وسط السماء ، فيقف الفي ء

ص: 466


1- تهذيب الأحكام 2 : 27 / 75.
2- الفقيه 1 : 145 / 673 ، تهذيب الأحكام 2 : 27 / 76.
3- جامع المقاصد 2 : 12 - 13.
4- قال المصنّف رحمه الله بعد هذه العبارة : ( قال الشهيد في المسالك .. ) ثم ساق العبارة المحذوفة المشار إليها في ص : 457 الهامش 2.

حينئذٍ ، فإذا زال عن الوسط إلى جانب المشرق رجع إلى الزيادة ، فيعرف المتعرّف (1) لوقت الزوال ذلك بخطوط وعلامات ، ويجعلها على رأس ظلّ العود عند وضعه في صدر النهار ، فكلّما نقص علّم عليه. فإذا أُدرج إلى الزيادة عرف برجوعه أنها قد زالت ، وبذلك أيضاً نعرف القبلة ، فإن عين الشمس تقف فيها نصف النهار (2) ، انتهى ملخّصاً.

وظاهره أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ؛ إذ لم يذكر ما ينافيه.

وقال بعض شرّاح ( الألفيّة ) والظاهر أنه المير درويش بن قصطنطينية - : ( يعلم الزوال بظهور ظلّ الشاخص في جانب المشرق. والمراد به : ما يكون خارجاً عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق ، وكذا يعلم بزيادة الظلّ بعد نقصه ) ، انتهى.

وظاهره أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ولم يظهر منه ما ينافي ذلك.

وقال الآقا باقر بن محمّد أكمل : في صلاتيّته : ( وقت الظهر زوال الشمس أي ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ويعرف ذلك بزيادة الظلّ بعد نقصانه أو انحراف الشمس عمّا بين الحاجبين ) ، انتهى.

وظاهره أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ؛ إذ لم يذكر ما ينافيه.

وبالجملة ، فعبارات الأصحاب في مثل ذلك كثيرة لا تحصى ، بل لا يكاد يوجد مخالف في أن الزوال منتصف النهار ؛ إمّا مع السكوت عن تحديد الليل أو مع التصريح بأن مبدأه الطلوع.

وممّن صرّح بأن منتصف النهار هو الزوال ، وأثبت دائرة نصف النهار وخطّ نصف النهار ، المجلسيّ : في ( البحار ) كما مرّ ، والسيّد مهديّ : في منظومته (3) ، والسيّد

ص: 467


1- في نسخة من المقنعة : ( المتصرِّف ) ، وفي اخرى : ( المعترف ) ، وفي ثالثة : ( المفترق ). كما ورد في هامش المصدر.
2- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 92.
3- الدرَّة النجفية : 86 ، وفيها : ويعرفُ الزوالُ من ظلّ الظهر *** أو زادَ شيْئاً بعدَ مُنتهى القِصَرْ

عليّ (1) : في شرح ( النافع ) (2).

وبالجملة ، فقد قام النصّ والإجماع من الأصحاب ممّن قال بأن مبدأ النهار الطلوع. ومن قال : إن مبدأه الفجر على أن منتصف النهار هو زوال الشمس (3). ولا ينقضي (4) التعجّب ممّن يقول بأن منتصف النهار الزوال ومبدأه طلوع الفجر ، ولا يلتفت إلى تناقض كلاميه.

[ .. (5) ] الرابع والثلاثون : قال الشيخ بهاء الدين : في ( تشريح الأفلاك ) : ( النهار : مدّة كون مخروط ظلّ الأرض تحت الأرض ، والليل مدّة كون المخروط تحت الأُفق ، ولم يظهر خلاف بين علماء الهيئة في هذا المعنى ، كما لا يخفى على المتتبّع ) ، وإجماعهم حجّة.

الخامس والثلاثون : إطباق الفلكيّين على أن خطّ الاستواء يستوي فيه النهار والليل في كلّ السنة تقريباً ، فيكون كلّ منهما اثنتي عشرة ساعة مستوية ، ولا يكون فيه ساعات معوجّة ، وإطباقهم على أنهما لا يكونان كذلك في الآفاق المائلة إلّا يومين هما يوما الاعتدالين ، واتّفاقهم على أن الليل ملازم لسطح مخروط (6) ظلّ الأرض ، وكلّ واحد من هذه الإجماعات دليل برأسه ، وإجماع أهل كلّ فنّ حجّة وإلّا لأظهر الحجة عليه السلام : ردّه لئلّا تخلو الأرض من قائل بالحقّ.

السادس والثلاثون : نصّ أئمّة اللغة. ولنقتصر فيه على نقل عبارة الفاضل

ص: 468


1- في « ق » : ( مهدي ).
2- رياض المسائل 3 : 41.
3- كذا في النسختين.
4- في « ق » : ( اقضي ).
5- ورد في المخطوط العبارة التالية : ( الثالث والثلاثون : إجماع أهل المنطق على أن الشمس كوكب نهاريّ ينسخ طلوعه وجود الليل ، وإجماعهم على أنه متى كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، واستدلالهم بهذا على أنه متى لم تكن طالعة فليس النهار بموجود ، وإجماعهم حجّة ). علماً أن مضمونها قد مرَّ في الدليل الثاني والعشرين ، إضافة إلى أنّ الدليل الثالث والثلاثين قد مرّ في ص 421.
6- في « ق » : ( المخروط ).

الخراسانيّ في رسالته المعمولة في المسألة ، فنقول : قال رحمه الله : ( لا ينبغي أن يشكّ أحد من أهل التحقيق في أن اليوم والنهار يستعملان في اللغة والعرف فيما بين طلوع الشمس إلى غروبها ، والليل في مقابل ذلك استعمالاً على سبيل الحقيقة ، ويستعملان في التعبيرات الشرعية أيضاً في هذا المعنى. ولا حاجة في فهم النداء في وقت الظهر من قوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (1) ، إلى ارتكاب التخصيص أو التقييد في النداء لإخراج أذان الصبح.

وإذا قيل : انتصف النهار ، أو مضى من النهار نصفه أو ثلثه أو ربعه ، لا يخطر في ذهن أحد المقايسة باعتبار مبدأ طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ وبهذا الاعتبار سمّيت الدائرة المعلومة دائرة نصف النهار. وترى قاطبة الناس يقولون : يستوي الليل والنهار في بعض البلاد المعلومة ، ويستويان في أوائل الربيع والخريف ، واستوى الليل والنهار في هذا الوقت ، وصار النهار كذا ساعة ، وزاد على الليل بكذا وبالعكس ، من غير أن يحكم أحد بكون ذلك على سبيل المجاز والتوسّع. وترى العوامّ والخواصّ يقولون : مضى من النهار ساعة أو ساعتان ، ولا يتبادر إلى الأذهان سوى اعتبار طلوع الشمس. وهذه الاستعمالات شائعة بين الناس وإن لم يكن القائل من أهل الصناعات النجوميّة.

ولهذا ترى أهل اللغة (2) والعرف والشرع لا يفرّقون بين الظهر وبين نصف النهار والزوال ، بل يجرون استعمال لفظ الظهر والظهيرة ، والهاجرة والقائلة ، ونصف النهار والزوال ، مجرى استعمال الألفاظ المترادفة ؛ ولهذا تورد بعض هذه الألفاظ بدل بعض في الأحاديث وألفاظ الفقهاء وكلام أهل اللغة ).

ثمّ ساق جملة صالحة من الأخبار الصريحة في أن نصف النهار هو الزوال والظهر من أخبار الصوم ، وقد مرّ ذكر طرف منها.

ص: 469


1- الجمعة : 9.
2- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 164 ظهر ، القاموس المحيط 2 : 117 الظهر.

ثمّ قال : ( ففي هذه الأخبار عُبّر تارة بنصف النهار ، وتارة بزوال الشمس ، والمسألة واحدة. وروى الشيخ : في ( التهذيب ) (1) ، و ( الاستبصار ) (2) أن عليّاً عليه السلام قال الصائم تطوُّعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم قال الشيخ : ( فالوجه في هذه الروايات أن الأولى إذا كان بعد الزوال أن يصوم ، وقد يطلق على ما الأولى فعله أنه واجب ) (3). فعبّر الشيخ : عن انتصاف النهار بالزوال.

وفي ( صحيح مسلم ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله : أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئاً قال : ( فأقام الفجر ).

إلى أن قال : ( فأقام للظهر حين زالت الشمس ، والقائل يقول قد انتصف النهار ) (4).

وهل يستقيم لعاقل أن يقول : إن أحد النصفين يزيد على النصف الآخر بساعة ، أو قريب من ساعة ونصف ، بل أكثر كما في كثير من البلاد؟

[ .. (5) ]. وأمّا أهل اللغة ، فقال ابن الأثير في ( النهاية ) : ( فيه ذكر صلاة الظهر ، وهو اسم لنصف النهار سمّي به من ظهيرة الشمس ، وهو شدّة حرها ) (6).

وفي مفردات الراغب : ( الظهيرة : وقت الظهر ) (7).

وفي ( القاموس ) : ( الظهيرة. وقت انتصاف النهار ) (8).

وفي ( الصحاح ) : ( الظهيرة : الهاجرة ) (9).

ص: 470


1- تهذيب الأحكام 4 : 281 / 850.
2- الاستبصار 2 : 122 / 397.
3- تهذيب الأحكام 4 : 281 ، الإستبصار 2 : 123 ، بتفاوتٍ يسيرٍ فيهما.
4- صحيح مسلم 1 : 359 / 614 ، ورواه في الموطّأ 1 : 25 / 2.
5- وردت هنا عبارتا صاحبي ( القاموس ) و ( الصحاح ) ، الآتيتين.
6- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 164 ظهر.
7- مفردات ألفاظ القرآن : 541 ظهر.
8- القاموس 2 : 117 الظهر ، وفيه : ( حدّ ) بدل : ( وقت ).
9- الصحاح 2 : 631 ظهر.

وفي ( النهاية ) : ( الهاجرة : اشتداد الحرّ نصف النهار ) (1).

وفي ( مجمل اللغة ) : ( الهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ) (2).

وفي ( شرح صحيح مسلم ) للنووي : ( كان يصلّي الظهر بالهاجرة ، هي شدّة الحر نصف النهار عقيب الزوال ) (3).

وفي ( القاموس ) : ( القائلة : نصف النهار ) (4).

وفي ( الصحاح ) : ( القائلة : الظهيرة ) (5).

وقال الواحدي : في تفسير قوله تعالى : ( وَأَطْرافَ النَّهارِ ) (6) - : ( صلّ صلاة الظهر في طرف النصف الثاني ، وسمّي الواحد باسم الجمع ) (7).

وقال البيضاويّ : في تفسير قوله تعالى : ( وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ ) - : ( تكرير لصلاتي الصبح والمغرب ).

إلى أن قال : ( أو أمر بصلاة الظهر ، فإنه نهاية النصف الأوّل من النهار وبداية النصف الأخير ، وجمعه باعتبار النصفين ) (8).

ونحوه قال بعض علمائنا المتأخّرين (9) في تفسير هذه الآية ، ونحوه مذكور في ( التفسير الكبير ) (10).

وقال أبو الفضل الكازرونيّ : في حواشيه على البيضاوي : ( لا يخفى أن أوّل الظهر حين زالت الشمس عن منتصف السماء ، فكيف يصحّ أنه نهاية النصف الأوّل؟

ص: 471


1- النهاية في غريب الحديث والأثر 5 : 246 الظهر.
2- مجمل اللغة 4 : 467 هجر ، وفيه : ( الهاجرة : نصف النهار عند اشتداد الحر ).
3- صحيح مسلم بشرح النووي 5 : 145.
4- القاموس 4 : 57 القائلة.
5- الصحاح 5 : 1808 قيل.
6- طه : 130.
7- الوسيط في تفسير القرآن المجيد 3 : 227 ، بالمعنى.
8- تفسير البيضاويِّ 2 : 62.
9- كنز الدقائق 6 : 339.
10- التفسير الكبير 22 : 115.

بل هو بداية النصف الثاني ).

وصرّح البيضاويّ : في تفسير قوله تعالى : ( وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) (1) بأن الظهيرة وسط النهار (2). وقال النيسابوري : في تفسيره في ذكر صلاة الظهر : ( وأيضاً ليس في المكتوبات صلاة وقعت في وسط الليل أو النهار إلّا هذه ) (3).

وشاع في كتب التفسير تعليل من قال : إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر ؛ بأنها في وسط النهار.

ونقل في ( الكشّاف ) عن عمر : أنها صلاة الظهر ، لأنها في وسط النهار ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلّيها بالهاجرة (4).

وقد مرّ تفسير الهاجرة بمنتصف النهار.

وممّا يدلّ على أن استعمال النهار فيما بين طلوع الشمس إلى غروبها أنه المشهور فيما بين العامّة ، وهم أهل المعرفة واللغة العربيّة. ولذا وقع الاستدلال من قبل أبي حنيفة : بقوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (5) على ما ذهب إليه أبو حنيفة : من استحباب تأخير صلاة الصبح إلى التنوير (6). حتّى إن العلّامة فخر الدين الرازيّ : مع اشتهاره في التعصّب للشافعيّ ، وتوغّله في انتصاره له ارتضى هذا الاستدلال ، ولم يورد عليه منعاً. قال في تفسيره الكبير ، عند تفسير الآية المذكورة : ( كثرت المذاهب في تفسير ( طَرَفَيِ النَّهارِ ) ، والأقرب أن الصلاة التي تقام في طرفي النهار هما الفجر والعصر ، وذلك لأن أحد طرفي النهار : طلوع الشمس ، والطرف الثاني منه : غروبها ، فالطرف الأوّل هو صلاة الفجر ، والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب ؛ لأنها داخلة تحت قوله تعالى : ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (7)

ص: 472


1- الروم : 18.
2- تفسير البيضاويِّ 2 : 218.
3- غرائب القرآن 1 : 654.
4- الكشّاف 1 : 228.
5- هود : 114.
6- عنه في التفسير الكبير 18 : 59.
7- هود : 114.

فوجب حمل الطرف الثاني على صلاة العصر.

إذا عرفت هذا كانت الآية دليلاً على قول أبي حنيفة : أن التنوير بالفجر أفضل ، وأن تأخير العصر أفضل ؛ وذلك لأن ظاهر هذه الآية يدلّ على وجوب إقامة الصلاة في طرفي النهار. وبيّنا أن طرفي النهار هما الزمان الأوّل لطلوع الشمس والزمان الأوّل لغروبها.

وأجمعت الأُمّة على أن إقامة الصلاة في ذلك الوقت من غير ضرورة غير مشروع ، فقد تعذّر العمل بظاهر هذه الآية فوجب حملها على المجاز ، وهو أن يكون المراد : أقم الصلاة في الوقت الذي يقرب من طرفي النهار ؛ لأن ما يقرب من الشي ء يجوز أن يطلق عليه اسمه. وإذا كان كذلك فكلّ وقت كان أقرب إلى طلوع الشمس أو إلى غروبها كان أقرب إلى ظاهر اللفظ ، وإقامة صلاة الفجر عند التنوير أقرب إلى وقت الطلوع من إقامتها عند التغليس ، وكذلك إقامة صلاة العصر عند ما يصير ظلّ كلّ شي ء مثليه أقرب إلى وقت الغروب من إقامتها عند ما يصير ظلّ كلّ شي ء مِثلَهُ.

والمجاز كلّما كان أقرب إلى الحقيقة كان حمل اللفظ عليه أولى ، فظهر أن هذه الآية تقوّي قول أبي حنيفة : في هاتين المسألتين ) (1) ، انتهى كلامه.

وقال البيضاويّ : ( طَرَفَيِ النَّهارِ ) (2) : غدوة وعشيّة ).

إلى أن قال : ( وصلاة الغداة صلاة الصبح ؛ لأنها أقرب الصلواتِ من أوّل النهار. وصلاة العشيّة العصر. وقيل : الظهر والعصر ؛ لأن ما بعد الزوال عشيّ ، وصلاة الزلف : المغرب والعشاء ) (3) ، انتهى.

وفي حواشي ( تفسير البيضاويّ ) لبعض فضلاء الروم : ( قوله : ( لأنها أقرب الصلوات من أوّل النهار ) ، وفيه دليل على مذهب أبي حنيفة : من استحباب الإسفار بالفجر ).

ص: 473


1- التفسير الكبير 18 : 59.
2- هود : 114.
3- تفسير البيضاوي 1 : 472.

وقال بعض علمائنا في تفسير هذه الآية : ( وكان ترك ذكر الظهر والعصر لظورهما ، لأنهما صلاتا النهار ) (1).

وقال البيضاويّ : في تفسير قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (2) الآية : ( والآية جامعة للصلوات الخمس إن فُسّر الدلوك بالزوال ، ولصلاة الليل وحدها إن فُسّر بالغروب ) (3) ، انتهى.

وهو (4) يدلّ على أنه جعل صلاة الفجر من صلوات الليل ، وهذا مبنيّ على أن مبدأ النهار طلوع الشمس.

وقال البيضاويّ : أيضاً في تفسير الصلاة الوسطى : ( وقيل : العشاء ؛ لأنها بين جهريّتين واقعتين طرفي الليل ) (5).

وقال الراغب : في ( المفردات ) : ( اليوم : يعبّر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد يعبّر به عن مدّة من الزمان أيّ مدة كانت ) (6) ، انتهى.

ولم يذكر لليوم معنًى آخر. وهذا يدلّ على أن استعمال لفظ اليوم في المعنى المذكور شائع غالب ، بل حقيقة.

وقال المطرّزي : في ( المغرّب ) : ( ومنه النهار ؛ لأنه اسم لضوء واسع ممتدّ من طلوع الشمس إلى غروبها ) (7).

وقال الزمخشريّ : في ( الفائق ) : ( أبو هريرة : قال في صلاة الصبح : صلّها بغبش. الغَبَش والغَطَش والغَبَس والغَلَس أخوات ، وهي بقية الليل وآخره ) (8) ، انتهى.

وهذا يدلّ على أن صلاة الصبح من الليل عنده.

ويدلّ عليه أيضاً ما ذكره أهل اللغة أن الغلس : ظلمة آخر الليل (9) ، وأنه بقيّة الليل.

ص: 474


1- مجمع البيان 5 : 259 ، بالمعنى.
2- الإسراء : 78.
3- تفسير البيضاويِّ 1 : 579.
4- في « ق » : ( وهذا ).
5- تفسير البيضاويِّ 1 : 128.
6- مفردات ألفاظ القرآن : 894.
7- المغرّب : 472 الأنهار.
8- الفائق في غريب الحديث 2 : 418.
9- الصحاح 3 : 956 غلس. النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 377 غلس.

مضافا إلى ما دلّ على أن الغلس : وقت لصلاة الصبح.

وما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنه كان يغلس بصلاة الصبح (1).

وما ذكره أهل اللغة أن الغبش من بقيّة الليل (2).

مضافا إلى ما روي أن النبيّ صلى الله عليه وآله : صلّى فيه صلاة الفجر (3).

وما ذكره غير واحد من أهل اللغة أن الغبس والغبش (4) من بقايا الليل ، مع أنهما وقت اختلاط الظلمة بالنور على ما ذكروا (5).

ويؤيّد ذلك قولهم : الغبس : بياض فيه كدرة (6).

وكذا الكلام في الغلس قال ابن الأثير : في ( النهاية ) : ( إنه صلّى الفجر بغبش. يقال : غبش الليل وأظلم إذا أظلم ظلمة يخالطها بياض ) (7).

وقال الأزهريّ : ( يريد أنه قدّم صلاة الفجر عند أوّل طلوعه ، وذلك الوقت هو الغبش ، وبعده الغبس بالسين المهملة وبعده الغلس. ويكون الغبش بالمعجمة في أوّل الليل أيضاً.

ورواه جماعة في ( الموطّأ ) بالسين المهملة وبالمعجمة أكثر ) (8) ، انتهى.

وفي النهاية أيضاً : ( فيه : أنه كان يصلّي الصبح بغلس. الغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح ) (9) ، انتهى.

و [ في ] كتاب ( الاقتضاب ) وهو شرح غريب موطّإ مالك : وإعرابه ، تأليف أبي

ص: 475


1- صحيح مسلم 1 : 373 / 646 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 377 غلس.
2- الصحاح 3 : 1013 غبش. النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 339 غبش.
3- سنن ابن ماجة 1 : 221 / 671 ، صحيح الترمذي 1 : 289 / 154.
4- لسان العرب 10 : 11 غبش.
5- لسان العرب 10 : 12 غبش.
6- لسان العرب 10 : 10 غبس ، تاج العروس 4 : 200 غبس.
7- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 339 غبش.
8- عنه في النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 339 غبش.
9- النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 377 غلس.

عبد الله محمّد الكوفي : في الحديث الأخير - : ( بغبش ، يعني : الغلس. والصحيح أن الغبش بالشين والسين معاً معناهما متقارب ، وهو اختلاط النور بالظلمة أي بقايا ظلمة الليل بخلاف ما تقدّم عن أبي عمرو. ويقال : غبس الليل وأغبش ).

وقال : ( الغبش : النور المختلط بالظلمة ، ويكون في أوّل الليل وآخره ، والغبس : بقية الليل ).

وقال الأزهريّ : ( الغبش قبل الغبس وباللام بعد الغبش ، وهي كلّها في أواخر الليل ، ويجوز الغبش بالمعجمة في أوّل الليل ) (1).

وقال الجوهريّ : ( الفجر في آخر الليل كالشفق في أوّله ) (2).

ونحوه قال الفارابيّ : خال الجوهريّ : في ( ديوان الأدب ).

وفي تفسير ( الجوامع ) في تفسير قوله تعالى : ( وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى ) (3) : ( تجلّى : ظهر بزوال ظلمة الليل ، وطلوع الشمس ).

وفي شرح ( تفسير البيضاوي ) للفاضل الشيخ زاده : ( النهار ضدّ الليل ، وكما أن الليل في الحقيقة ظلّ الأرض الحائلة بين الشمس وبين ما وقع عليه ظلمة الليل ، فكذلك النهار في الحقيقة هو نور الشمس الذي ينسخ ظلّ الأرض ويمحو ظلمة الليل ).

إلى أن قال في إسناد تغطية الشمس إلى الليل : ( فإن احتجاب الشمس بحيلولة الأرض بيننا وبينها لمّا وقع في الليل صار الليل كأنه حجبها وغشاها ، فأسند التغطية والتغشية إلى الليل ).

وفي ( التفسير الكبير ) في تفسير قوله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ) (4) - : ( إشارة إلى نعمة النهار بعد الليل ، كأنه تعالى لمّا قال ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ

ص: 476


1- عنه في لسان العرب 10 : 11 غبش.
2- الصحاح 2 : 778 فجر.
3- الليل : 2.
4- يس : 38.

نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ) (1) ذكر أن الشمس تجري فتطلع عند انقضاء الليل ، فيعود النهار بمنافعه ) (2).

ونحوه في تفسير النيسابوري (3).

وقال في ( الفتوحات المكّيّة ) بعد نقل كلام الحكماء والمتكلّمين في تحقيق الزمان - : ( والعرب تطلقه وتريد به : الليل والنهار ، والليل والنهار فصلا اليوم ، فمن طلوع الشمس إلى غروبها يسمّى نهاراً ، ومن غروب الشمس إلى طلوعها يسمى ليلاً ) (4).

وليس الغرض الاستدلال والاستشهاد بكلّ واحدة من هذه العبارات على المقصود ، بل الغرض دفع ما يتوهّم أن استعمال اليوم في المعنى المذكور لم يذهب إليه غير الأعمش ، وأنه غير معروف بين الناس ).

إلى أن قال : ( وقد تكرّر في حواشي ( تفسير البيضاوي ) لابن الخطيب : التصريحُ بأن اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها ، من غير ذكر احتمال آخر.

وممّا يدلّ على فساد هذا التوهّم قول صاحب ( القاموس ) : ( النهار : ضياء ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، أو من طلوع الشمس إلى غروبها ) (5).

وقوله : ( الليل والليلاة من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق أو إلى طلوع الشمس ) (6).

وفي ( المصباح المنير ) وهو في غريب شرح وجيز الرافعيّ جعل أحد المعنيين ؛ معناه بحسب اللغة ، والآخر معناه بحسب العرف (7).

ويؤيّد ما ذكرناه قول بعض أصحابنا المتأخّرين في تفسير قوله تعالى :

ص: 477


1- يس : 37.
2- التفسير الكبير 26 : 62.
3- الوسيط في تفسير القرآن المجيد 3 : 514.
4- الفتوحات المكّيَّة 1 : 291 - 292.
5- القاموس المحيط 2 : 212 النهار.
6- القاموس المحيط 4 : 64 الليل.
7- المصباح المنير : 561 الليل.

( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (1) عن ابن عبّاس ، والحسن ، والجبائيّ : ( أن طرفي النهار وقت صلاة الفجر ، والمغرب ) (2). وهو مرويّ عن أبي عبد الله عليه السلام (3) ).

وبناء هذا القول إمّا على أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشفق ، أو أن الطرف خارج ، والنهار من طلوع الشمس إلى غروبها ).

إلى أن قال : ( وممّا يدلّ على فساد هذا التوهّم أيضاً أن العامّة رووا عن النبيّ صلى الله عليه وآله : أنه قال من اغتسل يوم الجمعة ، ثمّ راح إلى المسجد فكأنما قرب بَدَنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة (4) الحديث.

واختلف العامّة في أن المراد بالرواح الذهاب أوّل النهار ، أو بعد الزوال ).

إلى أن قال : ( وذهب أكثر الشافعيّة إلى أن الساعات من أوّل النهار ).

إلى أن قال : ( ثمّ اختلف الشافعيّة في أن الساعات من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس ) ، انتهى ما أردنا نقله من كلام الخراسانيّ : باختصار ، وتركنا منه جملة مؤيّدات وشواهد ذكرها.

وأنت بعد ما تحيط بما تلوناه عليك من عبارات العلماء والحكماء ، من الفقهاء ، والفلكيّين ، والمقوّمين ، وأهل اللغة ، لا إخالك تشكّ في سقوط وهم من توهّم أن المشهور عرفاً أو لغة أو شرعاً أن النهار من طلوع الفجر ، بل لا إخالك تكاد تشكّ في تحقّق الإجماع الملحق بالإجماعات الضروريّة على أن منتصف النهار هو زوال الشمس عن دائرة نصف النهار ، والزوال لا ينصّف إلّا ما بين الغروب والطلوع. وممّا لا يحتاج إلى بيان (5) سقوط الوهم بأن مبدأ النهار طلوع الفجر ، ومنتصفه الزوال ؛ إذ لا يكاد يتوهّم ذلك من له أدنى مسكة من عقل.

الثامن والثلاثون : ما رواه الكليني : عن زرارة : بطريقين ، أحدهما صحيح على

ص: 478


1- هود : 114.
2- التبيان في تفسير القرآن 6 : 79.
3- تفسير العياشي 2 : 170 / 73.
4- كنز العمّال 7 : 750 / 21228.
5- من « ق ».

الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام : قال قال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (1) ، ودلوكها زوالها ، ففيهما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سمّاهن الله وبيّنهنّ ، ووقَّتهنّ. وغسق الليل : هو انتصافه الخبر.

إلى أن قال وقال تعالى في ذلك ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (2) ، وطرفاه : المغرب والغداة ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (3) ، وهي : صلاة العشاء الآخرة. وقال ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (4) ، وهي صلاة الظهر ، وهي أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله : في وسط النهار (5).

التاسع والثلاثون : ما رواه أيضاً في الصحيح عن عدّة من أصحابنا أنهم سمعوا أبا جعفر عليه السلام : يقول كان أمير المؤمنين عليه السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى تزول الشمس (6) الخبر.

الأربعون : خبر زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال كان عليٌّ عليه السلام : لا يصلِّي من النهار حتّى (7) تزول الشمس (8).

وفي ( الفقيه ) : قال أبو جعفر عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله : لا يصلِّي من النهار شيئاً حتّى يزول النهار (9) الخبر.

وفي ( التهذيب ) بسنده عن زرارة : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس (10) الخبر.

وفي موثّق ابن فضّال : عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال السنّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل بالإجهار (11).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة. وكلّ واحدة منها يصلح أن يكون دليلاً برأسه.

ص: 479


1- الإسراء : 78.
2- هود : 114.
3- هود : 114.
4- البقرة : 238.
5- الكافي 3 : 271 / 1.
6- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1060.
7- في « ق » : « حين ».
8- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1061.
9- الفقيه 1 : 146 / 678 ، وفيه : « تزول الشمس » لكن ورد في هامشه أن في نسختين منه : « يزول النهار ».
10- تهذيب الأحكام 2 : 262 / 1045.
11- تهذيب الأحكام 2 : 289 / 1161.

الحادي والأربعون : ظاهر ما رواه الصدوق : في ( العلل ) (1) و ( العيون ) (2) ، بسنده إلى علل الفضل بن شاذان : عن الرضا عليه السلام : في حديث طويل قال فيه فإن قال : لم جعل أصل الصلاة ركعتين؟ ولم زيد على بعضها ركعة ، وعلى بعضها ركعتان ، ولم يزد على غيرها شي ء؟ قيل : لأن الصلاة إنما هي ركعة واحدة ، لأن أصل العدد واحد ، فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة ، فعلم الله تعالى أن العباد لا يؤدُّون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقلَّ منها بكمالها وتمامها والإقبال عليها ، فقرن إليها ركعة ليُتمَّ بالثانية ما نقص من الاولى ، ففرض الله تعالى أصل الصلاة ركعتين.

ثمَّ علم رسول الله صلى الله عليه وآله : أن العباد لا يؤدّون هاتين الركعتين بتمام ما أُمروا به وكماله ، فضمَّ إلى الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين ، ليكون فيهما تمام الركعتين الأُوليين.

ثمّ علم أن صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر ؛ للانصراف إلى الأوطان ، والأكل ، والوضوء ، والتهيئة للمبيت ، فزاد فيها ركعة واحدة ؛ لتكون أخفَّ عليهم ، ولأن تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فرداً. ثمَّ ترك الغداة على حالها ؛ فإن الاشتغال في وقتها أكثر ، والمبادرة إلى الحوائج فيها أعمُّ ، ولأن القلوب فيها أخلى من الفكر لقلَّة معاملات الناس بالليل ولقلَّة الأخذ والعطاء ، فالإنسان فيها أقبل على الصلاة منه في غيرها من الصلوات ؛ لأن الفكر أقلُّ لعدم العمل من الليل.

فإن ظاهره أن صلاة الصبح في الليل.

الثاني والأربعون : ما في ( البحار ) نقلاً من ( معاني الأخبار ) بسند صحيح عن زرارة : قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : عمّا فرض الله عزوجل من الصلاة ، فقال خمس صلوات في الليل والنهار. قلت : هل سمّاهنّ الله تعالى وبيّنهنّ في كتابه؟ قال نعم قال تعالى لنبيّه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) ، ودلوكها : زوالها ، ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهنّ وبيَّنهنّ ووقَّتهنّ. وغسق الليل : انتصافه ، ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (3) ، فهذه الخامسة.

ص: 480


1- علل الشرائع 1 : 303 - 304.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 107 - 108.
3- الإسراء : 78.

وقال تبارك وتعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) ، وطرفاه : صلاة المغرب والغداة. ( وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) (1) ، فهي صلاة العشاء الآخرة.

وقال عزوجل ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (2) وهي صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي وسط صلاتين : صلاة الغداة ، وصلاة العصر. ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (3) في صلاة الوسطى (4).

وظاهر أن طرفيه خارجان عنه بحكم المقابلة والمساواة فيه بين صلاتي المغرب والغداة.

الثالث والأربعون : ما في ( البحار ) نقلاً عن ( م العيّاشيّ : ) بسنده عن حريز : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) ، وطرفاه المغرب والغداة (5) الخبر. والتقريب ما تكرّر.

الرابع والأربعون : ما في ( البحار ) نقلاً من سرائر ابن إدريس ، نقلاً من كتاب محمّد ابن علي بن محبوب ، بسنده عن أبان : عن أبي بصير : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار (6).

وقريب منه ما في ( البحار ) أيضاً نقلاً من ( فقه الرضا عليه السلام ) أن آخر وقت العتمة نصف الليل ، وهو زوال الليل (7).

والتقريب ظاهر ممّا تكرّر بيانه.

الخامس والأربعون : ما في ( التهذيب ) عن الحسين بن عليّ بن بلال : قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب عليه السلام عند زوال الليل وهو نصفه أفضل (8).

وزوال الليل لا ينصّف إلّا ما بين الغروب والطلوع ، كما هو غنيّ عن البيان.

وبالجملة ، فالأدلّة في بيان أن النهار من طلوع الشمس ، والليل إلى طلوعها حقيقة

ص: 481


1- هود : 114.
2- البقرة : 238.
3- البقرة : 238.
4- معاني الأخبار : 332 / 5 ، بحار الأنوار 79 : 282 - 283 / 3.
5- تفسير العياشيّ 2 : 170 / 73 ، بحار الأنوار 79 : 289 / 16.
6- السرائر 3 : 602.
7- بحار الأنوار 80 : 66 / 34.
8- تهذيب الأحكام 2 : 337 / 1392.

شرعيّة وعرفيّة ولغويّة ، أكثر من أن أُحصيها في هذه الرسالة ، وفيما ذكرناه غنية (1) لطالب الحقّ.

وأنت بعد الإحاطة بما ذكرناه لا ينبغي (2) لك الشكّ في سقوط قول من قال : ( إنه لا يفهم في عرف الشرع ، ولا في العرف العامّ ، ولا بحسب اللغة من اليوم أو النهار ، إلّا ما هو من ابتداء طلوع الفجر ، ولم يخالف في ذلك إلّا شرذمة قليلة قد انقرضوا.

نعم ، بعض أهل الحرف والصناعات لمّا كان ابتداء عملهم من طلوع الشمس ، قد يطلقون اليوم عليه. وبعض أهل اللغة لمّا رأوا هذا الاصطلاح ذكروه في كتب اللغة ، ويحتمل أن يكون كلاهما بحسب اللغة حقيقة. وكذا المنجّمون قد يطلقون اليوم على ما بين الطلوع إلى الغروب وعلى غير ذلك ) (3) ، انتهى.

وأنت خبير بتناقض عبارته لدلالة صدرها على انقراض القائل بذلك وعجزها على استمرار وجود القائل به ، ويكفي احتماله في سقوط قوله. ومن أين يصحّ ما احتمله مع انقراض القائل به؟ ما هو إلّا احتمال ما بطلانه مقطوع به. هذا مع أنه هو نفسه قد حكم وجزم بأن منتصف النهار الزوال ، وأثبت وجود خطّ نصف النهار ، ودائرة نصف النهار من غير ذكر خلاف في شي ء من ذلك ولا احتمال. ما هذا إلّا غفلة منه عن ذلك ، وقد اعتمد في ذلك على تجوّز أطلقه جماعة من المفسّرين وأهل اللغة.

ونحن لا ننكر (4) ورود إطلاق النهار على ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس في بعض الأخبار ، وكلام بعض الفقهاء (5) ، وبعض المفسرين (6) ، وبعض أهل اللغة (7)

ص: 482


1- في « ق » : ( غيبة ).
2- في « ق » : ( ليبتغي ).
3- بحار الأنوار 80 : 74 - 75.
4- في « ق » : ( نقل ).
5- الخلاف 1 : 266 / المسألة : 9 ، جواهر الفقه : 19 ، الذكرى : 131 ( حجريّ ).
6- مجمع البيان 1 : 138.
7- القاموس المحيط 2 : 212 النهار ، لسان العرب 14 : 302 نهر ، المصباح المنير : 627 نهر ، مجمع البحرين 3 : 507 نهر ، تاج العروس 3 : 591 نهر.

على سبيل المجاز ، مثل ظاهر ما رواه الصدوق : في ( الفقيه ) (1) ، و ( العلل ) (2) ، و ( معاني الأخبار ) (3) عن زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : - [ ومثله (4) ] حديث ( التهذيب ) (5). إلى أن قال - : وقال في ذلك ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (6) وهي صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي وسط صلاتين بالنهار : صلاة الغداة ، وصلاة العصر.

وفي ( البحار ) (7) نقلاً من ( م العيّاشيّ : ) (8) عن زرارة : مثله.

وما رواه أيضاً في ( العلل ) عن موسى : عن أخيه عليّ بن محمد عليه السلام : في أجوبته ليحيى بن أكثم : أما صلاة الفجر وما يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار ، إنما يجهر في صلاة الليل؟ قال جهر فيها بالقراءة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يغلس فيها لقربها بالليل (9).

قال في ( البحار ) : ( وفي ( تحف العقول ) (10) مرسلاً مثله ) (11).

وفيه نقلاً من ( فقه الرضا عليه السلام ) أنه قال اعلم أن ثلاث صلوات إذا دخل وقتهن ينبغي لك أن تبدأ بهن ، ولا تصلِّي بين أيديهن نافلة ، صلاة استقبال النهار وهي الفجر وصلاة استقبال الليل وهي المغرب وصلاة يوم الجمعة (12).

وفيه نقلاً عن ( م العيّاشيّ : ) عن محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال صلاة الوسطى هي الوسطى من صلاة النهار ، وهي الظهر (13).

ص: 483


1- الفقيه 1 : 124 - 125 / 600.
2- علل الشرائع 2 : 32 - 33.
3- معاني الأخبار : 332 / 5.
4- في النسختين : ( مثل ).
5- تهذيب الأحكام 2 : 241 / 951.
6- البقرة : 238.
7- بحار الأنوار 80 : 108.
8- تفسير العيّاشيّ 1 : 146 / 417.
9- علل الشرائع 2 : 17 ، بحار الأنوار 80 : 107 - 108 / 5.
10- تحف العقول : 480.
11- بحار الأنوار 80 : 180.
12- بحار الأنوار 80 : 110 / 7.
13- تفسير العيّاشيّ 1 : 146 / 416 ، بحار الأنوار 80 : 110 / 8.

وفيه أيضاً نقلاً من ( إرشاد القلوب ) عن موسى بن جعفر : عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام : قال : في بيان فضل هذه الأُمَّة ومنها : أن الله عزوجل فرض عليهم في الليل والنهار خمس صلوات (1) في خمسة أوقات ، اثنتان بالليل وثلاث بالنهار (2).

وما في ( العلل ) عن علل بن شاذان عن الرضا عليه السلام : في علل أوقات الصلوات إن الله تعالى أحبّ أن يبدأ في كلِّ عمل أوّلاً بطاعته وعبادته ، فأمرهم أوَّل النهار أن يبدؤوا بعبادته ، وينتشروا فيما أحبّوا من مؤنة دنياهم ، فأوجب صلاة الفجر عليهم (3).

وما في ( الكافي ) في الصحيح عن الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، فقال بياض النهار من سواد الليل (4).

وفي ( الفقيه ) : قال أبو جعفر عليه السلام : صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره (5).

والجواب عن هذه الأخبار وشبهها ممّا دلّ بظاهره على إطلاق النهار على ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس أن ما قدّمناه يراد به الحقيقة ، وهذا (6) يراد به المجاز ؛ بدلالة الأخبار المستفيضة ، والإجماع الذي لا ريب فيه على أن منتصف النهار هو الزوال ، ومنتصف الليل زوال رقيب منزلة الشمس ، وهي النجوم الطوالع وقت الغروب. وقيام الإجماع أيضاً على أن معنى اعتدال الليل والنهار هو تَساوي ما بين الطلوع والغروب لما بين الغروب والطلوع. وغير ذلك ممّا قد اتّضح سبيل مأخذه ممّا قدّمناه.

ووجه التجوّز وعلاقته في إطلاق اسم النهار على ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، أنها لمّا كانت تشبه الحالة البرزخيّة بين الليل المحض الذي لا يشوبه شي ء من خواصّ النهار وصفاته ، وبين النهار الذي لا يشوبه شي ء من صفات الليل

ص: 484


1- من « ق » والمصدر ، وفي « م » : ( مرّات ).
2- بحار الأنوار 80 : 110 / 10.
3- علل الشرائع 1 : 306 ، بحار الأنوار 80 : 110 / 11.
4- الكافي 4 : 98 / 3 ، بحار الأنوار 80 : 111 / 13.
5- الفقيه 1 : 302 / 1379.
6- من « ق » ، وفي « م » : ( هكذا ).

وخواصّه ، وكانت مشابهتها للنهار وامتزاجها به وقبولها لفاضل نور النهار والشمس غالبة كثيرة ؛ لأنها مقدّمة النهار ، والنهار قد استقبلها واستقبلته ، فهي كالمقدّمة للنهار. وبهذا يحصل الفرق بينها وبين ساعة الشفق المغربيّة ؛ فإنّها قد استدبرت النهار واستدبرها ، واستقبلت الليل واستقبلها.

فالساعة الفجريّة تشبه ولوج الروح في الجنين في بطن امّه ، والمغربيّة تشبه وقت السياق وخروج الروح. والفجريّة أشبه بزمن الربيع وخروج الأزهار وبهجة الأنوار واعتدال الهواء من المغربيّة ، والمغربية أشبه بزمن الخريف وذبول الأشجار وانقضاء الأثمار من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بزمن خروج القائم : عجّل الله فرجه واستقبال بيان مزايلة الحقّ للباطل ، وطلوع شمس الدولة الغرّاء واستبانة الحقّ الّذي لا يشوبه شكّ (1) من الساعة المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بزمن ما بين رفع الحجّتين من الأرض وبين نفخة الصعق ، وبزمن موت النبيّ صلى الله عليه وآله : وغياب شمس الرسالة والهداية والجلالة من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بالرتبة البرزخيّة بعد الموت بالنسبة للمؤمن من المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بها بالنسبة للكافر من الفجريّة.

والفجريّة أشبه بمبادئ الغنى والحياة والنموّ من المغربيّة ، والمغربيّة أشبه بأضداد ذلك.

وبالجملة ، لمّا كانت الفجريّة مقدّمة النهار ومفتاحه ، وفيها ابتداء انكشاف ظلمة الليل ووحشته ، قوي شبهها بالنهار ، وحسن التجوّز بإطلاق النهار عليها. ولأنها اتّصفت ببعض مزاياه وخواصّه أيضاً أُلحقت به ، بخلاف المغربيّة فإنّها مقدّمة الغربة ، وفقدان النور ، وتعطّل جلّ الأُمور ؛ فلذا لم يرد فيها أنها من النهار ، ولا قال به أحد من أهل الإسلام إلّا شذّاذ من براهمة الهند (2). والظاهر انقراض القائل به.

ص: 485


1- في « ق » مكانها بياض بمقدارها.
2- في « ق » : ( المفيد ).

ولمّا ظهر في الساعة الفجريّة مزايا من النهار ومزايا [ من ] الليل ، ظهر فيها حكم البرزخيّة ، فصحّ التجوّز بإطلاق النهار عليها ، وقد اختصّت بمزايا ليست في النهار ولا في الليل ، مثل لطف هوائها في جميع الفصول بالنسبة إلى ليالي الفصول وأيّامها ، فهي أبرد في زمن الحرّ وأسخن في زمن البرد مع لطف في هوائها.

ومن خواصّها أن فيها تفيق مرضى المؤمنين ، والظاهر أنه يشتدّ فيها مرض الكافر ؛ فإن ما كان رحمة للمؤمن فهو عذاب على الكافر.

ومن خواصّها أن أكثرها نور بلا شمس ولا قمر ، ومن هذين الوجهين صارت تشبه ساعات الجنّة ، كما قال مولانا الباقر عليه السلام (1).

ومن خواصّها أنه يجتمع فيها ملائكة الليل والنهار ، والمراد بهم : الحفظة الكرام الكاتبون كما استفاضت به الأخبار ، ففي ( العلل ) بسند قويّ عن إسحاق بن عمّار : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال : قلت له أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر. قال مع طلوع الفجر ، إن الله تبارك وتعالى يقول ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) (2) ، يعني : صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أُثبتت له مرّتين ، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار (3).

وفي ( ثواب الأعمال ) بسنده عن إسحاق : أيضاً عنه عليه السلام مثله (4).

وفي ( البحار ) نقلاً من مجالس الشيخ : بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه كان يصلّي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أوّل ما يبدو ، وقبل أن يستعرض ، وكان يقول ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) ، إن ملائكة الليل تصعد ، وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر ، فأنا أختار أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي (5) الخبر.

ص: 486


1- تفسير القمِّي 1 : 126.
2- الإسراء : 78.
3- علل الشرائع 2 : 32.
4- ثواب الأعمال : 57 - 58 / 1.
5- بحار الأنوار 80 : 72 - 73 / 3 ، الأمالي : 695 / 1481.

والأخبار بهذا المضمون في الكتب الأربعة (1) وغيرها من الكتب المعتمدة مستفيضة لا نطوّل بذكرها.

ومن خواصّها أنها تشبه زمن أوّل البلوغ التكليفيّ ، فإنّها أوّل بدء الحياة بعد موتة النوم ، وأوّل انبعاث النفوس للسعي في طلب المعاش ، وعمارة الأرض حسب ما كُلّفوا ؛ ولذا افتتحت بفرض الصبح ، والتضرّع إلى الله بإظهار رسم العبوديّة التوحيديّة ، فصحّ التجوّز بأنها ليست من الليل.

وأمّا نفي كونها من ساعات النهار فحقيقة ، ففي خبر الجاثليق : مع الباقر عليه السلام : حيث سأله عن ساعة ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ، فقال عليه السلام ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

فقال النصرانيّ : فمن أيّ الساعات هي؟ فقال عليه السلام من ساعات الجنّة ، وفيها تفيق مرضانا (2) الخبر.

وقد مرّت الإشارة إليه ، ومرّ أيضاً خبر أبي هاشم الخادم : عن أبي الحسن عليه السلام : أنه قال ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة (3) الخبر.

فدلّ الخبر الأوّل على أنها اختصّت بمشابهة ساعات الجنّة ؛ ولذا تفيق فيها مرضى المؤمنين ، والخبر الثاني على أنها اختصّت بأن جُعل في مقابلها ركعتان لكثرة ما فيها من المزايا والخواصّ التي تميّزت بها عن ساعات الليل والنهار ، حتّى كأنّها خارجة عنهما ، وإلّا فلا يظهر قائل بأن ساعات الليل والنهار (4) خمس وعشرون ساعة.

فإذن ، معناه أن مجموع الليل والنهار ثلاثة أصناف : نهار محض ، وليل محض ،

ص: 487


1- الكافي 3 : 282 / 2 ، الفقيه 1 : 137 - 138 / 643 ، تهذيب الأحكام 2 : 37 : 116 ، الاستبصار 1 : 275 / 995.
2- تفسير القمِّي 1 : 126 ، وفيه : « وفيها تفيق مرضى » ، بحار الأنوار 46 : 313 - 314 / 2.
3- الخصال 2 : 488 ، أبواب الاثني عشر / 66 ، علل الشرائع 2 : 22 ، ب 23 ، ح 1 ، باختلافٍ يسير.
4- قوله : ( حتّى كأنها .. والنهار ) ليس في « ق ».

وليل يشبه النهار شبهاً تامّاً ، ويختصّ (1) بمزايا لا توجد في الصنفين ، وهو الساعة الفجريّة ، فخصّها بالذكر من بين ساعات الليل ، ولم يفرد من ساعات النهار شيئاً ، فحكمه أن ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة ، يدلّ على أن ساعات الليل كذلك ، بحكم المقابلة المجمع عليها ، وعدم القائل بقسم ثالث.

فقد دلّ هذا على ما قلناه من أن إفراده عليه السلام للساعة الفجريّة بالذكر من بين ساعات الليل ، مع بيانه أن كلّ واحد من الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة إنما هو لمزايا تخصّهما.

وما قاله بعض أجلّة المتأخّرين بعد إيراده هذين الخبرين من أن ( هذا اصطلاح آخر لليل والنهار سوى المشهور ، وكأنه مشهور بين أهل الكتاب ) (2). وقال بعد إيراد خبر الجاثليق : ( قد مرّ أن (3) هذا اصطلاح آخر عند أهل الكتاب ؛ فلذا أجابه عليه السلام على وفق معتقده. وقوله من ساعات الجنة ، أي شبيهة (4) بها ، ولا يبعد (5) أن يكون المراد أنها (6) لا تحسب في انتصاف الليل ولا في انتصاف النهار ) (7) انتهى لا يخفى سقوطه ، فإن الإمام لا يتكلّم إلّا بالحقّ المطابق للوجود وصفاته ، فإنه لا ينطق عن الهوى وإنما ينطق بإذن الله ، وفي الحقّ سعة عن الباطل ، مع أنه ساقهما في الدلالة على أنها من ساعات النهار ، وقد نفى البعد عن خروجها عن الانتصافين.

وهذا كلام لا يعقل ولم يقل به أحد ، فاضطراب كلامه لا يخفى.

ويمكن أيضاً أن يجمع بين ما دلّ على أن الساعة الفجريّة من الليل ، وما دلّ بظاهره على أنها من النهار ، بحمل الأوّل على المعنى اللغوي وبحسب خارج الزمان ، فمدار التكليف الزماني عليه ، وحمل الثاني على حال الدهر بالنسبة إلى

ص: 488


1- في « ق » : ( مختص ).
2- بحار الأنوار : 80 : 106.
3- من « ق » والمصدر.
4- في « ق » : ( شبهه ).
5- في « ق » : ( يتعدى ).
6- في « ق » : ( بها ).
7- بحار الأنوار 80 : 107.

حال السرمد ، فإنّها تشبه الدهر الذي هو صبح نهار السرمد بالنسبة إلى قوس العود. والدهر من حيث هو كذلك ألصق وأشبه بالسرمد من ليل الزمان ؛ فالحق به. أو نقول : صبح الأزل اللائح على هياكل التوحيد (1) نهارٌ ؛ لمساوقة طلوع شمس المعرفة في أُفق الأفئدة له. فبهذا الاعتبار أُلحقت الساعة الفجريّة بالنهار ، وباعتبار أُفق الزمان المحض وأحكامه هي من ليله وإن اختصت بمزايا ليست لعامّة ليله.

وبالجملة ، فممّا ظهر للبصائر أشدّ [ من ظهور (2) ] الشمس في رابعة النهار للأبصار أن نهار كلّ رتبة من رتب الوجود لا يكون مفتاحه وابتداؤه وأوّله وأساسه ظلمة ، وأن الظلمة لا تكون مبدأ نور من أنوار الوجود على طبقاته ودرجاته. فلو لم نجد محملاً لمثل هذه الأخبار لوجب اطّراحها ، لعدم مقاومتها لشي ء ممّا ذكرناه من الأدلّة.

وأمّا ما ورد من مثل قولهم عليهم السلام إن ابن أُمّ مكتوم يؤذِّن بليل ، وبلال يؤذّن إذا طلع الصبح (3) ، فليس فيه دلالة على أن ابتداء النهار من طلوع الفجر بوجه من وجوه الدلالة ، فضلاً عن أن يعارض به بعض ما ذكرناه ؛ إذ غاية دلالته أن ابن أُمّ مكتوم : يؤذّن بليل يحلّ فيه الأكل ، وغيره ممّا يمسك عنه الصائم ، فلا تمسكوا ولا تصلّوا بأذانه أي قبل الصبح وبلال : لا يؤذّن إلّا في الصبح ، كما يكشف عنه مثل خبر ( الفقيه ) ، وفيه أن النبيّ صلى الله عليه وآله : قال إن ابن أُمّ مكتوم : يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال (4).

وممّا يزيدك تنبيهاً على ذلك تنكيره عليه وآله أفضل الصلاة والسلام لفظ الليل ، فلا تغفل.

وأمّا مثل ما في ( الفقيه ) عن جابر : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال إن إبليس : إنما يبثُّ جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى أن يغيب الشفق ، ويبث جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس (5) ، فليس فيه دلالة أيضاً على أن الساعة الفجريّة من النهار

ص: 489


1- في « ق » : ( التوحد ).
2- في المخطوط : ( مما ظهرت ).
3- الكافي 4 : 98 / 3.
4- الفقيه 1 : 194 / 905.
5- الفقيه 1 : 318 / 1444.

بوجه ، بل هو في الدلالة على أنها من الليل أظهر ؛ لأن ظلام الليل أنسب بإبليس : وجنوده ، وسلطانه فيه أقهر ، ودولته فيه أظهر ، فناسب أنه يبثّ جنوده في أوّل الليل وآخره ، فإنه من سنخ الظلام الذي هو عدم النور وغشاؤه ، فتفطّن.

وأمّا مثل ما ورد إن الله تعالى ينادي كلَّ ليلة من أوَّل الليل إلى آخره ، وفي بعضها إن الله تعالى ينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أوّل الليل إلى آخره : ألا عبد مؤمن يدعوني لدينه ودنياه قبل طلوع الفجر (1).

وفي الثاني هل من سائل فأعطيه (2).

وفي آخر هل من عبد مؤمن يدعوني لدينه ودنياه قبل طلوع الفجر إلى قوله : فما يزال ينادي بهذا إلى طلوع الفجر أو - : إلى أن يطلع الفجر (3).

وما أشبه هذه الأخبار! فمعناها : أنه يخبر ويعد من فعل ذلك قبل طلوع الفجر في أيّ ليلة كانت ، سواء كان في تلك الليلة أو غيرها.

وحاصله : الحثّ على عبادة الله ، والدعاء ، والاستغفار في جوف الليل مطلقاً ، لا بخصوص ليلة شخصيّة ، فليس فيه دلالة على خروج ما بعد الفجر عن الليل بوجه. وعلى كلّ حال لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة القطعيّة.

وأمّا مثل ما ورد في تعقيب صلاة الصبح من مثل قولهم عليهم السلام الحمد لله الذي أذهب الليل بقدرته ، وجاء بالنهار برحمته (4) ، فمعناه أنه يحمد الله على نعمته المستقبلة بالنهار المستقبل المقطوع بمجيئه بسبب تحقّق الفجر الذي هو من فاضل نوره ، فطلوع الفجر دليل على النهار ولازم له.

ومثله قولهم عليهم السلام فيه أيضاً الحمد لله على إدبار الليل وإقبال النهار (5) ، بل هذا أوضح فيما ذكرناه.

ص: 490


1- الفقيه 1 : 271 / 1237 ، عدّة الداعي : 37 ، وفيهما : « لينادي ». بحار الأنوار 80 : 112 / 1. وقد نقله عن ( عدَّة الداعي ) بدون لفظ : « الجمعة ». وما في نسخة ( العدَّة ) التي بين أيدينا جاء الأثر بهذا اللفظ.
2- الفقيه 1 : 271 / 1238.
3- عدّة الداعي : 37 - 38.
4- الكافي 2 : 528 / 20.
5- المصباح في الأدعية والزيارات : 99.

ومثله قولهم الحمد لله الذي أذهب الليل مظلماً بقدرته ، وجاء بالنهار مبصراً برحمته (1) ، بل هذا أظهر في الدلالة على أنها ليست من النهار ؛ لما فيه من ذكر خاصّة الليل من الأظلام المتحقّقة فيها ، وخاصّة النهار من الإبصار المنتفية عنها.

وأما مثل قولهم عليهم السلام في تعقيب الصبح أيضاً اللهمّ إني أصبحت أستغفرك في هذا الصباح وفي هذا اليوم (2) ، فهو بالدلالة على أنها خارجة من النهار أولى ، بل هو ظاهر فيه ؛ لعطف اليوم على الصباح.

وأمّا مثل قولهم عليهم السلام فيه أيضاً الحمد لله على إدبار الليل وإقبال النهار (3) ، وقولهم عليهم السلام فيه أيضاً مرحباً بخلق الله الجديد واليوم العتيد (4) ، وقولهم فيه اللهمَّ اجعل أوّل يومي هذا صلاحاً (5) ، وما أشبه ذلك ، فلا ينافي حكمهم بأن الساعة الفجريّة من الليل ؛ إذ غايته الإشارة بما يشار به للقريب ، والنهار قريب من الساعة الفجريّة. وعلى كلّ حال لا يعارض شيئاً ممّا ذكرناه.

وأمّا مثل قولهم عليهم السلام يستحبّ أن يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة الرحمن (6) ، وشبهه ، وقولهم عليهم السلام إذا كان يوم الجمعة فزرهم يعني : القبور فإن من كان منهم في ضيق وسّع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يعلمون بمن أتاهم في كلِّ يوم (7) ، وقولهم عليهم السلام لا ترمِ الجمرة يوم النحر حتّى تطلع الشمس (8) ، وقولهم عليهم السلام إذا أراد العمرة انتظرَ إلى صبيحة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ، ثمّ يكون مهلاً في ذلك اليوم (9) ، وما أشبه هذا ممّا أُضيف فيه الصبيحة والصبح والفجر إلى اليوم ، فليس فيه دلالة على أن الساعة الفجريّة من النهار بوجه ، فإن الإضافة تصحّ بأدنى ملابسة.

وأيضاً فإنه كما ورد إضافة ذلك إلى اليوم كثيراً ورد إضافته إلى الليل كثيراً ، مثل

ص: 491


1- البلد الأمين : 54 ( حجريّ ).
2- مصباح المتهجِّد : 188.
3- المصباح في الأدعية والزيارات : 99.
4- المصباح في الأدعية والزيارات : 99.
5- المصباح في الأدعية والزيارات : 100.
6- الكافي 3 : 429 / 6.
7- الأمالي ( الطوسيّ ) : 688 / 1462.
8- الكافي 4 : 482 / 7.
9- الكافي 4 : 536 / 4.

صبيحة ليلة كذا ، وصبح ليلة كذا ، وفجر ليلة كذا. ومثل ما في كتاب النرسي : عن الصادق عليه السلام : قال إن الشمس تطلع كلّ يوم بين قرني شيطان إلّا صبيحة ليلة القدر (1).

ومثله في الكتاب والسنّة لا يحصى ، كما لا يخفى على المتتبّع ، وهو أشهر وأظهر من أن يحتاج إلى بيان.

والوجه في ذلك أن ورود إطلاق الليلة على الليل ويومه ، واليوم على النهار وليلته في الكتاب والسنّة ، وكلام العرب ، والفقهاء أظهر وأشهر من أن يحتاج إلى بيان ، فلا نطوّل بذكر شي ء من ذلك كلّه. وبهذا يجاب عن مثل ما جاء في الأخبار وكلام الفقهاء من مثل قولهم عليهم السلام ، لمّا سُئلوا : أيجزي (2) إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال نعم (3).

وقولهم عليهم السلام لمّا سئلوا : في أي الليالي اغتسل في شهر رمضان؟ فقال عليه السلام .. إلى أن قال - والغسل أوّل الليل.

قلت : فإن نام بعد الغسل؟ قال هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر (4).

وجميع ما دلّ على أن غسل يوم الجمعة أوّل وقته بعد طلوع الفجر ، فإن الجمعة ويوم الجمعة قد يطلق على ما يعمّ الليل. وأيضاً نمنع أن غسل الجمعة من الأغسال المختصّة بالنهار ، ولكن لمّا كان السرّ فيه أن استقبال نهار الجمعة والدخول في صلاة الجمعة ينبغي أن يكون على أكمل الطهارة والنظافة أُضيف الغسل إلى الجمعة وإلى يوم الجمعة.

هذا مع أن خبر زيارة القبور يحتمل تعليق الظرف ، وهو ما بين ب- وُسِّع ، وب يعلمون فلا إشعار فيه بالمدّعى من أنها من النهار.

وأمّا مثل قولهم عليهم السلام لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوَّله إلى آخره ، إلّا إن أفضل ذلك بعد

ص: 492


1- بحار الأنوار 80 : 150 / 13.
2- في « ق » : ( أيخرج ).
3- الكافي 3 : 418 / 8.
4- تهذيب الأحكام 1 : 373 / 1142.

الانتصاف (1).

وقولهم سلام الله عليهم في صفة صلاة الليل ثمانٍ من آخر الليل ، ثمَّ الوتر ثلاث ركعات ، ويفصل بينهما بتسليمة ، ثمّ ركعتي الفجر (2) ، وسائر ما دلّ من الأخبار على أن وقت صلاة الليل آخر الليل ، أو أن فعلها في آخر الليل أفضل ، وشبه ذلك. فالمقصود منه أن وقتها في النصف الأخير من الليل دون الأوّل ، أو أن فعلها في النصف الأخير أفضل ، فالأوّليّة والآخريّة في مثل (3) هذه الموارد إنما هي باعتبار النصفين.

وأمّا مثل ما ظاهره أن وقتها يمتدّ إلى آخر الليل ، فهي آخريّة إضافيّة ، ومجاز قطعاً ؛ لأن آخره الحقيقيّ إنما هو جزء لا يسع ركعة فضلاً عن نافلة الليل التي ورد فيها من الأذكار والأدعية والحثّ على السور الطوال ما لا يخفى ، وإنما آخره الحقيقيّ ما لا يسع الصائم فيه مضغ اللقمة وابتلاعها. فظهر أن المراد بذلك ما قارب الساعة الفجريّة التي هي آخر الليل ، فسمّي ما قبلها آخراً من باب مجاز المجاورة.

وبهذا يظهر الجواب عن مثل قولهم بما معناه عليهم سلام الله - : الأمر بطلب الحوائج في ساعة كذا وكذا ، وفي ساعة من آخر الليل قبل طلوع الفجر (4). بل مثل هذا دلالته على أن الساعة الفجريّة من الليل أظهر ، لمقام التقييد بقبليّة طلوع الفجر ، ولولاه لم يكن لهذا القيد فائدة تظهر ولا نكتة تعرفها ، وكلامه طبق الحكمة ، وإنما ينطقون عن الحكيم.

وأمّا مثل ما في خبر الزهريّ : عن زين العابدين عليه السلام : أنه قال وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار ، ثمّ قدِم أهله أُمر بالإمساك بقيّة يومه ، وليس بفرض ، وكذلك الحائض إذا طهرت (5) ، وشبهه ، فالمراد به الأوّليّة الإضافيّة ، أو من باب (6) مجاز المجاورة كما مرّ.

ص: 493


1- تهذيب الأحكام 3 : 233 / 607.
2- المعتبر 2 : 15 ، بحار الأنوار 80 : 122 / 58.
3- قوله : ( فعلها في النصف .. في مثل ) ليس في « ق ».
4- الخصال 2 : 616 ، أبواب المائة وما فوقها / حديث أربعمائة ، بحار الأنوار 80 : 125 / 70.
5- تهذيب الأحكام 4 : 296 / 895.
6- قوله : ( باب ) ليس في « ق ».

ويحتمل أيضاً أنه ذكر حكم الأكل في النهار ولم يتعرّض لذكر الأكل بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، ولا ينافي مساواته لهذا في هذا الحكم بدليل آخر.

ومثله قول أبي عبد الله عليه السلام : لمّا سأله عبد الأعلى : عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان قال عليه السلام عليه الكفّارة.

قال : قلت : فإن وطئها نهاراً؟ قال عليه السلام عليه كفّارتان (1) ، وما أشبهه.

وعلى كلّ حال فليس شي ء من هذا ولا كلّه يقاوم شيئاً ممّا ذكرناه من الأدلّة القطعيّة. وما ربّما يتوهّم أو يقال في بعض ألسنة من لم يتأمّل ما قال من الفرق بين نهار الصائم والبيْن وغيرهما فوهْم لم يدلّ عليه دليل ، بل ليس له معنًى يعقل ؛ فإنه ليس إلّا ليلاً واحداً ونهاراً واحداً ، هما حقيقتان متباينتان ، بل متضادّتان. غاية الأمر أنه دلّ الدليل على وجوب الصوم من طلوع الفجر إلى آخر النهار ، وأن ذلك ظرف للصوم ، وأن من فعل في هذه المدّة مع تعيّن صومها عليه ما ينافي الصوم وجب عليه حكمه من قضاء أو كفّارة ، وأثم.

والمجلسيّ : نوّر الله ضريحه في ( بحار الأنوار ) بعد أن صرّح ونصّ على أن منتصف النهار زوال الشمس عن دائرة نصف النهار ، وأن معنى تساوي الليل والنهار هو تساوي ما بين الطلوع إلى الغروب ، وما بين الغروب إلى الطلوع ، اختار أن الساعة الفجريّة من النهار ، وأطال وأكثر الحزّ وأخطأ المفصل ، واستدلّ بما لا يحتجّ بمثله في هذا المطلب العظيم ، وبما لا يدلّ على ذلك بوجه ، وبما دلالته عليه لا له. وهذا جهده شكر الله سعيه وجزاه عن الشريعة جزاء الصالحين فإنه [ من ] المرابطين في سبيل الله لقتال أعداء الله.

وأنا أقول : هذا جهدي قد وفدت به على باب مولاي صاحب الزمان عليه السلام ، فإن قبله فطالما عفا ورحم ، وإن ردّه فبجرائمي ، ولكنّي أرجو عفوه ورحمته ، وألّا أخيب مِن بين مَن قرع باب رحمته ، ولجأ إلى ظلّه ، والصلاة والسلام من الله على محمّد

ص: 494


1- الفقيه 2 : 122 - 123 / 523.

حبيبه وآله المستحفظين دائما أبداً ، والحمد لله ربّ العالمين.

وكان ختامها بقلم مؤلّفها القاصر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : عفا الله برحمته عنهم ، والحمد لله ربّ العالمين.

وقع الفراغ آخر نهار اليوم الثامن عشر من شهر [ جمادى (1) ] الأُولى سنة (1243) الثالثة والأربعين والمائتين والألف.

وقد نقلتها وأنا العبد الجاني المخطئ الآثم زرع بن محمّد عليّ بن حسين بن زرع : عفا الله عنهم بمحمّد وآله.

[ ... ](2)

ص: 495


1- في « م » : ( الجميدي ).
2- في « ق » : وقع الفراغ من نساخة هذه الرسالة الشريفة ضحى يوم الأربعاء من الأُسبوع ، اليوم الخامس والعشرين من شهر شعبان من سنة (1243) بقلم الأقلّ الأحقر ، تراب أقدام إخوانه المؤمنين ناصر بن علي ابن الحاج ناصر ابن الحاجّ علي بن ناصر بن حرم ، عفا الله عنه وعن والديه آمين وعن جميع إخوانه المؤمنين والمؤمنات بحقّ محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، آمين ، آمين.

ص: 496

الرسالة الثامنة : الجهر والإخفات بالقراءة في الصلاة

اشارة

ص: 497

ص: 498

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّد : وآله الطيبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فيقول الأقلّ أحمد بن صالح بن طوق : مسألة : يجب الجهر بقراءة الحمد والسورة في أوليي العشاءين وفي الصبح ، والإخفات بهما في أوليي الظهرين بالإجماع فتوًى وعملاً في سائر الأعصار والأمصار والقائل بالاستحباب شاذّ (1) وبالنصوص المستفيضة (2) ، فلو أخفت فيما يجب الجهر فيه أو بالعكس عالماً عامداً بطلت صلاته بالإجماع والنصّ ، كما في صحيحتي زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام (3).

قال الشيخ حسين : ( والأخبار الدالّة على وجوب الجهر في مواضعه المسمّاة ، والإخفات في مواضعه على الرجال مستفيضة ). وساق جملة من الأخبار.

ص: 499


1- انظر مختلف الشيعة 2 : 170 / المسألة : 92.
2- وسائل الشيعة 6 : 82 - 86 أبواب القراءة في الصلاة ب 25 - 26.
3- الفقيه 1 : 227 / 1003 ، تهذيب الأحكام 2 : 147 / 577 ، وسائل الشيعة 6 : 86 أبواب القراءة ب 26 ح 1 ، ح 2.

هذا حكم الرجال ، أمّا المرأة والخنثى المشكل ومن ليس له فرج الرجال ولا فرج النساء فليس عليهم وجوب جهر فيما يجب الجهر فيه مطلقاً ؛ للأصل ، ولأن المعروف من الفتوى وظاهر الأخبار اختصاص وجوب الجهر بالرجال.

أمّا ما يجب فيه الإخفات مطلقاً فيجب الإخفات به على كلّ مكلّف رجلاً كان أو غيره ؛ لعموم الدليل وعدم المخصّص له بالرجال.

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين : نسبة ذلك لظاهر الأكثر ، والأكثر على الخنثى لو سمعها الأجانب من الرجال وجب الإخفات ، وبحكمها من ليس له أحد الفرجين ، والأحوط الأولى لهما إذا لم يسمعهما الأجانب الجهر في الجهريّة ، بل تعيّنه حينئذٍ غير بعيد.

ويعذر الجاهل والناسي نصّاً (1) وإجماعاً ، ولا فرق في ذلك بين المنفرد والإمام.

ففي صحيح زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي ء عليه ، وقد تمّت صلاته (2).

وصحيحه أيضاً عنه عليه السلام ، قلت له : جهر رجل بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، وترك القراءة فيما لا ينبغي القراءة فيه ، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه. فقال أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي ء عليه (3).

أمّا الأخيرتان من الظهرين والعشاء وثالثة المغرب فيجب فيها كلّها الإخفات ، كما هو المعروف من المذهب قديماً وحادثاً ، سواء في ذلك المنفرد والإمام والمأموم والرجل والمرأة والخنثى ومن ليس له أحد الفرجين.

ص: 500


1- وسائل الشيعة 6 : 87 أبواب القراءة في الصلاة ب 27.
2- الفقيه 1 : 227 / 1003 ، تهذيب الأحكام 2 : 162 / 635 ، وفيهما « أو أخفى » بدل : « وأخفى » ، وسائل الشيعة 6 : 86 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 26 ، ح 1.
3- تهذيب الأحكام 2 : 147 / 577 ، وفيه « الإخفات » بدل : « الإخفاء » ، وسائل الشيعة 6 : 86 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 26 ، ح 2.

الدليل على ما يجهر فيه ويخفت من الأخبار

ويدلّ عليه من الأخبار مثل صحيح الفضل بن شاذان : كما في ( الفقيه ) ، و ( العلل ) ، و ( المحاسن ) عن الرضا عليه السلام : في حديث ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض أنه قال إن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أن هناك جماعة ، فإن أراد أن يصلّي صلّى ؛ لأنه إذا لم يرَ جماعة علم ذلك من جهة السماع. والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنما [ هما (1) ] بالنهار في أوقات مضيئة ، فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيها إلى السماع (2).

وفي ( العلل ) عن محمّد بن حمران : أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام : لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة (3) وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلاة مثل الظهر والعصر لا يجهر فيها؟ فقال لأن النبيّ صلى الله عليه وآله .. (4) الخبر.

ووجه الدلالة فيهما إطلاق الحكم بنفي الجهر في الظهرين ، ولا يصدق النفي إلّا برفع الحقيقة ، فإذن لا جهر فيهما أصلاً بمنطوق الروايتين فيعمّ أخيرتيهما.

وأيضاً لو كان فيهما جهر لَمَا تحقّقت العلّة المذكورة في الخبر الأوّل ، ولا فارق بين أخيرتي الظهرين وغيرهما إلّا ما حكاه الشيخ حسين آل عصفور : في ( شرح المفاتيح ) عن عمّه في إحيائه من الحكم بتبعيّة الأخيرتين للأوليين في وجوب الجهر والإخفات ، محتجّاً بإطلاق كثير من المعتبرة المعلّلة وجوب الجهر والإخفات بقوله فيها : ( لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصلوات مثل الظهر والعصر لا يجهر فيهما ) ، فإنه شامل للأوليين والأخيرتين. وكذا صحيح الفضل بن شاذان.

وأيّده بصحيحة زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال إذا كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئاً في

ص: 501


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( هو ).
2- الفقيه 1 : 204 / 927 ، علل الشرائع 1 : 305 / 9 ، المحاسن ، باختلاف.
3- في المصدر : ( الفجر ) بدل : ( الجمعة ).
4- علل الشرائع 2 : 16 / 1.

الأُوليين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين ، فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعني في الفريضة خلف الإمام ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (1) والأخيرتان تبع للأُوليين (2).

ووجه ذلك أنه قد ساوى بين الأُوليين والأخيرتين في الحكم معاً أعني في المنع من القراءة ووجوب الإنصات حتّى جاء في رواية ( السرائر ) (3) بدل ولا تقرأن شيئاً ولا تقولنّ شيئاً ، ثمّ أكّده بقوله والأخيرتان تبع للأُوليين ، فهذه شاهدة بالمساواة.

وربّما يجاب عن هذا الاستدلال بأن هذه التبعيّة إنما كانت في تحريم القراءة خلف الإمام لا في وجوب الإنصات ؛ ولهذا اقتصر على قوله ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين ولم يتبعها بقوله وأنصت لقراءته كما أتبعها في الأُوليين ، فيكون قوله والأخيرتان تبع للأُوليين دليلاً على المنع من القراءة خلفه لا غير ، وليس فيه تعرّض للإنصات ، فلا يكون دالّاً على الجهر في الأخيرتين تبعاً للأُوليين ، انتهى وهو حسن.

ولكنّا في غَناء عنه ؛ لتفرّده بهذا القول ، وخرقه الإجماع ، ولأنه مردود بالأخبار الدالّة على الإخفات في الأخيرتين مطلقاً ، أمّا الجهر فيتحقّق بتحقّقه في جزء من غيرهما ؛ لأنه إثبات ، وخرج جواز الأمرين في سائر الأذكار بدليل.

وقريب منهما ما في ( المحاسن ) في مسائل اليهود للنبيّ صلى الله عليه وآله : في علّة الجهر في ثلاث فرائض ، والإخفات في اثنتين.

وقريب من ذلك صحيحة عبد الله بن سنان أنه قال إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ ، وكان الرجل مأموناً على القراءة (4) ، فلا تقرأ خلفه في الأُوليين.

وقال يجزيك التسبيح في الأخيرتين.

قلت : أيّ شي ء تقول أنت؟ قال أقرأ فاتحة الكتاب (5).

فإنه أثبت صلاة لا يجهر فيها الإمام أصلاً حتّى يفرغ.

ص: 502


1- الأعراف : 204.
2- الفقيه 1 : 256 / 1160 وسائل الشيعة 8 : 355 أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 3.
3- السرائر 3 : 585.
4- من المصدر : ( القرآن ).
5- تهذيب الأحكام 3 : 35 / 124 ، وسائل الشيعة 6 : 126 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 12.

فإن قلت : ذلك مخصوص بالقراءة.

قلت : الفرق بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين شاذّ ، بل الظاهر أنه حادث في عصرنا ولا دليل عليه أصلاً ، كما سيجي ء بيانه إن شاء الله تعالى ، ولا فارق بين أخيرتي الظهرين وغيرهما.

ومنها : صحيحة ابن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه السلام : عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام ، أقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس (1) ، فإن ظاهره أن هناك ركعتين معهودتين لا يعهد فيهما للإمام بالجهر ، وإنما حملنا الصمت فيهما على الإخفات للنصّ (2) والإجماع على وجوب القراءة له في الأُوليين ، والقراءة والتسبيح في الأخيرتين.

قال الشيخ حسين : ( الركعتان اللتان يصمت فيهما يبعد حملهما على الأُوليين ؛ لأنه لا يستمر على الصمت فيهما ؛ لأنهما يكونان جهريّتين تارة وإخفاتيّتين اخرى. مع أنه اشتمل على ما يؤيّد كونهما الأخيرتين ، وهو قراءة الحمد وحدها ، وهو وظيفة الأخيرتين ، ولا ينافيه قوله : «إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس»

؛ لأنه مخيّر بين القراءة والتسبيح ، فيحمل السكوت على ترك القراءة خاصّة دون التسبيح بقرينة المقابلة ) ، انتهى.

ويدلّ عليه قيام النصّ (3) والإجماع على عدم جواز سكوت المأموم في الأخيرتين بالكلّيّة ، ويحتمل ما هو أعمّ من الأخيرتين مطلقاً وأُوليي الظهرين ، ويحتمل اختصاصه بهما بقرينة الرخصة في السكوت بأن نحمله على ظاهره.

ومنها : صحيح أبي خديجة : عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه قال إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأُوليين ، وعلى الذين من خلفك أن يقولوا : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وهم قيام. فإذا كانوا في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة

ص: 503


1- تهذيب الأحكام 2 : 296 / 1192 ، وسائل الشيعة 8 : 358 - 359 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 13.
2- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 2. وسائل الشيعة 8 : 362 أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6.
3- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 2. وسائل الشيعة 8 : 362 أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6.

الكتاب ، وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين (1).

فإن المماثلة بإطلاق شاملة للكميّة والكيفيّة من الجهر أو الإخفات ، والمعلوم من حال المأموم أن حكمه الإخفات بالتسبيح في أُوليي الإمام إذا كان حكمه التسبيح وذلك في أُوليي الظهرين ، ويكون هذا الخبر فيه دلالة على عدم جواز قراءة المأموم في أُوليي الإمام.

والتفريع في قوله فإذا كانوا ، يشعر بأنهم غير مسبوقين ، واحتمل بعض أجلّة المعاصرين في قوله فإذا كانوا أنه بيان لحكم المسبوقين بركعتين ، وهو بعيد مع أنه لا يخرج الحديث عن دلالة ظاهره على أن حكم الإمام أن يسبّح في الأخيرتين إخفاتاً كما هو ظاهر مع إطلاق المماثلة بينه وبين ما المعهود منه الإخفات به بلا خلاف وإن كان على وجه الأفضليّة.

ومنها : خبر بكر بن محمّد : عن الصادق عليه السلام : أنه قال إني لأكره لكم أن يصلّي الرجل خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها فيقوم كأنه حمار.

قلت : فيصنع ماذا؟ قال يسبّح (2).

والتقريب ما تقدّم في أوّل الأخبار ، حيث إنه أثبت صلاة لا جهر فيها أصلاً ، ويحتمل إرادة الأُوليين وإن كان خلاف ظاهره.

ومنها : ما نقله الشيخ حسين عن ( الذكرى ) (3) و ( المعتبر ) (4) و ( المنتهى ) (5) من الخبر النبويّ أن رسول الله صلى الله عليه وآله : كان يجهر في صلاة الغداة وأُوليي العشاءين ، ويخفت في ما عدا ذلك. وهو صريح في المطلوب. وتخصيصه بما إذا قرأ دون ما إذا سبّح دعوى بلا دليل مع مخالفته لصريحة ، وخرج ما سوى الأخيرتين وثالثة

ص: 504


1- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 800 ، وسائل الشيعة 8 : 362 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6 وفيهما : « كان » بدل : « كانوا ».
2- تهذيب الأحكام 3 : 276 / 806 ، وسائل الشيعة 8 : 360 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 1 ، بتفاوتٍ يسير في الجميع.
3- الذكرى : 189 ( حجريّ ).
4- المعتبر 2 : 176.
5- منتهى المطلب 1 : 277 ( حجري ).

[ المغرب (1) ] بدليل الإجماع والنصّ (2).

ومنها : صحيحة صفوان : قال : ( صلّيت خلف أبي عبد الله عليه السلام ، أيّاماً ، فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ب- ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ب- ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وأخفى ما سوى ذلك ) (3).

وظاهره بعمومه شامل للتسبيح في الأخيرتين وثالثة المغرب ، ولا ريب أنه سبّح في حال (4).

ومنها : ما اشتهر بين الأُمّة من قوله صلى الله عليه وآله صلاة النهار عجماء (5) ، فإن إطلاقه شامل للتسبيح ، ولا فارق بين أخيرتي صلاة النهار والليل.

ومنها : صحيحة الحلبي : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أم لم تسمع ، إلّا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ خلفه (6).

ومثلها حسنته (7) تشعر بأن هناك صلاة لا يجهر فيها بالقراءة مطلقاً ، ولا دليل على الفرق بين التسبيح والقراءة ، ولا بين أخيرتي الإخفاتيّة والجهريّة.

ومنها : صحيح زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال إن كنت خلف إمام فلا تقرأن في الأُوليين شيئاً وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئاً في الأخيرتين. فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين ( وَإِذا

ص: 505


1- في المخطوط : ( الظهرين ).
2- انظر وسائل الشيعة 6 : 82 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 25.
3- تهذيب الأحكام 2 : 68 / 246 ، الإستبصار 1 : 310 - 311 / 1154 ، وسائل الشيعة 6 : 57 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 11 ، ح 1.
4- كذا في المخطوط.
5- بحار الأنوار 3 : 133 ، بحار الأنوار 82 : 202.
6- الفقيه 1 : 255 / 1156 ، وفيه : « أو » بدل : « أم » ، وسائل الشيعة 8 : 355 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 1 ، ولم يرد فيهما : « خلفه ».
7- الكافي 3 : 377 / 2 ، وسائل الشيعة 8 : 358 أبواب صلاة الجماعة ، ب 1 ، ح 12.

قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعني في الفريضة خلف الإمام ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) (1) الآية والأخيرتان تبع الأُوليين (2).

فقد أمره بالإنصات لقراءته في الأُوليين ، ونهاه عن القراءة في الأخيرتين ، ولم يأمره بالإنصات للإمام ، وهو مشعر بإخفات الإمام ، بلا فرق بين تسبيحه وقراءته فيهما ، وهو يدلّ على أرجحيّة التسبيح للمأموم.

ومنها : صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن الصلاة خلف الإمام ، أقرأ خلفه؟ قال أمّا الصلاة التي لا يجهر فيها فإن القراءة جعلت إليه فلا تقرأ خلفه ، وأمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما أُمر بالجهر لينصت مَنْ خلفه (3).

فقد دلّ على أن هناك صلاة لا جهر فيها أصلاً بتقريب ما سبق ، ولا فارق بين أخيرتي الجهريّة والإخفاتيّة ، والخبر كالفتوى لم يفرّق بين القراءة والتسبيح. ورواها عنه أيضاً في ( العلل ) (4) بطريق صحيح على ما في ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين.

ومنها : صحيح سليمان بن خالد : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : [ أيقرأ (5) ] الرجل في الأُولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإمام (6).

وهو بإطلاقه شامل للأخيرتين ، ولا فرق بينهما وبين أخيرتي غيرهما ، وظاهره أن الإمام يخافت فيهما بالقراءة ، وإنما علم المأموم أنه يقرأ بغير طريق سماعه القراءة ، ولا فرق بين القراءة والتسبيح.

ومنها : صحيح الحلبي (7) : عن أبي عبد الله عليه السلام : أيضاً مثل صحيحه الأوّل (8) ،

ص: 506


1- الأعراف : 204.
2- الفقيه 1 : 256 / 1160 ، وسائل الشيعة 8 : 355 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 3.
3- الكافي 3 : 377 / 1 ، تهذيب الأحكام 3 : 32 / 114 ، الإستبصار 1 : 427 - 428 / 1649 ، وسائل الشيعة 8 : 356 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 5.
4- علل الشرائع 2 : 20 / 1.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( ما يقرأ ).
6- تهذيب الأحكام 3 : 33 / 119 ، الإستبصار 1 : 428 / 1654 ، وسائل الشيعة 8 : 357 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 8.
7- تهذيب الأحكام 3 : 34 / 121.
8- الفقيه 1 : 255 / 1156 ، وسائل الشيعة 8 : 355 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 1.

وصحيح بكر بن محمّد (1) : أيضاً عن أبي عبد الله عليه السلام : مثل حديثه الأوّل (2) ، وصحيحه أيضاً عنه عليه السلام مثله (3).

ومنها : قويّة أبي بصير : قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه السلام ، فلمّا كان في آخر تشهّده رفع صوته حتّى أسمعنا ، فلمّا انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهّده من خلفه. قال نعم (4).

فإن فحواه ، بل ظاهره أنه عليه السلام أخفت بجميع صلاته ، وإنما جهر بالتشهّد أو بالتشهّد الأخير أو بآخر تشهّده.

قال الشيخ علي المقابي : ( وكيف كان ، فالخبر ظاهر ، بل صريح في أنه عليه السلام قبل تشهّده الأخير أو قبل آخر تشهّد لم يسمعهم شيئاً ، ويلزم من ذلك أنه لم يجهر ، وكون هذا الكلام ممّا يدلّ صريحاً على أنه عليه السلام قبل ذلك لم يسمعهم ممّا لا يحتمله الريب ؛ لأنه أمر جليّ متبادر لمن له أدنى معرفة بأساليب كلام الفصحاء ، فيكون مفاد الخبر أنه عليه السلام قَبلُ لم يُسمعهم شيئاً ، والجهر لازم للإسماع ) ، انتهى.

فهذه الأخبار وأمثالها دليل على وجوب الإخفات للإمام والمنفرد في الأخيرتين ، وحكم المأموم معلوم. وهذا كلّه ، مضافاً إلى أن الإخفات فيهما مطلقاً قرأ أو سبّح المصلّي هو المعروف من المذهب فتوًى وعملاً في سائر الأزمان والأصقاع. وهذا كلّه ، مضافاً إلى ما ادّعاه ابن زهرة في ( الغنية ) من الإجماع قال : ( ويجب الجهر بجميع القراءة في أوليي المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة بدليل الإجماع .. ويجب الإخفات في ما عدا ما ذكرناه بدليل الإجماع المشار إليه ) (5).

وقال في ( المدارك ) في شرح قول المحقّق : ( ويجب الجهر بالحمد والسورة في

ص: 507


1- الفقيه 1 : 256 / 1161 ، وسائل الشيعة 8 : 360 أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 1.
2- تهذيب الأحكام 3 : 276 / 806 ، وسائل الشيعة 8 : 360 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 1.
3- قرب الإسناد : 37 / 120.
4- تهذيب الأحكام 2 : 102 / 382 ، وسائل الشيعة 6 : 401 ، أبواب التشهّد ، ب 6 ، ح 3.
5- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 4 : 547.

الصبح وفي الأُوليين من المغرب والعشاء ، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب والأخيرتين من العشاء ) (1) - : ( هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل فيه الشيخ في ( الخلاف ) (2) الإجماع ) (3) ، انتهى.

ودعوى الشيخ الإجماع على ذلك في ( الخلاف ) قد استفاض النقل به عنه جدّاً.

وقال الشيخ علي ابن الشيخ محمّد المقابي : في رسالته المعمولة في المسألة : ( المشهور بين علمائنا قديماً وحديثاً وجوب الجهر على المصلّي مطلقاً إماماً كان أو منفرداً في الصبح وأُوليي العشاءين ، والإخفات في البواقي ، فلو عكس عامداً بطلت صلاته ، بل نقل الشيخ في ( الخلاف ) (4) عليه الإجماع. ومثله ابن إدريس في سرائره حيث قال : ( لا خلاف في عدم جواز الجهر في الإخفاتيّة ) (5). وقال في موضع آخر : ( الجهر فيما يجب الجهر فيه واجب على الصحيح من المذهب ) (6) ). ثمّ نقل خلاف المرتضى.

وقال العلّامة : في ( التذكرة ) : ( يجب الجهر في صلاة الصبح وأُوليي المغرب ، وأُوليي العشاء ، والإخفات في الظهرين وثالثة المغرب وأخيرتي العشاء عند علمائنا أجمع ) (7) ، انتهى. وهذا ينافي ما سيأتي من نسبة القول بجواز الجهر بالتسبيح للتذكرة في كلام الشيخ حسين : ولابن إدريس أيضاً ، والإجماع المنقول لا يقصر عن الخبر الصحيح إن لم نقل : إنه أرجح منه ؛ لما فيه من تطرّق الاحتمال بخلاف الإجماع.

وممّا يزيدك بياناً المرسل المشهور بين العصابة شهرة أكيدة مع اعتضاده بعمل المشهور قديماً وحديثاً به ، وأورده المحقّق : في ( المعتبر ) (8) والشهيد : في ( الذكرى ) (9) وشرّاح ( الجعفرية ) والعلّامة : في ( المنتهى ) (10) و ( التذكرة ) (11) وغيرهم ، بل استفاض

ص: 508


1- شرائع الإسلام 1 : 72.
2- الخلاف 1 : 331 / المسألة : 83.
3- مدارك الأحكام 3 : 356.
4- الخلاف 1 : 372 / المسألة : 130.
5- السرائر 1 : 218.
6- السرائر 1 : 223.
7- تذكرة الفقهاء 3 : 151 / المسألة : 236 ، وفيها ( عند أكثر علمائنا ).
8- المعتبر 2 : 176.
9- الذكرى : 189 ( حجريّ ).
10- منتهى المطلب 1 : 277.
11- تذكرة الفقهاء 3 : 151 / المسألة : 236.

نقله ، وكلّ من رواه نقله على سبيل القطع والجزم به.

فهو يدلّ بظاهره على دعوى استفاضته ، بل تواتره ، وهو أن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم كانوا يجهرون في الصبح وأُوليي المغرب والعشاء ، ويسرّون في البواقي ، إلّا إن بعض نقلته يقتصر على نقل ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، وبعضهم ينقله عنه وعن جميع أهل البيت عليهم السلام (1) ، وبعضهم يصرّح بأن ذلك دأبهم في العمل وأنهم مداومون على ذلك مدّة حياتهم ، كبعض شرّاح ( الجعفرية ).

وعن العلّامة : في ( التذكرة ) أنه قال بعد أن نقل عن المرتضى القول بالاستحباب - : ( وهو غلط ؛ لمصادمته الإجماع ، ومداومة النبيّ صلى الله عليه وآله : والصحابة والأئمّة عليهم السلام ، فلو كان مسنوناً لأخلّوا به في بعض الأحيان ) (2) ، انتهى.

والأخبار المعلّلة للجهر والإخفات تدلّ على أن هذا المرسل حقّ.

وهذه الأخبار مع عمل المشهور به واستفاضة نقل الإجماع تخرج هذا الخبر عن حيّز الإرسال خصوصاً مع جزم ناقلية به ، فهو إذن أقوى من مسند صحيح بلا تأمّل. وهو مع ما استفاض بين الأُمّة أنه صلى الله عليه وآله قال صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (3) ، يدلّ على ما هو المشهور من وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقاً. على أنا لا نحتاج في دلالة الأوّل على الحكم إلى ضمّ الخبر الأخير إليه ؛ لأنه قد نقل جماعة الإجماع على أن الأصل في فعله في العبادات الوجوب خصوصاً في الصلاة ، كما في ( الفوائد الحائرية ) (4) وغيره من كتب الأُصول ، خصوصاً وقد صلّى في محلّ البيان.

وبعد هذا فلا شبهة في وجوب الإخفات فيهما ، مع أنه الأحوط ؛ إذ لم يقل أحد فيما علمنا بوجوب الجهر فيهما مطلقاً ، وإنما حدث القول به من بعض من قارب

ص: 509


1- وسائل الشيعة 6 : 82 - 86 أبواب القراءة ، ب 25.
2- تذكرة الفقهاء 3 : 152 / المسألة : 236 ، وفيه ( للإجماع ) بدل : ( لمصادمته الإجماع ).
3- عوالي اللآلي 1 : 198 / 8 ، السنن الكبرى 2 : 487 / 3856.
4- الفوائد الطوسيّة : 316 / الفائدة : 32.

عصره زماننا جدّاً (1). وبهذا يعلم أنه باطل ؛ إذ لو كان حقّا للزم خلوّ الأرض من قائل بالحقّ ، وهو باطل بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل القول بخلوّ الأرض من قائل بالحقّ يؤدّي إلى إنكار وجود الحجّة ، ولسنا مكلّفين إلّا بما علمنا ، فإمكان وجود قائل لا نعلمه ولا يعلمه من وقفنا على كلامه في المسألة مع اختلاف أعصارهم وأمصارهم لا يصادم تحقّق الإجماع على عدم القول بالوجوب ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان.

وقد خصّ بعض المعاصرين المرسل المذكور بالقراءة دون التسبيح ، وهو تخصيص بلا دليل ، بل لا ينبغي الارتياب في وقوع التسبيح من النبيّ صلى الله عليه وآله : والأئمّة عليهم السلام مطلقاً ، سواء كانوا أئمّة أو منفردين ، ولأنه الفرد الأكمل من الفردين.

وممّا يدلّ على أن النبيّ صلى الله عليه وآله : سبّح في أخيرتيه ما جاءت به الأخبار المعلّلة للتسبيح في الأخيرتين من الرباعيّة وثالثة المغرب أنه فعل ذلك لِمَا رأى من عظمة الله تعالى فسبّح (2) ، بل ظاهره مواظبته صلى الله عليه وآله عليه ، بل جزم بعض الأفاضل بمواظبته صلى الله عليه وآله على التسبيح ، مضافاً إلى جزمه بمواظبته على الإخفات في ذلك ، وجعله دليلاً على مساواة التسبيح لحكم القراءة.

وبما قرّرناه يجب ألّا يلتفت إلى إنكار بعض أجلّة أهل البحرين لذلك الخبر قائلاً : ( إنه غير ثابت من طرق الأصحاب ، وإنما هو من طرق العامّة ، فلا ينهض حجّة ). وهذا منه في غاية الغرابة بعد وقوفه عليه في كتب هؤلاء الأفاضل من رؤساء الفرقة جازمين به ، بل استفاض نقله بين العصابة على سبيل البتّ ، واشتهرت روايته بينهم كذلك ، بحيث لا يكاد ينكر ، بل كلّ من بحث في المسألة سلّمه ، والسبر شاهد. وعدم وجوده مسنداً في كتب أصحابنا لا يوجب إنكار روايته من طرقهم واختصاص العامّة بروايته ، بل الظاهر اتّفاق الأُمّة على روايته ، فلا ينبغي الارتياب

ص: 510


1- رياض المسائل 2 : 308 ، مستند الشيعة 5 : 161.
2- الفقيه 1 : 202 - 203 / 925 ، وسائل الشيعة 6 : 123 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 3.

فيه بوجه ، وهو من أوضح الأدلّة في المسألة. وعلى ما قرّرناه لا يبقى حديث في المسألة يوهم خلافه يقوى على معارضته ومقاومته.

وما أجاب به الشيخ علي المقابي : عن قوله صلى الله عليه وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلي (1) من منع كون الأمر للوجوب ، ظاهر الضعف. وتحقيق كونه للوجوب في كتب الأُصول ، على أن هذا بناء منه على أن دلالة المرسل المذكور على وجوب الإخفات في الأخيرتين مطلقا مفتقر إلى ضمّ قوله صلى الله عليه وآله صلّوا كما رأيتموني أصلي.

وقد نبّهناك على أنه غير مفتقر لذلك ؛ لأن فعله حجّة كقوله ، خصوصاً البياني ، خصوصاً في العبادات ، خصوصاً في الصلاة ، وأن الأصل في فعله فيما علم منه التقرّب به خصوصاً الصلاة الوجوب ، وقد نقل عليه الإجماع غير واحد.

وقال الشيخ حسن الدمستاني : ( وأمّا الاستدلال على وجوب الجهر والإخفات في محالّهما بأن ذلك واجب على الرسول صلى الله عليه وآله : فيجب علينا لقوله صلّوا كما رأيتموني أصلّي ، فضعيف ). وأطال العبارة في توجيه الضعف بمنع دخول الأقوال وكيفيّاتها في جملة المأمور به في الخبر ، وإن ذلك يلزم منه تكليف ما لا يطاق ؛ لاستحالة الإتيان بمثل كيفيّة ألفاظه من كلّ وجه ، حتّى في الشدّة والضعف ومقدار الجهر والإخفات.

وقد أكثر الحزّ وأخطأ المفصل ، وأغنانا عن ردّ كلامه بتسليمه أن ذلك واجب على الرسول ؛ إذ لا قائل بأن ذلك من خواصّه صلى الله عليه وآله. والبرهان من السبل الثلاثة قائم على أنه لا يكلّف بالمحال ، وقد فهم منه هذا الشيخ ما لم يفهمه أحد قبله من أرباب النفوس القدسيّة. وناهيك بها أمارة على خطأ فهمه ، عاملنا الله وإيّاه بعفوه.

القول بأن الجهر مع القراءة والإخفات مع التسبيح والدليل عليه

وذهب بعض أجلّة المعاصرين من علماء البحرين إلى أن الإمام والمنفرد والمأموم إن قرؤوا وجب الإخفات ، وإن سبّحوا وجب على الإمام الجهر بالتسبيح ،

ص: 511


1- عوالي اللآلي 1 : 198 / 8 ، السنن الكبرى 2 : 487 / 3856.

وتخيّر المنفرد بين الجهر والإخفات ، ووجب الإخفات على المأموم.

واستدلّ على وجوب الإخفات على مَن قرأ بجملة من الأخبار المتقدّمة ، وخصّها كلّها بعد تسليمه دلالتها عل وجوب الإخفات ، إماماً كان المصلّي أم مأموماً أم منفرداً بما إذا قرأ المصلّي دون ما إذا سبّح ، وهو تخصيص بلا دليل ، وفرق من غير فارق.

قال رحمه الله بعد أن استدلّ على وجوب الإخفات فيما إذا قرأ المصلّي بجملة من الأخبار الدالّة على وجوب الإخفات مطلقاً ، وخصّها من غير مخصّص بمن قرأ دون من سبّح - : بقي الكلام على التسبيح في الأخيرتين حيث لا دخول له في حكم القراءة ؛ لأنه بدل تخييري إلّا إنه من الأذكار ، فحقّه أن يكون المصلّي فيه بالخيار كالقنوت والتشهّد وأذكار الركوع والسجود وإن ترجّح للإمام الجهر به وللمأموم الإخفات به ، والمنفرد فيه باقٍ على الخيار ، إلّا إن هذا الرجحان الثابت فيه للإمام محتمل للوجوب والاستحباب ، فلا تبرأ ذمّة الإمام إلّا بفعله ، كما تدلّ عليه موثّقة أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ينبغي للإمام أن يسمع مَنْ خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي للمأموم أن يسمع الإمام شيئاً ممّا يقول (1).

وذلك أمارة الوجوب للإمام والمأموم ؛ لأنهما وردا في موثّقة أبي بصير على وتيرة واحدة بعبارة مشتركة بين الوجوب والاستحباب في الإمام ، وبين الكراهة والتحريم في المأموم.

ويدلّ عليه أيضاً ظاهر صحيحة محمّد بن قيس : التي فيها كان عليّ عليه السلام ، يقرأ في أُوليي الظهر سرّاً ويسبّح في الأخيرتين على نحو من صلاة العشاء ، وكان يقرأ في أُوليي العصر سرّاً ويسبّح في الأخيرتين على نحو من صلاة العشاء (2).

فإن ظاهرها أنه عليه السلام كان مستمرّاً على الجهر بالتسبيح في الأخيرتين من الظهرين

ص: 512


1- تهذيب الأحكام 2 : 102 / 383 ، وسائل الشيعة 6 : 401 ، أبواب التشهّد ، ب 6 ، ح 2 ، باختلاف.
2- تهذيب الأحكام 2 : 97 / 362 ، وسائل الشيعة 6 : 125 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 9. بالمعنى.

كما كان مستمرّاً على الإخفات بالقراءة في كلّ من الأُوليين في الظهر والعصر بقرينة المقابلة ، وإحالة التسبيح فيهما على صلاة العشاء التي هي من الجهريّة ، ولا يمكن نسبة الإخفات إلى صلاة العشاء باعتبار آخريّتها ؛ لأنها من الصلاة الجهريّة ، ولا تحال صلاة الإخفاتيّة عليها ، بل ينبغي العكس.

وكذا ليس المراد بالإحالة عليها في أصل التسبيح في الأخيرتين ؛ إذ لا خصوصيّة للعشاء به ، بل الصلوات كلّها فيه على حدّ سواء ، فلا إحالة على العشاء في هذا الصحيح لأمر سوى الجهر به كما فهمه محمّد تقي : في ( شرح الفقيه ) (1) ، وتبعه ابنه في ( شرح التهذيب ) (2).

ومن العجب ما وقع للشيخ عبد الله بن صالح : في ( أجوبة المسائل المحمّديّة ) (3) ، حيث استدلّ بهذا الصحيح على وجوب الإخفات في التسبيح.

والذي حمل هؤلاء على التزام الإخفات اشتهاره بين الطائفة لبدليّته عن القراءة ، والقراءة إخفاتيّة لما ذكرناه من الأدلّة. وهو من القياس الصرف ، وليس من مذهبنا الاستدلال به ، مع أن هذا الدليل يستلزم كون القراءة هي الأصل في الأخيرتين والتسبيح بدلاً عنها.

وقد قدّمنا لك من الأخبار البالغة حدّ الاشتهار أن التسبيح هو الأصل ؛ للفرق بين ما فرضه الله على العباد وبين ما فرضه رسوله صلى الله عليه وآله لأمرٍ منه ، ولأن التسبيح في الأخيرتين إنما فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله ، لِمَا ذكر ممّا أدركه من عظمة ربّه في صلاة المعراج (4) فسبّحه تنزيهاً لذاته ، كما دلّت عليه تلك الصحاح أيضاً.

وأمّا ما ادّعاه شهيد ( الذكرى ) (5) من دلالة بعض العمومات عليه فلم نقف عليه

ص: 513


1- روضة المتقين 2 : 309.
2- ملاذ الأخيار 3 : 584 - 585.
3- عنه في الفرحة الأُنسية 2 : 80.
4- الفقيه 1 : 202 - 203 / 925 ، وسائل الشيعة 6 : 123 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 3.
5- الذكرى : 189 ( حجريّ ).

في أخبارنا ؛ فإن أراد به ما جاء عنهم عليهم السلام من أن صلاة النهار عجماء ، وصلاة الليل جهر (1) ، وأن السنّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل بالجهر (2) ، فيشمل القراءة والتسبيح ، فليس بنافع ؛ لأن عموم هذه الأخبار إنما يدلّ على أن التسبيح في صلاة الليل جهر ، وفي صلاة النهار إخفات ، وهم لا يلتزمونه. وإن أراد به ما ذكره المحقّق في ( المعتبر ) (3) وعلّامة ( المنتهى ) (4) وهو نفسه في ( الذكرى ) (5) من الخبر النبويّ المتقدّم من أن رسول الله صلى الله عليه وآله : كان يجهر في صلاة الغداة وأُوليي العشاءين ويخفت في ما عداها ، فليس بنافع أيضاً ، لأنه مختصّ بالقراءة ولا يمكن التزام عمومه في سائر الأذكار ؛ لأنه يؤدّي إلى سقوط رجحان الجهر للإمام في أذكار الصلاة كلّها جهريّة وإخفاتيّة ، ومسقط للتخيير للمنفرد لكون الأذكار تابعة للقراءة على التقدير الأوّل ، أو إنها كلّها إخفات لهذا الحديث الثاني ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله : أخفت في ما عدا هذه الركعات الشاملة للقراءة والأذكار ، ولا قائل به.

وقد عرفت أن قوله في صحيح أبي خديجة : كما يسبّح القوم (6) إشارة إلى الكيفيّة ، وهي كون التسبيحات الأربع على هذا النحو المذكور من الترتيب والهيئة المذكورة.

وبالجملة ، فهذه الأخبار لا دلالة فيها على ما ادّعي من الإخفات بالتسبيح في الأخيرتين ، ومن ثمّ عدل عن هذا الحكم ابن إدريس : في سرائره (7) والعلّامة : في ( التذكرة ) (8) وأحمد بن فهد : في مهذّبه (9) ، ومجرّد الشهرة غير كافٍ في الاستدلال.

ص: 514


1- بحار الأنوار 82 : 202 / 15.
2- تهذيب الأحكام 2 : 289 / 1161.
3- المعتبر 2 : 176.
4- منتهى المطلب 1 : 277.
5- الذكرى : 189.
6- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 800 ، وسائل الشيعة 8 : 362 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6 ، وفيهما : « مثل ما » بدل : « كما ».
7- السرائر 1 : 222.
8- تذكرة الفقهاء 3 : 145 / المسألة : 229.
9- المهذّب البارع 1 : 377 - 378 ، وفيه : ( وهل يجب الإخفات فيه؟ قال الشهيد : نعم. وبعدمه قال ابن إدريس ).

إلّا إن الأولى في سلوك طريق الاحتياط هو أن يكون الإمام في الأخيرتين مرجّحاً للقراءة لتحصل له السلامة والخروج من عهدة هذا الخلاف وإن فاتته فضيلة التسبيح ؛ لما فيه من خطر الجهر والإخفات اللذين هما مظنّة البطلان والوقوع في محذور عدم القطع بصحّة الصلاة ، فهو في تردّد وحرج ؛ لعدم تيقّنه سلامة ذلك المنهج ) ، انتهى كلام خاتمة الحفّاظ المحدّثين الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ).

ولم يذكر دليلاً على تخيّر المنفرد لو سبّح إلّا أنه ذِكرٌ من الأذكار ، والأذكار يتخيّر فيها. ونحن نمنع كلّيّةً كبراه ، وسنده ما علمت ممّا قدّمناه وغيره ، ونطالبه بدليل كلّيّتها.

ثمّ أقول وبالله المستعان - : أمّا تخصيص إطلاقات تلك الأخبار وعموماتها بمن قرأ دون من سبّح فلا دليل عليه ، ولا ريب في أن المطلق والعامّ حجّة في جميع ما يتناوله من الأفراد. وإذا كان التسبيح بدلاً تخييريّاً من القراءة وقد ثبت وجوب الإخفات بأحد فردي الواجب التخييري ، ولم يظهر نصّ من الشارع على إخراج الفرد الثاني عن حكم مبدله ، وقد ثبت أن العبادات كيفيّات متلقّاة ظهر أن الشارع قد أحال حكمه على حكم بدله.

هذا إن سلّمنا عدم الدلالة على تساويهما في تلك الكيفيّة ، وقد سمعت الدلالة على ذلك. ولو قلنا : إنه لا دلالة فيما ذكرناه على ذلك ، لزم إهمال بيان كيفيّة التسبيح في غير الأُوليين ، مع إيجاب اتّباع الكيفيّة المتلقّاة في العبادات ، خصوصاً الصلاة ، مع أن الشارع بيّن كيفيّة جميع أجزائها واجباً ومندوباً ، فمحال أن يترك هذا الواجب ولم يبيّن وجوب الإخفات به أو الجهر أو التخيير. كيف يمكن أن يقال : لم يبيّن كيفيّته مع أنه بحسب الظاهر أفضل الفردين مطلقاً ، وهو قد استعمله البتّة ، والكيفيّة التي استعمله بها يجب اتّباعها ، ولا يجوز مفارقتها على حال ؛ لأن غيرها لم يأتِ من عند الله عزّ اسمه؟

وبيان كيفيّات الصلاة ممّا يعمّ به البلوى فلا يجوز إهماله في الشريعة ، والكيفيّة التي أتى بها الشارع فعلاً أو قولاً لا بدّ أن يتناقلها الشيعة جيلاً فجيلاً ، فدلّ هذا على أن الكيفيّة التي عليها عمل العصابة جيلاً فجيلاً ، المعروفة بينهم هي التي كان

ص: 515

يستعملها الشارع ، كما أنك تجزم بنسبة ما عليه معظم الشافعيّة في سائر الأعصار والأمصار إلى رئيسهم محمّد بن إدريس.

وبهذا يتبيّن لك أن المنفرد ليس فيه بالخيار كسائر الأذكار ، حتّى يقوم دليل عليه تصدق به كلّيّة الشيخ حسين ، ولم نقف عليه.

وأيضاً إذا سلّم بدليّته عن القراءة لزمه أن يحكم فيه بحكم مبدله ، كما نسبه هو إلى جميع من أوجب الإخفات به ، وهم معظم الفرقة.

وفي حكمه رحمه الله تعالى بوجوب الجهر به على الإمام والإخفات على المأموم إخراجٌ له عن حكم سائر الأذكار ، كأذكار الركوع والسجود والتشهّد وغيرها ، ممّا قام الدليل على جواز الجهر والإخفات به ، فليس هو إذن كأحدها.

وأمّا إنه لا تبرأ ذمّة الإمام بيقين إلّا بالجهر به ولا ذمّة المأموم بيقين إلّا بالإخفات به ؛ لاحتمال الوجوب والاستحباب في حقّ الإمام والكراهية والتحريم في حقّ المأموم ، فبناء منه على ما لا دليل عليه من دوران حكم الإمام بين الاستحباب والوجوب ، والمأموم بين الكراهة والتحريم.

وغير خفيّ أن يقين البراءة إنما هو في الإخفات لهما ؛ لانحصار الحكم بين الفرقة في سائر الأعصار والأمصار في جواز الجهر به مطلقاً ، ووجوب الإخفات مطلقاً ، واستحبّ بعض القائلين بالجواز الجهر به للإمام (1).

فالاحتياط ويقين البراءة لا [ يحصلان (2) ] إلّا بالإخفات به مطلقاً ، حيث لا نعلم قائلاً بالوجوب قبل حدوث هذا القول من الشيخ المذكور وبعض أعمامه وأبيه الشيخ محمّد ، بل ظاهر كلام الشيخ محمّد : والد الشيخ حسين : المذكور وجوب الجهر للإمام بجميع أذكار الصلاة عدا الستّ الافتتاحيات (3) ؛ لخبر أبي بصير

ص: 516


1- سداد العباد : 170 - 171 ، الفرحة الأُنسية 2 : 79.
2- في المخطوط : ( يحصل ).
3- انظر وسائل الشيعة 6 : 33 ، أبواب تكبيرة الإحرام ، ب 12.

المذكور (1) ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

وأمّا الاستدلال على أن حكم الإمام دائر بين الوجوب والاستحباب ، والمأموم بين الكراهة والتحريم ، بموثّقة أبي بصير المذكورة (2) حيث إنها اشتملت على لفظ ينبغي للإمام .. ولا ينبغي للمأموم ، وهو لفظ مشترك بين الوجوب والندب ، لوروده مستعملا فيهما ، فنفيه مشترك بين الكراهية والتحريم ففيه أن لفظ ينبغي لا نعرف أحداً ممّن علمناه قبل الشيخ عبد علي : عمّ الشيخ حسين : المذكور - [ فهم ] من معنى ينبغي إلّا الرجحان الذي لا يبلغ حدّ الوجوب. واستعمال الشارع له في الوجوب بقرينة لا يدلّ على أنه حقيقة شرعيّة ولا عرفيّة ولا لغويّة فيه ، بل ظاهر اللغة والعرف العامّ أنه حقيقة في الرجحان كما قلنا.

والنقل عنه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ، والشارع لا يخاطب الناس إلّا بما يعرفون ، بل أمروا عليهم السلام نوّابهم بأن يخاطبوا الناس بما يعرفون ويذروهم بما لا يعرفون ، فلو أرادوا عليهم سلام الله من لفظ معنى لا يعرفه المخاطب فلا بدّ أن يبيّنوا له المراد ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان. ومتى أطلقوا القول ولم يدلّوا على معنى غير ظاهره وما يفهمه المخاطب منه ، فلا بدّ أن يريدوا منه ما يفهمه المخاطب بمقتضى أدلّة العدل.

ولو سلّمنا أن « ينبغي » مشترك بين الوجوب والاستحباب شرعاً حتّى يكون لا ينبغي مشتركاً بين الكراهة والتحريم ، وأطلق القول كما في هذا الموثّق بلا قرينة تعيّن أحد الحقيقتين وجب حمله على القدر المتيقّن ، وهو المعنى المشترك بين الحقيقتين أعني : مطلق الرجحان وهو لا يدلّ على أكثر من الاستحباب ؛ لأنه المتيقّن ، وإلّا لزم الإغراء بالجهل ، أو التكليف بالمجهول ، وهو تكليف بما لا يطاق.

هذا مع أنه محال أن يطلق الشارع في حال التكليف لفظاً له معنيان حقيقيّان ولا

ص: 517


1- تهذيب الأحكام 2 : 102 / 383 ، وسائل الشيعة 6 : 401 ، أبواب التشهّد ، ب 6 ، ح 2.
2- المصدر نفسه.

يبيّن المراد منهما مع تباين الحقيقتين ؛ لأن أحدهما غير مراد البتّة. والتكليف قبل البيان محال ، فظهر بطلان قوله بأن يقين البراءة إنما يحصل بالجهر به ؛ لأنه ربّما كان المراد الندب ، فاعتقاد أنه واجب والإفتاء به حينئذٍ مع قيام الاحتمال وإجمال المقال ربّما أدّى إلى الإدخال في الشريعة ما ليس منها.

وبالجملة ، إذا قيل : إنه حقيقة في الوجوب والندب وجب أن يردف بقرينة تعيّن المراد ، ومتى سلّمنا أنه أطلق في مقام بلا قرينة تُعيّن المراد وجب القول بأنه ليس له إلّا حقيقة واحدة يجب صرفه إليها مع الإطلاق ، وإلّا لزم القول بوقوع التكليف قبل البيان ، وهو محال لما يلزمه من التكليف بالمحال.

وإن التزمنا إردافه بقرينة لزم أنه مجاز ، وأنه لا يستعمل إلّا مجازاً ، والشيخ حسين قد سلّم أنه في هذا الموثّق مستعمَل بلا قرينة تُعيّن أحد الأمرين ، فيلزمه أنه ليس حقيقة إلّا في أحدهما ، فأمّا أن يعرف موضوعه فيجب صرفه إليه وإن كان المفروض مستحيلاً لوجوب البيان ، وإلّا وجب صرفه إلى الاستحباب ؛ لأنه القدر المتيقّن.

ولو سلّمنا أنه حقيقة في الوجوب كما ذهب إليه الشيخ محمّد أبو الشيخ حسين ، وعدّى الحكم بوجوب الجهر على الإمام في جميع أذكار الصلاة ، عملاً بهذا الموثّق عدا الستّ الافتتاحيات ففيه بعد المنع بما سمعت أنه يعارض أيّ خبر من الأخبار المتقدّمة ، خصوصاً المرسل [ الذي (1) ] اشتهرت روايته والعمل به بين الفرقة اشتهار الشمس في رابعة النهار ، وقد أُمرنا بالعمل بما اشتهر. [ والإجماع (2) ] المنقول في كلام جمع حتّى كاد أن يستفيض على وجوب الإخفات (3) بالأخيرتين وثالثة العشاء مطلقاً. [ و (4) ] الإجماع المحقّق في سائر الأزمان والأصقاع على عدم وجوب الجهر في ذلك مطلقاً ، حتّى كاد أن يكون ضرورياً بين المسلمين قديماً وحديثاً. ولو أعرضنا عن ذلك كلّه فهذا الخبر عامّ.

ص: 518


1- في المخطوط : ( التي ).
2- في المخطوط : ( أم إجماع ).
3- شبه الجملة خبر للمبتدإ : ( والإجماع ).
4- في المخطوط : ( أم ).

فإمّا أن نعمل بعمومه فنطرد الحكم بوجوب الجهر على الإمام قرأ أم سبّح ، بل وفي جميع أذكار الصلاة ، أو نعمل بعموم تلك الأدلّة وإطلاقاتها فنوجب الإخفات عليه قرأ أم سبّح.

فإن قلنا : خرج ما سوى ذكر الأخيرتين وثالثة المغرب قراءة وتسبيحاً بدليل.

قلنا : إمّا أن نطرح تلك الأخبار والأدلّة ونعمل بهذا الموثّق قراءة وتسبيحاً ، أو نعمل بتلك الأدلّة ونطرح هذا الموثّق قراءة وتسبيحاً.

أمّا تخصيص تلك الأدلّة بالقراءة ، والموثّق بالتسبيح فحكم بلا دليل وجمع عليل ، وأيّ عليل؟ خصوصاً إذا قلنا بأن الجهر للإمام على سبيل الوجوب بمجرّد هذا الخبر الضعيف.

هذا كلّه مضافاً إلى أن الفقهاء قديماً وحديثاً إنما فهموا منه استحباب جهر الإمام بذكر الركوع والسجود والتشهّد وسائر الأذكار المستحبّة غير الستّ الافتتاحيات والتعوّذ وإخفات المأموم بذلك ، ولم يفهم منه أحد شمول التسبيح في الأخيرتين والثالثة ، ولا اختصاصه بذلك قبل أبناء الشيخ أحمد الدرازي على ما يشهد به التتبع ، وهم أصحاب النفوس القدسيّة ورؤساء الفرقة. ويجب على الباحث عن أحكام الشريعة إذا فهم من حديث معنًى أن يعرض فهمه على فهوم العلماء ورؤساء المذهب ، فإن وافق فهمه فهومهم حمد الله ، وإن خالف فهمه فهو مهم اتّهم نفسه واشتغل بإصلاح وجدانه ، ويستفرغ وسعه في الطلب والبحث ، ويجتهد في الدعاء والاستغفار ، ويسلك في سيره من الطريق التي نهجها له الشارع ، فحينئذ لا بدّ أن يهديه الله السبيل كما وعد ، ولا يبادر إلى تخطئة الوسائط والحكّام ، بل يقف وهو طالب باحث حتّى يأتيه الجواب من صاحب الأمر ، فإنه عليه الهداية لمستحقّها ، فإن زاد المؤمنون ردّهم ، وإن نقصوا أتمّه.

وبالجملة ، فلا دليل على تخصيص الموثّق بالتسبيح ، فما ذكروه بعمومه مدفوع بالنصوص المستفيضة والإجماعات المستفيضة في سائر الأذكار ، ولا على

ص: 519

تخصيص تلك الأخبار المتكثرة بالقراءة ، ومجرّد وجود هذا الموثّق لا يخصص تلك الأدلّة إن عملنا بها ، ولم يعرض عنها ونطرحها. وكما أن مجرّد وجودها لا يوجب تخصيص الموثّق بالتسبيح دون القراءة إن لم نطرحه ؛ فإمّا أن نطرحها أو نطرحه ، أو يوجد دليل يجمعهما. ولا دليل ، فيما علمنا ، وإلّا كان جمعاً وحكماً بمجرّد الرأي بلا دليل ، وهو غير مقبول.

وأمّا صحيح محمّد بن قيس (1) فظاهره الدلالة على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخافت بالتسبيح في الأخيرتين ؛ لأن التشبيه بصلاة العشاء ؛ إمّا باولييه أو أخيرتيه ، والظاهر أن الأوّل غير مراد ؛ إذ لا تسبيح فيهما لا لإمام ولا مأموم ولا منفرد حتّى يشبّه به تسبيحه في أخيرتي الظهرين.

والقول بأنه أراد تشبيه كيفيّة تسبيحه في أخيرتي الظهرين بكيفيّة قراءته في أوليي العشاء من الجهر خاصّة دون كيفيّة التسبيح لفظاً وعدداً وترتيباً مع إطلاق التشبيه ، فلا دليل عليه ، مع أنه خارج عن عبارات سائر الفصحاء ، فضلاً عن أبلغ البلغاء ، ومع ما قيّد من الإبهام على المخاطب من غير تقيّة في محلّ البيان ووقت الحاجة ، بل إطلاق التشبيه يجب حمله على المشابهة من كلّ وجه ، وذلك يستلزم بطلان إرادة الأوّل.

وأيضاً لو كان هو المراد كنّا نسأل القائل به عن النكتة في تخصيص أُوليي العشاء بالتشبيه دون المغرب والصبح مع تساوي الجميع في كيفيّة الجهر. وحيث لا نكتة ، لا يكون ذلك مراداً ؛ صوناً لكلام ينبوع البلاغة عن الالتحاق بسائر عبارات أضعف العوام ، فتعيّن إرادة الثاني ، وهو تشبيه تسبيحه في أخيرتي كلّ من الظهرين بتسبيحة في أخيرتي العشاء.

والنكتة في تخصيصه بالعشاء المساواة في العدد دون المغرب فهو أجلى

ص: 520


1- تهذيب الأحكام 2 : 97 / 362 ، وسائل الشيعة 6 : 125 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 9.

للمخاطب وأوضح في شمول الحكم لكلّ من الأخيرتين ، وأكمل في التشبيه لتحقّق كمال المطابقة بين المشبّه والمشبّه به. ويجب حمل التشبيه على ظاهره من الإطلاق فيعمّ الكيفيّات المذكورة كلّها. وقد دلّت الأدلّة المذكورة على الإخفات في الأخيرتين مطلقاً ، خصوصاً الظهرين كما سمعت. فإذن العشاء مثلها لدلالته على المشابهة من كلّ وجه.

ولو سلّمنا عدم دلالته على الإخفات ، قلنا : الاحتمال كافٍ في منع الدلالة ، فكيف والاحتمال ظاهر؟ بل راجح مع الإغضاء عن كونه دالّاً على وجوب الإخفات ، فظهر بهذا سقوط ما وجّه به رحمه الله دلالته على الجهر ، والبيان ظاهر فلا نطيل بذكره.

وأمّا أن الذي حمل الموجبين للإخفات بالتسبيح اشتهاره بين الطائفة ، فالقائل بذلك إن كان يرى حجّية الشهرة خصوصاً إذا كانت بين المتقدّمين والمتأخّرين فقد قال بدليل ، وإلّا وجب أن يعتقد أنه لم يقل إلّا بدليل ظهرت له دلالته ، وإن لم تظهر لغيره ، وهذا تكليفه ولا نكير عليه بعد العلم بأنه من أهل الاستنباط. على أنك قد عرفت [ أن ] الدليل غير الشهرة.

وأمّا أن دليل ما اشتهر بين الطائفة قديماً وحديثاً هو كون التسبيح بدلاً عن القراءة ، والقراءة قد ثبت وجوب الإخفات بها ، فقد علمت أن الدليل غير منحصر في ذلك ، مع أن هذا دلالته تامّة ، فإنه إن أُريد بكون التسبيح بدلاً من القراءة أنه أحد فردي الواجب المخيّر ، كما هو الظاهر من عباراتهم ، ووجد الدليل على كيفيّة أحدهما ، فأمّا أن يظهر دليل على كيفيّة الآخر فتتبّع ، وإلّا حكم بتساويهما في ذلك ، وإلّا لزم التكليف بالمجهول قبل البيان ، وهو تكليف بما لا يطاق.

وإن أريد به أن القراءة أصل والتسبيح فرع كما فهمه الشيخ حسين رحمه الله ، وقد ثبتت كيفيّة الأصل بدليل ، ولم يثبت للفرع حكم يغاير الأصل بدليل وجب إلحاق الفرع بأصله ؛ لأن ما في الفرع من صفات الكمال إنما هي فرع صفات أصله وفاضلها ، كما أن الذات فاضل الذات ، فالفرع يحكي أصله ذاتاً وصفة ذاتيّة ، وإلّا لزم

ص: 521

الإغراء بالجهل ، ولم يتمّ دليل الآن فتيقّظ. على أنك سمعت الدلالة على اتّحاد حكم هذا الفرع مع أصله في ذلك ، فظهر أنه ليس من القياس ، وحاشا نوّاب الله ومن نصبهم حكّاماً في الأرض من العمل بالقياس. وكيف يعملون بما أجمعوا وأطبقوا على بطلانه في كلّ عصر ، وجاهدوا من قال به ، وعلموا على اليقين أنه ليس من دين الله ، ولم تأتِ به شريعة ، وإنما أوّله وعنصره إبليس والجهل؟

وأمّا إن هذا الدليل يستلزم كون القراءة أصلاً والتسبيح فرعاً عليها على ما فهمه من كلامهم فممنوع ، بل أرادوا أنه أحد فردي التخييري اللذين يقوم كلّ منهما مقام الآخر ، على أنا لا نمنع صدق بدليّته بالمعنى الثاني ، وهو الذي فهمه رحمه الله.

والأخبار التي دلّت على أن أصل الصلاة التي فرضها الله ركعتان وزاد رسول الله صلى الله عليه وآله : ما زاد (1) ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما سبّح لِمَا رأى من عظمة الله (2) ، وإنه للفرق بين ما فرضه الله وما فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فما فرضه الله كان فيه القراءة ، وما فرضه الرسول صلى الله عليه وآله : كان فيه التسبيح (3) تدلّ دلالة ظاهرة على أن التسبيح فرع القراءة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله : نائب الله وخليفته ، فلا يكون ما أمر الله به فرعاً لما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله ، فبالضرورة أن السنّة فرع الكتاب وبيانه.

ونستحيله العكس بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً ، على أنه فرض أن القراءة فرع التسبيح ، وقد سلّم هو أن الفرع حكمه الاحتفاف بالدليل ، فإن كان الشارع نصبه دليلاً على حكم الأصل وإلّا حكم عليه بما دلّ على كيفيّة فرعه ؛ لأنه حكاية أصله فصفته حكاية صفته ، فكلّ معلول وفرع دليلٌ على ذات علّته واصلة بذاته وعلى ذاتيّته بذاتيّته.

ص: 522


1- الكافي 3 : 272 / 2 ، 273 / 7 ، وسائل الشيعة 6 : 109 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 42 ، ح 6 ، و: 124 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 6.
2- الفقيه 1 : 202 - 203 / 925 ، وسائل الشيعة 6 : 123 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 3.
3- الفقيه 1 : 202 / 924 ، وسائل الشيعة 6 : 124 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 51 ، ح 4.

فإن قلتَ : مراده رحمه الله أن التسبيح أصل للقراءة في الأخيرتين وإنما فرض الله القراءة في الأُوليين.

قلتُ : الأخيرتان من حيث هما فرض رسول الله صلى الله عليه وآله : فرع بذاتهما على الأُوليين من حيث هما فرض الله ، فيكون الأصل فيهما ما هو الثابت في أصلهما ، ويشير إلى ذلك ما في صحيحة زرارة : من قول أبي جعفر عليه السلام : والأخيرتان تبع الأُوليين (1).

فإن إطلاقه يشمل القراءة ، ولفظه نصّ في أن الأخيرتين فرع الأُوليين بحكم التبعيّة ، ولا شكّ أن ما فرضه رسول الله صلى الله عليه وآله : فرع وتبع لما فرضه الله.

فأذن الأصل في الأخيرتين القراءة ، وهذا لا ينافي أن التسبيح فيهما أفضل ؛ لأن التسبيح للفرق بين ما فرضه الله وبين ما فرضه رسوله صلى الله عليه وآله ، واستعمال ما يظهر به الفرق أفضل في العمل ؛ لأن الفرق مطلوب للشارع وإن كان ذات الحمد أصلاً لهذا التسبيح وأفضل منه ، كيف لا والفاتحة سرّ القرآن والجامعة لما تفرّق فيه وهي تسبيح وتحميد وتهليل وتكبير وزيادة كما يعلم ذلك من الأخبار (2) ، وهي غير خفيّة على المتتبّع؟

وأمّا ما ادّعاه شهيد ( الذكرى ) (3) من دلالة بعض العمومات عليه فقد سمعت جملة من ذلك ، ومنه ما جاء عنهم عليهم السلام إن صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهر (4) ، وأن السنّة في صلاة النهار بالإخفات وفي صلاة الليل بالجهر (5) ، فإنه يعمّ التسبيح ، خرج ما خرج بدليل ، ولا فارق بين أخيرتي النهاريّة والليليّة ، ولا قائل بوجوب الجهر بالتسبيح ، ولا دليل عليه ، والمجوّز شاذّ ، على أنه لا يدفع هذه الدلالة.

ومن تلك العمومات أيضاً ذلك المرسل المشتهر بين الأُمّة ، واختصاصه بالقراءة

ص: 523


1- الفقيه 1 : 256 / 1160 ، وسائل الشيعة 8 : 355 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 31 ، ح 3 ، وفيهما : « تبعاً » بدل : « تبع ». السرائر 1 : 1. و 3 : 585.
2- بحار الأنوار 89 : 223 - 261 / باب 29.
3- الذكرى : 189 ( حجريّ ).
4- بحار الأنوار 82 : 202.
5- تهذيب الأحكام 2 : 289 / 1161 ، الإستبصار 1 : 313 - 314 / 1165 ، وسائل الشيعة 6 : 77 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 22 ، ح 2 ، وفيهما جميعاً : « الإجهار » بدل : « الجهر ».

لا دليل عليه ، وسائر الأذكار خرجت بدليل ، وأمّا أنه مسقط لتخيير المنفرد فحقّ ؛ إذ لا دليل عليه يخرجه عن تلك العمومات والإطلاقات ، ولا نسلّم اختصاص حديث أبي خديجة (1) : بكيفيّة مخصوصة هي ما ذكره رحمه الله. وقد عرفت وجه دلالة تلك الأخبار على ما ادّعى من وجوب الإخفات بالتسبيح والقراءة مطلقاً.

ولم نقف على سرائر ابن إدريس : ولا على عبارة ( التذكرة ) ، وما نقلناه عن الشيخ علي المقابي : من عبارة ( التذكرة ) و ( السرائر ) ينافي القول بالجواز ، وأمّا ابن فهد : فلم نقف له على فتوًى في المسألة في مهذّبه ، وصوره عبارته في الكتاب : ( وهل يجب الإخفات فيه؟ قال الشهيد : نعم (2). وبعدمه قال ابن إدريس : ) (3) ، انتهى.

وليس له فيها فتوًى ولا كلام في المسألة غير هذا ، وأمّا أن مجرّد الشهرة غير كافٍ في الاستدلال فقد عرفت أن في حجّية الشهرة خلافاً. وعلى القول بحجّيّتها فلو اختلفت شهرة المتقدّمين والمتأخّرين فما المعتبر منهما؟ قولان.

وبالجملة ، فالظاهر أنه إذا اتّفقت شهرة المتقدّمين والمتأخّرين ولم يظهر دليل أقوى منها يخالفها فهي حجّة ، وقد يحصل منها إجماع مشهوري إذا انضمّ لها ما يوجب العلم أو الظنّ المتأكّد جدّاً على الخلاف في انسداد باب العلم وعدمه.

وأمّا قوله : ( إلّا إن الأولى في سلوك طريق الاحتياط ) (4) إلى آخره ، فيلوح منه التوقّف وعدم الجزم بوجوب الجهر به ، بل بجوازه أو إيجاب القراءة لتحصيل يقين البراءة ، فيكون من باب الاحتياط الوجوبي.

وهذا لا دليل عليه ولا قائل به ولا يخلو من اضطراب ، مع أنه لم يخرج بهذا من خلاف من أوجب الإخفات بالبسملة حينئذٍ إن جهر بها ، ولا من خلاف من أوجب الجهر بها إن خافت بها حينئذٍ ، مع أن خلافه ودليله أقوى من قول من أوجب الجهر

ص: 524


1- تهذيب الأحكام 3 : 275 / 800 ، وسائل الشيعة 8 : 362 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 32 ، ح 6.
2- الذكرى : 189 ( حجريّ ).
3- المهذّب البارع 1 : 377 - 378.
4- انظر : ص 506.

بالتسبيح ؛ لشدّة ندوره وشذوذه وعدم الدليل عليه.

وفيه أيضاً ترك ما هو أفضل الفردين باعترافه على الدوام ، وهجران العمل بسنّة التسبيح أبداً ، والله العاصم.

وفيما ذكرناه كفاية ، ومنه يظهر ضعف القول بوجوب الجهر بجميع أذكار الصلاة ، عدا الستّ الافتتاحيّات كما ذهب إليه والده ، وضعف ما نقله عن عمّه رحمهما الله تعالى. والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله المعصومين.

وقع الفراغ منها ضحى [ اليوم (1) ] السادس والعشرين من شهر ربيع الثاني ، سنة (1240) من الهجرة النبويّة ، على مهاجرها وآله أفضل السلام وأزكى التحيّة.

تمّت على يد الحقير العاصي المخطئ زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع الخطّي ، عفا الله عنهم بمحمّدٍ : وآله الطاهرين ، وعفا الله عمّن ترحّم عليهم ، بمحمّدٍ : وآله الطاهرين.

ص: 525


1- في المخطوط : ( يوم ).

ص: 526

فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق... 9

المصنّف في سطور... 16

منهج التحقيق... 17

الرسالة الأُولى ما يكفي المكلَّف من أدلَّة الأُصول الخمسة بالدليل العقلي... 31 - 63

مقدّمة الكتاب... 33

المقدمة... 35

الاولى : في معنى التوحيد... 35

الفائدة الثانية : في معنى الإيمان... 36

الفصل الأول في التوحيد... 39

في كونه تعالى غير مصنوع... 40

في كونه تعالى واحداً... 40

في كونه تعالى حيّاً... 42

الفصل الثاني في العدل... 45

الفصل الثالث في النبوّة... 47

الغرض من بعثة الأنبياء... 47

اشتراط العصمة في النبيّ... 49

صفات النبيّ... 49

الفصل الرابع في الإمامة... 55

أدلَّة عصمة الإمام... 57

الفصل الخامس في المعاد... 59

ص: 527

خاتمة في بيان معنى الشرك با لله والكفر به... 61

الرسالة الثانية موجز في أدلَّة الأُصول الخمسة... 65 - 77

المقدمة... 67

الفصل الأول في بيان معنى التوحيد والدليل عليه... 69

الفصل الثاني في العدل... 71

الفصل الثالث في النبوّة... 73

الفصل الرابع في الإمامة... 75

الفصل الخامس في المعاد... 77

الرسالة الثالثة الرجعة... 79

المقدمة... 81

الأدلَّة النقليّة... 83

الوجوه الاعتباريَّة... 157

الرسالة الرابعة معنى صحيح زرارة المروي في الكافي « إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريّته من همَّ بحسنَةٍ ولم يعملها كتبت له حسنة... »... 163 - 194

المقدمة... 165

أقسام نيّة الطاعة... 166

أقسام نيّة المعصية... 168

الدليل من الأخبار على الإثابة على نيّة الطاعة... 169

الدليل من الأخبار على العقوبة على نيّة المعصية... 170

حقيقة الطاعة والمعصية... 174

شرح الرواية... 177

مناقشة المازندراني في شرحه للخبر... 181

الرسالة الخامسة أحكام التيمّم في بعض صور عدم وجدان الماء... 195 - 204

تنبيه... 204

الرسالة السادسة مختصر الرسالة الصلاتيّة... 205 - 386

المقدمة... 207

ص: 528

كتاب الطهارة... 209

مقدّمة... 209

أقسام المياه وأحكامها... 209

أقسام النجاسات... 219

أحكام النجاسات... 221

المطهّرات... 223

تتمّة في أحكام الخلاء... 227

ختم :... 229

الباب الأول في الوضوء... 231

الفصل الأول في ما يشرع له وأسبابه... 231

موجبات الوضوء... 232

الفصل الثاني في واجباته... 233

شرائط الوضوء... 236

الوضوء الاضطراري... 237

في بعض أحكام الوضوء... 238

الباب الثاني في الأغسال... 239

الفصل الأول في الجنابة... 241

الأوّل في موجباتها... 241

الثاني في أحكام الجنب... 242

الثالث في أقسام الغسل... 243

الفصل الثاني في الحيض... 245

الأوّل في دم الحيض... 245

المبحث الثاني في أحكام الحائض... 249

لحاقة... 251

الفصل الثالث دم الاستحاضة... 253

الفصل الرابع النفاس... 257

ص: 529

الفصل الخامس في غسل الأموات... 259

الأوّل في الوصيّة... 259

الثاني في بعض أحكامه... 259

الثالث : في التكفين... 262

الرابع : في الصلاة عليه... 264

الخامس : في الدفن... 266

الفصل السادس غسل مسّ الميّت... 269

الباب الثالث في التيمّم... 271

الفصل الأول في ما يشرع له... 271

الفصل الثاني في أسباب التيمّم... 273

الفصل الثالث في ما يتيمّم به... 277

الفصل الرابع كيفيّة التيمّم... 279

الفصل الخامس أحكام التيمّم... 281

كتاب الصلاة... 283

مقدمة... 283

مكان المصلَّي... 286

لباس المصلي... 290

تتميم... 293

الباب الأول في كيفيّة الصلاة... 297

الفصل الأول في النيّة... 299

الفصل الثاني في القيام... 303

الفصل الثالث في تكبيرة الإحرام... 307

الفصل الرابع في القراءة... 309

الفصل الخامس الركوع... 315

الفصل السادس في السجود... 317

في سجود السهو... 319

ص: 530

الفصل السابع في التشهّد... 321

تتميم... 323

الباب الثاني في بقيّة الصلوات الواجبة... 325

الفصل الأول في الجمعة... 325

الفصل الثاني صلاة العيدين... 329

الفصل الثالث في الآيات... 331

الفصل الرابع فيما يُلزم به المكلَّف نفسه بنذر وشبهه وبإجارة من الصلوات... 335

الفصل الخامس في قضاء الفوائت... 339

تتمّة في صلاة الطواف... 341

الباب الثالث في حال الصلاة... 343

الفصل الأول يبطل الصلاة ولو نفلًا قول : ( آمين )... 343

الفصل الثاني في مبطلات الصلاة... 347

الفصل الثالث الخلل الواقع في الصلاة... 349

الفصل الرابع في السهو... 351

تنبيه... 353

تتمّة... 353

الفصل الخامس في الشكّ... 357

الباب الرابع في الجماعة... 365

الباب الخامس في صلاة القصر... 373

تنبيه :... 377

الباب السادس باب صلاة الخوف... 381

خاتمة الذكر مقسوم على سبعة أعضاء... 385

الرسالة السابعة تحديد أوّل النهار... 387 - 495

المقدمة... 389

الأدلَّة على أن أوّل النهار طلوع قرص الشمس... 391

تتمّة... 432

ص: 531

لرسالة الثامنة الجهر والإخفات بالقراءة في الصلاة... 497

الدليل على ما يجهر فيه ويخفت من الأخبار... 501

القول بأن الجهر مع القراءة والإخفات مع التسبيح والدليل عليه... 511

فهرس الموضوعات... 527 - 534

ص: 532

المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ أحمد آل طوق

المحقق: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الناشر: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

المطبعة: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1422 ه.ق

الصفحات: 524

المكتبة الإسلامية

رسائل آل طوق القطيفي

المحرّر الرّقمي: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

ص: 2

رسائل آل طوق القطيفي

مجموعة مؤلفات العلامة المحقق الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق القطيفي

المتوفی بعد سنة 1245 ه

المجلد الثاني

تحقيق ونشر

شركة دار المصطفی صلی اللّه عليه وآله لإحياء التراث

ص: 3

اسم الكتاب... رسائل آل طوق القطيفي ج2

تأليف... العلامة الشيخ أحمد آل طوق

تحقيق ونشر وتوزيع... شركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

صف وإخراج... شركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة... الأولی 1422 ه- 2001 م

يطلب من:

لبنان - بيروت - ص.ب: 24/197 - هاتف

سوريا - دمشق - ص.ب: 733 - السيدة زينب - تلفاكس: 6420085 011

إيران - قم - ص.ب: 37185/3156 - هاتف: 778865 - فاكس: 778855

تحقيق و نشر شركة دار المصطفی صلی اللّه عليه وآله لإحياء التراث

بيروت - لبنان - ص.ب: 24/197

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

جميع الحقوق محفوظة لشركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

ص: 6

الرسالة التاسعة : روح النسيم في أحكام التسليم

اشارة

ص: 7

ص: 8

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

أمّا بعد :

فيقول أقلّ الوَرَى قدراً وأخملهم ذِكْراً أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : اعلم هدانا اللّه وإيّاك أن مسألة التسليم الواقع في آخر الصلاة قد اضطرب فيه فتوى العصابة اضطراباً كثيراً ، فأحببت أن أبحثَهُ بحسب تيسير اللّه.

والبحث فيه في ثلاثة مواطن :

ص: 9

ص: 10

الأوّل : في وجوبه وندبيّته

القائلون بالاستحباب

فاختلفوا هل هو واجب أو مندوب؟ ونُسب الثاني في ( البحار ) (1) وغيره (2) إلى الشيخين (3) : وابن البرّاج (4) : وابن إدريس (5) : وجماعة ، وفي ( الذكرى ) (6) إلى أكثر القدماء. وفيه نظر يظهر إن شاء اللّه ممّا سيتلى عليك إن شاء اللّه تعالى.

ومال إليه في ( المدارك ) (7) ونسبه لأكثر المتأخّرين ، وقال به العلّامة : في ( القواعد ) (8) و ( التحرير ) (9) و ( الإرشاد ) (10) و ( المختلف ) (11) ، ومال إليه المحقّق الكركي (12).

القائلون بالوجوب

والذي يظهر لي أن المشهور بين الفرقة من المتقدّمين والمتأخّرين هو الوجوب.

فقد قال به السيّد المرتضى (13) : والصدوق (14) : والشيخ : في ( المبسوط ) (15) والجعفي

ص: 11


1- بحار الأنوار 82 : 296.
2- جامع المقاصد 2 : 323 ، مدارك الأحكام 3 : 429 ، كشف اللثام : 127.
3- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ) 14 : 139 ، النهاية : 89.
4- المهذّب 1 : 99.
5- السرائر 1 : 241.
6- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
7- مدارك الأحكام 3 : 429 - 430.
8- قواعد الأحكام 1 : 279.
9- تحرير الأحكام 1 : 41 ( حجريّ ).
10- إرشاد الأذهان 1 : 256.
11- مختلف الشيعة 2 : 191 / المسألة : 109.
12- جامع المقاصد 2 : 326.
13- الناصريّات : 212 / المسألة : 82.
14- الفقيه 1 : 210 / ذيل الحديث 944 ، المقنع : 96 ، الأمالي ( الصدوق ) : 512.
15- المبسوط 1 : 115 - 116.

في ( الفاخر ) (1) وابن أبي عقيل (2) : وسلّار (3).

ونسبه الشهيد (4) : إلى الحلبيّين كأبي الصلاح (5) : وابن زهرة (6) : ، [ وابني سعيد (7) ].

وهو المنقولُ عن الراوندي (8) : ، والمحقّق : في ( الشرائع ) (9) و ( النافع ) (10) و ( المعتبر ) (11) ، والعلّامة : في ( المنتهى ) (12) و ( التبصرة ) (13) ، والشهيد الأوّل : في جميع كتبه (14) ، وابن فهد : في ( المهذّب ) (15) و ( الموجز ) (16) وغيرهما ، والسيوري : في ( التنقيح ) (17).

وظاهر ( كنز العرفان ) (18) ، وبعض شرّاح ( الألفية ) ، وفخر المحقّقين : في ( الإيضاح ) (19) ، وابن طاوس : في ( فلاح السائل ) (20) ، وابن عمّه السيّد أحمد : في ( البشرى ) كما نقله عنه في ( الحبل المتين ) (21) وغيره (22) ، والآقا باقر (23) : وهو إمام عصره ، وقد أدركته صغيراً.

ص: 12


1- عنه في الذكرى : 206 ( حجريّ ).
2- عنه في المعتبر 2 : 233.
3- المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 3 : 371.
4- غاية المراد : 150.
5- 3الكافي في الفقه : 119 - 120.
6- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 4 : 548.
7- في المخطوط : ( أبي سعيد ) انظر غاية المراد : 151.
8- عنه في الذكرى : 206 ( حجريّ ).
9- شرائع الإسلام 1 : 79.
10- المختصر النافع : 84.
11- المعتبر 2 : 233.
12- منتهى المطلب 1 : 295.
13- تبصرة المتعلّمين : 28.
14- منها : البيان : 176 ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 277 ، الدروس 1 : 183.
15- المهذّب البارع 1 : 387.
16- الموجز ( ضمن الرسائل العشرة ) : 83.
17- التنقيح الرائع 1 : 211.
18- كنز العرفان 1 : 132.
19- إيضاح الفوائد 1 : 115.
20- فلاح السائل : 120.
21- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).
22- كشف اللثام 4 : 129.
23- عنه في الجواهر 10 : 278. وهو الآقا محمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف بالآقا البهبهاني أو الوحيد البهبهاني. ولد سنة 16. ه أو (1117) ه ، وتوفّي سنة (1205) ه ، من مؤلّفاته : ( شرح المفاتيح ) ، حاشية على ( شرح الإرشاد ) ، حاشية ( المدارك ) ، ( الفوائد الجديدة ) .. وغيرها كثير. أعيان الشيعة 9 : 182.

ومال إليه القاساني : في ( المفاتيح ) (1) ، والسيّد الأعظم السيّد مهدي : في ( الإصلاح ) على ما في مختصره للشيرواني : ، والشيخ بهاء الدين : في ( المختصر العباسي ) على ما في تعريبه و ( الحبل المتين ) (2) و ( الاثنا عشريّة ). قال في ( الاثنا عشرية ) : ( التاسع - : يعني من الواجبات التسليم ، وصيغته السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

والأصحّ وجوبه كما نطقت به الروايات المعتبرة المتكثّرة ) (3) ، انتهى.

واختارهُ أيضاً الفاضل المحقّق الشيخ محمّد بن الحسن الأصفهاني : الملقّب ببهاء الدين المعروف بين المعاصرين بالفاضل الهندي في شرحه لشرح ( اللمعة ) المسمّى ب- ( المناهج السويّة في شرح الروضة البهيّة ) (4) ، وابن سعيد : في ( الجامع ) (5) ، وصاحب ( المعالم ): ، والحرّ العاملي (6) : ، وجماعة من مشايخنا المعاصرين كالشيخ حسين آل عصفور (7) : ، والشيخ مبارك ابن الشيخ

ص: 13


1- مفاتيح الشرائع 1 : 152.
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 255 ( حجريّ ).
3- الاثنا عشريّة : 29.
4- المناهج السويّة في شرح الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ، لمؤلّفه المولى بهاء الدين محمّد بن تاج الدين الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي ( 1062 - 1126 ه ) صاحب كتاب ( كشف اللثام عن قواعد الأحكام ). توجد منه عدة نسخ خطيّة في مكتبات متفرّقة ، يبتدأ بكتاب الطهارة شرحاً مزجيّاً بما يقرب من ثلاثين ألف بيت ، ثمّ شرحاً منفصلاً فيما يقرب من عشرين ألف بيت لكتاب الصلاة ، ويختمه بكتاب الحجّ. انظر : الذريعة 22 : 4. أعيان الشيعة 9 : 138. والمصدر غير متوفّر لدينا.
5- الجامع للشرائع : 74.
6- وسائل الشيعة 6 : 415 - 419 ، أبواب التسليم ، ب 1.
7- سداد العباد : 186 ، وهو العلّامة الفاضل خاتمة الحفّاظ والمحدّثين الفقيه النبيه الشيخ حسين ابن العالم الأمجد الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد آل عصفور الدرازي البحراني ، كان مضرب المثل في قوّة الحافظة ، ملازماً للتدريس والتصنيف ، مواظباً على تعزية الحسين عليه السلام في بيته في كلّ وقت ، توفّي رحمه اللّه تعالى سنة 1216 ه ، من مؤلّفاته : الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع ، السداد ، الحقائق الفاخرة في تتميم الحدائق الناضرة .. وغيرها كثير. أنوار البدرين :7. 184.

علي (1) : ، وشيخنا الشيخ محمّد بن سيف (2) : ، وجماعة ، وهو المختار لنا.

ضروب من الدلالة على القول بالوجوب

أحدها : ما استفاض نقله بين الخاصّة (3) والعامّة (4) من مواظبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وخلفائه عليهم السلام عليه ، والأصلُ في فعل المعصوم الذي عُلِمَ قصدُهُ القُربَةَ به الوجوبُ حتّى يدلّ الدليل على استحبابه ، كما حقّق في الأُصول ، وخصوصاً في الصلاة ، بل ظاهر عبارة فاضل ( الفوائد الحائريّة ) (5) : أنه في الصلاة لا خلاف فيه.

قال في ( الذكرى ) : ( تواتر النقل عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : وأهل بيته عليهم السلام بقول السلام عليكم من غير بيان ندبيّته ، فهو امتثال للأمر بالواجب ، حتّى إن قول سلف الأُمّة السلام عليكم عقيب الصلاة داخلٌ في ضروريّات الدين ، وإنما الشأن في الندبيّة أو الوجوب ) (6) ، انتهى.

الثاني : أنك إذا تدبّرت الأخبار وجدتها طافحة على فعل أهل البيت له ، بل وملازمتهم له ومواظبتهم عليه ، ولم نجد خبراً ولا نقلاً يشعر بتركهم له أو خروجهم من الصلاة بغيره أصلاً ، فالأصلُ إذن وجوبُه.

الثالث : وقوعه في الصلاة البيانيّة ، كما استفاض به النقل من خبر حمّاد : مع

ص: 14


1- هو العالم العامل الفقيه المحدّث الشيخ مبارك ابن الشيخ علي آل حميدان الأحسائي القطيفي الجارودي مولداً ومنزلاً. كان رحمه اللّه تعالى من العلماء الفضلاء الأتقياء النبلاء محدّثاً مجتهداً ورعاً ، ينقل عنه تلميذه العلّامة الشيخ سليمان آل عبد الجبار بعض فتاويه كتحريم الجمع بين الشريفتين كما هو قول صاحب الحدائق. له رسالة عملية في الصلاة مختصرة. توفّي رحمه اللّه تعالى سنة (1224) ه. أنوار البدرين :269- 272.
2- العالم العامل الأمجد الشيخ محمّد ابن الحاجّ أحمد بن سيف النعيمي القطيفي ، كان من مشاهير علماء القطيف وأرباب الفتاوى ، له إجازة من شيخه يحيى بن عمران. أنوار البدرين : 288.
3- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
4- صحيح مسلم 4 : 123 - 127 ، سنن الترمذي 2 : 89 / 295.
5- الفوائد الحائريّة : 315 - 316 / الفائدة الثانية والثلاثون.
6- الذكرى : 208 ( حجريّ ).

الصادق عليه السلام (1) : ، وقد خرج عليه السلام بالسلام فيها ، فالأصلُ وجوبهُ.

الرابع : أنه لا يحصل يقين الخروج من العهدة ويقين امتثال الأمر بإقامة الصلاة إلّا به ، فالمُسَلّم خارج من الصلاة وسالم من الوقوع في خطر إثم إبطال الفرض بيقين ، بخلاف غيره.

الخامس : ما يظهر من عبارة الشيخ الجليل ابن أبي عقيل : أن التسليمَ المُخْرِجَ وهو السلام عليكم هو مذهبُ آل الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، كما نقله عنه جماعة.

قال في ( الذكرى ) : ( قال ابن أبي عقيل : فإذا فرغ من التشهّد وأراد أن يسلّم على مذهب آل الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فإن كان إماماً أو منفرداً سلّم تسليمةً واحدةً مستقبل القبلة يقول السلام عليكم ) (2). وساق باقي عبارته في كيفيّة تسليم المأموم.

وظاهره أنه إجماع أهل البيت عليهم السلام : ، وأن النقل به متواتر أو مستفيض ؛ ولذلك نقله عنهم ونسبه إليهم على سبيل القطع والجزم ، فإذا ثبت أن مذهبَ آل الرسول صلى اللّه عليه وآله : فِعْلُهُ والخروجُ بهِ ثبت أن الأصلَ وجوبُهُ حتّى تثبتَ نَدبيّتُه ، ولا دليلَ عليها يُعتمدُ عليه.

السادس : ما قاله في ( الذكرى ) : ( إنه قد ثبت بلا خلافٍ وجوبُ الخروجِ من الصلاةِ كما ثبت الدخولُ فيها ، فإن لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة : ، وأصحابُنا لا يجوّزون ذلك ، فثبتَ وجوبُ التسليم. وكلامُ السيّد مصرّحٌ بركنيّتِهِ (3) ، وأن المعتبرَ ، السلام عليكم ولعلّه يريد بالركن مرادف الواجب ) (4) ، انتهى ، وهو قويّ متين وثيق.

قلت : لعلّ السيّدَ أطلق الركنيّة عليه مجازاً من أجل أنه لو تركه عمداً [ أو ] سهواً وفَعَلَ ما تبطلُ الصلاةُ بفعلِهِ قبلَ فعلِهِ بطلت صلاتُهُ.

ص: 15


1- الكافي 3 : 311 - 312 / 8 ، تهذيب الأحكام 2 : 81 - 82 / 301 ، وسائل الشيعة 5 : 461 ، أبواب أفعال الصلاة ، ب 1 ، ح 2.
2- الذكرى : 205 ( حجريّ ).
3- الناصريّات : 209 / المسألة : 82.
4- الذكرى : 205 ( حجريّ ).

السابع : عملُ الأُمّة قديماً وحديثاً في سائر الأعصار على الخروج من الصلاة بالسلام ، حتّى لو خرج أحدٌ بغيره أنكرَ عليه العالِمُ والجاهِلُ ، فَتَرْكُه والخروجُ بغيره يحتاجُ إلى دليلٍ قاطعٍ ، والقولُ بالاستحباب يستلزمُ صحّةَ الخروجِ بغيرهِ.

الثامن : اتّفاقُ الأُمّة على تعيينه للخروج ، عدا ما يُنْسَبُ إلى أبي حنيفة : من جواز الخروج بكلّ منافٍ (1). والقولُ بالاستحبابِ مُستلزمٌ لقولِهِ كما يظهر بالتأمّل.

التاسع : الإجماعُ على فساد الصلاةِ لو أزادَ المصلّي ركعةً قبلَ التسليم عامداً عالِماً ، فلو كان مستحبّاً لَمَا بطلت الصلاةُ لوقوع الزيادة بعد كمالها. وعليك بملاحظة كلامهم في الخلل وفي صلاة المسافر ، يظهرُ لكَ الإجماعُ على ذلك.

وقال فاضل ( المناهج ) : ( الرابع : مواظبة النبيّ : ونوّابه صلوات اللّه عليه وعليهم - والصحابة والتابعين عليه ، مع قوله صلى اللّه عليه وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (2).

الخامس : طريقة الاحتياط ، فإنه إذا سلّم خرج من الصلاة ومن العهدة بيقينٍ ، بخلاف ما إذا لم يسلّم.

السادس : أنه لو لم يجب لَمَا بطلت صلاةُ المسافر بالإتمام ، والتالي باطلٌ ) ، انتهى. وهو يشعر بأنهُ إجماعٌ في المسافر إذا أتمّ.

العاشر : قال فاضل ( المناهج ): ( الثالثُ من وجوهِ الاحتجاجِ يعني على وجوب التسليم أن كلّ مَنْ قالَ بكونِ التكبير جزءاً من الصلاةِ قالَ بوجوبِ التسليمِ وكَوْنِه جزءاً منها ، لكنّ المقدّمَ حقّ ؛ لأن النيّةَ لا بدّ مِنْ أن تقارنَ التكبيرَ أو تتقدّم عليه بلا فصل ، ولا شي ء ممّا ليس جزءاً منها كذلك ، ولأنه لو لم يكن جزءاً منها لَمَا اشترط فيه الطهارة ، لكن يشترط ) ، انتهى.

ولعلّهم أرادوا أن كُلّ مَا دلّ على وجوب التكبير وجزئيّته دلّ على وجوب التسليم وجزئيّته ، فأسنَدوا ( قال ) لضمير الدليل ، حيث عبّروا ب- ( مَنْ ) عنه مبالغةً في

ص: 16


1- المجموع شرح المهذّب 3 : 462.
2- عوالي اللآلي 1 : 197 - 198 / 8 ، مسند أحمد بن حنبل 5 : 53.

وضوح الدلالة ، وليس التعبير ب- ( مَنْ ) عن غير العقلاءِ بعزيزٍ في العربية (1).

وما ألطف ما نُقِلَ عن الزمخشري : من قوله في جملة الاستدلال على هذا ، حيث قال : ( ويدلّ عليه قول العلماء : مَنْ لِمَا يَعْقِلُ ).

وبهذا استدلّ في ( الذكرى ) قال فيها في سياق الاستدلال لوجوب التسليم : ( وأيضاً فكلّ مَنْ قال : التكبيرُ من الصلاة ، ذهب إلى أن التسليمَ واجبٌ وأنه منها ) (2). وهما أخذاه من استدلال المرتضى : به.

قال في ( المختلف ) : ( احتجّ المرتضى (3) .. ) ، وذكر حديث : [ تحريمها (4) التكبير (5) ] ومداومته صلى اللّه عليه وآله عليه ، مع قوله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي.

ثمّ قال : ( ولأن كلّ مَنْ قال بكون التكبير من الصلاة قال : إن التسليمَ واجبٌ ، وإنه من الصلاة ) (6). ثمّ أخذ في بيان أن التكبير من الصلاة ، وفهم منه أنه ادّعى الإجماعَ ، ومَنَعَهُ.

الحادي عشر : ما شاع بين الموجبين الاستدلال به من قولهم : شي ءٌ من التسليم في غير الردّ واجبٌ ، ولا شي ءَ من التسليم في غير ردّ السلام بواجبٍ في غير الصلاة إجماعاً (7).

أمّا المقدّمة الأُولى ؛ فلقوله تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (8) ، وأما الثانية فواضحة.

ولا ينافي هذا ما جاء في تأويل الآية مِنْ أن المراد التسليم لوصيّه من بعده (9) أو التسليم عليه (10) ، فإن القرآن المجيد ذو بطون وظاهر وباطن وتأويل وتفسير ، والكلّ حجّة بلا تنافٍ ، واستدلالنا هنا بظاهر لفظ الآية ، ولا يتبادر منه إلّا التحيّة المعهودة وهي : السلام عليكم.

ص: 17


1- شرح ابن عقيل 1 : 147 - 148.
2- الذكرى : 205 ( حجريّ ).
3- الناصريّات : 211 / المسألة : 82.
4- في المخطوط : ( مفتاحها ) ، وما أثبتناه من المصدر.
5- عوالي اللآلي 1 : 416 / 91.
6- مختلف الشيعة 2 : 192 - 193 / المسألة : 109.
7- مختلف الشيعة 2 : 194 / المسألة : 109.
8- الأحزاب : 56.
9- الاحتجاج 1 : 597.
10- الوسيط 3 : 481.

الثاني عشر : ما اشتهرت روايته بين الأُمّة من قوله صلى اللّه عليه وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (1) ، وقد كان يسلّم ، بل مواظباً عليه كما استفاض (2) ، فالتسليم واجب.

الثالث عشر : ما روته العامّة (3) والخاصّة (4) أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : قال مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم.

رواه في ( الذكرى ) بلفظ : ( رُويَ ) ، واستدلّ به قال رحمه اللّه : ( دلّ على أن غير التسليم ليس بمُحلّلٍ ) (5).

وفي ( تفسير العسكري عليه السلام ) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (6).

وفي ( البحار ) نقلاً من ( الهداية ) : وعن الصادق عليه السلام : أنه قال تحريم الصلاة التكبير ، وتحليلها التسليم (7).

وفي ( الكافي ) بسنده عن القدّاح : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : مفتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (8).

وفي ( البحار ) نقلاً من مناقب ابن شهرآشوب : عن أبي حازم : قال : سُئِلَ عليّ بن الحسين عليه السلام : ما افتتاح الصلاة؟ قال التكبير.

قال : ما تحريمها؟ قال التكبير.

قال : ما تحليلها؟ قال التسليم (9).

هكذا في النسخة التي بين يدي ، ولا يبعد أن فيه تحريفاً من الناسخ ، وأن صوابه

ص: 18


1- عوالي اللآلي 1 : 197 - 198 / 8 ، مسند أحمد بن حنبل 5 : 53.
2- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
3- مسند أحمد بن حنبل 1 : 123 ، سنن الدارمي 1 : 175.
4- عوالي اللآلي 1 : 416 / 91.
5- الذكرى : 205 ( حجريّ ).
6- التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام : 521.
7- بحار الأنوار 82 : 310 / 17 ، الهداية ( الصدوق ) : 133.
8- الكافي 3 : 69 / 2 ، وفيه : « افتتاح » بدل : « مفتاح ».
9- بحار الأنوار 82 : 303 / 6 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 143 ، بتفاوت.

ما افتتاح الصلاة؟ قال : ( الطهور ). ويمكن أن يكون ما هنا صواباً ، وأراد بافتتاحها أوّلها.

وفي ( المناهج ) : إن الصدوق (1) : والشيخ (2) : والمرتضى (3) : رووا عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : مرسلاً أنه قال مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم.

قال في ( المنتهى ) : ( لا يقال : هذا خبر مرسل في طرقكم فلا يُعملُ به ؛ لأنا نقول : لانسلّم أنه مرسل ، فإن الأُمّة تَلَقّته بالقبول ونقله الخاصّ والعامّ ، ومثل هذا الحديث البالغ في الشهرة قد تُحذَف رواتُه اعتماداً على شهرته. على أن الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني : رواه مسنداً ) وذكر خبر القدّاح : بسنده ، ثمّ قال : ( ولو سُلّمَ فهؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ، ولو لا علمهم بصحّته لما أرسلوه وحكموا بأنه من قوله عليه السلام ) (4) ، انتهى.

والظاهر أن أميرَ المؤمنين : راوٍ لَهُ عن الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، فصواب العبارة أنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى آخره.

قال في ( الذكرى ) : ( ومَنْ نصر الأخير استدلّ بما رواه أمير المؤمنين عليه السلام : عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : أنه قال .. ) (5). وذكر الخبر. ولكن هكذا في نسخة ( المناهج ) التي نقلتُ منها ، وليس معنا غيرها ، وظاهرُها أنها بخطّ مصنّفها ، ولا يعصم من السهو إلّا المعصوم ، واللّه العالم بحقيقة الحال.

ووجه الاستدلال بهذا الخبر المستفيض من وجهين :

أحدهما : أنه جعل التسليم في آخر الصلاة بمثابة التكبير في أوّلها ، والتكبيرُ واجبٌ داخلٌ لا نعلم فيه خلافاً لا فتوًى ولا نصّاً ، فالتسليم مثله ، فكما أن تحريمها

ص: 19


1- الفقيه 1 : 23 / 68 ، وفيه : « افتتاح الصلاة الوضوء » بدل : « مفتاح الصلاة الطهور ».
2- الخلاف 1 : 377 / المسألة : 134.
3- الناصريّات : 211 / المسألة : 82.
4- منتهى المطلب 1 : 295.
5- الذكرى : 207 ( حجريّ ).

طرفها الأوّل ، فتحليلها طرفُها الآخرُ.

الثاني : حمل التسليم على التحليل ، وهو يقتضي حصر التحليل فيه ؛ لعدم جواز أن يُحمل الأخصّ على الأعمّ إلّا بطريق المجاز والمبالغة ، فلو كان مندوباً لجاز الخروج بغيره ضرورة جواز ترك المندوب.

وقال فاضل ( المناهج ): ( الروايتان الأُوليان تدلّان على انحصار تحليلها فيه من وجهين :

الأوّل : أن المصدر المضاف إلى المعرفة يُفيدُ العمومَ ، فيفيد أن كلّ تحليل للصلاة فهو التسليم ، أي حاصلٌ به ، وفي حمله عليه مبالغة في الانحصار ، كما لا يخفى.

والثاني : تقديم التحليل ، فإنه لا يخلو ؛ إمّا أن يكونَ المرادُ بهذا الكلام الإخبارَ عن التحليل بكونه تسليماً ، على ما تقتضيه الأُصول من وجوب تقديم المبتدأ فيما إذا كانا معرفتين ، فيكون التسليم خبراً ، والخبر ؛ إمّا مساوٍ للمُخْبَرِ عنه ، أو أعمّ.

أو يكون المرادُ الإخبار عن التسليم بأنه تحليلٌ للصلاة ، فيكون المسند قد قُدّم ، وهو يفيد الحصر ، مع أن حمل المفرد على المفرد يقتضي تساويهما في الصدق.

أو يكون المراد تفسير التحليل ، فيفيد أن ماهيّة التحليل هي التسليم ، وهو أفيدُ للحصر ) ، انتهى.

وقال فخر المحقّقين : ( وهو الصحيح عندي يعني : وجوب التسليم لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم.

وذلك يقتضي الحصر ، ولأنه صلى اللّه عليه وآله كان يخرج من الصلاة بهِ لا بغيره ) (1) ، فجزم بنسبة الخبر له صلى اللّه عليه وآله ، وأنه لا يخرج إلّا بالتسليم.

الرابع عشر : صحيح عليّ بن جعفر : قال : ( رأيت إخوتي موسى : وإسحاق : محمّداً : أبناء جعفر عليه السلام : يسلّمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة اللّه ،

ص: 20


1- إيضاح الفوائد : 115 - 116.

والسلام عليكم ورحمة اللّه ) (1). وجه الدلالة : أن الأصلَ في فعل المعصوم المقصود به القربة الوجوبُ ، خصوصاً في الصلاة.

الخامس عشر : ورود الأمر به في أخبار كثيرة ، والأمر للوجوب.

منها : صحيح الحلبي : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت [ أم ] (2) خمساً ، أَمْ نقصت أَمْ زدت ، فتشهّد وسلم (3) الخبر.

ومنها : صحيح سليمان بن خالد : سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام : عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأُوليين ، فقال إنْ ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمَّ الصلاة ، حتّى إذا فرغ فليسلِّم (4) الخبر.

وصحيح ابن أبي يعفور : قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن رجل صلّى الركعتين من المكتوبة ، [ فلا (5) ] يجلس فيها حتّى يركع ، فقال يتمّ صلاته ، ثمّ يسلّم (6) الخبر.

وصحيح محمّد بن مسلم : قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن رجل صلّى ركعتين ولا يدري ركعتين هي أو أربع قال يسلّم ، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين (7) الخبر.

وصحيح عبد اللّه الحلبي : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في الرجل خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد ، فقال يسلّم مَن خلفه ، ويمضي في حاجته إن أحبَّ (8).

ص: 21


1- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1297 ، وسائل الشيعة 6 : 419 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 2.
2- في المخطوط : ( أو ) ، وما أثبتناه من المصدر.
3- تهذيب الأحكام 2 : 196 / 772 ، الإستبصار 1 : 380 / 1441 ، وسائل الشيعة 8 : 224 - 225 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 14 ، ح 4.
4- تهذيب الأحكام 2 : 158 / 618 ، الإستبصار 1 : 362 / 1374 ، وسائل الشيعة 6 : 402 ، أبواب التشهّد ، ب 7 ، ح 3.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( فلم ).
6- تهذيب الأحكام 2 : 158 / 620 ، الإستبصار 1 : 363 / 1375 ، وسائل الشيعة 6 : 402 ، أبواب التشهّد ، ب 7 ، ح 4.
7- تهذيب الأحكام 2 : 185 / 737 ، الإستبصار 1 : 372 / 1414 ، وسائل الشيعة 8 : 221 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 11 ، ح 6.
8- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1299.

وحسنة ابن أبي عمير : عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في رجل صلّى فلم يدرِ اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم (1) الخبر.

وحسنة زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : في حديث طويل قال فيه وإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب ، فقم فصلِّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو ثلاثاً فانوها المغرب ثمّ سلّم (2) الخبر.

وحَسَن زرارة : عن أحدهما عليهما السلام ، قلت له : رجل لا يدري أواحدة صلّى أم اثنتين؟ قال يعيد ، قلت : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي ء عليه ، ويسلّم (3).

وموثّقة أبي بصير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم ركعتين ، فقم واركع ركعتين ، ثمّ سلّم واسجد سجدتين وأنت جالس ، ثم تسلّم بعدهما (4).

وموثّقة عمّار بن موسى : سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام : عن رجل صلّى [ ثلاث ] (5) ركعات وهو يظن أنها أربع قال يبني على صلاته متى ما ذكر ، ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلّم (6) الخبر.

ومنها : ما في ( المعتبر ) نقلاً من جامع البزنطي : عن عبد الكريم : عن أبي بصير : قال

ص: 22


1- الكافي 3 : 353 / 6 ، التهذيب 2 : 187 / 742 ، وسائل الشيعة 8 : 223 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 13 ، ح 4.
2- الكافي 3 : 291 - 292 / 1 ، تهذيب الأحكام 3 : 158 - 159 / 340 ، وسائل الشيعة 4 : 290 - 291 ، أبواب المواقيت ، ب 63 ، ح 1.
3- الكافي 3 : 350 / 3 ، تهذيب الأحكام 2 : 192 / 759 ، وسائل الشيعة 8 : 189 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 1 ، ح 6 ، وأيضاً 8 : 214 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 9 ، ح 1.
4- تهذيب الأحكام 2 : 185 / 738 ، وسائل الشيعة 8 : 221 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 11 ، ح 8.
5- من المصدر.
6- تهذيب الأحكام 2 : 353 - 354 / 1466 ، وسائل الشيعة 8 : 203 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 3 ، ح 14.

قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا كنت وحدك فسلّم تسليمةً واحدةً عن يمينك (1).

وما في ( البحار ) نقلاً من ( المعتبر ) ، و ( المنتهى ) ، و ( التذكرة ) ، نقلاً من جامع البزنطي عن عبد اللّه بن أبي يعفور : سألت أبا عبد اللّه : عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة قال يقول : السلام عليكم (2).

وفيه نقلاً من ( دعائم الإسلام ) عن جعفر بن محمَّد عليهما السلام : قال فإذا قضيت التشهّد فسلّم عن يمينك وعن شمالك ، تقول : السلام عليكم ورحمة اللّه ، السلام عليكم ورحمة اللّه (3).

وبالجملة ، فالأخبار الآمرة بالتسليم آخر الصلاة أكثر من أن أُحصيها ، ومدلولُ الأمر الوجوبُ ، فيحتاج القائلُ بالاستحباب إلى دليلٍ يقاومُها ، ولا دليل.

السادس عشر : ما رواه الصدوق : في ( العلل ) بسنده عن المفضّل بن عمر : سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام : عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة قال لأنه تحليل للصلاة الخبر.

إلى أن قال : قلت : فَلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحيّة المَلَكَينِ ، وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة للعبد من النار (4) الخبر.

وفيه من الدلالة ما لا يخفى ، بل ظاهره أن المعروف بين أصحاب الأئمّة عليهم السلام هو الوجوب ، حيث وقع السؤال عن علّة وجوب التسليم.

السابع عشر : ما رواه الصدوق : في ( معاني الأخبار ) بسنده عن عبد اللّه بن الفضل الهاشميّ : قال : سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام : عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال التسليم علامة الأمن ، وتحليل للصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم واردٌ أمِنُوا شرَّهُ ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمِنَ شرَّهم ، وإن لم يسلّم لم يأمنوه ، وإن لم

ص: 23


1- المعتبر 2 : 237.
2- بحار الأنوار 82 : 302 / 4 ، المعتبر 2 : 236 ، منتهى المطلب 1 : 296 - 297 ، تذكرة الفقهاء 3 : 246.
3- بحار الأنوار 82 : 308 / 14 ، دعائم الإسلام 1 : 215.
4- علل الشرائع 2 : 57 - 58 / 1.

يردّوا على المُسَلِّم لم يأمنهم ، وذلك خُلُقٌ في العرب ، فجعل التسليم [ علامة (1) ] للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمناً مِنْ أنْ يدخل في الصلاة ما يفسدها (2).

وجه الدلالة فيه من ثلاثة أوجه :

أحدها : نصّه أنه تحليل الصلاة ، وقد مضى وجه دلالته.

الثاني : أنه دلّ على أنه إذا وقع قبله شي ء من مفسدات الصلاة بطلت ، وبعده لا تبطل.

الثالث : ما قرّره فاضل ( المناهج ) : بعد أن أورد هذه الرواية ، ورواية علل الصدوق : المتقدّمة (3) ، وما رواه الفضل بن شاذان : من ( العلل ) ، حيث قال فإنْ قال : فلِمَ جعل التسليم تحليلَ الصلاة ولم يجعل بدله تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر؟ قيل : لأنه لمّا كان في الدخول في الصلاة تحريمُ الكلام للمخلوقين والتوجّه إلى الخالق ، كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها ، وابتداء المخلوقين بالكلام إنما هو بالتسليم (4).

قال رحمه اللّه : ( وجه دلالة الروايات مع تصريح رواية المفضّل بالوجوب ، أنها دلّت صريحاً على أن التسليم علّة لانحلال الصلاة والخروج منها وحليّة ما ينافيها ، والمعلولُ عدمٌ عند عدم علّتهِ ، الّا أن يتيقّن أنه يخلف بدلها علّة أُخرى ، لكن لا يتيقّن هنا ، فتعيّن ألّا يتحقّق الخروج من الصلاة إلّا به ) ، انتهى.

وهو حسن ، لكن دلالة خبر علل الفضل على العلّية فيه تأمّل.

الثامن عشر : صحيح زرارة : ومحمّد بن مسلم : ، قالا : قلنا لأبي جعفر عليه السلام : رجل صلّى في السفر أربعاً أيُعيدُ؟ قال إن كان قُرئتْ عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعاً أعادَ ، وإن لم يكن قُرِئتْ عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه (5).

ص: 24


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( علّة ).
2- معاني الأخبار : 175 - 176 ، وسائل الشيعة 6 : 418 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 13.
3- علل الشرائع 2 : 57 / 1 ، وسائل الشيعة 6 : 417 - 418 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 11.
4- علل الشرائع 1 : 305 / 9 ، وسائل الشيعة 6 : 417 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 10.
5- تهذيب الأحكام 3 : 226 / 571 ، وسائل الشيعة 8 : 506 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 17 ، ح 4.

وهذا الخبر هو عمدة العصابة في صحّة صلاة المسافر تماماً إذا كان جاهلاً بحكم التقصير ، ولو كان التسليم مندوباً لَمَا بطلت صلاة العالِم بالتقصير لو أتمّ ؛ لوقوع الزيادة خارج الصلاة.

التاسع عشر : موثّق أبي بصير : قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : يقول في رجل صلّى الصبح ، فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف قال فليخرج فليغسل أنفه ، ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته ، فإنّ آخر الصلاة التسليم (1).

العشرون : ظاهرُ النصّ (2) والفتوى (3) بلا معارض عدمُ مشروعيّة صلاة الاحتياط قبل التسليم ، ولو كان مندوباً لشرع قبله ، ولا دليل على مشروعيّته قبله.

الحادي والعشرون : الظاهرُ أيضاً من النصّ (4) والفتوى (5) عدمُ مشروعيّة سجدتي السهو قبل التسليم ، وأن فعلهما قبله إنما هو مذهب العامّة (6) ، ولو كان مستحبّاً لَشَرعتا قبله بلا نكير ، وليس كذلك.

الثاني والعشرون : يلزم القولَ بالاستحباب ؛ إمّا موافقةُ أبي حنيفة : في القول بجواز الخروج من الصلاة بكلّ مُنَافٍ (7) ، أو القولُ بتعيّن الخروج بآخِرِ واجبٍ منها ، ولا قائل بشي ء منهما ، ولا دليل عليه ، بل الإجماع قائم على نفيهما وعلى وجوب الخروج منها كما قام على وجوب الدخول فيها ، فتعيّن القول بوجوب التسليم وانحصار المُخْرِجِ فيه.

ص: 25


1- تهذيب الأحكام 2 : 320 / 1307 ، الإستبصار 1 : 345 / 1302 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 4.
2- الكافي 3 : 352 / 4 ، تهذيب الأحكام 2 : 186 / 739.
3- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 146 ، النهاية : 90 - 91.
4- الفقيه 1 : 225 / 994 ، تهذيب الأحكام 2 : 195 / 768 ، الإستبصار 1 : 380 / 1438 ، وسائل الشيعة 8 : 208 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 5 ، ح 3.
5- رسائل الشريف المرتضى 3 : 37 ، المبسوط 1 : 125.
6- المغني 2 : 22 - 23 ، عمدة القارئ 7 : 301.
7- المجموع شرح المهذّب 3 : 462.

الثالث والعشرون : استقرّ المذهب بلا خلاف يُعْلمُ ودلّت الأخبار على عدم مشروعيّة قضاء السجدة المنسيّة والتشهّد المنسيّ قبل التسليم (1) ، ويلزمه وجوبُه ؛ إذ لو كان مندوباً لشرع ذلك قبله.

الرابع والعشرون : موثّقة عمّار بن موسى : سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام : عن التسليم ما هو؟ فقال إذنٌ (2).

قال الشيخ بهاء الدين : ( فإن حكمه عليه السلام بأن التسليمَ إذْنٌ يعطي بظاهره عدم جواز الخروج من الصلاة بدون الإذْنِ ) (3).

قلت : ويعطي أيضاً بظاهره أنه بوقوعه تتحقّق الرخصة في العمل المنافي ، وبه يتحقّق انقطاع القدوة من المأموم ، وأنه به أُذِنَ للمأموم في مفارقة الإمام.

وقد أطال البهائي رحمه اللّه : في الاستدلال للقول بالوجوب ، ولننقل ملخّصاً من عبارته لحسنه وكلّ بحثه هنا حسن قال رحمه اللّه : ( والذي يظهر لي أن القولَ بالوجوب أقربُ. لنا : ما تضمّنه الحديث الثالث يعني : صحيح زرارة : وابن مسلم (4) : من إعادة المسافر إذا صلّى أربعاً ، ومعلوم أن ذلك للزيادة في الصلاة ، ولو كان التسليم مستحبّاً لانقطعت بإتمام التشهّد فلم يحصل الزيادة فيها ، والحملُ على ما إذا نوى الأربع ابتداءً فالفسادُ سابقٌ لا لاحقٌ بعيدٌ مخالفٌ لإطلاق الحديث ، فإن منعوا انقطاع الصلاة ركوناً إلى أن التسليم من أجزائها المستحبّة نقضوا ما هو عمدتهم في الاستدلال على استحبابه ، أعني : ما تضمّنه الحديث العاشر من صحّة صلاة من أحدث قبل التسليم ، فكفونا مؤنة الكلام فيه ) (5).

ثمّ أخذ يستدلّ بالأخبار الآمرة بالتسليم وبأخبار صلاة الخوف ، فإن وقوع

ص: 26


1- الكافي 3 : 357 / 8 ، تهذيب الأحكام 2 : 344 / 1429 ، وسائل الشيعة 6 : 406 ، أبواب التشهّد ، ب 9 ، ح 3.
2- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1296 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 7.
3- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 255 ( حجريّ ).
4- تهذيب الأحكام 3 : 226 / 571 ، وسائل الشيعة 8 : 506 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 17 ، ح 4.
5- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 255 ( حجريّ ).

التسليم فيها مع ضيق الحال والاضطرار - [ راجع ] إلى مراعاة التخفيف بترك بعض الواجبات التي يسوغ تركها للضرورة كالسورة ، فضلاً عن المندوبات.

قال رحمه اللّه : ( ولنا أيضاً ما تضمّنه الحديث [ السادس (1) ] والسابع والثامن والتاسع ، فإن الخبر فيها بمعنى الأمر ، ودلالة الثامن أبلغ ، فإن أمرَهُم بالتسليم في ذلك الوقت يعني : وقت الحرب ومناجزة العدو المناسب للتخفيف ظاهرٌ في المراد ).

إلى أن قال : ( وفي الحديث الخامس والعشرين يعني موثّقة أبي بصير : السابقة (2) دلالة على الجزئيّة ، فإن قالوا بها لزم نقض الحديث العاشر ، كما قلناه في الثالث ). يعني بالعاشر الخبر الدالّ على صحّة صلاة من أحدث قبل التسليم (3) ، فإن الجزئيّة تنافي الصحّة حينئذٍ.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ولنا أيضاً ما رواه الشيخ : وابن بابويه : والمرتضى : عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (4) ، وقد وقع التسليم خبراً عن التحليل ، والخبر ؛ إمّا مساوٍ للمبتدإ ، أو أعمّ منه ، فلو حصل التحليل بغير التسليم للزم الإخبار بالأخصّ عن الأعمّ ، على أن المصدر المضاف يفيد العموم ، فيستفاد من الخبر أن كلّ محلّلٍ تسليمٌ.

وأُورِدَ عليه أنه خبر مرسل فلا يجوز التعويل عليه في إثبات الأحكام الشرعيّة.

وذبّ عنه العلّامة : في ( المنتهى ) (5) بأن الأُمّة تلقّته بالقبول ونقله الخاصّ والعامّ ، وما هو بهذه المثابة من الشهرة قد تحذف رواته اعتماداً على شهرته ، وهؤلاء

ص: 27


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الثالث ).
2- تهذيب الأحكام 2 : 320 / 1307 ، الإستبصار 1 : 345 / 1302 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 4.
3- تهذيب الأحكام 2 : 320 / 1306 ، الإستبصار 1 : 345 / 1301 ، وسائل الشيعة 6 : 424 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 2.
4- الخلاف 1 : 377 / المسألة : 134 ، الفقيه 1 : 23 / 68 ، الناصريّات : 211 / المسألة : 82.
5- منتهى المطلب 1 : 295.

المشايخ الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ، ولو لا علمهم بصحّته لما أرسلوه وحكموا بأنه من قوله صلى اللّه عليه وآله. هذا ملخّص كلامه.

وقد يؤيّد أيضاً بأن مذهب السيّد في العمل بأخبار الآحاد معروف ، فلو لم يكن اشتهار هذا الحديث في زمنه بالغاً حدّا يخرجه عن تلك المرتبة لم يحسن تعويله عليه ، فتأمّل.

ولنا أيضاً مواظبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله : على الخروج به من الصلاة ، بحيث لم ينقل إلينا خروجه بغيره أصلاً ، وقد قال صلى اللّه عليه وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (1) ، ومواظبة أئمّتنا سلام اللّه عليهم عليه ، فقد قال الصادق عليه السلام : بعد الإتيان به يا حمّاد : ، هكذا صلِّ (2) ، خرج ما عداه ممّا علم استحبابه بدليل خاصّ ، فبقي الباقي.

وكذا مواظبة السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم ، حتّى ادّعى بعض علمائنا : ( إن قول سلف الأُمّة السلام عليكم عقيب الصلاة داخل في ضروريّات الدين ) (3).

ولنا أيضاً أحاديث متكثّرة سوى ما مرّ متضمّنة للأمر بالسلام ، وبعضها لا يخلو من اعتبار ، كما رواه أبو بكر الحضرمي : قال : قلت له : أُصلّي بقوم ، فقال سلّم واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته ، السلام عليكم (4) ) (5). ثمّ ذكر جملة من الأخبار الآمرة بالتسليم ، مثل خبر الحسين بن أبي العلاء (6) : ، وخبر ابن أبي يعفور (7) : ، وخبر عبد الرحمن بن سيّابة : وأبي العباس (8).

ص: 28


1- عوالي اللآلي 1 : 197 - 198 / 8 ، مسند أحمد بن حنبل 5 : 53.
2- الكافي 3 : 311 - 312 / 8 ، الأمالي ( الصدوق ) : 337 - 338 / 13 ، تهذيب الأحكام 2 : 81 - 82 / 301 ، وسائل الشيعة 5 : 461 ، أبواب أفعال الصلاة ، ب 1 ، ح 2.
3- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
4- تهذيب الأحكام 3 : 48 / 168.
5- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 255 - 256 ( حجريّ ).
6- تهذيب الأحكام 2 : 159 / 623 ، وسائل الشيعة 6 : 403 ، أبواب التشهّد ، ب 7 ، ح 5.
7- تهذيب الأحكام 2 : 156 / 609 ، الإستبصار 1 : 360 / 1366 ، وسائل الشيعة 6 : 370 ، أبواب السجود ، ب 16 ، ح 1.
8- الكافي 3 : 353 / 7 ، وسائل الشيعة 8 : 211 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 7 ، ح 1.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( والروايات في هذا الباب كثيرة جدّاً ، وقد يستدلّ أيضاً بأن شيئاً من التسليم واجبٌ ، ولا شي ءَ من التسليم في غير الصلاة بواجبٍ ، فشي ءٌ منه واجب في الصلاة.

أمّا الصغرى فلقوله تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (1) ، وأمّا الكبرى فبالإجماع.

وهذا الدليل ممّا أورده العلّامة (2) : وغيره ، وهو مشهور على ألسنة القائلين بوجوب التسليم ) (3) ، انتهى كلامه ، زِيدَ عُلاه وإعظامه.

واستدلّ في ( الذكرى ) بجملة من الأخبار المذكورة ، وبما روي عن ابن مسعود : قال : ( ما نسيت من الأشياء فلم أنسَ تسليم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : في الصلاة عن يمينه وشماله السلام عليكم ورحمة اللّه ). وبما روت عائشة أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : كانت له في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه.

وممّا استدل به أيضاً بعد هذا ما قال : ( ويستدلّ على أصحابنا بأنه قد ثبت بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة كما ثبت وجوب الدخول فيها ، فإن لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة : ، وأصحابنا لا يجيزون ذلك ، فثبت وجوب التسليم ) (4).

وهذا قد مضى نقله ، وإنما أعدناهُ لربط ما بعده به ، وهذا في غاية القوّة ، رفع اللّه درجاته.

واستدلّ أيضاً بعدّة وجوه : كملازمة أهل بيت النبوّة صلوات اللّه عليهم عليه وكذا الصحابة ، وجملة السلف ، وبجملة من الأخبار.

ص: 29


1- الأحزاب : 56.
2- منتهى المطلب 1 : 295.
3- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 256 ( حجريّ ).
4- الذكرى : 205 ( حجريّ ).

ص: 30

القول بالاستحباب وردّه

وأجاب القائلون بالاستحباب عن الاستدلال ب- : ( أن شيئاً من التسليم واجب ) (1) إلى آخره. بأن ظاهر الآية (2) أن المراد منه التسليم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ، وهو ليس بواجبٍ عيناً لا في الصلاة ، ولا في غيرها بالإجماع. كذا قال فاضل ( المناهج ).

والجوابُ ما مرّ إن كان المستند في هذا للرواية ، وإن كان لمجرّد دعوى الظاهريّة منعنا أنه ظاهرها ، ولو سلّم فالجواب عنه ما أفاده فاضل ( المناهج ): ، حيث قال رحمه اللّه تعالى ، بعد أن ذكر هذا الجواب - : ( ولا يخفى ما فيه ، فإنه لا يضرّ المستدلّ ، فإنه يقول : لمّا كان ظاهر الأمر الوجوب لزم الحمل عليه ما لم يدلّ على إرادة غيره منه دليلٌ ، فلا بدّ مِنْ ألّا يحمل على السلام على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ؛ لئلّا يلزم وجوبُه الذي اعترفتم بالإجماع على نفيه ).

وهو جليل جميل ، لكنّه قال رحمه اللّه بعد هذا : ( بل الجواب أنا لا نسلّم أن المراد التلفّظ بلفظ السلام ، بل الاستسلام له ، والانقياد إليه ، وإطاعته فيما يأمر وينهى. وقد روى أبو بصير : عن الصادق صلوات اللّه عليه - : إنّ المراد به التسليم للنبيّ صلى اللّه عليه وآله : في الأُمور (3) ، أو لا نسلّم أنه لا شي ء منه بواجب في غير الصلاة ، ولِمَ لا يجوز أن يكون قد كان واجباً في حياته صلى اللّه عليه وآله ، وإن كان مرّة واحدة؟! ) انتهى.

أقول : سياق الآية وعطفه على ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) (4) المرادُ به التلفّظ بالنصّ (5)

ص: 31


1- الحبل المتين : 256.
2- الأحزاب : 56.
3- بحار الأنوار 2 : 200 / 64 ، بتفاوت.
4- الأحزاب : 56.
5- ثواب الأعمال : 187 / 1.

والإجماع يقتضي إرادة التلفّظ بلفظه كالمعطوف عليه بلا شكّ ولا غبار عليه ، وما ورد من تفسيرها (1) بالتسليم له والانقياد أمراً ونهياً لا ينافي الظاهر من الآية.

فالقرآن الكريم له بطون إلى سبعين بطناً ، وتأويل وتنزيل ، وظاهر وباطن ، وله تخوم ، ولتخومه تخوم ، وكلّ بطن يختصّ التكليف به برتبة من رتب الوجود لا يجوز تكليف ما دونها به ، فإنه لا يجوز أن يكلّف مَنْ في الدرجة الأُولى مِنْ دُرَج الإيمان بتكاليف مَنْ هو في الدرجة الثانية ، وهكذا صعوداً ، فإنه يستلزم ألّا يتحقّق وصف الإيمان إلّا في أهل العصمة ، بل في خصوص أهل بيت محمَّد صلى اللّه عليه وآله.

ولو كان ما ذكره ينافي الاستدلال بظاهر الأمر لم يتمّ أن هذا معناها ، ولا أمكن الاستدلال بها على وجوب الانقياد والتسليم لأمره ونهيه ؛ لأنه قد ورد في معناها غير هذا.

ففي ( القمّي ) : ( قوله ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) يعني : سلّموا له وبالولاية وبما جاء به ) (2).

وفي ( الاحتجاج ) عن أمير المؤمنين عليه السلام : [ و (3) ] لهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر قوله ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) ، والباطن قوله ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) أي سلّموا لمن وصّاه واستخلفه عليكم ، فضّله وعهد به إليه تسليماً (4) ، وغير ذلك ممّا ورد في معناها.

على أنه قد ورد تفسيرها بالتلفّظ بالتسليم عليه ، ففي ( ثواب الأعمال ) عن الكاظم عليه السلام : في حديث طويل في هذه الآية أنه قال وأمّا قوله عزوجل ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (5) يعني : التسليم فيما ورد عنه.

قيل : فكيف نصلّي على محمّد : وآله؟ قال تقولون : صلوات اللّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد ،

ص: 32


1- مجمع البيان 8 : 479.
2- تفسير القمّي 2 : 196.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( إنّ ).
4- الاحتجاج 1 : 597.
5- الأحزاب : 56.

والسلام عليه وعليهم ورحمة اللّه وبركاته (1) الخبر.

والأخبار بإرادة التلفّظ بالتسليم عليه كثيرة ، مثل ما تكرّر في الأخبار من قول الصحابة : ( عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ ) (2). ممّا دلّ على أنهم إنما فهموا منها التسليم عليه باللفظ.

هذا ، والحقّ أن ظاهر سياق الآية إنما يدلّ على التسليم عليه ؛ لأنه مقتضى العطف ، لكن لقائلٍ أن يقول : إن التسليم في الصلاة داخل في ظاهر السياق ، بدليل النصّ (3) والفتوى (4) ، بأن المصلّي يقصد بسلامه محمّداً : وآله صلّى اللّه عليه وعليهم ولا ينافيه جواز قصد غيرهم معهم كالملائكة أو الأنبياء أو الجماعة أو الملكين. وبهذهِ الملاحظة يتمّ هذا الاستدلال.

وأمّا احتمال وجوبه في حياته ولو مرّة فكما ترى ؛ لعدم الدليل عليه ، ولأنه ربّما أفضى إلى النسخ بعد موته ، واللّه العالم.

وأورد الشيخ بهاء الدين : على هذا الدليل ما صورته قال بعد أن ذكره : ( فإن قلت : حدّ الأوسط في هذا القياس إن كان لفظ ( واجباً ) ليكون ضرباً ثالثاً من الشكل الثاني ، لم يستقم ؛ لأن النتيجة فيه موجبة ، وهذا لا يكون في شي ء من ضروب الشكل الثاني.

وإن كان ( شي ء من التسليم ) ليكون ضرباً خامساً من الشكل الثالث ، فكذلك أيضاً ؛ لأن نتيجة هذا الضرب سالبة جزئيّة ، على أن الباقي من هذا القياس بعد إسقاط الحدّ الأوسط ليس هو الأوسط ، بل هو عنه بمراحل.

وبالجملة ، فهو قياس مختلّ ؛ إذ ليس على وتيرة شي ء من الإشكال الأربعة ).

ص: 33


1- ما ورد في ثواب الأعمال عن الكاظم عليه السلام يختلف عمّا في المتن. نعم ، ورد بهذا النصّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام في معاني الأخبار. راجع : ثواب الأعمال :1. 188 / 1 ، معاني الأخبار : 367 - 368 / 1.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 236.
3- وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8 ، 9.
4- المبسوط 1 : 116.

وأجاب عنه بما لفظه : ( قلت : خروجه عن وتيرة الأشكال الأربعة لا يوجب خلله إلّا إذا لم يستلزم النتيجة ، والاستلزام هنا ظاهر ، فإنه إذا ثبت وجوب التسليم وثبت عدم وجوبه في حال من الأحوال في غير الصلاة ، لزم وجوبه فيها البتّة.

وكم قياس ليس على النمط المألوف في الأشكال الأربعة بتغييرٍ ما في الحدّ الأوسط أو ما شابه ذلك وهو منتج ، نحو قولنا : زيد مقتول بالسيف ، والسيف آلة حديديّة ، فإنه ينتج بأنه مقتول بآلة حديديّة.

بل ربّما لا يوجد الحدّ الأوسط أصلاً ويلزم عنه قول ثالث ، نحو قولنا : كلّ ممكن حادث ، وكلّ واجب قديم ، فإنه يلزم منه لا شي ء من الممكن بواجب ) (1).

قلت : وقال هو رحمه اللّه في حواشي ( الحبل ) : ( لا يخفى أن هذا الكلام يعني : الاعتراض بأن هذا خارج عن أُسلوب الأشكال الأربعة إنما يتّجه إذا تألّف الدليل على هيئة القياس الاقتراني ، وأمّا لو أُلّف على هيئة القياس الاستثنائي لم يتّجه هذا الكلام. كأن يقال : التسليم إمّا واجب في الصلاة أو في غيرها ، لكنّه في غير الصلاة غير واجب ، فهو واجب في الصلاة ) (2) ، انتهى.

وأقول : هو في غنًى عن هذه التكلّفات ، فإن الدلالة غير منحصرة في القياس الاقتراني ولا الاستثنائي ، فالملزوم يدلّ على اللازم ، وبالعكس أيضاً بالنظر الدقيق ؛ لأنا لا نقول بجواز أعميّة اللازم كما هو الشائع في ألسنة أقلّاء أهل النظر ، وإن كان كلامهم حقّا بوجه ، وليس هنا محلّ بيانه. والعلّة تدلّ على المعلول ، وبالعكس في وجه صحيح ، و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (3) ، وكلّ إناء بالذي فيه ينضح.

فيكفيه في الاستدلال أن يقول : ثبت وجوب التسليم بمقتضى الأمر ، ولا قائل بوجوب التسليم عيناً في غير الصلاة ، فثبت وجوبه في الصلاة ، وإلّا لزم ؛ إمّا خرق

ص: 34


1- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 256 ( حجريّ ).
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 256 ( حجريّ ).
3- البقرة : 286.

الإجماع ومخالفته ، أو مخالفة أمر الكتاب بلا دليل.

وقد أجاب العلّامة : في ( المختلف ) عن هذا الدليل بمنع كون الأمر في الآية للوجوب ، وعلى فرض تسليمه نمنع اقتضاءه التكرار ، فيكفي المرّة ، وعلى فرض تسليم اقتضائه التكرار نمنع اقتضاءه وجوب ما يدّعونه من تسليم الصلاة ؛ لأن المأمور به هو التسليم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ، وهو غير تسليم الصلاة ، فما تدلّ عليه الآية لا يقولون به ، وما يقولون به لا تدلّ عليه الآية (1). هذا حاصل كلامه.

قال البهائي : ( وناقشه بعضهم : بأن كون الأمر للوجوب ممّا ثبت في الأُصول. وقد شيّد طاب ثراه أركانه في كتبه الأُصوليّة ، وبأنه متى ثبت وجوب التسليم في الصلاة مرّة ثبت التكرار ؛ إذ لا قائل بالفصل. وبأن الأمر في الآية مطلق ، وعطف المطلق على المقيّد لا يوجب تقييده ) (2) ، انتهى.

قلت : الذي يظهر من سياق الآية والأخبار الواردة في تفاسيرها أن المراد منها هو التسليم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : وله في جميع ما جاء به عن اللّه أمراً ونهياً ، فثبت به وجوب التسليم عليه ، ولا شي ء من التسليم عليه بواجب في غير الصلاة ، فيجب أن يُعنى وآله ب- : « السلام عليكم » للإجماع على عدم وجوب السلام عليك أيّها النبيّ.

وبهذا يتمّ الغرض من الاستدلال. على أن فيما ذكرناه من الأدلّة القاطعة المتنوّعة كفاية لمرتاد الحقّ.

وأجابوا عن الخبر القائل تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (3) :

أوّلاً : بأنه مرسل ، والشهرة لا تجبره ، وروايةُ الثلاثة الذين هم العمدة لها بالنسبة إليه صلى اللّه عليه وآله على طريقة الجزم غايتهُ أن يكون مرويّاً لهم بطريق صحيح ، وربّما ظنّوا رواته عدولاً ولم يطّلعوا على جرح مَنْ هو مجروح منهم ، فلا يلزم كذبهم ، ولا

ص: 35


1- مختلف الشيعة 2 : 195 / المسألة : 109.
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 257 ( حجريّ ).
3- الكافي 3 : 69 / 2 ، الفقيه 1 : 23 / 68 ، وسائل الشيعة 6 : 417 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 8.

الاعتماد على مراسيلهم.

وثانياً : بأنه معارض بما سيأتي من الروايات.

وثالثاً : بأنه خبر واحد لا يوجب علماً ولا عملاً.

ورابعاً : أنه دليل الخطاب ، وهو متروك.

وخامساً : بأن دلالته على المدّعى مبنيّة على إفادةِ المصدرِ المضافِ إلى المعرفة العمومَ ، وهي ممنوعة ؛ إذ ربّما أُريد الجنس أو العهد الذهني أو الخارجي.

وسادساً : بأنه ربّما يحمل الأعمّ من وجه على الأخصّ من وجه ، كما يقال : زيد قائم.

وسابعاً : بأنه لا خفاء بأن المعنى ليس على ظاهر ما يفهم منه ، فإن التسليم ليس عين التحليل ، فلا بدّ من إضمار ، ولا دليل على تعيين المضمر ، فكما يجوز إضمار ما يدلّ على الوجوب ، كأن يقال : حاصل به ، أو نحوه ، يجوز إضمار ما يدلّ على الاستحباب ، كأن يقال : تحليلها يستحبّ أن يكون به.

والجواب عن الأوّل : أوّلاً : بأن إرساله منجبر بعمل المشهور به ، وهذه طريقة أصحابنا تنزيلهم الخبر الذي يعمل به المشهور منزلة الصحيح ، بل هو عندهم أقوى من الصحيح الذي لم يحفّ بالقرائن القويّة ، كما لا يخفى على مَنْ تتبّع كتبهم وعرف طريقتهم ، فدعوى عدم انجباره بالشهرة مكابرة في مقابلة الدليل بلا دليل.

وثانياً : بأن قطع المشايخ الثلاثة بنسبته للنبيّ صلى اللّه عليه وآله : يفيد اليقين بيقينهم بصدوره منه ، وذلك فرع ثبوته عندهم بالاستفاضة.

وثالثاً : بأن إطباق الأُمّة على روايته تخرجه من حدّ الإرسال وتلحقه بالمستفيضات.

ورابعاً : بأن مضمونه ، بل ولفظه مرويّ بطرق عديدة من طرق أصحابنا في الكتب المعتبرة كما مرّ ، وبذلك يعلم أنه من المسانيد لا من المراسيل.

وأيضاً ، تسليم أنه وصل إلى رؤساء الفرقة بطريق صحيح يخرجه من حدّ الإرسال. واحتمال ظنّهم عدالة رواته مع احتمال جرحهم ولم يطّلعوا عليه يهدم

ص: 36

أساس الاستدلال ؛ لاستلزامه عدم تيقّن صحّة خبرٍ ، ويسدّ باب العلم بأحوال الرواة ، ويبطل تقسيم الخبر إلى صحيح وغيره.

وكيف يجري هذا الاحتمال في شأن هؤلاء الثلاثة وهم رؤساء الفرقة ، والذين هم أئمّة الجرح والتعديل ، وإليهم شُدّت الرحال في معرفة أحوال الرجال ، وعليهم معوّل الطائفة في هذا الباب؟!.

وعن الثاني : بمنع مقاومة شي ء من الأخبار التي استدلّ بها القائل بالاستحباب ، وكيف تعارضه مع تأييده بما سمعت من الأدلّة القاطعة من الأخبار الكثيرة وغيرها؟! فلا مقاومة ، فلا معارضة.

وعن الثالث : بأنه ليس بخبر واحد ، بل هو مرويّ بطرق كما عرفت.

وأجاب فاضل المناهج : عن الرابع بأنك قد عرفت دلالته على المدّعى من غير طريق دليل الخطاب ، وقد مرّ بيانه من كلامه ، رفع اللّه مقامه.

وعن الخامس : بأن هذا الجواب مع ظهور عدم وروده على ما قرّرنا به الدلالة مندفعٌ عن التقرير المشهور أيضاً :

أمّا أوّلاً ، فبأن العموم هو المتبادر ، فلا بدّ في فهم غيره من قرينة.

وأمّا ثانياً ، فلأن من الظاهر أن العهد هنا غير مراد ؛ أمّا الخارجي فلأنه لا عهد خارجاً ، وأمّا الذهني فلأنه مجاز لا بدّ من قرينة على إرادته ، وليست.

فالذي يمكن أن يقال : إرادة الجنس ، وهو لا يضرّنا ، فإن حصر جنس التحليل في التسليم كافٍ لنا. وكذا تفسيره به ، ومساواته له ، أو أعمّيّته منه.

وعن السادس : بأنه فيما إذا كان المحكوم عليه والمحكوم به كلاهما معرفتين - ممنوعٌ ، إلّا مجازاً وتوسّعاً ، فإن الحمل لا معنى له إلّا الاتّحاد في الصدق والوجود ، والتعريف لا بدّ من أن يكون له فائدة ، ولا فائدة له إلّا الإشارة ؛ إمّا إلى الجنس ، أو فرد معهود منه ، أو الاستغراق.

وعلى كلّ لا يصحّ أن يكون بينهما عموم من وجه ، كما لا يخفى.

ص: 37

ويمكن جعل هذين الجوابين جواباً واحداً بأن يقال : إن الاستدلال به مبنيّ ؛ إمّا على إرادة العموم ، أو على أنه لا يمكن أن يكون بين الموضوع والمحمول عموم من وجه ، فإنه بانتفاء الأوّل يبطل الوجه الأوّل ، وبالثاني الثاني.

أقول : يريد بالجوابين المشار لهما الخامس والسادس ، وحينئذٍ فالجواب عنه إثبات الدعويين ، وقد ثبتتا بما مرّ.

ثمّ نقول : قوله : ( لا معنى للحمل إلّا الاتّحاد في الصدق والوجود ) فيه غموضٌ ، فإنه بظاهره مخالف لما أجمع عليه أهل العربية والمعاني والبيان واللسان والميزان من صحّة حمل الأعمّ على الأخصّ.

فنقول : لا منافاة بينهما ، بل كلاهما حقّ ، فإن أهل اللسان والبيان والميزان إنما يعنون عموم المحمول بحسب مفهوم اللفظ بحسب وضعه ، وهذا الفاضل عنى المحمول الخاصّ على الموضوع الخاصّ ، جزئيّاً كان كلّ منهما أو كلّيّاً.

إذ من البيّن فيما إذا قلت : زيد قائم ، أو حيوان ، أنك لم تحمل على زيد إلّا قيامه وحيوانيّته ، لظهور استحالة حمل قائميّة عمرو أو حيوانيّته على زيد ، بل إنما تحمل على الشي ء قسطه الذي يخصّه ممّا يصدق عليه مفهوم المحمول.

وقد أشار إلى هذا المعنى ابن سينا : في ( الإشارات ) (1) ، وشرّاح كلامه (2) ، لكن كلامهم فيما إذا دخلت أداة الحصر على الجملة الحمليّة ، فإنهم حكموا بأنها تفيد حينئذٍ مساواة المحمول للموضوع ، ولم يتعرّضوا لذكر غيرها.

وكذلك أشار إلى ما أشار له فاضل ( المناهج ) : [ وم ] السيّد الداماد : في حواشي ( الأُفق المبين ) ، ونسب مثله للجرجاني : ، ولسنا بصدد البحث عن هذه المسألة وبيانها ، بل بيان عبارة هذا الفاضل.

فإنك إذا تأمّلت بالنظر إلى رتب الوجود وجدت المحمول والموضوع بحسب كلّ رتبة متساويين في الصدق والوجود ، فإذا قلت : زيد حيوان ، لم يحمل عليه إلّا

ص: 38


1- شرح الإشارات 1 : 138. ( المتن ).
2- شرح الإشارات 1 : 138.

ما يخصّه في تلك الحال من مطلق الحيوانيّة ، وحين حملك عليه الحيوانيّة ليس هو إلّا حيواناً ، لأنك لا تحمل عليه الحيوانيّة إلّا حال كونه مُلاحظاً في رتبته الحيوانيّة حتّى يمكن أن يحمل عليه قسطه الذي يخصّه من الحيوانيّة العامّة ، وحينئذٍ يتساوى المحمول والموضوع ، فتأمّله فإنه يدقّ ويجلّ.

وأجاب الفاضل المذكور عن السابع ب- ( أنك خبير باندفاعه ، فإن هذه العبارة شائعة بين أهل اللسان فيما يراد به المبالغة في التلازم بين الشيئين ، حتّى كاد لا يفتقر إلى إضمار شي ء ، ولا يكاد يفهم منه إلّا إنه حاصل به ، أو ملازم له ، ونحو ذلك ممّا يؤدّي مؤدّاه ، إلّا إذا كانت قرينة صارفة عن إرادة هذا المعنى.

وأيضاً الإضمار لا يصحّ من البليغ إلّا إذا كانت هناك قرينة تدلّ على المضمر ، فإذا لم تكن قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه كما هنا تعيّن تقدير أعمّ العوام ، وهو هنا الحصول ونحوه ، على أنه يمكن أن يقال : إن ما قبله قرينة على إرادة هذا المعنى.

وبالجملة ، فإن اعتُمِدَ على هذا الخبر كانت دلالته على وجوب التسليم أوضح من أن تتطرّق إليه شبهة ) ، انتهى.

ونحن نقول : لا ينبغي الشكّ في حجيّة هذا الخبر ووضوح دلالته ، فإنه إذا لم يعتمد على مثله ممّا أطبقت الأُمّة على روايته ولا أقلّ من أن يكون ممّا امِرْنا بالأخذ به ممّا اشتهر لم يحصل الوثوق بخبرٍ حتّى يعتمد عليه في إثبات حكم ، ومن البيّن أنه إذا لم يعتمد على مثله فَلَأنْ لَايُعْتَمد على ما استدلّ به القائلون بالاستحباب من الأخبار أوْلى.

وأجاب القائل بالاستحباب أيضاً عمّا استدلّ به المرتضى (1) : ، والشهيد : في ( الذكرى ) (2) ، وفاضل ( المناهج ) : مِنْ أن كلّ مَنْ قال بوجوب التكبير وجزئيّته قال بوجوب التسليم وجزئيّته بمنع الإجماع ، فإن كلّ مَنْ منع من وجوب التسليم

ص: 39


1- الناصريّات : 211 - 212 / المسألة : 82.
2- الذكرى : 205 ( حجريّ ).

قائل بوجوب التكبير وكونه جزءاً من الصلاة ، كما ذكره في ( المختلف ) (1) و ( المناهج ) وغيرهما.

والجواب : أن المرتضى إن أراد بهذا دعوى الإجماع فهو إجماع منقول ، وهو حجّة ولا اعتراض عليه ولا ينافي عدم ظهوره لغيره ، وإن أراد شيئاً آخر لم يرد عليه منع الإجماع ، وقد تقدّم أنه يمكن أن يريد أن كلّ دليل دلّ على وجوب التكبير دلّ على وجوب التسليم ، فإن المُدْخِلَ كالمُخْرِجِ في صفة الجزئيّة والوجوب أو الندب ، والإجماع من النصّ (2) والفتوى (3) قائم على وجوب التكبير ، فيدلّ على وجوب التسليم وإن كان هذا التوجيه بعيد من ظاهر العبارة ، على أن الدلالة لم تنحصر في هذا الدليل.

وأجابوا عن الاستدلال بمواظبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ونوّابه والصحابة عليه ، بأن المواظبة على فعل لا تدلّ على وجوبه ، فإن النبيّ : وخلفاءَهُ صلّى اللّه عليه وعليهم وكثيراً من الصحابة كانوا يواظبون على المندوبات كمواظبتهم على الواجبات.

وأمّا قوله صلى اللّه عليه وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (4) فنحن نقول بموجبه ، ولا يدلّ على وجوب التسليم إلّا بعد أن يتبيّن أنه جزء من الصلاة ، وهو أوّل المسألة.

وقال فاضل ( المناهج ): ( وهو مندفع بأن العبادات وهيئاتها لا شبهة في أنها لا تصحّ إلّا على الوجه الذي تُيُقّنَ إجزاؤهُ من جهة الشرع ، فإذا واظب النبيّ صلى اللّه عليه وآله : على هيئة العبادة بحيث لم يرد ولم ينقل أنه فعلها على هيئة أُخرى تعيّن فعلُها على تلك الهيئة إلى أن يتحقّق برهان قاطع على جواز غيرها من إجماع أو نصّ ، وإذا واظب على شي ء في عبادة ولم يفعله أبداً على وجه يشعر بانفصاله عنها لزم القول بجزئيّته لها إلى أن يقوم دليل على خلافها.

ومن الظاهر أنه صلى اللّه عليه وآله وكذا الأئمّة صلوات اللّه عليهم والصحابة كلّهم كانوا

ص: 40


1- المختلف 2 : 193 / المسألة : 109.
2- انظر وسائل الشيعة 6 : 9 - 16 ، أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ، ب 1 ب 3.
3- الناصريّات : 211 / المسألة : 82.
4- عوالي اللآلي 1 : 197 - 198 / 8 ، مسند أحمد بن حنبل 5 : 53.

يواظبون على التسليم عقيب التشهّد الأخير من غير فصل بينه وبين ما قبله من أفعال الصلاة ، ولم يُرَ أحدٌ منهم ولم ينقل عنه خروجه من الصلاة قبل التسليم ، كما لم ينقل خروجه عنها بدونه. فتعيّن القول بجزئيّة التسليم للصلاة ووجوبه فيها إلى أن يقوم دليلٌ على خلافه ) ، انتهى.

وأقول : قد ثبت بالدليل المتضاعف أن ما عُلِمَ قَصْدُ المعصومِ القربةَ به من الأفعال الأصلُ فيه الوجوبُ ما لم يدلّ دليل على استحبابه ، خصوصاً الصلاة ، فقد نقل فيها الإجماع ، وليس هنا محلّ بيانه.

فلا شكّ في أن مواظبته صلى اللّه عليه وآله على فعل شي ء في الصلاة أو كيفيّةٍ في شي ء دليلُ الوجوب ، ومِنْ أوضح الأدلّة على وجوب اتّباعه في كلّ ما يواظب على فعله فيها حتّى يقوم دليل على ندبيّته أنه لولاه للزم أن يدلّ على ندبيّته ، وإلّا لزم الإغراء بالقبيح والإيقاع في خطر عدم الامتثال.

وأجابوا عن الاستدلال بأن المصلّي إذا سلّم خرج من العهدة بيقين بالمعارضة بالأصل.

والجواب : أن هذا الأصل مضمحل بالأدلّة القاطعة ، وقد عرفت جملة منها ، فلا يجوز العمل به مع منعها منه هنا ، وبأنه مُعَارَضٌ بأصالة بقاء شغل الذمّة بالعبادة.

وقال فاضل ( المناهج ) : مجيباً عن هذا بأنك خبير بأن الأصل هنا مضمحل إن لم نقل إن الأصلَ في كلّ ما واظب عليه في العبادات وجوبه ، على أنه مُعَارَضٌ بأصالة البقاء في العهدة.

وأجابوا عن بطلان صلاة المسافر بالإتمام مع العلم بوجوب القصر بعدم تسليم أن البطلان بمجرّد الزيادة ، بل إنما تبطل إذا نوى الإتمام من أوّل الصلاة ، باعتبار أنه نوى خلاف المشروع ، أمّا إذا نوى القصر ثمّ زاد سهواً أو بنيّة الزيادة بعد التشهّد الأوّل فلا تبطل عند القائلين بالاستحباب ، وإن أطلقوا فلا بدّ مِنْ أن يحمل عليه كلامهم. وهذا الجواب ذكره في ( المناهج ) ولم يجب عنه.

وجوابه : أن إطلاق الفريقين بطلان صلاة المسافر يُؤذِنُ باتّفاقهم عليه ، وهو يؤذن

ص: 41

بالإجماع ، ويؤيّده إطلاق الفقهاء في سائر الأعصار أن زيادة الركن مبطلة عمداً وسهواً وعدم معذوريّة الجاهل فيه إلّا ما خرج بدليل ، بل لا يكاد يتحقّق فيه خلاف ، ولو كان إطلاق القائلين بالاستحباب مقيّداً بما ذكر أولاً لصرّحوا به ونصّوا عليه دفعاً للغرر والاشتباه ، وإنما هذا إلزام لهم بما لا يقولون به ، وهو ينافي قولهم بالاستحباب ويناقضه.

وأيضاً ، فلنا منع بطلان الصلاة بنيّة وصلها بصلاة بعد كمالها ، صحيحة كانت أو فاسدة ، مشروعة أو غير مشروعة.

وأيضاً ، فلنا منع وجوب ملاحظة القصر والتمام ، ولو أوجبناهُ منعنا تأثيره في الصحّة ، والبطلان سلّمناه ، لكنّه بسبب آخر للبطلان غير الزيادة.

وأجابوا عن خبر أبي بصير : الناصّ على أن آخر الصلاة التسليم (1)

بأن كون التسليم آخر الصلاة إنما يفيد جزئيّته لها ، وأما وجوبه فلا ، فإنه كثيراً ما يكون جزء العبادة الواجبة مندوباً.

قال فاضل ( المناهج ): ( ولا يخفى اندفاعه ، فإن الخبر متضمّن للأمر بإتمام الصلاة ، وهو دالّ على عدم تمامها قبل التسليم ، ثمّ إطلاق الجزئيّة للعبادة الواجبة يعطي الوجوب ما لم يدلّ [ دليل ] قاطع ) ، انتهى.

قلت : ولنا أن نمنع جزئيّة المستحبّ الواقع بعد كمال جميع واجباتها ، وإنما يكون المندوب جزءاً منها إذا وقع في خلال واجباتها.

وأجابوا عن الأخبار الآمرة بالتسليم بالحمل على الاستحباب.

والجواب : أن حملها عليه إخراجٌ للأمر عن مدلوله الشرعي ، مع كثرتها وتنوّعها ، وهذا غير مقبول إلّا بدليل قاطع يقاومها ، ولا دليل كذلك.

ص: 42


1- تهذيب الأحكام 2 : 320 / 1307 ، الإستبصار 1 : 345 - 346 / 1302 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 4.
أدلَّة القول بالاستحباب
اشارة

ولنذكر الآن أدلّة القائلين بالاستحباب ، فنقول : قال فاضل ( المناهج ): ( قد حصل ممّا حقّقنا أنه إن لم يكن للقائلين بالاستحباب دليلٌ يقوى على معارضة ما ذكرناه من أدلّة الموجبين تعيّن القولُ بالوجوب ، فلنذكر أدلّتهم ليعلم الحال ، استدلّوا أوّلاً : بالأصل ، وقد عرفت اضمحلاله ).

أقول : قد مرّ الكلام في هذا الأصل ، وأنه مرتفع بما تُلي عليك من الأدلّة ، ومعارضٌ بأصالة استصحاب شغل الذمّة اليقيني ، على أن الأصل لو بقي لم يكن مقتضاه الندبيّة ، وإنما يقتضي في الحقيقة عدم التكليف بالتسليم أصلاً.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وثانياً : بقوله صلى اللّه عليه وآله إنما صلاتنا هذه تكبير ، وقراءة ، وسجود (1) ، ولم يذكر التسليم ، وإنما من أدوات الحصر ، فيدلّ على انحصار أجزائها فيما ذكر.

وهو مردود بأنه لو بقي على ظاهره لم يصحّ ، فإنه أغفل كثيراً من الواجبات كالتشهّد ، والأذكار ، والطمأنينات ، ورفع الرأس ، وإن أمكن إدراج الرفع والطمأنينة في الركوع والسجود فلا شبهة في أنه لا يمكن في التشهّد ، وكذا القيام ، فلا بدّ من أن يحمل على حصر معظم الأجزاء وأشرفها ، كقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) (2) الآية ، وقوله صلى اللّه عليه وآله الحجّ عرفة (3) ، فلا دلالة له على المقصود ).

قلت : ويمكن إرادة جميع الأذكار من لفظ التكبير ، فإنه كثيراً ما يطلق في الأخبار

ص: 43


1- عوالي اللآلي : 3 : 94 / 104.
2- الأنفال : 2.
3- عوالي اللآلي 2 : 93 / 247 ، سنن ابن ماجة 2 : 1003 / 3015.

لفظ التسبيح والتنزيه والتكبير ، بل ولفظ الاستغفار أيضاً على مطلق ذكر اللّه ، كما لا يخفى على المتتبّع المتدبّر ، فيدخل فيه ذكر الركوع والسجود والتشهّد والتسليم ، فإنه دعاء وعبادة ، وكذا الركوع في لفظ السجود تغليباً ، فإنه شائعٌ في اللغة.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وثالثاً : بأنه لو كان واجباً وجزءاً من الصلاة لكان تبطل الصلاة بتخلّل الحدث بينه وبين ما قبله ، والتالي باطل ؛ لصحيحة زرارة : عن الباقر عليه السلام : سألته عن رجل يصلّي ثمّ يجلس فيُحدِث قبل أن يسلّم قال عليه السلام تمّت صلاته (1) ).

قلت : ومثله خبر [ الحسن (2) ] بن الجهم : سألت أبا الحسن عليه السلام : عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة ، فقال إن كان قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّهُ وأن محمّداً رسولُ اللّه ، فلا يعيد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد (3) ، وشبههما من الأخبار المتضمّنة لصحّة الصلاة مع الخروج بغير السلام من سائر المنافيات.

( ورابعاً : بما رواه الحلبي : عن الصادق عليه السلام : إذا التفتَّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً ، وإن كنت قد تشهّدت فلا تعد (4).

وخامساً : برواية غالب بن عثمان : عن الصادق عليه السلام : سألته عن الرجل يصلّي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهّد ، ثمّ ينام قبل أن يسلّم قال عليه السلام تمّت صلاته (5).

وسادساً : بصحيحة زرارة : عن الباقر : صلوات اللّه عليه - : سألته عن رجل صلّى

ص: 44


1- تهذيب الأحكام 2 : 320 / 1306 ، الإستبصار 1 : 345 / 1301 ، وسائل الشيعة 6 : 424 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 2.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الحسين ) ، وقد ورد بلفظ ( الحسين بن الجهم ) في رجال الطوسي : 373 ، وخلاصة الأقوال : 113.
3- تهذيب الأحكام 2 : 354 - 355 / 1467 ، الإستبصار 1 : 401 / 1531 ، وسائل الشيعة 7 : 234 - 235 ، أبواب قواطع الصلاة ، ب 1 ، ح 6.
4- الكافي 3 : 365 / 1 ، تهذيب الأحكام 2 : 323 / 1322 ، الإستبصار 1 : 405 / 1547 ، وسائل الشيعة 6 : 424 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 4.
5- تهذيب الأحكام 2 : 319 / 1304 ، وسائل الشيعة 6 : 425 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 6.

خمساً ، فقال عليه السلام إنْ كان جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته (1). ونحوها روايات.

وسابعاً : بصحيح محمّد بن مسلم : عن الصادق عليه السلام : قال إذا استويت جالساً ، فقل : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّداً عبدُه ورسوله ، ثمّ تنصرف (2).

وثامناً : بصحيح علي بن جعفر : عن أخيه موسى : صلوات اللّه عليه - : سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطوّل الإمام التشهّد فيأخذ الرجل البول ، أو يتخوّف على شي ء يفوت ، أو يعرض له وجع ، كيف يصنع؟ قال يتشهّد هو وينصرف ، ويدع الإمام (3).

وتاسعاً : بموثّقة يونس : قلت لأبي الحسن : صلوات اللّه عليه - : صلّيت بقومٍ صلاةً فقعدت للتشهّد ، ثمّ قمت ونسيت أن أُسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّمت علينا ، فقال عليه السلام ألم تسلِّم وأنت جالس؟.

قلت : بلى قال لا بأس عليك ، ولو نسيت حين قالوا ذلك استقبلتهم بوجهك فقلت : السلام عليكم (4).

وعاشراً : بصحيحة زرارة : والفضيل : ومحمّد بن مسلم : عن الباقر : صلوات اللّه عليه أنه قال إذا فرغ رجل من الشهادتين فقد مضت صلاته ، فإن كان مستعجلاً في أمرٍ يخاف أن يفوته فسلَّم وانصرف أجزأه (5).

وحادي عشر : بصحيحة معاوية بن عمّار : قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إذا فرغت من

ص: 45


1- تهذيب الأحكام 2 : 194 / 766 ، الإستبصار 1 : 377 / 1431 ، وسائل الشيعة 8 : 232 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 19 ، ح 4.
2- تهذيب الأحكام 2 : 101 / 379 ، الإستبصار 1 : 342 / 1289 ، وسائل الشيعة 6 : 397 ، أبواب التشهّد ، ب 4 ، ح 4.
3- الفقيه 1 : 361 / 1191 ، تهذيب الأحكام 2 : 349 / 1446 ، وسائل الشيعة 8 : 413 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 64 ، ح 2.
4- تهذيب الأحكام 2 : 348 / 1442 ، وسائل الشيعة 6 : 425 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 5.
5- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1298 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 5.

طوافك فأتِ مقام إبراهيم عليه السلام : ، فصلِّ ركعتين واجعلهما قياماً (1) ، واقرأ في الأُولى منهما : سورة التوحيد قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ (2) ، وفي الثانية : قُلْ يَا أيّهَا الكَافِرُونَ (3) ، ثمّ تشهّد واحمد اللّه واثنِ عليه ، وصلِّ على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ، واسأله أن يتقبّل منك (4) ، فإن الإعراض عن ذكر التسليم في هذا المقام قرينة على عدم وجوبه. وإذ لا يجب في ركعتي الطواف لا يجب في غيرهما ؛ لعدم القول بالفصل.

وثاني عشر : برواية الحلبي : عن الصادق عليه السلام : قال إذا نسي أن يسلِّم خلف الإمام أجزأه تسليمُ الإمام (5).

هذا غاية ما استخرجه فاضل ( المناهج ) : من الاستدلال لهم ، وقد أحاط بما لم يُحط به غيره.

ردّ أدلَّة القول بالاستحباب

والجواب عنه إجمالاً إمّا بالحمل على التقيّة ، فإن غاية ما ذكر كلّه صحّة الخروج من الصلاة بغير التسليم ، وهذا لم يقل به أحد من الأُمّة غير أبي حنيفة (6) : ، وقد نصّ الشهيد : في ( الذكرى ) على : ( أنه لم يقل به أحدٌ من الأصحاب ) (7) ، فسبيله سبيل ما جاء في بعض الأخبار من أن آخر الصلاة السجود ، مثل خبر زرارة : عن الصادق : سلام اللّه عليه في الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال عليه السلام تمّت صلاته ، وإنما التشهّد سنّة في الصلاة ، فيتوضّأ ويجلس مكانه ، أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد (8) ، وبمعناه عدّة أخبار.

ص: 46


1- في المصدر : « واجعله إماماً » بدل : « واجعلهما قياماً ».
2- الإخلاص : 1.
3- الكافرون : 1.
4- الكافي 4 : 423 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 423 ، أبواب الطواف ، ب 71 ، ح 3.
5- تهذيب الأحكام 2 : 160 / 627 ، وسائل الشيعة 6 : 424 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 3.
6- المجموع شرح المهذب 3 : 462.
7- الذكرى : 207 ( حجريّ ).
8- تهذيب الأحكام 2 : 318 / 1300 ، الإستبصار 1 : 342 / 1290 ، وسائل الشيعة 6 : 411 ، أبواب التشهّد ، ب 13 ، ح 2.

وإمّا بالطرح ؛ لعدم مقاومتها لما ذكرناه من الأدلّة القاطعة ، ولاستلزامها ما لم يقل به أحدٌ من الأصحاب من صحّة الخروج بغير التسليم ، ومشروعيّة صلاة الاحتياط وسجدتي السهو قبله ، ولتشابه ظاهرها ، ولقبولها التأويل ، كلّها أو جلّها.

وأمّا تفصيلاً : فبما أجاب به فاضل ( المناهج ) : شكر اللّه سعيه ، ولننقل عبارته بلفظها ، وعسى أن نزيد عليها من البيان ما نرجو من اللّه أن يفيضه علينا من خزائن رحمته ونوره.

قال رحمه اللّه : ( ونحن نقول في الجواب عن هذه الأحاديث : إنها ومثلها لا بدّ من أن تحمل على التقيّة إن لم يكن لها نحوٌ آخر من التأويل ؛ لأنه كما يحصل الجمع بين الأدلّة بحمل ما دلّ على الوجوب ظاهراً على الاستحباب ، كذلك يحصل الجمع بحمل ما دلّ على عدم الوجوب على التقيّة ، وهذا هو المتعيّن ؛ لأنه أحوط للدين.

على أنا نقول بعد تسليم العمل بمضامين هذه الأخبار في الرواية الأُولى :

أوّلاً : أن ظاهرها أن صدور الحدث عنه بعد الصلاة ، كما لا يخفى ، فلا بدّ من أن يُراد بالتسليم المندوب منه ؛ لأنه الذي تتمّ الصلاة قبله.

وثانياً : أنه يحتمل أن يكون : ( يحدّث ) بالتشديد من التحديث ، ويؤيّده لفظ ( يجلس ) كما هو ظاهر عند مَنْ له معرفة بأطوار المحاورات ، فيحمل على أنه تكلّم ناسياً بما لا يخرجه عن حدّ المصلّي ، ولا شبهة في أنه لا يخلّ بالصلاة.

والمراد بتمام صلاته ليس أنه تمّ قبل السلام ، بل السؤال حينئذٍ قرينة على أن المراد به أنه لا تختلّ صلاته بهذا السبب ، بل في قول السائل : ( قبل أن يسلّم ) دلالة على أنه سلّم بعده ، وحينئذٍ فلا شكّ في أنه تمّت صلاته ).

أقول : يريد بالرواية صحيحة زرارة : عن الباقر عليه السلام (1) : ، ولعلّه أراد بالتسليم المندوب هو الصيغة المؤخّرة من الصيغتين بناءً على القول بالتخيير ، والواجب ما

ص: 47


1- تهذيب الأحكام 2 : 194 / 766 ، الإستبصار 1 : 377 / 1431 ، وسائل الشيعة 8 : 232 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 19 ، ح 4.

تبدأ به منهما. أو يريد به التسليم الثاني للإمام أو المأموم بناءً على القول به.

ويحتمل أن يراد بالتسليم المسبوق بالحدث هو التعقيب مجازاً لاشتماله عليه ، والقرينة ما في السؤال من فرض الحدث في جلوس معطوف على : ( يصلّي ) ب- ( ثمّ ) الدالّة على تعقّبه وتراخيه عن الصلاة.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( وفي رواية الحلبي (1) :

أوّلاً : أنها إن حملت على ما حملتم عليه من المعنى ، فكما لها دلالة على عدم جزئيّة السلام ، فكذلك لها دلالة من جهة أُخرى على جزئيّته ، فإن هذا الحكم متعلّق بالالتفات في الصلاة ، فدلّ على أنه ما لم يسلّم فهو داخل في الصلاة ، إلّا أن يعطف الشرطيّة الثانية على مجموع الشرطيّة الأُولى.

وثانياً : أنه يمكن أن يُقرأ فلا تعد بفتح التاء فسكون العين فضمّ الدال ، من ( عداه يعدوه ) إذا تجاوزه ، أو بفتح التاء والعين والدال المشدّدة ، من التعدّي ، أي وإن كنت قد تشهّدت فلا تَعَدّ إلى التسليم فإنه لا ينفعك ، بل عليك الاستئناف.

وثالثاً : أنه يمكن أن يكون إن في قوله وإن كنت وصليّة ، أي تجب الإعادة وإن تمّ التشهّد ، وإنما نفى التسليم.

وقوله فلا تعد يحتمل حينئذٍ تلكما الوجهين مع الوجه الذي قرأه المستدلّ ، وأن يكون بفتح التاء وضمّ العين ، من العود ، أي فلا تَعُد هذا الفعل المبطل للصلاة ، أو لا تَعدُ إليه ، أو لا تَعد ، أو لا تتعدّ عن حدود اللّه ، أو عمّا قلناه لك ، أو إلى ما بقي من أجزاء الصلاة بعد الالتفات فإنه لا ينفعك ، وعلى جميع هذه التقادير تكون ( الفاء ) في فلا تعد للتفريع لا للمُجَازَاة ).

قلت : ويحتمل احتمالاً ظاهراً قويّاً أنه أراد بقبليّة الفراغ كون الالتفات قبل التسليم ؛ إذ لا يتحقّق الفراغ منها قبله ، لما عرفت من عدم القائل بصحّة الخروج

ص: 48


1- الكافي 3 : 365 / 10 ، تهذيب الأحكام 2 : 323 / 1322 ، الإستبصار 1 : 405 / 1547 ، وسائل الشيعة 6 : 424 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 4.

بغيره ، فلا يتحقّق الحكم عند الأصحاب بالفراغ منها قبله وإن لزم القائلين بالاستحباب ذلك ، لكن الظاهر أنه لا يقول به أحدٌ منهم.

ويحتمل أيضاً دخول التسليم في لفظ التشهّد مَجازاً ، فإن الأصحاب بل والأخبار يطلقون التشهّد عليه مع جميع مندوباته ومتعلّقاته ، كما لا يخفى على المستوضح ، فلا يكون في الخبر دلالة على المدّعى لما فيه من هذه الاحتمالات.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وفي صحيحة زرارة (1) : أن من الظاهر أن مَنْ جلس بقدر التشهّد الكامل كان قد جلس بقدر أدنى ما يجب في التشهّد مع التسليم ، فليكن هو المراد ، ولم يصرّح به لظهور ذلك. ثمّ كما أن التشهّد الذي يأتي به عقيب الخامسة يكون مجزئاً كذلك التسليم ، وكما أن هذا الفصل لا يضرّه فكذا لا يضرّه أيضاً ، أو كما أن الجلوس بقدر التشهّد مجزيٌ عن الإتيان به كذا الجلوس بقدر التسليم يجزئُ عنه.

وفي صحيحة محمّد بن مسلم (2) : أنه لا دلالة لها أصلاً على عدم وجوب التسليم ، فإن الانصراف أعمّ من الانصراف للتسليم ، ومنه بدونه ، ولمّا لم يكن المقصود هنا الإتيان بالتشهّد لم يصرّح بالتسليم.

والحاصل أن الانصراف لا معنى له إلّا الخروج عن الصلاة ، وأمّا دلالته على الخروج من غير أن يكون له سبب من التسليم ونحوه فلا ، بل ربّما أُطلِقَ الانصرافُ على التسليم في كثير من الأخبار ، كما لا يخفى على مَنْ تتبّعها ، وكذا الكلام في صحيحة عليّ بن جعفر (3) ).

قلت : ويمكن حمل التشهّد فيها على ما يعمّ التسليم ، كما تقدّم في غيرها.

ص: 49


1- تهذيب الأحكام 2 : 194 / 766 ، الإستبصار 1 : 377 / 1431 ، وسائل الشيعة 8 : 232 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 19 ، ح 4.
2- تهذيب الأحكام 2 : 101 / 379 ، الإستبصار 1 : 342 / 1289 ، وسائل الشيعة 6 : 397 ، أبواب التشهّد ، ب 4 ، ح 4.
3- الفقيه 1 : 361 / 1191 ، تهذيب الأحكام 2 : 349 / 1446 ، وسائل الشيعة 8 : 413 ، أبواب صلاة الجماعة ، ب 64 ، ح 2.

ومن الأخبار التي أُطلِقَ فيها الانصراف على التسليم خبر أبي بصير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس (1).

ومثلها كثير ، كما يظهر بمراجعة أبواب السهو والشكّ والتعقيبات ، فراجع. وقد ترك خبر غالب بن عثمان (2).

والجواب عنها بحمل التسليم فيها على ما يقع في التعقيب بعد السلام المُخْرِج من الصلاة ، والتشهّد على ما يعمّ التسليم الواجب.

والقرينة قول السائل : ( سألته عن الرجل يصلّي المكتوبة ، فيقضي صلاته ويتشهّد ، ثمّ ينام ) ، فإنه فرض النوم بعد قضاء الصلاة ، ولا معنى له إلّا فراغها بالكلّيّة ، وعطف التشهّد عليه من باب عطف الجزء على الكلّ مبالغة في بيان استكمال الصلاة ، ولذا عطفه بالواو.

وفي عطفه النوم على قضاء الصلاة والتشهّد ب- ( ثمّ ) قرينة أيضاً على ذلك ، ومبالغة في بيان وقوع النوم بعد كمال الصلاة ، وهذا بحمد اللّه جليّ.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وفي موثّقة يونس بن يعقوب (3) : أنه لا دلالة لها على المدّعى أيضاً ، فإنه إنما قيل فيها ولو نسيت حين قالوا ذلك ، ولا يفهم منه إلّا إنه نسي حينئذٍ أنه هل سلّم أم لا؟ وهو شكّ في الفعل بعد انقضائه ، ومن المعلوم عدم اعتباره وتماميّة الفعل ).

قلت : وما أظهر احتمال أن يراد بالتسليم فيها التسليم المندوب حال التفرّق ، فإنه قال : ( قعدت للتشهّد ، ثمّ قمت ونسيت أن أُسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّمت علينا ) أي تسليم التفرّق ، حيث عطف القيام على التشهّد ب- ( ثمّ ) الدالّة على التراخي.

ويحمل التشهّد على ما يعمّ التسليم ، فإنه متعارف ومجاز شائع ، ولذا خاطبوه

ص: 50


1- تهذيب الأحكام 2 : 160 - 161 / 631 ، وسائل الشيعة 6 : 287 ، أبواب القنوت ، ب 16 ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 2 : 319 / 1304 ، وسائل الشيعة 6 : 425 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 6.
3- تهذيب الأحكام 2 : 348 / 1442 ، وسائل الشيعة 6 : 425 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 5.

وعاتبوه بما هو خارج عن الصلاة ، بل بما تعمّده مبطل لها ، ولو كان المقصود تسليم الصلاة لَتَحرّجوا من ذلك ، كما لا يخفى من طريقة المسلمين.

وأيضاً الجواب فيه قرينة على ذلك ، بل دلالة ، حيث سأله قال ألم تسلّم وأنت جالس؟. قلت : بلى. فإن ظاهره إنما عنى به تسليم الصلاة ، فأجابه بأن تسليم الصلاة يكفي عن تسليم التفرّق ، حيث إنه واقع حال مفارقته لهم ومفارقتهم له في الصلاة ومُؤذن بذلك ، فلا دلالة للخبر على المدّعى بوجه.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وفي صحيحة الفضيل : وزرارة : ومحمّد بن مسلم (1) : إنا وإن أوجبنا التسليم وجعلناه جزءاً من الصلاة لكن جزئيّته ليست كجزئيّة سائر الأجزاء ، فإنه في الأصل إنما وضع للخروج منها ، فمضيّ الصلاة حين الفراغ من الشهادتين إشارة إلى هذا المعنى ).

قلت : بل هو جزءٌ كالتحريمة حقيقة ؛ لأنه جعل في مقابلتها ، والخبر ظاهر في وجوبه ، فإنه رتّب فيه الانصراف والإجزاء عليه. ومعنى قوله عليه السلام إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته أنه لم يبقَ من واجبات صلاته إلّا التسليم المُخْرِج ، وأدخل الصلاة على محمّد وآله في لفظ الشهادتين ؛ للإجماع والنصّ (2) بوجوبها ، وأن ما بينهما من المأثور مستحبّ ، ولذا قال بعد قوله مضت صلاته - فإنْ كان مستعجلاً في أمر يخاف فوته فسلَّم وانصرف أجزأه (3) ، فعقّب التسليم للشهادتين ، فهي قد دلّهم فيها (4) على أن ما يقال بعد التشهّد والصلاة على محمّد : وآله وقبل التسليم مستحبّ.

وأيضاً ، إن سُلّم دلالتها على استحباب التسليم قلنا : دلّ ظاهرها أيضاً على استحباب الصلاة على محمّد : وآله صلى اللّه عليه وآله ، وهذا لا يقول به أحد من الفرقة.

ص: 51


1- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1298 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 5.
2- وسائل الشيعة 6 : 407 - 408 ، أبواب التشهّد ، ب 10.
3- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1298 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 5.
4- في المخطوط بعدها : ( عليه ).

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( وفي صحيحة معاوية بن عمّار (1) : أن ظاهرها أن التشهّد وما يليه بعد إتمام الصلاة ، فالظاهر أنه يستحبّ بعدها هذه الأُمور ، فلا دلالة لها على المطلوب ).

قلت : ويحتمل دخول التسليم في لفظ التشهّد كما دخلت الصلاة على محمّد : وآله فيه ، وإلّا لدلّت على استحباب الصلاة على محمَّد صلى اللّه عليه وآله ، وآله لإهمال ذكره فيها ، ولا قائل به.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وفيما يليها من الرواية يعني : رواية الحلبي (2) أن دلالتها على الوجوب أظهر من دلالتها على عدمه ، كما لا يخفى. هذا كلّه ، مع أنه لا يتمّ الاستدلال بالروايات الأربع الأُوَل إلّا إذا ثبت أنه إذا كان جزءاً من الصلاة كان كسائر الأجزاء ، حتّى تبطل الصلاة بصدور شي ء من مبطلاتها قبله سهواً أو نسياناً ، وهو ممنوع ).

قلت : أمّا كونه جزءاً واجباً كسائر الأجزاء الواجبة فلا شكّ فيه ، حتّى إنه قد ادّعى المرتضى ركنيّته كما سمعت ؛ وذلك لِمَا رأى فيه من خواصّ الركنيّة ، حيث إنه تبطل الصلاة بتركه عمداً ونسياناً ، لكنّه إنما لحقه هذا الوصف بسبب ما يتخلّل حال تركه بينه وبين غيره من أجزائها الواجبة ، ولذا لو كان المُتَخَلّل وقع نسياناً ، وهو ممّا لا تبطل به الصلاة سهواً ، لم تبطل.

وكذا لو كرّر سهواً أو واقع في غير محلّه سهواً لم تبطل ، وبذلك فارق حكم سائر أركانها. وكلّ جزء واجب لا تبطل الصلاة بتخلّل شي ء من مبطلاتها قبله سهواً أو نسياناً ما لم يكن الصادر ممّا يبطلها عمداً وسهواً ، فلا فرق في هذا بين التسليم وغيره من أجزائها الواجبة.

والجواب عن الروايات الأربع قد عرفته ، فلسنا وإيّاه بمحتاجين إلى هذا التكلّف بلا دليل ، ولا إلى هذا الفرق بلا فارق.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وبالجملة ، فقد صار من الواضح البيّن أن هذه الدلائل لا تصلح

ص: 52


1- الكافي 4 : 423 / 1. وسائل الشيعة 13 : 1. أبواب الطواف ، ب 71 ، ح 3.
2- تهذيب الأحكام 2 : 160 / 627 ، وسائل الشيعة 6 : 424 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 3.

لمعارضة ما دلّ على الوجوب ، فتعيّن القول به ) ، انتهى كلامه ، أعلى اللّه مقامه.

وأنا أقول : قد وَضُح الصبح لذي عينين ، فاترك الجدال ، فلا شكّ في الوجوب والجزئيّة.

وقال ابن زهرة : في ( الغنية ) : ( يجب التسليم على خلاف بين أصحابنا في ذلك ، ويدلّ على ما اخترناه أنه لا خلاف في وجوب الخروج من الصلاة ، وإذا ثبت ذلك ولم يَجُز بلا خلافٍ بين أصحابنا الخروج منها بغير السلام ، من الأفعال المنافية لها كالحدث وغيره ، على ما يقول أبو حنيفة : ، ثبت وجوب السلام ) (1) ، انتهى.

وقال السيوري : في ( التنقيح ) : ( الوجوب قول المرتضى (2) : والتقي (3) : وابن أبي عقيل (4) : وسلّار (5) : وابن زهرة (6) : والمصنّف (7) والعلّامة : في بعض كتبه (8). وهو الحقّ ؛ لقوله صلى اللّه عليه وآله في حديث عليّ عليه السلام : تحليلها التسليم (9).

وجه الاستدلال أنه لم يَجُز الخروج من الصلاة إلّا بالتسليم ، فيكون واجباً لوجوب الخروج من الصلاة إجماعاً ، وإن جاز الخروج بدونه يلزم أن يكون المبتدأ وهو تحليلها أعمّ من خبره وهو التسليم ، وهو باطل ؛ إذ لا يقال : الحيوان إنسان. ولمواظبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله : والأئمّة : والصحابة والتابعين على فعله ) (10) ، انتهى.

وبالجملة ، فنقلُ الإجماع على وجوب الخروج من الصلاة بالتسليم مستفيضٌ ، وهو من أوضح الأدلّة على وجوبه ، واللّه العالم بحقيقة أحكامه.

ص: 53


1- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 4 : 548.
2- الناصريّات : 209 / المسألة : 82.
3- الكافي في الفقه : 119 - 120.
4- عنه في المعتبر 2 : 233.
5- المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 3 : 371.
6- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 4 : 548.
7- المختصر النافع : 84.
8- منتهى المطلب 1 : 295.
9- الكافي 3 : 69 / 2 ، الفقيه 1 : 23 / 68 ، الخلاف 1 : 377 / المسألة : 134.
10- التنقيح الرائع 1 : 211 - 212.

ص: 54

الموطن الثاني من مواطن الخلاف

أنهم اختلفوا : هل التسليم جزء ، أو خارج؟

فالمشهور شهرةً بلغت الحدّ الذي أمرنا أهل البيت ، سلام اللّه عليهم ، بالأخذ بها وترك غيرها ، وأنه شاذّ نادرٌ ، بل ربّما كانت إجماعاً مشهوريّاً الجزئيّةُ ، وهو الحقّ.

قال فاضل ( المناهج ): ( اعلم أنه نقل أكثرُ الأصحابِ على جزئيّة السلام للصلاة على تقدير الوجوب الإجماع ، وربّما ظهر من كلام بعضهم ومنهم المصنّف في ( القواعد ) (1) الخلافُ. وذكر علم الهدى أنه ( لم يجد به من الأصحاب نصّاً ) (2) ثمّ قوّى الجزئيّة.

والروايات أيضاً مختلفة ، فمنها ما يدلّ على الجزئيّة ، ومنها ما هو بخلافه ، والأظهر الجزئيّة ؛ لِمَا قد عرفت ، وإن من قال باستحباب التسليم لم يمنع من أن يكون جزءاً مندوباً لها ، بل ظاهره ذلك ، فإنه قال : إن الخروج من الصلاة بأحد ثلاثة أشياء : التسليم ، ونيّة الخروج ، وفعل المنافي ، فإذا حلّل صلاته بالتسليم كان هو المُخْرِج له عنها ، فيكون جزءاً منها ) ، انتهى.

وأقول : فَهْمُ جزئيّته من جملة من الأخبار غيرُ عزيز ، خصوصاً مثل تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (3) ، فإن المقابلة تقتضي الجزئيّة.

ومثل ما جاء في كيفيّة صلاة الخوف ، مثل صحيحة زرارة : وفضيل : ومحمّد بن

ص: 55


1- تمهيد القواعد : 323.
2- الناصريّات : 209 / المسألة : 82.
3- الكافي 3 : 69 / 2 ، الفقيه 1 : 23 / 68 ، وسائل الشيعة 6 : 11 ، أبواب تكبيرة الإحرام ، ب 1 ، ح 10.

مسلم : عن أبي جعفر عليه السلام : إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين ، وصلّى بفرقة ركعتين ثمّ جلس بهم ، ثمّ أشار إليهم بيده ، فقام كلّ إنسان فيصلّي ركعة ، ثمّ سلّموا وقاموا مقام أصحابهم ، وجاءت الطائفة الأُخرى فكبّروا ودخلوا في الصلاة ، وقام الإمام وصلّى بهم ركعة ليس فيها قراءة ، فتمّت للإمام ثلاث ركعات ، وللأوّلين ركعتان في جماعة ، وللآخرين واحدة (1) ، فصار للأوَّلين التكبير وافتتاح الصلاة ، وللآخرين التسليم (2) ، حيث جعل لكلّ فرقة جزءاً من الصلاة ، فدلّ بظاهره أن التسليم جزء كالتكبير. وأمثال هذا غير عزيز.

ومثل صريح موثّقة أبي بصير : ، حيث نصّ فيها على أن آخر الصلاة التسليم (3) ، وهي نصّ في المسألة.

وأمّا ما يوهم الخروج ، مثل صحيحة سليمان بن خالد : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأُوليين ، فقال إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة ، حتّى إذا فرغ فليسلِّم وليسجد سجدتي السهو (4).

وصحيحة ابن أبي يعفور : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن رجل صلّى الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتّى يركع ، فقال يتمّ صلاته ، ثمّ يسلِّم ، ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلّم (5).

والجواب : أنهما من أدلّة القائلين بالاستحباب وقد عرفت ما فيها ، فنحن نطالب القائل بالوجوب والخروج عن الجزئيّة بدليل يدلّ على الخروج والوجوب لم نعلمه ،

ص: 56


1- في المصدر : « وحداناً » بدل : « واحدة ».
2- تهذيب الأحكام 3 : 301 / 917 ، 918 ، الإستبصار 1 : 456 - 457 / 1767 ، 1768 ، وسائل الشيعة 8 : 436 ، أبواب صلاة الخوف ، ب 2 ، ح 2.
3- تهذيب الأحكام 2 : 320 / 1307 ، الإستبصار 1 : 345 - 346 / 1302 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 4.
4- تهذيب الأحكام 2 : 158 / 618 ، الإستبصار 1 : 361 - 362 / 1374 ، وسائل الشيعة 6 : 402 ، أبواب التشهّد ، ب 7 ، ح 3.
5- تهذيب الأحكام 2 : 158 / 620 ، الإستبصار 1 : 363 / 1375 ، وسائل الشيعة 6 : 402 ، أبواب التشهّد ، ب 7 ، ح 4.

وإلّا فكلّ ما دلّ على الخروج بظاهره فهو من أدلّة الاستحباب.

والشيخ بهاء الدين : بعد أن نقل قول المرتضى (1) : أنه لم يجد لأصحابنا نصّاً في ذلك ، ثمّ قوّى كونه جزءاً من الصلاة ، وأنه ركن من أركانها قال : ( ويلوح من كلام بعض القائلين بوجوبه الحكم بخروجه عنها ، حيث اشترطوا في صحّة الصلاة بظنّ دخول الوقتِ دخوله في أثنائها ، وقيّدوه بما قبل التسليم ، ولم يعتبروا دخوله في أثنائه ) (2).

قلت : غير خفيّ على المستوضحين أن اعتبارهم حينئذٍ دخول الوقت في أثنائها قبل التسليم ، إنما معناه أنه حينئذٍ إن دخل الوقت عليه قبل كمال الصلاة صحّت ، وإن دخل بعد كمالها لم تصحّ ، وإنما أهملوا ذكر دخوله في أثناء التسليم ؛ لأنه لا يكاد يتحقّق للمكلّف العلم بدخول الوقت بين لفظ السلام وبين لفظة عليكم من قول المصلّي السلام عليكم مع الاتّصال ، بل لا يبعد جدّاً العلم بدخوله بين الصلاة على محمّد : وآله وبين التسليم مع الاتّصال ، فهم لم يريدوا إلّا ما يعلم يقيناً من القبليّة والبعديّة ، وهو ما يدخل في وسع المكلّفين.

ولو كانوا ملاحظين ما فهمه رحمه اللّه لصرّحوا بدخوله قبل الصلاة على محمّد : وآله صلّى اللّه عليه وعليهم وبعدها أو في أثنائها ، ولم يذكروا ذلك ، فإن كان تركهم للتعرّض لذكر دخوله في أثناء التسليم يدلّ على أنهم قائلون بخروج التسليم ، كان تركهم لذكر مثله بالنسبة إلى الصلاة على محمّد وآله دليلاً على أنهم يقولون بخروجها ، وليس كذلك.

ثمّ قال البهائي : رحمه اللّه تعالى - : ( وقد يتراءى أنه لا طائل في البحث عن ذلك ؛ لرجوع هذا البحث في الحقيقة إلى البحث عن وجوب التسليم واستحبابه ،

ص: 57


1- الناصريّات : 208 - 209 / المسألة : 82.
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 253 ( حجريّ ).

فعلى القول بوجوبه لا معنى لخروجه ، وعلى القول باستحبابه لا معنى لدخوله ) (1).

قلت وباللّه المستعان - : هذا الكلام شي ء وأي شي ء ، فقوله رحمه اللّه : ( إنه ليس بشي ء ) (2) ليس بشي ء ، وذلك أنا لو قلنا : إنه واجب خارج كان قولاً بأنه تكليف مستقلّ بنفسه ، فلا معنى لإضافته لفرض الظهر الواقع قبله مثلاً دون العصر الواقع بعده ، فإن صحّ نسبته لما قبله صحّ لما بعده ، وإن لم يصحّ نسبته لما بعده لم يصحّ لما قبله ؛ لأنه واجب مستقلّ خارج عنهما ، فكيف يقال : تسليم الظهر ، ولا يقال : تسليم العصر؟!.

وأيضاً ، فهذا الواجب الخارج ليس بمقدّمة للفرض الواقع قبله ، ولا شرط في صحّته ولا في التكليف به ؛ لأن شيئاً من ذلك لا يكون بعد الفراغ من الصلاة ، وليست الصلاة السابقة عليه من باب الأسباب المقتضية لوجوبه ، كالكسوف بالنسبة لصلاته ، قطعاً ، فما معنى هذا الواجب المستقلّ ، وما أوجبه؟

فإن قلت : النصّ أوجبه. قلت : ما دلّ على وجوبه دلّ على جزئيّته.

وأيضاً ، فالقول بخروجه يستلزم إدخاله في التعقيب ، ولا قائل بوجود تعقيب واجب ، ويستلزم القول بصحّة الخروج بأيّ مُخْرِجٍ ، أو تعيين المُخْرِج بالصلاة على محمّد : وآله صلى اللّه عليه وآله ، ولا قائل من الفرقة فيما علمنا ، فلم يبقَ إلّا إن البحث يرجع إلى وجوبه واستحبابه ؛ إذ لا يعقل أن واجباً من واجبات الصلاة خارج عنها ، ولا أن مندوباً واقعاً بعدها جزء منها ؛ إذ لا نعقل من واجبها إلّا جزءها ، ولا مندوباً بعد كمالها إلّا خارجاً عنها.

ثمّ قال البهائي رحمه اللّه : يعني : بعد هذا الكلام - : ( وليس بشي ء ؛ إذ على القول باستحبابه يمكن أن يكون من الأجزاء المندوبات ، كبعض التكبيرات السبع ، وكالسلام على النبيّ وآله صلى اللّه عليه وآله والملائكة في آخر التشهّد.

ص: 58


1- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 253 ( حجريّ ).
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 253 ( حجريّ ).

وعلى القول بوجوبه يمكن أن يكون من الأُمور الخارجة عن حقيقة الصلاة ، كالنيّة عند بعض ، بل جوّز صاحب ( البشرى ) جمال الدين بن طاوس : أن يكون الخروج من الصلاة ب- : « السلام علينا » وعلى عباد اللّه الصالحين ، ويكون قول السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته بعد ذلك واجباً أيضاً وإن كان المُخْرِجُ غيره ) (1).

قلت : أمّا إنه ليس بشي ء ، فقد عرفت أنه شي ء وأيّ شي ء.

وأمّا إنه على الاستحباب يمكن أن يكون من أجزائها ، فإمكانه ممنوع ؛ إذ الضرورة قاضية بأن الشي ء إذا تمّ وانقضى لم يبقَ له جزء حتّى يقال : إن الشي ء الخارج عنه جزء له واجباً كان أو مندوباً ، فإن القولَ بأن الصلاة تمّت بالصلاة على محمّد : وآل محمّد : وأن التسليم خارج وهو جزء منها متناقضٌ ، فإن مؤدّاه أنها تمّت وأنها لم تتمّ.

والفرقُ بين المندوب الواقع في خلالها قبل كمالها بكمال واجباتها وبين المندوب الواقع بعد كمالها وتمامها ، أوضحُ من النهار والشمس طالعة ليس عليها غبار ، فإن الأوّل لا شكّ في جزئيّته ، والثاني لا شكّ في عدم جزئيّته لوقوعه بعد تمامها ، ولأنا لا نعقل الفرق بينه وبين سائر التعقيبات الواقعة بعدها ، والسلام على النبيّ جزء منها لا نعلم أحداً نفى جزئيّته ، والأخبار تدلّ عليه كما هو ظاهر ، وهو دليل أيضاً على جزئيّة التسليم ووجوبه.

وأمّا التكبيرات الست ؛ فما أُوقع منها بعد التحريم فلا شكّ في جزئيّته لوقوعه خلالها ، وما أُوقع منها قبل التحريمة فلا شكّ في خروجه عنها وعدم جزئيّته ؛ للنصّ (2) والإجماع بلا معارض على أن أوّل أفعال الصلاة التحريمة ، فالفرقُ بينها وبين الواقع بعد كمال أفعال الصلاة أوضحُ من أن يحتاج إلى بيان.

وبهذا يتّضح الجواب عن إمكان وجود جزء واجب خارج ؛ إذ لا يعقل أن يكون

ص: 59


1- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 253 - 254 ( حجريّ ).
2- الكافي 3 : 69 / 2 ، الفقيه 1 : 23 / 68 ، وسائل الشيعة 6 : 11 ، أبواب تكبيرة الإحرام ، ب 1 ، ح 10.

ما خرج عن الشي ء بأجمعه جزءاً له ، فإنه في معنى أنه جزء وليس بجزء ، وخارج وليس بخارج ، وهو محال ؛ لاستلزامه الجمع بين النقيضين.

وأمّا النيّة ؛ فإن فُرِضَت جزءاً فليست بخارجة ، وإن فُرِضَت خارجة عن الحقيقة فليست بجزء ، مع أن الفرق بينها وبين التسليم لا يخفى بأدنى تأمّل ، فهو قياس مع الفارق ، على أن النيّة ليست بفعل من أفعالها الواقعة خارج الزمان ، وإنما هي رتبة من رتب وجودها الواقعة قبل الزمان والمكان.

وأمّا ما نقله عن ( البشرى ) فكلام غير واضح المعنى ، فإن ظاهره أن المصلّي مخيّر في أنه يجعل المُخْرِجَ السلام علينا ، أو لا يجعله ، مع بقاء السلام عليكم على وجوبه ، ويحتمل على تقدير نيّة الخروج به الوجوب والندب ، فعلى الأوّل يلزم أن الصيغتين واجبتان ، وعلى الثاني يلزم صحّة الخروج بالمندوب ، وهذه الاحتمالات جارية فيما إذا لم ينوِ به الخروج ولم يعيّن شيئاً من الاحتمالات.

وبالجملة ، فكلامه هذا خارج عن جميع النصوص والفتاوى ، فلا شكّ في وجوب الإعراض عنه.

وأنا إلى الآن وهو اليوم السادس عشر من شهر ذي الحجّة الحرام [ من ] السنة الثالثة والأربعين بعد المائتين والألف لم أظفر بمصرّحٍ من الأصحاب بأن التسليم واجب خارج ، إلّا ما تُوهِمُه عبارة صاحب ( الفاخر ) (1) : ، على ما نقله عنه في ( الذكرى ) ، حيث قال : ( أقلّ المجزي من الصلاة في الفريضة : تكبيرة الافتتاح ، وقراءة الفاتحة في الركعتين ، أو ثلاث تسبيحات ، والركوع ، والسجود ، وتكبيرة واحدة بين السجدتين ، والشهادة في الجلسة الأُولى ، وفي الأخيرة الشهادتان والصلاة على النبيّ : وآله صلّى اللّه على محمّد : وآله والتسليم ، والسلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه

ص: 60


1- الفاخر في الفقه ، لأبي الفضل محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم الصابوني الجعفي الكوفي ، الزيدي المستبصر العائد إلى القول بالإمامة ، والساكن بمصر ، من أعلام المائة الثالثة وبعدها. الذريعة 16 : 92.

وبركاته ) (1). قال في ( الذكرى ) : ( وكلامه هذا يشتمل على أشياء لا تُعَدّ من المذهب :

منها : التكبيرة الواحدة بين السجدتين.

ومنها : القصر على الشهادة في الجلسة الأُولى.

ومنها : وجوب التسليم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا البدل عن القراءة فيريد به مع الاضطرار ، صرّح به في غير هذا الموضع ).

وقال في موضع آخر : ( من شهد الشهادتين وأحدث أو أعجلته حاجة ، فانصرف قبل أن يسلّم إمامُه ، أو قبل أن يسلّم هو إن كان وحده ، فقد تمّت صلاته ).

ثمّ قال : ( يسلّم إن كان إماماً بواحدة تلقاء وجهه في [ القبلة (2) ] السلام عليكم ، يرفع بها صوته ، وإن كان صفوفاً خلف إمام سلّم القوم على أيمانهم وعلى شمائلهم ، فإن كان في آخر الصف فعليه أن يسلّم عن يمينه فقط ، ومن كان وحده أجزأه عنه السلام الذي في آخر التشهّد ، ويزيد في آخره السلام عليكم ، يميل أنْفَه عن يمينه قليلاً ) (3).

قال الشهيد : ( وعنى ب- ( الذي في آخر التشهّد ) قوله السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وعلى أهل بيته ، السلام على نبيّ اللّه ، السلام على محمّد بن عبد اللّه خاتم النبيّين ورسول ربِّ العالمين ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته ، السلام على الأئمّة المهتدين الراشدين ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.

وظاهره الخروج بقوله السلام عليكم ، وأنه واجب ، إلّا إن حكمه بصحّة صلاة المحدث قبله ينافيه ، إلّا أن يكون مصيراً إلى مثل قول أبي حنيفة ). إلى هنا كلام ( الذكرى ) (4).

وهذه كما لا يخفى عبارة مضطربة لا توافق بمجموعها شيئاً من مذاهب الأُمّة ،

ص: 61


1- الذكرى : 206 ( حجريّ ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الصلاة ).
3- الذكرى : 206 ( حجريّ ).
4- الذكرى : 206 ( حجريّ ).

وقد عرفت نصّ الشهيد : على أنها إنما توافق مذهب أبي حنيفة : ، وهذا إنما هو في صحّة الخروج من الصلاة بغير التسليم من سائر المنافيات ، وإلّا فإنها بمجموعها لا تطابق مذهب أبي حنيفة : ولا غيره ، فلا تضرّ هي وما نقله البهائي : عن ( البشرى ) (1) بالإجماعات المنقولة من القائلين بوجوبه على جزئيّته.

وبالجملة ، فلا ينبغي الشكّ في وجوبه وجزئيّته بعد ما أحطناك به من الأدلّة من النصّ والفتوى والاعتبار والإجماع المنقول ، كلّ ذلك بلا معارض يصلح للمعارضة ويعتمد عليه في تأسيس الأحكام ، على أنه لو فرض وجود قائل بوجوبه وخروجه كان بهذا شاذّاً نادراً لا دليل عليه ، بل هو ممّا أُمرنا أن ندعه.

ثمّ قال البهائي رحمه اللّه : ( ويتفرّعُ على الحكم بجزئيّته أو خروجه فروعٌ :

منها : لو ظنّ دخول الوقت فصلّى ، ثمّ تبيّن دخوله في أثناء التسليم ، فعلى الجزئيّة تصحّ عند من يكتفي بدخول الوقت في أثناء الصلاة ، كالشيخ (2) : والمحقّق (3) وأتباعهما ، عملاً برواية إسماعيل بن رَبَاح (4). وعلى الخروج تبطل لوقوعها بأجمعها خارج الوقت ) (5).

قلت : قد عرفت أنه لا يكاد يتحقّق هذا الفرض ؛ لعدم تمكّن عامّة المكلّفين من العلم به.

ثمّ قال : ( ومنها : عدم احتياجه إلى نيّة مستقلّة إن قلنا بجزئيّته ؛ لاندراجه تحت نيّة الصلاة كسائر أجزائها ، وإن قلنا بخروجه افتقر إلى نيّة مستقلّة لا محالة ) (6).

قلت : هذا حقّ ويجري هذا التفريع على القول باستحبابه ؛ إذ لا محالة أن العبادة المندوبة الواقعة بعد كمال الصلاة وتمامها لا تدخل تحت نيّتها ، بل تفتقر إلى نيّة

ص: 62


1- عنه في الحبل المتين : 254.
2- المبسوط 1 : 74.
3- شرائع الإسلام 1 : 53 - 54.
4- تهذيب الأحكام 2 : 35 / 110 ، وسائل الشيعة 4 : 206 ، أبواب المواقيت ، ب 25 ، ح 1.
5- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ) ، بتفاوتٍ يسير.
6- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ) ، بتفاوتٍ يسير.

مستقلّة ، وقد ثبت جزئيّة السلام ، فيثبت وجوبه ، فتنبّه.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( ومنها : ما لو نذر لمن كان متلبّساً بالصلاة في الوقت الفلاني ، فصادف اشتغاله في ذلك الوقت بالتسليم ، فإن كان جزءاً استحقّ المنذورَ به ، وإلّا فلا ) (1).

قلت : لا يكاد يتحقّق شكّ في الحكم على من وجد في أثناء التسليم أنه في الصلاة ، وأنه مُصَلّ عرفاً وشرعاً ؛ لما عرفت أنه لم يقل أحدٌ بالخروج منها قبل كمال التسليم مع الحكم بصحّتها.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( والحاصل أن كلّاً من احتمالَيْ جزئيّة التسليم وخروجه يتمشّى على تقديرَيْ وجوبه واستحبابه ) (2).

قلت : قد عرفت عدم إمكان جزئيّته على فرض خروجه مطلقاً ، وعدم إمكان جزئيّته على تقدير ندبيّته ؛ لخروجه حينئذٍ عن جميع الصلاة ؛ لأنها تمّت قبله بجميع أجزائها ، وإلّا لم تكن تمّت.

فإن قالوا : لم تتمّ.

قلنا : لا يجوز تركه ، وهذا عنوان الوجوب.

وإن قالوا : تمّت.

قلنا : خرج عنها ، فلا يمكن فرض جزئيّته ، ولأنه حينئذٍ لا يعقل الفرق بينه وبين سائر التعقيبات.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وأمّا ما يلوح من كلام بعض المتأخّرين من استلزام القول باستحبابه الحكم بخروجه عن الصلاة فمحلّ تأمّل ) (3).

قلت : تأمّلناه فوجدناه لابساً نور الحقّ ، كما هو ظاهر ممّا أسلفناه ، فالقولُ بأنه

ص: 63


1- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).
3- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).

مستحبّ واقع بعد تمام وكمال أجزائها وحقيقتها وهو جزء خُلْفٌ محالٌ ، فهو دعوى ما صحّحت ببرهان من الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو الاعتبار الذي تعرف العقول عدله.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( فإن زعم إطباق القائلين باستحبابه على انقطاعها قبله ، وأن الخروج منها رأساً يحصل بالفراغ من الصلاة على النبيّ : وآله ، لم تُقبل منه هذه الدعوى ما لم تقترن بإثباتٍ ) (1).

قلت : قد أثبتنا لك لزوم ذلك لهذا القول بالبرهان ؛ إذ لا يتصوّر من عاقل يقول : إن ما خرج عن الحقيقة جزء منها ، والقائلون باستحبابه كلّهم عقلاء فضلاء ، فهذه الدعوى إذن مقبولة ، وكما استفاض نقل إجماع القائلين بالوجوب على الجزئيّة كذلك نقل إطباق القائلين بالاستحباب على الخروج.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( كيف؟ والشيخ مع قوله باستحبابه قائل بأن انقطاعها والخروج عنها يحصل به ، وهو الظاهر من كلام المفيد : ، كما قال في ( الذكرى ) (2) ) (3).

قلت : نعم ، عبارتا الشيخين : في ( تهذيب الأحكام ) و ( المقنعة ) صريحتان في أنه لا يتحقّق الخروج منها وانقطاعها إلّا بالتسليم ، إلّا إن المفيد في بيان النافلة عيّن السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، ولم يذكر السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، وفي بيان الفريضة ذكر هذه الصيغة ولم يذكر الصيغة الأُولى.

قال المفيد : في بيان كيفيّة نوافل الظهر في بيان التشهّد في الركعة الثانية : ( ويتشهّد ، ويقول باسم اللّه وباللّه ، والحمد لله ، والأسماء الحسنى كلّها لله ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّداً : عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة صلى اللّه عليه وآله الطاهرين.

ص: 64


1- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).
2- الذكرى : 206 ( حجريّ ).
3- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).

ويسلّم تجاه القبلة تسليمة واحدة ، فيقول (1) السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، ويميل مع التسليم بعينه إلى يمينه ، فإذا سلّم فقد فرغ من الركعتين وحلّ له الكلام ) (2).

وقال في بيان الفريضة : ( فإذا جلس للتشهّد في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وفي التشهّد الثاني من الثالثة في المغرب ، أو الثانية من الغداة ، فليقل باسم اللّه وباللّه ) ، وساق صفة التشهّد والتحيّات.

إلى أن قال : (اللّهم صلّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ ، وارحم محمّداً : وآل محمّدٍ : ، وتحنّن على محمّدٍ : وآل محمّدٍ : ، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت وتحنّنت على إبراهيم : وآل إبراهيم : إنك حميدٌ مجيدٌ ، السلام عليك أيّها النبيّ : ورحمة اللّه وبركاته.

ويومي بوجهه إلى القبلة ، ويقول السلام على الأئمّة الراشدين ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.

وينحرف بعينه إلى يمينه ، فإذا فعل ذلك فقد فرغ من صلاته ، وخرج منها بهذا التسليم ) (3) ، انتهى.

وظاهر هذا أنه لا يتحقّق الخروج من الصلاة إلّا به وأنه جزء داخل ، وأنه في النافلة السلام عليكم إلى آخره ، وفي الفريضة السلام علينا إلى آخره.

وهذا الظاهر لا يقول به أحدٌ من العلماء ، وأقصى ما يمكن أن يقال في الجمع بين كلامَيْه : إنه يخيّر بين الصيغتين ، أمّا الدلالة على الاستحباب فلا تدلّ عليه هاتان العبارتان بوجه ، فتأمّله ، بل ظاهرهما الوجوب.

لكنّه قال في محلّ آخر : ( والسلام في الصلاة سنّة ، وليس بفرض تفسد بتركه الصلاة ) (4).

ص: 65


1- في المصدر : ( يقول ) بدل : ( فيقول ).
2- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 107 - 108.
3- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 113 - 114 ، بتفاوتٍ يسير.
4- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 139.

ويحتمل في هذه العبارة أنه أراد بالفرض الركن الذي تفسد بتركه عمداً وسهواً ، وبالسنّة ما لا تفسد بتركه سهواً وإن فسدت عمداً ، ولعلّه أراد أنها لا تفسد بتركه سهواً لا عمداً ، ويدلّ على هذا ما سلف من كلام الشهيد (1) : وغيره أن الأصحاب لا يجوّزون الخروج من الصلاة بغير التسليم ، وإنما يجيز ذلك أبو حنيفة.

ويؤيّده أيضاً أن الشيخ إنما استدلّ على هذه المقولة بخبر أبي بصير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال إذا نسي الرجل أن يسلِّم ، فإذا ولّى وجهه عن القبلة ، وقال : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، فقد فرغ من صلاته (2).

وخبر الحلبي : عنه عليه السلام قال إذا نسي أن يسلِّم خلف الإمام أجزأه تسليم الإمام (3).

واقتصر عليهما ، وموردهما النسيان ، ولو كان الشيخ : يقول : إنه لا يخرج من الصلاة إلّا بالتسليم ، كما هو ظاهر عبارتيه الأُوليين ، ويقول : يجوز تركه ، كان كلامه متدافعاً.

وبالجملة ، فالشيخان : من أعقل العقلاء ، ولا يقول عاقل بأنه ما يجوز الإتيان به من الأذكار بعد تمام وكمال ماهيّة الصلاة جزء من ماهيّتها ، فمن الضروري استحالة أن يكون ما هو خارج من الحقيقة جزء من الحقيقة ، ولو فرض أنهما قالا ذلك لم يكن قَدْحاً في نقل إطباق القائلين بالاستحباب على الخروج ؛ لعدم العبرة بالشاذّ النادر ، فلا تغفل.

ثمّ قال البهائي : رحمه اللّه تعالى - : ( نعم ، قد يورد هنا : أن في كلام القائل بانقطاع الصلاة به ما يدلّ على انقطاعها بالصلاة على النبيّ : وآله صلى اللّه عليه وآله ، وهو تناقض ) (4).

قلت : إذا وجد هذا وذاك في كلام شخص فهو تناقض لا يخفى على أحد عرف معناه ، ولا جواب له ، وإن توهّمه هو رحمه اللّه.

ص: 66


1- الذكرى : 205 ( حجريّ ).
2- تهذيب الأحكام 2 : 159 - 160 / 626.
3- تهذيب الأحكام 2 : 160 / 627 ، وسائل الشيعة 6 : 424 ، أبواب التسليم ، ب 3 ، ح 3.
4- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ويجاب بأن ما يأتي به المصلّي من الأذكار بعد التشهّد الواجب وقبل التسليم فهو من مستحبّات الصلاة وأجزائها المندوبة ، وأمّا ما يأتي به بعد التسليم فهو تعقيب لا صلاة ؛ لانمحاء أثر الصلاة بعده بالكلّيّة ، وهذا معنى انقطاعها به ، وهو لا ينافي انقطاع واجباتها بغيره ) (1).

قلت : هذا الجواب مغرّب والإشكال مشرّق فلن يلتقيا ، فأمّا أن ما يأتي به المصلّي من الأذكار قبل التسليم فهو من مستحبّات الصلاة فلا شكّ فيه ، والنصّ (2) والإجماع عليه قائم ، لكنّه لا تعلّق له بدفع الإشكال ، بل يلوح منه آثار وجوب التسليم وجزئيّته. وأمّا أن ما يأتي به بعد التسليم فهو تعقيب ، فيدلّ أيضاً على وجوبه وجزئيّته. والعجب ممّن يسلّم هاتين المقدّمتين كيف يدّعي الاستحباب؟! خصوصاً مع تسليم أنه قبل التسليم لا تنمحي صورة الصلاة وإنما تنمحي بعده ، فما زال أثر الصلاة وصورتها لم تنمحِ فهو في صلاة ، وهذا لا يلائم القول بالاستحباب ، ولا بعدم جزئيّة التسليم.

وبالجملة ، فالإشكال باقٍ ، وليس في كلامه ما يدفعه بوجه ، كما لا يخفى.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى : ( قال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( وبهذا يظهر عدم المنافاة بين القول بندبيّته وأنه مُخْرِجٌ من الصلاة ، إلّا إنه يلزم بقاء المكلّف في الصلاة بدون الإتيان به وإن طال ، ولا استبعاد فيه حتّى يخرج عن كونه مصلّياً ، أو يأتي بمنافٍ ).

ثمّ قال : ( فإن قلت : البقاء في الصلاة يلزمه تحريم ما يجب تركه ، ووجوب ما يجب فعله ، والأمران منفيّان هنا ، فينتفي ملزومهما وهو البقاء في الصلاة.

[ قلتُ (3) ] : لا نسلّم انحصار البقاء في هذين اللازمين على الإطلاق ، إنما ذلك قبل فراغ الواجبات ، أمّا مع فراغها فينتفي هذان اللازمان ، وتبقى باقي اللوازم من

ص: 67


1- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).
2- التهذيب 2 : 99 / 373 ، الوسائل 6 : 393 - 394 ، أبواب التشهّد ، ب 3 ، ح 2.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( قلنا ).

المحافظة على الشروط ، وثواب المصلّي ، واستجابة الدعاء ) (1). هذا كلامه رحمه اللّه وهو بالتأمّل حقيق ). إلى هنا كلام ( الحبل المتين ) (2).

قلت : تأمّلناه كما أمر فوجدناه كما ترى ، فقد عرفت وجه المنافاة بين كونه مُخْرِجاً وكونه مندوباً ، ومن الواضح كالصبح لذي عينين بقاء المصلّي في الصلاة حتّى يأتي بما يخرجه منها ، فالقول بندبيّته وأنه المخرج قول بأنه قبله خارج منها غير خارج منها ؛ لجواز ترك المندوب اختياراً ، فهو قبله خارج بمقتضى الندبيّة ، وغير خارج بمقتضى أنه لم يخرج منها ؛ لبقاء جزء منها لم يأتِ به.

وأمّا أنه يلزم من القول بأنه المخرج القول بأن المصلّي قبله باقٍ في الصلاة فواضح ، ويلزم كلّ مَنْ هو باقٍ في الصلاة ترك جميع ما يحرم على المصلّي البتّة.

ومن الواضح انحصار لازم البقاء في الصلاة فيما ذكر من الأمرين ، وقد سلّمه فيما إذا كان قبل كمال الواجبات ، وبعدها لا صلاة ، فلا بقاء فيها ، فلا لازم له باقٍ.

وأيضاً ، إذا سلّم انحصار لازم البقاء في الصلاة فيهما قبل كمال الواجبات فهو بهذا لازم للباقي في صلاته من حيث هو كذلك ، فبعد كمال الواجبات ؛ إمّا أن يكون باقٍ في صلاته ، أو لا ، فعلى الأوّل ينحصر اللزوم فيهما لوجود المقتضي وهو البقاء في الصلاة. وعلى الثاني لا يلزمه شي ء من لوازم البقاء في الصلاة.

أمّا وجوب المحافظة على الشروط بعد كمال الواجبات فواضح البطلان ، وإلّا لم يكن المندوب مندوباً.

وبالجملة ، فالبصير المنصف إذا تأمّل القول بندبيّته أو خروجه وجد أركان أساسه مضطربة غير ثابتة ولا قارّة. واللّه العالم بأحكامه ، وهو الغفور الرحيم.

ص: 68


1- الذكرى : 208 ( حجريّ ) ، بتفاوتٍ يسير.
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 254 ( حجريّ ).

الموطن الثالث اختلافهم في تعيين الصيغة المُخْرِجَة

الموطن (1) الثالث اختلافهم في تعيين الصيغة المُخْرِجَة

فإن الوارد في النصوص ، والمنصوص عليه في الفتوى ، ثلاث صيغ :

أوّلها : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته.

والثانية : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.

والثالثة : السلام عليكم ، أو بإضافة ورحمة اللّه ، أو بإضافة وبركاته.

فالمشهور بين العصابة من المتقدّمين والمتأخّرين تعيين الصيغة الأخيرة للخروج ، وأن الأُوليين من مستحبّات الصلاة البتّة ، وهذا هو الحقّ.

وفي ( الدروس ) (2) أن عليه الموجبين. وفي ( البيان ) (3) : ( أن السلام علينا لم يوجبه أحدٌ من القدماء ، وأن القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبّة كالتسليم على الأنبياء والملائكة غير مخرجة من الصلاة ). وهو يؤذن بدعوى إجماعهم على انحصار المخرج في السلام عليكم.

وفي ( الحبل المتين ) : ( إن السلام عليكم ورحمة اللّه لا ريب في تحقّق الخروج بها من الصلاة ، ونقل المحقّق في ( المعتبر ) على ذلك الإجماع ) (4).

وفي ( المعتبر ) ، كما نقله في ( الذكرى ) : ( إن مَنْ قال السلام عليكم ورحمة اللّه ، خرج به ، وعليه علماء الإسلام كافّة لا يختلفون ، وإنما الخلاف في تعيّنه

ص: 69


1- في المخطوط : ( المقام ) ، وما أثبتناه وفقاً لما جاء في مقدّمة الرسالة.
2- الدروس 1 : 183.
3- البيان : 177.
4- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 253 ( حجريّ ).

للخروج ) (1) ، انتهى.

وقال في ( المناهج ) في شرح قول الشهيد (2) : ( وأمّا الثانية فمخرجة بالإجماع ) - : ( أي إجماع علماء الإسلام كافّة ، على ما نقله في ( المعتبر ) (3) ، و ( التذكرة ) (4) ، وبه روايات منها : صحيحة عليّ بن جعفر : عن إخوته (5) ، ومنها : رواية المعراج (6) ، ومنها : صحيحة البزنطي (7) ) ، انتهى.

وقال في محلّ آخر في شرح قول الشهيد : ( وعليه المصنّف في ( الذكرى ) (8) و ( البيان ) (9) ) (10) : ( لأنه قد قرّر أن التسليم الذي دلّت الدلائل على وجوبه هو السلام عليكم ، ثمّ إن الدلائل قد دلّت على أنه المحلّل للصلاة ، فلا يجوز نيّة الخروج بغيره ، وأمّا ما دلّ على الخروج بالأوّل فغير قاطع ).

وأخذ يذكرها ويجيب عنها.

ثمّ قال : ( وبالجملة ، فالدلائل الدالّة على وجوب التسليم لمّا دلّت على وجوب الثاني ومعلوم أن الخروج بالتسليم الواجب تعيّن حمل ما دلّ على الخروج بغيره ظاهراً على معنى لا ينافيه ، وأمّا إذا جمع بينهما فظاهرٌ أنه لا يجوز نيّة الخروج بالأوّل ، أعني السلام علينا ، فإنه قد ظهر أن المُخْرِجَ الشرعي هو الثاني ، فنيّة الخروج بالأوّل نيّة في الصلاة ، وهي مبطلة له ) ، انتهى.

وفي ( الذكرى ) (11) ، و ( المناهج ) ، و ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين : ، و ( المدارك ) (12) ،

ص: 70


1- الذكرى : 206 ( حجريّ ) ، المعتبر 2 : 235.
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 277.
3- المعتبر 2 : 235.
4- تذكرة الفقهاء 3 : 245 / المسألة : 301.
5- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1297 ، وسائل الشيعة 6 : 419 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 2.
6- علل الشرائع 2 : 9 / 1 ، وسائل الشيعة 5 : 468 ، أبواب أفعال الصلاة ، ب 1 ، ح 10.
7- المعتبر 2 : 236 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 11.
8- الذكرى : 207.
9- البيان : 176.
10- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 278.
11- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
12- مدارك الأحكام 3 : 435.

وغيرهم أن هذه الصيغة مُخْرِجة بالإجماع.

لنا : أوّلاً : الإجماعات المستفيضة على أن من قال السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته بعد الصلاة على محمّد : وآله في آخر الصلاة ، فقد تمّت صلاته ، وخرج منها.

ونقل عباراتهم الصريحة في الإجماع على ذلك أكثر من أن تحصى ، وقد عرفت قليلاً من كثير منها ، فلا يحصل يقين للبراءة إلّا به ، وغيره مشكوك فيه ، فيتعيّن.

وثانياً : إطلاق الأخبار الآمرة بالتسليم ، وهي أكثر من أن تُحصى في مُصَنّفٍ.

ووجه الدلالة : أنه يجب حملها وصرفها إلى خصوص صيغة التسليم المعروفة عند عامّة المكلّفين من أهل الإسلام ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان ، ولا يعرف أهل الإسلام الخاصّ منهم والعامّ من صيغة التسليم إلّا هذه ، ولا يكاد ينصرف ذهن ولا يتبادر فكر إلى غيرها من الصيغتين الأُوليين.

قال في ( الذكرى ) : ( عبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصة والعامّة في السلام عليكم

يعرف ذلك بتتبّع الأخبار والتصانيف ، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبّة ، ثمّ يقال بعدها : وبعد السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، ثمّ يسلّم. وهذا تصريح منهم بأن اسم التسليم الشرعي مختصّ بصيغة السلام عليكم ) (1) ، انتهى.

ويدلّ عليه أيضاً أن لفظ السلام قد صار في الإسلام على ذلك ، بحيث إذا أُطلق أن التسليم مستحبّ ، أو ابتداءً مندوب ، وردّ السلام واجب ، لا يفهم منه أحد غير السلام عليكم ، وقد تطابق في هذا النصوص (2) وفتوى العصابة (3) ، فيجب حمل إطلاق الأمر بالتسليم عليه.

وثالثاً : إطلاق الخبر المستفيض أن تحليلها التسليم (4).

والتقريب : ما مرّ من وجوب حمله على المتعارف المعهود بين المسلمين ، وهو السلام عليكم.

ص: 71


1- الذكرى : 207 ( حجريّ ).
2- انظر وسائل الشيعة 12 : 66 - 67 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 39.
3- مدارك الأحكام 3 : 473.
4- الفقيه 1 : 23 / 68.

ورابعاً : خصوص صحيح عليّ بن جعفر : رأيت إخواني موسى : وإسحاق : ومحمّداً : يسلّمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة اللّه ، السلام عليكم ورحمة اللّه (1).

وليس هذا تعقيباً خارجاً عن الصلاة قطعاً ، حيث قال هذا الشيخ العظيم الشأن : ( يسلّمون في الصلاة ) ، فهو تسليمها المُخْرِج منها.

وخامساً : خبر المفضّل المنقول من ( العلل ) (2) ، حيث سأل أبا عبد اللّه عليه السلام : عن علّة وجوب التسليم ، فقال عليه السلام لأنه تحليل للصلاة قال : ولِمَ صار تحليلها التسليم؟ قال عليه السلام لأنه تحيّة الملكين ؛ لأنا لا نعرف من تحيّة التسليم إلّا السلام عليكم.

وسادساً : خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي : المنقول من ( معاني الأخبار ) ، لمّا سأل أبا عبد اللّه عليه السلام : عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال عليه السلام التسليم علامة الأمن ، وتحليل الصلاة قال : فكيف ذلك؟ قال كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم واردٌ أمِنوا شرَّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمِنَ شرَّهم ، وإن لم يسلِّم لم يأمنوه ، وإن لم يردّوا على المُسلِّم لم يأمنهم ، وذلك خُلُقٌ في العرب ، فجعل التسليم [ علامة (3) ] للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمْناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها (4).

فهذا الخبر نصّ في أن المراد من التسليم المخرج من الصلاة الذي لا يحلّ قبله شي ء من المنافيات هو ما يعرفه العرب من لفظ التسليم وهو السلام عليكم.

وسابعاً : إطلاق قول الصادق عليه السلام : في موثّقة أبي بصير : إن آخر الصلاة التسليم (5) ، والتقريب : ما مرّ من وجوب صرفه إلى المتعارف.

وثامناً : موثّقة عمّار بن موسى : ، سَألَ أبا عبد اللّه عليه السلام : عن التسليم ، فقال إذْنٌ (6) ،

ص: 72


1- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1297 ، وسائل الشيعة 6 : 419 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 2.
2- علل الشرائع 2 : 57 - 58 / 1.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( علّة ).
4- معاني الأخبار : 175 - 176.
5- تهذيب الأحكام 2 : 320 / 1307 ، الإستبصار 1 : 345 / 1302 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 4.
6- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1296 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 7.

لوجوب صرفه كأمثاله إلى المعهود المتعارف وهو السلام عليكم ، فلا خروج منها ولا إذن في المنافيات إلّا به.

وبالجملة ، فالأدلّة على هذا القول كثيرة ، وفيما حصل كفاية.

بقي هنا شي ء هو أن صيغ التسليم المعروف بين المسلمين ثلاث السلام عليكم ، والسلام عليكم ورحمة اللّه ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، فأيّها الواجب في الصلاة؟

قلت : المشهور أن الواجب هو الاولى فقط ، وما زاد مستحبّ ، واشتهر النقل عن أبي الصلاح (1) : أنه أوجب الثانية.

قال في ( الذكرى ) نقلاً عن ( المعتبر ) : ( قال أبو الصلاح : الفرض أن يقول السلام عليكم ورحمة اللّه ، وبما قلناه قال ابن بابويه (2) : وابن أبي عقيل (3) : وابن الجنيد (4) : قال : ( يقول السلام عليكم ، فإن قال السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته كان حسناً ).

لنا ما روي أن عليّاً عليه السلام : كان يسلّم عن يمينه وشماله السلام عليكم ، السلام عليكم (5).

ومن طريق الخاصّة ما رواه البزنطي : عن عبد اللّه بن أبي يعفور : عن الصادق عليه السلام : في تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة قال يقول : السلام عليكم (6).

وما رواه أبو بصير : عن الصادق عليه السلام : فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم (7) ) (8) ، انتهى.

وقال الشيخ بهاء الدين : ( أمّا عبارته فالتي تضمّنها الحديث الأوّل يعني : صحيح

ص: 73


1- الكافي في الفقه : 119.
2- الفقيه 1 : 210 / ذيل الحديث 944 ، المقنع : 96.
3- عنه في المعتبر 2 : 236.
4- عنه في المعتبر 2 : 236.
5- السنن الكبرى 2 : 254 / 2984.
6- المعتبر 2 : 236 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 11.
7- الإستبصار 1 : 347 / 1307 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8.
8- الذكرى : 206 - 207 ( حجريّ ) ، المعتبر 2 : 236.

عليّ بن جعفر : المتقدّم (1) أعني السلام عليكم ورحمة اللّه ، ممّا لا ريب في تحقّق الخروج بها من الصلاة ، ونقل المحقّق : في ( المعتبر ) (2) على ذلك الإجماع ، ولا خلاف في عدم وجوب ضمّ وبركاته ، كما قال العلّامة : في ( المنتهى ) (3) ، ولو أسقط قول ورحمة اللّه جاز أيضاً عند غير أبي الصلاح ) (4) ، انتهى ، وهو يؤذن بدعوى الإجماع على الاكتفاء بالصيغة الأُولى.

أقول : دلّت الأخبار الواردة في تسليم الصلاة على الصيغ الثلاث : أمّا السلام عليكم فالأخبار به كثيرة ، بل أكثر الأخبار وردت به.

وأمّا السلام عليكم ورحمة اللّه فورد به بعض الأخبار ، وقد سلف بعضها.

وأمّا السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته فورد به أيضاً بعض الأخبار ، مثل : خبر المعراج (5) ، وصحيحة عليّ بن جعفر : عن إخوته (6) ، وعمل أكثر الفرقة من مجتهد ومقلّد على هذا من غير نكير ، وإجماع العصابة على مشروعيّته ، فلا ريب فيها.

والذي يظهر لي من الأخبار وفتوى الفرقة في كيفيّة التسليم الذي وردت به الشريعة عموماً وخصوصاً ، ابتداءً وردّاً وهذا منه بلا إشكال ، كما عرفت أنه في الصلاة كغيرها من باب الواجب المخيّر ، فللمصلّي أن يأتي بأيّ الصيغ الثلاث شاء ، وكلّ صيغة أتى بها نوى بها الوجوب ، وإن أكملها الأخيرة ، وأوسطها أوسطها ، وأقلّها الاولى ، وهي أقلّ ما يتأدّى به الواجب المخيّر ، ولا تلتئم الأخبار إلّا على هذا ، ودلالتها عليه تظهر بأدنى تأمّل.

ص: 74


1- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1297 ، وسائل الشيعة 6 : 419 ، أبواب التسليم 2 ، ح 2.
2- المعتبر 2 : 235.
3- منتهى المطلب 1 : 296.
4- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 253 ( حجريّ ).
5- علل الشرائع 2 : 9 / 1 ، وسائل الشيعة 5 : 468 ، أبواب أفعال الصلاة ، ب 1 ، ح 10.
6- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1297 ، وسائل الشيعة 6 : 419 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 2.

تنبيهات

اشارة

بقي هنا تنبيهات :

أحدها : أنه يجب في تسليم الصلاة أحد الصيغ الثلاث على الكيفيّة المذكورة : السلام عليكم ، أو ما يتبعها ويكمّلها ، فلو قدّم عليكم ، أو نكّر السلام ، أو قدّم وأخّر في ورحمة اللّه وبركاته ، أو غيّر هذا الأُسلوب بوجهٍ ما لم يجزِه ، وبطل تسليمه ، فبطلت صلاته.

أمّا الأوّل ؛ فلأن العبادات كيفيّات متلقّاة من الشارع لا يجزي غيرها.

وأمّا الثاني ؛ فلأن تسليم الصلاة جزء منها لا يتأدّى واجب الخروج منها إلّا به ، ولم يقع ، وما وقع فهو شي ء خارج منها جعل فيها بنيّة الجزئيّة ، فهو يبطلها ، هذا إن قلنا : إنه دعاء كما هو الأصحّ ، وأمّا إن قلنا : إنه من كلام الآدميّين لا ذكر ولا دعاء ، فالبطلان به حينئذٍ أوضح ، بل لا يحتاج إلى بيان.

وقال فاضل ( المناهج ) : بعد قول الشهيد : ( أمّا السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته بعد كلام طويل وفي العبارة دلالة على أُمور :

أحدها : أن هذا الترتيب واجب ، فلا يجوز عليكم السلام.

والثاني : أنه لا يجوز تنكير السلام.

والثالث : أنه لا يجوز السلام عليك.

ودليل الكلّ واحد ، وهو أنه عبادة لفظيّة فلا يجوز التلفّظ إلّا بما ورد منها شرعاً.

واستدلّ في ( المنتهى ) على الأوّل برواية عثمان بن عيسى : عن الصادق عليه السلام : قال : سألته عن الرجل يسلّم عليه في الصلاة قال يردّ ، ويقول : سلام عليكم ، ولا يقول : عليكم

ص: 75

السلام ، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : كان قائماً يصلّي فمرّ عمّار بن ياسر : فسلّم عليه ، فردّ عليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله : هكذا (1)قال : ( وإذا كان الإتيان بهذه الصيغة منهيّاً عنه في الصلاة على سبيل الردّ فكذا في التسليم ؛ لأنه قبله لم يخرج عن الصلاة ، والردّ كالابتداء ) (2).

وذهب المحقّق : في ( المعتبر ) (3) إلى جواز السلام عليكم ، مستدلّاً بأنه يصدق عليه اسم التسليم ، وبأنها كلمة ورد بها القرآن (4) ) ، انتهى.

قلت : لا يخفى على من تأمّل كلام القوم أنهم لا يفرّقون بين تسليم الصلاة وغيره ، بل إنما يعرفون منه أنه فرد من أفراد التسليم الذي هو تحيّة الإسلام ، فيجري فيه حكمه التخييري وغيره ، إلّا إنه لا يجوز مخالفة كيفيّة الصيغة الواردة في تسليم الصلاة لأنها عبادة متلقّاة.

وفي ( الذكرى ) نقلاً من ( المعتبر ) أنه قال : ( لا تجزي ترجمتها يعني السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ولا نكسها ، فتبطل صلاته لو تعمّده ، ولأنه كلام في الصلاة غير مشروع ) (5).

وقال بعد ذلك : ( ولو قال السلام عليكم ، ونوى به الخروج فالأشبه الإجزاء ؛ لصدق التسليم عليه ، ولأنها كلمة ورد القرآن بصورتها ، فتكون مجزية ، ولو نكس لم يجزِ ؛ لأنه خلاف المنقول ، وخلاف تحيّة القرآن ، ولأن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : قال لرجل لا تقل عليك السلام (6) ) (7) ، انتهى.

قلت : لو قال السلام عليكم في الصلاة لم يجزِ ؛ لأنه خلاف المنقول في الصلاة ، والقرآن إنما ورد بها في غير الصلاة ، وإلّا لجاز ( سلامٌ ) أو ( سلاماً ) ، ولا نعلم به قائلاً.

ولا تجزي الترجمة فيه أيضاً كسائر أجزاء الصلاة ؛ لوجوب وقوعها بأجمعها

ص: 76


1- الكافي 3 : 366 / 1 ، تهذيب الأحكام 2 : 328 / 1348 ، وسائل الشيعة 7 : 267 - 268 ، أبواب قواطع الصلاة ، ب 16 ، ح 2.
2- منتهى المطلب 1 : 297.
3- المعتبر 2 : 236.
4- الأنعام : 54 ، الأعراف : 46 ، الرعد : 24.
5- الذكرى : 206 ( حجريّ ) ، المعتبر 2 : 236.
6- سنن أبي داود 4 : 353 / 5209.
7- الذكرى : 207 ( حجريّ ) ، المعتبر 2 : 236 - 237.

بالعربيّة بالإجماع والنصّ البياني وغيره ، فلو أوقع بالترجمة فسدت الصلاة قطعاً.

وقال المحقّق الكركي : في ( شرح القواعد ) : ( على القول بوجوب التسليم يجب فيه ما يجب في التشهّد من الجلوس بقدره مطمئناً اختياراً ، وعربيّته مع القدرة أو إمكان التعلّم ، ومراعاة المنقول ، فلو نكرّ : ( السلام ) ، أو اقتصر على بعضه لم يجزِ ، خلافاً للمحقّق (1) : ، ودعواه صدق التسليم عليه متوقّفة على الدليل ، وكذا لو جمع الرحمة أو وحّد البركات ، ونحو ذلك ) (2) ، انتهى.

قلت : لو ضاق الوقت عن تعلّم العربية وأمكن أحد صيغ السلام التي لم تنقل في الصلاة لم يبعد إجزاؤها ، بل تعيّنها ، فإن تعذّر جميع الصيغ الواردة في التسليم لم يبعد إجزاء الترجمة ، و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (3) ، فإن كان شي ء من ذلك لا عن تفريط فلا إثم ، وإلّا أثِمَ وإن أجزى ، واللّه العالم.

وذهب المحقّق نجم الدين : وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه ، إلى وجوب أحد الصيغتين تخييراً ، إمّا السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، أو السلام عليكم ، ولا نعلم قائلاً قبله.

قال رحمه اللّه : ( والتحقيق أنه إن بدأ ب- : « السلام علينا » وعلى عباد اللّه الصالحين ، كان التسليم الآخر مستحبّاً ، فيأتي بأحسن ما قيل ، وإن بدأ ب- : « السلام عليكم » أجزى هذا اللفظ ، وكان قوله ورحمة اللّه وبركاته ، مستحبّاً يأتي به ما شاء ) (4) ، انتهى.

ونقله عنه الشهيد : في ( الذكرى ) ، ثمّ قال : ( إلزامه بوجوب صيغة السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين تخييراً قول حدث في زمانه فيما أظنّه أو قبله بيسير ، فإن بعض شرّاح رسالة سلّار أومأ إليه ، واحتجاجه بصدق اسم التسليم عليه محلّ النزاع ، فإن راوي هذا الخبر مسنداً من العامّة ، أو مرسلاً من الخاصّة يزعم أن ( اللام ) في التسليم للعهد ، وهو التسليم المعروف المخرج من الصلاة عندهم لا غيره ، ولأن

ص: 77


1- المعتبر 2 : 236.
2- جامع المقاصد 2 : 327.
3- البقرة : 286.
4- المعتبر 2 : 236.

عبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصّة والعامّة في السلام عليكم ، يعرف ذلك بتتبّع الأخبار والتصانيف ، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبّة ، ثمّ يقال بعدها : وبعد السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، ثمّ يسلّم ، وهذا تصريح منهم بأن اسم التسليم الشرعي مختصّ بصيغة السلام عليكم ) (1). قال في ( المناهج ) : ( واعلم أن المحقّق : استدلّ على هذا المدّعى بقوله صلى اللّه عليه وآله تحليلها التسليم (2) لأنه يقع على كلّ واحد [ من ] العبارتين ، قال : ( ويؤيّد ذلك روايات عن أهل البيت : ، صلوات اللّه عليهم ) (3).

وذكر منها رواية أبي بصير (4) : ، ثمّ قال : ( يلزم من الاقتصار في الخروج على ما يسمّى تسليماً الخروج بقوله السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته.

فلنا : السلام على النبيّ صلى اللّه عليه وآله من جملة أذكار الصلاة فلا يخرج به ويجري مجرى الدعاء والثناء على اللّه سبحانه وتعالى ، ويدلّ عليه روايات ). وذكر منها رواية أبي كَهْمَس (5) والحلبي (6).

ثمّ قال : ( ولو قيل : احتججتم بفعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله : وهو صلى اللّه عليه وآله لم يخرج إلّا بقول السلام عليكم ورحمة اللّه ، فيجب الاقتصار عليه ، قلنا : دلّ على الجواز قوله صلى اللّه عليه وآله وتحليلها التسليم (7) ، وهو صادق على كلّ ما يسمّى تسليماً ممّا ذكر في الصلاة عدا ما يقصد به الدعاء للنبيّ والأئمّة عليهم الصلاة والسلام ) (8). هذا ما تعلّق من كلامه بالاحتجاج على مذهبه.

ص: 78


1- الذكرى : 207 ( حجريّ ).
2- الكافي 3 : 69 / 2 ، وسائل الشيعة 6 : 415 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 1.
3- المعتبر 2 : 234.
4- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 349 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8.
5- التهذيب 2 : 316 / 1292 ، وسائل الشيعة 6 : 426 ، أبواب التسليم ، ب 4 ، ح 2.
6- تهذيب الأحكام 2 : 316 / 1293 ، وسائل الشيعة 6 : 426 ، أبواب التسليم ، ب 4 ، ح 1.
7- الكافي 3 : 69 / 2.
8- المعتبر 2 : 234 - 235.

وأورد عليه في ( الذكرى ) بأن ادّعاءه صدق التسليم على كلّ منهما محلّ النزاع قال : ( ولأن راوي هذا الخبر مسنداً من العامّة ومرسلاً من الخاصّة يزعم أن ( اللام ) في التسليم للعهد ، وهو التسليم المعروف المخرج من الصلاة عندهم لا غيره ، وعبارة التسليم قد صارت متعارفة بين الخاصّة والعامّة في السلام عليكم ، يعلم ذلك بتتبّع الأخبار والتصانيف ، حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبّة ثمّ يقال بعدها : وبعد السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، ثمّ يسلّم ، وهذا تصريح منهم بأن اسم التسليم الشرعي مختصّ بصيغة السلام عليكم ) (1). ثمّ استشهد على ذلك بكلام الشيخ : في ( الخلاف ) (2) ولا يخفى أن ما ذكره إنما يضرّ المحقّق لو لم يكن له شاهد من النصّ على أن السلام علينا قاطع للصلاة ومحلّل لها.

وأمّا إذا استشهد بالنصوص الصريحة فيه من غير معارض فكلّا ، لأنه دلّت النصوص على أنها تتحلّل بقول السلام علينا ، ولا شكّ أن اسم التسليم شامل له حقيقة ، وما ادّعاه من صيغة حقيقة في العبارة الأُخرى إن سُلّم ففي عرف الفقهاء ، ثمّ إن ترقّينا له ففي عرف الأئمّة عليهم السلام أيضاً ، وأمّا في كلام النبيّ صلى اللّه عليه وآله : فكلّا.

وبالجملة ، فالمحقّق : إنما استدلّ بالنصوص على تعميم التسليم الوارد في الحديث النبويّ ، ولا شبهة أنه لا يعارضه ما ذكره المصنّف رحمه اللّه تعالى ) ، انتهى.

وأقول : في كلام هذا الفاضل في الردّ هنا على الشهيد : والذبّ عن المحقّق : ضروب من الضعف لا تخفى :

منها : أن دعواه وجود الشواهد على كلام المحقّق ، وأن السلام علينا مخرجة من النصّ ، ممنوعةٌ ؛ لأنك قد عرفت ما في الأخبار التي استدلّ بها على صحّة الخروج ب- : « السلام علينا » ، وهذا الفاضل ممّن حقّق وبالغ في نفي دلالتها كما عرفت ،

ص: 79


1- الذكرى : 207 ( حجريّ ).
2- الخلاف 1 : 376 / المسألة : 134 ، الذكرى : 207 ( حجريّ ).

وبملاحظته يتّضح أنه لا شاهد لدعوى المحقّق : ، وليس هذا عدول من هذا الفاضل إلى اختيار المحقّق : ؛ لأنه قبل هذا وبعده ضعّفه ، بل ردّه.

ومنها : أن نَفْيَهُ الشكّ عن شمول اسم التسليم له ممنوعٌ عند الإطلاق ؛ إذ لا شكّ في أنه لا يفهم أحد من إطلاق لفظ : سلّم ، وسلم في الصلاة وغيرها ، والسلام تحية الإسلام ، وأجر المسلّم كذا ، والتسليم أفضل من الردّ ، وما أشبه هذا ، إلّا التسليم المعهود لجميع المسلمين ، المعروف بينهم ، وهو السلام عليكم ، فلا يجوز حمل تحليلها التسليم على غيره إلّا بدليل ، ولا دليل.

وإن فرض ذلك شمل التسليم على النبيّ بلا شكّ ؛ إذ لا ريب أنه تسليم ، ومن البيّن الذي لا شكّ فيه أن كون التسليم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : من جملة أذكار الصلاة ، وأنه يجري مجرى الدعاء والثناء على اللّه ، لا يخرجه عن كونه تسليماً ، مع أنا نقول : إن السلام علينا دعاء من المصلّين لأنفسهم ولعباد اللّه الصالحين بلا شكّ ، وممّن نصّ عليه الفاضل في ( المناهج ).

فإن كان التسليم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : يجري مجرى الثناء على اللّه وذكره ، فهذا يجري مجراه ، فأمّا ألّا يكونا مقصودين في الحديث النبويّ ، أو يتحقّق الخروج بالتسليم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ، ولا قائل بالخروج به.

قال في ( الحبل المتين ) : ( إنه لا كلام في عدم كونها مخرجة من الصلاة ، بل قال العلّامة : في ( المنتهى ) : ( لا نعرف فيه خلافاً بين القائلين بوجوب التسليم ) (1) ) (2) ، انتهى.

ومنها : أنه إذا سُلّم أن السلام عليكم هو الحقيقة في عرف الأئمّة صلوات اللّه وسلامه عليهم فقد سُلّم أنه كذلك في عرف النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ؛ إذ لا يعرف أهل الإيمان للأئمّة عرفاً غير عرف النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ، فالقول بأن له عرفاً يغاير عرفهم ممّا يدفعه جميع

ص: 80


1- منتهى المطلب 1 : 296.
2- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 253 ( حجريّ ).

قواعد الإيمان وأدلّة التوحيد وجميع أخبار أهل البيت ، بل ضرورة المذهب ، وما يلزمه من المفاسد الدينيّة ما لا يحصى ، وهذه غفلة منه نوّر اللّه ضريحه.

وبالجملة ، فليس في كلامه هذا ما يؤيّد كلام المحقّق : ، ولا ما يدفع نقض الشهيد : له بوجهٍ أصلاً ، بل هو أضعف من استدلال المحقّق : على ما فيه من الضعف ، وأنت إذا تأمّلت الأخبار لم تجد فيها ما يدلّ على وجوب السلام علينا بوجه أصلاً ، وما دلّ بظاهره على صحّة الخروج به أو انقضاء الصلاة بانقضائه فغايته الدلالة على استحباب التسليم المعهود ، وقد عرفت ما فيه ، فليس على مذهب المحقّق : دليل أصلاً ، مع أنه يلزمه أنك إذا قدّمت السلام علينا يكون السلام عليكم من جملة التعقيب ، ولم نظفر بقائل به ، ولا خبر يدلّ عليه ؛ إذ كلّ مستحبّ بعد كمال الصلاة والخروج منها فهو تعقيب.

وقال الشهيد : في ( الروضة ) بعد قول المصنّف : ( ثمّ يجب التسليم ، وله عبارتان السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، أو السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، مخيّراً فيهما ، وبأيّهما بدأ كان هو الواجب وخرج به من الصلاة ، واستحبّ الآخر ) (1) - : ( وأمّا جعل الثاني مستحبّاً كيف كان كما اختاره المصنّف هنا فليس عليه دليل واضح ، وقد اختلف فيه كلام المصنّف فاختاره هنا وهو من آخر ما صنّفه ، وفي ( الألفيّة ) (2) وهي من أوّله ، وفي ( البيان ) أنكره غاية الإنكار ، فقال بعد البحث عن الصيغة الأُولى : ( وأوجبها بعض المتأخّرين ، وخيّر بينها وبين السلام عليكم ، وجعل الثانية منهما مستحبّة ، وارتكب جواز السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين بعد السلام عليكم ، ولم يذكر ذلك في خبر ولا مصنّف ، بل القائلون بوجوب التسليم واستحبابه يجعلونها مقدّمة عليه ) (3) ، وفي ( الذكرى ) نقل وجوب الصيغتين تخييراً عن بعض المتأخّرين ، وقال : ( إنه قويّ متين إلّا إنه لا قائل به من القدماء فكيف

ص: 81


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 277.
2- الألفيّة في الصلاة اليوميّة : 60.
3- البيان : 177.

يخفى عليهم مثله لو كان حقّا ) (1) ) (2) ، انتهى.

وقال في ( المناهج ) : ( قوله : ( وأمّا جعل الثانية مستحبّة كيف كان كما اختاره المصنّف هنا فليس عليه دليل واضح ) : اعلم أن جعل الثاني مستحبّاً كيف كان يتضمّن أربع دعاوي :

الاولى : أنه يتخيّر في تقديم أيّ العبارتين شاء.

والثانية : أنه يتعيّن المتقدّم أن يكون هو الواجب.

والثالثة : أنه يتعيّن نيّة الخروج به.

والرابعة : أن المتأخّر أيّة كانت من العبارتين مستحبّ ) ، انتهى.

قال في ( الذكرى ) بعد ذكر الاحتمالات الستّة في التسليم : ( وبعد هذا كلّه فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين ؛ جمعاً بين القولين ، وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجهٍ من الوجوه ، بادياً ب- : « السلام علينا » وعلى عباد اللّه الصالحين ، لا بالعكس ، فإنه لم يأتِ به خبر منقول ولا مصنّف مشهور ، إلّا ما في بعض كتب المحقّق (3) : ، ويعتقد ندب السلام علينا ، ووجوب الصيغة الأُخرى ، وإن أبى المصلّي إلّا إحدى الصيغتين ، ف- « السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته » مُخْرِجةٌ بالإجماع ) (4) ، انتهى.

وبمثل هذه العبارة عبّر الشيخ حسين : في ( شرح المفاتيح ).

قال في ( المناهج ) بعد أن نقل عبارة ( الذكرى ) : ( أمّا كون الاحتياط في الجمع بينهما فلوجهين :

الأوّل : أنه إن اقتصر على السلام علينا ، لم يأتِ بالواجب عند السيّد (5) : وأبي الصلاح (6). وإن اقتصر على الآخر لم يأتِ بالواجب عند يحيى بن سعيد (7).

ص: 82


1- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 278.
3- شرائع الإسلام 1 : 79.
4- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
5- الناصريّات : 211 - 212 / المسألة : 82.
6- الكافي في الفقه : 119.
7- الجامع للشرائع : 84.

والثاني : أنك قد عرفت أن ابن طاوس رحمه اللّه (1) : احتمل وجوبهما ؛ لدلالة الأخبار عليه.

وأمّا إن الاحتياط في تقديم السلام علينا فلأنه المنقول من فعل الأئمّة والصحابة وأقوالهم.

وأمّا كون الاحتياط في ألّا يقصد الخروج إلّا ب- : « السلام عليكم » فلِمَا مرّ من أن التسليم حقيقة عرفيّة فيه ، فيكون هو المخرج ، فإن نوى الخروج بالأوّل احتمل أن يكون نواه في أثناء الصلاة ، بل هو الظاهر. وعلى تقدير أن يكون السلام علينا مخرجاً لم يضرّ عدم نيّة الخروج به ؛ لأن نيّة الخروج لا تشترط في التسليم ولا ينته ب- : « السلام عليكم » ؛ لأن غايته أن يكون لَغْواً ، هذا غاية ما يمكن أن يقال ) ، انتهى.

وأقول : ليس ما ذكره رحمه اللّه هو وجه الاحتياط الذي لاحظه الشهيد : ؛ لأنه قال : ( جمعاً بين القولين ) (2) ، والظاهر أنه عنى المشهور ، وقول المحقّق : ومن تبعه ، وأمّا إنه لاحظ قول يحيى بن سعيد : وعبارة ( البشرى ) فكلّا ؛ لأنهما شاذّان نادران لا دليل على شي ء منهما ، ولا شكّ عنده في سقوطهما ، ولذلك لم يعرج على عبارة ( البشرى ) ، ورمى قول يحيى : بمخالفة الإجماع ، فتوجيه ( المناهج ) غير ما لاحظه الشهيد : ، على أن كلّاً منهما خارج عن طريق الاحتياط على ما سنوضّحه إن شاء اللّه تعالى من ذي قبل ، وسيأتي أيضاً إن شاء اللّه تعالى أن فاضل ( المناهج ) : أنكر كون هذا سبيل الاحتياط ، فترقّب إنا وإيّاك لرحمة اللّه من المترقّبين.

ثمّ اعلم أن الذي يظهر لي أن عبارة المحقّق : في ( المعتبر ) غير صريحة في أن المصلّي إذا بدأ ب- : « السلام عليكم » ، استحبّ له أن يأتي بعده ب- : « السلام علينا » ، حيث إن لفظها كما عرفت هكذا : ( والتحقيق : أنه إن بدأ ب- : « السلام علينا » وعلى عباد اللّه الصالحين كان التسليم الآخر مستحبّاً ، وإن بدأ ب- : « السلام عليكم » ، أجزأهُ هذا اللفظ ،

ص: 83


1- عنه في الذكرى : 208 ( حجريّ ).
2- الذكرى : 208 ( حجريّ ).

وكان قوله ورحمة اللّه وبركاته ، مستحبّاً ) (1) ، ولم يقل : ويستحبّ له حينئذٍ أن يأتي بعده ب- : « السلام علينا » إلى آخره. بل ظاهر هذه العبارة أنه إن بدأ ب- : « السلام علينا » ، استحبّ له أن يأتي ب- : « السلام عليكم » ، وإن بدأ ب- : « السلام عليكم » ، أجزأه وحده ، ولم أقف على من تنبّه لهذا.

نعم ، هو ظاهر عبارة ( الشرائع ) و ( النافع ) ، حيث قال في ( الشرائع ) : ( الثامن : التسليم ، وهو واجب على الأصحّ ، ولا يخرج من الصلاة إلّا به ، وله عبارتان : أحدهما : أن يقول السلام علينا إلى آخره ، والأُخرى : أن يقول السلام عليكم إلى آخره ، وبكلّ منهما يخرج من الصلاة ، وبأيّهما بدأ كان الثاني مستحبّاً ) (2) ، انتهى.

ومثلها عبارة ( النافع ) (3) ، مع أنها محتملة لما هو ظاهر عبارة ( المعتبر ) ، فيكون معناها : إن بدأ ب- : « السلام علينا » ، استحبّ له الإتيان بالأُخرى طبق ما وردت به الأخبار من الترتيب وجاز له تركها ، وإن بدأ ب- : « السلام عليكم » كانت الأُخرى مستحبّة ، بمعنى أنها تترك حينئذٍ لا إلى بدل ، لا أنه يستحبّ الإتيان بها بعد السلام عليكم ؛ لأن كيفيّة العبادة متلقّاة ، ولم يرد به خبر ، فيبعد أن يفتي به مثل هذا الإمام المتبحّر.

وأصرح من عبارتيه عبارة ابن شجاع (4) في ( معالم الدين ) ، حيث قال في تعداد الواجبات : ( الثامن : التسليم ، وليس بركن ، ومحلّه آخر التشهّد ، وأنه يخرج من الصلاة وإن لم يقصد ، وصورته : إمّا السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، أو السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.

ويجوز الجمع ، فيستحبّ الأخيرة ، على أنها محتملة ؛ لأنه مخيّر في الإتيان بأيّهما شاء وحدها ، وأنه يجوز الجمع بينهما على الترتيب ).

ص: 84


1- المعتبر 2 : 236.
2- شرائع الإسلام 1 : 79.
3- المختصر النافع : 84.
4- محمّد بن شجاع الأنصاري الشهير بالقطّان ، صاحب ( معالم الدين في فقه آل ياسين ) ، من أعلام القرن التاسع الهجري. انظر أعيان الشيعة 9 : 363، والمصدر غير متوفّر لدينا.

وذهب يحيى بن سعيد : في ( الجامع ) إلى وجوب السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين قال رحمه اللّه : ( والتسليم الواجب الذي يخرج به من الصلاة السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ) (1) ، وهذا مذهب انفرد به وحده ، ولا نعلم به قائلاً من الأُمّة غيره ، ولا شكّ أنه مخالف لكلّ من سبقه ولحقه ، ولا نعلم له عليه دليلاً ، وهو اعلم بما قال ، فلا شكّ أنه شاذّ نادر في غاية الشذوذ والندرة ، فيجب الإعراض عنه على كلّ حال.

ويمكن أن يكون تمسّك بصحيح ميسر : أو حسنه عن الباقر : صلوات اللّه عليه - أنه قال شيئان يفسد الناس بهما صلاتَهم : قول الرجل : تبارك اسمك ، وتعالى جدّك ، ولا إله غيرك ، وإنما هو شي ء قالته الجنّ بجهالة فحكى اللّه عنهم ، وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين (2).

فإن المفسد مخرج ، وهذا لا يصحّ التمسّك به ؛ لأن المراد منها قول ذلك في التشهّد الأوّل مطلقاً ، أو التشهّد الأوّل والثاني قبل الشهادتين ، كما هو عمل عامّة العامّة.

والوجه في البطلان حينئذٍ مخالفة الكيفيّة المتلقّاة من الشارع في العبادة ، وذلك مبطل قطعاً ، وإلّا فذكر هذه الصيغة بعد الشهادتين والصلاة على محمّد : وآله قبل السلام عليكم في الأخبار وكتب العصابة أكثر من أن يحصى ، على أنها معارضة بما سمعت من الأخبار المستفيضة.

واحتمل فيها فاضل ( المناهج ) : أن المراد بإفسادها الصلاة إذا قيل في التشهّد الأوّل ، أو إذا قصد به الخروج منها ، والوجه الأوّل احتمله جماعة من الأكابر ، والثاني حسن لا من حيث الإتيان بها على كلّ حال ، بل من حيث قصد الخروج حينئذٍ ، فإنه مخالف للمشروع.

وفي ( الذكرى ) (3) أن يحيى بن سعيد : خرج في هذا عن الإجماع من حيث لا

ص: 85


1- الجامع للشرائع : 84.
2- تهذيب الأحكام 2 : 316 / 1290 ، وسائل الشيعة 6 : 409 ، أبواب التشهّد ، ب 12 ، ح 1.
3- الذكرى : 206 ( حجريّ ).

يشعر. وبالجملة ، فلا شكّ في سقوط هذا القول.

وبالجملة ، فالذي قام عليه الدليل عندي بلا إشكال ولا احتمال ولا تردّد هو وجوب التسليم وجزئيّته ، واختصاص الوجوب ب- : « السلام عليكم » ، أو السلام عليكم ورحمة اللّه ، أو السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، مخيّراً بينها كسائر التسليم الذي هو تحيّة الإسلام ، فإنه هو هو بعينه ، كما لا يخفى على من تأمّل عبارات الفقهاء من الخاصّة والعامّة ، وتأمّل الأخبار من الطريقين ، فإنه يجده ليس عليه غبار.

وإن السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين مستحبّ من مستحبّات الصلاة الواقعة في أثنائها قبل كمالها بلا شبهة ، ك- « السلام عليك أيّها النبيّ : ورحمة اللّه وبركاته » بلا فرق بينهما بوجه.

فإذا عرفت هذا فاعلم أن الذي يقتضيه الورع والاحتياط ترك الإتيان ب- : « السلام علينا » وعلى عباد اللّه الصالحين أصلاً ، قبل السلام عليكم ، وبعدها.

أمّا قبلها ؛ فلأنك إمّا أن تنوي حينئذٍ الوجوب ، أو الندب.

فعلى الأوّل ، يقع في محذور مخالفة المشهور بين العصابة من القول باستحبابها ، فتكون على هذا القول قد أتيت بالمندوب بنيّة الوجوب ، وهو لا يجوز ، ولا تتأدّى به العبادة على المشهور المنصور ، فيكون باطلاً منهيّاً عنه ، فتبطل الصلاة حينئذٍ ؛ لأنه نهي في العبادة ، وهو مبطل إجماعاً ؛ لأن الشارع لم يكلّف به بعنوان الوجوب على هذا القول ، وإنما كلّف به بعنوان الندب.

فلو ساغ الإتيان بالمندوب بعنوان الوجوب وبالعكس لَمَا كان لتقسيم الشارع العبادات للواجب والندب فائدة ، ولَمَا عرف الواجب من المندوب ؛ لعدم بقاء الفرق بينهما إذا جاز اعتقاد ندبيّة الواجب وتأديته بهذا القصد والعنوان وبالعكس ، وأيضاً نيّة الوجوب بالمندوب وبالعكس فرع اعتقاد ذلك ؛ إذ لا يمكن مخالفة نيّة العمل لما يعتقده العامل من وصفه بأحدهما ، بل هو محال ، فيكون هذه النيّة والاعتقاد لم يأتِ بها الشرع ، فهو إدخال فيه ما ليس هو منه ، وأيضاً فأنت حينئذٍ يلزمك أن تقصد

ص: 86

الخروج به ؛ إذ لا قائل بوجوب التسليمين أو جواز قصد الخروج بهما ، فتكون قد قصدت الخروج عندهم قبل كمال الصلاة في أثنائها ، وهو مبطل.

وعلى الثاني ، تقع في محذور مخالفة المحقّق : ومن قال بمقالته ، فإنهم يوجبون نيّة الوجوب به إذا قدّم على السلام عليكم ، ويقصدون الخروج به ويجعلونه هو المخرج خاصّة.

فإذا أتيت به بعنوان الندب لم تأتِ بما قالوه ، فإنك لم تأتِ بواجب أصلاً ، فليس هذا حينئذٍ ما أفتوا به ، بل يقولون : إن نيّة الندب بالواجب مبطلة له ، وقد نقل عليه الإجماع غير واحد ، فيكون منهيّاً عنه حينئذٍ فيبطل الصلاة.

فأنت إذا لم تأتِ ب- : « السلام علينا » وعلى عباد اللّه الصالحين قبل السلام عليكم ، فقد خرجت من خلاف الكلّ ، وعملت بمذهب الكلّ.

أمّا على المشهور فأنت حينئذٍ تكون قد تركت مندوباً ، فلا محذور.

وأمّا على مذهب المحقّق (1) : ومن تبعه (2) فلأنك حينئذٍ قد امتثلت الأمر وخرجت من العهدة ، حيث إنك أتيت بأحد فَرْدَي الواجب المخيّر ؛ لأنهم لا يوجبون إلّا أحدهما تخييراً.

فإن قلت : لم يخرج حينئذٍ من خلاف ابن سعيد. قلت : ذلك مذهب لم يقل به أحد من الأُمّة ، فلا ريب في عدم الالتفات له والاعتداد به.

فإذا عرفت هذا عرفت أن ليس الاحتياط للدين الجمع بينهما مقدّماً ل- « السلام علينا » ، ناوٍ به الندب ، وقاصداً ب- : « السلام عليكم » الوجوب والخروج ، كما قاله الشهيد : في ( الذكرى ) (3) ؛ لأنك حينئذٍ لم تخرج من محذور مخالفة المحقّق : ومن تبعه ، بل ولا من خلاف ابن سعيد (4) : على شذوذه وندرته ، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان.

ص: 87


1- المعتبر 2 : 236 ، المختصر النافع : 84.
2- منتهى المطلب : 296 ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 277.
3- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
4- الجامع للشرائع : 84.

وأمّا إن أتيت به بعد السلام عليكم فلأنك حينئذٍ قد فعلت شيئاً لم يأتِ به خبر ، ولم يدلّ عليه الشارع بوجهٍ ، بل هو مخالف لعمل عامّة المسلمين وخاصّتهم في سائر الأزمان والأصقاع ، فتقع في محذور إدخالك في الشرع ما ليس منه ، ومحذور عبادتك لله من حيث تحبّ لا من حيث يحبّ. وهذا جارٍ في تقديمه على السلام عليكم أيضاً ، فلا تغفل.

وممّا يستأنس له في هذا خبر أبي بكر الحضرمي قلت له : أُصلّي بقوم ، فقال : [ تسلِّم (1) ] واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته ، السلام عليكم (2).

وأنا لمّا ظهر لي هذا تركت الإتيان ب- : « السلام علينا » وعلى عباد اللّه الصالحين أصلاً ، ولم أقف على من وافقني على هذا ، وبعد سبع سنين وقع في يدي كتاب الصلاة من ( المناهج شرح الروضة ) تصنيف محمّد بن الحسن الأصفهاني : ، الملقّب ببهاء الدين ، وهو مصنّف ( شرح القواعد ) المسمّى ب- ( كشف اللثام ) ، فوجدته قد قرّر هذا وصرّح به ، ولننقل عبارته بحروفها. قال رحمه اللّه على عبارة ( الألفيّة ) (3) التي ذكرها في ( الروضة ) وصورتها : ( إن من الواجب جعل المخرج ما يقدّمه من إحدى العبارتين ، فلو جعله الثانية لم يجزِ ) (4) : ( قوله : ( فلو جعله الثانية لم يجزِ ) : أمّا إذا كان المتقدّم هو السلام عليكم فظاهر ؛ لأنها مخرجة بالإجماع ، ولا تشرّع مستحبّة متقدّمة إجماعاً ، فيكون نيّة الاستحباب بها كنيّة استحباب بعض الواجبات المتعيّنة في أثناء الصلاة ، وهو مبطل.

وأمّا إذا كان المتقدّم هو السلام علينا ، فلِمَا في بعض الأخبار من كونها مخرجة

ص: 88


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( سلّم ).
2- تهذيب الأحكام 3 : 276 / 803 ، وسائل الشيعة 6 : 427 ، أبواب التسليم ، ب 4 ، ح 3.
3- الألفيّة في الصلاة اليوميّة : 60.
4- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 279.

من الصلاة ، وهو وجه إيجابها تخييراً ، فنيّة الاستحباب بها يوجب المحذور السابق ). هذا لفظ الشارح في شرحه ، وهو حسن.

اللّهمّ إلّا أن يقال : إن غاية ما لزم من الأخبار والإجماع صلاحيّة كلّ منهما للخروج به من الصلاة ، وأمّا ألّا يجوز إيقاعه لا بقصد الخروج ، بل لمجرّد الدعاء الذي يستحبّ في جميع الأحوال وبعد كلّ جزء من أجزاء الصلاة ، فلم يلزم ، وحينئذٍ فيقصد به الندب ، لكن لا يخفى أن الاحتياط خلافه.

فما اختاره في ( الألفيّة ) من انتفاء الاحتياط فيما جعله في ( الذكرى ) (1) احتياط قويّ ، وقولنا في الاستدلال له : إنه على تقدير أن يكون السلام علينا مخرجاً لا يضرّ عدم نيّة الخروج به ولا نيّة الخروج بغيره مدفوعٌ بأن المفروض ليس مجرّد عدم نيّة الخروج ، بل نيّة الندب ، ولا يخفى أنه ينافي كونه مخرجاً.

فقد يحصل لك ممّا عرّفناك أن الاحتياط للدين أن يقتصر على السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، فإنه إن اقتصر على الآخر لم يخف ما فيه ، وإن جمع بينهما وقصد الخروج بالمتقدّم كان فيه ما عرفت ، إلّا أن يكون المتقدّم هذه العبارة ، فإن الأُخرى تكون مستحبّة بذلك المعنى الذي ذكرناه ، وإن قصد الخروج بالمتأخّر كان فيه ما عرفت الآن.

وأمّا قول يحيى بن سعيد (2) : فهو مخالف للإجماع كما عرفت ، فلا التفات إليه ، ويقوّي كونه احتياطاً الروايةُ التي قدّمناها عن الباقر : صلوات اللّه عليه الناصّة بأن السلام علينا يفسد الصلاة ). يعني بها صحيحة مَيْسِرِ المتقدّمة (3).

( والعجب من كثير من الأصحاب أنهم استدلّوا بها على كونه مخرجاً عن الصلاة على وجه التخيير بينه وبين السلام عليكم ، مع أنها صريحة أنه مفسد لها ، والمفسد وإن كان مخرجاً لكن لا بالمعنى الذي أرادوه ، ولا تصريح فيها بأنه في التشهّد الأوّل

ص: 89


1- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
2- الجامع للشرائع : 84.
3- تهذيب الأحكام 2 : 316 / 1290 ، وسائل الشيعة 6 : 409 ، أبواب التشهّد ، ب 12 ، ح 1.

مفسد دون الثاني ).

إلى أن قال في شرح قول الشارح : ( إلّا إنه ليس احتياطاً ) : ( فيه إشارة إلى ما اخترناه من الاحتياط ، فإنه إذا لم يكن هذا احتياطاً ؛ فإمّا أن يكون الاحتياط الاقتصار على أحدهما لا على التعيين ، أو على السلام عليكم ، أو على السلام علينا ، أو الجمع بينهما ، مع تقديم علينا ، وجعل الآخر مستحبّاً ، أو بالعكس ، أو بالتخيير بين الأمرين ، لكن لا خفاء في أنه لا احتياط في الاقتصار على السلام علينا ؛ لأنه لا إجماع على الاجتزاء به ، بل نقل على خلافه ، وكذا الاحتياط في جعل السلام عليكم مستحبّاً لذلك ، وهو قد ردّ على من أجاز جعل الأخير أيّاً ما كان من العبارتين مستحبّاً ، فلم يبقَ إلّا أن يكون الاحتياط في الاقتصار على السلام عليكم ، كما قلنا ) ، انتهى كلامه ، وهو في غاية الحسن والجلالة واللطافة.

والحاصل أن المصلّي إن اقتصر على السلام عليك أيّها النبيّ ، وقع في خلاف الموجبين لغيرها طُرّاً ، بل لم يقل أحدٌ من الفرقة بصحّة الخروج بها كما عرفت ، وإن لزم ذلك للقائلين باستحباب التسليم.

وإن أضاف لها السلام علينا ، أو اقتصر عليها ، وقع في خلاف الموجبين ل- « السلام عليكم ».

وإن جمع بينهما أو بينهما وبين السلام عليكم ، فإن نوى الوجوب بالأُولى أو الثانية أو هما ، وقع في مخالفة المشهور من تعيين السلام عليكم ووجوبها ، ووجوب نيّة الندب في السلام علينا فوقع في محذور نيّة الوجوب في المندوب.

وإن نوى الندب بهما أو ب- : « السلام عليكم » وقع في محذور مخالفة المحقّق : ومن تبعه ، فيقع في محذور نيّة الندب بالواجب.

أمّا لو ترك السلام علينا ، واقتصر على السلام عليكم فعمله صحيح بالإجماع ، فإن المشهور أنها مستحبّة ، كما هو عند جميع القائلين باستحباب التسليم ، وجميع القائلين بتعيين السلام عليكم من الموجبين ، والمحقّق : مخيّر ، فالصلاة عنده حينئذٍ

ص: 90

صحيحة ، ومذهب ابن سعيد : ساقط بالإجماع ، فاعرف الرجال بالحقّ ، لا الحقّ بالرجال ، والحمد لله ربّ العالمين.

وقال الفاضل الشيخ عبد اللّه بن حسين التستري (1) : في ( شرح الألفيّة ) : ( وقد يقال : مقتضى الأخبار مع ملاحظة كلام الأصحاب يقتضي تقديم السلام عليكم، فإن الأخبار دلّت على الخروج ب- : « السلام علينا » ، وقول الأصحاب : إن السلام عليكم من أجزاء الصلاة ، فحينئذٍ من قدّم السلام علينا فقد أدخل بين أجزاء الصلاة ما يبطلها ، بخلاف من أخّره ) ، انتهى.

وأقول : أمّا دلالة الأخبار على الخروج ب- : « السلام علينا » فممنوعةٌ ، والمستند واضح ممّا مرّ ذكره. وأمّا إن قول الأصحاب : ( إن السلام عليكم من أجزاء الصلاة ) فيظهر منه إجماع.

وعلى كلّ حال ، فهو يدافع أن الأخبار دلّت على الخروج ب- : « السلام علينا » ؛ لأنه إذا ثبت أن الأصحاب قائلون بجزئيّة السلام عليكم فقد ثبت أنهم قائلون بعدم الخروج ب- : « السلام علينا » ، ومحال أن يقول الأصحاب بخلاف ما دلّت الأخبار عليه ، وإلّا لناقضت قولهم ، وهو محالٌ.

نعم ، لو دلّ دليل على التعبّد بالإتيان ب- : « السلام علينا » ، بعد السلام عليكم ، لكان الاحتياط فيه ، ولكن لم يدلّ عليه دليل كما عرفت ، فلم يبقَ سبيل إلى الاحتياط إلّا ترك السلام علينا أصلاً.

[ الثاني (2) ] : هل تجب نيّة الخروج بالتسليم المُخْرِج؟ قولان : قال في ( المدارك ) : ( الأجود أنه لا يجب نيّة الخروج من الصلاة بالتسليم ؛

ص: 91


1- الشيخ عبد اللّه التستري توفّيَ سنة (1021) ه كان تلميذ الأردبيلي وشيخ المولى محمّد تقي المجلسي ، من مؤلّفاته : شرح القواعد ، شرح ألفية الشهيد ، شرح على المختصر العضدي ، شرح إرشاد العلّامة ، وغيرها. أعيان الشيعة 8 : 1. والمصدر غير متوفّر لدينا.
2- أي الثاني من التنبيهات التي ابتدأها في ص 73 ، وفي المخطوط ( الأَوّل ) مع زيادة لفظة ( تنبيهات ) قبله.

للأصل ، وانتفاء المخرج عنه ، وربّما قيل بالوجوب ؛ لأنه ليس جزءاً من الصلاة ، ولأنه محلّل فيحتاج إلى النيّة ، كالمحلّل في الحجّ والعمرة ، وهو ضعيف ، ودليله مزيف ) (1) ، انتهى.

وقال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( هل يجب في التسليم نيّة الخروج على تقدير القول بوجوبه؟ قال الشيخ : في ( المبسوط ) : ( ينبغي أن ينوي بهذا ذلك ) (2) ، وليس بصريح في الوجوب.

وجه الوجوب : أن نظم الكلام يناقض الصلاة في موضعه من حيث هو خطاب للآدميّين ، ومن ثمّ تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامداً ، وإذا لم تقترن به نيّة تصرفه إلى التحليل كان مناقضاً للصلاة مبطلاً لها ) (3).

قلت : الظاهر أن هذا إنما يتمّ على القول بالجزئيّة كما هو المعروف من مذهب القائلين بالوجوب ، ولعلّه لم يعتبر القول بالخروج لشذوذه.

وأيضاً ، هذا لا يتمّ على تقدير الجزئيّة ، إلّا إذا أوجبنا له نيّة بانفراده ولم نكتفِ فيه بنيّة الصلاة التي تشمله ، وهو اعلم بما قال.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ووجه عدم الوجوب قضيّة الأصل ، وأن نيّة الصلاة اشتملت عليه وإن كان مخرجاً منها ، ولأن جميع العبادات لا تتوقّف على نيّة الخروج ، بل الانفصال منها كافٍ في الخروج ، ولأن مناط النيّة الإقدام على الأفعال لا الترك لها ) (4).

قلت : أمّا قضية الأصل فمرتفعة بكونه عبادة أو جزءاً من العبادة ، وكلّ عبادة وجزء من عبادة لا يتحقّق فيه الامتثال والخروج من العهدة إلّا بنيّة بالإجماع والنصوص المستفيضة.

وأمّا إن نيّة الصلاة اشتملت عليه فهو محقّق لوجوب النيّة فيه لا رافعاً له ، وإن أراد النيّة المختصّة به فهو ساقط ؛ لاتّفاق النصّ والإجماع على عدم وجوب إفراد

ص: 92


1- مدارك الأحكام 3 : 438.
2- المبسوط 1 : 116.
3- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
4- الذكرى : 209 ( حجريّ ).

جزء من الصلاة بنيّة ، بل الظاهر عدم جوازه في العبادة الواحدة ، بل ربّما كان ذلك مبطلاً ، كما إذا خصّ كلّ جزء بنيّة غير ملاحظ فيها ما سواه ؛ لخروجه حينئذٍ عن المعلوم من تكليف الشارع ، فهو تلاعب أو شبهه.

وأمّا إن جميع العبادات لا يتوقّف عليها الخروج ، بل الانفصال منها كافٍ ، فنحن لا نقول هنا بوجوب نيّة الترك ، بل بوجوب نيّة جزء من الصلاة ، وهو فعل لا ترك ، ولا نعني بوجوب نيّته فيه إلّا وجوب نيّة فعل المخرج.

وأمّا إن مناط النيّة الإقدام على الأفعال لا الترك لها فحقّ ، لكن لا ينفعه ، لأنا لا نوجب إلّا نيّة الإقدام على فعل المخرج.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ومبنى الوجوب على أنه جزء من الصلاة كما اختاره المرتضى (1) : ، أو خارج عنها ، فعلى الأوّل يتوجّه عدم نيّة الخروج به ، وعلى الثاني يتوجّه وجوب النيّة ) (2).

قلت : هذا لو كان يجب إفراده بنيّة ، ونعني بعدم توجّه النيّة عدم إفراد الجزء بها ، ونحن لا نقول به ، بل نقول : هو جزء يجب إدخاله في نيّة الصلاة بجميع أجزائها كغيره من الأجزاء ، ولا قائل بصحّة فعل من الصلاة لا بنيّة.

وأمّا على فرض الخروج والوجوب ، فلا شكّ في وجوب إفراده بنيّة حينئذٍ ؛ لأنه عمل ، بل عبادة.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ولأن الأصحاب وخصوصاً المتأخّرين يوجبون على المُعتمِر والحاجّ نيّة التحلّل بجميع المحلّلات ، فليكن التسليم كذلك ؛ لأنه محلّل من الصلاة بالنصّ ) (3) ، انتهى كلامه ، رفع اللّه مقامه.

قلت : لا نعرف من مذهب الأصحاب في محلّلات الحجّ والعمرة وهي جميع أفعالهما بعد عقد الإحرام إلّا قصد الفعل بعينه ك- : أطوف بهذا البيت سبعة أشواط ،

ص: 93


1- الناصريّات : 208 - 209 / المسألة : 82.
2- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
3- الذكرى : 209 ( حجريّ ).

مع باقي مشخّصات المنوي ، ولا نعرف من نصّ على أنه يجب في نيّة الطواف مثلاً لأتحلّل به من الإحرام ، وعلى فرضه فليس هو بمحلّل ، وإنما المحلّل ؛ إمّا جميع الأفعال بفرضها كالشي ء الواحد ، وهذا لا يتمّ إلّا بتكلّف بعيد ؛ لأنها عبادات متعدّدة متباينة ، وعلى فرضه فالطواف مثلاً جزء محلّل لا محلّل ، فيمتنع نيّة التحلّل به من حيث هو.

أو نقول : المحلّل هو آخر جزء من أجزاء الأفعال ، كالتقصير مثلاً في المتمتّع بها على المشهور من جزئيّته ، وعليه فقس غيرها.

ولنا أيضاً مع فرض ما ذكر منع كون السلام من قبيل محلّل النُّسكَيْن ، فمساواته له يكون قياساً.

وبالجملة ، فنحن نقول : التسليم واجب من واجبات الصلاة ، فلا بدّ من شمول نيّة الصلاة له ودخوله فيها كشمولها لغيره من أجزائها الواجبة ، أي يجب أن ينوي فعله كغيره ، ولا يضرّ اعتقاد أنه جزء مخرج ، أي أن بكماله تكمل الصلاة ويخرج المصلّي منها.

وأمّا إنه يجوز فعله لا بنيّة أصلاً فالنصّ والإجماع من غير معارض يمنعه ؛ لأنه عبادة وعمل لا يصحّ ولا يتحقّق من حيث هو جزء من الصلاة إلّا بنيّة.

وأمّا أنه يجب إفراده بنيّة من بين أمثاله من واجبات الصلاة فكلّا ؛ لأن ذلك يستلزم إخراجه عن نيّة الصلاة الكلّيّة البسيطة الشاملة لجميع أجزائها ، وهذا مفسد للصلاة ؛ لأنها عبارة عن جميع أجزائها ، فإذا أُفرِدَ بنيّة لم تكن النيّة المتّصلة بأوّلها نيّة للصلاة ، بل لبعضها ، ولأنها عبادة واحدة ، فإذا أُفرد هذا الجزء بنيّة لم يكن ما فرض أنه واحد واحداً.

نعم ، على فرض القول بأنه خارج يجب إفراده بنيّة ؛ لأنه عمل مستقلّ. واللّه العالم بحقيقة أحكامه.

ص: 94

[ الثالث (1) ] : فرّع الشهيد : في ( الذكرى ) هنا بعد العبارة التي ذكرناها فروعاً قال رحمه اللّه : ( أحدها : إن قلنا بوجوب نيّة الخروج فهي بسيطة لا يشترط فيها تعيين ما وجب تعيينه في نيّة الصلاة ؛ إذ الخروج إنما هو عمّا نواه وتشخّص.

ويحتمل أنه ينوي الوجوب والقربة لا تعيين الصلاة والأداء ، فإن الأفعال تقع على وجوه وغايات ، وأمّا تعيين الصلاة والأداء فيكفي فيه ما تقدّم من نيّتها وإرادة الخروج عنها الآن ) (2).

قلت : هذا التفريع إنما يتحقّق على ملاحظة إفراد السلام بنيّة تخصّه وملاحظة الخروج به ، وقد أعلمناك أنه لا يجب ذلك ، بل ربّما ضرّ ، وإنما هو جزء من الصلاة لا يجب فيه غير ما يجب في سائر أجزائها الواجبة ، وهو قصد الإتيان به مع العلم بأنه الجزء الذي تتمّ بفعله الصلاة ويتحقّق الخروج منها ، فدخوله في نيّة الصلاة الجُمَليّة البسيطة كافٍ عند التفات النفس لوصفه العنواني عند الإتيان به تقصد الإتيان به ملاحظاً وجوبه وجزئيّته وأنه كغيره من أمثاله من أجزائها ، فإنك تنوي في النيّة الإجماليّة الإتيان بذكر الركوع الواجب ، وحين فعله تقصد ذلك ، وهو الإتيان بالذكر المقصود وأنه جزء منها ، وجزء من الركوع واجب ، وعليه فقس.

ووقوع الأفعال على وجوه وغايات ممّا لا شكّ فيه ، وغاياتها الباعثة عليها هي روح نيّاتها ، ومن أجل ذلك وجب ملاحظة الوجوب والقربة والأداء ، وأنه جزء من صلاة كذا ؛ فإنه جزء من عمل يجب ملاحظة ذلك في جميعه ، فلا معنًى ؛ لأنه يجب في نيّة المغرب مثلاً قصد الوجوب والأداء والقربة بفعل فرض المغرب كلّه ، ولا يجب ملاحظة ذلك في جزء من هذه الجملة التي وجب في جميعها ذلك.

نعم ، لا يجب فيه ملاحظة أنه مخرجٌ من كلّ جزء جزءاً على حدة ، بل لا يجوز ذلك ، فإنه خلاف المفهوم من الشارع ؛ لأنه لا يطابق الواقع ، فإنه آخر الصلاة من

ص: 95


1- أي الثالث من التنبيهات التي ابتدأها في ص 73 ، وفي المخطوط : ( الثاني ).
2- الذكرى : 209 ( حجريّ ).

حيث جملتها لا آخر كلّ جزء على حدة ، وإنما الخروج من كلّ جزء بكماله.

وقوله رحمه اللّه : ( إنه يكفي في تعيين الصلاة والأداء ما تقدّم من نيّتها وإرادة الخروج منها الآن ) يومئ إلى ما ذكرناه ؛ إذ لا يتمّ إلّا على ما قرّرناه ، فلا تغفل.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( الثاني : إن اعتبرنا نيّة الخروج وعيّن الخروج عن صلاةٍ ليس متلبّساً بها ؛ فإن كان عمداً بطلت الصلاة بفعل مناقضها ، وإن كان غلطاً ففيه إشكال منشؤُه النظر إلى قصده في الحال فتبطل الصلاة ، وإلى أنه في حكم الساهي ، والأقرب صحّة الصلاة إن قلنا بعدم نيّة الخروج ؛ لأنها على ما افتتحت عليه.

وإن قلنا بوجوب نيّة الخروج احتمل ذلك أيضاً ، صرفاً للنيّة إلى الممكن ، وأن الغالط كالقاصد إلى ما هو بصدده ، وإن كان سهواً فالأقرب أنه كالتسليم ناسياً في أثناء الصلاة ، فيجب له سجدتا السهو ، ثمّ يجب التسليم ثانياً بنيّة الخروج.

ولو قلنا : لا يجب نيّة الخروج ، لم يضرّ الخطأ في التعيين نسياناً كالغلط ، أمّا العمد فمبطل على [ تقديري (1) ] القول بوجوب نيّة الخروج والقول بعدمه ، وكذا لو سلّم بنيّة عدم الخروج به فإنه يبطل على القولين ) (2).

قلت : هذا أيضاً تفريع على أفراده بنيّة ، وإلّا فلا يتصوّر أن يقصد المصلّي لفرض الظهر مثلاً أني أُسلّم في فرض المغرب. أو : أن الآن آخر جزء منها. لا بنيّة العدول إلى الأُخرى في حال يصحّ فيه ذلك.

غاية ما يمكن تصوّره أن يقصد : [ إني (3) ] أُسلّم تسليماً ليس هو تسليم الصلاة التي أنا متلبّس بها الآن. وهذا مبطل للصلاة قطعاً ؛ لأنه تلاعب ، ولأنه يستلزم قصد الخروج منها وإبطالها ، ولأنه لا خلاف في أنه إذا تعمّد التسليم في أثناء الصلاة بطلت ، وهذا كذلك.

ص: 96


1- في المخطوط : ( تقدير ).
2- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
3- في المخطوط : ( أن ).

وهذا الإبطال يتمشّى على القول بالجزئيّة والخروج ، ويلزم القول بالاستحباب عدم البطلان ، ولا أظنّ أحداً يقول به من الفرقة ، لما يلزم من موافقة أبي حنيفة.

أمّا الغالط فإن أراد به مَنْ كان مستحضراً عند التسليم أني في فرض الظهر مثلاً وقصد تسليمها والنقش حينئذٍ في ذهنه بدل حروف فرض الظهر حروف فرض المغرب مثلاً ، فلا شكّ أنه لا يضرّه ؛ لعدم اعتبار ذلك في النيّة شرعاً.

وإن كان أراد به من توهّم أنه في فرض العصر مثلاً ، والحال أنه في الظهر مثلاً ، فهذا هو السهو بعينه ؛ لعدم ظهور مباينة هذا لأقسام السهو ، والظاهر أن صلاته حينئذٍ صحيحة ، اكتفاءً بنيّة السابقة البسيطة الشاملة لجميع أجزاء الصلاة ، وهذا من باب رفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان (1) ومن باب إنّ الصلاة على ما افتتحت عليه (2) كما جاء في غير خبر ، وموردها من قام ونوى فرضاً فذهل في أثنائه فظنّ أنه في نفل ، فهي من باب المسألة المبحوث عنها ؛ لعدم الفرق ، فلا إشكال.

ولا تتوقّف الصحّة حينئذٍ على القول بعدم وجوب نيّة الخروج. نعم ، الأحوط إعادة السلام ، وسجود السهو بعده.

ووجه عدم الإعادة والسجود أن الظاهر قصد التسليم فيما دخل فيه من الصلاة والخروج بفعله منها ، وإنما ذلك من خطأ الوهم ، كما أنه إذا كان في فرض فتوهّم أنه في نفل فسجد إنما يقصد السجود فيما دخل فيه وإن وهم أنه نفل ، وهذا كافٍ ، واللّه رؤوف بالعباد ، وباقي كلامه واضح.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( الثالث : وقت النيّة على القول بوجوبها عند التسليم مقارنة له ، فلو نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة لوجوب استمرار حكم النيّة ، ولو نوى قبله الخروج عنده لم تبطل ؛ لأنه قضية الصلاة ، إلّا إنه لا تكفيه

ص: 97


1- الفقيه 1 : 36 / 132 ، عوالي اللآلي 1 : 232 / 131 ، وسائل الشيعة 4 : 373 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 12 ، ح 6 ، 8.
2- تهذيب الأحكام 2 : 197 / 776 ، عوالي اللآلي 1 : 205 / 34.

هذه النيّة ، بل تجب عليه النيّة مقارنة لأوّله ) (1).

قلت : وهذا أيضاً تفريع على وجوب إفراده بنيّة ، وقد عرفت ما فيه ، وعلى هذا فكلامه حقّ ، وهو واضح.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( الرابع : هذه النيّة لا يجب التلفّظ بها قطعاً ؛ لاشتمالها على ألفاظ ليست من أذكار الصلاة ، وكذا نيّة العدول في [ أثناء (2) ] الفريضة إلى فريضة أُخرى لا يجوز التلفّظ بها وإن جاز التلفّظ بالنيّة في ابتداء الصلاة ) (3).

قلت : هكذا في النسخة التي بين يدي ، والظاهر وجوب إبدال لفظ ( لا يجب ) ب- ( لا يجوز ) ؛ لما ذكره رحمه اللّه من التعليل ، ولا خصوصيّة لهذا الجزء من أجزاء الصلاة بذلك ، بل هو جارٍ في جميع أجزائها الواجبة والمندوبة ، فلو لاحظ نيّة الركوع أو ذكره مثلاً عند الإتيان به وتلفّظ بها بطلت ، وكذا كلّ جزء.

وأراد بالفرض المعدول عنه وإليه هنا هو فروض الصلاة ، ولو عبّر به لكان أوْلى ، فإن الفرض أعمّ من ذلك ، ولا يجري البطلان بالتلفّظ بنيّة العدول في كلّ عدول من فرض إلى فرض ، فلو عدل من العمرة إلى الحجّ وتلفّظ بنيّته لم يبطل النسك إجماعاً ، والمراد ظاهر ، والمناقشة في العبارة بعد ظهور المراد هيّن.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( الخامس : لو تذكّر في [ أثنائها (4) ] صلاة سابقة وجب العدول إليها ، والأقرب أنه لا يجب فيه تجديد نيّة الخروج ، ولا إحداث نيّة التعيين في الخروج لهذهِ الصلاة التي فرضه الخروج منها ، كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين ؛ لأن نيّة [ العدول (5) ] صيّرت التسليم لها.

وهذا العدول إنما يتمّ لو قلنا بأن التسليم جزء من الصلاة ، ولو حكمنا بخروجه لم يجزِ قطعاً ) (6) ، انتهى.

ص: 98


1- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( نيّة ).
3- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( أثنائه ).
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( التعيين ).
6- الذكرى : 209 - 210 ( حجريّ ).

قلت : معنى العدول إلى السابقة أنه ينوي العصر فيذكر أنه لم يصلّ الظهر مثلاً ، أو ينوي الحاضر فيذكر أن عليه فائتة في أثناء المنويّة أوّلاً فيعدل ، أي ينوي أن ما فعلته ممّا نويتها من الأُولى أو الفائتة هو من المعدول لها ، ويأتي ببقيّتها بنيّة أنها من المعدول إليها.

إذا عرفت هذا فاعلم أن في عبارته ما لا يخفى :

أمّا أوّلاً ؛ فلأن تذكّر السابقة في أثناء السلام عليكم نادر بعيد جدّاً كما مرّ.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنه على تقديره فالأظهر أنه حينئذٍ يقصد أن ما سبق منه قبل التذكّر ، وما يأتي منه بعده للسابقة وجزء منها ، كما هو الشأن في سائر أجزاء المعدول منها وإليها ، فلا بدّ حينئذٍ من تعيين المعدول إليها وتوجّه القصد بما بقي إليها ، وإلّا لم يتحقّق العدول. ويحتمل أنه يعيده حينئذٍ من أوّله ، ويسجد للسهو لما أتى به منه ؛ لأنه حينئذٍ في القصد ظاهراً لم يتحقّق منه تسليم لأحدهما ، ولا يخلو من ضعف.

وأمّا ثالثاً ؛ فلأن نيّة تعيين السابقة لا بدّ منه ، وإلّا لم يتحقّق عدول ، وهذا هنا لا معنى له إلّا نيّة تعيينه بجزئيّته للسابقة ، فلا معنى للقول بأنه لا يجب إحداث نيّة التعيين به ؛ لأن نيّة تعيين السابقة صيّرت التسليم لها ، ولأن عبارته تعطي إمكان تعيينين ، وليس كذلك.

[ الرابع (1) ] قال في ( الذكرى ) : ( يستحبّ أن يقصد الإمام التسليم على الأنبياء والأئمّة والحفظة والمأمومين لذكر أُولئك وحضور هؤلاء ، والصيغة صيغة خطاب ، والمأموم يقصد بأُولى التسليمتين الردّ على الإمام ، فيحتمل أن يكون على سبيل الوجوب ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (2) ، ويحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب ؛ لأنه لا يقصد به التحيّة ، وإنما

ص: 99


1- أي الرابع من التنبيهات التي ابتدأها في ص 75 ، وفي المخطوط : ( الثالث ).
2- النساء : 86.

الغرض به الإيذان بالانصراف من الصلاة ، كما في خبر أبي بصير. (1) وجاء في خبر عمّار بن موسى : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن التسليم ما هو؟ فقال هو إذْنٌ (2) ، والوجهان ينسحبان في ردّ المأموم على مأموم آخر.

وروى العامّة عن سَمُرَة قال : أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أن نسلّم على أنفسنا (3) ، وأن يسلّم بعضنا على بعض (4).

وعلى القول بوجوب الردّ يكفي في القيام به واحد ، فيستحبّ للباقين ، وإذا اقترن المأموم والإمام أجزأ ولا ردّ هنا ، وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين تكافؤوا في التحيّة ، ويقصد المأموم بالثانية الأنبياء والحفظة والمأمومين ، وأمّا المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك ، ولو أضاف الجميع إلى ذلك قصد الملائكة أجمعين ومَنْ على الجانبين من مسلمي الإنس والجنّ كان حسناً.

وقال ابن بابويه : يردّ المأموم على الإمام واحدة ، ثمّ يسلّم من جانبيه بتسليمتين (5). وكأنه يرى أن التسليمتين ليستا للردّ ، بل عبادة محضة متعلّقة بالصلاة ، ولمّا كان الردّ واجباً في غير الصلاة لم يكفِ عنه تسليم الصلاة ، وإنما قدّم الردّ لأنه واجب مضيّق ؛ إذ هو حقّ لآدمي.

والأصحاب يقولون : إن التسليمة تؤدّي وظيفتي الردّ والتعبّد به في الصلاة ، كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة.

وهذا يتمّ حسناً على القول باستحباب التسليم ، وأمّا على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب أن الاولى من المأموم للردّ على الإمام ، والثانية للإخراج من الصلاة ،

ص: 100


1- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 349 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8.
2- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1296 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 7.
3- في المصدر : ( أئمّتنا ) بدل : ( أنفسنا ).
4- سنن الدارقطني 1 : 360 / 2.
5- الفقيه 1 : 210 / ذيل الحديث 944 ، المقنع : 96.

ولهذا احتاج إلى تسليمتين.

ويمكن أن يقال : ليس استحباب التسليمتين في حقّه ؛ لكون الاولى ردّاً والثانية مخرجة ؛ لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه وكانت محصّلة للردّ والخروج من الصلاة ، وإنما شرعيّة الثانية ليعمّ السلام على الجانبين ؛ لأنه بصيغة الخطاب ، فإذا وجّه إلى أحد الجانبين اختصّ به وبقي الجانب الآخر بغير تسليم ، ولمّا كان الإمام غالباً ليس على جانبيه أحد اختصّ بالواحدة ، وكذلك المنفرد ، ولهذا حكم ابن الجنيد (1) : بما تقدّم من تسليم الإمام إذا كان في صفّ عن جانبيه ) (2) ، انتهى.

وظاهره الميل إلى وجوب قصد الإمام التسليم على المأموم ، والمأموم قصد الردّ على الإمام ، وبعضهم على بعض.

وفاضل ( المناهج ) : لمّا أورد عبارة ( الذكرى ) بحروفها من غير مناقشة قال بعدها بلا فصل : ( ولا تتوهّم أنه إن كان يجب على المأمومين ردّ الإمام وجب على كلّ مَنْ سمع تسليم كلّ مصلّ ردّه ؛ لأنه يقصد بتسليمه المؤمنين ؛ لأن الإمام ينبغي أن يخصّ المأمومين بالتسليم من بين المؤمنين ثمّ يقصد سائرهم ، بخلاف غير المأموم فإنه غير مقصود بخصوصه ، على أن قصده المؤمنين غير معلوم ، بخلاف قصد المأمومين فإنه الظاهر ) ، انتهى.

قلت : ظاهره ك- ( الذكرى ) وجوب قصد الإمام التسليم على المأموم والمأموم الردّ على الإمام وبعضهم على بعض ، إلّا إن قوله : ( ثمّ يقصد سائرهم ) لم يظهر لي معناه ، فإن ( ثمّ ) تقتضي الترتيب مع التراخي ، والقصد سابق على التسليم قطعاً.

والوجه في أنه لا يجب الردّ على كلّ مَنْ سمع تسليم مُصَلّ غير المأموم أن قصارى الأمر استحباب قصد سائر المؤمنين مع جملة مَنْ يقصد بتسليمه ، ولا نعلم قائلاً بوجوب هذا القصد ، ولا دليلاً عليه ، والأصل عدمه ، والسامع لا يجب عليه الردّ ،

ص: 101


1- عنه في مختلف الشيعة 3 : 516 / المسألة : 379.
2- الذكرى : 208 - 209 ( حجريّ ).

إلّا إذا تيقّن أنه مقصود بالسلام ، ولا قرينة تدلّ على قصده ، فلا يجب الردّ.

بل الظاهر أنه لا يشرع إلّا للمأموم ؛ لعدم الدليل على مشروعيّته حينئذٍ ، ولأنه خلاف عمل المسلمين في سائر الأزمان والأصقاع ، كما لا يخفى.

ثمّ قال رحمه اللّه بعد قول ( الروضة ) : ( فليقصد بالأُولى الردّ على الإمام ) (1) - : ( لأنه حقّ آدمي أداؤه واجب مضيّق ، ولكن ينافيه الإيماء إلى اليمين كما لا يخفى ، بل الأوْلى أن يقصد بالأُولى الردّ مضافاً إلى مقصده. وقال في ( البيان ) : ( الظاهر أن ردّ السلام هنا غير واجبٍ ؛ لعدم قصد المصلّي التحيّة المحضة ) (2) أقول : ولو سلّم ، فلمّا لم يكن القصد واجباً لم يتيقّن المأموم قصده ، فلم يعلم بما يوجب الردّ ) ، انتهى.

قلت : لا ينافيه الإيماء إلى اليمين لوجهين :

أحدهما : أنه حينئذٍ تعبّد محض.

والثاني : أن العلّة في هذا الإيماء إدخال الكاتبين في التسليم ، كما صرّح به بعض الأخبار (3) ، فلا منافاة بين وجوب ردّ المأموم لأنه مسلّم عليه وبين الالتفات.

ومعنى عدم قصد المصلّي التحيّة المحضة إنه يقصد التحيّة بجزء من الصلاة ، فهو تحيّة وجزء ، وأنت خبير بأن قصد الجزئيّة مع قصد التحيّة لا ينافي وجوب الردّ.

نعم ، إن قلنا : إن قصد التحيّة بالسلام للمأموم غير واجب ، توجّه عدم وجوب الردّ ؛ لعدم تيقّن المأموم أن الإمام سلّم عليه ، بل على هذا لا يظهر وجه لمشروعيّة الردّ بمجرّد الاحتمال الإمكاني ، مع عدم إمكان إطلاق المأموم على قصد الإمام ، فالاستحباب حينئذٍ يحتاج إلى دليل ، فأمّا الوجوب إن قلنا بوجوب قصد الإمام التسليم على المأموم ، أو عدم مشروعيّة قصد الردّ إن لم نقل به.

والتحقيق أن نقول : الذي يظهر لي بعد تدبّر الأخبار واستشهاد الاعتبار أن المنفرد والإمام والمأموم يلزمهم قصد التسليم على محمّد وآل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ، وذلك أنه

ص: 102


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 280.
2- البيان : 178.
3- علل الشرائع 2 : 57 - 58 / 1.

لا ريب في أن التسليم تحيّة ودعاء لمخاطب ، وقد ثبت الأمر به من الشارع على سبيل الوجوب ، وأنه تعبّد كلّ مكلّف بالصلاة به على وجه الجزئيّة من الصلاة ، فلا بدّ أن يُقْصَدَ به مُحيّا مدعوّ له مُسلّمٌ عليه وإلّا لخرج عن مقاصد الحكمة وأُلحِقَ بكلام مَنْ لا قصد له ، وحاشا الحكيم أن يتعبّد العبيد بمثله.

وأيضاً ، فهو كلام خطابي إنشائي موضوع لمعنًى فلا بدّ له من قصد مخاطب معنيّ به ، وإلّا لخرج عن محاورات العقلاء ومقاصد الإنشاءات أو موضوعاتها.

والدليل على وجوب قصد محمّد : وآله الأطياب أنه هم الذين وجب تقديم ذكرهم قبل التسليم بالصلاة عليهم التي هي تجديد العهد المأخوذ لهم في الذرّ والأظلّة فهم بها حضور ، فيخاطبون خطاب الحاضر فهم المدلجون بين يدي كلّ مدلج ، والباب الذي يصعد منه إلى اللّه كلّ عمل صالح ، وهم الذين يعرضون أعمال الخلائق على اللّه ، وهم الوجه الذي تقصد به القربات وتتوجّه إليه الصالحات ، وهم الميزان الذي توزن به الأعمال ، فالصلاة الواجبة في الصلاة عليهم والتسليم الواجب فيها لهم وعليهم ؛ لأنهم قبلة كلّ عمل صالح ، بل هم المخاطبون والمخاطبون بالصالحات.

ويؤيّده بل يدلّ عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (1) مِنْ أن المراد الصلاة عليه والتسليم عليه وله ، فهو أمر ، والأمر للوجوب ، ولا صلاة ولا سلام عليه واجب إلّا في الصلاة ، فتدبّر ، وتفهّم تفهم.

ويستحبّ للمصلّي إدخال المَلَكَيْنِ الكاتبين في قصد التسليم استحباباً مؤكّداً ؛ لدلالة بعض الأخبار عليه ، وأن يقصد أيضاً سائر الأنبياء والملائكة ، فإنهم عباد اللّه الصالحون ، ولكن بالتبعيّة لمحمّد : وآله صلى اللّه عليه وآله ، فهم المعنيّون أوّلاً وبالذات ب- : « السلام علينا » وعلى عباد اللّه الصالحين.

ويتأكّد الاستحباب إن قدّم ذكرهم قبل التسليم بالصلاة والتسليم عليهم ، ولا

ص: 103


1- الأحزاب : 56.

يجب ذلك ؛ لأنه لا يجب ذكر غير محمّد وآل محمّد : صلّى اللّه عليه وعليهم - بالصلاة والسلام في الصلاة ، ولكن استحباب ملاحظة إدخال الملكين وسائر الأنبياء وعباد اللّه الصالحين من الملائكة وغيرهم حينئذٍ ، إنما هو من باب استحباب أفضل فردَي الواجب التخييري ، فافهم.

وإن الإمام يجب عليه مع هذا إدخال المأموم في قصد التسليم أيضاً.

وظاهر ( الذكرى ) (1) أن وجوب عنايتهم بالتسليم مذهب الأصحاب ، فتدبّرها.

ويدلّ عليه من الأخبار مثل ظاهر صحيح زرارة : وفضيل : ومحمّد بن مسلم : عن أبي جعفر عليه السلام : إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين الخبر.

إلى أن قال فتمّت للإمام ثلاث ركعات ، وللأوّلين ركعتان في جماعة ، وللآخرين واحدة (2) ، فصار للأوّلين التكبير وافتتاح الصلاة ، وللآخرين التسليم (3) ، فإن المراد به التسليم عليهم.

ويدلّ عليه صريحاً حسنة الحلبي : أو صحيحته : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن صلاة الخوف قال يقوم الإمام وتجي ء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه ، وطائفة بإزاء العدو ، فيصلّي بهم الإمام ركعة ، ثمّ يقوم ويقومون معه ، فيمثل قائماً ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثمّ يسلِّم بعضهم على بعض ، ثمّ ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ، ويجي ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلِّي بهم الركعة الثانية ، ثمّ يجلس الإمام فيقومون هم فيصلّون ركعة أُخرى ، ثمّ يسلِّم عليهم فينصرفون بتسليمه (4).

ومثل خبر ابن اذَيْنة : عن الصادق عليه السلام : في حديث المعراج قال ثمّ التفتَ فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيّين يعني : بعد أن صلّى هناك بهم فقيل : يا محمّد : ، سلّم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته (5). وهو صريح في وجوب تسليم الإمام

ص: 104


1- الذكرى : 205 - 209 ( حجريّ ).
2- في المصدر : « وحداناً » بدل : « واحدة ».
3- تهذيب الأحكام 3 : 301 / 917 ، 918 ، وسائل الشيعة 8 : 436 ، أبواب صلاة الخوف ، ب 2 ، ح 2.
4- الكافي 3 : 455 / 1 ، وسائل الشيعة 8 : 437 ، أبواب صلاة الخوف ، ب 2 ، ح 4.
5- علل الشرائع 2 : 9 / 1 ، وسائل الشيعة 5 : 468 ، أبواب أفعال الصلاة ، ب 1 ، ح 10.

على المأموم ، فيجب قصدهم مع القصد الأوّل.

ومثل ظاهر رواية أبي بصير : عن الصادق عليه السلام : قال فيها ثمّ تُؤذِنُ القومَ يعني : المأمومين فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم (1).

ومثل ظاهر موثّقة يونس بن يعقوب ، قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام : صلّيت بقومي صلاة فقمت ولم أُسلّم عليهم ، نسيت ، فقالوا : ما سلّمت علينا قال ألَمْ تسلِّم وأنْت جالس؟ قلت : بلى. قال فلا شي ء عليك ، ولو شئت حين قالوا لك ، استقبلتهم بوجهك فقلت : السلام عليكم (2).

فظاهرها أن الإمام يسلّم على المأموم وأنه معهود بينهم لا يعرفون سواه.

وهذه الرواية أوردها في ( البحار ) من ( قرب الإسناد ) بهذا اللفظ ، ثمّ قال : ( روى الشيخ (3) : أيضاً هذا الخبر في الموثّق عن يونس : ، وفيه ولو نسيت حين قالوا ولعلّ ما هنا أصوب ) (4) ، انتهى.

قلت : الظاهر منه أنه نسي إسماعهم التسليم لا أصله بقرينة قوله ألَمْ تسلِّم وأنت جالس يعني : عليهم ، كما هو ظاهره ، فإذن نسخة ( تهذيب الأحكام ) أيضاً تكافئ نسخة ( قرب الإسناد ) في الصواب.

ومثل ما رواه الصدوق : في ( العلل ) و ( العيون ) بسنده من ( علل الفضل ) عن الرضا عليه السلام : فإن قال قائل : فَلِمَ جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدله تكبير أو تسبيح أو ضرب آخر؟ قيل : لأنه لمّا كان في دخول الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجّه للخالق ، كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها بدء المخلوقين من الكلام أوّلاً بالتسليم (5).

فدلّ الخبر على أنه يراعي فيه خطاب مخاطب مخصوص به ، وأحقّ مَنْ

ص: 105


1- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 349 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8.
2- قرب الإسناد : 309 / 1206.
3- تهذيب الأحكام 2 : 348 / 1442.
4- بحار الأنوار 82 : 303 / 7 ، قرب الإسناد : 309 / 1206.
5- علل الشرائع 1 : 305 / 9 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 108 - 109 / 1 ، بتفاوتٍ يسيرٍ فيهما.

يخاطب به من وجب ذكره قبله ، وهو مَنْ لا يغيب عنه أحد من الخلق ، فإنه سبيل جميع الخلق إلى اللّه ومَنْ إليه إيابهم وعليه حسابهم. والمأموم ، فإنه قد ربط صلاته بصلاة الإمام ، وهو من شفعائه إلى اللّه فيها ، فيلزم الإمام الشفاعة له بالسلامة فيها باللفظ ، كما أنه شفيعه فيها بالمعنى. ثمّ بعدهما من ذكر من عباد اللّه الصالحين من النبيّين والمرسلين والملائكة ، خصوصاً الكرام الكاتبين.

ومثل ما رواه الصدوق : في ( العلل ) بسنده عن المفضّل بن عمر : قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة ، فقال لأنه تحليل الصلاة.

قلت : فلأيّ علّة يسلّم على اليمين ولا يسلّم على نبيّنا قال لأن الملك الموكّل الذي يكتب الحسنات على اليمين ، والذي يكتب السيّئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات ، فلها يسلِّم على اليمين دون اليسار.

قلت : فَلِمَ لا يقال : السلام عليك ، والملك على اليمين واحد ، ولكن يقال السلام عليكم؟.

قال ليكون قد سلّم عليه وعلى مَنْ على اليسار ، وفضّل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه.

قلت : فَلِمَ لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلّه ، ولكن كان بالأنف لمن يصلّي وحده ، وبالعين لمن يصلّي بقوم؟ قال لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشِّدْقَيْنِ (1) ، فصاحب اليمين على الشِّدْقِ الأيمن ، وتسليم المصلّي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته.

قلت : فَلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً؟ قال تكون واحدة ردّاً على الإمام ، وتكون عليه وعلى ملائكته. وتكون الثانية على مَنْ على يمينه ، والملكين الموكّلين به. وتكون الثالثة على مَنْ على يساره وملائكته الموكّلين به ، ومَنْ لم يكن على يساره أحد لم يسلِّم على يساره ، إلّا أنْ يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى المصلِّي معه خلف الإمام فيسلّم على يساره.

قلت : فتسليم الإمام على مَنْ يقع؟ قال على ملائكته والمأمومين ، يقول لملائكته :

ص: 106


1- الشِّدْقُ : جانب الفمّ. لسان العرب 7 : 58 شدق.

اكتبا سلامة صلاتي ممّا يفسدها ، ويقول لِمَنْ خَلْفَهُ : سلّمتم وأمِنْتُم من عذاب اللّه عزوجل.

قلت : فَلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحيّة المَلَكَيْنِ ، وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة العبد من النار يوم القيامة ، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله ، فإذا سلمت له صلاته سلمت له جميع أعماله ، وإن لم تسلم له صلاته وردّت عليه ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة (1).

فقد دلّ هذا الخبر على ما دلّ عليه الخبر الذي قبله من وجوب قصد الخطاب بالتسليم لمعيّن ، وعلى استحباب إدخال الملكين في القصد ، وعلى وجوب قصد المأموم مع من يجب قصده ، خصوصاً مع ملاحظة غيره معه من الأدلّة ، وعلى وجوب قصد الإمام مع مَلَكَيْهِ تبعاً له بالردّ ، كما هو شأن ردّ السلام في غير الصلاة.

ومثل خبر عبد اللّه بن الفضل المروي : في ( المعاني ) : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال التسليم علامة الأمْنِ ، وتحليل الصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمِنُوا شرَّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمِن شرَّهم ، وإن لم يسلِّم عليهم لم يأمَنُوه ، وإن لم يردّوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خُلُقٌ في العرب ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة وتحليلاً للكلام وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام اسم من أسماء اللّه عزوجل ، وهو واقع من المصلِّي على ملكي اللّه الموكّلين به (2).

فقد دلّ هذا الخبر على أن السلام مقصود به خطاب مسلّم عليه ، وأنه يستحبّ ملاحظة الملكين في الخطاب بالتسليم ، لكنّه استحباب عينيّ لأنه أفضل فردي المخيّر ؛ لاستحالة أن يجمع بين المندوب بالذات والواجب بالذات في نيّة واحدة وجوباً أو ندباً.

ودلّت هذه الأخبار كلّها وغيرها على أن المراد بإطلاق الأمر بالتسليم هو التسليم المتعارف بين الناس ، وهو السلام عليكم ، أو وما يتبعها.

ص: 107


1- علل الشرائع 2 : 57 - 58 / 1.
2- معاني الأخبار : 176.

وأن المأموم يجب أن يقصد بالسلام مع من خصّ من اللّه بقصد الصلاة أوّلاً وبالذات ، ولم يشرع لغيره إلّا تبعاً له ، وهو من لا يغيب عنه مصلّ ، ولو غاب عن مصلّ لم يصلّ ، فالصلاة منه وله وعليه الصلاة والسلام ، والتسليم له ومنه بدأ وإليه يعود الردّ على الإمام وعلى مَلَكَيْه تبعاً له.

ويستحبّ له أيضاً أن يلاحظ مع ذلك من يستحبّ له الصلاة والسلام عليهم هنالك ، وهم جميع عباد اللّه الصالحين من النبيّين والمرسلين والملائكة أجمعين ، وخصوصاً المقرّبين.

وإن كان مع المأموم مأموم آخر وجب ملاحظة الردّ عليه بتسليمه أيضاً إن سبقه بالتسليم ، وإلّا استحبّ له التسليم على غيره من المأمومين مرّة أُخرى ، فإن اتّفقوا دفعةً فالظاهر التكافؤ ولا يجب الردّ ، وكذا لو اقترن تسليم الإمام والمأموم كما صرّح به في ( الذكرى ) (1).

ويكفي كلّ من الإمام والمأموم تسليم واحد يقصد به جزئيّة الصلاة والتسليم على من يخاطبه به وتتأدّى به الوظيفتين.

ويدلّ على وجوب قصد المأموم الردّ على الإمام بعد تحقّق وجوب قصد الإمام التسليم على المأموم كلّ ما دلّ على وجوب ردّ السلام ، من إجماع الأُمّة ، والنصوص المستفيضة المضمون (2) من غير معارض ولا استثناء هذا الفرد منه.

فإن جميع ما ذكرناه من الأخبار هنا وفيما سبق ، غير ما استدلّ به القائل بالاستحباب يدلّ على أن المراد بتسليم الصلاة هو تحيّة الإسلام المعروفة ، وأنه فرد منه ، وخصوص خبر المفضّل المذكور عن قريب (3) ، فيراعى فيه جميع ما يجب مراعاته في تحيّة الإسلام ، وجميع تلك الأحكام لفظاً وهيئة وقصداً ، ويخصّ هنا

ص: 108


1- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
2- انظر وسائل الشيعة 7 : 267 ، أبواب قواطع الصلاة ، ب 16.
3- علل الشرائع 2 : 57 - 58 / 1.

بزيادة قد عرفتها ، والسلام.

وأمّا كفاية تسليمة واحدة وعدم وجوب أكثر منها ، فلا يظهر فيه خلاف ، ومن هنا يعلم أنه لو اتّفق الإمام والمأموم أو المأمومون دفعة كفى تسليم واحد للوظيفتين ؛ ولتكافؤهما حينئذٍ كما ذكره في ( الذكرى ) (1).

واعلم أن جميع ما ذكرناه يجزي فيه ما يجزي في سائر أجزاء الصلاة الواجبة أو المندوبة ، من النيّة الإجماليّة البسيطة الواقعة مقارنة للتحريمة المستديمة إلى آخر الصلاة ، فيجزي في هذا ما يجزي في غيره ، من غير فرق ؛ لأنه جزء منها. وذهول الفكر ودهشته ما لم يخرج به المصلّي عن القصد بالكلّيّة لا يضرّ ، ويجب على الجاهل التعلّم.

[الخامس : (2) ] المشهور في كتب الفتوى أن الإمام والمنفرد يسلّم كلّ منهما تسليمة واحدة تجاه القبلة ، ويومئ بصفحة وجهه إلى يمينه ، والمأموم كذلك ، إلّا أن يكون على يساره مأموم فحينئذٍ يستحبّ له تسليمة اخرى يومئ فيها بصفحة وجهه إلى يساره.

وجعل ابنا بابويه (3) : الحائط عن يساره بمنزلة المأموم.

وحكم في ( الفقيه ) (4) بثلاث تسليمات حينئذٍ ، وإن لم يكن عن يساره أحد من المأمومين ولا حائط فتسليمتان.

فأمّا أنه لا يجب على المصلّي منفرداً كان أو إماماً أو مأموماً إلّا تسليمة واحدة ، فالدليل عليه الأصل والإجماع والنصّ.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم : وزرارة : ومُعَمّر بن يحيى : وإسماعيل : ، جميعاً عن

ص: 109


1- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
2- أي الخامس من التنبيهات التي ابتدأها في ص 73 ، وفي المخطوط : ( الرابع ).
3- المقنع : 96.
4- الفقيه 1 : 210 / ذيل الحديث 944.

أبي جعفر عليه السلام : أنه قال يسلّم تسليمة واحدة إماماً كان أو غيره (1).

وفي الإمام والمأموم إذا لم يكن على يساره أحد مع هذا صحيحة منصور بن حازم : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : الإمام يسلِّم واحدة ، ومَنْ وراءه يسلّم باثنتين ، فإن لم يكن على يساره (2) أحد سلّم واحدة (3).

وفي المأموم مع هذا إذا لم يكن على يساره أحد رواية عَنْبَسَة بن مصعب : قال : سألت أبا عبد اللّه : سلام اللّه عليه عن رجل يقوم في الصفّ خلف الإمام ، وليس على يساره أحد ، كيف يسلّم؟ قال تسليمة عن يمينه (4).

والأخبار بهذه المضامين غير عزيزة.

وأمّا استحباب تسليمة ثانية للمأموم إذا كان عن يساره أحد من المأمومين ، فهذان الخبران وغيرهما من الأخبار (5) يدلّ عليه ، مع أنه لا يظهر فيه خلاف.

وفي ( المناهج ) بعد قول الشهيد : ( وإن كان على يساره أحد سلّم اخرى ) (6) يعني : المأموم قال : ( وإن لم يكن مصلّياً ؛ لكثير من الروايات ، منها : صحيحة منصور : ، الماضية آنفاً ، ومنها : صحيحة عبد الحميد بن عوّاض : عن الصادق : سلام اللّه عليه قال وإن كنت مع إمام فتسليمتين (7) ) ، انتهى.

قلت : لا يكاد يتحقّق الشكّ عند كلّ من يفهم لحن خطاب أهل البيت سلام اللّه عليهم في أن المراد ب أحد في مثل هذه الأخبار الناصّة على أنه إذا كان على

ص: 110


1- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 348 ، وسائل الشيعة 6 : 420 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 5.
2- في المصدر : « شماله » بدل : « يساره ».
3- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 346 ، الإستبصار 1 : 346 / 1304 ، وسائل الشيعة 6 : 420 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 4.
4- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 347 ، وسائل الشيعة 6 : 420 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 6.
5- انظر وسائل الشيعة 6 : 419 - 423 ، أبواب التسليم ، ب 2.
6- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 279.
7- تهذيب الأحكام 2 : 92 / 345 ، وسائل الشيعة 6 : 420 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 3.

يسار المأموم أحد استحبّ له أن يسلّم اخرى - : هو أحد يصلّي معه مؤتمّاً بمن ائتمّ به ، وأنه لا يعني به كلّ شي ء ، وإلّا لشمل الحائط والبهيمة والملائكة والجانّ ، فعلى هذا يشرع لكلّ مأموم تسليمتان ؛ لأنه لا يخلو يساره عن أحد بالضرورة ، وبطلان هذا لا غبار عليه ، ولذلك لم نعلم أحداً من المصنّفين نصّ على هذا التعميم ، ولم يُذكر في خبر.

واستناده رحمه اللّه إلى الأخبار الكثيرة إنما هو في استحباب تسليمتين للمأموم إذا كان عن يساره أحد من المأمومين لإمامه ، كما يدلّ عليه علّة ذلك ، وهو الردّ على مَنْ على يساره مع سبقهم له بتسليم أو التسليم عليهم ، لما عرفت من أن المأموم يقصد الردّ على الإمام والتسليم على غيره من المأمومين أو الردّ عليهم ، ويشعر به استدلاله بصحيحة ابن عوّاض ، فلا تغفل.

بقي هنا شيئان يجب التنبيه عليهما :

الأوّل : يحتمل عندي احتمالاً قويّاً أن المأموم إذا علم سبق تسليم مَنْ على يساره مِنَ المأمومين وجب عليه التسليمة الثانية ، لتكون التسليمة الاولى مؤدّية لفريضة الصلاة والردّ على الإمام ، والتسليم على مَنْ وجب عليه التسليم عليه ، وسنّة التسليم على غيره من المأمومين. والثانية للردّ على من سبق تسليمه عليه منهم ، وهم مَنْ على يساره منهم ؛ لعموم أدلّة وجوب ردّ السلام من الكتاب (1) والسنّة (2) ، فلو قيل به لكان قويّاً ، لكن لم أرَ مَنْ ذكره.

الثاني : دلّ الفتوى والأخبار الواردة في هذه المسألة على أن التسليم قد صار حقيقة شرعيّة وعرفيّة في الصلاة كغيرها في السلام عليكم ، أو ما يتبعها ؛ إذ لا يقول أحد : إن المراد ب- : يسلّم مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ، أو يسلّم على ملَكَيْه ، أو المأموم ، وبه يردّ على الإمام ، أو يقصد الأنبياء والرسل ، إلى غير ذلك من هذه المعاني والمقاصد ، متحقّق في السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، فإذن لا يحمل إطلاق

ص: 111


1- النساء : 86.
2- انظر الكافي 2 : 644 / باب التسليم.

الأمر بالسلام هنا إلّا على السلام عليكم ، وبهذا يتحقّق سقوط القول بتعيين السلام علينا ، وضعف القول بالتخيير جدّاً.

وأمّا ( إيماء المنفرد إلى القبلة ، ثمّ يومي بمؤخّر عينه إلى يمينه ) ، كما قال الشهيد في ( اللمعة ) (1) ، فقال الشهيد الثاني : في الشرح : ( أمّا الأوّل يعني : إيماءَهُ إلى القبلة - فلم نقف على مستنده ، وإنما النصّ والفتوى على كونه إلى القبلة بغير إيماء ، وفي ( الذكرى ) (2) ادّعى الإجماع على نفي الإيماء إلى القبلة بالصيغتين ، وقد أثبته هنا وفي ( النفليّة ) (3).

وأمّا الثاني يعني : إيماءَهُ بمؤخّر عينه فذكره الشيخ (4) : ، وتبعه عليه الجماعة ، واستدلّوا عليه بما لا يفيده ) (5) ، انتهى.

وفي ( المناهج ) بعد قوله : ( ثم يومي ) إلى آخره - : ( أي في آخر التسليم لا بعده ، وعبارات غيره من الأصحاب خالية عن هذا الترتيب ، وإنما يفتقر إليه إذا اعتبر الإيماء إلى القبلة ، فإنهما لا يجتمعان ، فيجب أن يجمع بين الخبرين الدالّ أحدهما على الإيماء إلى القبلة ، والآخر عليه إلى اليمين على هذا ، ولمّا كان الإيماء إليها لا وجه له لم يكن لهذا وجه.

واعتبر ابن إدريس (6) : الإيماء بالوجه إلى اليمين كالإمام ، وعكس بعضهم فاعتبر الإيماء بالعين في الإمام ، وبالوجه في المنفرد ) ، انتهى.

وعنى بالخبرين : رواية ابن عوّاض (7) : ، ورواية البزنطي : عن عبد الكريم : عن أبي بصير (8).

ص: 112


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 279.
2- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
3- الفوائد المليّة لشرح الرسالة النفليّة ( المتن ) : 224.
4- النهاية ( الطوسي ) : 72.
5- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 279.
6- السرائر 1 : 231.
7- تهذيب الأحكام 2 : 92 / 345 ، وسائل الشيعة 6 : 420 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 3.
8- المعتبر 2 : 237 ، وسائل الشيعة 6 : 421 - 422 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 11.

ويمكن أن يقال : إن الشهيد : في ( اللمعة ) و ( النفليّة ) إنما أراد بالإيماء إلى القبلة هو التسليم مستقبل القبلة ، بقرينة كلامه في ( الذكرى ) ، وبقرينة فتواه في جميع كتبه باستحباب نظره حال الجلوس للتشهّد إلى حِجْرهِ.

أو أراد به الإيماء بقلبه لا بوجهه الجسماني ، أي يكون حال تسليمه مشيراً بقلبه وقصده إلى القبلة ، وأراد مَنْ في جهتها.

أو أراد بالقبلة القبلة الحقيقيّة ، وهو مَنْ يستقبله حال صلاته بقلبه ، فلا تناقض في فتواه ، ولا خروج عن ظاهر فتوى غيره.

وقال أيضاً في ( المناهج ) : ( قوله : ( على كونه إلى القبلة ) (1) كرواية عبد الحميد بن عوّاض : عن الصادق عليه السلام : قال فإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة ). وقال أيضاً : ( قوله : ( وفي ( الذكرى ) ادّعى الإجماع ) (2) ) إلى آخره قال : ( لا إيماء إلى القبلة بشي ء من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس ولا بغيره إجماعاً ، وإنما المنفرد والإمام يسلّمان تجاه القبلة بغير إيماء ، وأمّا المأموم فالظاهر أنه يبتدئ به مستقبل القبلة ، ثمّ يكمله بالإيماء إلى الجانب الأيمن أو الأيسر. وهذه العبارة كما تدلّ على نفي الإيماء إلى القبلة مطلقاً تدلّ على الفرق بين المأموم وغيره باختصاص الإيماء إلى اليمين أو اليسار به.

واستفاد منها الشارح في ( روض الجنان ) (3) تبعاً للشيخ عليّ (4) : رحمه اللّه أن الإيماء بعد الفراغ من التسليم ، مع أنها صريحة في خلافه ، فإنه إنما جعل الإيماء في تكميل السلام لا بعده ، ولا شي ء في كلامه يوجب حمل ذلك على أن يقرن بين التكميل والإيماء ، فإن الذي نفى أن يكون بصيغة التسليم إنما هو الإيماء إلى القبلة. نعم ، يتوجّه عليه أن الفرق الذي اختاره لا وجه له ).

ص: 113


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 297.
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 297.
3- روض الجنان : 281.
4- جامع المقاصد 2 : 328 - 329.

وقال : ( قوله : ( واستدلّوا عليه بما لا يفيده ) (1) ، وهو رواية البزنطي : عن عبد الكريم عن أبي بصير : عن الصادق : صلوات اللّه عليه قال إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك (2) ، فإنه مع عدم نقاء السند إنما المتبادر منه أن يحوّل وجهه إلى اليمين ، لا أن يومئ بمؤخّر العين إليه ، إلّا إنهم لعلّهم أرادوا الجمع بينه وبين ما دلّ على الاستقبال ، فإن المراد به لا بدّ من أن يكون ما يقابل الكون عن اليمين أو الشمال ، لا ما ينافي ميل الوجه قليلاً إلى أحدهما ، فحينئذٍ لا بدّ من حمل هذه الرواية على إرادة الإيماء بالعين. وبَعْدُ فيه ما فيه ؛ لصحّة الرواية الأُولى دون هذه ، فلا تعارض بينهما حتّى يفتقر إلى الجمع ، وروى الصدوق : في ( العلل ) (3) مسنداً عن المفضّل بن عمر ) وساق الخبر المتقدّم.

ثمّ قال : ( وقد عمل بمضمونه الصدوق : في ( الفقيه ) (4) ، إلّا فيما سيأتي من أنه ينزّل الحائط عن اليسار منزلة الإنسان ، ويمكن أن تكون هذه الرواية متمسّكاً للعاكس القائل : إن الإمام يومئ بمؤخّر عينه والمنفرد بصفحة وجهه ، حملاً للإيماء بالأنف على ما قاربه من صفحة الوجه ، أو لأن الإيماء بصفحة الوجه يستلزم الإيماء بالأنف.

وأمّا ابن إدريس (5) : المسوّي بينهما في الإيماء بصفحة الوجه ، فالخبر الأوّل الذي حمله الأكثر على الإيماء بمؤخّر العين مع الذي يأتي يصلحان متمسّكاً له ) ، انتهى.

وهو حسن ، وأحسن منه حمل خبر أبي بصير (6) : على ميل الوجه إلى اليمين شيئاً قليلاً لا ينافي الاستقبال بالوجه ، كما يرشد إليه الإجماع والأخبار على عدم جواز تعمّد الميل به إلى محض اليمين أو الشمال ، فلا تنافي بين الخبرين ، ولعلّه مراد من

ص: 114


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 279.
2- علل الشرائع 2 : 57 / 1.
3- علل الشرائع 2 : 57 / 1.
4- الفقيه 1 : 210 / ذيل الحديث 944.
5- السرائر 1 : 231.
6- المعتبر 2 : 237 ، وسائل الشيعة 6 : 421 - 422 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 11.

عبّر بالإيماء بمؤخّر العين ، ولا يخفى على أحد تلازم الإيماء بالأنف وصفحة الوجه ، وعدم إمكان انفكاك أحدهما عن الآخر ، فلا غَرْوَ (1) في التعبير عن أحدهما بالآخر ، فلا تغفل ولا تسارع إلى تغليط عالمٍ إلّا بعد الجهد في تصحيح مقاله.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( قوله : ( والإمام يومئ بصفحة وجهه يميناً ) (2) ؛ لصحيحة عبد الحميد بن عوّاض : عن الصادق : صلوات اللّه عليه قال إن كنت تؤمّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك (3) ، والظاهر من الكون على اليمين الإيماء بصفحة الوجه ، ولا مانع من حمله عليه ، يلجئنا إلى تأويله بنحو ما مرّ في حديث المنفرد. ثمّ إنه ربّما يتوهّم من استحباب هذا الإيماء استحباب التسليم ، أو عدم جزئيّته للصلاة ، فإنه التفات ، ومثل هذا الالتفات في الصلاة مكروه ، وهو مندفع بجواز مخالفة هذا الجزء الواجب لها كسائر أجزائها ).

أقول : بل المانعُ من حمله على الإيماء بصفحة الوجه بحيث يخرج عن حدّ الاستقبال عرفاً قائم ؛ لأنه جزء ممّا يجب الاستقبال به كلّه ، واستثناء هذا الجزء يحتاج إلى دليل يقاوم النصوص المجمع على العمل بها في مطلق الصلاة ، فيجب صرف هذا إلى ما لا يخرجه عن ذلك ، وهو ما يتحقّق به مسمّى الإشارة بالوجه وهو أدقّ المَيْل ، وهو ما عبّر بعضهم عنه بالمَيْل أو الإشارة بالأنف لتلازمهما ، وبهذا يظهر أنه لا يدلّ على استحباب التسليم ولا على عدم جزئيّته ، فتأمّله.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( قوله : ( بمعنى أنه يبتدئ به ) (4) إلى آخره ، يعني أنه الذي أراده المصنّف ؛ لأنه لمّا اعتبر الاستقبال في المنفرد لزمه اعتباره في غيره ؛ إذ لا وجه لاعتبار ما دلّ على الاستقبال في البعض دون البعض ، وكما يمكن الجمع بين الأدلّة

ص: 115


1- الغَرْو : العَجَبُ. لسان العرب 10 : 64 غرا.
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 279.
3- تهذيب الأحكام 2 : 92 / 345 ، وسائل الشيعة 6 : 420 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 3.
4- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 279.

بالترتيب الذي اعتبره يمكن في غيره فليعتبر.

وقال في ( المسالك ) : ( وينبغي أن يكون الإيماء بالصفحة بعد التلفّظ ب- : « السلام عليكم » إلى القبلة ، جمعاً بين وظيفتي الإيماء والاستقبال بأفعال الصلاة على تقدير كونه منها ) (1) ، انتهى.

يعني : أنه يدوم مستقبلاً إلى أن يقول السلام عليكم ، ثمّ يومئ ويقول ورحمة اللّه وبركاته بناءً على أن أقلّ الواجب هو السلام عليكم ، وقد حصل مستقبلاً ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر ؛ لأن الظاهر أن يكون الإيماء مقروناً بالخطاب.

ثمّ أقول : إن الخبر الذي عارض خبر الإيماء على ما صرّح به في ( روض الجنان ) (2) هو رواية أبي بصير : عن الصادق عليه السلام : ثمّ تُؤذِنُ القومَ ، فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم (3) ، وفي طريقها محمّد بن سنان : ومحمّد بن مسْكان : ، فلا تقوى على معارضة صحيحة عبد الحميد (4) : ، بخلاف حال المنفرد فإن الدالّ على الاستقبال هناك صحيح ، والدالّ على الإيماء ضعيف.

على أن هذه الرواية على تقدير الاعتماد عليها ليست صريحة المعارضة لتلك الرواية ، فإنه تقدّم فيها الأمر بقول السلام علينا ، وأنه تنقطع به الصلاة ، فيحتمل أن يكون الإيماء به على قول من خيّر بين العبارتين كالمصنّف هنا ، على أنه ذكر في ( روض الجنان ) (5) أن الإيماء بصفحة الوجه لا ينافي الاستقبال ، وإنما الغرض من ذكر الاستقبال الردّ على العامّة ، حيث يولّون تمام وجوههم فيحرفونها عن القبلة ، وهو حسن ، إلّا أن يحمل الاستقبال على الإيماء إلى القبلة ، كما فهمه المصنّف ، وقد عرفت أنه لا وجه له.

ص: 116


1- مسالك الأفهام 1 : 225.
2- روض الجنان : 281.
3- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 349 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8.
4- تهذيب الأحكام 2 : 92 / 345 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 3.
5- روض الجنان : 281.

هذا ، وقال ابن الجنيد : إن الإمام إن كان في صفّ سلّم على جانبيه (1). قيل : وفي بعض الأخبار ما يدلّ عليه (2).

أقول : ولا بأس بما قاله ؛ لأن الإيماء إلى إحدى الجهتين ظاهره تخصيص مَنْ عليها بالسلام ، فأيّ بأس في تخصيص مَنْ على الأُخرى بتسليم آخر ) ، انتهى.

وأقول : أنت خبير بأنه لا تلازم بين اعتبار الاستقبال في المنفرد وبين اعتباره في غيره ؛ لجواز اختصاص كلّ بحكم ، فحمله عليه قياس أو يشبهه.

وما قاله في ( المسالك ) (3) حسن ، لكن ليس معناه بحسب الظاهر ما قاله هذا الفاضل من أنه يستقبل ب- : « السلام عليكم » ، ثمّ يومئ بقول ورحمة اللّه وبركاته ، إلّا أن تقول بأن ورحمة اللّه وبركاته مستحبّة محضة خارجة عن التسليم بالكلّيّة ، وقد حقّقنا أنه لا وجه له ولا دليل عليه ، وإنما التسليم في الصلاة كغيرها واجب مخيّر بين السلام عليكم ، أو ورحمة اللّه وبركاته.

وكون أقلّ الواجب السلام عليكم لا ينافي هذا ، ولا يدلّ على ما قاله من تفسير عبارة ( المسالك ) اقتصار الشهيد فيها على ذكر السلام عليكم ، فإنه أقلّ الواجب كما اعترف به هذا الفاضل وغيره ؛ لأن الصيغة الوسطى والكبرى على ما حقّقناه مستحبّ عيني واجب تخييري كما هو معلوم بالإجماع في غير الصلاة ، وعدم ظهور الفارق بعد ثبوت أن التسليم في الصلاة هو بعينه تحيّة الإسلام المعهودة كما سبق بيانه ، ومن البيّن أن مراد ( المسالك ) (4) الإيماء بعد كمال التسليم الشامل للرتب الثلاث المتأدّي بالدنيا منها ، على أنه اعترف بأن ما قاله في عبارة ( المسالك ) خلاف الظاهر ، فكفانا مؤنة النزاع.

ص: 117


1- عنه في مختلف الشيعة 3 : 516 / المسألة : 379 ، بالمعنى.
2- تهذيب الأحكام 2 : 317 / 1297 ، وسائل الشيعة 6 : 419 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 2.
3- مسالك الأفهام 1 : 225.
4- مسالك الأفهام 1 : 225.

وأمّا إن رواية أبي بصير (1) : لضعفها لا تعارض صحيحة عبد الحميد (2) : فحقّ ، لكن إذا أمكن الجمع بينهما بما لا يستلزم طرح ظاهر كلّ منهما وجب ، فإن طرح الرواية لا يخلو من شَوْبِ تكذيب للراوي ، وهو ممّا يجب اجتنابه حتّى يقوم الدليل القاطع عليه. نعم ، إن استلزم الجمع طرح ظاهر أحدهما أو كلاهما لم يقبل إلّا بدليل.

هذا ، وقد وثّق جماعة محمّد بن سنان : ، منهم المفيد (3) : ، ومنهم : الشيخ حسين بن عصفور : في ( شرح المفاتيح ) ، وقد ورد فيه روايات (4) تدلّ على جلالته (5).

وروى عنه جماعة من أكابر العصابة ، واعتمد على هذه الرواية جماعة واستدلّوا بها على استحباب السلام.

وابن مسْكان : مجهول الحال ، فروايته أقوى من رواية معلوم الضعف ، كما أن رواية المختَلَف في حاله أقوى من رواية المتّفَق على ضعفه ، ولكن لا شكّ أن المقطوع بصحّتها أقوى منهما ، وفيما تضمّنته من الأمر ب- : « السلام علينا » مع الحكم بانقضاء الصلاة به ما مرّ ، واحتمال الإيماء ب- : « السلام علينا » كما ترى ، مع أنه مدفوع بما مرّ في كلامه من تأويلها.

وما نقله عن ( روض الجنان ) (6) هو عين ما حقّقناه من أن الإيماء بصفحة الوجه يجب حمله على ما لا يخرج به عن الاستقبال عرفاً ، فهو حسن كما قال. وحمل الاستقبال على الإيماء بعيد عن الظاهر جدّاً ، على أنه اعترف بأنه لا وجه له ، فلا وجه لاحتماله.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( قوله : ( بصيغة السلام عليكم ) (7) في المرّتين ، وإلّا فالإتيان بالصيغتين

ص: 118


1- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 349 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8.
2- تهذيب الأحكام 2 : 92 / 345 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 3.
3- الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 11 / 2 : 248.
4- رجال الكشّي 2 : 849 - 850.
5- في المخطوط بعدها : ( لكنه الراوي ).
6- روض الجنان : 281.
7- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 79.

مشترك بين الكلّ ، لا يختلف حكمه باختلاف حال المصلّي ، ولأن هذه الصيغة هي التي وضعت للتحيّة وتصلح للردّ والإيماء ، وأمّا الأُخرى فبمنزلة الدعاء ) ، انتهى.

وهذا ممّا لا يكاد يقع فيه شكّ ، وهو دليل على ما سلف من أن لفظ السلام والتسليم قد صار حقيقة شرعيّة فيه عرفاً عامّاً وخاصّاً في هذه الصيغة ، فلا وجه لما مضى من مناقشته للشهيد في ذلك.

وقال السيّد : في ( المدارك ) بعد قول المحقّق : ( ومسنون هذا القسم : أن يسلّم المنفرد إلى القبلة تسليمة واحدة ، ويومئ بمؤخّر عينه إلى يمينه ) (1) - : ( أمّا الاكتفاء بالتسليمة الواحدة إلى القبلة فهو مذهب الأصحاب ، ويدلّ عليه صحيحة عبد الحميد (2) ).

وذكرها بتمامها ، ثمّ قال : ( وأمّا الإيماء بمؤخّر العين إلى اليمين والمؤخّر - كمؤمّن طرفها الذي يلي الصدْغ فَعَزَاهُ في ( المعتبر ) (3) إلى الشيخ : في ( النهاية ) (4) ) قال : ( وربّما أيّده رواية أبي بصير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك (5) ، وفي رواية أبي بصير : ثمّ تُؤْذِنُ القومَ ، وتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم (6) ، وفي الطريق محمّد بن سنان ) (7).

قلت : الإيماء بمؤخّر العين وبصفحة الوجه والتسليم عن أحد الجانبين متلازم فلا ينفكّ أحدها عن الآخر ، فكلّ ما دلّ على أحدها دلّ على الآخرَيْنِ ، فلا تغفل.

ولو أغمضنا عن دلالة بعض هذه الأخبار على ذلك فكفى بفتوى مثل هؤلاء الأئمّة دليلاً ؛ لأنهم لا يفتون إلّا بدليل ، وهذا أمر مندوب إجماعاً ، فيكفي في ثبوته

ص: 119


1- شرائع الإسلام 1 : 97.
2- تهذيب الأحكام 2 : 92 / 345 ، وسائل الشيعة 6 : 416 ، أبواب التسليم ، ب 1 ، ح 3.
3- المعتبر 2 : 237.
4- النهاية ( الطوسي ) : 72.
5- المعتبر 2 : 237 ، وسائل الشيعة 6 : 421 - 422 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 12.
6- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 349 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8.
7- مدارك الأحكام 3 : 438 - 439.

مثل فتوى هؤلاء الأعاظم.

وقد عرفت أن ابني بابويه (1) : جعلا الحائط بمنزلة المأموم في استحباب التسليمة الثانية للمأموم ، وأنكر جماعة الدلالة عليه.

وقال في ( الذكرى ) : ( لا بأس باتّباعهما لأنهما جليلان لا يقولان إلّا عن ثَبْت ) (2) ، واعتماد الفقهاء في المستحبّات على فتوى أكابر العصابة كثير.

ثمّ قال في ( المدارك ) : ( قوله : ( والإمام بصفحة وجهه ، وكذا المأموم ، ثمّ إن كان على يساره غيره أومأ بتسليمة أُخرى إلى يساره بصفحة وجهه ) (3). المستند في ذلك ما رواه الشيخ : في الصحيح عن منصور بن حازم : قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : الإمام يسلِّم واحدة ، ومَنْ وراءَه يسلّم اثنتين ، فإن لم يكن على شماله أحد سلَّم واحدة (4).

وعن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال إذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت ، وسلم على مَنْ على يمينك وشمالك ، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلِّم على الذين على يمينك (5).

وليس في هاتين الروايتين ولا في غيرهما ممّا وقفت عليه دلالة على الإيماء بصفحة الوجه ) (6) ، انتهى.

قلت : قد عرفت أن التسليم عن اليمين أو الشمال مستلزم للإيماء بصفحة الوجه ، أو هو هو ، فلا غَرْوَ في التعبير عن أحدهما بالآخر ، وباقي البيان ووجه الفتوى بيّن ممّا قبله.

وقال البهائي : في ( الحبل ) : ( أمّا إيماء الإمام والمأموم بصفحة الوجه ، والمنفرد بمؤخّر العين ، فلم نظفر في الأخبار التي وصلت إلينا بما يصلح مستنداً له ) (7) ، انتهى.

ص: 120


1- المقنع : 96.
2- الذكرى : 208 ( حجريّ ).
3- شرائع الإسلام 1 : 79.
4- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 346 ، وسائل الشيعة 6 : 420 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 4.
5- تهذيب الأحكام 2 : 93 / 349 ، وسائل الشيعة 6 : 421 ، أبواب التسليم ، ب 2 ، ح 8.
6- مدارك الأحكام 3 : 439 ، ويلاحظ أن صاحب المدارك قد أفرد عبارة ( والإمام بصفحة وجهه ) بشرح مستقلّ.
7- الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : 255 ( حجريّ ).

وفيه ما مرّ ، وهم اعلم بما قالوا ، ومثل الشيخ : والمحقّق : والشهيد : وأضرابهم يُضنّ بمثلهم عن التهجّم على الفتوى بغير دليل ، على أنك عرفت الدلالة من الأخبار ، فتدبّر.

قال فاضل ( المناهج ): ( قوله : ( من عدم الدلالة عليه ظاهراً ) (1) ، بل الدليل على الإيماء بالصحّة ظاهر ، وأمّا بمؤخّر العين فقد عرفت أن عليه أيضاً دليلاً ، ولا يخفى وجه كلامه على من تدبّر من عبارته وغيرها ).

وقال فاضل ( المناهج ) : رحمه اللّه : ( قوله : ( وليقصد المصلّي الأنبياء [ والملائكة ] (2) والأئمّة عليهم السلام والمسلمين من الإنس والجنّ ) (3) فإنه لفظ عربي له معنًى ، ولا مخصّص لبعض المخاطبين دون بعض ، ولا يضرّ قصد الكلّ ، بل ينفع ، فلا بدّ من أن يتوجّه إلى كلّ من يصلح للخطاب والتسليم عليه. والملائكة والأنبياء منصوص عليهم ، وكانوا هم المخاطبين في أوّل شرع الصلاة حين صلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : في السماء.

وليخصّ الإمامُ المأمومين والمأمومون الإمام من بين المؤمنين مع إرادة سائرهم ؛ لأن الحاضر لا سيّما المتبوع والتابع في الصلاة أحقّ بالتحيّة من غيره ، بل كلّ مصلّ ينبغي أن يخصّ كلّ حاضر من المؤمنين لذلك ، ولدلالة الأخبار عليه وعلى متلوّه ، أمّا على متلوّه فظاهر ، فيدلّ عليه ما دلّ على استحباب تسليم المأموم على الجانبين إن كان على يساره أحد ، ولم يقيّد بكونه مصلّياً.

وكذلك ينبغي أن يخصّ الملكين الموكّلين به ، والملائكة الذين يرجو حضورهم من بين سائر الملائكة لذلك ، ولدلالة بعض الأخبار المتقدّمة صريحاً على أن الإيماء عن اليمين لتخصيص ملك الحسنات ، ولفظ الجمع لشموله له وللآخر ، ومنه يعلم أنه ينبغي أن يخصّ الملك الموكّل بالحسنات أيضاً من بين الملكين ) ، انتهى.

وفي بعضه تأمّل لا يخفى ، وهو أن ظاهر قوله : ( وليقصد .. إلى قوله - : فلا بدّ من

ص: 121


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 280.
2- من المصدر.
3- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 280.

أن يتوجّه إلى كلّ مَنْ يصلح للخطاب والتسليم عليه ) يعطي وجوب ذلك ، وهذه الكلّيّة ممنوعة لما تقدّم ، ولعدم الدليل عليه.

وكيف يجب أن يقصد بالتسليم مَنْ لا يجب ذكره في الصلاة ولا إحضاره بالبال؟! وإنما يجب قصد مَنْ يجب ذكره وإحضاره بالبال قبله ، وقد مرّ بيانه.

وأيضاً ، فنحن نمنع الدلالة على استحباب قصد كلّ مؤمن ومؤمنة ، وقصد كلّ من حضر [ الصلاة (1) ] منهم غير الإمام والمأموم مع المسلّم أو الإمام ؛ لما مرّ.

ولا يدلّ على ظاهر عبارته ما قاله من : ( أنه لفظ عربي له معنًى ولا مخصّص ) ؛ لأنه لو سلّم اقتضى عمومه صحّة ملاحظة فسقة المؤمنين المجاهرين بالمعاصي ، بل والكفّار ، لصلاحيّة الكلّ للخطاب بالتسليم وغيره.

وبطلان هذا ظاهر بالإجماع والنصّ (2) القائمين على المنع من التسليم على الكفّار ، وكراهيّة التسليم على المجاهرين بالفسوق والعصيان من المؤمنين خصوصاً شارب الخمر واللاعب بالنَّرْدِ والشطرنج والمقامر وغيرهم ، كما لا يخفى على من تدبّر الأخبار ، فظهر عدم نفع قصد الكلّ ، بل ضرره في بعض القصود ، فلا دلالة فيه على ظاهر المدّعى.

على أن قوله في آخر العبارة : ( ينبغي .. وينبغي .. وينبغي .. ) لا يخلو ظاهره من شوب منافرة لظاهر صدر العبارة ودليلها ، فإن ( ينبغي ) ظاهر في الاستحباب ، وصدر العبارة ودليلها ظاهره الوجوب ، كما لا يخفى.

وأيضاً ، فدلالة استحباب التسليمة الثانية للمأموم إذا كان عن يساره أحد على عموم الأحد لكلّ حاضر وإن لم يكن مصلّياً ؛ لعدم التقييد ، فكما ترى ، وقد مرّ الكلام فيه.

وإن كلّ أحد من أهل الاستيضاح والاستنباط ممّن يفهم لحن خطابهم سلام اللّه

ص: 122


1- في المخطوط : ( المصلّي ).
2- انظر وسائل الشيعة 12 : 77 - 80 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 49.

عليهم لم يفهم منه إلّا مَنْ على يساره ممّن هو مؤتمّ بإمامه ، ولو كان بعموم ظاهره لدخل فيه الكافر ، بل والحيوان ، وهذا باطل بالضرورة ، ولو كان ذلك حقّا لدلّ عليه الشارع ولصرّح به بعض نوّابه ، بحيث يظهر القائل به في كلّ زمان ، ولم يظهر لي دلالة عليه ، ولا قائل به غير هذا الفاضل ، وهو اعلم بما قال.

وقوله بعد هذا : قوله : ( وإن كان مخرجاً عن العهدة ) (1) ؛ لأن العبادات اللفظيّة لا يقصد بها إلّا الألفاظ ، إلّا إذا دلّ دليل على إرادة المعنى معها ؛ وذلك لأنه إن اعتبر المعنى لزم الحرج العظيم على العالمين بمعانيها ، فضلاً عن الجاهلين ، ولذا لم يشترط في أصل الصلاة التوجّه إلى المعاني والإقبال عليها ، ففي التسليم الموضوع للخروج منها بطريق أوْلى لا يخلو من منافرة لظاهر ما قبله ، على أنا أيضاً نمنع إجزاء مجرّد تلاوة الألفاظ من غير قصد معانيها مع القدرة على معرفتها ، وإلّا لَمَا ذمّ اللّه من لا يتدبّر القرآن ، ولَمَا شبّه من لا يتدبّره بالحمار يحمل أسفاراً.

وبالجملة ، فالأخبار الدالّة على وجوب قصد معاني ما تعبّد اللّه به عباده من الألفاظ من القادر على معرفتها أكثر من أن تحصى في كتاب. نعم ، من لم يستطع لذلك يكفي تعبّده بتلاوة اللفظ ؛ لأنه لا يسقط الميسور بالمعسور (2) ، و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (3) ، وإنما يداقّ (4) اللّه الناس على قدر عقولهم (5) ، أمّا مَنْ أعطاه اللّه عقلاً يدرك به ما خاطبه به مولاه ويعرف به مراده منه فأهمل ذلك فقد كفر النعمة واستحقّ النقمة ورضي بالدون فهو المغبون ، والناس في المعارف يتفاضلون ولكلّ نصيب سؤله من مولاه بلسان اختيار قابليّته ، ولو عجز إنسان عن دَرْك بعض وقدر على دَرْك بعض وجب عليه ما قدر عليه ، وسقط عنه ما عجز عنه.

ص: 123


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) 1 : 280.
2- عوالي اللآلي 4 : 58 / 205 ، وفيه : « لا يترك » بدل : « لا يسقط ».
3- البقرة : 286.
4- المُداقّة : هي أن تداقّ صاحبك في الحساب وتناقشه فيه. مجمع البحرين 5 : 162 دقق.
5- الكافي 1 : 11 / 7 ، بالمعنى.

وبالجملة ، فحالهم في القدرة على التلفّظ بالعبادات اللفظيّة وعدمه كحالهم في دَرْك معرفة المعاني وقصدها من غير فرق ، وصاحب الأمر إنما يكلّف الناس بقدر وسع المكلّف ، وإنما يخاطبه بقدر عقله ، لا ينقص ولا يزيد ، ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (1) ، فمن أهمل درك معاني تكاليفه بقدر ماله من العقل لم يعمل بما كلّف به ؛ لأن العمل بقدر العلم ، والعلم أساس العمل ومادّته ، فمن أهمل طلب علم ما كلّف به من العمل لم يعمل ؛ لأن تكليفه إنما هو بقدر وسعه من العلم ، فمن لم يعلم مع قدرته لم يعمل مع قدرته ، ومن لم يعمل مع قدرته فقد عصى ، ومن لم يقدر (2) ف- ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا ما آتاها ) (3) ، فلا إفراط ولا تفريط.

قال في ( البيان ) : ( ثمّ الإمام يقصد السلام على الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والحفظة والمأمومين ، وكذا المنفرد إلّا في قصد المأمومين ، والمؤتمّ يقصد بأحدهما الردّ على الإمام وبالأُخرى مقصد الإمام.

وقال ابن بابويه : يردّ المأموم على الإمام بواحدة ، ثمّ يسلّم عن جانبيه بتسليمتين (4).

وقال ابن أبي عقيل : ويردّ المأموم التسليم على مَنْ سلّم عليه من الجانبين والكلّ جائز ، ولو قصد المصلّي مسلمي الجنّ والإنس وجميع الملائكة جاز ، ولو ذهل هذا القصد فلا بأس ) (5) ، انتهى.

وهو كما قال فيما لو ذهل كسائر أجزائها ، ويكفي قصد المطلق إلى الإتيان بجميع الأجزاء في أوّلها. وكلّ كلامه حسن إلّا إن إطلاقه أن المأموم يسلّم مرّتين ويقصد بأحدهما ما قصده الإمام يجب تقييده بما إذا كان بجانبه مؤتمّ آخر ، مع أنه بظاهره ينافر ما عَزَاه في ( الذكرى ) (6) لظاهر الأصحاب في تسليمتيه ، فراجعه.

ص: 124


1- الكهف : 49.
2- في المصدر : ( يعلم ) بدل : ( يقدر ).
3- الطلاق : 7.
4- الفقيه 1 : 210 / ذيل الحديث 944 ، المقنع : 96.
5- البيان : 177 - 178.
6- الذكرى : 209 ( حجريّ ).

[ السادس (1) ] : يجب في التسليم كلّ ما يجب في واجب التشهّد من الجلوس ، والطمأنينة ، والعربيّة ، وغير ذلك ؛ لأنه جزء من الصلاة ، فله ما لغيره من أجزائها ، وعليه ما عليها ، ومع العجز لا يسقط الميسور بالمعسور.

قال في ( الذكرى ) : ( الجالس للتسليم كهيئة المتشهّد في جميع ما تقدّم من هيئات الجلوس للتشهّد الواجبة والمستحبّة والمكروهة كالإقعاء ؛ لدلالة فحوى الكلام عليه ، ولأنه مأمور بتلك الهيئة حتّى يفرغ من الصلاة ، فيدخل فيها التسليم ، ويجب الطمأنينة بقدره ، والإتيان بصيغته مراعياً فيها الألفاظ المخصوصة باللفظ العربي ، والترتيب الشرعي ؛ لأنه المتلقّى عن صاحب الشرع المخصوص صلى اللّه عليه وآله ، ولو جهل العربيّة وجب عليه التعلّم ، ومع ضيق الوقت تجزي الترجمة كباقي الأذكار غير القراءة ، ثمّ يجب التعلّم لما يستقبل من الصلاة ) (2) ، انتهى وكلّه حسن.

[ السابع (3) ] : الإجماع قائم على استحباب التسليم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : قبل التسليم المُخرِج ، وقبل السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ، بصيغة السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته ، وما يظهر من عبارة ( الفاخر ) (4) من وجوبها لم نعلم له موافقاً في ذلك من الأُمّة ، بل هو مسبوق بالإجماع وملحوق به.

قال في ( البيان ) : ( وهو مسبوق بالإجماع وملحوق به ، ومحجوج بالروايات المصرّحة بندبه ) (5).

ونقل كلام ( البيان ) في ( المناهج ) ساكتاً عليه ، ولو لا ذلك لكان قويّاً ؛ لظاهر قوله عزّ اسمه ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (6) ، مع ما ورد في تفسيرها بالتسليم عليه صلى اللّه عليه وآله (7) ما أفاض الباري جوداً على موجود.

ص: 125


1- أي السادس من التنبيهات التي ابتدأها في ص 73 ، وفي المخطوط : ( الرابع ).
2- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
3- أي السابع من التنبيهات التي ابتدأها في ص 77 ، وفي المخطوط : ( الخامس ).
4- عنه في البيان : 178.
5- البيان : 178.
6- الأحزاب : 56.
7- كنز الدقائق 8 : 212 - 213.

وفي ( الذكرى ) أنه ليس من المذهب (1) ، وقال في ( الذكرى ) أيضاً : ( ويستحبّ عند ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله : بالتسليم عليه الإيماء إلى القبلة بالرأس ، قاله المفيد (2) : ، وسلّار (3) : ، وهو حسن في البلاد الذي يكون قبره صلى اللّه عليه وآله قبلة المصلّي ) (4) ، انتهى.

قلت : كلامه رحمه اللّه في هذا التقييد حسن لو كان الإيماء إلى قبره ، لكن الإيماء إلى القبلة إنما هو إليه ، وهو قبلة الصلاة أينما توجّهت القبلة ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (5) ، وهو الوجه فاغتنم.

نعم ، لم نقف على دليل هذا الحكم من النصّ ، رزقنا اللّه الوقوف عليه ، وكفى بهذين الإمامين الجليلين ناقلاً.

ولنقطع الكلام مصلّين على محمّد : وآله ، وحامدين لله المولى الجليل الغفّار الكريم ، وقد جعلتها وفادة على باب صاحب الأمر ، راجياً منه العفو عن زللي كما هو شأنه ، فإن قَبِلَها فبرحمته ، وإن ردّها فبذنوب مؤلّفها تراب أقدام المؤمنين : أحمد ابن صالح بن سالم بن طوق. وأنا أتضرّع إليه في العفو عن جرائمي وجرائم والديّ وجميع المؤمنين والمؤمنات ، وهو بنا رؤوف رحيم.

وقد تمّت آخر نهار اليوم التاسع والعشرين من شهر محرّم الحرام ، لعن اللّه من انتهك حرمة آل الرسول صلى اللّه عليه وآله : فيه ، وهو أوّل شهور [ السنة (6) ] الرابعة والأربعين بعد الألف والمائتين هجريّة. والحمد لله ربّ العالمين كما هو أهله ، وصلّى اللّه على محمّد وآله وسلم عليهم كما هم أهله ، وقد وسمتها ب- : ( روح النسيم في أحكام التسليم ).

تمّت على يد المذنب الجاني العاصي الفقير إلى اللّه الغني : زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع : ، عفا اللّه عنهم بمحمّد : وآله المعصومين ، صلّى اللّه عليهم أجمعين.

ص: 126


1- الذكرى : 206 ( حجريّ ).
2- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 114.
3- المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 3 : 374.
4- الذكرى : 209 ( حجريّ ).
5- البقرة : 115.
6- في المخطوط : ( سنة ).

الرسالة العاشرة : من استوعب عذره الوقت ولم يتمكن بعد زوال العذر من ركعة

اشارة

ص: 127

ص: 128

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليِّ العظيم ، وصلّى اللّه على محمَّد : وآله الطيِّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد : فيقول الأقل أحمد بن صالح بن سالم بن طوق (1) :

مسألة : مَنِ استوعب عذره الوقت ، بحيث لم يتمكّن بعد زوال العذر من ركعة بعد تحصيل شرائط الصلاة ، سقط عنه الفرض بلا خلاف يظهر ولو تمكّن من بعض ركعة. ويدلّ عليه النصّ بلا معارض يظهر ، كما سنذكر بعضها إن شاء اللّه تعالى ، فلا يبعد قيام الإجماع عليه.

وأمّا إذا أدرك ركعة تامّة من الوقت كأن طهرت الحائض أو النفساء ، أو أفاق المجنون والمغمى عليه ، أو بلغ الإنسان ، أو أسلم الكافر ، وقد بقي من الوقت قدر ما يحصل فيه الطهارة وركعة تامّة بأقلّ المجزي ، وجبت عليه تلك الفريضة ، فإن أهمل حينئذٍ وجب القضاء.

في بيان حدّ بركعة

وفي حدّ الركعة التي مَنْ أدركها وجبت عليه تلك الفريضة ، ومَنْ أكملها في ثانية الرباعيّة ، ثمّ عرض له الشكّ لم تبطل فريضته ، وإن عرض له الشكّ قبل إكماله

ص: 129


1- من « ش ».

بطلت ، أقوال أربعة :

أحدها وهو المشهور المنصور - : رفع الرأس وانفصال الجبهة من محلِّ السجود بعد السجدة الثانية وبه يتحقَّق كمال الركعة. ويدلّ عليه أن المعروف من عُرف المتشرّعة أنهم إذا أطلقوا الركعة فإنما يريدون مجموع الأفعال إلى أن تنفصل الجبهة عن محلّ السجود في السجدة الثانية. ولذا لو دعا في السجدة الثانية من الركعة الأُولى أو الأخيرة مثلاً صدق في عرفهم أنه دعا في الركعة الأُولى أو الأخيرة.

ولو نذر أن يدعو بدعاء مخصوص في الركعة الأُولى مثلاً تحقّق الامتثال بفعله في السجدة الثانية منها بعد الذكر الواجب ؛ لأنه حينئذٍ لم يخرج منها ؛ لأن انتهاء أفعال الصلاة لا تتحقّق إلّا بالدخول في فعل آخر. وما زال ساجداً في الثانية منها لا يكون داخلاً في الثانية البتّة ، فلا تكون الأُولى منتهية ؛ ولأن الأصل كونه في الأُولى حتّى يثبت الناقل عنها بيقين ، ولا يحصل يقين الانتقال عنها إلّا بانفصال الجبهة من محلّ السجود في السجدة الثانية.

وأيضاً ترى الفقهاء في كلّ طبقة بلا نكير يطلقون القول : إن السجدتين من كلّ ركعة ركن ، وإن مَنْ نسي سجدة من ركعة قضاها بعد التسليم ، وإن صلاة العيد مثلاً ركعتان في كلّ ركعة سجدتان. وغير ذلك من وصف الفرائض والنوافل.

وبالجملة ، لا شكّ في أن في كلّ ركعة سجدتين ، فممّا لا ينبغي الارتياب فيه أن السجدتين من الركعة ، وما زال المصلّي لم تنفصل جبهته من محلّ السجود في الثانية يصدق عليه أنه في السجدة الثانية ، فيصدق أنه في الأُولى مثلاً لعدم انتهائها ، لعدم انتهاء السجود الذي هو منها البتّة ، ولعدم صدق دخوله في الثانية البتّة. فإنه لا يتحقّق دخوله في الثانية ما لم يتحقّق انفصاله من الثانية. فما لم يتحقّق الفراغ من الثانية لا يتحقّق الدخول في الثانية ، فما لم يدخل في الثانية فهو في الأُولى.

وهذا وأمثاله كثير في كلام الفقهاء ، وأنت إذا تأمّلت الأخبار وجدتها دالّة على أن

ص: 130

السجدتين بكمالهما حتّى يرفع رأسه من الثانية من الركعة ، وأنه ما دام لم يرفع رأسه من الثانية فهو في الركعة لم يخرج منها ، خصوصاً أخبار الدعوات والأوراد الواردة بأنك تدعو في آخر سجدة من مفردة الوتر (1) ، أو آخر سجدة من الركعة الأخيرة من صلاة كذا (2) ، وأمثال هذا مستفيض لا يسع المقامُ نقلَه.

وكلّ هذا يدلّ دلالة صريحة على أن الحقيقة الشرعيّة في الركعة هي مجموع الأفعال حتّى تنفصل الجبهة من محلّ السجود في السجدة الثانية. فإذا ثبت هذا ثبت أن آخر الركعة هو رفع الرأس من السجدة الثانية ، وفي كثير من الأخبار : تصلّي ركعتين تطيل سجودهما وركوعهما (3).

وبالجملة ، فإن استفادة أن آخر الركعة رفع الرأس من السجدة الثانية من النصّ غير عزيز ، بل لعلّك لو تدبّرت كتب الدعوات وما ورد في طلب الحاجات وجدت الدلالة على ذلك مستفيضة. وأيضا إذا انفصل رأس المصلّي من موضع السجود في الثانية فقد تمّت الركعة إجماعاً ، ولم يقم دليل على انتهائها قبل ذلك من نصّ ولا إجماع ، فهو قبل ذلك في الركعة بحكم الاستصحاب ، وأصالة عدم الدخول في غيرها عدم حدوث الحادث.

قال الكاشاني في ( شرح المفاتيح ) : ( المراد من إدراك الركعة إدراك تمامها ، وهو رفع الرأس من السجدة الأخيرة ؛ لأنه المصطلح عليه عند المتشرّعة ، فعلى تقدير ثبوت الحقيقة الشرعيّة مطلقاً أو في زمان الصادقين عليهما السلام ومَنْ بعدهما فأمر ظاهر ، وعلى القول بنفيها فالقرينة الصارفة عن المعنى اللغوي تعيّن الاصطلاحي بغلبة الاستعمال وشيوعه إلى أن اعتقد الحقيقة الشرعيّة الفحول من المحقّقين ، فالذهن ينصرف إليه لا إلى ما لم يعهد استعمال الشارع فيه أو ندر.

ص: 131


1- المصباح ( الكفعمي ) : 81 ، بحار الأنوار 84 : 308 / 86.
2- انظر : الكافي 3 : 478 - 479 / 8 ، وسائل الشيعة 8 : 128 ، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ب 28 ، ح 1.
3- انظر المصباح ( الكفعمي ) : 276 ، 277.

فما في ( الذكرى ) من الاكتفاء ( بالركوع للتسمية لغةً وعرفاً ولأنه المعظم ) (1) ، فيه ما فيه ويضره (2). ومقصدنا أصالة العدم وأصالة البقاء واستدعاء شغل الذمّة اليقيني البراءة اليقينيّة ، وأن مقتضى الآية والأخبار الدالّة على الأوقات لزوم إدراك المجموع في الوقت ، خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي ) ، انتهى.

وقال في ( المصابيح ) (3) : ( الرابع يعني : من الأقوال في المسألة - : توقّف الإكمال على الرفع من الثانية ، وهو ظاهر المشهور ، كما يستفاد من ( الذكرى ) (4) و ( المدارك ) (5) وغيرهما (6) ، ويظهر من مطابقته لعُرف المتشرّعة ، فإن المتبادر من الركعة في إطلاقاتهم مجموع الأفعال إلى الرفع ، ولذا لو دعا أو أطال الذكر في السجدة الثانية من أيّ ركعة صدق أنه دعا في تلك الركعة ، أو أطال الذكر فيها. ولو نذر أحدهما امتثل بفعله ما لم يرفع من السجدة الأخيرة.

وقد صرّح العلَّامة : في ( التذكرة ) (7) ، وغير واحد ممَّن تأخَّر عنه في مسألة إدراك الوقت بإدراك الركعة ، بأن الركعة إنما تتحقّق برفع الرأس من السجدة الثانية ، وللركعة معنًى واحد لا يختلف باختلاف المسائل. وهذا القول هو اختيار ( الذخيرة ) (8) ، و ( الكفاية ) (9) ، و ( البحار ) (10) ، وهو المختار ؛ لأن الأصل بقاء الركعة حتّى يثبت الانتقال منها والخروج عنها ، ولا يُعلم إلّا بالرفع ).

إلى أن قال : ( ويدلّ عليه أيضاً أن الركعة من الحقائق الشرعيّة ، فيرجع في تعيينها

ص: 132


1- الذكرى : 122 ( حجريّ ).
2- كذا في النسختين.
3- مصابيح الأحكام أو المصابيح في الفقه المستنبط على الوجه الصحيح. لآية اللّه بحر العلوم السيّد محمّد مهدي بن مرتضى بن محمّد الطباطبائي البروجردي. والمجلّد الرابع منه بخطّ الشيخ أحمد بن صالح آل طوق وعليه بعض الحواشي بإمضائه. انظر الذريعة 21 : 3. والمصدر غير متوفّر لدينا.
4- الذكرى : 122 ( حجريّ ).
5- مدارك الأحكام 3 : 92.
6- ذخيرة المعاد : 377.
7- تذكرة الفقهاء 2 : 324 / المسألة : 41 ، الفرع : ج.
8- ذخيرة المعاد : 377.
9- كفاية الأحكام : 26.
10- بحار الأنوار 85 : 187.

إلى عُرف المتشرّعة ، والمفهوم منها في عرفهم كما عرفت هو مجموع الأفعال إلى الرفع ، فتكون كذلك شرعاً ؛ ولأن أجزاء الصلاة تختلف باعتبار الانتهاء والإكمال.

فالأقوال منها كالقراءة والذكر والدعاء تنتهي بنفسها ، ولا يتوقّف الفراغ منها على الدخول في غيرها. وأمّا الأفعال فإنما يحصل إكمالها والفراغ منها بالانتقال إلى فعل آخر ، فإن القائم قائم ما لم يركع ، والراكع راكع ما لم يرفع ، وكذا الساجد فإن سجوده مستمرّ باقٍ لا ينتهي ولا يكمل إلّا بالرفع ، سواء في ذلك السجدة الأُولى والثانية ، وخروج الرفع عن السجود لا ينافي توقّف إكماله عليه ، كما أن خروجه عن الركوع لا ينافي ذلك ، وهو مع خروجه عن الحقيقتين جاز أن يُعدّ من واجباتهما ؛ لتوقّف الامتثال على الإكمال المتوقّف عليه.

ولا يلزم من ذلك عدّ الركوع من واجبات القيام وإن أمكن بالاعتبار المذكور ؛ لأن الأُمور الاعتباريّة لا يلزم فيها الاطّراد ، والركوع لمّا كان ركناً مستقلا لم يُجعل تابعاً لغيره بخلاف الرفع ، ويمتاز الرفع عمّا عداه من الأفعال بعدم توقّف إكماله على الدخول في غيره ؛ لكونه من الأُمور المقتضية الغير الباقية ، فجاز من هذا الوجه دخوله في الركعة وانتهائها به وإن كان خارجاً من السجود ، غير أن ذلك لا أثر له يعتدّ به في العمل مع القول بتوقّف إكمال السجود عليه ، كما هو المختار ) ، انتهى كلام ( المصابيح ).

قلت : الرفع غير داخل في شي ء من الركعتين ، وإنما هو كالأخذ في القيام والهوي مقدّمة لما بعده ، بل لا يبعد خروجه عن أجزاء الصلاة الأصليّة وإن وجب من باب المقدّمة لفعل بعده. وظاهر ( المصابيح ) أنه لم يقف على خلاف في أن آخر الركعة التي يُدرك بإدراكها الوقت هو الرفع من السجدة الثانية ، وإنما وقف على الخلاف فيها في بحث إكمال الركعتين اللتين تبطل الصلاة بتعلّق الشكّ بهما في الرباعيّة وعدم

ص: 133

بطلانها لو [ أحرزا (1) ] ووقع الشكّ بعد انتهائهما في الشكوك الأربعة.

والظاهر أن الخلاف جارٍ في الجميع وإن كان المتأخّرون إنما تعرّضوا لذكر الخلاف في بحث الشكّ.

الثاني : تحقّق الإكمال بإكمال الذكر الواجب من السجدة الثانية وإنْ لم يرفع رأسه منها.

وعليه جماعة من المتأخّرين ؛ لأن الرفع ليس جزءاً من السجود ، ولا له دخل فيه ، وإنما هو واجب مستقلّ أو مقدّمة لواجب آخر كالتشهّد ، كذا في ( الروض ) (2) و ( المقاصد ).

قال في ( المصابيح ) : ( وفيه أن الرفع معدود عندهم من واجبات الركوع والسجدة الاولى ، فجاز أن نعدّه من واجبات الثانية ؛ لأن تعلّقه بها كتعلّقه بهما من غير فرق ، وخروجه عن السجود لا ينافي توقّف إكماله عليه ، فإن السجود لا ينتهي إلّا به ) ، انتهى.

قلت : غير خفيّ أنه لا تنافي بين كون الرفع واجباً مستقلا أو مقدّمة لواجب آخر ، وبين كون الركعة لا تنتهي إلّا بالرفع من السجدة الثانية. ولا تلازم بين كون الرفع من السجود من واجباته حتّى يدلّ القول به على أن الركعة لا تتمّ إلّا به ، والقول بأن الرفع واجب مستقلّ أو مقدّمة لواجب آخر ، على أن الركعة تتمّ قبل أن تنفصل الجبهة من محلّ السجدة الثانية.

هذا ، وقد عرفت أن إكمال الركعة لا يتحقّق إلّا بإكمال السجدتين ؛ لأنهما جزء منها شرعاً ، وأنه لا شكّ في أنه ما لم يرفع رأسه من السجدة فهو فيها وإن طال الذكر والدعاء فيها.

وأيضاً قال في ( المصابيح ) : ( قال في ( الذكرى ) : ( وظاهر الأصحاب أن كلّ موضع تعلّق فيه الشكّ بالاثنتين يشترط فيه إكمال السجدتين ، فتبطل بدونه محافظةً على ما سلف من اعتبار سلامة الأُوليين. وربّما اكتفى بعضهم بالركوع لصدق مسمّى الركعة.

ص: 134


1- من « ش ».
2- روض الجنان : 181.

والأوّل أقوى. نعم ، لو كان ساجداً في الثانية ولمّا يرفع رأسه وتعلّق الشكّ لم استبعد صحّتها لحصول مسمّى الركعة ) (1).

وحكى في ( المدارك ) (2) عن الشهيد ما تقدّم من عدم استبعاده الصحّة في الفرض المذكور ، ونفى عنه البعد. وتعقّبهما الخراساني : في ( الكفاية ) (3) و ( الذخيرة ) فقال : ( إن مقتضى صحيحة عبيد بن زرارة (4) : ، وحسنة زرارة (5) : الإعادة في الصورة المذكورة ) (6) ، انتهى.

قلت : إذا دلّت الروايتان على الإعادة عند عروض الشكّ بعد واجب الذكر وقبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة ، فقد دلّتا على أن الركعة لا تنتهي إلّا بالرفع من السجدة الأخيرة.

وقال في ( المصابيح ) أيضاً : ( حكم الشكّ قبل الذكر هو الإبطال ، فكذا بعده قبل الرفع ؛ استصحاباً للحكم الثابت مع انتفاء المزيل ؛ ولا يعارضها أصل صحّة الصلاة ، فإنهما واردان عليه ومخصّصان له ، ولعموم الأمر بإعادة الصلاة بالشكّ بين الاثنتين والثلاث ، والشكّ بين الاثنتين والأربع ، كما في الصحيحين ، بل مطلق الشكّ المتعلّق بالاثنتين والثلاث (7) ، والشكّ بين الاثنتين والأربع (8) ، كما في الصحيحين ، بل بمطلق الشكّ المتعلّق بالاثنتين ، كما يستفاد من أحدهما ، خرج عنه الشكّ الواقع بعد الرفع

ص: 135


1- الذكرى : 227 ( حجريّ ).
2- مدارك الأحكام 4 : 257.
3- كفاية الأحكام : 26.
4- تهذيب الأحكام 2 : 193 / 760 ، الإستبصار 1 : 375 / 1424 ، وسائل الشيعة 8 : 215 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 9 ، ح 3.
5- الكافي 3 : 350 / 3 ، تهذيب الأحكام 2 : 192 / 759 ، وسائل الشيعة 8 : 189 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 1 ، ح 6.
6- ذخيرة المعاد : 377.
7- تهذيب الأحكام 2 : 193 / 760 ، الإستبصار 1 : 375 / 1424 ، وسائل الشيعة 8 : 215 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 9 ، ح 3.
8- تهذيب الأحكام 2 : 186 / 741 ، الإستبصار 1 : 373 / 1417 ، وسائل الشيعة 8 : 221 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 11 ، ح 7.

بالإجماع والنصوص فيبقى غيره ) ، انتهى.

قلت : كلّ ما دلّ على الإبطال بالشكّ قبل الرفع من السجدة الثانية من الركعة الثانية ، فهو يدلّ على أن الركعة لا تنتهي إلّا بالرفع من السجدة الثانية ؛ لأن المعروف من النصّ والفتوى دوران الإبطال بالشكّ وعدمه في الرباعيّة على إكمال الثانية وعدمه.

ثمّ قال في ( المصابيح ) أيضاً : ( واستدلّ المتأخّرون على ذلك يعني : أن الشكّ الواقع قبل الرفع من السجدة الثانية من الركعة الثانية مبطل ، وأن الركعة لا تكمل إلّا بذلك بما رواه الكليني : والشيخ : في الصحيح ، أو الحسن كالصحيح عن زرارة : عن أحدهما عليهما السلام قال : قلت : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً. قال إنْ دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثم صلّى الأُخرى ولا شي ء عليه (1).

فإن قضيّة المفهوم توقّف الصحّة على الدخول في الثالثة المتردّدة بينها وبين الرابعة ، فتبطل الصلاة بالشكّ الواقع قبله ، ومنه الشكّ قبل رفع الرأس من سجود الركعة المتردّدة بينها وبين الثانية ، كما هو المطلوب.

وفيه نظر ، فإن الدخول في الثالثة ليس إلّا بالخروج من الثانية ، والقائل بعدم توقّفه على الرفع يدّعي تحقّق الخروج منها وإن لم يرفع ، فلو بنى الاستدلال على التوقّف المذكور لزم الدور ، وإلّا لم يثبت الإبطال لمكان الاحتمال ) ، انتهى.

قلت : لا ريب في أنه ما لم يرفع من الثانية لا يتحقّق الدخول في الثالثة ولا في مقدّمتها ؛ لما تقدّم ، ولأن السجدة شي ء واحد وإن طالت ، فلا يمكن القول بأنها شطران جزء من الثانية وجزء من الثالثة ؛ لأنه واضح البطلان ، فلا يرد على الاستدلال المذكور شي ء ، لأنه لا دليل على أن السجدة الثانية من الركعة جزؤها منها وجزؤها من التي بعدها ، بل قام الدليل على أن مجموع السجدتين من الركعة ،

ص: 136


1- الكافي 3 : 350 / 3 ، تهذيب الأحكام 2 : 192 - 193 / 759 ، وسائل الشيعة 8 : 189 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب 1 ، ح 6.

فإنه لا ريب أن في كلّ ركعة سجدتين لا أقلّ ولا أكثر ، فلا يمكن القول بأنه متى أتى بواجب الذكر في السجدة الثانية دخل في الثالثة ؛ لما يلزمه من القول بأن في كلّ ركعة أكثر من سجدتين.

وأيضاً أصل الفرض من اللّه كلّ فرض إنما هو ركعتان وزاد الرسول صلى اللّه عليه وآله : في المغرب ركعة ، وفي كلّ من الرباعيّات ركعتين (1) بمقتضى ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (2).

فإذا قيل : إنه متى أكمل ذكر السجدة الثانية دخل في الركعة الثالثة مثلاً ، فهل باقي السجدة من أصل الفرض أو ممّا أزاده الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، مع أنها سجدة واحدة؟ ولا ريب أن مجموع السجود الثاني من الثانية من أصل الفرض الذي فرضه اللّه ، فلا ريب أنه لا تنتهي الركعة إلّا بالرفع من الثانية ، وأيضاً لا شكّ أن التشهّد من أصل فرض الصلاة.

فإذا قيل : إن الركعة تتمّ بتمام واجب ذكر السجدة الثانية. يلزمه أن ما زاد على الذكر الواجب منها ليس من أصل فرض اللّه ، ولا ممّا زاده الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، بل شي ء زائد في خلال أصل الفرض.

الثالث : يتحقّق إكمال الركعة بمجرّد وضع الجبهة على محلّ السجود في السجدة الثانية ولو لم يأتِ بالذكر الواجب أو الطمأنينة بقدره.

وعزاه في ( المصابيح ) إلى ظاهر ( الذكرى ) و ( المدارك ) ، ونقل عن الفاضل المتأخّر أنه احتمله في ( شرح الروضة ) ، وأنه قوّى ذلك بحصول مسمّى الركعة بمسمّى السجدة الثانية ، وخروج ما عدا الوضع عن حقيقة السجود.

قال السيّد : ( وفيه أن الذكر من واجباتها فلا تكمل بدونه ، والاعتبار في الإكمال بالواجب مطلقاً وإن لم تبطل الصلاة بالإخلال به سهواً ، وإلّا لحصل بمسمّى الاولى ؛ لعدم بطلان الصلاة بنسيان السجدة الواحدة كما هو المشهور ) ، انتهى.

ويزيدك دلالة على ضعف هذا القول ما سمعت فيما مرّ ، فلا تغفل ، فإنه يوضّح لك

ص: 137


1- علل الشرائع 1 : 304 / 8.
2- ص : 39.

عدم خروج شي ء من ذكر السجدة وإن طال عن مسمّاها وحقيقتها شرعاً وعرفاً.

الرابع : يتحقّق كمال الركعة بالركوع.

حكاه في ( الذكرى ) (1) عن بعضهم قال في ( المصابيح ) : ( واختاره بعض المتأخّرين (2) ) ، ونقله عن ظاهر المحقّق : في ( المسائل البغداديّة ) (3) ، نظراً إلى أن الركعة واحدة الركوع ، كما أن السجدة واحدة السجود ، وأن بالركوع يحصل معظم الإجزاء ، فيجتزي به تنزيلاً للأكثر منزلة الكلّ ، وأن الركوع قد أُطلق عليه اسم الركعة في كثير من الأخبار ، كرواية صلاة الكسوف ، ففي الصحيح : سألنا أبا جعفر عليه السلام : عن صلاة الكسوف كم ركعة؟ فقال عليه السلام عشر ركعات وأربع سجدات .. ويقنت في كلّ ركعتين (4) ، ونحوه غيره من الصحاح (5).

وضعف هذه الوجوه ظاهر.

قيل : ( وبهذا القول يندفع الإشكال الوارد على المشهور في مسألة الشكّ بين الأربع والخمس إذا كان بعد الركوع وقبل السجود ، فإنهم حكموا فيها بالصحّة ، ولا تصحّ إلّا بصدق الركعة على الركوع ، وقد التزم ذلك المحقّق : في ( المسائل البغداديّة ) (6) ، تخلّصاً عن هذا الإشكال ، والأمر في ذلك هيّن وإن استصعبه غير واحد من المحقّقين الأبدال ) ، انتهى.

وهذا القول وإن كان ضعيفاً شاذّاً إلّا إنه أقوى من الثالث ؛ إذ عليه يمكن القول بأن السجود واجب مستقلّ خارج عن الركعة كالتشهّد ، وإن ضعف بقيام الدليل على أن السجود من الركعة ، كما سمعت. واللّه العالم.

ص: 138


1- الذكرى : 122 ( حجريّ ).
2- كفاية الأحكام : 26.
3- المسائل البغداديّة ( ضمن الرسائل التسع ) : 251 / المسألة : 23.
4- الكافي 3 : 463 - 464 / 2 ، تهذيب الأحكام 3 : 156 / 335 ، وسائل الشيعة 7 : 494 ، أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ب 7 ، ح 6.
5- انظر وسائل الشيعة 7 : 492 - 495 ، أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ب 7 ، ح 1 - 3 ، 7.
6- المسائل البغداديّة ( ضمن الرسائل التسع ) : 251 / المسألة : 23.

الدليل على وجوب الصلاة على من أدرك ركعة

إذا عرفت هذا ، فاعلم أن الدليل على أنه مَنْ أدرك ركعة من الوقت وجبت الصلاة الإجماع والنصّ. وما نقله في ( المختلف ) (1) عن ابن إدريس : من قوله : ( إذا أسلم الكافر ، وطهرت الحائض والنفساء ، وبلغ الصبي وأفاق المجنون ، والمغمى عليه قبل غروب الشمس في وقت يتّسع لفرض الظهر والعصر معاً والطهارة لهما ، وجب على كلّ واحد منهم أداء الصلاتين أو قضاؤهما إن أخّرهما ) (2) لا يدلّ على المخالفة واعتبار التمكّن من فعل الصلاة أجمع ، كما فهمه في ( المختلف ) ، وإلّا لدلّ على اعتبار التمكّن من الفرضين معاً ، وهو باطل بالنصّ والإجماع ، والمنصور المشهور شهرة أكيدة في سائر الأزمان أن الصلاة حينئذٍ كلّها مؤدّاة.

قال في ( المختلف ) : ( لنا : قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (3) ، وهو يدلّ على وجوب الصلاة إلى حدّ الغسق ، خرج عنه ما إذا لحق أقلّ من ركعة للإجماع ، فيبقى الباقي على عمومه.

وما رواه عمّار الساباطي : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : عن الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلّي الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصّة فإنْ صلّى ركعة من الغداة ، ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة وقد جازت صلاته ، وإنْ طلعت الشمس قبل أنْ يصلّي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلّي حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها (4).

وأمّا كون الصلاة أداءً ؛ فلما رواه الأصبغ بن نَبَاتة : قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة (5) ، ولأنه لو لم يكن

ص: 139


1- مختلف الشيعة 2 : 71 / المسألة : 20.
2- السرائر 1 : 276.
3- الإسراء : 78.
4- تهذيب الأحكام 2 : 262 / 1044.
5- تهذيب الأحكام 2 : 38 / 119 ، الإستبصار 1 : 275 - 276 / 999 ، وسائل الشيعة 4 : 217 ، أبواب المواقيت ، ب 30 ، ح 2.

إدراك الركعة مقتضياً لإدراك وقت الصلاة لَمَا وجبت عليه ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله. والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ العذر المستوعب لجميع الوقت مسقط لفعلها ، ولأنه لو لم يكن مؤدّياً لما وقع الفرق بين إدراك الركعة والأقلّ منها ) (1) ، انتهى.

وظاهر الآية و [ الخبرين (2) ] جميعاً يدلّ على أن مَنْ أدرك ركعة وجبت الصلاة أداءً كلّها ؛ لأن ذلك يدلّ على أن الشارع هنا جعل مقدار الركعة من الوقت وما يليه من الزمان بقدر تمام الصلاة وقتاً لتلك الصلاة وإن كان ضروريّاً.

والمحقّق الثاني : في حاشية ( القواعد ) اختار أن مَنْ أدرك ركعة من الوقت وجبت الصلاة أداءً كلّها ، وصرّح بأنه المشهور ، ونقل عن الشيخ : أنه قال : إنه إجماع (3).

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ويستدلّ له بقوله صلى اللّه عليه وآله مَنْ أدرك ركعة من [ الصلاة (4) ] فقد أدرك الصلاة (5) ، والمراد : كمن أدرك الصلاة في الوقت ) (6) ، انتهى.

وهذا الخبر يدلّ على أن مَنْ أدرك ركعة وجبت الصلاة أداءً كلّها.

ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليه الأخبار الدالّة على امتداد الوقت إلى الغروب ، كخبري عبيد بن زرارة : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن وقت الظهر والعصر ، فقال إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً ، إلّا إنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس (7).

وخبر زرارة : قال : قال أبو جعفر عليه السلام : أحَبّ الوقت إلى اللّه تعالى أوّله حين يدخل وقت الصلاة فصلِّ الفريضة ، فإنْ لم تفعل فإنك في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس (8).

ص: 140


1- مختلف الشيعة 2 : 72 / المسألة : 20.
2- من « ش » ، وفي « ز ». ( الخبر ).
3- الخلاف 1 : 272 / المسألة : 13.
4- من المصدر ، وفي النسختين : « الوقت ».
5- الذكرى : 122 ( حجريّ ) ، وفيه : « فقد أدرك العصر » ، وسائل الشيعة 4 : 218 ، أبواب المواقيت ، ب 30 ، ح 4.
6- جامع المقاصد 2 : 30.
7- تهذيب الأحكام 2 : 24 / 68 ، الإستبصار 1 : 260 / 934 ، وسائل الشيعة 4 : 126 ، أبواب المواقيت ، ب 4 ، ح 5.
8- تهذيب الأحكام 2 : 24 - 25 / 69 ، الإستبصار 1 : 260 - 261 / 935 ، وسائل الشيعة 4 : 119 - 120 ، أبواب المواقيت ، ب 3 ، ح 5.

وخبر عبيد بن زرارة : أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في قول اللّه عزّ اسمه ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (1) قال عليه السلام إنّ اللّه افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من زوال الشمس إلى غروب الشمس ، إلّا إنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا إنّ هذه قبل هذه (2). إلى غير ذلك ممّا دلّ على أنك في وقتٍ من صلاة العصر ما لم تغب الشمس.

ومنه أن ظاهر العصابة قديماً وحادثاً وفي سائر الأعصار أنه إذا زالت الشمس اختصّت الظهر بقدر أدائها بأقلّ المجزي ، ثمّ تشترك مع العصر حتّى يبقى عن الغروب بقدر العصر بأقلّ المجزي ، فيخرج وقت الظهر ويختصّ الوقت بالعصر ، إلّا ما يُنقل عن الصدوق : من القول باشتراك الوقتين من أوّل الزوال إلى الغروب (3).

وقد نظر في هذا النقل بإطلاقه بعض أعاظم المعاصرين فقال : ( إن الصدوق : لا يقول بالاشتراك إلّا في أوّل الوقت دون آخره ، فإنه يقول بموافقة المشهور في اختصاص العصر من آخر النهار بقدر أدائها ، وإن عبارته في ( الفقيه ) (4) و ( المقنع ) (5) تدلّ على ذلك. فعلى هذا لا يظهر خلاف في اختصاص العصر من آخر النهار بقدر أدائها ، فالوقت حينئذٍ وقت للعصر حتّى تغيب الشمس ) (6).

ويدلّ على ذلك ما رواه داود بن فرقد : عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام : قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ، حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس (7).

ص: 141


1- الإسراء : 78.
2- تهذيب الأحكام 2 : 25 / 72 ، وسائل الشيعة 4 : 157 ، أبواب المواقيت ، ب 10 ، ح 4.
3- مختلف الشيعة 2 : 33 / المسألة : 3.
4- الفقيه 1 : 140 / 648.
5- المقنع : 91.
6- هو الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ). هامش « ز ».
7- تهذيب الأحكام 2 : 25 / 7 ، الإستبصار 1 : 261 / 936 ، وسائل الشيعة 4 : 127 ، أبواب المواقيت ، ب 4 ، ح 7.

وما رواه أيضاً عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل (1).

فقد دلّ هذا كلّه على أن المكلّف مكلّف بالصلاة ما بقي من وقتها قدر ركعة ؛ لأنه في وقتها ، فوقتها باقٍ ، وما زال وقتها باقياً فالمكلّف مكلّف بأدائها. وهذا كلّه يدلّ على أن الشارع هنا جعل مقدار ما يدرك المصلّي من آخر الوقت وما بعده من الزمان وقتاً لهذه الصلاة ، فيجب أن تؤدّى فيه ؛ لأنه كُلّف بها حينئذٍ ، ولا يكلّف بها إلّا في وقت يسع أداءها ؛ لامتناع التكليف بالمحال ، فكلّ صلاة فُعلت في الوقت الذي وقّته الشارع لها فهي أداء.

صلاة من أدرك من الوقت ركعة هل هي أداءٌ أم قضاءٌ؟

فقد ظهر لك من هذا كلّه أن مَنْ أدرك من الوقت قدر ركعة وجبت عليه تلك الفريضة أداءً ، وأنه إذا لم يبقَ عن الغروب إلّا قدر أداء العصر فقد خرج وقت الظهر واختصّت العصر بالوقت إلى ألّا يبقى عن الغروب قدر ركعة فيخرج وقتها ، وأنه إذا لم يبقَ عن الانتصاف إلّا قدر أداء العشاء فقد خرج وقت المغرب واختصّت العشاء بباقي الوقت إلى ألّا يبقى عن الانتصاف قدر ركعة فيخرج وقت العشاء أيضاً ، وأنه ما إن بقي من وقت الصلاة قدر ركعة فهي واجبة أداءً كلّها ، وأنه إذا لم يبقَ من الوقت قدر ركعة تامّة فقد خرج وقت أداء الصلاة إجماعاً.

وعن السيّد المرتضى : أنه إذا بقي من آخر الوقت ركعة فالصلاة حينئذٍ قضاء كلّها ، محتجّاً بأن أجزاء العبادة مقابلة لأجزاء الوقت ، فالركعة الأُولى قد فُعلت في

ص: 142


1- تهذيب الأحكام 2 : 28 / 82 ، الإستبصار 1 : 263 / 945 ، وسائل الشيعة 4 : 184 ، أبواب المواقيت ، ب 17 ، ح 4.

آخر الوقت ، وليس ذلك وقتاً لها فتكون قضاءً ، وكذا باقي الركعات (1).

وأجاب عنه في ( المختلف ) بالمنع من كونه قد فعل خارج الوقت قال : ( لأنا قد بيّنا أن إدراك الركعة مقتضٍ لإدراك الصلاة أجمع ) (2).

وقال الشيخ علي : في حاشية ( القواعد ) بعد نقل هذا القول عن المرتضى : - : ( وهو مدفوع بالنصّ ) (3).

وأنت خبير بأن جميع ما ذكرناه يدفع هذا القول ، وليس القضاء إلّا ما وقع كلّه خارج الوقت ، على أن النصّ (4) والإجماع قائم على أن مَنِ استوعب عذره الوقت سقط عنه ذلك الفرض أداءً وقضاءً ، وكيف يجب قضاء ما لم يجب؟! وإنما القضاء استدراك فائت ، وما لا يجب لم يفُت حتّى يُستدرك.

وأيضاً يلزم القول بإيجاب الفرض على مَنْ أدرك قدر ركعة من وقته أنها حينئذٍ أداء لا قضاء ، والمعروف من النصّ والفتوى إيجاب الفرض على من أدرك ركعة من وقته. إلّا ما ربّما توهمه عبارة ( المبسوط ) المنقولة في ( المختلف ) حيث قال : ( إنه قال في فصل الحيض : ( يستحبّ لها قضاء الصلاتين إذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار خمس ركعات ، فإن لم تلحق إلّا مقدار أربع ركعات لزمها العصر لا غير ) (5) ) (6).

وهي عبارة متشابهة ، فإن فحوى قوله : ( لزمها العصر لا غير ) لزوم الفرضين لو أدركت مقدار خمس ، وظاهر قوله : ( يستحبّ لها ) عدم وجوب فرض واستحباب قضائه ، بل عدم وجوبهما مع استحباب قضائهما ، ولم يفرّق بين ذلك الوقت لو فعلت

ص: 143


1- عنه في مختلف الشيعة 2 : 72 / المسألة : 20.
2- مختلف الشيعة 2 : 72 - 73 / المسألة : 20.
3- جامع المقاصد 2 : 30.
4- انظر : الفقيه 1 : 237 / 1041 ، الإستبصار 1 : 458 / 1778 ، وسائل الشيعة 8 : 259 ، أبواب قضاء الصلوات ، ب 3 ، ح 2.
5- المبسوط 1 : 45 ، باختلافٍ يسير.
6- مختلف الشيعة 2 : 71 / المسألة : 19 ، باختلافٍ يسير.

فيه أو خارجه ، وهذا ما لا يقول به أحد حتّى هو. فإن المنقول عنه (1) أنه قال في ( الخلاف ) (2) وفي بحث الأوقات من ( المبسوط ) (3) : ( لو أدرك بمقدار ما يصلّي فيه خمس ركعات قبل الغروب لزمه الصلاتان بلا خلاف ، وإن لحق أقلّ من ذلك لم تلزمه الظهر عندنا ).

ولو سلّمنا مخالفته في حيض ( المبسوط ) لم يضرّ بالإجماع المؤيّد بالنصّ. فإذاً لا يعقل قضاء صلاة لم تُفرض.

فلو قلنا : فات الوقت كلّه ووجبت هذه الصلاة ، لزم أنها أداء ؛ لأنها فرض برأسه لا قضاء فائتة ، فيلزم أن يزاد في اليوميّة فرض غير الخمسة المعهودة والجمعة ، وهو باطل.

وأيضاً نحن نمنع دعوى أن أجزاء الوقت منطبقة على أجزاء العبادة ، فإنه دعوى لا دليل عليه ، بل نقول : كلّ جزء من الوقت وقت لكلّ جزء من العبادة ، بل يمكن أن يقال : لو كان كذلك لزم أن تكون كلّها قضاءً متى فات من أوّل الوقت قدر ركعة ، وهو ظاهر البطلان.

وقيل : إن تلك الركعة التي وقعت في الوقت أداء والباقي قضاء ، محتجّاً بأن الباقي وقع خارج الوقت ، ولا نعني بالقضاء سوى ذلك (4).

وأجاب عنه في ( المختلف ) بما أجاب به عن حجّة المرتضى : من أنه بيّن أن إدراك الركعة مقتضٍ لإدراك الصلاة أجمع ، فدعوى خروج شي ء منها عن الوقت ممنوع (5). وكلّ ما يرد على دليل المرتضى : وارد على دليل هذا القول.

وقال الشيخ علي بعد أن نقل القول بالتوزيع - : ( [ وهو (6) ] أضعفها ).

قال : ( إذ لم يثبت التعبّد بمثله ).

ص: 144


1- عنه في مختلف الشيعة 2 : 71 / المسألة : 19.
2- الخلاف 1 : 273 / المسألة : 14.
3- المبسوط 1 : 73.
4- عنه في مختلف الشيعة 2 : 72 / المسألة : 20.
5- مختلف الشيعة 2 : 72 / المسألة : 20.
6- من المصدر ، وفي النسختين : ( أنه ).

ثمّ قال : ( وتظهر فائدة الخلاف في النيّة في الترتيب على الفائتة السابقة ، [ فعلى (1) ] القضاء يترتّب دون الأداء ، ويشكل في التوزيع وهو أحد دلائل ضعفه ) (2).

قلت : ويضعفه أيضاً أن القضاء فرض برأسه يتوقّف على دليل وأمر برأسه ، وما زاد على الواحدة لم يأتِ به أمر على حدة ، ولم يأتِ وصفه بأنه قضاء. وهذا يُستأنس به لضعف قول المرتضى. وممّا يؤيّد ضعف القول بالتوزيع ، بل يدلّ عليه ، إطلاق الأخبار القائلة : إن الصلاة على ما افتتحت عليه (3). وهذا كما يدلّ على ضعف القول بالتوزيع يدلّ على قوّة المشهور المنصور.

إذا عرفت هذا كلّه ، ظهر لك أن من أدرك قبل الانتصاف قدر أربع [ ركعات (4) ] لم يلزمه إلّا العشاء وسقط المغرب ، وكذا يلزمه العشاء خاصّة لو لم يدرك قبل الانتصاف إلّا ركعة أو اثنتين أو ثلاثاً بطريق أوْلى. والحكم فيما لو أدرك أقلّ من أربع إجماعي ، وفيما لو أدرك قدر أربع هو المشهور شهرة أكيدة في سائر الأعصار كادت أن تكون إجماعاً ، والنصوص تدلّ عليه بلا معارض (5) ، وكذا لو لم يدرك قبل الغروب إلّا قدر أربع فنازلاً إلى ركعة سقطت الظهر ؛ لاستيعاب العذر وقتها ، فإنه يخرج حينئذٍ ، فلا تجب إلّا العصر.

أمّا لو بقي قبل الغروب قدر خمس ، فظاهر الفتوى والنصّ بلا معارض وجوب الفرضين جميعاً ، بل نُقل فيه الإجماع ، وعن ( الخلاف ) نفي الخلاف فيه كما مرّ (6) ؛ لأنه أدرك ركعة من وقت الظهر فيجب ، لأنه أدركها أو أدرك وقتها كما مرّ ، فإذا وجب الفرضان وجب تقديم الظهر ؛ لوجوب الترتيب إذا وجب الفرضان أُدّيا أو قُضيا لو فاتتا.

ص: 145


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( ففعل ).
2- جامع المقاصد 2 : 30.
3- تهذيب الأحكام 2 : 197 / 776 ، وسائل الشيعة 6 : 6 ، أبواب النيّة ، ب 2 ، ح 2.
4- من « ش ».
5- تهذيب الأحكام 2 : 28 / 82 ، وسائل الشيعة 4 : 184 ، أبواب المواقيت ، ب 17 ، ح 4.
6- الخلاف 1 : 273 / المسألة : 14.

ووجوب ترتّب صحّة العصر على تقديم الظهر إجماعي ، إلّا ما استثني من حكم مَنْ صلّى العصر بظنّ أنه صلّى الظهر ، ولم يذكر حتّى سلّم في الوقت المشترك ، فيكون قدر ركعة وما يتمّ به الظهر حينئذٍ من الوقت المختصّ بالعصر وقتاً للظهر ، ولا يبقى للعصر حينئذٍ من النهار إلّا قدر ركعة ، هي وما بعدها ممّا تتمّ به العصر من وقت المغرب وقت للعصر ، ولا يجوز أن تصلّى فيه المغرب أيضاً ، كما لا يجوز صلاة العصر في قدر الثلاث التي هي من وقتها ، فوجب فيها الظهر فصارت وقتاً للظهر. كلّ هذا لا نعلم فيه خلافاً.

لكن قال العلّامة : في ( المختلف ) : ( لو أدرك قدر الخمس قبل الغروب لزمه الفرضان ، وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه احتمال ، والأقرب [ أنه (1) ] للعصر. وتظهر الفائدة فيما لو أدرك قبل الانتصاف قدر أربع.

لنا : أن الأربع وقت للعصر لو فاتت الخامسة ، فكذا معها لاستحالة صيرورة ما ليس بوقت وقتاً ؛ ولأنه لو كانت الأربع للظهر لكان إذا أدرك مقدار أربع وجبت الظهر ، لأنه أدرك منها أكثر من ركعة ، وليس كذلك إجماعاً. ولما رواه داود بن فرقد : عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام ) (2). وساق الخبرين المذكورين.

وفي ( القواعد ) (3) أيضاً ذكر الاحتمالين ، واختار ما اختاره في ( المختلف ) ، وفرّع عليه ما فرّعه فيه من أن الفائدة تظهر في العشاءين. وقريب منه كلامه في ( المنتهى (4) ) (5).

وقال في ( التحرير ) : ( [ الثالث (6) ] في أوقات المعذورين ، ونعني بالعذر : ما يسقط القضاء كالجنون والصغر (7) والحيض والكفر ، وله أحوال ثلاثة

ص: 146


1- من المصدر ، وفي النسختين : ( أنها ).
2- مختلف الشيعة 2 : 72 / المسألة : 20.
3- قواعد الأحكام 1 : 248.
4- في « ش » : ( المختلف ).
5- منتهى المطلب 1 : 210.
6- من المصدر ، وفي النسختين : ( الرابع ).
7- في المصدر : ( الصبي ) بدل : ( الصغر ).

الأوّل : أن يخلو عنها آخر الوقت بقدر الطهارة وأداء ركعة ، كما لو طهرت الحائض قبل المغرب فيلزمها العصر ، ولو طهرت قبله بمقدار الطهارة وخمس ركعات وجبت الظهر أيضاً ، والأربع في مقابلة الظهر لا العصر على إشكال ، وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء ) (1) ، انتهى.

وأقول : كلامه رحمه اللّه لا يخلو من تشابه وغموض ، فإنه إن أراد بالأربع التي احتمل فيها أنها للظهر أو للعصر ، ورجّح أنها للعصر الأربع التي أوّلها استكمال شرائط وجوب الفرضين وآخرها ما يكون بينه وبين الغروب قدر ركعة ، لم ينطبق على استدلاله بأنها للعصر ، بأن الأربع وقت للعصر لو فاتت الخامسة ، فكذا معها ؛ لاستحالة صيرورة ما ليس بوقت وقتاً ، وبروايتي ابن فرقد : ، كما هو ظاهر ، فإن الدليلين لا ينطبقان إلّا على إرادة الأربع المحدودة بالغروب ، مع أنه أيضاً منافٍ لما ثبت بالنصّ والإجماع من أن الوقت مشترك بين الظهرين حتّى لا يبقى عن الغروب إلّا قدر أربع ، فحينئذٍ يخرج وقت الظهر وتختصّ العصر بالأربع ، فالنصّ والإجماع قائمان على أن قدر الاولى من الخمس من الوقت المشترك ، فلا يمكن احتمال أنها للعصر ، بل يتعيّن أنها للظهر ، فلا يحتمل أن هذه الأربع للعصر.

ومنافٍ أيضاً لما هو ظاهر النصّ وفتوى العصابة وعملهم في سائر الأزمان أنه متى أدرك قبل الغروب خمساً وجب الفرضان أداءً ، والظهر قبل العصر ، فلا يمكن أن يقال : إن هذه الأربع للعصر.

وإن أراد بها الأربع التي يحدّها الغروب ، وهي التي إذا لم يبقَ إلّا هي اختصّ بها العصر وخرج وقت الظهر ، فإن أراد بحكمه ( أنها حينئذٍ للعصر ) أنها حينئذٍ مختصّة بالعصر ، كما لو لم يبقَ إلّا هي ، فيخرج وقت الظهر بدخولها ، فهو باطل قطعاً ؛ لأنه يقتضي أن الظهر حينئذٍ تجب ولا تصلّى أداءً قبل العصر ، بل يجب قضاؤها بعد أن

ص: 147


1- تحرير الأحكام 1 : 27 ( حجريّ ).

يصلّي العصر بعد ذهاب قدر الخامسة ؛ إذ لا يزاحم القضاءُ الأداءَ في الوقت الذي لا يسع إلّا الأداء ، وهذا باطل إجماعاً ، ولأن النصّ والإجماع على أنه حينئذٍ يجب الفرضان أداءً ، ولأنه منافٍ لحكمه هو بأن مَنْ أدرك من الوقت ركعة وجب الفرض كلّه أداءً ، والظهر قد بقي من وقتها حينئذٍ ركعة ، مع أنه لا يحتمل على هذا أن تكون للظهر.

وإن أراد أنها للعصر بالأصالة دون قدر الخامسة ، منعنا أن قدر الأربع المحدودة بالغروب حين إدراك قدر الخمس للعصر بالأصالة ؛ لأنها لا تختصّ بالعصر إلّا إذا لم يبقَ إلّا قدرها ، مع أن فرض ذلك ينافي احتمال أنها للظهر ؛ إذ لو أهمل المكلّف حينئذٍ الظهر حتّى لم يبقَ إلّا أربع فات الظهر قطعاً بالنصّ والإجماع.

ولو احتمل أنها للظهر لاحتمل أنه يصلّي الظهر حينئذٍ ، وهو باطل ؛ لاختصاص العصر حينئذٍ بالأربع ، فلا يجوز إهمالها في وقتها المتضيّق على أنه لا يحتمل التكليف حينئذٍ بالفرضين أداءً والوقت لا يسع إلّا أحدهما.

وأيضاً ينافيه ظاهر عبارته في ( التحرير ) (1) ، فإن ظاهرها أن المراد بالأربع هي الأربع الأُولى التي يكون بينها وبين الغروب قدر ركعة فتأمّلها. فلا يحتمل أنها للظهر حينئذٍ ؛ إذ إدراك قدر الخامسة لا يصيّر ما اختصّ بالعصر بالنصّ والإجماع للظهر.

وإن أراد أن الأربع المحدودة بالغروب للعصر بالأصالة ، فإذا بقي قدر خمس زاحمتها الظهر في قدر ثلاث منها بسبب إدراك ركعة من وقتها ، فصار قدر الثلاث من أربع العصر بالأصالة وقتاً للظهر مع قدر الخامسة بالعرض ، كما جعل الشارع قدر الركعة قبل الغروب مع قدر ثلاث من وقت المغرب وقتاً للعصر ، لم يحتمل أن يكون الأربع بكمالها للظهر ولا قدر الثلاث الاولى منها وقتاً للعصر حينئذٍ ، فلا وجه للاحتمال.

وبالجملة ، إذا بقي قبل الغروب قدر خمس فالركعة التي يتعقّبها الغروب للعصر

ص: 148


1- تحرير الأحكام 1 : 27 ( حجريّ ).

خاصّة بلا شكّ ، فلا يحتمل أن تكون للظهر بوجهٍ ، فلا يحتمل أن تكون الأربع التي يحدّها الغروب للظهر بوجهٍ ؛ لخروج واحدة منها عن هذا الاحتمال بالنصّ والإجماع ، والركعة الاولى من الخمس وهي المتعقّبة لزوال العذر بلا فصل ، وهي التي يكون بينها وبين الغروب قدر أربع للظهر خاصّة بالنصّ والإجماع ، فلا يحتمل أن تكون للعصر بوجهٍ أصلاً ، فأي أربع يجري فيها الاحتمال المذكور؟ فعلى فرض تسليم جريان الاحتمال إنما يجري في الثلاث المتوسّطة.

هذا ، وقد قال فخر المحقّقين : في ( الإيضاح ) بعد قول أبيه في ( القواعد ) : ( ولو أدرك مقدار خمس والطهارة وجب الفرضان ، وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه احتمال ) (1) - : ( هذه المسألة مبنية على السابقة يعني : مسألة ما لو ضاق الوقت إلّا عن ركعة ، فهل الصلاة كلّها أداءً ، أو قضاءً ، أو موزّعة؟ قال رحمه اللّه - : فالقائل بأنه إذا أدرك ركعة من الصلاة يكون الجميع أداءً ، بمعنى أن الوقت الذي وقع فيه التمام جعله الشارع وقتاً لمثل هذه الصلاة ، فإنه يلزم على قوله أن تكون الأربع للظهر ، واحتجّوا بأنه لولا أن يكون للظهر لما جاز فعلها ؛ لعدم جواز فعل القضاء في المضيّق ، وعلى قول الآخرين أنها للعصر ) (2) ، انتهى.

وظاهر هذا الكلام ، بل صريحه أن المراد بالأربع التي احتمل والده فيها أن تكون حينئذٍ للظهر أو للعصر هي الأُولى التي يكون بينها وبين الغروب قدر ركعة ؛ لأن تفريع الاحتمال على الأقوال واستدلاله بما ذكر للقول بأنها للظهر لا يتمّ إلّا على هذا. وقد عرفت ما فيه.

وفيه أيضاً : أن والده اختار أن مَنْ أدرك من الوقت ركعة أدرك الصلاة أداءً وهو قد وافقه في ذلك ، فيلزمه أن يقول الأربع للظهر بمقتضى تقريره ، فكيف يختار هو ووالده أنها للعصر وهما لا يقولان بأن الصلاة مع إدراك ركعة قضاءٌ ، ولا موزّعة. فالاختياران على ما قُرّر من أن المسألة متفرّعة على الاولى ، فمَنْ قال بأنها في

ص: 149


1- قواعد الأحكام 1 : 248 ، باختلافٍ يسير.
2- إيضاح الفوائد 1 : 75 - 76.

الأُولى أداءٌ كلّها لزمه القول هنا بأن الأربع هنا للظهر ، ومَنْ قال بغير هذا قال : إنها للعصر متناقضان ، كما لا يخفى. أو أن المسألة غير متفرّعة على الاولى.

وأمّا استدلاله رحمه اللّه على أن الأربع للعصر بأنه : ( إذا بقي مقدار ثمان تضيّق الوقتان إجماعاً ، فكلّ شي ء يفوت ؛ فإمّا من الظهر خاصّة ، أو العصر خاصّة ، أو منهما ، أولا من واحد منهما. والكلّ باطل غير الأوّل ، وهو المطلوب ) (1) ، انتهى. [ فهو (2) ] في غاية الضعف ؛ لأنك إذا تأمّلته حقّ التأمّل وجدته مبنيّاً على قول المرتضى : من تطبيق أجزاء الوقت على أجزاء الصلاة (3) ، وهو مردود لا يقول به هو ، بل الظاهر أنه منقطع.

وأيضاً يلزمه إلّا تؤدّى الظهر ؛ إذ لم يبقَ من وقتها إلّا قدر الركعة الأُولى ، فتكون الظهر قضاءً ، فيجب تأخيرها عن العصر ، وهو كما ترى ، والنصّ والفتوى يدفعه.

وأيضاً لا يلائم القول بأن مَنْ أدرك قدر ركعة وجبت أداءً ، وهو من القائلين به.

وأيضاً أنه لم ينقص من وقتيهما شي ء حينئذٍ ، فإن الشارع جعل مقدار الاولى وقتاً للظهر ، والركعة الأخيرة مع قدر ثلاث من وقت المغرب وقتاً للعصر ، كما اعترف به هو ، وقام عليه الدليل.

وأيضاً إذا نقص من وقت الظهر قدر ثلاث بقي واحدة ، فلا يصيّرها نقصان الثلاث وقتاً للعصر.

وبالجملة ، فكلامه مضطرب والمدّعى غير واضح ، ودليله ممنوع ، بل هو دعوى مجرّدة عن الدليل ، عارية من الدلالة ، أو منشؤه اضطراب المتن وتشابهه.

وقال الشيخ علي : في حاشية ( القواعد ) : ( قوله : ( ولو كان مقدار خمس ركعات والطهارة وجب الفرضان ) (4) بإدراك أحدهما وركعة من وقت الأُخرى. قوله : ( وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه احتمال. وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء ) (5). قد

ص: 150


1- إيضاح الفوائد 1 : 76 - 77.
2- في النسختين : ( وهو ).
3- عنه في مختلف الشيعة : 72 / المسألة : 20.
4- قواعد الأحكام 1 : 248.
5- المصدر نفسه.

عرفت ابتناء هذه المسألة على القول بأن الجميع أداء يعني : فيما لو لم يبقَ من الوقت إلّا قدر ركعة فإنه قال : إن تفريع أن الأربع للظهر وهو حقّ أو للعصر إنما يتأتّى على القول بأن الصلاة حينئذٍ أداءٌ كلّها قال رحمه اللّه في شرح هذه العبارة المنقولة هنا : وفي عبارة المصنّف تسامح ، فإن الأربع لا يتصوّر كونها للعصر ؛ لأن الركعة الأُولى للظهر قطعاً ) (1).

قلت : هذا صريح في أن الأربع التي فُرض فيها الاحتمال هي الأُولى التي يفصل بينها وبين الغروب قدر ركعة ، وقد عرفت ما فيه ، ووجه عدم إمكان كونها هي.

ثمّ قال : ( ولا يستقيم أن يريد بها الثلاث مع الركعة الأُولى تارة ، ومع الأخيرة أُخرى ؛ لأن مقتضى هذا التركيب كون الأربع التي يأتي فيها الاحتمالان واحدة ، إلّا أن يحمل على أن المراد الأربع من هذا المجموع ، فيكون المعنى حينئذٍ : وهل الأربع للظهر [ وللعصر (2) ] واحدة أم بالعكس؟ ) (3).

قلت : هذا الاحتمال الأخير إذا تأمّلته جيّداً رأيته لا يتمّ على القول بوجوب أداء الظهر حينئذٍ ، وإنما يتمّ لو قلنا : إنه يحتمل وجوب تقديم الظهر حينئذٍ أداءً كلّها. ويحتمل وجوب تقديم العصر كذلك ، فإن قلنا الأربع للظهر فالأوّل ، وإن قلنا للعصر فالثاني ، وهذا باطل ؛ إذ ظاهر فتوى العصابة تقديم الظهر أداءً كلّها ، أو قضاءً كلّها ، أو موزّعة ، كما هو الأمر في العصر لو لم يبقَ من الوقت إلّا قدر ركعة ، فإنها تقدّم على المغرب حينئذٍ بلا خلاف يظهر أداءً أو قضاءً أو بالتوزيع ، كما مرّ.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ولا بدّ في العبارة من تقدير شي ء ، وهو مقدار الأربع من الوقت ؛ إذ الأربع للظهر قطعاً ، وهو الذي نواه المصلّي ) (4).

قلت : هذا التقدير لا يُخرج العبارة من التشابه ، ولا يدفع شيئاً من الإيرادات المذكورة. نعم ، قطعه بأن الأربع للظهر يرفع احتمال أن قدرها من الوقت ، أو قدر

ص: 151


1- جامع المقاصد 2 : 31 - 32.
2- من المصدر ، وفي النسختين : ( فللعصر ).
3- جامع المقاصد 2 : 32.
4- جامع المقاصد 2 : 32.

ثلاث منها للعصر ، كما لا يخفى ؛ لما بينهما من التنافي.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ومنشأ الاحتمالين الالتفات إلى ما كان عليه وإلى ما صار إليه ) (1).

قلت : قد عرفت الدليل على أن الأربع الأُولى لم تكن للعصر بوجه ؛ لأن منها واحدة للظهر ، كما قطع به هو في صدر العبارة ، حيث نفى تصوّر كونها للعصر لذلك ، وأن الأربع الأخيرة لا يُحتمل كونها للظهر في حال ؛ لأن الركعة الأخيرة منها للعصر قولاً واحداً ، وأمّا الثلاث التي بعد الاولى وقبل الأخيرة التي يحدّها الغروب ، فنحن نمنع في مفروض المسألة أنها كانت للعصر ثمّ صارت للظهر ، وإنما هي في المسألة المفروضة للظهر بأصل الشرع ؛ لأن الدليل قام على هذا ، ولم يقُم دليل على أنها هنا كانت للعصر ثمّ عرض ما صيّرها للظهر. ولو سلّم أنها كذلك ثبت اختصاصها حينئذٍ بالظهر ، فلا يحتمل كونها للعصر.

وعلى كلّ حال فالعلّامة : فرض الاحتمالين في أربع لا في ثلاث.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( والثاني أقوى ؛ لأن وقوع [ شي ء (2) ] من الظهر فيه لا يصيّره وقتاً لها ، كما في ثلاث من العصر إذا وقعت في وقت المغرب ، وركعة من الصبح بعد طلوع الشمس ، والأخبار ليس فيها إلّا إدراك الصلاة المقتضي لكونها أداءً ، وذلك لا يستلزم كون الوقت لها ، فلعلّه لكونها افتتحت على الأداء ) (3).

قلت : في هذا الكلام أُمور :

أحدها : أن صدر عبارته صريح في أن الأربع التي احتمل فيها العلّامة : الاحتمالين هي التي يكون بينها وبين الغروب قدر ركعة ، ودليله لا ينطبق إلّا على أنها هي التي يحدّها الغروب ، كما لا يخفى.

وثانيها : أن الأخبار إذا دلّت على أنها حينئذٍ أداءٌ ، فقد دلّت على أن ذلك الوقت الذي تؤدّى فيه وقت لها ؛ لأنه لا معنى لوقت الصلاة إلّا ما تقع فيه ، ولا معنى للأداء

ص: 152


1- جامع المقاصد 2 : 32.
2- من المصدر ، وفي النسختين : ( ثلاث ).
3- جامع المقاصد 2 : 32.

إلّا ما أُوقع في وقت العبادة المؤدّاة ، فالأداء ما وقع في وقت العبادة المؤدّاة ، والقضاء ما وقع لا في وقتها ؛ فإمّا أن يكون ما وقعت فيه وقتاً لها ، أو هي قضاء. فإذاً ما قاله رحمه اللّه في الحقيقة ميلٌ إلى قول المرتضى : ، أو إلى التركيب وهو قد زيّفهما.

وثالثها : أن افتتاحها على الأداء دليل على أنها كلّها أداءٌ ، وهو دليل على أن الشارع جعل ذلك الوقت وقتاً لها ، وإلّا لصحّ القول بالتوزيع وهو لا يرتضيه.

وبالجملة ، فدعوى أن صلاة افتتحت على الأداء واختتمت عليه وهي واقعة في غير وقتها ، واضح السقوط.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( وتظهر فائدة الاحتمالين وثمرة كلّ واحد منهما في المغرب والعشاء ، وكأن هذا جواب سؤال يرد هنا ، هو : أن البحث عن كون مقدار الأربع للظهر أو للعصر خالٍ عن الفائدة ؛ لأن الظهر قد تعيّن فعلها فيه على كلّ تقدير ، فما الفائدة؟ وجوابه ما ذكر ) (1).

قلت : إذا تعيّن فعل الظهر في هذا الوقت أداءً على كلّ حال وامتنع فعل العصر فيه ، لم يبقَ وجه لاحتمال أن يكون قدرها أو قدر ثلاث منها وقتاً للعصر بوجه ، وإذا تعيّنت الركعة التي يتعقّبها الغروب للعصر حينئذٍ ولم يجُز فعل الظهر فيه مطلقاً ، لم يُحتمل أن تكون للظهر بوجه.

ثم قال رحمه اللّه تعالى - : ( والتحقيق أن المكلّف لو أدرك من وقت العشاء مقدار أربع ركعات ، يجب أن يؤدّي المغرب والعشاء جميعاً على الاحتمال الأوّل ؛ لأن ضيق الوقت لمّا صيّر ما تؤدّى به الصلاة الاولى من وقت الثانية وقتاً لها في الظهرين ، وجب أن يطّرد في العشاءين لوجود المقتضي بخلاف الثاني ؛ لأن الوقت على هذا التقدير للعشاء ) (2).

قلت : إذا صيّر ضيق الوقت في الظهرين ما تؤدّى به الظهر وقتاً لها ، سقط احتمال

ص: 153


1- جامع المقاصد 2 : 32.
2- جامع المقاصد 2 : 32 ، وفيه : ( ما به تؤدّى ) بدل : ( ما تؤدّى به ).

أن يكون قدر ما تؤدّى به أو ثلاث منه وقتاً للعصر. وأيضاً فكلامه هذا لا يتمّ له على فرض تأتي الاحتمالين إلّا في ثلاث من الأربع التي يحدّها الغروب ، فإن قدر ما يؤدّى فيه ركعة من الظهر للظهر بلا نزاع ، وكذا آخر ركعة من الخمس للعصر بلا نزاع. والعلّامة : فرضَ الاحتمالين في أربع ، وظاهره وإن كان ممنوعاً أنه عنى الأربع المحدودة بالغروب ، وظاهر الشارح في صدر عبارته وظاهر استدلاله أنها الأربع الأُولى.

وأيضاً لو فرض صحّة الاحتمال في الظهرين منعنا وجود مقتضيه في العشاءين ؛ لأنه إنما هو إدراك ركعة من وقت الظهر ، وهذا مفقود في العشاءين إذا لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، فإن الدليل قائم من النصّ (1) المشتهر العمل به على أنه متى لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، فقد خرج وقت المغرب واختصّت العشاء بقدر الأربع ، فالمقتضي لفرض الاحتمال في الظهرين مفقود في العشاءين ، على أنه غير مجدٍ فرضه في الظهرين بعد تسليم وجوب تقديم الظهر أداء ، والتفريع على شي ء وهمي قد منعت الشريعة من إبرازه في الخارج لا يجوز ولا يؤسّس به حكم شرعيّ خصوصاً في العبادات.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( والتحقيق كما نبّه عليه الفاضل السيّد عميد الدين (2) أن هذه الفائدة ليست بشي ء ؛ لأن المقتضي لصيرورة ذلك وقتاً للظهر ليس هو ما ذكر ، بل مع إدراك ركعة من وقت الظهر ، وذلك منتفٍ في المغرب في الفرض المذكور ) (3) ، انتهى كلام المحقّق الشيخ علي : في المسألة.

قلت : إذا سلّم أن إدراك قدر ركعة من وقت الظهر يصيّرها مع قدر ثلاث بعدها وقتاً للظهر لم يبقَ وجه لاحتمال أن تكون قدر ذلك ، بل ولا قدر الثلاث التي بعدها

ص: 154


1- تهذيب الأحكام 2 : 28 / 82 ، الإستبصار 1 : 263 / 945 ، وسائل الشيعة 4 : 184 ، أبواب المواقيت ، ب 17 ، ح 4.
2- كنز الفوائد 1 : 92.
3- جامع المقاصد 2 : 33.

وقتاً للعصر. ولا أن قدر الأربع التي تلي الركعة التي من وقت الظهر وقتاً للظهر ، وإذا انتفى تحقّق المقتضي للاحتمال في الظهرين في العشاءين حين لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، لم يبقَ لهذا الاحتمال في الظهرين وجه ولا فائدة بوجه أصلاً.

وبالجملة ، فالاحتمال ممنوع من أصله ؛ إذ لا وجه له ولا معنًى ، وعلى فرض تسليمه لا فائدة فيه مع تسليم وجوب الفرضين أداءً مُقدّماً للظهر ، إلّا أن يقال : إنه يحتمل وجوب تقديم العصر ؛ لأن الوقت لها بالأصالة ، وهم لا يقولون بذلك ، ولا يظهر به قائل. وظهور فائدته في العشاءين ممنوع بعد قيام الدليل على أنه إذا لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، فقد خرج وقت المغرب بالكلّيّة ، واختصّت العشاء بذلك الوقت.

وبالجملة ، فالأربع المفروض فيها الاحتمال غير واضحة ، والاحتمال ممنوع ، وفائدته منتفية.

ص: 155

ص: 156

الخلاصة

اشارة

وملخّص الحكم أن الذي دلّ عليه الدليل من النصّ والفتوى أنه متى أدرك المكلّف قدر خمس بعد الطهارة قبل الغروب وجب الظهر والعصر أداءً مرتّباً ، وكذلك لو أدرك خمساً قبل الانتصاف وجب العشاءان كذلك ، أمّا لو لم يدرك في الموضعين إلّا قدر أربع فنازلاً فقد خرج وقت الظهر والمغرب ، فإنْ كان قد أهملهما بعد أن وجبا قضاهما بعد العصر أو العشاء ، وإلّا فلا. واللّه العالم.

وقال السيّد عميد الدين : في حاشية ( القواعد ) : ( قوله : ( وهل الأربع للظهر أو للعصر؟ فيه احتمال ) (1). أقول : وجه احتمال كون الأربع للظهر أن الشارع فرض عليه الإتيان بالظهر في ذلك القدر من الزمان على وجه التضييق ، ولا نعني بوقت الفريضة إلّا الوقت الذي فرضه لتلك الفريضة عيناً دون غيره. ومن أن مقدار أربع كان مختصّاً بالعصر لولا إدراك قدر الخامسة ، فكذا إذا أدركه لامتناع صيرورة ما ليس بوقت وقتاً ؛ ولأن ذلك يقتضي كون مقدار ثلاث بعد الغروب لو أدرك قدر ركعة من آخر وقت العصر وقتاً للعصر دون المغرب ؛ لأنه قد فرض عليه الإتيان بباقي العصر في ذلك الوقت مضيّقاً ، وهو باطل قطعاً ) (2) ، انتهى.

قلت : لا يخفى أن توجيهه لاحتمال كون الأربع للظهر ظاهر في أن المراد بالأربع المحتملة هي الأُولى التي يقع فيها الظهر ، وهي التي يفصل بينها وبين الغروب ركعة. وتوجيهه احتمال أنها للعصر ظاهر في أن المراد بها الأربع الأخيرة المتّصلة بالغروب ، فالاحتمال الآخر في كلّ منهما غير موجّه ، مع أنه إذا سلّم أن

ص: 157


1- قواعد الأحكام 1 : 248.
2- كنز الفوائد 1 : 92.

الشارع فرض الإتيان بالظهر في ذلك القدر من الزمان لم يبقَ له وجه في احتمال أن يكون ذلك أو قدر ثلاث منه للعصر ؛ لأنه خلاف ما فرضه الشارع. كما أنه لا يحتمل القول بأن مقدار ثلاث بعد الغروب لِمَن لم يدرك قبله إلّا ركعة وقتاً للمغرب ؛ لأن الشارع فرض الإتيان ببقيّة العصر في ذلك الزمان ، ولا ينافي كونهما وقتاً للعصر أو للمغرب بالنسبة لِمَن لم يدرك قدر ركعة من وقت الظهر أو العصر.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( قوله : ( وتظهر الفائدة في المغرب والعشاء ) (1) يريد أنه إنْ جعلنا مقدار الأربع وقتاً للظهر ، فلو أدرك قبل الانتصاف مقدار أربع وجب عليه المغرب والعشاء ؛ لأن مقدار ثلاث يدرك بها المغرب ، ويدرك العشاء بإدراك ركعة في وقتها. وإن جعلنا الأربع للعصر كان قدر الأربع قبل الانتصاف وقتاً للعشاء الآخرة ، فهو يقضي المغرب. وهذا التفريع ليس عندي بشي ء ) (2) ، انتهى.

قلت : إذا كان التفريع ليس بشي ء لما عرفت من أن الدليل قائم على أنه متى لم يبقَ قبل الانتصاف إلّا قدر أربع ، فقد خرج وقت المغرب واختصّ الوقت بالعشاء لم يبقَ للاحتمال في الظهرين حينئذٍ معنًى ولا فائدة ، ولا دليل يدلّ بوجه من ضروب الدلالة على صحّة هذا الاحتمال.

تنبيه

المعروف من الفتوى أن المراد من إدراك الركعة إدراك أقلّ المجزي من الواجبات الاختياريّة. وصرّح الشيخ علي : في ( شرح القواعد ) (3) بأن السورة حينئذٍ لا يسقط وجوبها لضيق الوقت ، بل لو لم يسعها الوقت سقط الفرض أو ثبت القضاء ، ونقل عن ( التذكرة ) (4) التصريح به. ومثله بعض شرّاح ( النافع ) فتوًى ونقلاً عن ( التذكرة ) ، بل قال : ( لا اعلم له رادّاً من الأصحاب ). وهو جيّد ، واللّه العالم.

ص: 158


1- قواعد الأحكام 1 : 248.
2- كنز الفوائد 1 : 92 ، باختلاف يسير.
3- جامع المقاصد 2 : 31 ، ولم ينقل التصريح به عن ( التذكرة ) ، بل نصّ عبارته : ( وقد نبّه على ذلك في التذكرة ).
4- تذكرة الفقهاء 2 : 324 / المسألة : 41 ، الفرع : ج.

وصلّى اللّه على محمّد : وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله ربِّ العالمين.

انتهت بقلم مؤلّفها الأقلّ أحمد بن صالح بن سالم آل طوق : ، عصر 28 محرّم سنة (1241) ، والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

وقد نقلتها من خطّ المؤلّف المحقّق مدّ اللّه في عمره ، وأنا العبد الجاني الأثيم المخطئ زرع بن محمّد علي بن حسين الخطّي : عفا اللّه عنه (1).

ص: 159


1- ورد في آخر نسخة « ش » : تمّت الرسالة على يد الأقلّ المخطئ يوسف بن مسعود بن سليمان الجشّي ، وذلك في الساعة التاسعة من اليوم الثالث من الشهر الثالث من السنة الحادية من العشر الخامسة من المائة الثالثة من الألف الثانية من الهجرة النبويّة ، على مهاجرها وآله أكمل الصلاة والسلام والتحيّة ، والحمد لله ربِّ العالمين. تمّت بمعونته وحسن توفيقه.

ص: 160

الرسالة الحادية عشرة : أحكام العُمرة

اشارة

ص: 161

ص: 162

مقدمة المؤلف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه ثقتي ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

وبعد :

فهذه نبذة يسيرة في أحكام العُمرة ، كتبتها امتثالاً لقوله تعالى : ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (1) ، بالتماس بعض الإخوان ، واللّه الموفّق المرشد الهادي إلى الصراط المستقيم ، وبه العصمة.

ص: 163


1- المائدة : 2.

ص: 164

أدلة وجوب العمرة

اشارة

اعلم أن العُمرة واجبة كالحجّ ، على من استطاع إليها سبيلاً ، بأصل الشرع في العمر مرّة كالحجّ ، ففي ( الكافي ) في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال العُمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ على من استطاع ؛ لأن اللّه عزوجل يقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (1) ، وإنما نزلت العُمرة بالمدينة.

قال : قلت له ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (2) أيجزي ذلك عنه؟ قال نعم (3).

وفي ( الصافي ) (4) عن ( العيّاشي ) (5) عنه عليه السلام مثله.

وفي الصحيح عن ابن أُذينة قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام مسائل ، فجاء الجواب بإملائه سألت عن قول اللّه عزوجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (6) ، يعني به : الحجّ والعُمرة جميعاً ؛ لأنهما مفروضان (7).

وفي خبر أبي العبّاس عن أبي عبد اللّه عليه السلام ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (8) قال هما مفروضان (9).

وفي ( العلل ) في الصحيح عن ابن أبي عمير ، وحمّاد وصفوان وفضالة عن

ص: 165


1- البقرة : 196.
2- البقرة : 196.
3- الكافي 4 : 265 / 4 ، وسائل الشيعة 11 : 9 ، أبواب وجوب الحجّ ، ب 1 ، ح 5.
4- التفسير الصافي 1 : 231.
5- تفسير العيّاشي 1 : 107 / 224.
6- آل عمران : 97.
7- الكافي 4 : 264 / 1 ، وسائل الشيعة 11 : 7 ، أبواب وجوب الحجّ ، ب 1 ، ح 2.
8- البقرة : 196.
9- الكافي 4 : 265 / 2 ، تهذيب الأحكام 5 : 459 / 1593 ، وسائل الشيعة 14 : 295 ، أبواب العمرة ، ب 1 ، ح 1.

معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال العُمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ من استطاع ؛ لأن اللّه عزوجل يقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) .. (1) الخبر.

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إذا تمتّع بالعُمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العُمرة (2).

وصحيح يعقوب بن شعيب ، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : قول اللّه عزوجل ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) يكفي الرجل إذا تمتّع بالعُمرة إلى الحجّ مكان تلك العُمرة؟ قال كذلك أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أصحابه (3).

وخبر أبي بصير : سألت أبا الحسن عليه السلام عن العُمرة ، أواجبة هي؟ قال نعم.

قلت : فمن تمتع يجزي عنه؟ قال نعم (4).

وخبر المفضّل بن صالح عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال العُمرة مفروضة مثل الحجّ ، فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العُمرة المفروضة (5).

وهذا المضمون مستفيض بلا معارض ، وعليه إجماع العصابة فتوًى وعملاً.

أقسام العمرة

وهي تنقسم إلى متمتّع بها ومفردة. والمتمتّع بها فرض من نأى من أهل الآفاق ؛ بأصل الشرع دون المفردة ، والمفردة فرض حاضري مكّة دون المتمتّع بها ؛ وذلك لأن الكتاب (6) والسنّة (7) المستفيضة به بلا اختلاف وإجماع الفرقة في كلّ زمان

ص: 166


1- علل الشرائع 2 : 111 / 1 ، وسائل الشيعة 14 : 297 ، أبواب العُمرة ، ب 1 ، ح 8.
2- الكافي 4 : 533 / 1 ، وسائل الشيعة 14 : 305 ، أبواب العُمرة ، ب 5 ، ح 1 ، وفيهما : « استمتع » بدل : « تمتَّع ».
3- تهذيب الأحكام 5 : 433 / 1054 ، وسائل الشيعة 14 : 306 ، أبواب العُمرة ، ب 5 ، ح 4.
4- الكافي 4 : 533 / 2 ، وسائل الشيعة 4 : 305 ، أبواب العُمرة ، ب 5 ، ح 3 ، وفيهما : ( عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ).
5- الفقيه 2 : 274 / 1339 ، وسائل الشيعة 4 : 306 ، أبواب العُمرة ، ب 5 ، ح 6.
6- البقرة : 196.
7- انظر وسائل الشيعة 11 : 258 - 262 ، أبواب أقسام الحج ، ب 6.

ومكان كلّها دلّت على أن فرض أهل الآفاق حجّ التمتّع دون القرآن والإفراد. فيكون فرضه من العُمرة الواجبة بأصل الشرع العمرة المتمتّع بها ، فلا تجب عليه المفردة ؛ إذ لم يدلّ دليل على أن أحداً يجب عليه بأصل الشرع عمرتان : عُمرة تمتّع ، ومفردة. وكذلك القول في اختصاص حاضري مكّة بوجوب المفردة.

وأيضاً النصّ (1) والإجماع إنما دلّا على أن العُمرة على الإطلاق فريضة على من استطاع إليها سبيلاً ، كما أن الكتاب (2) والسنّة (3) والإجماع إنما دلّوا على أن ( لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) على الإطلاق.

ثمّ إن الكتاب والسنّة والإجماع دلّوا على أن الحجّ ينقسم إلى ثلاثة أنواع ، والعُمرة إلى نوعين ، وأنه ليس كلّ نوع من أنواع الحجّ والعُمرة واجباً على كلّ مستطيع ، بل على أن فرض من نأى عن مكّة التمتع دون قسيميه فلا يجزي أحدهما عنه اختياراً ، وفرض حاضري مكّة القرآن أو الإفراد.

ومن هذا يعلم أن النائي لم تفرض عليه المفردة بأصل الشرع ، ومن هو من حاضري المسجد لم تفرض عليه عُمرة التمتّع بأصل الشرع. ولم يدلّ دليل على أن المتمتّع بها واجبة على كلّ من استطاع ، ولا على أن المفردة واجبة على كلّ من استطاع ؛ لا كتاباً ولا سنّة ولا إجماعاً ، وكذلك أقسام الحجّ ، بل لم يُفتِ أحد بذلك أصلاً.

وأنت إذا تتبّعت كلام علماء الفرقة وجدتهم مطبقون على أنه إنما يجب الحجّ أو العُمرة على من استطاع بأصل الشرع مرّة واحدة في العمر ، فلو وجب على أحد نوعان من أنواع العُمرة لكان الواجب عليه أكثر من مرّة واحدة في عمره بأصل الشرع.

ص: 167


1- انظر ذلك تحت عنوان : أدلة وجوب العمرة المتقدّمة.
2- في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) . آل عمران : 97.
3- الكافي 4 : 264 / 1 ، وسائل الشيعة 11 : 7 ، أبواب وجوب الحجّ ، ب 1 ، ح 2.

فلو قلنا : إن المفردة تجب على النائي بأصل الشرع ، لكنّا ربّما أوجبنا عليه عمرتين بأصل الشرع ، كما لو استطاع للمفردة فأتى بها ثمّ استطاع للحجّ ، بل ربّما كان ذلك في عام واحد ، وهذا خلاف ما عليه الفرقة فتوًى وعملاً في سائر الأعصار. فحينئذ إمّا أن نوجب على من استطاع للمفردة من أهل الآفاق عمرتين بأصل الشرع ، أو نسقط عنه فرض التمتّع ، وكلاهما خلاف الإجماع والنصّ. فهو مخالف لنصّ الكتاب والسنّة والإجماع.

إيضاح حول عبارة الشرائع

ولذا ترى كلّ من تكلّم في أحكام العُمرة يقول : العُمرة واجبة بأصل الشرع في العمر مرّة بشرط الاستطاعة ، ثمّ يقسّمها إلى متمتّع بها ومفردة ، ويحكم بأن المتمتّع بها فرض من نأى ، والمفردة فرض حاضري المسجد.

ولهذا لمّا كان في عبارة ( الشرائع ) ما يوهم شبه التدافع ، تعرّض الشهيد في الشرح لكشفه قال المحقّق بعد أن قال : ( وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحجّ ومع الشرائط تجب في العمر مرّة ، وقد تجب بالنذر ).

وذكر ما في أسباب وجوبها وعدد أفعالها الواجبة ، ثمّ قال - : ( وتنقسم إلى متمتّع بها ومفردة ؛ فالأُولى تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام ، ولا تصحّ إلّا في أشهر الحجّ وتسقط المفردة معها ) (1).

قال الشارح قدس سره : ( يفهم من لفظ السقوط أن المفردة واجبة بأصل الشرع على كلّ مكلّف ، كما أن الحج مطلقاً يجب عليه ، وأنها إنما تسقط عن المتمتّع إذا اعتمر عمرته تخفيفاً ، ومن قوله : ( والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ) ، عدم وجوبها على النائي من رأس ، وبين المفهومين تدافع ظاهر ، وكأن الموجب لذلك كون عُمرة التمتّع أخفّ من المفردة ، وكانت المفردة بسبب ذلك أكمل ، وهي المشروعة بالأصالة

ص: 168


1- شرائع الإسلام 1 : 274 - 275.

المفروضة قبل نزول آية التمتّع ، فكانت عُمرة التمتّع قائمة مقام الأصليّة مجزئة عنها ، وهي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة.

ويكون قوله : ( والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ) إشارة إلى ما استقرّ عليه الحال ، وصار هو الحكم الثابت الآن بأصل الشرع. ففي الأوّل إشارة إلى ابتدائه ، والثاني إلى استقراره ) (1) ، انتهى.

أقول : وقد تقدّم في أحكام حجّ التمتّع من ( الشرائع ) مثل هذه العبارة ، وأجاب عنها الشارح بجواب يحسن ذكره هنا أيضاً ، وكأنه اعتمد على ذكره هناك.

حيث قال المحقّق هناك : ( وإذا صحّ التمتّع سقطت العُمرة المفردة ) (2).

قال الشارح : ( هذا السقوط لا يتأتّى عندنا حقيقة إلّا في ذي الموطنين بمكّة وناءٍ أو الناذر للحجّ مطلقاً ، أمّا من فرضه التمتّع ابتداءً فإن سقوط المفردة في حقّه مجاز ؛ إذ لم تجب حتّى تسقط. نعم ، يتوجّه ذلك على مذهب العامّة ، لتخييرهم بين الأنواع الثلاثة مطلقاً ) (3) ، انتهى.

أقول : حاصله أنه لا يتأتّى السقوط حقيقة إلّا في حقّ من وجب عليه نوع من الحجّ لا على التعيين ، بل على التخيير ، ومن هو كذلك لم يثبت في ذمّته نوع بعينه من حجّ أو عُمرة ، وإنما وجب عليه أمر كلّيّ هو الحجّ الكلّيّ والعُمرة الكلّيّة من حيث هما كلّيّان. وبالإحرام بأحد أفراد الكلّيّ يتعيّن ويتبيّن ما هو في ذمّته من الأمر الكلّيّ الذي لا تحقّق له في الخارج إلّا في ضمن جزئي من جزئيّاته.

فالثابت في ذمّته جزئيّ خاصّ يتعيّن ويتبيّن بالإحرام به ، فمن تمّ تمتّعه لا يقال : إنه ثبت في ذمّته المفردة إلّا مجازاً ؛ لأنه لم يثبت في ذمّته الكلّيّ بجميع أفراده ، وإلّا لتعيّن عليه الجميع ولم يُجزِه فرد منها ، ولا الكلّيّ من حيث هو كلّيّ ؛ لعدم إمكان وجوده كذلك خارجاً ، وإنما الثابت في ذمّته فرد خاصّ ، لكنّه غير متعيّن خارجاً إلّا

ص: 169


1- مسالك الأفهام 2 : 497 - 498.
2- شرائع الإسلام 1 : 213.
3- مسالك الأفهام 2 : 201.

بالإحرام بنيّة إيقاعه. فإذن سقوط المفردة عنه مجاز لا حقيقة ؛ لعدم ثبوتها بعينها في ذمّته.

وأيضاً يأتي في كلام الشارح أن العُمرة المفردة غير مرتبطة بالحجّ ، فأوجب الحجّ دونها على من وجب عليه دونها ، فلو استطاع للحجّ دونها لم تجب وبالعكس. فناذر الحجّ مطلقاً لا تجب عليه عُمرة مفردة حتّى تسقط على ما اختاره.

ويؤيّده أن الشيخ عليّاً صرّح في حاشية الكتاب في شرح هذه العبارة بأن السقوط مجاز. وممّا يؤنس بهذا إن لم يدلّ عليه حسنة الحلبيّ ، أو صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال إذا تمتّع الرجل بالعُمرة ، فقد قضى ما عليه من فريضة العُمرة (1).

فدلّ ظاهرها أن المتمتّع إنما فرضه المتعة.

وظاهر صحيحة ابن عمّار قال أبو عبد اللّه عليه السلام الحجّ ثلاثة أصناف : حجّ مفرد ، وقران ، وتمتّع بالعُمرة إلى الحجّ ، وبها أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والفضل فيها ، ولا نأمر الناس إلّا بها (2).

فإن ظاهره أن المراد بالناس أهل الآفاق ؛ ليتمّ التقسيم والحصر معاً. فإذن الآفاقيُّ غير مأمور إلّا بعُمرة التمتُّع.

وصحيحة ابن عمّار قال أبو عبد اللّه عليه السلام ما نعلم حجّا لله غير المتعة (3).

خرج منه ما خرج بدليل ، وبقي فرض النائي منحصراً في المتعة. فلو كان يجب عليه المفردة لعلموا أن لله عليه حجّا غير المتعة ، فإن المفردة حجّ لله.

وقريب من ذلك مثل خبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من حجّ فليتمتَّع ، إنا لا نعدل بكتاب اللّه عزوجل وسنّة نبيّه صلى اللّه عليه وآله (4).

والظاهر أنه أراد الحجّ الواجب بأصل الشرع على النائي بدليل خروج ما عداه

ص: 170


1- الكافي 4 : 533 / 1 ، وسائل الشيعة 14 : 305 ، أبواب العُمرة ، ب 5 ، ح 1 ، وفيهما : « استمتع » بدل : « تمتع ».
2- تهذيب الأحكام 5 : 24 / 72 ، وسائل الشيعة 11 : 211 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 1 ، ح 1.
3- الكافي 4 : 291 / 4 ، وسائل الشيعة 11 : 243 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 3 ، ح 13.
4- الكافي 4 : 291 / 6 ، وسائل الشيعة 11 : 243 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 3 ، ح 14.

بالنصّ والإجماع. فإذن لم يؤمر النائي إلّا بحجّ التمتّع ، فلا يكون مأموراً بالمفردة ، والأمر سهل.

والغرض بيان أنه لا قائل بوجوب المفردة على النائي بأصل الشرع ، ولا نصّ يدلّ عليه ، والتتبّع حكم عدل.

فعلى هذا لو وصل أطراف مكّة من وجب عليه حجّ التمتّع بأصل الشرع ، لا يجب عليه أن يأتي بعُمرة مفردة لا قبل حجّه ولا بعده. فلو أراد دخول مكّة قبل أن يحرم بعُمرة التمتّع لغرض دينيّ أو دنيوي دخلها بعُمرة مفردة ، ينوي بإحرامه الندب. ونقل ما يدلّ على هذا من الأخبار وعبارات الأصحاب لا يليق بهذه الرسالة ، وعمل الفرقة على ما قلناه في سائر الأعصار من جميع أهل الأمصار بلا نكير ولا شبهة.

وأمّا ما في بعض الأخبار من مثل قول السائل : فمن تمتّع تجزي عنه؟ قال نعم (1) ، فلا ينافي ما قدّمناه من اختصاص الآفاقيّ بوجوب المتمتّع بها والمكّيّ بالمفردة ؛ فإن السائل علم أن العُمرة فرض كالحجّ ، وعلم أن المتمتّع بها داخلة في الحجّ كالجزء منه ، فسأل عمّن هي كذلك ، هل هي من العُمرة المفروضة فيجزي أداؤها ، أو يختصّ الفرض بعُمرة مبتولة؟

وبالجملة ، لم نجد خبراً ولا فتوًى بوجوب المتمتّع بها على من هو من حاضري المسجد الحرام ، ولا المبتولة على آفاقيّ. والمعروف من النص (2) والفتوى (3) أنه يشترط في فرض المتمتّع بها الاستطاعة إلى الحجّ معها وهو إجماع.

شرائط وجوب العمرة

واختلفوا في المفردة ، ففي كلام جمع أن المشهور عدم توقّف وجوبها على الاستطاعة للحجّ (4) ، وبالعكس ، فلو حصلت الاستطاعة لها وحدها وجبت وحدها ،

ص: 171


1- الكافي 4 : 533 / 2 ، وسائل الشيعة 14 : 305 ، أبواب العُمرة ، ب 5 ، ح 13.
2- وسائل الشيعة 14 : 295 ، أبواب العمرة ، ب 1.
3- مدارك الأحكام 8 : 459.
4- رياض المسائل 4 : 397.

وبالعكس.

وقيل : يتوقّف وجوب كلّ منهما على الاستطاعة للآخر (1).

وقيل : لا يشترط في وجوب الحجّ الاستطاعة لها ، ويشترط في وجوبها الاستطاعة له معها (2).

وظاهر تصريحات المعظم في صفة واجبات الإفراد والقران بأن عليه عُمرة مفردة يأتي بها بعد الحجّ ، أو : ثمّ يعتمر عُمرة مفردة ، أو : يعتمر بعده عُمرة مفردة. وما أشبه هذه العبارات يدلّ على وجوب المفردة بوجوب أحد القسمين ، ومقتضاه مراعاة الاستطاعة له بالاستطاعة لها.

والظاهر أنهم إنما يريدون بذلك حجّ الإسلام خاصّة ؛ لأن كثيراً منهم مع ذلك يصرّح بعدم وجوبها مع المندوب أو المنذور وشبهه إذا لم تلاحظ فيه كما هو مقتضى الفتوى والنصوص.

قال السيّد في مداركه بعد قول المحقّق في وصف واجب الإفراد : ( وعليه - يعني : المفرد عُمرة مفردة بعد الحجّ والإحلال منه ) (3) - : ( ربّما أشعرت العبارة ونظائرها بلزوم العُمرة المفردة لكلّ حاجّ مفرد ، وليس كذلك ، بل إنما تلزم في حجّ الإسلام دون الحجّ المندوب والمنذور إذا لم يتعلّق النذر بالعُمرة ؛ كما تدلّ عليه الأخبار الواردة بكيفيّة حجّ الإفراد ) (4) ، انتهى.

لما مرّ ، ولظواهر عدّة أخبار منها في ( الفقيه ) عن جميل عن الصادق عليه السلام أنه قال في الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية إنها تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة ، ثمّ تقيم حتّى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عُمرة (5).

وما أشبهه ممّا دلّ على أن من دخل المشعر فضاق الوقت عن إتمامها وإدراك

ص: 172


1- وهو المنقول في مستند الشيعة 11 : 160.
2- الدروس 1 : 338.
3- شرائع الإسلام 1 : 213.
4- مدارك الأحكام 7 : 186.
5- الفقيه 2 : 240 / 1146 ، وسائل الشيعة 11 : 297 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 21 ، ح 2.

الموقفين أنه يعدل إلى نيّة حجّ الإفراد ، وعليه بعد إكماله عُمرة مفردة. وعلى مضمونها الفتوى والعمل بلا خلاف يظهر. فهذا إن لم يدلّ على وجوب العُمرة المفردة في حجّ الإسلام فهو يؤيّده ويشهد له.

وممّا يُستأنس له به مثل صحيحة ابن أُذينة في مكاتبته لأبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (1) أنه عليه السلام قال يعني به الحجَّ والعُمرة جميعاً (2).

وما في معناهما ممّا ورد في تفسير الآية ، بل لعلّ في قوله جميعاً دليلاً بطريق الإشارة إلى أن حجّ الفريضة وهو حجّ الإسلام لا بدّ معه من العُمرة فتأمّله فيكون ظاهر الآية يدلّ عليه بمعونة الرواية.

وظاهر قوله عزّ اسمه - ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (3) وما ورد في تفسيرها في عدّة أخبار منها الصحيحة المذكورة (4) أن المراد بإتمامها أداؤهما واتّقاء ما يتّقي المحرم فيهما ، فإن جمعهما في الأمر بإتمامهما يعني : أداءهما بمقتضى الروايات مع وحدة الأمر لعلّه يشعر بذلك.

وأمّا الحجّ المندوب فلا تجب معه العُمرة ما لم يكن تمتّعاً ؛ لعدم تحقّقه بدونها ، وأخبار وصف التمتّع والإفراد دليل على ما قلنا ، حيث حكمت في التمتّع بطوافين بين الصفا والمروة ، وفي القرآن والإفراد بطواف واحد.

وخصوص خبر عبد الملك بن عمرو : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال تمتّع.

قال : فقضى أنه أفرد الحجّ في ذلك العام أو بعده ، فقلت : أصلحك اللّه سألتك فأمرتني بالتمتّع ، وأراك قد أفردت الحجّ ، فقال أما واللّه ، إنّ الفضل لفي الذي أمرتك به ، ولكنّي ضعيف فشقّ علي طوافان بين الصفا والمروة ، فلذلك أفردت

ص: 173


1- آل عمران : 97.
2- الكافي 4 : 264 / 1 ، وسائل الشيعة 11 : 7 ، أبواب وجوب الحجّ ، ب 1 ، ح 2.
3- البقرة : 196.
4- أي صحيحة ابن أُذينة.

الحجّ (1) ، فإنه صريح في أنه لم يعتمر.

وكذلك أخبار حجّ الوداع فإنها ظاهرة في أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يعتمر.

والمشهور أنه لو استطاع من هو من حاضري المسجد الحرام للمفردة وحدها وجبت ، وهو الحقّ.

وفهمه من الأخبار السابقة وغيرها غير خفيّ ، ولعدم ارتباطها بالحجّ.

ص: 174


1- الكافي 4 : 292 - 293 / 12

موجبات العمرة

اشارة

وقد تجب العمرة بأسباب :

منها : النذر ، والعهد ، واليمين ، بالنصّ والإجماع.

ومنها : فوات الحجّ بعد الإحرام بالحجّ ، أو فواته مع عمرة التمتّع بعد الإحرام بها وفواتها مع الحجّ ، فإنه حينئذٍ يجب العدول بنيّة إحرامه إلى نيّة العُمرة المفردة ، والإتيان بأفعالها ليتحلّل من إحرامه. وهذا ثابت بالنصّ (1) والإجماع ، لكنّه مختصّ بالمفردة.

ومن وقع على زوجته دائمة كانت أو منقطعة ، حرّة أو مملوكة فجامعها قُبُلاً بالنصّ (2) والإجماع ، ودبراً على الأشهر الأظهر ؛ لدخوله في إطلاق من وقع على امرأته ، ويتحقّق ذلك بإيلاج الحشفة قبل المشعر ، ولو بعد عرفة وجب عليه إتمام الحجّ ، والحجّ من قابل عقوبة سواء كان الحجّ فرضاً أو نفلاً ولو كان عن غيره.

فإذا كان ما أوقع فيه الخطيئة تمتّعاً وجب القضاء تمتّعاً ؛ لأنه يجب من نوع ما أوقع فيه الخطيئة فتجب معه العُمرة المتمتّع بها ؛ لأنه لا يكون حجّ تمتّع إلّا بعمرة تمتّع قبله.

أمّا لو كان ذلك الحجّ قراناً أو إفراداً ؛ فإن كان ندباً أو ملتزماً وحده قضي وحده ، وإن كان ملتزماً بإجارة أو نذر أو شبهه مع العُمرة المفردة فالأظهر الأشهر أنه كذلك ؛

ص: 175


1- وسائل الشيعة 14 : 48 ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب 27.
2- وسائل الشيعة 13 : 110 - 115 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 3.

لأن الفرض هو الأوّل على الأشهر الأظهر ، لدلالة النصّ (1) عليه. وعلى القول بأنه الثاني كما عن ابن إدريس (2) فأظهر الوجهين أنه كذلك ؛ لعدم ارتباطهما ، إلّا أن يكون قد التزم فيه تأخير العُمرة عن الحجّ ، فتجب في الثانية دون الاولى وعليه بدنة.

ولو كان منه ذلك قبل كمال السعي في العُمرة المفردة وجبت البدنة وعمرة مفردة مثلها مستأنفة بالنصّ والإجماع. ففي الصحيح عن يزيد بن معاوية : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه؟ قال عليه السلام

عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر ، فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة (3).

وموثّقة مِسْمَعٍ عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعتمر عمرة مفردة ، فيطوف بالبيت طواف الفريضة ، ثمّ يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة قال عليه السلام

قد أفسد عمرته وعليه بدنة ، ويقيم بمكّة مُحِلّاً حتّى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنه لأهل بلاده ويحرم منه ويعتمر (4).

والمسألة إجماعيّة. والمعروف من المذهب أنه يجب حينئذٍ إكمالها والقضاء.

أحكام العمرة الفاسدة

وربّما توهّم بعض متأخّري المتأخّرين أنه لا يجب إكمال الفاسدة ، بل متى وقعت منه تلك الخطيئة أحلّ. والمستند ما تضمّنه الخبران من الحكم بفسادها ، وما في الثانية من قوله عليه السلام : إنه يقيم بمكَّة محلّاً حتّى يخرج الشهر. وهذا مدفوع بوجوه :

الأوّل : أن المعروف من النصّ والفتوى أن من أحرم بحجّ أو عُمرة فلا يحلّ له ما

ص: 176


1- الكافي 4 : 373 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 112 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 3 ، ح 9.
2- السرائر 1 : 550 ، عنه في مدارك الأحكام 8 : 409.
3- تهذيب الأحكام 5 : 324 / 1112 ، وسائل الشيعة 13 : 128 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 12 ، ح 1.
4- الكافي 4 : 538 - 539 / 2 ، وسائل الشيعة 13 : 128 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 12 ، ح 1.

حرّمه الإحرام إلّا بإيقاع أفعال معلومة محصورة ، بلا فرق ولا فارق بين أنواع الحجّ ولا أنواع العُمرة ، ولا بين الحجّ والعمرة.

وإيقاع الخطيئة ليس يعدّ في فتوًى ولا خبر من المحلّلات ، بل صريح ما تطابق عليه النصّ والفتوى فيمن وقع منه مثل ذلك في إحرام الحجّ أنه يجب عليه إكماله ولا يحلّ بذلك من إحرامه أنه ليس من المحلّلات في إحرام حجّ ولا عُمرة ؛ لعدم الفرق بين إحرامي الحجّ والعمرة تحريماً وتحليلاً ، لاستصحاب كونه محرماً ، وتحريم ما يحرم على المحرم حتّى يثبت إحلاله بيقين. ولا يتحقّق إحلاله إلّا بالإتيان بأفعال العُمرة ، أو ما يحلّ به المصدود أو المحصر إن كان كذلك ، ولا يقين في إحلاله وارتفاع حكم المحرم عنه بمجرّد إيقاعه الخطيئة ؛ لعدم الدليل المعارض لذلك الاستصحاب.

الثاني : أن لفظ الخبرين ظاهره وجوب الإتمام ، وإلّا لما كان لقوله عليه السلام يقيم إلى الشهر الآخر (1)

فائدة ولا معنًى ؛ إذ لو أخلّ بمجرّد الخطيئة مع وجوب الإعادة لكان يأمره بالإتيان بها فوراً لا بعد شهر ، فلمّا حكم بالفصل بينهما بشهر علم أن ذلك فرع كمال العُمرة الفاسدة وتحقّقها ؛ لأن الشهر إنما يُفصل به بين العمرتين التامّتين اللتين يلزم المكلّف الإتيان بهما ، ومع فرض التحلّل من الإحرام بذلك لا معنى لاعتبار فصل الشهر خصوصاً لو وقع الوقاع قبل الطواف ؛ إذ لا عمرتين حينئذٍ حتّى يراعى الفصل بالشهر.

أمّا إطلاق الإفساد فيهما فمجاز ، ومعناه ما يعني الفقهاء بإفساد الحجّ بذلك ، وهو وجوب القضاء مع الإكمال. وقد صرّح جملة من الأخبار (2) بإطلاق الإفساد بالحجّ ، ولعلّه مأخذ الفقهاء في إطلاق الإفساديّة على الحجّ ؛ لعدم الفرق بين إحرام الحجّ والعمرة.

ص: 177


1- تهذيب الأحكام 5 : 324 / 1112 ، وسائل الشيعة 13 : 128 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 12 ، ح 1.
2- وسائل الشيعة 13 : 126 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 11.

وأما قوله عليه السلام : [ يقيم بمكّة (1) ] مُحلّا (2) ، فمعناه أنه يجب عليه البقاء بمكّة بعد إحلاله من الاولى إلى الشهر الآخر ، فليس فيه دلالة على بطلان الإحرام من رأس بوجه ، والاحتمال ظاهر بل متعيّن لما ذكر من الدليل.

الثالث : ظاهر قوله عزّ اسمه - ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (3) لا يعارض بالاحتمال من رواية ، خصوصاً هذه الموثّقة ، مع ما عرفت من فساد الاحتمال ، وسقوط ذلك الاستدلال.

الرابع : أن ظاهر ( الغنية ) أنه إجماع قال : ( وفي الوطء في الفرج في إحرام الحجّ قبل الوقوف بعرفة فساده بلا خلاف ، ويلزم المضي فيه بلا خلاف إلّا من داود (4). وقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) يبطل قوله ؛ لأنه لم يفرّق في الأمر بالإتمام بين ما فسد وبين ما لم يفسد ، وتجب عليه مع ذلك بدنة ؛ بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ) (5) ، انتهى.

وظاهر استدلاله بالآية أنه لا فرق في وجوب الإتمام مع الإفساد بين الحجّ والعمرة للأمر بإتمامهما فيها. فالظاهر أن ما ادّعاه من الإجماع يشملهما بأنواعهما. وهل هذا الحكم من وجوب الإكمال والإعادة من أجل فعل الوقاع قبل إكمال الطواف والسعي مختصّ بالعمرة المفردة كما عن جماعة ، وهو ظاهر ابن حمزة (6) وابن البرّاج (7) و ( تهذيب الأحكام ) (8) و ( المبسوط ) (9) و ( النهاية ) (10) ، حيث إنهم ذكروا الحكم بالإفساد ووجوب الإكمال والقضاء فيمن وقع منه ذلك قبل كمال الطواف

ص: 178


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( يبقى ).
2- تهذيب الأحكام 5 : 324 / 1112 ، وسائل الشيعة 13 : 128 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 12 ، ح 1.
3- البقرة : 196.
4- عنه في المجموع شرح المهذّب 7 : 417 ، الخلاف 2 : 365 / المسألة : 202.
5- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 8 : 397.
6- الوسيلة : 159.
7- المهذّب 1 : 222.
8- تهذيب الأحكام 5 : 323 / ذيل الحديث 1110.
9- المبسوط 1 : 337.
10- النهاية : 231.

والسعي في إحرام المفردة ، ولم يتعرّضوا للمتمتّع بها. أو يعمّها مع عمرة التمتّع ، كما اختاره جماعة بل نسب للأكثر ، والظاهر أنه مشهور المتأخّرين (1)؟

واحتجّ القاصرون له على العمرة المفردة بعدم الدليل على عمومه للمتمتّع بها ؛ لأن الأخبار إنما وردت في المفردة يعنون الأخبار السابقة بل قال بعض الأعاظم من المعاصرين : ( إن إلحاق المتمتّع بها في ذلك بالمفردة قياس ) ؛ لعدم الدليل عليه ، واختصاص الأخبار بالمفردة.

والعجب أن العلّامة في ( المختلف ) (2) اختار شموله للمتمتّع بها ، واستدلّ بالخبرين الأوّلين ، ولا دلالة فيهما على غير المفردة ؛ لأنها فيهما مورد السؤال والجواب ، فإن كان دليل من طرّد الحكم وعدّاه إلى المتمتّع بها تلك الأخبار المتقدّمة ، فمنع دلالتها على ذلك واضح ، فطرد الحكم فيها قول بلا دليل.

فعلى هذا يتعيّن قصر الحكم على المفردة ، لكنّي لم أقف للقائلين بقصره على المفردة على كلام في حكم المتمتّع بها ، لو وقع فيها ذلك فينبغي ألّا يكون له أثر فيها بالكلّيّة ؛ لاعترافهم بعدم الدليل. فإثبات كفّارة أو غيرها قياس باطل.

واختلف القائلون بعموم الحكم المذكور للمتمتّع بها في أنه هل يسري الإفساد إلى حجّها ، أم لا ، بل يقصر الإفساد والإكمال والإعادة عليها؟

فالأكثر على الأوّل استناداً إلى ارتباطهما وكونهما كالجزء من حجّها ، ولا يخفى ضعف الحجّة مع أنها مخرجة ، ولم أقف للقائلين بعدم السراية إلى الحجّ ، على أنه هل يكملها بصورة المتمتّع بها مع وجوب قضائها ، أم بصورة المفردة لوجوب قضائها؟ ومع القضاء قبل الحجّ ينبغي أن تتعيّن الثانية ؛ لكونها متعته ؛ لعدم جواز الفصل بين عمرة التمتّع وحجّها بنسك ، فلا يمكن إجراء الخلاف الواقع في إفساد الحجّ بين المشهور وابن إدريس (3) هنا ، ولا على الحكم فيما لو ضاق الوقت عن

ص: 179


1- مسالك الأفهام 2 : 481.
2- مختلف الشيعة 4 : 173 / المسألة : 131.
3- السرائر 1 : 550.

القضاء قبل الحجّ ، بحيث لو أتى به فات الحجّ. فهل يتعيّن الإفراد وينقلب الفرض إليه لضيق الوقت ، أم يبقى محلّاً إلى قابل فيأتي بهما ، لأنه في معنى من تعمّد ترك الحجّ ؛ ولأنه لا يسوغ المتمتّع بها بعد أيّام الحجّ ، ولا أن تنفرد عن الحجّ ؛ للارتباط الثابت بالنصّ (1) والإجماع؟

وعلى الأوّل فهل يبقى وجوب قضائها مع انقلاب الفرض إلى الإفراد والإتيان به مع المفردة؟ وعلى هذا الفرض متى تقضى؟ وتقضى وحدها مع عدم صحّة انفرادها عن الحجّ أم يقضى معها ، فلا يبقى حينئذٍ فرق بين هذا وبين من قال بسراية الإفساد إلى الحجّ؟

وبالجملة ، فالبحث في غاية الصعوبة والإشكال ، لكنه غير بعيد برجحان القول بعموم الحكم من الإفساد وسرايته إلى الحجّ ووجوب إكمالها وقضائهما في العام القابل كما هو المشهور ، لا للأخبار الواردة في المفردة ولا لصحيحة ابن عمّار : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن متمتّع وقع على أهله ولم يزر قال ينحر جزوراً ، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً (2) الخبر.

لعدم وضوح الدلالة ، بل ظاهرها أنه في إحرام الحجّ ، كما فهمه الشيخ منها حيث قال في ( تهذيب الأحكام ) : ( وإذا جامع الإنسان قبل طواف الزيارة فعليه أن ينحر جزوراً ثمّ يطوف ، فإن لم يتمكّن فبقرة أو شاة ) (3). ثمّ استدلّ بهذه الرواية.

ولا لصحيحة ابن عمّار كما في ( تهذيب الأحكام ) : سأل معاوية بن عمّار الصادق عليه السلام عن رجل متمتّع وقع على امرأته ولم يقصّر قال ينحر جزوراً ، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شي ء عليه (4) الخبر.

ص: 180


1- وسائل الشيعة 11 : 301 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 22.
2- الكافي 4 : 378 / 3 ، تهذيب الأحكام 5 : 321 / 1104 ، وسائل الشيعة 13 : 121 122 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 9 ، ح 1.
3- تهذيب الأحكام 5 : 321.
4- تهذيب الأحكام 5 : 321 / 1104 ، وسائل الشيعة 13 - 131 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 13 ، ح 4.

لاحتمال أن يكون ذلك في إحرام الحجّ ، وإن كان ظاهره أعمّ ، ولأن الإجماع قائم ، والنصّ (1) به متكرّر ، على أن ذلك بعد الوقوفين في الحجّ. وبعد السعي في العمرة مطلقاً لا يوجب الإفساد ولا الإعادة ؛ فتعيّن أنه أراد بثلم الحجّ المخشيّ عليه هو نقصان ثوابه.

بل لعموم صحيحة زرارة قال : سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة. قال عليه السلام جاهلين أو عالمين.

قلت : أجبني في الوجهين جميعاً قال إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ومضيا على حجّهما وليس عليهما شي ء ، وإن كانا عالمين فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما ، ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا ، قلت : فأي الحجّتين لهما؟ قال : الأُولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأُخرى عليهما عقوبة (2).

وصحيحة ابن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المحرم يقع على أهله؟ قال إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحجّ من قابل.

قال : وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم؟ قال إن كان جاهلاً فليس عليه شي ء ، وإن لم يكن جاهلاً فعليه سوق بدنة وعليه الحجّ من قابل ، فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها فُرّق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد ؛ إلّا أن يكون معهما غيرهما ، حتّى يبلغ الهدي محلّه (3). هكذا لفظ الخبر في ( الكافي ).

والظاهر أنه من قوله : ( وسألته ) إلى آخره ، رواية أُخرى مستقلّة ، ولهذا قال في ( تهذيب الأحكام ) : روى موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل محرم وقع على أهله (4) .. إلى آخر ما في ( الكافي ) ،

ص: 181


1- وسائل الشيعة 13 : 118 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 6.
2- الكافي 4 : 373 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 112 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 3 ، ح 9.
3- الكافي 4 : 373 - 374 / 3 ، وسائل الشيعة 13 : 113 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 3 ، ح 12.
4- تهذيب الأحكام 5 : 319 / 1099 ، وسائل الشيعة 13 : 110 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 3 ، ح 1.

فاقتصر على هذا ، وهو قرينة على أنه رواية مستقلّة.

وخبر علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن محرم واقع أهله ، فقال قد أتى عظيماً.

قلت : لمبتلى؟ فقال استكرهها أو لم يستكرهها؟. قلت : أفتني بهم جميعاً ، فقال إن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة ، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان ، حتّى ينتهيا إلى مكّة وعليهما الحجّ من قابل لا بدّ منه.

قال : قلت : فإذا انتهيا إلى مكّة فهي امرأته كما كانت؟ فقال نعم ، هي امرأته كما هي ، فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان ، افترقا حتّى يحلّا ، فإذا أحلّا فقد انقضى عنهما ؛ فإنّ أبي كان يقول ذلك (1).

وصحيحة جميل بن درّاج : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن محرم وقع على أهله قال عليه بدنة. قال : فقال له زرارة : قد سألته عن الذي سألته عنه ، فقال لي عليه بدنة. قلت : عليه شي ء غير هذا؟ قال نعم ، عليه الحجّ من قابل (2).

وما رواه الشيخ أيضاً في الصحيح عن معاوية بن عمّار : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج قال عليه بدنة وليس عليه الحجّ من قابل ، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه ، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان وعليهما الحجّ من قابل (3) آخر الحديث.

ثمّ قال الشيخ رحمه اللّه تعالى بعد هذا : وروى محمّد بن يعقوب عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير. ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير وصفوان عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المحرم يقع على أهله قال إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة

ص: 182


1- الكافي 4 : 374 / 5 ، وسائل الشيعة 13 : 116 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 4 ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 5 : 318 / 1096 ، وسائل الشيعة 13 : 111 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 3 ، ح 3.
3- تهذيب الأحكام 5 : 318 / 1097 ، وسائل الشيعة 13 : 119 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 7 ، ح 1.

وليس عليه الحجّ من قابل (1).

فهذه الأخبار وما شابهها تتناول بإطلاقها إحرام عمرة التمتّع كما هو ظاهر. ويؤيّده ، بل يوضّحه أن ظاهر جملة منها أن ذلك العمل مفروض وقوعه خارج الحرم ، حيث إنها أوجبت الافتراق من موضع الخطيئة إلى أن يبلغ الهدي محلّه ، أو إلى أن يقضيا مناسكهما ، أو إلى أن يدخلا مكّة ، أو إلى أن يرجعا إلى مكان الخطيئة من الطريق.

وظاهر هذا أنه مفروض الوقوع في الطريق بين المحرم والحرم ، ويؤكّده اختلاف الأصحاب ؛ في أن التفرقة المجمع عليها هل هي في النسك الأوّل ، أو القضاء؟.

وعلى الأوّل ، فالافتراق من محلّ الخطيئة كما هو الإجماع نصّاً وفتوى (2). وهل منتهاه على القولين إلى أن يبلغ الهدي محلّه ، أو إلى تمام المناسك ، أو إلى أن يعودا إلى مكان الخطيئة من الطريق؟ ربّما قيل بوجوبه في النُّسكين جميعاً (3) ، كما هو ظاهر بعض الأخبار كخبر ابن أبي حمزة (4).

وأيضاً قد اختلف الأصحاب في أنه لو حجّا حجّ القضاء على غير تلك الطريق التي أحدثا فيها ما أحدثا في الحجّ الأوّل ، ووصلا إلى طريق يشترك فيه الطريقان بعد مكان الخطيئة ، هل يفترقان من محلّ الاشتراك كما احتمله في ( المسالك ) (5) ، أم لا؟ بل مثّل بعضهم (6) لمحلّ اشتراك الطريقين بالمرور على عرفة.

وكلّ هذا يخبرك بظاهره كالأخبار إن الخطيئة مفروضة في طريق المحرم إلى الحرم ، وهذا لا يكون إلّا في إحرام عمرة التمتّع غالباً ؛ لأن أكثر الواردين فرضهم ذلك ، أو حجّ إفراد ، أو قران كما هو الفرد النادر الوقوع. فإذا كان ظاهرها وقوع

ص: 183


1- تهذيب الأحكام 5 : 319 / 1098 ، وسائل الشيعة 13 : 119 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 7 ، ح 2.
2- مدارك الأحكام 8 : 411.
3- تذكرة الفقهاء 8 : 35 / المسألة : 405 ، مسالك الأفهام 2 : 476.
4- الكافي 4 : 374 / 5 ، وسائل الشيعة 13 : 116 ، أبواب كفّارات الاستمتاع ، ب 4 ، ح 2.
5- مسالك الأفهام 2 : 476.
6- مسالك الأفهام 2 : 476.

الخطيئة في طريق بين المحرم والحرم ، فظاهره أن أكثره في إحرام عمرة التمتّع.

فإذن دلّت هذه الأخبار بظاهرها وإطلاقها معاً على دخول الإفساد في المتمتّع بها ، وسريان الإفساد للحجّ.

فإن قلت : احتمال اختصاص هذه الأخبار بإحرام الحجّ بقرينة الحكم بقضاء الحجّ وعدم ذكر العمرة قائم.

قلت : الاحتمال لا يمنع الاستدلال إلّا في مقام لا تقوم القرينة على نفيه ، وقد عرفت هنا منعه بطريقين : عموم الإطلاق ، وظاهر السياق. فلو جرى الاحتمال هنا لما تمّ الاستدلال بالإطلاق ؛ لاختلال اختصاصه بفرد من أفراد المطلق ، وكون ذكر قضاء الحجّ وعدم ذكر العمرة قرينةً على الاحتمال ممنوعة لما ذكرناه.

وإنما اقتصر على بيان النصّ على قضاء الحجّ ؛ لما هو معلوم من المذهب نصّاً (1) وفتوى (2) من ارتباط عمرة التمتّع بحجّه ، وللنصّ (3) على أن وجوب قضائها يستلزم وجوب قضاء الحجّ ؛ لما ربّما يخفى على بعض السامعين ؛ بسبب وقوع الإحلال بينهم مع ارتباطهم ، فأشار بذكر وجوب قضاء الحجّ المستلزم لوجوب قضاء العمرة إلى أنها كالجزء منه ، فلا يصحّ انفراد أحدهما عن الآخر أداءً وقضاءً.

فإن قلت : كيف يعمّ الإطلاق المتمتّع بها مع تحقّق الإجماع على أنه لو وقع الوقاع بعد كمال سعيها قبل التقصير لم تفسد؟

قلت : هذا على القول بأن التقصير ليس بنُسك فيها ، وإنما هو محلّل خارج واضح الفساد ؛ لخروج زمن الوقاع عن أفعالها ، وعلى القول بأنه نسك كما هو الأظهر ، نقول : استثناه الدليل كما استثنى وقوعه بعد التقصير فيها ، فلا تمتنع دلالتها على الإفساد ، وشموله للحجّ لو وقع الوقاع قبل كمال سعيها. فقد تبيّن من ظاهر هذه

ص: 184


1- وسائل الشيعة 11 : 301 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 22.
2- مسالك الأفهام 2 : 481 ، مدارك الأحكام 8 : 459.
3- انظر وسائل الشيعة 14 : 295 ، أبواب العمرة ، ب 1.

الأخبار خصوصاً مع ملاحظة أن الخطيئة مفروض وقوعها في الطريق بين محلّ الإحرام والحرم ، وملاحظة كلام الأصحاب معها في مبدأ الافتراق ومنتهاه إنها مفروضة في إحرام عمرة التمتّع ؛ لأنه الفرد الغالب الشائع على مَنْ حجّ مِنْ خارج الحرم ، لا أقلّ من عمومها لها.

وممّا يستأنس به لعموم هذه الأخبار أن المشايخ في الكتب الأربعة (1) عنونوا هذا في باب ، و ( الوقاع قبل عرفة أو المشعر ) باباً آخر على حدة ، وأوردوا فيه أخباراً غير هذه ، فلا أقلّ من شمولها لها ، فدلّت على سريان الإفساد لحجّها ؛ لهذه الأخبار ، ولتحقّق ارتباطها بالحجّ.

ولهذا لا يظهر خلاف في وجوب قضاء عمرة التمتّع لو أفسد الناسك حجّه بالوقاع قبل عرفة أو المشعر مع الحجّ ؛ إذ لا يتحقّق حجّ تمتّع بدون عمرته ؛ لأنه كيفيّة متلقّاة من الشارع كذلك ، ولنصّه على دخول العمرة في الحجّ ، فهي كجزء منه متى وجب قضاء أحدهما وجب قضاء الآخر.

وهل يلحق بالوقوع على المرأة الوقوعُ على الأمَة؟ الظاهر ذلك ؛ لأن الظاهر دخولها في أهل الرجل عرفاً ، وقد صرّح به بعضهم (2). وأيضاً فالشهرة الأكيدة على إلحاقها.

وهل يلحق به وطء الشبهة والزنا ولواط الذكر؟ المشهور ذلك ؛ معلّلاً بأنه أفحش وأشدّ إثماً ، ولأن الظاهر أن مناط العقوبة وسببها وقوع الوقاع المحرّم ، وهو متحقّق ، ولا بأس به.

أمّا البدنة فهي ثابتة على من واقع في إحرامه مطلقاً ؛ حجّا كان أو عمرة مطلقاً فيهما ؛ قبل التقصير في العمرة ، وقبل إكمال خمسة أشواط من طواف النساء في حجّ أو عمرة مفردة على الأشهر ، وقبل إكمال أربعة إجماعاً.

ص: 185


1- الكافي 4 : 440 ، الفقيه 2 : 236 ، تهذيب الأحكام 5 : 316 ، الاستبصار 2 : 242.
2- مدارك الأحكام 8 : 409.

ومن وصل الميقات في وقت يعلم أو يظنّ ظنّاً متاخماً للعلم أنه لا يدرك أن يأتي بأفعال المتعة ويدرك الموقفين ، لزمه أن يحرم ويحجّ الإفراد أو القرآن إن كان التمتّع فرضه ولو بالعارض من الملتزم ، أو الإفساد للحجّ في العام الأوّل ، ولزمه بعده عمرة مفردة. لا نعلم فيه مخالفاً.

وفهمه من إطلاقات بعض الأخبار ممكن ، مثل صحيحة ابن بزيع : سألت الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكّة متمتّعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ قال كان جعفر عليه السلام يقول بزوال الشمس من يوم التروية. وكان موسى عليه السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية. قلت : جعلت فداك ، عامّة مواليك يدخلون يوم التروية ، ويطوفون ويسعون ، ثمّ يحرمون بالحجّ ، فقال زوال الشمس؟. فذكرت له رواية عجلان أبي صالح (1) ، فقال عليه السلام لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة. فقلت : فهي على إحرامها ، وتجدد إحرامها للحجّ؟ فقال عليه السلام لا ، هي على إحرامها. فقلت : فعليها هدي؟ قال لا ، إلّا أن تحبّ أن تتطوّع.

ثمّ قال أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة (2).

فإن ظاهرها أنه مثل من يُحرم من الشجرة إذا أهلّ ذو الحجّة قبل أن يحرم لا يدرك المتعة ، وإذا لم يدرك أحرم بالحجّ.

وخبر ابن بكير عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن المتعة متى تكون؟

ص: 186


1- وهي الرواية التي أخرجها الشيخ عن الكليني في موردين ، تهذيب الأحكام 5 : 391 - 392 / 1368 ، و: 392 / 1369 ، ومضمونها أن امرأة متمتّعة قدمت مكّة فرأت الدم ، وكان جواب الإمام عليه السلام : « تطوف بين الصفاء والمروة ، ثم تجلس في بيتها فإن طهرت طافت بالبيت ، وإن لم تطهر ؛ فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء ، وأهلّت بالحجّ من بيتها ، وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلّها ، فإذا قدمت مكّة طافت بالبيت طوافين ، وسعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كلّ شي ء ما عدا فراش زوجها ».
2- تهذيب الأحكام 5 : 391 / 1366 ، الإستبصار 2 : 311 / 1107 ، وسائل الشيعة 11 : 299 - 300 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 21 ، ح 14.

قال يتمتّع من ظنّ أن يدرك الناس بمنى (1).

وخبر الميثميّ : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين (2).

وخبر جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر (3).

وموثّقة ابن مسلم : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إلى متى يكون للحاجّ عمرة؟ قال إلى السحر من ليلة عرفة (4). وأمثال هذه الأخبار ، فإن إطلاق مفاهيمها يدلّ على ذلك ، فتأمّلها.

ص: 187


1- الكافي 4 : 443 - 444 / 3 ، تهذيب الأحكام 5 : 170 / 566 ، الإستبصار 2 : 246 / 861 ، وسائل الشيعة 11 : 292 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 20 ، ح 6.
2- الكافي 4 : 444 / 4 ، تهذيب الأحكام 5 : 171 / 568 ، الإستبصار 2 : 247 / 863 ، وسائل الشيعة 11 : 292 - 293 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 20 ، ح 5. وفيها : ( عن شعيب المحاملي ) غير أنه في هامش الكتاب إشارة إلى أنه في نسخة من وسائل الشيعة : ( الميثمي ).
3- تهذيب الأحكام 5 : 171 / 569 ، الإستبصار 2 : 247 / 865 ، وسائل الشيعة 11 : 295 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 20 ، ح 15.
4- تهذيب الأحكام 5 : 172 / 573 ، وسائل الشيعة 11 : 293 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 20 ، ح 1.

ص: 188

الإحرام لدخول مكّة

ومن أراد دخول مكّة حرم عليه أن يدخلها مُحِلّاً ، ووجب عليه أن يدخلها محرماً. فإن كان يريد الإحرام لدخولها في أشهر الحجّ كان مخيّراً بين الإحرام بنوع من أنواع الحجّ ، أو عمرة التمتّع أو عمرة مفردة. هذا إن لم يتعيّن عليه نوع من الحجّ أو العمرة ؛ فإن كان قد وجب عليه نوع خاصّ تعيّن ، وإن لا يكن حين يكون في الميقات قاصداً دخول مكّة في أشهر الحجّ تعيّن عليه الإحرام بالعمرة المفردة.

كلّ ذلك وجوباً إن وجب النُّسك أو دخول مكّة ، وإلّا كان ندباً ، وهو واجب شرطيّ ، ووجوبه الشرطيّ لا ينافي ندبه ، ولا وجوبه على المكلّف ينافي شرطيّته ؛ لأنه بالنسبة لدخول مكّة كالوضوء للصلاة نفلها وواجبها فتحرم الصلاة وجوباً وندباً. ويكفي الواجب منه للواجب والندب ، كلّ ذلك بالإجماع والنصّ ، عدا ما استثني بالدليل.

ففي صحيح معاوية بن عمّار قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم فتح مكّة إنّ اللّه حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة فلم تحلّ لأحد قبلي ولا لأحد بعدي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار (1).

ورواه الصدوق (2) مرسلاً.

وبإسناده عن كليب الأسديّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله استأذن اللّه عزوجل في مكّة ثلاث مرّات من الدهر ، فأذن له فيها ساعة من النهار ، ثمّ جعلها حراماً ما دامت

ص: 189


1- الكافي 4 : 226 / 4 ، وسائل الشيعة 12 : 404 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 7 ، وروى الصدوق رحمه اللّه قريباً منه ، انظر الفقيه 2 : 159 / 689.
2- الفقيه 2 : 159 / 687.

السماوات والأرض (1).

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في ( إعلام الورى ) نقلاً من كتاب أبان بن عثمان عن بشير النبّال عن أبي عبد اللّه عليه السلام إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم اللّه ، لم تحلّ لأحد كان قبلي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، إلى أن تقوم الساعة (2) الخبر.

وفي ( الكافي ) بسنده عن وردان عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال من كان في مكّة على مسيرة عشرة أميال لم يدخلها إلّا بإحرام (3).

وفي ( الفقيه ) بسنده عن القاسم بن محمّد عن علي بن أبي حمزة : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يدخل مكّة في السنة مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً كيف يصنع؟ قال إذا دخل فليدخل ملبّياً ، وإذا خرج فليخرج محِلّاً (4).

ورواه في ( الكافي ) (5) بسنده عن يونس عن علي بن أبي حمزة مثله.

وبالجملة ، فالأخبار بوجوب الإحرام لدخول مكّة وتحريم دخولها بغير إحرام مستفيضة جدّاً ، من غير أن يعيّن في شي ء منها إحرام خاصّ بنوع من الحجّ أو العمرة. ويستثنى من ذلك الحطّابة والحشاشة والمجتلبة وأشباههم ، ممّن يكثر دخوله مكّة كما هو ظاهر المذهب (6) ، فإن في وجوب الإحرام عليهم والنسك حرجاً وعسراً.

ويدلّ عليه من الأخبار مثل صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إنّ الحطّابة والمجتلبة أتوا النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسألوه فأذن لهم أن يدخلوها حلالاً (7).

والمختلبة في ( الكافي ) بالخاء المعجمة وهم من يجتلب الحشيش من خارج

ص: 190


1- الفقيه 2 : 159 / 688 ، وسائل الشيعة 12 : 405 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 9.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى : 188 ، وسائل الشيعة 12 : 406 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 12.
3- الكافي 4 : 325 - 326 / 11 ، وسائل الشيعة 12 : 404 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 5.
4- الفقيه 2 : 239 / 1141 ، وسائل الشيعة 12 : 405 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 10.
5- الكافي 4 : 534 / 3.
6- انظر مدارك الأحكام 7 : 384.
7- تهذيب الأحكام 5 : 165 / 552 ، وسائل الشيعة 12 : 407 ، أبواب الإحرام ، ب 51 ، ح 2.

مكّة.

وفي ( تهذيب الأحكام ) (1) بالجيم ، وهو أعمّ من الأوّل.

وكذا يستثني المريض مرضاً يشقّ عليه معه الإحرام ويخرج به عن وسعه تكاليف الإحرام ، فإنه يحقّ له دخولها محلّاً ، كما هو ظاهر الفتوى (2) والنصّ المستفيض (3) الموافق لنفي الضرر ، ولقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (4) ، ولقوله عزّ اسمه - ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (5).

مثل صحيح محمّد بن مسلم وشبهه كما في ( الفقيه ) (6) ، و ( تهذيب الأحكام ) (7) عن أبي جعفر عليه السلام : هل يدخل الرجل مكّة بغير إحرام؟ قال : لا إلّا مريض أو به بطن.

وإنما حملنا مثل هذا الحديث المشتهر العمل بمضمونه بين العصابة على مرض يشقّ معه الإحرام ويخرج بصاحبه عن وسع تكاليفه ؛ جمعاً بينه وبين مثل صحيح رفاعة : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل به بطن ووجع شديد يدخل مكّة حلالاً؟ فقال لا يدخلها إلّا محرماً (8).

وقويّ رفاعة أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل أن يدخل مكّة قال لا يدخلها إلّا بإحرام (9).

بحمل هذه الأخبار وشبهها على مريض لا يشقّ عليه تكاليف الإحرام مشقّة لا تتحمّل عادة ، ولا يخرج عن وسعه تحمّلها.

ص: 191


1- تهذيب الأحكام 5 : 165 / 552.
2- مدارك الأحكام 7 : 381.
3- تهذيب الأحكام 5 : 165 / 550 ، 551.
4- البقرة : 185.
5- البقرة : 186.
6- الفقيه 2 : 239 / 1140.
7- تهذيب الأحكام 5 : 165 / 551 ، وفيه : « إلّا أن يكون مريضاً » ، وسائل الشيعة 12 : 403 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 4.
8- تهذيب الأحكام 5 : 165 / 552 ، وسائل الشيعة 12 : 403 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 3.
9- الكافي 4 : 324 / 4 ، وسائل الشيعة 12 : 405 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 8.

وقد حمل الشيخ (1) مثل هذا على الاستحباب ، ولا بأس به مع الإطاقة مع المشقّة ، أمّا بدونها فيجب ولو كان مريضاً.

ولو ترك الإحرام أثم ، ولا يجب التدارك والبدل لا أداءً ولا قضاءً.

والظاهر أنه يتحقّق الإثم عليه بدخوله محلّاً ، كما يظهر من صحيح عاصم بن حميد : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يدخل الحرم أحد إلّا محرماً قال لا ، إلّا مريض أو مبطون (2). وصحيح محمّد بن أبي نصر (3) مثله.

وصحيح محمّد بن مسلم : قلت لأبي جعفر عليه السلام : هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال لا ، إلّا أن يكون مريضاً أو به بطن (4).

فإن ظاهرها المنع من دخول الحرم بغير إحرام ، فبه يتحقّق الإثم إذا كان حينئذٍ قاصداً مكّة ؛ لأن ظاهر الأصحاب أنه لا يجب الإحرام بمجرّد قصد الحرم بدون قصد مكّة ؛ كما يظهر من تتبّع كلماتهم ، فإنهم إنما يذكرون وجوب الإحرام لدخول مكّة ولا يذكرون الحرم (5).

فتعيّن حمل هذه الأخبار على أنه يأثم من قصد دخول مكّة إذا جاوز الوقت بغير إحرام بمجرّد دخوله الحرم ؛ فإنه إذا فعل ذلك ثبتت المعصية في حقّه وتحقّقت منه ، وقبل دخوله الحرم كأنه بمنزلة العازم على فعل المعصية ساعٍ إليه ولما يفعل ، فعليه إثم سعيه للمعصية ، فإذا دخل الحرم تحقّق منه فعل المعصية.

وممّا ينبّه على هذا مثل ما رواه الصدوق في ( العلل ) (6) و ( العيون ) (7) بأسانيد

ص: 192


1- تهذيب الأحكام 5 : 165 / ذيل الحديث 552.
2- تهذيب الأحكام 5 : 468 / 1639 ، وسائل الشيعة 12 : 402 - 403 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 1.
3- تهذيب الأحكام 5 : 448 / 550.
4- تهذيب الأحكام 5 : 448 / 1564 ، وسائل الشيعة 12 : 403 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 4.
5- مدارك الأحكام 7 : 380.
6- علل الشرائع 1 : 318 / 9 ، بتفاوتٍ يسير.
7- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 120 - 121 ، بتفاوتٍ يسير.

متعدّدة عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه قال إنما أُمروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم اللّه وأمنه ، ولئلّا يلهوا ويشتغلوا بشي ء من أُمور الدنيا وزينتها ولذّاتها ، ويكونوا جادّين فيما هم فيه ، قاصدين نحوه مقبلين عليه بكلّيّتهم ، مع ما فيه من التعظيم لله عزوجل ولنبيّه ، والتذلّل لأنفسهم عند قصدهم إلى اللّه عزوجل ، ووفادتهم إليه راجين ثوابه راهبين من عقابه ، ماضين نحوه ، مقبلين إليه بالذلّ والاستكانة والخضوع.

وما في ( العلل ) بسنده عن العبّاس بن معروف عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال حرّم المسجد لعلّة الكعبة ، وحرّم الحرم لعلّة المسجد ، ووجب الإحرام لعلّة الحرم (1).

فعلى هذا تبيّن أن العلّة الحقيقيّة وهي علّة العلّة في الإحرام الوفادة إلى بيت اللّه الذي حرّم الحرم لأجله ، فمن قصد في طريقه مثلاً أن يمرّ بالمشعر وليس قاصداً للحرم لا يكون قاصداً الوفادة إلى اللّه في بيته ، ولا مقبلاً على عبادة اللّه والتذلّل إليه ، فلا يتحقّق وجوب الإحرام عليه. وإن من أمّ الحرم قاصداً الوفادة إلى اللّه في بيته المعظّم وجب عليه الإحرام ، ليكون حال دخوله حرم اللّه وحمى بيته مخلصاً لله تائباً آئباً معرضاً عن غير اللّه ، وإظهار التحقّق بالعبوديّة له ولرسوله.

وحينئذٍ إذا أخلّ بالإحرام بأن دخل حرم اللّه قاصداً مكّة ، محلّاً بلا مسوغ الرخصة ، تحقّق منه فعل المعصية.

وأيضاً لو كان يجب الإحرام لدخول الحرم بدون قصد مكّة بل الحرم خارجها ، لوجب على كلّ من قصد الحرم أو وطنه أن يدخل مكّة بل المسجد ؛ لأنه متى أحرم وعقد إحرامه لا يحلّ منه إلّا بطواف الكعبة وصلاة في المسجد ، وسعى بين الصفا والمروة وحلق أو تقصير ، ما لم يُصدّ أو يحصر.

ولا دليل على ذلك ، ولم نقف على مفتٍ به ، بل وجدنا بعضهم يستدلّ على وجوب الإحرام لدخول مكّة ببعض الأخبار التي فيها : لا يدخل الحرم أحد بغير

ص: 193


1- علل الشرائع 2 : 120 / 1 ، وفيه : « لعلّة الإحرام » بدل : « لعلّة الحرم ».

إحرام ، كالسيّد في ( المدارك ) (1) وغيره.

ولم أقف على من أفتى بوجوب الإحرام لدخول الحرم بدون دخول مكّة إلّا ظاهر الحرّ في ( وسائل الشيعة ) ، حيث قال : ( باب أنه لا يجوز دخول مكّة ولا الحرم بغير إحرام ولو دخل لقتال ، إلّا أن يكون مريضاً فلا يجب ، بل يستحبّ ، أو دخل قبل شهر من إحرامه أو يتكرّر ) (2) ، انتهى. وهو شاذّ مشكل.

ويستثنى أيضاً من خرج بعد إحلاله وأراد الدخول قبل مضيّ شهر من إحلاله ، فإنه يجوز له حينئذٍ أن يدخلها مُحِلّاً بالإجماع والنصّ المستفيض.

ففي ( وسائل الشيعة ) نقلاً من سرائر ابن إدريس (3) ، نقلاً من كتاب جميل بن درّاج عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام : في الرجل يخرج من الحرم إلى بعض حاجته ثمّ يرجع من يومه قال لا بأس أن يدخل بغير إحرام (4).

وفي ( الكافي ) بسنده عن ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وعن أبيه ميمون قال : ( خرجنا مع أبي جعفر عليه السلام إلى أرض بطيبة ، ومعه عمر بن دينار وأُناس من أصحابه ، فأقمنا بطيبة ما شاء اللّه ).

إلى أن قال : ( ثمّ دخل مكّة ودخلنا معه بغير إحرام ) (5).

ورواه في ( المحاسن ) (6) عن جعفر بن محمّد مثله.

وفي ( تهذيب الأحكام ) في صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في الرجل يخرج إلى جدّة في الحاجة؟ قال يدخل مكّة بغير إحرام (7).

ص: 194


1- مدارك الأحكام 7 : 381.
2- وسائل الشيعة 12 : 402 ، أبواب الإحرام ، ب 50.
3- السرائر ( المستطرفات ) 3 : 567.
4- وسائل الشيعة 12 : 405 - 406 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 11.
5- الكافي 6 : 543 / 9 ، وسائل الشيعة 12 : 406 - 407 ، أبواب الإحرام ، ب 51 ، ح 1.
6- المحاسن 2 : 480 / 2668 ، وسائل الشيعة 12 : 407 ، أبواب الإحرام ، ب 51 ، ح 1.
7- تهذيب الأحكام 5 : 166 / 553 ، وسائل الشيعة 12 : 407 ، أبواب الإحرام ، ب 51 ، ح 3.

وبسنده عن علي بن السندي عن ابن أبي عمير مثله (1).

وفي صحيح أبان بن عثمان عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج من الحرم في الحاجة قال إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غيره دخل بإحرام (2).

وبسنده عن الحسن بن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه خرج إلى الربذة يشيّع أبا جعفر ، ثمّ دخل مكّة حلالاً (3).

وحسنة حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال من دخل مكّة متمتّعاً في أشهر الحجّ ، لم يكن له أن يخرج حتّى يقضي الحجّ الخبر.

إلى أن قال : قلت : فإن جهل وخرج إلى المدينة وإلى نحوها بغير إحرام ثمّ رجع في إبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ ، أيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ فقال إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً.

قلت : أي الإحرامين والمتعتين متعته : الأُولى ، أو الأخيرة؟ قال الأخيرة ، وهي عمرته ، وهي المحتسب بها التي وصلت بحجّه (4) الخبر.

وفي ( الفقيه ) : قال الصادق عليه السلام إذا أراد المتمتّع الخروج إلى مكّة إلى بعض المواضع ، فليس له ذلك ؛ لأنه مرتبط بالحجّ حتّى يقضيه ، إلّا أن يعلم أنه لا يفوته الحجّ ، فإذا علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكّة محلّاً ، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرماً (5).

وفي قويّة إسحاق بن عمّار : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتّع يجي ء فيقضي متعته ، ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة ، أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن قال : يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتّع فيه ؛ لأن لكلّ شهر عمرة وهو

ص: 195


1- تهذيب الأحكام 5 : 474 - 475 / 1672.
2- تهذيب الأحكام 5 : 166 / 554 ، وسائل الشيعة 12 : 407 ، أبواب الإحرام ، ب 51 ، ح 4.
3- تهذيب الأحكام 5 : 475 / 1673 ، وسائل الشيعة 12 : 408 ، أبواب الإحرام ، ب 51 ، ح 5.
4- الكافي 4 : 441 - 442 / 1 ، وسائل الشيعة 11 : 303 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 22 ، ح 6.
5- الفقيه 2 : 238 - 239 / 1139 ، وسائل الشيعة 11 : 304 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 22 ، ح 10.

مرتهن بالحجّ.

قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّى هؤلاء ، فلما رجع فبلغ ذات عرق ، أحرم من ذات عرق بالحجّ ، ودخل وهو محرم بالحجّ (1).

فهذه الأخبار وغيرها تدلّ على أنه يجوز دخول مكّة بغير إحرام لمن أراد أن يدخلها قبل مضيّ شهر من إحلاله من إحرام قبله ، وأن الأفضل إلّا يدخلها إلّا محرماً. فإن كان الإحرام السابق الذي أحلّ منه بعمرة التمتّع لم يخرج إلّا بعد أن يحرم بالحجّ ، فإن لم يفعل بأن دخل بعد مضيّ شهر من إحلاله دخل محرماً بعمرة التمتّع ، وهي عمرته ولا يجب عليه للأُولى طواف النساء ؛ لأنهن قد حللن له ، فلا يحرمن إلّا بدليل ، ولا دليل. وقيل : يجب ، وهو ضعيف.

وإن دخل قبل مضيّ شهر دخل محلّاً. ولا يظهر لي دليل على جواز إحرامه بعمرة التمتّع ولا المفردة من نصّ ولا إجماع بل ولا فتوًى ولا بالحجّ ما لم يتضيّق وقته ؛ لعدم ظهور قائل به وإن دلّ ظاهر بعض الأخبار لإمكان حمله على التضيّق أو غيره. لكن يظهر من بعض عبارات ( تهذيب الأحكام ) (2) و ( المنتهى ) (3) جوازه ، وهو محمول على التضيّق.

وإن كان بعمرة مفردة ، فإن شاء دخل ناسكاً ، وإن شاء محلّاً إن لم يمضِ شهر من إحلاله ، وإن مضى شهر وجب عليه ألّا يدخلها إلّا محرماً.

وعلى وجوب الإحرام للدخول بعد مضيّ شهر من إحلاله تحمل الأخبار الدالّة بظاهرها على وجوب الفصل بين العمرتين بشهر ، مثل إنّ لكلّ شهر عمرة (4) ، وشبهه.

وتحمل الأخبار الدالّة على عدم تقدير في الفصل بين العمرتين والدالّة على

ص: 196


1- الكافي 4 : 442 / 2 ، وسائل الشيعة 11 : 303 - 304 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 22 ، ح 8.
2- تهذيب الأحكام 5 : 164 / ذيل الحديث 548.
3- منتهى المطلب 2 : 711.
4- تهذيب الأحكام 5 : 435 / 1510 ، وسائل الشيعة 14 : 309 ، أبواب العمرة ، ب 6 ، ح 5.

الفصل بعشرة أيّام (1) على الجواز ، فإنه لا يجب الإحرام ما لم يمضِ شهر من الإحلال وإن جاز بل استحبّ. وبهذا تجتمع الأخبار ويتحقّق العمل بجميعها.

وقيل (2) : الشهر المعتبر في وجوب الإحرام للدخول هو زمن ما بين الإحرامين.

والذي يقتضيه النظر أنه بين الإحلال والإحرام ؛ لأن به يتحقّق زمن ما بين العمرتين ، وقد دلّت الأخبار على اعتبار فصل بقدر معلوم بين العمرتين وجوباً أو استحباباً أو رخصة ، وليس زمن ما بين الإهلالين أو الإحلالين زمن ما بين العمرتين ؛ لعدم تحقّق العمرة إلّا بكمال أفعالها وإحلال منها وإن كان الإحرام للدخول بعد مضيّ شهر من الإهلال الأوّل أحوط وأولى ؛ لتحقّق الإجماع واستفاضة الأخبار بوجوب الإحرام للدخول عدا ما استثناه الدليل. فيقين البراءة حينئذٍ يكون بالإحرام ؛ للإجماع حينئذٍ على يقين البراءة به.

والشهر المعتبر في وجوب الإحرام ثلاثون يوماً إن وقع الخروج في أثناء الشهر ؛ لأنه الأصل. وقد دلّت أخبار أشهر السياحة (3) وغيرها (4) على اعتبار المنكسر ثلاثين.

وهلالي إن وقع الخروج في أوّل جزء من أوّل ليلة من الشهر ؛ لأنه الشهر العرفي. وقد تقدّمت الإشارة إلى هذه في نظيره وحقّقناه في رسالة مفردة.

ويظهر من بعض عبارات الأصحاب أن الشهر المعتبر من حين الخروج من مكّة وإن طال الزمان بينه وبين الإحلال من النُّسُك الأوّل ، وهو ضعيف جدّاً ، وإن دلّ ظاهر بعض الأخبار عليه فإنها مؤوّلة بما إذا لم يكن بين الإحلال والإهلال شهر ، أو كان كما يشير إليه إن لكلّ شهر عمرة ، وغيره.

فيكون معنى إن رجع في الشهر الذي خرج فيه أي إذا كان الشهر الذي خرج فيه

ص: 197


1- الفقيه 2 : 278 / 1363 ، وسائل الشيعة 14 : 309 ، أبواب العمرة ، ب 6 ، ح 9.
2- الحدائق الناضرة 16 : 318.
3- انظر تفسير العيّاشي 2 : 79 - 81 / ح 2 - 10.
4- وسائل الشيعة 10 : 261 ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب 5.

هو الشهر الذي يلي الإحلال الأوّل ، فإنه المتبادر ؛ لأنه الذي يقع فيه الاشتباه على السائل غالباً. وإلّا فوقوع مثل هذا السؤال ممّن أحلّ منذ عشرة أشهر مثلاً أو أكثر بعيد لندور الاشتباه فيه وبعده ، خصوصاً إذا مضى له سنون وهو في مكّة بعد الإحلال ثمّ خرج ؛ لشمول الفرض له ، وعدم تقدير المدّة فيها بين الخروج والإحلال ، فلا ريب في ضعف القول بذلك.

واستثنى جماعةٌ المماليك أيضاً ، فجوّزوا لهم دخول مكّة بلا إحرام ، واستدلّ له في ( المنتهى ) (1) بأن السيّد لم يأذن لهم في التشاغل بالنُّسك عن خدمته ، وبأنه لم يجب عليهم حجّة الإسلام لهذا ، فعدم وجوب الإحرام للدخول أوْلى.

وفيه أنه إن سلّم صحّة الدليل كان لازمه تحريم الإحرام لا عدم وجوبه ، مع أن ظاهر الفتوى أن كلّ من جاز له الدخول بغير إحرام جاز له الدخول محرماً ، بل هو أفضل.

وأيضاً المملوك الذي يريد دخول مكّة إن كان مأذوناً له في دخوله أو مأموراً من سيّده ، فالنصّ (2) والإجماع على وجوب الإحرام على كلّ من أراد دخول مكّة بقول مطلق ، عدا ما قام الدليل على رخصته في الدخول بغير إحرام يشمله. فحينئذٍ منعُ السيّد للمملوك المأمور بالدخول عن الإحرام بمنزلةِ المأمور بالصلاة مع النهي عن الطهارة ، فإن الإحرام شرط في جواز دخولها ، فيحرم على كلّ مكلّف دخولها بدونه ، عدا ما استثناه الدليل ، ولا دليل هنا من نصّ أو إجماع على رخصة المملوك في ترك الإحرام.

وإن كان غير مأذون له بل هو عاصٍ بدخوله حرّم عليه الدخول والإحرام وإثم عليهما. فلا ريب في ضعف هذا القول ؛ لعدم الدليل عليه ومعارضة عموم الأدلّة وإطلاقها على كلّ من أراد دخولها له ، فإن هذا أصل وقاعدة مسلّمة ، فلا يجوز الخروج عنها إلّا بدليل.

ص: 198


1- منتهى المطلب 2 : 689.
2- وسائل الشيعة 12 : 402 ، أبواب الإحرام ، ب 50.

واستثنى أيضاً جماعة (1) من أراد دخولها لقتال مباح ، فأجازوا له الدخول محلّاً. ولا ريب في سقوط هذا القول ، بعد ما سمعت من الأدلّة المصرّحة بأن مكّة حرام إلى يوم القيامة ، ولم تحلّ إلّا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ساعة ، وأنها لا تحلّ لأحد قبله ولا بعده ولا له إلّا تلك الساعة (2).

على أن الفرض كالمستحيل ، حتّى إذا قام قائم آل محمّد صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين ، عجّل اللّه فرجه فهو العالم باللّه وبأحكامه ، والأمر مفوّض إليه.

ص: 199


1- منتهى المطلب 2 : 688 ، مدارك الأحكام 7 : 384 ، وفيه : ( هذا القول مشهور بين الأصحاب ).
2- إعلام الورى بأعلام الهدى : 188 ، وسائل الشيعة 12 : 406 ، أبواب الإحرام ، ب 50 ، ح 12.

ص: 200

فصل : في مواقيت العمرة

اشارة

وهي :

ذو الحُلَيفة : لأهل المدينة. والأشهر الأظهر أنه الوادي المسمّى بذي الحليفة كلّه ، لا المسجد الكائن فيه على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهو صحن المسجد الموجود الآن ، دون سقائفه بخصوصه كما قيل ، فإنه ضعيف جدّاً ، ويدلّ على ما هو المشهور من أنه جميع ذلك الوادي الأخبار المتكثّرة بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة (1).

وما ورد بتفسير ذي الحليفة بمسجد الشجرة فمن باب بيان الشي ء باسم أشرف أجزائه أو أشهرها ، أو من باب بيانه بأشهر أسمائه عند المخاطب وأوضحها عنده ، فقد ورد إطلاق ذي الحليفة (2) والشجرة (3) ومسجد الشجرة (4) على ذلك الوادي ، ولم يرد حديث بأن الوقت خصوص المسجد دون باقي ذلك الوادي حتّى يعارض به تلك الإطلاقات المستفيضة فتقيّد به.

إن ما ورد في بعض الأخبار تفسير ذي الحليفة بمسجد الشجرة (5) من باب الإيضاح ، إلّا إن المحرّم خصوص المسجد. وهذا هو مقصود من عبّر عنه بذي

ص: 201


1- الكافي 4 : 319 / 302 ، وسائل الشيعة 11 : 307 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 1 - 3.
2- الكافي 4 : 319 / 3 ، وسائل الشيعة 11 : 307 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 1.
3- قرب الإسناد : 146 / 599 ، وسائل الشيعة 11 : 309 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 7.
4- الكافي 4 : 319 / 2 ، وسائل الشيعة 11 : 308 ، أبواب المواقيت ، ب 8 ، ح 3.
5- الكافي 4 : 319 / 2 ، وسائل الشيعة 11 : 308 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 3.

الحليفة وقال : وهو : مسجد الشجرة ، تفسيراً من الفقهاء تبعاً للفظ الخبر.

ولذا ترى بعضهم كالمفيد في ( المقنعة ) (1) والشيخ في ( المصباح ) (2) ، يقول : مسجد الشجرة وهو : ذو الحليفة.

ولعلّه إشارة إلى أن ما وقع في بعض الأخبار من تفسير ذي الحليفة بمسجد الشجرة أنه من باب البيان والتفسير.

وقد صرّح بذلك في ( التنقيح ) حيث قال : ( يقال : [ لمسجد (3) ] الشجرة : ذو الحليفة ؛ لأنه اجتمع فيه ناس وتحالفوا ) (4).

وأيضاً فالأخبار (5) متكثّرة بجواز عقد الإحرام بالتلبية خارج المسجد ، والنصوص المستفيضة (6) بأن عقد إحرام القارن إذا عقد بالإشعار أو التقليد إنما يكون خارج المسجد. والإجماع والنصّ على أنه لا يجوز عقد الإحرام إلّا في الحرم ، وعليه العمل في كلّ زمان. فلو جاز تأخير عقد الإحرام عن الحرم بشبر أو أقلّ لجاز تأخيره إلى أن يدخل مكّة ، فيسلم من مشقّة الإحرام من ذي الحليفة وخطر تكاليفه وكفّاراته.

وناهيك بحجّة الوداع فإنها من أوضح الأدلّة على جواز الإحرام من جميع ذلك الوادي ، فتأمّلها. ونقل الأخبار في ذلك ممّا يطول مع ظهورها.

ولنا في بيان المسألة رسالة مفردة بحمد اللّه ، فقد اشتملت على جملة من الأخبار وصحيح الاعتبار ، فراجعها.

والجُحفة (7) : لأهل المغرب والشام.

ص: 202


1- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 394.
2- مصباح المتهجّد : 617.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( مسجد ).
4- التنقيح الرائع 1 : 447.
5- وسائل الشيعة 12 : 396 - 398 ، أبواب الإحرام ، ب 46.
6- وسائل الشيعة 11 : 275 ، أبواب أقسام الحج ، ب 12.
7- الجُحفة بالضم - : ميقات أهل الشام ، وكانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلاً من مكّة ، وكانت تسمّى مهيعة .. فجاءها سيل الجحاف فاجتحفهم ، فسمّيت الجحفة. القاموس المحيط 3 : 179 الجحفة.

والعقيق (1) : لأهل العراق.

وقرن المنازل (2) : لأهل الطائف.

ويلملم (3) : لأهل اليمن.

ومن كان منزله أقرب من هذه المواقيت إلى مكّة فمحرمه منزله.

أمّا الخمسة الأُول ، فإجماع أهل البيت وأتباعهم في كلّ عصر فتوًى وعملاً ، والنصوص به مستفيضة بالغة نهاية الاشتهار ، متكثّرة متكرّرة في الأُصول المعتمدة.

وأمّا السادس فالنصّ والإجماع على أن دويرة الأهل بشرط الأقربيّة في الجملة محرم. ولكن هل المعتبر أقربيّتها إلى مكّة ، أو إلى عرفة؟ قولان ، أصحّهما الأوّل وهو المشهور ، ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لا تجاوزها إلّا وأنت محرم ؛ فإنه وقّت لأهل العراق بطن العقيق ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة وهي : مهيعة ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة. ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة فوقته منزله (4).

وصحيحته أيضاً عنه عليه السلام أنه قال من كان منزله دون الوقت إلى مكّة ، فليحرم من منزله (5).

وفي حديث آخر إذا كان منزله دون الميقات إلى مكّة ، فليحرم من دويرة أهله (6).

ص: 203


1- العقيق : كلّ مسيل شقّه الماء ، وهو ستّة مواضع منها عقيق المدينة ، وهو عقيقان : أكبر وهو : ممّا يلي الحرّة إلى قصر المراجل وأصغر ، وهو : ما سفل عن قصر المراجل. القاموس المحيط 3 : 385 العقيق ، معجم البلدان 4 :1. 139 العقيق.
2- قرن المنازل : جبيل قرب مكّة يحرم منه حاجّ نجد ، معجم البلدان 5 : 202.
3- يلملم : ألملم : موضع على ليلتين من مكّة. وهو ميقات أهل اليمن ، وفيه مسجد معاذ بن جبل ، وقيل : هو جبل بالطائف على ليلتين أو ثلاث. وقيل : هو وادٍ هناك. معجم البلدان 5 : 441.
4- الكافي 4 : 318 / 1 ، وسائل الشيعة 11 : 308 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 2.
5- تهذيب الأحكام 5 : 59 / 183 ، وسائل الشيعة 11 : 333 - 334 ، أبواب المواقيت ، ب 17 ، ح 1.
6- تهذيب الأحكام 5 : 59 / 184 ، وسائل الشيعة 11 : 334 ، أبواب المواقيت ، ب 17 ، ح 2.

وخبر مِسْمَعٍ القويّ عنه عليه السلام أنه قال إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة ، فليحرم من منزله (1).

وخبر أبي سعيد القويّ (2) : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكّة قال يحرم منه (3).

وخبر رَبَاح بن أبي نصر : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يروون أن علياً عليه السلام قال إنّ من تمام حجِّك إحرامك من دويرة أهلك.

فقال سبحان اللّه لو كان كما يقولون لم يتمتّع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بثيابه إلى الشجرة ، وإنما معنى دويرة أهله : من كان أهله وراء الميقات إلى مكّة (4).

وبالجملة ، فالأخبار بهذا مستفيضة ، ولا دليل على اعتبار القرب إلى عرفات. فمقابلتها بمثل أنه لا يجب المرور بمكّة على الحاجّ ، وأن أهل مكّة يخرجون من هذا لوجوب المغايرة بين الأقرب إليها وبينها ، فإن الثابت بالنصّ لا يردّه عدم وجوب مرور الحاجّ بمكّة ؛ إذ لا ملازمة بين كون من كان منزله أقرب إلى مكّة فميقاته منزله ، وبين عدم وجوب المرور بها على الحاجّ بوجه ، فلا يرتّب أحد الحكمين المتباينين من كلّ وجه على الآخر.

وأمّا لزوم خروج أهل مكّة فغير ضائر بالحكم المبحوث عنه ؛ فإنه إذا ثبت ذلك لمن كان منزله أقرب إليها من الميقات ثبت لأهلها بطريق أوْلى. على أن كون ميقات حجّ أهل مكّة ثابت بالنصّ والإجماع ، فلا يضرّ خروجهم عن تلك الأخبار لو سلّم.

والظاهر أنه يكفي صحّة الحكم بجواز الإحرام من دويرة الأهل كونها أقرب إلى

ص: 204


1- تهذيب الأحكام 5 : 59 / 185 ، وسائل الشيعة 11 : 334 ، أبواب المواقيت ، ب 17 ، ح 3.
2- القويّ : وهو الحديث الذي خرج عن الصحيح والحسن والموثّق ، ولم يدخل في الضعيف. وهو أقسام منها الأعلى والأوسط والأدنى ، ومنها القوي بالمعنى العام ، وبالمعنى الأخصّ ، والقويّ كالحسن ، والقويّ كالموثق ، والقويّ كالصحيح ، والمحتمل الصحة ، والمحتمل الموثّقيّة والمحتمل الحسن. انظر مقباس الهداية 1 :2. 177 ، 5 : 135 - 161.
3- تهذيب الأحكام 5 : 59 / 186 ، وسائل الشيعة 11 : 334 ، أبواب المواقيت ، ب 17 ، ح 4.
4- تهذيب الأحكام 5 : 59 / 187 ، وسائل الشيعة 11 : 334 ، أبواب المواقيت ، ب 17 ، ح 5.

مكّة من الميقات الذي في جهتها ، لا من جميع المواقيت. فلو كان منزله ممّا يلي الشجرة ، وكان أقرب إلى مكّة منها ، صحّ إحرامه منه وإن كان غير الشجرة أقرب إلى مكّة من منزله ؛ لإطلاقات الأخبار ، ولخصوص مثل قويّة أبي سعيد المتقدّمة ، حيث وقع السؤال فيها عمّن كان منزله أقرب إلى مكّة من الجحفة ، ولا معارض لها.

وقويّة مِسْمَع التي مرّت ، المتضمّنة لصحّة إحرام من كان منزله أقرب من ذات عرق ، لا تنافي ذلك ؛ لعدم الحصر في مثله. واللّه العالم.

وإن كان منزله ليس في جهة محرم كغربيّ مكّة اعتبر أقربيّته إليها من جميع المحارم ؛ لإطلاق مثل من كان منزله خلف هذه المواقيت ، ومن كان أهله وراء الميقات ، وشبههما ؛ ولأنه المتيقّن وفيه الحائطة.

وهذه المواقيت الستّة تشترك فيها العمرتان والحجّان بالإجماع والنصّ المستفيض (1) ، وقد سمعت بعضه.

وأدنى الحِلّ ميقات اضطراريّ للمتمتّع بها وللحجّين ، واختياريّ للعمرة المفردة ، فهو لها كأحد المحارم الستّة لكلّ نسك ، وقد صرّح بذلك جمع ، بل لا يظهر لي مفتٍ بردّه ، مع مسيس الحاجة له وعدم التقيّة فيه ، فلا خلاف يظهر فيه.

قال محمّد بن شجاع في ( معالم الدين ) : ( المواقيت ستّة : العقيق لأهل العراق ، ومسجد الشجرة لأهل المدينة اختياراً ، والجحفة اضطراراً ، وهي ميقات أهل الشام اختياراً ، ويلملم لأهل اليمن ، وقرن المنازل لأهل الطائف ، وميقات مَن منزله أقرب من الميقات منزلُه ، ومكّة لحجّ التمتّع وخارج الحرم للعمرة المفردة ، وموضع العذر للمعذور. ومن حجّ على ميقات غيره أحرم منه ، ولو خلا الطريق من ميقات أحرم عند محاذاة أحدهم ، فإن ظهر تقدّمه أعاد وإلّا أجزأ. ولو تعذّرت المحاذاة أحرم من أدنى الحِلّ. وهذه المواقيت للحجّ والعمرة ) ، انتهى. هذا كلامه في بحث أفعال الحجّ.

وقال في بحث حجّ الإفراد والقران : ( هو أن يحجّ ثمّ يعتمر ).

ص: 205


1- انظر وسائل الشيعة 11 : 307 ، أبواب المواقيت ، و 14 : 298 ، أبواب العمرة ، ب 2.

إلى أن قال : ( ثمّ يأتي بمناسك الحجّ إلّا الهدي ، ثمّ يعتمر. وتجب في العمر مرّة واحدة على الفور بشرائط الحجّ ، فلو استطاع لأحدهما وجب خاصّة على توقّف. وميقاتها ميقات الحجّ أو أدنى الحِلّ ، وأفضله الجعرانة (1) أو التنعيم (2) أو الحديبية (3) ، ولا تصحّ من الحرم إلّا لضرورة ) ، انتهى.

وقال الشيخ حسين آل عصفور في ( شرح المفاتيح ) بعد أن أورد جملة من الأخبار في أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله اعتمر من أدنى الحلّ - : ( وبالجملة ، فالأخبار في أن الميقات للعمرة المفردة أدنى الحِلّ ، لمن خرج من مكّة إليها ، ولمن أراد أن يدخل مكّة من طريق لا يفضي إلى الميقات ، مستفيضة لكلّ معتمر ) ، انتهى.

وقال الخراساني في ( الكفاية ) : ( المقصد السادس في العمرة المفردة ).

إلى أن قال : ( ويجب فيها النيّة ، وفي كلام بعضهم : يجب الإحرام من الميقات أو من خارج الحرم؟ وخيّر في ( التذكرة ) (4) و ( الدروس ) (5) بين الإحرام من أدنى الحِلّ وأحد المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وفي بعض روايات الأصحاب : أنه يحرم من أدنى الحلّ. والمراد بأقرب الحلّ إلى الحرم. فظاهر ( المنتهى ) (6) أنه لا خلاف في جواز الإحرام من أدنى الحِلّ ) ، انتهى.

وقال الشيخ أحمد بن المتوّج في ( مجمع الفوائد ) : ( وصورة العمرة المفردة : النيّة والإحرام من الميقات ، وهو أدنى الحِلّ ، وأفضله الجعرانة ثمّ التنعيم ثمّ الحديبية ).

ص: 206


1- الجعرانة بكسر الجيم ، وإسكان العين أو كسرها - : ماء بين الطائف ومكّة ، نزلها النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا قسّم غنائم هوازن عند مرجعه من غزاة حنين ، وأحرم منها ، وله فيها مسجد. معجم البلدان 2 : 142.
2- التَّنْعيم بالفتح ثمّ السكون وكسر العين - : موضع بمكّة في الحلّ ، ومنه يحرم المكّيّون بالعمرة. معجم البلدان 2 : 49.
3- الحُدَيبية بضمّ الحاء وفتح الدال - : قرية سمّيت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تحتها ، وبينها وبين مكّة مرحلة ، وبين المدينة تسع مراحل. وبعضها الحديبية في الحلّ وبعضها في الحرم. معجم البلدان 2 : 229.
4- تذكرة الفقهاء 7 : 194 / المسألة : 148.
5- الدروس 1 : 342.
6- منتهى المطلب 2 : 668 ( حجريّ ).

إلى أن قال : ( مسألة : ميقات العُمرة المفردة ميقات الحجّ أو خارج الحرم ، وأفضله الجعرانة ؛ لإحرام النبيّ صلى اللّه عليه وآله بها ، ثمّ التنعيم ؛ لأمره بذلك ، ثمّ الحديبية ؛ لاهتمامه. ولو أحرم بها من الحرم لم يجز إلّا لضرورة ) ، انتهى.

وقال رئيس زمانه السيّد مهديّ في مصابيحه في بحث وجوه الفرق بين أنواع الحجّ - : ( السابع : محلّ الإحرام بالعمرة ، فإن المتمتّع يجب عليه أن يحرم بها من الميقات ، أو ما في حكمه مطلقاً ، بخلاف المفردة ، فإنه إنما يجب عليه ذلك لو مرّ عليها ، فلو كان في الحرم أحرم من أدنى الحِلّ ، وإن لم يكن من أهله ، ولم يجب عليه الخروج إلى الميقات إجماعاً ) ، انتهى.

وعبارته توهم أن أدنى الحِلّ ميقات اختياريّ لحجّ الإفراد ، فكونه كذلك للعمرة المفردة بطريق أوْلى ، وإن كان الظاهر أنه إنما أراد عمرة المفرد ؛ بقرينة صدر البحث. وعلى كلّ حال فهو صريح في أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للمفردة.

وقال الشهيد في مسالكه في بحث أفعال حجّ القرآن والإفراد في شرح قول المحقّق : ( يأتي بها من أدنى الحِلّ ) (1) يعني : عمرة الحجّ - : ( المراد بأدنى الحِلّ أقربه إلى الحرم وألصقه به ، والمعتبر منه ما قارب الحرم عرفاً. وفي كثير من كتب الفتاوى ميقاتها خارج الحرم ، وهو يشمل البعيد من الحِلّ والقريب. وفي ( التذكرة ) (2) خيّر بين الإحرام من أدنى الحِلّ وبين الإحرام من أحد المواقيت ، ومثله في ( الدروس ) (3) ، وكذا القول في كلّ عمرة مفردة. وفي إجزاء ما خرج من الحِلّ عن حدّ القرب عرفاً وعن أحد المواقيت نظر ) (4) ، انتهى.

وهذا لا ينافيه قوله في كتاب العمرة من الكتاب في شرح قول المصنّف : ( وصورتها أن تحرم من الميقات الذي يسوغ الإحرام منه ) (5). قال الشارح : ( هو أحد

ص: 207


1- شرائع الإسلام 1 : 213 - 214.
2- تذكرة الفقهاء 7 : 194 / المسألة : 148.
3- الدروس 1 : 342.
4- مسالك الأفهام 2 : 202.
5- شرائع الإسلام 1 : 274.

المواقيت الخمسة إن مرّ بها ، أو منزله إن كان أقرب ، أو أدنى الحِلّ للمفردة إن كان في مكّة أو ما في حكمها ) (1) ، لأنه في معرض بيان أحوال العمرتين الواجبتين بأصل الشرع. فمراد الشارح بالمفردة : المفردة الواجبة بأصل الشرع ، وهي فرض أهل مكّة ومن في حكمها ، ولذا قال : ( و [ ما (2) ] في حكمها ). فلا منافاة بين كلاميه. هكذا ينبغي أن يفهم كلامه فيصان عن التناقض.

وقال السيّد عليّ المعاصر وهو المرجع في زمانه في شرح ( النافع ) الصغير في شرح قول المحقّق في بيان المواقيت في كتاب الحجّ ، بعد أن ذكر المواقيت الستّة : ( لا يجوز من أراد النسك من الميقات إلّا محرماً ، ويرجع إليه لو لم يحرم منه ، فإن لم يتمكّن فلا حجّ له إن كان عامداً ) (3) - : ( على الأشهر الأقوى ، وقيل : يحرم من موضعه إذا كان الحجّ عليه مضيّقاً. وإطلاق النصّ والمتن وجماعة يعمّ الإحرام للعمرة المفردة ، فلا يباح دخول مكّة حتّى يحرم من الميقات ، وبه صرّح بعض. ويضعف بأن أدنى الحِلّ ميقات اختياريّ لها ، غاية الأمر إثمه بتركه الإحرام من الميقات ) (4) ، انتهى.

وكلامه هذا لا يكون إلّا فرع القول بأن من كان في طريقه محرمان ؛ كالشجرة والجُحفة ، وتعمّد ترك الإحرام من الأوّل وأحرم من الثاني أجزأ وأثم ، كما صرّح به جمع. والمطلوب من نقل كلامه تصريحه بأن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للعمرة المفردة كأحد الستّة. وسيأتي إن شاء اللّه تحقيق مسألة التأخير من الأوّل إلى الثاني.

وقال الشيخ علي بن عبد العالي في منسك الحجّ ، بعد أن عدّد المواقيت الستّة : ( وميقات العمرة المفردة خارج الحرم ) ، انتهى.

وقال ابن سعيد في جامعه : ( وميقات المتعة العقيق لأهل العراق .. ، والجحفة

ص: 208


1- مسالك الأفهام 2 : 493.
2- في المخطوط : ( من ).
3- المختصر النافع : 150 ، وفيه : ( لا يجاوز الميقات .. ).
4- الشرح الصغير 1 : 342.

لأهل الشام ، ولأهل المدينة مسجد الشجرة ، وعند الضرورة الجحفة ، وميقات أهل اليمن يلملم ، وأهل الطائف قرن المنازل ، ومن منزله دون هذه فميقاته منزله ، وميقات العمرة المفردة خارج الحرم ) (1) ، انتهى.

وقال الشهيد في ( الدروس ) في درس أفرده للعمرة - : ( تجب العمرة كالحجّ بشرائطه ).

إلى أن قال : ( ووقت المفردة الواجبة بأصل الشرع عند الفراغ من الحجّ وانقضاء أيّام التشريق ).

إلى أن قال : ( ووقت المندوبة جميع السنة ).

إلى أن قال بعد ذكر أفضلها وفضلها ، وقدر ما بين العمرتين - : ( وميقاتها ميقات الحجّ أو خارج الحرم ، وأفضله الجعرانة ؛ لإحرام النبيّ صلى اللّه عليه وآله منها ، ثمّ التنعيم ؛ لأمره بذلك ، ثمّ الحديبية ؛ لاهتمامه به. ولو أحرم بها من الحرم لم يجز إلّا لضرورة ) (2) ، انتهى.

وقال ابن البرّاج في مهذّبه في باب ضروب العمرة : ( العمرة المتمتّع بها لا تصحّ إلّا في أشهر الحجّ ، والتي لا يتمتّع بها يجوز فعلها في شهور الحجّ وغيرها. وأفضل العمرة ما كان في رجب ، وقد ورد في شهر رمضان (3). وصفتها أن يحرم المعتمر من خارج الحرم ويعقد إحرامه بالتلبية ، فإذا دخل الحرم قطعها ، فإن كان قد خرج من مكّة ليعتمر قطعها إذا شاهد الكعبة ) (4) ، انتهى.

وقال العلّامة في ( التحرير ) في بحث العمرة : ( ميقات العمرة ميقات الحجّ لمن كان خارجاً من المواقيت إذا قصد مكّة ، أمّا أهل مكّة أو من فرغ من الحجّ وأراد الاعتمار فإنه يخرج إلى أدنى الحِلّ ، وينبغي أن يكون أحد المواقيت التي وقتها

ص: 209


1- الجامع للشرائع : 177 - 179 ، باختلاف يسير.
2- الدروس 1 : 337 - 338.
3- وسائل الشيعة 14 : 304 ، أبواب العمرة ، ب 4 ، ح 2.
4- المهذّب 1 : 211.

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للعمرة المبتولة ) (1) ، انتهى.

وهو يعني بالمواقيت المؤقّت لها : الجعرانة والتنعيم والحديبيّة ، وهو صريح في أنها للعمرة المفردة اختياراً.

وقال العلّامة في ( الإرشاد ) في المطلب الذي عقده في أحكام العمرة المفردة ، بعد بيان أفرادها الواجبة بأصل الشرع وبالسبب : ( ويجب فيه النيّة والإحرام من الميقات أو من خارج الحرم ، وأفضله الجعرانة ثمّ التنعيم ثمّ الحديبية ) (2).

وقال الخراساني في ( شرح الإرشاد ) بعد قول المصنّف : ( أو من خارج الحرم ) بلا فصل - : ( وخيّر في ( التذكرة ) (3) و ( الدروس ) (4) بين الإحرام من أدنى الحِلّ ، أو أحد المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. وظاهر ( المنتهى ) (5) أنه لا خلاف في صحّة الإحرام بها من أدنى الحِلّ. ويدلّ عليه ما رواه ابن بابويه عن عمر بن يزيد في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر ، أحرم من الجعرانة أو الحديبية وما أشبههما (6) ) (7) ، انتهى.

فانظر إلى فهمه من العبارة وغيرها ومن الصحيحة أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ لجميع أفراد المفردة ، سواء كان خارجاً لها من الحرم أو قادماً من خارجه. ولو كان مراد القوم عنده خصوص من خرج من الحرم لها ، وكذا من الصحيحة ، لما حسن نقله عباراتهم ، ولا الاستدلال بالخبر عليها في هذا البحث في شرح هذه العبارة ، فإنها صريحة لا تقبل التأويل في أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للمفردة مطلقاً ، كما يهديك إليه المقام. وقد جمد عليه الشارح من غير مناقشة ولا نقل خلاف.

ص: 210


1- تحرير الأحكام 1 : 129 ( حجريّ ).
2- إرشاد الأذهان 1 : 337.
3- تذكرة الفقهاء 7 : 194 / المسألة : 148.
4- الدروس 1 : 342.
5- منتهى المطلب 2 : 668 ( حجريّ ).
6- الفقيه 2 : 276 / 1350 ، وسائل الشيعة 11 : 341 ، أبواب المواقيت ، ب 22 ، ح 1.
7- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد : 697 ( حجريّ ).

وكلامه هذا ملخّص كلام ( المدارك ) (1) ، بل في ( المدارك ) احتمل كون أدنى الحِلّ محرماً اختياريّاً للمتمتّع بها ، إذا كان الناسك مجاوراً مكّة ولما ينتقل فرضه إلى القرآن والإفراد ، وله ظواهر جملة من النصوص. وجعل المصير إلى ما عليه الأصحاب من المنع منه أحوط.

فهذه عبارات الأصحاب تنادي بلسان إطلاقها أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ لمطلق المعتمرين عمرة مفردة من غير فرق بين الخارج لها من الحرم وغيره ، بلا نقل خلافٍ ولا توقّف ولا استشكال. ولم نظفر بعبارة مصرّحة بأن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ لمن أراد الاعتمار بمفردة إذا خرج لها من الحرم دون من أرادها من خارجه.

وهذا لا ينافيه الحكم بأن من أراد دخول الحرم بعمرة مفردة ومرّ على ميقات لزمه الإحرام منه ، فإن ذلك متحقّق في كلّ من أراد النُّسك بحجّ أو عمرة ، فلو كان هذا ينافي كون أدنى الحِلّ محرماً اختياريّاً لها ، للزم من أن كلّ من مرّ على محرم من الخمسة وهو يريد النُّسك أنه محرمه الاختياري دون ما سواه منها ؛ لعدم جواز تجاوزه بغير إحرام ، ووجوب الرجوع إليه أو تجاوزه محلّاً دون ما سواه في قول.

وممّا يزيدك بياناً ما أطبقت عليه الفرقة بل الأُمّة فتوًى وعملاً في جميع الأعصار بلا نكير ، واستفاضت به نصوص أهل العموم والخصوص من غير تدافع ولا تنافر ، ونقل الإجماع به مستفيض. فإذن هو ملحق بالضروريات من أن من خرج من الحرم ليعتمر عُمرة مفردة ، جاز له أن يحرم بها من أدنى الحِلّ اختياراً. ولم نجد من صرّح بأن هذا من خصائصه دون النائي ، ولم نجد به خبراً. فإن هذا من أوضح الأدلّة على أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للعمرة المفردة مطلقاً.

فإن ادّعى أحد تخصيصه به طالبناه بالدليل على الفرق والتخصيص. ولو كان مختصّاً بمن خرج لها من الحرم لوقع بيانه في عموم ، أو خصوص ، أو إجمال ، أو

ص: 211


1- مدارك الأحكام 7 : 207.

عبارة ، أو إشارة ، أو فتوى ، فلمّا وجدنا النصّ والفتوى متطابقين على أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ لمن أراد الاعتمار بها ممّن كان في الحرم ، ولم يبيّن الشارع لنا تخصيصه به كما بيّن تخصيصه مكّة لحجّ المتمتّع ولأهلها ، علمنا أن هذا عامّ لكلّ معتمر بمفردة ، وإلّا لوجب بيانه في الحكمة الإلهيّة ؛ لعموم البلوى وحذراً من الإغراء بما ليس مشروعاً. فتأمّل المقام والمقال ، واعرف الرجال بالحقّ ولا تعرف الحقّ بالرجال.

وأمّا الأخبار الدالّة على هذا غير ما أشرنا إليه فمنها صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ثلاث عمر متفرّقات : عمرة في ذي القعدة ، أهلّ من عسفان ، وهي عمرة الحديبية. وعمرة أهلّ من الجحفة ، وهي عمرة القضاء. وعمرة أهلّ من الجعرانة ، بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين (1).

وخبر أبان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عمرة الحديبية وقضى الحديبية من قابل ، ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف ، ثلاث عمر كلّها في ذي القعدة (2).

وصحيح عبد اللّه بن الحجّاج : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إني أُريد الجوار ، فكيف أصنع؟ قال إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجّة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم بالحجّ.

إلى أن قال إن سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. فقال : فأي وقت من مواقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو؟ فقلت له : أحرم منها حين قسّم غنائم حنين ومرجعه من الطائف. فقال : إنما هذا شي ء أخذته من عبد اللّه بن عمر ، كان إذا رأى الهلال صاح بالحجّ ، فقلت : أليس قد كان عندكم مرضياً؟. قال : بلى ، ولكن [ أما علمت (3) ] أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إنما أحرموا من المسجد؟. فقلت : إنّ أُولئك كانوا متمتّعين في أعناقهم الدماء ، وإنّ هؤلاء قطنوا مكّة فصاروا

ص: 212


1- الكافي 4 : 251 / 10 ، وسائل الشيعة 14 : 299 ، أبواب العمرة ، ب 2 ، ح 2.
2- الكافي 4 : 252 / 13 ، وسائل الشيعة 14 : 299 ، أبواب العمرة ، ب 2 ، ح 3.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( أعلمت ).

كأنهم من أهل مكّة ، وأهل مكّة لا متعة لهم ، فأحببت أن يخرجوا من مكّة إلى بعض المواقيت ، وأن يستغبّوا بها أيّاماً. فقال لي وأنا أُخبره أنها وقت من مواقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا أبا عبد اللّه ، فإني أرى لك ألّا تفعل. فضحكت وقلت : ولكنّي أرى لهم أن يفعلوا (1) الخبر.

وصحيح الحنّاط : قال : كنت مجاوراً بمكّة ، فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام : من أين أُحرم بالحجّ؟ فقال من حيث أحرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من الجعرانة (2).

وفي ( الفقيه ) اعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ثلاث عمر متفرّقات كلّها في ذي القعدة : عمرة أهلّ فيها من عسفان وهي : عمرة الحديبية وعمرة القضاء ، [ أحرم (3) ] فيها من الجحفة ، وعمرة أهلّ فيها من الجعرانة ؛ وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين (4).

وبالجملة ، فإنا لا نعلم خلافاً بين الأُمّة في أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أحرم بعد منصرفه من الطائف بالعمرة المفردة من الجعرانة ، وليس بخارج من الحرم لها بالضرورة ؛ لأن ذلك بعد واقعة هوازن ، ومضيّه بعدها إلى الطائف فحاصرها ، ثمّ رجع إلى الجعرانة ، وقسّم غنائم هوازن فيها ، ثمّ أحرم بالعمرة منها ودخل مكّة.

وفي تعليل الفقهاء أفضليّة الإحرام لمن أراد العُمرة ممّن هو في الحرم من الجعرانة ، بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أحرم منها ، يعنون به تلك الواقعة ، دليلٌ على أنهم لا يشكّون في أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للمفردة ، سواء في ذلك الخارج لها من الحرم والداخل بها من خارجه ، ولم ينقلوا خلافاً ، ولا توقّفاً لأحد فيه ، ولا استشكال ؛ لأنهم كلّهم يعلمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله اعتمر من الجعرانة وهو قادم من خارج الحرم ، ولعلّ تركه الإحرام فيها من قرن المنازل ؛ لأنه لم يكن حين مرّ به قاصداً دخول مكّة ، وإنما قصد الاعتمار بعد أن قسّم غنائم هوازن ، وفيه بيان أن

ص: 213


1- الكافي 4 : 300 / 5 ، وسائل الشيعة 11 : 267 - 268 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 9 ، ح 5.
2- الكافي 4 : 302 / 9 ، وسائل الشيعة 11 : 268 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 9 ، ح 6.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : « أهل ».
4- الفقيه 2 : 275 / 1341 ، وسائل الشيعة 11 : 341 ، أبواب المواقيت ، ب 22 ، ح 2.

أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للمفردة لا منه ، أو أنه أخذ طريقاً لا يمرّ به.

وبعد ما أشرنا له من الأخبار ، وما ذكرناه منها ومن عبائر أكابر العصابة بلا توقّف ولا نقل خلاف ولا استشكال ، لا ينبغي الريب في أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للمفردة كأحد الستّة بالنسبة للمتمتّع وللحجّ. بل ظاهر صحيح ابن الحجّاج (1) وصحيح الحنّاط (2) أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للمتمتّع بها. ولكن لم يظهر لي عامل به إلّا ما يظهر من ( المدارك ) (3) ومنسك الشيخ حسن ابن الشهيد من الميل إلى العمل بظاهرهما.

وعلى كلّ حال ، فهما وأمثالهما يرجّحان القول بأن الحاجّ والمتمتّع إذا لم يمرّا بمحرمٍ من الخمسة ولم يحاذيا أحدها ، فمحرمها أدنى الحِلّ ، فتأمّله.

تنبيه

قال الشيخ فخر الدين في ( مجمع البحرين ) : ( في الحديث أنه نزل الجعرانة ، هي بتسكين العين والتخفيف ، وقد تكسر وتشدّد الراء موضع بين مكّة والطائف على سبعة أميال من مكّة ، وهي إحدى حدود الحرم وميقات للإحرام ) (4) ، انتهى.

وفي ( المصباح ) حدّدها بسبعة أميال أيضاً (5).

وفي ( القاموس ) أنها موضع بين مكّة والطائف (6).

وعُسْفان قال في ( القاموس ) : ( عسفان كعثمان - : موضع على مرحلتين من مكّة ) (7).

وفي ( المصباح ) : ( عسفان : موضع بين مكّة والمدينة ، يذكّر ويؤنث ، ويسمّى في

ص: 214


1- انظر : ص 208 هامش 4.
2- الكافي 4 : 302 / 9 ، وسائل الشيعة 11 : 268 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 9 ، ح 6.
3- مدارك الأحكام 7 : 207.
4- مجمع البحرين 3 : 247 جعر.
5- المصباح المنير : 102 جعر.
6- القاموس المحيط 1 : 727 الجعرانة.
7- القاموس المحيط : 3 : 254 عسفان.

زماننا مدرج عثمان. بينه وبين مكّة ثلاث مراحل ) (1).

وفي ( مجمع البحرين ) (2) أن بينه وبين مكّة مرحلتين.

وفي ( المصباح ) : ( المرحلة : المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم ) (3).

وفي الصحيح عن زرارة : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزوجل - ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (4). قال يعني : أهل مكّة ليس عليهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة ، فهو ممّن دخل في هذه الآية ، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة (5).

وظاهر هذا الخبر أن عُسْفان على ثمانية وأربعين ميلاً من مكّة كذات عرق.

هذا وأنت خبير بأن من بدا له أن يدخل مكّة ممّن كان في جدّة وتجدّد له العزم على دخولها ، فإنه يحرم من أدنى الحِلّ إذا أراد دخولها بالمفردة في سائر الأعصار ، من غير نكير من أحد من المسلمين من الخاصّة والعامّة.

ص: 215


1- المصباح المنير : 409 عسف.
2- مجمع البحرين : 5 : 100 عسف.
3- المصباح المنير : 223 رحل.
4- البقرة : 196.
5- تهذيب الأحكام 5 : 33 / 98 ، وسائل الشيعة 11 : 259 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 6 ، ح 3.

ص: 216

فصل : عدم جواز تقديم الإحرام على المواقيت

إذا عرفت هذا فاعلم أن من قصد مكّة لإحدى العمرتين ، أو حجّ الإفراد أو القرآن ، فإن مرّ على أحد المواقيت الخمسة الأُول وهي : ذو الحُلَيفة ، والجحفة ، والعقيق بدرجاته الثلاث ، وقرن المنازل ، ويلملم وجب عليه الإحرام منه وإن لم يكن وقت أهله ، كالمدني يمرّ بيلملم وشبهه ، لا يجوز له أن يتجاوزه إلّا محرماً عاقداً إحرامه بما ينعقد به من التلبياتِ الأربعِ ، والإشعار والتقليدِ بالإجماع والنصوص (1) المتعدّدة المتنوّعة.

وكذا من كان محرمه دويرة أهله إذا مرّ بمنزله ، فلو لم يمرّ بمحرم فإن كان يريد النسك بعمرة التمتّع أو أحد نوعي الحجّ أحرم من مكان يحاذي أوّل محرم يحاذيه ؛ لظاهر صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال من أقام بالمدينة وهو يريد الحجّ شهراً ، ثمَّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستّة أميال فليحرم منها (2).

ولا فرق بين المواقيت في ذلك ولا خصوصيّة تظهر للشجرة في ذلك ، ولا قائل بتخصيصه بذلك فيما علمنا.

ص: 217


1- وسائل الشيعة 11 : 331 - 332 ، أبواب المواقيت ، ب 15.
2- الكافي 4 : 321 / 9 ، وسائل الشيعة 11 : 317 - 318 ، أبواب المواقيت ، ب 7 ، ح 1 ، وفيهما : « من أقام بالمدينة شهراً ، وهو يريد الحجّ ، ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه ، فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال ، فيكون حذاء الشجرة من البيداء ».

وظاهره أنه يَحرمُ عند محاذاة أقرب ميقات إلى طريقه ، وأيضاً ما زاد عن ذلك فهو مسافة لا يجوز له قطعها لو أتى المحرم إلّا محرماً على المشهور ، وما حاذاه حال تعذّر المرور عليه قائم مقامه ، فهو محرم بمنزلته وإن خصّ بتلك الحال. وليس للأصحاب دليل على صحّة الإحرام بالمحاذاة إذا لم يمرّ بنفس الوقت إلّا هذا الخبر ، فالقول بأنه حينئذٍ يحرم عند محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة ضعيف (1) ؛ لعدم الدليل عليه من نصّ أو إجماع.

وما ربّما يقال من أن الأصل براءة الذمّة من التكليف بأكثر من تلك المسافة ، فمعارض بأن الدليل المرخّص للإحرام إنما دلّ على ذلك. فإذن يقين البراءة لا يحصل بدونه ، وقياس غيره عليه غير مقبول إلّا بدليل ، ولا دليل على التأخّر إلى محاذاة غيره. وأيضاً ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقّت مواقيت للحجّ والعُمرة مخصوصة معلومة ؛ فانقلب الأصل بهذا إلى عدم صحّة الإحرام إلّا منها إلّا أن يدلّ عليه دليل ، ولا دليل على صحّة الإحرام بعد محاذاة المحرم وتأخيره إلى محاذاة ما هو أقرب منه.

قال السيّد في ( المدارك ) بعد أن أورد صحيحة ابن سنان المتقدّمة : ( ومقتضى العبارة يعني عبارة الشرائع أن المراد بالميقات الذي يجب الإحرام عند محاذاته أقرب المواقيت إلى مكّة ، واعتبر العلّامة في ( المنتهى ) (2) الميقات الذي هو أقرب إلى طريقه ، وحكم بأنه إذا كان بين ميقاتين متساويين في القرب إليه تخيّر في الإحرام من أيّهما شاء ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ) (3) ، انتهى.

فقد دلّت عبارة ( المنتهى ) على أن الأصل يقتضي تكليفه بالإحرام عند محاذاة أقربها إلى طريقه. ولعلّ وجهه ما قرّرناه.

ولكن بقي في العبارة شي ء هو أن قوله : ( إن العلّامة في ( المنتهى ) حكم بأنه إذا

ص: 218


1- قواعد الأحكام 1 : 79 ( حجريّ ) ، مسالك الأفهام 2 : 216.
2- منتهى المطلب 2 : 671.
3- مدارك الأحكام 7 : 223.

كان بين ميقاتين ) إلى آخرها ، إن كان السيّد فهم منها التخيير حينئذٍ في الإحرام بالمحاذاة مع فرض التساوي ، فمعناه غير واضح ، إنما يتمّ فرض التساوي حال المحاذاة إذا كان بينهما. وحينئذٍ فلا معنى للتخيير ؛ لأن محاذاة أحدهما تستلزم محاذاة الآخر. وإن كان معناها في الإحرام من نفس الوقت فلا يناسب ذكرها في هذا المقام ، فتأمّل.

هذا ، والأحوط الأوْلى ألّا يحرم بالمحاذاة إلّا مع تعسّر الإحرام من نفس أحد المواقيت ؛ لأن جمعاً من العلماء لم يتعرّضوا للإحرام بالمحاذاة ، وأعرضوا عن الرواية ، خصوصاً محاذاة غير الشجرة ؛ لعدم ورود دليل يعمّ غيرها أو يخصّه.

هذا ، والظاهر أنه لو قصد محرماً منها عينه لم يتحتّم عليه الإحرام بمحاذاة من سبقت محاذاته ؛ لأخبار جواز تأخير الإحرام من الشجرة إلى الجحفة للمعذور (1) ، مع لزوم محاذاته الشجرة ، بل لا يبعد عدم صحّة إحرامه حينئذٍ ؛ للأصل ، وهذه الأخبار الآمرة بتأخير إحرام المعذور إلى الجحفة. والصحّة لا دليل عليها ، فيتعيّن التأخير إلى الوقت الثاني. وإن لم يمرّ بأحد المواقيت المذكورة ولم يحاذِ أحدها أحرم من أدنى الحِلّ إذا شقّ عليه الرجوع لأحدها ، أو محاذاته عند مشقّة الوصول إلى عينه ؛ لأنه محرم اضطراريّ له بالنصّ (2) والإجماع ، ولأنه محرم اختياريّ للمفردة ، ولأن ما مرّ من الأخبار دلّ بعضها على أنه وقت من مواقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الجملة.

وقيل (3) : يُحرم من بعد أقرب المواقيت إلى مكّة ، واحتجّ له بأنها مسافة لا يجوز له قطعها. واعترضه في ( المدارك ) بأن قولهم : ( إن هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلّا محرماً ) في موضع المنع ؛ لأن ذلك إنما يثبت مع المرور على الميقات لا مطلقاً (4) ،

ص: 219


1- وسائل الشيعة 11 : 316 ، أبواب المواقيت ، ب 6.
2- وسائل الشيعة 11 : 328 - 331 ، أبواب المواقيت ، ب 14.
3- انظر مسالك الأفهام 2 : 216.
4- مدارك الأحكام 7 : 224.

انتهى ، وهو حسن.

هذا كلّه في المعتمر عمرة التمتّع والحاجّ قراناً أو إفراداً ، أمّا من يريد العُمرة المفردة فإن مرّ على محرم من الستّة وجب عليه الإحرام منه ، وإلّا أخّر إحرامه إلى أدنى الحِلّ ؛ لأنه وقت اختياريّ لها ، ولا يجوز الإحرام من غير الوقت مع المرور به اختياراً ، فلو قصد رجل قادم من اليمن المدينة مثلاً ومرّ على يلملم وهو غير قاصد مكّة ، لم يجب عليه الإحرام ، بل لا يجوز له ولو وطئ الحرم برجله إجماعاً قولاً وفعلاً حتّى من المعصوم ؛ فإن النبيّ صلى اللّه عليه وآله مرّ عام بدر على ذي الحُلَيفة ولم يحرم ، وكذا عام هوازن مرّ على قرن المنازل ، بحسب الظاهر حين منصرفه من حصار الطائف ؛ لأنه كان قاصداً للجعرانة لا مكّة.

ثمّ لو بدا له بعد أن وصل جدّة مثلاً دخول مكّة بمفردة ، فإنه يجوز له حينئذٍ الإحرام من أدنى الحِلّ ، ولا يجب عليه الرجوع إلى يلملم ولا غيره من الخمسة ، بل من الستّة لو كان محرمه دويرة أهله ، وإن رجع إلى أحدها فلا بأس ، بل هو أفضل إن استلزم زيادة المشقّة في التكليف.

ولو مرّ من يريد دخول مكّة على أحدها ونسي أن يحرم منه ، أو نسي الحكم أو نسي المحرم أو تركه جهلاً بالحكم أو بالمحرم ، فإن كان غرضه المتمتّع بها أو الحجّ وجب عليه الرجوع لأحدها ، لا خصوص ما فارقه محلّاً ؛ لأن كلّا من الخمسة محرم لكلّ من مرّ به بالإجماع والنصوص المتنوّعة الأسناد.

ولا دليل على وجوب الرجوع لما فارقه بعينه وعدم إجزاء الإحرام من غيره ، بل ظاهر الأخبار الآمرة لمن نسي الإحرام حتّى دخل الحرم بالرجوع إلى مَهَلّ أهل بلده ، وغيرها صريح في عدم وجوب الرجوع لخصوص ما فارقه وفي صحّة الإحرام من غيرها منها ، فينبغي الجزم بذلك. وإن كان غرضه المفردة جاز الرجوع إلى أحد الخمسة والتأخير إلى أدنى الحِلّ ؛ الجعرانة أو غيرها ؛ لأنه محرم اختياريّ لها كأحد الخمسة.

ص: 220

ويشارك الناسي والجاهل في جميع ذلك مَن منعه من الميقات مانع ؛ من جنون أو إغماء أو رقّ ولم يأذن له المولى إلّا بعد تجاوزه ، ومن لم يُرِد النسك وبعد المجاوزة أراده ، أو لم يُرد دخول مكّة ثمّ أراده ، ومن أُعتق بعد تجاوزه مع قصده مكّة ، ومن بلغ قاصداً مكّة بعد المجاوزة ، وكلّ من ساغ له دخولها بغير إحرام ثمّ أراد النسك بعد المجاوزة. وجميع هؤلاء يجب عليهم الرجوع لأحد المواقيت الخمسة ، إلّا أن يكون نُسكهم عُمرة مفردة فإنه يجزيهم الإحرام من أدنى الحِلّ.

والدليل على أن [ للجاهل (1) ] حكم الناسي صحيحة عبد اللّه بن سنان : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه ، فنسي أو جهل فلم يحرم حتّى أتى مكّة ، فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحجّ؟ فقال يخرج من الحرم ويحرم ويجزئه ذلك (2) ، مع أنه مشهور في الفتوى شهرة أكيدة ، بل لا يكاد يظهر فيه خلاف ، والأخبار به متكثّرة.

ولو لم يتمكّن أحد من هؤلاء من الرجوع للميقات رجعوا إلى حيث يمكن ولو خارج الحرم على الأحوط ، وإن كان الحقّ أنهم يجزئهم الإحرام حينئذٍ من أدنى الحِلّ. ويجزئهم الإحرام من محلّ التعذّر ولو مكّة. ولو لم يحرم أحدهم من الوقت مع إمكان الإحرام منه بطل نُسكه. ولو تعمّد أحد مجاوزة الوقت بعد الوصول له أثم ، ووجب عليه الرجوع له أو لغيره ممّا وقّت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لنُسكه ولو غير ما فارقه كما هو المشهور ، وعزاه الشيخ حسين إلى الأكثر ، واختاره.

ويدلّ عليه أن الإجماع والنصّ (3) على أنها خمستها محرم لكلّ من وصل إليها. فكلّ محرم وصل إليه من تعمّد المجاوزة لأحدها بعد الوصول إليه محلّاً محرم له ؛ لصدق مروره عليه ووصوله له وإن أثم بما فعل. وأيضاً وجوب قطع المسافة التي

ص: 221


1- في المخطوط : ( الجاهل ).
2- الكافي 4 : 324 / 6 ، وسائل الشيعة 11 : 328 ، أبواب المواقيت ، ب 14 ، ح 2.
3- وسائل الشيعة 11 : 331 - 332 ، أبواب المواقيت ، ب 15.

من الأوّل إلى الثاني محرماً فات ، فوجوب قضائه أو إعادته يحتاج إلى دليل ، لأنه تكليف آخر جديد مغاير للأوّل ولا دليل.

ويدلّ عليه أيضاً من خصوص الأخبار إطلاق صحيحة الحلبيّ : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ترك الإحرام حتّى دخل الحرم؟ فقال عليه السلام يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه ويحرم ، وإن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج (1). بل هو في المتعمّد أظهر.

وقيل : يلزمه الرجوع إلى خصوص ما عصى بمفارقته. ولا دليل عليه ، فهو ضعيف ، ولكنّه أحوط خروجاً من الخلاف. ولو لم يتمكّن من تعمّد مجاوزة الوقت محلّاً ، مع علمه به وبالتحريم من الرجوع إلى أحد الخمسة ؛ لضيق الوقت أو غيره من الموانع ، فالمشهور أنه لا يصحّ له نُسك ، بل لم ينقل فيه خلاف في كتب الخلاف ؛ لأنه مكلّف بإنشاء الإحرام من أحد المواقيت وقد أهمله.

وقد ثبت بالنصّ (2) والإجماع أنه لا يصحّ النُّسك إلّا إذا أوقع الإحرام من أحدها ، وإن أنشأه قبلها أو بعدها لا يصحّ النُّسك ولا ينعقد إلّا في موارد استثناها الدليل ، وليس هذا منها ، ولأن الأصل شغل ذمّته بالتكليف ، فلا يخرج عنه إلّا بدليل ، ولا دليل على صحّة نسك هذا.

وأيضاً هذا ترك الإحرام الذي هو أعظم أركان النُّسك عمداً ؛ لعدم صحّته إلّا من مكان معيّن ، وقد خالف ولم يحرم منه ، فنسكه باطل ، وذمّته بالتكليف مشغولة. وما استفاض من أن تلك المواقيت لا يجوز لأحد أن يحرم قبلها ولا بعدها (3) شاهد له ، بل دليل عليه.

ص: 222


1- تهذيب الأحكام 5 : 58 / 180 ، وسائل الشيعة 11 : 330 ، أبواب المواقيت ، ب 14 ، ح 7.
2- وسائل الشيعة 11 : 332 - 333 ، أبواب المواقيت ، ب 16.
3- وسائل الشيعة 11 : 322 ، أبواب المواقيت ، ب 11.

ونقل عن الشيخ (1) أنه نقل قولاً بصحّة نُسكه إذا أحرم من موضع التعذّر ، أو أدنى الحِلّ مع التمكّن منه.

ونقل السيّد في ( المدارك ) (2) أن بعضهم احتمله ، ومال هو إليه.

وكذا الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ).

ولهم أن أدنى الحِلّ أو محلّ التعذّر ثبت بالنصّ (3) أنه محرم اضطراريّ فيمن لم يمرّ بمحرم في المحاذي ، ومن لم يمرّ بمحرم ولم يحاذه ، والناسي والجاهل ، وهذا مضطرّ.

وأيضاً هذا تائب مكلّف ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (4) ، وهذا وسعه ، ومعصيته بمجاوزته الميقات لا تُسقط تكليفه في ذلك العام.

ولهم أيضاً صحيح الحلبيّ المذكور (5) فإنه مطلق ، بل هو في العامد أظهر. وقد دلّ على أنه يجزئه الإحرام من غير الوقت مع ضيق الوقت ، ولا معارض له يظهر من نصّ أو إجماع.

ويمكن أن يجاب عن الأوّل بالمنع من كون ذلك محرم اضطراريّ للعامد ؛ لعدم الدليل عليه ، وكون الدليل أثبت لغيره محرماً اضطراريّاً لا يفيد ، والقياس باطل. ونمنع القضيّة القائلة : إن لكلّ مضطرّ محرماً اضطراريّاً.

وعن الثاني بأن هذا كلّفه اللّه وسعه ، ففرّط وجنى على نفسه ، والعبادة إنما تصحّ من حيث المعبود لا العابد ، فهذا نظير من استطاع ففرّط واستقرّ الحجّ في ذمّته ، فإنه مكلّف به ولو تسكّع. وأمّا إن معصيته لا تسقط تكليفه في ذلك العام ، فنظيره من توانى مع استطاعته حتّى ضاق الوقت وسافر الرفقة.

ص: 223


1- المبسوط 1 : 309.
2- مدارك الأحكام 7 : 235.
3- وسائل الشيعة 11 : 328 ، أبواب المواقيت ، ب 14.
4- البقرة : 286.
5- تهذيب الأحكام 5 : 58 / 180 ، وسائل الشيعة 11. : 5. أبواب المواقيت ، ب 14 ، ح 7.

وأمّا صحيح الحلبيّ فإنه وإن دلّ بإطلاقه ولكن ظاهر الأصحاب الإعراض عن هذه الدلالة في المقام ، مع أنه بمرأى منهم. بل استدلّ به الشيخ (1) على حكم الناسي ، فهو قد فهم منه أنه وارد في الناسي.

وبالجملة ، فالمسألة مشكلة وإن كان ما عليه ظاهر الأصحاب لا يخلو من قوّة.

ولا ينعقد الإحرام قبل الميقات للنصّ المستفيض (2) والإجماع إلّا في موضعين وقع الخلاف فيهما :

أحدهما : لو نذر الإحرام قبله ، فهل ينعقد نذره؟ قولان :

أحدهما : لا ينعقد ، وإليه ذهب ابن إدريس (3) والعلّامة في ( المختلف ) (4) ، وهو ظاهر ( الفقيه ) أيضاً حيث قال : ( ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات ، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلّا لعلّة أو تقيّة ، فإذا كان الرجل عليلاً أو اتّقى فلا بأس أن يؤخّر الإحرام إلى ذات عرق ) (5). ولم يذكر النذر ولا روايته.

وظاهر ( الكافي ) (6) أيضاً حيث قال : ( باب من أحرم دون الوقت ). وساق الأخبار المانعة من ذلك ، ولم يذكر رواية النذر ، وإنما ذكر خبر الإحرام قبله خوف فوت الشهر في العُمرة المفردة.

وهو ظاهر ابن زهرة في ( الغنية ) (7) ، بل ظاهره أنه إجماع كما ستقف على عبارته إن شاء اللّه.

والمرتضى في ( الانتصار ) (8) ، وظاهره أنه إجماع ، وستأتي عبارته. وظاهر ابن

ص: 224


1- تهذيب الأحكام 5 : 58 / 180.
2- وسائل الشيعة 11 : 319 - 1322 ، أبواب المواقيت ، ب 9.
3- السرائر 1 : 526 - 527.
4- مختلف الشيعة 4 : 68 - 69 / المسألة : 27.
5- الفقيه 2 : 199.
6- الكافي 4 : 321.
7- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 8 : 389 - 390 ، وعبارته : ( ولا يجوز عقد الإحرام إلّا في موضع مخصوص .. وقلنا ذلك للإجماع المكرّر .. ).
8- الانتصار : 234 - 235 / المسألة : 121 ، وعبارته : ( ودليلنا : بعد الإجماع الذي يمضي .. ).

البرّاج في ( المهذّب ) (1).

وفي ( التنقيح ) (2) نقل المنع من الإحرام قبل الوقت مطلقاً عن الحسن والمرتضى والعجليّ ، وأنهم لم يستثنوا الناذر ، وستأتي عبارته إن شاء اللّه.

ويدلّ عليه أن الإحرام قبل الميقات وبعده غير مشروع إلّا ما استثناه الدليل ، وليس هذا منه. والنصّ (3) والإجماع أن نذر ما ليس بمشروع باطل لا ينعقد ، فهذا نذر غير مشروع ، فهو باطل ، فلا ينعقد.

وأمّا إن الإحرام قبلها أو بعدها غير مشروع فقد استفاضت به الأخبار.

فمنها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) : شوّال ، وذو القعدة وذو الحجّة ، ليس لأحد أن يحرم بالحجّ في سواهن. وليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وإنما مثل ذلك مثل من صلّى في السفر أربعاً وترك الاثنتين (4).

دلّ الخبر على أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جعل للإحرام بالحجّ وقتاً ومكاناً معلومين ، لا يجوز إيقاعه لأحد في غيرهما ، والنكرة في سياق النفي للعموم.

وخبر مَيْسر : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل أحرم من العقيق وآخر من الكوفة أيّهما أفضل؟ قال يا مَيْسر ، أتصلّي العصر أربعاً ، أم تصلّيها ستّاً؟

فقلت : أصليها أربعاً أفضل ، فقال وكذلك سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أفضل من غيرها (5).

فجعل الإحرام من الكوفة بمنزلة صلاة العصر ستّاً ، وصلاة العصر ستّاً لا شكّ أنه بدعة مبطل ، فلا يصحّ نذره. فما هو بمنزلته من الإحرام من الكوفة كذلك.

وخبر ابن أُذينة كما في ( تهذيب الأحكام ) وصحيحه كما في ( الكافي ) قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الميقات فلا

ص: 225


1- المهذّب 1 : 214.
2- التنقيح الرائع 1 : 449.
3- وسائل الشيعة 23 : 317 - 321 ، كتاب النذر والعهد ، ب 17.
4- الكافي 4 : 321 - 322 / 2 ، وسائل الشيعة 11 : 323 ، أبواب المواقيت ، ب 11 ، ح 6.
5- تهذيب الأحكام 5 : 52 / 156 ، وسائل الشيعة 11 : 324 ، أبواب المواقيت ، ب 11 ، ح 6.

إحرام له (1). فقد ساوى بين الإحرام بالحجّ في غير أشهر الحجّ ، وبين الإحرام قبل الوقت في البطلان ، مع عمومه. والإحرام بالحجّ في غير أشهر الحجّ باطل بدعة غير مشروع ، لا يصحّ نذره بالنصّ والإجماع ، فمساويه مثله.

وفي ( العيون ) بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه كتب إلى المأمون ولا يجوز الإحرام دون الميقات قال اللّه تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (2) (3). وظاهره أن المراد بإتمامها في الآية الإحرام بهما من الميقات.

وخبر موسى بن القاسم عن حَنَان بن سَدِير قال : كنت أنا وأبي وأبو حمزة الثمالي ، وعبد الرحيم القصير ، وزياد الأحلام ، فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام فرأى زياداً وقد تسلّخ جسده ، فقال له من أين أحرمت؟. فقال : من الكوفة ، فقال ولم أحرمت من الكوفة؟. فقال : بلغني عن بعضكم أنه قال : ما بَعُد من الإحرام فهو أعظم للأجر ، فقال ما بلّغك هذا إلّا كذّاب.

ثمّ قال لأبي حمزة من أين أحرمت؟. فقال : من الربذة ، فقال له ولِمَ ، لأنك سمعت أن قبر أبي ذرٍّ بها فأحببت ألّا تجوزه؟.

ثمّ قال لأبي وعبد الرحيم القصير من أين أحرمتما؟. فقالا : من العقيق ، فقال أصبتما الرخصة واتّبعتما السنّة (4) الخبر.

وظاهره أن الإحرام من غير المواقيت المعلومة ليس من الرخصة ولا من السنّة ، فيكون غير مشروع ، وهو مطلق.

وخبر إبراهيم الكرخيّ قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أحرم في غير أشهر الحجّ ، أو من دون الميقات الذي وقّت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال ليس إحرامه بشي ء (5).

ص: 226


1- الكافي 4 : 322 / 4 ، وسائل الشيعة 11 : 320 ، أبواب المواقيت ، ب 9 ، ح 3.
2- البقرة : 196.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 24 ، ب 35 ، ح 1 ، وسائل الشيعة 11 : 320 ، أبواب المواقيت ، ب 11 ، ح 9.
4- تهذيب الأحكام 5 : 52 / 158 ، وسائل الشيعة 11 : 324 - 325 ، أبواب المواقيت ، ب 11 ، ح 7.
5- الكافي 4 : 321 / 1 ، وسائل الشيعة 11 : 319 ، أبواب المواقيت ، ب 9 ، ح 2.

وهذا مطلق.

وصحيحة معاوية بن عمّار : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، إلّا أن يخاف فوت الشهر في العُمرة (1).

فقد حصر الرخصة في الإحرام قبل الوقت في خوف فوت الشهر في العُمرة ، فما سواه لا رخصة فيه.

وخبر حَرِيز عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأصاب شيئاً من النساء والصيد فلا شي ء عليه (2).

وهذا عامّ في المشهور ، ولا أقلّ من الإطلاق المفيد للعموم.

وصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من تمام الحجّ والعُمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لا تجاوزها إلّا وأنت محرم (3).

ثمّ عدّ المواقيت الستّة. ومقتضى ظاهره أن الحجّ والعُمرة بدون ذلك غير تامّ ، وعدم التمام ظاهره البطلان ؛ لمقام الإطلاق ؛ لأنه الفرد الكامل فهو المتبادر.

وصحيح الحلبيّ : قال أبو عبد اللّه عليه السلام الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها.

ثمّ عدّها وقال ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (4).

وهو عامّ ولا ينبغي للتحريم ؛ لعدم القائل بالكراهية.

وفي ( قرب الإسناد ) عن محمّد بن الوليد عن عبد اللّه بن بكير قال : حججت في أُناس من أهلنا فأرادوا أن يحرموا قبل أن يبلغوا العقيق ، فأبيت عليهم وقلت : ليس الإحرام إلّا من الوقت ، فخشيت ألّا أجد الماء ، فلم أجد بدّاً من أن أُحرم معهم ،

ص: 227


1- تهذيب الأحكام 5 : 53 / 161 ، وسائل الشيعة 11 : 326 ، أبواب المواقيت ، ب 12 ، ح 1.
2- تهذيب الأحكام 5 : 54 / 165 ، وسائل الشيعة 11 : 322 ، أبواب المواقيت ، ب 10 ح 1.
3- الكافي 4 : 318 / 1 ، وسائل الشيعة 11 : 308 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 2.
4- الكافي 4 : 319 / 2 ، وسائل الشيعة 11 : 308 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 3.

فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال له ضريس بن عبد الملك : إن هذا زعم أنه لا ينبغي الإحرام إلّا من الوقت ، فقال عليه السلام صدق.

ثمّ قال إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة (1) الخبر. وخبر فُضَيْل بن يَسَار : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى بدنة قبل أن ينتهي إلى الوقت الذي يحرم فيه ، فأشعرها وقلّدها ، أيجب عليه حين فعل ذلك ما يجب على المحرم؟ قال لا ، ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ، ثمّ يشعرها أو يقلّدها ؛ فإنّ تقليده الأوّل ليس بشي ء (2).

وخبر مَيْسَرة قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا متغيّر اللون ، فقال لي من أين أحرمت؟. قلت : من موضع كذا وكذا ، فقال ربّ طالب خير تزلّ قدمه.

ثمّ قال يسرّك أن صليت الظهر في السفر أربعاً؟ قلت : لا. قال فهو واللّه ذاك (3).

وبالجملة ، فالأخبار بأن الإحرام قبل الميقات غير مشروع مستفيضةٌ جدّاً ، بل ظاهرها أن ذلك بدعة وإدخالاً في الشرع ما ليس منه ، كزيادة ركعة في الفريضة ، وهذا هو الحقّ وقد قال به جمع من أكابر العلماء ، فلا يصحّ نذرهم ولا ينعقد ، بل ظاهر بعضهم أنه إجماع.

قال السيّد المرتضى في ( الانتصار ) : ( وممّا انفردت به الإماميّة القول بأن الإحرام قبل الميقات لا ينعقد.

دليلنا بعد الإجماع أن معنى : ( ميقات ) في الشريعة : هو الذي يتعيّن للفعل (4) ، فلا يجوز التقدّم عليه مثل مواقيت الصلاة ، فتجويز التقدّم على الميقات يبطل هذا الاسم ) (5).

ص: 228


1- قرب الإسناد : 173 / 636 ، وسائل الشيعة 11 : 321 ، أبواب المواقيت ، ب 9 ، ح 6.
2- الكافي 4 : 322 / 3 ، وسائل الشيعة 11 : 319 ، أبواب المواقيت ، ب 9 ، ح 1.
3- الكافي 4 : 322 / 6 ، وسائل الشيعة 11 : 324 ، أبواب المواقيت ، ب 11 ، ح 5.
4- ليست في المصدر.
5- الانتصار : 234 - 235 / المسألة : 121.

ثمّ استدلّ أيضاً بيقين البراءة بالإحرام من الميقات دون الإحرام قبله ، وردّ على المخالفين في تجويزه ، ولم يستثنِ شيئاً. وتعليله مع عدم استثنائه شيئاً ظاهر في القول بعدم مشروعيّة الإحرام قبله مطلقاً ، حتّى لخائف فوت شهر رجب بالعمرة المفردة ، وظاهره أنه إجماع.

وقال ابن زهرة في ( الغنية ) : ( لا يجوز عقد الإحرام إلّا في موضع مخصوص ، وهو لمن حجّ على طريق المدينة : ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة ، ولمن حجّ على طريق الشام : الجحفة ، وعلى طريق العراق : بطن العقيق ، وأوّله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، ولمن حجّ على طريق اليمن : يلملم ، ولمن حجّ على طريق الطائف : قرن المنازل.

وقلنا ذلك ؛ للإجماع ، وطريقة الاحتياط ، واليقين لبراءة الذمّة. وأيضاً فإن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقّت هذه المواقيت ، وإذا كان معنى الميقات في الشرع ما يتعيّن للفعل ، فلا يجوز تقديمه عليه ، كمواقيت الصلاة. فكان تجويز من جوّز تقديم الإحرام على الميقات مبطلاً لهذا الاسم ) (1) ، انتهى.

ولم يستثنِ شيئاً ، فظاهره عدم مشروعيّة الإحرام قبل الميقات مطلقاً ، وأنه إجماع. وإنما بحثه مع العامّة في تجويز ذلك.

وقال العلّامة في ( نهج الحقّ ) : ( ذهبت الإماميّة إلى أنه لا يجوز الإحرام قبل الميقات ) (2).

ثمّ نقل أن أبا حنيفة والشافعي أجازاه ، وردّ عليهما بأن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أحرم من الميقات ، وقال خذوا عنّي مناسككم (3) ، ولم يستثنِ شيئاً. وظاهره أن الإحرام قبل الوقت غير مشروع مطلقاً ، وأنه إجماع.

وقال ابن البرّاج في مهذّبه : ( الأمكنة التي يجب الإحرام منها هي التي وقّتها

ص: 229


1- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 8 : 389 - 390.
2- نهج الحقّ : 471.
3- مسند أحمد بن حنبل 3 : 318.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهي : ذو الحليفة .. ) (1) ، وساق تعداد المواقيت الستّة ولم يستثنِ شيئاً ، وظاهره القول بعدم مشروعيّة الإحرام قبل الوقت مطلقاً.

وقال الشيخ أحمد بن عبد الرضا المعروف بالمهدي في تعداد واجبات الإحرام : ( ووقوع الإحرام في أحد المواقيت الستّة التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ).

ثمّ عدّ الخمسة ودويرة الأهل ومكّة لحجّ التمتّع ، ولم يستثنِ شيئاً. وظاهره عموم المنع ممّا سواها.

وقال الكاشاني في ( النخبة ) : ( يشترط في كلّ من الثلاثة يعني : أنواع الحجّ وعمرة التمتّع وقوعه في أشهر الحجّ ، وفي الخمسة الإحرام من الميقات الذي وقّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لكلّ قوم ، وهي مشهورة ) (2).

وظاهره كالأوّل من عدم مشروعيّة غير ذلك مطلقاً.

وقال الشيخ المفيد في ( المقنعة ) : ( اعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقّت لكلّ قوم ميقاتاً يحرمون منه ، لا يجوز لهم التقدّم في الإحرام من قبل بلوغه ولا التأخير عنه ، فوقّت لأهل المدينة مسجد الشجرة ، وهو ذو الحليفة ، فأهل المدينة وكلّ من حجّ على طريقها يجب أن يحرموا منه.

ولأهل العراق بطن العقيق ، وأوّله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق ، ولا يجوز التقدّم بالإحرام على المسلخ ولا التأخّر عن ذات عرق. ولأهل الشام الجحفة ، لا يتقدّمونها ولا يتأخّرون عنها ) (3).

ثمّ عدّ باقي المواقيت الستّة ولم يستثنِ شيئاً. وظاهره عدم صحّة الإحرام قبلها وعدم مشروعيّته مطلقاً.

وقال بعض أفاضل المتأخّرين في منسكه : ( ويشترط في الإحرام إيقاعه من أحد المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهو مسجد الشجرة .. ).

ص: 230


1- المهذّب 1 : 213 - 214.
2- النخبة : 153 - 154 ، بتفاوتٍ يسير.
3- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 394 - 395.

وعدّ المواقيت الستّة ومكّة ولم يستثنِ شيئاً.

وظاهره كغيره عدم مشروعيّة الإحرام قبلها مطلقاً.

وقال الشيخ علي بن عبد العالي في منسكه : ( لمّا كان موضع إحرام التمتّع وحجّ الإفراد والقران واحداً وهو الميقات المعيّن شرعاً أو منزل المكلّف إن كان منزله أقرب إلى مكّة وجب تعيين المواقيت و [ هي (1) ] ستّة ).

وعدّها ولم يستثنِ. وظاهره كغيره. وهو ظاهر منسك الشيخ حسن ابن الشهيد ، ومنسك الشيخ علي بن سليمان القدميّ.

وقال العلّامة في ( المختلف ) : ( جوّز الشيخ (2) الإحرام قبل الميقات للناذر ، وهو مذهب سلّار (3) وابن حمزة (4). ومنع ابن إدريس (5) من ذلك ، ونقل عن الشيخ أنه رجع عن ذلك في مسائل ( الخلاف ).

وهو خطأ ؛ لأن الشيخ قال في مسائل ( الخلاف ) : ( فإن أحرم قبل الميقات لم ينعقد إلّا أن يكون نذر ذلك ) (6).

والسيّد المرتضى (7) وابن أبي عقيل (8) ، منعا من الإحرام مطلقاً ولم يستثنيا ، وكذا ابن الجنيد وابن بابويه (9).

واحتجّ المجوّزون بالأصل ، وبما رواه عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة؟ قال فليحرم من الكوفة وليفِ لله بما قال (10).

ص: 231


1- في المخطوط : ( هو ).
2- المبسوط 1 : 311.
3- المراسم العلوية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 7 : 238.
4- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 159.
5- السرائر 1 : 526 - 527.
6- الخلاف 2 : 286 / المسألة : 62.
7- رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : 65.
8- عنه في السرائر 1 : 527.
9- الفقيه 2 : 199 / ذيل الحديث 907.
10- تهذيب الأحكام 5 : 53 / 163 ، الإستبصار 2 : 163 / 534 ، وسائل الشيعة 11 : 326 - 327 ، أبواب المواقيت ، ب 13 ، ح 1.

وعن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سمعته يقول لو أن عبداً أنعم اللّه عليه نعمة ، أو ابتلاه بليَّة فعافاه من تلك البليّة ، فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان ، كان عليه أن يتمّ (1).

والجواب : المنع من بقاء حكم الأصل بعد تواتر النقل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنه وقّت المواقيت المعيّنة (2). وعن الحديثين بضعف سندهما ؛ فإن عليّ بن أبي حمزة واقفي ، وسماعة أيضاً.

واحتجّ المانعون بأنها عبادة شرعيّة فيتوقّف فعلها على أمر الشارع بها ، وبما رواه ابن مُسْكان في الصحيح : حدّثني ميسر (3) .. ).

وساق الخبر المتقدّم ، ثمّ قال : ( والتشبيه يقتضي المساواة في الأحكام ، فكما كانت الزيادة محرّمة لا يصحّ نذرها في باب الصلاة ، فكذا في الميقات. وعن زرارة عن الباقر عليه السلام .. ).

وساق الخبر المتقدّم (4) ثمّ قال : ( وكما كانت الزيادة مبطلة لا ينعقد نذرها ، فكذلك في صورة الحمل ؛ ولأنه نذر عبادة غير مشروعة ، فكان بدعة ، وكان معصية فلا ينعقد نذره. وهذا عندي أقرب ) (5) ، انتهى.

أقول : صورة سند الرواية الاولى في ( تهذيب الأحكام ) : أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل عن صفوان عن علي بن أبي حمزة قال : كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام .. الخبر.

ولا شكّ في أنه ضعيف بما قال وبأنه مكاتبة ، والخبر الثاني أيضاً لا شكّ في

ص: 232


1- تهذيب الأحكام 5 : 54 / 164 ، الإستبصار 2 : 164 / 536 ، وسائل الشيعة 11 : 327 ، أبواب المواقيت ، ب 13 ، ح 3.
2- تهذيب الأحكام 5 : 51 - 61 / باب : 6 ، وسائل الشيعة 11 : 307 ، أبواب المواقيت ، ب 1.
3- تهذيب الأحكام 5 : 52 / 156 ، الإستبصار 2 : 161 / 528 ، وسائل الشيعة 11 : 324 ، أبواب المواقيت ، ب 12 ، ح 6.
4- الكافي 4 : 321 - 322 / 2 ، وسائل الشيعة 11 : 323 ، أبواب المواقيت ، ب 11 ، ح 6.
5- مختلف الشيعة 4 : 68 - 69 / المسألة : 27.

ضعفه.

ولكن روى الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) بسنده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن علي قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة؟ قال فليحرم من الكوفة وليفِ لله بما قال (1).

هكذا في نسخة عندي وغيرها ، وفي نسختين غيرها : ( عن الحلبيّ ) بدل : ( علي ) ، كما هو في نسخ ( الإستبصار ) (2).

ولكن قال في ( المنتقى ) بعد أن أورد هذا السند : ( قد اتّفقت كلمة المتعرّضين لتصحيح الأخبار على صحّة هذا الخبر ، وأوّلهم العلّامة في ( المنتهى ) (3). ولا شكّ عند الممارس في أنه غير صحيح ؛ فإن حمّاداً في الطريق إن كان ابن عثمان كما تشعر به روايته عن الحلبيّ فالحسين بن سعيد لا يروي عنه بغير واسطة قطعاً وليست بمتعيّنة على وجه نافع ، كما قد يتّفق في سقوط بعض الوسائط سهواً.

وإن كان ابن عيسى فلا يروي عن عبيد اللّه الحلبيّ فيما يعهد من الأخبار أصلاً. والمتعارف عند إطلاق لفظ الحلبيّ أن يكون هو المراد به ، وربّما أُريد منه محمّد أخوه ، وفي رواية ابن عيسى عنه كما في عبيد اللّه. نعم ، يوجد في عدّة طرق : عن حمّاد بن عيسى عن عمران الحلبيّ.

وفي احتمال إرادته عند الإطلاق بُعدٌ ، لا سيّما بعد ملاحظة كون رواية الحديث بالصورة التي أوردناها إنما وقعت في ( الاستبصار ) ، وأمّا ( تهذيب الأحكام ) فنسخه متّفقة على إيراده هكذا : الحسين بن سعيد عن حمّاد عن علي. ورواية حمّاد بن عيسى عن علي بن أبي حمزة معروفة.

والحديث مرويّ عنه أيضاً في الكتابين على إثر هذه الرواية بغير فصل بإسناد معلّق عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل عن صفوان عن عليّ

ص: 233


1- تهذيب الأحكام 8 : 314 / 1166 ، ولم يرد فيه : « وليَفِ لله بما قال ». وفيه أيضاً : ( سألت أبا الحسن عليه السلام .. ).
2- الاستبصار 2 : 163 / 534.
3- منتهى المطلب 2 : 669.

بن أبي حمزة. وذكر معنى الحديث. وتصحيفه بالحلبيّ قريب ، وخصوصاً مع وقوعه في صحبة حمّاد.

وبالجملة ، فالاحتمالات قائمة على وجه ينافي الحكم بالصحّة ، وأعلاها كون الراوي عليّ بن أبي حمزة ، فيتّضح ضعف الخبر ، وأدناها الشكّ في الاتّصال بتقدير أن يكون هو الحلبيّ. فإن أحد الاحتمالات معه : أن يكون المراد بحمّاد : ابن عثمان ، والحسين لا يروي عنه بغير واسطة ؛ وذلك موجب للعلّة المنافية للصحّة ) (1) ، انتهى كلامه.

وقال العلّامة التوبليّ في تذكرته بعد إيراد هذا الكلام عن ( المنتقى ) - : ( قلت : يأتي سند الحديث المبحوث عنه في باب النذر هكذا : عنه يعني الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه السلام .. ).

وساق الحديث إلى قوله فليحرم من الكوفة (2) ( وهذا السند يعطي ما قاله صاحب ( المنتقى ) ؛ لأن في هذا السند تنبيهاً على ما قاله صريحاً.

واعلم أن قول صاحب ( المنتقى ) : ( وأمّا تهذيب الأحكام فنسخه متّفقة على إيراده ) إلى آخره ، فيه نظر ، فإن عندي نسختين من ( تهذيب الأحكام ) عن الحلبيّ كما في ( الاستبصار ) (3) ) ، انتهى كلام السيّد.

قلت : وعندي نسختان من ( تهذيب الأحكام ) هكذا عن الحلبيّ أيضاً. وعلى كلّ حال فبحث ذينك الإمامين يفضي بالناظر إلى ضعف الخبر.

وعلى كلّ حال فمثل هذه الأخبار الضعيفة لا يعارض بها ما ذكرناه من الأخبار ، ولا تخصّص بها تلك العمومات والإطلاقات ؛ لضعفها عن مقاومة بعضها فضلاً عن جميعها مع تكثّرها وموافقتها للمعقول وقواعد المنقول ، فإن العبادات كيفيّات متلقّاة فلا تصحّ إلّا من حيث يحبّ المعبود دون العابد.

ص: 234


1- منتقى الجمان 3 : 138 - 139.
2- تهذيب الأحكام 8 : 314 / 1166.
3- الإستبصار 2 : 163 / 534.

وتلك المواقيت أبواب لحرم اللّه جعلها اللّه رحمة لعباده ، ليستعدّوا فيها لما يصلح من صفات الوافدين الداخلين في باب رحمة اللّه وحرمه ، فيستعدّوا فيها للوفادة إلى بيت اللّه ، مجرّدين عن كلّ شاغل عن الوفادة إلى اللّه. ولم يوقّت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله للإحرام بالحجّ والعُمرة بقاعاً معلومة ، ومنع من الإحرام من سواها إلّا لمعان تختصّ بها هو اعلم بها وأهل بيته. كما أشار إليه الخبر المروي عن الصادق عليه السلام في ( العلل ) وغيره في علّة إحرام النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الشجرة أنه عليه السلام قال لأنه لمّا اسري به وصار بحذاء الشجرة ، وكانت الملائكة تأتي إلى البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت (1) الخبر.

فكانت المواقيت بحذاء الأبواب التي تدخل منها الملائكة إلى البيت المعمور ، فكذلك خصّت بكونها مواضع إحرام القاصد إلى مكّة دون غيرها من بقاع الأرض. ولو ساواها وشاركها من بقاع الأرض شي ء ، لكان كلّما بعد وشقّ أفضل ، ولكان صلى اللّه عليه وآله يبيّن ذلك لأُمّته. وإنما ظهر منه تخصيص تلك البقاع لتلك العبادة ، كما عيّن للموقفين محلّاً ، وللذبح محلّا ، ولرمي الجمار محلّاً ، وللطواف محلّاً ، ولصلاته محلّاً وللسعي محلّاً ، فجميع مناسك الحجّ لكلّ نسك محلّ مخصوص وهيئة مخصوصة ، والإحرام منها. ولا ينافيه التوسعة في بعض لمكان الضرورة.

هذا ، مع أن الخبر الأوّل (2) يمكن تأويله ، بإرادة النذر من محرم أهل الكوفة وهو العقيق ، وذلك صحيح منعقد بالنصّ والإجماع. فكما صحّ تأويل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام أن أهل السند محرمهم البصرة بأن المراد محرم أهل البصرة وهو

ص: 235


1- علل الشرائع 2 : 139 / 1 ، وفيه : « لأنه صلى اللّه عليه وآله لمّا اسري به وصَار بحذاء الشجرة وكانت الملائكة تأتي إلى البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت سوى الشجرة فلما كان في الموضع الذي بحذاء الشجرة نودي : « يا محمّد. قال لبّيك. قال : ألم أجدك يتيماً فآويتُ ، ووجدتك ضالاً فهديتُ قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك ، لبّيك. فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها ».
2- تهذيب الأحكام 8 : 314 / 1166.

العقيق. أوّله بذلك الشيخ (1) ، وكذلك كلّ من ذكره ، ولم نعلم أحداً قال بظاهره مع صحّته ، بل أطبقوا على تأويله بذلك. فكما صحّ تأويله بذلك صحّ تأويل خبر النذر به ، فإن كان صارف يصرف هذا التأويل وإلّا صحّ فيهما.

وأمّا قوله عليه السلام في خبر أبي بصير كان عليه أن يتم فيحتمل أنه أراد بقوله : إنه جعل على نفسه أن يحرم بخراسان أي محرم أهل خراسان ، أو أنه أراد بقوله كان عليه أن يتم (2) أي لا يحرم إلّا من أحد المواقيت ؛ فإنه قد روي كما تقدّم أن من تمام الحجّ والعُمرة أن يحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (3).

فهو إمّا إشارة إلى عدم مشروعيّة هذا النذر ، أو أن من نذر ذلك وجب عليه الإحرام من محرم أهل تلك الناحية ؛ لأنه بعض من الطريق يصحّ نذره فيلزم فيه دون ما زاد. وإن كان هذا ضعيفاً جدّاً. والأوّل أوجه.

وعلى كلّ حال ، فمتى قام الاحتمال بطل الاستدلال. هذا كلّه مضافاً إلى أن هذه الأخبار موافقة لمذهب أبي حنيفة والشافعيّ ، والرشد في خلافهم. فإذن الحقّ عدم مشروعيّة النذر المذكور ، واللّه العالم بحقيقة أحكامه.

وقيل : يصحّ ، وقد عرفت القائل ودليله ، وضعف القول به.

وقال المقداد في ( التنقيح ) في شرح قول المحقّق : ( ولا يصحّ الإحرام قبل الميقات إلّا لناذر ) (4) - : ( هذا قول الشيخ (5) والمفيد (6) وابن حمزة (7) ، لرواية أبي

ص: 236


1- تهذيب الأحكام 5 : 55 / 169 ، وسائل الشيعة 11 : 309 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 5.
2- تهذيب الأحكام 5 : 54 / 164 ، وسائل الشيعة 11 : 327 ، أبواب المواقيت ، ب 13 ، ح 3.
3- تهذيب الأحكام 5 : 54 / 166 ، وسائل الشيعة 11 : 332 - 333 ، أبواب المواقيت ، ب 16 ، ح 1.
4- المختصر النافع : 150.
5- النهاية : 209 ، المبسوط : 311.
6- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 394.
7- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 159.

بصير (1) ، وعليّ بن أبي حمزة (2) عن الصادق عليه السلام. ومنعه الحسن (3) والمرتضى (4) والعجليّ (5) مطلقاً ، ولم يستثنوا الناذر ؛ لأصالة عدم الجواز ، ولصحيحة ابن مُسْكان عن مَيْسر عن الصادق عليه السلام (6) ، ولرواية زرارة عن الباقر عليه السلام ليس لأحد أن يحرم قبل الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وإنما مثله من صلّى في السفر أربعاً وترك الثنتين (7) وكما كانت الزيادة مبطلة ولا ينعقد نذرها فكذا صورة النزاع.

والجواب بحمل المطلق على المقيّد ، وروايتهم مطلقة ، فتحمل على غير المنذور ، وعدم انعقاد نذر الأربع سفراً ، لا يرد عليه ؛ لصريح التحريم فيه دون ما نحن فيه ) (8) ، انتهى.

قلت : فيه نظر من وجوه :

الأوّل : نسبة القول للمفيد [ في ] عبارة ( المقنعة ) تأباه ، إلّا أن يكون قاله في غيره ، أو هو توهّم من كلام الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) ، وظنّه كلام المفيد.

الثاني : أنه حكم على الرواية التي أوردها دليلاً للمانعين أنها مطلقة ، وليس كما قال ، بل هي عامّة ، لأنها نكرة في سياق النفي.

الثالث : أنه إذا ثبت البدعيّة في المشبّه به من جهة وجه الشبه ، اقتضى المساواة فيها ، وإلّا لكان التشبيه خطأ ، ولا جهة للشبه إلّا عدم مشروعيّة المشبّه به ، فلا بدّ أن

ص: 237


1- تهذيب الأحكام 5 : 54 / 164 ، الإستبصار 2 : 164 / 536 ، وسائل الشيعة 11 : 327 ، أبواب المواقيت ، ب 13 ، ح 3.
2- تهذيب الأحكام 5 : 53 / 163 ، الإستبصار 2 : 163 / 534 ، وسائل الشيعة 11 : 326 - 327 ، أبواب المواقيت ، ب 13 ، ح 1.
3- عنه في السرائر 1 : 527 ، مختلف الشيعة 4 : 67 - 68 / المسألة : 27.
4- رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : 65.
5- السرائر 1 : 526 - 527.
6- تهذيب الأحكام 5 : 52 / 156 ، وسائل الشيعة 11 : 324 ، أبواب المواقيت ، ب 11 ، ح 6.
7- تهذيب الأحكام 5 : 51 / 155 ، وسائل الشيعة 11 : 323 ، أبواب المواقيت ، ب 11 ، ح 3.
8- التنقيح الرائع 1 : 449.

يساويه في المنع.

وهل يساوي النذر أخويه في ذلك على القول به؟ لم أقف على مصرّح به ، إلّا صاحب ( معالم الدين ) متردّداً فيه ، وشهيد ( الروضة ) (1) اختار مساواته [ لهما (2) ]. وقال في ( المسالك ) : ( الظاهر عدم الفرق بين النذر وأخويه ، وإن كان النذر هو [ المستعمل فيه (3) ] ؛ لأن النصوص شاملة لهما ، [ فإنها (4) ] مفروضة فيمن جعل ذلك عليه ) (5).

ص: 238


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 3 : 38.
2- في المخطوط : ( له ).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( منه ).
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( لأنها ).
5- مسالك الأفهام 2 : 219.

جواز تقديم الإحرام على المواقيت

من أراد الاعتمار في رجب ، وخاف إن أخّر الإحرام إلى الوقت أن يفوته الشهر ، فالمشهور أنه يجوز له حينئذٍ تقديم الإحرام على المواقيت ؛ ليدرك جزءاً من العُمرة في رجب ، فإن عمرة رجب تلي الحجّ في الفضل. بل قال الخراساني في ذخيرته : إنه ظاهر الأصحاب (1).

وقال الشيخ علي في حواشي ( الشرائع ) : ( ورد أن عمرة رجب تلي الحجّ في الفضل ، فإذا خاف تقضّيه وأراد إدراك إحرامها فيه ، شرع له الإحرام قبل الميقات للنصّ والإجماع ) ، انتهى.

وقبل هذا بسطر واحد قال : ( منع ابن إدريس (2) من الإحرام قبل الميقات لناذر وغيره ، ومنع من انعقاد النذر ). واحتجّ المشهور بصحيحة معاوية بن عمّار السابقة عن الصادق عليه السلام

ليس لأحد أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلّا أن يخاف فوت الشهر في العُمرة (3).

وموثّقة إسحاق بن عمّار : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يجي ء معتمراً ينوي عمرة رجب ، فيدخل الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب ، أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال يحرم قبل الوقت لرجب ، فإنّ لرجب فضلاً وهو الذي نوى (4).

ص: 239


1- ذخيرة المعاد : 574 ، بالمعنى.
2- السرائر 1 : 527.
3- تهذيب الأحكام 5 : 53 / 161 ، وسائل الشيعة 11 : 325 - 326 ، أبواب المواقيت ، ب 12 ، ح 1.
4- تهذيب الأحكام 5 : 53 / 160 ، وسائل الشيعة 11 : 326 ، أبواب المواقيت ، ب 12 ، ح 2.

وادّعى الكاشاني أيضاً في مفاتيحه أنه إجماع (1). وعن ( المعتبر ) أنه اتّفاق أصحابنا (2).

وأنت خبير بأن ما سبق من عبارات العلماء المانعة من الإحرام قبل الميقات ظاهرها عموم المنع هنا أيضاً ، وبهذا مع كون هذه الأخبار موافقة لمذهب العامّة - يخدش دعوى الإجماع.

وبالجملة ، فالمسألة قويّة الإشكال. والاحتياط ويقين البراءة وأصالة استصحاب حال تحليل من أحرم قبل الوقت يقتضي عدم مشروعيّة هذا الإحرام ، وصحّة الرواية وعمل جماعة بها ودعوى الإجماع من بعضهم يقتضي مشروعيّته. وأنا في صحّته من المتوقّفين ، والاحتياط مطلوب ، وفوت الإحرام في رجب أهون من أن يُدخَلَ في الشرع ما لم يحصل يقين كونه منه ، فلا ينبغي التعرّض له ، واللّه العالم.

ولو كان في طريق قاصداً مكّة ممّن يجب عليه الإحرام محرمان ، ووصل لأوّلهما ، وجب الإحرام منه. لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما ينسب لظاهر الجعفيّ من القول بجواز التأخير إلى الثاني كالمدنيّ يمرّ بالشجرة ولا يحرم إلّا من الجحفة. ولو لا الشهرة الأكيدة في كلّ زمان على وجوب الإحرام من الأوّل التي يشمّ منها عطر الإجماع لكان القول به متّجهاً.

ولو عصى وأخّر الإحرام لثانيهما فأحرم منه أجزأه وأثم ، ولا يجب عليه الرجوع إلى الأوّل بعد الوصول للثاني ، وإنما يجب قبل الوصول إليه على الأقوى ، وبه صرّح جماعة من أكابر العصابة ؛ لصدق مروره على المحرم ، فهو بمروره عليه محرم له. وهل يجوز العدول عن طريق الأوّل إلى طريق لا يفضي به إلّا إلى الثاني اختياراً؟ الظاهر ذلك كما صرّح به جمع من الأفاضل ، كالذي يخرج من المدينة فإنه يجوز له سلوك أي طريق شاء ولو لم يُفضِ به إلى عين الوقت ، كما يرشد له اتّفاقهم على أن من أخذ طريقاً لا يفضي به إلى ميقات أحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى طريقه أو إلى مكّة. ومن لم يحاذِ ميقاتاً كالذي يأتي من الغرب عن مكّة على البحر

ص: 240


1- مفاتيح الشرائع 1 : 311.
2- المعتبر 2 : 806.

فإنه يحرم من أدنى الحِلّ ، أو من مساواة أقرب المواقيت إلى مكّة.

ولم يشترطوا في جواز سلوكه طريقاً لا يفضي به إلى عين أحد المواقيت ، ألّا يتمكّن من الوصول إلى عين الميقات ؛ للأصل من عدم وجوب سلوك طريق مخصوصة ، ولصحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة (1) ، التي هي العمدة في جواز الإحرام بالمحاذاة ، فإنها دلّت على جواز سلوك المدنيّ طريقاً لا يفضي به إلى عين ميقات اختياراً. فجواز سلوكه طريقاً يفضي به إلى عين الميقات الثاني بدون أن يمرّ على الأوّل كالمدنيّ يسلك طريقاً يفضي به إلى العقيق ، أو الجحفة دون الشجرة اختياراً أوْلى. ولعلّ معنى صحيحة الحلبيّ : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال من الجحفة ، ولا [ يجاوز (2) ] الجحفة إلّا محرماً (3).

وصحيحة معاوية بن عمّار : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة؟ فقال عليه السلام لا بأس (4).

ذلك بأن يكون المسئول عنه إنما سلك طريقاً إلى الجحفة لا يفضي به إلى الشجرة ، بل يمكن حمل خبر أبي بصير المتضمّن أن أبا عبد اللّه عليه السلام أحرم من الجحفة (5) على ذلك احتمالاً ظاهراً.

واعلم أنه لا يسوغ الإحرام بالمحاذاة إذا كان قاصداً طريقاً يفضي به إلى عين أحد المواقيت وإن لم يكن بطريق مستقيم ، كالذي يقصد الإحرام من عين يلملم والوصول إليه من جدّة بعد محاذاته له في البحر ، فإنه بقصده لا يكفيه الإحرام بالمحاذاة ، فإنه قاصد للميقات عينه وإن كان بعد محاذاته. وعموم الفتوى والنصّ بأنه لا يجوز لمن قصد أحدهما الإحرام قبلها ولا بعدها يدلّ على ذلك ، فتنبّه.

ص: 241


1- رسائل المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : 65.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : « يتجاوز ».
3- تهذيب الأحكام 5 : 57 / 177 ، وسائل الشيعة 11 : 316 - 317 ، أبواب المواقيت ، ب 6 ، ح 3.
4- الفقيه 2 : 199 / 908 ، وسائل الشيعة 11 : 316 ، أبواب المواقيت ، ب 6 ، ح 1.
5- تهذيب الأحكام 5 : 57 / 176 ، وسائل الشيعة 11 : 317 ، أبواب المواقيت ، ب 6 ، ح 4.

ص: 242

واجبات العمرة

اشارة

واعلم أن واجبات العُمرة تسعة أشياء : لبس ثوبي الإحرام ، والنيّة ، والتلبيات الأربع ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، والتقصير ، أو الحلق ، والكفّ عن جميع ما حرّمه الإحرام. ولنذكر ذلك في فصول سبعة :

الأوّل : في كيفيّة الإحرام
اشارة

وهو يشتمل على : لبس ثوبي الإحرام ، والنيّة ، والتلبيات الأربع.

ثوبا الإحرام

فنقول : إذا كنت في الزمان والمكان الذي يسوغ لك الإحرام فيه ، فالواجب أن تنزع عنك المخيط ، وتلبس ثوبي الإحرام ، وهما قطعتان ممّا يصحّ الصلاة فيه ، تتأزّر بأحدهما ، ويجب أن تكون ساترة لبشرة العورة ، ولونها إجماعاً ، ولحجمها أيضاً على الأظهر. وليس وجوب سترها للعورة شرطاً فيها من حيث هي ثوب إحرام ؛ لعدم الدليل على شرطيّته في ثوبي الإحرام من حيث هما ثوبا الإحرام ، بل من حيث وجوب ستر العورة في الصلاة وعن الناظر المحترم. وترتدي الأُخرى ، بأن تضعها على كتفيك أو على كتف واحد ، وتجمع طرفيها على الآخر. ولا يجب استدامة هيئة منهما.

وهل يجب أن تكون ساترة كالأُولى؟ الأظهر العدم ؛ للأصل ، واستصحاباً لعدم وجوب ستر بشرة شي ء من جسده وحجمه ، ولأنه لا خلاف يظهر في عدم وجوب ستر شي ء من المنكبين أو الظهر ، كذلك في حال من أحوال الإحرام. وشرط الستر

ص: 243

يقتضي وجود ما يجب ستره بمقتضى الإضافة ، وأكثر ما يستفاد من الأخبار وجوب لبس ثوبين غير مخيطين من جنس ما تصحّ الصلاة فيه (1) ، ولأنا لا نعلم قائلاً بوجوب استدامة هيئة في لبس الرداء ، ولا قائلاً بوجوب دوام لبسه وعدم جواز نزعه.

وقال في ( المدارك ) في شرح قول المحقّق : ( ولا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة ) (2) - : ( مقتضى العبارة عدم جواز الإحرام في الحرير للرجل وجلد غير المأكول وما يحكي العورة ، والثوب المتنجّس نجاسة لا يعفى عنها في الصلاة.

أمّا المنع من الإحرام في الحرير وجلد غير المأكول ، فيدلّ عليه مضافاً إلى العمومات المانعة من لبس الحرير مفهوم قوله عليه السلام في صحيحة حَرِيز كلّ ثوب يصلّي فيه ، فلا بأس أن يحرم فيه (3).

بل يحتمل قويّاً عدم الاجتزاء بجلد المأكول أيضاً ؛ لعدم صدق اسم الثوب عليه عرفاً.

وأمّا الحاكي ، فإطلاق عبارات الأصحاب تقتضي عدم جواز الإحرام فيه مطلقاً ، من غير فرق بين الإزار والرداء ، وجزم في ( الدروس ) (4) بالمنع من الإزار الحاكي ، وجعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط. ولا يبعد عدم اعتباره فيه ؛ للأصل ، وجواز الصلاة فيه على هذا الوجه ) (5) ، انتهى.

وقال السيّد عليّ في شرح قول المحقّق في ( النافع ) (6) : ( الثالث : لبس ثوبي الإحرام وهما واجبان ، والمعتبر ما تصحّ الصلاة فيه للرجل ) (7) - : ( في المشهور بين الأصحاب ، حتّى إن ظاهر جماعة أنه إجماع. فإن تمّ ، وإلّا فلا دليل على هذه الكلّيّة. نعم ، لا شبهة في حرمة المغصوب والميتة مطلقاً والحرير للرجل ، ولا بأس بإلحاق النجس.

ص: 244


1- وسائل الشيعة 12 : 473 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 35.
2- شرائع الإسلام 1 : 221.
3- الفقيه 2 : 215 / 976 ، تهذيب الأحكام 5 : 66 / 212 ، وسائل الشيعة 12 : 359 ، أبواب الإحرام ، ب 27 ، ح 1.
4- الدروس 1 : 344.
5- مدارك الأحكام 7 : 274.
6- المختصر النافع : 153.
7- في المخطوط بعد نهاية قول المحقّق : ( قال السيّد ).

وأمّا سائر ما يشترط في ثوب الصلاة من عدم كونه ممّا لا يؤكل لحمه ولا شافّاً فلا أعرف عليه دليلاً وإن كان اعتباره أحوط وأوْلى ) (1) ، انتهى.

وأقول : لا نسلّم أن مقتضى عبارات الأصحاب ذلك ، ولعلّه اعتمد في فهمه ذلك منهم من إطلاق جملة من عباراتهم أنه لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة ، كعبارة المحقّق وجماعة (2).

وأنت إذا أعطيت التأمّل حقّه وجدت مرادهم أنه يجب كون لباس المحرم من جنس ما تصحّ الصلاة فيه ، ومرادهم النصّ على عدم جواز الإحرام في جلد الميتة ، أو غير مأكول اللحم أو صوفه أو شعره ، ولا المتنجّس بنجاسة لا يعفى عنها في ثوب المصلّي ، والمغصوب ونحو ذلك ، فإنه شرط في ثياب المحرم كالمصلّي. أمّا كون الثوب في نفسه ساتراً فلا نسلّم شرطيّته في ثوب المصلّي فضلاً عن المحرم.

نعم ، يجب في حال الصلاة ستر العورة على كلّ حال ، وفي حال الإحرام سترها عن ناظر محترم. وهذا معنًى غير معنى اشتراط كون ثوب المصلّي أو المحرم في ذاته ساتراً ، ألا ترى أنه يجوز الصلاة في الثوب الشافّ إذا كانت العورة مستورة بغيره ، أو به إذا ثنّي أو كرّر وتعدّد حتّى ستر العورة ؛ بالإجماع فتوًى وعملاً في سائر الأزمان والبقاع.

فهذا يدلّك على أنه لا يشترط الستر في ثوب المصلّي من حيث هو ثوب مصلّ ، بل لأجل وجوب ستر العورة. فإذا تأمّلت هذا ونحوه ظهر الفرق بين شرطيّة حلّه وطهارته ممّا لا يعفى عنه ونحوهما وبين شرطيّة ستره ؛ فإن هذا يكون بالعارض وذاك بالذات. وقد ثبت أنه يجوز الإحرام فيما تصحّ فيه الصلاة ، كما هو ظاهر النصّ والفتوى.

وبهذا ينكشف مراد المحقّق ومن عبّر بمثل عبارته ، كيف يكون ظاهر العصابة ما قاله السيّدان ، وأكثر العصابة لم يذكره ، كالكلينيّ والصدوق في ( الفقيه ) ، والمفيد ،

ص: 245


1- رياض المسائل 4 : 54 - 58 ، باختلاف.
2- مدارك الأحكام 7 : 274.

وشيخ التهذيبين ، والعلّامة في ( التلخيص ) و ( الإرشاد ) و ( التحرير ) و ( القواعد ) و ( المختلف ) ، والمحقّق في ( الشرائع ) و ( النافع ) ، وابن زهرة وابن حمزة ، وابن البرّاج في مهذّبه ، وأكثرهم. بل لم أجد التعرّض لذكر الستر في ثوبي الإحرام في كتاب ، ولا منسك سوى كلام السيّدين المذكورين ، والشيخ حسين ، وشهيد ( الدروس ) (1) ، وكلّهم لم يشترط الستر في الرداء. ونفى الدليل على شرط الستر السيّد الثاني كما سمعت ، وشهيد ( الروضة ) (2) شرط ألّا يكون شافّاً.

والظاهر أنهم جميعاً إنما أرادوا وجوب ستر العورة بالإزار وإن كان في ذاته شافّاً ، وهذا حديث غير حديث وجوب كون ثوب الإحرام ساتراً في ذاته من حيث إنه ثوب محرم.

لكن عبارة ( الروضة ) تحتمل إرادته بوجه ، حيث إنه قال في شرح قول الشهيد في متن في سياق تعداد واجبات الإحرام : ( ولبس ثوبي الإحرام من جنس ما يصلّي فيه ) - : ( المحرم ، فلا يجوز أن يكون من جلد ، وصوف ، وشعر ، ووبر ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد المأكول مع عدم التذكية ، ولا في الحرير للرجال ، ولا في الشافّ مطلقاً ، ولا في النجس غير المعفوّ عنها في الصلاة ) (3) ، انتهى.

فإن إطلاقه يحتمل ثلاثة أوجه :

الأوّل : يعني للرجال والنساء.

الثاني : يعني الإزار والرداء.

الثالث : يعني سواء كان معه ساترٌ أم لا ؛ ليعمّ المرتدي بقطعتين ، والمتّزر بقطعتين ، وبعض ثياب المرأة ليعمّ حتّى الغلالة.

ويحتمل إرادته الجميع ، وهو وجه رابع لإطلاقه.

ص: 246


1- الدروس 1 : 344.
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2 : 231.
3- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2 : 231.

نعم ، اتّفقت كلمتهم بحسب ما ظهر على اشتراط كون ما يحرم فيه ممّا تصحّ فيه صلاته ، وإنما اختلفوا في الحرير للمرأة ، ويدلّ عليه من الأخبار ، ما رواه الكليني في الصحيح عن حمّاد (1) ، وابن بابويه في الصحيح عن حمّاد عن حَرِيز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كلّ ثوب يصلّي فيه فلا بأس أن يحرم فيه (2).

ورواه الشيخ (3) عن الكليني بسنده المذكور.

فتلخّص من البحث أن النصّ والإجماع إنما دلّا على وجوب كون ثوبي المحرم من سنخ ما تصحّ فيه صلاته ذاتاً وصفة ، ولا ريب أنه تصحّ صلاة الرجل في إزار ساتر لعورته ولو بكونه مثنّيا اتّصل أو انفصل ، ورداء ولو شفّ ووصف. فلا شبهة في جواز الإحرام فيما هو كذلك.

ويعضد ما قلناه ما ثبت بالإجماع والنصّ من جواز اتّزار المحرم وارتدائه بأكثر من قطعتين اختياراً ولاتّقاء الحر والبرد (4). فلأن يتّقي بهما كشف العورة أوْلى. فربّما دلّ إطلاقه على جواز الاستتار بتكريره.

بقي الكلام في جواز إحرام المرأة في الحرير ولبسها إيّاه محرمة. فنقول : لأصحابنا فيه قولان :

أحدهما : يجوز على كراهية ، وهو الحقّ ، ويدلّ عليه الأصل ، واستصحاب حالها قبل الإحرام ، وأنه يجوز لها الصلاة فيه ، فيجوز لها الإحرام فيه ، بنصّ الخبر السابق الذي هو الأصل فيما اشتهر من أن كلّ ما تصحّ صلاة المحرم فيه يصحّ إحرامه فيه.

وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قلت له : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها ، وتلبس الحرير والخزّ (5) والديباج؟ فقال نعم ، لا بأس به ، وتلبس الخلخالين

ص: 247


1- الكافي 4 : 339 / 3.
2- الفقيه 2 : 215 / 976.
3- تهذيب الأحكام 5 : 66 / 212 ، وسائل الشيعة 12 : 359 ، أبواب الإحرام ، ب 27 ، ح 1.
4- وسائل الشيعة 12 : 362 ، أبواب الإحرام ، ب 30.
5- الخزّ : ثياب تنسج من صوف وإبريسم. لسان العرب 4 : 81 خزز.

والمَسَك (1) (2).

ومثله خبر النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام : سألته عن المحرمة ، أي شي ء تلبس من الثياب؟ قال تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفّازين (3) الحديث.

وصحيح الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض (4).

وخبر أبي بصير المراديّ أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن القزّ ، تلبسه المرأة في الإحرام؟ قال لا بأس ، إنما يكره الحرير المبهم (5).

وخبر سَمَاعة ، سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال لا يصلح أن تلبس حريراً محضاً لا خلط فيه ، فأمّا الخزّ والعلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي محرمة ، وإن مرّ بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بيدها من الشمس وتلبس الخزّ ، أما أنهم يقولون : إنّ في الخزّ حريراً ، وإنما يكره المبهم (6).

وخبر الأحمسيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن العمامة السابريّة فيها علم حرير ، وتحرم فيها المرأة؟ قال نعم ، إنما كره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعاً حريراً (7) الخبر.

وغير ذلك ، فإن ( يكره ) ظاهر في المعنى المتعارف المقابل للاستحباب.

والقول الثاني : المنع من إحرامها فيه ؛ لظواهر عدّة أخبار محمولة على الكراهيّة ،

ص: 248


1- المَسَك بالتحريك - : أسورة من ذبْل أوعاج. الصحاح 4 : 1608 مسك.
2- تهذيب الأحكام 5 : 74 / 246 ، وسائل الشيعة 12 : 366 ، أبواب الإحرام ، ب 33 ، ح 1.
3- تهذيب الأحكام 5 : 74 / 244 ، وسائل الشيعة 12 : 366 ، أبواب الإحرام ، ب 33 ، ح 2.
4- الفقيه 2 : 220 / 1020 ، وسائل الشيعة 12 : 367 ، أبواب الإحرام ، ب 33 ، ح 4.
5- الفقيه 2 : 220 / 1018 ، وسائل الشيعة 12 : 367 ، أبواب الإحرام ، ب 33 ، ح 5.
6- الفقيه 2 : 220 / 1017 ، وسائل الشيعة 12 : 368 ، أبواب الإحرام ، ب 33 ، ح 7.
7- الكافي 4 : 345 / 5 ، وسائل الشيعة 12 : 369 ، أبواب الإحرام ، ب 33 ، ح 11.

بدليل ما سمعت ، وعلى ما تلبسه المرأة من الحرير للزينة ، فإن كلّ ما يفيدها زينة فإنه محرّم عليها.

وما دلّ على الجواز يحمل على هذا على ما لا يفيدها زينة. ولكن النساء [ يختلفن (1) ] بحسب [ حالهن (2) ] فيما [ يفيدهن (3) ] زينة ، فربّما كانت امرأة يفيدها أسمال الحرير زينة ، وربّما كان سائر الحرير لا يفيد اخرى زينة. وقد حقّقنا ذلك في حكم المعتدّة في ( جامع الشتات ).

وممّن اختار المنع شيخنا الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ) قال رحمه اللّه في الاستدلال على ذلك : ( لما ثبت لدي من منع الصلاة فيه لهن ، ولكثرة الأخبار به ، ومطابقة الأخبار المجوّزة للعامّة ، فتحمل على التقيّة ). وساق الأخبار التي ظاهرها المنع.

والجواب : منع عدم صحّة صلاتها فيه ؛ لشذوذ القائل به وضعف دليله ، وتحقيقه في غير هذا المقام.

وممّا يدلّ على صحّة صلاتها فيه ما استدلّ به هو عليه السلام في هذا المقام على المنع من إحرامها فيه ، من موثّقة إسماعيل بن الفضل : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ، هل يصلح لها أن تلبس ثوباً حريراً وهي محرمة؟ قال لا ، ولها أن تلبسه في غير إحرامها (4) ، فإنه نصّ في جواز صلاتها فيه. وكلّ ما صحّ صلاتها فيه صحّ إحرامها فيه. ونمنع دلالته على منعها من الإحرام فيه ، فإن ( لا يصلح ) أعمّ من التحريم في كثير من الموارد.

وبعد الأخبار الجامعة بين المرخّصة والمانعة ، لا معنى للطرح والحمل على التقيّة.

ص: 249


1- في المخطوط : ( يختلفون ).
2- في المخطوط : ( حالهم ).
3- في المخطوط : ( يفيدهم ).
4- الكافي 4 : 346 / 8 ، وسائل الشيعة 12 : 368 - 369 ، أبواب الإحرام ، ب 34 ، ح 10.

وحمل الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) (1) والحرّ في وسائله الأخبار المرخّصة على ما إذا كان الحرير ممزوجاً. وهو ضعيف ؛ لعدم الدليل عليه.

والمرأة تلبس من الثياب ما شاءت ، وتلبس السراويل بدلالة الخبر المتقدّم ، وموثّقة الحلبيّ الناصّة على جواز لبسها السراويل ، وهي معلّلة إرادة الستر (2). وربّما قيل بمنعها من المخيط ، وهو شاذّ لا دليل عليه.

ولا يجوز الإحرام فيما لا تصحّ الصلاة فيه من مغصوب ، أو نجس بنجاسة لا يعفى عنها في الصلاة ، وجلد غير المأكول والميتة مطلقاً ، وشعر غير المأكول وصوفه ووبره وإن جاز استصحاب ذلك ؛ للاستصحاب والأصل وعدم المانع. ولا نعلم فيه مخالفاً. وكذا استصحاب الحرير المحض للرجل والمرأة ، إذا لم يكن شي ء منه ملبوساً.

ولبس ثوبي الإحرام واجب ؛ للتأسّي بالمعصوم عليه السلام ، وقوله خذوا عنّي مناسككم (3) ، ولفعله له في مقام البيان مع كونه عبادة ، فالأصل أن يكون للوجوب. ولخصوص صحيحة معاوية بن عمّار اغتسل والبس ثوبك (4) ، والأمر للوجوب. ولوجوب ستر العورة بالنسبة إلى الإزار. وليس لبسه شرطاً في صحّة الإحرام ولا جزءاً منه على الأشهر الأظهر ؛ لعدم ظهور ما يدلّ على ذلك من نصّ أو إجماع. والأصل عدم الجزئيّة والشرطيّة.

وممّا يشهد لذلك الأخبار المعلّقة تحريم ما يحرم على المحرم على النيّة والتلبيات الأربع من غير تعرّض لذكر لبسهما في ذلك. وممّا يستأنس له به أيضاً عدم ضرر نزعهما بعد الإحرام في الإحرام. ولو كان جزءاً أو شرطاً لضرّ في تحقّق

ص: 250


1- تهذيب الأحكام 5 : 75 / ذيل الحديث 246.
2- تهذيب الأحكام 5 : 76 / 252 ، وسائل الشيعة 12 : 499 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 50 ، ح 2.
3- مسند أحمد بن حنبل 3 : 318 ، وفيه : « خذوا مناسككم ».
4- الكافي 4 : 326 / 1 ، وسائل الشيعة 12 : 323 ، أبواب الإحرام ، ب 6 ، ح 4 ، وفيهما : « والبس ثوبيك ».

حقيقة الإحرام ؛ لأنه منافٍ للجزئيّة ؛ إذ لا يمكن بقاء الشي ء مع فقد جزئه ، ولا يمكن انفكاك المشروط عن شرطه ، فليس لبسهما بشرط في وجود حقيقة الإحرام ولا جزءاً منها ، وإلّا لما زايلها ولما تحقّقت مع فقده.

نعم ، لو أحرم في المخيط أو عرياناً أثم وصحّ إحرامه.

وممّا ينبّه عليه حمل المتأخّرين كلام الشيخ في ( النهاية ) (1) الذي ظاهره وجوب الإحرام من المسلخ ، وكلامه في بعض كتبه من جواز تأخير الإحرام للمريض عن الوقت ، على جواز تأخير نزع المخيط ، ولبس ثوبي الإحرام بدون النيّة والتلبية ، وحكمهم بأن من فعل ذلك فهو محرم وإن أخّر نزع المخيط ولبس ثوبي الإحرام.

ومن الأدلّة على عدم جزئيّة لبس الثوبين وعدم شرطيّته صحيحة معاوية بن عمّار وغير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أحرم وعليه قميصه ، فقال ينزعه ولا يشقّه (2) الخبر.

وصحيحة عبد الصمد بن بشير في الرجل الذي جاء يلبّي حتّى دخل المسجد وعليه قميصه ، فأفتاه أتباع أبي حنيفة بأن يشقّ قميصه ويخرجه من رجليه وعليه بدنة والحجّ من قابل.

إلى أن قال : فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام متى لبست قميصك؟ أبعد ما لبيّت ، أم قبل؟. قال : قبل أن أُلبّي. قال فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة ، وليس عليك الحجّ من قابل (3) الخبر.

والمعتبر فيهما : ما صدق عليه اسم الرداء والإزار عرفاً. وما لم يستر المنكبين ، وما سامت الصدر من القفا لا يقين في صدق اسم الرداء عليه عرفاً. وما لم يستر ما بين السرّة والركبة مع المقدّمتين لا يقين في صدق الإزار عليه عرفاً ، فلا يجزي

ص: 251


1- النهاية : 210 ، المبسوط 1 : 312.
2- تهذيب الأحكام 5 : 72 / 238 ، وسائل الشيعة 12 : 488 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 45 ، ح 2.
3- تهذيب الأحكام 5 : 72 / 239 ، وسائل الشيعة 12 : 488 - 489 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 45 ، ح 3.

منهما ما نقص عن ذلك.

والوضعيّات التي لم يتبيّن فيها حدّ معيّن من الشارع قد حكم فيها العرف ؛ لعدم جواز التكليف بما لا يطاق ، ولا تكليف إلّا بعد البيان.

وهل يجوز الاتّزار والارتداء بقطعة واحدة؟ وجهان : من عدم صدق الثوبين عرفاً ، ومن صحّة الصلاة فيما هو على تلك الحال. والجواز أظهر ، وتركه أحوط وأوْلى ، إلّا مع الضرورة لما هو كذلك مع عدم التمكّن من فصلهما ، كأن يكون معاراً ويمنع المالك من فصلهما.

ولا يشترط ملك عين ثوبي الإحرام ، بل يكفي ملك المنفعة ، ولو بالإباحة أو الإجارة أو الوصيّة أو الوقف وشبه ذلك ؛ للأصل السالم من المعارض. على أنا لا نعلم فيه خلافاً من الفرقة ، بل عمل سائر المسلمين في سائر الأعصار عليه ، فهو إجماع.

ويجوز عقد الإزار لا بخياطة قطعاً ؛ للأصل بلا معارض ، ودلالة بعض الأخبار عليه (1). ولا يجوز بخياطة يصدق عليه معها أنه مخيط عرفاً قطعاً. وهل يجوز بخياطة لا يصدق عليه بها أنه مخيط عرفاً؟ وجهان : من الأصل مع خروجه عن اسم المخيط عرفاً مع عدم الناقل عن الأصل من نصّ أو إجماع ، ومن صدق المخيط عليه في الجملة. والأظهر الأوّل ، وإن كان الأحوط اجتنابه. وأمّا الرداء فحكمه كذلك ؛ للأصل بلا معارض ، إلّا إن الأحوط ترك عقده على كلّ حال.

وذهب جماعة إلى تحريم عقد [ إزاره (2) ] ؛ استناداً إلى موثّقة سعيد الأعرج : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يعقد [ إزاره (3) ] في عنقه؟ قال عليه السلام لا (4).

وليس فيه مع ضعف سنده دلالة على المنع من عقده بغير الأزرار. ولعلّه أراد

ص: 252


1- الكافي 4 : 347 / 3 ، وسائل الشيعة 12 : 502 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 53 ، ح 2.
2- في المخطوط : ( موزره ).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( أزراره ).
4- الفقيه 2 : 221 / 1023 ، وسائل الشيعة 12 : 502 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 53 ، ح 1.

أزرار الطيلسان ، فإنه ورد النهي عن زرّ أزراره (1) ، أو الثوب المخيط (2) عند الاضطرار إلى لبسه.

وعلى كلّ حال ، فليس للرداء فيه ذكر بخصوصه. ولو أُريد ما لو كان للرداء أزرار شمل الإزار ، وهم لم يذكروه. والمراد : النهي عن اتّخاذ الأزرار وزرّها في كلّ ثوب يلبسه المحرم اختياراً أو اضطراراً ، كما يرشد له قول الصادق عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوباً تزرّه ، ولا تدرعه (3) الخبر.

وقوله عليه السلام في صحيحه أيضاً لا تلبس ثوباً له أزرار وأنت محرم إلّا أنْ تنكسه ، ولا ثوباً تدرعه (4) الخبر.

وعلى كلّ حال ، لا دليل على المنع من عقد الرداء بغير [ الأزرار (5) ] ولو بخياطة لا يعدّ بها مخيطاً عرفاً ، كالنفذتين والثلاث ، كما تدلّ عليه أخبار الطيلسان ، وستأتي إن شاء اللّه تعالى.

وفي ( الكافي ) عن القدّاح عن جعفر عليه السلام إنّ عليّاً عليه السلام كان لا يرى بأساً بعقد الثوب إذا قصر ، ثمّ يصلّي فيه وإن كان محرماً (6).

نعم ، دلّت هذه الأخبار على تحريم زرّ الرجل المحرم ثوبَه الاختياريّ والاضطراريّ. أمّا المرأة ، فيجوز لها زرّ ثوبها مطلقاً ؛ للأصل واستصحاب حالها قبل الإحرام ، ولخصوص صحيح يعقوب بن شعيب : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : المرأة تلبس القميص وتزرّه عليها ، وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟ قال نعم ، لا بأس به (7) الخبر.

ص: 253


1- وسائل الشيعة 12 : 474 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 36.
2- وسائل الشيعة 12 : 473 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 35.
3- تهذيب الأحكام 5 : 69 / 227 ، وسائل الشيعة 12 : 473 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 35 ، ح 2.
4- الفقيه 2 : 218 / 998 ، وسائل الشيعة 12 : 473 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 35 ، ح 1.
5- في المخطوط : ( الإزار ).
6- الكافي 4 : 347 / 3 ، وسائل الشيعة 2 : 502 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 35 ، ح 2.
7- تهذيب الأحكام 5 : 74 / 246 ، وسائل الشيعة 12 : 366 ، أبواب الإحرام ، ب 33 ، ح 1.

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين : ( لا يجوز عقد الرداء ويجوز عقد الإزار. ويدلّ على الأوّل موثّقة سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال لا (1). وظاهر النهي التحريم ، والمراد : الرداء ؛ لأنه الذي يعقد في العنق للمحرم.

وفي صحيح علي بن جعفر ، وخبره كما في ( المسائل ) (2) و ( قرب الإسناد ) (3) عن أخيه موسى عليه السلام قال المحرم لا يصلح له أنْ يعقد إزاره على رقبته ، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده ) ، انتهى.

قلت : خبر الأعرج في ( الفقيه ) في نسخ ثلاث : ( أزراره ) وهو في هذا الكتاب ، وفي ثلاث نسخ من ( المدارك ) ( إزاره ) (4) ، وإطلاق الإزار على الرداء بعيد. وعلى تقديره لا يعارض الأصل ؛ لضعفه ومعارضته بما جاء في خبر القدّاح ، وتخصيصه بالرداء ضعيف جدّاً يأباه إطلاقه. وخبر علي بن جعفر لا يدلّ على أكثر من الكراهيّة ، بل في قوله عليه السلام لا يصلح إشعار بها ، فتأمّل.

ويجوز شدّ الإزار بالهميان ولو كان مخيطاً ؛ لأنه لا يعدّ لباساً ؛ لا شرعاً ولا عرفاً ، وللأصل ، ولاستصحاب حاله قبل الإحرام ، ولصحيحة يعقوب بن شعيب : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يصرّ الدراهم في ثوبه؟ قال نعم ، ويلبس المنطقة والهميان (5).

ولا فرق بين كونه مشدوداً أو لا ؛ لإطلاق هذه الصحيحة ، وللأصل. وإطلاق هذه الصحيحة جواز لبسه المنطقة.

والظاهر أنه مقيّد بما إذا كان فيها نفقته ، كما يدلّ عليه الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يشدّ على بطنه العمامة؟ قال لا.

ص: 254


1- الفقيه 2 : 221 / 1023 ، وسائل الشيعة 12 : 502 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 53 ، ح 1.
2- مسائل علي بن جعفر : 273 / 678 ، وسائل الشيعة 12 : 503 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 53 ، ح 5.
3- قرب الإسناد : 241 / 953 ، وسائل الشيعة 12 : 503 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 53 ، ح 5.
4- مدارك الأحكام 7 : 330.
5- الكافي 4 : 344 / 3 ، وسائل الشيعة 12 : 491 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 47 ، ح 1.

ثمّ قال كان أبي يقول : يشدّ على بطنه المنطقة التي فيها نفقته ؛ ليستوثق بها ، فإنها من تمام الحجّة (1) ، فإنها معلّلة ، وهو يدلّ على أن الوصف مناط الحكم. فمفهومه حينئذٍ حجّة قطعاً ، وإن كان الأصل يقتضي جواز شدّها مطلقاً ، خصوصاً إذا خلت من خياطة.

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين أنه جاء في النصّ والفتوى جواز أن يشدّ على المئزر العمامة ونحوها.

ويؤيّد تقييدها بما إذا كان فيها نفقته الخبر الناهي عن شدّ المئزر بتكّة وغيرها. فالظاهر الاقتصار على ما فيه نفقته ، وهو أحوط أيضاً. وظاهر هذا الحديث : النهي عن شدّ العمامة على البطن مطلقاً. والظاهر أنها مقيّدة بما إذا رفعها إلى صدره ، بدلالة صحيحة عمران الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال المحرم يشدّ على بطنه العمامة ، وإن شاء يعصبها على موضع إزاره ، ولا يرفعها إلى صدره (2).

ويمكن حمل الأُولى أيضاً على الكراهيّة ، والأصل يؤيّد الرخصة. وفي ترجيح الناقل عن الأصل على المقرّر له إشكال ما لم يعلم سبق المقرّر على الناقل. وأيضاً ، فمفاهيم الأخبار الدالّة على أن المحرم لا يلبس ثوباً يزرّه ولا يدرعه مؤيّدة لجواز شدّ العمامة والمنطقة والهميان على الوسط ، وشدّ الإزار بأحدها ما لم تبلغ الصدر ، فإنه محلّ الرداء ، مع دلالة هذا الخبر على المنع منه حينئذٍ.

وهل تجب النيّة في لبس الثوبين؟ وجهان. ومقتضى القول بشرطيّته وشطريّته ذلك ، والأحوط الأولى مراعاتها في لبسهما ، بل ومراعاته لبسهما في النُّسك المتشخّص بجميع مشخّصاته. وسيأتي بيانها إن شاء اللّه الرحمن المنّان.

تنبيه

دلّت القاعدة المسلّمة المشار لها في النصّ القائلة : إن كلّ ثوب يصلّي فيه المحرم يحرم فيه وكلّ ثوب لا تصحّ صلاته فيه لا يحرم فيه - [ على أُمور ينبغي

ص: 255


1- الكافي 4 : 343 / 2 ، وسائل الشيعة 12 : 491 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 47 ، ح 2.
2- الفقيه 2 : 221 / 1026 ، وسائل الشيعة 12 : 533 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 72 ، ح 1.

التنبيه عليها (1) ] :

منها : أنه لا تصحّ الصلاة في المغتصب ، والنجس بما لا يعفى عنه في ثوب المصلّي ، وما يحكي لون العورة إذا كان وحده إجماعاً أو حجمها عند جماعة (2) وهو الأقوى. كما مرّت الإشارة لجميع ذلك.

والمشهور عدم جواز الصلاة في فضلة غير مأكول اللحم إذا كان ملبوساً إجماعاً ، والنصوص (3) به متكثّرة. والمشهور تعدية الفساد إلى ما لصق بالثوب أو البدن من فضلة غير مأكول اللحم ولو لم يكن لباساً ، سواء كان محوكاً في الثوب ، أو مخيطاً فيه ، أو لاصقاً به خاصّة.

ولا تجوز الصلاة في حرير محض للرجال إجماعاً ، ولا للنساء في قول ضعيف (4). ولا تجوز الصلاة في الذهب إذا كان ملبوساً ولو كان جزءاً من الملبوس ولو خاتماً وكان طلاءً للرجال بالنصّ (5) والإجماع ، ولا تضرّ مصاحبته. فهل يصحّ الإحرام في ثوب ممّا ذكر ، أو يصحّ في شي ء دون آخر؟.

فنقول : اعلم أن المفهوم من عبارات الفقهاء أن مرادهم به أن كلّ ما تصحّ الصلاة في جنسه يصحّ الإحرام في جنسه. وقد صرّح بذلك المحقّق في ( النكت ) (6) وغير واحد (7) ، فنقول : أمّا (8) الإحرام في المغتصب فغير جائز بالنصّ (9) والإجماع على قبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وأمّا النجس بنجاسة لا يعفى عنها في الصلاة فلا نعرف في المنع من الإحرام فيه مخالفاً.

قال السيّد في ( المدارك ) : ( أمّا اعتبار الطهارة فيدلّ عليها مضافاً إلى مفهوم

ص: 256


1- في المخطوط : ( فينبغي التنبيه لأُمور ).
2- الذكرى 3 : 50 ، جامع المقاصد 2 : 95.
3- انظر وسائل الشيعة 4 : 355 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 7.
4- الفقيه 1 : 171 / ذيل الحديث 807.
5- وسائل الشيعة 4 : 412 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 30.
6- النهاية ونكتها 1 : 474.
7- مدارك الأحكام 7 : 274 - 275.
8- في المخطوط بعدها : ( عدم جواز ).
9- وسائل الشيعة 25 : 389 ، كتاب الغصب ، ب 5.

صحيحة حريز يعني : قوله عليه السلام كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه (1) ما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها؟ فقال لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة (2).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمّار أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن المحرم تصيب ثيابه الجنابة؟ قال لا يلبسه حتّى يغسله وإحرامه تامّ (3).

ومقتضى الرواية عدم جواز لبس النجس حالة الإحرام مطلقاً. ويمكن حمله على ابتداء اللبس ؛ إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن. إلّا أن يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضاً للإحرام ، ولم أقف على مصرّح به ، والاحتياط يقتضي ذلك ) (4) ، انتهى.

وأقول : لا يخفى أن صحيحتي ابن عمّار إن دلّتا على وجوب طهارة ثوب المحرم دلّتا على وجوب طهارته من كلّ نجاسة وإن كانت ممّا يعفى عنها في الصلاة. وأمّا صحيحة حَرِيز فظاهرهم أنهم فهموا منها الجنس. وثوب القطن الساتر الحلال مثلاً تصحّ في جنسه الصلاة ، وبطلانها فيما كان متنجّساً إنما هو لأن مصاحبة المصلّي لنجاسة لا يعفى عنها في بدنه وثوبه مبطلة ، فالمانع عارض.

ولذا فرّق الشهيد (5) بين ما لا تتمّ فيه الصلاة ؛ كالتكّة النجسة وبين كونه ممّا لا يؤكل لحمه ، بأن الأوّل عارض وهذا ذاتيّ ، فيجوز الصلاة في الأوّل دون الثاني وإن كان جواز الأوّل لا يخلو من إشكال. فيحتمل خروج ثوب المحرم النجس عن مدلولها. ويحتمل دخوله في مفهومها بأن تقول : هذا ثوب لا تصحّ الصلاة فيه ولو

ص: 257


1- الفقيه 2 : 215 / 976 ، تهذيب الأحكام 5 : 66 / 212 ، وسائل الشيعة 12 : 359 ، أبواب الإحرام ، ب 27 ، ح 1.
2- الكافي 4 : 34 / 9 ، وسائل الشيعة 12 : 363 ، أبواب الإحرام ، ب 30 ، ح 2.
3- الفقيه 2 : 219 / 1006 ، وسائل الشيعة 12 : 476 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 37 ، ح 1.
4- مدارك الأحكام 7 : 275.
5- الذكرى 3 : 39 - 40 ( حجريّ ) ، بالمعنى.

بسبب العارض ، فلا يصحّ الإحرام فيه ، والتعميم للعارض هو ظاهرها. والأوّل أظهر ؛ لأن ظاهر الفتوى إرادة جنس الذات دون العارض ، ولو لا عدم ظهور المخالف في وجوب طهارة ثوب المحرم مع استفادته من صحيحتي ابن عمّار لأمكنت المناقشة في هذا الحكم.

لكن استثناء نجاسة يعفى عنها في الصلاة لا دليل عليه ، فالحقّ وجوب طهارتهما من كلّ نجاسة كما أطلقه في ( الدروس ) (1) و ( الوسيلة ) (2) وغيرهما (3) ؛ لأن الدلالة عليه ليست من فحوى صحيحة حَرِيز ، كما عرفت.

والظاهر عدم اختصاص الحكم بالابتداء ؛ لظاهر إطلاق النصّ (4) والفتوى. وليس بينه وبين جواز بقاء النجاسة على بدن المحرم تلازم ، فلا استبعاد في الفرق. على أن الاستبعاد يتلاشى بعد كون الأصل الجواز في نجاسة البدن بلا معارض ، وقيام الدليل على وجوب طهارة الثوب.

وأمّا جلد غير المأكول اللحم ممّا له نفس سائلة ، وشعره ، وصوفه ، ووبره ، وريشه ، فلا تصحّ الصلاة فيه إذا كان لباساً ولو خاتماً أو سيراً كالسوار بذاته ، فجنسه لا تصحّ فيه الصلاة ، ولا يجوز لبسه للمحرم ولو كان زائداً على ثوبيه إجماعاً في الكلّ ، وللنصّ (5) الصريح فيه في الصلاة ، وصحيحة حَرِيز المتقدّمة (6) في الإحرام.

أمّا لو لم يكن لباساً كالشعرات الملقاة على الجسد أو الثوب ، وكاللبن والمخاط واللعاب المتلطّخ به الجسد أو الثوب وشبهها ، فالمشهور بطلان الصلاة فيه. وليس لأنه لو كان على الثوب جاعلاً جنسه جنس ما لا تصحّ الصلاة فيه بالأصالة ، بل لأن

ص: 258


1- الدروس 1 : 344.
2- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 163.
3- النهاية : 217.
4- الكافي 4 : 34 / 9 ، الفقيه 2 : 219 / 1006 ، وسائل الشيعة 12 : 363 ، أبواب الإحرام ، ب 30 ، ح 2 ، و 12 : 476 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 37 ، ح 1.
5- وسائل الشيعة 4 : 352 - 355 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 5 و 6 و 7.
6- الفقيه 2 : 215 / 976 ، تهذيب الأحكام 5 : 66 / 212 ، وسائل الشيعة 12 : 359 ، أبواب الإحرام ، ب 27 ، ح 1.

مصاحبته في الصلاة مبطلة ، فليس ثوب الإحرام إذا كان عليه شي ء منها من جنس ما لا تصحّ الصلاة فيه ؛ لعروض المانع من الصلاة. ولم يدلّ دليل من نصّ أو إجماع على المنع من الإحرام فيه حينئذٍ. والأصل واستصحاب حال المحرم قبل الإحرام ؛ [ يقتضيان (1) ] الجواز بلا معارض. ويؤكّده ما في صحاح الأخبار أن المحرمة تلبس المَسَك والمسكة. وفي ( القاموس ) : ( إنها الأسورة والخلاخيل من القرون والعاج ) (2).

وفي ( مجمع البحرين ) : ( المَسَك بالتحريك - : أسورة من ذبل أو عاج. والذبل : شي ء كالعاج ، ويقال : إنه قرن الأوعال ) (3).

وفي ( المصباح ) : ( المَسَك بفتحتين - : أسورة من ذبل أو عاج ) (4). وفيه : ( الذبل : شي ء كالعاج ، وقيل : إنه ظهر السلحفاة البحريّة ) (5) ، انتهى.

وفي ( القاموس ) : ( الذبل : جلد السلحفاة البحريّة أو البريّة ، أو عظام ظهر دابّة بحريّة ) (6).

ولكن هذا يشعر بجواز مصاحبته حال الصلاة ، ولعلّه حينئذٍ مخصوص بما إذا لم يكن من أجزاء غير مأكول اللحم حال الصلاة ، أمّا حال الإحرام فلا مانع منه.

وأمّا جلد الميتة مطلقاً فلا يجوز لبسه في الصلاة بذاته بالنصّ (7) والإجماع ، ولا الإحرام فيه بالإجماع ، ولأنه من جنس ما لا يصلّى فيه ، ولا مصاحبته في الصلاة مطلقاً. والأخبار به متكثّرة بلا معارض يعتدّ به ، ولم يقم دليل على عدم جواز مصاحبته للمحرم بأي وجه كان ، والأصل والاستصحاب [ يقتضيان (8) ] جوازه أيضاً.

ويجوز الصلاة في شعر الميتة ووبرها وصوفها وريشها مع الطهارة مطلقاً ؛ فيجوز الإحرام فيه ومعه مطلقاً. وكذلك جلد ما يؤكل لحمه تصحّ الصلاة فيه اختياراً ؛

ص: 259


1- في المخطوط : ( يقتضي ).
2- القاموس المحيط 3 : 465 المسك.
3- مجمع البحرين 5 : 288 مسك.
4- المصباح المنير : 573 مسك.
5- المصباح المنير : 206 ذبل.
6- القاموس المحيط 3 : 555 ذبل.
7- وسائل الشيعة 4 : 343 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 1.
8- في المخطوط : ( يقتضي ).

فيجوز الإحرام فيه اختياراً ولو كان ملبوساً ولو كان هو الساتر وحده.

أمّا الأوّل ؛ فللأخبار الكثيرة ، منها ما دلّ على جواز الصلاة في فرو الخزّ (1) ، وعليه الإجماع ونقله مستفيض ، والأخبار والفتاوى مطلقة ؛ فيعمّ ما لو كان وحده. وكذا الفتوى من القائلين بجواز الصلاة في فرو السنجاب والحواصل (2) ، وما دلّ عليه من الأخبار مطلقان ، بل إطلاق النصوص (3) والفتوى (4) المجمع عليه بصحّة الصلاة في جلد ما يؤكل لحمه تعمّ ما لو كان وحده. بل قال القاشانيّ في ( شرح المفاتيح ) : ( لا تأمّل في صحّة الستر في الأديم ممّا لا يعدّ ثوباً ).

ذكره في بحث وجوب ستر العورة في الصلاة ، وهو كما قال ؛ لعدم الدليل على حصر الساتر في الصلاة فيما خرج عنه ، وللأصل ، ولاستصحاب صحّة ستر العورة قبل الصلاة به.

فإذا تبيّن هذا قلنا : [ كلّ ما (5) ] تصحّ الصلاة في جنسه يصحّ الإحرام فيه ، فلا مجال للتوقّف في صحّة الإحرام فيه. هذا مع أن الأصل الإباحة.

وأمّا الذهب ، والمذهّب ، والثوب المحوك فيه ولو طلاءً ، فحرام لبسه على الرجل ولو كان مُحِلّاً ، وتبطل به الصلاة ، ولا تضرّ مصاحبته مطلقاً حتّى في الصلاة والإحرام ؛ للأصل وللأخبار الواردة بجواز شدّ الهميان والمنطقة فيها النفقة للمحرم (6). وهو يعمّ حتّى حالة كونه مصلّياً.

ولِمَا ورد أن المعصوم سلام اللّه عليه شدّ أضراسه بسيم من الذهب (7). ولم يرد أنه ينزعه حال الصلاة ولا حال الإحرام.

ص: 260


1- وسائل الشيعة 4 : 359 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 8.
2- النهاية : 97 ، المبسوط 1 : 82 - 83 ، منتهى المطلب 1 : 228.
3- وسائل الشيعة 4 : 345 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 2.
4- المبسوط 1 : 82 ، منتهى المطلب 1 : 230.
5- في المخطوط : ( كما ).
6- وسائل الشيعة 12 : 491 ، أبواب تروك الإحرام ، ب 47.
7- الكافي 6 : 482 - 483 / 3 ، وسائل الشيعة 4 : 416 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 31 ، ح 1.

وأمّا النساء فيجوز لبسه [ لهنّ (1) ] حال الصلاة مطلقاً وحال الإحرام إذا لم يفدهن زينة ، والحرير كالذهب في جميع ما ذكر.

نيّة الإحرام

فإذا لبس المحرم ثيابه وجب أن ينوي ما قصد له من النُّسُك : جنساً بأن يعيّن ما يحرم له من عمرة التمتّع أو الإفراد.

ووصفاً من أنها واجبة أو مندوبة.

والواجبة من أنها عمرة الإسلام أو قضاء العُمرة المفسدة أو في حجّ القضاء ، وبالالتزام بإجارة أو نذر أو شبهه.

ولا بدّ من العلم بواجباتها وقصد الإتيان بها في محالّها وأزمانها ، والكفّ عن كلّ ما يحرم على المحرم على الإجمال. ولا يشترط العلم بتفاصيل المحرّمات وإن كان أوْلى وأحوط. كلّ ذلك تقرّباً إلى اللّه بامتثال أمره ونهيه.

وليُدخلْ في مَنْوِيّه التلبيات الأربع الواجبة ؛ فإنها جزء من النُّسُك ينعقد بها الإحرام بمثابة التحريم من الصلاة ، فهما جزءان من العمل المنويّ.

ولا ينعقد الإحرام بالمتمتّع بها إلّا في شوّال ، وذي القعدة ، وذي الحجّة إلى وقت يمكنه فيه أداء مناسكها وإدراك الموقفين. والمفردة تصحّ في جميع السنة. وليس لما بين العمرتين حدّ لا تصحّ فيه الثانية على الأظهر. ولو نوى نوعاً وقصد الإحرام به ونطق بغيره لم يضرّ وإن كان عمداً خصوصاً مع التقيّة ، والأخبار (2) بأمر الشارع أن ينطق بالحجّ وينوي العُمرة كثيرة بلا معارض ، ولأن النيّة ليست هي الحروف المنطوق بها ، بل ولا الحروف المتصوّرة وإن حكت صورة حقيقة النيّة ، وهي التي روحها الأمر الباعث على العمل.

ص: 261


1- في المخطوط : ( لهم ).
2- انظر وسائل الشيعة 12 : 348 ، أبواب الإحرام ، ب 21.

ولا يصحّ الإحرام بنُسُكين معاً ، ولا على الترديد ؛ لعدم تشخّص المنويّ وتميّزه من كلّ وجه ، فيكون عامّاً بوجه فيتعذّر بروزه في خارج الزمان ، فيكون العمل الذي يأتي به غير المنويّ بحسب الحقيقة. والأدلّة على وجوب قصد العمل المتميّز المتشخّص من كلّ وجه في النيّة من الكتب الثلاثة أكثر من أن يحصرها فكري.

ولو نسي وشكّ بعد تيقّن الإحرام بماذا أحرم؟ فإن كان قد وجب عليه نُسُك معيّن صرفه إليه إن كان إحرامه في وقت يصحّ فيه الإحرام به ؛ عملاً بالظاهر.

وإن لا يكن في ذمّته نُسُك ، فإن كان في أشهر الحجّ تخيّر ، والأحوط الأوْلى أن يأتي بعمرة التمتّع وحجّه ما لم يكن قد تضيّق الوقت عن أدائهما تامّين ، وإلّا تخيّر بين الثلاثة ؛ لعدم الترجيح لا لمرجّح ، واستحالة نُسُكين في إحرام واحد ، والتكليف بما لا يطاق ، ووجوب التخلّص من كونه محرّماً.

فلو اختار أن يفعل واجبات المفردة مثلاً فالأحوط الأوْلى ألّا يعدل عنه إلّا إن كان من المفردة إلى المتمتّع بها ، بل لزومه حينئذٍ في غير ذلك غير بعيد.

ولو أحرم بما أحرم به فُلان لم يصحّ وإن ظنّ نُسُكه ظنا متاخماً للعلم ؛ لأنا نشترط معلوميّة المنويّ في الجملة وتشخّصه من كلّ وجه.

نعم ، لو كان المحرم معصوماً صحّ ذلك منه ؛ لعلمه اليقينيّ بما أحرم به زيد وتشخّصه عنده بكلّ وجه ، كما وقع لأمير المؤمنين مع النبيّ صلّى اللّه عليهما وآلهما المقدّسين فإن النبيّ صلى اللّه عليه وآله عالم بما يحرم به عليّ عليه السلام ، بل هو الآمر له به ؛ ولذا ساق عنه البدن. وعليّ عليه السلام عالم بما أحرم به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؛ لأنه باب علمه (1). وكذا لو أخبر الناسك المعصوم بنسك زيد صحّ الإحرام بما أحرم به ، لكنّه خارج فيهما عن فرض المسألة داخل في المعلوم المتشخّص.

ويستحب النطق بالنيّة ، بل سمّي النطق بها إحراماً وفرضاً للمنويّ في أخبار كثيرة مجازاً. والإحرام الشرعيّ حقيقة هو النيّة والتلبيات الأربع. وقد نطق بأن

ص: 262


1- الفقيه 2 : 153 / 665 ، وسائل الشيعة 11 : 231 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 2 ، ح 25.

الأوّل مجاز والثاني هو الحقيقة الأخبار ، وصرّح به الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) (1) ، والمحقّق في ( نكت النهاية ) (2) ، وغيرهما.

ويستحبّ أيضاً أن يشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه ، فيقول : اللّهمّ إني أُريد الإحرام بكذا ، فإن عرض لي عارض فحلّني حيث حبَستني بقدرتك التي قدّرت.

ونحو هذا من العبارات الواردة في هذا المعنى. وإنما ذكرت هذين المستحبّين بخصوصهما لسرّ لا يخفى على الفطن.

التلبيات الأربع

فإذا نوى النُّسك المتعيّن المتشخّص من كلّ وجه ، بأن يقصد الإحرام بالنُّسُك المتشخّص كما مرّ ، ويلبّي التلبيات الأربع التي يعقد بها الإحرام المتعيّن في النُّسُك المقصود وجوباً أو ندباً ، وبعد النيّة والتلبيات ينعقد الإحرام ، وتجب جميع واجباته وأركانه ؛ فتؤدّى بعنوان الوجوب.

فالنسُك المندوب لا ينوى فيه الندب إلّا حال النيّة والتلبيات ، وأمّا باقي أفعاله فتكون واجبة ، فتؤدّى بعنوان وصف الوجوب ، وذلك إجماع. ولا بدّ حال تلبيته من كونه مستحضراً لنيّة النُّسُك الذي يقصده ، فلا ينعقد بها الإحرام لو لبّى ساهياً أو ذاهلاً عمّا يعقده من الإحرام بالنُّسُك المعيّن ، أو نائماً أو سكرانَ أو مجبوراً على النطق بها من غير قصد للنّسُك.

فإذن لا بدّ من مقارنة النطق بالتلبيات الأربع للنيّة. نعم ، لا يجب مقارنتها للنطق بالنيّة ، وقراءة الدعاء الوارد حينئذٍ. والأخبار بما ذكرناه كثيرة (3).

والظاهر أن مراد من قال : ( لا يجب مقارنة النيّة للتلبيات ) ، النيّة الملفوظة ، لا

ص: 263


1- تهذيب الأحكام 5 : 83 / ذيل الحديث 276.
2- النهاية ونكتها 1 : 473.
3- انظر وسائل الشيعة 12 : 340 ، أبواب الإحرام ، ب 16.

المشيئة والعزم الخاصّ على العمل الخاصّ.

وصورة التلبيات أن يقول : ( لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبّيْكَ ). ووجوب التلبيات الأربع ثابت بالنصّ (1) والإجماع ، وأنها العاقدة للإحرام ، وبعدها تحرم محرّمات الإحرام لا قبلها. والأحوط أن يضمّ إليها : ( إن الحَمْدَ والنعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ ) ؛ خروجاً من خلاف العلماء.

ولا يجب الجهر بالتلبيات مطلقاً للنصّ (2) وللأصل السالم من المعارض ، ولا تجب الطهارة حال النيّة والتلبيات مطلقاً. والأخرس يعقد قلبه بعد النيّة بالتلبية ، ويشير بإصبعه إلى أنه عاقد نيّة إحرامه بالتلبيات ، وإن أمكنه تصوّر حروفها وجب. ومن لم يسمع أصلاً ، ولا سمع اللغة ، ولم يعلم ما يقول الناس أصلاً غير مكلّف ، بل حكمه حكم الطفل.

ويجب العربيّة في التلبيات الأربع ، ومن لم يستطعها وجب عليه التعلّم ، فإن ضاق الوقت لبّى بالترجمة ، ولا تسقط ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (3).

ص: 264


1- وسائل الشيعة 12 : 374 ، أبواب الإحرام ، ب 36.
2- وسائل الشيعة 12 : 378 - 379 أبواب الإحرام ، ب 37 - 38.
3- البقرة : 286.
الفصل الثاني : في الطواف

الطواف في العمرتين واجب بالنصّ والإجماع ، وفيه أَبحاث :

الأوّل : إذا أتيت مكّة زادها اللّه شرفاً وأنت محرم ، فائتِ الكعبة وطف بها سبعة أشواط ، لا أقلّ ولا أكثر ولو خطوة ، بل ولا أقلّ منها. وهنا مسائل :

الأُولى : يجب البدأة بالحجر والختم به بالنصّ (1) والإجماع.

الثانية : يجب أن يكون البيت زاده اللّه تشريفاً وتعظيماً على يسارك في جميع الطواف بالنصّ (2) أيضاً والإجماع فتوًى (3) وعملاً من الأُمّة كالأوّل.

الثالثة : يجب إدخال حجر إسماعيل في الطواف بالنصّ (4) والإجماع كذلك.

الرابعة : يجب أن يكون الطواف بين البيت والمقام حيث هو الآن بالنصّ (5) : والإجماع أيضاً ، وهي معتبرة من جميع نواحيه بالنصّ (6) والإجماع.

وهل هي معتبرة من جهة الحجر من الشاذروان كالجهات الثلاث ، أم من حدّ الحجر؟ قولان يلتفتان إلى أن الحجر من البيت أم لا؟.

وعزي الأوّل إلى مشهور المتأخّرين ، بل عزي إلى الأكثر. ولكن قال خاتمة الحفّاظ الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ) : ( ما نسبه في ( الدروس ) (7) إلى المشهور من أن الحجر من الكعبة ، لا نعلم في كلام الأصحاب من المتقدّمين والمتأخّرين

ص: 265


1- الكافي 4 : 419 / 2 ، وسائل الشيعة 13 : 357 ، أبواب الطواف ، ب 31 ، ح 3.
2- انظر : تذكرة الفقهاء 8 : 89 / المسألة : 456 ، مدارك الأحكام 8 : 128 ، رياض المسائل 4 : 261 ، عوالي اللآلي 4 : 215 / 73.
3- انظر : تذكرة الفقهاء 8 : 89 / المسألة : 456 ، مدارك الأحكام 8 : 128 ، رياض المسائل 4 : 261 ، عوالي اللآلي 4 : 215 / 73.
4- وسائل الشيعة 13 : 353 ، أبواب الطواف ، ب 30.
5- وسائل الشيعة 13 : 350 ، أبواب الطواف ، ب 28.
6- المصدر نفسه.
7- الدروس 1 : 394.

سوى ما ذكره علّامة ( المنتهى ) (1) ، وهو أعرف بما قال ) ، انتهى.

وهو كما قال ؛ فإن ما وقفنا عليه من عباراتهم سوى الشهيدين (2) إنما يذكرون وجوب الطواف بين البيت والمقام ، ووجوب استقبال الكعبة في الصلاة ، والأوّل أقوى.

لنا جميع ما دلّ على أن الكعبة القبلة ، وعليه إجماع المسلمين. والكعبة لا شكّ في خروج الحِجْر عنها ، وعدم صحّة الصلاة إليه وحده ، وعدم أحكام دخول الكعبة لمن دخله ، بل الضرورة قاضية بصدق من قال : لم أدخل الكعبة ، مع دخوله الحجر.

وظهور عدم شمول الأخبار (3) الدالّة على استحباب دخول الكعبة في حال وكراهيتها في حال لدخوله ، والأخبار الدالّة على أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله دخل الكعبة في وقت كذا ، ولم يدخلها في وقت كذا ظاهرة ، بل نصّ في خروج الحجر عنها.

وإطباق المؤرّخين المحدّدين لطول الكعبة وعرضها وعمقها على عدم إدخال الحجر فيه ، وتحديد الكعبة بالأركان التي هي بإزاء أركان البيت المعمور بل أركان العرش الأربعة ، وكون البيت مربّعاً بمثابة البيت المعمور بل بمثابة العرش كلّها ظاهرة في خروج الحجر عنها. بل يلزم عند التأمّل ألّا تكون للكعبة أربعة أركان لو قلنا بدخول الحجر فيها ، بل ركنان.

وهذا خلاف الضرورة الدينيّة ؛ إذ من اليقين الذي لا ينبغي الريب فيه أن الركن المسمّى بالشاميّ والركن المسمّى بالمغربيّ ، الموجودين الآن اللذين يستلمهما الطائف هما ركنا البيت. ولو كان الحجر منه لما كانا ركنية ، بل هما في وسطه. وهذا واضح الدلالة على خروج الحجر.

وكذا الروايات الناطقة بأنْ ليس فيه من الكعبة ولا قلامة ظفر ، وفيها الصحيح

ص: 266


1- منتهى المطلب 2 : 961.
2- الدروس 1 : 394 ، مسالك الأفهام 2 : 333 ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2 : 249.
3- تهذيب الأحكام 5 : 278 / 948 ، وسائل الشيعة 13 : 273 ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب 35.

والموثّق القويّ وغيرهما.

ففي صحيح معاوية بن عمّار : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحجر ، أهو من البيت أو فيه شي ء من البيت؟ قال لا ، ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن امّه فيه ، فكَرِهَ أن يوطأ فحجر عليه (1).

وعن ( العلل ) (2) في الحسن مثله ، كما نقله الشيخ في ( شرح المفاتيح ).

ومثله صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام (3).

وعن المفضّل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل (4).

وعن ( مستطرفات السرائر ) في الصحيح عن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن الحجر قال إنكم تسمّونه الحطيم وإنما كان لغنم إسماعيل (5) الخبر.

وفي الموثّق القويّ عن يونس بن يعقوب قال : قلت للصادق عليه السلام : كنت أُصلّي في الحجر ، فقال لي رجل : لا تصلّ المكتوبة في هذا الموضع فإن الحجر من البيت ، فقال كذب ، صلِّ فيه حيث شئت (6).

وأيضاً الأخبار الدالّة على أن الحجر إنما حجّره إسماعيل عليه السلام لمّا دفن امّه لئلّا يوطأ أي للطائفين ، وإلّا فمطلق الوطء للداخل لا يمنعه التحجير. وهي كثيرة في الأربعة وغيرها ، نقلها ممّا يطول دالّة على أنه قبل ذلك محلّاً للطواف ، وأنه خارج عن الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام ؛ إذ لم يثبت جواز الطواف من جوف الكعبة في شريعة. وهذه الأدلّة كلّها لا معارض لها من نصّ أو إجماع.

ص: 267


1- الكافي 4 : 210 / 15 ، وسائل الشيعة 13 : 353 ، أبواب الطواف ، ب 30 ، ح 1.
2- علل الشرائع 1 : 52 / 1.
3- تهذيب الأحكام 5 : 469 / 1643 ، وسائل الشيعة 5 : 276 ، أبواب أحكام المساجد ، ب 54 ، ح 2.
4- الكافي 4 : 210 / 14 ، وسائل الشيعة 13 : 354 ، أبواب الطواف ، ب 30 ، ح 3.
5- السرائر ( المستطرفات ) 3 : 562 ، وسائل الشيعة 13 : 355 ، أبواب الطواف ، ب 30 ، ح 10.
6- تهذيب الأحكام 5 : 474 / 1670 ، وسائل الشيعة 5 : 276 ، أبواب أحكام المساجد ، ب 54 ، ح 1.

ودعوى أن الحجر كان من الكعبة وإنما أخرجه قريش لمّا أعوزتهم الآلات في بنائها دعوى لم تصحّح ببرهان ، بل هي خلاف النصوص الصريحة. ولو كانت صحيحة لدلّ الشارع عليها ببيان ، بل لردّها الرسول صلى اللّه عليه وآله وأئمّة المسلمين إلى ما كان ، ولو كان تركهم للتقيّة لدلّوا على أنه كذلك ، وأن القائم عجّل اللّه فرجه سيردّها إلى ما بناه إبراهيم عليه السلام.

ولمّا لم يكن من أهل البيت عليهم السلام إشارة إلى هذه الدعوى بوجه ، بل دلّوا على خلافها علم بطلانها ، وحديث عائشة (1) أوهى من بيت العنكبوت ، مع أنه صرّح بأن منه ستّة أذرع من البيت خاصّة. فعليه يكون مبدأ مسافة المطاف منها لأمن آخر الحجر ؛ ولم يقل به أحد.

وأيضاً العصابة مجمعة على أنه يجب أن يكون الطواف خارج البيت كلّه وداخلاً عن المقام كلّه ، فلا يجوز الطواف خلف المقام من جميع نواحي البيت ، كما يدلّ عليه خبر محمّد بن مسلم : سألته عن حدّ الطواف بالبيت ، الذي من خرج منه لم يكن طائفاً بالبيت قال كان الناس على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون بين المقام وبين البيت ، فكان الحدّ موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف ، والحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلّها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك ، كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد ؛ لأنه طاف في غير حدّ ولا طواف له (2).

وظاهر العصابة الإطباق على العمل به ، إلّا ما ينقل عن ابن الجنيد (3) وظاهر الصدوق (4) من جواز الطواف خلف المقام للضرورة من شدّة زحام وشبهه. والظاهر

ص: 268


1- انظر : تذكرة الفقهاء 8 : 91 / المسألة : 458 ، المجموع شرح المهذّب 8 : 36.
2- الكافي 4 : 413 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 350 ، أبواب الطواف ، ب 28 ، ح 1.
3- عنه في مختلف الشيعة 4 : 200 / المسألة : 154 ، مدارك الأحكام 8 : 131.
4- عنه في مدارك الأحكام 8 : 131.

أنه منقطع ، وعمل الأُمّة في سائر الأعصار على خلافه ، فلا شبهة في وجوب كون الطائف يجب أن يكون أقرب إلى البيت من المقام في جميع طوافه.

وبهذا يظهر لك فساد ما قاله الشهيد الثاني في روضته في شرح قول الأوّل في بحث شرائط الطواف : ( والطواف بينه وبين المقام ). قال الشارح - : ( حيث هو الآن ، مراعياً لتلك النسبة من جميع الجهات ، فلو خرج عنها ولو قليلاً بطل ، وتحتسب المسافة من جهة الحجر من خارجه وإن جعلناه خارجاً من البيت ) (1) ، انتهى.

وفساده من وجهين :

الأوّل : أنه يستلزم الطواف خلف المقام ، إذ لا ريب أنه حينئذٍ يطوف في دائرة يزيد نصف قطرها على نصف قطر الدائرة التي يطوف فيها من الجهات الثلاث الأُخر ، بقدر ما بين الشاذروان إلى منتهى حائط الحجر. فإذا كانت الدائرة التي يطوف فيها من الجهات الثلاث يماسّ محيطها محيط المقام كما هو المتيقّن كان محيط الدائرة التي يطوف فيها من جهة الحجر لا يماسّ محيطها شيئاً من المقام بالضرورة. وعليك بتأمّل هذا الشكل تستعن به (2)تهذيب الأسماء واللغات 151:3.(3).

ص: 269


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2 : 249.
2- لم يرد في المخطوط شكل ( جدول ) ، بل كان هناك مساحة ما يقارب خمسة أسطر ملئت بعبارة كتبت وبقلم مغاير لقلم المخطوط ، وبأسطر شذّت عن سطوره. ولمغايرة قلم هذه العبارة ارتأينا أن نضيفها إلى الهامش ، وإليك نصّ العبارة : ( اعلم أنه ذكر لي ثقة أمين أنه ذرع ما بين الصندوق الموضوع على حجر المقام وبين الشاذروان ، فكان ذرعُه خمسةً وعشرين ذراعاً شرعياً ونصف ذراز. وأنه ذرع ما بين الشاذروان إلى آخر جدار الحجر فكان عشرين ذراعاً. وقال الشيخ محمد ابن الشيخ حسن أبي محلّی ساكن الفرع من الحجاز في منسكه: إنه اعتبر الباقي بعد جدار الحجر من ذرع ما بين البيت والمقام ستة أذرع ونصف ذراع تقريباً، ولعلّه خمسة وعشرون ونصف، وغلط الناسخ، أو أن ما بين ظاهر الصندوق إلی نفس حجر المقام ذراع. ونقل الشيخ محمّد المذكور عن النووي في (تهذيب الأسماء واللغات)
3- أنه سبعة. ولعلّ النووي أدخل الشاذروان في السبعة، واللّه العالم).

الثاني : أن الحكم بوجوب مراعاة تلك النسبة من جميع الجهات كما هو المتّفق عليه يناقض القول باحتساب المسافة من خارج الحجر مع القول بخروجه عن البيت.

نعم ، لو قلنا بدخوله أمكن ذلك ، ولي فيه تأمّل أيضاً ، فلا تغفل.

وما لعلّه يُتوهّم في معنى عبارته أن قوله : ( وتحتسب المسافة ) إلى آخره ، بمنزلة المستثنى من قوله : ( مراعياً تلك النسبة من جميع الجهات ) ، فكأنه قال : يجب مراعاة قدر ما بين المقام والبيت من جميع الجهات إلّا من جهة الحجر ، فإنه لا يجب مراعاة ذلك القدر ، بل تجوز الزيادة عنه. ظهر فساده بما سمعت من النصّ (1) والإجماع على وجوب مراعاة تلك النسبة من أربع جهات ، فلا تغفل.

الخامسة : تجب فيه النيّة مقارنة لأوّله إجماعاً. وهو أن ينوي الطواف الواجب في العُمرة المتمتّع بها ، أو المفردة الواجبة في حجّ الإسلام وهي عمرة الإسلام ، أو بالنذر أو شبهه ، أو بالاستئجار نيابة عن فلان ، أو بالإفساد لعمرة أُخرى أو حجّ ، أو المندوبة قربة إلى اللّه ، أو امتثالاً لأمر اللّه أو طاعة لله.

ويجب استدامتها حكماً بألّا ينوي بحركته نيّة تخالفها أو ينام أو يغمى عليه أو يسكر أو يجنّ وما أشبه ذلك ، ويلحق به ما لو ذهل عن كونه حال حركته طائفاً بالكلّيّة ، بحيث يخرج به الذهول والفكر عن كونه طائفاً بالكلّيّة ، فإنه مبطل كالذي قبله.

السادسة : تجب الطهارة من الحدث في الطواف الواجب ، لا نعلم فيه مخالفاً. ودعوى الإجماع عليه مستفيضة ، والنصوص مستفيضة به.

منها : صحيحة معاوية بن عمّار : قال أبو عبد اللّه عليه السلام تقضى المناسك كلّها على غير

ص: 270


1- وسائل الشيعة 13 : 350 ، أبواب الطواف ، ب 28.

وضوء إلّا الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل (1).

وصحيحة محمّد بن مسلم : سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر قال يتوضّأ ويعيد ، فإنْ كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين (2).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب ، فذكر وهو في الطواف قال يقطع طوافه ولا يعتدّ بشي ء ممّا طاف.

وسألته عن رجل طاف وهو على غير وضوء قال يقطع طوافه ولا يعتدّ به (3).

وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء ، أيعتد بذلك الطواف؟ قال لا (4).

وغيرها من الأخبار من غير معارض ، فإذن الحكم إجماعيّ.

وحكم المستحاضة مع فعلها ما يجب عليها للصلاة حكم الطاهر بلا خلاف يظهر ، وأخبار أسماء بنت عميس (5) دليل عليه بلا معارض ، فهو إجماع أيضاً ، وبدونه محدثة.

وتقوم الطهارة الترابيّة مقام المائيّة حال تعذّر المائيّة بلا خلاف يعرف ، وعموم أخبار بدليّة التراب عن الماء تشمله.

هذا بالنسبة إلى المستحاضة وذي البطن والسلس والريح ، الذين لا ينقطع حدثهم بقدر الطواف ، وتعذّرت عليهم الطهارة المائيّة على نحو يتيح لهم التيمّم

ص: 271


1- الفقيه 2 : 250 / 1201 ، وسائل الشيعة 13 : 374 ، أبواب الطواف ، ب 38 ، ح 1.
2- الكافي 4 : 420 / 3 ، تهذيب الأحكام 5 : 116 / 380 ، الإستبصار 2 : 222 / 764 ، وسائل الشيعة 3 : 374 ، أبواب الطواف ، ب 38 ، ح 3 ، باختلافٍ يسير.
3- الكافي 4 : 420 / 4 ، تهذيب الأحكام 5 : 117 / 381 ، الإستبصار 2 : 222 / 765 ، وسائل الشيعة 13 : 375 ، أبواب الطواف ، ب 38 ، ح 4 ، باختلاف.
4- الكافي 4 : 420 / 1 ، تهذيب الأحكام 5 : 116 / 378 ، الإستبصار 2 : 221 / 762 ، وسائل الشيعة 13 : 375 ، أبواب الطواف ، ب 38 ، ح 5.
5- الكافي 4 : 449 / 1 ، تهذيب الأحكام 5 : 399 / 1288 ، وسائل الشيعة 13 : 462 ، أبواب الطواف ، ب 91 ، ح 1.

للصلاة. هذا إن أمكن طوافهم ولو محمولين ، وإلّا وجبت الاستنابة ، ويعتبر ذلك حينئذٍ في النائب.

أمّا الحائض فلا يجوز لها دخول المسجد الحرام ولو متيمّمة فلا يصحّ طوافها. والأخبار به وبأنها تعدل إلى حجّ الإفراد لو لم تطهر في وقت يسعها بعد الطهر أفعال العُمرة مع إدراك الموقفين كثيرة (1) ، فلا بدّ لها من أن تطهر أوّلاً حتّى يباح لها التيمّم للطواف إذا تعذّرت المائيّة.

وأمّا الجنب فيصحّ منه الطواف بالترابيّة ؛ للعمومات ، ومن حيث اضطراره حينئذٍ ، وعدم ورود الرّخصة له بالعدول أو تأخير الطواف.

السابعة : يشترط في صحّة الطواف طهارة الثوب من النجاسة مطلقاً ، وإن عفي عنها في الصلاة على الأشهر الأظهر ؛ لعموم الدليل ، كخبر يونس بن يعقوب : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف قال ينظر الموضع الذي فيه الدم فيعرفه ، ثمّ يخرج فيغسله ، ثمّ يعود فيتمّ طوافه (2).

وموثّقته : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأنا أطوف ، فقال اعرف الموضع ، ثمّ اخرج فاغسله ، ثمّ عدّ وابنِ على طوافك (3).

وعمل المشهور يجبر ضعف السند.

والجمع بين هذه الرواية وما رواه الشيخ عن البزنطيّ عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : قلت له : رجل في ثوبه دم ممّا لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه ، فقال أجزأه الطواف فيه ، ثمّ ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر (4).

بحمل هذه على من لم يعلم بالنجاسة حتّى فرغ من طوافه ، فإنه صحيح ؛

ص: 272


1- ستأتي في المسألة الثامنة عشرة انظر : ص 283 وما بعدها.
2- تهذيب الأحكام 5 : 126 / 415 ، وسائل الشيعة 13 : 399 ، أبواب الطواف ، ب 52 ، ح 2.
3- الفقيه 2 : 246 / 1183 ، وسائل الشيعة 13 : 399 ، أبواب الطواف ، ب 52 ، ح 1.
4- تهذيب الأحكام 5 : 126 / 416 ، وسائل الشيعة 13 : 399 ، أبواب الطواف ، ب 52 ، ح 3.

للامتثال ، ولأنه ممّن وضع عنهم ما لا يعلمون.

وظاهر الفتوى أن من لم يعلم بالنجاسة حتّى فرغ صحّ طوافه مطلقاً ، بل لا نعلم فيه مخالفاً ، بل ادّعى فيه الإجماع جماعة. وجاهل الحكم عامد على الأشهر الأظهر ؛ لعدم دليل على معذوريّته هنا ، والأصل عدم المعذوريّة.

وفي ( الدروس ) (1) ألحقَ الناسي بالعامد. والمشهور إلحاقه بالجاهل ، وهو غير بعيد ؛ لصدق الامتثال وتحقّق المعذوريّة في الجملة.

ولو قيل بالفرق بين ذكرانه في حال إمكان الإتيان به ، أو قبل التلبّس بنُسُك آخر وغيره كان وجهاً.

ومن علم بالنجاسة في الأثناء أزالها وبنى إن أكمل حينئذٍ أربعة أشواط مطلقاً وصحّ طوافه. وكذا يصحّ لو لم يستلزم إزالتُها قطعَه والإخلالَ بالموالاة مطلقاً. أمّا لو كان إزالتُها تستلزم ذلك وعلم قبل إكمال أربعة ، فهل يبني حينئذٍ على ما أتى به أو يعيد من رأس؟

قيل : إن المشهور الثاني ؛ نظراً لأدلّة وجوب الموالاة كالتأسّي وغيره ، خرج منه ما لو أكمل أربعة بدليل ، ولأن الفتوى والأخبار فصّلت في مواضع كثيرة من قواطع الطواف بين إكمال الأربعة فيبني وعدمه فيستأنف ، فكأنها قاعدة في قطع الطواف حصلت بالاستقراء وبهذا تخرج عن القياس.

وقال جماعة : يبني مطلقاً (2) ؛ نظراً إلى إطلاق الخبرين المذكورين (3) ، وصحيح حمّاد بن عثمان عن حبيب بن [ مظاهر (4) ] قال : ابتدأت في طواف الفريضة وطفت شوطاً ، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ، ثمّ جئت فابتدأت الطواف ، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال بئس ما صنعت ، كان ينبغي لك أنْ تبنى

ص: 273


1- الدروس 1 : 404.
2- مدارك الأحكام 8 : 145 - 146.
3- هما قويّة منصور بن حازم : في الكافي 4 : 421 / 2 ، تهذيب الأحكام 5 : 129 / 426 ، وخبره : في الكافي 5 : 129 / 427.
4- من المصدر ، وفي المخطوط ( ظاهر ).

على ما طفت ، أما إنه ليس عليك شي ء (1).

ونظراً إلى صدق الامتثال بما مضى ، وهذا أقوى من الأوّل.

بل ظاهر ( المدارك ) (2) وغير واحد : أنه المشهور ، ولم ينسبوا الخلاف بالتفصيل إلّا إلى الشهيدين (3).

وهذه الأخبار مقيّدة لما ربّما يقال : إن القاعدة المستفادة من استقراء أحكام قطع الطواف الفرق بين ما إذا كان بعد إكمال أربعة فيبني ، أو قبله فيعيد. فصحّة البناء هنا مطلقاً خرج وثبت بهذا الدليل. وربّما قيل بالإعادة مطلقاً ، وهو شاذّ نادر ضعيف جدّاً.

الثامنة : يشترط في صحّة الطواف مطلقاً الستر للعورة التي يجب سترها في الصلاة ، فقد استفاضت الأخبار بأن أمير المؤمنين عليه السلام أذّن في الموسم لمّا بعثه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بآيات البراءة إلّا يطوف بهذا البيت عريان.

منها : ما نقله الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ) عن العيّاشيّ في تفسيره عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعث عليّاً عليه السلام بسورة براءة فوافى الموسم ، فبلّغ عن اللّه وعن رسوله بالمزدلفة ويوم النحر عند الجمار وفي أيّام التشريق الخبر.

إلى أن قال ولا يطوفنّ بالبيت عريان (4).

ومنه : عن البقباق عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال فيه فلمّا قدم عليّ عليه السلام ، وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحجّ الأكبر.

إلى أن قال وقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان (5) الخبر.

ص: 274


1- الفقيه 2 : 247 / 1188 ، وسائل الشيعة 3 : 379 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 2.
2- مدارك الأحكام 8 : 145 - 146.
3- الدروس 1 : 404 - 405 ، مسالك الأفهام 2 : 339 - 340.
4- تفسير العيّاشيّ 2 : 80 / 5 ، وسائل الشيعة 13 : 400 / 401 ، أبواب الإحرام ، ب 53 ، ح 3.
5- وسائل الشيعة 13 : 401 ، أبواب الإحرام ، ب 53 ، ح 4.

ومنه : عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال خطب علي عليه السلام الناس ، واخترط سيفه وقال : لا يطوفن بالبيت عريان (1).

ومنه : عن أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، نحوه (2).

ومنه : عن حكيم بن الحسين عن علي بن الحسين عليهما السلام أن عليّاً عليه السلام نادى في الموقف : ألا لا يطوفنّ بالبيت عريان ولا عريانة (3).

ومنه : في حديث آخر لمحمّد بن مسلم أن عليّاً عليه السلام قال لا يطوفنّ بالبيت عريان (4).

ومن القمّي عن محمّد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمرني عن اللّه ألّا يطوف بالبيت عريان (5).

واشتهر بين الأُمّة عن ابن عبّاس وهو في ( العلل ) مسند أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال لا يطوفنّ بالبيت عريان (6).

وإرساله وضعف سنده لا يضرّ ، مع اشتهار روايته واشتهار العمل بمضمونه ، وتأيّده بالأخبار ونقل أهل السير والتواريخ المتعرّضين لذكر قصّة براءة (7) ، فلا ريب في استفاضة نهي النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن أن يطوف عريان.

هذا كلّه ، مضافاً إلى التأسّي بفعل الشارع ، مضافاً أيضاً إلى قوله صلى اللّه عليه وآله خذوا عنّي مناسككم (8) مع أنه طاف بستر في مقام البيان. وأيضاً في وجوب لبس الإزار على المحرم أيضاً استئناس لذلك ، بل إشعار ، فتفطّن.

ص: 275


1- تفسير العيّاشيّ 2 : 80 / 7 ، وسائل الشيعة 13 : 401 أبواب الإحرام ، ب 53 ، ح 5.
2- تفسير العيّاشيّ 2 : 81 / 8 ، وسائل الشيعة 13 : 401 ، أبواب الطواف ، ب 53 / ذيل الحديث 5.
3- تفسير العيّاشيّ 2 : 81 / 12 ، وسائل الشيعة 13 : 401 ، أبواب الإحرام ، ب 53 ، ح 6 ، باختلاف فيهما.
4- تفسير العيّاشيّ 2 : 80 / 5 ، وسائل الشيعة 13 : 402 ، أبواب الإحرام ، ب 53 ، ح 7.
5- تفسير القمّي 1 : 309.
6- علل الشرائع 1 : 224 / 2 ، وسائل الشيعة 13 : 400 ، أبواب الطواف ، ب 53 ، ح 1.
7- تفسير القمّي 1 : 309.
8- مسند أحمد بن حنبل 3 : 318.

فلم يبقَ بعد هذا شبهة في وجوب الستر للطواف وشرطيّته في صحّته ، فإن النهي في العبادة يقتضي الفساد ، فليس للتوقّف فيه وجه.

التاسعة : الختان شرط في صحّة طواف الرجل دون المرأة ، كما قطع به أكثر الأصحاب ، وعن ظاهر ( المنتهى ) (1) أنه موضع وفاق.

وفي كلام جماعة أنه إجماع.

والنصوص به مستفيضة ، منها : صحيحة حَرِيز (2) ، وإبراهيم بن عمرو (3) عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال لا بأس أنْ تطوف المرأة غير مخفوضة ، وأمّا الرجل فلا يطوف إلّا وهو مختون.

وصحيحة معاوية بن عمّار عنه عليه السلام أنه قال الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس أنْ تطوف المرأة (4).

وصحيحة إبراهيم بن ميمون عنه عليه السلام : في الرجل يسلم فيريد أن يحجّ وقد حضر الحجّ ، أيحجّ أم يختتن؟ قال لا يحجّ حتّى يختتن (5).

وحسنة حَرِيز عنه عليه السلام قال لا بأس أنْ تطوف المرأة غير مخفوضة ، وأمّا الرجل فلا يطوف إلّا وهو مختتن (6).

وموثّقة حَنَان بن سَدِير : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن نصرانيّ أسلم وحضر الحجّ ولم يكن اختتن ، أيحجّ قبل أن يختتن؟ قال لا ، ولكن يبدأ بالسنّة (7).

ص: 276


1- منتهى المطلب 2 : 690 ( حجريّ ).
2- الكافي 4 : 281 / 2 ، وسائل الشيعة 13 : 377 ، أبواب الطواف ، ب 39 ، ح 1 ، بتفاوتٍ يسير.
3- الفقيه 2 : 250 / 1205 ، وسائل الشيعة 13 : 271 ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب 33 / ذيل الحديث 3 ، بتفاوتٍ يسير.
4- تهذيب الأحكام 5 : 126 / 413 ، وسائل الشيعة 13 : 270 ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب 33 ، ح 1.
5- الكافي 4 : 281 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 270 ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب 33 ، ح 1.
6- الفقيه 2 : 251 / 1206 ، وسائل الشيعة 13 : 271 ، أبواب الطواف ، ب 33 ، ح 3.
7- وسائل الشيعة 13 : 271 ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب 33 ، ح 4.

والنهي في العبادة يقتضي الفساد ، والعبادات كيفيّات [ متلقّيَات (1) ] من الشارع ، ولم نظفر بدليل يدلّ على تخصيص ذلك بحال السعة. وإطلاق قوله تعالى : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (2) وقوله عزّ اسمه ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) (3) لا ينافي ذلك حتّى يجمع بين الآيات والأخبار بالحمل على السعة ، بل هو جمع بلا دليل.

وأي فرق في الأمر بالحجّ والطواف بين شرطيّة الطهارة والستر وغيرها وبين شرطيّة الختان؟ فإذن القول بعدم شرطيّته حال الضرورة ضعيف ، لا دليل عليه.

وهل يشمل الحكم بالشرطيّة غير البالغ من الذكور؟ الظاهر ذلك ؛ لظاهر صحيحة ابن عمّار (4) المذكورة. وحينئذٍ يجب أن يطوف عنه وليّه إذا أحرم به أو يختنه.

وفي الخنثى المشكل إشكال ، أقربه عدم الشرطيّة ؛ للأصل ، وخروجها عن اسم الرجل عرفاً ، وتبادر إطلاق الأغلف على الذكر الصريح. والأحوط الأوْلى إلحاقها بالرجل.

العاشرة : قال في ( المدارك ) : ( قال في ( التذكرة ) : ( لو شكّ في الطهارة : فإن كان في أثناء الطواف تطهّر واستأنف ؛ لأنه شكّ في العبادة قبل فراغها فيعيد كالصلاة. ولو شكّ بعد الفراغ لم يستأنف ) (5). هذا كلامه ، وهو غير جيّد ولا مطابق للأُصول المقرّرة.

والحقّ أن الشكّ في الطهارة إن كان بعد تيقّن الحدث وجب عليه الإعادة مطلقاً ؛ للحكم بكونه محدثاً شرعاً ، وإن كان الشكّ في الطهارة بمعنى الشكّ في بقائها للشكّ في وقوع الحدث بعد تيقّن الطهارة لم تجب عليه كذلك ؛ لكونه متطهّراً

ص: 277


1- في المخطوط : ( متلقّاة ).
2- الحجّ : 29.
3- آل عمران : 97.
4- تهذيب الأحكام 5 : 126 / 413 ، وسائل الشيعة 13 : 270 ، أبواب مقدّمات الطواف ، ب 33 ، ح 1.
5- تذكرة الفقهاء 8 : 113 / المسألة : 476.

شرعاً ) (1) ، انتهى.

قلت : هذه عبارة ( التحرير ) (2) أيضاً ، ومعنى عبارة العلّامة أن من شكّ في أنه تطهّر أم لا ، بعد تيقّن سبق الحدث وهو في الأثناء ، تطهّر وأعاد ؛ لأنه حينئذٍ محدث شرعاً ، ولأن الأصل عدم الطهارة حينئذٍ. وإن كان لم يعرض له الشكّ إلّا بعد فراغه صحّ ، بناءً على ظاهر الحالّ وإلّا لزم الحرج ؛ إذ لا فرق بين طول الزمان بعد الطواف وقصره ، فلو حكم حينئذٍ بالبطلان لزم العسر والحرج لأكثر الناسكين ، وليس في هذا مخالفة لقواعد الفقه وأُصوله.

هذا وقد اشتهر حديث الطواف بالبيت صلاة (3) ، والصلاة بُنِيَ أكثر أحكامها على الظاهر ، كما في الشكوك وغيرها دون الأصل ؛ دفعاً للحرج والعسر ، فكيف بالطواف المكلّف به أهل البلاد البعيدة ، مَنْ لا يجد إلّا استطاعة واحدة؟ فظهر جودة كلام العلّامة ومطابقته للقواعد الشرعيّة ، فتأمّله.

ونظير المسألة الشكّ في عدد الطواف ، وما قاله السيّد جيّد إذا كان الشكّ واقعاً في أثناء الطواف.

الحادية عشرة : من أحدث في أثناء الطواف الواجب قطعه وتطهّر ؛ لما دلّ على شرطيّة الطهارة فيه ، فإن كان حدثه قبل إكمال أربعة أشواط أعاده بعد الطهارة من أوّله ؛ لأصالة شغل الذمّة بيقين وقاعدة وجوب توالي أربعة أشواط. وإن كان بعد إكمال أربعة أشواط تطهّر وبنى على ما مضى ؛ بمقتضى القاعدة المشار لها ولصدق الامتثال ، ولخصوص ما رواه الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) عن موسى بن القاسم عن النخعيّ عن ابن أبي عمير عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه قال يخرج ويتوضّأ ، فإنْ كان جاز النصف

ص: 278


1- مدارك الأحكام 8 : 141.
2- تحرير الأحكام 1 : 99 ( حجريّ ).
3- عوالي اللآلي 2 : 167 / 3 ، سنن الدارمي 2 : 44.

بنى على طوافه ، وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف (1).

وليس لها معارض ، بل ظاهر الفتوى عليها.

الثانية عشرة : تجب سبعة أشواط تامّة لا تنقص ولا تزيد ، كلّ شوط من الحَجَر إلى الحَجَر ، فلو نوى الزيادة أو النقصان ولو في الأثناء بطل ؛ إذ لا يعارض يقين شغل الذمّة اليقيني إلّا مثله ، ولأنه لم يأتِ عن الشارع ، بل هو خلاف عمل الشارع. وقوله : ( العبادة كيفيّة متلقّاة ) ، ويحتمل الصحّة في الجملة إن نوى الزيادة في الأثناء ؛ لخروجها عن المنويّ ، وهو ضعيف جدّاً ، بل لا يبعد سقوطه.

الثالثة عشرة : تجب الموالاة في الأشواط السبعة كما هو ظاهر النصّ (2) والفتوى ، فمن نقص من طوافه عمداً أو سهواً رجع وأتمّ ما بقي إن كان قد أتى بأربعة متوالية ، وإلّا أعاد من رأس سواء كان عامداً أو ساهياً ، كما هو ظاهر الفتوى.

وفي مختصر السيّد عليّ من شرحه على ( النافع ) : ( قد أخرجنا متمسّك هذا الحكم في ( الشرح ) (3) ) (4) ، انتهى.

وقد نبّهناك على أن هذه قاعدة مأخذها استقراء أحكام قطع الطواف لمرض ، أو حضور صلاة ، أو حاجة مؤمن ، أو عروض حدث ، أو غير ذلك. خرج منها ما خرج بدليل ، وبقي الباقي على مقتضى القاعدة.

الرابعة عشرة : لا يجوز تعمّد قطع الطواف الواجب في غير ما رخّص فيه الدليل ؛ لظاهر الكتاب والنصّ (5) والإجماع ، فلو فعل أتمّ وأعاد ؛ إمّا ما بقي أو من رأس ، بحسب الدليل ، وستعرف مواضعها في خلال الكتاب إن شاء اللّه تعالى.

الخامسة عشرة : من اختصر شوطاً في الحجر بأن سلك من باطنه ، بطل شوطه

ص: 279


1- تهذيب الأحكام 5 : 118 / 384 ، وسائل الشيعة 13 : 378 ، أبواب الطواف ، ب 40 ، ح 1.
2- انظر وسائل الشيعة 13 : 378 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، و: 386 ، أبواب الطواف ، ب 45.
3- رياض المسائل 4 : 283. بتفاوتٍ يسير.
4- الشرح الصغير 1 : 424.
5- وسائل الشيعة 13 : 378 ، أبواب الطواف ، ب 41.

بالنصّ والإجماع. وهل يبطل الطواف كلّه فتجب الإعادة من رأس ، أو يعيد ما اختصر من طوافه خاصّة ، أو يعيد من رأس إن كان الاختصار قبل إكمال أربعة أشواط ، وما اختصر خاصّة إن كان بعده؟ الأظهر الأشهر الثاني.

ويدلّ عليه ما رواه في ( تهذيب الأحكام ) في الصحيح عن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له : رجل طاف بالبيت واختصر شوطاً واحداً في الحَجر قال يعيد ذلك الشوط (1).

وفي ( الفقيه ) : روى ابن مسكان عن الحلبيّ قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجر ، كيف يصنع؟ قال يعيد الطواف الواحد (2).

وفي ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين ، نقلاً من ( مستطرفات السرائر ) (3) في الصحيح عن الحلبيّ عنه عليه السلام ، مثل ما في ( الفقيه ).

وفي ( الكافي ) في الصحيح عن حفص بن البختريّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحجر قال يقضي ما اختصر من طوافه (4).

وعلى هذا ، فما ورد في المسألة من إطلاق الأمر بالإعادة مقيّد مبيّن بهذه الأخبار أو محمول على من اختصر السبعة ، فإنه يعيدها إجماعاً ، فلا يطرح خبر بل يحصل العمل بجميعها. ولو قلنا بإعادة الطواف من رأس لزم طرح هذه الصحاح الصراح.

ومنه يظهر ضعف القول بالتفصيل بين ما لو كان الاختصار قبل إكمال أربعة فيعيد من رأس ، وما لو كان بعد إكمالها فيعيد ما اختصره خاصّة ؛ إذ لا دليل عليه في هذا

ص: 280


1- تهذيب الأحكام 5 : 109 / 353 ، وسائل الشيعة 13 : 356 ، أبواب الطواف ، ب 31 ، ح 1.
2- الفقيه 2 : 249 / 1197 ، وسائل الشيعة 13 : 356 ، أبواب الطواف ، ب 31 / ذيل الحديث 1.
3- السرائر ( المستطرفات ) 3 : 561 ، وسائل الشيعة 13 : 356 ، أبواب الطواف ، ب 31 / ذيل الحديث 1.
4- الكافي 4 : 419 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 356 ، أبواب الطواف ، ب 31 ، ح 2.

المقام إلّا القاعدة المشار لها ، وعلى تقديرها فالدليل هنا مخرج عنها ، ولا مقاومة بين هذه الأخبار ، وبين قاعدة مستنبطة من الاستقراء.

السادسة عشرة : لا يجوز قطع الطواف الواجب لدخول البيت ؛ لظاهر الكتاب والسنّة ، فلو قطع طوافه لدخول البيت فإن كان قبل كمال أربعة أشواط أعاد من رأس ، لا نعلم فيه مخالفاً ، وإن كان بعده ، فالمشهور أنه يبني على ما مضى ويكمله. وقيل : يعيد من رأس ، واستوجهه السيّد في ( المدارك ) (1) ، وهو قويّ.

والذي يدلّ على تحريمه لذلك ، وعلى إعادته أجمع إن قطعه قبل إكمال أربعة ، صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ، ثمّ وجد من البيت خلوة فدخله ، كيف يصنع؟ قال يعيد طوافه ، وخالف السنّة (2).

وخبر ابن مُسْكَان قال : حدّثني من سأله عليه السلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط ، ثمّ وجد خلوة من البيت فدخله قال يقضي طوافه ، وخالف السنّة ، فليعد (3).

وصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام : فيمن كان يطوف بالبيت فعرض له دخول الكعبة فدخلها قال يستقبل طوافه (4).

ويدلّ بإطلاقها على عموم الإعادة ولو كان دخوله بعد الأربعة ، ولا معارض لها فيما ظهر.

هذا ، والإجماع على وجوب الموالاة المعتضد بالتأسّي ، ويقين شغل الذمّة بيقين [ يقتضيان (5) ] وجوب الإعادة حينئذٍ من رأس مطلقاً ، واللّه العالم.

ص: 281


1- مدارك الأحكام 8 : 150.
2- تهذيب الأحكام 5 : 118 / 386 ، وسائل الشيعة 13 : 379 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 3.
3- تهذيب الأحكام 5 : 118 / 387 ، وسائل الشيعة 13 : 379 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 4 ، وفيهما : « نقض طوافه » ، إلّا إنه في هامش وسائل الشيعة إشارة إلى أنه في نسخة من وسائل الشيعة : « يقضي ».
4- الفقيه 2 : 247 / 1187 ، وسائل الشيعة 13 : 378 - 379 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 1.
5- في المخطوط : ( يقضي ).

السابعة عشرة : يجوز قطع الطواف عند عروض حاجة للطائف يخاف فوتها ، أو عروض قضاء حاجة مؤمن مطلقاً ، لا يظهر لي فيه مخالف. فإن قطعه حينئذٍ قبل إكمال الأربعة أعاده من رأس ، وإن كان بعدها بنى على ما مضى وأكمله ، كما هو ظاهر الفتوى. ويدلّ على هذا كلّه أخبار كثيرة.

فأمّا ما يدلّ على أنه إذا لم يتمّ أربعة أشواط يعيدهُ من رأس فصحيح أبان بن تَغْلِب عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في رجل طاف شوطاً أو شوطين ، ثمّ خرج مع رجل في حاجته قال إنْ كان طواف نافلة بنى عليه وإن كان طواف فريضة لم يبنِ (1).

وظاهر خبر جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام : في الرجل يطوف ثمّ تعرض له الحاجة قال لا بأس أنْ يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف ، وإن أراد أنْ يستريح ويقعد فلا بأس بذلك ، فإذا رجع بنى على طوافه ، فإنْ كان نافلة بنى على الشوط والشوطين ، وإن كان طواف فريضة ثمّ خرج في حاجة مع رجل لم يبنِ ، ولا في حاجة نفسه (2).

وعلى هذا ظاهر الفتوى. فما ظاهره من الأخبار أنه يبني مطلقاً إذا خرج في حاجة له أو لغيره محمول على طواف النافلة دون الفريضة.

وأمّا إنه إذا كان بعد إكمال أربعة يبني على ما مضى ، فيدلّ عليه خبر أبي عزة قال : مرّ بي أبو عبد اللّه عليه السلام وأنا في الشوط الخامس من الطواف ، فقال لي انطلق حتّى نعود هاهنا رجلاً.

فقلت : أنا في خمسة أشواط من أُسبوعي ، فأُتمّ أُسبوعي؟ قال اقطعه واحفظه من حيث تقطعه ، حتّى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه (3).

وخبر أبي الفرج قال : طفت مع أبي عبد اللّه عليه السلام خمسة أشواط ، ثمّ قلت : إني

ص: 282


1- الكافي 4 : 413 / 1 ، تهذيب الأحكام 5 : 119 / 388 ، الإستبصار 2 : 223 / 770 ، وسائل الشيعة 13 : 380 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 5.
2- تهذيب الأحكام 5 : 120 / 394 ، الإستبصار 2 : 224 / 774 ، وسائل الشيعة 13 : 381 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 8.
3- الكافي 4 : 414 / 6 ، وسائل الشيعة 13 : 382 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 10.

أُريد أن أعود مريضاً ، فقال احفظ مكانك ثمّ اذهب فعده ، ثمّ ارجع فأتمّ طوافك (1).

وأمّا أصل جواز القطع لذلك ، فيدلّ عليه خبر أبي أحمد قال : كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام يده في يدي أو يدي في يده إذ عرض لي رجل له حاجة فأومأت إليه بيدي فقلت له : كما أنت حتّى أفرغ من طوافي ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام ما هذا؟. فقلت : أصلحك اللّه ، رجل جاءني في حاجة ، فقال أمسلم هو؟. قلت : نعم قال اذهب معه في حاجته. قلت : أصلحك اللّه ، وأقطع الطواف؟ قال نعم ، قلت : وإن كان في المفروض؟ قال نعم وإن كنت في المفروض.

قال : وقال أبو عبد اللّه عليه السلام من مشى مع أخيه المسلم في حاجته ، كتب اللّه له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيّئة ، ورفع له ألف ألف درجة (2).

وخبر أبان بن تَغْلِب قال : كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في الطواف ، فجاءني رجل من إخواني فسألني أن أمشي معه في حاجته ، ففطن لي أبو عبد اللّه عليه السلام ، فقال يا أبان ، من هذا الرجل؟. فقلت : رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجته ، فقال يا أبان ، اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته فاقضها له.

قلت : وإن كان في فريضة؟ قال نعم وإن كان [ طواف (3) ] فريضة. فقال يا أبان ، ما ثواب من طاف بهذا البيت أُسبوعاً؟. فقلت : لا واللّه ما أدري قال تكتب له ستّة آلاف حسنة ، وتمحى عنه ستّة آلاف سيّئة ، وترفع له ستّة آلاف درجة قال : وروى إسحاق بن عمّار وتقضى له ستّة آلاف حاجة ولقضاء حاجة عبد مؤمن خير من طواف وطواف حتّى عدّ عشرة أسابيع ، فقلت : جعلت فداك أفريضة أم نافلة؟ فقال يا أبان ، إنما يسأل اللّه العباد عن الفرائض لا عن النوافل (4).

ص: 283


1- تهذيب الأحكام 5 : 119 / 388 ، الإستبصار 2 : 223 / 770 ، وسائل الشيعة 13 : 380 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 6.
2- الكافي 4 : 414 / 7 ، وسائل الشيعة 13 : 383 ، أبواب الطواف ، ب 42 ، ح 3.
3- من وسائل الشيعة ، وفي تهذيب الأحكام : ( في ).
4- تهذيب الأحكام 5 : 120 / 392 - 393 ، وسائل الشيعة 13 : 380 - 381 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 7 ، و: 302 ، أبواب الطواف ، ب 4 ، ح 1.

ويؤيّدهما عموم الأخبار المستفيضة وإطلاقاتها بالحثّ على قضاء حاجة المؤمن ، وهي أكثر من أن أُحصيها.

الثامنة عشرة : الحائض والنفساء إذا اعتلّتا قبل إكمال أربعة أشواط ، بطل ما طافتاه من الأشواط وصبرتا حتّى تطهرا ، أو طافتا وأكملتا أفعال العُمرة ، فإن منع المتمتّعة منهما عذرُها عن التربّص إلى الطهر ؛ لتضيّق الوقت عن إكمال العُمرة وإدراك الموقفين وخافت فواتهما وجب عليها العدول بنيّة الإحرام إلى حجّ الإفراد ، والاعتمار بمفردة بعده على ما هو المعروف من المذهب ، بل ظاهر ( الغنية ) (1) وغير واحد أنه إجماع.

قال السيّد عليّ في ( شرح النافع ) (2) : أنه استفاض نقل الإجماع عليه في كلام جمع. وعن العلّامة في ( المنتهى ) (3) و ( التذكرة ) (4) أنه قول علمائنا أجمع.

ويدلّ عليه روايات : منها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير وفُضالة عن جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية قال تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة ، ثمّ تقيم حتّى تطهر ، وتخرج إلى التنعيم وتحرم وتجعلها عمرة.

قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة (5).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تجي ء متمتّعة ، فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتّى تخرج إلى عرفات ، فقال تصير حجّة مفردة (6).

وفي الصحيح عن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ليس على النساء حلق ، وعليهنّ التقصير ، ثمّ يهللن بالحجّ يوم التروية فكانت عمرة وحجّة ، فإنْ اعتللن كنّ على حجّهن ولم

ص: 284


1- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 8 : 401.
2- رياض المسائل 4 : 321.
3- منتهى المطلب 2 : 855.
4- تذكرة الفقهاء 8 : 217 / المسألة : 560.
5- تهذيب الأحكام 5 : 390 / 1363.
6- الفقيه 2 : 240 / 1147.

يضررن بحجّهن (1).

وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن المرأة تجي ء متمتّعة ، فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتّى تخرج إلى عرفات قال تصير حجّة مفردة (2) الخبر.

وفي الصحيح عن ابن بَزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكّة متمتّعة ، فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ قال كان جعفر عليه السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية الخبر.

إلى أن قال : فذكرت له رواية عجلان (3) ، فقال لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة.

فقلت : فهي على إحرامها أو تجدّد إحراماً للحجّ؟ فقال لا ، هي على إحرامها. فقلت : فعليها هدي؟ قال لا ، إلّا أنْ تحبَّ أنْ تتطوّع (4) الخبر.

وبالجملة ، فالأخبار بذلك كثيرة وعليها ظاهر العصابة في كلّ زمان ، وهو المعروف من عملهم وفتاواهم بلا تناكر. فوجب حمل ما دلّ بظاهره على أنه يجوز لها أن تؤخّر الطواف كلّه وتأتي ببقيّة أفعال العُمرة ، وتقضي الطواف بعد الموقفين وأفعال منى ، على ما إذا [ كانت (5) ] قد اعتلّت بعد أن طافت أربعة أشواط ، فإن ظواهر ما دلّ على ذلك شاذّ ، فإن قيل به فهو شاذّ مثله ، وقد أُمرنا بالأخذ بما اشتهر دون ما شذّ (6).

فإن كان علّتها بعد أن أكملت أربعة أشواط ، علمت موضع قطعها وقطعت ، وأتت بالسعي وقصّرت وقضت ما بقي بعد أفعال منى قبل طواف الحجّ والنساء ، وكذا صلاة هذا الطواف في المشهور بين العصابة ، بل ظاهر ( الغنية ) (7) أنه إجماع. هذا إن خافت فوت الموقفين قبل أن تطهر ، وإلّا صبرت وأكملت الطواف وأتت ببقيّة

ص: 285


1- تهذيب الأحكام 5 : 390 / 1364.
2- تهذيب الأحكام 5 : 390 / 1365.
3- تهذيب الأحكام 5 : 391 - 392 / 1368 - 1369.
4- تهذيب الأحكام 5 : 391 / 1366 ، الاستبصار 2 : 311 / 1107.
5- في المخطوط : ( كان ).
6- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229.
7- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 8 : 401.

واجبات العُمرة إن اعتلّت بعد الأربعة وإلّا استأنفته بعد الطهر.

واستدلّوا عليه بخبر صاحب اللؤلؤ قال : حدّثنا من سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المرأة المتمتّعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثمّ حاضت ، فمتعتها تامّة وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وتخرج إلى منى قبل أنْ تطوف الطواف الآخر (1).

وخبر سعيد الأعرج قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمّ طمثت قال تتمّ طوافها فليس عليها غيره ، ومتعتها تامّة فلها أنْ تطوف بين الصفا والمروة ؛ وذلك لأنها زادت على النصف ، وقد مضت متعتها ولتستأنف بعد الحجّ (2).

وعن إبراهيم بن إسحاق ، عمّن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام : عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمّ طمثت قال تتمّ طوافها وليس عليها عمرة ومتعتها تامّة ، ولها أنْ تطوف بين الصفا والمروة ؛ وذلك لأنها زادت على النصف ، وقد مضت متعتها (3) الخبر.

وخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة ، فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقيّة طوافها من الموضع الذي علمته ، وإن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أنْ تستأنف الطواف من أوّله (4). ويؤيّدها الأخبار الكثيرة وفيها الصحيح وغيره المطلقة : أن مَن طمثت قبل الطواف أخّرته وأتمّت العُمرة وأتت به بعد الحجّ. فإنه إذا دلّت على جواز تأخير الطواف كلّه ومتعتها تامّة ، فلأن تؤخّر ما نقص عن النصف بطريق أوْلى. وأيضاً القاعدة المدّعاة في أن من طاف أربعة فقطع يبني تؤيّده ، بل هو فرد منها.

ص: 286


1- تهذيب الأحكام 5 : 393 / 1370 ، وسائل الشيعة 13 : 456 ، أبواب الطواف ، ب 86 ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 5 : 393 / 1371 ، وسائل الشيعة 13 : 456 ، أبواب الطواف ، ب 86 ، ح 1.
3- الفقيه 2 : 241 / 1155 ، وسائل الشيعة 13 : 455 ، أبواب الطواف ، ب 85 ، ح 4.
4- الكافي 4 : 448 / 2 ، وسائل الشيعة 13 : 453 - 454 ، أبواب الطواف ، ب 85 ، ح 1.

ونقل في ( المدارك ) عن ابن إدريس أنه قال : ( الذي تقتضيه الأدلّة ، أنها إذا جاءها الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها ، وإنما ورد بما قال شيخنا أبو جعفر (1) خبران مرسلان (2) فعمل عليهما ، وقد بيّنا أنه لا يعمل بأخبار الآحاد وإن كانت مسندة ، فكيف بالمراسيل؟ ) (3).

قال في ( المدارك ) : ( وهذا القول لا يخلو من قوّة ؛ لامتناع إتمام العُمرة المقتضي لعدم وقوع التحلّل. ويشهد له صحيحة محمّد بن إسماعيل ، حيث قال فيها : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تدخل مكّة متمتّعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ ) (4) الحديث (5) ، انتهى.

قلت : وقريب منها صحيحة الحلبيّ المتقدّمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، حيث قال فيها ليس على النساء حلق وعليهنّ التقصير ، ثمّ يهللن بالحجّ يوم التروية فكانت عمرة وحجّة ، فإنْ اعتللن كنّ على حجّهن ولم يضررن بحجّهن (6).

فإن إطلاقها شامل لمحلّ النزاع.

وصحيحة ابن عمّار المتقدّمة : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تجي ء متمتّعة ، فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتّى تخرج إلى عرفات ، فقال تصير حجّة مفردة (7) لأن إطلاق قبليّة الطواف يشمل محلّ النزاع ؛ لأن لفظ الطواف ينصرف إلى الكامل وهو السبعة. ويؤيّده أيضاً أن الطواف عبادة واحدة ، فجواز تفريقها يحتاج إلى دليل ، والأرجح المشهور.

والجواب : المنع من اقتضاء الأدلّة لما قاله ابن إدريس ، فإنك إذا تتبّعت الأدلّة

ص: 287


1- المبسوط 1 : 331.
2- تهذيب الأحكام 5 : 393 / 1370 - 1371 ، الإستبصار 2 : 313 / 1111 1112 ، وسائل الشيعة 13 : 456 ، أبواب الطواف ، ب 86 ، ح 1 ، 2.
3- السرائر 1 : 623.
4- مدارك الأحكام 7 : 182 - 183.
5- تهذيب الأحكام 5 : 391 / 1366 ، الإستبصار 2 : 311 / 1107 ، وسائل الشيعة 11 : 299 - 300 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 21 ، ح 14.
6- تهذيب الأحكام 5 : 390 / 1364.
7- الفقيه 2 : 240 / 1147.

وجدتها تدافع ما قال ، ومثله القول بامتناع إتمام العُمرة على كلّ حال. والأخبار إذا تصفّحتها وجدتها تدلّ على جواز تفريق الطواف والسعي في موارد كثيرة.

وبهذا يندفع القول : إنها عبادة واحدة فالأصل عدم جواز تفريقها.

وإطلاق قبليّة الطواف إنما يتبادر منها قبليّته بأجمعه ، وبه تنتفي دلالة الأخبار المذكورة. وصحيحة ابن بَزِيع (1) شاملة لما لو فجأها المرض في أثناء السعي ، بل قبل التقصير ولو كمل السعي. والنصّ (2) والإجماع على تمام متعتها إذا اعتلّت بعد كمال السعي. وضعف سند دليل المشهور منجبر بعمل أساطين الفرقة ومشهورهم في كلّ زمان.

التاسعة عشرة : إذا دخل وقت فريضة جاز قطع الطواف مطلقاً ، ولو كان فرضاً بلغ النصف أم لا (3). ولا فرق في الفريضة بين اليوميّة وغيرها ممّا وجب بأصل الشرع أو بالسبب العارض فيصلّي ويبني على ما طاف ولو كان شوطاً على الأشهر الأظهر. وظاهر ( الغنية ) (4) أنه إجماع ، وعن ( المنتهى ) (5) و ( التذكرة ) (6) أنه قول العلماء إلّا مالكاً.

ويدلّ على ذلك كلّه خبر هشام عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال في رجل كان في طواف فريضة فأدركته صلاة فريضة قال يقطع طوافه ويصلّي الفريضة ، ثمّ يعود فيتمّ ما بقي عليه من طوافه (7).

وصحيحة ابن سنان قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل كان في طواف النساء

ص: 288


1- تهذيب الأحكام 5 : 391 / 1366 ، الاستبصار 2 : 311 / 1107.
2- الكافي 4 : 448 / 2 ، وسائل الشيعة : 453 - 454 ، أبواب الطواف ، ب 85 ، ح 1.
3- وردت بعدهما هذه العبارة : ( وظاهر الغنية .. إلّا مالكاً ) وقد حذفناها لتكرّرها في نهاية الفقرة.
4- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 8 : 404 - 405.
5- منتهى المطلب 2 : 698.
6- تذكرة الفقهاء 8 : 115 / المسألة : 478 ، وفيه : ( قول العامّة إلّا مالكاً ).
7- الكافي 4 : 415 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 384 ، أبواب الطواف ، ب 43 ، ح 1.

فأُقيمت الصلاة قال يصلّي ، فإذا فرغ بنى من حيث قطع (1).

ولا يجوز قطع طواف الفريضة لصلاة نافلة مطلقاً ، وإن كانت الوتر على الأشهر الأظهر ؛ لعدم جواز قطع الفريضة ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (2) وغيرها من الأخبار ، والإجماع إلّا ما خرج بدليل ، ولأنه عبادة واحدة فجواز قطعها وتفريقها يحتاج إلى دليل ، ولأن الذمّة مشغولة بالطواف بيقين ، فإجزاء المفرّق يحتاج إلى دليل ، فلا يجوز قطعه لها والبناء ، ولا يظهر قائل بجواز القطع ووجوب الاستئناف ، مع أنه لا دليل عليه ، بل هو على عدمه قائم.

وما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : سألته عن الرجل يكون في الطواف ، وقد طاف بعضه وبقي عليه بعض ، فيطلع الفجر ، فيخرج من الطواف إلى الحِجْر أو إلى بعض المساجد ، إذا كان لم يوتر ، فيوتر ثمّ يرجع فيتمّ طوافه ، أفَتَرى ذلك أفضل أم يتمّ الطواف ثمّ يوتر وإن أخّر بعض الأسفار؟ قال ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ، ثمّ أتمّ الطواف بعد (3). فمحمول على طواف النافلة.

وأجاز الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) (4) قطعه مطلقاً ، لمثل ما تضمّنته هذه الرواية ، من خوف فوت الوتر ، وأنه حينئذٍ يبني على ما مضى. واستدلّ عليه بهذه الرواية ، وبأن هذه النافلة يعني : الوتر معلّقة بوقت ، فإذا جاز وقتها من أدائها كان قاضياً لها ، وليس كذلك الطواف ؛ لأنه ليس له وقت معيّن من أخّره عنه فاته.

وهذا الدليل إن سلّم اقتضى جواز قطع طواف الفرض ؛ لخوف فوات وقت كلّ

ص: 289


1- الكافي 4 : 415 / 3 ، وسائل الشيعة 13 : 384 - 385 ، أبواب الطواف ، ب 43 ، ح 2.
2- محمّد : 33.
3- الكافي 4 : 415 / 2 ، تهذيب الأحكام 5 : 122 / 397 ، وسائل الشيعة 13 : 385 - 386 ، أبواب الطواف ، ب 44 ، ح 1.
4- تهذيب الأحكام 5 : 121 122 / ذيل الحديث 396 ، بالمعنى ، وسائل الشيعة 13 : 385 - 386 ، أبواب الطواف ، ب 44 ، ح 1.

نافلة موقّتة ، ولا نعلم به قائلاً. على أنا نمنع أن طواف الفرض ليس له وقت معيّن ، بل نقول : متى شرع الناسك فيه تعيّن الوقت له إلّا ما خرج بدليل في بعضه. وقد وافق الشيخَ على ذلك بعضُ المتأخّرين (1) ، وهو ضعيف.

العشرون : من نسي شوطاً أو شوطين أو ثلاثة صحّ طوافه وأكمل بعد الذكر ، وإن كان أكثر من ذلك استأنف ، هذا هو المعروف من المذهب.

أمّا الأوّل ، فيدلّ عليه من الأخبار مثل خبر الحسن بن عطيّة قال : سأله سليمان ابن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستّة أشواط قال أبو عبد اللّه عليه السلام وكيف طاف ستّة أشواط؟.

قال : استقبل الحجر وقال : اللّه أكبر وعقد واحداً ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام يطوف شوطاً.

فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتّى أتى أهله قال يأمر من يطوف عنه (2).

ولا فارق بين الشوط والشوطين والثلاثة فيما علمناه قبل ( المدارك ) (3) ، بل في ( الغنية ) (4) أنه إن قطع الطواف الواجب لأداء الفريضة بنى على ما مضى ولو شوطاً ، وإلّا فالتفصيل مطلقاً ، وأنه إجماع.

وإطلاق موثّقة إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل طاف بالبيت ثمّ خرج إلى الصفا ، فطاف بين الصفا والمروة ، فبينما هو يطوف ؛ إذ ذكر أنه ترك بعض طوافه بالبيت قال يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه ، ثمّ يرجع إلى الصفا والمروة فيتمّ ما بقي (5).

فإنه متناول للواحد والاثنين والثلاثة.

أمّا الثاني ، فلا يظهر فيه خلاف ، ويدلّ عليه أصالة بقاء شغل الذمّة المتيقّن ،

ص: 290


1- منتهى المطلب 2 : 698.
2- تهذيب الأحكام 5 : 109 / 354 ، وسائل الشيعة 3 : 357 ، أبواب الطواف ، ب 32 ، ح 1.
3- مدارك الأحكام 8 : 148 - 149.
4- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 8 : 404 - 405.
5- الكافي 4 : 418 / 8 ، الفقيه 2 : 248 / 1190 ، تهذيب الأحكام 5 : 109 / 355 ، وسائل الشيعة 13 : 358 ، أبواب الطواف ، ب 32 ، ح 2.

وأصالة عدم جواز تفرقة العبادة الواحدة ، والإجماع على وجوب الموالاة العرفيّة في الطواف الواجب ، إلّا ما خرج بدليل.

ويدلّ على التفصيل من أصله وعلى الشقّين معاً العلّة المصرّح بها في النصوص السابقة في حكم من حاضت في أثناء الطواف كخبر الأعرج : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمّ طمثت قال تتمّ طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامّة ، وذلك لأنها زادت على النصف (1) الخبر.

وخبر إبراهيم بن إسحاق عمّن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمّ طمثت قال تتمّ طوافها وليس عليها عمرة ومتعتها تامّة ؛ وذلك لأنها زادت على النصف (2) الخبر.

وخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت ، فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقيّة طوافها من الموضع الذي علمت. وإن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف ، فعليها أنْ تستأنف الطواف (3).

وهذه العلّة قد أومأت إليها عدّة أخبار كما يظهر بالتدبّر ، بل التفصيل كأنه قاعدة وأصل يرجع إليه إلّا ما استثناه الدليل.

ولو لم يذكر ما نسي بعد أن أكمل النصف حتّى خرج من مكّة رجع فأتمّ مع المكنة ، فإن تعذّر استناب من يأتي بما ترك.

أمّا الأوّل فللأصل ، حيث إن المكلّف بالنُّسُك شخص معيّن ، والأصل يقتضي عدم إجزاء عمل غيره عنه في العينيّ.

وأمّا الثاني فبالإجماع ، ولخبر الحسن بن عطيّة (4).

ص: 291


1- تهذيب الأحكام 5 : 393 / 1371 ، وسائل الشيعة 13 : 456 ، أبواب الطواف ، ب 86 ، ح 1.
2- الفقيه 2 : 141 / 1155 ، وسائل الشيعة 13 : 455 ، أبواب الطواف ، ب 85 ، ح 4.
3- الكافي 4 : 448 / 2 ، وسائل الشيعة 13 : 453 - 454 ، أبواب الطواف ، ب 85 ، ح 1.
4- تهذيب الأحكام 5 : 109 / 354 ، وسائل الشيعة 3 : 357 ، أبواب الطواف ، ب 32 ، ح 1.

وهل يجب إعادة ما بعد الطواف من المناسك؟ ظاهر إطلاقات الأخبار (1) والفتاوى (2) العدم ، بل عدم المشروعيّة ؛ للاقتصار فيها على الأمر بإعادة المنسيّ حينئذٍ ، ولاقتضاء الامتثال الإجزاء.

وهل يجب بعد الإتيان بذلك الجزء المنسيّ من الطواف أن يقصّر؟ وجهان : ممّا ذكر من اقتضاء الامتثال الإجزاء ، ومن أنه حينئذٍ محرم ولا يتحقّق إحلاله إلّا به ، والأوّل (3) وقع غير موقعه. والأوّل أقرب ؛ لعدم ورود الأمر به ، بل ظاهر بعض الأخبار أنه متى أتى به هو أو نائبه حلّ له ما حرم عليه ، ولتحقّق الامتثال.

الحادية والعشرون : يجوز قطع الطواف للاستراحة بما لا يخلّ بالموالاة عرفاً بالإجماع ، ولأن عليه عمل الأُمّة في سائر الأعصار.

ويدلّ عليه من الأخبار خبر جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يطوف ثمّ تعرض له الحاجة قال لا بأس أنْ يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف ، وإنْ أراد أنْ يستريح ويقعد فلا بأس بذلك (4) الخبر.

فلو نافت استراحته الموالاة عرفاً ؛ لطول زمانها ، فإن كان التأخّر لعجزه عن الإكمال قبل فوات الموالاة أُلحِقَ بمن عرض له مرض في أثنائه ، وإلّا فإن جاز النصف بنى ، وإلّا استأنف.

الثانية والعشرون : لا بدّ من تحقّق الإتيان بسبعة أشواط ، لا أقلّ ولا أكثر ولو كان خطوة ، فلو شكّ فيما دون السبعة بطل مطلقاً ، سواء كان شكّه وهو حذاء الحَجَر أم قبله.

ولو كان في السابع ؛ فإن كان حينئذٍ قبل الحَجَر بطل أيضاً مطلقاً ، سواء كان شكّه

ص: 292


1- الكافي 4 : 418 / 8 ، التهذيب 5 : 109 - 110 / 355 ، الوسائل 13 : 358 ، أبواب الطواف ب 32 ، ح 2.
2- شرائع الإسلام 1 : 243.
3- أي التقصير الأوّل.
4- تهذيب الأحكام 5 : 120 / 394 ، الإستبصار 2 : 224 / 774 ، وسائل الشيعة 13 : 381 ، أبواب الطواف ، ب 41 ، ح 8.

هل هو في السادس أو السابع ، أو هل هو في السابع أو الثامن؟ لأنه لا بدّ حينئذٍ من أن يعرّض الواجب للزيادة العمديّة أو النقيصة العمديّة في كلّ ذلك ، ولأن الذمّة مشغولة بيقين في ذلك كلّه ، ولا يقين في فراغها سواء بنى على الأقلّ أم الأكثر.

وإن كان شكّه في السابع وهو على سَمْتِ الحَجَر ؛ فإن كان شكّه هل أكمل السادس أم السابع؟ بطل أيضاً لما ذكر. وإن كان شكّه : هل أكمل السابع أو الثامن؟ صحّ طوافه لأصالة عدم الزيادة. كلّ ذلك في طواف الفرض.

ولو كان شكّه بعد الانصراف بنى على المصحّح ولم يلتفت للشكّ أصلاً ، وبنى على الظاهر من فعل الصحيح المبرى ء للذمّة ؛ لئلّا يلزم الحرج ، ولأن الطواف صلاة. ومبنى أمر الصلاة على تقديم حكم الظاهر والعمل به ، ويتحقّق الانصراف منه بنيّة قطعه مع الإعراض عنه عرفاً ، وبمحو صورته عرفاً.

والذي يدلّ على أن من شكّ : أستّة طاف أم سبعة؟ فطوافه باطل ، خبرُ محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ، فلم يدرِ أستّة طاف أو سبعة طواف فريضة؟ قال فليعد طوافه.

فقيل له : إنه قد خرج وفاته ذلك قال ليس عليه شي ء (1).

وفيه دلالة على أنه لو شكّ بعد الانصراف لا يلتفت.

ومثله خبر منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إني طفت فلم أدرِ أستّة طفت أم سبعة؟ فطفت طوافاً آخر ، فقال هلّا استأنفت.

قلت : قد طفت وذهبت قال ليس عليك شي ء (2).

ومثلهما أيضاً صحيحة منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة ، فلم يدرِ ستّة طاف أم سبعة؟ قال فليعد طوافه.

فقلت : ففاته. فقال ما أرى عليه شيئاً ، والإعادة أحبّ إليّ وأفضل (3).

ص: 293


1- تهذيب الأحكام 5 : 110 / 356 ، وسائل الشيعة 13 : 359 ، أبواب الطواف ، ب 33 ، ح 1.
2- تهذيب الأحكام 5 : 110 / 358 ، وسائل الشيعة 13 : 359 - 360 ، أبواب الطواف ، ب 33 ، ح 3.
3- الكافي 4 : 416 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 361 ، أبواب الطواف ، ب 33 ، ح 8.

فهذه الأخبار دلّت على أن من شكّ في الفريضة بين الستّة والسبعة بطل طوافه إن كان قبل الانصراف ، وإن كان بعده فلا عبرة بشكّه. وليس في هذه الصحيحة دلالة بوجه على أنه يبني في الفرض على الأقلّ ، كما يظهر من ( المدارك ) (1). والأمر ظاهر جدّاً.

وخبر إسماعيل عن أحمد بن عمر المرهبيّ عن أبي الحسن الثاني عليه السلام : سألته عن رجل شكّ فلم يدرِ أستّة طاف أو سبعة؟ قال إنْ كان في فريضة أعاد كلّ ما شكّ فيه ، وإن كان نافلة [ بنى على ما هو أقلّ (2) (3) ].

ويدلّ على البطلان لو كان شكّه فيما دون الستّة أيضاً موثّقة حَنَان بن سَدِير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في رجل طاف فأوهم قال : إني طفت أربعة ، وقال : طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام أي الطوافين : طواف نافلة ، أو طواف فريضة؟.

ثم قال إنْ كان طواف فريضة فليلقِ ما في يديه وليستأنف ، وإن كان طواف نافلة واستيقن الثلاث ، وهو في شكّ من الرابع أنه طاف ، فليبنِ على الثالث فإنه يجوز له (4).

ولو شكّ في أصل الطواف ، فقال : لا أدري طفت أم لم أطف؟ فإن كان بعد أن صلّى الركعتين ، أو في أثناء السعي أو بعده ، لم يلتفت بناءً على الظاهر. والأحوط الالتفات ما لم يكن شكّه بعد التحلّل. وإن كان شكّه قبل صلاة الركعتين طاف قطعاً.

الثالثة والعشرون : يجب أن يطوف المكلّف الناسك القادر بنفسه ، فلا تجزي الاستنابة مع القدرة ؛ لأصالة عدم إجزاء عمل الغير عنه مع تكليفه عيناً ، وللإجماع. فلو عجز ؛ فإن أمكنه أن يطوف على دابّة وجب ؛ لجوازه اختياراً على الأشهر الأظهر ، وإلّا فإن أمكنه أن يطوف مُعَضّداً له وجب ، وإلّا وجب أن يجعل من يطوف به ولو بأُجرة لا تضرّ بحاله ، لا نعلم فيه خلافاً.

ص: 294


1- مدارك الأحكام 8 : 181.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : « أعاد ».
3- تهذيب الأحكام 5 : 110 / 359 ، وسائل الشيعة 13 : 360 ، أبواب الطواف ، ب 33 ، ح 4.
4- الكافي 4 : 417 / 7 ، وسائل الشيعة 13 : 360 ، أبواب الطواف ، ب 33 ، ح 7.

ويدلّ على أنه يطاف به مع الإمكان صحيحُ صفوان بن يحيى قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المريض يقدم مكّة ، فلا يستطيع أن يطوف بالبيت ولا يسعى بين الصفا والمروة قال يُطاف به محمولاً يخبط الأرض برجله حتّى يمس قدميه في الطواف ، ثمّ يوقف به في أصل الصفا والمروة إذا كان معتلا (1).

وصحيحة حَريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه ، فقال إذا كان لا يستطيع (2).

وموثّقة ابن عمّار قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن المريض ، يطاف عنه بالكعبة؟ فقال لا ، ولكن يطاف به (3).

وصحيحة حَرِيز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال المريض المغلوب والمُغمى عليه يرمى عنه ويطاف به (4).

وخبر الربيع بن خُثَيم قال : شهدت أبا عبد اللّه عليه السلام وهو يطاف به حول الكعبة في محمل (5).

وكذا من اعتلّ في أثناء طوافه يكملْه راكباً. وإلّا يقدر ولو بمانع التقيّة عُضّدَ له وطيف به ما بقي ولو لم يَطُف في ذلك كلّه إلّا بعض شوط.

هذا كلّه إن لم يكن في سعة من تأخير الطواف كلّه أو بعضه مع باقي النُّسُك. فإن كان العليل في سعة من ذلك تأخّر حتّى يتضيّق وقته أو يضطرّ إلى الإحلال.

ص: 295


1- تهذيب الأحكام 5 : 123 / 401 ، الإستبصار 2 : 225 / 777 ، وسائل الشيعة 13 : 389 ، أبواب الطواف ، ب 47 ، ح 2.
2- تهذيب الأحكام 5 : 123 / 402 ، الإستبصار 2 : 225 / 778 ، وسائل الشيعة 13 : 389 ، أبواب الطواف ، ب 47 ، ح 3.
3- تهذيب الأحكام 5 : 123 / 399 ، الإستبصار 2 : 225 / 775 ، وسائل الشيعة 13 : 390 ، أبواب الطواف ، ب 47 ، ح 7.
4- تهذيب الأحكام 5 : 123 / 400 ، الإستبصار 2 : 225 / 776 ، وسائل الشيعة 13 : 389 ، أبواب الطواف ، ب 47 ، ح 1.
5- الكافي 4 : 422 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 391 ، أبواب الطواف ، ب 47 ، ح 8.

فحينئذٍ إن قدر أن يطوف على دابّة وجب ، وإلّا فُمعَضّداً له ، وإلّا يقدر طيف به ، وإلّا يمكن ولو لدوام حدثه وعدم القدرة على الاستمساك طيف عنه. ويصلّي هو إن أمكن وإلّا استناب فيها أيضاً ، فإذا قطع طوافه للمرض ؛ فإن كان قد أكمل أربعة أشواط بنى ، وإلّا استأنف كما هو ظاهر النصّ (1) والفتوى.

وفي ( المدارك ) (2) : إن هذا التفصيل مقطوع به في كلام الأصحاب ، ففي خبر حَرِيز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال المريض المغلوب والمُغمى عليه ، يرمى عنه ويطاف عنه (3).

وصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما (4).

وخبر حبيب الخثعميّ وصحّحه في ( المدارك ) (5) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنْ يطاف عن المبطون والكسير (6).

وخبر البجليّ قال : سألت أبا الحسن عليه السلام ، وكتبت إليه عن سعيد بن يسار أنه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه ، أطوف عنه وأسعى؟ قال لا ، ولكن دعه فإنْ برئ قضى ، وإلّا فاقضِ أنت عنه (7).

وموثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل طاف بالبيت بعض طواف الفريضة ، ثمّ اعتلّ علّة لا يقدر فيها على تمام طوافه قال إذا

ص: 296


1- وسائل الشيعة 13 : 386 ، أبواب الطواف ، ب 45.
2- مدارك الأحكام 8 : 155.
3- الفقيه 2 : 252 / 1214 ، وسائل الشيعة 13 : 393 ، أبواب الطواف ، ب 49 ، ح 2 ، بالمعنى.
4- تهذيب الأحكام 5 : 124 / 404 ، الإستبصار 2 : 226 / 780 ، وسائل الشيعة 13 : 390 ، أبواب الطواف ، ب 49 ، ح 3.
5- مدارك الأحكام 8 : 156.
6- تهذيب الأحكام 5 : 124 / 405 ، الإستبصار 2 : 226 / 781 ، وسائل الشيعة 13 : 394 ، أبواب الطواف ، ب 50 ، ح 5.
7- تهذيب الأحكام 5 : 124 / 406 ، الإستبصار 2 : 226 / 782 ، وسائل الشيعة 13 : 387 ، أبواب الطواف ، ب 45 ، ح 3.

طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تمّ طوافه ، فإنْ كان طاف ثلاثة أشواط وكان لا يقدر على التمام ، فإن هذا ممّا غلب اللّه عليه ، فلا بأس أنْ يؤخّر يوماً أو يومين. فإنْ كانت العافية وقدر على الطواف طاف أُسبوعاً ، فإنْ طالت علّته أمر من يطوف عنه أُسبوعاً ويصلّى عنه ، وقد خرج من إحرامه. وفي رمي الجمار مثل ذلك (1).

ورواه في ( الكافي ) ، إلّا إن فيه ويصلّي هو ركعتين (2).

ولا منافاة ؛ فإنه مع قدرته على أداء ركعتي الطواف في محلّها يتعيّن عليه ، وإلّا أجزأت الاستنابة.

وفي الحسن بل الصحيح عن الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إذا طاف الرجل بالبيت أشواطاً ثمّ اشتكى أعاد الطواف (3) يعني : الفريضة.

وإطلاقها مقيّد بالأُولى ، وضعف الاولى منجبر بالعمل بها ، على أن في ضعفها بحثاً ، وقد عدّها بعضهم في الصحيح ، مع أن المتيقّن من الأشواط هي الثلاثة ، والامتثال يقتضي الإجزاء ، فلا يتعدّى البطلان لما زاد على الثلاثة إلّا بدليل ، ولا دليل.

وفي معتبرة ابن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام الصبيان يطاف بهم ويرمى عنهم.

قال : وقال أبو عبد اللّه عليه السلام المرأة إذا كانت مريضة لا تعقل يطاف بها أو يطاف عنها (4).

وفي ( الفقيه ) : روى أبو بصير أن أبا عبد اللّه عليه السلام مرض ، فأمر غلمانه أن يحملوه ويطوفوا به ، فأمرهم أن يخطّوا برجله الأرض ؛ حتّى تمسّ الأرضَ قدماه في الطواف (5).

وفي رواية محمّد بن الفُضَيل عن الربيع بن خُثَيم أنه كان يفعل ذلك كلّما بلغ إلى

ص: 297


1- تهذيب الأحكام 5 : 124 / 407 ، وسائل الشيعة 13 : 386 - 387 ، أبواب الطواف ، ب 45 ، ح 2.
2- الكافي 4 : 414 / 5.
3- الكافي 4 : 414 / 4 ، وسائل الشيعة 13 : 386 ، أبواب الطواف ، ب 45 ، ح 1.
4- الكافي 4 : 422 / 4 ، وسائل الشيعة 13 : 391 - 392 ، أبواب الطواف ، ب 47 ، ح 9.
5- الفقيه 2 : 251 / 1211.

الركن اليماني (1).

والأخبار في هذا المعنى كثيرة ، ولا يخفى على البصير دلالتها مع القواعد والعمومات على المدّعى ، فلا نطوّل بالبيان.

الرابعة والعشرون : يجوز أن يطوف الناسك على دابّة أو محمولاً لإنسان اختياراً ولو كان صحيحاً ؛ للأصل ، ولما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول حدّثني أبي عليه السلام أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله طاف على راحلته ، واستلم الحَجَر بمحجنه وسعى عليها بين الصفا والمروة (2).

قال : وفي خبر آخر أنه كان يقبّل الحَجَر بالمحجن (3) ؛ ولأن به يتحقّق مسمّى الطواف ، والامتثال يقتضي الإجزاء. هذا مع أنه الأشهر.

الخامسة والعشرون : لو حمل إنسان إنساناً ليطوف حول الكعبة ، ونوى الحامل والمحمول أجزأهما عن فرضيهما بالنصّ والإجماع ، فيما عدا ما لو استأجره للحمل في غير طواف الحامل ، أو استأجره للحمل وأطلقه. ففي الصحيح عن الهيثم بن عُرْوة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له : إني حملت امرأتي ثمّ طفت بها وكانت مريضة ، وقلت له : إني طفت بها بالبيت في طواف الفريضة وبالصفا والمروة ، واحتسبت بذلك لنفسي فهل يجزيني؟ قال نعم (4).

وفي صحيحه الآخر على ما في ( الكافي ) عن أبي عبد اللّه عليه السلام : رجل كانت معه صاحبته ، لا تستطيع القيام على رجلها فحملها زوجها في محمل ، فطاف بها طواف الفريضة بالبيت وبالصفا والمروة ، أيجزيه ذلك الطواف عن نفسه طوافه بها؟

ص: 298


1- الكافي 4 : 422 / 1 ، وسائل الشيعة 13 : 391 ، أبواب الطواف ، ب 47 ، ح 8.
2- الفقيه 2 : 251 / 1209 ، وسائل الشيعة 13 : 442 ، أبواب الطواف ، ب 81 ، ح 2.
3- الفقيه 2 : 251 / 1210 ، وسائل الشيعة 13 : 442 ، أبواب الطواف ، ب 81 ، ح 3.
4- الفقيه 2 : 309 / 1534 ، تهذيب الأحكام 5 : 125 / 410 ، وسائل الشيعة 13 : 395 ، أبواب الطواف ، ب 50 ، ح 2.

فقال إيهاً ، اللّه إذنَ (1)النهاية في غريب الحديث والأثر 87:1 - إيه.(2).

وصحيح ابن البختريّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به ، هل يجزي ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال نعم (3).

وعن ( المنتهى ) أنه قال فيه : ( إذا حمل محرم محرماً فطاف به ، ونوى كلّ واحد منهما الطواف أجزأ عنهما ) (4) ، واستدلّ بصحيحة حفص (5) وحديث الهيثم (6). ولم ينقل فيه خلافاً لعلمائنا.

ومثله في ( التذكرة ) (7).

وقال في ( التلخيص ) : ( يستنيب غير [ المتمكّن (8) ] أو الغائب دون من اجتمع فيه الضدّان ، والحامل يجزئه ) (9).

وقال في ( التحرير ) : ( لو حمل محرم محرماً فطاف به ، ونوى كلّ منهما الطواف

ص: 299


1- الكافي 4 : 428 / 9 ، وسائل الشيعة 13 : 396 ، أبواب الطواف ، ب 51 ، ح 4 ، وفيهما : « إذاً » بدل : « أذِنَ ». قال المجلسيّ رحمه اللّه : ( قوله عليه السلام : « إيهاً اللّه إذاً » ، قال في ( المنتقى ) : ( اتفق في النسخ التي رأيتها ل- ( الكافي ) و ( الفقيه ) إثبات الجواب هكذا : « إيهاً اللّه إذاً » ، وفي بعضها : « أذِنَ » ، وهو موجب لا لتباس المعنى ). قال في (النهاية): (قد ترد (إيهاً) منصوبة بمعنی التصديق والرضا بالشيء)
2-
3- تهذيب الأحكام 5 : 125 / 411 ، وسائل الشيعة 13 : 395 - 396 ، أبواب الطواف ، ب 51 ، ح 3.
4- منتهى المطلب 2 : 702.
5- تهذيب الأحكام 5 : 125 / 411 ، وسائل الشيعة 13 : 395 - 396 ، أبواب الطواف ، ب 51 ، ح 3.
6- الفقيه 2 : 309 / 1534 ، تهذيب الأحكام 5 : 125 / 410 ، وسائل الشيعة 13 : 395 ، أبواب الطواف ، ب 50 ، ح 2.
7- تذكرة الفقهاء 8 : 123 / المسألة : 486.
8- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الممكن ).
9- تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 30 : 336.

أجزأ عنهما ) (1).

وقال ابن حمزة في ( الوسيلة ) : ( المريض ضربان : إمّا أمكنه إمساك الطهارة ، أو لم يمكنه. فالأوّل يطوف به وليّه ، وإن نوى لنفسه طوافاً صحّ ) (2).

وقال المحقّق في ( النافع ) : ( ولو حمل إنساناً فطاف به ، احتُسب لكلّ منهما طوافه ) (3).

ولم يتكلّم ابن فهد في ( المهذّب ) (4) على هذه العبارة ، مع أن موضوعه خلافيّات ( النافع ).

وقال في ( الشرائع ) : ( ولو حمله حامل فطاف به ، أمكن أن يُحْتَسَبَ [ لكلّ ] (5) منهما طوافه عن نفسه ) (6).

وأنت خبير ، بأن هذه العبارات وأمثالها شاملة للمتبرّع بالحمل والولي والمملوك والمستأجر عليه مطلقاً. ومثلها في الشمول لذلك كلّه الأخبار المذكورة من غير تقييد يظهر.

وقال العلّامة في ( المختلف ) : ( أطلق الأصحاب جواز أن يطوف الحامل عن نفسه. وقال ابن الجنيد ونِعْمَ ما قال - : والحامل للمريض يجزيه طوافه عن طواف الواجب عليه ، هذا إذا لم يكن أجيراً ).

ونقل الخبرين ثمّ قال : والتحقيق أنه إن استؤجر للحمل في [ الطواف (7) ] أجزأ عنهما ، وإن استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل ) (8) ، انتهى.

وفي ( القواعد ) : ( وتجوز النيابة في الطواف عن الغائب والمعذور ، كالمغمى عليه والمبطون لا عمّن انتفى عنه الوصفان. والحامل والمحمول وإن تعدّد يحتسبان وإن

ص: 300


1- تحرير الأحكام 1 : 99 ( حجريّ ).
2- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 174.
3- المختصر النافع : 146.
4- المهذب البارع 2 : 137 - 138.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( كل ).
6- شرائع الإسلام 1 : 208.
7- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الطريق ).
8- مختلف الشيعة 4 : 202 / المسألة : 157.

كان الحمل بأُجرة على إشكال ) (1).

وكتب الشيخ عليّ في حاشيته على ( القواعد ) على هذه العبارة : ( إذا كان تبرّعاً يحتسبان ، وكذا لو كان بأُجرة لكن استأجره للحمل في طوافه ، وإلّا احتسب للمحمول خاصّة ؛ لاستحقاق قطع المسافة بالإجارة ، فلا تجزي عن فرض الحامل. وعليه نزل صحيحة حفص بن البختري (2) عن الصادق عليه السلام ) (3) ، انتهى.

وكتب فخر المحقّقين على العبارة : ( تحرير البحث أن الإنسان إذا حمل إنساناً آخر في الطواف وقصد الطواف عن نفسه لكن أراد أن ينفع المحمول بحمله ؛ ليصحّ له طوافه بركوبه عليه ، فقد اختلف الفقهاء هنا ، بعد اتّفاقهم على وقوف طواف المحمول مع النيّة منه إن كان بالغاً. ولو كان صبيّاً ونوى هو الطواف به معه ، فقال بعضهم (4) : لا يقع للحامل ؛ لأن العبادة الواجبة يشترط فيها أن يوقعها لوجوبها لا لغرض آخر. وهؤلاء هم القائلون بأن ضمّ نيّة التبرّد إلى الوضوء مبطل ؛ لمنافاة ذلك الإخلاص.

وقال بعضهم : لا يشترط ذلك ، بل يجوز أن يقصد به مع الفرض ما يؤدّي إليه في الأكثر ؛ لأنه حاصل له ، سواء قصده أم لم يقصده. والحمل جائز له ، فإذا تحرّك هو تحرّك المحمول بالعَرَض قطعاً ، فهو غير مناف. والقائلون بهذا هم القائلون بجواز ضمّ نيّة التبرّد إلى نيّة الاستباحة (5).

ثمّ استدلّ هؤلاء في هذه المسألة بما رواه حفص (6) في الصحيح ، وما رواه الهيثم (7) ).

وساق الحديثين ، ثمّ قال : ( وقال ابن الجنيد ونِعْمَ ما قال - : إذا كان الحمل

ص: 301


1- قواعد الأحكام 1 : 77 ( حجريّ ).
2- الكافي 4 : 429 / 13.
3- جامع المقاصد 3 : 145 - 146.
4- مسالك الأفهام 1 : 34.
5- شرائع الإسلام 1 : 12 ، مدارك الأحكام 1 : 191.
6- تهذيب الأحكام 5 : 125 / 411 ، وسائل الشيعة 13 : 395 ، أبواب الطواف ، ب 50 ، ح 2.
7- تهذيب الأحكام 125 / 410 ، وسائل الشيعة 13 : 395 ، أبواب الطواف ، ب 50 ، ح 1.

بأُجرة لم تُجْزِ عن الحامل وإلّا أجزأ ؛ لاستحقاق قطع المسافة عليه بعقد الإجارة ، فلم يجُز له صرفه لنفسه كما لو استأجر للحجّ.

واعترض عليه بأن العقد وقع عن نفس الحمل فلا ينافي إرادة الطاعة بخلاف الاستئجار للحجّ ، ومن ثمّ قال المصنّف : فيه إشكال. وقول ابن الجنيد عندي هو الأقوى.

وجواب الاعتراض أن المقصود من الإجارة إنما هو الطواف به لا الحمل خاصّة. أمّا لو نوى الطواف للمحمول لم يقع عنه قطعاً ) (1) ، انتهى.

وقال الشيخ عليّ في حاشية ( الشرائع ) بعد العبارة المذكورة : ( التفصيل حسن ، وهو أنه إن كان الحمل تبرّعاً أو بجعالة احتسب كلّ منهما طوافه. وكذا إن كان بأُجرة لكن استأجره ليحمله في طوافه ، وإلّا احتُسب للمحمول خاصّة ؛ لاستحقاقه قطع المسافة بالإجارة ، فلا يجزي عن فرض الحامل. وعليه نزل صحيحة حفص عن الصادق عليه السلام ) ، انتهى.

وكتب في ( المسالك ) على العبارة المذكورة : ( هذا إذا كان الحامل متبرّعاً أو حاملاً بجعالة ، أو مستأجَراً للحمل في طوافه. أمّا لو استؤجر للحَمل مطلقاً لم يحتسِب الحامل ؛ لأن الحركة المخصوصة قد صارت مستحقّة عليه لغيره ، فلا يجوز صرفها إلى نفسه. وفي المسألة أقوال ، هذا أجودها ) (2).

وكتب في ( المدارك ) على العبارة : ( إنما كان لكلّ منهما أن يحتسب بذلك طوافاً عن نفسه ؛ لحصول الطواف من كلّ منهما. أمّا الحامل فظاهر ، وأمّا المحمول فلأن فرضه الحصول طائفاً حول البيت ، وقد امتثل. ويؤيّده صحيح حفص ).

ونقل الحديثين ، ثمّ قال : ( وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحمل بين أن يكون تبرّعاً أو بأُجرة. وحكى في ( المختلف ) (3) عن ابن الجنيد أن الحامل للمريض

ص: 302


1- إيضاح الفوائد 1 : 278 - 279.
2- مسالك الأفهام 2 : 177.
3- مختلف الشيعة 4 : 202 / المسألة : 157.

يجزيه عن الطواف الواجب عليه ).

وساق عبارة ( المختلف ) ثمّ قال : ( وهو حسن ) (1).

وقال في ( التنقيح ) بعد عبارة ( النافع ) (2) المذكورة : ( أكثر الأصحاب أطلقوا ذلك ، وابن الجنيد قيّده بعدم الأُجرة ، ومعها لا احتساب به للحامل. وتردّد العلّامة (3) فيه من حيث استحقاق قطع المسافة عليه بعقد الإجارة ، ولم يجُز صرفه إلى نفسه ، كما لو أجّر نفسه للحجّ. واختار السيّد (4) الاحتمال الأوّل. وقال الشهيد : ( يحتسب [ لهما (5) ] إلّا أن يستأجره على حمله لا في طوافه ) (6). وهو تفصيل حسن. وإذا استؤجر على حمله لا في طوافه تكون منافعه مملوكة للمستأجر ، فلا يجوز صرفها إلى غيره. أمّا في طوافه فمن المعلوم عدم استحقاق جميع منافعه ، بل الحمل لا غير ) (7).

وقال السيّد عليّ في شرح ( النافع ) على العبارة ، عند قول المحقّق : ( احتسب به لكلّ منهما طواف ) (8) - : ( لو [ نوياه (9) ] بلا خلاف ؛ للصحاح ، وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين ما لو كان الحمل تبرّعاً أو بأُجرة خلافاً لجماعة في الثاني ، فمنعوا عن الاحتساب للحامل. وقيل بالفرق بين ما لو استؤجر للحمل في الطواف فالأوّل ، وما لو استؤجر للطواف فالثاني ، وهما أحوط في المرتبتين وإن كان في تعيّنهما ولا سيّما الأوّل نظر ) (10).

وقال الشهيد الثاني في ( شرح اللمعة ) بعد قول المصنّف : ( ولو أمكن حمله في الطواف والسعي وجب ، ويُحتسب لهما ). قال الشارح : ( لو نوياه ، إلّا أن يستأجره للحمل لا في طوافه أو مطلقاً فلا يُحتسب للحامل ؛ لأن الحركة مع الإطلاق قد

ص: 303


1- مدارك الأحكام 7 : 130 - 131.
2- المختصر النافع : 146.
3- قواعد الأحكام 1 : 77 ( حجريّ ).
4- في المصدر : ( السعيد ) بدل : ( السيّد ).
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( له ).
6- الدروس 1 : 322.
7- التنقيح الرائع 1 : 431.
8- المختصر النافع : 146.
9- من المصدر ، وفي المخطوط : ( نواه ).
10- الشرح الصغير 1 : 327 - 328.

صارت مستحقّة عليه لغيره ، فلا يجوز صرفها إلى نفسه. واقتصر في ( الدروس ) (1) على الشرط الأوّل ) (2) ، انتهى.

وأنت خبير بأن ظاهر عبارة ( المختلف ) وفخر المحقّقين أنه لم يخالف في صحّة نيّة كلّ منهما الطواف لنفسه مطلقاً إلّا ابن الجنيد. والتحقيق أنه إذا نوى كلّ منهما أجزأ عنهما وإن كان الحمل بأُجرة ، ما لم يشترط ألّا يحمله في طوافه ، ويحتمل الصحّة مطلقاً احتمالاً قويّاً.

أمّا الأوّل ، فعملاً بإطلاق الأخبار المشتهر العمل بها من غير معارض.

وليس للمحمول على الحامل حال الاستئجار أكثر من أن يديره حول الكعبة قدر ما استؤجر عليه. وأيّ فرق بين صحّة نيّة الأجير حينئذٍ ونيّة المملوك لو أمره سيّده بحمله أو حمل غيره ليطوف المحمول. ولم نقف على مصرّح بالمنع ، بل المملوك أوْلى بعدم الصحّة لو قلنا بعدم صحّة نيّة الأجير ؛ لأنه مملوك المنافع بالذات بأصل الشرع ، والأجير استحقّت عليه تلك الحركة بالعارض.

هذا ، وقد صرّحوا بأنه يجوز أن يؤاجر نفسه إنسان في عام لاثنين أحدهما لحجّ ، والآخر لعمرة مبتولة. وما استدلّوا به لابن الجنيد ومن وافقه من المتأخّرين جار فيه.

وأمّا الثاني ، فلعموم المؤمنون عند شروطهم (3) ولولاه لكان القول بالصحّة مطلقاً في غاية القوّة ، واللّه العالم.

السادسة والعشرون : كلّ طواف واجب ركن إلّا طواف النساء. وقد نقل الإجماع على عدم ركنيّته جماعة.

ومعنى الركن في الحجّ والعُمرة : ما يبطل النُّسُك بتركه عمداً لا سهواً. ومعنى الواجب فيهما غير الركن - : ما يجب الإتيان به ويأثم بتركه ، ولا يبطل النُّسُك ، ولا

ص: 304


1- الدروس 1 : 322.
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2 : 193 - 194.
3- عوالي اللآلي 1 : 218 / 84 ، 293 / 173 ، 2 : 257 / 7 ، 3 : 217 / 77.

يحلّ عليه ما يتوقّف حلّه على فعله إلّا بالإتيان به. لا نعلم في ذلك كلّه خلافاً ، وفهمه من الأخبار غير عزيز.

بقي الكلام في أنه متى يتحقّق ، وبما يتحقّق الترك ، فنقول : أمّا الحجّ ، فيتحقّق ترك الطواف فيه بخروج ذي الحجّة. وأمّا العُمرة المتمتّع بها. فيضيق الوقت عن الإتيان بها أجمع مع إدراك الوقوف بعرفة من الزوال إلى الغروب. ولا يكفي إدراك جزء إن كان الترك عمداً اختياراً ؛ لتحقّق ترك الواجب حينئذٍ اختياراً ، ولعدم صلاحيّة الزمان لها اختياراً ، وللنهي عنه اختياراً. وللأمر بالوقوف حينئذٍ وبالاشتغال بالعمرة حينئذٍ يتحقّق ضدّه العامّ ، ويحتمل الاجتزاء حينئذٍ بمسمّاه وإن أثم. وإن كان نسياناً تحقّق بضيق الوقت عن العُمرة والمجزي من اختياريّ عرفة.

فإذا تحقّق ترك طوافها ؛ فإن كان عمداً بطلت عمرته ، ولا يصحّ حجّة ؛ لأن حجّ التمتّع لا يكون بدون عمرة التمتّع قبله ، لكنّه لا يكون الناسك بذلك مُحلّاً ، ولا يخرج من إحرامه بمعصيته ؛ لأن الشارع لم يعدّها من المحلّلات لما حرّمه الإحرام ؛ لحصرها في أفعال معيّنة ليس هذا منها.

والعبادات كيفيّات متلقاة ، ولأن الأصل والاستصحاب [ يقتضيان (1) ] بقاء منعه من محرّمات الإحرام ؛ فيجب عليه حينئذٍ العدول إلى العُمرة المفردة ، كما هو الأشهر الأظهر ، أو ينقلب نُسُكه مفردة ولو لم ينوِ العدول على قول ، ويتحلّل بالإتيان بأفعالها و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (2) ، وإلّا بما يجعل لها منه المخرج ، وبقاؤه محرماً أبداً عسرٌ وحرجٌ لا يطاق.

هذا ، وقد أطبقت العصابة على أن من أحرم بعمرة التمتّع ، ولم يدرك الإتيان بها مع الحجّ وجب عليه العدول إلى حجّ الإفراد. فإن لم يدركه وجب العدول إلى العمرة المفردة أو انقلب إحرامه إليها ولو لم ينوِ العدول ، وإنما يحلّ من إحرامه بإتيانه بأفعالها أو بأفعال حجّ الإفراد ، وما نحن فيه كذلك ، إلّا إنه فوات اختياريّ ، وإحلاله

ص: 305


1- في المخطوط : ( يقتضي ).
2- البقرة : 286.

بمجرّد تعمّد ترك الركن وحلّ ما حرّمه الإحرام بمعصيته لا دليل عليه ، ولا نعلم قائلاً به ؛ فاحتماله وهم بحت.

وإن كان تحقّق ترك طوافها نسياناً ، فإن ذكر في وقت يسع الإتيان به وبما بعده من أفعال العُمرة ، مع إدراك أقلّ المجزي من اختياريّ عرفة ، وجب الإتيان به وبما بعده من واجبات عمرته لترتّب صحّتها حينئذٍ عليه ، ولأنها الكيفيّة المتلقّاة ، ولما يحصل به من يقين البراءة ، ولأن فيه الحائطة وتمّ نُسُكه وحجّه.

وإن لم يسع الوقت إلّا الإتيان به خاصّة دون باقي واجباتها ، احتمل الاجتزاء به قضاءً ، وصحّت عمرته وحجّه ؛ لإطلاق الأكثر أن من نسي الطواف قضاه ولو بعد المناسك.

وظاهر ( المدارك ) (1) أنه إجماع.

ولعلّ مراد المعبّر بذلك من بعديّة المناسك (2) : مناسك العُمرة في مثل هذه الصورة للعمرة المتمتّع بها.

وله أيضاً ظاهر صحيحة عليّ بن جعفر (3) ؛ وستأتي إن شاء اللّه تعالى وتقدّس ، من غير تعرّض لذكر الإتيان بما بعده من الواجبات.

ولعذره حينئذٍ بالنسيان القهريّ ، فيدخل في رفع عن أُمّتي النسيان (4).

واحتمل وجوب العدول حينئذٍ إلى حجّ الإفراد ؛ لعدم التمكّن حينئذٍ من عمرة التمتّع على الوجه المتلقّى من ترتّب صحّة ما بعده عليه ، مع حضوره ومباشرته له ، فقد فاتت ولم يتمكّن من أداء أفعالها لا باختياره لعذرة بالنسيان القهريّ فيدخل في رفع عن أُمّتي النسيان ، فلا يصحّ حجّ التمتّع إلّا بعمرته ، فوجب العدول حينئذٍ إلى حجّ الإفراد. والمسألة محلّ إشكال وإن كان الثاني لا يخلو من قوّة.

ص: 306


1- مدارك الأحكام 8 : 175.
2- أي قوله : ( قضاه ولو بعد المناسك )
3- تهذيب الأحكام 5 : 128 / 421 ، وسائل الشيعة 13 : 405 - 406 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 1.
4- عوالي اللآلي 1 : 232 / 131.

ولو ذكره في وقت لا يسع الإتيان إلّا بأربعة أشواط مع باقي مناسكها ، فالاحتمالان أيضاً أوْلى بالصحّة. ولعلّ الأوّل هنا أرجح ؛ لما ثبت من صحّته كذلك فيمن فجأها الحيض بعد إكمالها أربعة وغيرها.

ولو ذكره في وقت لا يسع الإتيان بشي ء منه أصلاً ، فالوجهان ، وأوْلى بوجوب العدول إلى حجّ الإفراد. والأمر في هذه الفروع مشكل ، وأشكل منها كلّها ما لو لم يذكره إلّا بعد أن تلبّس بالحجّ أو في أثنائه أو بعد كماله.

فإن العصابة قد أجمعوا على عدم جواز إدخال نُسُك على نُسُك قبل إكماله ، وأن الثاني حينئذٍ باطل. وإنما اختلفوا فيمن أحرم بالحجّ ناسياً قبل أن يُقَصّر من عمرة التمتّع ، فقال ابن إدريس (1) ببطلان إحرامه بالحجّ حينئذٍ. ولو لا النصّ (2) على الصحّة حينئذٍ لكان قوله هو الأقوى ؛ لأنه أوفق بقواعد الحجّ ، ومن إطلاق الفتاوى بصحّة النُّسُك مع تركه نسياناً ، وأنه متى ذكره قضاه. وظاهر صحيحة عليّ بن جعفر ذلك (3). ولكن عبارات بعض الأصحاب مجملة جدّاً.

قال المحقّق في ( الشرائع ) : ( الطواف ركن ، من تركه عامداً بطل حجّه ، ومن تركه ناسياً قضاه ولو بعد المناسك ، ولو تعذّر العود استناب فيه ) (4). وإطلاق العبارة كما قال في ( المدارك ) (5) يشمل طواف الحجّ بأنواعه ، والعُمرة بنوعيها ، وطواف الفريضة وطواف النساء.

وكتب السيّد في ( المدارك ) على قوله : ( ومن تركه ناسياً ) إلى آخره : ( هذا مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفاً ) (6). بعد أن كتب بعد قوله : ( الطواف ركن ) إلى آخره : ( إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين طواف الحجّ وطواف العُمرة وطواف

ص: 307


1- السرائر 1 : 580 - 581.
2- وسائل الشيعة 12 : 410 - 411 ، أبواب الإحرام ، ب 54.
3- تهذيب الأحكام 5 : 128 / 421 ، وسائل الشيعة 13 : 405 - 406 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 1.
4- شرائع الإسلام 1 : 245.
5- مدارك الأحكام 8 : 172.
6- مدارك الأحكام 8 : 175.

النساء ) (1). ثمّ نقل عن ( المسالك ) (2) أن المراد به غير طواف النساء.

وظاهرهما أن الحكمين شاملان لطواف الحجّ والعمرتين ، وهو مشكل ؛ لأنا سنبيّن إن شاء اللّه تعالى أنه لا يتحقّق ترك الطواف المبطل في المفردة الغير المجامعة للحجّ. وعلى تقديره ، أو كونها المجامعة له ، فأي مناسك يقضي بعدها؟ وكذلك في طواف الحجّ ، ما معنى قضائه مع النسيان بعد المناسك؟ وإرادة السعي ورمي الجمار وطواف النساء بعيد مخالف للأصل ؛ من دلالة موضوع الجمع المعرّف باللام.

والظاهر أن مراده بقوله : ( الطواف ركن من تركه عامداً بطل حجّه ) ما يعمّ طواف الحجّ وعمرة التمتّع ، والمفردة المجامعة لحجّ الإسلام. ويبقى الإشكال في المفردة غيرها ، ولعلّه يرى تحقّق ترك طوافها المبطل بوجه من الوجوه الآتية إن شاء اللّه تعالى ، فيعمّ طوافها.

ويبقى الإشكال في قوله : ( ومن تركه ناسياً قضاه ولو بعد المناسك ) ، فإن ظاهر العبارة عود المفعول في ( تركه ) للطواف المذكور أوّلاً ، الذي من تركه عامداً بطل حجّه.

ولكنّه يشكل بقوله بعد هذا : ( ومن ترك طواف الزيارة ناسياً ) (3) إلى آخره. فإنه يعطي بظاهره أن المراد هنا بالمنسيّ طواف العُمرة دون الحجّ ، بل الأنسب بقوله : ( ولو بعد المناسك ) إرادة طواف المتمتّع بها خاصّة ، حتّى يراد بالمناسك : مناسك الحجّ ، ولكن يحتاج في صحّة العبارة إلى تكلّف وتجوّز.

وكتب الشيخ علي على قوله : ( ومن تركه ناسياً ) إلى آخره - : ( يلوح من هذه العبارة ونظائرها أن الترك يتصوّر بالإخلال به ولو قبل المناسك ، فينبغي تأمّل ذلك ) ، انتهى.

وهذا لا يظهر له وجه صحيح إلّا إذا أُريد به طواف المتمتّع بها خاصّة ، والمناسك :

ص: 308


1- مدارك الأحكام 8 : 172.
2- مسالك الأفهام 2 : 348.
3- شرائع الإسلام 1 : 245 ، وفيه : ( من نسي طواف الزيارة ) بدل : ( ومن ترك طواف الزيارة ناسياً ).

مناسك الحجّ ؛ إذ أقصى ما يمكن تصوّره في غير ذلك أن يراد به : طواف الحجّ ، وبالترك قبل المناسك أنه يتحقّق الترك المبطل عمداً بالعزم على عدم الإتيان به.

وهذا بعيد جدّاً ، بل فاسد ؛ إذ لا ريب في صحّته ولو كان منه ذلك العزم مع إتيانه به بعد المناسك. ومع هذا لا يتصوّر حينئذٍ فيه النسيان قبل المناسك.

والغرض من نقل هذه العبارات أن ظاهر عبارة المحقّق تعمّ عمرة التمتّع ، والشرّاح لم يدفعوها ، بل ظاهر ( المدارك ) (1) الإجماع على صحّة العُمرة المتمتّع بها لو نسي طوافها ولم يذكره إلّا بعد التلبّس بالحجّ ، وصحّة الحجّ حينئذٍ ، ويقضي طوافها بعد مناسكه.

وقال في ( النافع ) : ( الطواف ركن ، من تركه عامداً بطل حجّه ، ولو كان ناسياً أتى به ، ولو تعذّر العود استناب فيه ).

ثمّ قال بعد هذا : ( ولو نسي طواف الزيارة حتّى يرجع إلى أهله وواقع ، عاد وأتى به ، ومع التعذّر يستنيب فيه ) (2) ، انتهى.

وظاهر العبارة الأُولى يعمّ طواف الحجّ والعُمرة ، وتعقيبه بالعبارة الثانية يشعر بتخصيص الاولى بطواف العُمرة. لكنّ الحكم بالبطلان مع الترك عمداً يشملهما قطعاً ، فالعبارة لا تخلو من تشابه وإجمال. وعلى كلّ حال ، فظاهرها صحّة العُمرة المتمتّع

بها لو ترك طوافها نسياناً ولو لم يذكره إلّا بعد الحجّ وصحّة الحجّ أيضاً.

وابن فهد في ( المهذّب ) (3) بعد إيراد العبارة الأُولى تكلّم على الفرق بين الركن وغيره من واجبات الحجّ ، وأطلق القول بأن ترك الركن عمداً مبطل ، وسهواً غير مبطل ، وعليه الإتيان به بنفسه أو نائبه. وظاهره صحّة العُمرة في مسألتنا وصحّة الحجّ ، وعليه قضاء الطواف المنسيّ.

ومثله المقداد في ( التنقيح ) (4) ، حيث إنه اقتصر في شرح العبارة الأُولى على بيان

ص: 309


1- مدارك الأحكام 8 : 175.
2- المختصر النافع : 165 - 166.
3- المهذّب البارع 2 : 206 - 207.
4- التنقيح الرائع 1 : 506.

معنى الركن في باب الحجّ ، وأنه ما يبطل النُّسُك بتركه عمداً لا سهواً ، وأن من تركه ناسياً وجب العود لفعله مع المُكْنة ، والاستنابة مع التعذّر والمشقّة ، وبيان المشقّة ، وأن كلّ طواف واجب ركن إلّا طواف النساء ، والفرق بين الركن وغيره من الواجبات.

وكتب على العبارة الثانية (1) وجه التردّد في وجوب الكفّارة على من نسي طواف الزيارة حتّى رجع وجامع. وظاهره صحّة العُمرة والحجّ إذا نسي طوافها ولم يذكره إلّا بعد التلبّس بالحجّ.

وصورة عبارة السيّد علي المعاصر في شرح عبارتي المحقّق في ( النافع ) ، مازجاً لعبارته بعبارة المتن هكذا : ( الطواف ركن ، فلو تركه عالماً عامداً بألّا يأتي به في وقته وهو في طواف الحجّ قبل انقضاء ذي الحجّة ، وفي طواف العُمرة قبل أن يضيق الوقت عنها ، وفي طواف العُمرة المجامعة لحجّ الإفراد والقِران قبل خروج السنة ، بناءً على وجوب إيقاعهما فيها ، وفي المجرّدة قبل الخروج من مكّة بنيّة الإعراض عن فعله على إشكال بطل حجّه أو عمرته بلا خلاف ولا إشكال.

ثمّ إن هذا غير طواف النساء ، فإنه ليس بركن يبطلُ بتركه النُّسُك بغير خلاف. وفي كلام جمع الإجماع. ولو كان تركه له ناسياً أتى به مع القدرة وقضاه متى ذكره. ولا يبطل النُّسُك ولو كان الطواف الركن وذكره بعد المناسك وانقضاء الوقت ، بلا خلاف فيه وفي كلّ من الحكم بالصحّة ووجوب القضاء عليه بنفسه مع القدرة إلّا من الشيخ في كتابي الحديث (2) في الأوّل ، فأبطل الحجّ بنسيان طوافه ، ومثله الحلبيّ (3) ، وهما نادران ، بل على خلافهما الإجماع في صريح ( الغنية ) (4) و ( الخلاف ) وظاهر

ص: 310


1- وهي قول المحقق رحمه اللّه : ( ولو نسي طواف الزيارة .. وفي الكفّارة تردّد ). المختصر النافع : 167.
2- تهذيب الأحكام 5 : 127 - 128 / ذيل الحديثين 418 ، 421 ، الاستبصار 2 : 228 / ذيل الحديث 788.
3- الكافي في الفقه : 195.
4- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيَّة ) 8 : 401.

غيرهما ، مع أن الأوّل قد رجع عنه في جملة من كتبه (1).

ومن بعض المتأخّرين في الثاني ، فجوّز الاستنابة مطلقاً ولو مع القدرة على المباشرة وهو ضعيف.

ولو تعذّر العود استناب فيه بلا خلاف من القائلين بصحّة الحجّ وعدم بطلانه.

وفي ( الغنية ) الإجماع للصحيح (2). وهو نصّ في تساوي الحجّ والعُمرة ، كما يقتضيه إطلاق المتن وجمع. ولكن عن الأكثر الاقتصار عليه في طواف الحجّ ، ولا وجه له ) (3) ، انتهى.

وهو صريح في صحّة العُمرة والحجّ إذا نسي طوافها ولو لم يذكر إلّا بعد التلبّس بالحجّ ، بل ظاهره أنه إجماع العلّامة في ( القواعد ) في مطلب الأحكام : ( من ترك الطواف عمداً بطل حجّه ، وناسياً يقضيه ولو بعد المناسك ، ويستنيب لو تعذّر العود. ولو نسي طواف الزيارة وواقع بعد رجوعه إلى أهله فعليه بدنة والرجوع لأجله ) (4).

وظاهره كالمحقّق عموم الحكمين للحجّ والعُمرة ، وكأنهما خصّا بقولهما : ( ولو بعد المناسك ) صورة نسيان طواف عمرة التمتّع حتّى تلبّس بالحجّ.

وكتب الشيخ علي في شرح هذه العبارة على قوله : ( من ترك الطواف عمداً بطل حجّه ) - : ( ما سننقله من الاستشكال فيما يتحقّق به الترك ) (5).

ولم يكتب على قوله : ( وناسياً ) إلى آخره ، إلّا إن حكم ( الجاهل كالعامد ) (6). واستدلّ عليه بصحيحة عليّ بن جعفر (7).

ص: 311


1- المبسوط 1 : 359 ، النهاية : 272.
2- تهذيب الأحكام 5 : 128 / 421 ، الإستبصار 2 : 228 / 788 ، وسائل الشيعة 13 : 405 - 406 ، أبواب الطواف ، ب 38 ، ح 1.
3- الشرح الصغير 1 : 430.
4- قواعد الأحكام 1 : 84 ( حجريّ ).
5- في المصدر : ( ممّا يشكل تحقيق ما به يتحقق الترك ) بدل العبارة التي أوردها المصنّف. انظر جامع المقاصد 3 : 201.
6- المصدر نفسه.
7- قرب الإسناد : 107.

لكنّه قال في شرح قوله : ( ولو نسي طواف النساء ) إلى آخره - : ( ولو نسي طواف عمرة التمتّع أو الإفراد ، وجب العود له مع الإمكان ).

ثم قال ، بعد ذكر حكم من جامع حينئذٍ قبل الذكر أو بعده : ( فرع : قال شيخنا الشهيد في حواشيه : ( لم يذكر الأكثر قضاء السعي لو قضى الطواف. وفي ( الخلاف ) (1) يقضي السعي بعده ).

ونقل عن المخالف قولاً ، ثمّ قال : ( ما قلناه مجمع عليه ).

قلت : يشهد له ما تقدّم التنبيه عليه من الرواية الدالّة على أن من سعى ولم يطف ، يطوف ثمّ يسعى ) (2) ، انتهى.

وهو صريح في صحّة العُمرة والحجّ في مسألتنا.

وقال في ( الإرشاد ) : ( المقصد الثاني في الطواف : وهو ركن يبطل الحجّ بتركه ، [ ويقضيه (3) ] في السهو ، ولو تعذّر استناب ).

ثمّ قال بعد كلام : ( ولو نسي طواف الزيارة حتّى يرجع إلى أهله وواقع بعد الذكر فبدنة ، ويستنيب لو نسي طواف النساء ) (4) ، انتهى.

ولا تخلو عبارته من تشابه ، فإن أراد بالعبارة الأُولى ما يعمّ الحجّ والعُمرة فلا وجه لتخصيص الحجّ بالتنصيص على بطلانه ، وإن أراد الحجّ خاصّة فلا وجه لإفراد طواف الزيارة ؛ لأنه حينئذٍ هو الأوّل ، فحقّه أن يقول بعد قوله : ( ولو تعذّر استناب ، ولو لم يذكره حتّى يرجع إلى أهله ) إلى آخره - : ولكنّه أراد العموم بالعبارة الاولى ، وخصّ الحجّ بالحكم بالبطلان ؛ لاستلزام ترك طوافه وطواف العُمرة لبطلانه. ولعلّه أراد التنبيه على ذلك ، فعلى هذا لو نسي طواف العُمرة حتّى تلبّس بالحجّ صحّت وصحّ الحجّ وإن لم يحلّ من إحرامها.

وكتب الشيخ علي بن عبد العالي على العبارة الأُولى بعد قوله : ( ويقضي في

ص: 312


1- الخلاف 2 : 395 / المسألة : 257.
2- جامع المقاصد 3 : 203.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( يقضي ).
4- إرشاد الأذهان 1 : 324 ، 326.

السهو ) - : ( ممّا يشكل تحقيق ما به يتحقّق ترك الطواف ، فإنه لو سعى قبل الطواف لم يعتدّ به ، وإن أحرم بنُسُك آخر بطلت متعته إن كان متمتّعاً ) (1) .. إلى آخر ما سننقله من عبارته في ( شرح القواعد ) ، وكأنه تنبّه للإشكال في هذا البحث بوجه.

وقال في ( التلخيص ) : ( من ترك الطواف عمداً بطل حجّه ، ونسياناً يأتي به ويستنيب مع التعذّر ).

ثمّ قال بعد كلام : ( وناسي طواف الزيارة إذا رجع إلى أهله يرجع ، ومع العجز يستنيب ).

ثمّ قال بعد كلام : ( ولو ذكر أنه طاف أحد طوافي العُمرة والحجّ على غير [ الوضوء واشتبه أعاد (2) ] بوضوء ) (3) ، انتهى.

وكأنه أراد بالعبارة الاولى طواف العُمرة ، بقرينة العبارة الثانية. وإرادة ما يعمّ الحجّ والعُمرة من العبارتين معاً واضح ، وإطلاق الثالثة يشمل ما لو لم يذكر إلّا بعد إكمال النُّسُك أو الحجّ ، وإن كان الواقع بلا طهارة طواف عمرة التمتّع. والكلّ ظاهره صحّة العُمرة والحجّ في المسألة المبحوث عنها.

وقال في ( التحرير ) في فصل أحكام الطواف : ( السادس : الطواف ركن ، من تركه عمداً بطل حجّه ، ولو كان ناسياً قضاه ولو بعد المناسك ، فإن تعذّر استناب فيه ).

ثمّ قال : ( الثالث عشر : لو تحلّل من إحرام العُمرة ، ثمّ أحرم بالحجّ وطاف وسعى له ، ثمّ ذكر أنه طاف مُحْدِثاً أحد الطوافين ولم يعلم أيّهما هو ، أعاد الطوافين معاً ).

ثمّ قال : ( التاسع عشر : طواف الحجّ ركن فيه بالإجماع ، كما أن طواف العُمرة ركن فيها ، فلو أخلّ به عمداً بطل حجّه ، وإن أخلّ به نسياناً وجب عليه أن يعود فيقضيه ، فإن لم يتمكّن استناب فيه ) (4) ، انتهى.

ص: 313


1- جامع المقاصد 3 : 201.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( وضوء أعاده ).
3- تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 30 : 335.
4- تحرير الأحكام 1 : 99 - 100 ( حجريّ ).

وظاهره صحّة العُمرة والحجّ مع نسيان طواف العُمرة ولو لم يذكر إلّا بعد الحجّ.

وقال ابن زهرة في ( الغنية ) : ( ومن فاته طواف المتعة مضطرّاً قضاه بعد فراغه من مناسك الحجّ ولا شي ء عليه ، بدليل نفي الحرج في الدين. وأمّا طواف الزيارة فركن من أركان الحجّ ، من تركه متعمّداً فلا حجّ له بلا خلاف ، ومن تركه ناسياً قضاه وقت ذكره. فإن لم يذكره حتّى عاد إلى بلده قضاه من قابل بنفسه ؛ بدليل الإجماع المشار إليه. فإن لم يستطع استناب من يطوف عنه ؛ بدليل الإجماع المشار إليه ، وقوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) ) (2) ، انتهى.

وعبارته نصّ في صحّة العُمرة والحجّ في المسألة المبحوث عنها ، ولم أقف على أصرح منها ، بل صريحها صحّتها بمجرّد ترك طواف العُمرة لضرورة ولو لم يكن عن نسيان.

وقريب منها عبارة الشيخ عليٍّ في حاشية ( الإرشاد ) حيث قال : ( ولو نسي طواف عُمرة التمتّع أو الإفراد ، وجب العود مع الإمكان ). ومثلها عبارته في ( شرح القواعد ).

وقال الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ) مازجاً لعبارته بعبارة المتن - : ( طواف الزيارة ، وهو طواف الحجّ الأوّل ، وهو وطواف العُمرة ولو متمتّعاً بها ركن ، حتّى [ إن ] من تركه عامداً بطل حجّه ، أو في عمرته بطلت عمرته. وهذا حكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بخلاف طواف النساء فهو واجب غير ركن بلا خلاف فيهما ؛ إذ الأوّل متّفق على ركنيّته ، كما أن الثاني متّفق على عدمها.

ومن تركهما كليهما أو أحدهما ناسياً غير عامد ، قضاه وتداركه ولو بعد كمال المناسك. ولو شَقّ العودُ استناب فيه بلا خلاف فيهما ، وإنما الخلاف في طواف النساء ، هل يجوز الاستنابة فيه وإن أمكن العود كما هو المشهور ، أو لا يجوز إلّا مع

ص: 314


1- الحجّ : 78.
2- الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيَّة ) 8 : 401.

العذر مثل الطواف الآخر كما عليه شيخ الطائفة (1) وجماعة (2)؟

وهذه الأحكام بعد الإجماع حكم بها للصحاح المستفيضة ، لكن أكثرها ورد في طواف النساء :

منها : صحيح ابن عمّار : سألت الصادق عليه السلام عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله قال يرسل فيطاف عنه ، فإن توفّي قبل أنْ يطوف ، فليطف عنه وليّه (3). وصحيحه الآخر مثله (4).

ومنها : صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام : سألته عن رجل ، نسي طواف الفريضة حتّى قدم بلاده وواقع النساء ، كيف يصنع؟ فقال يبعث بهدي ؛ إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ ، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه (5) ) ، انتهى ما أردنا نقله من كلامهما.

وأنت خبير بأن صريح كلام الشارح وهو خاتمة الحفّاظ صريح في صحّة العُمرة والحجّ لو نسي طواف العُمرة ، ولو لم يذكر حتّى تلبّس بالحجّ صحّت متعته وحجّه ، بل صريحه أنه إجماع.

وقال الشهيد في (الدروس) : (كلّ طواف واجب ركن إلّا طواف النساء ، فلو تَركَه عمداً بطل نسكه ولو كان جاهلاً ، ولو تركه ناسياً عاد له ، فإن تعذّر استناب فيه).

ثمّ قال: (الرابع : إذا وجب قضاء طواف العُمرة أو طواف الحجّ ، فالأقرب وجوب قضاء السعي أيضاً ، كما قاله الشيخ في (الخلاف) (6) ، ولا يحصل التحلّل بدونهما. ولو شكّ في كون المتروك طواف الحجّ أو طواف العُمرة ، أعادهما وسعيهما ، ويحتمل إعادة واحد عمّا في ذمّته) (7) ، انتهى. وظاهره صحّة العُمرة والحجّ مع نسيان طوافها

ص: 315


1- تهذيب الأحكام 5 : 255 / ذيل الحديث 864.
2- منتهى المطلب 2 : 769 ، مدارك الأحكام 8 : 184.
3- تهذيب الأحكام 5 : 255 / 866 وسائل الشيعة 13 : 407 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 3.
4- تهذيب الأحكام 5 : 255 / 866 وسائل الشيعة 13 : 407 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 3.
5- تهذيب الأحكام 5 : 128 / 421 ، وسائل الشيعة 13 : 405 - 406 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 1.
6- الخلاف 2 : 395 / المسألة : 257.
7- الدروس 1 : 403 ، 405.

وذكر أنه بعد الحجّ.

وقال الشهيدان في ( اللمعة ) وشرحها ممزوجة عبارة الشرح بالمتن - : ( كلّ طواف واجب ركن يبطل النُّسُك بتركه عمداً كغيره من الأركان إلّا طواف النساء. والجاهل عامد ، ولا يبطل بتركه نسياناً ، لكن يجب تداركه فيعود إليه وجوباً مع المُكْنَة ولو من بلده ، ومع التعذّر يستنيب فيه.

ويتحقّق البطلان بتركه عمداً أو جهلاً بخروج ذي الحجّة قبل فعله إن كان طواف الحجّ مطلقاً ، وفي عمرة التمتّع بضيق وقت الوقوف إلّا عن التلبّس بالحجّ قبله ، وفي المفردة المُجامِعة للحجّ والمفردة عنه إشكال. ويمكن اعتبار نيّة الإعراض عنه ) (1) ، انتهى.

وهو صريح في صحّة العُمرة مع نسيان طوافها ولو لم يذكره إلّا بعد الحجّ - وصحّة الحجّ ، بل لازم تحديد فواتها بتركه عمداً بما ذكر صحّتها لو ذكره في مثل ذلك الوقت ، فيصحّ حينئذٍ الإحرام بالحجّ ويقضي الطواف بعده.

هذا ما ظفرت به من كلام الأصحاب فيما يتعلّق بالمسألة ، وهو يقتضي أن من نسي طواف عمرة التمتّع ولم يذكره إلّا بعد أن تلبّس بالحجّ ، أو في وقت لا يسع الإتيان به ، أو الإتيان به وحده أن عمرته تامّة وحجّه تامّ صحيح. ولو أحرم بالحجّ قبل أن يأتي بالطواف المنسي فحجّه حينئذٍ وعمرته تامّان صحيحان.

وبالجملة ، فجميع الصور المذكورة يصحّ فيها عمرة التمتّع وحجّه بلا احتمال من الاحتمالات المذكورة سابقاً. فإن تمّ إجماع فلا مَعدل عنه ، ويكون هذا مستثنًى من عدم جواز إدخال نُسُك على نُسُك ، وإلّا فالمسألة في غاية الإشكال من وجهين :

أحدهما : أنهم أجمعوا على عدم جواز إدخال نُسُك على نُسُك.

وثانيهما : أن من أحرم بنُسُك لا يجوز له أن يحرم بغيره قبل التحلّل من الأوّل ، فإن فعل كان إحرامه الثاني باطلاً.

ص: 316


1- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2 : 256 - 257.

ونقل الإجماع عليه مستفيض ، إلّا فيما لو أحرم بالحجّ قبل التقصير من المتعة ناسياً ، فإنه يصحّ إجماعاً ؛ إمّا لأن التقصير ليس بنُسُك وإنما هو محلّل ، وإمّا لقيام الدليل من النصّ والإجماع.

وإنما وقع الخلاف فيمن أحرم بالحجّ قبل التقصير من إحرام المتعة متعمّداً ، فعن الشيخ (1) وتبعه جماعة (2) أنه ينقلب حجّه إفراداً وتبطل متعته.

وعن ابن إدريس أنه قال : ( أُصول المذهب والأدلّة تقتضي إلّا ينعقد إحرامه بحجّ ؛ لأنه بعد في عمرته لم يتحلّل منها. وقد أجمعنا على أنه لا يجوز إدخال الحجّ على العُمرة ولا العُمرة على الحجّ قبل فراغ مناسكهما ) (3) ، انتهى.

فإذا كان هذا ، فكيف يصحّ الإحرام قبل الطواف؟! قال السيّد في ( المدارك ) في شرح قول المحقّق : ( ولا يجوز إدخال أحدهما على الآخر ) (4) - : ( بأن ينوي الإحرام بالحجّ قبل التحلّل من العُمرة ، أو بالعمرة قبل الفراغ من أفعال الحجّ وإن تحلّل ، فإن ذلك غير جائز عند علمائنا ونقل الشارح الإجماع (5). ويدلّ عليه مضافاً إلى أن العبادات متوقّفة على النقل ، ولم يرد التعبّد بذلك قوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (6) ، ومع الإدخال لا يتحقّق الإتمام. وصحيحة عبد اللّه بن سنان (7) ذكرها وقال - : ومتى امتنع الإدخال وقع الثاني فاسداً إلّا أن يقع الإحرام بالحجّ بعد السعي وقبل التقصير من العُمرة ، فإنه يصحّ في المشهور وتصير الحجّة مفردة ) (8) ، انتهى.

وقال بعد قول المحقّق : ( لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراماً آخر حتّى يكمل أفعال ما أحرم له. فلو أحرم متمتّعاً ودخل مكّة وأحرم بالحجّ قبل التقصير ناسياً ، لم

ص: 317


1- المبسوط 1 : 316.
2- مسالك الأفهام 2 : 239 - 240.
3- السرائر 1 : 581 ، باختلاف.
4- شرائع الإسلام 1 : 215.
5- مسالك الأفهام 2 : 211 - 212.
6- البقرة : 196.
7- الكافي 4 : 440 / 1 ، تهذيب الأحكام 5 : 90 / 297.
8- مدارك الأحكام 7 : 212 - 213.

يكن عليه شي ء ، وقيل : عليه دم ؛ وإن فعل ذلك عامداً ، قيل : بطلت عمرته وصارت حجّته مبتولة ، وقيل : بقي على إحرامه الأوّل ) (1) - : ( أمّا إنه لا يجوز للمحرم إنشاء إحرام آخر ، قبل التحلّل من الأوّل فظاهر ( المنتهى ) (2) أنه موضع وفاق بين الأصحاب ، ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة (3) الواردة في بيان حجّ التمتّع ؛ حيث يذكر فيها التقصير والإحلال من إحرام العُمرة ، ثمّ الإهلال بإحرام الحجّ ، فيكون الإتيان بالإحرام قبل التقصير تشريعاً محرّماً ).

ثمّ ذكر الحكم لو أحرم قبل التقصير ناسياً ، وأنه صحيح ، وإنما ذكر الخلاف في وجوب البدنة ، ثمّ نقل القولين فيمن فعل ذلك عامداً.

ثمّ قال : ( القول ببطلان العُمرة بذلك وصيرورة الحجّة مبتولة للشيخ (4) وجمع من الأصحاب ).

ثمّ نقل استدلال الشيخ بخبري أبي بصير (5) وابن فضيل (6) ، ثمّ قال : ( وفي الروايتين قصور من حيث السند ، فيشكل التعويل عليهما في إثبات حكم مخالف للأصل والاعتبار. وأجاب عنهما في ( الدروس ) (7) بالحمل على متمتّع عدل عن الإفراد ثمّ لبّى بعد السعي ؛ لأنه رُويَ التصريح بذلك (8) ).

ثمّ نسب القول ببطلان الإحرام بالحجّ حينئذٍ لابن إدريس (9) ، وقال : محتجّاً بأن الإحرام بالحجّ إنما يسوغ التلبّس به بعد التحلّل من الأوّل ، وقبله يكون منهيّاً عنه ،

ص: 318


1- شرائع الإسلام 1 : 221 - 222.
2- منتهى المطلب 2 : 685.
3- وسائل الشيعة 11 : 212 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 2.
4- المبسوط 1 : 316 ، النهاية : 215 ، تهذيب الأحكام 5 : 90 / ذيل الحديثين 295 ، 296.
5- تهذيب الأحكام 5 : 90 / 295 ، وسائل الشيعة 12 : 412 ، أبواب الإحرام ، ب 54 ، ح 5.
6- تهذيب الأحكام 5 : 90 / 296 ، وسائل الشيعة 12 : 412 ، أبواب الإحرام ، ب 54 ، ح 4.
7- الدروس 1 : 333.
8- الكافي 4 : 298 - 299 / 1 ، وسائل الشيعة 11 : 255 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 5 ، ح 4.
9- السرائر 1 : 581.

والنهي في العبادات يقتضي الفساد. وبأن الإجماع منعقد على أنه لا يجوز إدخال الحجّ على العُمرة ، ولا العُمرة على الحجّ ، قبل فراغ مناسكهما.

وأُجيب عنه بمنع كون النهي مفسداً ؛ لرجوعه إلى وصف خارج عن ماهيّة الإحرام ، وبمنع تحقّق الإدخال ؛ لأن التقصير مُحَلّل لا جزءاً من العُمرة.

ويتوجّه على الأوّل أن المنهيّ عنه نفس الإحرام ؛ لأن التلبّس به قبل التحلّل من إحرام العُمرة إدخال في الدين ما ليس منه ، فيكون تشريعاً محرّماً ويفسد ؛ لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد ، وإذا كان فاسداً يكون وجوده كعدمه. ويبقى الحال على ما كان عليه من وجوب التقصير وإنشاء إحرام الحجّ.

وعلى الثاني أن المستفاد من الأخبار الكثيرة المتضمّنة لبيان أفعال العُمرة كون التقصير من جملة أفعالها وإن حصل التحلّل به ، كما في طواف الحجّ وطواف النساء. وقد صرّح بذلك في ( المنتهى ) (1) مدّعياً عليه الإجماع وساق عبارته ثمّ قال : ( ومتى ثبت كون التقصير نُسُكاً تحقّق الإدخال بالتلبّس بإحرام الحجّ قبل الإتيان به ).

إلى أن قال : ( ومقتضى الأصل المصير إلى ما ذكره ابن إدريس إلى أن يثبت سند الروايتين ) (2) ، انتهى.

وبالجملة ، فنقل الإجماع على عدم جواز إدخال نُسُك على نُسُك قبل إكمال الأوّل مستفيض. ولا ريب أن من أحرم بالحجّ قبل أن يطوف للعمرة المتمتّع بها ، فقد أدخل نُسكاً على نُسُك ؛ لأنه يعدّ محرماً بالعمرة ، لم يتحلّل من إحرامه ولم يكمل أفعال العُمرة. فكيف الجمع بين : صحّة الحجّ وعمرة التمتّع مع نسيان طوافها وعدم ذكر أنه قبل التلبّس بالحجّ ، مع تحقّق إدخال نُسُك الحجّ على نُسُك العُمرة قبل التحلّل منها ، بالإتيان بجميع أفعالها؟

ص: 319


1- منتهى المطلب 2 : 709.
2- مدارك الأحكام 7 : 279 - 283.

قال في ( المسالك ) بعد قول المحقّق : ( ولا إدخال أحدهما على الآخر ) (1) - : ( بأن ينوي الإحرام بالحجّ قبل التحلّل من العُمرة ، أو بالعمرة قبل الفراغ من أفعال الحجّ. وإن تحلّل فإن ذلك لا يجوز إجماعاً فيقع الثاني باطلاً ؛ للنهي وعدم صلاحيّة الزمان. ويستثنى من الحكم بفساد الثاني ما لو أحرم بالحجّ بعد السعي وقبل التقصير منها ، فإنه يصحّ على المشهور وتصير الحجّة مفردة ) (2) ، انتهى.

فتراه ادّعى الإجماع على عدم صحّة الثاني ، ولم يستثنِ إلّا الإحرام بالحجّ بعد السعي قبل التقصير من العُمرة. فعليه لا يصحّ الإحرام بالحجّ قبل طواف العُمرة أو سعيها ، سواء كان الفعل عمداً أو سهواً.

وبالجملة ، فجميع من نصّ على عدم جواز إدخال نُسُك على نُسُك لم يستثنِ إلّا الإحرام بالحجّ قبل التقصير من العُمرة سهواً إجماعاً وعمداً في قولٍ ، وهو ضعيف ، بل عن ( الخلاف ) (3) أنه نقل قولاً ببطلان الإحرام بالحجّ حينئذٍ ولو كان سهواً ؛ ومن أجل ذلك أجمعوا على أن من أحرم بالحجّ قبل سعي العُمرة لم ينعقد إحرامه ، سواء كان عمداً أو سهواً.

قال الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ) : ( لو أحرم بالحجّ قبل الطواف والسعي أو قبل السعي عامداً ، فلا كلام في فساد إحرام الحجّ بذلك ، ولا تصير الحجّة مفردة به ، وكذلك لو نسي فأحرم قبل كمال السعي لم ينعقد. ولا خلاف في هذين بين علمائنا ) ، انتهى.

وقال في ( الدروس ) : ( لا يجوز إدخال الحجّ على العُمرة إلّا في حقّ من تعذّر عليه إتمام العُمرة فإنه يعدل إلى الحجّ. ولو أحرم بالحجّ قبل التحلّل من العُمرة فهو فاسد إن تعمّد ذلك إلّا أن يكون بعد السعي وقبل التقصير ، فإنه يصحّ في المشهور ، وتصير الحجّة مفردة.

ص: 320


1- شرائع الإسلام 1 : 215.
2- مسالك الأفهام 2 : 211 - 212.
3- الخلاف 2 : 261 - 262 / المسألة : 27.

ويشكل بالنهي عن الإحرام وبوقوع خلاف ما نواه إن أدخل حجّ التمتّع ، وعدم صلاحيّة الزمان إن أدخل غيره ، فالبطلان أنسب ).

ثمّ قال : ( ولو نسي صحّ إحرامه هنا بالحجّ ، ولو نسي فأحرم به قبل كمال السعي لم ينعقد. وكذا لا يجوز إدخال العُمرة على الحجّ إلّا في صورة الفسخ أو عند الضرورة كخوف تعقّب الحيض ، فلو أحرم بالعُمرة قبل كمال التحلّل من الحجّ لم ينعقد ، والظاهر أنه يؤخّره عن المبيت بمنى ورمي الجمرات.

ولا تنعقد العُمرة الواجبة قبل ذلك ولا المندوبة ؛ للنهي عن عُمرة التحلّل قبل أيّام التشريق ، كما رواه معاوية بن عمّار (1) ، فغيرها أوْلى. وكذا لا يجوز إدخال حجّ على حجّ ، ولا عمرة على عمرة ، ولا نيّة حجّتين ولا عمرتين ، فلو فعل فالبطلان ) (2) ، انتهى.

وقد نبّه الشهيد الثاني على أن العدول ليس بإدخال حتّى يستثنى.

وقال الشهيد الثاني في شرح قول الأوّل في ( اللمعة ) ، مازجاً عبارته بعبارته : ( لا يجوز الجمع بين النُّسُكين الحجّ والعُمرة بنيّة واحدة ، ولا إدخال أحدهما على الآخر ، بأن ينوي الثاني قبل إكمال تحلّله من الأوّل ، وهو الفراغ منه لا مطلق التحلّل ، فيبطل الثاني إن كان عمرة مطلقاً ، حتّى لو أوقعها قبل المبيت بمنى ليالي التشريق ، أو كان الداخل حجّا على العُمرة قبل السعي لها ) (3).

ثمّ أخذ يقرّر حكم ما لو أحرم بعد السعي قبل التقصير الثاني أن اللازم من صحّة العُمرة المتمتّع بها ، إذا نسي طوافها ولم يذكره إلّا بعد التلبّس بالحجّ أنه أحرم بالحجّ قبل السعي للعمرة.

وقد عرفت أنه إذا أحرم بالحجّ قبل كمال سعي العُمرة فنُسُكه باطل.

ص: 321


1- تهذيب الأحكام 5 : 295 / 999 ، الإستبصار 2 : 307 / 1097 ، وسائل الشيعة 14 : 50 ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب 27 ، ح 3.
2- الدروس 1 : 333 - 334.
3- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2 : 219 - 220.

أمّا الملازمة ، فظاهرة ممّا ذكرناه.

وأمّا بيان المقدّمة الأُولى ، فلأنه يجب تقديم الطواف على السعي ، فلو عكس لم يعتدّ بسعيه ، ووجب الإعادة بعد الطواف عمداً كان أو سهواً فيما هو المعروف من النصّ والفتوى ما لم يتلبّس بشي ء من الطواف ، على خلاف فيه معروف. والمفروض هنا أنه لم يأتِ بشي ء من الطواف.

وأنت إذا تأمّلت النصوص من الأصحاب والأخبار في ترتيب أفعال الحجّ والعُمرة وجدتها مصرّحة بذلك ، وكذا في خصوص المسألة ، فإنهم يحكمون بفساد السعي الواقع قبل الطواف.

قال الشيخ في ( تهذيب الأحكام ) : ( ومن قدّم السعي بين الصفا والمروة على الطواف يجب عليه أن يطوف بالبيت ، ثمّ يعيد السعي بين الصفا والمروة ) (1).

ثمّ استدلّ بقويّة منصور بن حازم : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت فقال يطوف بالبيت ثمّ يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما (2).

وبخبر منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة قال يرجع فيطوف بالبيت ثمّ يستأنف السعي.

قلت : إن ذلك قد فاته قال عليه دم ، ألا ترى أنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك ، كان عليك أنْ تعيد على شمالك (3).

وقال في ( المدارك ) بعد قول المحقّق : ( لا يجوز تقديم السعي على الطواف ) - : ( أمّا إنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف ، فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، ويدلّ عليه الروايات الكثيرة المتضمّنة لبيان أفعال الحجّ والعُمرة ، حيث يذكر فيها الطواف

ص: 322


1- تهذيب الأحكام 5 : 129 / ذيل الحديث 925.
2- الكافي 4 : 421 / 2 ، تهذيب الأحكام 5 : 129 / 426.
3- تهذيب الأحكام 5 : 129 / 427.

أوّلاً ثمّ السعي. وصحيحة منصور بن حازم. وساق الرواية المذكورة من ( تهذيب الأحكام ) (1).

ثمّ قال : ( وصرّح الشهيد في ( الدروس ) (2) بأن من قدّم السعي على الطواف يجب عليه إعادة السعي وإن كان سهواً ، وهو كذلك ؛ لتوقّف الامتثال عليه ) (3) ، انتهى.

وعن العلّامة أنه قال في ( المنتهى ) (4) و ( التذكرة ) (5) : ( السعي تبع للطواف لا يصحّ [ تقديمه عليه (6) ] ). فإذا سعى قبله لم يصحّ ، واستند إلى صحيح ابن حازم (7) ، والحديث الآخر المتضمّن أن عليه دماً ) (8).

ثمّ قال : ( لو سعى بعد طوافه ثمّ ذكر أنه طاف بغير طهارة ، لم يعتدّ بطوافه ولا بسعيه ؛ لأنه تبع له ).

وقال محمّد بن شجاع في أحكام الطواف : ( ويجب تقديمه على السعي في الحجّ والعُمرة ، فلو أخّره أعاده ، ثمّ يسعى. ولو ذكر في السعي أنه لم يطف طاف ثمّ استأنف السعي ).

وقال في واجبات السعي : ( السابع : إيقاعه بعد الطواف ، فلو قدّمه أعاده. الثامن : تأخيره عن الركعتين ، فيعيد لو قدّمه ) ، انتهى.

وقال في ( القواعد ) : ( غير طواف النساء مقدّم على السعي ، فإن عكس أعاد سعيه ) (9) ، انتهى.

وقال في ( التحرير ) : ( لا يجوز تقديم السعي على الطواف ، فإن قدّمه لم يجز. ولو طاف بعض الطواف ثمّ مضى إلى السعي ناسياً ، فذكر في أثناء السعي نقصان

ص: 323


1- تهذيب الأحكام 5 : 129 / 426.
2- الدروس 1 : 411.
3- مدارك الأحكام 8 : 219.
4- منتهى المطلب 2 : 708.
5- تذكرة الفقهاء 8 : 141 142 / المسألة : 502 ، والعبارة للتذكرة.
6- من المصدر ، وفي المخطوط : ( أن يتقدّمه طواف ).
7- الكافي 4 : 421 / 2 ، تهذيب الأحكام 5 : 129 / 426.
8- تهذيب الأحكام 5 : 129 / 427.
9- قواعد الأحكام 1 : 429.

الطواف ، رجع فأتمّ طوافه ، ثمّ عاد فتمّم سعيه ) (1).

وقال في ( الإرشاد ) في أحكام السعي : ( وتحرم الزيادة عمداً ويبطل بها لا سهواً ، وتقديمه (2) على الطواف فيعيده بعد الطواف لو قدّمه ) (3).

وقال الشيخ عليّ في ( حاشية الإرشاد ) بعد قول العلّامة - : ( ولو ذكر في السعي النقص أتمّ الطواف مع تجاوز النصف ثمّ أتمّ ) (4) - : ( وبدونه يعيدهما ).

وكتب في أحكام السعي على العبارة المذكورة : ( في صحيحة منصور بن حازم وغيرها ما يدلّ على أنه لو قدّم السعي أعاده بعد الطواف وإن كان ناسياً ) ، انتهى.

وقال في ( التلخيص ) : ( لا يجوز تقديم السعي على الطواف ) (5).

وقال : ( لو ذكر أنه طاف أحد طوافي العُمرة والحجّ على غير وضوء ، أعاده بوضوء وسعى ) (6).

وقال الشهيد بعد قول المحقّق : ( لو ذكر في أثناء السعي نقصاناً من طوافه ، قطع السعي وأتمّ الطواف ثمّ أتمّ السعي ) (7) - : ( إنما يتمّ الطواف مع تجاوز نصفه ، بأن يكون قد طاف أربعة أشواط ، فحينئذٍ يتمّه ، ثمّ يبني على ما مضى من السعي وإن كان شوطاً ، بل بعض شوط على الظاهر. ولو لم يبلغ في الطواف الأربعة أعاده من رأس ، ثمّ استأنف السعي وإن لم يبقَ منه إلّا القليل ، بل وإن كان أكمله ) (8).

وقال الكاشاني في ( المفاتيح ) : ( لا يجوز تقديم السعي على طواف الزيارة ولا على ركعتيه ) (9).

قال الشارح الشيخ حسين : ( لوجوب الترتيب ) ، انتهى.

ص: 324


1- تحرير الأحكام 1 : 100 ( حجريّ ).
2- معطوف على ( الزيادة ) في قوله : ( وتحرم الزيادة ).
3- إرشاد الأذهان 1 : 327.
4- إرشاد الأذهان 1 : 326.
5- تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 30 : 336.
6- تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 30 : 335 ، باختلافٍ يسير.
7- شرائع الإسلام 1 : 249.
8- مسالك الأفهام 2 : 363.
9- مفاتيح الشرائع 1 : 377 ، وفيه : ( ولا تأخيره عن طواف النساء ) بدل : ( ولا على ركعتيه ).

ولا فارق بين طواف الحجّ والعُمرة.

وقال ابن حمزة في ( الوسيلة ) : ( من قدّم السعي على الطواف لم يكن لسعيه حكم ) (1). وقال في أحكام السعي : ( ولا يجوز تقديمه على الطواف ) (2) ، انتهى.

وقال الشهيد في ( الدروس ) في أحكام الطواف : ( الرابع عشر : يجب تقديم طواف الحجّ والعُمرة على السعي ، فلو قدّم السعي لم يجز وإن كان سهواً ) (3).

وقال في واجبات السعي : ( سادسها : وقوعه بعد الطواف ، فلو وقع قبله بطل مطلقاً إلّا طواف النساء عند الضرورة ) (4) ، انتهى.

وقال الشيخ علي بن سليمان القدميّ : ( لا يجوز تقديم السعي على الطواف ، فلو قدّمه عامداً أو جاهلاً أو ساهياً عاد فطاف ، ثمّ استأنف السعي من رأس ) ، انتهى.

وقال الشيخ بهاء الدين في واجبات السعي : ( الثاني عشر : وقوعه بعده ، يعني : الطواف ) ، انتهى.

وقال الشيخ أحمد بن عبد الرضا المعروف بالمهذّب في واجبات السعي : ( وفعله يوم الطواف لا قبله ولا بعده ، ووقوعه بعده لا قبله ) ، انتهى.

وقال الشيخ علي بن عبد العالي في منسكه في واجبات السعي : ( الثامن : وقوعه بعد الطواف والركعتين ) ، انتهى.

فهذه عبارات الأصحاب بين مطلق للحكم بعدم صحّة السعي لو وقع قبل الطواف كلّه ، وبين مصرّح بعدم الفرق بين وقوعه كذلك عمداً أو سهواً في الحكم بفساده وعدم صحّته حينئذٍ ، بل عن الشيخ في ( الخلاف ) (5) أن من وجب عليه قضاء طواف العُمرة أو الحجّ وجب عليه قضاء السعي ، مدّعياً على ذلك الإجماع.

وصرّح بوجوب ذلك جماعة منهم الشهيد في ( الدروس ) (6) ، والسيّد في

ص: 325


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 174.
2- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 176.
3- الدروس 1 : 408.
4- الدروس 1 : 411.
5- الخلاف 2 : 395 / المسألة : 257.
6- الدروس 1 : 405.

( المدارك ) (1) ، وغير واحد ، وما ذاك إلّا فرع الحكم بفساد السعي حينئذٍ.

فعلى هذا يلزم أن من نسي طواف عمرة التمتّع وسعى كان سعيه باطلاً ، فلو أحرم حينئذٍ بالحجّ كان إحرامه باطلاً ؛ للإجماع على أن من أحرم بالحجّ قبل سعي العُمرة لم ينعقد إحرامه سهواً كان أو عمداً. فكيف يجتمع هذا مع القول بصحّة العُمرة والحجّ مع نسيان طوافها والتلبّس بالحجّ قبل ذكرانه والإتيان به؟ إن هذا لمشكل جدّاً.

بل يلزم على هذا صحّة العُمرة المتمتّع بها وحجّها بدون الإتيان بطوافها وسعيها وصلاة طوافها وتقصيرها لو ترك ذلك سهواً ؛ لِما عرفت ، ولتصريحهم في السعي لو تركه سهواً بمثل ما صرّحوا به في الطواف ، وهذا مشكل جدّاً.

وبالجملة ، فأنا إلى الآن لم يظهر لي دليل على صحّة العُمرة المتمتّع بها لو نسي طوافها ولم يذكره إلّا بعد أن تلبّس بأفعال الحجّ ، ولا على صحّة هذا الحجّ. وليس في الباب إلّا صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال : سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتّى قدم بلاده ، وواقع النساء كيف يصنع؟ قال يبعث بهدي ؛ إنْ كان تركه في حجّ بعث به في حجّ ، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه (2).

وإطلاق هذه الرواية مخصّص بالإجماع على عدم جواز إدخال نُسُك على نُسُك قبل إتمامه ، وبالنصّ والإجماع على أن من أحرم قبل السعي بالحجّ لم ينعقد إحرامه. هذا مع إمكان حملها على طواف حجّ التمتّع دون عمرته ، وطواف العُمرة المفردة.

وبالجملة ، فحملها على طواف نُسُك صحيح واقع في وقته ومحلّه ممكن ، وهو

ص: 326


1- مدارك الأحكام 8 : 177.
2- تهذيب الأحكام 5 : 128 / 421 ، الإستبصار 2 : 228 / 788 ، وسائل الشيعة 13 : 405 - 406 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 1.

طواف حجّ التمتّع الواقع بعد كمال عمرته ، والعُمرة المفردة الغير المجامعة للحجّ أو المجامعة له الواقعة بعد كمال حجّ القرآن ، أو الإفراد الصحيح دون عمرة التمتّع ودون حجّ القرآن ، أو الإفراد الذي يجب معه في عامه عمرة مفردة بعده ، والقرينة ما ذكرناه.

هذا مع أن الشيخ في التهذيبين (1) حملها على ناسي طواف النساء ، فصرفها عن ظاهرها ، وكذا الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ). والمشهور خصّصوها بما إذا تعذّر العود في جواز الاستنابة فصرفوها أيضاً عن ظاهرها ، وهي بدون هذا كلّه لا تقوى على معارضة تلك الأُصول المجمع عليها ممّا ذكرنا. فلم يبقَ في المسألة فيما ظهر إلّا فساد العُمرة والحجّ فيما لو نسي طواف المتمتّع بها ولم يذكر حتّى تلبّس بأفعال الحجّ.

ولم أقف على من تنبّه لهذا الإشكال والداء العضال ، واللّه يهدي إلى صراط مستقيم ، وأسأله العفو عن العمد والخطأ ، وهو أرحم الراحمين.

هذا كلّه إذا كان المنسيّ كلّ الطواف أو أكثر من ثلاثة أشواط ، فلو كان المنسيّ ثلاثة أشواط فنازلاً احتمل صحّة نسكه ، ويأتي بالمنسيّ متى ذكره ، وعمرته وحجّه صحيحان ، ويقضي الفائت وإحلاله صحيح ؛ وذلك للأخبار الدالّة على أن المتمتّعة إذا طافت أربعة أشواط ، ثمّ اعتلّت ولم يسع الوقت أن تصبر إلى أن تطهّر ، تسعى وتقصّر وتحلّ وتحرم بالحجّ ، وتقضي ما بقي عليها من طواف عمرتها بعد الرجوع من مِنى. وعليه فتوى العصابة (2).

فقد دلّ ذلك على تحقّق صحّة الإحلال حينئذٍ من العُمرة وإن بقي من الطواف شي ء وتمام النُّسُكين. ولا يظهر فرق بين ضرورة عروض الحيض والنسيان ؛ فكلاهما عذر واقع بغير اختيار المكلّف بالنُّسُك.

ص: 327


1- تهذيب الأحكام 5 : 128 / ذيل الحديث 421 ، الاستبصار 2 : 228 / ذيل الحديث 788.
2- منتهى المطلب 2 : 698.

والحاصل أنه دلّ على صحّة الإحلال والإحرام حينئذٍ للضرورة والتوسعة ورفع الحرج وإرادة اليسر ، والنسيان ضرورة ، فيدخل في رفع عن أُمّتي النسيان (1).

بل عذر النسيان أوْلى من عذر ضرورة المتعمّد. وقد صرّح جماعة بأن حكم نسيان أقلّ من أربعة أشواط حكم نسيان طواف النساء ، وفيه تأييد ، ويحتمل فساد الحجّ والعُمرة حينئذٍ كنسيان الكلّ ، وفي الأوّل قوّة.

وأمّا العُمرة المفردة ؛ فإن كانت هي المجامعة للحجّ ، فإن قلنا بوجوب الإتيان بها مع الحجّ في عام واحد ، كما هو الأقوى وعليه مشهور الفرقة ؛ ولدلالة بعض الأخبار عليه (2) ، ولأن به يقين البراءة ، ولأنه الأحوط ؛ تحقّق تركه فيها بخروج ذي الحجّة ، فتبطل لو تركه فيها عمداً حتّى خرج الشهر ، بمعنى عدم كفاية ما أتى به من الأفعال غير الطواف إن أتى بها دونه ، وعدم إجزائها عن فرضه ، فتبقى ذمّته مشغولة بالنُّسُك إن وجب ، لا بمعنى أنه إذا ترك الطواف الركنيّ عمداً حتّى خرج وقتها ، أحلّ من إحرامه وحلّت له محرّمات الإحرام ، بل يجب عليه التحلّل بالإتيان بأفعال المفردة.

وهل يجزئه حجّه؟ وجهان : للأوّل قيام الدليل على عدم ارتباط المفردة بالحجّ ، والامتثال يقتضي الإجزاء ، وإن أثم بإبطال العُمرة وتأخيرها عن عام حجّها. فعلى هذا يجب الإتيان بها من قابل وحدها في شهر ذي الحجّة ؛ لأن المتلقى من الشارع فعلها أعني : عمرة الإسلام فيه ، ولم يثبت عنه الرخصة في الإتيان بها في غيره.

وهل يجوز له التحلّل حينئذٍ بالإتيان بأفعال المفردة واستئناف عمرة الإسلام من قابل ، أم يجب عليه البقاء على إحرامه حتّى يأتي بها من قابل؟ وجهان : أرجحهما الأوّل ؛ للعسر والمشقّة اللازمة للثاني.

وللثاني أن العبادات كيفيّات متلقّيات ، وهذا لم يأتِ بالكيفيّة المتلقّاة فلا يكون

ص: 328


1- عوالي اللآلي 1 : 232 / 131 ، وسائل الشيعة 4 : 373 ، أبواب لباس المصلّي ، ب 12 ، ح 6 ، 7 ، 8.
2- تهذيب الأحكام 5 : 454 - 455 / 1588 ، وسائل الشيعة 11 : 213 - 217 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 2 ، ح 4.

ممتثلاً ، والأصل يقين شغل ذمّته فيستصحب ، ولا دليل على خلوّ عهدته حينئذٍ فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك (1) ، ولا تنقض اليقين بالشك (2). وهذا أيضاً أحوط.

وعليك بالحائطة لدينك (3).

والأخير أرجح الوجهين وإن كان الأوّل لا يخلو من قوّة.

وإن قلنا بعدم وجوبها مع الحجّ في عام واحد ، أو كانت غير الواجبة مع الحجّ ، فتحقّق ترك طوافها المبطل لها مشكل ، فإنا لو حكمنا ببطلانها في حال ؛ فإمّا أن نحكم بإحلاله من إحرامه وحلّ ما حرّمه الإحرام بمجرّد عصيان الناسك بتعمّد ترك الركن ، وهذا باطل قطعاً ؛ لعدم القائل ، ولأن المحلّلات من الإحرام أفعال مخصوصة محصورة ليس هذا منها ، ولعدم الدليل على ذلك شرعاً وعقلاً ، ولأصالة بقائه على إحرامه بعد يقين تلبّسه به ، فيستصحب تحريم محرّمات الإحرام عليه ، ولشغل ذمّته اليقينيّ بما أوجبه الإحرام من الأفعال.

وإمّا أن نحكم ببقائه على إحرامه حينئذٍ وتحريم ما حرّمه الإحرام ، وقد بطل نُسُكه وفاته الإتيان بأفعاله. ومن فاته النُّسُك الذي أحرم به ، وفات صحّة العدول إلى نُسُك آخر غير العُمرة المفردة ، إنما يتحلّل بالعمرة المفردة.

فهذا ؛ إمّا أن يحرم بعمرة اخرى وهو لا يصحّ ؛ لأنه لم يتحلّل من الإحرام الأوّل ، فيلزم إدخال نُسُك على نُسُك وهو لا يصحّ ، ولا ينعقد الثاني إجماعاً.

وإمّا أن يأتي بأفعال العُمرة التي ترك ركنها عمداً ، فلا يتحقّق حينئذٍ ترك ركن منها ولا بطلانها ؛ لأنه أتى بجميع أفعالها في وقتها ؛ إذ لا وقت لها معيّن تفوت بفواته.

قال المحقّق الشيخ عليّ في ( شرح القواعد ) بعد قول العلّامة : ( من ترك الطواف

ص: 329


1- إشارة إلى ما ورد في وسائل الشيعة 27 : 173 ، أبواب صفات القاضي ، ب 12 ، ح 63.
2- إشارة إلى ما ورد في تهذيب الأحكام 1 : 8 / 11 ، وسائل الشيعة 1 : 245 ، أبواب نواقض الوضوء ، ب 1 ، ح 1.
3- إشارة إلى ما ورد في وسائل الشيعة 27 : 173 ، أبواب صفات القاضي ، ب 12 ، ح 65 ، وفيه : « وتأخذ بالحائطة لدينك ».

عمداً بطل حجّه ) (1) - : ( ممّا يشكل تحقّق ما يتحقّق الترك به ، فإنه لو سعى قبل الطواف لم يعتدّ به ، ولو قصّر لزمته الكفّارة إن كان معتمراً ، وإن أحرم بنُسُك آخر بطل فعله. ويمكن أن يحكّم في ذلك العرف.

وإذا شرع في نُسُك آخر عازماً على ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفاً ، حكم ببطلان الحجّ ، أو يراد به خروجه من مكّة بنيّة عدم فعله. ولم أظفر في هذا الباب بشي ء.

وفي رواية عليّ بن أبي حمزة إن من جهل أن يطوف حتّى رجع إلى أهله ، عليه إعادة الحجّ وعليه بدنة (2).

ولا دلالة فيها على اعتبار الرجوع إلى الأهل في تحقّق الترك ؛ لأن ذلك وقع حكاية حال التارك.

ويمكن أن يقال : إن كان الطواف لعمرة التمتّع تحقّق الترك إذا تركه بعد ضيق الوقت ، إلّا عن باقي المناسك من الإحرام للحجّ ، والوقوفين وغيرهما أقلّ الواجب. وإن كان للحجّ فعند خروج ذي الحجّة ، وإن كان لعمرة الإفراد فعند الخروج من مكّة ، أو يحكّم في هذا الأخير العُرف ، أو يقال في هذا الأخير ما دام لم يتضيّق عليه نُسُك آخر لا يتحقّق الترك.

بل يقال : لا يتحقّق معنى الترك المقتضي للبطلان فيها ؛ لأن العُمرة المفردة هي المحلّلة من الإحرام عند بطلان نُسُك آخر لا غيرها ، فلو بطلت لاحتيج في التحلّل من إحرامها إلى أفعال العُمرة ، وهو ظاهر البطلان ) (3) ، انتهى.

وبمثل ذلك قال في حاشية ( الإرشاد ) ، وحاشية ( الشرائع ) ، وتبعه في هذا التحقيق شهيد ( المسالك ) (4).

ص: 330


1- قواعد الأحكام 1 : 428.
2- الفقيه 2 : 256 / 1240 ، تهذيب الأحكام 5 : 127 / 419.
3- جامع المقاصد 3 : 201.
4- مسالك الأفهام 2 : 348.

ومعنى قوله في رواية ابن أبي حمزة أنه ( لا دلالة فيها على اعتبار الرجوع إلى الأهل في تحقّق الترك ) : أنه لا دلالة فيها على أنه لا يتحقّق الترك إلّا بالوصول إلى الأهل ؛ لأنها حكاية حال ، والترك إذا فرض إمكان تحقّقه لا ينحصر في ذلك ؛ لأن الرواية صريحة في أن الرجوع إلى الأهل يتحقّق به البطلان ، للأمر فيها بإعادة الحجّ ؛ لأنها لا تدلّ على أن البطلان إنما تحقّق بالوصول إلى الأهل.

ويدلّ على أن المفردة هي المحلّلة من الإحرام عند بطلان نُسُك آخر [ لا ] غيرها أن غيرها إمّا حجّ وإمّا عمرة تمتّع. والنصّ والإجماع على أن من فاته الحجّ بعد التلبّس بإحرامه يتحلّل بعمرة مفردة. وبفوات العُمرة المتمتّع بها وبطلانها بحيث لا يمكن تداركها يفوت حجّ التمتّع ؛ فإن كان في حال يسوغ له العدول منها إلى حجّ الإفراد والإتيان به وجب ، وإلّا صدق فوت العُمرة والحجّ ؛ فيجب حينئذٍ التحلّل بعمرة مفردة.

هذا ، وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحجّ أو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ قدم ، وقد فاته الحجّ ، فليجعلها عمرة وعليه الحجّ من قابل (1).

وهو صريح في أن من قدم متلبّساً بالعمرة المتمتّع بها ، فما أدرك أن يأتي بأفعالها ويتحلّل ويحرم بالحجّ ، ويدرك المجزي من اختياريّ عرفة ، ولا العدول إلى حجّ الإفراد ، بحيث يدرك المجزي من اختياريّ عرفة ، بل فاته الحجّ بنوعيه ، يتحلّل بعمرة مفردة.

وظاهر صحيحه الآخر يشمل المتمتّع بها أيضاً : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل خرج حاجّاً ففاته الحجّ ولم يكن طاف قال يقيم مع الناس حراماً أيّام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ ، وعليه الحجّ من قابل ، يحرم من

ص: 331


1- الفقيه 2 : 284 / 1394 ، تهذيب الأحكام 5 : 294 / 998 ، الإستبصار 2 : 307 / 1095 ، وسائل الشيعة 14 : 49 ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب 27 ، ح 1.

حيث أحرم (1).

فإنها ظاهرة في أن من فاته الحجّ بعد التلبّس بإحرامه ، أو إحرام عمرة التمتّع ولم يدرك الحجّ ، يتحلّل بأفعال العُمرة المفردة ، شاملة بإطلاقها للقسمين ، وهي دالّة على أن فوات الطواف يفسد النُّسُك.

بل هي في الصورة الثانية أعني : من أحرم بالمتعة ولم يدرك طوافها ولا الحجّ - أظهر ؛ لأن طواف الحجّ إنما هو في أيّام التشريق. فلا يتحقّق حينئذٍ فوت الحجّ بسبب فوت الطواف ؛ لأنه أمره أن يقيم مع الناس أيّام التشريق حراماً ، وهذا لا يتصوّر في فوت الحجّ بفوت طوافه ، فظاهره الاختصاص بالصورة الثانية ، يعني : أنه حينئذٍ متلبّس بإحرام عمرة التمتّع ، فما أدركها وما أدرك الحجّ ، فأمره أن يتحلّل بالمفردة بعد أيّام التشريق.

وقال في ( المدارك ) في شرح قول المحقّق : ( الطواف ركن ، من تركه عامداً بطل حجّه ) (2) - : ( يتحقّق ترك الطواف في الحجّ بخروج ذي الحجّة قبل فعله ، وفي عمرة التمتّع بضيق وقت الوقوف إلّا عن التلبّس بالحجّ قبله ، وفي العُمرة المفردة المجامعة لحجّ الإفراد والقران بخروج السنة ؛ بناءً على وجوب إيقاعهما فيها ، لكنّه غير واضح.

وفي المجرّدة إشكال ؛ إذ يحتمل وجوب الإتيان بالطواف فيها مطلقاً ؛ لعدم التوقيت والبطلان بالخروج من مكّة بنيّة الإعراض عن فعله.

واحتمل الشارح تحقّق الترك في الجميع بنيّة الإعراض عنه ، والرجوع إلى ما يعدّ تركاً في العُرف (3). وهو غير واضح ؛ لأنه مع بقاء الوقت ، يمكن الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فينتفي المقتضي للبطلان ) (4) ، انتهى ، وهو جيّد.

ص: 332


1- تهذيب الأحكام 5 : 295 / 999 ، الإستبصار 2 : 307 / 1096 ، وسائل الشيعة 14 : 50 ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب 27 ، ح 3.
2- شرائع الإسلام 1 : 245.
3- مسالك الأفهام 2 : 349.
4- مدارك الأحكام 8 : 173.

والحاصل أنه لم يظهر لي دليل من نصّ أو إجماع أو غيرهما على أنه يتحقّق ترك طوافها المبطل لها في حال بوجه ، وما ذكر من احتمال حال يتحقّق فيه أو به ترك طوافها المبطل لها لا دليل عليه مطلقاً ، لا من رواية ولا إجماع ولا اعتبار ، لا عموماً ولا خصوصاً ولا بوجه أصلاً.

وكيف يتحقّق فواته المبطل والوقت باقٍ؟! والعبادة لا يتحقّق فوتها إلّا إذا كانت مؤقّتة وخرج وقتها ، وما لا توقيت فيه كيف يتحقّق فواته؟! فلو أن أحداً نوى ترك الظهر ، وأعرض عن فعلها ، لم يتحقّق فوتها إلّا بخروج وقتها.

نعم ، لا ريب في الإثم بالخروج من مكّة أو تضيّق نُسُك آخر ، وفي عدم انعقاد الإحرام بنُسُك آخر واجباً كان أو ندباً.

وقد تبيّن من هذا أنه متى بطل النُّسُك بترك ركن منه عمداً ، أو بتعذّر الإتيان به مع عدم النسيان ، أو بتعذّر الإتيان بالنُّسُك أجمع ، أو تركه عمداً حتّى خرج وقته ، وجب التحلّل بالعمرة المفردة بنيّة العدول إليها على الأظهر الأشهر ، وإلّا لوقع غير المنويّ ؛ لأنه نوى غير الواقع ، ولا عمل إلّا بنيّة.

وقال السيّد في ( المدارك ) : ( إذا بطل الحجّ بترك الركن كالطواف أو ما في معناه ، فهل يحصل التحلّل بذلك ، أو يبقى على إحرامه إلى أن يأتي بالفعل الفائت في محلّه ، ويكون إطلاق البطلان مجازاً كما قاله الشهيد (1) في الحجّ الفاسد ، بناءً على أن الأوّل هو الفرض ، أو يتحلّل بأفعال العُمرة؟ أوجه.

وجزم الشيخ عليّ في حواشي ( القواعد ) بالأخير ، وقال : إنه على هذا لا يكاد يتحقّق معنى الترك المقتضي للبطلان في العُمرة المفردة ؛ لأنها هي المحلّلة من الإحرام عند بطلان نُسُك آخر لا غيرها ، فلو بطلت احتيج في التحلّل من إحرامها إلى أفعال العُمرة ، وهو معلوم البطلان (2).

وما ذكره غير واضح المأخذ ؛ فإن التحلّل بأفعال العُمرة إنما يثبت مع فوات الحجّ

ص: 333


1- الدروس 1 : 370.
2- جامع المقاصد 3 : 201 ، بالمعنى.

لا مع بطلان النُّسُك مطلقاً.

والمسألة قويّة الإشكال من حيث استصحاب حكم الإحرام إلى أن يعلم حصول المحلّل ، وإنما يعلم بالإتيان بأفعال العُمرة ، ومن أصالة عدم توقّفه على ذلك مع خلوّ الأخبار الواردة في مقام البيان منه. ولعلّ المصير إلى ما ذكره أحوط ) (1) ، انتهى.

ووافقه على مثل هذا التقرير خاتمة الحفّاظ المحدّثين الشيخ حسين في ( شرح المفاتيح ).

وأقول : أمّا احتمال الإحلال بمجرّد المعصية بترك الركن عمداً فقد عرفت فساده ممّا قرّرناه ، ولم نظفر بما يدلّ عليه بوجه من وجوه الدلالات ، ولا بمفتٍ به ولا عامل به في سائر الأعصار. واستصحاب شغل ذمّته اليقينيّ بموجبات الإحرام ، ومنعه عن محرّمات الإحرام ثابت بيقين ، ولا ناقل عنهما.

وأمّا احتمال أنه بقي على إحرامه إلى أن يأتي بالفائت في محلّه ، فكلام لم يظهر لي معناه ؛ فإن الفوات لا يتحقّق إلّا بفوات الوقت ، وبعد فوات الوقت ، فما معنى الإتيان به في محلّه؟ لا يحتمل إرادة المكانيّ ؛ إذ لا قائل : إن من بطل حجّه مثلاً بترك أحد الموقفين عمداً ، أو الطواف ، أو السعي يحلّ من إحرامه بالوقوف بعرفة ، أو المشعر ، أو بالطواف ، أو بالسعي في غير أيّام الحجّ المعيّنة للفعل المتروك.

بل الإجماع والنصّ كما اعترف به هو وجمع على أن من فاته الحجّ إنما يتحلّل بالعُمرة المفردة.

وأيضاً فالتجوّز في إطلاق الفساد على الحجّ الفاسد لا يظهر بناؤه على القول بأن الأوّل هو الفرض ؛ لأن الاحتمال قائم على أن من أفسد حجّه بالمواقعة وجب عليه إكماله ، وعلى أنه لا يحلّ من إحرامه إلّا بإكماله.

غاية الأمر أن معنى فساده على القول بأن الثاني هو الفرض أن الأوّل غير مجزٍ عن الفرض ولا مبرئ للذمّة ؛ فتعيّن الوجه الثالث ، وتبيّن مأخذ الشيخ علي.

ص: 334


1- مدارك الأحكام 8 : 174 - 175.

وأمّا قوله رحمه اللّه : ( إن التحلّل بأفعال العُمرة إنما ثبت مع فوات الحجّ لا مع بطلان النُّسُك مطلقاً ) (1) ، فقد عرفت وجه ضعفه ؛ فإن من تلبّس بإحرام العُمرة المتمتّع بها ، ثمّ تبيّن أنه لا يدرك الحجّ قبل فعلها ، وجب عليه التحلّل بالمفردة ؛ إذ لا متعة بدون حجّها. لا نعلم فيه مخالفاً ، وعمل الفرقة على ذلك في سائر الأعصار من غير نكير. ودلالة الأخبار وقوانين الفن عليه غير عزيزة ؛ كما في صحيحتي ابن عمّار (2) السابقتين.

وأمّا أصالة عدم توقّفه على ذلك بعد تلبّسه بالإحرام الصحيح ، فممنوعة. وأصالة بقائه على حكم الإحرام فيما وجب وحرم ، واستصحاب شغل ذمّته بما أوجبه الإحرام وحرّمه بيقين ، وكون العبادات كيفيّات متلقّيات ، سند المنع. على أن جريان أصالة الإباحة والعدم في كيفيّات العبادات المتلقّيات بعد ثبوتها ممنوع ، خصوصاً في مثل المقام بعد التلبّس بالإحرام ، فليست الأخبار خالية من الدلالة عليه كما قال ، مع قيام الإجماع عليه أيضاً.

هذا إذا كان ترك الطواف عمداً ، أمّا لو تركه نسياناً ، وجب عليه تداركه بنفسه مع المكنة على الأشهر الأظهر ؛ لأصالة عدم كفاية نيابة الغير في التكاليف العينيّة ، ولاستصحاب شغل ذمّة المكلّف بما كلّف به اليقينيّ حتّى يحصل الناقل عنه. فإن شقّ ولم يستطع تداركه بنفسه استناب من يقضيه عنه مع ركعتيه في ظاهر الفتوى ، وتدلّ عليه صحيحة عليّ بن جعفر (3) المتقدّمة.

وإنما حملنا إطلاق قوله فيها ووكّل من يطوف عنه ما تركه ، على من شقّ عليه

ص: 335


1- مدارك الأحكام 8 : 175.
2- للصحيحة الاولى انظر : الفقيه 2 : 284 / 1394 ، تهذيب الأحكام 5 : 294 / 998 ، الإستبصار 2 : 307 / 1095 ، وسائل الشيعة 14 : 49 ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب 27 ، ح 1. وللصحيحة الثانية أنظر: التهذيب 5: 999/295، الاستبصار 2: 1096/307، وسائل الشيعة 50:14، أبواب الوقوف بالمشعر، ب27، ح3.
3- تهذيب الأحكام 5 : 128 / 421 ، الإستبصار 2 : 228 / 788 ، وسائل الشيعة 13 : 405 - 406 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 1.

التدارك بنفسه ؛ جمعاً بينها وبين أصالة عدم كفاية فعل الغير في التكاليف العينيّة.

فإن تداركه بنفسه ، فهل تجب إعادة السعي وطواف النساء؟ الأظهر ذلك ، كما صرّح به في ( الدروس ) (1) ، وحكى عن الشيخ في ( الخلاف ) (2) مدّعياً عليه الإجماع. وإطلاق الأخبار التي تضمّنت الأمر بإعادة السعي لمن نسي وسعى قبل أن يطوف ، وإطلاق الفتوى بوجوب الترتيب يدلّ على ذلك.

أمّا لو عجز عن تداركه بنفسه فاستناب ، فهل يجزيه إتيان النائب به أو لا بدّ من الاستنابة في السعي أيضاً؟ ظاهر الأكثر وصحيحة عليّ بن جعفر (3) الأوّل ، ومقتضى توقّف صحّة السعي على الطواف وتبعيّته له الثاني ، مع أنه أحوط.

مضافاً إلى أن الشيخ ادّعى الإجماع (4) على أن من تدارك الطواف تدارك السعي. ولا يظهر فارق بين من تداركه بنفسه أو بوكيله ، فالثاني أوْلى ، بل وأظهر. ولا إشكال في وجوب تدارك ركعتي الطواف إذا وجب تداركه بنفسه أو بنائبه وإن كان قد أتى بهما ؛ لعدم مشروعيّتهما قبله.

السابعة والعشرون : من نسي بعض الطواف ؛ فإن كان المنسيّ أربعة فصاعداً ، فكَمَنْ لم يطف أصلاً ، وإن كان ثلاثة فما دونها ، بنى وأجزأه إكمالها ، ولا يعيد شيئاً من الأفعال التي بعد الطواف إذا أتى بها ؛ لظاهر إطلاق النصّ (5) والفتوى بذلك من غير تعرّض لذكر استدراك شي ء قد أتى به من الأفعال الواجبة بعد الطواف.

ولخصوص الأخبار (6) الواردة فيمن نسي شيئاً من الطواف حتّى دخل في السعي أنه يرجع ويتمّ طوافه ثمّ يكمل السعي.

ص: 336


1- الدروس 1 : 405.
2- الخلاف 2 : 395 / المسألة : 257.
3- تهذيب الأحكام 5 : 128 / 421 ، الإستبصار 2 : 228 / 788 ، وسائل الشيعة 13 : 405 - 406 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 1.
4- الخلاف 2 : 395 / المسألة : 257.
5- وسائل الشيعة 13 : 359 ، أبواب الطواف ، ب 33.
6- الكافي 4 : 418 / 8 ، تهذيب الأحكام 5 : 109 - 110 / 355 ، وسائل الشيعة 13 : 358 ، أبواب الطواف ، ب 32 ، ح 2.

وظاهرها عدم الفرق بين من أكمل أربعة أو لم يكملها ، وبه أفتى جماعة (1) ، وفيه قوّة ؛ لإطلاق الأخبار (2) من غير معارض في المقام. وما يستدرك من ذلك إن كان في وقته فعلى وجه الأداء ، وإن خرج وقته فعلى وجه القضاء.

ولو لم يذكر ما نسي من ثلاثة أشواط فما دون إلّا بعد أن تلبّس بنُسُك آخر ، فالظاهر كفاية الإتيان بما نسي متى أمكن ، وصحّة النُّسُكين ؛ لمّا مرّ ولأخبار من فجأها الحيض بعد أن كملت أربعة أشواط من عمرة التمتّع ولم يسع الوقت انتظارها الطهر (3) ، وغيرها. بل ظاهر الأخبار والأصحاب أن الثلاثة ليست ركناً كطواف النساء. وقد صرّح بعض الأفاضل أن حكمها حكم طواف النساء.

وكذا لو ذكرها في وقت تضييق نُسُك آخر ، فإن الظاهر كفاية قضائها وحدها ، بل الظاهر كفاية قضائها وصحّة الإحلال والإهلال وإن لم يتضيّق نُسُك آخر إذا لم يذكرها إلّا بعد إكمال نسكها. وفي الأخبار الدالّة على أن من نسي شيئاً من الطواف وذكره في أثناء السعي ، يرجع فيكمل الطواف ثمّ يكمل السعي ويبني فيه على ما مضى (4) ، دلالةٌ عليه.

الثامنة والعشرون : من وجب عليه تدارك الطواف أو بعضه وجب عليه تداركه بنفسه مع المكنة ، ومع المشقّة يكفيه التوكيل ، وفعل الوكيل في استدراكه.

التاسعة والعشرون : من فاته الطواف بحيث يصحّ له استدراكه وجب ، ووجب استدراك الركعتين والسعي بعده ولو كان قد أتى بهما لما مرّ ، لا فرق في ذلك بين فواته عمداً أو سهواً.

قال في ( المدارك ) : ( ومتى وجب قضاء طواف العُمرة أو الحجّ ، فالأقرب وجوب

ص: 337


1- الدروس 1 : 407.
2- وسائل الشيعة 13 : 359 ، أبواب الطواف ، ب 33.
3- الفقيه 2 : 241 / 1155 ، تهذيب الأحكام 5 : 393 / 1370 ، 1371 ، وسائل الشيعة 13 : 455 - 456 أبواب الطواف ، ب 85 ، ح 4 ، وب 86 ، ح 1 - 2.
4- الكافي 4 : 418 / 8 ، تهذيب الأحكام 5 : 109 - 110 / 355 ، وسائل الشيعة 13 : 358 ، أبواب الطواف ، ب 32 ، ح 2.

إعادة السعي أيضاً ، كما اختاره الشيخ في ( الخلاف ) (1) ، والشهيد في ( الدروس ) (2) ؛ لصحيحة منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت ، فقال يطوف بالبيت ثمّ يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما (3).

وإنما يحصل التحلّل ممّا يتوقّف على الطواف والسعي بالإتيان بهما ولا يحصل بدون فعلهما ) (4) ، انتهى ، وهو حسن.

الثلاثون : لو عاد لاستدراك الطواف المنسيّ بعد الخروج من مكّة زادها اللّه شرفاً على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخولها ؛ فإن كان العود لاستدراك الطواف كلّه لم يَحتجْ إلى إحرام جديد ؛ لأنه محرم لم يتحلّل من إحرامه الأوّل كما عرفت ، ولإطلاق الأخبار (5) والفتاوى (6) وجوب الاستدراك ، من غير تعرّض لذكر وجوب الإحرام للدخول في مقام البيان ، مع أنه ممّا يعمّ به البلوى.

وإن كان لاستدراك ثلاثة أشواط فما دونها لم يجز له الدخول إلّا محرماً بنُسُك آخر ، ويقضي ما فات بعد التحلّل منه أو قبله ؛ لما عرفت من البحث السابق.

هذا كلّه إن كان طواف إحدى العمرتين أو بعضه ، أمّا لو كان طواف الحجّ ، فإن كان المستدرك بعضه فكبعض طواف العُمرة ، وإن كان كلّه فوجهان ، أقربهما عدم الافتقار إلى تجديد إحرام ؛ للأصل ، ولصدق المحرم عليه في الجملة وإن حلّ له بعض ما حرّمه الإحرام. والإحرام لا ينعقد إلّا من مُحِلّ ، ولا يجب إلّا على مُحِلّ.

ولا ينافي هذا كلّه حصر الفقهاء من يسوغ له دخول مكّة بغير إحرام في أصناف ليس هذا منهم ؛ لأنهم إنما عنوا به المُحِلّين فأوجبوا الإحرام لدخول مكّة على كلّ

ص: 338


1- الخلاف 2 : 395 / المسألة : 257.
2- الدروس 1 : 405.
3- الكافي 4 : 421 / 2 ، تهذيب الأحكام 5 : 129 / 426 ، وسائل الشيعة 13 : 413 ، أبواب الطواف ، ب 63 ، ح 2.
4- مدارك الأحكام 8 : 177.
5- وسائل الشيعة 13 : 356 ، أبواب الطواف ، ب 31 ، ح 1 ، وفيه أيضاً : 357 - 358 ، أبواب الطواف ، ب 32 ، ح 1.
6- تهذيب الأحكام 5 : 109 / ذيل الحديث 352 ، شرائع الإسلام 1 : 243 ، مستند الشيعة 12 : 128.

مُحِلّ إلّا الأصناف المستثناة ، وهذا ليس بمُحِلّ. فالحصر لا يخرجه عن جواز دخوله بغير إحرام جديد ، بل الأخبار الدالّة على أن من خرج من مكّة محرماً بالحجّ يدخلها بذلك الإحرام (1) تدلّ عليه في الجملة.

الحادية والثلاثون : حكم الجاهل في جميع ما ذكر من المسائل حكم العامد العالم ، كما هو ظاهر المذهب ، ولعموم التكليف وعدم ما يدلّ على معذوريّة الجاهل هنا ، ولصحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة قال إنْ كان على وجه جهالة في الحجّ أعاد وعليه بدنة (2).

وخبر علي بن أبي حمزة : سئل عليه السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتّى رجع إلى أهله قال إذا كان على جهة الجهالة أعاد الحجّ وعليه بدنة (3).

ولا فارق في ذلك بين الحجّ والعُمرة ، فيلزم الجاهل حكم العالم العامد في جميع ما ذكر من الفروع. والظاهر أنه لا يتصوّر السهو في شأن الجاهل ؛ لأن النسيان لا يكون إلّا بعد العلم والذكر ، فمن ترك شيئاً من الواجبات جهلاً لزمه حكم العامد العالم.

الثانية والثلاثون : ما قرّرناه من الإشكال والحكم بالبطلان فيمن نسي طواف المتمتّع بها حتّى أحرم بالحجّ جارٍ في المفردة إذا نسي طواف الحجّ حتّى أحرم بها ؛ فإنها على ما سلف باطلة.

فإن كانت هي الواجبة مع الحجّ في عام بطلت هي وحجّها ، بمعنى أنهما غير مبرئين للذمّة ولا مسقطين للفرض ؛ لوجوب الإتيان بهما في عام ، وعدم جواز تأخير الطواف عن عام الحجّ إن خرج الشهر.

ص: 339


1- وسائل الشيعة 11 : 301 - 305 ، أبواب أقسام الحجّ ، ب 22 ، ح 6 ، ح 8 ، ح 9.
2- تهذيب الأحكام 5 : 127 / 420 ، الاستبصار 2 : 228 / 787 ، وفيه : « على وجه الجهالة » ، وسائل الشيعة 13 : 404 ، أبواب الطواف ، ب 56 ، ح 1.
3- تهذيب الأحكام 5 : 127 / 419 ، الإستبصار 2 : 228 / 786 ، وسائل الشيعة 13 : 404 ، أبواب الطواف ، ب 56 ، ح 2 ، وفيها : « إذا كان على وجه جهالة ».

فإن ذكر وأمكنه الإتيان بالطواف المنسيّ والعُمرة قبل خروج الشهر صحّا وإلّا بطلا ؛ لعدم الإتيان بالصورة المتلقّاة ، فلا يتحقّق الامتثال منه حينئذٍ ، فيبقى في استصحاب التكليف بهما وشغل ذمّته بهما ، ولا ينافي هذا بتلها عن الحجّ. وإن كان لا يتحلّل إلّا بالإتيان بأفعال المفردة ينوي بها مفردة غير المجامعة للحجّ.

الثالثة والثلاثون : طواف النساء واجب في المفردة ، وغير مشروع في المتمتّع بها ، كلاهما بالنصّ (1) والإجماع والمخالف (2) فيهما شاذّ نادر قائلاً ودليلاً ، بل الظاهر أنه منقطع ، وما أوهمه محمولاً على التقيّة ، متروك العمل به في سائر الأعصار.

ووقته بعد الحلق والتقصير ، لا نعرف فيه خلافاً. والأخبار الدالّة على تأخّره عن السعي كثيرة.

منها : صحيحة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال لولا ما منّ اللّه على الناس من طواف الوداع ، لرجعوا إلى منازلهم لا ينبغي لهم أنْ يمسّوا نساءهم ، حتّى يطوفوا بالبيت أُسبوعاً آخر بعد سعيهم (3).

وإطلاقه شامل للعمرة ، وفيه إشعار يوجب تداركه بنفس الناسك ولو كان جاهلاً.

ومنها : حسنة نجيّة عن أبي جعفر عليه السلام قال إذا دخل المعتمر مكّة غير متمتّع ، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وصلّى الركعتين خلف مقام إبراهيم ، فليلحق بأهله إنْ شاء (4).

والظاهر أنه ترك ذكر طواف النساء تقيّة ، ولعلّ الركعتين المأمور بهما آخر الحديث هما ركعتاه ؛ بقرينة تأخير ذكرهما عن السعي فتفطّن. وفيه أيضاً دلالة على عدم ركنيّته ، ولو كان ركناً أو قبل السعي لذكره في مقام البيان.

ص: 340


1- الكافي 4 : 538 / 9 ، تهذيب الأحكام 5 : 254 / 861 ، وسائل الشيعة 13 : 442 - 443 ، أبواب الطواف ، ب 82 ، ح 1.
2- انظر الدروس 1 : 329.
3- الكافي 4 : 513 / 3 ، تهذيب الأحكام 5 : 253 / 856 ، وسائل الشيعة 13 : 299 ، أبواب الطواف ، ب 2 ، ح 3 ، بتفاوتٍ يسير في الجميع.
4- تهذيب الأحكام 5 : 434 / 1505 ، الإستبصار 2 : 325 / 1125 ، وسائل الشيعة 14 : 306 ، أبواب العمرة ، ب 5 ، ح 5.

وقال في ( المدارك ) : ( أمّا إنه لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتّع ولا لغيره مع الاختيار ، فهو مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفاً ، ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتضمّنة لوجوب تأخيره عن السعي ، كقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمّار

ثمّ اخرج إلى الصفا فاصعد عليه ، واصنع كما صنعت يوم دخلت مكّة ، ثمّ ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط ، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة. فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي ء أحرمت منه إلّا النساء ، ثمّ ارجع إلى البيت وطف به أُسبوعاً آخر ، ثمّ تصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام (1) الحديث ).

وإطلاقه يشمل العُمرة والحجّ ، وظاهره أيضاً تأخّره عن التقصير أو الحلق ؛ لقوله فقد أحللت ، ولا إحلال إلّا بعد ذلك ، وفيه إشعار بعدم ركنيّته في الجملة.

قال السيّد : ( وثمّ تقتضي الترتيب قطعاً ، ويؤيّده رواية أحمد بن محمّد ، عمّن ذكره قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثمّ طاف طواف النساء ثمّ سعى ، فقال لا يكون سعي إلّا من قبل طواف النساء (2) .. ) (3) ، انتهى.

ولا فارق في ذلك بين الحجّ والعُمرة.

وأمّا ما يدلّ على تأخّره عن الحلق والتقصير فكثير أيضاً.

منها : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصّر (4).

فرتّب الحلق أو التقصير على الفراغ من الأعمال الثلاثة ، فدلّ بظاهره على تأخّر

ص: 341


1- الكافي 4 : 511 / 4 ، وسائل الشيعة 14 : 249 - 250 ، أبواب زيارة البيت ، ب 4 ، ح 1.
2- الكافي 4 : 512 / 5 ، تهذيب الأحكام 5 : 133 / 438 ، الاستبصار 2 : 231 / 799.
3- مدارك الأحكام 8 : 190 - 191.
4- تهذيب الأحكام 5 : 438 / 1523 ، وسائل الشيعة 13 : 511 ، أبواب التقصير ، ب 5 ، ح 1.

طواف النساء عن ذلك كلّه.

ومرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن المعتمر يطوف ويسعى ويحلق قال لا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر (1).

وهي نصّ في المطلوب.

وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال العُمرة المبتولة يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثمّ يحلّ ، فإنْ شاء أنْ يرتحل من مكّة ارتحل (2).

وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال إذا دخل المعتمر مكّة من غير تمتّع ، وطاف بالبيت وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وسعى بين الصفا والمروة ، فليلحق بأهله إنْ شاء (3).

وعدم ذكر طواف النساء في هذا وشبهه من الأخبار للتقيّة ، وفيه إشارة للدلالة على أن من اضطرّ بعد إحلاله بالحلق أو التقصير إلى الخروج ، جاز له أن يخرج ويستنيب من يأتي به عنه.

وبالجملة ، فقد أطبقت العصابة على تأخّره عن الحلق أو التقصير ، لا نعلم فيه خلافاً ، وعليه عملهم في سائر الأزمان ، فلو قدّمه على الحلق أو التقصير عامداً اختياراً لغى وإن كان جهلاً ؛ لعدم الإتيان بالكيفيّة المتلقّاة من الشارع ، ولأن ذمّته مشغولة به بيقين ، ولا يقين في خلوّ عهدته بذلك ، فيستصحب شغل ذمّته به وتحريم النساء عليه حتّى يثبت الناقل ، ولا ناقل عنه.

الرابعة والثلاثون : لو قدّم الناسك طواف النساء على السعي عمداً لغا ولم يعتدّ به ؛ بالنصّ (4) والإجماع المستفيض من غير معارض ، ولمخالفة الكيفيّة المتلقّاة ، ولعدم

ص: 342


1- الكافي 4 : 538 / 7 ، تهذيب الأحكام 5 : 254 / 859 ، الإستبصار 2 : 231 / 802 ، وسائل الشيعة 13 : 443 ، أبواب الطواف ، ب 82 ، ح 2.
2- الكافي 4 : 537 / 5 ، وسائل الشيعة 13 : 443 - 444 ، أبواب الطواف ، ب 82 ، ح 4 ، وفيه : « من ساعته ارتحل ».
3- الفقيه 2 : 275 / 1342 ، وسائل الشيعة 14 : 316 ، أبواب العمرة ، ب 9 ، ح 2.
4- الكافي 4 : 512 / 5 ، تهذيب الأحكام 5 : 133 / 438 ، وسائل الشيعة 13 : 417 ، أبواب الطواف ، ب 65 ، ح 1.

يقين خلوّ العهدة به فيستصحب شغل الذمّة به وتحريم النساء عليه.

ولو قدّمه سهواً أو لضرورة ، كخوف الحيض لمعتادته في تلك الحال أو ظانتِه فيها ، صحّ وأجزأ. لا نعلم فيه خلافاً ، بل استفاض نقل الإجماع عليه وهو الحجّة. وقد اعترف غير واحد (1) من الحفّاظ بعدم النصّ عليه.

وحمل عليه بعض المتأخّرين (2) موثّق سَمَاعة عن أبي الحسن الماضي عليه السلام : سألته عن رجل طاف طواف الحجّ ، وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة قال لا يضرّه ، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجّه (3).

وفي ( من لا يحضره الفقيه ) عن سماعة بن مهران عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، مثله (4).

ولا بأس به جمعاً بين الأخبار ، والدليل عليه الإجماع.

وفي ( المدارك ) أن الإجزاء حينئذٍ مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلّ عليه بدفع الحرج والمشقّة اللازمين لوجوب تأخّره مع الضرورة ، وبخبر سَمَاعة بن مهران المتقدّم.

ثمّ قال : ( وهذه الرواية وإن كانت مطلقة إلّا إنه يجب حملها على حال الضرورة ؛ توفيقاً بين الأخبار.

ويؤيّده فحوى صحيحة الخزّاز قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخل عليه رجل ، فقال : أصلحك اللّه ، إن معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمّال أن يقيم عليها. فأطرق وهو يقول لا تستطيع أنْ تتخلّف عن أصحابها ، ولا يقيم

ص: 343


1- مدارك الأحكام 8 : 191.
2- رياض المسائل 4 : 326.
3- تهذيب الأحكام 5 : 133 / 439 ، الإستبصار 2 : 231 / 800 ، وسائل الشيعة 13 : 418 ، أبواب الطواف ، ب 65 ، ح 2.
4- لم نعثر عليه بهذا السند في ( الفقيه ) ، وما ورد فيه : ( روى إسحاق بن عمّار عن سَمَاعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال ) : ونقل نصّ الحديث المتقدّم. انظر الفقيه 2 : 244 / 1166.

عليها جمّالها.

ثمّ رفع رأسه وقال تمضي فقد تمّ حجّها (1).

فإذا جاز ترك الطواف من أصله للضرورة ، جاز تقديمه بطريق أوْلى ) ، انتهى كلام ( المدارك ) (2).

وأقول : ظاهر العبارة يدلّ على جواز تركه للضرورة مباشرةً واستنابةً. وهذا باطل بالإجماع والنصّ المستفيض (3) ، واستصحاب شغل ذمّة الناسك به وتحريم النساء عليه. فيجب حمل كلامه على إرادة جواز تركه مباشرة ، مع وجوب الاستنابة حينئذٍ صوناً لكلام مثله عن هذا الغلط ، مع أن الرواية لا تدلّ عليه بوجه.

على أن الأولويّة ممنوعة ؛ إذ لا ملازمة بين جواز الترك وصحّة تقديمه على السعي ؛ لأن العبادات كيفيّات متلقّيات لا تصحّ العبادة إلّا بها ، ولا عبرة بالإتيان بشي ء منها حتّى المندوب في غير محلّه.

وأيضاً ، كيف يتوهّم دلالة الخبر على جواز تركه أصلاً ، مع الإجماع والنصّ (4) المستفيض على أنه واجب؟! وجواز الترك كذلك لا إلى بدل إنما يتحقّق في المندوب. ومثل هذه الرواية أخبار أُخر قد أغفل ذكرها مثل صحيحة أبي بصير ومعاوية بن عمّارِ المتقدّمتين (5).

نعم ، هذه الأخبار تدلّ على أن طواف النساء ليس بركن.

الخامسة والثلاثون : من نسي طواف النساء وجب عليه تداركه بنفسه مع المكنة ، وإلّا وجب أن يوكّل من يأتي به عنه ؛ أداءً إن كان وقته باقياً ، وقضاءً إن خرج وقته. وكذا يجوز له أن يستنيب من يأتي به عنه مع ركعتيه إن اضطرّ إلى الخروج من مكّة

ص: 344


1- الكافي 4 : 451 / 5 ، الفقيه 2 : 245 / 1176 ، وسائل الشيعة 13 : 452 - 453 ، أبواب الطواف ، ب 84 ، ح 13.
2- مدارك الأحكام 8 : 191.
3- الكافي 4 : 538 / 9 ، تهذيب الأحكام 5 : 254 / 861 ، وسائل الشيعة 13 : 442 - 443 ، أواب الطواف ، ب 82 ، ح 1.
4- الوسائل 13 : 444 ، أبواب الطواف ، ب 82 ، ح 5.
5- الكافي 4 : 537 / 5 ، الفقيه 2 : 275 / 1342 ، وسائل الشيعة 13 : 443 - 444 ، أبواب الطواف ، ب 82 ، ح 4 ، و 14 : 417 ، أبواب الطواف ، ب 65 ، ح 1.

قبل فعله ، ويخرج كلّ ذلك لظاهر النصّ والفتوى.

ويدلّ على وجوب تداركه بنفسه مع المكنة ، مضافاً إلى أصالة عدم إجزاء فعل الغير في الواجب العينيّ ، واستصحاب شغل ذمّته به ، وتحريم النساء عليه اليقينيّين ، مع ما فيه من يقين البراءة والاحتياط مثل خبر معاوية بن عمّار : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل نسي طواف النساء حتّى دخل أهله قال لا يحلّ له النساء حتّى يزور البيت.

وقال يأمر من يقضي عنه إنْ لم يحجّ ، فإنْ توفّي قبل أنْ يطاف عنه فليقضِ عنه وليّه أو غيره (1).

وفي هذا الخبر دلالة على لزوم قضائه على الولي ، وعلى بطلان الوكالة بموت الموكّل ، وعلى أن طواف النساء واجب ، مضافاً إلى الإجماع وغيره من الأخبار ، مثل خبر إبراهيم بن عبد الحميد : سئل أبو الحسن موسى عليه السلام عن العُمرة المفردة ، على صاحبها طواف النساء؟ فقال نعم ، هو واجب (2).

والأخبار به كثيرة.

وصحيحة ابن عمّار أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام : سألته عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله قال لا يحلّ له النساء حتّى يزور البيت ، فإنْ هو مات فليقضِ عنه وليّه أو غيره. فأمّا ما دام حيّاً ، فلا يصلح أنْ يقضى عنه (3) الخبر.

وصحيحه الآخر أيضاً عنه عليه السلام أيضاً : في رجل نسي طواف النساء حتّى أتى الكوفة قال لا يحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت.

قلت : فإن لم يقدر؟ قال يأمر من

ص: 345


1- الكافي 4 : 513 / 5 ، تهذيب الأحكام 5 : 128 / 422 ، الإستبصار 2 : 228 / 789 ، وسائل الشيعة 13 : 407 - 408 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 6.
2- تهذيب الأحكام 5 : 439 / 1524 ، وسائل الشيعة 13 : 444 ، أبواب الطواف ، ب 82 ، ح 5.
3- تهذيب الأحكام 5 : 255 / 865 ، 489 / 1747 ، الإستبصار 2 : 233 / 807 ، وسائل الشيعة 13 : 406 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 2.

يطوف عنه (1).

فهذه الرواية حاكمة على إطلاق ما قبلها.

وإطلاق صحيحة ابن عمّار أيضاً عنه عليه السلام : سألته عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله قال يرسل فيطاف عنه ، فإنْ توفّي قبل أنْ يطاف عنه فليُطف عنه وليّه (2).

فالفارقُ في جواز الاستنابة وعدمها بين القادر وغيره عاملٌ بجميع الأخبار.

السادسة والثلاثون : من خرج من مكّة على وجه يستدعي وجوب الإحرام لو أراد الدخول ورجع ليستدرك طواف النساء ؛ فهل يجب عليه الإحرام للدخول؟

الظاهر ذلك ؛ لظاهر الأخبار المتقدّم بعضها الدالّة على أن من طاف وصلّى الركعتين وسعى أحلّ ، ولظاهر خبر معاوية بن عمّار المذكور ؛ لقوله عليه السلام يأمر من يقضي عنه إنْ لم يحجّ (3).

فهو يدلّ على جواز الحجّ له مع نسيانه طواف النساء ، فهو يدلّ على أنه أحرم من عمرته ، وإلّا لما جاز له الحجّ ؛ لما فيه من إدخال نُسُك على نُسُك.

ومن كان مُحِلّا ، وجب عليه الإحرام لدخولها إلّا ما استثني ، وليس هذا منه وإن حرم عليه النساء قبل فعله ؛ للدليل. ويحتمل ضعيفاً الاكتفاء بإحرامه الأوّل ؛ لأنه محرم في الجملة لتحريم النساء عليه ، مع أن يقين البراءة والاحتياط في الأوّل ، ولأنه لم يستثنِ ممّن يجب عليه الإحرام لدخولها.

السابعة والثلاثون : لو عجز الناسك عن المشي ركب وإن أمكنه الطواف على أربعة

ص: 346


1- تهذيب الأحكام 5 : 256 / 867 ، الإستبصار 2 : 233 / 809 ، وسائل الشيعة 13 : 407 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 4.
2- تهذيب الأحكام 5 : 255 / 866 ، الإستبصار 2 : 233 / 808 ، وسائل الشيعة 13 : 407 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 4.
3- الكافي 4 : 513 / 5 ، تهذيب الأحكام 5 : 128 / 422 ، الإستبصار 2 : 228 / 789 ، وسائل الشيعة 13 : 407 - 408 ، أبواب الطواف ، ب 58 ، ح 6.

؛ لثبوت التعبّد بالطواف راكباً ومحمولاً في الضرورة بالنصّ (1) والإجماع ، بل الظاهر جواز الركوب اختياراً ، وإن كان تركه حينئذٍ أحوط وأوْلى.

ولم يثبت التعبّد بالطواف على أربعة ، إلّا إلّا يستطيع إلّا المشي على أربعة لمرض أو خلقةٍ ، ولم يتمكّن من الطواف راكباً أو محمولاً ولو بأُجرة لا تضرّ بحاله ، فإنه يكفيه ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (2).

الثامنة والثلاثون : لو نذر إنسان الطواف على أربعة لم ينعقد ؛ لأنه نذر شيئاً غير مشروع اختياراً ، والعبادات كيفيّات متّبعة ، فهو كمَنْ نذر أن يصلّي الفرض جالساً أو مضطجعاً مع قدرته على القيام. وأيضاً فهو نذر مرجوح خصوصاً للنساء ؛ لما فيه من إسقاط المروءة ، ولأنه أشبه بالشهوة من العبادة ، فلا ينعقد.

وما روي بطريقين ضعيفين عن أمير المؤمنين عليه السلام : في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال تطوف أُسبوعاً ليديها وأُسبوعاً لرجليها (3) ، لا يقاوم ما دلّ على أن المرجوح لا ينعقد نذره ، وغيرها من الأُصول.

وأيضاً فالاسبوعان قائماً (4) غير منذور ، والمنذور غير المأمور به في الخبر ، مع أنها ظاهرة في عدم مشروعيّة الهيئة المنذورة ، فلا يصحّ نذرها.

وبالجملة ، فهذه الرواية غير مُلتفت إليها ، ولا يُعوّل عليها في تأسيس حكم ؛ لضعفها وتشابهها ومعارضتها بما لا تقاومه ، فلا شكّ في شذوذها وشذوذ القول بمضمونها ، وأشذّ منه تعديته إلى الرجل.

فلا معنى للتوقّف في حال المرأة مع الجزم ببطلانه في شأن الرجل ، مع أنه في حقّ المرأة أشدّ مرجوحيّة وأظهر مخالفة لقواعد الفقه ، واللّه العالم.

ص: 347


1- وسائل الشيعة 13 : 441 ، أبواب الطواف ، ب 81.
2- البقرة : 288.
3- الكافي 4 : 430 / 18 ، تهذيب الأحكام 5 : 135 - 136 / 447 ، وسائل الشيعة 13 : 421 - 422 ، أبواب الطواف ، ب 70 ، ح 1 - 2.
4- كذا في المخطوط ، والأوْلى جعله ( قياماً ) لأن صاحب الحال لم يذكر صراحة في الكلام.

التاسعة والثلاثون : يجب الطواف أيضاً بالنذر وأخويه وبالاستئجار ، فيجب فيه جميع ما يجب في الطواف الواجب بأصل الشرع فعلاً وتركاً.

وهل تجب معه ركعتان حينئذٍ؟ وجهان : أظهرهما عدم الوجوب ؛ لأنهما عبادة مستقلّة ، والأصل عدم الوجوب ، والأحوط والأوْلى فعلهما.

الأربعون : يحرم تعمّد الزيادة على سبعة أشواط ولو خطوة ، ويبطل بها الطواف الواجب بالنصّ والإجماع فيهما. وما عن الحلّي (1) من القول بكراهة القِران شاذّ ، بل لعلّه منقطع. ونقل غير واحد الاتّفاق والإجماع على التحريم والإبطال ، ومن ذلك القِران بين أُسبوعين فأكثر ، فإنه مُحرّم مُبطل في الفريضة بالنصّ والإجماع. وخلافُ الحلّي غير مضرّ به.

وفي ( تهذيب الأحكام ) عن عبد اللّه بن محمّد عن أبي الحسن عليه السلام قال الطواف المفروض إذا زدت عليه ، مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة وكذا السعي (2).

وخبر أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط الطواف المفروض قال يعيد حتّى [ يثبته (3) ]. على ما في ( الكافي ) (4) ، وفي ( تهذيب الأحكام ) حتّى يستتمّه (5).

وصحيح البزنطيّ عن الرضا عليه السلام قال : سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يطوف الأسابيع فيقرن ، فقال لا ، الأُسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن عليه السلام لأنه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم في حال التقيّة (6).

ص: 348


1- السرائر 3 : 572 ، عنه في الدروس 1 : 406 ، مدارك الأحكام 8 : 139.
2- تهذيب الأحكام 5 : 151 / 498 ، الإستبصار 2 : 217 / 747 ، 239 / 831 ، وسائل الشيعة 13 : 336 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 11.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( يثبت ).
4- الكافي 4 : 417 / 5 ، وسائل الشيعة 13 : 363 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 1.
5- تهذيب الأحكام 5 : 111 / 361 ، وسائل الشيعة 13 : 363 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ذيل الحديث ح 1.
6- تهذيب الأحكام 5 : 116 / 376 ، الإستبصار 2 : 221 / 761 ، وسائل الشيعة 13 : 371 ، أبواب الطواف ، ب 36 ، ح 7.

وخبر علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يطوف يقرن بين أُسبوعين ، فقال إنْ شئت رويتُ لك عن أهل المدينة.

فقلت : لا واللّه مالي في ذلك حاجة جعلت فداك ، ولكن اروِ لي ما أدين اللّه تعالى به ، فقال لا تقرن بين أُسبوعين ، كلّما طفت أُسبوعاً فصلّ ركعتين. وأمّا أنا فربّما قرنت الثلاثة والأربعة. فنظرت إليه فقال أنا مع هؤلاء (1).

وخبر صفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر : سألاه عن القرآن في الطواف الأُسبوعين والثلاثة قال إنما هو أُسبوع وركعتان.

وقال كان أبي عليه السلام يطوف مع محمّد بن إبراهيم فيقرن ، وإنما كان ذلك منه لحال التقيّة (2).

وصحيح عليّ بن جعفر وخبره المرويّين في كتاب ( المسائل ) (3) و ( قرب الإسناد ) (4) كما في ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن رجل تطوّع الأُسبوع والأُسبوعين ، فلا يصلّي ركعتين حتّى يبدو له أن يطوف أُسبوعاً ، هل يصلح ذلك؟ قال لا يصلح حتّى يصلّي ركعتي الطواف الأوّل ، ثمّ ليطف ما أحبّ.

وصحيح زرارة كما في ( مستطرفات السرائر ) (5) كما في ( شرح المفاتيح ) أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال فيه ولا قران بين أُسبوعين في فريضة ولا نافلة.

فهذه الأخبار كما ترى صريحة في تحريم تعمّد الزيادة في الفريضة وإبطالها له ؛ سواء كانت شوطاً أو أكثر أو أقلّ ، بل ظاهر بعضها عموم التحريم والإبطال للنافلة

ص: 349


1- الكافي 4 : 418 / 2 ، تهذيب الأحكام 5 : 115 / 374 ، الإستبصار 2 : 220 / 759 ، وسائل الشيعة 13 : 370 ، أبواب الطواف ، ب 36 ، ح 3.
2- تهذيب الأحكام 5 : 116 / 375 ، الإستبصار 2 : 221 / 760 ، وسائل الشيعة 13 : 371 ، أبواب الطواف ، ب 36 ، ح 6.
3- مسائل عليّ بن جعفر : 158 / 232 - 233.
4- قرب الإسناد : 212 / 332 - 333 ، وسائل الشيعة 13 : 371 ، أبواب الطواف ، ب 36 ، ح 8 ، وفيه أيضاً : 427 ، أبواب الطواف ، ب 73 ، ح 4.
5- السرائر ( المستطرفات ) 3 : 587 ، وسائل الشيعة 13 : 373 ، أبواب الطواف ، ب 36 ، ح 14.

أيضاً ، كما هو ظاهر الفتوى في غير زيادة أُسبوع آخر.

بقي الكلام فيما لو وقعت الزيادة سهواً ، فإن كانت أقلّ من شوط فظاهر الفتوى أنه يقطعها وتمّ طوافه وأجزأ.

ويدلّ عليه خبر أبي كَهْمَس قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط قال إنْ كان ذكر قبل أنْ يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه (1) الخبر.

وإن كانت شوطاً فالمشهور أنه يضيف إليه ستّة اخرى ، ويدلّ عليه روايات ، منها صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط قال يضيف إليها ستّة (2).

ومنها : رواية رفاعة قال : كان عليّ عليه السلام يقول إذا طاف رجل ثمانية فليتمّ أربعة عشر شوطاً.

قلت : يصلّي أربع ركعات؟ قال يصلّي ركعتين (3).

ومنها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول من طاف بالبيت فوهم حتّى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً ، ثمّ ليصلِّ ركعتين (4).

ومنها : صحيح ابن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال إنّ عليّاً عليه السلام طاف ثمانية فزاد ستّة ، ثمّ ركع أربع ركعات (5).

ومنها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إنَّ عليّاً عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبقي على واحد وأضاف إليها ستّة (6) الخبر.

ص: 350


1- الكافي 4 : 418 / 10 ، تهذيب الأحكام 5 : 113 / 367 ، بتفاوتٍ فيهما ، وسائل الشيعة 13 : 364 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 3 - 4.
2- تهذيب الأحكام 5 : 111 / 362 ، الإستبصار 2 : 218 / 748 ، وسائل الشيعة 13 : 365 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 8.
3- تهذيب الأحكام 5 : 112 / 363 ، وسائل الشيعة 13 : 365 - 366 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 9.
4- تهذيب الأحكام 5 : 112 / 364 ، وسائل الشيعة 13 : 364 - 365 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 5.
5- تهذيب الأحكام 5 : 112 / 365 ، وسائل الشيعة 13 : 365 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 6.
6- تهذيب الأحكام 5 : 112 / 366 ، وسائل الشيعة 13 : 365 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 7.

وخبر أبي كَهْمَس المتقدّم ، حيث قال فيه وإن لم يذكر حتّى بلغه يعني : الركن - فليتمّ أربعة عشر شوطاً (1).

وصحيحة أبي أيّوب : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف فريضة قال فليضمّ إليها ستّاً (2).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال إنّ في كتاب عليّ عليه السلام إذا طاف بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية ، أضاف إليها ستّاً ، وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية ، أضاف إليها ستّاً (3).

قلت : ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم ، وخبر رفاعة ، وصحيحة ابن وهب ، وصحيح زرارة ، وصحيحة أبي أيّوب بإطلاقها يتناول العامد ولا تخصّصها بالناسي.

ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم إن في كتاب علي عليه السلام من كون الثامن وقع سهواً ؛ لأنه أحد فردي المطلق ، فلا منافاة ، فلا معارضة ، فلا تخصيص.

فإطلاق هذه الأخبار غير معمول به ، مع معارضته بإطلاق الأخبار المانعة من القرآن ؛ فإنه يتحقّق بزيادة شوط ويعمّ الناسي. وإطلاق الأخبار والفتاوى المانعة من الزيادة ، وبأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يعهد منه مثل ذلك ، وقد قال خذوا عنّي مناسككم (4).

ولم يثبت أن أحداً من الأئمّة فعله ، بل دلّوا على أن الزيادة في الطواف كالزيادة في الصلاة ، والعبادة كيفيّة متلقّاة ، والأصل بقاء شغل الذمّة بالنُّسُك. وما دلّ على أن أحدهم قَرَنَ لم يدلّ على أنه في فريضة ، بل صريح بعضه أنه تقيّة.

وظاهر صحيحة ابن مسلم الأخيرة ، حيث قال فيها واستيقن لا يعارض إطلاقات تلك الأخبار المانعة من الزيادة ومن القِران ولا وجوب التأسّي ، ولا دليل

ص: 351


1- تهذيب الأحكام 5 : 113 / 367 ، وسائل الشيعة 13 : 364 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 4.
2- الفقيه 2 : 248 / 1192 ، وسائل الشيعة 13 : 367 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 13.
3- تهذيب الأحكام 5 : 152 / 502 ، وسائل الشيعة 13 : 366 ، أبواب الطواف ، ب 34 ، ح 10.
4- عوالي اللآلي : 215 / 73.

على تخصيصها بالناسي من نصّ ولا إجماع.

هذا ، مع أن تلك الزيادة التي وقعت سهواً بنيّة الوجوب لا يتمّ بها الأُسبوع المندوب إن قلنا : إن الثاني مندوب والأوّل هو الفرض ، كما هو قول الأكثر.

ولا مقصوده إن قلنا : إنه الفرض ، وإن الأُسبوع الأوّل انقلب نفلاً بمجرّد وقوع تلك الزيادة سهواً فلا يتمّ بها ، كما هو المنقول عن الصدوق (1) وابن الجنيد (2).

وكلّ هذا منافٍ لقواعد الفنّ وأدلّتها ، وقياسه على العدول في الصلاة ظاهر الضعف. هذا مع أن صحيحة ابن سنان ظاهرها أنه يتمّ أُسبوعاً آخر بمجرّد دخوله في الثامن ، ولا قائل به.

وظاهر صحيحة زرارة وقوع السهو من المعصوم ، وهو خلاف البرهان المحكم عقلاً ونقلاً وإجماعاً. وعن الصدوق في ( المقنع ) (3) بطلانهما فيجب الاستئناف ، وهو الأوفق بقواعد الفن ، ولعلّه الأقوى كما يظهر ممّا تلوناه على سمعك.

وإن كانت المسألة قويّة الإشكال ، والاحتياط في إكمال الأُسبوع الثاني والإعادة وصلاة ستّ ركعات. وإن كانت الزيادة أكثر من شوط فلا يحضرني فيه نصّ لأصحابنا ولا خبر ، ولا يظهر فرق بين الشوط وما زاد.

ومقتضى عموم الأدلّة السابقة البطلان ، بل هو أولى من الإبطال بالشوط الواحد ، ومقتضى الفتوى بصحّتهما إذا زاد شوطاً الصحّة ولو زاد ستّة ، وهو أوضح إشكالاً وضعفاً كما لا يخفى ، واللّه العالم (4).

ص: 352


1- الفقيه 2 : 248 / 1192 ، عنه في مختلف الشيعة 4 : 207 / المسألة : 161 ، مدارك الأحكام 8 : 170.
2- عنه في مختلف الشيعة 4 : 207 / المسألة : 161 ، مدارك الأحكام 8 : 170.
3- المقنع : 266 ، عنه في مختلف الشيعة 4 : 206 / المسألة : 160 ، مدارك الأحكام 8 : 169.
4- إلى هنا تنتهي نسخة المخطوط التي بين أيدينا.

الرسالة الثانية عشرة : مسألة في الرضاع

ص: 353

ص: 354

بسم اللّه الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وصلّى اللّه على محمّدٍ وآله الطيّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فقد ورد عليّ سؤال من العالم العامل الفاضل الكامل الشيخ محمّد ابن المقدّس الشيخ علي ابن الشيخ محمّد ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ إبراهيم الدرازي : يدلّ على غزارة علمه ، وجودة فهمه ، وأنا لست من فرسان الحلبة ، ولا شجعان هذه الجلبة ، هذا مع شدّة تقسّم القلب وتشتّت اللبّ ، وقلّة البضاعة ، وكثرة الإضاعة ، وعدم حضور الآلة ، وعظم الملالة ، واللّه المستعان وعليه التكلان.

قال حرسه اللّه - : ( بسم اللّه الرحمن الرحيم. سلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ).

أقول : وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته.

ثمّ قال حرسه اللّه - : ( ما يقول شيخنا أدام اللّه فوائده ).

أقول : اللّهمّ استجب دعاءه ، واجعلني خيراً ممّا يظنّون ، واغفر لي ما لا يعلمون.

ثمّ قال حرسه اللّه - : ( هل يحلّ للأب الرضاعي نكاح مطلّقة ابنه الرضاعي؟ ).

أقول : لا يحلّ ، وعليه أطبقت الأُمّة بحسب ما ظهر في كلّ زمان ومكان ، ولا

ص: 355

تكليف إلّا بعلم ما ظهر ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان ، فلو كان هذا التحريم المجمع عليه من غير الحقّ ، لظهر ردّه من حافظ الشريعة الذي ينفى عنها تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، عجّل اللّه فرجه.

ثمّ قال حرسه اللّه - : ( وما وجه فتوى الأصحاب بالتحريم هنا والآية (1) نصّ في تقييد الحكم بالولد الصلبي ).

أقول : نعم في ذلك وجهان :

الأوّل : ما سلّمه هو سلّمه اللّه من أنه فتوى الأصحاب ، فإذا تبيّن أنه فتوى الأصحاب وحجّة اللّه قد أقرّهم عليه ، ولم يظهر منه بعبارة أو إشارة أو عموم أو خصوص ردّه ، وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ، وهم القرى التي هي منازل السائرين إليه ، الذين نصّ عليهم بأنهم الحكّام على الرعايا ووصفهم بأنهم الحجّة على من دونهم وهو الحجّة عليهم ، عُلِمَ أنه حقّ ، فلا تطلب أثراً بعد عين. هذا ، وقد علمت أنه لا يعرف فيه خلاف بين الأُمّة فضلاً عن الأصحاب.

الثاني : أن الآية الكريمة نصّ في ولد الصلب ، وعلى تحريم حليلته على أبيه إجماع الأُمّة أيضاً كما لا يخفى ، وجاءت السنّة أن الرضاع لحمة كلحمة النسب ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (2) ، وقد تلقّت الأُمّة هذين الخبرين بالقبول واستدلّوا بهما في سائر الأزمان والأصقاع على كثير من مسائل الرضاع ، كما لا يخفى.

فللولد الرضاعي لحمة كلحمة الولد الصلبي ، ومقتضى لحمة الولد الصلبي تحريم زوجته على أبيه بنصّ الآية الكريمة والإجماع ، فيثبت مثله للحمة الولد الرضاعي ؛ للخبرين المتّفق على قبولهما والعمل بمضمونهما ، فتحرم زوجة الولد الرضاعي كما تحرم زوجة الولد الصلبي بمقتضى ضمّ ما يقولونه.

ص: 356


1- النساء : 23.
2- وسائل الشيعة 20 : 371 - 373 ، أبواب ما يحرم من الرضاع ، ب 1.

ثمّ قال حرسه اللّه - : ( وما الوجه عند المفسّرين (1) في جعل فائدة القيد في الآية إخراج زوجة المتبنّى خاصّة ).

أقول : الوجه في ذلك ، إمّا في الظاهر فهو ما علموه من سبب نزول الآية (2) ، وأمّا في الحقيقة فما علمت من إجماع الأُمّة على أن المراد من القيد ذلك ، مع عدم ظهور ما ينافيه من نقل أو عقل ، وثبوت وجوب حفظ الشريعة على الحجّة بالدليل عقلاً ونقلاً (3) وإجماعاً ، ونظير القيد فيها القيد في الربيبة ؛ لعدم اشتراط كونها في الحجر نصّاً (4) وإجماعاً.

ثمّ قال حرسه اللّه - : ( على أن زوجة الولد الصلبي ليست إحدى السبع أو التسع من المحرّمات النسبيّة حتّى يحرم من حلّ محلّها بالرضاع ، ويندرج تحت يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (5) ).

أقول : قد عرفت الجواب عن هذا ، وتحريم زوجة الولد الصلبي ثابت بالكتاب والسنّة ، والإجماع الضروري أو كالضروري ، والولد الرضاعي كالولد الصلبي ، فيحرم بسببه ما يحرم بسببه. ونظيرها أُخت الزوجة من الرضاع ، فإنها تحرم جمعاً بلا خلاف يظهر. وأُخت الولد الصلبي من الرضاع لأبيه الرضاعي نسباً ورضاعاً ولأُمّه الرضاعيّة نسباً على المشهور ، بل نقل عليه الإجماع جماعة ، ودلّت عليه الأخبار كصحيحة ابن مهزيار (6) : ، وصحيحة عبد اللّه بن جعفر (7) : ، وصحيحة أيّوب بن نوح (8) ، وغيرها فظهر اندراج زوجة الولد الرضاعي تحت حكم ما يحرم من الرضاع أي

ص: 357


1- انظر مثلاً التبيان في تفسير القرآن 3 : 158 - 159.
2- التبيان في تفسير القرآن 3 : 158 - 159.
3- الكافي 1 : 198 - 204 / 1 - 2 ، بصائر الدرجات : 331 / ب 10.
4- الفقيه 3 : 262 / 1248 ، تهذيب الأحكام 7 : 273 / 1165 - 1166.
5- وسائل الشيعة 20 : 371 - 373 ، أبواب ما يحرم من الرضاع ، ب 1.
6- الكافي 5 : 446 / 13 ، وسائل الشيعة 20 : 402 - 403 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، ب 14 ، ح 1.
7- الكافي 5 : 447 / 18 ، وسائل الشيعة 20 : 404 - 405 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، ب 16 ، ح 2.
8- تهذيب الأحكام 7 : 321 / 1324 ، وسائل الشيعة 20 : 404 ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، ب 16 ، ح 1.

بسبب ما يحرم بالنسب بسببه ، وتحت حكم الرضاع لحمة كلحمة النسب.

ثمّ قال حرسه اللّه - : ( والتمسّك بالإجماع لو ادّعي هنا لا يفيد من جانب منْ لا يرى العمل به ).

أقول : الإجماع المتحقّق بتحريم نكاح زوجة الولد الرضاعي وولد الولد الصلبي لا يكاد أحد من المسلمين يستطيع ردّه والعمل بخلافه ، فهو فيهما من الإجماع الذي قال فيه عليه السلام إنّ المجمع عليه لا ريب فيه (1) ، وكثيراً ما احتجّ المعصوم به على الخصوم كما يشهد به التتبّع ، ولا يظهر من لا يرى العمل بمثله ، ولو كان مثله لا حجّة فيه لتعطّل كثير من أحكام الشريعة ، ويلزمه أن الشارع أهمل بيانه ، وهو باطل بالضرورة.

ثمّ قال حرسه اللّه - : ( على أن ولد الولد إن كان ولداً للصلب ، فما معنى ذلك؟ وإلّا فالسؤال موجّه معه أيضاً ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ).

أقول : إذا صدق على ولد الولد أنه ولد صدق عليه أنه ولد للصلب ؛ إن كان حقيقة فحقيقة ، وإن كان مجازاً فمجازٌ ، وقد أثبتنا في الرسالة المعمولة في أن إطلاق الولد عليه مجاز أو حقيقة أنه مجاز ، فلا ريب في ورود الاستعمال بإطلاق لفظ الولد على الإطلاق والولد للصلب عليه ، لكنّه لا يدلّ على أنه حقيقة ؛ لأنه استعمال مع نصب قرينة على إرادة عموم اللفظ له.

فلو خُلّينا ولفظ هذه الآية (2) لقلنا : إنها لا تدلّ على تحريم زوجته على جدّه لمثل ما قلناه في الرسالة ، وتعدية حكم تحريم زوجة الولد على أبيه لابنه بالنسبة إلى جدّه إنما جاء بالوراثة من أبيه بالدليل.

ولهذا نظائر كثيرة في أحكام الحجب والميراث والنكاح. ولو كان ولد الصلب يشمل ولد الولد حقيقة لكان كلّ ما ثبت له من أحكام أبيه وخصائصه في الميراث

ص: 358


1- الكافي 1 : 67 - 68 / 10 ، وسائل الشيعة 27 : 106 ، أبواب صفات القاضي ، ب 9 ، ح 1.
2- النساء : 23.

وغيره ثبت له بالأصالة ، مع أن كثيراً منها لا يستحقّها ولا تثبت له إلّا بعد فقد أبيه.

وبالجملة ، فقد دلّ الدليل على أن المراد من الآية المذكورة ما هو أعمّ من الولد للصلب بلا فصل أو بواسطة أو وسائط من النصّ والإجماع. ويمكن أن يقال : إن القيد للنصّ على تحريم حليلة من يطلق عليه اسم الولد مطلقاً حقيقة أو مجازاً لينحصر الخارج منها في المتبنّى ، فتدلّ على أن المتبنّى ليس بولد لا حقيقة ولا مجازاً ، لأنه لم يخرج من الصلب لا حقيقة ولا مجازاً لا بلا فصل ولا بفصل بواسطة أو أكثر ، بل ربّما أشعر القيد بأن إطلاق الولد على ولد الولد ليس بحقيقة وإلّا لاكتفى به هاهنا ، لكن فيه غموض.

وعلى كلّ حال ، فالآية الكريمة لا تدلّ على أن إطلاق الولد على ولد الولد حقيقة بوجه من وجوه الدلالة ، خصوصاً إذا كانت الواسطة امّاً ، فممّا لا ينبغي الريب فيه أن ولد البنت ليس ولداً حقيقة خصوصاً إذا تكثّرت الوسائط ، وربّما أشعر إطلاق قوله تعالى : ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) (1) بذلك ، والعرف في سائر الأزمان يساعده ، وكذا قوله تعالى : ( وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ ) (2) الآية.

هذا ما خطر بالبال فيما حضر مع كثرة البلبال ، والملتمس الدعاء وبكم القدوة ، ومنكم التسديد والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

حرّر بقلم القاصر المقصّر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : آخر نهار 29 شهر ربيع المولد الأعظم سنة (1241).

وتشرّف برقم ما هو مزبور أقلّ الخليقة بل لا شي ء في الحقيقة ، الأقلّ الجاني يوسف ابن مسعود بن سليمان الجشّي البحراني : ، وذلك في الليلة الحادية من الشهر الرابع من السنة الحادية من العشر الخامسة من المائة الثالثة من الألف الثانية من الهجرة النبويّة ، على مهاجرها وآله أكمل الصلاة والسلام والتحيّة. تمّت بالخير والبركة

ص: 359


1- الأحزاب : 5.
2- الحجرات : 13.

ص: 360

الرسالة الثالثة عشرة : عدّة المطلّقة الحرّة

اشارة

ص: 361

ص: 362

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله.

مسألة : لو كانت المطلّقة الحرّة الحائل لا تحيض إلّا في أكثر من ثلاثة أشهر مرّة وطلّقت ، وقد بقي من طهرها شهر مثلاً فما عدّتها؟

قلت : قال الفاضل : في ( كشف اللثام ) على قول العلّامة : ( ولو كان حيضها في كلّ ستّة أشهر أو خمسة ) : قال الشارح : أو أربعة. ( اعتدّت بالأشهر ) (1). قال الشارح : ( اتّفاقاً كما في ( الخلاف ) (2) و ( السرائر ) (3) ، ولنحو قول الباقر عليه السلام : في صحيح زرارة وحسنته أمران أيّهما سبق إليها بانت به المطلّقة المسترابة التي تستريب الحيض ، إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت بها ، وإنْ مرّت بها ثلاث حِيَضٍ ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (4).

وأمّا نحو قول أحدهما عليهما السلام في صحيح محمّد بن مسلم : في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ، أو ستّة أو سبعة أشهر إنّ عدّتها ثلاثة أشهر (5).

فلعلّه محمول على التحيّض بعد كلّ ثلاثة أشهر.

ولا يشترط في الاعتداد بالأشهر وقوع الطلاق بحيث يتعقّبه ثلاثة أشهر بيض ؛ لإطلاق النصوص من الأخبار والأصحاب ، فلو كانت لا تحيض إلّا بعد ثلاثة وطلّقت حيث بقي إلى حيضها شهر اعتدّت بالأشهر أيضاً وإن رأت الدم بعد شهر ؛

ص: 363


1- قواعد الأحكام 2 : 69 ( حجريّ ).
2- الخلاف 5 : 57 / المسألة : 5.
3- السرائر 2 : 742.
4- الخصال 1 : 47 - 48 ، باب الاثنين / 51 ، الفقيه 3 : 332 / 1609.
5- الكافي 6 : 99 / 5 ، الفقيه 3 : 332 / 1608 ، تهذيب الأحكام 8 : 119 - 120 / 412 ، الإستبصار 3 : 323 / 1150 ، وسائل الشيعة 22 : 183 - 184 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 1. بالمعنى.

لصدق سبق ثلاثة أشهر بيض على ثلاث حِيَضٍ ، فإنه أعمّ من أن يكون بعد الطلاق من غير فصل أو مع الفصل ، فتكون عدّتها ثلاثة أشهر مع الحيض السابق والطهر السابق عليه. ولا بُعْدَ في اختلاف العدّة باختلاف وقت الطلاق طولاً وقصراً ، بل هو واقع في المعتدّة بالأقراء ) (1) ، انتهى.

أقول : ظاهر عبارة الشارح أن الاتّفاق متحقّق على أن مَنْ كانت يعتادها حيضها في أكثر من ثلاثة أشهر مطلقاً فهي تعتدّ بثلاثة أشهر ، كما هو المنقول عن ( الخلاف ) (2) و ( السرائر ) (3) ، وبه أفتى جمع مثل العلّامة : في ( القواعد ) (4) و ( الإرشاد ) (5) و ( التلخيص ) (6) و ( التحرير ) (7) والخراساني : في كفايته (8) ، وصاحب ( معالم الدين ) والمحقّق : في ( الشرائع ) (9) و ( النافع ) (10) ، وغير واحد. والأمر كذلك.

وظاهر ( المسالك ) أيضاً أنه ظاهر الأصحاب ، حيث قال : ( إن الروايات تقتضي اشتراط سلامة الثلاثة بعد الطلاق من الحيض ، فلو وقع الطلاق في أثناء الطهر بحيث لم يبقَ بعده ثلاثة وإن كان أصله أكثر لا تعتدّ بالأشهر. وعبارات الأصحاب خلاف ذلك من حيث الإطلاق ) (11) ، انتهى.

وظاهره اتّفاقهم على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض لأكثر من ثلاثة أشهر ، فهذه تعتدّ بالشهور على كلّ حال من غير فرق بين أن تطلّق في أوّل طهرها أو وسطه أو آخره. ولا عبرة لها بما يكون من حيض العادة إذا وقع قبل مضي ثلاثة بيض ؛ لأن فرض هذا الاعتداد بالشهور دون الأقراء ، وهذا هو الحقّ ، وهو الذي تطابقت

ص: 364


1- كشف اللثام 2 : 136 ( حجريّ ).
2- الخلاف 5 : 57 / المسألة : 5.
3- السرائر 2 : 742.
4- قواعد الأحكام 2 : 69 ( حجريّ ).
5- إرشاد الأذهان 2 : 47.
6- تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 39 : 504.
7- تحرير الأحكام 2 : 71 ( حجريّ ).
8- كفاية الأحكام : 204.
9- شرائع الإسلام 3 : 25.
10- المختصر النافع : 313.
11- مسالك الأفهام 9 : 251 ، وفيه : ( عبارة ) بدل : ( عبارات ).

الأخبار في الدلالة عليه من غير تدافع ولا تنافر.

الأخبار الدالّة على الاعتداد بالشهور

ففي حسنة ابن مسلم : عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر أو في ستّة أو في سبعة أشهر ، والمستحاضة التي لم تبلغ المحيض ، والتي تحيض مرّة ويرتفع مرّة ، والتي لا تطمع في الولد ، والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنها لم تيأس ، والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر أن عدّة هؤلاء كلّهنّ ثلاثة أشهر (1).

وفي الموثّق عن أبي بصير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال في المرأة يطلّقها زوجها وهي تحيض كلّ ثلاثة أشهر حيضة ، فقال إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدّتها ، يحسب لها كلّ شهر حيضة (2).

وحسنة أبي مريم : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : عن الرجل كيف يطلّق امرأته وهي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر حيضة واحدة؟ قال يطلّقها تطليقة واحدة في غرّة الشهر ، فإذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلّقها فقد بانت منه (3).

وخبر أبي الصباح : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : سألته عن التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ، كيف تعتدّ؟ فقال تنتظر مثل قرئها التي (4) كانت تحيض فيه في الاستقامة ، فتعتدّ ثلاثة قروء (5).

ص: 365


1- الكافي 6 : 99 / 5 ، تهذيب الأحكام 8 : 119 - 120 / 412 ، الإستبصار 3 : 323 / 1150 ، وسائل الشيعة 22 : 183 - 184 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 1.
2- الكافي 6 : 99 / 6 ، تهذيب الأحكام 8 : 120 / 413 ، الإستبصار 3 : 323 - 324 / 1151 ، وسائل الشيعة 22 : 184 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 2.
3- تهذيب الأحكام 8 : 120 / 414 ، الإستبصار 3 : 324 / 1152 ، وسائل الشيعة 22 : 200 ، أبواب العدد ، ب 13 ، ح 3.
4- في (الكافي) و (الاستبصار): «التي».
5- الكافي 6 : 99 / 4 ، تهذيب الأحكام 8 : 120 - 121 / 415 ، الإستبصار 3 : 325 / 1155 ، وسائل الشيعة 22 : 187 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 10. وفي الجميع : « فلتعتدّ » بدل : « فتعتدّ ».

وفي صحيح الحلبي : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : سألته عن قول اللّه عزوجل ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) (1) ، ما الريبة؟ قال ما زاد على شهر فهو ريبة ، فلتعتدّ ثلاثة أشهر ، ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض ، فعدّتها ثلاث حِيَضٍ (2).

وحسنة زرارة : قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو أربع سنين ، فقال تعتدّ ثلاثة أشهر ، ثمّ تزوّج إنْ شاءت (3).

وصحيح أبي بصير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو أكثر من ذلك قال : فقال مثل قرئها التي كانت تحيض في استقامتها ، ولتعتدّ بثلاثة قروء ، وتتزوّج إنْ شاءت (4).

وخبر أبي الصباح : قال : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام : عن التي لا تحيض كلّ ثلاث سنين إلّا مرّة واحدة ، كيف تعتدّ؟ قال تنتظر مثل [ قروئها (5) ] التي كانت تحيض في استقامتها ، ولتعتدّ ثلاثة قروء (6) الخبر.

وصحيح الحلبي : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : مثله (7).

وخبر الغنوي : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في المرأة التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو

ص: 366


1- الطلاق : 4.
2- الكافي 6 : 100 / 8 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 407 ، الإستبصار 3 : 325 / 1157 ، وسائل الشيعة 22 : 186 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 7.
3- الفقيه 3 : 332 / 1607 ، تهذيب الأحكام 8 : 121 / 417 ، الإستبصار 3 : 326 - 327 / 1162 ، وسائل الشيعة 22 : 187 - 188 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 11.
4- تهذيب الأحكام 8 : 121 122 / 419 ، الإستبصار 3 : 326 - 327 / 1162 ، وسائل الشيعة 22 : 188 - 189 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 14.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : « أقرائها ».
6- الفقيه 3 : 332 / 1610 ، تهذيب الأحكام 8 : 122 / 420 ، الإستبصار 3 : 326 / 1159 ، وسائل الشيعة 22 : 189 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 15.
7- تهذيب الأحكام 8 : 122 / 421 ، الإستبصار 3 : 326 / 1160 ، وسائل الشيعة 22 : 189 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 15.

أربع سنين أو خمس سنين قال تنتظر مثل قرئها التي (1)كانت تحيض ، فلتعتدّ (2) الخبر. وغيرها من الأخبار.

وقد دلّت حسنة ابن مسلم : بمنطوقها على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض ثلاثة أشهر ، أو في ستّة أو سبعة ، أنها تعتدّ بثلاثة أشهر.

ودلّ موثّق أبي بصير : وحسنة أبي مريم : وخبر أبي الصباح : على أن مَنْ كانت يعتادها الحيض في كلّ ثلاثة أشهر أنها تعتدّ بثلاثة أشهر.

ودلّ الجميع بطريق الأولويّة والفحوى على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض أكثر من ثلاثة أشهر ولو يوماً أنها كذلك ، مضافاً إلى أن الإجماع قائم على عدم الفرق بين مَنْ كانت عادتها أكثر من ثلاثة أشهر بيوم أو شهر أو أكثر مطلقاً.

فقد تطابقت هذه النصوص على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض أكثر من ثلاثة أشهر أن فرضها الاعتداد بثلاثة أشهر مطلقاً ، ودلّ إطلاقاتها على عدم الفرق في مَنْ كانت كذلك بين أن تطلّق في أوّل طهرها أو أثنائه أو آخره ولو قبل حيضها بلحظة ، فلا عبرة بالحيض الواقع في أثناء عدّتها ، فدلّ ذلك كله على أن مَنْ كانت عادتها في أكثر من ثلاثة أشهر مطلقاً فعدّتها ثلاثة أشهر لا تزيد ولا تنقص ولا تختلف.

وظاهر الفتوى والأخبار من غير اختلاف أن مبدأ عدّة الطلاق من حين انتهاء صيغة إنشاء الطلاق.

بقي الكلام فيما دلّ بظاهره على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض تأتيها في كلّ ثلاثة أشهر فعدّتها ثلاثة أشهر. فظاهر العصابة الإطباق على طرح هذا الظاهر ، وحملها على أن مَنْ كانت عادتها في التحيّض بعد كلّ ثلاثة أشهر ، وعلى أن مَنْ كانت عادتها ثلاثة أشهر فنازلاً فإنها تعتدّ بالأقراء.

ويدلّ على هذا من الأخبار خبر عمّار الساباطي : قال : سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام : عن

ص: 367


1- في الكافي والاستبصار: «التي».
2- تهذيب الأحكام 8 : 122 / 422 ، الإستبصار 3 : 326 / 1161 ، وسائل الشيعة 22 : 190 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 19.

الرجل عنده امرأة شابّة ، وهي تحيض في كلّ شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة ، كيف يطلّقها زوجها؟ فقال أمر هذه شديد ، هذه تطلّق طلاق السنّة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ، ثمّ تُترك حتّى تحيض ثلاث حِيَضٍ ، متى حاضتها فقد انقضت عدّتها (1) الخبر.

وظاهر العصابة الإطباق على العمل بهذا المضمون ، فلا يضرّ ضعفه ، وبه يثبت ما أطبقت عليه العصابة فيما ظهر من أن مَنْ كانت يعتادها الحيض في كلّ شهر أو في كلّ شهرين أو في كلّ ثلاثة فهي تعتدّ بالأقراء دون الشهور. فوجب حمل تلك الظواهر على مَنْ كانت يعتادها الحيض بعد كلّ ثلاثة أشهر.

ويخطر بالفكر العليل جمع بين الإجماع على هذا المضمون وبين تلك الظواهر الدالّة على أن من كانت يعتادها الحيض في كلّ ثلاثة أشهر فعدّتها ثلاثة أشهر لم أقف على مَنْ ذكره وهو أن تُحمل تلك الظواهر على إرادة أن مَنْ تحيض في كلّ ثلاثة أشهر أنها تعتدّ بالأقراء ، كلّ قرء ثلاثة أشهر. وهذا وإن كان بعيداً من اللفظ إلّا إنه لا يزيد على بُعْد الأوّل.

مناقشة قول الفاضل الهندي في شرح عبارة القواعد

إذا عرفت هذا عرفت أن قول الفاضل : في شرح عبارة ( القواعد ) المذكورة أن مَنْ طُلّقت وهي ممّن يعتادها الحيض في أكثر من ثلاثة أشهر ، أنها تعتدّ ثلاثة أشهر مع الحيض السابق عليها وبقيّة الطهر السابق عليه إن لم يكن ثلاثة أشهر بيض ، وإلّا اكتفت بها ، وأن عدّة هذه تختلف طولاً وقصراً بحسب ما يبقى من طهر طلاقها إلى زمن حيضها ضعيف جدّاً من وجوه :

الأوّل : أنه لا دليل عليه بخصوصه من نصّ أو إجماع ، بل لم نقف عليه لغيره ، فهو

ص: 368


1- تهذيب الأحكام 8 : 119 / 410 ، الإستبصار 3 : 322 - 323 / 1148 ، وسائل الشيعة 22 : 199 ، أبواب العدد ، ب 13 ، ح 1.

شاذّ.

الثاني : أنه لا دليل على اختلاف عدّة المعتدّة بالشهور طولاً وقصراً ، بل الأخبار والفتاوى متطابقة على أن عدّة المعتدّة بالشهور ثلاثة أشهر لا أقلّ ولا أكثر وإن اختلف الأصحاب في شهورها ، هل هي هلاليّة مطلقاً ، أو عدديّة مطلقاً ، أو هلاليّة إن طلّقت من أوّل جزء من الشهر ، وإلّا فهلاليان وعددي ملفّق تتمّته من الرابع؟ وهذا هو الحقّ.

الثالث : أنه على قوله يلزم أن عدّة هذه ملفّقة من الأقراء والشهور ، وهذا غير معروف بين المسلمين ، إلّا مَنْ طرأ يأسها بعد قرء أو قرائن.

الرابع : أن نفي البعد في اختلاف العدّة هنا فرع على ثبوت ما قاله بدليل ، ولم يثبت بدليل ، بل الدليل كما عرفت ينفيه ، ولا تلازم بين ثبوته في ذوات الأقراء والشهور ، فثبوته في ذوات الأقراء لا يوجب ثبوته في ذوات الشهور ، والقياس باطل ، على أنه لا جامع بينهما يوجب القياس.

إشكال الشهيد الثاني في مسالكه

الخامس : أنه يناقض صدر عبارته ، حيث حكم بأنها تعتدّ بثلاثة أشهر وأطلق ، وكأنه رحمه اللّه أراد بذلك التخلّص من استشكال الشهيد : في ( المسالك ) حيث قال في شرح قول المحقّق : ( ولو كان مثلها تحيض وهي لا تحيض ، اعتدّت بثلاثة أشهر إجماعاً ، وهذه تراعي الشهور والحِيَض ، فإن سبقت الأطهار فقد خرجت من العدّة ، وكذا إن سبقت الشهور ) (1) - : ( اعلم أن الأصل في عدّة الحائض (2) الأقراء ؛ لقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (3) ، وشرط اعتدادها بالأشهر فقدها ، كما نبّه عليه قوله تعالى : ( وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ) إلى قوله

ص: 369


1- شرائع الإسلام 3 : 24 - 25.
2- في المصدر : ( الحائل ) بدل : ( الحائض ).
3- البقرة : 228.

( وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) (1) ، ولا يشترط في اعتدادها بالأشهر يأسها من المحيض عندنا ، بل متى انقطع عنها ثلاثة أشهر فصاعداً اعتدّت بالأشهر كما يتّفق ذلك للمرضع والمريضة ؛ لقول الباقر عليه السلام : في حسنة زرارة : أمران أيّهما سبق بانت المطلّقة المسترابة. تستريب الحيض إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه ، وإن مرّت بها ثلاث حيض ، ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (2).

والمراد من قوله : ( وهذه تراعي الشهور والحيض ) إلى آخره أن مع سبق الأشهر بغير حيض أصلاً تعتدّ بالأشهر ، ومع مضيّ ثلاثة أطهار قبل مضي ثلاثة أشهر خالية من الحيض تعتدّ بالأطهار. أمّا لو فرض رؤيتها في الثلاثة الأشهر حيضاً ولو مرّة واحدة لم تعتدّ بالأشهر ، بل بالأطهار إن تكرّر لها ذلك ، بأنْ كانت تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة. ولو فرض أن حيضها إنما يكون فيما زاد على ثلاثة أشهر ولو ساعة ، وطُلّقت في أوّل الطهر ، فمضت الثلاثة من غير أن ترى الدم فيها ، اعتدّت بالأشهر.

وإلى هذا أشار في الرواية [ بقوله (3) ] إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه.

وقوله وإنْ مرّت بها ثلاث حِيَضٍ ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض.

قال ابن أبي عمير : قال جميل : في تفسير ذلك يعني : خبر زرارة : - : إن مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت ، ثمّ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت ، ثمّ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت ، فهذه تعتدّ بالحيض على هذا الوجه ، ولا تعتدّ بالشهور. وإن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت (4).

ويشكل على هذا ما لو كانت عادتها أن تحيض في كلّ أربعة أشهر مثلاً مرّة ،

ص: 370


1- الطلاق : 4.
2- الكافي 6 : 98 / 1 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( لقوله ).
4- الكافي 6 : 98 / 1 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5.

فإنه على تقدير طلاقها في أوّل الطهر ، أو ما قاربه بحيث يبقى لها منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق ، تنقضي عدّتها بالأشهر كما تقرّر. ولكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامّة ، كان اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء ، فربّما صارت عدّتها سنة وأكثر على تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتمّ بعده ثلاثة أشهر بيض ، [ والاجتزاء (1) ] بالثلاثة على تقدير سلامتها ، فتختلف العدّة باختلاف وقت الطلاق الواقع بمجرّد الإخبار (2) ، مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرّة في الحيض.

ويقوى الإشكال لو كانت لا ترى الدم إلّا في كلّ سنة أو أزيد مرّة ، فإن عدّتها بالأشهر على المعروف من النصّ والفتوى ، وعلى هذا فيلزم ممّا ذكروه هنا من القاعدة أنه لو طلّقها في وقت لا يسلم بعد الطلاق لها ثلاثة أشهر طهر ، أن تعتدّ بالأقراء وإن طال زمانها. وهذا بعيد ومنافٍ لما قالوه من أن أطول عدّة تفرض عدّة المسترابة ، وهي سنة أو تزيد ثلاثة أشهر. ولو قيل بالاكتفاء بثلاثة أشهر إمّا مطلقاً أو بيضاً هنا كما لو خلت من الحيض ابتداءً كان حسناً.

وقد ذكر المصنّف (3) ، والعلّامة : في كتبه (4) أن مَنْ كانت لا تحيض إلّا في كلّ خمسة أشهر أو ستّة أشهر عدّتها بالأشهر ، وأطلقا (5). وزاد في ( التحرير ) أنها إن كانت لا تحيض إلّا في كلّ ثلاثة أشهر فصاعداً تعتدّ بالأشهر (6) ، ولم تعتدّ بعروض الحيض في أثنائه ، كما فرضناه.

وروى محمّد بن مسلم : في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ) (7).

ص: 371


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( إلّا اجتزت ).
2- في المصدر : ( الاختيار ) بدل : ( الإخبار ).
3- شرائع الإسلام 3 : 25.
4- انظر : قواعد الأحكام 2 : 69 ( حجريّ ) ، إرشاد الأذهان 2 : 47 ، تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 39 : 504.
5- في المصدر : ( أطلق ) بدل : ( أطلقا ).
6- تحرير الأحكام 2 : 71 ( حجريّ ).
7- الكافي 6 : 99 / 5 ، الفقيه 3 : 332 / 1608 ، تهذيب الأحكام 8 : 119 - 120 / 412 ، الإستبصار 3 : 323 / 1150 ، وسائل الشيعة 22 : 183 - 184 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 1.

وساق الخبر المتقدّم ، ثمّ قال : ( وهي تؤيّد ما ذكرناه ) (1) ، انتهى.

وقال أيضاً في شرح قول المحقّق : بعد هذا : ( ولو كانت لا تحيض إلّا في كلّ ستة أشهر أو خمسة أشهر ، اعتدّت بالأشهر ) (2) - : ( هكذا اتّفقت عبارة المصنّف وجماعة من الأصحاب ، ولا وجه للتخصيص بالخمسة والستّة ، بل الضابط أنها مَنْ سلم لها ثلاثة أشهر بعد الطلاق لا ترى فيها حيضاً اعتدّت بالأشهر.

وقد دلّ على ذلك رواية زرارة : عن الباقر عليه السلام : قال أمران أيّهما سبق بانت المطلّقة المسترابة ، تستريب الحيض إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه ، وإنْ مرّت بها ثلاث حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (3).

وفي رواية أُخرى لزرارة : عن أحدهما عليهما السلام أي الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدّتها ، إنْ [ مرّت (4) ] ثلاثة أشهر لا ترى فيها دماً فقد انقضت عدّتها ، وإنْ مرّت ثلاثة أقراء فقد انقضت عدّتها (5).

وفي صحيح محمّد بن مسلم : عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ، أو ستّة أو سبعة أشهر : إن عدّتها ثلاثة أشهر (6). وغير ذلك من الأخبار الدالّة على اعتبار سلامة ثلاثة أشهر.

لكن يبقى في ذلك ما أسلفناه من أن الروايات تقتضي اشتراط سلامة الثلاثة بعد الطلاق من الحيض فلو وقع الطلاق في أثناء الطهر بحيث لم يبقَ بعده ثلاثة وإن كان

ص: 372


1- مسالك الأفهام 9 : 237 - 239.
2- شرائع الإسلام 3 : 25.
3- الكافي 6 : 98 / 1 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( مضت ).
5- الكافي 6 : 100 / 9 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 408 ، الإستبصار 3 : 324 / 1153 ، وسائل الشيعة 22 : 184 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 3. وفي الجميع : « إنْ مرّت » بدل : « إنْ مضت ».
6- الكافي 6 : 99 / 5 ، تهذيب الأحكام 8 : 119 - 120 / 412 ، الإستبصار 3 : 323 / 1150 ، وسائل الشيعة 22 : 183 - 184 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 1. نقله بالمعنى.

أصله أكثر ، لا تعتدّ بالأشهر. وعبارات (1) الأصحاب خلاف ذلك من حيث الإطلاق ) (2) ، انتهى.

الجواب عن إشكال الشهيد الثاني

وأنت خبير بأن هذا الإشكال إن تمّ وروده لم يخلص منه إدخال ما بقي من طهر الطلاق مع زمن الحيض في العدّة ، فإنه على تقدير وروده لا ينجي من انقلاب عدّة هذه إلى الأطهار ، على أن الذي يظهر لي أن هذا الإشكال غير وارد أصلاً ، وأن هذا التحقيق منه في غاية الضعف.

أمّا الأوّل ، فلأن الأخبار وكلام المحقّق (3) : والعلّامة (4) : وغيرهما (5) صريح في أن مَنْ تعتدّ بالشهور صنفان ، كلّ صنف له حكم ؛ ولذا تراهم يفردون كلّ صنفٍ بكلام ومسألة على حدة ، كما يظهر لِمَنْ طالع الأخبار والفتاوى. ولو كانت صنفاً واحداً لما خصّوا من يعتادها الحيض في أكثر من ثلاثة أشهر بالذكر وبحكم على حدة ، ولم تختلف الأخبار في الجواب عنهما ، فجاء في كلّ واحدة منهما جواب على حدة :

أحدهما : مَنْ كانت لا تحيض وهي في سنّ مَنْ تحيض ، وهذه سمّيت في الأخبار بالمسترابة بالحيض ، وحكمها في النصّ (6) والفتوى (7) أنها تراعي الأمرين أيّهما سبق بانت به ؛ إمّا ثلاثة أشهر ليس بينها حيض ، أو ثلاث حِيَضٍ. وهذه إن شَرَعت في الاعتداد بالشهور فحاضت قبل كمال ثلاثة أشهر بيض ، صبرت إلى تمام تسعة أشهر

ص: 373


1- في المصدر : ( عبارة ) ، بدل : ( عبارات ).
2- مسالك الأفهام 9 : 250 - 251.
3- شرائع الإسلام 3 : 24 - 25.
4- قواعد الأحكام 2 : 69 ( حجريّ ) ، تحرير الأحكام 2 : 71 ( حجريّ ).
5- النهاية ( الطوسي ) : 532 ، 534.
6- الكافي 6 : 98 / 1 ، الفقيه 3 : 132 / 1609 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5.
7- النهاية ( الطوسي ) : 532 - 533 ، شرائع الإسلام 3 : 24 ، قواعد الأحكام 2 : 69 ( حجريّ ).

كما هو الأشهر الأظهر. أو إلى تمام سنة من حين الطلاق ، ثمّ اعتدّت بثلاثة أشهر وإن تخلّلها حيض على الأشهر الأظهر. وقيل : إن تخلّلها حيض فبالأقراء. وهو ضعيف تردّه ظواهر النصوص ، إلّا أن يتمّ لها ثلاثة أقراء في مدّة التربّص ، فتتمّ بها عدّتها ، وهذه هي المسمّاة بالمسترابة بالحمل.

والثانية : قسمان : المستحاضة التي لا تتميّز لها عادة بوجه ، والتي يعتادها الحيض في أكثر من ثلاثة أشهر مرّة. والقسمان فرضهما الاعتداد بالشهور مطلقاً ، ولا عبرة بعروض حيض عادتها في الثلاثة ، ولا ينقلها ذلك إلى الاعتداد بالأقراء ، ولا تزيد في عدّتها عن الثلاثة أشهر ولا لحظة ، كما هو المستفاد من إطلاق النصوص من الأخبار والأصحاب.

والشهيد : رحمه اللّه لمّا لم يلحظ أن هنا صنفين لكلّ حكم يخصّه وأن التي تنقلب عدّتها من الأشهر إلى الأقراء هي الصنف الأوّل عند عروض دم الحيض لها قبل تمام ثلاثة أشهر بيض دون الصنف الثاني ، فإن فرض مَنْ كانت منه الاعتداد بالشهور مطلقاً ، بل أدخل الصنف الثاني في حكم الأوّل - [ أورد (1) ] عليه الإشكال. ولو [ لحظ (2) ] الفرق بينهما لما بقي في نفسه منه شي ء ولا فاه به قلمه.

وقد تبيّن لك بحمد اللّه الفرق بينهما في النصّ والفتوى ، ولو كانا صنفاً واحداً وحكمهما واحداً لورد الإشكال ولزم الحرج الشديد والعسر الشديد في مَنْ تُطلّق من الصنف الثاني ، ولم يسلم لها من طهرها ثلاثة أشهر بيض قبل وقت حيضها ، خصوصاً إذا كانت عادتها في حول فما زاد. وهذا ينافيه عدل اللّه ورحمته ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (3) و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (4) والشريعة المحمّديّة سهلة سمحة.

وهذا كلّه يهديك إلى الفرق بين حكمي الصنفين ، وأن مَنْ تنقلب عدّتها من

ص: 374


1- في المخطوط : ( ورد ).
2- في المخطوط : ( تخط ).
3- البقرة : 185.
4- البقرة : 286.

الشهور إلى الأقراء أو تتربّص إلى أقصى مدّة الحمل فتعتدّ بعدها ، إنما هي التي من الصنف الأوّل. فالعقل والنقل يدلّان على عدم لزوم ما ألزمهم به الشهيد : ، لبطلانه في نفسه ؛ لما يلزم منه من الحرج المنافي للعدل والرحمة ومجرى التكليف على الأضعف الأسهل الأيسر. فيجب أن نفرّق بين حكمي الصنفين ، ويخصّ الانقلاب بالأوّل ، فيرتفع الإشكال.

وأمّا الثاني ، فمن وجوه :

أحدها : أن الإشكال غير وارد على المحقّق وغيره ؛ لعدم إدخالهم الصنف الثاني في حكم الأوّل ، بل أفردوا كلّاً منهما بحكم ، وخصّوا كلّاً منهما ببحث.

الثاني : أنه حكم أوّلاً بأن الضابط أنه متى انقطع حيضها ثلاثة أشهر فصاعداً اعتدّت بالأشهر ، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق في اعتدادها بالأشهر بين مَنْ كانت لها عادة في أكثر من ثلاثة أشهر ، أو لم يكن لها عادة ، بل اتّفق أنها لم تحض بعد الطلاق حتّى كمل لها ثلاثة أشهر بيض. وعدم الفرق في مَنْ يعتادها في أكثر من ثلاثة أشهر بين أن تطلّق في أوّل طهرها أو آخره ، بحيث لا يسلم لها بعد الطلاق ثلاثة بيض ، وعدم الفرق في مَنْ يعتادها في أكثر من ثلاثة أشهر بين مَنْ يعتادها لأكثر منها يوماً أو حولاً فصاعداً.

مع أنه قال بعد هذا : إن المعروف من النصّ والفتوى أن مَنْ يعتادها في كلّ سنة مرّة أنها تعتدّ بثلاثة أشهر. وهذا يدلّ على شمول إطلاقه هنا.

ثمّ استدلّ على هذا بإطلاقه بحسنة زرارة : أمران أيّهما سبق (1) إلى آخره ، كما يوضّحه استدلاله بها على قول المحقّق : في المقولة الأُخرى : ( ومَنْ كانت لا تحيض إلّا في خمسة أشهر ) (2) إلى آخره. فتراه استدلّ بها على حكم الصنفين. وهذه الرواية

ص: 375


1- الكافي 6 : 98 / 1 ، الفقيه 3 : 132 / 1609 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5.
2- شرائع الإسلام 3 : 25.

لا تصلح دليلاً إلّا على الصنف الأوّل دون الثاني ، ولو فرض شمولها لهما لتدافعت مع الأخبار المذكورة في حكم الصنف الثاني ، ولا تناقض في السنّة. ولم يذكر أحد ذلك ولا تعرّض أحد للجمع بينهما ، وهو دليل على أن أحداً من العصابة لم يفهم الشمول منها لهما ، بل كلّهم فهموا تخصيصها بالدلالة على حكم الصنف الأوّل ؛ وهي المسمّاة بمستريبة الحيض في الخبر نفسه. وهو دليل واضح على اختصاصها بالصنف الأوّل. فإن الثانية ليست تستريب الحيض ، بل هي ذات عادة مستقرّة.

وأنت إذا تأمّلت الخبر لم يخف عليك اختصاصه بحكم الصنف الأوّل ، فلا يصحّ الاستدلال به على غيره ، ولا على أن حكم الصنف الثاني كالأوّل ، بل للثاني حكم على حدة ودليل على حدة ، كما سمعته من الأخبار المذكورة.

الثالث : أن ما ألزمهم به من اعتداد مَنْ يعتادها لأكثر من ثلاثة أشهر بالأقراء إذا طلّقت ، بحيث لا يسلم لها بعده ثلاثة بيض ولو كانت عادتها في سنين ، غير لازم ؛ لما عرفت من اختصاص كلّ منهما بحكم ، وأن هذه تعتدّ بالشهور على كلّ حال ، كما اعترف به هو ؛ لأن هذه غير داخلة في القاعدة التي أشار لها في حكم الصنف الأوّل. بل حاصل إشكاله وإلزامه أنهم غفلوا عمّا لا يغفل عنه ذو حجا ، وهم أجلّ من ذلك ؛ لأنهم أرباب الأفئدة والقلوب المستنيرة بشعاع نور المعصوم ، مع ما اعترف به من منافاة ذلك لما قالوه في أطول عدّة تفرض ، ولإطلاقاتهم في الصنف الثاني ، كالأخبار التي هي منهم بمرأى ومسمع ، وهم المستوضحون. وكيف يظنّ بهم أنهم غفلوا عمّا يلزمهم من الإشكال والمحال الذي لا مخلص منه لو لم يفرّقوا بين حكمي الصنفين ، مع شدّة وضوح الأمر؟!

الرابع : ظاهر قوله : ( ولو قيل بالاكتفاء بثلاثة أشهر إمّا مطلقاً أو بيضاً هنا ) (1) إلى آخره أنه لا قائل بشي ء منهما ، مع أنك قد عرفت أن النصّ والفتوى ظاهران في أن هذه تعتدّ بثلاثة أشهر مطلقاً ، كما اعترف به هو ، مع أنه بعد هذا بلا فصل نقل

ص: 376


1- مسالك الأفهام 9 : 239.

القول بذلك عن المحقّق : والعلّامة : في التي لا تحيض إلّا في كلّ خمسة أشهر ، وقال : ( لا وجه للتخصيص بالخمسة أو الستّة ) (1) إلى آخره ، بل نقل عن ( التحرير ) (2) كما سمعت التصريح بعدم اعتبار ما يعرض لها حينئذٍ من دم العادة في الثلاثة ، بل ظاهره الميل إليه ، حيث ذكر صحيحة محمّد بن مسلم : وقال : ( إنها تؤيّد ما ذكرناه ) (3).

الخامس : أنه قال في شرح قول المحقّق : في الصنف الثاني : ( ولو كانت لا تحيض إلّا في كلّ ستّة أشهر أو خمسة أشهر اعتدّت بالأشهر ) (4) - : ( هكذا اتّفقت عبارة المصنّف وجماعة من الأصحاب ) (5). وهو اعتراف منه بقولهم باعتدادها بالأشهر مطلقاً ، وهو منافٍ لظاهر عبارته الاولى المشعرة بعدم القائل به. ثمّ استدلّ على صحّة ذلك برواية زرارة : عن الباقر عليه السلام : أمران أيّهما سبق (6) إلى آخره ، وبروايته الأُخرى عن أحدهما عليهما السلام أيّ الأمرين سبق إليها (7) إلى آخره.

وقد عرفت أن مورد الخبرين إنما هو الصنف الأوّل وليس فيهما تعرّض للصنف الثاني وهي التي تعتدّ بالشهور على كلّ حال بوجه أصلاً ، وهو لمّا توهّم أنهما صنف واحد وحكمهما واحد استدلّ عليه بهذين الخبرين ، ولم يلتفت إلى أن المحقّق : أفرد كلّ صنف بكلام وحكم ، ولو كانا عنده بحكم واحد لكان في كلامه وكلام أضرابه تكرار لا لفائدة.

السادس : أنه استدلّ على مضمون هذا المتن بخبري زرارة : وفيه ما سمعت - وبصحيح محمّد بن مسلم : عن أحدهما عليهما السلام في التي تحيض في كلّ ثلاثة

ص: 377


1- مسالك الأفهام 9 : 250.
2- تحرير الأحكام 2 : 71 ( حجريّ ).
3- مسالك الأفهام 9 : 239.
4- شرائع الإسلام 3 : 25.
5- مسالك الأفهام 9 : 250.
6- الكافي 6 : 98 / 1 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5.
7- الكافي 6 : 100 / 9 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 408 ، الإستبصار 3 : 324 / 1153 ، وسائل الشيعة 22 : 184 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 3.

أشهر مرّة أو ستّة أو سبعة .. إلى آخره. والاستدلال بهذا على مضمون المتن من أن مَنْ كانت كذلك فعدّتها ثلاثة أشهر على الإطلاق ، حسن مطابق ، لكنّه غير خفي عدم تطابق الخبرين في الدلالة والمورد ، بل كلّ واحد له متعلّق ودلالة تغاير الآخر.

فخبرا زرارة : في الصنف الأوّل ، وهو المذكور في كلام المحقّق : في المقولة الاولى ، وصحيح ابن مسلم : مورده الصنف الثاني ، وهو المذكور في كلامه في المقولة الأُخرى ، والشارح لمّا توهّم دخول الصنف الثاني في حكم الأوّل استدلّ بالجميع هنا وبخبر زرارة في الصنفين معاً ، وورد عليه الإشكال ، وإلزامهم بالقول بما ينفيه العقل والنقل من الكتاب والسنّة والإجماع وإطلاقاتهم وحصرهم أطول العدد.

السابع : قوله : ( إن الأخبار دلّت على اعتبار سلامة ثلاثة أشهر بعد الطلاق من الحيض ) (1). إن أراد أنه كذلك في الصنفين كما هو ظاهر كلامه في شرح المقولتين فممنوع كما عرفت ، وإن أراد أنها تدلّ على ذلك بالنسبة إلى الصنف الأوّل المذكور حكمه في المقولة الأُولى دون الصنف الثاني المذكور حكمه في المقولة الثانية ، فمسلّم ، لكن عليه لا يبقى إشكال ؛ لأنه إنما نشأ من عدم الفرق بين حكمي الصنفين.

وإذ قد تبيّن الفرق في النصّ والفتوى ، واختصاص الصنف الثاني بأنها تعتدّ بثلاثة أشهر خاصّة على كلّ حال ، فلا إشكال ، وقد اعترف هو رحمه اللّه أن عبارات الأصحاب تأبى إجراء حكم الصنف الأوّل على الثاني ، وإدخال الثاني تحت حكم الأوّل.

وبالجملة ، فهذا البحث منه رحمه اللّه غير محقّق ولا منقّح ، بل مضطرب متدافع متناقض ، ومنشأ الاضطراب عدم التفاته إلى الفرق بين الصنفين فتوًى ودليلاً حال الكتابة. وكلامه في ( الروضة ) (2) كما هنا مبنيّ على خلطهما حكماً ، وقد تبعه في فتواه في ( الروضة ) بعض أئمّة المعاصرين في شرح ( النافع ) (3) ، والمعصوم مَنْ عصمه اللّه.

ص: 378


1- مسالك الأفهام 9 : 251 ، باختلاف.
2- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 6 : 58 - 59.
3- رياض المسائل 7 : 361 - 364.

إشكالات وردود

فإن قلت : نقل العلّامة : في ( المختلف ) (1) عن الشيخ : في ( النهاية ) (2) أنه قال : ( متى كانت المرأة لها عادة في الحيض في حال الاستقامة ، ثمّ اضطربت عليها فصارت مثلاً بعد أن كانت تحيض في كلّ شهر لا تحيض إلّا في شهرين ، أو ثلاثة أو ما زاد عليها ، فلتعتدّ بالأقراء على ما جرت به عادتها في حال الاستقامة وقد بانت منه ).

وظاهر هذه العبارة يقتضي أن مَنْ كانت لها عادة في الحيض فإن فرضها الاعتداد بالأقراء مطلقاً وإن كان قرؤها عشر سنين فأكثر.

قلت : لا يريد الشيخ ذلك قطعاً ؛ لمنافاته لفتاواه في جميع كتبه ، بل وللعقل والإجماع في كلّ زمان ومكان ، وللنقل كتاباً وسنّة ، ولعلّ مراده بقوله : ( أو ما زاد عليها ) ، أو ما زاد على ذات العادة المستقيمة من الزمان في العادة المتجدّدة لها ما لم تزد عادتها على ثلاثة أشهر ، فانْ زادت عادتها على ثلاثة أشهر اعتدّت بالشهور ، كما صرّح به ورواه في سائر كتبه (3) المتأخّرة عن ( النهاية ).

بقي في عبارته أن ظاهرها أيضاً أن مَنْ كانت لها عادة في كلّ شهر فصارت في كلّ شهرين أو ثلاثة فإنها تعتدّ بمثل قرئها الذي كان في كلّ شهر ، وتترك الاعتبار بالعادة المتجدّدة.

قلت : إن معنى كلامه أن ذات العادة المتجدّدة في كلّ شهرين أو ثلاثة بعد أن كانت ذات عادة في كلّ شهر أنها تعتدّ بالأقراء المتجدّدة ، كما كانت تعتدّ بالأقراء الأُول قبل تغيّرها ، فكما أن عادتها الاعتداد بالأقراء حال الاستقامة كذلك تعتدّ بالأقراء حال تغيّر عادتها كذلك. وهذا معنًى ظاهر في عبارته ، فلا إشكال فيها.

ص: 379


1- مختلف الشيعة 7 : 485.
2- النهاية ( الطوسي ) : 533 - 534 ، باختلافٍ يسير.
3- الخلاف : 5 : 57 / المسألة : 5 ، المبسوط 5 : 237.

وقال ابن إدريس : على ما نقله في ( المختلف ) (1) ، بعد نقله هذه العبارة - : ( وقول شيخنا في ( النهاية ) : ( فلتعتدّ بالأقراء على ما جرت به عادتها حال الاستقامة ) (2) ، إن أراد بذلك في الشهر والشهرين والثلاثة من غير تجاوز الثلاثة الأشهر ، ولم يصر ذلك عادة لها ، بل هي عارفة بعادتها الاولى ، فلتعتدّ بما قال من عادتها الاولى في حال استقامة أقرائها. وإن أراد أن العادة الاولى اضطربت عليها واختلفت ، وصارت ناسية لأوقاتها وأيّامها غير عالمة بها ، ثمّ صار حيضها في الشهرين والثلاثة عادة لها ثابتة مستقرّة (3) ، توالت عليها شهران متتابعان ، ترى الدم [ فيهما (4) ] أيّاماً سواء في أوقات سواء ؛ فلتجعل ذلك عادة لها ، ولتعتدّ بذلك لا بالعادة الأُولى التي نسيتها واضطربت عليها.

وأمّا ما زاد على الثلاثة الأشهر ، وصارت لا ترى الدم إلّا بعد ثلاثة أشهر ، فإن هذه تعتدّ بالثلاثة الأشهر (5) البيض بغير خلاف ؛ لقوله عليه السلام أمران أيّهما سبق بانت به (6) ، وكان ذلك عدّة لها ، وقد سبقت الثلاثة الأشهر البيض قال - : هذا تحرير الحديث وفقهه ) (7).

قال العلّامة بعد أن نقل العبارتين - : ( وقول الشيخ : وتأويل ابن إدريس : مشكلان ، والمعتمد أنه إذا صارت عادتها في الحيض في كلّ شهرين أو ثلاثة تعتدّ بالعادة المتجدّدة لا السابقة ، وإن اضطربت عادتها تعتدّ بثلاثة أقراء كيف كان ما لم تمضِ ثلاثة أشهر بيض ، فإنها حينئذٍ تخرج من العدّة.

ص: 380


1- مختلف الشيعة 7 : 485 - 486 / المسألة : 127.
2- النهاية ( الطوسي ) : 533 - 534.
3- في المصدر : ( مستمرة ) بدل : ( مستقرّة ).
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( فيها ).
5- في المصدر : ( بالأشهر الثلاثة ) بدل : ( بالثلاثة الأشهر ).
6- الكافي 6 : 98 / 1 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5.
7- السرائر 2 : 742.

لنا على الأوّل : قوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ) (1) الآية. وعلى الثاني : قوله عليه السلام : أمران متقاربان أيّهما سبق كان الحكم له (2) ) (3) ، انتهى.

وقد قال المحقّق : في ( نكت النهاية ) بعد إيراد هذه العبارة - : ( إذا صار ذلك عادة لم ترجع إلى العادة الاولى وهي قادرة على الاعتداد بالأقراء ، ثمّ لا تكون معتدّة بالأقراء ؛ لأنها لم ترَ ثلاث حِيَضٍ ولا ثلاثة أطهار. ولِمَ قال : ( تعتدّ بالأقراء؟ ) (4) وإنما تعتدّ بمثل أوقات الأقراء في حال الاستقامة.

قلت : هذه رواية محمّد بن الفضيل : عن أبي الصباح : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : سألته عن التي تحيض في ثلاثة أشهر مرّة ، كيف تعتدّ؟ قال تنتظر مثل قرئها الذي (5) كانت تحيض فيه في زمان الاستقامة ، فلتعتدّ ثلاثة قروء ، ثمّ تزوّج إن شاءت (6).

ومحمّد بن الفضيل [ : واقفي (7) ] وروايته هذه شاذّة ؛ فليست حجّة.

ويمكن حملها على امرأة كانت لها عادة مستقرّة ، ثمّ اختلف حيضها ولم تستقرّ لها عادة مستأنفة ، ثمّ رأت الدم مستمرّاً ، فإنها تعتدّ بما عرفته أوّلاً ؛ لأن ذلك لم ينسخ بعادة ثانية. فاعتدادها إذن بالأقراء على هذا التقدير ، لا بمثل أوقات الأقراء ) (8) ، انتهى.

أقول : هذا تأويل بعيد جدّاً كما هو ظاهر ، وأقرب منه وأوضح ما قدّمناه في تأويل عبارة الشيخ : ، من أن هذه تعتدّ بالأقراء المتجدّدة ؛ كما كانت تعتدّ بالأقراء

ص: 381


1- البقرة : 228.
2- الكافي 6 : 98 / 1 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5 نقله بالمعنى.
3- مختلف الشيعة 7 : 486 / المسألة : 127 ، باختلافٍ يسير.
4- النهاية ( الطوسي ) : 533.
5- في الكافي والاستبصار: «التي».
6- الكافي 6 : 99 / 4 ، تهذيب الأحكام 8 : 120 - 121 / 415 ، الإستبصار 3 : 325 / 1155 ، وسائل الشيعة 22 : 187 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 10.
7- من المصدر ، وفي المخطوط : ( ضعيف ).
8- النهاية ونكتها 2 : 482 - 483.

الأُول ، فإن هذه عادة لها ثانية مستقرّة ، فكما أنها تعتدّ في العادة الاولى بأقرائها تعتدّ في حال العادة الثانية بأقرائها وإن طال زمانها على زمان الاولى. وهذا أقرب إلى لفظها ، وأوفق بالقواعد.

وأنت خبير أن ما أورده على عبارة الشيخ : غير وارد بعد تأمّل ما قرّرناه في تأويلها. أمّا كلام ابن إدريس : فالإشكال فيه من جهة عدم مناسبة شي ء من المعنيين لعبارة الشيخ : بوجه أصلاً.

فإن قلت : قول ابن إدريس : ( وأمّا ما زاد على الثلاثة الأشهر ، وصارت لا ترى الدم إلّا بعد ثلاثة أشهر فإن هذه تعتدّ بالثلاثة الأشهر بغير خلاف ) (1) ، ظاهره قريب من كلام ( المسالك ) (2) و ( كشف اللثام ) (3) من اشتراط مرور ثلاثة أشهر بيض بها ، حتّى تخرج من العدّة.

قلت : إنما مراده أنها تعتدّ بالشهور ؛ لصدق سبق الثلاثة البيض على ثلاث حيض ، أي أن هذه من شأنها بمقتضى عادتها سبق ثلاثة بيض على ثلاثة حيض ، فتقييد ابن إدريس : بالبيض لعلّه أشار به إلى ذلك ، وقد عرفت تصريح ( كشف اللثام ) بهذا المعنى.

وممّا يدلّك على أن ابن إدريس : أراد ذلك استدلاله بالحديث الذي أورده : (أمران أيهما سبق بانت به (4) ، وكان ذلك عدّة لها ) (5) ، فإن ظاهره أنه متى كانت عادتها ومن شأنها أن تسبق لها ثلاثة بيض على ثلاث حيض ، كان حكمها الاعتداد بالشهور على كلّ حال ما دامت على تلك الحال. وإن سبقت ثلاث حِيَضٍ كانت عدّتها بالأقراء.

وقول ابن إدريس : بعد إيراد الخبر بلا فصل : ( وقد سبقت الثلاثة الأشهر

ص: 382


1- السرائر 2 : 742.
2- مسالك الأفهام 9 : 250 - 251.
3- كشف اللثام 2 : 136 ( حجريّ ).
4- الكافي 6 : 98 / 1 ، تهذيب الأحكام 8 : 118 / 409 ، الإستبصار 3 : 324 / 1154 ، وسائل الشيعة 22 : 185 ، أبواب العدد ، ب 4 ، ح 5.
5- السرائر 2 : 742.

البيض ) (1) كالصريح في إرادته هذا المعنى. ومراد العلّامة : أيضاً ذلك ؛ لما صرّح به في جملة من كتبه (2) ، ولاستدلاله بالخبر الذي رواه : أمران متقاربان ، أيّهما سبق كان الحكم له فإن ظاهره كالصريح في أنها متى كانت عادتها في أكثر من ثلاثة أشهر كان الحكم في عدّتها للشهور. وإن كانت عادتها في الأقلّ من ثلاثة أشهر كان الحكم للأقراء في عدّتها.

ولابن سعيد : في ( النزهة ) عبارة لا تخلو من تشابه أو إشكال قال رحمه اللّه : ( وأمّا الثلاثة الأشهر فعدّة اثنتي عشرة ).

وعدّهن إلى أن قال : ( وعدّة المرأة التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو أربع سنين حيضة واحدة ، وكان ذلك عادة لها مستمرّة ، فإن كانت عادتها غير ذلك وهي ناسية لها فكذلك ثلاثة أشهر ، وإذا كانت ذاكرة لها اعتدّت بمثل زمان قرئها حال استقامتها ) (3) ، انتهى.

ولا يبعد أنه أراد بمَنْ ( عادتها غير ذلك ) مَنْ كانت لها عادة مستقيمة ثمّ استمرّ بها الدم ، فإنها إن عرفت عادتها اعتدّت بمثل قرئها المعتاد ، وإلّا فبالثلاثة الأشهر. وظاهره أن من كانت أكثر من شهر تعتدّ حينئذٍ بمثله ولو بلغ سنتين. وله ظاهر بعض الأخبار ، لكنّه فيما زاد متروك ، فيما زاد على الشهر.

وأغرب ما وقفت عليه في هذه المسألة ، عبارة ابن حمزة : في ( الوسيلة ) ، وقفت على نسختين متطابقتين على لفظ واحد ، ولا ثالثة لديّ حتّى اراجعها قال رحمه اللّه : ( الحائل المستقيمة الحيض إن كانت لا تحيض في كلّ ثلاث سنين إلّا مرّة اعتدّت بالشهور ، وإن حاضت لأقلّ من ذلك اعتدّت بالأقراء ) (4) ، انتهى.

وظاهر هذا اللفظ يقتضي أن المعتدّة بالأقراء قد تكون عدّتها قريباً من تسع

ص: 383


1- السرائر 2 : 742.
2- انظر مثلاً مختلف الشيعة 7 : 486 / المسألة : 127.
3- نزهة الناظر ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 39 : 464 ، باختلافٍ يسير.
4- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 325 ، باختلافٍ يسير.

سنين ، وهذا لم يقل به أحد من الأُمّة إلى يومنا هذا ، ولم يدلّ عليه دليل من عقل أو إجماع أو كتاب أو سنّة ، ولعلّ فيها غلط من قلم الناسخ ، ولعل لفظها : إن كانت لا تحيض إلّا في ثلاثة أشهر .. إلى آخره ، فغلط الناسخ فأبدل لفظ ( الأشهر ) بلفظ ( السنين ) ، فإنها بهذا توافق النصّ والفتوى.

وممّا يدلّ على هذا أن ذلك لو كان مذهباً له مع شدّة غرابته لنُقل عنه ، ولم نظفر به منقولاً عنه من كتاب أو لسان عالم.

عدّة الأمة التي تحيض في أكثر من خمسة وأربعين يوماً

بقيت في المقام مسألة لم أقف على مَنْ ذكرها ، هي أن الأمَة لو كانت إنما تحيض في أكثر من خمسة وأربعين يوماً ، فهل حكمها الاعتداد بخمسة وأربعين يوماً مطلقاً ، أو بها وبما بقي من طهرها وحيضها ، على قياس ما قاله في ( كشف اللثام ) (1) في الحرّة ، أو بخمسة وأربعين يوماً إن سلمت لها بعد طلاقها ، وإلّا فبقرأين على قياس ما قاله الشهيد الثاني (2) : في الحرّة.

وكذا فيما لو كانت تحيض في كلّ خمسة وأربعين يوماً ، أو لم تحض فطُلّقت ، فحاضت حيضة وارتفع حيضها ، وتربّص بها أقصى الحمل ، فهل هي كالحرّة مطلقاً ، أو على التنصيف؟

في كلّ ذلك وجهان : من إطلاقات الأخبار التي مرّ ذكرها ، وإطلاق الفتاوى أن مَنْ كانت تحيض لأكثر من ثلاثة أشهر تعتدّ بثلاثة أشهر ، فهي كالحرّة هنا. ومن الأخبار (3) الدالّة كأكثر الفتاوى (4) أنها على التنصيف من الحرّة مطلقاً. وهذا أظهر الوجهين.

ص: 384


1- كشف اللثام 2 : 136.
2- مسالك الأفهام 9 : 237 - 238.
3- انظر وسائل الشيعة 22 : 256 - 258 ، أبواب العدد ، ب 40.
4- انظر : الخلاف 5 : 63 - 64 / المسألة : 12 - 13 ، شرائع الإسلام 3 : 29 - 30 ، مختلف الشيعة 7 : 502 / المسألة : 141 ، مسالك الأفهام 9 : 298.

وعليه فالخمسة والأربعون اليوم بالنسبة لها كالثلاثة الأشهر بالنسبة للحرّة في جميع ما فصّل من الأحكام ؛ لأن الدليل دلّ على أن عدّتها نصف عدّة الحرّة على الإطلاق.

والظاهر من الأخبار المذكورة أنها واردة في الحرّة ، فالقرآن في شأنها كالثلاثة في شأن الحرّة. وكذا الخمسة والأربعون اليوم كالثلاثة الأشهر.

ويحتمل أنها إن اعتادت الحيض لأكثر من خمسة وأربعين يوماً وأقلّ من ثلاثة أشهر أنها تعتدّ حينئذٍ الأقراء ، وإن اعتادته لأكثر من ثلاثة أشهر فبخمسة وأربعين يوماً مطلقاً ؛ لإطلاق الأخبار والفتاوى في الفرضين ، وهو قويّ. واللّه العالم بحقيقة أحكامه.

تحرير هذه المسألة بقلم الأقلّ الأحقر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : ، ضحى يوم الثالث من ذي القعدة الحرام (1239) ، وقد جعلتها وفادة على باب جود اللّه عجّل اللّه فرجه وسهل مخرجه فإنْ قبلها فأهل ذلك هو ، وإن ردّها فأهل ذلك أنا ، وهو أرحم بي من نفسي ومن أُمّي وأبي ، وصلّى اللّه على محمّدٍ : وآله وسلم كما هم أهله. والحمد لله ربّ العالمين.

تمّت بقلم المذنب المخطئ العاصي الأحقر : زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع : ، عفا اللّه عنهم بمحمّدٍ : وآله ، صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ص: 385

ص: 386

الرسالة الرابعة عشرة : مسألة في الحبوة

اشارة

ص: 387

ص: 388

بسم اللّه الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوَّة إلّا باللّه العليِّ العظيم ، والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى اللّه على محمَّد وآله الطيِّبين.

وبعد :

ورد سؤال من بعض علماء البحرين صورته :

نصّ المسألة

( بسم اللّه الرحمن الرحيم : ما يقول الفقيه أيّده اللّه تعالى فيما لو قال قائل بتمشية الحبوة إلى ولد الولد بالنسبة إلى جدّه ، وذلك بعد أن يكون على الشرائط المعتبرة في استحقاق الولد للصّلب لها ، وجوباً أو استحباباً ، ومجّاناً أو محتسبة ، محتجّاً بالإجماع على إرادته من إطلاق الولد والابن في جملة من الآيات ، مؤيّداً بما جاء في تفسيرها (1) عن أهل العصمة عليهم السلام ؛ كقوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (2) ، ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (3) ، ( أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ ) (4) ، ( فَإِنْ

ص: 389


1- تفسير العيّاشي 1 : 256 / 69.
2- النساء : 22.
3- النساء : 23.
4- النور : 31.

كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ ) (1) ، ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ) (2) ، وَ ( إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) .. ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ) (3).

وفي جملة من الروايات أيضاً مثل ما رواه ثقة الإسلام في ( روضة الكافي ) (4) عن أبي الجارود : ، وما رواه أيضاً في ( الكافي ) (5) في الصحيح عن محمّد بن مسلم : عن أحدهما عليهما السلام ، وما رواه الطبرسي : في كتاب ( الاحتجاج ) (6) في حديث طويل عن الكاظم عليه السلام ، وما رواه في ( الكافي ) (7) ، والصدوق : في ( الفقيه ) (8) عن الأحمسي. وهذا الخبر مرويّ بطرق متعدّدة ، ومتون متقاربة ، وفي بعضها أنه عليه السلام كرّر قوله إي واللّه ، إنا لولده (9) إلى آخره ، ثلاثاً. على أن الولد حقيقة فيهما معاً ، مقول بالتشكيك عليهما ، فإرادة ولد الصلب خاصّة من الولد في روايات الحبوة يحتاج إلى مخصّص.

ولو قال قائل : المخصّص هو العرف العام ، [ فالأولى (10) ] أن يقول بناءً على أن الخطابات الشرعيّة من قبيل الخطابات الشفاهيّة - : إنها قد صرّحت بما قلناه ، فوجب القبول.

على أنا نقول : إن كان العرف مخصّصاً في جميع موارد إطلاق الولد والابن ، ففيه أن الاختلاف في بعضها والاتّفاق في البعض الآخر يدفعه.

وإن أراد في خصوص مسألتنا فهو مصادرة ، على أن العرف العام لا يعتمد عليه

ص: 390


1- النساء : 12.
2- النساء : 12.
3- النساء : 11.
4- الكافي 8 : 263 / 501.
5- الكافي 5 : 420 / 1 ، وسائل الشيعة 20 : 412 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 2 ، ح 1.
6- الاحتجاج 2 : 338 - 339.
7- الكافي 3 : 487 / 3 ، وسائل الشيعة 4 : 12 ، أبواب أعداد الفرائض ، ب 2 ، ح 2.
8- الفقيه 1 : 132 / 615 ، وسائل الشيعة 4 : 12 ، أبواب أعداد الفرائض ، ب 2 ، ح 2 ، ولم يرد فيها : « إي واللّه ، إنا لولده ».
9- الكافي 5 : 420 / 1 ، وسائل الشيعة 20 : 412 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 2 ، ح 1.
10- في المخطوط : ( فللأول ).

في مقام العلم بإرادة الشمول من الخطاب. وقد عرفت ممّا نبّهناك عليه ذلك.

ولو قال القائل بأن إرادة الظاهر والاستعمال الشائع يوجبان الحمل على الأولاد دون أولادهم ؛ بناءً على أن أحاديثنا المرويّة في كتبنا ليست من الخطاب الشفاهيّ في شي ء.

فلنا ألّا نسلّمه ، ولو سلّمناه مماشاةً للخصم فلنا أن نقول : إنه يجب العدول عنه إذا كانت هناك قرينة ؛ إذ من شرط العمل بهما عدم الدلالة على خلاف مقتضاهما ، وقد وجدت ؛ لأن ما ذكرناه لا أقلّ من أن يكون قرينة ، فالعدول إلى ما دلّت عليه الأدلّة وقامت القرينة متعيّن البتّة.

والملتمَس من الناظر تحرير الجواب على وجه يجلي غيهب الإشكال ، ويرشد إلى الصواب ؛ إمّا بنقل ما هو الحجّة من فتوى الأصحاب في هذه المسألة بالخصوص ، أو نقل ما يدلّ عليه صريحاً من متون النصوص.

أحسن اللّه جزاكم ، وأزال عنّا وعنكم العناء وهداكم ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ). هذا آخر السؤال بحروفه.

جواب المسألة

وأقول وباللّه المستعان - : الشبهة نشأت من تصوّر أن الابن والولد يطلق على ولد الولد وابن [ البنت (1) ] حقيقة.

وقد اختلف علماؤنا في ذلك ؛ فعن المرتضى (2) : وابن إدريس (3) : ومعين الدين (4) وابن أبي عقيل (5) : في أحد قوليه أنه حقيقة.

ص: 391


1- في المخطوط : ( الابن ).
2- رسائل الشريف المرتضى 4 : 338 ، عنه في السرائر 3 : 239.
3- السرائر 3 : 239 - 240.
4- عنه في مسالك الأفهام 13 : 125.
5- عنه في الحدائق الناضرة 12 : 394.

واحتُجّ لهم بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : للحسن بن علي عليهما السلام : الحسن ابني (1) وقوله صلى اللّه عليه وآله للحسنين ابناي هذان (2). وقوله صلى اللّه عليه وآله لهما إنهما ابناه لا يكاد يحصر.

وبالإجماع على أن عيسى بن مريم : ابنُ آدم : ، وبخطاب اللّه لنا ب- ( يا بَنِي آدَمَ ) (3).

وبأن إطلاق ابن آدم : على سائر البشر شائع في كلّ زمان ومكان.

وبما استفاض عن الأئمّة الأبرار ؛ من قولهم عليهم السلام إنا أبناء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (4) ، وبأن الناس يخاطبون كلّ واحد منهم ب- : ( يا بن رسول اللّه ) ، حتّى في الزيارات بعد موتهم (5). كلّ ذلك بلا نكير منهم ولا من غيرهم.

وبأن من وقف على بني هاشم شمل الطبقات ، وكذا لو أوصى لهم شمل الطبقات.

وبأنهم يحجبون الزوجين عن أعلى الفرضين كآبائهم.

وبقوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (6) فإنها شاملة لمنكوحات الأجداد وإن علوا إجماعاً. وقوله تعالى : ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (7) وقوله تعالى : ( أَوْ أَبْنائِهِنَّ ) (8) ، وقوله ( أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ ) (9) ، وقوله ( فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ ) (10) ، وقوله ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ) (11) ، وقوله ( إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) (12) وقوله ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ) (13). فحكم هذه الآيات كلّها وإطلاقها شامل لولد الولد بالإجماع. والأصل في الاستعمال الحقيقة ، وإجراء حكم الولد في هذه الآيات مع إطلاقها بالإجماع دليل على أن إطلاق الولد على ولد الابن أو البنت وإن نزل حقيقة.

ص: 392


1- سنن الترمذي 5 : 658 / 3773 ، ينابيع المودّة 2 : 36 / 12 ، وفيهما : « إنّ ابني هذا .. ».
2- سنن الترمذي 5 : 656 - 657 / 3769 ، ينابيع المودّة 2 : 34 - 35 / 7 ، وفيهما : « هذان ابناي ».
3- الأعراف : 26 ، 27 ، 31 ، 35.
4- الاختصاص ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 12 : 90 ، بحار الأنوار 26 : 256 - 257 / 32 ، وفيهما : « نحن أبناء نبيّ اللّه وأبناء رسول اللّه ».
5- انظر مثلاً المزار الكبير : 221.
6- النساء : 22.
7- النساء : 23.
8- النور : 31.
9- النور : 31.
10- النساء : 12.
11- النساء : 12.
12- النساء : 11.
13- النساء : 12.

دليل إطلاق الولد على ولد الولد والبنت مجازاً

والمشهور بين العصابة ، بل بين المسلمين في كلّ عصر أن إطلاق الولد والابن في الولد للصلب حقيقة ، وإنما يطلق على ولد الولد وولد البنت بطريق المجاز ، وهو المعروف من كلام أئمّة اللغة ، وهو الحقّ. ويدلّ عليه أُمور :

منها : صحّة السلب وصدقه ، وذلك دليل المجاز ، كما هو المعروف بين علماء فنون العربيّة وأهل الأُصول ؛ وذلك لأنه لا ريب في وقوع المجاز والحقيقة في الكتاب ، والسنّة ، وكلام العرب ، والعامّ والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن ، والمحكم والمتشابه.

ولكلّ باب منها أدلّة أقامها الشارع ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان.

ومن أعمّ أدلّة المجاز صدق السلب ، ولا ريب في صدق نفي الولد عن ولد الولد وولد البنت ، فلو قال الجدّ لأحدهما : هذا ليس بولدي. لصدق بلا ريب.

وممّا يدلّ على صدق هذا السلب من الأخبار صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال بنات البنت يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميّت بنات ولا وارث غيرهن ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غيرهن (1).

وصحيح سعد بن أبي خلف : عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام : قال بنات البنت يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميّت بنات ولا وارث غيرهنّ ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غيرهنّ (2).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال بنات البنت يرثن ، إذا لم يكنْ بنات كنَّ مكان البنات (3).

ص: 393


1- الكافي 7 : 88 / 4 ، وفيه « بنات الابنة » بدل : « بنات البنت » ، وسائل الشيعة 26 : 112 ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ب 7 ، ح 4 ، بتقديم جملة : « ابن الابن » على جملة : « ابنة البنت ».
2- الكافي 7 : 88 / 1 ، وسائل الشيعة 26 : 110 ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ب 7 ، ح 3 ، باختلافٍ يسير.
3- الكافي 7 : 88 / 3 ، وسائل الشيعة 26 : 110 ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ب 7 ، ح 1 ، وفيهما : « بنات الابنة » بدل : « بنات البنت ».

فقد نفت هذه الأخبار وجود البنات والولد في حال وجود ولد الولد. فإذا صدق سلب الولد مع وجود ولده علم يقيناً أن إطلاق الولد على ولد الولد مجاز.

ومنها : أن الأُبوّة والبنوّة من مقولة الإضافة ، فمتى صدق بنوّة شخص لآخر حقيقة صدق أُبوّة الآخر له حقيقة. ولا ريب أن البنوّة تَولّد والأُبوّةَ إيلاد في كلّ مقام من مقامات الوجود بما يناسبه. فالابن الحقيقيّ متولّد من الأب الحقيقيّ ؛ فإمّا ألّا يكون للشخص إلّا أب واحد حقيقة ، أو يصدق تولّده من اثنين حقيقة ، والضرورة تدفعه.

ومنها : أنه لو قلنا بإطلاق الولد على ولد الولد حقيقة لزم بمقتضى التضايف أن يكون لشخص أبوان في رتبة واحدة حقيقة ؛ جدّه لأبيه وجدّه لُامّه ، بل وأبوه وجدّه لُامّه. وهذا واضح البطلان عقلاً ولغةً ، حتّى بالتشكيك ؛ لما يلزم منه أنه متولّد منهما معاً وهما في رتبة واحدة دفعة واحدة أو متعدّدة.

ومنها : أنه يلزم أن يلد شخص آخر مرّتين إذا كان جدّاً لأبيه وأُمّه ، وهو محال.

ومنها : أنه يلزم منه أن مولانا الصادق عليه السلام : ولد حقيقة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ولأبي بكر ابن أبي قحافة : ، وهما أبواه حقيقة. وهذا بحكم الجمع بين الضدّين ، بل النقيضين بوجه ؛ لما يلزمه من إنتاج النور المحض من الظلمة المحضة. وهذا جارٍ في ثمانية من أهل البيت عليهم السلام.

ومنها : أنه يلزم منه أن يكون الرسول صلى اللّه عليه وآله : وأمير المؤمنين عليه السلام : قد سلكا في أصلاب غير طاهرة ، وأرحام غير مطهّرة ؛ إذ لا يشترط إيمان آباء أمّهاتهما إلى آدم وحوّاء عليهما السلام إجماعاً ، والوجدان يطابقه. بل يلزمه أن أُبوّة أبي بكر : للصادق عليه السلام : أشدّ وأقوى من أُبوّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله : له ؛ لأنه صلى اللّه عليه وآله ولده مرّة ، وقد قال ولدني أبو بكر مرّتين (1). وهذا باطل عقلاً ونقلاً.

وإذا قلنا : إن إطلاقه مجاز لا يرد أن علاقة أُبوّة أبي بكر : أقوى ، لتكرّرها مرّتين من جهتين ؛ لأنا نقول : علاقة المجاز فيها واحدة بالنسبة إليه ؛ لأن معنى ولدني أبو

ص: 394


1- تهذيب الكمال 5 : 75 / 950.

بكر مرّتين : أنه ولد أُمّي مرّتين ، فتكَرّرت العلاقة بالنسبة لأُمّة لا له.

ومنها : أنه ممّا لا ريب فيه أن الولد إنما يتولّد ويتكوّن من ماء الأب والأُمّ المنفعل منهما حسّا والمتكوّن من مطاعمهما وأغذيتهما. وقد أطبق على ذلك الباحثون في الطبيعيات ، وتواتر به مضمون الأخبار ، كما لا يخفى على متتبّعها. فالولد لم يتحقّق في طبيعة جدّه ولا شي ء من قواه ، ولا سلك مادّة جسمه في صلب جدّه ، ولا ترائب جدّته ، فكيف يقال : إن جدّه وجدّته والداه حقيقة ، حتّى يكون هو ولدهما حقيقة مع انتفاء معنى التوالد بينهما حقيقة؟!.

ومنها : أن المشهور قديماً وحادثاً شهرة أكيدة ، بل قال المحقّق الطوسي : إنه كاد أن يكون مجمعاً عليه. (1) بل ظاهر غير واحد اتّفاق المتأخّرين على أن ولد الولد وإن كان أُنثى يقوم مقام الولد ويأخذ مستحقّه من إرث جدّه ، وولد البنت وإن كان ذكراً يقوم مقام امّه ويأخذ مستحقّها من إرث جدّه (2).

وعلى ذلك دلّت نصوص أهل البيت سلام اللّه عليهم بلا معارض ، فلو كان ولد البنت ولداً حقيقة لكان له مع بنت الولد الثلثان ، ولبنت الولد الثلث بنصّ ( يُوصِيكُمُ اللّهُ ) (3) الآية. ولو كان كذلك لزاد الفرع على أصله ، والمعلول على علّته بفضل ، لم يكن لأصله وعلّته ، وهذا ظاهر البطلان. وليس في هذا مصادرة ؛ لأنا استدللنا بالنصوص الدالّة على توريثهم كذلك على أنهم ليسوا بولد حقيقة.

ومنها : أنك تعلم أنه لم يوجد في كتب التاريخ وكتب النسّابين نسبة رجل ولا امرأة لجدّهما لُامّهما ، بل لو نسب رجل رجلاً لقبيلة امّه كذب أو غلط ، بل إنما ينسب لقبيلة أبيه ، وعلى ذلك بناء معرفة الأنساب والقبائل والعمائر والأفخاذ (4) في

ص: 395


1- عنه في كشف اللثام 2 : 290.
2- كشف اللثام 2 : 290 ( حجريّ ).
3- النساء : 11.
4- العمائر : جمع عِمارة ، وهي والفَخذ : من أجزاء القبيلة ، فيقال : شِعب ، ثمَّ قبيلة ، ثمَّ فصيلة ، ثمَّ عِمارة ، ثمَّ بطن ، ثمَّ فخذ. مختار الصحاح : 338 شعب.

كلّ عصر. ولو صحّ إطلاق الأب على الجدّ للأُمّ حقيقة لصحّ نسبة ولد البنت له ، فلم يعرف شعب ولا قبيلة ولا نسب ، وقد قال عزّ اسمه ( وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) (1) فتفوت هذه المزيّة.

ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليه قوله تعالى : ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) (2) الآية. وبه يتّضح أن نسبة الرجل لجدّه لُامّه مجاز. ولا فارق بين الجدّ للأُمّ والجدّ للأب. ومن أجل ذلك اختصّ الخُمس بمن انتسب لهاشم : بالأب دون الامّ ، وكذا الوقف عليهم والوصيّة لهم.

فإنْ قلت : إطلاق بني هاشم : وشبهه على الموجودين الآن دليل على أنه حقيقة ، ولا فارق بين الجدّ للأب والجدّ للُام.

قلت : كونه مجازاً بالنسبة لأب الامّ دليل على أنه مجاز بالنسبة لأب الأب ؛ لعدم الفارق ، والاستعمال أعمّ من الحقيقة ، ولأنه بعد ثبوت المجازيّة بالنسبة لأب الامّ لا يمكن القول بأن الإطلاق حقيقة بالنسبة لأب الأب ، فهو دليل على المجازيّة مطلقاً ؛ لعدم الفارق دون العكس ؛ لأن الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

وأيضاً هذا الوجه يدلّ على أن المجازيّة بالنسبة لأب الامّ ثابتة ، فلو قلنا بأن الاستعمال بالنسبة لأب الأب يدلّ على الحقيقة ، لزم الفرق بين الجدّين. والقول به خرق للإجماع المركّب.

ومنها : أنه لو كان إطلاق الولد يشمل ولد الولد حقيقة لورث ولد الولد وولد البنت مع عمّه وخاله ، وكان لولد البنت ثلثان ، وللبنت للصلب ثلث ، بل كان لها الثلث ، ولولدها الثلثان بنصّ ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) (3) الآية. والنصّ (4) والإجماع على أنه لا يرث ولد الولد مع وجود الولد يدفعه. وكذا لزوم زيادة الفرع وهو الولد على نصيب أصله ، ومن يتقرّب به وهو امّهُ ، وهو باطل. ويدلّ على أن الآية إنما

ص: 396


1- الحجرات : 13.
2- الأحزاب : 5.
3- النساء : 11.
4- انظر وسائل الشيعة 26 : 110 - 114 ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ب 7.

عنت الولد للصلب ، فإذن هو الحقيقة دون ولده ، ولو كان الإطلاق يشمل ولد الولد حقيقة لكان دلالة الآية على ولد الصلب وإرادته منها خاصّة بقرينة ؛ فتكون مجازاً ، ولا قائل به.

ومنها : أنك إذا تدبّرت الآيات والروايات وكلام العرب وجدت اختصاص إطلاق الأبوين حقيقة بمن ولد الولد بلا فصل ، وهما من ولده حقيقة ، وما سواهما من آبائهما لا يطلق عليهما الأبوان إلّا مجازاً.

وممّا يدلّ على ذلك الإجماع نصّاً وفتوى وعملاً على إطلاق القول بأنه لا يرث مع الأبوين إلّا الأولاد وأولادهم وإن نزلوا ، فلو كان الجدّان أبوين حقيقة لورثا مع الأولاد ، ولا يرث أحد من الأجداد مع ولد أو ولد ولد بالنصّ (1) والإجماع.

وهما أيضاً قائمان على أن ما ذكره اللّه عزّ اسمه من فرض الأبوين إنما عنى بهما من ولده بلا فصل ، فإذا ثبت أن الوالدين لا يطلق على الجدّين إلّا مجازاً ، ثبت بحكم التضايف والمقابلة أن الولد لا يطلق على ولد الولد إلّا مجازاً.

وأيضاً قد استفاض عنهم عليهم السلام مثل قولهم في امرأة ماتت ، تركت أبويها وزوجها ، فقالوا

للزوج النصف وللأُمّ الثلث وللأب السدس (2). وعلى ذلك الإجماع قائم.

وأن هذا الحكم والإطلاق إنما عنى به الأبوين بلا فصل ، فلو دخل الجدّان في إطلاق الأبوين لشملهما هذا الحكم ، وليس كذلك بالنصّ والإجماع ، فليس الجدّان أبوين حقيقة.

وأيضاً ممّا لا ريب فيه أنك تقول : هذا جدّ فلان وهذا أبوه. وتقول لجدّه : ليس هذا أباه. ولو كان الجدّ أباً حقيقة لصدق أن يقال لشخص واحد : هذا جدّ فلان وأبوه حقيقة ، وهذا تنكره النفوس واللغة والعرف.

ص: 397


1- انظر وسائل الشيعة 26 : 91 ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ب 1 ، ب 5 ، ب 8.
2- وسائل الشيعة 26 : 24 ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ب 16 ، ح 6 ، ومثله بزيادة : « ثلاثة أسهم » و « سهمان » و « سهم » بعد حكم الزوج والأُمِّ والأب على التوالي في الحديثين : 1 ، 4 من الباب نفسه.

ولو صدق : هذا أبو زيد وجدّه حقيقة ، لكان لفظ الأب والجدّ من قبيل المترادف ، وهو ظاهر البطلان. وإذا ثبت أن أُبوّةَ الجدّ مجازٌ ، ثبت أن بنوّة ابن ابنه مجاز ؛ بحكم التضايف والمقابلة.

ومنها : أن المعروف من تحقيق أرباب النفوس القدسيّة أن المجاز خير من الاشتراك.

ومنها : أنا إذا قلنا بأن إطلاق الولد يشمل ولد الولد وإن نزل والأب يشمل الجدّ وإن علا ؛ فإمّا أن يكون على سبيل [ التواطؤ (1) ] ، وهو ظاهر البطلان ، أو على سبيل التشكيك ، فيعود إلى المجاز ؛ للافتقار في تعيين المراد إلى القرينة.

وأيضاً يجب صرف المطلق إلى أكمل الأفراد وأتمّها فعليّة. وعليه يجب صرف كلّ ما أُطلق فيه الولد والأب إلى المتلاصقين دون المنفصل بواسطة أو أكثر ، أو من باب الاشتراك اللفظي ، وهو باطل لا يقول به الخصم. مع أنه يؤول بافتقاره إلى القرينة إلى المجاز ، على أنه لا دليل على إرادة واحد من الثلاثة بخصوصه ، لا لغةً ولا شرعاً ولا عرفاً. وإرادة الجميع من موضوع واحد أظهر بطلاناً.

ومنها : أن التضايف لا يكون إلّا بين شيئين ، ولا يكون المعنى الواحد متضايفاً إلّا مع واحد ، فإذا تحقّق معنى التضايف بين شيئين لا يكون أحدهما أيضاً متضائفاً مع آخر ، كما يعرفه كل من عرف معناه. فلا يمكن على هذا أن يكون لشخص أكثر من أب واحد حقيقة ؛ لما يلزمه من تحقّق الإضافة بينه وبين العرف بمعنى واحد.

وبالجملة ، فأنت إذا نظرت في معاني الأنساب ومواليد العالم في كلّ طبقة ، وجدت معنى الأُبوّة والبنوّة والتوالد حقيقة منحصراً في المتلاصقين دون المفصولين بواسطة ، فضلاً عن الوسائط. فالبذر ليس أباً للثمرة ، وإنما أبوها ووالدها الشجرة ، والبذر إنما هو أبو الشجرة.

والجواب عن قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : للحسن : والحسين : ابناي وقول الأئمّة عليهم السلام :

ص: 398


1- في المخطوط : ( التواطي ).

نحن أبناء رسول اللّه (1) من وجهين :

أحدهما : أنه مجاز كما عرفت ، ولا نسلّم أن الأصل في الاستعمال الحقيقة ، بل هو أعمّ منها ومن المجاز ، والسرّ شاهد ، والبرهان مقرّر في محلّه.

والثاني : أنه حقيقة ، لكنّه ليس في مقام التولّد البشريّ الجسمانيّ الحسّيّ المحض ، وإنما هو في مقام قوله أنا وعلي : أبوا هذه الأُمّة (2) وقوله : حسين : منّي وأنا من حسين (3). وقول الرضا عليه السلام : في تعليل تسمية الرسول : بأبي القاسم : قال لابن فضّال : أمَا علمت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : قال : أنا وعلي أبوا هذه الأمّة؟. قلت : بلى. قال أما علمت أنه يقال : عليّ قاسم الجنَّة والنار؟. قلت : بلى. قال فقيل له : أبو القاسم : ؛ لأنه أبو قسيم الجنّة والنار (4) الخبر.

وقول زين العابدين عليه السلام المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأُمّه (5).

وما استفاض من قولهم عليهم السلام كلّنا واحد ؛ أوَّلنا محمّد ، وأوسطنا محمّد ، وآخرنا محمّد ، وكلّنا محمّد (6).

وقول أمير المؤمنين عليه السلام : أنا محمّد ومحمّد أنا ، وأنا من محمّد ومحمّد منّي (7). وقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : عليٌّ منّي ، وأنا من عليٍّ (8).

وقول الصادق عليه السلام : وقد أشار إلى فخذه - هذا لحم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، أو وهذا جلد رسول اللّه (9).

ص: 399


1- بحار الأنوار 26 : 256 / 32 ، وفيه : « ونحن أبناء نبيِّ اللّه صلى اللّه عليه وآله ».
2- كمال الدين : 261 / 7 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 85 / 29.
3- سنن الترمذي 5 : 658 / 3775.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 85 / 29.
5- وسائل الشيعة 12 : 231 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 13 ، ح 5 ، وفيه عن الإمام الكاظم عليه السلام ، بحار الأنوار 64 : 74 / 2 ، وفيه عن الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار 64 : 75 / 6 ، وفيه عن الرضا عليه السلام.
6- بحار الأنوار 26 : 6 ، وقريب منه في : الغيبة ( النعماني ) : 86 ، بحار الأنوار 36 : 399 - 400 / 9.
7- بحار الأنوار 26 : 6.
8- بحار الأنوار 22 : 148 ، 26 : 350 ، وفيهما : « يا عليٌّ ، أنت منّي وأنا منك ».
9- مناقب آل أبي طالب 4 : 271 ، بحار الأنوار 26 : 28 / 29 ، وفيهما : قبض أبو عبد اللّه عليه السلام على ذراع نفسه وقال : « يا بكير ، هذا واللّه جلد رسول اللّه ، وهذه واللّه عروق رسول اللّه ، وهذا واللّه لحمه .. ».

والأخبار بمثل هذا المضمون لا تكاد تحصى ، وكلّها حقيقة وإن لم تكن حقيقة لغويّة ، لكنّها حقيقة حقيقيّة عقليّة وجوديّة شرعيّة. ولا منافاة بينها وبين المجاز اللغوي.

والجواب عن الإجماع على أن عيسى المسيح عليه السلام : ابنُ آدم من ثلاثة طرق :

أحدها : أنه مجاز ، كالقول بأن جميع البشر ممّن مضى ومَنْ غبر بنو آدم بالإجماع والنصّ (1). ولكنّ الإجماع على الاستعمال لا يدفع القول بأنه مجاز ؛ لأنه أعمّ من الحقيقة.

بهذا يجاب عن خطاب اللّه تعالى لنا ب- ( يا بَنِي آدَمَ ) (2) : وشيوع إطلاق ابن آدم على سائر البشر.

الثاني : المعارضة بالإجماع على أن عيسى عليه السلام ليس له أب. ومنه يظهر أن إطلاق ابن آدم : عليه مجاز ، فلا منافاة بين الإجماعين على هذا.

أمّا لو قلنا بأنه حقيقة تصادم الإجماعان المحقّقان على مرّ الأزمان ، وتحقّقُ إجماعين متناقضين في عصر واحد ظاهرُ الاستحالة ؛ لما يلزمه من اجتماع النقيضين. فثبت أن إطلاق ابن آدم : عليه مجاز ، وبه يثبت أن إطلاق الولد على ولد الولد مجاز.

الثالث : أنك إذا تدبّرت أخبار الذرّ وأخذ الميثاق وجدت فيها ما يدلّ على أن عيسى عليه السلام بعد أن أُخرج من ظهر آدم عليه السلام وأُخذ عليه الميثاق لم يُردّ كغيره إلى صلب آدم ، وإلّا لجرى في الأصلاب. ولعلّ في تسمية اللّه له بعيسى بن مريم : إشارة إلى ذلك.

وبذلك يثبت أن إطلاق ابن آدم : عليه مجاز ، وهو يشهد بأن إطلاق الولد على ولد الولد مجاز ، بل يدلّ عليه ؛ لعدم الفارق بين عيسى عليه السلام : وغيره.

وعن شمول الوقف والوصيّة لجميع الطبقات ، فيما لو وقف واقف على بني هاشم : مثلاً ، أو أوصى لهم ، بأن الوقوف والوصايا تتبع القصود فمن وقف أو أوصى لبني

ص: 400


1- الأعراف : 26 ، 27 ، 31 ، 35.
2- الأعراف : 26 ، 27 ، 31 ، 35.

هاشم : مثلاً في غابر الأزمان ، فقد دلّ الدليل على إرادته الشمول ، فيتبع القصد ؛ إذ لا يمكن أن يريد من أوصى أو وقف في زماننا ، أو نذر لبني هاشم : مثلاً إرادة ولد الصلب. فلو كان ذلك في زمن وجود ولده اتّبع القصد إن ظهر ، وإلّا منع ولد ولده.

والجواب عن باقي الأدلّة أن شمول حكم الأولاد لولدهم فنازلاً ثبت بدليل من نصّ (1) وإجماع ، أو نصّ أو إجماع. ولو خُلّينا وظاهر الآيات لم نُعدّ حكم الأولاد لأولادهم. وإنما ثبتت تلك الأحكام لولد الولد بالوراثة بعد أن قام الدليل من خارج على أنهم ورثوا تلك الأحكام والصفات من آبائهم ، فإنما هي أحكام آبائهم وصفاتهم ورثها منهم أبناؤهم بدليل.

ولعلّ السرّ في ذلك وشبهه ممّا قام الولد فيه مقام أبيه من أحكام الشريعة وهي أكثر ممّا ذكر بكثير أن الولد يرث من أبيه أكثر أحواله وأحكامه وصفاته وخواصّه ، جنساً ونوعاً ، وصنفاً وصفةً ، وطبيعةً ولوناً ، وخَلقاً وخُلقاً. حتّى إنه يتلوّن نفسه وجسده وطبيعته بأفكار أبيه وأُمّه وتصوّراتهما حال الوقاع ، حتّى إن صورته الجسدانيّة تنفعل بذلك ، كما يظهر لمن له ملاحظة في الإلهيّ والطبيعيّ. سبحان الأحد الصمد الذي لم يلد فيكون موروثاً.

ووراثة ابن الولد لجدّه حكماً أو صفةً أو سببيّة أو مسببيّة لا تدلّ على أنه ولد لجدّه حقيقة لغويّة ، وإنما تدلّ على أنه ولد لأبيه حقيقة ، وكلّ ما ورثه من جدّة فإنما هو تلقّاه ووصل إليه بواسطة أبيه. تفكّر في قولهم عليهم السلام ورثناه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (2).

وفيما ورد في كيفيّة نزول الأوامر الإلهيّة على إمام كلّ زمان فإنه يتلقّاها من أبيه. وهكذا فإنها إنما تَرِد أوّلاً على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، ثمّ منه إلى أمير المؤمنين عليه السلام : ، وهكذا حتّى تَرِد على إمام الزمان من الذي قبله. فإنها تشعرك أن وراثة الولد من جدّه مجاز أي بواسطة أبيه وإن كانت وراثة أهل البيت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : كلّهم حقيقة ، لكنّها

ص: 401


1- انظر وسائل الشيعة 26 : 110 ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ب 7.
2- الكافي 1 : 225 / 3 - 4 ، وفيهما : « وإنّا ورثنا محمَّداً صلى اللّه عليه وآله ».

بمقام أعلى من ذلك هو مقام أنهم نور واحد فاض من الواحد.

هذا كلّه ، مضافاً إلى أنه لم يثبت القول بأن إطلاق الولد يشمل ولد الولد حقيقة للسيّد : ولا للمصريّ : ولا للحسن : ، وإنما ثبت القول به لابن إدريس (1) : خاصّة.

أمّا السيّد ، فإنما نقل القول به عنه في بعض المسائل كما في ( كشف اللثام ) (2) ، وأمّا كتبه المشهورة فلم يصرّح فيها بذلك. وأمّا الحسن : ، فنقل عنه القولان (3) ، ولعلّه عدل عن هذا ولا أقلّ من الاحتمال. وأمّا معين الدين : ففي ( كشف اللثام ) (4) أنه حكي عنه القول بذلك ، وهو يدلّ على أنه لم يثبت عنه القول بذلك.

فعلى هذا تكون المسألة إجماعيّة ، وخلاف ابن إدريس : غير مضرّ به.

خلاصة القول

ثمّ نرجع إلى الكلام في أصل المسألة المبحوث عنها ، فنقول : ظاهر الأخبار (5) وفتاوى العصابة (6) اختصاص الحبوة بولد الصلب ؛ لأن المشهور كما عرفت على أن إطلاق الولد لا يتناول ولد الولد. ولم ينقلوا في المسألة خلافاً فيما علمنا.

فلو كان في المسألة خلاف للقائل بأن الولد يشمل ولد الولد حقيقة ، وقائل بأن ولد الولد يحبى من تركة جدّه ، لنقل كما نقل الخلاف في مسألة إرث أولاد الأولاد : هل يقتسمون تركة جدّهم تقاسم أولاد الصلب ؛ أو لكلّ نصيب أبيه؟ وغيرها.

فالظاهر أن المسألة اتّفاقيّة ، ولم نظفر بقائل بتعديتها لولد الولد ، ولا محتمل له احتمالاً إلّا الفاضل : في ( كشف اللثام ) ، حيث قال : ( الظاهر اختصاص ولد الصلب

ص: 402


1- السرائر 3 : 240.
2- كشف اللثام 2 : 290 ( حجريّ ).
3- نقل القول الأوَّل وهو الموافق للسيّد رحمه اللّه في الحدائق الناضرة 12 : 394 ، ونقل القول الثاني في مختلف الشيعة 9 : 28 / المسألة : 1.
4- كشف اللثام 2 : 290 ( حجريّ ).
5- الوسائل 26 : 97 - 100 ، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ب 3.
6- انظر : إرشاد الأذهان 2 : 120 ، مفتاح الكرامة 8 : 134.

بها ، كما هو نصّ ( الإرشاد ) (1) ، اقتصاراً في خلاف الأصل على اليقين المتبادر من النصوص. ويحتمل العموم بناءً على عموم الولد حقيقة ) (2) ، انتهى.

وهو احتمال ساقط ؛ لاختصاصه به فيما ظهر ، إلّا إنه يؤذن بعدم الخلاف في المسألة.

ولا ريب أن ظاهر الأخبار والأصحاب اختصاص الحبوة بولد الصلب من غير خلاف ؛ إذ يتعيّن حمل عبارة من أطلق القول بأنه يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه على ولد الصلب ؛ لأن المعروف من المذهب أنه لا يطلق حقيقة إلّا على ولد الصلب ، كما عرفت.

ولأنه لو أُريد بالأخبار المطلقة كذلك ما يعمّ ولد الولد ولو مجازاً لدلّوا عليه بعبارة أو إشارة أو فحوى ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان. وإذا لم يوجد في الأخبار ما يدلّ عليه بوجه مع أن الحكم على خلاف الأصل ، وخلاف ظاهر الكتاب الذي هو الحجّة بين اللّه وخلقه ، [ و ] قرين الإمام لم يمكن القول به. وحمل إطلاقات الأخبار بحبوة الولد الأكبر على ما يعمّ ولد الولد ، ولما فيه من الاحتياط وتقليل تخصيص الكتاب وإطلاقات أخبار سهام المواريث وفروضها. بل الظاهر أن المسألة إجماعيّة.

إذا عرفت هذا ، فنقول : قول صاحب السؤال زاده اللّه بصيرة في العلم والعمل - : ( لو قال قائل إلى قوله - : أو محتسبة ).

أقول : لا فائدة مهمّة في ذكر الاختلاف في كيفيّة الحبوة وشرائطها وأحكامها في معرض البحث عن تعدية الحبوة لولد الولد.

قوله : ( محتجّاً بالإجماع على إرادته إلى قوله - : وإن لم يكن له ولد ).

أقول : الإجماع على إرادته من الآيات المذكورة ممنوع ، والسند ما عرفت. وكيف يكون إجماعاً وقد صرّح كثير بل الأكثر أن تلك الأحكام إنما تعدّت لولد الولد

ص: 403


1- إرشاد الأذهان 2 : 120.
2- كشف اللثام 2 : 291 ( حجريّ ).

بدليل من خارج ، وإنّا لو خُلّينا وظاهر تلك الآيات لقصرنا الحكم على ولد الصلب؟

ولو سلّمنا إرادته منها لم يدلّ على المدّعى ؛ لجواز إرادة ما هو أعمّ من الحقيقة والمجاز ، وهو القدر المشترك بينهما وهو مجاز. ولا منع من استعمال اللفظ فيما هو أعمّ من حقيقته ومجازه مجازاً ، وهذا هو المسمّى بعموم المجاز. وما ورد في تفسيرها بما يعمّ ولد الولد دليل إرادة ما هو أعمّ من حقيقتها ومجازها ؛ فهو مجاز ، والقرينة عليه تلك الأخبار.

وبالجملة ، فإرادته من تلك الآيات لا يدلّ على أنه حقيقة فيهما بوجه.

وأمّا ما ذكره من الأخبار التي فيها إنا لولد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (1) ، فقد عرفت الجواب عنها. فليس فيما ذكره حرسه اللّه دلالة على أن الولد حقيقة فيهما معاً ، مقول بالتشكيك عليهما كما قال حرسه اللّه بل لا دلالة على مطلق الاشتراك فيها بوجه ، فضلاً عن خصوص المقوليّة بالتشكيك.

على أنا لو سلّمنا أنه مقول عليهما بالتشكيك لوجب صرف الإطلاقات من الآيات والروايات وعبارات العلماء إلى أكمل الفردين ، وهو الولد للصلب ؛ لأنه المتيقّن ، خصوصاً في مقام الشكّ ومخالفة الأصل ، كما في مسألة الحبوة.

فظهر إرادة ولد الصلب خاصّة من الولد في روايات الحبوة دون ولد الولد ، ولم نحتج إلى طلب المخصّص ؛ لعدم العموم. وطلب المخصّص إنما يلزم بعد تسليم العموم ، ولا دليل على العموم بل هو قائم على عدمه ، والاستعمال أعمّ من الحقيقة.

وقوله سلّمه اللّه تعالى - : ( ولو قال قائل : المخصّص هو العرف العام .. إلى قوله - : فوجب القبول ).

فيه :

أوّلاً : أن التخصيص بالعرف أو غيره فرع ثبوت العموم ، ولا عموم كما عرفت. مع أنه لا ريب أن العرف العام يبيّن الإجمال ، ويقيّد الإطلاق ويخصّص العموم. كلّ ذلك

ص: 404


1- مناقب آل أبي طالب 1 : 321 ، بحار الأنوار 101 : 363 / 13 ، وفيهما : « ولأنا ولد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ».

عند الاشتباه وفقدان الدليل على إرادة غير ما يقتضيه ؛ لأنهم عليهم السلام إنما يخاطبون الناس بما يعقلون ويفهمون ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان ، ولا يمكن حصر ما أحالوا بيانه على العرف العام من الأحكام.

وفيه أيضاً أن دفع الإحالة على العرف العام بما بيّنوه في الأخبار المذكورة لا يظهر وجه ابتنائه على أن الخطابات الشرعيّة من قبيل الخطاب الشفاهيّ.

وقد بان بهذا جواب قوله حرسه اللّه - : ( على أنا نقول ) إلى آخره.

قد ظهر جوابه ممّا قرّرناه ، مع أن فيه : أن قول القائل بوجوب صرفها إلى الظاهر والاستعمال الشائع لا يبتني على أن أحاديثنا المرويّة في كتبنا ليست من الخطاب الشفاهيّ. على أنه إذا سلّم أن الظاهر والاستعمال الشائع في لفظ الولد خصوص ولد الصلب كان دليلاً على أنه الحقيقة ، وعلى أنه المراد من إطلاقات الأخبار ؛ لأنهم عليهم السلام لا يخاطبون الناس إلّا بما يعقلون.

ولأنا لو سلّمنا أنه حقيقة فيهما ، وكان الظاهر والاستعمال الشائع اختصاصه بولد الصلب ، لزم منه أن استعماله في ولد الولد مهجور غير متعارف ، وإن كان حقيقة فيه فلا يحمل عليه إلّا بدليل ، فإن ثبت الدليل وجب قبوله ، وإلّا لم يجز صرف إطلاقات الأخبار إليه ؛ لهجرانه بين المخاطبين ، فلا يخاطبون بما لا يعقلون.

وأمّا أن العرف العام لا يعتمد عليه في مقام العلم بإرادة الشمول فحقّ. لكن لا علم بإرادة الشمول في مسألة الحبوة ؛ لا على وجه الحقيقة ولا على وجه المجاز ، بل العلم حاصل بتخصيصه بولد الصلب ؛ لأنه الموضوع الحقيقيّ له لغةً وعرفاً وشرعاً وعقلاً فيما علمنا.

فقوله حرسه اللّه تعالى - : ( وقد عرفت ممّا نبّهناك عليه ) ذلك دعوى بلا برهان ، لا نعرف ممّا ذكره ذلك ، حتّى إنه لم يحصل ممّا ذكره حرسه اللّه قرينة توجب العدول ، أو التوقّف عن صرف اللّفظ عن موضوعه ، أو توهّم الشمول في مسألة الحبوة ، فضلاً عن أن يكون ما ذكره دليلاً على ذلك.

ص: 405

هذا ما خطر بالبال ، والملتمس من الناظر التأمّل بعين الرضا ، ومنكم التسديد وبكم القدوة ، وعلى اللّه سبحانه التكلان ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وصلّى اللّه على محمّد : وآله الطاهرين ، والحمد لله ربّ العالمين.

ختمت باليوم السابع عشر من شهر ربيع المولد سنة (1241).

تمّت بتوفيق اللّه على يد المذنب المخطئ الجاني

زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع :

عفا اللّه عنهم بمحمّد وآله المعصومين.

ص: 406

الرسالة الخامسة عشرة : ضميمة طلب الثواب أو الهروب من العقاب في نيّة العبادة

اشارة

ص: 407

ص: 408

بسم اللّه الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليِّ العظيم ، وصلّى اللّه على محمَّد وآله الطيِّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

مسألة (1) : اختلف الأصحاب في صحّة العبادات بقصد نيل الثواب أو الخلاص من العقاب ، بمعنى : أنها يسقط بها القضاء ، وينال بها الثواب والجزاء ، ويصدق الامتثال بها فيسقط العقاب ، أم لا؟

الأشهر وهو قول الأكثر في ظاهر الحال على الصحّة.

أقوال العلماء في المسألة

قال الشهيد : في ( القواعد ) : ( وأمّا غاية الثواب والعقاب فقد قطع الأصحاب بكون العبادة فاسدة بقصدها ، وكذا ينبغي أن يكون غاية الحياء والشكر وباقي الغايات. والظاهر أن قصدها مجزٍ ؛ لأن الغرض بها اللّه تعالى (2) في الجملة ، ولا يقدح كون تلك الغايات باعثاً على العبادة أعني : الطمع ، والرجاء ، والشكر ، والحياء لأن

ص: 409


1- في « م » بياض مقداره كلمة ، وقد ملئ بقلم مغاير لقلم المخطوط بكلمة : ( وبعد ) ، ثم وضع عليها علامة سقط أُشير إليه بالعبارة التالية : ( فيقول الأحقر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق ).
2- قوله : ( اللّه تعالى ) ليس في المصدر.

الكتاب والسنّة مشتملتان (1) على المرهّبات من الحدود والتعزيرات والذمّ والإيعاد بالعقوبات ، وعلى المرغّبات من المدح والثناء في العاجل والجنّة ونعيمها في الآجل. وأمّا الحياء فغرض مقصود ).

ثمّ ذكر الحديث النبويّ أعبد اللّه كأنك تراه (2) ، وقال : ( إن تخيّل الرؤية يبعث على الحياء ) (3). وهو يؤذن بالإجماع على ذلك ، لكن ربّما يوجد في بعض نسخ الكتاب لفظ : ( بعض الأصحاب ).

ونقل العبارة في ( المدارك ) (4) بلفظ : ( قطع الأصحاب ) في أكثر نسخ ( المدارك ) ، وربّما وجد في بعض نسخ ( المدارك ) بلفظ : ( بعض ). ومقتضى ما نقله الشيخ البهائيّ : في ( الأربعين ) عنه في هذا الكتاب أنه : ( قطع الأصحاب ) بدون لفظ : ( بعض ).

وقال البهائيّ : في ( الأربعين ) : ( ذهب كثير من علماء الخاصّة والعامّة إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب ، وقالوا : إن هذا القصد منافٍ للإخلاص الذي هو إرادة وجه اللّه وحده ، وإن من قصد ذلك فإنما قصد جرّ النفع إلى نفسه ودفع الضرر عنها لا وجه اللّه تعالى. كما أن من عظّم شخصاً أو أثنى عليه طمعاً في ماله أو خوفاً من إهانته لا يعدّ مخلصاً في ذلك التعظيم والثناء.

وممّن بالغ في ذلك السيّد الجليل صاحب المقامات والكرامات رضيّ الدين عليّ ابن طاوس. ويستفاد من كلام شيخنا الشهيد : في قواعده أنه مذهب أكثر أصحابنا ).

وكأنه استبعد نسبته لجميع الأصحاب ففهم منه نسبته للأكثر ، وهو يؤيّد ما في أكثر نسخ ( القواعد ) من عدم وجود لفظ : ( بعض ).

ثمّ قال رحمه اللّه : ( ومن قال بأن ذلك القصد غير مفسد للعبادة ، منع خروج هذه عن

ص: 410


1- من المصدر ، وفي النسختين : ( مشتملة ).
2- عوالي اللآلي 1 : 405 / 65.
3- القواعد والفوائد 1 : 77 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية ، وفيه : ( فإنه إذا تخيّل الرؤية انبعث على الحياء ).
4- في نسخة المدارك : ( ونقل الشهيد رحمه اللّه في قواعده عن الأصحاب بطلان العبادة بهذهِ الغاية ، وبه قطع السيّد رضي الدين بن طاوس رحمه اللّه ، وهو ضعيف ) ، مدارك الأحكام 1 : 187 ، وانظر ص : 414 من هذا الكتاب.

درجة الإخلاص ).

وقال : ( إن إرادة الفوز بثواب اللّه ، والسلامة من سخطه ، ليست أمراً مخالفاً لإرادة وجه اللّه سبحانه ؛ فقد قال تعالى في مقام مدح أصفيائه ( كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (1) ، أي للرغبة في الثواب والرهبة من العقاب ، وقال سبحانه ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ) (2) ، وقال تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (3) ، أي حال كونكم راجين للفلاح ، أو لكي تفلحوا. والفلاح : هو الفوز بالثواب. نصّ عليه الشيخ أبو علي الطبرسيّ (4). هذا ما وصل إلينا من كلام هؤلاء ، وللمناقشة فيه مجال.

أما قولهم : إن تلك الإرادة ليست مخالفة لإرادة وجه اللّه سبحانه ، فكلام ظاهريّ قشريّ ؛ إذ البون البعيد بين إطاعة المحبوب والانقياد إليه لمحض حبّه وتحصيل رضاه ، وبين إطاعته لأغراض أُخر أظهر من الشمس في رابعة النهار.

والثانية ساقطة بالكلّيّة عن درجة الاعتبار عند أُولي الأبصار.

وأمّا الاعتضاد بالآيتين الأُوليين ففيه أن كثيراً من المفسّرين (5) ذكروا أن المعنى : راغبين في الإجابة ، راهبين من الردّ والخيبة.

وأمّا الآية [ الثالثة (6) ] ، فقد ذكر الشيخ أبو علي الطبرسيّ : في ( مجمع البيان ) : إن معنى ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) : لكي تسعدوا (7). ولا ريب أن تحصيل رضاه سبحانه هو الغاية العظمى.

وفسّر رحمه اللّه الفلاح في قوله تعالى : ( وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (8) بالنجاح والفوز (9).

وقال الشيخ الجليل شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ : في تفسيره

ص: 411


1- الأنبياء : 90.
2- الأعراف : 56.
3- الحجّ : 77.
4- مجمع البيان 4 : 496.
5- مجمع البيان 4 : 533.
6- من المصدر ، وفي النسختين : ( الثانية ).
7- مجمع البيان 7 : 130.
8- آل عمران : 104.
9- مجمع البيان 2 : 614.

( التبيان ) : ( المفلحون : هم المنجحون الذين أدركوا ما طلبوا من عند اللّه بأعمالهم وإيمانهم ) (1).

وفي ( تفسير البيضاويّ ) : ( المفلح : الفائز بالمطلوب ) (2).

ومثله في ( الكشّاف ) (3).

نعم فسّر الطبرسيّ (4) الفلاح في قوله تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) (5) بالفوز بالثواب ، لكن مجيئه في هذه الآية بهذا المعنى لا يوجب حمله في غيرها عليه أيضاً. وعلى تقدير حمله على ذلك المعنى إنما يتمّ التقريب لو جُعلت جملة الترجّي حاليّة ، أمّا لو جُعلت تعليليّة كما جعلها الطبرسيّ فلا دلالة فيها على ذلك المدّعى أصلاً ، كما لا يخفى.

هذا والأوْلى أن يُستدلّ على ذلك المطلب بما رواه الشيخ الجليل محمّد بن يعقوب : في ( الكافي ) بطريق حسن عن هارون بن خارجة : عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام : قال العبّاد ثلاثة : قوم عبدوا اللّه عزوجل خوفاً فتلك عبادة العبيد. وقوم عبدوا اللّه تبارك وتعالى (6) طلباً للثواب فتلك عبادة الأُجراء. وقوم عبدوا اللّه عزوجل حبّا له فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة (7).

فإن قوله عليه السلام وهي أفضل العبادة يعطي أن العبادة على الوجهين السابقين لا تخلو من فضل أيضاً ، فتكون صحيحة ، وهو المطلوب ).

ثمّ قال رحمه اللّه : ( المانعون في نيّة العبادة من قصد تحصيل الثواب جعلوا هذا القصد مفسداً لها وإن انضمّ إليه قصد وجه اللّه سبحانه وتعالى ) (8) ، انتهى.

ولا يخفى ما فيه من ضعف التعبير والتحرير.

ص: 412


1- التبيان في تفسير القرآن 1 : 59.
2- تفسير البيضاوي 1 : 21.
3- الكشّاف 1 : 46 ، وفيه : ( الفائز بالبغية ).
4- مجمع البيان 7 : 132.
5- المؤمنون : 1.
6- ليست في « م ».
7- الكافي 2 : 84 / 5.
8- الأربعون حديثاً ( البهائي ) : 441 - 445.

وقال الشهيد : في ( الذكرى ) بعد أن بحث عن معنى الإخلاص والقربة والفلاح وابتغاء وجه اللّه ، وتفسيره بما يعمّهما وما لا يعمّهما - : ( وقد توهّم قوم أن قصد الثواب يخرج عنه ؛ لأنه جعله واسطة بينه وبين اللّه تعالى. وليس بذلك ؛ [ بدلالة ] (1) الآي والأخبار ، وترغيبات القرآنِ والسنّةُ [ مشعرة (2) ] به. ولا نسلّم أن قصد الثواب يخرج عن ابتغاء وجه اللّه تعالى بالعمل ؛ لأن الثواب لمّا كان من عند اللّه فمبتغيه مبتغٍ لوجه اللّه تعالى.

نعم ، قصد الطاعة التي هي موافقة الإرادة أوْلى ؛ لأنه وصول بغير واسطة ، ولو قصد المكلّف بالقربة الطاعة لله ، أو ابتغاء وجه اللّه كان كافياً ) (3) ، انتهى.

وهو ممّا يستأنس به لما في بعض نسخ قواعده (4) من إضافة لفظ : ( بعض ) إلى : ( الأصحاب ) كما مرّ.

وقال العلّامة : في أجوبة السيّد مهنّا : ( اتّفق العدليّة على أن من فعل فعلاً لطلب الثواب أو لخوف العقاب فإنه لا يستحقّ بذلك الفعل ثواباً. والأصل هو أن من فعل فعلاً ليجلب به نفعاً ، أو يدفع به ضرراً ، فإنه لا يستحقّ به المدح على ذلك ، ولا يسمّى من أفاد غيره شيئاً [ ليستعيض (5) ] عن فعله جواداً ، فكذا فعل الطاعة لأجل الثواب ولدفع العقاب.

والآيتان لا تنافيان ما قلنا ، لأن قوله تعالى : ( لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ) (6) لا يقتضي أن يكون غرضهم بفعلهم مثل هذا ، وكذا قوله تعالى : ( فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ) (7) ؛ لعدم دلالتهما عليه ) (8) ، انتهى.

ص: 413


1- من المصدر ، وفي النسختين : ( لدلالة ).
2- من المصدر ، وفي النسختين : ( مشعر ).
3- الذكرى : 79 - 80 ( حجريّ ).
4- لم يرد في نسخة ( القواعد ) التي بين أيدينا لفظ ( بعض ). انظر القواعد والفوائد 1 : 77 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.
5- من المصدر ، وفي « م » : ( ليستعفيه ) ، وفي « ن » : ( ليستعفه ).
6- الصافّات : 61.
7- المطفّفين : 26.
8- أجوبة المسائل المهنّائيَّة : 90 / المسألة : 140.

وقال في ( المدارك ) : ( اشتراط القربة ، وهو موضع وفاق ) (1). واستدلّ عليه بقوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) (2).

ثمّ قال : ( ولا ريب أنه لا يتحقّق الإخلاص بالعبادة إلّا مع ملاحظة التقرّب بها. والمراد بالتقرّب ؛ إمّا موافقة إرادة اللّه تعالى ، أو القرب منه المتحقّق بحصول الرفعة عنده ونيل الثواب لديه. وكلاهما محصّل للامتثال ، مُخرِج عن العهدة.

ويدلّ على الثانية ظواهر الآيات والأخبار ، كقوله تعالى : ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ) (3) ، و ( وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (4). وممّا روي عنهم عليهم السلام في الصحيح أن مَنْ بلغه ثوابٌ من اللّه على عمل فعمله التماس ذلك الثواب ، أُوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه (5).

ونقل الشهيد : في قواعده (6) عن الأصحاب بطلان العبادة بهذه الغاية ، وبه قطع السيّد رضيّ الدين بن طاوس : ، وهو ضعيف ) (7) ، انتهى.

هكذا في أكثر نسخ ( المدارك ) فيما نقله عن ( القواعد ) ، وفي بعض نسخ ( المدارك ) إضافة لفظ : ( بعض ) إلى ( الأصحاب ) ، كما كان مثل ذلك في نسخ ( القواعد ).

وقال رضي الدين السيّد عليّ بن طاوس : في كتاب ( الإقبال ) في نيّة الصوم : ( ويكون القصد بنيّة الصوم أنك تعبد اللّه جلّ جلاله بصومك واجباً ؛ لأنه أهل للعبادة ، وتعتقد أنه من أعظم المنّة عليك ، حيث جعلك اللّه أهلاً لهذه السعادة ).

إلى أن قال : ( واعلم أن الداخلين في الصيام على عدّة أصناف وأقسام :

ص: 414


1- مدارك الأحكام 1 : 186.
2- البيِّنة : 5.
3- السجدة : 16.
4- الأنبياء : 90.
5- الكافي 2 : 87 / 2.
6- القواعد والفوائد 1 : 77 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.
7- مدارك الأحكام 1 : 187.

فصنف دخلوا في الصوم بمجرّد ترك الأكل والشرب بالنهار ، وما يقتضي الإفطار في ظاهر الأخبار ، وما صامت جارحة من جوارحهم عن سوء آدابهم وفضائحهم ، فهؤلاء يكون صومهم على قدر هذه الحال صوم أهل الإهمال.

وصنف دخلوا في الصوم وحفظوا بعض جوارحهم من سوء الآداب على مالك يوم الحساب ، فكانوا في ذلك النهار متردّدين بين الصوم بما حفظوه والإفطار بما ضيّعوه.

وصنف دخلوا في الصوم بزيادة النوافل والدعوات التي يعملونها بمقتضى العادات ، وهي سقيمة ؛ لسقم النيّات ، فحال أعمالهم على قدر إهمالهم.

وصنف دخلوا دار ضيافة اللّه جلّ جلاله في شهر الصيام ، والقلوب غافلة ، والهمم متكاسلة ، والجوارح متثاقلة ، فحالهم كحال من حمل هدايا إلى ملك ليعرضها عليه ، وهو كاره لحملها إليه وعرضها عليه ، وفيها عيوب تمنع من قبولها والإقبال عليه.

وصنف دخلوا في الصوم وأصلحوا ما يتعلّق بالجوارح ، ولكن لم يحفظوا القلب من الخطرات الشاغلة عن العمل الصالح ، فهم كعامل دخل على سلطانه ، وقد أصلح رعيّته بلسانه ، وأهمل ما يتعلّق بإصلاح شانه ، فهو مسؤول عن تقديم إصلاح الرعيّة على إصلاح نفسه ، وكيف أخّر مقدّماً وقدّم مؤخّراً ، وخاطر مع المطّلع على إرادته.

وصنف دخلوا في الصيام بطهارة العقول والقلوب على المراقبة لعلّام الغيوب ، حافظين لما (1) استحفظهم إيّاه ، فحالهم حال عبد تشرّف برضا مولاه.

وصنف ما قنعوا لله جلّ جلاله بحفظ العقول والقلوب والجوارح عن الذنوب والعيوب والقبائح ، حتّى شغلوها بما وفّقهم له من عمل راجح صالح. فهؤلاء أصحاب التجارة المربحة والمطالب المنجحة.

أقول : وقد يدخل في نيّات أهل الصيام إخطار ، بعضها يفسد حال الصيام ، وبعضها

ص: 415


1- في المصدر : ( ما ).

ينقصه عن التمام ، وبعضها يدنيه من باب القبول ، وبعضها يكمل له الشرف المأمول ، وهم أصناف :

صنف منهم الذين يقصدون بالصوم طلب الثواب ولولاه ما صاموا ولا عاملوا به ربّ الأرباب. فهؤلاء معدودون من عبيد السوء الذين (1) أعرضوا عمّا سبق لمولاهم من الإنعام عليهم وعمّا حضر من إحسانه إليهم ، وكأنهم إنما يعبدون الثواب المطلوب ، وليسوا في الحقيقة عابدين لعلّام الغيوب. وقد كان العقل قاضياً أن يبذلوا ما يقدرون عليه من وسائل الشيعة حتّى يصلحوا للخدمة لمالك النعم الجلائل.

وصنف قصدوا بالصوم السلامة من العقاب ، ولو لا التهديد والوعيد (2) بالنار وأهوال يوم الحساب ما صاموا ، فهؤلاء من لئام العبيد ؛ حيث لم ينقادوا بالكرامة ، ولا رأوا مولاهم أهلاً للخدمة فيسلكوا معه سبيل الاستقامة. ولو لم يعرفوا أهوال عذابه ما وقفوا على مقدّس بابه ، فكأنهم في الحقيقة عابدون لذواتهم ليخلّصوها من خطر عقوباتهم.

وصنف صاموا خوفاً من الكفّارات وما يقتضيه الإفطار من الغرامات ، ولو لا ذلك ما رأوا مولاهم أهلاً للطّاعة ومحلّاً للعبادات. فهؤلاء متعرّضون لردّ صومهم عليهم ، ومفارقون في ذلك مراد اللّه ومراد المرسل إليهم.

وصنف صاموا عادة لا عبادة ، وهم كالمسافرين في صومهم عمّا يراد الصوم لأجله ، وخارجون عن مراد مولاهم ومقدّس ظلّه ، فحالهم كحال الساهي واللاهي والمعرض عن القبول والتناهي.

وصنف صاموا خوفاً من أهل الإسلام ، وجزعاً من المعاد بترك الصيام ؛ إمّا للشكّ ، أو الجحود ، أو طلب الراحة في خدمة المعبود ، فهؤلاء أموات المعنى ، أحياء الصورة ، وكالصُمّ الذين لا يسمعون داعي صاحب النعم الكثيرة ، وكالعميان الذين لا يرون أن نفوسهم بيد مولاهم ذليلة مأسورة ، وقد قاربوا أن يكونوا كالدوابّ ، بل

ص: 416


1- من « ن » والمصدر ، وفي « م » : ( الذي ).
2- في « م » : ( التوعيد ).

زادوا عليها ؛ لأنها تعرف من يقوم بمصالحها ، وبما تحتاج إليه من الأسباب.

وصنف صاموا لأجل أنهم سمعوا أن الصوم واجب في الشريعة المحمّديّة ، فكان صومهم بمجرّد هذه النيّة ، من غير معرفة بسبب الإيجاب ، ولا ما عليهم لله جلّ جلاله من النيّة في تعريضهم لسعادة الدنيا ويوم الحساب. فلا (1) يستبعد أن يكونوا متعرّضين للعقاب.

وصنف صاموا وقصدوا بصومهم أن يعبدوا اللّه كما قدّمناه ؛ لأنه أهل للعبادة. فحالهم حال أهل السعادة.

وصنف معتقدون أن المنّة لله جلّ جلاله عليهم في صيامهم وثبوت أقدامهم ، عارفين بما في طاعته من إكرامهم وبلوغ مرامهم. فهؤلاء أهل الظفر بكمال العنايات وجلائل السعادات ) (2).

وقال أيضاً قدّس اللّه روحه الطاهرة في تعداد وجوه تخدُش الإخلاص في النيّة للصوم أو تنافيه ، وأمراض نفسانيّة في التعبّديّة وعلاماتها - : ( ومنها : أن تعتبر صومك هل (3) هو لمجرّد الثواب ، أو لأجل مراد ربّ الأرباب؟ فإن وجدت نفسك لولا الثواب الذي ورد في الأخبار وأنه يدفع إخطار النار ، ما كنت صمت ولا تكلّفت الامتناع بالصوم من الطعام والشراب والمسارّ ، فأنت قد عزلت اللّه جلّ جلاله عن أنه يستحقّ الصوم لامتثال أمره ، وعن أنه جلّ جلاله أهل للعبادة لعظيم قدره. ولو لا الرشوة والبرطيل ما عبدته ولا راعيت حقّ إحسانه السالف الجزيل ، ولا حرمة مقامه الأعظم الجليل ) (4).

وقال أيضاً : ( اعلم أن الذي تجده في كتابنا هذا من فضل صلاة وصوم وتعظيم الثواب والإحسان ، فكلّه مشروط بالإخلاص ، ومن جملة الإخلاص من أهل الاختصاص ألّا يكون قصدك بهذا العمل مجرّد هذا الثواب ، بل تعبد به ربّ الأرباب ؛

ص: 417


1- من « م » ، وفي « ن » : ( لئلّا ).
2- الإقبال بالأعمال الحسنة 1 : 186 - 189.
3- في المصدر : ( أن تعتبر هل صومك .. ).
4- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 194 - 195.

لأنه أهل لعبادة ذوي الألباب ، وهذه عقبة صعبة تبعد السلامة منها ) (1).

إلى غير ذلك من كلامه ممّا يطول نقله ، حتّى ضرب فيه الأمثال وأطال المجال في المقال. فإذا عرفت هذا عرفت أن المشهور هو صحّة العبادة مع قصد تحصيل الأجر والثواب من ثواب الدنيا والآخرة ، والخوف من العقاب.

أدلّة القول المشهور

واستدلّ للمشهور بكثرة الواردات في الكتاب والسنّة ، حتّى كان مضمونه متواتراً من ذكر الثواب ، من ثواب الدنيا والآخرة ممّا لا يمكن لغير المعصوم حصره. فلو كان قصد تحصيل الثواب الموعود به من المعبود أو الهرب ممّا توعّد به من عقابه في الدنيا والآخرة وثوابهما مخلّاً بالإخلاص الذي أمر اللّه العباد أن يعبدوه به ، ومنافياً له وموجباً للبطلان لكان ذكر الترغيبات الجزيلة والترهيبات الهائلة إغراءً بالقبيح ، وهذا محال ؛ لقبحه.

فيجب تنزيه الشارع الحكيم الغنيّ عن عبادة العابدين عنه ، بل الظاهر أنه إنما ذكر الترغيبات الجزيلة ليرغّب العابد في العبادة لأجلها ، والترهيبات ليعمل العامل خوفاً وهرباً منها ، فتحجزه الرغبة والرهبة عن المعصية بترك العمل.

واستدلّوا أيضاً بما مرّ من الآيات ، كقوله تعالى : ( وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (2) وأمثالها.

وبحسنة هارون بن خارجة (3) : المذكورة أوّلاً في عبارة الشيخ بهاء الدين (4) : ، وبما مرّ من خبر مَنْ بلغه ثواب على عمل (5) ، المذكور في عبارة ( المدارك ) (6) وشبهه. وبمضمونِه نحوٌ من ستّة أخبار وقفت عليها في ( أزهار الرياض ) (7) ، ولا تحضرني

ص: 418


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 180.
2- الأنبياء : 90.
3- الكافي 2 : 84 / 5.
4- الأربعون حديثاً : 441 - 445.
5- الكافي 2 : 87 / 2.
6- الكافي 2 : 87 / 2.
7- أزهار الرياض : 340 ( مخطوط ).

الآن. ولهم أيضاً خبر حمران : عن أبي جعفر عليه السلام : إنّ لله مَلَكاً ينادي : أيّ عبد أحسن اللّه إليه ، وأوسع عليه في رزقه ، فلم يفد إليه في كلِّ خمسة أعوام مرَّة ليطلب نوافله؟! إنّ ذلك لمحروم (1) ، وأمثاله وهي كثيرة.

ومنعوا من منافاة هذا القصد للإخلاص والقربة ، كما مرّ.

ويدلّ على ما ذهب إليه رضيّ الدين بن طاوس (2) : ونقله البهائيّ (3) : عن كثيرٍ الإجماعُ المدّعى من العلّامة (4) : المذكور سابقاً ، ومن قواعد الشهيد (5) : على عبارة أكثر نسخها ، وأنه منافٍ للإخلاص لوجه اللّه ، فإنه حينئذٍ مشوبٌ بطلب النفس ونيل شهوتها ، ودفع المضارّ والمكروهات عنها في الدنيا والآخرة ، أو أحدهما بقدر طبقات المتعبّدين.

ولا ريب أن هذا منافٍ لمعنى الإخلاص لله ، بل للفظه ، فإن الخالص غير المشوب ، والمشوب غير خالص. وقد دلّ العقل والنقل كتاباً (6) وسنّة (7) والإجماع المقطوع به على وجوب الإخلاص في نيّة العبادات ، وأنها بدون الإخلاص باطلة غير مجزية ولا دافعة للذمّ والعقاب ، وأنه لا يستحقّ فاعلها مدحٌ ولا ثواب. بل لا يعدّ مطيعاً أصلاً ولا يوصف بأنه أطاع اللّه وعبده وحده ، ومن لم يعبده وحده لم يعبده أصلاً ؛ لأنه أشرك بعبادة ربّه أحداً. ومن كان كذلك تركه اللّه وشركه ، فللشرك دبيب في النفوس والنيّات أخفى من دبيب النمل على الصفا. فاللّه سبحانه لا يعبد إلّا بما خلص لوجهه الكريم من كلّ شائبة.

ويمكن أن يستدلّ لهذا أيضا بما رواه الكلينيّ : مرسلاً عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قال في خطبة له ولو أراد اللّه جلّ ثناؤه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ،

ص: 419


1- الكافي 4 : 278 / 2.
2- المتقدّم في ص : 417.
3- الأربعون حديثاً : 441.
4- أجوبة المسائل المهنائية : 90 / المسألة : 140.
5- القواعد والفوائد 1 : 77 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.
6- الأعراف : 29 ، غافر : 14 ، الشعراء : 89 ، البيّنة : 5.
7- انظر وسائل الشيعة 1 : 59 ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب 8.

ومعادن البلدان (1) ، ومغارس الجنان ، وأن يحشر طير السماء ، ووحش الأرض معهم لفعل. ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحلَّ الابتلاء (2) ، ولما وجب للقائلين (3) أُجور المُبتَلين ، ولا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ، ولا لزمت الأسماء أهاليها على معنًى مبين. وكذلك (4) لو أنزل اللّه من السماء آية فظلَّت أعناقهم لها خاضعين ، ولو فعل لسقط البلوى عن الناس أجمعين ، لكن اللّه جلّ ثناؤه جعل رسله أُولي قوَّة في عزائم نيّاتهم ، وضعَفة فيما ترى الأعين من حالاتهم ، من قناعة تملأ القلوب والعيون غناؤه ، وخَصَاصَة تملأ الأسماع والأبصار أداؤه.

ولو كانت الأنبياء أهل قوَّة لا ترام ، وعزَّة لا تضام ، وملك تمدّ له أعناق الرجال ، وتشدّ إليه عقد الرحال ، لكان أهون على الخلق في الاختبار ، وأبعدَ لهم عن (5) الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم. فكانت النيّات مشتركة ، والحسنات مقتسمة ، ولكن اللّه أراد أن يكون الاتِّباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام لطاعته ، أُموراً له خاصَّة لا يشوبها من غيرها شائبة.

وكلَّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل. ألا ترون أن اللّه عزوجل اختبر الأوَّلين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم ، بأحجار لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام الَّذي جعله للناس قياماً ثم جعله بأوعر بقاع الأرض حجراً ، وأقل نتائق الدنيا مدراً ، وأضيق بطون الأودية معاشاً ، وأغلظ محالِّ المسلمين مياهاً. بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ، وعيون وشِلة ، وقرًى منقطعة ، وأثر من مواضع قطر السماء داثر ، ليس يزكو به خفٌّ ولا ظلف ولا حافر.

ثمّ أمر آدم عليه السلام : وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغاية لملقى

ص: 420


1- في النسخة التي بين أيدينا : « ومعادن العقيان » ، لكن أشار المحقّق إلى أنه في بعض النسخ : « ومعادن البلدان ».
2- في النسخة التي بين أيدينا : « واضمحلَّت الإنباء » ، لكن أشار المحقّق إلى أنه في بعض النسخ : « واضمحل الابتلاء ».
3- جمع قائل ، وهو : الذي ينام القيلولة. لسان العرب 11 : 374 قيل.
4- في المصدر : « ولذلك ».
5- في المصدر : « في ».

رحالهم ، تهوي له ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متّصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوي فجاج عميقة ، حتّى يهزّوا مناكبهم ذُلُلاً لله حوله ، ويرملوا على أقدامهم شعثاً غبراً له. قد نبذوا القنع والسرابيل وراء ظهورهم ، وحسروا بالشعور حلقاً عن رؤوسهم ابتلاءً عظيماً ، واختباراً كبيراً ، وامتحاناً شديداً وتمحيصاً بليغاً ، وقنوتاً مبيناً. جعله اللّه سبباً لرحمته ، ووصلة ووسيلة إلى جنَّته ، وعلَّة لمغفرته ، وابتلاءً للخلق برحمته.

ولو كان اللّه تبارك وتعالى وضع بيته الحرام ، ومشاعره العظام بين جنّات وأنهار ، وسهل وقرار ، جمِّ الأشجار ، داني الثمار ، ملتفِّ النبات ، متَّصل القرى (1) من بُرَّة سمراء ، وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع ناضرة ، وطرق عامرة ، وحدائق كثيرة ، لكان قد صغر الجزاء على حسب ضعف البلاء. ثمّ لو كانت الأساس المحمول عليها ، أو (2) الأحجار المرفوع بها بين زمرَّدة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء ، لخفَّف ذلك مصارعة الشكِّ في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس : عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب من الناس. ولكن اللّه عزوجل يختبر عبيده بأنواع الشدائد ، ويتعبَّدهم بألوان المجاهدة ، ويبتليهم بضروب المكاره ؛ إخراجاً للتكبّر من قلوبهم ، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبواباً إلى فضله ، وأسباباً ذُلُلاً لعفوه وفتنته كما قال ( الم. أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ ) (3) (4) ، انتهى.

ووجه الدلالة منه أنه عليه سلام اللّه أوضح المقال بضرب الأمثال أن طاعة اللّه وعبادته بما تعبّد به عباده وامتثال أوامره والانزجار عن مناهيه ، لا يكون ولا يتحقّق في الوجود إلّا بتمام الاختبار وكمال الاختيار ، وذلك لا يكون إلّا بتساوي جهتي الداعيين : داعي اللّه ، وداعي الشيطان ، وتساوي تجاذبهما للنفس. ولعلّ السرّ في ذلك أنه لمّا كان تقدّست أسماؤه مختاراً ، وخلق الإنسان خليفة له ، جعله بأصل فطرته على كمال الاختيار ليدلّه بذلك على كمال بارئه.

ص: 421


1- من « م » والمصدر ، وفي « ن » : « القراء ».
2- في المصدر : « و ».
3- العنكبوت : 1 - 3.
4- الكافي 4 : 198 - 201 / 2.

وذلك لا يتمّ إلّا بتساوي تجاذب الداعيين ، وكمال القدرة على سلوك كلّ من السبيلين ، وكمال هداية النجدين. فلو كان في طاعة الرسل في كلّ ما تعبّد اللّه تعالى به عباده مرجّح من رغبة في نعيم ، أو خشية من عذاب أليم ، لم يكمل بتساوي تعارك الداعيين على القلب ، ولم يكن كلفة في التكليف ، ومجاهدة النفس. ولو كان الأمر كذلك لم يكن الاختبار والاختيار ، ولم يكن بلاؤه حسناً وهو حسن البلاء ، فإذا لم يكمل الاختيار بوجود المرجّح بطل الجزاء. وإنه من جملة ما يرفع كمال الاختيار ميل النفس إلى التلذّذ بالمنظر البهيّ ، والمطعم الشهيّ ، أو الجزع من توهّم قاهريّة الآمر الناهي وعقابه ، وإن بذلك يرتفع كمال الإخلاص في طاعة اللّه وعبادته ، فيرتفع بارتفاعه تحقّق طاعته لما فيه من شوب طاعة رغبة المكلّف ورهبته لما يلائم طباعه وشهوته وما ينافيهما.

وبهذا يثبت أن من عبده لمجرّد نيل الثواب أو الهرب من العقاب لم يعبده ، وقد ثبت بالإجماع والنصّ كتاباً وسنّة مجمع عليها وجوب إخلاص العبادة لله ، وأنه بدونه لا عبادة لله. وهذا إنما أخلص النيّة في طلب الشهوة ، أو الهرب من العقاب والشقوة.

والقاشانيّان : في ( المفاتيح ) (1) وشرحه (2) مع الأكثر ، واستدلّ عليه في المتن بالحسنة المصنّفة التي مرّ ذكرها (3).

وقال الشارح : ( صحّة قصد القربة بهذا المعنى يعني : قصد الفعل المعيّن والامتثال والإخلاص لا غبار عليه. وأمّا بالمعنى الآخر وهو : نيل الثواب ودفع

ص: 422


1- مفاتيح الشرائع 1 : 49.
2- شرح مفاتيح الشرائع ، لولد المصنّف علم الهدى محمد بن محسن الفيض الكاشاني المتوفّى بين ( 1112 - 1123 ) ، وهناك أيضاً ( شرح مفاتيح الشرائع ) للمولى محمّد هادي ابن المولى مرتضى ابن المولى محمّد مؤمن الذي هو أي محمد مؤمن أخو المولى محمد محسن الفيض المصنّف ل- ( المفاتيح ) الذي توفّي سنة (1091). انظر الذريعة 14 : 2. والمصدران غير متوفّرين لدينا.
3- الكافي 2 : 84 / 5.

العقاب ، ففيه كلام. بل الشهيد : نسب إلى الأصحاب القول بعدم الصحّة وبطلان العبادة بها وبه قطع السيّد ابن طاوس. ونظرهم إلى أن ذلك ينافي كون العبادة خالصة لله تعالى ، بل عند الحقيقة يعبد المكلّف نفسه.

لكن الظاهر من الآيات والروايات صحّتها ، مثل قوله تعالى : ( يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (1) وقوله عليه السلام من بلغه شي ء من الثواب (2) الحديث ، وغيره من الأخبار التي رغّب الأئمّةُ المكلّفين في العبادة ، بأن قالوا من فعلها أعطاه اللّه كذا وكذا من الأجر على وجه يحصل القطع برضاهم بفعلها رغبة في ذلك الثواب ، وكذلك الحال في زجرهم بالتهديدات والتخويفات في ترك الواجبات. فإذن كيف يبقى تأمّل في [ أن ] (3) زجرهم بها ليس إلّا لحصول الخوف لهم من هذه العتابات ، ويصير سبباً لعدم تركهم الواجبات ، كما ورد في ترك الصلاة والزكاة وغيرهما.

وكذلك الآيات القرآنيّة ، مثل قوله تعالى : ( جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (4) و ( لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (5) و ( فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) (6) بعد ما قال ( فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) (7) ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى. بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدود الشرعيّات في ترك الواجبات ، ومثلها في فعل المحرّمات ، بل كثير من الأخبار جعلوا المنافعَ الدنيويّة داعية إلى فعل عبادة ومضارّها سبباً لعدم ترك واجب ، وصرّحوا بذلك ؛ كيلا يتركوا الواجب لذلك. بل نقول : أصل العبادة لله خالصة ، إلّا أن الداعي إلى هذه العبادة وخلوصها لله تعالى نيل ثواب كذا وكذا ، أو دفع عقاب كذا وكذا ، وإنه ما لم يتحقّق الإخلاص له تعالى لا ينال الثواب ، ولا يدفع عنه العقاب.

ص: 423


1- الأنبياء : 90.
2- الكافي 2 : 87 / 1.
3- في النسختين : ( أنهم ).
4- الواقعة : 24.
5- الروم : 41.
6- البقرة : 66.
7- البقرة : 65.

ألا ترى أن أهل البيت : عليهم السلام في سورة هَلْ أَتَى قالوا ( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً. إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) (1) فأجاب تعالى بقوله ( فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ ) (2) ، إلى غير ذلك من الآيات والأخبار في أمثال ما ذكرنا.

ولا شكّ في أن عبادة أهل البيت عليهم السلام : وأمثالهم ما كانت خالية من الإخلاص ، بل من لاحظ حال العبّاد في جميع البلاد ، الصلحاء منهم والزهّاد ، علم أنه ليس فعل الواجبات منهم وترك المحرّمات إلّا خوفاً من اللّه أن يعاقبهم ، والمستحبّات منهم ليس إلّا طمعاً في المنافع والمثوبات ، وغيرُها لا يتأتّى منهم ، بل ولا يتيسّر. وأمّا من أحبّ اللّه تعالى أزيد من حبّ نفسه إلى أن يؤثر على نفسه ما أحبّ اللّه تعالى فلا يريد محبوبه بل يريد محبوب محبوبه ، ولا يكره مكروهة بل يكره مكروه مكروهة تعالى أمكنه العبادة خالصة عن إرادة الثواب ودفع العقاب ، ويقول : عقابي سهلٌ في جنب ترك مراده تعالى ، أُعاقب ولا أترك مطلوبه تعالى ، وأيّ ثواب ألذّ من تحقّق مطلوب محبوبي؟ وهذه الرتبة لا يدركها الخواصّ فضلاً عن العوامّ.

نعم ، هي رتبة خواصّ الخواصّ الذين لا يعبدون اللّه خوفاً وطمعاً ، بل حبّا له وكونه أهلاً للعبادة ، ومستأهلاً لهذا الفعل ) ، انتهى.

ولا يخفى ما في بعض أدلّته من الضعف ، مع أنه رحمه اللّه اختار فيما سوى هذه من الضمائم الراجحة ديناً أو دنيا أو المباحة أن صحّة العبادة معها تدور على أنها مقصودة بالتبعيّة ، والإخلاص بالأصالة وبطلانها على العكس. وعسى أن يمنّ اللّه أن ننقل شيئاً من كلامه في غيرها من الضمائم (3). والفرق بين هذا وغيره من الضمائم المقصودة عسر غامض جدّاً حتّى لا يكاد يتحقّق الفرق بينهما.

إذا عرفت هذا ، وأن الأخبار بظواهرها متعارضة الدلالة على الصحّة والبطلان ،

ص: 424


1- الإنسان : 9 - 10.
2- الإنسان : 11.
3- في « م » : ( من الضمائم في غيرها ).

وأن المسألة فيها قولان ، فاعلم أنه ممّا لا يقع فيه الشكّ أن الإخلاص في العبادات شرط في صحّتها بالعقل والإجماع الذي لا ريب فيه ، والنقل المتواتر المضمون كتاباً (1) وسنّة (2).

ومعناه : أنك تقصد بفعلك عبادة اللّه وحده ، من حيث أمر ومن حيث يريد ، وأن حقيقة النيّة وروحها في كلّ عمل هو الأمر الباعث على العمل ، والغاية المطلوبة به ، فهي الإرادة الكاملة المحقّقة بجميع مشخّصات المنويّ. وروحها الغاية المطلوبة الباعثة على إشاعة العمل وإرادة بروزه في الخارج وإبرازه. فهي في الحقيقة فعل الفاعل والعمل المتشخّص من كلّ وجه مفعوله الواقع بفعله ، فهي طبقه وهو صفتها وحكايتها ، فكل مفعول حكاية فعل فاعله.

فإذن النيّة هي العمل إجمالاً ، وهو هي تفصيلاً بوجه ، وهو غيرها وهي غيره بوجه. أو قل : هي وجود العمل في الذهن (3) والخيال وعالم المثال ، وهو هي في خارج الزمان.

وبهذا يظهر أن النيّة ليست واقعة في الزمان ، وأن العمل ما لم يتشخّص بجميع مشخّصاته الخارجيّة في النيّة لم يكن هو المنويّ ؛ لأنه حينئذٍ تكون النيّة إرادة إجماليّة لشي ء كلّيّ والعمل لا يكون ، بل لا يمكن وقوعه في الخارج إلّا متشخّصاً بجميع متشخّصاته المحصّلة لكونه العينيّ الإذنيّ (4) الإمضائيّ.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أن اللّه تعالى وتقدّس إنما خلق الخلق ليعبدوه وحده ، ويوحّدوه في جميع مقاماتهم التي من جملتها عبادتهم له. وحقيقة العبادة هي الطاعة ، أي الذلّ له ، والقبول منه ، والاستسلام والتسليم لأمره بجميع أنحاء وجوداته.

ص: 425


1- الأعراف : 29 ، غافر : 140 ، البيّنة : 5 ، الشعراء : 89.
2- انظر وسائل الشيعة 1 : 59 ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب 8.
3- في « م » : ( الدهر ).
4- في « م » : ( الأدنى ).

ومنها مقام عبادته وشكره للمنعم ، ولا شكّ أن عبادته بمجرّد قصد تحصيل الثواب الموعود أو الفرار من العقاب المتوعّد به ليست عبادة توحيديّة. وهذا أمر لا يحتاج إلى بيان بعد التأمّل فيما أشرنا له إجمالاً.

وحينئذٍ نقول : لا تصحّ عبادة العابد إلّا إذا كان الباعث الحقيقيّ الأوّليّ له على العمل هو امتثال أمر المنعم والقربة له ، أي طلب رضاه الذي هو فرع حبّه له ؛ فإنه كلّما تقرّب العبد إلى اللّه بامتثال أمره ونهيه أحبّه ، فإذا أحبّه رضي عنه ، فإذا رضي عنه أثابه. كلّ ذلك كرم منه وفضل ، وليس رضاه مجرّدَ ثوابه ، وغضبُه محضَ عقابه ، كما دلّ عليه العقل ، والنقل كتاباً وسنّةً.

ولا ينافي هذا ويخرجه عن الإخلاص في العبوديّة لله علمُ العامل بما وعد اللّه المحسنين الشاكرين العاملين العابدين لله من حيث أحبّ وشرع ، وعلمُه بما توعّد به الكافرين بنعمة العاصين له من الغضب والعذاب في الدنيا والآخرة والبعد من رضوان اللّه تعالى ورحمته ، بل ميزان كمال العبادة والإيمان تساوي الخوف من سخط اللّه والبعد من رحمته ورضوانه ، والرجاء في رحمته ورضاه وإنعامه ، فهو يعبد اللّه بكمال الاختيار والانقياد ، وتمام العبوديّة والرجاء في رضاه وإنعامه ومزيده ، والطمع في محبّته ورضاه ، وكمال الخوف من غضبه ، والبعد من رضوانه ومحبّته ، والخوف منه.

وقد ثبت أن اليأس من روح اللّه والقنوط من رحمة اللّه من أكبر الكبائر بالنصّ من الكتاب (1) والسنّة (2) والإجماع ؛ فقد تبيّن أن الخوف من سخط اللّه والرجاء لرحمة اللّه وكرمه لا ينافيان كمال الإخلاص والعبوديّة وقصد التقرّب إلى اللّه ؛ لأنه أرحم الراحمين. ولعلّ الترغيبات والتهديدات وجملة الوعد والوعيد الواردة في الشريعة للدلالة على أن كمال الإيمان والعبوديّة إنما يتحقّق بكمال الرجاء لفضل اللّه

ص: 426


1- يوسف : 87 ، الحجر : 56.
2- انظر وسائل الشيعة 15 : 318 - 331 ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ب 46 ، ح 2 ، 7 ، 13 ، 33 ، 36.

والقرب منه ، الذي هو رضاه ومحبّته وكمال الخوف من سخط اللّه تعالى وبغضه ، والبعد من ساحة رحمته ورضاه ، وتساوي خوفه ورجاه.

فكون العبد حال عبادته على كمال الرجاء من اللّه لما وعد به المطيعين ، وكمال الخوف من سخط اللّه وما يوجبه سخطه من عقوبات العاصين لا ينافي أنه عابد لله بكمال العبوديّة والتسليم والامتثال ، بحيث لو لم يسمع بالجزاء فعلاً وتركاً لكان يعبد اللّه ويشكر المنعم بإخلاص امتثال الأمر ، وطلب رضاه ، وحبّ ما يحبّه من عبده.

وعلى هذا تحمل الترغيبات والترهيبات ، ويحمل فتوى الأكثر من أهل النفوس القدسيّة. أمّا لو عبد العبد (1) وكانت غايته في عبادته مجرّد تحصيل ما وعد اللّه العابد على تلك العبادة من الثواب ، أو لمجرّد الفرار من العقوبات التي توعّد بها اللّه العاصين دنيا وآخرة فيهما ، بحيث لو لم يسمع بذلك ، أو لم يطمع في حصول الثواب أو الخلاص من العقاب لم يعبده ، فلا شكّ في بطلان عبادته ؛ لأنه غير عابد لله ، بل لهواه من جلب المحبوب ، ودفع المرهوب.

وقد علمنا بأُناس صاموا لأجل صيام بعض الأغنياء ، وصلّوا نافلة الليل لأجل أن فلانَ يصلّيها طلباً لرضاه ومحبّته ، ولأن يشاركوه في صفاته وفي فطوره وسحوره.

وكذا لا عبادة لمن كان الباعث له بالأصالة طلب الثواب ، أو الفرار من العقاب ولو كان يقصد مع هذا التقرّب إلى اللّه وامتثال أمره بالتبعيّة ، فإنه ضرب من الشرك في العبادة ، ولا شكّ أنها حينئذٍ غير خالصة لله بمحض العبوديّة ، فليس بموحّد لله في تلك العبادة. أمّا تساوي الداعيان فهو محال ، أو كالمحال ، ولو فرض إمكانها فهي كالأُولى باطلة ؛ لعدم تحقّق العبادة التوحيديّة بكمال العبوديّة ، والإخلاص في طلب التقرّب لله بتحصيل حبّه ورضاه ، والتخلّص من البعد منه ومن غضبه وبغضه.

وعلى هذا يحمل قول من قال ببطلان العبادة بقصد تحصيل الثواب والفرار من

ص: 427


1- في « م » : ( العابد ).

العقاب (1) ، ودعوى إجماع العدليّة (2) على ذلك ، ويرتفع التنافي بهذا والخلاف ، وبه تتطابق الأخبار ، ويمكن العمل بجميعها ولا يطّرح منها شي ء. وبغير هذا التفصيل لا بدّ من اطّراح إمّا الإجماع المنقول وجملة من الأخبار المؤيّدين بصافي الاعتبار ، أو الأخبار الدالّة على الترغيب والترهيب ، وهي في الكثرة بحيث يحصل القطع بأنها ذكرت للحثّ على الطاعة وعلى ترك المعصية ؛ تأكيداً للحجّة ، وقطعاً للأعذار ببيان شدّة حسن الطاعة وحسن عاقبتها ، وخبث المعصية وسوء عاقبتها. ولله الحجّة البالغة.

وبالجملة ، فمن صلّى أو صام أو زكّى أو خمّس أو جاهد في سبيل اللّه ، واجباً كان ذلك كلّه أو ندباً ، كما ذكرناه بقصد امتثال أمر اللّه وتحقّقاً بطاعة المنعم وشكره ، ومحبّة لما يحبّه اللّه منه ، وتقرّباً لله بطلب رضاه ومحبّته ، وهرباً من غضبه وبغضه ، والبعد من ساحة رحمته وجواره ، راجياً حينئذٍ لما وعده به من إفاضات رحماته طامعاً في رضاه ومحبّته ، والقرب من جواره ، خائفاً من مقته وسخطه ، والبعد من جوار أحبّائه ، كانت عبادته صحيحة قطعاً.

وكذلك لو دعا بدعاء ، أو عمل لشفاء الأسقام ، وقضاء الدين ودفع كيد الأعداء ، والحفظ وغير ذلك من أنواع الرحمات والجود ، يجب أن يدعو أو يصلّي ، أو يصل رحمه ، أو يتصدّق قاصداً امتثال أمر اللّه حابّاً لما أحبّه اللّه منه أن يسأله ويسترزقه ويستكفي به ، ويستشفي به من هذا الطريق ، وبهذا الدعاء أو العمل عالماً أن اللّه أحبّ منه أن يستفتح منه ويستنزل أنواع فيضه ورحماته بهذا الطريق ، فهو يسلكه ؛ لأن اللّه أمره أن يسلك إلى جوده ورحمته ورضاه من هذا الطريق ، فيكون عمله حبّا

ص: 428


1- منهم العلّامة رحمه اللّه في ( أجوبة المسائل المهنّائيَّة ) : 90 / المسألة : 140 ، والشهيد قدس سره في قواعده 1 : 77 ، والقاشانيان عليهما الرحمة في ( المفاتيح ) وشرحها ، المفاتيح 1 : 49 ، والسيّد رضيّ الدين بن طاوس رحمه اللّه كما نقل عنه في ( روض الجنان ) : 27 ( حجريّ ) ، و ( مدارك الأحكام ) 1 : 187. وغيرهم.
2- الذي نقله العلّامة رحمه اللّه في ( أجوبة المسائل المهنّائيَّة ) : 90 / المسألة : 140 ، بقوله : ( اتّفقت العدليَّة. ).

لما أحبّه اللّه منه ، وطلباً لموافقة إرادته منه وامتثالاً لما أمره به من السلوك إليه من هذا الباب ، ويكون راجياً لوعد اللّه حتّى كأن حاجته بالباب ، ومسروراً بما فتحه اللّه إليه من هذا الباب وهداه إليه ، وشكراً لما أنعم اللّه به عليه من هذه الرحمة ، وأقدره على ولوج هذا الباب.

فإن الدعاء باب عظيم من أبواب الرحمة ، لولا أن اللّه عزّ اسمه فتحه لعباده وهداهم إليه ودلّهم عليه لما عرفوه. فحقيقة الدعاء محض العبوديّة والقبول التوحيديّ ، فاللّه أحبّ من عبده أن يسأله ليفيض عليه ويجود ، حتّى قال ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) (1).

فكن أيّها الداعي قاصداً بدعائك امتثال أمر اللّه ، وطالباً لرضاه ، ومتأهّلاً لاستفاضة جوده ومحبّته فيما أمر به من دعائه ، والطلب منه وحده وإن في ذلك رضاه ولا تكن بدعائك قاصداً محض تحصيل غرضك وحاجتك ونفعك ، أو دفع ضرّك ، جاعلاً دعاءك لله وعبادتك إيّاه به من قبيل استعمالك دواءً أمرك به طبيب بحيث لو لم ترجُ نفعه لَمَا استعملته ؛ فإنك حينئذٍ لا تكون عابداً لله ، ولا قاصداً التقرّب إليه ، ولا فاعلاً لما أحبّه منك ، ولا محبّاً لما أحبّ مولاك ، ولا طالباً لرضاه ، ولا شاكراً نعماه ، بل طالباً لرضا نفسك ومقبلاً على هواك ، مستخفّاً برضا مولاك.

وعلى هذا التفصيل والبيان تلتئم الأخبار والأدلّة ، ويرتفع عن وجه الحقّ وسبيله الغبار ويجتمع القولان. ولا ينافيه تقسيم العباد إلى ثلاثة أصناف ؛ فإنه لا شكّ أن العباد متفاوتون في دُرَجِ الإيمان ، بل أصحاب الدرجة الواحدة متفاوتون تفاوتاً عظيماً. فالقسمة الثلاثيّة وقعت باعتبار من غلب على نفسه الرجاء ، ومن غلب عليه الخوف لمولاه ، ومنه حال عبادته كما وصفناه ، ومن تساوى فيه الخوف والرجاء فألقاهما عنه حال عبادته.

والناس في كلّ واحد من الأصناف الثلاثة متفاوتة رتبهم تفاوتاً عظيماً باعتبار

ص: 429


1- الفرقان : 77.

تفاوت فطرهم ووجوداتهم وقابليّاتهم وطبائعهم وعلمهم وعملهم ، وغير ذلك. فتأمّله بعين شاخصة في طلب الحقّ ونفس خالية من الشبهة تُرشد إن شاء اللّه تعالى.

تتمّة : في بيان حكم بعض الضمائم في النيّة

تتمّة مهمّة تؤيّد ما فصّلناه في بيان حكم بعض الضمائم غير ما بحثنا فيه. قال الشهيد : في ( القواعد ) : ( يعتبر في النيّة التقرّب إلى اللّه تعالى. ويدلّ عليه الكتاب والسنّة ؛ أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (1) الآية.

وقال اللّه تعالى : ( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى. وَلَسَوْفَ يَرْضى ) (2).

وأمّا السنّة ففي ما روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : في الحديث القدسيّ من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري تركته لشريكه (3) ) (4). أقول : أمّا وجوب اعتبار التقرّب إلى اللّه في النيّة وأنه لا تصحّ العبادة ، بل ولا تتحقّق بدونه فقد قام عليه الدليل من العقل والنقل كتاباً وسنّة والإجماع ، بحيث يحصل القطع به.

وأمّا الآية الأُولى فقد دلّت على أن غير ما تُخلَص نيّته لله وحده فليس بعبادة لله ، فدخل في عمومها المستفادِ من الحصر كلّ عبادة يشوب نيّتَها طلبُ شي ء غير التقرّب إلى اللّه ؛ فإنه حينئذٍ ليس بمأمور به ، وكلّ ما ليس بمأمور به فليس بعبادة لله.

وأمّا الثانية ، فلفظ الأحد فيها يعمّ حتّى نفس العابد ، فما سوى ما خلص لوجه اللّه غير محمود عند اللّه ، وما ليس بمحمود فهو باطل.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( معنى الإخلاص فعل الطاعة خالصاً لله وحده. وهنا غايات ثمانٍ :

ص: 430


1- البيِّنة : 5.
2- الليل : 19 - 21.
3- بحار الأنوار 69 : 299 / 36 ، مسند أحمد بن حنبل 2 : 301 ، كنز العمّال 3 : 482 / 7524 ، بتفاوت في الجميع.
4- القواعد والفوائد 1 : 75 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الأُولى.

الاولى : الرياء. ولا ريب أنه مخلّ بالإخلاص ، ويتحقّق الرياء بقصد مدح الرائي ، أو الانتفاع به ، أو دفع ضرره.

فإن قلت : فما تقول في العبادات المشوبة بالتقيّة؟

قلت : أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص ، وما فعل منها تقيّة فإن له اعتبارين : بالنظر إلى أصله وهو قربة ، وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر وهو لازم (1) لذلك ، فلا يقدح في اعتباره. أمّا لو فرض إحداثه صلاة مثلاً تقيّة فإنه من باب الرياء ) (2).

أقول : لا ريب أن معنى الإخلاص في العبادة أن تفعل العبادة برسم العبوديّة التوحيديّة لله عزّ اسمه ، كما دلّ عليه العقل والنقل كتاباً وسنّة والإجماع الذي لا ريب فيه ، ولا تصحّ العبادة لله بدونه ، بل لا تتحقّق في الوجود عقلاً ونقلاً وإجماعاً. فإذن لو شاب النيّة شي ء ينافي إظهار رسم العبوديّة لله بالعبادة له لم تكن عبادة له ، لا فرق في ذلك بين إشابة تحصيل غرض نفس العابد من جلب نفع ، أو دفع ضرّ أو تحصيل غرض غير حبّه ورضاه أو دفع سخطه ونقمته ، فقد تبيّن منافاة الرياء للإخلاص والتقرّب إلى اللّه. وقد قام الإجماع على فساد العبادة بدخول الرياء في نيّتها ، بلا فرق بين قصد رضا الرائي وجلب مدحه ونفعه ، أو دفع سخطه وبغضه وضرره.

وأمّا فعل عبادة ألزمهُ بفعلها التقيّة ، أو كيفيّة فيها أوجبتها التقيّة كالتكفير والتأمين وغسل الرجلين ونحوها ، فيجب على العامل أن يعلم أن اللّه تعالى كلّفه في هذا الحال بهذه العبادة أو هذه الكيفيّة ، فيقصد امتثال أمر اللّه خالصاً لوجهه والتقرّب إليه كما وصفناه. فإن لم يفعل كما ذكرناه ، بل صلّى صلاة ، أو عمل في صلاته وطهارته كيفيّة غير الثابتة بأصل الشرع لمحض ابتغاء مرضاة المخالفين ، أو لمحض دفع ضررهم عنه ، فالظاهر أن عبادته داخلة في الرياء ، كما هو ظاهر من العبارة وجملة

ص: 431


1- ليست في « م ».
2- القواعد والفوائد 1 : 76 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.

من عبارات الأفاضل ، إلّا أن يجبر على فعل وحركة وقول يشبه صورة العبادة ، بحيث يكون حينئذٍ مسلوب الاختيار والقصد لفرط الخوف ، فتلك ليست برياء ولا عبادة أصلاً ، فلا عقاب عليه فيها ، ولا ثواب عبادة وإن أُثيب على ظلمهم له ، وقهرهم وإخافتهم له.

والظاهر أنها لا تجزيه عن فرضه ولا نفله ؛ إذ لم يتحقّق له حينئذٍ قصد ولا مشيئة ولا إرادة ، فلا نيّة عبادة له حينئذٍ ، ولا يتحقّق عمل بلا نيّة ، بل هو حينئذٍ يشبه القدوم في يد النجار.

وأمّا دفع الضرر اللازم لفعل التقيّة والعلم به فلا يقدح في صحّة قصد الإخلاص في التقرّب إلى اللّه وامتثال أمره ، فإنه من جملة ثواب العبادة. بل الظاهر أنه لو قصد العامل بالتقيّة في عمله بها أن اللّه أحبّ منّي أن أستدفع ضرر هؤلاء بهذا العمل وأمرني أن أستدفعه به ، فامتثلت وأحببت ما أحبّه منّي أن أفعله ، صحّت عبادته ؛ لأنه حينئذٍ كالدعاء والصلاة للشفاء ، أو دفع البلاء ، وردّ كيد الأعداء والحفظ ، فالعامل به يقصد قبوله نعمة اللّه وشكره والتوصّل إلى استفاضة جوده ونيل رحمته ومحبّته بما أمرني وأحبّ منّي السلوك إلى بابه الأعظم به ، غير منافٍ للقربة والإخلاص.

وممّا يؤنسك بما قرّرناه في عبادة المتّقي ما قاله البهائيّ : في شرح الأربعين ، حيث قال : ( لا بدّ في النيّة من القصد إلى إيقاع الفعل ، فمن تصوّر الفعل من دون قصد إلى إيقاعه فهو غير ناوٍ حقيقة ، وقد يطلق على هذا التصوّر اسم النيّة كما قال الفقهاء. ولو نوى المتوضّئ رفع حدث والواقع غيره ؛ فإن كان غلطاً صحّ ، وإن كان عمداً بطل ؛ لأنه في صورة الغلط قاصد إلى رفع حدث في الجملة ، وأمّا في صورة العمد فلم يحصل منه قصد إلى رفع شي ء ، وإنما تصوّر رفع غير الواقع ، فيبطل وضوؤه على الأصحّ ؛ لأنه غير ناوٍ في الحقيقة ، بل هو لاعب.

قال العلّامة : في بحث نيّة الوضوء من ( نهاية الإحكام ) : ( لا يجب التعرّض لنفي

ص: 432

حدث معيّن ، وإن نواه وكان هو الثابت صحّ إجماعاً ، ولو كان غيره ؛ فإن كان غالطاً فالأقرب الصحّة لعدم اشتراط التعرّض لها ، فلا يضرّ الغلط فيها ، وإن كان عامداً فالأقرب البطلان ؛ لتلاعبه بالطهارة ) (1) ، انتهى.

وقوله : ( لتلاعبه بالطهارة ) إشارة إلى عدم حصول القصد ) (2) ، انتهى.

وممّا يؤنسك أيضاً اشتراطهم في صحّة جميع الإيقاعات والاعترافات القصدَ الاختياريّ.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( الثانية : قصد الثواب والخلاص من العقاب ، وقصدهما معاً.

الثالثة : فعلها شكراً لنعم اللّه تعالى واستجلابا لمزيده.

الرابعة : فعلها حياءً من اللّه تعالى.

الخامسة : حبّا له تعالى.

السادسة : تعظيماً لله تعالى ومهابة وانقياداً وإجابة له.

السابعة : فعلها موافقة لإرادته وطاعة لأمره.

الثامنة : فعلها لكونه تعالى أهلاً للعبادة. وهذه الغاية مجمع على كون العبادة تقع بها معتبرة ، وهي أكمل مراتب الإخلاص ، وإليه أشار إمام الحقّ أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام : بقوله ما عبدتك طمعاً في جنّتك ، ولا خوفاً من نارك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك (3).

وأمّا غاية الثواب والعقاب .. ).

وساق العبارة المنقولة سابقاً (4) ، ثمّ قال : ( وأمّا الحياء فغرض مقصود. فقد جاء في الخبر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : استحيوا من اللّه تعالى حقّ الحياء (5) وأعبد اللّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك (6) ، فإنه إذا تخيّل الرؤية انبعث على الحياء والتعظيم والمهابة.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : ، وقد قال له ذِعْلِب بالذال المعجمة المكسورة والعين

ص: 433


1- نهاية الأحكام 1 : 30.
2- الأربعون حديثاً ( البهائي ) : 449 - 450.
3- عوالي اللآلي 1 : 404 / 63.
4- انظر : ص 413.
5- عوالي اللآلي 1 : 405 / 64.
6- عوالي اللآلي 1 : 405 / 65 ، بتفاوتٍ يسير.

المهملة الساكنة واللام المكسورة - : هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين :؟ فقال أفأعبد ما لا أرى؟.

فقال : وكيف تراه؟ فقال عليه السلام لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير [ ملابس (1) ] ، بعيد منها غير مباين. متكلِّم [ لا برؤية (2) ] ، مريد لا بهمَّة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسَّة ، رحيم لا يوصف بالرقَّة. تعنو الوجوه لعظمته ، وتجلّ القلوب من مخافته (3).

وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أُصول صفات الجلال والإكرام التي عليها مدار علم الكلام ، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية ، وتفسير معنى الرؤية ، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة تابع للرؤية ، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن وإن لم يكن تمام الغاية ، وكذا الخوف منه تعالى ) (4).

أقول : أمّا فعلها بقصد الثواب والعقاب ، فقد عرفت الكلام فيه فتوًى ودليلاً. وأمّا باقي الغايات الثماني ، من قصد الشكر ، أو الحياء ، أو للحبّ ، أو للتعظيم والمهابة والانقياد والإجابة لله عزّ اسمه ، أو الموافقة لإرادته وللطاعة لأمره ، أو لكونه عزّ اسمه وجلّ أهلاً للطاعة والعبادة. فكلّها لا ينافي شي ء منها الإخلاص وقصد القربة والامتثال كما يعلم ممّا قرّرناه فإنها كلّها لوازم التسليم والإذعان لقبول مراسم العبوديّة ، والتحقّق بالعبادة التوحيديّة التي هي قصر نفس العبد العابد المرتدي بنعمة مولاه ، وشكره على ما أولاه على باب عبوديّته لمولاه ، ويأسه ممّا سواه وقصر محبّته ورضاه على ما يحبّه مولاه ويرضاه ، موثقاً بوعده وحده ، غير آيس من روحه وإمداده ورفده وإن تفاوتت مراتب العباد في ذلك كلّه. وربّما غلب بعض المقامات على بعض في أكثر العباد ، فما أقلّ الوزن بالقسطاس المستقيم! وما أصعبه

ص: 434


1- من المصدر ، وفي النسختين : ( ملامس ).
2- من المصدر ، وفي النسختين : ( بلا روية ).
3- نهج البلاغة : 344 / الخطبة : 179.
4- القواعد والفوائد 1 : 77 - 78 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.

إلّا على خلّص المؤمنين!.

وأمّا أعلى المراتب في الإخلاص وهي مرتبة وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك (1) - فهي مرتبة الرؤية بحقائق الإيمان ، وأعلاها ألّا يرى العبد لنفسه اعتباراً بالكلّيّة ، بل يرى نفسه قابلاً محضاً ، بل فيضاً محضاً كأوّل حركة بروزه ، ومحض وجوده الذي هو جهة وجود فاعله ومفيضه الذي لا يشركه فيها شي ء من الخلق بوجه ، وهي مرتبة حقيقته التي من عرَفها عرَف ربّه بأقصى مراتب إمكان معرفته التي هي صفة وجودِه ، بل وجودُه.

فمن عبد ربّه بهذه المرتبة فقد عبده بكمال العبوديّة له ، وسواها رتب تنزّلاتها وتطوّراته في قوس عوده.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( لمّا كان الركن الأعظم في النيّة هو الإخلاص ، وكان انضمام تلك الأربعة غير قادح فيه ، فخليق أن نذكر ضمائم أُخر ، وهي أقسام :

الأوَّل : ما تكون منافية له ، وتوصف بسببه العبادة بالبطلان ، يعني : عدم استحقاق الثواب. وهل يقع مجزياً ، بمعنى سقوط التعبّد به والخلاص من العقاب؟ الأصحّ أنه لا يقع مجزياً. ولم اعلم فيه خلافاً إلّا من السيّد الإمام المرتضى (2) : قدّس اللّه لطيفه فإن ظاهره الحكم بالإجزاء في العبادة المنويّ بها الرياء.

الثاني : ما يكون من الضمائم لازم الفعل كضمّ التبرّد أو التسخّن أو التنظّف (3) إلى نيّة القربة. وفيه وجهان ينظران إلى عدم تحقّق معنى الإخلاص ، فلا يكون الفعل مجزياً ، وإلى أنه حاصل لا محالة ، فنيّته لتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه. وهذا الوجه ظاهر أكثر الأصحاب (4) ، والأوّل أشبه. ولا يلزم من حصولِه نيّةً حصولُه.

ويحتمل أن يقال : إن كان الباعث الأصليّ هو القربة ، ثمّ طرأ التبرّد عند الابتداء

ص: 435


1- عوالي اللآلي 1 : 404 / 63.
2- الانتصار : 100 / المسألة : 9.
3- في « م » : ( التنظيف ).
4- المبسوط 1 : 19 ، المعتبر 1 : 140 ، منتهى المطلب 1 : 56.

في الفعل لم يضرّ ، وإن كان الباعث الأصليّ هو التبرّد فلمّا أراده ضمّ القربة لم يجز. وكذا إذا كان الباعث مجموع الأمرين ؛ لأنه لا أولويّة حينئذٍ ، فتدافعا فتساقطا ، فكأنه غير ناوٍ. ومن هذا الباب ضمّ نيّة الحمية إلى القربة في الصوم ، وضمّ ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف والسعي والوقوف بالمشعرين.

الثالث : ما ليس بمنافٍ ولا لازم ، كضمّ إرادة دخول السوق مع نيّة التقرّب في الطهارة ، أو إرادة الأكل. ولم يرد بذلك الكون على طهارة في هذه الأشياء ، فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكّداً وغير منافٍ. وهذه الأشياء وإن لم يستحبّ لها الطهارة بخصوصها إلّا إنها داخلة فيما يستحبّ بعمومه. وفي هذه الضميمة وجهان مرتّبان على القسم الثاني ، وأوْلى بالبطلان ؛ لأن ذلك تشاغل عمّا يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه ) (1) ، انتهى كلامه في قواعده ، زيد إكرامه.

وأقول : أمّا الرياء فالإجماع والنصّ بلا معارض على بطلان العبادة بضمّه إلى نيّتها ، بل لا يكاد تتحقّق عبادة لله مع مخالطة نيّة العامل بالرياء ؛ لأنه لا يُعبد إلّا بما خلص لوجهه الكريم. ( وَلِلّهِ ) لا لغيره على العموم الشامل ( يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) (2) على بعض الوجوه. فقد دلّت الآية على بعض الوجوه على أنه لا يتحقّق سجود لله ولو كرها إلّا ما اختصّ به.

وما حكاه عن ظاهر عبارة المرتضى : غير مخلّ بتحقّق الإجماع ، ولا معارض للبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً. ولعلّه سهوٌ ، أو أراد غير ما ظهر من عبارته.

وأمّا قصد التبرّد أو التسخين أو التنظيف بالغسل أو الوضوء مثلاً ، فلا شبهة في أنه ممانع للإخلاص ، بل منافٍ له ، فلا تصحّ مع قصده العبادة مطلقاً ، سواء كان مقصوداً بالأصالة أو بالتبعيّة ؛ لعدم تحقّق العبادة التوحيديّة بالضرورة ولكلّ امرئ ما نوى (3).

وليست هذه العبادة مختصّة باللّه ، بل لنفس العامل منها قسط باعث على

ص: 436


1- القواعد والفوائد 1 : 78 - 80 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثالثة.
2- الرعد : 15.
3- الأمالي ( الطوسيّ ) : 618 / 1274.

العمل.

نعم ، لا يضرّ بالإخلاص العلم بترتّب ذلك الأثر على هذه العبادة ولزومه لها ؛ لأنه لا يستلزم قصده في نيّة العبادة لله ، وإلّا للزم قصد جميع لوازم العمل الزمانيّة والمكانيّة وغيرهما ، والوجدان على خلاف ذلك ، ويجري هذا المجرى جميع ما شابهه من الضمائم كقصد الحمية بالصوم ، والرياضة البدنيّة به وبالصلاة ، وكذلك قصد التجارة والتكسّب والفرار من زيد مثلاً بالحجّ ، وما في معناه فإنه منافٍ للإخلاص كقصد الحِمية والتبرّد والرياضة ؛ لعدم الفارق ذاتاً وعرضاً.

وأمّا ضمّ مثل الأكل ودخول السوق وشبههما ممّا ليس له علاقة بالعبادة المنويّة كأن يقصد : إني أتطهّر أو أُصلّي لأتغذّى. فإن كان تلك العبادة دلّ الشارع على أن اللّه عزّ اسمه أحبّ من المكلّف الفاعل لها أن يقدّمها أمام الفعل المضموم معها ، كالصلاة للسفر صحّت العبادة لصحّة الإخلاص والتقرّب ، وإلّا بطلت لعدم مشروعيّتها ؛ إذ لا يعبد اللّه إلّا من حيث يحبّ بمثل ما يأمر ويحبّ كيفيّةً وكميّةً. فلو نوى بالوضوء مثلاً الكون على الطهارة حتّى لا أدخل السوق إلّا متطهّراً صحّ. ولو نوى : إني أتطهّر لدخول السوق كان باطلاً ؛ لعدم مشروعيّته ؛ لأنه لم يظهر أن اللّه عزّ اسمه تعبّد عبيده بذلك. فإذن تكون حينئذٍ عبادة من حيث أحبّ العابد لا المعبود ، وهي باطلة قطعاً.

وقال المحقّق الثاني : في ( شرح القواعد ) : ( قوله : ( ولو ضمّ التبرّد صحّ على إشكال ) (1). أي لو ضمّه إلى نيّة الوضوء المعتبرة. ومنشأ الإشكال من منافاته للقربة والإخلاص ؛ إذ هو أمر خارج عن العبادة ، ومن أنه لازم لفعلها سواء (2) نوى أم لا. والأصحّ الأوّل ؛ لأن لزومه لفعل الطهارة لا يقتضي جواز نيّته. ومثل التبرّد التسخّن وزوال الوسخ. قوله (3) : ولو ضمّ الرياء بطل ، قولاً واحداً. وحكي عن المرتضى (4)

ص: 437


1- قواعد الأحكام 1 : 10 ( حجريّ ).
2- في « م » : ( سوى ).
3- ليست في المصدر.
4- الانتصار : 100.

أن عبادة الرياء تسقط الطلب عن المكلّف ولا يستحقّ بها ثواباً. وليس بشي ء.

إذا تقرّر ذلك ، فالضمائم أربع :

الأولى : ضميمة اللازم المؤكّد ، كضميمة الرفع للاستباحة ، ولا شبهة في صحّتها.

الثانية : ضميمة اللازم الأجنبيّ ، كضميمة التبرّد ، وقد سبق حكمها.

الثالثة : ضميمة المنافي كالرياء ، وبطلانه معلوم.

الرابعة (1) : ضميمة الأمر الأجنبيّ الغريب ، كدخول السوق. وفي البطلان به وجهان ، أصحّهما البطلان ) (2) ، انتهى.

أقول : يظهر منه الإجماع على إبطال الرياء الملحوظ في نيّة العبادة ، وكأنه أيضاً لم تثبت عنده نسبة القول المحكيّ إلى المرتضى : ؛ ولذا قال : ( حكي ). وأمّا ضمّ الرفع للاستباحة فليس بضمّ شي ء لآخر ؛ لأن الذي يظهر لي تلازمهما ، فإن الرفع غاية ، أي علّة لتحقّق شرطيّة الوضوء مثلاً ، فالاستباحة هي غاية رفع الحدث. وطهارة دائم الحدث رافعة لما سبق عليها منه ، وما صاحبها وتعقّبها عفو لرفع الحرج لعدم سقوط العبادة المشروطة به بدوام الحدث و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (3). ويشبهه العفو عن دم القروح والجروح السائلة. وباقي كلامه معلوم حكمه ممّا قدّمناه.

وقال العلّامة : في ( التحرير ) : ( لو نوى ما لا تشرع له الطهارة كالأكل مثلاً ، لم يرتفع حدثه إجماعاً ، ولو نوى ما ليس من شرطه الطهارة ، بل من فضله كقراءة القرآن ، أو النوم قال الشيخ (4) : ولا يرتفع حدثه ؛ لأنه لم ينوِ رفعه ، ولا ما يتضمّنه. وعندي فيه توقّف ، أمّا لو نوى وضوءاً مطلقاً ، فالوجه ما قاله الشيخ ) (5) ، انتهى.

أقول : إذا نوى المتطهّر رفع الحدث لاستباحة ما ليس مشروطاً بالطهارة ، ولا

ص: 438


1- في المخطوط : ( الثاني ) ، ( الثالث ) ، ( الرابع ) بلفظ التذكير ولم يذكر الأوَّل. وفي المصدر مشار إليها بالحروف من ( أ ) - ( د ).
2- جامع المقاصد 1 : 203 - 204.
3- البقرة : 286.
4- المبسوط 1 : 19.
5- تحرير الأحكام 1 : 9 ( حجريّ ).

مشروعاً لها كالأكل ، ودخول السوق لم يرتفع حدثه ؛ لأنه عبادة لم تشرع ، فهي باطلة بلا شكّ. ولو كانت الطهارة من كمالها لا من شروطها (1) ، كالنوم وقراءة القرآن ، وجهان أظهرهما الصحّة ؛ لأن اللّه تعالى أحبّ من العبد أن ينام على طهارة ، وكذا في تلاوة كلامه ، وأمره أن يقرأه وينام متطهّراً. وهذا معنًى محصّل لمشروعيّة الطهارة ؛ لأنها موافقة لمحبّة اللّه وأمره.

والأحوط في هذا أن ينوي الكون على طهارة ، فلو قصد الكون على الطهارة ليكون على حال فعله ما لم تشرع له الطهارة على طهارة ، أو حال فعله ما الطهارة من كماله على طهارة صحّ فيهما لمشروعيّة الطهارة للكون على طهارة. والإجماع إنما هو على الفرض الأوّل ، وهو مراده رحمه اللّه.

وكذلك لا تصحّ طهارته ولا يرتفع حدثه لو نوى طهارة مطلقاً ؛ لأن الطهارة عبادة شرطيّة ، وليست بواجبه أو مندوبة لنفسها ، ففعلها كذلك غير مشروع فلا تصحّ ، ولا يُعبد اللّه إلّا بما شرع كما شرع.

وقال البهائيّ : في ( شرح الأربعين ) : ( المانعون في نيّة العبادة من قصد تحصيل الثواب أو دفع العقاب جعلوا هذا القصد مفسداً لها وإن انضمّ إليه قصد وجه اللّه سبحانه ، على ما يفهم من كلامهم. أمّا بقيّة الضمائم اللازمة الحصول مع العبادة نويت أو لم تنو ، كالخلاص من النفقة بعتق العبد في الكفّارة ، والحمية بالصوم ، والتبرّد في الوضوء ، وإعلام المأموم الدخول في الصلاة بالتكبير ، ومماطلة الغريم بالتشاغل بالصلاة ، وملازمته بالطواف والسعي ، وحفظ المتاع بالقيام لصلاة الليل وأمثال ذلك ، فالظاهر أن قصدها عندهم مفسد أيضاً بالطريق الأوّليّ. وأمّا الذين لا يجعلون قصد الثواب مفسداً فقد اختلفوا في الإفساد بأمثال هذه الضمائم ، فأكثرهم على عدمه ، وبه قطع الشيخ : في ( المبسوط ) (2) ، والمحقّق : في ( المعتبر ) (3) ، والعلّامة : في ( التحرير ) (4)

ص: 439


1- في « م » : ( شرطها ).
2- المبسوط 1 : 19.
3- المعتبر 1 : 140.
4- تحرير الأحكام 1 : 9 ( حجريّ ).

و ( المنتهى ) (1) ؛ لأنها تحصل لا محالة ، فلا يضرّ قصدها.

وفيه : أن لزوم حصولها لا يستلزم صحّة قصد حصولها. والمتأخّرون من أصحابنا حكموا بفساد العبادة بقصدها ، وهو مذهب العلّامة : في ( النهاية ) (2) و ( القواعد ) (3) ، وولده فخر المحقّقين : في الشرح (4) ، وشيخنا الشهيد : في ( البيان ) (5) ؛ لفوت الإخلاص ، وهو الأصحّ.

واحتمل شيخنا الشهيد : في قواعده (6) التفصيل بأن القربة إن كانت هي المقصودة بالذات ، والضميمة مقصودة تبعاً صحّت العبادة ، وإن انعكس الأمر أو تساويا بطلت.

هذا ، واعلم أن الضميمة إن كانت راجحة ولاحظ القاصد رجحانها وجوباً أو ندباً ، كالحِمية في الصوم لوجوب حفظ البدن ، والإعلام بالدخول في الصلاة للتعاون على البرّ ، فينبغي ألّا تكون مضرّة ؛ إذ هي حينئذٍ مؤكّدة. وإنما الكلام في الضمائم الغير الملحوظة الرجحان ، فصوم قصد الحمية مثلاً صحيح ؛ مستحبّاً كان الصوم أو واجباً ، معيّناً كان الواجب أو غير معيّن.

ولكن في النفس من صحّة غير المعيّن شي ء ، وعدمها محتمل ، واللّه اعلم ) (7) ، انتهى.

أقول : كلّ ما ذكره من الضمائم لا يخفى منافاته للإخلاص ومحض الامتثال والتقرّب إلى اللّه والعبادة التوحيديّة ؛ لما فيه من قصد تحصيل حظّ النفس الدنيويّ. فهي عبادة لله من حيث أحبّ العابد لا من حيث أحبّ اللّه ، فإن اللّه تقدّست أسماؤه لم يكلّف بأن يطاف ببيته الحرام لملازمة الغريم ، ولا بأن يصلّي لمماطلة الغريم ، ولا بعتق نسمة للخلاص من نفقتها ، ولا بالصلاة لحفظ المتاع ، ولا بالوضوء للتبرّد ، ولا

ص: 440


1- منتهى المطلب 1 : 56 ( حجريّ ).
2- نهاية الأحكام 1 : 33.
3- قواعد الأحكام 1 : 10 ( حجريّ ).
4- إيضاح الفوائد في شرح القواعد 1 : 36.
5- البيان : 44.
6- القواعد والفوائد 1 : 79 / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.
7- الأربعون حديثاً ( البهائيّ ) : 445 - 446.

بالصوم للحِمية ، وما أشبه ذلك من حظوظ النفس.

فإذن ليست تلك العبادة من حيث أحبّ وأمر ، وكلّ عبادة ليست كذلك فهي باطلة إلّا إعلام المأموم بالتكبير الدخول في الصلاة ، فإنه إن كبّر لذلك بطل التكبير والصلاة ، وإن كبّر بإخلاص وقصد برفع صوته بذلك التكبير الإعلام بالدخول في الصلاة صحّتا معاً ؛ لعدم مدخليّة رفع الصوت أو خفضه في العبادة.

وظاهر عبارته يؤذن بإجماع المتأخّرين على البطلان بتلك الضمائم. وقد صرّح بموافقتهم أوّلاً ثمّ فرّق بين ما لو كانت الضمائم ملحوظة الرجحان وعدمه ، فمال إلى صحّة الأوّل دون الثاني. وهذا لا يخلو من اضطراب مع أنه لا مدخليّة لرجحان الضميمة في نفسها وعدمه ؛ لأنا لا نعلم أن الشارع تعبّدنا بالصوم مثلاً لحفظ صحّة البدن فلا تجوز منّا عبادته بالصوم لذلك ؛ لأنه زيادة في الشرع ما ليس منه وعبادة من حيث يحبّ العابد ، فليست بعبادة لله ، بل للنفس والبدن أو المال مثلاً. ورجحانه في نفسه لا يستلزم صحّة جعله غاية ومنشأً لعبادة اللّه تعالى ولا ضمّه لنيّة عبادة اللّه وقصدها له. فالفرق لا يخلو من تحكّم.

ودعوى أنها حينئذٍ مؤكّدة ممنوع ؛ إذ لا دخل لتلك الضمائم في معنى تلك العبادات ، بل ولا في عبادة بالذات ، بل هي ضرب من المعاملات. فكما أن حفظ بدن غيرك من المؤمنين مع المكنة راجح ، كذا حفظ بدنك وصحّته راجح ، والمعاملات كما تكون بينك وبين غيرك تكون بينك وبين نفسك ، وكذا الفرق بين الصوم المعيّن وغيره لا يخلو من تحكّم ، بل هو ممنوع.

وبالجملة ، فلا دليل على تفصيله في المقامين. واللّه العالم.

وقال محمّد باقر القاشانيّ : ( الضميمة المقصودة إمّا أن تكون راجحة كقصد الإمام من تكبيره أو ركوعه وأمثالهما إعلام القوم أيضاً وكذا قصد الحمية في الصوم الذي يُقصد لله ، فلا يضرّ ؛ لعدم منافاته للإخلاص المطلوب منه ؛ لأن الضميمة أيضاً لله تعالى خصوصاً إذا كان الباعث الأصليّ هو الفعل لله تعالى كما هو الحال في

ص: 441

إعلام الإمام ).

أقول : ظاهر هذه العبارة أن الضميمة متى كانت راجحة في نفسها صحّت العبادة وإن كانت المقصودة بالذات. وهذا قد عرفت ضعفه ممّا قدّمناه ، مع أنه بظاهره متنافٍ مع ما قال بعد هذا بلا فصل : ( بل تشكل الصحّة في صورة لم يكن الباعث الأصليّ هو العبادة ، كصوم شهر رمضان بضميمة الحمية بحيث لو لم تكن الحمية لما صام ؛ إذ الظاهر أنه غير مطيع لله في صوم شهر رمضان ، بل عاصٍ فيه البتّة.

نعم ، إذا كان كلّ واحد من الأمرين علّة مستقلّة للفعل وإن لم يكن معه الآخر ، فالظاهر الصحّة مثل أن صوم شهر رمضان علّة مستقلّة في إحداثه فعلاً لله ، والحمية أيضاً علّة مستقلّة ) ، انتهى.

أقول : وظاهر صدر هذه العبارة يعطي الفرق بين كون العبادة مع الضميمة الراجحة في نفسها مقصودة بالذات فتصحّ ، أو لا ، فتفسد. ثم عقّبه بما صريحه : ( إنه مع تساوي الداعيين في العلّيّة الباعثيّة تصحّ ). وهذا بظاهره منافٍ لما قبله.

وبالجملة ، فكلامه هذا مع جلالته ورياسته لا يخلو من اضطراب ، ولكن المقام عسر المأخذ.

وبالجملة ، فقد قرّرنا لك أنه لا تصحّ العبادة مع هذه الضمائم إذا شاب غاية العبادة والباعث عليها شوب قصد شي ء منها وإن رجحت في نفسها وكانت مقصودة تبعاً لفرط ظهور عدم العبادة التوحيديّة لله حينئذٍ ، فكيف إذا كانت علّة مستقلّة مساوية في الباعثيّة لإرادة وجه اللّه وامتثال أمره؟! مع أنا نمنع تحقّق وجود عمل يكون له باعثان متساويان في الباعثيّة والعلّيّة لقصد إيقاعه لما يلزمه من اجتماع علّتين على معلول ، وهو محال عقلاً ونقلاً.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وإمّا (1) ألّا يكون راجحاً ، بل يكون مباحاً ، كالتبرّد في الوضوء أو تنظيف الوجه أو أمثال ذلك ، فإن كان الباعث الأصليّ هو العبادة والامتثال بحيث

ص: 442


1- عطف على قوله : ( إمّا أن تكون راجحة كقصد الإمام .. ) المتقدّم في ص 444.

لو لم يكن هذا القصد لم يفعل ، ولو كان يفعل البتّة وإن لم تكن نيّة الضميمة فهذا أيضاً لا يضرّه الضميمة ؛ لكون فعله من جهة الامتثال وقصد القربة والفرار عن المعصية ، تكون الضميمة معه أو لم تكن ).

أقول : لا يظهر لي أنه يمكن أن يكون مع النيّة شي ء من هذه الضمائم ملحوظاً مع استقلال قصد الامتثال والقربة والإخلاص بالعلّيّة الباعثيّة على الفعل ، فإنه متى كانت الضميمة لها مدخليّة في الباعثيّة كانت الباعثيّة مركّبة البتّة ، فلم تكن لله خالصة البتّة ولو ضعفت ملحوظيّتها ، ومتى لم تكن للضميمة مدخليّة في الباعثيّة أصلاً لم تكن ملحوظة البتّة.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( وكذا الحال لو كان كلّ واحد منهما علّة مستقلّة للفعل ، مثلاً الوضوء للصلاة علّة مستقلّة ، وغسل الوجه للتنظيف أيضاً علّة مستقلّة ، لكن الداعي هو الأوّل. وأمّا إذا كان الضميمة هي المقصودة بالأصالة أو لها مدخليّة في هذا القصد بحيث لولا هي لم يفعل وإن كانت جزءاً بحيث لولا قصد القربة أيضاً لم يفعل ، فهذا باطل ؛ لعدم الإخلاص وغيره ممّا اقتضاه الأدلّة ).

أقول : وهذا الكلام أيضاً لا يخلو على ضعفه من نوع اضطراب ؛ فإنه لا معنى لكون كلّ منهما علّة مستقلّة مع أن الداعي والباعث لم يكن إلّا أحدهما ؛ لأنه من البيّن الغنيّ عن البيان أنه إذا اختصّت العلّة الباعثيّة بأحدهما لم يكن للثاني مدخليّة في العلّيّة بوجه ، مع أنك قد عرفت أن من المستحيل اجتماع علّتين على شي ء بلا فرق في ذلك بين أنواع العلل. ولو فرض هنا كون العلّة الباعثيّة مركّبة من الداعيين منعنا كون عبادة اللّه بالإخلاص على الوجه الذي أمر اللّه تعالى أن يعبد به على سبيل العبادة التوحيديّة ، فلا تتحقّق هذه في الوجود مع تركّب الباعث وشوبه بقصد الضميمة ولو رجحت في نفسها فضلاً عن كونها مباحة.

وما ربّما يُتخيّل من ذلك فهو وهم ، أقواه وأعلاه كحسبان يقظة أهل الكهف إن سلّمنا إمكان تخيّله ، وإلّا فهو كتخيّل سعي حبال سحرة فرعون في الحقيقة بعد

ص: 443

التصفية.

وقد ظهر لك استحالة تحقّق وجود الإخلاص مع تحقّق مدخليّة للضميمة في القصد بوجه ولو بالجزئيّة الضعيفة.

وأيضاً إذا حكم بالبطلان مع ملحوظيّة الضميمة ولو بعنوان الجزئيّة ، فكيف يحكم بالصحّة مع كون كلّ منهما علّة مستقلّة؟! ولا معنى لكون الضميمة علّة مستقلّة وكونها ملحوظة تبعاً ، بحيث لو لم تكن كان الفعل ؛ لأن ما هذا شأنه لا مدخليّة له في الباعثيّة على الفعل وقصده أصلاً كما لا يخفى.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( وممّا ذكر ظهر حال المرجوح أيضاً من الضميمة أيضاً ، سيّما إذا كانت حراماً ، كالرياء الذي يكون شركاً لا كفراً ، يعني : كون الفعل لمحض الرياء. مضافاً إلى أن النهي في العبادة يوجب فسادها إذا تعلّق بنفس العبادة أو جزئها أو شرطها. ونقل عن المرتضى : رحمه اللّه تعالى - : أن الرياء لا يوجب البطلان ، بل يوجب عدم الثواب (1).

ويردّه قوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (2) ، وغيره. ويمكن أن يكون مراده إذا كان الباعث الأصليّ إطاعة اللّه تعالى ).

أقول : صدر هذه العبارة صريح في أنه متى لوحظ الرياء في العبادة كانت باطلة مطلقاً على أيّ وجه كانت ملحوظيّته ولو كانت بأضعف مراتب الملحوظيّة ، وهذا هو الموافق للنصّ كتاباً وسنّةً وللإجماع الذي لا ريب فيه. وعجز العبارة يظهر منه أنه إذا لم يكن الرياء ملحوظاً بالأصالة ، بل كان الملحوظ بالقصد الذاتيّ هو الإخلاص ، صحّت العبادة.

وهذا مع مخالفته الإجماع والكتاب والسنّة لم ينقل عن أحد ، بل المعروف من مذهب أهل البيت : صلوات اللّه عليهم وأتباعهم أنه متى دخل الرياء في العبادة على أيّ وجه كان بطلت ولو لحقها قبل آخرها بكلمة. ولعلّ السيّد : أراد الرياء

ص: 444


1- الانتصار : 100 / المسألة : 9.
2- البيِّنة : 5.

اللاحق للعبادة ثمّ دخله العجب بها أو تحدّث بها ثلاثاً فإنه ورد (1) أنها حينئذٍ تكتب في الرياء. ولا شكّ أنهما ضربان من الرياء الخفيّ ، وأنهما مسقطان للأجر ، إلّا إن الظاهر أنه لا يجب بهما القضاء ولا الإعادة. فظاهر عبارته لا تخلو من شوب اضطراب.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( فروع : الأوّل : قد عرفت أن النيّة التي هي الداعية إلى الفعل المحرّكة للإنسان الباعثة عليه ربّما تكون هي المخطرة بالبال ، وربّما لا تكون هي هي تنطبق عليها ، وربّما تتخلّف عنها وتغايرها ، فربّما كان الباعث غير الامتثال لأمر اللّه. ويخطر بالبال أنه الباعث مع علمه بأنه ليس كذلك ، أو مع غفلته عنه ، أو مع جهله به باعتقاده أن الذي أخطر بباله هو الباعث. وعبادة الكلّ فاسدة لما عرفت ، إلّا إن الأوّل أسوأ حالاً من الأخيرين ، والأخيران يحتاجان إلى جهاد نفس واجتهاد لتصحيح إعمالهما ، والأخير من الأخيرين لا يُتوهّم (2) أنه معذور لجهله ؛ إذ ربّما كان أشدّ سيّئة ، كما قال تعالى : ( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (3).

وقال اللّه تعالى : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (4).

إلى غير ذلك ممّا ظهر من القرآن العزيز ، والأخبار الكثيرة (5).

ويوافقهما الاعتبار ؛ لأن الأوّلين ربّما يعترفان بأن عملهما قبيح ، فينويان ويقضيان إن كان له قضاء ، وربّما ينكسر خاطرهما ، ويحزن خاطرهما ، وهذا محمود عند اللّه ، ويحبّه اللّه بخلاف الأخير ؛ إذ هو خلافهما ، بل ربّما تعجبه أعماله القبيحة ويصرّ عليها ويستكثر ، وعن الرجوع يستكبر. ولذا نبّههم الشارع بأمثال ما ذكر

ص: 445


1- انظر : الكافي 2 : 296 / 16 ، وسائل الشيعة 1 : 75 ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب 14 ، ح 2.
2- من « ن » ، وفي « م » : ( نتوهّم ).
3- الكهف : 13 - 14.
4- فاطر : 8.
5- انظر وسائل الشيعة 1 : 98 ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب 23.

وغيرها ، مثل ما مرّ أن الرياء أخفى من دبيب النملة .. إلى آخره ، وأكثرَ وبالغَ لشدّة خطره ونهاية عظم ضرره.

فلا بدّ للمكلّف من ملاحظة ما ذكر ، وأن يشرع في مرضه المهلك بمعرفة آثاره وعلاماته ثمّ (1) المعالجة والمجاهدة ، ولا يغفل عن مكائد نفسه الأمّارة ).

أقول : هذا الكلام في غاية الحسن ، فإنه من الحكمة التي هي ضالّة المؤمن ، فاغتنم الفرصة واقتنصها. لكنّه لا يخلو بعد التأمّل من منافاةٍ لبعض ما أسلفناه من كلامه ، ولكنّه ينبّهك على ما فصّلنا فتيقّظ.

وما قاله رحمه اللّه معلوم بالوجدان من كثير من الناس ؛ فإن كثيراً منهم يكون الباعث له على العبادة طلب الطبيعة للعادة ، أو رضا بعض البشر لينال بسببه حظّا من حظوظ الدنيا أو مجاراة الأقران ومشابهتهم ، أو حذر العار ، أو حذر الحدّ الدنيويّ ، أو فوت حظّ من حظوظ الدنيا ، أو مجرّد تحصيل ثواب اللّه في الآخرة ، أو الدنيا من جلب نفع أو دفع ضرّ ، أو مجرّد الخوف من عقاب الآخرة أو الدنيا ودفع بلائها ، أو غير ذلك من الأغراض الباعثة على العمل. وهو في جميع هذه الأقسام يتصوّر حال نيّة الصلاة أو الصوم ، مثلاً أُصلّي فرض كذا ، أو : أصوم غداً لوجوبه أو ندبه قربة إلى اللّه. ويخطر هذه الأحرف بباله.

فمنهم مَنْ يعلم أن الباعث على العمل غير ما خطره حال إرادة العمل ، وهو مع هذا يظنّ أن النيّة وحقيقتها هو ما خطره حينئذٍ بباله جهلاً منه ، ومنهم من يعلم حينئذٍ أن النيّة غير ما خطره من الحروف بباله حينئذٍ ، ومنهم من لا يعلم حينئذٍ بأن النيّة والباعث غير ما خطره من الأحرف بباله جهلاً منه ، أو غفلة من أجل قصوره ، أو تقصيره إلى غير ذلك من الأقسام. والكلّ عبادته باطلة.

والجهل كما قال ليس بعذر في غير ما قام على معذوريّة الجاهل فيه الدليلُ وإلّا لبطلت فائدة البعثة ، أو لزم التكليف بالمحال ، بل بطل التكليف. ومن البشر من

ص: 446


1- في « م » : ( بأتم ).

يظنّ أو يتوهّم أن اللّه إنما كلّف بعبادته التي لم يخلق الخلق إلّا لها (1) ليطلبوا بعبادتهم ثواب الآخرة أو الدنيا أو هما ، بحيث إنه لو لم يجازهم لما كان لعبادتهم معنًى ، بل تكون شبه العبث ، فهم لا تتحقّق منهم عبادة لغير محض ذلك ، فهم لا يعبدون المنعم محبّة لما أحبّه منهم ، ولا لامتثال أمره ، ولا طلباً لقربه ومحبّته ورضاه ، ولا لأنه أهل للطاعة ، ولا شكراً له بوجه أصلاً. وهؤلاء لا شكّ أنهم لا يعبدون اللّه ، بل هم بالمعاملين المتكسّبين أشبه منهم بالعابدين ، بل لا يكاد يتحقّق مبدأ اشتقاق العبادة في أعمالهم ولا شي ء من معناه. وباللّه المستعان.

ثمّ قال رحمه اللّه : ( الثاني : أنه ربّما يكون الأمر بعكس ما ذكر بأن يكون الداعي إلى الفعل قصد اللّه خالصاً ، إلّا إنه يخطر بباله أنه لغير اللّه غفلة ، وإذا راجع نفسه علم يقيناً أن المحرّك الباعث هو إرادة اللّه خالصة من دون شائبة شي ء آخر ، لكن يخطر بخاطره خطرات على الغفلة من غير أن يكون لها مدخليّة في التأثير ، وعبادته صحيحة ، ولا يضرّه التسويلات الشيطانيّة التي تكون أو لا تكون بالقياس إلى ما صدر منه.

نعم ، إن صار لها مدخليّة في الصدور بأن صارت هي العلّة أو جزء العلّة تصير العبادة فاسدة وإن صارت المدخليّة في آخر العبادة وعند الفراغ منها ولمّا يفرغ ، وأمّا بعد الفراغ فلا يضرّ ، لعدم المدخليّة في العلّة الغائيّة للعبادة التي فرغ منها.

نعم ، لو أظهر للناس أني فعلت كذا وكذا ، وإن كان هذا رياءً على حِدة إلّا إنه ربّما يفسد عبادته. ولذا ورد عنهم عليهم السلام أن البقاء على العمل أشدّ من العمل ، إن الرجل يصل بصِلَة (2) ، وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرّاً ، ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له رياءً (3). إلى غير ذلك ، بل ورد أن

ص: 447


1- في النسختين بعدها : ( إلّا ).
2- من « م » ، وفي « ن » : ( بصلاة ).
3- إشارة إلى قول الباقر عليه السلام : « الإبقاء على العمل أشدُّ من العمل ». قيل : وما الإبقاء على العمل؟ قال عليه السلام : « يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرّاً ، ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثمَّ يذكرها فتمحى وتكتب له رياء ». الكافي 2 : 296 / 16.

العُجب يفسد العمل (1).

وورد أمثال ذلك ممّا يظهر أنه يبطل الثواب ، بل وربّما يصير موجباً للعقاب. لكن كون هذا يصير موجباً للقضاء غير معلوم ؛ لأن القضاء تدارك ما فات ، والفوت بعدم الفعل أو الفعل غير موافق لما أُمر به. وأمّا كون العُجب وأمثاله موجباً للفوت فيتدارك بالقضاء ، أو الفعل مرّة أُخرى ، فغير معلوم وغير معروف من حديث أو كلام فقيه ).

أقول : لا يخلو قوله : ( نعم ، إن صار لها مدخليّة ) إلى آخره ، من منافرة لصدر بحثه المذكور أوّلاً ، وهو اعلم بما قال ، وكلامه في هذا الفرع والذي قبله مطابق لما فصّلناه.

ثمّ اعلم أنه لا فرق في إفساد الضميمة المنافية للإخلاص في التقرّب إلى اللّه بامتثال أمره بين أن تكون مع نيّته في أوّل العمل ، أو تلحقه في أثنائه مطلقاً ، سواء كان رياءً أو عجباً أو غيرهما ، حتّى إنه لو أُعجب الإنسان بنفسه وما صدر منها وما يصدر واستكبارها واستحسانها وجميع صفاتها وأعمالها وعلومها واستصغارها لأدنى المؤمنين ، وأعماله واستحقارهم ، وأعمالهم بالنسبة له ولعلمه وعمله فإن إعماله وعلومه سراب بقيعة ؛ فإنه بعيد بهذا من خشية اللّه أشدّ البعد ومتجافٍ عن بساط العبوديّة لله بكمال الذلّ ، فهو بعيد عن دوام فيض رحمة اللّه ، فإنها إنما تكون للمسترحم بكمال الذلّ والحزن والخضوع والانكسار ، فإن اللّه يحبّ من عبده أن يسمعه صوت الحزين كما روي (2).

فهذا عمله باطل مردود عليه ، لا يصعد إلى اللّه ؛ لأنه لم يشتقّ من معنى العبوديّة لله ، فإنها لا تكون مع شوب أبداً. فأمّا إذا لحق العُجب والسمعة للعمل بعد كماله ، فالظاهر أنه لا يوجب الإعادة ولا القضاء لعدم الدليل على التكليف الثانوي ، ولأنها صدرت طبق الأمر ، والامتثال يقتضي الإجزاء ، ومعه لا إعادة ولا قضاء ؛ لأنهما إنما

ص: 448


1- إشارة إلى ما ورد في الكافي 2 : 313 / 3.
2- عدَّة الداعي : 146.

يثبتان مع عدم وقوعه للترك المحض ، أو صدور عمل فاسد لم يطابق ما أمر اللّه به. ولكنّه يبطل استقراره ودوام ثوابه وإن كان لا بدّ له من جزاء ، إلّا إن دوامه يقطعه ذلك ، فهو يشبه الملك المتزلزل المشروط لزومه بأمر ، فإنه ما دام لم يتحقّق المبطل للملك فنماؤه له ، فإذا وقع المبطل للملك لم يستحقّ نفعه ونماءَه.

وجميع ما قرّرناه فَهْمُه من الأخبار غير عزيز ، ونقل الأخبار الدالّة عليه ممّا يطول ، ويخرجنا عن موضوع الرسالة وما بنيت عليه من الاختصار.

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى - : ( الثالث : عرفت أن المكلّف إن كان يعمل لأجل شهوة قلبه أو شهوة غيره لا يكون ممتثلاً ، وكذا لو كان إحدى الشهوتين جزء العلّة لعمله.

وأمّا الرياء فقد عرَفت أيضاً حاله. والرياء : أن يعمل لأجل أن يرى الناس ، أو يسمعوا أو يسمّى بالسمعة ، وتكون الرؤية والسماع علّة للفعل أو جزء علّة ، وإن لم يكونا علّة ولا جزأها فلا يضرّ ، مثل أنه يعمل لله ، إلّا إنه إذا رآه إنسان أو سمعه يسرّه ذلك.

وفي الصحيح عن الباقر عليه السلام : أنه قال لا بأس حين سئل عمّا ذكرنا ، ثمّ قال عليه السلام ما من أحد إلّا وهو يحبُّ أن يُظهر اللّه (1) له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك (2) ). أقول : وكذلك الحال لو كره ظهور فسقه وعصيانه ، أو قبيح منه أو ذمّة ولا يكون ذلك هو العلّة لصدور العبادة.

نعم ، يصحّ الإظهار ؛ لأن يقتدي به غيره فيضاعف أجره ، أو للترغيب وإشاعة العبادة والسنّة بين الناس لله تعالى أو أمثال ذلك. ومنها ألّا يذمّه الناس بترك الفرائض ويصير مسيئاً في الظاهر ، بل ظاهره الفسق عندهم ؛ لأن الناس شهداؤه في الدنيا والآخرة أو للتجافي عن التهتّك واللّه يبغض التهتّك ، ولأن الستر مأمور به ، أو لخوف أن يقصد بسوء أو للحياء وأمثال ذلك. فإن الإظهار غير نفس الفعل ،

ص: 449


1- ليست في المصدر.
2- الكافي 2 : 297 / 18.

والإظهار للأُمور المذكورة ربّما يكون واجباً ، وربّما يكون مستحبّاً ، وربّما يكون مباحاً. نعم ، إن كان رياء أو سمعة ، فهو حرام البتّة ، بل ومفسد للعمل.

خلاصة القول

أقول وباللّه المستعان - : قد عرفت فيما تقدّم أنه متى كان لشهوة الإنسان أو شهوة غيره مدخليّة في الباعث على العبادة ، بطلت لمنافاتها ما أمر اللّه به من العبادة بالإخلاص ، سواء كانت الشهوة هي الباعث وحدها أو كانت جزء الباعث. بل قد عرفت أن الإخلاص لا يمكن كونه جزء الباعث ، بحيث يتركّب الباعث منه ومن غيره ، وأنه محال.

ولا شبهة في أن من عمل لمجرّد تحصيل الثواب في الآخرة أو الدنيا عاملٌ عملاً الباعثُ عليه شهوةُ نفسِه ، فعبارته تعمّ ذلك ، فلا يخلو من نوع منافرة. وقد عرفت حال الرياء والعجب والسمعة وأنها أنواع من الرياء ، وعرفت أثرها في العبادة قبلاً وفي الأثناء وبعداً ، وأمّا إظهار العمل فربّما أمر الشارع به كإظهار الزكاة ، والصلاة في المساجد ، وصلاة الجماعة والجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الليل في بعض الأحوال وغير ذلك.

فالعامل يجب أن يلاحظ فيما يظهره أو يخفيه موافقة إرادة اللّه ومحبّته وامتثال أمره في حالَيْه ، فإن اللّه كما يحبّ أن يعبد سرّاً يحبّ أن يعبد جهراً ، وقد أمر أن يعبد سرّاً وجهراً. فيجب أن يلاحظ العابد موافقة إرادة اللّه منه في إسراره وإعلانه فيظهر الزكاة الواجبة ويسرّ المندوبة مثلاً ، وهو في كلّ من الصفتين يبتغي وجه اللّه ورضاه وما أحبّه منه ، ويراعي فيما لم يدلّ الدليل فيه على أحد الوجهين أخلصهما لله وأقربَهما من مرضاة اللّه وأحبّهما إلى اللّه تعالى ، كأن يكون في إظهار العمل سبب للاقتداء به ، أو إخراج بعض الجاهلين من أسر الجهالة ، أو إيقاظ بعض الغافلين من رقدة الغفلة عن طاعة اللّه ولها وبها ، أو يكون في إسراره إبعاد للشيطان عن وسوسة الرياء والسمعة أو العُجب ، أو في إظهاره نفي العُجب ، فإنه ربّما كان الإسرار سبباً

ص: 450

للعجب ، وربّما كان الإظهار سبباً له ، وكأن يكون الإسرار سبباً لبقاء عبادة اللّه بتلك العبادة ، فإنه ربّما كان إظهارها سبباً لقطعها وعدمها أو سبباً لضرر مؤمن.

فالعامل يجب عليه في إسراره وإعلانه أقرب الحالين إلى مرضاة اللّه ومحبّته ، فإن تساوى في نظر العامل الأمران أو (1) لم يهتدِ إلى المرجّح كان الإسرار أرجح ما دامت دولة الجهل ، فإن اللّه عزّ اسمه أحبّ من حيث الإطلاق أن يعبد فيها سرّاً. ومن أجل ذلك شرّعت التقيّة ووقع التكليف بها حفظاً لهياكل التوحيد عن المحو ، إلى غير ذلك من الأسرار.

وبالجملة ، فمرجّحات الإعلان و (2) الإسرار الموجب ملاحظتها التقرّبَ إلى اللّه وشدّةَ الإخلاص كثيرة جدّاً ، والطرق إلى مرضاة اللّه وما يقرّب منه بعدد أنفاس الخلائق ، وهي سمحة سهلة لكلّ سالك بحسب وسعه ، واللّه رؤوف رحيم. وأمّا حبّ الإنسان لأن يُظهر اللّه له في الناس الخير والذكر الجميل وبغضه لعكس ذلك ، فأمر جِبليّ طبعت النفوس عليه ، وهو غير مضرّ بالإيمان ما لم يُعمل لذلك ، فيدخل في الرياء والسمعة ، وربّما أُدخل في العُجب. وأمّا كراهية الإنسان لظهور معاصيه لمولاه ، فإن كان حياءً من اللّه فهو حسن ، وإن كان حياءً من الناس وخوفاً من مقتهم أو عقوبتهم فما أقبحه ؛ فقد ذمّ اللّه هذا في كتابه العزيز أشدّ الذمّ (3).

ثمّ ذكر رحمه اللّه تعالى بعد هذا سبعة أبحاث حقّق فيها حال جملة من الأغراض التي تخدش الإخلاص أو لا تخدشه ، لا نطوّل بذكرها من أرادها فليرجع إليه.

وبالجملة ، فكلّ غرض من أغراض النفس يكون له مدخليّة في الباعثيّة على العمل فهو يخدش الإخلاص ، ويرفع إطلاق الاسم على النيّة والعمل حقيقة ، ويبطل

ص: 451


1- في « م » : ( و ).
2- في « م » : ( أو ).
3- النساء : 108.

العمل. فلا بدّ في صحّة العمل صدق الإخلاص فيه حقيقة ، وهذا لا يتحقّق مع شوب مدخليّة لغير محض الامتثال والتقرّب وحبّ ما يحبّه اللّه من عبده كما هو واضح ، فإنه مع ذلك لا يخفى عدم تحقّق مبدأ اشتقاق الإخلاص عليه حقيقة ، بل ولا مجازاً ؛ لأنه ما لم تتحقّق الحقيقة في مثل المقام لا يتحقّق المجاز ؛ لأن المقام ليس بقابل للمجازفات والتجوّزات التي يصحّ نفيها بوجه. فصحّة العبادة يحتاج إلى مجاهدات كثيرة صعبة للنفس وعليها ، لكنّه بعد ارتياض النفس وتطبّعها به يكون سهلاً جدّاً لا يخرج عن وسع كلّ عابد بقدر قابليّته ، وعلى اللّه قصد السبيل ، ومنها جائر. عصمنا اللّه وإيّاكم من همزات الشيطان ، وأخذ بنا سبيل الرشاد.

تتمَّة في مطابقة العمل النيّة

لا يصحّ العمل إلّا إذا طابق النيّة وطابقته من كلّ وجه ف- : « إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى » (1) ، وجاء في تفسير قوله تعالى : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) (2) تفسير الشاكلة بالنيّة (3). فلا بدّ إذن من تطابقهما.

والأخبار بهذا المضمون كثيرة جدّاً. والنيّة هي الإرادة الخاصّة من كلّ وجه بالعمل الخاصّ المتشخّص من كلّ وجه. فلا بدّ من تشخّص العمل فيها من كلّ وجه ، وروحها هو الباعث على تلك الإرادة. فإذن هي رتبة من مراتب وجود العمل الكونيّ ، فلا بدّ من تطابقهما من كلّ وجه ، وإلّا لم تكن تلك النيّة والإرادة نيّة لذلك العمل ، فلا بدّ من تشخّصه فيها من كلّ وجه.

فإذن لو كانت النيّة كلّيّة أو مجملة أو مبهمة ولو بوجه ، لم تكن مطابقة للعمل الواقع في خارج الزمان المتشخّص بجميع مشخّصاته ولا نيّة له ؛ لأنها رتبة من رتب

ص: 452


1- الأمالي ( الطوسيّ ) : 618 / 1274 ، وليس فيه لفظ : « إنما » ، وأخرجه بهذا اللفظ البخاريُّ في صحيحه 1 : 3 / 1 ، يُذكر أن المصنّف قدس سره ذكر الحديث من غير لفظ : « إنما ». راجع الصفحة : 1. الهامش : 1.
2- الإسراء : 84.
3- الدرّ المنثور 4 : 361 ، الجواهر الحسان 2 : 277.

وجوده في مقابلة الرتبة الأدنيّة التي تشخّص فيها بجميع حدوده ، وهذه غير تلك.

والدليل على هذا من الأخبار لا يُحصر ؛ لكثرته جدّاً ، وأيّده الاعتبار.

وأنت إذا تتبّعت جميع أبحاث الفقه من الطهارة إلى الحدود والديات ، وجدتها بأجمعها مستفيضة الدلالة على هذا ، ومضامين الأخبار المؤيّدة بالاعتبار دالّة عليه ، مثل إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكلِّ امرئ ما نوى.

فإذا أمرك اللّه تعالى بصلاة ركعتين مثلاً على سبيل الفرض بعد الطواف ، ونويت ركعتين مثلاً في الجملة ، ولم تلاحظ في نيّتك وصفهما بالوجوب وأنهما ركعتان من الطواف ، لم تنوِ ما فعلته ، ولم يطابق ما نويت. وكيف يُتصوّر كمال المطابقة بين المتشخّص الجزئيّ من كلّ وجه للكلّيّ ، أو المجمل ولو بوجه ، بحيث يكون هو هو من كلّ وجه.

وبيان هذا البحث يحتاج إلى بسط واسع ، والمقام لا يسعه. وما ذكرناه لك قانون كلّيّ ينفعك في موارد كثيرة ، وأرجو من اللّه أن يمدّ لي في التوفيق لإملاء رسالة مبسوطة في جزئيّات النيّات ، برحمته إنه جواد كريم.

وهذا آخر ما أردنا إملاءه في مسألة ضميمة طلب الثواب والهرب من العقاب في نيّة العبادة ، وقد جعلتها هدية لحضرة سيّد العالم السلطان الأعظم : عجّل اللّه بنشر ظلال عدله على جميع الخلائق فإن قبلها على حقارتها فهو أهل الرحمة ، وإن ردّها فبذنوب مؤلّفها الأقلّ أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : ، وهو أكرم من أن يخيب راجيه.

انتهى بعصر اليوم الثالث عشر من شهر صفر سنة (1243) (1) بقلم مؤلِّفها غفر اللّه له ولوالديه ، ولجميع إخوانه المخلصين ، وصلّى اللّه على محمَّد : وآله وسلم ، والحمد لله ربِّ العالمين كما هو أهله (2).

وافق الفراغ من نساخة هذه الرسالة ضحى يوم الخميس اليوم السابع من شهر رجب

ص: 453


1- في « م » بعدها : ( والحمد لله ).
2- ورد في ذيل هذه العبارة قوله : ( هذه صورة خَطِّ المصنّف شكر اللّه سعيه ) والظاهر أنها من الناسخ.

[ الأصمّ (1) ] سنة (1243) على يد الأقلِّ الأحقر الراجي عفو ربِّه الأجلِّ ناصر بن عليِّ بن ناصر بن عليِّ بن ناصر بن محمَّد ابن عبد اللّه بن حرم الفارساني البحراني عفا عنهم بمنِّه وكرمه إنه غفور رحيم. والحمد لله ربِّ العالمين كما هو أهله ، وصلّى اللّه على محمَّد وآله الطاهرين أبناء طه وياسين ، آمين آمين ربَّ العالمين (2).

ص: 454


1- في المخطوط : ( الأصب ) ولم نعثر على كلمة الأصب في اللغة كنعت لشهر اللّه رجب. والأصمُّ : شهر رجب ، وسمّي أصمّ ؛ لعدم سماع قعقعة السلاح فيه ، ولا صوت مستغيث ب- ( يا لَفلان ) و ( يا صاحباه ). لسان العرب 7 : 411 صمم.
2- في « م » بدلها : ( بقلم الأذلِّ الأحقر المخطئ الآثم الجاني زرع بن محمَّد علي بن حسين بن زرع : ، عفا اللّه عنهم بمحمَّد : الأمين وعترته المعصومين ، وعن المؤمنين وعمَّن ترحَّم عليهم من المؤمنين. والحمد لله ، وصلّى اللّه على أفضل الأنبياء والمرسلين محمَّد : وآله الطاهرين ).

الرسالة السادسة عشرة : الواجب الكفائي

اشارة

ص: 455

ص: 456

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين ، ولا حول ولا قوَّة إلّا باللّه العليِّ العظيم.

أمّا بعد :

يقول المقصّر القاصر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : إن تحقيق مسألة ( الواجب الكفائيّ ) لم أقف فيها على تحقيق يكشف عن حقيقته ، فأحببتُ البحث عنه ، وبيان حقيقة الحال فيه ، فأقول وباللّه المستعان ومنه الهداية وعليه التكلان - :

تعريف الواجب الكفائي

قال العلّامة : في ( نهاية الأُصول ) : اعلم أن غرض الشارع قد يتعلّق بتحصيل الفعل من كلّ واحد من المكلّفين عيناً ، وقد يتعلّق بتحصيله مطلقاً.

والأوّل هو الواجب على الأعيان ، والأمر يتناولهم على سبيل الجمع.

والثاني هو الواجب على الكفاية ، والأمر يتناول الجماعة لا على سبيل الجمع ، وهو إنما يكون إذا كان الغرض يحصل بفعل البعض ، كالجهاد المقصود منه حراسة المسلمين ، فمتى حصل بالبعض سقط عن الباقين ، والتكليف فيه موقوف على الظنّ ..

واعلم أن الواجب على الكفاية واجب على الجميع ، ويسقط بفعل البعض ، خلافاً

ص: 457

لقوم (1) ، انتهى ملخّصاً.

وقد عنى بالقوم المخالفين بعض الشافعيّة (2) ، حيث ذهبوا إلى أنه إنما يجب على فرد غير معيّن وطائفة غير معيّنة ، وقد ردّه العلّامة (3) : وغيره بأن الإثم حاصل للجميع على تقدير الترك ، بالإجماع.

وقال في ( تهذيب الأحكام ) (4) وشرحه لعميد الدين : ( البحث الثالث : في الواجب على الكفاية : وهو كلّ فعلٍ تعلّق غرض الشارع بإيقاعه لا من مباشر معيّن وهو واقع كالجهاد ، وهو واجب على الجميع ، ويسقط بفعل البعض ؛ لاستحقاقهم أجمع الذمّ والعقاب لو تركوه ، ولا استبعاد في إسقاط الواجب بفعل الغير.

والتكليف فيه موقوف على الظنّ ، فإن ظنّت طائفة قيام غيرها به سقط عنها ، ولو ظنّتْ كلّ طائفة ذلك سقط عن الجميع ، ولو ظنّت كلّ طائفة عدم الوقوع وجب على كلّ طائفة ) ، انتهى.

وكلامه في ( النهاية ) (5) بالنسبة إلى إناطة سقوطه وعدمه بالظنّ طبق هذه العبارة.

وقال الشارح : ( اعلم أن غرض الشارع قد يتعلّق بتحصيل الفعل من كلّ واحد من المكلّفين بعينه ، ويسمّى واجباً على الأعيان ، كالصلاة والصيام والحجّ ، وقد يتعلّق بتحصيله مطلقاً لا من مباشرٍ بعينه ، ويسمّى وجوباً على الكفاية وهو واقع ، كالجهاد الذي قصد به حراسة المسلمين وإذلال الكفّار ، فمتى حصل ذلك من بعض المسلمين سقط عن الباقين ؛ لحصول مقصود الشارع ، وهو واجب على جميع المكلّفين المخاطبين به ، بدليل توجّه الذمّ إليهم ولحوق العقاب بهم عند اتّفاقهم على

ص: 458


1- نهاية الوصول إلى علم الأُصول : 201 - 202 ( مخطوط ) ، عنه في مفاتيح الأُصول : 312 ( حجريّ ).
2- ذهب إلى ذلك صاحب المحصول ، انظر فواتح الرحموت ( في هامش المستصفى من علم الأُصول ) 1 : 63 ، والبيضاوي. انظر مفاتيح الأُصول : 313 ( حجريّ ).
3- نهاية الوصول إلى علم الأُصول : 202 ، عنه في مفاتيح الأُصول : 313 ( حجريّ ).
4- عنه في مفاتيح الأُصول : 312 ( حجريّ ).
5- انظر : هامش 1 من نفس الصفحة.

تركه ) (1) ، انتهى.

وقال المحقّق ابن سعيد : في ( معارج الكمال ) : ( إذا تناول الأمر جماعة على سبيل الجمع يسمّى فرض عين ، كقوله ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) (2) ، أو لا على سبيل الجمع ، يسمّى فرض كفاية ، والفرض فيه موقوف على العلم أو غلبة الظنّ ، فإن عَلِم أو ظنّ قوم أن غيرهم يقوم به سقط عنهم ) (3) ، انتهى.

وقال الشهيد : في ( القواعد ) : ( فرض العين [ شرعيّته للحكمة (4) ] في تكراره كالمكتوبة ، فإن مصلحتها الخضوع لله عزوجل ، وتعظيمه ، ومناجاته ، والتذلّل له ، والمثول بين يديه ، والتفهم لخطابه ، والتأدّب بآدابه. وكلّما تكرّرت الصلاة تكرّرت هذه المصالح الحكميّة.

أما فرض الكفاية فالغرض إبراز الفعل إلى الوجود ، وما بعده خالٍ عن الحكمة ، كإنقاذ الغير.

ولا ينتقض بصلاة الجنازة ؛ لأن الغرض منها الدعاء له ، وبالمرّة يحصل ظنّ الإجابة ، والقطع غير مراد ، فلا تبقى حكمة في الدعاء بعد ذلك ، لخصوصيّة هذا الميّت. وإنما قيّدنا بالخصوصيّة ؛ لأن الإحياء على الدوام يَدْعون للأموات لا على وجه الصلاة ) (5) ، انتهى.

وقال أيضاً في قواعده : الواجب على الكفاية له شَبَهٌ بالنفل ، من حيث إنه يسقط عن البعض بفعل الباقين. ومن حيث إن له شَبَهاً بالنفل جاز الاستئجار عليه ، كالاستئجار على الجهاد (6) ، انتهى ملخّصاً.

وقال الشيخ بهاء الدين : في ( الزبدة ) : ( الواجب الكفائيّ : ما يسقط عن الكلّ بفعل

ص: 459


1- عنه في مفاتيح الأُصول : 312 ( حجريّ ) ، ولم يورده كاملاً.
2- البقرة : 43.
3- معارج الأُصول : 75.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( شرعية الحكمة ).
5- القواعد والفوائد 2 : 33 - 34 / القاعدة الرابعة.
6- القواعد والفوائد 1 : 189 - 190 / القاعدة الثالثة والخمسون.

البعض قطعاً ، أو ظنّاً شرعيّاً ) (1).

وقال الشارح الشيخ جواد : ( الفعل الواجب باعتبار فاعله ينقسم إلى فرض كفاية وفرض عين ؛ لأنه إن تعلّق غرض الشارع بوقوعه من كلّ واحد من المكلّفين بعينه ، أو من واحد معيّن كخصائص النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ، فهو فرض عين كالصلاة.

وإن كان المقصود من إيجابه إيقاعه مع قطع النظر عن الفاعل المباشر له ، فهو فرض كفاية ، كالجهاد ، إذا كان الغرض منه إذلال الكفّار وإعانة المسلمين ، وهو قد يحصل بفعل البعض.

الواجب كفاية : هو ما يسقط عن الكلّ بفعل البعض قطعاً أو ظنّاً شرعيّاً ) ، انتهى.

قال الكاشاني : في ( المفاتيح ) والشيخ حسين : في شرحه وعبارتاهما ممزوجة [ إحداهما (2) ] بالأُخرى في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : ( إذا اجتمعت الشرائط كلّها على تقدير الوجوب الكفائيّ لا العينيّ ، وكان المطّلع منفرداً تعيّن عليه وحده وصار واجباً عينيّاً ؛ إذ لا فرق بين الكفائيّ والعينيّ إلّا عند التعدّد وكان الجميع مستكملاً للشرائط.

فإن كان ثمّة غيره ، وشرع أحدهما في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ، فإن ظنّ المشارك الآخر أن لمشاركته أثراً في تعجيل ترتّب الأثر وهو الائتمار في الأوّل والانزجار في الثاني ، ورسوخ الانزجار أيضاً وجب عليه أيضاً ، ولا يسقط عنه بمجرّد التلبّس ، وإلّا فلا يجب عليه ؛ لظنّه بوقوع الأمر على يد شريكه ؛ ولأن الغرض ووجه الحكمة في وجوبهما وقوع المعروف ممّنْ أمر به ، وارتفاع المنكر ممّن نُهي عنه ، فمتى حصلا أو ظنّ حصولهما بفعل واحد قد تلبّس بالفعل كان السعي من قبل الآخر عبثاً.

وهذا هو الفارق بين الواجب العينيّ والكفائيّ ، وهو معنى ما قيل كما هو المشهور بين علماء الفريقين - : إن وجوبهما كفائيّ ) ، انتهى.

ص: 460


1- الزبدة : 42 ( حجريّ ).
2- في المخطوط : ( أحدهما ).

وقال الشيخ زين الدين : في ( تمهيد القواعد ) : ( إذا طلب الفعل الواجب من كلّ واحد بخصوصه ، أو من واحد معيّن كخصائص النبيّ صلى اللّه عليه وآله : فهو فرض العين ، وإن كان المقصود من الوجوب إنما هو إيقاع الفعل مع قطع النظر عن الفاعل سمّي فرضاً على الكفاية ، ووجه التسمية بذلك أن فعل البعض فيه يكفي في سقوط الإثم عن الباقين مع كونه واجباً على الجميع ، بخلاف فرض العين فإنه يجب إيقاعه من كلّ عين ).

إلى أن قال بعد تعداد جملة من الكفائيّ المندوب والواجب - : ( إذا علمتَ ذلك فيتفرّع عليه فروع منها ).

إلى أن قال : ( ومنها : إذا صلّى على الجنازة واحد مكلّف كفى وإن كان أُنثى ).

إلى أن قال : ( ولو صلّى عليه أكثر من واحد دفعة ، أو متعاقبين بحيث شرع المتأخّر قبل فراغ الأوّل ، وقع الجميع فرضاً ؛ لأنه لم يسقط بالشروع سقوطاً مستقرّاً على الأقوى ، وحينئذٍ فينوي كلّ واحد الوجوب.

ولو صلّى المتأخّر بعد فراغ المتقدّم جماعة أو فرادى أو بالتفريق ، قيل : وقع الجميع فرضاً أيضاً كالسابق ؛ لأن الفرض متعلّق بالجميع ، وإنما سقط عن البعض بقيام البعض به تخفيفاً ؛ ولما فيه من ترغيب المصلّين ؛ لأن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل. وقيل : تكون المتأخّرة نفلاً ؛ لسقوط الفرض بالأُولى ، ولا معنًى للواجب إلّا ما يُؤثم بتركه ؛ إمّا مطلقاً ، أو بغير بدل ، ولا إثم هنا على الباقين ) (1) ، انتهى ملخّصاً.

وعلى مثل هذه العبارات كادت أن تتّفق كلمة أصحابنا في الكلام على بيان الواجب الكفائيّ. والظاهر من لفظ السقوط أن التكليف به يرتفع عن الباقين إذا قام به البعض ، وظاهر إطلاقهم السقوط يعمّ جميع أفراد الكفائيّ ، وخصوصاً عبارة ( شرح المفاتيح ) وعبارة ( القواعد ) فإنهما صريحتان في سقوط التكليف به عن الباقين إذا قام به بعض المخاطَبين به.

ومقتضى ظاهر هذا كلّه بدعيّة تكراره في جميع أفراده من غير فرق بين فرد منه

ص: 461


1- تمهيد القواعد : 48 - 50.

وآخر ، ولا بين تكراره من فاعل بعينه واحد ، أو متعدّد على التعاقب.

وأنا أقول : ليس هذا الإطلاق بجيّد ؛ لانتقاض طرده بجملة من أفراده ، كردّ السلام ، والصلاة على الميّت ؛ فإنه لا يكاد ينكر مشروعيّة تكرارهما إذا تعدّد الفاعل أو كان إماماً ولو اتّحد.

والأخبار بهما غير عزيزة الوجود ، فقد كرّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله : الصلاة على بعض الصحابة كما روي ، ويمكن أن يكون من هذا القبيل تكراره التكبير على حمزة رضى اللّه عنه (1).

وأمير المؤمنين عليه السلام صلّى على سهل بن حنيف : خمس مرّات ، ممّا روي بعدّة طرق يعرفها مَنْ راجع كتب الرجال والاستدلال ك- ( الذكرى ) (2) و ( المدارك ) (3).

وتكرّرت الصلاة من الصحابة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : بلا شكّ ، من غير إنكارٍ من وصيّه صلّى اللّه على محمّد وآله (4).

وبهذا يثبت انتقاض كلّيّته ، ويثبت مناقضته بالصلاة على الجنازة.

ويُمكن أن يجاب عنه بأَنه لعلّه أراد نفي مشروع تكراره من فاعل واحد ، لأنه لمْ يقمْ على مشروعيّته حينئذٍ دليل عنده إلّا في إمام الجماعة ؛ لثبوته بالدليل.

والتكليف خصوصاً في العبادات يحتاج ثبوت مشروعيّته إلى دليل قاطع ، فإن اللّه عزّ اسمه لا يُعبد إلّا من حيث يُحِبّ ، ومشروعيّة تكرار الصلاة على الميّت إذا تعدّد المصلّي جماعة أو فرادى لا يكاد يظهر فيه خلاف بين العصابة ، وإنما اختلفوا في كراهية التكرار وعدمه ، فتعيّن أنه أراد عدم الحكمة والمشروعيّة في تكراره من الفاعل الواحد غير ما ثبت بالدليل في إمام الجماعة.

على أن تعليله بحصول ظنّ الإجابة وهو يحصل بفعلها مرّة ، ضعيف ، فإنه لا ريب في تأكّد الظنّ وهو مطلوب البتّة ؛ لأن مطلوبيّته أوْلى من مطلوبيّة مطلقة ، مع

ص: 462


1- الكافي 3 : 186 / 1 - 3 ، 211 / 2 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 45 / 167 ، وسائل الشيعة 3 : 81 - 82 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 5 - 7.
2- الذكرى : 55 ( حجريّ ).
3- مدارك الأحكام 4 : 185.
4- الكافي 1 : 415 / 37.

أنه مطلوب في ضمن المطلوبيّة المطلقة ، ولا ينافيه عدم مطلوبيّة القطع ؛ لاستحالته إلّا بطريق أخبار المعصوم وإن كان ظاهر عبارته يعمّ الصنفين ، وهو أخبر بما قال.

أقسام التكليف

وتحرير القول في هذه المسألة المهمّة أن نقول وباللّه المستعان - : اعلم أن التكليفات التي دار عليها نظام الوجود الجملي التي هي السبيل إلى اللّه وبها حياة القلوب منقسمة إلى قسمين :

قسم اقتضت الحكمة الإلهيّة أن يأمر اللّه تعالى به كلّ فرد فرد ممّن استجمع شرائط التكليف به من البشر ، وهو ما به قوام وجود كلّ فرد منهم ، وبعموم تكليف كلّ فرد به قوام النظام الجملي ، أو تكليف فرد معيّن دون مَنْ سواه ، وهو المسمّى في اصطلاح الأُصوليين والفقهاء بالواجب العيني ، وهذا ينقسم باعتبار ما كُلّف به المكلّفون إلى قسمين :

أحدهما : ما اقتضت الحكمة الإلهيّة أن يكون التكليف فيه بشي ء معيّن لا يقوم غيره مقامه ، وأفراده كثيرة ؛ لأنه الغالب في الواجب العيني مثل الصلوات المفروضة ، والصوم المفروض ، وغيرهما ، وهو المعروف بالواجب المعيّن.

والثاني : ما اقتضت الحكمة أن يخيّر المكلّفون فيه بين فردين ، أو أفراد ، أيّهما أو أيّهم أوقعه المكلّف في الخارج كفى في تحقّق مصلحة النظام والعدل ، وهو المعروف بالواجب المخيّر ، مثل خصال الكفّارة المخيّرة ، وغيرها.

والإجماع قائم من الفرقة على أن التكليف واقع بأحدهما أو أحدها لا على التعيين. وللعامّة فيه أقوال ثلاثة (1).

وقسم : اقتضت الحكمة الإلهيّة تعلّق التكليف بإبرازه في الخارج مطلقاً ، لا من كلّ فرد على التعيين ، ولا من فرد معيّن بخصوصه ، وهذا هو المسمّى في عرف

ص: 463


1- فواتح الرحموت ( في هامش المستصفى من علم الأُصول ) 1 : 66.

الفقهاء بالكفائيّ ، وهذا ينقسم أيضاً باعتبار غايته إلى قسمين :

أحدهما : ما كان كمال الحكمة في العدل ، وصلاح النظام الجملي في تحقّقه في الوجود مرّة واحدة ، من واحد أو أكثر يفعلونه جميعاً مرّة واحدة ، ويكون تكراره مطلقاً قبيحاً ؛ لكونه عبثاً ، أو يستلزم ضرراً ومفسدة ، كإنقاذ الغير من الهلكة كالغرق والحرق وشبههما. وأفراده كثيرة ، بل هي الأكثر في أفراد الكفائيّ ، ومنها واجبات الاحتضار ، والتكفين ، والتغسيل ، والدفن ، والجهاد بعد ارتفاع موجبه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد ارتفاع سببهما ، وغير ذلك ، وهو كثير.

والنصّ من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل متطابقون على بدعيّة تكرار هذا القسم وحرمته وعدم مشروعيّته ؛ وذلك لانحصار الحكمة في إيجاده في خارج الزمان مرّة واحدة ؛ ولوضوح ضرر تكراره في أكثر موارده ، فهو لا يقبل الزيادة على المرّة بذاته ، وبحسب الفاعل والمحل القابل والموضوع.

والثاني : ما يقبل الزيادة بحسب الفاعل والذات والمحلّ القابل ؛ للقطع بعدم حصول الضرر في تكراره ، بل ظهور المصلحة فيه ؛ لما فيه من تأكّد ظنّيّة حصول غايته وإن كان حكمة صلاح النظام الجمليّ وحفظ الأرض عن أن تسيخ يكفي في تحقّقها إيجاده مرّة واحدة ولو من واحد ممّن كُلّفوا به ، وذلك مثل الصلاة على الأموات ، وردّ السلام إذا كان المبتدئ قد سلّمَ على متعدّد ؛ وذلك لأنه دعاء وغايته الإجابة ، وظنّها كاف لتعذّر العلم بها ، وهو يحصل بفعلها مرّة ولو من واحد ، لكن في التكرار زيادة ظنّيّة بحصول الإجابة ، وهو مطلوب عقلاً.

ويدلّ على صحّة طلب تأكّد هذا الظنّ وراجحيّته استحباب كثرة المصلّين على الميّت ، فقد ورد أن من شهد له أربعون من المؤمنين بخير قبل اللّه شهادتهم وغفر له (1). ذكرته بالمعنى.

ص: 464


1- الخصال 2 : 538 / 4 ، أبواب الأربعين وما فوقه.

مناقشة رأي الشهيد الثاني

فظهر أن الخلاف الذي ذكره الشيخ زين الدين : في ( التمهيد ) يجب أن يخصّ بهذا القسم ؛ إذ لا ينبغي الشكّ في عدم مشروعيّة تكرار القسم الأوّل.

فنقول : لو صلّى على الجنازة واحد أو أكثر دفعة ، شرع لمَنْ يأتي بعد كمالها أن يصلّي عليها أيضاً بلا شكّ ؛ لما ذُكر من الأخبار وللإجماع ، ولأنه عمل المسلمين جيلاً بعد جيل في سائر الأعصار والأمصار ؛ ولأنه الثابت من صلاة الصحابة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : بلا نكير من وصيّه عليه السلام.

وكذلك لو سلّم واحد على متعدّد فردّ عليه واحد مثلاً شرعَ لغيره الردّ بعد كمال ردّ الأوّل بلا شكّ ، وعمل امّة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : على ذلك في سائر الأزمان بلا معارض ولا نكير فيهما.

فحينئذٍ : هل ينوي الآخر بصلاته ، أو ردّه السلام الوجوب ، أو الندب؟ قولان ، وعلى الأوّل وهو الوجوب ظاهر الشهيد : في ( القواعد ) و ( الذكرى ) قال في ( القواعد ) : ( ينبغي أن ينوي في الأشياء المحتملة للوجوب الوجوب ، كتلاوة القرآن ، إذْ حفْظه واجب على الكفاية ، وربّما تعيّن على الحافظ له ؛ حذراً من النسيان ، وكطلب العلم ؛ فإنه فريضة على كلّ مسلم ، وكالأمر بالمعروف إن قام غيره مقامه. وبالجملة ، فروض الكفاية كلّها.

وتجب نيّة الوجوب حيث يتعيّن عليه ، وفي ترك الحرام ينوي الوجوب ، وفي فعل المستحبّ وترك المكروه ينوي الندب ، واللّه الموفّق ) (1) ، انتهى.

وذلك لأن الظاهر أنه أراد ب- ( ينبغي ) الأحوط ، أي أن الاحتياط المبرئ للذمّة من عهدة التكليف بيقين هو نيّة الوجوب في كلّ واجب كفائيّ مع قيام الغير به. وهذا احتياط وجوبيّ لا يجوز غيره ؛ لعدم يقين الخروج من العهدة بغيره ، ولا يريد به نيّة

ص: 465


1- القواعد والفوائد 1 : 117 - 118 / القاعدة التاسعة والثلاثون ، الفائدة الثانية ، ق 1 ، ف 26.

الفاعل المتعيّن عليه قطعاً ؛ للإجماع على وجوبه حينئذٍ عليه ، وعدم إرادته ظاهر من عبارته حيث قال : ( وتجب نيّة الوجوب حيث يتعيّن عليه ). ولمْ يقل : ينبغي. ولا يريد ب- ( ينبغي ) الندب ، وإلّا لكان هو القول بالتخيير ، ولو كان مراده لصرّح بالتخيير مع راجحيّة الوجوب ، فتفطّن. وسيأتي بيان ضعف القول بالتخيير إن شاء اللّه تعالى.

وقال في ( الذكرى ) : ( النظر الرابع : في الصلاة ، ومطالبه ثلاثة :

الأوّل : في واجبها ، وفيه مسائل :

الأُولى : تجب النيّة المشتملة على قصد الفعل على وجهه تقرّباً إلى اللّه تعالى ؛ لأنها عبادة وعمل ، فيدخل تحت ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ ) (1) ، إنما الأعمال بالنيّات (2) ، وعن الرضا عليه السلام : لا عمل إلّا بنيّة (3) ؛ ولأن الفعل إذا أمكن وقوعه على وجوه بعضها غير مراد للشارع ، لم يحصل الامتياز إلّا بالنيّة ، وإلّا للزم الترجيح من غير مرجّح ).

إلى أن قال : ( [ تفريع (4) ] : لا يشترط التعرّض لكونها فرض كفاية ، بل يكفي [ مطلق (5) ] الفرض ؛ لحصول الامتياز به. ويحتمله ؛ لأن النيّة لامتياز الشي ء على ما هو عليه ) (6) ، انتهى.

وإطلاقه يظهر منه أنها تنوي وجوباً مطلقاً ، ولا ينافيه قوله في ( الدروس ) : ( ومَنْ دفن بغير صلاة صُلّيَ على قبره يوماً وليلة ، وقيل : إلى ثلاثة أيّام. وكذا يستحبّ لمن فاته الصلاة عليه ولو أدركه قبل الدفن ، ولم يناف التعجيل ، فالأوْلى استحباب الصلاة

ص: 466


1- البيِّنة : 5.
2- الأمالي ( الطوسيّ ) : 618 / 1274 ، عوالي اللآلي 2 : 190 / 79 ، وسائل الشيعة 1 : 48 - 49 ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب 5 ، ح 10 ، مسند أحمد بن حنبل 1 : 25 ، وفيه : « بالنيَّة ».
3- الكافي 2 : 84 / 1 ، الخصال 1 : 18 ، باب الواحد / 62 ، الأمالي ( الطوسيّ ) : 590 / 223 ، وفيه : « بالنيَّة » ، عوالي اللآلي 2 : 190 / 80 ، وسائل الشيعة 1 : 48 ، أبواب مقدِّمة العبادات ، ب 5 ، ح 9.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( فرع ).
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( نيّة ).
6- الذكرى : 58 ( حجريّ ).

عليه ، ولو نزع مَنْ لم يصلّ عليه صُلّيَ عليه مطلقاً ، وفي استحباب تكرار الصلاة عليه هنا نظر ) (1) ، انتهى.

لاحتمال إرادته المستحبّ العينيّ ، بل هو الراجح بقرينة كلامه في ( القواعد ) و ( الذكرى ) ، ولا منافاة بين المستحبّ العينيّ والواجب الكفائيّ ؛ لصحّة اجتماعهما في فرد واحد كما عرفت.

والأوّل وهو الوجوب هو الأقوى عندي. ويدلّ عليه الاستصحاب السالم من المعارض الرافع له ، مِنْ نصّ أو إجماع ، وأنه الأحوط إذْ به يحصل يقين براءة الذمّة ، والخروج من عهدة التكليف المتيقّن ثبوته ، ولا يرفع اليقين إلّا مثلُه.

ويدلّ عليه أيضاً ظاهر عموم الكتاب والسنّة في ردّ السلام حيث قال عزّ اسمه وجلّ ( فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (2) وهذا الأمر المتّفق على إفادته الوجوب هنا لا شكّ في توجّهه إلى كلّ فرد حُيّيَ بالسلام ، بل هو في أفراد الجمع المحيّي به أظهر منه في الواحد ، فظاهره عموم وجوب كلّ ردّ. فالرادّ بقصد الوجوب سواء كان أوّلاً أو أخيراً ممتثل قطعاً ؛ لأنه أدّى وفعل ما أُمِرَ به على الصفة التي تَوجّه له بها الأمر ، بخلاف ناوي الاستحباب فإنه لم يتوجّه له أمرٌ بعنوان الاستحباب في الآية فلا يكون آتياً بما خُوطِبَ به ، ولا يقين له في خلوّ عهدته.

وعموم مثل صحيح عبد اللّه بن سنان : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام (3) الخبر.

وخبر السكونيّ : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : السلام تطوُّع ، والردُّ فريضة (4).

ص: 467


1- الدروس 1 : 112.
2- النساء : 86.
3- الكافي 2 : 670 / 2 ، وسائل الشيعة 12 : 57 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 33 ، ح 1 ، وفيه أيضاً : 135 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 93 ، ح 1.
4- الكافي 2 : 644 / 1 ، وسائل الشيعة 12 : 58 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 33 ، ح 3.

وخبر [ مَسْعَدة (1) ] بن صدقة : المرويّ في ( الخصال ) عن جعفر بن محمّد : عن أبيه عليهما السلام أنه قال التسليم من المسلّم تطوّع ومن الرادّ فريضة (2).

فعموم هذه الأخبار وشبهها يتناول الرادّ الأوّل والآخر وما بينهما إن كان.

ومثلهُ إطلاق الفتوى من جميع الأُمّة في جميع الأعصار بأن ابتداء السلام نافلة والردّ فريضة ، بل كاد أن يكون هذا الكلام بهذه العبارة من ضروريّات الملّة ؛ فإنك لا ترى أحداً من المكلّفين إلّا وهو يخبرك أنه يعلم أن ابتِداء السلام نفل وردّه فريضة ، وعموم إطلاقه يشمل الردّ الأوّل والآخر ، وهذه الإطلاقات والعمومات من الكتاب والسنّة والإجماع بوجوب الردّ لا معارض لها ، وهي شاملة لمحلّ النزاع ، ولا فارق بين ردّ السلام وغيره ممّا يشبهه في ذلك.

فإنْ قلت : النصّ والإجماع قائمان على أنه إذا كمل الردّ من واحد مِن القوم أجزأ عن الباقين ، وسقط عنهم لا إلى بدل ، فلو ترك الباقون حينئذٍ لم يُؤثموا ، وهذا هو معنى الواجب الكفائيّ ، ولا معنًى للمندوب إلّا ما لا يؤثم تاركه لا إلى بدل ، فكيف يُتصَوّر أن الردّ من الثاني بعد كمال ردّ الأوّل واجب وهو لا يؤثم بتركه؟

قلت : لا منافاة بين سقوط الإثم عن الثاني إذا ردّ الأوّل ولم يردّ ، وبين وجوب نيّة الوجوب من الثاني لو ردّ بعد كمال ردّ الأوّل وذلك لعدم استلزام السقوط ؛ لانقلاب الواجب مندوباً. والحقائق لا تنقلب ، وما بالذات لا يزول ، والوجوب والندب حقيقتان متباينتان عقلاً وشرعاً ، وله نظائر في الفقه ، فلو وجب على الحاكم قتل شخص للردّة وقَوَداً وحدّاً ، فَقَتَلَه آخر للردّة أو غيرها ، سقط عن الحاكم وجوب القتل.

وكذا كلّ كفائيٍّ لا يقبل الزيادة على مرّة ، فإنه في جميع هذا وشبهه يسقط الوجوب بفعل الغير ، ولا يتّصف الفعل في نفسه حينئذٍ بالندب ، بل هو على حقيقته ،

ص: 468


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( صدقة ).
2- الخصال 2 : 484 ، أبواب الاثني عشر / 57 ، وفيه : « والردّ عليه فريضة ».

فلو قبل التكرار فكرّر كان على تلك الحقيقة الوجوبيّة فتُلاحظ في نيّته.

فإنْ قلت : هذا الرادّ بعد كمال ردّ غيره ، أو المصلّي بعد كمال صلاة غيره ، يجوز لهما ترك الردّ والصلاة لا إلى بدل ، وهذا لازم الندب.

قلت : بل ردّ مَنْ قَبْله ، وصلاة مَنْ قَبْله هو البدل ؛ وذلك لأن الواجب الكفائيّ معناه بالنسبة إلى المكلّفين كالواجب التخييريّ بالنسبة إلى الأعمال المكلّف بها ؛ فإن حكمة النظام في التخييريّ تعلّقت بإيجاد أحد فرديه ، أو أفراده لا على التعيين ، مع ملاحظة وصف الوجوب العنوانيّ في الفرد المقصود فعله. ولهذا شاع بين العلماء أن أفضل فردي المخيّر واجب تخييراً مستحبّ عيناً ، كالجمعة والظهر على المشهور المنصور من القول بالتخيير بينهما مع أفضليّة الجمعة ، وكالردّ بالأحسن والمِثل في تحيّة السلام مع أفضليّة الأحسن (1). ولا يظهر خلاف في تعيّن قصد الوجوب بكلّ أجزاء الأحسن ، ولا نعلم قائلاً بأنك إذا سلّم عليك شخصٌ بلفظ السلام عليكم ورددتَ عليه بلفظ وعليكم السلام ورحمة اللّه أنكَ تقصد ب عليكم السلام الوجوب وبما زاد الندب ، بل تقصد بالجميع الوجوب ؛ فإنه أجمع أحدُ أفراد المخيّر ، وكلّ منها يُفعل بعنوان الوجوب.

وكذلك الكفائيّ معناه وقوع التخيير للجماعة الذين كُلّفوا به بين أن يفعله واحد منهم أو أكثر ، ففِعْلُ الواحد مع ترك الباقين بمنزلة أحد أفراد المخيّر ، فلو فَعَلَه الثاني أيضاً كان فعل الاثنين بمنزلة الفرد الآخر من المخيّر ، فيلزم فيه ملاحظة الوجوب ؛ لأن فعل الاثنين مثلاً متعاقباً كان أو دفعة بمثابة فرد من أفراد المخيّر ، فلا منافاة بين كون فعل الاثنين مستحبّاً عيناً واجباً تخييراً كأفراد المخيّر.

وسقوط الإثم بعدم فعل أحد فردي المخيّر لا ينافي نيّة الوجوب بفعله إذا اختير ، وهذا معنى قول الشيخ حسين : في ( شرح المفاتيح ) : ( ولو كان المخاطب به يعني : السلام جماعة ، وهي اثنان فصاعداً ، فالردّ واجبٌ كفائيّ ، وردّ الجميع مستحبّ

ص: 469


1- إشارة إلى قوله تعالى : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها ) . النساء : 86.

عينيّ ) ، انتهى.

فلا تتوهّم أنه أراد أن ردّ ما زاد على الواحد مستحبّ ، أي ليس بواجب ؛ إذ لا تُشعر عبارته بهذا أصلاً ، ولو كان كذلك لكان معنى كلامه أنه إذا ردّ الجميع كان ردّ كلّ واحد مستحبّاً ، الأوّل والآخر ؛ لشمول لفظ الجميع لهما وما بينهما ، وأنه لو ردّ الجميع دفعة كان ردّهم مستحبّاً ، وهذا لا يقول به أحد من الأُمّة ، بل أراد بهذا مِثْلَ ما أراد بقوله : ( يجب الردّ بالأحسن أو المثل تخييراً وإن كان الأحسن مستحبّاً عينيّاً ) ، فجَعَلَ ردّ الجميع فرداً من أفراد ما خُيّر به مَنْ وجب عليهم الردّ من ردّ واحد أو أكثر ، فجَعَل رَدّ الجميع في الكفائيّ كالردّ بالأحسن في التخيير.

والظاهر أن هذا مقصود فقهائنا بمثل هذا الكلام ، فتنبّه فإنه دقيق ، ولا تستوحش من قلّة مَنْ نبّه على هذا بواضح البيان.

ولعلّ ما جاء في أخبار الباب التي هي الدليل بعد الإجماع على كفاية ردّ واحد من الجماعة إذا سلّم عَليهم مسلّم مثل موثّق غياث بن إبراهيم : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال إذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردَّ واحد أجزأ عنهم (1) وخبر ابن بكير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال إذا مرَّت الجماعة بقوم أجزأهم أنْ يسلِّم واحد منهم ، وإذا سلَّم على القوم وهُمْ جماعة أجزأهم أنْ يردَّ واحد منهم (2) وأمثالهما يشعر بأن الردّ مطلقاً واجب ؛ لما فيه من الإشعار بأن ردّ الواحد من الجماعة أقلّ الواجب وأدنى مراتبه ، فأشعر بأن الردّ الواجب درجات ، أدناها ردّ واحد من الجماعة ، فيكون ردّ الاثنين درجة فوقه ، وهكذا إلى أن يردّ الجميع دفعة أو متعاقبين.

وردّ الجميع أعلى الدرجات ؛ ولذا قال العلماء : إن ردّ الجميع واجب كفاية ومستحبّ عيناً. ولمْ يُفَرّقوا بين ردّ الجميع دفعة أو متعاقبين ، بل أطلقوا بأن ردّ الجميع واجب كفاية ، مستحبّ عيناً.

ص: 470


1- الكافي 2 : 647 / 3 ، وسائل الشيعة 12 : 75 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 46 ، ح 2.
2- الكافي 2 : 647 / 1 ، وسائل الشيعة 12 : 75 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 46 ، ح 3.

فقد بان أن الكفائيّ والتخييريّ نوعان لمطلق ما اقتضت الحكمة تخيير المكلّفين التخيير فيه إلّا إن الأوّل في فعل الفاعل من حيث هو فاعل ، والثاني في فعله من حيث هو مفعوله ، كلّ ذلك تخفيف من اللّه ورحمة ، فكأن الجماعة المسلّم عليهم شخص واحد بملاحظة الهيئة الاجتماعيّة ، وكلّ واحد كأنه جزء من تلك الوحدة.

ولا ريب أن المسلّم إذا سلّم على متعدّدين يُلاحِظ أنه يسلّم على جملتهم من حيث إنهم جملة ، وعلى جميعهم من حيث الجمعيّة الحاصلة لهم حينئذٍ ، فكأنه يُلاحظ التسليم على شخص ذي أجزاء لا عليهم من حيث تعدّدهم ، وإلّا لم يكن فرق بين أن يسلّم على كلّ واحد واحد بعينه بسلام متعدّد ، أو بأنْ يقول : السلام عليك يا فلان ، ويا فلان ، ويا فلان ، وبين أن يقول : السلام عليكم. ملاحظاً للسلام على الجميع من حيث هو جميع.

والفرق واضح ؛ إذ لا ينبغي الشكّ في وجوب الردّ على كلّ واحد منهم إذا لاحظ المسلّم وقصد التسليم على كلّ واحد ولو بالصيغة الأخيرة ؛ لأن ردّ السلام ثابت وجوبه لا يسقط إلّا بوجه دلّ عليه الشرع ، ولا دليل هنا. والأصل أيضاً عدم إجزاء فعل الغير في سقوط ما وجب على الغير ، ولا دليل هنا على إجزاء ردّ الغير عن الغير.

وخرج ما لو سلّم على جماعة بعنوان الجمعيّة ، وملاحظة الوحدة الحاصلة من الهيئة الاجتماعيّة بدليل ، فيبقى ما سوى ذلك في عهدة التكليف حتّى يردّ بنفسه. وكأنهم أرادوا جميعاً حينئذٍ شخصاً واحداً كُلّفَ بعبادة فعملها بجميع أجزائه ، وذلك أكمل أفراد امتثاله ، وتأديته ما وجب عليه.

وأمّا وجه سقوط الإثم عن الكلّ إذا ردّ واحد منهم فظاهرٌ ممّا قرّرناه ؛ إذ هو حينئذٍ بمثابة عمل بعض الكلّ من حيث هو بعض ، فيجزي عن كلّه من حيث هو كلّه ، وذلك حينئذٍ بمثابة ذكر اللسان الواجب ، فإنه يُسقط العقاب ، ويُوجبُ الثواب عن كلّ الإنسان ، وله ، فما أشبه هذا بهذا!.

ص: 471

وأيضاً فإنه إذا ثبت أن بيع الحاكم عن الممتنع عن أداء ما لزمه من الحقّ الماليّ ، وإخراجه الزكاة عن الممتنع عن إخراجها قهراً ، وأمثال ذلك كالحجّ الواجب عن الميّت إجماعاً ، وعن الحيّ العاجز لكبر وضعف على المشهور ، وغير ذلك وهو كثير ، يجزي فيه فعل الغير عن الغير ولو كان عبادة مع تباين الشخصين ، فَلأَن يجزي فعل ردّ السلام من واحد من الجماعة عنهم ، ويُسقط الإثم عن الباقين مع كونه حينئذٍ جزءاً من كلّ ، وبعضاً من جملة ، أوْلى مع ملاحظة انضمام سعة رحمة اللّه وبناء التكليف على التخفيف ، فتيقّظ فإن المقام دقيق.

وأيضاً ابتداء السلام مستحبّ كفائيّ لا نعلم فيه خلافاً ، فلو سلّم واحد من القوم أجزأ عنهم ، والأخبار دالّة عليه ، مع أنه لا يكاد أحد يشكّ في بقاء استحباب التسليم من كلّ واحد بلا منافاة بين السقوط بفعل الواحد ، وبين بقاء الاستحباب في نفسه لكلّ واحد كفاية. فكما أن تسليم واحد من القوم لا يغيّر ذات ابتدائه عن كونه مستحبّاً كفائيّاً لو سلّمَ غيره ولو غيّره عن ذلك لسقط التكليف به رأساً ، وهو ظاهر البطلان. ولا قائل بوجود قسم مباح في الابتداء كذلك لو ردّ واحد من القوم لم يخرج الردّ من غيره بعد عن حقيقته ، وتنقلب ذاتُه إلى الاستحباب بحكم المقابلة ، ولأن اتّصاف الأفعال والعبادات بأحد العناوين الخمسة ليس يدور ويتسبّب عن أفعالهم ، ولا عليها ، ووجوب الردّ على الإطلاق ثابت على الرادّ ، وكذا وجوب الصلاة على الجنازة ، بل الكفائيّ قام إجماع العصابة على وجوبه على كلّ مستجمع للشرائط. فانقلابه حينئذٍ إلى الاستحباب يحتاج إلى دليل قاطع ، وسقوط الإثم لا يستلزمه كما عرفت.

وأيضاً فالقول بأن الثاني مثلاً إذا صلّى وردّ السلام بعد كمال عمل الأوّل ينوي الندب في الحقيقة قول بسقوط التكليف عن الثاني بما كلّف به ، وعدم مشروعيّة تكراره مطلقاً ؛ فإن النفل قسم من مطلق التكليف يباين الواجب ، فالمنوي حينئذٍ غير الساقط ، فليس هو إعادة لما سقط ولا تكراراً له ، وإنما هو عمل مستقل وتكليف

ص: 472

آخر خارج عن الكفائي الواجب والمندوب فهو مستحب عينيّ. فهذا القول مستلزم لعدم مشروعيّة إعادة العمل الواجب الكفائي مطلقاً ؛ فهذا التكليف يحتاج في تحقّق مشروعيّته إلى دليل ، ولا دليل.

واستدل الشهيد الثاني لهذا القول بأن الغرض متعلق بالجميع ؛ وإنما سقط عن البعض ؛ تخفيفاً ، ولما فيه من ترغيب المصلّين ؛ لأن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل ) ، انتهى.

ودليله الأوّل عرفت وجهه ، والثاني كما ترى ، ونحن في غنًى عنه.

والقول الثاني : هو الاستحباب كما نقله في ( التمهيد ) (1) ، ولا تتوهّم أن السيّد : في ( المدارك ) ذهب إليه ، حيث قال رحمه اللّه في شرح قول المحقّق : ( وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرّتين ) (2) - : ( اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال العلّامة : في ( المختلف ) (3) : ( المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميّت ) ، وقيّد ابن إدريس (4) الكراهة بالصلاة جماعة لتكرار الصحابة الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : فرادى ، وقال الشيخ : في ( الخلاف ) : ( مَنْ صلّى على جنازة يُكره له أن يصلّي عليها ثانياً ) (5) ، وهو يُشِعرُ باختصاص الكراهة بالمصلّي المتّحد ، وربّما ظهر من كلامه في ( الاستبصار ) (6) استحباب التكرار من المصلّي الواحد وغيره.

والأخبار الواردة في هذه المسألة مختلفة ، فورد في بعضها الأمر بالصلاة لمَنْ لم يُصلّ ، كموثّقة عمّار الساباطي : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال الميّت يُصلّى عليه ما لم يُوارَ بالتراب وإنْ كان قد صلّي عليه (7) ، وموثّقة يونس بن يعقوب : عن أبي عبد اللّه عليه السلام :

ص: 473


1- تمهيد القواعد : 50.
2- شرائع الإسلام 1 : 97.
3- مختلف الشيعة 2 : 309 - 310 / المسألة : 194.
4- السرائر : 360.
5- الخلاف 1 : 726 / المسألة : 548.
6- الاستبصار 1 : 485 / ذيل الحديث 1878.
7- تهذيب الأحكام 3 : 334 / 1045 ، الإستبصار 1 : 484 / 1874 ، وسائل الشيعة 3 : 86 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 19.

قال : سألته عن الجنازة لمْ أُدركها حتّى بلغت القبر ، أُصلّي عليها؟ قال إنْ أدركتها قبل أنْ تُدفن فإنْ شئتَ فصلِّ عليها (1).

وورد في بعض النهي عن ذلك كرواية وهب بن وهب : عن جعفر : عن أبيه عليهما السلام إنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : صلّى على جنازة ، فلمّا فرغ جاء أُناس فقالوا : يا رسول اللّه : ، لم ندرك الصلاة عليها. فقال : لا يصلّى على جنازة مرَّتين ، ولكن ادعوا له (2).

ورواية إسحاق بن عمّار : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : مثله (3).

وهذه الروايات قاصرة من حيث السند ، وجَمَعَ الأكثر بينها بحمل النهي على الكراهة ، وظاهرهم الاتّفاق على الجواز.

أمّا تكرار الصلاة من المصلّي الواحد فلمْ أقفْ فيه على رواية ، سوى ما نُقِلَ من صلاة أمير المؤمنين : صلوات اللّه عليه على سهل بن حنيف : خمس مرّات ، وقد روي ذلك بعدّة طرق ، منها : ما رواه الشيخ : في الحسن عن الحلبي : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال كبَّر أمير المؤمنين عليه السلام : على سهل بن حنيف : ، وكان بدريّاً ، خمس تكبيرات ، ثمّ مشى ساعة ، ثمَّ وضعه وكبَّر عليه خمساً اخرى ، فصنع ذلك حتّى كبَّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة (4).

وعن أبي بصير : عن أبي جعفر عليه السلام : نحو ذلك ، وفي الرواية أنه عليه السلام كلَّما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين ، لم ندرك الصلاة على سهل. فيضعه فيكبِّر عليه خمساً حتّى انتهى إلى قبره

ص: 474


1- تهذيب الأحكام 3 : 334 / 1046 ، الإستبصار 1 : 484 / 1875 ، وسائل الشيعة 3 : 86 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 20.
2- تهذيب الأحكام 3 : 332 / 1040 ، الإستبصار 1 : 485 / 1879 ، وسائل الشيعة 3 : 87 - 88 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 24.
3- تهذيب الأحكام 3 : 324 / 1010 ، الإستبصار 1 : 484 / 1878 ، وسائل الشيعة 3 : 87 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 23.
4- الكافي 3 : 186 / 2 ، وسائل الشيعة 3 : 80 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 1.

خمس مرّات (1).

وبذلك احتجّ الشيخ (2) : على استحباب الإعادة مطلقاً ، وهو إنما يدلّ على استحباب الإعادة للإمام خاصّة ، لكنْ قال العلّامة : في ( المختلف ) : ( إن حديث سهل ابن حنيف : مختصّ بذلك الشخص ؛ إظهاراً لفضله ، كما خصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله : عمّه حمزة : بسبعين تكبيرة (3) ) (4).

وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام : في ( نهج البلاغة ) (5) ما يدلّ على ذلك.

وكيف كان ، فينبغي القطع بكراهة التكرار من المصلّي الواحد لغير الإمام ، بل يُمكن القول بعدم مشروعيّته ؛ لعدم ثبوت التعبّد به.

أمّا الإمام فلا يبعد الحكم بأنه يستحبّ له الإعادة بمن لم يصلّ ؛ للتأسّي ، وانتفاء ما ينتهض حجّة على اختصاص الحكم بذلك الشخص. ومتى قلنا بمشروعيّة الإعادة ، وأُريد التعرّض للوجه ، نوى الندب ؛ لسقوط الفرض بالأوّل ، وجوّز المحقّق الشيخ عليّ : إيقاعها بنيّة الوجوب اعتباراً بأصل الفعل ، ولا وجه له ) (6) ، انتهى.

ولفظ عبارة الشيخ عليّ : في شرح قول المحقّق : في ( الشرائع ) (7) والعلّامة : في ( القواعد ) (8) : ( وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرّتين إذا كان المصلّي واحداً أو كان التكرار منافياً للتعجيل ، ويتخيّر في المُعادة بين نيّة الوجوب اعتباراً بأصل الفعل ، والندب اعتباراً بسقوط الفرض ) (9) ، انتهى.

ص: 475


1- الكافي 3 : 186 / 3 ، وسائل الشيعة 3 : 81 - 82 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 5.
2- الاستبصار 1 : 485 / ذيل الحديث 1887.
3- الكافي 3 : 186 / 1 ، وسائل الشيعة 3 : 82 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 6.
4- مختلف الشيعة 2 : 309 - 310 / المسألة : 194.
5- نهج البلاغة : 527 - 528 / الكتاب 28 ، وفيه : « ألا ترى غير مخبر لك ، ولكن بنعمة اللّه أُحدِّث أن قوماً استشهدوا في سبيل اللّه تعالى من المهاجرين والأنصار ، ولكلٍّ فضلٌ حتّى إذا استشهد شهيدنا ، قيل : سيِّد الشهداء ، وخصَّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه ».
6- مدارك الأحكام 4 : 183 - 186.
7- شرائع الإسلام 1 : 97.
8- قواعد الأحكام 1 : 20 ( حجريّ ).
9- جامع المقاصد 1 : 428 - 429 ، بالمعنى.

وكلاهما لم يُرد ما نحن فيه من نيّة مَنْ أراد أن يصلّي على ميّتٍ بعد أن صلّى عليه غيره ، بل أرادا نيّة من صلّى ثمّ أراد أن يُعيد الصلاة هو مرّة أُخرى على فرض مشروعيّتها ، وهذه حينئذٍ بمنزلة اليوميّة المُعادة جماعة.

فقد قيل بالتخيير فيها بين نيّة الوجوب والندب ، والمشهور المنصور أنها لا تُعاد إلّا ندباً ؛ لانقضاء الفرض ، وعدم الدليل على ثبوت التكليف بفرضي ظهر مثلاً في يوم ، فهو حينئذٍ خارج عن الشريعة ، والتخيير أيضاً لا معنى له ؛ لأن العبادة بأصل الشرع ؛ إمّا واجبة ، أو مندوبة بذاتها. وكلّ منهما لا ينقلب حقيقته إلى الآخر باختيار أحد من المكلّفين ، وإنما توصف الأفعال وتتحقّق بصفة الوجوب أو الندب وغيرهما من الصفات الخمس بحسب حكمة اللّه وحده ، فلا أرى وجهاً لجواز نيّة الوجوب في المُعادة من شخص واحد ، فضلاً عن الجواز ؛ إذ لا يظهر دليل على مشروعيّتها بوجه أصلاً ، وكلامهما خارج عمّا نحن فيه.

وما مال إليه السيد : رحمه اللّه (1) من عدم مشروعيّة تكرار الصلاة من الشخص الواحد إذا لم يكن إماماً وصلّى بجماعة أُخرى مطلقاً ، سواء صلّى الأُولى جماعة أو منفرداً ، قويّ جدّاً.

ومثله إعادة الصلاة جماعة للإمام أيضاً بمن صلّى بهم أوّلاً ؛ فإنه لم يظهر لي دليل على مشروعيّة ذلك.

فأمّا إعادتها بمعنى تكرارها من أشخاص متعدّدين ، ومن الإمام بجماعة آخرين ، فلا شكّ في مشروعيّته.

وفي كراهته فرادى أو جماعة نظر ؛ لعدم ما يقاوم ويعارض ما مرّ من الأخبار من فعل المعصوم وتقريره ، وأمّا ما في ( المختلف ) (2) من اختصاص سهل : بذلك فممّا لا دليل عليه ، بل الدليل ينفيه ؛ لأن في أُمّة محمَّدٍ صلى اللّه عليه وآله : أمثاله كثير ، ومَنْ هو أفضل منه ، فلا يظهر وجه حكمة ولا دليل على اختصاصه بذلك دونهم. وما جاز بالنسبة لأهل

ص: 476


1- مدارك الأحكام 4 : 183 - 186.
2- مختلف الشيعة 2 : 310 / المسألة : 194.

الفضل جاز في غيرهم ؛ لعدم الفارق في هذا التكليف ، من نصّ ، أو فتوًى.

ولم أقف على ناصّ مصرّح من الأصحاب على اتّصاف صلاة المصلّي ثانياً على الجنازة بعد أن صلّى عليها غيره ، وسلام الرادّ بعد ردّ غيره بعنوان الندب.

ومثل عبارة ( الدروس ) (1) المتقدّمة وقول العلّامة : في ( التحرير ) : ( من لم يصلّ على الجنازة يستحبّ له أن يصلّي على القبر يوماً وليلة ، ثمّ لا يصلّي بعد ذلك على أظهر القولين ) (2) ، وما ماثلهما من عبارات الأصحاب ، فالظاهر أنهم إنما عَنوا الاستحباب العينيّ ، وهو يجامع الوجوب الكفائيّ والتخييريّ ، ولا أقلّ من الاحتمال.

وبالجملة ، فنيّة الاستحباب فيما نحن فيه لم أقف على مصرّح بها من الأصحاب إلّا ما تُوهّم عن ( روض الجنان ) (3) ولا على ما يدلّ عليه. وما استدلّ له به الشهيد رضي اللّه عنه : في ( التمهيد ) من ( سقوط الفرض بالأُولى ، ولا معنى للواجب إلّا ما يؤثم بتركه إمّا مطلقاً ، أو بغير بدل ، ولا إثم هنا على الباقين ) (4) قد مرّ جوابه ، فإن الكفائيّ يعمّ الخطاب به جميع المكلّفين ، بإجماع الفرقة.

ولم يُنقل الخلاف فيه إلّا عن بعض الشافعيّة (5) ، فإنهم ذهبوا إلى أنه واجب على فرد غير معيّن ؛ واحتجّوا بأن الواجب ما يستحقّ تاركه الذمّ والعقاب ، وهذا التارك لا يستحقّ ذمّاً ولا عقاباً إذا فعله غيره ، فلا يكون واجباً عليه ، ولأن الواجب لا يسقط بفعل الغير ، ولأنه كما أمَرَ بواحد مبهم ، جاز أمْرُ بعضٍ مبهم ، ولأنه تعالى أوجبَ النفور للتفقّه في الدين (6) على بعض غير معيّنٍ.

ودليلهم الأوّل هو بعينه دليل القائل بالاستحباب في المبحوث عنه كما يظهر

ص: 477


1- الدروس 1 : 112.
2- تحرير الأحكام 1 : 19 ( حجريّ ).
3- روض الجنان : 310.
4- تمهيد القواعد : 50.
5- ذهب إلى ذلك صاحب المحصول ، انظر فواتح الرحموت ( في هامش المستصفى من علم الأُصول ) 1 : 63. والبيضاوي ، انظر مفاتيح الأُصول : 313 ( حجريّ ).
6- في قوله تعالى : ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) . التوبة : 122.

بأدنى ملاحظة.

وأجاب عنه القائلون بوجوبه على جميع المكلّفين من الخاصّة والعامّة بما مضمونه ومعناه ما أجاب به العلّامة : في ( النهاية ) حيث قال : ( والجواب أن ما ذكرتموه حدّ الواجب [ المعين (1) ] ، أمّا المخيّر فلا ، ولأنه على تقدير فعل الغير يسقط فلا يبقى واجباً عليه فلا يستحقّ ذمّاً ولا عقاباً. ولا استبعاد في أن يسقط الواجب على الشخص بفعل غيره إذا كان الغرض تحصيل ذلك الفعل وإدخاله في الوجود لا من مباشر معيّن.

والفرق بين الأمر بالمبهم والأمر له إمكان الإثم على ترك المبهم وإثم واحد مبهم غير معقول.

ويجب تأويل الآية على مَنْ يسقط الواجب بفعله ؛ جمعاً بين الأدلّة ، ولأنا نقول بموجبه ، فإن إيجاب النفور على بعض كلّ فرقة من غير تعيين يستلزم الوجوب على الجميع على الكفاية ، فإنه أوّل المسألة ) (2) ، انتهى.

وبهذا يسقط الاستدلال للقائل بالاستحباب بما في ( التمهيد ) زيادة على ما مرّ ، فإذا عمّ الخطاب بالكفائيّ جميع المخاطبين به ، وثبت وجوبه على كلّ فرد بمقتضى عموم الخطاب به للجميع ، وإن كان على وجه البدليّة ؛ إمّا لعدم الحكمة في إيجاده في الخارج مرّتين ، أو لتحقّق المفسدة أيضاً بفعله مرّتين كما في القسم الأوّل من قسميه ، أو لتحقّق مصلحة النظام الوجوديّ بفعله مرّة واحدة.

وإن قبلت الزيادة كما في الثاني ، فإمّا أن يعمل حينئذٍ فيما فيه النزاع بما يقتضي وصف فعله ثانياً بعد فعله أوّلاً من شخص آخر بالأدلّة التي مرّ ذكرها فنحكم بوجوبه مطلقاً ، أو نقول بعدم مشروعيّة فعله أكثر من مرّة مطلقاً ، اتّحد الفاعل أو اختلف ؛ التفاتاً إلى عبارات الفقهاء وعلماء الأُصول في تعريفه ، وحكمهم بأنه متى فَعَلَه واحد سقط عن الباقين.

ص: 478


1- من المصدر ، وفي الخطوط : ( العيني ).
2- نهاية الوصول إلى علم الأُصول : 202 ، ( مخطوط ).

فإن ظاهر إطلاق السقوط يقتضي عدم المشروعيّة ، ولا قائل بعدم مشروعيّة تكرار الصلاة على الجنازة من شخصين ، ولا تكرار ردّ السلام كذلك ، فلم يبقَ إلّا القول بوجوب ملاحظة نيّة الوجوب في فعل الشخص الثاني ، للردّ والصلاة ، وأمّا نيّة الاستحباب حينئذٍ فلا دليل يظهر عليها.

والعبادات لا تشرع إلّا كما أمر اللّه تعالى وأحبّ ، وهو الذي قسّمها برحمته وحكمته إلى واجب ومندوب بحسب قسمته الوجود إلى ذلك ، فإن فيه ما هو متمّم ومكمّل ، وفيه ما هو واجب بالذات. فالواجب لا تنقلب حقيقته إلى الندب ، ولا الندب إلى الوجوب بفعل بعض المكلّفين ، وما بالذات لا يزول ، ولا دليل هنا على انحلال ما وجب على جميع المكلّفين غير الفاعل الأوّل ، وانقلابه إلى الندب بعد فعل العامل الأوّل.

بل لو تأمّلت حقّ التأمّل لوجدتَ القول بذلك هو بعينه قول بعض الشافعيّة بأن الكفائيّ إنما وجب على واحد غير معيّن يرجع تعيينه إلى اختيار المكلّفين. وهو واضح الاستحالة والفساد ؛ لما عرفت ، ولأن أدلّة التوحيد تدفعه ؛ لمنافاته لها. فتأمّل المقام بقلب خالٍ من الشبهة والشكّ ، واعرف الرجال بالحقّ لا الحقّ بالرجال ، ثبّتنا اللّه وإيّاك على الصراط المستقيم ، والحمد لله ربّ العالمين.

تنبيهات

بقي هنا إلحاقة تكمل بها الرسالة ، فيها تنبيهات :

الأوَّل : تَفَطّنْ في قول العلّامة : وغيره في الجواب عن شبهة بعض الشافعيّة المذكورة : إن ما ذكره الشافعيّة حدّ الواجب العينيّ أمّا المخيّر فلا.

فإنه عنى بالمخيّر الكفائيّ ، ففيه إشارة إلى أن الكفائيّ تخييريّ بوجه. وفي هذا انسٌ لك فيما قرّرناه سابقاً وأوضحناه ، ووسيلة لقبوله ، وبه يتّضح معنى عبارة العلّامة : وأضرابه هنا.

الثاني : سقوط الكفائيّ عن المخاطبين به بفعل بعضهم ، هل مناطه الظنّ ، أو العلم؟

ص: 479

أطلق العلّامة : في ( النهاية ) و ( تهذيب الأحكام ) : أن مناطه الظنّ ، وكذلك السيّد عميد الدين : ، وجماعة.

قال في ( النهاية ) : ( والتكليف فيه موقوف على الظنّ ، فإذا ظنّ بعضٌ قيام غيرهم به سقط عنهم ، وإن ظنّوا عدم قيامهم وجب عليهم ، وإن ظنّ كلّ منهم عدم قيام غيره وجب على كلّ واحد القيام به ، وإن ظنّ كلّ فريق قيام غيرهم سقط عن الجميع ؛ لأن تحصيل العلم بأن غيره هل يفعل غير ممكن ، بل الممكن الظنّ ) (1) ، انتهى.

ومثله كلامه في ( تهذيب الأحكام ) وكلام عميد الدين : في شرحه ، وغير واحد من الأُصوليّين ، وشرط جماعة منهم الشيخ بهاء الدين : في ( الزبدة ) ، والشيخ جواد : في شرحها لسقوطه حصول العلم القطعيّ أو الظنّ الشرعيّ قال رحمه اللّه : ( الواجب الكفائيّ : ما يسقط عن الكلّ بفعل البعض قطعاً ، أو ظنّاً شرعيّاً ) (2).

وقال الشارح الشيخ جواد : ( فالواجب كفاية : هو ما يسقط عن الكلّ بفعل البعض قطعاً أو ظنّاً شرعيّاً ، والمراد بالظنّ الشرعيّ : ما نصبه الشارع حجّة كشهادة العدلين ، لا العدل الواحد. فعلى هذا سقوط التكليف إنما يكون مع القطع بفعل البعض له أو الظنّ الشرعيّ به ، فلو حصل لطائفةٍ ظنّ بوقوعه وطائفة اخرى لم يحصل لها ذلك الظنّ ، وجب على هذه الطائفة دون الاولى. وإذا حصل لكلّ طائفة ظنّ بعدم فعل الغير له ، وجب على الجميع. وإذا حصل لكلّ طائفة ظنّ شرعيّ أن الغير قد فعله ، سقط عن الكلّ.

لكن إذا حصل هذا الظنّ للجميع ولم يقم به أحد ، فهل يسقط الوجوب أم لا؟

فيه نظر ؛ إذ يلزم منه ارتفاع الوجوب قبل أدائه من غير نسخ.

ويدفعه أن سقوط الوجوب قد يكون بغير النسخ كانتفاء علّته ، مثل إحراق الميّت الرافع لوجوب الغسل.

ص: 480


1- نهاية الوصول إلى علم الأُصول : 202 ( مخطوط ) ، عنه في مفاتيح الأُصول : 316 ( حجريّ ).
2- الزبدة : 42 ( حجريّ ).

وحيث اشترطنا القطع أو الظنّ الشرعيّ بوقوعه ، فلو أخبرنا واحد بوقوع الصلاة على الميّت لم يسقط عنّا ؛ لعدم حصول الظنّ الشرعيّ بذلك.

أمّا لو صلّى عليه واحد مكلّف فهل يسقط الوجوب بذلك عنّا مطلقاً ولو كان أنثى ، أو يشترط فيه العدالة؟ إشكال ، ينشأ من عدم قبول خبر الفاسق لو أخبَر بإيقاعها ؛ لوجوب التثبّت عند خبره ، ومن صحّة صلاة الفاسق في نفسها. هذا هو المشهور في الحكم ، وفيه إشكال ينشأ من أن قيام الظنّ مقام العلم إنما هو بنصّ خاصّ ، أو بدلالة عقليّة ، ولا شي ء منهما فيما نحن فيه. ولأن الوجوب معلوم والمُسْقِطُ مظنون ، والعلم لا يسقط بالظنّ فتأمّل فيه ) (1) ، انتهى.

والذي يظهر لي أن المسألة تدور على الظاهر دون الأصل ، فيكفي في الحكم بسقوط التكليف به الظنّ الغالب المستند إلى الأمارات القويّة [ التي (2) ] يظهر منها قيام الغير به ، مثل إخبار العدل عن نفسه أو غيره ، ومثل استمرار عادة أهل محلّة الميّت واستقرارها على أنهم لا يدفنون ميّتهم بغير صلاة ، وخصوصاً إذا كان فيهم [ صالحٌ (3) ] ، ومثل مشاهدة صلاة أحد عليها ، مع العلم بمعرفته للصلاة وعلمه بوجوبها. وإلّا لزم الحرج ؛ إذْ العلم اليقينيّ لا يُمكن حصوله ، لو رأيتَ عدلين يصلّيان على جنازة أو أخبراك بأنه صُلّيَ عليها كان غايته الظنّ وإن كان ذلك علماً شرعيّاً ، لكنّه لا يفيد أكثر من الظنّ ؛ لعدم إمكان الاطّلاع على نيّتهما.

وأيضاً لو لم نقل بكفاية الظاهر والظنّ القويّ المستند إلى القرائن للزم أنه متى سمع المسلمون بميّت في أرضٍ لزمهم أجمعين السعي إلى الصلاة عليها ولو بسفر مع المكنة ، حتّى تقوم البيّنة بأنه صُلّي عليها أو يصلّون عليها. وهو خلاف عمل الأُمّة في سائر الأعصار ، بل عملهم على الدوام الاعتماد على مثل هذا الظنّ ، وتقديم

ص: 481


1- عنه في مفاتيح الأُصول : 314 ، 315 ( حجريّ ) ، ولم يورده كاملاً.
2- في المخطوط : ( الذي ).
3- في المخطوط : ( صلحا ).

الظاهر على الأصل ، و [ ما (1) ] وجدنا ولا سمعنا بمن طلب البيّنة في ذلك في عصر ، فالإجماع الفعليّ من المسلمين قائم على الاكتفاء بقيام مثل ذلك الظنّ ، وتقديم الظاهر على الأصل ، هذا مع ما فيه من الحرج والعسر والمشقّة الشديدة.

وأيضاً الإجماع قائم من الأُمّة على أنه متى فَعَلَه واحد ممّن خُوطِبَ به سقط عن الباقين وإن وقع الشكّ أو الخلاف في الاكتفاء بغير العدل ، فلا بدّ لذلك من مصدوق في الخارج ، وإلّا لكان هذراً من القول ، وحاشاهم من مثله ، خصوصاً في أحكام اللّه ، فنوّاب الإمام أجلّ من ذلك.

وفِعْلُ الواحد وإن كان عدلاً وشُوهِدَ فاعلاً لا يُثمر أكثر من الظنّ الذي اعتبرناه. والحقّ في غير العدل أن خبره مجرّداً عن العلم بفعله لا يفيد ظنّاً يُعتمد عليه في سقوط الواجب. وفعله المقطوع به بالمشاهدة أو شهادة العدلين به أو شياعه واستفاضته إن أثمر مثل ما ذكرناه من الظنّ سقط به الفرض ، وإلّا فلا.

وبالجملة ، فاشتراط القطع أو شهادة العدلين بفعل الغير في سقوط الفرض ربّما أدّى إلى القول بالوجوب العينيّ ، وفساده ظاهر.

مناقشة عبارة الشيخ جواد رحمه اللّه

ولنرجع إلى الكلام على عبارة الشيخ جواد رحمه اللّه : فنقول :

قوله : ( هو ما يسقط عن الكلّ بفعل البعض قطعاً أو ظنّاً شرعيّاً ).

أقول : فِعْلُ البعض لا يسقطه عن الكلّ ، وإنما يسقطه عن الباقين ؛ فإن العامل لا يحسن أن يقال سقط عنه بفعله ، فحقّ العبارة ما يسقط عن بقيّة المكلّفين بفعل غيرهم ، ولكنّ المقصود معلوم ، فالمناقشة في العبارة سهلة ، وإنما أردنا بيان مقصود العبارة.

ولكن حصول القطع غير ممكن ؛ لتوقّفه على الاطّلاع على الضمائر ؛ حتّى يعرف

ص: 482


1- في المخطوط : ( لا ).

صحّة النيّة وخلوصها لله ، ومطابقتها للشرع ، وذلك غير ممكن إلّا للمعصوم ، أو مَنْ أخبره المعصوم.

وإن أراد القطع العادي الحاصل بالقرائن القويّة المثمرة له ، فهو فردٌ ممّا ذكرناه من الظنّ ، وحينئذٍ لا حاجة إلى ذكر الظنّ الحاصل بشهادة العدلين ويجعله قسيماً للقطع ، فإنه قسم من الظنّ المعتبر ، وعلى هذا يرتفع الخلاف ويوافق قوله المشهور.

قوله : ( لكنْ إذا حصل هذا الظنّ للجميع ولم يَقُم به أحد ) أي ظنّ كلّ طائفة قيام غيرها به ، ( فهل يسقط الوجوب أم لا؟ فيه ) أي في سقوطه عن الجميع ( نظر ؛ إذ يلزم منه ) أي من سقوطه عن الجميع ( ارتفاع الوجوب ) أي ارتفاع التكليف الوجوبي بهذه العبارة عن جميع المكلّفين بها ( قبل أدائه من غير نسخ ) لهذا الحكم والتكليف.

( ويدفعه ) أي لزوم ما ذكر ( أن سقوط الوجوب قد يكون بغير النسخ ، كانتفاء علّته ، مثل إحراق الميّت الرافع لوجوب الغسل ) أي والتكفين والصلاة والدفن لو كان رماداً أو أعفته الرياح.

ولعلّه أراد بالعلّة مطلق السبب ، بما يشمل المحلّ والموضوع ، ولو قال : لتعذّره بذهاب محلّه وشبهه ، لكان أوضح.

ثمّ أقول : لو ظنّ الظنّ المعتبر كلّ فريق قيام الآخر به ، وفي الواقع لم يقمْ به أحد منهم ، فإن لم ينكشف ذلك لأحد منهم فلا ريب في سقوطه عن الكلّ ؛ لوجود المُسقِط ، ولا تكليف إلّا بعد البيان ، وهذا ممّا لا يعلمون ، ومثل هذا وشبهه عنى صلى اللّه عليه وآله بقوله رُفِعَ عن أُمّتي تسعة : الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه وما لا يعلمون .. (1).

وأيضاً هؤلاء حينئذٍ أخذوا بالرخصة وانتهوا إليها ، واللّه يُحبّ أن يُؤخذ برخصته كما يُحبّ أن يُؤخذ بعزائمه. وإن انكشف ذلك لكلّهم أو بعضهم فقد انكشف لمن علم به فساد ظنّه أنه باقٍ في عهدة التكليف إن كان التدارك ممكناً حينئذٍ فيجب عليه المبادرة للعمل ، وإلّا فالسقوط عنه باقٍ ؛ إذ لا يكلّف اللّه نفساً إلّا وسعها.

ص: 483


1- الخصال 2 : 417 ، باب التسعة / 9 ، وسائل الشيعة 4 : 373 ، أبواب لباس المصلِّي ، ب 13 ، ح 6 ، 8.

قوله : ( وحيث اشترطنا القطع أو الظنّ الشرعيّ ).

الأوْلى أن يقول : وحيث اشترطنا العلم القطعيّ أو الشرعيّ ، فإن الظنّ الحاصل من شهادة العدلين علم شرعيّ ؛ لأن الشارع أقامه مقام العلم القطعيّ ، ولذا أحلّ به الدماء والفروج والأموال وحقنها به ، وأوجب به الصوم والإفطار والحجّ والحدود والتعزيرات .. وغير ذلك. فيكون علماً وإن احتمل النقيض بحسب الإمكان العامّ رحمةً من اللّه وتسهيلاً لسبيل التكليف.

ثمّ نقول : القطع بمعنى اليقين الرافع للنقيض غير ممكن كما عرفت ، والظنّ الشرعيّ إن أراد به كلّ ما يحصل به الظنّ القويّ الراجح ، فهو ما قلناه ، فلا خلاف منه ، وأمثاله ممّن عبّر بمثل هذه العبارة (1).

وإن أراد خصوص الظنّ الحاصل بشهادة العدلين منعناه ؛ لما يؤول إليه من التكليف بما لا يطاق. وكثير من القرائن يفيد ظنّاً أقوى من الظنّ الحاصل بشهادة العدلين ، كمشاهدتهما يعملان ، بل مشاهدة العدل الواحد ، وكالشياع ، وكالوثوق بعادة المؤمنين العالمين بوجوب العمل ، وخصوصاً إذا خالطهم العدول ، وما أشبه ذلك.

قوله : ( فلو أخبَرَنا واحد ) أي وإن كان عدلاً ( بوقوع الصلاة على الميّت ، لم يسقط عنّا ، أي لعدم حصول سبب السقوط ؛ لعدم حصول الظنّ الشرعيّ ) الذي هو المُسْقِط ( بذلك ) أي بوقوع العمل في الخارج.

قوله : ( أمّا لو صلّى عليه واحد مكلّف ، فهل يسقط الوجوب بذلك عنّا مطلقاً ولو كان أُنثى ، أو يشترط فيه العدالة؟ إشكال ، ينشأ من عدم قبول خبر الفاسق لو أخبر بإيقاعها ؛ لوجوب التثبّت عند خبره ، ومن صحّة صلاة الفاسق في نفسها ).

قلت : لا ينبغي منه الشكّ والإشكال في عدم كفاية صلاة الواحد وإن كان ذكراً عدلاً في سقوط الفرض ؛ لأنه اشترط لسقوطه القطع أو الظنّ الشرعيّ ، وليس شي ء منهما حاصلاً بصلاة العدل الواحد قطعاً ، فضلاً عن الأُنثى أو الفاسق الواحد.

ص: 484


1- نسخة بدل : ( عبارته ).

وظاهر عبارته الاكتفاء بصلاة العدل الواحد وأنه لا إشكال حينئذٍ ، وهذا منافٍ لشرطه القطع أو العلم الشرعيّ ، وإنما يتمّ هذا البحث على ما اخترناه.

وحينئذٍ نقول : إن حصل بصلاة العدل ذكراً كان أم أُنثى ظنّ قويّ بانضمام القرائن الخارجة المثمرة له كشدّة صلاحه ، ورغبته في الأعمال ، ومبادرته ، وما أشبه ذلك كفى في السقوط عمّنْ شاهده ، وإلّا فلا.

أمّا صلاة الفاسق والفاسقة فلا تكفي في تحقّق المُسقِط للفرض الثابت بيقين ، ثمّ أيّ فرق بين شهادة العدل الواحد ورؤيته يصلّي؟ فإن صحة صلاته إنما تُعْلَم بخبره ، فإذا كان شهادته لا تكفي في سقوط الفرض ، فمشاهدته يصلّي بدون إخباره لا تكفي بطريق أوْلى ، وإخباره بعد صلاته بصحّتها لشهادته ، بل شهادته أقوى.

وصحّة صلاة الفاسق في نفس الأمر لا تثمر ظنّاً بصحّتها ، فضلاً عن القطع أو الظنّ الشرعيّ الذي اعتبره ؛ لأن وقوعها صحيحة لا يُعلَم إلّا بخبره ، وخبره أضعف من شهادته ، مع أن شهادته غير مقبولة ، فسقط الإشكال من أصله.

قوله : ( هذا هو المشهور ) يعني : الاكتفاء بصلاة الواحد الفاسق. وهذا بإطلاقه مع ما اختاره هو على طرفي إفراط وتفريط.

والحقّ ما قلناه من أنه إن أثمر ظنّاً معتبراً يتحقّق به ظاهريّة وقوع الفعل كفى في السقوط ، وإلّا فلا ، كالعدل. ونمنع أنه بإطلاقه هو المشهور ، بل المشهور ما قرّرناه من الظنّ القويّ المستند إلى القرائن الشرعيّة أو العرفيّة أو العاديّة القويّة.

قوله : ( وفيه إشكال ينشأ من أن قيام الظنّ مقام العلم إنما هو بنصّ خاصّ ، أو بدلالة عقليّة ، ولا شي ء منهما فيما نحن فيه ، ولأن الوجوب معلوم [ والمسقط ] (1) مظنون ، والعلم لا يسقط بالظنّ ).

أقول : هذا الإشكال مأخوذ من كلام الشهيد : في ( الروض ) في بحث أحكام

ص: 485


1- في المخطوط : ( السقوط ) وما أثبتناه وفقاً للنص الذي نقله المصنِّف عن شارح ( الزبدة ). المتقدّم في ص 19.

الأموات ، حيث قال رحمه اللّه : ( واعتبر المصنّفُ وجماعة في سقوط التكليف به الظنّ الغالب ؛ لأن العلم بأن الغير يفعل كذا في المستقبل ممتنع ، فلا تكليف به ، والممكن تحصيل الظنّ ، ولاستبعاد وجوب حضور جميع أهل البلد الكبير عند الميّت حتّى يدفن ، ونحو ذلك ).

إلى أن قال : ( ويشكل بأن الظنّ إنما يقوم مقام العلم مع النصّ عليه بخصوصه ، أو دليل قاطع. وما ذُكِر لا تتمّ به الدلالة ، فإن تحصيل العلم بفعل الغير في المستقبل ممكن بالمشاهدة ونحوها من الأُمور المثمرة له ، والاستبعاد غير مسموع ، وباستلزامه سقوط الواجب عند عدم العلم بقيام الغير به ، وامتناع نيّة الفرض من الظان عند إرادة المباشرة ، وبأن الوجوب معلوم والمُسْقِط مظنون ، والمعلوم لا يسقط بالمظنون ) (1) ، انتهى.

ثمّ نقول : الدلالة العقليّة والشرعيّة قائمتان على قيام الظنّ الذي اعتبرناه مقام العلم هنا :

أمّا الاولى ؛ فلأن العلم اليقينيّ بقيام الغير بالعمل غير ممكن إلّا للمعصوم أو مَنْ يُخبره به المعصوم كما تقدّم ، فتكليف عامّة البشر به تكليف بما لا يطاق ، وهو محال على اللّه ، فوجب في حكمة أرحم الراحمين أن يقوم الظنّ المذكور مقام العلم هنا ، لا كلّ ظنّ ووهم.

وأمّا الثانية ؛ فلما عرفت من إجماع الأُمّة على العمل به هنا ، وإقامتهم إيّاه مقام العلم. وأنتَ إذا تدبّرت الأخبار وجدتها غير خالية من الإشارة إلى ما قلناه ، على أنه لو شرطنا في كلّ حكم وجود نصّ خاصّ لتعطّل جُلّ أحكام الشريعة ، ولبطل الاستدلال بالعامّ والمطلق والمجمل والمفهوم والفحوى ، وغير ذلك من ضروب الدلالات ، وهو باطل بالضرورة.

فحصر الحكم في الدلالة العقليّة أو النصّ الخاصّ مخالف لإجماع الفرقة ، بل

ص: 486


1- روض الجنان : 92 ( حجريّ ).

للضرورة الوجدانيّة من النصّ المتواتر المضمون والفتوى ، واللّه العالم. وبهذا يظهر دفع الإشكال.

والمشاهدة لا تحصّل أكثر من الظنّ القويّ المثمر لظاهريّة حصول المسقط ، لا العلم القطعيّ المقاوم ليقين شغل الذمّة بالتكليف ؛ لتوقّفه على معرفة الضمائر والسرائر. فإن أراد بالعلم ما ذكرناه فمرحباً بالوفاق.

والاستبعاد مسموع ؛ لأن منشأه حصول المشقّة والحرج ، واستلزامُ سقوط الواجب عند عدم العلم بقيام الغير به ممنوع ؛ لابتنائه على ندبيّة نيّة العامل ثانياً ، وفيه ما مرّ.

الثالث : لو وجد المكلّف مَنْ يُفيد فعْله أو قوله الظنّ المُسْقِط قد شرع في العمل ، مع قبول العمل ؛ لوقوعه من اثنين كصلاة الجنازة ، وردّ السلام ، وحمل الميّت ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما أشبه ذلك من الكفائيّ ، ولمّا يكمل العمل ، فهل يجوز له حينئذٍ التخلّف عنه والترك له؟

وجهان ، أحوطهما وأوفقهما بقواعد الشريعة الثاني ؛ ليقين توجّه الخطاب إليه ؛ ويقين استقرار الوجوب عليه حينئذٍ ، مع يقين عدم وجود المُسْقِط ، واحتمال عروض المفسدِ للعمل من الموت والإغماء والعجب والرياء ، وغيرها.

وللأوّل أن الظاهر في الأعصار والأمصار من عمل المسلمين ذلك ، ولأن الثاني لا يخلو من نوع حرج ، ولابتناء الباب على تحكيم الظاهر والعمل به دون الأصل ؛ لما يلزمه من العسر والحرج ، والاحتمالات لا ترفع الظاهر ، فإن انكشف وقوع شي ء منها وجبت المبادرة ورجع إلى الحالة السابقة على هذا الفعل ، فكأنه لم يكن منه أثر حينئذٍ.

وفي الثاني يقين السلامة من مخالفة الأمر ، وأوْلى بذلك ما لو رأيت جنازة محمولة لم يُصلّ عليها مثلاً ولو كان حاملوها ثقات.

وقال الشهيد : في ( الروض ) في أحكام الأموات بعد حكمه بأنها كلّها كفائيّة : ( والمراد بالواجب الكفائيّ هنا : مخاطبة كلّ مَنْ عَلِم بموته من المكلّفين ممّن يُمكنُه

ص: 487

مباشرة ذلك الفعل استقلالاً أو منضمّاً إلى غيره ، حتّى يعلم تلبّس من فيه الكفاية به ، فيسقط حينئذٍ عنه سقوطاً مراعًى باستمرار الفاعل عليه حتّى يفرغ.

ولو لا اعتبار المراعاة لزم عدم وجوب الفعل عند عروض مانعٍ للفاعل عن الإكمال ، وهو باطل ) (1) ، انتهى.

وهو حسن إن أراد بالعلم المغيّا ب- ( حتّى ) هو الظنّ الراجح الناشئ عن القرائن القويّة المثمرة ؛ لكون الظاهر الفعل حتّى يستقيم. أمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن ظننت أن في مشاركتك لمن شرع فيه زيادة نجع أو سرعة تأثير وجبت بلا إشكال ، وإلّا فكما تقدّم. وأهون هذا ردّ السلام لسرعة انكشاف الأمر فيه.

الرابع : الكفائي فوريّ ، فلو أخّره بما ينافي الفوريّة أثِمَ إن تعمّد ولم يسقط وجوبه ، ووجبت تأديته ما أمكن ، ما بقي محلّه وموضوعه ، بعنوان الوجوب أداءً ، ووقته العمر ؛ لأن موجبه من قبيل الأسباب ولم يحدّده الشارع إلّا في الصلاة على الميّت بعد الدفن ، فقيل : يوم وليلة. وقيل : ثلاثة أيّام. وقيل : لا حدّ له. وهو الأظهر.

الخامس : السلام ابتداءً وردّاً ، جُمِعَ الكفائي والتخييري واجباً وندباً فيهما ، فالكفائي المستحبّ ابتداء السلام ، فإذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وهو أدنى مراتب الندب ، ولا ترتفع ندبيّة الابتداء عن الباقين فيسلّمون ندباً ، وإنما كفى سلام أحدهم بالنصّ ، ولأن الحالة الاجتماعيّة لها وحدة جمعيّة ، فإذا سلّم أحدُهم فكأنه سلّمَ جزء ذلك الواحد ، فيكفي عن كلّه ، وسلام الكلّ أزكى للكلّ.

واعلم أن جميع السلام المبتدأ مندوب إلّا التسليم في آخر الصلاة ، فإنه واجب في مشهور العصابة.

والتخييريّ المستحبّ هو تخيير المبتدئ بالسلام بين الصيغ الثلاث.

والكفائيّ الواجب هو الردّ ، فإذا ردّ من القوم واحد أجزأ عن الباقين بالإجماع

ص: 488


1- روض الجنان : 92 ( حجريّ ).

والنصّ (1). والوجه التخريجي فيه ما مرّ من أن الحالة الاجتماعيّة لها وحدة جمعيّة ، فالمُسَلّم على الجماعة أو الاثنين ملاحظ أنه يُسَلّم على الجميع من حيث هو مجموع لا من حيث الانفراد والتعدّد ، فالواحد منهم حينئذٍ جزء الواحد الجمعيّ المتألّف من الأفراد ، فإذا ردّ الواحد فكأنه ردّ جزء الواحد ، فيكفي عن الكلّ ، وهو أدنى مراتب عمل ما وجب على ذلك الواحد المجموعيّ ، فلو ردّ غيره ردّ وجوباً سواء ردّ الباقون دفعة أو متعاقبين ؛ إذ لا فرق بين اتّحاد زمن ردّ كلّ واحد بنفسه ، أو تعاقب أزمان ردّهم.

والواجب التخييري فيه هو التخيير في الردّ بين المثل والأحسن ، فلو قال المسلّم سَلام عليكم مثلاً ، وقال الرادّ وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته ، كان مجموعُ الردّ فرداً من أفراد التخييريّ ، فيجب قصد الوجوب بجميع صيغة الردّ ، لا نعلم فيه خلافاً. فلا تتوهّم أن ما زاد عن المثل من صيغة الردّ مندوباً ، وإلّا لم يكن الردّ في مثله من الواجب المخيّر ، وهو من الواجب المخيّر إجماعاً ونصّاً (2) بلا معارض.

والردّ يجب فوراً بلا خلاف يُعرف ، فلو أخّره عمداً أثِم ، وسهواً أو لعذر لم يأثم ، ولا يسقط الوجوب حينئذٍ ، بل يجب المبادرة إليه ما أمكن. ووقته العمر أداءً ؛ لعدم الدليل على تحديد وقت أدائه ، وعدم ورود القضاء فيه.

إذا عرفت هذا فاعلم أن الذي يظهر لي من اختلاف الأخبار في صيغة السلام في آخر الصلاة أن الصيغ الثلاث واجبة تخييراً ، فالمصلّي يجب عليه أحدها تخييراً ، وأن حاله كحال المسلّم في غير الصلاة ابتداءً. فعلى هذا يجب على المأموم أن يأتي بالمثل أو الأحسن تخييراً كحال الرادّ في غير الصلاة.

السادس : الكفائي قسيم للتخييري كما عرّفه ، فله شبه بالمندوب من حيث جواز الترك لا إلى بدل بعد قيام الغير به ، أو ظنّه كما مرّ. وقد ذكر ذلك الشهيد : في

ص: 489


1- الكافي 2 : 647 / 1 ، 3 ، وسائل الشيعة 12 : 75 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 46 ، ح 2 ، 3.
2- الكافي 2 : 645 / 9 ، وسائل الشيعة 12 : 66 ، أبواب أحكام العشرة ، ب 39 ، ح 1.

قواعده كما سبق.

السابع : الكفائي ينقسم إلى معاملات وعبادات ، والعبادات منه ما هو مشابه للمعاملات ؛ لعدم خلوّها من تعلّقه بالغير من الناس أو غيرهم. وكلّ منهما قد يكون متعلّقه وموضوعه أمراً كلّيّاً ، وقد يكون جزئيّاً. فالأوّل من الأوّل مثل عمل الصنائع التي لا يقوم نظام التمدّن إلّا بها ، مثل البناية والحدادة ، وشبههما. والثاني منه مثل إطعام هذا الجائع ، وسقي هذا الظمآن ، وإنقاذ هذا الغريق ، وشبه ذلك.

والأوّل له شَبَهٌ بالمباح بالنسبة إلى خصوصيّات جزئيّاته ؛ ولذلك صحّ الاستئجار فيه على جزئيّات الأعمال بالنسبة إلى خصوصيّات الأشخاص ، وجاز للعامل الامتناع منها ، فتلطّف لكلّ موضع واحكم عليه بما يناسبه.

والأوّل من الثاني مثل سُكنى الحرمين ، ومطلق حجّ البيت لا باعتبار مباشر معيّن ، وشبههما. وفي بعض أنواع هذا القسم ما يشبه المعاملات ، كالمثال الأوّل ؛ ولذا جاز الاستئجار عليه وإن لم يجز الامتناع منه قبل قيام الغير به.

والثاني كتغسيل هذا الميّت ، والصلاة عليه ، وشبههما. وما لا يتعلّق منهما بالأمر الكلّي من حيث هو ، فالظاهر عدم جواز أخذ الأُجرة عليه مطلقاً.

تنبيه : قال الشهيد : في ( الروض ) : ( والنيّة معتبرة فيهما يعني : تحنيط الميّت وتكفينه لأنهما فعلان واجبان ، لكنْ لو أخلّ بها لم يبطل الفعل. وهل يأثم بتركها؟ يحتمله ؛ لوجوب العمل ، ولا يتمّ إلّا بالنيّة ؛ لقوله عليه السلام لا عمل إلّا بنيَّة (1).

وعدمه أقوى ؛ لأن القصد بروزهما للوجود كالجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقضاء الدين ، وشكر النعمة ، وردّ الوديعة ، فإن هذه الأفعال كلّها يكفي مجرّد فعلها في الخلاص من تبعة الذمّ والعقاب ، ولكنْ لا يستتبع الثواب إلّا إذا أُريد

ص: 490


1- الكافي 2 : 84 / 1 ، الخصال 1 : 18 ، باب الواحد / 62 ، الأمالي ( الطوسي ) : 590 / 223 ، وفيه : « بالنيّة » ، عوالي اللآلي 2 : 190 / 80 ، وسائل الشيعة 1 : 48 ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب 5 ، ح 9.

بها التقرّب إلى اللّه تعالى ، كما نبّه عليه الشهيد : في ( القواعد ) (1). ومن هذا الباب توجيهه إلى القبلة ، وحمله إلى القبر ، ودفنه فيه ، وردّ السلام ، وإجابة المُسَمّت ، والقضاء ، والشهادة وأدائها ، أمّا غسل الميّت فلا ريب في اشتراط النيّة فيه إذا لم يجعله إزالة نجاسة ، فلا يقع معتبراً في نظر الشرع إلّا بها ، كنظائره من الأغسال ) (2) ، انتهى.

وأقول : ظاهر كلامه هذا ، بل صريحه أن جميع ما ذكره من قسم المعاملات لا من قسم العبادات ، وعليه فلا معنى للإثم بترك النيّة وإن كانت شرطاً لحصول الثواب.

وقوله عليه السلام لا عمل إلّا بنيَّة (3) إن كان المراد به نفي التحقّق فنعم ، لكنّه لا يدلّ حينئذٍ على المطلوب ، وإن أُريد الصحّة والأجر منعناه في المعاملات وخصّصناه بالعبادات.

ثمّ نقول أيضاً : إنه رحمه اللّه استثنى التغسيل من جميع ما ذكره ، ولم يذكر دليلاً على وجوب النيّة فيه.

ومن ثمّ تردّد المحقّق في ( المعتبر ) (4) في وجوبها فيه ، واحتمل أنه من باب إزالة النجاسة ، فنحن نطالب مزهر ( الروض ) بالفرق بين التغسيل وغيره من واجبات الميّت على الكفاية غير الصلاة.

والتحقيق أن جميع ما ذكره من باب المعاملات كما أفاد ، فلا يُشترط في صحّته النيّة ، ولا إثم بتركها إلّا تغسيل الميّت ، فإنه عبادة ؛ لما تكثّرت به النصوص من أنه غسل جنابة (5) ، وكغسل الجنابة (6) ، وعُلّلَ فيها بأنه لأجل خروج النّطفة التي خلق

ص: 491


1- القواعد والفوائد 1 : 89 / القاعدة التاسعة والثلاثون ، الفائدة الأُولى ، ق 1 ، ف 2.
2- روض الجنان : 104 - 105 ( حجريّ ).
3- الكافي 2 : 84 / 1 ، الخصال 1 : 18 / 62 ، الأمالي ( الطوسي ) : 590 / 223 ، وفيه : « بالنيّة » ، عوالي اللآلي 2 : 190 / 80 ، وسائل الشيعة 1 : 48 ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب 5 ، ح 9.
4- المعتبر 1 : 265.
5- انظر : الكافي 3 : 163 / 1 ، علل الشرائع 1 : 348 / 2 ، وسائل الشيعة 2 : 488 ، أبواب غسل الميّت ، ب 3 ، ح 6.
6- انظر : تهذيب الأحكام 1 : 447 / 1447 ، وسائل الشيعة 2 : 486 - 489 ، أبواب غسل الميّت ، ب 3.

منها من بدنه (1) ، فهو غسل جنابة ، فهو إذن مثل تغسيل الجنب الحيّ وتوضيئه إذا عجز عنه. ولمّا كان حينئذٍ لا يُكلّف بالنيّة اختصّ وجوبها بالمباشر ، على أن الظاهر أن المسألة إجماعيّة.

وإلّا الجِهاد ، فإنه أحد أركان الإسلام الخمسة ، كما استفاضت به الأخبار ، فهو عبادة كالأربعة الباقية ، ولا ينافيه أن غايته الدفع عن المسلمين ، فإنها الغاية الظاهرة ، وفي الحقيقة غايته حفظ الإسلام وهياكل التوحيد ، فهو من أعظم العبادات. لكن لمّا كان ذلك لا يُمكن إلّا بحفظ المسلمين عبّر الفقهاء بأن غايته حفظهم. فمن هنا يُمكن أن يدخل إنقاذ المسلم من الهلكة في قسم العبادات.

وإلّا السلام وردّه ، وتسميت العاطس وإجابته ؛ إذ لا ينبغي الشكّ في أنها دعاء ، وكلّ دعاء عبادة ، بالكتاب (2) والسنّة (3) والإجماع.

وإلّا شكر النعمة إذا كان المنعم هو اللّه تعالى.

وقد أهمل ذكر ابتداء السلام وتسميت العاطس ، فإن كان لأنهما عبادة طالبناه بالفرق بين الابتداء والردّ ، وإلّا فَلِمَ أهملهما؟! وقد ذكر الردّ ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن غايتهما غاية الجهاد ، بل هو فرد منهما ، وفيه من دفع المفاسد الدينيّة ما لا يخفى.

وهذا آخر ما أردنا إملاءه في هذه الرسالة ، وقد وفدتُ بها على باب مالك رقّي ورقّ الخلائق ، الخلف بن الحسن : عجّل اللّه فرجه فإن قبلها فطالما عفا عن المذنبين مثلي ، وإن ردّها فبجرائمي ، وهو غير متّهم في عدله ، وأنا أعوذ وألوذ برأفته من سخطه ، وبعفوه من عقابه ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على باب الرحمة محمّد : وآله وسلم كما هم أهله.

ص: 492


1- انظر : الكافي 3 : 163 / 1 ، 2 ، 3 وسائل الشيعة 2 : 487 ، أبواب غسل الميّت ، ب 3 ، ح 2 ، 3 ، 4.
2- الفرقان : 77 ، غافر : 60.
3- الكافي 2 : 467 / 5 ، وسائل الشيعة 7 : 23 ، أبواب الدعاء ، ب 1 ، ح 2 ، 7 ، و 28 ، أبواب الدعاء ، ب 2 ، ح 14.

وقع الختام بقلم مؤلِّفها أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : آخر نهار اليوم الثامن عشر من شهر ذي القعدة الحرام السنة الثالثة والأربعين والمائتين والألف ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمَّد : وآله الطيِّبين الطاهرين ، وسلَّم تسليماً كثيراً.

تمَّت بعون اللّه وحسن توفيقه على يد العبد العاصي الآثم الجاني زرع بن محمَّد علي بن حسين بن زرع : ، عفا اللّه عنهم بمحمَّد : وآله المعصومين.

ص: 493

ص: 494

الرسالة السابعة عشرة : أجوبة مسائل السيد حسين البحراني

اشارة

ص: 495

ص: 496

مقدمة المؤلف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

الحمد لله ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم ، وصلّى اللّه على محمّد : وآله الطيّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

وبعد :

فيقول الأقلّ الأحقر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : إنه قد ورد عليّ مسائل من السيّد العالم العامل التقيّ الوفيّ الصفيّ ، السيّد حسين بن الفردوسيّ : السيّد أحمد. ولعمري ، إنه قد استسمن ذا ورم (1) ، ولكنّ شدّة حرص السائل على طلب العلم حمله على ذلك ، فطمع في وابل برق خلّب ، والحكمة ضالّة المؤمن (2) ، وإلّا فلست من رجال تلك الصناعة ، ولا من تجّار تلك البضاعة ، ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور ؛ لأن أمره عليّ واجب الإطاعة ، فها أنا ذا أُشرع في المقصود معتصماً بباب اللّه الأعظم.

ص: 497


1- انظر صبح الأعشى 1 : 530 ، وفيه : ( استسمنت ).
2- عوالي اللآلي 4 : 81 / 82.

ص: 498

الوجه في جعل المسجد الأقصى غاية للإسراء

قال حرس اللّه ذاته المحمّديّة - : ( ما الوجه في الآية الشريفة ، آية الإسراء قال اللّه تعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) (1) ، فجعل الغاية إلى المسجد وهو البيت المعمور ، كما ورد في ( العيّاشيّ ) (2) وغيره (3) مع أنه صلى اللّه عليه وآله مرَّ على جميع العوالم بأسرها والجنَّة والنار ، فما العلّة في هذه الغاية؟ ).

أقول : الإسراء : هو السير في الليل كما هو معلوم من نصّ أهل اللغة (4) ، فلا يسمّى السير في النهار إسراء ، وغاية مخروط ظلّ الأرض المعبّر عنه بالليل هو الفلك الثالث. وقد جاء في الأخبار أن الإسراء محدود ، فمنه ما وقع من المسجد الحرام إلى بيت المقدس خاصّة ، كما يشعر به بعض الأخبار (5) ، وفي بعضها (6) تفسير المسجد الأقصى بالبيت المعمور ، وفي بعض الأخبار (7) أنه في السماء الرابعة.

فعلى الأوّل الأمر واضح ، حيث إن بيت المقدس هو نهاية الإسراء.

وعلى الثاني يكون غاية الإسراء أي السير في الليل الذي هو ظلّ المخروط - الفلك الرابع ، لكن بملاحظة خروج الغاية ، وما زاد على هذا ليس إسراء.

وقد علمت أنه صلى اللّه عليه وآله صلّى بالجماعة في المعمور صلاة الظهر يوم الجمعة (8) ، فليس

ص: 499


1- الإسراء : 1.
2- تفسير العيّاشيّ 1 : 178 / 531.
3- الكافي 3 : 302 / 1 ، تفسير القمّيّ 2 : 9.
4- الصحاح 6 : 2376 سرا ، لسان العرب 6 : 252 سرى.
5- الكافي 8 : 218 / 376 ، تفسير القمّيّ 2 : 12 - 13.
6- الكافي 3 : 302 / 1.
7- تفسير العيّاشيّ 2 : 137 / 43 ، علل الشرائع 2 : 110 / 1.
8- الفقيه 1 : 202 - 203 / 925.

إذن ثمّة إسراء ، بل الإسراء قد انقطع دون ذلك ، ولم يبقَ سير ، بل السير يكون أيضاً إلى غاية ينقطع دونها ، ولا تبقى إلّا حركة جوهريّة ، فليس عند ربّك صباح ولا مساء.

هذا إن اعتبرنا مطلق الليل ، وإن اعتبرنا كمال الليل ، وهو الليل المعهود فذاك لا يجاوز الأثير ، بل ينقطع في الجملة دونها. وعلى هذا يختصّ الإسراء بمفارقته صخرة بيت المقدس ، فهي نهاية الإسراء وهو السير ليلاً.

وبعبارة اخرى : الإسراء : هو السير في الليل كما عرفت ، والليل أيضاً هو عالم الملك ، لما فيه من شوب ظلمة الجسمانيّات وإن ضعفت.

وقلت في بعضها ونهايتها : سيره صلى اللّه عليه وآله إلى البيت المعمور الكائن في السماء السابعة وهو الضراح (1) أو في السماء الرابعة على اختلاف الروايات بلا تنافٍ. فإن الأوّل باطن الثاني ، والنسبة بينهما كما بين النفس الحيوانيّة الإنسانيّة والحواسّ الخمس الدماغيّة (2) ، وهو أوّل الملكوت ، وهو من الجبروت كالساعة الفجريّة من الليل والنهار. وهناك ينتهي الإسراء وتظلّه الشمس التي هي حقيقة الشمس الحسّيّة الوجوديّة ، وهي حينئذٍ على دائرة نصف ذلك النهار ؛ ولذا صلّى صلى اللّه عليه وآله بهم الظهر ظهر الجمعة هناك ، لأنه جمعة ذلك الأُسبوع الجامع لمختصّات سائر أيّامه من أرضه ونباتها وأقواتها ، المخلوقة في يومين من اسبوعه وسماواته السبع.

وبالجملة ، فالإسراء مغيّا بما هو سير في ليل ، ولا تنافيَ بين تجديد الإسراء وكونه صلى اللّه عليه وآله مرّ على جميع العوالم ؛ فالإسراء نهايته المسجد ، والمعراج عامّ أو خاصّ ببيت المقدس على اختلافه ؛ منه عامّ ومنه أعمّ ، ومنه خاصّ ومنه أخصّ ، واللّه العالم.

ص: 500


1- تفسير القمّيّ 2 : 9.
2- وهي القوى الخمس الباطنة التي تنشأ من مقدَّمة الدماغ ، كما في الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة 8 : 205 ، وهي : ( مدركة الصور « الحس » ، والمصوِّرة « الخيال » ، والمتصرّفة في المدركات « متفكِّرة » ، ومدركة المعاني « المتوهِّمة » ، والحافظة « الذاكرة » ). للمزيد راجع الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، والإشارات والتنبيهات 2 :2. 332.

اختصاص عليّ عليه السلام بلقب أمير المؤمنين؟

ثمّ قال حرس اللّه حقيقته العلويّة - : ( الثانية : ما النكتة والسرُّ في اختصاص مولانا عليِّ بن أبي طالب عليه السلام : بلفظ أمير المؤمنين : دون ما سواه من المعصومين ، من محمَّد صلى اللّه عليه وآله إلى الحجَّة عليه السلام ما سواه؟ ).

أقول وباللّه المستعان - : لفظ أمير المؤمنين : له اعتباران : اسم علم لقبيّ ، ونعت وصفيّ ، وكلاهما متحقّقان لأمير المؤمنين عليه السلام.

فالاعتبار الأوَّل : هو اسم سمّى اللّه به عليّ بن أبي طالب (1) : عليه سلام اللّه - وحده ، ولا يجوز أن يسمّى به على جهة العلَميّة الاسميّة غيره ، بل هو مختصّ به.

وبالاعتبار الثاني : أعني : الوصف الناعت ، يجوز أن يوصف به غيره من محمَّد صلى اللّه عليه وآله : إلى صاحب الأمر ، عليه سلام اللّه.

أمّا اختصاصه عليه السلام بالتسمية بأمير المؤمنين : ، فيدلّ عليه الإجماع من أهل البيت عليهم السلام : وأتباعهم ، والنصوص المستفيضة.

ففي بعض التفاسير لبعض المتأخّرين (2) ، بسنده إلى تفسير محمّد بن عيّاش السلميّ : ، بسنده عن محمّد بن إسماعيل الرازيّ : عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : دخل رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام : ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقام عليه السلام على قدميه ، فقال مه ، هذا الاسم لا يصلح إلّا لأمير المؤمنين عليه السلام : ، سمّاه اللّه به ، ولم

ص: 501


1- الكافي 1 : 411 / 2.
2- البرهان في تفسير القرآن 2 : 174 / 2746 ، وقريب منه في كنز الدقائق 2 : 625.

يُسمَّ به أحدٌ غيره فرضي به إلّا كان منكوحاً ، وإن لم يكن ابتلي به ، وهو قول اللّه في كتابه ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلّا شَيْطاناً مَرِيداً ) (1).

قال : قلت : فماذا يدعى به قائمكم؟. فقال : يقال له : السلام عليك يا بقيّة اللّه : ، السلام عليك يا بن رسول اللّه (2).

ومنه (3) بسنده إلى غياث بن إبراهيم : في تفسيره عن فرات بن إبراهيم الكوفي (4) عن جعفر بن محمّد الفزاريّ : ، معنعناً عن عمر بن زاهر : قال : قال رجل لجعفر بن محمَّد عليهما السلام : نسلّم على القائم : بإمرة المؤمنين؟. قال لا ، ذلك [ سمّى (5) ] اللّه به أمير المؤمنين لا يسمّى به أحد قبله ولا بعده إلّا كافر. قال : كيف نسلّم عليه؟. قال تقولون : السلام عليك يا بقيَّة اللّه. ثمّ قرأ جعفر عليه السلام : ( بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (6).

فهذه الأخبار وغيرها دلّت على أنه اسم اختصّ به فلا يسمّى به أحد غيره أي لا يدعى على جهة الاسميّة الدالّة على ذات المسمّى غيره فإن الاسم ما دلّ وأنبأ عن المسمّى ، أي دلّ على ذات المسمّى الجامعة لصفاته. ولعلّ النكتة في ذلك أنه لمّا كان باعتبار الاسميّة والعلميّة بمعنى : باب مدينة العلم (7) : أي علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - فالمدينة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ، وهو عليه السلام بابها الذي لا يؤتى إلّا منه ؛ لأنه بمعنى ممير العلم - علم الرسول صلى اللّه عليه وآله : جميعَ المؤمنين من الأوّلين والآخرين من جميع العوالم حتّى أولاده ، ولا أحد يميره منهم. فهو دون ما سواه باب مدينة العلم ، والباب والمدينة كالشي ء المختلف باعتبار اختلاف الكلّ وأجزائه.

فأمير المؤمنين عليه السلام : اختصّ من الرسول صلى اللّه عليه وآله : بهذه النسبة الجزئيّة. فأمير المؤمنين عليه السلام : كالجزء من الكلّ ، ولا يطلق على الكلّ من حيث هو كلّ ، الجزء من

ص: 502


1- النساء : 117.
2- تفسير العيّاشيّ 1 : 302 / 273.
3- كنز الدقائق 4 : 536.
4- تفسير فرات الكوفي : 193 / 249.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : « سماه ».
6- هود : 86.
7- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ( ابن المغازلي ) : 84 / 125.

حيث هو جزء ، فلا يقال : إن الرسول صلى اللّه عليه وآله : هو باب مدينة علمه ، فيصحّ جزء نفسه ؛ لأنه هو عين المدينة ذات الباب. فكما لا يقال لغير عليّ عليه السلام : حتّى النبيّ صلى اللّه عليه وآله : باب مدينة علم الرسول : ، لا يقال لغيره مطلقاً : أمير المؤمنين : ، على وجه الاسميّة اللقبيّة ؛ لأن أمير المؤمنين بهذا الاعتبار وباب مدينة العلم بمعنًى واحد كالمترادف.

ولعلّ السرّ في ذلك أن عليّاً عليه السلام : هو الظاهر لولاية اللّه العظمى ، وهي ولاية محمَّد صلى اللّه عليه وآله : التي هي ولاية اللّه حقيقة. ولا بدّ لمحمّدٍ صلى اللّه عليه وآله : من ظاهر بها وحامل للوائها ، وهو لواء الحمد الجامع لجميع محامد الجمال والجلال ، بحيث لا يشذّ منه شي ء ، فكلّ ما في الخلق طرّاً من ذلك قطرة من بحار جماله وجلاله.

ولا يقال : محمّد : هو الظاهر بولاية نفسه ، ولا حامل لواء نفسه ، فإنه عين ولايته التي هي ولاية اللّه حقّا. ولا بدّ من المغايرة بين الظاهر والمظهر ، فلولا أن عليّاً كان مظهر ولاية محمّد : التي هي باطن نبوّته التي هي باطن رسالته لما ظهرت رسالته ، بل ولا نبوّته.

فهو منه كما قال صلى اللّه عليه وآله أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد (1) ، وأنت نفسي (2).

وهما باعتبار شي ء واحد ونور واحد ، فعليّ : هو الظاهر بخلافة اللّه العظمى التي هي خلافة محمّد : ، فكما لا يقال : اللّه عزّ اسمه من أسمائه أمير المؤمنين ، لا يقال : إن من أسماء محمَّد صلى اللّه عليه وآله : أمير المؤمنين ؛ لأن الإمارة تقتضي مؤمّر بكسر الميم ومؤمّر بفتحها ومؤمّر عليه ، فالمؤمّر محمّد : والمؤمّر عليّ : والمؤمّر عليه ما سواه من الخلق. والمؤمّر بكسر الميم من حيث هو مؤمّر لا يكون هو الأمير.

وستظهر إمارة عليّ عليه السلام : وسلطنته على جميع المؤمنين ، بل الخلائق أجمعين في مقامين

ص: 503


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 469 ، وفيه : « يا عليُّ ، أنت منّي بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد ، والروح من البدن ».
2- الاختصاص ( ضمن سلسلة مؤلَّفات الشيخ المفيد ) 12 : 223.

أحدهما (1) : في الرجعة ، حين يدفع له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لواءه.

والثاني : في القيامة الكبرى ، حيث يدفع له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لواءه لواء الحمد الذي آدم : ومن دونه تحته ، ففي ( زهر الرياض ) نقلاً من ( تفسير العيّاشيّ ) عن سلام بن المستنير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال لقد تسمّوا باسم ما سمّى اللّه به أحداً إلّا علي بن أبي طالب : عليه سلام اللّه وما جاء تأويله.

قلت : جعلت فداك ، متى يجي ء تأويله؟ قال إذا جاء جمع اللّه النبيِّين والمرسلين (2).

وورد في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ ) (3) : فيومئذٍ يدفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : رأيته إلى عليِّ بن أبي طالب عليه السلام : ، فيكون أمير الخلائق كلّهم أجمعين ؛ لكون (4) الخلائق كلّهم تحت لوائه ، ويكون هو أميرهم ، فهذا تأويله (5) إلى آخر الحديث.

فظهر أن جميع الخلائق تحت لوائه وسلطنته ، فهو يميّزهم بالعلم وجميع الكمالات ، وليس هو تحت لواء أحد أصلاً ؛ لأنه حامل لواء محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ، فليس أحد يستحقّ هذا الاسم سواه ، ولا يقال : إن محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : هو حامل لواء نفسه.

وبالجملة ، فعليّ بن أبي طالب : حمّله الرسول صلى اللّه عليه وآله : ولايته المطلقة التي هي ولاية اللّه ، فظهر بها وقام بها وحملها ، ولا يطيق أحد ولا شي ء سواه حملها. وإلّا لم يكن الواحد من كلّ وجه واحد ، فهو سلام اللّه عليه أمير المؤمنين : وباب مدينة علم محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ، وحامل لوائه لواء الحمد بمعنًى. فهذه الأسماء كالمترادفة ، فالدليل عليّ : والمدلول ولاية محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ، وهو صلى اللّه عليه وآله الظاهر ، والمظهر عليّ عليه السلام : ، فهو منه كالنفس من الجسد ، وهو منه كنور الشمس من الشمس. والدليل والمدلول يتّحدان ضرباً من

ص: 504


1- في المخطوط : ( إحداهما ).
2- في المصدر : « المؤمنين » بدل : « المرسلين ».
3- آل عمران : 81.
4- في المصدر : « يكون ».
5- تفسير العيّاشيّ 1 : 205 / 77.

الاتّحاد في النهاية.

أمّا في مقام الدلالة فهما شيئان : دليل ومدلول ، واسم ومسمّى ، وإمارة عليّ عليه السلام : وسلطنته من مقام ولاية محمّد : ، فهو نفسه.

ولا يقال : إنه صلى اللّه عليه وآله أمير نفسه ، وسلطان نفسه ، وعليّ عليه السلام : نفسه ، فعليّ عليه السلام : أمير كلّ مؤمن ومؤمنة ، وليس هو بداخل تحت أمره أحد من خلفائه ، فظهر اختصاصه بهذا الاسم الأعظم إذا أخذ بعنوان الإطلاق. فالإمارة والولاية المطلقة لم يظهر بها أحد سواه ، والرسول صلى اللّه عليه وآله : ، إنما ظهر بالرسالة ، وقد أُخذ العهد على جميع الخلق حين أرسل لهم ب- ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (1) بالإيمان بولايته المطلقة ، وهي إمارة أمير المؤمنين.

وأمّا الرسول صلى اللّه عليه وآله : والأئمّة الأحد عشر فلا شكّ في أنهم موصوفون منعوتون بأمارة المؤمنين والسلطنة والاستيلاء على الخلائق أجمعين. وإن نعتهم ووصفهم بها لا على جهة التسمية اللقبيّة العلَميّة جائز ، أمّا محمَّد صلى اللّه عليه وآله : فبالأصالة ؛ لأنه ينبوع تلك الولاية العامّة المطلقة والسلطنة الشاملة وحقيقتها الحقّيّة وإن لم يمكن أن يكون هو مظهرها في مقام الرسالة ؛ لما بينهما من التمانع ، ولما يلزم من أنه لا يكون له خليفة ، بل يكون خليفة نفسه ويتّحد الظاهر والمُظهِر ، وهو محال.

وأيضاً لا يمكن اجتماع الظهور بالرسالة والولاية المطلقة في شخص ؛ لما بين المقامين من الاختلاف في التكاليف واللوازم. فمقام الولاية لا يطيق مقام النبوّة أن يحمل تكليفه ، وكذا مقام الرسالة بأن نقيسه إلى مقام النبوّة. ومن أجل ذلك تأخّر التكليف بالتأويل حتّى يظهر صاحب الأمر : عجل اللّه فرجه واللّه رؤوف بالعباد.

وأمّا الأئمّة الأحد عشر فهم ورثوا تلك الإمارة والولاية والسلطنة من أمير المؤمنين. وممّا يدلّ على صحّة وصفهم بها وراثة من أمير المؤمنين : ما رواه بعض المتأخّرين في تفسيره عن أبي علي أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران : في كتاب

ص: 505


1- الأعراف : 172.

( الاختصاص ) عن عليّ بن الحسن : عن محمّد بن الحسن : عن محمّد بن الحسن الصفّار : عن عليّ بن السنديّ : عن محمّد بن عمرو : عن أبي الصباح : مولى [ آل سام ] (1) قال : كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام : أنا وأبو المغراء : ؛ إذ دخل علينا رجل من أهل السواد ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته. فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته.

ثمّ اجتذبه وأجلسه إلى جنبه ، فقلت إلى أبي المغراء : أو قال لي أبو المغراء : - : إن هذا الاسم ما كنت أرى [ أحداً (2) ] يسلّم به إلّا على أمير المؤمنين : ، صلوات اللّه عليه. فقال لي

يا [ أبا الصباح (3) ] ، إنه لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتّى يعلم أن ما لآخرنا ما لأوَّلنا (4).

ثمّ قال جامع التفسير : ( رأيت كثيراً في الروايات أن الناس سلّموا عليهم ، ودعوهم ، وخاطبوهم بهذا الاسم ، ولم يمنعوهم ) ، انتهى.

فهذا دليل على صحّة وصفهم ونعتهم بأمارة المؤمنين ، وإثبات إمارة كلّ واحد منهم العلم لمن دونه من الخلق وولايته وسلطنته العامّة عليهم ، ولكن بجهة الوراثة من أبيهم أمير المؤمنين عليه السلام : الذي ثبت له هذا الاسم بالأصالة من محمَّد صلى اللّه عليه وآله : على سبيل الإطلاق والعموم لجميع المؤمنين ؛ فكلّهم داخل تحتها ، كلّ بحسب قربه من المبدأ عزّ اسمه وتعالى. وليس أمير المؤمنين عليه السلام : بمقتضى التسمية داخلاً تحت إمارة أحد ؛ لأن ولايته ولاية محمّد : [ التي (5) ] هي ولاية اللّه الحقّيّة الحقيقيّة ، ولا يمكن أن يتسمّى بها ويحملها ويظهر بها أي يكون مظهرها في الخلق إلّا واحد ( لا تُكَلَّفُ إِلّا نَفْسَكَ ) (6) ، وعليّ عليه السلام : نفسه ، فإثباتها لغيره على هذا الوجه شرك باللّه ؛ لأنها تؤول إلى اتّخاذ إلهين اثنين ، وقد قال تعالى : ( لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ

ص: 506


1- من المصدر.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( أن ).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( صباح ).
4- الاختصاص ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 12 : 267 - 268.
5- في المخطوط : ( الذي ).
6- النساء : 84.

إِلهٌ واحِدٌ ) (1). وإمارة كلّ إمام بعده بالوراثة منه ؛ لأنه يثبت لآخرهم ما يثبت لأوّلهم بالوراثة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ولا ينافيه أن مرتبة أمير المؤمنين : في كلّ جمال وجلال لا يساويه فيها أحد ؛ إذ لا يعرف الرسول صلى اللّه عليه وآله : بتلك المعرفة إلّا هو من جميع الخلق. فإذن ظهر أن معنى أمير المؤمنين : بالنسبة لعليّ عليه السلام : ، ومعنى باب مدينة العلم (2) ، ومعنى حامل لواء الحمد (3) ، ومعنى ممير جميع المؤمنين من علم الرسول صلى اللّه عليه وآله (4) : ، ومعنى : نفس الرسول (5) يؤول إلى معنًى واحدٍ وحقيقة واحدة ، وبه يظهر اختصاصه عليه السلام بهذا الاسم ، واللّه الهادي إلى سواء السبيل. وقد كرّرت العبارة وأكثرت الإشارة طلباً للتنبيه ، واللّه الغفور الرحيم.

ص: 507


1- النحل : 51.
2- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ( ابن المغازلي ) : 84 / 125.
3- : كشف اليقين : 303.
4- علل الشرائع 1 : 191 / 1.
5- البرهان في تفسير القرآن 1 : 631 ، تفسير القرآن العظيم 1 : 350.

معنى قول السجّاد عليه السلام : « قَوْلُكَ حُكْمٌ ، .. »

ثمّ قال فطم اللّه نفسه الفاطميّة من الأغيار - : ( الثالثة : ما معنى ما في دعاء السجّاد عليه السلام في يوم عرفة قال قَوْلُكَ حُكْمٌ ، وَقَضَاؤُكَ حَتْمٌ ، وَإرَادَتُكَ عَزْمٌ (1)؟ ). أقول ومن اللّه الهداية - : قوله عليه السلام قَوْلُكَ حُكْمٌ أي قوله للشي ء ( كُنْ فَيَكُونُ ) . فالمراد من قوله : هو الكاف والنون ، فهي حكم لا يتخلّف عنه مخاطب به.

وقيل : معناه : أن قوله حكمة كما في قوله تعالى : ( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (2) ، أي الحكمة. وله وجه لا يخلو من صواب.

وقوله عليه السلام وَقَضَاؤُكَ حَتْمٌ يمكن أن يراد به : قضاء الموت ، كما في قوله تعالى : ( لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ) (3) عنى : مجي ء الأجل المقضيّ.

أو يراد به القضاء النازل في ليلة القدر على صاحب الأمر صلى اللّه عليه وآله : ، من القضاء الذي لا يردّ ولا يبدّل ، وهو الممضيّ في ليلة ثلاثٍ وعشرين من شهر رمضان ، وهي ليلة الإمضاء ، فيراد القضاء الممضى دون ما لله فيه البداء ؛ فإنه لا يتحقّق له في الخارج.

أو يريد القضاء الذي برز به الأجل والكتاب وأدمجهما فيه ، فيعمّ جميع المقضيّات ، لكن باعتبار الرتب الستّ (4) التي لا يكون شي ء في السماء ولا في

ص: 508


1- الصحيفة السجّادية الكاملة : 210.
2- مريم : 12.
3- فاطر : 36.
4- إشارة إلى ما رواه كلٌّ من الكلينيّ والصدوق عن العالم عليه السلام أنه سئل : كيف علم اللّه؟ قال عليه السلام : « علم ، وشاء ، وأراد ، وقدَّر ، وقضى ، وأمضى ». فهذه الستُّ هي مراتبُ الإيجاد. انظر الكافي 1 : 148 / 4. التوحيد : 334 / 9.

الأرض إلّا بها. أو القضاء الذاتيّ الذي هو أحد رتب الوجود العامّ. فقد ورد (1) أن لله قضاءً حتماً وهو الوجوديّ بالأصالة ، وقضاءً غير حتم وهو العرضيّ. فكما له تعالى إرادتان : إرادة حتم وإرادة عزم ، كذلك له قضاءان.

وقوله عليه السلام وَإرَادَتُكَ عَزْمٌ لعلّه أراد أن إرادته لا تكون إلّا على كمال الاختيار لأنها صادرة عن الواحد المختار ، فليس في ملك اللّه جبر ، بل الخلق بجميع أنحائه جارٍ على كمال الاختيار ذاتاً وصفة وفعلاً ، حتّى في خلقه و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (2) ، حتّى في وجودها وصفات وجودها ولوازمه وكمالاته.

فحقيقة البشر لمّا طلبت من بارئها بلسان قابليّتها بكمال اختيارها أن تكون بشراً أعطاها الصورة البشريّة. وكذا الفرس والبقر والشجر والحشيش والمعدن ، وجميع ما ذرأ وبرأ من المجرّد والمادّيّ والعلويّ والسفليّ. بل كلّ ذي حرفة وصنعة طلب من جود بارئه أن يكون على تلك الحرفة والصنعة بكمال اختياره. وكذا كلّ ذي لون وهيئة وشكل من بياض وسواد ، وطول وقصر ، وغير ذلك ، كلّ طلب ما هو عليه من أرحم الراحمين بكمال اختياره أن يكون كما هو عليه. فلو أن البليد طلبت إنّيته بكمال الاختيار أن يكون ذا فطنة لَمَا كان بليداً ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (3).

وقد نصبت لك مرآةً إن [ أبصرت بها (4) ] نفسك بصفاء سرّك انطمست عنك كلّ شبهة توهم الخبر في نحو من أنحاء الوجود ، حتّى في الذرّ والطين. فحاصل معنى قوله عليه السلام إرَادَتُكَ عَزْمٌ أي إنما تجري على كمال الاختيار من المراد ، لا جبر في فعله عزّ اسمه ومشيئته بوجه ( وَما تَشاؤُنَ إِلّا أَنْ يَشاءَ اللّهُ ) (5). وإن أردت غير هذا فغير خفيّ أن لله إرادتين : إرادة حتم بالأصالة ، وإرادة عزم هي العرضيّة وهي التجلية. فلعلّه عليه السلام أراد الثانية ؛ إظهاراً لثبوتها ، واللّه العالم.

ص: 509


1- الكافي 1 : 147 / 4.
2- البقرة : 286.
3- الكهف : 49.
4- في المخطوط : ( أبصرتها ).
5- الإنسان : 30 ، التكوير : 29.

حكم البهيمة المذكّاة إذا وطئت

ثمّ قال أنار اللّه سرّه الأحمديّ - : ( الرابعة : البهيمة لو وُطئت فإن كانت مأكولة اللحم أُحرقت ، وإن لم تكن أُخرجت وبيعت في غير بلدها ، على ما فصَّلوه (1). فهذا مختصٌّ بالحيِّ ، أم يشمل ما لو ذكِّيت دابَّة كبقرة أو شاة ثمّ بعد الذبح وطئها إنسان ، فهل يلحقها حكم الحيِّ من تحريم لحمها وذبحها ، وعدم ذبحها لو كانت غير مأكولة؟ وهل عليه التعزير أم لا؟ ويقدر التعزير في الموطوءة الحيّة أم لا؟ ).

أقول وباللّه المستعان - : أمّا حكم الموطوءة الحيّة من النصّ (2) والفتوى (3) فمعلوم قد بان ، وأمّا الميتة لو وطئها إنسان فإن كانت غير مذكّاة فهي حرام بالموت. وإحراقها لو كانت [ غير ] مأكولة اللحم عادة لم يقم على التكليف به دليل ، والأصل يقتضي البراءة منه. وأمّا لو كانت مأكولة اللحم عادة كبقرة أو شاة فذكّيت ثمّ بعد تحقّق التذكية وطئها رجل ، فالأظهر أنه لا يلحقها حكم التحريم للأصل ، واستصحاباً بحلّها قبل الوطء ، وهو يقين لا يرفعه إلّا يقين مثله ، ولدخولها في عموم الأدلّة الدالّة على حلّ ما ذكّي ممّا يؤكل لحمه كالأنعام مثلاً ، بلا معارض لشي ء من ذلك.

وأخبار الباب إنما دلّت على تحريم الحيّة الموطوءة للرجل ؛ للأمر فيها كلّها بذبحها ولا يذبح إلّا الحيّ ، فدلّ ذلك أن دلالة الأخبار إنما هي ظاهرة في الحيّ ،

ص: 510


1- شرائع الإسلام 4 : 174 ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 9 : 307 - 309.
2- وسائل الشيعة 24 : 169 - 170 ، أبواب الأطعمة والأشربة ، ب 30.
3- انظر : هامش 1 من نفس الصفحة.

وكذا تحريم لبنها ونسلها ظاهر في تعلّق الحكم بالحيّ. ولا يظهر فرق بين نكاحها حينئذٍ ونكاح قطعة مبانة ، فإنه لا يثمر تحريمها ولو كانت هي الفرج.

هذا مضاف إلى أن المذبوحة الميتة ليست حيواناً ولا بهيمة بالفعل ، والحقّ اشتراط بقاء مأخذ الاشتقاق في صحّة إطلاقه حقيقة. فهذه حينئذٍ جماد ، فلا معارض لما دلّ على حلّها. ويحتمل التحريم التفاتاً إلى دخولها في إطلاق تحريم موطوءة الرجل أو الإنسان.

وذكر لو أن الحياة في النصّ والفتوى إبانة لحكم الفرد الغالب الأكثريّ ، أي تذبح إذا كانت قابلة للذبح بأن كانت حيّة ، ويحرم لبنها إن كانت ميتةً ، ويكون الذكر كالأُنثى ؛ فإن الذكر يجري عليه حكم التحريم ، والذبح ، والحرق ، والتغريب كالأُنثى وهو ضعيف.

فإنا إذا صرفنا النصّ والفتوى إلى الفرد الغالب الذي هو مناط الأحكام ، خرجت المذكّاة من جميع أحكام الحيّة. على أنا نمنع دخولها حينئذٍ في لفظ البهيمة ؛ لخروجها حينئذٍ عن هذا المسمّى بالموت ، فلا تسمّى حينئذٍ دابّة ، ولا بهيمة ، ولا حيواناً حقيقة.

وأمّا ما ذكر من حكم الذبح ، وهل تذبح الموطوءة المذكّاة أم لا؟ فلا معنى له يظهر ؛ لاستحالة تحصيل الحاصل.

وأمّا قوله حرسه اللّه - : ( وعدم ذبحها لو كانت غير مأكولة ) فلا يظهر لي معناه ، فإن حاصل السؤال هل حكم المذكّاة لو وطئت حكم الحيّة الموطوءة أم لا؟ وهذا غير جارٍ في غير المأكولة عادةً ؛ لعدم تذكيتها [ عادة (1) ]. فإن أراد أن غير المأكول عادة لو كان حلالاً كالدوابّ الثلاث لو ذكّيت ثمّ وُطئت ، هل تحرم ويجب تغريبها ، أم لا؟

فالجواب : أن الآية والاستصحاب والعمومات نصّاً وفتوى تقتضي بقاءه على

ص: 511


1- في المخطوط : ( عادته ).

حلّه ، ولم يظهر دليل على تحريمه ، وإنما دلّ على وجوب بيعه في غير بلد الفاعل ، لئلّا يعيّر. وهو يدلّ على سقوط حكم التغريب لو وطئ بعد الموت ؛ ذكّي أم لا؟ ولا يجري احتمال التحريم هنا ، ولا معنى لتغريب الميّت فيه.

وأمّا حكم التعزير فثابت على من وطئ دابّة ميّتة إذا بلغ سنّ وجوب التعزير ؛ لأنه عصيان ، وفعله محرّم ، بل أفحش من وطء الحيّة ، ولكنّه موكول قدره إلى نظر الحاكم هنا ولو قلنا بتعيين قدر في وطء الحيّة لعدم الدليل على تقديره هنا ، واللّه العالم.

ص: 512

في وجوب صلاة الآيات على من لم تقع الآية في بلده

ثمّ قال زاده اللّه علماً - : ( الخامسة : لو وقعت زلزلة في البحرين مثلاً ، والزلزلة وقتها العمر ، فهل يجب على من هو ساكنٌ غيرَ البحرين كالقطيف مثلاً صلاة الزلزلة ، أم لا؟ ومن صرَّح بهذا التفريع؟ ).

أقول وباللّه المستعان - : لا ريب أن صلاة الآيات لا تجب إلّا على من أظهرها اللّه له ، وأوقعها به ليدفع اللّه بها عمّن وقعت به الآية ما يحدث بها من البلاء والفساد الواقع بسببها في نفوس من وقعت بهم وأرضهم وهوائهم ومائهم ، فإذا صرفها اللّه برحمته عن قوم ، أو لأنهم لم يفعلوا ما يوجب عقابهم بإنزال تلك الآية بهم لم يجب عليهم تلك الصلاة. فلو وقعت زلزلة في البحرين مثلاً ولم تقع في القطيف مثلاً ، لم يجب على أهل القطيف صلاتها ، وإنما تجب على من وقعت بهم.

ووقتها العمر لمن كلّف بها. وكون وقتها العمر لمن كلّف بها لا يستلزم وجوبها على من لم تقع به ، بل لو وقعت الزلزلة أو غيرها من الآيات بقرية من قرى القطيف أو البحرين مثلاً ، لم تجب صلاة الآيات على أهل قرية منها اخرى لم تقع بها تلك الآية ؛ لأن اللّه تعالى لم ينزل بهم سببها ولم يخوّفهم به. وعلى ذلك عمل المسلمين في سائر الأوقات والأصقاع.

وأيضاً إيجاب صلاة الآيات على أهل القطيف مثلاً لو وقعت زلزلة في عمان مثلاً تكليف يحتاج إلى دليل ، ولا دليل. فأصل البراءة لا معارض له ولا ناقل عنه.

وأيضاً لو كان الوجوب يعمّ من لم تقع بهم الآية الواقعة في بلد اخرى لدلّ عليه الشارع بوجه من ضروب الدلالات ، ولَوُجِدَ في الأرض في كلّ زمان قائلٌ به ؛ لأنه

ص: 513

ممّا يعم به البلوى. وحيث لم يدلّ عليه صاحب الشريعة : ولو على لسان أحد نوّابه ، عُلم أنه لم يقع التكليف به ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان.

وممّا يؤنسك بهذا القول أن مَن لم يعلم بالخسوف حتّى خرج وقت الأداء ، لم يجب عليه القضاء مع وقوع الآية به وفي أرضه. فلو كان يجب على من لم تقع به الصلاة لوقوعها في غير أرضه بغيره ، لكان هذا أوْلى بالوجوب.

وأيضاً لو قلنا بالوجوب على من لم تقع به ، لكنّا نوجب ذلك عليه في غير الزلزلة لتساويها مع غيرها في سببيّة الصلاة. ولو قلنا بذلك لزم أنا نوجب على من لم تقع به غير الزلزلة القضاء دون الأداء ، بل بوجوبها أداء على غيره يجب عليه القضاء. وهذا واضح البطلان.

على أن الشهيد : في ( المسالك ) (1) قائل بمساواة غير الزلزلة لها في كون وقت أدائها العمر إذا وقعت ولم يسع وقت وقوعها الصلاة. ونقله عن ( الدروس ) (2).

وأنت إذا تأمّلت الأخبار (3) وجدت ما يرشدك إلى أنه لا يكلّف بصلاة الآيات أداء أو قضاء إلّا من أوقعها اللّه به دون باقي أهل الأرض. وليس معي آلة تراجع ، فلا اعلم من ذكر هذا الفرع ، واللّه العالم.

ص: 514


1- مسالك الأفهام 1 : 257.
2- الدروس 1 : 195.
3- المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 14 : 208 - 209 ، وسائل الشيعة 7 : 484 ، أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ب 1 ، ح 5.

حول رؤية المعصوم عليه السلام في المنام

ثمّ قال زاده اللّه صلاحاً - : ( السادسة : أنه ورد عن مولانا الصادق جعفر بن محمَّد عليهما السلام : إنا لا نُشبه أحداً (1) ما مَعناه؟ وكيف يتحقَّق رؤية المعصوم في المنام؟ كيف يراه الرائي وهو لا يشبه أحداً؟ وكيف لي بمعرفته أنه هو ، وأنا لو رأيته في صورة أحد وأخبرني هو ب- : إني المعصوم؟ فكيف يتأتّى لي بأن هذه الصورة لا تشبه صورة البشر مع أني غير محيط بمعرفة صور البشر كلِّها ، حتّى أقول : إنّ هذه الصورة لا تشبه صورة البشر؟ ).

أقول وباللّه المستعان - : إذا قال جعفر بن محمَّد عليهما السلام : إنا لا نشبه أحداً ، فمعناه أن ذواتنا وحقائقنا ليست من نوع شي ء من حقائق الخلق ، بل نحن فوق جميع الحقائق ، حقيقتنا ووجودنا فوق جميع الموجودات ، أطرافهم فوق جميع الخلق ودون الخالق ، فلهم حقيقة ووجود ، وقد اختصّوا بها لا تشبه شيئاً من حقائق الخلق. وكيف تشبه حقيقة العلّة حقيقة المعلول ، وهم علّة الخلق طرّاً؟ وقد بان وجود العلّة من المعلول لا بمزايلة. فهم عليهم صلوات اللّه وسلامه أنوار لاهوتيّة البسوا قوالب بشريّة لتطيق الناس رؤيتهم ( وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ) (2).

وليس معنى إنا لا نشبه أحداً أنهم ليسوا على الصورة البشريّة ، ولا أنهم ليسوا على صورة من صور الخلق ، فإن هذا تدفعه المعاينة والوجدان حسّا وعقلاً. بل

ص: 515


1- بحار الأنوار 3 : 196 ، وفيه : « وعصمنا من أن نشبّهه بشي ء من خلقه ».
2- الأنعام : 9.

قالوا : إنا نتقلّب في الصور حيث شئنا (1). وليس معناه أيضاً : أن هذه الصورة البشريّة المحسوسة منّا لا تشبه صورة أحد من البشر المحسوسة ؛ لأن هذا ليس فيه قدح يذكر في مقام الافتخار.

ولم يقم دليل على أن أحداً من ولد آدم عليه السلام : على صورة إنسانيّة متفرّد بها دون سائر ذرّيّة آدم عليه السلام. على أن هذا الفرض كالمحال ؛ لاشتراك بني آدم : في نوعيّة الهيئة من العينين والأُذنين ومحالّهما ، وجميع الكيفيّة والكمّيّة ، وقد أشبهوا غيرهم في ذلك. فكيف ومقتضى نفي النكرة العموم؟ فلو لم يكونوا على شي ء من هيئات الصور البشريّة وكمّيّاتها ، بل ولا كيفيّاتها لم يكن لهم جسميّة أصلاً. والكلّ باطل بالضرورة حسّا وعقلاً ، فتبيّن أن ذلك غير مراد.

نعم ، لهم أعين لا تشبه أعين الناس ، وأسماع لا تشبه إسماع الناس ، أي بوجوداتها وعينها ، لا بهيئات أجسامها وكمّيّاتها. وبما تبيّن تندفع الشبهة ، وهذا معناه.

وتتحقّق رؤية المعصوم في المنام كما تتحقّق رؤيته في اليقظة ، إلّا إنه في اليقظة يبصره الناظر بعين جسميّة ، وفي المنام بعين مثاليّة. فإن أمكن رؤيته ومعرفته في اليقظة أمكن رؤيته ومعرفته في المنام ، وإن لا يمكن ذلك في المنام لا يمكن في اليقظة. وقد أمكن في اليقظة ، فهو في المنام ممكن ؛ لاتّحاد العلّة ، وسبب هذا إيجاباً وسلباً بلا فارق.

وهو عليه سلام اللّه يعرّفك نفسه إذا أراد في اليقظة والمنام على حدّ سواء. ولقد أراك نفسه في الميثاق فعرفته يقيناً ، وستراه عند الاحتضار ، وفي القبر ، وفي الرجعة ، وفي القيامة ، وتعرفه في كلّ ذلك يقيناً. بل معرفته في المنام ، وفي كلّ تلك المراتب أشدّ وأقوى من معرفته في اليقظة ؛ لأنك تعرفه في كلّ مقام بما يناسبه من المعرفة.

وهو في كلّ ذلك لا يشبه أحداً ولا يتوقّف معرفتك له إذا ظهر لك في مقام على

ص: 516


1- مشارق أنوار اليقين : 171 ، من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام وفيها : « أنا الذي أتقلّب في الصور كيف شاء اللّه ».

حالتك بجميع صور البشر ، وإلّا لم تكن حجّة على بشر ؛ إذ لا فرق في ذلك بين اليقظة والمنام ، بل جميع ما خلق اللّه دونه يعرفه من الثرى إلى العرش ، ولكن كلّ أحد من مقامه من الوجود. فليس يعرفه بالصورة البشريّة ، وليس البشر يعرفه بالصورة الملكيّة ولا الجبروتيّة ؛ لأنه لا تكمل حجّة اللّه إلّا إذا ظهر لكلّ أحد بما يمكن قبوله منه ، وما يأنس به من الصور. فلو ظهر البشر بصورة الملك لم يقبلوا منه بكمال الاختيار ، واللّه العالم.

ص: 517

معنى ( ما ) التعجبيّة الواردة في أدعيتهم عليهم السلام

ثم قال وفّقه اللّه للعلم بما يعلم ونوّر فكره به - : ( وسنح لي مسألة أيضاً هو أنه قد ورد عنهم عليهم السلام في أدعيتهم سبحانه من قدير ما أقدره ، وسبحانه من عليم ما أعلمه ، ومن كريم ما أكرمه (1).

وقد ذكر النحاة (2) في ( ما ) التعجبيّة أنها بمعنى شي ء ، كما قالوا في : ( ما أحسن زيداً! ) أي شي ء عظيم حسَّن زيداً ، فيلزم على هذا شي ء عظيم أقدره تعالى ، وشي ء عظيم أعلمه ، وشي ء عظيم أكرمه. فما معنى هذا؟ وكيف انطباقه على كلام النحاة؟ ).

وأقول وبمحمّدٍ وآله صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين ، أرجو من اللّه بلوغ المأمول - : ليس مدلول : ( ما أحسن زيداً! ) في حال التعجّب : ( شي ء عظيم حسّن زيداً ) ، باتّفاق النحاة وأهل البلاغة ، وكلّ من عرف أساليب كلام العرب وإن بعد عهدي بمراجعة كتب العربيّة. بل مدلول : ( ما أحسن زيداً! ) في التعجّب أن حُسنَ زيد شي ء عظيم يستحقّ أن يكون عجباً للأذهان ؛ لتجاوزه درجة المعتاد من حسن البشر.

والدليل على هذا اتّفاق أهل اللسان على أنه إنشاء لا إخبار وإن كان أصل موضوع الجملة خبراً كما هو شأن كلّ إنشاء. واتّفاقهم أيضاً على اتّحاد مدلول : ( ما أحسن زيداً! ) و ( أحسن بزيد! ) ولا شكّ ولا خلاف أن ( زيد ) في ( أحسن بزيد ) فاعل في المعنى ، فيكون في : ( ما أحسن زيداً! ) كذلك.

ويدلّ على ما قلناه أيضاً اتّفاقهم على أنه لا يُبنى إلّا من ثلاثيّ لازم ، ولا يكون

ص: 518


1- مهج الدعوات : 109 ، بحار الأنوار 92 : 367.
2- مغني اللبيب : 392 ، شرح ابن عقيل 3 : 150.

بحسب الأغلب أو كلّيّاً إلّا في الصفات الذاتيّة ، فلا يكون زيد في : ( ما أحسن زيداً! ) مفعولاً في المعنى البتّة ، فلا يكون المعنى : ( شي ء أحسن زيداً ) أي جعله حسناً ، بل يحتالون فيما إذا أرادوا التعجّب من الصفة التي ليست لازمة ذاتيّة في ردّها إلى الصفة اللازمة الذاتيّة بلفظ ( أشدّ ) ، فيقولون : ( ما أشدّ مضروبيّة زيد! ) فإن المضروبيّة صفة لزيد لا تتجاوزه ، وإن كانت من لوازم ضاربيّة الضارب. ولذا أيضاً يقولون : ( ما أشدّ ضاربيّة زيد! ) ، فافهم.

ولكن أوهمك اختلافهم في تركيب : ( ما أحسن زيداً! ) ، فالمشهور أن ( ما ) نكرة بمعنى شي ء ، و ( أحسن ) فعل ماضٍ وزيداً مفعول.

وهذا إنما هو تركيب الجملة باعتبار أصلها من الخبريّة قبل نقلها إلى المعنى الإنشائيّ ، وهو التعجب ، وبعد النقل يبقى التركيب الخبريّ على ما كان ؛ لأنها جرت مجرى الأخبار فلا تغيّر كما هو شأن كلّ جملة قُصد بها الإنشاء تركّب باعتبار صيغة لفظها الخبريّ المنقولة منه. ولذا لا يتصرّف فعل التعجب فلا يأتي منه مضارع ولا أمر في : ( ما أحسن زيداً! ) ولا ماضٍ ولا مضارع في : ( أحسن بزيدٍ ) ، ولا يأتي منهما مصدر ولا اسم فاعل ولا مفعول.

وليس مدلول ( أحسن ) في : ( ما أحسن زيداً! ) الماضي ولا : ( أحسن بزيد ) الأمر ؛ لنقلهما عن مدلولهما اللفظيّ الخبريّ. وكذا كلّ جملة إنشائيّة تركّب باعتبار لفظها الخبريّ ، فتقول في تركيب ( بعتك الثوب ) منشِئاً : ( باع ) فعل ماضٍ ، وليس مدلوله الماضي البتّة ، وعلى هذا فقس.

وإن أبيت إلّا تركن إلّا إلى كلام متقدّم ، فليس عندي ما أُراجعه إلّا كلام الاسفرائيني : في شرح ( اللباب ) استعرته لأنقل لك عبارته.

قال : ( ثمّ شرع يعني : الماتن في إعراب الصيغتين ، فقال : ( ما أفعله! ) أصله شي ء أفعله يعني : أن ( ما ) نكرة بمعنى : شي ء ، و ( أفعل ) فيه ضمير هو فاعله يرجع إلى ( شي ء ) ، وهو معنى قوله : والفعل مسند إلى ضمير ( ما ).

ص: 519

وقيل : إن ( ما ) موصولة ، و ( أفعله ) صلته. والموصول مع صلته مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي الذي أفعله حاصل.

وقيل : أصله : ( ما ) الاستفهاميّة ، أي ( أيّ شي ء أحسن زيداً ) أي جعله حسناً.

وهذه الوجوه باعتبار الأصل ، يعني : أن أصلها في الإعراب هذا ، لا أن هذا المعنى مراد ؛ لأن معناه التعجّب ، وما قدّر إنشاءً في الأصل جملةٌ خبريّة محتمِلة للصدق والكذب ، فلا يكون بمعنى الإنشاء.

وقال : ( تقديراً ) أي تقدير هذا الأصل لتصحيح هذا الإعراب ، ثمّ نقل إلى معنى التعجّب. وهذا الحكم مطّرد وهو أن الشي ء إذا نقل من حال إلى حال كان إعرابه بحسب المنقول عنه ، ومعناه بحسب المنقول إليه ) ، انتهى.

وبعد هذا فلا شبهة تبقى ، وهو قانون ينفعك في موارد كثيرة ، واللّه العالم. وصلّى اللّه على محمّدٍ : وآله الطيّبين وسلم عليهم أجمعين ، كما هم أهله. والحمد لله ربّ العالمين.

حرّر بقلم الأحقر الأقلِّ أحمد بن سالم بن طوق : ، انتهى عصر ثالث المحرّم سنة (1241).

نقلتها من نسخة الأصل ، وأنا الجاني الأثيم زرع بن محمّد علي بن حسين بن زرع.

ص: 520

فهرس الموضوعات

الرسالة التاسعة روح النسيم في أحكام التسليم... 7 - 126

[ مقدمة المؤلف ]... 9

والبحث فيه في ثلاثة مواطن... 9

الأوّل : في وجوبه وندبيّته... 11

القائلون بالاستحباب... 11

القائلون بالوجوب... 11

ضروب من الدلالة على القول بالوجوب... 14

القول بالاستحباب وردّه... 31

أدلَّة القول بالاستحباب... 43

ردّ أدلَّة القول بالاستحباب... 46

الموطن الثاني : هل التسليم جزء أو خارج؟... 55

الموطن الثالث: في اختلافهم في تعيين الصيغة المُخْرِجَة... 69

تنبيهات... 75

الأوّل في كيفية صيغ التسيليم... 75

الثاني : هل تجب نية الخروج بالتسليم المخرج؟... 91

الثالث في مناقشة تفريعات الشهيد الأول رحمه اللّه في نية التسليم... 95

الرابع في قصد الإمام التسليم على الأنبياء والأئمة والحفظة والمأممومين... 99

الخامس في تسليم المأموم... 109

السادس في واجبات التسليم... 125

السابع في التسليم على النبي صلى اللّه عليه وآله قبل التسليم المخرج... 125

ص: 521

الرسالة العاشرة من استوعب عذره الوقت ولم يتمكن بعد زوال العذر من ركعة

... 127 - 159

في بيان حدّ بركعة... 129

القول الأول في تحقق إكمال الركعة برفع الرأس من السجدة الثانية... 130

القول الثاني في تحققه بإكمال الذكر من السجدة الثانية... 134

القول الثالث في تحققه بمجرد وضع الجبهة على محل السجود في السجدة الثانية... 137

القول الرابع في تحققه بالركوع... 138

الدليل على وجوب الصلاة على من أدرك ركعغة من الوقت... 139

صلاة من أدرك من الوقت ركعة هل هي أداءٌ أم قضاءٌ؟... 142

الخلاصة... 157

تنبيه :... 158

الرسالة الحادية عشرة : احكام العمرة... 161 - 352

مقدمة المؤلف... 163

أدلة وجوب العمرة... 165

أقسام العمرة... 166

إيضاح حول عبارة الشرائع... 168

شرائط وجوب العمرة... 171

موجبات العمرة... 175

أحكام العمرة الفاسدة... 176

الإحرام لدخول مكَّة... 189

فصل في مواقيت العمرة... 201

تنبيه... 214

فصل عدم جواز تقديم الإحرام على المواقيت... 217

جواز تقديم الإحرام على المواقيت... 239

واجبات العمرة... 243

فصل الأوّل في كيفيّة الإحرام... 243

ص: 522

ثوبا الإحرام... 243

تنبيه... 255

نيّة الإحرام... 261

التلبيات الأربع... 263

الفصل الثاني في الطواف... 265

الرسالة الثانية عشرة : هل حل للأب الرضاعي نكاح مطلقة ابنة الرضاعي؟ 353 - 359

الرسالة الثالثة عشرة : عدة المطلقة التي لا تحيض إلا في أكثر من ثلاثة اشهر مرة

... 361 - 386

الأخبار الدالة على كون الاعتداد بالشهور... 365

مناقشة قول الفاضل الهندي في شرحج عبارة القواعد... 368

إشكال الشهيد الثاني في المسالك... 369

الجواب عن إشكال الشهيد الثاني... 373

إشكالات وردود... 379

عدّة الأمة التي تحيض في أكثر من خمسة وأربعين يوماً... 384

الرسالة الرابعة عشرة : في تمشية الحبوة إلى ولد الولد بالنسبة إلى جدة... 387 - 406

نصّ المسألة... 389

جواب المسألة... 391

دليل غطلاق الولد على ولد والبنت مجازاً... 393

خلاصة القول... 402

الرسالة الخامسة عشرة : ضميمة طلب الثواب والهرب من العقاب في نية العبادة

... 407 - 454

أقوال العلماء في المسألة... 409

أدلّة القول المشهور... 418

تتّمة في بيان حكم بعض الضمائم في النيّة... 430

خلاصة القول... 450

تتّمة في مطابقة العمل النيّة... 453

الرسالة السادسة عشرة : الواجب الكفائي... 455 - 493

تعريف الواجب الكفائي... 457

ص: 523

أقسام التكليف... 463

مناقشة رأي الشهيد الثاني... 465

تنبيهات... 479

الأول في جواب العلامة عن شبهة بعض الشافعية... 479

الثاني في سقوط الكفائي عن المخاطبين به يفعل بعضهم هل مناطه الظنّ أو العلم؟... 479

مناقشة عبارة الشيخ جواد رحمة اللّه... 482

الثالث : هل يجوز التخلف عن الفعل لو شرع به أحد المكلفين قبل إكماله؟... 487

الرابع في فورية الواجب الكفائي... 488

الخامس في السلام ابتداء ورداً جمع فيهما الكفائي والتخييري واجباً وندباً... 488

السادس في الكفائي قسيم للتخييري... 489

السابع في الكفائي ينقسم إلى معاملات وعبادات... 490

تنبيه في مناقشة رأي الشهيد الثاني في روض الجنان... 490

الرسالة السابعة عشرة : اجوبة مسائل السيد حسين البحرائي... 495 - 520

مقدمة المؤلف... 497

المسألة الاُولى : ما الوجه في جعل المسجد الأقصى غاية للإسراء؟... 499

المسألة الثانية في اختصاص الإمام عليّ عليه السلام بلقب أمير المؤمنين... 501

المسألة الثالثة في معنى : «قولك حكم ، وقضاؤك حتم ، وإرادتك عزم»... 508

المسألة الرابعة في حكم البهيمة المذكاة إذا وطئت... 510

المسألة الخامسة في وجوب صلاة الآيات على من لم تقع الآية في بلده... 513

المسألة السادسة حول رؤية المعصوم عليه السلام في المنام... 515

المسألة السابعة في معنى «ما» التعجيبية الواردة في أدعيتهم عليهم السلام... 518

فهرس الموضوعات... 521

ص: 524

المجلد 3

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ أحمد آل طوق

المحقق: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الناشر: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

المطبعة: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1422 ه.ق

الصفحات: 538

المكتبة الإسلامية

رسائل آل طوق القطيفي

المحرّر الرّقمي: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

ص: 2

رسائل آل طوق القطيفي

مجموعة مؤلفات العلامة المحقق الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق القطيفي

المتوفی بعد سنة 1245 ه

المجلد الثالث

تحقيق ونشر

شركة دار المصطفی صلی اللّه عليه وآله لإحياء التراث

ص: 3

اسم الكتاب... رسائل آل طوق القطيفي ج3

تأليف... العلامة الشيخ أحمد آل طوق

تحقيق ونشر وتوزيع... شركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

صف وإخراج... شركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة... الأولی 1422 ه- 2001 م

يطلب من:

لبنان - بيروت - ص.ب: 4/197 - هاتف

سوريا - دمشق - ص.ب: 733 - السيدة زينب - تلفاكس: 6420085 011

إيران - قم - ص.ب: 37185/3156 - هاتف: 778865 - فاكس: 778855

تحقيق و نشر شركة دار المصطفی صلی اللّه عليه وآله لإحياء التراث

بيروت - لبنان - ص.ب: 24/197

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

جميع الحقوق محفوظة لشركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

ص: 6

الرسالة الثامنة عشرة : نزهة الألباب ونُزُل الأحباب

اشارة

ص: 7

ص: 8

المقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وصلّى اللّه على محمّد : وآله الطيّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

أما بعد :

فهذه فوائد متفرّقة من فنون شتّى ، كتبتها في أوقات متعدّدة ، على تشتّت بال ، وشدّة بلبال ، فأحببت أن أنظمها في عقد ، لعلّ اللّه ببركة محمّد : وآله صلّى اللّه عليه وعليهم أن يقبلها وينفع بها طالبها.

ص: 9

ص: 10

[1] مسألة في حقيقة النفس الإنسانيّة

اعلم أن النفوس البشرية خلقت مفطورةً على كمال الاختيار ؛ ولذا كان لها بأصل فطرتها القدرة على الاختراع والابتداع ، والصدق والكذب ، والفعل والانفعال ، والتصوير وإحداث الصور المتخيّلة والمتوهّمة ، وذلك ما سألتْهُ بلسان إنّيتها (1) وافتقارها من بارئها ، فقد أعطى كلّ شي ء خلقه ثمّ هدى (2) ؛ لأنّ أفعاله عزوجل مبنيّة بحكمته على كمال الاختيار إيجاداً وتكليفاً ( وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ) (3) في كلّ مقام.

فالنفس لها ذلك في عالم الغيب والشهادة ، كما يشاهد من فعل النائم والبَرْهَمِ والساحر والعيّان وأهل الصنائع العجيبة ، وحمرة الخجل وصفرة الوجل ، وما يحدث من أبصار بعض الحيوانات ، إلى غير ذلك.

و [ لمّا ] كانت النفس الأمّارة وجه الإنيّة التي هي الماهيّة ، ومادّة آلتها هي المطاعم التي للشيطان فيها نصيب ولامسها (4). والمعصية من جنس الأمّارة وإلفاً لها ،

ص: 11


1- الإنّيّة : الوجود ، شرح المواقف 1 : 55.
2- إشارة إلى قوله تعالى : ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) . طه : 50.
3- إبراهيم : 34.
4- كذا في المخطوط.

فأوّل ما يعرف المكلّف نفسه يقول : أنا ، ويميل إلى الفعل والأمر دون الانفعال والائتمار ، فشأنها تصوير ما لا أصل له في الوجود وابتداعه ، فلم تزل الأمّارة تشتدّ فعليّتها إلى زمن البلوغ أو قريب منه ، فيظهر أثر شعاع العقل ، ولكنّه مقهور بالأمّارة ؛ لقوّتها حينئذٍ وضعفه. وهي لا تميل إلّا إلى المعصية ؛ لأنّها فعل ، ولأنّها مناسبة لها ومشاكلة.

وأوامر الشرع حينئذٍ فعل وقهر لها ، واستعباد وحبس لها عن مقتضى ذاتها ، ومادّة آلتها بل مادّتها ، فمن أجل ذلك تجد أكثر النفوس حتّى الأطفال مائلة لفعل المعصية والبدعة والشبهة ؛ لما بينهما من المناسبة والمشاكلة. ممتنعةً عن قبول الأوامر الشرعيّة ؛ لما بينهما من المباينة ، ولضعف العقل وانقهاره حينئذٍ ، ولما فيها عليها من لزوم ذلّ العبوديّة بعد رسوخ حبّ القاهريّة والاستقلال والأمر والنهي.

فالطاعة صعود ، والمعصية هبوط. والطاعة انفعال وقبول لأنها من اللّه ، والمعصية فعل لأنّها من الشيطان. فالخمر والميسر رجس من عمل الشيطان (1). ( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (2).

فما منها [ من ] (3) ] الهبوط والفعل أخفّ وأشهى لها وعليها من أضدادها ، [ فبهذا ] (4) ظهر سرّ تسارع النفوس أكثرها إلى قبول المعصية والباطل والميل إليه ، ونفرة أكثر النفوس من قبول أوامر الشرع ومناهيه ، واللّه العالم.

ص: 12


1- إشارة إلى ما في سورة المائدة : 90.
2- النساء : 79.
3- في المخطوط : ( و ).
4- في المخطوط : ( فبهلا ).

[2] كشف حال وبيان إجمال ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ .. )

قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ ) (1).

الذي يقتضيه النظر في الروايات (2) الواردة في تفسيرها عن أهل العصمة عليهم السلام أن المراد بالعباد فيها هم آل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : خاصّة ، لكن بالمعنى الأعمّ ، وهم أهل الإيمان من ذرّيّة عليّ : وفاطمة : سلام اللّه عليهما وأَضافهم لنفسه تعالى إظهاراً لشرف أبَوَيْهِم ، وأن الضمائر الثلاثة في الأقسام الثلاثة [ راجعة (3) ] للعباد المذكورين لا للمصطفَين خاصّة ، فقد نطقت الأخبار أنّها ليست عامّة بل خاصّة بهم. فالسابق : الإمام ، والمقتصد : العارف بحقّ الإمام منهم ، والظالم لنفسه : الجالس في بيته لا يعرف حقّ الإمام. وأن من قام بالسيف ودعا الناس إلى الضلال خارج من مدلول الآية الكريمة.

ص: 13


1- فاطر : 32.
2- تفسير القمي 2 : 210 ، الكافي 1 : 214 - 215 / باب أنّ من اصطفاه اللّه من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة عليهم السلام ، مجمع البيان 8 : 526 ، البرهان في تفسير القرآن 4 : 546 ، كنز الدقائق 8 : 348 - 355.
3- في المخطوط : ( راجع ).

ص: 14

[3] جمع وتنبيه ( ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ )

قوله تعالى : ( وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (1) ، لا ينافي ما تضاعف على ثبوته البرهان عقلاً ونقلاً (2) من علمه صلى اللّه عليه وآله بجميع كلّيّات العالَم وجزئيّاته ممّا كان أو يكون ؛ [ فإنّه (3) ] في الآية الكريمة نفى الدراية والعلم عن نفسه من تلقاء نفسه استقلالاً وبالذات ، فأشار بذلك أن ليس لنفسه عند نفسه اعتبار ، بل إنه مستغرق في عبوديّة اللّه والتلقّي منه على كلّ حال. فعلمه ودرايته أعلى مراتب اليقين ، لا يشوبه ظنّ ولا وهم ولا تخمين ، ولا ينطق عن الهوى (4) بحال ، وليس بينه وبين عالم السرّ وأخفى (5) واسطة سوى نفسه المقدّسة عن جميع نقائص الخلق طرّاً.

وبهذا يعلم أنه عالم بجميع الخلق بدئهِ ومعاده ، وهو الواسطة لكلّ عالم في علمه ، ومفيدُهُ العلمَ عن اللّه تعالى ، فلا إشكال ، واللّه العالم.

ص: 15


1- الأحقاف : 9.
2- الكافي 1 : 260 - 261 / 1.
3- في المخطوط : ( بأنه ).
4- إشارة إلى قوله تعالى : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) . النجم : 3.
5- إشارة إلى قوله تعالى : « فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى ». طه : 7.

ص: 16

[4] إنارة وهم وإفادة فهم : وحدانيّة العدد

اعلم أن وحدانيّة العدد التي هي روح واحديته ملك لله وحده لا شريك له ، كما قال سيّد العابدين : لَكَ يَا إلهِي وَحْدَانِيّةُ العَدَدِ (1).

فكلّ ما دخل تحت العدد فهو ملك لله عزّ اسمه وحده ، وظاهرها الواحد المعبّر عنه في عالم الأَحرف بالألف القائم ، فإنّه كالروح والمادّة لما سواه منها ، وكلّها في الحقيقة صور له وجزئيّات ، وهو لها كالمادّة ، فلا يوجد في شي ء منها صرفاً ولا تفقد حقيقته. وكذلك الواحد العدديّ.

ومن هنا توهّم أن الواحد ليس من العدد بل هو أوّل الأعداد ومادّتها وهي مظاهرة ومراتبه ، لكنّه متجرّد عمّا فيها من معنى التعدّد. فالوحدانيّة التي لجميعها أعني : روحها لله ملك ، وروح جميع الوحدات أعني : الوحدانية الحقيقية هي واحدة الأمر.

فجميع الوحدانيّات والواحديّات منها برزت ، وإليها تعود في باب كلّ جود ، فوحدة الكثرات ومنتهى الوحدات وأوّل المخترعات لله وحده خالصة له في ذاتها وصفاتها ، وأفعالها وأطوارها وأوطارها ، سرّها وعلانيتها ، لا تلتفت إلى سواه ، حتّى نفسها ، منقادة مستغرقة في عبوديّته بحقيقتها وكلّيّتها وشراسيفها ، لم تلبسها المدلهمّات أثوابها ، خالصة لله في إقبالها وإدبارها. فهي أبداً في الإقبال على اللّه

ص: 17


1- الصحيفة السجّاديّة الكاملة : 135.

وإليه ، لم تخرج ولن تخرج عن حقيقة عبوديّتها له ، فهي بجميع شؤونها ملك لله وحده ، لم يسبقها إليه سابق ، ولا يلحقها لاحق ، ليس بينها وبين اللّه سبب وحجاب سواها ، فهي سبب الأسباب لربّ الأرباب.

فمعنى قول زين العابدين عليه السلام : « لَكَ يَا إلهِي وَحْدَانِيّةُ العَدَدِ » أن وحدانيّة العدد التي هي أصل الكثرات ، وعنصر المعدودات والوحدات ، وبها قوامها بل هي أرقاها ملك لك وخلق ، وحدك لا شريك لك. ووقع بذكرها الاهتمام من الإمام لأنّ بها القوام ، وهي رابطة عقد النظام في كلّ مقام. وفيه إشارة إلى إبطال قول بعض الملحدين في أسمائه : ( إن أُصول الأعداد الحقيقية هي الصانع ) ، تعالى اللّه عمّا يقول المشبّهون علوّاً كبيراً. فبطل ما توهّم بعضهم من أن وحدانيّة العدد صفة لله تعالى وتقدّست أسماؤه.

وهذا يردّه العقل والنقل ؛ لما يستلزمه من التشبيه والتركيب تعالى اللّه عنهما. وممّا يصرّح بإبطاله قول أمير المؤمنين : عليه سلام اللّه في وقعة الجمل للأعرابي كما رواه في ( معاني الأخبار ) (1) وغيره (2) ، حيث قال : أتقول أن اللّه واحد؟ فقال سلام اللّه عليه - يا أعرابي ، إنّ القول في أنّ اللّه تعالى واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزوجل ، ووجهان يثبتان فيه :

فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الأعداد. فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، ألا ترى أنّه كفر من قال : ثالث ثلاثة؟ وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد النوع من الجنس. فهذا ما لا يجوز ؛ لأنه تشبيه ، وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى.

وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه. كذلك ربّنا.

وقول القائل : إنّه عزوجل أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزوجل. فافهم ولا تتوهّم ، واللّه العالم.

ص: 18


1- معاني الأخبار : 5 - 6 / 2.
2- التوحيد : 83 / 3.

[5] فوائد نحويّة وثمار محويّة

أ - هل يشترط في الكلام النحوي إفادة المخاطب؟

اشترط بعضهم في الكلام النحويّ إفادة المخاطب شيئاً يجهله. والحقّ عدمه ، بل شرطه أن الكلام مفيد في نفسه. ويرد على ذلك المشترط أنه أخذ حال المخاطب في تعريف الكلام.

واشترط بعضهم فيه قصد المتكلّم. ويرد عليه أيضاً أنه أخذ حال المتكلّم في تعريف الكلام ، وهما خارجان عن حقيقته ، وفسادهما ظاهر.

ويلزم الأوّل أن يكون ( قام زيد ) كلاماً وغير كلام في حالة واحدة ومقام واحد إذا تكلّم به من يخاطب من علمه ومن لا يعلمه دفعةً واحدةً. ويلزم الثاني خروج مثل هذا مع إفادته إذا تكلّم به الساهي والغالط وشبههما ، واللّه العالم.

[ ب ] فائدة : هل دلالة الكلام وضعيّة أم عقليّة؟

اختلف النحويّون : هل دلالة الكلام وضعيّة ، أم عقليّة؟ والذي عليه المحقّقون أن دلالته المطابقيّة والتضمّنيّة وضعيّة ، والالتزاميّة عقليّة ، وهو الحقّ.

وممّا يؤيّد ذلك أنه ليس دلالته على معناه إلّا دلالة أجزائه على معانيها ؛ إذ لا ريب في بقاء معانيها الوضعيّة بعد التركيب ، وإنّما زاد بالتركيب نسبة بعضها لبعض على جهة تخصيص أحدهما بالآخر ، ولم يضع الواضع المفردات إلّا لتستعمل

ص: 19

مركّبة ، فقد وضعها للتركيب ، واللّه العالم.

[ ج ] فائدة : هل في الممنوع من الصرف تنوين مقدّر؟

صرّح جماعة من النحويّين في باب الإضافة بأنّ ما لا ينصرف فيه تنوين مقدّر (1). والظاهر أنّهم أرادوا أنه إذا أُريد إضافته نُويَ تنوينه ثمّ حُذِفَ. وخالف في ذلك أبو حيّان : ، وتبعه الدمامينيّ :

ووجه قوله بما حاصله أنه لا يمكن أن يكون هذا التنوين تنوين التمكين ؛ للمنافاة الظاهرة بينهما ؛ إذ هو يدلّ على أمكنيّة الاسم بحيث لا يشبه الحرف فيبنى ، ولا الفعل فيمنع [ من ] الصرف. ولا تنوين تنكير ؛ لأنه وضع في بعض المبنيّات للفرق بين معرفتها ونكرتها ، فلا يدخل في الممنوع من الصرف ؛ لأنه معرب. ولا شيئاً من بقيّة أقسام التنوين ، والعلّة واضحة. انتهى.

قلت : لهم أن يختاروا أنه للتمكين ؛ حيث إنّهم إذا أرادوا إضافته سلبوا عنه ما يوجب منعه تقديراً ، فيدخله تنوين التمكين تقديراً. لكن حصول التخفيف المعلّل به حذفُ التنوين للإضافة بشي ء فرضيّ متوهّم بعيدٌ عن التحقيق ، ويأباه الذوق السليم ، واللّه العالم.

[ د ] فائدة : في اسمي الفعل والصوت

الظاهر أن معنى قول النحاة : اسم الفعل مركّب واسم الصوت مفرد أن اسم الفعل يدلّ وضعاً على الحدث والزمان ، بخلاف اسم الصوت. ولكنّي لم أقفْ على مَنْ صرّح بذلك ، واللّه العالم.

ص: 20


1- حاشة الصبّان على شرح الأشموني 3 : 237.

[6] دفع إشكال وبيان حال ( قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ )

قوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ ) (1). يخطر بالبال واللّه العالم بحقيقة الحال أنه لعلّ المراد أنه إنْ فُرِضَ للرحمن ولد لزم أن يكون هو أوّل العابدين له ، لا يسبقه إلى عبادته سابق ؛ لأنه أوّل صادر منه ، فلا أخصّ بالوالد من ولده ولا أقرب له منه ، فأوّل ما يتحنّن بالهداية على ولده ؛ لذا وجب شكر الولد لوالديه. وقد قرنه اللّه تعالى بشكره.

فإن فرض أن للرحمن ولداً فهو أوّل العابدين له ، وأنا أوّل العابدين لم يسبقني إلى عبادته سابق ، ولست له بولد ؛ فليس له ولد.

وبعبارة اخرى : إن فرض للرحمن ولد فهو أنا ؛ لأَنّي أوّل العابدين له ، ولا يسبق الولد إلى عبادة والده أحد ، وأنا لست له بولد ، بل عبد مخلوق ؛ فليس له ولد.

وبعبارة اخرى : إن فرض للرحمن ولد ، فأوّل العابدين للرحمن عالم به ؛ إذ لا أقرب إليه من أوّل العابدين له ، ولا أعلم به منه ، وأنا أوّل العابدين له ، ولست أعلم أن له ولداً ، بل أعلم أنه ليس له ولد ؛ فليس له ولد.

ويمكن على بعد من الظاهر أن تكون إن نافية على الوجوه الثلاثة ، والتقدير : ما كان للرحمن ولد ، فلو كان له ولد لكان الأوّل ، وأنا أوّل العابدين ،

ص: 21


1- الزخرف : 81.

ولست له بولد ، أو فهو أنا ؛ لأني أوّلهم ، أو فأنا عالم به. والتقدير ما مرّ في الوجه الأوّل ، وهو ظاهر.

ولعلّه عبّر بلفظ الرحمن لأنه الاسم المختصّ في مقام الأفعال والصفات ، والوالديّة والمولديّة أمر إضافيّ يقتضي الرحمة ، فهو أولى برحمة الهداية للشكر ، فالولد بجهة الرحمة أظهر من جهة الأُلوهيّة ، واللّه العالم.

ص: 22

[7] كشف حال وبيان إجمال ومبارزة مع أبطال : عبارة النظّام

قال النظّام : في ( شرح شافية ابن الحاجب ) في باب الإمالة : ( وإنّما أثّرت الكسرة قبل الألف مع الفاصلة قبل الألف ولم تؤثّر بعدها مع الفاصلة ؛ لأنّ الانحدار بعد الصعود أهون من العكس ) (1) ، انتهى.

وأقول : الكسرة أخفض من الفتحة ، والألف كفتحتين ، والياء ككسرتين ، وحقيقة الإمالة الأنحاء بالألف نحو الياء ، فالانتقال من الحرف الفاصل بين الكسرة والألف الممالة نحو الياء انحدار بعده صعود ، وهو سهل ، فأثّرت سببيّة الكسرة المتقدّمة مع الفاصلة. والانتقال من الألف الممالة إلى الفاصل بين الكسرة وبينها صعود بعد انحدار ، وهو عسر ، فلم تؤثّر الكسرة بعد الفاصلة حينئذٍ لمعاوقة ذلك الثقل لسببيّتها ، واللّه العالم.

وكتب عليها شيخنا الشيخ أحمد بن منصور : ( اللسان كما ينخفض بالياء والكسرة يرتفع بمقابليها ، ففي النطق بأحدهما قبل أحد المتقابلين لو لم يمل صعود بعد انحدار ، وبأحد المتقابلين قبله عكسه. والصعود بعد الانحدار أثقل من عكسه ، فلا جرم أن قصد التخلّص من الأوّل بالإمالة وإن ضعف بالفصل السبب. فاشتراط ملاصقة الكسرة للألف في إمالتها بتلك الكسرة واجب ، فقوله ( لأنّ الانحدار بعد

ص: 23


1- شرح شافية ابن الحجب : 234.

الصعود أهون ) تعبير بالملزوم ) ، انتهى.

ووجّهها الشيخ عبد الباقي ابن العلّامة الشيخ أحمد العسكريّ : رحمه اللّه بما حاصله : الضمّة أعلى الحركات لأنّها أثقلها ، ثمّ الكسرة لأنّها دونها في الثقل ، ثمّ الفتحة لأنّها أخفّها ؛ فلذا اغتفر الفصل حال سبق الكسرة ؛ لأنّ الناطق حينئذٍ منحدر من الكسرة إلى الفتحة. والمنحدر يمكنه أن يتخطّى الفاصل لسهولة الانحدار ، بخلاف تأخّر الكسرة ، فإنّه حينئذٍ صاعد ، والصاعد لا يقدر على تخطّي الفاصل. انتهى.

وفيه أن لفظ الإمالة ينبئ عن أن المُمَال هو الصاعد العالي ، فلا يقال في الرفع : أماله. والممال هو الفتحة أو الألف ، فيقتضي أن تكون هي العالية الصاعدة ، والممال إليه ، أعني الكسرة أو الألف. فالإماله انحدار كما يشعر به لفظها ، فالانتقال من غير الممال إليه يشبه الانحدار ، وهو أسهل ، وتخطّي الفاصلة معه أيسر ، وعكسه يشبه الصعود ، فهو أعسر ، وتخطّي الفاصلة فيه أشقّ ، واللّه العالم.

على أنه لا يخفى ما في كلام الشيخين من التكلّف والخروج عن الظاهر ، واللّه العالم.

ص: 24

[8] زبرجدة خضراء : برهان العصمة

ثبت بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً ، [ أن اللّه هو (1) ] الحكيم القادر الحقيقيّ الحقّيّ ، فلا بدّ أن يصان فعله عن المرجوح مع قدرته البالغة التامّة العامّة على الراجح ، وعلمه به كذلك ، فيجب ألّا يكون خليفته إلّا أحكم رعيّته من حين الولادة ، وفي جميع أطوار وجوده ؛ فيجب أن يكون خليفته معصوماً كذلك ؛ لأنّ حكمته الموهوبة من اللّه تأبى له أن يفعل المرجوح مع قدرته على الراجح ، فضلاً عن المعصية وإن كان قادراً على فعلها ، وإلّا لانتفت حكمته ، فيلزم نفي حكمة من اختاره واستخلفه.

وبهذا تبيّن أن النبيّ والإمام لا يكون إلّا معصوماً عن القبائح في جميع أطوار وجوده ، بل عمّا لا يليق بخلافة اللّه وخليفته ، وظهر لك بهذا معنى العصمة ، واللّه العالم.

ص: 25


1- في المخطوط : ( هو أنّه ).

ص: 26

[9] فيروزجة بهيّة ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى )

يخطر بالبال واللّه العالم بحقيقة الحال في وجه الاستثناء في قوله عزّ اسمه خطاباً لحبيبه المصطفى المصفّى صلى اللّه عليه وآله ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى. إِلّا ما شاءَ اللّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) (1) وجهان :

أحدهما : أن تنسى بمعنى تترك ، أي نُوحي إليك فلا تترك شيئاً ممّا اوحي إليك تبليغه إيجاداً أو تكليفاً إلّا وأنت مبلّغه أمراً ونهياً ، فعلاً وتركاً ؛ فلا تترك شيئاً ، ولا تتخلّف عن مشيئة اللّه بحال إلّا ما شاء اللّه أن ينسخه ، فيوحي إليك بتركه ، فتتركه بعد الوحي إليك بفعله.

والكلام خبر في معنى النهي ، فعلى هذا يكون معنى الاستثناء إثبات كمال القدرة والحكمة والعلم لله ، وأن حبيبه صلى اللّه عليه وآله حكيم لا يفعل إلّا ما أُمر به ، تدور مشيئته على مشيئة اللّه ، مقدّس عن دعوى الاستقلال بوجه.

الثاني : أن يكون النسيان ضد الذكران ، أي أنّك علمك كلّه من اللّه بلا واسطة له إلّا ذاتك ، فلا يمكن عليك السهو والنسيان عن شي ء ؛ لأنّ من كان علمه كذلك لا يغيب عنه معلومه بحال. فهو برهان على عصمته عن السهو والغلط والنسيان ، ومن عصمهُ اللّه عن ذلك فهو معصوم عن العمد بطرق أولى.

فمعنى الاستثناء على هذا إثبات كمال القدرة والحكمة والاختيار لله تعالى

ص: 27


1- الأعلى : 6 - 7.

واحداً عليه وعلى من تحته ، بإثبات البداء لله في كلّ شي ء. فهذا يثبت علوّ درجة المصطفى صلى اللّه عليه وآله : على كلّ مخلوق ، علماً وحكمةً وعبوديّةً لله في كلّ مقام.

أمّا قوله عزوجل ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) فجملة تعليليّة ، فعلى الأوّل تعليل للاستثناء أي أنه تعالى هو العالم بالسرّ وأخفى فما يكن وجه الحكمة في نسخه وتركه ينسخه ، وما يكن في إمضائه يمضِه ، ولله المشيئة في البداء.

وعلى الثاني تعليل لنفي النسيان عنه صلى اللّه عليه وآله ؛ لأنه تعالى المفيض عليه بلا واسطة إلّا نفسه ، وهو تعالى عالم السرّ وأخفى ، فلا يعزب عن نائبه الأعظم شي ء من الخلق ؛ لأنه بابهم طرّاً إلى اللّه ، وشفيعهم ، واللّه العالم.

ص: 28

[10] كشف حال وإبطال مقال : الوجود العام

اعتبر بعض المنطقيّين وجوداً عامّاً يشترك فيه الممكن والواجب ، فقال : ( مفهوم الموجود يعم الواجب والممكن ).

و [ قلت (1) ] : هذا الاعتبار إن طابق الواقع وما في نفس الأمر وإلّا فهو كذب باطل ، لا يبنى عليه حكم.

فإن كان ذلك المعتبر عدماً محضاً ، بطل الحكم بكلّيّته ؛ إذ لا يحكم على العدم البحت بكلّيّة ولا بجزئيّة ولا بحكم ؛ لعدم إمكان تعقّله بالكلّيّة. وعلى فرضه وإن كان فرضا مستحيلاً يلزم صدق العدم على الواجب بوجه ، وفساده ظاهر.

وإن كان موجوداً في الجملة ؛ فإما أن يكون واجباً ، [ أو (2) ] لا ، فعلى الثاني يلزم صدق الإمكان على الواجب بوجه ، وفساده لا يخفى. وعلى الأوّل يلزم تعدّد الواجب ، وتركيبه من جنس وفصل ، وفساده ضروري.

وقد قام البرهان المتضاعف على أن الاشتراك بين الواجب والممكن إنّما هو في حروف لفظ ( موجود ) ؛ لضيق ساحة العبارة ؛ لحصر الحروف في ثمانية وعشرين حرفاً ، ولا يعمهما مفهومه ؛ لأنه « خلوّ من خلقه وخلقُه خلوّ منه » (3) لا بمزايلة ، هذا بحسب الظاهر.

ص: 29


1- في المخطوط : ( قلته ).
2- في المخطوط : ( أم ).
3- الكافي 1 : 82 / 3 ، و 83 / 5.

وللعارفين مقام تنتفي فيه عن الواجب جلّ قدسه حتّى العبارة ، ينبّهك عليه حدوث الأحرف والعبارة والمعبر ، فافهم.

نعم الوجود العامّ المعبّر عنه (1) بالوجود المطلق ممكن حادث مخلوق ، واللّه العالم.

والمفهوم المصدريّ الاشتقاقيّ عام لجميع الممكنات لا يعدوها ، واللّه العاصم.

ص: 30


1- في المخطوط بعدها : ( عند ).

[11] دفع وهم وبيان فهم معنى الأيام السعيدة من الشهر

ورد في الأخبار (1) الحكم على بعض أيام الشهر بالسعد وبعضها بالنحس ؛ عامّاً في بعضها وخاصّاً في آخر ، [ فهل (2) ] المراد بالشهر : العربي ، أو الفارسي؟ والشهور الفارسيّة هي التي أوّلها الحمل وآخرها الحوت ، وهي البروج المعروفة.

المعروف بين العامّ والخاص والعالم والجاهل أن المراد به الشهر العربيّ. وصرّح محسن الكاشاني : في ( تقويم الحسنين ) بأن المراد به : الشهر الفارسي.

ولم يستدلّ بما تطمئنّ به النفس ، ولم أرَ من قال بذلك ، ولا من وافقه عليه ، بل العمل في سائر الأزمان والأصقاع على أنه الشهر العربيّ.

وممّا يدلّ عليه أن الشارع خاطب بذلك خاصّة الناس ومن يعرف الشهور الفارسية ومدخلها ومخرجها من العربية ، وعامّتهم ومن لا يعرف ذلك ، ومحال أن يخاطب الحكيم به من يستحيل منه معرفته ، فلم يخاطب أحداً إلّا بما يفهم بحسب عقله. وأين العوامّ من معرفة الشهور الفارسيّة الّتي لا يعرفها إلّا علماء الرصد والتقويم أو من قلّدهم؟ ما ذاك إلّا تكليف ما لا يطاق ، فمتى قال الشارع : يكره الجماع في ليلة النصف مثلاً ، علم كلّ من سمعه أن المراد نصف الشهر العربي بلا ارتياب ، واللّه الهادي.

ص: 31


1- الدروع الواقية : 259 - 266.
2- في المخطوط : ( فهو ).

ص: 32

[12] كشف حال وبيان إعضال : نوم النبي صلى اللّه عليه وآله : عن الصلاة

إعضال : نوم النبي صلى اللّه عليه وآله : عن الصلاة (1)

اعلم أن اللّه سبحانه وتعالى لما كان هو الواحد الأحد من كلّ وجه ، وبكلّ اعتبار ، وهو أرحم الراحمين ، وجميعُ أفعاله جرت على كمال الاختيار ، إيجاداً وتكليفاً ؛ لأنه المختار ، ولذلك خلق الخلق على فطر مختلفة كلّا بحسب وسعه من القبول ، ( أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) (2) فاقتضى (3) عدله وحكمته ورحمته أن يجعل له خليفة وباباً لا يؤتى إلّا منه ، وهو وجهه ودليله وحجابه الأعظم.

وقد استفاض أن اللّه خلق محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : وأهل بيته المعصومين من نور عظمته قبل أن يخلق شيئاً من خلقه ، فمكثوا ألف دهر ، ثمّ خلق الأشياء وأشهدهم خلقها ، وأجرى عليها طاعتهم ، وفوض أمر الأشياء إليهم في الحكم والتصرّف والإرشاد والأمر والنهي في الخلق ؛ لأنهم الولاة ؛ فلهم الولاية المطلقة العامّة في كلّ شي ء. فلا جود من اللّه إلّا وهم بابه وسبيله ومصدره ، فهم علّموا الملائكة وجميع الخلق توحيد اللّه وعبادته (4) وجميع ما يصلحهم في جميع النشئات والتطورات ، وجود اللّه متصل الفيض لا ينقطع بحال.

ص: 33


1- انظر الفقيه 1 : 233 - 234 / 1031.
2- طه : 50.
3- جواب قوله : ( لما كان .. ) أي فقد اقتضى ..
4- الاختصاص ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 12 : 91 ، بحار الأنوار 25 : 1 / 2.

فمن توهّم أن محمّداً : الذي هو نائب اللّه في كلّ شي ء ، ونوره الّذي أشرقت من نوره الأكوان ، ونبعت منه عيون الرحمة والجود ينام كما ننام ، ويذهب النوم بحسّه وعقله ، حتّى إنه نام عن صلاة الصبح ، حتّى طلعت الشمس ، فقضاها بعدُ ، لحديثٍ شاذ نادر (1) جرى [ على (2) ] سبيل التقيّة الّتي عصم اللّه بها دماء أهل الإيمان عن التلف ، فقد جهل مقامه الأقدس المطهّر عن جميع النقائص والحظوظ البشريّة ويلزمه من المفاسد في التوحيد وجميع أُصول الإيمان ما لا يحصى ، [ ويحطّ ] (3) مقامه عن الخلافة العامة ، ويفسد باب الجود ، وتنقطع السعادة بين الحقّ والخلق ، ولا يكون أفضل الكلّ في الكلّ من كلّ وجه ، كذلك في تلك الحال.

ويلزم أن يكون لله خليفة وحجة على جميع الموجودات غيره ؛ لعدم إمكان خلوّ الإمكان بحال عمّن هو كذلك ، وذلك يستلزم التركيب في الواحد الحقّيّ ، فيجر إلى مفاسدَ لا تحصى. فعليك بتأمّل هذا الإجمال ينكشف لك الحال.

ومن قال : إنه فعل ذلك تعليماً فقد حكم على المبعوث في كلّ مقام لتكميل النواقص بتعليم النقائص باختياره. ومن توهّم أنه في تلك الحال ، مشغول بالفناء في البقاء الّذي هو أعلى من الصلاة فقد نصر ضُلّال الصوفية الأشقياء المحجوبين عن اللقاء ، ونصر القول بالتناسخ من حيث لا يدري ، بل مال إلى وحدة الوجود ، نعوذ باللّه من ذلك.

وإياك أن تنسب هذا لأحد من علماء الفرقة ، فتظلمهم ؛ فيخاصموك عند اللّه ورسوله بعد أن يخاصمك الرسول صلى اللّه عليه وآله : عن اللّه وعن نفسه ، واللّه الهادي والعاصم.

فهذا الوهم ترده جميع قوانين الشريعة المقدّسة وبراهين المعقول ، واللّه اعلم.

ص: 34


1- الفقيه 1 : 233 / 1031.
2- في المخطوط : ( من ).
3- في المخطوط : ( فعليه ).

[13] جواب سؤال ودفع إشكال نسبة المعصية لآدم عليه السلام والبدن

اشارة

قد سألني في أيام الشبيبة بعض أهل المناصب عن مسألتين :

أحدهما : نسبة المعصية لآدم عليه السلام : ظاهر القرآن أن آدم عليه السلام : عصى اللّه تعالى ، وأُصول المذهب على أن جميع الأنبياء معصومون من آن الولادة ، وعليه إجماع الفرقة.

والجواب أن الكتاب العزيز قد اشتمل على المجازات اللغويّة كما اشتمل على الحقائق اللغويّة ، فنسبة المعصية إلى آدم : وسلام اللّه عليه وعلى المعصومين من ذرّيّته من قبيل المجاز اللغوي ، والعاصي في الحقيقة إنّما هم فراعنة ذرّيّته في كلّ زمان كفلان وفلان ، لكنه لمّا كانوا حينئذٍ في صلبه قبل التميّز نسبت له المعصية مجازاً ، فوجب إنزال آدم عليه السلام : من الجنّة لوجوب إنزال فراعنة ذرّيّته من الجنة ، ليميز اللّه الخبيث من الطيب ، فيجعل الخبيث بعضه على بعض ، فيركمه في جهنم جميعاً.

فلعل بكاء آدم عليه السلام : لما لحقهُ بالعرض من المحنة بالخروج من الجنّة ، بسببهم ولكونهم من صلبه ، ولما يُنسب إليه ظاهراً من معصيتهم ، فقيل : عصى آدم عليه السلام : ، وإنّما العاصي بعض من خرج من ظهره ، فهو كالذهب المغشوش بالنحاس ، يلقى في النار ليصفى من الخلط ، فتلحقه المحنة بسبب ما مازجه من الخلط.

ويمكن أن يراد بآدم عليه السلام : في القرآن الجنس المتحقّق بتحقّق فرد منه ، فيراد بكلّ

ص: 35

فرد من فراعنة البشر آدم [ الّذي نسبت (1) ] المعصية إليه ، بل يمكن أن كونهم يخرجون من ظهره هي المعصية المنسوبة إليه ، فإن إطلاق المعصية على ذواتهم صحيح وإن كان مجازاً لغويّاً. وسمّي تخليصه منهم وتميّزهم منه ومن أطائب ذرّيّته توبةً واجتباء ؛ إذ بدونه لا يكمل الاجتباء والرّجوع إلى ما منه بدأ ، واللّه العالم.

نسبة المعصية للبدن

المسألة الثانية : كيف يثاب البدن ويعاقب ، وهو مستخدم للنفس مقهور لها ، لا يستطيع مخالفتها ، لأنه آلة لها كالمنشار في يد النجّار؟

والجواب ومن اللّه استمداد الصّواب أن المكلّف هو الإنسان ، وهذا اللفظ لا يصدق على النفس وحدها ولا على البدن وحده ، وإنّما يراد به شي ء (2) مركّب هو مجموع النّفس والبدن ، كالسّكنجبين إنّما يطلق عَلى شي ء مركّب من أجزاء ثلاثة ، لا يصحّ إطلاقه على شي ء من أجزائه على الانفراد.

فالنفس إنّما تعصي وتطيع بالبدن ، والبدن إنّما يعصي ويطيع بالنفس ، فكلّ منهما لا يتحقّق منه أحدهما على الانفراد ، فكلّ منهما إنّما صدر من كلّ منهما دفعة على الاجتماع ، ولكلّ منهما [ قسط (3) ] من الاختيار فكلّ منهما إنّما صدر منهما باختيارهما معاً ، وليس البدن بمثابة المنشار في يد النجّار من كلّ وجه ، بل لغلبة النفس وكونها منبع الاختيار ؛ ربما نسب لها الفعل. بل خواصّ الحكماء ينفون القسر والطبع بوجه وإن أثبتوه بوجه. فجميع الحركات عندهم اختيارية بوجه ، حتّى إن الأصنام المنحوتة إنّما عبدت بنوع من اختيارها.

فلذا ظاهر القرآن (4) إنها تعذّب في النار مع عابديها ؛ فظهر استحقاق البدن للثواب والعقاب كالنفس ، واللّه الهادي ، وهو العالم.

ص: 36


1- في المخطوط : ( التي نسبة ).
2- في المخطوط : ( بشي ء ).
3- في المخطوط : ( قصط ).
4- إشارة إلى ما جاء في قوله عزوجل ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) الأنبياء : 98.

[ 14 ] كشف غمة ودفع ملمة ( ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي )

لعل نفي الدراية في قوله عزّ اسمه ( وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) (1) نفي درايته صلى اللّه عليه وآله من تلقاء نفسه [ المقدّسة (2) ] استقلالاً لا بإفاضة العليم القادر ، أي أني لا علم لي ولا دراية بشي ء ما أصلاً ، حتّى أحوال نفسي وأصحابي من قبل نفسي ، بل كلّ علم لي وكلّ كمال فهو لي من اللّه بلا واسطة سوى نفسي.

فإذن هو صلى اللّه عليه وآله أعلم الخلق بجميع الخلق وصفاته ، ولذا كان أولى بهم من أنفسهم ؛ لأنه الواسطة لكل الخلق في كلّ كمال ووجود ، فنفى بذلك الربوبيّة عن نفسه ، وأثبت أنه أعلم الخلق وأكملهم ، حيث أشار إلى أنه ينبوع كلّ جود ووجود.

وبوجه آخر حاصله أن نفي الدراية في الآية الكريمة إشارة إلى إثبات البداء لله في كلّ شي ء ، فإنه عنوان كمال القدرة لله تعالى وسرّه.

وبوجه آخر هو أنه نفى الدراية بجهة مفهوم البشريّة المحضة العامّ ؛ فهو إثبات لأن درايته إنّما هي من لدن حكيم عليم في مقام ( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) (3) وإن كان هو يشمل جميع مراتب الوجود ، إلّا إنه في كلّ رتبة بما يناسبها. وفي مقام البشرية المحضة لا يكون إلّا بالوحي الجزئي التدريجيّ الآتي على لسان ملك. فهو إثبات لكمال جامعيّته لكلّ كمال.

ص: 37


1- الأحقاف : 9.
2- في المخطوط : ( المقدّس ).
3- النجم : 9.

فلا منافاة بين الآية الكريمة وبين ما ثبت بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً (1) من أنه صلى اللّه عليه وآله عالم بجميع ما كان وما يكون من جميع العالم ؛ لأنه باب الكلّ وسبيله إلى اللّه ، واللّه العالم.

ص: 38


1- الكافي 1 : 251 - 252 / 8.

[15] نكته لطيفة تعدد المعاذيّة في سورة الناس

يمكن أن تكون النكتة في تعدّد لفظ المعاذيّة بصفات مختلفة المفهوم ، وفي الإتيان بالظاهر دون الضمير [ ثلاث (1) ] مرّات في سورة ( الناس ) هو التنبيه على افتقار الإنسان إلى تدبير اللّه وعنايته وإمداده وحده لا شريك له ، وعدم غناه عن بارئه بحال في كلّ نشأة ودرجة من منازل وجوده.

فالإنسان أوّل أمره بعد الولادة لا يعرف سوى من يقوم بتربيته من أُمّ أو أب أو ما يقوم مقامهما ، ويتوهّم أن مربية قادر على دفع جميع المكروهات عنه ، وعلى جلب جميع الملائمات والمحبوبات له. ولذا لا تراه يفزع ويلجأ في جميع حوائجه ومهمّاته إلّا لمربّيه ؛ لأنّه لا يرى قادراً سواه.

ثمّ إذا ترقّى إلى إدراك أقوى وأعلى من الأوّل يرى أن الملك الذي مُربّاه تحت قهره هو القادر على جميع ذلك دون من سواه ، فهو لا يفزع في مهماته إلّا له ؛ لأنه لا يرى لغيره قدرةً على شي ء ، ولا يعرف ملكاً هو أقدر من ملك أرضه.

ثمّ إذا بزغ فيه نور العقل واستعدّ [ للتكليف (2) ] الشرعي ، ونظر في آيات اللّه عرف أن لا قادر على شي ء من ذلك إلّا اللّه تعالى وحده ، وعرف أن اللّه عزّ اسمه هو

ص: 39


1- في المخطوط : ( أربع ) ، ويدلُّ على ما أثبتناه ما سيأتي من كلامه في موضعين.
2- في المخطوط : ( التكليف ).

المربّي له وأنه الملك وأنه الإله المعبود وحده فلا مُدبّر له في جميع حالاته ولا قاهر ومألوه سواه. فإن قبل الهداية الأوّليّة العامّة انقطع إلى اللّه في جميع أحواله ، وإن أباها واستحبّ العمى على الهدى كان شيطاناً موسوساً مضلا عن الهدى ، وكان تعويله وانقطاعه إلى هواه الذي اتّخذه إلهه.

فانقسم الناس بهذا إلى [ ثلاثة (1) ] أقسام ، كلّ قسم منها مباين لغيره بوجه وإن كان يجمعها في الظاهر بحسب البنية نوع الإنسان :

فالإنسان أوّل بروزه في الدنيا مربّى بحت ، لا يجد لنفسه اعتباراً ولا [ تدبيراً ] (2) ولا اختياراً [ فلذلك ] دلّ عليه بلفظ الربّ المربّي والمدبّر.

ثمّ إذا كان صبيّا وظهر فيه سلطان الوهم ، كان مملوكاً مقهوراً لما فيه من شره النفس ، لخلوّها حينئذٍ من الارتياض بالنواميس الشرعيّة ، فناسب أن يدلّ عليه بلفظ الملك.

ثمّ إذا عرف اللّه وعبده وانقاد له كان اللّه إلهه ومولاه في كلّ أحواله.

فلمّا تباينت حقائق الأقسام الثلاثة ناسب التعبير بالظاهر دون الضمير المتّحد المعنى بمرجعه. والخانس عن هذه الأنواع الثلاثة هو من جملة ما أمر اللّه بالاستعاذة به منه في كلّ الحالات. وهذا التقسيم يدلّ على كلّيّات مراتب النفس من الهيولاني إلى العقل بالفعل ، وعلى ترتّب كلّ درجة على سابقتها ، وعلى تباين حقائق النفوس بتباين الملكات ، واللّه العالم.

ص: 40


1- في المخطوط : ( أربعة ).
2- في المخطوط : ( تبدير ).

[16] جواب سؤال وبيان حال انقسام العلم إلى تصوّر وتصديق

إن قيل : إنّهم قالوا : ( العلم بشي ء هو حصول صورته في النفس ) (1) ، فلذا قيل : إنه يرادف التصوّر بالمعنى العامّ ، فهو من مقولة الكيف عند محقّقي أهل النظر (2) ، أو الانفعال كما هو عند جماعة (3). فحقيقته واحدة بالنوع ، فكيف ينقسم إلى تصوّر ، وإلى تصديق ، وهما نوعان مختلفا الحقيقة ؛ لاختلاف الجواب عن السؤال عنهما ب- ( ما هو ) مع أن وجداننا يحكم بعدم الفرق بين صورة ما يسمّى تصوّراً وما يسمّى تصديقاً عند النفس العالمة أو آلتها ، فكلاهما حصول صورة في المدركة (4) ، فما وجه التقسيم؟

قلت : اعلم أن لفظ العلم عندهم يطلق بالاشتراك على معنيين :

أحدهما : العلم الإشراقيّ ، وهو إضافة ، وحالة الشراقيّة بها تنكشف حقيقة العلوم عند العالم بدون حصول صورة منه في المدرك ، أو في آلته كعلم المجرّد بنفسه ،

ص: 41


1- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : 225.
2- الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة 1 : 325.
3- جوامع الكلم 1 : 151.
4- المدركة : من القوى الخمس الباطنة للنفس ، وهي قسمان : مدركة الصور ، وتسمّى حسّا مشتركاً ؛ لأنها تدرك خيالات المحسوسات الظاهرة بالتأدية. ومدركة المعاني ، وتسمّى وهماً ومتوهّمة. الإشارات والتنبيهات 2 : 332.

وبغيره ، وكعلمنا بأنفسنا. وهذا لا ينقسم إلى تصوّر وتصديق ؛ لأنّهما حصول صورة ، ولا صورة هنا.

الثاني : العلم بما غاب ، وهو المتجدّد المتوقّف حصوله على حضور حقيقة المعلوم أو مثاله أو صورته بين يدي المدرِك ، ومنه ما يتوقّف حصوله على حضور المدرَك بين يدي آلة المدرك حتّى الحسّيّة. وجميع المنطقيّات لا يتجاوز هذا القسم كما صرّح به العلّامة الشيرازي ، وهذا القسم ينقسم أيضاً إلى ثلاثة أقسام متباينة الحقائق بوجه وإن آلت إلى شي ء واحد بوجه :

أحدها : الصورة الذهنيّة المنطبعة في النفس ، ومتعلّقُهُ ذو الصورة الذي هو حقيقة المعلوم بحسب نفس جوهر الماهيّة.

الثاني : الانكشاف المصدريّ ، ومتعلّقه المنكشف من حيث هو منكشف.

وهذان النوعان لا يمكن انقسامهما أيضاً إلى تصوّر وتصديق ؛ لاتّحاد معناهما بالنسبة لكلّ منهما وتساويهما فيهما.

الثالث : الحالة الإدراكيّة للنفس العاقلة ، ومتعلقها الصورة الذهنيّة الانطباعيّة. فالصورة المنطبعة في النفس علم بالنسبة إلى سنخ جوهر حقيقة المعلوم ، ومعلوم بالنسبة إلى العلم المتعلّق بها وهو الحالة الإدراكيّة. وهذا هو المنقسم إلى تصوّر وإلى تصديق كما صرّح به في ( القبسات ) (1) ، وذلك أن النفس إذا تصوّرت وأدركت مفهومين ونسبة بينهما حصل لها حالة إدراكيّة للمتصوّرات الثلاثة ؛ فإن بقين معها على الحالة الاولى من بحت التصوّر فهو تصوّر ، وإن عرض لها ما يجعلها محتملة للتصديق والتكذيب في إيقاع تلك النسبة أو وقوعها أو انتزاعها بحيث تكون ملحوظة من تلك الحيثيّة فهي تصديق.

قال العلّامة الشيرازيّ : ( الأثر الذي هو حصول صورة الشي ء في العقل سواء اقترن به حكم أم لا يسمى تصوّراً ؛ إذ الحكم باعتبار حصوله في العقل من

ص: 42


1- القبسات : 387.

التصوّرات أيضاً. وخصوصيّة كونه حكماً وهو ما يلحق الإدراك لحوقاً يجعله محتملاً للتصديق والتكذيب يسمّى تصديقاً. فالتصوّر : هو حصول صورة الشي ء في العقل مع قطع النظر عن الحكم.

لست أقول : مع التجرّد عن الحكم ؛ لأنّ ذلك ينافي كونه شرطاً أو شطراً ) (1) ، انتهى.

وهذا التفصيل يدفع إشكالات كثيرة ، ولم أرَ من تعرّض له ولا لهذا السؤال ، واللّه العالم.

ص: 43


1- رسالة التصوّر والتصديق ، ضمن ( رسالتان في التصوّر والتصديق ) : 58 - 59 ، بتفاوت.

ص: 44

[17] تأويل آية وكشف رواية : موسى : والخضر عليهما السلام

روي أن الخضر عليه السلام : حمل علماً لم يُطق موسى عليه السلام : حمله ، وحمل موسى عليه السلام : علماً لم يطق الخضر عليه السلام : حمله (1). ويحتمل أن معناه أن كلّا كُلّف بتكليف لا يحتمله [ الآخر ولا يناسبه (2) ].

فموسى عليه السلام : كُلّف بالعمل بحكم التنزيل ؛ لأنه المناسب لرعيّته ، ولم يطق الخضر عليه السلام : التكليف بحمل أثقال الرسالة التي شأنها العمل بالتنزيل والظاهر ، فهو بحسبها رعيّة لموسى عليه السلام : ومكلّف بالعمل بشريعته حتّى تنسخ.

والخضر عليه السلام : كلّف بإظهار العمل بالتأويل والباطن في جزئيّات مخصوصة ، ولم يكلّف موسى عليه السلام : بالعمل بها بنفسه ، بل بواسطة العبد الصالح ؛ مراعاة لمصلحة العموم ، وللنظام الجمليّ ، فلم يطق موسى عليه السلام : العمل بها بنفسه لأجل ذلك.

وهذا لا ينافي كون موسى عليه السلام : أفضل وأعلم من الخضر عليه السلام : مطلقاً ، والخضر عليه السلام : من رعيّته مطلقاً ، فالرسول : يُلقي الوحي للملك في مقام ويتلقّاه منه في مقام ، وهو أفضل وأعلم من الملك في كلّ مقام. فعمل الخضر عليه السلام : بإلقاء موسى عليه السلام : له في مقام ، وتلقّاه في مقام. ومن جملة إسرارها دفع دعوى الربوبيّة فيه ، والحكمة الإلهية اقتضت حصر إظهار ذلك العمل في تلك المواد الخاصّة في ذلك الطريق.

ص: 45


1- تفسير العيّاشي 2 : 356 / 41 ، تفسير القمّيّ 2 : 37.
2- في المخطوط : ( ولا يناسب الآخر ).

أمّا قوله تعالى : ( وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ ) (1) فيمكن حمل النسيان على الترك ، أي ما حملني على ترك اصطياد الحوت بعد ما حيّ إلّا طلب ظهور علم تضمحلّ به حجّة الشيطان ، فكأنّ الشيطان حمله على ترك الحوت فنسبه إليه ؛ لأنه لا سبب لذلك في الحقيقة سواه ، واللّه العالم.

ص: 46


1- الكهف : 63.

[18] كنز مذخور وبيان مشهور اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وسلم

اشارة

مسألة : هل يعود من صلاة المصلّي على محمّد وآله وسلامِه عليهم ودعائِه لهم نفع عليهم صلى اللّه عليهم وسلم أم يختصّ نفعه بالمصلّي والمسلّم والداعي؟

الجواب ومن اللّه الهداية بهم إلى الصواب أن هذه المسألة من الخلافيّات ، فالأكثر بل قيل : إنه المشهور (1) على أنه يختصّ النفع بالداعي والمصلّي والمسلّم ولا يعود من دعائه وصلاته وسلامه على محمّد : صلى اللّه عليه وآله نفع.

ويدلّ عليه من الاعتبار أنه لو عاد من صلاة المصلّي عليهم نفع عليهم بسببها ، فحصل لهم من القرب والكمال ما لم يكن ، كما هو شأن دعاء بعضنا لبعض ، ودعاء أهل البيت : لنا ، لزم أن يكون المصلّي منّا عليهم واسطة لهم ، وشفيعاً إلى اللّه في إيصال فيضه وجوده لهم ، فينقلب المتبوع تابعاً ، والفرع أصلاً ، والمفضول بحقيقته من كلّ وجه فاضلاً من وجه.

ويؤدّي إلى أن محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : ليس هو الواسطة الكلّيّة والشفيع المطلق من كلّ وجه ، وإلى أنه صلى اللّه عليه وآله ليس غنيّاً عن جميع رعيّته من كلّ وجه في كلّ شي ء ، وليس هو أكملهم وأفضلهم في كلّ شي ء من كلّ وجه ، فليس جميع من دونه مفتقراً إليه من كلّ وجه في كلّ كمال.

ص: 47


1- الأنوار النعمانية 1 : 137.

والكلّ باطل بالبرهان المتضاعف المحكم عقلاً ونقلاً ، بل بديهي البطلان عند أهل العيان.

ومن الأخبار ما رواه في ( الكافي ) عن صفوان بن يحيى : عن الرضا : عليه سلام اللّه أنه قال : « أليس تقول : صلّى اللّه على محمّد : وآل محمّد؟ » قلت : بلى. قال : « ارحم محمّداً : وآل محمّد؟ ».

قال (1) : « بلى ، وقد صلّى عليه ورحمه ، وإنّما صلاتنا عليه رحمة لنا وقُربة » (2).

وما في الجامعة الكبيرة : « وجعل صلاتنا عليكم وما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا ، وطهارةً لأنفسنا ، وتزكيةً لنا ، وكفّارةً لذنوبنا » (3).

ومثل عموم ما دلّ على حاجة كلّ رعيّة لإمامهم في كلّ شي ء وغناه عنهم في كلّ شي ء (4) ، فهو شفيعهم إلى اللّه في كلّ جود ووجود ، ومحمَّد صلى اللّه عليه وآله : شفيع الكلّ في الكلّ.

وقيل : إنه كما يحصل بذلك نفع للمصلّي والمسلّم عليهم والداعي لهم ، يحصل به نفع لهم أيضاً ، ويستمدّون به من جود اللّه تعالى الذي لا يتناهى ، ولا ينقطع أبداً. واختاره السيّد نعمة اللّه الجزائري : في ( شرح السجّاديّة ) ، وفي كشكوله (5) أيضاً ، وعزا القول الأوّل في الشرح إلى طائفة ، وفي ( الكشكول ) (6) نسبه إلى الشهيد : ونقل عبارته ثمّ ردها بوجوه ، منها : أن الأخبار دالّة على خلافه.

ومنها : أن ما قاله غير معهود من غيره من الأصحاب ، وإنّما قال بعض أهل الحديث : ( إنه من أقوال العامّة ) فكأنّه أراد بالطائفة في عبارة الشرح هو مع القائل به من العامّة.

ويدلّ عليه من الأخبار كلّ ما دلّ على الأمر بالصلاة والسلام عليهم والدعاء لهم

ص: 48


1- في المخطوط بعده : ( قلت ) ، وما أثبتناه موافقٌ للمصدر ولعلّ فيه سقطاً كما أُشير له في الهامش : 1 من المصدر.
2- الكافي 2 : 653 - 654 / 4.
3- تهذيب الأحكام 6 : 98.
4- بحار الأنوار 23 : 50 / 100.
5- الأنوار النعمانية 1 : 137 - 138.
6- الأنوار النعمانية 1 : 137 - 140.

بطلب الوسيلة والدرجة الرفيعة ، وقرب المنزل من اللّه ، وتقبل الشفاعة ، وغير ذلك ممّا في كتب الدعوات (1).

ومثل ما دلّ على الأمر بإهداء ثواب أعمال العاملين لهم. ومثل ما رواه ابن طاوس : في ( جمال الأسبوع ) (2) من استحباب ركعات في كلّ يوم من الأسبوع تهدي ثوابها لواحد من أهل البيت عليهم السلام : ، الى غير ذلك. وهو كثير ، مثل « من سنّ سنّة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة » (3).

ومثل قوله صلى اللّه عليه وآله : « أعينونا بورع واجتهاد » (4).

ومثل ما دلّ على أن أعمال العباد تعرض عليهم كلّ يوم ، فيسرّهم صالحها ويسوؤهم قبيحها (5). إلى غير ذلك ، فإنّه كلّه بظاهره يدلّ على وصول نفع لهم بذلك كما لا يخفى.

ومن الاعتبار أن الدعاء لهم بذلك إمّا أن يكون مجاباً فيستلزم أن يحصل لهم به نفع ، أو غير مجاب فلا أثر له حتّى للدّاعي ، ولا كلام لنا فيه.

وأيضاً صلاتنا وسلامنا عليهم ودعاؤنا لهم بعلوّ الدرجات وأفضل الكمالات طاعة وحسنة ، وكلّ حسنة فمن اللّه ، وهم معلّموها وسبيلها ، فهم باب اللّه الذي لا يؤتى إلّا منه ، ومنهم بدْء كلّ كمال وجمال ، وإليهم معاده ، فبسبيل معرفتهم عرف اللّه ، وبعبادتهم عبد اللّه ، فكأنّ جميع الصالحات أعمالهم.

وأيضاً كما أن جميع الوجودات من فاضل صفات وجودهم ، وكلّ حسنة من فاضل حسناتهم ، فقد ورد أن اللّه حمّلهم ذنوب شيعتهم فغفرها لهم (6) ؛ لأنّهم ذواتهم من فاضل ذواتهم ، وحسناتهم من فاضل أعمالهم.

ص: 49


1- انظر : وسائل الشيعة 7 : 92 - 103 ، أبواب الدعاء ، ب 36 ، 37.
2- جمال الأُسبوع : 29.
3- الكافي 5 : 9 - 10 / 1 ، وسائل الشيعة 15 : 24 - 25 ، أبواب جهاد العدو ، ب 5 ، ح 1.
4- نهج البلاغة : 573 / الكتاب : 45 ، وفيه : « أعينوني ».
5- بصائر الدرجات : 424.
6- تفسير القمّيّ 2 : 321 ، بحار الأنوار 17 : 89 / 19.

فإذن لهم قسط من ثواب العاملين ؛ لأنّهم عللهم ، وأعمالهم علل حسنات العاملين ، فهم عناصر [ الأبرار (1) ] ، الذات للذات والصفة للصفة ، فلهم القسط الأكمل من ثواب العاملين ، بل ثوابُ المحسنين فاضلُ ثوابهم على حسنة المحسنين. ففي الحقيقة جميع الحسنات حسناتهم ؛ لأنّها منهم بدأت وإليهم تعود بقدر رتبتها.

وأيضاً دعاؤنا لهم يلزمه الدعاء على أعدائهم بذهاب دولتهم وتطهير الأرض منهم ، فيؤدّي إلى طلب إظهار دولتهم ، فهو دعاء لنا ولهم ؛ لما فيه من سعادتنا بإظهار كلمة الحقّ ومحو الباطل. فلا بعد أن يزيدهم اللّه من فضله على حبّنا لهم ، وعلمنا وعملنا اللذين بهدايتهم ونورهم ، فكلّ ما في الوجود من كمال وجمال وجلال فهو لمعة من أنوارهم ، وأثرٌ من آثارهم ، بل الكلّ حكايتهم ذاتاً وصفة ، فهم المعنى والمسمّى ، وما سواهم الاسم والعبارة. فظهر أنه لا منافاة بين هذا وبين ما ذكر من الاعتبار في القول الأوّل ؛ لأنّا نسلّم أنه لا يصل لهم نفع بشفاعة الداعي ووساطته لهم ، بل على ما قرّرناه ، فلا منافاة.

وأمّا الجامعة فنقول بمقتضاها ، وليس فيها ما ينافي ما قرّرناه في القول الثاني. ثمّ نقول : إن صلاة المصلّي عليهم ، ودعاء الداعي لهم ، من حيث هو عمله وحسنته يختصّ نفعه به ؛ لأنه [ عمله لا عملهم (2) ] ، ولأنّ كلّ ما يدعو به لهم من الكمالات وعوالي الدرجات فهو قد حصل لهم ، فطلبه لهم تحصيل حاصل.

ولو لم يكن حاصلاً لهم على أعلى درجة لزم ما مرّ في القول الأوّل من لزوم وجود واسطة لهم في حصول كمال وشفيع لهم ، فينقلب الرائس من كلّ وجه والأفضل من كلّ وجه مفضولاً ومرؤوساً بحال ، إلى غير ذلك من المفاسد المستحيلة ، ومن حيث إنّهم السبيل إليه بدءاً وعوداً ، والهداةُ إليه والأدلّاء عليه ، وهو من فاضل حسناتهم كما عرفت ، فلهم به النصيب الأوفى.

فظهر وجه الحصر في حديث ( الكافي ) بأن يراد اختصاص نفعه بنا من حيث هو

ص: 50


1- في المخطوط : ( الابر ).
2- في المخطوط : ( علمه لا علمهم ).

عملنا ، ونفيه عنهم على وجه شفاعة المصلّي عليهم ، وكونه السبب والواسطة لهم في تحصيل مضمونه لهم ، فلا منافاة فيه للقول الثاني ولا منافاة بين القولين ، فكلاهما صحيح ، بل لا اختلاف في الحقيقة بينهما ، واللّه العالم.

تنبيه

هل هذا التقرير مختصّ بمحمّد : وآله صلّى اللّه عليه وعليهم أم يجري في سائر المعصومين؟

الظاهر أن هذا يجري بالنسبة إلى كلّ إمام ورعيّته البتّة ، ولا يجري بالنسبة إلى دعاء الأفضل من المعصومين لمن دونه ؛ لصحّة توسّط الأفضل لمن دونه وشفاعته له. أمّا العكس ودعاء هذه الأُمّة لمن دون محمّد : وآله صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين من المعصومين فيحتمل الوجهين أيضاً ، ولا منافاة في توسّط مثل الكليم بيننا وبين نبيّنا ، بل يدلّ على وقوعه مثل : حديث المعراج (1) الدالّ على شفاعة موسى عليه السلام : لنا عند نبيّنا صلى اللّه عليه وآله ، واللّه العالم.

ص: 51


1- بحار الأنوار 18 : 235.

ص: 52

[19] بيان إجمال وكشف مقال : اللّه المنّان بالإحسان

لا ريب أن المنّان من أسمائه تعالى ، فلا ريب أنه صفة كمال ، وقد جاء في الدعاء « إنْ أعْطَيْتَ لَمْ تُشِبْ عَطَاءَكَ بِمَنّ » (1).

وأيضاً ، لا ريب أن المنّ من الممكن صفة ذمّ ، فهنا سؤالان.

الأوّل : ما الجمع بين نفي المنّ عن عطائه وبين وصفه بالمنّان؟

الثاني : ما الوجه في كون المنّان صفة مدح في الواجب ، وصفة ذمّ في الممكن؟

والجواب عن الأوّل : أن المنّان الموصوف به الواجب عزّ اسمه معناه الجواد المظهر جوده الدالّ عليه خلقه بلا شوب نكد ولا كدر ، ولا نفع يصل إليه من المنعم عليهم ، ولا مكافأة لهم على إحسان منهم ، بل تفضّل بحت بلا شوب أداء ولا إنقاص. والمنفيّ عن عطائه هو العطاء المشوب ببعض ذلك ، كما هو معنى المنّ بالنسبة إلى الممكن ، فإذا كان للمنّ معنيان متباينان (2) صحّ الإثبات والنفي إذا لم يتواردا على موضوع واحد.

والجواب عن الثاني : أن حقيقة المنّة وأجلى أفرادها تذكير المنعَم عليه بما انْعِمَ به عليه ؛ ليدوم علمه بالمُنْعِم والنعمة ، فيرى له وجوب الشكر ، ويرى له الطول والعلوّ عليه ، والقاهريّة له ، ويرى نفسه في ذلّ المقهوريّة والافتقار له.

ص: 53


1- الصحيفة السجاديّة الكاملة : 191.
2- في المخطوط : ( متبائنات ).

فتذكير اللّه للعبد نعمه عليه ظاهرةً وباطنةً ، وإظهار أنوارها في أُفق قلبه ، يؤدّي [ بالعبد (1) ] إلى دوام معرفته ببارئه ، وشدة فاقته إليه على الدوام ، ومعرفته بنفسه وربّه وكمالاته اللائقة به ، وإلى أن جميع المحامد لا يستحقّها أحد سواه ، وأن جميع النعم منه خالصة لا يشوبه نقص ، بل محض رحمته ، وذلك يُعِدّ العبدَ إلى قبول الفيض بعد الفيض ، وإلى المزيد من فضل اللّه الذي لا ينقطع ، ولشروق أنوار المحبّة والمعرفة في أُفق قلبه ، ولفعليّة العبوديّة.

فظهر أن تذكير اللّه للعبد بنِعَمه عليه إظهار لأشعّة نور رحمة وجوده في مشكاة قلبه ، فهي أيضاً نعمة اخرى بها يحصل للعبد بَرد اليقين ، وفتق ريق النفس ، وفعليّة العقل وطمأنينة العبوديّة. بل تصوّر النعمة ، وقول : ( الحمد لله ) نعمة يجب شكرها ؛ لما يلزمها من مزيد التفضيل وانشراح الصدر وأُنس القرب ، فالمنّة من اللّه جود محض ، وكمال بحت.

وأمّا المنّة من العبد فلا بدّ أن تشتمل نوع نقص كأن يرى نفسه منعماً ، وإنّما هي نعمة من اللّه عليه ، وعلى من أنعم عليه ، أو يرى في نفسه كبراً واستصغاراً لمن أنعم عليه ، ورفعة له ، وضعة للمنعَم عليه ، أو ينسب المنعَم عليه لعدم المروءة.

وبالجملة ، ينظر نفسه ويرى لها فضلاً وعلوّاً ، وينسى من أنعم عليه ، وأن إنعامَهُ وما أنعم به نعمةٌ من اللّه عليه ، ولا بدّ من استلزام ذلك نوع استنقاص وإهانة وذلّ لمن يمنّ عليه ويذكّره فقره لمن هو مثله.

وأيضاً إذا منّ عبد على عبد بما أولاه وذكّره به ؛ فإن كان لا يستشعر حينئذٍ أن ما أولاه نعمة من اللّه عليه ، وأن صرْف ما استخلفه فيه مولاه فيما يحبّ نعمة من مولاه أيضاً فهو جاهل محض أو أحمق أو جاحد لنعمة اللّه ، وهذا كلّه قبيح بالضرورة.

وإن كان مع تصوّر النعمة بذلك من اللّه عليه وأنّها نعمة يجب شكرها ، فالمنّ منه حينئذٍ محال ؛ إذ لا يرى نفسه منعِماً بحال ، بل منعَماً عليه على كلّ حال ، فإنّ المانّ

ص: 54


1- في المخطوط : ( العبد ).

المتطوّلَ بعطائه الذي يرى نفسه منعِماً كافرٌ بنعمة اللّه ، كاذب في دعواه ، جاهل بمقام نفسه ، غير عارف بربّه.

وبهذا ظهر حسن المنّ من الواجب ، وقبحه من الممكن ، وأن المنّان صفة كمال ، والمنّ المنفي عن عطائه هو ما استلزم النقص وإهانة المنعَم عليه وتكدير النعمة.

وبهذا ظهر أن مَن نعمته نعمةُ اللّه ، وإفضالُه مِنَ اللّه ، كمحمّدٍ : وآله صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين لا يكون تذكيره بفضله وإحسانه نقصاً في شأنه ؛ لأنه يد اللّه المبسوطة بالرحمة ولسانه المعبّر عنه ، و [ وجهه (1) ] الذي لا يؤتى إلّا منه ، لا ينطق عن الهوى بوجه ، فجميع أقواله وأفعاله رحمة من اللّه لخلقه ، فمنّه منّ اللّه ، فهو نعمة من اللّه خالصة لا يشوبها نقص بوجه ، واللّه العالم.

ص: 55


1- في المخطوط : ( وجه ).

ص: 56

[20] كشف حال وبيان مقال : « يا قَيّوم فلا يفوت شيئاً علمه »

اشارة

ورد في دعاء إدريس عليه السلام : « يا قيوم فلا يفوت شيئاً علمه ولا يؤوده » (1).

هكذا بنصب « شي ء » ورفع « علم ». فتتبّعنا جملة من كتب الدعوات ، فوجدناها هكذا ، وكان الظاهر رفع شي ء ، ونصب « علم » ؛ إذ الظاهر أن المقصود أن علمه تعالى أحاط بكلّ شي ء فلا يشذّ منه شي ء ولا يخرج عنه. والعبارة الصريحة في هذا ما قلناه أنه الظّاهر.

والجواب من وجوه :

أحدها : ما قاله مولانا الشيخ مبارك بن عليّ : ، وهو أن من الأفعال ما يصحّ إسناده إلى كلّ من فاعله ومفعوله لتكافئهما في النسبة إليه ؛ لكونه إضافياً مثل قوله تعالى : ( فَتَلَقّى آدَمُ : مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ) (2) فقد قرئ برفع ( آدم ) ونصب ( كلمات ) ، وبالعكس.

وقوله تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (3) ، فقد قرئ بالوجهين.

وعنوان هذا صحّة العكس ، وإقامة صيغة التفاعل والمفاعلة مقام الفعل المذكور

ص: 57


1- مصباح المتهجد : 544 ، بحار الأنوار 92 : 168 ، و 95 : 98 / 2.
2- البقرة : 37.
3- البقرة : 124.

مع بقاء المعنى بحاله ك- ( لقيتُ زيداً ولاقيته وتلاقينا ) ، فلعلّ الدعاء المسئول عنه من هذا القبيل.

[ بقي (1) ] السؤال عن النكتة في نسبة الفوت المنفي إلى علمه في العبارة دون الشي ء. ولعلّه التنبيه فيها على أنه الفاعل المطلق ، وما سواه قابل مقهور بالذات فلا يحمل نسبة الفوت إلى الأشياء في العبارة ، بل المشيئة والمقدرة لله حتّى في الأُمور الإضافيّة ، فلو عكس لأوهم العكس. على أن مصحّح العكس إنّما هو كونه في مقام النفي ، وتقديم الشي ء. [ و ] لعلّ النكتة في الاهتمام بيان انقهار الأشياء تحت علمه ، فإنّ قاهريّته أظهر ، واللّه العالم.

الثاني : أن يكون هذا من قبيل : ( خرق الثوبُ المسمارَ ) ، و: ( كسر الزجاجُ الحجرَ ) (2).

الثالث : أن يكون « علمه » مضافاً إلى مفعوله ، وهذا على ثلاثة أوجه :

أحدها : لا يفوت شيئاً أن يعلم خالقه.

الثاني : لا يفوت شيئاً أن يدلّ على خالقه ، فكلّ الممكنات دالّة عليه وشاهدة بوحدانيّته.

الثالث : لا يفوت شيئاً الدليل على خالقه.

والفرق بينه وبين الأوّل أن الأوّل من دليل ( الأنفس )، وهذا من دليل ( الآفاق ).

الرابع : أن يكون معناه : لا يفوت شيئاً علمه. أي لا ينقطع إمداده الخلق والرزق والحياة والموت ؛ لعدم استغناء المعلول عن علّته بحال ، وعدم انقطاع الأمداد منه للموجود بالوجود والإيجاد ولوازمه الذاتية. فسبحان من لا يحويه مكان ولا شي ء ، ولا يخلو منه مكان ولا شي ء ، العليم بما خلق ، القائم على كلّ نفس بما كسبت ،

ص: 58


1- في المخطوط : ( لفي ).
2- وهي قاعدة نصب الفاعل ورفع المفعول به عند أمن اللبس ، غير أنه ليس خاضعاً للقياس بل يقتصر فيه على السماع. انظر شرح ابن عقيل 2 : 147.

وهو على كلّ شي ء وكيل.

ثمّ انظر إلى تفريعه : « فلا يفوت شيئاً علمه » على قوله : « يا قيّوم » ، فإنّ القيّوم مَن قامت الأشياء كلّها بعلمه ، فيه قوام كلّ شي ء وجوداً وبقاءً وشيئيّةً وثبوتاً واستمراراً ودواماً ، خلقاً ورزقاً وحياةً وعلماً. فحقيقة ما سواه تقويم القيّوم له بعلمه وإمداده له من جوده ورحمته ، فهو الغنيّ بذاته عمّن سواه ، وجميع ما سواه مفتقر إليه بذاته في تنشئته وبقائه في مراتب وجوده.

هكذا شأن الصنعة وصانعها الحقيقيّ ، فبعلمه قامت الأشياء وتقوّمت ، أحاط بكلّ شي ء قدرةً وعلماً ، فبعلمه وقدرته أمسك العرش وما حوى ، فهو القيّوم بذاته. فظهر وجه التفريع وبان ما قرّرناه ، واللّه العالم بكلّ شي ء.

ص: 59

ص: 60

[21] كشف فيه لطف نسخ ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ )

قال القمّيّ في قوله عزّ اسمه ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) (1) - : خلقهم للأمر والنهي والتكليف ، وليس خلقه بجبران لهم ، بل الاختيار لهم في الأمر والنهي. وفي حديث آخر : هي منسوخة بقوله تعالى : ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) (2).

فإن قيل : ظاهر أن الآية الكريمة الاولى محكمة للإجماع الضروريّ ومحكمات الكتاب والسنّة المشهورة المستفيضة بل المتواترة مضموناً ، والبرهان المتضاعف المحكم الضروريّ ، فما معنى نسخها بالآية الكريمة الثانية؟

ولعلّ الجواب أن اللّه سبحانه وتعالى خلق الجنّ والإنس طرّاً على فطرة الإسلام ، وهي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها ، فكلّ مولود يولد على الفطرة ، وإنّما [ أبواه يهوّدانه إن تهوّدا وينصّرانه إن تنصّرا (3) ] (4) ، فلمّا وردوا موارد آبائهم ، واعوجّت فطرهم بإدبار نفوسهم ورين أعمالهم وامتدادهم ممّا امتدّ منه آباؤهم ، اختلفوا ( وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) (5) لاختلاف موادّهم.

ص: 61


1- الذاريات : 56.
2- هود : 118.
3- انظر : الفقيه 2 : 26 - 27 / 96 ، وسائل الشيعة 15 : 125 - 126 ، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، ب 48 ، ح 3.
4- في المخطوط : ( يهوّدانه إن تهود وينصّرانه إن تنصّر أبواه ).
5- هود : 118.

فالضلال سبل ، والهدى سبيل واحد ( إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ ) ، أي للرحمة ( خَلَقَهُمْ ) (1) ، أي خلقهم من رحم الرحمة لمّا استعدّ لها وأخذ بأسبابها وسلك سبيل هدى اللّه ، فبقي على الفطرة الأُولى. فلعلّه سمّى اعوجاج فطرهم ، وتغيّر قوابلهم الاولى ، وانتكاس قلوبهم ، وامتدادهم من الجهل المركّب ، نسخاً لخلقهم الأوّل ، وهو الفطرة الاولى ، فذلك نسخ في حقائقهم وخلقهم ، لا في التكليف ولا لعلّة خلقهم.

فليس معناه النسخ المتعارف بين أهل الأُصول من رفع حكم الآية الأُولى بالأُخرى ؛ إذ ليس بين الآيتين تنافٍ.

ووجه آخر ، هو أن ظاهر الآية الأُولى إخبار عن الخلق أنّهم يعبدونه طرّاً ، والثانية إخبار عن عدم اتّفاقهم على ذلك ، وأن فيهم من لا يعبده.

ووجه آخر ، هو أن الآية الأُولى إخبار عن أن الجنّ والإنس يعبدونه طرّاً في مقام وإن اختلفت عبادتهم إخلاصاً ونفاقاً ، والثانية إخبار عن اختلافهم وإعلان بعضهم بسريرته.

ووجه آخر ، هو أن الآية الأُولى إخبار عن اتّفاقهم على عبادته بدلالة وجوداتهم على وحدانيّته والإقرار برسله ، والثانية إخبار عن اختلاف اختياراتهم في قبول التكليف التشريعيّ.

وفي كلّ هذا يصدق النسخ ، لا بالمعنى الأُصولي وإن تلازما بوجه ، واللّه العالم.

ص: 62


1- هود : 119.

[22] كشف بيان وإسرار وإعلان الوجه في عدّ الولاية من أركان الإسلام

إن قيل : ورد في بعض الأخبار (1) عن الأئمّة الأطهار عد أركان الإسلام خمسة : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحجّ ، والولاية ، وفي بعضها (2) إبدال الولاية بالجهاد ، فما وجه الجمع؟

قلت : لعلّه واللّه الهادي أن الولاية وإن كانت هي أصل الإسلام وأُسّه لا من أركانه الفروعيّة ، لكنّها عدّت من أركانه جرياً على ظاهر أحكام الرسالة ، فإنّ الإسلام أعمّ من الإيمان ، كما استفاض الدليل عليه (3) بل تواتر مضموناً بحسبها وهو المشهور بين فقهائنا.

فالولاية بهذا الاعتبار من أركانه ؛ لصدقه ظاهراً بحسب الأحكام الدنيويّة المحضة أعني : ظاهر الرسالة بدونها. وحذف الجهاد ؛ لأنه مخصوص بزمان ظهور المعصوم ، والإذن له فيه ، فليس بعد الحسين سلام اللّه عليه إذن فيه حتّى يقوم قائمهم ، عجّل اللّه فرجه.

فهو في هذا الزمان ليس من أركان الإسلام ؛ لسقوط الكليف به حينئذٍ ، فالولاية

ص: 63


1- انظر : وسائل الشيعة 1 : 13 ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب 1.
2- انظر كنز العمّال 1 : 28 - 29 / 28 - 29 ، وفي غيره كثير.
3- الكافي 2 : 25 - 27 / 1 - 5.

حينئذٍ هي الخامس.

أمّا إذا أذن اللّه لقائمهم سلام اللّه عليه وارتفع المانع من مشروعيّة الجهاد ، وترادف اسم الإسلام والإيمان كانت الولاية حينئذٍ أُسّ الإسلام وأصله ، لا من أركانه الفروعيّة ، بل يكون الجهاد حينئذٍ هو الركن الخامس ، فكلّ منهما ركن خامس باعتبار ، فلا منافاة. وبهذا ظهر الوجه في عدّ الولاية من أركان الإسلام ، مع أنها أصل الإيمان الأعظم ، واللّه العالم.

ص: 64

[23] دفع وهم وإبانة فهم العرش سقف الجنة ومنزل أهل البيت في الجنّة

إن قيل : ورد أن الجنّة « سقفها عرش الرحمن » (1) ، وأرضها الكرسي ، ومنزل محمّد : وآله صلّى اللّه عليهم أجمعين في الجنة ، فيلزم أن يكون شي ء من الخلق أعلى من منزلهم ؛ لأنّ السقف أعلى من المسقوف.

ولعلّ الجواب ، وبمحمّد : وآله أستمد الصواب أن ذلك العرش يراد به : باطن [ باطن (2) ] المحدّد ، وذلك الكرسيّ : باطن باطن الكوكب ؛ فإن العرش والكرسيّ يطلقان في الأخبار (3) على معانٍ متعدّده ، فقسط كلّ فرد من ذلك العرش هو سقف جنّته ، فإنّها متعدّدة بتعدّد سكّانها بوجه ، متّحدة بوجه ، وسقفها داخل فيها بوجه خارج منها بوجه ، كالكلّيّ وجزئيّاته. والرتبة العالية من رتب الوجود بالنسبة إلى مظهرها وما دونها من معلولاتها ، وكلّ فرد عقله أعلى مقاماته ، أو سره بوجه.

وبوجه آخر هو أن يراد بالعرش الذي هو سقف الجنّة بأسرها : منزلة محمّد : وأهل بيته صلّى اللّه عليهم أجمعين وبالكرسي : البرزخ بين الباطن والظاهر ، وهو آخر مظاهر العرش من حيث هو عرش ، وهو أوّل منازل الجنّة ودرجاتها ، واللّه العالم.

ص: 65


1- بحار الأنوار 8 : 84.
2- في المخطوط : ( باض ).
3- التوحيد : 321 - 326 / 50 ، معاني الأخبار : 29 - 30 / باب معنى العرش والكرسيّ.

ص: 66

[24] إزاحة وهم : مرتبة أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الجنّة

إن قيل : إن محمّداً : صلى اللّه عليه وآله وسلم له أزواج في الجنّة ، فيلزم أن يكون أزواجه في رتبته لتحقّق المزاوجة وذلك يستلزم مساواة [ رتبهن (1) ] لرتبته ، وأن يكون أزواجه من الحور والآدميّات أعلى رتبة من النبيّين سواه ، والعقل والنقل يحيلانه.

قلت : لعلّ الجواب من وجهين :

أحدهما : أنا لا نسلّم ذلك التلازم ؛ لإمكان المزاوجة مع اختلاف الرتبة ، ولا مانع عقلاً ولا نقلاً من ذلك كما يشهد به سير اختلاف رتب المتزاوجات من الخلائق أجمع في كلّ مقام.

الثاني : أن محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : لمّا كانت جميع مراتب الوجود والجود من فاضل وجوده وجوده وحكايات نوره وظهوره ؛ لأنه وآله صلّى اللّه عليهم أجمعين جود اللّه ، وهو تعالى الجواد فهو مع كلّ أحد من الخلائق في كلّ رتبة من رتب الوجود ، وليس أحد منهم معه. وهكذا شأن العلّة والمعلول ، والظاهر والمظهر ، بل والجنس وأنواعه ، والنوع وأشخاصه ، فإنّهما مع كلّ فرد من أفراده مع بقائهما في أنفسهما في مرتبتهما الصرفة على وحدتهما الصرفة ، ليس شي ء من أشخاصهما معهما فيها ، واللّه العالم.

ص: 67


1- في المخطوط : ( رتبهم ).

ص: 68

[25] إنارة ظلمة وسدّ ثلمة : التحريم بعد التحليل

إن قيل : لا ريب أن الحسن والقبح عقليّان وأنهما ذاتيّان ، فما الوجه في قوله تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) (1) فإن كانت حسنة بذاتها عقلاً فلم حرّمها؟ وإن كانت قبيحة كذلك فلم أحلّها؟ فتحليلها وتحريمها يقتضي حسنها وقبحها ذاتاً ، وهو تناقض. وهذا الإشكال بعينه جارٍ في المنسوخ ، وفي غنائم أهل الحرب ؛ لاشتمالها قبل أن يغنمها المسلمون غالباً على محرّمات كالربا والسرقة والغصب ونحو ذلك ، وبعد ذلك أباحها الرسول صلى اللّه عليه وآله : واستباحها. وفي المال المختلط بالحرام وبعد التخميس هو وخمسه حلال ، ومثل المال المجهول المالك وبعد الصدقة به هو حلال ، وما أشبه ذلك.

ولعلّ الجواب ، ومن اللّه ونوّابه استمداد الصواب من وجوه :

أحدها : أن التحريم بَعْد التحليل في جميع موارده وباب النسخ برمّته دائر مدار مصالح المكلّفين ، وكمال النظام الجمليّ وحكمة اللّه في خلقه بما يخرجهم من القوّة إلى الفعل على كمال الاختيار ، فالعقل يحكم بحسن ما به وفيه استقامة الوجود وكماله ، وما به كمال التكليف بالعدل ، وكمال اختيار المكلّفين ، وقبح أضداد ذلك. وهذا يختلف باختلاف الأزمان والأصقاع والأشخاص ، وحالات المكلّف ، و [ أن ]

ص: 69


1- النساء : 160.

ما (1) لا يختلف فيه كذلك وهو ما يتساوى فيه مصلحة الخلق طرّاً ، ويقوم به نظام الكلّ ، وهو صفة الوجود الذاتيّة لا يقع فيه النسخ ولا التغيير بوجه وهو التوحيد والعدل ولوازمهما الذاتيّة.

الثاني : كثيراً ما يدور التحليل والتحريم والصحّة والفساد على الصفات والشرائط والقيود ، بل ذلك أغلبيّ في أبواب الفقه ، فما زال المكلّف متّصفاً بذلك الوصف وقائماً بذلك الشرط ، فالمشروط حلال له وحسن بالنسبة إليه عقلاً ؛ لأنّ الصفة والشرط علّة لما عُلّق عليهما من الحكم ، فحسنة وقبحه [ يدوران (2) ] على الشرط والصفة وعدمهما ، فجاز كون ما ذكر في السؤال كلّه من هذا الباب.

فإذن قد اتّضح أنه لم يقبّح ما هو حسن ، ولم يحسّن ما هو قبيح ، ولا يتخلّف الذاتي عن ملزومه. فالصلاة مثلاً حسنة بشرط حصول جميع شرائط الصحّة ، وقبيحة بدونها ؛ ولذا قبحت من الحائض. فالصلاة الحسنة وهي المستجمعة الشرائط لا تقبح بحال ، ومع اختلالها فهي قبيحة لا تحسن بحال. فالقبيحة غير الحسنة ، فتحريم دخول المسجد على الجنب مثلاً ليس فيه انقلاب الحسن وهو دخوله مع الحدث الأكبر ؛ لعدم تحقّقه.

الثالث : قد يكون سبب التحريم حدوث المعصية أو الكفر ، أو كفر النعمة عقوبة ، ومضمونه يرجع إلى الجواب الثاني بوجه ، وهو أن حِلّ هذا الشي ء وحُسْنه مشروط بالاتّصاف بالإيمان ، أو عدم المعصية مثلاً.

الرابع وهو يختصّ بالآية الكريمة - : أن التحريم فيها بمعنى الحرمان ، كما يستفاد من خبر العيّاشي (3) ولعلّه عقوبة لهم بكفرهم بنعمة اللّه فسلبها منهم ، واللّه العالم.

ص: 70


1- في المخطوط : ( أنه أما ).
2- في المخطوط : ( يدور ).
3- تفسير العيّاشي 1 : 310 - 311 / 303.

[26] جمع لفرقة ( أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ )

إن قيل : ما معنى ( أو ) في قوله عزّ اسمه ( أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (1).

قلت : لعلّ الجواب أن ( أو ) بمعنى : الواو ، وهو عربيّ شائع (2).

أو بمعنى : ( بل ) (3) ، وأشار به إلى أنه أرسله إلى مائة ألف ستزيد بالتوليد ، أو تزيد بالتبعيّة ، فالمخاطبون بالأصالة بتلك الرسالة مائة ألف ، ولهم أتباع كالنساء وأشباههن.

أو أن معنى الإضراب : الإشارة إلى زيادتهم من المحتوم.

أو أن الإضراب على حقيقته ، وهو إشارة إلى أن الزيادة ليست من المحتوم ، بل لله فيه البداء.

وإخباره رسوله صلى اللّه عليه وآله بذلك وكذلك بعد مضيّ الأمر وتحقّقه بروز لما سبق على إرساله يونس عليه السلام : ، أو إخبار عن تجدّد مثل قوم يونس عليه السلام : في العقائد على الختم والبَدء ، واللّه العالم.

ص: 71


1- الصافّات : 147.
2- انظر مغني اللبيب : 88.
3- انظر مغني اللبيب : 91.

ص: 72

[27] تنفيس نفيس : ( فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ )

إن قلت : ما الوجه في إدخال حرف التنفيس في قوله تعالى : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (1)؟

قلت : لعلّ الجواب من وجوه :

أحدهما : أنه عبّر بالرؤية عن لازمها ، وهو العقاب على ما وقع التهديد عليه من العمل ، وظهوره للعاملين المهدّدين متأخّر. والقرينة على إرادة العقاب من الرؤية أن مجرّدها لا يهدّد به المجرمون ، واللّه سبحانَه هُو المعذّب لهم بيد رسوله والمؤمنين الذين هم خلفاؤه ، وهم الأئمّة المعصومون.

الثاني : أن ظهور رؤية اللّه ورسوله لعمل العاملين للعاملين على اليقين متأخّر إلى أن تبلغ أرواحهم التراقي ويحتضرون.

الثالث : أن عرض عملهم ذلك على اللّه ورسوله والمؤمنين ورؤيتهم له واقع في جميع رتب الوجود منذ أخذ عليهم العهد بالإقرار لله بالوحدانيّة ، فأشار لذلك بحرف التنفيس.

الرابع : أنه إشارة إلى أن رؤية اللّه ورسوله والمؤمنين لعملهم غير منقطع ، واللّه العالم.

ص: 73


1- التوبة : 105.

الخامس : أن ظهور عملهم متجوهراً مصوّراً إلى جميع الخلائق متأخّر ، فعبّر عنه بحرف التنفيس ، واللّه العالم.

ص: 74

[28] بيان إجمال وتحقيق مقال : لم يُبعث نبيّ إلّا بعد الأربعين

إن قيل : ما الوجه فيما روي أنه : « لم يبعث نبيّ إلّا بعد الأربعين »؟ (1)

قلت : لعلّ ذلك من وجهين :

أحدهما : أن « الأربعين » هي عدد أيّام تخمير طينة آدم عليه السلام (2) : ، وأيّام ميعاد ميقات موسى عليه السلام (3) : ، وعدد أجزاء الإيمان بما يشمل رتبة العصمة ، وعدد إدارة الأفلاك في إيجاد الطبائع الأربع ، فإنّها أُديرت عشر مرّات بعدد القبضات العشر الكلّيّة التي خلق منها الإنسان.

فإذن لا يظهر كمال بلوغه أشُدّه الذي به يبلغ عالمه ورعيّته ومن هو تحت حيطته أشُدّه الكلّيّ إلّا بعد الأربعين.

الثاني : أن ذلك أكمل لقبول رعيّته منه ، ولاختيارهم لما تقرّر في عامّة النفوس أن الأربعين نهاية زيادة عقل الإنسان وأوان كماله ، واللّه العالم.

ص: 75


1- بحار الأنوار 13 : 50 ، وفيه : « لم يبعث نبيّ إلّا على رأس أربعين ».
2- الكافي 2 : 7 / 2.
3- إشارة لقوله تعالى : ( وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) . الأعراف : 142.

ص: 76

[29] هداية لمشورة : « شاوروهنّ وخالفوهن »

إن قيل : ما معنى ما روي عن أمير المؤمنين سلام اللّه عليه في النساء « فشاوروهنّ وخالفوهنّ »؟ (1).

قلت : لعلّ الجواب من وجوه :

أحدها : أنه أراد عليه السلام أنه إذا عمي وجه المصلحة في أمر عند تساوي المرجّحات بين الأمرين أو النقيضين من كلّ وجه ، أو لم يظهر مرجّح في أحدهما أصلاً فاجعلوا المرجّح وأمارة الصلاح أو الأصلح هو الأخذ بخلاف ما تشور به النساء ، باعتبار الجنس فإنّهن من أعظم سبل الشيطان المضلّ الصارف عن الرشاد. فالمرأة ضلع أعوج ، و « خلقت من ضلع أعوج » (2) ، فطبعها الاعوجاج وهي من فاضل الرجل (3) ، فنفسها أقرب إلى الأمّارة ، وإلى موافقة الشيطان ؛ فما أتى إبليس : لآدم عليه السلام : إلّا بسبيل مشورة حوّاء.

فكما جعل الشارع من المرجّحات في الأخذ بأحد المتعارضين عند عدم المرجّحات مخالفة قضاة الجور [ واطّراح (4) ] ما وافقهم (5) ، كذلك جعل ميزان الرشد

ص: 77


1- بحار الأنوار 100 : 262 / 25 ، وفيه : « شاوروا النساء وخالفوهن » ، وهو مرويّ عن النبي 9.
2- الاختصاص ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 12 : 339 ، بحار الأنوار 13 : 429 / 23.
3- بحار الأنوار 11 : 116 / 46.
4- في المخطوط : ( واضطراح ).
5- انظر : الكافي 1 : 68 / 1 ، عوالي اللآلي 4 : 134 / 231.

عند عدم المرجّحات في خلاف النساء.

الثاني : « شاوروهنّ » [ يطمأننّ (1) ] إليكم وتسلموا من كيدهنّ ومكرهنّ وغرورهنّ وخدعهنّ ، وخالفوهن إذا ظهر لكم الصلاح في خلافهنّ ؛ فلعلّه تظهر المصلحة في الأمر بمعرفة [ مشورتهنّ (2) ] وإن خالفتها ، فكثيراً ما تتنبّه النفس لبرهان الحقّ من إدراك شبهة الباطل.

الثالث : شاوروهنّ لتطيب أنفسُهنّ وتتمكّنوا من الاستمتاع بهنّ ، ولا تعملوا إلّا بما قام الدليل على رجحانه ، وذلك بمثابة مشورة الرسول صلى اللّه عليه وآله : لرعيّته مع أنه لا يفعل إلّا بأمرٍ إلهي في كلّ جزئيّ حركةً وسكوناً ، واللّه العالم.

ص: 78


1- في المخطوط : ( يطمئنوا ).
2- في المخطوط : ( اشوارهن ).

[30] قسمة عادلة : الزلزلة نصف القرآن والإخلاص ثلثه والجحد ربعه

إن قيل : ما الوجه فيما رواه ابن أبي جمهور : في العالي من أن « الزلزلة نصف القرآن ، والإخلاص ثلثه ، والجحد ربعه »؟ (1).

قلت : لعلّ الجواب أن الزلزلة تضمّنت حكم النشأة الأُخرى ، والقرآن نزل بأصلين هما حكم الآخرة ، وحكم الاولى لا غير ، فليس فيه ما يخرج عنهما ، والزلزلة تضمّنت أحدهما فهي نصفه ، فمن عرف معناها عرف أحد قسميه.

وأنه روي عنهم عليهم السلام : « إنّ القرآن على ثلاثة أقسام : معرفة اللّه ، ومخلوقاته ، وأحكامه » ، فهو : قسم قصص وأمثال ، وقسم أحكام وتكاليف ، وقسم توحيد وعقائد ، والإخلاص تضمّنت بيان التوحيد لا غير ، فهي ثلثُه ؛ لأنّها تضمّنت بيان ثلثه.

وهذه القسمة لا تنافي الاولى.

وأنه قد روي عنهم عليهم السلام أن القرآن أربعة أقسام : ربع فيهم ، وربع في عدوهم ، وربع قصص وأمثال ، وربع فرائض وأحكام (2) ، والجحد تضمّنت بيان حكم عدوّهم خاصّة فهي ربعه.

أو أن القرآن يدور على أصلين : عقائد وأعمال ، والعقائد الحقّة لا تتحقّق إلّا

ص: 79


1- عوالي اللآلي 1 : 187 / 263 ؛ بتفاوتٍ يسيرٍ.
2- تفسير العيّاشي 1 : 20 / 1 ، بالمعنى.

بالكفر بأضدادها ونقائضها ، فلزم بيان أحكامها ، فلا يتمّ الولاء ولا يتحقّق بدون البراءة ، فالجحد نصف النصف فهي ربعه ؛ لما تضمّنته من الكفر بالطاغوت الذي لا يتحقّق الإيمان باللّه إلّا به.

وهذه القسمة أيضاً لا تنافي الأُوليين ، واللّه العالم.

ص: 80

[31] إنارة بهمة وإسفار ظلمة قول أمير المؤمنين عليه السلام : « يا جبرئيل : »

إن قيل : ما الوجه فيما روي أن أمير المؤمنين : سلام اللّه عليه قال يوم أحد : « يا اللّه ثلاثاً يا محمّد ثلاثاً يا جبرئيل » - ثلاثاً » ، فكيف يستعين ويستغيث بجبرئيل؟

قلت : لعلّ الجواب من وجوه :

أحدها : أن جبرئيل عليه السلام : من خدّام أمير المؤمنين (1) : سلام اللّه عليه وهذا أمر منه له كأمر السيّد لعبده ، لا استغاثة ودعاء ، بل تشريف له بتكليف.

الثاني : أنه تلقّى منه كتلقّي الرسل الوحي منه ، فكأنّه استأذن اللّه بلسان جبرئيل عليه السلام : فيما فعل يومئذ. وهذا منه تشريف لجبرئيل عليه السلام : أيضاً.

وبعبارة اخرى : أنه من قبيل استمداد جهة الملك لجهة الملكوت ، وهما جهتاه.

الثالث : أنه عليه السلام فعل ذلك ليظهر للناس ويعلمهم أن اللّه تعالى أمدّه برؤساء الملائكة ، أو ليظهر للناس أنه متمكّن في أفعاله كإهلاك من أهلكه يومئذ للقوّة الربّانيّة والجبروتيّة والملكوتيّة والملكيّة البدنية.

الرابع : أنه عليه السلام أراد بذلك تعليم البشر وهدايتهم إلى أنهم يلجئون في حوائجهم

ص: 81


1- انظر : بحار الأنوار 39 : 92 - 114.

ونوازلهم إلى اللّه ويتوسّلون له برسله وملائكته وأوليائه ، ويأتونه من أبوابهم ، فهم الدعاة إليه والأدلّاء عليه ، واللّه العالم.

ص: 82

[32] حكمة منطقيّة زيادة لفظة ( إنما ) في الحمليات

قال ابن سينا : في ( الإشارات ) : ( إنه قد يزاد في الحمليات لفظة ( إنّما ) ، فيقال : ( إنّما يكون الإنسان حيواناً ) و: ( إنّما يكون بعض الناس كاتباً ) فيتبع ذلك زيادة في المعنى لم تكن مقتضاه قبل هذه الزيادة بمجرّد الحمل ؛ لأنّ هذه الزيادة تجعل الحمل مساوياً أو خاصّاً بالموضوع.

وكذلك قد تقول : ( إن الإنسان هو الضاحك ) بالألف واللام في لغة العرب فيدلّ على أن المحمول مساوٍ للموضوع.

وكذلك تقول (1) : ( ليس إنّما يكون الإنسان حيواناً ) ، أو تقول : ( ليس الإنسان هو الضاحك ) ، فيدلّ على سلب الدلالة الاولى في الإيجابين ) (2) ، انتهى.

وقال المحقّق الطوسيّ : في شرح هذه العبارة : ( المحمول قد يكون أعمّ من موضوعه كالأجناس والأعراض العامّة ، وقد يكون مساوياً له كالفصول والخواصّ المساوية ، وقد يكون أخصّ منه كالخواصّ غير المساوية ، فلفظة ( إنّما ) إذا دخلت على القضية دلّت على نفي العموم عن المحمول ، وهو معنى قوله ( تجعل الحمل مساوياً أو خاصّا بالموضوع ، وليس إذا دخلت عليها دلّت على نفي دلالتها تلك ، فأثبت العموم.

ص: 83


1- ورد في المخطوط بعدها : ( قد تقول ) ، ولم ترد في نسختي المصدر اللتين بين يدينا من ( الإشارات ).
2- الإشارات والتنبيهات ( المتن ) 1 : 138 ، باختلاف يسير.

وقوله (1) : ( وتقول أيضاً : ( ليس الإنسان إلّا الناطق ) ، فيفهم منه أحد معنيين :

أحدهما : أنه ليس معنى الإنسان إلّا معنى النّاطق ، وليس تقتضي الإنسانيّة معنى آخر.

والثاني : أنه ليس يوجد إنسان غير ناطق ، بل كلّ إنسان ناطق ) (2) ، يريد أن هذه الصيغة تفيد أمّا المساواة في المعنى كما بين الإنسان والحيوان الناطق ، وإما المساواة في الدلالة كما بين الضاحك والناطق ) (3) ، انتهى.

وقال قطب الدين : في ( المحاكمات ) : ( قوله : وقد تزاد في الحمليّات لفظة : ( إنّما ) وتفيد أن المحمول إمّا مساوٍ للموضوع أو خاصّ به ، فهو دالّ على نفي العموم ، أي على أن المحمول ليس أعمّ من الموضوع ، وإذا دخلها حرف السلب سلب دلالتها على نفي العموم عن المحمول ، وإذا سلب نفي العموم ثبت العموم.

وهناك نظر ؛ لأنّ لفظة ( إنّما ) في قولنا : ( إنّما الإنسان حيوان ) على ما تقتضيه قواعد العربيّة لا تفيد إلّا حصر الإنسان وهو المسند إليه في الحيوان الذي هو المسند حتّى يجوز أن يكون غير الإنسان حيواناً ، لا على حصر المسند في المسند إليه ، ليمتنع أن يكون غير الإنسان حيواناً. فهي لا تدلّ على مساواة الحيوان للإنسان ، ولا على كونه أخصّ منه.

وعلى هذا ليس ( إنّما ) لا يدلّ على العموم ، بل لمّا كان معنى الحصر إيجاباً وهو في المثال المذكور أن الإنسان حيوان ، وسلباً وهو ليس الإنسان غير حيوان ، فليس ( إنّما ) إمّا رفعاً لذلك الإيجاب ، أو رفعاً لهذا السلب.

وإذا قلت : ( ليس الإنسان إلّا الناطق ) ، يفهم منه حصر الإنسان في الناطق ؛ إمّا بحسب المعنى ؛ حتّى لا يكون للإنسان معنًى غير الناطق ، وإمّا بحسب الصدق ؛ حتّى لا يكون إنسان غير ناطق ، وهذا مستقيم على قاعدة العربيّة.

ص: 84


1- أي ابن سينا.
2- الإشارات والتنبيهات. ( المتن ) 1 : 139
3- الإشارات والتنبيهات ( الشرح ) 1 : 138.

والعجب أن ( إنّما ) عندهم منزل بمنزلة ( ما ) و ( إلّا ) وهما ليسا يدلّان (1) على حصر المسند إليه في المسند ، وإنّما [ يدلّان (2) ] على حصر المسند في المسند إليه.

[ وعنى (3) ] الشارح (4) بقوله : ( وإمّا المساواة في الدلالة .. ) : المساواة في الصدق حتّى يصدق ( كلّ إنسان ناطق ) ، وهو شرح ليس يطابق المتن ؛ فإن المساواة ليست تفهم من ( ليس ) و ( الّا ) [ إلّا ما (5) ] ذكره في المتن ) (6) ، انتهى.

وقال العلّامة الحلّيّ : في ( بسط الإشارات ) في هذا المقام ما ملخّصه : الأدوات ألفاظ تلحق القضايا ، هيئاتٍ زائدةً على ما يفهم من طرفيها ، ولمّا كان المنطقيّ إنّما ينظر بالذات في المقاصد للهيئات دون الأدوات بالذكر ، ثمّ في التفصيل بحث عن الأدوات ، مثل ( إنّما ) تزاد في الحمليّات ، فيقال : ( إنّما يكون الإنسان حيواناً ) ، و: ( إنّما يكون بعض الناس كاتباً ) ، فيتبع ذلك زيادة في المعنى لم تكن مقتضاه قبل هذه الزيادة بمجرّد الحمل ؛ فإن المحمول قد يكون أعمّ من الموضوع ، وقد يكون مساوياً ، وقد يكون أخصّ كالخواصّ القاصرة.

فلفظ ( إنّما ) يدلّ على نفي العموم عن المحمول ويجعله مساوياً أو خاصّاً بالموضوع.

وكذلك قد تقول : ( إن الإنسان هو الضاحك ) بالألف واللام في الخبر فيدلّ في لغة العرب على مساواة المحمول للموضوع. وإذا دخل حرف السلب دلّ على نفي الزيادة ، فأثبت العموم ، مثل ( ليس إنّما يكون الإنسان حيواناً ) ، و: ( ليس الإنسان هو الضاحك ). وقد يدخل حرف السلب على القضيّة وينقض بحرف الاستثناء ، ويفهم منه أمران :

أحدهما : المساواة في المفهوم ، مثل : ( ليس الإنسان إلّا الحيوان الناطق ).

ص: 85


1- في المخطوط بعده : ( الا ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( يدل ).
3- في المخطوط : ( على ).
4- يعني : المحقّق نصير الدين الطوسيّ.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( ولا ممّا ).
6- الإشارات والتنبيهات 1 : 138 - 139 / الهامش : 1.

والثاني : المساواة في العموم ، مثل : ( ليس الإنسان إلّا الناطق ) ، فلا يوجد أحد إلّا مع صاحبه. انتهى.

وقال السيّد الداماد : في حواشيه على كتابه ( الأُفق المبين ) : ( من العجائب أن برعة علماء (1) اللسان لم يسع قسطهم من العلم أن يذهلوا عن إدراك الحمل الأوّل ، وبعض من يدرج نفسه في علماء الحقائق يتكلّف أن يستنكره.

قال إمام فَنّي المعاني والبيان وهما سيّدا علوم اللسان الشيخ البارع الفائق عبد القاهر الجرجانيّ : في كتاب ( دلائل الإعجاز ) قولاً مبسوطاً تلخيصه أن الخبر المعرّف باللام قد يراد به العهد ، كقولك : ( زيد المنطلق ) ، لمن علم أنه كان الانطلاق ولم يعلم أنه ممّن كان.

وقد يراد به حصر مفهومه في المبتدأ على أنه لم يحصل لغيره أصلاً أو على الكمال ، كقولك : ( زيد الشجاع ).

وقد يراد به ظهور اتّصاف المبتدأ كقوله : ( والدك العبد ) ، أي ظاهر اتّصافه بالعبديّة.

وقد يراد به معنًى آخر دقيق يكون المتأمّل عنده كما يقال : ( يعرف [ وينكر (2) ] ) ، كقولك : ( هو البطل المحامي ) ، فإنك لا تريد به عهداً ولا حصر جنس ، ولا ظهور اتّصاف ، بل تريد أن تقول لصاحبك : ( هل سمعت بالبطل المحامي؟ ) ، و: ( هل تتصوّر حقيقته ما هي؟ ) فإن كنت أحطت بكنهه خبراً فعليك بعلان واشدد به يدك ، فهو ضالّتك وعنده بغيتك. وطريقته طريقة قولك : ( هل سمعت بالأسد؟ ) ، و: ( هل تعرف ما هو؟ ) فإن كنت تعرفه فزيد هو هو بعينه ، لا حقيقة له وراءه (3).

وقال بعض من لحقه وسبق اللاحقين في العلوم العربية : ( المسند المعرّف بلام الجنس قد يقصد به تارة حصره في المسند إليه ؛ إمّا حقيقة ، أو ادّعاء نحو : ( زيد

ص: 86


1- في المخطوط : ( العلماء ).
2- في المخطوط : ( دينك ).
3- دلائل الإعجاز : 140 - 141.

الأمير ) ، إذا انحصرت الإمارة فيه ، أو كان كاملاً فيها ، كأنّه قيل : ( زيد كلّ الأمير ). وقد يقصد به اخرى أن المبتدأ هو غير ذلك الجنس ومتّحد به ، لا أن ذلك الجنس مفهوم مغاير للمتبدإ منحصر فيه على أحد الوجهين. فهذا معنى آخر للخبر المعرّف بلام الجنس ).

فهذا ملخّص أقوالهم ، فهم قد أوردوا هذا المعنى الدقيق ، لكنّهم اعتبروا في التعبير عنه تعريف الخبر بلام الجنس. وعلماء الحقيقة ليسوا يوجبون في هذا الحمل إدخال اللام على المحمول اللّهجي ، فقولنا : ( الجزئيّ جزئيّ ) على معنى أن حقيقة الجزئيّ هي بعينها مفهوم ما يمنع نفس تصوّره الشركَة فيه - [ يفيد (1) ] هذا المقصود عند علماء الحقيقة ، وليس يفيده ما لم يعرف المحمول باللام عند علماء اللسان ) انتهى.

وأقول : لعلّ الوجه في ذلك أن المحمول ؛ إمّا أخصّ ، أو مساوٍ ، أو أعمّ ، فحصر الموضوع فيه على الأوّلين لا ريب في إفادته المساواة ، لا يختلف فيه أهل العربيّة والمعاني والبيان ولا غيرهم. وعلى الثالث ، فوجهه أن الخاصّ هو العامّ مع قيد هو المميّز له من أفراد العامّ.

ومعنى حصر شي ء في شي ء : نفي ما سوى المحصور فيه عن المحصور ، فيكون معنى حصر الخاصّ في العامّ نفي جميع ما عدا العامّ عن الخاصّ وليس إلّا المخصّص. فإذا انتفى المخصّص عن الخاصّ بقي التساوي ، فإذا قلت : إنّما الإنسان حيوان ، كان معناه : أنك تنفي ما عدا الحيوانيّة عن الإنسان ، إمّا حقيقةً أو ادّعاءً ، ومفاده التساوي. ولنا أن نقول : لا يكون المحمول باعتبار أصل الوجود ورتبه الكلّيّة والجزئيّة إلّا أخصّ من الموضوع.

هذا باعتبار هذا الموضوع ووضعه لهذا المحمول ، وباعتبار هذا المحمول من حيث هو محمول على هذا الموضوع ، فإذا وُجدت أداة الحصر أفادت المساواة.

ص: 87


1- في المخطوط : ( تعيد ).

وبرهان [ هذه (1) ] الدعوى أنه لا يجوز بل لا يمكن أن يحمل على الشخصيّ إلّا صفته ولازمه الخاصّ به ، فلا يحمل على الإنسان حيوانيّة الفرس عند قولك : الإنسان حيوان ، بل الحيوانيّة من حيث هي حيوانيّة الإنسانيّة ، وبالضرورة الإنسان أعمّ منها ، وهذا لا ينافي كلام أهل البيان واللسان.

هذا كلّه في حمل ( ذو ) ، وأمّا حمل ( هو هو ) فالحقيقيّ منه خارج عن موضوع المنطق وما يدخل منه فيه فمجاز ؛ لأنّ حقيقة الحمل من حيث هو تقتضي المغايرة بحسب الحقيقة إلّا في المترادف ، بل وفي المترادف بوجه.

وهذا جارٍ في كلّ ما قصد به الحصر سواء دلّ عليه بأداة أم بقرينة حاليّة أو مقاليّة ليست من أدوات الحصر. وقد يقصد الحصر بغير الأدوات التي وضعت لذلك كما لا يخفى على متتبّع مقاصد العقلاء. وهذا لا ينافي كلام أهل العربيّة وفنون البلاغة ؛ لأنّ هذا باعتبار الصدق والمصدوقيّة بحسب الواقع والتحقّق ، وكلام أهل فنون العربيّة بحسب مجرّد مفاهيم الألفاظ ووضعها بإزاء ما وضعت له ، فلا منافاة. أو أن الاختلاف بحسب مقاصد العقلاء كما عرفته من كلام عبد القاهر (2) : وغيره ؛ فلا منافاة ، واللّه العالم.

ص: 88


1- في المخطوط : ( هذا ).
2- دلائل الإعجاز : 140 - 141.

[33] عقد درر : أحاديث مسجد السهلة

في ( الكافي ) بسنده إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال في مسجد السهلة : « إنّه موضع لإدريس النبيّ عليه السلام : الذي كان يخيط فيه ، ومنه سار إبراهيم عليه السلام : إلى اليمن للعمالقة ، ومنه سار داود عليه السلام : إلى جالوت : ، وإنّ فيه لصخرة خضراء فيها مثال كلّ نبيّ ، ومن تحت تلك الصخرة أُخذت طينة كلّ نبيّ ، وإنّه لمناخ الراكب ». قيل : ومن الراكب؟ قال : « الخضر : عليه السلام » (1).

وفي ( الفقيه ) : أمّا مسجد السهلة فقد قال الصادق عليه السلام : « ذلك موضع بيت إدريس عليه السلام : الذي كان يخيط فيه ، وهو الموضع الذي خرج منه إبراهيم عليه السلام : إلى العمالقة وهو الموضع الذي خرج منه داود عليه السلام : إلى طالوت : ، وتحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كلّ نبيّ خلقه اللّه عزوجل ، ومن تحته أُخذت طينة كلّ نبيّ ، وهو موضع الراكب » فقيل له : وما الراكب؟ قال : « الخضر عليه السلام » (2)

وفي ( التهذيب ) عن ابن قولويه : بسنده أن أبا حمزة الثماليّ : قال للصادق عليه السلام : بأبي أنت وأُمّي ، هذا مسجد السهلة؟ قال : « نعم ، فيه بيت إبراهيم عليه السلام : الذي كان يخرج منه إلى العمالقة ، وفيه بيت إدريس عليه السلام الذي كان يخيط فيه ، وفيه صخرة خضراء فيها صورة جميع النبيّين عليهم السلام وتحت الصخرة الطينة التي خلق اللّه منها النبيّين عليهم السلام ، وفيه المعراج وهو الفاروق موضع منه ، وهو ممرّ الناس ، وهو من كوفان ، وفيه ينفخ في الصور ، وإليه المحشر ، ويحشر من

ص: 89


1- الكافي 3 : 494 / 1 ، وسائل الشيعة 5 : 266 - 267 ، أبواب أحكام المساجد ، ب 49 ، ح 3.
2- الفقيه 1 : 151 / 698 ، وسائل الشيعة 5 : 267 ، أبواب أحكام المساجد ، ب 49 ، ح 3.

جانبه سبعون ألفاً يدخلون الجنّة. وفي نسخة : « بغير حساب » (1).

أقول : لعلّه عليه السلام أراد بالصخرة : دائرة رتبة المثال منهم عليهم السلام ، وهي وجههم الذي يستقبلون به الخلق ، وهي صورة نفوسهم ومظهرها وخضرتها ؛ لشوبها من بياض نفوسهم وسواد الجسمانيّة البشريّة وإن كانت أجسامهم عليهم السلام أنور من الشمس ، لكن ذلك بالنسبة لنفوسهم ، ففي بعض ما رواه الشيخ : عن الصادق عليه السلام : « أما تحبّ أن يرى اللّه شخصك وسوادك » (2).

وبالطينة التي تحتها : مادّة نفوسهم ، وهي أدنى درجات أعلى علّيّين إن (3) أخرجنا منهم محمّداً : صلى اللّه عليه وآله وأوصياءه عليهم السلام ، فإنّهم (4) أعلى من ذلك ، وإن أدخلناهم كما هو ظاهر الحديث كان المراد : أعلى علّيّين بالكلّيّة النوعيّة ، ومعراجهم كلّهم من دائرة مثالهم بوجه أو نقطة نفوسهم أو وجودهم بوجه آخر ، ولا منافاة. وكلّ إنسان يحشر إلى ما منه بدأ ومنه [ نشأ ] ، فهو مبدأ محشر النبيّين بوجه وإليه بوجه آخر ، فلا منافاة بينه وبين ما دلّ على أن المحشر في غيره.

فهذا أحد رتب المحشر ، وسمّى ما منه محشرهم : « الفاروق » أي البرزخ ، فمنه مبدأ افتراق الخلائق ؛ ولذا قال : إنه على « ممرّ الناس » ؛ إذ لا يمكن أن يكون أحد من الناس لا يمرّ بالبرزخ. أو لعلّه أراد بالمحشر : قيام القائم عجّل اللّه فرجه فإنّه القيامة الصغرى ، ومنه يبتدئ النفخ في الصور فتحيا الأموات.

أو أراد : أيّام الرجعة بالتقريب المذكور ، ومأوى الخلق منذ يقوم القائم عجّل اللّه فرجه - : الكوفة. أمّا كون ذلك [ منسوباً (5) ] إلى هذا الموضع بخصوصه أعني : مسجد السهلة فلأنّ الأرض لمّا كانت مجمعَ مستجنّ الخلائق وخزانة القوى العلويّة كان فيها مظاهر جزئيّة لعالم الغيب ، ولكلّ بقعة منها مناسبة خاصّة لجهة من

ص: 90


1- تهذيب الأحكام 6 : 37 - 38 / 76 ، وسائل الشيعة 5 : 265 - 266 ، أبواب أحكام المساجد ، ب 49 ، ح 1.
2- تهذيب الأحكام 6 : 47 / 103.
3- في المخطوط بعدها : ( أمرن ).
4- في المخطوط بعدها : ( من ).
5- في المخطوط : ( منوباً ).

جهات الغيب. فكما أن ما بين القبر الأشرف والمنبر الأعظم روضة من رياض الجنّة (1) ، وقبور الأئمّة عليهم السلام روضات من رياض الجنّة ، كذلك برهوت (2) وضجنان واديان من أودية النار (3) ، وبسط هذا ممّا يطول ، واللّه العالم.

ص: 91


1- انظر : كامل الزيارات : 51 / 28.
2- برهوت : وادٍ باليمن يوضع فيه أرواح الكفّار ، وقيل : بئر بحضرموت. معجم البلدان 1 : 405 برهوت.
3- بصائر الدرجات : 285 / 3 ، الوسائل 5 : 157 ، أبواب مكان المصلّي ، ب 23 ، ح 11.

ص: 92

[34] سرّ يَمَاني لنفي أمانٍ : حديث الملكين العادل والجائر

اشارة

روى الكليني : بإسناده إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال : « إنّ اللّه عزوجل جعل لمن جعل له سلطاناً أجلاً ومدّة من الليالي والأيّام والسنين والشهور ، فإن عدلوا في الناس أمر اللّه عزوجل صاحب الفلك فأبطأ بإدارته فطالت أيّامهم ولياليهم وسنونهم وشهورهم ، وإن جاروا في الناس ولم يعدلوا أمر اللّه تعالى صاحب الفلك فأسرع بإدارته فقصرت أيّامهم ولياليهم وسنونهم وشهورهم ، وقد وفى اللّه بعدد الليالي والشهور » (1).

أقول وباللّه المستعان - : نقل السيّد نعمة اللّه : عن بعض معاصريه في معناه أنه قال : ( لعلّ المراد بسرعة إدارة الفلك وبطئها : تعجيل أسباب زوال الملك أو عكسه ، ويجوز أن يكون لكلّ دولة فلك غير الأفلاك المعروفة الحركات ، فيكون سرعة الأداة وبطؤها عارضين لذلك الفلك ) (2) ، انتهى.

قال السيّد : ( وكأنّه أراد دفع الاعتراض عن ظاهر الحديث من وجهين :

الأوّل : ما ذهب إليه الحكماء والمنجّمون من أن الفلك لا يمكن أن يزول عن الحركة التي هو عليها الآن ، وبرهنوا بزعمهم على هذا.

والثاني : أنه ربّما كان سلطان جائر في بلاد وسلطان عادل في بلاد اخرى ، فكيف

ص: 93


1- الكافي 8 : 226 - 227 / 400. وفيه : « وسنينهم » بدل : « سنونهم » في الموضعين.
2- الأنوار النعمانيّة 3 : 318.

يكون جور هذا وظلمه سبباً في زوال ملك الآخر ونقص عمره مع أن رعيّة الجائر أيضاً ليس لهم ذنب في الجور؟ فكيف تنقضي أيّام أعمارهم على طريقة السرعة؟

والجواب عن الأوّل أنه قد ورد في الأخبار المستفيضة : أن أيّام دولة المهديّ تكون كلّ سنة تعادل سبع سنين. فقيل له : يا بن رسول اللّه ، إن الفلك لا يزول عن حركته هذه ، ولو زال لفسد. فقال عليه السلام : « هذا قول الزنادقة والمنجّمين » (1).

وأمّا الإشكال الثاني ، فالجواب عنه [ أن (2) ] غير الجائر من الرعيّة والملوك إن قدروا على إزالته عن الملك وسكتوا عنه مداهنةً ، فالذي يصيبهم من قصر الأعمار والملك إنّما هو بسبب المداهنة ، وقد عذّب اللّه تعالى في الأُمم السابقة من أذنب ومن داهن ، وجعلهم في العذاب سواء. وأمّا من لم يقدر على إزالته عن الملك فكان ينبغي له أن يفرّ عن بلاده ويطلب بلاد اللّه ؛ لأنّ السكنى مع الظالمين ذنب ، حتّى إنه ورد في الحديث : لو أن الجُعل بنى بيتاً في محلّة الظالمين لعذّبه اللّه تعالى بعذابهم (3).

وأمّا من لم يقدر على الفرار ، أو كان الظلم قد عمّ البلاد والعباد ، فيجوز أن يكون سبحانه وتعالى يضيف إلى أعمار هؤلاء الذين لم يذنبوا بوجه من الوجوه بقيّة أيّامهم التي أسرع عليها الفلك بحركته ، فيعوّضهم أيّاماً ولياليَ بدلها في دولة من يأتي من الملوك.

ويظهر من هذا الخبر وغيره أن أيّام دولة الولاة مكتوب عند اللّه تعالى : لا تزيد ولا تنقص إلّا بالجور والعدل. أمّا لو أراد الناس والرعيّة والعساكر زواله ما قدروا عليه بوجه من الوجوه كما هو المشاهد حتّى تنقضي الأيّام ويأذن اللّه تعالى بزوال ذلك الملك ، فعند ذلك يزول بأنقص الأسباب وأدناها.

فلا ينبغي أن يخطر بخاطر أحد من الولاة أنه إذا فعل الفعل الفلانيّ كان سبباً

ص: 94


1- الإرشاد ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 11 / 2 : 385 ، بحار الأنوار 55 : 91 - 92 / 11.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( أنّه ).
3- انظر : الكافي 2 : 272 / 15 ، الأمالي ( الصدوق ) : 384 - 385 / 493 ، بحار الأنوار 70 : 372 / 5.

لزوال ملكه إلّا أن يكون ظالماً في ذلك الفعل ، فحينئذٍ يجب على الوالي دفع الظالمين الذين يظلمون الرعية ، فإن لم يدفعهم عن ظلمهم كان له الحظّ الأوفر من العقاب ، وتكون مداهنته معهم [ هي (1) ] السبب الأقوى في زوال ملكه ، مع أنه قد ظنّ أنه سبب لبقاء ملكه ) (2) ، انتهى كلام السيّد وهو من أنواره.

وأقول : إنّا نقرّر الإشكال في ظاهر الحديث من وجهين :

أحدهما : لزوم اجتماع الضدّين باجتماع ملِكين : أحدهما في نهاية العدل والآخر في نهاية الظلم ، وليس للعادل قدرة على زوال الظالم ، فيلزم منه اجتماع البطء والإسراع في حركة الفلك في آنات ملكهما ، فيجتمع الضدّان بالنقيضين وهما عين كلّ منهما. وملزوم الآخر والثاني أنه يلزم مؤاخذة من لا ذنب له بذنب غيره.

وأيضاً فإنّ المحسوس المشاهَد على مرّ الأزمان عدم اختلاف حركة الفلك بالسرعة والبطء حتّى لأصحاب الأرصاد المهرة في فن الفلكيّات مع وجود سببيهما بالضرورة. ولو كان ذلك لعُلم أو نُقل ، ولم يمكن ضبط التقاويم من الكسوفات والأهلّة وغير ذلك من ساعات أيّام السنة ولياليها وغيرها.

فإذا تأمّلت جواب السيّد السند وجدته غير دافع لشي ء من الإشكالات. وأمّا جوابه الأوّل بما ورد من طول سنيّ صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه فهو علاج جرح بقرح ، فإنّ الإشكال الذي صوّره واردٌ أيضاً على ظاهر ما أجاب به من الوارد ، فهو أوّل المسألة ، وبقيّة كلامه ضعفه ظاهر ، أعلى اللّه مقامه وشكر سعيه.

وما استضعفه من جواب معاصره أقوى وأظهر من جوابه ، لكنّه نبّه أخيراً على الرمز الغير المفهوم إلّا [ لأفراد (3) ].

ولعلّ الجواب عن الأوّل من وجوه : منها أن رحمة اللّه وسعت كلّ شي ء ، وحلمه سبق غضبه ، فاللّه بكرمه يدفع عمّن لا يصلّي بمن يصلّي ، وبمن يزكّي عمّن لا يزكّي ،

ص: 95


1- في المخطوط : ( هو ).
2- الأنوار النعمانيّة 3 : 318 - 319.
3- في المخطوط : ( الأفراد ).

ويمهل للظالم حلماً ورحمةً لغيره ، فجاز حينئذٍ أن يأمر الملك بالإبطاء بحركة الفلك ، بمقتضى عدل العادل ، ويمهل للظالم.

ومنها : أنه جاز أن يبطئ بحركته على قوم ويسرع على قوم بحسب اختلاف آفاقهم وأقاليمهم ، وهذا لا ينافي تشابه حركته في ذاته أعني : الكلّيّة واللّه على كلّ شي ء قدير. ولا يستلزم هذا فساد شي ء من عالم الكون والفساد ؛ فإنّ اللّه تعالى سبب من لا سبب له ، ومسبّب الأسباب من غير سبب ، فجاز أن يقيم سبباً مقام سبب.

وإن أردت كسر سَورة الاستبعاد فتأمّل في حركة الشمس تجدها تختلف سرعة وبطئاً بحسب اختلاف الآفاق في برج واحد ، بل في يوم واحد ، بل في أُفق واحد ، بحسب ساعات النهار ، وانظر إلى الخمسة المتحيّرة ، تجدها تارة مقيمة وأُخرى مستقيمة ، وطوراً راجعة مع تشابه حركتها الكلّيّة في ذاتها أبداً. فإذا علمت أن النهار الواحد يكون في أُفقٍ خمسَ ساعات مثلاً ، وفي آخرَ خمس عشرة ساعة ، فلا تستنكر هذا بل ما ذكرناه يجري بحسب قدرة اللّه وحكمته ، فتأمّله.

ومنها : جواز أن يراد بالفلك : غير الجسمانيّ ، وبالأيّام والشهور والسنين : غير المعروفة ، بل يراد بها فلك وأيّام وشهور وسنون غيبيّة ، هي غيب هذه وأُصولها ومبادئها وعللها الغيبيّة ، فإنّ عند اللّه أيّاماً ولياليَ وشهوراً وسنين غير ما يعرف أكثر الناس ( وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ) (1).

( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (2).

فجاز ، بل لا بدّ لها من أفلاك من جنسها ، فجاز إرادتها من الحديث الشريف ، فلا بعد في اختلاف فلكي العادل والجائر وأيّامهما سرعةً وبطئاً وطولاً وقصراً. وليس هذا أحد وجهي ما نقله السيّد عن معاصره بحسب الظاهر.

ص: 96


1- الحجّ : 47.
2- التوبة : 36.

ولله تعالى من وراء شمسنا المحسوسة شموس (1) ، ومن وراء عالمنا هذا اثنا عشر ألف عالم (2) ، كلّها مرتبطة بهذا العالم ، ومرتبط بعضها ببعض ، ولكلّ منها شمس وقمر وأفلاك ، وحركات أفلاك هذا العالم متسبّبة عن حركات أفلاكها.

ومنها : أنه جاز أن يكون حركة الفلك تارة بطيئة وتارة مسرعة في يوم واحد ، أو يوماً ويوماً ، أو شهراً وشهراً ، أو سنةً وسنةً بحسب مقتضى عدل العادل وظلم الجائر ، والحسنات يذهبن السيّئات ، وقد سبقت رحمته غضبه. فلا أقلّ من جريه حينئذٍ على الاستقامة من غير ظهور إسراع ولا بطء حتّى تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ويغلب الجور ، فيجري الحكم على العموم الغالب دون النادر ، فيأتي اللّه بالفرج بظهور وليّ الأمر : والعدل ، فيتأنّى الفلك ويجري على الاستقامة والعدل ، وتظهر آثار برد الرحمة.

على أنه يمكن أن يراد بالعادل : نائب اللّه المعصوم ؛ لأنّ كلّ ملك سواه ظالم غاصب لمنصب المعصوم مبتزّ له ، فلا منافاة بين السرعة والبطء ؛ لاختلاف سنيّ ظهور الدولتين. فاللّه سبب من لا سبب له ، والفلك مطيع أبداً ، ولا دليل على استحالة قبول الفلك لغير هذه الحركة المعهودة المرصودة. وممّا قرّرناه يظهر الجواب عن الثاني ، فتأمّله.

وأمّا الوجه الأخير ، فالإسراع والبطء لا [ ينافيان (3) ] ظهور التساوي والتشابه في حركات الأيّام بحسب مقتضى كلّ زمان. [ و ] نمنع استحالة التغيّر في الحركة ووجوب التشابه من أوّل الخلق إلى آخره ؛ فإنّ حركات الأفلاك طاعات اختياريّة ، وعلى القول بأنها طبيعيّة أو قسريّة ، فلله بحسب حكمته أن يبدّل الطبيعة ويعكس القسر ؛ لأنه [ المطبّع (4) ] والقاسر لها ، فلا ضرر في ذلك ولا يفسد به نظام الكون ؛ لأنّ نظامه بمقتضى حكمة الحكيم ، وتغييره من مقتضاها ، واللّه العالم.

ص: 97


1- انظر بصائر الدرجات : 493 / 9.
2- انظر الخصال 2 : 490 / 68 ، أبواب الاثني عشر.
3- في المخطوط : ( ينافي ).
4- في المخطوط : ( المطيع ).

ثمّ إنّي بعد ذلك وقفت على مجلّد من ( البحار ) ، فيه ما صورته : ( علل الشرائع ) (1) عن الصادق عليه السلام « إنّ اللّه عزوجل جعل لمن له سلطان مدّة من ليالٍ وأيّام وسنين وشهورٍ ؛ فإن عدلوا في الناس أمر صاحب الفلك بإدارته فطالت أيّامهم ولياليهم وسنونهم وأشهرهم ، وإن هم جاروا أمر صاحب الفلك ، فأسرع بإدارته وأسرع فناء لياليهم » إلى آخره.

بيان

لعلّ المراد بالسرعة : تسبيب أسباب زوال ملكهم ، وبالعكس على الاستعارة التمثيليّة ، فالمراد بالوفاء [ بعدد (2) ] شهورهم إلى آخره : أن تلك السنين والشهور الّتي كانت مقدّرة قبل ذلك كانت مشروطة بعدم الإتيان بتلك الأفعال ، وقد أخبر تعالى بنقصان ملكهم مع الإتيان بها ، فلم يخلف ما وعدهم لهم.

ويحتمل أن يكون لكلّ دولة فلك ما سوى الأفلاك المعروفة الحركات ، وقد قدّر لدولتهم عدداً من الدورات. ويحتمل أن يكون إذا أراد إطالة مدّتهم أمر بإبطائه في الحركة ، وإذا أراد سرعة فنائها أمر بإسراعه ) (3) ، انتهى.

قلت : أمّا الوجه الأوّل ، [ فظاهر (4) ] الحديث ينافيه.

وأمّا الثاني ، فلعلّه ما نسبه السيّد لبعض معاصريه.

ثمّ وجدت بعد ذلك كلاماً لرئيس الحكمة شيخنا الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيّ : على هذا الحديث قال فيه : ( وإنّما العادل هو الحجّة عليه السلام : وهو الآن غير متمكّن من إقامة العدل ، فالحكم لمقتضى الجائر. ولو فرض العادل والجائر فإن كان العادل متمكناً من دفع الجائر ولم يدفعه بالعدل فهو جائر ، وإن لم يتمكّن فلا مقتضى لعدله. وعلى فرض المقتضى يكون الإسراع من المقتضَيَين فيكون أقلّ إسراعاً ممّا لو انفرد الجائر ، فلا تناقض ولا تنافي ) ، انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه ، واللّه العالم.

ص: 98


1- علل الشرائع 2 : 288 ، ب 367 ، ح 1 ، باختلاف.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( بعدهم ).
3- بحار الأنوار 4 : 103 / 16 باختلاف.
4- في المخطوط : ( وظاهر ).

[35] إظهار كمال وتحقيق حال : تفضيل كربلاء على الكعبة

روى الشيخ : في ( التهذيب ) بسنده عن الباقر عليه السلام : أنه قال : « خلق اللّه كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدّسها وبارك عليها ، فما زالت قبل أن يخلق اللّه الخلق مقدّسة مباركة ولا تزال كذلك ، وجعلها أفضل الأرض في الجنّة » (1).

قلت : لعلّ المراد بالأعوام هنا : غيب الأعوام المعهودة وعللها ، وهي رتب الوجود المتحرّكة على نقطة ، وهي سنيّ الشهور الاثني عشر التي عند اللّه ، وسنيّ الأيّام التي خلق اللّه فيها السماوات والأرض. وذكر مثل هذه السنين متكرّر في الأخبار جدّاً ، فتلطّف لكلّ موضع ما يناسبه من السرمديّات والدهريّات والزمانيّات.

ولعلّ الجمع بين ما دلّ بإطلاقه وتخصيصه على فضل كربلاء على الكعبة (2) ، وبين ما دلّ بإطلاقه على أن الكعبة أفضل بقاع الأرض (3) وقد نقل على مضمونه الشهيد : رحمه اللّه في قواعده الإجماع (4) أن المراد بالمفضّلة على الكعبة خصوص قبر الحسين عليه السلام : ، وهو محطّ جسده الشريف ، ولا ينافيه مشاركةً محاطّ قبور أجساد

ص: 99


1- تهذيب الأحكام 6 : 72 / 137 ، وسائل الشيعة 14 : 516 ، أبواب المزار وما يناسبه ، ب 68 ، ح 5.
2- كامل الزيارات : 450 / 675.
3- ثواب الأعمال : 244 / 3 ، بحار الأنوار 27 : 177 / 25.
4- القواعد والفوائد 2 : 117 / القاعدة : 189.

جميع أهل البيت عليهم السلام : له في ذلك ؛ لعدم الحصر ، ولأنّ كربلاء الحقيقيّة هي موضع جميع قبورهم ، فقد روي عنهم عليهم السلام أنهم دفنوا في كربلاء كلّهم ، وأنّها فرّقت على قبورهم.

أو يراد : الكعبة باعتبار ظاهر الأرض وجسدها ، وكربلاء باعتبار نفسها ، فالكعبة للأرض بمثابة القلب الصنوبريّ من جسد الإنسان (1) ؛ فلذا ورد أنها دحيت من تحت الكعبة ، كما أنه أوّل ما يتكوّن من جسم الإنسان قلبه ثمّ يبني عليه الجسم. وكربلاء المشار لها للأرض بمثابة رتبة الخيال أو الروح الحيوانيّ من جسد الإنسان ، فلا تنافيَ ، وبان سبق كربلاء وتقدّسها على سائر الأرض ، واللّه العالم.

ص: 100


1- في المخطوط بعدها : ( لجسد الإنسان ).

[36] بيان شؤون وإظهار مكنون في ليلة نصف شعبان تقسم الأرزاق

روى ابن طاوس : في ( الإقبال ) عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : أنه قال : « كنت نائماً ليلة النصف من شعبان فأتاني جبرئيل عليه السلام : ، فقال : يا محمّد : ، أتنام في هذه الليلة؟ فقلت : يا جبرئيل : ، وما هذه الليلة؟ قال : هي ليلة النصف من شعبان ، قم يا محمّد : ، فأقامني ، ثمّ ذهب بي إلى البقيع ، ثمّ قال لي : ارفع رأسك فإنّ هذه ليلة تفتح فيها أبواب السماء ، فيفتح فيها أبواب الرحمة ، وباب الرضوان ، وباب المغفرة ، وباب الفضل ، وباب التوبة ، وباب النعمة ، وباب الجود ، وباب الإحسان ، يعتق اللّه فيها بعدد شعور النعم وأصوافها ، يثبت اللّه فيها الآجال ، ويقسم فيها الأرزاق من السنة إلى السنة ، وينزل ما يحدث في السنة كلّها » (1) الخبر.

ثمّ قال : وجدت رواية هذا لفظها : قال كميل بن زياد : كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه فقال بعضهم : ما معنى قول اللّه عزوجل ( فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) (2)؟ قال عليه السلام : « ليلة النصف من شعبان. والذي نفس عليّ بيده ، إنّه ما من عبد إلّا وجميع ما يجري عليه من خير وشرّ مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة ، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام : إلّا أُجيب له ».

فلمّا انصرف طرقته ليلاً ، فقال عليه السلام : « ما جاء بك يا كميل؟ » قلت : يا أمير المؤمنين : ،

ص: 101


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 331 - 338.
2- الدخان : 4.

علّمني دعاء الخضر عليه السلام : ، فقال : « اجلس. يا كميل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادعُ به كلّ ليلة جمعة أو في الشهر مرّة أو في السنة مرّة أو في عمرك مرّة تُكفَ وتُنصرْ وتُرزقْ ولن تُعدمِ المغفرة. يا كميل : ، أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود بما سألت ، ثمّ قال : اكتب : اللّهُمّ إنّي أسألك بِرَحْمَتِكَ الّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْ ءٍ » (1) إلى آخره.

ونقل من كتاب الطرازي دعاءً يدعى به ليلة النصف من شعبان ، وفيه : « وَارْزُقْنِي ، فَإنّكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كُلّ أمْرٍ تَفْرُقُ ، وَمَنْ تَشَاءُ مِنْ خَلْقِكَ تَرْزُقُ » (2).

وروى بسنده عن الشيخ (3) فيما رواه أبان بن تغلب : عن الصادق عليه السلام : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : قال لبعض نسائه ليلة النصف من شعبان : « أما تعلمين أيّ ليلة هذه؟ هذه ليلة النصف من شعبان ، فيها تقسم الأرزاق ، وفيها تكتب الآجال ، وفيها يكتب وفد الحاجّ » (4) الحديث.

وفيما رواه الشيخ : عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : أنه قال لبعض نسائه فيها : « أتدرين أيّ ليلة هذه؟ هذه ليلة النصف من شعبان ، فيها تنسخ الأعمال ، وتقسم الأرزاق ، وتكتب الآجال » (5) الحديث.

قال ابن طاوس : في ( الإقبال ) ( إن قيل : ما تأويل أن ليلة النصف من شعبان تقسم الآجال والأرزاق ، وقد تظاهرت الروايات أن قسم الآجال والأرْزاق ليلة القدر في شهر رمضان؟

فالجواب لعلّ المراد : أن قسمة الآجال والأرزاق التي يحتمل أن تمحى وتثبت ليلة نصف شعبان ، والآجال والأرزاق المحتومة ليلة القدر.

أو لعلّ قسمتها في علم اللّه جلّ جلاله ليلة نصف شعبان ، وقسمتها بين عباده ليلة القدر.

أو لعلّ قسمتها في اللوح المحفوظ ليلة نصف شعبان ، وقسمتها بتفريقها بين عباده ليلة القدر.

ص: 102


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 331 - 338.
2- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 319.
3- مصباح المتهجّد ( حجريّ ) : 773.
4- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 325 / 47.
5- مصباح المتهجّد ( حجري ) : 772.

أو لعلّ معناه أن قسمتها ليلة القدر كان ابتداء الوعد به ، أو تقدير : ليلة النصف من شعبان ، فيصحّ أن يقال عن الليلتين : إن ذلك قسم فيهما ) (1).

وقال قدس سره في باب أعمال ليلة تسع عشرة من شهر رمضان من الكتاب المذكور ، بعد أن روى حديثاً عن عليّ بن عبد الواحد النهديّ : في كتاب عمل شهر رمضان بسنده عن عبد اللّه بن سنان : قال أبو عبد اللّه عليه السلام « إذا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان أُنزلت صكاك الحاجّ وكتبت الآجال والأرزاق » (2) الحديث.

أقول : وقد مضى في كتابنا هذا وغيره أن [ في ] ليلة النصف من شعبان تكتب الآجال وتقسم الأرزاق ، وتكتب أعمال السنة ، ويحتمل أن يكون في ليلة نصف شعبان تكون البشارة بأنّ في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان تكتب الآجال وتقسم الأرزاق ، وتكون ليلة نصف شعبان ليلة البشارة بالوعد ، وليلة تسع عشرة من شهر رمضان وقت إنجاز ذلك الوعد.

أو يكون في تلك الليلة تكتب آجال قوم وتقسم أرزاق قوم ، وفي ليلة تسع عشرة تكتب آجال الجميع وأرزاقهم أو غير ذلك ممّا لم نذكره. فإنّ الخبر ورد صحيحاً صريحاً بأنّ الآجال والأرزاق تقسم في ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان ، وسنذكر هاهنا بعضها فنقول :

روي أيضاً عن عبد الواحد النهديّ : في كتاب ( عمل شهر رمضان ) وساق السند عن إسحاق بن عمّار : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : سمعته يقول ، وناس يسألونه يقولون : إن الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان ، [ فقال (3) ] : « لا واللّه ، ما ذلك إلّا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ؛ فإنّ في ليلة تسع عشرة يلتقي الجمعان ، وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق كلّ أمر حكيم ، وفي ليلة [ ثلاث (4) ] وعشرين يمضي ما أراد اللّه جلّ جلاله من ذلك وهي ليلة القدر التي قال اللّه ( خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

ص: 103


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 322.
2- الإقبال بالأعمال الحسنة 1 : 342 - 343.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( وقال ).
4- من المصدر ، وفي المخطوط : « ثمان ».

قلت : ما معنى قولك : « يلتقي الجمعان؟ » قال : « يجمع اللّه فيها ما أراد اللّه من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه ». قلت : وما معنى : يمضيه في ليلة ثلاث وعشرين؟ قال : « إنّه يفرّق في ليلة إحدى وعشرين ، ويكون له فيه البداء ، فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين أمضاه فيكون من المحتوم الذي لا يبدو له فيه تبارك وتعالى » (1). انتهى كلام السيّد.

قلت : [ جواباته (2) ] كلّها قدس سره مشتركة في الضعف ، وظواهر النصوص تردّها خصوصاً الأوّل والأخير ، ولعلّ وجه الجمع أن قسمتها في ليلة نصف شعبان بحسب مقام الولاية المطلقة التي حمل لواءها الوليّ والخليفة وهي باطن باطن الرسالة ، وقسمتها في ليلة القدر بحسب مقام الرسالة ، والأول سابق في قوس البدء ، لاحق في قوس العود ، وهما متلازمان ؛ لأنّ الولاية من لوازم الرسالة المساوية كما أنّها نفسها باعتبار آخر فعلي نفس الرسول.

ولذا كانت ليلة نصف شعبان ليلة مولد خاتم الأئمّة ، ويدلّ عليه ما رواه ابن طاوس : بسنده إلى أبي جعفر الطوسيّ : فيما رواه بسنده عن أبي يحيى : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : سئل الباقر عليه السلام : عن فضل ليلة النصف من شعبان ، فقال : « هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر ، فيها يمنح اللّه العباد فضله » الحديث.

إلى أن قال عليه السلام : « وإنّها الليلة التي جعلها اللّه لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا صلى اللّه عليه وآله » (3) الحديث.

وورد أن فيها تعرض أعمال العباد في الحول ، وذلك لينطبق البدء على العود. ولا ينافي هذا ما ثبت نصّاً (4) وعقلاً وإجماعاً أن الملائكة تنزّل بالروح على إمام الزمان بجميع ما يحدث في السنة ليلة القدر ، فإنّ الأئمّة ورثة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، فهم في ليلة النصف من شعبان يتلقّون ذلك منه صلى اللّه عليه وآله في مقام الولاية ، وليلة القدر يتلقّونه منه من مقام الرسالة.

ص: 104


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 1 : 343 - 344.
2- في المخطوط : ( جوابا ).
3- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 315.
4- تفسير القمّيّ 2 : 295 ، 466.

فكما أن علومهم أجمع وراثة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وهم يتلقّونها منه في كلّ مقام ، وهذا من ذاك ، ومؤيّدات هذا كثيرة ، فالأمر في قوس النزول والبدء ينزل إلى مقام الرسالة من مقام الولاية ، وفي قوس الصعود والعود يصعد من مقام الرسالة إلى مقام الولاية ، فجميع ما في الثاني مبادئه وموادّه ، كلّيّاته وجزئيّاته ، وتحقّق الأوّل وكمال ظهوره ووجوده المستجمع لرتب الوجود بجميع كمالاتها بالثاني.

ومن هذا يظهر وجهان آخران :

أحدهما : أن نزول الكلّيّات والمجملات وموادّ الواقعات وجميع ما فيه البداء يكون ليلة نصف شعبان في مقام الولاية العامّة ؛ لأنه منها بدأ ، وتفاصيل ذلك وجزئيّاته وكمال وجوده الظهوريّ الذي لا بدء فيه ليلة القدر ، وأوّل تمايز ما فيه البداء ممّا ليس فيه ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وكمال تميّزهما ليلة إحدى وعشرين منه ، ويقع الحتم والإمضاء ليلة الثالث (1) والعشرين منه.

الثاني : أن الإمام عليه السلام يتلقّى ذلك في مقام الولاية ليلة النصف من شعبان من الرسول صلى اللّه عليه وآله : مجملاً ، ويتلقّى ذلك منه من مقام الرسالة مفصّلاً ليلة القدر ، بسبيل الإذن الملكيّ البادئ برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، ثمّ بواحد واحد من الأئمّة حتّى ينتهي إلى إمام الزمان عليه السلام (2) : ، واللّه العالم.

هذا ، وفي الظاهر لم نقف على عامل من الأصحاب بظواهر نصوص ليلة نصف شعبان ، بل الظاهر أنّهم مجمعون على العمل بأخبار ليالي شهر رمضان الثلاث ، وعلى تأويل أحاديث نصف شعبان ، والتأويل طرح الآية مع إمكانه أوْلى من مجرّد الطرح ، واللّه العالم.

نعم ، اشتهر بين العامّة والعوام أن ليلة نصف شعبان تقسم الأرزاق ، واللّه العالم بحقائق أحكامه.

ص: 105


1- في المخطوط : ( الثالثة ).
2- انظر : تفسير القمّيّ 2 : 466.

ص: 106

[37] إيقاظ وتنبيه لا تبقى الأرض بلا عالم حيّ ظاهر

في ( البحار ) من ( العلل ) بسنده إلى يعقوب السرّاج : قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : تبقى الأرض بلا عالم حيّ ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال لي : « إذن لا يعبد اللّه يا أبا يوسف » (1).

ومنه بسنده إلى أبي بصير : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : « إنّ اللّه لا يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم ، وإذا أنقصوا أكمله لهم ، فقال : خذوه كاملاً ، ولو لا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم ، ولم يفرّق بين الحقّ والباطل » (2).

فإن قلت : ظاهر الخبرين ينافي ما هو ضروريّ وجدانيّ من غيبة إمام الزمان : عجّل اللّه فرجه وما تواتر مضمونه عقلاً ونقلاً وإجماعاً من أنه لا تخلو الأرض من حجّة لله ؛ إمّا ظاهر مشهور أو غائب مستور أو مغمور (3) ، وأن اللّه عزّ اسمه يحب أن يعبد سرّاً كما يحب أن يعبد جهراً ، حيث قال في الأوّل ( ظاهر ) وفي الثاني « فقال : خذوه » ؛ لأنّ ظاهره الشفاه العيانيّ.

قلت : يحتمل الحديثان معنيين :

ص: 107


1- بحار الأنوار 23 : 21 / 18 ، علل الشرائع 1 : 231 / 3.
2- علل الشرائع 1 : 234 - 235 / 22 ، بحار الأنوار 23 : 24 / 31. وفيهما : « لم » ، بدل : « لا ».
3- نهج البلاغة : 686 - 687 / الحكمة : 147.

أحدهما : أن يريد بالعالم : المجتهد ، فإنّ المجتهدين أبواب مَن سواهم ووسائطهم إلى المعصوم ، وهم القرى الظاهرة التي هي بين الناس وبين القرى التي بارك اللّه فيها (1) ، والقرينة : وصفه بالحياة ، والظهور في الأوّل ، وقوله : « فقال خذوه كاملاً » فإنّه ظاهر في الحسّي الشفاهي ، فيكون دليلاً على القول بعدم جواز خلوّ زمن من أزمان التكليف من المجتهد ، كما هو المشهور بين العصابة قديماً وحادثاً ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل هو إجماع مشهوريّ ، وخلاف بعض متأخّري المتأخّرين (2) شاذّ تردّه الأدلّة عقلاً ونقلاً.

ولفظ الخبر الثاني رواه في ( البحار ) (3) بعدّة طرق تنيف على عشرة من عدّة طرق تزيد على سبعة في باب واحد.

ومثل الحديث الأوّل ما رواه المجلسيّ : من ( كمال الدين وتمام النعمة ) بسنده إلى أبي حمزة الثماليّ : قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام : يقول : « لن تخلو الأرض إلّا وفيها منّا رجل يعرف الحقّ فإذا زاد الناس فيه قال : قد زادوا. وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا. وإذا جاؤوا به صدّقهم ، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يعرف الحقّ من الباطل » (4) في احتماله الوجهين كما هو ظاهر.

الثاني : أن يراد بالعالم : المعصوم ، وبالناس في الأوّل والمؤمنين في الثاني : خواصّ المؤمنين ، وهم العلماء العاملون المجتهدون ، فإنّ الزيادة والنقصان إنّما تجري منهم ، والإمام هو الذي خالف بينهم ؛ ليسلموا. ولكن لا بدّ في الأرض من قائل بالحقّ عامل به غير معصوم كما دلّ عليه النصّ (5) والبرهان ، وإطلاق المؤمنين على العلماء العاملين منهم خاصّة غير عزيز في النصّ.

ص: 108


1- إشارة إلى قوله تعالى : ( وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً ) . سبأ : 1. انظر : الغيبة ( الطوسيّ ) : 345 / 295 ، تأويل الآيات الظاهرة : 461 - 462.
2- قوانين الأُصول : 429.
3- بحار الأنوار 23 : 24 - 27.
4- كمال الدين : 223 / 12 ، بحار الأنوار 23 : 39 / 69.
5- كمال الدين : 161 / 20 ، بحار الأنوار 23 : 33 / 54.

والناس يطلق في النصّ بإطلاقات :

منها : عموم البشر ، وهو كثير.

ومنها : خواصّ المؤمنين كما في هذا ، وغيره (1).

ومنها : خصوص أهل البيت كما في ( أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ ) (2) كما ورد أنّهم الناس المحسودون (3) ، وغيرها.

ففي الأخير الشيعة مطلقاً أشباه الناس كما روي ، وأعداؤهم النسناس (4) ، وفي الأوسط سائر الشيعة أشباه الناس ، وما سواهم النسناس ؛ فيكون الخبران مطابقين لما استفاض طريقاً وتواتر مضموناً نصّاً وعقلاً وإجماعاً من أن الأرض لا تخلو من حجّة لله ؛ كيما « إن زاد المؤمنون ردّهم وإن نقصوا [ أكمله (5) ] لهم ».

وعلى كلّ حال ، فما ورد من ذلك كلّه يدلّ على عدم جواز خلوّ زمن من أزمان التكليف من مجتهد هو الحجّة على الناس ، والمعصوم حجّة عليه. والذي يدلّ على هذا مضامين كثيرة ليس هنا موضع بيانها ، كحديث : « انظروا إلى رجل .. » (6) فإنّ الخطاب عامّ لأهل الأزمان وغيره. وهذا وشبهه كلّه يدلّ على اشتراط حياة المجتهد المرجع الذي جعله الإمام حاكماً ؛ فإنّه قال : « انظروا » وهو يقتضي صلوحه للمشافهة حال الحكم. وأيضاً الميّت لا يصلح لأن يكون حاكماً على الأحياء كما هو ظاهر ، وليس هنا موضع بيان المسألة.

بقي الكلام في معنى ظهوره حينئذٍ ، فنقول : لعله ظهوره بالبرهان لدى طالبيه في آيات الآفاق والأنفس ، والكتاب والسنّة ، فمن طلبه من الطريق الذي شرع وجده البتّة ، وظهر له بحسب رتبته من الإيمان. فظهر بهذا عدم منافاة هذا الوجه لما رواه المجلسيّ

ص: 109


1- الكافي 1 : 205 - 206.
2- النساء : 54.
3- تأويل الآيات الظاهرة : 137.
4- تفسير فرات الكوفي : 64 ، وفيه « فقال علي عليه السلام : أجبه يا حسن ». الكافي 8 : 204 / 4. وفيه : « فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أجبه يا حسين ».
5- في المخطوط : « أتمه ».
6- الفقيه 3 : 2 / 1 ، وسائل الشيعة 27 : 13 - 14 ، أبواب صفات القاضي ، ب 1 ، ح 5.

من ( الاختصاص ) عن أبي الجارود : ، وعن الحلبيّ : ، كلاهما عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « أنه قال : من مات وليس عليه إمام حيّ ظاهر مات ميتة جاهليّة » (1) ، أي معلوم بالدليل ، واللّه العالم بمقاصد أوليائه.

بقي الكلام في قوله عليه السلام في حديث الثمالي « لن تخلو الأرض إلّا وفيها منّا رجل » (2) فلعلّه أراد بهم أهل البيت عليهم السلام : ، فإنّ أهل البيت يطلق على جميع نوّاب اللّه وحججه المعصومين ، كما يدلّ عليه خبر وصيّة آدم عليه السلام : ، حيث قال فيه جبرئيل لهبة اللّه : « السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت » (3).

أو أراد به رجلاً علّمه منّا معصوم ، فإنّ كلّ شي ء لم يصدر عنهم فهو باطل كليّة عامّة تامّة ، أو منهم حقيقة فإن أئمتنا سلام اللّه عليهم هم الحجّة على جميع الخلق ، فلا يخلو منهم عالَم ، ولا زمان ولا من نور هدايتهم ، كما يشير إليه قوله صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : « يا عليّ ، إنّ اللّه أيّد بك النبيّين سرّاً » الحديث.

وما رواه المجلسيّ : من ( إكمال الدين وتمام النعمة ) بسنده إلى الفضل بن يسار : قال : سمعت أبا عبد اللّه : وأبا جعفر عليهما السلام : قالا : « إنّ العلم الذي اهبط مع آدم عليه السلام : لم يرفع ، والعلم يُتوارث ، وكلّ شي ء من العلم وآثار الرسل والأنبياء لم يكن من أهل هذا البيت فهو باطل » (4) الخبر ، واللّه العالم.

ص: 110


1- الاختصاص ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) 12 : 269 ، بحار الأنوار 23 : 92 / 37 ، 38.
2- كمال الدين 1 : 222 - 223 / 12 ، وفيه : « رجل منّا » ، البحار 23 : 39 / 69.
3- تفسير العياشي 1 : 337 ، بحار الأنوار 23 : 62.
4- كمال الدين : 223 / 14 ، بحار الأنوار 23 : 29 / 71.

[38] جمع وكشف : لا تنقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوماً

لعلّ الجمع بين ما روي عن أهل البيت : سلام اللّه عليهم بعدّة طرق ، كما في البحار وغيره من أنه : « لا تنقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجّة أُغلق باب التوبة ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة ، أُولئك شرار (1) خلق اللّه وهم الذين تقوم عليهم القيامة » (2). وأمثاله ، وبين ما روي عنهم بطرق أيضاً كما في ( البحار ) : « ولو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة ، ولو ذهب أحدهما بقي الحجّة » (3). وأمثاله (4). أن المضمون الأوّل أن الحجّة ترفع بعد رفع التكليف وانقضاء زمنه ، كما يشعر به غلق باب التوبة وعدم قبولها حينئذٍ ، فتكون تلك الأربعون اليوم بالنسبة إلى العالم الكبير كحال بلوغ الروح التراقي ، والمعاينة بالنسبة إلى الإنسان الشخصيّ ، فإنّه يرتفع عنه التكليف الدنيويّ ولا تقبل منه التوبة ، ولا يبقى منه في الدنيا إلّا حثالته.

ويراد بالثاني : في زمن بقاء التكليف الدنيويّ ، فإنّه لا تكليف إلّا بعد البيان ،

ص: 111


1- في المخطوط : « شرار من ».
2- بحار الأنوار 23 : 41 / 78.
3- بحار الأنوار 23 : 43 / 85.
4- بصائر الدرجات : 484 - 487. الكافي 1 :4. 180 / باب أنّه لو لم يبقَ في الأرض إلّا رجلان لكان أحدهما الحجّة.

والبيان والمبيّن هو الحجّة ، فلا بدّ من بقائه في الأرض قبل المكلّفين ومعهم وبعدهم. لكن هذا يشعر بأنّ ارتفاع الحجّة قبل القيامة الكبرى ، كما هو ظاهر ، وأن [ الذين (1) ] يقوم عليهم الساعة الكبرى هم شرار الخلق. وهذا يشكل بما دلّ من الأحاديث المتكثّرة على قتل الشيطان وأتباعه في أوائل الرجعة (2) ، أو زمن القائم عجل اللّه فرجه فإنّ هذا يشعر بأنّ الساعة التي تقوم على شرار الخلق هي الصغرى ، أعني : قيام القائم ، عجّل اللّه فرجه.

ولعلّ الجمع بينهما أن الساعتين تقومان على شرار الخلق ، لكنّهم في الصغرى هم الكفّار الذين طبّق الأرض ظلمهم وملأها جورهم ، والكبرى هي حثالة حثالة البشر كالمذبذبين والمستضعفين. وسمّوا أشراراً لفقدان ظهور أشعّة العقل فيهم. فالمعنيان مختلفان ، فالأوّل حقيقيّ ، والثاني إضافيّ ، واللّه العالم بمراد أوليائه.

ص: 112


1- في المخطوط : ( الذي ).
2- مختصر بصائر الدرجات : 27.

[39] جوهرة سنيّة لا تخلو الأرض من عالم حيّ ظاهر

في ( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (1) بسنده إلى يعقوب السرّاج : قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : تخلو الأرض من عالم منكم حيّ ظاهر تفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال : « يا أبا يوسف : ، ألا إنّ ذلك لبيّن في كتاب اللّه تعالى ، قال ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا ) عدوّكم ممّن يخالفكم ( وَرابِطُوا ) إمامكم ( وَاتَّقُوا اللّهَ ) (2) فيما يأمركم وفرض عليكم » (3).

قلت : لعلّ المراد بقوله : ( ظاهر ) : ظهور صفاته وأدلّة حجّيّته ومعلوميّته باسمه ونسبه وصفته وخواصّه [ التي (4) ] نصّ عليها آباؤه أجمعون ، ومنها ما اتّفق على روايته الخاصّة والعامّة ، أو : ظهوره في قلوب أوليائه ، فإنّها بشعاع نوره ، وهم ينظرونه ويعرفونه يقيناً بنور اللّه ، وهو الذي منه خلقت نفوسهم وقلوبهم ، وهو الذي منه بدؤوا وإليه يعودون.

هذا إن أُريد به المعصوم ، ويمكن أن يراد به : العالم بحلالهم وحرامهم ، وهو المجتهد الآخذ أحكامَه وعلمَه بالدليل الشرعي عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم

ص: 113


1- بصائر الدرجات : 487 / 16.
2- آل عمران : 200.
3- بحار الأنوار 23 : 51 / 105 ، وانظر تفسير العياشي 1 : 236 - 237 / 200 - 201.
4- في المخطوط : ( الذي ).

أجمعين فتكون ( من ) في قول السائل : ( منكم ) ابتدائيّة ، أي عالم أخذ علمه منكم ، فيكون من الأدلّة على عدم جواز خلوّ الزمان من المجتهد كما هو الحقّ ، فعلى هذا يستلزم عدم جواز تقليد الميّت ، تأمّل ، واللّه العالم.

ص: 114

[40] بيان حكم وإظهار كتم كبّر شيث عليه السلام على آدم عليه السلام خمساً وعشرين ، وثلاثين ، وخمساً وسبعين

رُوي في ( البحار ) من أمالي الصدوق بسنده عن الصادق عليه السلام : أن آدم عليه السلام : غسّله جبرئيل عليه السلام : وهبة اللّه عليه السلام : ، وأن جبرئيل عليه السلام : قال لهبة اللّه عليه السلام : تقدّم فصلّ على أبيك ، وكبّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة ، فتقدّم وصلّى عليه بالملائكة ، وكبّر خمساً وعشرين تكبيرة » (1).

وفي حديث العيّاشيّ : أن هبة اللّه عليه السلام : هو الذي غسّل آدم عليه السلام : ، وأن جبرئيل عليه السلام : أراه كيف يغسّله ، وأنه كبّر على أبيه ثلاثين تكبيرة (2).

وفي ( الوسائل ) من ( قصص الأنبياء ) (3) لسعد بن هبة اللّه الراونديّ : ، بسنده إلى أبي حمزة : عن عليّ بن الحسين عليهما السلام : في حديث وفاة آدم عليه السلام : قال : « فخرج هبة اللّه : وصلّى عليه ، وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة ، سبعين لآدم : ، وخمساً لأولاده » (4).

وعن ابن بابويه : بسنده إلى الفضل بن يسار : عن أبي جعفر عليه السلام : في حديثه قال : « فلمّا جهّزوه يعني : آدم : قال جبرئيل : تقدّم يا هبة اللّه ، فصلّ على أبيك ، فتقدّم ، فكبّر عليه

ص: 115


1- بحار الأنوار 23 : 64 / 3.
2- تفسير العيّاشيّ 1 : 339 / 78.
3- قصص الأنبياء : 62 / 34.
4- وسائل الشيعة 3 : 84 - 85 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 14.

خمساً وسبعين تكبيرة ، سبعين تفضيلاً لآدم عليه السلام ، وخمساً للسنّة » (1).

ولا منافاة بينهما ، لإمكان حمل حديث ( الأمالي ) على أن جبرئيل عليه السلام : أراه كيف يغسّله ، فأطلق عليه أنه غسّله معه ، كما هو ظاهر حديث العيّاشيّ ، أو أنه أعانه على غسله بالتقليب ، وهذا يصدق عليه أنه غسّله في الجملة أيضاً ، أو أنه حقيقة لأنّ جبرئيل عليه السلام : معصوم ، فلا مانع من تغسيله المعصوم.

وأمّا التكبيرات فلعلّه أراد بالخمس والعشرين في حديث ( الأمالي ) : خمساً وعشرين زائدة على أُصول تكبيرات صلاة الأموات وهي الخمس ؛ تكرمة لصفوة اللّه آدم عليه السلام : وقد كبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : على أُناس أكثر من خمس (2).

وبالثلاثين في حديث العيّاشيّ : الأُصول على الزيادة جميعاً ، وفيه ما يشعر بذلك في الجملة حيث قال فيه : « فأمره جبرئيل برفع خمس وعشرين » ، أي أعلمه أنّها زائدة على أصل صلاة الأموات ، وهي الخمس التي جرت بها السنة.

وقد صرّح بهذا حديثا ( الوسائل ) ، لكن لم أظفر بهما إلّا بعد كتابة هذا المرسوم في الأصل فألحقتهما ، وبهما يظهر وجه آخر ، هو أنه صلّى عليه مرّة بخمس وعشرين ، وأُخرى بثلاثين ، وأُخرى بخمس وسبعين ، أو أنه كبّر خمساً وسبعين مع فوج ، وحضر آخرون فكبّر معهم ثلاثين ، وحضر غيرهم فكبّر خمساً وعشرين ، أو بعكس الترتيب ، وكلّها صلاة واحدة.

وفي حديث العيّاشيّ أن بين نوح : وآدم عليهما السلام : عشرة آباء كلّهم أنبياء (3). وهذا منافٍ لظاهره.

ولعلّ المراد بهم : آباء روحانيّون ، وعلى هذا يمكن أن يراد بآدم فيه : آدم الأوّل عليه السلام : ، فلا منافاة بينه وبين غيره من الأخبار والتواريخ ، واللّه العالم.

ص: 116


1- قصص الأنبياء : 68 / 69 / 44 ، وسائل الشيعة 3 : 85 ، أبواب صلاة الجنازة ، ب 6 ، ح 15.
2- بحار الأنوار 78 : 346 - 347 / 13.
3- تفسير العيّاشيّ 1 : 339 ، بحار الأنوار 23 : 64.

[41] دفع إشكال وبيان إهمال : تكليف الكافر بالفروع

في تفسير عليّ بن إبراهيم : بسنده إلى أبان بن تغلب : قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : « يا أبان : ، إنّ اللّه لا يطلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يشركون به ، حيث يقول ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) (1) قلت له : كيف ذاك جعلت فداك؟ فسّره لي ، فقال ( وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) الذين أشركوا بالإمام الأوّل وهم بالأئمّة الآخرين كافرون. يا أبان : ، إنّما دعا اللّه العباد إلى الإيمان به فإذا آمنوا باللّه ورسوله افترض عليهم الفرائض » (2).

ورُوي في ( البحار ) (3) أيضاً مثله عن أبان : عن أبي عبد اللّه : سلام اللّه عليه من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (4) بطريقين ، ولعلّه يأتي ذكرهما.

قلت : هذا غير منافٍ لما ثبت بالنصّ المستفيض من الكتاب (5) والسنّة ، بل المتواتر مضموناً ، وبالإجماع جيلاً بعد جيل ، وبالبرهان المتضاعف ، من أن الكافر مكلّف بالفروع.

ص: 117


1- فصّلت : 6 - 7.
2- تفسير القمّيّ 2 : 265 - 266.
3- بحار الأنوار 24 : 304 / 17.
4- تأويل الآيات الظاهرة : 521
5- إشارة إلى قوله تعالى في سورة فصّلت : 6 - 7 ، والقيامة : 13 ، والمدّثر : 42 - 46 ، والفرقان : 68. انظر نهج الحقّ :5. 384.

وبيان ذلك أنه لمّا كانت الفرائض كالصفات واللوازم للإيمان باللّه ورسوله ، فالأيمان بهما عنوان ذات الوجود بل حقيقته ، والفرائض كلّها بعده صفات له ، ولو لزم كان التكليف بالإيمان ، ووجوده سابق على التكليف بالفرائض ، ووجودها واقعاً ذاتاً سبق العلّة والموصوف والأصل والملزوم على المعلول والصفة واللّازم في جميع مراتب وجودهما ، فلا تحقّق في رتبة من رتب الوجود المعلول بلا علّته ، ولا صفة بلا موصوفها ، ولا فرع بلا أصله ، ولا لازم بلا ملزومه ؛ إذ التحقيق أن لا لازم أعمّ بل مساوٍ ، ولا اسم بلا مسمى ، ولا مظهر بلا ظاهر.

فمعنى الحديث أنّهم مكلّفون بالأصل أوّلاً وبالذات ؛ لأنه تكليف الحقيقة والوجود ، وبالفروع ثانياً وبالتبعيّة ؛ لأنّ الأصل صفة الذات ، والفرع صفة صفتها. انظر إلى أحاديث الذرّ (1) ، وإلى ترتيبها ، فإنّ اللّه تعالى أخذ على العباد العهد بالإقرار له بالربوبيّة ، ولمحمّد : بالرسالة ، ولخلفائه بالإمامة والولاية قبل أن يؤجّج لهم نار التكليف فيأمرهم بالوثوب فيها.

وهذا مطابق لما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وآله : في ترتيب دعوته الخلق بعد البعثة ، فإنْ لم يظهر التكليف بالولاية ؛ لأنّها نتيجة وغاية ، والنهاية عين البداية ، فالعبادة فرع معرفة المعبود ، فإنّها صفتها وفرعها وحكايتها ، كما قال الحسين عليه السلام : « إنّ اللّه عزوجل ما خلق العباد إلّا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه ». فقال له رجل : يا ابن رسول اللّه ، بأبي أنت وأُمّي فما معرفة اللّه؟ قال معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته (2).

ففي الحقيقة التكليف بالإيمان تكليف بجميع الفرائض ، فلا يتوهّم بينهما انفكاك زمانيّ ، بل سبق بالرتبة والشرف والعلّيّة ؛ ولذا ورد في تفسير الأمانة (3) أنها الولاية (4)

ص: 118


1- الكافي 1 : 436 / 1 - 2 ، و 1 : 441 / 6 ، و 2 : 10 / 1 ، و: 12 / 1.
2- علل الشرائع 1 : 19 - 20 / 1 ، بحار الأنوار 5 : 312 / 1.
3- الواردة في قوله تعالى : ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ .. ) الأحزاب : 72.
4- تفسير القمّي 2 : 198.

وأنها جميع التكاليف. وهما طبق ؛ لأنّ التكاليف صفة الولاية كما عرفت.

فمعنى الحديث أن الكفّار مكلّفون بالإيمان أوّلاً وبالذات ، وبالفرائض ثانياً وبالتبعيّة والاستلزام ، فهم مكلّفون بها في ظاهر التكليف جميعاً في زمان واحد ، ومؤاخذون على ترك الفرائض ؛ لأنّهم تاركون ما كلّفوا به. فظهر الحديث وعدم منافاته لما أجمع عليه المسلمون. ولكنّ الإمام عليه السلام دلّ على أن المراد بالمشركين في الآية خصوص المنافقين أعني : الذين لم يقرّوا بالولاية وهو بيان لبطن من بطون القرآن ، وهذا غير منافٍ لظاهره ولا لغيره من البطون ، واللّه العالم.

ص: 119

ص: 120

[42] بيان حكم ودفع وهم : عدم قبول توبة المرتدّ

في ( المعاني ) بسنده إلى محمّد بن مسلم : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : قلت له : أرأيت من جحد إماماً منكم ، ما حاله؟ قال : « من جحد إماماً من اللّه وبرأ منه ومن دينه فهو كافر مرتدّ عن الإسلام ؛ لأنّ الإمام من اللّه ، ودينه دين اللّه ، ومن برأ من دين اللّه فدمه مباح في تلك الحال إلّا أن يرجع ويتوب إلى اللّه ممّا قال » (1).

قلت : ظاهره مشعر بقبول توبة المرتدّ ودرء الحدّ عنه بها ، وهو خلاف مشهور العصابة ، ولعلّه محمول على إسقاط العقاب الأُخرويّ دون الدنيويّ ، أو على من يقبل منه الإمام التوبة ويسقط عنه الحدّ بمقتضى حكمة اللّه ، فقد جرى ذلك للأئمّة عليهم السلام في أُناس كثير. والإمام له العفو والقصاص ، والعطاء والمنع ، فلا ينافي أن نائبه ليس له ذلك. بل لا بدّ أن يقتل المرتدّ إذا تمكّن.

ويمكن حمله أيضاً على الكافر الأصليّ ، فإنّ إسلامه يحقن دمه إجماعاً وإنكاره يُعفى عنه ، دون من أظهر الإسلام وظهرت له دلائل الإمامة فأنكرها ، فلا منافاة.

ويمكن تخصيصه بالملّي في أيام مشروعيّة استتابته ، واللّه العالم.

ص: 121


1- لم نعثر عليه في ( معاني الأخبار ) ، ووجدناه في الاختصاص : 259 ، وبحار الأنوار 76 : 225 / 13 ، نقلاً عن الاختصاص.

ص: 122

[43] بشارة وإنذار من كان من ولد آدم عليه السلام : آمن

روى عليّ بن إبراهيم : بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال : « من كان من ولد إبليس : فإنّه لا يصدّق بالأوصياء ولا يؤمن بهم أبداً ، وهم الذين أضلّهم اللّه. ومن كان من ولد آدم : آمن بالأوصياء وهُم على صراط مستقيم » (1).

قلت : هذا صريح في أن من أنكر ولاية أهل البيت عليهم السلام : فهو شرك شيطان ، وأن المؤمنين بها لن يشرك الشيطان آباءهم فيهم بوجه ، فيا بشرى للمؤمنين!

والمراد منه الولادة الروحانيّة لا الجسمانيّة ، وأنّها ولادة حقيقيّة في مرتبتها له عليه ، واللّه العالم.

ص: 123


1- تفسير القمّيّ 1 : 228 ، بحار الأنوار 23 : 206 / 1.

ص: 124

[44] إيضاح وبيان

في ( البحار ) من العيّاشيّ (1) : عن عمر بن يزيد : قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن قول اللّه تعالى : ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (2) فقال : « كذبوا ما هكذا هي ، إذا كان ينسخها ويأتي بمثلها لم ينسخها ». قلت : هكذا. قال : « ليس هكذا قال تبارك وتعالى ». قلت : فكيف قال؟ قال : « ليس فيها ألف ولا واو قال : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها مثلها يقول : ما نمت من إمام أو ننسِ ذكره نأتِ بخير منه من صلبه مثله » (3).

قلت : قال غائص ( البحار ) : ( لعلّ المراد أنه خير بحسب المصلحة لا بحسب الفضائل ) (4) ، انتهى.

وهو كما ترى تكلّف بعيد ، ولعلّ ( من ) في « منه » ابتدائيّة كما يشعر به إبدال « من صلبه » من « منه » ، أو أن « منه » و « من صلبه » متعلقان ب- « نأت » ، أو الثاني متعلّق بالأول ، ومعاني الجميع واحد.

ولعلّ الحديث يعمّ جميع حجج اللّه من الأنبياء والأوصياء ؛ فالموت والإنساء على ظاهره. والإماتة أعمّ من الإنساء ، فتفطّن ، واللّه العالم.

ص: 125


1- تفسير العيّاشيّ 1 : 74 - 75 / 78.
2- البقرة : 106.
3- بحار الأنوار 23 : 208 / 10.
4- بحار الأنوار 23 : 208.

ص: 126

[45] إيماض فيه إيقاظ : مسألة عرض الأعمال في النصف من الشعبان

في ( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (1) بسنده إلى الحلبي : أن أبا عبد اللّه : عليه سلام اللّه قال : « إنّ الأعمال تعرض عليّ في كلّ خميس ، فإذا كان الهلال أكملت - في نسخة : « أجملت » بدل : « أكملت » فإذا كان النصف من شعبان عرضت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وعلى عليّ : عليه سلام اللّه ثمّ تنسخ في الذكر الحكيم (2).

قلت : ورد في عدّة روايات (3) أن الأعمال تعرض عليهم عليهم سلام اللّه في كلّ صباح ، وفي كثير منها : في كلّ صباح ومساء ، وفي جملة : في كلّ عشيّة خميس ، وفي الاثنين والخميس.

ولا منافاة بينها ؛ لأنّها تعرض عليهم في كلّ رتبة من رتب وجود العامل. وهذه الأوقات إشارة إلى تلك الرتب ، فإنّ الشهور مظاهر لها ، وكذا الأسابيع وساعات الليل والنهار ، فمنها جزئيّات ومنها كلّيّات ، وكلّيّات كلّيّات ، حتّى تنتهي طاعات أهل الإيمان إلى الذكر الحكيم ، والكفر والمعاصي تنقطع في سجّين ، فتكون مجتثّة ، وليس كلّ طاعة أو معصية تنتهي إلى ذلك ، بل منها ما لا يتجاوز أوّل مرتبة ، ومنها ما لا يتجاوز مرتبتين ، فينقطع ويُرَدّ وهكذا. ولكلّ عرض بنسبته ، وما يصعد أو ينزل

ص: 127


1- بصائر الدرجات : 424 / 1.
2- بحار الأنوار 23 : 343 / 29.
3- بصائر الدرجات : 424 - 426 / ب 4.

يعرض في كلّ مرتبة من مراتبه بما يناسبها من لوازم وجوده فيها حتّى في الكلّيّة والجزئيّة والتفصيل والإجمال ، فلا اختلاف ولا تنافي ، واللّه العالم.

ص: 128

[46] إيقاظ وتنبيه ( تَسْنِيمٍ ) لآل محمّد صلى اللّه عليه وآله : صرف ولغيرهم ممزوج

وفي ( البحار ) من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (1) روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : أنه قال : « تسنيم (2) أشرف شراب في الجنّة ، يشربه محمّد : وآلُ محمّد : صرفاً ، ويمزج لأصحاب اليمين ولسائر أهل الجنّة » (3).

وكتب عليه بعض المشايخ من المعاصرين : ( لهذا المزج معارِض أكثر وأقوى ، والعمل به أقرب للتقوى ) ، انتهى.

قلت : لو ساوى آل محمَّد عليهم السلام : غيرُهُم في صرافة ما يشربونه منه لماثلهم شرفاً ، وليس في الخلق من يداني شرفهم بوجه. ولا منافاة بين الأخبار ، فصرفٌ وأصرفُ .. حتّى ينتهي إلى قسطهم وهو الصرف المطلق من كلّ وجه خاصّة ، وصرافة ما سواه إضافية. ومن شرب من ( تَسْنِيمٍ ) جرعة ولو ممزوجة عرف ما قلناه ، وأنه لا منافاة.

ويمكن أن يدخل في آل محمّد صلّى اللّه عليه وعليهم أُولو العزم ومن قاربهم من الأنبياء والرسل ، فقد ورد في شيث عليه السلام : وغيره أنه من أهل البيت : فلا منافاة ، لكن هذا ظاهري ، والأوّل ألصق بالحكمة ، واللّه العالم.

ص: 129


1- تأويل الآيات الظاهرة : 753.
2- المطفّفين : 27.
3- بحار الأنوار 24 : 3 / 8.

ص: 130

[47] تأييد وتسديد ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا )

في البحار من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (1) بسنده إلى سماعة قال : سمعت أبا عبد اللّه : سلام اللّه عليه يقول في قوله تعالى : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) (2) قال : « يعني اسْتَقَامُوا على الولاية في الأصل عند الأظلّة حين أخذ اللّه الميثاق على ذريّة آدم : ( لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) يعني : لَأَسْقَيْنَاهُمْ من الماء الفرات العذب » (3).

قال غائص ( البحار ) : ( أي صببنا على طينتهم الماء العذب الفرات ، لا الماء الملح الاجاج كما مرّ في أخبار الطينة ) (4) ، انتهى.

قلت : يؤيّد هذا البيان ما أخرجه هو من الكتاب بسنده عن جابر عن أبي جعفر : عليهما سلام اللّه في هذه الآية الكريمة قال : « قال اللّه : لجعلنا أظلّتهم في الماء العذب لنفتنهم فيه ، [ و (5) ] فتنهم في عليّ سلام اللّه عليه وما فتنوا فيه وكفروا ، إلّا بما أُنزل في ولايته » (6).

وبمعناه روايات كثيرة (7).

ص: 131


1- تأويل الآيات الظاهرة : 703.
2- الجن : 16.
3- بحار الأنوار 24 : 28 / 5.
4- بحار الأنوار 24 : 28.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : « لو ».
6- بحار الأنوار 24 : 29 / 8.
7- بحار الأنوار 24 : 29 / 7.

وذلك الماء الفرات هو الماء الذي كان العرش عليه ، وهو ماء الحياة ، وهو نور اللّه المشار له فيما روي أن اللّه سبحانه وتعالى : « خلق الخلق في ظلمة ، ثمّ رشّ عليهم من نوره » (1) ، وهي ظلمة الإمكان أو الماهيّة ، وهو النور الذي خلق منه المؤمن المشار له في قولهم عليهم سلام اللّه - « المؤمن ينظر بنور اللّه » (2).

وفي قولهم : « النور أبو المؤمن ، وأُمّه الرحمة » (3).

وهو عنصر الأبرار المشار إليه في ( الجامعة الكبيرة ) أعني : عنصر الوجود وعلّته ومادّته على طبقاته وهو نور العلم وشعاع المعرفة ، كما في الكتاب أيضاً بسنده عن أبي بصير : عن أبي عبد اللّه : عليه سلام اللّه في الآية أيضاً ( لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) (4) : « يعني لأمددناهم علماً كي يتعلّموه من الأئمّة عليهم سلام اللّه » (5).

ومنه أيضاً بسنده عن بُريد : عن أبي عبد اللّه : سلام اللّه عليه في هذه الآية أيضاً قال : « ( عَلَى الطَّرِيقَةِ ) يعني على الولاية ، ( لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) قال عليه السلام : لأذقناهم علما كثيراً يتعلمونه من الأئمّة عليهم السلام (6).

قلت : قوله ( لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ) . قال : « إنّما هؤلاء يفتنهم فيه ، يعني المنافقين ».

وقد استفاض تفسير الماء في قوله عزّ اسمه ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ) (7) الآية بعلم الإمام وبالإمام ، وفي غيرها أيضاً كثير ، فلا منافاة بين الأخبار ولكان كلّ واحد باعتبار مقام ، وأصل الجميع واحد ، واللّه العالم.

ص: 132


1- جامع الأسرار ومنبع الأنوار : 260.
2- الأمالي ( الطوسيّ ) : 294 / 574 ، بحار الأنوار 7 : 323 ، وفيهما : « اتّقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه » ، 24 : 128 / 9.
3- شرح الزيارة الجامعة 1 : 62.
4- الجنّ : 16.
5- بحار الأنوار : 24 : 28 - 29 / 6 ، تأويل الآيات الظاهرة : 703 - 704.
6- بحار الأنوار 24 : 29 / 7.
7- الملك : 30.

[48] إيقاظ وتنبيه ( فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى )

البحار من ( تأويل الآيات الظاهرة (1) ) معاً بسنده إلى أبي عبد اللّه : عليه سلام اللّه - « ( فَأَمّا مَنْ أَعْطى ) الخُمس ، ( وَاتَّقى ) ولاية الطواغيت ، ( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) بالولاية ، ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ) فلا يريد شيئاً من الخير إلّا تيسر له ، ( وَأَمّا مَنْ بَخِلَ ) بالخُمس ( وَاسْتَغْنى ) برأيه عن أولياء اللّه ، ( وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ) : بالولاية ، ( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ) (2) ، فلا يريد شيئاً من الشرّ إلّا تيسّر له » (3) الحديث.

قلت : خصّ الخمس من العبادات ؛ لأنّ إعطاءه لأهله واعتقاد وجوبه لهم يدلّ صريحاً بل هو نصّ في التسليم لأهل البيت : سلام اللّه عليهم واعتقاد ولايتهم ، بخلاف غيره من العبادات فإنه ليس مثله في الصراحة والظهور.

ولعلّه أيضاً عبّر بالخمس عن إعطائه الإمام ما يستحقّه على الرعيّة من جميع الطاعات والعقائد ، ومعرفته كلّا بقدر طاقته ووسعه ، فتأمّل.

ص: 133


1- ورد في المخطوط في هذا الموضع وفيما بعده من المواضع التي نقل فيها المصنّف عن ( البحار ) من كتاب ( تأويل الآيات الظاهرة ) الرمزُ ( كنز ) ، وقد أُشير في آخر كلّ جزءٍ من ( البحار ) إلى أنّ رمزُ ( كنز ) يعني ( كنز جامع الفوائد ) و ( تأويل الآيات الظاهرة ) معاً. وأشار الشيخ آقا بزرك في ذريعته إلى أنّ كتاب ( كنز جامع الفوائد ودافع المعاند ) للشيخ علم بن سيف بن منصور الحلي الذي اختصره من كتاب ( تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة ) ، وقد اكتفينا في تخريجنا به. انظر الذريعة 18 : 149.
2- الليل : 5 - 10.
3- بحار الأنوار 24 : 46 ، تأويل الآيات الظاهرة : 782.

فليس أحد يؤدّى الخمس أو جميع الطاعة للإمام إلّا المؤمن ، فتأدية الخُمس لأهله متلازم مع الإيمان ، واللّه العالم.

ص: 134

[49] دفع إشكال وإيضاح مقال : « لا تكون الدنيا إلّا وفيها إمامان »

( البحار ) بسنده إلى أبي بصير : قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : يقول : « إنّ الدنيا لا تكون إلّا وفيها إمامان : برّ وفاجر ، فالبرّ الذي قال اللّه تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) (1) ، وأمّا الفاجر فالذي قال اللّه تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) (2) » (3).

ومنه بسنده إلى أبي عبد اللّه : سلام اللّه عليه قال - : « لا يُصلح الناسَ إلّا إمام عادل وإمام فاجر ، إنّ اللّه تعالى يقول : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) ، وقال ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ ) (4) ».

قلت : لعلّه عليه السلام أراد : الدنيا المحض ، فلا تدخل فيها دولة القائم عجّل اللّه فرجه : فإنّها ليست كالبرزخ بين الدنيا والآخرة ، بل أوّل ظهور الحشر والساعة ، بل هي الساعة الصغرى والحشر الأوّل. وقد استفاض إطلاق « الساعة » عليها في الأخبار (5). وقد قال بعض الأعاظم من رؤساء الفرقة : إنّها المشار إليها بالأُولى في ( الجامعة الكبيرة ) حيث قال عليه سلام اللّه - « في الدنيا والآخرة والأولى » فجعلها قسماً ثالثاً

ص: 135


1- الأنبياء : 73.
2- القصص : 41.
3- بحار الأنوار 24 : 157 / 15.
4- بحار الأنوار 24 : 157 / 16.
5- بحار الأنوار 24 : 164 - 166.

بين الدنيا والآخرة.

وإن أدخلناها في الدنيا على النظر الجليل ، فلعلّه أراد أن الدنيا من حيث هي لا تتحقّق وتصلح ويكمل فيها الاختيار والاختبار والحجّة البالغة إلّا بتحقّق وجود دولة للجهل ، وسلاطينها من شياطين الإنس وطواغيتهم ، ليعبد اللّه فيها سرّاً. ودولة للعقل وسلاطينها الذين هم حجج اللّه على خلقه ، ليظهر بهم دينه ويعبد فيها اللّه جهراً ، وإن اختصّ كلّ دولة بزمان ، فأشار إلى الكلّيّتين.

ولمّا كانت أيّام القائم عجّل اللّه فرجه لا تكون إلّا بعد تميّز الذهب من التراب ، والدهن من اللبن ومزايلة الطينتين ، وتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وتقع المزايلة المشارُ لها في قوله عزّ اسمه ( لَوْ تَزَيَّلُوا ) (1) ، كانت سلطنة الجهل وسلطنة الطواغيت هي السابقة في دار التكليف ؛ لتكمل الحجّة وتتّضح المحجّة ، ويكمل الاختيار ويظهر الاختبار. ولأنّ المزايلة لا تكون إلّا بعد الممازجة والخلط. والنتيجة لا تتحقّق نتيجة إلّا بعد المقدّمات ، وإلّا لم تكن نتيجة ، ولم يقطع بحقّيّتها. فلا يرد أن دولة آل محمَّد عليهم السلام ليس فيها سلطان جور ، بل الحكم كلّه لله العليّ الكبير ، واللّه العالم.

ص: 136


1- الفتح : 25.

[50] دلالة على كنز : الليل والنهار « اثنتا عشرة ساعة » أشرفها ساعة عليّ عليه السلام

اشارة

( البحار ) من ( تفسير القمّيّ ) (1) بسنده عن أبي الصامت : قال : قال أبو عبد اللّه : عليه سلام اللّه - : « إنّ الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة ، وإنّ عليّ بن أبي طالب : عليه سلام اللّه أشرف ساعة منها ، وهو قوله تبارك وتعالى : ( بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً ) (2) » (3).

قلت : اعلم أن لفظ الساعة واليوم والشهر والعام غير مختصّ بجزئيّات حركة الفلك وأجزائهما كما هو متعارف اللغة ، بل المستفاد من الكتاب والسنّة والعقل الذي هو الحجّة الباطنة والشرع الباطن قال تعالى : ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ ) (4) أن في العالم أيّاماً إلهيّة هيَ المشار لها بقولهم سلام اللّه عليهم - : « نحن الأيّام فلا تعادوهم : السبت : رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : والأحَد : أمير المؤمنين : ، والاثنين : الحسن : والحسين : والثلاثاء : عليّ بن الحسين : ومحمّد بن عليّ الباقر : وجعفر بن محمّد الصادق : والأربعاء : عليّ بن موسى الرضا : ومحمّد بن عليّ الجواد : وعليّ بن محمّد الهادي : والخميس : أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ : ، والجمعة : الحجّة المهديّ بن الحسن »(5).

ص: 137


1- تفسير القمّي 2 : 112.
2- الفرقان : 11.
3- بحار الأنوار 24 : 330 - 331 / 54.
4- إبراهيم : 5.
5- بحار الأنوار 24 : 239 / 1 ، بتفاوت.

وهم عدد شهور العام (1) ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (2) الآية.

وأيّاماً (3) سرمديّة ، هي المشار لها في قوله تعالى : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ) (4).

وأيّاماً دهريّة هي المشار لها في قوله سبحانه ( وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ ) (5).

وأيّاماً طبيعيّة هي الأيّام التي خلق سبحانه فيها السماوات والأرض :

يوم العقل الأوّل والوجود والنطفة.

ويوم الاثنين العلقة والنفس الكلّيّة والماهيّة.

ويوم الثلاثاء وهو يوم المضغة والطبيعة الكلّيّة.

والأربعاء وهو يوم العظام والمادّة الكلّيّة.

والخميس وهو يوم المثال وكسو العظام اللحم.

والجمعة وهو الجامع لجميع المراتب يومَ الخلق الآخر ، وهو يوم حشر الكلّ.

وأيّاماً برزخيّة فيها مساء وصباح ، وهي التي تروح أرواح المؤمنين في مسائها إلى الجنّة ، وتغدو إذا طلعت الشمس فيها إلى الغريّ.

وأيّاماً زمانيّة هي أعداد دورات المحدّد.

والدنيا كلّها ثلاثة أيّام بوجه : يوم دولة الجهل ، وهو اليوم الذي أحبّ اللّه أن يعبد فيه سرّاً. ويوم القائم ويوم الرجعة ، وهما اللذان أحبّ اللّه أن يعبد فيهما جهراً (6).

ولكل أيّام رتبة أسابيع وشهوراً وأعواماً من صنفها وسنخها وساعات كذلك ،

ص: 138


1- الغيبة ( الطوسيّ ) : 36.
2- التوبة : 36.
3- عطف على قوله : ( أياماً إلهية ).
4- السجدة : 5.
5- الحجّ : 47.
6- انظر : مختصر بصائر الدرجات : 41 ، وفيه : « أيّام اللّه ثلاثة ، يوم قيام القائم ، ويوم الكرّة ، ويوم الرجعة ».

وكلّ رتبة أعلى هي إجمال ما دونها وكلّيّاته ، وكلّ رتبة أنزل هي تفصيل ما فوقها ومظهرها ، ولكلّ رتبة لوازم تخصّها شمس وقمر وكواكب وأفلاك من سنخها ، وكلّها درجات الوجود وطبقاته ، ولكلّ رتبة عكوس وأظلال. والمجرّد له ظهور في المادّيّ والجسمانيّ بحسب قابليّته.

وقد ورد عنهم عليهم السلام نسبة كلّ ساعة من الساعات الاثنتي عشرة المستقيمة لواحد منهم عليهم السلام ، وأن شهر رجب شهر أمير المؤمنين عليه السلام : ، وشعبان شهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، وشهر رمضان شهر اللّه (1).

وورد تأويل شهور العام الاثني عشر التي فيها أربعة حرم بهم سلام اللّه عليهم والعام برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (2).

إذا عرفت هذا عرفت أن النهار أبداً اثنتا عشرة ساعة مستوية ؛ لأنه العدد الذي دارت له أفلاك الوجود ، وقد خلق اللّه النهار قبل الليل ، بل ليس في نفس شي ء من هذه المراتب كلّها ليل ، بل لا ليل محسوس إلّا في بعض مراتب الزمان ، وهو ما ينقطع دونه مخروط ظلّ الأرض ، بل لا يتجاوز كرة البخار. ومع هذا فالليل إنّما هو من تعاكس النور والظلمة ، فهو ضدّ النهار بوجه ، وعدمه بوجه ، وبينهما نسبة الملكة والعدم بوجه.

فساعات الليل إنّما هي عكوس ساعات النهار ، وأضدادها وأظلالها بوجه ، وحكاياتها بوجه ، ففي الحقيقة ليس في الوجود إلّا اثنتا عشرة ساعة هي ساعات النهار ، وإن كان لنهار كلّ رتبة ليل يناسبه بحكم المقابلة والمعاكسة والتضادّ بين القبضتين أعني : قبضة العقل والجهل فيظهر في عكس العقل عكس بيان نهاره أيضاً ، فلك أن تقول : ليس للنهار والليل إلّا اثنتا عشرة ساعة ، ولك أن تقول : النهار

ص: 139


1- مصباح المتهجّد : 734. ولم يرد فيه الإشارة إلى الساعات الاثنتي عشرة.
2- الغيبة ( الطوسيّ ) : 149 / 110.

اثنتا عشرة ساعة ، والليل اثنتا عشرة ساعة غير ساعات النهار.

فظهر بما قرّرناه معنى قوله عليه السلام : « إنّ الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة ، وإنّ عليّ بن أبي طالب : سلام اللّه عليه أشرف ساعة منها » ، كما يشير إليه ما ورد عنهم سلام اللّه عليهم من نسبة كلّ ساعة من ساعات النهار إلى واحد منهم. ولم يرد مثل ذلك في ساعات الليل ؛ لأنه على هذا ليس إلّا ساعات النهار. وقد ورد تسمية الإمام سلام اللّه عليه بالساعة ، كما في هذا الحديث ، واستفاض تسمية القائم صلّى اللّه عليه ، وعجّل فرجه بالساعة (1) ، وهم روح أرواح جميع أيّام الوجود ولياليه.

فلعلّه أيضاً أراد بساعات الليل والنهار : أئمّة الليل والنهار المحسوسين ، أو أراد بالنهار : دولة أهل البيت سلام اللّه عليهم وبالليل : دولة الطواغيت ، فليس في الوجود أئمّة هم خلفاء اللّه ونوّابه سواهم ، أو أئمّة الدنيا والآخرة ، أو الغيب والشهادة ، أو المجرّد والماديّات ، أو العقل والنفس. فكلّ ليل مقابله نهار ، إلّا إن الغيب ليل الشهادة ، والشهادة ليل الغيب في الدنيا.

فظهر السرّ بأنّ القرآن انزل ليلاً في ليلة القدر ، والسرّ في كون القدر ليلاً ، فإنّ الغيب والسرّ لمّا كان ساتراً مستوراً ناسبه اسم الليل ، وناسب الظاهر والمحسوس اسم النهار. وسيكون الغيب شهادة والشهادة غيباً ، فينعكس الأمر بظهور السرّ ، واللّه العالم.

رجب شهر عليّ عليه السلام

بقيت مسألة هي : ما السرّ في نسبة رجب لأمير المؤمنين : سلام اللّه عليه وشعبان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، وشهر رمضان لله تعالى؟

قلت : لعلّ السرّ في ذلك أن رجباً لمّا كان من الأربعة الحرم وفي الأئمّة أربعة حرم ، وليس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : من الأشهر الحرم ، بل ولا من الشهور ، بل هو العام كلّه ؛

ص: 140


1- تأويل الآيات الظاهرة : 552.

ولذا ورد : « أوّلنا محمّد : ، وأوسطنا محمّد : ، وآخرنا محمّد : ، وكلّنا محمّد » (1) : على بعض وجوهه ، بل أوّلهم أمير المؤمنين : سلام اللّه عليه فكان رجب شهره. ولمّا كان رسول اللّه : هو الواسطة بين اللّه وبين عليّ : صلوات اللّه عليهما وآلهما وسلم وكان شعبان واسطةً بين رجب وبين شهر اللّه شهر رمضان ، كان شعبان شهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، ولا يمكن أن يكون بين عليّ : وبين اللّه تعالى وتقدّس أكثر من واسطة واحدة هو محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ، فاختصّ شعبان به. ولا يمكن أن شهره غير شعبان ؛ لما يلزم من وجود أكثر من واسطة واحدة بين شهر عليّ عليه السلام : وشهر اللّه تعالى.

وأيضاً رجب من الترجيب (2) وهو الضمّ و [ التعظيم (3) ] ، وشعبان من الشعب ، وهو جبر الكسر ، وهمّ جمعِ التفريق ، وإصلاح الفساد ، أو من الشعْب واحد الشعوب (4) ، وهو أصل القبائل الجامع لها ، وكان مقام الرسالة جمع متفرّقات الأهواء ، وجبر كسر القلوب ، ووصل بعضها ببعض. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : الأصل الجامع [ للشهور ] (5) الاثني عشر ، وكان مقام الولاية مقام ضمّ جزئيّات الرسالة وستر إسرارها ، بل هو سرّها الأعظم ووجب إظهار عظمتها إجمالاً. كان رجب شهر الولي ، وشعبان الذي تتشعّب وتتفنّن فيه البركات شهر الرسول.

وأيضاً لمّا كان الوجود إنّما يقوم بالتوحيد وهو التهليل ، وبالرسالة وبالخلافة ، ولا بدّ من اتّصالها وعدم التفرقة فيها ، كان مظهر ذلك في شهور الزمان في ثلاثة شهور متّصلة ، والخليفة يستمدّ من اللّه بواسطة الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، كان نظمها كذلك ،

ص: 141


1- بحار الأنوار 26 : 6 - 7 / 1.
2- لسان العرب 5 : 139 رجب ، القاموس المحيط 1 : 209 ، باب الباء / فصل الراء ، مجمع البحرين 2 : 68 ، كتاب الباء / باب ما أوّله الراء ، وفيها : ( ترجيب النخلة : ضمّ أعذاقها إلى سعفاتها ).
3- في المخطوط : ( التفطيم ).
4- المحكم والمحيط والأعظم 1 : 235 / مقلوب العين والشين والباء ، لسان العرب 7 : 125 شعب ، وفيهما : ( شعب : الجمع والتفريق ، والإصلاح والإفساد ) ، وليس فيهما : ( جبر الكسر ).
5- في المخطوط : ( المشهور ).

وإلى اللّه المنتهى.

وأيضاً العرب تعظّم رجباً وتحترمه ، فنسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام : أمراً لهم بتعظيمه بطريق أوْلى ، وإشارة لهم إلى أن عظمته إنّما نشأت من عظمته ، فهو أحقّ بالتعظيم. وهذه وجوه إقناعيّة ، واللّه العالم بأسرار أوليائه.

ص: 142

[51] كشف شبهة وجمع عدم تكليف الكافر بالفروع قبل الأُصول

( البحار ) من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (1) بطريقين إلى أبان بن تغلب : عن الصادق سلام اللّه عليه أنه قال وقد تلا قوله تعالى : ( وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) (2) - : « يا أبان : ، هل ترى اللّه سبحانه طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم يعبدون معه إلهاً غيره؟ ».

قال : قلت : فمن هم؟ قال : « ( وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) الذين أشركوا بالإمام الأوّل ، ولم يردّوا إلى الآخر ما قال فيه الأوّل وهم به كافرون » (3).

قلت : لعلّه عليه سلام اللّه أراد : أن نائب اللّه لا يطلب من عبدة الأوثان الطهارة [ للعمل (4) ] بالفروع قبل أن يطلب منهم الإقرار بالأُصول ، كما هو معلوم من سيرة الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، وقد مضى الكلام على مثل هذا فراجعه.

ولكن بقي هنا شي ء ، هو أنه ما الجمع بين ما استفاض بل تواتر مضمونه مثل هذا الخبر وشبهه ممّا دلّ على تأويل ( الشرك باللّه ) بالشرك بالإمام ، وتأويل ( إلهين ) بإمامين ، وشبهه من تأويل ( إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ ) (5) بذكر عليّ عليه السلام : واشمئزاز

ص: 143


1- تأويل الآيات الظاهرة : 521.
2- فصّلت : 6 - 7.
3- بحار الأنوار 24 : 304 / 17.
4- في المخطوط : ( العمل ).
5- الزمر : 45.

المنافقين منه ومن ولايته وذكرها (1) ، وهو لا يحصر كثرةً وبين ما في ( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (2) بسنده عن حبيب الخثعميّ : قال : ذكرت لأبي عبد اللّه : عليه سلام اللّه ما يقول أبو الخطّاب : ، فقال : اذكر لي بعض ما يقول ، قلت : في قول اللّه عزوجل ( وَإِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ ) (3) الآية ، يقول ( إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ ) : أمير المؤمنين ( وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) : فلان وفلان ، فقال أبو عبد اللّه : سلام اللّه عليه - : « من قال هذا فهو مشرك ثلاثاً أنا إلى اللّه منه بري ء ثلاثاً بل عنى اللّه بذلك نفسه ، بل عنى اللّه بذلك نفسه ».

وأخبرته بالآية التي في حم ( ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) (4) قلت : يعني بذلك أمير المؤمنين عليه السلام : قال أبو عبد اللّه : عليه سلام اللّه - : « من قال هذا فهو مشرك ثلاثاً أنا إلى اللّه منه بري ء ثلاثاً بل عنى بذلك نفسه » (5).

قلت : لا منافاة بين هذه الأخبار ، فلعلّ المراد من هذا الخبر : الردّ على من اعتقد أن أمير المؤمنين : سلام اللّه عليه ربّ واجب الوجود بذاته ، وهم أكثر الغلاة ، والإنكار على من أذاع سرّهم ، أو كذب عليهم ، أو بيان فساد عقيدة أبي الخطّاب : وكفره وتعمّده الكذب عليهم ، وإضلال شيعتهم عن طريقهم.

وبتلك الأخبار : أن الشرك في الولاية مستلزم للشرك باللّه ، فعبّر بالملزوم عن اللازم.

بل نقول : اعلم أنه لمّا تقدّس الواجب وتعالى عن [ مجانسة (6) ] الخلق ومباشرتهم وعن أن يحيطوا به علماً بوجه فلا يعلم له حال ، ولا تضرب له الأمثال ، وتعالى عن وصف جميع الواصفين ، وعن جميع النسب والإضافات والأحكام ، فرتبة الأزل

ص: 144


1- الكافي 8 : 253 / 471 ، تفسير البرهان 4 : 714.
2- بصائر الدرجات : 536 / 11.
3- الزمر : 45.
4- غافر : 12.
5- بحار الأنوار 24 : 302 / 10.
6- في المخطوط : ( معاناة ) ، وما أثبتناه هو الأوفق بكلمات أهل العصمة عليهم السلام كما ورد في دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليه السلام. انظر بحار الأنوار 84 : 339 / 6. و 91 : 243 / 11.

لا يمكن فيها وجود نفي ولا إثبات بوجه ، بل لا يمكن [ اجتماع ] النقيضين ، بل يرتفعان ، فلا حكم هناك ولا لا حكم ، وكان من شأنه الوجود والرحمة خلق خلقاً ألبسه جميع صفات جلاله وجماله ، وفوّض إليه جميع أحكامه ، ليدلّ به عباده عليه ويهديهم به إليه ، فخلطه بنفسه ، وجعل أمره أمره ، ونهيه نهيه ، ورضاه رضاه ، وغضبه غضبه ، وأسفه أسفه ، وطاعته طاعته ، ومعصيته معصيته ، وولايته هي ولاية اللّه العظمى ؛ لأنه حامل لوائها ، وجعل (1) جنبه ووجهه وعينه وأُذنه ويده وقلبه محل مشيئته إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في كلمات أهل العصمة (2).

كلّ ذلك على سبيل الحقيقة لا المجاز في الحقيقة ، مثال ذلك أن نفسك لمّا ألبست قواك وجوارحك ثوب قدرتها ، ظهرت منها وبها أفعالها فصحّ نسبة أفعالها إليها ، وجميع ما ينسب لقواك وجوارحك من الأفعال إنّما هي صفات نفسك وأفعالها ، وكلّ من فعل لجسدك شيئاً إنّما يفعله لنفسك التي أنت بها ، أنت والجسد سبيل إليها.

والملوك يضعون بعض العبيد لإنفاذ مناهيهم وأوامرهم تكرّماً عن مباشرة ما لا يليق بدواة الملوك ، وتمتّعاً بحجاب العزّة والعظمة ، فتدين له الرعية لمّا ألبسه الملك ثوب عزّه وهيبته وجلاله ، فلو عزله سقطت هيبته ، واستخفّ بأمره ، ما ذلك إلّا لأن هيبته وجلاله وقدرته وأمره ونهيه هو هيبة الملك ، وقدرته وأمره ونهيه حقيقة ، وخيانته ومصاحبة عدوه خلع لولاية الملك.

فما ورد في تأويل قوله عزّ اسمه وتعالى : ( وَإِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ) الآية ، من أن المراد : وإذا ذكر عليّ عليه السلام : وحده بالولاية ، وفي تأويل ( إِذا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) ب- : إذا دعي عليّ عليه السلام : وحده بولاية اللّه وأمثالهما يراد به : وإذا ذكر وليّ اللّه وإذا دعي وليّ اللّه ، وحذف المضاف شائع. ولعل السرّ في حذف المضاف هو إظهار حقيقة الأمر في المجاز ، وأن ما يثبت أو ينفى

ص: 145


1- في المخطوط : جعله.
2- بحار الأنوار 24 : 191 - 203.

عن حامِل لواء الولاية العظماء ، أو عنه من أحكامها هو للحقّ وعنه (1) ؛ فإنّ الوليّ المطلق هو الظاهر بشؤون ولاية اللّه سبحانه وتقدّس ، وصفاتها وهو كنه العبوديّة التي ألفي المعبود في هويّتها وحقيقتها ومثاله وصفات جلاله وكماله ، فأظهر منها أفعاله ، فهو محل الحكم والإسناد والأمر ، وليس له من نفسه عند نفسه اعتبار بوجهه أصلاً.

فحذف لفظه من هذا الإسناد وشبهه ؛ لعدم ثبوت اعتبار المظهر والصفة والاسم عند ذكر الظاهر والموصوف والمسمّى ، وهو مقام : « لنا مع ربّنا حالات » (2) ، فكلّ ما ظهر منهم في ذلك المقام [ هو (3) ] شؤون الحقّ وصفاته ، فلا تنسب في ذلك المقام إلّا له ؛ لعدم اعتبارهم أنفسهم فيه بوجه ، فأقرب أشعة الشمس لها لا تنسب له ، نور في أدنى مقامات القرب ، بل لا تبقى له نسبة يصحّ اعتبارها حتّى عند نفسها. فدلّ بحذف ذكره على ذلك المقام الأعظم ، واللّه أعلم.

فهذا انموذج تظهر به غوامض وأسرار وكُشف به شبهات ، فتلطّف لكلّ مقام ما يليق به ، فإن بسطه ممّا يطول ، فالتأمت الأخبار ، وظهر السرّ في الإنكار.

فقوله عليه سلام اللّه - : « بل عنى بذلك نفسه » حقّ ، وهو مؤيّد لما قلناه ، وما ورد في التأويل لا منافيَ له ولغيره على من قال : ذلك حقّ ؛ لأنّ من اعتقد أن علياً : سلام اللّه عليه له من نفسه صفة كمال أو قدرة ، ليست هي من اللّه فهو كافر ملعون. فظهرت الأخبار وانكشف الغبار ، واللّه العالم ، ونسأله العفو والعصمة عن زلّة القدم ، فإن المقام بعيد المرام.

ص: 146


1- كذا في المخطوط.
2- شرح العرشية 2 : 132.
3- في المخطوط : ( هي ).

[52] ضياء شمسي ونور قمري ( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً )

( البحار ) من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (1) بسنده عن أبي عبد اللّه : سلام اللّه عليه في قوله تعالى : ( وَلَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيراً ) (2) ، قال سلام اللّه عليه - : « هم الأئمّة وهم الأعلام ، ولو لا صبرهم وانتظارهم الأمر أن يأتيهم من اللّه لقُتلوا جميعاً قال اللّه عزوجل ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (3) » (4).

ومن ( الكافي ) بسنده عن أبي جعفر : عليه سلام اللّه في قول اللّه عزوجل ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) قال : « اقسم [ بقبض (5) ] محمّد إذا قبض »، الحديث.

وفيه : « ( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ ) بتفضيله أهل بيته ( وَما غَوى. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) يقول ما يتكلّم [ بفضل (6) ] أهل بيته بهواه وهو قول اللّه عزوجل ( إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى ) (7).

وقال اللّه عزوجل لمحمّد صلى اللّه عليه وآله : ( قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي

ص: 147


1- تأويل الآيات الظاهرة : 336.
2- الحجّ : 40.
3- الحجّ : 40.
4- بحار الأنوار 24 : 359 / 83.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( بقبر ).
6- من المصدر ، وفي المخطوط : « بتفضيله ».
7- النجم : 1 - 4.

وَبَيْنَكُمْ ) (1) قال : لو أني أُمرت أن أُعلمكم الّذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي ، لتظلموا أهل بيتي من بعدي فكان مثلكم : كما قال اللّه عزوجل ( كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ) (2) يقول : أضاءت الأرض بنور محمَّد صلى اللّه عليه وآله : كما تضي ء الشمس ، فضرب مثل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : الشمس ، ومثل الوصي عليه السلام : القمر ، وهو قوله عزّ ذكره ( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) (3) » (4) الحديث.

قلت : لعلّ الوجه في كون الشمس مثل الرسول صلى اللّه عليه وآله : وكون القمر مثل الوصيّ : سلام اللّه عليه أن نور القمر من نور الشمس ، كما قام عليه البرهان المتضاعف (5) ، فلك أن تقول : إن نوره نورها حقيقةً وليس له من نفسه اعتبار ، وإنه نوره حقيقة ، فهو غير نورها حقيقة ؛ لأنه مظهره وفاضله ، وكذلك علم الوصيّ ونوره حقيقة من علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله : ونوره ، بل هو هو حقيقةً ؛ لأنه نفسه ، وهو أيضاً منه كرأسه الذي هو ينبوع العلم والإحساس من جسده ، فظهر وجه الشبه وصحّة ضربهما مثلاً لهما ، فأقبل الضياء أثر النور ، وصفته وظاهره ، فكيف توصف الشمس بالضياء ، والقمر بالنور ، مع أن نوره صفة نورها ومظهره وحكايته؟

قلت : لعلّه إشارة إلى أن الشمس تمدّ القمر بالنور ، ومن باطن باطن ظاهرها ومن جميع مراتب وجودها ، فهو حليفها ، وتميد منها في جميع مراتبه حتّى جرمه الظاهر من جرمها الظاهر ، وكذلك الوصيّ بالنسبة إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، فرسالة الرسول ظاهر نبوّته ، ونبوّته ظاهر ولايته التي هي ولاية اللّه العظمى ، ومظهرها وحامل لوائها في كلّ مقام الذي هو لواء الحمد هو الوصيّ عليه السلام : حتّى في الدنيا ، فنور الرسالة من نور الولاية وأثره وشعاعه ، فالنور للولاية والضوء للرسالة ، ونور الوصيّ عليه السلام : هو نور ولاية الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، فلذا كان نفسَه ورأسَه.

ص: 148


1- الأنعام : 58.
2- البقرة : 17.
3- يونس : 5.
4- الكافي 8 : 311 / 574.
5- انظر غرائب القرآن ورغائب الفرقان 3 : 560.

ولما كانت الأبصار لا تدرك من النور إلّا ضياءَه وظاهره ، وكذلك البصائر لا تدرك نور ولاية الرسول ، وإنّما تدرك ضوءها وظاهرها وهو ضياء الرسالة. فحقيقة النور على الأبصار عمى ؛ ولذا أقرّ أكثرهم بالرسالة ، وأنكر ولاية الوليّ ، فآمنوا بالظاهر وأنكروا الباطن الظاهر بالظاهر ، وذلك لا يغنيهم شيئاً.

وفي هذا الخبر بعد المنقول بلا فصل : « وقوله ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (1) وقوله عزوجل ( ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ) (2). يعني : قبض محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ، فظهرت الظلمة فلم يبصروا (3) ، أي عميت بصائرهم بدولتهم عن درك الولاية ، وغيره إشارة إلى ذلك. وإنّما عميت بصائرهم عن درك الولاية لأنّ نور البصائر (4) مكتسب من نور العقل بمقتضى المقابلة وبقدرها. وهم أُمروا باستقباله والاقتباس من نوره ، فاستكبروا واستدبروه ، فاستقبلوا ظلمة الجهل ، فمالهم من نور. فظهر نسبة النور إلى قمر الولاية والضوء لشمسها ، وإن الكلّ نور شمس الوجود وضياؤها ، هذا لباطنها وهذا صفة ظاهرها.

بقي الكلام في نسبة الضياء إلى شمس الآفاق ، والنور لقمرها ، مع أن نوره من نورها ، كما هو مبرهن عند الحكماء ، فقال النيشابوري : ( الضياء أقوى من النور ) (5).

وقال القاضي : ( النور أعمّ من الضياء يعني : أن النور يعمّ ما هو أضعف من الضياء وقيل : ما بالذات ضوء ، وما بالعرض نور ) (6).

وفي ( مجمع البحرين ) : ( الضياء ما كان من ذات الشي ء ، والنور ما كان مكتسباً ) (7).

وفي موضع آخر : ( الضياء أقوى من النور ) (8).

ص: 149


1- يس : 37.
2- البقرة : 17.
3- الكافي 8 : 311 / 74 ، بحار الأنوار : 24 : 371.
4- في المخطوط بعده : ( من ).
5- تفسير غرائب القرآن 3 : 560.
6- تفسير البيضاوي 1 : 428.
7- مجمع البحرين 1 : 272 ضوء.
8- مجمع البحرين 3 : 504 نور.

ومن أهل اللغة من يفسّر النور بالضوء (1).

وعندي في كلّ هذا تأمّل ، فإنّ من أسمائه تعالى النور ، وهو نور السماوات والأرض ولم يرد إطلاق لفظ الضوء عليه تعالى وتقدّس. ولعلّ الوجه في جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً أن الشمس لا تدرك الأبصار نورها ، بل ضياءه وشعاعه وأثره ، والقمر يدرك نوره ، ونور الشمس بسببه ، فأُطلق على القمر النور ؛ لأنّ نوره مدرك بذاته وهو نور الشمس ؛ فبتوسّطه يدرك نورها ، وعلى الشمس الضياء لمّا لم يُدرك من نورها إلّا ضياؤه.

فباعتبار الإدراك كان الإطلاق ، لكنّه ربّ ضياء نور أنور بما شاء اللّه من ذات نور. وكذا لمّا لم يدرك نور الرسالة وإنّما يدرك ضوؤه بالذات ، وإنّما يدرك نور ولاية الرسول صلى اللّه عليه وآله : بواسطة الخليقة ، أُطلق القمر عليه والشمس على الرسول صلى اللّه عليه وآله : ، واللّه العالم.

ص: 150


1- المصباح المنير : 629 نور.

[53] شعب صدع وبيان ردع ضرب المثل بالبعوضة والذباب وقول : ما شاء اللّه وشاء محمّد صلى اللّه عليه وآله

( البحار ) من ( تفسير الإمام العسكري عليه السلام ) (1) في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ) إلى قوله ( أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (2) قال الباقر عليه السلام : « فلمّا قال اللّه تعالى : ( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) (3) وذكر الذباب في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً ) (4) الآية ولمّا قال ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ ) (5) الآية وضرب المثل في هذه السورة [ بالذي (6) استوقد ناراً وبالصيّب من السماء ، قالت النواصب والكفّار : وما هذا من الأمثال فتضرب! يريدون به الطعن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : فقال اللّه : يا محمّد ( إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي ) لا يترك حياء ( أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ) ، للحقّ يوضّحه به عند عباده المؤمنين ( ما بَعُوضَةً ) ما هو بعوضة المثل ( فَما فَوْقَها ) فما فوق البعوضة وهو الذباب يضرب به المثل إذا علم أنّ فيه صلاح عباده ونفعهم » الحديث.

ص: 151


1- التفسير المنسوب للإمام العسكري 7 : 204 - 205.
2- البقرة : 26 - 27.
3- الحجّ : 73.
4- الحجّ : 73.
5- العنكبوت : 41.
6- من المصدر ، وفي المخطوط : ( كالذي ).

إلى أن قال عليه السلام : « فقيل للباقر عليه السلام : فإنّ بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أنّ البعوضة عليّ : ، وأنّ ما فوقها وهو الذباب محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، فقال الباقر : عليه سلام اللّه - : سمع هؤلاء شيئاً لم يضعوه على وجهه ، إنّما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : قاعداً ذات يوم وعليّ : ، إذ سمع قائلاً يقول : ما شاء اللّه وشاء محمّد : ، وسمع آخر يقول : ما شاء اللّه وشاء علي : ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لا تقرنوا محمّداً : ولا علياً : باللّه عزوجل ، قولوا : ما شاء اللّه ثمّ شاء محمّد : ما شاء اللّه ثمّ شاء علي : ، إن مشيئة اللّه هي القاهرة التي لا تساوى ولا تكافأ ولا تدانى ، وما محمّد رسول اللّه : في اللّه وقدرته إلّا كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة ، وما علي : في اللّه وفي قدرته إلّا كبعوضة في جملة هذه الممالك ، مع أن فضل اللّه تعالى على محمّد : وعليّ : هو الفضل الذي لا يفي به فضله على جميع خلقه من أوّل الدهر إلى آخره. هذا ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان ، فلا يدخل في قوله ( إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً ) (1) » الآية.

ومن ( تفسير علي بن إبراهيم ) (2) بسنده عن أبي عبد اللّه : عليه سلام اللّه - : « إن هذا المثل ضربه اللّه لأمير المؤمنين : سلام اللّه عليه البعوضة : أمير المؤمنين : ، وما فوقها : رسول صلى اللّه عليه وآله : ، والدليل على ذلك قوله ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) يعني : أمير المؤمنين : سلام اللّه عليه كما أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : الميثاق عليهم ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) ، فردّ اللّه عليهم فقال ( وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا ) الْفاسِقِينَ ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) ، يعني : من صلة أمير المؤمنين عليه السلام : والأئمّة صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين - ( وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) (3) » (4) الآية.

وجمع مستخرج درر ( البحار ) بين الخبرين : ( بأنه عليه سلام اللّه إنّما نفى كون هذا هو المراد من ظهر الآية لا بطنها ، ويكون في بطنها إشارة إلى ما ذكره عليه

ص: 152


1- البقرة : 26.
2- تفسير القمي 1 : 64.
3- البقرة : 26 - 27.
4- بحار الأنوار 24 : 388 - 392 / 112.

سلام اللّه من سبب هذا القول ) (1).

وحاصله أن الأوّل بحسب الظاهر ، والثاني بحسب الباطن ، وهو حسن ، ولعلّ الوجه في تخصيص البعوضة بمثل عليّ عليه السلام : والذبابة بمثل الرسول صلى اللّه عليه وآله : أن الرسالة من ظاهر الوجود ، فلها حكم الظاهر ، والذباب لا يظهر إلّا في النهار ، والولاية غيب غيب الرسالة ، والبعوض لا يظهر إلّا في الليل.

فالرسالة في ظاهر الوجود نهار ، والولاية ليلها ، ومنه يلوح وجه في إنزال القرآن على قلب محمَّد صلى اللّه عليه وآله : جملة وفي ليلة القدر ليلاً لا نهاراً ، فإنّ القدر من السرّ.

وأيضاً البعوض يشتقّ منه البعض ، وعليّ عليه السلام : كالرأس من جسد الرسول صلى اللّه عليه وآله : وهو نفسه ، فناسبه لفظ البعوض ؛ لأنه بعضه.

وأيضاً البعوض أغذاؤه من صفو الباطن وخلاصة الأغذية وهو الدم الذي هو مركّب الروح ، والولاية لا يصعد إليها إلّا ما خلص لله وصفا سرّه. والذباب أمّا من الذبّ والحماية والدفع ، يقال : رجل ذبّاب كشدّاد - : دفّاع عن الحريم (2). أو يراد به النحل ، فإنّه يُسمّى ذباباً أيضاً. أو من ذباب السيف وهو حدّه. أو من ذباب العين : إنسانها. أو من رجل أذبّ : طويل. أو من حماية الجوار والأهل عن الأذى. أو من الذبذبة اللسان. أو من الذبابة كثمامة - : البقية من الدين (3). والرسالة تناسبها هذه الاشتقاقات ، فالرسول صلى اللّه عليه وآله : ذابّ ومحامٍ ودفّاع عن الشريعة ، وهو النحل المنتحل لما فيه شفاء للناس ، وحدّ لسيف اللّه القاطع للشرك ، وإنسان عين الرحمة ، وذو الطول على جميع الخلق ، وهو لسان اللّه تعالى المعبّر عنه بالصدق في كلّ مقام ، وهو بقيّة اللّه. فظهر وجه مناسبة المثلين.

ثمّ الوجه في إنكاره صلى اللّه عليه وآله على من قال : ( ما شاء اللّه وشاء محمّد : ، وما شاء اللّه وشاء عليّ ) أن المتكلّم بذلك يعتقد أن لمحمّد صلى اللّه عليه وآله : علي عليه السلام : مشيئةً مستقلّة تقارن

ص: 153


1- بحار الأنوار 24 : 393.
2- لسان العرب 5 : 19 ذبب.
3- القاموس المحيط 1 : 202 ذبّ.

مشيئة اللّه ، ليست هي مشيئة اللّه ولا منها ولا بها بل مثلها. وهذا يستلزم مفاسد كثيرة لا تخفى على الفطن ، فهداه صلى اللّه عليه وآله إلى أن مشيئة اللّه تعالى هي القاهرة ، وأن مشيئة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : وعليّ عليه السلام : تابعة لمشيئة اللّه ، وأنّها من اللّه ، فإذا شاء اللّه شاء محمّد : وعليّ : ، وإلى أن مشيئة اللّه ليس لها مثل في المخلوقات فلا تساويها مشيئة مخلوق ولا تشبهها ، فأبان له بهذا وحدانيّة اللّه تعالى وتنزيهه عن كلّ نقص في كلّ مقام بما يفهم من لغة عقله ومعانيها ، فهو يكلّم الناس على قدر عقولهم ، واللّه العالم.

ص: 154

[54] حكمة إسرائيليّة مصطفويّة إسرائيل أحمد وبنو إسرائيل آل محمَّد صلى اللّه عليه وآله

( البحار ) من ( العياشي ) (1) عن هارون بن محمّد الحلبيّ : سألت أبا عبد اللّه : عليه سلام اللّه عن قوله تعالى : ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) (2) ، قال : « هم نحن خاصّة » (3).

ومنه (4) عن محمّد بن عليّ : سألت أبا عبد اللّه : عليه سلام اللّه عن قوله ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) قال : « هي خاصّة لآل محمَّد صلى اللّه عليه وآله » (5).

ومنه (6) عن أبي داود : عمن سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يقول : « أنا عبد اللّه اسمي أحمد : ، وأنا عبد اللّه اسمي إسرائيل ، فما أمره اللّه فقد أمرني ، وما نهاه فقد نهاني » (7).

قلت : إسرائيل بمعنى : عبد اللّه ، وأيّ عبد أعبد من أحمد صلى اللّه عليه وآله : ، فهو أحقّ بمصدوق هذا الاسم الذي هو أصدق الأسماء ؛ لأنّ عبوديّة جميع الرسل من فاضل عبوديّته وشعاعها ، واللّه العالم.

ص: 155


1- تفسير العيّاشيّ 1 : 62 / 43.
2- البقرة : 47 ، وغيرها.
3- بحار الأنوار 24 : 397 / 117.
4- تفسير العيّاشيّ 1 : 62 - 64 / 45 ، وفيه : « وما عناه فقد عناني » ، بدل : « وما نهاه فقد نهاني ».
5- بحار الأنوار 24 : 397 / 118 ، وفيه : « وما عناه فقد عناني » بدل : « وما نهاه فقد نهاني ».
6- تفسير العيّاشيّ 1 : 62 - 63 / 45.
7- بحار الأنوار 24 : 397 / 119.

ص: 156

[55] فائدة هنيّة : الحيطان لها آذان

( البحار ) من ( تفسير فرات بن إبراهيم ) (1) بسنده عن أبي عبد اللّه : عليه سلام اللّه أنه قال في حديث طويل : « إنّ الحيطان لها آذان كآذان الناس » (2).

قلت : لعلّه أراد أنها تسمع من خطابنا وتعيه بما جعل اللّه فيها من القوّة المدركة لذلك بحسب رتبة حياتها ووجودها وإحساسها وإن لم يكن كإحساس الناس ، فكلّ شي ء من الخلق له تكليف يخصّه ، فهو يحسّ ويسمع أوامر اللّه ونواهيه له بقدر رتبته. وهم الواسطة لجميع الخلق (3). وليس في الوجود موات بحت لا يعرف بارئه ولا يعبده ، فتذكّر ، واللّه العالم.

ص: 157


1- تفسير فرات الكوفي : 552 / 707.
2- بحار الأنوار 25 : 2 / 4.
3- كذا في المخطوط.

ص: 158

[56] بيان نعمة فيها دفع نقمة : لا يولد في الليلة التي يولد فيها الإمام إلّا مؤمن

( البحار ) من أمالي الطوسيّ بسنده عن أبي بصير : قال : سمعت أبا عبد اللّه : سلام اللّه عليه يقول : « إنّ في الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد فيها مولود إلّا كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك نقله اللّه إلى الإيمان ببركة الإمام » (1).

قلت : هذه هي الليلة الجزئية لا النوعية ، فلا يجري هذا في مثلها من العام القابل ، وهي كرامة من اللّه للإمام ، ونعمة امتنّ بها على الأنام. هذا بحسب الظاهر ، وبحسب الباطن هي كلّيّة ، فلا يولد في رتبة فاضل طين أبدانهم وشعاع نورهما من النفوس إلّا نفس مؤمنة ، فنفوس شيعتهم خلقت من فاضل طينة أبدانهم (2). وعلى هذا فقوله : « وإن ولد في أرض الشرك » إلى آخره ، معناه : وإن كان أبواه كافرين ، فإن اللّه يخرج الحيّ من الميّت. فاشكر اللّه على هذه النعمة الكبرى ، ولله الحمد.

ص: 159


1- بحار الأنوار 25 : 36 / 1 ، الأمالي : 412 / 925.
2- انظر : الكافي 1 : 389 / 2 ، الأمالي ( الطوسي ) : 299 / 588 ، بحار الأنوار 65 : 24 / 43.

ص: 160

[57] حكمة كليميّة ونكتة انجيليّة : التوراة والإنجيل هي الولاية

( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) بسنده عن أبي جعفر : عليه سلام اللّه في قوله تعالى : ( يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْ ءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ) (1) ، الآية قال : « هي الولاية » (2).

ومنه (3) أيضاً بسنده عنه عليه سلام اللّه في قول اللّه تبارك وتعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ ) الآية قال : « الولاية » (4).

ومن ( تفسير العياشي ) (5) عن محمّد بن مسلم : مثله.

ومن ( الكافي ) (6) محمّد بن إسماعيل : عن الفضل بن شاذان : عن حمّاد : مثله.

قلت : لما كان روح الكتابين وشرط إقامتهما اعتقاد ما شهدا به من ولاية آل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : والإقرار بهما ، كما أخذه موسى عليه السلام : وعيسى عليه السلام : على أُمّتهما من العهد بذلك ، كان معنى إقامتهما هو الولاية خصوصاً بعد بعثه محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ونسخ العمل بهما لم يبق من الذي يجب العمل به منهما وإقامته إلّا الولاية ، فالتوراة والإنجيل في

ص: 161


1- المائدة : 68.
2- بحار الأنوار 24 : 386 / 109.
3- بصائر الدرجات : 76 / 2.
4- بحار الأنوار 24 : 387 / 110.
5- تفسير العيّاشي 1 : 359 / 149.
6- الكافي 1 : 413 / 6.

الحقيقة [ هما (1) ] الولاية.

وأيضاً لمّا كانت الولاية عبارة عن العمل بجميع تكاليف الشريعة ، كان إقامتهما والعمل بهما أُصولاً وفروعاً هي الولاية ولاية أهل البيت عليهم السلام وكذلك القرآن ؛ لأنّها الأمانة العظمى ، فظهر أن إقامتهما هي الولاية ، واللّه العالم.

ص: 162


1- في المخطوط : ( هي ).

[58] عقد درر وبيان خبر بيان [ أن ] الروح روح القدس

استفاضت الأخبار (1) بأنّ الروح : ليس من الملائكة ، وأنه أعظم من جبرئيل عليه السلام ومن جميع الملائكة ، وأنه الذي تنزّل به الملائكة ، وأنه هو روح القدس : وفي كثير منها أن جبرئيل روح القدس : ، وفي بعضها أن روح القدس : ملك مع الأئمّة يسدّدهم منذ نزل لم يصعد إلى السماء.

وفي خبر عن أبي جعفر : عليه سلام اللّه أنه قال لمّا سئل عن قوله تعالى : ( تَنَزَّلُ ) الْمَلائِكَةُ ( وَالرُّوحُ ) (2) : « جبرئيل الذي ينزل على الأنبياء ، والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم ، تفقّههم وتسدّدهم من عند اللّه ، وأنّه لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وبهما عُبد اللّه واستعبد اللّه على هذا الجنّ والإنس والملائكة ، ولم يعبد اللّه ملك ولا نبيّ ولا إنسان ولا جانّ إلّا بشهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ، وما خلق اللّه خلقاً إلّا للعبادة » (3).

وفي كثير منها أن للإمام خمسة أرواح ، منها روح القدس : ، وَهُوَ مستفيض (4).

قلت : لا ريب في أن الأخبار دلّت على أن جبرئيل : سلام اللّه عليه يسمّى بروح القدس ، وأن الروح التي هي من أمر اللّه ، وهي الروح المختصّة بالإمام التي

ص: 163


1- بصائر الدرجات : 460 - 461 ، الكافي 1 : 273 ، بحار الأنوار 25 : 47.
2- القدر : 4.
3- بصائر الدرجات : 463 / 1.
4- الكافي 1 : 271 - 272 / 1 - 3.

تسدّده ولا تفارقه ، وأنّها عمود من نور بينه وبين اللّه تسمّى بروح القدس من باب الاشتراك اللفظيّ ، أو من باب التشريك ، وهي أعظم من جبرئيل : وجميع الملائكة ، وهي خلق غير الملائكة ، بها ينزلون وإن كان جبرئيل : أيضاً روح مقدّسة ، فلا منافاة.

ولا ينافي كون روح القدس خلقاً أعظم من الملائكة ؛ لأنه عقل المعصوم أو روحه المختصّ به الذي هو مناط عصمته ونور خياله ، وتسميته ملكاً ، فقد أُطلق على المؤمنين أنهم ملائكة من الملك ؛ لأنّهم يملكون العلم من آل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ، فلعلّ هذا من ذلك الاشتقاق ؛ لأنّهم خزّان علم اللّه ، أو لأنّهم ملوك الدنيا والآخرة ، أو أن معنى الملكيّة متحقّق لهم ؛ لأن كمالات جميع الخلق من فاضل كمالهم.

وأمّا تفسير الروح ب- ( لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ) ؛ فلأنّ [ هذه (1) ] عبارة تجمع توحيد اللّه في كلّ مقام ، الذي هو مبدأ الوجود وأوّل الفيوض ، فهي روحهم المقدّسة في كلّ مقام ، ولكلّ مخلوق من فاضلها قسط بحسب وسعه وقابليّته ورتبته ، وهو وجوده الفائض من فاطره ، فما استعبد اللّه الخلق إلّا بها كلّاً بقدر وسعه منها ، وهو جوده البحت ، وتوحيده الخالص وسائر التكاليف فاضله وصفاته وشؤونه وفروعه ، واللّه العالم.

بقي الكلام في أنه ورد بطرق كثيرة كما في ( البصائر ) وغيره أنه لما سئل أبو عبد اللّه : عليه سلام اللّه عن قوله تعالى : ( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) (2) الآية قال ملك ، منذ أنزل اللّه ذلك الملك لم يصعد إلى السماء ، وكان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وهو مع الأئمّة يسدّدهم (3).

وبسند آخر عنه سلام اللّه عليه أنه قال لمّا سُئِل عن الآية : « منذ أنزل اللّه ذلك الروح على محمَّد صلى اللّه عليه وآله : لم يصعد إلى السماء ، وإنّه لفينا » (4).

وهذا المضمون مستفيض ، فما معنى لم يصعد إلى السماء؟

ص: 164


1- في المخطوط : ( هذا ).
2- الشورى : 52.
3- بصائر الدرجات : 456.
4- بصائر الدرجات : 457 / 11.

قلت : قد عرفت أن المراد به روحهم المختصّ بهم من أمر اللّه فهو لا يفارقهم ، والأرض لا تخلو من حجّة اللّه ، وأهل البيت عليهم السلام : لا تخلو منهم الأرض منذ انزلوا إليها حتّى لا يبقى لله حاجة في الخلق ، فحينئذٍ يرفعهم كما وردت به عنهم الأخبار (1) ، فيكون معناه أن دار التكليف لا تخلو منهم ما دام التكليف ، واللّه العالم.

ص: 165


1- الكافي 1 : 178 - 179 / 1 - 13 ، و: 179 - 180 / 1 - 5.

ص: 166

[59] احتمال سرّ لكشف ضرّ : حديثهم عليهم السلام صعب مستصعب

قد استفاضت الأخبار عن الأُمناء الأبرار أنّهم قالوا : « إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان » (1).

ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ حسن بن سليمان الحلّيّ : في كتاب ( الغيبة ) عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قال : « واللّه ، لو دخلت على عامّة شيعتي الذين بهم أُقاتل الذين أقرّوا بطاعتي ، وسمّوني أمير المؤمنين : ، واستحلّوا جهاد من خالفني ، فحدثتهم ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الذي نزل به جبرئيل عليه السلام : على محمَّد صلى اللّه عليه وآله : لتفرّقوا عنّي ، حتّى أبقى في عصابة من الحقّ قليلة » الحديث.

إلى أن قال سلام اللّه عليه - « إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يُقرّ به إلّا ثلاثة : ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد مؤمن نجيب امتحن اللّه قلبه للإيمان » الخبر.

ومضمونه متواتر في كتب الأُصول (2).

فإن قلت : قد ورد في ( البصائر ) (3) وغيرها (4) عن أهل العصمة : أن حديثهم (5) صعب مستصعب « لا يحتمله ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان » ،

ص: 167


1- بصائر الدرجات : 26 / 1 - 2.
2- بصائر الدرجات : 21 / 2 ، 5 ، 22 / 7.
3- بصائر الدرجات : 23 / 11 باختلاف.
4- بحار الأنوار 2 : 194 باختلاف.
5- في المخطوط بعدها : ( وفي بعضها ).

فما وجه الجمع؟

قلت وباللّه المستعان - : نفي الاحتمال عن الثلاثة لعلّه نفي لاحتمال أمرهم الخاصّ بهم ، فحديثهم الخاص بهم وهو تكليفهم الذي لم يكلّف به أحد سواهم ، والذي احتمله الثلاثة الأصناف هو ما أُمروا بتكليفهم به وتحميلهم إيّاه.

يدلّ على ذلك ما رواه في ( البحار ) من كتاب السيد حسن بن كبش : بإسناده عن أبي بصير : قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « يا أبا محمّد : ، إنّ عندنا سرّاً من اللّه ، وعلماً من علم اللّه لا يحتمله ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان. واللّه ما كلّف اللّه أحداً بحمل ذلك غيرنا ، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ، وإنّ عندنا سرّاً من سرّ اللّه وعلماً من علم اللّه ، أمرنا اللّه بتبليغه فبلّغنا عن اللّه عزوجل ما أمرنا بتبليغه ، ما نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حملةً يحملونه ، حتّى خلق اللّه لذلك أقواماً خلقوا من طينة خلق منها محمَّد صلى اللّه عليه وآله : وذرّيّته ، ومن نور خلق اللّه منه محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : وذرّيّته ، وصبغهم بفضل صبغ رحمته التي صبغ منها محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : فبلّغناهم عن اللّه عزوجل ما أُمرنا بتبليغه فقبلوه ، واحتملوا ذلك ، وبلغهم ذلك عنّا فقبلوه واحتملوه ، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا أنّهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك ، ولا واللّه ما احتملوه » (1) الخبر.

فقد صرّح الحديث بالفرق بين السرّين والأمرين ، وجمع بين الخبرين.

ووجه آخر هو أن يراد بقولهم : « لا يحتمله ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان حتّى يلقيه إلى غيره » : ما (2) رواه الشيخ حسن بن سليمان : عن ابن بابويه : بسنده إلى بعض أجلّاء المدائن قال : كتبت إلى أبي محمَّد عليه السلام : روي لنا عن آبائك عليهم السلام أن حديثكم صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان.

قال : فجاءه الجواب : « إنّ معناه أنّ الملك لا يحتمله في جوفه حتّى يخرجه إلى ملك آخر

ص: 168


1- بحار الأنوار 25 : 385 - 386 / 44.
2- في المخطوط : كما.

مثله ، ولا يحتمله نبيّ حتّى يخرجه إلى نبيّ مثله ، ولا يحتمله مؤمن حتّى يخرجه إلى مؤمن مثله »(1).

ومن البيّن أن الملك غير المقرّب إنّما يأتيه العلم بواسطة المقرّب ، والنبيّ غير المرسل إنّما يأتيه العلم بواسطة المرسل ، والمؤمن غير الممتحن إنّما يأتيه العلم بواسطة الممتحن.

وهذا معلوم من سير حال الملوك ؛ إذ لا يقدر على رتبة الاجتهاد والنيابة العامّة عن المعصوم إلّا الأفراد بعد الأفراد في عامّة الأصقاع والأزمان ، وهم الوسائط إلى كافّة المقلّدين وسبيلهم إلى الإمام ، وهم القرى الظاهرة التي قدّر اللّه فيها السير لكافّة المقلّدين إلى القرى المباركة ، وهم الوسائط إليهم ذوو القلوب المجتمعة ، وهم المدن الحصينة كما هو معلوم ، ذلك كلّه من أخبار أهل البيت عليهم السلام (2) :

فمعناه أنه لا يطيق حمله حتّى يلقيه لما فيه من صعوبة احتمال الأسرار وسترها عن الأغيار الأشرار ، وبإلقائه يخفّ عليه احتماله ؛ لما في إلقائه من الراحة كما هو محسوس كلّ بقدر رتبته.

أو أنه لا يكمل احتماله له حتّى يلقيه إلى أهله ، كما قالوا : « فصُنْهُ إلّا عن أهله »(3).

وكما أخذ اللّه على الجهّال أن يتعلّموا أخذ على العلماء أن يعلّموا من هو أهل (4). وبتعليمهم يكمل احتمالهم ، وإلّا فلو كتموه عن أهله لم يكونوا محتملين.

فالفرق بين الوجهين أن الأوّل أذن لهم في الإلقاء تخفيفاً ، والثاني أمر بالإلقاء تكليفاً. وكلاهما رحمة بالملقى إليه ولطف ، وتسهيل عليه ونعمة.

فإن قلت : بقي إشكال ، وهو أن ظاهر قولهم عليهم السلام : « لا يحتمله إلّا ملك مقرب ، أو نبيّ مرسل ، أو مؤمن ممتحن » يدلّ على فضل المؤمن على النبيّ غير المرسل.

قلت : الجواب من وجوه :

ص: 169


1- مختصر بصائر الدرجات : 127.
2- انظر مختصر بصائر الدرجات : 127 - 128.
3- الكافي 2 : 222 - 223 / 5 ، وفيه : « إنه ليس من احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط من احتمال أمرنا ستره وصيانته من غير أهله ».
4- انظر الكافي 1 : 41 / 1.

الأول : أنه لا شكّ في أن الأنبياء غير المرسلين هم سادات المؤمنين الممتحنين فيعمّهم العنوان ، ويشملهم البيان.

الثاني : أن يراد بالاحتمال المنفيّ عن غير المقرّب والمرسل والممتحن هو الاحتمال الكامل الصادر عن اليقين ، لكن بالنسبة إلى رتبة النبوّة حيث سرّ الرسالة وكمالها ، وبالنسبة إلى رتبة الملكيّة حيث سرّ التقريب وكماله ، وبالنسبة إلى رتبة الإيمان دون رتبة العصمة حيث سرّ الامتحان وكماله. ولا ينافي هذا كون النبيّ غير المرسل يعلم ويحتمل من أمرهم ما لا يحتمله ويعرفه غير المعصوم من المؤمنين الممتحنين. فما يحتمله المؤمن الممتحن إنّما هو بالنسبة إلى غير الممتحن من عامّة المؤمنين ، وكذلك في رتبة الصنفين الأخيرين.

فلا منافاة بين الروايات ، فإنّ نفي الاحتمال عن غير المرسل إنّما هو بنسبة مرتبة النبوّة والرسالة ، لا بالنسبة إلى الإيمان ودرجاته ، ونفيُه عن غير المقرّب إنّما هو بنسبة رتبة الملكيّة خاصّة. والحاصل أن من حديثهم وسيرهم ما لم يخرج إلّا إلى الأنبياء ، فمنه ما لا يحتمله إلّا المرسل منهم ، ومن حديثهم ما اختصّ برتبة الملك ، فمنه ما لا يحتمله منهم إلّا المقرّب ، ومن حديثهم ما خرج للمؤمنين ، فمنه ما لا يحتمله منهم إلّا الممتحن.

الثالث وهو أبعدها عن الظاهر - : أنه يحتمل اختصاص الثلاثة الأصناف بهم ، وإرادتهم منها ، ويراد بأمرهم وحديثهم وسرّهم ما اختُصّوا به من العلم الذي لم يكلّف به أحد غيرهم ، ويكون اشتقاق الملَك من الملِك فإنّهم ملاك الدنيا والآخرة وملوكهما.

وأيضاً فمعنى الملكيّة حاصل لهم ، فقد ورد تسمية روح القدس : المختصّ بهم ملكاً ، كما مرّ (1) ، وكمال الملكيّة صادر منهم ، فهم معلّمو الملائكة ، فلا بعد في إطلاق الملك عليهم ، وهم المقرّبون ، واشتقاق النبيّ من الإخبار ؛ فهم المبلّغون عن اللّه كلّ

ص: 170


1- انظر العنوان السابق.

ذرّة من ذرّات الوجود ما سألته بلسان قابليّتها من معرفتهم ومعرفة بارئهم.

وقد ورد عنهم عليهم السلام أيضاً أن كلّ إمام رسول إلى قرنه (1). وهم المحدّثون وصدق الإيمان الكامل عليهم ، وامتحان قلوبهم للتقوى الذي لا أكمل منه واضح جدّاً ، فيكون المعنى : أن معرفة حقائقهم وما خصّهم به اللّه على الحقيقة مختصّ بهم. فلا تنافي بين الأخبار أيضاً على هذا ، وبه يجتمع النفي والإيجاب أيضاً عن الثلاثة ولهم ، فتنطبق الأخبار وينكشف الغبار ، واللّه العالم.

ص: 171


1- بصائر الدرجات : 30 / 6 ، وفيه : « كلّ إمام هادٍ للقرن الذي هو فيهم ».

ص: 172

[60] تكميل جمع : الروح القدس عامّة وخاصّة

( البحار ) من ( منتخب البصائر ) (1) و ( بصائر الدرجات ) (2) بسنديهما عن هشام ابن سالم : قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : يقول ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (3) قال : « خلق أعظم من خلق جبرئيل : وميكائيل : ، لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمَّد صلى اللّه عليه وآله : وهو مع الأئمّة يوفّقهم ويسدّدهم وليس كلّما طلب وجد » (4).

ومن ( بصائر الدرجات ) بسند آخر مثله (5).

ومن ( بصائر الدرجات ) بسنده عن الخزّاز : قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : يقول ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) الآية قال : « ملك أعظم من جبرئيل : وميكائيل : لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمَّد صلى اللّه عليه وآله : وهو مع الأئمّة وليس كلّما طلب وجد » (6).

ومنه بسندٍ آخر مثله (7).

ومن ( بصائر الدرجات ) بسنده عن أبي عبد اللّه عليه سلام اللّه - : في الآية قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى أحد صمد. والصمد : الشي ء الذي ليس له جوف ، وإنّما الروح خلق من خلقه ، له بصر وقوّة وتأييد ، يجعله اللّه في قلوب الرسل والمؤمنين » (8).

ص: 173


1- مختصر بصائر الدرجات : 3.
2- بصائر الدرجات : 460 - 461 / 1.
3- الإسراء : 85.
4- بحار الأنوار 25 : 67 / 47.
5- بصائر الدرجات : 461 / 3.
6- بصائر الدرجات : 461 / 2.
7- بصائر الدرجات : 461 / 4.
8- بصائر الدرجات : 463 / 12 ، بحار الأنوار 25 : 70 / 57.

وفي ( الصافي ) عن أحدهما عليهما سلام اللّه في هذه الآية : سئل ما الروح؟ قال : « التي في الدوابّ والناس ». قيل : وما هي؟ قال : « هي ملكوت من القدرة » (1).

وفيه : روي عن كميل رضى اللّه عنه : أنه قال : سألتُ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : فقلت : أُريد أن تعرّفني نفسي. قال : « يا كميل : وأيّ الأنفس تريد أن أُعرّفك؟ ». قلت : يا مولاي هل هي إلّا نفس واحدة؟ فقال : « يا كميل ، إنّما هي أربعة : النامية النباتيّة ، والحسّيّة الحيوانيّة ، والناطقة القدسيّة ، والكلّيّة الإلهيّة ، ولكلّ واحدة من هذه خمس قوى ، وخاصّتان.

فالنامية النباتيّة لها خمس قوى : ماسكة ، وجاذبة ، وهاضمة ، ودافعة ، ومربّية. ولها خاصّتان : الزيادة والنقصان ، وانبعاثها من الكبد.

والحسّيّة الحيوانيّة لها خمس قوى : سمع ، وبصر ، وشمّ ، وذوق ، ولمس. ولها خاصّتان : الرضا والغضب ، وانبعاثها من القلب.

والناطقة القدسيّة لها خمس قوى : فكر ، وذكر ، وعلم ، وحلم ، ونباهة ، وليس لها انبعاث ، وهي أشبه الأشياء بالنفوس الملكيّة ، ولها خاصّتان : النزاهة ، والحكمة.

والكلّيّة الإلهيّة لها خمس قوى : بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعزّ في ذلّ ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء. ولها خاصّتان : الرضا ، والتسليم. وهذه هي التي مبدؤها من اللّه وإليه تعود قال اللّه تعالى : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (2) ، وقال تعالى : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) (3) ، والعقل وسط الكلّ (4).

وفي ( البحار ) من ( تفسير القمّيّ ) (5) بسنده عن أبي عبد اللّه عليه سلام اللّه - : أنه قال : « يا جابر : إنّ اللّه خلق الناس ثلاثة أصناف ، وهو قول اللّه تعالى : ( كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً ) (6) الآية فالسابقون هو رسول اللّه وخاصّة اللّه من خلقه ، جعل فيهم خمسة أرواح ، أيّدهم بروح القدس ، فبه بعثوا أنبياء وأيّدهم بروح الإيمان ، فبه خافوا اللّه وأيّدهم بروح القوّة ، فبه

ص: 174


1- التفسير الصافي 3 : 214.
2- الحجر : 29.
3- الفجر : 27 - 28.
4- التفسير الصافي 3 : 111 - 112.
5- بصائر الدرجات : 446 / 1.
6- الواقعة : 7.

قووا على طاعة اللّه وأيّدهم بروح الشهوة ، فبه اشتهوا طاعة اللّه وكرهوا معصيته ، وجعل فيهم روح المدرج الذي يذهب به الناس ويجيئون ، وجعل في المؤمنين أصحاب الميمنة روح الإيمان ، فبه خافوا اللّه ، وجعل فيهم روح القوّة ، فبه قووا على طاعته من اللّه ، وجعل فيهم روح الشهوة ، فبه اشتهوا طاعة اللّه ، وجعل فيهم روح المدرج الذي يذهب الناس به ويجيئون » (1).

وفي خبر منه عن أبي عبد اللّه عليه سلام اللّه - : بعد أن عدّ أرواح الأنبياء والأوصياء وأرواح المؤمنين قال : « وفي الكفّار ثلاثة أرواح : روح البدن ، وروح القوّة ، وروح الشهوة » (2) الخبر.

ومنه بسنده عن جابر : قال : سألت أبا جعفر عليهما السلام : عن علم العالم ، فقال : « يا جابر : إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح : روح القدس : وروح الإيمان ، وروح الحياة ، وروح القوّة ، وروح الشهوة. فبروح القدس عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى. يا جابر : إنّ هذه الأرواح يصيبها الحدثان إلّا روح القدس ، فإنّها لا تلهو ولا تلعب » (3).

ومن ( البصائر ) بسنده عن المفضل : قال : سألتُ أبا عبد اللّه عليه سلام اللّه - : عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخًى عليه ستره ، فقال : « يا مفضّل : إنّ اللّه تبارك وتعالى جعل للنبيّ صلى اللّه عليه وآله : خمسة أرواح : روح الحياة فبه دبّ ودرج ، وروح القوّة فبه نهض وجاهد ، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال ، وروح الإيمان فبه أمر وعدل ، وروح القدس فبه حمل النبوّة ، فإذا قبض النبيّ صلى اللّه عليه وآله : انتقل روح القدس فصار في الإمام عليه السلام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ، والأربعة الأرواح تنام وتلهو وتغفل وتسهو ، وروح القدس ثابت يَرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرّها وبحرها » (4) الخبر.

ومنه بسند آخر عنه عليه سلام اللّه مثله (5).

ص: 175


1- بحار الأنوار 25 : 52 - 53 / 13.
2- بصائر الدرجات : 447 / 3 ، بحار الأنوار 25 : 54 / 12.
3- بصائر الدرجات : 447 / 4 ، بحار الأنوار 25 : 55 / 15.
4- بصائر الدرجات : 454 / 13 ، بحار الأنوار 25 : 57 - 58 / 25.
5- بصائر الدرجات : 447 / 3 ، بحار الأنوار 25 : 54 / 14.

ومنه بسنده عن جابر : عن أبي جعفر عليه سلام اللّه - : أنه قال : « إنّ اللّه خلق الأنبياء والأئمّة على خمسة أرواح : روح الإيمان ، وروح الحياة ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح القدس : فروح القدس : من اللّه وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان ، فروح القدس : لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب ، وبروح القدس : علموا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى » (1).

قلت : قد تبيّن من هذه المضامين وهي مستفيضة أن روح القدس : تطلق على جبرئيل عليه السلام (2) : ؛ لأنه من صقع القدس.

وعلى النفس المطمئنّة بالإيمان التي هي عقل بالفعل أو مستفاد ، وهي التي مددها من نور العقل الفعّال ، والقلم الأعلى يمدّها من نور ما كتب في اللوح المحفوظ بقسطها ممّا كتب فيه. وهذه هي وجود المؤمن الفائض عليه من اللّه سبحانه وتعالى ، وهي نور اللّه الذي ينظر به المؤمن المتفرّس (3) ، وهي النفس التي من عرفها عرف ربّه (4) ، وهي الكلّيّة الإلهيّة ، فهي لاهوتيّة مطمئنّة راجعة إلى ربّها ، ومدبّرها ، راضية مسلّمة لما أدركته من اليقين.

وعلى القدسيّة المقدّسة المنزّهة عن جميع النقائص البشرية ، وهي رتبة الحكمة الإلهيّة والعصمة الذاتيّة الفائضة من لدن حكيم عليم ، أيّد بها الأنبياء والخلفاء أجمعين.

وعلى الأمريّة الحقيقيّة التي هي روح جميع الأرواح وأصلها وعلّتها وسبيلها ووسيلتها إلى اللّه سبحانه وتعالى عمّا يصفون. فجميع الأرواح قبس منها ولمعة من لمعاتها وشعاع من نورها ، وهي المختصّة بمحمّد : وخلفائه صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين وسلم ف- « ليس كلّ ما طُلب وجد » (5) ؛ لاختصاصه بهم ؛ فإنه كمال حروف

ص: 176


1- بصائر الدرجات : 454 / 12 ، بحار الأنوار 25 : 58 / 26.
2- كنز الدقائق 1 : 294.
3- انظر : الكافي 1 : 218 / 3.
4- مصباح الشريعة : 13.
5- انظر : بصائر الدرجات : 460 - 461 / 1 ، مختصر بصائر الدرجات : 3 ، بحار الأنوار 25 : 67 / 47.

الاسم الأعظم الذي آثرهم اللّه به ، فلا يعلمه غيرهم ، وهو نور ( إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (1) ، وهو الولاية العظمى فليس لمن سألهم عنه جواب إلّا إنه من أمر اللّه (2). « وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يسهو ولا يلهو » ؛ لأنه نور اللّه المنزّه عن شوائب النقص ، وتلك الأشياء ظلمة ونقص. وبهذا يعلم فساد القول بجواز السهو على المعصوم (3).

ويطلق الروح أيضاً على الروح النباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة ، والكلّ يمتدّ من الأمريّة وإن كان منها ملكوتيّة وجبروتيّة وقدسيّة ولاهوتيّة ، وهي الكلّيّة الإلهيّة ، كلّ بحسب قابليّته وكمال رتبته. والأمر كلّه لله الواحد القهار قد [ استأثر (4) ] به ، فلا شريك له ولا يشبهه شي ء ، وهو السميع البصير ، وهو على كلّ شي ء قدير.

فاجتمعت الأخبار ، وإنّما يكلّمُ الأبرار كلّ سائل بلسان عقله ولغة فهمه ، والكلام على تفصيل ألفاظ الأخبار ممّا يطول ، واللّه العالم.

ص: 177


1- القدر : 1.
2- إشارة إلى قوله تعالى : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) . الإسراء : 85.
3- انظر الفقيه 1 : 234 / ذيل الحديث : 1031.
4- في المخطوط : ( أستار ).

ص: 178

[61] فائدة فاطميّة : مصحف فاطمة عليها السلام

( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (1) بسنده عن أبي [ عبيدة (2) ] قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه سلام اللّه - : عن الجفر ، فقال : « هو [ جلد (3) ] نور مملوء علماً ». فقال له : ما الجامعة؟ فقال : « تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج ، فيها كلّ ما يحتاج الناس إليه ، وليس من قضيّة إلّا وفيها ، حتّى أرش الخدش ». قال له : فمصحف فاطمة ، سلام اللّه عليها؟ فسكت طويلاً ، ثمّ قال : « إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لا تريدون ، إنّ فاطمة : مكثت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها صلى اللّه عليه وآله ، وكان جبرئيل عليه السلام : يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانِه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها ، وكان عليّ سلام اللّه عليه - : يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة » (4).

ومنه بسنده عن محمّد بن مسلم : قال : قال أبو عبد اللّه عليه سلام اللّه - : لأقوام كانوا يسألونه عمّا خلّف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ودفعه إلى عليّ عليه السلام : وعمّا خلّف علي عليه السلام : ودفعه إلى الحسن عليه السلام : « ولقد خلّف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : عندنا جلداً ما هو جلد حمار ، ولا جلد ثور ، ولا جلد بقرة ، إلّا إهاب شاة فيها كلّ ما يُحتاج إليه حتّى أرش الخدش والظفر ، وخلّفت فاطمة سلام اللّه عليها - : مصحفاً ما هو قرآن ، ولكنّه كلام من كلام اللّه أنزله عليها ، إملاء رسول

ص: 179


1- بصائر الدرجات : 153 - 154 / 6.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( عبدة ).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( جلل ).
4- بحار الأنوار 26 : 41 / 72.

اللّه صلى اللّه عليه وآله وخطّ عليّ ، عليه سلام اللّه » (1).

قلت : قال المجلسي : ( المراد برسول اللّه : في هذا الحديث : جبرئيل عليه السلام ) (2).

وهذا جمع بين الخبرين ، ولا بأس به. ويحتمل أن يكون أباها صلى اللّه عليه وآله في حياته أو بعد وفاته ، فإنّ الموت لا يحجب أحدَهم عن الآخر ، ولا عن الرعيّة. نعم ، موتهم يحجبنا عنهم ولا يحجبهم عنا (3) ، فيمكن أن يكون هذا هو المذكور في خبر أبي عبيدة : وأن جبرئيل عليه السلام : [ أملاه (4) ] ثانياً بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وأن يكون غيره ، واللّه العالم.

ص: 180


1- بحار الأنوار 26 : 41 - 42 / 73 ، بصائر الدرجات : 156 / 14.
2- بحار الأنوار 26 : 42.
3- يريد قدس سره أن موتهم لا يعني انقطاع عموم إفاضاتهم على شيعتهم ، بل هم وسائط بين اللّه وشيعتهم في قضاء حوائجهم ، وتسديدهم سيّما نوابهم منهم.
4- في المخطوط : ( ملأه ).

[62] نعمة جزيلة ومنّة جميلة ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ )

[62] نعمة جزيلة ومنّة جميلة ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) (1)

( البحار ) من ( العيّاشيّ ) (2) عن عمر بن [ يزيد (3) : ] قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن قول اللّه تعالى : ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (4) ، فقال : « كذبوا ما هكذا هي ، إذا كان ينسخها ويأتي بمثلها لِمَ ينسخها؟ » قلت : هكذا [ قال اللّه (5) ] قال : « ليس هكذا قال اللّه تعالى ». قلت فكيف؟ قال : « ليس فيها ألف ولا واو قال : مَا ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيرٍ منها مثلها ، يقول : ما نمت من إمام أو ننسِ ذكره نأتِ بخير منه من صلبه مثله » (6).

قال في ( البحار ) : ( لعلّ المراد : أنه خير بحسب المصلحة لا بحسب الفضائل ) (7) ، انتهى.

قلت : هذا تمحّل بعيد ضعيف ، مع أنه يستلزم أن يكون لآخرهم من الفضل ما ليس لأوّلهم ، وقد جاءت الأخبار (8) عنهم أنه لا يكون لآخرهم من الفضل ما ليس لأوّلهم. والظاهر أن ( من ) متعلّقة ب- ( نأت ) ، ويحتمل أن تكون بيانيّة ، فلا إشكال ولا تكلّف ، واللّه العالم.

ص: 181


1- مرّت بمعناها وأكثر ألفاظها في العنوان : 44.
2- تفسير العياشي 1 : 74 / 78.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( بريد ).
4- البقرة : 106.
5- من المصدر.
6- بحار الأنوار 23 : 208 / 10.
7- بحار الأنوار 23 : 208.
8- بحار الأنوار 25 : 352 - 363.

ص: 182

[63] جوهرة ثمينة وحجّة أمينة : لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن

في ( الفقيه ) عن أبي عبد اللّه عليه سلام اللّه - : أنه قال : « ليلة القدر لو رفعت لرفع القرآن » (1).

قال محمّد تقي : إن ليلة القدر لا ترفع حتّى يُستشهد الحجّة عليه السلام : فإذا استشهد رفع القرآن ورفعت ليلة القدر ؛ لأنّ في ليلة القدر تنزل الملائكة على الإمام كلّ سنة فإذا فقد الإمام رفع القرآن وليلة القدر (2). انتهى.

قلت : اعلم أن القرآن فيه تبيان كلّ شي ء ؛ لأنه خلق محمّد (3) قال تعالى : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ ) (4) فهو منطبق على التكوين والزمان ، وحوادثه [ تدريجيّة (5) الوقوع ، وكلّ مكوّن زماني يختصّ بجزء منه ، فالقرآن لا يبرز أحكامه الزمانيّة إلّا تدريجاً بالضرورة طبق بروز حوادث الزمان ، فإنّه اشتمل على أحكام الخلق منذ بُعث محمَّد صلى اللّه عليه وآله : في الذرّ الأوّل إلى أن تقوم الساعة. فكلّ رتبة ونشأة يطابقها القرآن بمقتضى حقيقتها ، فالزمان لمّا لم يبرز إلّا تدريجاً لم يبرز أحكامه القرآنية إلّا كذلك.

ص: 183


1- الفقيه 2 : 101 / 454.
2- روضة المتّقين 3 : 439 ، بالمعنى.
3- كذا في المخطوط.
4- الأنعام : 38.
5- في المخطوط : ( تدريجي ).

فكلّ نجم برز من الزمان برز قسطه من الكتاب ، وأُمر بها إمام العصر ليلة القدر.

فنزوله كلّه ليلة القدر ، وكذا بروزه الجزئيّ لا يكون إلّا ليلة القدر.

يدلّ على هذا بعد صحيح الاعتبار جملة من الأخبار :

ففي العيّاشي : عن الفضل بن يسار : قال : سألت أبا عبد اللّه عليه سلام اللّه - : عن هذه الرواية : « ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف الّا وله حدّ ، ولكلّ حدّ مطلع » ، ما يعني بقوله : « لها ظهر وبطن »؟ قال : « ظهره تنزيله ، وبطنه تأويله ، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما تجري الشمس والقمر ، كلّما جاء منه بشي ء وقع » (1) الحديث.

وفي بصائر الصفّار : بسند صحيح مثله ، إلّا إنه قال فيه بعد « والقمر » - : « كلّما جاء منه تأويل شي ء يقع ، يكون على الأموات كما يكون على الأحياء » (2)كذا في المصدر ، والظاهر أنها « كلّما » ، يدل عليه نقل المصنّف عنه في الهامش نفسه.(3).

وفي غيبة النعماني : عن الصادق عليه سلام اللّه - : أنه قال : « إنّ للقرآن تأويلاً يجري كما يجري الليل والنهار ، وكما يجري الشمس والقمر ، فإذا جاء تأويل شي ء منه وقع ، فمنه ما قد جاء ، ومنه ما لم يجي ء » (4) الخبر.

ومثل هذا المضمون كثير (5).

وأيضاً ما برز مضمونه لا يختصّ بجزئيّ ، بل هو أبديّ التجدّد ، جارٍ في أمثال ما وقع ، كلّما جاء منهم قسط وقع قسطه ، فهو أبداً حيّ طريّ يتجدّد بتجدّد الأزمان والأكوان.

كما يدلّ عليه من الاعتبار ما استفاض مضمونه من الأخبار ، ففي العيّاشيّ عنهم عليهم السلام : « إنّ ظهر القرآن الذي نزل فيهم ، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم ، يجري فيهم

ص: 184


1- تفسير العيّاشيّ 1 : 22 / 5 ، وفيه : « ظهره وبطنه تأويله ».
2- بصائر الدرجات 196 / 7 ، وفيه بعده : « كما
3- ( جاء تأويل شي ء منه ، يكون على الأموات كما يكون على الأحياء » ..
4- الغيبة : 134 / 17 ، وفيه « للقرآن تأويل ».
5- انظر بحار الأنوار 89 : 78 - 106 / 1 - 84.

ما نزل في أُولئك » (1).

وفي تفسير فرات بن إبراهيم : عن خيثمة : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال : « لو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات أُولئك القوم ماتت الآية لَما بقي من القرآن شي ء ، ولكن القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكلّ قوم آية يتلونها هم منها في خير أو شرّ » (2).

وفي خبر آخر عن أبي بصير : عن الصادق عليه السلام : قال : « لو كانت إذا نزلت آية في رجل ثمّ مات ذلك الرجل ماتت الآية ، مات الكتاب ، ولكنّه حيّ يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى » (3).

وهذا المضمون مستفيض ، وهو صريح في أن ما يعلمه الإمام من أحكام القرآن [ ومقتضياته (4) ] يؤذن له في إبراز ما يطابق كلّ نجم وكلّ سنة بالإذن الكلّيّ في ليلة القدر ، فيؤمر فيها بأحكام السنة وحوادثها بحسب ما يخصّها من القرآن ، وبكلّ جزئي في آنه.

فإذن لكلّ ليلة قدر في الزمان قسط منه يطابقها جديد ، فإذن ظهر لك تلازم ليلة القدر والقرآن ، وهما مع الإمام ما بقي التكليف ، فلا يرتفع القرآن ولا ليلة القدر إلّا إذا ارتفع الإمام ، وذلك قبل النفخة الاولى بأربعين يوماً ، كما رواه في ( البحار ) من ( كمال الدين ) (5) بسنده إلى عبد اللّه بن سليمان العامري : عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « ما زالت الأرض إلّا ولله تعالى ذكره فيها حجّة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل اللّه ، ولا تنقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوماً ، فإذا رفعت الحجّة أُغلق باب التوبة ، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة ، أُولئك شرار خلق اللّه ، وهم الّذين تقوم عليهم القيامة » (6).

ص: 185


1- تفسير العيّاشيّ 1 : 22 / 4.
2- تفسير فرات الكوفي : 138 - 139 / 166 ، باختلاف.
3- الكافي 1 : 192 / 3.
4- في المخطوط : ( مقتضيا ).
5- كمال الدين 229 / 24.
6- بحار الأنوار 23 : 41 / 78.

ومثله من ( المحاسن ) (1).

وفي ( الكافي ) وغيره عن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ : قال : اجتمعتُ أنا والشيخ أبو عمرو رحمه اللّه عند أحمد بن إسحاق : فغمزني أحمد بن إسحاق : أن أسأله عن الخلف عليه السلام ، فقلت له : ( يا أبا عمرو : إني أُريد أن أسألك عن شي ء ، وما أنا بشاكّ فيما أسألك عنه ، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجّة ، إلّا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوماً ، فإذا كان ذلك رفعت الحجّة وأُغلق باب التوبة ، فلم يك ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، أُولئك شرار من خلق اللّه ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة ) (2) الخبر.

وتلك الأربعون اليوم في الآفاق نظيرها في الأنفس بلوغ الروح التراقي في لحظة المعاينة ، وعندها يسقط التكليف ، فيرتفع القرآن من الزمان والإمام وليلة القدر.

وأمّا كلام الفاضل التقيّ (3) فلا يخفى ضعفه ؛ فإنّه إن أراد بالحجّة المستشهد الذي ترتفع ليلة القدر باستشهاده : القائم عليه السلام : فهذا لا دليل عليه ، بل الأخبار والاعتبار [ يردّانه (4) ] ؛ فإن رجعة أهل البيت عليهم السلام : وأيّامها بعدد أيام القائم عليه السلام : وبالضرورة التكليف فيها باقٍ ، فالحجّة والقرآن وليلة القدر كذلك.

وأيضاً الحجّة الذي يُرفع لا يُرفع بطريق الشهادة والقتل ، وإنّما يرفع ويقبض. وآخر مَن يُقبض عليّ عليه السلام : يدلّ عليه ما رواه الشيخ حسن بن سليمان : بسنده عن أبي عبد اللّه عليه سلام اللّه - : أنه قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لقد أسرى بي ربّي عزوجل ، فأوحى إليّ من وراء حجاب ».

إلى أن قال فيما كلّمه به ربّه أن قال : « يا محمّد : عليّ : أوّل من آخذ ميثاقه من الأئمّة ،

ص: 186


1- بحار الأنوار 23 : 41 / ذيل الحديث 78 ، المحاسن 1 : 368 / 802.
2- الكافي 1 : 329 - 331 / 1.
3- انظر الصفحة : 183.
4- في المخطوط : ( يرده ).

يا محمّد : عَلي : آخر من أقبِضُ روحه من الأئمّة » (1).

وإن أراد غير القائم عليه السلام : فليس يرفع بالقتل ، وإنّما آخر من يرفع منهم بفقد ، فإنّه ليس بعده إمام يلي أمره لو مات ، ولا يلي الإمام إلّا إمام (2) ، وقد دلّ على هذا جملة من الأخبار. وبالجملة فظاهر عبارته ضعيف ، واللّه العالم.

ص: 187


1- مختصر بصائر الدرجات : 36.
2- انظر الكافي 1 : 384 - 385 / باب أن الإمام لا يغسله إلّا الإمام من الأئمّة عليهم السلام.

ص: 188

[64] ذكر وترك : انسيَ الطعام المسموم

غيبة الشيخ حسن بن سليمان : بسنده عن إبراهيم بن أبي محمود : عن بعض أصحابنا قال : قلت للرضا عليه سلام اللّه - : الإمام يعلم إذا مات؟ فقال : « نعم ، حتّى يتقدّم في الأمر ».

قلت : علم أبو الحسن عليه سلام اللّه - : بالرطب والريحان المسمومين اللذين بعث بهما إليه يحيى بن خالد :؟ فقال : « نعم ».

فقلت : فأكله وهو يعلم؟ فقال : « إنسية لينفذ فيه الحكم » (1).

وبسند آخر عنه مثله ، إلى أن قال : فأكله وهو يعلم فيكون معيناً على نفسه؟ فقال عليه السلام : « لا ، إنّه يعلم قبل ذلك ليتقدّم فيما يحتاج إليه ، فإذا جاء الوقت ألقى اللّه على قلبه النسيان » (2).

قلت : يمكن أن يراد بالنسيان رفع التفاته إلى الدنيا ، ورفع قلبه منها ؛ لعلمه بانتهاء أجله ، فيترك الدنيا وأسباب العيش فيها. والنسيان بمعنى الترك أو الرفع قد يقع لطفاً من اللّه بعبده ، فليس من الشيطان ؛ لأنّ هذا من قبيل البداء والنسخ ، واللّه العالم.

ص: 189


1- مختصر بصائر الدرجات : 6.
2- مختصر بصائر الدرجات : 7.

ص: 190

[65] طلب كنز وبيان عِزّ « لا يحتمل حديثهم ملك » إلى آخره

[65] طلب كنز وبيان عِزّ « لا يحتمل حديثهم ملك » إلى آخره (1)

روى الشيخ حسن بن سليمان : بسنده عن أبي الصامت : قال : قال أبو عبد اللّه سلام اللّه عليه - « حديثنا صعب مستصعب ، شريف كريم ، ذكوان [ ذكي (2) ] وعِر ، لا يحتمله ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا مؤمن ممتحن ».

قلت : فمن يحتمله جعلت فداك؟ قال : « من شئنا يا أبا الصامت » (3).

قلت : لعلّه عليه سلام اللّه أراد : أنه لا يحتمله ملك مقرّب حتّى يلقيه إلى من دونه ، ولا نبيّ مرسل حتّى يلقيه إلى من دونه ، ولا مؤمن ممتحن حتّى يلقيه إلى من دونه ، فإنّه قد روي عنهم ذلك. وفي الرخصة لهم بذلك رحمة وتخفيف لثقل حمل ما حملوا ، فإنّ حمل أسرارهم لا أشقّ منه في التكليف.

وأيضاً أُخذ على العلماء أن يعلّموا من دونهم كما أُخذ على أتباعهم أن يتعلّموا (4) ، أي لعلّه عليه السلام أراد أن أمرهم عليهم السلام لا يحتمله إلّا من تأهّل للعون منهم على احتماله ، فلا يحمّلونه إلّا من شاؤوا وعلموا منه الإطاقة لذلك.

ووجه آخر لا يحتمله ، يراد به تكليفهم الخاصّ بهم ، ومن شاؤوا تحميله ما دون ذلك.

ص: 191


1- مرّ بمضمونه في العنوان : 59.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( ذكر ).
3- مختصر بصائر الدرجات : 125.
4- انظر الكافي 1 : 41 / 1.

وقال الشيخ حسن بن سليمان : ( لعلّه عليه السلام أراد ب- « من شئنا » : هم صلوات اللّه عليهم لأنّ علمهم الذي استودعهم اللّه سبحانه منه ما لا يصل إلى غيرهم ، بل خصّهم به ).

ثمّ استدلّ رحمه اللّه على ذلك الاختصاص بحديث تقسيم الاسم الأعظم ، وحديث « يا عليّ ، ما عرف اللّه إلّا أنا وأنت ، وما عرفني إلّا اللّه وأنت ، وما عرفك إلّا اللّه وأنا ». وغيرهما من الأخبار.

ثمّ قال : ( وصاحب الدرجة العليا يطيق حمل الدنيا ، وصاحب الدنيا لا يطيق حمل العليا كما في حديث أبي ذرّ : وسلمان : ؛ إذ كان أبو ذرّ : في التاسعة وسلمان : في العاشرة من درجات الإيمان ) (1). انتهى ملخّصاً.

ولا يخفى ما فيه من التكلّف والمنافرة لقوله عليه السلام : « من شئنا يا أبا الصامت ».

ص: 192


1- مختصر بصائر الدرجات : 125

[66] دفع إشكال لداء عضال « لا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء »

الشيخ حسن بن سليمان : بسنده عن مشايخه إلى زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : « لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق ما اختلف اثنان ، إن اللّه تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق قال : كن ماءً عذباً أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي ، وكن ملحاً أُجاجاً أخلق منك ناري وأهلَ معصيتي ، ثمّ أمرهما فامتزجا ؛ فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر ، والكافر المؤمن. ثمّ أخذ طيناً من أديم الأرض وعركه عركاً شديداً ، فإذا هم كالدبر (1) يدبّون ، فقال لأصحاب اليمين : إلى الجنّة بسلام ، وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا أُبالي. ثمّ أمر ناراً فاسعرت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها ، فأبوها ، فقال لأصحاب اليمين : ادخلوها ، فدخلوها ، فقال : كوني برداً وسلاماً. فكانت برداً وسلاماً. فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا قال : قد أقلتكم فأدخلوها. فذهبوا أن يدخلوها (2) فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية ؛ فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء » (3).

قلت : أجاب الشيخ حسن : عن قوله سلام اللّه عليه - : « فلا يستطيع هؤلاء .. » إلى آخره ، بثلاثة أوجه :

حاصل الأوّل أن هذا إخبار عمّا علم اللّه منهم من اختيار الحقّ أو الباطل وإقامتهم

ص: 193


1- في المصدر « الذر ».
2- قوله : « أن يدخلوها » ليس في المصدر.
3- مختصر بصائر الدرجات : 150.

وإصرارهم عليه ، وهذا لا ينافي التكليف والاختيار ، وأن بدْأه من عالم الذرّ. ومثّل لذلك بأمثلة كثيرة منها إخبار الرسول صلى اللّه عليه وآله : عمّن قتل يوم بدر من أهل مكّة أنهم لا يُسلِمون ، أي علم اللّه منهم أنهم لا يختارون الإسلام ، بل يصرّون على الكفر.

وحاصل الثاني أن المراد بنفي الاستطاعة : صعوبة الانتقال من خلقه المتّصف به من الإيمان والكفر ، لا التعذّر. ومثّل له أيضاً بأمثلة كثيرة منها قوله صلى اللّه عليه وآله : « يا عليّ : ثلاث لا يطيقها أحد من هذه الأُمّة : المواساة للأخ في ماله ، وإنصاف الناس من نفسه ، وذكْر اللّه على كلّ حال ».

ومنها قول أمير المؤمنين سلام اللّه عليه - : « ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ».

وحاصل الثالث أن أحاديث أهل البيت سلام اللّه عليهم - : تحذو حذو القرآن ، ففيها المحكم والمتشابه ، والخاصّ والعامّ ، والناسخ والمنسوخ ، والمجمل والمفصّل ، وغير ذلك. ولا يحلّ لأحد أن يكذّب الحديث ويردّه إذا لم يستبن له معناه ، بل يسلمه ويردّه إلى أهله (1).

قلت : وهناك جواب آخر هو أن كلّا منهما بعد ذلك بكونه نفسه بل حقيقته من مادّة اختياره هناك باختياره ؛ فالمؤمن من مادّة العقل والنور والإيمان ، والكافر من أضدادها ، فكلّ منهما اختار تكوينه من مادّة ، فليس في حكم اللّه جبر ، حتّى في الخلق ، فلا يخلق شيئاً إلّا بعد طلبه الخلق وقبوله له باختياره.

وجواب آخر هو أن المؤمن لا يستطيع أي لا يختار ولا يطلب أن يكون على غير ما ظهر له بالبرهان الحقّ المحكم المطابق لأصل فطرة الوجود ، فإنّه قد قام عنده البرهان بالسبل الثلاثة على ما اختاره. فعدم استطاعته تشبه عدم إمكان صدور المعصية من المعصوم عليه السلام ؛ لما علمه من حقائق الخلق على اليقين ، مع أنه قادر على فعلها البتّة ؛ لأنه أكمل المكلّفين بالاختيار ، واختياره أكمل الاختيار ، كما

ص: 194


1- مختصر بصائر الدرجات : 151 - 154 ، باختلاف.

أنه أكمل المختارين. فعدم استطاعة المؤمن أن ينتقل عن الإيمان شعاع من نور احتجاب المعصوم عمّا ينافي زينة العصمة ، والكافر لا يستطيع ترك كفره للطبع على قلبه وانتكاسه من أجل اختياره هناك ، فهو في ظلمة لا يبصر ، [ أصمّ أبكم أعمى (1) ] ، قد استدبر الحقّ باختياره ، واستحبّ العمى على الهدى باختياره ، فكان أيضاً مألوفاً. وطبعاً لا يستطيع الانتقال عنه على حدّ عدم استطاعة مفارقة الطبائع والمألوف ، أي يعسر ذلك ويشقّ جدّاً. وهذا وجه آخر.

ووجه آخر هو أن المراد بالاستطاعة المنفيّة هي الاستطاعة التي يكون مع الفعل حال الفعل لأصل القدرة أي إنه لا تتحقّق منه تلك الاستطاعة ؛ لأنّها مع الفعل حال الفعل ، وهو لا يختار ضدّ ما هو عليه ولا يقصده باختياره فلا تتحقّق منه تلك الاستطاعة ، واللّه العالم.

ص: 195


1- في المخطوط : ( صم بكم عمي ).

ص: 196

[67] إغاثة لهفان وتعريف عرفان : « أراهم نفسه »

الشيخ حسن بن سليمان : بسنده عن زرارة : عن أبي جعفر عليه سلام اللّه - : قال : سألته عن قول اللّه عزوجل ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (1) ، الآية قال : « أخرج من ظهر آدم عليه السلام ذرّيّته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذرّ ، فعرّفهم ، فأراهم نفسه ، ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه عزوجل »(2).

قلت : ظاهر لفظ الحديث أن فاعل أراهم والمضاف إليه في « نفسه » يعود ل- آدم عليه سلام اللّه بقرينة قوله : « عرّفهم فأراهم » ؛ فإنّ الظاهر أن « عرّفهم » يعود ل- « آدم عليه السلام ». وتفريع « فعرّفهم .. نفسه » عليه قرينة أُخرى على ذلك. فإذن « أراهم نفسه » أي عرّفهم إيّاها ، فقد عرّفهم نفوسهم لمقام المناوعة والرحمة العامّة ، بل نفوسهم حينئذٍ مندرجة في قوّة نفسه كالجزئيّات للكلّيّ.

والحاصل أن تعريفهم نفسه هو تعريفهم نفوسهم ، و « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » (3).

فظهر وجه تعقيبه بقوله سلام اللّه عليه - : « ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه ».

وحمله الشيخ حسن (4) : على أن المعنى أراهم نفسه أي عرّفهم إيّاه بالدليل الحازم الرافع للشكّ الموصل إلى اليقين.

وهو حسن إن حملناه على أن ربّهم سبحانه وتعالى أراهم نفسهم ، وهو أحد الوجهين.

ص: 197


1- الأعراف : 172.
2- مختصر بصائر الدرجات : 158.
3- مصباح الشريعة : 13.
4- مختصر بصائر الدرجات : 158.

و (1) هناك وجه آخر هو أن نفسه يراد به : نائبه العامّ ورسوله إلى كافّة الخلق ، وباب الجود والوجود. فلا ريب أن اللّه سبحانه وتعالى أخذ الميثاق منهم بأنه ربّهم ومحمّداً رسول اللّه : وعليّاً أمير المؤمنين : والمعنى على حدّ ما قال أمير المؤمنين عليه السلام : « أنا عين اللّه ، وأنا قلب اللّه ، وأنا يد اللّه » (2).

وشبه ذلك من الإضافات التي خصّهم اللّه بها إظهاراً لعظيم شأنهم ، فيكون المعنى : أراهم نائبه العامّ ووجهه ودليله الأعظم ، وعرّفهم إيّاه ، وأنه هو في كلّ مقام حتّى في رتبة الحسّ الظاهريّ والمشعر البصريّ ، ولله الحجّة البالغة ، فهو الدليل [ إلى (3) ] اللّه في كلّ مقام.

وهذا قانون ينفع الناظر في موارد كثيرة ، ويظهر به معنى كثير من أخبار أهل العصمة عليهم السلام مثل : « ما رواه الشيخ حسن بن سليمان : بسنده عن زُرارة : قال : قلت لأبي جعفر عليهما سلام اللّه - : أصلحك اللّه ، قول اللّه عزوجل ( فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) (4)؟ قال : « فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفة أنّه ربّهم ». قلت : عاينوه؟ فطأطأ رأسه ثمّ قال : « لولا ذلك لم يعلموا مَن ربّهم ، ولا مَن رازقهم؟ » (5).

فهذه المعاينة على سبيل ما قال أمير المؤمنين - سلام اللّه عليه - : لمّا سئل : أرأيت ربّك يا أمير المؤمنين :؟ قال : « لم أكن لأعبد ربّاً لم أرَه ». قال : وكيف رأيته؟ قال لم ترَه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (6).

أي إنهم عرّفهم نفسه ، فعرفوه في مجالي صفاته وأسمائه الحسنى وآياته ومقاماته التي لا تعطيل لها. فهو سبحانه الشاهد بأنه لا إله إلّا هو ، لا معبود سواه ، ولا ربّ غيره ، الظاهر لعباده بأسمائه وصفاته. قال الحسين سلام اللّه عليه - :

ص: 198


1- في المخطوط بعده : ( عليك ).
2- التوحيد : 164 / 1 ، وفيه : « أنا علم اللّه ، وأنا قلب اللّه الواعي ، ولسانه اللّه الناطق ، وعين اللّه ، وجنب اللّه ، وأنا يد اللّه ».
3- في المخطوط : ( على ).
4- الروم : 30.
5- مختصر بصائر الدرجات : 160.
6- المصدر نفسه.

« تعرّفتَ لكلّ شي ء في كلّ شي ء حتّى لا يجهلك شي ء » (1).

وقال : « أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ عميتْ عين لا تراك عليها رقيباً » (2).

فالمراد : معاينة الدليل الجامع ، والاسم الأعظم ورؤيته ، واللّه العالم.

ص: 199


1- الإقبال بالأعمال الحسنة ( حجريّ ) : 350 ، وفيه : « تعرّفت لكل شي ء فما جهلك شي ء ».
2- الإقبال بالأعمال الحسنة ( حجريّ ) : 350. فائدة: قال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار): (قد أورد الكفعمي رحمه اللّه هذا الدعاء (دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة) في (البلد الأمين)، وابن طاووس رحمه اللّه في (مصباح الزائر) كما سبق ذكرهما، ولكن ليس في آخره فيهما بقدر ورق تقريباً، وهو من قوله: «إلهي أنا الفقير في غناي»، إلى آخر هذا الدعاء، وكذا لم يوجد هذه الورقة في بعض النسخ من (الإقبال) أيضاً، وعبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السادة المعصومين عليهم السلام أيضاً، وإنما هي على وفق مذاهب الصوفية. ولذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفية). بحار الأنوار 95 : 227 / 4. وهاتان العبارتان الواردتان في هذا الكتاب واقعتان في هذه الورقة التي نقل المجلسي رحمه اللّه احتمال بعضهم أنها من زيادات بعض مشايخ الصوفية، ونسخة (الإقبال) المطبوعة حديثاً تخلو من هذه الزيادة.

ص: 200

[68] تمليح وتلميح الاسم في البسملة وفي الحمد

سألني بعض مشايخنا مذاكرة : هل لفظ الجلالة في بسملة ( الحمد ) ، وفي ( الْحَمْدُ لِلّهِ ) (1) واحد أم بينهما فرق؟

فأجبت على تشتّت من البال في تلك الحال أن الذات تسمى بجهة صفة ، فالصفات معاني الأسماء بهذا الاعتبار فهي سابقة عليها. ولعلّ إضافة اسم في البسملة يشعر بكون المضاف إليه من مقام معاني الأسماء ؛ وعليه يحتمل كون وصفي الرحمة للاسم وللمضاف إليه.

ومقتضى لازم الملك والاستحقاق والتربية والحمد كون اسم الجلالة في ( الْحَمْدُ لِلّهِ ) باعتبار تلك المعاني والصفات المتحقّقة في البسملة الناشئة منها ، فالثاني أخصّ باعتبار الأوصاف.

وأيضاً البسملة في مقام افتتاح الكتاب وهو من مقام ابتداء الخلق ، فالاسم فيها هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى التي لا يسمّى به إلّا ذات الواجب تعالى ، وفي الْحَمْدُ للهِ هو باعتبار المحامد والنعمة والتربية ، واللّه العالم.

ص: 201


1- الحمد : 1.

ص: 202

[69] كشف وإنارة : الليل قبل النهار والنهار قبل الليل

ما الجمع بين ما دلّ من الروايات والبراهين العقلية على أن النهار خلق قبل الليل (1) ، والنور قبل الظلمة (2) ، وبين ما دلّ منهما على أن ليلة اليوم الحاضر هي الماضية ، وعليه انعقد إجماع الأُمّة شرعاً واتّفقت كلمة أهل اللغة ، وتفاهم أهل العرف في كلّ زمان ومكان. فهو ملحق بالضروري ؛ إذ لا يرتاب أحد في أن أوّل الشهر غروب شمس آخر يوم من الذي قبله ، وأنه آخر الشهر الماضي؟

قلت - وباللّه المستعان - : اعلم أن اللّه تعالى بحكمته أوّل ما ابتدأ خلق ما هو أشدّ وجوداً وأجمع فعليّة وأكمل نوراً ، وهو بابه الأعظم ، فتنازل الوجود إلى مرتبة الأرض والتراب ، ثمّ عاد إلى ما منه بدأ ، فانقسمت الدائرة إلى قوسي بدءٍ وعودٍ. فقوس البدء كلّ درجة سابقة فيه أعلى ممّا تحتها وهي نهارها ، بخلاف قوس العود فإنّه على العكس من ذلك. فكلّ سافل في قوس النزول وإدبار العقل يظهر بعد العالي ، وعكسه في قوس إقبال العقل ، فالفعل في قوس إدباره قبل القوّة ، والقوّة في قوس إقباله وهو العوديّ قبل الفعل.

وبالجملة ، فهذا العالم على التعاكس من عالم الأنوار ، فكلّ رتبة تظهر أوّلاً في قوس إدبار العقل تظهر بعد ظهور ما بعدها في قوس إقباله ، والفعل في قوس

ص: 203


1- الاحتجاج 2 : 249 ، مجمع البيان 8 : 548.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 241 / 1.

التكليف الإيجادي يسبق القوّة ، والقوّة في قوس الإيجاد التكليفي تسبق الفعل. وبذلك يكمل الاختيار والاختبار ، و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) فيهما ، وما كان عن الوسع لا يمكن كونه عن جبر واضطرار.

فآخر القوس البدئيّ وأوّل العوديّ مرتبة الهيولى الصرف والهيولانيّ البحت. ولعلّ من أسرار ذلك وجوب المناسبة بين الفاعل من حيث هو فاعل أي بجهة فاعليّته التي هي علّة المفعول - [ و ] القابل من حيث هو كذلك ، فلا يلزم من ذلك تشابه حقيقة الفعل لذات الفاعل لذاته ، فلا يشبه ذات الفعل ذات فاعله من غير مزايلة ، ولا ينافيها من غير ممازجة ومشابهة. وكذلك النتيجة والشكل ، والدليل والمدلول ، والاسم والمسمّى ، والعلّة والمعلول ، إلى غير ذلك.

فظهر بهذا أن النهار في صقع الإبداع الأوّل سابق على ليله ، والليل في صقع القوّة الاستعداديّة ودائرة الزمان وعرصة المكان سابق على نهاره. فسبق النهار في ابتداء الخلق هو سبق الليل في عالم الزمان ، لأنّ هذا ظلّ ذاك ، والظلّ لا يظهر إلّا على عكس شكل ذي الظلّ ، فأسفله أعلاه ، وأعلاه أسفله ، كما هو محسوس.

فدليل كلّ منهما هو دليل الآخر ، فالمجرّد سابق الأجسام بدءاً ، ولاحقها عوداً. وعند كون أحدهما شهادةً يكون الآخر غيباً فيه ، فكلّ منهما ليل للآخر بوجه ، الظاهر نهار والغائب ليل. ومن هنا يظهر لك الوجه في موارد كثيرة ، فآدم عليه السلام : سكن الجنّة قبل الدنيا وبعدها ، ولو لم يسكنها أوّلاً لم يسكنها آخراً ؛ لأنه لا يعود شي ء إلّا لما منه بدأ.

ولذا من لم يسكنها من بني آدم عليه السلام : أوّلاً ولم يدخل نار التكليف المؤجّجة في الذرّ لا يسكنها آخراً ، وإنّما عود إلى بدء. وكانت دولة الجهل في دار الخلط سابقه على دولة العقل ، فلا يقوم العدل حتّى يستحكم الجور ويخلص ، وذلك بعد انتهاء الأقاليم السبعة ، وكمال عمارة الدنيا. فإذا سامتَ القطب الرأس ، واستولى على الحواسّ ، وانطبقت دائرة المعدّل على الأُفق الحقيقيّ ، عُدم الميل وانسلخ النهار من

ص: 204

الليل. وكالوجه في أن الروح أوّل ما تلج من الرأس ، وتجمع الحواسّ وآخر ما تخرج منه ، وكبَدْأة خروج رأس الجنين قبل جسده من بطن امّه ، وكإدخال رأس الميّت الذكر في قبره قبل جسده.

وأمّا المرأة فلمّا كانت من فاضل طينة الرجل كانت مادّتها جانبه الأيسر ، وأُدخلت القبر بجانبها أجمع ، فهي كالبارزة دفعة بجميعها فترد القبر كذلك. ومن أجل ذلك كانت تابعة للرجل وكلّفت بطاعته ، ولكثافة طينتها بالنسبة إليه لكونها من فاضله ؛ احتاجت إلى زيادة تصفية ، فكان سنّها في البلوغ أقلّ من سنّ الرجل لما في التكليف وزيادته من التصفية ، واللّه العالم.

ص: 205

ص: 206

[70] نزل كريم وفضل من اللّه عميم : « زيادة كبد الحوت »

روي أن أوّل نزل أهل الجنة يوم القيامة زيادة كبد الحوت (1) ، ولعلّ بعض وجوهه أن الحوت بارد رطب ، والكبد فيه حرارة بالنسبة إلى حيوانه ، والرطوبة مادّة تكوّن الأجسام المركّبة ، والحرارة مادّة روحها وحياتها ، وحرارة كبد الحوت أولى مراتب الحرارة وأضعفها. وأوّل ما يبدو في درجات تكوّن الإنسان حرارة تتعلّق برطوبات مادّة جسمه مثل حرارة كبد الحوت ، وهي مثل آخر حرارة ، فبقي عند نزع روحه ( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) (2).

وبوجه آخر : الحوت حامل الأرض ، ولكلّ أرض حوت تناسبه [ هي (3) ] روحه ، والممدّة للجسد غذاءه ، ولكلّ عضو هو الكبد ، وزيادتها : مظهر قوّتها ، وآلتها التي بها تقسم صفو الكيلوس إلى أربعة أخلاط ، وهي القابضة الممسكة المعدة ، فالإنسان دائماً أول غذائه ومدد حياته من زيادة الكبد ، فزيادة حوت أرض محشرهم تمدّهم أوّل حرارة الحياة الأُخرويّة.

ص: 207


1- علل الشرائع 1 : 117 - 118 / ب 85 ح 3. بحار الأنوار 8 : 173 / 1. صحيح البخاري 3 : 1211 / 3151 ، وفيها : « وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة ، فزيادة كبد الحوت ». وهي : قطعة منفردة متعلّقة بالكبد ، وهي أطيبها وألذّها ، بل هي أهنأ طعام وأمرؤه. عمدة القارئ شرح صحيح البخاري1. 211.
2- الأعراف : 29.
3- في المخطوط : ( هو ).

ولا يبعد أنه في عالم الدنيا يستمدّ أوّل درجات حرارة حياته من زيادة كبد حوت أرض الدنيا معرفة المحيص به الواصل له به ، لكن بحسب الغيب ؛ حتّى يكون في أوّل مراتب الحياة الآخرة شهادة تفكّر في أن آخر دائرة البروج الاثني عشر برج الحوت الذي به تشقّ الأرض بالنبات والمعدن والحيوان. وهو برج الثاني عشر من صفوة الأبدال الذي هو عمد من نور أو فضّة وبه ومنه المدد. ولا تنكر أن يكون أوّل نزلهم كبد حوت محسوسة ، وزمن الحوت زمن الاعتدال الأشرف الربيعيّ ، واللّه العالم.

ص: 208

[71] نور قرآني وخطاب بياني : تواتر القراءات السبع

كلّ واحدة من القراءات السبع متواترة بالنصّ والإجماع.

أمّا الأول فحديث : « اقرأوا كما تقرأ الناس » (1). ووجه الدلالة أن الشارع أمر المكلّفين بقراءة القرآن وجوباً عينيّاً أو كفائيّاً أو استحباباً ليدّبّروا آياته فيعملوا بها. والضرورة قاضية بوجوب ذاته على نحو ما أمر به الرسول صلى اللّه عليه وآله : وبلّغه عن اللّه ، ونزل به جبرئيل ، حتّى يحصل يقين أن هذا المتلوّ هو كلام اللّه ، فلا يجوز قراءته كيفما اتّفق ، ولا بأي لغة اتّفق ، ولا بأيّ ترتيب اتّفق ، ولا بأيّ إعراب اتّفق ، بل بمثل ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وآله : عن اللّه تعالى. فالقراءة بالرواية لا بالرأي إجماعاً.

فإذن ، لا بدّ أن يعيّن الشارع إلى معرفة ذلك طريقاً يوصل المكلّفين إليه ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان ؛ لأنّ التكليف بالمجهول تكليف بالمحال ، وهو ظلم ؛ فهو باطل بالضرورة ، فحينئذٍ نقول : الطريق إلى ذلك هو قراءة السبعة القرّاء المشهورين ، فإنّ قراءة كلّ واحد منهم ؛ إما أن تكون متواترة فالأمر فيها واضح ، أو غير متواترة فلا يبقى سبيل إلى العلم بكتاب اللّه الذي كلّف اللّه عباده بتدبّره والعمل بما فيه ، وجعله معجزة الرسول صلى اللّه عليه وآله المستمرّة الكبرى ، والحجّة بينه وبين عباده. فلو لم تكن السبع متواترة لما حصل القطع بشي ء من القراءات أنه كلام اللّه بعد الترجيح بينها ، فتسقط

ص: 209


1- بصائر الدرجات 193 / 3 ، بحار الأنوار 89 : 88 / 28 ، وفيهما : « اقرأ كما يقرأ الناس ».

حجّيّته وهو ضروري البطلان.

مضافاً إلى أن الشارع أذن للمكلّفين أن يقرءوا كما تقرأ الناس ، ولا ريب أن الناس قد أطبقوا على القراءة بقراءة السبعة ، والاجتزاء بكلّ واحدة منها في الصلاة ، والاحتجاج بكلّ واحدة منها في الأُصول والفروع بلا نكير ، وهذا فرع تواتر كلّ منها. ولو قيل بالإطلاق بكلّ ما يقرأ الناس لزم عدم انحصار المتواتر منها ، ولم تخرج السبع منها.

أمّا القول بتواتر العشر كما هو قول جمع من المحقّقين ، بل قال الشيخ بهاء الدين : في حاشية تفسير البيضاوي : ( أن تواتر قراءة العشرة هو مشهور الإماميّة ) فقول بتواتر قراءة السبعة من غير عكس.

فظهر بهذا أن القراءة بقراءة السبعة لا ريب أنّها قرآن وإن حصل الشكّ في غيرها ؛ إذ لم يقل أحد من الأُمّة : إن القراءة المتواترة خارجة عن السبعة ، وإن السبعة آحاد ، فإنّ ذلك يوجب سدّ باب العلم بمعرفة ألفاظ القرآن الذي هو معجز نبيّنا صلى اللّه عليه وآله ، ويوجب سدّ باب التكليف به.

فإذن وجب أن يكون هناك سبيل يعرف به على اليقين ، وقد اتّفقت الأُمّة على تواتر قراءة السبعة وغيرها ممّا حصل الشكّ فيه في الجملة ، فقد تبيّن أن قراءة السبعة هي قراءة الناس التي أمر أهل البيت عليهم السلام : بالرجوع إليها والقراءة بها.

وأيضاً ظاهر قولهم عليهم السلام : « كما تقرأ الناس » أن الأمر إنّما ورد بالقراءة بما يقرأ به جميع الناس ؛ لأنّ لفظ الناس بمنزلة الجمع المحلّى ، وهو يفيد العموم ، ولم يقرأ جميع الناس إلّا بقراءة السبعة ، فخرج الثلاثة المكمّلة للعشرة فضلاً عن الشواذّ عن الخبر ، وانحصر مدلوله فيها. ولا يمكن أن يراد منه الأمر بالقراءة بكلّ ما قُرِئ به لبطلانه إجماعاً.

وأمّا الإجماع [ فقد (1) ] ثبت في سائر الأعصار والأمصار قولاً وعملاً من الاجتزاء

ص: 210


1- في المخطوط : ( فلا ).

بأيّ قراءة من السبعة في الواجب والندب ، وجميع أهل العصر يستدلّ بها في الأحكام ويقول : ( دلّ كلام اللّه الذي أنزله على نبيّه ) في كلّ عصر ، طبقة فطبقة.

وأيضاً وجدنا كلّ من صنّف في هذا الباب في كلّ عصر يروي قراءة السبعة بطرق متعدّدة عمّن يثق به عن مشايخه الذين يعتمد على روايتهم من أهل الضبط والمعرفة وغيرهم ، بل ربّما تجد كلّ مصنّف من المصنّفين يرويها بطرق غير طرق الآخر على اختلاف أطوارهم وأزمانهم ، ومساكنهم وأهويتهم ، ومطاعمهم ومشاربهم ، بل لا يشكّ كلّ واحد بتواترها في كلّ عصر من أهل فرق مذاهب الإسلام ؛ لأنه لا يرتاب أحد في أنّها كلّها كلام اللّه المنزل على محمَّد صلى اللّه عليه وآله : بعنوان القرآن بحيث [ لا يشوبه (1) ] شكّ ، وهذا فرع ثبوت تواترها في كلّ نفس ، فلو لم يكن ذلك حقّا لوجب على الإمام عليه السلام بيانه.

ولم أجد ولا أظنّ أن أحداً وجد قرينة فضلاً عن دليل تُشعر بأنّ قراءة أحد السبعة في آية ليست بقرآن ، وبذلك علم يقيناً دخول قول المعصوم في جملة الأُمّة القائلين بتواتر قراءة السبعة وأنّها قرآن وكلام اللّه. وهذا هو معنى الإجماع ، ولأنّ تقرير الإمام للأُمّة على ذلك دليل على رضاه به ، ورضاه به دليل على أنه حقّ لا يحتمل النقيض.

هذا ، وكم إجماع حصل عند أفاضل العلماء وتواتر ثبت لديهم بأقلّ ممّا ثبت به تواتر قراءة السبعة وأنّها إجماع بكثير (2). وبذلك تبيّن تواتر قراءة كلّ واحد من السبعة بالنصّ (3) والإجماع الذي لا شكّ فيه.

وأيضاً فممّا لا ينبغي بل لا يمكن الشكّ فيه أن القرآن قطعيّ المتن ، وأن ذلك إجماع ، وهو فرع تواتره ، فلا بدّ فيه من قراءة متواترة. وهذا في غير السبع ممنوع ؛ لعدم الدليل عليه ، فانحصر المتواتر فيها.

وأيضاً يلزم القائل بعدم تواتر السبع أنه لا متواتر في شي ء من القراءات ، فينسدّ

ص: 211


1- في المخطوط : ( شوبه ).
2- كذا في المخطوط.
3- وسائل الشيعة 6 : 162 ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب 74.

باب العلم بأنّ شيئاً منها كلام اللّه ، فتبطل [ حججه (1) ] أجمع.

نعم قال الشيخ الرضيّ : ( لا نسلّم تواتر كلّ واحدة من قراءة السبعة ) وهذا إن أراد به أن المتواتر منها ما اجتمعت السبعة عليه دون ما اختلفوا فيه ، فقد خرج بهذا شطر القرآن أو نحوه عن كونه قرآناً على اليقين ، والظنّ لا يغني هنا شيئاً ؛ فلا يحترم ، ولا يجوز الاستدلال به ولا قراءته في الواجب. وهذا ضروريّ الفساد من وجوه ، ومستلزم للتكليف بالمجهول ، ومخالف لضروريّ الملّة ، فضلاً عن المذهب ، مع أن الطريق الذي ثبت به تواتر ما اتّفقوا عليه حاصلٌ فيما اختلفوا فيه ؛ فإنّ مجرّد اتّفاقهم لا يدلّ على تواتر ما اتّفقوا عليه.

وإن أراد أن المتواتر هو ما اتّفقوا عليه وأحد ما اختلفوا فيه غير معلوم بعينه ، لزم التكليف بالمحال وحجّيّة ما لا سبيل إلى معرفته والاستدلال بما لا يستطاع التوصّل إليه على كلّ حال. فشطر القرآن لا يعلم كونه قرآناً ؛ إذ كلّ واحدة من قراءة السبعة مشكوك في كونها قرآناً وفي تواترها.

نعم ، هذا ينطبق على القول بأنّ الحقّ واحد غير معلوم ، وهذا ضروريّ البطلان إجماعاً.

وإن أراد معنًى غير هذا فهو أعلم به.

وبالجملة ، فظاهر هذا الكلام اجتهاد في مقابلة الدليل ، ومنعٌ للدليل بلا دليل ، فإنّ جميع الأُمّة منذ كُتبت المصاحف العثمانيّة إلى عصرنا هذا مطبقة على اليقين من حرّها وعبدها ، ذكرها وأُنثاها ، صغيرها وكبيرها ، جاهلها وعالمها ، مؤمنها ومسلمها أن ما بين الدفتين كلام اللّه ، وأنه يجب احترامه وتعظيمه ، وأنه لا يمسّه إلّا المطهّرون ، وعلى أنه كلّه حجّة ودليل ومعجزة في سائر الأعصار والأمصار.

فلو فرض أن الرضيّ : مخالف في جزئيّ وحاشاه لم يضرّ بالإجماع الذي سبقه ولحقه وعاصره.

ص: 212


1- في المخطوط : ( حجية ).

فثبت بما قرّرناه تواتر كلّ واحدة من قراءات السبعة بلا شكّ ، ولا نسلّم تواتر العشرة.

وقد وقفتُ بعد هذه الكتابة على كلام للنيسابوري : في تفسيره يؤيّدها قال : ( القراءات السبع متواترة ، لا بمعنى أن سبب تواترها إطباق القرّاء السبعة عليها ، بل بمعنى أن ثبوت التواتر بالنسبة إلى المتّفق قراءته كثبوته بالنسبة إلى كلّ من المختلَف في قراءته ، ولا مدخل للقارئ في ذلك إلّا من حيث أن مباشرته لقراءته أكثر من مباشرته لغيرها ، حتّى نسبت إليه. وإنّما قلنا : إن القراءات السبع متواترة ؛ لأنه لو لم يكن كذلك لكان بعضٌ غير متواتر ك- ( ملك ) ، ( ومالك ) (1) ونحوهما ؛ إذ لا سبيل إلى كون كليهما غير متواتر ، فإنّ أحدهما قرآن بالاتّفاق. وتخصيص أحدهما بأنه متواتر دون الآخر تحكّم باطل ؛ لاستوائهما في النقل ، فلا أولويّة به ، فكلاهما متواتر ، وإنّما يثبت التواتر فيما ليس من قبيل الأداء كالمدّ ، والإمالة ، وتخفيف الهمزة ، ونحوها ) (2) ، انتهى.

وهو موافق لما قلناه وإن كان في استثناء بعض ما استثناه نظر ، واللّه العالم بحقيقة الحال.

ص: 213


1- الحمد : 4.
2- تفسير غرائب القرآن 1 : 23.

ص: 214

[72] نور فرقاني وضياء بياني ( فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً )

قوله تعالى في سورة ( النساء ) ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً. أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً ) (1).

قلت : لعلّ المراد : نفي أن يكون للذين أُوتوا نصيباً من الكتاب نصيب من الملك الحقيقيّ ؛ بدلالة الاستفهام الإنكاريّ ، فمن ليس له نصيب من ملك لا يفيض منه جود ولا وجود بوجه أصلاً. فإذا عجز الإنسان عن نفع نفسِهِ فمن أين يأتي مَن يلوذ به النفع؟ وذلك أن المُلك لله الواحد القهّار ، فلا جود ولا وجود إلّا من لدنه ؛ إذ لا ملك إلّا له. ومن ليس له ملك بوجه وهو في ذاته معدم فقير لا يؤتي النقير. بل المعطي هو المالك حقيقةً وإن كان في صورة الظاهر من ذلك عطاء ، فلا يرد ما أورده النيسابوري (2) : من أنّا نجدهم يعطون في حال عدم ملكهم ، ومن كان في حال ملكه بخيلاً فهو في حال عدمه أبخل.

هذا إنْ ارجع الضمير المجرور باللام إلى الذين ، أمّا لو رجع إلى ( بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ ) لم يرد الإيراد من أصله ؛ لأنّ الجبت والطاغوت من حيث هما كذلك لم

ص: 215


1- النساء : 51 - 53.
2- تفسير غرائب القرآن 2 : 427.

يصدر منهما إيتاء بوجه أصلاً ، مع أنه لو أُورد عليه الإيراد جرى فيه الجواب.

لنا أن نقول : الآية خاصّة بأعداء آل محمَّد صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ الناس هم آل محمَّد صلى اللّه عليه وآله فلا اعتراض ، واللّه أعلم بالصواب.

ص: 216

[73] فصّ يماني ونور برهاني : برهان العصمة

[73] فصّ يماني ونور برهاني : برهان العصمة (1)

الرسول صلى اللّه عليه وآله معصوم في جميع حالاته ، حتّى عن السهو والغلط ؛ وذلك لأنه رسول اللّه : مطلقاً في جميع حالاته وحركاته وسكناته فلا ينطق عن الهوى ، ولا يسكن ولا يتحرك إلّا بوحي يوحى ، فلا يصدر إلّا عن اللّه عزوجل ، فهو رسول اللّه : في جميع حالاته ، بل وبكل جوارحه. والعاصي والساهي والغافل وشبهه من غيبة السكر والإغماء ، بل والنوم من حيث المتعارف منها ، جميع أفعالهم من حيث هم كذلك ، ليست عن اللّه ولا ينطقون عنه ولا بوحيه ، فليس العاصي والساهي وشبههما رسول اللّه في تلك الحال من الجهة ، وقد كان الرسول رسول اللّه في جميع حالاته مطلقاً من كلّ وجه ؛ إذ لا يصحّ تجزّؤه لأنه كلّه لله ، هذا خلف. وهذا بعينه جارٍ في الخليفة والإمام حرفاً بحرفٍ ، واللّه العالم.

ص: 217


1- مرّ هذا في العنوان : 8.

ص: 218

[74] تعشير وتخميس فيه تزكية وتقديس : الفرق بين الزكاة والخمس

مسألة : ما الفرق بين الزكاة والخمس ؛ حتّى كانت الزكاة أوساخ الناس وحرمت على بني هاشم وأهل البيت عليهم السلام دون الخمس حتّى خصهم اللّه بالخمس وحرّم عليهم الزكاة مع أنّهما مشتركان في أن كلّاً منهما جزء من مال الناس؟

قلت وباللّه الاعتصام - : لعلّ الفرق بطريقين :

أحدهما : أن الزكاة لا تخلو من شوب امتنان ؛ لأنّها بالعاملة أشبه ، ولذا سمّيت صدقة ، والصدقة لا تخلو من شائبة انكسار في نفس المتصدّق عليه ، والخمس حصّة على سبيل الشركة والاختصاص ؛ فالخمس بحقوق الشركاء أشبه ، وهي بحقوق واجبي النفقة أشبه. وأكثر الطباع تشحّ بأطايب المال في الصدقة ، وتحرص على الاختصاص به وعلى اصطفائه ، فلذا خفّف اللّه عنهم وأمر بترك أخذ كرائم الأموال في الزكاة ، فأطلق عليها أوساخاً أي فضلات والخمس حصّة شائعة تؤخذ من كلّ عين ، بل خصّ الإمام بالأنفال وبصفو المال.

الثاني : أن هذا العالم الذي أُمر فيه بإخراج الزكاة والخمس لمّا كان عالم الخلط والمزج كان كلّ ما يزكّى فيه قسطاً من الحلو وآخر من المالح ، وقسطاً من الطيّب وآخر من الخبيث.

ص: 219

يدلّ على ذلك حديث غرْس آدم ونوح عليهما السلام للكرم والحبلة (1) ، فما غرسا غرساً إلّا ولإبليس : لعنه اللّه فيه نصيب (2) ، فجعلت الزكاة في مقابلة سهم الشيطان ، فكانت أوساخاً ، وكان الخمس في مقابلة سهم آدم عليه السلام ، فكان ملكاً صافياً لا درن فيه ، وكان كلّ منهما بالقدر المعين ، لعلّة كون ذاك صرفاً خالصاً أو هو خالص في الخمس ، وفي الزكاة كفى المقدّر لخلوصه وما زاد. وإن أُشيب فقد أُبيح لطفاً ورحمةً وعفواً ، أو لكفاية المقدّر في رفع ضرورة المضطر ، فهي تشبه أكل الميتة وهي اولى منها من وجوه ، فأُبيحت للمضطرّ بقدر دفعها. والخمس لله ولرسوله وأهل بيته مع الغناء الحقيقي ، ولباقي الأصناف معاً فأُعطوا ما يكفيهم ؛ لأنهم عيال الإمام. هذا على سبيل الإجمال ، واللّه العالم بحقيقة الحال.

ص: 220


1- الحَبَلة : بالتحريك ، وربما يسكّن : القضيب من الكرم. والصحاح 4 : 1665 حبل.
2- تفسير العياشي 2 : 284 / 40 ، وفيه غرس نوح عليه السلام للحبلة دون آدم عليه السلام ، الكافي 6 : 393 - 394 / 2 ، 394 / 3.

[75] جمع ودفع : خمسة أشياء تفرّد بعلمها الباري تعالى

ما الجمع بين ما دلّ من الأخبار (1) على أن خمسة أشياء تفرّد بعلمها الباري تعالى لم يُطلع عليها نبيّاً ولا ملكاً ، وهي المشار لها في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (2) ، وبين ما دلّ على أن أهل البيت عليهم السلام عندهم علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى آخر الدهر (3) ، وهذا مستفيض جدّاً بل متواتر المضمون؟

الجواب ومن اللّه استمداد الصواب من وجوه :

أحدها : أن ما دلّ على عدم علمهم بشي ء من ذلك آحاد ، أو متشابه ، أو مؤوّل بنفي علمهم به من أنفسهم ذاتاً ؛ إذ لا علم لهم إلّا ما علّمهم اللّه.

الثاني : أو أنّهم لا يعلمونها بحسب المقام البشري الذي سكنوه مع أبناء النوع ، وإن علموها من مقامٍ آخر. وعلى هذا يحمل ما ورد من طلبهم الجارية وقد تستّرت في بعض البيوت ، وقال لا أدري أين هي (4).

ص: 221


1- تفسير القمي 2 : 167.
2- لقمان : 34.
3- انظر الكافي 1 : 260 - 261 / باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون ..
4- الكافي 1 : 257 / 3.

ويمكن أن يكون بعض وجوه قوله عزّ اسمه ( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) (1).

الثالث : أو معنى نفي علمهم بها : اشتراط البداء فيها ، وإخبار بأنّها ليست من المحتوم.

الرابع : أو أنّهم لا يعلمونها بالجزئيّة الخاصّة الشخصيّة من كلّ وجه ؛ لأن ذلك لا يكون إلّا بعد الوجود الخارجي الجزئيّ ؛ إذ لا يكون علم بأنّ هذا الشي ء وقع في الزمان خارج الحسّ إلّا بعد كونه كذلك.

الخامس : أو أنّهم لا يعلمونها باعتبار مقام ( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (2) ، ويعلمونها باعتبار مقام ( إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (3).

وهذه الوجوه جاريات في جميع الجزئيات.

وإنّما خصّت الخمسة بالذكر ؛ لأنّ أربعة منها هي أركان الوجود وموادّه : الخلق ، والرزق ، والحياة ، والموت ( خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) (4).

فإنزال الغيث إشارة إلى مادّة الحياة ؛ لأنّ منه مدد حياة المركّبات ؛ لأنّ به يحيي اللّه الأرض بعد موتها.

وعلم ( ما فِي الْأَرْحامِ ) إشارة إلى الخلق.

و ( ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ) إشارة إلى الرزق.

( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) من أراضي الآفاق والأنفس والطبائع ؛ لأنّها فطرت على الاختيار [ وكمال تحقّقه حين الوقوع (5) ].

فهذه الأربع جمعت كلّيّات [ مواد (6) ] العالم من الكلّيّ والجزئيّ.

ص: 222


1- الشورى : 52.
2- الجن : 26.
3- الجن : 27.
4- الروم : 40.
5- هذه الإضافة من موضوع ( جمع وبيان ) اللاحق ، وهو في المطلب نفسه.
6- في المخطوط : ( موارد ).

وأمّا الساعة فهي غاية الأربع الجامعة لعللها ، وهي سرّها وباطنها وغيبها ، فيجري فيها ذلك كلّه بما يناسبها ، فوقتها ومكانها يرجع إلى الرتبة مثلاً ، فإنّها ليست من الزمانيّات والمكانيّات المعروفة ( لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً ) (1) ولهذا ترى الرسول صلى اللّه عليه وآله : إذا سئل عن زمانها أو مكانها يجيب بمثل هذا لعلمه صلى اللّه عليه وآله من السائل أنه يطلب لها زماناً ومكاناً (2) بما يعقله منهما.

فنفي علمه بها على معنى أن ليس لها زمان ولا مكان ، وليست من الزمانيات ولا من المكانيات ، بل يستحيل كونها كذلك بالمعنى المتداول ، فهو يقول للسائل إنّها ليست زمانية ، فلا أعلم لها زماناً ، ولا مكانية فلا أعلم لها مكاناً حتّى أُخبرك بذلك ، بل هي فوق دائرتهما. والسائل يطلب بسؤاله عن زمانها ومكانها المستحيل ، لأنه يطلب زمان ما لا زمان له ، ومكان ما لا مكان له ، بل يستحيل أن يحويه الزمان والمكان ، والرسول صلى اللّه عليه وآله : يجيبه بألطف جواب وأجمع صواب ، وأبلغ خطاب وأجمل جلباب ، واللّه العالم بالصواب.

ص: 223


1- الأعراف : 187.
2- أي أعلم أن ليس لها زمان وليس لها مكان فكيف أُخبرك عن هذا؟ فهو من قبيل ( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) الرعد : 2 بناء على القول بأن ( تَرَوْنَها ) صفة لعمد فيكون المعنى : بعمد لا ترونها. انظر مجمع البيان 5 : 354، الكشاف 2 : 512.

ص: 224

[76] جمع وبيان ( إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ )

[76] جمع وبيان ( إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ) (1)

مسألة : ما الجمع بين ما دلّ من الأخبار على أن خمسة أشياء تفرّد بعلمها الباري تعالى لم يُطلِع عليها نبيّاً مرسلاً ولا ملكاً مقرّباً ، وهي المشار لها في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ .. ) (2) وبين ما دلّ منها على أن الأولياء والأنبياء أخبروا عن علمهم بذلك بل ربما أخبر غيرهم عن بعض الأربعة الأخيرة؟

والجواب ، وعلى اللّه التكلان من وجوه : منها أن ما دلّ على علم الأنبياء وخلفائهم بذلك لا يضبط كثرةً ، فهو مستفيض بل متواتر المضمون ، وأكثره نصّ محكم ، وما دلّ على عدمه آحاد أو من المتشابه ، ولا معارضة إلّا بعد المقاومة.

ومنها أن ما دلّ على نفي علمهم بذلك نفي علمهم من تلقاء أنفسهم ، وهذا لا ينافي علمهم به بتعليم العليم الخبير.

ومنها أنّهم لا يعلمون ذلك بحسب المقام البشري الصرف ويعلمونه مِن مقامٍ فوقه كقوله تعالى : ( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) (3) ، ومن هذا نفيه عليه السلام (4) علمه بالجارية حين هربت منه وتستّرت ببعض بيوت الدار (5) ، ومنه نفي علمهم بالغيب ولعنهم من يدّعي فيهم ذلك (6) ، وهذا يجري في الوجه الأوّل أيضاً ، وهو نفي علمهم

ص: 225


1- مرّ الكلام عليه في العنوان السابق.
2- لقمان : 34.
3- الشورى : 52.
4- الكافي 1 : 257 / 1.
5- الكافي 1 : 257 / 3.
6- الاحتجاج 2 : 550 / 347 ، بحار الأنوار 25 : 267 / 9.

من تلقاء أنفسهم. وله وجه آخر هو أن يراد بالغيب : رتبة الوجوب.

ومنها أنّهم لا يعلمون ذلك ؛ [ لأنه (1) ] من المحتوم قبل أن يصل إلى رتبة الإمضاء لسرّ البداء ، ومنه سرّ خوفهم عليهم السلام كخوف موسى عليه السلام من العصا ، فإنّ البداء يجري في كلّ رتبة قبل إمضائها من جميع المراتب السبع ، فالبداء يجري في القضاء ما دام الشي ء مراداً ، وفي القدر ما دام مقضياً ، وهكذا. وهذا لا ينافي علمهم بما كان وما يكون ، فإنّهم يعلمون الشي ء وشروطه وعلله وإن كان ذلك مخزوناً في ينبوع البداء ، وهو باطن المشيئة ومقام منقطع الصفات.

ومنها أنّهم لا يعلمونها بمقام الإذن الجزئي من كلّ وجه ، أي لم يؤذن لهم بعد باعتبار عاشرة الوقوع مثلاً ، فإنّ كلّ واحدة من السبع في نفسها درج ورتب حتّى الإمضاء ، ونهايته نهاية كمال العلم. وهذا لا ينافي علمهم بها من كلّ وجه بمقام آخر.

ومنها أنّهم لا يعلمونها باعتبار مقام ( فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (2) ويعلمونها باعتبار مقام ( إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (3) الآية.

والوجوه في هذه كثيرة.

وهذا كلّه عام لجميع جزئيّات العالم وكلّيّاته.

وإنّما خصّت هذه الخمسة بالذكر ؛ لأنّ أربعة منها هي أركان الوجود وموادّه : الخلق ، والرزق ، والحياة ، والموت ( خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) (4).

فإنزال الغيث إشارة إلى الإحياء ؛ لأنّ اللّه تعالى يحيي به الأرض بعد موتها فهو مادّة الحياة.

وعلم ( ما فِي الْأَرْحامِ ) إشارة إلى الخلق ، لأنه تعالى : ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ) (5).

ص: 226


1- في المخطوط : ( أنه ).
2- الجنّ : 26.
3- الجن : 27.
4- الروم : 40.
5- الزمر : 6.

و ( ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ) إشارة إلى الرزق ، ( إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) (1).

( وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) من أراضي الآفاق والأنفس والطبائع ؛ لأنها فطرت على الاختيار وكمال تحقّقه حين الوقوع.

فهذه الأربع جمعت كليّات العالم وجزئياته.

وأمّا الساعة : فهي غاية الأربع ومقام جامعيّتها وروحها وسرّها وباطنها وغيبها ، فيجري فيها ذلك كلّه بطريق أوْلى ، إلّا إنه في الرابع بالنسبة إليها [ بمعنًى (2) ] غير الآن الزماني ، فإنّ زمانها ووقتها غير المعنى الزماني ، بل هو روحه وغيبه وباطنه وسرّه ، بل بمعنى الرتبة ظاهراً ، وإلّا فالزمان كغيره له روح في عالم الغيب وحقيقة ، فتزيد بأنّهم لا يعلمون زمانها ؛ لأنّها ليست من الزمانيّات ، فلا زمان لها حتّى يعلموه ( لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلّا هُوَ ) (3).

ولهذا ترى الرسول صلى اللّه عليه وآله إذا سأله سائل عن زمانها أو مكانها يجيبه بمثل ذلك في القرآن ، فليس هو يهمل الجواب ولا يردّ سائلاً عن بابه بل يجيب بأعلى جواب ، ويكشف الحال بأبلغ مقال ، ويخبره حينئذٍ أنها لا زمان لها ؛ إذ ليست من الزمانيات حتّى يخبره بزمانها ، ولا من المكانيّات حتّى يوقفه على مكانها ؛ لأنّها فوق نقطتي الزمان والمكان.

نعم لها مكانة ، والسائل يطلب معرفة زمانها أو مكانها ، وهو يطلب المحال ؛ لأنه يسأل عن زمان ما لا زمان له ومكان ما لا مكان له ، فيجيبه الرسول صلى اللّه عليه وآله بألطف خطاب وأصوب صواب وأجمل جلباب ، واللّه العاصم والهادي.

ص: 227


1- الذاريات : 58.
2- في المخطوط : ( جمعنا ).
3- الأعراف : 187.

ص: 228

[77] نور فقهي وبيان جلي : مسألة تحريم [ إدخال ] شي ء ليس من جسد الناكح [ في ] فرج المنكوحة

هل يجوز للرجل أن يُدخل في فرج منكوحته شيئاً ليس من جسده ؛ كأن يربط على ذكره أو إصبعه شيئاً من خشبة أو نحوها من المستطرفات أو غيرها ، أو لحماً أو جلداً أو خرقة أو جرماً أو عظماً ، أو يلبس ذكره أو إصبعه شيئاً من ذلك أو يلفّه عليه ، فيدسّه في فرجها مع ذكره أو إصبعه ، أو وحده بدون إصبعه أو ذكره؟

الجواب أنه لا يجوز شي ء من ذلك بوجه من الوجوه ، ولا كيفيّة من الكيفيّات ولا نحو من الأنحاء أصلاً ما لم يكن لمعالجة داء كإخراج جنين ونحوه ممّا سوّغه الشارع للناكح أو غيره حال الضرورة ؛ حفظاً للحياة ، لأصالة عصمة الفروج وتحريمها إلّا فيما دلّ الدليل عليه من الكتاب أو السنّة أو الإجماع ، ولخصوص ما رواه الشيخ : في ( التهذيب ) بسنده عن عبيد اللّه بن زرارة : قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يكون عنده جوارٍ فلا يقدر على أن يطأهن ، يعمل لهنّ شيئاً يلذذهن به؟ قال : « أمّا ما كان من جسده فلا بأس به » (1).

وما رواه في ( الكافي ) بسنده عن عبيد اللّه بن زرارة : أيضاً قال : كان لنا جار شيخ

ص: 229


1- تهذيب الأحكام 7 : 457 / 1829 ، وسائل الشيعة 20 : 111 ، أبواب مقدّمات النكاح ، ب 51 ، ح 3 ، وفيهما : ( عبيد بن زرارة ).

له جارية فارهة قد أعطى بها ثلاثين ألف درهم ، وكان لا يبلغ منها ما يريد ، وكانت تقول له : اجعل يدك كذا بين شفري ؛ فإنّي أجد لذلك لذّة. وكان يكره أن يفعل ، فقال لزرارة : سل أبا عبد اللّه عليه السلام : عن هذا فسأله ، فقال لا بأس أن يستعين بكلّ شي ء من جسده عليها ، ولكن لا يستعين بغير جسده عليها (1).

فدل الخبران بمفهوميهما ومنطوق الثاني على تحريم ما يلذذهن به ممّا هو خارج عن جسده مطلقاً بأي نحو كان ، وتحريم الاستعانة على ذلك منهن بجميع ما ليس من جسده على كلّ حال ، فيدخل جميع ما ذكر في التحريم.

تنبيه : يستفاد من هذين الخبرين جواز استمتاع الزوجة وتلذّذها واستمنائها بجميع جسد الزوج ، وكذا كلّ منكوحة بنكاح صحيح مشروع ، وله أدلّة ومؤيّدات يأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى ، واللّه العالم.

ص: 230


1- الكافي 5 : 497 / 1 ، وسائل الشيعة 20 : 111 ، أبواب مقدّمات النكاح ، ب 5 ، ح 3 ، وفيهما : ( عبيد بن زرارة ).

[78] فواكه لذيذة ونور طورسيني ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ )

( البحار ) من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال : « ( التِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) : الحسن والحسين عليهما السلام ( وَطُورِ سِينِينَ ) عليّ بن أبي طالب عليه السلام : والدين ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2).

ومنه (3) بسنده عن محمّد بن الفضيل : قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : أخبرني عن قول اللّه عزوجل ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) (4) : فقال : « التين والزيتون : الحسن والحسين ». قلت ( وَطُورِ سِينِينَ ) (5)؟ قال : « ليس هو طور سينين ، ولكنه طور سينا ». قلت : وما طور سينا؟ فقال : « نعم ، هو أمير المؤمنين ». قلت ( وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) (6)؟ قال : « هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أمن الناس به إذا طاعوه ». قلت ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) (7)؟ قال : « ذاك أبو فضيل حين أخذ اللّه ميثاقه له بالربوبيّة ولمحمّد صلى اللّه عليه وآله بالنبوّة ولأوصيائه بالولاية ، فأقرّ وقال : نعم ، ألا ترى أنّه قال ( ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ) (8)؟ يعني الدرك الأسفل حين نكص

ص: 231


1- تأويل الآيات الظاهرة : 787 ، بتفاوت.
2- بحار الأنوار 24 : 105 / 3014.
3- تأويل الآيات الظاهرة : 788.
4- التين : 1.
5- التين : 2.
6- التين : 3.
7- التين : 4.
8- التين : 5.

وفعل بآل محمّد ما فعل ». قلت ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) (1)؟ قال : « واللّه ، هو أمير المؤمنين : وشيعته فلهم أجر غير ممنون ». قلت ( فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ) (2)؟ قال : « مهلاً مهلاً لا تقل هكذا ، هذا هو الكفر باللّه ، لا واللّه ما كذب رسول اللّه باللّه طرفة عين » قلت : فكيف هي؟ قال : « أفمن يكذبك بعد بالدين؟ والدين أمير المؤمنين » (3).

أقول وباللّه المستعان - : اعلم أنّ لكلّ شي ء ظاهراً وباطناً ، والباطن الحقيقة ، والمظهر المجاز ، فكلّ ما في عالم الأجسام له حقيقة روحانيّة عقليّة هي كالروح والعلّة للجسمانيّ. ولعلّ تخصيص الحسن عليه السلام : بالتين ؛ لما فيه من كثرة المنافع والطيب واللذّة والسهولة ، والزيتون بالحسين عليه السلام : ؛ لما استجنّ فيه من النتيجة النورية والدهن المبارك. والحسين سلام اللّه عليه - : خصّ بكون الإمامة في صلبه ، وهذا هو الفرق بين التين والزيتون.

وعبّر عن علي عليه السلام : بطور سينا ؛ لأنه مظهر تجلّي الولاية العظمى. وطور سينا : من عرصات التجلي ومهابط الوحي ؛ ولأنه الذي تجلّى لموسى عليه السلام : في طور سينا من نوره مثل سم الإبرة ؛ ولذا ورد أن الغريّ المقدّس من طور سينا (4) ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله : عُبّر عنه بالبلد الأمين (5) ؛ لأنه مدينة العلم كما قال (6) ، وما كان اللّه معذبهم وهو فيهم (7) ، فهو الأمين الجامع ، والأمان الشافع ، فمن استقام على طاعته سلك سبيل الأمن في الدنيا والآخرة.

وأمّا خلق الإنسان في أحسن تقويم ؛ فلأنّ اللّه خلقه في أكمل صورة وجامعيّة وقابليّة ليكمل له الاختيار لما هداه له من النجدين وتتمّ عليه الحجّة في الاختيار.

ص: 232


1- التين : 6.
2- التين : 7.
3- بحار الأنوار 24 : 105 - 106 / 15.
4- معاني الأخبار : 364 - 365 / 1 ، وفيه : « ( وَطُورِ سِينِينَ ) : الكوفة ».
5- مناقب آل أبي طالب 3 : 444.
6- مناقب أمير المؤمنين ( ابن المغازلي ) : 80 - 85 / 120 - 126.
7- إشارة إلى قوله تعالى : ( وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) الأنفال : 33.

فكلّ مولود يولد على فطرة اللّه القابلة لكمال الاختيار ؛ ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بينة.

وأبو فضيل وجميع فروعه أقرّوا لله بما أخذ عليهم من لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه : عليّ أمير المؤمنين : في مقام إيجادهم لغلبة وجودهم هناك على ماهيّتهم ، ولعلّه مقام ( أدبر ) ، فإنّه أدبر ولم يقدر على الامتناع ، لكنّه أجنّ الكفر ونافق. فإقراره هناك كإقراره في دار التكليف حين [ ظهور (1) ] نور الإسلام فطمع ، فظلاله (2) هناك ساجد وقد ظهر منه الإنكار في الذرّ الثاني فأبى أن يثب في النار التي باطنها نور.

وأمّا قوله تعالى : ( فَما يُكَذِّبُكَ ) (3) إلى آخره ، فظاهره أن ( ما ) بمعنى ( من ) ، وأنه استفهام إنكاري. وإنكار الإمام إنّما هو على من يعتقد أنها بمعنى : ( أي شي ء يكذّبك ) أي يحملك على التكذيب بالدين؟ وهو كما قال عليه السلام : « كفر » ، فلا منافاة بين ظاهرها [ وما في ] الخبر.

ص: 233


1- في المخطوط : ( ظهره ).
2- كذا في المخطوط.
3- التين : 7.

ص: 234

[79] ثمرة يمانيّة ورزق حسن ( كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً .. )

قال اللّه تعالى وتقدّس في صفة أهل الجنّة ( كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً ) (1). قيل : كيف يقولون هذا مشيرين إلى ثمار الجنّة ، ويخبرون عنه بأنه الذي رزقوه من قبل ، مع تغاير الحقيقتين الدنيوية والأُخرويّة ذاتاً وصفة ، ولازماً وملزوماً. وأهل الجنة في تلك الحال لا تجري عليهم الظنون والأوهام والخيالات الفاسدة ؛ لكشف الغطاء عنهم ، وحدّة أبصارهم ، وفعليّة بصائرهم ، وخلوصها من الأغيار ، وارتفاع الغواشي عنهم ، وظهور الحقائق لديهم؟

قلت وباللّه المستعان - : لعلّ الجواب من وجوه منها : أن الإشارة إلى ثمار الجنّة المتجدّدة ، [ والتي هي (2) ] عبارة عن ثمارها السابقة المأكولة ، فهم يحكمون على الرتبة الأُخرى أو الصنف الآخر أو المأكول الآخر بأنه السابق المحصّل لهم قبله ، حيث إن ثمارها تقطف وتعود ، كما كانت ولا تنقص ، ومثلها كالسراج يشعل منه ألف سراج ، ولا ينقص منه ، وحيث إنه يؤتى لهم بثمرة فيأكلون منها ، ويشتهون اخرى فيؤتى لهم بتلك فيقال : كلوا فاللون واحد والطعم مختلف.

فإنّ قلت : هذا لا يصحّ بالنسبة إلى أوّل شي ء يأكلونه من ثمارها.

فالجواب من وجهين :

ص: 235


1- البقرة : 25.
2- في المخطوط : ( والذي ).

أحدهما : عدم ضرر ذلك ، فلعلّهم إنّما قالوا ذلك عند ثاني مأكول ، ولعلّ في قوله ( كُلَّما رُزِقُوا ) إشارة إلى التجدّد المخرج لأوّل مرزوق عن ذلك القول ، ولا منافاة.

الثاني : أن يراد بالقبْليّة حالة البدء ، فأخبروا بأنّهم انكشف لهم أنّهم عادوا إلى ما بدؤوا منه ؛ فكلّ شي ء عائد إلى ما منه بدأ ، والبداية طبق الغاية ، بل هي هي بوجه ، والغاية علّة فاعليّة الفاعل ، قال اللّه تعالى : ( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) (1).

وورد أن الجنّة ما خلت من سكّانها ، وممّا رزقوه من قبل ما رزقوه حين الميثاق ، وقيل لهم ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (2) فدخل أوّل رزق منها أيضاً.

ومنها أن يراد بضمير مِنْهَا : الجنة ، و ( بِمَا رُزِقُوه مِنْ قَبْلُ ) : ما رزقوه من حقائق العلم والعمل وثمراتهما في الدنيا ، ف- ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (3). وإنّما هي أعمالهم ردّت إليهم (4) ، وإنّما هو العالم وما يخرج منه ، ومن سبّح تسبيحة غرست له شجرة في الجنة ، ولله ملائكة يبنون في الجنة كلّما عمل ابن آدم : كذا ، فإذا أمسك أمسكوا ، وقالوا ننتظر الميرة والمادة. ومن هذا يظهر وجه في قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ) (5).

فالأرض هي المعهودة وغراستهم إيّاها (6) ، فهم الكاملون المستكملون لقواها المستجنّة ، الجامعون لما فيها من المراتب الوجوديّة ، الباسطون فيها العدل ، المطهّرون لها من الشرك ؛ فهم سكّان الجنّة أبداً يتبوّأون منها فنون علومهم وأعمالهم في جميع الطبقات.

ولعلّ في قوله ( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) (7) إشارة إلى ذلك ، فالأرض جامعة لجميع قوى العالم ورتبه القابلة لجميع آثار الفواعل ، فإنّها نهاية الوجود الحسّيّ.

ص: 236


1- الأعراف : 29.
2- الأعراف : 172.
3- الطور : 16.
4- انظر : توحيد المفضل : 50 ، بحار الأنوار 3 : 90.
5- الزمر : 74.
6- كذا في المصدر.
7- آل عمران : 136.

ويمكن أن يراد بها : أرض الجنّة [ التي (1) ] أرضها الكرسي ، وسقفها عرش الرحمن. وأن يراد بها : الأرض التي يحشرون فيها ؛ فإنّ لكلّ أرض سكّاناً تناسبها. وعلى هذا كلّه فسكّان هذه الأرض المذكورة يتبوّأون من ثمار الجنّة بلا إشكال ، والكتاب والسنة على هذا كثير ، والاعتبار محكم.

ومنها أن هذا القول صدر منهم حين ترقّيهم في درجات العلم والعمل ، ويراد بها : صفة الذكرى ، فالقرآن تذكرة وذكر وذكرى ، واللبيب يحسّ من نفسه إذا أدرك شيئاً من المعارف أن المدرك الوارد على قلبه من وراء حجب الغيوب كأنّه شي ء مخزون في نفسه قد نسيه وذهل عنه ثمّ ذكره واستحضره. فيراد ب- ( من قبل ) أن العالم لا يدرك إلّا فيما وسعه قوّته (2) وقابليّته ، واستجنّ بالقوّة في طبيعته وقابليّته ونفسه وعقله ، فهو اعتراف لله تعالى بكمال العدل والعبوديّة له ، فهو شكر ، وهو من جملة ( آخِرُ دَعْواهُمْ ) (3) لتطابق الشكر والحمد حينئذٍ ، وترادفهما ، و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) وما تستطيعه وتقبله اختياراً ؛ إيجاداً وتكليفاً ، وحياة وموتاً ورزقاً.

أو يراد به المراتب السابقة على تلك الحالة من مراتب وجوده ، كرتبة عالم الذرّ ، ومقام أخذ العهد والميثاق الأوّل (4) ، وامتثال الأمر بالإقبال والإدبار (5). وهم في أطوارهم لا يتعدّونها أبداً ، فتعدّيها ظلم.

ويمكن أن يراد ب- ( ما رُزقوا منْ قبلُ ) : ثمار الدنيا وأرزاقها الحلال ؛ لأنّ جميع ما في عالم الشهادة والأجسام له حقائق وأرواح وأشباح وعلل ووجود في عالم العقول والغيب بوجه أعلى.

فأمّا قوله ( مُتَشابِهاً ) فيحتمل معنيين :

ص: 237


1- في المخطوط : ( و ).
2- في المخطوط : ( وقوّته ) بدل : ( قوّته ).
3- يونس : 10.
4- إشارة إلى قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) الأعراف : 172.
5- انظر الكافي : 1 : 10 / 1 ، و 1 : 20 - 21 / 14 ، و 1 : 26 / 26 ، و 1 : 27 - 28 / 32.

أحدهما : أنه بمعنى يشبه بعضه بعضاً ، فإنّ ثمار الجنّة وأُصول المعارف والأعمال غير متباينة بل متناسبة ترجع إلى أصل واحد كما بدأت منه ، فهي واحدة بالصنف أو النوع أو الجنس بحسب المراتب. والمشبّه عين المشبّه به من وجه ، وغيره من وجه ، لكن لا يباينه ، بل في الحقيقة هو هو ؛ إذ لا يصحّ التشبيه من جهة المباينة ، بل من جهة الاتّحاد.

وورد في ثمرات الجنة : اللون واحد والطعم مختلف ، وإن الشجرة الواحدة تحمل أصنافاً متعدّدةً ، بل اللون الواحد كلّما أراد الآكل منه لوناً آخر كان هو ، والشراب الواحد في الكأس الواحد يشرب منه الشارب أيّ نوع شاء من الشراب (1).

وورد في غيرها ( يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ) ، و ( نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ) (2).

الثاني : أن يكون من الاشتباه ، فإنّ في اتّحاد الأصناف المتمايزة في حقائقها بوجوداتها الخاصّة ، واتّحاد شجرتها ، وفي اتّحاد أصناف العلوم والأعمال ، مع رجوعها كلّها مع تمايزها بوجوداتها الخاصّة إلى شي ء واحد هو مادّة وجود الإنسان بما هو إنسان ، وإلى وجود العقل بالفعل ، وهو في مرتبته شي ء واحد ، وفي كونها بحسب الغاية والمعاد جواهر قائمة [ كما (3) ] صرّح بها الكتاب والأخبار ، وأسفر عنها واضح الاعتبار فاللّه تعالى يخلق من كلّ قطرة من ماء الغسل ملكاً يسبّحه نوع (4) اشتباه وغرابة بالنسبة إلى أوّل الفكر والنظر. ونظيرها كون النتيجة عين المقدّمات نهاية ، وغيرها بداية ، وحال الاستدلال عليها بها ورجوع العلل الثلاث إلى الغائيّة ، واتّحادها بها ضرب من الاتّحاد في النهاية ، مع تمايزها بمراتبها فيها ، واللّه العالم.

ص: 238


1- في صفة الجنة ونعيمها انظر بحار الأنوار 8 : 116 - 221.
2- الرعد : 4.
3- في المخطوط : ( كلّما ).
4- اسم ( إن ) المؤخر عن خبرها في قوله : ( فإن في اتحاد الأصناف المتمايزة .. ).

[80] أجل حقّ ووعد صدق ( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ )

قال تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) (1). قيل : إن وقت حضور الأجل يمتنع عقلاً وقوعه قبله ، فمعنى ( لا يَسْتَأْخِرُونَ ) ظاهر ، فما معنى ( لا يَسْتَقْدِمُونَ ) ؟ وأي فائدة في هذا ونفي الاستقدام ملحق بالضروريات ، فمن الضروري نفي إعادة ما عدم من الزمان؟

قلت : قال النظّام النيسابوري : ( أُجيب بأنّ مجي ء الأجل محمول على قرب حضوره ؛ كقول العرب : ( جاء الشتاء ) إذا قارب وقته ، ومع مقاربة الأجل يصحّ التقدّم على ذلك الوقت تارة ، والتأخّر عنه أُخرى ) (2) ، انتهى.

وفيه أن مقتضاه أن الآية مجاز ، والأصل الحقيقة حتّى يقوم دليل المجاز ؛ لأنّ معنى الإشكال : أنه كيف يترتّب السبق على المجي ء ؛ إذْ الاستقدام معطوف على جواب الشرط الذي هو مجي ء الأجل؟

ويمكن أن يجاب بأنّ الدليل العقليّ قائم على [ استحالة (3) ] الحقيقة بحسب الظاهر وبادئ الرأي ، وهو قرينة المجاز. وفيه ما لا يخفى ، فهو ضعيف.

وقال القاضي : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ) مدّة أو وقت لنزول العذاب بهم ، ( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ ) : انقرضت مدّتهم ، أو حان وقتهم ، ( لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) (4)

ص: 239


1- الأعراف : 34.
2- غرائب القرآن ورغائب الفرقان 3 : 228.
3- في المخطوط : ( استقالة ).
4- الأعراف : 34.

لا يتأخّرون ولا يتقدّمون أقصر وقت ، أو لا يطلبون التأخّر والتقدّم ؛ لشدّة الهول ) (1) ، انتهى.

وفيه أنه حمل على المجازيّة أيضاً مع أنه غير دافع ؛ لأنّ امتناع ترتّب السبق على الحضور من ضروريّ فطر العقول فلا يطلب حينئذٍ بالضرورة.

وقيل : إنّ ( يستقدمون ) معطوف على جملة الشرط والجزاء وهو وجه ، ولكنّه ظاهريّ ، وعليه يكون التقييد بالساعة للتأخّر ، فيطلب له وجه أيضاً.

ويمكن الجواب عن أصل الإشكال بوجوه :

منها : أن الأجل يطلق على معنيين :

أحدهما : مجموع ما بين البداية والنهاية ، فأجل الدين ومدّة الإجارة مثلاً ، وكذا مجموع عمر الإنسان من أوّله إلى آخره مع البداية والنهاية.

والثاني : نفس النهاية فقط ، كأوّل جزء تحلّ فيه المطابقة بالدين المؤجّل مثلاً ، وكآخِر آنٍ من عمر الإنسان ، هذا بالنسبة إلى الزمان ، وفي غيره يراد به : مجموع الرتبة والطبقة أو نهايتها ، وهو طرف الحدّ المشترك بين الدرجتين. ولكلّ كور ودور سكّان ، فلا يستأخر موجود من الخلق عن رتبته ولا يستقدم ؛ زمانيةً كانت أو غيرها.

فعلى الأوّل إذا وصل قوس الوجود إلى رتبة ، أو دور الفلك إلى زمان لا يستأخر أهله عنه ساعة ولا يستقدمون ، بمعنى : أن كلّ موجود له رتبة أو زمان لا يتعدّاه بسبق ولا لحوق ، ( وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (2) أفاض الوجود على قدر وسع القابليّات وطاقتها فقبلته باختيار رحمة منه تعالى ، فهو مختار ، فليس في صنعة جبر بوجه ولا اعتبار أصلاً.

فلو تعدّى موجود رتبته ، لزم كون أهل الرتبة المعيّنة والزمان المعيّن [ ليسوا (3) ]

ص: 240


1- تفسير البيضاوي 1 : 337.
2- فصّلت : 46.
3- في المخطوط : ( ليس ).

أهله من كلّ وجه ، بل ليسوا أهله بوجه ، والمفروض أنهم أهله من كلّ وجه ، هذا خلف.

ولزم أيضاً زيادة أهله عليه إنْ تأخّروا عن أوّله ، أو تقدّموا عن آخره ، أو تقدّموه أو تأخّر عنهم ، أو تقدّمهم أوّلهم أو آخرهم ، وهذا لازم الأوّل ، وعلى كلّ فرض لا يكون ما فرض أجلهم ، هذا خلف ، فلزم أيضاً قيام صفات الرتبة المعيّنة من الزمان أو غيره ولوازمها بالأُخرى من حيث هي صفات الأُخرى ولوازمها ، وهذا محال.

وعلى الثاني يلزم ذلك كلّه أيضاً ، وأن يكون ما فرض حدّا ونهايةً للشي ء ليس بحدّ ولا نهاية له ، فما فرض أجله ليس بأجله ، هذا خلف.

ولزم أيضاً تحقّق صفات الرتبة ولوازمها من حيث هي صفاتها ولوازمها فيما هو برزخ بين الرتبتين من حيث هو برزخ ، فترتفع البرزخيّة عمّا فرض برزخاً ، هذا خلف محال ؛ لما يلزم من الغناء عن الوسائط والمعدّات وهو محال ؛ ولأنه تكليف بما لا يطاق.

وعلى الوجهين يمكن أن يراد بمجي ء الأجل : مجيئه لوليّ الأمر ليلة القدر أو غيرها وعلمه به ، وأنه من المحتوم ؛ إذ لا يتحقّق الإمضاء ، وأنه أجله إلّا بذلك ، كما دلّت عليه رواية العيّاشيّ : عن الصادق عليه السلام : في تفسير الأجل المذكور في الآية « هو الذي سمّى لملك الموت » (1) في ليلة القدر. ومن المعلوم أن الذي يسمّيه لملك الموت إنّما هو وليّ الأمر.

وفي ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام في تفسيره : « تعدّ السنين ، ثمّ تعدّ الشهور ، ثمّ تعدّ الأيّام ، ثمّ تعدّ النفس ( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ ) (2) الآية » (3).

وهذا يدلّ أن المراد به انتهاء رتبة الدنيا ، وتجلّي الآخرة ، ولا منافاة ، واللّه العالم.

ومنها على الوجهين أيضاً - : أنه يمكن أن يراد بمجيئه : تحقّقه في رتبة

ص: 241


1- تفسير العياشي 2 : 21 / 39 ، وفيه : « يسمّى » بدل : « سمّي ».
2- الأعراف : 34.
3- الكافي 3 : 262 / 44.

الإمضاء ؛ لأنه حينئذٍ لا بداء.

وحاصله أنه إذا وصل إلى هذه الرتبة فلا بداء في تقديمه ولا في تأخيره.

ومنها : أن الواجب تعالى منزّه ومقدّس عن النقص في ذاته وصفاته وأفعاله من كلّ وجه ، فليس في أمره قهر لا إيجاداً ولا تكليفاً ولا موتاً ولا حياةً ولا رزقاً ، يمنّ على كلّ شي ء بما يقبله وسعه اختياراً ، فإذا جاء أجل كلّ امّة لا يطلبون التأخّر ولا التقدّم باختيارهم ؛ لعدم طاقتهم وقابليّتهم لذلك فلا يختارونه. ولأنّ من وافى إن كان على الفطرة جاد بنفسه لما ينكشف عن بصر بصيرته ، فلا يطلب التأخّر ولا الاستقدام ؛ لأنه يرضى بما يرضاه اللّه له ، بل يختار ما يرضاه اللّه على ما ترضاه نفسه. وإن كان على غير الفطرة فهو يطلب الاستئخار على هذا يطلبه الكافر ولا يطلب التقدّم ، والمؤمن على العكس من ذلك.

بقي السؤال عن وجه تقديم نفي التأخّر على نفي التقدّم؟ وهل التقدّم معطوف على جملة الشرط والجزاء ، أو على الجزاء وحده؟

فنقول وباللّه المستعان - : لعلّ الوجه في تقديم نفي التأخّر أن طلب الاستئخار أهمّ ؛ لأنه أوضح فائدةً من الآخر ؛ ولأنّ النفوس بطباعها وفطرها تكره الموت وتحبّ البقاء ، وتكره مفارقة المألوف من الحياة الدنيا.

فالمألوف انس النفوس به ، وكراهيّتها فراقه لا تخفى ، والعادات قهّارات ، فوصف حالهم يقتضي هذا الترتيب.

وأيضاً البقاء في نفسه أهون من الإيجاد ، والسكون أهون من الحركة ، والاستقرار أهون من الانتقال ، وظهور الرتبة الثانية والصورة الأُخرى في المادّة في نفسها أشقّ وأغمض من الأُولى.

أو لأنّ نفي طلب الدنيا بعد معاينة جمال الأُخرى أظهر وأولى من العكس. هذا بالنسبة إلى المؤمن ، فَرُوعِيَ في الترتيب حاله لشرفه ، ولأنّ كون الكافر إنّما هو بالتبعيّة له.

ص: 242

وأمّا الثاني فيحتمل الوجهين إلّا إن كون ( يستأخرون ) معطوفاً على جواب الشرط أظهرُ بحسب العبارة ؛ بقرينة دخول ( لا ) عليهما وبحسب الظاهر حينئذٍ.

ويرجّح الثاني أنه يكون حينئذٍ خبراً مستقلا دلّ به وبالأوّل على أن لكلّ حيّ عند اللّه أجلٌ لا يزيد ولا ينقص. وعليه يرتفع الإشكال من أصله ، واللّه العالم بحقائق أحكامه.

ص: 243

ص: 244

[81] حكمة يمانية : الفرق بين الدعاء والأمر

ممّا يفرّق به بين الدعاء والأمر والنهي أن حقيقة الدعاء طلب الإفاضة بالاستعداد لقبول الفيض ، فهو إذن عين الإفاضة. وحقيقة الاستكمال على قدر استعداد الداعي وتأهّله لظهور فعليّته بالاستفاضة وترقّيه في درجات الوجود والكمال والفعليّة ، وتحقّقه بذكره الأوّل ومناسبته للفواعل مجانسة أو مُناوعة أو مصانفة أو مشابهة ، ودخوله في زمر المدبّرات ، تطيعه الأكوان والقوابل ، وتفيض عليه الفواعل ، وتظهر فيه من قواه ودرجاته ما استجنّ في طباع الأوّل ، والثاني يكون فاعلاً بإذن القيّوم تعالى. وكلّما اشتدّت فعليّته وقابليّته وكانت بالفعل ، اشتدّ طاعةُ مَن دونه له وقبوله منه طوعاً أو كرهاً.

فدعاء كلّ داعٍ لا يتجاوز رتبته الوجوديّة بالفعل ، فإنّه لا يؤثر [ في ] غير قوسي دائرته. فكنه الدعاء محض العبوديّة لله تعالى وفعليّة الامتثال لأمر الإقبال ، فهي فاعليّة بوجه وقابليّة بوجه و ( فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) حتّى ينتهي الأمر إلى مقام العبوديّة المطلقة التي هي محض فيض الجواد بذاته.

فالداعي من حيث إنه قابل آمل خاضع مستكين جامد منزّه مقرّ بتقصيره غير ناظر إلى نفسه ، هو سمعه الذي يسمع به إلى آخره ، حتّى ينتهي إلى رتبة الدعاء اللساني المحض ، فهو أدنى درجات الداعين ، فهو استكمال ما بوجه ، وفيض ما واستفاضة ما بوجه.

أمّا دعاء الناطق للكامل فهو استكمال واستفاضة منه واستشفاع به وتوسّل بوجه ، ويلزمه استكمال المدعوّ له به ، حيث إن مبدأه من الكامل ؛ لأنه مقتبس من

ص: 245

نوره ، فهو نور أشرق على الناقص من الكامل بحسب رتبة قربه منه ، فهو فيض منه ، وإفاضته استكمالٌ واستفاضة ، وهكذا حقيقة الأمل تكميل للأدنى واستكمال واستفاضة من المبدأ الفيّاض بوسط وغير وسط ، فكل آمر مفيض على مَن دونه مكمّل له مستفيض ممّن فوقه مستكمل ، حتّى ينتهي الأمر إلى الآمر الحقيقيّ وهو [ اللّه (1) ] سبحانه الحقّيّ الغنيّ عمن سواه ، والمفتقر إليه مَنْ سواه.

فالدعاء من قوس ( يحبّونه ) ، والأمر من قوس ( يحبّهم ). ويمكن إدخال الأوّل في الثاني بوجه. والالتماس لا يخرج عنهما ؛ لما بينهما من التقابل ، أو هو كالبرزخ. وبذلك ظهر الفرق بين الدعاء والنهي ، فهما استكمال وتكميل أيضاً ، إلّا إنه برفع الموانع والمنافيات ، الذي هو عين وجود نقائضها وأضدادها بوجه ، وأقلّه الاستعداد بالفعل لقبول الضدّ أو النقيض.

والحاصل أن الدعاء ب- ( افعل ) أو ( لا تفعل ) هو نهاية حقيقة الداعي وتكليفه بوجه في الظهور ، فإنّ آخر مراتبه الوجوديّة والتكليفيّة هو الحسّي المتعلّق بالجوارح المحسوسة والحاسّة المحسوسة ، فهو نهاية مراتب ظهور ذكره الأوّل وظهوره وفعليّته به ، وهو النور الذي خلق منه. فكما أن حقيقته إيجاد واستمداد وقبول اختياري بحسب طاقته ووسعه ، فصفته وتكليفه هو طلبه بحقيقته الأمداد والبقاء على الفطرة الأوّليّة ( فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) (2) [ التي (3) ] فيها ترتفع المنافيات ، وبها وعندها تتحقّق فعليّة السبيلين ، وتكمل القدرة على الاختيار.

فآخر مراتب ظهوره واستكماله الوجوديّ طلبه الجسميّ بلسانه اللحميّ وبجميع جوارحه الحسّيّة الجسميّة. والأمر والنهي صفة الفاعليّة ، كما أن الدعاء صفة المفعوليّة ، وحقيقة المفعول من حيث هما كذلك ، واللّه العالم.

ص: 246


1- في المخطوط : ( أمره ).
2- الروم : 30.
3- في المخطوط : ( الذي ).

[82] شهاب ثاقب لرجم شيطان كاذب : شبهة لبعض الحشويّة في الإمامة

رأيت منقولاً عن ابن القيّم أنه قال : ( جرى بيني وبين بعض النصارى مناظرة ). وذكر صورتها ، وحاصل ما ذكره أن محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : ادّعى النبوّة ، وأنه رسول اللّه : وأبطل الشرائع ، وقتل أتباع الرسل ، واستحلّ دماءهم وأموالهم وفروجهم ، وقال : إنه بأمر اللّه ، وبقي ثلاثاً وعشرين سنة كذلك ، وأمره لا يزال في علوّ وظهور واستحكام ، وأسباب النصر والغلبة تتأتّى له وتتيسّر ، ودعوته مستجابة ، ونصره يتزايد خارجاً عن عادة البشر ، وأعداؤه في الهلاك والذلّ ؛ تارة بدعائه ، وأُخرى بدونه ، وحاجته مقضيّة ، وأمانيه حاصلة على أتمّ وجه وأكمله ، واللّه سبحانه وتعالى لا يقهره ، ولا يأخذ منه باليمين ، ولا يقطع منه الوتين ؛ فإمّا أن يكون صادقاً ، أو ليس للعالم صانع ولا مدبّر ؛ إذ لو كان للعالم صانع مدبّر قدير حكيم لقابلة على شدّة ظلمه وافترائه على اللّه أعظمَ مقابلة ، وجعله نكالاً للصالحين ؛ إذ لا يليق بالملوك غير هذا ، فكيف بملك الأرض والسماوات؟

أو أن للعالم صانعاً ، لكنّه متّصف بأشدّ الظلم والسفه وإضلال الخلق ونصرة الكاذب ، والتمكين له وإجابة دعوته وإقامة أمره من بعده ، وإعلاء كلمته وإظهار دعوته ، والشهادة له بالنبوّة قرناً بعد قرن على رؤوس الأشهاد في كلّ مجمع ، وذلك ليس من فعل أحكم الحاكمين ، بل ذلك قدح وطعن وإنكار لربّ العالمين بالكليّة.

ص: 247

ونحن لا ننكر أن كثيراً من الكذّابين أقام (1) في الوجود وظهرت له شوكة ، ولكن لم يتمّ له أمره ولم تطل مدّته ، بل سلّط عليه الرسل ومحقوا أثره واستأصلوا شأفته ، هذه سنّة اللّه في عباده منذ قامت الدنيا وإلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها. انتهى ملخّصاً ، بحيث لا يشذّ من معناه شي ء ، بل أكثر العبارة بحروفها.

وقد استغنم الظفر بهذا بعض من تمنّى بهواه هدم أساس مذهب الشيعة ، فكتب عليه ما صورته : ( تفكّر في هذه الحجّة ، وافطن أن مثلها وارد في شأن الرافضة في دعوة الإمامة ، وأنّها حقّ لعليّ : ثمّ لولده من بعده ، وأنّهم قهروا وغصبوا إلى يوم القيامة ، ثمّ مع ذلك إذا ذكر الغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين ، يقولون : كيف هذا ، ونحن نرى الدولة تارة تكون لأهل السنّة وتارة تكون للرافضة في بلدان عديدة؟

وبيان الفساد أن الدولة إنّما تكون لإمام الطائفة وإلّا فلا يستقيم كون الطائفة في عزّة ، وإمام الطائفة في الذلّ باعترافكم ، فلو كان كما تقولون لزم الإمام القيام عند ذلك ؛ للعزّ ، ولكن ليس لهم إلّا الذلّ والخزي في الدارين ، فتدبّره فإنّه نفيس جدّاً ) ، انتهى.

وأقول وباللّه الاعتصام - : قد تدبّرناه بأدنى ملاحظة في حال شدّة الاشتغال ، وتلاطم أمواج البلبال ، وتراكم سحائب الزلزال ، فوجدناه مبنيّاً على شفا جُرف هارٍ فانهار به في نار جهنّم ، من وجوه :

الأوّل : (2) أن أصله الذي عوّل عليه ، وأخلد إليه مبنيّ على أن من بغى على اللّه وعصاه وتقوّل عليه لا تمدّ له دولة ولا تعلو له كلمة ولا يتمكّن من أسباب النصر ، بل لا بدّ من أن يعاجله بالعقوبة والاستئصال ، وأن علوّ الكلمة وتيسير أسباب النصر وظهور القهر والغلبة وطول مدّتها دليل على [ حقيّة (3) ] الدعوة ، وأن امتداد دولة المفتري على اللّه وظهور كلمته وتيسير أسباب النصر له ينافي قدرة اللّه وعدله وحكمته بل وجوده.

وهذه الحجّة مع كونها واهية هاوية في نفسها ، لا تتمّ حجّة على الرافضة في

ص: 248


1- كذا في المخطوط.
2- في المخطوط : ( أحدها ).
3- في المخطوط : ( حقيقة ).

دعواهم اختصاص الإمامة بعليّ عليه السلام : وخواصّ بنيه عليهم السلام من وجوه :

أحدها : منع الدعوى الذي بنى عليه وهمه ، وهو سراب حسبه ماء ؛ إذ لا برهان له عليه ، ولا دليل من الطرق الثلاثة والكتب الأربعة (1).

الثاني : معارضتها بالبرهان المتضاعف المحكم عقلاً ونقلاً كتاباً (2) وسنةً (3) على وجوب عصمة الإمام ؛ لأنه خليفة اللّه وحجّته على عباده ، وبابه وسبيله الذي لا يؤتى إلّا منه ، وخليفته الذي ألبسه ثوب عزّه ، وجعله خليفة رسوله على أُمته ، والقائم مقامه ، والسادّ مسدّه في كلّ شي ء تحتاج له الخلق.

فإذن كلّ ما دلّ على وجوب عصمة الرسول دلّ على وجوب عصمة الإمام ؛ لأنّ حاجة الخلق لهما سواء ، خصوصاً في بيان معاني الكتاب والسنّة ، والسياسة والرياسة.

وقد أمر اللّه بالكون مع الصادقين (4) ، ولا يتحقّق الصدق الكامل من كلّ وجه ، وهو الذي يجب صرف المطلق إليه مع إمكان صدور المعصية ، فضلاً عن وقوعها في حال. ولو كانت مطلقةً عامّة لدخل فيها كلّ كافر ؛ للجزم بوقوع الصدق منه في حالٍ ما ، وهو غير مراد بالضرورة ، وقال تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (5).

والمراد بها : عليّ : وفاطمة : وابناهما عليهم السلام ، كما استفاضت بها النصوص من الطرفين (6) ، بل تواتر مضمونها.

ص: 249


1- كذا في المخطوط.
2- البقرة : 124.
3- بحار الأنوار 25 : 191 - 211 / 1 - 20.
4- في قوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ) . التوبة : 119.
5- الأحزاب : 33.
6- تفسير القمّيّ 2 : 193 ، التبيان في تفسير القرآن 8 : 339 ، عمدة عيون صحاح الأخبار : 31 - 47 / الفصل الثامن ، مسند أحمد بن حنبل 4 : 107 ، صحيح مسلم 4 : 1501 / 61 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 158 - 160 / 4705 - 4707 ، 4709.

واستفاض أيضاً أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : قال في شأن علي عليه السلام : دون من سواه : « عليّ : مع الحقّ » (1) إلى آخره.

ولا يكون كذلك من تصدر منه [ معصية (2) ] بحال ، فضلاً عن الكفر ؛ لأنهما من الباطل بالضرورة.

وأنه قال صلى اللّه عليه وآله « أهل بيتي كسفينة نوح في قومه » (3) إلى آخره.

و « كباب حطّة » (4) إلى آخره.

و « أمان لأهل الأرض » (5) إلى آخره.

وأنهم « لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم » (6).

وأنّهم « الثقل الأصغر » (7).

إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ، ممّا هو نصّ في عصمتهم.

وقد أقام الرافضة البرهان المتضاعف المحكم على عصمة عليّ : وخواصّ بنيه عليهم السلام ، وأنّهم حجّة اللّه على عباده ، ومستودع سرّه ، وعيبة (8) علمه ، كما يؤيّده ما أثبته مخالفوهم ، فضلاً عن أتباعهم من معاجزهم وكراماتهم التي لم تُدّعَ في غيرهم وبين أتباعهم أيضاً على لسان الخصم وغيره ، ما ثبت في غيرهم ممّن تغلب منه المعاصي والكفر والأُمور المنافية لمنصب الإمامة التي هي خلافة اللّه ورسوله العامّة ، وقطب رحى دائرة الوجود.

الثالث : النقض بما هو ضروريّ من تعمير إبليس : وإنظاره وغلبة جنده على أكثر

ص: 250


1- مناقب آل أبي طالب 3 : 76 ، 77 ، 297 ، تاريخ بغداد 14 : 321 / 7643.
2- في المخطوط : ( معصيته ).
3- عمدة عيون صحاح الأخبار : 359 - 360 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 163 / 4720.
4- الأمالي ( الطوسيّ ) : 733 / 1531.
5- فرائد السمطين 1 : 45 / 11 ، وفيه : « أهل » بدل : « لأهل ».
6- كمال الدين : 241 / 64.
7- تفسير العياشي 1 : 15 / 3.
8- العيبة : مستودع السر. لسان العرب 9 : 491 عيب.

الجنّ والإنس واستمرار دولته ، وكذا النصارى وعبدة الأوثان على تباين أصنافهم ، وتيسير أسباب الغلبة والنصر لهم في أكثر المعمورة كما هو مشاهد محسوس. فإذا أمكن بل وجد إمهال اللّه تعالى لمثل فرعون : ونمرود : وأضرابهم من عتاة الأُمم السالفة المئات من السنين بل الأُلوف كما هو معلوم يقيناً بالاستفاضة.

ولمثل إبليس إلى يوم الوقت المعلوم مع ظهور الغلبة وتيسير أسباب النصر ، بل ولمثل أهل الضلال من هذه [ الأُمّة (1) ] ، ولمثل قتلة الرسل ولمن سباهم وشرّدهم. وما جرى على ذرّيّة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : معلوم بالضرورة.

فإذا جاز أن يمهل مثل هؤلاء المذكورين طرفة عين لأمرٍ هو بالغه ، وحكمة هو أعلم بها ، وتكميلاً للحجّة البالغة ، وتحقيقاً لكمال اختيار المكلّفين وغير ذلك ، فلِمَ لا يجوز أن يمهل راصد الخلافة برهة من الزمان ؛ ليستنطق صامت الإمكان وتبلغ الحجّة ويستحكم البرهان ، ويحيا من حيّ عن بيّنة ، ويهلك من هلك عن بيّنة ، ويكمل الاختيار ويظهر الاختبار ، كما هو مقتضى ذلّ العبوديّة ورحمة المعبود وغير ذلك؟

الرابع : أن دعواه لا يتم إلّا بإثبات أن من سوى عليّ عليه السلام : وخاصّة بنيه عليهم السلام يقولون عن اللّه ويأتون بما يدلّ على صدق دعواهم من الكرامات والمعاجز ؛ ليكون قولهم عن اللّه ورسوله بيقين ، وبأنّ علياً عليه السلام : وخاصّة بنيه عليهم السلام لا تكون لهم العاقبة ، وليسوا من ورثة الأرض بيقين. وهذا باطل بيقين ؛ إذ ليس له عليه سلطان مبين ، وليس أحد يدّعي ذلك من جميع المكلّفين فضلاً عن أن يقيم عليه شبهة فضلاً عن البرهان.

نعم ، أطبقت الأُمّة على أن عليّاً عليه السلام : وخواصّ بنيه عليهم السلام من خاصّة اللّه وخالصته من خلقه ، ومن سادات الصالحين الذين هم شهداء اللّه ، وأولياء اللّه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأنّهم سفينة النجاة ، وباب حطّة ، والنجوم التي يُهتدى بها ، وهي الأمان والثقل الذي لا يفارق القرآن بوجه ، وغير ذلك ممّا لا يحصى من خواصّهم العليّة ومزاياهم الجليّة ، فهم الذين يورّثهم الأرض بطريق أولى من جميع من سواهم.

ص: 251


1- في المخطوط : ( الإمامة ).

وقد أوضحنا بحمد اللّه في غير هذه [ العجالة (1) ] أن العزّة لله ولرسوله ، ولهم ولأتباعهم ، وأنّهم المخصوصون بنصر اللّه أبداً من حين بعث اللّه محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : إلى أن يورّثهم اللّه الأرض ومن عليها بالبرهان المتضاعف.

الخامس : أنه لو ثبت دعواه لثبت عكسه ، ونقيضه وعكسه ، فثبت أن كلّ من لم تنشر دعوته وتعلُ كلمته وتمتدّ دولته وتحصل على كلّ حال نصرته ، فهو ليس بصادق ولا من أهل الحقّ ؛ فيخرج جلّ الأنبياء والرسل عليهم السلام على هذا عن أهل الحقّ والصدق ؛ إذ لم تسمع لأكثرهم دعوة ، ولم تقبل منهم موعظة ، ولم تثبت لهم في ظاهر الحال نصرة ، ولا علت لهم في ظاهر الحال كلمة ، ولا حصلت لهم على أهل زمانهم غلبة.

وفي الخبر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : أنه رأى النبيّ ومعه الرهط ، والنبيّ ومعه الرجلان والرجل ، والنبيّ وليس معه أحد. مع أنه لا شكّ في كونهم هم الدعاة إلى اللّه ، وذلك لا ينافيه.

بل ويلزم أن الرسول صلى اللّه عليه وآله : مدّة مقامه في مكّة لم يعلم بأنه من أهل الحقّ والصدق ، بل ولم يكن منهم لعدم غلبته في الظاهر على عتاة قريش.

بل ويلزم كون قريش في ذلك الحال هم أهل الحقّ.

بل ويلزم انقلاب الحقّ باطلاً وبالعكس ، وذلك كلّه باطل بالضرورة.

الثاني : (2) أن قوله : ( ومع ذلك نراهم إذا ذكرت الغلبة ) إلى آخره ، بهتان عليهم وزور ؛ إذ لم يقل أحد منهم بذلك ، ولا وجد في شي ء من كتبهم ، والكذب لا يؤسّس دعوى.

نعم كلّ مسؤول عن شهادته يوم تبلى السرائر ، بل من تصفّح زبرهم وجدهم قد أقاموا البرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً على أن العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين منذ بدأ اللّه الخلق إلى أن يرجع كلّ شي ء إلى ما منه بدأ.

ص: 252


1- في المخطوط : ( العزالة ).
2- في المخطوط : ( السادس ).

وأدنى ذلك ما يشاهد من حال الأنبياء وأتباعهم مع قلّة عددهم ، وضعف أتباعهم ، وعدم ناصريهم في دولة الجهل مع حرص سلاطين الجور وأتباعهم على إبادتهم عن جدد الأرض ؛ إذ لا ضدّ لهم غيرهم ، ومع ذلك لا تنقطع دعوتهم إلى اللّه وهدايتهم الخلق وبيان الدليل إلى السبيل وإقامة الحجّة ، ومع ذلك يعيشون في الأرض بين ظهراني أضدادهم ، بل وكثيراً ما يخدمهم أعداؤهم خدمة العبد ، ويهابونهم ويعظّمونهم تعظيم العبد للمولى.

فيكفي في ثبوت نصر اللّه لهم بقاؤهم على وجه الأرض بين أظهر أضدادهم الجبابرة العتاة داعين إلى اللّه دالّين عليه بالبرهان والحجّة ، وعلى بطلان عقائد من سواهم وكفرهم ، والحال أنّهم تحت سلطنتهم.

الثالث : (1) أن قوله : ( إن الدولة إنّما تكون لإمام الطائفة ) إن أراد بهذا الحصر أن الدولة تختصّ بالإمام دون المأموم ، فهو واضح الفساد ؛ لوضوح التلازم بين دولة التابع والمتبوع. وإن أراد أنه يجد للرافضة دولة في بعض البلاد ، والدولة يختصّ بها الإمام دون المأموم ، فهو أوضح فساداً ؛ لأنّ دولة المأموم من حيث هو مأموم لازم مساوٍ لدولة الإمام ، وإلّا لم يكن مأموماً ولأنّ دولة الراعي علّة لدولة الرعيّة من حيث هم رعيّة ، فدولتهم دليل دولته ، وبالعكس. فتسليمه وجود اللازم المساوي والمعلول وإنكار الملزوم والعلّة جهل أو عناد. هذا مع أنه منافٍ لحصره الدولة في الإمام.

وإن أراد أنّهم لا دولة لهم ، وإلّا لوجدت دولة إمامهم ؛ لأنّها أوّلاً وبالذات ولهم بالتبعيّة ، فقد أثبت الرافضة بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً دولة إمامهم وأنه سلطان الدنيا والآخرة ، وأن العالم بأسره في قبضته ، وأنه عين اللّه ويده (2) وخليفته المطلق ونائبه الخاصّ الخالص وسبيل خلقه طرّاً إليه. ولا ينافي ذلك عدم ظهوره لكلّ عين بحيث تراه وتعرفه بشخصه ، فإنّه المؤيّد بنصر اللّه المستر بسرّ اللّه إلى أمدٍ اللّهُ أعلم

ص: 253


1- في المخطوط : ( السابع ).
2- بحار الأنوار 24 : 199 / 27 ، و 25 : 174 / 38.

به ، وحكمة هو أعلم بها.

فهذه سائر ملوك الأرض ممّن يدّعي الإسلام وغيرهم لم نرهم ، بل ولا جُلّ رعاياهم ؛ [ لاحتجابهم (1) ] بحجاب الملك والتعظّم والتجبّر ، فعدم الرؤية لا يستلزم نفي السلطنة والنصر والعزّة ، وإلّا لما كان لإبليس وحزبه دولة.

الرابع : (2) أن قوله : ( لا يستقيم ) إلى آخره ، مسلّم ، ومنه يعلم أن ثبوت عزّ الرافضة ودولتهم في وقتٍ وبوجه ما يستلزم عزّ إمامهم ، ووجود دولته في جميع الأوقات ، وبجميع الجهات والحالات ؛ لأنّهم الأقلّون عدداً ، مع شدّة حرص جميع من على وجه الأرض ممّن خالفهم على إبادتهم. والحال أنّهم معروفون بأعيانهم وبلدانهم ، وكتُبهم منتشرة ، وبراهينهم على الحقّ ظاهرة مشهورة ، قد ملأت ما بين الخافقين ، ومع هذا لم يُخلِ اللّه الأرض منهم ، ولا من علمائهم الداعين إلى اللّه ، المبطلين للباطل ، الموضّحين للحقّ في كلّ زمان مع شهرتهم. فذلك من أوضح البراهين على عزّ إمامهم ، ودوام نصره ووجوده ، وقهره لعدوّهم عنهم بقدرة اللّه تعالى.

الخامس : (3) أن قوله : ( فلو كان كما تقولون ) إلى آخره ، تقوّل على اللّه بغير علم ، وتخرّص في الأديان بغير برهان. كيف ، والدعاة إلى اللّه في كلّ زمان من أزمنة ظهور دولة الباطل وغلبة الجهل وجنوده يخفون أشخاصهم في كثير من الأزمان عن أهل الطغيان ، ولكلّ رسول غيبة ، كما يعرف ذلك من وقف على السير والأخبار ، خصوصاً أكابرهم كإدريس : ويونس : وموسى : وإبراهيم : وعيسى : ومحمّد : صلى اللّه عليه وآله وعليهم أجمعين وغيرهم؟

هذا وقد تواتر البرهان المحكم عقلاً ونقلاً (4) ، وأطبقت العقلاء على عدم جواز خلوّ زمان من أزمنة التكليف من حجّة لله من البشر ؛ إما ظاهر مشهور ، أو خائف

ص: 254


1- في المخطوط : ( لاحتجاجهم ).
2- في المخطوط : ( الثامن ).
3- في المخطوط : ( التاسع ).
4- بحار الأنوار 23 : 20 / 16 ، 17.

مغمور ، وهو شهيد اللّه وعينه في بريّته ، ولسانه المعبّر عنه بالصدق ، وسبيل خلقه إليه ، مع وقوع الفترات بين الرسل. وما ذاك إلّا لأنّ الحجّة غير ظاهر مشهور معروف بشخصه ، بل مغمور لا معدوم ، وإلّا لارتفع التكليف لارتفاع الحجّة المبيّن الحافظ للشرع القويم. فيكون الخلق حينئذٍ عبثاً ، ولا يجوز على اللّه العدل القادر الرحيم التكليف بما لا يطاق.

فتبيّن أن هذا المُشَبّه قد حكم على خليفة اللّه وأمره بما لم يأمره اللّه ، وطلب منه فعل ما لم تقتضِه حكمة اللّه وعدله ورحمته في تدبيره عباده ، بل اقتضت عكسه. وقد عرفت أن عدم ظهوره للأبصار الحسّيّة لا ينافي عزّه وظهوره للبصائر القدسيّة وتأييده الإلهي. فله شبه بالرسل كيوسف عليه السلام : ومن ذكرنا منهم فقد أخفوا أنفسهم ، حتّى إن أسباط يعقوب عليه السلام : لم يعرفوا يوسف عليه السلام : أخاهم ، والحال أنهم لم يُزايلهم عزّ اللّه ونصره.

فما أورده هذا المُشَبّه وارد عليه في شأن هؤلاء الرسل ، بل وفي شأن محمَّد صلى اللّه عليه وآله : قبل الهجرة ، مع أنه المجاب الدعاء ، المؤيّد بنصر اللّه وعزّه منذ خلق اللّه السماوات ، وإلّا لكان يحيى عليه السلام : وأضرابه أفضل منه بوجه ، فلا يكون أشرف الكلّ في الكلّ مطلقاً ، وهو كذلك مطلقاً ، هذا خلف.

السادس : (1) أنه إن سُلّم دعواه وتمّ ثبت به حقيقة مذهب الرافضة ودعواهم اختصاص عليّ عليه السلام : وبنيه الأطياب المعصومين : بالإمامة ؛ لظهور هذه الدعوى من الرافضة وغيرها ممّا اختصّوا به ، وانتشاره ودوامه واستمراره واشتهار ما برهنوا به عليه ، مع استمرار وجودهم ، وتزايد اشتهار دعواهم على مرّ السنين. والحال أنهم عدد نزر قليل جدّاً في كلّ زمان بالنسبة لأعدائهم ، مع شدّة حرص أعدائهم على إبادتهم.

ما ذاك إلّا نصر إلهيّ ، وتأييد ربّانيّ ، وإلّا للزم بمقتضى دعواه أن يأخذهم اللّه ويستأصلهم كسائر من تقوّل عليه ، فإنّهم يقولون : إن إمامة عليّ عليه السلام : والأحد عشر من بنيه جاءت من اللّه بنصّ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 255


1- في المخطوط : ( العاشر ).

وهذا المفتري وأضرابه يعتقدون في الرافضة أنّهم يسبّون أولياء اللّه وخلفاء رسوله ؛ فإذن على هذا يجب في حكمة اللّه استئصالهم ، وإذا مهّل اللّه لهم وأمدّهم باشتهار الذكر والنصر ، فإذن هم الفرقة الناجية المحقّة.

السابع : (1) أنه إن أراد بالدولة : العزّ (2) الدنيوي ، وباستمراره : استمراره برهة ما معلومة أو غير معيّنة ، فلا خفاء ولا ريب في ثبوت ذلك لمن ثبت كفره وعتوّه على اللّه بالضرورة من الدين والتواتر المحكم ، كفرعون : ونمرود : وإبليس : وغيرهم من الفراعنة ؛ لأسباب اقتضتها حكمة الحكيم القادر العليم ، فأمهلهم وأملى لهم ، لتكمل الحجّة ويتمّ الاختيار ، ويظهر الاختبارُ كامنَ ما في النفوس. فثبوت ذلك لهم لا يدلّ على [ حقيّة (3) ] الدعوى ولا عدمه على بطلانها بضرب من ضروب الدلالات ، بل الوجدان يشهد بخلافه.

وإن أراد العزّ الإلهيّ والدولة الربّانيّة ، فعدم ظهور صاحبها للأعين الحسّيّة لا ينافي ثبوته له في الواقع ، كما هو معلوم من سير الأنبياء والرسل عليهم السلام والأولياء حتّى محمَّد صلى اللّه عليه وآله : فإنّهم يدورون في جميع أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم وحركاتهم وسكناتهم مطلقاً على مشيئة اللّه تعالى وحكمته ( عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (4) في جميع أحوالهم مطلقاً.

فلو كان صبرهم على أذى الأعداء ينافي عزّهم ونصرهم الإلهيّ الحقّيّ لكان ما فعل بهم الأعداء من القتل وغيره ينافي قدرة القادر العليم بذاته ، بل ولكان كفر من كفر ، بل ومعصيةُ من عصى مع إمهال اللّه له ، كما هو بالوجدان ينافي قدرة اللّه وعزّه.

فإذن صبر أوليائه على الأذى وعلى مخالفة من خالف أمرهم ، وخالف أمر اللّه لا يدلّ على ذلّهم ولا على عجزهم عن قهر الأعداء واستئصالهم ، بل يدلّ على أنّهم يعاملون الخلق بما اقتضته فيه حكمة الحقّ. فرحمة اللّه ورأفته بعباده وحكمته فيهم

ص: 256


1- في المخطوط : ( الحادي عشر ).
2- في المخطوط : ( والعز ).
3- في المخطوط : ( حقيقة ).
4- الأنبياء : 26 - 27.

أمرت نوّابه بالصبر على ذلك مع قدرتهم على استئصالهم أعداءهم ؛ لأنّ قدرتهم من قدرة اللّه ، وناصرهم هو اللّه القاهر فوق عباده.

هذا مع أن ذلك القاطع للطريق ، الملقي نفسه في أضيق المضيق ، ليس له سلطان ولا برهان ولا أثارة من علم على أن دولة غير عليّ عليه السلام : وبنيه المعصومين عليهم السلام وعزّهم بنصرٍ إلهي وتأييد ربّانيّ ، ولا على أنّها مستمرّة أبداً ، فلِمَ لا يجوز أن تكون دولة أئمّته كدولة نمرود : وفرعون : وبخت نصر : وإبليس : وغيرهم من الفراعنة؟ ولا على أن عليّاً عليه السلام : والأئمّة من بنيه عليهم السلام ليس لهم عزّ ونصر إلهيّ ولا تقوم لهم دولة وعزّ ، ونصر مستقرّ ، وكلمة عليا ظاهراً محسوساً.

وإنّما أدلّة الرافضة وبراهينهم العقليّة والنقليّة على دعواهم في عليّ عليه السلام : مشهورة مستمرّة الظهور بلا تناقض ولا منافٍ. وجميع الأُمّة مطبقة على شدّة علوّ درجتهم في العلم والعمل والسياسة والرياسة وجميع المكارم والمآثر ، وعلى شدّة براءتهم وتقدّسهم عن كلّ منقصة ورذيلة ، وتعاليهم عن [ الحظوظ (1) ] البشريّة ، ولم يكن ذلك في سواهم من الأُمّة أصلاً ، فهم كباب حطّة (2) وكسفينة نوح عليه السلام (3) : وكنجوم السماء (4) ؛ فهم الأمان ومنهم ظهر نور الإيمان ، ولهم دعا الرسول صلى اللّه عليه وآله : بقوله : « اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً » (5).

فهم المطهّرون على الإطلاق ، وقد أنزل اللّه تعالى فيهم ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ) (6) ، الآية.

وهم أحد الثقلين اللذين لا يفترقان (7) ، فأيّ برهان على عصمتهم أوضح من

ص: 257


1- في المخطوط : ( الخصوص ).
2- الأمالي ( الطوسيّ ) : 733 / 1531.
3- عمدة عيون صحاح الأخبار : 359 - 360 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 163 / 4720.
4- فرائد السمطين 2 : 244 / 517.
5- مناقب أمير المؤمنين ( ابن المغازلي ) : 301 - 307 / 346 - 351.
6- الأحزاب : 33.
7- انظر ينابيع المودّة 1 : 95 - 106 / فصل في حديث الثقلين والغدير.

هذا؟ مع أن براهين عصمتهم لا تحصى ، وقد نصّ الرسول صلى اللّه عليه وآله : باتّفاق الفريقين على أن منهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً (1) ، وعلى أن عليّاً عليه السلام مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار (2).

وقال فيه : « وصيّنا خير الأوصياء ، وهو بعلكِ يا فاطمة » ، رواه الطبراني (3) : وغيره (4) من أكابر المحدّثين ، فقد فضّله على جميع أوصياء المرسلين مثل شيث : وشمعون الصفا : ويوشع : وهارون : عليهم السلام وأضرابهم.

فلعمري ما أصرّح هذه الأخبار المستفيضة في عصمتهم! كيف لا يكون عليّ عليه السلام : سيّد الأوصياء : بل سيّد الخلق بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وهو وصيّ أشرف الخلق مطلقاً في كلّ كمالٍ وفضيلةٍ؟ فلو لم يكن وصيّه كذلك لما كان له الشرف والسيادة على من سواه من الخلق في كلّ شي ء مطلقاً ، وهو كذلك مطلقاً.

ولم يثبت لغير عليّ عليه السلام : والأئمّة من بنيه عليهم السلام معشار عشر سهم من ألف ألف ألف سهم ممّا ثبت لهم من الكمالات والكرامات الثابتة بالاستفاضة. بل ولم يثبت لغيرهم شي ء يدلّ على حقيقة دعواه من جميع من ترأس في هذه الأُمّة أو ادّعيت له الرئاسة. فأمكن أن يكون اعتقاد إمامة غير علي عليه السلام : والأئمّة عليهم السلام من بنيه كاعتقاد ربوبيّة فرعون : وأن المسيح عليه السلام : ابن اللّه ، وأن أصنام المشركين شفعاء إلى اللّه ، وغير ذلك ممّا يُفترى على اللّه ، فإنّ مدّعي ذلك موجود إلى الآن ، ولبعضهم دولة وعزّ ظاهر كالنصارى وعبدة الأوثان.

الثامن : (5) أن قوله : ( فليس لهم إلّا الذلّ ) إلى آخره ، سبّ وفحش مجرّد لا يؤسّس دعوى ، فضلاً عن أن يؤصّل ديناً ويبطل آخر ، فهو من قبيل قول الكفّار

ص: 258


1- كفاية الأثر : 47.
2- انظر مناقب آل أبي طالب 3 : 76 ، 77 ، 297 ، تاريخ بغداد 14 : 321 ، 7643.
3- المعجم الكبير 3 : 57 / 2675 ، بتفاوتٍ يسيرٍ.
4- ذخائر العقبى : 135 - 136 ، بتفاوتٍ يسيرٍ.
5- في المخطوط : ( الثاني عشر ).

للرسل : إنّهم سحرة ، وإنّهم يقولون باجتهاد لا بوحي ، وإنّهم يعصون ، وإن القرآن أساطير الأولين.

ولكن من انسلخ عن آيات اللّه ومُسخ جُعلاً بعد أن كان رجلاً ، يحكم بنفاسة القاذورات ويستطيب ريحها ؛ لأنه من سنخها ويستبزّ الحقّ ؛ لأنه ليس من أهله. واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون ، وصلّى اللّه على محمّد : وآله الطيّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 259

ص: 260

[83] هداية نوريّة في مسألة فقهيّة : مسألة ما لو قطع المصلّي بعد القيام بأنّه ترك سجدة وشكّ في محلّها

لو قطع المصلّي بعد استقلاله قائماً بأنه ترك سجدة ، وشكّ في أنّها من الركعة التي قام عنها أم من ركعة قبلها؟ مضى في صلاته وقضى سجدة بعد التسليم وسجد للسهو ؛ لأنّها إن كانت من الركعة التي قام منها فهو شاكّ في السجدة بعد استقلاله قائماً ، فلا عبرة بشكّه ؛ لأنه شاكّ في سجدة من الركعة التي قام منها بعد استقلاله قائماً ، فلا عبرة بشكّه.

وإن كانت من ركعة قبلها فقد تجاوز محلّ استدراكها ؛ لدخوله في ركن آخر ، فيقضيها بعد التسليم ، ويسجد للسهو. والأحوط حينئذٍ الإتمام هكذا والإعادة ، بل هو أولى.

ولو كان هذا الشكّ قبل القيام سجد ؛ لأنه شاكّ في سجود الركعة التي هو فيها وهو في محلّ التلافي ، وبعد التسليم يقضي سجدة ؛ ليخلص من محذور كونها من (1) ركعة قبلها ، ثمّ يجسد للسهو ، واللّه العالم.

ص: 261


1- في المخطوط بعدها : ( سجدة قبلها ).

ص: 262

مسائل الشيخ عبد اللّه ابن الشيخ عباس الستراوي

اشارة

ص: 263

ص: 264

[84] درر بحرانية

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.

الدرّة الأُولى : هل تحريم الكلام في الصلاة من حين فرضها أم كان محلّلاً فنسخ؟

قوله : ( ما تقول في تحريم الكلام في الصلاة ، هل هو في ابتداء الإسلام ، أم كان محلّلاً فنسخ إلى التحريم؟ وهل بحث في هذه المسألة أحد من أصحابنا أم لا؟ ).

الجواب وباللّه المستعان - : لا يحضرني من بحث في ذلك من أصحابنا ، ولا أرتاب في أن الكلام الخارج عن أجزاء الصلاة وعن ذكر اللّه والدعاء ينافي حقيقة الصلاة ؛ فإنّها « معراج المؤمن » (1) ، وعمود خيمة الأعمال (2) الذي إذا سقط سقط سائرها ، وإن قبلت قبل ما سواها (3). وهي الناهية عن الفحشاء والمنكر (4) بحقيقتها وكنهها كما هو ظاهر لمن شمّ طيب عرفها.

ص: 265


1- انظر بحار الأنوار 79 : 303 / ذيل الحديث : 2.
2- عوالي اللآلي 1 : 322 / 55 ، وفيه : « الصلاة عمود الدين ».
3- الكافي 3 : 268 / 4 ، وسائل الشيعة 4 : 108 ، أبواب المواقيت ، ب 1 ، ح 2 ، باختلاف.
4- إشارة إلى قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) .

وقد ورد تأويلها بالإمام (1). ولا ريب عند ذي لبّ أنه لا يتحقّق العروج ولا المعراج حال الالتفات والاشتغال بغير الغاية ، فلا يمكن أن يحلّ في حال من الأحوال فيها الكلام الخارجيّ حتّى يدخله النسخ.

نعم ، وقفت على حديثين من طرق العامّة أخرج كلّاً منهما مسلم : في صحيحه بطريقين ، لفظ أحدهما :

عن عبد اللّه : قال : كنّا نسلّم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : في الصلاة فيردّ علينا ، فلمّا رجعنا من عند النجاشيّ : سلّمنا عليه ، فلم يردّ علينا ، فقلنا : يا رسول اللّه : كنّا نسلّم عليك في الصلاة فترد علينا فقال : « إنّ في الصلاة شغلاً » (2).

وثانيهما : عن زيد بن أرقم : قال : كنّا نتكلّم في الصلاة ، يكلّم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة ، حتّى نزلت ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (3) ، فأُمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (4).

وظاهر الأوّل وصريح الثاني ذلك. ولم أقف على هذا المعنى من طرق أصحابنا. وكيف يحلّ الكلام في أثنائها في حال أو زمان بغير ذكر اللّه ، وهي الجامعة لجميع عبادات المكلّفين من الملائكة الحافّين حول العرش إلى قرار الثرى ، ولجميع تكاليف الإسلام من العبادات ، كما يعلم ذلك أهل الأفئدة؟ ولا يسع الحال البيان. وقد بيّنا ذلك في بعض رسائلنا ، فتطلّب ، واللّه العالم.

الدرّة الثانية : هل يجب على الكافر الجنب الغسل بعد إسلامه أم لا؟

قوله سلّمه اللّه تعالى - : ( وفي الكافر إذا أسلم وهو يجنب حال كفره ، أعليه الغسل بعد إسلامه ، أم لا ؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله؟ وإن قلتم : إنه يجب عليه الغسل ، هل رأيتم ذلك في عبارة فقهيّة ، أو خبر في خصوص ذلك أم لا؟ ).

الجواب أنه يجب عليه الغسل إذا وجبت عليه الصلاة أو ما هو مشروط بالطهارة.

ص: 266


1- تفسير العياشي 1 : 147 / 422.
2- صحيح مسلم 1 : 319 / 34.
3- البقرة : 238.
4- صحيح مسلم 1 : 319 - 320 / 35.

والدليل على ذلك إجماع الطائفة المحقّة في كلّ زمان ومكان وعمومات أوامر الكتاب والسنّة المحكمات من غير معارض ، وهي ظاهرة عند المتدبّر.

أمّا أن الإسلام يجبّ ما قبله فحقّ ، لكنّه لا يرفع الحدث ؛ إذ لا ريب أن رافع الحدث محصور في الطهارة وليس هو من أقسامها. فإذا أسلم بعد تحقّق الجنابة فهو جنب قطعاً بالفعل ، واستصحاباً لحاله السابق ، فإن كان إسلامه لا في وقت عبادة مشروط بالطهارة لم يجب عليه غسل ، فإذا حضر وقت عبادة مشروطة بها وجب عليه الغسل ؛ لأنه محدث قطعاً ، والإسلام ليس من روافع الحدث بالضرورة ، وإنّما هو مسقط [ لعقاب (1) ] الآخرة والدنيا ، ولِما يلزم قضاؤه من العبادات بالدليل ؛ تفضّلاً من اللّه.

ولا يتوهّم إمكان سقوط الغسل عنه على القول بوجوب غسل الجنابة لنفسه ، فإنّ القائل بذلك لا يقول بارتفاع حدثه بمجرّد إسلامه ، وإنّما يرتفع حدثه عنده كغيره بالغسل.

وأمّا من ذكر ذلك فغير واحد من أكابر العصابة كالعلّامة في ( قواعد الأحكام ) (2) و ( التلخيص ) (3) ، والشيخ علي في ( شرح القواعد ) (4) وغيرهما (5) ، كما يظهر للمتتبّع ، واللّه أعلم بحقائق أحكامه.

الدرّة الثالثة : طلاق من تضع ولم ترَ دماء

قوله سلمه اللّه تعالى - : ( وفي امرأة ولدت ولم يكن لها نفاس ؛ لعدم رؤية دم في ولادتها ، هل يصحّ لزوجها طلاقها من حيث مجرّد الولادة ، أم لا يصحّ لصدق كون الطلاق في طهر المواقعة وليست حاملاً الآن؟ وأفيدونا هل في خصوص هذه المسألة بحث أحد من أصحابنا أم لا؟ ).

ص: 267


1- في المخطوط : ( لعتاب ).
2- قواعد الأحكام 1 : 210 ، ( حجري ).
3- تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) 26 : 265.
4- جامع المقاصد 1 : 270.
5- مدارك الأحكام 1 : 276 - 277.

الجواب : لم أقف على من بحث في هذه المسألة ولا من ذكرها ، نعم سألتُ عنها شيخنا الشيخ محمّداً آل عبد الجبار : أيّده اللّه تعالى وشيخنا الشيخ محمّد بن أحمد آل سيف : نوّر اللّه ضريحه فحكما بصحّة الطلاق حينئذٍ ولو واقعها قبل الولادة بلا فصل. والظاهر أن وجهه استصحاب صحّة طلاقها حال حملها ، والاستصحاب يجري في موضع المسألة أيضاً كما هو المعروف بين العصابة ، وقام عليه الدليل عقلاً ، ونقلاً (1).

على أن الاستصحاب في الحكم آئل إلى الموضوع كما يظهر بالتأمّل. والذي يظهر لي على كثرة إضاعتي وقلّة بضاعتي ، فلست من أهل الاختيار ولا الاختبار أن المسألة فيها تفصيل ؛ فعلى القول بعدم مصاحبة الحيض للحمل لا يصحّ طلاقها ؛ لأنّها في طهر المواقعة ؛ لأنّ ذلك هو المفروض ، وليست من اللاتي يطلّقن على كلّ حال.

وعلى القول بالمصاحبة ؛ فإنْ حاضت بعد أن واقعها وطهرت ثمّ ولدت ولم ترَ نفاساً فإنّه يصحّ طلاقها لصدق أنّها في طهر لم يقربها فيه ، وإن لم تحض بعد المواقعة ولم تمض عليها ثلاثة بيض ، فولدت ولم تنفس لم يصحّ طلاقها ؛ لأنها لم تكن حاملاً فيصحّ طلاقها على كلّ حال مع أنها في طهر قد [ قاربها فيه (2) ]. والقول بالمصاحبة أقوى ، واللّه العالم.

الدرّة الرابعة : هل يحرم على الحائض بعد تمام حيضها دخول المسجد قبل الغسل أم لا؟

قوله سلمه اللّه تعالى - : ( وأيضاً إن الحائض إذا طهرت يحرّمون عليها دخول المساجد ، مع أن ذلك إنّما هو محرّم على الحائض ، وهذه ليست بحائض لصحّة طلاقها إجماعاً ، وجواز نكاحها للشبق أو مطلقاً على كراهية على قول ).

الجواب ومن اللّه استمداد الصواب - : أن المشهور بين علمائنا أن استقرار

ص: 268


1- انظر : وسائل الشيعة 22 : 59 ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ، ب 27.
2- في المخطوط : ( قربها ).

الحائض في المساجد ووضع شي ء فيها ومطلق دخول المسجدين محرّم حتّى تتطهّر. وذلك غاية من غايات الغسل كما هو ظاهر ، أو أنه عبادة مشروطة بذلك ، والطلاق والنكاح خرجا بدليل ؛ ولأنّهما غير عبادة.

والدليل على هذا بعد الأخبار (1) الإجماع ؛ إذ لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الشيخ إبراهيم القطيفيّ (2) : فلا يضرّ به.

ولهم أيضاً ما هو المشهور ، بل نقل عليه الإجماع جماعة وظاهر عبارات جمع أيضاً أنه إجماع من صحّة إطلاق الحائض عليها حقيقة وإن كنّا حقّقنا خلاف المشهور ، ورجّحنا قول الأسترآبادي (3) : من عدم صحّة إطلاق المشتقّ بعد زوال مبدأ الاشتقاق في بعض الرسائل ، لكنّه لا يضرّنا هنا بعد قيام الدليل نصّاً وفتوى على منعها من ذلك حتّى تتطهّر ، واللّه العالم.

الدرّة الخامسة : معنى : « لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام »

قوله سلّمه اللّه تعالى - : ( وما مَعْنى هذا الحديث « لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام » فإنّ بعض الفضلاء ذكر أن للجلب والجنب تأويلين : تأويلاً في الزكاة ، وتأويلاً في المسابقة؟ ففسّروا لنا حقيقتهما ).

الجواب اعلم أن الحديث ذكره الصدوق : في ( معاني الأخبار ) ، وعنون له باباً قال : ( باب : معنى قول الصادق عليه السلام « لا جَلَب ولا جَنَب ولا شغار في الإسلام » ).

وساق السند عن غياث : ( قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « لا جَلَب ولا جَنَب ولا شغار في الإسلام ».

قال : « الجَلَب : الذي يجلب مع الخيل يركض معها. والجَنَب : الذي يقوم في أعراض الخيل

ص: 269


1- انظر وسائل الشيعة 2 : 205 ، أبواب الجنابة ، ب 15.
2- انظر الهادي إلى الرشاد في شرح الإرشاد ، الورقة : 153. مخطوط في مكتبة آستانة قدس برقم 468 / 2. ومصوّرته في دار المصطفى صلى اللّه عليه وآله لإحياء التراث.
3- عنه في الحدائق الناضرة 1 : 122.

فيصيح بها ، والشغار : كان يزوّج الرجل في الجاهلية ابنته بأُخته ».

قال محمّد بن علي : مصنّف هذا الكتاب : يعني أنه كان الرجل في الجاهلية يزوّج ابنته من رجل على أن يكون مهرها أن يزوّجه ذلك الرجل أُخته ) (1) ، انتهى.

وقال الهروي : في ( الغريبين ) : ( في الحديث : « لا جَلَب ولا جَنَب ». قال أبو عبيد : الجلب يكون في شيئين : في سباق الخيل وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ، فيكون في ذلك معونة للفرس على الجري ويكون في الصدقة ، وهو أن يقدم فينزل موضعاً ثمّ يرسل إلى المياه من يجلب أغنام المياه فيصدقها ، فنهى النبيّ صلى اللّه عليه وآله : عن ذلك ، وأمر أن يصدقوا على مياههم ) (2) ، انتهى.

وقال في موضع آخر : ( في الحديث : « لا جلب ولا جنب » ، الجنب أن يجنب فرساً عرياً إلى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا فتر المركوب تحوّل إلى المجنوب ) (3) ، انتهى.

وقال الفيروزآبادي : ( « لا جَلَب ولا جَنَب » هو أن يرسل في الحلبة [ فيجتمع (4) ] له جماعة تصيح به ، ليردّ عن وجهه. أو هو ألّا تجلب الصدقة إلى المياه والأمصار ، ولكن يتصدّق بها في مراعيها. أو أن ينزل العامل موضعاً ثمّ يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها. أو أن يتبع الرجل فرسه فيركض [ خلفه ويزجره (5) ] ويجلب عليه ) (6).

ثمّ قال في موضعٍ آخر : ( والجَنَب محرّكة شبه الظّلَع : أن يشتدّ عطش الإبل حتّى تلزق الرئة بالجنب والقصير. وأن يجنب فرساً إلى فرسه في السباق ، فإذا فتر المركوب تحوّل إلى المجنوب. وفي الزكاة أن ينزل العامل بأقصى مواضع الصدقة ، ثمّ يأمر بالأموال أن تجنب إليه. أو أن يجنب ربّ المال بماله ، أي يبعده عن موضعه

ص: 270


1- معاني الأخبار : 274 / 1.
2- غريب الحديث 1 : 434 - 435.
3- غريب الحديث 1 : 435.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( فيجمع ).
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( خلفها ويزجرها ).
6- القاموس المحيط 1 : 172 الجلب.

حتّى يحتاج العامل إلى الإبعاد في طلبه ) (1) ، انتهى.

وقال الفيّوميّ : ( وفي حديث « لا جَلَبَ ولا جَنَبَ » بفتحتين فيهما فسّر بأنّ ربّ الماشية لا يكلّف جلبها إلى البلد ليأخذ الساعي منها الزكاة ، بل تؤخذ زكاتها عند المياه. وقوله : « ولا جنب » أي إذا كانت الماشية في الأفنية فتترك فيها ولا تخرج إلى المرعى ليخرج الساعي لأخذ الزكاة لما فيه من المشقّة ؛ فأمر بالرفق من الجانبين. وقيل : معنى « ولا جنب » أي لا يجنب أحدٌ فرساً إلى جانبه في السباق ، فإذا قرب من الغاية انتقل إليها ليسبق صاحبه. وقيل غير ذلك ) (2) ، انتهى.

وقال السيوطيّ : في ( مجرّد النهاية ) : ( قال أبو عبيدة : الجلب يكون في شيئين : في سباق الخيل وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ، فيكون ذلك معونة للفرس على جريه.

ويكون في الصدقة وهو : أن يقدم المصدّق فينزل موضعاً ثمّ يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها ، فنهى عن ذلك وأمر أن يصدّقوا على مياههم.

وقال في موضع آخر : ( الجنب معروف ).

إلى أن قال : ( وفي السباق أن يجنب فرساً إلى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا فتر المركوب تحوّل إليه. وفي الزكاة : أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة ثمّ يأمر بالأموال أن تجنب إليه ، أي تحضر.

وقيل أن يجنب ربّ المال بماله أي يبعده عن موضعه حتّى يحتاج العامل إلى الإبعاد في اتّباعه ) ، انتهى.

فظهر لك من هذا معنى « الجلَب والجنَب » في الزكاة والسباق.

وأما ( الشغَار ) فعرفت معناه وهو في أكثر كتب الفقه (3) مصرّح به ، وظنّي أن الحديث المشار إليه أخرجه الصدوق في ( العيون ) (4) أيضاً ، واللّه العالم.

ص: 271


1- القاموس المحيط 1 : 175 الجنب.
2- المصباح المنير : 104 جلبت.
3- المبسوط 4 : 244 ، مسالك الأفهام 7 : 420.
4- لم نعثر عليه.
الدرّة السادسة : معنى عزل المرأة لماء الرجل.

قوله سلمه اللّه تعالى - : ( وفي عزل المرأة لنطفة الرجل ما حقيقته؟ فإنّ شارح ( اللمعة ) ذكره وذكر فيه قولاً بالكراهة وقولاً بالتحريم ؛ فإن كان حقيقته كعزل الرجل فكيف يتحقّق فيه الخلاف ، مع أن ذلك نشوز وهو محرّم قطعاً ، وإن كان له حقيقة أُخرى فتفضّلوا في التمثيل بها واذكروا ممّ (1) اخذتموها ).

الجواب ومن اللّه إلهام الصواب - : عبارة ( شرح اللمعة ) هكذا : ( وكذا [ يكره ] (2) لها العزل بدون إذنه ، [ وهل (3) ] يحرم لو (4) قلنا به [ فيه (5) ]؟ مقتضى الدليل الأوّل ذلك ، والأخبار خالية عنه. ومثله القول في دية النطفة ) (6).

وهذه العبارة مجملة ولفظها محتمل (7) لمعنيين :

أحدهما أن يراد : عزلها لنطفة الرجل. وهذا يتصوّر بأن تجذب نفسها حين تحسّ بتوجّه إنزال ماء الرجل ؛ فإن كانت قصدت به التبعّل والملاعبة فلا إشكال في حلّه ، وإن قصدت به الامتناع من تمكين الرجل من استكمال نكاحها واستكماله للذّته ؛ فإن تحقّق به عدم التمكين التامّ فلا إشكال في حرمته ؛ لما يلزمه من النشوز ، وإلّا ففي حرمته إشكال ؛ للأصل وعدم المعارض ، فلا دليل على الحرمة.

وإن قصدت به التحرّز من الحَبَل ؛ فإن استلزم النشوز أو ما يلزمه النشوز فلا شكّ في حرمته أيضاً ، وإلّا اجري فيه احتمال القولين : من الكراهة [ والحرمة (8) ] إن لم يأذن لها. ولا شكّ في الكراهية ؛ لما في ذلك من تفويت أعظم مقاصد النكاح. ولا دليل على التحريم.

ص: 272


1- في المخطوط : ( ممّا ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( مكره ).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( وهو ).
4- في المخطوط : ( ولو ).
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( منه ).
6- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 5 : 103 - 104.
7- في المخطوط : ( محتملين ).
8- في المخطوط : ( والحرم ).

ويتصوّر أيضاً بأن تساحق اخرى بعد إنزال الزوج بلا فصل وتُلقي نطفته في رحم الأُخرى. وهذا لا شكّ في حرمته ؛ لما يستلزمه من فعل المحرّم إجماعاً لا من حيث إلقاء نطفة الزوج ؛ إذ لا دليل على تحريمه وإن كان مكروهاً.

والثاني : أن يراد به : عزلها ماءها ، ويتصوّر بطريقين :

أحدهما : ما مرّ في تصوير الأوّل ، وتجري فيه الوجوه المذكورة ؛ إباحة وكراهة وحرمة.

والثاني : أن تستمني هي ببعض أعضاء الرجل ، غير الذكر. وهذا إن قصدت به الملاعبة والتبعّل أو قضاء شهوتها حين امتناعه عن نكاحها ، أو لشدّة استعجالها ؛ لشدّة شبقها ، فلا شك في حلّه ، للأصل المعتضد ببعض الأخبار (1).

وإن قصدت به التوصّل إلى عدم الحَبَل ، فلا شكّ في كراهته ؛ لمنافاته لأعظم مقاصد النكاح. ولا دليل على التحريم ، واللّه العالم.

الدرّة السابعة : ما الدليل على نقض المس للطهارة؟

قوله سلمه اللّه تعالى - : ( والأكثر من أصحابنا يقوّي أن مسّ الميّت ينقض الوضوء ، ما الدليل في ذلك؟ ).

الجواب وباللّه المستعان - : أن وجوب الغسل على مَنْ مَسّ الميّت الآدميّ بعد برده وقبل غسله الصحيح ثابت بالنص (2) والإجماع ، لا نعلم فيه مخالفاً ، ولا تعارض فيه نصّاً ولا فتوًى ، ويجب معه الوضوء على الأشهر الأظهر فتوًى (3) ودليلاً.

أمّا أنه حدث ناقض للوضوء فيتوقّف عليه كما يتوقّف على الوضوء ، فجميع غاياته غاياته فثابت بالإجماع في سائر الأزمان والأصقاع. ولا دليل عليه غير

ص: 273


1- انظر : وسائل الشيعة 2 : 189 ، أبواب الجنابة ، ب 7.
2- وسائل الشيعة 3 : 289 ، أبواب غسل المسّ ، ب 1.
3- انظر : مختلف الشيعة 1 : 339 - 343.

ذلك ، بل ظاهر بعض النصوص ينافي هذا ، كالحاصرة لنواقض الوضوء (1). ولكن تلك الظواهر لا تعارض مثل هذا الإجماع ، على أنه يمكن تأويلها بنوع عناية.

وأمّا توقّف غايات الغسل عليه وإن اقتضاه أكثر عبائر الأصحاب ، حيث أطلقت أن غايات الغسل على الإطلاق خمس فلا دليل عليه ؛ لا من العقل ، ولا من النصّ ، ولا من الإجماع. ولو قيل بأنه واجب لنفسه فقط ، كان قويّاً ؛ لأنّ ظواهر أكثر النصوص لا تدلّ على أكثر من ذلك ، ولكنّه لم يقل به أحد ، فعلم يقيناً أنه ليس من مذهب أهل البيت عليهم السلام ، واللّه العالم.

ص: 274


1- وسائل الشيعة 1 : 245 - 298 ، أبواب نواقض الوضوء.

[85] مسألة الشيخ محمّد الفرساني: درّة صفوانية في نور بحراني النكتة في تقديم ( لَمْ يَلِدْ ) على ( لَمْ يُولَدْ )

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين ، والحمد لله ربّ العالمين.

لعلّ النكتة في تقديم ( لَمْ يَلِدْ ) على ( لَمْ يُولَدْ ) (1) في سورة ( الإخلاص ) وفي كثير من الأدعية والخُطب أنه لمّا كان لا ريب لعاقل في أن جميع الموجودات منتهية لواجب وجود هو مفيض كلّ كمال ووجود. والبرهان على ذلك متواتر من الكتب الثلاثة بالطرق الثلاثة ( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) (2) ، أي التي تبلغ كلّ مكلّف ويفهمها اختياراً.

وفي كلّ شي ء له آية *** تدلّ على أنه واحد (3)

فإذن النكتة في ذلك تظهر بطرق :

أحدها : أنه لمّا خلق الإنسان في ابتداء ولادته الدنيويّة عقلاً هيولانيّاً كان المناسب له الاستدلال بالأثر ، وهو برهان ( لِمَ ) ليقبله اختياراً ؛ لطفاً من اللّه ورحمة ،

ص: 275


1- الإخلاص : 3.
2- الأنعام : 149.
3- ديوان أبي العتاهية : 104 ، وفيه : ( الواحد ) بدل : ( واحد ).

و ( لَمْ يَلِدْ ) برهان ( لِمَ ) حتّى إذا كمل انتقل إلى برهان ( إن ) وهو ( لَمْ يُولَدْ ) ؛ ولذلك أشار مولانا الحسين عليه السلام : بقوله : « أمرتَ بالرجوع إلى الآثار ، فانقلني إليك منها نقيّ السر من الأغيار » (1).

فالرجوع إلى الآثار هو برهان ( لم ) ، والانتقال برهان ( إن ) ، والأوّل هو السفر الثاني من الأسفار الثلاثة.

والثاني : هو أن رؤساء الفلاسفة من الزنادقة والصوفيّة فتنتهم أعظم الفتن ، وشبهتهم أعضل الشبه حيث زعموا أن الخلق من الحقّ كالموج من البحر والثوب من الغزل ، وسيعود الخلق إلى الحقّ ، وكلّ ما في الوجود شؤون الحقّ ومراتب ظهوره وتنزّلاته ، فليس في الوجود إلّا الحقّ وشؤونه ، وسبحان اللّه عما يصفون.

فالآية اقتضت الردّ عليهم حيث بدأت ب- ( لَمْ يَلِدْ ) وهو القوس البدئيّ ، وأُردفت ب- ( لَمْ يُولَدْ ) وهو قوس العود ، فأبطل وصفهم واعتقادهم فيهما معاً حيث زعموا أن الخلق من الحقّ أوّلاً ، والحقّ من الخلق ثانياً ، والترتيب الطبيعيّ المطابق لترتيب الوجود هو الابتداء بذكر قوس البدء ؛ إذ لا يمكن العكس.

الثالث : أنه لم يتوهّم أن واجب الوجود كان من شي ء ، بل وقع الوهم بأنّ شيئاً كان منه ، وهو أمر تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً. فناسب الترتيب أن يبدأ بنفي ما ظهر الوهم فيه ، ثمّ أردفه ببيان أنه الأوّل قبل كلّ شي ء ، والواحد بلا مثل ، والصمد الذي إليه تصمد الأشياء بأجمعها.

الرابع : أنه لمّا دلّ على وحدانيّته من كلّ جهة ، وعلى صمدانيّته كذلك والصمد : الذي لا جوف له (2) بكلّ معنى ، والذي تصمد إليه الخلائق في جميع الحوائج (3) -

ص: 276


1- الإقبال بالأعمال الحسنة : 349 وفيه : « إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار ، فأرجعني إليك بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار ؛ حتّى أرجِع إليك منها كما دخلت إليك منها مصون السرّ عن النظر إليها ».
2- التوحيد 93 / 8 ، معاني الأخبار : 6 / 7 ، 7 / 7 ، لسان العرب 7 : 404 صمد.
3- مختار الصحاح : 369 صمد ، لسان العرب 7 : 404 صمد.

ناسب أن يردفه بأنه ( لَمْ يَلِدْ ) حيث منافاة الصمدانيّة له بمعنييها. ثمّ دلّ على أنه الأوّل قبل كلّ أوّل بقوله ( لَمْ يُولَدْ ) . فظهر أن الترتيب المناسب أن يلي وصف الصمدانيّة ( لَمْ يَلِدْ ) ؛ فإنّ من يلد له جوف بوجه لكلّ معنًى أخذت الولادة.

الخامس : أنه لمّا دلّ على الوحدانيّة والصمدانيّة ، عقّبه بنفي ما يستلزم الكثرة. ولمّا كان الوالديّة أظهر في استلزام الكثرة من المولوديّة ، وأسرع إلى الأوهام الشيطانيّة حتّى قيل : الملائكة بنات اللّه سبحانه وتعالى ، والمسيح عليه السلام : ابن اللّه ، وعزير عليه السلام : ابن اللّه تعالى وتقدّس عمّا يصفون ، قدّم الدلالة على نفيها.

وأيضاً الوالديّة تنافي الوحدانيّة ، والصمدانيّة أوّلاً بالذات ، والمولوديّة ثانياً بواسطة. فهي لازم لازمها ، والأولى لازمها بلا واسطة ، فكان تقديم ( لَمْ يَلِدْ ) أوّلاً.

ص: 277

ص: 278

[86] مسألة السيّد حسين الكويكبي كواكب درّيّة : الرياء قنطرة الإخلاص

بسم اللّه الرحمن الرحيم

روى الحكيم الربّاني الشيخ ميثم البحراني : في شرح ( النهج ) عنه صلى اللّه عليه وآله أنه قال : « الرياء قنطرة الإخلاص ».

ولعلّ معناه واللّه الهادي أن يريد صلى اللّه عليه وآله ب- الرياء : الدنيا ، وب - الإخلاص : الأُخرى من باب المجاز المرسل أو الاستعارة. ووجه الشبه كون كلّ من الرياء والدنيا مضمحلا فانياً لا قرار له ولا أصل ، بل هو كالسراب يحسبه الظمآن ماء ، وأن كلّاً من الأُخرى والإخلاص ثابت ؛ لأن كلّاً منهما الحقائق الثابتة الخالصة. والدنيا معبر الآخرة ومزرعتها والسبيل إليها.

أو يريد صلى اللّه عليه وآله بالرياء : إظهار الإسلام قهراً أو نفاقاً لغلبة أهل الإسلام كما هو معلوم من حال صدر الإسلام ، فإنّ إسلام من أسلم في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : خوفاً أو طمعاً من المنافقين منه ما كان سبيلاً إلى [ إخلاص (1) ] صاحبه بعدُ ، ومنه ما كان سبيلاً إلى إخلاص ذرّيّته ولو بعد طبقات. وربّما كان بعض النفاق والرياء سبيلاً إلى إخلاص صاحبه أو إخلاص عن صاحبه من ذرّيّته أو أتباعه أو نظرائه أو غيرهم.

ويمكن أن يريد صلى اللّه عليه وآله بالرياء : مثل أعمال الأطفال وعقائدهم التي أخذوها من

ص: 279


1- في المخطوط : ( خالص ).

المربّين المعلّمين لهم أو قهروهم عليها ؛ فإنّها سبيل إلى إخلاصهم بعد بلوغهم أوان التكليف والمعرفة بالدليل.

أو أن يريد صلى اللّه عليه وآله بالرياء : دولة الباطل والجهل ، وبالإخلاص : دولة الحقّ والعقل. فإنّه لا بدّ من سبق الاولى على [ الثانية (1) ] وهي الثانية في الدنيا ؛ لأنّها على العكس من عالم الغيب. فلا بدّ في الدنيا أن تسبق القوّةُ الفعلَ ، والعدمُ الوجودَ ، عكسه عالم النور والظهور. ووجه الشبه ظاهر ممّا مرّ ، فلا بدّ أن يظهر اللّه عبادته علانية كما أحبّ أن يعبد سرّاً.

وقال الحكيم الشيخ ميثم : بعد إيراد الخبر : ( معناه : أن الزهد الظاهريّ المشوب بالرياء والسمعة مطلوب للشارع أيضاً إذا كان وسيلةً إلى الزهد الحقيقيّ كما قال صلى اللّه عليه وآله ) ، انتهى.

وأقول : كأنّه بعد التأمّل أراد ما قرّرناه ، فإنّه لا ريب في أن ذلك مطلوب للشارع ، فعادة اللّه أن يدفع بمن يصلّي عمّن لا يصلّي ، [ وإبقاء (2) ] من لا يزكّي رحمة وكرامة لمن يزكّي ، لكنّه يحتاج إلى إبدال لفظ الزهد بالإخلاص ليظهر كمال المطابقة لما قرّرناه. وإن أراد غير ذلك ، فلا يخفى أن العمل المشاب بالرياء والسمعة في نفسه غير مطلوب للشارع على حال ، بل لا يتصوّر كونه وسيلة إلى الإخلاص بوجه إلّا على نحو ما قرّرناه فتأمّل ، واللّه العالم.

ص: 280


1- في المخطوط : ( الاولى ).
2- في المخطوط : ( وأبقى ).

[87] مسألة : الدنيا طالبة مطلوبة

في الخبر : « الدنيا طالبة مطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة » (1). فما الوجه في حذف الواو من الاولى وإثباتها في الأُخرى؟

ولعلّ الجواب أن الدنيا لمّا كانت ظلّاً للأُخرى ومعلولة لها ، والأُخرى نتيجة للدنيا وغاية لها فمن الغيب وردنا وإليه نصير كانت طالبيّة الدنيا و [ مطلوبيّتها ] (2) شيئاً واحداً ك- ( حلو حامض ) ؛ فطالبيّتها عين [ مطلوبيّتها ] (3) بوجه وإن كانت غيرها بوجه. والأُخرى لمّا كانت [ علّة (4) ] فاعليّة أو مادّيّة أو غائيّة للدنيا تغاير طالبيّتها ومطلوبيّتها بوجه. وهو المعني في الحديث.

وأيضاً يمكن أن يقال : إن الآخرة [ لمّا كانت ] باعتبار المبدأ والمعاد قوسين متقابلين ، كانت طالبيّتها غير مطلوبيّتها ظاهراً. والدنيا لمّا كانت نهاية قوس البدء ومبدأ قوس العود ، فهي كالنقطة الجامعة بينهما كالحدّ المشترك كانت طالبيّتها عين مطلوبيّتها ، أو هي حقيقتها مركّبة من جهتي القوسين كالبرزخ ، كانت حقيقتها طالبة مطلوبة ك- ( حلو حامض ) ، واللّه العالم.

ص: 281


1- الكافي 1 : 18 / 12.
2- في المخطوط : ( ومطلوبتها ).
3- في المخطوط : ( ومطلوبتها ).
4- في المخطوط : ( على ).

ص: 282

[88] مسألة : أبى اللّه أن يجعل رزق المؤمن إلّا من حيث لا يحتسب

ورد في عدّة أخبار أنهم عليهم السلام قالوا : « أبى اللّه أن يجعل أرزاق المؤمنين إلّا من حيث لا يحتسبون » (1).

وفي بعضها : « وذلك لأن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه » (2).

وورد في بعض الأدعية : « اللّهم ارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب »(3).

فما وجه الجمع؟

ولعلّ الجواب ومن اللّه الهداية إلى الصواب أنه أراد بالمؤمنين في الأوّل : الخلّص ، وبالثاني : سائر المؤمنين.

أو يراد بالأرزاق في الأوّل : ما يرزق المؤمن من العلم والمعرفة ، فقد أُطلق عليها اسم الرزق في كثير من الأخبار (4). وبالرزق في الثاني هو أرزاق الأبدان.

أو يراد بالأوّل : مطلق الأرزاق الدنيويّة والأُخرويّة ، ولكنّه لا يعلم وجهها حتّى يطلبها منه إلّا بعد دعائه ، فبعد أن يلحّ في الدعاء يفتح اللّه له باب الطلب ، فحينئذٍ

ص: 283


1- بحار الأنوار 100 : 35 - 36 / 72.
2- الأمالي ( الصدوق ) : 248 / 268 ، بحار الأنوار 100 : 36 / 73.
3- الأمالي ( الصدوق ) : 672 / 902 ، بحار الأنوار 12 : 256 / 20 ، وليس فيهما : « اللّهم ».
4- تفسير القمّيّ 1 : 59.

مقام « ارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب » فكلّ منهما بمقام ، فلا منافاة.

ويمكن أن يريد بالحسبان في الأوّل : اليقين ، فليس للمؤمنين يقين بباب رزقهم لما أخذ عليهم من الإيمان بالبداء ، وعلى قدر إيمان المرء بالبداء ينتفي يقينه بمحلّ رزقه ، ويراد بالحسبان في الثاني : الظن ، فلا منافاة ؛ لأنّ الظنّ لا ينافي الإيمان بالبداء ولو رجح الظنّ ، واللّه العالم.

ص: 284

[89] جمع تفريق وبيان تحقيق : نزل القرآن أوّل ليلة من شهر رمضان

مسألة : ما الجمع فيما رواه الكليني رحمه اللّه : في ( الكافي ) عن أهل العصمة سلام اللّه عليهم من أن القرآن نزل في أوّل ليلة من شهر رمضان (1) وبيان صريح الآيات المحكمة (2) والسنة المستفيضة المحكمة (3) وإجماع المسلمين كافّة على أن القرآن نزل في ليلة القدر؟

قلت : لعلّ الجواب - وباللّه الاعتصام أنه نزل في ليلة القدر إلى البيت المعمور جملةً كما دلّ عليه صرائح الأخبار المحكمة ، وعليه إجماع الأُمّة ، فإنّ نزوله إلى عالم الحسّيّ وقع مفرّقاً في العام الحسّيّ مطبقاً على أجزائه كما هو معلوم بالنصّ والإجماع. فمعنى أنه نزل أوّل ليلة من شهر رمضان : أن أوّل شي ء برز منه إلى عالم الحسّيّ نزل في أوّل ليلة منه ، فإنّها أوّل العام شرعاً وهو العام الحقيقيّ المطابق لترتيب عدّة الشهور عند اللّه.

ولا ينافي ذلك سبق نزوله إلى البيت المعمور على نزوله إلى عالم الحسّيّ وتأخّر ليلة القدر عن أوّل ليلة من شهر رمضان ؛ إذ بين النزولين مرتبتان كلّيّتان ؛ لأنّ الأوّل مرتبة قلب السفير به ، والثاني مرتبة لسانه الشريف التبليغيّ الحسّيّ.

ص: 285


1- الكافي 4 : 66 / 1.
2- كقوله تعالى : ( إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) . القدر : 1.
3- الكافي 4 : 157 / 5 ، 158 / 7.

وبينهما مرتبة خيالة (1) المطلق.

أو قل : الأوّل مرتبة الإذن ، والثاني مرتبة الأجل وهو الإمضاء وما بينهما الكتاب. وشهور العام ضعف ست من السبع التي لا يكون شي ء إلّا بها ؛ لكون العام رتبة الحسّ المستجنّ فيها بالقوّة ما قبله من الرتب ؛ فكانت ستّاً ، وكان اثني عشر ، والسابعة سابقة شاملة للكلّ ؛ لأنّها روح الكلّ فلا ينافي تأخّرَه إلى أوّل ليلة من شهر رمضان سبقُ نزوله جملةً في ليلة القدر إلى البيت المعمور.

وبوجه آخر هو أن يراد بأوّل ليلة من شهر رمضان ليلة القدر ؛ لأنّها كذلك باعتبار الغيب ، أو لأنّها مرتبة القلب الذي هو العرش المحيط ، وهو أوّل كائن بمعناه العقليّ والحسّيّ. وأوّل كائن وبارز من الإنسان قلبه ، ثمّ يُبنى عليه الجسد كما هو الحقّ ، وهو المشهور بين أهل التشريح.

وإن كان القول : إنه (2) الدماغ [ فله (3) ] وجه في الجملة أيضاً.

وأوّل كائن من الأرض الكعبة (4) زادها اللّه شرفاً ثمّ دحيت الأرض من تحتها ، فهي من الأرض كالقلب من جسد الإنسان ، فهي أشرف بقعة من الأرض باعتبار الجسدانيّة الصرفة وإن كانت كربلاء زادها اللّه شرفاً أفضل منها بمقام آخر (5) ؛ فلا منافاة بين الأخبار. وقد سبق بعض بيان ذلك.

وليلة القدر قلب شهر رمضان ، فلا ينافي كونَها وسطه في خارج الزمان كونُها أوّله باعتبار آخر وبحسب ترتيب الوجود الواقعيّ ، بل يؤكّده ، واللّه العالم.

ص: 286


1- كذا في المخطوط.
2- في المخطوط : ( لأنه ).
3- في المخطوط : ( له ).
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 90 / 1 ، بحار الأنوار 54 : 64 / 39.
5- وسائل الشيعة 14 : 446 - 454 ، أبواب المزار ، ب 45.

[90] تحفة بيانيّة : « جعل السماوات عماداً لكرسيّه »

مسألة : ما معنى ما روي عن أمير المؤمنين : سلام اللّه عليه في بعض مدحه لباريه عزوجل أنه قال : « جعل السماوات عماداً لكرسيّه » (1)؟

قلت وباللّه المستعان - : الجواب من وجوه :

أحدها : أن البرهان قائم عقلاً ونقلاً (2) على أن جميع العالم مرتبط بعضه ببعض ، ومعتمد بعضه على بعض ؛ فالعالي معتمد على السافل في قبول الفيض منه ، وفي كونه مظهراً له ، وفي تأديته فيضه إلى من دونه ؛ إذ لا بدّ من الواسطة بين كلّ رتبتين ، ومن المناسبة بين المفيض والمستفيض من حيث هما كذلك. وكلّ متوسط برزخ به يكمل قبول من دونه لفيض من فوقه بواسطته بكمال الاختيار ؛ لما في الواسطة من المناسبة لهما بجهتيه.

والسافل معتمد على العالي في الاستفاضة والإفاضة والاستكمال وحفظ الكمال ووجود الحقيقة والإمساك ؛ إذ لا وجود للمعلول إلّا مع وجود علّته ، فلا يمكن استغناؤه عنه ذاتاً وصفةً بوجه وعلى حال أصلاً ؛ إذ حقيقة المعلول عند التأمّل الصافي هو عين إفاضة العلّة ، وتحت ذلك سرّ يظهر على أهل الاستيضاح المتفكّرين. فالسافل كالبدن والعالي روح له ومظهر.

ص: 287


1- الفقيه 1 : 335 / 1504 ، بحار الأنوار 55 : 6 / 3 ، وفيهما : « جعل السماوات لكرسيه عماداً ».
2- التوحيد : 440 / 1.

الثاني : أن يراد بالسماوات : سماوات العقول العالية ، وبالكرسي المكوكب أو مطلق الأجسام ؛ الكلّيّ للكلّيّ والجزئيّ للجزئيّ.

الثالث : أن يراد بالسماوات : الأئمّة من آل محمّد : صلى اللّه عليه وعليهم فإن الإمام هو السّماءُ الظليلة (1) كما ورد مستفيضاً ، وبالكرسيّ أي معنى أُريد ، فهم الأعضاد والأشهاد وأعمدة الفضة الّتي رفعت بها السماوات.

الرابع : أن يريد بالسماوات : العقول ، وبالكرسي : النفس الكلّيّة ، وهي الصدر ، واللّه العالم.

ص: 288


1- بحار الأنوار 21 : 123.

[91] زبرجدة يمانيّة

لعلّ الوجه في غسل الميّت أن إفاضة الماء الذي هو مثل وحكاية وظلّ ومظهر لماء الحياة الحقيقيّة يفيد البدن بعد خروج النطفة التي خلق منها منه استعداداً لملاحظة النفس له في البرزخ ، وإعداداً له في مناسبتها ، فهو أوّل التصفية حتّى يصلح لتعلّقها به تعلّقاً تامّاً ثانياً.

ولعلّ الوجه في سائر الأغسال هو تنقية البدن عن أثر القدر الحاجب لإشراق نور النفس عليه ، وظهور آثارها من حيث هي مقدّسة فيه حتّى يصلحا معاً لعبادة اللّه ، والوقوف بين يديه ؛ إذ العمل منهما جميعاً بعد مناسبتهما له في الجملة ، ومناسبة كلّ منهما للآخر ، وبإفاضة الماء على الوجه المشروع تحصل في الجسد حياة يناسب بها حياة النفس ويستعدّ لارتباطها به ، فتهتزّ أرضه وتربو ، وتنبت ما يثمر ثمرات الجنان ، واللّه المنّان ، وهو أعلم بأسرار أحكامه.

ص: 289

ص: 290

[92] في بيان بعض أسرار الصلاة

اعلم أن الصلاة خطرها عظيم ؛ ولذا ورد فيها أنّها معراج المؤمن (1) ، وأنّها معراج كلّ تقيّ (2) ، وأنّها « عمود دينكم » (3). وهي بالنسبة إلى عبادات العالم بأجمعه كالإنسان بالنسبة إليه. فكما أن الإنسان نسخة مختصرة من جميع العالم ، فهو كتاب مستقلّ ودائرة تامّة ، وكلّ نوع سواه قوس ، كذلك الصلاة نسخة مختصرة من جميع عبادات العالم فعلاً وتركاً. ينبّهك على ذلك ما هو ظاهر منها ؛ فقد اشتملت على ركوع وسجود وقيام وقعود وحركة وسكون ، وترك لجميع ما سوى ذكر اللّه وجوباً ، وتحريم جميع لذّات الدنيا من الأكل والشرب والنكاح وغير ذلك.

وبالجملة ، جميع ما يشغل عن اللّه. فروحها الإقبال على اللّه ، ومادّتها ذكر اللّه ، وصورتها التواضع والاستكانة والخضوع لله. فهي محض القبول للاستكمال بأنوار الملكوت ، والمصلّي من حيث هو قابل محض ؛ فهي أصل الدعاء وحقيقته. فالصلاة أشارت ونعتت كلّيّات جواهر العالم ، ورتبه وحقيقة عباداته أجمع ، وأشارت إلى رتب الوجود بدءاً وعوداً.

وكانت اليوميّة التي هي أصل الصلوات وأُمّها قد فرضت فوق العرش في مقام قاب قوسين خمساً عدد أهل الكساء ، وأُولي العزم ، والمتحيّرة السيّارة ، وعدد كلّيّات العالم :

ص: 291


1- بحار الأنوار 79 : 303 / ذيل الحديث : 2.
2- الخصال 2 : 620 ، حديث أربعمائة ، وفيه : « قربان ».
3- المحاسن 1 : 116 / 117.

العقل ، والنفس ، والروح ، والخيال ، والجسم ، وغير ذلك من الانقسامات المخمّسة.

ولأنّ الخمسة نهاية الكثرة العدديّة ؛ فهي كأنّها برزخ بين القوسين ، وجامعة بين النشأتين ، وعدد خمسة الأصابع التي هي مظهر القدرة في القبض والبسط ومظهر الجود ، وعدد ضمير الغيب المشير إلى ينبوع الوجود ، وعدد القوى الخمس الباطنة ، وعدد الخمس الظاهرة (1). ومجموعها بأصل الفرض عشر ركعات [ كعدد (2) ] القوى العشر (3) ، وعدد القبضات العشر التي تكوّن منها الإنسان المصلّي ، وعدد الكلّيّات العشر المجرّد ، والتسعة المادّيّات ؛ باعتبار أن عالم الكون والفساد واحد [ لإمكان ] (4) انقلابات العناصر واستحالة بعضها إلى بعض.

وكان منها أصل فرضها ثنائيّاً ؛ لتجمع قسمة العالم الثنائيّة : مجرّد وجسمانيّ ، وظاهر وباطن ، وغيب وشهادة ، ومبدأ ومعاد ، ودنيا وآخرة ، وجوهر وعرض ، وغير ذلك. وكان أصلها كلّها ثنائيّةً خمساً بعشر ركعات مقابلة للعشر الحسنات ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (5). ولكن الرسول صلى اللّه عليه وآله : بمقتضى ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (6) أزاد سبعاً ردماً لسبعة أبواب الجحيم ، وليكون فيها بسيطاً ومركّباً كانقسام العالم كذا إلى ذلك.

فالبسيط منها ما أُبقيَ على الأصل ، والمركّب ما أُزيد فيه ، ولوحدة البسيط بوجه كان منها البسيط واحداً ، وتعدّد المركّب لتعدّده في العالم. وكانت الزيادة اثنتين لتطابق أصلها ، وتحكي قيام الخليفة مقام الرسول صلى اللّه عليه وآله : وكانت المغرب زيادتها واحدة لتكون كالبرزخ بين الرتبتين لوجوب وجود البرزخيّة بين البسيط المحض والمركّب المحض ، بل بين كلّ رتبتين.

وقد فسّرت المغرب بالزهراء سلام اللّه عليها - : لأنّها منبت الأنوار وسفط

ص: 292


1- انظر التفسير الصافي 3 : 111.
2- في المخطوط : ( وعدد ).
3- انظر الهامش الأول في هذه الصفحة.
4- في المخطوط : ( الإمكان ).
5- الأنعام : 160.
6- ص : 39.

الأسرار ، فهي كالبرزخ بين النبيّ صلى اللّه عليه وآله : والوليّ. وأشارت الزيادة بتسبيعها إلى القسمة السباعيّة في العالم ؛ إذ لا يكون شي ء في السماء والأرض إلّا بسبعة أشياء. والأفلاك سبعة ، وأملاكها سبعة ، وأيّام الأُسبوع التي جمعت أيّام الدهور والأعوام والشهور سبعة ، تشير إلى أربعة عشر هي الأيّام الحقيقيّة التي نهينا عن معاداتها. وهي ضعف السبعة بالتثنية التي هي جهة تثنية الصلاة بأصل الفرض.

وأيضاً أُبقيت منها واحدة على الأصل ؛ لئلّا تخلو من صورة أصلها ، ولتكون مبدأً لها وغايةً ، ولئلّا تخلو مرتبة من المبدأ. فالغاية هي البداية ، وكان أصلها ثنائيّاً أيضاً ؛ لأنّ مقام فرضها وظهور التكليف بها ثنائيّ ، وهو مقام العقل والنفس. أو قل : الروح ، وهو المقام الجامع بينهما ، أو قل : مقام ( نحن نحن وهو هو ) (1) ، ومقام منتهى العابدين ، ومقام وقوف العابد بين يدي المعبود ، بل هي في المقام الأرفع ، وهو مقام الإرادة المطلقة ومنقطع الصفات.

والبرزخ الكلّيّ الأعظم ركعة واحدة ، بل هي في مقام المشيئة المطلقة والوجود المطلق ذكر مجرّد سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح. فلمّا وصل الأمر بالإدبار في قوس البدء إلى آخر المراتب النزوليّة ، ومجمع القوابل ، ومنتهى الكثرة ، وابتداء قوس العود ، وتكافأت القوابل ، واشتدّ المزج ، وتضاعفت الأغشية ، وكان الخلق كما قيل :

تنكر منها عرفها فاهيلها *** غريب وفيها الأجنبيّ اهيل

وابتدأ السفر الرابع وحان أوان تبليغ الرسالة العظمى ظهر تضاعفها ، ونسبت الزيادة للرسول صلى اللّه عليه وآله : وإن كان التكليف في الاثنتين تكليفاً بالأربع ، والتكليف بالخمس تكليفاً بالخمسين لجامعيّتها لها وثوابها عليها ، فلا نسخ لأصل أصلاً بل ظاهراً ، وإنّما هو إرجاع الجزئيّات إلى الكلّيّات. على أن نسبتها للرسول صلى اللّه عليه وآله : حقيقةٌ ؛ لأنه لا ينطق عن الهوى ، فهو ممّا فوّضه اللّه إليه وقال له ( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ ) (2).

ص: 293


1- انظر شرح العرشية 2 : 132.
2- ص : 39.

وخُصّت الصبح بعدم الزيادة لأنّها في ساعة ليست من الليل ولا من النهار (1) ، وهي تشبه ساعات الآخرة ، فهي تحاكي رتبة أوّل فرضها ، ولأنها برزخ بين النور والظلمة ، والوجود والعدم ، والغيب والشهادة ، فهي تجمع المقامين ؛ ولذلك يجتمع فيها ملائكة الليل [ والنهار (2) ]. وهي بمنزلة دولة الصاحب : عجّل اللّه فرجه وفرّج عنّا به فإنّها كالبرزخ بين المقام الذي أحبّ اللّه بحكمته أن يعبد فيه سرّاً وهو زمن دولة الجهل وبين المقام الذي أحبّ اللّه بحكمته أن يعبد فيه بكمال الإعلان ، وهو زمن دولة العقل ، وهو زمن الرجعة.

فساعة الفجر من الليل بوجه ؛ ولهذا اعتبرها الشارع تارة من الليل وأُخرى من النهار. فهي كرتبة الخيال الجامع لخواصّ المجرّد والمادّيّ ، لا من حيث هما كذلك كما هو شأن البرزخ والغيب والشهادة ، والظاهر والباطن. فأشبهت مقام بدئها ومعادها ، وبوجهٍ مقام المزج بين الطينتين وعركهما. ولضيق وقت الصبح بالنسبة إلى غيرها ، وكونها واقعة على أثر كسل النوم المضعف للقوى النفسانيّة التي هي مادّة العبادة ؛ أُبقيت على أصل الفرض ، واللّه رؤوف رحيم.

وكان منها ثلاثيّة إشارة إلى قسمة الوجود الثلاثي أيضاً : العقل والنفس والجسم ، والمجرّد والخيال والجسمانيّ. وإلى عدد الأجزاء الثلاثة الذين هم الثلاثة الظاهرة من الأربعة ، الّذين هم أركان الاسم الأعظم الّذي خلقه اللّه بالحروف ، غير متصوّت إلى آخره. وإلى تدويرات القبضات العشر الثلاث (3) التي هي طينة المصلّي ، وبكمال الثلاث لكلّ واحدة من العشر يبلغ الغلام الحلم فيستحقّ أن تدفع إليه أمواله.

فإذا تمّت الثلاثة للعشر كملت ثلاثين عدّة شهر الميقات ، وأيّام الصيام التي صومها يصفّي النفس من أثر ما أكل آدم عليه السلام : من الشجرة ، والذرّيّة في صلبه.

وإشارة إلى أوّل فرد من العدد بعد الواحد على ما هو الأقوى من دخول الواحد

ص: 294


1- تفسير القمّيّ 1 : 126 ، بحار الأنوار 80 : 107 / 4.
2- إشارة الى ما ورد في الكافي 3 : 283 / 2.
3- كذا في المخطوط.

في الأعداد ، وأوّل الأفراد على قول. وله وجه في الجملة ، فهي روح كلّ عدد بوجه. وكالهيولى لجميع الأعداد بوجه ، وكالصورة بوجه. وإلى أوّل فرد ظهر فيه التركيب من الوجود ، وإلى مقام أمر العقل بالإدبار. ففيه حينئذٍ ثلاث جهات : جهة إلى ربّه ، وجهة [ إلى ] نفسه ، وجهة إلى الخلق. ولتكون المغرب والعشاء وهما مجموع صلاة الليل المحض سبعاً فيُسدّ بكلّ ركعة منهما باب من جحيم الهيولى التي تشبهها ظلمة الليل ؛ ولهذا تستوحش نفوس عامّة البشر (1) من الأموات في الليل ، وتنفر منهم طباعهم أشد من النهار بكثير ؛ لرجوع الميّت إلى شبه الهيولى الصرفة ، والليل كذلك ، [ فتشتدّ (2) ] الوحشة ؛ لشدّة وحشة عرصات الهيولى وظلمة سبلها. فالنفوس تستوحش من اجتماعهما أشدّ من استيحاشها من كلّ منهما منفرداً ؛ لما في اجتماعهما من تضاعف علّة الوحشة.

فالثلاثيّة برزخ بين أصل فرضها ونهاية زيادتها ، وبسيطها ومركّبها ، وخصّت بالمغرب ؛ لضيق وقت فضيلتها ، وهو أضيق الأوقات ؛ ولأنّها واقعة بعد التكليف برباعيّتين ؛ إذ أوّل ما فرض منهما الظهر ؛ ولذا كانت هي الوسطى على الأشهر الأظهر. وفيه إجماع منقول ، ولأنّ المغرب واقعة أيضاً في الحدّ المشترك بين محض النور والظهور والظلمة والستور ، فهي كرتبة البرزخيّة بين الهيولى المحض والصورة التامّة ، ولأنّ وقتها أيضاً برزخ بوجه ، والبرزخ يجمل فيه بعض ما فصّل في الكثرة ، ويصنّف بعض ما شخّص ، وينوع بعض ما صنّف ، ويجنّس بعض ما نوّع.

ومن هذا يظهر أيضاً وجه في كون الصبح ثنائيّة. ولأنّ المغرب والصبح في حال يشبه السفر ، بل هو سفر بوجه ؛ لأنه حركة ونقلة من ضدّ إلى ضد : من النور إلى الظلمة ، ومن الظلمة إلى النور ، ومن وقت الحياة وهي اليقظة إلى وقت الموت وهو النوم وبالعكس ، ومن شأن السفر التخفيف والقصر بمقتضى رأفة اللّهِ بالعباد.

وكان الصبح بلا زيادة أصلاً ؛ لأنّ وقتها أعلى من وقت المغرب ، وهي أشرف

ص: 295


1- في المخطوط : ( البشري ).
2- في المخطوط : ( فتشد ).

منها ؛ لأنّها في وقت انفلاق الصبح وذهاب غسق الليل ، كقيام القائم : عجّل اللّه فرجه. فوقتها أشدّ جامعيّة ، وأكمل برزخيّة بين الضدّين ؛ ولذا تجتمع فيه ملائكة الليل والنهار ، وتقسم فيه أرزاق العباد ، دون المغرب. فأشبه الانتقالَ من قوس البدء إلى قوس العود بحسب النشأة الدنيا.

والمغرب وقتها أشبه الانتقالَ من المبدأ وهو الغاية طالباً له في القوس النزوليّ ، فناسب فيها الزيادة بالجملة ، ليحصل به تكليس (1) وتصفية في الجملة.

وكان منها رباعيّاً إشارةً إلى قسمة الوجود الرباعيّة : عقل ، ونفس ، وخيال أو قل : روح وجسم. أو قل : عقل ، ونفس ، وهيولى ، وصورة ، إلى غير ذلك ، كالأركان الأربعة للاسم الأعظم ، وإلى العرش المحيط والخلفاء الأربعة ، والجبال الأربعة ، والطيور الأربعة ، وأركان البيت المعمور ، والكعبة المشرّفة التي هي مأوى العهود التي التقمها الحجر.

ولتربيعها ؛ كان القبر الذي هو مأوى الأجسام ومستودعها مربّعاً ؛ ليتطابق مأوى الجسد والروح ، والنفس والعقل ، والسر [ والنور ] ، والظاهر والباطن ، فقد خلق اللّه أسماء بالحروف غير متصوّت ، وباللفظ غير منطق ، وجعل له أجزاء أربعة أخفى منها جزءاً وأظهر ثلاثة ، وجعل لكلّ جزء من الثلاثة أربعة أركان. فالأركان اثنا عشر عدد الخلفاء الاثني عشر. وعدد الركعات الرباعيّات منها اثنا عشر ، فأشارت كلّ واحدة منها إلى عللها الأوّلية التي هي علّة القسمة الرباعيّة في الوجود ، ومجموعها إلى أركان الاسم الأعظم الاثني عشر الذين هم خلفاؤه ، وهم أركان الوجود وأقطابه.

وكانت الرباعيّات ثلاثاً ؛ إشارةٌ إلى عدد الأجزاء الظاهرة من أركان الاسم الأعظم.

وأيضاً أشار عدد كلّ واحدة منها إلى عدد الأربعة الحرم ، ومجموعها إلى عدّة الشهور عند اللّه ، و [ عدّة (2) ] شهور السنة ، وعدد البروج الغيبيّة والحسّيّة.

ص: 296


1- كذا في المخطوط.
2- في المخطوط : ( عد ).

وأيضاً كانت الرباعيّة ثلاثاً ليقابل كلّ واحدة منها واحدة من الثلاثيّة ، فكان كلّ ركعة منها إجمالَ رباعيّة بأجمعها وغيبها ، وكان كلّ رباعيّة تفصيلَ ركعة منها وظاهرها.

ومن هذا يظهر وجه في وجود ثلاثيّة فيها أيضاً ؛ ولهذا أيضاً لم تقصر في السفر ، فكأنّه روعي في كلّ ركعة منها وجود رباعيّة بأسرها نوعاً فلم تقصر ؛ لما يلزم من ارتفاع الرباعيّات بأسرها. فكونها ثلاثية كالذاتيّ لها بهذا التقريب ، فلم تقبل القصر.

وأيضاً كان في الخمس رباعيّة إشارة إلى تدويرات القبضات العشر الأربع (1) التي تبلغ بها أربعين هي تمام الميقات وكماله وأوان بلوغ الأشدّ ، وعدد أيّام تخمير طينة آدم عليه السلام : ورتبها ، وعدد أجزاء الإيمان ، « فمن أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت من قلبه ينابيع الحكمة » (2).

و « من أكل لقمة حراماً لم ترفع له دعوة أربعين يوماً » (3).

وبهذا العدد تكمل التصفية ، وتستعدّ طينة نفسه لقبول الآثار الملكوتيّة.

وإشارة إلى العبادات : الصلاة والزكاة والصوم والحجّ. وإلى نقط الجهات الأربع التي بنيت عليها أركان الكعبة زادها اللّه شرفاً وليتطابق فيها حكاية قوسي البدء والعود ، فمبدؤها ثنائي.

وأيضاً كرّر التربيع ثلاثاً ؛ ليطابق كمال ظهور العقل والنفس والروح في الجسد. أو قل : كمال ظهور العقل وتنزّلاته في المراتب الكلّيّة : النفس ، والخيال والهيولى والصورة. أو قل : الروح ، والنفس والهيولى والجسم.

وخُصّت تلك الزيادة بالظهرين والعشاء لوقوعهم في محض النور والظهور ، ومحض الظلمة والإسرار ، وخصّ القصر بهم ؛ لأنّ المسافر من حيث هو كذلك لا يستقرّ على حال ؛ فأشبه حاله سفر الإنسان بذاته وكدحه إلى ربّه ، فإنّه من تلك الجهة دائم الحركة الجوهريّة والسير ، والنقلة في الرتب الوجوديّة ، فلا يتمّ فيه ظهور

ص: 297


1- كذا في المخطوط.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 69 / 321 ، باختلاف.
3- بحار الأنوار 63 : 313 / 7.

رتبة بالفعل من كلّ وجه ، لأنّ سيره في صفو كلّ رتبة وخالصها دون لوازمها وظواهرها ، فلو كملت فيه رتبة بجميع لوازمها لتقيّد بها ولم يتجاوزها ؛ ولهذا وصف الإنسان بالضعف في أصل خلقة ، كما قال تعالى : ( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) (1).

ولا ينافي ذلك أن وجود الرتبة الّتي يبلغها باعتبار وجودها له وتحقّقه بها أشدّ من وجودها الظهوريّ في نفسها بوجه ، بل في الحقيقة ؛ فإنها فيه روح لها في نفسها ، فهي أشدّ وجوداً وبَساطة وجامعيّة.

فإذن لا يناسب للإنسان حال سفره ولا يتمّ له كمال ظهور الصلاة ونهاية كثرتها ، فأنقص منها ما به يكمل الظهور الوجوديّ والكثرة الخارجيّة ليتناسب التطابق دون ما لم يكن.

وأيضاً مبنى التكليف على التخفيف ؛ لأنه لطف ورحمة واللّه أرحم الراحمين ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (2) ؛ لأنه مقتضى العدل ، والوسع دون الطاقة. ومن شأن السفر المشقّة ؛ ولذا رتّب على شقّ الأنفس ، وفيه أشدّ الشغل ، فخفّف اللّه فيه على العباد من الصلاة لأنها عمل بدنيّ كما أنها نفسانيّ بأن أسقط عنه بعض التكليف البدنيّ ، وهو ما فيه نهاية التكليف ، ولم يخلِه من الزيادة الّتي هي رحمة ، وبها الكمال الظهوريّ ، فأسقط زيادة الاثنتين وأبقى زيادة الواحدة ؛ إذ لا تعذر النفس عن ذلك الكمال ؛ لما فيه [ من (3) ] الإعراض عن اللّه تعالى بوجه في حال. فأبقى تكليفه بالأصل وبشي ء من الزيادة وأسقط شيئاً.

كلّ ذلك رحمة منه بالعبد ، ولئلّا يحرمه فضلاً مَنّ به عليه بالكلّيّة ، واللّه العالم بحقيقة أحكامه ، والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 298


1- النساء : 28.
2- البقرة : 286.
3- في المخطوط : ( عن ).

[93] أذاقه رحمة وإنارة ظلمة ( وَإِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ )

قال النظّام النيسابوري : في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ ) (1) - : ( وفي تخصيص الإذاقة بجانب الرحمة دليل على أن كثيراً من الرحمة قليل بالنسبة إلى رحمته الواسعة.

وفيه أن الإنسان لغاية ضعفه الفطريّ لا يطيق أدنى [ الرحمة (2) ] ، كما أنه لا يطيق أدنى الألم الذي يمسه ) ، انتهى (3).

وأقول وباللّه المستعان - : حاصل الفرق على ما فهمه هذا الفاضل أن ما ينال العبد من الرحمة بالنسبة إلى رحمة اللّه التي وسعت كلّ شي ء يكون كالإذاقة ، والإنسان لمّا كان ضعيفاً في فطرته لا يطيق ورودها إلّا قليلاً متزايداً بحسب [ استعداده (4) ] على سبيل الإذاقة.

وحاصل النظر أن الإنسان خلق ضعيفاً هيولانيّاً ، عقله وإدراكه بالقوّة ، فهو حينئذٍ كما يمسّه أدنى الألم ولا يطيقه ؛ لضعف قواه حينئذٍ عن تحمّله ، ولمنافاته ومضادّته بالكلّيّة لقواه ؛ لأنه بالفعل في الجملة وهي بالقوّة كذلك ، فإذن لا وجه

ص: 299


1- يونس : 21.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الراحة ).
3- تفسير غرائب القرآن 3 : 571.
4- في المخطوط : ( استداده ).

[ لما (1) ] وجّه به التخصيص.

ولعلّ الجواب أن الفارق (2) بذلك لم ينظر لما نظر له صاحب [ التفسير ] من ضعفه الفطري ، وتساوي عدم طاقته ، لثاني مرتبة الرحمة والضرّاء ، وإنّما نظر إلى أن كلّ ما ينال البشر من الرحمة الواسعة وإن كثر فهو قليل بالنسبة إلى سعة رحمة اللّه وعظمتها ، فكلّ ما يرد عليهم من الرحمة تضمحلّ نسبته إلى ينبوع الرحمة والجود ، فناسبه الإذاقة لقلّتها بالنسبة إلى المسّ. وناسب الضرّاء المسّ ؛ لأنّ القليل منها لا يحتمله البشر ؛ لضعفه ومنافاتها لأصل فطرته وعدم ملاءمتها لقواه وحواسّه ونفسه.

ويدلّ على هذا أن ذلك الفارق نظر إلى حال البشر في عموم الإذاقة والمسّ وإن بلغوا أشُدّهم كما هو ظاهر الآية الكريمة. فأين هذا ممّا فهمه المنظر على أن قوله : ( إن ضعفه الفطريّ يقتضي عدم إطاقته لأدنى الرحمة كالألم ممنوع ) (3)؟ فإن ذلك الضعف يلائمه راحة الرحمة ، كما هو ظاهر مع أن الرحمة والألم ضدّان بل نقيضان بوجه ، فكيف يرتفعان ولا واسطة ، ولا بدل لهما؟

وأيضاً الضعف الفطريّ الثابت للإنسان ، ليس هو ما فهمه وأدركه نظره ، فإنّ الوجدان يدفعه ، بل ضعفه الفطريّ عدم كمال ظهور رتبة من رتب الوجود من حيث هي ، وعدم فعليّتها من حيث هي بحسب الكمال الظهوريّ فيه ، وعدم تقيّده بها. وذلك عين القوّة والشرف الذي امتاز به الإنسان عن جميع الخلائق و [ فُضّل عليهم (4) ] به.

وعليه لا يتمّ النظر ، فنقول : لمّا كانت الضرّاء لا تأصّل لها في الوجود ، وإنّما هي بالعرض ، فهي لا تتجاوز الحسّيّات لأنها أصلها ومحتدها ، والرحمة عامّة لا نفاد لها لأنها وجدت أوّلاً وبالذات ، ولأنّ مبدأها من اللّه الذي لا ينقطع جوده ؛ لكون

ص: 300


1- في المخطوط : ( بما ).
2- كذا في المخطوط.
3- نقله بالمعنى ، وهو قول النظام المار في الصفحة السابقة.
4- في المخطوط : ( وفضلهم ).

[ محتدها (1) ] ومبدئها من نفسه ماسّة له ومخالطة لكلّه ، كحاسّة اللمس التي لا يفقدها جزء منه حلّته الحياة من حين ولوج الروح فيه ، فهي أوّل قبس من الروح البخاريّ [ الذي (2) ] يشتعِلُ به فتيلة زيت بدنه ، فتظهر فيه كالدفعة لفعليّتها فيه كلّه وإن كانت أيضاً مراتب لقبولها كأصلها الشدّة والضعف.

وكانت الرحمة لقلّتها بالنسبة إلى مبدئها ، ولظهورها فيه بالتدريج لأنّ اللّه تعالى لا يكلّف نفساً إلّا وسعها ، ولأنّها ضعة الوجود الذي لا تقبله إنّيّته اختياراً إلّا تدريجاً ؛ لأنه في الإيجاد دائماً بوجه ، وأصل وجوده بوجه ناسبها الإذاقة.

وأيضاً لمّا كان الإنسان في ابتداء أمره متكوّناً من الجسمانيّات التي هي محتد ظهور الضرّاء فهو حينئذٍ معدن ونبات وحيوان بالفعل ، والعقل إنّما يظهر فيه متدرّجاً كان ما يناله من الضرّاء التي هي من سنخ موادّ جسمه تعمّه وتمسّه ، وكانت الرحمة التي تناله كالإذاقة ؛ لعدم وسعه وقابليّته لقبول ما يمسّه منها في كلّ درجة اختياراً ، وإلّا لجاز الترجيح لا لمرجّح ، ولانتفت فائدة البعثة.

وأيضاً الرحمة منه حال كونه إنساناً من حيث هو حيوان غريبة ، كان ما يرد عليه منها أذاقه متصاعداً مشتدّاً في كلّ درجة بخلاف الضرّاء ، فإنّ كلّ ما يرد عليه حينئذٍ منها يمسّه ؛ لما مرّ وبالوجدان.

وأيضاً الذوق أعلى من اللمس ؛ لأنّ اللمس أقرب الحواسّ إلى الجسمانيّة الحيوانيّة وأنزلها ؛ لأنّها أوّل قوس الصعود ، ونهاية نزول النفس إلى الجسدانيّة ، وأوّل مراتب ظهور الحياة والروح الحيوانيّة ؛ ولذا لا يعيش حيوان بدونها أصلاً ، ويعيش مع فقدانه لما سواه من الحواسّ الخمس الجسمانيّة. فاللمس كالرحمة والهداية العامّة التي دخل فيها البرّ والفاجر ، وقد لا يوجد في بعض الحيوانات من الخمس سواه بخلاف الذوق. فكانت الضرّاء أنسب بالمس لعمومهما ، وقرب مبدئها من مبدئه ، ولدركها له بكلّه. والإذاقة أنسب بالرحمة التي هي أثر من آثار رحمة اللّه

ص: 301


1- في المخطوط : ( محتداها ).
2- في المخطوط : ( التي ).

التي هي صفة الوجود الأوّل ولازمه.

وأيضاً الرحمة من حيث هي [ لما كانت ] لا يدركها الإنسان إلّا بعقله ، فهي لا ترد عليه إلّا من جهة عقله ، فناسبها الإذاقة الّتي لا تدركها النفس إلّا بجهة العقل ، ولا البدن إلّا بجهة النفس ، والذوق مختصّ بلسانه الذي هو مغراف قلبه ، ومظهر صفة نفسه ، وكيفيّة فكره ، كانت الإذاقة أنسب للرحمة. ولمّا كانت الضرّاء الواردة عليه لا تختصّ بجهة منه ولا جارحة ولا يفقدها إلّا العقل من حيث هو لاحتجابه عنها حينئذٍ ، كان المسّ بها أنسب.

وأما قول الفاضل النظّام : ( إن كثيراً من الرحمة قليل بالنسبة إلى رحمته ) فحقّ ، لكن لا تلازم بينه وبين تخصيص الإذاقة بالرحمة ، والمسّ بالضرّاء ، بل ما يرد عليه من الرحمة وإن قلّ بالنسبة إلى سعة رحمة اللّه في نفسه أكثر بكثير ممّا يرد عليه من الضرّاء وإن كثرت. ولهذا ربّما نسبت الإذاقة إلى العذاب وإن كان الأوّل أكثر وروداً ، واللّه العالم.

ص: 302

[94] حكمة يمانية في لطيفة ربانية : الرسول يعاين والإمام لا يعاين

لعلّ السرّ فيما أطبق عليه أهل العرفان وتطابقت فيه الروايات (1) ومحكم البرهان من أن الإمام لا يعاين الملك المبلّغ للوحي في تلك الحال ، من حيث هو مبلّغ ، وإنّما يسمع كلامه ولا يعاين شخصه ، ملقياً له الوحي الجزئيّ ، والرسول يعاينه كذلك ، ويسمع كلامه الملقى إليه منه أن الإمام لمّا كان مظهر الولاية المطلقة التي هي ولاية الرسول صلى اللّه عليه وآله : التي هي باطن النبوّة التي هي باطن الرسالة ، فالإمام لا يتلقّى الوحي إلّا من مقامه. ومقام الولاية لا يمكن التلقّي فيه للوحي من الملك شفاهاً بمعاينة شخصه ، فهو يتلقّاه من الرسول من مقام ولايته التي هي باطن باطن الرسالة ، فإنّ الرسول لا يتلقّى الوحي فيها كذلك ، ولكنّه يلقي الوحي فيها إلى خليفته.

ومن هنا يظهر سرّ ما ورد : « إنّ الوحي يمرّ به جبرئيل عليه السلام أوّلاً على أمير المؤمنين عليه السلام ».

فإنّ مقام الرسالة يتلقّى من النبوّة المتلقّية من مقام الولاية ، فتفطّن.

وأيضاً مقام أخذ الوحي شفاهاً حسّيّا من شخص الملك المعاين مقام الرسالة ، التي هي مقام آخر مراتب ظهور كمال الرسول ، فلو عاين الإمام أيضاً كذلك كان رسولاً وانتفت الإمامة ، وهو محال. وانتفى الفرق أيضاً بين مقام الولاية والرسالة ومظهريهما ، فمقام الرسالة نهاية مراتب الكمال الوجوديّ ، والخلافة دونه بدرجة.

ص: 303


1- الكافي 1 : 176 - 177 / 1 - 4.

فأمير المؤمنين سلام اللّه عليه - : يتلقّى الوحي من الرسول بمقام ولايته المطلقة ، فإنّه مظهرها وحامل لوائها ، وهو لواء الحمد. فلا يمكن أن يستقلّ بأخذ الوحي شفاهاً من الملك حال كونه مرئيّاً له ، وإلّا لساوى الرسول وباينه ، فلم يكن نفسه التي بين جنبيه ، ولا كان منه كالرأس من الجسد ، ولم يكن خليفته مطلقاً ولا تابعاً كذلك وهو كذلك مطلقاً.

هذا كلّه في مقام الوحي التبليغي للرسالة ، وإلّا فقد استفاض أن الأئمّة عليهم السلام : يعاينون الملائكة ، ومع هذا فلا تتوهّم أن ذلك يقتضي أفضليّة سائر الرسل غير محمَّد صلى اللّه عليه وآله : على عليّ عليه السلام : وخلفائه عليهم السلام ، فإنّ جميع رسالات ما سوى : محمَّد صلى اللّه عليه وآله : معلولة لولاية عليّ عليه السلام : ومن فاضلها ، وقبس من نورها ، فلا يقاس المعلول بعلّته ، وحقيقة النور بالمستنير به.

أمّا محمَّد صلى اللّه عليه وآله : فولاية عليّ عليه السلام : معلولة لولايته ، ونوره شعلة من نوره ، فهو مظهر ولايته ، وحامل لوائه في الدنيا والآخرة ، آدم عليه السلام : فمن دونه تحته (1) ، واللّه العالم.

ص: 304


1- انظر بحار الأنوار 16 : 402 / 1 ، و 39 : 213 / 5 ، و 39 : 217 / 9 ، و 40 : 82 / 114.

[95] سرّ خفّي ووعد وفيّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر

مسألة : ما الوجه في أن الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، والآخرة على العكس؟

والجواب من وجوه :

أحدها : أن الكافر في الدنيا وإن اشتدّ بلاؤه وتتابع وتنوّع واتّصل ، فإنّه بالنسبة لما يلاقيه في الآخرة في جنّة ، والمؤمن على العكس من ذلك وإن تواترت عليه النعم في الدنيا وتنوّعت واتّصلت ، بل ولو ملك الدنيا بحذافيرها وعمّر في عافية إلى أن ينفخ في الصور ، فهو في سجن بالنسبة لما يلاقيه من فسحة الآخرة ، وأنواع النعم فيها.

الثاني : أن الدنيا على العكس من الآخرة في كلّ شي ء ؛ لأنّها بالنسبة للآخرة كالظلّ الحاكي لذي الظلّ ، والظلّ يحكي ذا الظلّ معكوساً ، ولأنّها نقيض لها بوجه ، وهما على التعاكس مطلقاً. والمؤمن في الآخرة في أتمّ السرور والأمن والفسحة ، والكافر على العكس من ذلك ، فما أضيق مقرّه وأوحش مسلكه وأثقل قيوده فيها! فلا بدّ أن يتعاكسا في الدنيا وإن لم يظهر للحسّ.

الثالث : أن المؤمن لمّا كان باقياً على فطرة اللّه المستقيمة ، مخلوق من طينة الجنّة ، والكافر معوجّ الفطرة ، مخلوق من طينة جهنّم. فالمؤمن من حيث إيمانه مسجون من حيث هو في الدنيا ، والكافر من حيث كفره في نعيم من حيث هو في الدنيا.

ص: 305

الرابع : أن السرور والأمن والراحة والفسحة وأضدادها إنّما تكون بإدراك الملائم والمناسب والمجانس أو المناوع والمصانف للنفس أو المزاج أو الطبع أو العقل أو الحقيقة والهوية من حيث هي. فالمؤمن لمّا كان لا يدرك من الدنيا من حيث هي دنيا إلّا ما ينافي وينافي أو يضادّ أو يناقض ذاته وصفاته وطباعه ومزاجه ونفسه وعقله ؛ لأنه ليس من سنخ الدنيا من حيث هي دنيا ، بل من سنخ الجنّة وصفاتها كان في الدنيا في سجن ، والكافر لمّا كان من سنخ المجتثّ الذي لا أصل له ولا قرار ، وخلق من طينة النار لم يدرك من الدنيا إلّا ما يلائمه ويناسبه لقرب المشابهة ؛ فإنّ الدنيا لا قرار لها بل هي فانية مضمحلّة دائمة الذوبان والسيلان ، وهو في جنّته.

فإذا زالت الدنيا عنهما وكان بصرهما حديداً ، وأدرك كلّ منهما حقيقة الدنيا والآخرة انكشف لكلّ منهما أنه كان على العكس بل الضدّ بل النقيض ممّا كان فيه في الدنيا.

الخامس : قد تقرّر بالدليل عقلاً ونقلاً ، كتاباً وسنّةً إن الآخرة نتائج الأعمال ، بل هي هي و ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1).

و « إنّما هي أعمالهم ردّت إليهم » (2).

فالمؤمن في الجنّة وفسحتها وإن كان في الدنيا ، والكافر في النار وضيقها وخوفها وأحزانها وإن كان في الدنيا ، إلّا إن النفس محجوبة عن مشاهدة ذلك بالعيان غير مشعرة به ما دامت مشغولة بتدبير البدن الطبيعيّ. فهي محجوبة به عن ملاحظة أصلها ، مأسورة بأسر المواد والطبائع ، مسجونة في مطمورة الزمان والمكان ، فإذا انكشفت الدنيا لكلّ منهما ، وظهرت الحقائق ، ووقعت المزايلة التامّة ، ونظر كلّ منهما وسمع ببصر بصيرته وسمع عقله ، رأى وعلم أنه كان على العكس ممّا كان عليه في الدنيا.

ص: 306


1- الطور : 16 ، التحريم : 7.
2- انظر : توحيد المفضّل بن عمر : 50 ، بحار الأنوار 3 : 90 ، باختلاف.

السادس : لعلّ المراد بالدنيا محض الدنيا ، وهي دولة الباطل والجهل ، وبالآخرة دولة العقل وهي دولة آل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : فإنّها القيامة الصغرى ، وليست من محض الدنيا ، ولذا كان الغالب فيها أحكام العقل ، ولا ريب أن المؤمن في دولة الجهل في سجن وأي سجن ؛ لأنه لا يقدر أن يعبد اللّه إلّا سرّاً ، والكافر في جنّة ؛ لأنّ دولة الجهل دولته ، وهي جنّته وجزاؤه ، وهما على العكس في دولة آل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : كما هو ظاهر لمن عرف بعض سيرتها ، وعرف حقيقة دولة الجهل ، وقام بتكليف التقيّة فيها ، واللّه العالم.

ص: 307

ص: 308

[96] نور شرقي في حديث مدني « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة »

مسألة : قد استفاض بين الأُمّة بلا معارض أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : قال ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، فمن صلّى في تلك الروضة ضمنت له على اللّه الجنّة (1).

فكيف يكون هذا بعمومه وقد صلّى فيها المنافقون على اختلاف أصنافهم؟

والجواب ما وقفت عليه منقولاً من الجزء الثاني من كتاب ( أزهار الرياض ) روي عن داود بن القاسم الجعفري ، قال : كنت جالساً عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام فقال : « يا هؤلاء إن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، فمن صلّى في تلك الروضة ضمنت له على اللّه الجنّة. وقد صلّى فيها المخالف والمؤالف فما الذي ترونه في ذلك؟ ». فقلنا : اللّه ورسوله أعلم. فقال عليه السلام : « ليس كما تظنون ، إنما القبر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأنه قبر علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأما المنبر فقائمنا أهل البيت ، وأمّا الروضة فنحن الأئمّة ، ف- ( من صلى فيها ) أي من تولّانا ». فقلت : يا مولاي حضرني في ذلك المكان شعر ، فقال : « أنشد ». فأنشدته :

يا حجةَ اللّهِ أبا جعفر *** وابنَ البشيرِ المصطفى المنذر

انتهى.

ص: 309


1- الكافي 4 : 553 / 1 ، تهذيب الأحكام 6 : 7 / 12 ، عوالي اللآلي 1 : 35 / 16 ، وسائل الشيعة 14 : 344 - 345 ، أبواب المزار وما يناسبه ، ب 7 ، ح 1.

فقد دفع الإمام عليه السلام الإشكال بحذافيره ، فأمّا على هذا التأويل فظاهر ، وأما على الظاهر فإن قول المصطفى صلى اللّه عليه وآله : « من صلّى » إلى آخره إنما يريد : من صلّى صلاة صحيحة شرعاً ، وذلك لا يتم إلّا بولايتهم ، فقد انحصر ضمانه صلى اللّه عليه وآله فيمن صلّى فيها من أهل ولايتهم. بل في الحقيقة مَن ليس من أهلها لا يدخل تلك الروضة ولا بجسمه كما يظهر بالتأمّل في الأدلّة العقليّة. فليس الرجلان بمقبورين في حجرته بل في سنخهما وطبائعهما وما يناسبهما من الأرض ، واللّه العالم.

ص: 310

[97] هداية وبيان وإسرار وإعلان نسخ ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها )

العياشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهما السلام في قوله تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (1) قال عليه السلام : « نسختها ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ) (2) » (3).

قلت وباللّه المستعان : أراد بالصلاة في هذا الباطن : ولاية عليّ عليه السلام ، وقد استفاضت مضامين الأخبار بتأويل الصلاة بالولاية ، بل ورد عنهم عليهم السلام [ أن ] الصلاة [ على ] عليّ أيضاً بمعنى ولايته.

ويمكن بقاؤه على ظاهره أيضاً كما يظهر [ للعارف (4) ] ، فيراد بنسخ الآية ب- ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ) : إظهار ولايته وفرضها على الخلائق ، ويراد بالنهي عن الجهر بها : إخفاؤها عن سائر الخلق غير أهل البيت المطهّرين ، وبالنهي عن الإخفات بها : إظهارها لأهل البيت المطهرين خاصّة.

ويدلُّ على هذا كلّه أيضاً ما رواه العياشيّ عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قوله عزوجل ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) ، قال عليه السلام : « ( لا تَجْهَرْ ) بولاية علي ولا بما أكرمته به حتّى آمرك بذلك ، ( وَلا تُخافِتْ بِها ) يعني : ولا تكتمها

ص: 311


1- الإسراء : 110.
2- الحجر : 94.
3- تفسير العياشي 2 : 341 / 176.
4- في المخطوط : ( على العارف ).

عليّاً ، أو أعلمه بما أكرمته به » (1).

فقد كشف هذا الخبر عن [ المعنى (2) ] الأوّل ، وهذا كلّه لا ينافي كون الآية الأُولى محكمة غير منسوخة بحسب التنزيل والتفسير ، فقد تنسخ الآية على بطن من السبعين دون ما سواه ، وقد تنسخ في الظاهر وبحسب التفسير دون الباطن والتأويل ، كما يظهر كلّ ذلك [ لمن (3) ] يميز أخبار أهل البيت عليهم السلام ، واللّه العالم.

ص: 312


1- تفسير العياشي 2 : 342 / 178.
2- في المخطوط : ( معنى ).
3- في المخطوط : ( على من ).

[98] هداية ربانيّة : الكلام في كراهية الإدغام الكبير في الصلاة

قال البهائي قدس سره في اثني عشرية الصلاة ، في الفصل الّذي عقده في التروك المستحبّة اللسانية : ( العاشر : ترك [ الإدغام (1) ] الكبير فإن الحرف الواحد في الصلاة قائماً بمائة حسنة ، وقاعداً بخمسين كما في الخبر (2) ) (3) ، انتهى.

وأقول : أراد قدس سره : أن الإدغام الكبير يفوّت النطق بالحرف المدغم وبفواته يفوت أجر المنطق به المذكور. ولي في ذلك نظر فإنّ ذلك يستلزم القول بكراهية الإدغام الكبير في مطلق قراءة القرآن ولو لم تكن في الصلاة كما هو ظاهر. وهذا (4) لا أعلم به قائلاً من العصابة.

وأيضاً الإجماع قائم على أن من أخلّ بالتشديد عمداً بطلت صلاته ؛ لإهماله حرفاً عمداً. ومقتضى هذا أن الإدغام لا يوجب إسقاط حرف كما هو ظاهر.

وأيضاً ما قاله قدس سره يستلزم القول بكراهية ترك المدّ في المنفصل ، وذلك لا أعلم به قائلاً من العصابة حتّى البهائي قدس سره : و [ التفريق (5) ] بين المسألتين تحكّم ظاهر ؛ فإنّه

ص: 313


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( إدغام ).
2- ثواب الأعمال : 126 / 1 ، ثواب من قرأ القرآن قائماً في صلاته ، وفيه : عن أبي جعفر عليه السلام أن « من قرأ القرآن قائماً في صلاته كتب اللّه له بكل حرف مائة حسنة ، ومن قرأه في صلاته جالساً كتب اللّه له بكل حرف خمسين حسنة ».
3- الاثنا عشرية في الصلاة اليوميّة : 63.
4- في المخطوط : ( هذا ).
5- في المخطوط : ( الفرق ).

دليل جارٍ في المدّ أيضاً ، فإنّه يستلزم إسقاط حرف إلى ستّة أحرف بيقين. هذا مع أنه منافٍ لكلام أهل العربيّة.

قال ابن الحاجب : ( الإدغام أن تأتي بحرفين ساكن فمتحرّك من مخرج واحد من غير فصل ) (1). وأقرّه على ذلك كافّة شرّاح كلامه (2).

وأنا لي في أصل المسألة كلام هو أنه لا يخلو إدغام أحد الحرفين في الآخر ؛ إمّا أن يكون لإعدام أحدهما بالكليّة ، وليس كذلك إجماعاً ، وإلّا لما كان فرق بين المشدّد وغيره ، والفرق محسوس.

أو بتداخلِ الحرفين وامتزاج أحدهما بالآخر. واتّحادُ الاثنين وصيرورتُهما شيئاً واحداً باطل عقلاً ونقلاً ، كما قرّر في الحكمة ؛ لأنه يلزم من فرضه رفعه والبيان في غير هذا الفن أو بالإتيان بحرفين متعاقبين متمايزين في النطق ، بحيث يتكرّر إخراجهما من المخرج الواحد. وهذا يلزمه أن يكون بينهما سكت ما يحسّ به ذو الذوق السليم من نفسه بلازم تحقّق التمايز بينهما حينئذٍ حسّا. وليس كذلك ؛ لتحقّق الفرق بين النطق بهما كذلك.

والنطق بالمدغم أو بحذفهما معاً والإتيان بحرف آخر يشبههما زمان النطق به أقصر من زمان النطق بالحرفين ، وأطول من زمان النطق بالحرف الواحد. وليس كذلك ، لمغايرته لمفهوم لفظ الإدغام ، ولمنافاته ، ولما يفهم قطعاً من مقاصد أهل الصناعة كما يظهر على فطنة المتأمل.

فإذن الإدغام : إلصاق أحد الحرفين بالآخر إلصاقاً شديداً حتّى يتّصل النطق بهما فيصير في الحسّ كأنّه نطق واحد وإخراج واحد بحيث لا يتميّز عنده النطق بأحدهما عن الآخر ، وكأنّهما عنده خرجا من المخرج دفعة بسبب شدّة الاتّصال والتلاصق. فإطلاق الإدغام عليه إذن مجاز لغويّ صار حقيقة عرفيّة ، وبدون هذا لا

ص: 314


1- شرح شافية ابن الحاجب ( المتن ) 3 : 233 - 234 ، شرح النظّام ( المتن ) : 331.
2- شرح شافية ابن الحاجب ( الأسترآبادي ) 3 : 234 - 235 ، شرح شافية ابن الحاجب ( النظام ) : 331.

يستقيم تعريف ابن الحاجب : وشبهه.

وعلى كلّ حال فليس في الإدغام إسقاط حرف من الحرفين باتّفاق أهل العربيّة ، فلا كراهة فيه ؛ لعدم انطباق دليل البهائيّ : عليه ، وليس له دليل غير ذلك ، واللّه العالم.

ص: 315

ص: 316

[99] حكمة يمانيّة : « عليك بالحسنة بين السيّئتين »

( نور الثقلين ) عن ( العيّاشي ) (1) عن الباقر عليه السلام : أنه قال لابنه الصادق عليهما السلام « يا بنيّ عليك بالحسنة بين السيّئتين تمحوها » (2) ، قال عليه السلام : « وكيف ذلك يا أبتِ » (3)؟ قال عليه السلام : « مثل قوله تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) لا تجهر بصلاتك : سيّئة ، ولا تخافت بها : سيّئة ( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) (4) حسنة » (5).

قلت واللّه المستعان - : لعلّه عليه السلام أراد بذلك أمره لابنه عليه السلام بالاقتصاد في جميع الأحوال ، فيكون أراد بالحسنة الصراط المستقيم بين طرفي الإفراط والتفريط. فالسيّئتان هما الطرفان ، والنمرقة الوسطى هي الحكمة. وهذا جارٍ في كلّ شي ء من الأفعال والأعمال والعقائد ؛ فإنّ التوسّط بين طرفي الإفراط والتفريط هو الصراط المستقيم. فمن استقام عليه وسلكه كما أمر اللّه سبحانه انمحت عنه سيّئتا الإفراط والتفريط. وهذا مطلق أُريد به العموم.

ومن القرائن على إرادة ذلك قوله عليه السلام : « مثل قوله تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) .. سيئة » ، فأشار إلى أن السيّئة الجهر والمخافتة على الإطلاق ، وهما

ص: 317


1- تفسير العيّاشي 2 : 342 / 179.
2- في المصدر : « تمحوهما ».
3- في المصدر : ( يا أبه ).
4- الإسراء : 110.
5- نور الثقلين 3 : 234 / 483.

طرفا الإفراط والتفريط. ويزيدك بياناً ما رواه في ( نور الثقلين ) عن ( العياشي ) (1) أيضاً عن الباقر عليه السلام : أنه قال : « يا بنيّ ، عليك بالحسنة بين السيئتين تمحوها » (2) ، قال : « وكيف ذلك يا أبه »؟ قال : « مثل قوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) (3) » (4).

فأشار إلى أن غلّها إلى العنق وبسطها كلّ البسط هما السيّئتان ، وابتغاء السبيل بين ذلك هي الحسنة بينهما. فتمثيله عليه السلام بالآيتين قرينة على إرادة ما قلناه وعلى أن المراد من الإطلاق : العموم في كلّ شي ء. وإنّما أفرد الضمير في « تمحوها » (5) ؛ لأنه لا يمكن أن يسلك شخص الطرفين معاً في شي ء واحد من جهة واحدة شخصيّة.

فإذن لا يتحقّق عليه إلّا سيّئة واحدة هي إمّا طرف الإفراط ، أو التفريط ، فالحسنة تمحوها ، واللّه العالم بمقاصد أوليائه.

ص: 318


1- تفسير العيّاشي 2 : 342 / 179. وليس هو حديثاً مستقلا بل هو الحديث الأوّل عينه ، وقد استشهد به الإمام عليه السلام في الآية 1. من الإسراء أوّلاً ، ثم في الآية (29) من السورة نفسها تحت الرقم : 179.
2- في المصدر : « تمحوهما ».
3- الإسراء : 29.
4- تفسير نور الثقلين 3 : 159 / 179.
5- لاحظ أن في تفسير العياشي ونور الثقلين : « تمحوهما ».

[100] نور مقدسي : وسط الدنيا بيت المقدس

( نور الثقلين ) عن ( روضة الواعظين ) (1) ، للمفيد (2) أن عبد اللّه بن سلام : قال للنبيّ صلى اللّه عليه وآله : أخبرني عن وسط الدنيا قال : « بيت المقدس » قال : ولم؟ قال : « لأنّ فيه المحشر والمنشر ، ومنه ارتفع العرش ، وفيه الصراط والميزان ». قال : صدقتَ يا محمّد (3) :

قلت : لعلّه صلى اللّه عليه وآله أراد بكونه وسط الدنيا أنه قلبها الغيبيّ بحسب البرزخ والمحشر. فلا منافاة بينه وبين ما ورد أن الكعبة وسط الأرض (4) ، فإنّ هذا بحسب جسمها الحسّي. أو أنه فرق بين وسط الدنيا ووسط الأرض.

والأوّل أعمّ ، فالكعبة بالنسبة إلى الأرض كالقلب الصنوبريّ لجسد الإنسان ؛ ولذا دحيت الأرض من تحتها على مثال دحو جسد الإنسان من تحت قلبه ؛ فإنّه أوّل كائن منه. وبيت المقدس بالنسبة للأرض كالدماغ لجسد الإنسان ، فهو [ يستمدّ (5) ] من القلب أصفى الأبخرة ، وهو الروح البخاريّ ، ويمدّه [ بالإحساس (6) ] الشعوري.

ولعلّه أراد بارتفاع العرش منه معراج الرسول صلى اللّه عليه وآله : إلى السماء ، فإنّه العرش

ص: 319


1- روضة والواعظين 2 : 409.
2- كذا في المخطوط ونور الثقلين. وجاء في بحار الأنوار 1 : 8 في بيان مصادره : ( وكتاب روضة الواعظين وتبصرة المتعظين للشيخ محمّد بن أحمد الفارسي ، وأخطأ جماعة ونسبوه إلى الشيخ المفيد .. ).
3- نور الثقلين 3 : 265 / 107.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 90 / 1.
5- في المخطوط : ( يمتد ).
6- في المخطوط : ( الإحساس ).

المحيط بالأكوان ، وخزانة العلم ، وعرش المشيئة ، وعرش الكيفوفة ، والعرش الذي هو مستوى الرحمة.

أو يريد بالعرش : عرش العلم ، وببيت المقدس : حضيرة القدس ؛ فإنها مظهر العلم وخزانته ، أي مقام المشيئة المطلقة.

أو يريد بالعرش : جملة العالم ، وببيت المقدس : باب المشيئة. فيكون معنى « ارتفع » : ظهر.

أو يريد به : العقل الأوّل ، وببيت المقدس : النفس الكليّة ، أو بالعكس.

أو يريد بالعرش : المحدّد ، وببيت المقدس : النفس الكليّة ، ويريد ب- « ارتفع » : ظهر عالياً ، أو بالعكس بحسب ملاحظة القوسين : قوس البدء والعود ، كلّ وجه باعتبار قوس ، وعكسه باعتبار الآخر ، واللّه العالم.

ص: 320

[101] حكمة عرشيّة العرش محيط بالكرسي وبالعكس

مسألة : ما الجمع بين ما اتّفق عليه ذوو الرصد العقليّ والنفسيّ والحسيّ وأيّدته الأحاديث المستفيضة المضمون من أن العرش محيط بالكرسي ، كحديث عاصم بن حميد : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال : « الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسيّ ، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور السرّ » (1) الحديث.

وكحديث العطّارة (2) : وغيره ، فإنّها دلّت على إحاطة العرش بالكرسيّ غيباً وشهادة ، وعلى انغمار الكرسيّ في العرش غيباً وشهادةً.

وبين ما دلّ على أن الكرسيّ أكبر من العرش ، كحديث الفضيل : عن الصادق عليه السلام : أنه قال : « يا فضيل : كلّ شي ء في الكرسيّ السماوات والأرض ، وكلّ شي ء في الكرسيّ » (3).

وحديث زرارة : عن الصادق عليه السلام : أنه سأله : السماوات والأرض وسع الكرسيّ أم الكرسيّ وسع السماوات والأرض؟ قال عليه السلام : « بل الكرسي وسع السماوات والأرض

ص: 321


1- التوحيد : 108 / 3 ، وفيه : ( من نور الستر ).
2- التوحيد : 276 - 277 ، وهو حديث زينب العطّارة التي كانت تأتي نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله وتبيع منهن العطر ، وطلبت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يحدثها عن عظمة اللّه فكان أنه حدّثها بهذا من بعض ما حدّثها به.
3- التوحيد : 327 / 3 ، وفيه : « يا فضيل ، السماوات والأرض وكل شي ء في الكرسي ».

والعرش وكلَّ شي ء وسع (1) الكرسيُّ » (2). وأمثال هذا.

أقول وباللّه اعتصم - : قال الكاشاني : ( المراد من الكرسيّ في مثل [ هذين ] الحديثين : العلم ، فإنّه يطلق ويراد به : العلم كما رواه في ( التوحيد ) عن حفص بن غياث : عن الصادق عليه السلام : قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن قول اللّه عزوجل ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (3) ، قال : « علمه » (4) الحديث ) (5) انتهى ، وهو حسن.

وقال الصدر الشيرازي : ( اعلم أن كون العرش في الكرسيّ لا ينافي كون الكرسيّ في العرش ؛ لأنّ كون كلّ منهما بنحو غير الآخر ، فكون الكرسيّ في العرش كون عقليّ إجماليّ على وجه أعلى وأشرف من كونه في نفسه ، وكون العرش في الكرسيّ كون بصورة نفسانيّة تفصيليّة. فلا منافاة في كون كلّ منهما في الآخر ولا في كون جميع الأشياء في كلّ منهما ) (6) ، انتهى.

وقال شيخنا أيّده اللّه - : ( لمّا كان العرش أعلى الأجسام وأشرفها وأقربها إلى عالم النور والبساطة جعل علمه للكرسي إجمالاً ، والعلم النفساني أقلّ بساطةً فجعله للكرسي.

وقال الكاشي : ( قد يراد بالكرسي : وعاء العرش كما مرّ في الحديث. وكأنه أشار به إلى العلم أو إلى عالمي الملك والجبروت ؛ لاستقرار مجموع العالم الجسمانيّ الذي يعبّر عنه بالعرش عليهما وقيامه بهما. وقد يراد به : العلم الذي لم يطّلع عليه سوى اللّه.

وربّما يقال : كون العرش في الكرسيّ : كون الكرسيّ في العرش ، إلّا إن أحد الكونين بنحو والآخر بنحو آخر. وقد يجعل الكرسي كناية عن الملك ) (7) ) ، انتهى.

ص: 322


1- في التوحيد : ( في ).
2- الكافي 1 : 132 / 4 ، التوحيد : 327 / 4.
3- البقرة : 255.
4- التوحيد : 327 / 1.
5- الوافي 1 : 504 / ذيل الحديث : 400 ، باختلاف.
6- شرح أُصول الكافي 1 : 361.
7- الوافي 1 : 504 - 505 / ذيل الحديث 400 ، باختلاف.

وقد أزاد على ما قرره الصدر : والكاشاني : إرادة العلم المكنون بالعرش.

وأقول : أنت إذا تأمّلت الأخبار وجدت العرش والكرسي فيها يطلقان على معانٍ متلازمة ولو بحسب العلّيّة والمعلوليّة ، فيمكن أن يراد بالعرش المحيط بالكرسي : الأطلس ، وبالكرسي : المحاط المكوكب. وبالعرش : العقل الكلّيّ ، وبالكرسي : النفس الكلّيّة.

وبالعرش : مستوى الرحمة وينبوع الجود ومنقطع الصفات ، وبالكرسي : مجموع المرحومات.

وبالعرش : العلم المحيط بكل [ الموجودات ] ، وبالكرسي : جملة المعلومات.

وبالعرش : جملة العالم من حيث رتبته الإجمالية ، وبالكرسي : جملة أجزائه من حيث هي أجزاؤه وتفاصيله.

وفي هذا كلّه العرش محيط بالكرسي.

وأن يراد بالكرسي : المحيط بكلّ شي ء ، وبالعرش : جسم الكلّ ، أو طبيعة الكلّ ، أو شكل الكلّ ، أو جسم الأطلس بما فيه ، أو جملة ما دونها حتّى الروح.

وأن يراد به أيضاً : مستقرّ الرحمة ، وهو الاسم المشار إليه في بعض الأدعية بقوله عليه السلام

أسألُكَ بالاسمِ الذي استويتَ به على عرشِكَ ، واستقرَرْت به على كرسيِّك (1).

وهو الاسم الجامع لجميع الأسماء من حيث هو كذلك ، وبالعرش : جملة العالم من العقل الأوّل إلى الثرى.

أو يراد به : أرض الجنّة ، وبالعرش : مجموع ما دونها.

أو : صدور العلماء ، وبالعرش : معلوماته ، ولذا يسمّى العلماء : الكراسي من باب تسمية الشي ء باسم بعضه.

وبالجملة ، فمن تدبّر الأخبار ظهر له إطلاق العرش على الجسم المحيط ، وعلى

ص: 323


1- مصباح المتهجّد : 385 ( حجري ) ، المصباح ( الكفعمي ) : 144. بحار الأنوار 87 : 145، وفيها : « وباسمك الأكبر الذي سمّيت به نفسك ، واستويت به على عرشك ، واستقررت به على كرسيّك ».

جملة الخلق ، وعلى القلم المحيط بكلّ شي ء وهو المشيئة المطلقة ، وعلى عقل الكلّ ، وعلى القلم. وظهر له إطلاق الكرسيّ على جسم المكوكب ، وعلى المشيئة المطلقة أيضاً ، وعلى [ رتبه (1) ] الإرادة منها ، وعلى : النفس الكليّة ، وعلى اللوح المحفوظ وعلى مبدأ الظهور وهو باطن المشيئة ومستقرّ الرحمة.

وفي الأخبار غير ما مرّ عن زرارة : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : « الكرسيّ وسع السماوات والأرض ، والعرش ، وكلّ شي ء وسع الكرسي » (2).

وروى عنه أيضاً أنه قال : « إن كلّ شي ء في الكرسي » (3).

وفي ( التوحيد ) (4) مثله.

وفيه حديث حفص : وقد مرّ ، وفيه عن ابن سنان : عنه عليه السلام في قوله تعالى : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) قال : « السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي ، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره » (5).

وروى عليّ بن إبراهيم : مثله (6).

وروى ابن بابويه : عن المفضّل : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال : « العرش في وجه هو جملة الخلق ، والكرسي وعاؤه. وفي وجه آخر العرش هُوَ العلم الذي أطلع اللّه عليه أنبياءه ورسله ، والكرسي هو العلم الذي لم يطلع اللّه عليه أحداً من أنبيائه ورسله وحججه عليهم السلام »(7).

وفي ( العياشي ) عن زرارة : قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : « إن السماوات والأرض وما فيهما من خلق مخلوق في جوف الكرسي ، وله أربعة أملاك يحملونه بإذن اللّه تعالى » (8).

وفي ( الاحتجاج ) عن الصادق عليه السلام : أنه قال : « كلّ شي ء خلقه اللّه في جوف الكرسيّ خلا عرشه فإنّه أعظم من أن يحيط به الكرسيّ ».

ص: 324


1- في المخطوط : ( رتبته ).
2- الكافي 1 : 132 / 4.
3- الكافي 1 : 132 / 5.
4- التوحيد : 327 / 4.
5- التوحيد : 327 / 2.
6- تفسير القمّيّ 1 : 112.
7- معاني الأخبار : 29 / 1 ، باختلاف.
8- تفسير العيّاشيّ 1 : 157 / 459.

ثمّ قال عليه السلام : « خلق النهار قبل الليل ، والشمس قبل القمر ، والأرض قبل السماء ، فوضع الأرض قبل الحوت في الماء ، والماء في صخرة مجوّفة ، والصخرة على عاتق ملك ، والملك على الثرى ، والثرى على الريح العقيم ، والريح على [ الهوء (1) ] ، و [ الهواء (2) ] تمسكه القدرة ، وليس تحت الريح العقيم إلّا [ الهواء (3) ] والظلمات ، وليست وراء ذلك سعة ولا ضيق ولا شي ء يتوهّم. ثمّ خلق الكرسيّ فحشاه السماوات والأرض ، والكرسيّ أكبر من كلّ شي ء خلق ، ثمّ خلق العرش ، فجعله أكبر من الكرسيّ »(4).

وأنت إذا تأمّلت هذه الأخبار وجدتها غير متنافية إذا وضعتَ كلّ شي ء موضعه ، وفهمت المراد منه ، واللّه العالم بمقاصد أوليائه.

ص: 325


1- في المخطوط : ( الهوى ).
2- في المخطوط : ( الهوى ).
3- في المخطوط : ( الهوى ).
4- الاحتجاج 2 : 249 - 250 / 223.

ص: 326

[102] تنزيه تقديسي

( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ. قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها ) (1)

يمكن أن يريد شعيب عليه السلام : بالعود المنفي في كلامه عليه السلام : مقابل البدء [ الإيجادي (2) ] ؛ فيكون معنى العود المطلوب من الملأ غير ما نفاه شعيب : عليه السلام ، وإن كان العود في ملّتهم بما أرادوه من الدخول فيها بعد إظهاره مفارقتها يستلزم ما أراده. وفي المعاريض مندوحة عن الكذب ، واللّه العالم بالحقائق.

ص: 327


1- الأعراف : 88 - 89.
2- في المخطوط : ( لايجادي ).

ص: 328

[103] سرّ عرشي : من زار الحسين عليه السلام « كمن زار اللّه في عرشه »

مسألة : ما معنى ما رواه أبو القاسم بن قولويه : بسنده عن زيد الشحّام : قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما لمن زار الحسين عليه السلام :؟ قال : « كمن زار اللّه في عرشه » (1).

وعنه بإسناده عن جابر : عن بشير الدهّان : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال : « يا بشير : من زار قبر الحسين بن علي صلّى اللّه عليهما : عارفاً بحقّه كان كمن زار اللّه في عرشه » (2).

وعنه بإسناده عن جابر : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : مثله (3).

وعنه (4) ، وعن الصدوق (5) : عن الحسين بن محمّد القمّيّ : عن الرضا عليه السلام : قال : قال لي « من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السلام : بشطّ الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه ».

وعنه بسنده عن الحسين بن محمّد القمّيّ : عن الرضا عليه السلام : قال : قال لي

من زار قبر الحسين : بشطّ الفرات كان كمن زار اللّه فوق كرسيّه؟ (6).

قلت وباللّه الاعتصام - : لعلّ معنى زيارة اللّه تعالى تكون على وجهين :

أحدهما : طلب القرب منه ورضاه والزلفى لديه ، فإن حقيقة الزيارة لغةً هو طلب القرب المكاني مع رضا المزور وسروره وقضاء حقّه ، لكن اللّه تعالى وتقدّس عن

ص: 329


1- كامل الزيارات : 278 / 437.
2- كامل الزيارات : 281 - 282 / 447.
3- كامل الزيارات : 282 / 448.
4- كامل الزيارات : 280 / 443.
5- ثواب الأعمال : 110 / 1.
6- كامل الزيارات : 280 / 424.

المكان ، فبقي حقيقة في طلب قربه العقليّ والنفسيّ والسرّيّ ورضاه كذلك.

الثاني : أن يراد بزيارة اللّه عزّ اسمه زيارة وليّه ونائبه العامّ الخاصّ وخليفته في عباده ، فإنّ رضا حامل ولاية اللّه العظمى رضا اللّه ، وقربه قربه ، وغضبه غضبه ، وأسفه أسفه ، وطاعته طاعته ، ومعصيته معصيته ، حقيقة لا غير ، فكذا زيارته زيارته ، والقرب منه القرب منه لا غير حقيقة بكلّ معنى.

إذا عرفت هذا ، فظاهر الخبر أن الضمير المتّصل الغائب المضاف له العرش يعود إلى لفظ ( اللّه ) ، فيكون معناه على هذا الوجه : أن المتقرّب إلى اللّه تعالى بزيارة قبر الحسين عليه السلام : وهو في الأرض كمن يتقرّب إلى اللّه بزيارة الحسين عليه السلام : وهو كائن ؛ فإنّ الأعمال تتفاضل بتفاضل أمكنتها وأزمنتها ، والعرش أفضل مكان في العالم بأسره. ولذلك خصّ اللّه حبيبه محمَّداً صلى اللّه عليه وآله : بالمناجاة والوحي إليه بجسمه فيه ؛ لأنه سيّد الخلق ، وأشرف الكلّ في الكلّ ، فناجاه وأوحى إليه ما أوحى بجسمه في أشرف مكان في العالم وأعلاه.

ففضل من زار الحسين عليه السلام : بشطّ الفرات مخلصاً عارفاً بحقّه ، وتقرّب إلى اللّه بزيارته في أرض كربلاء ، كمن تقرّب إلى اللّه بزيارته وهو فوق عرشه ، أو في عرشه ، أو فوق كرسيّه على حسب اختلاف درجات العارفين بحقّه في معرفتهم.

هذا على الوجه الأوّل. وعلى الثاني يكون معناه : من زار الحسين عليه السلام : بشطّ الفرات كمن زار الحسين عليه السلام : والحسين عليه السلام : فوق عرش اللّه تعالى ، وهذا بحمد اللّه واضح.

ويحتمل وجه آخر على هذا الوجه ، هو أن معناه أن من زار الحسين عليه السلام : زار اللّه ، واللّه فوق عرشه أي متعالٍ عن معاناة الخلق منزّه عن لوازم الإمكان وصفاته ونسبه اللازمة للزائر والمزور.

وحاصله أن المتقرّب إلى اللّه بزيارة الحسين عليه السلام : كمن يتقرّب إلى اللّه ، ويطلب رضاه منزّهاً له كمال التنزيه والتقديس. وهذا لا يكون إلّا لمن له نور المعرفة ، كما

ص: 330

يشير إليه قوله عليه السلام « عارفاً بحقه » وإن تفاضل العارفون في درجة المعرفة. وعلى تفاضلهم يبنى اختلاف ألفاظ [ هذه (1) ] الأخبار.

ويمكن أنه أراد على هذا : عرش الاستواء ، أي من زار الحسين عليه السلام : عارفاً بحقّه كان عارفاً بأنّ اللّه مستولٍ على ما دقّ وجلّ ، قاهر فوق عباده. فإذن الزائر في تلك الحال في كمال الذلّ والانكسار والخضوع المناسب لحال شهادة الحسين عليه السلام : وهو في غاية القرب من اللّه حينئذٍ وتحت قبّة الإجابة.

ويحتمل إرجاع الضمير المذكور المضاف إليه العرش إلى الحسين سلام اللّه عليه - : والمعنى : من زار الحسين عليه السلام : بشطّ الفرات كان كمن زار اللّه ، على الأوّل ، أو الحسين عليه السلام : على الثاني ، وهو أو الحسين عليه السلام : في عرش الحسين عليه السلام : وأراد بعرش الحسين عليه السلام : قبة الإجابة أو منزله في الجنة ، فقد ورد أن زائره كذلك في جواره ، أو في درجته في الجنّة (2) ، أو منزله في العرش عن يمين العرش (3) ، أي فوقه.

واحتمل بعضهم إرجاع ذلك الضمير إلى الزائر ، فإن أراد أن المعنى : من تقرّب إلى اللّه بزيارته في كربلاء كان له من الأجر كأجر من عرف اللّه حقّ معرفته بنور المعرفة الذي يكون العلم شعاعها في رتبة يقين الفؤاد فوق طور العقل ، كان وجهاً ، لكنه بعيد عن ألفاظ الأخبار المذكورة كما لا يخفى ، وإن أراد غير هذا طالبناه ببيانه حتّى نعرف قوّته أو ضعفه.

ص: 331


1- في المخطوط : ( هذا ) ، ويحتمل أنه يريد : ( هذا الإخبار ).
2- كامل الزيارات : 269 - 270 / 418 ، وانظر في ثواب زيارة الإمام الحسين وكراهة تركها كامل الزيارات : 252 - 357 / ب 49 - 78.
3- قريب منه في بحار الأنوار 98 : 75 / 25 ، وفيه : « في ظل العرش ».

ص: 332

[104] صمت عقلي ونطق برهاني : محمّد الناطق وعليّ الصامت

مسألة : ما معنى ما رواه في ( البحار ) من جملة حديث طويل من قول أمير المؤمنين سلام اللّه عليه - « يا سلمان : ويا جندب : فأنا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : كنّا نوراً واحداً ، صار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : محمّد المصطفى : وصرت أنا وصيّه المرتضى : وصارم محمّد : الناطق وصرت أنا الصامت ، وإنّه لا بدّ في كلّ عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت » (1).

وروى هذه البرسيّ (2) : بإبدال « صار » ب- « كان » ، وعصر ب- « زمان ».

وكيف يأتي هذا والصاحب عجّل اللّه فرجه - : ليس معه في زمن غيبَتِه معصوم لا صامت ولا ناطق؟ وأيضاً ، فبعض آبائه قد مضى له زمن بعد وفاة أبيه ، قبل مولد الحجة عليه السلام : بعده ، وهو كذلك ، مثل : الصادق : والرضا : وأبو محمّد : عليهم السلام؟

والجواب من وجهين :

أحدهما : أن يراد بالناطق : الرسول المبلّغ لأحكام الشريعة في مقام الرسالة ، وبالصامت : خليفته ؛ إذ لا بدّ لكلّ رسول من خليفة. فالمعنى : أنه لا بدّ لكلّ زمن أو عصر من أعصار التكليف من رسول ناطق بأحكام الشريعة الظاهرة (3) ، بالرسالة لجميع من بعث لتبليغه ، ومن خليفة له هو مظهر ولايته ومستودع سرّه الذي لا يطيق

ص: 333


1- بحار الأنوار 26 : 4 / 1.
2- مشارق أنوار اليقين : 161 ، باختلاف فيه.
3- في المخطوط بعدها : ( هي ).

حمله غيره ، وهو منه كنفسه ؛ فإنّ الولاية من الرسالة كالنفس بالنسبة إلى سائر القوى الإنسانيّة ، فالنفس صامتة بالنسبة إلى مرتبة اللسان مثلاً ؛ لأنّ نطقها غيب ونطقه شهادة ، و [ هي (1) ] ظاهر الرسالة ، وهي حكم ما يعمّ الجسد صامتة (2).

فحينئذٍ يراد بال - عصر : [ زمن (3) ] حكم الشريعة العامّة ، حتّى يأتي شرع ينسخها ، فيكون زمان آخر. فالزمان زمان محمَّد صلى اللّه عليه وآله : منذ بعث حتّى الساعة ، فهو الناطق بذاته أبداً ، وعلي عليه السلام : الصامت بذاته أبداً وإن جرى لخلفائه ما جرى له من ذلك ، فإنّه من اللوازم الذاتية للولاية في مقام الرسالة. ويشير إلى ذلك قوله في الحديث إنهما كانا نوراً واحداً انقسم إلى ناطق وصامت فإنّه قال « صار » ، و « صرت » ، أو « كان » و « كنت » أي بالانقسام ، فهو بحسب كونه وصيرورته كذلك.

أما نطق الوصيّ بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله : فإنّما هو حكاية نطق الرسول ، وبيان لما نطق به لا نطق الولاية في مقام الرسالة ، فإنّه مؤدٍّ عن الرسول ما أُرسل به ، ومبيّن له لمن يأتي بعده ، فلا ناطق في عصر رسالة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : وزمانها إلّا محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ولا صامت فيه إلّا وصيّه علي : وإن ورث خلفاؤه صمته فنطقهم ببيان الشريعة بعد محمّد : إنّما هو تأدية عنه لأُمّته ، ونطق محمَّد صلى اللّه عليه وآله : بالرسالة حقيقةً لا بحسب مقام ولايتهم.

الثاني : أن يراد بالناطق : الإمام والحجّة بما يعمّ الرسول الناطق بروح القدس بالذات ، وبالصامت : خليفته ما دام ناطقاً ، فإذا كان في آخر عمر الأوّل انتقل روح القدس لخليفته بلا واسطة ، فكان ناطقاً وكان له خليفة صامت ، وحينئذٍ يراد بالعصر أو الزمان : زمن إمامة الأوّل بأسره. ولا بدّ أن يوجد فيه صامت يقوم مقام الناطق بعده بحجج اللّه ، وإلّا لصحّ أنه يموت قبل أن يوجد من يقوم بحجج اللّه عزّ اسمه بعده ، وهذا جارٍ حتّى في الصاحب عجّل اللّه فرجه - : فإنّه يغسّله الحسين عليه السلام : ويقوم بعده بحجج اللّه ؛ إذ لا يمكن خلوّ زمن من حجّة لله.

ص: 334


1- في المخطوط : ( في ).
2- كذا في المخطوط.
3- في المخطوط : ( مرّة ).

[105] نور نفسي وبيان قدسي ( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ )

قوله تعالى : ( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) (1) العيّاشيّ : في تفسيرها عن الباقر عليه سلام اللّه - : « إن الاسم الأكبر ثلاثة وسبعون حرفاً ، فاحتجب الربّ تبارك وتعالى بحرف ، فمن ثمّ لا يعلم أحد ما في نفسه عزوجل ، أعطى آدم : اثنين وسبعين حرفاً فتوارثها الأنبياء ، حتّى صارت إلى عيسى عليه السلام : فذلك قول عيسى عليه السلام : ( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي ) يعني اثنين وسبعين حرفاً من الاسم الأكبر ، يعني : أنت علّمتنيها فأنت تعلمها ، ( وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) يقول : لأنك احتجبتَ من خلقك بذلك الحرف فلا يعلم أحد ما في نفسك » (2).

وفي ( الكافي ) بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال : « إنّ عيسى بن مريم : عليه السلام اعطي حرفين كان يعمل بهما ، وأُعطي موسى : عليه السلام أربعة أحرف ، وأُعطي إبراهيم : عليه السلام ثمانية أحرف وأُعطي نوح : عليه السلام خمسة عشر حرفاً ، وأُعطي آدم : عليه السلام خمسة وعشرين حرفاً ، [ وإن (3) ] اللّه جمع ذلك كلّه لمحمد صلى اللّه عليه وآله : وإنّ اسم اللّه الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، اعطي محمَّد صلى اللّه عليه وآله : اثنين وسبعين حرفاً ، وحُجب عنه حرف واحد » (4).

فإن قلت : ما الجمع بينهما؟

فالجواب من ثلاثة أوجه :

ص: 335


1- المائدة : 116.
2- تفسير العياشي 1 : 230 / 2.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( فإن ).
4- الكافي 1 : 230 / 2.

أحدها : أن في حديث العياشي : ذكر الاسم الأكبر ، وفي حديث ( الكافي ) ذكر الاسم الأعظم. ولعلّ بينهما [ فرقاً ] ، فآدم : والأنبياء بعده أُعطوا اثنين وسبعين حرفاً من الاسم الأكبر ، ولم يعطوا من الاسم الأعظم إلّا العدد المعيّن في حديث ( الكافي ) أمّا محمَّد صلى اللّه عليه وآله : فإنّه أُعطي جميع الاثنين : الأكبر والأعظم (1).

الثاني : لعلّ آدم عليه السلام : اعطي معرفة الاثنين والسبعين الحرف [ التي (2) ] توارثها أصحاب الشرائع العامّة من الرسل ، لكنه لا يعمل إلّا بخمسة وعشرين منها ؛ لاشتمالها على جميع ما كلّف بتبليغه وما يحتاج إليه رعيّته ، وفي تأسيس الشرائع ، ولا يعمل بالباقي من أحرف الاسم في ذلك لخروجها عن مقتضى تكليف رسالته وعدم أطاقه رعيّته بالعمل بها ، و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (3) كما يشير إليه قيد « يعمل بها » في الحديث الثاني.

وكذا نوح عليه السلام : عليه اذن له في العمل بخمسة عشر حرفاً ممّا اذن لآدم عليه السلام : في العمل به ؛ لأنّ آدم : مؤسّس الشرائع فاحتاج إلى العمل بأكثر من غيره أو بالأصالة مع ما اذن لآدم عليه السلام : فيه ، لكنّه بالوراثة ظاهر ، أو الجميع بالأصالة. وعلى هذا يجري الكلام في شأن إبراهيم : وموسى : وعيسى : سلام اللّه عليهم وإن كانوا كلّهم ورثوا الاثنين والسبعين الحرف ، لكن كلّ واحد منهم اذن له في العمل بأحرف مخصوصة منها ؛ لأنّ ذلك مبلغ وسع رعيّته من التكليف وتمام حاجتهم فيما يحتاجون إليه في عمارة الدارين ، وكمال الحجّة عليهم.

الثالث : أنّ مجموع الاثنين والسبعين عند كلّ واحد من الخمسة أوّلهم آدم : لكن المعيّن في الحديث الآخر تفصيلاً ، وما سواه إجمال مع إرث اللاحق ما فضل للسابق ، مع الإذن له بالعمل به كلّه أو ببعضه.

ويحتمل أيضاً أن يجمل اللاحق بعض ما فُصّل لسابقه إلّا نوحاً عليه السلام بالنسبة إلى

ص: 336


1- على تقدير اتحاد الاسم الأكبر والأعظم. 1. . هامش المخطوط.
2- في المخطوط : ( الذي ).
3- إشارة إلى الآية : 286 من سورة البقرة.

آدم عليه السلام : فإنّه أفضل الأربعة بعده مع أنّهم أفضل من آدم عليه السلام : مع أن آدم عليه السلام : ليس من اولي العزم ، فلا يمكن أن يجمل له ولا للثلاثة بعده بعض ما فصّل لآدم عليه السلام :

نعم ، يمكن أن يجمل لمن بعد نوح : عليه السلام من الثلاثة بعض ما فصّل له. هذا بالنسبة لآدم عليه السلام : ونوح عليه السلام : وإبراهيم عليه السلام : وموسى عليه السلام : وعيسى عليه السلام.

وأمّا بالنسبة لمحمّد صلى اللّه عليه وآله : ولآل محمّد : صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم فهم أُعطوا الاثنين والسبعين كلّا تفصيلاً ، وأُذن لهم في العمل بها أجمع ؛ لأنّهم حجّة اللّه على جميع من دونهم ، فليس شي ء من الخلق إلّا وهو محجوج بهم. فكل جود ووجود في الخلق فمن فاضلهم ، وكلّ تكليف وكمال في شي ء من الخلق فهم مصدره وأئمّته ومعلّموه.

وأما الحرف الذي لا يعلمه إلّا اللّه تعالى [ فهو (1) ] معنى أسماء اللّه كلّها ، وهو الدليل الجامع لجميع أسماء اللّه تعالى وصفاته ، فلا يطيق أحد من الخلق التكليف بمعرفته وحمله ، فهو المكنون عن جميع الخلق ، المخزون عند اللّه ، فهو خزانة علم اللّه العظمى ، وغيب غيوب المخلوقات ، لا يحتمله ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان.

ص: 337


1- في المخطوط : ( فهم ).

ص: 338

[106] هداية بعد لبس وإطلاق من حبس ( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً )

قوله عزّ اسمه في سورة النبإ ( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً ) (1) العيّاشيّ : عن الباقر عليه السلام : أنه سئل عن الآية ، فقال : « هذه في الذين يخرجون من النار » (2).

والقمّيّ : عن الصادق عليه السلام : قال : « هذه في الذين لا يخرجون من النار »(3).

والجمع بينهما من وجوه :

أحدها : أن لا حذفت من خبر العيّاشيّ : أو زيدت في خبر القمّيّ : ؛ غلطاً من الناسخ أو سهواً من الراوي ، والأوّل أقرب.

الثاني : أن يراد بخبر العيّاشيّ : ظاهره من أنها « في الذين يخرجون من النار » ، ويكون معنى خبر القمّيّ : ب- « الذين لا يخرجون

: الذين لا ينجون من النار بالكلّية ؛ فإنّه الخروج الحقيقيّ. والمراد : مَن يدخل فيخرج ، دون المخلّد.

الثالث : أن القرآن بطون ، فرواية القمّيّ : بحسب بطن : ( وهم المخلّدون ) ، ورواية العيّاشيّ : بحسب بطن : ( وهم الذين يدخلون فيخرجون ) ، وكلاهما على ظاهره. لكن معنى ( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً ) أي أحقاباً متناهية على خبر العيّاشيّ : أو أحقاباً غير

ص: 339


1- النبإ : 23.
2- المصدر الموجود عندنا غير تامّ ، عنه مجمع البيان 10 : 540.
3- تفسير القمّيّ 2 : 427.

متناهية على خبر القمّيّ : أو في كليهما متناهية ، لكن على الوجه الثاني وحذف النعت.

الرابع : أن كلّاً منهما على ظاهره ، لكن معنى الأحقاب في إحدى الروايتين غير معناه في الأُخرى ، وكلّ منهما بحسب بطن وإن لزم التناهي لأحدهما وعدم التناهي للآخر ، واللّه العالم.

ص: 340

[107] كشف سرّ : لا يكون إمام إلّا وله عقب إلّا الحجّة عليه السلام

( البحار ) من غيبة الشيخ (1) : بسنده إلى الحسن بن علي القزاز : قال : دخل علي بن أبي حمزة : على أبي الحسن الرضا عليه السلام : فقال له : أنت إمام؟ قال : « نعم ». فقال له : إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمَّد عليهما السلام : يقول : « لا يكون الإمام إلّا وله عقب ». فقال : « أنسيت يا شيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر : إنّما قال جعفر : لا يكون الإمام إلّا وله عقب إلّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام : فإنّه لا عقب له ». فقال له : صدقت جعلت فداك ، هكذا سمعت جدّك يقول (2).

قلت : المراد واللّه العالم بمقاصد أوليائه - : « أنّه لا عقب له » إمام معصوم أي أنه خاتم الأوصياء ، بما استفاضت به الأخبار ، بل تواتر مضمونها أن الأئمّة المعصومين خلفاء الرسول صلى اللّه عليه وآله : اثنا عشر (3) هم الشموس الظاهرة (4) آخرهم الحجّة عجّل اللّه فرجه وإلّا فقد ورد عدّة أخبار أنه يولد لكلّ واحد منهم بالكوفة مائه ، ولد حتّى القائم عليه السلام : وورد أنه يولد له بعد قيامه على الإطلاق ، واللّه العالم.

ص: 341


1- الغيبة : 224 / 118 ، وفيه عن الخزاز.
2- بحار الأنوار 53 : 75 - 76 / 77 ، وفيه عن الخزاز أيضاً.
3- انظر عمدة عيون صحاح الأخبار : 416 - 423.
4- المزار الكبير : 578 ، بحار الأنوار 99 : 87 ، 107.

ص: 342

[108] نور فقهي : طلاق أُمّ فروة بعد موت الكاظم عليه السلام

( البحار ) من ( بصائر الدرجات ) (1) بسنده عن أحمد بن عمر : قال : سمعته يقول يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام : - « إني طلّقت أُم فروة بنت إسحاق في رجب ، بعد موت أبي بيوم ». قلت له : جعلت فداك ، طلّقتها وقد علمت بموت أبي الحسن عليه السلام :؟ قال : « نعم » (2).

وفي ( الكافي ) : الحسين بن محمّد : عن المعلّى : عن الوشاء : قال : قلت لأبي الحسن : الحديث إلى أن قال - : وسمعته يقول : « طلّقت أُمّ فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي الحسن عليه السلام : بيوم ». قلت : طلّقتها وقد علمت بموت أبي الحسن عليه السلام :؟ قال : « نعم » (3). الخبر.

قال باقر ( البحار ) : ( الظاهر أن أُمّ فروة : كانت من نساء الكاظم عليه السلام : وكان الرضا عليه السلام : وكيلاً في تطليقها ، فطلاقها بعد العلم بالموت إمّا مبنيّ على أن العلم الّذي هو مناط الحكم الشرعي هو العلم الحاصل من الأسباب الظاهرة لا ما يحصل بالإلهام ونحوه ، أو على أن هذا من خصائصهم عليهم السلام ، كما طلّق أمير المؤمنين عليه السلام : عايشة (4) : لتخرج من عداد أُمّهات المؤمنين. ولعلّ قبل الطلاق لم يحلّ لهنّ الأزواج.

ص: 343


1- بصائر الدرجات : 467 / 4.
2- بحار الأنوار 27 : 292 / 4.
3- الكافي 1 : 381 / 3.
4- انظر : مناقب آل أبي طالب 2 : 153 ، المجلي : 386 ، بحار الأنوار 38 : 75 / 1 ، وليس فيها أنه عليه السلام طلّقها ، بل هدّدها بالطلاق إن لم ترجع إلى المدينة حيث أقرّها اللّه ورسوله. وذلك بعد وقعة الجمل في البصرة.

ويحتمل أن يكون المراد بالتطليق : المعنى اللغوي أو يكون الطلاق ظاهراً للمصلحة ، لعدم التشنيع في تزويجها بعد انقضاء عدّة الوفاة من يوم الفوت بأن يكون عليه السلام أخبرها بالموت عند وقوعه. ومن المعاصرين من قرأ « طلّعت » بالعين المهملة بمعنى : أطلعتها أي أعلمتها بموته عليه السلام ولا يخفى ما فيه ) (1) ، انتهى كلام المجلسي.

وكتب عليه الشيخ خلف آل عصفور : ما لفظه : ( عليه قدس سره أن يشير أو يذكر قبل بيانه ما يدلّ على بطلان الوكالة بالموت على وجه كلّيّ ؛ حتّى يرتكب في هذه الرواية ما يرتكب لأنا لم نرَ سوى حديثين في الوكالة في النكاح ، وليس فيهما عموم حتّى ينظر في معارضهما ، والاعتبارات العقلية لا تقوم بها حجّة في الأحكام الواجب أخذها من الكتاب والسنّة ) ، انتهى.

وأقول : العمدة على الوجهين الأوّلين ، وهو أن مناط الحكم بالظاهر هو العلم الشرعيّ الظاهر المترتّب على الشفاهيّ الحسّيّ أو السماع من العدلين ، أو الاستفاضة ، أو أنه من خصائصهم. وسرّ الوجهين الكاشف لصحّتهما هو أن الموت لا يغيّر من أحوالهم شيئاً.

ووجه آخر هو أن الطلاق ليس من الزوجية الظاهرة ، بل من العلاقة الباطنة الحادثة بسببها ، لطلاق أمير المؤمنين : سلام اللّه عليه بعض أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله : بعد موته ؛ إذ ليس هو الطلاق المعروف بين المتشرّعة. وهو أوفق من الأوّلين ، فتأمّل فيه ؛ فإنّه ليس الثاني ؛ فإنّ ملخّصه عدم انعزال الوكيل بموت الموكّل ، وصحّة الطلاق بعد الموت خصوصية لهم ، صلّى اللّه عليهم.

وأما قوله : ( ولعلّ ) إلى آخره فظاهره أن أزواج الأئمّة سلام اللّه عليهم لا تحلّ للأزواج بالموت ، بل بالطلاق ، ولو بعد الموت ، وهو خلاف المعروف من امّة الإجابة.

ص: 344


1- بحار الأنوار 27 : 293.

نعم من خصائص الرسول صلى اللّه عليه وآله : أن أزواجه لا تحلّ بموته.

وأمّا قوله : ( أو يكون الطلاق ظاهراً للمصلحة ) إلى آخره ، فضعيف ، [ لأنّ (1) مقتضاه حلّ الأزواج لها قبل انقضاء عدّة الموت ، وهو باطل إجماعاً إلّا أن يكون قد خرجت عدّة طلاقها قبل أن يرد خبر موته ، وهو بعيد جدّاً. وعلى فرضه إنّما يتصحّح على الوجه الأوّل ، بل هو هو لا وجه آخر ، ولكن يدفع وجه تصحيحه على توجيهه ما قاله أخيراً من بنائه إيّاه على إخباره لها بالموت قبل الطلاق أو بعده إن كان رجعيّاً.

وأمّا كلام شيخنا الشيخ خلف : فضعفه لا يخفى :

أمّا أوّلاً ؛ فلمخالفته إجماع الفرقة في جميع [ الأعصار (2) ] والأمصار على بطلان الوكالة بالموت.

وأما ثانياً ؛ فلأنّ مقتضاه صحّة طلاق المتوفّى عنها زوجها بعد موته. وهو بديهي البطلان ، مخالف للإجماع قديماً وحديثاً ، واللّه العالم.

ص: 345


1- في المخطوط : ( لا ).
2- في المخطوط : ( الأصار ).

ص: 346

[109] نور مشرقي : تلازم ليلة القدر مع القرآن

[109] نور مشرقي : تلازم ليلة القدر مع القرآن (1)

في ( الفقيه ) عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال : « ليلة القدر لو رفعت لرفع القرآن » (2).

قال محمّد تقي : رحمه اللّه : ( إن ليلة القدر لا ترفع حتّى يستشهد الحجة عليه السلام : فإذا استشهد رُفع القرآن ورفعت ليلة القدر (3) ) ، انتهى.

قلت : اعلم أن الكتب الثلاثة متطابقة ، فكتاب التدوين طبق كتاب التكوين ، فكما أن التكوين لا يطيق الزمان بروزه فيه اختياراً إلّا تدريجاً وبالعكس لضيق ساحة الزمان وعرصته عن جميع الأكوان دفعة ، فإنّه في الحقيقة نقطة بحسب وجوده ، ولحظة بحسب ظاهر الحسّ كان القرآن لا يبرز مضمونه في صقع الزمان دفعة ؛ لضيق وسعه عن ذلك ، فلا تقع أحكامه وتبرز فيه إلّا تدريجاً طبق بروز المكوّنات عاما فعاماً ، وشهراً فشهراً ، ويوماً فيوماً ، ولحظة فلحظة ، فإنّ القرآن منطبق على جميع الخلائق ، ففيه أحكام الخلق منذ بُعث محمَّد صلى اللّه عليه وآله : في الذرّ الأوّل إلى أن تقوم الساعة. فهو يقع ويبرز أحكامه طبقه فطبقة ، بحسب بروز طبقات الوجود ، ولحظة فلحظة بحسب بروز مطابق كلّ نجم من التكوين.

وقد دلّ على هذا جملة من الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، مثل : ما رواه

ص: 347


1- مرّ بمضمونه في العنوان : 63.
2- الفقيه 2 : 101 / 454 ، وقد وردت كلمة : « ليلة القدر » في مفروض السؤال لا في جواب الإمام عليه السلام.
3- روضة المتّقين 3 : 439 ، ( بالمعنى ).

العيّاشي : عن الفضيل بن يسار : قال : سألتُ أبا عبد اللّه عليه السلام : عن هذه الرواية : « ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلّا وله حدّ ، ولكلّ حدّ مطلع » ، ما يعني بقوله : « لها ظهر وبطن »؟ قال : « ظهره تنزيله (1) ، وبطنه تأويله ، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما تجري الشمس والقمر ، كلّما جاء منه شي ء وقع »(2) الخبر.

وفي بصائر الصفّار : بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السلام : مثلُه ، وزاد فيه : «كلّما جاء منه تأويل شي ء [ وقع (3) ] يكون على الأموات كما يكون على الأحياء » (4).

وفي غيبة النعمانيّ : عن الصادق عليه السلام : أنّه قال : « إنّ للقرآن تأويلاً يجري [ كما يجري ] (5) الليل والنهار وكما يجري الشمس والقمر ، فإذا جاء تأويل شي ء منه وقع ، فمنه ما قد جاء ومنه ما لم يجي ء » (6) الخبر.

وهذا المضمون كثير جدّاً. بل وما وقع مضمونه منه في الخارج فهو جارٍ أبداً على أمثال أُولئك الذين وقع فيهم ، وإلّا لكان كلّ ما مضى منه نجم مات ، ولا موت في القرآن بوجه ، بل هو أبداً حيّ طري يتجدّد بتجدّد الأزمان والأكوان ، كما يدلّ عليه ما استفاض مضمونه من النصوص. ففي ( العيّاشيّ ) عنهم عليهم السلام: « إن ظهر القرآن : الذين نزل فيهم ، وبطنه : الذين عملوا بمثل أعمالهم ، يجري فيهم ما نزل في أُولئك » (7).

وفي تفسير فرات بن إبراهيم : عن [ خيثمة (8) : ] عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال : « لو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات أُولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شي ء ، ولكن القرآن

ص: 348


1- ليست في المصدر ، وقد وردت في ( بصائر الدرجات ).
2- تفسير العياشي 1 : 22 / 5.
3- في المخطوط : ( يقع ).
4- بصائر الدرجات : 196 / 7 ، وفيه نصّ الزيادة : « كما جاء تأويل شي ء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء. قال تعالى : ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ، نحن نعلمه ».
5- من المصدر.
6- الغيبة : 134 / 7 ، بحار الأنوار 23 : 79 / 13 ، وفيها : « للقرآن تأويل » بدل : « إن للقرآن تأويلاً ».
7- تفسير العياشيّ 1 : 22 / 4 ، وفيه : « ظهر القرآن : الّذين نزل فيهم ، وبطنه : الذين عملوا بمثل أعمالهم ».
8- في المخطوط : ( خثيمة ).

يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكلّ قوم آية [ يتلونها (1) ] ، هم منها [ في ] (2) خير أو شر »(3).

وفي خبر آخر عن أبي بصير : عن الصادق عليه السلام : قال : « لو كان إذا نزلت آية في رجل ، ثمّ مات ذلك الرجل ماتت الآية ، مات الكتاب ، ولكنّه حيّ يجري فيمن بقي كما يجري فيمن مضى » (4).

وهذا المضمون مستفيض ، وهو يدلّ على أن ما يعلمه الإمام من أحكام القرآن ومقتضياته يؤذن له في إبراز ما يطابق كلّ نجم وكلّ سنة وكلّ يوم في ليلة القدر ، ففيها يؤمر بأحكام السنة المستقبلة وحوادثها ، بحسب ما يخصّها من القرآن.

فإذن لكلّ ليلة قدر مناسبة لقسط من الزمان يطابق التكوين [ الجديد (5) ]. فإذن بروز كلّ قسط من القرآن الجامع لأحكام الخلائق يتوقّف على بروز طبقه من التكوين ، وحضور قسطه من الزمان ؛ فمنه ما مضى ، ومنه ما هو باقٍ منتظر.

فظهر تلازم ليلة القدر والقرآن ما بقيَ الزمان ، فلو رفع القرآن رفعت ؛ لأنّ قسط السنة منه لا يؤمر الإمام بإظهاره إلّا ليلة القدر منها ، فلا يرتفعان من هذا العالم إلّا بفنائه وانقطاع التكليف منه ، وذلك عند ما يرفع آخر من يرفع من الأئمّة وهو أمير المؤمنين سلام اللّه عليهم أجمعين : قبل النفخة الاولى بأربعين يوماً كما دلّ عليه بعض الأخبار (6). وتلك [ الأربعون (7) ] اليوم في الآفاق نظيرها في الإنسان الجزئيّ بلوغ الروح التراقي ولحظة المعاينة. وقد مضى لهذا مزيد بحث ، وأُعيد هنا هذا الأمر (8) ، واللّه العالم.

ص: 349


1- في المخطوط : ( يتلوها ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( من ).
3- تفسير فرات الكوفي : 138 - 139 / 166 ، باختلاف في بعض ألفاظه.
4- الكافي 1 : 192 / 3 ، بحار الأنوار 2 : 279 / 43.
5- في المخطوط : ( جديد ).
6- انظر الأنوار النعمانيّة 2 : 109.
7- في المخطوط : ( الأربعين ).
8- في المخطوط بعده لفظة ( ما ).

ص: 350

[110] بيان حال وكشف إجمال : بعد الدنيا دار ليست كالدنيا

روى الشيخ حسن بن سليمان الحلّيّ : في غيبته بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنه قال : « أُفّ [ للدنيا (1) ] ، إنّما الدنيا دار بلاء ، سلّط اللّه فيها عدوّه على وليّه ، وإنّ بعدها داراً ليست هكذا ». فقلت : جعلت فداك ، وأين تلك الدار؟ فقال : « هاهنا ». وأشار بيده إلى الأرض (2).

قال الشيخ حسن : أراد بالدار التي ليست هكذا : هو يوم الرجعة ، بقرينة الإشارة في جواب ( أين ) إلى الأرض.

قلت : أوجه من هذا وأظهر أنه أراد بها دار البرزخ. والقرينة : إشارته إلى الأرض أي أنها دار القبور لأنه البرزخ ، وهو الظاهر من قوله [ بعدها (3) ] يعني : الدنيا ، فإنّها القرينة ؛ لأنّها الحاضرة ، واللّه العالم.

ص: 351


1- في المخطوط : ( لدنيا ).
2- مختصر بصائر الدرجات : 49 ، وفيه : « أُف للدنيا أُفّ للدنيا » ، بالتكرار.
3- في المخطوط : « بعد هذه » ، وما أثبتناه موافق لنصّ الحديث أعلاه.

ص: 352

[111] كشف حال وبيان مقال : أُنزلت سبح فنسيها

روى الشيخ حسن بن سليمان : بسنده في غيبته عن سعد بن [ طريف (1) ] الخفّاف قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما تقول فيمن أخذ عنكم علماً فنسيه؟ قال : « لا حجّة عليه ، إنّما الحجّة على من سمع منّا حديثاً فأنكره ، أو بلغه فلم يؤمن به وكفر. فأمّا النسيان فهو موضوع عنكم ؛ إنّ أوّل سورة نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) (2) فنسيها ، فلم (3) يلزمه حجّة في نسيانها ، ولكنّ اللّه تعالى أمضى له ذلك ، ثمّ قال ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ) (4) » (5).

قلت : لعلّ معنى « نسيها » : تركَ إظهارها ، وأخّر تبليغها ، أو أخّر العمل في أُمّته بها عن أوّل نزولها بمقتضى مشيئته تعالى وحكمته ، أو أنه بظاهره يدلّ على ما ينسب للصدوق (6) : وهو مهجور بين الفرقة.

والظاهر أنه أراد : أوّل السورة إلى أُخرى ؛ بقرينة قوله : « ثمّ قال : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ) .

ص: 353


1- في المخطوط : ( ضريف ).
2- الأعلى : 1.
3- في المصدر : ( فلا ).
4- الأعلى : 6.
5- مختصر بصائر الدرجات : 93 - 94.
6- انظر الفقيه 1 : 234 / ذيل الحديث : 1031 ، وكذلك قال به من المتأخرين السيد نعمة اللّه الجزائري في أنواره ، انظر الأنوار النعمانية 4 : 35 ، عنه في الكشكول ( البحراني ) 1 : 328 - 329.

ص: 354

[112] نور فقهي وميزان قسطي : لو جامع زوجته ثمّ يئست

مسألة : لو وُطئت المرأة في طهر فيئست ، هل تطلّق قبل أن تستبرئ بثلاثة أشهر أم لا؟ وجهان :

الأوّل : يصحّ طلاقها حينئذٍ بلا استبراء بثلاثة أشهر ؛ لدخولها في اسم مَن يئست. وإطلاق الأخبار المستفيضة والإجماع في سائر الأعصار أن من يئست تطلّق على كلّ حال ، وهذا الحال من جملة أحوالها. وأن طلاقها بائن من غير استثناءِ مَن جامعها زوجها قبل اليأس فيئست (1). وهذا هو المختار.

والثاني : أنه لا بدّ من استبرائها بعد الجماع بثلاثة أشهر ، وله استصحاب المنع قبل اليأس حتّى يثبت المسوّغ ، وهو الاستبراء بذلك. ونظيره أن المطلّقة إذا يئست في أثناء العدّة وجب عليها إكمالها ولو ملفّقة من القرء والشهور ، مع قيام النصّ (2) والإجماع إلّا من شاذّ (3) على أن اليائسة لا عدّة عليها. وكأنّ ذلك نظراً إلى أنّها بعد تلبّسها بالعدّة ، وتحريم الأزواج عليها لزمها ذلك مستصحباً إلى ثبوت المخرج المبيح ، وهو كمال العدّة. ولعلّ هذا مؤيّد لا بطريق القياس ، بل بجهة اتّحاد المأخذ ، وعدم ظهور الفرق لا [ يضير (4) ].

ص: 355


1- وسائل الشيعة 22 : 181 ، أبواب العدد ، ب 3.
2- انظر الهامش السابق.
3- الانتصار : 334 - 335 / المسألة : 188.
4- في المخطوط : ( نظير ).

ويضعف هذا بأنّ الأصل والاستصحاب [ يخرجان (1) ] عنه بالدليل ، بل لا حجّيّة فيهما مع قيام دليل أقوى منهما يعارضهما ، وهو هنا قائم ، وهو ما ذكر. وحديث المعتدّة أيّد الاستصحابَ ، فيه الدليلُ ، ولا منافي لهما.

هذا مع أن الأصل إباحة النكاح وغيره ممّا حرّمته العدّة ، لكن قام الدليل على الخروج عنه ، وهو أقوى منه ، فعارضه ونفى الأخذ به وأثبت استصحاب حالها قبل اليأس. ولولاهما لكان أصل الإباحة أقوى من الاستصحاب ، ونمنع جريان مأخذ المعتدّة ودليله في حكم الطلاق.

فإذن هو أشبه بالقياس ، واللّه العالم ، وهو الغفور الرحيم.

ص: 356


1- في المخطوط : ( يخرج ).

[113] كوكب درّي : « نحن صُبّر وشيعتنا أصبر منّا »

ما معنى ما ورد في بعض الأخبار : « نحن صبّر ، وشيعتنا أصبر منّا ؛ لأنّهم أُوذوا فينا ولم نؤذَ فيهم »؟

وفي آخر : « لأنّهم صبروا على ما لا يعلمون ، وصبرنا على ما نعلم » (1)؟

والجواب وباللّه المستعان من وجوه :

منها : أن « من » [ ابتدائيّة (2) ] أي صبرهم مبدؤه منا ، ونحن المفيضون له عليهم ، وأفعل حينئذٍ مجرّد عن معنى التفضيل. ومثله في كلامهم عليهم السلام وكلام اللّه عزّ اسمه كثير مع وجود ( من ) فيه.

ومنها : أن ( من ) [ ابتدائيّة (3) ] كما ذكر ، و ( أفعل ) على حقيقته من التفضيل ، والمفضّل عليه محذوف ، والمعنى حينئذٍ : نحن صبّر على صيغة المبالغة أي أن صبرنا أشرف الصبر وأعظمه وأشدّه وشيعتنا أصبر من غيرهم ؛ لأنّ صبرهم مفاض عليهم من فاضل صبرنا ، وإذا خفّ ميزانهم في كلّ حسنة وكمال ، ثقّلناه بفاضل حسناتنا.

والمراد بغيرهم حينئذٍ : إمّا سائر شيعة جميع الأنبياء ، أو مطلق الخلق غيرهم.

وأشير بالتعليلين إلى الدلالة على تناهي شدّة صبرهم وعظم شرفه. وهو في

ص: 357


1- الكافي 2 : 93 / 25 ، باختلاف في بعض ألفاظه.
2- في المخطوط : ( ابتدائه ).
3- في المخطوط : ( ابتدائه ).

الثاني أظهر ؛ فمن كان صبره مبدؤه من صبرهم كان أشدّ وأشرف من غيره.

ومنها : أن يبقى التفضيل في الخبرين على ظاهره ، والمفضّل عليه صبرهم عليهم السلام ، و « من » على ظاهرها من التفضيل ، لكن في مقام البشريّة الحيوانيّة من حيث هي ، لا البشريّة الإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة ، بل من حيث هي حيوانيّة ، وهي مرتبة شيعتهم العامّة التي يشترك فيها خاصّهم وعامّهم على الإطلاق ؛ من هو في أدنى أداني أوّل درجة من الإيمان ، ومن هو في أعلى أعالي الدرجة التاسعة منه ، فإنّ الذي يظهر للأوهام والنفوس الضعيفة أن صبر شيعتهم على ولايتهم مع أنّهم أُوذوا فيهم ، أو مع عدم علمهم بحقيقة نتيجة ذلك الصبر علماً يقينيّاً شفاهيّاً أشدّ من صبرهم عليهم السلام على ولايتهم لشيعتهم وقبولهم لهم ، مع تقصيراتهم في شأنهم وفي أنفسهم ، وذلك لعدم أذاهم فيهم ، أو لشدّة علمهم بعاقبة صبرهم عليهم لهم ، وصبر شيعتهم.

فإنّ الأوهام والنفوس الضعيفة تعدّ صبر المريض المستيقن لحسن عاقبة العلاج أضعف من صبر المريض الذي لم يستيقن ذلك وإن شقّ العلاج وعسر. وكذلك صبر الطبيب المستيقن وغير المستيقن على النصر في العلاج مع خطره.

وهذا لا ينافي كون صبرهم أشدّ وأعلى وأشرف من كلّ صبر لسواهم على الإطلاق والعموم ؛ وذلك لأنه في معنى أن صبرهم على نفوسهم أخفّ وأسهل من صبر شيعتهم على نفوسهم أي أنّهم لا يجدون من ثقل التكليف بصبرهم على شيعتهم ما يجد شيعتهم من الثقل وشدّة الكلفة في صبرهم على ولايتهم وذلك لأنّهم أعلم بحسن النتيجة منهم ، بل لا علم لشيعتهم بحقيقتها بالنسبة لعلمهم ؛ ولذا قال : « على ما لا يعلمون ».

أو لأنّه في معنى أنّ صبر شيعتهم بجهتهم الإنسانية من حيث هي حيوانية ؛ لأنّ ذلك في الرتبة العامّة الجامعة لهم أشدّ من صبرهم من تلك الجهة ؛ لأنّهم الجامعون لجميع كمالات جميع مراتب الوجود ؛ فإنسانيّتهم من حيث هي حيوانيّة أضعف

ص: 358

أي أقل فعليّة فهي أشرف ، فيؤول إلى أنّ إنسانية شيعتهم من حيث هي حيوانية ، لا مِن حيث هي إنسانية أشدّ تحققاً.

فهذا في الحقيقة تنزيه لهم عن نقائص البشرية طرّاً حتّى شيعتهم ، فيلزمه إثبات علوّ رتبة صبرهم على صبر شيعتهم ، وصبر كافّة الخلق ؛ لأنّ الصفة تكون من جنس مرتبة الذات ؛ لأنّها فاضلها وصفتها.

وسرّ هذا أنّ الصبر الإنساني من حيث هو حيواني جمود ووقوف وعجز عن الاستفاضة ، ومن حيث هو إنساني ترقّ وظهور وشدّة لفعليّة القابلية أي الإحاطة والجامعيّة فضلاً عن مرتبة من هو فوق الإنسانية من حيث هي إنسانيّة ، بما لا يعلمه إلّا اللّه ، واللّه العالِم.

وأنا أسأله برحمته العفو عن خطئي وعمدي ، والحمد لله ، وصلّى اللّه على محمّد وآله.

ص: 359

ص: 360

[114] بهجة حوريّة ولذّة نوريّة : معنى الثيبوبة

في ( الصافي ) عن ( ثواب الأعمال ) (1) و ( المجمع ) (2) عن الباقر عليه سلام اللّه أنه قال : « مَن قرأ هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ (3) كلّ غداة خميس زوّجه اللّه من الحور العين ثمانمائة عذراء ، وأربعة آلاف ثيّباً وكان مع محمَّد صلى اللّه عليه وآله » (4).

: فإن قيل : ظاهر الخبر أن في الحور العين ثيّبات ، وقد قال اللّه تعالى في وصفهن ( إِنّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً. فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْراباً ) (5) ، فما الجمع؟

قلت : الجمع بطريقين :

أحدهما : أن معنى الأبكار في الآية هن اللواتي لم ينكحهن أحد قبلَ مَن خصّهن اللّه به وخصّه بهن ؛ بدليل قوله تعالى : ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ) (6).

وذلك أعمّ من أن [ يكون ] (7) على صفة الأبكار ، وهيئة البكارة المعروفة خلقةً. أو على صفة الثيّبات ، وهيئة الثيبوبة المعروفة خلقةً. ويكون معنى البكر في الحديث هي التي خلقت على هيئة خلقة البكارة المعروفة لكنّها بكر أبداً كلّما واقعها المؤمن عادت بكراً ؛ وذلك لأنّ البكارة فيها من لوازم فطرة وجودها وخلقتها الذاتيّة. والثيب

ص: 361


1- ثواب الأعمال : 148.
2- مجمع البيان 10 : 511.
3- الإنسان : 1.
4- التفسير الصافي 5 : 266.
5- الواقعة : 35 - 37.
6- الرحمن : 56.
7- في المخطوط : ( يكن ).

فيه : ما كانت على هيئة الثيبوبة بأصل فطرة وجودها وخلقتها ، فهي أبداً كذلك.

والنفس كما تشتهي نكاح البكر ومن هي على صفة البكارة المعروفة ، قد تشتهي نكاح الثيّب ومن هي على صفة الثيبوبة ، ولأهل الجنّة ما يشتهون. ومن شأن النفس شهوة التبدّل والتغيّر في جميع ملاذّها ، فإنّه أشهى لها من الدوام على صنف واحد. وقد فطرت على ذلك باختيارها ، وطبعت على الحركة إلّا إنّها لا تشتهي إلّا ما في قوّتها ولها القدرة على نيله وإبرازه من القوّة إلى الفعل. وهذا يجده كلّ ذي ذوق في نفسه وغيره ، فارتفع التنافي.

الثاني : أن معنى البكر في الخبر هي الّتي لا مثل لها ، بل هي صنف مستقلّ مخترع بلا مثال سبق ، فهي المخترعة لمستحقّها من غير أن يسبق لها مثل. ومعنى الثيّب فيه : من كان لها نظير ، وقد سبقها أو لحقها مثل لها وإن كان الجميع منشآت ، ومعنى الآية كما سبق ، فلا منافاة ، واللّه العالم.

ص: 362

[115] كشف التباس وتأسيس أساس : بيان أوّل وقت نافلة الليل

في ( الفقيه ) : سأل عمر بن حنظلة : أبا عبد اللّه عليه السلام : فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار ، فكيف لنا بالليل؟ فقال عليه السلام : « لليل زوال كزوال الشمس » قال : فبأيّ شي ء نعرفه؟ قال : « بالنجوم إذا انحدرت » (1).

أقول : هذا الخبر مجمل ، فإنّه عليه السلام لم يبيّن فيه انحدارها من أيّ شي ء. ولكن الظاهر أن المراد بمعونة العرف والإطلاق انحدارها عن دائرة نصف النهار ، وهي الدائرة القاسمة لدائرة الأُفق قسمين [ متساويين (2) ] ، مقاطعة لها على نقطتي الجنوب والشمال ، حيث إن النجم يسمّى صاعداً من حين طلوعه ، حتّى يبلغ تلك الدائرة ، ثمّ يأخذ في الانحدار فيسمّى بعد تجاوزها إلى جهة المغيب منحدراً.

وهذا يختلف باختلاف الآفاق ؛ لاختلاف دائرة [ نصف (3) ] النهار باختلاف الليل ، للقطع بكرويّة الأرض بالبراهين المتضاعفة (4) نقلاً وعقلاً ورصداً وحسّاً ، ومع هذا لم يبيّن في الخبر انحدار أيّ النجوم. ومن المقطوع به كما يشهد به الحسّ أنه لا تخلو دقيقة من دقائق الملوين (5) من انحدار نجم عن تلك الدائرة. فاحتجنا إلى بيان

ص: 363


1- الفقيه 1 : 146.
2- في المخطوط : ( متساوين ).
3- في المخطوط : ( النصف ).
4- انظر الأنوار النعمانية 1 : 334 - 339.
5- الملوان : الليل والنهار. لسان العرب 13 : 190 ملا.

النجوم التي يعرف بانحدارها انتصاف الليل وأوّل وقت نافلة الليل.

والذي وقفت عليه في كلام جملة من الفقهاء أن المراد بها في الخبر : النجوم التي تطلع وقت غروب الشمس. وهذا أيضاً مجمل وإن كان أقلّ إجمالاً من لفظ الخبر ؛ إذ ليس كلّ نجم يطلع وقت الغروب ينحدر عن تلك الدائرة نصفَ الليل ؛ لمخالفته الحسّ والبرهان ، ولأنه يلزمه تساوي قوسي طلوع نجم هو على ما قرب من القطب الشمالي وطلوع نجم هو على ما قرب من القطب الجنوبي من المدارات في الآفاق المائلة إذا طلعا دفعة أو مطلقاً ، والبرهان والحسّ والوجدان تردّه.

والحقّ أن المراد بالنجوم المشار في الخبر إلى أنه يعرف زوال الليل وانتصافه بانحدارها عن تلك الدائرة في كلّ أُفق ووقت هي خصوص رقيب منزلة الشمس من المنازل الثمانية والعشرين ، وذلك يكون في كلّ ثلاث عشرة ليلة لمنزلة منها هي مدّة حلول الشمس في منزلتها إلّا الهنعة في المشهور ، فإنّ لها أربع عشرة ليلة ، ورقيب منزلة الشمس هي الخامسة عشرة ، عشر منها على جهة التوالي أبداً.

هذا إجمالاً ، وتفصيلاً ما ذكره بعض أهل هذه الصناعة حيث قال : مهما طلع برجٌ أو منزلة غاب رقيبه ، ومهما اعتدل برج أو منزلة فرقيبه الوتد تحت القدم ، ورقيب البرج سابعه ، ورقيب المنزلة خامس عشرها ؛ فرقيب الحمل الميزان ، ورقيب الثور العقرب. وقد جمعها بعض المتقدّمين حيث قال :

أرى الكبش بالميزان يقسم لحمه *** وبين بنات الثور عقربُ يعقرُ

وفي منكب الجوزاء قوس معلّق *** وإن ظهر السرطان فالجدي ينفرُ

أرى الليث نحو الماء يرسل دلوه *** وفي قبضة العذراء حوت ميسّرُ

وممن أحسن في جمع رقائب المنازل الشيخ عبد اللّه بن أبي بكر بن عفيف المكّيّ : في قوله :

( يا ناطحاً غفر اللّه الكريم له *** من نثر ذبح الكرى في الوجنتين دما

ص: 364

قد أضمر البطن فاستولى الزباد على *** ما تحته واستفاد الطرف بلعهما

وللثرى كلل الدمع المصون له *** من جهة السعد في الداجي إذا انقسما

تدبّر القلب آيات الزبور وفي *** تلك الزوايا خبايا أغلت القيما

ما هقعة الشول تغني المستبدّ بها *** شيئاً إذا انصرف المقدام منهزما

أيضاً ولا هنع الأنعام ساكرة *** إذا عوى صاحب التأخير وانفحما

وكم ذرعنا بأخفاف المطي بلداً *** وأعللنا سماك الحوت إن نجما (1)

ومهما كان النطح طالعاً كان الغفر غارباً والنثرة وتداً ، والذابح متوسّطاً على الرأس.

أو كان الغفر طالعاً فالنطح غارباً ، والنثرة متوسّطاً والذابح وتداً.

أو كان النثرة طالعاً فالذابح غارباً ، والنطح متوسّطاً والغفر وتداً.

أو كان الذابح طالعاً فالنثرة غارباً ، والغفر متوسّطاً والنطح وتداً.

وقس على هذا ) ، انتهى.

وقد بان بهذا أن المراد من نصف الليل الذي هو أوّل وقت النافلة : نصف الليل باعتبار ما بين الغروب إلى الطلوع ، فزواله المشار إليه في الخبر هو بهذا الاعتبار لا ما بين الغروب إلى طلوع الفجر ؛ فإنّ ذلك ليس له ضابط كلّيّ يعرف به لأكثر المكلّفين بنافلة الليل ، بل لا يعرفه إلّا أفراد من أفاضل علماء الفلك بآلاتهم وقوانينهم ، فلا يدخل تحت هذا الخبر المشير إلى قاعدة يعرفها أكثر المخاطبين بصلاة الليل.

وأيضاً فالاحتياط اعتبار أوّل وقت نافلة الليل نصف الليل باعتبار ما بين الغروب والطلوع لحصول اليقين فيه وارتفاع الشّك ، دون اعتبار نصف الليل بالنسبة إلى زمان ما بين الغروب إلى طلوع الفجر ؛ لسبقه على الأوّل وعدم انضباطهِ إلّا لأفراد مخصوصين.

ص: 365


1- كذا في المخطوط ، وهو مختلّ الوزن.

ويؤيّد الأوّل جميع ما دلّ من الشرعيّات على أن الليل من الغروب إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع إلى الغروب. وهي كثيرة جدّاً لا يسع المقام نقلها.

ومنها : الأخبار المستفيضة المُؤيَّدة بإجماع [ الفلكيّين (1) ] والمقوّمين على أن النهار والليل ما ذكرناه الدالّة نصوصها المستفيضة على أن نصف النهار هو الحدّ الذي إذا بلغته الشمس كان القدر الماضي من طلوعها يساوي الباقي إلى غروبها ، وهو المعبّر عنه بدائرة نصف النهار. وقد استفاضت الأخبار بتسمية ذلك : نصف النّهار (2) ، والزّوال (3) ، والظّهر (4) ، وكلّها بمعنى ، والعرف العامّ والخاصّ يحكم به ، بل الضّرورة حاكمة بأنّ نصف النهار هُوَ وسط ما بين الطلوع والغروب ، بل بتسمية ما بينهما نهاراً فإنّه المتبادر إلى عامّة الأفهام من الخواصّ والعوامّ.

وذلك كلّه يقضي بأنّ حقيقة النهار ذلك ، وحقيقة الليل ما يقابله ، وهو ما بين الغروب إلى الطلوع ؛ فإنّك لا تشكّ ألّا معنى لهما عند إطلاق تساوي الملوين ، وزيادة الليل ساعة مثلاً على آن النهار. وبالعكس أن المراد منهما ذلك من الضروريات التي تتبادر إلى الأفهام.

وبهذا ومثله يعلم أن الليل والنهار حقيقة في ذلك وإن كنّا لا ندفع أن الشارع أطلق الليل على ما بين الغروب إلى طلوع الفجر ، والنهار على ما بين طلوع الفجر إلى الغروب في موارد كثيرة كنهار الصائم ، والبير (5) ، وليل الزوجة وغير ذلك. ولكنّه أيضاً أطلق الليل على ما بين الغروب إلى الطلوع ، والنهار على ما بين الطلوع إلى الغروب في موارد أكثر.

وقد بيّنّا أن هذا هو الحقيقة اللغويّة والعرفيّة عموماً وخصوصاً ، ولم نعلم في ذلك

ص: 366


1- في المخطوط : ( الفلكين ).
2- الكافي 4 : 121 / 1 ، تهذيب الأحكام 4 : 187 / 524 ، وسائل الشيعة 10 : 17 ، أبواب وجوب الصوم ونيته ، ب 4 ، ح 7.
3- تهذيب الأحكام 4 : 187 / 527 ، وسائل الشيعة 10 : 17 - 18 ، أبواب وجوب الصوم ونيته ، ب 4 ، ح 8.
4- الكافي 3 : 281 - 282 / 16.
5- كذا في المخطوط.

حقيقة شرعيّة. والأصل عدم النقل ، فإذا ورد من الشارع إطلاق الليل من غير قرينة تعيّن أحد المعنيين منه ، ووجب حمله على الحقيقة اللغويّة والعرفيّة ؛ للتبادر وأصالة عدم التجوّز.

وفي المبحوث عنه لم نقف على دليل من الشارع أنه أراد بحكمه أن أوّل وقت نافلة الليل بعد الانتصاف غير المعنى العرفيّ اللغويّ ؛ فيجب حمل إطلاقات الأخبار وفتاوى العصابة عليه ؛ فإنّها دليل على إرادة العرفيّ مع موافقته للّغة ، فيجب حمله عليه.

وأيضاً فحمله عليه أحوط ؛ لحصول اليقين به أنه وقت نافلة الليل دون الثاني ؛ لسبقه عليه بكثير.

وأيضاً فالمتبادر من الأخبار والفتوى أن المراد من نصف الليل الذي هو آخر وقت العشاء هو نصف ما بين الغروب والطلوع ، وهو الذي يدخل بعده وقت نافلة الليل بلا فصل ، مع أن الأصل يقتضي بقاء وقت الأداء حتّى يثبت خروجه.

ولا ينافيه أن آخر وقت نافلة الليل طلوع الفجر الثاني كما هو واضح ، ولا ينافيه أيضاً أن السحر قبيل الصبح كما عبّر به أكثر أهل اللغة (1) ، أو أنه السدس الأخير من الليل كما عبّر به النظام (2) : في تفسيره ، والزمخشري (3) : في ( الكشاف ) ، والطبرسيّ : في ( جامع الجوامع ) ، واختاره السيد مهدي :

أمّا على الأوّل فظاهر ؛ لعدم التلازم بين كون السحر قبيل الصبح وبين كون آخر الليل الطلوع.

وأمّا على الثاني فلجواز التجوّز بإطلاق الليل على ما بين الغروب إلى طلوع الفجر ، لشيوع استعمال هذا المجاز.

ولعلّ وجه العلاقة ووجه استعمال الشارع لهما بالمعنيين أن الساعة الفجريّة لمّا

ص: 367


1- انظر لسان العرب 6 : 190 سحر.
2- تفسير غرائب القرآن 6 : 221.
3- الكشاف 4 : 438.

كانت كالبرزخ المركّب من محض ضياء الشمس ومحض ضياء الليل والبرزخيّات فيصحّ إطلاق اسم كلّ من طرفيها عليها وإفرادها باسم ؛ ولهذا سمّاها الشارع تارة ليلاً ، وتارة نهاراً (1) وتارة قال : « إنها ساعة ليست من ساعات الليل ، ولا من ساعات النهار » (2).

وهذا شأن جميع البرزخيات وإن كان حقيقة النهار زمن طلوع الشمس ، والليل زمان غروبها ، ولا ثالث بينهما بالضرورة ، وإلى ذلك أشار قوله تعالى : ( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (3).

ولا شكّ أن آية النهار الشمس ، فيختصّ النهار بزمان ظهورها ، ويقابله الليل.

ولعلّك إذا تأمّلت الآيات والأخبار وكلام أهل اللغة (4) والفلكيّين والمنجّمين وأصحاب الأرصاد والتقاويم ظهر لك أن هذا هو الحقيقة فيهما لغة وشرعاً وعرفاً ، والمعنى الآخر مجاز فيهما لم يرد استعماله إلّا مردفاً بالقرينة.

هذا ، ولو قلنا : إن أوّل نافلة الليل بعد انتصافه باعتبار ما بين الغروب إلى الفجر لم يكن له ضابط يعرف على حال ، وظاهر كلّ من قال : إن نصف الليل يعرف بانحدار النجوم الطالعة وقت الغروب أراد (5) ما حقّقناه.

وممّا يدلّ عليه أيضاً الأخبار (6) المقدّرة لمسافة القصر ، وتعليلها بأنه شغل يومه ؛ إذ لا ريب أن المراد من اليوم يوم المسافر ، وأنه من الطلوع إلى الغروب والليل يقابله ؛ لعدم الواسطة ، واللّه العالم بحقيقة أحكامه.

وكان الجعفي : قد صرّح بذلك كما نقل عنه في ( الذكرى ) قال الشهيد رحمه اللّه : فيها بعد

ص: 368


1- علل الشرائع 2 : 17 / 1 ، بحار الأنوار 80 : 107 - 108 / 5.
2- تفسير القمّيّ 1 : 126 ، بحار الأنوار 80 : 107 / 4.
3- الإسراء : 12.
4- انظر لسان العرب 14 : 303 نهر ، وقد أورد كون أوله طلوع الفجر وطلوع الشمس.
5- في المخطوط : ( أراده ).
6- تهذيب الأحكام 3 : 209 / 503 ، الإستبصار 1 : 255 / 799 ، وسائل الشيعة 8 : 455 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 1 ، ح 16.

أن ذكر الحديث المبحوث عنه : ( والظاهر أنه عنى به انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس.

والجعفي : اعتمد على منازل القمر الثمانية والعشرين المشهورة ، فإنّه قال : إنّها مقسومة على ثلاثمائة وأربعة وستّين يوماً لكلّ منزلة ثلاثة عشر يوماً .. ثمّ ينتقل إلى ما بعدها وهكذا. فإذا جعل القطب الشماليّ بين الكتفين نظر ما على الرأس وبين العينين من المنازل ، فيعدّ منها إلى منزله الفجر ، ثمّ يؤخذ لكلّ منزلة نصف سبع.

قال : والقمر يغرب في ليلة الهلال على نصف سبع من الليل ، ثمّ يتزايد كذلك إلى ليلة أربع عشرة ، ثمّ يتأخّر ليلة خمس عشرة نصف سبع ، وعلى هذا إلى آخره.

قال : وهذا تقريب ) (1) ، انتهى.

قلت : هذا وإن كان تقريباً لا يضبط غالباً لما يعرض للقمر من البطء والإسراع بسبب ما يعرض له من الإقامة والاستقامة والرجوع ؛ لأنّ له حامل تدوير. لكن غرضنا أنه صريح في أن المراد من الليل في هذا المقام هو ما بين الغروب إلى الطلوع ، فتدبّر واللّه العالم.

وممّن مال إلى ما حقّقناه من أن المراد بنصف الليل هنا : نصف ما بين الغروب والطلوع السيّد الأعظم السيّد مهدي الطباطبائي : على ما تقتنصه عبارة الإيرواني : في مختصر كتابه ( الإصلاح ) ، حيث نقل أن بعضهم صرّح بذلك ولم يردّه ولم ينقل فيه خلافاً. وممّن جزم بذلك إمام المحقّقين في زمانه محمّد أكمل بن محمّد تقي القاشاني : في ( شرح المفاتيح ) ، من غير نقل خلاف السيد عليّ : في ( شرح النافع ) ، بعد أن ادّعى الإجماع على أن أوّل نافلة الليل بعد انتصافه قال : ( والمتبادر من الليل في النصّ والفتوى هو ما بين غيبوبة الشمس إلى طلوع الفجر ، وقيل : إلى طلوع الشمس. وهو أحوط وأنسب بتوزيع الصلوات اليوميّة على أوقاتها ) (2) ، انتهى.

قلت : التبادر ممنوع كما عرفت ، وكيف يكون هو المتبادر مع أن الآخر أنسب

ص: 369


1- ذكرى الشيعة 2 : 368 - 369.
2- الشرح الصغير 1 : 85.

وأحوط؟ وممّا يدلّ على ما قلناه أنّ الضرورة وإجماع البشر والنصوص (1) المستفيضة على أنّ آخر النهار غروب الشمس وأنّه أوّل الليل ، فبحكم المقابلة آخر الليل طلوعها ، وأنّه أوّل النهار ؛ إذ مقتضى أنّ آخر النهار غروب الشمس وأنّه أوّل الليل أنّ النهار عبارة عن طلوع الشمس ، والليل عبارة عن غيبتها. وأيضاً المتبادر من إطلاقات عبارات الأصحاب في اشتراطهم في وجوب القصر على من قصد أربعة فراسخ أنه يشترط فيه الرجوع ليوم أو ليلته [ على ] ما ذكرناه ، فتأمّلها.

وفي صحيح زرارة : عن أبي جعفر عليه السلام : أنه قال في حديث طويل : « دلوك الشمس زوالها ، وفي ما بين دلوكها إلى غسق الليل أربع صلوات ».

إلى أن قال عليه السلام : « وغسق الليل انتصافه ».

إلى أن قال : « وقال تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (2) ، فطرفاه المغرب والغداة » (3) الخبر.

وقد قابل أوّلاً بين الزوال والغسق ، ومقتضاها قسمةُ نقطةِ الغسقِ الليلَ على وفق قسمةِ نقطةِ الدلوكِ النهار.

ونصّ ثانياً على أنّ طرفي النهار وقت صلاة المغرب ووقت صلاة الغداة. ولا ريب في خروج وقت المغرب عن النهار ، قيل : [ منه (4) ] خروج الطرف المقابل ؛ إذ لا يحدّ شي ء بطرف داخل وطرف خارج بالضرورة. ولا ينافيه ما في آخر هذا الخبر من الحكم بأنّ الغداة من صلاة النهار ؛ لما عرفت من حال البرازخ ؛ فهو مجاز ، وإلّا لتناقض أوّل الخبر وآخره ، وهو محال.

وممّا يدلّ على المطلوب صريحاً ما رواه الصدوق : في ( الفقيه ) عن أبي جعفر عليه السلام

ص: 370


1- وسائل الشيعة 4 : 172 - 183 ، أبواب المواقيت ، ب 16.
2- هود : 114.
3- الكافي 3 : 271 / 1 ، تهذيب الأحكام 2 : 241 / 954 ، وسائل الشيعة 4 : 10 - 11 ، أبواب أعداد الفرائض ، ب 2 ، ح 1 ، باختلاف فيها.
4- في المخطوط : ( مه ).

أنه قال : « كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لا يصلّي بالنهار شيئاً حتّى تزول الشمس » (1).

ويؤيّده ما ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : أنه قال : « صلاة النهار عجماء » (2).

وَما في ( نهج البلاغة ) من قول أمير المؤمنين عليه السلام : لمّا سئل كم بين المشرق والمغرب؟ فقال : « مسير يوم للشمس » (3).

وجميع (4) الأخبار الناصّة على أن الصائم إن خرج قبل نصف النهار أفطر ، وإن سافر بعده أتمّ يومه (5) وهي كثيرة وعليها عمل المشهور.

وقول أبي عبد اللّه عليه السلام : لأبي حنيفة : « إنّ الشمس تقطع ما بين المشرق إلى المغرب في يوم أو أقلّ » (6).

والأخبار به كثيرة ، ولنا في المسألة رسالة مفردة (7).

ص: 371


1- الفقيه 1 : 146 / 678 ، وسائل الشيعة 4 : 61 ، أبواب أعداد الفرائض ، ب 14 ، ح 6.
2- بحار الأنوار 56 : 14.
3- نهج البلاغة : 718 / الحكمة : 294 ، وفيه : « مسيرة ».
4- معطوف على الاسم الموصول ( ما ) من قوله : ( ويؤيّده ما ورد عن النبي صلى اللّه عليه وآله .. ).
5- وسائل الشيعة 10 : 185 - 189 ، أبواب من يصح منه الصوم ، ب 5.
6- الاحتجاج 2 : 272 / 239.
7- هي رسالة تحديد أوّل النهار المطبوعة ضمن الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

ص: 372

[116] ماء معين ودرّ ثمين ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً )

قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) (1) ، القمّيّ بسنده عن الرضا عليه السلام : أنه قال لمّا سئل عن هذه مَاؤُكُم : أبوابكم ، والأئمّة أبواب اللّه ، ( فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) يعني : يأتيكم بعلم الإمام (2).

وفي ( البحار ) من غيبة الشيخ (3) : بسنده إلى علي بن جعفر : أنه سأل أخاه موسى عليه السلام : عن تأويل هذه الآية ، فقال : « إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون؟ » (4).

وفيه من ( تأويل الآيات الظاهرة ) (5) بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في هذه الآية أنّه قال : « إن غاب إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد؟ » (6).

ومثله في ( الكافي ) (7) عن الكاظم عليه السلام.

وفي ( الإكمال ) عن الباقر عليه السلام : أنه سئل عن تأويلها فقال : « إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون؟ » (8).

ص: 373


1- الملك : 30.
2- تفسير القمّيّ 2 : 397.
3- الغيبة : 160 / 117.
4- بحار الأنوار 24 : 100 / 2.
5- تأويل الآيات الظاهرة : 683 ، وفيه : « إن فقدتم إمامكم ».
6- بحار الأنوار : 24 : 100 - 101 / 3.
7- الكافي 1 : 340 / 14 ، وفيه : « إن غاب عنكم .. ».
8- كمال الدين 2 : 360 / 3.

وعنه عليه السلام أنه قال : « نزلت في الإمام القائم عليه السلام : يقول : إن أصبح إمامكم غائباً عنكم لا تدرون أين هو ، فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماوات والأرض وحلال اللّه وحرامه؟ ».

ثمّ قال : « واللّه ما جاء تأويل هذه الآية ، ولا بدّ أن يجي ء تأويلها » (1).

أقول وباللّه المستعان - : لا ريب في أن الإمام عليه السلام يطلق عليه لفظ ( الماء ) ، وهو كثير في الأخبار ؛ لأنه الماء الذي حمّله اللّه علمه ، وهو أول الكائنات ، ولأنه مادّة حياة جميع الخلق ؛ فإنّ حياة الأرواح به ، والأجساد بها ؛ فهو روح الأرواح وعلّة النجاح. فإمام كلّ قوم ماؤهم أي مفيض علمهم ، وعلّة علمهم ، وعلمهم حياتهم ، فحياة كلّ شخص بقدر علمه شدّةً وضعفاً ، بل هي علمه. فعلم كلّ مخلوق وجوده ، فوجوده حياته. فظهر بهذا صحّة تسمية إمامنا ماءَنا ، وتسمية علمنا المفاض منه ماءنا ، فإنّ علمنا من فاضل علمه بلا تنافٍ.

وأمّا تأويل غوره بغيبته فظاهر ؛ إذ لا يمكن عدمه بحال ؛ فالحجّة مع الخلق ، وقبل الخلق ، وبعد الخلق ، فأقصى ما يقال في معنى غوره : غيبته عن الحواسّ والأبصار ، لا عن العقول والبصائر. ومن الظاهر أن تأويلها بذلك لم يقع إلى زمن الرضا سلام اللّه عليه : وإنّما وقع بعد مضيّ أبي محمّد سلام اللّه عليه : نسأل اللّه الفرج برحمته ، وأن يجعلنا ممّن سقاهم ربّهم شراباً طهوراً بعفوه وكرمه ، والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 374


1- كمال الدين : 325 - 326 / 3.

[117] لطائف فقهيّة وبراهين جليّة وحلّ إشكال ودفع إعضال : مسألة الاستظهار

اعلم أنه أُورد على القول باستحباب الاستظهار لذات العادة ، مع عبور دمها العادة ، وعلى القول بوجوبه مع عدم تعيين حدّ شخصيّ لأيّام الاستظهار أيضاً ، إشكال مشهور هو أنه يلزمه أرجحيّة ترك العبادة على العبادة ، وكون ما هو مفروضٌ منها ندباً ومباحاً لجواز تركه حينئذٍ لا إلى بدل ، أو كون الغسل علّة لوجوب المباح أو المندوب ، والكلّ غير معهود في أُصول الشريعة.

والجواب ومن اللّه الهداية - : اعلم أنه قد ثبت بالنصوص المستفيضة والإجماع الذي لا ريب فيه أن أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة فما بينهما (1) ، فإذا كانت ذات عادة أقلّ من أكثره قد تجاوز دمها في شهر عن عادتها ، كان الزائد مشكوكاً فيه ؛ هل هو حيض أم استحاضة ؛ لاحتمال كلّ منهما فيه إلى تمام العشرة. أمّا ما بعد العشرة فلا شبهة ولا ريب في أنه ليس بحيض ؛ للإجماع نصّاً وفتوى على أن أكثر الحيض عشرة لا تزيد ولا لحظة ، وأقلّه ثلاثة لا تنقص ولا لحظة. فحكمة الحكيم اقتضت أن الدم الطبيعيّ وهو الحيض لا يزيد على العشرة ، ولا ينقص عن الثلاثة.

وأما أيّام العادة فلا شبهة أيضاً في أنّها حيض ؛ للإجماع على ذلك نصّاً وفتوى ولأنّ الشارع جعل العادة دليلاً شرعيّاً على الحيض ؛ ولذا تتحيّض صاحبتها بمجرّد رؤية

ص: 375


1- وسائل الشيعة 2 : 293 - 297 ، أبواب الحيض ، ب 9.

الدم فيها ، وقدمت على التمييز والصفة ، وأمر بالرجوع إليها في عدّة موارد عند الاشتباه ، جعلها فيها دليلاً على الحيض (1) ، فهي تدلّ على أن ذات العادة طبيعتها في حيضها ذلك.

وبقي الاشتباه فيما زاد عن العادة إلى تمام العشرة ، لإمكان كلّ منهما فيه ، فكلّ جزء من ذلك الزمان يحتمل أن يكون دمه هو الطبيعيّ وهو الحيض وأن يكون دمَ الاستحاضة وهي المرض العارض وقد تعارض فيه الدليلان بلا مرجّح. فالإجماع على أن كلّ دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض يرجّح كونه حيضاً.

ويؤيّده قضاء الوجدان باختلاف العادة في الحيض باختلاف المزاج بالسنّ وغيره.

ويؤيّده أيضاً أن آخر لحظة من العادة دمها حيض بلا شبهة ، فمن البعيد جدّاً أن تكون اللحظة الّتي تليها بلا فصل استحاضة. وهكذا تتوالى اللحظات متصاعدة إلى تمام العشرة. بل قطع بعض الأفاضل بأنّ اللحظة الثانية بل ما هو أكثر من لحظة ولحظتين وَثلاث حيض ، بل ظاهره نسبة القطع بذلك إلى الفقهاء.

ويدلّ أيضاً على كونه حيضاً استصحابُ حيض العادة فيما زاد عنها إلى تمام العشرة ، حتّى يثبت الناقل عنه.

ويدلّ عليه أيضاً الأخبارُ الكثيرة الآمرة لها حينئذٍ بالاستظهار ، حتّى قال جماعة (2) بوجوبه عملاً بظاهر الأمر ؛ إذ لا معنى للاستظهار إلّا الحكم بكون الدم حيضاً ؛ لما يلزمها في مدّته من أحكام الحيض.

ويدلّ عليه أيضاً أصالة عدم حدوث المرض ، وهو دم الاستحاضة ، ويدلّ على كونه حينئذٍ دم الاستحاضة كون العادة دليلاً شرعيّاً على أن ما زاد عنها ليس بحيض عند الاشتباه في موارد كثيرة معلومة عند الفقيه ، بل عادة الأهل والأقران جعلها الشارع دليلاً على عادة الأمثال ، وعلى أن ما زاد عنها ليس بحيض عند الاشتباه. وقدّمت العادة على الصفة والتمييز كما مرّ ، فلا شبهة في أن العادة دليل

ص: 376


1- وسائل الشيعة 2 : 281 ، أبواب الحيض ، ب 5.
2- النهاية ( الطوسيّ ) : 24 ، وهو المنقول عن المرتضى في مصباحه. انظر المدارك 1 : 333.

شرعيّ على أن ما زاد عنها ليس بحيض ، وما وقع فيها من أقلّ الحيض حيض.

ويدلّ عليه أيضاً أصالة شغل الذمّة بالعبادة ، خرجت أيام العادة بدليل ، فيقين البراءة لا يحصل فيما زاد عن العادة إلى تمام العشرة إلّا بكون دمه استحاضة.

ويدلّ عليه أيضاً الأخبار الدالّة بإطلاقها أو نصّها على أن ما بعد العادة استحاضة مطلقاً (1) ، والأخبار الآمرة لها حينئذٍ بالتعبّد من غير تعرّض لذكر الاستظهار (2) ، فقد تعارض الدليلان فيما زاد عن العادة إلى العشرة بلا مرجّح لأحدهما مع تقاومهما. والذي حقّقه المحقّقون في الأُصول ، واقتضته رحمة الحكيم من رفع الحيرة وعدم التكليف بالمحال وبالعمل بالنقيضين أنه إذا تعارض الدليلان ، أو اختلف المجتهدان ، أو تساوت الأمارتان في القبلة مع تساويهما و [ تقاومهما (3) ] وعدم وجدان المرجّح وحضور وقت العمل ، وتضيّقه [ فإنّ (4) ] المكلّف مخيّر في الأخذ بأيّهما شاء (5).

وهذا جارٍ في أشباه ما ذكرناه ، فإذا اختار المكلّف العمل بأحدهما حينئذٍ لزمه حكمه ولوازم حكمه ؛ فعلاً وتركاً ، وأجراً وإثماً ، ووجوباً وتحريماً حتّى يظهر الناقل عنه توسعة من الرحيم الحكيم وإن كان استمرار الاشتباه وعدم ظهور المرجّح مع استفراغ الوسع في الطلب بسلوك التي شرعت له في الطلب مع إمكانه ، وسعة الوقت منظور فيه ، وليس هذا محل بيانه.

فمن عبر دمها عادتها فهي من هذا القبيل إلى تمام العشرة فخيّرت بين التكليفين ؛ فمتى اختارت الاستظهار أي أخذت بأدلّة كون دمها حيضاً حينئذٍ ، لزمها الجلوس وجميع أحكام الحيض ، فإنّ ذلك معنى الاستظهار ، ومتى اختارت العمل بدليل كون دمها استحاضة لزمها غسل الحيض وجميع أحكام الاستحاضة فعلاً وتركاً. ومعنى ذلك أنّها اختارت حينئذٍ العمل بدليل كون دمها استحاضة ، فلا ريب

ص: 377


1- تهذيب الأحكام 1 : 172 / 491 ، وسائل الشيعة 2 : 303 ، أبواب الحيض ، ب 13 ، ح 10.
2- وسائل الشيعة 2 : 343 ، أبواب الحيض ، ب 39.
3- في المخطوط : ( تعادمهما ).
4- في المخطوط : ( ان ).
5- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229.

في وجوب العبادة عليها حينئذٍ ، فارتفع الإشكال ، وشفى اللّه الداء العضال ، وظهر عدم لزوم علّيّة غسلها لوجوب ما كان مندوباً أو مباحاً كما تخيّل.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنه لا يمكن استمرار اشتباه دم ما زاد على العادة ، لما يلزم من ارتفاع التكليفين أو أحدهما أو التكليف بالنقيضين ، وللقطع بأنّ أكثر الحيض عشرة ، فجعل الشارع بحكمته برهان تعيين أحدهما وإظهار ما هو الواقع منهما في ذلك الحال في نفس الأمر هو الانقطاع على العشرة والعبور عنها ؛ فإن انقطع عليها ترجّح دليل الحيض وانكشف أن ما زاد على العادة حيض ، وإن عبرها ترجّح دليل الاستحاضة وانكشف أن ذلك الدم استحاضة ، ليظهر بذلك ما في نفس الأمر منهما.

فهذا ملجأ وميزان عدل ، ويؤيّد أنه مع عبور العشرة استحاضة إن اللحظة التي تلي العشرة بعدها بلا فصلٍ استحاضة بالإجماع ، فبعيدٌ كون اللحظة التي [ تسبقها ] (1) من العشرة قبلها بلا فصل حيضاً لبعد تغيّر المزاج وحدوث المرض بين ذينك اللحظتين جدّاً. بل قَطَع بعض الأفاضل بأنّهما استحاضة ، بل نقل القطع به عن الفقهاء. وهذا واضح في المشهور بين الفقهاء ؛ لحكمهم بأنه مع العبور استحاضة كلّه ، بل الظاهر أن ذلك إجماع. فهكذا اللحظات المتوالية متنازلاً حتّى تصل إلى أيّام العادة.

وبما أوضحناه ظهر دليل الفقهاء على وجوب قضاء عبادة أيّام الاستظهار مع العبور بلا شبهة ؛ لأنّ ذلك جعله الشارع دليلاً على أن ما زاد على العادة استحاضة فتجب فيها العبادة ، وقد فاتت ؛ فيجب قضاؤها بالدليل العامّ من وجوب قضاء الفوائت من العبادات ممّا دلّ الدليل على وجوب قضائه.

فلا وجه لاستشكال بعض المتأخّرين في ذلك ، وليس الدليل منحصراً في الدليل الجزئيّ بالضرورة ، واللّه العالم.

ص: 378


1- في المخطوط : ( تليها ).

[118] لطيفة فقهيّة : الأصل في الشهر التمام

لو أن رجلاً أفطر شهر رمضان فنسي هل كان ذلك الشهر تامّاً أو ناقصاً ، ما يلزمه؟

أقول : الذي يظهر من الدليل أنه يلزمه قضاء ثلاثين يوماً ؛ لأنّ به يقين خلوّ العهدة ، حيث إن ذمّته مشغولة بقضاء شهر ، ولا يحصل يقين براءة ذمّته ممّا اشتغلت به إلّا بقضاء ثلاثين يوماً ، ولأنّ الأصل في الشهر التمام ، فإنّا إذا كنّا في شهر رمضان مثلاً بيقين ، فالأصل بقاؤه واستصحابه حتّى يأتي ناقل قطعيّ يرفع اليقين السابق ، وليس إلّا إكمال ثلاثين أو ثبوت رؤية هلال شوّال.

وبعبارة أُخرى : إذا تحقّق المحاق واختفاء القمر بيقين ، فالأصل بقاؤه وعدم رؤيته ، فيستصحب حتّى يحصل الناقل عنه ، وليس إلّا ما ذكرناه.

فإذا لم يثبت رؤية شوّال في ذلك الشهر بيقين ، بقيت الذمّة مشغولة بثلاثين ؛ ولهذا وجب صوم يوم الثلاثين من شهر رمضان إلّا أن تثبت رؤية هلال شوّال. فلو لم يكن التمام هو الأصل لما وجب صومه حتّى تثبت الرؤية لهلال شوّال ؛ لعدم يقين التكليف بصومه لولا ذلك الأصل. وهذا أعني وجوب صوم يوم الثلاثين ما لم تثبت رؤية هلال شوّال قد أطبقت عليه الأُمّة في كلّ زمان واتّفقت عليه أخبار السنّة الغرّاء (1) بلا معارض مع استفاضة مضمونها بل تواتره.

ص: 379


1- وسائل الشيعة 10 : 261 - 275 ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب 5.

وأيضاً لا ينبغي الريب في أن من نذر صوم شهر على الإطلاق ، وابتدأ من أثناء شهر هلاليّ وجب صوم ثلاثين ؛ لأنّ به يقين براءة الذمّة ، وكذا لو ابتدأ من أوّل هلاليّ وفرّق صومه. وهو الأحوط أيضاً إن لم يكن متعيّناً فيما لو ابتدأ من أوّل هلاليّ ووالى.

ولو لا ذلك الأصل لما وجب هذا ، ولأنّ الفرقة أيضاً متّفقة مجمعة في كلّ عصر على أنه إذا غمّ الشهران أو الشهر أو الثلاثة حسبت تامّة كلّها ، بل الأكثر على أنه لو غمّ الحول حسبت شهوره كلّها تامّة ، وإن كان لا يخلو من إشكال.

ويؤيّده أيضاً ما ورد عنهم سلام اللّه عليهم أن المتردّد في بلد يقصر إلى شهر (1).

وورد أنه يقصر إلى ثلاثين يوماً (2).

و [ المجمل (3) ] يحمل على المبيّن ، فدلّ على أنّهم عليهم السلام أرادوا بالشهر ثلاثين. فهذا يؤيّد أن الأصل في الشهر التمام إن لم تدلّ عليه. بل لعلّه يشعر بأنّ الثلاثين حقيقة عرفيّة فيه إن لم نقل شرعيّة ، فتأمّله.

ويؤيّد ما قلناه أيضاً إن لم يَدلّ عليه الأخبارُ الكثيرةُ الناصّة على أن شهر رمضان لا ينقص أبداً (4).

ولا يضرّ اختصاص دلالتها بشهر رمضان وإن كان لها تأويلٌ بحسب المعقول. ولعلّه إشارة إلى أن رتبة الوجوب لا يمكن أن يدخلها نقص بوجه ما أصلاً ، بل هو فرض مستحيل ذاتيّ. ورتبة الإمكان لا يمكن أن تتمّ أبداً ؛ لافتقارها بهويّتها في تحقّق وجودها ولوازمه إلى إمداد علّتها ، فحقيقتها الفقر لذلك. وهذا نقص إضافيّ بالنسبة لعلّتها ، وإلّا فهو أشرف الكمال الإمكانيّ.

ص: 380


1- تهذيب الأحكام 3 : 219 / 546 ، الإستبصار 1 : 237 / 847 ، وسائل الشيعة 8 : 500 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 15 ، ح 9.
2- تهذيب الأحكام 3 : 219 / 548 ، الإستبصار 1 : 238 / 849 ، وسائل الشيعة 8 : 501 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 15 ، ح 12.
3- في المخطوط : ( المحل ).
4- وسائل الشيعة 10 : 268 - 274 ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب 5 ، ح 24 - 37.

فشهر رمضان شهر اللّه ، وشهر شعبان شهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (1) ، أو إنه إشارة إلى رتبة الولاية المطلقة ، وباطن المشيئة تامّة في ذاتها أبداً لا يمكن أن يلحقها شي ء من نقائص الخلق ، ورتبة الرسالة قد يلحقها ما يوجب إخفاء بعضه وطيّه تحت الإشارات وخلال العبارات ، أو التقية في الإعلان ببعضٍ وإظهاره بكمال الفعليّة ، بحسب ما تقتضيه الحكمة من الدعوة إلى اللّه بكمال الاختيار.

ويؤيّد ما نحن بصدده أيضاً من أن الأصل في الشهر التمام أن العام يوم خلق اللّه السماوات والأرض « ثلاثمائة وستّون يوماً » (2) فكلّ شهر منه في أصل وجوده ثلاثون يوماً. فيحمل عليه ما أمكن حتّى يثبت خلافه ممّا عرض للحول من اختزال ستّة أيّام ، وكونها بالقوّة في نفس فلك القمر ، وهو العاد (3) للحول.

ويحتمل ضعيفاً أنه لا يلزمه إلّا قضاء تسعة وعشرين يوماً ؛ للشكّ في التكليف بالزائد. وما قدّمناه يزيل هذا الشكّ.

ويحتمل أيضاً وإن كان أضعف كفاية قضاء شهر هلالي تمّ أم نقص ؛ لأنه مشغول الذمّة بشهر ، وهذا شهر بيقين. وفيه أنه مشغول الذمّة بقضاء شهر يمكن أن يكون ثلاثين ، بل هو الأصل فيه كما عرفت.

وعلى كلّ حال ففي قضاء الثلاثين خروج من خلاف الصدوق (4) ، فهو أحوط ، واللّه العالم.

ص: 381


1- الأمالي ( الصدوق ) : 71 / 38 ، بحار الأنوار 93 : 364 / 35.
2- وسائل الشيعة 10 : 272 ، أبواب أحكام رمضان ، ب 5 ، ح 33.
3- كذا في المخطوط.
4- الفقيه 2 : 111 / ذيل الحديث : 6.

ص: 382

[119] لطيفةٌ فقهيّة : الإقلال بالقيام من حقيقته أم واجب فيه

مسألة : لو نسي المصلّي الاستقلال في قيام ركعة حتّى ركع ، فهل تصحّ صلاته أم لا؟

الجواب : هذه المسألة لم أقف على تصريح بها في كلام الأصحاب ، وهي مبنيّة على مسألة لم أقف على من بحث عنها أيضاً ، هي أنه هل القيام المعتبر شرعاً في الصلاة هو المعنى العرفي ، والاستقلال من واجباته كالطمأنينة ، أو مركّب منهما ؛ فالاستقلال جزء من ماهيّة القيام المعتبر شرعاً في الصلاة؟

وظاهر الفتوى الأوّل ، وأن الاستقلال واجب فيه كما يظهر من تأمّل عبارات الفقهاء كعبارة السيّد علي المعاصر في ( شرح النافع ) (1) ، والبهائيّ في ( الاثنا عشريّة ) (2) ، والعلّامة في ( التلخيص ) ، وابن حمزة في ( الوسيلة ) (3) ، والمحقّق في ( الشرائع ) (4) ، وغير واحد بلا استشكال ولا نقل خلاف. بل هذه العبائر صريحة في ذلك ، وهو ظاهر عبائر الأكثر ، كما يظهر بالتدبّر.

ويؤيّده أو يدلّ عليه وقوع الخلاف في وجوبه مع الاتّفاق على وجوب القيام. ويمكن حمل نفي اليأس عن تركه في صحيحة علي بن جعفر (5) وخبري سعيد بن

ص: 383


1- رياض المسائل 2 : 280.
2- الاثنا عشرية : 58.
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 94.
4- شرائع الإسلام 1 : 70.
5- الفقيه 1 : 237 / 1045 ، تهذيب الأحكام 2 : 326 / 1339 ، وسائل الشيعة 5 : 500 ، أبواب القيام ، ب 10 ، ح 1.

يسار (1) ، وابن بكير (2) ، وهو محمول على تركه سهواً. فهي تدلّ على ما قلناه من صحّة الصلاة مع نسيانه ، وعلى أنه ليس جزءاً من ماهيّة القيام بل واجب فيه.

وقال الفاضل في ( شرح الروضة ) بعد قول الشهيدين : ( ويجب القيام مستقلا مع المكنة ، فإن عجز عن الاستقلال في الجميع ففي البعض ، فإن عجز عن الاستقلال أصلاً اعتمد على شي ء ، مقدّماً على القعود ) (3) ، قال الفاضل : ( مقدّماً على القعود وعلى ترك الانتصاب ؛ فإنّ الانتصاب داخل في ماهيّة القيام بخلاف الاستقلال ، فحين الاعتماد يتحقّق القيام ، وإن ما فقد أمر خارج عنه ليس في تأكّد الوجوب ، وظهوره مثل القيام والانتصاب ، وحين ترك الانتصاب ينبغي القيام حقيقة ) ، انتهى.

وقال في ( البحار ) : ( المشهور وجوب الاستقلال في القيام ، وذهب أبو الصلاح (4) إلى جواز الاستناد على كراهية ، ولا يخلو من قوّة. ثمّ على تقدير الوجوب ، إذا أخلّ بالاستقلال عمداً بطلت صلاته ، والظاهر عدم البطلان بالنسيان ) (5).

وبقي الإشكال في عبارة ( التحرير ) حيث قال : ( القيام ركن مع القدرة ؛ فإن أمكنه الاستقلال به وتركه عمداً أو سهواً بطلت صلاته. ولو تعذّر وأمكنه أن يعتمد على حائط أو عكّاز أو شبهه وجب ) (6) ، فإنّها صريحة أو كالصريحة في أن الاستقلال جزء من ماهية القيام المعتبر شرعاً في الصلاة ، فإنّ الظاهر أن مفعول ( تركه ) يعود إلى ( الاستقلال بالقيام ) بقرينة عود المستكنّ في ( تعذّر ) عليه قطعاً ، وهو متأخّر عنه.

ومن العبائر المتشابهة في هذا المقام عبارة ( القواعد ) حيث قال : ( القيام ركن في الصلاة الواجبة لو أخلّ به عمداً أو سهواً مع القدرة بطلت صلاته ، وحدّه الانتصاب مع الاستقلال فإن عجز عن الاستقلال انتصب معتمداً على شي ء ) (7) ، انتهى.

ص: 384


1- تهذيب الأحكام 2 : 327 / 1340 ، وسائل الشيعة 5 : 501 ، أبواب القيام ، ب 10 ، ح 3.
2- التهذيب 2 : 327 / 1341 ، وسائل الشيعة 5 : 501 - 502 ، أبواب القيام ، ب 10 ، ح 4.
3- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 1 : 250 - 251.
4- الكافي في الفقه : 125.
5- بحار الأنوار 81 : 341.
6- تحرير الأحكام : 36 ( حجري ).
7- قواعد الأحكام 1 : 267 ، حجري.

وقريب منها عبارة ( معالم الدين ) ، قال : ( القيام : وهو في جميع الصلوات ركن ، وحدّه الانتصاب مستقلا مع القدرة ).

ولعلّه محمول على عموم الفرائض ، وإن احتمل عموم النافلة كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

وقريب منهما عبارة ( الذكرى ) (1).

وظاهر قولهم : ( حدّه الانتصاب مع الإقلال أو مستقلا ) أن الاستقلال جزءٌ من المحدود. فعلى ظاهر هذه العبارات أنه لو فات الاستقلال سهواً بطلت الصلاة ؛ لفوات القيام الشرعيّ فيها بفوات أحد جزأي حقيقته. ولكن هذا الظاهر لا دليل عليه ؛ إذ الأصل عدم النقل عن المعنى العرفيّ ، ولم يدلّ دليل أن له حقيقة شرعيّة مركّبة من العرفيّ والإقلال. وظاهر الفتوى أيضاً يدفعه كما عرفت.

وهل الإقلال واجب في حال الركوع والجلوس والسجود على المعنى المذكور في القيام؟ الظاهر ذلك ؛ لأنه الكيفيّة المتلقّاة من الشارع ، فيجب اتّباعها وبها يحصل يقين البراءة ، وخلافها مشكوك فيه ، ولا دليل عليه ، واللّه العالم بحقيقة أحكامه.

ص: 385


1- الذكرى 3 : 266 ( حجري ).

ص: 386

[120] لطيفة فقهيّة : هل يجوز فعل مستحبّات قيام الركعة من جلوس اختياراً أم لا؟

مسألة : هل يجوز فعل مستحبّات قيام الركعة من جلوس اختياراً ، أم لا ، وذلك كالقنوت والستّ الافتتاحيّة ووظائفها والسورة على القول باستحبابها؟

الجواب لا يجوز الإتيان بذلك وأمثاله ، ولا بالدعاء العارض الخارج عن أفعال الصلاة في خلال قيام الركعة ، بل ولا القعود في أثنائه قبل الركوع والرفع منه ولو ساكتاً أصلاً اختياراً ؛ لما في ذلك من مخالفة المعهود من الشارع ، والكيفيّة المتلقّاة منه. والعبادة كيفيّة متلقّاة ، فما وقع على خلافها لا يخرج به المكلّف من عهدة التكليف إلّا بدليل ، ولا دليل على جواز الجلوس قبل الركوع مطلقاً اختياراً.

وأيضاً الأصل في كيفيّة الصلاة المتلقّاة من فعل الشارع خصوصاً في محلّ البيان الوجوب بلا خلاف نجده ، ولا دليل على جواز الجلوس مطلقاً اختياراً قبل الركوع. فإذن الأصل فيه الوجوب. فالقيام حال الستّ الافتتاحية مثلاً يشبه الواجب الشرطيّ في تحقيق الاستفتاح الشرعيّ ، كالتحريمة في النافلة ، بل الظاهر أن الجلوس اختياراً قبل الركوع فعل خالٍ من أفعال الصلاة ، ولم يقم دليل على جوازه فهو يبطلها.

ص: 387

ويعضده إطلاق [ أكثر (1) ] الفتاوى بوجوب القيام ، بل في بعضها ركنيّته ، ولا ينافي ما قلناه تصريح جماعة بأن القيام في مندوب قيام الركعة مندوب ؛ لأنّ معناه أن القيام في القنوت مندوب ، أي يجوز تركه مع القنوت لا إلى بدل ، لا أنه يجوز القنوت في الفريضة جالساً اختياراً.

بل يمكن أن يقال : لو قيل بجواز الجلوس في القنوت مثلاً اختياراً لزم أن يكون القيام واجباً تخييريّاً بينه وبين الجلوس ، بل وبين [ الاضطجاع (2) ] ؛ لأنه حينئذٍ لا يجوز تركه أصلاً مع تحقّق القنوت ، ومعه لا يجوز تركه إلّا إلى بدل. وهذه خاصّة [ الواجب (3) ].

والظاهر بطلان هذا كلّه ؛ لعدم الدليل على شي ء منه. وفي مداومة الرسول صلى اللّه عليه وآله وخلفائه الهداة على فعل مستحبّات قيام الركعة من قيام ، وقوله صلى اللّه عليه وآله : « صلّوا كَمَا رأيتموني أُصلّي » (4) ، وفعلهم لها كذلك في مقام البيان دليل على ما حقّقناه.

وأيضاً الأصل في فعلهم في الصلاة إلّا تجوز مخالفته إلّا بدليل.

وممّا يؤيّده أيضاً ما رواه عاصم بن حميد في أصله المشهور عن عمرو بن أبي نصر : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : المؤذّن يؤذّن وهو على غير وضوء؟ قال : « نعم ، ولا يقيم إلّا وهو على وضوء ». قلت : يؤذّن وهو جالس؟ قال : « نعم ، ولا يقيم إلّا وهو قائم » (5).

وقد صرّح الشيخ محمّد ابن الشيخ أحمد الدرازيّ بصحّة هذا الخبر.

وما رواه البزنطيّ عن أبي الحسن عليه السلام قال : « يؤذّن الرجل وهو جالس ولا يقيم إلّا وهو قائم ، وتؤذّن وأنت راكب ولا تقيم إلّا وأنت على الأرض » (6).

وما رواه سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « لا يقم أحدكم الصلاة وهو ماشٍ ،

ص: 388


1- في المخطوط : ( البرء ).
2- في المخطوط : ( الإضجاع ).
3- في المخطوط : ( الواجب ).
4- عوالي اللآلي 1 : 198 / 8 ، صحيح البخاري 1 : 226 / 605.
5- عنه في بحار الأنوار 81 : 119 / 18.
6- الكافي 3 : 305 / 16 ، وسائل الشيعة 5 : 402 ، أبواب الأذان ، ب 13 ، ذيل ح 6.

ولا راكب ولا مضطجع إلّا أن يكون مريضاً ، وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة » (1) الخبر.

فإذا ثبت هذا في الإقامة وهي من مستحبّات الصلاة الخارجة عنها فثبوته في مستحبّاتها الداخلة أولى ، لا أقلّ من المساواة ؛ لاتّحاد طريق المأخذ. بل ما قدّمناه من الأدلّة يثبت طريق الأولويّة هنا ؛ فإنّ الإقامة كمندوب من المندوبات الداخلة ، كما يظهر من الأخبار ، وإنّما لحقها من أجل شبهها بها ، فكيف بها نفسها.

ويؤيّده أيضاً أنّ جملة من العلماء يذكرون القنوت والستّ الافتتاحيّات من مستحبّات القيام ، ومقتضاه أنه لا يكون افتتاح ولا قنوت من جلوس اختياراً ، بل هي تابعة للقيام ، وبدله مع [ العجز (2) ] عنه ، فلا تكون من جلوس إلّا مع العجز عن القيام ، ولا تكون مع الاضطجاع إلّا مع العجز عن الجلوس.

واعلم أن هذا كلّه جارٍ في الجلوس المندوب حال الإتيان بمندوبات الجلوس ، فلا يجوز فعله من قيام ولا مضطجعاً اختياراً ؛ لما ذكر كلّه من مخالفة الكيفيّة المعهودة من الشارع ، وخروجه عن أفعال الصلاة ، وغير ذلك. ولم يرد دليل على جوازه ؛ فهو مبطل.

ص: 389


1- الكافي 3 : 306 / 21 ، وسائل الشيعة 5 : 404 ، أبواب الأذان ، ب 13 ، ح 12 ، وفيهما : « لا يقيم » بدل : « لا يقم ».
2- في المخطوط : ( الجفر ).

ص: 390

[121] كلمة جامعة وحكمة لامعة : « عند الامتحان يكرم المرء أو يهان »

من كلام مولى الخلائق بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الّتي جمعها الآمديّ في درره قوله صلوات اللّه وسلامه عليه - : « عند الامتحان يكرم المرء أو يهان » (1). وهي من جوامع الكلم.

فإن قلت : مقتضى الظاهر أن استحقاق الإكرام أو الإهانة إنّما هو بعد ظهور ما يوجب أحدهما ، وذلك إنّما يتحقّق بعد الامتحان.

قلت وباللّه المستعان - : كما تكون قبل ، تكون بعد ، فيحتمل أنه سلام اللّه عليه أراد : العنديّة البعديّة ، أي أن المرء يستحقّ الإكرام أو الإهانة بعد أن يمتحن ويختبر ؛ هل هو من أهل هذا ، أو هذا بلا فصل؟

ويحتمل أنه عليه سلام اللّه أراد : العنديّة القبليّة على معنى أنه إذا أُريد امتحان امرئ ، أو استنطاق صامت طباعه ، أُكرم ؛ ليظهر شكره أو كفره ، أو اهين ؛ ليظهر صبره ورضاه أو سخطه للقضاء ، فهو مبتلىً بالخير والشرّ ، ومفتون بهما ، ليظهر أنه مستحقّ للثواب أو العقاب. وفي هذا حثّ على الشكر والصبر والرضا بالقضاء ، وأمر للممتحن بهما بألّا يقنط الممتحن بالشرّ من رَوح اللّه ، ولا يأمن الممتحن بالخير من مكر اللّه ، وبيان لما وعد اللّه به الشاكرين من الثواب وتوعّد به الكافرين من العقاب.

ص: 391


1- غرر الحكم ودرر الكلم : 454 / 7.

ويحتمل إرادتهما معاً على معنى أن المرء ممتحن [ بالإكرام (1) ] أو الإهانة ، ومجاز بعدُ بما يظهر منه من الكفر والشكر والصبر والرضا والسخط ، فما أجمعها من كلمة لمكارم الأخلاق!.

ص: 392


1- في المخطوط : ( الكرام ).

[122] حكمة يمانيّة في خاصّة إنسانيّة : الإنسان ناطق

أطبق أهل اللسان والميزان [ على ] أن ( الناطق ) فصل الإنسان المميّز له عن سائر الحيوان. وهذا كلام مجمل يحتاج إلى بيان ؛ فإن أُريد : أن الناطق خاصّة مساوية للإنسان ، ورد عليهم مشاركة الملك ، بل والفلك ، والجانّ ، فإنّهم فسّروا الناطق بالمدرك للكلّيّات (1) ، ولا ريب أن من ذُكر كلّهم يدرك ولو كلّيّاً واحداً.

ونحن نقول وباللّه المستعان - : الفصل هو الصورة التي يدور عليها الاسم ، وتتحقّق بها الماهيّة. ولا ريب أن الناطق فصل الإنسان المميّز له من الأكوان ، فهو مساوٍ له ، ومعناه : أن الإنسان من بين الخلائق له قابليّة النطق ، أي مخاطبة جميع أهل درجات الوجود.

فحقيقة الناطق بالفعل من لا يزال ناطقاً أبداً. وكيف لا يكون كذلك ، وهو المخلوق أوّلاً وبالذات من قول ( كُنْ ) (2)؟ فهو الذي قبلها بكمالها وحقيقتها ، وما سواه فمن فاضله ، فهو مجبول على تلك الحركة. كيف لا ، وقد عرفت أن الرحمن بلطيف حكمته ركّب في قوى الإنسان وطبيعته بل في كونه الأول قوّة النطق ب- ( بَلى ) (3) في الذرّ الأوّل وب- ( بلى ) و ( لا ) (4) في الثاني ، وهداهم النجدين (5) هناك.

ص: 393


1- الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة 9 : 19.
2- البقرة : 117 ، آل عمران : 47 ، 59 ، الأنعام : 73 ، النحل : 40 : مريم : 25 ، يس : 82 ، غافر : 68.
3- الأعراف : 172.
4- إشارة إلى قوله تعالى : ( إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً ) . الإنسان : 3.
5- إشارة إلى قوله جل من قائل ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) . البلد : 10.

فالإنسان دائماً أبداً ؛ إمّا مناجٍ ربّه ، أو نفسه الأمّارة والشيطان ، أو الخلق في كلّ طبقة من درج وجوده ، بدءاً وعوداً ، إلّا إنه في كلّ مقام وصقع ينطق بلسان سكّانه ولغتهم ، لا يسكت عنه حتّى ينتقل منه ويسافر إلى غيره بعد استعداده لمعرفة لسانهم والنطق بلغتهم ، فيكون له لسان من نوع ألسنتهم ، ونطق يشبه نطقهم ، ويعرف لغتهم.

فالحقيقة الإنسانية بما هي إنسانية قد علمت الأسماء كلّها ، فهو أبداً ناطق [ بلغة (1) ] صامت عن اخرى ، فلو سكت لسانه اللحمي فهو ناطق بلسانه الفكري أو الوهمي. وهكذا في رتب وجوده وكمالاته وحواسه ، حتّى ربّما كان متكلّماً بحواسّه الظاهرة بما يناسب كلّاً منها من النطق واللسان.

فكلّه ناطق ؛ إمّا بالفعل أو القوّة القريبة أو البعيدة ، فليس في جميع الموجودات من هو كذلك غيره ، وإن لم يخل شي ء منها من شي ء من فاضل كمالاته ؛ إذ ليس من صنع الحي القيّوم موات من كلّ وجه ؛ لأنه كالغيث. على أن الفرد الكامل من الإنسان ناطق أبداً بكلّ لسان بالفعل. وقد ثبت بالنص (2) والبرهان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يقرأ ويكتب بكلّ لسان كليّة كاملة شاملة ، [ وكلّما (3) ] نطق سواه بلسان صمَت عن آخر. وحقيقة العزل أن تصمت عن كلّ ما سوى اللّه لله ، ولا تنطق إلّا عن اللّه مخلصاً.

فظهر بهذا أن الناطقية فصل الإنسان ، فإن أراد أهل اللسان والميزان بإدراك الكليات : هذا فنعم ما قالوا ، وإلّا ورد عليهم ما ذكرناه. والظاهر أنّهم إنّما أرادوا أن الإنسان امتاز وتشخّص في أصل وجوده بقابلية إدراك جميع الكليّات ، حتّى كلّي نفسه ف- « من عرف نفسه عرف ربّه » (4) وليس من هو بهذه المنزلة سواه ، فلا نقض ولا منافاة ، فتأمّل ، وأحسن كما أحسن اللّه إليك بنطقك ، واللّه العالم.

ص: 394


1- في المخطوط : ( بلغت ).
2- بصائر الدرجات : 225 - 227.
3- في المخطوط : ( وكلمن ).
4- بحار الأنوار 58 : 99.

[123] جمع شتات في حكم من أحكام الأموات : مسألة نقل الأموات

ورد في الأخبار (1) أن لله عزّ اسمه ملائكةً ينقلون الأموات من دار إلى [ دار ].

وورد أن طينة ابن آدم : التي خلق منها جسده مستديرة ، وهي تحجب الذنب (2).

ويمكن الجمع بينهما أن المراد بالأوّل : تنقّل جسده المثاليّ في مراتب المثال من رتبة إلى رتبة ومن مثال بقعة إلى مثال اخرى ، فكلّما تكلّس وصفا نقل إلى رتبة اخرى ، فالسعيد صاعد في مراتب جنان المثال ، والشقي نازل في دركات نيرانه ، بحسب خلوص كلّ منهما وصفائه من شوب خلط الآخر ومزجه به. وأن المراد بالثاني : بقاء طينة جسده مستديرة في قبرها و [ مادّتها (3) ] ومبدئها الذي قبضت منه ؛ ولذا حكمت الأخبار المستفيضة المضمون أن المكان الذي يدفن فيه الجسد هو قبره الذي [ يستدار (4) ] فيه (5) ، وعلى ذلك إجماع البشر فتوًى وعملاً ، فلا تدافع ، واللّه العالم.

ص: 395


1- الكافي 3 : 243 / 1 ، 2.
2- بحار الأنوار 7 : 43 / 21.
3- في المخطوط : ( مادها ).
4- في المخطوط : ( بسترار ).
5- انظر الهامش : 2 أعلاه.

ص: 396

[124] كشف التباس ونفي بأس : معنى التفضيل

بسم اللّه الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم ، وصلّى اللّه على محمّد : وآله الطيّبين الطاهرين.

مسألة : كيف يصحّ التعبير باسم التفضيل في أسمائه تعالى فيقال : أحسن الخالقين ، وأكرم المعطين ، وأرحم الراحمين ، وما أشبه ذلك ، واسم التفضيل يقتضي المشاركة ، وتعالى اللّه عن الشبه؟

والجواب وباللّه المستعان من وجهين :

الأول ، وهو يحتاج إلى تقديم مقدّمة هي أن ذاتيّات الشي ء الشخصيّ ، وذاتيّات ذاتيّاته ، ولوازم الكلّ وجميع صفاته ، ولو كانت بالعرض سواء ، كانت جنسيّة أو نوعيّة أو شخصيّة لا يشاركه فيها شخص آخر ، وكذلك صفات الأنواع وذاتيّاتها ولوازمها لا يشارك نوع منها نوعاً آخر ، ولا شخص منها شخصاً آخر ، من حيث هي منسوبة لذلك الشخص أو ذلك النوع. فإنسانيّة زيد مثلاً من حيث هي إنسانية زيد لا تكون لعمرو ، وكذا ناطقيّته وحيوانيّته وعالميّته وسامعيّته إلى غير ذلك من صفاته وخواصّه وذاتيّاته ولوازمه لا تكون لشخص غيره في الوجود وإلّا لزم ؛ إمّا اتّحاد الذاتين ، أو صحّة تعدّد المعلول لعلّةٍ واحدة من حيث هي واحدة. وقد برهن على أنه لا يجوز.

ص: 397

وعلى هذا قياس أحوال الأنواع في مرتبة نوعيّتها ، فحيوانيّة الإنسان لا يشاركه فيها نوع آخر من الحيوان.

ومن هنا يتبيّن صحّة القول بأنّ كلّ لازم مساوٍ لملزومه ؛ إذ ما يوجد في الغير ليس على الحقيقة بلازم. فالحركة بالإرادة ليست في الحقيقة لازم الإنسان من حيث هو إنسان ، بل من حيث هو حيوان. فإذن هي في الحقيقة لازم الحيوان وهو مساوٍ ، وعلى هذا فقس.

وإن كان أكثر أهل الميزان (1) يطلقون على هذا أنه لازم أعمّ ، ويقسّمون اللوازم إلى مساوٍ وأعمّ ، ويعنون بالأعمّ لازم بعض ذاتيّات الحقيقة ، وبالمساوي لازمها من حيث هي. فإطلاقهم أن الحركة بالإرادة لازم الإنسان كأنّه من باب المجاز ، ولا منافاة بين القولين.

هذا كلّه باعتبار المصدوق ، وواقع نفس الأمر ، والحقيقة الوجوديّة باعتبار خارج الذهن. أمّا باعتبار مفاهيم الألفاظ ووجودات معانيها ذهناً التي اقتضتها مميّزات الأنواع ومشخّصات نوعيّتها في مرتبتها ، وهي التي تتحقّق وتتقوّم بها في عمومها وكلّيّتها. وهي الوجودات العامّة باعتبار وجودها الذهني الذي به يتحقّق عمومها وكلّيّتها ، فهو كالمادّة المطلقة المرسلة الصرفة لجزئيّاتها وإن كان لا يتحقّق الحكم بأنّها مادّة لهذا الجزئيّ إلّا بلحوق صورته الشخصية المختصّة به ، فبها قوام وجود النوع في الخارجيّ.

والمفهوم الذهنيّ هو المنقسم إلى الكلّيّ والجزئيّ ، والنوع والجنس ، وهو بنظر آخر بمثابة الوجود العامّ الساري في طبيعة كلّ شي ء يصدق عليه الإيجاد ، ولكن لا يظهر ويتحقّق في شخص إلّا بحسب ما يناسبه ويقبله بالاختيار ، وهو قسطه الّذي لا يليق بغيره.

هذا ، ومراتب وجود الأجناس والأنواع والأشخاص متفاضلة في نفسها

ص: 398


1- انظر التعريفات : 83.

بالأشديّة والأشرفيّة والعليّة والمعلوليّة والأقربيّة لمبدإ الكلّ وغير ذلك. بل المرتبة الواحدة من مراتب قوسي البدء والعود متفاضلة الدرجات والأجزاء بأبعد ممّا بين السماء والأرض ، مع كلّ جزء ودرجة ورتبة ، لا تشاركها الأُخرى في سنخ حقيقتها ولوازمها وصفاتها وأحكامها. وكيف يشارك الظاهرَ المظهَرُ والعلّةَ المعلولُ والأصلَ والصفوةَ الفاضلُ وذا الظلّ ظلُّه؟ ومتى كانت الذات فاضل الذات ، كانت صفاتها ولوازمها وأحكامها فاضل صفاتها ولوازمها وأحكامها.

وبهذا يتبيّن أنّه يحرم حمل أحكام أحد الرتبتين على الأُخرى ، [ فحمل (1) ] أحكام العليا على ما دونها تكليف بما لا يطاق ، وحمل أحكام الدنيا على العليا يستلزم نسبة التقصير ، بل الذنب الّذي يجب الاستغفار منه ، كما دلّ عليه الاعتبار (2) ، والأخبار.

إذا تبيّن هذا ظهر أن معنى ما أطبق عليه أهل اللسان والبيان من إثبات أسماء التفضيل ، إنّما هو على معنى أن المفهوم الذهنيّ الذي لا يأبى الشركة والانطباق على جزئيّات وإن كان بحسب ما ينسب لكلّ منها يباين الآخر فعليّةً ورتبة وغير ذلك كأعلم وأقدر وأحسن مثلاً إنّما هو على معنى أن قادريّة زيد وعالميّته مثلاً أشدّ فعلية وشرفاً وأعلى رتبة من عالميّة [ عمرو (3) ] وقادريّته.

فالاشتراك إنّما هو باعتبار المفهوم الذهنيّ العامّ الذي منه نشأ صحّة التفضيل والاختصاص والتمايز بحسب الرتبة في نفسها نوعاً أو شخصاً ، فاشتركت في

ص: 399


1- في المخطوط : ( كحمل ).
2- هو مقام ( حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ) كشف الخفاء 1 : 357 / 1137 فالنبي لمّا كان أعلى شرفاً ورتبة من بني جنسه خصّه اللّه بأحكام لم يخصّ بها أحداً من خلقه ، وسوّغ له ما لم يسوّغ لأحد من خلقه كوجوب صلاة الليل ، وجواز الزواج بأكثر من أربع ، فترك صلاة الليل في حقه ذنب تنزّه صلى اللّه عليه وآله عن ذلك يوجب الاستغفار. انظر : تهذيب الأحكام 2 : 242 / 959، وسائل الشيعة 4 : 68 ، أبواب أعداد الفرائض ، ب 16 ، ح 6. وانظر العنوان : 146 في عبارة القاضي إلا من ظلم والعنوان : 130 من هذه الرسالة.
3- في المخطوط : ( زيد ).

مفهوم عامّ بحسب ملاحظة العقل تحليل الأشخاص إلى مشخّصاتها وأنواعها وأجناسها حتى تنتهي إلى الهيولى الكلّيّة ، التي توجد فيها الشخصيّات بالإمكان المحض والقابليّة المحضة.

وهذه بمثابة مفهوم الوجود العامّ لكلّ موجد ، مع أن الوجودات الجزئيّة متباينة متفاضلة فيه إذا لاحظ العقل أقساطها منه لقبوله الشدّة والضعف في كماله وفعليّته وشرفه ، وهو ينبوع صحّة التفضيل وإن اختصّ كلّ برتبة ، لا أن معنى التفضيل أن زيداً يشارك عمراً في حقيقة عالميّته وقادريّته ورتبتهما في أنفسهما وقسطهما بحسب قابليّتهما من الرحمة العامة والخاصّة ، لثبوت التمايز بينهما ، بل التباين بوجه وعدم الاشتراك ، بل على معنى أن المفهوم من العالميّة [ أن ] قسط زيد منها أشرف وأكمل وأشدّ فعليةً من قسط عمرو منها. فصحّ التفضيل وصحّ عدم المشاركة.

فمحمّد صلى اللّه عليه وآله : أشرف الخلق في كلّ كمال وإن لم يشاركه أحد في وصفه وشرفه لاختصاصه صلى اللّه عليه وآله بتلك الرتبة التي لا يدانيه فيها أحد من الخلق. هذا كلّه باعتبار نسبة الممكنات بعضها إلى بعضٍ.

أما بالنسبة إلى صفات الباري جلّ اسمه فعدم المشاركة أظهر ، كما دلّت عليه براهين التوحيد من أنه الواحد الأحد ليس كمثله شي ء ، ذاتاً وصفةً ، وإنّما الاشتراك في مجرّد الحروف المعبّر بها على عالم وقادر مثلاً ، لتضيّق ساحة الحروف والعبارات واضطرار الخلق إلى وصف بارئهم بصفات الكمال ، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى ، ولم يجدوا عبارة عن ذلك إلّا ما عبّروا به عن أمثالهم ، وليفرّقوا بين الكمال والجلال اختياراً ، ويتمكّن بعضهم من تعليم بعضٍ ، و ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) .

فأذن لهم برحمته أن يعبّروا عن أسمائه وصفاته بالحروف التي علّمهم إيّاها وعبّروا بها عن أسمائهم ، فقد جمع الاسم واختلف المعنى ، فمعنى اللّه أعلم وأقدر : أن علمه وقدرته فوق الكمال بما لا يتناهى ولا يدرك ، بل فات هواجس العقول ، بحيث علمت العقول أنه لا يشبهه شي ء ، وعلى هذا فقس.

ص: 400

الوجه الثاني : جريان التفضيل بما سبق ، لكن باعتبار اسمه الأعظم الذي هو غير ذاته ، وهو الجامع لباقي الأسماء والصفات ، فجرى التفضيل في سائر الأسماء والصفات من ذلك الاسم المكنون المخزون ، الذي استأثر اللّه به في علم الغيب عنده ، فلا يعلمه إلّا هو في مقام أنه هو ، وهو في ذاته ليس هو ، وهو الوجود المطلق. فصحّ التفضيل باعتبار هذا المقام ، لا باعتبار الذات المقدّسة عن إطلاق الصفات.

فالتفضيل على نحو ما سبق من معنى أفضلية محمَّد صلى اللّه عليه وآله : على جميع من خلق اللّه دونه.

فعلى هذا إذا قلت : اللّه أحسن الخالقين مثلاً ، كأنّك قلت : اسمه الأعظم المشار إليه أحسن الخالقين ؛ لأنه لا يعرف اللّه إلّا بسبيل معرفته. أمّا الذات المقدّسة عمّا يصف الواصفون ، فلا توصف بحال ولا تضرب لها الأمثال ، حتّى يجري إطلاق التفضيل هناك ؛ لأنه فرع الوصف بما له مفهوم في الجملة. فسبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 401

ص: 402

[125] إظهار نور وماء طهور : الماء المصعّد من الماء

مسألة : هل الماء المستخرج بالتصعيد من الماء المطلق مطلق أم مضاف؟

وجهان : للأوّل إطلاق عبائر الفقهاء (1) في تعريف المضاف بأنه الذي لا يصلح إطلاق الماء عليه [ مجرّداً ] عن الإضافة ، ولا يتميّز عن المطلق بدونها ، كماء الورد وماء الزعفران وشبههما ، وجعلوه العلّة في تسميته مضافاً. والمتبادر من هذا أن المضاف غير الماء المطلق ، مع أن مطلق الإضافة التغاير بين المتضايفين حقيقةً ، ولا مميّز ظاهراً بين الماء وما يصعّد منه حقيقة.

وماء الماء ، وإن صحّ فهو من قبيل ماء المطر ، وماء البحر وماء البئر وشبهه ، ولا يضاف هذا المصعد من الماء إلى غير الماء المطلق. ونمنع انحصار المطلق في النابع من الأرض والنازل من السحاب حسّا. فالصقيع ، وما نبع من بين أصابع الرسول صلى اللّه عليه وآله (2) : وما نبع بكربلاء من خاتم الحسين : عليه السلام (3) ، ومن النهر الذي شقّه من ظهره (4) ، إذا قلنا : إنهما محسوسان ، ماء بلا شكّ. ولا نسلّم أن كلّ ما أصله بخار صاعد أو نازل ماء مضاف ، فالصقيع ماء مطلق بلا شكّ ، وهو كذلك ، بل والمطر أصله كذلك.

وللثاني إطلاق عبائرهم في تعريف المضاف أنه الماء المعتصر من الأجسام أو المخالط لها مخالطة تسلبه إطلاق الإطلاق عليه عرفاً ، مع تصريحهم في المعتصر

ص: 403


1- قواعد الأحكام 1 : 185 ، المدارك 1 : 110 ، الحدائق الناضرة 1 : 391.
2- بحار الأنوار 18 : 38 - 39.
3- مدينة معاجز الأئمّة 3 : 496 / 497 / 1010.
4- مدينة معاجز الأئمّة 3 : 495 - 496 / 1009 وفيه أنه عليه السلام شقّه خلف ظهره.

بعدم الفرق بين المستخرج بالشدخ والمرس وشبههما ، وبين المستخرج بالتصعيد بالقرع والإنبيق ، فإنّه أيضاً معتصر من جسم فيدخل فيه المصعد من الماء المطلق ، فهو إذن مضاف ؛ لأنه مصعّد من جسم.

ويؤيّده أنه مساوٍ للمياه المصعّدة في صحّة إطلاق اسم العرق عليه. ونمنع صحّة إطلاق اسم الماء عليه بالإطلاق ، بل يقال : عرق الماء أو ماء الماء كماء الورد ، فيصحّ سلب الماء على الإطلاق عنه ، فيقال : ليس هذا بماء ، بل عرق ماء أو ماء ماء.

ولعلّ الأوّل أرجح ؛ لما ذكر ، أمّا إطلاق العبائر بأنه المعتصر من الأجسام ، فالظاهر منها والمتبادر إرادة الأجسام التي ليست بماء مطلق. ولو أُريد منها ما يشمل الماء المطلق لنبّهوا عليه ؛ لأنه فرد خفيّ جدّاً لا ينصرف الإطلاق ولا تتبادر الأذهان إليه ، وللزم سلب اسم الإطلاق عن ماء بحر وماء فرات مُزجا مزجاً يغيّر أحدهما إلى طعم الآخر أو لونه أو ريحه ، حيث قالوا في تعريف المضاف : إنه المصعّد من جسم أو المخالط له كذلك. وأيضاً فالظاهر أن المصعّد من المطلق لو أُضيف إلى المطلق غير المصعّد لم يسلبه اسم الإطلاق عرفاً وإن زاد قدره عليه.

وأمّا مساواته لغيره من المصعّدات في صحّة إطلاق العرق عليه فلا نسلّم أنّها تخرجه عن صحّة إطلاق المطلق عليه لغة وعرفاً. ولا نسلّم أن كلّ ماء أصله بخار يصحّ سلب إطلاق المطلق عليه عرفاً أو لغة ، بل ولا شرعاً ؛ لعدم الدليل عليه ، فهذا الصقيع أصله بخار [ استحال (1) ] ماءً ، بل والمطر أيضاً كذلك. بل لو قال قائل : إن كلّ ماء ينتفع به البشر في الأرض أصله بخار قد [ استحال (2) ] ماءً ، لصدق.

فظهر ضعف صحّة سلب الماء عنه على الإطلاق وكذا تسميته عرفاً ماءً ، فإنّها ممنوعة على الإطلاق. هذا ، وللتوقّف مجال ، والأخذ بالاحتياط ويقين البراءة في العبادات مطلوب ، بل واجب مهما أمكن ، واللّه العالم.

ص: 404


1- في المخطوط : ( احتال ).
2- في المخطوط : ( احتال ).

[126] نور فقهيّ وبيان جليّ هل تعود ولاية الأب على الراشد بعد ذهاب عقله

مسألة : لو جنّ البالغ الرشيد ، أو سفه بعد رشده وبلوغه ، فهل تعود ولاية الأب والجدّ له عليه أم لا؟ قولان : أظهرهما وأشهرهما أنّها تعود. وهو مختار العلّامة : في ( التذكرة ) (1) و ( التحرير ) (2) في الجنون ، واستقربه الفاضل في ( كشف اللثام ) ، قال رحمه اللّه : ( أمّا إنْ تجدّد الجنون بعد البلوغ ، ففي عود ولايتهما يعني : الأب والجد له نظر.

وفي ( التذكرة ) و ( التحرير ) أنّها تعود ، وهو الأقرب ، بل لا عود حقيقة ؛ لأن ولايتهما ذاتيّة منوطة بإشفاقهما وتضرّرهما بما يتضرّر به الولد ) (3) ، انتهى.

وهو من الحسن بمكان ؛ إذ لا شكّ أن العلّة في ثبوت ولاية الأب والجدّ له على الولد القاصر عن درجة البلوغ والرشد ، هو الأُبوّة الذاتيّة المتحقّقة بالتوالد الصوريّ مع قصور المولى عليه عن كمال رشده ومعرفة صلاحه. فإذا كانت ذاتيّة ، فهي لا تزول ، بل هي بمثابة العلّة للبنوّة ، فلازمها تكميل المعلول وتدبيره وتعليمه ، وهي متحقّقة حال الجنون الطارئ بعد البلوغ والرشد. وإنّما منع من ظهورها فعليّة عقل المولى عليه ورشده المتحقّقة ببلوغه ، فيتحقّق معلولها وقعود صفة طفوليّة الابن

ص: 405


1- تذكرة الفقهاء 2 : 587 ( حجري ).
2- تحرير الأحكام 2 : 8 ( حجري ).
3- كشف اللثام 2 : 15 ( حجري ).

فيعود تدبير الأب وتربيته كما كان أوّلاً.

ومن أجل ذلك لم يكن للحاكم ولاية على الصغير ولا على من اتّصل قصوره ببلوغه ، واستمرّ مع وجود الأب والجدّ له ، وإن كانا فاسقين ، ما لم يكونا سفيهين ، فإنّ الحاكم حينئذٍ وليّ عليهما فيما تحت سلطنتهما ، فلا يثبت لهما حينئذٍ ولاية على شي ء في أنفسهما ولا في غيرهما.

وأيضاً أنت إذا تأمّلت جميع موارد ما تسقط به ولايتهما ، وجدتها تعود بعد زوال المانع بلا خلاف يظهر فيما سوى المسألة المبحوث عنها ، كما لو منع من ولايتهما جنون أو إغماء طويل أو سفه أو كفر أو رِقّ لهما أو للولد أو إحرام منهما أو من الولد في التزويج. وما ذاك كلّه إلّا لأنّ ولايتهما ذاتيّة هي من لزوم الأُبوّة الذاتيّة.

والفرق بين هذه الموارد كلّها وبين المبحوث عنها غير معقول ، ولا دليل عليه. فما قيل من أن ولايتهما في المبحوث عنها عُدمت بالبلوغ والرشد ، وفيما سواها لم تُعدم ، وإنّما حال بينها وبين الظهور حجاب غير معقول ، لا دليل عليه ، بل حجاب البلوغ والرشد من المولى عليه أرقّ وأصفى من حجاب ذهاب عقل الوليّ ؛ لبقاء متعلّق تدبيره وتكليفه كما يشهد له قول جماعة ببقاء ولايته في النكاح مستقلا (1) أو مشتركاً بينها وبينه (2). ويؤنس به الإجماع على رجحان عدم خروجها عن رأيه وما يختاره ، كما تشهد به الأخبار المتكثرة (3).

وبالجملة ، فلا دليل على الفرق بين تلك الموارد ، بل ينبوعها واحد ، فالفرق تحكم.

فإن قلت : دليل الفرق أنه لا خلاف يظهر في عودها بعد زوال المسقط المانع في ما عدا محلّ النزاع.

قلت : إذا تمّ الإجماع في غير محلّ النزاع ، فهو مؤيّد للقول بعودها في محلّ

ص: 406


1- الفقيه 3 : 250 / 251 / ذيل الحديث : 1193 ، النهاية ( الطوسيّ ) : 464 - 465.
2- الكافي في الفقه : 292.
3- انظر وسائل الشيعة 20 : 284 - 286 ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 9.

النزاع ، بل دليل كما قد لاح لك من وجوه دلالته ؛ فإنّه يدلّ على أن ولايتهما عليه لازم لُابوّتهما وبنوّته ما لم يمنع من ظهور فعليّتها مانع. وأُبوّتهما وبنوّته لازمتان لذاتيّهما مدّة الحياة.

فمتى تحقّقتا تحقّقت الولاية الذاتيّة التي مناطها الشفقة الذاتيّة بجهة المصدريّة والبعضيّة ، ما لم يمنع من ظهور فعليّتها مانع. فحال المانع هي بالقوّة القريبة من الفعل في طباع الأُبوّة والبنوّة ، وغريزة لهما بالذات أبداً ، بل إذا تأمّلت وجدت السرّ في تضايف الأُبوّة والبنوّة ، ولاية الأُبوّة على البنوّة وقاهريّتها لها وتابعيّة [ البنوّة للُابوّة (1) ] بحسب طباع ذلك التضايف. فالأب من حيث هو أب أولى إذن بالابن من حيث هو ابن من نفسه.

فمن تأمّل هذا يلوح له وجه لكون النبيّ صلى اللّه عليه وآله والوليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؛ لأنّهما [ أبواهم (2) ] حقيقةً ؛ لأنّهما أبداً مربّيان ومدبّران للعقول والنفوس ، بل وللأبدان. لكن ذلك بالفعل من كلّ وجه ، إنّما هو في اتّباعهما ؛ إذ الكافر قطع كفرُه علاقةَ بنوّته ومحا نورها من نفسه وإن كان تحت قاهريّتهما أبداً كالمؤمن.

لكن انقهار المؤمن على سبيل الاختيار والإيمان والرضا ، والكافر بطريق القسر ؛ لأنه إنّما [ اختار ] الخروج عن طاعتهما والإنكار لأبوّتهما ولنعمة تربيتهما ، ورضي بذلك ؛ ولذلك قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم » (3) ؛ لأنّ أولويّته بهم بالفعل من كلّ وجه وقد اختارها المؤمنون وسلّموها طوعاً ، بخلاف الكافر فإنّه اختار أن يخرج نفسه عن تلك الأولويّة والتبعيّة بكفره وإدباره عن الحقّ ، فلا تظهر فيه تلك الأولويّة بالفعل في الخارج وظرف الزمان.

وفي ذلك أيضاً من تعظيم المؤمنين وإبعاد الكافرين من تلك الرحمة ما لا يخفى ؛ لأنه خصّ المؤمنين بها فقال : « أولى بالمؤمنين » ولم يقل : أولى بالناس وإن كانوا في

ص: 407


1- في المخطوط : ( الأُبوة للبنوة ).
2- في المخطوط : ( أبواهما ).
3- تفسير العياشي 1 : 15 / 3 ، بحار الأنوار 43 : 141 / 92.

الواقع كذلك ، لكنه بطريق قوله تعالى : ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) (1).

والحاصل أن القول بأنّ ولاية الأب والجدّ له لا تعود بعد زوال الجنون الطارئ بعد البلوغ والرشد يفوح منه ترجيح المرجوح ، وأن البلوغ والرشد رافع لما في الذات في طباع الأُبوّة والبنوّة ، بل ولتحقّقها في الخارج ومزيل للتضايف الذاتيّ بينهما ، وموجب لمباينة كلّ منهما للآخر ومزايلتهما ، والكلّ محال.

وممّن اختار عدم العود الشهيد : واحتجّ عليه في مسالكه (2) بعدم الدليل على عودها ، مع أنه رحمه اللّه استدلّ للقول بعودها بإطلاق النصّ بولايتهما.

ونحن نقول : تلك الإطلاقات كافية في الدلالة على تحقّق ولايتهما حال الجنون الطارئ بعد البلوغ والرشد ، لعدم انحصار الدلالة في الخاصّ بإجماع أهل البيت وأتباعهم بل العلماء. ولا معارض لتلك الإطلاقات والعمومات المؤيّدة بالاعتبار ، فلا معدل عنها ، كعموم قول أبي عبد اللّه عليه السلام : في خبر إبراهيم بن ميمون : « الجارية بين أبويها ليس لها مع أبويها أمر » (3).

ولعلّه أراد : الأب والجدّ له ؛ إذ لا أمر للُامّ إجماعاً ، وعموم قول أحدهما عليهما السلام في خبر محمّد بن مسلم : « لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر » (4).

وأمثالهما ممّا يطول نقله ؛ لشمولها محلّ النزاع قطعاً. ولا فرق في ذلك كلّه بين الجنون والسفه لو عرض بعد البلوغ والرشد ثمّ زال ؛ لجريان الأدلّة فيه أيضاً ، ولأنه ضرب من الجنون ، حتّى على القول بتوقّف الحجر على السفيه ، ورفعه عنه على حكم الحاكم ؛ إذ لا ملازمة بوجه بين كون وصفيّة الحجر للحاكم وولايته لأبيه

ص: 408


1- الرعد : 15.
2- مسالك الأفهام 7 : 144.
3- تهذيب الأحكام 7 : 380 / 1536 ، الإستبصار 3 : 235 / 848 ، وسائل الشيعة 20 ، 284 ، أبواب عقد النكاح ، وأولياء العقد ، ب 9 ، ح 3.
4- الكافي 5 : 393 / 2 ، وسائل الشيعة 20 : 273 ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ب 4 ، ح 2.

وجدّه له ؛ إذ لا يستلزم كون وصفيّته له كونه وليّاً عليه بوجه ، ولا تدلّ عليه بشي ء من ضروب الدلالات ، لا منطوقاً بأقسامه ولا مفهوماً بأقسامه ولا فحوًى بأقسامه ، فكثير من تصرّفات الأب في حال الطفل والمجنون والسفيه حال تحقّق ولايته عليهم موقوف على حكم الحاكم كما يظهر بالتأمّل.

وممّا يستأنس به لعودها ما جاء في الخبر من قولهم عليهم السلام : « أنت ومالك لأبيك » (1) ، وشبهه.

فرع : مسألة ولاية جد الأب لأُمة

لا ولاية للأُمّ ولا لإبائها على الولد مطلقاً بحال ما سوى الحضانة والإرضاع بوجه. وهل لأبي أُمّ الأب ولاية على ولد ولد ابنته أم لا؟

وجهان من صدق أنه جدّ لأب ، ومن أنه لا ولاية له على ولد ابنته وهو أب الطفل فأولى بذلك ألّا يكون له ولاية على ولده وهو ولد ولد ابنته ؛ لأنّ ارتفاع [ ولايته ] عن أبيه تدلّ على ارتفاع ولايته عنه بطريق أولى.

ويؤيّد الأوّل إطلاقات الفتوى بولاية الجدّ للأب وإن علا ؛ لشمولها له ، وصدق كونه جدّ الأب في الجملة. والمسألة قويّة الإشكال واللّه الهادي.

ولعلّ الثاني أرجح ؛ لما ذكر ، ولأنّ المتبادر من إطلاق الجدّ للأب لعلّه هو أبو الأب وأبوه وأبوه فصاعداً.

ويؤيّده جعل جماعة ميراث أجداد الأب لُامّه كقرابة الامّ مطلقاً فلهم الثلث ، كما هو الأشهر ، وجماعة : إنّهم يقسمونه بالسويّة ، وأيضاً قال في ( كشف اللثام ) : ( في ( التذكرة ) (2) : الوجه أن جدّ أُمّ [ الأب (3) ] لا ولاية له مع جدّ أبي الأب ، ومع انفراده نظر ) (4) ، انتهى.

ص: 409


1- الكافي 5 : 395 / 3 ، وسائل الشيعة 20 : 290 - 291 ، أبواب عقد النكاح ، ب 11 ، ح 5.
2- تذكرة الفقهاء 2 : 587 ( حجري ).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( أب ).
4- كشف اللثام 2 : 15 ( حجري ).

ومع تسليم عدم ولايته مع الاجتماع يحتاج ثبوتها مع الانفراد إلى دليل ، ولا دليل.

وأيضاً الأصل عدم ولايته ، فثبوتها يحتاج إلى دليل.

وأيضاً إذا سلّم أنّه ليس له مع جدّ الأب ولاية (1) فمات جدّ الأب ، استصحبنا عدم ولايته. ولا فرق بين هذا الفرض وغيره من حالات وجوده ، فحال انفراده ابتداءً يكون كذلك.

وأيضاً إذا كان ابن بنته وهو أبو الطفل ليس له عليه ولاية ؛ لأنّه جدّه لأُمّه ، فليس له ولاية على ما تحت يده من أطفاله. فإذا مات استصحبنا تلك الحالة ، فتحتاج إلى تجدّد ولاية جدّه لأُمّه على أطفاله إلى دليل ، ولا دليل.

ص: 410


1- في المخطوط : ( ولايته ).

[127] نور فقهيّ وبيان جليّ هل للحاكم ولاية تزويج الصغيرين أم لا؟

مسألة : المشهور بين المتأخّرين أن الحاكم لا ولاية له في تزويج الصغيرين. قالوا : للأصل وعدم حاجتهما للنكاح. وفسّروا الحاكم بالإمام العادل ، أو نائبه الخاصّ ، أو العامّ ومنه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى. واتّفقت العصابة على إثبات الولاية له عليهما في المال ، وعلى ثبوت ولايته في المال والنكاح على من بلغ فاسدَ العقل ، أو سفيهاً ، أو تجدّد له ذلك بعد البلوغ والرشد ، وليس له أب ولا جدّ لأب ، واختلفوا في عود ولاية الأب والجدّ له بعد زوالها ، والحقّ عودها كما حقّق في غير هذا المحلّ (1). واستدلّوا على ثبوت ولاية الحاكم في النكاح على من بلغ قاصراً أو تجدّد له ذلك كذلك بأُمور ، منها : أنه وليّه في المال ، فيكون وليّه في النكاح ؛ لأنه من جملة مصالحه.

ومنها : صحيحة ابن سنان : عن الصادق عليه السلام : أنه قال : « الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها » (2) ، ولا فارق بين الذكر والأنُثى.

ومنها : ما عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : أنه قال : « السلطان وليّ من لا وليّ له »(3).

ص: 411


1- انظر العنوان السابق : ( هل تعود ولاية الأب على الراشد بعد ذهاب عقله ).
2- تهذيب الأحكام 7 : 392 / 1570 ، وسائل الشيعة 20 : 282 ، أبواب مقدّمات النكاح ، ب 8 ، ح 2.
3- سنن أبي داود : 2 : 229 / 2083.

ومنها : أنه إن كان الحاكم هو الإمام عليه السلام فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وإن كان الفقيه فهو نائبه ، و [ القائم (1) ] مقامه ، بنصبه له ، والأمر بالرجوع إليه ، فيده يده.

وأقول : هذه الأدلّة كلّها جارية في الصغيرين مثبتة لولاية الحاكم عليهما حتّى في النكاح ، فكما أنه وليٌّ البالغ في المال فهو وليّ الطفل فيه إجماعاً ، فيكون وليّه في النكاح أيضاً كالبالغ. ولا ريب في إمكان وجود مصلحة للطفل في النكاح ، بل ربّما كان البالغ لا ترجى له حاجة في النكاح كالعنّين والخصيّ ومجبوب الذكر ، كلّه بخلاف الطفل ، فإنّه يُرجى له تجدد حاجة في النكاح ، وكما أن الحاكم وليّ أمر البالغ فهو وليّ أمر الطفل ، بل ولايته على أمر الطفل أولى وأوكد ؛ فدخل الطفل في دلالة صحيحة ابن سنان :

ولها مؤيّدات من النصّ (2) وأُصول المذهب ، وصحيح المعقول لا تخفى على الفطن المتتبّع ، والطفل كالبالغ ليس له وليّ ، فالسلطان وليه. والإطلاق يشمل أمر النكاح ، فاستثناؤه من إطلاق ولاية السلطان يحتاج إلى دليل. والإمام عليه السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ولو كانوا بالغين رشيدين علماء حكماء ، فما ظنّك بالقاصرين خصوصاً الأطفال.

وقد فرضوا أنه لا ولاية له على الأطفال في النكاح. وهذا غريب عجيب ، لظهور مخالفته لأُصول الدين من المعقول الصحيح ، والمنقول الصريح. وإذا ثبت أن له الولاية في تزويج الصغيرين ثبت ولاية نائبه الخاصّ ، أو العامّ ومنه الفقيه الجامع في ذلك ؛ لعدم الفارق بينه وبينه في ذلك.

فالحقّ ثبوت ولاية الحاكم في تزويج الصغيرين ؛ لاقتضاء الأدلّة لعدم الفرق بين الصغير والكبير ، ولقيام الأدلّة الشاملة لهما. والفرق لا دليل عليه سوى الأصل المدّعى ، والأدلّة المتنوّعة ناقلة عنه ومسقطة لاعتباره.

ص: 412


1- في المخطوط : ( قائم ).
2- انظر وسائل الشيعة 26 : 246 - 251 ، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ، ب 3.

على أنّا نقول : الأصل ثبوت ولايته في نكاح الصغيرين كغيره من أحوالهما ؛ لأنّ المفروض أنه الإمام ، فالأصل ثبوت ولايته في كلّ شي ء.

وممّا يدلّ عليه ما اشتهر من حديث : « أنا وأنت يا عليّ أبوا هذه الأُمّة » (1).

ولا ريب أنّهما الأبوان الحقيقيان ، فإذا ثبت بالإجماع ولاية الأب الصوريّ في تزويج الصغيرين ، ثبت ولاية الأب الحقيقيّ فيه بطريق أولى. ونائبه في ذلك تابع له.

أمّا أنه لا حاجة للصغيرين في النكاح ، فكلام لا يخفى سقوطه في المقام ؛ لأنّ المدار على المصلحة ، وهي قد تتحقّق فيه للصغيرين ، والوجدان شاهد ، واللّه العالم.

ويمكن الاستدلال على عدم ولاية الحاكم على الطفل في النكاح بما دلّ على أن الصبيّين إذا زوّجهما غير أبيهما أو جدّهما له فهما بالخيار إذا كملا ، وإن مات أحدهما قبل ذلك بطل النكاح ، فلا مهر ولا ميراث ولا عدّة ، وهي أخبار عديدة في ( التهذيب ) (2) و ( الكافي ) (3) و ( الفقيه ) (4). وعليها إجماع العصابة ؛ فلا معارض لها ، بل تضمّنت أن الحكم كذلك وإن زوّجهما وليّان غير الأب والجدّ له وهو شامل للحاكم. ولكن هذا غير جارٍ في ولاية الإمام عليه السلام ، فإنّه أولى بجميع الناس من أنفسهم ، واللّه الهادي. ولم أقف على من [ استند (5) ] على هذا بهذه الأخبار فدخل عليهم الاعتراض ، واللّه العالم.

ص: 413


1- بحار الأنوار 36 : 11 ، وفيه : « يا عليّ ، أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ».
2- تهذيب الأحكام 7 : 388 / 1555.
3- الكافي 7 : 131 - 132 / 1.
4- الفقيه 4 : 227 / 4.
5- في المخطوط : ( أسند ).

ص: 414

[128] جمعُ بيان : مسألة استقرار النطفة في الرحم : كم يوماً

مسألة : الذي يقتضيه البرهان العقليّ وأُصول الحكمة أن النطفة تكون في الرحم نطفةً أربعين يوماً ، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ، ثمّ عظماً ذا روح فتلجه الروح بعد كمال أربعة أشهر ، كما هو المشهور بين الفقهاء.

والدليل عليه من الاعتبار أن جسد الإنسان الحقيقيّ المستعدّ لقبول إفاضة روح عليه مركّب مجموع من صفو عشر :

طين واحدة من صفو مادّة جسم الأطلس ، وهي المعبّر عنها بما دون أعلى علّيّين في أخبار خلق المؤمن (1).

وواحدة من صفو مادّة المكوكب ، وهكذا إلى سماء الدنيا.

والعاشرة من صفو العناصر الأربعة.

ولا بدّ لكلّ واحدة منها أو لمجموعها باعتبار كلّ واحدة من أربعة أدوار حتّى يتحقّق بروزه في خارج الزمان. فهذه أربعون [ و ] هي التي عبّر عنها بتخمير طينة آدم : عليه السلام أربعين صباحاً ، والأدوار الأربعة المتضمّنة لحلّين وعقدين وتزويجات ثلاثة ؛ لأنّ اللّه سبحانه بكمال حكمته وسعة رحمته بنى الوجود وفطره على كمال الاختيار إيجاداً وتكليفاً رحمةً منه بالخلق ؛ ليطيقوا بلوغ كمال معرفته كلّاً بحسب

ص: 415


1- الكافي 1 : 389 - 390 / 1 - 4 ، 2 : 4 / 4.

وسعه وطاقته الاختيارية ، فلا تطيق النواة أن تحمل رطباً حال كونها نواة اختياراً ، بل بعد أن تكون نخلة.

فلمّا أراد إبراز المكوّنات لينتجها كون الإنسان ، اخترع الحرارة التي حقيقتها صفة حركة الوجود الكونيّة ، أو هي هي ، أو قل : إقبال العقل وإدباره. فلمّا أدار الحرارة التي هي طبيعة الطاعة على نفسها ظهرت البرودة بجهة التضادّ ؛ إذ بوجود الضدّ يكمل ظهور الضدّ ، ومن لا ضدّ له لا تحيط به العقول بوجه. وبوجود العقل وجد الجهل بالعرض. ثمّ أدار الحرارة على البرودة وزوّجها بها ؛ فالحرارة ذكر والبرودة الأُنثى ، واستلزم إدارة البرودة على الحرارة بسرّ المزج. ولأن كلّاً من الزوجين لباس للآخر.

فظهر من النسبتين الرطوبة واليبوسة ، وبذلك يتحقّق دور ثانٍ ، وبه يظهر كون الطبائع الأربع ، وبإدارة بعضها على بعض. ومزج بعضها ببعض [ هو (1) ] إدارة كلّ واحدة منها على الباقين ، فيكمل للحرارة التي هي مادّة الحياة أربعة أدوار ، ومن تزويج الطبائع ومزج بعضها ببعض أربعة أطوار هي الرتب الأربع : المعدن والنبات والحيوان [ والإنسان ].

ومن ثمّ ظهر (2) بهذا الإجمال أنه لا بدّ من أربعة أدوار في كمال تكوّن بدن الإنسان المستعدّ لقبول إفاضة روح الحياة والناطقة الجامعة للأرواح الأربعة ، وهي النفوس الأربع.

فمقابلةُ كلّ دور نفسٌ. ويختصّ المعصوم بخامسة هي أعلى من أعلى علّيّين ، فإذا تمّ لكلّ طينة أربعة أدوار كمل لتخمير طينته أربعين صباحاً هي كمال تخمير طينة آدم عليه السلام :

وكذا النطفة لا تنتقل عن الصورة النطفيّة ، و [ تتحقّق (3) ] بكمال الحقيقة العلقيّة ،

ص: 416


1- في المخطوط : ( هي ).
2- في المخطوط : ( فظهر ).
3- في المخطوط : ( وتحققه ).

وصورتها إلّا بعد أربعين يوماً ، وكذا العلقة هي علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ، وبعدها تكون عظاماً فيها روح هي مادّة النفس الإنسانية. فلا تزال تشتدّ إلى أوان كمال [ علقته (1) ].

فظهر وجه ما روي أن شارب الخمر لا يرفع له دعاء أربعين صباحاً (2) ؛ لأنه لا تفنى الحقيقة الخمريّة ولوازمها من بدنه إلّا بعد تلك المدّة ، فما ظنّك بحال من شرْبُها ديدنه.

[ وكذا وجه (3) ] ما ورد أن من أخلص لله أربعين صباحاً تفجّرت منه ينابيع الحكمة (4) ؛ لأنه لا يخلص بالإخلاص من شوائب غيره وتتحقّق إخلاص عبوديته إلّا بعد الإخلاص أربعين صباحاً يتخمّر فيها الإخلاص في فطرته.

ويدلّ على أن لكلّ من النطفة والعلقة والمضغة أربعين صباحاً أخبار ، منها : ما في ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام : « النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة ، فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوماً ، ثمّ تصير إلى علقة أربعين يوماً ، ثمّ تصير مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة ، ثمّ تصير إلى عظم [ شقّ (5) ] له السمع والبصر ورتّبت جوارحه » (6).

وفيه أيضاً عنه عليه السلام : « إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً .. ثمّ مضغة أربعين يوماً ، فإذا كمل أربعة أشهر بعث اللّه ملكين خلّاقين فيقولان : ربّ ما نخلق ؛ ذكراً ، أم أُنثى؟ فيؤمران ، فيقولان : شقيّاً أم سعيداً؟ فيؤمران ، فيقولان : ما أجلُه وما رزقُه وكلّ شي ء من حاله؟ .. ويكتبان الميثاق بين عينيه » (7).

وغير ذلك من الأخبار.

ويؤيّده إن لم يدلّ عليه مثل : مرسل أحمد بن محمّد : « إذا تمّ للسقط أربعة أشهر

ص: 417


1- في المخطوط : ( علقة ).
2- بحار الأنوار 76 : 150.
3- في المخطوط : ( كدوحه ).
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 69 / 321.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( ويشقّ ).
6- الكافي : 345 / 10.
7- الكافي 6 : 13 / 3.

غسّل ، وإذا تمّ له ستّة أشهر فهو تامّ » (1).

وعلى هذا مشهور العصابة فتوًى وعملاً. ولا يغسّل إلّا من ولجته الروح ثمّ خرجت ، كما تشير إليه أخبار تعليل غسل الميّت (2).

أما قوله : « وإذا تمّ له ستّة أشهر فهو تامّ » ، فلعلّ معناه : أنه إذا غسّل الميت [ فيعني أنه (3) ] تمت خلقته ، بتمام تحقّق جميع قواه التي لا يمكن أن يعيش بدون تحقّقها بالفعل ؛ من الطبائع الأربع ، وآلاتها ، وجميع القوى من الماسكة والهاضمة والغاذية والدافعة والمعدنيّة والمولدة ، وقوى الحيوانيّة أجمع ، والشهوة ، والغضب ، ونفس المدرج والقوى المدركة العشر ، وغير ذلك ؛ فإنّه قبل بلوغ ستّة أشهر لو سقط لا يمكن بقاؤه ؛ وما ذاك إلّا لعدم وجود جميع القوى التي لا يمكن أن يعيش الّا بها.

وإذا تمّت له ستّة أشهر أمكن أن يتمّ وجود تلك القوى ، فيعيش حينئذٍ.

وقد وجد من ولد لستّة أشهر فعاش. والظاهر أن الأجنّة تختلف في مدّة تحقّق وجود تلك القوى ؛ فلذلك ربّما عاش ابنُ ستّة ومات ابنُ سبعة فأكثر. فأطلق التمام على ابن ستّة لذلك ، وإن كان ذلك التمام ربّما كان بالفعل وربّما كان بالقوّة القريبة من الفعل.

وفي رواية أُخرى عن الصادق عليه السلام : « إذا [ سقط لستة (4) ] أشهر فهو تام ، وذلك أنّ الحسين عليه السلام ولد [ وهو ابن ستة (5) ] أشهر » (6).

وأمّا حديث أبي شبل : المروي في ( من لا يحضره الفقيه ) عن الصادق عليه السلام : أنه سئل عن ذكر الحامل [ توكز ] فيسقط جنينها فلا تدري حيّاً كان أم لا ، فقال : « هيهات

ص: 418


1- تهذيب الأحكام 1 : 328 / 960 ، وسائل الشيعة 2 : 502 ، أبواب غسل الميّت ، ب 12 ، ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 : 501 - 503 ، أبواب غسل الميّت ، ب 12.
3- في المخطوط : ( أشهر ) ، والظاهر ما أثبتناه.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( أسقط الستة ).
5- من المصدر ، وفي المخطوط : ( به لستة ).
6- تهذيب الأحكام 1 : 328 / 959 ، وسائل الشيعة 2 : 502 ، أبواب غسل الميّت ، ب 12 ، ح 3.

يا أبا شبل : إذا تمّت خمسة أشهر فقد صار فيه الحياة ، وقد استوجب الدية » (1) - [ فغير (2) معارض لما سبق ؛ لأنّ الأوّل هو مشهور الفتوى ، ولأنه أكثر رواية ، ولأنه أوفق بالمعقول وبالطبيعي. وإن هذا ليس فيه حصر.

ويمكن أن يراد بالحياة التي تصير فيه بتمام خمسة أشهر : هي النفس الناطقة الإنسانيّة ، وقبلها هو بمنزلة الحيوان وإن كان مستعدّاً لقبول الناطقة ، فباستعداده التامّ لها يثبت على مسقطة بغير حقّ دية الإنسان ، فبعد تحقّقها بكمال الخامس بطريق أولى.

أو لعلّ المراد بها : تركيب عقله فيه ، فمن البشر من خلط عقله بنطفته ، وهم الأقلّون عدداً الذين إذا القي لهم أوّل الكلام فهموا آخره.

ومنهم من ركب عقله فيه بعد تمام خلقته في بطن امّه ، وهم الأكثر الذين إذا القي لهم الكلام بتمامه فهموه.

ومنهم لا يركّب عقله فيه إلّا بعد الولادة.

فالكلّ درجات أيضاً ، فلعلّ الخبر جرى على حال الأكثر ، ونهاية تأخير تركيب عقله فيه كمال خمسة أشهر ، لأنه بعد كمال الخمسة يمكن أن يولد فيعيش مع أنه ممن ركّب [ عقله (3) ] فيه وهو في بطن امّه ، فلا مخالفة في حديث أبي شبل.

وأمّا ما رواه في ( قرب الإسناد ) عن البزنطيّ : أنه سأل الرضا عليه السلام : أن يدعو اللّهَ لامرأته ، فقال عليه السلام : « الدعاء ما لم تمضِ أربعة أشهر » ، ثمّ قال عليه السلام : « إنّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً ، وتكون علقة ثلاثين يوماً ، وتكون مضغة ثلاثين يوماً ، وتكون وغير مخلّقة ثلاثين يوماً ، فإذا تمّت الأربعة الأشهر بعث اللّه إليها ملكين خلّاقين يصوّرانه ويكتبان رزقه وأجله وشقيّاً أو سعيداً » (4) ، فلعلّ معناه أنها تكون نطفة خالصة ثلاثين يوماً ، ثمّ عشرة برزخاً [ علقة

ص: 419


1- الفقيه 4 : 109 / 366 ، باختلاف.
2- في المخطوط : ( غير ).
3- في المخطوط : ( علق له ).
4- قرب الإسناد : 352 - 353 / 1262.

مخلّقة (1) ] ، وهو أقصى مقام البدء في كونها علقة ، ثمّ ثلاثين يوماً علقة خالصة ، ثمّ عشرة برزخاً ، ثمّ مضغة خالصة ثلاثين يوماً ، ثمّ برزخاً بينها وبين العظام التي تلجها الروح عشرة ، فتمّ للبرازخ الثلاثة ثلاثون يوماً ، هي فيها مخلّقة رتبة أعلى ، أو غير مخلّقة ، وتمّ وكمل استعداده لنفخ الروح أربعة أشهر بتمامها ، يظهر [ فيها (2) ] أوّل شعاع الروح والحياة ، فلا منافاة فيه.

ص: 420


1- في المخطوط : ( مخلقة علقة ).
2- في المخطوط : ( فيه ).

[ 129 ] خبر طريف وسرّ منيف مسجد الكوفة أفضل من البيت المعمور

في مزار ( البحار ) عن ( العياشي ) (1) عن الصادق عليه السلام : أنه قال : « مسجد الكوفة أفضل من بيت المعمور » (2) انتهى.

لعلّه أراد به : غيبه باعتبار أنه مصلّى جميع النبيّين فما من نبيّ إلّا وقد صلّى فيه ، أو أراد به : قبر أمير المؤمنين : عليه السلام أو ما يعمّه ؛ لأنّ قبره عليه السلام روح له أو غيبة من ظاهر الكعبة ، واللّه العالم.

ص: 421


1- تفسير العياشي 2 : 302 / 13 ، وفيه أنه عليه السلام سئل عن بيت المقدس فقال سلام اللّه عليه - : « مسجد الكوفة أفضل منه ».
2- بحار الأنوار 97 : 405 / 63 ، وفيه ما في تفسير العياشيّ.

ص: 422

[130] حكمةٌ قدسيّة وكلمة إنسيّة : كراهية الدعاء للدنيا في الصلاة

في ( قرب الإسناد ) عن عليّ بن جعفر : عن أخيه موسى عليه السلام : قال : سألته عن الرجل يقول في صلاته : اللّهم ردّ إلىّ مالي وولدي ، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال : « لا يفعل ، ذلك أحبّ إليّ » (1).

قلت وباللّه المستعان - : ظاهر هذا الخبر أن الدعاء للدنيا في أثناء الصلاة مكروه ، وعليه فهو من باب مكروه العبادة ، ففيه أجر ؛ لأنه عبادة وكلّ عبادة لها أجر ، ولكن هذا الظاهر معارض بما استفاض مضمونه من الرخصة في الدعاء حال الصلاة للدين والدنيا ، والآخرة والأولى ، فإنّ اللّه عزّ اسمه ربّ الدنيا والآخرة ومالكهما.

ولعلّ وجه الجمع أن الدعاء للدنيا وذكر المال والولد لا يخلو من شائبة الالتفات لما هو المطلوب منها وتعلّق القلب به في الجملة ، وهذا مرجوح في نفسه بالنسبة إلى كمال الإخلاص ، والتوجّه إلى اللّه ، والإقبال عليه ، والتحقّق بمحض العبوديّة ، والذلّ بها بين يديه ، الذي هو حقيقة الصلاة الجامعة لعبادات جميع الخلق على تباين أصنافها ، لأنّها صفة الوجود الجامعة لجميع صفاته ، وهي التي يتحقّق بها عروج المصلّي وطيرانه في أُفق القدس والرحمة بالأجنحة التي هي ركعات الصلاة ،

ص: 423


1- قرب الإسناد : 194 / 735.

وأجنحة الأتقياء ، فإنّها مثنى وثلاث ورباع.

فلا تنافي بين هذه الكراهة والمرجوحيّة المأخوذة من مقام كمال الإخلاص ، ومرتبة الفؤاد ، وعدمها في مقام آخر ؛ فحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين (1). فربّما كان الشي ء مكروهاً في مقام بالنسبة لشخص بل حراماً ، ومستحبّاً في مقام ولشخص آخر بل واجباً. فصاحب الخمس من درج الإيمان لا يطيق حمل التاسعة ويحرم تحميله إيّاها ، وصاحب التسع لا يقبل منه تكاليف صاحب الخمس ، بل ربّما كانت في حقّه ذنباً يستغفر اللّه منه ، واللّه العالم.

ص: 424


1- كشف الخفاء 1 : 357 / 1137 ، ونقل عن ابن عساكر أنه من كلام أبي سعيد الخرّاز ، كما نقل عن الزركشي أنه للجنيد.

[131] بيان إجمال ورزق حلال ( معنيان للرزق الحلال )

محمّد بن أبي نصر : عن الرضا عليه السلام : قال : قلت له : جعلت فداك ادعُ اللّه أن يرزقني حلالاً. قال : « تدري ما الحلال؟ » قلت له : جعلت فداك ، أمّا الذي عندنا فالكسب الطيّب قال : « كان علي بن الحسين : عليهم السلام يقول : الحلال هو قوت المصطفين ، ولكن قل : أسألك من رزقك الواسع ». رواه في ( قرب الإسناد ) (1).

وأقول : هذا بظاهره يعطي المنع أو الكراهية من سؤال الرزق الحلال ، وهذا بظاهره يدفعه ما استفاض في الأخبار والدعوات المأثورة عن الأبرار التي أمروا الناس أن يدعوا اللّه بها (2).

ولعلّ وجه الجمع أن الحلال له في الأخبار معنيان :

الأوّل : ما خلص من شوب سهم الشيطان ، فإنّ له سهماً في مطاعم البشر كما أشارت إليه قصته مع آدم (3) : ومع نوح : عليهما السلام (4) في غرس الكرم أو النخل ، وما ورد في شمّه عنقود العنب مع حوّاء ، وما ورد من مشاركته لهم فيما لم يسمّ عليه من المطاعم والمشارب (5) ، وسهمه في المطاعم الحلال من كلّ مطعم ومشرب قدر خلطه في

ص: 425


1- قرب الإسناد : 380 / 1342.
2- الكافي 2 : 550 - 553 / 1 - 13.
3- الكافي 6 : 393 - 394 / 2 ، قصص الأنبياء ( الجزائري ) : 45.
4- الكافي 6 : 394 / 3.
5- المحاسن 2 : 208 / 1621.

أصل الخلق من الماء المالح ، كما ينبّهك عليه اختلاف قابليّة البشر للمعاصي وللكفران ، فإنّ تلك المطاعم والمشارب مادّة نطفة الكافر والمؤمن ، والبرّ والفاجر ، والطائع والعاصي.

فالحلال الحقيقيّ ما خلص من ذلك المزج بالكلّيّة ، والمعصوم لا يأكل إلّا الحلال بهذا المعنى ، حتّى لو أكل شقّ تمرة وأكل غيره الشقّ الآخر كان ما أكله المعصوم هو الحلال الخالص دون ما سواه. فإنّه ربّما كان مشوباً ، ولا يلزم من خلط جزء السمسمة خلط الجزء الآخر ، ولا من خلوص جزء خلوص جميع الأجزاء ، ولا يتيسّر قوت المعصوم لغيره ، ولا يعرفه إلّا هو ولا يخفى عليه بحال.

الثاني : ما هو المتعارف بين الفقهاء ، وهو الذي عبر عنه السائل بالكسب الطيّب ، وعبّرت عنه الآية الكريمة بقوله عزّ اسمه ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (1) ، وما حرّمه الكتاب والسنة من الطاعم والشارب.

ص: 426


1- البقرة : 188.

[132] كشف وبيان : وجه تقييد الطاعة بالمفترضة في قول الجواد عليه السلام

مسألةٌ : ما فائدة القيد في قول مولانا الجواد صلوات اللّه وتسليماته عليه وعلى آبائه وأبنائه الكرام - : « وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة » (1) ، فلو أطلق الطاعة لكان أعمّ بحسب بادئ الرأي ، مع أن واقع نفس الأمر أن موالاتهم شرط في قبول جميع الطاعات ؛ واجبها وندبها ، فما فائدة التقييد بالمفترضة؟

والجواب ومن اللّه الهداية لسبيل الصواب وبه العصمة من وجوه :

الأوّل : اعلم أمدّنا اللّه وإيّاك بهدايته أن اللّه عزّ اسمه خلق الوجود المطلق نوراً بحتاً لا يشوبه ظلمة بوجه ، إلّا إنه في ذاته ممكن مخلوق. وهو أوّل فائض من الواجب عزوجل ، وله فواضل نوريّة ، منها ما هو من لوازم ذاته ، وهي أصل جميع التكاليف الواجبة ، ومجمعها وجامعها الكلّيّ ، والعبارة عنه بلا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه : علي أمير المؤمنين : فإنّ جميع التكاليف الواجبة تفاصيل هذه الكلمة التي عبّر بها عن التوحيد والعدل.

ولذلك أطلقت الأمانة تارة على الولاية ، وأُخرى على التكاليف بأجمعها. وأصل التكاليف الذاتيّة أركان الإسلام الخمسة. ثمّ إن لهذه الفرائض نوراً له فاضل وصفات مكمّلات له ومتمّمات يتمّ بها نوره في نفس العامل إذا انقضت فرائضه بما لم يقل

ص: 427


1- تهذيب الأحكام 6 : 100 / 177 ، وهي ضمن الزيارة الجامعة المنسوبة للهادي عليه السلام : وليس للجواد :

بصحّتها. فبها يثبت أصلها ، ويظهر بالفعل للمكلّف ، وتسلّم بها الفرائض ؛ لأنّها حماها ، وهي النوافل والسنن ؛ ولذا ورد أن النوافل متمّمات للفرائض فما نقص منها أُكمل بالنوافل (1).

ومعناه أن العامل إذا لم يأتِ بالفريضة على أكمل أحوالها التي أمر بها الشارع لم يبرز نورها في نفس العامل كمال البروز ؛ فإذا كان ذلك منه على وجه لا يوجب فساد الفريضة وإنّما ينقص فعليّة نوريّتها في نفس العامل وأتى بالنوافل ، أكمل اللّهُ له برحمته وكرمه نوريّة الفريضة بنوريّة النافلة ، وأتمّه له ، فأدرك ثواب الفريضة الكاملة بفعل النافلة ، لا أن الفريضة في نفسها تتحقّق في الخارج ناقصة الذات ، والنافلة تكمل ذاتها ؛ لأنه يلزم من هذا كون النافلة حينئذٍ جزء ذات الفريضة ، وهذا خلف محال ؛ لأنّ عنوان الفرض والنفل ذاتيّ لهما ، وما بالذات لا يزول ، ولا تنقلب الحقائق.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه عليه سلام اللّه أشار بالقيد إلى أن الأصل في الطاعة الفريضة ، وأن النافلة تبع لها ، فإذا لم يقبل الأصل لم يقبل الفرع ؛ فنفي الأصل نفي الفرع بطريق أولى. والإطلاق لا يدلّ على هذا كمال الدلالة.

وأيضاً لو أطلق الطاعة عليه السلام لكان ربّما يتطرّق إلى بعض الأوهام احتمال أن الولاية شرط في قبول النفل دون الفرض ، فيكون الفرض تكليفاً ذاتيّاً لا يتوقّف على شي ء خارج ، بخلاف النفل ، فإنّ الوهم لا يعلم أن جميع الفرائض صفات ذاتيّة للولاية الكبرى التي هي الوجود المطلق.

فجميع فرائض الرسالة تفاصيل لَها وجزئيّات منها وفروع عليها باختلاف المقامات.

فلما عبّر عليه السلام بالقيد عُلم أن الولاية شرطٌ لقبول النفل أيضاً ؛ لأنه فرع الفرض وفاضل نوره ، وهي شرط في قبول الأصل بالذات ، وهي شرط في قبول الفرع

ص: 428


1- وسائل الشيعة 4 : 71 - 74 ، أبواب أعداد الفرائض ، ب 17 ، ح 2 ، 3 ، 4 ، 8 ، 12.

بطريق أولى. ففي التقييد دلالة على لزوم الفرض الولاية لذاته ، وإلى تبعيّة النفل له ، بخلاف الإطلاق.

الثاني : لعلّه عليه السلام أراد بالطاعة المفترضة : كلمة ( لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ) ، أعني : الشهادتين [ اللتين (1) ] هما مناط الحكم في مقام ظاهر الرسالة في الإسلام ، وحقن الدماء وعصمة الفروج والأموال. فهما الفريضة الجامعة لكلّ فرض ، والنوافل تبع الفرائض وزيادة في كمالها للعالم العامل ، فأشار عليه السلام إلى أن كلمة الشهادتين لا تقبل إلّا بالولاية ، بل لا وجود لها ولا تتحقّق في مقام من مقامات الوجود إلّا بها ، فإنّ الولاية قطبها الأعظم وجزؤها الأتمّ وسرّها الأعلى.

بل الكلمتان بوجه عبارة عنها ؛ إذ هي باطن النبوّة التي هي باطن الرسالة ، فلا يتحقّق ( لا إله إلّا اللّه ) ولا يقبل ( محمّد (2) رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ) إلّا بالولاية ، فهي ركن التوحيد الأعظم وسرّه الأتم.

الثالث : لعلّه عليه السلام أراد بالطاعة المفترضة : طاعة اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله المذكورة في قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (3).

وفي قوله تعالى : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) (4).

وهذه الطاعة المفترضة جامعة لجميع التكاليف ؛ فرضها ونفلها. ففي القيد إشارة إلى تلك الجامعيّة ، فلو ردّ أحد على الرسول صلى اللّه عليه وآله : قوله في فرضٍ أو نفلٍ ما كَفَرَ ولم ينفعه قبوله غيره. فأشار عليه سلام اللّه بالقيد إلى أن هذه الطاعة مفترضة على كلّ حال ، وإن اختلفت جزئيّاتها في عنوان الوجوب والنفل ، وأنّها لا تقبل أي لا تتحقّق إلّا بالولاية ، فلا ينفع نفساً إيمانها بكلّ شي ء ما لم تؤمن بالولاية ؛ لأنّها قلب ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وآله : ولبّه وأُسّه وسنامه ، فلا تحقّق لشي ء من طاعة اللّه ورسوله ، ولا أخْذ لشي ء ممّا أتى به الرسول صلى اللّه عليه وآله : بدون طاعة اللّه ورسوله في قبول

ص: 429


1- في المخطوط : ( التين ).
2- في المخطوط : ( الا بمحمد ).
3- النساء : 59.
4- الحشر : 7.

الولاية والتسليم لأُولي الأمر وطاعتهم. والإطلاق لا يفيد هذا.

الرابع : لعلّه عليه السلام أراد بالطاعة المفترضة : ما أخذه اللّه على العباد في الذرّ الأوّل والذرّ الثاني من العهد بالإقرار له بالوحدانيّة ، ولمحمّد صلى اللّه عليه وآله : بالرسالة الكبرى الشاملة لجميع رتب الوجود ؛ فإنّها لا تثبت ولا تتحقّق تلك الفريضة المفترضة هناك إلّا بالولاية والإيمان بها في كلّ مقام من مقامات الوجوب ، حتّى تظهر هنا ويعمل بمقتضاها ويؤمن بها. وتلك الفريضة شاملة لجميع تكاليف طبقات الوجود بأسرها ؛ فرضها ، ونفلها ، والإطلاق لا يفي بهذا التصريح والدلالة على هذا الأصل وتفرّع ما سواه عليه.

الخامس : لعلّه عليه السلام أراد بالطاعة : طاعة الرسل فيما أتوا به عن اللّه عزوجل على نهج ما أُمروا أو أمروا به من صفة وهيئة وزمان ومكان وغير ذلك ؛ أعمّ من أن تكون بعنوان الوجوب أو الندب. وكثيراً ما أُطلق الفرض في الأخبار على النفل وحده ، فإطلاقه على الواجب والندب أولى. وتلك هي الطاعة المشروط قبولها وتحقّقها بالولاية ، فمن أتى بطاعة كما أمر اللّه وكان موالياً قبلت طاعته ، وثبتت الطاعة في كلّ رتبة من الرتب العشر ، وإلّا ردّت. فيكون القيد احترازاً عن طاعة لا تأتي كما أمر اللّه من كلّ وجه ، فإنّها غير مقبولة ولو كانت من موالٍ ؛ فإنّ اللّه سبحانه إنّما يعبد من حيث أحبّ لا من حيث يحبّ العابد.

فما يعملُهُ العابد بقصد العبادة إذا لم يكن على الصفة التي جاءت بها الرسل كما أمر اللّه وأحبّ يسمّى عبادة أيضاً ، وصاحبها يثاب عليها لكن في الدنيا ، فإنّ اللّه لا يضيع عمل عامل ، وأقلّه عصمة دمه وماله وفرجه ، ودرء الحدّ عنه ، وإمهاله ، ورزقه بقاؤه ولو طرفة عين.

فيكون القيد في كلام الإمام عليه السلام لإخراج ما هو في صورة الطاعة ، أو أُريد به : الطاعة والقربة ، ولم يكن في صورة الطاعة ؛ فإنّ هذه تسمّى طاعة لكنّها غير مفترضة أي غير نازلة من اللّه على لسان خلفائه ، فهي تسمّى طاعة مجازاً ؛ لأنّ

ص: 430

العامل قصد بها الطاعة والقربة أو أتى بها في صورة الطاعة ، وإن لم يقصد بها الطاعة فهي جسد بلا روح.

السادس : لعلّ التقييد ب- « المفترضة » لبيان الفرق بين الطاعة المتأصّلة التي هي صفة الوجود ، وهي ما أتت به الشريعة من الأوامر والنواهي ، وهي المفترضة ، وبين الطاعة بالعرض مثل علّان حيث استشار الإمام عليه السلام في الحجّ فنهاه عن الحجّ تلك السنة ، فخالف فذهب فقتل (1) ، فإن مثل هذا يصدق عليه طاعة ومعصية ، وإن لم تأتِ الشريعة بفرضها ، ولم يبلغ أمرها إلى الآخرة من الثواب والعقاب ، بل هو في الدنيا ما لم يبلغ المخالفة إلى الاستحقاق بأمر المعصوم ، فتؤول إلى الاولى من تلك الجهة.

وهذه ليست شرط قبولها ، وهو ترتّب الأثر من المصلحة الدنيويّة وعدمه ، وهو الضرر الدنيوي. فتحقّق الموالاة ، بل النجاة ، والعطب مترتّبان فيها بحسب الدنيا على نفس الفعل أو الترك ، واللّه العالم.

ص: 431


1- هو أبو الحسن علي بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلّان. وهو ثقة عين ، له كتاب أخبار القائم عليه السلام ، وقد استأذن الإمام الصاحب عليه السلام للحجّ في سنته التي قتل فيها ، فجاء الجواب من الناحية المقدّسة : « توقف عنه في هذه السنة ». فخالف ، فقتل بطريق مكة. انظر رجال النجاشي :1. 261 / 682.

ص: 432

[133] حكمة يمانية وجوهرة سنيّة حديثٌ في ظاهره أن شوّال من الأشهر الحرم

في ( الفقيه ) عن أبي جعفر عليه السلام : أنّه قال : « ما خلق اللّه في الأرض بقعة أحبّ إليه من الكعبة، ولا أكرم عليه منها ، ولها حرّم اللّه عزوجل الأشهر الحرم الأربعة في كتابه يوم خلق السماوات والأرض، ثلاثة منها متوالية للحجّ، وشهر مفرد للعمرة » (1).

أقول : يحتمل هذا الخبر وجهين :

أحدهما : أن المراد بقوله عليه السلام : « متوالية للحجّ » أي مكتنفة له ، وأنه واقع في وسطها ، فإنّ شهر الحجّ واقع في وسط الثلاثة ، والحجّ في وسطه أيضاً ، فإنّه قريب من وسطه الحقيقيّ.

الثاني : أن اللام في « للحجّ » تعليليّة ، علّل بها توالي الثلاثة أي أنه جعل ثلاثة منها متوالية لأجل الحجّ فيحجّ المسلمون في حال أمنٍ من قتال المشركين والكفّار ؛ فحجّ البيت علة [ توالي الثلاثة (2) ] منها. ولمّا كانت المبتولة غير مرتبطة بالحجّ المعلوم في الأيام المعيّنة ، أفرد لها من الأشهر الحرم شهراً ؛ لأنّها حجّ للبيت أيضاً ، أي قصد له بنسك معلوم ، يشبه نسك الحجّ عند الكعبة من الطواف والصلاة والسعي.

ص: 433


1- الفقيه 2 : 278 / 1359.
2- في المخطوط : ( التوالي ثلاثة ).

واعلم أن الصدوق : قال في باب علل الحجّ من كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) (1) : ( وإنّما صار الحاجّ لا يكتب عليه ذنب أربعة أشهر من يوم يحلق رأسه ؛ لأنّ اللّه عزوجل أباح للمشركين الأشهر الحرم أربعة أشهر ؛ إذ يقول ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (2) فمن ثمّ وهب لمن يحجّ من المؤمنين البيت مسك الذنوب أربعة أشهر ) (3) ، انتهى.

وقد قال في أوّل الباب إنه أخرج أسانيد الباب في كتاب ( جامع علل الحجّ ) (4).

وظاهره أن أشهر السياحة تسمّى حرماً أيضاً ، أي أن اللّه حرّم القتال للمشركين فيها أو أراد أن اللّه أباح للمشركين مقداراً لأشهر الحرم أربعة أشهر ، وجعل للحاجّ أن يقيه مقارنة الذنب أربعة أشهر مقابلةَ ذلك ، واللّه العالم.

ص: 434


1- في المخطوط بعده لفظة : ( قال ).
2- التوبة : 2.
3- الفقيه 2 : 128 / ذيل الحديث : 548.
4- الفقيه 2 : 142.

[134] كنز ثمين في حصن حصين : حديث الثقلين

اشارة

مسألة : قد استفاض بين الأُمّة استفاضة أكيدة جدّاً لا يستطاع إنكارها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » ، وأن اللطيف الخبير نبّأه (1) أنّهما لن يَفْترقا حتّى يردا عليه (2) الحوض.

وأنه قال : « إنّ الثقل الأكبر كتاب اللّه ، والأصغر أهل بيتي » (3).

وأنه قال : « لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كهاتين » وجمع بين مسبّحتيه « ولا أقول كهاتين فيفضل أحدهما على الآخر » وجمع بين المسبّحة والوسطى (4).

وفي هذا الحديث الشريف المتلقّى بين الأُمّة بالقبول أسئلة :

الأوّل : ما معنى : أنّهما ثقلان؟

فنقول : الثقل في اللغة يطلق بإطلاقات كثيرة ، منها خزائن الأرض والسماوات وكنوزهما الخفيّة ، وكلّ عظيم كبير الشأن ثقل ، وكلّ شي ء نفيس مصون ثَقَل ، وكلّ خطير نفيس ثقل (5) ، وكلّ ما لا تدرك حقيقته للخلق من الخلق ثقل ، وكلّ ما شقّ

ص: 435


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( ونبأه ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( عليّ ).
3- تفسير القمّيّ 1 : 30 جواهر العقدين : 239 ، باختلاف.
4- المصدر نفسه.
5- انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر 1 : 216 ثقل ، لسان العرب 2 : 114.

تحمّله ثقل ، وكلّ ثقيل الوزن عظيم القدر ثقل. وكلّ واحد من هذه المعاني يناسب الحديث الشريف بوجه. بل قيل به في معناه.

وبالجملة ، لما كان الكتاب والعترة أعظم خزانة خزنت في السماوات والأرض لأنهما غاية الموجودات ، ولِما اشتملا عليه من خزائن أسرار اللّه ، وعلم الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ، والغيب والشهادة والمبدأ والمعاد كان أعظم الخلق وأكبره شأناً ، وأنفس نفائس الخلق وأكبره خطراً ، وأصون مصون في الخلق ، وأغمض شي ء فيه.

وقد اصين سرّهما وعلانيتهما عن جميع نقائص الخلق ، وعن أن يدرك حقيقتهما إلّا اللّه ورسوله ، وشقّ على الخلق تحمّل أسرارهما ، بل امتنع تحمّل جميع أسرارهما وتكاليفهما على من دون العترة ، وثقلا في ميزان الحقّ عملاً وصفة ؛ فإنّهما أخلص شي ء لله ، وأثقله في ميزان العدل.

فلمّا جمعا تلك الفواضل والأسرار والفضائل سمّي كلّ منهما ثقلاً بكلّ معنى من تلك المعاني ، على أنه متى كان أحدهما ثقلاً كان الآخر ثقلاً ، لتلازمهما وعدم إمكان افتراقهما عقلاً ونقلاً.

الثاني : كيف يكون الكتاب هو الثقل الأكبر والعترة هم الثقل الأصغر مع أن الإمام خازن الكتاب ومترجمه والسفر به من الحقّ إلى الخلق؟

والجواب من وجوه :

أحدها : أن الكتاب من حيث هو مضاف لله عزّ اسمه أكبر ثقلاً من العترة : من حيث هي مضافة لرسوله ، فالإضافة للمعبود أكبر من الإضافة للعابد. وهذه نكتة لفظيّة بيانيّة وإن كانت لا تخلو من مناسبة حكميّة إذا اصعدت ولوحظت بالنظر الدقيق ، وسقيت شجرتها بماء الحكمة.

الثاني : أنه لمّا كان كلّ واحد من العترة هو كتاب اللّه الناطق ، والقرآن هو كتاب اللّه الصامت ، والكتاب الصامت عربيّ عجزت البلغاء عن فصاحة ألفاظه ودرك بلاغة

ص: 436

نظمه ، وله تخوم ، ولتخومه تخوم ، إلى سبعين بطناً ، لا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، ليس شي ء أبعد من عقول الرجال من درك معاني ألفاظه ، ومعرفة مقاصده ، أوّل الآية في معنى ، وآخرها في آخر ، هو نجوم مطبقة على مراتب التكليف وأزمانه ، [ كان (1) ] الكتاب الناطق هو القيّم بالصامت ، الخازن له ، المبيّن لمعانيه لكلّ أحد بحسب قسطه منه بلسان ، وما يناسب عقله وتكليفه ومصلحته وقبوله الهداية بكمال الاختيار ، بطناً فبطناً ، كلّ بحسب درجته من الإيمان ، ورتبته من الوجود والخلق مكلّفون بالعمل بأوامر الكتابين ونواهيهما ، فإنّهما حجّة الحقّ على الخلق ، ومناسبة المكلّفين للناطق أشدّ منها للصامت ، فقبولهم منه أيسر وأخفّ عليهم ، وفهمهم لمعاني خطابه أسهل وهم بلسانه أعرف ، وطبائعهم له أميل ؛ لأنه يخاطب كلّ واحد بلغته ولسانه وصفة عقله ولوازم وجوده ، بل يخاطب كلّ عقل بلسانه ، وكلّ نفس بلسانها ، وكلّ جسم بلسانه ، وكلّ شي ء بحسب فطرته ، والخلق إنّما يخاطبهم الكتاب الصامت بلسان من خاطبه اللّه به أوّلاً وبالذات ، وهو الحافظ له والخازن المبيّن لمعانيه المترجم عنه ، وهو الإمام.

ويكفيك في بيان ذلك ملاحظة صفتي النطق والصمت.

ولو كان المكلّفون يفهمون لسان القرآن ، ويقدرون على أخذ التكاليف واستنباط الحكم والمعارف منه بكمال الاختيار لا بواسطة الناطق السفير به لانتفت فائدة البعث.

وبالجملة ، فما خزن في الكتاب الصامت وأصين فيه وذخر وكنز من نفائس حقائق المعارف الدينيّة والدنيويّة ، والسياستين والرياستين ، والأخلاق والحكم الربانيّة ، أشدّ خفاء وأشقّ دركاً ، وأثقل استخراجاً وتحمّلاً ممّا في نفس الكتاب الناطق ؛ لأنّ القرآن له سبعون بطناً ، وفيه المحكم والمتشابه ، والخاصّ والعامّ ، والمجمَل والمبيّن ، والناسخ والمنسوخ ، والظاهر والباطن ، والتنزيل والتأويل ، وهو

ص: 437


1- في المخطوط : ( و ) ، وما أثبتناه هو الأوفق ظاهراً ، فإنه جواب ( لما ) المار في قوله : ( أنه لما كان كل واحد من العترة هو كتاب اللّه الناطق .. ).

مطبق على جميع طبقات العالم كل بحسب قسطه من الوجود والتكليف ؛ الأجناس ، والأنواع ، والأصناف ، والأزمان ، والأصقاع ، والأشخاص ، منه ما قد مضى ومنه ما هو حاضر ، ومنه ما هو آتٍ مستقبل لم يأتِ بعد وهو الغابر ، ولذا قال اللّه عزّ اسمه ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (1).

والإمام مكلّف بأن يبيّن لكلّ شخص وصنف ونوع وجنس وطبقة وأهل كلّ زمان ومكان ما يخصّه منه بلسانه ، وقدر وسعه ، وما يقبله بكمال الاختيار بالبيان واللسان الذي يصلحه ، وتكمل به حجّة اللّه عليه ، ويقوم به وجوده بما لا يحتمل في حقّه في تلك الحال من تلك الجهة سواه.

فإذن صار أخذ المعارف والحكم والأخلاق والتكاليف من الإمام أخفّ ثقلاً ، وأقلّ خفاءً ، وأيسر تناولاً ، وأظهر بياناً. فصون ذلك واكتنازه وخفاؤه في القرآن ، وثقل استخراجه منه أكبر وأشدّ منها في نفس الإمام الناطق ؛ لأنّ عليه ومنه البيان ، فإذا بيّن كلّف بعد التبيين ، ولا يكلّف اللّه نفساً الّا وسعها.

فإذن ظهرت المناسبة والحكمة في وصف العترة : بأنّهم الثقل الأصغر ، والكتاب أنه الثقل الأكبر ، بكلّ معنى من المعاني المذكورة للثقل.

الثالث : اعلم أن القرآن العظيم صفة عقل العترة ، فهو عقل.

فمن حيث إن معناه عقلهم هو ثقل أثقل وأعظم من أجسامهم ؛ لأنّ عقل كلّ شخص أثقل وأعظم من جسمه بكلّ معنى ، لكن العاقل أشرف وأفضل من عقله ، فلا منافاة بين كونهم أفضل من القرآن وكون القرآن ثقلاً أثقل من أجسامهم وإن كانت أجسامهم ثقلاً ؛ لأنّ نفس المؤمنين خلقت من فاضل طينة أجسامهم ، فأجسامهم ثقل بكلّ معنى من معانيه.

ومن حيث إنه قرآن متلوّ ، والإمام هو الخازن المبيّن التالي له وإنه خُلُقهم وصفة نفوسهم ، هم أكبر وأفضل.

ص: 438


1- آل عمران : 7.

ومن حيث إنه في مقام التفرقة مادّة علومهم ، وحجّتهم على الخلق ، ومرجعهم في الأحكام من الأُصول والفروع إليه ، هو أثقل وأكبر في النفوس ؛ لأنه حينئذٍ كتاب اللّه وكلامه.

وقد وقفت في هذا الحديث على كلام للشيخ الرئيس الشيخ أحمد بن زين الدين : منقولاً من ( شرح الجامعة الكبرى ) ، وصورة المنقول منه بخطّ بعض السادة [ الثقات (1) ] ، هكذا : ( قوله صلى اللّه عليه وآله : « الثقلين : الأصغر والأكبر ».

فنقول : المعنى : عقلهم ، واللفظ : قرآنهم ، فعقلهم قرآن ، وقرآنهم عَقل ، فلمّا تنزّل إلى عالم الشهادة كان الإمام شريك القرآن. فإن قسّمت هذه الحجّة الظاهرة إلى عقل وجسم كان العقل الذي هو القرآن الثقل الأكبر ، والجسم الحامل للقرآن الثقل الأصغر. فالعقل أكبر من الجسم وأفضل ، والعاقل أكبر من العقل وأفضل. ومن حيث إن القرآن قسيم عقلهم ، وإن جميع علومهم مستندة إليه ، فمن حيث ذلك حَسُنَ أن يقال : هو الثقل الأكبر ، مع أنه بالنسبة إلى أجسامهم عند الانقسام كذلك ، ومن حيث إنّهم الكتاب الناطق والعاقلون فهم مجموع القسمين أكبر وأفضل ، مع أن الحقيقة الجامعة للكلّ حقيقتهم ، وأن العقل والقرآن نور تلك الحقيقة وصفتها ، فهم أكبر وأفضل.

ولكن لمّا كان ما أخبروا به من العلوم وما أضمروه مستنداً إلى القرآن وإلى الوحي ، صحّ كون نسبته إليهم ثناءً عليهم وفخراً لهم. ولا منافاة ؛ فإنّ الشخص جميع ما عنده من العلوم ينسب إلى عقله ) (2) ، انتهى صورة (3) ما رأيته منقولاً منه ، وظنّي أن كلامي لا يخرج عنه.

الرابع : ورد أن القرآن خُلُق محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ؛ فمن حيث هو خُلُق محمَّد صلى اللّه عليه وآله : وصفة عقله هو أكبر من العترة : باعتبار موضوعه ؛ لأنّ موضوعه حينئذٍ أكبر ثقلاً من

ص: 439


1- في المخطوط : ( الثقات ).
2- شرح الزيارة الجامعة الكبيرة 3 : 330 - 332.
3- في المخطوط : ( الصورة ).

عترته ، ومن حيث إنه قرآن محمَّد صلى اللّه عليه وآله : وآية من آياته ، ومعجز من معجزاته ، هم أكبر وأثقل ؛ إذ ليس لله آية هي أكبر من علي عليه السلام : وأولاده الأحد عشر عليهم السلام ، والزهراء عليها السلام في هذا المعنى [ مثلهم و (1) ] على مراتبهم في الفضل.

الثالث : كيف يكون أحدهما أكبر من الآخر ثقلاً وقد مثّل لهما بالمسبّحتين دون المسبّحة والوسطى ، فقال : « لا يفضل أحدهما على الآخر » ، ومقتضى التشبيه تساويهما مطلقاً مع أنه صلى اللّه عليه وآله قال : « الثقل الأكبر كتاب اللّه ، والأصغر عترتي » ، على أنه في الحقيقة الإمام أكبر من القرآن ؛ لما ذكر وغيره؟

والجواب أن المراد بالتمثيل بالمسبّحتين دون الوسطى والمسبّحة في الورود : أنهما يردان عليه الحوض دفعة ووروداً واحداً (2) لا يفضل أحدهما على الآخر بالسبق إلى الورود عليه. وبرهانه ما أشرنا له من أنّهما يردان بعنوان الوحدة ، فالوارد العترة المتّصفة بالقرآن ، فالقرآن حينئذٍ صفة ذات ، أو جزء ذات هي وصفتها أو جزؤها موضوع الورود.

وبوجه آخر : معاني القرآن : عقلهم ، وألفاظه : قرآنهم كما عرفت من كلام معلّم الزمان ، وليس مقام الورود مقام تلاوة قرآن ، فلا ألفاظ هناك متلوّة ، فالوارد العاقل ؛ إذ لا يمكن أن يرد عليه الحوض العقل بدون الجسم ، ولا الجسم بدون العقل ، وإنّما يردان معاً.

فالوارد مجمعهما أو مجموعهما وهو العاقل.

فقد تبيّن أنه لا يمكن أن يسبق أحدهما بالورود عليه الآخر ، فأشار صلى اللّه عليه وآله بالتمثيل بالمسبحتين دون الوسطى والمسبحة في صفة الورود إلى ذلك ، فلا منافاة بين التفاضل في مقام التعدّد وبين المساواة وعدم السبق لأحدهما في مقام الورود.

الرابع : ما معنى تَغَيّي نفي الافتراق عن العترة والكتاب بورود الحوض؟ فما فائدة التقييد بذلك؟

ص: 440


1- في المخطوط : ( و ).
2- في المخطوط بعدها : ( بل ورود واحد ).

وربّما أوهم القيد إمكان الافتراق بعد الورود ، مع أنه قد ثبت بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً عدم إمكان افتراقهما.

والجواب من وجهين :

أحدهما : أنه إذا ثبت التلازم وامتنع الافتراق إلى تلك الغاية والرتبة وهي ورود الحوض ثبت أبداً ، لأنّ ذلك المقام هو غاية إمكان الافتراق بين المتلازمين بالإمكان العامّ ونهايته. ولا أعني بالإمكان العامّ معناه باصطلاح مشهور متأخّري أهل الميزان ، فإنّ إطلاق الإمكان على ذلك المعنى منظور فيه. فإذا تحقّق التلازم بينهما وانتفى الافتراق عنهما إلى تلك الحال تحقّق التلازم وانتفى الافتراق أبداً.

فما ثبت تلازمهما إلى تلك الغاية لا يمكن افتراقهما أبداً ؛ لأنه مقام ظهور اللازم الذاتي وملزومه بعنوان الوحدة وضرب من الاتّحاد.

الثاني : قد عرفت أنّهما قبل الورود بحكم مقام الرسالة العامّ أعني : مقام كتاب وإمام ، وقارئ وقرآن شيئان متعدّدان متمايزان ، الإشارة لأحدهما تغاير الإشارة للآخر في مقام الحسّ ، وأنّهما متلازمان لن يفترقا في حال بوجه أصلاً ، حيث إن ثبوت التلازم بين الشيئين وصدق إطلاقه عليهما يقتضي التعدّد والاثنينيّة. وبعد ورودهما عليه صلى اللّه عليه وآله الحوض يظهر حكم وحدتهما واتّحادهما ، فهناك يصدق أن يقال : لا قرآن وإمام قارئ ، ولا اثنينيّة ، بل الكتاب حينئذٍ يظهر كونه صفة الموصوف ، وهو ذات العترة ، والعترة ذات صفتها الذاتيّة الكتاب ، أو قل : جسد عقله الكتاب.

فالوارد ذات صفة ذاتيّة ، هما شي ء واحد بضرب من الاتّحاد ، أو قل : عقل وجسد. فالوارد عليه الحوض هو العاقل. وحينئذٍ لا يتصوّر إمكان افتراق عاقل عن عقله بعد ورود الحوض.

على أنه قد ثبت بالبرهان المتضاعف المحكم عقلاً ونقلاً عدم إمكان افتراقهما بحال في مقام من مقامات الوجود. فإذن ثبت عدم إمكان افتراقهما في إقليم التعدّد ، وإلّا لانتفت عصمتهم وحجّيّتهم والبرهان بكلّ طريق أثبتهما ، فلأن لا يمكن

ص: 441

الافتراق بعد الوصول إلى مقام الوحدة والثبات أعني دار القرار بطريق أولى.

وممّا ذكرناه من الوجهين يعلم وجه تغيّي لعنة إبليس : بيوم الدين وما أشبه ذلك ؛ فإنّ إبليس : لعنه اللّه قبل العرض على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يوم الدين شخص ملعون ، فهنا ذات لها لعن ، أي ذات ملعونة. وبعد ثبوت اللعن له وتلازمهما إلى ذلك المقام لا يمكن انتفاؤه عنه أبداً. وما بالذات لا يزول ؛ لأنّه حينئذٍ يظهر ويتحقّق ويثبت أن حقيقته ذات صفتُها الذاتيّة اللعن ، بل حقيقتها في الحقيقة اللعنُ ، فتمتنع المزايلة بينهما ؛ لأنّها دار القرار. فلا ينفكّ حينئذٍ من أنه ملعون عليه لعنة اللّه أبداً.

وقس على هذا أمثاله ، وتلطّف لكلّ مقام بما يناسبه ، فإنّ هذا باب ينفتح منه أبواب ، واللّه الهادي للصواب.

خاتمة

قد دلّ هذا الحديث الشريف على عصمة العترة : عليهم السلام بمقتضى تلازمهم مع القرآن ، فإنّ من أمكن منه غفلة أو سهو فضلاً عن المعصية فإنّه مفارق للقرآن حال غفلته أو سهوه بالضرورة ؛ لأنّه حينئذٍ مع غير الحقّ ، ولا يكون القرآن مع غير الحقّ. فأمّا مفارقتهم في تلك الحال للقرآن ، وقد نفاه هذا النصّ الصريح وغيره ممّا استفاض نقلاً (1) وعقلاً ، أو كون القرآن حينئذٍ [ مع غير الحقّ ] وهو باطل بالضرورة. فإذا ثبت ذلك ثبت أنه لا يمكن أن يقع منهم غفلة أو سهو فضلاً عن المعصية.

وبالضرورة أن هذه الأُمّة لم يثبت لأحد منها هذا التلازم مع القرآن غير العترة المطهّرة : بنصّ الكتاب (2). وله مؤيّدات كثيرة تدلّ على عصمتهم صريحاً كحديث

ص: 442


1- انظر عمدة عيون صحاح الأخبار : 68 - 76 / الفصل : 11 ، بحار الأنوار 23 : 106 - 147.
2- في قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) ، المائدة : 3 ، وقوله عزّ من قائل ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) ، المائدة : 67. انظر : مناقب أمير المؤمنين ( ابن المغازلي ) :2. 19 / 24 ، تأويل الآيات الظاهرة : 151 - 152 ، 161 - 165.

« عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ : يدور معه حيثما دار » (1) ، وحديث الطائر (2) ، وحديث « أهل بيتي كسفينة نوح » (3) ، وحديث : « من كنت مولاه فعلي : مولاه »(4).

وآية التطهير (5) ، وغير ذلك من الكتاب والسنّة ممّا أوضحنا دلالته في كتابنا ( نعمة المنّان في إثبات صاحب الزمان ) (6) ، وغيره ، وباللّه الاعتصام.

ص: 443


1- مناقب آل أبي طالب : 3 : 77 ، وفيه : « لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة » بعد قوله : « والحق مع عليّ : ».
2- عمدة عيون صحاح الأخبار : 242 - 253 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 141 - 142 / 4650 ، 4651 ، كنز العمّال 13 : 166 / 36505 ، و 13 : 167 / 36507.
3- عمدة عيون صحاح الأخبار 358 - 360 ، المعجم الكبير 3 : 45 / 3626 ، و 12 : 27 / 12388 ، كنز العمّال 12 : 95 / 51 - 341 ، الصواعق المحرقة : 152 ، 186.
4- عمدة عيون صحاح الأخبار : 92 - 116 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 126 / 4601.
5- الأحزاب : 33 ، وانظر عمدة عيون صحاح الأخبار : 31 - 46 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 158 - 159 / 4705 - 4707.
6- كتاب يقع في مجلّد كبير. انظر الذريعة 24 : 234 / 1208.

ص: 444

[135] تنزيه فيه توحيد وتحميد : « الأوّل بلا أوّل كان قبله »

قال زين العابدين سلام اللّه عليه : « الحمد لله الأوّل بلا أوّل كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده » (1). ومعنى هذه الكلمة عبارتان :

أحدهما : أنه عزّ اسمه أوّل كلّ شي ء وآخر كلّ شي ء ، أي مبدأ كلّ شي ء ومنتهى كلّ شي ء ، لا يسبقه شي ء ، ولا يلحقه شي ء ، محيط بكلّ شي ء بأوّليّة [ التي ] هي عين آخريّته.

الثانية : أن مستكنّ الكونين وفاعلهما يعود إلى اللّه عزّ اسمه وحده ، والمضاف إليه القبليّة للأوّل ، والبعديّة للآخر ، فلا فصل بينه وبين شي ء من خلقه ، ولا شي ء أقرب إليه إلّا بالعلم والعمل. أو قل : المضاف إليه القبليّة والبعديّة ، للأوّل الآخر ، والآخر الآخر ، أو للأوّل الأوّل ، والآخر الأوّل.

وبالجملة ، فمعناها أن أوّليّته عزّ اسمه وآخريّته لا تشبههما أوّليّة ولا آخريّة ، [ وليس قبل أوّليته أوّلية ولا بعدها أوّلية ، وليس بعد آخريّته آخريّة ولا قبلها آخريّة (2) ] ؛ إذ ليس معه جلّ شأنه شي ء ، لا إيجاباً ولا سلباً ، ولا وجوداً ولا عدماً ، حتّى تلي أوّليتهُ أوّليةً ، [ أو تعقّب (3) ] آخريتَه آخريةٌ ، بل أوّليته عين آخريته ، وآخريته عين

ص: 445


1- الصحيفة السجّاديّة : 33.
2- في المخطوط : ( بعد أوليته بعد ).
3- في المخطوط : ( ولا ).

[ أوّليّته (1) ] ، فهو عزّ اسمه أوّل بما هو آخر ، وآخر بما هو أوّل ، لا تحيط بأوّليّته وآخريّته العقول ، ولا تمثّلها الأوهام بالحدود والفصول. فهو عليه سلام اللّه نزّه بارئه عزّ اسمه وجلّ عن الشبه والنظير حتّى في أوّليّته وآخريّته ، بل هي أوّليّة تفرد بها ، وآخريّة تفرّد بها ، لا تشبههما أوّليّة ولا آخريّة ، فأوّليّته لا شي ء يسبقها ، ولا أوّليّة تلحقها حتّى تضاف إليها وتشبهها ، وآخريّته لا شي ء بعدها ، ولا آخريّة بعدها تلحقها حتّى تضاف إليها وتشبهها.

سبحان من لا تختلف عليه الصفات ، ولا تختلف عليه الحالات ، ولا تغيّره الدهور ، ولا تلحقه الإضافات ، ولا ينظمه حدّ ولا عدّ ، توحّد بالتوحيد في توحّده.

وقال الشارح السيّد نعمة اللّه : ( المراد نفي الأوليّة الإضافيّة والآخريّة الإضافيّة ). وما قرّرناه أعمّ منه وأشمل ، فتأمّل ، واللّه العالم.

ص: 446


1- في المخطوط : ( اضربته ).

[136] شهاب ثاقب لرجم شيطان كاذب استدلال الكتابي بالاستصحاب على بقاء نبوّة موسى وعيسى : عليهما وعلى نبيّنا وآله : وعليهما السلام

مسألة : رأيت منقولاً بخطّ بعض الثقات من مبحث الاستصحاب من قوانين الميرزا أبي القاسم : ما صورته : ( وينبغي التنبيه لأُمور :

الأوّل : أن الاستصحاب يتبع الموضوع وحكمه في مقدار قابليّة الامتداد وملاحظة العلّيّة ، فلا بدّ من التأمّل في أنه كلّيّ أو جزئيّ ، فقد يكون الموضوع الثابت حكمه أوّلاً مفهوماً كلّيّاً مردّداً بين أُمور ، وقد يكون جزئيّاً حقيقيّا معيّناً ؛ وبذلك يتفاوت الحال ؛ إذ قد يختلف أفراد الكلّ في قابليّة الامتداد ومقداره ، [ فالاستصحاب (1) ] حينئذٍ ينصرف إلى أقلّها استعداداً للامتداد ) (2).

أقول : قوله : ( ينصرف ) إلى آخره ، ينبغي أن يقيد بما إذا كان حكم الموضوع بعنوان الكلّيّة بأفراده ؛ لأنه يختلّ حكم الكلّي بل يرتفع من أصله بخروج فرد. أمّا لو كان حكم الموضوع بعنوان الإطلاق فإنّه لا صارف عن صرفه لأطولها استعداداً للامتداد. هذا كلّه مع عدم ظهور العلّيّة ، وإلّا فإنّه معها يدور مدارها ، كما هو ظاهر.

ثمّ قال أبو القاسم : ( هاهنا لطيفة ، هي أن بعض الفضلاء (3) من أصحابنا ذكر أن

ص: 447


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الاستصحاب ).
2- قوانين الأُصول : 299 ( حجري ).
3- في هامش ( القوانين ) أنه السيّد محمّد مهدي الطباطبائي.

أحداً من أهل الكتاب تمسّك بأنّ المسلمين قائلون بنبوّة نبيّنا وحقّيّته ، فعلى المسلمين أن يثبتوا بطلان دينه (1). وذكر أنه أجابه : إنّا لا نسلّم ولا نقرّ بنبوّة نبيّ لا يقول بنبوّة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : وهو حاصل ما ذكره الرضا عليه السلام : في جواب الجاثليق (2).

قال الفاضل فأجابني بأنّ عيسى بن مريم : عليها السلام المعهود الذي لا يخفى على أحدٍ حاله وشخصه أو موسى بن عمران : عليه السلام الذي لا يشتبه حاله على أحد من المسلمين ولا أهل الكتاب جاء بدين اللّه وأرسله اللّه نبيّاً ، وهذا القدر مسلّم عند الكلّ. فنقول : دين هذا الرجل المعهود ورسالته باقيان بحكم الاستصحاب ، فعليكم إبطالَه. فأفحم الفاضل المذكور ) (3).

قلت : إذا تأمّلت جواب الرضا عليه السلام : للجاثليق : وجدت هذا غير مبطل له ، وإلّا لما كان حجّة الإمام عليه السلام تامةً بالغة فنقول : إن عيسى : عليه السلام أو موسى : عليه السلام وهو الشخص المعلوم الذي جاء برسالة اللّه ، وهو الشخص المعهود المعروف بين المسلمين وأهل الكتاب ، إن سلّم الكتابيّ أنه جاء بالبشارة برسالة محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب : وهو الشخص المعهود بين الخلائق ، وأخذ العهد على أُمّته بالإقرار به واتّباعه كما هو الواقع ، فرسالته حقّ ونحن نقرّ به ، وإلّا أنكرنا رسالته. فكلّ موسى أو عيسى لم يبشّر بذلك فهو ليس برسول ، لكن موسى أو عيسى : عليهما السلام وهو الشخص المعهود المعروف قد بشّر بذلك ، وأخذ العهد على أُمّته به ، فقد لاح من هذا أن الاحتجاج بالاستصحاب لا يبطل تلك الحجّة ، بل لا تحقّق له معها.

ثمّ قال أبو القاسم : ( فقلت في إبطال الاستصحاب بعد فرض تسليم جواز التمسّك به في أصول الدين : إن موضوع الاستصحاب لا بدّ أن يكون متعيّناً حتّى يجري على منواله ، ولم يتعيّن هنا إلّا النبوّة في الجملة ، وهو كلّيّ قابل للنبوّة إلى الأبد ، بأن يقول اللّه تعالى : أنت نبيّ وصاحب دين إلى يوم القيامة ، وللنبوّة الممتدّة

ص: 448


1- أي دين الكتابيّ.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 : 157.
3- قوانين الأُصول : 299 - 300 ( حجريّ ).

إلى زمان محمَّد صلى اللّه عليه وآله : بأن يقول له : أنت نبيّ ودينك باقٍ إلى زمان محمّد : صلى اللّه عليه وآله ؛ ولأن يقول أنت نبيّ بدون أحد القيدين فعلى المخالف أن يثبت ؛ إمّا التصريح بالامتداد إلى الأبد ، وأنّى له بإثباته؟ والمفروض أن الكلام أيضاً ليس فيه ، وإمّا الإطلاق وهو أيضاً في معنى القيد ، ولا بدّ من إثباته.

ومن الواضح أن مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة ، والذي يمكن استصحابه هو النبوّة المطلقة لا مطلق النبوّة ؛ إذ الكلّيّ لا يمكن استصحابه إلّا بما يمكن من أقلّ أفراده امتداداً أو استعداداً ، فبذلك بطل تمسّك أهل الكتاب ؛ إذ على فرض التسليم والتنزّل والمماشاة معهم نقول : إن القدر الذي ثبت لنا من نبوّتهما هو القدر المشترك بين أحد المقيّدات الثلاثة ، فمع إمكان كونها النبوة الممتدّة إلى زمان محمَّد صلى اللّه عليه وآله : كيف يجري الاستصحاب إلى آخر الأبد ) (1).

أقول : لا يخفى ضعف هذا التقرير ، فإنّ أهل الكتابين لا يدّعي أحد منهم استمرار نبوّة موسى : أو عيسى : عليهما السلام إلى الأبد ، فلا كلام معهم فيه ، وإنّما ادّعى عرفة اليهود ارتفاع النسخ والاحتجاج ليس عليه ، وإنّما الاحتجاج بالاستصحاب على فرض أن رسالة موسى : أو عيسى : عليهما السلام ثابتة على الإطلاق ؛ لأنه القدر المتيقّن بعد ارتفاع البرهان على تعيين أحد الثلاثة بخصوصه ، ولأنه القدر المسلّم بين المسلمين وأهل الكتاب ، فادّعى جريان الاستدلال بالاستصحاب فيه.

ونحن نقول : لا يصحّ التمسّك بالاستصحاب في هذا المقام.

أمّا أوّلاً ؛ فلأنه ظنّيّ الدلالة ، فلا يصحّ التمسّك به في الأُصول ؛ لأنّ دليل مسائله لا بدّ أن يكون برهاناً عقليّاً فلا بدّ من كونه يقينيّاً.

وأما ثانياً ؛ فلأنّ الاستصحاب على ثلاثة أقسام :

أحدها : استصحاب نفي الحكم الشرعيّ إيجاباً أو تحريماً ، وهو المعبّر عنه بالبراءة الأصليّة ، وهذا ليس ما عناه واستدلّ به الكتابي على بقاء التكليف بشريعة

ص: 449


1- قوانين الأُصول : 300 ( حجري ).

موسى : وعيسى : عليهما السلام إلى وقت الاحتجاج قطعاً.

الثاني : استصحاب حكم ثبت لموضوع في زمن أوّل إلى زمن ثانٍ مع طريان وصف على الموضوع أو ارتفاع وصف ثابت له وقت ثبوت الحكم في ثاني الأزمان ، يوجب طريان ذلك الوصف أو ارتفاعُه الشكّ في بقاء ذلك الحكم وثبوته للموضوع. والظاهر أن هذا لم يعنه الكتابيّ أيضاً ، فإن عناه قلنا : زال من مقتضيات الطبائع والأزمان في زمن الخطاب ما ثبت في زمن بعثة موسى : أو عيسى : عليهما السلام في وقت الخطاب ، وثبت فيه ما انتفى في وقت بعثة أحدهما ممّا لا يخفى على الحكيم بل الذكي المتأمّل.

ومعه يحصل الشكّ في بقاء الحكم باستمرار التكليف بشرع موسى : أو عيسى : فيبطل الاستدلال بالاستصحاب ؛ لأنّ هذا في الحقيقة في مثل المقام يرجع إلى اختلاف الموضوع ، ومعه لا يصحّ الاستدلال بالاستصحاب.

الثالث : استصحاب حكم ثبت لموضوع معيّن بيقين ، ولم يطرأ على الموضوع في الزمن الثاني ، فما يوجب الشكّ في بقاء الحكم الثابت بيقين في الزمن الأوّل واستمراره إلى الزمن الثاني فيه. والظاهر أن هذا هو مناط استدلال الكتابيّ ؛ إذ لا يتمّ له الاستدلال بالاستصحاب في الظاهر على المعنيين في الأوّلين.

فنقول : لا يتمّ الاستدلال بالاستصحاب على معنى من الثلاثة الأقسام ؛ أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الأخيران فنحن نشرط في صحّة الاحتجاج بالاستصحاب اتّحاد الموضوع الذي ثبت له الحكم في الزمن الأوّل بيقين ، وألّا يطرأ عليه في الزمن الثاني ما يوجب الشكّ في بقائه ، أو ما يحصل به يقين ارتفاعه ولو بحسب الظنّ الغالب لرجحان الدليل الرافع له.

فإذا كان هذا هكذا فنحن نمنع اتّحاد الموضوع أوّلاً ، ونقول : حدث ما يوجب الشكّ في بقاء التكليف بشرع موسى : أو عيسى : عليهما السلام إلى زمن الاحتجاج ، وأدنى ذلك يقين اختلاف الطبائع البشرية ومقتضيات حركات الأفلاك والأزمان ، ولا يكلّف اللّه

ص: 450

نفساً إلّا وسعها أي بما في وسعها قبوله بكمال الاختيار وكذلك جاءنا هذا النبيّ الكريم : صلى اللّه عليه وآله بدعوى الرسالة العامّة ، وأقام البراهين وأظهر المعجزات الدالّة على صدق دعواه بيقين ، وهي ثابتة بالتواتر على الإجمال.

وناهيك بالقرآن العظيم الذي عجز البلغاء عن أن يأتوا بمثل آية منه ، وغير ذلك ممّا يوجب يقين صدق دعواه.

ولا أقلّ من آية توجب الشكّ في بقاء التكليف بشرع موسى : أو عيسى : عليهما السلام إلى زمان محمَّد صلى اللّه عليه وآله :

ثمّ نقول أيضاً : لا يخلو إمّا أن يكون موضوع التكليف ببعثة موسى : أو عيسى : عليهما السلام حين قال أحدهما : إنّي رسول اللّه وأظهر المعجزات الدالّة على صدق دعواه ، شخصاً جزئيّاً أو أشخاصاً محصورة ، فلا ريب في قصره على ذلك ما أمكن تكليفه به ، وإن كان كلّيّاً من حيث هو كلّيّ في محصورة أو عامّة باعتبار تحقّقها بالأفراد فيرجع الحكم إلى الأفراد ، كان الحكم مصروفاً لقدر زمن أقلّها زمناً ، وإن تعلّق بالحقيقة الكلّيّة عمّ الحكم أزمان تلك الحقيقة ، وإن كان الحكم مطلقاً أي تعلّق به الحكم بعنوان الإطلاق ، لا بخصوص جزئيّة ولا كلّيّة ، عمّ الحكم أيضاً ؛ إذ لا يظهر صارف عن صرفه لأطولها استعداداً للامتداد.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنه على الكتابيّ أن يبيّن أن موضوع التكليف برسالة موسى : أو عيسى : عليهما السلام من أي الأقسام بالدليل ، وحيث لا دليل على تعيين قسم منها لا يتمّ الاستدلال له على دعواه بالاستصحاب.

ثمّ إن قال : إن موضوع التكليف برسالة موسى : أو عيسى : عليهما السلام شخص معيّن أو أشخاص معيّنة محصورة كان مقصوراً عليهم ، ففناؤهم وانقطاعهم يبطل احتجاجه بالاستصحاب.

وإن قال : إنه كلّيّ باعتبار تعلّقه بالأفراد ، أجبنا :

أوّلاً بمنع تكليف المعدوم وصحّة خطابه حتّى يقوم دليل على عموم إرادة تكليف

ص: 451

جميع من سيوجد من أفراد الطبيعة من خارج. ولا دليل له على أن هذا لا يصحّح خطاب المعدوم.

وبالجملة ، نمنع اتّحاد الموضوع فيبطل الاستدلال.

وثانياً بمنع تعلّق ذلك التكليف بكلّيّ النوع كذلك ، ولا يتمّ احتجاجه به إلّا بعد إثبات ذلك بالدليل ، ولا دليل.

وهذا وإن كان في الحقيقة آئلاً إلى منع اتّحاد الموضوع إلّا إنه بطريق خاصّ.

وإن قال : إن موضوع التكليف بشريعة موسى : أو عيسى : عليهما السلام هو الحقيقة النوعيّة من حيث هي ؛ فإن أراد أنه باعتبار تعلّقها بالأفراد ، فالجواب ما تقّدم من طلب الدليل على ذلك ومنع اتّحاد الموضوع. وإن أراد تعلّقه بها في نفسها ، من حيث هي كلّيّة لا بذلك الاعتبار أعني تعلّقها بالأفراد فذلك محال ؛ لأنه يؤدّي إلى تكليف ما لا تحقّق له في الخارج ، بل لا تحقّق له إلّا في الذهن بالتكاليف الخارجة ، واستحالته ظاهرة.

هذا ، ولنا أن نمنع عموم بعثتهما لجميع الموجود من أفراد الحقيقة حين بعثتهما بالذات.

وإن قال : الموضوع مطلق غير متعيّن في قسم من هذه الأقسام بطل استدلاله بالاستصحاب ؛ إذ لا يتمّ إلّا بعد إقامة الدليل على إرادة قسم معيّن منها ، ولا دليل ، مع أنه في الواقع غير خارج من الأقسام المذكورة. وقد أبطلنا الاستدلال على ذلك بكلّ قسم منها.

وأيضاً إن كان دعوى الكتابي أن موسى : عليه السلام أو عيسى : عليه السلام المعهود المعروف متّصف في نفسه بأنه رسول اللّه ، وأن وصف الرسالة ثابت له ، فنحن نسلّم ذلك ونؤمن به ونوجب اعتقاده على كلّ مكلّف ، لكن اتّصافه بذلك لا يستلزم تعدية تكليف من دعاه للعمل بشريعته لمّا بعثه اللّه إلى من لم يدعه.

وأيضاً إن صحّ للنصرانيّ الاستدلال بالاستصحاب على بقاء التكليف بشريعة

ص: 452

عيسى : عليه السلام إلى زمن الاحتجاج صحّ لليهوديّ الاستدلال به على بقاء التكليف بشريعة موسى عليه السلام : إلى زمن الاحتجاج ، وهكذا بالنسبة لإبراهيم ونوح وآدم : عليهما السلام ، بل جريان شريعة كلّ رسول في ذرّيّة قومه.

فإذن لا يتحقّق التكليف إلّا بشريعة آدم عليه السلام : فقط ، وما يجيب به النصرانيّ اليهوديّ نجيب به في رفع التكليف بما سوى شريعة محمَّد صلى اللّه عليه وآله.

وأيضاً الاستصحاب حجّة ما لم يعارضه دليل أقوى ، وقد ثبتت رسالة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : بالأدلّة القاطعة.

ثمّ قال أبو القاسم رحمه اللّه : ( ثمّ إنّك بعد ما بيّنا لك لا أظنّك رادّاً علينا أمر الاستصحاب في الحكم الشرعيّ بما ذكرنا في هذا المقام بأن تقول : يمكن أن يرد الاستصحاب فيها بمثل ذلك فيقال : إن الأحكام الواردة في الشرع إنّما يسلّم جريان الاستصحاب فيها إن ثبت كونها مطلقات لم تكن مقيّدة إلى وقت خاصّ واختفى علينا ، أو ممتدّة إلى آخر الأبد. والذي يجوز إجراء الاستصحاب فيه هو الأوّل ؛ وذلك لأنّ التتبّع والاستقراء يحكمان بأنّ غالب الأحكام الشرعيّة في غير ما ثبت في الشرع له حدّ [ ليست بآنية ولا (1) ] محدودة إلى حدّ معيّن ، وأن الشارع [ يكتفي في (2) ] ما ورد عنه مطلقاً في استمراره. ويظهر من الخارج أنه [ أراد (3) ] منه الاستمرار إلى أن يثبت الرافع من دليل عقلي أو نقلي.

فإن قلت : هذا مردود عليك في حكاية النبوّة.

قلنا : ليس كذلك ؛ لأنّ الغالب في النبوّات هو التحديد ، بل إنّما الذي ثبت علينا ونسلّمه من الامتداد القابل لأن نمتدّه إلى الأبد هو نبوّة نبيّنا صلى اللّه عليه وآله ، مع أنا لا نحتاج في إثباته إلى التمسّك بالاستصحاب حتّى يتمسّك الخصم بأن نبوّته أيضاً مردّدة بين الأُمور الثلاثة. بل نحن متمسّكون بما نقطع به من النصوص والإجماع.

ص: 453


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( غير ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( يكفي ).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( راد ).

نعم ، لو كنّا تمسّكنا بالاستصحاب في الدوام ، لاستظهر علينا الخصم بما نبّهناه عليه ) (1).

أقول : ورود ما ردّ به الاستصحاب في أمر النبوّة بعد تسليم جريانه في الأُصول وارد عليه في التمسّك به في الشرعيات قطعاً ، وحكم التتبّع والاستقراء بأن الغالب في الأحكام الشرعيّة في غير ما ثبت له حدّ في الشرع بعدم المحدوديّة غير دافع له :

أمّا أوّلاً ، فلجواز كون الفرد المتنازع فيه منها من غير الغالب.

وأما ثانياً ، فلأن ما أثبت الاستقراء والتتبع عدم تحديده بحدّ معيّن خارجٌ عن موضوع الاستدلال بالاستصحاب ، وكذلك القول في استفادة الاستمرار فيما ورد عن الشارع مطلقاً في كفاية الإطلاق في الحكم باستمرار الحكم. وكذا ما يظهر من الخارج أنه أراد من الإطلاق الاستمرار ؛ فإنه بعد تسليم ذلك واستفادته من تتبّع أكثر الموارد واستقرائها يخرج بالمسألة عن محلّ الاستدلال بالاستصحاب ؛ للغناء عنه حينئذٍ بما هو أقوى منه ، وليس البحث إلّا فيما لم يثبت استمراره بدليل غير الاستصحاب من المطلقات.

وردّه عليه في حكاية النبوّة لا يخلّصه منه دعوى أغلبيّة تحديد النبوات ، كما هو ظاهر. وليس البحث مع الكتابي في استصحاب نبوّة نبيّنا بعد ثبوتها ، فليس هو متمسّكاً في نفي استمرارها بالترديد الذي ذكره ، والمعصوم من عصمه اللّه.

ثمّ قال أبو القاسم :

( فإن قيل : قولكم بالنّسخ يعيّن الإطلاق ، ويبطل التحديد ؛ لان إخفاء المدة و [ عدم (2) ] بيان الأمر مأخوذ في ماهيّة النسخ ، وهو بعينه مورد الاستصحاب.

قلنا : ما سمعت من مخاصمتنا مع اليهود في تصحيح النسخ وإبطال قولهم في بطلانه ، إنّما هو من باب [ المماشاة (3) ] معهم في عدم تسليمهم [ التحديد (4) ] وإبطال

ص: 454


1- قوانين الأُصول : 300 ( حجري ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( عدوم ).
3- في المخطوط : ( المماشات ).
4- من المصدر ، وفي المخطوط : ( تحديد ).

قولهم لقبح النسخ. وإلا فالتحقيق أن موسى وعيسى : عليهما السلام أخبرا بنبوّة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : و [ كتاباهما ناطقان (1) ] به ، لا أن نبوّتهما مطلقة ونحن نبطلها بالنّسخ. فلمّا كان اليهود منكرين لنطق كتابهم ونبيّهم بذلك ، وزعموا دوام دينهم ، وإطلاق النبوّة ، وتمسّكوا بالاستصحاب من باب [ المماشاة (2) ] معنا ، وتمسّكوا ببطلان النسخ ، بناء عليه أيضاً ، فنحن نخاصمهم على هذا الفرض في تصحيح النّسخ ، وهذا لا يضرّ ما رددنا عليهم في تمسّكهم بالاستصحاب.

فإن قيل : أحكام شرع عيسى عليه السلام : مثلاً مطلقات ، والنسخ يتعلّق بالأحكام.

قلنا : إطلاق الأحكام مع اقترانها ببشارة عيسى عليه السلام : برسول بعده اسمُه أحمد صلى اللّه عليه وآله لا ينفعهم ، لاستلزامه وجوب قبول رسالته صلى اللّه عليه وآله ، وبعد قبولها لا معنى لاستصحاب أحكامهم كما لا يخفى ، فافهم ذلك واغتنم ) (3). هذا آخر ما رأيته منقولاً من عبارة ( القوانين ).

وأقول : ثبوت الإطلاق بالنسخ إن حقّق محلّ دعوى الاستصحاب مدفوع جريانه فيه بما ذكرناه من منع اتّحاد الموضوع وبعدم جريان شي ء من أقسام الاستصحاب في الاستدلال على المسألة. وفيه غنى عن التسليم ، والردّ بإخبار موسى وعيسى عليهما السلام : ؛ لأن ذلك بعد التسليم لا يقلع الشبهة ، لمنع الخصم من بشارتهما به.

وأيضاً الظاهر أن النصارى مُقِرّون بأن نبوّة عيسى عليه السلام : ليست مطلقة ، بل مغيّاة برسالة رسول [ اللّه ] أحمد صلى اللّه عليه وآله : وكذلك أحبار اليهود مقرّون يتغيّى رسالة موسى عليه السلام : وعدم إطلاقها إلّا المحرفين (4) منهم.

وبما ذكرناه يندفع احتجاج المحرّفين منهم بالاستصحاب ، وبإبطال دعواهم ( قبح النسخ ) يبطل احتجاجهم به على انتفاء نبوّة عيسى عليه السلام : ومحمَّد صلى اللّه عليه وآله : والاحتجاج لثبوت نبوّة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : بثبوت ظهور المعجزات مع دعواه الرسالة وإخبار موسى

ص: 455


1- في المخطوط : ( كتابهما ناطق ).
2- في المخطوط : ( المماشات ).
3- قوانين الأُصول : 300 - 301 ( حجري ).
4- في المخطوط : ( المحرفون ).

وعيسى عليهما السلام : بنبوته ، وتغيّيهما له بما تحقّق فيه دون من سواه من الأوصاف والسجايا طريقان آخران خارجان عن محلّ مسألتنا ، واللّه العالم.

ص: 456

[137] إخراج كنز : « وهي لنا خاصّة »

مسألة : روى الكلينيّ : بإسناده عن أبي الجارود : قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : يقول وذكر هذه الآية ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً ) (1) - : « رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أحد الوالدين ». فقال عبد اللّه بن عجلان : من الآخر؟ قال : « علي عليه السلام ونساؤه علينا حرام ، وهي لنا خاصّة » (2).

فما معنى : « وهي لنا خاصّة »؟

والجواب ، وباللّه المستعان من وجوه :

أحدها : إرجاع ضمير « وهي » لتحريم نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : بعده على جميع البشر أي ذلك من خواصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : دون غيره من بني آدم : فيحتمل حينئذٍ رجوعُ « لنا » [ إلى ] هذه الأُمّة عامّة أي اختصّوا بتحريم نساء نبيّهم بعده دون الأُمم ولأهل البيت خاصة أي أنا أهل بيت اختُصصنا بهذا الشرف ، بأن حرّم اللّه نساء نبيّنا وأبينا ومن نحن خلفاؤه دون أهل بيوتات الأنبياء وشرف محمَّد صلى اللّه عليه وآله : شرفهم ، فكان في معنى وهي لأبينا دون البشر طرّاً.

الثاني : أن يرجع المبتدأ (3) لتحريم نساء النبي صلى اللّه عليه وآله : وضمير « لنام » لأهل البيت عليهم السلام : -

ص: 457


1- العنكبوت : 8.
2- الكافي 5 : 420 / 2 ، وسائل الشيعة 20 : 413 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ب 2 ، ح 3.
3- أي الضمير : ( وهي ).

أي أنا ورثنا ذلك الشرف ، فنساؤنا محرّمة على من سوانا من البشر ، كما كان ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : وإن اختص هو بظهور هذا الشرف له من حين بعثته ، وهم لا تظهر وراثتهم له في ذلك. وأظن ظنّاً متاخماً للعلم أنه ورد ما يدلّ صريحاً على عموم تحريم نسائهم بعدهم كرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : فالجامع بينه وبين الإجماع على حلّ نسائهم بعدهم في دولة الباطل ، تخصيص ظهور ذلك التحريم بالنسبة لهم ، والتكليف به بزمن الرجعة.

الثالث : إرجاع المبتدإ إلى أُبوّة الرعيّة ، فرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أبٌ لجميع من دخل تحت دعوته غيباً وشهادة ، وكلّ إمام من خلفائه هو الأب الثاني لرعيّته. فهذه الفضيلة لهم خاصّة ، فإنها الأُبوّة الحقيقيّة ، وهي لهم دون من عداهم. فضمير « لنا » لهم ، ويحتمل حينئذٍ أيضاً إرجاعه للأُمّة على نحو ما تقدّم وإن كان ضعيفاً.

الرابع : إرجاع المبتدإ إلى توصية الإنسان بوالديه حسناً. والتوصية الحقيقيّة إنّما تكون للإنسان الحقيقيّ لا يكلف بها سواه ، وهو هم عليهم السلام خاصّة ، فهم مكلّفون بما لا يكلّف به غيرهم من المعرفة والتعظيم لذينك الأبوين. فابوّة محمّد وعليّ عليه السلام : لغيرهم إنّما هي من فاضل ابوّتهما ، كما أن علم غيرهم بهما من فاضل علمهم بهما ، وتكليفه بالإحسان لهما من فاضل تكليفهم ، واللّه العالم.

ص: 458

[138] هداية رحمن لكسر قلب شيطان : الشمس تغرب بين قرني شيطان

مسألة : شاع بين الأُمّة أن من لا ينطق عن الهوى قال : « الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان » (1) ، فما معناه؟

فنقول وباللّه المستعان - : اعلم أنه كما أن للعقل جنوداً [ فللجهل (2) ] جنود ، وهي أضداد جنود العقل ؛ للمضادّة بين الأصلين بحسب الذات ، فكما أن للعقل ملائكة يبثّها في عالم الكون والفساد في الليل ، وملائكة اخرى يبثّها فيه في النهار ، [ فكذلك (3) ] للجهل جنود هي شياطين يبثّها في الليل ، وجنود هي شياطين اخرى يبثّها في النهار ، يتعاقبون في البشر غير المعصوم منهم ، كما يتعاقب ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمع جنود الليل وجنود النهار في الساعة البرزخية بينهما.

وأكثر ما تهيج شياطين الليل عند الغروب ، وشياطين النهار عند الطلوع ؛ لأن أكثر ما يهيج [ من ] الأبخرة والأدخنة في عالم الكون والفساد عند الطلوع والغروب. وبغلبة الأبخرة والأدخنة يشتدّ تمكّن الشيطان من النفوس البشريّة ، وطمعه في [ غوايتها (4) ] لأنهما مجراه ومركبه ؛ ولذا ورد أنه أشدّ ما يتمكّن الشيطان

ص: 459


1- بحار الأنوار 53 : 182 / 11 ، 80 : 154.
2- في المخطوط : ( للجهل ).
3- في المخطوط : ( كذلك ).
4- في المخطوط : ( لوايتها ).

من ابن آدم : إذا ملأ بطنه (1).

فهذان الجندان اعني : شياطين الليل وشياطين النهار هما قرنا الشيطان أي مظهر قوته وآلة فعله وغوايته للنفوس ؛ لأن قرني ذي القرن هما مظهر قوته ، كاليدين للإنسان فلما كانت الشمس تطلع وتغرب بين وقتي [ شياطين (2) ] الليل وشياطين النّهار ، قيل : تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان.

ويؤيّد ما قلناه من تفسير القرنين بالجندين : شياطين الليل وشياطين النهار ما في رواية زيد النرسي : « إن الشمس تطلع بين قرني شيطان ، وتغرب بين قرني شيطان ، إلّا ليلة القدر » (3) ، فإن السرّ في استثنائها أن ليلة القدر ينزل فيها من الملائكة على اختلاف أصنافها ما تغصّ به السكك ويملأ [ الهواء (4) ] ، وما بين الأرض والسماء ؛ فيضعف بذلك ظهور قرني الشيطان ، بل لا يتحقّقان ؛ إذ لا محلّ لهما ولا قوة لهما على الظهور حينئذٍ ؛ لما يحصل من نزول تلك الملائكة من القوّة للنفوس المطمئنّة ، ومن الضعف للنفوس الأمّارة ، ومن حيث نزول تلك الملائكة على تلك الحال نفسه فلا يظهر مع ذلك قرنا الشيطان ، فهي لا تطلع تلك الليلة بين قرني شيطان ، ولا تغرب بين قرني شيطان ، واللّه العالم.

ص: 460


1- انظر بحار الأنوار 63 : 331 / 5 ، 336 / 25 ، 337 / 33.
2- في المخطوط : ( شيطان ).
3- بحار الأنوار 80 : 150 / 13 ، باختلاف. وفيه عن كتاب الراوندي ، غير أن في هامشه ذكرت نسخة بدل أنه من كتاب زيد النرسي.
4- في المخطوط : ( الهوى ).

[139] لؤلؤة فقهية : الوصيّة إلى المملوك

مسألة : لو دبّر إنسان مملوكه ، وأوصى له بشي ء فما حكمه؟

والجواب ، ومن اللّه استمداد الهداية : أن التدبير وصيّة للمملوك بثمنه ، فالوصية والتدبير صحيحان وإن وقعا معاً ، ولا يفسد أحدهما الآخر ، لا نعلم فيه مخالفاً ولا يظهر له مانع. وإطلاقات أخبار التدبير والوصيّة لمملوك الموصي (1) تدلّ على صحّتهما معاً ، والظاهر أنه إجماع. ولا تفسد وصيّته وصية أُخرى إذا [ أُخرجا (2) ] من الثلث ، أو أجاز الوارث ، والتدبير وصية.

إذا عرفت هذا ، فلا يخلو إما أن يتقدّم التدبير ، أو الوصية ، وعلى الأوّل ننظر ؛ فإن وسعهما الثلث أو أجاز الورثة أُعتق وأُعطي الوصيّة وإن قصر ، فإن وسع قدر ثمنه أُعتق ، وإن وسع الثلث شيئاً من الوصيّة اعطي أيضاً ، وإلّا اقتُصر على عتقه بالتدبير ؛ لأنهما وصيّتان متعاقبتان فيبدأ بهما الأولى فالأولى ، وإن قصر الثلث عن ثمنه انعتق منه بقدره ، واستسعي في الباقي للورثة.

وعلى الثاني ؛ فإن وسعهما الثلث ، فكما مر من نفوذهما فينعتق ويعطى الموصى له به ، وإلّا فإن وفت الوصيّة أو قيمتها بقيمته انعتق ، وإلّا انعتق منه بقدر الثلث ، واستسعي في الباقي. ولو وفت الوصيّة ببعض قيمته انعتق منه بنسبتها من قيمته ،

ص: 461


1- وسائل الشيعة 19 : 302 - 307 ، كتاب الوصايا ، ب 18.
2- في المخطوط : ( خرجا ).

والباقي بالتدبير إن وفى الثلث بهما ، وإلّا انعتق بالتدبير بقدر ما بقي من الثلث أيضاً ، واستسعي في الباقي.

هذا ما ظهر لي من قواعد الوصيّة والتدبير وأخبار البابين بلا خلاف ولا معارض فيهما ظهر ، ولا يظهر لي خلاف في إجراء التدبير مجرى سائر الوصايا في ترتّبه على ما سبقه ، وترتب ما لحقه عليه. فلا يُتوهّم أن الوصيّة للمدبّر من [ مولاه (1) ] تلغي حكم التدبير ، فيجري مجرى القن الموصى له بشي ء حينئذٍ.

وما في مثل عبارة المحقّق الشيخ علي : في ( شرح القواعد ) (2) والشهيد : في ( المسالك ) (3) و ( الرّوضة ) (4) وابن شجاع : في ( معالم الدّين ) وابن سعيد : في ( الجامع ) (5) في بحث الوصيّة للمملوك ، وأنه ينعتق بالوصيّة من قولهم ، ولا فرق في ذلك بين القنّ وغيره الإشارةُ منهم جميعاً لصحّة الوصيّة للمملوك خاصّة ، كما يشهد به بحثهم في باب التدبير ، فتدبر. واللّه العالم بحقيقة أحكامه وصلّى اللّه على محمّد وآله.

ولو جامع التدبير الاستيلاد انعتقت بالتدبير وإن سبقه الاستيلاد ، فإن وفى الثلث بثمنها ، وإلّا أُكمل من سهم ولدها. ولو أوصى لأُمّ ولده بشي ء مطلقاً انعتقت من نصيب ولدها ، وأُعطيت الوصيّة على أشهر القولين وأظهرهما. ولو اجتمعت ثلاثة : الاستيلاد ، والتدبير ، والوصيّة انعتقت من الثلث بالتدبير إن وسع الثلث ثمنها ، وإلّا أُكمل من نصيب ولدها.

هذا ما يظهر من قواعد الباب وأخباره ، واللّه العالم بحقيقة أحكامه ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد : وآله الطّاهرين.

ص: 462


1- في المخطوط : ( موالات ).
2- جامع المقاصد 10 : 82.
3- مسالك الأفهام 10 : 511.
4- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 6 : 495.
5- الجامع للشرائع : 408.

[140] رفع وهم وبيان فيه رجم شيطان : هل يمكن أن يوجد أفضل من محمّد صلى اللّه عليه وآله : أم لا؟

مسألة : بلغني أنه سأل بعض ملوك الفرس بعض علمائهم ؛ هل يقدر اللّه عزّ اسمه وتعالى عمّا يصفون أن يخلق أفضل من محمَّد صلى اللّه عليه وآله : أم لا؟

ولعلّ الجواب ومن اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله : [ استمداد الصواب ] - : أن من عرف بعض حقيقة الحال ، لم يسأل هذا السؤال ، وذلك أن قدرة اللّه القادر على كلّ شي ء لا تنسب إلى عجز ، ولا توصف بنقص ، و [ لا ] تحدّ بحدّ ، ولا منتهى لها ، فسبحان القادر على أبديّة إمداد أهل الجنة بالنعيم ، وأهل النار بالعذاب الأليم. وهو سبحانه سبب من لا سبب له ، ومسبب الأسباب من غير سبب ، وهو على كلّ شي ء قدير ، وبكلّ شي ء محيط. ولكن خزانة ينبوع الإمكان لا تسع بفطرتها وجوداً مثل وجود محمَّد صلى اللّه عليه وآله ، فضلاً عن [ وجود ] أفضل منه.

والأدلّة على هذا لا تحصى ، وجميع الموجودات بفطرها ووجوداتها وصفاتها ، كما تدلّ على وحدانيّة الباري عزّ اسمه وتعالى تدلّ على ذلك. ولنشر إلى بعض الطرق ؛ ليتبصّر بها النّاظر على سبيل الإجمال :

ص: 463

الأول : أنه قد قام البرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً (1) على أنه ليس فوق رتبة وجود محمَّد صلى اللّه عليه وآله : إلّا رتبة الوجوب الذاتيّ ، فهو نور الزيت الّذي يكاد أن يضي ء ولو لم تمسّه نار المشيئة. فإمكانه مستهلك في وجوده ، لشدّة استنارته به ومناسبته (2) له ، فهو أقوى إمكان ؛ لقابليّته لحمل هذا الوجود المطلق ، ولأنه ينبوع فوارة الإمكان على الإطلاق. فكلّ إمكان دونه هو مبدؤه ومنتهاه ، وبابه إلى اللّه ، وأضعف أنواع الإمكان من حيث هو إمكان لشدّة قربه من الوجود ، وقبوله لصفاته ولوازمه ، وهو الّذي له مع ربّه حالات هو فيها هو ، وهو هو ، وهو (3) [ المخاطب (4) ] عن اللّه جميع الخلائق ب- ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (5).

فإذ ثبت أنه لا يمكن أن يكون لهم ربّان ، لا يمكن أن يقبل الإمكان مثل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : ؛ لأنه الّذي أقامه اللّه مقامه في كلّ مقام دليلاً على ذاته وصفاته ، وهو الواحد بكلّ معنًى فلا يكون أوّل صادر منه ، والدليل عليه الجامع لجميع الدلالات إلّا واحداً ، فهو مجمع الشؤون وجامع الصفات [ ومنقطعها (6) ] وهو المثل الأعلى والاسم الأعظم الّذي استأثر اللّه به في علم الغيب عنده ولم يظهره لغيره من جميع الخلق ، فلا يعلمه إلّا هو.

ولا يمكن أن يكون للواحد المطلق مثلان ، فلو وسع عرصة الإمكان أن يكون لوجود محمَّد صلى اللّه عليه وآله : مثل ، لما كان الواجب عزّ اسمه وتعالى واحداً بالوحدة الحقيّة ، بل كان فيه ضرب من التركيب سبحانه وتعالى ، فيؤول السؤال إلى أنه هل (7) يكون الواجب ممكناً أم لا؟ والواحد من كلّ وجه مركّباً أم لا؟ فيكون ولا ينافي عموم قدرة اللّه

ص: 464


1- انظر بحار الأنوار 16 : 299 - 401 ، ب 11.
2- إشارة لقوله تعالى : ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ) . النور : 35.
3- انظر شرح العرشية 2 : 132.
4- في المخطوط : ( الخاطب ).
5- الأعراف : 76.
6- في المخطوط : ( ومنقطتها ) ، ويحتمل أنه : ( ومنطقتها ).
7- في المخطوط بعدها : ( ان ).

تعالى ؛ إذ من البيّن أن السؤال : هل يمكن اتّصاف الواجب تعالى بصفات الإمكان؟ مع سقوطه لا ينافي عموم قدرة اللّه على كلّ شي ء ، ولا تنسب قدرته تعالى إلى عجز.

الثاني : أن عرصة خزانة الإمكان لا تقبل مثلاً لمحمّد صلى اللّه عليه وآله : وإلّا لوجد ؛ لأنّ الباري عزّ اسمه جواد مطلق ، وقادر مطلق ، وعالم مطلق ، فلا يبخل على مستحقّ بما يستحقّ ، فلو قبلت مادّة الإمكان وجوداً مثل وجود محمَّد صلى اللّه عليه وآله : معه لوجد معه ، ولا يظلم ربّك أحداً ولا يكلّف شيئاً إلّا بما يقبله باختياره ، بل ما يسأله باختياره من بارئه بلسان قابليّته. وإذ لم يوجد لمحمّد صلى اللّه عليه وآله : شبهٌ معه ، عُلم أن مادّة الإمكان غير قابلة له ، ولا يلزم من ذلك عجز في قدرة العليم القهّار.

ولذلك أمثلة كثيرة في الموجودات ، فالثمرة لا تظهر إلّا من الشجرة ، ولا تظهر من النواة قبل أن تكون شجرة ، لا لعجز في القدرة ، بل لعدم أطاقه النواة لذلك ، وعدم قبولها له باختيارها.

فعلى هذا يرجع السؤال إلى أنه هل يمكن اتّصاف الجواد المطلق ببخل أم لا؟ وهذا ساقط متناقض بالضرورة ، فإذا ثبت بالبرهان المتضاعف أنه لا تقبل مادّة الإمكان مثلاً لمحمّد صلى اللّه عليه وآله : ثبت أنه لا تقبل أشرف منه بطريق [ أَولى (1) ].

وأيضاً لو فرض أن مادّة الإمكان تقبل أفضل منه [ للزم (2) ] أنه صلى اللّه عليه وآله ليس هو الباب الأعظم من اللّهِ تعالى ، بل ما فرض هو الواسطة الكلية من اللّه تعالى والدليل الجامع الدلالات على الذات والصفات ، فإذا لم يكن موجوداً بالفعل لزم انسداد باب الجود ، وألّا يوجد شي ء دونه في الرتبة ، وقد وجد الخلق ، فمَن وَاسطتهم وسببهم إلى اللّه؟ ولزم أن [ لا ] يوجد محمَّد صلى اللّه عليه وآله : لأن سببه وبابه إلى اللّه لم يوجد ، ولم ينفتح وانقطعت السفارة من الخلق إلى الحقّ ، ولزم الفصل بين الحقّ والخلق بعدم ، ولزم بخل الجواد المطلق بأعظم جوده ، وأشدّ ما يحتاج إليه الخلق ، ولزم ألّا يوجد أقرب الخلق إلى اللّه.

وكلّ ذلك مستحيل بالضرورة ، ويلزمه مفاسد لا تحصى ، وألّا يعرف أحد ربّه.

ص: 465


1- في المخطوط : ( أولا ).
2- في المخطوط : ( لازم ).

وأيضاً لا تقبل مادّة الإمكان مثل محمَّد صلى اللّه عليه وآله : معه ، بل ذلك مستحيل ذاتيّ ؛ لما يلزمه من تعطيل جود الجواد المطلق بذاته ، أو تركّب ذات الباري عزّ اسمه وتعالى. فإنّا إن فرضنا أن مادّة الإمكان تسع من هو أشرف من محمَّد صلى اللّه عليه وآله : لزم الأوّل ؛ لأن المفروض في السؤال عدم وجود من هو أشرف الممكنات وأقربهم إلى اللّه تعالى ، وهو باب الجود والرحمة العامّة ، وعلّة كلّ موجود ، فإذا عدمت العلّة لم يوجد المعلول ، مع أنه فرض مستحيل بالضرورة ، لضرورة وجود الجود.

وإن منعنا صحّة هذا الفرض واستحالته ، لزم من فرض وجود المماثلة له معه فرض تركّب ذات الواجب عزّ اسمه وتعالى ، لضرورة لزوم تعدّد مبدئهما وجهة صدورهما ؛ إذ لا يمكن صدور شيئين من مبدأ واحد ، من جهة واحدة ، من كلّ وجه ، وقد برهن على هذا في الحكمة (1). فإذا امتنع فرض وجود المماثل امتنع فرض وجود الأشرف بطريق الأولويّة.

وعلى كلّ حال ، [ فمآل ] هذا السؤال إلى أنه هل يصحّ فرض قيام صفات الإمكان والحدوث بذات الواجب أم لا؟ فيلزمه أن السؤال : هل يصحّ فرض إمكان الواجب أم لا؟ وهو ضروري السقوط ، فلا ينافي عموم قدرة اللّه تعالى على كلّ ما يشاء بالضرورة.

وهذا السؤال الساقط المستحيل الذاتيّ يشبه ما سأل به بعضَ المتشبهين بالطلبة بعضُ الجهال في زماننا ألقاه الشيطان على لسانه ؛ لعدم علمه بجهله ، وصورته : هل يقدر اللّه تعالى وتقدّس عمّا يصفون أن يخلق له مثلاً أم لا؟ وما درى المسكين الجاهل أن هذا السؤال أشبه بالزندقة من الإيمان ؛ لأنه سؤال صريحه أنه هل يمكن أن يكون الواجب ممكناً مخلوقاً أم لا؟ وهل يمكن أن يكون للواجب مثل أم لا؟ وهو ساقط بالضرورة ، وفيما ذكرناه كفاية لرده.

ص: 466


1- انظر في ذلك محصل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : 152.

[141] بيان نفسيّ لحديث قدسيّ : حديث « كنت سمعه وبصره »

ما الجمع بين ما جاء في الحديث القدسيّ « فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به ، وبصره الّذي يبصر به .. ويده [ التي (1) ] يبطش بها » (2) ، وبين ما جاء عنهم عليهم سلام اللّه - « نحن سمع اللّه وعينه ويده ولسانه؟ » (3) فالأوّل يدلّ على أنه تعالى سمعهم وبصرهم ويدهم ، والثاني يدلّ على أنهم عليهم السلام سمعه وبصره ولسانه ويده.

ولعلّ الجواب بطريقين :

أحدهما : أنه جاء عنهم عليهم سلام اللّه أنهم قالوا « لنا مع ربنا حالات نحن فيها هو ، وهو فيها (4) نحن ، وهو هو ، ونحن نحن » (5) ، ففي تلك الحالات هو سمعهم وبصرهم ولسانهم ويدهم ، وهم سمعه وبصره ولسانه ويده ، وفي غيرها هو سمعهم وبصرهم ولسانهم ويدهم ، دون العكس ، بل يمكن التعاكس في كلّ حال بوجه ؛ فإنهم لا ينطقون عن الهوى ، ولا يبصرون عنه ، ولا يبطشون عنه على حال. كلّ ذلك من غير لزوم تشبيه ولا نقص في وحدانيّة الباري ، تقدّس وتعالى.

الثاني : أن معنى الحديث القدسيّ : أن المؤمن ينظر ويسمع بنور اللّه ، وينطق بنور

ص: 467


1- من المصدر ، وفي المخطوط : ( الذي ).
2- بحار الأنوار 67 : 22 / 21.
3- بصائر الدرجات : 61.
4- ليست في المصدر.
5- شرح العرشيّة 2 : 132 ، وفي رواية فيه : « إلّا إنه هو ، ونحن نحن ».

اللّه وحكمته ، معبّراً عنه أي النور الّذي خلق منه واللّه تعالى يمدّه بعلمِه ، وعلمُه بنوره وقدرته ، ويفجّر من لسانه ينابيع الحكمة بذلك أبداً ، فيظهر ما في قوّته إلى فعله. فهم عليهم سلام اللّه لا يشاؤون الّا ما يشاء اللّه ؛ فقلوبهم وكر مشيئة اللّه تعالى ، ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) أبداً في كلّ حال.

فهو تعالى بهذا الاعتبار عينهم وسمعهم ويدهم ولسانهم إلى آخره. فأمرهم أمر اللّه ، ونهيهم نهي اللّه ، فطاعتهم طاعته ، ومعصيتهم معصيته. كلّ ذلك على سبيل الحقيقة ، وليس فيه تجوّز بوجه ، وهم عليهم السلام عينه [ الّتي (1) ] ينظر بها عباده نظرة الرحمة ، بل والنقمة ، ويده المبسوطة على بريته بالجود ، بل والقهر والبطش ، ولسانه المعبّر عنه بالحقّ إلى خلقه.

وبالجملة ، فهم عليهم السلام بابه الأعظم ، وسبيله الأقوم لجميع خلقه ، فلا وجود ولا كمال ولا جود مطلقاً إلّا وهم بابه وسبيله وواسطته وشفعاؤه إلى اللّه ، و [ هم (2) ] هداة الخلق إلى كلّ كمال وجمال وجلال ، فلهم النعمة على جميع الخلق ، حتّى في أصل وجود ذاتهم وبقائهم ورزقهم وحياتهم وموتهم ومبدئهم ومعادهم ، فلا منافاة بين الحديثين بوجه ، واللّه العالم.

ص: 468


1- في المخطوط : ( الذي ).
2- في المخطوط : ( هما ).

[142] فصّ يمانيّ في فحص فقهيّ : مسألة ما لو ترك سجدة أو تشهداً وشكّ في تعيينه

مسألة : لو قام رجل للثالثة في رباعية ، وبعد استقلاله قائماً ، تيقّن أنه ترك واجباً : إما سجدة ، وإما التشهد ، ولم يقطع بتعيين المتروك ، [ فما (1) ] ما حكمه؟

الجواب : ما يحضرني لفقهائنا شي ء ، وفيها ثلاثة أوجه :

الأوّل : أنه يهدم القيام ويجلس ؛ لأن من تيقّن أنه ترك واجباً بعد قيامه ، وجب عليه هدم ذلك القيام ، لتلافي ما ترك ، وهذا قد تيقن أنه ترك واجباً ، فيجب عليه هدم هذا القيام ، ولا يجوز له المضيّ فيه ؛ لأنه منهيّ عنه ، والنهي في العبادة يستلزم الفساد. فبقاؤه قائماً حينئذٍ مبطل ، فإذا كان حينئذٍ شاكّاً في السجدة فيجب عليه تلافيها ؛ لأنه في محلّه ، ولم يدخل في عمل آخر. فإذا سجد كان شاكّاً في التشهد فيجب عليه تلافيه ؛ لأنه في محلّه ، ولم يدخل في عمل آخر ينافيه.

وهذا وإن استلزم زيادة واجب في الواقع إلّا إنا نمنع بطلان الصلاة بمثله ؛ إذ ليس هو بركن ، ونمنع شمول أدلّة بطلان الصلاة بتعمّد زيادة واجب لمثل هذا ؛ فإنه ليس عمداً محضاً ، والبطلان إنّما هو لتعمّد زيادة واجب محضٍ ، وهذا إنّما هو فيه

ص: 469


1- في المخطوط : ( ما ).

بحسب اللزوم الواقعيّ ، وهذا هو الأقرب الأوجه عندي.

الثاني : ما يظهر من كلام الشيخ حسين : في ( شرح المفاتيح ) و [ اختاره (1) ] بعض الطلبة من المعاصرين من أهل البحرين ، وهو أنه حينئذٍ يتمّ الصّلاة ولا شي ء عليه. ووجّه بأنه بعد استقلاله قائماً شاكّ حينئذٍ في كلّ من التشهّد والسجدة ؛ لعدم قطعه في كلّ منهما بعدم تركه ، والشكّ في كلّ منهما بعد القيام لا عبرة به.

وهذا وإن استلزم نقصان واجب في الواقع بيقين ، لكنا نقول : بعدم ضرره في مثل هذا ، ونمنع شمول أدلّة بطلان الصلاة بنقص واجب عمداً لمثل هذا ؛ لأنه ليس بعمد محض.

وفيه أنا نمنع صحّة هذا القيام بعد تيقّن ترك واجب ، وهذا قد تيقّن بعد قيامه أنه ترك واجباً بيقين ، فيجب هدم هذا القيام لتلافيه. فالمضيّ فيه منهيّ عنه ، وهو يستلزم الفساد.

فإن قلت : نمنع وجوب هدم القيام لتلافي واجب غير معلوم بشخصه.

قلنا : يكفي في وجوب هدم هذا القيام القطع بترك واجب ولو لم يتشخّص بعينه بل اشتبه بغيره. وهذا حينئذٍ قاطع بأنه أهمل واجباً ، وعموم النصّ والفتوى يشمل المتشخّص والمشتبه بغيره ، والإطلاقات تتناوله.

الثالث : ما أفتى به بعض الطلبة من أهل البحرين المعاصرين أيضاً ، وهو بطلان الصلاة حينئذٍ. ووُجّه بأنه حينئذٍ إن عمل بالوجه الأوّل لزم زيادة واجب في الواقع قطعاً عمداً ، وإن عمل بالثاني لزم ترك واجب في الواقع قطعاً عمداً ؛ فالوجه البطلان.

ونمنع عموم شمول أدلّة البطلان بزيادة مثل هذا الواجب المشتبه بغيره ونقصانه.

وزاد بعض طلبة أهل البحرين على القول بالمضيّ وجوبَ قضاء [ السجدة (2) ] والتشهّد وسجود السهو ، مقدماً للسجود ثمّ التشهّد ثمّ سجود السهو ؛ لأنهما يجب قضاؤهما مع الفوات ولا يعين لفوات واحد منهما بعينه ، فوجب قضاؤهما ؛ ليحصل يقين البراءة منهما.

ص: 470


1- في المخطوط : ( اختار ).
2- في المخطوط : ( سجدة ).

وفيه أن السجدة والتشهّد إنّما يقضيان إذا تركا سهواً ، ولم يذكرا إلّا بعد الدخول في واجب ركني ، وليس هذا كذلك ، ولأن المتروك منهما يجب تلافيه بعد التسليم بلا فصل ، فلا يحصل بقضاء واحد منهما خاصّة أو كليهما يقين البراءة.

وأيضاً نمنع وجوب قضاء مثل هذا الفائت ، ونمنع شمول أدلّة وجب قضاء المتروك منهما في مثل هذه الحالة ، وإنّما يجب قضاء الفائت منهما سهواً محضاً. وهذا ممّا يستأنس به لضعف الوجه الثاني وتقوية الأوّل.

وممّا يضعفه أيضاً ويقوّي الأوّل أنه لو وقع هذا الشكّ قبل أن يستقلّ قائماً ، فإنه لا ينبغي الشكّ في أنه يجب عليه القعود والعمل بالوجه الأوّل من تلافي السجود ؛ لشكّه فيه وهو في محلّه لم يدخل في عمل آخر يوجب إلغاء الشكّ وعدم اعتباره ، فإذا سجد سجدة وجب التشهّد لما ذكرناه.

وتعليله غير جارٍ في هذه الصورة ؛ فلا بدّ حينئذٍ من العمل بالأوّل ، والقول بالبطلان لا يتمّ في هذه الصورة ؛ لعدم جريان دليله فيها ، فإذا هدم القيام المنهيّ عنه ؛ لوقوعه في غير محلّه قطعاً للقطع بترك واجب ، كان كمن عرض له الشكّ قبل استقلاله قائماً ؛ لوجوب هدم هذا القيام.

ومع هذا فالمسألة لا تخلو من الإشكال ، والمخلص منه إكمالها على الوجه الأوّل وسجود السهو ثمّ الإعادة ؛ سواء كان الشكّ واليقين قبل القيام أو بعده. وأحوط منه إضافة قضاء السجدة والتشهّد بعد التسليم مقدّماً لقضاء السجدة ، لسبقها على التشهّد على سبيل الأولويّة ، واللّه العالم.

ص: 471

ص: 472

[143] جمع مفترقين ونكاح جنسين : جواز نكاح الجنّ

مسألة : هل يجوز للبشر نكاح الجنّ أم لا؟

لم أقف على من تعرّض [ لهذه المسألة ] إلّا الشيخ سليمان الماحوزيّ : في ( أزهار الرياض ) ، قال رحمه اللّه : ( لم أقف في هذه المسألة لأصحابنا على كلام نفياً وإثباتاً ).

وذكر اختلاف العامّة في المسألة ، وأدلّة المانِعين منهم والمجوزين ، واختار هو الجواز ، واستدلّ عليه بأصالة الجواز وأصل الإباحة ، وبعموم ما دلّ على شرعيّة النكاح والترغيب فيه (1) ، وعدم ثبوت كون اختلاف الجنس مانعاً ، وبما رواه عن أبي هريرة : قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إن أحد أبوي بلقيس كان جنّيّا » (2).

وبما رواه الصدوق : في ( من لا يحضره الفقيه ) بإسناده عن القاسم بن عروة : عن بريد العجلي : عن أبي جعفر عليه السلام : قال : « إن اللّه تعالى وتبارك أنزل على آدم عليه السلام : حوراء من الجنة ، فزوّجها أحد ابنيه ، و [ تزوّج (3) ] الآخر ابنة الجانّ ، فما كان في الناس من جمال كثير أو حسن خلق فهو من الحوراء ، وما كان فيهم من سوء خلق فهو من ابنة الجانّ » (4).

قال رحمه اللّه : ( وإذا ثبت جوازه في الشرائع المتقدّمة ثبت جوازه في شريعتنا ؛ لعدم

ص: 473


1- وسائل الشيعة 20 : 13 - 26 ، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، ب 1 - 2.
2- بحار الأنوار 60 : 312 ، وليس فيه لفظ : « إن ».
3- من المصدر ، وفي المخطوط : ( زوج ).
4- الفقيه 3 : 240 - 241 / 1137 ، وسائل الشيعة 20 : 364 ، أبواب ما يحرم بالنسب ، ب 3 ، ح 2.

ثبوت نسخه ) (1) ، انتهى.

وأقول : ما اختاره رحمه اللّه تعالى من الجواز هو الحقّ ، للأصل السالم من المعارض ، ولظاهر قوله تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (2).

وظاهر عموم قولهم عليهم السلام : « كلّ شي ء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه » (3).

ولما رواه في ( من لا يحضره الفقيه ) (4) من الحديث المذكور ، ومضمونه مرويّ بطرق متعدّدة لا تخفى على المتتبع مع عدم ورود نسخه ، [ فاستصحب (5) ] مشروعيّته. حتّى يثبت المزيل الناقل عن يقين المشروعيّة.

ولخبر تزويج أمير المؤمنين عليه السلام [ أحدهم ] جنّية من جنّ وادي نصيبين (6).

ولأن نكاح الجنّيّة بدون أن تكون في صورة البشر محال على البشر ، فإذا صارت في صورة البشر جرى عليها أحكام البشر فصحّ نكاحها ، ودخلت في أدلّة جواز نكاح البشر كتاباً وسنةً وجماعاً ؛ لأن الأحكام الشرعيّة تدور على الصورة النوعيّة الّتي هي مظهر الماهيّة حِلّا وتحريماً ، ونجاسةً وطهارةً.

ولا ينافيه جواز تمكّنها من التشكّل بغير تلك الصورة حينئذٍ ، وإمكان ظهورها في غيرها ؛ فإن المدار على الصورة المنكوحة حال النكاح ، لا على الحقائق العينيّة ، فإنا ننكح بعض المسلمات من البشر ونحن نعلم أن حقيقتها العينيّة وصورتها النفسيّة بل الخياليّة كلب أو خنزير أو قرد أو غير ذلك ، لكن حلّ لنا نكاحها بحسب الصورة الظاهرة المحسوسة.

ص: 474


1- أزهار الرياض : 69 - 70 ( مخطوط ).
2- البقرة : 29.
3- الكافي 5 : 313 / 40 ، الفقيه 3 : 216 / 1002 ، تهذيب الأحكام 7 : 226 / 989 ، وسائل الشيعة 17 : 89 ، أبواب ما يكتسب به ، ب 4 ، ح 4.
4- بحار الأنوار 11 : 236 / 18 ، 244 / 39 ، 40.
5- في المخطوط : ( فستصحب ).
6- انظر : الخرائج والجرائح 2 : 826 / 39 ، الأنوار النعمانيّة 1 : 83 - 84 ، بحار الأنوار 42 : 88 / 16 ، وفيها : جنيّة من أهل نجران يهوديّة اسمها سحيقة بنت جريريّة ، حيث تمثّلت بمثال أُمّ كلثوم ابنة أمير المؤمنين عليه السلام ؛ كي يزوّجه عليه السلام بها بعد أن طلب منه أن يزوّجه من ابنته أُمّ كلثوم.

وأمّا الاستدلال على الجواز بخبر أبي هريرة : ففيه مع شدّة ضعفه وخروجه عن أخبار الفرقة أن دلالته موقوفة على ثبوت نكاح سليمان عليه السلام : لها ، وإلّا احتمل فيه إن سلم أنه نكاح على غير وفق الشريعة. وقد وقفتُ في كلام بعض الأُدباء المأمونين ، نقلاً من حاشية السيد نور اللّه الشوشتري : على البيضاوي : على ما لفظه : ( قال السيد المرتضى : في كتابه الموسوم ( بصحيفة الحقائق ) رواية عن معاوية بن عمار : سألت الصادق عليه السلام : عن آدم عليه السلام : أكان يزوّج ابنته من ابنه؟ فقال : « معاذ اللّه ، لو فعل ذلك ما رغب عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وما كان دين آدم : إلّا دين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : إن اللّه تعالى لما أهبط آدم : وحوّاء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حواء قابيل : ثمّ ولدت هابيل : فلما أدرك قابيل : أظهر اللّه له جنّيّة من الجنّ يقال لها جمانة : في صورة إنسيّة : فأوحى اللّه إلى آدم : أن زوّجها من قابيل » ) الخبر.

وفيه دلالة واضحة على عدم نسخ ذلك ، وعلى أنه إنّما نكحها في صورة إنسيّة ، فعلى الصورة دار الحكم ، واللّه العالم.

ص: 475

ص: 476

[144] تحقيق حال وإظهار كمال : مسألة التوأمين أيهما أكبر؟

مسألة : لو وضعت امرأة توأماً ، فأيّهما أكبر ؛ أهو الخارج أوّلاً أو أخيراً؟

الجواب الأظهر أن الأكبر هو الّذي خرج أخيراً. والدليل عليه ما رواه الكليني : عن محمّد بن يحيى : عن أحمد بن محمّد بن عيسى : عن علي بن أحمد بن أشيم : عن بعض أصحابه قال : أصاب رجل غلامين في بطن ، فهنأه أبو عبد اللّه عليه السلام : وقال : « أيّهما أكبر؟ » فقال : الّذي خرج أوّلاً. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « الّذي خرج أخيراً هو أكبر ، أما تعلم أنها حملت بذلك أوّلاً ، وأن هذا دخل على ذلك ، فلم يمكنه أن يخرج حتّى خرج هذا. فالّذي يخرج أخيراً هو أوّلهما » (1).

ورواه الشيخ بسنده عن محمّد بن يعقوب : إلى آخر السند (2).

وهذه الرواية لم يظهر لها معارض من عقل ولا نقل ولا إجماع ، بل لعلّ الدليل الاعتباريّ يساعدها.

وفي إيراد رائسي الفرقة وشيخيها لهذه الرواية من غير ردّ لها ولا ذكر لما يعارضها من الأخبار ، ولا تصريح يطّرحها وعدم العمل بها دليل على أنهما عاملان بها ، خصوصاً شيخ الطائفة : فان ديدنه في ( التهذيب ) الكلام على ما لا يوافق رأيه

ص: 477


1- الكافي 6 : 53 / 8 ، وسائل الشيعة 21 : 497 ، أبواب أحكام الأولاد ، ب 99 ، ح 1.
2- تهذيب الأحكام 8 : 114 - 115 / 395.

من الأخبار الّتي يوردها فيه ، بتأويل أو طرح وبذكر ما يعارضه من الأخبار.

ويدلّ عليه أيضاً مرسل جامع ابن سعيد : قال : وروى أن أكبرهما آخرهما خروجاً (1).

وممّا يستأنس له به ما في ( الكافي ) بسنده عن الثمالي رضى اللّه عنه : قال : سألت أبا جعفر : عليه السلام الخبر إلى أن قال عليه السلام - « وللرحم ثلاثة أقفال : قفل في أعلاها ممّا يلي السرة من الجانب الأيمن ، والقفل الآخر في وسطها ، والقفل الآخر أسفل الرحم ، فيوضع بعد تسعة أيام في القفل الأعلى ، فيمكث فيه تسعة أيام وعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس و [ التهوّع (2) ]. ثمّ ينزل إلى القفل الأوسط ، فيمكث فيه ثلاثة أشهر ، وسرّة الصبي فيها مجمع العروق : عروق المرأة كلّها ، منها يدخل طعامه وشرابه من تلك العروق. ثمّ ينزل إلى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر ، ثمّ تطلق المرأة فكلّما طلقت انقطع عرق من سرة الصبي » (3) الخبر.

وكذلك جميع الأخبار (4) الدالّة على مقادير رتب الجنين ، وهي كثيرة تؤيّده.

فقد علم من الأخبار ، وقواعد الحكمة المتقنة ، وقواعد فنّ الطبيعيات ، وقوانين الفقه ، كما يظهر لمتأمّل أحكام العدد أن أوّل مبدأ مراتب خلق الإنسان الحسّي النطفة ، ثمّ العلقة ، ثم المضغة ، ثم العظام ، ثم كسوة العظام لحماً ، ثم ينشئه اللّه تعالى خلقاً آخر ، كما نصّ عليه الكتاب الحكيم (5).

ولا ريب أن الخارج أخيراً قد تطوّر بهذه الأطوار ، ودار في هذه الأدوار وقرّ في القرار ، وسكن هذه البيوت ، وقفلت عليه هذه الأقفال قبل الخارج أوّلاً. والكبر والصغر الزمانيّ إنّما هو بحسب سبق الحصول في زمان سابق ، فمن سبق زمان وجوده في الزمان ، فهو أكبر. ولا مدخل في ذلك للسبق المكانيّ حتّى يقال : إن من

ص: 478


1- الجامع للشرائع : 460.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : ( التموج ).
3- الكافي 6 : 15 / 5 ، باختلاف.
4- الكافي 6 : 12 - 16 / باب بدء خلق الإنسان وتقلّبه في بطن امّه.
5- في الآية : 12 - 14 من سورة المؤمنون.

سبق إلى الحيّز الأرضيّ هو أكبر ، فلا يمكن أن يكون من هو في قرار الرحم ، والقفل الثالث كان نطفة ثمّ علقة إلى آخر المراتب بعد الخارج أوّلاً ؛ لأن الخارج أخيراً سكن هذه الأقفال ، وكمل خلقه ، حتّى كان إنساناً قبل الخارج أوّلاً ، لضرورة تعدّد النطفتين وتعاقبهما في الوصول إلى الرحم.

فالخارج أخيراً كان نطفة حال كون الخارج أوّلاً في قوى أبيه متفرّقاً ، أو في بقلة ، أو في قوى السحاب ، أو في القوى السماويّة ، وإنّما منع الأخير الأوّل عن الخروج بسبب سدّه المخرج.

ولا يرد أنه يلزم بقاء الخارج أخيراً في الرحم أكثر من مدّة الحمل ، ولو بقي أكثر من مدّة الحمل ساعةً قتل امّه كما في الخبر ؛ لجواز أن ينقص الخارج أوّلاً عن أقصى مدّة الحمل ، ولا ضرر فيه أصلاً بل هو كثير الوقوع.

وقال الشيخ سليمان الماحوزي : في ( أزهار الرياض ) : ( هل أكبر التوأمين أوّلهما خروجاً أو آخرهما؟ وتظهر الفائدة في قضاء فوائت الميّت وفي الحبوة وغيرهما.

والجواب : الظاهر أن أكبر التوأمين أوّلهما خروجاً ، قضية [ العرف (1) ] ، ولأن الأكبرية والأصغرية إنّما هما بعد الخروج إلى دار الدنيا وتحقّق الحياة ، وذلك بعد الانفصال. وبه جزم الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الأصغر : في ( الجامع ) وهذه عبارته : ( وأكبر التوأمين أوّلهما خروجاً ، وروى : آخرهما خروجاً ) (2) ، انتهى.

ألا تراه كيف جزم بالأوّل ونسب الثاني إلى الرواية بصيغة التمريض؟ والرواية المذكورة ضعيفة الإسناد رواها محمّد بن يعقوب).

وساق الرواية المذكورة ثمّ قال : ( ورواها الشيخ : بإسناده عن محمّد بن يعقوب : إلى آخر الإسناد. وضعف الرواية بجهالة [ ابن (3) ] أشيم : والإرسال وغيرهما من عدم وضوح التعليل بسقط التعلّق بها في إثبات مثل هذا الحكم المخالف لقضيّة العرف.

ص: 479


1- من المصدر ، ويؤيده قول المصنّف : ( أما أن قضيّة العرف .. ) ، وفي المخطوط : ( المعرف ).
2- الجامع للشرائع : 460.
3- في المخطوط : ( بن ).

واعلم أن هذه المسألة ، قلّ من تعرّض لها من الأصحاب ، بل لم أقف عليها الآن في غير ( الجامع ) ، فدعوى الإجماع فيها على أكبرية آخرهما مجازفة محضة لا تقبل ، واللّه الهادي ) (1) ، انتهى كلامه ، رفع اللّه مقامه.

وأقول : أما أن قضية العرف أن الخارج أوّلاً هو الأكبر ، فممنوع في التوأمين وإن سلّمناه فيما إذا تعدّدت الأُمّهات ، ولو سلمنا فيهما في العرف العام منعناه في عرف الشارع ، بدلالة ما ذكرناه ، والعرف العامّ لا يعارض ما ذكرناه من الأدلّة لو لم يثبت به عرف للشارع ، وأمّا أن الأكبريّة والأصغريّة إنّما هما بعد الخروج إلى الدنيا ؛ فإن أراد بالدنيا : خصوص خارج البطن منعناه ، وإن أراد مطلق عالم الأجسام فالخارج أخيراً قد سبق إليه كما عرفت ، وعليه يثبت أكبريّة الخارج أخيراً.

وأمّا أن مدارهما على أسبقيّة تحقّق الحياة ، فالخارج أخيراً قد سبق إليها ؛ إذ ليس أوّلها : الخروج من البطن بالضرورة ، وأمّا جزم ابن سعيد : بذلك فليس بحجّة ، وإمكان كون مرسلته (2) رواية أُخرى غير رواية محمّد بن يعقوب (3) : ظاهر ، بل هو الظاهر.

وأمّا ضعف الرواية ، فليس بمانع من العمل بها إذا لم يظهر لها معارض أقوى من نصّ أو إجماع خصوصاً مع كون ظاهر رائسي الفرقة العمل بها. وكم عمل الأصحاب بالمراسيل والموثّقات والمقطوعات والضعاف! فالخبر المشتمل على مجهول أقوى ممّن عُلم يقيناً عدم إيمانه ، لاحتمال صلاحه ، بل وثاقته ، فهو أقوى العرف العامّ لو سلم في التوأمين. ولم يأت ابن سعيد : بدليل على فتواه حتّى ننظر فيه.

ومع هذا فظاهر عبارة الشيخ سليمان : هنا [ أنه يدّعي أن (4) ] الإجماع على

ص: 480


1- أزهار الرياض : 469 - 470 ( مخطوط ).
2- الجامع للشرائع : 460.
3- الكافي 6 : 53 / 8 ، وسائل الشيعة 21 : 497 ، أبواب أحكام الأولاد ، ب 99 ، ح 1.
4- في المخطوط : ( مدع ).

أكبريّة الخارج أخيراً غير ما ذكر المنقول حجّة ، فيكون دليلاً على أكبريّة الخارج أخيراً غير ما ذكر ، فهو يعضد الخبر ويقوّي ضعفه.

والعجب من الشيخ سليمان : حيث اطّرح الخبر مع روايته في ( الكافي ) و ( التهذيب ) ، ويستند في فتواه بأكبريّة الخارج أوّلاً إلى قضيّة العرف من غير معارض ، وهذا خلاف المعلوم من طريقته. ومع هذا كلّه [ فالمسألة (1) ] لا تخلو من الإشكال ، واللّه الهادي وعليه الاتكال.

ص: 481


1- في المخطوط : ( والمسألة ).

ص: 482

[145] دفع إشكال وبيان حال مسألة لعن الكافر والدعاء عليه

مسألة : ورد في الشريعة التعبّد بلعن الكفار والدعاء عليهم بمضاعفة العذاب ؛ فإمّا أن يكون هذا اللعن والدعاء يزيد في عذابهم وبُعدهم من ساحل الرحمة ، أو لا.

وعلى الأوّل يلزم أنهم يعذّبون زيادة على ما استحقّوه بنيّاتهم وعقائدهم وأعمالهم ، وأنهم يعذّبون بحسنات غيرهم ، وهذا يعاند العدل ويناقضه.

وعلى الثاني تنتفي فائدة اللعن عليهم والدعاء بمضاعفة العذاب عليهم ، وقد تعبّد اللّه الخلق بذلك ، ومحال أن يتعبّد اللّه عباده بدعاء لا يستجاب ، بل يستحيل بروز حقيقته في الوجود بحسب قواعد العدل. والتعبّد بعمل لا تحقّق لحقيقته ولا فائدة فيه عبث ، تعالى الحكيم العدل عن ذلك.

قلت : قد أجاب (1) السيد نعمة اللّه : في حاشية ( الصحيفة ) عن هذا الإشكال حيث قال : ( بقي الكلام في فائدة اللعن لأعدائهم ، فقيل : إنه لا يزيد في عذابهم ، والحقّ خلافه بالتقريب المذكور ).

يعني به وجود الفاعل والقابل ، فكما أن مراتب فيض الفاعل سبحانه للثواب لا تقف [ عند ] حدّ ، فكذلك مراتب نقمته وعذابه لا تقف [ عند (2) ] حدّ بحكم المقابلة والمضادّة.

قال رحمه اللّه : ( وأمّا ما يتراءى من منافاته لقاعدة العدل أنه كيف يكون فعل شخص

ص: 483


1- في المخطوط بعدها : ( عن ذلك ).
2- في المخطوط : ( إلى ).

سبباً لزيادة عذاب غيره ، مع أنه لا اختيار فيه؟ فالجواب عنه من وجهين :

الأوّل : أنه تعالى قدر لهم عذابين : عذاباً بإزاء أفعالهم ، وآخر بإزاء لعن اللاعنين ، وأسمعهم أنهم إن فعلوا ذلك الفعل القبيح أن يعذبهم بهما. وبعد هذا فأين الظلم؟

الثاني : أن لعنهم من باب شكاية المظلوم من ظالمه ، لأن منهم قد ثارت الفتن أوّلاً ، ومنهم استتر إمام العدل وبقي الناس في ظلم الجهالة ، فهم قد ظلمونا معاشر المسلمين. ولعمري إن ظلمهم علينا أشدّ من ظلمهم على أهل البيت عليهم السلام : لأن فوائدهم كانت تصل إلينا ) ، انتهى كلامه.

قلت : أما القول بأنه لا يزيد في عذابهم ، فواضح البطلان لما مرّ من استحالة التكليف والتعبّد بمثله.

وأمّا الوجه الأوّل ، ففيه أن العذاب الثاني إن كان بمقتضى عقائدهم وأعمالهم ونيّاتهم انتفت الاثنينية ، ولم يكن لهم عذاب إلّا بأعمالهم ، وإلّا استحال بمقتضى قواعد العدل والحكمة. فالقول به أشبه بتسليم الإشكال من دفعه.

وأمّا الوجه الثاني ففيه أن الدعاء باللعن ومضاعفة العذاب غيرُ الشكاية بالضرورة ، لتباين الحقيقتين شرعاً وعرفاً ولغةً ، فلا يفهم أحدٌ سمع آخر يلعن شخصاً أو يدعو عليه بمضاعفة العذاب أنه إنّما تشكّى من ظلمه له ، فكم لاعن داعٍ على آخر وليس قبَله ظلامه ، بل لعنه ودعاؤه ظلم.

وعلى فرض تسليمه ، إذا وقع من شيعة أهل البيت : عليهم السلام على ظالميهم لا يعمّ ولا يرفع الإشكال في اللعن والدعاء منا على فرعون : ونمرود : وبخت نصر : إلّا بوجه خفيّ هو إثبات أن كلّ ظلم وقع في العالم فهو ظلم لآل محمّد : صلى اللّه عليه وعليهم وشيعتهم ، فكلّ مؤمن في الخلق فهو شيعتهم ، وكلّ شريعة فهي شريعتهم. ولهذا كان أصل كلّ ظلم في العالم هو عدوهم ، ومنه بدأ وإليه يعود ، حتّى غواية إبليس : في عالم الأرواح ، فإن روحه أغوت روحه. ولكن الظاهر أن الشارح لم يلحظ هذا.

وأمّا أن الناس حال استتار الإمام في ظلم الجهالة ، فكلام ظاهريّ ؛ إذ لا فرق

ص: 484

بين ظهوره وغيبته في وجوب هداية الخلق عليه وحفظه للشريعة ، فنور هدايته واصل [ إلى قلوب (1) ] شيعته ، خصوصاً نوّابه الّذين جعلهم الحجّة على الناس ، وأمرهم بالرجوع إليهم ، والأخذ عنهم. ولو كان الأمر كما هو ظاهر عبارته ، لكان كلّ من لم يرَ الإمام من أهل الآفاق في زمن الظهور في ضلالة ؛ إذ لا فرق بينهم وبين أهل زمن الغيبة.

ففوائدهم وهدايتهم وحفظهم للشريعة زمن ظهورهم وغيبتهم سواء من كلّ وجه ؛ إذ لو اختصّ وصول فوائدهم وهدايتهم إلينا بزمن الظهور ، لارتفع التكليف واندرست الشريعة وفني الخلق ؛ لارتفاع العامل بالحقّ ، وعدم فائدة وجود الحجّة في الأرض.

وأمّا أن ظُلمهم علينا أشدّ من ظلمهم على أهل البيت ، فضعفه ظاهر لكلّ ظلم وقع في العالم ، فهم عليهم السلام المظلومون به بالأصالة ، فكلّ من ظلم في العالم فضلاً عن امّة محمَّد صلى اللّه عليه وآله : فهو فرع ظلمهم وفاضله ، وتبع له. ينبّهك على هذا ما ورد عنهم في تشبيه نسبة شيعتهم منهم بورق الشجرة (2) ، فهم الشجرة المباركة وشيعتهم ورقها ، فتنبه.

وقال المجلسي رحمه اللّه : في حاشية ( الصحيفة ) : ( تذنيب : وممّا يناسب هذا البحث ، حل إشكال يورد في اللعن على أعدائهم وسائر من يستحقّ اللعن ، وهو أنه هل يصير اللعن سبباً لزيادة عقابهم أم لا؟ وعلى [ الثاني (3) ] يلزم أن يكون لغواً ، وعلى [ الأوّل (4) ] يلزم أن يقاسوا من الشدائد والعذاب بفعل غيرهم ما لا يستحقونه.

ونختار في حله مسالك :

المسلك الأوّل أن نختار الشقّ الأوّل ، ويقال : الفائدة إظهار بغض أعداء اللّه ، وليس الغرض منه طلب العذاب ، بل محض إظهار عداوتهم ، فنستحق بذلك المثوبات العظيمة كما في ذكر كلمة التوحيد المخبر عمّا في الضمير من اعتقاد الحقّ.

ص: 485


1- في المخطوط : ( أمد القلوب ).
2- بحار الأنوار 24 : 136 - 143 / ب 44.
3- في المخطوط : ( الأول ).
4- في المخطوط : ( الثاني ).

المسلك الثاني : أن نختار الشقّ الثاني ، ويقال : إن مقادير العقوبات ليس إلّا بتقدير الشارع ، مثلاً الشارع قرّر على ترك الصلاة عقاب ألف سنة ، وقال لعبده : لا تتركها ، وإلّا اعاقبك كذا وكذا سنّة فيجد العقل حسن العقاب في تلك المدّة على تركها ، لأمره بها وتحذيره عن تركها ، وإعلامه كون ذلك العقاب بإزاء تركها ، فكذا هنا قرّر الشارع لهؤلاء الأشقياء على قبائح أعمالهم عقاباً في نفسه ، وعقاباً متوقّفاً على لعن من يلعنهم ، فهم يستحقّون كلّ عقاب [ يترتّب (1) ] على كلّ لعن.

المسلك الثالث : أن يقال : إن اللّه تعالى لا يعاقبهم على قدر استحقاقهم ، فكلّما لعنهم لاعن زيد بسببه في عقابهم لا يزيد على ما يستحقّونه من العقابات.

المسلك الرابع : أن يقال : إن لإعمال هؤلاء قبحاً في نفسه ، من حيث مخالفة أمر اللّه تعالى ، وقبحاً آخر من جهة الظلم على غيرهم ، ومنع الفوائد الّتي كانت تترتّب على اقتدار المعصوم واستيلائه ، وظهوره من المنافع الدنيويّة والأُخرويّة ، والهدايات ، ورفع الظلم ، وكشف الحيرة والجهالات. ولا يوجد أحد لم يصل إليه من ثمرة هذه الشجرة الملعونة شي ء ، بل في كلّ آن يصل إليهم من آثار ظلمهم شي ء ، كما ورد في الأخبار الكثيرة أنه ما زال حجر عن حجر ولا أُريقت محجمة دم إلّا وهو في أعناقهما (2).

فكلّ الشيعة مظلومون ، طالبو حقوق ، وكلّ لعن طلب حقّ واستعداء عن ظلم فيزيد عقابهم على قدر لعن من يلعنهم. اللّهم العن كلّ من ظلم نبيّك وأهل بيته صلوات اللّه عليهم وغصب حقوقهم لعناً وبيلاً ، وعذّبهم عذاباً أليماً ) ، انتهى كلام المجلسي.

وأقول :

أمّا الأوّل ، ففيه أن حقيقة الدعاء تكون ملغاة لا تحقّق لها في الخارج ، وإظهارُ

ص: 486


1- في المخطوط : ( يترب ).
2- الكافي 8 : 88 - 89 / 75 ، بحار الأنوار 46 : 341 / 32 ، وقريب منه في الجزء 82 : 264.

[ بغض ] أعداءِ اللّه وعداوتِهم يتحقّق (1) بدون صورة الدعاء الّذي وعد اللّه المؤمنين إجابته ، ووعْد اللّه لا يُخلف ؛ فإن إظهار بغض أعداء اللّه يتحقّق بإظهار البراءة منهم ، ووصفِهم بما هم أهله ومجانبتِهم ، وشبه ذلك. ففي هذا الوجه إخراج للفظ الدعاء وضيعته عن [ مدلوله (2) ] من غير دليل أيضاً.

وأمّا الثاني ، فهو عين الوجه الأوّل من وجهي السيّد نعمة اللّه : وفيه ما فيه ممّا ذكرنا ، ولا يصحّحه قوله : إني معذّبكم عذاباً بمقتضى كفركم ، وعذاباً بلعن اللاعنين. وإنه تعالى أكرم من أن يعذب أحداً إلّا بعذاب اقتضاه عمله ، بل عذابه بعين عمله ، فلا يزيد عليه ، وإلّا لكان السؤال مسلّماً لا مدفوعاً ، ولا يظلم ربك أحداً.

وأمّا الثالث ، فمحتمل ، لكنه يحتاج إلى تقرير بغير هذه العبارة ، وسيأتي إن شاء اللّه ما يوضح معناه بعبارة لا يرد على ظاهرها ما يرد على ظاهر هذه العبارة ، فإنه يرد عليها أنه يلزمها أن ما يستحقّه الكافر من العذاب بمقتضى كفره وعمله ونيّته ، منه ما هو موقوف على دعاء المؤمنين بإيقاعه بهم ، وليس الأمر كذلك ، فإنه لا ينفك من استلزام ما أُورد من سببيّة عمل الغير في عقابهم ، ولو على سبيل المشاركة ، فإنه ظاهر في أن سبب العذاب المتوقّف على دعاء المؤمن مركّب من عقائدهم وأعمالهم ومن لعن اللاعنين ، وهو عين الإشكال.

وأمّا الرابع ، فهو ثاني وجهي السيد نعمة اللّه : وفيه ما فيه.

ولعمري إنهم استحقّوا العذاب على ظلمهم للناس قبل لعن اللاعنين ، فهم يعذّبون عليه وإن لم يلعنوا ، فلو ظلموا طفلاً أو مجنوناً بقتل وغيره عذبوا بذلك. وإن لم يلعنهم المظلوم. أمّا عذابهم بلعن زيد ؛ لأنهم ظلموا عمراً (3) فممنوع ، والإشكال وارد عليه.

ثمّ نقول وباللّه الاعتصام - : اعلم أن العدل الحكيم سبحانه وتعالى لا يعذب

ص: 487


1- في المخطوط بعدها : ( إظهارها ).
2- في المخطوط : ( مدلولها ).
3- كذا. هامش المخطوط.

أحداً إلّا بما يقتضيه عمله ونيّته واعتقاده ، ولا ينعّم أحداً إلّا بما يقتضيه عمله واعتقاده ونيته وكرم اللّه ؛ فإن عمله واعتقاده ونيّته كرم من اللّه. كلّ ذلك بمقتضى عدله وحكمته ، بل عذاب المعذّبين ونعيم المنعّمين بوجه هو عين أعمالهم قال تعالى : ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1).

وفي الخبر في وصف الجنة ونعيمها : « إنّما هو العالم وما يخرج منه » (2). ودوام نعيم الجنة وعذاب أهل النار بمقتضى نيّاتهم.

وعذاب الكفار متجدد لا ينقطع أبداً قال تعالى : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) (3).

فهي هي ، وهي غيرها ، وكذلك نعيم أهل الجنة متجدّد لا ينقطع أبداً ، وليس شي ء من ذلك النعيم السرمديّ والعذاب الأبديّ بخارج عن مقتضى أعمالهم وعقائدهم ونيّاتهم ، ولا مباين لها ، وإنّما هو من قبيل بروز ما في القوّة إلى الفعل ، كما يدلّ عليه التجدّد والدوام ، ولأهل الجنة مزيد من كرم اللّه ، مع أنه في الحقيقة ليس بخارج عن مقتضى علمهم وعملهم وكرم اللّه. بل لأهل الجنّة أعمال من عبادة اللّه وشكره وحمده ، توجب لهم أن يتفضّل اللّه عليهم بالمزيد.

على أنه يكفي في سببيّة (4) تكرّم اللّه عليهم بالمزيد دوامُ معرفتهم باللّه وصفاته وأفعاله. وقد اقتضت حكمة اللّه وعدله ألّا يبرز ذلك النعيم وذلك العذاب بالفعل من كلّ وجه دفعة ، فإنه يستلزم الفساد ، وهو باطل بالضرورة ؛ لاستلزامه أنه ينتهي إلى حدّ ورتبة من الفعليّة.

إذا عرفت هذا ، قلنا : في حلّ هذا الإشكال ، وعلاج ذلك الدّاء العضال وجوه :

أحدها : أن يكون لعن المؤمنين ودعاؤهم بتضاعف العذاب عليهم معداً لهم لتعجيل بروز ما هو بالقوّة من عذابهم إلى الفعل ، فيتضاعف ما بالفعل من عذابهم ،

ص: 488


1- الطور : 16.
2- بحار الأنوار 24 : 104 / 11.
3- النساء : 56.
4- في المخطوط : ( سبيّته ).

وكذلك دعاء بعض المؤمنين لبعض بزيادة الرفعة في درجات الرضوان ونعيم الجنان ، فإن اللّه عزّ اسمه مستجيب لهم فيهم ، فيعجل به بروز ما هو لهم من ذلك بالقوّة إلى الفعل. وجاز أن اللّه يتكرّم على المؤمن بسبب شفاعة أخيه له بدعائه له بكرامة لم يقتضها عمله ، فيكون هذا من باب ثواب الداعي بمقتضى عمله.

الثاني : أن يكون لعن المؤمن ودعاؤه عليهم نوعاً من دركات عذابهم ، فيكون المؤمن على هذا كالمعذّب لهم بهذا النوع من العذاب ، فهو حينئذٍ كأحد ملائكة العذاب.

الثالث : أن كلّ مؤمن مظلوم ، منهم ؛ فلعن المؤمن ودعاؤه عليهم طلبٌ للأخذ له بظلامته ، فإن اللّه برحمته جاز أن يؤخّر إظهار ما يستحقّه الكافر من العذاب بظلمه للمؤمن على طلب المؤمن لذلك بدعائه ، فإنه لو عُفي عمّن يستحقّ العفو رجي له العفو من اللّه ، كما هو واقع في كثير من الحدود والتعزيرات الدنيويّة.

ص: 489

ص: 490

[146] كشف حال وبيان مقال : عبارة القاضي في ( إِلّا مَنْ ظَلَمَ )

اشارة

قال البيضاوي : في تفسير قوله تعالى : ( يا مُوسى : لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. إِلّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (1) : - ( استثناء منقطع استدرك به ما يختلج في الصّدر من نفي الخوف عن كلّهم ، وفيهم من فرطت منه صغيرة ، فإنهم وإن فعلوها اتبعوا فعلها ما يبطلها ، ويستحقّون به من اللّه مغفرة ورحمة ، وقصد تعريض موسى : عليه السلام بوكزة القبطيّ. وقيل : متصل ، و ( ثُمَّ بَدَّلَ ) . مستأنف معطوف على محذوف ، أي من ظلم ثمّ بدّل ذنبه بالتوبة ) (2) ، انتهى.

وأقول : ظاهر العبارة بمقتضى المتعارف عند أكثر النحويين من أن [ الاستثناء (3) ] المنقطع هو إخراج ما ليس من جنس المستثنى منه من حكم المستثنى منه (4) دفعاً لوهم دخوله فيه لمشاركته له في أمر آخر ، يعمه معه. فإن ظاهرها أن المستثنى من الرسل ، فكيف يحكم بأنه منقطع؟ ولا غرابة ، فإن الأشاعرة : مجمعون على أن الرسل غير معصومين عن الصغائر ، فعلى هذا تتناقض عبارته.

ص: 491


1- النمل : 10 - 11.
2- تفسير البيضاوي 2 : 172.
3- في المخطوط : ( من المستثنى ).
4- تمهيد القواعد : 197 / القاعدة : 67 ، حاشية الصبّان على شرح الأشموني 2 : 142 - 143.

ولعلّ الجواب أنه أراد أن المستثنى [ المنقطع (1) ] هو غير الرسل ، وفائدته دفع ما يختلج في بعض الصدور من الاستشكال في عموم نفي الخوف عن كلّ المرسلين ، مع أن فيهم من فرطت منه خطيئة ؛ إذ لا ينبغي ارتفاع الخوف عن العاقل إذا فرطت منه خطيئة ، فضلاً عن الرسل الّذين هم أشدّ الخلق خوفاً من اللّه. فلو لم يستثنِ ، لعمّ نفي الخوف جميع الرسل ، حتّى من فرطت منه صغيرة.

وقصد تعريض موسى عليه السلام : بوكزة القبطيّ ، فبشّره اللّه ورفع عن قلبه الخوف الحاصل من ذلك بما ذكره من الاستثناء المنقطع ، ودفع به ذلك الإشكال ؛ فإنه إذا ثبت أن من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء من سائر الخلق غير الرسل فإنه لا يخاف فإن اللّه غفور رحيم لكلّ من تاب وبدّل حسناً بعد سوء فالرسل أولى بذلك ؛ لأنهم لا بدّ أن يُتبعوها بما يمحوها ، ويستحقّون به الرحمة من اللّه تعالى.

فمن نكت هذا الاستثناء إذا قلنا : إنه منقطع نفي الخوف عمّن فرطت منه صغيرة من الرسل بنفيه [ عمّن (2) ] سواهم. وفيه من اللطف وتعظيم الرسل ما لا يخفى ؛ إذ ليس في لفظه ما يصرّح بوقوع خطيئة من رسول ، بخلاف ما لو كان الاستثناء متّصلاً فإنه يكون تصريحاً بوقوع الخطيئة من بعض الرسل ، وفيه من كسر قلوبهم ، وفضيحتهم وحطّ بعض عالي قدرهم ما لا يخفى.

وقصد به تعريض موسى عليه السلام بوعده المغفرة والرحمة والأمن بوعد غيره من غير تصريح له بما فعل ، ولا أمثاله. وفيه من إعظام موسى عليه السلام : وملاطفته ما لا يخفى.

ومنها أنه إذا كان الاستثناء منقطعاً عمّت البشارة بالأمن ممّن لا يخلف الميعاد سائرَ من عصى من الخلق إذا تاب وبدّل حسناً بعد سوء ، بخلاف ما إذا كان متّصلاً ، فإن هذه النكتة تفوت. هذا كلّه على مقتضى مذهب [ القاضي ].

أما نحن فنقول : لا يمكن أن يفرط من رسول ولا معصوم خطيئة ، لا كبيرة ولا صغيرة في حال من أحواله أصلاً ، فلا يمكن أن يكون هذا الاستثناء متّصلاً بوجه

ص: 492


1- في المخطوط : ( منقطع ).
2- في المخطوط : ( عما ).

أصلاً ، فعمّم نفي الخوف عن جميع الرسل تصريحاً ، وأتبع بشارته للرسل بالأمن بالبشارة لجميع من تاب وعمل صالحاً ثمّ اهتدى وبدّل حسناً بعد سوء من الخلق.

وأشار بهذا الأُسلوب الحكيم [ و ] بهذه التبعيّة إلى أن كلّ من بدّل حسناً بعد سوء كان من أتباع الرسل ، ومختلطاً بهم ، حتّى صحّ استثناؤه بالاستثناء المنقطع ، فإنه لا يصحّ الاستثناء وإن كان منقطعاً لمن ليس له مع المستثنى منه علاقة بوجه أصلاً ، بل لا يصحّ إلّا مع وجود علاقة تجمعهما كما لا يخفى على من تأمّل كتب النحاة.

وممّا يؤيّد أن هذا الاستثناء منقطع أن جماعة من أئمّة العربيّة نصّوا على أن ( إلّا ) تكون عاطفة بمنزلة ( الواو ) ، منهم الجوهري (1) : والفيروزآبادي (2) ، والفيّومي (3) وابن هشام (4) : ونقله غير واحد عن الكوفيين (5). بل ظاهر بعضهم أنهم يقولون بذلك في كلّ استثناء منقطع ، ونقل ذلك عن جماعة من النحويّين القدماء مثل جمع من أئمّة العربية بهذه الآية لذلك كما يظهر من إتقان السيوطي (6) : وابن هشام (7) : وغيرهما ، وأن منه هذه الآية ، والعطف يقتضي المغايرة.

وقال القمّيّ : إن معناه : ( ولا من ظلم ) (8).

والظاهر أن مقصده ومقصدهم واحد.

ومن نكت كون هذا الاستثناء منقطعاً نفي الخوف عن جميع الرسل مطلقاً ، وهذا يستلزم النصّ على أنهم لا تقع منهم معصية بوجه أصلاً ، وأن ما يوهم وقوع المعصية منهم إنّما هو من باب ترك الأولى بمقامهم الأعلى وإن كان ذلك من غيرهم ، بل منهم عند تنزّلهم إلى غير ذلك المقام الأرفع ؛ لغرض إكمال الحجّة على الخلق ، ولو بإبطال شبهة دعوى الربوبيّة فيهم من أقرب القربات وأحسن الحسنات. فهم

ص: 493


1- الصحاح 6 : 2545 إلّا.
2- القاموس المحيط 3 : 484 ألَّ.
3- المصباح المنير : 19.
4- مغني اللبيب : 101.
5- المصباح المنير : 19 ، البحر المحيط 8 : 214 ، ولم يصرّح بنسبته للكوفيين.
6- الإتقان في علوم القرآن 2 : 190.
7- مغني اللبيب : 101.
8- تفسير القمّيّ 2 : 127.

يعدّون التفاتهم لما دون أعلى مقاماتهم ذنباً وتقصيراً ، فيستغفرون اللّه منه ، ويتوبون إليه.

وهذا مضاف لما سبق ذكره في توجيه عبارة القاضي : فلا تظهر هذه النكت لو قال قائل بأن الاستثناء متّصل ، بل يستلزم أضدادها من عدم عصمة الرسل من إظهار فضائحهم وعيوبهم المستلزم [ حطّ ] أقدارهم من القلوب ، المستلزم للاستخفاف بأوامرهم ونواهيهم وعدم الركون إلى صدقهم ، واللّه العالم.

وهذه التوجيهات كلّها على فرض أن ( إلّا ) حرف استثناء ، وأمّا على [ فرض ] أنها حرف عطف كما نصّ عليه كثير من أئمّة اللغة والعربيّة والتفسير بمنزلة الواو ، والمعنى : ( ولا الّذين ظلموا ) ، فالأمر سهل ، والمعنى ظاهر ، وهو الأرجح عندي ، حيث وضوح المعنى وارتفاع جميع الشبه والشكوك والإشكالات عنه ، ولأن المعروف من حال القمّيّ أنه لا يفسر إلّا برواية قد ثبتت عن أهل البيت عليهم السلام : عنده ، بل سمعت من بعض ثقات المعاصرين أنه مرويّ برواية صريحة عن أهل البيت عليهم سلام اللّه - : في غيبة النعماني.

وهذا أيضاً لا ينافر القول بالاستثناء المنقطع ، وهما ينافران القول بأن الاستثناء متّصل ، فيدلّ ذلك بوجه على بطلان القول بالاتّصال.

بقي في القول بالاستثناء مطلقاً [ إشكال (1) ] هو أن [ إلّا ] الاستثنائيّة ، يثبت لما بعدها من الحكم نقيض ما لما قبلها ، والحكم الثابت للمستثنى منه في هذه الآية هو نفي الخوف. فبمقتضى القاعدة المسلّمة يثبت الخوف للمستثنى ، فيكون المعنى : أن الرسل لا يخافون أبداً وأن من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء يخاف أبداً. وهذا ينافي وصفه تعالى نفسه في الآية بأنه غفور رحيم ، مع جميع أدلّة العدل.

ولعلّ الجواب من وجهين :

أحدهما : أن الخوف المنفيّ عن الرسل والمثبَت لمن ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء هو خوف عقاب المعاصي ، فهو إشارة إلى عصمة الرسل ، وترغيب في التوبة لغيرهم ،

ص: 494


1- في المخطوط : ( سؤال ).

وبشارة لهم بالمغفرة والرحمة إذا بدّلوا السيّئة بالحسنة. ومن الظاهر أنه لا يخاف من العقاب على المعصية إلّا من صدرت منه وتاب وندم وبدّل سوء المعصية بحسن التوبة وفعل الحسنة ، فهذا يخاف ، فوعده اللّه بالمغفرة والرحمة ليطمئن قلبه ويرغب في فعل الطاعة وترك المعصية.

أمّا من تصدر منه معصيته فلا يخاف عقاباً على معصية. وأمّا من عصى وأصرّ ولم يتب ولم يندم وعزّم على المعاودة ، فهو غير خائف حينئذٍ من عقابها ، ولا متألّم من فعلها ولا من تصوّر عقابها ، بل كثير من العصاة ، أو أكثرهم لا يؤمن بعقابها ، فلا يخاف منه كالكفّار وإخوانهم من امّة محمَّد صلى اللّه عليه وآله :

الثاني : أن التقدير هكذا ( لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) ؛ لأن سبب الخوف من العقاب الظلم ، وهم عليهم السلام لا يقع منهم ظلم بحال لا لأنفسهم ولا لغيرهم ، وكلّ من ظلم يخاف عقابي ويحذر سطوتي إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم له. وبهذا يصحّ الاستثناء المنقطع ؛ فإنك ترى أهل العربية يقدّرون في مثل ( ما قام القوم إلّا حماراً ) : ( ما قام القوم ولا غيرهم إلّا حماراً ) حتّى يصحّ الاستثناء لعدم العلاقة بينهما بالكلّيّة ، فإنه حينئذٍ لا فائدة للاستثناء ولا معنى له.

ص: 495

ص: 496

[147] دفع إشكال وبيان حال : « هذه يداي وعيناي »

ورد في بعض أدعية زين العابدين : صلوات اللّه تعالى وتسليماته عليه وعلى آبائه وأبنائه الأدلّاء على مرضاة اللّه أنه قال : « هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة ، وعيناي بالرجاء ممدودة » (1) ، فكيف يخبر عن المثنّى بالمفرد في الفقرتين؟ (2) قلت وباللّه المستعان - : اعلم أن كلّ طبقتين من طبقات الوجود ، أو نوعين ، أو صنفين أو شخصين فإن لكلّ واحد منهما لوازمَ وأحكاماً وصفاتٍ وتكاليفَ تخصّه ، فإذا نزل العالي منهما إلى رتبة النازل بسبب من الأسباب ، أو صعد النازل منهما إلى رتبة العالي بسبب من الأسباب تماثلا [ فتجانسا أو تناوعا (3) ] أو تصانفا أو تشابها في المشخّصات ، كلّ ذلك بقدر درجات الصعود أو النزول ، فيتشابهان في اللوازم والخصائص والصفات والأحكام والتكاليف كذلك. بل ربما صدق نعت الوحدة عليهما إذا اشتدّ قرب أحدهما من الآخر وامتزاجه به ، فالصاعد تغلب عليه أحكام الرتبة التي صعد إليها حتّى يلحق بها وينسب إليها ، والنازل تغلب عليه أحكام الرتبة التي ينزل إليها حتّى يوصف بصفاتها ويحكم عليه بأحكامها.

وهذا باب تنفتح منه أبواب ، وبيان تندفع به شبهات وتنحل به إشكالات. فحينئذٍ

ص: 497


1- الأمالي ( الصدوق ) : 288 / 321 ، بحار الأنوار 91 : 89 / 1.
2- كان الأولى أن يقول رحمه اللّه : فكيف يُعيد ضمير المفرد على المثنّى؟ كما يدل عليه تقريره بعد ذلك.
3- في المخطوط : ( فتجانس أو مناوعا ).

نقول : لمّا حكم عليه السلام بامتلاء اليدين بظلمة الذنوب ، وبامتلاء العينين بنور الرجاء ، ومشابهة كلّ منهما للآخر في صفته وأحكامها كمال المشابهة ، أشار إلى اتّحادهما بذلك بتوحيد الضمير. فإعادته عليه السلام إليهما ضمير المفرد ؛ ليدلّ على هذا القانون ، وأن اليمين لمّا ملئت من الذنوب انسلخت عن وصف اليمينيّة وصانفت الشمال ، فحكم عليها أنها شمال ، فلا يمين لمن امتلأت يداه بالذنوب ، فوُحّد الراجع لهما باعتبار المصانفة.

وكذا الكلام في العينين ، فإنه لمّا امتلأتا بنور الرجاء أُلحقت الشمال باليمين ، وانسلخت بذلك عن وصف الشمالية فوُحّد الراجع لهما حينئذٍ باعتبار المصانفة ، حتّى كأنه لا شمال له. فمن هو كذلك لا يد يمين له ، ولا [ يد (1) ] شمال له ، بل كلّ منهما اتّحد بالأُخرى ضرباً من الاتّحاد يصدق عليهما بسببه نعت الوحدة ، فيعود عليه ضمير الواحد.

هذا وأنت إذا تدبّرت كلمات بلغاء العرب العرباء (2) ، وجدتهم كثيراً ما [ يعيدون (3) ] ضمير المفرد على كلّ ما في الرجل منه اثنان ، بل يعبّرون عنهما بالمفرد الظاهر ، ويشيرون لهما [ بما (4) ] يشار به للمفرد ، فيقولون : هذا تحت يدك ، وبيدك وبعينك ، ومشى برجله ، وأشباه ذلك. فهو عليه السلام لمّا قال : « هذه يداي » وأشار لهما بما يشار به للمفرد أعاد عليهما ضمير المفرد ، وسر كلّ ذلك تماثلهما كمال المماثلة فيما يستعملان فيه ، فكأنهما شي ء واحد.

ص: 498


1- في المخطوط : ( يمين ).
2- انظر فقه اللغة وسر العربيّة : 376 - 377 / 81.
3- في المخطوط : ( يعودو ).
4- في المخطوط : ( ما ).

[148] هداية بيانية لتبصرة فقهية : الهويّ والنهوض ليسا من الصلاة

قال علّامة زمانه ورائس إبّانه [ الآقا (1) ] باقر بن محمّد : أكمل في صلاتيّته : ( اعلم أن الهويّ إلى السجود ليس فعلاً من أفعاله ولا واجباً من واجباته ، وكذلك النهوض إلى القيام ؛ ولذا ما [ عددناهما (2) ] من واجبات الصلاة.

نعم ، هما من مقدّمات فعل الصلاة ؛ إذ لا يتحقّق السجود من القائم إلّا به ، وكذا القيام من القاعد ؛ ولذا قلنا : من شكّ في الركوع وقد دخل في السجود ، ولم نقل : وقد دخل في الهويّ إلى الأرض منه. وكذا قلنا : من شكّ في السجدة أو في التشهّد وقد دخل في القيام ، ولم نقل : وقد دخل في النهوض ) ، انتهى.

قلت : مراده رحمه اللّه أن النهوض إلى القيام والانحطاط إلى السجود ليس شي ء منهما بواجب من واجبات الصلاة ولا جزء من أجزائها بالأصالة ، وإنّما كلّ منهما مقدّمة ضرورية لتحصيل واجب من واجباتها. فالناهض والهاوي حال نهوضه وهويّه ليس بخارج من الصلاة كما ربما [ يتوهّمه (3) ] بعض الطلبة من عبارته ، وربما شنّع به على هذا الإمام المقدّم ؛ لأن النصّ والإجماع من الأُمّة في كلّ عصر بل الضرورة الدينيّة تدفع هذا التوهّم من عبارته.

ص: 499


1- في المخطوط : ( آقا ).
2- في المخطوط : ( عديناهما ).
3- في المخطوط : ( يوهمه ).

وما حقّقه رحمه اللّه هو المعروف من مذهب الإماميّة ، كما صرّح به الشهيد : في ( الروض ) (1) وفاضل المناهج. ولذا ترى كلّ من يقول : من شكّ في فعل من أفعال الصلاة وقد دخل في فعل آخر من أفعالها لم يلتفت ، لا يُمثّل لذلك بمن شكّ في [ السجود (2) ] أو التشهّد وقد استقلّ قائماً لا يلتفت ، ومن شكّ في أحدهما وهو آخذ في النهوض رجع وأتى بالمشكوك فيه ؛ لأنه لم يدخل في فعل آخر من أفعالها حينئذٍ.

و (3) بمن شكّ في الركوع وقد دخل في السجود [ فإنه ] لا يلتفت ، وإن كان آخذاً في الهويّ رجع فركع لأنه حينئذٍ لم يدخل في فعل من أفعاله.

وأيضاً تجدهم يحصرون عدد واجباتها ومندوباتها ولا يعدّون شيئاً من الهويّ والنهوض في شي ء منهما. والأخبار (4) إذا تأمّلتها حقّ التّأمّل وجدتها تدلّ [ على ذلك خصوصاً أخبار الشكوك بل لم نجد خبراً يدلّ على أن النهوض أو الانحطاط واجب من واجبات الصلاة أو جزء منها بالأصالة.

وممّا يؤيّده جواز الانحطاط لمناولة الأعمى عصاه ، وقتل الحيّة والعقرب ، وشبه ذلك. فلو كان الانحطاط واجباً من واجباتها وجزءاً من ماهيّتها بالأصالة لمّا جاز تعمّد زيادته.

وبالجملة ، فالنهوض والهويّ ليسا بقيام ولا سجود بالضرورة ، والفقهاء (5) حصروا واجبات الصلاة التي دلّت على وجوبها الأخبار ولم يعدّوا شيئاً منهما فيها.

فإذن ، ما قرّره ذلك الإمام المشار إليه إجماعيّ ، ومن ادّعى خلاف ذلك فعليه البيان.

ص: 500


1- روض الجنان : 349 - 350.
2- في المخطوط : ( سجود ).
3- أي ولا يمثّل بمن شكّ ..
4- انظر وسائل الشيعة 5 : 459 - 473 ، أبواب أفعال الصلاة ، ب 1.
5- شرائع الإسلام 1 : 68 - 79 ، الغنية ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ) 4 : 546 - 549.

فإن قلت : ورد في خبر معتبر بل صحيح أنه سئل الإمام عليه السلام عمّن شك في الركوع وقد هوى إلى السجود ، فقال عليه السلام : « بلى قد ركع » (1).

قال الآقا المذكور : ( ليس مراده به : أن الهويّ فعل آخر ، بل مراده : أن الهويّ إلى السجود من دون ركوع بعيد أن يكون الإنسان مجرد أن يفرغ من القراءة مثلاً يبادر بالهويّ إلى السجود ، لكونه خلاف العادة ، بل الظاهر أنه ركع ؛ ولذا قال الإمام عليه السلام : « بلى قد ركع ».

ووقع نظير ذلك في الشكّ في تكبيرة الإحرام أنه بعيد أن يتركها مع كونها أوّل الصلاة ) ، انتهى.

وأقول : ظاهر إطلاق قوله في الحديث : ( وقد هوى ) يقتضي أن الشك إنما عرض له بعد استكمال الهوىّ ، فإنه الفرد الكامل الّذي ينصرف إليه الإطلاق ، ويجب حمله عليه. واستكمال الهويّ إنما يتحقّق بالدخول في السجود ، وهو فعل آخر يقتضي الدخول فيه إلغاء الشك العارض ، فيه وهو وجه ظاهر.

ويدلّ عليه أن أحداً من الفقهاء لم يفهم منه إرادة أن الهويّ فعل آخر يقتضي إلغاء الشكّ العارض حالته ، وإلّا لعُدّ من واجباتها ، ولم يُعدّ منها ، والخبر بمرأى منهم ومسمع. على أن ظاهره متشابه ، وليس فيه دلالة على أن الهويّ من واجبات الصلاة الأصليّة وماهيّتها الحقيقيّة بوجه من وجوه الدلالات ، واللّه العالم.

ص: 501


1- تهذيب الأحكام 2 : 151 / 596 ، الإستبصار 1 : 358 / 1358 ، وسائل الشيعة 6 : 318 ، أبواب الركوع ، ب 13 ، ح 6 ، وفي الجميع : « قد ركع ».

ص: 502

[149] كشف التباس وبنيان أساس : مسألة تحليل الشريك حصّته من الأمة

اشارة

لو حلّل أحد الشريكين في الأمة حصّته لشريكه فهل تحل له أم لا؟ أشهرهما الثاني ، وقد نسبه للسيد المرتضى ، وأكثرِ الأصحاب غيرُ واحد (1) ، والتتبع يشهد به.

يدلّ على ذلك أن المفهوم من الأخبار وفتاوى الفرقة أن سبب حلّ النكاح لا يكون إلّا واحداً بسيطاً ، وقد حصروه في عقد دائماً أو منقطعاً وملك جميع عين المنكوحة ، وإباحة مالك العين له. وكلّ سبب منها مستقلّ بنفسِه بسيط ؛ فإن الإباحة عقد ، بل يمكن حصر سببه في سببين كلّ منهما مستقل بنفسه بسيط. وظاهر المذهب نصّاً (2) وفتوى أن البضع لا يتبعّض ، ولا بسبب مركّب من سببين ؛ بحيث يباح بعضها بسبب وبعضها بسبب آخر. ولا ريب أن الشريك لا يمكن أن يقال فيه : إنه أباح حصّة مالك الحصّة له ؛ إذ لا إباحة إلّا فيما يملك ، وهو لا يملك حصّة شريكه حتّى يحلّها له.

وأيضاً حصّة الشريك مباحة له بالملك قبل تحليل الشريك لولا الشراكة فإن مقتضى الملك إباحة المملوكة لولا شراكة الغير.

ص: 503


1- أجوبة المسائل المهنّائيّة : 153 / المسألة : 26.
2- وسائل الشيعة 21 : 142 - 144 ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 41 ، و 21 : 153 ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 46.

فإذن ، الشريك لا يمكن أن يتحقّق منه إلّا إباحة حصّته خاصّة ؛ فالشريك مع إباحة شريكه لو قلنا بحلها له كان ناكحاً لها بتحليل شريكه له حصّته ، وبملكه هو لحصة نفسه. ولا ريب أنّهما سببان متباينان ؛ فيتبعّض البضع ؛ إذ لا ريب في تباين السببين ، فيلزم تركّب سبب حلّ البضع ، ونحن نمنع حل البضع بسبب مركّب.

فإن قلت : الإباحة تمليك للمنفعة ، فيكون الشريك إنما نكحها بالملك ، وهو سبب بسيط.

قلت : التحليل إباحة ، والإباحة ، تمليك للانتفاع وتسليط عليه. والفرق بينه وبين ملك العين جليّ فإن ملك المنفعة بالتمليك ملك غير حقيقي ولو كان بعقد لازم فضلاً عن العقد الجائز ، وملك العين والمنفعة الناشئ من ملك العين حقيقيّ. فبالضرورة معنيان متباينان ، وحقيقتان متغايرتان ، لا تتّحد أحدهما بالأُخرى ، ولا تستلزمها ولا تدلّ عليها ، فلا شكّ أنهما شيئان. فاستباحة البضع بهما يستلزم استباحته بسببين ، أو قل : سبب مركّب ، ولا شي ء من البضع يحلّ بسببين ، ولا سبب مركّب.

هذا على المشهور المنصور ، وأمّا على مذهب المرتضى : من القول [ بأن ] (1) التحليل عقد متعة (2) ، فالتباين وتعدّد السبب أو تركّبه عليه أوضح.

وأيضاً الإباحة والتحليل في الحقيقة عقد من جملة العقود الجائزة ، فيلزم أن الشريك نكحها بعقد وملك فقد تعدّد السبب ، أو تركّب وتبعّض البضع ، بلا إشكال. وما يدلّ على عدم حلّها لكلّ واحد من الشريكين إطلاق خبر مسعدة بن زياد : عن الصادق : عليه السلام : « يحرم من الإماء عشر ... ».

و [ عدّهن (3) ] إلى أن قال : « ولا أمتك ولك فيها شريك » (4).

ص: 504


1- في المخطوط : ( فان ).
2- عنه في المسالك 8 : 92.
3- في المخطوط : ( عندهم ).
4- الفقيه 3 : 286 / 1360 ، تهذيب الأحكام 8 : 198 / 695 ، وسائل الشيعة 21 : 106 ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 19 ، ح 1.

قال في ( كشف اللثام ) : ( ونحو منه (1) عن مسمع كردين (2) : عنه عليه السلام ).

وفي ( التهذيب ) : مزرعة : عن سماعة قال : سألته عن رجلين بينهما أمة فزوّجاها من رجل ، ثمّ إن الرجل اشترى بعض السهمين. قال حرمت عليه [ باشترائه (3) ] إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها ، إلّا أن يشتريهما جميعاً (4).

وذلك صريح في تحريمها على مشتري السهم ، إلّا أن يشري المجموع. فحظر حلّها على الشريك إلّا حالَ شراء الكلّ.

وممّا يؤيّده أنها لا تحلّ للشريك بنكاح دائم ولا منقطع إجماعاً ، وهما أقوى سببيّة في حلّ الفرج من التحليل. فإذا امتنع تأثير السبب الأقوى ولم يعمل امتنع تأثير الأضعف بطريق أولى ، بل هذا عند التأمّل يدلّ على المطلوب.

وبالجملة ، أنت إذا تأمّلت الأخبار وقواعد الفقه ، بل والاعتبار ، وجدتها كلّها دالة بعمومها أو إطلاقها على عدم حلّ الأمة بين شريكين بسبب من أسباب حلّ الفرج ، والأصلُ تحريم الفروج حتّى يقوم دليل قاطع على الحلّ. ولا شكّ أن تجويزه بأيّ سبب من أسباب حلّ النكاح قول بتبعيض ما لا يتبعّض.

وقال في ( أزهار الرياض ) : ( إذا حلّل أحد الشريكين الأمة لصاحبه فهل تحلّ له؟ ذهب السيد المرتضى (5) : وأكثر الأصحاب إلى عدم الحلّ ، وذهب الشيخ (6) : وابن إدريس (7) : إلى الجواز ، وهو الأقوى.

احتجّ الأوّلون باستلزام ذلك تبعيض سبب إباحة البضع بمعنى حصوله بأمرين ،

ص: 505


1- الكافي 5 : 474 / 9 ، تهذيب الأحكام 8 : 198 / 696 ، وسائل الشيعة 21 : 107 ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 19 ، ح 2.
2- في المخطوط : ( مسمع ابن كردين ) ، وما أثبتناه وفق المصدر.
3- في المخطوط : ( واشترابه ).
4- تهذيب الأحكام 8 : 199 / 699 ، وسائل الشيعة 21 : 153 ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 46 ، ح 2.
5- عنه في أجوبة المسائل المهنّائيّة : 153 / المسألة : 26.
6- النهاية : 480.
7- السرائر 2 : 603.

وهو لا يتبعّض ؛ لقوله تعالى : ( إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (1) ، والتفصيل قاطع فلا يكون الملفّق منهما سبباً للإباحة. وهذه المنفصلة وإن احتملت أن تكون حقيقة ومانعة خلوّ إلّا إن هذا يوجب الشكّ في الإباحة ، فيرجع إلى أصل المنع.

وفيه نظر ؛ إذ مآل ذلك إلى أصالة المنع ، وعدم دلالة الآية على جواز التبعيض ، لا على دلالتها على عدمه ، فتأمل.

وتعبيرنا بال - ( حقيقة ) أولى من تعبير الشهيد الثاني : ب- ( مانعة الجمع ) فإنها ظاهرة في مانعته خاصّة ، وليس بمراد. وفي ( شرح الشرائع ) (2) : ( إن المعلوم من الآية إرادة منع الخلو والجمع معاً ؛ لأن المنفصلة وإن احتملت الأمرين ألّا إن هذا المعنى متيقّن ، ومنع الخلوّ خاصّة غير متيقّن ، والأصل تحريم الفروج بغير سبب محلّل ) (3).

وورود الاعتراض عليه لا يخفى.

احتجّ الآخرون برواية محمّد بن مسلم : عن الباقر عليه السلام : في جارية بين رجلين دبّراها جميعاً ثمّ أحلّ أحدهما فرجها لصاحبه قال : « هو له حلال » (4).

وأجاب الشهيد الثاني عنها في الشرحين (5) بأنها ضعيفة السند.

وفيه نظر ؛ فإنها مروية في ( الكافي ) (6) و ( الفقيه ) (7) و ( التهذيب ) (8) في باب السراري وملك الأيمان بطريق واضح الصحّة. ثمّ إنهم أجابوا عن حجّة الأوّلين بأن التحليل شعبة من الملك من حيث إنه يملك المنفعة ومن ثمّ لم تخرج عن الحصر

ص: 506


1- المؤمنون : 6.
2- مسالك الأفهام 8 : 29.
3- مسالك الأفهام 8 : 29.
4- الكافي 5 : 482 / 3 ، وسائل الشيعة 21 : 142 ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، ب 41 ، ح 1.
5- مسالك الأفهام 8 : 30 ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 5 : 323.
6- الكافي 5 : 482 / 3.
7- الفقيه 3 : 290 / 1380.
8- تهذيب الأحكام 8 : 203 / 717.

المذكور في الآية. وابن إدريس : جعله دليلاً على المدّعى ، وهو بالجوابية أنسب ، وعلى كلّ حال فهو متوجّه.

وأمّا ما قيل في رده من بقاء التبعيض من حيث إن بعضها مستباح بملك الرقبة والآخر بملك المنفعة ، ولا ريب في أنهما متغايران ، وأن التحليل إمّا عقد أو إباحة ، وكلاهما مغاير لملك الرقبة فيلزم التبعيض فمردود ، وبأن التبعيض المنفيّ هو الخارج عن القسمين المذكورين في المنفصلة الواقعة في الآية الكريمة لإمكان [ .. (1) ].

والأوّل منتفٍ ؛ لأن الفرض رجوع ما جعل سبباً للحِلّ إلى أحد القسمين ، وهو تألى المنفصلة. وهذا كما جُعل التحليل راجعاً إلى ملك اليمين لئلّا يخرج من القسمين ، وإذا كان كذلك كان مجموع ما يقع من أفراده سبباً واحداً ، سواء كان مستنداً إلى ملك الرقبة ، أو إلى التحليل ، أو إليهما ، أو نحو ذلك.

وفي جواب ( مسائل السيد مهنا بن سنان ) للعلّامة : قوّى القول بالإباحة قال : ( وكنت رأيت والدي في النوم بعد وفاته وهو يبحث لنا ، فبحث عن هذه المسألة ، ونقل الخلاف ، وذكر أن المرتضى : منع من إباحتها والشيخ : أجاز وطأها ، فقلت له : الحقّ مذهب المرتضى : فقال : لم؟ فقلت : لأن سبب البضع لا يتبعّض ، فلا يقال : زوجتك ، أو أنكحتك نصف هذه الجارية ويكون الباقي مباحاً بالملك ، فقال : هذا غلط ، نحن لا نقول : إنه إذا ملك بعضها يحرم بعضها ويحلّ بعضها ، بل لو كان فيها لغيره أقلّ جزء منها كانت بأسرها حراماً ، فيكون التحليل مبيحاً للجميع لا للبعض ) (2) ، انتهى.

وذكر الشهيد الأوّل : في ( شرح الإرشاد ) (3) أن العلّامة : كتب هذا المنام بخطّه على

ص: 507


1- بياض في المخطوط ، والعبارة في المصدر غير مقروءة.
2- أجوبة المسائل المهنّائيّة : 152 - 153 / المسألة : 26.
3- غاية المراد 3 : 94 ، وقد أورده أحد المحشين على القواعد في هامش النسخة الحجرية وذيّله بالرمز ( ع ل ).

كتاب ( القواعد ) (1) ، وأنت خبير بما فيه ؛ فإن تحريمها قبل التحليل لعدم تمام السبب ، حيث إن بعضها مملوك له ، وبعضها لغيره ، وتحليل الشريك أوجب تمام السبب لا أنه سبب تامّ في الحلّ كما ظنّه ؛ فإنه ظاهر السقوط. ومن ثمّ لو كانت لشريكين فأحلّها أحدهما لم تحلّ قطعاً ، وكذا لو زوّجها أحدهما وأحلّها الآخر.

فعلم أن حلها في الصورة المذكورة إنّما هو تمام السبب حينئذٍ لا لكونه سبباً تامّاً. وهذا كما أن المعلول معدوم قطعاً قبل الجزء الأخير من العلّة التامة ، ومعه يوجد قطعاً بل تمام العلّة ، ولو تمّ ما ذكره من التقريب لجرى في عدم تركّب العلّة التامّة البتّة ، ولأوجب أن يكون العلّة التامّة هو الجزء الأخير.

والحاصل أن اللازم من ذلك كونها تمام السبب أو العلّة التامّة ، لا أنها سبب تامّ وعلّة تامّة. وبين الأمرين بون ظاهر لا يشتبه على ذي مسكة.

والمدّعى إنّما يتمّ بالأمر الثاني لا الأوّل. ويزيد ما ذكرناه وضوحاً ما ذكره الشهيد : في ( شرح الإرشاد ) : ( إن التحليل مخصوص بالشخص المملوك ) (2) ضرورةً ؛ لعدم نفوذ التحليل في شقص الغير بالضرورة ، فلا يتوهّم كونه سبباً تامّاً في الحلّ في الصورة المذكورة. وقد ظهر ممّا حرّرناه أن الحقّ ما اختاره الشيخ : وابن إدريس : ؛ لصحّة الرواية وقصور ما ذكروه من الاعتبار في جنبها مع ما فيه من الكلام ، فتأمّل المقام بالتأمّل التام ) (3) ، إلى هنا كلام ( زهر الرياض ) ، شكر اللّه سعيه.

وأقول : تأمّلناه بما أنعم اللّه به علينا من الأفهام ، وتحريرُ المقام فيما قرّره في هذا الكلام أن المشهور استدلّوا على عدم الحِلّ بالقاعدة المجمع عليها بين الفرقة في سائر الأعصار ، وهي أن ( البضع لا يتبعّض ) بمعنى : أنه لا يحلّ إلّا بسبب واحد بسيط فلا يحلّ بسببين أي بمجموعهما حتّى يكون سبب حله مركّباً من أمرين. وقد عرفت أن سببيّة ملك الرقبة يغاير سببية الإباحة ، بحيث لا يمكن اتّحادهما في

ص: 508


1- انظر قواعد الأحكام 2 : 31 ( حجري ) ، ولم يذيّل الهامش بما يشير إلى كونه من المصنّف رحمه اللّه.
2- غاية المراد 3 : 95.
3- أزهار الرياض 62 - 65 ( مخطوط ).

حال ؛ لما عرفت ، ولأنهما اثنان قطعاً ، والاثنان لا يتّحدان بحيث [ يكونان ] (1) واحداً بسيطاً بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً. والقول بأنه شعبة من الملك ، من حيث إنه يملك المنفعة لا يثمر نفعاً في اتّحاد السبب ؛ لوضوح المغايرة بين ملكي الشقصين حينئذٍ ؛ لأنه لا ينتج اتّحاد الملك ، بل هما ملكان متغايران بالضرورة.

ولنا أن نمنع أنه ملك أصلاً حتّى للمنفعة ، لظهور المغايرة بين الملك بالإجارة أو الوقف أو الوصيّة أو العمرى أو الرقبى ، وبين إباحة المنفعة كالعارية ؛ فإن ملك الشقصين لا يمكن أن يكون لاثنين ، فكلّ من ملك شيئاً كان خارجاً عن ملك غيره بالضرورة. وليس منافع المعار والمباح بخارجة عن ملك المبيح والمعير وسلطنتهما البتّة. ولو كان زوج الأمة أو المحلّلة له مالكاً لمنافع بضعها ، لكان له مهرها إذا وطئت بشبهة ، وليس كذلك إجماعاً. وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم.

فاستحقاق السيّد حينئذٍ لمهرها دليل على بقاء ملكه لمنافع بضعها ، وأنها لم تخرج عن ملكه ؛ فالزوج والمحلّل له إنّما يملك الانتفاع كالمستعير. وهذا في الناكح بالتحليل أظهر.

هذا ، مع أن تسليم أن الإباحة شعبةٌ من الملك إقرارٌ بأنها ليست بملك ، فيكون نكاح الشريك بتحليل شريكه حلّا بملك ، وشعبة من الملك ، فيتركّب سبب حلّ الفرج ، فيتبعّض البضع فلا يدخل في شي ء من قسمي المنفصلة ؛ لتركّبه ، وسبب حلّ البضع لا يكون إلّا واحداً بسيطاً ، والتحليل لا يوجب اتّحاد الملك والشعبة من الملك ، حتّى [ يكونا (2) ] سبباً واحداً بسيطاً ، وإلّا لحلّت للشريك بالنكاح من شريكه على [ البتّة (3) ] أو منقطعاً أو بهبة المنفعة والصدقة بها ، وشي ء من ذلك لا يحلّ به نكاح الشريك إجماعاً. وكذا العارية ؛ لأن كلّ واحد ممّا ذكر أقوى في شبه الملك وملك المنفعة من الإباحة.

ص: 509


1- في المخطوط : ( يكونا ).
2- في المخطوط : ( يكونان ).
3- في المخطوط : ( البت ).

وكيف يمكن شي ء ممّا ذكروا من إباحة الشقص وهو غير متميّز عن الشقص الآخر بوجه أصلاً؟ فإن كلّ جزء من فرجها وإن قلّ إلى غير النهاية أو إلى أن ينتهي إلى جزء لا يتجزّأ على رأي المتكلّمين مملوك لهما. فحصّة كلّ واحد منهما غير معلومة بعينها ، فكيف تصحّ إباحته أو إجازته أو تزويجه؟ ولو صحّ من مالك الشقص إباحته لمالك الشقص الآخر لصحّ منها ، وليس لها أن تبيح فرجها ولو لمالك بعضها إجماعاً ، وليس للمرأة فرجان.

وأمّا حديث رؤيا العلّامة : وما قرّره له والده في المنام فأضغاث أحلام ؛ إذ ليس إباحة الشريك سبباً تامّاً لحلّ الفرج كما هو واضح مسلم عند الخصم. وأمّا أنه تمام السبب فسقوطه ظاهر ؛ إذ ليس الفرج سبباً مركّباً كما عرفت ، ولا يحلّ بسبب مركّب ، وإنّما يحلّ بسبب بسيط. فالقول بأنه تمام السبب ، يستلزم القول بجواز تركيب سبب حلّه وهو يستلزم تبعيض البضع.

فظهر أن القول بأن تحليل الشريك سبب تامّ ، ظاهر السقوط ، كما قال العلّامة الشيخ سليمان : وما ذكره هو رحمه اللّه في ردّه كافٍ كالّذي نقله عن الشهيد رحمه اللّه : وإن كان تشبيهه لتحليل الشريك بالجزء الأخير من العلّة المركبة غير جيّد ؛ لأن معلول العلّة المركّبة معلول لمجموع الأجزاء ، لا لجميعها بل للهيئة الاجتماعيّة ؛ فمجموعه علّة لمجموعها ، لا أن جميعه معلول لجميعها ، وإلّا لكان كلّ جزء من العلّة علّة لجزء مخصوص.

هذا ، إن سلمنا وجود علّة مركّبة ، وأنت إذا نظرت بعين الحكمة في كتاب الموعظة ، وتدبّرت آيات الآفاق والأنفس ، لم تجد علّة مركّبة. وعلى كلّ حال ، فهو غير مجدٍ في تسويغ النكاح بسببين مختلفين. وما أورده الشيخ سليمان : على القول بأن التحليل سبب تامّ من قوله : ( ومن ثمّ لو أحلّها أحد الشريكين ) إلى آخره واردٌ على القول بأنه تمام السبب ، فتأمّله.

واستدلّ المشهور أيضاً بالآية الشريفة ، وهي قوله تعالى في سورة قَد أفلح :

ص: 510

( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (1) [ و ] دلالتها إنّما دلّت بمنطوقها على وجوب حفظ الفرج [ عن (2) ] كلّ شي ء إلّا الأزواج وملك اليمين ، فكلّ شي ء محرّم على الفرج من كلّ وجه من وجوه الاستمتاع إلّا الأزواج وملك الأيمان. والملك المطلق فيها يجب صرفه إلى أكمل الأفراد ، وهو ملك جميع المنكوحة ملكاً حقيقيّا ، وهو ملك العين عقلاً ، وإلّا لزم الترجيح لا لمرجح لو صرفناه إلى فرد من أفراد الملك في الجملة دون غيره.

وأمّا صرفه ، [ إلى ] نوع من أنواع الملك المجازيّ ، [ فواضح (3) ] الامتناع ، ولأن الفرد الأكمل هو المتبادر إلى أفهام كافّة المخاطبين بها ، فيجب صرف الإطلاق إليه ، والإلجاء : التكليف قبل البيان ، وهو محال عقلاً ونقلاً (4). ومن أجل هذا وغيره كان المطلق يدلّ على العموم ما لم يقيّد. فدلّت الآية الكريمة على منفصلة حقيقيّة قائلة : إما أن يكون الشي ء حراماً على الفرج ، أو يكون زوجة أو ملك يمين ، فالمحرم على الفرج أحد جزأيها والزوجة وملك اليمين الحقيقيّ الكامل [ جزؤها ] الآخر.

فدلّت بمنطوقها على أن المحلّل على الفرج منحصر في قسمين : الأزواج ، وملك اليمين الكامل ، فتضمّنت منفصلة اخرى حقيقيّة قائله : إن المحلّل للفرج إما الأزواج ، أو ملك اليمين ، بحيث لا يجتمعان في موضع ولا يرتفعان عن موضع من أفراد المحلّل للفرج.

أما مانعة الخلوّ منها فدلّ عليها حصر الآيةِ الكريمة المحلّلَ للفرج في القسمين بمنعها بمنطوقها عمّا سواهما ، وأمّا مانعة الجمع منها فضروريّة ؛ ولأن الإجماع في كلّ زمان ومكان والنصّ المتطابق المستفيض قائمان من غير معارض على عدم

ص: 511


1- المؤمنون : 5 - 7.
2- في المخطوط : ( على ).
3- في المخطوط : ( فوضح ).
4- كما في قوله تعالى : ( وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء : 15 ، الخصال 2 : 417 / 9 ، أبواب التسعة.

حلّ الفرج ولوازمه بالملك والتزويج دواماً ومنقطعاً. فدلّت الآية الكريمة بدلالة واضحة على أنه لا تحلّ للفرج إلّا ما كان زوجة خالصة ، أو ملكاً خالصاً ؛ فدلّت على تحريم المركّب منهما ، وعلى عدم جواز تبعيض البضع ؛ فدلّت على عدم جواز نكاح الأمة المشتركة ولو أباح لشريكه حصّته.

فإذا تأمّلت هذا حقّ التأمّل ظهر لك أن مانعة خلوّها تدلّ على منع حِلّ الأمة بين الشريكين لأحدهما ، ولو بتحليل الشريك قسطه منها ، وعلى منع التبعيض ، وكذلك مانعة [ جمعها (1) ] فلا ترجع باحتمال أحدهما إلى أصالة المنع ، بل دليل مستقلّ على عدم حلّ الأمة المشتركة لأحدهما ولو أحلّه الآخر ؛ فإن الكتاب والسنّة المجمع عليها ، والإجماع في كلّ زمان ، والعقل [ نقلتنا (2) ] عن أصل الإباحة في الفروج إلى أصل التحريم إلّا بدليل.

فهذا الأصل والكتاب منع من حلّ الأمة المبحوث عنها إلّا بدليل ، ولا دليل على حلّها ، ورواية محمّد بن مسلم : ولو كانت صحيحة لا تعارض ظاهر الكتاب وهذا الأصل والقاعدة المسلّمين خصوصاً مع مخالفتها لمشهور العصابة في كلّ زمان واطّراحهم لظاهرها. وقد صرّح جماعة بأن حصر المحلّلات على الفروج في الأزواج وملك الأيمان على سبيل الانفصال الحقيقيّ ، منهم [ صاحب (3) ] المسالك كما مرّ النقل عنه في كلام الشيخ سليمان : ومنهم السيوريّ : في ( كنز العرفان ) قال رحمه اللّه : ( الآية صريحة في انحصار سبب الإباحة في القسمين المذكورين ، وهما الزواج ، وملك اليمين على سبيل الانفصال الحقيقيّ أي إمّا زواج ، أو ملك يمين ، بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان وأكّد ذلك بقوله ( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (4) ).

إلى أن قال رحمه اللّه : ( ظهر ممّا ذكرناه أن البضع لا يتبعّض ، فلو ملك بعض أمة لم

ص: 512


1- في المخطوط : ( خلوها ).
2- في المخطوط : ( نقلنا ).
3- في المخطوط : ( شرح ).
4- المؤمنون : 7.

يحلّ له العقد على باقيها ، وإلّا لزم التبعيض فيستبيح بعضاً بالملك ، وبعضاً بالعقد وهو باطل.

واختلف الأصحاب في تحليل الشريك له حصّته ، هل يبيحه [ الوطء (1) ] ، أم لا؟ قال الجماعة : لا يبيح ، وإلّا لزم التبعيض. وقيل : يبيح ، وهو قول ابن إدريس (2) : والشهيد (3) : وهو الأقوى عندي ؛ لما قلناه : إن الإباحة داخلة في الملك ، فيكون مستبيحاً لها بالملك. ولا يضرّنا كون بعضه تبعاً للعين وبعضه منفرداً ؛ لأن الملك له أسباب كالشراء والانتهاب والإرث ، ومن جملتها التحليل ، إلّا إنه سبب ملك منفعة البضع ، وتبعّض سبب الملك ليس بضارّ ، وإلّا لزم تحريم بضعها إذا كان بعضها بالشراء وبعضها بالإرث ، وليس كذلك اتّفاقاً ) (4) ، انتهى.

وأنت [ بعد (5) ] الإحاطة بما قررناه خبير بضعفه وبما يرد عليه ، وكيف يجتمع القول بحِلّ الأمة المشتركة بتحليل الشريك مع القول بأن المنفصلة حقيقته؟ فالقول والاستدلال بها على حِلّ المشتركة بتحليل الشريك ممّا لا يرجى التئامه؟

أمّا القول بأن التحليل داخل في الملك فلا يجدي نفعاً في دخوله في المنفصلة ، لوضوح مغايرة هذا الملك للملك المذكور فيها ، فلا يرفع تبعيض البضع لمغايرة حقيقتي الملكين بالضرورة ، بل ليس الإباحة تمليكاً حقيقياً ، فليست ملكاً حقيقياً ، فلا توجب [ اتّحاد (6) ] الملكين وصيرورتهما ملكاً واحداً ، بخلاف اختلاف أسباب الملك الحقيقيّ الواقع على العين والمنفعة معاً ؛ فإن شراء البعض وإرث البعض الآخر أو [ إيهابه يصيّرانه (7) ] ملكاً واحداً للعين والمنفعة ، بخلاف ملك البعض وإباحة البعض ، فإنه لا يصيّر الملكين ملكاً واحداً ؛ لاختلاف حقيقتي الملكين.

ص: 513


1- في المخطوط : ( الوطي ).
2- السرائر 2 : 602 - 603.
3- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 5 : 322.
4- كنز العرفان 2 : 145 - 146.
5- في المخطوط : ( بعض ).
6- في المخطوط : ( التحاد ).
7- في المخطوط ( اتهابه يصيّراه ).

والفرق بينهما واضح ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، ولا يدلّ عليه بوجه من وجوه الدلالة ، وليس بينهما تلازم. فالقول بعدم حلّها للشريك بتحليل شريكه لا يستلزم عدم حلّها للمالك لجميعها عيناً ومنفعة بغير وجه التحليل. على أن كون تمليك البعض مثل القبلة المحضة أو اللمس أو النظر فقط غير واضح ، مع أنها تباح بالتحليل ؛ للنصوص الصحيحة وإدخاله في الملك أشكل ، وإدخال المستأجرة بجميع منافعها أولى منها. وهو ظاهر ، فلا بدّ من التخصيص.

ولكن لمّا ثبت التحليل ، فلا بدّ من التأويل وإن كان بعيداً ، فيمكن جعله قسماً آخر بنفسه. و [ أمّا ] تخصيص هذه الآية فإنه غير عزيز على ما اشتهر من أنه ما من عام إلّا وقد خصّ ، حتّى هذا فتأمل ). إلى هنا كلام الأردبيلي رحمه اللّه (1) : وفيه فوائد لا تخفى.

وهو ظاهر في أنه فهم من الآية الكريمة الانفصال الحقيقيّ ، وأن المراد بملك الأيمان : الملك الحقيقيّ للعين والمنافع التابعة له ، وهو الملك المتعارف المتبادر لفهوم جميع المخاطبين ، فيخرج منه المملوكُ جزؤها عيناً المحلّل جزؤها الآخر بالضرورة ، فإنها ليست ملكاً كذلك ولا سُرّيّة بالضرورة ، بل تراه صرّح بخروج المحلّلة كلّها عن المنفصلة مع أنها حلال بالنصّ والإجماع المستفيضين.

وحينئذٍ إما أن نقول بعدم دخول المحلّلة كلّها في المنفصلة وإنّما يثبت كونه سبباً لحلّ الفرج بالنصّ والإجماع ؛ فهما مخصّصان للآية الكريمة ، ونظائره كثيرة في الشرعيات ، وهذا هو الأظهر ، بل الظاهر خروج المتمتّع بها عنها أيضاً وإنّما ثبت حِلّها بالنصّ والإجماع المستفيضين ، وبقوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2).

وكلّ واحد من الثلاثة صالح لتخصيص هذه الآية ، فإن المتبادر إلى الأفهام من لفظ الزوجة إنّما هو الدوام ، فهو الحقيقة ، وهو المتيقّن. والمنقطعة زوجة مجازاً والدليل

ص: 514


1- لم تسبق الإشارة منه رحمه اللّه إلى الأردبيلي.
2- النساء : 24.

على [ مجازيّتها (1) ] ما ورد في جملة أخبار أنهن مستأجرات (2) ، وأنهن بمنزلة الإماء (3) ، ويدلّ على أن المراد بالأزواج في هذه الآية : المنكوحات بالعقد الدائم قوله ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (4).

وإمّا أن نقول : المراد بالأزواج وما ملكت الأيمان في الآية الكريمة : ما هو أعمّ من الحقيقة فتدخل المتمتّع بها والمحلّلة كلّها ، فإن إطلاق الزوجة على المتمتّع بها ، والملك على المحلّلة كلّها بالنسبة إلى المنافع المقصودة في النكاح من المجاز الشائع ؛ فتكون الآية من باب عموم المجاز ، والقرينة عليه النصّ والإجماع على حلّهما.

وعلى كلّ حال ، لا تدخل [ الأمة (5) ] بين الشريكين إذا أحلّها الشريك لشريكه في محلّل الآية ، ولا محلّل ما قام عليه النصّ والإجماع من عقد المتعة والملك البسيط للعين أو المنفعة ، وإنّما هي داخلة في محرّمات الآية ، والأصل والقاعدة المسلّمة بالإجماع على عدم حلّ الفرج إلّا بسبب واحد بسيط ، فنحتاج في حلّها إلى دليل أقوى ممّا ذكر ، حتّى نخصّص به الكتاب والسنّة المجمع عليها ، ولا دليل.

والعجب من الشهيد : في ( نكت الإرشاد ) حيث قال في شرح قول العلّامة (6) : ( ولو اشترى حصّة من زوجته بطل العقد وحرم وطؤها وإن أباحه الشريك أو أجاز العقد على رأي ) - : ( لا سبيل إلى حلّه بإباحة الشريك أو إجازته العقد ، وهو فتوى ابن الجنيد (7) : والمحقّق (8) : ؛ لعدم تبعيض سبب البضع ، للمنع منه في قوله تعالى :

ص: 515


1- في المخطوط : ( مجازيّته ).
2- الكافي 5 : 472 / 7 ، تهذيب الأحكام 7 : 258 / 1120 ، الإستبصار 3 : 147 / 538 ، وسائل الشيعة 21 : 18 ، أبواب المتعة ، ب 4 ، ح 2.
3- الكافي 5 : 451 / 1 ، وسائل الشيعة 21 : 19 ، أبواب المتعة ، ب 4 ، ح 6.
4- النساء : 3.
5- في المخطوط : ( الآية ).
6- إرشاد الأذهان 2 : 10.
7- عنه في مختلف الشيعة 7 : 268.
8- شرائع الإسلام 2 : 255.

( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (1).

والتفصيل بقطع الشركة ، والمراد به هنا : منع الخلو في الاستباحة عن الزوجة والملك ، ومنع الجمع بينهما ) (2).

ثمّ ساق تفصيل الخلاف ، ثمّ قال في آخر بحثه : ( والجواز هو المختار ) (3) ، يعني : في حلّها بتحليل الشريك وهو أخبر بما قال ، والمعصوم من عصمه اللّه.

وممّن ظاهره أنها منفصلة حقيقيّة محصورة في الزوجة وملك العين أجمع ملكاً بسيطاً الطبرسيّ في ( جامع الجوامع ) حيث قال في تفسيرها : ( والمعنى : أنهم لفروجهم حافظون في جميع الأحوال إلّا في حال تزويجهم أو تسرّيهم ؛ إذ من اليقين أن المبحوث عنها ليست بزوجة ولا سُرّيّة لا شرعاً ولا عرفاً ولا لغة ) (4) ، انتهى.

ومثل هذه الظواهر في كلام المفسّرين والأصحاب كثير لا يحصى كما لا يخفى على المتتبّع المتأمّل فلا نطوّل بنقل عباراتهم.

تنبيهان
التنبيه الأول : جواز الاستمناء بغير الفرج من أعضاء المنكوحة

كما دلت الآية على وجوب حفظ الفرج عمّا سوى المحلّل بالإجماع والكتاب والسنّة ، وهو المستثنى من المحرمات على الفرج ، وتحريم استمتاع الفرج بغيره مطلقاً إيلاجاً حتّى في الجدر والحشايا واللحم الميّت وكلّ شي ء يقصد به الاستمناء كذلك ولو بالفرك في ظاهر البشرة ، أو الجلد ولو مسلوخاً ، أو الخرق أو غير ذلك مطلقاً. وكذا عن لمس المكلّف ونظره ؛ للأمر بحفظ الفرج عمّا سوى المستثنى على الإطلاق ، ووصف من لم يحفظه مطلقاً عمّا سواه بالعدوانِ ، دلّت أيضاً على عدم قبح عدم حفظه عنه ، بل على حسن عدم حفظه عنه مطلقاً ، بمقتضى المقابلة ، فهي

ص: 516


1- المؤمنون : 5 - 6.
2- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 3 : 63.
3- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 3 : 65.
4- المصدر الموجود لدينا غير تامّ ، انظر مجمع البيان 7 : 132 - 133.

صريحة بإطلاقها في حلّ استمتاع الفرج بجميع جسد الزوجة والسرّيّة إيلاجاً واستمناء ، ما لم يستلزم ضرراً كما هو ظاهر المذهب ، لا نعلم فيه مخالفاً.

ونقلُ الإجماع على جواز الاستمتاع على الإطلاق من الحائض بما فوق السرة وتحت الركبة مستفيض ، قال في ( المدارك ) بعد قول المحقّق : في أحكام الحائض : ( ويجوز له الاستمتاع بما [ عدا (1) ] القبل ) (2) - : ( اتّفق العلماء كافّة على جواز الاستمتاع من الحائض بما فوق السرّة وتحت الركبة ، واختلفوا فيما بينهما خلا موضع الدم ؛ فذهب الأكثر إلى جواز الاستمتاع به أيضاً ، وقال السيد المرتضى : في ( شرح الرسالة ) : ( لا يحلّ الاستمتاع منها إلّا بما فوق المئزر ) (3) ، ومنه [ الوطء (4) ] في الدبر.

احتجّ المجوزون بأصالة الإباحة ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) ، وهو صريح في نفي اللوم عن الاستمتاع كيف كان. [ فترك (5) ] العمل به في موضع الحيض بالإجماع ، فيبقى ما عداه على الجواز. وقد ورد بذلك روايات كثيرة ، كموثّقة عبد اللّه بن بكير : عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام : قال : « إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّقى موضع الدم » (6).

ورواية عبد الملك بن عمرو : قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عمّا لصاحب المرأة الحائض منها ، فقال : « كلّ شي ء ما [ عدا (7) ] القبل بعينه » (8).

وصحيحة عمر بن يزيد : قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما للرجل من الحائض؟

ص: 517


1- في المخطوط : ( عدى ).
2- شرائع الإسلام 1 : 23.
3- عنه في المعتبر 1 : 244.
4- في المخطوط : ( الوطي ).
5- في المخطوط : ( ترك ).
6- تهذيب الأحكام 1 : 154 / 436 ، وسائل الشيعة 2 : 322 ، أبواب الحيض ، ب 25 ، ح 5.
7- في المخطوط : ( عدى ).
8- الكافي 5 : 538 / 1 ، وسائل الشيعة 2 : 321 ، أبواب الحيض ، ب 25 ، ح 1.

قال : « ما بين إليتيها ولا ينقب » (1) ) (2) ، انتهى.

وهو صريح في الإجماع على المدّعى.

ومثل هذه العبارة في دعوى الإجماع على جواز الاستمتاع بجميع جسد المنكوحة مطلقاً ، حتّى الاستمناء كثير لا يحصى ، ولو أردنا نقل عبارات الفقهاء في هذا لطال الكلام وحصل الملالة ، مع أنها [ بمرأى (3) ] من الناظر ، وإنّما أردنا التنبيه على مظانّها ، وهو المطابق لظاهر قوله تعالى : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (4) ، بل صريحها. والأخبار به مستفيضة ، بل بالغة حدّ التواتر المعنويّ ، كما يظهر لمن تتبّع أخبار موجبات الجنابة (5) ، وأخبار ما يحلّ الاستمتاع به من الحائض (6) ، وأخبار النكاح (7) ، وكلّ باب منها كثير. من ذلك صحيحة الحلبيّ : عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في الحائض ، ما يحلّ لزوجها منها؟ قال : « تتزر بإزار إلى الركبتين ، وتخرج سرّتها ، ثمّ له ما فوق الإزار » (8).

هذا المضمون في أخبار ما يحلّ [ للناكح (9) ] كثير لا نطوّل بذكرها ، منها [ ما ] في باب ما يوجب الجنابة صحيحة الحلبيّ : أو حسنته : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن المفخّذ عليه غسل؟ قال : « نعم إذا أنزل » (10).

وفي ( الجعفريات ) على ما نقله في ( الرواشح السماوية ) بسنده المشهور أن عليّاً عليه السلام سُئل عن الرجل يجامع امرأته أو أهله فيما دون الفرج ، فيقضى شهوته قال :

ص: 518


1- تهذيب الأحكام 1 : 155 / 443 ، وسائل الشيعة 2 : 322 ، أبواب الحيض ، ب 25 ، ح 8.
2- المدارك 1 : 351 - 352.
3- في المخطوط : ( بمرئا ).
4- البقرة : 223.
5- وسائل الشيعة 2 : 186 ، أبواب الجنابة ، ب 7.
6- وسائل الشيعة 2 : 321 ، أبواب الحيض ، ب 25.
7- وسائل الشيعة 20 : 141 - 148 ، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، ب 72 ، ب 73.
8- تهذيب الأحكام 1 : 154 / 439 ، وسائل الشيعة 2 : 323 ، أبواب الحيض ، ب 26 ، ح 1.
9- في المخطوط : ( لناكح ).
10- الكافي 3 : 46 / 4 ، وسائل الشيعة 2 : 186 ، أبواب الجنابة ، ب 7 ، ح 1.

« عليه الغسل ، وعلى المرأة أن تغسل ذلك الموضع إذا أصابها ، فإن أنزلت من الشهوة كما أنزل الرجل فعليها الغسل » (1).

وصحيح ابن بزيغ : عن أبي الحسن عليه السلام : سألته عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج ، وتنزل المرأة ، عليها الغسل؟ قال : « نعم » (2).

التنبيه الثاني : جواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل

وخبر محمّد بن الفضيل : كما في ( التهذيب ) و ( قرب الإسناد ) عن أبي الحسن عليه السلام : سأله وقال : تلزمني المرأة والجارية من خلفي ، وأنا متّكٍ على جنبي ، فتتحرّك على ظهري ، فتأتيها الشهوة فتنزل الماء أفعليها الغسل أم لا؟ قال : « نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل » (3).

ولفظ هذه الرواية في ( الكافي ) هكذا : سألت أبا الحسن عليه السلام : عن المرأة تعانق زوجها من خلفه ، فتتحرّك على ظهره فتأتيها الشهوة فتنزل الماء ، عليها غسل ، أو لا يجب عليها الغسل؟ قال : « إذا جاءتها الشهوة فأنزلت وجب عليها الغسل » (4).

وبالجملة ، فالأخبار بهذا المضمون كثيرة ، ووجه الدلالة في الخبر الأخير أنه دلّ على جواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل بلازم التقرير. فإذا ثبت جواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل جاز استمناء الرجل بسائر أعضاء المرأة بطريق أولى.

ولعلّ في جواز مباشرة الرجل لفرج المرأة بسائر أعضائه كما دلّ عليه النصّ (5) والإجماع دلالة على جواز استمنائها بسائر أعضائه للتلازم غالباً ، أو لدفع الحرج.

ص: 519


1- عنه في مستدرك وسائل الشيعة 1 : 454 ، أبواب الجنابة ، ب 4 ، ح 1.
2- الكافي 3 : 47 / 6 ، وسائل الشيعة 2 : 186 ، أبواب الجنابة ، ب 7 ، ح 3.
3- تهذيب الأحكام 1 : 120 / 320 ، قرب الإسناد : 395 / 1387.
4- الكافي 3 : 47 / 7 ، وسائل الشيعة 2 : 187 ، أبواب الجنابة ، ب 7 ، ح 4.
5- الوسائل 20 : 110 - 111 ، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، ب 51.

ولا يحضرني من نصّ على هذه المسألة إلّا الكاشاني : في نخبته (1) فإنه صرّح بجواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل. ويمكن أن نستدلّ بظاهر الآية عليه إذا التفتنا إلى الإجماع على مساواة المرأة للرجل في ( إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ ) . فما ثبت للرجل من الاستمتاع منها ، ثبت لها منه ، واللّه العالم.

ص: 520


1- النخبة : 223.

[150] نور فقهي : مسألة ما لو أدرك [ الصبيّ ] المسافر ركعة

قال العلّامة الشيخ سليمان : في ( أزهار الرياض ) : مسألة : إذا بلغ الصبي المسافر وقد [ بقي (1) ] من الوقت قدر أربع وجب الظهران ، فإذا نوى الإقامة في تلك الساعة فهل يتعيّن العصر تامّاً وتقضى الظهر قصراً ، أو تسقط الظهر ، أو يقصرهما؟ احتمالات أضعفها الأخير ، ولعلّ الأقرب أنه يصلّي العصر تامّاً ولا يقضي الظهر لانكشاف الحال بعدم وجود غير العصر. واحتمال أن يقال بعدم جواز نيّة الإقامة ؛ لأن نيّتها تسقط فرضاً وجب عليه بعيد ، فتأمّل ) (2) ، انتهى.

أقول : هذا الفرض لا يختصّ ببلوغ الصبيّ ، بل هو جارٍ في السكران المسافر ، والحائض ، والكافر ، والمجنون المسافرين ، إذا زال العذر قبل الغروب [ بمقدار أربع (3) ] مع الطهارة. والظاهر ابتناء هذا الفرع على الخلاف المشهور في أن العبرة في القصر والتمام بحال الوجوب أو الأداء ؛ فلو وجبت وهو حاضر ، وأدّاها وهو مسافر ؛ هل يؤدّيها حينئذٍ تماماً ؛ لأنها وجبت تماماً أو قصراً لأنه حال أدائها مسافر؟ قولان مشهوران أظهرهما الثاني.

فعلى الأوّل يلزم في هذه المسألة الفرضان قصراً ؛ لأن ذمّته قد اشتغلت بهما

ص: 521


1- في المخطوط : ( بلغ ).
2- أزهار الرياض : 479 ( مخطوط ).
3- في المخطوط : ( بأربع ).

قصراً. وعلى الثاني يلزمه العصر خاصّة ؛ لأن العبرة بوقت الأداء ، فهذا لمّا أقام انكشف عدم تكليفه بها مقصورة. وكلّ له وجه. وأمّا احتمال أنه يصلّي العصر تماماً ويقضي الظهر قصراً فلم يظهر لي وجهه ، فهو إلى السقوط أقرب. وأمّا احتمال عدم جواز نيّة الإقامة حينئذٍ فسقوطه ظاهر ؛ لعدم الدليل عليه ، ومنافاته إطلاق النصّ (1) والفتوى.

نعم ، يتمشّى احتمال ثالث يجري على ما نقل عن الشيخ : في ( الخلاف ) (2) بالنسبة إلى الخارج ، وعنه (3) وعن ابن الجنيد (4) : بالنسبة إلى الداخل من القول بالتخيير إذا وجبت حضراً وأُديّت سفراً وبالعكس. ففي هذا الفرع على هذا القول يتخيّر بين إسقاط الظهر وإتمام العصر ، وبين الإتيان بالفرضين قصراً. وأمّا الدليل على المختار من أن العبرة بحال الأداء ، فأخبار كثيرة منها صحيحة ابن مسلم : عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قلت له: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس. قال :« إذا خرجت فقصر »(5).

وصحيحة إسماعيل بن جابر : كما في ( التهذيب ) (6) و ( من لا يحضره الفقيه ) عن الصادق عليه السلام : قلت له : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في سفر ، فلا أُصلّي حتّى أدخل أهلي ، فقال : « صلّ وأتمّ الصلاة ».

قلت فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي أُريد السفر فلا أُصلّي حتّى أخرج ، فقال : « صلّ وقصّر ، فإن لم تفعل فقد واللّه خالفت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ».

وصحيحة العيص : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها فقال : « يصليها أربعاً ».

وقال : « لا يزال يقصّر حتّى يدخل بيته » (7).

وصحيحة ابن مسلم : عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه

ص: 522


1- وسائل الشيعة 8 : 511 - 512 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 20.
2- الخلاف 1 : 576 / المسألة : 332.
3- عنه في المدارك 4 : 479.
4- عنه في المدارك 4 : 479.
5- تهذيب الأحكام 3: 424 - 225 / 566 ، وسائل الشيعة 8 : 512، أبواب صلاة المسافر، ب 21 ، ح 1.
6- تهذيب الأحكام 3 : 222 - 223 / 588 ، وسائل الشيعة 8 : 512 - 513 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 2.
7- تهذيب الأحكام 3 : 162 / 352 ، وسائل الشيعة 8 : 513 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 4.

وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ وليقصر » (1).

وصحيحة زرارة : كما في ( شرح المفاتيح ) (2) للشيخ حسين : نقلاً من مستطرفات ( السرائر ) (3) عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في رجل مسافر نسي الظهر والعصر في السفر حتّى دخل أهله قال : « يصلّي أربع ركعات » (4).

وغير ذلك من الأخبار ، وعليها عمل مشهور العصابة.

قلت : في دلالة خبر ( السرائر ) على المطلوب نظر لا يخفى وإن أمكن الاستدلال به في الجملة ، فإنه إذا ظهر الاحتمال سقط الاستدلال.

وأمّا مثل موثقة منصور بن حازم : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : يقول : « إذا كان الرجل في السفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فإن شاء قصر ، وإن شاء أتمّ ، والإتمام أحبّ اليّ » (5) ومعناها : إن شاء صلّى وهو مسافر [ فيُقصّر (6) ] وإن شاء صبر إلى أن يدخل أهله [ فيتمّ (7) ] ، والإتمام أفضل ؛ لأنه أشقّ وأكثر ركوعاً وسجوداً وذكراً لله ؛ فهو أفضل الفردين الكاملين فليس فيها دلالة على التخيير بعد دخوله أهله.

ومثلها معتبرة إسحاق بن عمار : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام : يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر »(8).

ص: 523


1- تهذيب الأحكام 3 : 164 / 354 ، وسائل الشيعة 8 : 515 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 8.
2- الأنوار اللوامع 2 : 32.
3- السرائر ( المستطرفات ) 3 : 568.
4- وسائل الشيعة 8 : 516 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 13.
5- تهذيب الأحكام 3 : 223 / 561 ، وسائل الشيعة 8 : 515 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 9.
6- في المخطوط : ( فقصّر ).
7- في المخطوط : ( فأتم ).
8- الفقيه 1 : 284 / 290 ، وفيه : ( في كتاب الحكم بن مسكين قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام ) ، تهذيب الأحكام 3 : 223 / 559 ، وفيه : ( عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام ) ، و 3 : 223 / 560 ، وفيه : ( عن الحكم بن مسكين عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام ) ، وسائل الشيعة 8 : 514 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 6 ، وفيه سند ، ح 559 من ( التهذيب ).

فإن معناها : أنه إن خاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل أهله فليصلّ قصراً في السفر وإن لم يخف فليصبر إلى أن يدخل أهله ويتمّ ، فإنه أفضل الفردين ؛ من الصلاة في أوّل وقتها قصراً ، والصلاة تماماً مع التأخير عن أوّل الوقت.

وهل المراد : وقت الفضيلة أو الأجزاء؟ وجهان : أظهرهما الأوّل. فدلالة هذين الخبرين على المشهور أظهر إن لم نقل بتعيّنها ، وليس فيهما دلالة على القول بالفرق بين سعة الوقت وضيقه. ومثل هذين الخبرين خبر الحكم بن مسكين (1) :

ويدلّ على ذلك أيضاً صحيح محمّد بن مسلم : عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة ، فقال إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل وليقصر (2).

وعلى هذا لا يظهر دليلُ القول بالتخيير كما عن الشيخ : في ( الخلاف ) (3) ولا دليلُ القول بالتفصيل بين الضيق والسعة ، كما عن الشيخ : في ( النهاية ) (4) وموضع من ( المبسوط ) (5) ، وظاهر الصّدوق : في ( من لا يحضره الفقيه ) (6).

واستُدلّ للقول بأن العبرة بحال الوجوب بصحيحة محمّد بن مسلم : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن رجل يدخل من سفره ، وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق قال : « يصلّي ركعتين ، وإن خرج إلى سفر وقد دخل وقت الصلاة ، فليصلّ أربعاً » (7).

وخبر بشير النبّال : قال : خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السلام : فقال : « يا نبّال ، لم يجب على أحد من هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري وغيرك ، وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج » (8).

ص: 524


1- الفقيه 1 : 284 / 1290 ، تهذيب الأحكام 3 : 223 / 560 ، الإستبصار 1 : 241 / 858 ، وسائل الشيعة 8 : 514 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 7.
2- تهذيب الأحكام 3 : 164 / 354 ، وسائل الشيعة 8 : 515 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 8.
3- الخلاف 1 : 577 / المسألة : 332.
4- النهاية : 123.
5- المبسوط : 1 : 141.
6- الفقيه 1 : 284 / ذيل الحديث : 1289.
7- الفقيه 1 : 284 / 1289.
8- تهذيب الأحكام 3 : 224 / 563 ، وسائل الشيعة 8 : 515 ، أبواب صلاة المسافر، ب 21 ، ح 10.

وصحيحة زرارة : عن أحدهما عليهما السلام أنه قال لمن نسي صلاة الظهر أو العصر وهو مقيم حتّى يخرج قال : « يصلّي أربع ركعات في سفره » (1).

والجواب أن الخبر الأوّل لا يأبى الحمل على حال الفوات ، وأمّا صحيحة زرارة : فظاهرة في إرادة نسيانها حتّى خرج الوقت ، وفرض هذا أن يقضي كما فاتته. وخبر النبّال : ضعيف. والكلّ لا يأبى الحمل على التقيّة.

على أن هذه الأخبار لا تعارض ما ذكر من أدلّة المشهور ، مع أن العمل بها عمل بجميع أخبار الباب ؛ لما سمعت من إمكان حمل هذه الأخبار على ما لا ينافي دليل المشهور ، بخلاف العكس ، واللّه العالم.

واعلم أن للمحقّق الثاني : في ( شرح الشرائع ) و ( شرح الإرشاد ) و ( الجعفريّة ) (2) قولاً بالفرق بين من وجبت عليه وهو حاضر ثمّ سافر وبلغ حدّ الترخص قبل أن يصلي وبين من وجبت عليه وهو مسافر ، فأخّر حتّى دخل بلده ، فإنه يصلي قصراً في [ الثاني (3) ] وتماماً في [ الأوّل (4) ] ولو لم يدرك من الوقت إلّا ركعة ، وهو ضعيف ؛ لندرته وعدم وضوح مأخذه ، وهو أعلم بما قال ، واللّه أعلم بأحكامه.

ص: 525


1- السرائر ( المستطرفات ) 3 : 568 ، وسائل الشيعة 8 : 516 ، أبواب صلاة المسافر ، ب 21 ، ح 14.
2- الرسالة الجعفريّة ( ضمن رسائل المحقق الكركي ) 1 : 124.
3- في المخطوط : ( الأوّل ) ، و ( الثاني ) ، وما أثبتناه هو الظاهر ؛ لأنه المخالف للمشهور القائلين بأن العبرة في وقت الأداء لا في وقت الوجوب. وعليه فإن العبارة وفق ترتيب المخطوط تكون موافقة للمشهور لا مخالفة له ؛ فلا ضعف ولا ندرة.
4- في المخطوط : ( الأوّل ) ، و ( الثاني ) ، وما أثبتناه هو الظاهر ؛ لأنه المخالف للمشهور القائلين بأن العبرة في وقت الأداء لا في وقت الوجوب. وعليه فإن العبارة وفق ترتيب المخطوط تكون موافقة للمشهور لا مخالفة له ؛ فلا ضعف ولا ندرة.

ص: 526

[151] بيان فيه إحسان : في عدّة الأجلين

قال في ( كشف اللثام ) بعد قول العلّامة : في عدّة الحامل من الطلاق : ( وتنقضي العدة من الطلاق والفسخ ) (1) قال الشارح - : ( ووطء الشبهة بوضع الحمل من الحامل وإن كان بعد الطلاق بلحظة بالنّص من الكتاب والسنّة والإجماع ، ولا اعتداد لها بالأقراء والأشهُرِ في الأشهر ، للنصوص خلافاً للصدوق (2) : وابن حمزة (3) : فقالا : إنها تعتد بالأقرب من الأشهر والوضع ، إلّا إنها لا تحلّ للأزواج ما لم تضع ، وإن بانت بمضيّ الأشهر ؛ لقول الصادق : صلوات اللّه عليه في خبر أبي الصباح الكنانيّ : « طلاق الحامل واحدة ، وعدّتها أقرب الأجلين » (4).

وهو من الضعف والمعارضة بالنصوص الكثيرة من الكتاب والسنّة [ ما ] تحتمل [ معه ] إرادة الوضع بأقرب الأجلين على أن يكون الأجلان هما : الوضع والأقراء ؛ لكون الأقراء أصلاً بالنسبة إلى الأشهر. ويؤيّده قوله صلوات اللّه عليه في صحيحة أبي بصير : « طلاق الحامل واحدة ، وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين » (5).

ص: 527


1- قواعد الأحكام 2 : 69 ( حجري ).
2- المقنع : 346.
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 325.
4- الكافي 6 : 81 / 2 ، تهذيب الأحكام 8 : 70 / 232 ، الإستبصار 3 : 298 / 1054 ، وسائل الشيعة 22 : 194 ، أبواب العُدد ، ب 9 ، ح 3.
5- الكافي 6 : 82 / 6 ، وسائل الشيعة 22 : 193 ، أبواب العُدد ، ب 9 ، ح 2 ، وفيهما : « الحبلى » بدل « الحامل ».

ونحوه في حسن الحلبي (1) ) (2) ، انتهى.

أقول : معنى كون وضع الحمل أقرب الأجلين : أن الأصل في عدّة المطلقة الأقراء ؛ فلمّا فارقت المطلّقة الحبلى هذا الأصل وانتقل حكمها إلى الاعتداد بالوضع ، كان الاعتداد به أقرب من الأصل ؛ للزومه لها ومفارقتها للأصل ؛ فكان الأصل بعيداً ، وما انتقلت إليه قريباً.

ثمّ إني بعد هذا ، وقفت على كلام للآقا جمال في ( حاشية الروضة ) في توجيه هذه الرواية قال رحمه اللّه : ( الأولى في توجيه الرواية أن يقال : المراد بأقرب الأجلين هو أقل الأمرين من مضيّ ثلاثة قروء من حين الطلاق ، ومن وضع الحمل. ومصداق هذا العامّ منحصر في وضع الحمل بناءً على أن الحامل لا تحيض ، فيتمّ قرؤها الأوّل من حين الطلاق إلى نفاسها بالولادة ، ويكون تمام ثلاثة قروءٍ فيها برؤية حيضتين بعد الولادة ، فلا تتمّ لها ثلاثة قروء إلّا بعد وضع الحمل ؛ فينحصر أقرب الأجلين من وضع الحمل ، ومضي ثلاثة قروء في الأوّل ) ، انتهى.

وهو وجه محتمل ، لكن تنبيه على الغالب من أن الحبلى لا تحيض ، والتكليف يدور على حال الغالب من أحوال المكلّفين ، أمّا حمله على القول بعدم إمكان حيضها فهو يضعفه ، لشذوذ القائل به ؛ واللّه العالم.

وليكن هذا آخر الجزء الأوّل من كتاب ( نزهة الألباب ونزل الأحباب ) في آخر نهار الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام من سنة (1241) ه- ، وصلى اللّه على محمّد : وآله الطيبين ، والحمد لله ربّ العالمين ، على يد مؤلّفه القاصر المقصّر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : وقد وفدت به على باب اللّه الأعظم : فإن قبله فهو أهل الرحمة ، وأن ردّه فبجرائم مؤلّفه ، غفر اللّه له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات.

ص: 528


1- الكافي 6 : 82 / 8 ، وسائل الشيعة 22 : 195 ، أبواب العُدد ، ب 9 ، ح 6 ، وفيه ما في سابقه.
2- كشف اللثام 2 : 137 ( حجري ).

وقد وقع الفراغ من نسخ هذا الكتاب الأكمل ، على يد الأحقر الأذلّ أقلّ عباد اللّه زاداً وأكثرهم رقاداً الراجي العفو من ربه الكريم المجيد ، محمّد علي بن إبراهيم بن عبد اللّه بن سعيد : غفر اللّه له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات ضحى يوم السبت الثامن من شهر شوال سنة (1250) الخمسين والمائتين والألف من الهجرة النبويّة على مهاجرها أفضل السلام وأشرف التحيّة ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، والحمد لله ربّ العالمين.

ص: 529

ص: 530

فهرست الموضوعات

[1] مسألة في حقيقة النفس الإنسانيّة... 11

[2] كشف حال وبيان إجمال ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ ... ) ... 13

[3] جمع وتنبيه ( ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) ... 15

[4] إنارة وهم وإفادة فهم : وحدانيّة العدد... 17

[5] فوائد نحويّة وثمار محويّة... 19

هل يشترط في الكلام النحوي إفادة المخاطب؟... 19

فائدة : هل دلالة الكلام وضعيّة أم عقليّة؟... 19

فائدة : هل في الممنوع من الصرف تنوين مقدّر؟... 20

فائدة : في اسمي الفعل والصوت... 20

[6] دفع إشكال وبيان... 21

[7] كشف حال وبيان إجمال ومبارزة مع أبطال : عبارة النظّام... 23

[8] زبرجدة خضراء : برهان العصمة... 25

[9] فيروزجة بهيّة ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ) ... 27

[10] كشف حال وإبطال مقال : الوجود العام... 29

[11] دفع وهم وبيان فهم معنى الأيام السعيدة من الشهر... 31

[12] كشف حال وبيان... 33

إعضال : نوم النبي صلى اللّه عليه وآله : عن الصلاة... 33

[13] جواب سؤال ودفع إشكال نسبة المعصية لآدم عليه السلام والبدن... 35

نسبة المعصية للبدن... 36

[14] كشف غمة ودفع ملمة ( ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ) ... 37

ص: 531

[15] نكته لطيفة تعدد المعاذيّة في سورة الناس... 39

[16] جواب سؤال وبيان حال انقسام العلم إلى تصوّر وتصديق... 41

[17] تأويل آية وكشف رواية : موسى : والخضر عليهما السلام... 45

[18] كنز مذخور وبيان مشهور اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وسلم... 47

تنبيه... 51

[19] بيان إجمال وكشف مقال : اللّه المنّان بالإحسان... 53

[20] كشف حال وبيان مقال : « يا قَيّوم فلا يفوت شيئاً علمه »... 57

[21] كشف فيه لطف نسخ ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) ... 61

[22] كشف بيان وإسرار وإعلان الوجه في عدّ الولاية من أركان الإسلام... 63

[23] دفع وهم وإبانة فهم العرش سقف الجنة ومنزل أهل البيت في الجنّة... 65

[24] إزاحة وهم : مرتبة أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الجنّة... 67

[25] إنارة ظلمة وسدّ ثلمة : التحريم بعد التحليل... 69

[26] جمع لفرقة... 71

[27] تنفيس نفيس : ( فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ ) ... 73

[28] بيان إجمال وتحقيق مقال : لم يُبعث نبيّ إلّا بعد الأربعين... 75

[29] هداية لمشورة : « شاوروهنّ وخالفوهن »... 77

[30] قسمة عادلة : الزلزلة نصف القرآن والإخلاص ثلثه والجحد ربعه... 79

[31] إنارة بهمة وإسفار ظلمة قول أمير المؤمنين عليه السلام : « يا جبرئيل »... 81

[32] حكمة منطقيّة زيادة لفظة ( إنما ) في الحمليات... 83

[33] عقد درر : أحاديث مسجد السهلة... 89

[34] سرّ يَمَاني لنفي أمانٍ : حديث الملكين العادل والجائر... 93

بيان... 98

[35] إظهار كمال وتحقيق حال : تفضيل كربلاء على الكعبة... 99

[36] بيان شؤون وإظهار مكنون في ليلة نصف شعبان تقسم الأرزاق... 101

ص: 532

[37] إيقاظ وتنبيه لا تبقى الأرض بلا عالم حيّ ظاهر... 107

[38] جمع وكشف : لا تنقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوماً... 111

[39] جوهرة سنيّة لا تخلو الأرض من عالم حيّ ظاهر... 113

[40] بيان حكم وإظهار كتم كبّر شيث على آدم خمساً وعشرين مرّة... 115

[41] دفع إشكال وبيان إهمال : تكليف الكافر بالفروع... 117

[42] بيان حكم ودفع وهم : عدم قبول توبة المرتدّ... 121

[43] بشارة وإنذار من كان من ولد آدم عليه السلام : آمن... 123

[44] إيضاح وبيان... 125

[45] إيماض فيه إيقاظ : مسألة عرض الأعمال في النصف من الشعبان... 127

[46] إيقاظ وتنبيه في ( تَسْنِيمٍ ) لآل محمّد صرف ولغيرهم ممزوج... 129

[47] تأييد وتسديد ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا ) ... 131

[48] إيقاظ وتنبيه ( فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ) ... 133

[49] دفع إشكال وإيضاح مقال : « لا تكون الدنيا إلّا وفيها إمامان »... 135

[50] دلالة على كنز : الليل والنهار « اثنتا عشرة ساعة »... 137

رجب شهر عليّ عليه السلام... 140

[51] كشف شبهة وجمع... 143

عدم تكليف الكافر بالفروع قبل الأُصول... 143

[52] ضياء شمسي ونور قمري ( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) ... 147

[53] شعب صدع وبيان ردع ضرب المثل بالبعوضة والذباب... 151

[54] حكمة إسرائيليّة مصطفويّة إسرائيل أحمد وبنو إسرائيل آل محمَّد... 155

[55] فائدة هنيّة : الحيطان لها آذان... 157

[56] بيان نعمة فيها دفع نقمة لا يولد في الليلة التي يولد فيها الإمام إلّا مؤمن... 159

[57] حكمة كليميّة ونكتة انجيليّة : التوراة والإنجيل هي الولاية... 161

[58] عقد درر وبيان خبر بيان [ أن ] الروح روح القدس... 163

[59] احتمال سرّ لكشف ضرّ : حديثهم عليهم السلام صعب مستصعب... 167

ص: 533

[60] تكميل جمع : الروح القدس عامّة وخاصّة... 173

[61] فائدة فاطميّة : مصحف فاطمة عليها السلام... 179

[62] نعمة جزيلة ومنّة جميلة ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) ... 181

[63] جوهرة ثمينة وحجّة أمينة : لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن... 183

[64] ذكر وترك : انسيَ الطعام المسموم... 189

[65] طلب كنز وبيان عِزّ « لا يحتمل حديثهم ملك » إلى آخره... 191

[66] دفع إشكال لداء عضال « لا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء »... 193

[67] إغاثة لهفان وتعريف عرفان : « أراهم نفسه »... 197

[68] تمليح وتلميح الاسم في البسملة وفي الحمد... 201

[69] كشف وإنارة : الليل قبل النهار والنهار قبل الليل... 203

[70] نزل كريم وفضل من اللّه عميم : « زيادة كبد الحوت »... 207

[71] نور قرآني وخطاب بياني : تواتر القراءات السبع... 209

[72] نور فرقاني وضياء بياني ( فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً ) ... 215

[73] فصّ يماني ونور برهاني : برهان العصمة... 217

[74] تعشير وتخميس فيه تزكية وتقديس : الفرق بين الزكاة والخمس... 219

[75] جمع ودفع : خمسة أشياء تفرّد بعلمها الباري تعالى... 221

[76] جمع وبيان ( إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ) ... 225

[77] نور فقهي وبيان جلي في تحريم إدخال ما ليس من جسد الناكح في فرج المنكوحة 229

تنبيه: يستفاد من هذين الخبرين جواز استمتاع الزوجة وتلذّذها واستمنائها... 230

[78] فواكه لذيذة ونور طورسيني ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) ... 231

[79] ثمرة يمانيّة ورزق حسن ( كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً ... ) ... 235

[80] أجل حقّ ووعد صدق ( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ ) ... 239

[81] حكمة يمانية : الفرق بين الدعاء والأمر... 245

[82] شهاب ثاقب لرجم شيطان كاذب : شبهة لبعض الحشويّة في الإمامة... 247

ص: 534

[83] هداية نوريّة في مسألة فقهيّة فيما لو قطع المصلّي بعد القيام بأنّه ترك سجدة... 261

مسائل الشيخ عبد اللّه ابن الشيخ عباس الستراوي... 263

[84] درر بحرانية... 265

الأُولى : هل تحريم الكلام في الصلاة من حين فرضها أم كان محلّلاً فنسخ؟... 265

الثانية : هل يجب على الكافر الجنب الغسل بعد إسلامه أم لا؟... 266

الثالثة : طلاق من تضع ولم ترَ دماء... 267

الرابعة: هل يحرم على الحائض بعد تمام حيضها دخول المسجد قبل الغسل؟... 268

الخامسة : معنى : « لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام »... 269

السادسة : معنى عزل المرأة لماء الرجل... 272

السابعة : ما الدليل على نقض المس للطهارة؟... 273

[85] مسألة الشيخ محمّد الفرساني في النكتة في تقديم ( لَمْ يَلِدْ ) على ( لَمْ يُولَدْ ) 275

[86] مسألة السيّد حسين الكويكبي كواكب درّيّة : الرياء قنطرة الإخلاص... 279

[87] مسألة : الدنيا طالبة مطلوبة... 281

[88] مسألة : أبى اللّه أن يجعل رزق المؤمن إلّا من حيث لا يحتسب... 283

[89] جمع تفريق وبيان تحقيق : نزل القرآن أوّل ليلة من شهر رمضان... 285

[90] تحفة بيانيّة : « جعل السماوات عماداً لكرسيّه »... 287

[91] زبرجدة يمانيّة... 289

[92] في بيان بعض أسرار الصلاة... 291

[93] أذاقه رحمة وإنارة ظلمة ( وَإِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُمْ ) ... 299

[94] حكمة يمانية في لطيفة ربانية : الرسول يعاين والإمام لا يعاين... 303

[95] سرّ خفّي ووعد وفيّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر... 305

[96]نور شرقي في حديث مدني في«ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة»... 309

[97] هداية وبيان وإسرار وإعلان نسخ ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) ... 311

[98] هداية ربانيّة : الكلام في كراهية الإدغام الكبير في الصلاة... 313

ص: 535

[99] حكمة يمانيّة : « عليك بالحسنة بين السيّئتين »... 317

[100] نور مقدسي : وسط الدنيا بيت المقدس... 319

[101] حكمة عرشيّة العرش محيط بالكرسي وبالعكس... 321

[102] تنزيه تقديسي... 327

[103] سرّ عرشي : من زار الحسين عليه السلام « كمن زار اللّه في عرشه »... 329

[104] صمت عقلي ونطق برهاني : محمّد الناطق وعليّ الصامت... 333

[105] نور نفسي وبيان قدسي ( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) ... 335

[106] هداية بعد لبس وإطلاق من حبس ( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً ) ... 339

[107] كشف سرّ : لا يكون إمام إلّا وله عقب إلّا الحجّة عليه السلام... 341

[108] نور فقهي : طلاق أُمّ فروة بعد موت الكاظم عليه السلام... 343

[109] نور مشرقي : تلازم ليلة القدر مع القرآن... 347

[110] بيان حال وكشف إجمال : بعد الدنيا دار ليست كالدنيا... 351

[111] كشف حال وبيان مقال : أُنزلت سبح فنسيها... 353

[112] نور فقهي وميزان قسطي : لو جامع زوجته ثمّ يئست... 355

[113] كوكب درّي : « نحن صُبّر وشيعتنا أصبر منّا »... 357

[114] بهجة حوريّة ولذّة نوريّة : معنى الثيبوبة... 361

[115] كشف التباس وتأسيس أساس : بيان أوّل وقت نافلة الليل... 363

[116] ماء معين ودرّ ثمين ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ) ... 373

[117] لطائف فقهيّة وبراهين جليّة وحلّ إشكال ودفع إعضال في مسألة الاستظهار... 375

[118] لطيفة فقهيّة : الأصل في الشهر التمام... 379

[119] لطيفةٌ فقهيّة : الإقلال بالقيام من حقيقته أم واجب فيه... 383

[120] لطيفة فقهيّة : هل يجوز فعل مستحبّات قيام الركعة من جلوس اختياراً أم لا؟ 387

[121] كلمة جامعة وحكمة لامعة : « عند الامتحان يكرم المرء أو يهان »... 391

[122] حكمة يمانيّة في خاصّة إنسانيّة : الإنسان ناطق... 393

ص: 536

[123] جمع شتات في حكم من أحكام الأموات : مسألة نقل الأموات... 395

[124] كشف التباس ونفي بأس : معنى التفضيل... 397

[125] إظهار نور وماء طهور : الماء المصعّد من الماء... 403

[126] نور فقهيّ وبيان جليّ هل تعود ولاية الأب على الراشد بعد ذهاب عقله... 405

فرع : مسألة ولاية جد الأب لأُمة... 409

[127] نور فقهيّ وبيان جليّ هل للحاكم ولاية تزويج الصغيرين أم لا؟... 411

[128] جمعُ بيان : مسألة استقرار النطفة في الرحم : كم يوماً... 415

[ 129 ] خبر طريف وسرّ منيف مسجد الكوفة أفضل من البيت المعمور... 421

[130] حكمةٌ قدسيّة وكلمة إنسيّة : كراهية الدعاء للدنيا في الصلاة... 423

[131] بيان إجمال ورزق حلال ( معنيان للرزق الحلال )... 425

[132] كشف وبيان : وجه تقييد الطاعة بالمفترضة في قول الجواد عليه السلام... 427

[133] حكمة يمانية وجوهرة سنيّة حديثٌ في ظاهره أن شوّال من الأشهر الحرم... 433

[134] كنز ثمين في حصن حصين : حديث الثقلين... 435

خاتمة... 442

[135] تنزيه فيه توحيد وتحميد : « الأوّل بلا أوّل كان قبله »... 445

[136] شهاب ثاقب لرجم شيطان كاذب استدلال الكتابي بالاستصحاب على بقاء نبوّة موسى وعيسى عليهما وعلى نبيّنا وآله : وعليهما السلام... 447

[137] إخراج كنز : « وهي لنا خاصّة »... 457

[138] هداية رحمن لكسر قلب شيطان : الشمس تغرب بين قرني شيطان... 459

[139] لؤلؤة فقهية : الوصيّة إلى المملوك... 461

[140] رفع وهم وبيان فيه رجم شيطان : هل يمكن أن يوجد أفضل من محمّد صلى اللّه عليه وآله : أم لا؟     463

[141] بيان نفسيّ لحديث قدسيّ : حديث « كنت سمعه وبصره »... 467

[142] فصّ يمانيّ في فحص فقهيّ فيما لو ترك سجدة أو تشهداً وشكّ في تعيينه... 469

[143] جمع مفترقين ونكاح جنسين : جواز نكاح الجنّ... 473

ص: 537

[144] تحقيق حال وإظهار كمال : مسألة التوأمين أيهما أكبر؟... 477

[145] دفع إشكال وبيان حال مسألة لعن الكافر والدعاء عليه... 483

[146] كشف حال وبيان مقال : عبارة القاضي في ( إِلّا مَنْ ظَلَمَ ) ... 491

[147] دفع إشكال وبيان حال : « هذه يداي وعيناي »... 497

[148] هداية بيانية لتبصرة فقهية : الهويّ والنهوض ليسا من الصلاة... 499

[149] كشف التباس وبنيان أساس : مسألة تحليل الشريك حصّته من الأمة... 503

تنبيه في جواز الاستمناء بغير الفرج من أعضاء المنكوحة... 516

جواز استمناء المرأة بسائر أعضاء الرجل... 519

[150] نور فقهي : مسألة ما لو أدرك [ الصبيّ ] المسافر ركعة... 521

[151] بيان فيه إحسان : في عدّة الأجلين... 527

فهرست الموضوعات... 531

ص: 538

المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ أحمد آل طوق

المحقق: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الناشر: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

المطبعة: شركة دار المصطفى (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1422 ه.ق

الصفحات: 379

المكتبة الإسلامية

رسائل آل طوق القطيفي

المحرّر الرّقمي: محمّد علي ملك محمّد

ص: 1

ص: 2

رسائل آل طوق القطيفي

مجموعة مؤلفات العلامة المحقق الشيخ أحمد بن الشيخ صالح آل طوق القطيفي

المتوفی بعد سنة 1245 ه

المجلد الرابع

تحقيق ونشر

شركة دار المصطفی صلی اللّه عليه وآله لإحياء التراث

ص: 3

اسم الكتاب... رسائل آل طوق القطيفي ج4

تأليف... العلامة الشيخ أحمد آل طوق

تحقيق ونشر وتوزيع... شركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

صف وإخراج... شركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

الطبعة... الأولی 1422 ه- 2001 م

يطلب من:

لبنان - بيروت - ص.ب: 4/197 - هاتف

سوريا - دمشق - ص.ب: 733 - السيدة زينب - تلفاكس: 6420085 011

إيران - قم - ص.ب: 37185/3156 - هاتف: 778865 - فاكس: 778855

تحقيق و نشر شركة دار المصطفی صلی اللّه عليه وآله لإحياء التراث

بيروت - لبنان - ص.ب: 24/197

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

جميع الحقوق محفوظة لشركة دار المصطفی (صلی اللّه عليه وآله) لإحياء التراث

ص: 6

الرسالة التاسعة عشرة : مواليد المعصومين عليهم السلام ووفياتهم

اشارة

ص: 7

ص: 8

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على باب الجود ومطالع السعود محمّد : وآله أُمناء المعبود ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم.

وبعد : فيقول الأحقر أحمد بن صالح بن طوق : : هذه أوراق قليلة من نفس عليلة جعلتها هديّة لإمام الزمان عجّل اللّه فرجه تشتمل على أربعة عشر فصلاً ، تكفّل كلّ فصل بتاريخ مولد كلّ أصل من أفراد جود اللّه الجواد على جميع خلقه ، وتاريخ وفاته ، عدا خاتم الأئمّة الحجّة بن الحسن : عجّل اللّه فرجه ، وصبغ نفوسنا بفاضل نوره فإنّه موجود سهّل اللّه مخرجه كتبتها ليتحقّق بتحقّق موضوعها للمؤمنين مشاركةُ السادات المنعّمين في الأحزان والمسرّات ؛ فإنّه عنوان كمال الحبّ لامتناع تحقّقه إلّا به ، فهو البرهان ، واللّه المستعان.

ولنقدّم أمام المقصود مقدّمة نافعة فنقول :

ص: 9

ص: 10

مقدمة

اشارة

قال المجلسيّ رحمه اللّه : في (حاشية الأُصول) : (إن في التاريخ الهجري ثلاثة اصطلاحات :

الأوّل : أن يكون مبدؤه ربيع الأوّل ، فإنّ الهجرة إنّما كانت فيه ، وكان معروفاً بين الصحابة إلى سنتين.

الثاني : أن يكون مبدؤه شهر رمضان السابق على ربيع الأوّل الذي وقعت الهجرة فيه ؛ لأنه أوّل السنة الشرعيّة.

الثالث : ما اخترعه عمر ، وهو أن مبدأه المحرّم السابق موافقاً لما زعمه أهل الجاهليّة. وهذا ساقط وإن اشتهر بين العوام.

قال ابن الجوزي في (التلقيح) : (روى أبو بكر بن أبي خثيمة عن الشعبيّ والزهريّ قالا : لمّا هبط آدم عليه السلام من الجنّة وانتشر ولده ، أرّخ بنوه من هبوطه ، فكان ذلك التاريخ حتّى بُعث نوح عليه السلام ، فأرّخوا بمبعثه ، حتّى كان الغرق فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم عليه السلام. فلمّا كثر ولد إسماعيل عليه السلام افترقوا فأرّخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى مبعث يوسف عليه السلام ، ومنه إلى مبعث موسى عليه السلام ومنه إلى ملك سليمان عليه السلام ، ومنه إلى مبعث عيسى عليه السلام ، ومنه إلى مبعث محمَّد صلى اللّه عليه وآله.

وأرّخ بنو إسماعيل عليه السلام من نار إبراهيم عليه السلام إلى بناء البيت ، حتّى تفرّقت معدّ.

وكانت للعرب أيّام وأعلام يعدّونها ، ثمّ أرّخوا من موت كعب بن لؤيّ إلى الفيل ،

ص: 11

وكان التاريخ به (1) حتّى أرّخ عمر بن الخطاب من الهجرة. وإنّما أرّخ عمر بعد سبع عشرة سنة من مهاجر الرسول صلى اللّه عليه وآله).

قال الشعبي : كتب أبو موسى إلى عمر أنه يأتينا من قبلك كتب ليس لها تاريخ ، فأرّخ. فاستشار عمر في ذلك ، فقال بعضهم : أرّخ لمبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. وقال بعضهم : لوفاته. فقال عمر : بل يؤرّخ لمهاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فإن مهاجرة فرق بين الحقّ والباطل ، فأرّخ لذلك.

وقال سعيد بن المسيّب : كتب التاريخ بمشورة عليّ عليه السلام.

قال المدائنيّ : واختلفوا بأيّ شهر يبدؤون ، فقال عثمان : أرّخوا المحرّم أول السنة) ، انتهى.

ثمّ قال : (وكان التاريخ من شهر ربيع الأوّل ، إلّا إنّهم ردّوه إلى المحرّم ؛ لأنه أوّل السنّة) (2) ، انتهى.

إلى هنا عبارة المجلسيّ ، رحمه اللّه تعالى.

وفيه أن نسبته التاريخ إلى عمر وأنه اخترعه وأنه ساقط ساقط ؛ لأنه إنّما وقع بمشورة أمير المؤمنين عليه السلام كما روي ، واعترف به غير واحد من العامّة (3) فضلاً عن الخاصّة.

ولو فرض عدم ثبوته ، فلا شكّ في أن أهل البيت عليهم السلام من زمن أمير المؤمنين عليه السلام إلى يومنا هذا قد أقرّوا الناس على هذا التاريخ ، بل هم عليهم السلام أرّخوا بذلك كثيراً كما يظهر بأدنى تتبّع. وتقريرهم وفعلهم كأمرهم في الحجّيّة ، بل المسألة إجماعيّة بين الأُمّة ، قد اتّفقت عليه جميع فرقها على تباينهم ، بل هو ملحق بالضروريّات كوجوب الوضوء ونحوه. فقد اتّفقت عليه نصوص الأُمّة والأئمّة ، وفتاواهم وعملهم في سائر الأصقاع والأزمان.

ص: 12


1- أي في عام الفيل.
2- مرآة العقول 5 : 350.
3- انظر تاريخ الطبريّ 2 : 4 5 ، 476.

وقد دلّت نصوص متعدّدة على أن أوّل السنّة شهرُ [المحرّم] (1)الحرام ، كما دلّت نصوص متعدّدة على أن أوّلها شهر رمضان المعظّم. هذا ، وقد نقل السيّد مهديّ في (المصابيح) عن المجلسيّ في كتاب (السماء والعالم) (2) في طريق الجمع بين الأخبار المختلفة في أوّل السنة أنه قال : المشهور بين العرب أن أوّل سنتهم المحرّم. فيمكن أن يكون أوّل السنة الشرعيّة شهر رمضان ، وأوّل السنة العرفيّة المحرم ، وأوّل السنة التقديريّة ليلة القدر ، وأوّل سنة الأكل والشرب شهر شوّال. وأوّل السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان ، كما روى الصدوق في (العلل) (3) بإسناده إلى الفضل بن شاذان في علّة صلاة العيد أنه أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب ؛ لأنّ أوّل شهور السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان.

وقال في علّة اختصاص شهر رمضان بالصوم : (إن فيه ليلة القدر ، وهي رأس السنة ، ويقدّر فيها ما يكون في السنة) (4) ، انتهى.

ونُقل عنه أيضاً أنه قال فيما ورد من استحباب الغسل في أوّل يوم من السنة : (يحتمل أنه أوّل يوم من المحرّم أو من شهر رمضان) (5).

وبين هذا وبين قوله ببدعيّة التاريخ بالمحرّم منافاة واضحة.

هذا ، وما فهمه من خبر (العلل) من دلالته [مردود].

وأمّا أن أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب يوم الفطر ، فصريح في أن أوّل السنة شهر رمضان ، لا شوّال كما توهّمه المجلسي رحمه اللّه.

وقال ابن طاوس في (الإقبال) : (ولنبدأ بالإشارة إلى بعض تأويل ما ورد من الاختلاف في الأخبار ؛ هل أوّل السنة شهر رمضان ، أو شهر المحرم؟ فنقول : قد ذكرنا في كتاب (المضمار) ما معناه أنه يمكن أن يكون أوّل السنة في العبادات

ص: 13


1- في المخطوط : (محرّم).
2- بحار الأنوار 55 : 376 ، بتقديم وتأخير فيه.
3- علل الشرائع 1 : 313.
4- علل الشرائع 1 : 314.
5- بحار الأنوار 78 : 18.

والطاعات شهر رمضان ، وأن يكون أوّل السنة لتواريخ أهل الإسلام ومتجدّدات العام شهر المحرم.

ورويت بعدّة أسانيد إلى الطبريّ من تاريخه ما هذا لفظه قال : (فيها كتب التاريخ في شهر ربيع الأوّل) (1).

يعني : سنة ستّ عشرةَ من الهجرة.

وقال : (حدّثني ابن أبي سبرة عن عثمان بن عبد اللّه بن أبي رافع عن ابن المسيّب قال : أوّل من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته فكتب لستة عشر من الهجرة بمشورة علي بن أبي طالب عليه السلام).

(حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم قال : حدّثنا نعيم بن حمّاد قال : حدّثنا الدراوردي عن عثمان بن أبي عبيد اللّه بن أبي رافع قال : سمعت ابن المسيب يقول : جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم من أي يوم نكتب؟ فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام من يوم هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وترك أرض الشرك.

فقبله عمر) (2)) (3) ، انتهى.

قلت : قد دلّ هذا كغيره [على] أن التاريخ بالمحرّم إنّما هو بنصّ أهل البيت عليهم السلام ، وقد دلّت نصوصهم على أن المحرّم أوّل السنة أيضاً. وما جمع به السيّد رحمه اللّه جيّد ، ولعلّ سرّه أن شهر رمضان لما كانت ليلة القدر فيه وهي قلبه وهو قلب العام ، فليلة القدر بالنسبة إلى العام كالنفس الناطقة بالنسبة إلى الجسد ، أو قل : كالعقل. فشهر رمضان أوّل الشهور الغيبيّة والعام الدهريّ أعني : الشهور الّتي عند اللّه عدّتها يوم خلق السماوات اثنا عشر ولذا كان شهر رمضان شهر اللّه وأوّله ليلة القدر باعتبار ، وباعتبار عالم الزمان أوّل السنة شهر المحرم.

ولذا روي أن القائم عجّل اللّه فرجه يقوم في العاشر من [المحرّم (4)]. فهذا دليل على أن المحرّم آخر عام من سنيّ الدنيا المحضة ، فإنّ قيامه عجّل اللّه فرجه أول

ص: 14


1- تاريخ الطبريّ 2 : 475 476.
2- تاريخ الطبريّ 2 : 4 5 ، 476.
3- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 22 23.
4- في المخطوط : (محرّم).

دور وكون آخر. فكونه نهاية ، دليل على أنه بداية ، فلا تنافي بين الروايات بوجه ، واللّه العالم.

تنبيه :

لمّا جرى ذكر التاريخ ، فلنذكر طرفاً من أحكامه ممّا ذكره أهل العربيّة فنقول : قال ابن مالك في (التسهيل) : (يؤرّخ بالليالي لسبقها ، فيقال أوّل الشهر : كتب لأوّل ليلة منه أو لغرّته أو مهلّة أو مستهلّه).

وقال الدماميني في شرحه : (اللام في (لأول) أو (لغرته) ؛ إمّا بمعنى (في) أو بمعنى (عند) ، قاله أبو الفتح.

وقال الرضيّ : (هذه هي اللام المفيدة للاختصاص ، والاختصاص على ثلاثة أضرب : إمّا أنه يختصّ الفعل بالزمان لوقوعه فيه نحو : كتب لغرّة كذا ، أو يختصّ به لوقوعه بعده نحو (لخمس خلون) ، أو يختص به لوقوعه قبله نحو (لليلة بقيت). فمع الإطلاق يكون الاختصاص لوقوعه فيه ، ومع قرينة نحو (خلت) ، لوقوعه بعده ، ومع قرينة نحو (بقيت) ، لوقوعه قبله) (1)).

ثمّ قال الدماميني بعد قوله : (أو لغرّته ، أي غرّة الشهر) - : (وهذا يقتضي أن الغرّة مختصّة بالليلة الأُولى منه. ويؤيّده قول الجوهري : (غرّة كلّ شي ء : أوّله) ، لكنه قال بأثر هذا : (والغرّة : ثلاث ليالٍ من أوّل الشهر) (2).

وكذا قال غيره من أهل اللغة ، وهو صريح في عدم اختصاص الغرّة بالليلة الأُولى كما هو ظاهر كلام المصنّف. فالتاريخ بها إنّما يكون إذا لم يرد التحديد والتعيين ، بل أُريد الإعلام بأنّ ذلك الشي ء وقع في بعض هذه الليالي كما تقول : كان ذلك في أوائل الشهر ، وأمّا إن أردت التعيين ، فلا سبيل إلى ذلك.

ص: 15


1- شرح الرضيّ على الكافية 3 : 312 313.
2- الصحاح 2 : 768 غرر. وفيه : (الغرر) بدل : (الغرة).

وقال ابن عصفور : (يقال : كتب غرّة كذا ، إذا مضى يوم أو يومان أو ثلاثة) (1).

وتبعه أبو حيّان. والظاهر أن اشتراط المضيّ سهو) ، انتهى.

قلت : لا منافاة بين كلامي الجوهريّ ، فإنّه لا ريب في إرادته الأوّليّة العرفيّة ، ومع هذا فلا بعد في إطلاق الغرّة في الشهر بخصوصه على ثلاثة من أوّله عرفاً ولغة ، فلا تنافيَ.

وأيضاً ، فليس كلام ابن مالك يقتضي اختصاص الغرّة بأوّل ليلة منه ؛ لأنه مع صدق الغرّة على أوّل ليلة لا ريب في أنه يجوز أن يكتب لغرّته لصدقه عليها قطعاً. غايته أنه بذلك لا يكون نصّاً في الأُولى ، وهذا لا يدلّ على اختصاص غرّة الشهر بأوّل ليلة منه. وأما كلام ابن عصفور فهو تجوّز قطعاً ، ولم يرد اشتراط المضيّ حقيقة. فلا مخالفة بينه وبين غيره بوجه.

ثمّ قال الدماميني بعد قول ابن مالك : (أو مهلة أو مستهله) - : (بفتح الهاء منهما على صيغة اسم المفعول ، فالأوّل من قولهم : أُهل الهلال ، ببناء الفعل للمفعول ، والثاني من قولهم : استُهل الهلال ، ببناء الفعل أيضاً لما لم يسمّ فاعله. فالمراد بقولك : كتب لمهَلّ شهر كذا أو مستهلّه : كتب لوقت إهلال هلال الشهر ، أو استهلاله. وقد أُولع المتأخّرون من البصريّين بالتلفّظ بالمستهِلّ بكسر الهاء.

فإن قلت : فهل له من وجه؟

قلت : يمكن أن يجعل المستهِلّ اسم فاعل من قولهم : استهل الهلال بمعنى تبيّن ذكره (2) ، فيكون المراد بالمستهِل بكسر الهاء - : الهلال المتبيّن ، ويصير قولهم : كتب لمستهِلّ شهر كذا ، بمشابهة قولك : كتب لهلال كذا ، أي لوقت هلاله على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. والمراد بوقت الهلال : وقت ظهوره. وهذا غاية ما يظهر فيه).

ص: 16


1- شرح جمل الزجّاج 2 : 80.
2- لسان العرب 15 : 121 هلّ ، مجمع البحرين 5 : 500 هلّ.

ثمّ قال ابن مالك : (ثمّ لليلة خلت ، ثمّ لليلتين خلتا ، ثمّ لثلاث خلون .. وهكذا إلى العشرة ، ثمّ لإحدى عشرة خلت ، وهكذا إلى النصف من كذا).

قال الدمامينيّ : (والتعبير مع الثلاث إلى العشر ب- (خلون) ، ومع ما فوقها إلى النصف ب- (خلت) ، إنّما هو على سبيل الأولويّة ، ولك أن تقول : لثلاث خلت ، ولإحدى عشرة خلون. وإنّما كان الأوّل أولى ؛ لما قرّروه في الجمع المكسّر لغير الجمع العاقل أنه يعاد على سبيل الأولويّة ضمير الجمع إن كان جمع قلّة وضمير المفرد إن كان الجمع جمع كثرة ، فالأجذاع انكسرن ، أولى من انكسرت ، والجذوع انكسرت أولى من انكسرن.

وعلّله بعضهم بأنّك لو صرّحت بعدد القلّة من ثلاثة إلى عشرة كان مميّزه جمعاً نحو : ثلاثة أجذاع ، فتعيد عليه ضمير الجمع ، ولو صرّحت بعدد الكثرة أي ما فوق العشرة لكان مميّزه مفرداً نحو : ثلاثة عشر جذعاً ، فتعيد عليه ضمير المفرد ، ولا يخفاك ما فيه) ، انتهى كلام الدماميني.

قلت : لعلّه أشار إلى أن هذا التعليل لا يتمّ إلّا على القول بأنّ مبدأ عدد الكثرة ما فوق العشرة ، أمّا على القول باشتراك الجمعين في البداية ، و [أنهما (1)] يختلفان في النهاية كما هو قول المحقّقين فلا يتم.

ثمّ قال ابن مالك : (وهو يعني النصف من كذا أجود من نحو : خمس عشرة خلت ، أو بقيت ، ثمّ لأربع عشرة بقيت).

قال الدمامينيّ : (وبعضهم يقول : لستّ عشرة مضت ، فيؤرّخ بما مضى لتحقّقه ، وبعضهم يؤرّخ بالأقلّ ممّا مضى وممّا بقي).

ثمّ قال ابن مالك : (إلى عشر بقين إلى ليلة بقيت).

قال الدمامينيّ : (وهذا يقال في ليلة التاسع والعشرين وفي يومها ، والمعنى : لاستقبال ليلة بقيت).

ص: 17


1- في المخطوط : (انما).

قال ابن مالك : (ثمّ لآخر ليلة).

قال الدمامينيّ : (وهذه ليلة الثلاثين ، فإن مضت وكتب في الثلاثين قيل : لآخر يوم منه ، وإذا كتب لآخر ليلة منه أو لآخر يوم منه علمنا أن الشهر كان تامّاً).

قال ابن مالك : (أو سلخه أو انسلاخه).

قال الدمامينيّ : (وكلّ منهما يقال بحسب الليالي ثمّ بحسب الأيّام ، فيحصل في التاريخ بهما اشتباه. وانتصابهما في قولك : كتب سلخَ شهر كذا وانسلاخَه كانتصاب (صلاة العصر) و (قدوم الحاجّ) في قولك : جئتك صلاةَ العصر وقدومَ الحاجّ ، أي على الظرف وقتَ كذا ، فحذف الظرف المضاف وأقيم المصدر المضاف إليه مقامه.

وأما قولك : كتب مهلّ كذا ومستهلّ كذا فمثل مقدم الحاجّ ، فلا يحتاج إلى تقدير مضاف ؛ لصلاحيّة اللفظ للزمن من غير تقدير. تقول : يوم الجمعة مقدمُ الحاجّ ، وليلة الجمعة مهلّ الشهر ومستهلّه أي زمن الإهلال والاستهلال).

ثمّ قال ابن مالك : (وقد تخلف التاءُ النونَ وبالعكس).

قال الدمامينيّ : (تقول في موضع خلون خلت ، وفي موضع بقين بقيت وبالعكس. وفي كتاب الزياديّ : كانت العرب تؤرّخ بالخصب وبالعامل يكون عليهم (1) وبالأمر المشهور ، وأرّخوا بعام الفيل وببناء الكعبة وبالفخار وبمبعث الرسول صلى اللّه عليه وآله. وبينه وبين البناء خمس سنين ، وبين الفيل والفجار عشرون سنة. ولم يزل شأن العرب ذلك حتّى جاء عمر وفتح بلاد العجم ، فذُكر له أمر التاريخ.

حدّثنا أُميّة بن خالد الأزديّ وساق السند إلى ابن سيرين فقال : قام رجل إلى عمر فقال : أرّخوا. فقال : ما أرّخوا؟ فقال : شي ء تعمله الأعاجم يكتبون : في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر : حسن فأرّخوا. فقال بعضهم : من البعثة ، وقال قوم : من الوفاة. ثمّ أجمعوا على الهجرة.

ثمّ اختلفوا بأيّ شهر يبدؤون؟ فقيل : برمضان. وقيل بالمحرم. فأجمعوا عليه.

ص: 18


1- كذا في المخطوط ، والمصدر غير متوفّر لدينا لضبط العبارة.

فالتاريخ قبل الهجرة بشهرين واثنتي عشرة ليلة).

ثمّ ساق أثراً عن الزهريّ بهذا. ثمّ قال : (فلا تزال في السنة حتّى ترى هلال المحرّم ، فإذا رأيته دخلت فيه السنة الثانية وانقضت السنة الأُولى.

وأمّا الشهور فلما بين الهلالين ، ويكتبون كلمة الشهر في كلٍّ من ثلاثة أشهر : الربيعين ورمضان ، ولا يكتبون الشهر في غيرها. والشهور كلّها مذكّرة إلّا الجماديين ، فيكتبون أوّل ليلة من كذا ، ومستهلّ شهر كذا ، ومهلّه ؛ لأنّهم يقولون : أهللنا هلال كذا واستهللنا ، ولا يقولون : أهلّ الهلال ولا استهلّ الهلال ، ولكن يقولون : أهلّ واستهلّ. فإذا أصبحوا كتبوا : كُتب يومَ الجمعة لليلة خلت ، وكتب يوم الجمعة أوّل يوم من كذا ، ولا يكتبون : مهلا ولا مستهلا. فإذا مضت ليلة أُخرى كتبوا : لليلتين خلتا ، فإذا توالت الليالي كتب : لثلاث خلون فإذا صرن إلى النصف ؛ فبعضهم يكتب لخمسَ عشرةَ ليلة خلت أو مضت ، وأكثرهم يكتب : النصف من كذا ، وهو أجود وأكثر. فإذا تجاوزت النصف ، كتبوا : لأربع عشرة بقيت .. وهكذا.

ويجوز في القياس : لعشرينَ مضت أو خلت ، ولكنهم يعتمدون على الأقلّ. ويكتب في الليلة الأخيرة : ليلة الجمعة ، آخر ليلة من كذا ، وسلخَ كذا وانسلاخه ، ولا يكتبون : لليلة بقيت وهم فيها ، كما لم يكتبوا : لليلة خلت أو مضت وهم فيها) ، انتهى.

[ثم قال] : (قلت : قوله : (إنّهم لا يكتبون كلمة الشهر إلّا مع الربيعين ورمضان) ، مخالف لما أسلفناه. وقوله : (إنهم لا يقولون : استهلّ الهلال) ، مخالف لقول الجوهريّ (1) من أنه يقال ذلك ، بمعنى : تبيّن الهلال) ، انتهى كلام الدمامينيّ ملخصاً.

وقوله : (مخالف لما أسلفناه) ، يعني به : قوله في باب المفعول المطلق في شرح قول ابن مالك : (ومظروف ما يصلح جواباً ل- (كم) واقع في جميعه تعميماً أو تقسيطاً ، وكذا ما يصلح جواباً ل- (متى) إن كان اسم شهر غير مضاف إليه شهر) - : (ومقتضى كلام المصنّف أن اسم الشهر إذا أُضيف إليه (شهر) لم يتعيّن كون العمل

ص: 19


1- الصحاح 5 : 1852 هلل.

واقعاً في جميعه. بل يجوز أن يقع في بعضه ك- (سرت شهر رمضان). وهذا مذهب سيبويه والجمهور.

قال الصفّار : (ذكر سيبويه أن من المعدود أسماء الشهور كالمحرّم وصفر ، وأن كلّاً منها صار اسماً لثلاثين يوماً لإضافته إلى الثلاثين. فمعنى (سرت المحرّم) : سرت ثلاثين يوماً. فيكون جواب (كم). و (سرت شهر المحرّم) ، معناه : وقت المحرّم. وخرج الشهر عن أن يكون اسماً لثلاثين يوماً ، وإنّما يكون على وضعه الأصليّ وهو الوقت ، فشهر المحرّم بمنزلة وقت المحرم ، فهذا مختص يصلح جواباً ل- (متى).

وفرّق بين المحرّم وشهر المحرّم بكون الأوّل عدداً والآخر غير عدد. ولم يخالف في ذلك إلّا الزجّاج فزعم : أن المحرّم كشهر المحرّم.

قال الشارح : (ومقتضى كلام المصنّف جواز إضافة (شهر) إلى جميع أسماء الشهور ، وهو قول أكثر النحويّين. وقيل : يختصّ ذلك بما في أوّله (راء) وهو الربيعان ورمضان ، ولم يستعمله العرب مع غير ذلك. وقد تستعمله مع ذي القعدة).

هذا كلامه ، وصدره يقتضي جواز إضافة (شهر) إلى رجب ، وآخره يدفعه) ، انتهى كلام الدمامينيّ ملخصاً.

والأرجح عندي إلّا يكتب إلّا (لكذا ليلة خلت) في كلّ الشهر ؛ إذ لا علم للكاتب بما بقي من الشهر حتّى يجزم [به (1)] ، اللّهم إلّا أن يقال : إذا توالت أربعة مضت قبل شهر التاريخ ناقصة بيقين. ويعوّل على ما قاله أهل الحساب من عدم إمكان توالي أكثر من ذلك في التمام والنقصان ، فيسوغ له حينئذٍ أن يجزم بما بقي. وليس الأصل التمام بل النقصان ، إلّا إن هذا مبنيّ على العموم في الشهور ولسائر المؤرّخين ، فلا يبنى على اصطلاح الفلكيّين ، فتأمّل.

وفيما عزاه للأكثر تأمّل ، وفيما نسبه للزجّاج قوّةٌ إن لم يثبت الإجماع على خلافه ؛ لأنّ إجماع أهل كلّ فنّ حجّة كما بيّناه في رسالة (الإجماع) فتدبّر.

ص: 20


1- في المخطوط : (عليه).
فائدتان
الاولى : في مبدأ التاريخ وزمانه

وجدت في بعض الكتب ولا أعرف مؤلّفه ما لفظه : (ولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله سنة اثنتين وستّين وثمانمائة من تاريخ الإسكندر).

ووجدت أيضاً في (مختصر تاريخ الطبريّ) لابن العميد ما لفظه : (ولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم الاثنين لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل ، يوافقه من شهور الروم الثاني والعشرون من نيسان سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة للإسكندر ذي القرنين).

ثمّ قال في آخر الترجمة : (فتحرّر أن وفاته صلى اللّه عليه وآله كان لانقضاء ستة آلاف سنة ومائة وثلاثة وعشرين سنة وأربعة أشهر شمسية).

والظاهر أنه أراد من آدم أبي البشر.

ثمّ قال : (ومدّة الهجرة [بالسنين القمريّة] (1) عشر سنين وأحد وسبعون يوماً ، عنها [بالشمسيّة] (2) تسع سنين وأحد عشر شهراً غير يوم واحد ؛ لأن أوّل الهجرة كان يوم الخميس وآخر مدة حياته صلى اللّه عليه وآله يوم الاثنين ، عنها ثلاثة آلاف وستمائة وسبعة عشر يوماً. وملك شيرويه في السنة السابعة للهجرة وهي الثامنة عشرة لهرقل ، وهي أربعون وتسعمائة للإسكندر) ، انتهى.

وروى بعض مشايخ العامّة عن عبد اللّه بن قتيبة في كتاب (المعارف) (3) أن آدم عليه السلام عاش ألف سنة ، وكان بين موته والطوفان ألفا سنة ومائتا سنة واثنان وأربعون سنة ، وبين الطوفان وموت نوح عليه السلام ثلاثمائة وستّون سنة ، وبين نوح وإبراهيم عليهما السلام ألفا سنة وأربعون سنة ، وبين إبراهيم وموسى عليهما السلام تسعمائة سنة ، وبين موسى وداود عليهما السلام خمسمائة سنة ، وبين داود وعيسى عليهما السلام ألف سنة ومائتا سنة ، وبين

ص: 21


1- في المخطوط : (سنين قمريّة).
2- في المخطوط : (شمسيّة).
3- المعارف : 33 34.

عيسى عليه السلام ومحمّد صلى اللّه عليه وآله ستمائة سنة وعشرون سنة ، فكان من عهد آدم إلى محمَّد صلى اللّه عليه وآله سبعة آلاف سنة وستمائة سنة واثنتان وستّون.

ورأيت بخطّ بعض الأُدباء نقلاً عن ابن عربي ما صورته :

(فائدة في ذكر الاختلاف فيما مضى من الزمان :

ما بين مدّة آدم عليه السلام إلى نبيّنا محمَّد صلى اللّه عليه وآله خمسة آلاف سنة وخمسمائة وسبعون سنة : من آدم إلى نوح عليهما السلام ألف ومائتا سنة ، ومن نوح إلى إبراهيم عليهما السلام ألف ومائتا سنة ، ومن إبراهيم إلى موسى عليهما السلام خمسمائة سنة وخمس وسبعون سنة ، ومن موسى إلى داود عليهما السلام ألف ومائة وتسع وسبعون سنة ، ومن داود إلى عيسى عليه السلام ألف وثلاثمائة وخمس وستّون سنة ، ومن عيسى عليه السلام إلى نبيّنا محمَّد صلى اللّه عليه وآله ستّمائة سنة.

وفي قول ابن منبّه : خمسة آلاف وستّمائة سنة تاريخ مجوس الفرس ، من ذلك أربعة آلاف ومائة واثنتان وثمانون سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوماً تاريخ أصحاب الزيجات في ذلك. والتاريخ عندهم الّذي يصحّ في دعواهم بالبرهان ، من الطوفان ، فقالوا : من أوّل الطوفان إلى أول يوم من الهجرة ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون سنة فارسيّة ، وثلاثمائة وتسع وأربعون يوماً ، تاريخ اليهود في ذلك أربعة آلاف وستّمائة واثنتان وأربعون سنة ، [و] تاريخ اليونان من النصارى خمسةُ آلاف وسبعمائة واثنتان وسبعون سنة وأشهر.

وذكر المؤرّخون أن عمر آدم عليه السلام ألف سنة. وقيل : ألف إلّا سبعين عاما. وقيل : ثمانمائة سنة.

وأوّل التاريخ كان من هبوط آدم عليه السلام ثمّ ببعثة نوح عليه السلام ، ثمّ بالطوفان ، ثمّ بنار إبراهيم عليه السلام. وقد ارّخ بموت آدم عليه السلام ، ثمّ ببعثة إدريس عليه السلام ، ثمّ أرّخ بنو إسحاق بن إبراهيم بنار إبراهيم عليه السلام إلى يوسف عليه السلام ، ومن يوسف عليه السلام أرّخوا إلى بعثة موسى عليه السلام ، وأرّخوا من بعثة موسى عليه السلام إلى ملك داود وسليمان عليهما السلام ، ثمّ أرخوا بما كان من

ص: 22

الكوائن. وكان منهم من أرّخ [بوفاة (1)] يعقوب ، ثمّ بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثمّ بخراب بيت المقدس.

وأمّا بنو إسماعيل فقد ارّخوا ببناء الكعبة. وقد أرّخوا [بكلّ (2)] قوم [يخرجون (3)] من تهامة ، وقد أرّخوا بعام الفيل وبيوم الفجار (4).

وكانت بنو معدّ بن عدنان تؤرّخ بغلبة جرهم العماليق وإخراجهم إيّاهم من الحرم ، ثمّ أرّخوا لأيّام الحروب كحرب أبناء وائل وهو حرب البسوس (5) ، وكحرب داحس (6).

و [كانت (7)] حمير وكهلان تؤرّخ بملوكها السابقة ، وأرّخوا بنار ضرار الّتي خربت بعض اليمن ، وأرّخوا بسيل العرم ، وأرّخوا بظهور الحبشة على اليمن. وقد أرّخت الأُمم الماضية قبل إبراهيم عليه السلام بهلاك عاد بالريح.

وأمّا الروم واليونان فتؤرّخ بظهور الإسكندر ، وأرّخت القبط بمُلك بخت نصر ، ثمّ بمُلك زقلط يانوس القبطي ، وقالوا : إنه تاريخه إلى الآن.

وأرّخت المجوس بآدم عليه السلام ثمّ أرّخت بقتل دارا وبقتل الإسكندر ، ثمّ بظهور أردشير ، ثمّ بملك يزدجرد.

وما زال التاريخ في العرب من عام الفيل إلى خلافة عمر بن الخطاب. فتقرّر

ص: 23


1- في المخطوط : (بفوات).
2- في المخطوط : (لكل).
3- في المخطوط : (يخرجوا).
4- وهي حروب نشبت بين كنانة وقيس ، وقد سميت الفجار ؛ لأنها كانت في الأشهر الحرم ، التي يحرّمونها ، ففجروا فيها. وهي فجاران : الفجار الأول : ثلاثة أيّام ، والفجار الثاني : خمسة أيّام. وقد حضرها النبي صلى اللّه عليه وآله مع أعمامه يوم عكاظ ، وكان يناولهم النبل. انتهت سنة 4. ه. انظر : الأغاني 22 : 54 4. الكامل في التاريخ 1 : 676 ، 678 680.
5- وهي حرب نشبت بين بكر وتغلب بسبب ناقة. والبسوس هي التي أججت اوار الحرب. انظر الكامل في التاريخ 1 : 523 539.
6- وهي حرب بين عبس وذبيان ، وداحس والغبراء فرسان أصيلان. انظر الكامل في التاريخ 1 : 566 583.
7- في المخطوط : (كان).

الأمر أن يؤرّخوا بهجرة النبي صلى اللّه عليه وآله ، وجعلوا التاريخ في المحرّم أوّل عام الهجرة) ، انتهى.

الثانية : في أسماء الشهور والأيام ومبدئها
وتشتمل على تنبيهين :
الأوّل : في أسماء الشهور العربية وغير العربية

السنة إمّا عربيّة وأسماء شهورها مشهورة ، مبدؤها المحرّم باعتبار المعاملات والتمدّن أو في هذا العام (1) ، أو شهر رمضان باعتبار العبادات أو بحكم الدور الأوّل.

وإمّا فارسيّة ، وشهورها أيضاً مشهورة ، أَوّلها الحمل ، ثمّ الثور ، ثمّ الجوزاء ، ثمّ السرطان ، ثمّ الأسد ، ثمّ السنبلة ، ثمّ الميزان ، ثمّ العقرب ، ثمّ القوس ، ثمّ الجدي ، ثمّ الدلو ، ثمّ الحوت.

وهذه هي السنة الشمسيّة كما أن الاولى هي القمريّة سمّيت بأسماء البروج التي تحلّها الشمس في كلّ شهر منها ، فالحمل ثلاثون يوماً ونصف يوم ، والثور أحد وثلاثون يوماً ، والجوزاء اثنان وثلاثون يوماً ، ومثلها السرطان ، والأسد أحد وثلاثون يوماً ، والسنبلة مثل الحمل ، والميزان ثلاثون يوماً ، ومثله العقرب ، والقوس تسعة وعشرون يوماً ، ومثله الجدي ، والدلو ثلاثون يوماً ومثله الحوت.

هذا ما قرّره الحكيم سرجس في تعريب كتاب (الفلاحة الروميّة) تأليف الحكيم قَسطوس الرومي. وهو غير بعيد من الصواب.

وقال صاحب كتاب (مطالع الأنوار وطوالع الآثار) : (التاريخ القبطيّ أشهره اثنا عشر. شهره ثلاثون يوماً. وأوّل يومه من وقت الزوال. وأسماء شهوره : (توت ، بابه ، هانور ، كيهك ، طوبة ، امسير ، برمهات ، برمودة ، يشنش ، يونه ، أبيب ، مسري).

ص: 24


1- كذا في المخطوط.

ثمّ تزاد خمسة أيام في البسيطة تسمى (أيام النسي ء). فأيّام البسيطة ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم ، والكبيسة ثلاثمائة وستة وستون يوماً. وهو متقدّم على التاريخ القمري بمدّة لبث أهل الكهف).

وقال سرجس بن هلبا الروميّ في تعريب كتاب (الفلاحة الروميّة) تأليف الحكيم قسطوس الروميّ - : (قال قسطوس : السنة عند اليونانيين والروم هي المدّة التي تكمل فيها التغيرات الهوائية كالحرّ والبرد ، واختلاف الليل والنهار في الطول والقصر ، وأحوال النبات والأثمار وغير ذلك. وهذه المدّة تشتمل على ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربع يوم. وهذا الكسر يُلغى إلى أن يجتمع منه يوم تامّ فيزيدونه في أيّام السنة الرابعة ، فتصير أيّامها ثلاثمائة وستّة وستين يوماً ، وتلك سنة كبيسة.

وهذه الأيام تحيط باثني عشر شهراً أوّلها عند اليونانيين وقدماء الروم (أوقطوطيوس) ويسمّى بالسريانيّة تشرين الأوّل ، وعدد أيّامه أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (توامبريوس) ويسمّى بالسريانية تشرين الثاني ، وعدده ثلاثون يوماً.

ثمّ (دام ميركوس) ويسمّى بالسريانيّة كانون الأوّل ، وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (تنواريوس) ويسمّى بالسريانية كانون الثاني ، وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (فبرهيروارس) ويسمّى بالسريانيّة شباط ، وعدده ثمانية وعشرون يوماً إن لم تكن السنة كبيسة ، فإن كانت فتسعة وعشرون يوماً.

ثمّ (مارطيوس) ويسمّى بالسريانيّة آذار ، وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (أرمنالوس) وهذا بالسريانيّة نيسان ، وعدده ثلاثون يوماً.

ثمّ (مأنوس) وهو بالسريانيّة أيّار ، وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (أون يوس) وهو بالسريانيّة حزيران ، وعدده ثلاثون يوماً.

ثمّ (اوليوس) وهو بالسريانيّة تمّوز وعدده أحد وثلاثون يوماً.

ثمّ (أغسطس) وهو بالسريانيّة آب ، وعدده أحدٌ وثلاثون يوماً.

ثمّ (سبطنبرس) وهو بالسريانيّة أيلول ، وعدده ثلاثون يوماً.

ص: 25

وأما الروم المتأخّرون فأوّل شهور السنة عندهم (تنواريوس) ثمّ (فبرهيروارس) ثمّ الشهور الباقية ، فيكون آخر شهورهم (دامبركوس) ، وهو في التي ليست كبيسية أحد وثلاثون يوماً. وفي الكبيسية اثنان وثلاثون يوماً. فبهذين الأمرين فقط تخالف السنة اليونانية وهي سنة القدماء من الروم السنة الروميّة عند المتأخّرين ، وذلك في المبدأ وفي موضع الكبس) ، انتهى.

وقال بعض علماء الحرمين في رسالة له الظاهر أنه لخّصها من الخطّابيّة - : (التاريخ القبطي لملك من ملوك القبط بمصر ويسمى دقلطيانوس الأنطاكي قاتل الشهداء. وابتداؤه قبل الهجرة بثلاثمائة وثمانٍ وثلاثين سنة قبطية إلّا خمسة وثلاثين يوماً على الصحيح. وأوّل سنة منه أوّلها أي أول (توت) يوم الجمعة ، وقيل : الخميس. والسنون القبطيّة يقال لها : شمسيّة ، وأيام السنة البسيطة ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً ، والكبيسيّة ثلاثمائة وستة وستون يوماً. وشهورها اثنا عشر ، كلّ شهر ثلاثون يوماً ، وهي : (توت ، بابة ، هتور ، كيهك ، طوبة ، امشير ، برمهات ، برمودة ، بشيس ، بونه ، أبيب ، مسري) (1).

ثمّ بعد انقضاء الشهر الثاني عشر وهو (مسري) يعدّون خمسة أيّام للسنة البسيطة وستة للكبيسة ، ويسمّونها : أيام النسي ء) ، انتهى.

ورأيت بخطّ بعض الأُدباء ما صورته : (تاريخ الروم مبدؤه على المشهور بعد مضيّ اثنتي عشرة سنة من وفاة الإسكندر بن فيلقوس الروميّ المعروف بذي القرنين. وتاريخ الفرس ويسمى اليزدجرديّ وشهورهم هذه (فروردين ، أرزهشت ، قرداد ، تير ، مرداد ، شهريور ، مهر ، آبان ، آذر ، دي ، بهمن ، اسفندارمد) (2). وأيّام كلّ شهر ثلاثون ، ويزيد بعض في آخر إسفندارمذ خمسة أيّام ، وتسمّى

ص: 26


1- انظر الصفحة : 24 لمعرفة أسماء أشهرهم.
2- كذا ورد عدّها في المخطوط ، والمعروف أنها : فروردين ، ارديبهشت ، خرداد ، تير ، مرداد ، شهريور ، مهر ، آبان ، آذر ، دي ، بهمن ، اسفند.

(الخميسة المسترقة). وتاريخهم أول سلطنة يزدجرد بن شهريار بن كسرى آخر ملوك العجم). نقلته من (رسالة في التقويم).

وأمّا التاريخ الجلاليّ فأسماء شهوره هي أسماء شهور الفرس بعينها ، وللفرق يقيّدون الأوّل بالفرس أو القديم أو اليزدجرديّ ، والثاني بالجلاليّ والملك شاهيّ. وعدّ أيّامها أيضاً ثلاثون ثلاثون ، ويزيدون الخمسة المسترقة في آخر السنة بالاتّفاق ، فتلك السنة أيضاً شمسيّة. وفي كلّ أربع أو خمس سنين يزاد في آخر الخمسة يوم [وهي (1)] الكبيسة ، ولا يعتبرونها في هذا الزمان في الفرس. ويوم أوّل سنته يعني أوّل فروردين تكون الشمس في انتصاف نهاره في أوّل درجة من الحمل ، ويسمونه بالنيروز السلطانيّ ، ومبدؤه من عهد السلطان جلال الدين ملك شاه السلجوقيّ.

ووجدت في بعض تواريخ مصر : (كانت أسماء شهور القبط في الزمن القديم (توت ، بوني ، اثور ، شوافه ، طوبى ، ماكير ، نائينون ، برموئي ، ناخون ، باوني ، أقيفي ، أبيقا). وكلّ شهر منها ثلاثون يوماً ، ولكلّ يوم اسم يخصّه ، ثمّ أخذت الأقباط بعد استعمالهم للكبس الأسماء التي هي اليوم متداولة بمصر : (توت ، بابه ، هانزر ، كيهك ، طوبة ، أمشير ، برمهات ، برموده ، بشنس ، بونه ، أبيب ، مسري) (2). ومن الناس من يسمي الخمسة الأيام الزائدة : (أيام النسي ء) ، وبعض القبط يسميها (أبوعا) ومعناه : الشهر الصغير. والقبط تزعم أن شهورهم شهور سنيِّ نوح وشيث وآدم عليهم السلام. وهي من مبدأ العالم ، وأنّها لم تزل على ذلك إلى أن خرج موسى بن عمران عليه السلام ببني إسرائيل من مصر ، فعملوا أوّل سنتهم من خامس عشر نيسان من شهور الروم.

وقال محمّد بن فارس : (أسماء شهور العجم : الأول (ينير) أحد وثلاثون يوماً ، (فبرين) ثمانية وعشرون يوماً ، (مارس) أحد وثلاثون يوماً ، (أبريل) ثلاثون يوماً (3) ،

ص: 27


1- في المخطوط : (هو).
2- انظر الصفحتين : 24 ، 26 لمعرفة أسماء أشهرهم.
3- لم يُذكر في المخطوط الشهر الخامس.

(يونيه) أحد وثلاثون يوماً ، (يوليه) (1) ، (اغست) ثلاثون يوماً (2) ، (أكتوبر) ثلاثون يوماً ، (نوفمبر) ثلاثون ، يوماً (دجنبر) وهو كانون الأوّل أحد وثلاثون يوماً وربع ، ففي كلّ أربع سنين يجتمع من الربع يوم فيكون (دجنبر) اثنين وثلاثين يوماً وتسمّى السنة كبيسة.

أسماء [الشهور (3)] الروميّة : تشرين الأوّل ، تشرين الآخر ، كانون الأوّل ، كانون الآخر ، شباط ، آذار ، نيسان ، أيّار ، حزيران ، تموز ، آب ، أيلول.

أسماء شهور الفرس : أولها افروردين ماه ، ارديبهشت ماه ، خرداد ماه ، تير ماه ، مرداد ماه ، [شهريور (4)] ماه ، آبان ماه ، آذر ماه ، دي ماه ، بهمن ماه ، اسفندارمد ماه.

التنبيه الثاني : في أسماء الأيّام

قال محمّد بن فارس : أسماء الأيّام في الجاهليّة : الأحد (أوّل) ، الاثنين (أهون) ، الثلاثاء (جَبار) ، الأربعاء (دبار) ، الخميس (مؤنس) ، الجمعة (عروبة) ، والسبت (شيار).

قال الشاعر :

أرجي أن أعيش وأن يومي *** بأوّل أو بأهون أو جُبار

أو المردي (5) دُبارِ فإن أفُته *** فمؤنِس أو عروبةِ أو شِيارِ (6)

وأسماء ساعات النهار عند العرب : الاولى (الشروق) ، ثمّ (الراد) ، ثمّ (المتوع) ، ثمّ (الرجل) ، ثمّ (المعة) ، ثمّ (الزوال) ، ثمّ (الظهر) ، ثمّ (الجنوح) ، ثمّ (الإبراد) ، ثمّ (العصر) ، ثمّ (الأصيل) ، ثمّ (الطفل).

ص: 28


1- لم يُذكر في المخطوط عدد أيّامه.
2- لم يذكر في المخطوط الشهر التاسع.
3- في المخطوط : (شهور).
4- في المخطوط : (شهرير).
5- في المصدر : (التالي).
6- لسان العرب 9 : 118 عرب ، وفيه : (أُؤمّل) بدل : (ارجّي).

وأسماء ساعات الليل : الاولى (الغسق) ، ثمّ (الفحمة) ، ثمّ (العشوة) ، ثمّ (الهداة) ، ثمّ (السواع) ، ثمّ (الجنح) ، ثمّ (المريع) ، ثمّ [.. (1)] ، ثمّ (البهرة) ، ثمّ (الهزيع) ، ثمّ (الزلفة) ، ثمّ (السحر).

وأسماء الشهور : [المحرّم (2)] إلى آخرها ، وهي معلومة.

وكلّ ثلاث ليالٍ من الشهر لها اسم : ثلاث [غرر (3)] ، وثلاث [نفل (4)] ، وثلاث (شهب) ، وثلاث (تسع) ، ويقال : (بهر) ، وثلاث (عشر) ، وثلاث (بيض) ، ويقال : (زهر) ، ثلاث (درع) ، ويقال : (حنادس) ، ويقال : (فحم) ، وثلاث (دآدئ) ، وثلاث (محاق). ويقال لليلة ثمانٍ (5) والعشرين : (الدعجاء) ، ولليلة تسع وعشرين : (الدهماء) ، ولليلة الثلاثين : (الليلاء).

وقال الصفديّ في (شرح اللامية) : (الضحى : شروق الشمس بعد طلوعها ، والراد : ارتفاعها. وقد سمّت العرب ساعات النهار [بأسماء (6)] : الاولى الذرور ، ثمّ البزوغ ، ثمّ الضحى ، ثمّ الغزالة ، ثمّ الهاجرة ، ثمّ الزوال ، ثمّ الدلوك ، ثمّ العصر ، ثمّ الأصيل ، ثمّ الصبوب ، ثمّ الحدور ، ثمّ الغروب. ويقال أيضاً : البكور ، ثمّ الشروق ، ثمّ الإشراق ، ثمّ الراد ، ثمّ الضحى ، ثمّ المتوع ، ثمّ الزوال ، ثمّ الهاجرة ، ثمّ الأصيل ، ثمّ الطفل ، ثمّ الغروب) (7).

وقد سمّت العرب أيضاً ساعات النهار بأسماء ، فمن طلوع الشمس إلى طلوع الفجر : البكور ثمّ الشروق ، ثمّ الراد بمهملتين ثمّ الضحى ، ثمّ المتوع ، ثمّ الظهر ، ثمّ الزوال ، ثمّ الأصيل ، ثمّ العصر ، ثمّ الطفَل بفتحتين وطاء مهملة ثمّ الحدور ، ثمّ الغروب. انتهى.

ص: 29


1- بياض في المخطوط.
2- في المخطوط : (محرّم).
3- في المخطوط : (غر).
4- في المخطوط : (نصل).
5- في المخطوط : (الثمانية).
6- من المصدر ، وفي المخطوط : (أسماء).
7- الغيث المسجم في شرح لاميّة العجم 1 : 88.

وفي (حواشي الكفعميّ) نقلاً من كتاب (الغرّة) للطبرسي : (العرب تسمّي الأحد الأوّل ، والاثنين الأهون).

إلى آخر ما ذكر ، ثمّ قال : (والعرب تسمّي المحرّم (مؤتمراً) ، وصفراً (ناجراً) ؛ من النجر وهو : شدّة [الحر (1)] وربيع الأوّل (خوّاناً) ، وربيع الثاني (صوّاناً) من الصيانة وجمادى الاولى (الريا) (2) وهي الداهية الكبيرة ؛ لما فيه من كثرة القتال وجمادى [الآخرة (3)] (البائد) ؛ لكثرة القتال فيه ، ورجباً (الأصمّ) ؛ لكفّهم عن القتال فيه ، وشعبان : (واغلاً) وهو الداخل على قوم لم يدعوه ؛ لهجومه على شهر رمضان ورمضان [ناطلاً (4)] وهو كوز يكال به الخمر وشوّالاً (عاذلاً) ؛ من العذل ؛ لأنه من أشهر الحجّ ، وذا القعدة : (رنة) ؛ لأنّ الأنعام ترنّ فيه لقرب النحر ، وذا الحجة (بركاً) ؛ لبروك الإبل للنحر فيه) (5).

وفيه أيضاً : (يجمع الأحَد على آحاد ، من أدنى العدد إلى العشرة ، تقول : ثلاثة آحاد ، فإذا جاوزت العشرة قلت : احود. وأمّا الاثنين فهما مثنيات كرجلين ؛ فلا يثنّيان ولا يجمعان. فإذا أردت تثنيتهما ثنيت اليوم ، فقلت : هذان يوما الاثنين ومضى يوما الاثنين ، ولا يجوز مضى الاثنان. فإذا جمعت ، قلت : مضت أيّام الاثنين. وعن بعض بني أسد : مضت [أثنا كثير (6)]. وأجاز بعضهم جمعه على أثانين. وجمع الثلاثاء والأربعاء : [ثلاثاوات (7)] وأربعاوات ، والخميس : أخمسة. وإذا جمعت الجمعة لأدنى العدد كانت بالتاء تقول : ثلاث جمعات ، وإن شئت قلت : ثلاث جمع ، فإذا جاوزت العشرة كانت بالهاء ، تقول : [ثلاث عشرة (8)] جمعة. ذكره ابن ماسويه في كتابه.

ص: 30


1- من المصدر ، وفي المخطوط (الجيش).
2- في المصدر : (الزنا).
3- من المصدر ، وفي المخطوط : (الثانية).
4- من المصدر ، وفي المخطوط : (ناظلة).
5- المصباح : 682 ، وفيه : (كتاب الغرّ البلوى) بدل : (الغرّة).
6- من المصدر ، وفي المخطوط : (أثناء كثيرة).
7- من المصدر ، وفي المخطوط : (ثلاثاوات).
8- في المخطوط : (ثلاثة عشر).

ورأيت في بعض كتب الأدب ولا يحضرني اسم مؤلّفه ما صورته (الغفر : اسم ساعة من ساعات الليل في بعض النسخ بالعين المهملة والفاء ، وفي بعضها بالمعجمة وعلى التقادير : آخره (راء) مهملة ، وفي بعضها الفغد بالفاء ثمّ الغين المعجمة ، وفي بعضها : بالفاء ثمّ القاف ، وفي بعضها : بالنون ثمّ القاف وعلى التقادير : آخره دال مهملة. قال بعضهم : ولم أجد لشي ء منها معنًى مناسباً) ..) (1).

قلت : للأوّل منها معنى مناسب ، بأن يراد بها وقت السحر ، وهو : السدس الأخير من الليل ، كما نصّ عليه النظّام في (تفسيره) ؛ فإنّه وقت الاستغفار والمغفرة ، أو مجموع الثلث الأخير منه ؛ فإنّه كذلك.

ثمّ قال : وفي (القاموس) : اليعفور : جزء من أجزاء الليل (2). وفيه : الزلفة بالضم - : الطائفة من الليل ، والجمع كغُرَف وغُرُفات وعَرَفات ، أو الزلف : ساعات الليل الآخذة من النهار ، وساعات النهار الآخذة من الليل (3).

وقال الجوهري : (الزلفة : الطائفة من أوّل الليل) (4).

وقال : (السحر : قبل الصبح ، والسّحرة بالضم - : السحر الأعلى) (5).

وقال الراغب : (السحر والسحرة : اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار ، وجعل اسماً لذلك الوقت ، يقال : لقيته بأعلى [السحرين (6)]) (7).

وفي (القاموس) : (ابهارّ الليل : انتصف ، أو تراكمت ظلمته ، أو ذهبت عامّته ، أو بقي نحو ثلثه. والبهرة بالضم من الليل : وسطه) (8).

وقال : (رائد الضحى ورأدُه : ارتفاعه) (9).

وقال : (الشرق : الشمس ويحرّك وإسفارها ، وشرقت الشمس شرقاً وشروقاً

ص: 31


1- المصباح : 682.
2- القاموس المحيط 2 : 131 الغفر.
3- القاموس المحيط 3 : 217 الزلف.
4- الصحاح 4 : 1370 زلف.
5- الصحاح 2 : 678 679 سحر.
6- من المصدر ، وفي المخطوط : (سحرين).
7- مفردات ألفاظ القرآن : 401 سحر.
8- القاموس المحيط 1 : 708 البهر.
9- القاموس المحيط 1 : 569 الراد.

طلعت كأشرقت) (1).

وقال : (متع النهار كمنع ارتفع قبل الزوال ، والضحى بلغ آخر غايته وهو عند الضحى الأكبر) (2).

وقال : (تَرَجّلَ النهار : ارتفع) (3).

وقال : (دلكت الشمس دلوكاً : غربت أو اصفرّت ، أو مالت ، أو زالت من كبد السماء) (4).

وفي (القاموس) : (الهجير والهجيرة والهجر والهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ، وشدّة الحر) (5).

و (الظهر : ساعة الزوال ، والظهيرة : حدّ انتصاف النهار ، أو إنّما ذلك في القيظ) (6).

وقال الراغب : (الظهيرة : وقت الظهر) (7).

و (يقال للعشيّة : أصيل وأصيله) (8).

وقال الجوهريّ : (الأصيل : الوقت بعد العصر إلى المغرب ، وجمعه : أُصل وآصال) (9).

و (الطفل بالتحريك - : بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب ، يقال : أتيته طفلاً) (10).

وفي بعض الكتب أن العرب قَسّموا كلّاً من الليل والنهار إلى اثنتي عشرة ساعة ، لكلّ ساعة اسم هكذا : (البكور ، والشروق ، والغدوّ ، والضحى ، والهاجرة ، والظهيرة ، والرواح ، والعصر ، والقصر ، والأصيل ، والعشيّ ، والغروب. وساعات الليل : الشفق ،

ص: 32


1- القاموس المحيط 3 : 362 الشرق.
2- القاموس المحيط 3 : 118 متع.
3- القاموس المحيط 3 : 560 الرجل.
4- القاموس المحيط 3 : 439 الدك.
5- القاموس المحيط 2 : 222 223 الهجر.
6- القاموس المحيط 2 : 172 الظهر.
7- مفردات ألفاظ القرآن : 541 ظهر.
8- مفردات ألفاظ القرآن : 78 أصل.
9- الصحاح 4 : 1623 أصل.
10- الصحاح 5 : 1751 طفل.

والغسق ، والعتمة ، والسدفة ، و [الفحمة (1)] والزلفة ، والبهرة ، والسحر ، والسحرة ، والفجر ، والصبح ، والصباح) (2).

وبعضهم ذكر في ساعات النهار : (الذرور ، والبزوغ ، والضحى ، والغزالة ، والهاجرة ، والزوال ، والدلوك ، والعصر ، والأصيل ، والصبوب ، والحدود ، والغروب).

وبعضهم هكذا : (البكور ، والشروق ، والإشراق ، والراد ، والضحى ، والمتوع ، والهاجرة ، والأصيل ، والعصر ، والقصر ، والطفل ، والغروب).

وفي (القاموس) : (البُكْرَة بالضم - : الغدوة كالبكرة ، محركة واسمها : الإبكار) (3).

وقال : (الغدوة بالضم - : البكرة ، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس ، كالغداة والغدية ، والجمع : غدوات ، وغَدِيّات ، وغدوّ. ولا يقال : غدايا ، إلّا مع عشايا) (4).

وقال : (الضحو والضحوة والضحيّة كعشيّة - : ارتفاع النهار ، والضحى فويقهُ ، والضحاء بالمدّ - : إذا قرب انتصاف النهار) (5).

وقال : (الرواح : العشيّ ، أو من الزوال إلى الليل) (6).

وقال : (العصر : العشيّ إلى احمرار الشمس) (7).

وقال الجوهريّ : (قصر الظلام : اختلاطه ، ويقال : [أتيته (8)] قصراً ، أي عشيّاً) (9).

وقال الخليل : (العتمة : هو الثلث الأوّل من الليل بعد غيبوبة الشفق) (10).

و (الشفق : الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة) (11).

ص: 33


1- من المصدر ، وفي المخطوط : (الجهمة).
2- فقه اللغة وسرّ العربيّة : 315 316 ، بتقديم (الشروق) على (البكور) فيه ، وكذا بإبدال (السحرة) من المخطوط بقوله : (الزلة).
3- القاموس المحيط 1 : 704 البكرة.
4- القاموس المحيط 4 : 534 الغدوة.
5- القاموس المحيط 4 : 511 الضحوة.
6- القاموس المحيط 4 : 457 الرواح.
7- القاموس المحيط 2 : 129 العصر.
8- من المصدر ، وفي المخطوط : (أملته).
9- الصحاح 2 : 792 قصر.
10- العين 2 : 82 باب العين والتاء والميم معهما.
11- العين 5 : 45 باب القاف والشين ، والفاء معهما.

و (عتمة الليل : ظلامه) (1).

وقال الأصمعي : (السّدفة والسّدفة في لغة نجد : الظلمة ، وفي لغة غيرهم (2) : الضوء ، وهو ضد) (3).

(وكذا السدفة ، بالتحريك) (4).

وقال أبو عبيد : (بعضهم يجعل السدفة : اختلاط الضوء بالظلمة كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار) (5).

وللصبح عند العرب أسماء كثيرة : الفلق بالتحريك والصديع ، والسطيع ، والمعرب ، والصرام ، والصريم ، والشميط ، والسدف ، والشق ، والفتق.

ويقال للغداة والعشيّ : البردان ، والأبردان ، والعصران ، والصرعان ، والقرّتان ، والكرتان.

والهِيّة بكسر الهاء وتشديد الياء - : الساعة تبقى من السحر.

وللّيل والنهار عند العرب أسماء : الدائبان ، والصرفان ، والجديدان ، والأجدّان ، والحاديان ، والأصرمان ، والملوان ، والعصران ، والردفان ، والصرعان ، والأثرمان ، والمتباديان ، والفتيان ، والطريدان ، وابنا سبات ، وابنا حمير ، وابنا سمير.

ص: 34


1- الصحاح 5 : 1979 عتم.
2- وهم بنو قيس. القاموس المحيط 3 : 220 السدف.
3- القاموس المحيط 3 : 220 السدف.
4- عنه في لسان العرب 6 : 216 سدف.
5- المصدر نفسه.

الفصل الأول : في ولادة سيّد الخلق طرّاً محمّد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه وآله ووفاته

ميلاده المبارك

أمّا ميلاده الأعظم ، فقال المجلسيّ رحمه اللّه في (شرح أُصول الكافي) : (اعلم أن الإماميّة ، إلّا من شذّ منهم ، على أن ولادته صلى اللّه عليه وآله كانت في سابع عشر ربيع الأوّل ، وذهب أكثر المخالفين إلى أنها كانت في الثاني عشر منه. واختاره المصنّف رحمه اللّه (1) يعني محمّد بن يعقوب في (الكافي) إمّا اختياراً ، أو تقيّة. والأخير أظهر ، لكن الدلائل الحسابيّة على الأوّل أدلّ.

أمّا يوم الولادة فالمشهور بين علمائنا أنه كان يوم الجمعة (2) ، وبين المخالفين يوم الاثنين (3) ، ثمّ المشهور بيننا (4) وبينهم (5) أنه ولد بعد طلوع الفجر. وقيل : عند الزوال (6) ، وقيل : آخر النهار (7).

ص: 35


1- الكافي 1 : 439.
2- المقنعة 14 : 456 / 1 ، تهذيب الأحكام 1 : 439 / 1 ، العدد القويّة : 110 / 7 ، الدروس 2 : 5.
3- تاريخ الطبريّ 2 : 5 ، البداية والنهاية 2 : 319.
4- الكافي 1 : 439 / 1 ، وفيه : (عند طلوع الفجر) ، الدروس 2 : 6 ، مسارّ الشيعة 7 : 50 ، وفيه ما في الكافي.
5- تاريخ الخميس 1 : 197.
6- الكافي 1 : 439 / 1 ، العدد القويّة : 110 / 10.
7- الأمالي (الطوسيّ) : 145 / 239 ، بحار الأنوار 15 : 260 / 10.

وقال صاحب (العدد القويّة) : (كانت بعد خمس وخمسين يوماً من هلاك أصحاب الفيل .. لسبع بقين من ملك أنوشيروان ، ويقال في ملك هرمز بن أنوشيروان.

وذكر الطبريّ أن مولده لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشيروان (1). وهو الصحيح ؛ لقوله صلى اللّه عليه وآله ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان (2)).

إلى أن قال (3) : (واعلم أن الذي يدلّ على صحّة ما ذهب إليه الكلينيّ من تاريخ مولده ، هو أنه من أوّل ربيع الأوّل الّذي ولد فيه صلى اللّه عليه وآله إلى أوّل ربيع الأوّل الذي هاجر فيه إلى المدينة ثلاث وخمسون سنة تامّة قمريّة ؛ لأنّ مدّة مكثه صلى اللّه عليه وآله بها بعد الهجرة كانت عشر سنين كما عرفت ، ومدّة حياته ثلاث وستّون سنة أو أقلّ منها بعشرين يوماً ، على رواية أنه ولد في السابع عشر من ربيع الأوّل ، وقبض في آخر صفر. ولا اختلاف بين الشيعة في ولادته باعتبار الشهر ، فمن أوّل المحرّم المقدّم على ميلاده الشريف الّذي هو رأس سنة عام الفيل إلى أوّل المحرّم المقدّم على هجرته الذي هو مبدأ التاريخ الهجريّ أيضاً ثلاث وثلاثون سنة تامة قمريّة. فلمّا ضربنا عدد السنين التامّة القمريّة المذكورة في ثلاثمائة وأربعة وخمسين عدد أيام سنة تامّة قمرية ، وحصّلنا الكبائِس وزدناها عليها على القانون المقرّر عندهم حصل ثمانية عشر ألف وسبعمائة وأحد وثمانون ، وكان أوّل محرّم سنة هجرته صلى اللّه عليه وآله يوم الخميس بالأمر الأوسط كما ذكروه في الزيجات ، وعليه مدار عملهم.

قال الرازيّ : وأوّلها وهو أوّل المحرم يوم الخميس بالأمر الأوسط. وقول أهل الحديث : يوم الجمعة بالرؤية وحساب الاجتماعات ، نعمل عليه ، وأُرّخ منها في مستأنف الزمان) (4) ، انتهى.

فإذا طرحنا من المبلغ سبعة سبعة عدد أيّام الأُسبوع لم يبقَ شي ء. فظهر أن أوّل

ص: 36


1- تاريخ الطبريّ 1 : 453.
2- العدد القويّة : 111 / 12.
3- أي العلّامة المجلسيّ رحمه اللّه.
4- مرآة العقول 5 : 175.

المحرم عامَ الفيل الذي هو عام مولده صلى اللّه عليه وآله أيضاً يوم الخميس بالأمر الأوسط ، فأوّل شهر صفر من هذا العام يوم السبت ، وأوّل ربيع الأوّل يوم الأحد بالأمر الأوسط. ولمّا كان أوّل الشهور يختلف بحسب الأمر الأوسط في الأكثر بيوم ، فأوّله بالرؤية يوم الاثنين ، واليوم الثاني عشر منه يوم الجمعة ، وأمّا اليوم السابع عشر فيوم الثلاثاء بالأمر الأوسط.

ولا يختلف أوّل الشهور بالأمر الأوسط ، والرؤية بأكثر من يومين ، لأنّ أكثر المتوالية من الشهور التامّة بالرؤية أربعة أشهر لا تزيد عليها ، وأكثر المتوالية من الناقصة ثلاثة أشهر لا غير. والشهور الوسطية شهر تام وشهر ناقص إلّا في السنة الكبيسة ، فإنّ شهرين فيها متواليين يكونان تامّين ، وهما : ذو الحجّة والمحرّم. فعلى تقدير تقدّم أوّل الشهر بالرؤية بيومين على الأمر الأوسط أو تأخّره كذلك عنه ، فالسابع عشر ؛ إمّا الخميس أو الأحد ، والجميع متّفقون على أن ولادته صلى اللّه عليه وآله كانت في يوم الجمعة ، وهو يبطل كونها في السابع عشر ، ويثبت الثاني عشر. فالقول المشهور متهافت يناقض بعضه بعضاً ، وكونها يوم الجمعة ينافي كونها في السابع عشر.

وإذا تقرّر ذلك فلننظر في وقت وفاته صلى اللّه عليه وآله ، وإذ قد عرفت أن أوّل المحرّم سنة الهجرة يوم الخميس ، فأوّل صفر يوم السبت ، وأوّل ربيع الأوّل يوم الأحد. وإذ قد عرفت أن أوّل ربيع الأوّل الذي ولد فيه صلى اللّه عليه وآله يوم الأحد ، وما بين ربيع الأوّل الذي في خلال سنة هجرته صلى اللّه عليه وآله وبينه ثلاث وخمسون سنة تامّة قمريّة ، كما مرّ ، فإذا جعلت السنين أياماً وطرحت سبعة سبعة لم يبقَ شي ء.

فظهر أن أوّل ربيع الذي في خلال سنة هجريّة أيضاً يوم الأحد ، فنقول : ما بين أوّل ربيع الأوّل الذي في خلال سنة هجرية ، وأوّل الربيع الأوّل الذي قبض فيه عشر سنين تامّة قمرية ، فإذا ضربنا عدّة السنين في عدد السنين القمريّة وزدنا عليه الكبائس بلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعاً وأربعين ، فإذا طرحنا من المبلغ سبعة

ص: 37

سبعة يبقى اثنان ، [فإذا (1)] جمعناهما مع الأحد أوّل الربيع الأوّل الذي هاجر فيه صلى اللّه عليه وآله يظهر أن أوّل [ربيع الأوّل (2)] الذي قبض فيه يوم الثلاثاء بالأمر الأوسط ، فالثاني عشر منه بالأمر الأوسط يوم السبت ، وبالرؤية يوم الاثنين.

وقد عرفت أنه قد يتقدّم أوّل الشهر بحسب الرؤية عليه ، ويتأخّر عنه بالأمر الأوسط بيومين. وإذا كان أوّل الربيع الأوّل بالأمر الأوسط يوم الثلاثاء يكون أوّل شهر صفر بالأمر الأوسط يوم الاثنين ، والسابع والعشرون يوم السبت ، فيمكن أن يكون الاختلاف لأجل اختلاف الرؤية ، والأمر الأوسط ، بأن يكون أوّل الشهر بالرؤية يوم الأربعاء فينطبق الثامن والعشرون من شهر صفر على يوم الاثنين ، فلا يظهر ترجيح من هذا الوجه لأحد القولين على الآخر.

وقد أوردنا في كتاب (بحار الأنوار) (3) وجوهاً أُخر حسابيّة لتقوية ما اختاره ثقة الإسلام ، ومع ذلك كلّه يشكل ردّ الخبر المعتبر الدالّ على كون الولادة الشريفة في السابع عشر ، لابتناء تلك الوجوه على ما ظهر لأهل الهيئة من الأرصاد المختلفة في الكسور والكبائس ، ويظهر من اختلافها في الأزمنة المتطاولة اختلاف كثير. وأيضاً كون الولادة في يوم الجمعة ليس شهرتها بين الإمامية كشهرة السابع عشر ، فيمكن أن يكون الاشتباه في الأوّل دون الثاني ، مع أن ما ورد في الأخبار مبنيّ على الرؤية الشرعيّة ، فيمكن أن تكون الرؤية متأخّرة عن هذا الحساب في ذلك الشهر لغيم أو نحوه ، واللّه يعلم حقائق الأُمور) (4) ، انتهى كلام المجلسيّ.

وأقول وباللّه المستعان - : أمّا كون شهر الولادة العظمى التي عمّت بركتها الخلائق أجمع شهر ربيع الأوّل فلا شكّ في إجماع الفرقة الناجية عليه ، بل نقل الإجماع عليه مستفيض من عبائرهم ، فلم نظفر فيه بمخالف منهم ، بل هم مطبقون عليه فتوًى وعملاً في سائر الأزمان والأصقاع ، ورواياتهم به عن أهل العصمة مستفيضة.

ص: 38


1- من المصدر ، وفي المخطوط : (فاذ).
2- من المصدر ، وفي المخطوط : (الربيع).
3- بحار الأنوار 55 : 364.
4- مرآة العقول 5 : 170 177 ، بتفاوت.

وأمّا كون يوم الولادة المباركة يوم السابع عشر من ربيع الأوّل ، فلم نعلم بمخالف من علمائنا أبواب المعصوم ونوّابه إلّا الكليني رحمه اللّه تعالى والظاهر أن الإجماع سبقه ولحقه ، وقد صرّح السيّد عليّ بن طاوس في (الإقبال) (1) بإجماع أهل زمنه من الفرقة على ذلك. ولا يعني فهم دعوى الإجماع على ذلك من عبائر الأصحاب ، والروايات به عن أهل العصمة غير عزيزة الوجود.

وأيضاً عمل الفرقة على ذلك في عامّة الأصقاع والأزمان.

فإذن هو إجماع بلا شكّ ، ومخالفة محمّد بن يعقوب رحمه اللّه غير مضرّة به لمعلوميّة نسبه ، وما يوجد في بعض الروايات [من] أنه اليوم الثاني عشر منه فعامّيّة أو تقيّة ؛ لأنه مشهور العامّة ، ولهم فيه نحو من أحد عشر قولاً (2).

ولعلّ بعض الحامل للقائل به أيضاً ما سمعته في عبارة المجلسيّ رحمه اللّه تعالى من اعتبار القانون الحسابيّ التقويميّ ، ولكنه مبنيّ على أرصاد قديمة تجتمع منها كسور جزئيّة يهملونها ، لينضبط بها حسابهم فيجتمع منها على تطاول السنين شي ء كثير فيختلف به القانون ؛ لأنّها ظنّيّة مبنيّة على اعتبار شهر تامّ وشهر ناقص.

وأيضاً يحتمل ابتناء المسألة على الأهلّة الشرعيّة ، وجاز فيها اختلاف الآفاق ، ولكلّ أُفق حكم يلزم أهله دون أهل الأُفق الآخر.

وأيضاً ابتناء الشهر الشرعيّ على الثبوت الشرعيّ ، فجاز اختلاف الحساب والظاهر ، فالشارع أخبر الناس بما يعلمون وما يلزمهم حكمه شرعاً في ظاهر الأمر.

وأيضاً جاز أن يكون الحساب مبنيّاً على الظاهر لأهله ، وفي نفس الأمر هو كما أخبر الشارع.

فظهر عدم التنافي بين كونه السابع عشر ، وأنه الجمعة ؛ بحمله على أحد هذه الوجوه. وأمّا كونه الجمعة فنقل الشهرة بين الفرقة الناجية عليها غير عزيز ، بل الظاهر أنه إجماع أيضاً.

ص: 39


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 121.
2- تاريخ الخميس 1 : 195 198.

وفي بالي أن بعض النصوص (1) تدلّ عليه ، ولا منافاة كما عرفت ، وقد صرّح به جلّ أكابر الفرقة أصحاب الأفئدة المؤيّدين ، فلا يعارض إجماعهم ما يدخله الاحتمال. فالإجماع قطعيّ الدلالة ولا يرفع اليقين بالشكّ بل بيقين مثله. بل عن المجلسيّ في (البحار) (2) أنه إجماع وأن الروايات به كثيرة.

وأيضاً ما قاله هنا معارض بقاعدة حسابيّة ذكرها أهل التقاويم وبنوا عليها ضبط حسابهم ، وقد رواها ابن طاوس في (الإقبال) (3) [عن (4)] (الكافي) (5) وغيره (6) بعدة طرق عن أهل العصمة صلوات اللّه وسلامه عليهم هي أن الشهر العربيّ يدخل في السنة الثانية بخامس اليوم الذي دخل به في الاولى من الأُسبوع فإذا دخل شهر رمضان مثلاً بالخميس في عام دخل في الذي يليه بعده بالاثنين.

وقد صرّح جلّ الأكابر كالشيخين في جملة من كتبهما (7) وغيرهما من المؤرّخين بل الظاهر أنه مشهور الفرقة أو هو مشهور المؤرّخين أن سنة هجرة الرسول صلى اللّه عليه وآله دخل ربيع الأول بالخميس. فعلى القول بأنّ مولده الكريم كان سابع عشره ، وأنه الجمعة ، يكون دخول شهر المولد العظيم يوم الأربعاء.

وإذا اعتبرت هذا القانون كانت سنة هجرته صلى اللّه عليه وآله يدخل ربيع الأول منها بالجمعة ؛ لأنّ بين مولده وهجرته صلى اللّه عليه وآله ثلاثاً وخمسين سنة كما اشتهر بين الأُمّة ، وقد يتقدّم كما صرّح به المجلسيّ (8) هنا بيوم أو بيومين ويتأخّر بمثلها عن الرؤية لبعض العلل. فصحّ المشهور بل المجمع عليه بلا تناقض ولا تهافت كما قال رحمه اللّه.

ص: 40


1- تهذيب الأحكام 6 : 2 / ب 1 ، كشف الغمّة 1 : 14.
2- بحار الأنوار 15 : 248 / ب 3.
3- الإقبال بالأعمال الحسنة 1 : 58.
4- في المخطوط : (من).
5- الكافي 4 : 80 81 / 1 ، 2 ، 4.
6- تهذيب الأحكام 4 : 179 / 496 ، وانظر وسائل الشيعة 10 : 283 284 ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب 10.
7- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 48 ، تهذيب الأحكام 4 : 179 / 496.
8- مرآة العقول 5 : 176.

وأيضاً هو رحمه اللّه قد أثبت أن محرّم عامِ الولادة العظمى دخل بالخميس بالأمر الأوسط ، فعليه يدخل ربيعها الأوّل بالأحد. وصرّح هو وغيره أن محرّمها دخل منها في الرؤية بالجمعة ، فعليه يدخل ربيعها بالحساب بالاثنين ، وجاز التقدّم والتأخّر بيومين.

وما أخرجه في (الإقبال) (1) [عن (2)] كتاب (النبوّة) للصدوق : أن الحمل بسيّد الرسل صلى اللّه عليه وآله كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة مؤيّد لذلك.

وأيضاً فهذه القاعدة الحسابيّة المرويّة موافقة لما اشتهر بين علمائنا ، بل هو إجماع ، من أن وفاته صلى اللّه عليه وآله كانت يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر. فلعل في جملة عمره الشريف حصل التقدّم والتأخّر بيوم أو يومين ، فتساعد وتؤيّد قول الأكثر بأنه يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأول.

وبالجملة ، فلا خلاف في أن عام مولده الشريف هو عام الفيل ، بل هو إجماع ، وذلك في ملك كسرى أنوشيروان الذي ارتج إيوانه ليلة الميلاد الأعظم (3). والاتّفاق وإجماع الفرقة على أن شهر الولادة الكريمة هو ربيع الأوّل ، والظاهر أنه إجماع قولاً وفعلاً ورواية ، وأن يومه الشريف العظيم من الشهر : سابع عشر ، ومن الأُسبوع : الجمعة ، ومن الساعات : بعد طلوع الفجر بقليل.

وقال المجلسي بعده بلا فصل : (وجماعة ب- (بعد طلوع الفجر) ، والطبرسيّ (4) ب- (قبل طلوع الفجر). فإنّ المطلق من عبائرهم قدّس اللّه أرواحهم يحمل على المقيّد. فكلمتهم متّفقة على المعنى الذي ذكرناه ، ولا عبرة بقول من يقول : إنّها وقت الظهر ؛ لشذوذه ومعلوميّة نسب القائل).

بقي الكلام فيما روي وعمل به جُلّ الأكابر كالشيخين والشهيد الأوّل (5) أن امّه

ص: 41


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 162.
2- في المخطوط : (من).
3- البداية والنهاية 2 : 327 328.
4- إعلام الورى : 13 ، وفيه : (عند طلوع الشمس).
5- الدروس 2 : 6.

رضوان اللّه عليها آمنة بنت وهب حملت به في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى. قال المجلسي رحمه اللّه : (اعلم أن هنا إشكالاً مشهوراً ذكره الشهيد الثاني وجماعة هو أنه يلزم من كون الحمل به في أيّام التشريق ، وولادته في ربيع الأوّل أن تكون مدّة حمله صلى اللّه عليه وآله ؛ إمّا ثلاثة أشهر ، أو سنة وثلاثة أشهر ، مع أن الأصحاب اتّفقوا على أنه لا يكون الحمل أقلّ من ستّة أشهر ولا أكثر من سنة. ولم يذكر أحد من العلماء أن ذلك من خصائصه).

قال : (والجواب أن ذلك مبنيّ على النسي ء الذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة ، ونهى اللّه عنه ، وقال ( إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) (1). قال الطبرسيّ في تفسير هذه الآية نقلاً عن مجاهد : (كان المشركون يحجّون في كلّ شهر عامين ، فحجّوا في ذي الحجّة عامين ، ثمّ في المحرّم عامين ، وكذا في الشهور حتّى وافقت الحجّة التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة. ثمّ حجّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في العام القابل حجّة الوداع فوافقت ذا الحجّة ، فقال في خطبته وإنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللّه السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متوالية : ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ، ورجب مفرد بين جمادى وشعبان.

أراد بذلك أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها وعاد الحجّ إلى ذي الحجّة ، وبطل النسي ء) (2) ، انتهى.

إذا عرفت هذا فقيل : إنه يلزم أن يكون الحجّ عام مولده صلى اللّه عليه وآله في جمادى الاولى ؛ لأنه صلى اللّه عليه وآله توفّيَ وهو ابن ثلاث وستّين سنة ، ودورة النسي ء أربعة وعشرون سنة ضعف عدة الشهور ، فإذا أخذنا من السنة الثانية والستين ورجعنا تصير السنة الخامسة عشرة ابتداء الدورة ؛ لأنه إذا نُقص من اثنين وستين ثمانية وأربعون يبقى أربعة عشر ، الاثنتان الأخيرتان منها لذي القعدة واثنتان قبلهما لشوّال ، وهكذا.

ص: 42


1- التوبة : 37.
2- مجمع البيان 5 : 41.

فتكون الأُوليان منها لجمادى الاولى ، وكان الحجّ عام مولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهو عام الفيل في جمادى الأُولى.

فإذا فرض أنه صلى اللّه عليه وآله حملت به امّه في الثاني عشر منه ، ووضعته في الثاني عشر من ربيع الأوّل يكون مدة الحمل عشرة أشهر بلا مزيد ولا نقيصة.

أقول : ويرد عليه أنه قد أخطأ في حساب الدورة ، وجعلها أربعة وعشرين سنة ؛ إذ الدورة على ما ذكر إنّما تتمّ في خمسة وعشرين سنة ؛ إذ في كلّ سنتين يسقط شهر من شهور السنة باعتبار النسي ء ، ففي كلّ خمسة وعشرين سنة يحصل أربع وعشرون حجة تمام الدورة.

وأيضاً على ما ذكره يكون مدّة الحمل أحد عشر شهراً ؛ إذ لمّا كان عام مولده ، أو الحج في جمادى الاولى يكون في عام الحمل الحجّ في ربيع الثاني ، فالصواب أن يقال : كان في عام حمله الحجّ في جمادى الأُولى ، وفي عام مولده في جمادى [الآخرة (1)] ، فعلى ما ذكرنا تتمّ من عام مولده إلى خمسين سنة من عمره صلى اللّه عليه وآله دورتان ، وفي الحادية والخمسين تبتدئ الدورة الثالثة من جمادى [الآخرة (2)] ، وتكون لشهر حجّتان إلى أن ينتهي إلى الحادية والستين والثانية والستين ، فيكون الحجّ فيهما في ذي القعدة ، ويكون في حجّة الوداع الحجّ في ذي الحجّة ؛ فتكون مدّة الحمل عشرة أشهر.

فإن قلت : على ما قرّرت من أن في كلّ دورة تتأخّر سنة ، ففي نصف الدورة تتأخّر ستّة أشهر ، ومن ربيع الأوّل الذي هو شهر المولد إلى جمادى [الآخرة (3)] التي هي شهر الحجّ نحو من ثلاثة أشهر. فكيف يستقيم الحساب على ما ذكرت؟

قلت : تاريخ السنة محسوبة من شهر الولادة ، فمن ربيع الأوّل من سنة الولادة إلى مثله من سنة ثلاث وستين تتمّ اثنتان وستون ، ويكون السابع عشر منه ابتداء السنة الثالثة والستين ، وفي الشهر العاشر من تلك السنة أعني : ذا الحجة وقع الحجّ

ص: 43


1- في المخطوط : (الثانية).
2- في المخطوط : (الثانية).
3- في المخطوط : (الثانية).

الحادي والستّون ، وتوفّيَ صلى اللّه عليه وآله قبل إتمام تلك السنة على ما ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوماً ، فصار عمره صلى اللّه عليه وآله ثلاثاً وستين سنة إلّا تلك الأيام المعدودة.

وأمّا ما رواه ابن طاوس في (الإقبال) (1) نقلاً من كتاب (النبوّة) للصدوق أن الحمل بسيّدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة ، فيمكن أن يكون الحمل في [أوّل (2)] سنة وقع الحجّ [فيها] في جمادى [الآخرة (3)] ، ومن سنة الحمل إلى سنة حجّة الوداع أربع وستّون سنة ، وفي الخمسين تمام الدورتين. وتبتدئ الثالثة من جمادى [الآخرة (4)] ، ويكون في حجّة الوداع والتي قبلها الحج في ذي الحجّة ، ولا يخالف شيئاً إلّا ما مرّ عن مجاهد (5) أن حجّة الوداع كانت مسبوقة بالحجّ في ذي القعدة.

وقوله غير معتمد في مقابل الخبر إن ثبت أنه رواه خبراً. وتكون مدّة الحمل على هذا تسعة أشهر إلّا يوماً ، فيوافق ما هو المشهور في مدّة حمله صلى اللّه عليه وآله عند المخالفين.

وقال بعض الأفاضل في دفع الإشكال : (التشريق : الخروج إلى ناحية الشرق ، وكان أشراف قريش يخرجون من مكّة مع أهاليهم في الصيف إلى الطائف ، وهو في ناحية المشرق ، وكانوا يسمون تلك الأيّام أيّام التشريق ، وينزلون منى في بعض تلك الأيام. والقرينة على أنه ليس المراد بأيّام التشريق : ما في موسم الحجّ أن المكان الذي هو عند الجمرة الوسطى لا يخلو في موسم الحجّ. و (كانت) أي حين إقامتها بمكة. ولو كان المراد حين كونها في منىً لم يحتج إلى زيادة لفظ : وكانت) ، انتهى.

ولا يخفى غرابته ، ولا أدري من أين أخذ رحمه اللّه هذا الاصطلاح لأيّام التشريق؟ وأيّ مناسبة لمنى مع الطائف؟) (6) ، انتهى كلام المجلسيّ.

وأقول : صورة ما في (الإقبال) : (فصل فيما نذكره من فضل ليلة تسع عشرة من

ص: 44


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 162.
2- في المخطوط : (أولى).
3- (في المخطوط : (الثانية).
4- (في المخطوط : (الثانية).
5- انظر : ص 372 هامش 1.
6- مرآة العقول 5 : 170 173.

جمادى الآخرة وأنها ليلة ابتداء الحمل برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. ذكر محمّد بن بابويه في الجزء الرابع من كتاب (النبوّة) في أواخره حديث أن الحمل بسيّدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة) (1) ، انتهى.

وأقول : أمر النسي ء وبناء هذا الإشكال عليه شي ء لم يقم عليه دليل شرعيّ ، وإنّما ذكره العامّة ومن ثَمّ توقّف شيخنا في دفع هذا الإشكال به. ولكن ما نقله المجلسيّ عن بعض الأفاضل جواب سديد متين ، والاعتراف له بالفضل يكفي بالوثوق بنقله. وليس مجاهد بأوثق منه وإن كان نقل المجلسيّ عن ابن شهرآشوب في مناقبه (2) أن الحمل به كان ليلة عرفة يؤيّد الأوّل ، ولكنه تفرّد به ولم يقم عليه دليل مع شدّة بعده كالأوّل. وأما حمل مجاهد الحديث من قوله صلى اللّه عليه وآله في خطبة عرفة) ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللّه السماوات والأرض … (إلى آخره ، فكلام في غاية السقوط ، وما أحقّه بقول الشاعر :

ولا تحرزُ السبقَ الروايا وإن جرت *** ولا يبلغُ الغاياتِ إلّا سبوقها

ويمكن أنه صلى اللّه عليه وآله أراد بذلك ما أشار إليه في الحديث الآخر من قوله بعثت والساعة كهاتين ؛ فإنّه صلى اللّه عليه وآله نبيّ الساعة ، وقد أشار في تلك الخطبة المباركة إن سلسلة البدء الكلّيّ قد انتهت ببعثته ، فبعثته أوّل قوس العود الكلّيّ ، والنهايات تصف البدايات ، والغايات تجمع المقدّمات ، فحكاية قوس البدء ظهرت به صلى اللّه عليه وآله ، فإنّه أوّل العابدين وبداية كلّ نهاية ، وأوّل الفيوض والحجّة قبل الخلق.

فبظهور بعثته الحسّيّة يظهر حكايات ابتداء الزمان وأوّل الخلق ، فهو بداية أبداً ، كما أنه نهاية أبداً ، والواقف على بدء الخلق أبداً ؛ ولذا لمّا رجع ليلة المعراج إلى تلك البدايات ووقف على بدء خلق الدنيا في تلك الدرجات صلّى بالملائكة الظهر ،

ص: 45


1- الإقبال بالأعمال الحسنة : 623 (حجري) ، وفي النسخة المطبوعة من الإقبال أنه (جمادى الاولى). انظر الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 162.
2- مناقب آل أبي طالب 1 : 53.

حيث إن بدء خلق الدنيا والشمس على وتد الرأس ودائرة نصف نهار الوجود ، ولا ينافي كونه في هذا العالم ليلاً. ولذلك وجه آخر يظهر بالتأمّل فتفطّن جيّداً.

ومبدأ (1) ولادته المباركة في الدار التي اشتهرت بدار محمّد بن يوسف في شعب أبي طالب ، وهي دار أبيه في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار ، وهي الآن مسجد.

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني (2) : (نبيّنا محمَّد صلى اللّه عليه وآله ولد في مكة عام الفيل اتّفاقاً عند طلوع الفجر باليوم السابع عشر من شهر ربيع الأوّل على ما هو المشهور بين أصحابنا وعليه المعوّل ، وبه قال الشيخ والمفيد ، واعتمده كلّ من تأخّر عنهما كالشهيد والمجلسيّ وغيرهما. وذهب الكلينيّ إلى أن مولده الثاني عشر منه وهو مشهور العامّة ، والمشهور في رواياتنا ما عليه مشهور علمائنا) ، انتهى.

والمشهور أن أباه توفّيَ وهو حمل ، وعليه دلّ الدليل ، ومات أبوه في المدينة [وهو] ابن خمس وعشرين سنة.

وفي مناقب ابن شهرآشوب : (توفّيَ أبوه وهو ابن شهرين ، ودفن في دار النابغة على مشهور المؤرّخين ، ونصّ عليه الطبريّ (3) وغيره (4). ومشهورهم أن امّه توفّيت بالأبواء بين مكّة والمدينة ، وهو صلى اللّه عليه وآله ابن أربع سنين. وقيل : ابن ثمانية وعشرين شهراً. وهو الأرجح.

ص: 46


1- كذا في المخطوط.
2- العالم العامل ، المحدّث الصالح الشيخ عبد اللّه ابن الحاج صالح بن جمعة السماهيجي البحراني. ينسب إلى (سماهيج) ، وهي إحدى قرى جزيرة صغيرة قرب اوال. له كثير من المصنفات أوردها في إجازته الكبيرة للشيخ ناصر الخطّي عام (1128) ه- في بهبهان ، ومنها رسالة (التهاني والتعازي في مواليد النبيّ والأئمّة صلّى اللّه عليه وعليهم ووفياتهم) الّتي ينقل عنها المصنّف رحمه اللّه في هذه الرسالة. توفّيَ رحمه اللّه في بهبهان ليلة الأربعاء (9 / جمادى الثانية / 1135 ه). انظر : لؤلؤة البحرين 96 2. أنوار البدرين : 148 153.
3- تاريخ الطبريّ 1 : 501.
4- تاريخ الإسلام (السيرة النبويّة) : 50.

وقيل : ابن ستّ ، وربّاه عبد المطلب ، ثمّ بعده أبو طالب. أقام بمكّة قبل البعثة أربعين سنة ، وبعد البعثة ثلاث عشرة سنة. ثمّ هاجر إلى المدينة وأقام بها عشر سنين) (1).

وفاته صلى اللّه عليه وآله

قبض صلى اللّه عليه وآله في الحادية عشرة من الهجرة إن أخذنا حساب بدئها من المحرم ، وفي العاشرة إن أخذنا بدأها من يوم هجرته من مكّة ، فلا اختلاف بين القولين. وتوفّيَ صلى اللّه عليه وآله يوم الاثنين على الأشهر الأقوى الثامن والعشرين من صفر بالنصّ والإجماع ، والمخالف شاذّ معلوم النسب.

قال الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني : (المشهور بين أصحابنا أن وفاته صلى اللّه عليه وآله في اليوم الثامن والعشرين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة كما ذكره المفيد (2) والشيخ (3) وابن طاوس والشهيد (4) وغيرهم (5) ، ولم يخالف في ذلك سوى الكليني (6) وذكر أنه في اليوم الثاني عشر كيوم ولادته صلى اللّه عليه وآله. وانتقل إلى جوار اللّه شهيداً مسموماً بالنص (7) والإجماع وصافي الاعتبار ، فإنّ مرتبة الشهادة من أعلى درج القرب فلا تفوت مَن جمع كمالات الوجود المطلق ، فمنه فاض كلّ كمال وَجود ووُجود).

وفي الخبر ما منا إلّا من خرج على الشهادة (8).

وفيه أيضاً أنهما سمّتاه (9) ، لا كما قال بعض الأفاضل : (إنه مات بسمّ اليهود في

ص: 47


1- مناقب آل أبي طالب 1 : 223.
2- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 46 47.
3- تهذيب الأحكام 6 : 2 / ب 1.
4- الدروس 2 : 6.
5- كشف الغمّة 1 : 16 ، روضة الواعظين 1 : 71.
6- الكافي 1 : 439.
7- تفسير العيّاشي 1 : 224 / 152 ، بحار الأنوار 22 : 516.
8- روضة الواعظين : 223.
9- بحار الأنوار 22 : 516 / 23 ، وهو نقلاً عن العياشي الذي يظهر أن نسخة البحار منه كذلك ، أما النسخة التي في أيدينا منه ، ففيه : «فسم قبل الموت ، إنهما سقتاه» كما سيأتي في الصفحة التالية.

الذراع المشويّ) (1). فإنه ظاهر السقوط ، فإنّ اللّه أظهر بمنع ذلك السمّ عن مقتضى طبعه ، ومنعه عن التأثير في نبيّه ومن أكل منه بأمره معجزة عظيمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبرهاناً على صدق رسالته ، فكيف يعمل فيه حتّى يقتله؟ ما هذا إلّا تنافٍ. وممّا يدلّك على أن الرسول صلى اللّه عليه وآله ما مات به ، وأن ذلك السمّ لم يبقَ له قوّة ولا تأثير أصلاً أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يضرّه ذلك السمّ أصلاً ولا مات به إجماعاً. فلو كان ذلك السم أثّر في النبي صلى اللّه عليه وآله لأثّر في أمير المؤمنين عليه السلام بطريق أولى ، فكيف يؤثّر في الرسول صلى اللّه عليه وآله ولا يؤثر في أمير المؤمنين عليه السلام ، وإنّما منع أثره في أمير المؤمنين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فكيف يمنعه عن التأثير في أمير المؤمنين عليه السلام ولا يقدر أن يمنعه عن نفسه؟ والأمير عليه السلام إنّما احتجب عن ذلك السمّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكنّه كما في خبر العياشيّ إنّهما سقتاه (2) السم.

ص: 48


1- بحار الأنوار 22 : 516.
2- تفسير العيّاشي 1 : 224 / 152 ، وليس فيه لفظ : «السم» ، انظر الصفحة السابقة.

الفصل الثاني : في مولد أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين علي بن أبي طالب سلام اللّه عليه ووفاته

اشارة

الفصل الثاني : في مولد أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين علي بن أبي طالب سلام اللّه عليه ووفاته (1)

ميلاده المبارك

ولد سلام اللّه عليه بعد عام الفيل بثلاثين سنة وللنبيّ صلى اللّه عليه وآله ثلاثون سنة على الأشهر الأظهر ، بل لا يبعد أنه إجماع في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب الحرام على الأشهر بين علمائنا في جوف الكعبة نصاً (2) وإجماعاً من الفرقة ، بل الظاهر أنه إجماع المسلمين فضيلة خصّه اللّه بها من جميع البشر تكرمة لنبيّه صلى اللّه عليه وآله. ولكن روى الشيخ في (المصباح) عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد سلام اللّه عليه قال ولد أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الأحد لسبع خلون من شعبان (3). والظاهر أن طريق الشيخ إلى صفوان صحيح ، وظاهر بعض أكابر المعاصرين العمل بظاهرها.

قال الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني : (ولد عليه السلام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب داخل الكعبة فوق الرخامة الحمراء بعد مولد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بثلاثين سنة ،

ص: 49


1- كلمة (ووفاته) ليست في المخطوط.
2- علل الشرائع 1 : 164 / 3 ، معاني الأخبار : 62 / 10 ، تهذيب الأحكام 6 : 19 / ب 6 ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 159 ، بحار الأنوار 35 : 8.
3- مصباح المتهجّد : 782 ، بحار الأنوار 35 : 7 / 7.

وعليه اعتمد الشيخ في (التهذيب) (1). وعلي بن عيسى الإربليّ (2) لم يذكره سواه ، وهو ظاهر الشهيد رضي اللّه عنه في (الدروس) (3).

والأصحّ عندي أنه عليه السلام ولد يوم الأحد سابع شعبان ، والرواية به صحيحة ؛ لأنّ الشيخ رواها في (المصباح) (4) عن صفوان بن مهران ، وطريقه إليه صحيح ، وهو ثقة جليل.

والرواية الاولى ليست بصحيحة الإسناد ، بل ولا حسنة ولا موثّقة ، بل غير مسندة. ويؤيّد ما قلناه الدعاء المروي عن صاحب الأمر عليه السلام ، فإنّه قال فيه أسألك بحقّ المولودَينِ في رجب : محمّد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمّد المنتجب (5) ، فإنه صريح أو كالصريح في أنه عليه السلام لم يتولّد في رجب ؛ إذ لا يحسن تركه عليه السلام وذكر الإمامين العظيمين وهو أفضل منهما وأعظم ، كما لا يخفى) ، انتهى.

وأقول : الداعي بهذا الدعاء عجّل اللّه فرجه من الذين وقفوا على مواليد الخلق واستُودعوا أسرار الحقّ ، فأمكن أن يؤذن له بالإعلان بالتوسّل بالإمامين خاصّة ، فما في ذلك الدعاء لسرّ ومناسبة هو أعلم بها ، وإلّا لم يحسن التوسّل بأحد منهم بالخصوص في أمر مخصوص بدون التوسّل بسيّد الكلّ محمَّد صلى اللّه عليه وآله. وقد ورد عنهم عليهم السلام في موارد كثيرة كأدعية الساعات والأيّام وغيرها التوسّل بفرد خاصّ دون غيره منهم. وقد روي عنهم التصريح بالأمر بالتوسّل بكلّ واحد منهم على حدَته في أمر مخصوص ، فتتبّع.

فليس فيما ذكره دلالة بوجه ، وتعليله عليل جدّاً ، بل تركه من مثله هو المناسب ، واللّه العالم. بل ما ورد من أن مولد الباقر عليه السلام في غرّة رجب (6) تضمّن ما ينافي هذا الاستدلال ، وربّما قيل : إنه ولد في الثاني والعشرين من رجب. وهما ضعيفان ؛ لندور

ص: 50


1- تهذيب الأحكام 6 : 19 / ب 6.
2- كشف الغمّة 1 : 60.
3- الدروس 2 : 6.
4- مصباح المتهجّد : 782.
5- مصباح المتهجّد : 741 (حجري).
6- مصباح المتهجّد : 737 (حجري) ، إعلام الورى بأعلام الهدى : 259 ، بحار الأنوار 46 : 212 / 1.

القائل بهما بل وشذوذه ، ولم نقف للأخير على مستند.

تنبيه :

إن قيل : مولد المعصوم خصوصاً سيّد الخلق بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا يكون إلّا في غاية مراتب السعود ، والأيام المعروفة في زماننا بالكوامل وهي الثالث من كلّ شهر ، والخامس ، والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون ، والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون قد ثبت بالنصّ والإجماع أنّها أيام منحوسة فكيف يكون مولد المعصوم فيها ، وذلك بظاهره يقتضي اجتماع الضدين أو النقيضين؟

فالجواب من وجوه :

أحدها : أن نحوس تلك الأيّام داء أو سمّ ، ومولد المعصوم فيه دواء مانع له عن مقتضى طبعه ، وكان ذلك لطفاً من اللطيف الرحيم بالضعفاء ، ومن لا يعلم النحس من السعد ، والغافل والمضطرّ. فبميلاد المعصوم فيه تنكسر سورته وتضعف شدّتهُ ، بل تخرج عن مقتضى أصل طبيعته إلى طبيعة أخرى ، فيكون ذا جهتين :

فبجهة نحسه يعمل في المعاند والمعادي للأيّام ومن ضعف إيمانه بسرّ آل محمّد وعلانيتهم صلّى اللّه عليه وعليهم فإن الإيمان بذلك جنة واقية من نحوس الأيّام وشرور الأنام وغير الأنام بقدر قوّته ويقين صاحبه ، فهو سعد لا نحس فيه.

وبجهة ما مازجها من سعد الميلاد الأشرف تنقمع طبيعتها ، وتمتنع عن العمل بمقتضاها عمّن ليس كذلك ، فقد ألقى الجليل الخليل في النار فكانت برداً وسلاماً ، وضرب الكليم العظيم بعصاه البحر فكان يَبساً ، فعلى هذا يسري ضعف نحوس باقي الأيّام السبعة التي لم يولد فيها المعصوم ، وتنكسر طبيعتها في الأيّام التي ولد فيها منها بجهد المناوعة أو المصانفة أو المجانسة أو الجهات الثلاث.

إلّا إن التعديل والتغيّر وقع في اليوم الذي ولد فيه المعصوم أوّلاً وبالذات ، وفيما سواه ثانياً وبالعرض ، فهو أشدّ نحساً ممّا ولد فيه معصوم منها. فبركة ولادته لا تحصى حتّى ورد عن أهل العصمة أن الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد فيها

ص: 51

كافر (1). إلّا إن هذه جزئيّة مع إمكان كلّيّتها ، وإن كان بحسب الظاهر بعيداً. وقد استفاض أن الليلة التي ولد فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حُجبت [فيها] الشياطين عن جميع السماوات ، ومنعوا من اختراق السمع ، ورموا بالشهب (2) ، وغير ذلك من بركة تلك الليلة التي عمّت بركتها العالمين.

الثاني : أن تكون الليلة التي يولد فيها المعصوم من السبع بخصوصها وجزئيّتها ينمحق نحسها كما تنطفي نار الشيطان عند التفات المعصوم إليه وتخمد ، بل جهنم الكبرى جازوها وهي خامدة ، وأكلوا السموم الشديدة فلم تؤثّر ، وضربوا بالسيوف فنبتْ ، وأُلقي إبراهيم عليه السلام في النار فكانت برداً ، إلى غير ذلك ممّا دلّ على قاهريّتهم للطبائع والأكوان. وعلى هذا يكون سرّ ولادته في يوم منحوس ظهورَ تلك القاهريّة والسلطنة الربّانيّة ، وأنه نور يضي ء به كلّ مظلم ، وينمحق به كلّ ظلام وشرّ.

الثالث : أن يكون اليوم الذي يولد فيه من السبعة ظاهره نحس وباطنه سعد ، خصوصاً بالنسبة إلى الوليّ ، فإنّ قبول الولاية لغموض دليله وكونه مظهر ولاية اللّه العظمى لا تقبلها أكثر النفوس ، لأنه أمر لجميع النفوس بالسكون والتسليم ، وقد جبلت على الحركة ، فذلك بلواها ومحكّها ، فهي وما نسب لها تعدّه أكثرُ النفوس نحساً وهي سعد. فظاهرها نحس وباطنها سعد مؤبّد ؛ ولذا ورد أن زحل نجم علي عليه السلام (3) ، وورد أن ظاهره نحس وباطنه سعد ، واللّه العالم بحقائق أوليائه.

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : (ولد عليه السلام بمكّة في بيت اللّه الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل. ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللّه تعالى سواه إكراماً له من اللّه تعالى بذلك .. وكان مقامه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد البعثة ثلاثاً و [عشرين (4)] سنة ، منها ثلاث [عشرة (5)] بمكّة قبل الهجرة ، وعشر سنين

ص: 52


1- بحار الأنوار 51 : 28.
2- بحار الأنوار 15 : 257 262 / 9 ، 11 ، 12.
3- الاحتجاج 2 : 252 / 224 ، بحار الأنوار 55 : 219 / 1 ، 270 ، 56 : 113.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : (ثلاثين).
5- من المصدر ، وفي المخطوط : (وعشرون).

بعد الهجرة بالمدينة. عاش أمير المؤمنين سلام اللّه عليه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ثلاثاً وثلاثين سنة عرفيّة ، وبعده ثلاثين سنة عرفيّة .. وضربه ابن ملجم لعنه اللّه وجميع خلقه ليلة الجمعة التاسعة عشرة من شهر رمضان المعظّم بسيف مسموم) (1).

وهي من ليالي القدر الثلاث ، وفيها تكتب الأرزاق ، وتنزل صكاك الحاجّ ، وتكتب الآجال ، لكن لله فيها البداء.

وانتقل إلى جوار اللّه ليلة الأحد الحادية والعشرين منه وهي أحد ليالي القدر أيضاً ، وفيها يمحو اللّه ما يشاء ويثبت ما نزل في التاسعة عشرة فيقدّر فيها ما يشاء. وفيها كان الإسراء برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وفيها قبض موسى بن عمران ، وفيها قبض يوشع ابن نون ، ورفع عيسى ، سلام اللّه عليهم أجمعين (2).

ومال بعض المعاصرين إلى أن وفاته كانت [في] الليلة الثالثة والعشرين (3). وهو محجوج بالنصّ (4) والإجماع قولاً وعملاً في سائر الأزمان والأصقاع ، فدليله شاذّ محمول على التقيّة ؛ لأنه قول بعض العامّة.

وفي (التهذيب) أنه مات ليلة الجمعة (5) ، فيكون ليلة ضربه ابن ملجم لعنه اللّه الأربعاء ، وهذا أظهر وأوفق ؛ لأنه ولد يوم الجمعة فيتطابق البدء والعود ، أو قل : البدءان ، والأوّل أوفق بنسبة يوم الأحد من الأُسبوع له ، واللّه العالم.

شهادته عليه السلام

قال الشيخ عبد اللّه بن صالح البحرانيّ : (ضُرب عليه السلام ليلة تسع عشرة من شهر رمضان عند الفجر [سنة] أربعين من الهجرة ، ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أُمّ رأسه في محرابه بمسجد الكوفة ، وقبض ليلة الجمعة الحادية والعشرين منه ،

ص: 53


1- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) : 11 / 1 : 5 ، 6 ، 9.
2- انظر تهذيب الأحكام 1 : 114 / 301.
3- لم نجده عند من عاصر المصنّف رحمه اللّه ، انظر العدد القويّة : 235.
4- بحار الأنوار 42 : 213 / 13.
5- تهذيب الأحكام 6 : 19 / ب 16.

وهي التي قبض فيها يوشع وصيّ موسى بن عمران عليهما السلام (1) ، كما رواه زرارة بسند معتبر عن أحدهما عليهما السلام. هذا هو الصحيح من الأقوال في اليومين.

وقيل : ضرب ليلة سبع عشرة (2) ، وقيل : ليلة إحدى وعشرين (3) ، وقيل : [في الليلة الثالثة والعشرين (4) ، والمعتمد ما ذكرناه) ، انتهى.

قلت : الظاهر أن هذه الأقوال غير المختارة كلّها من أقوال العامّة كما يُشهد به السبر.

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : (كانت وفاة أمير المؤمنين عليه السلام ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، ضربه ابن ملجم على أُمّ رأسه بالسيف ، وكان مسموماً ، فمكث يوم تسعة عشر ، وليلة عشرين ويومها ، وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث من الليل ، ثمّ قضى نحبه شهيداً. وتولّى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين عليهما السلام ودفناه بالغريّ من نجف الكوفة) (5).

بقي الكلام فيما رواه الكلينيّ في باب النصّ على الأئمّة الاثني عشر عن أبي الطفيل من حديث الهاروني أن أمير المؤمنين عليه السلام لمّا سأله الهاروني : كم يعيش وصيّ محمّد من بعده؟ قال عليه السلام يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً (6) من الإشكال البيّن حيث إن أقوال أصحابنا في وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله منحصرة كما عرفت في قولي : الكليني على أنها ثاني عشر ربيع الأوّل ، والمشهور على أنها ثامن وعشرين صفر. ووفاة أمير المؤمنين عليه السلام في الحادي والعشرين من شهر اللّه المعظّم شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة اتفاقاً كما قال المجلسيّ في شرح الأُصول : ([وعلى أيّ تقدير ، تكون المدّة التي بينه صلى اللّه عليه وآله وبين وفاة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه الواقعة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة -

ص: 54


1- انظر تهذيب الأحكام 1 : 114 / 301.
2- مطالب السؤول : 182 ، كشف الغمّة 2 : 63.
3- كشف الغمّة 2 : 63.
4- مطالب السؤول : 173 ، كشف الغمّة 2 : 63.
5- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 1 : 9 10.
6- الكافي 1 : 529 530 / 5.

اتفاقاً ناقصة عن ثلاثين سنة قمرية بأكثر من خمسة أشهر (1)] فضلاً عن الشمسية ؛ لزيادتها على القمرية بقريب من أحد عشر يوماً) (2) ، انتهى.

قال المجلسي : (ويمكن الجواب بأن المراد ب ثلاثين سنة : السنون القمريّة ، والمدّة المذكورة وإن كانت ناقصة عنها بحسب الحقيقة لكنها تامّة بحسب العرف ؛ لأن عرف أهل الحساب أنهم يسقطون الأقلّ من النصف ويتمّمون الزائد عليه. فكلّ ما بين تسعة وعشرين ونصف ، وبين ثلاثين ونصف من جملة مصداقاته العرفية فلا يكون شي ء منها زائداً على ثلاثين سنة عرفية ، ولا ناقصاً عنه أصلاً. وإنّما يحكم بالزيادة والنقصان إذا كان خارجاً عن الحدّين وليس فليس. فضميرا لا يزيد ولا ينقص على ذلك إمّا راجعان إلى ثلاثين سنة أو إلى الوصيّ ، نظير قوله تعالى ( لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) (3).

ويمكن أن يقال : إن المراد عدم الزيادة والنقصان في قدر ما قدّره اللّه تعالى من تلك المصداقات ؛ لكونه أمراً محتوماً لا يجري فيه [البداء (4)] والمحو والإثبات ، فيمكن أن يكون الضميران راجعين حينئذٍ إلى اللّه تعالى. وبعبارة اخرى : ال ثلاثون مبنيّ على التخمين والتقريب كما عرفت. وقوله لا يزيد استئناف لبيان أن الموعد الذي وعد عليه السلام لا يتخلّف ، ويعلمه بحيث لا يزيد ولا ينقص يوماً.

وقرأ بعض الفضلاء الفعلين بصيغة الخطاب من بناء المتعدّي ، وقال : (المقصود : أنك رأيت ثلاثين سنة في كتاب هارون ، فتتوهّم أنه لا كسر فيها وليس كذلك ، بل هو مبنيّ على إتمام الكسر ، فإن بين الوفاتين تسعاً وعشرين سنة وستة أشهر وأحد عشر يوماً) ..).

ثمّ قال : (ويحتمل كون الفعلين من الغائب المجرد ، وكون الضميرين لكتاب

ص: 55


1- من المصدر ، وفي المخطوط : (فبين الوفاتين أكثر من خمسة أشهر قمرية. قال المجلسي).
2- مرآة العقول 6 : 220.
3- الأعراف : 34.
4- في المخطوط : (البدء).

هارون ، لكن الأنسب حينئذٍ الماضي ، والأظهر أحد ما ذكرنا من الوجهين) ..) (1). إلى هنا كلام المجلسي قدس سره في حاشية (أُصول الكافي).

وأقول واللّه المستعان - : لا يخفى بُعدُ ما ذكره في الغاية :

أمّا أولاً ، فقوله : (المراد : السنون القمرية وأنّها تامّة بحسب العرف) ، إنْ أراد عرف أهل الحساب كما هو ظاهر سياق كلامه فممنوع ؛ لأنّ إلغاء الكسر عندهم لم يعهد في عداد السنين ، بل ذلك في عداد الدقائق بالنسبة إلى الساعات وفي عداد الأيام بالنسبة إلى الشهور خاصة كما يظهر بالتتبّع ، أمّا السنون بالنسبة إلى الشهور خصوصاً مثل هذا الكسر الكثير الفاحش - [فممنوع] ، وإن أراد عرف اللغة فمنعه أظهر.

على أن قوله عليه السلام لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً يدفع هذا الاحتمال ؛ إذ لو بناه على العرف لما قيّده بذلك ؛ لظهور منافاته له.

وأمّا ثانياً ، فلأنّ إمكان عدم الزيادة والنقصان فيما قدّره اللّه للإمام من الأجل المحتوم فظاهرٌ أنه لا يطابق السؤال ، بل ليس فيه جواب للسائل المستدلّ على إمامته بمطابقة ما عنده لجوابه أصلاً ، مع أن قوله عليه السلام لا يزيد يوماً إلى آخره نصّ في نفي كونه مبنيّاً على التخمين والتقريب ، على أن التخمين لا ينطق عنه من لا ينطق عن الهوى. وكون لا يزيد ولا ينقص استئنافاً يخالف ظاهر الحديث ، وليس فيه قرينة تدلّ عليه ، ولا حرف إضراب. هذا ، مع أنه على هذا فيه نوع إلباس على السائل المسترشد ، وليس في كلام المعصوم إلباس ولا ظنّ ولا تخمين ولا مجازفة ولا مماشاة ، فإنّ في الحقّ سعةً وغنى عن الباطل. بل صريح الحديث أن لا تزيد ولا تنقص صفة لثلاثين.

وما نقله عن بعض الفضلاء مثله في الضعف ؛ إذ ليس في الحديث إشعار به بوجه أصلاً ، بل هو أبعد عن لفظه (2) ممّا بين المشرقين. وإنّما غرض السائل أن يستعلم هل أمير المؤمنين عليه السلام يعلم ما في (التوراة) من ذلك أم لا؟ فالجواب لا يكون إلّا طبق

ص: 56


1- مرآة العقول 6 : 220 221.
2- بأبعد. (هامش المخطوط).

السؤال فلا يحتمل غيره ، مع أن ما بناه على إرادة إكمال المنكسرة بمثل تلك المدّة. وتسميتها سنة فيه ما عرفت.

ويمكن أن يقال : إن صورة ما في (التوراة) أن وصيّ محمَّد صلى اللّه عليه وآله يعيش بعده ثلاثين سنة لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً ، فأخبره بطبق ما علم من حكم (التوراة) ؛ وبذلك صدّقه وآمن به. وكان ما في (التوراة) ممّا لله فيه البداء ثمّ بدا له عزّ اسمه في إنقاصها عقوبة لأهل زمانه أو غير ذلك من الحكم ، فلا منافاة بين إخباره بأنّ في (التوراة) كذا وبين ما وقع من النقص بسرّ البداء. ويمكن أن يريد بها : سنين غيبيّة عددها ثلاثون لا تزيد ولا تنقص ، ويمكن أنه أراد : أن وصيّه يعيش بعده ثلاثين سنة في أحد كرّاته ورجعاته من سنيّ ذلك المقام لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً من أيام ذلك المقام. واللّه العالم بمقاصد أوليائه.

ص: 57

ص: 58

الفصل الثالث : في ميلاد البضعة الطاهرة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام ووفاتها

قال الكلينيّ رحمه اللّه : (ولدت فاطمة عليها السلام بعد مبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بخمس سنين ، وتوفّيت عليها السلام ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً ، بقيت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً) (1) ، انتهى.

وأقول : ظاهر هذه العبارة غريب نادر شاذّ ، بل لم نعلم قائلاً بمقتضاه ؛ لأنه يقتضي أن مولد الزهراء عليها السلام كان يوم الثامن والعشرين من صفر ؛ لأنه حكم بأن لها من العمر ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعين يوماً ، وبقيت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً ، فتكون الخمسة والسبعون التي بقيتها بعد أبيها هي الخمسة والسبعين الزائدة على الثماني عشرة السنة. وهذا بظاهره لم يقل به أحد. ولعلّه أراد التعبير بما رواه هو رحمه اللّه عن حبيب السجستانيّ قال : سمعت أبا جعفر يقول ولدت فاطمة بنت محمَّد صلى اللّه عليه وآله بعد مبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بخمس سنين ، وتوفّيت ولها ثماني عشرة سنة ، وخمسة وسبعون يوماً (2) ، وغلط قلمه أو الناسخ بما سمعت. ولكن الحديث ليس فيه أنها توفّيت بعد أبيها بخمسة وسبعين يوماً ، فلا إشكال. ولما قلناه لم يزد المجلسي في شرح هذه العبارة

ص: 59


1- الكافي 1 : 458.
2- الكافي 1 : 457 / 10.

على أن قال : (هذا موافق لرواية السجستاني) (1).

ثمّ أخذ في ذكر الخلاف في موتها ومولدها ومدّة عمرها ، وقد غفل عمّا قلناه ، فإنّ الرواية إنّما تدلّ على بعض العبارة دون بعض. ومقتضى العبارة العمل بحديث السجستانيّ وما دلّ من الأخبار على أنها عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً ، وفيه ما عرفت. والعمل بهما يستلزم العمل بما لم يقل به أحد من الخاصّة والعامّة من أن يوم مولدها العميم البركة [الثامن والعشرين من (2)] صفر. وإنّما يجتمع خبر السجستانيّ مع بعض ما دلّ على أن موتها بعد أبيها بأكثر من خمسة وسبعين يوماً أو أقلّ.

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (الأظهر في روايات أصحابنا أنّها ولدت سنة خمس من المبعث بمكّة في العشرين من جمادى الآخرة ، وقبض النبيّ صلى اللّه عليه وآله ولها ثماني عشرة سنة ، وسبعة أشهر. وعن جابر بن يزيد قال : سئل الباقر عليه السلام : كم عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ قال أربعة أشهر ، وتوفّيت ولها ثلاث وعشرون سنة.

وهذا قريب ممّا روته العامة أنّها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فيكون بعد المبعث بسنة) (3) ، انتهى.

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (ولدت بمكّة بعد المبعث بخمس سنين كما ذكره الكلينيّ (4) ، والشهيد في (الدروس) (5) ، وقيل : بعد المبعث بسنتين (6) ، وفي روايات العامة بعد المبعث بخمس سنين باليوم العشرين من جمادى الآخرة كما اعتمده الشيخ في (المصباح) (7) والمجلسيّ في (زاد المعاد) (8) وذكر أنه رواه الشيخ الجليل محمّد بن جرير الطبريّ في (دلائل الإمامة) (9) بسند معتبر عن الصادق عليه السلام) ، انتهى.

وقال الشيخ رحمه اللّه في (المصباح) : (جمادى الآخرة. الثالث فيه كانت وفاة فاطمة

ص: 60


1- مرآة العقول 5 : 312.
2- في المخطوط : (ثامن وعشرون).
3- إعلام الورى بأعلام الهدى : 154.
4- الكافي 1 : 458.
5- الدروس 2 : 6.
6- مصباح المتهجّد : 733 (حجريّ).
7- مصباح المتهجد : 733.
8- زاد المعاد : 456 (حجري فارسيّ).
9- دلائل الإمامة : 143 / 43 44.

بنت محمَّد صلى اللّه عليه وآله سنة إحدى عشرة. وفي اليوم العشرين منه سنة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمة عليها السلام في بعض الروايات ، وفيه رواية أُخرى سنة خمس من المبعث. والعامّة يروون أن مولدها قبل المبعث بخمس سنين) (1) ، انتهى.

وقال الشيخ المفيد رحمه اللّه في (مسارّ الشيعة) : (في اليوم العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين من المبعث كان مولد السيّدة الزهراء فاطمة عليها السلام ، وفي اليوم الثالث منه سنة إحدى عشرة من الهجرة كانت وفاتها) (2) ، انتهى.

وروى ابن جرير الطبريّ الإمامي في (تاريخه) بسنده عن محمّد بن همّام بن سهيل قال : روى أحمد بن محمّد البرقي عن أحمد بن محمّد الأشعري ، وساق السند إلى أبي بصير عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد صلّى اللّه عليهما وآلهما قال ولدت فاطمة في جمادى الآخرة يوم العشرين منه سنة خمس وأربعين من مولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله. وأقامت بمكة ثماني سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوماً وقبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة (3).

إلى أن قال ابن همام : (روي أنّها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة ، وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة وخمسة وثمانين يوماً بعد وفاة أبيها ، وغسّلها أمير المؤمنين عليه السلام) (4) ، انتهى.

قلت : الحديث الأول يدلّ على ما قاله المفيد من يوم وفاتها ، والظاهر أن آخر الحديث قوله عليه السلام سنة خمس وأربعين من مولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأن قوله : (وأقامت بمكّة) إلى آخره من كلام ابن همّام ؛ إذ لا يعقل أنها ماتت بعد أبيها بخمسة وسبعين يوماً مع أن موتها يوم الثالث من جمادى الآخرة ، فكأن ابن همام بعد نقل الرواية أفتى بخلاف

ص: 61


1- مصباح المتهجّد : 733 (حجريّ).
2- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 54 ، (بتقديم الوفاة على الولادة).
3- دلائل الإمامة : 134.
4- دلائل الإمامة : 134 ، 136.

مضمونها عملاً بروايات الخمسة والسبعين. ولا غرو ، فظاهر شرح المجلسيّ على (الأُصول) (1) أن آخر الرواية قوله : (سنة إحدى عشرة من الهجرة) ، حيث قال : (وروى الطبريّ ..) وساق الكلام إلى هنا ، ولم يتكلّم عليها بشي ء ، وهو مشكل كما ترى. وأظنّه غفل عن الإشكال ، وهو ما فيها على هذا من التمانع والتدافع ، واللّه العالم.

وفي شكل الكفعميّ في مصباحه أنها عليها السلام ولدت في مكّة في يوم الجمعة العشرين من جمادى [الآخرة (2)] بعد المبعث بخمس سنين وتوفّيت يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وعمرها ثماني عشرة سنة مُسقطةً شهيدة بالمدينة ، وقبرها في الروضة (3). انتهى.

وقال البهائيّ رحمه اللّه تعالى - : (إن مولدها الشريف في العشرين من شهر جمادى الآخرة بعد المبعث بخمس سنين ، ووفاتها سلام اللّه عليها في اليوم الثالث منه).

ونقل المجلسيّ عن الإربليّ في (كشف الغمّة) (4) أنه قال : (ذكر ابن الخشّاب عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمّد بن علي سلام اللّه عليهما قال ولدت فاطمة بعد ما أظهر اللّه نبوّة نبيّه ، وأنزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبنى البيت ، وتوفّيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً.

وفي رواية صدقة. (ثماني عشرة سنة وشهر وخمسة عشر يوماً)

وكان عمرها مع أبيها صلى اللّه عليه وآله بمكّة ثماني سنين وهاجرت إلى المدينة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأقامت معه عشر سنين ، وكان عمرها ثماني عشرة سنة وشهر وعشرة أيّام) (5) ، انتهى.

ص: 62


1- مرآة العقول 5 : 313.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : (الأول).
3- المصباح : 690 ، وفيه : (بعد البيعة) بدل : (بعد المبعث).
4- كشف الغمّة 2 : 76 77 ، وليس فيه : (وشهر وعشرة أيّام).
5- مرآة العقول 5 : 313.

قال المجلسيّ : وروى في كتاب (مصباح الأنوار) عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام : (إن فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عاشت بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ستّة أشهر وما رؤيت ضاحكة) (1).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (اختلفت الأقوال في يوم وفاتها اختلافاً كثيراً فقيل : إنها عاشت بعد أبيها أربعين يوماً فيكون الثامن من شهر ربيع الثاني. وقيل : عاشت بعد أبيها خمسة وتسعين يوماً ، فيكون الثالث من جمادى الآخرة ، وعليه اعتمد الشيخ في (المصباح) (2) وابن طاوس (3).

قال المجلسيّ : (وهو المشهور بين علمائنا ، وبه روايات معتبرة. وقول الشهيد في (الدروس) : (عاشت بعده نحواً من مائة يوم) (4) ، قريب من هذا) (5).

وقيل : عاشت بعده ستة أشهر (6). وهذا أقرب إلى قول العامّة (7) ، بل هو من أقوالهم. والصحيح أنّها عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً كما رواه في (الكافي) (8) بسند صحيح عن الصادق عليه السلام ، فيكون الثالث عشر من جمادى الاولى.

وقال في (الدروس) : (ولدت فاطمة عليها السلام بعد المبعث بخمس سنين وقبضت بعد أبيها صلى اللّه عليه وآله بنحو مائة يوم) (9)) ، انتهى (10).

قال المجلسيّ بعد أن نقل خلاف الخاصّة والعامّة في مولدها وموتها - : (إذا عرفت هذه الأقوال فاعلم أنه يشكل التطبيق بين أكثر تواريخ ولادتها ووفاتها وبين مدّة عمرها الشريف ، وكذا بين تواريخ الوفاة وبين ما ورد في الخبر ، واختاره المصنّف من أنها عليها السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً ؛ إذ لو كانت وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله في الثامن والعشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى

ص: 63


1- مرآة العقول 5 : 313.
2- مصباح المتهجّد : 733.
3- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 161.
4- الدروس 2 : 6.
5- مرآة العقول 5 : 314.
6- مرآة العقول 5 : 314.
7- الطبقات الكبرى 8 : 23.
8- الكافي 1 : 458.
9- الدروس : 2 : 6.
10- أي كلام الشيخ عبد اللّه بن صالح.

الاولى ، ولو كان في ثاني عشر ربيع الأوّل كما اختاره العامّة (1) كان وفاتها في أواخر جمادى الاولى. وما رواه أبو الفرج عن الباقر عليه السلام من كون مكثها عليها السلام بعده صلى اللّه عليه وآله ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة بأن يكون عليه السلام أسقط الزائد كما هو الشائع من إسقاط الأقلّ من النصف ، وعدّ الأكثر منه تامّاً) (2).

وفي هذا الكلام الأخير ما مرّ.

وبالجملة ، فالمشهور رواية وفتوى من الخاصّة والعامّة في عام مولدها أنه السنة الخامسة من البعثة صلّى اللّه على المبعوث وآله وسلم وفي [المشهور] (3) بين أصحابنا أنه جمادى الآخرة ، وفي يومه من الشهر أنه العشرون من جمادى الآخرة ، ومن الأُسبوع أنه الجمعة. واتّفقت الأُمّة على أنها توفّيت عام وفاة أبيها صلى اللّه عليه وآله. والمشهور بين أصحابنا أن موتها في الثالث من جمادى الآخرة. ولكن الرواية من الخاصّة والعامّة عن أهل البيت بأنها سلام اللّه عليها عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً أكثر وأصحّ سنداً ، وعمل بها جمع من المعاصرين ومن متأخّري المتأخّرين ، ولعلّ العمل بها أرجح.

واختار شيخنا وأُستاذنا أفاض اللّه عليه سبحات أنواره أنّها عاشت بعد أبيها أربعين يوماً ، وله مرجّحات عقليّة. فعلى الأرجح أنّها ماتت ثالث عشر جمادى الاولى ، وعلى مختار شيخنا ثامن ربيع الثاني ، وأن قبرها في بيتها. ويمكن التطبيق بينها وبين ما ورد أنه في الروضة ، فإنّ بيتها من رياض الجنّة ، وما ورد أنه جدّد قبوراً بالبقيع لا ينافيه لما هو معلوم من سبب ذلك.

وقال ابن طاوس في (الإقبال) : (روينا عن جماعة من أصحابنا ذكرناهم في كتاب (التعريف) أن وفاة فاطمة عليها السلام كانت يوم ثالث جمادى الآخرة .. فتزار عند

ص: 64


1- الطبقات الكبرى 2 : 209.
2- مرآة العقول 5 : 314.
3- في المخطوط : (شهره).

حجرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله. وقد ذكر جامع كتاب (المسائل وأجوبتها) عن الأئمّة فيها ما سئل عنه علي بن محمّد الهادي عليه السلام ما هذا لفظه : أبو الحسن إبراهيم بن محمّد الهمداني قال : كتبت إليه إن رأيت أن تخبرني عن بيت أُمّك فاطمة ، أهي في طيبه ، أو كما يقول الناس في البقيع؟ فكتب عليه السلام هي مع جدّي صلوات اللّه عليه وآله.

قلت أنا : وهذا النصّ كافٍ في أنها مع النبي صلى اللّه عليه وآله) (1) ، انتهى.

لعلّه أراد : ثالث عشر جمادى ، فسقط لفظ عشر من قلم الناسخ ، واللّه العالم بحقيقة الحال.

ص: 65


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 16 161.

ص: 66

الفصل الرابع : في مولد أبي محمّد الحسن ابن عليّ المجتبى سلام اللّه عليه وولادته ووفاته

ميلاده المبارك

أمّا مولده العظيم فالنصّ والإجماع قائمان مستفيضان على أنه كان يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة ، وبه روايتان في تاريخ ابن جرير (1) عن الرضا والعسكري عليهما السلام. وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة) (2). وقال المفيد في إرشاده : (ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة) (3).

وفي مناقب ابن شهرآشوب كما نقله المجلسي (4) - : (ولد عليه السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان عام أُحد سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : سنة اثنتين من الهجرة) (5).

وقال المفيد في (مسارّ الشيعة) : (وفي النصف منه يعني : شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ، كان مولد أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام) (6).

وفي (تاريخ البهائي) : (النصف منه يعني : شهر رمضان كان مولد الحسن السبط).

ص: 67


1- دلائل الإمامة : 158 159 وفيه : (سنة ثلاث).
2- إعلام الورى بأعلام الهدى : 205 / ب 1.
3- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 5.
4- مرآة العقول 5 : 352.
5- مناقب آل أبي طالب 4 : 33.
6- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 24.

وفي شكل الكفعميّ أن مولده الثلاثاء ، النصف من شهر رمضان (1).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (المشهور بين علمائنا أنه عليه السلام ولد بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة ، وقال المفيد : سنة ثلاث).

ثمّ ساق نقل عبارة من أطلق ومن عيّن السنة واليوم ، ثمّ قال : (وبالجملة ، فلا خلاف في أنه في شهر رمضان بحسب ما ظهر إلينا ، ولم يذكر أحد منهم ما ينافي ما ذكر المعيّنون) ، انتهى.

والحاصل أن الأظهر الأشهر أن عام ولادته سنة ثلاث من الهجرة ويومها منتصف شهر رمضان بالإجماع والنصّ ، والأرجح أنه الثلاثاء. بقي الخلاف في أنه سنة ثلاث من الهجرة كما هو الأشهر وعليه دلت الروايات ، أو سنة اثنين منها كما قاله جماعة منهم الكلينيّ ، قال رحمه اللّه : (ولد الحسن بن علي عليهما السلام في شهر رمضان سنة بدر سنة اثنتين بعد الهجرة ، وروى أنه ولد في سنة ثلاث) (2).

وقال الشارح المجلسيّ رحمه اللّه : (قيل : الرواية حكاية لما في الخبر الثاني) (3).

قلت : يعني : ما رواه الكلينيّ بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قبض الحسن بن علي عليه السلام وهو ابن سبع وأربعين سنة في عام خمسين (4). عاش بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أربعين سنة (5). وهي صريحة في ذلك ، فلا وجه لتمريضه بنسبته إلى ال - (قيل).

على أنه في كلام عليها بعد أن حكم بصحّتها قال : (وهي تدلّ على أن مولده كان في سنة ثلاث من الهجرة).

ثمّ قال رحمه اللّه : (والتحقيق أنه لا منافاة بين تاريخي الولادة ؛ لأنّ كلّاً منها مبنيّ على اصطلاح في مبدأ التاريخ الهجريّ غير الاصطلاح الذي عليه الآخر ، فمبنى كلام المصنّف على أن مبدأ التاريخ ربيع الأوّل ؛ لوقوع الهجرة فيه. والرواية مبنيّة على أن

ص: 68


1- المصباح : 690.
2- الكافي 1 : 461.
3- مرآة العقول 5 : 350.
4- في المخطوط بعدها : «سنة».
5- الكافي 1 : 461 / 2.

مبدأه شهر رمضان السابق عليه) (1).

وهو جمع حسن. وقد تقدّم بيان الاصطلاحات المشار إليها في المقدّمة ، فتدبّر.

وفاته عليه السلام

وأمّا وفاته عليه سلام اللّه فقال المفيد في إرشاده : إن معاوية دسّ إلى زوجته جعدة بنت الأشعث وأرسل إليها مائة ألف درهم ، ووعدها [أن] يزوّجها بيزيد ، فسقته السمّ ، فبقي أربعين يوماً ، ومضى لسبيله في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة ، وله ثمانٍ وأربعون سنة. وتولّى أخوه ووصيّه الحسين عليه السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد بالبقيع (2). انتهى.

وقال في (مسارّ الشيعة) : (كان وفاة أبي محمّد الحسن بن علي بن أبي طالب لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة) (3) ، انتهى.

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (مضى الحسن بن علي سلام اللّه عليهما لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبع وأربعون سنة وأشهر مسموماً ، سمّته جعدة بنت الأشعث بن قيس. وكان معاوية قد دسّ إليها من حملها على ذلك وضمن لها أن يزوّجها من ابنه يزيد ، وأوصل إليها مائة ألف درهم ، فسقته السمّ وبقي عليه السلام أربعين يوماً ، وتولّى الحسين عليه السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بالبقيع) (4) ، انتهى.

وفيما رواه ابن جرير الإماميّ في تاريخه من حديث مواليد الأئمّة و [وفياتهم] (5) بطريقين : أحدهما عن الرضا (6) ، والآخر عن أبي محمّد الحسن بن عليّ الحادي عشر عليه السلام (7) [أنه] كان مقامه عليه السلام يعني : الحسن الزكيّ عليه السلام مع جدّه سبع سنين ، ومع

ص: 69


1- مرآة العقول 5 : 350.
2- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 16 18 ، بالمعنى.
3- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 47.
4- إعلام الورى بأعلام الهدى : 206 ، باختلاف.
5- في المخطوط : (وفاتهم).
6- دلائل الإمامة : 158 159.
7- المصدر نفسه.

أبيه بعد جدّه ثلاثين سنة ، وبعد أبيه عشر سنين ، وصار إلى كرامة اللّه عزوجل ، وقد كمل عمره سبعاً وأربعين سنة ، وقبض في سلخ صفر سنة خمسين من الهجرة.

قال ابن جرير : (وروى سنة اثنتين وخمسين ، ويروى أنه قبض وهو ابن ستّ وأربعين).

ثمّ قال : (رجع الحديث يعني : الأوّل وكان سبب وفاته أن معاوية سمّه سبعين مرّة فلم يعمل فيه السمّ ، فأرسل إلى امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ، وبذل لها عشرين ألف دينار وإقطاعَ عشر ضياع من شعب سورا وسواد الكوفة وضمن لها أن يزوّجها يزيد ابنه ، فسقت الحسن السمّ في برادة ذهب في السويق المقنّد فلما استحكم فيه السم قاء كبده).

إلى أن قال : (وكان مدّة مرضه أربعين يوماً) (1) ، انتهى.

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (قيل : إنه توفّيَ عليه السلام في السابع من صفر سنة تسع وأربعين ، أو سنة خمسين من الهجرة ، وهذا قول الشهيد (2) والكفعميّ (3). والمشهور بين علمائنا أنه عليه السلام توفّيَ في اليوم الثامن والعشرين من صفر ، وعليه الشيخ في (المصباح) (4) ، والمجلسيّ في (زاد المعاد) (5) ، وأبو عليّ الطبرسيّ في (إعلام الورى) (6).

وقال الكليني : في آخر صفر (7). والشيخ في (التهذيب) قال : في صفر (8). وهما لا ينافيان ما ذكروه.

وبالجملة ، فقد وقع الاتّفاق على صفر ، واختلفوا في التعيين ، والأصحّ ما عليه المشهور) ، انتهى.

وقال ابن شهرآشوب في (المناقب) على ما نقله المجلسيّ (9) - : (عاش يعني

ص: 70


1- دلائل الإمامة : 159 162.
2- الدروس 2 : 7 8.
3- المصباح : 690 ، وفيه : أنه سنة (50) للهجرة.
4- مصباح المتهجّد : 732 (حجري).
5- زاد المعاد : 402 (حجريّ فارسيّ).
6- إعلام الورى بأعلام الهدى : 206.
7- الكافي 1 : 461.
8- تهذيب الأحكام 6 : 39 / ب 11.
9- مرآة العقول 5 : 352 ، بحار الأنوار 44 : 134 / 3.

الحسن عليه سلام اللّه مع جدّه سبع سنين وأشهراً ، وقيل ثمانياً ، ومع أبيه ثلاثين سنة ، وبعده تسع سنين ، وقالوا : عشراً. ومات مسموماً بالمدينة لليلتين بقيتا من شهر صفر سنة خمسين من الهجرة ، وقيل : سنة تسع وأربعين وعمره سبع وأربعون سنة وأشهر (1) ، وقيل : ثمانٍ وأربعون (2) وقيل : في سنة تمام خمسين من الهجرة (3).

وكان معاوية بذل لجعدة بنت الأشعث الكندي وهي ابنة أُمّ فروة أُخت أبي بكر عشرة آلاف دينار وإقطاع عشر ضياع من سقي سور أو سواد الكوفة على أن تسمّه) (4) ، انتهى.

قال المجلسيّ : (وروى صاحب (كفاية الأثر) (5) أنه عليه السلام توفّيَ يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة ، وله سبع وأربعون سنة. وروى عن أبي الفرج الأصفهانيّ في (مقاتل الطالبيّين) (6) أنه روى عن الصادق عليه السلام حديثين مسندين : أحدهما أنه مضى وله ثمانٍ وأربعون سنة ، والآخر أنه توفّيَ وله ست وأربعون سنة) (7) ، انتهى.

وقال البهائيّ في تاريخه : (السابع من صفر فيه وفاة الإمام أبي محمّد الحسن السبط عليه السلام ، وذلك في المدينة سنة تسع وأربعين ، وكان عمره عليه السلام سبعاً وأربعين سنة) ، انتهى.

وقال الكليني رحمه اللّه : (مضى يعني : الحسن عليه السلام في شهر صفر في آخره من سنة تسع وأربعين وهو ابن سبع وأربعين سنة) (8) ، انتهى.

ثمّ روى بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قبض الحسن بن علي عليه السلام وهو ابن سبع وأربعين سنة في عام خمسين سنة ، عاش بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أربعين سنة (9).

ص: 71


1- تذكرة الخواصّ : 211.
2- مقاتل الطالبيّين : 50 ، مرآة العقول 5 : 352.
3- تذكرة الخواصّ : 211.
4- مناقب آل أبي طالب 4 : 33 34.
5- كفاية الأثر : 239.
6- مقاتل الطالبيّين : 50.
7- مرآة العقول 5 : 352 ، باختلاف.
8- الكافي 1 : 461.
9- الكافي 1 : 462.

وبسنده عن أبي بكر الحضرمي قال إنّ جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سمّت الحسن بن علي عليه السلام وسمّت مولاة له ، فأمّا الموالاة فقاءت السم ، وأما الحسن فاستمسك في بطنه ثمّ انتقض به فمات (1) ، انتهى.

وقال الشيخ في (التهذيب) في ترجمته : (ولد عليه السلام بالمدينة في شهر رمضان في سنة اثنتين من الهجرة ، وقبض في المدينة مسموماً في صفر سنة تسع وأربعين من الهجرة ، وكان سنّه يومئذ سبعاً وأربعين سنة ، ودفن بالبقيع) (2) ، انتهى.

وقال الشيخ في (المصباح) : (ولليلتين بقيتا منه يعني : صفر سنة عشر من الهجرة كانت وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. وفي مثله من سنة خمسين من الهجرة كانت وفاة أبي محمّد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام) (3) ، انتهى.

وبالجملة ، فالإجماع تحقق على أن شهر وفاته صفر ، والشهرة الأكيدة على أنها الثامن والعشرون منه. هذا بحسب الفتوى ، وجميع ما وقفنا عليه من النصوص يدلّ عليه ، بل لم نجد من النصّ ما يخالفه بوجه. فالظاهر تحقّق الإجماع المشهوري في ذلك ، ولا يضره قول صاحب (الدروس) والكفعمي إن يوم وفاته السابع من صفر وإن اشتهر العمل به في بلدنا بين العوام دون العلماء ؛ إذ لا دليل عليه من نص ولا عقل. ولا منافاة بين القول بأنه عام خمسين وأنه عام تسع وأربعين ، ولا بين القول بأنه ابن سبع وأربعين والقول بأنه ابن ثمانٍ وأربعين ؛ لإمكان الجمع بينها بالعرف العامّ في العام.

ص: 72


1- الكافي 1 : 462.
2- تهذيب الأحكام 3 : 39 / ب 11.
3- مصباح المتهجّد : 732 (حجري).

الفصل الخامس : في ميلاد خامس أهل العباء الحسين الشهيد عليه السلام ووفاته

ميلاده المبارك

قال الكليني : (ولد سنة ثلاث) (1).

وقال الشيخ في (التهذيب) : (ولد آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث) (2).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد يوم الثلاثاء ، وقيل : يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، وقيل : لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة ، وقيل : آخر ربيع الأوّل سنة ثلاث منها. ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن إلّا الحمل ، والحمل ستة أشهر) (3).

قال المجلسيّ : (قال ابن شهرآشوب في (المناقب) : (ولد عام الخندق بالمدينة يوم الخميس ، أو يوم الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوماً) (4).

ص: 73


1- الكافي 1 : 463.
2- تهذيب الأحكام 6 : 41 / ب 15 ، عنه في مرآة العقول 5 : 360.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى : 213 ، عنه في مرآة العقول 5 : 360.
4- مناقب آل أبي طالب 4 : 84.

وقال المفيد في (الإرشاد) : (ولد بالمدينة لخمس خلون من شعبان سنة أربع) (1).

قال الشيخ في (المصباح) : (اليوم الثالث من شعبان. فيه ولد الحسين عليه السلام. خرج إلى القاسم بن [العلاء (2)] الهمداني وكيل أبي محمّد أن مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان) (3).

وروى الحسين بن زيد عن جعفر بن محمَّد عليه السلام قال ولد الحسين بن علي عليهما السلام لخمس ليالٍ خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة (4).

وقال في (الدروس) : (ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان) (5).

وقال الشيخ ابن نما : (قيل : ولد لخمس خلون من جمادى الاولى ، وكان مدّة حمله ستة أشهر ، ولم يولد لستة سواه وعيسى عليه السلام ، وقيل : يحيى عليه السلام) (6) ..).

ثمّ قال المجلسيّ : (إنّما اختار الشيخ كون ولادته في آخر ربيع الأول تبعاً لما اختاره المفيد في (المقنعة) (7) ، مع مخالفته لما رواه من الروايتين لما ثبت عنده واشتهر بين الفريقين من كون ولادة الحسن في منتصف شهر رمضان ، وما ورد في روايات صحيحة أنه لم يكن بين ولادتهما عليهما السلام إلّا ستة أشهر وعشراً كما سيأتي بعضها.

لكن مع ورود هذه الأخبار يمكن ترك القول بكون ولادة الحسن عليه السلام في شهر رمضان ؛ لعدم استناده إلى رواية معتبرة) (8) ، انتهى.

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (ولد ثالث شعبان سنة [ثلاث (9)] من الهجرة كما

ص: 74


1- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 27.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : (العلى).
3- مصباح المتهجّد : 758 (حجري).
4- مصباح المتهجّد : 782 783 ، بحار الأنوار 44 : 201.
5- الدروس 2 : 8.
6- مثير الأحزان : 16.
7- المقنعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 14 : 467 / 13.
8- مرآة العقول 5 : 360 361.
9- في المخطوط : (الثالثة).

هو المشهور بين أصحابنا ، واعتمده الشيخ في (المصباح) (1) ، والمجلسيّ في (زاد المعاد) (2) لروايتي القاسم بن العلاء والحسين بن علي البزوفري عن الصادق عليه السلام.

وقال المفيد : (إنه الخامس منه ، وبه رواية الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام) (3)) انتهى.

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : (ولد بالمدينة لثلاث خلون من شعبان ، وفي نسخة لخمس سنة أربع من الهجرة) (4).

قال ابن جرير الطبريّ الإماميّ : قال أبو محمّد الحسن بن علي الثاني عليهم السلام ولد الحسين عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء لخمس خلون من جمادى الأُولى سنة ثلاث من الهجرة ، وعلقت به امّه في سنة ثلاث بعد ما ولدت الحسن أخاه لخمسين ليلة ، وحملت به ستة أشهر وولدته ، ولم يولد مولود لستة أشهر غير الحسين عليه السلام وعيسى بن مريم عليه السلام. وقيل يحيى بن زكريا عليه السلام.

إلى أن قال : وكان بينه وبين أخيه ستة أشهر (5) ، انتهى.

وفي (كشف اللثام) نقلاً من (نوادر المعجزات) (6) للراوندي - : (عن محمّد بن إسماعيل بن أحمد البرمكي رفع الحديث مسنداً إلى المقداد بن الأسود الكندي عن الزهراء عليها السلام في حديث طويل أنها ولدت الحسين عليه السلام عند تمام ستة من حملها به. وهذا حديث ضعيف متروك لا عامل به ؛ فهو شاذّ).

وفي شكل الكفعميّ أن مولده سنة أربع ، ثالث شعبان ، يوم الخميس (7).

وفي (مسارّ الشيعة) : (وفي اليوم الثالث من شعبان ولد الحسين بن علي عليهما السلام ، وهو يوم الخميس) (8).

وفي تاريخ الشيخ بهاء الدين : (الثلاثون من ربيع الأوّل فيه ولد الإمام

ص: 75


1- مصباح المتهجّد : 758 (حجري).
2- زاد المعاد : 57 (حجريّ فارسيّ).
3- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 27.
4- المصدر نفسه.
5- دلائل الإمامة : 177.
6- الخرائج والجرائح 2 : 841 845 / 60 ، الباب 16 : نوادر المعجزات.
7- المصباح : 691.
8- مسارّ الشيعة 7 : 61.

أبو عبد اللّه عليه السلام بالمدينة سنة ثلاث من الهجرة) ، انتهى.

قلت : تلخّص من هذا أن الأرجح أن عام مولده الشريف هو الرابع من الهجرة وهو الأشهر ؛ ولأنه الموافق لما قدّمناه من أن الأشهر الأظهر أن عام مولد أخيه الحسن صلوات اللّه وسلامه عليهما سنة [ثلاث (1)] ، ولا ريب أن مولد الحسين عليه السلام هو العام الثاني من مولد أخيه الحسن ، صلوات اللّه وسلامه عليهما.

ويحمل ما دلّ على القول بأنه سنة [ثلاث (2)] ، كروايتي ابن جرير السابقتين في ميلاد أخيه عليه السلام ، على معنى أن الحمل به وقع سنة [ثلاث (3)] ، وأن مولده العميم البركة في الخامس والعشرين من ربيع المولد. ويدلّ عليه روايات كثيرة ، وقد عمل بها جماعة كما سمعت ، منها ما أشار له المجلسيّ (4) أنه ورد في روايات صحيحة أنه لم يكن بين ولادة الحسنين إلّا ستة أشهر وعشراً ، وقد عرفت أن الإجماع والنصّ الّذي عليه عمل العصابة وفتاواهم في عامّة الأصقاع والأزمان أن مولد أخيه الحسن في منتصف شهر رمضان ، فلا عبرة بما حكم بإمكانه المجلسيّ من منعه من كونها في منتصف شهر رمضان ، فهو كفرض إمكان ألّا توجد السماء. ومن ذلك ما رواه الكليني رحمه اللّه بسنده إلى أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال كان بين الحسن والحسين عليهما السلام طهر ، وكان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشر (5).

وما رواه بسنده عن الصادق عليه السلام أنه فسّر قوله عزوجل ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (6) بالحسين عليه السلام ، فإنّ الفصال التامّ سنتان ، فيبقى للحمل ستّة أشهر. وفي آخر هذه الرواية قال عليه السلام ولم يرضع الحسين عليه السلام من فاطمة عليها السلام ولا من أُنثى. كان يؤتى به

ص: 76


1- في المخطوط : (الثالثة).
2- في المخطوط : (سنة الرابعة) ، والصحيح أنه سنة ثلاث كما أثبتناه ؛ إذ به يتمّ توجيه رواية ابن جرير الطبريّ الناصّة على أنه عليه السلام ولد سنة ثلاث من الهجرة ، ويدلّ عليه أيضاً روايتاه المتقدّمتان في ميلاد أخيه الحسن السبط عليه السلام حيث نصّ هناك على كون ولادته عليه السلام سنة اثنتين من الهجرة المشرّفة.
3- في المخطوط : (الثالثة).
4- مرآة العقول 5 : 361.
5- الكافي 1 : 463 464 / 2.
6- الأحقاف : 15.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيضع إبهامه في فمه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاثة ، فنبت لحم الحسين عليه السلام من لحم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ودمه. ولم يولد لستّة أشهر إلّا عيسى بن مريم عليه السلام والحسين بن علي عليهما السلام (1).

قال المجلسيّ : (وفي أكثر الروايات المعتبرة إلّا يحيى والحسين عليهما السلام) (2) ، انتهى.

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (ولد يوم الثلاثاء ، ويقال : الخميس ، لثلاث خلون من شعبان ، وقيل : لخمس منه سنة أربع من الهجرة (3) ، وقيل : لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان (4). وقيل : [إن شهادته] يوم الجمعة العاشر من شهر المحرّم سنة إحدى وستين) (5).

والحاصل أنه قد استفاضت الرواية من الخاصّة والعامّة أنه لم يكن بين علوق الزهراء سلام اللّه عليها بالحسين و [ولادتها الشريفة للحسن (6)] سلام اللّه عليهما إلّا طهر ، وأن الحسين سلام اللّه عليه ولد لستّة أشهر.

نعم ، العامّة وبعض الخاصّة (7) فسرّ الطهر بخمسين ليلة ، وهذا ساقط ؛ لأنّ إطلاق الطهر إنّما ينصرف إلى القدر المتيقّن وهو عشرة أيّام ؛ لأنّها أقلّه.

على أنه قد صرّحت أخبار أهل البيت بتحديد ذلك الطهر بعشرة أيّام (8) ، ومقتضى هذا أن ميلاده الأعظم في خمس وعشرين من ربيع المولد ، فمن أجمل القول بأنه آخر ربيع الأوّل أراد : الخامس والعشرين منه ؛ لأنّ مأخذه ما ذكرناه. ولعلّ البهائي نظر إلى مثل هذا الإطلاق فحمله على الثلاثين منه ، لأنه حقيقة الآخريّة ، لكن ما صرّح به لا دليل عليه. أمّا الروايات الدالّة على غير ما رجّحته من أن مولده في شعبان (9) فمحمولة على التقيّة ؛ لموافقتها لمشهور العامّة كما يظهر بالتأمل. وغير هذا لم نجد له مأخذاً. واللّه العالم.

ص: 77


1- الكافي 1 : 464 / 4.
2- مرآة العقول 5 : 365.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى : 213.
4- الدروس 2 : 8 ، من غير لفظ : (بقيت).
5- في المخطوط بعدها : (وهو غريب ، ولعلّه من أقوال العامّة).
6- في المخطوط : (ميلادها الأشرف بالحسن).
7- دلائل الإمامة : 177.
8- وسائل الشيعة 2 : 297 298 ، أبواب الحيض ، ب 11.
9- بحار الأنوار 43 : 260 / 48.

وأما يوم المولد الشريف من الأُسبوع فالأرجح أنه الخميس (1) ؛ لأنه أشهر في الروايات.

استشهاده عليه السلام

وأمّا انتقاله إلى جوار اللّه ودار كرامته فالإجماع والنصّ قائمان على أنه يوم العاشر من شهر محرّم الحرام ، وكان يوم الاثنين (2) على الأظهر. وقيل : الجمعة (3) ، وقيل السبت عام ستّين من الهجرة (4).

وقيل سنة إحدى وستّين (5) ، ولعلّه الأظهر ؛ لأنّ ظاهر بعض العبارات أنه إجماع ، وله سبع وخمسون سنة على الأظهر ، وقيل : ست وخمسون سنة (6).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (لا خلاف بين أصحابنا أنه قتل يوم العاشر من المحرّم قبل الزوال سنة إحدى وستّين من الهجرة ، وإنّما وقع الخلاف في يوم الأُسبوع ، فالمشهور في الروايات أنه يوم الاثنين ، وقيل : السبت ، وعليه الكليني (7) والشيخ في (التهذيب) (8) والشهيد في (الدروس) (9) ، وقيل : الجمعة) ، انتهى.

ص: 78


1- بحار الأنوار 43 : 260.
2- الكافي 1 : 463.
3- مناقب آل أبي طالب 4 : 85.
4- المصدر نفسه.
5- إعلام الورى بأعلام الهدى : 213.
6- مرآة العقول 5 : 361.
7- الكافي 1 : 463.
8- تهذيب الأحكام 6 : 41 / ب 15.
9- الدروس 2 : 8.

الفصل السادس : في مولد الإمام زين العابدين سلام اللّه عليه ووفاته

ميلاده المبارك

قال المجلسي : (قال المفيد في (الإرشاد) : (والإمام بعد الحسين بن علي عليهما السلام ابنه أبو محمّد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وكان يكنّى بأبي الحسن ، وأُمّه شهربان بنت يزدجرد بن شهريار كسرى ، ويقال : إن اسمها شهربانويه ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام ولّى حُرَيْثَ بن جابر جانباً من المشرق فبعث إليه ابنتي يزدجرد بن شهريار ، فنحل ابنه الحسين شاه زنان فأولدها زين العابدين عليه السلام ، ونحل الأُخرى محمّد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمّد ، فهما ابنا خالة. وكان مولد علي بن الحسين عليه السلام بالمدينة سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة ، فبقي مع جدّه أمير المؤمنين عليه السلام سنتين ، ومع عمه الحسن عليه السلام اثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه الحسين عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة ، وبعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة) (1).

وقال الإربليّ في (كشف الغمّة) : (ولد عليه السلام بالمدينة في الخامس من شعبان سنة ثمانٍ [وثلاثين (2)] من الهجرة في أيّام جدّه أمير المؤمنين عليه السلام قبل وفاته بسنتين ، وأُمّه أُمّ ولد اسمها غزالة ، وقيل : شاه زنان بنت يزدجرد ، وقيل غير ذلك) (3).

ص: 79


1- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 137.
2- في المخطوط : (وثمانين).
3- كشف الغمّة 2 : 285 286.

وفي كتاب (مواليد أهل البيت عليهم السلام) : (رواية ابن الخشّاب النحويّ بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ولد عليّ بن الحسين عليه السلام في سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة قبل وفاة علي بن أبي طالب عليه السلام بسنتين ، وأقام مع أمير المؤمنين عليه السلام سنتين ، ومع أبي محمّد الحسن عشر سنين ، ومع أبي عبد اللّه عشر سنين. وكان عمره سبعاً وخمسين سنة.

وفي رواية اخرى أنه عليه السلام ولد سنة سبع وثلاثين ، وقبض وهو ابن سبع وخمسين سنة في سنة أربع وتسعين ، وكان بقاؤه بعد أبي عبد اللّه ثلاثاً وثلاثين سنة ، ويقال : في سنة خمس وتسعين.

امّه خولة بنت يزدجرد ملك فارس وهي الّتي سماها أمير المؤمنين عليه السلام شاه زنان ، ويقال : بل كان اسمها برة بنت النوستجان ، ويقال : كان اسمها شهربانو بنت يزدجرد) ، انتهى.

وقال الشيخ في (المصباح) : (في النصف من جمادى الأُولى سنة ستّ وثلاثين كان مولد أبي محمّد علي بن الحسين عليهما السلام) (1).

ونحوه قال المفيد في كتاب (حدائق الرياض) (2).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام بالمدينة يوم الجمعة ، ويقال : الخميس في النصف من جمادى الآخرة ، وقيل : لتسع خلون من شعبان سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة ، وقيل : سنة سبع وثلاثين ، وقيل : سنة ستّ وثلاثين. واسم أُمّه شاه زنان ، وقيل : شهربانويه) (3).

وقال الشهيد في (الدروس) : (ولد عليه السلام بالمدينة يوم الأحد خامس شعبان سنة ثمانٍ وثلاثين) (4).

وقال ابن شهرآشوب : (ولد عليه السلام بالمدينة يوم الخميس في النصف من جمادى الآخرة ، ويقال : يوم الخميس لتسع خلون من شعبان سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة

ص: 80


1- مصباح المتهجّد : 733.
2- عنه في العدد القويّة : 55.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى : 251.
4- الدروس 2 : 12.

قبل وفاة أمير المؤمنين عليه السلام بسنتين ، وقيل : سنة سبع ، وقيل : سنة ستّ) (1)) (2).

وقال البهائيّ : (في الخامس من شعبان ولد الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام بالمدينة سنة ثمانٍ وثلاثين).

وقال الشيخ في (التهذيب) : (ولد بالمدينة سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة) (3).

وقال الشيخ المفيد في (مسارّ الشيعة) : (في النصف من جمادى الأُولى سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة كان مولد سيّدنا أبي محمّد علي بن الحسين زين العابدين ، عليه وعلى آبائه السلام) (4).

وقال ابن جرير الطبريّ الإماميّ : قال أبو محمّد الحسن بن علي الثاني عليه السلام ولد أبو محمّد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في المدينة ، في المسجد ، في بيت فاطمة عليها السلام سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة قبل وفاة أمير المؤمنين عليه السلام. فأقام مع جدّه سنتين ، ومع عمّه عشر سنين ، وبعد وفاة عمّه [مع (5)] أبيه عشر سنين ، وبعد ما استشهد أبوه عليه السلام خمساً وثلاثين سنة (6).

وفي بعض التواريخ ولا أعرف مؤلّفه - : (ولد عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما بالمدينة نهار الخميس الخامس من شعبان في سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة في أيّام جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام قبل وفاته بسنتين).

وفي شكل الكفعميّ : ولد علي بن الحسين أبو الحسن السجاد بالمدينة يوم الأحد لثمانٍ وثلاثين من الهجرة. امّه شهربانو (7).

وقال ابن طاوس في كتابه (الإقبال) في الفصل الذي عقده لفضل يوم النصف من جمادى الاولى قال في كتابه الذي أشرنا إليه عند ذكر جمادى الاولى - : (النصف منه سنة ستّ وثلاثين من الهجرة كان مولد سيّدنا أبي محمّد عليّ بن

ص: 81


1- مناقب آل أبي طالب 4 : 189.
2- مرآة العقول 6 : 1.
3- تهذيب الأحكام 6 : 77 / ب 23.
4- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 53.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : (بعد).
6- دلائل الإمامة : 191.
7- المصباح : 691.

الحسين زين العابدين) (1).

وابن طاوس [لمّا] مال إلى هذا (2) عقد بعد هذا بلا فصل فصلاً في تعظيم يوم النصف منه لأجل أنه يوم المولد المعظّم.

وقال بعض من أرّخ مواليدهم عليهم السلام : (ولد زين العابدين عليه السلام يوم الجمعة ، ويقال : الخميس في النصف من جمادى الآخرة سنة ثمانٍ وثلاثين ، ويقال : ولد بالمدينة يوم الخميس لسبع خلون من شعبان سنة ست وثلاثين من الهجرة. وأُمّه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار ملك فارس ، ويقال : إن اسمها شهربانو ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام) ، وساق حديث حُرَيْثِ بن جابر كما تقدّم حرفاً بحرف.

وقال الكلينيّ : (ولد علي بن الحسين عليه السلام في سنة ثمانٍ وثلاثين ، وأُمّه سلافة بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى. ويزدجرد آخر ملوك الفرس) (3).

فقد تلخّص من هذا أن عام ولادته عليه السلام [الثامن والثلاثون (4)] من الهجرة ؛ لأنه الأشهر روايةً وفتوى بين الخاصّة والعامّة.

وشهر ولادته شعبان لاعتبار الروايات الواردة به من غير معارض يعتدّ به ، وإنه الخامس من شعبان ، وإنه أدرك من سنيّ جدّه أمير المؤمنين عليه السلام سنتين ؛ لشهرة الرواية بذلك بين الخاصّة والعامّة ، وهو المشهور من فتوى علمائنا. والأقوى أنه يوم الجمعة.

وفاته عليه السلام

وأمّا انتقاله سلام اللّه عليه إلى دار كرامة اللّه ، فقال الكليني : (إنه قبض في سنة خمس وتسعين ، وله سبع وخمسون سنة) (5) ، انتهى.

وهذا هو الأشهر في روايات أهل البيت عليهم السلام ، وهو الأظهر.

ص: 82


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 3 : 156.
2- في المخطوط بعدها : (لأنه).
3- الكافي 1 : 466.
4- في المخطوط : (الثامنة والثلاثين).
5- الكافي 1 : 466.

ونقل المجلسيّ عن (إرشاد المفيد) (1) أنه قال : (توفّيَ بالمدينة سنة خمس وتسعين من الهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، ودفن بالبقيع مع عمّه الحسن ابن علي عليهم السلام).

وقال الشهيد في (الدروس) : (قبض عليه السلام بالمدينة يوم السبت ثاني عشر المحرم سنة خمس وتسعين ، عن سبع وخمسين سنة) (2).

وقال ابن شهرآشوب : (توفّيَ بالمدينة يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم أو لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه سنة خمس وتسعين من الهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، ويقال : تسع وخمسون ، ويقال : أربع وخمسون. وتوفّيَ في ملك الوليد ، ودفن في البقيع مع عمّه الحسن عليه السلام) (3).

وقال المجلسيّ : (قال أبو جعفر بن بابويه : سمّه الوليد بن عبد الملك. وأُمّه شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار كسرى ، ويسمونها شاه زنان ، وجهان بانويه ، وسلافة ، وخولة. وقالوا : هي شاه زنان بنت شيرويه ابن كسرى أبرويز. ويقال : هي برة بنت النوستجان. والصحيح الأوّل. وكان أمير المؤمنين عليه السلام سمّاها مريم ، ويقال : سمّاها فاطمة ، وكانت تدعى سيدة النساء) (4) ، انتهى.

وقال حمد اللّه المستوفي : (ذهب علماء الشيعة إلى أن الوليد بن عبد الملك بن مروان سمّه عليه السلام) (5).

وروى المجلسي في (البحار) (6) و (شرح الأُصول) (7) أنها ماتت في نفاسها بعليّ بن الحسين عليه السلام.

وقال في (شرح الأُصول) : (روى الصدوق في (العيون) (8) عن سهل بن القاسم

ص: 83


1- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 137 138.
2- الدروس 2 : 12.
3- مناقب آل أبي طالب 4 : 189.
4- مرآة العقول 6 : 3.
5- عنه في مرآة العقول 6 : 1 3.
6- بحار الأنوار 46 : 11.
7- مرآة العقول 6 : 6.
8- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 128.

النوستجاني قال : قال الرضا عليه السلام بخراسان إنّ بيننا وبينك نسباً. قلت : وما هو أيها الأمير؟ قال إنّ عبد اللّه بن عامر بن كريز لمّا افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم ، فبعث بهما الى عثمان بن عفان فوهب إحداهما للحسن والأُخرى للحسين عليهما السلام ، فماتتا عندهما نفساوين ، وكانت صاحبة الحسين عليه السلام نفست بعليّ بن الحسين عليهما السلام الحديث.

قال المجلسيّ : (هذا الخبر أقرب إلى الصواب ؛ إذ أسر أولاد يزدجرد الظاهر أنه كان بعد قتله واستئصاله ، وذلك كان في زمن عثمان وإن كان فتح أكثر بلاده في زمن عمر ، إلّا إنه هرب بعياله إلى خراسان وإن أمكن أن يكون بعد فتح القادسية أو نهاوند أخذ بعض أولاده هناك ، لكنه بعيد.

وأيضاً لا ريب أن تولّد عليّ بن الحسين عليه السلام منها كان في أيّام خلافة أمير المؤمنين عليه السلام بسنتين قبل شهادته ، ولم يولد منها غيره كما نقل. وكون الزواج في زمن عمر وعدم تولّد ولد منها إلّا بعد أكثر من عشرين سنة بعيد. ولا يبعد أن يكون (عمر) تصحيف (عثمان) في رواية المتن. واللّه يعلم) (1) ، انتهى.

قلت : يريد برواية المتن ما رواه الكلينيّ بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال لمّا قدمت بنت يزدجرد على عمر أشرف لها عذارى [المدينة (2)] ، وأشرق المسجد بضوئها لمّا دخلت ، فلمّا نظر إليها عمر غطّت وجهها وقالت : [أُفّ بيروج بادا هرمز (3)]. فقال عمر : أتشتمني هذه؟ وهمّ بها ، فقال أمير المؤمنين : ليس لك ذلك ، خيّرها رجلاً من المسلمين واحسبها بفيئة من الغنيمة ، فخيّرها ، فجاءت حتّى وضعت يدها على رأس الحسين عليه السلام (4) ، الحديث.

وهذا المضمون رواه (في البصائر) (5) والراونديّ في (الخرائج) (6) عن جابر عن

ص: 84


1- مرآة العقول 6 : 6.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : «المسجد».
3- من المصدر ، وفي المخطوط : «إن بي روح يادا هرمز».
4- الكافي 1 : 466 467 / 1.
5- بصائر الدرجات 335 / 8.
6- الخرائج والجرائح 2 : 750 / 67.

أبي جعفر عليه السلام ، إلّا إن فيه وضعت يدها على منكب الحسين عليه السلام. فهذا أشهر بين العامّة والخاصّة ، بل العامّة كاد أن يتّفق مؤرّخوهم على ذلك ، ومجرّد الاستبعاد لا يضعفه تصحيف (عثمان) ب- (عمر) ، [بل] عكسه ممكن كإمكانه ، بل العمل بما في إرشاد المفيد (1) وغيره (2) من خبر حريث بن جابر أولى ؛ لإمكان حمل ما سواه على التقيّة ، لكن لم أره مرويّاً ، وناقله أعلم بما قال. و [إنّما نقلنا (3)] هذا مع خروجه عن موضوع الرسالة ليستبين بسياقه أن زين العابدين عليه السلام أكبر ولد أبيه. والظاهر أنه مشهور العصابة.

رجع

وقال الشيخ المفيد في (مسارّ الشيعة) في سياق ذكر شهر المحرّم : (وفي اليوم الخامس والعشرين منه سنة أربع وتسعين كان وفاة زين العابدين عليه السلام) (4).

وفي شكل الكفعميّ أنه توفّيَ يوم السبت ثاني عشر المحرّم سنة خمس وتسعين ، وعمره سبع وخمسون سنة بالمدينة ، وسمّه هشام بن عبد الملك (5).

وقال البهائيّ في (تاريخه) في سياق ذكر المحرّم : (الثاني عشر منه فيه وفاة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وذلك في المدينة سنة خمس وتسعين ، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة).

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (توفّيَ عليه السلام بالمدينة يوم السبت الثاني عشر من المحرّم سنة خمسٍ وتسعين من الهجرة ، ودفن بالبقيع مع عمّه الحسن عليه السلام ، وقاتله الوليد بن عبد الملك بن مروان).

وفي (كشف الغمّة) : (توفّيَ عليه السلام في ثامن عشر المحرم من سنة أربع وتسعين ،

ص: 85


1- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 137.
2- العدد القويّة : 56 / 73.
3- في المخطوط : (والغرض من نقل).
4- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 45.
5- المصباح : 691. وفيه (22 محرم) بدل : (ثاني عشر المحرّم).

وقيل : خمس وتسعين ، وعمره سبع وخمسون سنة ، كان منها مع جدّه سنتان ، ومع عمّه الحسن عليه السلام عشر سنين وبعده مع أبيه عليه السلام عشر سنين وبعده تتمّة ذلك. وقبره بالبقيع بمدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله في القبة التي فيها العبّاس) (1).

وقال في (إعلام الورى) : (توفّيَ عليه السلام بالمدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرّم سنة خمس وتسعين من الهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة) (2).

وقال الشيخ في (المصباح) في سياق المحرّم : (وفي اليوم الخامس والعشرين منه سنة أربع وتسعين كانت وفاة زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام) (3).

وقال في (التهذيب) : (قبض عليه السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين ، وله سبع وخمسون سنة ، وأُمّه شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى أبرويز ، وقبره ببقيع المدينة) (4).

وقال ابن جرير الطبريّ من أصحابنا : (قبض عليه السلام بالمدينة في المحرّم في عام خمس وتسعين من الهجرة ، وعمره سبع وخمسون سنة. وسبب وفاته أن الوليد بن عبد الملك سمّه ، ودفن بالبقيع مع عمه عليه السلام) (5).

والحاصل أن عام انتقاله إلى دار كرامة اللّه هو الخامس والتسعون من الهجرة على الأظهر الأشهر بين الفرقة (6). وللعامّة فيه أقوال منتشرة كلّها لا دليل عليها إلّا ما وافق منها أحد رواياتنا (7). وما سوى ذلك من أقوال علمائنا وما يدلّ عليه موافق لأحد مذاهب العامّة أو محمول على الاختلاف في مولده العظيم. وترى كثيراً ممّن يقول : الرابع والتسعون ، إذا عدّ مدّة مقامه مع جدّه وعمه وأبيه لا يتأتّى إلّا على العام الخامس والتسعين. وسيأتي إن شاء اللّه ما يدلّ عليه أيضاً في وفاة الباقر عليه السلام.

وأمّا شهر وفاته عليه السلام ، فالمشهور بين العصابة أنه [المحرّم (8)] ، ولم أقف على نصّ فيه.

ص: 86


1- كشف الغمّة 2 : 294.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى : 251 ، وليس فيه أنه عليه السلام توفّيَ بالمدينة ، وليس فيه ذكر مقدار عمره الشريف.
3- مصباح المتهجّد : 729 (حجري).
4- تهذيب الأحكام 6 : 77 / ب 23.
5- دلائل الإمامة : 191 192.
6- الكافي 1 : 259.
7- الكافي 1 : 259 / 3.
8- في المخطوط : (محرّم).

وأمّا يوم وفاته من الشهر ، فقد عرفت اضطراب أقوال الفرقة فيه ، ولم أقف على دليل على شي ء منها تركن إليه النفس ، لكن روى الكلينيّ في باب (أن الأئمّة يعلمون متى يموتون) عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال عن أبي جميلة عن عبد اللّه بن أبي جعفر قال : حدّثني أخي عن جعفر عن أبيه أنه أتى عليّ بن الحسين عليه السلام ليلة قبض فيها بشراب ، فقال يا أبت اشرب هذا. فقال يا بنيّ ، إن هذه الليلة الّتي اقبض فيها ، وهي الليلة الّتي قبض فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (1).

وبعض المتأخّرين عمل بها ، وليس لها معارض من النصّ. ولو لا الشهرة الأكيدة على أن شهر وفاته [المحرّم (2)] لكان القول بها متعيّناً ، لكنه قويّ جدّاً ؛ إذ لم يقم نصّ ولا إجماع على خلافها ، واللّه العالم.

قال الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني : (الأصحّ أنه عليه السلام توفّيَ في الليلة التي توفّيَ فيها جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على ما نطقت به الرواية المعتبرة في (الكافي) ، ولم أجد لهذه الرواية رواية تعارضها إلّا ما ذكره أهل السير والتواريخ ، وذلك لا يعارض الأحاديث سيّما أحاديث (الكافي) ..).

ص: 87


1- الكافي 1 : 259 / 3.
2- في المخطوط : (محرّم).

ص: 88

الفصل السابع : في مولد الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الباقر سلام اللّه عليه ووفاته

اشارة

الفصل السابع : في مولد الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الباقر سلام اللّه عليه ووفاته (1)

ميلاده المبارك

قال الكلينيّ : (ولد أبو جعفر عليه السلام سنة سبع وخمسين) (2).

قال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة يوم الجمعة غرّة رجب ، وقيل : الثالث من صفر) (3).

وقال المجلسيّ : (قال ابن شهرآشوب : (يقال : إن الباقر عليه السلام هاشميّ من هاشميّين ، علويّ من علويّين ، فاطميّ من فاطميّين ؛ لأنه أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهما السلام ، وكانت امّه أُمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي عليهما السلام. اسمه محمّد ، وكنيته أبو جعفر لا غير ، ولقبه باقر العلم. ولد بالمدينة يوم الثلاثاء ، وقيل : الجمعة غرّة رجب ، وقيل : الثالث من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة) (4).

وقال في (روضة الواعظين) : (ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء وقيل : الجمعة لثلاث خلون من صفر سنة سبع وخمسين) (5).

وقال في (الدروس) : (ولد عليه السلام بالمدينة يوم الاثنين ثالث صفر سنة سبع وخمسين) (6).

ص: 89


1- كلمة : (ووفاته) ليست في المخطوط.
2- الكافي 1 : 469.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى : 259.
4- مناقب آل أبي طالب 4 : 225 ، 227 ، باختلاف.
5- روضة الواعظين : 207.
6- الدروس 2 : 12.

وقال عبد اللّه بن أحمد الخشّاب : (وبالإسناد عن محمّد بن سنان قال : ولد محمّد قبل مضيّ الحسين بن علي بثلاث سنين. وفي رواية اخرى كان مولده سنة ستّ وخمسين) (1)) (2).

وقال الكفعميّ : أبو جعفر الباقر ولد بالمدينة يوم الاثنين ، ثالث صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة ، امّه أُمّ عبد اللّه بن الحسن (3).

وقال البهائيّ : (الثاني من شهر صفر فيه ولد الإمام أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام في المدينة سنة سبع وخمسين).

وقال الشيخ المفيد في (مسارّ الشيعة) : (أوّل يوم من رجب كان مولد سيّدنا أبي جعفر محمّد بن علي الباقر. روى جابر الجعفيّ قال : ولد الباقر أبو جعفر محمّد ابن علي عليهما السلام يوم الجمعة غرّة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة) (4).

وقال محمّد بن جرير الطبريّ من أصحابنا : ولادة أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام. قال أبو محمّد الحسن بن علي الثاني عليه السلام) : ولد عليه السلام بالمدينة يوم الجمعة غرّة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة قبل أن يقتل الحسين عليه السلام بثلاث سنين ((5).

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (ولد صلوات اللّه عليه بالمدينة يوم الثلاثاء ، وروى : يوم الجمعة في غرّة رجب. ويقال : في الثالث من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة. وأُمّه أُمّ عبد اللّه بنت الحسن. ويقال : فاطمة بنت الحسن).

وقال بعض أصحابنا أيضاً : (ولد أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر سلام اللّه عليه بالمدينة في ثالث صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة) (6).

وقال الشيخ في (التهذيب) : (ولد بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة) (7).

ص: 90


1- كشف الغمّة 2 : 349.
2- مرآة العقول 6 : 13 15.
3- المصباح : 691.
4- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 56 57.
5- دلائل الإمامة : 215.
6- مناقب آل أبي طالب 4 : 217.
7- تهذيب الأحكام 6 : 77 / ب 24.

وقال في (مصباح المتهجد) : (روى جابر الجعفيّ قال : ولد الباقر أبو جعفر محمّد ابن علي عليهم السلام يوم الجمعة غرّة رجب سنة سبع وخمسين) (1).

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : (ولد عليه السلام بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة ، وأُمّه أُمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام) (2).

والحاصل أن الإجماع حاصل على أن عام مولده السابع والخمسون من الهجرة ؛ للرواية به.

أمّا يوم مولده ، فقد عرفت أن الروايات المعتضدة بالشهرة الأكيدة دلّت على أنه أوّل يوم من رجب ، ولم يقم دليل على غيره ، والأشهر الأظهر أنه يوم الجمعة ؛ إذ لم يقم دليل على غيره.

وفاته عليه السلام

وأما انتقاله إلى دار كرامة اللّه ، فقال الكلينيّ رحمه اللّه في (الكافي) : (قبض عليه السلام سنة أربع عشرة ومائة ، وله سبع وخمسون سنة ، ودفن بالبقيع بالمدينة في القبر الّذي دفن فيه أبوه عليّ بن الحسين عليه السلام ، وأُمّه أُمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام) (3).

وروى فيه عن سعد بن عبد اللّه ، والحميريّ جميعاً عن إبراهيم بن مهزيار [عن (4)] أخيه عليّ بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قبض محمّد بن علي الباقر عليه السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام أربع عشرة ومائة ، عاش بعد علي بن الحسين عليهما السلام تسع عشرة سنة وشهرين (5).

وقال المجلسيّ رضى اللّه عنه : (قال ابن شهرآشوب : (قبض بالمدينة في ذي الحجّة ، ويقال :

ص: 91


1- مصباح المتهجّد : 737 ، (حجري).
2- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 158.
3- الكافي 1 : 469.
4- في المخطوط : (على).
5- الكافي 1 : 472 / 6.

في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائة ، وله سبع وخمسون سنة مثل عمر أبيه وجدّه ، وأقام مع جدّه الحسين عليه السلام ثلاث سنين أو أربع سنين (1) ، ومع أبيه عليّ أربعاً وثلاثين سنة وعشرة أشهر ، أو تسعاً وثلاثين سنة ، وبعد أبيه تسع عشرة سنة وقيل : ثماني عشرة. وقبض في أوّل ملك إبراهيم بن الوليد. وقال أبو جعفر بن بابويه : سمّه إبراهيم بن الوليد بن اليزيد ، وقبره ببقيع الغرقد) (2).

وقال في (روضة الواعظين) : (قبض بالمدينة في ذي الحجّة ، ويقال : في شهر ربيع الأوّل ، ويقال : في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائة) (3).

وقال في (الدروس) : (قبض بالمدينة يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة أربع عشرة ومائة) (4).

وقال في (كشف الغمّة) : (وأمّا عمره ، فإنّه مات في سنة سبع عشرة ومائة ، وقيل غير ذلك. وقد نيّف على الستّين. وعن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمَّد عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال قتل عليّ عليه السلام وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة ، وقتل الحسين عليه السلام ، وهو ابن ثمانٍ وخمسين ، ومات عليّ بن الحسين عليه السلام وهو ابن ثمانٍ وخمسين ، وأنا اليوم ابن ثمانٍ وخمسين) (5).

وقال عبد اللّه بن أحمد الخشاب : (وبالإسناد عن محمّد بن سنان قال : توفّيَ عليه السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة ، سنة مائة وأربع عشرة من الهجرة. أقام مع أبيه عليّ بن الحسين عليهما السلام خمساً وثلاثين سنة إلّا شهرين ، وأقام بعد مضيّ أبيه عليه السلام تسع عشرة سنة ، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة. وفي رواية أُخرى : مات أبو جعفر عليه السلام وهو ابن ثمانٍ وخمسين).

وقال السيد ابن طاوس في (الزيارة الكبيرة) وضاعف العذاب على من شرك

ص: 92


1- في الفقيه رواية أنه يوم قتل جدّه الحسين عليه السلام ابن أربع سنين. (هامش المخطوط).
2- مناقب آل أبي طالب 4 : 227 228.
3- روضة الواعظين 1 : 207.
4- الدروس 2 : 12.
5- كشف الغمّة 2 : 331.

في دمه - : (وهو إبراهيم بن الوليد) (1).

وقال في (إعلام الورى) : (قبض عليه السلام سنة أربع عشرة ومائة في ذي الحجّة ، وقيل : في شهر ربيع الأوّل ، وقد تمّ عمره سبعاً وخمسين سنة. وأُمّه أُمّ عبد اللّه فاطمة بنت الحسن عليه السلام. عاش مع جدّه الحسين عليه السلام أربع سنين ، ومع أبيه عليه السلام تسعاً وثلاثين سنة. ومدّة إمامته ثماني عشرة سنة ، وتوفّيَ في ملك هشام بن عبد الملك) (2).

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : (وقبض عليه السلام بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة ، وسنّه سبع وخمسون سنة ، وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله) (3).

وقال الشيخ في (التهذيب) : (قبض بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة ، وسنّه سبع وخمسون سنة ، وأُمّه أُمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله) (4)) (5).

وقال الكفعميّ : عاش سبعاً وخمسين سنة ، وتوفّيَ يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة ست عشرة ومائة بالمدينة ، ودفن بالبقيع (6).

وقال ابن جرير : (أقام مع جدّه عليه السلام ثلاث سنين ، ومع أبيه عليه السلام علي أربعاً وثلاثين سنة وعشرة أشهر ، وقبض في ملك إبراهيم بن الوليد في شهر ربيع الآخر سنة مائة وأربع عشرة من الهجرة. وكانت أيام إمامته عليه السلام تسع عشرة سنة وشهرين ، وصار إلى دار كرامة اللّه عزوجل وقد كمل عمره سبعاً وخمسين سنة. وسبب وفاته أن إبراهيم ابن الوليد لعنه اللّه سمّه ، ودفن بالبقيع مع أبيه عليه السلام علي وعم أبيه الحسن عليه السلام) (7).

وقال البهائيّ في ذكر شهر ذي الحجة : (السابع منه وفاة أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة).

ص: 93


1- الإقبال بالأعمال الحسنة 1 : 214.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى : 259.
3- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 158.
4- تهذيب الأحكام 6 : 77 / ب 24.
5- مرآة العقول 6 : 13 14.
6- المصباح : 691.
7- دلائل الإمامة : 215.

وقال بعض المؤرّخين من أصحابنا : (عاش سلام اللّه عليه سبعاً وخمسين سنة : مع جدّه الحسين عليه السلام أربعاً ، ومع أبيه زين العابدين عليه السلام تسعاً وثلاثين سنة ، ومدّة إمامته ثماني عشرة سنة. قتله إبراهيم بن الوليد في ملك هشام بن عبد الملك في ذي الحجة ، وقيل : ربيع الأول ، وقيل : ربيع الآخر والأوّل أشهر بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة ، وقيل : سنة سبع عشرة ومائة ، وقيل : سنة ثلاث عشرة ومائة والأول أشهر ودفن ببقيع الغرقد إلى جانب تربة أبيه زين العابدين وعمّه الحسن بن علي ، سلام اللّه عليهم).

وبالجملة ، فعام وفاته عليه السلام الرابع عشر بعد المائة بالنصوص المعتبرة من الخاصة والعامة ، والظاهر قيام الإجماع عليه ، والمخالف شاذّ موافق لبعض نصوص العامة وفتاوى بعضهم. وعمره الأشرف سبع وخمسون سنة بالنصّ من الفريقين ، والظاهر قيام الإجماع عليه أيضاً. وللعامة أقوال منتشرة فيهما ، والمخالف منّا شاذّ ، والأظهر أنه في اليوم الثامن والعشرين من ربيع الثاني ، والظاهر أنه مراد من أطلق أن موته في ربيع الثاني.

وأنت إذا ضممت ما نقلناه من رواية (الكافي) في صدر البحث ، الدالّة على أنه عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة وشهرين ، إلى ما نقلناه أيضاً منه من الرواية الدالّة على أن زين العابدين عليه السلام مات في اليوم الذي مات فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، دلّ على أن موته كما قلنا.

ولعلّ من قال : إنه عليه السلام توفّيَ في ربيع الثاني ، لاحظ الروايتين وعمل بهما ، وهذه الرواية أيضاً مؤيّدة للأُولى وحجّة للعامل بها بوجه. وبهذا يظهر أن ما قاله المجلسيّ رحمه اللّه في شرح هذه الرواية حيث قال : (وعاش) إلى آخره (1) لا يوافق شيئاً من التواريخ التي عيّن فيها الشهور والأيّام ، إلّا ما نقله في (روضة الواعظين) قولاً بأنّ وفاة الباقر عليه السلام في شهر ربيع الأوّل. والمشهور أن [القول بأن] وفاة عليّ بن

ص: 94


1- في المخطوط بعدها : (هذا).

الحسين عليهما السلام في شهر المحرّم سهو ، على أن القول بأنّ وفاته عليه السلام في ربيع الأوّل نقله غير واحد ، فهي توافق كلّاً من القولين باعتبار ، واللّه العالم بحقيقة الحال. ولم أجد على غير ما قلت دليلاً يركن إليه.

ص: 95

ص: 96

الفصل الثامن : في مولد الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه سلام اللّه أبداً ووفاته

ميلاده المبارك

قال الكلينيّ رحمه اللّه : (ولد أبو عبد اللّه عليه السلام سنة ثلاث وثمانين .. وأُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر) (1).

وقال ابن جرير الطبريّ : معرفة ولادة أبي عبد اللّه جعفر بن محمَّد عليهما السلام. قال أبو محمّد الحسن بن علي الثاني عليه السلام) :ولد بالمدينة سنة ثلاث وثمانين من الهجرة (.

وأقام مع جدّه عليّ بن الحسين عليهما السلام اثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه بعد جدّه عليهما السلام تسع عشرة سنة ، وعاش بعد أبيه عليه السلام أربعاً وثلاثين سنة.

ثمّ قال : امّه فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وتكنّى أُمّ فروة ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (2).

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (ولد الصادق عليه السلام بالمدينة يوم الجمعة عند طلوع الفجر ، ويقال : يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وثمانين من الهجرة ، وأُمّه أُمّ فروة بنت القاسم).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (ولد بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر ربيع الأوّل

ص: 97


1- الكافي 1 : 472.
2- دلائل الإمامة : 245.

سنة ثلاث وثمانين على ما ذكره الشهيد وغيره ، ولم أقف على ما ينافيه :

فصاحب البيت أدرى بالذي فيه )

قلت : لعلّه أراد عام الولادة ويومها من الشهر ، وإلّا فيومها الأعظم من الأُسبوع [ستعرف (1)] ما ينافيه.

وقال الشهيد في (الدروس) : (ولد عليه السلام بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأوّل ، سنة ثلاث وثمانين).

ثمّ قال : (امّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد) (2).

وقال الجعفيّ : (اسمها فاطمة ، وكنيتها أُمّ فروة).

وقال ابن شهرآشوب على ما نقله المجلسيّ رضى اللّه عنه (3) : (ولد الصادق عليه السلام بالمدينة يوم الجمعة عند طلوع الفجر ، ويقال : يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وثمانين من الهجرة ، وقالوا : سنة ست وثمانين. أقام مع جدّه عليه السلام اثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه عليه السلام تسع عشرة سنة ، وبعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة) (4).

قلت : الظاهر أن قوله : (وقالوا) يعني به العامّة ، فإنّه من أقوالهم.

وروى ابن الخشّاب بسنده عن محمّد بن سنان أن مولده سنة ثلاث وثمانين (5).

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد) : (كان مولده سنة ثلاث وثمانين من الهجرة ، وقال : امّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر) (6).

وقال أيضاً قبل هذا : (وَلَدُ الباقر عليه السلام جعفر بن محمَّد عليه السلام وعبد اللّه بن محمّد ، أُمّهما أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر).

ص: 98


1- في المخطوط : (عرفت).
2- الدروس 2 : 12.
3- مرآة العقول 6 : 25 26.
4- مناقب آل أبي طالب 4 : 301 302.
5- عنه في مرآة العقول 6 : 26.
6- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 179 180.

إلى أن قال : (وأخوه عبد اللّه ، يشار إليه بالفضل والصلاح ، وروى أن بعض بني أُميّة سقاه السمّ فقتله) (1).

وساق حديثه معه وهو يشعر أنه قتله بالسم صبراً لا غيلة.

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام بالمدينة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وثمانين من الهجرة) (2) ونصّ في تعداد ولد أبي جعفر عليه السلام أن امّه وأُمّ أخيه عبد اللّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر (3).

وقال البهائيّ بعد أن نصّ على أن السابع عشر من ربيع الأوّل مولد النبي صلى اللّه عليه وآله : (وفيه ولد الإمام أبو عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام بالمدينة سنة ثلاث وثمانين).

وبالجملة ، فالإجماع المؤيّد بالنصّ قائم على أن مولده [الذي (4)] عمّت الخلائق بركته في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأوّل عام ثالث وثمانين من الهجرة ، والأظهر الأشهر أنه يوم الجمعة عند طلوع الفجر. والإجماع قائم على أن مدّة بقائه في الدنيا خمس وستون سنة ، وهو منصوص أيضاً ، والإجماع والنصّ قائمان على أن امّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، بل الظاهر أنه إجماع الأُمة.

فلا عبرة بإنكار بعض المعاصرين لتولّده من أبي بكر ؛ تعويلاً على ما فهمه من مثل ما دلّ على أنّهم عليهم السلام لم يزالوا ينقلون من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام المطهّرة ، وأنهم لم تدنّسهم الجاهلية بأدناسها ، ولم تلبسهم المدلهمّات [من] أثوابها (5) ، وما أشبه ذلك وهو كثير جدّاً ، ولكنّه لم يدّع أن امّه سلام اللّه عليه من هي؟ ولا بنت من؟ ولا من أي القبائل؟

ص: 99


1- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 176 ، وفيه تصريح بأنه قتله صبراً.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى : 269.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى : 265.
4- في المخطوط : (التي).
5- بحار الأنوار 97 : 203 ، وقريب منه في بحار الأنوار 35 : 100.

ودليله لا ينافي ما ثبت بالنصّ والإجماع من أنّ امّه هي المسماة (1) من غير معارض أصلاً ، بل الإجماع في جميع الأزمان والأصقاع سبقه ولحقه ، فإنه لو تدبّر ما ورد من النصوص المتكثّرة في بيان مبدأ خلق الإمام ، لعلم أن ما استند إليه لا يدلّ على دعواه ، ولا ينافي ما هو المجمع عليه بين الأمّة من غير نكير.

وبيانه يخرجنا عن موضوع الرسالة ، لكنّه يعرفه كلّ من تعلّق بأدنى غصن من شجرة الحكمة ، بل قد ورد عنه عليه السلام في الكتب المعتبرة أنه قال ولدني أبو بكر مرّتين (2) يشير به إلى تولّد امّه من محمّد وعبد الرحمن ابني أبي بكر ، واللّه العالم.

وفاته عليه السلام

وأمّا انتقاله إلى دار كرامة اللّه تعالى ، فقال الكلينيّ رحمه اللّه : (مضى عليه السلام في شوّال من سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، وله خمس وستون سنة ، ودفن في البقيع في القبر الذي دفن فيه أبوه وجدّه والحسن بن علي عليهم السلام) (3).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (قبض عليه السلام في شوّال على ما ذكره الكلينيّ في (الكافي) ، والمفيد في (الإرشاد) ، والشيخ في (التهذيب) ، والشهيد في (الدروس) ولم يعيّنوا اليوم منه. وقيل : في منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمانٍ وأربعين ومائة (4). وعليه اعتمد صاحب كتاب (الحقائق الإيمانيّة) من أصحابنا ، والمشهور الأوّل).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (مضى عليه السلام ليلة النصف من رجب ، ويقال : في شوّال سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، وله خمس وستّون سنة ، أقام منها مع أبيه وجدّه اثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه بعد جدّه تسع عشرة سنة ، وبعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ، وتوفّيَ في أيّام أبي جعفر المنصور بعد ما مضى من ملكه عشر سنين ، ودفن بالبقيع مع أبيه وجدّه وعمّه الحسن عليهم السلام) (5).

ص: 100


1- أي المسماة آنفاً ، وهي أُمّ فروة.
2- تهذيب الكمال 5 : 75.
3- الكافي 1 : 472.
4- مرآة العقول 6 : 25.
5- إعلام الورى بأعلام الهدى : 266.

وقال المفيد في (الإرشاد) : (مضى عليه السلام في شوّال من سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، وله خمس وستون سنة ، ودفن بالبقيع مع أبيه وجدّه وعمّه الحسن سلام اللّه عليهم وأُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة) (1).

وقال الشهيد في (الدروس) : (قبض بالمدينة في شوّال ، وقيل : في منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمانٍ وأربعين ومائة عن خمس وستين سنة) (2).

وقال ابن شهرآشوب : (قبض عليه السلام في شوّال سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، وقيل : يوم الاثنين ، النصف من رجب.

وقال أبو جعفر القمّيّ : سمّه المنصور ، ودفن بالبقيع ، وقد كمل عمره خمساً وستّين سنة) (3).

قال المجلسيّ : (وروى ابن الخشّاب بسنده عن محمّد بن سنان قال : مضى أبو عبد اللّه وهو ابن خمس وستين سنة في سنة ثمانٍ وأربعين ومائة) (4).

وقال ابن جرير الطبريّ : (قبض وليّ اللّه جعفر بن محمَّد عليه السلام في شوّال سنة ثمانٍ وأربعين ومائة من الهجرة ، سمّه المنصور فقتله ، ومضى وقد كمل عمره خمساً وستين سنة. وروى أبو الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه أنه قبض وهو ابن ثمانٍ وستين سنة ، ويروى : سبع وستين ، والأوّل أصحّ ؛ لأنني نقلته من أصل لأبي عليّ محمّد بن همام ، ودفن بالبقيع مع أبيه وجدّه) (5).

وفي شكل الكفعميّ : توفّيَ يوم الاثنين منتصف رجب سنة ثمانٍ وأربعين ومائة بالمدينة مسموماً في عنب ، ودفن بالبقيع (6).

ص: 101


1- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 180.
2- الدروس 2 : 12.
3- مناقب آل أبي طالب 4 : 302 ، عنه في مرآة العقول 6 : 26.
4- مرآة العقول 6 : 26.
5- دلائل الإمامة : 246.
6- المصباح : 691.

وقال الشيخ في (التهذيب) : (قبض بالمدينة في شوّال سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، وله خمس وستّون سنة. وأُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. وقبره بالبقيع مع أبيه وجدّه وعمّه الحسن بن علي عليهم السلام. وقد روي في بعض الأخبار أنهم انزلوا على جدّتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف) (1).

وروى الكلينيّ بسنده عن أبي بصير قال : (قبض أبو عبد اللّه جعفر بن محمَّد عليهما السلام وهو ابن خمس وستين سنة في عام ثمانٍ وأربعين ومائة. وعاش بعد أبي جعفر عليهما السلام أربعاً وثلاثين سنة) (2).

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (توفّيَ الصادق عليه السلام يوم الاثنين النصف من رجب ، ويقال : توفّيَ في شوّال سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، ودفن بالبقيع مع أبيه وجدّه علي بن الحسين وعمّه الحسن ، سلام اللّه عليهم).

والحاصل أنه عليه السلام عاش خمساً وستّين سنة ، وقبضه اللّه تعالى في عام ثمانٍ وأربعين ومائة مسموماً بالنص والإجماع ، وذلك في منتصف رجب يوم الاثنين على الأظهر ؛ لأنّ هذا القول أقرب إلى ظاهر قوله تعالى ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (3) ؛ لما فيه من التعيين المقتضي لتيسّر مشاركة أولياء النعم في حزنهم ، ومن تيسّر نذر صومه وغير ذلك ممّا يترتّب على التعيين دون الإبهام ؛ ولأنّ هذا القول أبعد من أقوال المخالفين ، فهو أقرب إلى الرشد ، بخلاف القول بأنه في شوّال على الإجمال ، واللّه العالم بحقيقة الحال.

ص: 102


1- تهذيب الأحكام 6 : 78 / ب 25.
2- الكافي 1 : 475 / 7.
3- البقرة : 185.

الفصل التاسع : في مولد الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم سلام اللّه عليه ووفاته

ميلاده المبارك

أمّا ولادته التي عمّت بركتها الخلائق ، فقال الشيخ في (التهذيب) : (ولد بالأبواء سنة ثمانٍ وعشرين ومائة من الهجرة) (1).

وقال محمّد بن جرير : (ولادة أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام. قال أبو محمّد الحسن بن علي الثاني عليه السلام ولد بالأبواء بين مكّة والمدينة في شهر ذي الحجّة سنة مائة وسبع وعشرين من الهجرة) (2).

وقال الكفعميّ : إنه ولد بالمدينة يوم الأحد سابع صفر سنة ثمانٍ وعشرين ومائة (3).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام بالأبواء منزل بين مكّة والمدينة لسبع خلون من صفر سنة ثمانٍ وعشرين ومائة) (4).

وقال المفيد في (الإرشاد) : (كان مولده عليه السلام بالأبواء سنة ثمانٍ وعشرين ومائة) (5).

ص: 103


1- تهذيب الأحكام 6 : 81 / ب 29.
2- دلائل الإمامة : 303.
3- المصباح : 691.
4- إعلام الورى بأعلام الهدى : 286.
5- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 215.

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (ولد بالأبواء سنة ثمانٍ وعشرين ومائة. وقيل : سنة تسع وعشرين ومائة يوم الأحد سابع صفر ، على ما ذكره في (الدروس) (1) ، والكفعميّ (2). ولم أقف على ما ينافيه).

وقال ابن شهرآشوب على ما نقله المجلسيّ (3) - : (أُمّه حميدة المصفّاة ابنة صاعد البربريّ ، ويقال : إنّها أندلسيّة أُمّ ولد تكنّى [أُم] لؤلؤة. ولد عليه السلام بالأبواء موضع بين مكّة والمدينة يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة ثمانٍ وعشرين ومائة) (4).

وقال في (الدروس) : (ولد بالأبواء يوم الأحد سابع صفر) (5).

وقال الكليني رحمه اللّه : (ولد أبو الحسن موسى عليه السلام بالأبواء سنة ثمانٍ ، وقال بعضهم : تسعٍ وعشرين ومائة) (6).

وقال بعض أصحابنا : (ولد بالأبواء موضع بين مكّة والمدينة يوم الثلاثاء ، وفي رواية أُخرى : يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة ثمانٍ وعشرين ومائة ، وأُمّه حميدة البربريّة أُخت صالح البربري ، وتكنّى أُمّ ولد).

والحاصل أن عام مولده الأعظم هو الثامن والعشرون بعد المائة بالإجماع ، وقول الكليني : (قال بعضهم : تسع وعشرين ومائة) ، الظاهر أن الضمير يعود على العامة بقرينة الجمع مع الإبهام. ورواية ابن جرير يمكن ردّها إليه بأحد الاعتبارات السابقة.

والأظهر وهو مشهور العصابة أنه الأحد سابع صفر ؛ لأنه المشهور شهرة أكيدة كادت أن تكون إجماعاً. ورواية ابن جرير يمكن تأويلها بضرب من التجوّز ، ولما في المشهور من المرجّحات المشهورة في وفاة الصادق عليه السلام. ومع القول بأنّ مولده

ص: 104


1- الدروس 2 : 13.
2- المصباح : 691.
3- مرآة العقول 6 : 36 ، بحار الأنوار 48 : 6 / 9 نقلاً في الأخير عن (الإرشاد).
4- مناقب آل أبي طالب 4 : 349.
5- الدروس 2 : 13 عنه في مرآة العقول 6 : 36.
6- الكافي 1 : 476.

سابع صفر يضعف القول بأنّ [وفاة (1)] الحسن بن علي عليهما السلام سابع صفر لما في القول بهما معاً من اجتماع السرور والحزن في يوم واحد وهو مشكل ، فتفطّن.

وفاته عليه السلام

وأمّا انتقاله إلى دار كرامة اللّه تعالى ، فقال الكليني رحمه اللّه : (قبض عليه السلام لستّ خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة في حبس السندي بن شاهك لعنة اللّه عليه ودفن ببغداد في مقبرة قريش. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها : حميدة) (2).

وروى بسنده عن أبي بصير قال : (قبض موسى بن جعفر وهو ابن أربع وخمسين سنة عام ثلاث وثمانين ومائة ، عاش بعد جعفر عليه السلام خمساً وثلاثين سنة) (3).

وقال الكفعميّ : عاش خمساً وخمسين سنة وأُمّه أُمّ ولد اسمها حميدة. وقبض يوم الجمعة سادس رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، سمّه الرشيد لعنه اللّه في الحبس ببغداد (4).

وقال الطبريّ : (استشهد في رجب سنة أربع وثمانين ومائة ، وقد كمل عمره أربعاً وخمسين سنة ، ويُروى : سبعاً وخمسين ، وتولّى أمره ابنه الرضا عليه السلام ، ودفن ببغداد بمقابر قريش في بقعة كان قبل وفاته ابتاعها لنفسه. وكانت وفاته في حبس المسيّب ، وهو المسجد الذي بباب الكوفة الذي فيه السدرة) (5).

والظاهر أنه أراد باباً ببغداد يسمّى باب الكوفة. والمسيّب هو متولّي حبس السندي.

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (قبض عليه السلام ببغداد في حبس السنديّ بن

ص: 105


1- في المخطوط : (مولد).
2- الكافي 1 : 476.
3- الكافي 1 : 486 / 9.
4- المصباح : 691.
5- دلائل الإمامة : 305 306.

شاهك لخمس بقين من رجب ، وقيل : لخمس خلون منه سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله خمس وخمسون سنة. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها حميدة البربرية ، ويقال لها حميدة المصفّاة) (1).

وقال المفيد في (الإرشاد) (2) ، وفي (مسارّ الشيعة) (3) : (قبض ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك لستّ خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله خمس وخمسون سنة. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها : حميدة البربريّة).

وقال الشهيد في (الدروس) : (قبض عليه السلام مسموماً في بغداد في حبس السنديّ بن شاهك لستّ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقيل : يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدى وثمانين ومائة) (4).

وقال الشيخ في (التهذيب) : (قبض قتيلاً بالسمّ ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك لستّ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وسنّه خمس وخمسون سنة. امّه أُمّ ولد يقال لها : حميدة البربرية. وقبره ببغداد من مدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش) (5).

وقال في (المصباح) : (وفي الخامس والعشرين يعني : من رجب كانت وفاة أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام) (6).

وقال بعض أصحابنا : (توفّيَ ببغداد يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة مسموماً في حبس السنديّ بن شاهك ، سقاه السمّ بأمر الرشيد ، ودفن بمدينة السلام (بغداد) في الجانب الغربيّ في المقبرة المعروفة بمقابر قريش).

وقال ابن شهرآشوب على ما نقله المجلسيّ (7) - : (المستشهد في حبس الرشيد

ص: 106


1- إعلام الورى بأعلام الهدى : 286.
2- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 215 ، ونص العبارة له.
3- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 59.
4- الدروس 2 : 13.
5- تهذيب الأحكام 6 : 81 / ب 29.
6- مصباح المتهجّد : 749.
7- مرآة العقول 6 : 36 37.

على يدي السنديّ بن شاهك يوم الجمعة لستّ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقيل : سنة ستّ وثمانين. كان مقامه مع أبيه عشرين سنة ، ويقال : تسع عشرة ، وبعد أبيه خمساً وثلاثين ، ودفن ببغداد بالجانب الغربيّ في المقبرة المعروفة بمقابر قريش من باب التبن ، فصار باب الحوائج. عاش أربعاً وخمسين سنة) (1).

هذا في النسخة التي بين يديّ ، وكأنّه تحريف من الكاتب ؛ إذ المنطبق على ما اختاره من أن مدة إقامته مع أبيه عشرون سنة وبعده خمس وثلاثون أن يكون عمره الشريف خمساً وخمسين لا أربعاً وخمسين.

وروى الصدوق بسنده عن عتاب بن أُسيد عن جماعة من مشايخ أهل المدينة قالوا : (لمّا مضى خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد وليّ اللّه موسى بن جعفر عليهما السلام مسموماً ، سمّه السنديّ بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيّب بباب الكوفة ، وفيه السدرة. ومضى عليه السلام إلى رضوان اللّه تعالى وكرامته يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقد تمّ عمره أربعاً وخمسين سنة. وتربته بمدينة السلام في الجانب الغربيّ بباب التبن في المقبرة المعروفة بمقابر قريش) (2).

وبسنده عن سليمان بن حفص المروزيّ قال : (إن هارون الرشيد قبض على موسى بن جعفر عليهما السلام سنة تسع وسبعين ومائة ، وتوفّيَ في حبسه ببغداد لخمس ليالٍ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة وهو ابن سبع وأربعين سنة ، ودفن بمقابر قريش. وكانت إمامته خمساً وثلاثين سنة وخمسة أشهر. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها حميدة ، وهي أُمّ أخويه إسحاق ومحمّد) (3).

والحاصل أن عام انتقاله إلى دار كرامة اللّه هو الثالث والثمانون بعد المائة بالنصّ والإجماع ، وما خالف ذلك شاذّ محمول على التقيّة. وكان في شهر رجب بالإجماع ،

ص: 107


1- مناقب آل أبي طالب 4 : 349.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 99 / 4.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 104 105 / 7.

والأظهر أنه سادس رجب ، والقول بأنه لخمس خلون منه يمكن ردّه إلى هذا بأدنى عناية. وإنّما استظهرت هذا ؛ لأنه أبعد الأقوال من مشهور العامّة من أنه لستّ بقين من رجب. أمّا ظاهر عبارة الشيخ في (المصباح) فشاذّ ، واللّه الهادي. والأظهر أنه الجمعة لأنه أشهر وأوفق.

ص: 108

الفصل العاشر : في مولد الإمام الثامن علي بن موسى الرضا سلام اللّه عليهما ووفاته

ميلاده المبارك

قال الكليني رحمه اللّه : (ولد أبو الحسن الرضا عليه السلام سنة ثمانٍ وأربعين ومائة) (1).

وفي الكفعمي : أبو الحسن الرضا ، ولد بالمدينة يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة سنة ثمانٍ وأربعين ومائة (2).

وقال بعض أصحابنا : (ولد يوم الجمعة ، ويقال : يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، ويقال : سنة ثلاث وخمسين. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها : أُمّ البنين ، وكان اسمها سكن النوبيّة ، ويقال خيزَران المرسيّة ويقال : شهدة ، والأصحّ خيزران).

وقال ابن جرير : (ولادة أبي محمّد عليّ بن موسى عليهما السلام. قال أبو محمّد الحسن بن عليّ الثاني عليه السلام ولد بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة بعد وفاة أبي عبد اللّه عليه السلام بخمس سنين.

وأقام مع أبيه تسعاً وعشرين سنة وأشهراً). ثمّ ذكر حديثاً في شراء امّه ، قال : (وكان يقال لها قليم) (3).

ص: 109


1- الكافي 1 : 486.
2- المصباح : 691.
3- دلائل الإمامة : 348 ، وفيه : (تكتم) ، لكن المحقّق أشار في هامش الكتاب إلى أن اسمها في نسختين خطّيّتين أُخريين من المصدر (قليم).

وروى الصدوق عن علي بن ميثم أن اسمها تكتم ، وأن الكاظم عليه السلام سمّاها الطاهرة لمّا ولدت الرضا عليه السلام.

إلى أن قال الحاكم أبو علي : قال الصولي : والدليل على أن اسمها تكتم قول الشاعر :

ألا إن خير الناس نفساً ووالداً *** ورهطاً وأجداداً عليّ المعظم

أتتنا به للعلم والحلم ثامناً *** إماماً يؤدّي حجّة اللّه تكتم (1)

وأورد حديثين آخرين عن عليّ بن ميثم عن أبيه تضمّنا أن اسمها نجمة (2).

وروى بسنده عن عتاب بن أُسيد قال : (سمعت جماعة من أهل المدينة يقولون : ولد الرضا علي بن موسى عليهما السلام بالمدينة يوم الخميس [لإحدى عشرة (3)] ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة ثلاث وخمسين ومائة بعد وفاة أبي عبد اللّه عليه السلام بخمس سنين) (4).

وقال الشيخ في (التهذيب) (5) والمفيد في (الإرشاد) (6) : (ولد عليه السلام بالمدينة سنة ثمانٍ وأربعين ومائة).

وقال في (مسارّ الشيعة) : (الحادي عشر من ذي القعدة مولد علي بن موسى الرضا عليه السلام بالمدينة يوم الاثنين سنة ثمانٍ وأربعين ومائة) (7).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام بالمدينة سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، ويقال : إنه ولد لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة يوم الجمعة سنة ثلاث

ص: 110


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 14 15.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 16 17 : وأحدها عن هشام بن أحمد.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : (أحد عشر).
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 18 / 1 ، وفيه : (غياث بن أُسيد).
5- تهذيب الأحكام 6 : 83 / ب 33 ، ونص العبارة له.
6- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 247.
7- لم ترد هذه العبارة في المصدر في فصل شهر ذي القعدة. انظر مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 34 - 35. ويشار إلى أنها لم ترد في متن المخطوط ، بل في هامشه ، وأُشير إليها بعلامة السقط وهو الرمز (صح) مع تحديد موقعه في المتن في الموقع المثبتة فيه الآن.

وخمسين ومائة بعد وفاة أبي عبد اللّه عليه السلام بخمس سنين. رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه ، وقيل : يوم الخميس امّه أُمّ ولد اسمها نجمة ، ويقال : سكن النوبيّة ، ويقال : تكتم). ثمّ نقل رواية الصوليّ مثل ما تقدّم حتّى البيتين (1).

وقال الشهيد في (الدروس) : (الإمام الرضا أبو الحسن عليّ بن موسى وليّ المؤمنين ، امّه أُمّ البنين. ولد بالمدينة سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، قيل : يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة) (2).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (أبو الحسن الثاني علي بن موسى الرضا عليه السلام. ولد بالمدينة سنة ثمانٍ وأربعين ومائة ، وقيل : يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة. وعليه اعتمد صاحب كتاب (الحقائق الإيمانية) وابن طلحة).

وبالجملة ، فعام مولده الأزهر هو الثامن والأربعون بعد المائة إجماعاً ، والأظهر أنه الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل لبعده عن أقوال العامّة ، وإطلاقات الأكثر لا تنافيه ، واللّه العالم. ولعلّ امّه تسمّى بتلك الأسماء كلّها ؛ فقد تتعدّد الألقاب.

وفاته عليه السلام

وأما انتقاله إلى دار كرامة اللّه ، فقال الكلينيّ رحمه اللّه : (قبض عليه السلام في صفر من سنة ثلاث ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة. وقد اختلف في تاريخه إلّا إن هذا التاريخ هو أقصد إن شاء اللّه تعالى. وتوفّيَ بطوس في قرية يقال لها سناباد من نُوقان (3) على دعوة (4) ، ودفن بها. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها أم البنين) (5).

ص: 111


1- إعلام الورى بأعلام الهدى : 302.
2- الدروس 2 : 14.
3- نُوقان بضم النون - : إحدى قصبتي طوس القصبة الأُخرى : طابران وفيها تنحَت القدور. معجم البلدان 5 : 311 نوقان.
4- على دعوة : أي بعد سناباد من نوقان على قدر سماع صوت الأذان ، أو مطلقاً ، يقال : هو مني دعوة الرجل ، أي قدر ما بيني وبينه قدر سماع الصوت. انظر القاموس المحيط 4 : 474 الدعاء ، شرح الكافي (المازندراني) 7 : 269.
5- الكافي 1 : 486.

وروى بسنده عن ابن سنان قال : (قبض علي بن موسى عليه السلام وهو ابن تسع وأربعين سنة وأشهر في عام اثنين ومائتين ، عاش بعد موسى بن جعفر عليهما السلام عشرين سنة إلّا شهرين أو ثلاثة) (1).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (قبض عليه السلام بطوس من خراسان في قرية يقال لها سناباد في آخر صفر ، وقيل : في شهر رمضان لسبع بقين منه يوم الجمعة سنة ثلاث ومائتين ، وله خمس وخمسون سنة. استشهد في ملك المأمون ، لعنه اللّه) (2).

ثمّ صرّح بأنّ قاتله المأمون بالسمّ (3).

وقال الشهيد الأوّل في (الدروس) : (قبض بطوس في صفر سنة ثلاث ومائتين) (4).

وقال المفيد في (الإرشاد) : (قبض بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين ، وله خمس وخمسون سنة. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها أُمّ البنين) (5).

وقال في (مسارّ الشيعة) : (في اليوم السابع عشر من صفر كانت وفاة أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام بطوس من أرض خراسان في يوم الاثنين سنة ثلاث ومائتين) (6).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (قال صاحب (الحقائق الإيمانيّة) : كان وفاة الرضا عليه السلام يوم الاثنين لثلاث ليالٍ بقين من صفر سنة ثلاث ومائتين. ويقال : توفّيَ في شهر شعبان. والأوّل هو الأصح. وقيل : توفّيَ في الثالث والعشرين من ذي القعدة (7).

ص: 112


1- الكافي 1 : 491 492 / 11.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى : 303.
3- إعلام الورى بأعلام الهدى : 325.
4- الدروس 2 : 14.
5- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 247.
6- لم ترد هذه العبارة في المصدر في فصل شهر صفر. انظر مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 46 6. غير أنه وردت في فصل ذي القعدة ، انظر الصفحة : 34 منه ، وفيها : (وفي اليوم الثالث والعشرين منه كانت وفاة سيّدنا أبي الحسن على بن موسى الرضا عليه السلام بطوس من خراسان سنة (203) من الهجرة).
7- العدد القويّة : 725 / 7.

والمشهور أنه توفّيَ في صفر ، وذكر الكفعمي (1) أنه في السابع عشر منه ، وينبغي الاعتماد عليه) ، انتهى.

وروى الصدوق في (العيون) الرواية المشار لها في مولده بسنده عن عتاب بن أُسيد عن جماعة من أهل المدينة أنّهم قالوا : إنه عليه السلام توفّيَ بطوس في قرية يقال لها : سناباد من رستاق نوقان ، ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائيّ في القبّة التي فيها قبر هارون الرشيد إلى جانبه ممّا يلي القبلة ، وذلك في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة ثلاث ومائتين. وقد تمّ عمره تسعاً وأربعين سنة وستّة أشهر ، منها مع أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام تسعاً وعشرين سنة وشهرين ، وبعد أبيه عشرين سنة وأربعة أشهر (2).

قال المجلسيّ : (وروى الصدوق عن إبراهيم بن العبّاس : أنه عليه السلام توفّيَ في رجب سنة ثلاث ومائتين).

ثمّ قال : (والصحيح أنه توفّيَ في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة وله تسع وأربعون سنة. وروى ذلك بإسناده عن عتاب بن أُسيد) (3).

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (وفاة الرضا عليه السلام يوم الاثنين لثلاث بقين من صفر سنة ثلاث ومائتين ، ويقال : في شهر رمضان. والأوّل هو الأصحّ ، ومضى مسموماً من قبل المأمون ، ودفنه في دار حميد بن قحطبة الطائيّ في قرية يقال لها : سناباد من دعوة من نوقان (4) بأرض خراسان ، وتسمّى بطوس ، وفيها قبر هارون ، وقبر الرضا سلام اللّه عليه بين يديه في قبلته).

وبالجملة ، فالأشهر الأظهر أن عام مضيّه إلى دار رضوان اللّه هو الثالث بعد المائتين ، وأنه سابع عشر شهر صفر ، وعليه العمل في زماننا في أكثر البلاد ، وأنه يوم

ص: 113


1- المصباح : 692.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 18 / 1 ، وفيه : (غياث بن أُسيد).
3- مرآة العقول 6 : 71.
4- الذي في الكافي 1 : 486 : (من نوقان على دعوة).

الاثنين. والنصّ والإجماع قائمان على أنه مضى مسموماً شهيداً كمَن سلف من آبائه المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين والمخالف شاذّ (1) ، بل لا يبعد تحقّق الاتّفاق في زماننا على هذا ، وانقطاع القول بأنه مات حتف أنفه ، واللّه العالم.

ص: 114


1- من القائلين بذلك الشيخ المفيد في تصحيح اعتقادات الإماميّة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 5 : 131 132.

الفصل الحادي عشر : في مولد الامام التاسع سيّدنا محمّد بن عليّ الجواد سلام اللّه عليه ووفاته

ميلاده المبارك

قال الكليني رحمه اللّه : (ولد عليه السلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة) (1).

وقال المفيد في (الإرشاد) (2) مثله حرفاً بحرف ، ومثله عبارة الشهيد في (الدروس) (3) والشيخ في (التهذيب) (4) والإربليّ (5). هكذا كلّهم من غير تعيين اليوم.

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة لسبع عشرة ليلة خلت من الشهر ، وقيل : النصف منه ليلة الجمعة. وفي رواية ابن عيّاش : ولد يوم الجمعة لعشر خلون من شهر رجب) (6).

وقال الطبريّ : معرفة ولادة أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليهما السلام : قال أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ الثاني عليه السلام : «ولد بالمدينة ليلة الجمعة النصف من شهر رمضان سنة مائة وخمس وتسعين» (7).

ص: 115


1- الكليني 1 : 492.
2- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 273.
3- الدروس 2 : 14.
4- تهذيب الأحكام 6 : 90 / ب 37.
5- كشف الغمّة 3 : 134.
6- إعلام الورى بأعلام الهدى : 329.
7- دلائل الإمامة : 383.

وقال ابن شهرآشوب على ما نقله المجلسيّ (1) : (ولد عليه السلام بالمدينة ليلة الجمعة للتاسع عشر من شهر رمضان ، ويقال : للنصف منه. وقال ابن عيّاش : يوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة خمس وتسعين ومائة) (2).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (ولد بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة على ما ذكره الكلينيّ ، والشيخ في (التهذيب) ، والشيخ عليّ بن عيسى ، والشهيد في (الدروس) ، ولم يعيّنوا اليوم. وقيل : ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وقيل : النصف منه. وقيل : لعشر ليال خلون من رجب سنة خمس وتسعين ومائة ، وهذا هو المعتمد على ما رواه الشيخ في (المصباح) (3) عن ابن عيّاش.

وفي الدعاء الذي رواه القاسم بن [العلاء (4)] الهمدانيّ ما يؤيّده ، فإنّه تضمن أنه عليه السلام ولد في رجب (5). فالرواية المخصّصة له باليوم العاشر ينبغي الاعتماد عليها.

وقال المفيد في (مسارّ الشيعة) : (وفي النصف من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة كان مولد سيّدنا أبي جعفر محمّد بن علي الرضا ، سلام اللّه عليه) (6).

وقيل : عاشر رجب لخمس وتسعين ومائة).

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (ولد عليه السلام بالمدينة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ، ويقال : النصف منه.

وفي رواية اخرى أنه ولد يوم الجمعة لعشر ليالٍ خلت من شهر رجب سنة خمس وتسعين ومائة. وأُمّه أُمّ ولد اسمها درّة ، ويقال : سكن النوبيّة ، سمّاها الرضا عليه السلام الخيزران. وكانت من أهل بيت مارية القبطيّة ويقال : امّه نوبيّة واسمها : سبيكة).

ص: 116


1- مرآة العقول 6 : 94.
2- مناقب آل أبي طالب 4 : 411.
3- مصباح المتهجّد : 741 (حجري).
4- في المخطوط : (العلى).
5- مصباح المتهجّد : 741.
6- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 24.

وقال الكفعميّ : محمّد أبو جعفر الجواد عليه السلام ، ولد بالمدينة يوم الجمعة عاشر رجب سنة خمس وتسعين ومائة. امّه الخيزران ، عمره خمس وعشرون سنة (1).

وبالجملة ، فعام مولده العميم البركة هو الخامس والتسعون بعد المائة بالإجماع ، والأظهر أنه في العاشر من رجب ؛ لما صرّح به دعاء صاحب الأمر عليه السلام ، وهو قد اشتهرت روايته بين الفرقة وتلقّوه بالقبول وعملوا به. وكونه العاشر عيّنته رواية أُخرى كما عرفت ، ولم أجد ما يقاوم هذا فيعارضه ، والأظهر الأشهر أنه في ليلة الجمعة لرواية الطبريّ وغيرها ، واللّه العالم.

وفاته عليه السلام

وأمّا انتقاله سلام اللّه عليه إلى دار كرامة اللّه ، فقال الكليني رحمه اللّه : (قبض عليه السلام سنة عشرين ومائتين في آخر ذي القعدة وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً ، ودفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جدّه موسى عليه السلام. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها سبيكة [وكانت] نوبيّة ، ويقال أيضاً : إن اسمها كان خيزران. وروى أنها كانت من أهل بيت مارية أُمّ إبراهيم بن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله) (2).

وقال المفيد في (الإرشاد) : (قبض ببغداد سنة عشرين ومائتين في ذي القعدة ، وله خمس وعشرون سنة وأشهر ، وأُمّه أُمّ ولد يقال لها سبيكة وكانت نوبيّة. ودفن بمقابر قريش في ظهر جدّه موسى بن جعفر عليهم السلام) (3).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (قبض عليه السلام ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ، وله خمس وعشرون سنة في أوّل ملك المعتصم. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها سبيكة ، ويقال : درّة ، ثمّ سمّاها الرضا عليه سلام اللّه خيزران ، وكانت نوبيّة. ودفن عليه سلام اللّه في مقابر قريش في ظهر جدّه موسى ، عليه سلام اللّه) (4).

ص: 117


1- المصباح : 692.
2- الكافي 1 : 492.
3- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 273.
4- إعلام الورى بأعلام الهدى : 329.

وقال أبو جعفر الطبريّ : (كان مقامه مع أبيه سبع سنين وأربعة أشهر ويومين ، وروى سبع سنين وثلاثة أشهر ، وعاش بعد أبيه ثماني عشرة سنة غير عشرين يوماً ، واستشهد في ملك الواثق سنة عشرين ومائتين ، وعمره خمس وعشرون سنة وثلاثة أشهر واثنان وعشرون يوماً ، ويقال : اثنا عشر يوماً في ذي الحجّة يوم الثلاثاء على ساعتين من النهار لخمس خلون منه ، ويقال : لثلاث خلون منه) (1).

وقال الكفعميّ : عاش خمساً وعشرين سنة ، وتوفّيَ يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ، سمّه المعتصم لعنه اللّه ببغداد (2).

وقال الشهيد في (الدروس) : (قبض ببغداد في آخر ذي القعدة. وقيل : يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين. ودفن في ظهر جدّه الكاظم عليه السلام بمقابر قريش) (3).

وقال بعض أصحابنا : (عاش عليه السلام خمساً وعشرين سنة ، منها مع أبيه الرضا عليه السلام سبع سنين وأشهراً ، واستشهد في أوّل ملك المعتصم ، قتله الواثق بن العبّاس).

ونقل الشيخ عبد اللّه بن صالح عن (كشف الغمّة) (4) ، وكتاب (الحقائق الإيمانيّة) أنه في ذي القعدة ، ولم يعيّناه. ونقل الاتّفاق على أنه في ذي القعدة ، وفيه ما لا يخفى.

وقال الشيخ في (التهذيب) : (قبض ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ، وله خمس وعشرون سنة. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها الخيزران ، وكانت من أهل بيت مارية القبطيّة. ودفن ببغداد في مقابر قريش في ظهر جدّه موسى ، عليهما سلام اللّه) (5).

وقال ابن شهرآشوب على ما نقله المجلسي (6) : (قبض ببغداد مسموماً في آخر ذي القعدة. وقيل : يوم السبت لست خلون من ذي الحجّة سنة عشرين ومائتين. ودفن في مقابر قريش إلى جنب موسى بن جعفر عليهما سلام اللّه وعمره خمس

ص: 118


1- دلائل الإمامة : 394 395.
2- المصباح : 692.
3- الدروس 2 : 14 15.
4- كشف الغمّة 3 : 154.
5- تهذيب الأحكام 6 : 90 / ب 37.
6- مرآة العقول 6 : 94.

وعشرون سنة ، وقالوا : وثلاثة أشهر واثنان وعشرون يوماً. وأُمّه أُمّ ولد تدعى درّة ، وكانت مريسيّة ، ثمّ سمّاها الرضا عليه السلام خيزران ، وكانت من أهل بيت مارية القبطيّة. ويقال : إنّها سبيكة ، وكانت نوبيّة ، ويقال ريحانة ، وتكنّى أُمّ الحسن. ومدّة ولايته عليه السلام سبع عشرة سنة. ويقال : أقام مع أبيه سبع سنين وأربعة أشهر ويومين ، وبعده ثماني عشرة سنة إلّا عشرين يوماً ، واستشهد في ملك الواثق.

وقال ابن بابويه : (سمّه المعتصم) ..) (1).

ونقل المجلسيّ عن أبي عبد اللّه الحارثي أنه قال : روي أن امرأته أُمّ الفضل بنت المأمون سمّته في فرجه بمنديل (2).

ونقل أيضاً عن (عيون المعجزات) أن المعتصم محمّد بن هارون أشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه ففعلت ، وجعلت سمّاً في عنب رازقيّ فأكل منه وقبض في سنة عشرين ومائتين يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجّة ، وله أربع وعشرون سنة وشهور ؛ لأنّ مولده كان في سنة خمس وتسعين ومائة (3).

قال المجلسيّ : (وروى في (كشف الغمّة) (4) عن محمّد بن سعيد أنه عليه السلام قتل في زمن الواثق). وروى عن أحمد بن علي بن ثابت أنه في زمن المعتصم (5).

قال المجلسيّ : (كون شهادته عليه السلام في زمن الواثق مخالف للتواريخ المتقدّمة ؛ لاتّفاق أهل التواريخ على أن الواثق باللّه هارون بن المعتصم بويع في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وعشرين ومائتين (6). وقد دلّت التواريخ المتقدّمة على أنه عليه السلام مضى قبل ذلك بسبع سنين أو أكثر) (7).

قلت : الجمع ممكن بما ذكر بعض الأصحاب من أن الواثق سمّه في ملك

ص: 119


1- مناقب آل أبي طالب 4 : 411.
2- مرآة العقول 6 : 95.
3- مرآة العقول 6 : 95.
4- كشف الغمّة 3 : 137.
5- مرآة العقول 6 : 96.
6- تاريخ الخلفاء (السيوطيّ) : 340.
7- مرآة العقول 6 : 96.

المعتصم ، ولعلّه تولّى سمّه بأمره ، فنسبته لكلّ منهما صحيحة.

وروى الكلينيّ بسنده عن محمّد بن سنان قال : (قبض محمّد بن عليّ عليهما السلام وهو ابن خمس وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يوماً ، يوم الثلاثاء لستّ خلون من ذي الحجّة سنة عشرين ومائتين ، عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة إلّا خمسة وعشرين يوماً) (1).

وبالجملة ، فعام وفاته سنة العشرين بعد المائتين بالنصّ والإجماع ، والأشهر الأظهر أنه آخر ذي القعدة ؛ لأنه فتوى جلّ رؤساء الفرقة وإن كان [الصواب (2)] هو التاسع والعشرين منه ؛ لأنه المتيقّن ؛ ولأنه الذي يعود في كلّ سنة قطعاً ، فيفوز المؤمنون [بمواساة (3)] ساداتهم ومشاركتهم لهم في أحزانهم بخلاف يوم الثلاثين فإنّه لا يكون ، فتضيع وقوف أهل الإيمان ونذورهم وقربهم ، ولا يكون له في ذلك العام يوم وفاة ، وهذا بعيد من الحكمة. وأنه كان يوم الثلاثاء ؛ لأنه مشهور العصابة ، واللّه العالم.

ص: 120


1- الكافي 1 : 497.
2- في المخطوط : (النواب و).
3- في المخطوط : (بمساواة).

الفصل الثاني عشر : في مولد الإمام العاشر عليّ بن محمّد الهادي سلام اللّه عليه ووفاته

ميلاده المبارك

قال الكلينيّ رحمه اللّه : (ولد صلّى اللّه عليه للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين. وروى أنه ولد في رجب سنة أربع عشرة ومائتين) (1).

وقال المفيد في (الإرشاد) : (كان مولده بمدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين) (2).

وقال في (مسارّ الشيعة) : (وفي اليوم السابع والعشرين يعني من ذي الحجّة سنة مائتين واثنتي عشرة كان مولد سيّدنا أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ عليهم السلام) (3).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام بصريا (4) من المدينة في النصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين. وفي رواية ابن عيّاش : يوم الثلاثاء الخامس من رجب) (5).

ص: 121


1- الكافي 1 : 497.
2- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 297 ، وفيه : (بصريا من المدينة) بدل : (بمدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله).
3- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 42.
4- قرية أسّسها موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة أميال من المدينة. مناقب آل أبي طالب 4 : 414.
5- إعلام الورى بأعلام الهدى : 339.

وفي (الدروس) : (الإمام عليّ الهادي. أُمّه سمانة ، أُمّ ولد. ولد بالمدينة منتصف ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين) (1).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (ولد بالمدينة في النصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين على ما في (الكافي) ، و (التهذيب) و (الدروس). وروى أنه ولد في رجب سنة أربع عشرة ومائتين (2).

وفي كتاب (الحقائق الإيمانية) : ولد يوم الثلاثاء في رجب).

ثمّ ذكر ما في مصباح الشيخ (3) من رواية ابن عيّاش أنه ثاني رجب ، وأنه الخميس. ومن رواية إبراهيم بن هاشم أنه الثلاثاء ثالث عشر رجب سنة أربع وعشرين ومائتين ، وقال : (والذي صحّ عندي أنه ولد في رجب ؛ لاشتهار الرواية به ، ولتضمّن الدعاء الذي رواه القاسم الهمدانيّ له. ولا يبعد أن يكون الثالث عشر لاعتبار هذه الرواية ، وترجمتها على غيرها).

وقال أبو جعفر الطبريّ : معرفة ولادة أبي الحسن عليّ بن محمَّد عليهما السلام. قال أبو محمّد الحسن بن عليّ الثاني عليهم السلام ولد بالمدينة يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر رجب سنة أربع عشرة ومائتين. وكان مقامه مع أبيه ستّ سنين وخمسة أشهر ، وعاش بعد أبيه ثلاثاً وثلاثين سنة وتسعة أشهر (4).

وقال الشيخ في (المصباح) : (ذكر ابن عيّاش أن مولد أبي الحسن الثالث يوم الثاني من رجب ، وذكر أيضاً أنه في اليوم الخامس) (5).

وقال في (التهذيب) : (ولد عليه السلام بالمدينة للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين) (6).

وقال الكفعمي : أبو الحسن الهادي. ولد بالمدينة يوم الجمعة ثاني رجب سنة

ص: 122


1- الدروس 2 : 15.
2- الكافي 1 : 497.
3- مصباح المتهجّد : 754.
4- دلائل الإمامة : 409.
5- مصباح المتهجّد : 741.
6- تهذيب الأحكام 6 : 92 / ب 41.

اثنتي عشرة ومائتين. وأُمّه سمانة أُمّ ولد (1).

وروى المجلسيّ (2) والشيخ عبد اللّه بن صالح عن الشيخ أنه قال : (وروى إبراهيم ابن هاشم القمّيّ قال : ولد عليه السلام يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة مضت من رجب سنة أربع عشرة ومائتين) (3).

وبالجملة ، فالنصّ والإجماع قائمان على أن عام مولده العميم البركة هو الرابع عشر بعد المائتين ، والأظهر أنه في رجب ؛ لاعتبار ما دلّ عليه من الأخبار ، وضعف غيره عن مقاومته ، وهو أيضاً أبعد من مشهور العامّة. وأنه الثالث عشر ، ولعلّ لفظ : (عشر) سقط من رواية من روى الثالث من رجب ؛ لأنّ ما دلّ عليه من الروايات أقوى ممّا سواه. وأنه الثلاثاء من الأُسبوع.

وفاته عليه السلام

وأمّا انتقاله إلى دار كرامة اللّه تعالى ، فقال الكليني رحمه اللّه : (مضى عليه السلام لأربع بقين من جمادى الآخرة ، وروى أنه قبض في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله إحدى وأربعون سنة وستّة أشهر ، أو أربعون سنة على المولد الآخر الذي روي. وكان المتوكّل أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى (سرّ من رأى) فتوفّيَ بها ودفن في داره. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة) (4).

وقال المفيد رحمه اللّه في (الإرشاد) : (توفّيَ ب- (سرّ من رأى) في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله إحدى وأربعون سنة وأشهر ، وكان المتوكّل أشخصه مع هرثمة بن أعين من المدينة إلى (سرّ من رأى) حتّى مضى لسبيله. ومدة إمامته ثلاث وثلاثون سنة. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة) (5).

وقال في (مسارّ الشيعة) : (وفي اليوم الثالث من رجب سنة أربع وخمسين

ص: 123


1- المصباح : 692.
2- مرآة العقول 6 : 109.
3- مصباح المتهجّد : 754.
4- الكافي 1 : 497.
5- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 297.

ومائتين كانت وفاة سيّدنا أبي الحسن عليّ بن محمّد صاحب العسكر عليه السلام ، وله إحدى وأربعون سنة) (1).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (قبض عليه السلام ب- (سرّ من رأى) في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله إحدى وأربعون سنة وأشهر) (2) إلى آخر ما في (الإرشاد) حرفاً بحرف.

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (توفّيَ عليّ بن محمَّد عليهما السلام يوم الاثنين لثلاث ليالٍ خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ب- (سرّ من رأى) ، ودفن في بيته. وسبب شخوصه من المدينة إلى (سرّ من رأى) استدعاء المتوكّل إيّاه).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (توفّيَ عليه السلام ب- (سر من رأى) يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب من سنة أربع وخمسين ومائتين على ما رواه الشيخ في (المصباح) عن إبراهيم بن هاشم ، وبه قال في (التهذيب) ، والمفيد ، وعلى هذا وقع الاتّفاق على رجب ، والتخصيص لا ينافي الإطلاق).

قلت : في دعوى الاتّفاق ما لا يخفى كسابقه.

وقال الشيخ في (التهذيب) : (قبض عليه السلام ب- (سرّ من رأى) في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله إحدى وأربعون سنة وسبعة أشهر. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة ، وقبره بداره ب- (سرّ من رأى) ..) (3).

وقال أبو جعفر الطبريّ : (كان مقامه مع أبيه ستّ سنين وخمسة أشهر ، وعاش بعد أبيه ثلاثاً وثلاثين سنة وتسعة أشهر ، واستشهد في آخر ملك المعتزّ ، وقد كمل عمره أربعين سنة ، يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة خمسين ومائتين. ويقال : إنه قبض يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين. ويقال : يوم الاثنين لخمس خلون من جمادى سنة أربع وخمسين ومائتين ، ودفن

ص: 124


1- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 58.
2- إعلام الورى بأعلام الهدى : 339.
3- تهذيب الأحكام 6 : 92 / ب 41.

ب- (سرّ من رأى) في داره) (1).

وقال الشهيد في (الدروس) : (قبض ب- (سرّ من رأى) يوم الاثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن في داره بها) (2).

وقال الكفعميّ : توفّيَ وله إحدى وأربعون سنة ، يوم الاثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، سمّه المعتزّ في (سرّ من رأى) ، ودفن بها (3).

وقال الشيخ في (المصباح) : (وفي اليوم الثالث من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين كانت وفاة سيّدنا أبي الحسن علي بن محمّد صاحب العسكر ، وله أحد وأربعون سنة) (4).

وقال المجلسيّ في (حاشية الأُصول) : (قال ابن شهرآشوب (5) : قال ابن بابويه : سمّه المعتمد).

وقال الكفعمي : (سمّه المعتز) (6).

واختلف في تاريخ وفاته ؛ قال الشيخ في (المصباح) : (وروى إبراهيم بن هاشم قال : توفّيَ يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين. ونحوه روى ابن عيّاش).

وزاد : (له إحدى وأربعون سنة) (7).

وقال ابن شهرآشوب : (قبض ب- (سرّ من رأى) ، الثالث من رجب ، وقيل : يوم الاثنين لثلاث بقين من جمادى الآخرة نصف النهار) (8).

وفي (إعلام الورى) ، و (ربيع الشيعة) : (قبض ب- (سرّ من رأى) ..) ، إلى آخر ما مرّ

ص: 125


1- دلائل الإمامة : 409 410.
2- الدورس 2 : 15.
3- المصباح : 692.
4- مصباح المتهجّد : 741.
5- مناقب آل أبي طالب 4 : 433.
6- المصباح : 692 ، وقد ذكره المصنف رحمه اللّه قبل هذا بقليل.
7- مصباح المتهجّد : 741 ، بالمعنى ، وعبارة : (له إحدى وأربعون سنة) عبارة الشيخ رحمه اللّه.
8- مناقب آل أبي طالب 4 : 433.

من عبارة (إعلام الورى).

إلى أن قال في آخر ما نقل عنها : (وفي آخر ملك المعتزّ وهو الزبير بن المتوكّل استشهد وليّ اللّه عليّ بن محمَّد عليهما السلام ودفن بداره ب- (سرّ من رأى) ..) (1).

وبالجملة ، فالإجماع والنصّ قائمان على أن موته في رجب [السنة (2)] الرابعة والخمسين بعد المائتين. ولا يبعد تحقّق الإجماع المشهوريّ المؤيّد بالنصّ على أنه الثالث من رجب ، وأنه يوم الاثنين ، واللّه العالم.

ص: 126


1- إعلام الورى بأعلام الهدى : 339.
2- في المخطوط : (سنة).

الفصل الثالث عشر : في مولد الإمام الحادي عشر أبي محمّد الحسن بن علي العسكري سلام اللّه عليه ووفاته

ميلاده المبارك

قال الكلينيّ رحمه اللّه : (ولد عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين) (1).

وقال الشيخ في (المصباح) : (اليوم العاشر من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين كان مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليهم السلام) (2).

وقال في (التهذيب) : (أبو محمّد ولد بالمدينة في ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين) (3).

وروى أبو جعفر بن جرير بسنده عنه عليه السلام أنه قال كان مولدي في ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.

وهذا الذي اعتمده ابن جرير ، ثمّ قال : (وقد روي أنه ولد بالمدينة في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين) (4).

وقال الشهيد في (الدروس) : (أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ. امّه حديث أُمّ ولد. ولد عليه السلام بالمدينة في شهر ربيع الآخر وقيل : يوم الاثنين رابعه سنة

ص: 127


1- الكافي 1 : 503.
2- مصباح المتهجّد : 733.
3- تهذيب الأحكام 6 : 92 / ب 42.
4- دلائل الإمامة : 223.

اثنتين وثلاثين ومائتين) (1).

وقال الكفعمي : أبو محمّد العسكري. ولد بالمدينة يوم الاثنين رابع ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائتين في ملك الواثق. امّه حديث أُمّ ولد (2).

وقال المفيد في (الإرشاد) : (ولد عليه السلام بالمدينة في شهر ربيع الأوّل) (3).

وقال المجلسي : (قال الشيخ في (المصباح) ، والمفيد في (حدائق الرياض) : (ولد عليه السلام اليوم العاشر من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين).

وقال ابن شهرآشوب : (ولد عليه السلام يوم الجمعة لثمانٍ خلون من ربيع الآخر ، وقيل : ولد ب- (سرّ من رأى) سنة اثنتين وثلاثين ومائتين) (4).

وقال الحميريّ في (دلائل الإمامة) : (ولد أبو محمَّد عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين) ، انتهى.

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (كان مولده عليه السلام بالمدينة يوم الجمعة لثماني ليالٍ خلون من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين) (5)) (6).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (أبو محمّد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام. ولد بالمدينة في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين كما في (الدروس) و (التهذيب) وبعض نسخ (الكافي) ، وفي بعض نسخة : في شهر رمضان).

وفي كتاب (الحقائق) : (لثمانٍ خلون من شهر ربيع الأوّل ، ويقال : في شهر ربيع الآخر).

وفي (المصباح) أنه اليوم العاشر من شهر ربيع الآخر ، وهو الذي اعتمد عليه المجلسيّ وعليه الاعتماد (7).

ص: 128


1- الدروس 2 : 15.
2- المصباح : 692.
3- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 13.
4- مناقب آل أبي طالب 4 : 455.
5- إعلام الورى بأعلام الهدى : 349 ، عنه في مرآة العقول 6 : 132.
6- مرآة العقول 6 : 132.
7- مرّ في الصفحة السابقة ، الهامش : 2.

وقال المفيد في (مسارّ الشيعة) : (اليوم العاشر من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين من الهجرة كان مولد سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا عليهم السلام) (1).

وبالجملة ، فالأشهر الأظهر أنه عليه السلام ولد في عاشر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وعليه دلّت الأخبار وفتاوى وجوه الفرقة ، والأظهر أنه يوم الجمعة ، واللّه العالم.

وفاته عليه السلام

وأمّا انتقاله إلى دار كرامة اللّه تعالى فقال الكليني رحمه اللّه تعالى - : (قبض عليه السلام يوم الجمعة لثمانٍ خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ، وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة ، ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه ب- (سرّ من رأى). وأُمّه أُمّ ولد يقال لها [حديث (2)]) (3).

وقال المفيد في (الإرشاد) (4) ، والشيخ في (التهذيب) (5) : قبض عليه السلام يوم الجمعة لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ، وله ثمانٍ وعشرون سنة ، ودفن في داره ب- (سرّ من رأى) في البيت الذي دفن فيه أبوه. امّه أُمّ ولد يقال لها حديث. ومدّة خلافته ستّ سنين.

وفي (مسارّ الشيعة) مثله ، إلّا إنه نصّ فيه على أن وفاته [في اليوم (6)] الرابع منه (7).

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (قبض عليه السلام ب- (سرّ من رأى) لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ، وله ثمانٍ وعشرون سنة. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها حديث. ومدة خلافته ستّ سنين. وقبضه اللّه في أيّام المتوكّل ، ودفن في داره ب- (سرّ

ص: 129


1- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 52.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : (أُمّ حبيب).
3- الكافي 1 : 503.
4- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 336.
5- تهذيب الأحكام 6 : 92 / ب 42.
6- في المخطوط : (يوم).
7- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 49.

من رأى) في البيت الذي دفن فيه أبوه.

وذهب كثير من أصحابنا إلى أنه عليه السلام مضى مسموماً ، وكذا أبوه وجدّه ، وجميع الأئمّة عليهم السلام خرجوا من الدنيا على الشهادة. واستدلّوا على ذلك بما روي عن الصادق عليه السلام من قوله واللّه ما منّا إلّا مقتول شهيد) (1).

وقال الشهيد في (الدروس) : (قبض عليه السلام ب- (سرّ من رأى) يوم الأحد) (2).

وقال المفيد : (يوم الجمعة ثامن ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ، ودفن إلى جانب أبيه) (3).

وقال المجلسيّ : (وأمّا وفاته فذهب الأكثر إلى أنها كانت يوم الجمعة ، أو الأربعاء ، لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل سنة مائتين وستّين ، وهو ابن ثمانٍ وعشرين ، أو تسع وعشرين في زمن المعتزّ ، وقيل : المعتمد ، وهو أظهر.

وقال الشيخ في (المصباح) : (توفّيَ أول يوم من ربيع الأوّل) (4) ..).

ثمّ نقل كلام ابن طلحة ، وابن الخشّاب ، وعبد العزيز ، وقد تضمّن أنه توفّيَ ثامن ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ، ثمّ قال : (وقال الحميري في (دلائل الإمامة) : (قبض يوم الجمعة لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ، وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة).

وفي (عيون المعجزات) أن اسم امّه سليل.

وقال الصدوق : (قتله المعتمد بالسمّ).

والأصوب أن وفاته في زمن المعتمد ؛ إذ لا يوافق ما ذكر في تاريخ وفاته إلّا ذلك).

ثمّ أخذ في نقل كلام المؤرّخين من كلام المسعوديّ وغيره ليقرّر ذلك ، ثمّ قال : (وإنّما أوردت بعض أحوال خلفائهم ليظهر أن شهادة أبي محمَّد عليه السلام كانت في زمن المعتمد ، لا مَن تقدّمه كما توهم.

ص: 130


1- إعلام الورى بأعلام الهدى : 349.
2- الدروس 2 : 15.
3- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 336.
4- مصباح المتهجّد : 732.

وقال الكفعمي : عاش ثمانياً وعشرين سنة ، وتوفّيَ يوم الجمعة ثامن ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ب- (سرّ من رأى). امّه أُمّ ولد اسمها حديث (1)) (2).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (وقع الاتّفاق في الشهر ، والاختلاف في اليوم).

وقال أبو جعفر الطبريّ : (كان مقامه مع أبيه ثلاثاً وعشرين سنة. وفي ملك المعتمد استشهد وليّ اللّه ، وله تسع وعشرون سنة. ومات مسموماً يوم الجمعة لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ب- (سرّ من رأى) ، ودفن في داره إلى جانب قبر أبيه. وأُمّه أُمّ ولد تسمى شكل النوبيّة ، ويقال : سوسن المغربيّة ، ويقال : سقوس ، ويقال : حديث) (3).

وقال الشيخ في (التهذيب) : (قبض ب- (سرّ من رأى) لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين ، وسنّهُ ثمانٍ وعشرون سنة. وأُمّه أُمّ ولد يقال لها حديث. وقبره إلى جانب قبر أبيه عليهما السلام بدارهما ب- (سرّ من رأى) ..) (4).

وقال بعض أصحابنا : (مضى يوم الجمعة لثمانٍ خلون من ربيع الأول سنة ستين ومائتين) إلى آخر ما قال الشيخان.

وقال البهائي : (الأوّل من ربيع الأول فيه وفاة أبي محمّد العسكريّ عليهما السلام سنة ستين ومائتين).

وبالجملة ، فالظاهر تحقّق الإجماع على أن انتقاله سلام اللّه عليه إلى دار كرامة اللّه في اليوم الثامن من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين بعد المائتين. و [المخالف] (5) شاذّ في كلّ عصر ؛ قائلاً ودليلاً ، بل لا دليل يظهر للمخالف. والأظهر الأشهر أنه الجمعة ، واللّه العالم.

ص: 131


1- المصباح : 792.
2- مرآة العقول 6 : 131 133.
3- دلائل الإمامة : 423 424.
4- تهذيب الأحكام 6 : 92 / ب 42.
5- في المخطوط : (الخلاف).

ص: 132

الفصل الرابع عشر : في مولد إمام الزمان الخلف الحجّة محمّد بن الحسن عجّل اللّه فرجه وفرّج عنّا به

اشارة

قال الكليني رحمه اللّه : (ولد عليه السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين (1).

الحسين بن محمّد الأشعريّ عن معلّى بن محمّد عن أحمد بن محمّد قال : خرج عن أبي محمَّد عليه السلام حين قتل الزبيري هذا جزاء من افترى على اللّه في أوليائه ، زعم أنّه يقتلني وليس لي عقب فكيف رأى قدرة اللّه؟. وولد له ولد سمّاه (م ح م د) سنة ستّ وخمسين ومائتين) (2).

وقال المجلسيّ في (حاشية أُصول الكافي) بعد قول الكليني : (ولد للنصف من شعبان) - : (هذا هو المشهور بين الإماميّة. وروى الصدوق في (إكمال الدين) بسنده عن غياث بن [أُسيد (3)] أنه عليه السلام ولد يوم الجمعة لثمانٍ خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين (4).

وروى بإسناده عن عقيد أنه عليه السلام ولد ليلة الجمعة غرّة شهر رمضان من سنة أربع وخمسين ومائتين.

وقال السيّد المرتضى في (عيون المعجزات) : (والرواية الصحيحة أن القائم عليه السلام

ص: 133


1- الكافي 1 : 541.
2- الكافي 1 : 541 / 1.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : (أسد).
4- كمال الدين 2 : 432 / 12.

ولد يوم الجمعة طلوعَ الفجر لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين).

وروى بأسانيد عن حكيمة رضي اللّه عنها كما في المتن (1) يعني أنه كان للنصف من شعبان قال : (إلّا إنّها قالت : سنة ستّ وخمسين. وروى الشيخ في (الغيبة) عنها سنة خمس وخمسين (2).

وقال الشيخ : (روى علّان (3) بإسناده أن السيّد عليه السلام ولد في سنة ستّ وخمسين ومائتين بعد مضيّ أبي الحسن عليه سلام اللّه بسنتين) (4).

وقال المفيد : (ولد عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين .. والأشهر أن اسم امّه نرجس ، وقيل : صقيل ، وقيل : سوسن) (5).

قال في شرح حديث الزبيريّ المذكور : (وإنّما أتى بالحروف المقطّعة لتحريم التسمية. وقوله : (سنة ستّ) يخالف التاريخ المذكور في العنوان ، وقد يتكلّف بجعله ظرفاً ل- (خرج) أو (قتل) ، وقد يجمع بينهما بحمل أحدهما على الشمسية والأُخرى على القمرية) (6) ، انتهى.

قلت : الظاهر أن كتابة الاسم العظيم حروفاً مقطّعة إنّما هو من تصرّفات الكَتَبة أو الرواة ؛ لاعتقادهم تحريم التسمية ، وإلّا فلا دليل يدلّ على جواز ذكر الاسم بحروفه المقطّعة دون المتّصلة ، بل الأدلّة منحصرة في مجوّزٍ للتسمية على الإطلاق ، أو مانع

ص: 134


1- أي في قول الكليني رحمه اللّه المارّ ذكره.
2- الغيبة : 234 / 204.
3- علّان هو علي بن محمد بن إبراهيم. وكان من أمره أنه استشار الإمام عليه السلام في الخروج إلى الحج فنهاه ، فخرج فقتل. انظر رجال النجاشي 1 : 260 261 / 682.
4- الغيبة : 245 / 212.
5- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 339.
6- مرآة العقول 6 : 170 171.

على الإطلاق. فالقول بجواز تسميته بذكر اسمه حروفاً مقطعة دون المتّصلة تفصيل اجتهادي لا يدلّ عليه دليل أصلاً لا من نصّ ولا إجماع ولا اعتبار عقليّ. على أن الحقّ جواز التسمية في الغيبة الكبرى ، والمنع من إظهارها لغير خواصّ شيعة آل محمّد في الغيبة الصغرى ، وعلى ذلك تلتئم الروايات ويرتفع تنافيها. وليس المقام مقام بيان المسألة.

رجع

وقال أبو جعفر الطبريّ : (وكانت الليلة التي ولد عليه السلام فيها ليلة الجمعة لثماني ليالٍ خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين) (1).

وقال الشيخ في (المصباح) : (وفي هذه الليلة يعني : ليلة النصف من شعبان ولد الحجّة الصالح صاحب الأمر عليه السلام) (2).

وقال البهائيّ : (الخامس عشر من شعبان. فيه ولد الإمام أبو القاسم محمّد المهديّ صاحب الزمان عليه السلام ، وذلك ب- (سرّ من رأى) سنة خمس وخمسين ومائتين).

وقال بعض مؤرّخي أصحابنا : (ولد ب- (سرّ من رأى) ليلة النصف من شعبان قبل طلوع الفجر سنة خمس وخمسين ومائتين.

ثمّ قال : (ومقدار ما مضى من عمره مائتان وأربع وخمسون سنة ؛ لأنه ولد سنة خمس وخمسين ومائتين ، وتاريخ اليوم سنة تسع وخمسمائة ؛ كان منها مع أبيه أبي محمَّد عليه السلام خمس سنين).

ثمّ قال : (وأمّا وقت وفاته فهو يكون قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الفرج ، وعلامته خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء ، ويغلق باب التوبة ، ويسقط التكليف ، فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل).

قلت : لعلّه أراد بالأربعين اليوم : أياماً غير [الأيّام] المعهودة ، أو لعلّه يرى أنه عليه السلام

ص: 135


1- دلائل الإمامة : 501.
2- مصباح المتهجّد : 773.

آخر من يرفع من أهل البيت بعد الرجعة ؛ فإن أراد الأوّل أمكن تصحيحه بوجه ، وإن أراد الثاني ففيه نظر ، واللّه العالم.

وقال الطبرسيّ في (إعلام الورى) : (ولد عليه السلام ب- (سرّ من رأى) ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين. روى ذلك محمّد بن يعقوب الكلينيّ عن عليّ ابن محمَّد عليهما السلام ، وكان سنّهُ عند وفاة أبيه خمس سنين) (1).

وقال المفيد في (الإرشاد) : (كان مولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وأُمّه أُمّ ولد يقال لها نرجس) (2).

وقال في (مسارّ الشيعة) : (وفي ليلة النصف منه يعني : شعبان سنة أربع وخمسين ومائتين كان مولد سيّدنا صاحب الزمان عليه السلام) (3).

وقال الشهيد في (الدروس) : (الإمام المهديّ الحجّة صاحب الزمان أبو القاسم محمّد ابن الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّ ، عجّل اللّه فرجه. ولد ب- (سرّ من رأى) يوم الجمعة ليلاً ، وقيل : صبح (4) خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين. امّه نرجس ، وقيل : مريم بنت [زيد العلويّة (5)]) (6).

وقال الكفعميّ : محمّد أبو القاسم الخلف المهديّ عليه السلام ، ولد ب- (سرّ من رأى) في الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين في زمن المعتمد. امّه نرجس أُمّ ولد. يموت يوم الجمعة بالمدينة (7).

وقال الشيخ عبد اللّه بن صالح : (الإمام القائم المهديّ عليه السلام ، ولد ليلة النصف من شعبان ليلة الجمعة ، وقيل : الضحى منه سنة خمس وخمسين ومائتين. والأصحّ الأوّل ؛ فإنّ الرواية به مأثورة ، والأقوال به مشهورة) ، انتهى.

ص: 136


1- إعلام الورى بأعلام الهدى : 393 394.
2- الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 11 / 2 : 339.
3- مسارّ الشيعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 7 : 61.
4- في المصدر : (ضحى).
5- من المصدر ، وفي المخطوط بياض.
6- الدروس 2 : 16.
7- المصباح : 692.

وبالجملة ، فالأظهر الأشهر أن عام مولده الذي عمّت بركته الخلائق إلى يوم الدين هو الخامس والخمسون بعد المائتين ، وروايات السادس والخمسين يمكن ردّها إليه بنوع عناية. وأنه ليلة النصف من شعبان قرب طلوع الفجر ، بل لا يبعد تحقّق الإجماع المشهوريّ على ذلك في كلّ زمان ، والظاهر تحقّق الإجماع الآن عليه. وأنه ليلة الجمعة.

وأمّا عام شهادته فاللّه أعلم به ؛ حيث بطل التوقيت لقيامه ، إلّا إن من المقطوع به بالنصّ والإجماع أنه كآبائه من محمَّد صلى اللّه عليه وآله يخرج على الشهادة. وإذا طلبت النصوص على ذلك عموماً وخصوصاً وجدتها غير عزيزة. والاعتبار الصحيح أيضاً حاكم بأنّ مرتبة الشهادة ودرجة تلك السعادة لا يتخلّف عنها أحد من الأربعة عشر سلام اللّه عليهم وعموم مثل كلّ مؤمن لا بدّ أن يموت ويقتل (1) دالّ عليه وهو كثير ، وغيره ممّا لا يخفى على المتتبّع ، واللّه العالم بحقيقة الحال.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الغرّ الميامين.

ص: 137


1- وردت بهذا المعنى أحاديث كثيرة ، انظر : تفسير العيّاشي 1 : 255 226 / 160 ، مختصر بصائر الدرجات : 19 ، 21 ، 25 ، بحار الأنوار 53 : 40 / 8 ، و 53 : 65 66 / 58.

ص: 138

الرسالة العشرون : إعراب «صلى اللّه عليه وآله»

اشارة

ص: 139

ص: 140

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين ، الّذي لا ينفكّ شي ء من نعمة أبداً ، والصلاة والسلام على محمَّد صلى اللّه عليه وآله وآله أسعد السعداء.

وبعد :

فيقول أقلّ الورى عملاً وأكثرهم زللاً ، أحمد بن صالح بن طوق : إن مسألة صلى اللّه عليه وآله ممّا التبست على بعض الأفهام ، وكثر فيها الخوض والكلام. وهي أحد صور الصلاة على نبيّنا صلى اللّه عليه وآله أجمعين وسلم الواجبة عند كثير من علماء الأُمّة الأعلام ، وبها يستجاب الدعاء ، وتتمّ الصلاة المفروضة وتقبل ، وتنوّر الكلام.

تصوير الخلاف في المسألة

وذلك أن علماء العصر اختلفوا في إعراب الآل من هذه الصورة ، فبعضهم يقول : الحقّ ما ذهب إليه البصريّون في المنع من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار (1) ، فيجب عندهم نصب آله ، فبعضهم بالعطف على محل الضمير البعيد ،

ص: 141


1- انظر شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336 ، الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 463 ، شرح ابن عقيل 3 : 239.

وبعضهم على المعيّة (1).

وأكثرهم يقول : الحقّ ما ذهب إليه الكوفيّون من عدم وجوب إعادة الخافض فيجوّزون فيه مع النصب على أحد الوجهين السابقين الجر بالعطف على محلّ الضمير القريب. هذا حاصل كلامهم ، أمدّ اللّه في أيّامهم.

ص: 142


1- انظر حاشية الصبّان على شرح الأشموني 2 : 140.

الأدلة على جواز العطف بدون إعادة الجار

اشارة

وقد ظهر لي في هذه المسألة وجوب الجر في لفظ الآل ، ولنقدّم كلاماً في أصل مسألة العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، فنقول : ما ذهب إليه الكوفيون ، ويونس ، والأخفش ، وقطرب ، وعمر الشلوبين ، وأبو عبيدة ، ومحقّقو المتأخّرين كابن مالك (1) وغيره ، من عدم وجوب إعادة الجارّ (2) ؛ وذلك لكثرة العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ في كلام العرب.

قال أبو حيان : (والذي اختاره جواز ذلك ؛ لوروده في كلام العرب كثيراً نظماً ونثراً ، ولسنا متعبدين باتّباع جمهور البصريين ، بل نتّبع الدليل) ، انتهى.

وممّا ورد من ذلك قوله :

... *** فاذهبْ فَمَا بِكَ والأيامِ مِنْ عَجَبِ (3)

بجرّ (الأيّام) ، أنشده سيبويه (4). وأنشد الفراء :

ص: 143


1- شرح ابن عقيل (المتن) 3 : 239.
2- حاشية الصبّان على شرح الأشموني 3 : 115.
3- لم ينسب لقائل معيّن ، وأوّله : (فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا). الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 464 / 3. شرح ابن عقيل 3 : 240 ، حاشية الصبّان على شرح الأشموني (المتن) 3 : 115 / 657.
4- كتاب سيبويه 2 : 383 / 392 وهو من شواهده الخمسين التي لم يعزُها لقائل معيّن.

تُعلّقُ في مثلِ السواري سيوفُنا *** وما بينها والكفّ غوط نفانف (1)

بجر (الكفّ). وقال الآخر :

... *** فقد خاب من يُصلى بها وسعيرها (2)

وقال الآخر :

بنا أبَداً لا غيرِنا يُدرك المنى *** وتكشفُ غمّاءُ الخطوبِ الفوادحِ (3)

وقال الآخر :

أكرّ على الكتيبةِ لا أُبالي *** أحتفي كان منها أو سواها (4)

ف- (سواها) معطوف على الهاء في (منها) ، أورده الفارضي قال : (وأنشد الفراء :

هلا سألت [بذي (5)] الجماجم عنهُمُ *** وأبي نعيم ذي اللواء المحرق (6)

أي عنهم وعن أبي [نعيم]) ، انتهى.

ومثل ذلك قراءة حمزة ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) (7) بجر الأرحام (8) وهي

ص: 144


1- البيت لمسكين الدارمي. الحيوان 6 : 1. وذكر في : الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 465 ، شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : 545.
2- لم ينسب لقائل معيّن ، وأوّله : (إذا أوقدوا ناراً لحرب عدوّهم). شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : 545.
3- لم ينسب لقائل معيّن. شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : 546.
4- لم ينسب لقائل معيّن. الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 464.
5- من المصدر ، وفي المخطوط : (عن). وذو جماجم : من مياه العُمَق على مسيرة يوم منه. معجم البلدان 2 : 159 الجماجم.
6- لم ينسب لقائل معيّن. الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 6. خزانة الأدب 5 : 125.
7- النساء : 1.
8- عنه في الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 463.

قراءة ابن عبّاس ، والحسن ، ومجاهد ، والنخعيّ ، وقتادة (1) ، والأعمش ، ويحيى بن وثّاب (2) ، وأبي ردين.

ومثله ما حكاه قطرب (3) من قول بعض العرب : (ما فيها غيره وفرسه) ، بجرّ (فرسه).

قال بدر الدين بن مالك : (وممّا يجب أن يحمل على ذلك قوله تعالى ( وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (4) ؛ لأن جر المسجد الحرام بالعطف على ال - سبيل (5) ممتنع مثله باتفاق ؛ لاستلزام الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي ، فلم يبقَ سوى جرّه بالعطف على الضمير المجرور بالباء) ، انتهى (6).

قال محمّد الفارضي : (ومن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار قوله تعالى ( قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) (7) ، ف- ما معطوف على الضمير المجرور ، على أحد الأعاريب.

ومنه أيضا ( وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) فالمسجد معطوف على الضمير في به ، ولا يحسن عطفه على ال - السبيل الّذي هو معمول المصدر أعني : ال - الصدّ ؛ لأنه يلزم عليه الفصل بالأجنبي بين المصدر ومعموله ؛ فإن وكفر أجنبيّ عن المصدر الذي هو (الصدّ).

ويلزم عليه أيضاً العطف على المصدر قبل أن يستكمل معمولاته ؛ فإن وكفر معطوف على أصله) ، انتهى.

فإن قدرت له مصدراً محذوفاً لزمك إعمال المصدر محذوفاً ، وهو غير جائز على المشهور ، أو حرف جر لزم إعماله محذوفاً مع ضعفه حينئذٍ.

وعدم جواز إعمال حرف الجرّ مقدّراً في الاختيار إجماعاً إلّا في نحو : (اللّهِ لأفعلنّ).

ص: 145


1- عنهم في شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : 544.
2- عنهما في هؤلاء الإنصاف في مسائل الخلاف : 463.
3- عنه في شرح شذور الذهب : 449.
4- البقرة : 217.
5- الوارد في الآية نفسها في قوله تعالى «قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ».
6- شرح ألفيّة ابن مالك : 546 ، باختلاف.
7- النساء : 127.

وقال فخر المحقّقين في أجوبة مسائل مهنّا بن سنان لمّا سأله : هل يجوز أن يقال عند ذكر سيدنا محمّد صلى اللّه عليه وآله بدون إعادة حرف [الخفض (1)] ، أم يجب إعادته؟ ونقل له أن قوماً يمنعون من إعادته - : (لا وجه لهذا القول ، ولو لا اتّباع النقل لما جاز إلا بإعادة حرف الخفض) (2) ، انتهى.

وشواهد المسألة من كلامهم نثراً ونظماً أكثر من أن تحيط بها هذه الرسالة. ولنا غير ما مرّ من الشواهد أنه يلزمهم وجوب إعادة الجارّ مع عدم قيام القرينة على إرادتك في مثل قولك : جاءني غلامك وزيد ، إذا أردت غلاماً مشتركاً أو غلامين.

فإن قلت : اللبس أيضا حاصل في مثل هذا المثال فيما هو متّفق عليه من وجوب إعادة الخافض عند عطف الضمير على المجرور مطلقاً فإنك إذا قلت : جاءني غلام زيد وغلامك ، التبس الأمر وخفي القصد ، فليُغتفر اللبس هناك كما اغتفر هنا ، ويحال المراد على ما تعيّنه القرينة والمقام.

قلت : اللبس هنا ليس لنا عنه مفرّ ، وليس له دافع ، وهو داء لا علاج له إلّا اغتفاره ؛ وذلك لأن الضمير المجرور لا يكون إلّا متّصلا بعامله ، فوجب إعادة صورة لفظه لغرض اللبس على القرينة مهما أمكنت ، فنقصر مسألة عطف الضمير على المجرور على حال وجود القرينة.

وأمّا في مسألتنا ، فعلاج اللبس هيّن ، وهو ترك الإعادة ، فيجب المصير إليه ؛ إذ ليس بمستغرب عند ذوي اللسان كما قد سمعت ، ولا يؤخذ البريّ بذنب الشقيّ ، وتجنب اللبس واجب مهما أمكن.

وأيضا إن قالوا : إن العامل في المعطوف هو المعاد ، وإن له معنًى كالأوّل ، واللاحقان معاً [معطوفان (3)] على السابقين لزم أن يكون في مثل : (المال بيني وبين زيد) بينان بين بالنسبة إلى المضمر وآخر بالنسبة إلى المظهر ، وفساده ظاهر.

ص: 146


1- في المخطوط : (العطف).
2- أجوبة المسائل المهنائيّة : 172 / المسألة : 23.
3- في المخطوط : (معطوفا).

وأن (1) يتعدّى فعل واحد بحرفي جرّ متّفقين في اللفظ والمعنى ، وجنس المعمول في مثل (مررت بك وبزيد) ، وقد صرّح المحقّق الرضيّ (2) بمنعه.

وأن يكون المعاد حينئذٍ عاملاً خارجاً من حدّ العوامل ؛ إذ العامل ما به يتقوّم المعنى المقتضي للإعراب ، وهو متحقّق في الأوّل دون الثاني.

وأنه يخرج المعطوف أيضاً من حدّ التابع ؛ إذ هو كلّ ثانٍ بإعراب سابقه من جهة واحدة شخصيّة ، أو كلّ ثانٍ بإعراب سابقه لأجله ، أي إعراب الثاني لأجل إعراب الأوّل ، كما قاله الرضيّ (3).

وعلى هذا التقدير لا يكون إعراب الثاني من جهة إعراب الأوّل ، شخصاً. بل نوعاً ، ولا لأجله وهو واضح.

وأنه يخرج من حدّ المعطوف أيضاً ؛ إذ هو كما قال ابن الحاجب : (تابع مقصود بالنسبة مع متبوعه) (4). وعلى هذا التقدير يختلف القصد بالنسبة قطعاً ؛ لتحقّق النسبتين حينئذٍ ، وابن الحاجب من الموجبين.

ويرد أيضاً حينئذٍ أن سيبويه وهو إمام البصرية ورئيسهم قائل بأن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه بواسطة حرف العطف (5). وعلى هذا التقدير تبطل وساطة الحرف ، فيبطل عمل عامل المعطوف عليه فيه ، أو تجتمع علّتان على معلول واحد.

وأن أبا علي الفارسي (6) ، وابن جني (7) وهما من كبارهم ورؤسائهم قائلان بأن العامل في المعطوف مقدّر بعد العاطف.

وعلى ذلك التقدير يلزم إما إبطال هذا العامل المقدّر في خصوص هذه المسألة

ص: 147


1- أي ولزم أن ، وكذا في الموارد التي بعدها.
2- شرح الرضيّ على الكافية 2 : 335.
3- شرح الرضيّ على الكافية 2 : 277 ، 278.
4- شرح الرضيّ على الكافية (المتن) 2 : 331.
5- عنه في شرح الرضي على الكافية 2 : 281 ، وفيه : (هو الأوّل) بدل : (هو العامل في المعطوف عليه).
6- المصدر نفسه.
7- المصدر نفسه.

والإطلاق لا يقتضيه أو ترادف علّتين على معلول واحد.

وأن بعضهم قائل بأن العامل في المعطوف حرف العطف بالنيابة (1). وعليه على ذلك التقدير يجتمع المؤثّران على أثر واحد ، وهو جلي.

ولا رابع في المسألة.

فإن قلت : فما تقول إذن في مثل قوله تعالى ( فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ) (2) ، ونحو اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، ومثله كثير في كلام العرب ، فإن ما أوردته وارد في الظاهر عليه ، وهو وراد عليك؟

قلت : لا نسلّم أن هذا وما أشبهه ممّا نحن فيه ، بل هو من عطف الجمل (3) ، ولا بحث فيه ، وإنّما الكلام في المفردات.

وإن قالوا : إن المجرور وحده عطف على الضمير المجرور ، وإن المعاد لا معنى له ولا عمل غير تصحيح العبارة ، لزم أن يهمل عامل متأصّل في عمله ليس أقلّ من الحرف الزائد ، بلا سبب داعٍ ، ولا نظير له ، وأن يكون الاسم زائداً أيضاً ، وهم لا يجيزون زيادته.

والرضيّ قدس سره (4) اختار هذا الوجه الأخير ، ولكنه أحال العمل على المُعاد ، وهو لا ينجيه من لزوم زيادة الاسم وممّا مرّ أيضا كما ترى.

وأيضا يلزمهم على هذا الوجه الأخير حيلولة المعاد الّذي لا معنى له ولا عمل غير تصحيح اللفظ بين العاطف والمعطوف ، والجارّ والمجرور ، وكلاهما باطل لا نظير له في مثل هذا المقام.

فإن قلت : فما تصنع فيما إذا عطفت الضمير على المجرور ، فإن الإعادة لازمة كما تقرر؟

ص: 148


1- انظر المصدر نفسه.
2- فصّلت : 11.
3- وممّا يدلّ على أن العطف في الآية من باب عطف الجمل ، وأن المتعلّق متعدّد وجوبُ تقدّم السبب والعلّة على المسبب والمعلول وترتبهما ، وهيهات أن يخاطبا معاً بدون ترتب ، فالقول للأرض بعد القول للسماء ؛ لأنها الواسطة لها. (هامش المخطوط).
4- شرح الرضيّ على الكافية 2 : 335.

قلت : نختار فيه هذا الوجه الأخير ، ونحيل العمل على الأوّل. ولا نسلم عدم جواز زيادة الاسم خصوصاً في مثل هذه الضرورة ؛ إذ لا محيد عن الإعادة ، وفي الضرورة يُستباح ما لا يُستباح في غيرها.

فنقول : لمّا لم يتأتّ الإتيان بالضمير المتّصل بدون عامله ؛ لوجوب اتّصاله به وتعذّر اتّصاله به هنا كما سمعت روضي بإعادة صورة لفظه ، ليمكن الإتيان به ، كما روضيت الناقة الّتي فقدت فصيلها بالبوّ (1) ؛ ليُتمكّن من أخذ لبنها. وليس للضمير المجرور ضمير منفصل فيؤتى به بدل المتصل ، وليس الغرض من هذا اللفظ المعاد إلّا أمراً لفظيّاً خاصّة ، وقد وفى له به.

والفرق بينه وبين الحرف الزائد أن الحرف الزائد له تعلق بالمعنى في الجملة بخلاف هذا. بل ادّعى السيد المرتضى قدس سره في (الدرر والغرر) أن لا بدّ للحرف الزائد من معنى غير التوكيد.

وقد اضطرب الزمخشري في هذه المسألة ، ففي تفسير ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) وافق البصريّ ، ونسب قراءة حمزة إلى عدم السداد متعلّلاً ببائر التعليلات (2) ، وفي تفسير قوله تعالى ( فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (3) وافق الكوفيّ ، فقال : ( أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) في موضع جرّ عطفاً على ما أُضيف إليه الذكر في قوله تعالى ( كَذِكْرِكُمْ ) (4).

واحتجّ المانعون بأن الضمير المجرور شديد الاتّصال بجارّه ، فلا يجوز انفصال

__________________

(1) البوّ : جلد الحُوار وهو صغير الناقة يحشى لتعطف عليه الناقة إذا مات حُوارها ؛ كي يدر لبنها. لسان العرب 1 : 544 بوّ. والناقة في هذا الحال تسمّى العلوق ، قال أفنون (أبو عمرو بن الأنباري ، وقيل : صريم بن معشر بن ذهل التغلبي) :

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به *** رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن

انظر : مغني اللبيب : 67 ، خزانة الأدب 4 : 455 460.

(2) الكشاف 1 : 462.

(3) البقرة : 200.

(4) الكشاف 1 : 247.

ص: 149

المجرور من جاره ظاهراً كان أو ضميراً ، فهما كالشي ء الواحد ذي الأجزاء ، فيشبه العطف على الضمير المجرور العطف على بعض حروف الكلمة ، وبأن الضمير المجرور شبيه بالتنوين ، لمعاقبته له ، وكونه على حرف واحد مثله ، فلا يجوز العطف عليه ، كما لم يجُز العطف على التنوين.

قال صاحب (العباب) : (والجامع عدم استقلال كلّ واحد منهما).

وأقول : لو كان هذا مانعاً ، لمنع من العطف على المجرور مطلقاً ؛ إذ لا فرق في ذلك كلّه بين الضمير والظاهر.

فإن قلت : الفرق بينهما أن الاسم الظاهر ليس فيه سوى شدّة اتّصاله بجارّه ، والضمير فيه ما فيه (1) ، وكونه متّصلاً ، والضمير المتّصل كالجزء من الفعل حتّى إنه يسكّن به آخر الثلاثيّ في نحو (قمت) ، و (ضربت) ، وكونه على حرف واحد.

قلت : لو كانت هذه الأوصاف مانعة من العطف عليه دون الظاهر ، لامتنع العطف عليه مرفوعاً ؛ لتحقّق الأوصاف فيه ، والتأكيد والفصل لا يخرجانه عن اتّصافه بتلك الصفات ، ولامتنع توكيده والإبدال منه ، والمنع ممنوع باتّفاق ، والفرق بينهما وبين العطف بعدم كونهما أجنبيين منفصلين عن متبوعهما لا يجدي نفعاً ؛ إذ هو لا يخرج الضمير عن شدة الاتّصال وشبه التنوين بزعمهم.

وفرق بدر الدين بن مالك بين التوكيد والعطف ب- (أن التوكيد مقصود به تكميل متبوعه ، فينزّل منه منزلة الجزء ، وذلك يقتضي أمرين :

الأوّل : أن شبه الضمير بالتنوين حال توكيده أقلّ من شبهه به حال العطف عليه ، لطلبه حال التوكيد ما لا يطلبه التنوين وهو التكميل بما بعده فلا يلزم أن يؤثّر شبه التنوين في التوكيد ما أثّره في العطف ، لاحتمال ترتّب الحكم على أقوى الشبهين.

الثاني : أن شبه الضمير المجرور ببعض الكلمة وإن منع من العطف لا يمتنع عليه

ص: 150


1- أي ما في الاسم الظاهر.

تكميله ببقيّة أجزائه ، فكذا لا يمتنع على ما أشبه بعض الكلمة بما بعده).

قال : (وأما البدل فالفرق بينه وبين العطف أن البدل في نيّة [تكرار (1)] العامل ، فإتباعه الضمير المجرور في الحقيقة إتباع له وللجار جميعاً ، لأن البدل في قوّة المصرح معه بالعامل ، وليس كذلك المعطوف) ، انتهى (2).

وهو لا يجدي نفعاً أيضاً ، لأنا لا نسلّم أن التوكيد ينزل من الضمير المجرور منزلة الجزء ، وأن شبه الضمير المجرور بزعمه للتنوين حال توكيده أقلّ من شبهه له حال العطف ؛ لأن جهة الشبه على ما زعم وهي معاقبته للتنوين ، وكونه على حرف واحد ، وشدة اتّصاله باقية لم تتغيّر ولم تنقص.

واحتمال ترتّب الحكم على أقوى الشبهين مع تسليمه ضعيف جدّاً ؛ لأنه تأسيس حكم وتمهيد قاعدة باحتمال ، وهو كما ترى ، ولأنا لا نسلّم أنه إذا لم يمتنع تكميل بعض الكلمة ببقيّة أجزائه لم يمتنع تكميل ما أشبه بعضها بما بعده خصوصاً إذا كان ما بعده مستقلا بدلالته ، لأنه قياس مع الفارق.

وأيضاً لم نجد كلمة كمل بعضها دون بعض.

وأيضاً لا نعرف ما معنى تكميل بعض أجزاء الكلمة ببعض.

وأما فرقه بين العطف والبدل ب- (أن البدل في نيّة [تكرار (3)] العامل) ، ففاسد ؛ لأنا لا نسلّم أن البدل في نيّة تكرير العامل ، فلا يلزمنا.

ولئن سلّمناه ، فجوابه أنه حينئذٍ خارج عن فرض المسألة رأساً ؛ لأنه يصير من جملة أُخرى ، والفرض كونهما من جملة واحدة. مع أن سيبويه وهو إمام البصرية ، ومن تبعه كالمبرد ، والسيرافي ، والزمخشري ، وابن الحاجب ، والمحقّق الرضيّ (4) ، وغيرهم قائلون بأن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه.

ص: 151


1- من المصدر ، وفي المخطوط : (تكرير).
2- شرح ألفيّة ابن مالك : 547.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : (تكرير).
4- انظر المفصّل في علم العربيّة : 121 ، شرح الرضيّ على الكافية 2 : 279 280 ،.

هذا ، ونحن لا نسلّم مشابهة الضمير المجرور للتنوين ؛ لأن معاقبته له ممنوعة : أما إذا كان العامل فيه حرفاً ، فواضح ؛ إذ التنوين لا يدخل الحرف.

وأما إذا كان اسماً ، فلأن عمل المضاف في المضاف إليه إنّما هو لنيابته عن الحرف ، وقيل : للحرف (1) ، ولأن المضاف إليه من شأنه معاقبة تنوين المضاف ظاهراً كان أو ضميراً ، فلو كانت المعاقبة تُشابهُ بينهما فتمنع من العطف عليه لكان الظاهر مشابهاً للتنوين ؛ لأنه يعاقبه وشديد الاتّصال بجارّه ؛ فيمتنع العطف عليه إذن.

وأما كونه على حرف مثله ، فلو كان يُشابه بينهما ، فيمنع من العطف عليه ، لشابه بينهما حال كون الضمير مرفوعاً ، فمنع من العطف عليه ولو أكّد أو فصل ؛ إذ فصله وتوكيده لا يخرجانه عن كونه على حرف واحد.

وأمّا شدّة الاتّصال بالعامل فالمُظهَر والمضمر فيه شرع سواء ، بل كلّ ضمير متّصل شديد الاتصال بعامله لا يجوز فصله منه ؛ مرفوعاً كان ، أو منصوباً ، أو مجروراً.

فإن قلت : قولهم : (الكوفيّون يجوّزون العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار) يقتضي صحّة الإعادة عندهم ، ومقتضى كلامك إفسادُها رأساً.

قلت : ليس هو كما ذهبت ، بل معناه أنه يجوز لك أن تجعله من عطف الجمل ومن عطف المفردات ، فحيث أعدت الخافض كان من عطف الجمل ، فافهم.

وأجاب المانعون عما ورد من ذلك ، قال بدر الدين بن مالك : ([و (2)] ما ورد منه في السماع محمول على شذوذ إضمار الجار ، كما في نحو (ما كلّ بيضاء شحمة ، ولا سوداء تمرة) (3) ، ونحو : امرر ببني فلان إلا صالح فطالح) (4) ، انتهى.

ص: 152


1- أي أن العامل في المضاف إليه هو نيابة المضاف إليه عن الحرف الخافض ، أو هو الحرف المقدّر على القول بأن الإضافة إما أن تكون ظرفيّة أو بيانيّة أو تمليكيّة تحقيقاً أو تنزيلاً.
2- من المصدر ، وفي المخطوط : (إن من).
3- هذا مثل يضرب في مواضع التهمة. ويراد به : أن هذا الشي ء وإن أشبه ذاك في الظاهر ، لكنه في الحقيقة والباطن خلافه. انظر : مجمع الأمثال 3 : 275 / 3868، جمهرة الأمثال 2 : 229 / 1227.
4- شرح ألفيّة ابن مالك : 546.

وقال المحقّق الرضيّ : (أجاز الكوفيّون ترك الإعادة في حال السعة مستدلّين بالأشعار ، ولا دليل فيها ؛ إذ الضرورة حاكمة عليه ، ولا كلام فيها ، وبقوله تعالى ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) (1) بالجر في قراءة حمزة.

وأُجيب بأن الباء مقدّرة ، والجرّ بها (2) ، وهو ضعيف ، لأن حرف الجرّ لا يعمل مقدراً في الاختيار إلّا في نحو (اللّهِ لأفعلن).

وأيضاً لو ظهر الجارّ فالعمل للأوّل ، ولا يجوز أن تكون (الواو) في ( وَالْأَرْحامَ ) للقسم ، لأنه يكون إذن قسم السؤال ، لأن قبله ( وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) ، وقسم السؤال لا يكون إلّا مع الباء. والظاهر أن حمزة جوّز ذلك بناءً على مذهب الكوفيّين ؛ لأنه كوفي ، ولا نسلّم تواتر القراءات السبع) (3) ، انتهى كلام الرضيّ.

وأقول : أما الحمل على الشاذّ فشاذّ مخالف للقياس ، والاستعمال مع ما سمعت من ردّه في عبارة الرضيّ بعد الاحتجاج بالأشعار على قراءة حمزة ، ففيما تلونا عليك من نثر غيرها كفاية.

وأمّا حمل الأشعار على الضرورة ، فما ورد منه في النثر يشهد له بعدم كونه كذلك.

ولو سلّمنا أن الواو في ( وَالْأَرْحامَ ) للقَسَم ، فلا يتأتى لهم حمل (الواو) في كلّ موضع على القسم.

وأما قول المحقّق الرضيّ رحمه اللّه : إن حمزة إنّما جوز ذلك بناء على مذهبه وأصحابه ، فكلام عجيب غريب من مثله ؛ لأنه لم ينفرد بهذه القراءة حمزة وحده ، بل نقلت عن جماعة من السلف [الّذين (4)] يؤمن منهم القول برأي كوفيّ أو بصريّ ، ولأن القراءة بالرواية لا بالرأي ؛ إجماعاً خصوصاً السبعة ، وإلّا فما بال إمام الكوفية الكسائي لم يقرأ بقراءة حمزة ، وكذا غيره من قرّاء الكوفة؟

ص: 153


1- النساء : 1.
2- أي والجرّ حاصل بها.
3- شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336.
4- في المخطوط : (الذي).

قال الفاضل النظام النيسابوري في تفسير سورة (النساء) عند الكلام على ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) - : (من قرأ والأرحام بالجرّ فللعطف على الضمير المجرور في به ، وهذا وإن كان مستنكراً عند النحاة بدون إعادة الخافض لأن الضمير المتّصل من تتمّة ما قبله ولا سيما المجرور ، فأشبه العطف على بعض الكلمة إلّا إن قراءة حمزة ممّا ثبت بالتواتر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فلا يجوز الطعن فيها لقياسات نحويّة واهية كبيت العنكبوت) (1) ، انتهى.

وقال الشيخ أبو علي الطبرسيّ في (مجمع البيان) : (واعلم أن عدد أهل الكوفة أصحّ الأعداد وأعلاها إسناداً ؛ لأنه مأخوذ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه من الصلاة أفضلها وتعضده الرواية الواردة عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال فاتحة الكتاب سبع آيات إحداهن ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

إلى أن قال قدس سره الشريف - : (وأما حمزة فقرأ على جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه وسلامه عليهما وقرأ أيضاً على الأعمش سليمان بن مهران ، وهو قرأ على يحيى بن وثاب ، وهو قرأ على علقمة ومسروق والأسود بن يزيد ، وهم قرؤوا على عبد اللّه بن مسعود. وقرأ حمزة على حمران بن أعين ، أيضاً ، وهو قرأ على أبي الأسود الدؤلي ، وهو قرأ على علي بن أبي طالب ، عليه سلام اللّه) (2).

وبالجملة ، فأخذ حمزة قراءته بالرواية عن أهل البيت عليهم السلام ، وعن النبي صلى اللّه عليه وآله ممّا لم نعثر فيه على خلاف ، وذكر من صرّح به ونصّ عليه لا يسعه مجلد ، فأين هذا من قوله : (بمقتضى رأي الكوفية) مع أن الرضيّ نفسه قال في باب المفعول معه : (والبصريون يجوّزونه يعني العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار للضرورة وأمّا في حال (3) السعة ، فيجوزونه بتكلّف ، وذلك بإضمار حرف الجر ، [مع أنه (4)] لا يعمل مقدّراً لضعفه).

ص: 154


1- غرائب القرآن ورغائب الفرقان 2 : 341.
2- مجمع البيان 1 : 8 10.
3- ليست في المصدر.
4- من المصدر ، وفي المخطوط : (بأنه).

ثمّ قال : (والأولى جواز العطف ؛ لوروده في القرآن الشريف ، كقوله تعالى ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) بالجر في قراءة حمزة) (1).

فانظر أيّ القولين منه أصوب ، وهذا منه مع إمامته في فنّه سهو ، فسبحان عاصم أوليائه.

هذا مع أن هذه كلّها تعليلات في مقابلة الورود ، والتعليل مع صحّته لا يقبل إلّا في تقرير الوارد وتوجيهه ، فكيف مع الفساد ومقابلة الوارد به.

رجعنا إلى ما هو المقصود من تقرير وجوب جر الآل من صلى اللّه عليه وآله ، فنقول : أما جره فواضح ممّا قررناه ، وأما نصبه فهو إما بالعطف على محلّ الضمير ، أو على المعية ، أو بإضمار فعل متعدّ ، والجميع باطل لا يصحّ.

بطلان القول بنصب «آله» عطفاً على المحل وشروط العطف عليه

أمّا الأوّل ، فلأنهم أجمعوا على أن للعطف على المحل ثلاثة شروط عدا ابن جني ، فإنه خالف في واحد فلم يلتزمه. قال ابن هشام في (مغني اللبيب) : وللعطف على المحل عند المحقّقين شروط :

أحدها : إمكان ظهور ذلك المحل في الفصيح ، ألا ترى أنه يجوز في نحو : ما زيد بقائم ولا قاعداً ، بالنصب أن تسقط الباء ، فتنصب (قائماً) ، وعلى هذا فلا يجوز مررت بزيد وعمراً ، بالنصب خلافاً لابن جنّيّ ؛ لأنه لا يجوّز مررت زيداً؟

ولا تختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائداً ، كما مثلنا ؛ بدليل قوله :

فان لَمْ تجدْ مِنْ دونِ عدنانَ والداً *** ودونَ معدّ فلتزعك العواذل (2)

الثاني : أن يكون الموضع بحق الأصالة فلا يجوز : هذا ضارب زيداً وأخيه ؛ لأن

ص: 155


1- شرح الرضيّ على الكافية 1 : 522 ، وفيه : (وقال الأندلسيّ : يجوز العطف على ضعف إن لم يقصد النصّ على المصاحبة ، وهو أولى) بدل : (والأولى جواز العطف).
2- البيت للبيد بن ربيعة. ديوان لبيد بن ربيعة (ضمن ديوان الفروسيّة) : 204.

الوصف المستوفي لشروط العمل الأصل إعماله لا إضافته ؛ لالتحاقه بالفعل.

الثالث : وجود المحرز ، أي الطالب لذلك المحل (1) ، انتهى ملخّصاً.

وإنّما اشترطوا الشرط الأوّل ؛ لأنهم اشترطوا لصحّة العطف على اللفظ إمكان توجّه العامل إلى المعطوف أو مرادفه ، فإذا لم يصحّ ظهور ذلك المحلّ في المعطوف عليه لم يصح توجّه العامل للمعطوف فافهم. ففي مسألتنا لا يجوز عطف آله على محلّ الضمير البعيد ؛ لأنه لا يصحّ أن تقول : (صلّاهُ اللّه) ولا (صلّى اللّه إيّاه) ؛ لعدم وروده. وصحة العطف على محله البعيد مشروطة بصحته ، وإذا بطل الشرط بطل المشروط.

فإن قلت : لم لا يجوز العطف على محل الضمير البعيد وهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل؟

قلت : ذلك أمر اضطرّوا له في تصحيح أمثلة وردت عن العرب ووجب قبولها ، وأما هنا فلا يصح الحمل عليه بعد تصريحهم بالمنع من خصوص المسألة. ولنا عن الحمل عليه مندوحة ولا ضرورة ملجئة إليه.

يؤيد ذلك ما قاله الدمامينيّ في (المنهل الصافي) عند قول الماتن : (امتنع الضارب زيد) - : يعني : بالإضافة. وضعّف

ص: 156


1- مغني اللبيب : 616 617 قال ابن هشام بعد ذكره الشرط الثالث ما ملخّصه : وابتنى على هذا امتناع جملة مسائل : إحداها: ارتفاع (عمرو) في نحو (إن زيداً وعمراً قائمان)، لأن الطالب لرفع زيد هو الابتداء الذي هو التجرد، وقد زال هذا التجرد بدخول (إن) عليه. الثانية: ارتفاع (عمرو) في نحو (إن زيداً قائم وعمراً) إذا لم تقدر (عمرو) مبتدأ بل قدرته معطوفاً على المحل. والبصريون منعوا هذا لمانع هو غير المحرز لأنهم لم يشترطوه، والمانع عندهم هو توارد عاملين: (إن والابتداء). الثالثة: ارتفاع (عمرو) وانتصابه في نحو (أعجبني ضرب زيدٍ وعمرو) لأن الاسم المشبه بالفعل - من حيث عمله، وهو هنا مصدر (الضرب) - لا يعمل في اللفظ حتى يكون محلّى بلام التعريف، أو منوّناً أو مضافاً. الرابعة: انتصاب (عمرو) في نحو (هذا ضارب زيد وعمرو). انظر مغني اللبيب: 617 - 618.

الواهبُ المائةَ الهجانَ وعبدها *** ............ (1)

إذ الأوّل مباشر والثاني تابع. وعلى هذا التعليل جاز (الضارب الرجل وزيد) ، قال الشارح الدماميني - : (لأنه تابع لا مباشر ، وقد يحتمل في التابع ما لا يحتمل في المتبوع ؛ بدليل (ربّ رجل وغلامه) و (كلّ شاة وسخلتها) ، مع امتناع (رب غلامه) ، و (كلّ سخلتها).

قلت : وفيه نظر ؛ لأن التعليل بالتبعيّة إنّما هو توجيه لأمر يسمع على سبيل الندور والقلّة ولا يلزم اطّراده في كلّ محلّ. على أن سيبويه مذهبه في ذينك المثالين أن ضمير (غلامه) و (سخلتها) نكرة ، كما في (ربّه رجلاً) ؛ [وعلّله] أن الضمير الراجع إلى نكرة غير مختصّة بحكم من الأحكام نكرة) ، إلى هنا كلام الدماميني ، وهو صريح في المطلوب.

بلى يصحّ ذلك على مذهب ابن جنّيّ ، ومن تبعه كالقاضي في تفسيره ، ولكنه غير معلوم الصحّة ، والحقّ أحقّ أن يتّبع.

بطلان القول بنصب «آله» على المعيّة

وأمّا الثاني أعني نصبه على أنه مفعول معه ففاسد أيضاً ؛ وذلك أنّك إذا قصدت نصب آله على المعيّة صار معنى قولك صلى اللّه عليه وآله الصلاة عليه وحده في حال مصاحبته لآله ، ولا يقصد هذا ذو حجىً ممّن يريد براءة الذمّة ، لأن المفعول معه لا يجوز قصد تشريكه في حكم المصاحب ، ولو كان في الواقع مشاركاً له ، إلّا إن الشركة ليست مقصودة ولا مفهومة من موضوع الكلام. ولو قصد التشريك لوجب العطف وبطلت المعيّة ، أعني : قصد المصاحبة.

هذا هو الفرق بين معنى المعيّة والعطف ؛ لأن العطف لا يقصد فيه إلّا مجرّد التشريك

ص: 157


1- البيت للأعشى الكبير (ميمون بن قيس) ، وتمامه : (عوذاً تزجّي خلفها أطفالها). ديوان الأعشى الكبير : 29 / 3، شرح الرضيّ على الكافية 2 : 231 / 285 ، 2 : 339 ، ولم ينسبه لأحد.

بين المتعاطفين ، وإن كان هناك في الواقع مصاحبة ، إلا إنها غير مقصودة ولا مفهومة من موضوع الواو العاطفة ، بل عمّم الأمر نجم الدين سعيد فحكم بأن كلّاً من واو العطف والمعيّة موضوع للمصاحبة. وإنّما الفرق بينهما أن العاطفة تفيد مع المصاحبة التشريك في الحكم ، بخلاف واو المفعول معه ؛ فإنها لا تدلّ إلّا على مطلق المصاحبة وإن كان في العاطفة ، مخالفاً لما هو المشهور بينهم من أن العاطفة لمطلق الجمع.

ولا يصح مثالنا ويقبله اللّه تعالى إلّا إذا قصد التشريك بين المُظهَر والكناية في الصلاة ، وهو مستحيل مع نصبه على أنه مفعول معه.

فإن قلت : كلام الرضيّ رحمه اللّه تعالى صريح في صحّة قصد التشريك في المفعول معه ؛ لأنه قال : (ونعني بالمصاحبة كونه يعني المفعول معه مشاركاً لذلك المعمول يعني المصاحب في ذلك الفعل في وقت واحد ، ف- (زيد) في (سرت وزيداً) مشارك للمتكلم في السير في وقت واحد أي وقع سيرهما معاً وفي قولك : (سرت أنا وزيد) بالعطف يشاركه في السير ، لكن لا يلزم كون السيرين في وقت واحد) (1) ، انتهى. وهو صريح لا يقبل التأويل.

قلت : هذا سهو لا يجوز المصير إليه ، ولا التعويل عليه ؛ لمخالفته لما صرّح به جلّ أرباب الصناعة ، ولعلّه نشأ من اشتراط الأخفش (2) ، والخليل في نصب الاسم على أنه مفعول معه جواز عطفه من حيث المعنى على مصاحبه ؛ لأنه قرره وذلك بناءً على أن (الواو) أصلها العطف أي أن واو المصاحبة أصلها واو العطف بمعنى أن المفعول معه في الأصل معطوف عدل به إلى النصب ؛ لقصد التنصيص على المصاحبة مع بقاء مشاركته لما قبله ، كما هو صريح عبارة الرضيّ.

وفيه :

أمّا أولاً ، فلا نسلّم أنها واو العطف ، بل [هي (3)] غيرها وضعاً ، كما هو ظاهر

ص: 158


1- شرح الرضيّ على الكافية 1 : 515.
2- عنه في شرح الرضيّ على الكافية 1 : 519.
3- في المخطوط : (في).

من عبارات أئمّة الفن.

وأما ثانياً ، فلأن مقتضى هذا أن (واو) المعيّة (واو) العطف ، والمفعول معه معطوف عُدل به عمّا يقتضيه العطف لغرض. وفيه إخراج حرف العطف عن مقتضاه الوضعي بلا دليل ، وإبطال أثره مع بقاء الوضع ، وإلغاء للعامل بحسب الوضع على تقدير كونه عاملاً أو جزءَ عامل ، وإخراج للفعل السابق عن مقتضاه من العمل إن لم يكن ، أو اجتماع أثرين متنافيين من مؤثّرين في محلّ واحد هو المفعول معه ، أو صدور أثرين متنافيين دفعة من مؤثّر واحد على الخلاف في العامل في المعطوف والمفعول معه.

وأما ثالثاً ، فلأنه لا يبقى فرق ولا يتحقّق تنصيص حين كون المصاحب مفعولاً ولا يرد جواز الوجهين أعني : النصب والعطف في صورة واحدة إجماعاً ؛ لأنا لا نسلّم أن ذلك تركيب واحد ، بل هما تركيبان مختلفان بحسب الوضع.

قال البدر الدماميني بعد ما نقل كلام الرضيّ في (المنهل الصافي) - : (ويرد عليه نحو (سير والطريق) ؛ فإنه من صور المفعول معه ، فلا نزاع. وليس للطريق مشاركة للمخاطب في السير المأمور به.

وقد صرّح بعضهم بأن المراد بالمصاحبة هنا : المصاحبة المطلقة ، سواء لم يكن ثَمّ تشريك في الحكم ، كالمثال الذي أوردناه ، أو كان ثَمّ تشريك لكنه غير مقصود ، بل القصد إلى مطلق المصاحبة) ، إلى هنا كلام الدماميني.

وقال ابن مالك في ألفيّته :

يُنصب تألى الواو مفعولاً مَعَهْ *** في نحو (سيري والطريقَ مسرعهْ) (1)

والتمثيل رمز وتكميل.

وقال ابنه بدر الدين عند كلامه على هذا البيت : (ينصب المفعول معه ، وهو الاسم المذكور بعد (واو) بمعنى (مع) أي دالّة على المصاحبة بلا تشريك في الحكم -

ص: 159


1- شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : 278 (المتن).

وقد شمل هذا التعريف لما كان من المفعول معه غير مشارك لما قبله في حكمه ، نحو (سيري والطريق) ، ولما كان منه مشاركاً لما قبله في حكمه ، ولكنه أعرض عن الدلالة على المشاركة ، وقصد إلى مجرّد الدلالة على المصاحبة نحو : (جئت وزيداً) (1) ، انتهى كلام بدر الدين.

وفي مختصر شرح الحريري على مُلحَته عند الكلام على قوله :

(وإن أقمتَ (الواوَ) في الكلامِ *** مقامَ (معْ) فانصبْ بلا ملامِ

تقول جاء البرد والحبابا *** واستوت المياه والأخشابا

وما صنعت يا فتى وسعدى *** فقس على هذا تصادف رُشْدا

أي إذا دلت (الواو) على مجرّد المعية من غير مشاركة في الفعل فانصب ما بعد الواو ، ويسمى : المفعول معه) ، انتهى.

والعبارات الصريحة في هذا المعنى كعبارة نجم الدين سعيد في شرح الحاجبية ، والشارح الجامي (2) ، وغيرهما (3) كثير جدا.

قال نجم الدين سعيد : (هذه (الواو) واو المفعول معه موضوعة للمصاحبة المطلقة ، سواء لا يكون تشريك في الحكم على (سير والطريق) ، أو يكون شركة ، لكن لا تكون مقصودة ، بل القصد إلى مطلق المصاحبة ، نحو : جئت وزيداً) ، انتهى.

وقال قدوة المتأخّرين الشيخ ياسين البحراني في فوائده : (المفعول معه هو اسم ذكر بعد (واو) لمصاحبته بغير تشريك ، نحو (سرت والنيل) ، و (مالك وزيداً) ، فإن صحّ العطف بلا ضعف خرج عن المفعولية اختياراً ، ومعه يتعيّن لها كذلك (4) ، ومطلقاً إن لم يصح العطف ، ويجب إن لم يصحّ لها ، فالأقسام أربعة) ، انتهى.

مع أن كثيراً من صور المفعول معه تخرج على تقدير مدّعى الرضيّ ، والتكلّف لا

ص: 160


1- شرح ألفيّة ابن مالك : 278.
2- الفوائد الضيائيّة 1 : 378.
3- شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) همع الهوامع 286 ، همع الهوامع 1 : 219 220.
4- أي ومع العطف بضعف يتعيّن للمفعوليّة.

يؤسّس حكماً ولا يمهّد قاعدة.

رجع

ولو تنزلنا وسلمنا صحة نصب آله على أنه مفعول معه ، لم يصح إلّا على مذهب الأخفش ، وأبي علي ؛ لأنهما يقيسان باب المفعول معه (1). وأما على مذهب من يقصره على السماع وهو قول الأكثرين فلا نزاع في عدم صحّته عندهم إلّا بعد ثبوت نصب آله بالرواية ، ولم يروه أحد.

بطلان القول بنصب «آله» بفعل متعدّ

وأما الثالث وهو نصب آله بإضمار فعل متعدّ مناسب للموجود ففاسد أيضاً :

أمّا أوّلاً ، فلأن الحذف خلاف الأصل.

وأمّا ثانياً ، فلأنه حذف لركني الإسناد بلا دليل يدلّ عليه ويعين المسند ، وهو ممنوع.

ما يفتقر إليه الحذف

قال التفتازاني : (الحذف يفتقر إلى أمرين :

أحدهما : قابليّة المقام ، وهو أن يكون السامع عارفاً به لوجود القرائن.

والثاني : الداعي الموجب للحذف) (2) ، انتهى.

وكلا الأمرين مفقود في مسألتنا ، فإن ادّعيت أن الفعل الموجود أعني صلّى هو القرينة الدالّة على المحذوف ، وسلمنا لك تلك الدعوى ؛ فإمّا أن تفرض المحذوف مغايراً للموجود ، فتقع في المحذور أعني : عدم دخول الآل معه في الصلاة عليه وإمّا أن تفرضه مرادفاً له ، فتخرج عن الأصل بلا دليل ، ولا داعٍ ؛ إذ الأصل عدم الاشتراك ، لأدائه إلى الإلباس ، حتّى إن جماعة نفوه أصلاً. ثمّ المثبتون له يقولون : متى عارضه غيره ممّا يخالف الأصل كالمجاز قُدّم عليه ، فكيف إذا

ص: 161


1- شرح الرضيّ على الكافية 1 : 526.
2- المطوّل : 67.

عارضته الحقيقة؟

ولنا مندوحة في التخلّص من هذه الشبهات بوجه عربيّ مسموع شائع ، فإذا ثبت عدم صحّة نصب آله على أنه مفعول معه ، أو بالعطف على موضع الضمير البعيد ، أو بإضمار فعل متعدّ ، ثبت وجوب جرّه بالعطف على موضع الضمير القريب ، أو إضمار حرف جرّ كما يراه البصريّون ، على ما تقدّم من نقل الرضيّ رحمه اللّه عنهم.

هذا ولو تنزّلنا وأرخينا العنان ، وكسرنا السنان ، وسلمنا صحّة دعوى وجوب الإعادة ، وصحّة نصبه على أحد الوجوه الثلاثة ، وقلّدنا ابن جنّيّ بلا دليل ، لكفى حجة قاطعة على وجوب جرّ آله بعد ما مضى كلّه ما قاله السيد الجليل نعمة اللّه الجزائري في شرح (السجادية) عند قول الإمام زين العابدين صلوات اللّه وسلامه عليه - والحمد لله الّذي منّ علينا بمحمد صلى اللّه عليه وآله دون الأُمم الماضية (1) قال رحمه اللّه تعالى - : (في قوله عليه السلام وآله بالجرّ دليل قاطع على ما ذهب إليه الكوفيّون من جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ في سعة الكلام ، وقراءة حمزة وَالأرْحَام بالجرّ وقول بعض العرب : فاذهب فما بك والأيّامِ من عجب وغيرهما دليل عليه. ومنعه البصريّون اختياراً ؛ لأن فيه العطف على جزء الكلمة ، ولا يسمع هذا بعد الورود.

نقل كلام الفاضل الداماد

وقال الفاضل الداماد : (صلى اللّه عليه وآله ، بالجر على ما قد بلغنا بالضبط على النسخ المعوّل على صحّتها جميعا ، ورويناه بالنقل المتواتر في سائر الأعصار إلى عصرنا هذا.

وما في حواشي (الجنة الواقية) للشيخ الكفعمي : (إن الصواب (صلى اللّه عليه

ص: 162


1- الصحيفة الكاملة السجاديّة : 39.

وعلى آله) ، لا صلى اللّه عليه وآله ، إلّا على تقدير أن يكون الآل منصوباً بالعطف على موضع الهاء من عليه) (1)من شرح الداماد، وفي (المصباح) الذي بين أيدينا: (رأيت).(2)من شرح الداماد، وفي (المصباح) الذي بين أيدينا: (حسن).(3) ففاسد ، وأفسد منه جعل (الواو) عاطفة كما لا يخفى) (4) ، انتهى.

وعلى تقدير تصحيح مذهب البصريّين يمكن أن يقال : النكتة في ترك الجار هاهنا توافق الاتّصال اللفظي مع الاتّصال المعنويّ ، حتّى كأن الفاصل اللفظي لا ينبغي أن يكون) ، إلى هنا كلام السيد نعمة اللّه قدس سره.

وكذلك ضبطه السيّد علي خان (5) بالجرّ.

فبعد أن يروي هؤلاء الأئمّة جرّ آله خلفاً عن سلف لا يجوز العدول إلى غيره وإن صحّ في صناعة العربيّة إلّا بدليل قاطع يعارض هذه الرواية. كيف ، وهو غير صحيح فيها؟ وإثبات الدليل على خلاف الجرّ محال.

ص: 163


1- المصباح : 107 / الهامش : 5 ، وفيه : (قال الشيخ الكراجكي قدّس اللّه سرّه في الجزء الثاني من كتابه (كنز الفوائد) : إني رأيت جماعة يُنكرون على من يفرّق بين اسم النبيّ وآله عليهم السلام ب (على) ، ويزعمون أنهم يأثرون في النهي عن ذلك خبراً ، ولم أسمع خبراً يجب التعويل عليه في هذا المعنى. والذي صحّ عندي في ذلك هو ما دلّ عليه علم اللغة العربيّة من أن الاسم المضمر إذا كان مجروراً لم يحسن أن يعطف عليه بدون إعادة الحرف الجارّ ، تقول : مررت بك وبزيد [ونزلت]
2- عليك وعلى عمرو ؛ لأن ترك ذلك [لحن]
3- .
4- شرح الصحيفة الكاملة السجاديّة : 94- 95 ، وفيه : (وأما الرواية المشهورة في ذلك فيما يدور على الألسن ، فقد سمعناها مذاكرة من الشيوخ ولم يبلغنا بها إسناد معتبر في شي ء من أُصول أصحابنا ومصنّفاتهم. وما في حواشي (جنة الأمان) للشيخ الكفعمي عن شيخنا الكراجكي قدس سره في الجزء الثاني من كتابه (كنز الفوائد) ..). ثم ساق نصّ العبارة المنقولة في الهامش : 1 من هذه الصفحة ، إلى قوله : (وإن كانت مجرورة ب (على) ..) ، ثم قال : (فليس من طوار الصحّة بمولج فإن الكوفيين يسوّغون الترك في حالتي الضرورة والسعة من غير تمحّل أصلاً).
5- رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين عليه السلام 1 : 426.

ووجه قول الفاضل : (فاسد ، وأفسد منه ..) (1) ظاهر ممّا تقدّم من روايته.

وأيضا تتبّعت كثيراً من كتب الدعوات المأثورة عن الهداة ، فما مر بي لفظ صلى اللّه عليه وآله أو (عليك وآلك) ، ولفظ آل ، مضبوطاً في الخطّ إلّا [وكان ضبطه] بالجرّ ، ومن البعيد جدّاً أن يكون كلّه غلطاً قد اتّفقت عليه النسخ المضبوطة وغيرها.

فإن قلت : إذا ثبتت الرواية عنه عليه السلام بجرّة ، فما وجه تطبيقه على مذهب البصريّين لأنهم فضلاء ، بل أكثرهم قدوة في فنه ، فمراعاة مذهبهم مطلوبة البتة.

قلت : البصريون لا ينكرون ورود مثله في كلام العرب إلّا إنهم يقدّرون فيما ورد من ذلك حرف الجرّ ولا يقيسونه ، بل ما نقله الرضيّ فيما تقدّم أعمّ من ذلك فراجعه. فجر مثلِ مثالنا مجمع على صحّته ، وأمّا نصبه فكما ترى ، فلا أقلّ من أن تسلك طريق الاحتياط ، واللّه المرشد للصواب ، وإليه المرجع والمآب. فانظر بعين البصيرة والإنصاف ، وتأمّل بقلب راضٍ وفكر صافٍ ، واصفح صفحاً جميلاً.

ص: 164


1- يلاحظ أنه لم ترد هذه العبارة في كلام الفاضل الداماد عن الكفعميّ في نسخة (شرح الصحيفة) الموجودة عندنا ، وما نقله الكفعميّ رحمه اللّه ليس منه بل هو عن الكراجكيّ. وبهذا لا تتمّ الإشارة إلى القائل ب (الفاضل).

خاتمة : في معنى الصلاة لغة

الصلاة في أصل اللغة العربية معناها الدعاء (مطلقاً) كما هو المشهور (1) ، أو (بخير) كما قيده خالد في ([شرح] التصريح) (2).

وقال ابن هشام في (مغني اللبيب) : (الصلاة لغة بمعنى العطف ، ثمّ العطف بالنسبة إلى اللّه تعالى الرحمة ، وإلى الملائكة الاستغفار ، وإلى الآدميّين دعاء بعضهم لبعض) (3) ، انتهى.

وقد رَدّ على المشهور بأنه لو قيل مكان صلى عليه : دعا عليه انعكس المعنى ، [بقوله] : و (حق المترادفين صحّة حلول كلّ منهما محل الآخر) (4).

وفي (الصافي) : عن (ثواب الأعمال) (5) عن الكاظم عليه السلام أنه سئل : ما معنى صلاة اللّه ، وصلاة ملائكته ، وصلاة المؤمن في قوله تعالى ( إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (6)؟ قال عليه السلام صلاة اللّه رحمة من

ص: 165


1- لسان العرب 7 : 398 صلا.
2- شرح التصريح على التوضيح 1 : 10 11.
3- مغني اللبيب : 791.
4- مغني اللبيب : 792.
5- ثواب الأعمال : 187 / 1.
6- الأحزاب : 56.

اللّه ، وصلاة الملائكة تزكية منهم له ، وصلاة المؤمنين دعاء منهم له (1).

فهي في الأوّلين مجاز وفي الأخير حقيقة على ما هو المشهور الظاهري. وبالنظر الرفيع : الأوّل هو الحقيقة ، والباقيان مجاز أقربهما لها صلاة خلّص المؤمنين ، ثمّ الملائكة ، ثمّ سائر البشر.

وفيه عن (المعاني) (2) عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية ، فقال الصلاة من اللّه تعالى الرحمة ، ومن الملائكة تزكية ، ومن الناس دعاء. وأما قوله عزوجل ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، يعني التسليم فيما ورد عنه صلى اللّه عليه وآله. قيل : فكيف نصلّي على محمّد؟ قال تقولون : صلوات اللّه ، وصلوات ملائكته ، وأنبيائه ، ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد ، والسلام عليه وعليهم ورحمة اللّه وبركاته. قيل : فما ثواب من صلّى على النبي صلى اللّه عليه وآله بهذه الصلاة؟ قال الخروج من الذنوب واللّه كهيئته يوم ولدته امه (3). وهذا الحديث كالأوّل في معنى الصلاة.

قال القمّيّ : (صلاة اللّه عليه تزكية له وثناء عليه ، وصلاة الملائكة مدحهم له ، وصلاة الناس دعاؤهم له والتصديق والإقرار بفضله) (4).

وفي (المحاسن) عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية ، فقال أثنوا عليه وسلموا له (5).

وفي (العيون) عن الرضا عليه السلام في مجلسه مع المأمون قال وقد علم المعاندُون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول اللّه ، قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال صلى اللّه عليه وآله : تقولون اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد (6).

ص: 166


1- التفسير الصافي 4 : 201.
2- معاني الأخبار : 367 368.
3- التفسير الصافي 4 : 201 ، وفيه : «كهيئة» بدل : «كهيئته».
4- تفسير القمّيّ 2 : 196.
5- المحاسن 2 : 53 / 1156.
6- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 236 ، وليست فيه : «وقد علم المعاندون».

وعن الرضا عليه السلام فيما كتبه من شرائع الدين والصلاة على النبي واجبة في كلّ موطن ، وعند العطاس ، والذبح وغير ذلك.

وفي (الخصال) مثله عن الصادق عليه السلام (1).

وفي (الكافي) (2) و (الفقيه) (3) عن الباقر عليه السلام وصلّ على النبيّ صلى اللّه عليه وآله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان وغيره ..) (4).

وروى عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنه قال مَنْ ذُكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار ، فأبعده اللّه (5).

وروى عن النبي أنه صلى اللّه عليه وآله سئل عن قول اللّه تعالى ( إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (6) ، فقال هذا من العلم المكنون ، ولو لا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به ، إن اللّه تعالى وكلّ بي ملكين ، فلا أذكر عند مسلم فيصلّي عليّ إلّا قال له ذانك الملكان : غفر اللّه لك ، وقال اللّه وملائكته : آمين ، ولا اذكر عند مسلم فلا يصلّي عليّ إلّا قال له ذانك الملكان : لا غفر اللّه لك ، وقال اللّه وملائكته : آمين (7).

تمت والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله وسلم تسليماً كثيراً ، لعشرٍ بقين من شهر رمضان المعظّم سنة (1207) (8) السابعة والمائتين والألف ، ملتمساً من الواقف على هذه الرسالة ، من العلماء الأعلام ، والسادة الكرام أن يمنّ علي بالنظر لها بعين الرضا ، مجتهداً في تصحيح وإصلاح ما فيها من خطأ أو سهو يغضب به الرحمن ، ويخفّ به الميزان ، وأن يسأل الكريم المنّان لي ولوالديّ العفو والرضوان ، والعتق من النيران ، والخلود في الجنان ، وجميع المؤمنين والمؤمنات.

ص: 167


1- الخصال 2 : 607 / 9 ، أبواب المائة فما فوقه.
2- الكافي 3 : 303 / 7 ، باختلاف يسير.
3- الفقيه 1 : 184 185 / 875 ، باختلاف يسير.
4- التفسير الصافي 4 : 201 202.
5- بحار الأنوار 82 : 279 ، المعجم الكبير 19 : 291 292 / 649.
6- الأحزاب : 56.
7- الكشاف 3 : 557.
8- في المخطوط : (1027).

كملت كتابتها بعون اللّه تعالى ومنّه ليلة السبت الثانية والعشرين من شهر شعبان من سنة (1241) الحادية والأربعين والمائتين والألف بقلم مكّي بن علي بن هاشم الموسوي الخطي (1).

ص: 168


1- وردت هذه العبارة في أول الرسالة : هذه رسالة مختصرة وجيزة في مسألة إعراب «صلى اللّه عليه وآله» ، وكشف الغطاء عن نقابها لذوي الفن ، من طلابها. تأليف العالم العامل ، الحبر المدقق المحقّق الفاضل ، شيخنا ومقتدانا أحمد ابن الشيخ صالح آل طوق ، دامت سعوده.

الرسالة الحادية والعشرون : إعراب «وآله» من «صلى اللّه عليه وآله»

اشارة

ص: 169

ص: 170

بسم اللّه الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين ، والحمد لله ربّ العالمين.

تقرير المسألة

مسألة : من الصيغ الواردة عن أهل البيت صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين في الصلاة على محمّد وآله صلى اللّه عليه وآله (1) ، بدون إعادة الجارّ ، كما هو في كلامهم أشهر من الشمس في رابعة النهار ، فما إعراب لفظ آله في هذه الصيغة؟

ص: 171


1- الصحيفة الكاملة السجاديّة : 39.

ص: 172

طرق الاستدلال على وجوب الجر

اشارة

فنقول : الذي يظهر لي من قواعد العربيّة ومن الاعتبار ، ومن تتبّع ما ورد عن أهل البيت في لفظ هذه الصيغة وجوب الجرّ ، وأن النصب لا يجوز بوجه أصلاً ، والدليل عليه من طرق ثلاثة :

الدليل النقلي

أحدها : أنّا تتبّعنا كتب الدعاء والأخبار والخطب فما وجدنا هذه الصيغة في الكتب المصحّحة المضبوطة التي مرّت عليها أبصار العلماء المطّلعين والحفّاظ الضابطين إلّا معربة بالجرّ ، وقد اعترف بذلك غير واحد من الأئمة الفطنين الضابطين. قال السيّد نعمة اللّه في (شرح الصحيفة الكريمة السجّاديّة) عند شرح قوله عليه سلام اللّه - والحمد لله الذي مَنّ علينا بمحمّد نبيّه صلى اللّه عليه وآله (1) - : (وفي قوله وآله بالجرّ كما هو المتّفق عليه في النسخة دليل قاطع على ما ذهب إليه الكوفيّون (2) من جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ في سعة

ص: 173


1- الصحيفة الكاملة السجاديّة : 39.
2- الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 463 ، شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336 ، شرح ابن عقيل 3 : 239 ، همع الهوامع 2 : 139 ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ (المتن) 3 : 114.

الكلام ، وقراءة حمزة وَالأرْحَامِ (1) بالجرّ (2) ، وقوله :

... *** فاذهب فما بك والأيام من عجب (3)

وغيرهما دليل عليه.

ومنعه البصريّون (4) اختياراً ؛ لأنّ فيه العطف على جزء الكلمة. ولا يُسمع هذا بعد الورود. قال الفاضل الداماد : (صلى اللّه عليه وآله ، بالجرّ على ما قد بلغنا بالضبط على النسخ المعوّل على صحّتها جميعاً ، ورويناه بالنقل المتواتر في سائر العصور إلى عصرنا هذا) (5) ..) ، انتهى (6).

وقال المجلسي في شرحه على (السجّاديّة) المعظّمة في شرح هذه الفقرة : (اعلم أن المضبوط في النسخ المصحّحة من الصحيفة وغيرها في أمثال هذه الصلاة وآله بالجرّ ، وهو عطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ. ولا خلاف في جوازه في الاضطرار ، وأمّا في الاختيار فذهب البصريّون إلى امتناعه ، والكوفيّون إلى جوازه مستدلّين بقراءة حمزة في قوله تعالى ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) بالجرّ.

وأجاب بعض المانعين بأنّ حرف الجرّ مقدّر.

وأُجيب بأنّ حرف الجرّ لا يعمل مقدّراً إلّا في نحو : (اللّهِ لأفعلنّ) (7).

ص: 174


1- النساء : 1.
2- مجمع البيان 3 : 5 ، غرائب القرآن ورغائب الفرقان 2 : 338 ، النشر في القراءات العشر 2 : 247 ، شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336 ، الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 463.
3- البيت من شواهد سيبويه الّتي لم تعز لقائل معيّن. انظر : الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 3. شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336 ، شرح ابن عقيل 3 : 240 ، همع الهوامع 2 : 139 ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ (المتن) 3 : 115 ، خزانة الأدب 2 : 338. وقد نصّ البغداديّ على أنه من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل. خزانة الأدب 2 : 340.
4- الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 463 ، شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336 ، همع الهوامع 2 : 139.
5- شرح الصحيفة الكاملة السجادية (الداماد) : 94 ، ولم يرد فيه لفظة : (جميعاً).
6- أي كلام السيّد نعمة اللّه الجزائري.
7- شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336.

وأجاب آخرون بحمل الواو على القسم.

وضُعّف بأنه يكون إذن قسَمَ السؤال ؛ لأنّ قبله ( وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ ) ، وقسم السؤال لا يكون إلّا مع الباء (1).

واستدلّوا أيضاً بقول الشاعر :

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا *** فاذهب فما بك والأيّام من عجب

بجرّ الأيام ، وبغيره من الأشعار. وحملها البصريّون على الاضطرار.

نقل كلام الفاضل الداماد

قال سيّد المحقّقين : (صلى اللّه عليه وآله بالجرّ على ما بلغنا بالضبط في النسخ المعوّل على صحّتها جميعاً. ورويناه بالنقل المتواتر في سائر العصور إلى عصرنا هذا ، [بإسقاط (2)] إعادة الجارّ مع العطف على الضمير المجرور عن حريم اللّهجة لا عن ساحة الطيّة ، للتنبيه على شدّة ارتباطهم واتّصالهم به ، وكمال دنوّهم وقربهم منه صلى اللّه عليه وآله ، بحيث لا يصحّ أن يتخلّل هناك فاصل أصلاً ، كما في التنزيل الحكيم في قوله سبحانه ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) على الجرّ في قراءة حمزة ، وفي قول الشاعر على ما نقله في (الكشاف) (3) :

... *** فاذهب فما بك والأيّامِ من عجب)

إلى أن قال : (وما في حواشي (جنة الأمان) للشيخ الكفعميّ نقلاً عن الكراجكيّ في الجزء الثاني (4) من (كنز الفوائد) - : (والصحيح عندي في ذلك ، هو ما دلت عليه العربيّة ، من أن الاسم المضمر إذا كان مجروراً لم يحسن أن يعطف عليه إلّا بإعادة

ص: 175


1- شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336.
2- في المخطوط : (وإسقاط).
3- الكشّاف 1 : 462.
4- ورد في هامش الشرح على (الصحيفة) للداماد أن في بعض نسخه أنه الجزء الثالث.

الجارّ ، تقول : مررت بك وبزيد ، ونزلت عليك وعلى عمرو ؛ لأنّ ترك ذلك لحن. فالصواب أن يقال : صلى اللّه عليه وعلى آله ، لا صلى اللّه عليه وآله (1) ، إلّا على تقدير أن يكون الآل منصوباً بالعطف على موضع الهاء من عليه ؛ لأنّ موضعها نصب لوقوع الفعل ، وإنْ كانت مجرورة ب- (على) ..) (2).

فليس من طوار الصحّة بمولج ، فإنّ الكوفيّين يسوّغون الترك في [حالتي] (3) الضرورة والسعة من غير تمحّل أصلاً ، وأمّا البصريّون فإنّهم يُخِصّون التسويغ بحالة الضرورة ؛ مراعاة لحقّ البلاغة ، وتنبيهاً على ما في المقام من الفائدة ، كما قد تلوناه عليك.

وأيضاً إنّما كلام الفريقين في المحذوف لا في المنويّ المسقط من اللفظ لا عن النية ، فلا تكوننّ من الغافلين) (4) ، انتهى كلام الداماد.

ثمّ قال بعده المجلسيّ : (أقول : ومنهم من وجّه النصب بكون الواو للمعيّة ، والحقّ جواز القراءة بالجر ، كما ذكره السيد رحمه اللّه لموافقته لمذاهب كثير من أهل العربيّة ، ولضبط النسخ عن العلماء الأعلام ، وكلهم كانوا فصحاء من أهل اللسان ، فإما أن يكونوا جوّزوا ذلك برأيهم ، أو وصل إليهم بالنقل المستفيض عن المعصوم كذلك ، والأخير أظهر) ، إلى هنا كلام المجلسي رحمه اللّه.

وقال من انتهت إليه رئاسة زمانه الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيّ في (شرح الزيارة الجامعة الكبيرة) : (اعلم أنّك إذا قلت صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ بعض أهل العربيّة ينصبون ال - (آل) ؛ لأنّ العطف على الضمير بدون إعادة الجارّ قبيح ، بل ربّما منعه بعضهم. والأكثر على جواز الجرّ ، وقد قرأ حمزة ( وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) ، بجرّ الأرحَام.

ص: 176


1- قوله : (لا «صلى اللّه عليه وآله») ليس في المصدر.
2- المصباح : 107 / الهامش : 5.
3- من المصدر ، وفي المخطوط : (حال).
4- شرح الصحيفة الكاملة السجّاديّة : 94 95.

هذا ما يعرفه أهل اللغة ، وأمّا الموجود في كتب الأدعية المرويّة عنهم عليهم السلام المصحّحة المعربة فكلّها بجر آله ، لا يكاد يوجد في جميع أحاديثهم موضع بالنصب بحسب ما ورد عنهم عليهم السلام ، إلّا ما كان في بعضها من وضع الفتح بالأحمر ، وهو من إعراب الرواة والنقلة ؛ التفاتاً إلى أصل العربيّة.

ولقد رأيت مسائل للشيخ ناصر الجبيليّ الأحسائيّ سأل بها الشيخ حسين بن محمّد بن جعفر الماحوزيّ رحمهما اللّه تعالى وكان من مسائله هذه المسألة ، فأجاب الشيخ حسين المذكور بما معناه : أن الأكثر في أدعيتهم عليهم السلام الجر ، وفي كثير منها بالفتح ، وذكر أصل القاعدة. وهو رحمه اللّه نظر في جوابه إلى ما قرّروه في النحو ، وإلّا فالوارد عنهم عليهم السلام بالجر.

نعم ، ربما كتب بعض النسّاخ الفتح ، نظراً إلى اللغة ، وأنه أرجح من الجرّ فكتب نسخة بالفتح.

وهذا وإنْ كان مرجوحاً بالنسبة إلى المشهور عند النحويّين ، إلّا إنه لغة صحيحة ، وكانت اللغة تتبدّل وتتعدّد باختلاف القرون ، فربما يشتهر بعض الألفاظ أو الإعراب في هذا القرن وتنعكس الشهرة في القرن الّذي يكون بعده ، ويسمّون المشتهر الأوّل شاذّاً نادراً ، وليس إلّا لقلّة استعماله في زمانهم.

ولهذا كان القرآن الّذي نزل على أعلى درجات الفصاحة والبلاغة مشتملاً على اللغات الشاذة ، وليست شاذّة وإنّما كان استعمالها في زمن نزول القرآن قليلاً ، فكانت بقلّة استعمالها شاذّة كما في ( كُبّاراً ) (1) و ( إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ) (2) ، والأصل أن القرآن محيط باللغات في جميع القرون ، فإذا كان قرن لا يعرف لغة مَن قبله ، أو كانت قليلة الاستعمال كانت عنده شاذّة أو نادرة.

وما نحن فيه الّذي تقتضيه اللغة الصحيحة الأصليّة هو الجرّ في لفظة آله

ص: 177


1- نوح : 22.
2- طه : 63.

خاصّة ، وأن الفتح مرجوح أو لا ينبغي ، والفرق بينه وبين ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) (1) من جهة المعنى (2)) (3) ، انتهى.

فهذه عبارات هؤلاء الأكابر معلنة على سبيل الجزم الحاصل من استفراغ الوسع في التتبّع ، بأنه لم ترد هذه الصورة عن أهل البيت عليهم السلام إلّا مضبوطة بجرّ آل ، وهي عبادة ، والعبادات كيفيّات متلقّاة من الشارع لا يجوز تجاوز الكيفيّة الواردة [بها] إلّا بدليل ، ولا دليل على ورود آل في هذه الصيغة منصوباً عن أهل البيت الّذين أمر اللّه بالصلاة عليهم بهذه الصيغة.

وأما كلام هؤلاء الأفاضل في جواز الفتح وعدمه أو راجحيّته أو مرجوحيّته فبالنسبة إلى أصل العربيّة ، وأمّا بالنسبة إلى جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، فقد أوضحنا جوازه اختياراً بالدلائل العربيّة من كلام البلغاء نظماً ونثراً ، وأنه مذهب قاطبة الكوفيين (4) ، وجمع من أئمّة البصريين كيونس (5) ، والأخفش (6) ، وقطرب (7) ، وعمرو الشلوبين (8) ، وأبي عبيدة ، وكافّة محقّقي المتأخّرين في رسالتنا المعمولة في هذه المسألة (9) ، وأبنّا فيها إجماع النحويين إلّا من شذّ -

ص: 178


1- النساء : 1.
2- لمعرفة هذا الفرق وبيانه انظر خاتمة الرسالة.
3- شرح الزيارة الجامعة الكبيرة 4 : 281 282.
4- الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 463 ، شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336 ، شرح ابن عقيل 3 : 239 ، همع الهوامع 2 : 139 ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ (المتن) 3 : 114 ، 115 ، خزانة الأدب 2 : 338.
5- أوضح المسالك 3 : 61 ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع 2 : 139 ، حاشية الصبان على شرح الأشموني (المتن) 3 : 114 خزانة الأدب 2 : 338.
6- أوضح المسالك 3 : 61 ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع 2 : 139 ، حاشية الصبان على شرح الأشموني (المتن) 3 : 114 خزانة الأدب 2 : 338.
7- حاشية الصبان على شرح الأشموني (المتن) 3 : 115.
8- شرح الشواهد (العيني) المطبوع ضمن حاشية الصبان على شرح الأشموني 3 : 115 ، خزانة الأدب 2 : 338.
9- هي الرسالة العشرون من هذه المجموعة ، وهي في إعراب (صلى اللّه عليه وآله).

على وجوب الجرّ في هذه الصيغة ، فراجعها.

وأما في الضرورة ، فقد استفاض نقل الأئمّة المطّلعين المتتبّعين وغيرهم الاتّفاق على جوازه استفاضة تقرب من التواتر ، فالظاهر أنه إجماع ، ولا تُخصّ الضرورة بالشعريّة ، بل تعمّ حتّى مراعاة البلاغة ، والمناسبات المعنويّة ، والمطابقات الطبيعيّة كما يظهر من كلام الداماد ، وجملة من الحذّاق ، ومِنْ إطلاق كافّة من نقل جوازه في الضرورة. وفي الصيغة المبحوث عنها قد اقتضت ضرورة مراعاة بلاغة الصيغة ومطابقة اللفظ للواقع الوجوديّ والطبيعيّ حذف الجارّ ، فجواز حذفه هنا اتفاقيّ.

دليل الحصر العقلي

الطريق الثاني (1) : أنه بعد تحقّق ورود هذه الصورة صلى اللّه عليه وآله بحذف حرف الجرّ بالنصّ والإجماع ، فإمّا أن يكون إعراب لفظ آله رفعاً أو نصباً أو جرّاً ؛ لانحصار وجوه الإعراب في الثلاثة إجماعاً. أمّا الرفع فممتنع إجماعاً لعدم مقتضيه وعامله ، وتقدير خبر بلا ما يدلّ عليه في اللفظ ممنوع مع أنه خلاف الأصل. وعلى فرضه يخرج الكلام عن مقصود الشريعة ، مع أنه لم يُنقل عن أحد أصلاً ، ولا ضبطت عليه نسخة.

وأمّا النصب فإمّا أن يكون بالعطف على المحل أو على المعيّة ، وكلاهما غير جائز ؛ لمنافاتهما لقواعد العربيّة المتّفق عليها بين النحاة إلّا من شذّ وندر.

بطلان القول بنصب «آله» عطفاً على المحل وشروط العطف عليه

أمّا الأوّل ، فله اعتباران :

أحدهما : اعتبار المحلّ للجارّ والمجرور معاً بفرضهما بمنزلة مفعول تسلّط العامل

ص: 179


1- من الطرق الثلاثة في الاستدلال على وجوب جر «آل» ، الواردة في أوّل الرسالة.

على لفظه ، وهذا ممنوع من وجهين (1) : أحدهما : أنه يقتضي أن للحرف محلّاً من الإعراب ، وأن العامل وقع عليه ، وهما باطلان عقلاً وإجماعاً ؛ لاقتضائهما دخول حرف الجرّ في المصلّى عليه من اللّه ، وأنه من جملة المقصود بالصلاة ، وهو ظاهر البطلان. ومع هذا فقواعد العربيّة تأباه ، فإنّه حينئذٍ يكون الجارّ والمجرور بمنزلة مفعول عطف على لفظه. وقد شرط أهل العربيّة (2) في صحّةِ العطف على اللفظ صحّةَ توجّه العامل إلى المعطوف ، وعمله فيه بنفسه.

قال ابن هشام في (المغني) : (فلا يجوز في نحو (ما جاءني من امرأة ولا زيد) ، إلّا الرفع عطفاً على الموضع ؛ لأنّ (من) الزائدة لا تعمل في المعارف) (3) ، انتهى.

وتسلّط العامل في هذه المسألة على المعطوف بنفسه ممتنع عقلاً ولغة.

والاعتبار الثاني : مراعاة المحلّ للضمير المجرور بدون الجارّ ، وهذا في المسألة المبحوث عنها ممتنع عقلاً ولغة عند المحقّقين من البصريّين والكوفيّين وأئمّة المتأخّرين ؛ وذلك لأنّهم شرطوا لصحّة العطف على المحلّ ثلاثة شروط :

أحدها : إمكان ظهور ذلك المحلّ في فصيح الكلام. ولم ينقل فيها خلاف إلّا عن ابن جنّيّ ، وهو شاذّ نادر.

ولعلّ السرّ فيه أن العامل إذا امتنع ظهور أثره وعمله النصبَ في لفظ المعطوف عليه امتنع الحكم بأنّ هناك نصباً منع من ظهوره مانع لفظي لولاه لظهر ؛ لتصحّ مراعاته ويصحّ العطف عليه ، أمّا لو لم يمكن ظهور ذلك المحلّ بوجه ، فمن أين يعرف أن هناك نصباً عمل فيه العامل حتّى تصحّ مراعاته والعطف عليه بعد ظهور تعذّر عمل ذلك العامل النصب؟

ص: 180


1- لم يشر المصنّف رحمه اللّه إلى ثاني وجهي المنع ، ويحتمل أن يكون ذلك قوله الذي ذكره بعد قول ابن هشام : (وتسلط العامل في هذه المسألة ..).
2- همع الهوامع 2 : 141 ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ 3 : 89.
3- مغني اللبيب 2 : 615.

ولذا قالوا : لا يجوز (مررت بزيد وعمراً) بنصب عمرو. ولم ينقل ابن هشام (1) وغيره (2) تجويزه إلّا عن ابن جنّي. وفي مسألتنا لا يمكن ظهور ذلك المحلّ على حال.

فإذن لا خلاف بين البصريّين والكوفيّين في امتناع نصب لفظ آله عطفاً على محل الضمير ، فلم يبق إلّا جرّه عطفاً على محلّ الضمير القريب. أمّا الكوفيون (3) فلتجويزهم ذلك اختياراً ، ومثلهم جماعة من البصريّين (4) ، وأكثر أئمّة المتأخّرين ، وأمّا أكثر البصريين (5) فلداعية [الضرورة (6)] ؛ إذ لا محيد عنه في العربيّة.

الثاني : وجود الطالب لذلك المحل. ذهب إليه البصريّون. وليس لفظ صلّى في مسألتنا طالباً للنصب ؛ لقصوره عن عمله في كلّ أحواله بذاته بلا واسطة ، فتكون البصريّة يمنعون عطف الآل بالنصب على محلّ الضمير بالسببين.

الثالث : أن يكون عمل العامل النصب في المعطوف عليه بحق الأصالة. ذهب إليه جلّ المحقّقين من البصريّين والكوفيّين والمتأخّرين (7).

وليس لفظ صلّى قابلاً لعمل النصب في الضمير المجرور بالأصالة ؛ لأنّ اللازم لا يقتضي عمل النصب إلّا على ضرب من التجوّز بالتضمين أو بمقتضى الضرورة الشعرية. على أن لفظ صلّى لم يرد عاملاً للنصب في سعة ولا في ضرورة ، فأين ذلك المحلّ الّذي يصحّ عطف آله عليه إلّا في الوهم؟ وهو وهم ساقط.

فإذن امتنع نصب آله عند جميع أئمّة العربية لامتناع صحّته ؛ لعدم وجهه

ص: 181


1- مغني اللبيب 2 : 616.
2- همع الهوامع 2 : 141 ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ 3 : 89.
3- الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 463 ، شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336 ، شرح ابن عقيل 3 : 239 ، همع الهوامع 2 : 139 ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ 3 : 114.
4- أوضح المسالك 3 : 61 ، همع الهوامع 2 : 139 ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ 3 : 114 ، 115 ، خزانة الأدب 2 : 338.
5- الإنصاف في مسائل الخلاف 2 : 463 ، شرح الرضيّ على الكافية 2 : 336 ، همع الهوامع 2 : 139.
6- في المخطوط : (الضرورية).
7- انظر مغني اللبيب 2 : 616- 617 ، همع الهوامع 2 : 141 ، حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ 3 : 89.

بحسب قواعد العربيّة ، وإنّما خلاف البصريّة والكوفيّة فيما أمكن فيه ذلك لا فيما امتنع ، حتّى إنه نقل عن بعض أئمّة البصريّة التزام تقدير حرف الجرّ في مثل المسألة المبحوث عنها ؛ لامتناع نصبه في العربيّة. فحاذَرَ على مذهبه من عدم جواز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ ، وارتكب جواز إعمال الحرف مقدّراً ، ولا يخفى ضعفه.

بطلان القول بنصب «آله» على المعيّة

وقد تبيّن عدم صحّة نصب آله عطفاً على محلّ المعطوف عليه ، فلم يبقَ إلّا نصبه على أن (الواو) واو المعيّة ، أو رفعه بفرضه مبتدأً حذف خبره ، [وهو] (صلّى اللّه عليهم) ، أو جرّه (1).

والأوّل باطل ؛ لفساد المعنى والخروج عن المقصود على تقديره ؛ لأنّ واو المعيّة لا تقتضي بأصل الوضع التشريك بين مدخولها وما قبلها في عامله ، كما صرّح به أئمّة العربيّة مثل ابن مالك (2) ، وابنه (3) ، والدماميني (4) ، ونجم الدين سعيد ، والحريري ، وغيرهم (5) ممّا لم يحضر. وإن كان ربما كان مثله في الاتّصاف بمضمون العامل لكن لا بجهة التبعيّة ولا بجهة دلالة (الواو) على ذلك ، فإنّك تقول : سرت والحائط ، والحائط لا يمكن في حقّه السير. وتقول : (سرت وزيداً) ، وربما كان زيد يسير أيضاً ، لكن لا بدلالة الواو ولا بالتبعيّة ، فإنّ (الواو) إنّما تدلّ بأصل الوضع على أنّك سرت وأنت مصاحِب لمدخول الواو حال سيرك ، سواء تحقّق منه سير في الواقع أم لا.

وهذا المعنى لا يصح في المبحوث عنه ؛ إذ لا ريب في أن المقصود طلب إدخال آله في الصلاة عليه تبعاً له ، وعلى المعيّة لا يكون إدخالهم في الصلاة عليه

ص: 182


1- لم يفنّد المصنّف قدس سره هنا القول بأن «آله» مرفوع على أنه مبتدأ خبره محذوف ، لكن انظر الرسالة السابقة في إعراب (صلى اللّه عليه وآله) ص : 179.
2- شرح ألفيّة ابن مالك (ابن الناظم) : 278 (المتن).
3- شرح الفيّة ابن مالك : 278.
4- حاشية الصبّان على شرح الأشمونيّ 2 : 134.
5- شرح شذور الذهب : 243.

مقصوداً ؛ لعدم دلالة واو المعية عليه. وهذا خارج عن المقصود ، بل ربما دلّ بمفهومه على أن المصلّي لم يطلب من اللّه الصلاة على محمَّد صلى اللّه عليه وآله إلّا حال المصاحبة لآله.

وهذا خارج عن مقاصد العقلاء وأهل الديانة.

ولا يرتاب عاقل في أن (الواو) للعطف وليست للمعيّة ، وإلّا لكان المعنى : صلّى اللّه عليه في حال مصاحبته لآله ، وهذا كلام لا معنى له ، والضرورة العقليّة والدينيّة تدفعه.

فإذن لم يبقَ إلّا الجرّ عطفاً على محلّ الضمير القريب ، والنصب ممتنع على كلّ حال ، ولا وجه له في العربيّة. ومن أراد استقصاء البحث في العطف والمعيّة هنا فليرجع إلى رسالتنا المعمولة في هذه المسألة قبل هذه ، وهي أوّل ما نطق به لسان قلمي في عرصة الطرس بلغة البيان.

دليل الاعتبار

الطريق الثالث : الاعتبار بالنظر إلى أصل ترتّب الوجود وفيضان الجود.

فنقول : اعلم أن العقل الفصيح بالبرهان الصريح والنقل المستفيض الصحيح كتاباً وسنّة (1) وإجماعاً نطقوا بلسان المقال والحال ، وكذا العقل بالملكة والفعّال بأنّ اللّه تعالى خلق ذوات آل محمّد صلى اللّه عليه وعليهم بعد ذاته ، ينفصلون منه كما ينفصل السراج من السِّراج ، وكما ينفصل الشعاع من نور الشمس. فذواتهم تبع لذاته ومن ذاته في كلّ مقام ، وصفاتهم تبع لصفاته ومن صفاته كذلك في كلّ مقام ، وقد صلّى اللّه عليه ، وعليهم تبعاً له في كلّ مقام.

فالصلاة عليهم منبجسة من الصلاة عليه كذلك في كلّ مقام ، والعوالم متطابقة ، وطبقات الوجود يصف بعضها بعضاً ويطابقه. فإذا قلت صلى اللّه عليه وآله بجرّ لفظ آله عطفاً على محلّ الضمير القريب فقد تطابق النظام الطبيعيّ والرقميّ والقوليّ اللسانيّ والخياليّ والنفسيّ والروحيّ والعقليّ والفؤاديّ ، وطابق الكلّ

ص: 183


1- انظر بحار الأنوار 25 : 1 36 ، باب بدء أرواحهم وأنوارهم وطينتهم عليهم السلام.

حكمة المشيئة في مراتبها السبع ، وطابق قولك اعتقادك الّذي قام عليه البرهان من السبل الثلاثة أنه ليس أحد يساوي محمَّداً صلى اللّه عليه وآله في شرف القرب إلى اللّه عزّ اسمه ، وأن آله الأطياب عليهم السلام تابعون له في صفاته وما خصّه اللّه به من صلاته عليه في كلّ مقام ، حتّى في مقام العبارة اللفظيّة والرسم ، فيطابق ذلك النظم الوجوديّ الذي اقتضاه حكمة العليم الرحيم ، ويكون فيه إشارة إلى كمال وحدانيّة اللّه ، وتوحيد المصلّي عليه بصلاته على آله تبعاً له حتّى في العبارة اللفظيّة.

وفيه دلالة على أن محمَّداً صلى اللّه عليه وآله هو السابق لكلّ كمال من صفات الجمال والجلال ، وأنه الواسطة لجميع من سواه في كلّ كمالٍ وَوُجود وَجود.

ولو نصبت لفظ آله كان ذلك إمّا على معنى أنّك فرضت تسلّط العامل على المتبوع بدون صلة وعطفت عليه ، ففرضت عمل العامل في المعطوف التابع بنفسه لا بصلة ، مع أنه لم يعمل في المتبوع بحسب الواقع الوجوديّ الّذي حكاه القوليّ إلّا بصلة ، فيلزم كون رتبة الصلاة على التابع سابقة على رتبة الصلاة على المتبوع ، ويلزم سبق الذات على الذات والصفة على الصفة ، بل ربما أفضى بوجه إلى أن رتبة الصلاة على التابع تساوي رتبة ذات المتبوع ، ولا أقلّ من لزوم مساواة ذات التابع لذات المتبوع ، والصلاة عليه للصلاة عليه. وهذا ربما انتهى إلى نفي وحدانيّة المصلّي عليه وعلى آله.

وبالجملة ، فلا ريب في أنه حينئذٍ يكون مخالفاً للترتيب الطبيعيّ والنظم الوجوديّ ، ومفضٍ إلى أن صلاة اللّه على آله أعلى من صلاته عليه ؛ لأنّ صلاته عليه بصلة وعليهم بلا صلة ، فيكون التابع من حيث هو تابع أشرف من المتبوع حينئذٍ. وهذا خلف محال ، فلا يكون ممّا صدر عن الشارع ، ولا يتعبّد به الناس المتقرّبين إلى اللّه بقول صلى اللّه عليه وآله.

وقد ورد أن الصلاة على محمّد وآله تجديد للعهد المأخوذ لهم في الذرّ (1) ، وأنّها

ص: 184


1- معاني الأخبار : 115 116 / 1 ، مختصر بصائر الدرجات : 159 ، بحار الأنوار 91 : 54 / 25.

بمعنى سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر (1) ، وهي أركان الوجود الأربعة ، فلا تتأدّى بصيغة تخالف ما هنالك ، بل لا بدّ من الإقرار بولايتهم تبعاً لولايته في كلّ مقام حتّى في التكليف اللفظيّ والرسميّ ، ولا يجوز إفرادهم عنه ، ولا اعتقاد مساواتهم له ذاتاً وصفة حتّى في عالم الحروف والألفاظ.

وإمّا (2) على المعيّة فيلزم منه ما ذكرناه من لزوم مساواته له ذاتاً وصفة ، أو صفة هي الصلاة من اللّه عليه وعليهم ، أو أنه خالٍ من إفاضة الصلاة عليه حتّى كان في مقام آله مصاحباً لهم ، فيلزمه أيضاً أن صلاة اللّه على آله لها مدخل في علّيّة صلاته عليه ، بل يؤول إلى أن ذاتهم يتوقف عليها إفاضة الصلاة عليه ، بل يتوقف على وجودهم وجوده بوجه. والكلّ باطل بالضرورة عقلاً وسمعاً. على أنه حينئذٍ خارج عن الدلالة على قصد الصلاة على آله تبعاً له ، كما عرفت.

فإمّا أن يكون في الواقع صلاة من اللّه أيضاً على آله أو لا. فعلى الأوّل (3) ، فإمّا أن يكون وجودهم مساوياً لوجوده ، فيلزم تعدّد المبدأ وعدم وحدانيّة الفيض الأوّل الّذي [جعله (4)] اللّه دليلاً على وحدانيّته ، فلا دليل حينئذٍ على وحدانيّته ، أو الصلاة عليهم [مساوية أو مساوقة (5)] للصلاة عليه ، فيلزم ما مرّ مع مخالفة الواقع من الترتيب الوجوديّ والطبيعيّ ، ويلزم أيضاً عدم ملاحظة تبعيّتهم له. وفيه من المفاسد العقليّة والشرعيّة ما لا يخفى على المتدبّر لما قرّرناه.

فإذا عرفت هذا كلّه عرفت أنه لا مسوّغ لنصب لفظ آله في هذه الصيغة لا لغة ولا عقلاً ولا شرعاً ، فهي عبادة تعبّد اللّه بها عباده ، وجعلها معراجاً لحوائجهم إليه. فلا بدّ أن يتلفّظ بها على ما حصل اليقين بصدوره عن المعصوم وإذنه فيه ، وليس إلّا الجرّ.

ص: 185


1- جمال الأُسبوع : 156 ، بحار الأنوار 91 : 71 72 / 66.
2- عطف على (إما) في قوله : (ولو نصبت لفظة «آله» كان ذلك إما ..) الوارد في الصفحة السابقة.
3- لم يذكر المصنّف رحمه اللّه ما يترتّب على الثاني.
4- في المخطوط : (جعلها).
5- في المخطوط : (مساو أو مساوق).

وأمّا الرفع فلم نعلم أن أحداً احتمله ، ولا جاء به أثر ، ولا وجد في نسخة ممّا ورد فيه هذه الصيغة ، مع ما يلزمه من المخالفة للعقل والشرع.

فلا تغتر بما جوّزه بعض المعاصرين من إعرابه بالفتح ولا تعرّج عليه ، فإنّه لحن لغة وعقلاً ، ومخالف لما ثبت عن المعصوم عليه السلام من إعرابه بالجرّ في كلّ ما بلغنا عنه من دعاء أو خطبة أو خبر. واستعماله في الصلاة مبطل لها ؛ لأنه ليس على كيفيّة الذكر الوارد عن المعصوم عليه السلام ، بل هو على خلافه ، فهو من قبيل كلام الآدميّين المبطل تعمّدُه للصلاة.

ص: 186

خاتمة في كلام الشيخ أحمد الأحسائيّ

ولنختم الرسالة بذكر كلام لشيخنا الأعظم الشيخ أحمد بن زين الدين في هذا المقام تبرّكاً وتيمّناً قال مد اللّه في عمره ، بعد الكلام المنقول عنه في صدر الرسالة - : (وما نحن فيه الّذي تقتضيه اللغة الصحيحة الأصلية هو الجرّ في لفظة وآله خاصّة ، وأن الفتح مرجوح أو لا ينبغي وإنْ كان في ( تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) (1) جائز الفتح أو راجحه. والفرق بينهما من جهة المعنى ، فإنّك إذا قرأت في صلى اللّه عليه وآله بالجرّ كانت الصلاة عليهم معطوفة على الصلاة عليه ، فهي تابعة ولاحقة ومتأخّرة عن الصلاة عليه رتبة ولفظاً ، وهذا هو المناسب للترتيب الطبيعيّ والوجوديّ ، فإنّ اللّه تعالى خلقه صلى اللّه عليه وآله قبلهم ، وخلقهم من نوره ، وصلّى عليهم بعده ، فعلى الجر يتّسق الترتيب الوجوديّ والطبيعيّ مع اللفظيّ.

وإذا قرأت بالفتح كان إمّا على المعيّة أو عطفاً على المحلّ. وفي الأوّل يلزم ظاهراً أن صلاة اللّه عليه وعليهم في الإفاضة سواء ، ويلزم من هذا إمّا التساوي في الوجود إنْ لاحظنا الترتيب الطبيعيّ وإمّا مخالفة الترتيب الطبيعيّ إنْ قدّرنا سبقه على وجودهم.

ص: 187


1- النساء : 1.

وفي الثاني : يكون المراد من الضمير المجرور منصوب المحلّ ، بمعنى : أنه منصوب بالعامل ، فيكون العامل قد توجّه إليه في المعنى بدون واسطة الجارّ ، فتكون الصلاة واقعة عليهم بغير فاصل ، فإذا قرأت بالنصب كان المعطوف مشاركاً له في عدم الفاصل ، ويلزم التساوي في الوجود أو في الصلاة. فعلى التساوي في الوجود يلزم خلاف الواقع ، وعلى التساوي في الصلاة يلزم خلوّ السابق من صلة المتفضّل عزوجل إلى أن وجد اللاحق. ويلزم من هذا أفضليّة اللاحق ، وهو منافٍ للحكمة.

فإنْ قلتَ : إنه معطوف على المحلّ ، ولا يلزم التساوي في الوجود ولا في الصلاة ؛ لتأخره لفظاً.

قلتُ : إنّما يتوجّه هذا إذا كان المعطوف مجروراً ، ليكون عطفاً على لفظ الضمير الّذي دخل عليه لفظ الجارّ ، وأمّا إذا قدرت العطف على المحلّ فلا يتّجه ذلك ؛ لأنّ الألفاظ قوالب المعاني ، والإرادة لا تقصر المعاني عن قوالبها. فالّذي ينبغي : أن يقرأ بالجرّ ؛ لينتظم اللفظ على ترتيب الوجود والطبيعة.

وعلى هذا كان صلى اللّه عليه وآله أوّل مخلوق ، فكان نوره يطوف حول القدرة ثمانين ألف سنة ، وصلاة اللّه عليه واصبة دائمة ، ثمّ نزل إلى العظمة فخلق اللّه من نوره نور عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، كإيجاد السراج من السراج ، فكان نور عليّ عليه السلام يطوف بالقدرة ، ونور محمَّد صلى اللّه عليه وآله يطوف بالعظمة ، صلّى اللّه عليهما وآلهما) (1) ، انتهى.

وما عبّر به من لفظ : (ينبغي) أراد به الوجوب وإنْ كان في الظاهر مدلوله الرجحان ؛ مراعاة لحال أكثر الناظرين الجارين على منهاج اللغة فلا يفهمون حقيقة ما قال. وإلّا فبحثه صريح في وجوب الجرّ وعدم جواز النصب بوجه ، فتأمّل.

وهذا آخر ما أردنا إملاءه ، واللّه العالم بحقيقة أحكامه ، ونسأله العفو. وقد جعلتها

ص: 188


1- شرح الزيارة الجامعة الكبيرة 4 : 282 283.

وسيلة إلى الوقوف على باب سلطان العصر ، فإنْ قبلها فشأنه العفو والرحمة ، وإنْ ردّها فبجرائم مؤلّفها ، ولكنه باب الرحمة الّذي لا يَخيب مَنْ لاذ به.

والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد وآله المعصومين.

ختمت باليوم الثاني من شهر شعبان سنة (1241) ، الحادية والأربعين بعد المائتين والألف.

ص: 189

ص: 190

الرسالة الثانية والعشرون : في حرمة أُم وأُخت وابنة الملاط به على اللائط

اشارة

ص: 191

ص: 192

بسم اللّه الرحمن الرحيم

تحقيق حال وكشف سجال

حرمة أُمّ وأخت وابنة الملاط به على اللائط

حرمة أُمّ وأخت وابنة الملاط به على اللائط (1)

قال المحقق الثاني الشيخ علي في (شرح القواعد) : (أطلق الأصحاب أن من لاط بغلام أو رجل فأوقب ، حرمت عليه أُمّ الغلام وأُخته وبنته. والأصل في ذلك ما رواه ابن أبي عمير في الصحيح عن رجل عن الصادق عليه السلام في الرجل يعبث بالغلام قال إذا أوقب حرمت عليه أُخته وبنته (2).

وروى إبراهيم بن عمر عن الصادق عليه السلام في رجل لعب بغلام هل تحل له امّه قال إن كان ثقب فلا (3)) (4).

ثم قال في شرح قول العلّامة : (ويتعدى التحريم إلى الجدات وبنات الأولاد دون بنت الأخت) - : (أي يتعدّى التحريم على الفاعل إلى جدات المفعول وإن

ص: 193


1- الظاهر أن هذه الرسالة المقتبسة من (نزهة الألباب) هي من الجزء الثاني من (النزهة) ، وكما أشار المصنّف رحمه اللّه إلى ذلك في نهاية رسالة (النزهة) المطبوعة في المجلد الثالث من هذا المجموع.
2- الكافي 5 : 417 / 2 ، وسائل الشيعة 20 : 444 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ب 15 ، ح 1.
3- تهذيب الأحكام 7 : 310 / 1287 ، وسائل الشيعة 20 : 445 ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ب 15 ، ح 6.
4- جامع المقاصد 12 : 317.

بعدن ؛ لأبٍ كن أو لُامّ لصدق الامّ على كل منهنّ. وكأن هذا التحريم متفق عليه بين الأصحاب ، وكذا القول في بنات أولاده ؛ سواء بنات الذكور والإناث. أما بنت الأُخت ، فلا ؛ للأصل ، ولأن اسم الأُخت لا يقع عليها بحال من الأحوال) (1) ، انتهى.

وأقول : أطلق النص والأصحاب كما قال الشارح أن من أوقب غلاماً أو رجلاً حرمت عليه امّه وأُخته وبنته من غير تعرّض لذكر أولاد الأولاد فنازلاً ، ولا أُم الأُم فصاعداً ، قال في (المعالم) : (من لاط بغلام فأوقبه حيّاً أو ميّتاً حرمت عليه امّه وأُخته وبنته إن سبق ، وإلّا فلا. ولا فرق بين الصغير والكبير في الفاعل والمفعول به ، وفي الخنثى المشكل توقّف) ، انتهى.

وقال ابن سعيد في (النزهة) : (إذ لاط الرجل بصبيّ لم يجُز له بعد ذلك العقد على أُمّ الصبي ولا على بنته ولا على أُخته ، وحرُمن عليه أبداً) (2) ، انتهى.

وقال في (الجامع) : (ويحرم على الفاعل أُخت المفعول به بالإيقاب وأُمّه وبنته ، وإن كانت زوجته انفسخ نكاحها ، وقيل : لا ينفسخ ولا يحرُمن بدون الإيقاب) (3) انتهى.

وقال الشهيد في (اللمعة) : (من أوقب غلاماً أو رجلاً حرمت على الموقب أُمّ الموطوء وأُخته وبنته ، ولو سبق العقد لم تحرم) (4) ، انتهى.

وقال ابن البراج في مهذّبه : (من فجر بغلام فأوقب ، حرم عليه العقد على امّه وابنته وأُخته) (5) ، انتهى.

ومثلها عبارة (المقنعة) ، قال : (من فجر بغلام فأوقبه ، لم تحلّ له أُخت الغلام ولا امّه ولا بنته أبداً) (6) ، انتهى.

ص: 194


1- جامع المقاصد 12 : 318.
2- نزهة الناظر (ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة) 38 : 407.
3- الجامع للشرائع : 48.
4- اللمعة الدمشقيّة : 165.
5- المهذب 2 : 183.
6- المقنعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 14 : 501.

وقال ابن حمزة في (الوسيلة) في مقام حصر من يحرم العقد عليها مؤبداً و [تعدادهن (1)] : (والتي يلوط بأبيها أو أخيها أو ابنها فأوقب) (2) ، انتهى.

وقال ابن زهرة في (الغنية) : (ويحرم العقد على أُمّ الغلام الموقَب وأُخته وابنته ممّن لاط به) (3) ، انتهى.

وقال العلامة في (التلخيص) في تعداد من يحرم العقد عليها : (وأُم من أوقبه وأُخته وبنته مع التأخّر) (4) ، انتهى.

وقال في (الإرشاد) : (من أوقب غلاماً حرمت عليه امّه وأخته وبنته ، ولا تحريم لو سبق العقد) (5) ، انتهى.

وقال في (الشرائع) : (من فجر بغلام فأوقبه حرم على الواطئ العقد على أُمّ الموطوء وأُخته وبنته ، ولا تحرم إحداهن لو كان العقد سابقاً) (6) ، انتهى.

وقال في (النافع) : (من لاط بغلام فأوقب حرم عليه أُمّ الغلام وأُخته وبنته) (7) ، انتهى.

فهذه عبارات صدور العلماء وأمثالها مما يطول ذكره قد أطلقت كالنصّ تحريم أُمّ المفعول به وأُخته وبنته على الموقب من غير تعرّض لذكر أولاد أولاده فنازلاً وجدّاته فصاعداً. والإطلاق إنما ينصرف إلى الحقيقة والفرد الكامل ، وهو هنا البنت إلى الصلب بلا واسطة ، والأُمّ الذي حملته في بطنها بلا واسطة ؛ فإن لفظ الامّ والبنت إنما يطلق حقيقة عليها لغة وعرفاً ، وإطلاقهما على ما نزل وصعد إنما هو بطريق المجاز كما هو المشهور بين العصابة قديماً وحادثاً ، بل هو المعروف من المذهب كما يظهر لمتأمّل أبواب الوصايا والنذور والأوقاف والإقرارات والمواريث

ص: 195


1- في المخطوط : (تعدادهم).
2- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 293.
3- غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع / قسم الفروع : 338.
4- تلخيص المرام (ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة) 38 : 466.
5- إرشاد الأذهان 2 : 38.
6- شرائع الإسلام 2 : 236.
7- المختصر النافع : 283.

والحبوة وأولياء النكاح والأموال. وقد حققنا ذلك في رسالة مفردة (1).

وممّا ينبهك على أن أئمة الفقه إنما أرادوا بهذا الإطلاق الامّ والبنت الملاصقتين بلا واسطة أن الفاضل المحقق الهندي في (كشف اللثام) قال بعد قول العلّامة : (يتعدى التحريم إلى الجدات وبنات الأولاد) - : وفاقاً لابن إدريس ، قال : (لأنهن أُمّهات وبنات حقيقة) (2) وفيه نظر) (3) ، انتهى.

فقد رأيته خصّ الموافقة بابن إدريس ولم ينقل التعدية عن غيره ، وهو صريح في أنه إنما فهم من تلك الإطلاقات خصوص الملاصقات ، فأين هذا من ظاهر عبارة الكركي؟

وقال الشهيد الثاني في (المسالك) : (ويتعدى الحكم إلى الأم وإن علت ، والبنت وإن سفلت ؛ إمّا من حيث شمولها لذلك حقيقةً ، أو للاتّفاق عليه كالأصل ، وإلّا فللكلام في التعدّي مجال ؛ لما عرفت من أنهما حقيقتان في المتصلتين دون المنفصلتين بالوسائط) (4) ، انتهى.

وقد فرع الحكم على شمول الاسم حقيقة لما نزل وصعد ، وعدمه ؛ وحكم بعدم الشمول. ولا ريب في عدم شموله لهما حقيقة كما هو المشتهر بين الأصحاب ، وقام عليه البرهان عقلاً ونقلاً ولغة وعرفاً كما حققناه في الرسالة (5).

فظهر أن كل من قال بعدم دخولهما في إطلاق الاسم حقيقة لزمه القول بعدم تحريمها كما هو مقتضى إطلاقهم مع عدم تعرّضهم لما نزل وعلا تبعاً للدليل وإطلاقه. فإطلاقهما مع الإعراض عن بيان تعدي الحكم لما نزل وصعد مع أن الحكم ممّا تعمّ به البلوى دليل على أن من نزل وعلا غير ملحوظ في الحكم

ص: 196


1- انظر في الرسالة الرابعة عشرة من الجزء الثاني وهي رسالة تمشية الحبوة إلى ولد الولد.
2- السرائر 2 : 525.
3- كشف اللثام 2 : 38 (حجري).
4- مسالك الأفهام 7 : 343.
5- انظر الرسالة الرابعة عشرة من الجزء الثاني ، وهي رسالة تمشية الحبوة إلى ولد الولد.

بالتحريم خصوصاً مع أن المعروف بينهم وفي العرف العامّ اختصاص الاسم بالملاصقتين ، وإنما يطلق على من علا ونزل بقرينة ، ولا قرينة هنا.

فقد ظهر من هذا أنه لا نصّ ولا إجماع على تعدي الحكم بالتحريم لما نزل وعلا ، والأصل وظاهر الكتاب يدلّان على عدم تحريمهما ؛ فإن أراد المحقق الكركي بقوله : (وكأن هذا التحريم متفق عليه بين الأصحاب) : حُكمَ تحريم الأصلين ، فنعم ، وإن أراد به : تعدّي الحكم لجدات المفعول به وإن علون وبنات بناته وأولاده وإن نزلن ، فممنوع. والذي ظهر من هذا التقرير عدم حرمة ما نزل من البنات وما علا من الجدات ؛ لعدم الدليل عليه من نص أو إجماع.

نعم ، يلزم القائل بأن إطلاق اسم الامّ يشمل الجدة وإن علت ، واسم البنت يشمل بنت البنت وبنت الولد وإن نزلت القولُ بذلك لإطلاق الدليل ، ونحن قد برهنّا على ضعف هذا القول ، بل سقوطه ، فلا تغفل ، واللّه العالم (1).

ص: 197


1- ورد في الصفحة الاولى من المخطوط هذه العبارة : (من (كتاب نزهة الألباب ونزل الأحباب) لشيخنا المحقق الفاضل المدقق الشيخ أحمد ابن المبرور المقدس الشيخ صالح ابن المرحوم الحاج سالم بن طوق ، حرسه اللّه تعالى).

ص: 198

الفهارس العامة للكتاب

اشارة

فهرس الآيات

فهرس الأحاديث والروايات

فهرس الشعر والرجز

فهرس الأعلام

فهرس الأديان والفرق والمذاهب والطوائف

فهرس الأماكن

مصادر التحقيق

فهرس الموضوعات

ص: 199

ص: 200

فهرس الآيات

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة الحمد

(1)

الْحَمْدُ للّهِ 1 3 / 201

سورة البقرة

(2)

كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ 17 3 / 148 ، 149

كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا ... 25 3 / 235

إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً 26 3 / 151 ، 152

الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ 27 3 / 151 - 152

خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً 29 1 / 400 ؛ 3 / 474

فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ 37 3 / 57

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ 40 ، 47 3 / 155

وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ 43 2 / 459

ص: 201

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً 55 1 / 122 ؛ 4 / 122

ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 56 1 / 151

وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى 57 1 / 122

فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ 65 2 / 423

فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ... 66 2 / 423

مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا 106 3 / 181 ، 125

فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ 115 2 / 126

لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 124 3 / 57

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... 164 1 / 417

يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ 185 2 / 191 ، 374 ؛ 4 / 102

وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ 188 4/426

وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ 196 2 / 165 ، 166 ، 173 ، 178 ، 215 ، 226

فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ 200 4 / 149

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ ... 210 1 / 154

وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ 217 4 / 145

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ 223 4 / 518

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ 228 2 / 381 ، 369

حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى 238  1 / 395 ، 479 ، 481 ، 483

ص: 202

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ 238 3 / 266

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ ... 243 1 / 122 ، 136 ، 150

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ 255 3 / 322 ، 324

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ ... 259 1 / 122 ، 151

وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء 261 1 / 167

لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا 286 1 / 179 ؛ 2 / 24 ، 77 ، 123 ، 191 ، 223 ، 264 ، 305 ، 347 ، 374 ، 438 ، 509 ؛ 3 / 298

سورة آل عمران

(3)

وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ 7 3 ، 438

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ ... 30 1 / 106

إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ 55 1 / 152

وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ 81 1 / 87 ، 90 ، 93 ، 113 ، 114 ، 138 ، 141 ، 2 / 504

لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ 83 1 / 157

وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... 97 2 / 165 ، 173 ، 277

وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 104 2 / 411

ص: 203

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ 106 3 /236

أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ 144 / 1 / 85 ، 158

وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ 157 1 / 87 ، 137

وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ 158 1 / 85

وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ 185 1 / 84 ، 113 ، 133 / 158

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ 200 3 / 113

سورة النساء

(4)

وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ 1 4 / 144 ، 149 ، 153 ، 154 ، 155 ، 162 ، 174 ، 175 ، 176 ، 178 ، 187

فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ... 3 3 / 515

إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ 11 2 / 390 ، 392 ، 395 ، 396

يُوصِيكُمُ اللّهُ 11 2 / 395 ، 396

فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ 12 2 / 390 ، 392

وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم 22 2 / 389 ، 392

وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ 23 2 / 389 ، 392

فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ 24 3 / 514

ص: 204

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا 28 3 / 298

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ ... 51 3 / 215

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ ... 52 3 / 215

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ ... 53 3 / 215

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ 54 3 / 109

كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ... 56 3 / 488

أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ 59 3 / 429

مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ ... 79 3 / 12

لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ 84 2 / 506

وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ ... 86 2 / 99 ، 467

إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا ... 117 2 / 502

قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ 127 4 / 145

فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ 160 3 / 69

سورة المائدة

(5)

وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى 2 2 / 163

إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا 20 1 / 139

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ 66 3 / 161

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ ... 68 3 / 161

وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي 110 1 / 151

تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ 116 3 / 335

ص: 205

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة الأنعام

(6)

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً ... 9 2 / 515

وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ... 27 1 / 192

بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ 28 1 / 170

مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ 38 3 / 183

قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ... 58 3 / 147

قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ 149 1 / 100 ؛ 3 / 275

مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا 160 3 / 292

سورة الأعراف

(7)

أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ 14 1 / 87 ، 132

كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ 29 3 / 207 ، 236

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ ... 34 3 / 239 ، 240 ، 241 ، 4 / 55

وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا 56 2 / 411

أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي 150 1 / 106

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا 155 1 / 121

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ 172 1 / 159 ؛ 3 / 197 ، 236

ص: 206

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ ... 187 3 / 223 ، 227

وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ 204 1 / 502 ، 506

يَا بَنِي آدَمَ 26 ، 27 ، 31 ، 35 2 / 392 ، 400

سورة الأنفال

(8)

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ ... 2 2 / 43

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه 39 1 / 108

إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ 48 1 / 88 ، 154

سورة التوبة

(9)

فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ 2 3 / 434

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 33 1 / 84 ، 89 ، 108 ، 133

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ... 36 3 / 96 ، 138

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ 37 4 / 42

وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ 105 3 / 73

إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ 11 1 / 86 ، 134 ، 136

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ 112 1 / 86 ، 135

سورة يونس

(10)

جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا 5 3 / 148

ص: 207

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

آخِرُ دَعْوَاهُمْ 10 3 / 237

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ 21 3 / 299

بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ 39 1 / 137

سورة هود

(11)

بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 86 2 / 502

أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ 114 1 / 392 ، 394 - 395 ، 472 ، 473 ، 478 ، 479 ، 481 ؛ 3 / 370

إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ 114 1 / 173

وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ 118 3 / 61

إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ 119 3 / 62

سورة الرعد

(13)

نُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ 4 3 / 238

وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا ... 15 2 / 436 ؛ 3 / 408

سورة أبراهيم

(14)

وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ 5 1 / 154 ؛ 3 / 137

ص: 208

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ 34 3 / 11

سورة الحجر

(15)

رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ 2 1 / 84

وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي 29 3 / 174

فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ 37 1 / 87 ، 132

إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 38 1 / 87 ، 132

إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 94 3 / 311

سورة النحل

(16)

لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ 39 1 / 152

لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ... 51 2 / 507

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا 83 1 / 92 ، 152

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ 127 1 / 106

سورة الإسراء

(17)

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ... 1 2 / 499

وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا 4 1 / 94 ، 116

بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ 5 1 / 94 ، 110 ، 116 ، 146

ص: 209

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ 6 1 / 94 ، 96 ، 110 ، 115 ، 116 ، 127 ، 146 ، 147

فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ 7 1 / 116

عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ 8 1 / 116

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ... 12 1 / 412 ، 413 ، 3 / 368

وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ 29 3 / 318

وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى 72 1 / 86 ، 94 ، 134

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ 78 1 / 394 ، 474 ، 478 ، 479 ، 480 ، 486 ، 2 / 139 ، 141

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ 84 1 / 178 ، 188 ، 2 / 452

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي 85 3 / 173

وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا 110 3 / 311 ، 317

سورة الكهف

(18)

هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ... 103 2 / 445

الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ 104 2 / 445

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ 18 1 / 152

ص: 210

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا 25 1 / 151

وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ 47 1 / 92 ، 141 ، 142 ، 152

وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا 49 2 / 142 ، 509

سورة المريم

(19)

وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 12 2 / 508

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ... 54 1 / 126 ، 148

حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ 75 1 / 145

سورة طه

(20)

إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ 63 4 / 177

فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا 124 1 / 85

وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ 130 1 / 471

لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ 131 3 / 132

سورة الانبياء

(21)

عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ... 26 3 / 256

لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ... 27 3 / 256

ص: 211

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ 35 1 / 86

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ 69 1 / 124

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا 73 3 / 135

كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ... 90 2 / 411 ، 414 ، 418 ، 423

وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ 95 1 / 92 ، 141

هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ 103 1 / 106

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ ... 105 1 / 118 ، 144

سورة الحج

(22)

تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ ... 2 1 / 101

وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ 25 1 / 171

وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ 29 2 / 277

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ 39 1 / 126

وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ... 40 3 / 147

وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ 47 3 / 96 ، 138

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ 61 1 / 416

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ 73 3 / 151

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا ... 77 2 / 411

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 78 2 / 314

ص: 212

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة المؤمنون

(23)

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 2 / 412

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 5 3 / 511 ، 516 ، 517

إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ... 6 3 / 506 ، 511 ، 516 ، 517 ، 520

فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ 7 3 / 511 ، 512

حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ 77 1 / 84 ، 133

قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي 93 - 94 1 / 122

رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 94 1 / 122

وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ 95 1 / 123

سورة النور

(24)

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ... 19 1 / 183

أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ 31 2 / 389 ، 392

يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ 44 1 / 418

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ... 55 1 / 90 ، 141

سورة الفرقان

(25)

بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا 11 3 / 137

ص: 213

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا 61 1 / 413

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ... 64 1 / 414

قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ 77 2 / 492

سورة الشعراء

(26)

إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ ... 4 1 / 149

سورة النمل

(27)

لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ 10 3 / 491 ، 495

إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا ... 11 3 / 491

وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ 82 1 / 119 ، 120 ، 142 ، 143

وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا 83 1 / 87 ، 93 ، 137 ، 141 ، 142 ، 143

سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا 93 1 / 143

سورة القصص

(28)

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ... 5 1 / 102 ، 107 ، 110 ، 116 ، 117 ، 141 ، 144

ص: 214

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا 6 1 / 102 ، 107 ، 110 ، 118 ، 141

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ 41 3 / 135

إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ... 85 1 / 98 ، 139 ، 142 ، 143 ، 145

سورة العنكبوت

(29)

الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا ... 1 - 3 2 / 421

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا 8 3 / 457

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ 41 3 / 151

سورة الروم

(30)

وَحِينَ تُظْهِرُونَ 18 1 / 471

فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا 30 3 / 198 ، 246

خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ 40 3 / 222 ، 226

لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 41 2 / 423

سورة لقمان

(31)

مَاتَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا 34 3 / 221 ، 222 ، 225 ، 226 ، 227

ص: 215

الآية / رقمها الجزء والصفحة

سورة السجدة

(32)

يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ... 5 3 / 138

يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا 16 2 / 414

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ 21 1 / 84 ، 107 ، 133

سورة الأحزاب

(33)

ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ 5 2 / 359 ، 396

إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... 33 1 / 207 ؛ 3 / 249 ، 257

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ 56 2 / 17 ، 29 ، 31 ، 32 ، 103 ، 125 ؛ 4 / 165 ، 167

أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ 172 2 / 505

سورة فاطر

(35)

أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا 8 2 / 455

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ... 32 3 / 13

لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا 36 2 / 508

ص: 216

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ 37 1 / 171

سورة يس

(36)

وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ 37 1 / 414 ، 416 ، 476 ، 3 / 149

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا 38 1 / 476

وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 40 1 / 415 ، 416

هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ 52 1 / 118 ، 119 ، 152

سورة الصافات

(37)

لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ 61 2 / 413

أَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ 147 3 / 71

سورة ص

(38)

هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ 39 2 / 137 ؛ 3 / 292 ، 293

سورة الزمر

(39)

يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ 6 3 / 226

ص: 217

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ 10 1 / 187

وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ ... 45 3 / 143 ، 144 ، 145

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ ... 74 3 / 236

سورة غافر

(40)

رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ 11 1 / 93 ، 98 ، 143 ، 150

ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ 12 3 / 144 ، 145

يُرِيكُمْ آيَاتِهِ 13 1 / 144

إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ... 51 1 / 85 ، 98 ، 126 ، 143 ، 144 ، 157

سورة فصلت

(41)

وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ 6 3 / 117 ، 143

الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ... 7 3 / 143

فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ 11 4 / 148

وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ 46 3 / 240

سورة الشوري

(42)

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 11 1 / 40

ص: 218

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا 52 3 / 164 ، 222 ، 225

سورة الخرف

(43)

قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ 81 3 / 21

سورة الدخان

(44)

فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ 4 3 / 101

فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ 10 1 / 144

إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ 15 1 / 144

سورة الاحقاف

(46)

وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ 9 3 / 51 ، 37

وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا 15 4 / 76

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ 35 1 / 106

سورة محمد

(47)

وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ 33 2 / 289

ص: 219

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة الفتح

(48)

لَوْ تَزَيَّلُوا 25 3 / 136

سورة الحجرات

(49)

اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ 12 1 / 183

وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ 13 2 / 359 ، 396

سورة ق

(50)

وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ... 41 1 / 85

يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ 42 1 / 85 ، 93 ، 145

يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا 44 1 / 145

سورة الذاريات

(51)

يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ 13 1 / 89

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 56 3 / 61

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ 58 3 / 227

ص: 220

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة الطور

(52)

إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 16 3 / 236 ، 306 ، 488

إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا 47 1 / 145

سورة النجم

(53)

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى 1 3 / 147

مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى 2 3 / 147

وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى 3 3 / 147

إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4 3 / 147

قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى 9 3 / 37

سورة الرحمن

(55)

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ 56 3 / 361

سورة الواقعة

(56)

جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 24 2 / 423

إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء 35 3 / 361

ص: 221

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا 36 3 / 361

عُرُبًا أَتْرَابًا 37 3 / 361

سورة الحشر

(59)

مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 3 / 429

سورة الجمعة

(62)

إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ 9 1 / 469

سورة الطلاق

(65)

إِنِ ارْتَبْتُمْ 4 2 / 366 ، 369 ، 370

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا 7 2 / 124

سورة التحريم

(66)

إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 7 3 / 306

سورة الملك

(67)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ... 30 3 / 132 ، 373

ص: 222

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة القلم

(68)

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ 16 1 / 145

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ 48 1 / 118

سورة المعراج

(70)

فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ 4 1 / 95

سورة نوح

(71)

كُبَّارًا 22 4 / 177

سورة الجن

(72)

وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا 16 3 / 131 ، 132

فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا 26 3 / 222 ، 226

إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ 27 3 / 222 ، 226

سورة المدثر

(74)

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 1 / 84 ، 133

ص: 223

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

قُمْ فَأَنذِرْ 2 1 / 84 ، 133

إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ 35 1 / 84 ، 133

نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ 36 1 / 84 ، 133

سورة الإنسان

(76)

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ 1 3 / 361

إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ 9 - 10 2 / 424

فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ 11 2 / 424

وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ 30 2 / 509

سورة النبأ

(78)

يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا 18 1 / 95 ، 147

لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا 23 3 / 339

سورة النازعات

(79)

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ 6 1 / 98

تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ 7 1 / 98

تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ 12 1 م 139

ص: 224

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة عبس

(80)

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ 17 1 / 146

مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ 18 1 / 146

ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ 20 1 / 146

ثُمَّ أَمَاتَهُ 21 1 / 146

ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ 22 1 / 93 ، 145

كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ 23 1 / 145

سورة التكوير

(81)

وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ 29 2 / 509

سورة المطففين

(83)

فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ 26 2 / 413

سورة الأعلي

(87)

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 1 3 / 353

سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى 6 3 / 27 ، 353

ص: 225

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى 7 3 / 27 ، 28

سورة الفجر

(89)

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ 27 3 / 147

ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً 28 3 / 147

سورة الليل

(29)

وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى 2 1 / 476

فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى 5 3 / 133

وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى 6 3 / 133

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى 7 3 / 133

وَأَمَّا مَن بَخِلَ 8 3 / 133

وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى 9 3 / 133

فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى 10 3 / 133

وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ... 19 2 / 430

إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى 20 2 / 430

وَلَسَوْفَ يَرْضَى 21 2 / 430

سورة الضحي

(93)

وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى 4 1 / 93 ، 146

ص: 226

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة التين

(95)

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ 1 3 / 231

وَطُورِ سِينِينَ 2 3 / 231

وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ 3 3 / 232

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ 4 3 / 232

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ 6 3 / 233

فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ 7 3 / 233 ، 234

سورة القدر

(97)

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ 1 3 / 177

خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ 3 3 / 103

تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ 4 3 / 163

سورة البينة

(98)

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ... 5 2 / 414 ، 430 ، 444 ، 466

سورة التكاثر

(102)

كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 3 1 / 98

ص: 227

الآية / رقمها / الجزء والصفحة

سورة الكافرون

(109)

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ 1 2 / 46

سورة الإخلاص

(112)

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 1 / 394 ؛ 2 / 46

لَمْ يَلِدْ 3 3 / 275 ، 276 ، 277

ص: 228

فهرس الأحاديث والروايات

حرف الهمزة

آخر الصلاة التسليم... 2 / 46 ، 56 ، 72

آخر وقت العتمة نصف الليل ، وهو زوال الليل... 1 / 481

آل محمّد يبعث اللّه مهديَّهم بعد جهدهم ، فيعزُّهم ويذلُّ أعداءهم... 1 / 116

آله... 4 / 161 ، 162 ، 179

الآيات أمير المؤنين والأئمّة عليهم السلام... 1 / 142

ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ، ثمّ أتمّ الطواف بعد... 2 / 289

ابناي هذان (يعني الحسن والحسين عليها السلام)... 2 / 392

ابناي (يعني الحسن والحسين عليهما السلام)... 2 / 398

أبي اللّه أن يجعل أرزاق المؤمنين إلّا من حيث لا يحتسبون... 3 / 283

أتدرين أيّ ليلة هذه؟ هذه ليلة النصع من شعبان ... 3 / 102

أتري هذا؟ هذا من الذين قال اللّه عزّ وجلّ ... 1 / 117

اثنوا عليه وسلموا له... 4 / 166

أجزأه الطواف فيه ، ثمّ ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر... 2 / 272

اجلس - ياكميل ، إذا حفظت هذا الدعاء فادعُ به كلّ ليلة جمعة ... 3 / 102

أحَبّ الوقت إلي اللّه تعالي أوّله حين يدخل وقت الصلاة ، فصلِّ الفريضة ... 2 / 140

ص: 229

الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم... 2 / 227

احفظ مكانك ثمّ اذهب فعده ، ثمّ ارجع فأتمّ طوافك... 3 / 283

أخرج من ظهر آدم عليه السلام ذرّيّته إلي يوم القيامة فخرجوا كالذرّ ، فعرّفهم ... 3 / 197

الأخيرة ، وهي عمرته ، وهي المحتسب بها التي وصلت بحجّه ... 2 / 195

إذا أراد العمرة انتظرَ إلي صبيحة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ... 1 / 491

إذا استويت جالساً ، فقل : أشهد أن لا إله ... 2 / 45

إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدّتها ، يحسب لها كلّ شهر حيضة... 2 / 365

إذا أوقب حرمت عليه اُخته وبنته... 4 / 193

إذا التفتَّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ ... 2 / 44

إذا تمتّع بالعُمرة فقد قضي ما عليه من فريضة العُمرة... 2 / 166 ، 170

إذا تمّ للسقط أربعة أشهر غسّل ، وإذا تمّ له ستّة أشهر فهو تامّ... 3 / 418

إذا جاءتها الشهوة فأنزلت وجب عليها الغسل... 3 / 519

إذا جاء جمع اللّه النبييَّن والمرسلين... 2 / 504

إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتّق موضع الدم... 3 / 517

إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت ... 2 / 286 ، 291

إذا خرجت فقصر... 3 / 522

إذا دخل فليدخل ملبّياً ، وإذا خرج فليخرج محِلّاً... 2 / 190

إذا دخل المعتمر مكّة غير متمتّع ... 2 / 340 ، 342

إذا رأيت الهلال - هلال ذي الحجّة - فاخرج إلي الجعرانة فأحرم بالحجّ... 2 / 212

إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر ... 2 / 140 ، 141

إذا سافر الجل في شهر رمضان ، فخرج بعد نصف النهار ، فعليه صيام ذلك اليوم

... 1 / 397

إذا سقط لستة أشهر فهو تام ، وذلك أنّ الحسين عليه السلام ولد وهو ابن ... 3 / 418

ص: 230

إذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردَّ واحد أجزأ عنهم... 2 / 470

إذا صليّت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أم لم تسمع ... 1 / 505

إذا طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط ... 2 / 297

إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثمّ حاضت ... 2 / 286

إذا طاف الرجل بالبيت أشواطاً ثمّ اشتكي أعاد الطواف... 2 / 297

إذا طاف رجل ثمانية فليتمّ أربعة عشر شوطاً... 2 / 350

إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتيّ يمضي مقدار ... 2 / 142

إذا فرغت من طوافك فأتِ مقام إبراهيم عليه السلام ... 2 / 46

إذا فرغ رجل من الشهادتين فقد مضت صلاته ... 2 / 45 ، 51

إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون؟... 3 / 373

إذا فقد الصينيُّ وتحرّك المغربي وسار اليمانيّ وبويع السفيانيّ يؤذن لوليّ اللّه ... 1 / 147

إذا قام القائم اُتي المؤمن في قبره فيقال له : يا هذا إنه قد ظهر ... 1 / 124 ، 125

إذا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان اُنزلت صكاك الحاجّ ... 3 / 103

إذا كان الرجل في السفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله ... 3 / 523

إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرّقهم فرقتين ... 2 / 56 ، 104

إذا كان علي جهة الجهالة أعاد الحجّ وعليه بدنة... 2 / 339

إذا كان لا يستطيع... 2 / 295

إذا كان الماء قدر كرّ... 1 / 215

إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلي مكّة ، فليحرم من منزله... 2 / 204

إذا كان منزله دون الميقات إلي مكّة ، فليحرم من دويرة أهله... 2 / 203

إذا كان يوم الجمعة فزرهم فإن من كان منهم في ضيق وسّع عليه ... 1 / 491

إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الاُوليين ، وعلي الذين من خلفك 1 / 503

إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّي يفرغ ... 1 / 502

ص: 231

إذا كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئاً في الاُوليين وأنصت لقراءتة ، ولا تقرأن ... 1 / 502

إذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت ، وسلّم علي مَن علي يمينك ... 2 / 120

إذا كنت وحدك فسلّم تسليمةً واحدةً عن يمينك... 2 / 23 ، 114 ، 119

إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً ، أَم نقصت أَم زدت ، فتشّهد وسلّم... 2 / 21

إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم ركعتين ، فقم واركع ركعتين ... 2 / 22

إذا متُّ وصرت إلي التراب ، وسوِّي عليَّ اللبِن ، وضرت عليَّ القباب... 1 / 128

إذا مرَّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلِّم واحد منهم ... 2 / 470

إذا نسي أن يسلِّم خلف الإمام أجزاء تسليمُ الإمام... 2 / 46 ، 66

إذا نسي الرجل أن يسلِّم ، فإذا ولّي وجهه ... 2 / 66

إذنٌ (حينما سئل عليه السلام التسليم في الصلاة)... 2 / 26 ، 72

إذن لا يعبد اللّه يا أبا يوسف... 3 / 107

اذهت معه في حاجته... 2 / 283

إرَادَتُكَ عَزمٌ... 2 / 509

أراهم نفسه... 3 / 197

أربعة أشهر ، وتوفّيت ولها ثلاث وعشرون سنة (سئل عليه السلام : كم عاشت فاطمة عليها السلام بعد ابيها صلى اللّه عليه وآله)     4 / 60

ارحم محمّداً وآل محمّد؟... 3 / 48

ارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب... 3 / 284

أسألك ... باسمك الذي وضعته علي النهار فأضاء ، وعلي الليل فأظلم... 1 / 399

أسألُكَ بالاسمِ الذي استويتَ به علي عرشِكَ ، واستقرَرت ... 3 / 323

أسالك بحقّ المولودَينِ في رجب : محمّد بن علي الثاني ... 4 / 50

استحيوا من اللّه تعالي حقّ الحياء... 2 / 433

استكرهها أو لم يستكرهها؟... 2 / 182

ص: 232

أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وأشهد أن محمّد رسول اللّه عبده ورسوله ، اللّهّم

... 1/ 297 ، 319 ، 321 ، 354

أصبتما الرخصة واتّبعتما السنّة... 2 / 226

اعبد اللّه كأنك تراه... 2 / 410 ، 433

اعتمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله... 2 / 212 ، 213

اعترف الموضع ، ثمّ اخرج فاغسله ، ثمّ عدّ وابنِ علي طوافك... 2 / 272

اعلم أن ثلاث صلوات إذا دخل وقتهن ينبغي لك أن تبدأ بهن ... 1 / 483

أعلمُ ذلك بالاسم الأعظم الذي إذا كتب علي ورق الزيتون واُلقي في النار ... 1 / 399

أعيوننا بورع واجتهاد... 3 / 49

اغتسل والبس ثوبك... 2 / 250

الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس أن تطوف المرأة... 2 / 276

أفأعبد مالا أري؟... 2 / 434

اُفّ للدنيا إنمّا الدنيا دار البلاء ، سلّط اللّه فيها عدوّه علي وليّه ... 3 / 351

أفمن يكذيك بعد بالدين؟ والدين أمير المؤمنين... 3 / 233

أفيحشر اللّه من كلِّ اُمَّة فوجاً ويدع الباقين؟ لا ، ولكنَّه في الرجعة ، وأمّا آية ... 1 / 142

أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر... 1 / 159

أقرأ فاتحة الكتاب... 1 / 502

اقرؤوا كما تقرأ الناس... 3 / 209

اُقسم بقبض محمّد إذا قبض... 3 / 147

اقطعه واحفظه من حيث تقطعه ، حتّي تعود إلي الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه

... 2 / 282

أقول فيها ما قال اللّه عزَّ وجلَّ ، وذلك أن تفسيرها صار إلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... 1/ 139

اللّه اكبر... 1 / 300 ، 307

اللّهمَّ اجعل أوّل يومي هذا صلاحاً... 1 / 491

ص: 233

اللّهم الرزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب... 3 / 283

اللّهمّ إني أسألك بحقِّ المولود في هذا اليوم ، الموعود بشهادته قبل استهلاله

... 1 / 131 - 132

اللّهمّ إني أصبحت أستغفرك في هذا الصباح وفي هذا اليوم... 1 / 491

اللّهمّ صلّ علي محمّدٍ وآل محمّدٍ ، وارحم محمّداً وآل محمّدٍ ... 2 / 65

اللّهمّ صَلّ علي محمّد وآله... 1 / 354

اللّهم صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد... 4 / 148

اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً... 3 / 257

ألا اُحدِّثك؟... 1 / 119

(الاسم) صفة لموصوف... 1 / 400

ألا وإنّ إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ... 3 / 194

ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللّه السماوات والأرض ... 4 / 45

الّذي خرج أخيراً هو أكبر، أما تلم أنها حملت بذلك أوّلاً ... 3 / 477

الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها... 3 / 411

أما تحبّ أن يري اللّه شخصك وسوادك... 3 / 90

أما تعلمين أيّ ليلة هذه؟ هذه ليلة النصف من شعبان ... 3 / 102

أما سمعت اللّه يقول : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ... ) ... 1 / 413

الإمام يسلِّم واحدة ، ومَن وراءه يسلّم باثنتين ... 2 / 110 ، 120

أمان لأهل الأرض... 3 / 250

أما واللّه ، إنّ الفضل لفي الذي أمرتك به ... 2 / 173

أمران أيّهما سبق... 2 / 363 ، 370 ، 372 ، 375 ، 377 ، 380 ، 382

أمرتَ بالرجوع إلي الآثار ، فانقلني إليك منها نقّي السر من الأغيار... 3 / 276

أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يطاف عن المبطون والكسير... 2 / 296

أمر هذه شديد ، هذه تطلّق طلاق السنّة تطليقة واحدة علي طهر ... 2 / 368

ص: 234

أما علمت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : أنا وعلي أبوا هذه الأمّة؟... 2 / 399

أما علمت أنه يقال :عليّ قاسم الجنَّة والنار؟... 2 / 399

أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة... 2 / 186

أمّا الصلاة التي لا يجهر فيها فإن القراءة جعلت إليه فلا تقرأ خلفه ، وأمّا الصلاة 1 / 506

أمّا ما كان من جسده فلا بأس به... 3 / 229

إن أدركتها قبل أن تُدفن فإن شئتَ فصلِّ عليها... 2 / 474

إنْ أعْطَيْتَ لَم تُشِبْ عَطَاءَكَ بِمَنّ... 3 / 53

إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وليقضِ ذلك اليوم ، وإن خرج... 1 / 393

، 397

إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضي في الثلالثة ... 2 / 22 ، 136

إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّي يركع ... 2 / 21 ، 56

إن رجع في الشهر الذي خرج فيه... 2 / 195 ، 197

إن رجع في شهرة دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً... 2 / 195

إن زاد المؤمنون ردّهم وإن نقصوا أكمله لهم... 3 / 109

إن شئت رويتُ لك عن أهل المدينة... 2 / 349

إن غاب إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد؟... 3 / 373

إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس... 1 / 503

إن كان أفضي إليها فعليه بدنة والحجّ من قابل ... 2 / 181 ، 183

إن كان استكرهها فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة... 2 / 182

إن كان ثقب فلا... 4 / 193

إن كان جاهلاً فليس عليه شيء ، وإن لم يكن جاهلاً فعليه سوق بدنة ... 2 / 181

إنْ كان جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تّمت صلاته... 2 / 45

إنْ كان ذكر قبل أنْ يأتي الركن فليقطعه وقد أجزاء عنه... 2 / 350

إن كان طواف فريضة فليلقِ ما في يديه وليستأنف ... 2 / 294

ص: 235

إنْ كان طواف نافلة بني عليه وإن كان طواف فريضة لم يبنِ... 2 / 282

إنْ كان علي وجه جهالة في الحجّ أعاد وعليه بدنة... 2 / 339

إنْ كان في فريضة أعاد كلّ ما شكّ فيه ، وإن كان نافلة بني علي ما هو أقلّ... 2 / 294

إن كان قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّهُ وأن محمّداً ... 2 /44

إن كان قُرئتْ عليه آية التقصير ... 2 / 24

إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتمّ ... 3 / 523 ، 524

إن كنت تؤمّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك... 2 / 115

إن كنت خلف إمام فلا تقرأن في الاُوليين شيئاً وأنصت لقراءته ... 1 / 505

إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه... 2 / 370

أنا الّذي اُقتل مرَّتين واُحيا مرتين ، ولي الكرّة بعد الكرة ، والرجعة بعد الرجعة... 1 / 155

أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم... 3 / 407

أنا دابَّة الأرض... 1 / 90 ، 119

أنا ديّان الدين ، لأركبنَّ السحاب ولأضربنَّ الرقاب ، ولأهدمنَّ إرم ... 1 / 127

أنا رسول اللّه إليكم... 1 / 74

أنا صاحب الرفرف وبهرم ، أنا مدبِّر العالم الأوَّل حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم

... 1 / 129

أنا صاحب العصا والميسم... 1 / 90

أنا عبد اللّه اسمي أحمد ، وأنا عبد اللّه اسمي إسرائيل ... 3 / 155

أنا عين اللّه ، وأنا قلب اللّه ، وأنا يد اللّه... 3 / 198

أنا محمّد ومحمّد أنا ، وأنا من محمّد ومحمّد منّي... 2 / 399

أنا مع هؤلاء... 2 / 349

أنا وأنت - يا عليّ - أوا هذه الاُمّة... 3 / 413

أنا وعلي أبوا هذه الاُمّة... 2 / 399

الأنبياء : رسول اللّه وإبراهيم وإسماعيل وذرِّيَّته ، والملوك : الأئّمة عليهم السلام... 1 / 139

ص: 236

أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد... 2 / 503

أنت نفسي... 2 / 503

أنت ومالك لأبيك... 3 / 409

انتهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلي أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد ... 1 / 142

أنسيت يا شيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر ... 3 / 341

انطلق حتّي نعود هاهنا رجلاً... 2 / 282

انظروا إلي رجل ... 3 / 109

إن إبليس إنما يبثُّ جنود الليل من حين تغيب الشمس إلي أن يغيب الشفق ... 1 / 489

إن إبليس قال : ( أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) فأبي اللّه ذلك عليه ... 1 / 86 - 87 ، 132

إنّ الأعمال تعرض عليّ في كلّ خميس ، فإذا كان الهلال أكملت ... 3 / 127

إن ابن أمّ مكتوم يؤذّن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتّي تسمعوا أذان بلال

... 1 / 489

إن ابن أمّ مكتوم يؤذِّن بليل ، وبلال يؤذّن إذا طلع الصبح... 1 / 489

إن أحد أبوي بلقيس كان جنّيّاً... 3 / 473

إن إسماعيل عليه السلام مات قبل إبراهيم عليه السلام ، وإن إبراهيم عليه السلام كان حجَّة لله قائماً

... 1 / 126

إن الاسم الأكبر ثلاثة وسبعون حرفاً ، فاحتجب الربّ تبارك وتعالي ... 3 / 335

إنّ اللّه افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها من زوال الشمس ... 2 / 141

إن الَّذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما السلام ، فأمّا يوم القيامة

... 1 / 88 ، 138

إنّ اللّه تبارك وتعالي أحد صمد... والصمد : الشيء الذي ليس له جوف ... 3 / 173

إن اللّه تبارك وتعالي جعل لآدم... 1 / 177

إن اللّه تبارك وتعالي جعل لآدم في ذرِّيَّته : مَن هَمَّ بحسنةٍ ولم يعملها ... 1 / 165

إن اللّه تعالي أحبّ أن يبدأ في كلِّ أوّلاً بطاعته وعبادته ، فأمرهم ... 1 / 484

ص: 237

إن اللّه تعالي قد أخذ ميثاق أوليائه علي الصبر في دولة الباطل ... 1 / 118

إن اللّه تعالي وتبارك أنزل علي آدم عليه السلام حوراء من الجنة ... 3 / 473

إن اللّه بيننا وبينك نسباً... 4 / 84

إن اللّه تعالي ينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أوّل الليل إلي آخره ... 1 / 490

إن اللّه تعالي ينادي كلَّ ليلة من أوَّل الليل إلي آخره... 1 / 490

إنّ اللّه حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض ... 2 / 189

إن اللّه خلق الأنبيياء والأئمّة علي خمسة أرواح : روح الإيمان ... 3 / 176

إن اللّه خلق حجاباً من ظلمة ممّايلي المشرق ، ووكّل به ملكاً ، فإذا غابت الشمس

... 1 / 402

إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل لمن جعل له سلطاناً أجلاً ... 3 / 93

إن أوّل من يرجع لجاركم الحسين بن علي عليه السلام ، فيملك حتّي يقع حاجباه ... 1 / 89

إنّ اللّه عزّ وجلّ ما جعل لمن له سلطان مدّة من ليالٍ وأيّام وسنين وشهورٍ ... 3 / 98

إن أوَّل من يكرّ في الرجعة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام ، فيمكث في الأرض الاربعين

... 1/ 133

إن اللّه عزَّ وجلَّ لمّا خلق نبيَّه ووصيَّه وابنيه وابنته ... 1 / 95

إن أوّل من يكرُّ في الرجعة الحسين بن علي عليهما السلام ، ويمكث في الأرض أربعين ألف سنة ...      85 / 1

إنّ اللّه عزَّ وجلَّ ما خلق العباد إلّا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ... 3 / 118

إنّ اللّه لا يدع الإرض إلّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان ... 3 /107

إنّ أمرنا صعب مستصعب... 3 /167 ، 168 ، 169

إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لقد اُعطيت الستّ : علم المنايا ، والبلايا ،... 1 / 130

إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول لأصحابه : إن ( المدَّثِّر ) هو كائن عند الرجعة... 1/ 138

إنّ الثقل الأكبر كتاب اللّه ، والأصغر أهل بيتي... 3 / 435

إنّ جعدة بنت لأشعث بن قيس الكندي سمّت الحسن بن علي عليه السلام ... 4 / 72

إنّ الحطّابة والمجتلبة أتوا النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم وسألوه فأذن لهم أن يدخلوها حلالاً... 2/ 190

إنّ الحيطان لها آذان كآذان الناس... 3 / 157

ص: 238

إنّ الدنيا لا تكون إلّا وفيها إمامان : برّ وفاجر ، فالبرّ الذي قال اللّه ... 3 / 135

إن ذلك في الفريضة ، فأمّا في نافلة فله أن يفطر أيّ ساعة شاء إلي غروب الشمس

... 1 / 397

إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله استأذن اللّه عزّ وجلّ في مكّة ... 2 / 189

إنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صلّي علي جنازة ... 2 / 474

إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نظر إلي علي عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام فبكي ، وقال : أنتم

... 1 / 117

إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعليّاً - عليه السلام - سيرجعان... 1 / 137

إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ... 2 / 228

إن سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما يحملك علي أن تأمر أصحابك ... 2 / 212 - 213

إن السماوات والأرض وما فيهما من خلق مخلوق في جوف ... 3 / 324

إن الشمس إذا طلعت كان الفيء طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّي تزول ... 1 / 454

إن الشمس تطلع بين قرني شيطان ، وتغرب بين قرني شيطان ... 3 / 460

إن الشمس تطلع كلّ يوم بين قرني شيطان إلّا صبيحة ليلة القدر... 1 / 492

إن الشمس تقطع ما بين المشرق إلي المغرب في يوم أو أقلّ... 3 / 371

إن الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها ، فإذا دخلت فيها زالت الشمس... 1 / 460

إن الصائم تطوُّعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار ... 1 / 397

إن صحيفة المَلَك جبينه لآدم... 1 / 173

إن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي في إوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم... 1 / 501

إن ّالصلاة علي ما افتتحت عليه... 2 / 97

أن صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهر... 1 / 523

إنّ ظهر القرآن الذي نزل فيهم ، وبطنه الذين عملوا ... 3 / 184 ، 348

إن العبد إذا هَمَّ بالحسنة خرج نَفَسُه طيّب الريح ، فقال صاحب اليمين ... 1 / 171

إنّ عبد اللّه بن عامر بن كريز لمّا افتتح خراسان أصاب ابنتين ... 4 / 84

إن العبد المؤمن الفقير ليقول : يا ربّ ارزقني حتّي أفعل كذا وكذا من البّر ... 1 / 179

ص: 239

إنّ عدّتها ثلاثة أشهر... 2 / 363

إنّ العلم الذي اُهبط مع آدم عليه السلام لم يرفع ، والعلم يُتوارث ... 3 / 110

إنّ عليّاً عليه السلام طاف ثمانية فزاد ستّة ، ثمّ ركع أربع ركعات... 2 / 350

إنَّ عليّاً طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبق علي واحد وأضاف اليها ستّة 2 / 350

إنّ عليّاً عليه السلام كان لا يري بأساً بعقد الثوب إذا قصر ... 2 / 253

أن علياً عليه السلام نادي في الموقف : ألا لا يطوفنّ بالبيت عريان ولا عريانة... 2 / 275

أنّ عيسي بن مريم عليه السلام اُعطي حرفين كان يعمل بهما ، واُعطي موسي عليه السلام أربعة أحرف ، وأعطي إبراهيم عليه السلام   3 / 335

إن فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عاشت بعد النبي صلى اللّه عليه وآله ستّة أشهر ... 4 / 63

إنّ في الصلاة شغلاً... 3 / 266

إنّ في كتاب عليّ عليه السلام : إذا طاف بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية... 3 / 351

إنّ في الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد فيها مولود إلّا كان مؤمناً ... 3 / 159

إنّ القرآن علي ثلاثة أقسام : معرفة اللّه ، ومخلوقاته ، وأحكام... 3 / 79

إن كانا جاهلين استغفرا ربهّما ومضيا علي حجّهما ... 2 / 181

إن كلّ شيء في الكرسي... 3 / 324

إن لعليٍّ عليه السلام في الأرض كرّة مع الحسين ابنه عليهما السلام ، يقبل برايته حتّي ينتقم

... 1 / 139 ، 189

إنّ لكلّ شهر عمرة... 2 / 196 ، 197

أن لكلِّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدَّته ... 1 / 148

إنّ للقرآن تأويلاً يجري كما يجري الليل والنهار ... 3 / 184 ، 348

إنّ لله مَلَكاً ينادي : أيّ عبد أحسن اللّه إليه ... 2 / 419

إنّ الليل والنهار اثنتا عشرة ساعة ، وإنّ عليّ بن أبي طالب ... 3 / 137 ، 140

إن مثل ابن ذر مثل رجل كان في بني إسرائيل يقال له عبد ربَّه ، وكان يدعو أصحابه

... 1 / 134

إنّ المجمع عليه لا ريب فيه... 2 / 358

ص: 240

إنّ المراد به : التسليم للنبي صلى اللّه عليه وآله في الاُمور... 2 / 31

إنّ معناه : أنّ الملك لا بعتمله في جوفه حتّي يخرجه ... 3 / 168

إن ملائكته الليل تصعد وملائكته النهار تنزل عند طلوع الفجر ... 1 / 486

إن مَن أسرَّ سريرة ردّاه اللّه رداءها... 1 / 171

إنّ من تمام حجِّك إحرامك من دويرة أهلك... 2 / 204

إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم اللّه ... 2 / 190

إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً ... ثمّ مضغة أربعين يوماً ... 3 / 417

إنّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً ... وتكون علقة ثلاثين يوماً ... 3 / 419

إن النهار خلق قبل الليل... 1 / 416

إن هذا الذي تسألون عنه لم يجئ أوانه ، وقد قال عزَّ وجلَّ ... 1 / 137

إن هذا المثل ضربه اللّه ، أمير المؤمنين عليه السلام - سلام اللّه عليه - البعوضة ... 3 / 152

إنّ الوحي يمّر به جبرئيل عليه السلام أوّلاً علي أمير المؤمنين عليه السلام... 3 / 303

إنا أبناء رسول اللّه... 2 / 392

إنا لا نُشبه أحداً... 2 / 515

إنا لولد رسول اللّه... 2 / 404

إنك وعدت الحسين أن تكرَّه حتّي ينتقم بنفسه ممَّن فعل ذلك به ، فحاجتي إليك 1 / 148

إنكم تسمّونه الحطيم وإنما كان لغنم إسماعيل... 2 / 276

إنما الأعمال بالنيّات... 2 / 452 ، 453 ، 466

إنما اُمروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم اللّه وأمنه ... 2 / 193

أنما خُلِّد أهل النار في النار لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خُلِّدوا ... 1 / 178 ، 188

إنما صلاتنا هذه تكبير ، وقراءة ، وسجود... 2 / 43

إنما هو اُسبوع وركعتان... 2 / 349

إنّما هو العالم وما يخرج منه... 3 / 488

ص: 241

إنّما هي أعمالهم ردّت إليهم... 3 / 306

إنّما هؤلاء يفتنهم فيه ، يعني المنافقين... 3 / 132

إنه لا عقب له... 3 / 341

إنّه موضع إدريس عليه السلام الذي كان يخيط فيه ، ومنه سار إبراهيم عليه السلام ... 3 / 89

إنّه يفرّق في ليلة إحدي وعشرين ، ويكون له فيه البداء ... ... 3 / 104

إنها تمضي كما هي إلي عرفات فتجعلها حجّة ، ثمّ تقيم ... 2 / 172

إنها ساعة ليست من ساعات الليل ، ولا من ساعات النهار... 3 / 368

إنها من أفضل ركعاتك... 1 / 366

إنّهما سقتاه... 4 / 48

إنهما سمّتاه... 4 / 47

إني لأكره لكم أن يصلّي الرجل خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها فيقوم كأنه... 1 / 504

إنّي تارك فيكم الثقيلن : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي... 3 / 435

إني سألت اللّه عزَّ وجلَّ في إسماعيل أن يبقيه بعدي فأبي ، ولكنّه قد أعطاني ... ... 1 / 138

إني طلّقت اُم فروة بنت إسحاق في رجب ، بعد موت أبي بيوم... 3 / 343

أهل بيتي كسفينة نوح... 3 / 250 ، 443

أوّل من تشنقّ الأرض عنه ويرجع إلي الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام ... 1 / 137

أوّل من يرجع إلي الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام ، فيملك حتّي يسقط حاجبها ... 1/ 139

أوَّل من ينفض التراب عن راسه الحسين عليه السلام... 1 / 153

أوَّل من ينفض التراب عن رأسه السفاح عليه السلام... 1 / 153

أوّل من يكّر إلي الدنيا الحسين بن علي عليه السلام ويزيد بن معاوية وأصحابه ، فيقتلهم 1/ 115

أولي بالمؤمنين... 3 / 407

أوّلنا محمّد ، وأوسطنا محمّد ، وآخرنا محمّد ، وكلنّا محمّد... 3 / 141

أي أعلمناهم ، ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل... 1 / 116

ص: 242

أي قد سبقة النهار (في تفسير : ( وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) )... 1 / 416

إي ولله ، إنا لولده... 2 / 390

أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّي يكون هو المظهر لك؟ ... 3 / 199

إيها ، اللّه أذِنَ... 2 / 299

إيّ الأمرين سبق إليها... 2 /372 ، 377

إيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فأن فعل ذلك ناسياً ... 1 /500

أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شيء عليه... 1 / 500

أي الطوافين : طواف نافلة ، أو طواف فريضة؟... 2 / 294

أيّام اللّه ثلاثة : يوم القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة... 1 / 84

أيّام اللّه ثلاثة : يوم قيام القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة... 1 / 92

أيام اللّه ثلاثة : يوم قيام القائم عليه السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة... 1 / 134

أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحجّ أو متمتّع بالعمرة ... 2 / 331

أيها الناس لأعرفنَّكم ترجعون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ... 1 / 123

أيّهما أكبر؟... 3 / 477

حرف الباء

بئس ما صنعت ، كان ينبغي لك أن تبني علي ماطفت ، أما إنه ليس عليك شيء 2 / 274

باب مدينة العلم... 2 / 502 ، 507

باسم اللّه وباللّه... 2 / 65

باسم اللّه وباللّه ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته... 1 / 319

باسم اللّه وباللّه ، والحمد لله ، والأسماء الحسني كلهّا لله ... 2 / 64

باسم اللّه وباللّه وصلّي اللّه علي محمّد وآل محمّدٍ... 1 / 319

بعثت والساعة كهاتين... 4 / 45

ص: 243

بقتل علّي بن أبي طالب وطعن الحسن عليهما السلام... 1 / 115

بل عني بذلك نفسه... 3 / 146

بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش وكلَّ شيء ... 3 / 321 - 322

بلي قد ركع... 3 / 501

بلي ، وقد صلّي عليه ورحمه ، وإنّما صلاتنا عليه رحمة لنا وقُربة... 3 / 48

بنات البنت يرثن ، إذا لم يكن بنات كنَّ مكان البنات... 2 / 393

بنات البنت يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميّت بنات ... 2 / 393

بياض النهار من سواد الليل... 1 / 484

بيت المقدس (سئل صلى اللّه عليه وآله عن وسط الدنيا)... 3 / 319

حرف التاء

بأخذون عوداً طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ، فيقام ، فما دام الظلّ ... 1 / 458

تتّزر بإزار إلي الركبتين ، وتخرج سرّتها ، ثمّ له ما فوق الإزار... 3 / 518

تتمّ طوافها فليس عليها غيره ، ومتعتها تامّة ... 2 / 286 ، 291

تحريم الصلاة التكبير ، وتحليلها التسليم... 2 / 18

تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم... 2 / 17 ، 35 ، 53 ، 55 ، 71 ، 78 ، 80

تخضع لها رقاب بني اُميَّة ، وذلك عند بارز الشمس... 1 / 149

تدري ما الحلال؟... 3 / 425

تسلِّم واحدة ولا تلفت ، قل : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته ... 2 / 88

التسليم علامة الأمن ، وتحليل الصلاة... 2 / 23 ، 72 ، 107

التسليم عليه... 2 / 17

التسليم لوصيّه من بعده... 2 / 17

التسليم من المسلّم تطوّع ومن الرادّ فريضة... 2 / 468

ص: 244

تسليمة عن يمينه... 2 / 110

( تسنيم) أشرف شراب في الجنّة ، يشربه محمّد وآلُ محمّد صرفاً ... 3 / 129

تصير حجّة مفردة... 2 / 284 ، 285 ، 287

تطوف اُسبوعاً ليديها واُسبوعاً لرجليها... 2 / 347

(اللّه تعالي) خلوّ من خلقه وخلقُه خلوّ منه... 3 / 29

تعتدّ ثلاثة أشهر ، ثمّ تزوّج إن شاءت... 2 / 366

تعدّ السنين ، ثمّ تعدّ الشهور ، ثمّ تعدّ الأيّام ... 3 / 241

تعرّفتَ لكلّ شيء في كلّ شيء حتّي لا يجهلك شيء... 3 / 199

تقضي المناسك كلّها علي غير وضوء إلّا الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل... 2 / 271

تقولون : السلام عليك يا بقيَّة اللّه... 2 / 502

تقولون : صلوات اللّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ... 2 / 32

تكتب له ستّة آلاف حسنة ، وتمحي عنه ستّة آلاف سيّئة... 2 / 283

تكون واحدة ردّاً علي الإمام ، وتكون عليه وعلي ملائكته ... 2 / 106

تلبس الصياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفّازين... 2 / 284

تلك القدرة ولا ينكرها إلّا القدرية ، لا تنكر تلك القدرة ، لا تنكرها... 1 / 135

تمّت صلاته ، وإنما التشهّد سنّة في الصلاة ، فيتوضّأ ... 2 / 44 ، 46

تمضي فقد تمّ حجّها... 2 / 344

تمضي كما هي إلي عرفات فتجعلها حجّة ... 2 / 284

تنتظر مثل قرئها الذي كانت تحيض... 2 / 365 ، 366 ، 367 ، 381

التي في الدوابّ والناس... 3 / 174

التين والزيتون : الحسن والحسين... 3 / 231

حرف الثاء

الثقل الأصغر... 3 / 250

ص: 245

الثقل الأكبر كتاب اللّه ، والأصغر عترتي... 3 / 440

الثقلين : الأصغر والأكبر... 3 / 439

ثلاثمائة وستّون يوماً... 3 / 381

ثمانٍ من آخر الليل ، ثمَّ الوتر ثلاث ركعات ، ويفصل بينهما بتسليمة ، ثمّ ركعتي الفجر

... 1 / 493

ثمّ اخرج إلي الصفا فاصعد عليه ، واصنع كما صنعت يوم دخلت مكّة ... 2 / 341

ثمّ التفتَ فإذا بصفوف من الملائكته والمرسلين والنبيّين ... 2 / 104

ثمّ تُؤذِنُ القومَ ، فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم... 2 / 105 ، 116 ، 119

ثم كرَّة اُخري مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّي يكون خليفة في الأرض وتكون الأئمَّة عمّاله

... 1/ 139

ثمّ ما في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنتشروا في معاشكم ... 1 / 417

حرف الجيم

جئتك يابن أمير المؤمنين ، وقلبي لكم مسلِّم ، وأنالكم تابع ، ونصرتي لكم معدَّة... 1 / 131

الجارية بين أبويها ليس لها مع أبويها أمر... 3 / 408

(انظر حديث : الجارية بين أبويها لا تستأمر)

جبرئيل الذي ينزل علي الأنبياء ، والروح تكون معهم ومع ... 3 / 163

جعل السماوات عماداً لكرسيّه... 3 / 287

جعل علي نفسه أن يحرم بخراسان... 2 / 236

(الجفر) هو جلد نور مملوء علما... 3 / 179

جهر فيها بالقراة : لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يغلس فيها لقربها بالليل... 1 / 483

حرف الحاء

حاشا لله... 1 / 100

حامل لواء الحمد... 2 / 507

ص: 246

حتّي يزول الليل ، فإذا زال الليل صلّي ثماني ركعات وأوتر في الركعة الأخيرة ... 1 / 404

حتّي يستتمّه... 2 / 348

الحجّ أشهر معلومات : شوّال ، وذو القعدة وذو الحجّة ... 2 / 225

الحجّ ثلاثة أصناف : حجّ مفرد ، وقرآن وتمتع بالعمرة إلي الحجّ ... 2 / 170

الحجر بيت إسماعيل ، وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل... 2 / 267

الحجّ عرفة... 2 / 43

حدّثني أبي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله طاف علي راحلته ... 2 / 298

حديثنا صعب مستصعب ، شريف كريم ، ذكوان ذكي وعِر ، لا يحتمله ... 3 / 191

(انظر حديث : إن أمرنا صعب مستصعب)

حرمت عليه باشترائه إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها ... 3 / 505

حرّم المسجد لعلّة الكعبة ، وحرّم الحرم لعلّة المسجد ، ووجب الإحرام لعلّة الحرم 2 / 193

الحسن ابني... 2 / 392

الحسين بن علي عليهما السلام منهم ، ولم ينصر بعد... 1 / 126

حسين منّي وأنا من حسين... 2 / 399

الحكمة ضالة المؤمن... 2 / 497

الحمد لله الأوّل بلا أوّل كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده... 3 / 445

الحمد لله الذي أذهب الليل بقدرته ، وجاء بالنهار برحمته... 1 / 490

الحمد لله الذي أذهب الليل مظلماً بقدرته ، وجاء بالنهار مبصراً برحمته... 1 / 490

الحمد لله علي إدبار الليل وإقبال النهار... 1 / 490 ، 491

الحمد لله مُدهر الدهور... 1 / 127

حرف الخاء

خذوا عنّي مناسككم... 2 / 299 ، 250 ، 275 ، 351

ص: 247

خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه... 1 / 127

خروح القائم عليه السلام... 1 / 146

الخروج من الذنوب - واللّه - كهيئته يوم ولدته اُمه... 4 / 166

خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة ، فحمد اللّه وأثني عليه ، ثمّ قال : أنا ... 1 / 110

خطب علي الناس ، واخترط سيفه وقال : لا يطوفن بالبيت عريان... 2 / 275

(انظر حديث : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمرني عن اللّه ألّا يطوف بالبيت عريان)

خلق أعظم من خلق جبرئيل وميكائيل ، لم يكن مع أحد ممّن مضي ... 3 / 173

خلقت من ضلع أعوج... 3 / 77

خلق الخلق في ظلمة ، ثمّ رشّ عليهم من نوره... 3 / 132

خلق اللّه كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ... 3 / 99

خلق النهار قبل الليل ، والشمس قبل القمر ، والأرض قبل السماء... 1 / 416 ؛ 3 / 325

خمس صلوات في الليل والنهار... 1 / 394 ، 480

حرف الدال

الدعاء ما لم تمضِ أربعة أشهر... 3 / 419

دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار... 1 / 481

دلوك الشمس زوالها ، وفي ما بين دلوكها إلي غسق الليل أربع صلوات... 3 / 370

الدنيا طالبة مطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة... 3 / 281

حرف الذال

ذاك أبو فضيل حين أخذ اللّه ميثاقه له بالربوبيّة ولمحمّد صلى اللّه عليه وآله بالنبوة ... 3 / 232

ذاك إذا خرجوا في الرجعة... 1 / 144

ذاك واللّه في الرجعة ، أم علمت أن أنبياء اللّه كثيراً لم ينصروا في الدنيا وقتلوا

... 1 / 85 ، 144

ص: 248

ذلك في الميثاق... 1 / 86 ، 135

ذلك موضع بيت إدريس عليه السلام الذي كان يخيط فيه ... 3 / 89

(انظر حديث : أنه موضع بيت إدريس عليه السلام ...)

حرف الراء

ربّ طالب خير تزّل قدمه... 2 / 228

رحم اللّه جابراً ، لقد بلغ من علمه أنه كان يعرف تأويل هذه الآية : (إنّ الَّذِي ...)

... 1 / 142

ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام... 2 / 467

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أحد الوالدين... 3 / 457

الرضاع لحمة كلحمة النسب... 2 / 356 ، 358

رُفِعَ عن اُمّتي ... 2 / 97 ، 306 ، 328 ، 483

الرياء قنطرة الإخلاص... 3 / 279

ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟... 1 / 171

حرف الزاي

الزلزله نصف القرآن ، والإخلاص ثلثة ، والجحد ربعه... 3 / 79

حرف السين

ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ، وفيما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس ساعة 1 / 487

سألت عن قول اللّه عز وجل : وَللهِ عَلَي النَّاسِ حجّ البَيْتِ ... 2 / 165

سبحان اللّه... 1 / 315

سبحان ريّي العظيم... 1 / 315

سبحان اللّه لو كان كما يقولون لم يتمتّع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... 2 / 204

ص: 249

سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر... 1 / 311 ، 383 ؛ 4 / 185

سبحانه من قدير ما أقدره ، وسبحانه من عليم أعلمه ، ومن كريم ... 2 / 518

سبع سنين ، تطول أيّامها ولياليها حتّي تكون السنة من سنيِّه مقدار ... 1 / 111

سقفها عرش الرحمن... 3 / 65

السلام علي الأئمّة الراشدين ، السلام علينا وعلي عباد اللّه الصالحين... 2 / 65

السلام علي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي أهل بيته ... 2 / 61

السلام عليك... 2 / 75

السلام عليك أيّها النبيّ... 2 / 35

السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته... 2 / 61 ، 96 ، 73 ، 78 ، 86 ، 125

السلام عليكم 2 / 14 ، 15 ، 28 ، 35 ، 57 ، 60 ، 61 ، 65 ، 69 ، 70 ، 71 ،

72 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 83 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 99 ، 106 ، 107 ، 111 ، 112 ، 116 ، 117 ، 118 ، 469

سَلام عليكم... 2 / 489

السلام عليكم ورحمة اللّه... 2 / 13 ، 20 ، 21 ، 29 ، 59 ، 64 ، 65 ، 69 ، 71 ،

72 ، 73 ، 74 ، 75 ، 78 ، 81 ، 82 ، 84 ، 86 ، 89

السلام عليكم رحمة اللّه وبركاته... 1 / 323

السلام عليكم ورحمة اللّه بركاته عليكم أهل البيت... 3 / 110

السلام علينا وعلي عباد اللّه الصالحين...

السلام علينا وعلي عباد اللّه الصالحين... 1 / 323 ؛ 2 / 59 ، 60 ، 64 ، 65 ، 69 ،

70 ، 71 ، 76 ، 77 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 103 ، 111 ، 112 ، 116 ، 118 ، 125

السلام علينا يفسد الصلاة... 2 / 89

السلطان وليّ من لا وليّ له... 3 / 411

ص: 250

سلّم واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيّها النبيّ ... 2 / 28

السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي ، والعرش هو العلم الذي ... 3 / 324

السنّة في صلاة النهار بالإخفات ، والسنّة في صلاة الليل 1 / 395 ، 479 ، 514 ، 523

سيكون في اُمّتي كلّ ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذَّة بالقذَّة ... نعم ،

... 1 / 121

حرف الشين

الشمس بطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان... 3 / 459

الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسيّ ، والكرسي جزء ... 3 / 321

الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل ، لا ينبغي للشمس ... 1 / 415

(شهر رمضان) لا ينقص أبداً... 3 / 380

شيئان يفسد الناس بهما صلاتَهم : قول الرجل : تبارك اسمك ... 2 / 85

حرف الصاد

الصائم بالخيار إلي زوال الشمس... 1 / 379

الصائم تطوُّعاً بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار ... 1 / 470

الصبيان يطاف بهم ويرمي عنهم... 2 / 297

(الصلاة) عمود دينكم... 3 / 291

صلاة الليل ما بين نصف الليل إلي آخره... 1 / 484

الصلاة من اللّه تعالي الرحمة ، ومن الملائكة تزكية... 4 / 166

صلاة النهار عجماء... 1 / 505 ؛ 3 / 371

صلاة النهار عجماء ، وصلاة الليل جهر... 1 / 514 ، 523

صلاة الوسطي هي الوسطي من صلاة النهار ، وهي الظهر... 1 / 483

صلّ وأتمّ الصلاة... 3 / 522

ص: 251

صلّوا كما رأيتموني اُصلّي... 1 / 509 ، 511 ؛ 2 / 16 ، 17 ، 18 ، 28 ، 40 ؛

3 / 388

صلّ وقصّر ، فأن لم تفعل فقد واللّه خالفت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله... 3 / 522

صلِّها بغبش... 1 / 393

صلى اللّه عليه وآله 4 / 141 ، 146 ، 155 ، 157 ، 162 ، 163 ، 164 ، 171 ، 175 ، 176

، 179 ، 183 ، 184 ، 187

حرف الطاء

طرفاه : المغرب والغداة ، و ( زُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ) : هي صلاة العشاء الاخرة... 1 / 392

طلاق الحامل واحدة... 3 / 527

طلّقت اُمّ فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي الحسن عليه السلام بيوم... 3 / 343

(انظر الحديث : إني طلقت اُمّ فروة بنت إسحاق)

الطواف بالبيت صلاة... 2 / 278

الطواف المفروض إذا زدت عليه ، مثل الصلاة المفروضة ... 2 / 348

حرف العين

العبّاد ثلاثة : قوم عبدواللّه عزَّ وجلَّ خوفاً فتلك عبادة العبيد ... 2 / 412

عدّة هؤلاء كلّهنّ ثلاثة أشهر... 2 / 365

العرش في وجه هو جملة الخلق ، والكرسي وعاؤه... وفي وجه ... 3 / 324

عشر ركعات وأربع سجدات ... ويقنت في كلّ ركعتين... 2 / 138

( عَلَى الطَّرِيقَةِ ) يعني علي الولاية... 3 / 131 ، 132

عليكم السلام... 2 / 75 ، 469

عليّ مع الحقّ... 3 / 250 ، 443

علي ملائكته والمأمومين ، يقول الملائكة : اكتبا سلامة صلاتي ... 2 / 107

ص: 252

عليُّ مني ، وأنا عليٍّ... 2 / 399

عليّ والحسن والحسين عليهما السلام... 1 / 126

عليها جمّالها... 2 / 344

عليه بدنة ... 2 / 176 ، 182

عليه دم ، ألا تري إذا غسلت شمالك قبل يمينك ، كان عليك أنْ تعيد علي شمالك 2 / 322

عليه الغسل ، وعلي المرأة أن تغسل ذلك الموضع إذا أصابها ... 3 / 519

عليه الكفّارة (للمعتكف إذا وطئ امرأته ليلاً في رمضان)... 1 / 494

العُمرة المبتولة يطوف البيت ويسعي بين الصفا والمروة ثمّ يحلّ ... 2 / 342

العُمرة مفروضة مثل الحجّ ، فإذا أدّي المتعة فقد أدّي العُمرة المفروضة... 2 / 166

العُمرة واجبة علي الخلق بمنزلة الحجّ علي من استطاع ... 2 / 165 ، 166

عند الامتحان يكرم المرء أو يهان... 3 / 391

عند زوال الليل ، وهو نصفه... 1 / 392 ، 395 ، 481

حرف الفاء

فاتحةالكتاب سبع آيات إحادهن ( بسم اللّه الرحمن الرحيم ) ... 4 / 154

فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به ، وبصره الّذي يبصر به ... 3 / 467

فإذا قضيت التشهّد فسلّم عن يمينك وعن شمالك ، تقول : السلام عليكم ... 2 / 23

فإذا صلّي ركعة من الغداة ، ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة ... 2 / 139

فإنْ قال : فلِمَ جعل التسليم تحليلَ الصلاة ... 2 / 24 ، 105

فإن قال : لم جعل أصل الصلاة ركعتين؟ ولم زيد علي بعضها ركعة ، وعلي بعضها

... 1 / 480

فأنْ كان مستعجلاً في أمر يخاف فوته فسلِّم وانصرف أجزأه... 2 / 51

فإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة... 2 / 113

فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر سواء ، فأجيء إلي الكوفة ... 1 / 96

ص: 253

( فَأَمَّا مَن أَعْطَى ) الخُمس ، ( وَاتَّقَ ) ولاية الطواغيت ... 3 / 133

فأمره جبرئيل برفع خمس وعشرين... 3 / 116

فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم... 2 / 73

فتمّت للإمام ثلاث ركعات ، وللأوّلين ركعتان في جماعة ... 2 / 104

فخرج هبة اللّه وصلّي عليه ، وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة ... 3 / 115

فشاوروهنّ وخالوفوهنّ... 3 / 77

فطرهم علي التوحيد عند الميثاق علي معرفة أنّه ربّهم... 3 / 198

فلا شيء عليك ، ولو شئت حين قالوا لك ، استقبلتهم بوجهك فقلت : السلام عليكم

... 2 / 105

فلمّا جهّزوه - يعني : آدم - قال جبرئيل : تقدّم يا هبة اللّه ... 3 / 116

فلمّا قال اللّه تعالي : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) ... 3 / 151

فلمّا قدم عليّ ، وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحجّ الأكبر... 2 / 274

فليحرم من الكوفة... 2 / 231 ، 233 ، 234

فليخرج فليغسل أنفه ، ثمّ ليرجع ... 2 / 25

فليضمّ إليهم ستّاً... 2 / 351

فليعد طوافه... 2 / 293

فمن أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت من قبله ينابيع الحكمة... 3 / 297

فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : قل يامحمّد : إن شاء اللّه ، أو يكون ذلك ... 1 / 123

فهو واللّه ذلك... 2 / 228

في الدنيا والآخرة والاُولي... 3 / 135

في رجال من أصحابه الذين قتلوا معه عليهم بيض الذهب لكلّ بيضة وجهان ... 1 / 127

في الرجعة... 1 / 86 ، 94 ، 134

حرف القاف

قال أمير المؤمنين عليه السلام : إن اللّه تبارك وتعالي أحد واحد... 1 / 89 ، 114 ، 140

ص: 254

قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرني عن اللّه ألّا يطوف بالبيت عريان

... 2 / 275

قال أمير المؤمنين عليه السلام : إني لصاحب الكرّات ودولة الدول ، وإني لصاحب العصا 1 / 140

(انظر حديث : أن لي الكرّة بعد الكرَّة ، والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرّات)

قال أمير المؤمنين عليه السلام : علي منبر الكوفة : واللّه إني لديّان الناس يوم الدين ... 1 / 113

قال أمير المؤمنين عليه السلام : لقد اُعطيت الستّ : علم المنايا ، والبلايا ، والوصايا... 1 / 120

قال اللّه تعالي لنبيّه صلى اللّه عليه وآله ( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... ) ... 1 / 479

قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لي : يابني

... 1 / 123 ، 140

قال رجل لعمّار بن ياسر رضي اللّه عنه : يا أبا اليقظان ، آية قد أفسدت قلتي وشكَّكتني ...       1 / 143

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : السلام تطوُّع ، والردُّ فريضة... 2 / 476

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : لقد أسري بي ربّي عزّ وجلّ ، فأوحي إليّ... 1 / 90 ؛ 3 / 186

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : مفتاح الصلاة الطهور ... 2 / 18 ، 27

قال اللّه : لجعلنا أظلّتهم في الماء العذب لنفتنهم فيه ، وفتنهم في عليّ ... 3 / 131

قبض الحسن بن علي عليه السلام وهو ابن سبع وأربعين سنة... 4 / 68 ، 71

قبض محمّد بن علي الباقر عليه السلام وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام ... 4 / 91

قَتْلُ عليّ بن أبي طالب ، وطَعْنُ الحسن عليه السلام... 1 / 94

قتل علي عليه السلام وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة ، وقتل الحسين عليه السلام ... 4 / 92

قد أتي عظيماً... 2 / 182

قد أفسد عمرته وعليه بدنة ، ويقيم بمكّة مُحِلّاً حتّي يخرج الشهر ... 2 / 176

القدريَّة تنكرها... 1 / 134

قم يادابّة الأرض... 1 / 120

قنت بعد ما ينصرف وهو جالس... 2 / 50

قَوْلُكَ حُكْمٌ ، وَقَضَاؤُكَ حَتْمٌ ، وَإرَادَتُكَ عَزْمٌ... 2 / 508

ص: 255

حرف الكاف

كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقّي هؤلاء ... 2 / 196

كان أبي يطوف مع محمّد بن إبراهيم فيقرن ، وإنما كان ذلك منه لحال التقيّة... 2 / 349

كان أبي يقول : يشّد علي بطنه المنطقة التي فيها نفقته ... 2 / 255

كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه - يقول : من أراد أن يقاتل شيعة الدجّال... 1 / 134

كان أمير المؤمنين صلى اللّه عليه وآله لا يصلِّي من النهار حتّي تزول الشمس 1 / 393 ، 396 ، 479

كان بين الحسن والحسين عليهما السلام طهر ، وكان بينهما في الميلاد ... 4 / 76

كان جعفر عليه السلام يقول : بزوال الشمس من يوم القيامة التروية ... (في ذهاب متعة من دخلت مكة ثم حاضت قبل أن تُحل) 2 / 186

كان جعفر عليه السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ... 2 / 285

كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا صلّي العشاء الآخرة آوي إلي فراشه ، ثمَّ لا يصلّي شيئاً 1 / 404

كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يصلِّي بالنهار شيئاً حتّي تزول الشمس... 1 / 393 ؛ 3 / 371

كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالنهار شيئاً حتّي تزول الشمس... 1 / 479

كان علي بن الحسين : يقول : الحلال هو قوت المصطفين ... 3 / 425

كان عليّ عليه السلام لا يصِّلي من الليل شيئاً إذا صلّي العتمة حتّي ينتصف الليل ... 1 / 393

كان عليّ عليه السلام لا يصلِّي من النهار حتّي تزول الشمس... 1 / 479

كان عليه أن يتم... 2 / 236

كان عليّ عليه السلام ، يقرأ في اُوليي الظهر سرّاً ويسبّح في الأخيرتين ... 1 / 512

كان مولدي في ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين ومائتين... 4 / 127

كان الناس علي عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يطوفون بالبيت والمقام ... 2 / 268

كان الناس فيما مضي إذا سلّم عليهم ... 2 / 24 ، 72 ، 107

كأنّي واللّه بالملائكته قد زاحموا المؤمنين علي قبر الحسين... 1 / 149

ص: 256

كباب حطّة... 3 / 250

كبَّر أمير المؤمنين عليه السلام علي سهل بن حنيف ، وكان بدريّاً ، خمس تكبيرات ... 2 / 474

كتب علي النهار فأضاء ، وعلي الليل فأظلم ، وعلي البرق فلمع ، وعلي الرعد فخشع

... 1 / 402

كذب ، صلِّ فيه حيث شئت... 2 / 267

كذبوا ما هكذا هي ، إذا كان ينسخها ويأتي بمثلها لم ينسخها... 3 / 125 ، 181

كذلك أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أصحابه... 2 / 166

الكرسيّ وسع السماوات والأرض ، والعرش وكلّ شيء وسع الكرسي... 3 / 324

كفي بعليٍّ عليه السلام أن يقاتل أهل الكرَّة ، ويزوِّج أهل الجنَّة... 1 / 87

كلّ ثوب تصّلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه... 2 / 244 ، 247 ، 257

كلّ شيء خلقه اللّه في جوف الكرسيّ خلا عرشه فإنّه أعظم ... 3 / 324

كلّ شيء لك حلال حتّي تعرف الحرام بعينه... 3 / 474

كلّ شيء ما عدا القبل بعينه... 3 / 517

كلَّما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين ، لم ندرك الصلاة علي سهل ... 2 / 474

كلّما جاء منه تأويل شيء وقع يكون علي الأموات ... 3 / 184 ، 348

كلّما غلب ... 1 / 217

كلّ مؤمن لا بدّ أن يموت ويقتل... 4 / 137

كلّنا واحد : أوَّلنا محمّد ، وأوسطنا محمّد ، وآخرنا محمّد ، وكلّنا محمّد... 2 / 399

كنت نائماً ليلة النصف من شعبان فأتاني جبرئيل عليه السلام ... 3 / 101

الكوفة - يا أبابكر - الزكيّة الطاهرة ، فيها قبور النبيِّين المرسلين وغير المرسلين 1 / 100

لئن قتلونا فأنا نرد إلي نبيِّنا صلى اللّه عليه وآله ، فأمكث ما شاء اللّه ، فأكون أوَّل من تنشقُّ... 1 / 140

حرف اللام

لا (المحرم يعقد إزاره في عنقه)... 2 / 252

ص: 257

لا (الرجل يطوف علي غير وضوء)... 2 / 254 ، 271

لا أدري أين هي (عن الجارية التي هربت منه)... 3 / 221

لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة... 2 / 186 ، 285

لا ، إلّا أن تحبّ أن تتطوّع... 2 / 186 ، 285

لا ، إلّا يكون مريضاً أو به بطن... 2 / 192

لا ، الاُسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن لأنه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم

... 2 / 348

لا ، إلّا مريض أو به بطن... 2 / 191 ، 192

لا ، إنّه يعلم قبل ذلك ليتقدّم فيما يحتاج إليه ، فإذا جاء الوقت ... 3 / 189

لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض... 2 / 248

لا بأس أنْ تطوف المرأة غير مخفوضة ، وأمّا الرجل فلا يطوف إلّا وهو مختتن... 2 / 276

لا بأس ، إنما يكره الحرير المبهم... 2 / 248

لا بأس أن يدخل بغير إحرام (في الرجل يخرج من الحرم إلي بعض حاجته)... 2 / 194

لا بأس أنْ يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف ... 2 / 282 ، 292

لا بأس أن يستعين بكلّ شيء من جسده عليها ، ولكن لا يستعين ... 3 / 230

لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة (عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي احرم فيها) 2 / 257

لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوَّله إلي آخره ، إلّا إن أفضل ذلك بعد الانتصاف... 1 / 492

لا بأس عليك ، ولو نسيت حين قالوا ذلك ... 2 / 45

لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية ... 2 / 187

لا بأس (لمن أحرم من الجحفة وهو من أهل المدينة)... 2 / 241

لا بأس (لمن يعمل لله لكنه يسرّه أن يراه أحد يفعل ذلك)... 2 / 499

لا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر... 2 / 342

( لاَ تَجْهَرْ ) بولاية علي ولا بما أكرمته به حتّي آمرك بذلك ... 3 / 311

لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ... 2 / 434

ص: 258

لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، وأيم اللّه لئن فعلتموها ... 1 / 122

لا ترمِ الجمرة يوم النحر حتّي تطلع الشمس... 1 / 491

لا تُستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر... 3 / 408

(انظر حديثي : الجارية بين أبويها ليس لها مع أبويها أمر)

و (الجارية بين أبويها لا تستأمر)

لا تتستطيع أنْ تتخلّف عن أصحابها ، ولا يقيم ... 2 / 343

لا تقرأ هكذا ، ولكن اقرأ : التائبون العائدون... 1 / 86

لا تقرن بين اُسبوعين ، كلّما طفت اُسبوعاً فصلّ ركعتين ... 2 / 349

لا تقل : عليك السلام... 2 / 76

لا تلبس ثوباً له أزرار وأنت محرم إلّا تنكسه ، ولا ثوباً تدرعه... 2 / 253

لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوباً تزرّه ، ولا ثوباً تدرعه... 2 / 253

لا تنقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوماً قبل يوم القيامة ... 3 / 111

لا جلب ولا جنب... 3 / 269 ، 270 ، 271

لا حجّة عليه ، إنّما الحجّة علي من سمع منّا حديثاً فأنكره ... 3 / 353

اللاحقة : الحسن بن علي عيهما السلام في خمسة وسبعين ألفاً ، وهو قوله عزَّ وجلَّ 1 / 98

لا ، ذلك سمّي اللّه به أمير المؤمنين ... 2 / 502

لا (سئل : أيكون في بني اسرائيل شيء لا يكون هاهنا مثله؟)... 1 / 136

( لَأَسْقَيْنَاهُم ) من الماء الفرات العذب... 3 / 131

لا عمل إلّا بنيّة... 2 / 466 ، 490 ، 491

لا ، الموت موت ، والقتل قتل... 1 / 85

لا ، هي علي إحرامها... 2 / 186 ، 285

لا واللّه ، لا تنقضي الدنيا ولا تذهب حتّي يجتمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعليٌّ عليه السلام بالثويَّة

... 1 / 698 ، 14

لا ، ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن اُمّه فيه ، فكَرِهَ أن يوطأ فحجر عليه... 2 / 267

ص: 259

لا ، ولكن إذا انتهي إلي الوقت فليحرم ... 2 / 228

لا ، ولكن دعه فإنْ بري قضي ، وإلّا فاقضِ أنت عنه... 2 / 296

لا ، ولكن يبدأ بالسنّة... 2 / 276

لا ، ولكن يطاف به... 2 / 295

لا ، ولها أن تلبسه في غير إحرامها... 2 / 249

لا واللّه ، ما ذلك إلّا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ... 3 / 103

لا يحجّ حتّي يختتن... 2 / 276

لا يحلّ له النساء حتّي ... 2 / 345

لا يدخلها إلّا بإحرام... 2 / 191

لا يدخلها إلّا محرماً... 2 / 191

لا يسأل في القبر إلّا من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً ... 1 / 135

لا يسقط الميسور بالمعسور... 2 / 123

لا يصلح أن تلبس حريراً محضاً لا خلط فيه ، فأمّا الخزّ والعلم ... 2 / 248

لا يصلح حتّي يصلّي ركعتي الطواف الأوّل ، ثمّ ليطف ما أحبّ... 2 / 349

لا يُصلح الناسَ إلّا إمام عادل وإمام فاجر ، إنّ اللّه تعالي ... 3 / 135

لا يضرّه ، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجّه... 2 / 343

لا يطوفنّ بالبيت عريان... 2 / 275

لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم... 3 / 250

لا يفضل أحدهما علي الآخر... 3 / 440

لا يفعل ، ذلك أحبّ إليّ... 3 / 423

لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ... 1 / 395

لا يقم أحدكم الصلاة وهو ماشٍ ، ولا راكب ولا مضطجع ... 3 / 389

لا يكون الإمام إلّا وله عقب... 3 / 341

ص: 260

لا يكون الإمام إلا وله عقب إلّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين عليه السلام... 1 / 113

لا يكون سعي إلّا من قبل طواف النساء... 2 / 341

لا يلبسه حتّي يغسله وإحرامه تامّ... 2 / 257

لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلي الإمام... 1 / 506

لترجمنَّ نفوس وليقتصنَّ يوم تقوم ، ومن عذِّب يقتصُّ بعذابه ... 1 / 138

لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس علي ولدها ... 1 / 116

اللسان ، والروح ، والنفس ، والعقل ، والسرّ ، والقلب ، والمعرفة ... 1 / 385

لقد تسمّوا باسمٍ ما سميّ اللّه به أحداً إلّا علي بن أبي طالب ... 2 / 504

لَكَ يَا الهِي وَحْدَانِيّةُ العَدَدِ... 3 / 17 ، 18

للزوج النصف وللاُمّ الثلث وللأب السدس... 2 / 397

لليل زوال كزوال الشمس... 1 / 403 ، 445 ؛ 3 / 363

لمّا خلقهما اللّه عزَّ وجلّ أطاعا ولم يعصيا شيئاً ، فأمر اللّه جبرئيل ... 1 / 413

لمّأ قدمت بنت يزدجرد علي عمر أشرف لها عذاري المدينة ... 4 / 84

لم أكن لأعبد ربّاً لم أرَه... 3 / 198

لم يبعث نبيّ إلّا بعد الأربعين... 3 / 75

لم يحمل خبثاً... 1 / 215

لنا مع ربنا حالات نحن فيها هو... 3 / 146 ، 467

(انظر حديث : أنا عين اللّه وأنا قلب اللّه)

لن تخلو الأرض إلّا وفيها منّا رجل... 3 / 110

لن تخلو الأرض إلّا وفيها منّا رجل يعرف الحقّ فإذا زاد الناس فيه ... 3 / 108

لن تخلو الأرض إلّا نزلت في قوم ثمّ مات اُولئك القوم ماتت الآية ... 3 / 185 ، 349

(انظر حديث : لو كان إذا نزلت آية في رجل)

لو أن عبداً أنعم اللّه عيه نعمة ... 2 / 232

ص: 261

لو بقيت الأرض يوماً بلا إمام منّا لساخت بأهلها ولعذَّبهم اللّه بأشدِّ عذابه ... 1 / 111

لو شئت ياربّ لأحييتهم ؛ فيعمِّروا بلادك ، ويلدوا عبادك ، ويعبدوك مع من يعبدك

... 1 / 151

لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق ما اختلف اثنان ، إن اللّه ... 3 / 193

لو قد خرج قائم آل محمّد لينصرنَّه اللّه بالملائكة المسوَّمين والمردفين ... 1 / 99

لو كان إذا نزلت آية في رجل ، ثمّ مات ذلك الرجل ماتت الآية ... 3 / 185 ، 350

لولا ما منّ اللّه علي الناس من طواف الوداع ... 2 / 340

ليس لأحد أن يحرم دون الوقت الذي وقّته ... 2 / 237 ، 239

ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا سيرجع حتّي يموت ، ولا أحد من المؤمنين ... 1 / 137

ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا ويرجع حتّي يموت ، ولا يرجع إلّا من محض الإيمان

... 1 / 93 ، 120 ، 143

ليس إحرامه بشيء... 2 / 226

ليس عليك شيء... 2 / 293

ليس علي النساء حلق ، وعليهنّ التقصير ... 2 / 284 ، 287

ليس فيها ألف ولا واو قال : ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها... 3 / 125 ، 181

ليس كلّ ما طُلب وجد... 3 / 176

ليس منّا من لم يؤمن بكرَّتنا ، ويستحلَّ متعتنا... 1 / 150

ليس من قتل بالسيف كمن مات علي فراشه ، إن من قتل لابدّ أن يرجع إلي الدنيا 1 / 86

ليس من مؤمن إلّا وله قتلة وميتة ، إنه من قتل نشر حتّي يموت ، ومن مات ... 1 / 133

ليس هكذا قال تبارك وتعالي... 3 / 125 ، 181

ليس هو طور سينين ، ولكنه طور سينا... 3 / 231

ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي ... 2 / 227

ليكون قد سلّم عليه وعلي مَنْ علي اليسار ... 2 / 106

ليلة القدر لو رفعت لرفع القرآن... 3 / 183 ، 347

ص: 262

ليلة النصف من شعبان ، والذي نفس عليّ بيده ... 3 / 101

(ليلة النصف من شعبان) هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر ، فيها يمنح اللّه العباد فضله 3 / 104

ليملكنّ رجل منّا أهل البيت ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً... 1 / 99

ليؤمنن برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وليصرن عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام... 1 / 87 ، 138

حرف الميم

ما أري عليه شيئاً ، والإعادة أحبّ اليّ وأفضل... 2 / 293

ما بعث اللّه نبيّاً من آدم عليه السلام إلّا ويرجع إلي الدنيا فينصر أمير المؤمنين عليه السلام

... 1 / 93 ، 114 ، 141

ما بلّغك هذا إلّا كذّاب... 2 / 226

ما بين إليتيها ولاينقب... 3 / 518

ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس... 1 / 398 ، 487

ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، فمن صلّي ... 3 / 309

ما تقول الناس في هذه الآية : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) ؟... 1 / 92

ما جاء بك يا كميل؟... 3 / 101

ما خلق اللّه في الأرض بقعة أحبّ إليه من الكعبة ... 3 / 433

ما زاد علي شهر فهو ريبة ، فلتعتدّ ثلاثة أشهر ... 2 / 366

ما زالت الأرض إلّا ولله تعالي ذكره فيها حجَّة يعرف الحلال والحرام 1 / 112 ؛ 3 / 185

( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ) بتفضيله أهل بيته ... 3 / 147

ما عبدتك طمعاً في جنّتك ، ولا خوفاً من نارك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك

... 2 / 433

ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف الّا وله حدّ ... 3 / 184 ، 348

ما في هذه الاُمَّة أحد برٌّ ولا فاجر إلّا فينشر ، أمّا المؤمنون فينشرون ... 1 / 84

ما لله آية أعظم منّي... 1 / 143

ص: 263

ما منا إلّا من خرج علي الشهادة... 4 / 47

ما نت أحد إلّا وهو يحبُّ أن يُظهر اللّه له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك

... 2 / 449

ما من مؤمن إلّا وله قَتْلة وموتة ، إنه من قُتل نُشِر حتّي يموت ... 1 / 83 ، 86

ما من نبيٍّ ولا وصيٍّ إلّا شهيد... 1 / 83

ما نعلم حجّاً لله غير المتعة... 2 / 170

ما هذا؟ (عن رجل عرض لأبي أحمد الراوي وهو يطوف مع الصادق عليه السلام)... 2 / 283

ما يقول الناس في هذه الآية : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) ؟... 1 / 140

( مَأْوَاكُمُ ) : أبوابكم ، والأئمّة أبواب اللّه ... 3 / 373

المبطلون والكسير يطاف عنهما ويرمي عنهما... 2 / 296

ألم تسلِّم وأنت جالس؟... 2 / 45 ، 51 ، 105

المتمتّع له المتعة إلي زوال الشمس من يوم عرفة ... 2 / 187

متي لبست قميصك؟ أبعد ما لبّيت ، أم قبل؟... 2 / 151

المحرم لا يصلح له أنْ يعقد إزاره علي رقبته ، ولكن يثنيه علي عنقه ولا يعقده... 2 / 254

المحرم يشدّ علي بطنه العمامة ، وإن شاء يعصبها علي موضع إزاره ... 2 / 255

المرأة إذا كانت مريضة لا تعقل يطاف بها أو يطاف عنها... 2 / 297

مرحباً يخلق اللّه الجديد واليوم العتيد... 1 / 491

مرّة بالكرّة ، واُخري يوم القيامة... 1 / 98

المريض المغلوت والمُغمي عليه يرمي عنه ويطاف به... 2 / 295 ، 296

مسجد الكوفة أفضل من بيت المعمور... 3 / 421

مسيرة يوم ، بل أقلّ من ذلك... 1 / 391

مسيرة يوم للشمس... 1 / 391 ؛ 3 / 371

معاذ اللّه ، لو فعل ذلك ما رغب عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... 3 / 475

المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الركعتين ... 2 / 341

ص: 264

معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يحب عليهم طاعته... 3 / 118

مع طلوع الفجر ، إن اللّه تبارك وتعالي يقول : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) 1 / 486

مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم... 2 / 18 ، 19 ، 20

ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضي غير ... 3 / 173

(انظر حديث : خلق اعظم من خلق اللّه جبرئيل وميكائيل)

ملك منذ أنزل اللّه ذلك الملك لم يصعد إلي السماء ... 3 / 164

ممير جميع المؤمنين من علم الرسول... 2 / 507

من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الميقات فلا إحرام له

... 2 / 226

من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأصاب شيئاً ... 2 / 227

من ادرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة... 2 / 140

من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة... 2 / 139

من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر ، أحرم من الجعرانة أو الحديبيّة وما أشبههما... 2 / 210

من أصبح وهو يريد الصيام ثمّ بدا له أن يفطر فله أن يفطر ... 1 / 397

من اغتسل يوم الجمعة ، ثمّ راح إلي المسجد فكأنّما قرب بَدَنة ... 1 / 478

من أقام بالمدينة وهو يريد الحجّ شهراً ... 2 / 217

من أكل لقمة حراماً لم ترفع له دعوة أربعين يوماً... 3 / 297

من أنكر أن لي في الأرض كرَّة بعد كرَّة ، ودعوة بعد دعوة ، وعودة بعد رجعة... 1 / 128

من أين أحرمت؟... 2 / 226 ، 228

من اين أحرمتما؟... 2 / 226

مَنْ بلغه ثواب... 2 / 414 ، 418

من بلغه شيء من الثواب... 2 / 423

من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله

... 2 / 203 ، 227 ، 236

من جحد إماماً من اللّه وبرأ منه ومن دينه فهو كافر مرتدّ عن الإسلام ... 3 / 121

ص: 265

من حجّ فليتمتَّع ، إنا لا نعدل بكتاب اللّه عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صلى اللّه عليه وآله... 2 / 170

من حيث أحرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، من الجعرانة... 2 / 213

من دخل مكّة متمتّعاً في أشهر الحجّ ، لم يكن له أن يخرج حتّي يقضي الحجّ... 2 / 195

مَنْ ذُكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار ، فأبعده اللّه... 4 / 167

من زار قبر أبي عبد اللّه عليه السلام بشطّ الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه... 3 / 329

من زار قبر الحسين بشطّ الفرات كان كمن زار اللّه فوق كرسيّه... 3 / 329

من سنّ سنّة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة... 3 / 49

من شئنا يا أبا الصامت... 3 / 191 ، 192

من طاف بالبيت فوهم حتّي يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً ... 2 / 350

من عرف نفسه عرف ربّه... 3 / 197 ، 394

من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري تركته لشريكي... 2 / 430

من قال هذا فهو مشرك - أنا إلي اللّه منه بريء - بل عني اللّه ... 3 / 144

مَن قرأ ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ ) كلّ غداة خميس زوّجه اللّه ... 3 / 361

من كان في مكّة علي مسيرة عشرة أميال لم يدخلها إلّا بإحرام... 2 / 190

من كان منزله خلف هذه المواقيت ... 2 / 205

من كان منزله دون الوقت الي مكّة ، فليحرم من منزله... 2 / 203

من كان من ولد إبليس فإنّه لا يصدّق بالأوصياء ولا يؤمن بهم أبداً ... 3 / 123

من كنت مولاه فعلي مولاه... 3 / 443

من لم يؤمن برجعتنا ، ولم يقرَّ بمتعتنا ، فليس منّا... 1 / 150

من مات من المؤمنين قتل ، ومن قتل منهم مات... 1 / 86

من مات وليس عليه إمام حيّ ظاهر مات ميتة جاهليّة... 3 / 110

من مشي مع أخيه المسلم في حاجته ، كتب اللّه له ألف ألف حسنة ... 2 / 283

من يوم هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وترك أرض الشرك... 4 / 14

ص: 266

الموطن السابع : نبقي حتّي لا يبق أحد ، وهلاك الأحزاب بأيدينا... 1 / 95

مهلاً مهلاً لا تقل هكذا ، هذا هو الكفر باللّه ، لا واللّه ما كذب ... 3 / 233

مه ، هذا الاسم لا يصلح إلّا لأمير المؤمنين عليه السلام ... 2 / 502

الميّت يُصلّي عليه ما لم يُوارَ بالتراب وإنْ كان قد صلّي عليه ... 2 / 473

المؤمن أخو المؤمن لأبيه واُمّه... 2 / 399

مؤمن بإيابكم ، مصدِّق برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم... 1 / 131

المؤمنون عند شروطهم... 2 / 304

المؤمن ينظر بنور اللّه... 3 / 132

حرف النون

نبيُّكم صلى اللّه عليه وآله راجع إليكم... 1 / 139

نحن الأيّام فلا تعادوهم : السبت : رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والأحَد : أمير المؤمنين ... 3 / 137

نحن أبناء رسول اللّه... 2 / 399

نحن سمع اللّه وعينه ويده ولسانه... 3 / 467

نحن صبّر ، وشيعتنا أصبر منّا : لأنّهم اُوذوا فينا ولم نؤذَ فيهم... 3 / 357

نزلت في الإمام القائم عليه السلام يقول : إن أصبح إمامكم غائباً ... 3 / 374

نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ... 1 / 146

نزلت فيهم من حيث دخلوا الكعبة ، فتعاهدوا وتعاقدوا علي كفرهم وجحودهم 1 / 171

النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة ، فتمكث في الرحم ... 3 / 417

(انظر حديث : إن النطفة تكون في الرحم)

نعم إذا أنزل... 3 / 518

نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل... 3 / 519

نعم ، إن الشمس إذا طلعت كان القيء طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّي تزول... 1 / 458

ص: 267

نعم ، إنما كره ذلك إذا كان سداء ولحمته جميعاً حريراً... 2 / 248

نعم ، إنها لكرّات وكرّات... ما من إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البَرُّ والفاجر... 1 / 132

نعم تكلّم بما سمعت ولا تزد في الكلام ، فما قلت لهم؟... 1 / 121

نعم ، حتّي يتقدّم في الأمر... 3 / 189

نعم الحسين عليه السلام ، يخرج إثر القائم عليه السلام... 1 / 147

نعم الحسين عليه السلام يخرج علي أثر القائم عليه السلام... 1 / 95

نعم (الرضا عليه السلام قد سئل : أنت إمام)... 3 / 341

نعم (سئل عليه السلام : أيجزي الغسل للجمعة بعد الفجر؟)... 1 / 492

نعم (سئل : ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه؟)... 1 / 507

نعم ، عليه الحجّ من قابل... 2 / 182

نعم (عن المرأة تنزل ، عليها الغسل؟)... 3 / 519

نعم (في إجزاء طواف الحامل لغيره عنهما)... 2 / 298 ، 299

نعم (في إجزاء المتعة عن العمرة)... 2 / 171

نعم ، فيه بيت إبراهيم عليه السلام الذي كان يخرج منه إلي العمالقة ... 3 / 89 - 90

نعم قال اللّه عزَّ وجلَّ لنبيِّه : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... ) ... 1 / 394

نعم ، لا بأس به... 2 / 253

نعم ، لا بأس به ،وتلبس الخلخالين والمَسَك... 2 / 248

نعم لا يكون الإمام إلّا وله عقب ... 1 / 113

نعم وإن كان طواف فريضة... 2 / 283

نعم ، ولا يقيم إلّا وهو علي وضوء... 3 / 388

نعم ، ولا يقيم إلّا وهو قائم... 3 / 388

نعم واللّه ، لكفرة من الكُفرَ بعد الرجعة أشدّ من كفرات قبلها... 1 / 138

نعم ، ويلبس المنطقة والهميان... 2 / 254

ص: 268

نعم ، هو أمير المؤمنين... 3 / 231

نعم ، هو واجب... 2 / 345

نعم ،هي امرأته كما هي ، فإذا إنتهيا الي المكان الذي كان منهما ... 2 / 182

نفس الرسول (يعني : أمير المؤمنين عليه السلام)... 2 / 507

النور أبو المؤمن ، واُمّه الرحمة... 3 / 132

نيَّة المؤمن خيرٌ من عمله ، ونيّة الكافر شرٌّ من عمله... 1 / 170

حرف الهاء

هذا جزاء من افتري علي اللّه في أوليائه ، زعم أنّه يقتلني ... 4 / 133

هذا قول الزنادقة والمنجّمين... 3 / 94

هذا لحم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله... 2 / 399

هذا من العلم المكنون ، ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به ... 4 / 167

هذه في الذين لا يخرجون من النار... 3 / 339

هذه في الذين يخرجون من النار... 3 / 339

هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة ، وعيناي بالرجاء ممدودة... 3 / 497

هلّا استأنفت... 2 / 293

هل تدري من يعني؟... 1 / 136

هم الأئمّة وهم الأعلام ، ولولا صبرهم وانتظارهم الأمر أن يأتيهم ... 3 / 147

هم آل محمَّد ، صلوات اللّه عليه وعليهم... 1 / 118

هما مفروضان... 2 / 165

هم نحن خاصّة (معني قوله تعالي : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) )... 3 / 155

هو إذنٌ... 2 / 100

هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار... 1 / 397

ص: 269

هو خاصُّ بأقوام في الرجعة بعد الموت ، ويجري في القيامة... 1 / 98 ، 150

هو الذي سمّي لملك الموت... 3 / 241

هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمن الناس به إذا طاعوه... 3 / 232

هو في الرجعة إذا رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والأئمَّة عليهم السلام... 1 / 143

هو له حلال... 3 / 506

هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر... 1 / 492

هي خاصّة لآل محمّد صلى اللّه عليه وآله... 3 / 155

هي دابَّة تأكل خبزاً وخلّاً وزيتاً... 1 / 119

هي الرجعة... 1 / 93 ، 145

هي كرّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ويكون ملكه في كرَّته خمسين ألف سنة... 1 / 95

هي لنا وفينا... 1 / 117

هي مع جدّي ، صلوات اللّه عليه وآله... 4 / 65

هي الولاية... 3 / 161

هي واللّه للنصّاب... 1 / 85

هيهات يا أبا شبل ، إذا تمّت خمسة أشهر فقد صار فيه الحياة ... 3 / 419

حرف الواو

واللّه ليملكنَّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة تزداد تسعاً... 1 / 125

(انظر حديث : ما منّا إلّا وخرج علي الشهادة)

والأخيرتان تبع للأُوليين... 1 / 502

وَارْزُقْنِي ، فَإنّكَ فِي هَذِهِ اللَيْلَةِ كُلّ أمْرٍ تَفْرُقُ ، وَمَنْ تَشَاءُ ... 3 / 102

وأمّا قوله عزَّ وجلَّ : وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ... 2 / 32

وإنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللّه السماوات والأرض السنة ... 4 / 24

ص: 270

وإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب ... 2 / 22

وإن كنت مع إمام فتسليمتين... 2 / 110

وإن يذكر حتّي بلغه فليتمّ أربعة عشر شوطاً... 2 / 351

وأن لي الكرّة بعد الكرَّة ، والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرّات 1 / 140

وإنْ مرّت بها ثلاث حِيَضٍ ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض... 2 / 370

وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة... 3 / 427

وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك... 2 / 435

وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوَّة من ليلها ... 1 / 413

وجعل صلاتنا عليكم وما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا ... 3 / 48

والحمد اللّه الّذي منّ علينا بمحمد صلى اللّه عليه وآله ... 4 / 162 ، 173

وخلق النور قبل الظلمة... 1 / 417

واللّه ذلك في الرجعة ، يأكلون العذرة... 1 / 85

والذي بعث محمَّداً صلى اللّه عليه وآله بالحقِّ بشيراً ونذيراً ، إن الأبرار منّا أهل البيت وشيعتهم... 1/118

ورثناه من رسول اللّه... 2 / 401

والصلاة علي النبي واجبة في كلّ موطن ، وعند العطاس ... 4 / 167

وصلّ علي النبيّ - صلى اللّه عليه وآله - كلّما ذكرته أو ذكره ... 4 / 167

وصيّنا خير الأوصياء ، وهو بعلكِ يا فاطمة... 3 / 258

وضاعف العذاب علي من شرك في دمه... 4 / 92

وطرفاه المغرب والغداة... 1 / 481

(انظر حديث : طرفاه المغرب والغداة)

وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته... 2 / 69 ، 74 ، 75 ، 77 ، 84 ، 116 ، 117 ،

469 ، 489 ، 506

والغسل أوّل الليل... 1 / 492

وفي الكفّار ثلاثة أرواح : روح البدن ، وروح القوّة ، وروح الشهوة... 3 / 175

ص: 271

وقال في ذلك : ( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ) وهي صلاة الظهر 1 / 483

وقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان... 2 / 274

وقد علم المعاندُون منهم أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول اللّه ... 4 / 166

وَقَضَاؤُكَ حَتْمٌ... 2 / 508

وقوله : ( وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) ... 3 / 149

وكذلك سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أفضل من غيرها... 2 / 225

وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار ، ثمّ قدِم أهله اُمر بالإمساك بقيّة يومه... 1 / 493

وكيف طاف ستّة أشواط؟ الحجر... 2 / 290

ولا أمتك ولك فيها شريك... 3 / 504

ولا قران بين اُسبوعين في فريضة ولا نافلة... 2 / 349

ولا يتيمَّم في الحضر إلّا في عذر أو يكون في زحام ، ولا يخلص منه ... 1 / 199

ولا يجوز الإحرام دون الميقا قال اللّه تعالي : وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ... 2 / 226

ولد أبو محمّد علي بن الحسين زين العابدين عليهم السلام فيي المدينة ، في المسجد ... 4 / 81

ولد أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الأحد لسبع خلون من شعبان... 4 / 49

ولد (الباقر عليه السلام) بالمدينة يوم الجمعة غرّة رجب سنة سبع وخمسين من الهجرة ... 4 / 90

ولدت فاطمة بعدما أظهر اللّه نبوّة نبيّه ، وأنزل عليه الوحي ... 4 / 62

ولدت فاطمة بنت محمّد صلى اللّه عليه وآله بعد مبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بخمس سنين... 4 / 59

ولدت فاطمة في جمادي الآخرة يوم العشرين منه سنة خمس وأربعين ... 4 / 61

ولدتُ في زمن الملك العادل أنوشيروان... 4 / 36

ولد (الجواد عليه السلام) بالمدينة ليلة الجمعة النصف من شهر رمضان سنة مائة وخمس وتسعين ...      4/ 115

ولد الحسين عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء لخمس خلون من جمادي الأولي سنة ثلاث... 4 / 74

ولد الحسين عليه السلام بن علي عليه السلام بالمدينة لخمس ليالٍ لخون من شعبان سنة اربع ... 4 / 75

ولد (الرضا عليه السلام) بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة بعد وفاة أبي عبد اللّه عليه السلام... 4/ 109

ص: 272

ولد (الصادق عليه السلام) بالمدينة سنة ثلاث وثمانين من الهجرة... 4 / 97

ولد عليّ بن الحسين عليه السلام في سنة ثمانٍ وثلاثين من الهجرة... 4 / 80

ولد (الكاظم عليه السلام) بالأبواء بين مكّة والمدينة في شهر ذي الحجّة سنة مائة وسبع وعشرين ...     4 / 103

ولد في أبوبكر مرّتين... 2 / 394 ، 395 ؛ 4 / 100

ولد (الهادي عليه السلام) بالمدينة يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر رجب سنة أربع عشرة ومائة ...     4 / 122

ولقد خلّف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عننا جلداً ما هو جلد حمار ، ولا جلد ثور ... 3 / 179

ولقضاء حاجة عبد مؤمن خير من طواف وطواف... 2 / 283

وللرحم ثالثة أقفال : قفل في أعلاها ممّا يلي السرة ... 3 / 478

ولم يرضع الحسين عليه السلام من فاطمة عليها السلام ولا من اُنثي... كان يؤتي به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ... 4 / 76

ولو أراد اللّه جلّ ثناؤه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان... 2 / 419 - 421

واللّه لو دخلت علي عامّة شيعتي الذين بهم اُقاتل الذين ... 3 / 167

ولو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة ... 3 / 111

ولهذه الآية ظاهر وباطن ... 2 / 32

واللّه ما جاء تأويل هذه الآية ، ولا بدّ أن يجيء تأويلها... 3 / 374

وما ذاك؟ ... وليك ياين الكوّاء افقه من اُخبرك عن ذلك... 1 / 136

واللّه مامنّا إلّا مقتول شهيد... 4 / 130

ومنشورة... 1 / 84 ، 133

ومن كان أهله وراء المقيات... 2 / 205

ومنها : أن اللّه عزّ وجلّ فرض عليهم في الليل والنهار خمس صلوات في خمسة... 1 / 484

ووكّل من يطوف عنه ماتركه... 2 / 335

وهذا جلد رسول اللّه... 2 / 399

واللّه ، هو أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته فلهم أجر غير ممنون... 3 / 233

ويصلّي هو ركعتين... 2 / 297

ص: 273

( وَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ) الذين أشركوا بالإمام الأوّل ، ولم يردّوا إلي الآخر ... 3 / 143

ويُنزل اللّه علي زوّار الحسين عليه السلام غدوة وعشيَّة من طعام الجنَّة ... 1 / 97

حرف الياء

يا أبابكر ، الكوفة الزاكية الطاهرة ، فيها قبور النبيِّين المرسلين وغير المرسلين ... 1 / 149

يا أبا حمزة ، لا ترفعوا عليّاً فوق ما رفعه اللّه ، ولا تضعوا عليّاً دون ما وضعه اللّه 1 / 138

يا أبا الصباح ، إنه لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتّي يعلم أين ما لآخرنا ما لأوَّلنا... 2 / 506

يا أبا محمّد ، إنّ عندنا سرّاً من اللّه ، وعلماً من علم اللّه ... 3 / 168

يا أبان ، إنّ اللّه لا يطلب من المشركين زكاة أموالهم ... 3 / 117

يا أبان ، من هذا الرجل؟... 2 / 283

يا أبان ، هل تري اللّه سبحانه طلب من المشركين زكاة أموالهم ... 3 / 143

يا أبا يوسف ، ألا إّن ذلك لبيّن في كتاب اللّه تعالي ... 3 / 113

يا أبة اشرب هذا... 4 / 87

يا أعرابي ، إنّ القول في أنّ اللّه تعالي واحد علي أربعة أقسام ... 3 / 18

يا بشير ، من زار قبر الحسين بن علي - صلّي اللّه عليهما - عارفاً بحقّه ... 3 / 329

(انظر حديث : من زار قبر الحسين عليه السلام)

يا بنيّ ، إن هذه الليلة الّتي اُقبض فيها ، وهو الليلة الّتي قبض ... 4 / 87

يا بنيّ عليك بالحسنة بين السيّئتين تمحوها... 3 / 317 ، 318

يا جابر ، أتدري ما سبيل اللّه؟... 1 / 87

يا جابر ، إنّ اللّه خلق الناس ثلاثة أصناف ... 3 / 174

يا جابر ، إنّ في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح : روح القدس ... 3 / 175

يا حمّاد ، هكذا صلِّ... 2 / 28

يا سلمان ، إن اللّه تبارك وتعالي لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلّا جعل له اثني عشر نقيباً 1 / 109

يا سلمان ويا جندب ، فأنا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كنّا نوراً واحداً ... 3 / 333

ص: 274

با عاجز ، لم تشكُّ في هذا؟ إن الشمس تطلع ... 1 / 391

يا عليّ ، إنّ اللّه أيّد بك النبيّين سرّاً... 3 / 110

يا علي ، ثلاث لا يطيقها أحد من هذه الأُمّة : المواساة للأخ في ماله ... 3 / 194

يا عليّ ، ما عرف اللّه إلّا أنا وأنت ، وما عرفني إلّا اللّه وأنت ... 3 / 192

يا فضيل ، كلّ شيء في الكرسيّ السماوات والأرض ، وكلّ شيء ... 3 / 321

يا قيوم فلا يفوت شيئاً علمه ولا يؤوده... 3 / 57

يا كميل ، إنّما هي أربعة : النامية النباتيّة ، والحسّيّة الحيوانيّة ... 3 / 174

يا كميل ، وأيّ الأنفس تريد أن اُعرّفك؟... 3 / 174

يا محمّد ، عليّ أوّل من آخذ ميثاقة من الأئمّة ... 3 / 186

يا معشر قريش ، كيف بكم وقد كفرتم بعدي ، ثمَّ رأيتموني في كتيبة ... 1 / 129

يا مفضّل ، إنّ اللّه تبارك وتعالي جعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله خمسة أرواح ... 3 / 175

(انظر حديث : يا جابر إن في الأنبياء والأصياء خمسة أرواح)

يا مَيْسر ، أتصلّي العصر أربعاً ، أم تصلّيها ستّاً؟... 2 / 225

يا نبّال ، لم يجب علي أحد من هذا العسكر أن يصلّي أربعاً ... 3 / 524

يا هؤلاء إن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : ما بين قبري ومنبري روضة ... 3 / 309

يا اللّه ، يا محمّد صلى اللّه عليه وآله ، يا جبرئيل... 3 / 81

يأمر من يطوف عنه... 2 / 290 ، 346

يأمر من يقضي عنه إنْ لم يحجّ... 2 / 345 ، 346

يبعث بهدي ؛ إن كان تركه في حجّ بعث به في حجّ ... 2 / 315 ، 326

يبني علي صلاته متي ما ذكر ، ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلّم... 2 / 22

يتشهّد هو وينصرف ، ويدع الإمام... 2 / 45

يتمتّع من ظنّ أن يدرك الناس بمني... 2 / 187

يتمّ صلاته ، ثمّ يسلّم... 2 / 21 ، 65

يتوضّأ ويعيد ، فإن كان تطوّعاً توضّأ وصلّي ركعتين... 2 / 271

ص: 275

يتيمَّم ويصلِّي معهم ، ويعيد... 1 / 198 ، 199

يتيمّم ويصلّي ، ويعيد إذا انصرف... 1 / 198

يحرم قبل الوقت لرجب ، فإنّ لرجب فضلاً وهو الذي نوي... 2 / 239

يحرم من الإماء عشر ... 3 / 504

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب... 2 / 356 ، 357

يخرج من الحرم ويحرم ويجزئه ذلك... 2 / 221

مخرج ويتوضّأ ، فإنْ كان جاز النصف بني علي طوافه ، وإن كان أقلّ ... 2 / 279

يدخل مكّة بغير إحرام (في الرجل يخرد إلي جدة في حاجة)... 2 / 194

يرجع إليكم نبيُّكم وأمير المؤمنين والأئمَّة :... 1 / 143

يرجع فيطوف بالبيت ثمّ يستأنف السعي... 2 / 322

يرجع علي البيت فيتمّ طوافه ، ثمّ يرجع إلي الصفا والمروة فيتمّ مابقي... 2 / 290

يرجع الي مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتّع فيه ... 2 / 195

يرجع الي ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه ويحرم ... 2 / 222

يردّ ، ويقول : سلام عليكم ، ولا يقول : عليكم السلام ... 2 / 76

يرسل فيطاف عنه ، فإنْ توفّي قبل أنْ يطاف عنه فليُطف عنه وليّه... 2 / 315 ، 346

يسبحان في ذلك ، يدور بهما دائبين ، يطلعهما تارة ويؤفلهما اُخري ... 1 / 413

يستحبّ أن يقرأ في دبر الغداة يوم الجمعة (الرحمن)... 1 / 491

يستقبل طوافه... 2 / 281

أليس تقول : صلّي اللّه علي محمّد وآل محمّد؟... 3 / 48

إلي السحر من ليلة عرفة (جواباً لسؤال : متي يكون للحاج عمرة؟)... 2 / 187

يسرّك أن صليت الظهر في السفر أربعاً؟... 2 / 228

يسلّم تسليمة واحدة إماماً كان أو غيره... 2 / 110

يسلّم ، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين... 2 / 21

يسلّم مَن خلفه ، ويمضي في حاجته إن أحبَّ... 2 / 21

ص: 276

يصلّي أربع ركعات... 3 / 523 ، 525

يصلّي ركعتين ، وإن خرج إلي سفر وقد دخل وقت الصلاة ،فليصلّ أربعاً... 3 / 524

يصلّي ، فإذا فرغ بني من حيث قطع... 2 / 289

يصليها أربعاً... 3 / 522

يصوم إن شاء وهو بالخيار إلي نصف النهار... 1 / 397

يضيف إليها ستّة (لمن طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط)... 2 / 350

يُطاف به محمولاً يخبط الأرض برجله حتّي يُمس قدميه في الطواف ... 2 / 295

يطلّقها تطليقة واحدة في غرّة الشهر ، فإذا انقضت ثلاثة أشهر ... 2 / 365

يطوف بالبيت ثمّ يعود إلي الصفا والمروة فيطوف بينهما... 2 / 323 ، 338

يطوف شوطاً (لمن طاف ستة أشواط)... 2 / 290

يعني (اسْتَقَامُوا) علي الولاية... 3 / 131

يعني : أهل مكّة ليس عليهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية ... 2 / 215

يعني به الحجَّ والعُمرة جميعاً... 2 / 173

يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله... 1 / 114

يعني : قُبِض محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل البيت ... 1 / 415

يعني الكرة للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم... 1 / 146

يعني : الكرّة ، هي الآخرة للنبيِّ صلى اللّه عليه وآله وسلم... 1 / 94

يعيد حتّي يثبته... 2 / 348

يعيد ذلك الشوط... 2 / 280

يعيد الطواف الواحد... 2 / 280

يعيد طوافه ، وخالف السنّة... 2 / 281

يعيد (لمن لا يدري أواحدة صلّي ام اثنتين)... 2 / 22

يعيش بعده ثلاثين سنة لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً... 4 / 54

يقال له : السلام عليك يا بقيّة اللّه ، السلام عليك يا بن رسول اللّه... 2 / 502

ص: 277

يقبل الحسين عليه السلام في أصحابه الذين قتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا ... 1 / 147

يقضي طوافه ، وخالف السنّة ، فليعد... 2 / 281

يقضي مااختصر من طوافه... 2 / 280

يقطع طوافه ولا يعتدّ بشء ممّا طاف... 2 / 271

يقطع طوافه ولا يعتدّ... به 2 / 271

يقطع طوافه ويصلّي الفريضة ، ثمّ يعود فيتمّ ما بقي عليه من طوافه... 2 / 288

يقول : السلام عليكم (عن التسليم للإمام وهو مستقبل القبلة)... 2 / 23 ، 73

يقوم الإمام وتجئ طائفة من أصحابه فيقومون خلفه ... 2 / 104

يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم... 2 / 22

يقيم إلي الشهر الآخر... 2 / 177

يقيم بمكَّة محلّاً حتّي يخرج الشهر... 2 / 176

يقيم مع الناس حراماً أيّام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت ... 2 / 331

يقيم بمكّة مُحلّاً... 2 / 178

يكرّون في الكرّة كما يكرّ الذهب ،حتّي يرجع كلّ شيء إلي شبهه... 1 / 89

يكون في هذه الاُمَّة مثل ما يكون في الاُمم السالفة ، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة

... 1 / 152

يمكث عليٌّ عليه السلام بعد قتله في الرجعة ، فيقضي ما أمره... 1 / 93

يملك القائم عليه السلام تسع عشرة سنة وأشهراً... 1 / 96

ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء : صوتاً : ألا لعنة اللّه علي الظالمين ... 1 / 125

ينبغي للإمام أن يسمع مَنْ خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي للمأموم أن يسمع الإمام

... 1 / 512

ينحر جزوراً ، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ... 2 / 180

ينزعه ولا يشقّه... 2 / 251

ينظر الموضع الذي فيه الدم فيعرفه ، ثمّ يخرج فيغسله ، ثمّ يعود فيتمّ طوافه... 2 / 272

ينكر أهل العراق الرجعة؟... 1 / 86 ، 137

يؤذنّ الرجل وهو جالس ولا يقيم إلّا وهو قائم ، وتؤذّن وأنت راكب ... 3 / 388

ص: 278

فهرس الشعر والرجز

صدر البيت / القافية / الجزء والصفحة

قافية الباء

تقول جاء البرد والحبابا الأخشابا 4 / 160

قد كان بعدك أنباء وهنبثة الخطب 1 / 103

إنا فقدناك فقد الأرض وابلَها لعبوا 1 / 103

ابدت رجال لنا فحوي صدورهم الحجب 1 / 103

وكلّ قوم لهم قربي ومنزلة يقترب 1 / 103

ياليت قبلك كان الموت حلّ بنا طلبوا 1 / 103

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا عجب 4 / 143 ، 162 ، 174 ، 175

قد تتنزّل بقول العرب العقرب 1 / 435

قافية التاء

اعلم بأن الشمس لمَا خلقت وضعت 1 / 434

من شهر كانون الأخير اذ مضت فرضت 1 / 435

في شهر آذار اعتدال الوقت ومفتِ 1 / 434

لأنه أقصر يوم يأتي الشاتي 1 / 435

ص: 279

صدر البيت / القافية / الجزء والصفحة

قافية الجيم

وافهم إذا قسَمت باب المخرجِ المخرجِ 1 / 442

قافية الحاء

بنا أبَداً غيرِنا يُدرك المني الفوادح 4 / 144

قافية الدال

وهكذا تمّوز إن تمّ العددْ الأسدْ 1 / 434

وما صنعت يا فتي وسعدي رشدا 4 / 160

وفي كلّ شيء له آية واحد 3 / 275

ثم تعد في درج الصعود السعود 1 / 435

فما انتهي ذاك إلي التعديدِ العودِ 1 / 442

قافية الراء

وتنزل الشمس بخمس عشرهْ بكرهْ 1 / 434 ، 435

وهي إذا كان النهار مدبرا فآخرا 1 / 442

إذا أوقدوا ناراً لحرب عدوّهم سعيرها 4 / 144

أري الكبش بالميزان يقسم لحمه يعقر 1 / 410 ، 450 ؛ 3 / 364

أري الليث نحو الماء يرسل دلوه ميسَّر 1 / 410 ، 540 ؛ 3 / 364

أرجّي أن أعيش وأن يومي جبار 4 / 82

أو المردي دُبارِ فإن أفُته شيار 4 / 28

ص: 280

صدر البيت / القافية / الجزء والصفحة

أيلول لا فيلول فيما ذكروا حرروا 1 / 435

لكلِّ أُناس دولة يرقبونها تظهر 1 / 118

وفي مِنكب الجوزاء قوس معلقّ ينفر 1 / 410 ، 540 ؛ 3 / 364

فاعمد إلي عود كقدر الشبرِ بالصبرِ 1 / 442

في ستّة قد ذهبت وعشر الفجر 1 / 435

يا حجةَ اللّهِ أبا جعفر المنذر 3 / 309

يعتدل الليل مع النهار آذار 1 / 435

قافية الطاء

وتنزل الشمس علي احتياط شباط 1 / 435

من شهر أيّار إذا توسّطا مفرِّطا 1 / 434

قافية العين

يُنصب تالي الواو مفعولاً مَعَهْ مسرعة 4 / 159

قافية القاف

ولا تحرزُ السبقَ الروايا وإن جرت سبوقها 4 / 45

وإن أردت ما مضي وما بقي الأوفقِ 1 / 442

هلا سألت بذي الجماجم عنهُمُ المحرق 4 / 141

قافية الكاف

وألقِ منه ظلَّ نصف يومكْ أمركْ 1 / 442

ص: 281

صدر البيت / القافية / الجزء والصفحة

قافية اللام

ثلاث عشرٍ منه تنزل الحملْ اعتدلْ 1 / 434

الواهبُ المائةَ الهجانَ وعُبدها (أطفالها) 4 / 157

فهي إذا كان النهار مقبلا فأوّلا 1 / 442

وفي ثلاث عشْرِ يوم كاملهْ القابلهْ 1 / 434

وسبع عشْر ليلة مكمّلهْ بالسنبلهْ 1 / 435

تنكر منها عرفها فاُهيلها اهُيل 3 / 293

فإن لم تجد من دون عدنان والداً العواذل 4 / 155

قافية الميم

يا ناطحاً غفر اللّه الكريم له دما 1 / 410 ؛ 3 / 364

قد أضمر البطن فاستولي الزبان علي بلعهما 1 / 410 ؛ 3 / 365

وللثري كلل الدمع المصون له انقسما 1 / 411 ؛ 3 / 365

تدبَّر القلب آيات الزبور وفي القيما 1 / 411 ؛ 3 / 365

ما هقعة الشول تغني المستبدَّ بها منهزما 1 / 411 ؛ 3 / 365

أيضاً ولا هنع الأنعام شاكرة وانفحما 1 / 411 ؛ 3 / 365

وكم ذرعنا بأخفاف المطيْ بلداً نجما 1 / 411 ؛ 3 / 365

ألا إن خير الناس نفساً ووالداً المعظم 4 / 110

أتتنا به للعلم والحلم ثامناً تكتم 4 / 110

بالقوس وهو منكب النعائم عالم 1 / 435

وإن أقمتَ (الواوَ) في الكلامِ ملام 4 / 160

ص: 282

صدر البيت / القافية / الجزء والصفحة

وعندها كان ابتداء العالم عالم 1 / 434

قافية النون

بالسرطان تنزل المسخِّنهْ السنهْ 1 / 434

فما بقيْ فاقسم عليه وهنا يفني 1 / 442

كم أقالوا من ناطحٍ باغتفار الزُّباني 1 / 450

والثريّا تكلَّلت فأرتنا الدبرانا 1 / 450

هقعوا شولةً هنعوا نعاماً زماناً 1 / 434

نثروا ذبحهم لطرف بلوغ خبانا 1 / 450

فانصرفنا إذ المقدَّم يعوي رشانا 1 / 450

ويوم خامسْ عشْرِ من نيسان تبيان 1 / 434

تنزل فيه الشمس بالميزان بوانِ 1 / 435

ويوم ثالثْ عشْر من كانون تمكين 1 / 435

بالحوت فاسمع يا سديدُ منّي عني 1 / 435

قافية الهاء

أكرّ علي الكتيبةِ لا اُبالي سواها 4 / 144

قافية الواو

والشمس قد تنزل برج الدلوِ وبدوي 1 / 435

قافية الياء

ثم ارصد الظلَّ إلي ما ينتهي ينبغي 1 / 442

ص: 283

ص: 284

فهرس الأعلام

أ - اعلام الرجال

حرف الهمزة

أدم عليه السلام 1 / 87 ، 90 ، 93 ، 104 ، 114 ، 115 ، 132 ، 138 ، 140 ، 141

، 160 ، 165 ، 177 ؛ 2 / 392 ، 400 ، 420 ، 504 ، 516 ؛ 3 / 35 ، 36 ، 57 ، 75 ، 77 ، 110 ، 115 ، 116 ، 123 ، 131 ، 197 ، 204 ، 220 ، 236 ، 294 ، 297 ، 304 ، 335 ، 336 ، 337 ، 395 ، 415 ، 416 ، 425 ، 453 ، 457 ، 460 ، 473 ، 475 ؛ 4 / 11 ، 21 ، 22 ، 23 ، 27

إبراهيم عليه السلام... 1 / 104 ، 126 ، 129 ، 139 ؛ 3 / 46 ، 65 ، 267 ، 268 ؛

3 / 89 ، 254 ، 335 ، 336 ، 337 ، 453 ؛ 4 / 11 ، 21 ، 22 ، 23 ، 51 ، 52 ، 166

إبراهيم بن إسحاق... 2 / 286 ، 291

إبراهيم بن العبّاس... 4 / 113

إبراهيم بن عبد الحميد... 2 / 342 ، 345

إبراهيم بن عمرو... 2 / 276

إبراهيم القطيفيّ... 3 / 269

أبو إبراهيم عليه السلام = الكاظم عليه السلام

إبراهيم الكرخيّ... 2 / 226

إبراهيم بن محمّد الهمداني... 4 / 65

ص: 285

ابراهيم بن محسن بن المطارآبادي... 1 / 100

إبراهيم بن أبي محمود... 3 / 189

ابراهيم بن المستنير... 1 / 85

إبراهيم بن مهزيار... 4 / 91

إبراهيم بن ميمون... 2 / 276 ؛ 3 / 408

إبراهيم بن الوليد... 4 / 92 ، 93 ، 94

إبراهيم بن هاشم القمّيّ... 4 / 122 ، 123 ، 124 ، 125

إبليس 1 / 87 ، 88 ، 110 ، 132 ، 154 ؛ 2 / 421 ؛ 3 / 11 ، 12 ، 45 ، 77

، 112 ، 123 ، 189 ، 220 ، 250 ، 251 ، 254 ، 256 ، 257 ، 394 ، 442 ، 425 ، 459 ، 460 ، 466 ، 484

ابنا بابويه... 2 / 109

أبان... 2 / 212

أبان بن تغلب... 1 / 123 ؛ 2 / 282 ، 283 ؛ 3 / 102 ، 117 ، 143

أبان بن عثمان... 2 / 190 ، 195

أبو أحمد (أحد الرواة عن الصادق عليه السلام)... 2 / 283

أحمد بن إسحاق... 3 / 186

أحمد بن الحسين بن عمران... 2 / 505

أحمد بن زين الدين الأحسائيّ 1 / 153 ، 154 ، 155 ؛ 3 / 98 ، 439 ؛ 4 / 176

، 178

أحمد بن صالح آل طوق... 1 / 34 ، 67 ، 81 ، 162 ، 165 ، 194 ، 207 ؛

2 / 126 ، 159 ، 359 ، 385 ، 453 ، 457 ، 493 ، 497 ، 520 ؛ 3 / 528 ؛ 4 / 9 ، 141

أحمد بن عبد الرضا... 2 / 230 ، 325

احمد بن عقبة... 1 / 95 ، 147

أحمد ابن علي البحراني... 1 / 386

ص: 286

أحمد بن علي بن ثابت المعتصم... 4 / 119

أحمد بن عمر... 3 / 343

أحمد بن عمر المرهبيّ... 2 / 294

أحمد بن المتوّج... 2 / 206

أحمد بن محمّد... 2 / 341 ؛ 4 / 87

أحمد بن محمّد الأشعري... 4 / 61

أحمد بن محمّد البرقي... 4 / 61

أحمد بن محمّد بن عيسي... 2 / 232 ، 233 ؛ 3 / 477

أحمد بن محمّد بن أبي نصر... 2 / 349

أحمد بن محمّد (ابن يحيي)... 3 / 417

ألأحمسيّ... 2 / 248 ، 390

الأخفش... 4 / 143 ، 158 ، 161 ، 178

النبي إدريس عليه السلام... 3 / 57 ، 89 ، 254 ؛ 4 / 22

ابن إدريس... 2 / 11 ، 112 ، 114 ، 139 ، 176 ، 179 ، 194 ، 224 ، 225 ،

231 ، 237 ، 239 ، 287 ، 307 ، 317 ، 318 ، 319 ، 380 ، 382 ، 391 ، 402 ، 473 ؛ 3 / 505 ، 507 ، 508 ، 513

ابن اُذينة... 1 / 137 ؛ 2 / 104 ، 173 ، 225

الأربليّ... 4 / 62 ، 79 ، 115

الأردبيلي رحمة اللّه... 3 / 514

أردشير... 4 / 23

أرميا... 1 / 151

النبي إسحاق عليه السلام... 4 / 11 ، 22

إسحاق (ابن الإمام الصادق عليه السلام)... 2 / 20 ، 72 ؛ 4 / 107

ص: 287

إسحاق بن عمّار... 2 / 170 ، 180 ، 181 ، 195 ، 239 ، 257 ، 284 ، 285 ،

287 ، 290 ، 296 ، 297 ، 315 ، 335 ، 340 ، 345 ، 346 ، 474 ؛ 3 / 103 ، 523

أسد... 4 / 30

النبي إسرئيل عليه السلام 1 / 105 ، 107 ، 116 ، 121 ، 122 ، 134 ، 151 ؛ 4 / 23

، 27

إسرافيل عليه السلام... 1 / 91 ، 99 ، 124

الإسفرائيني... 2 / 519

الإسكندر... 4 / 21 ، 23 ، 26

النبي إسماعيل عليه السلام... 1 / 126 ، 139 ؛ 2 / 267 ؛ 4 / 11 ، 23

إسماعيل (أحد رواة عن الباقر عليه السلام)... 2 / 109

إسماعيل (أحد رواة عن أبي الحسن الثاني عليه السلام)... 2 / 294

إسماعيل بن جابر... 3 / 522

إسماعيل بن حزقيل النبي عليه السلام... 1 / 126 ، 127 ، 148

إسماعيل بن رَبَاح... 2 / 62

إسماعيل (ابن الامام الصادق عليه السلام)... 1 / 138

إسماعيل بن الفضل... 2 / 249

أبو الأسود الدؤلي... 4 / 154

الأسود بن يزيد... 4 / 154

ابن أشيم... 3 / 479

الأصبغ بن نباتة... 1 / 119 ، 121 ، 128 ، 136 ؛ 2 / 139

الأصمعي... 4 / 34

الأعرج... 2 / 291

الأعشي... 1 / 166

الأعمش (سليمان بن مهران)... 4 / 145 ، 154

ص: 288

الآقا باقر... 2 / 12

الآمديّ... 3 / 391

أمير المؤمنين عليه السلام... 1 / 58 ، 75 ، 84 ، 87 ، 88 ، 89 ، 91 ، 93 ، 94 ، 95 ،

98 ، 99 ، 101 ، 102 ، 103 ، 104 ، 105 ، 106 ، 109 ، 110 ، 113 ، 114 ، 115 ، 116 ، 117 ، 119 ، 120 ، 121 ، 122 ، 123 ، 124 ، 125 ، 126 ، 127 ، 128 ، 129 ، 130 ، 132 ، 133 ، 134 ، 135 ، 136 ، 137 ، 138 ، 139 ، 140 ، 141 ، 142 ، 143 ، 144 ، 145 ، 146 ، 149 ، 153 ، 155 ، 157 ، 161 ، 171 ، 198 ، 199 ، 200 ، 201 ، 284 ؛ 2 / 19 ، 27 ، 32 ، 53 ، 73 ، 139 ، 143 ، 150 ، 154 ، 158 ، 204 ، 233 ، 253 ، 262 ، 274 ، 275 ، 347 ، 350 ، 351 ، 394 ، 399 ، 399 ، 401 ، 419 ، 433 ، 434 ، 462 ، 474 ، 475 ، 501 ، 503 ، 504 ، 505 ، 506 ، 507 ؛ 3 / 13 ، 18 ، 77 ، 81 ، 101 ، 104 ، 110 ، 127 ، 131 ، 137 ، 139 ، 140 ، 141 ، 142 ، 143 ، 144 ، 145 ، 146 ، 152 ، 153 ، 154 ، 167 ، 174 ، 180 ، 186 ، 187 ، 198 ، 231 ، 234 ، 248 ، 249 ، 250 ، 251 ، 257 ، 258 ، 287 ، 303 ، 304 ، 309 ، 311 ، 324 ، 333 ، 334 ، 343 ، 344 ، 350 ، 371 ، 413 ، 421 ، 427 ، 440 ، 443 ، 457 ، 458 ، 474 ، 518 ؛ 4 / 12 ، 14 ، 48 ، 49 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 61 ، 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 82 ، 83 ، 84 ، 154 ، 188

اُميّة... 1 / 84 ، 89 ، 116 ، 139 ، 149 ، 192 ؛ 4 / 99

اُميّة بن خالد الأزديّ... 4 / 18

انوشيروان... 4 / 36 ، 41

اُويس القرني... 1 / 129

الإيرواني... 3 / 369

الإيرواني (كريم بن حسن)... 2 / 13

النبي أيوب عليه السلام... 1 / 111

أبو أيّوب (أحد الرواة)... 2 / 351

ص: 289

أيّوب بن نوح... 2 / 357

أليا... 1 / 119

حرف الباء

ابن بابويه... 2 / 27 ، 73 ، 100 ، 124 ، 210 ، 231 ، 247 ، 257 ، 284 ؛

3 / 115 ، 168 ، 324 ؛ 4 / 119 ، 125

الإمام الباقر عليه السلام... 1 / 58 ، 76 ، 83 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 89 ، 92 ، 95 ،

97 ، 99 ، 100 ، 107 ، 109 ، 111 ، 114 ، 117 ، 118 ، 120 ، 123 ، 125 ، 130 ، 133 ، 134 ، 135 ، 136 ، 137 ، 138 ، 140 ، 142 ، 146 ، 149 ، 150 ؛ 2 / 22 ، 24 ، 44 ، 45 ، 56 ، 85 ، 89 ، 104 ، 110 ، 138 ، 140 ، 176 ، 186 ، 191 ، 192 ، 194 ، 195 ، 215 ، 225 ، 226 ، 227 ، 232 ، 237 ، 271 ، 275 ، 298 ، 340 ، 349 ، 350 ، 363 ، 370 ، 372 ، 377 ، 419 ، 449 ، 474 ؛ 3 / 99 ، 104 ، 108 ، 110 ، 115 ، 121 ، 123 ، 131 ، 137 ، 141 ، 147 ، 151 ، 152 ، 161 ، 163 ، 175 ، 176 ، 185 ، 193 ، 197 ، 198 ، 309 ، 311 ، 317 ، 335 ، 339 ، 348 ، 349 ، 353 ، 361 ، 370 ، 373 ، 417 ، 433 ، 473 ، 478 ، 499 ، 506 ؛ 4 / 50 ، 59 ، 60 ، 62 ، 63 ، 64 ، 84 ، 85 ، 86 ، 89 ، 90 ، 91 ، 92 ، 93 ، 94 ، 98 ، 99 ، 102 ، 120 ، 167

البجليّ... 2 / 296

ابن البختريّ... 2 / 299

بخت نصر... 3 / 257 ، 484 ؛ 4 / 23

البدر الدماميني... 4 / 159

بدر الدين بن مالك... 4 / 145 ، 150 ، 152 ، 159 ، 160

ابن البرّاج... 2 / 11 ، 178 ، 209 ، 225 ، 229 ، 246

البرسيّ... 3 / 333

بريد العجلي... 1 / 148 ؛ 3 / 132 ، 473

ص: 290

بُريد بن معاوية... 1 / 126 ، 148

بريدة الاسلمي... 1 / 95

البزنطي... 2 / 22 ، 70 ، 73 ، 112 ، 114 ، 272 ، 348 ؛ 3 / 388 ، 419

ابن بزيع... 2 / 186 ، 285 ، 288 ؛ 3 / 519

البسوس... 4 / 23

بشير الدهّان... 3 / 329

بشير النبّال... 2 / 190 ؛ 3 / 524

أبو بصير 1 / 81 ، 86 ، 87 ، 94 ، 134 ، 137 ، 142 ، 146 ، 149 ، 179 ؛

2 / 22 ، 25 ، 27 ، 31 ، 42 ، 50 ، 56 ، 66 ، 72 ، 73 ، 78 ، 100 ، 105 ، 112 ، 114 ، 116 ، 118 ، 119 ، 120 ، 166 ، 232 ، 236 ، 237 ، 248 ، 254 ، 275 ، 286 ، 291 ، 318 ، 342 ، 344 ، 348 ، 365 ، 366 ، 367 ، 474 ؛ 3 / 107 ، 132 ، 135 ، 159 ، 168 ، 185 ، 311 ، 350 ، 527 ؛ 4 / 61 ، 68 ، 71 ، 91 ، 102 ، 105

البقباق... 2 / 274

أبوبكر... 1 / 102 ، 103 ، 104

أبوبكر الحضرمي... 1 / 99 ، 135 ، 149 ؛ 2 / 28 ، 88 ؛ 4 / 71 ، 72

أبوبكر بن أبي خثيمة... 4 / 11

أبوبكر (ابن أبي قحافة)... 2 / 394 ؛ 4 / 99 ، 100

ابن بكير... 2 / 186 ، 470 ؛ 3 / 384

بكير بن أعين... 1 / 137

البهائي 1 / 198 ؛ 2 / 13 ، 26 ، 33 ، 35 ، 57 ، 58 ، 62 ، 66 ، 73 ، 120

، 325 ، 410 ، 418 ، 419 ، 432 ، 439 ، 459 ، 480 ؛ 3 / 210 ، 313 ، 315 ، 383 ؛ 4 / 62 ، 67 ، 71 ، 75 ، 77 ، 81 ، 85 ، 90 ، 93 ، 99 ، 131 ، 135

البيضاوي... 3 / 149 ، 210 ، 239 ، 475 ، 491 ، 494 ؛ 4 / 157

ص: 291

حرف التاء

التفتازاني... 4 / 161

التقي = أبو الصلاح الحلبي

حرف الثاء

الثمالي... 3 / 110 ، 311 ، 478

حرف الجيم

جابر 1... / 84 ، 135 ، 140 ، 142 ؛ 3 / 329

جابر الجعفي... 1 / 95 ، 125 ، 140 ؛ 4 / 84 ، 90 ، 91

جابر بن عبد اللّه... 1 / 123 ، 130 ؛ 3 / 131 ، 174 ، 175 ، 176

جابر بن يزيد... 1 / 87 ، 89 ، 91 ، 133 ، 134 ، 137 ، 138 ، 139 ؛ 4 / 60

الجاثليق... 3 / 448

أبو الجارود... 2 / 390 ؛ 3 / 110 ، 457

الجامي... 4 / 160

جبرائيل عليه السلام 1 / 84 ، 91 ، 99 ، 123 ، 124 ، 129 ، 135 ؛ 3 / 81 ، 101 ،

110 ، 115 ، 116 ، 163 ، 164 ، 167 ، 173 ، 176 ، 180 ، 209 ، 303

الجدلي... 1 / 119

الجرجاني... 2 / 38

ابن جرير = المحب الطبري

أبو جعفر عليه السلام = الباقر عليه السلام

ص: 292

جعفر الطيّار... 1 / 106

جعفر بن قولويه... 1 / 97

جعفر بن محمد عليه السلام = الصادق عليه السلام

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ... 2 / 287 ، 411

جعفر بن محمّد الفزاريّ... 2 / 502

جعفر بن محمد بن مالك الكوفي... 1 / 99

أبو جعفر المنصور... 4 / 100

الجعفي... 2 / 11 ، 240 ؛ 3 / 368 ، 369 ؛ 4 / 98

جلال الدين ملك شاه السلجوقيّ... 4 / 27

جمال الدين بن طاووس... 2 / 59

ابن أبي جمهور... 3 / 79

جميل بن درّاج... 1 / 85 ، 144 ، 145 ؛ 2 / 172 ، 182 ، 187 ، 194 ، 278 ،

282 ، 284 ، 370

أبو جملية... 4 / 87

جندب... 3 / 333

ابن جني... 4 / 147 ، 155 ، 157 ، 162 ، 180 ، 181

ابن الجنيد 1 / 254 ؛ 2 / 73 ، 101 ، 117 ، 231 ، 268 ، 300 ، 301 ، 302

، 303 ، 304 ، 352 ؛ 3 / 515 ، 522

الإمام الجواد عليه السلام... 1 / 58 ، 76 ، 108 ، 109 ، 3 / 137 ، 427 ؛ 4 / 115 ،

116 ، 117

الشيخ جواد (شارح الزبدة)... 2 / 460 ، 480 ، 482

جالوت... 3 / 89

ابن الجوزي... 4 / 11

الجوهري... 3 / 493 ؛ 4 / 15 ، 16 ، 19 ، 31 ، 32 ، 33

جهان بانويه... 4 / 83

ص: 293

جهينة... 1 / 110

حرف الحاء

ابن الحاجب... 3 / 314 ، 315 ؛ 4 / 147 ، 151

أبو حازم (أحد الرواة)... 2 / 18

الحاكم أبو علي... 4 / 110

حبيب الخثعميّ... 2 / 296 ؛ 3 / 144

حبيب السجستانيّ... 4 / 59

ابن الحجّاج... 2 / 214

الإمام الحجّة عليه السلام... 1 / 58 ، 76 ، 81 ، 84 ، 91 ، 92 ، 94 ، 95 ، 96 ، 97 ،

99 ، 100 ، 101 ، 102 ، 108 ، 111 ، 112 ، 113 ، 115 ، 116 ، 120 ، 121 ، 124 ، 125 ، 129 ، 134 ، 140 ، 145 ، 146 ، 147 ، 149 ، 150 ، 152 ، 153 ، 154 ، 157 ، 158 ، 159 ، 160 ، 162 ؛ 2 / 453 ، 501 ، 502 ، 505 ، 508 ؛ 3 / 63 ، 90 ، 94 ، 95 ، 97 ، 98 ، 105 ، 112 ، 135 ، 136 ، 137 ، 138 ، 140 ، 141 ، 183 ، 186 ، 187 ، 258 ، 294 ، 296 ، 333 ، 334 ، 341 ، 347 ، 374 ، 443 ؛ 4 / 9 ، 14 ، 50 ، 133 ، 134 ، 135 ، 136

السيد عليه السلام = الحجّة عليه السلام

الحرّ العاملي... 2 / 13

حُرَيْثِ بن جابر... 4 / 79 ، 82 ، 85

الحريري... 4 / 160 ، 182

حريز... 1 / 148 ؛ 2 / 227 ، 244 ، 247 ، 257 ، 258 ، 276 ، 295 ، 296

الحسن (أحد القراء)... 4 / 145

الحسنان عليهما السلام... 1 / 161

ابن الحسن = الحجّة عليه السلام

ص: 294

أبو الحسن عليه السلام = الكاظم عليه السلام

أبو الحسن الماضي = الكاظم عليه السلام

أبو الحسن الثاني = الرضا عليه السلام

أبو الحسن الأوّل عليه السلام = الكاظم عليه السلام

أبو الحسن عليه السلام = الهادي عليه السلام

الحسن بن بكير... 2 / 195

الحسن بن الجهم... 2 / 44

الحسن بن علي عليه السلام = المجتبي عليه السلام

الحسن بن علي العسكري عليه السلام = العسكري عليه السلام

أبو الحسن عليه السلام = السجاد عليه السلام

الشيخ حسن بن سليمان 1 / 83 ، 109 ، 115 ، 121 ، 122 ؛ 3 / 167 ، 168 ،

186 ، 189 ، 191 ، 192 ، 193 ، 197 ، 198 ، 351 ، 353

الحسن بن شاذان الواسطي... 1 / 118

الشيخ حسن بن الشهيد... 2 / 13 ، 214 ، 231 ؛ 3 / 197 ، 351

الحسن بن عطيّة... 2 / 290 ، 291

الحسن (ابن أبي عقيل)... 2 / 225 ، 237 ، 402

الحسن بن علي الخراز... 1 / 113 ؛ 3 / 173 ، 341

حسن بن كبش... 1 / 110 ؛ 3 / 168

الحسن بن محبوب... 1 / 123 ، 150

الحسن بن محمد بن سلام... 1 / 97

الحسني بن حمدان... 1 / 100 ، 108

الإمام الحسين عليه السلام 1 / 58 ، 75 ، 85 ، 88 ، 89 ، 91 ، 94 ، 95 ، 97 ، 98 ،

101 ، 103 ، 105 ، 106 ، 109 ، 110 ، 113 ، 115 ، 117 ، 123 ، 125 ، 126 ، 127 ، 131 ، 133 ، 137 ، 138 ، 139 ،

ص: 295

140 ، 144 ، 145 ، 146 ، 147 ، 148 ، 149 ، 153 ، 154 ؛ 2 / 29 ؛ 3 / 63 ، 99 ، 118 ، 137 ، 198 ، 231 ، 233 ، 276 ، 329 ، 330 ، 331 ، 334 ، 341 ، 403 ، 418 ؛ 4 / 54 ، 69 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 79 ، 84 ، 89 ، 90 ، 92 ، 93 ، 94

الشيخ حسين آل عصفور 2 / 13 ، 70 ، 82 ، 118 ، 206 ، 223 ، 246 ، 249 ،

254 ، 265 ، 274 ، 314 ، 320 ، 324 ، 327 ، 334 ، 460 ، 469 ؛ 3 / 470 ، 523 ؛ 4 / 16

الشيخ حسين الدرازي... 1 / 199

الحسين بن راشد... 1 / 138 ، 139 ؛ 4 / 74 ، 75

الحسين بن أبي العلاء... 2 / 28

الحسين بن علي البزوفري... 4 / 75

حسين بن الفردوسيّ... 2 / 497

حسين بن محمّد بن جعفر الماحوزيّ... 3 / 343 ؛ 4 / 177

الحسين بن محمّد بن القمّيّ... 3 / 329

الحضيني... 1 / 108 ، 109 ، 149

حفص بن البختريّ... 2 / 280 ، 281 ، 299 ، 301 ، 302

حفص بن غياث... 3 / 322 ، 324

الحكم بن مسكين... 3 / 524

حكيم بن الحسين... 2 / 275

الحلبي 2 / 21 ، 44 ، 46 ، 48 ، 66 ، 78 ، 104 ، 166 ، 170 ، 222 ، 223 ،

224 ، 227 ، 233 ، 234 ، 241 ، 248 ، 267 ، 280 ، 281 ، 284 ، 287 ، 297 ، 310 ، 366 ، 474 ؛ 3 / 110 ، 127 ، 518 ، 528

الحلواني (أحد الرواة)... 1 / 140

الحلّي = العلّامة

ص: 296

حمّاد (أحد الرواة) 1 / 92 ، 140 ؛ 2 / 14 ، 28 ، 165 ، 233 ، 247 ؛ 3 / 161

حمّاد بن عثمان حبيب بن مظاهر... 2 / 273

حمّاد بن عيسي... 2 / 195 ، 233 ، 234

حمد اللّه المستوفي... 4 / 83

حمران... 2 / 419

حمران بن أعين... 1 / 89 ، 99 ، 136 ؛ 4 / 154

الحمزة عليه السلام... 1 / 106

حمزة (أحد القرّاء) 4 / 144 ، 149 ، 153 ، 154 ، 155 ، 162 ، 174 ، 175 ،

176

الحمزة بن عبد المطّلب... 2 / 462 ، 475

ابن أبي حمزة... 2 / 183 ، 331

ابن حمزة... 3 / 383 ، 527

ابن حمزة (صاحب الوسيلة)... 2 / 178 ، 231 ، 236 ، 246 ، 300 ، 325 ، 383

أبو حمزة... 3 / 115

أبو حمزة الثمالي... 1 / 87 ، 89 ، 99 ، 134 ، 138 ؛ 2 / 226 ؛ 3 / 89 ، 108

حميد بن قحطبة الطائيّ... 4 / 113

الحميريّ... 4 / 91 ، 128 ، 130

الحنّاط... 2 / 214

حَنَان بن سَدِير... 2 / 226 ، 276 ، 294

أبو حنيفة... 2 / 15 ، 16 ، 25 ، 29 ، 46 ، 53 ، 61 ، 62 ، 66 ، 97 ، 229 ،

236 ؛ 3 / 20 ، 371 ؛ 4 / 16 ، 143

حرف الخاء

خالد (ابن عبد اللّه الأزهري)... 4 / 165

ص: 297

خالد بن الوليد... 1 / 103 ، 104

أبو خديحة... 1 / 138

الخراساني (صاحب كفاية الأحكام)... 2 / 135 ، 206 ، 364

ابن الخشّاب (النحويّ)... 4 / 62 ، 80 ، 98 ، 101 ، 130

الخضر عليه السلام... 3 / 45 ، 89 ، 101 ، 102

أبو الخطّاب... 1 / 136 ، 137 ؛ 3 / 144

أبو خال الكابلي... 1 / 126 ، 143

الشيخ خلف آل عصفور... 3 / 344 ، 345

الخليل... 4 / 33 ، 158

خولة بنت يزدجرد ملك فارس... 4 / 80 ، 83

خيثمة... 3 / 185 ، 348

الخيزران... 4 / 109 ، 116 ، 117 ، 118 ، 119

حرف الدال

دابة الأرض = أمير المؤمنين عليه السلام

دارا... 4 / 23

الداماد... 4 / 162 ، 164 ، 176 ، 179

النبي دانيال عليه السلام... 1 / 91 ، 124

النبي داود عليه السلام... 1 / 102 ، ؛ 3 / 89 ؛ 4 / 21 ، 22

داود الرَّقِّي... 1 / 95

داود بن فرقد... 2 / 141 ، 146

داود بن القاسم الجعفري... 3 / 309

الدجّال... 1 / 134 ، 148

ص: 298

الدراوردي... 4 / 14

دقلطيانوس الأنطاكي... 4 / 26

الدمامينيّ... 3 / 20 ؛ 4 / 15 ، 16 ، 17 ، 18 ، 19 ، 20 ، 156 ، 157 ، 182

حرف الذال

أبو ذرّ... 3 / 192

حرف الراء

الرازيّ... 4 / 36

رأس الجالوت... 1 / 119

الراوندي... 2 / 12 ؛ 4 / 75 ، 84

رَبَاح بن أبي نصر... 2 / 204

الربيع بن خُثَيم... 2 / 295 ، 297

رجب البرسي... 1 / 127

أبو ردين... 4 / 145

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله... 1 / 34 ، 37 ، 51 ، 56 ، 58 ، 63 ، 67 ، 74 ، 75 ، 78 ،

81 ، 83 ، 84 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 93 ، 94 ، 95 ، 98 ، 99 ، 101 ، 102 ، 103 ، 105 ، 106 ، 107 ، 108 ، 109 ، 110 ، 113 ، 114 ، 115 ، 116 ، 117 ، 118 ، 120 ، 121 ، 122 ، 123 ، 124 ، 126 ، 129 ، 132 ، 133 ، 134 ، 136 ، 137 ، 138 ، 139 ، 140 ، 141 ، 142 ، 146 ، 148 ، 152 ، 154 ، 157 ، 158 ، 159 ، 160 ، 161 ، 162 ، 165 ، 166 ، 171 ، 172 ، 177 ، 180 ، 194 ، 197 ، 207 ، 209 ، 220 ، 265 ، 284 ، 297 ، 313 ، 319 ، 321 ، 322 ، 327 ، 344 ، 354 ، 385 ، 386 ؛ 2 / 14 ، 16 ، 18 ، 19 ، 20 ، 27 ، 28 ، 29 ، 31 ، 32 ، 33 ، 35 ، 36 ، 40 ، 46 ، 51 ، 52 ، 53 ، 57 ، 58 ، 59 ، 60 ، 61 ، 64 ، 65 ، 66 ، 71 ، 72 ، 76 ، 78 ، 79 ، 80 ، 85 ، 86 ، 100 ، 102 ، 103 ،

ص: 299

104 ، 121 ، 125 ، 126 ، 129 ، 137 ، 159 ، 166 ، 170 ، 174 ، 176 ، 189 ، 190 ، 199 ، 201 ، 203 ، 204 ، 206 ، 207 ، 210 ، 212 ، 213 ، 218 ، 219 ، 220 ، 221 ، 225 ، 226 ، 227 ، 228 ، 229 ، 230 ، 232 ، 235 ، 236 ، 237 ، 239 ، 262 ، 266 ، 268 ، 270 ، 274 ، 275 ، 296 ، 298 ، 351 ، 385 ، 392 ، 394 ، 398 ، 399 ، 401 ، 406 ، 430 ، 433 ، 453 ، 460 ، 461 ، 462 ، 465 ، 467 ، 473 ، 474 ، 475 ، 476 ، 492 ، 493 ، 497 ، 501 ، 502 ، 503 ، 504 ، 505 ، 506 ، 507 ، 514 ، 518 ، 520 ؛ 3 / 9 ، 13 ، 27 ، 28 ، 33 ، 34 ، 45 ، 47 ، 48 ، 51 ، 55 ، 65 ، 67 ، 69 ، 78 ، 81 ، 90 ، 94 ، 101 ، 102 ، 104 ، 105 ، 116 ، 118 ، 127 ، 129 ، 136 ، 137 ، 139 ، 140 ، 141 ، 143 ، 147 ، 149 ، 150 ، 151 ، 152 ، 153 ، 154 ، 155 ، 161 ، 164 ، 167 ، 168 ، 173 ، 175 ، 176 ، 179 ، 180 ، 183 ، 186 ، 187 ، 194 ، 198 ، 209 ، 21 ، 216 ، 217 ، 220 ، 223 ، 227 ، 234 ، 247 ، 250 ، 251 ، 252 ، 254 ، 255 ، 256 ، 257 ، 258 ، 259 ، 265 ، 266 ، 270 ، 279 ، 288 ، 292 ، 293 ، 293 ، 303 ، 304 ، 307 ، 309 ، 310 ، 319 ، 333 ، 334 ، 336 ، 337 ، 341 ، 344 ، 345 ، 347 ، 353 ، 359 ، 381 ، 388 ، 391 ، 394 ، 397 ، 400 ، 401 ، 403 ، 407 ، 411 ، 427 ، 429 ، 435 ، 439 ، 440 ، 442 ، 448 ، 449 ، 451 ، 453 ، 455 ، 457 ، 458 ، 462 ، 463 ، 464 ، 465 ، 473 ، 475 ، 484 ، 485 ، 495 ، 522 ، 528 ؛ 4 / 9 ، 11 ، 12 ، 12 ، 14 ، 18 ، 21 ، 22 ، 24 ، 35 ، 40 ، 41 ، 42 ، 43 ، 44 ، 45 ، 46 ، 48 ، 49 ، 50 ، 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 57 ، 59 ، 60 ، 62 ، 63 ، 65 ، 68 ، 77 ، 87 ، 94 ، 99 ، 117 ، 135 ، 137 ، 141 ، 145 ، 146 ، 154 ، 165 ، 166 ، 167 ، 171 ، 183 ، 184 ، 189

الرشيد... 4 / 105 ، 106 ، 107

الإمام الرضا عليه السلام... 1 / 58 ، 76 ، 86 ، 107 ، 109 ، 112 ، 118 ، 125

؛ 2 / 105 ، 186 ، 193 ، 226 ، 275 ، 285 ، 287 ، 294 ، 348 ، 399 ، 466 ؛ 3 / 48 ، 137 ، 189 ، 231 ، 329 ، 333 ، 341 ، 373 ، 374 ، 419 ، 425 ، 448 ؛ 4 / 67 ، 69 ، 84 ، 105 ، 109 ، 110 ، 111 ، 112 ، 113 ، 115 ، 116 ، 117 ، 118 ، 119 ، 166 ، 167

ص: 300

الرضيّ الاسترآبادي 3 / 212 ؛ 4 / 15 ، 147 ، 148 ، 151 ، 153 ، 154 ، 158

، 159 ، 160 ، 162 ، 164

السيد رضي الدين... 1 / 99

رفاعة... 2 / 22 ، 24 ، 26 ، 44 ، 45 ، 46 ، 49 ، 51 ، 55 ، 104 ، 109 ،

135 ، 136 ، 140 ، 181 ، 182 ، 190 ، 191 ، 215 ، 225 ، 237 ، 267 ، 271 ، 349 ، 350 ، 351 ، 352 ، 363 ، 366 ، 370 ، 372 ، 375 ، 377 ، 378

الزبير... 1 / 105

الزبير بن المتوكّل... 4 / 126

الزبيريّ... 4 / 134

زرارة 1 / 85 ، 137 ، 163 ، 165 ؛ 2 / 22 ، 24 ، 26 ، 44 ، 45 ، 46 ، 47

، 49 ، 51 ، 55 ، 104 ، 109 ، 135 ، 136 ، 140 ، 181 ، 182 ، 215 ، 225 ، 237 ، 267 ، 271 ، 349 ، 350 ، 351 ، 352 ، 363 ، 366 ، 370 ، 372 ، 375 ، 377 ، 378 ؛ 3 / 193 ، 197 ، 198 ، 230 ، 321 ، 324 ، 324 ، 370 ، 523 ، 525 ؛ 4 / 54

زرع بن محمد علي بن حسين بن زرع... 1 / 162 ؛ 2 / 126 ، 159 ، 385 ، 406 ،

493 ، 520

زرعة... 3 / 505

زقلط يانوس القبطي... 4 / 23

النبي زكريا عليه السلام... 1 / 102

الزمخشري... 2 / 17 ؛ 3 / 367 ؛ 4 / 149 ، 151

ابن زهرة... 2 / 12 ، 53 ، 224 ، 229 ، 246 ، 314

الزهريّ... 4 / 11 ، 19

زياد... 1 / 105

زياد الأحلام (أحد الرواة)... 2 / 226

زيد بن أرقم... 3 / 266

ص: 301

زيد الشحام... 1 / 84 ، 133 ؛ 3 / 329

زيد النرسي... 3 / 460

ابن أبي سبرة... 4 / 14

الإمام السجاد عليه السلام... 1 / 58 ، 75 ، 107 ، 109 ، 118 ، 143 ؛ 2 / 508 ؛

3 / 17 ، 18 ، 115 ، 137 ، 425 ، 445 ، 497 ؛ 4 / 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، 91 ، 92 ، 93 ، 94 ، 95 ، 97 ، 102 ، 162

السجستاني... 4 / 60

سدير... 1 / 134

سرجي (الحكيم)... 4 / 24

سرجس بن هليا الروميّ... 4 / 25

سطاطائيل عليه السلام... 1 / 126

سعد الحلّاب... 1 / 123

سعد بن أبي خلف... 2 / 393

سعد بن طريف الخفّاف... 3 / 353

سعد بن عبد اللّه... 1 / 90 ، 91 ، 121 ، 123 ؛ 4 / 91

سعد بن هبة اللّه الراونديّ... 3 / 115

ابن سعيد... 1 / 199 ؛ 3 / 462 ، 478 ، 480

أبو سعيد (أحد الرواة)... 2 / 204

سعيد الأعرج... 2 / 252 ، 254 ، 286

سعيد السوسي... 1 / 130

أبو سعيد سهل بن زياد... 1 / 123

ابن سعيد (صاحب الجامع) 2 / 13 ، 82 ، 83 ، 85 ، 87 ، 89 ، 91 ، 383 ، 459

ص: 302

سعيد بن المسيّب... 4 / 12

سعيد بن يسار... 3 / 383

السفاح = أمير المؤمنين عليه السلام

السفاح = الحسين عليه السلام

سفيان بن عيينة... 4 / 92

السفياني... 1 / 101 ، 106 ، 147

السكوني... 1 / 198 ؛ 2 / 467

سلّار... 2 / 12 ، 53 ، 126 ، 231

سلام بن المستنير... 2 / 504

سلمان الفارسي رحمة اللّه... 1 / 109 ، 110 ؛ 3 / 192 ، 333

أبو سلمة... 1 / 93 ، 146

النبي سليمان عليه السلام... 1 / 102 ؛ 3 / 475 ؛ 4 / 11 ، 22

الشيخ سليمان الماحوزي... 3 / 473 ، 479 ، 480 ، 481 ، 510 ، 512 ، 521

الشيخ سليمان آل عبد الجبار... 1 / 386

سليمان بن حفص المروزيّ... 4 / 107

سليمان بن خالد... 2 / 21 ، 56 ، 290 ، 343

سليمان بن صالح... 3 / 388

سماعة بن مهران 1 / 198 ؛ 2 / 248 ، 343 ؛ 3 / 505 ؛ 4 / 122 ، 123 ، 124

ابن سنان... 2 / 218 ، 288 ، 350 ؛ 3 / 324 ، 411 ، 412 ؛ 4 / 112

السنديّ بن شاهك... 4 / 105 ، 106 ، 107

سهل ابن حنيف... 2 / 462 ، 474 ، 475 ، 476

سهل بن القاسم النوستجاني... 4 / 83

ص: 303

سيبويه... 4 / 20 ، 143 ، 147 ، 151 ، 157

السيّد أحمد (صاحب كتاب البشري)... 2 / 12

حسين الكويكبي... 3 / 279

الداماد... 2 / 38 ؛ 3 / 86

ابن طاووس... 2 / 410 ، 414 ، 419

سيّد المحقّقين... 4 / 175

السيرافي... 4 / 151

ابن سيرين... 4 / 18

ابن سينا... 2 / 38 ؛ 3 / 83

السيوري... 2 / 12 ، 53 ؛ 3 / 512

السيوطّي... 3 / 271 ، 493

حرف الشين

الشافعي... 2 / 229 ، 236

شبر ابن علي ابن مشعل البحراني... 1 / 386

أبو شبل... 3 / 418 ، 419

ابن شجاع... 3 / 462

الشعبيّ... 4 / 11 ، 12

النبي شعيب عليه السلام... 3 / 327

أبو شعيب أحمد بن نصر... 1 / 100 ، 108

شعيب بن صالح التميمي... 1 / 130

شمعون الصفا عليه السلام... 3 / 258

ابن شهر آشوب... 2 / 18 ؛ 4 / 45 ، 46 ، 67 ، 70 ، 73 ، 80 ، 83 ، 89 ، 91

، 98 ، 101 ، 104 ، 106 ،

ص: 304

116 ، 118 ، 125 ، 128

الشهيد 2 / 12 ، 39 ، 46 ، 61 ، 62 ، 66 ، 67 ، 77 ، 79 ، 81 ، 83 ، 87 ،

92 ، 95 ، 110 ، 113 ، 121 ، 207 ، 209 ، 257 ، 312 ، 315 ، 323 ، 324 ، 325 ، 333 ، 338 ، 369 ، 374 ، 375 ، 409 ، 410 ، 413 ، 414 ، 419 ، 423 ، 430 ، 440 ، 459 ، 465 ، 477 ، 485 ، 487 ، 489 ، 490 ، 491 ، 514 ؛ 3 / 48 ، 99 ، 368 ، 408 ، 462 ، 500 ، 507 ، 508 ، 510 ، 513 ، 515 ؛ 4 / 41 ، 46 ، 47 ، 50 ، 60 ، 63 ، 70 ، 78 ، 80 ، 83 ، 98 ، 100 ، 101 ، 106 ، 111 ، 112 ، 115 ، 116 ، 118 ، 125 ، 127 ، 130 ، 136

الشهيدان... 2 / 316 ؛ 3 / 384

الشهيد الثاني... 1 / 203 ؛ 2 / 112 ، 168 ، 269 ، 303 ، 321 ، 384 ، 641 ،

465 ، 473 ؛ 3 / 506 ؛ 4 / 42

النبي شيث عليه السلام... 3 / 110 ، 115 ، 129 ، 258 ؛ 4 / 27

الشيخان (المفيد والطوسي)... 1 / 239 ؛ 2 / 11 ، 64 ، 66 ؛ 4 / 40 ، 41 ، 131

شيخ الطائفة = الطوسي

الشيرازي... 3 / 42

شيرويه... 4 / 21

حرف الصاد

صاحب الشام = معاوية

صاحب الفاخر (الصابوني)... 2 / 60

صاحب المعالم = الشيخ حسن بن الشهيد

الإمام الصادق عليه السلام 1 / 20 ، 58 ، 76 ، 83 ، 84 ، 85 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 ،

91 ، 92 ، 93 ، 94 ، 95 ، 96 ، 97 ، 98 ، 100 ، 105 ، 106 ، 107 ، 109 ، 110 ، 111 ، 112 ، 113 ، 114 ، 115 ، 117 ، 120 ، 123 ، 124 ، 125 ، 126 ، 127 ، 132 ، 133 ، 134 ، 137 ، 138 ، 139 ، 140 ، 142 ،

ص: 305

143 ، 144 ، 145 ، 146 ، 148 ، 149 ، 150 ، 171 ، 172 ، 173 ، 177 ، 178 ، 179 ، 188 ، 192 ، 198 ، 199 ؛ 2 / 15 ، 20 ، 18 ، 21 ، 22 ، 23 ، 25 ، 26 ، 28 ، 31 ، 44 ، 45 ، 46 ، 50 ، 56 ، 66 ، 72 ، 73 ، 75 ، 100 ، 104 ، 105 ، 106 ، 107 ، 110 ، 113 ، 114 ، 115 ، 116 ، 119 ، 120 ، 139 ، 140 ، 141 ، 142 ، 146 ، 165 ، 166 ، 170 ، 172 ، 173 ، 176 ، 180 ، 181 ، 182 ، 186 ، 187 ، 189 ، 190 ، 191 ، 192 ، 193 ، 194 ، 195 ، 203 ، 204 ، 210 ، 212 ، 213 ، 217 ، 221 ، 222 ، 225 ، 226 ، 227 ، 228 ، 231 ، 232 ، 233 ، 235 ، 237 ، 239 ، 241 ، 247 ، 248 ، 249 ، 251 ، 252 ، 253 ، 254 ، 255 ، 257 ، 267 ، 270 ، 272 ، 273 ، 274 ، 275 ، 276 ، 280 ، 281 ، 282 ، 283 ، 284 ، 285 ، 286 ، 287 ، 288 ، 290 ، 291 ، 293 ، 294 ، 295 ، 296 ، 297 ، 299 ، 301 ، 302 ، 315 ، 322 ، 331 ، 338 ، 340 ، 341 ، 342 ، 343 ، 345 ، 348 ، 350 ، 351 ، 365 ، 366 ، 367 ، 381 ، 393 ، 394 ، 399 ، 412 ، 467 ، 468 ، 470 ، 473 ، 474 ، 501 ، 502 ، 504 ، 506 ، 515 ؛ 3 / 89 ، 90 ، 93 ، 98 ، 102 ، 103 ، 104 ، 107 ، 110 ، 113 ، 115 ، 117 ، 125 ، 127 ، 131 ، 132 ، 133 ، 135 ، 137 ، 143 ، 144 ، 147 ، 152 ، 155 ، 157 ، 159 ، 164 ، 168 ، 173 ، 174 ، 175 ، 179 ، 181 ، 183 ، 184 ، 185 ، 186 ، 191 ، 229 ، 230 ، 231 ، 241 ، 269 ، 317 ، 321 ، 322 ، 324 ، 329 ، 333 ، 335 ، 339 ، 341 ، 347 ، 348 ، 350 ، 351 ، 363 ، 371 ، 373 ، 388 ، 408 ، 411 ، 418 ، 421 ، 457 ، 475 ، 477 ، 504 ، 517 ، 518 ، 522 ، 523 ، 524 ، 527 ؛ 4 / 49 ، 60 ، 61 ، 63 ، 68 ، 71 ، 74 ، 75 ، 76 ، 80 ، 87 ، 91 ، 92 ، 97 ، 98 ، 99 ، 101 ، 102 ، 104 ، 109 ، 110 ، 111 ، 130 ، 154 ، 166 ، 167

أبو الصامت... 3 / 137 ، 191

أبو الصباح... 1 / 135

أبو الصباح (أحد الرواة)... 2 / 275 ، 365 ، 366 ، 367 ، 381 ، 506

أبو الصباح الكنانيّ... 3 / 527

صالح بن طعان بن ناصر بن علي الركوباني الستري البحراني... 1 / 63 ، 386

ص: 306

الصدر الشيرازي... 3 / 42 ، 322 ، 323

الصدوق 1 / 92 ، 117 ، 118 ، 150 ، 153 ، 199 ؛ 2 / 11 ، 19 ، 23 ، 24

، 105 ، 106 ، 114 ، 141 ، 189 ، 192 ، 216 ، 245 ، 268 ، 352 ، 390 ؛ 3 / 269 ، 370 ، 329 ، 353 ، 370 ، 381 ، 434 ، 473 ، 524 ، 527 ؛ 4 / 13 ، 41 ، 44 ، 45 ، 83 ، 92 ، 101 ، 107 ، 110 ، 111 ، 113 ، 113 ، 130 ، 133

الصدوقان (ابنا بابويه : علي بن الحسين ومحمد بن علي)... 1 / 318

الصفّار... 3 / 184 ، 348 ؛ 4 / 20

الصفديّ... 4 / 29

صفوان الجمال... 4 / 49 ، 50

صفوان بن يحيي 1 / 86 ؛ 2 / 165 ، 181 ، 182 ، 232 ، 233 ، 284 ، 349 ؛

3 / 48

صقيل... 4 / 134

أبو الصلاح الحلبي... 2 / 12 ، 53 ، 73 ، 74 ، 82 ؛ 3 / 384

الصولي... 4 / 110 ، 111

الصيني (أحد الذين يخرجون قبل المهدي عليه السلام)... 1 / 147

حرف الضاد

ضرار (الذي أرّخت العرب بناره)... 4 / 23

ضريس بن عبد الملك... 2 / 228

ابن ضورية... 1 / 129

أبو طالب رحمة اللّه... 4 / 47

طاهر بن عبد اللّه... 1 / 99

ابن طاووس... 1 / 131 ، ؛ 2 / 12 ، 83 ، 423 ؛ 3 / 49 ، 101 ، 102 ، 104 ؛

4 / 13 ، 14 ، 40 ، 44 ، 47 ، 63 ، 64 ، 81 ، 82 ، 92

ص: 307

الطبراني... 3 / 258

الطبرسي... 2 / 390 ؛ 3 / 367 ، 516 ؛ 4 / 30 ، 42 ، 60 ، 67 ، 69 ، 70 ،

73 ، 80 ، 89 ، 99 ، 100 ، 103 ، 105 ، 110 ، 112 ، 115 ، 117 ، 121 ، 124 ، 128 ، 129 ، 136 ، 154

الطبريّ... 4 / 14 ، 21 ، 36 ، 46 ، 62 ، 105

الطبري الإمامي 4 / 60 ، 61 ، 67 ، 69 ، 70 ، 75 ، 76 ، 81 ، 86 ، 90 ، 93

، 97 ، 101 ، 103 ، 104 ، 109 ، 115 ، 117 ، 118 ، 122 ، 124 ، 127 ، 131 ، 135

الطرازي... 3 / 102

أبو الطفيل (أحد الرواة)... 4 / 54

طلحة... 1 / 105

ابن طلحة... 4 / 111 ، 130

الطوسي... 1 / 112 ، 113 ، 116 ، 125 ، 129 ، 131 ، 132 ، 173 ، 180

، 199 ، 217 ، 226 ، 383 ؛ 2 / 11 ، 19 ، 27 ، 62 ، 66 ، 79 ، 92 ، 105 ، 112 ، 119 ، 120 ، 121 ، 136 ، 140 ، 182 ، 192 ، 224 ، 246 ، 247 ، 250 ، 251 ، 272 ، 284 ، 289 ، 290 ، 315 ، 317 ، 318 ، 322 ، 325 ، 327 ، 336 ، 338 ، 379 ، 380 ، 381 ، 382 ، 438 ، 439 ، 473 ، 474 ، 475 ؛ 3 / 90 ، 99 ، 102 ، 104 ، 159 ، 229 ، 341 ، 373 ، 477 ، 479 ، 505 ، 507 ، 508 ، 522 ، 524 ؛ 4 / 47 ، 49 ، 50 ، 60 ، 63 ، 70 ، 72 ، 73 ، 74 ، 75 ، 78 ، 80 ، 81 ، 86 ، 90 ، 93 ، 100 ، 102 ، 103 ، 106 ، 108 ، 110 ، 115 ، 116 ، 118 ، 122 ، 123 ، 124 ، 125 ، 127 ، 128 ، 129 ، 130 ، 131 ، 134 ، 135

حرف العين

عاصم بن حميد... 2 / 192 ، 254 ؛ 3 / 321 ، 388

العباس عليه السلام... 1 / 131

ص: 308

ابن عبّاس... 2 / 275 ؛ 4 / 145

أبو العباس... 2 / 28 ، 165

العبّاس (ابن عبد المطلب)... 1 / 128 ؛ 4 / 86

العبّاس بن معروف... 2 / 193

العباسي... 1 / 147

عبد اللّه (أحد الرواة)... 3 / 266

عبد اللّه بن أحمد الخشّاب... 4 / 90 ، 92

عبد اللّه (ابن الإمام الباقر عليه السلام)... 4 / 99

الشيخ عبد اللّه بن أبي بكر بن عفيف المكّيّ... 3 / 364

عبد اللّه بن بكير... 2 / 227 ؛ 3 / 517

عبد اللّه بن جعفر... 2 / 357

عبد اللّه بن أبي جعفر... 4 / 87

عبد اللّه بن جعفر الحميري... 1 / 112 ؛ 3 / 186

أبو عبد اللّه الحارثي... 4 / 119

عبد اللّه بن الحجّاج... 2 / 212

عبد اللّه بن حسين التستُري... 2 / 91

عبد اللّه الحلبي... 2 / 21

عبد الحميد (أحد الرواة)... 2 / 116 ، 118 ، 119

عبد الحميد بن عوّاض... 2 / 110 ، 113 ، 115

عبد ربّه... 1 / 134

عبد الرحمن بن أبي بكر... 1 / 104

عبد الرحمن بن الحجّاج... 2 / 289 ، 393

عبد الرحمن بن سيّابة... 2 / 28

ص: 309

عبد الرحمن بن عبداللّه بن عبد الحكم... 4 / 14

عبد الرحمن بن ملجم... 1 / 105 ؛ 4 / 53

عبد الرحيم القصير... 1 / 136 ؛ 2 / 226 ، 226

الشيخ عبد اللّه الستري... 1 / 386

عبد اللّه بن سلام... 3 / 319

عبد اللّه بن سليمان العامري... 1 / 112 ؛ 3 / 185

عبد اللّه بن سنان... 2 / 217 ، 221 ، 241 ، 317 ، 467 ؛ 3 / 103

عبد اللّه بن شريك العامري... 1 / 138

الشيخ عبد اللّه بن صالح... 4 / 46 ، 49 ، 53 ، 60 ، 68 ، 70 ، 74 ، 78 ، 100 ،

104 ، 112 ، 116 ، 118 ، 122 ، 123 ، 124 ، 128 ، 131 ، 136

عبد اللّه بن صالح البحراني... 4 / 47 ، 63 ، 87 ، 97 ، 111

عبد الصمد بن بشير... 2 / 251

عبد اللّه بن عامر بن كريز... 4 / 84

عبد اللّه بن عجلان... 3 / 457

عبد العزيز... 4 / 130

عبد اللّه بن الفضل الهاشميّ... 2 / 23 ، 72 ، 107

عبد اللّه بن القاسم البطل... 1 / 146

عبد القاهر الجرجانيّ... 3 / 86 ، 88

عبد اللّه بن قتيبة... 4 / 21

عبد الكريم... 2 / 22 ، 112 ، 114

عبد الكريم الجعفي... 1 / 111

عبد الكريم بن عمرو الخثعمي... 1 / 87 ، 111 ، 132

عبد اللّه بن الكوّاء... 1 / 121 ، 122 ، 136

ص: 310

عبد اللّه بن محمّد... 2 / 348 ؛ 4 / 98

عبد اللّه بن مسعود... 2 / 29 ؛ 4 / 154

عبد اللّه بن مسكان... 1 / 90 ، 141

عبد المطلب... 4 / 47

عبد الملك بن عمرو... 2 / 173 ؛ 3 / 517

عبد اللّه بن موسي... 1 / 171

عبد اللّه بن نجيح اليماني... 1 / 98

عبد اللّه بن أبي اليشكري... 1 / 136

عبد اللّه بن أبي يعفور... 2 / 23 ، 73

أبو عبيد... 3 / 270 ؛ 4 / 34

عبيد اللّه الحلبي... 2 / 233

عبيد بن زرارة... 2 / 135 ، 140 ، 141

عبيد اللّه بن زرارة... 3 / 229

أبو عبيدة... 3 / 179 ، 180 ، 271 ؛ 4 / 143 ، 178

عتاب بن اُسيد... 4 / 107 ، 110 ، 113

عتبة... 1 / 130

ابن عثمان (حمّاد)... 2 / 233

عثمان بن عبد اللّه بن أبي رافع... 4 / 14

عثمان بن عفّان... 1 / 84 ، 134 ؛ 4 / 12 ، 84 ، 85

عثمان بن عيسي... 2 / 75

عجلان أبي صالح... 2 / 186 ، 285

العجليّ = ابن إدريس

ابن عربي... 4 / 22

أبو عزة (أحد الرواة)... 2 / 282

ص: 311

عزير عليه السلام... 1 / 121 ، 122 ، 136 ، 151 ؛ 3 / 277

الإمام العسكري عليه السلام 1 / 58 ، 76 ، 108 ، 110 ؛ 2 / 18 ؛ 3 / 137 ؛ 4 / 67

، 68 ، 69 ، 74 ، 90 ، 94 ، 100 ، 102 ، 105 ، 127 ، 128 ، 129 ، 130 ، 131 ، 135

عقيد (أحد الرواة)... 4 / 133

ابن أبي عقيل... 1 / 254 ؛ 2 / 12 ، 15 ، 53 ، 73 ، 124 ، 231 ، 391

العلّامة... 1 / 198 ؛ 2 / 11 ، 12 ، 27 ، 29 ، 35 ، 53 ، 74 ، 80 ، 132 ،

146 ، 152 ، 154 ، 179 ، 210 ، 218 ، 224 ، 229 ، 231 ، 233 ، 246 ، 266 ، 278 ، 284 ، 300 ، 303 ، 311 ، 323 ، 324 ، 329 ، 348 ، 363 ، 364 ، 371 ، 373 ، 373 ، 377 ، 379 ، 380 ، 383 ، 413 ، 419 ، 432 ، 438 ، 439 ، 440 ، 457 ، 458 ، 473 ، 475 ، 477 ، 478 ، 479 ، 480 ؛ 3 / 85 ، 267 ، 383 ، 405 ، 507 ، 510 ، 515 ، 527

التوبليّ... 2 / 234

العلّامة الحلي...

علقمة (أحد القرّاء)... 4 / 154

علم الهدي = السيدالمرتضي

عليّ بن محمد الطباطبائي (صاحب الرياض)... 2 / 244 ، 284 ، 303 ، 310 ؛

3 / 369 ، 383

علي بن ابراهيم... 1 / 85 ، 92 ، 93 ، 94 ، 114 ، 115 ، 116 ، 117 ، 118 ،

119 ، 120 ، 140 ، 141 ، 142 ، 143 ، 144 ، 145 ، 146 ؛ 2 / 182 ؛ 3 / 117 ، 123 ، 152 ، 324 ؛ 4 / 166

علي بن إبراهيم القمي 1 / 141 ، 142 ، 177 ، 192 ؛ 2 / 275 ؛ 3 / 61 ، 339

، 340 ، 373 ، 493 ، 494

عليّ إبراهيم بن الوليد... 4 / 92

علي بن أحمد بن أشيم... 3 / 477

علي بن جعفر 2 / 20 ، 45 ، 49 ، 70 ، 72 ، 74 ، 235 ، 254 ، 271 ، 306

، 307 ، 311 ، 315 ، 326 ، 335 ، 336 ، 349 ؛ 3 / 373 ، 383 ، 423

ص: 312

عليّ ين الحسن... 2 / 506

علي بن الحسين عليه السلام = السجاد عليه السلام

علي بن أبي حمزة 1 / 113 ؛ 2 / 182 ، 190 ، 231 ، 232 ، 233 ، 234 ، 237

، 330 ، 339 ، 349 ؛ 3 / 341

علي خان (المدني)... 4 / 163

الشيخ علي بن سليمان القدميّ... 2 / 231 ، 325

علي بن السندي... 2 / 195 ، 506

أبو علي الطبرسيّ... 2 / 411

علي بن عبد اللّه... 1 / 100 ، 108

علي بن عبد الكريم... 1 / 92 ، 96

عليّ بن عبد الواحد النهديّ... 3 / 103

علي بن عيسي الأربليّ... 4 / 50 ، 116

أبو علي الفارسي... 4 / 147

علي الكركي = الكركي

علي بن محمد عليه السلام = الهادي عليه السلام

علي بن موسي عليه السلام = الرضا عليه السلام

أبو عليّ محمّد بن همام... 4 / 101

علي بن مهزيار... 1 / 96 ، 147 ؛ 4 / 91

علي بن ميثم... 4 / 110

أبو علي (النحوي)... 4 / 161

علي بن يقطين... 2 / 339

ابن عمّار... 1 / 366

عمّار بن موسي الساباطي... 2 / 22 ، 26 ، 72 ، 100 ، 139 ، 367 ، 473

ص: 313

عمّار بن ياسر... 1 / 129 ، 130 ، 143 ؛ 2 / 76

عمران الحلبيّ... 2 / 233 ، 255

عمر بن ثابت... 1 / 111

عمر بن حنظلة... 3 / 363

عمر بن الخطاب... 1 / 102 ، 103 ، 104 ؛ 4 / 12 ، 14 ، 18 ، 23 ، 84 ، 85

عمر بن دينار... 2 / 194

عمر بن ذر... 1 / 134

عمر بن زاهر... 2 / 502

عمر بن الشلوبين... 4 / 143 ، 178

أبو عمر العمري... 1 / 112

عمر بن الفرات... 1 / 109

عمر الفرّاء... 1 / 100

أبو عمرو... 3 / 186

عمرو بن شمر... 1 / 141

عمرو بن أبي نصر... 3 / 388

عمر بن يزيد... 2 / 210 ؛ 3 / 125 ، 181 ، 517

ابن العميد... 4 / 21

عميد الدين (شارح نهاية العلّامة)... 2 / 154 ، 157 ، 458 ، 480

أبو عمير... 1 / 92

ابن أبي عمير 1 / 93 ، 142 ؛ 2 / 22 ، 165 ، 182 ، 195 ، 278 ، 284 ، 370

عَنْبَسَة بن مصعب... 2 / 110

ابن عوّاض (أحد الرواة)... 2 / 112

العيّاشي 1 / 85 ، 86 ، 114 ، 115 ، 127 ، 147 ، 192 ؛ 2 / 274 ؛ 3 / 70

، 116 ، 125 ، 155 ،

ص: 314

161 ، 181 ، 184 ، 241 ، 311 ، 311 ، 317 ، 318 ، 324 ، 335 ، 336 ، 339 ، 348 ، 421 ؛ 4 / 84 ، 115 ، 116 ، 121 ، 122

النبي عيس عليه السلام... 1 / 104 ، 151 ، 152 ؛ 2 / 392 ، 400 ؛ 3 / 161 ، 254 ،

258 ، 277 ، 335 ، 336 ، 337 ، 447 ، 448 ، 449 ، 450 ، 451 ، 452 ، 453 ، 455 ، 456 ؛ 4 / 11 ، 21 ، 22 ، 53 ، 74 ، 75 ، 77

العيص... 3 / 522

حرف الغين

غالب بن عثمان... 2 / 44

الغنوي... 2 / 366

غياث... 3 / 269

غياث بن إبراهيم... 2 / 470 ، 502

غياث بن اُسيد... 4 / 133

حرف الفاء

الفارضي... 4 / 144

الفاضل الهندي... 1 / 191 ؛ 2 / 16 ، 20 ، 24 ، 31 ، 37 ، 38 ، 39 ، 40 ، 41

، 42 ، 43 ، 46 ، 47 ، 55 ، 75 ، 83 ، 85 ، 101 ، 121 ، 363 ، 368 ، 402

فاضل الفوائد الحائريّة = الوحيد البهبهاني

الفاضل الهندي... 3 / 384 ، 405 ، 500

أبو الفتح (النحوي)... 4 / 15

فخر الدين الطريحي... 1 / 150

فخر المحقّقين... 1 / 251 ؛ 2 / 12 ، 20 ، 149 ، 214 ، 440 ؛ 4 / 146

ص: 315

فرات بن إبراهيم الكوفي... 2 / 502 ؛ 3 / 157 ، 185 ، 348

الفراء... 4 / 143 ، 144

أبو الفرج... 2 / 282 ؛ 4 / 64

أبو الفرج الأصفهانيّ... 4 / 71

فرعون 1 / 102 ، 107 ، 117 ، 118 ؛ 3 / 251 ، 256 ، 257 ، 258 ، 484

ابن فرقد... 2 / 147

ابن فضّال... 2 / 399 ؛ 4 / 87

الفضل بن الحسن الطبرسي... 2 / 190

الفضل بن شاذان... 1 / 113 ؛ 2 / 24 ، 182 ، 193 ، 226 ؛ 3 / 161 ؛ 4 / 13

الفضل بن يسار... 3 / 110 ، 115 ، 184

فضالة... 2 / 165 ، 284

ابن فضيل... 1 / 123 ؛ 2 / 318

الفضيل (أحد الرواة)... 2 / 45 ، 51 ، 55 ، 104

فضيل بن عثمان المرادي... 1 / 172

فُضَيْل بن يَسَار... 2 / 228 ؛ 3 / 321 ، 348

ابن فهد... 2 / 12 ، 300

الفيروز آبادي... 3 / 270 ، 493

الفيض الكاشاني 1 / 121 ، 122 ، 123 ؛ 2 / 13 ، 230 ، 260 ، 342 ، 422 ،

460 ؛ 3 / 322 ، 323 ، 520

الفيّوميّ... 3 / 271 ، 493

حرف القاف

قابيل... 3 / 475

ص: 316

أبو القاسم... 2 / 399 ؛ 3 / 447

القاسم بن عمروة... 3 / 473

القاسم بن العلاء الهمداني... 1 / 131 ؛ 4 / 74 ، 75 ، 116

أبو القاسم بن قولويه... 1 / 99 ، 148 ، 149 ؛ 3 / 329 ، 447 ، 448

القاسم بن محمّد... 2 / 190

القاسم الهمداني... 4 / 122

القاشانيّ... 2 / 13 ، 230 ، 260 ، 324 ، 460

القاشانيّان... 2 / 422

القاضي = البيضاوي

قتادة... 4 / 145

ابن القدّاح... 2 / 194

القدّاح... 2 / 18 ، 19 ، 253

قَسطوس الرومي (الحكيم)... 4 / 24 ، 25

قصير بن أبي شيبة... 1 / 138

قطب الدين الرازي... 3 / 84

قطب الدين الراوندي... 1 / 123

قطرب... 4 / 143 ، 145 ، 178

قنفذ... 1 / 104

ابن قولويه... 3 / 89

حرف الكاف

الإمام الكاظم عليه السلام 1 / 58 ، 76 ، 107 ، 109 ، 138 ، 171 ، 199 ؛ 2 / 44 ،

45 ، 105 ، 166 ، 182 ، 190 ، 195 ، 234 ، 239 ، 248 ، 285 ، 287 ، 289 ، 295 ، 296 ، 339 ، 341 ، 348 ،

ص: 317

349 ؛ 3 / 189 ، 343 ، 373 ، 388 ، 519 ؛ 4 / 103 ، 105 ، 106 ، 107 ، 110 ، 112 ، 113 ، 117 ، 118 ، 165

الكراجكيّ... 4 / 175

الكركي 1 / 292 ؛ 2 / 11 ، 77 ، 113 ، 140 ، 170 ، 208 ، 231 ، 239 ،

301 ، 302 ، 308 ، 311 ، 312 ، 324 ، 325 ، 329 ، 333 ، 334 ، 437 ، 475 ؛ 3 / 267 ، 462 ، 525

الكسائي... 4 / 153

كسري... 4 / 79

الكشّي... 1 / 97

كعب بن لؤيّ... 4 / 11

الكفعميّ 4 / 62 ، 68 ، 70 ، 72 ، 75 ، 81 ، 85 ، 90 ، 93 ، 101 ، 103 ،

104 ، 105 ، 109 ، 113 ، 117 ، 118 ، 122 ، 125 ، 128 ، 131 ، 136 ، 162 ، 175

كليب الأسديّ... 2 / 189

الكليني... 1 / 94 ، 95 ، 112 ، 118 ، 127 ، 146 ؛ 2 / 19 ، 136 ، 182 ،

245 ، 247 ، 257 ، 289 ، 412 ، 419 ؛ 3 / 93 ، 285 ، 457 ، 477 ، 479 ، 480 ؛ 4 / 35 ، 36 ، 39 ، 46 ، 47 ، 54 ، 59 ، 60 ، 67 ، 70 ، 71 ، 73 ، 76 ، 82 ، 84 ، 87 ، 89 ، 91 ، 97 ، 100 ، 102 ، 104 ، 105 ، 109 ، 111 ، 115 ، 116 ، 117 ، 120 ، 121 ، 123 ، 137 ، 129 ، 133 ، 136

كميل بن زياد... 3 / 101 ، 174

الكنجي الشافعي... 1 / 118

أبو كَهْمَس... 2 / 350 ، 351

حرف الميم

المازندراني... 1 / 181 ، 189 ، 193

ابن ماسويه... 4 / 30

ص: 318

المأمون... 1 / 108 ؛ 2 / 226 ؛ 4 / 112 ، 113 ، 119 ، 166

مبارك بن علي... 1 / 165 ؛ 2 / 14 ؛ 3 / 57

المبرد... 4 / 151

المتوكل... 1 / 108 ؛ 4 / 123 ، 124 ، 129

مثني الحنّاط... 1 / 92

مجاهد... 4 / 145

الإمام المجتبي عليه السلام 1 / 58 ، 75 ، 94 ، 98 ، 101 ، 103 ، 105 ، 106 ، 109 ،

110 ، 115 ، 116 ، 117 ، 126 ، 129 ؛ 2 / 392 ؛ 3 / 137 ، 179 ، 231 ، 232 ؛ 4 / 54 ، 67 ، 70 ، 71 ، 72 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 79 ، 80 ، 81 ، 83 ، 84 ، 85 ، 86 ، 89 ، 93 ، 97 ، 101 ، 102 ، 103 ، 109 ، 115 ، 122 ، 127 ، 128

المجلسي 1 / 11 ، 113 ، 201 ، 296 ؛ 3 / 108 ، 109 ، 110 ، 180 ، 343 ،

344 ، 485 ، 486 ؛ 4 / 11 ، 12 ، 13 ، 35 ، 38 ، 39 ، 40 ، 41 ، 42 ، 44 ، 45 ، 46 ، 54 ، 55 ، 56 ، 59 ، 60 ، 62 ، 63 ، 67 ، 68 ، 70 ، 71 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 77 ، 79 ، 83 ، 89 ، 91 ، 94 ، 98 ، 101 ، 104 ، 106 ، 113 ، 116 ، 118 ، 119 ، 123 ، 125 ، 128 ، 130 ، 133 ، 174 ، 176

محسن (سقط الزهراء عليها السلام)... 1 / 104 ، 106

محسن الكاشاني... 3 / 31

المحقق... 1 / 198 ؛ 2 / 12 ، 62 ، 74 ، 76 ، 77 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 82 ،

83 ، 87 ، 90 ، 119 ، 121 ، 138 ، 168 ، 169 ، 244 ، 300 ، 307 ، 310 ، 311 ، 317 ، 320 ، 322 ، 324 ، 364 ، 369 ، 372 ، 373 ، 375 ، 377 ، 378 ، 381 ، 439 ، 475 ؛ 3 / 383 ، 515 ، 517

المحقّق الثاني = الشيخ علي الكركي

المحقّق الطوسي... 2 / 395

المحقّق الكركي = الشيخ علي الكركي

محمد بن ابراهيم... 1 / 100 ؛ 2 / 348

ص: 319

الشيخ محمّد ين أحمد آل سيف... 3 / 268

الشيخ محمّد ابن الشيخ أحمد الدرازيّ... 3 / 388

محمد بن أحمد الصابوني = صاحب الفاخر

محمّد (إبن الإمام الصادق عليه السلام)... 4 / 107

محمد بن إسماعيل... 1 / 100 ، 108 ؛ 3 / 161 ؛ 4 / 75

محمّد بن إسماعيل الرازيّ... 2 / 182 ، 232 ، 233 ، 501

محمّد أكمل بن محمّد تق القاشاني... 3 / 369

محمد أمين الاسترآبادي... 3 / 269

محمّد باقر القاشانيّ... 2 / 441

محمّد بن أبي بكر القاسم بن محمّد... 4 / 79

محمّد تقي (المجلسي)... 3 / 183 ، 347

محمّد بن الحسن... 2 / 506

محمّد بن الحسن الأصفهاني... 2 / 13 ، 88

محمّد بن الحسن الصفّار... 2 / 506

محمّد بن سعيد... 4 / 119

محمد بن سلام... 1 / 150

محمد بن سليم الديلمي... 1 / 139

محمّد بن سنان 2 / 116 ، 118 ، 119 ؛ 4 / 90 ، 91 ، 92 ، 98 ، 101 ، 120

محمّد بن سيف... 2 / 14

محمّد بن شجاع... 2 / 323

محمد بن الطيار... 1 / 137

محمد العاملي... 2 / 119 ، 137 ، 194 ، 218 ، 223 ، 307 ، 317 ، 325 ،

333 ، 341 ، 473 ، 476

محمد بن العباس (ابن ماهيار)... 1 / 98 ، 119 ، 145 ، 149

ص: 320

محمد بن عبد اللّه (أحد الرواة)... 1 / 112

محمّد عبد الرحمن أبي بكر... 4 / 100

الشيخ محمد بن عبد علي آل عبد الجبار... 1 / 207 ، 215 ؛ 3 / 268

محمد مبارك ابن الشيخ علي... 1 / 165

محمّد بن عليّ... 3 / 155

محمد بن علي الباقر عليه السلام = الباقر عليه السلام

محمد بن علي الجواد عليه السلام = الجواد عليه السلام

محمّد علي بن إبراهيم (ناسخ نزهة الألباب)... 3 / 529

الشيخ محمّد بن علي الدرازي... 2 / 355

محمّد بن عمرو... 2 / 506

محمّد بن عيّاش السلميّ... 2 / 501

محمّد بن فارس... 4 / 27 ، 28

محمّد بن الفارضي... 4 / 145

محمد بن الفضل... 1 / 109

محمّد بن الفضيل... 2 / 275 ، 297 ، 381 ؛ 3 / 231 ، 519

محمّد بن مشكان... 2 / 116

محمد بن مسلم... 1 / 136 ؛ 2 / 21 ، 24 ، 45 ، 49 ، 51 ، 56 ، 104 ، 109 ،

191 ، 192 ، 268 ، 271 ، 274 ، 275 ، 293 ، 298 ، 350 ، 351 ، 363 ، 371 ، 372 ، 377 ، 390 ؛ 3 / 121 ، 161 ، 179 ، 408 ، 506 ، 512 ، 524

محمد بن المفضّل... 1 / 100

محمد بن مكي... 1 / 92

محمّد بن نصر... 1 / 108

محمّد بن أبي نصر... 2 / 192 ؛ 3 / 425

ص: 321

محمّد بن الوليد... 2 / 227

محمّد بن همّام بن سهيل... 4 / 61

محمّد بن يحيي... 1 / 112 ؛ 3 / 477 ؛ 4 / 87

محمّد بن يعقوب = الكليني

محمّد بن يوسف... 4 / 46

المدائنيّ... 4 / 12

المرتضي 1 / 226 ، 239 ، 242 ، 247 ، 250 ، 269 ، 325 ؛ 3 / 475 ، 503

، 504 ، 505 ، 507 ، 517 ؛ 4 / 133 ، 149

المرتضي... 2 / 11 ، 15 ، 17 ، 19 ، 27 ، 39 ، 53 ، 57 ، 82 ، 93 ، 142 ،

143 ، 144 ، 145 ، 150 ، 153 ، 224 ، 225 ، 228 ، 231 ، 237 ، 391 ، 402 ، 435 ، 436 ، 437 ، 438 ، 444

أبو مروان... 1 / 98 ، 145

أبو مريم... 2 / 365 ، 367

المستعين... 1 / 108

مسروق... 4 / 154

مسعدة بن زياد... 3 / 504

مسعدة بن صدقة... 1 / 110 ؛ 2 / 468

ابن مسعود = عبد اللّه بن مسعود

المسعوديّ... 4 / 130

ابن مسكان... 1 / 92 ؛ 2 / 118 ، 232 ، 237 ، 280 ، 281 ؛ 4 / 91

ابن مسلم... 2 / 26 ، 187 ، 351 ، 365 ، 367 ، 378 ؛ 3 / 522

مسلم (صاحب الصحيح)... 3 / 266

مِسْمَعٍ... 2 / 176 ، 204

مسمع كردين... 3 / 505

ص: 322

ابن المسيّب... 4 / 14

المسيّب... 4 / 105

المصريّ... 2 / 402

معاوية بن أبي سفيان... 1 / 89 ، 105 ، 106 ، 119 ، 129 ، 139

معاوية بن عمار... 1 / 85 ؛ 2 / 45 ، 52 ، 165 ، 166 ، 170 ، 180 ، 181 ،

182 ، 189 ، 203 ، 212 ، 227 ، 239 ، 241 ، 250 ، 251 ، 253 ، 257 ، 267 ، 270 ، 276 ، 296 ، 321 ، 331 ، 341 ، 342 ، 344 ، 345 ، 346 ؛ 3 / 475 ؛ 4 / 69 ، 70 ، 71

المعتزّ... 1 / 108 ؛ 4 / 124 ، 125 ، 126 ، 130

المعتصم... 4 / 117 ، 118 ، 119 ، 120

المعتمد... 4 / 125 ، 130 ، 131

أبو المعتمر... 1 / 136

معد بن عدنان... 4 / 11 ، 23

المعلّي بن خنيس... 1 / 84 ، 133 ، 139 ؛ 3 / 343

مُعَمّر بن يحيي... 2 / 109

معين الدين... 2 / 391 ، 402

أبو المغرا... 2 / 506

المغربي (أحد الذين يخرجون قبل المهدي عليه السلام)... 1 / 147

المفضّل بن صالح... 2 / 166

المفضّل بن عمر 1 / 93 ، 97 ، 100 ، 101 ، 102 ، 105 ، 106 ، 107 ، 108

، 109 ، 125 ، 142 ، 149 ؛ 2 / 23 ، 106 ، 114 ، 267

المفيد... 1 / 110 ، 111 ، 112 ، 214 ، 228 ، 255 ، 262 ، 293 ، 325 ؛

2 / 64 ، 118 ، 126 ، 230 ، 236 ، 245 ، 237 ؛ 3 / 319 ؛ 4 / 46 ، 47 ، 52 ، 54 ، 61 ، 67 ، 68 ، 69 ، 74 ، 75 ، 79 ، 80 ، 81 ، 85 ، 90 ، 91 ، 93 ، 93 ، 98 ، 100 ، 101 ، 103 ، 106 ، 110 ، 112 ، 115 ، 116 ، 117 ، 121 ، 123 ،

ص: 323

124 ، 128 ، 129 ، 130 ، 134 ، 136

المقداد بن الأسود الكندي... 4 / 75

ابن مالك... 4 / 15 ، 16 ، 17 ، 18 ، 19 ، 143 ، 159 ، 182

مكّي بن علي بن هاشم الموسوي الخطي... 4 / 168

ابن ملجم... 4 / 53 ، 54

ابن منبّه... 4 / 22

المنتصر = الحسين عليه السلام

المنصور... 4 / 101

منصور بن حازم 2 / 110 ، 120 ، 293 ، 322 ، 323 ، 324 ، 338 ؛ 3 / 523

النبي موسي عليه السلام 1 / 104 ، 105 ، 117 ، 118 ، 130 ، 147 ، 151 ؛ 3 / 45

، 51 ، 75 ، 161 ، 225 ، 233 ، 254 ، 335 ، 336 ، 337 ، 373 ، 447 ، 448 ، 449 ، 450 ، 451 ، 452 ، 453 ، 455 ، 491 ، 492 ؛ 4 / 11 ، 21 ، 22 ، 27 ، 53 ، 54

أبو موسي (الأشعري)... 4 / 12

موسي بن جعفر عليه السلام = الكاظم عليه السلام

موسي الحنّاط... 1 / 84 ، 134

موسي الخيّاط = موسي الحنّاط

موسي بن القاسم النخعيّ... 2 / 181 ، 226 ، 278

ابن مهزيار... 2 / 357

مهنأ بن سنان... 2 / 413 ؛ 3 / 507 ؛ 4 / 146

مهدي (بحر العلوم)... 2 / 13 ، 207 ؛ 3 / 367 ، 369 ؛ 4 / 13

ميثم البحراني... 3 / 279 ، 280

الميثميّ... 2 / 187

ميسر... 2 / 85 ، 225 ، 232 ، 237

ص: 324

مَيْسَرة... 2 / 228

ميكائيل عليه السلام... 1 / 91 ، 99 ، 124 ؛ 3 / 173

ميمون... 2 / 194

حرف النون

ناصر الجبيليّ الأحسائيّ... 4 / 177

ناصر بن عليِّ البحراني... 2 / 453

النبّال (أحد الرواة)... 3 / 525

النجاشيّ (الملك)... 3 / 266

نجم الدين سعيد... 4 / 158 ، 160 ، 182

نجيب الدين يحيي بن سعيد = يحيي بن سعيد

نصير الدين الطوسيّ... 3 / 83

النضر بن سويد... 2 / 248

النظّام النيسابوري 3 / 23 ، 149 ، 213 ، 215 ، 239 ، 299 ، 367 ؛ 4 / 154

النعماني... 1 / 96 ، 99 ، 112 ؛ 3 / 184 ، 348 ، 494

نعمة اللّه الجزائري 3 / 48 ، 93 ، 95 ، 96 ، 98 ، 446 ، 483 ، 487 ؛ 4 / 162

، 163 ، 173

نعيم بن حمّاد... 4 / 14

ابن نما... 4 / 74

نمرود... 3 / 251 ، 256 ، 257 ، 484

النبي نوح عليه السلام 1 / 104 ؛ 3 / 116 ، 220 ، 257 ، 336 ، 337 ، 425 ، 443

، 453 ؛ 4 / 11 ، 21 ، 22 ، 27

نور اللّه الشوشتري... 3 / 475

ص: 325

حرف الهاء

هابيل... 3 / 475

الإمام الهادي عليه السلام 1 / 58 ، 76 ، 108 ، 110 ، 131 ؛ 3 / 137 ؛ 4 / 50 ، 65

، 121 ، 122 ، 124 ، 125 ، 126 ، 134 ، 136

النبي هارون عليه السلام... 1 / 105 ؛ 3 / 258 ؛ 4 / 55 ، 56

هارون بن خارجة... 2 / 412 ، 418

هارون الرشيد... 1 / 107 ؛ 4 / 107 ، 113

هارون بن محمّد الحلبيّ... 3 / 155

هارون بن المعتصم... 4 / 119

أبو هاشم... 1 / 178

هاشم (جد النبي صلى اللّه عليه وآله)... 2 / 396

هاشم التوبلي... 1 / 127

هامان... 1 / 102 ، 107 ، 118

هبة اللّه = شيث

هرثمة بن أعين... 4 / 123

هرقل... 1 / 130 ؛ 4 / 21

هرمز بن أنوشيروان... 4 / 36

الهروي... 3 / 270

أبو هريرة... 3 / 473 ، 475

ابن هشام... 1 / 74 ؛ 3 / 493 ؛ 4 / 155 ، 165 ، 180 ، 181

هشام بن سالم... 3 / 173

هشام بن عبد الملك... 4 / 85 ، 93 ، 94

ص: 326

ابن همام... 4 / 161

الهيثم... 2 / 299 ، 301

حرف الواو

الواثق بن العبّاس... 4 / 118

الواثق العباسي... 4 / 118 ، 119 ، 128

الوحيد البهبهاني... 2 / 14

وردان... 2 / 190

الوشاء... 3 / 343

الوليد بن عبد الملك... 4 / 83 ، 85

وهب بن وهب... 2 / 350 ، 351 ، 474

حرف الياء

ياسين البحراني... 4 / 160

النبي يحيي عليه السلام... 1 / 102 ؛ 3 / 255 ؛ 4 / 74 ، 77

أبو يحيي... 3 / 104

يحيي بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه... 4 / 101

يحيي بن خالد... 3 / 189

يحيي بن سعيد... 3 / 479

يحيي بن وثّاب... 4 / 145 ، 154

يحيي بن هرثمة بن أعين... 4 / 123

يزدجرد بن شهريار بن كسري... 4 / 23 ، 27 ، 79 ، 82 ، 84

يزيد بن معاوية... 1 / 115 ؛ 2 / 176 ؛ 4 / 69 ، 70

ص: 327

ابن أبي يعفور... 2 / 21 ، 28 ، 52

النبي يعقوب عليه السلام... 1 / 11 ؛ 3 / 255 ؛ 4 / 23

يعقوب السرّاج... 3 / 107 ، 113

يعقوب بن شعيب... 2 / 166 ، 247 ، 253

اليماني (أحد الذين يخرجون قبل المهدي عليه السلام)... 1 / 147

النبي يوسف عليه السلام... 3 / 255 ؛ 4 / 11 ، 22

أبو يوسف... 3 / 107 ، 113

يوسف بن مسعود الجشّي... 2 / 359

النبي يوشع ابن نون عليه السلام... 1 / 91 ؛ 3 / 258 ؛ 4 / 53 ، 54

النبي يونس عليه السلام... 1 / 124 ؛ 3 / 71 ، 254

يونس (النحوي)... 4 / 143 ، 178

يونس بن ظبيان... 1 / 88 ، 138

يونس بن يعقوب... 2 / 45 ، 50 ، 105 ، 190 ، 272 ، 473

ص: 328

ب - اعلام النساء

حرف الهمزة

آمنة بنت وهب... 4 / 42

أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر... 4 / 97 ، 99

حرف الباء

برة بنت النوستجان... 4 / 80 ، 83

اُمّ البنين... 4 / 109 ، 111 ، 112

حرف التاء

تكتم... 4 / 110 ، 111

حرف الجيم

جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي... 4 / 69 ، 70 ، 71 ، 72

حرف الحاء

حديث... 4 / 127 ، 128 ، 129 ، 131

حكيمة... 4 / 134

ص: 329

حميدة البربرية... 4 / 104 ، 105 ، 106 ، 107

حرف الخاء

خديجة بنت خويلد... 1 / 106

حرف الدال

درّة... 4 / 116 ، 117 ، 119

حرف الراء

رقية بنت صفية... 1 / 103

ريحانة... 4 / 119

حرف الزاي

زينب عليها السلام... 1 / 103 ، 105

حرف السين

سبيكة... 4 / 116 ، 117 ، 119

سعيدة (يقال : إنها التي تقتل المهدي عليه السلام)... 1 / 153

سقوس (ام الامام العسكري عليه السلام)... 4 / 131

سكن النوبيّة... 4 / 109 ، 111 ، 116

سلافة بنت يزدجرد... 4 / 82 ، 83

سليل (ام العسكري عليه السلام)... 4 / 130

سوسن المغربيّة... 4 / 131 ، 134

ص: 330

حرف الشين

شاه زنان بنت شيرويه... 4 / 79 ، 80 ، 82 ، 83 ، 86

شكل النوبيّة... 4 / 131

شهدة... 4 / 109

شهربانويه بنت يزجرد... 4 / 79 ، 80 ، 81 ، 83

حرف الطاء

الطاهرة... 4 / 110

حرف العين

عائشة... 1 / 105

اُمّ عبيد اللّه بنت الحسن عليه السلام... 4 / 89 ، 90 ، 91 ، 93

حرف الفاء

فاطمة الزهراء عليها السلام 1 / 58 ، 101 ، 102 ، 103 ، 104 ، 106 ، 109 ، 110 ،

157 ، 161 ؛ 3 / 13 ، 179 ، 249 ، 292 ، 440 ؛ 4 / 59 ، 60 ، 61 ، 62 ، 63 ، 64 ، 65 ، 75 ، 76 ، 77 ، 81

فاطمة (اُم الباقر)... 4 / 98

فاطمة (اُم السجاد عليه السلام)... 4 / 83

فاطمة بنت الحسن... 4 / 90

فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر... 4 / 97

فاطمة بنت أسد... 1 / 106 ؛ 4 / 69 ، 102

اُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر... 4 / 71 ، 97 ، 98 ، 99 ، 101 ، 102

فضة... 1 / 104

ص: 331

اُمّ الفضل بنت المأمون... 4 / 119

حرف الكاف

اُم الكلثوم عليها السلام... 1 / 103 ، 105

حرف الميم

ماريّة القبطيّة... 4 / 116 ، 117 ، 118 ، 119

مريسيّة... 4 / 119

مريم (ام السجاد عليه السلام)... 4 / 83

مريم بنت زيد العلويّة... 4 / 136

حرف النون

نجمة... 4 / 110 ، 111

نرجس... 4 / 134 ، 136

ص: 332

فهرس الأديان والفرق والمذاهب والطوائف

حرف الهمزة

الاُدباء... 3 / 475

الاُدباء... 4 / 22 ، 26

الإسلام... 3 / 266 ، 267

الأشاعرة... 3 / 491

أصحاب الزيجات... 4 / 22

أصحاب الفيل... 4 / 36

أصحاب الكهف... 1 / 151

الأقباط... 4 / 32 ، 26 ، 27

الإمامية 1 / 150 ، 162 ، 399 ، 421 ؛ 3 / 210 ، 500 ؛ 4 / 35 ، 38 ، 133

أهل الصناعة... 3 / 314

أهل العربيّة... 4 / 176

أهل الكتاب... 1 / 488

أهل الكوفة... 4 / 154

ص: 333

حرف الباء

براهمة الهند... 1 / 459 ، 485

البصريّون... 4 / 16 ، 141 ، 143 ، 147 ، 151 ، 154 ، 163 ، 162 ، 164 ،

174 ، 175 ، 176 ، 178 ، 180 ، 181 ، 182

حرف الجيم

الجمهور... 4 / 20

الجن... 3 / 61 ، 62 ، 163 ، 251 ، 473 ، 475

حرف الحاء

الحكماء... 3 / 36 ، 93 ، 149

حرف الخاء

الخاص... 1 /

الخاصة 1 / 58 ، 118 ، 123 ؛ 2 / 14 ، 18 ، 71 ، 73 ، 77 ، 78 ، 79 ، 86

، 410 ، 478

الخوارج... 1 / 220

حرف الراء

الرافضة... 3 / 255

الروم... 1 / 423 ، 473 ؛ 4 / 23 ، 25 ، 26 ، 27

حرف الزاي

الزنادقة... 3 / 94 ، 276

ص: 334

حرف الشين

الشافعية... 1 / 447 ، 478 ، 516 ؛ 2 / 458 ، 477 ، 479

الشيعة... 1 / 119 ، 162 ، 515 ؛ 3 / 109 ، 248 ، 486 ؛ 4 / 36 ، 44 ، 83

شيعة الدجال... 1 / 134

شيعة علي... 1 / 133

حرف الصاد

الصوفية... 3 / 34 ، 276

حرف العين

العارفون... 3 / 30

العام... 1 /

العامة 1 / 58 ، 118 ، 142 ، 162 ، 398 ، 478 ، 510 ؛ 2 / 14 ، 18 ، 25 ،

71 ، 77 ، 78 ، 79 ، 85 ، 86 ، 100 ، 410 ، 478 ؛ 3 / 34 ، 48 ، 105 ، 266 ، 473 ؛ 4 / 12 ، 35 ، 39 ، 44 ، 45 ، 46 ، 53 ، 54 ، 60 ، 61 ، 63 ، 64 ، 77 ، 85 ، 86 ، 94 ، 98 ، 102 ، 104 ، 108 ، 111 ، 123

العثمانية... 1 / 118

العجم... 4 / 27

العدلية... 2 / 413 ، 428

العقلاء... 3 / 88 ، 254

العلماء... 3 / 517

العماليق... 1 / 130 ؛ 4 / 23

ص: 335

حرف الغين

الغلاة... 1 / 220

حرف الفاء

الفرس... 4 / 26 ، 27 ، 28

الفقهاء... 3 / 403 ، 415

الفلاسفة... 3 / 276

الفلكيّون... 3 / 366 ، 368 ؛ 4 / 20

حرف القاف

القدرية... 1 / 134 ، 136

حرف الكاف

الكوفيّون... 3 / 493 ؛ 4 / 142 ، 143 ، 152 ، 153 ، 162 ، 173 ، 174 ،

176 ، 178 ، 180 ، 181 ، 182

حرف الميم

المؤرّخون... 4 / 46 ، 94 ، 130

متأخّر وأهل الميزان... 3 / 441

المتأخّرون 3 / 108 ، 378 ، 411 ؛ 4 / 16 ، 26 ، 64 ، 87 ، 143 ، 178 ، 180

المجسمة... 1 / 220

المجوس... 4 / 23

ص: 336

المجوسية... 1 / 108

المسلمون... 3 / 285 ، 448 ، 449 ، 484 ؛ 4 / 49 ، 84

المشركون... 3 / 117 ، 119 ، 143 ، 258 ، 433 ، 434 ؛ 4 / 42

الملائكة... 3 / 163 ، 164 ، 170 ، 183 ، 266 ، 277 ، 293 ، 304 ؛ 4 / 45

المنافقون... 3 / 309 ، 132 ، 144 ، 279

المنجّمون... 3 / 93 ، 94 ، 368

المنطقيّون... 3 / 29

حرف النون

النحويّون... 3 / 19 ، 20 ، 491 ، 493 ؛ 4 / 177

النصاري... 1 / 92 ، 124 ؛ 3 / 247 ، 251 ، 258 ، 455 ؛ 4 / 22

النصرانية... 1 / 108

النواصب... 3 / 151

حرف الياء

اليونانيون... 4 / 25

اليهود... 1 / 92 ، 119 ، 124 ، 460 ، 502 ؛ 3 / 449 ، 455 ؛ 4 / 22 ، 47

اليهودية... 1 / 108

ص: 337

ص: 338

فهرس الأماكن

حرف الهمزة

الأبواء... 4 / 46 ، 103 ، 104

حرف الباء

البحرين... 1 / 296 ، 386 ، 436 ، 442 ، 510 ، 511 ؛ 2 / 513 ؛ 3 / 470

بدر... 3 / 194

برهوت... 3 / 91

البصرة... 1 / 91 ، 105 ، 124 ، 130 ؛ 2 / 235

بطن الطالقان... 1 / 130

بطن النخل... 1 / 382

بغداد... 4 / 105 ، 106 ، 107 ، 117 ، 118

البقيع... 1 / 96 ، 147 ؛ 3 / 101 ؛ 4 / 64 ، 65 ، 69 ، 72 ، 83 ، 85 ، 86 ،

91 ، 92 ، 93 ، 94 ، 100 ، 101 ، 102

بلاد الأرمن... 1 / 130

بلاد السقلاب... 1 / 130

ص: 339

بلاد العجم... 4 / 18

البيت المعمور... 1 / 96 ، 295 ؛ 2 / 216 ، 235 ، 499 ، 500 ؛ 4 / 11 ، 52

بيت المقدس... 2 / 499 ، 500 ؛ 3 / 319 ، 320 ؛ 4 / 23

حرف التاء

التنعيم... 2 / 206 ، 207 ، 209 ، 210

تهامة... 4 / 23

حرف الثاء

الثوية... 1 / 98

حرف الجيم

جامع الكوفة... 1 / 380

الجحفة... 2 / 202 ، 203 ، 204 ، 205 ، 208 ، 212 ، 213 ، 217 ، 219 ،

228 ، 229 ، 230 ، 240 ، 241

جدّة... 2 ، 215 ، 220

الجعرانة... 2 / 206 ، 207 ، 209 ، 210 ، 212 ، 213 ، 214 ، 220

حرف الحاء

حائر الحسين عليه السلام... 1 / 380

الحبّاكة... 1 / 165

الحبشة... 4 / 23

ص: 340

الحجاز... 1 / 382 ؛ 2 / 269

الحجر الأسود... 1 / 295

الحجرة... 1 / 147

الحديبية... 2 / 206 ، 207 ، 209 ، 210 ، 212 ، 213

الحرم الشريف... 1 / 434

الحرّة... 2 / 203

الحساء... 1 / 296

الحطيم... 2 / 267

حرف الخاء

خراسان... 1 / 128 ، 130 ؛ 2 / 232 ، 236 ؛ 4 / 84 ، 112 ، 113

الخندق... 4 / 73

خوزستان... 1 / 130

حرف الدال

دار المسيّب... 4 / 107

دار النابغة... 4 / 46

دجلة... 1 / 128

دجيل الفرات... 1 / 128

دمشق... 1 / 101 ، 127

حرف الذال

ذو الجماجم... 4 / 144

ص: 341

ذو الحليفة... 2 / 201 ، 202 ، 203 ، 217 ، 220 ، 228 ، 229 ، 230

حرف الراء

الربذة... 2 / 195 ، 226

الركن الشامي... 2 / 226

الركن المغربي... 2 / 266

الركن اليماني... 2 / 298

الروحاء... 1 / 132

الروضة... 4 / 62

الروم... 1 / 91

حرف الزاي

الزوراء... 1 / 128 ، 296

حرف السين

سامراء... 1 / 296

سترة... 1 / 386

سرّ من رأي 4 / 123 ، 124 ، 125 ، 128 ، 129 ، 130 ، 131 ، 135 ، 136

السقف المرفوع... 1 / 96

السقيفة... 1 / 103

السلام (ظهر الكوفة)... 1 / 123

سناباد... 4 / 111 ، 112 ، 113

السند... 2 / 235

ص: 342

السهلة... 1 / 149

سواد الكوفة... 4 / 70 ، 71

حرف الشين

الشام... 1 / 129 ، 398 ؛ 2 / 202 ، 205 ، 209 ، 228 ، 229 ، 230

الشجرة... 2 / 235 ، 240 ، 241

شعب سورا... 4 / 70

شعب أبي طالب... 4 / 46

حرف الصاد

صخرة بيت المقدس... 2 / 500

الصفا... 1 / 96 ، 147 ؛ 2 / 173 ، 176 ، 186 ، 193 ، 286 ، 290 ، 295 ،

298 ، 322 ، 331 ، 338 ، 340 ، 341 ، 342 ، 343

صفوي... 1 / 165

صفّين... 1 / 129

صنعاء اليمن... 1 / 101

حرف الضاد

ضجنان... 3 / 91

حرف الطاء

الطائف... 2 / 203 ، 205 ، 206 ، 209 ، 212 ، 213 ، 214 ، 220 ، 229 ؛

4 / 44

الطور... 1 / 130

ص: 343

طور سينا... 3 / 233

طوس... 4 / 111 ، 112 ، 113

طيبة... 1 / 101 ؛ 4 / 65

حرف العين

العراق 1 / 123 ، 137 ، 140 ، 296 ، 454 ، 459 ؛ 2 / 203 ، 205 ، 208

، 229 ، 230

عرفات... 1 / 375 ؛ 2 / 172 ، 204 ، 284 ، 287

عرفة... 1 / 198 ، 203 ؛ 2 / 175 ، 187 ، 203 ؛ 4 / 45

عسفان... 1 / 382 ؛ 2 / 212 ، 213 ، 214 ، 215

العقيق... 2 / 203 ، 205 ، 208 ، 217 ، 225 ، 226 ، 227 ، 229 ، 230 ،

235 ، 239 ، 241

عمان... 2 / 513

عمورا... 1 / 123

حرف الغين

الغريّ... 4 / 54

غمرة... 2 / 229 ، 230

حرف الفاء

فدك... 1 / 102

الفرات... 1 / 88 ، 132 ، 154 ؛ 3 / 330 ، 331

حرف القاف

القادسية... 4 / 84

ص: 344

قرن المنازل... 2 / 203 ، 205 ، 209 ، 217 ، 220 ، 229

القسطنطينية... 1 / 130

قصر المراجل... 2 / 203

القطب الجنوبي... 1 / 404

القطب الشمالي... 1 / 404

قطر... 1 / 436

القطيف... 1 / 165 ، 296 ؛ 2 / 14 ، 513

حرف الكاف

كربلاء... 1 / 296

كربلاء... 3 / 99 ، 100 ، 286 ، 330 ، 331 ، 403

الكعبة... 1 / 171 ، 220 ، 240 ، 288 ، 295 ، 296 ، 380 ، 193 ، 209 ،

265 ، 266 ، 268 ، 295 ؛ 3 / 99 ، 100 ، 286 ، 296 ، 297 ، 319 ، 421 ، 433 ؛ 4 / 18 ، 23 ، 49 ، 62

الكوفة 1 / 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 96 ، 98 ، 100 ، 105 ، 106 ، 110 ، 113

، 115 ، 123 ، 124 ، 128 ، 133 ، 139 ، 146 ، 147 ، 149 ، 154 ؛ 2 / 225 ، 226 ، 231 ، 233 ، 234 ، 235 ، 345 ؛ 3 / 90 ، 341 ؛ 4 / 54 ، 153 ، 154

حرف الميم

المحمّرة... 1 / 386

المدائن... 3 / 168

المدينة 1 / 240 ، 242 ، 380 ؛ 2 / 165 ، 201 ، 203 ، 206 ، 209 ، 217 ،

220 ، 228 ، 229 ، 230 ، 241 ؛ 4 / 36 ، 46 ، 47 ، 53 ، 61 ، 62 ، 67 ، 68 ، 71 ، 72 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 ، 86 ، 89 ، 90 ، 91 ، 93 ، 94 ، 97 ، 98 ، 99 ، 101 ، 102 ، 103 ، 104 ،

ص: 345

107 ، 109 ، 110 ، 111 ، 113 ، 115 ، 116 ، 117 ، 121 ، 122 ، 123 ، 124 ، 127 ، 128 ، 136

المروة... 1 / 96 ، 147 ؛ 2 / 173 ، 176 ، 186 ، 193 ، 286 ، 290 ، 295 ،

298 ، 322 ، 331 ، 338 ، 340 ، 341 ، 342 ، 343

المزدلفة... 2 / 274

المسجد... 4 / 81 ، 84

المسجد الاقصي... 2 / 499

المسجدان (الحرام ومسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله)... 3 / 269

مسجد البصرة 3 / 101

المسجد الحرام... 1 / 240 ؛ 2 / 168 ، 171 ، 499

مسجد سهل... 1 / 100

مسجد السهلة... 3 / 89 ، 90

مسجد الشجرة... 2 / 201 ، 202 ، 205 ، 206 ، 208 ، 209 ، 217 ، 219 ،

229 ، 230

مسجد الكوفة... 3 / 421 ؛ 4 / 53

مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله... 1 / 240 ، 380

مسجدة الكوفة... 1 / 88 ، 91 ، 124 ، 133 ، 147 ، 154

المسلخ... 2 / 229 ، 230 ، 251

المشعر... 2 / 175

مصر... 2 / 60 ؛ 4 / 23 ، 26 ، 27

المغرب... 2 / 202 ، 203

مقام ابراهيم عليه السلام... 1 / 289 ؛ 2 / 341 ، 342

مكة المكرمة ... 1 / 105 ، 240 ، 242 ، 286 ، 375 ، 380 ، 382 ؛ 2 / 167

، 169 ، 172 ، 176 ، 178 ، 182 ، 183 ، 186 ، 189 ، 190 ، 191 ، 192 ، 194 ، 195 ، 196 ، 197 ، 198 ، 201 ،

ص: 346

203 ، 204 ، 205 ، 206 ، 208 ، 209 ، 210 ، 212 ، 213 ، 214 ، 215 ، 217 ، 218 ، 219 ، 220 ، 221 ، 230 ، 231 ، 235 ، 240 ، 241 ، 265 ، 284 ، 285 ، 287 ، 291 ، 295 ، 332 ، 338 ، 340 ، 341 ، 342 ، 344 ، 346 ؛ 3 / 194 ، 252 ؛ 4 / 44 ، 46 ، 47 ، 52 ، 60 ، 61 ، 62 ، 103 ، 104

مني... 2 / 186 ، 187 ، 286 ؛ 4 / 44

مهيعة... 2 / 202 ، 203

حرف النون

نجد... 2 / 203

النجف... 1 / 101 ، 296

نهاوند... 4 / 84

نُوقان... 4 / 111 ، 113

حرف الهاء

هجر... 1 / 101 ، 436

الهند... 1 / 91 ، 124 ، 459 ، 485

حرف الواو

وادي نصيبين... 3 / 474

واسط... 1 / 118

حرف الياء

يثرب... 1 / 96 ، 147

ص: 347

يلملم... 2 / 203 ، 205 ، 209 ، 217 ، 229

اليمن... 2 / 203 ، 205 ، 209 ، 220 ، 229 ؛ 3 / 89 ؛ 4 / 23

البونان... 4 / 22 ، 23

ص: 348

مصادر التحقيق

1 - القرآن الكريم

2 - نهج البلاغة : أمير المؤمنين عليه السلام (الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ت 40 ه) جمع : الشريف الرضي (محمّد بن الحسن ت 406 ه) ضبط النصّ : الدكتور صبحي الصالح (قم : الهجرة 1395 ه).

حرف الهمزة

3 - الاثنا عشرية في الصلاة اليومية : البهائي (محمد بن الحسن بن عبد الصمد الحارثي ، ت 103 ه) تحقيق : محمد الحسون (قم : مكتبة آية اللّه مرعشي 1409 ه) ط 1.

4 - أجوبة المسائل المهنائيّة : العلّامة الحلّي (الحسن بن يوسف بن المطهّر ، ت 726 ه) (قم : مطبعة الخيام 1401 ه) ط 1.

5 - الاحتجاج : الطبرسي (أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب ، ق : 6) تحقيق : إبراهيم البهادري ، محمّد هادي به (إيران : انتشارت اُسوة 1413 ه) ط 1.

6 - الاختصاص (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) : المفيد (محمّد بن محمّد ابن النعمان ، ت 413 ه) تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، السيّد محمود الزرندي (بيروت : دار المفيد 1414 ه).

7 - الأربعون حديثاً : البهائي (أبو الفضل محمّد ابن الشيخ العاملي ، ت 1031 ه) قم : تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، 1415 ه- ، ط 1.

8 - إرشاد الأذهان : الحلّي (أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي ، ت 726 ه) تحقيق : الشيخ فارس حسّون (قم : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - 1410 ه) ط 1.

ص: 349

9 - الإرشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) : المفيد (محمّد بن محمّد بن النعمان ، ت 413 ه) تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث (بيروت : دار المفيد 1414 ه) ط 2.

10 - الاستبصار : الطوسي (محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) تحقيق وتعليق : حسن الخراسان (بيروت : دار الأضواء 1406 ه) ط 3.

11 - الإشارات والتنبيهات : ابن سينا (أبو علي الحسين بن عبد اللّه ، ت 428 ه) تحقيق: د. سلمان دنيا (بيروت : مؤسّسة النعمان 1413 ه).

12 - إعلام الوري بأعلام الهُدي : الطبرسي (ابو علي الفضل بن الحسن «ق : 6»). تحقيق : مؤسسة آل البيت صلى اللّه عليه وآله لإحياء التراث (قم : 1417 ه) ط 1.

13 - أعيان الشيعة : الأمين (محسن بن عبد الكريم ، ت 1371 ه) تحقيق : حسن الأمين (بيروت : دار التعارف) ط 5.

14 - الإقبال بالأعمال الحسنة : ابن طاووس (رضي الدين علي بن موسي بن جعفر ، 668 ه) تحقيق : جواد القيّومي الأصفهاني (قم : مكتب الإعلام الإسلامي 1414 ه) ط 1.

15 - إقبال الأعمال (الإقبال بالأعمال الحسنة) : ابن طاووس (رضي الدين علي بن موسي بن جعفر ، 668 ه) ، طهران : دار الكتب الإسلامية ، طبعة حجريّة.

16 - الألفية في الصلاة اليومية : الشهيد الأول (محمد بن مكي العاملي ، ت 786 ه) تحقيق : محمد عسيران (ايران : مطبعة نمونة 1404 ه) ط 1.

17 - الأمالي : الصدوق (أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي ، ت 381 ه) تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسسة البعثة (قم : مؤسسة البعثة 1417 ه) ط 1.

18 - الأمالي : الطوسي (محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة (قم : دار الثقافة) ط 1.

19 - الأمالي (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) : المفيد (محمد بن محمد : ت 413 ه) تحقيق: حسين الأستاد ولي ، علي أكبر الغفاري (بيروت : دار المفيد 1414 ه) ط 2.

20 - الانتصار : المرتضي (علي بن الحسين الموسوي ، ت 436 ه) (قم : مؤسّسة النشر الإسلامي

ص: 350

التابعة لجماعة المدّرسين ، 1415 ه).

21 - الإنصاف في مسائل الخلاف : الأنباري (أبو البركات عبد اللّه بن محمَّد بن عبد اللّه بن مصعب كمال الدين الأنباري ، ت 542) تحقيق : محيي الدين عبد الحميد (مصر : المكتبة التجاريَّة 1961 م) ط 4.

22 - الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع : آل عصفور (حسين بن محمّد بن إبراهيم ، ت 1125 ه) نسّقه : علي محمّد محسن آل عصفور (البحرين : المطبعة الشرقيّة 1989 م).

23 - الأنوار النعمانيّة : الجزائري (نعمة اللّه الموسوي ، ت 1112 ه) إيران : مطبعة شركة چاب.

24 - أوضح المسالك إلي الفيّة ابن مالك : ابن هشام (أبو محمّد عبد اللّه جمال الدين الأنصاري ، ت 761 ه) تحقيق : محيي الدين عبد الحميد (بيروت : دار إحياء التراث العربي 1980 م) ط 6.

25 - إيضاح الفوائد في شرح اشكالات القوائد : فخر المحققين (محمد بن الحسن ابن يوسد المطهر الحلي ، ت 771 ه) قم : مؤسسة مطبوعات اسماعيليان.

26 - أنوار البدرين في تراجم علماء والقطيف والأحساء والبحرين : البلاديّ (عليُّ ابن حسن بن عليِّ بن سليمان البحرانيِّ ، ت 1340 ه) تصحيح : محمَّد عليِّ محمَّد رضا الطبسي (نجف : مطبعة النعمان 1377 ه).

27 - بحار الأنوار : المجلسي (محمّد باقر بن محمّد تقي ، ت 10 - 1111 ه) (بيروت : مؤسّسة الوفاء 1403 ه) ط 3.

حرف الباء

28 - البحر المحيط في التفسير : الأندلسي (أبو حيان محمّد بن يوسف الغرناطي ، ت 754 ه) بيروت : دار الفكر 1412 ه.

29 - البداية والنهاية ، ابن كثير (إسماعيل بن كثير الدمشقي ، ت 774 ه) تحقيق : مكتب تحقيق التراث (بيروت : دار إحياء التراث العربي).

30 - البرهان في تفسير القرآن : البحراني (هاشم ين سليمان الحسيني ، ت 1107 ه) (قم : دار الكتب

ص: 351

العلميّة 1375 ه) ط 2.

31 - بصائر الدرجات : الصفّار (أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ القمّي ، ت 290 ه) تحقيق : ميرزا محسن كوچه باغي التبريزي (قم : منشورات مكتبة آية اللّه العظمي المرعشي النجفي 1404 ه) ط 1.

32 - البلد الأمين : الكفعمي (إبراهيم بن علي ، ت 900 ه) تعليق : علاء الدين الأعلمي (بيروت : مؤسسة الأعلمي 1418 ه) ط 1.

33 - البلد الأمين : الكفعمي (إبراهيم بن علي ، ت 900 ه) طبعة حجرية.

34 - البيان : الشهيد الأوّل (محمّد بن مكّي العاملي ، ت 786 ه) تحقيق : محمّد الحسّون (ايران : بنياد فرهنگ إمام مهدي عليه السلام - 1412 ه).

حرف التاء

35 - تاريخ الإسلام : الذهبي (محمد بن أحمد بن عثمان ، ت 748 ه) ، تحقيق : الدكتور عمر عبد السلام تدمري (بيروت : دار الكتاب العربي).

36 - تاريخ بغداد : البغدادي (أحمد بن علي الخطيب ، ت 463 ه) بيروت : دار الكتب العلمية.

37 - تاريخ الخميس : الديار بكري (حسين بن محمد بن الحسن ، ت 966 ه) بيروت : دار صادر ، ومؤسسة شعبان.

38 - تاريخ الطبري : الطبري (أبو جعفر محمّد بن جرير ، ت 310 ه) (بيروت : دار الكتب العلميّة 1411 ه) ط 3.

39 - تأويل الآيات الظاهرة : الإسترآبادي (شرف الدين علي الحسيني الغروي ، «ق : 10») قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين 1409 ه- ، ط 1.

40 - تبصرة المتعلّمين : العلّامة الحلي (الحسن بن يوسف بن المطهّر ، ت 726 ه) تحقيق : محمد هادي اليوسفي الغروي (إيران - طهران 1411 ه) ط 1.

41 - التبيان في تفسير القرآن : الطوسي (أبو جعفر محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) تقديم ، آغا بزرك

ص: 352

الطهراني (بيروت : إحياء التراث العربي).

42 - تحرير الأحكام : العلّامة الحلّي (الحسن ين يوسف بن المطهّر ، ت 726 ه) قم : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام للطباعة والنشر ، طبعة حجريّة.

43 - تحف العقول : الحرّاني (الحسن بن علي ق : 4) تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفّاري (قم : مؤسّسة النشر الإسلامي 1404 ه) ط 2.

44 - تذكرة الخواصّ : سبط ابن الجوزي (يوسف بن فرغلي بن عبد اللّه البغدادي ، ت 564 ه) تقديم : السيد محمد صادق بحر العلوم (طهران : مكتبة نينوي الحديثة).

45 - تذكرة الفقهاء : العلّامة الحلّي (الحسن بن يوسف بن المطهّر ، ت 726 ه) تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء تراث (قم : 1414 ه) ط 1.

46 - تفسير البيضاوي : البيضاوي (أبو سعيد عبد اللّه بن عمر الشيرازي ، ت 791 ه) (بيروت : دار الكتب العلميّة 1408 ه) ط 1.

47 - التفسير الصافي : الفيض الكاشاني (محمد بن مرتضي ، ت 1091 ه) تصحيح وتعليق : حسين الأعلمي (طهران : مكتبة الصدر 1415 ه) ط 3.

48 - تفسير العيّاشي : العيّاشي (محمّد بن مسعود السلمي ، ت 320 ه) تصحيح وتعليق : السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي (بيروت : مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات 1411 ه) ط 16.

49 - تفسير الفرات الكوفي : الكوفي (أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات «من أعلام الغيبة الصغري») تحقيق : محمّد الكاظم (طهران : مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي 1410 ه) ط 1.

50 - تفسير القرآن العظيم : ابن كثير (عماد الدين أبو الفداء اسماعيل القرشي الدمشقي ، ت 774 ه) بيروت : دار الجيل.

51 - تفسير القمّي : القمّي (أبو الحسن علي بن إبراهيم ، ت بعد 307 ه) صحّحه وعلّق عليه : طيب الموسوي الجزائري (بيروت : دار السرور 1411 ه) ط 1.

52 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكري عليه السلام (أبو محمّد الحسن بن علي عليه السلام ، ت 260 ه) (تحقيق

ص: 353

ونشر : مجرسة الإمام المهدي عليه السلام - قم 1409 ه) ط 1.

53 - تلخيص المرام في معرفة الأحكام (ضمن سلسلة الينابيع الفقهية) : العلّامة (الحسن بن يوسف ابن المطهر ، ت 726 ه) إشراف : علي أصغر مرواريد (بيروت : مؤسسة فقه الشيعة 1413 ه) ط 1.

54 - تمهيد القواعد : الشهيد الثاني (زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد بن محمّد العاملي ، ت 965 ه) (خراسان : مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلميّة بقم المقدّسة 1416 ه) ط 1.

55 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع : السيوري (جمال الدين مقداد بن عبد اللّه ، ت 826 ه) تحقيق : عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري (قم : مكتبة آية اللّه العظمي المرعشي 1404 ه).

56 - التوحيد : الصدوق (أبو جعفر محمّد بن علي القمّي ، ت 381 ه) تصحيح : هاشم الحسيني الطهراني (قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين 1416 ه) ط 6.

57 - توحيد المفضل : (إملاء الإمام أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام علي المفضل بن عمر الجعفي) تعليق كاظم المظفّر (السيهات : منشورات مكتبة أحمد عيسي الزواد 1403 ه) ط 1.

58 - تهذيب الأحكام : الطوسي (محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) تحقيق : حسن الخرسان (بيروت : دار الأضواء) ط 3.

حرف الثاء

59 - ثواب الإعمال : الصدوق (محمّد بن علي القمّي ، ت 381 ه) تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفّاري (طهران : مكتبة الصدوق).

حرف الجيم

60 - جامع الأسرار ومنبع الأنوار : الآملي (حيدر بن علي بن حيدر الحسني ، ت 782 ه) تصحيح : هنري كربين ، عثمان إسماعيل يحيي (قم : شركت انتشارات علمي وفرهنگ ، انجمان ايرانشناسي فرانسا) ط 2.

ص: 354

61 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي) : الترمذي (أبو عيسي محمد بن عيسي بن سورة ، ت 279 ه) تحقيق : أحمد محمد شاكر (القاهرة : دار الحديث).

62 - الجامع للشرائع : ابن سعيد (يحيي بن أحمد بن الحسن الهذلي ، ت 690 ه) تحقيق : جمع من الفضلاء (بيروت : دار الأضواء 1406 ه) ط 2.

63 - جامع المقاصد : الكركي (علي بن الحسين ، ت 940 ه) (تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم - 1414 ه) ط 2.

64 - جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع : ابن طاووس (رضي الدين علي بن موسي بن جعفر ، ت 644 ه) تحقيق : جواد القيومي الأصفاني (ايران : مؤسسة الآفاق) ط 1.

65 - جمهرة الأمثال : العسكري (أبو هلال الحسني بن عبد اللّه بن سهل ، ت بعد عام 395 ه) بيروت : دار الكتب العلميّة 1408 ه- ، ط 1.

66 - جوامع الكلم : الأحسائي (أحمد زين الدين ، ت 1241 ه) إيران 1273 ه- ، طبعة حجرية.

67 - جواهر الفقه : ابن البراج (القاضي عبد العزيز الطرابلسي ، ت 481 ه) تحقيق : ابراهيم بهادري (قم : مؤسسة النشر الاسلامي 1411 ه) ط 1.

68 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام : النجفي (محمّد حسن بن باقر ، ت 1266 ه) تحقيق : عبّاس القوچاني (طهران : دار الكتاب الاسلامية).

حرف الحاء

69 - حاشية الصبَّان علي شرح الأشموني علي الفية ابن مالك : الصبَّان (محمّد بن علي الصبَّان ، ت 1206 ه) (قم : زاهدي 1412 ه) ط 2.

70 - الحبل المتين : البهائي (محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي ، ت 1031 ه) قم (منشورات : بصيرتي 1398 ه) ط 1.

71 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة : البحراني (يوسف بن أحمد بن إبراهيم ، ت 1186 ه) قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين 1414 ه- ، ط 2.

ص: 355

72 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة : الشيرازي (صدر الدين محمّد إبراهيم ، ت 1050 ه) بيروت : دار إحياء التراث العربي 1981 م ، ط 3.

حرف الخاء

73 - الخرائج والجرائح : الراوندي (سعيد بن عبد اللّه بن الحسين ، ت 573 ه) تحقيق ونشر : مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام (قم المقدسة : 1409 ه) ط 1.

74 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب : البغدادي (عبد القادر بن عمر ، ت 1093 ه) (بيروت : دار صادر) ط 1.

75 - الخصال : الصدوق (محمّد بن علي القمّي ، ت 381 ه) تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفّاري ، (قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين 1414 ه) ط 4.

76 - الخلاف : الطوسي (أبو جعفر محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) تحقيق : جماعة من المحقّقين (قم : مؤسّسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين 1415 ه) ط 4.

حرف الدال

77 - الدروس الشرعيّة : الشهيد الأوّل (محمّد بن مكّي العاملي ، ت 786 ه) (تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - قم - 1417 ه) ط 2.

78 - الدروع الواقية ، ابن طاووس (رضي الدين علي بن موسي ، ت 664 ه) تحقيق والنشر: مؤسّسة آل البيت لاحياء التراث (قم : 1414 ه) ط 1.

79 - دعائم الإسلام : المغربي (القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي ، ت 363 ه) تحقيق وتقديم وتعريف : الدكتور عارف تامر (بيروت : دار الأضواء 1416 ه) ط 1.

80 - دلائل الإعجاز : الجرجاني (أبوبكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد ، ت 471 ه) تصحيح : محمد محمود التركزي الشنقيطي ، تعليق : محمد رشيد رضا (بيروت : دار المعرفة

ص: 356

1398 ه- / 1978 م).

81 - دلائل الإمامة : الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير «ق : 5») تحقيق : قسم الدراسات الاسلامية (قم : مؤسسة البعثة 1413 ه) ط 1.

82 - دلائل النبوّة : البيهقي (أبو بكر أحمد بن الحسين ، ت 458 ه) تعليق : الدكتور عبد المعطي قلعچ (بيروت : دار الكتب العلمية 1405 ه) ط 1.

83 - ديوان أبي العتاهية : أبو العتاهية (إسماعيل بن القاسم ، ت 210 ه) بيروت : شركة دار الأرقم ابن أبي الأرقم 1417 ه- ، بيروت : دار صادر ، ط 1.

84 - ديوان الأعشي الكبير : الأعشي (ميمون بن قيس بن جندل ، ت 7 ه) شرح وتعليق : د. م. محمد حسين (مصر : مكتبة الآداب بالجماميز).

85 - ديوان لبيد بن أبي ربيعة (ضمن ديوان الفروسية) : لبيد بن أبي ربيعة (بيروت : دار الجبل 1413 ه) ط 1.

حرف الذال

86 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد : السبزواري (محمّد باقر ، ت 1090 ه) (ايران : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام) طبعة حجريّة.

87 - الذريعة إلي تصانيف الشيعة : آقا بزرگ الطهراني (محمّد محسن ، ت 1389 ه) (بيروت : دار الأضواء 1403 ه) ط 3.

88 - ذكري الشيعة : الشهيد الأوّل (أبو عبد اللّه محمّد بن مكّي العاملي ، ت 786 ه) (ايران : مكتبة بصيرتي) طبعة حجريّة.

حرف الراء

89 - ربيع الأبرار : الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، ت 538 ه) تحقيق : عبد الأمير مهنا (بيروت : مؤسسة الأعلمي 1412 ه) ط 1.

ص: 357

90 - رجال الشيخ الطوسي : الطوسي (أبو جعفر محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) قم : منشورات الرضي.

91 - رجال النجاشي : للنجاشي (أبو العبّاس أحمد بن علي ، ت 450 ه) تحقيق موسي الزنجاني) قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين 1416 ه- ، ط 5.

92 - رجال النجاشي : النجاشي (أحمد بن علي ، ت 450 ه) بيروت : دار الأضواء 1408 ه- ، ط 1.

93 - رسائل الشريف المرتضي : (أبو القاسم علي بن الحسين ، ت 436 ه) إعداد : مهدي الرجائي (قم : دار القرآن الكريم 1405 ه).

94 - رسالتان في التصور والتصديق (القطب الرازي ، ت 466 ه- ، الصدر الشيرازي ، ت 1045 ه) تحقيق : مهدي شريعتي (قم : مؤسسة اسماعيليان 1416 ه) ط 1.

95 - الرسالة الجعفرية (ضمن رسائل المحقق الكركي) : الكركي (علي بن الحسين ، ت 940 ه) تحقيق : محمد الحسون (قم : منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي 1409 ه) ط 1.

96 - الرسالة الصلاتية الصغري : القطيفي (محمد آل عبد الجبار ، ت بعد 1245 ه) مخطوط ، مصورته في دار المصطفي صلى اللّه عليه وآله لإحياء تراث برقم 22 / أ.

97 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان : الشهيد الثاني (زين الدين الجبعي العاملي ، ت 965 ه) قم : مؤسّسة آل البيت لإحياء تراث ، طبعة حجريّة.

98 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة : الشهيد الثاني (زين الدين الجبعي العاملي ، ت 965 ه) تحقيق : السيّد محمّد كلانتر (قم : مكتبة آية اللّه العظمي مرعشي).

99 - روضة المتّقين : المجلسي (محمّد تقي ، ت 1070 ه) تعليق : حسين الموسوي وعلي پناه الاشتهاردي (قم : بنياد فرهنگ اسلامي ، محمّد حسين 1399 ه) ط 1.

100 - روضة الواعظين : النيسابوري (محمّد بن الفتّال ، ت 508 ه) قم : منشورات الرضي.

101 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام : المدني (علي خان الحسيني ، ت 1120 ه) تحقيق : محسن الحسيني الأميني (قم : مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين 1415 ه) ط 4.

102 - رياض المسائل : الطباطبائي (علي بن السيّد محمّد علي ، ت 1231 ه) تحقيق : هيئة التأليف

ص: 358

والتحقيق والترجمة في دار الهادي (بيروت : دار الهادي 1412 ه) ط 1.

حرف الزاء

103 - زاد المعاد : المجلسي (محمد باقر محمد تقي ، ت 1111 ه) طهران : كتاب فروشي إسلاميّة 1378 ه- ، ط 1 (فارسي).

104 - زبدة الاُصول : البهائي 0 محمّد بن الحسين العاملي ، ت 1030 ه) مخطوط في مكتبة المدرسة الفيضية برقم 19 / 5234 ، ومصوّرته في دار المصطفي صلى اللّه عليه وآله لإحياء التراث.

105 - زيدة البيان في أحكام القرآن : الأردبيلي (أحمد بن محمّد ، ت 993 ه) تحقيق : محمّد الباقر البهبودي (طهران : المكتبة الرضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة).

حرف السين

106 - سداد العباد : آل عصفور (حسين بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم ، ت 1125 ه) البحرين : دار الإرشاد العامّة 1400 ه.

107 - السرائر : ابن إدريس (محمّد بن منصور الحلّي ، ت 598 ه) قم : تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي 1417 ه- ، ط 4.

108 - سنن ابن ماجة : ابن ماجة (أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد ، ت 275 ه) تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي (بيروت : دار الكتب العلمية).

109 - سنن أبي داود : أبو داود (سليمان بن الأشعث الأزدي ، ت 275 ه) تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد (بيروت : دار التراث العربي).

110 - سنن الترمذي : الترمذي (أبو عيس محمّد بن عيسي بن سورة ، ت 279 ه) تحقيق : أحمد محمّد شاكر (القاهرة : دار الحديث 1357 ه) ط 1.

111 - سنن الدار قطني : الدار قطني (علي بن عمر ، ت 385 ه) بيروت : دار إحياء التراث العربي ، مؤسّسة التاريخ العربي 1413 ه.

ص: 359

112 - السنن الكبري : البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي ، ت 458 ه) تحقيق : محمّد عبد القادر عطا (بيروت : دار الكتب العلميّة 1414 ه) ط 1.

113 - سنن النسائي : (أحمد بن شعيب النسائي ، ت 303 ه) تحقيق : مكتب التراث الإسلامي (بيروت : دار المعرفة 1414 ه) ط 3.

114 - السيرة النبويّة : ابن هشام (عبد الملك بن هشام ، ت 213 أو 218 ه) تعليق وتخريج : عمر عبد السلام تدمري (بيروت : دار الكتاب العربي 1416 ه) ط 5.

حرف الشين

115 - شرائع الإسلام : المحقق الحلّي (نجم الدين بن جعفر ، ت 676 ه) تحقيق : عبد الحسين محمد علي بقال (قم : مؤسسة إسماعيليان 1409 ه) ط 3.

116 - شرح ابن عقيل : العقيلي (بهاء الدين عبد اللّه بن عقيل ، ت 769 ه) تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد (قم : انتشارات لقاء 1375 ه. ش).

117 - شرح اُصول الكافي : الملّا صدرا (محمّد بن إبراهيم ، ت 1050 ه) تصحيح : محمّد خواجوي (طهران : مؤسّسة مطالعات وتحقيقات فرهنگي 1370 ه) ط 1.

118 - شرح ألفية ابن مالك : ابن الناظم (محمَّد بن محمَّد بن عبد اللّه ، ت 686 ه) تحقيق : محيي الدين عبد الحميد (بيروت : دار الجليل).

119 - شرح التصريح علي التوضيح : الأزهري (خالد بن عبد اللّه بن أبي بكر الجرجاوي ، ت 905 ه) بيروت : دار الفكر.

120 - شرح جمل الزجاجيّ : ابن عصفور (أبو الحسن عل بن مؤمن بن محمَّد ، ت 669 ه) تحقيق : د. صاحب أبي جناح (بغداد. وزارة الأوقاف والشؤون الدينيَّة / إحياء التراث الإسلامي 1980).

121 - شرح الرسالة الصلاتية : البحراني (يوسف آل عصفور ، ت 1186 ه) تحقيق : أحمد آل عصفور البحراني (قم : مطبعة سيد الشهداء 1403 ه) ط 1.

122 - شرح الرضي علي الكافية : الرضي الإسترآبادي (نجم الدين محمّد الحسن ، ت 686 ه)

ص: 360

تصحيح وتعليق : يوسف حسن عمر (طهران : مؤسّسة الصادق 1398 ه).

123 - شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : الاحسائي (أحمد بن زين الدين ، ت 1241 ه).

124 - شرح الشافية : الإسترآبادي (رضي الدين محمّد بن الحسن ، ت 686 ه) تحقيق : محمّد نور الحسن ، محمّد الزفراف ، محمّد محيي الدين عبد الحميد (بيروت : دار الكتب العلمية 1395 ه).

125 - شرح شذور الذهب : ابن هشام (أبو محمَّد عبد اللّه جمال الدين الأنصاري ، ت 761 ه) تحقيق : محيي الدين عبد الحميد (قم : مؤسَّسة الطباعة والنشر 1414 ه) ط 2.

126 - شرح الصحيفة الكاملة السجادية : الميرداماد (محمد باقر ، ت 1041 ه) تحقيق : مهدي الرجائي (اصفهان مهدية الميرداماد 1406 ه).

127 - الشرح الصغير في شرح المختصر النافع : الطباطبائي (علي محمّد علي الحائري ، ت 1231 ه) تحقيق : مهدي الرجائي (قم : مكتبة آية اللّه العظمي المرعشي النجفي 1409 ه) ط 1.

128 - شرح العرشية : الاحسائي (أحمد زين الدين ، ت 1241 ه) ايران : مطبعة سعادت.

129 - شرح النظَّام (شرح شافية ابن الحاجب) : النيسابوري (الحسن بن محمد «ق : 9») إخراج وتعليق : علي الشملاوي (بيروت : شركة شمس المشرق 1412 ه) ط 1.

حرف الصاد

130 - صبح الاعشي في صناعة الإنشا : القلقشندي (أحمد بن علي ، ت 821 ه) شرح وتعليق : محمد حسين شمس الدين (بيروت : دار الفكر 1407 ه) ط 1.

131 - الصحاح : الجوهري (إسماعيل بن حمّاد ، ت 393 ه) تحقيق : أحمد عبد الغفور عطار (بيروت : دار العلم للملايين 1990 م) ط 4.

132 - صحيح البخاري : البخاري (أبوعبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري ، ت 256 ه) تحقيق : د. مصطفي ديب البغا (دمشق : دار ابن كثير ، اليمامة 1414 ه) ط 5.

133 - صحيح مسلم : القيشري (أبو الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوري ، ت 261 ه) (بيروت : دار ابن حزم ، مكتبة المعارف 1416 ه) ط 1.

ص: 361

134 - صحيح مسلم بشرح النووي : النووي (محيي الدين يحيي بن شرف الخزامي ، ت 676 ه) بيروت : دار إحياء التراث العربي.

135 - الصحيفة السجادية الكاملة : الإمام السجاد عليه السلام (علي بن الحسين عليه السلام ، ت 95 ه) بيروت : مؤسسة الأعلمي 1414 ه- ، ط 1.

136 - الطبقات الكبري : ابن سعد (محمّد بن سعد الهاشميّ البصري ، ت 230 ه) تحقيق : محمّد عبد القادر (بيروت : دار الكتب العلميّة 1410 ه) ط 1.

حرف العين

137 - العدد القوية لدفع الخاوف اليومية : الحلي (رضي الدين علي بن المطهر ، ت 726 ه) تحقيق : مهدي الرجائي ، (ايران : مكتبة آية اللّه المرعشي 1408) ط 1.

138 - عدّة الداعي : الحلّي (أحمد بن فهد ، ت 841 ه) تصحيح وتعليق : أحمد الموحّدي القمّي (قم : كتاب فروشي وجداني).

139 - علل الشرائع : الصدوق (أبو جعفر محمّد بن علي القمّي ، ت 281 ه) إيران : مؤسسة دار الحجّة للثقافة 1416 ه- ط 1.

140 - عمدة عيون صحاح الأخبار : ابن البطريق (يحيي بن الحسن الأسديّ الحلي ، ت 600 ه) قم : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين 1407 ه.

141 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري : العيني (بدر الدين محمد محمود بن أحمد ، ت 855 ه) بيروت : دار احياء التراث العربي.

142 - عوالي اللآلي العزيزيّة في الأحاديث الدينية : ابن أبي جمهور (محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي ، ت 940 ه) تحقيق : مجتبي العراقي (قم : مطبعة سيّد الشهداء 1403 ه) ط 1.

143 - العين : الفراهيدي (أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد ، ت 175 ه) تحقيق : د. مهدي المخزومي ، د. إبراهيم السامرائي (إيران : مؤسسة دار الهجرة 1409 ه).

144 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : الصدوق (أبو جعفر محمّد بن علي القمّي ، ت 381 ه) تصحيح : مهدي الحسيني اللاجوردي (طهران : انتشارات جهان).

ص: 362

حرف الغين

145 - غاية المراد في شرح نكت الإرشاد : الشهيد الأوّل (محمّد بن مكّي العاملي ، ت 786 ه) تحقيق : رضا المختاري (قم : مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة 1414 ه).

146 - غرائب القرآن ورغائب الفرقان : النيسابوري (الحسن بن محمد بن حسين القمي ، ت 728 ه) ضبط وتخريج : الشيخ زكريا عميرات (بيروت : دار الكتب العلمية 1416 ه) ط 1.

147 - غرر الحكم ودرر الكلم : أمير المؤمنين عليه السلام (الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ت 40 ه) جمع : الآمدي (عبد الواحد «ق : 5») تصحيح : مهدي الرجائي (قم : دار الكتاب الإسلامي 1410 ه) ط 2.

148 - غريب الحديث ، الهروي (أبو عبيد القاسم بن سلام ، ت 224 ه) بيروت : دار الكتب العلميّة 1406 ه- ، ط 1.

149 - غنية النزوع إلي علمي الاُصول والفروع : ابن زهرة (حمزة بن علي الحسيني الحلبي ، ت 585 ه) تحقيق : إبراهيم البهادري (قم : مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام 1417 ه) ط 1.

150 - غنية النزوع إلي علمي الاُصول والفروع (ضمن سلسلة الينابيع الفقهية) : ابن زهرة (حمزة ابن علي الحسيني الحلبي ، ت 585 ه) إشراف : علي أصغر مرواريد (بيروت : دار التراث ، الدار الاسلامية 1410 ه) ط 1.

151 - الغيبة : الطوسي (محمد بن الحسن ، ت 460 ه) تحقيق : عبد اللّه الطهراني ، علي أحمد ناصح (قم : مؤسسة المعارف الاسلامية 1417 ه) ط 2.

152 - الغيبة : النعماني (أبو زينب محمّد بن إبراهيم ، «ق : 4») تحقيق : علي أكبر الغفّاري (طهران : مكتبة الصدوق).

153 - الغيث المسجم في شرح لامية العجم : الصفدي (صلاح الدين خليل بن أيبك 764 ه) بيروت : دار الكتب العلمية 1411 ه- ، ط 2.

حرف الفاء

154 - الفائق في غريب الحديث : المزمخشري (جار اللّه محمود بن عُمر ، ت 583 ه) تحقيق : إبراهيم

ص: 363

شمس الدين (بيروت : دار الكتب العلمية 1417 ه) ط 1.

155 - الفتوحات المكية : ابن عربي (أبو عبداللّه محمد بن علي الطائي ، ت 638 ه) بيروت : دار صادر.

156 - فرائد السمطين في فضائل المرتضي والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم عليهم السلام : الجويني (إبراهيم بن محمد بن المؤيد ، ت 730 ه) تحقيق : محمد باقر المحمودي (بيروت : مؤسسة المحمودي 1398 ه) ط 1.

157 - الفرحة الاُنسيّة : آل عصفور (حسين بن محمّد بن أحمد ، ت 1125 ه) تحقيق : الشيخ علي آل عصفور (بيروت : دار العصفور للطباعة والنشر 1414 ه) ط 1.

158 - فقه اللغة وسر العربية : الثعلبي (أبو منصور عبد الملك بن محمد ، ت 430 ه) تحقيق : مصطفي السقاء إبراهيم الأبياري ، عبد الحفيظ شلبي (إيران : مطبعة المروي 1403 ه).

159 - الفقيه : الصدوق (محمّد بن علي القمّي ، ت 381 ه) تحقيق : حسن الخرسان (بيروت : دار الأضواء 1405 ه) ط 6.

160 - فلاح السائل : ابن طاووس (رضي الدين علي بن موسي ، ت 664 ه) طهران : مكتب الإعلام الإسلامي 1372 ه) ط 2.

161 - الفوائد الحائريّة : البهبهاني (محمّد بن باقر بن محمّد أكمل ، ت 1206 ه) تحقيق : لجنة تحقيق مجمع الفكر الإسلامي (قم : مجمع الفكر الأسلامي 1415 ه) ط 1.

162 - الفوائد الضيائية (شرح كافية ابن الحاجب) : الجامي (نور الدين عبد الرحمن بن أحمد بن محمَّد ، ت 898 ه) تحقيق : اُسامة طه الرفاعي (بغداد. مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينيَّة 1983 م) ط 1.

163 - الفوائد الطوسيّة : الحر العاملي (محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، ت 1104 ه) تحقيق : مهدي اللاجوردي الحسيني ، محمّد درودي (قم : المطبعة العلميّة 1403 ه) ط 1.

164 - الفوائد المدنية : الإستر آبادي (محمّد أمين بن محمّد شريف ، ت 1033 ه) (ايران : دار النشر لأهل البيت عليهم السلام).

165 - الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية : الشهيد الثاني (زين الدين بن علي العاملي ، ت 965 ه)

ص: 364

تحقيق : مركز الابحاث والدراسات الاسلامية (قم : دفتر تبليغات اسلامي 1420 ه) ط 1.

حرف القاف

166 - القاموس المحيط : الفيروز آبادي (مجد الدين محمّد بن يعقوب ، ت 817 ه) (بيروت : دار إحياء التراث العربي 1412 ه) ط 1.

167 - القبسات : باقر الداماد (محمد بن محمد الحسيني ، ت 1041 ه) ايران : دانشگاه تهران.

168 - قرب الإسناد : الحميري (أبو العباس عبداللّه بن جعفر ، ق : 3) تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (قم : 1413 ه) ط 1.

169 - قصص الأنبياء : الراوندي (قطب الدين سعيد بن هبة ، ت 573 ه) تحقيق : غلام رضا عرفانيان (قم : مؤسسة الهادي عليه السلام 1418 ه).

170 - قواعد الأحكام : العلّامة الحلّي (أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي ، ت 726 ه) تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين (قم : 141 ه) ط 1.

171 - القواعد والفوائد : الشهيد الأوّل (أبو عبداللّه محمّد بن مكّي العاملي ، ت 786 ه) تحقيق : د. عبدالهادي الحكيم (قم : مكتبة المفيد).

172 - قوانين الاُصول : القمي (أبو القاسم بن محمّد حسن الجيلاني ، ت 1231 ه) طبعة حجرية.

حرف الكاف

173 - الكافي في الفقه : الحلبي (أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الدين الحلبي ، ت 447 ه) تحقيق : رضا استادي (أصفهان : مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام).

174 - الكافي في الفقه (ضمن سلسلة الينابيع الفقهية) : الحلبي (أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الدين عبداللّه ، ت 447 ه- ق) إشراف : علي أصغر مرواريد (بيروت : دار التراث ، الدار الإسلاميّة 1410 ه) ط 1.

175 - الكافي : الكليني (محمّد بن يعقوب ، ت 329 ه) تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفّاري ، (بيروت :

ص: 365

دار الأضواء 1405 ه).

176 - كامل الزيارات : ابن قولويه (أبو القاسم جعفر بن محمّد ، ت 367 ه) تحقيق : جواد القيّومي (ايران : مؤسّسة نشر الفقاهة 1417 ه) ط 1.

177 - الكامل في تاريخ : ابن الأثير (علي بن أبي الكرم ، ت 630 ه) بيروت : دار صادر 1399 ه.

178 - الكتاب : سيبويه (أبو بشر عمر بن عثمان ، ت 180 ه) بيروت 1967.

179 - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل : الزمخشريّ (أبو القاسم جار اللّه محمود بن عمر ، ت 538 ه) تصحيح : مصطفي حسين أحمد (بيروت : دار الكتاب العربيّ).

180 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس : العجلوني (إسماعيل بن محمّد الجراحي ، ت 1162 ه) (بيروت : دار الكتب العلميّة 1408) ط 3.

181 - كشف الغمّة : الأربلي (أبو الحسن علي بن عيسي ، ت 693 ه) (بيروت : دار الأضواء 1405 ه) ط 2.

182 - كشف اللثام : الفاضل الهندي (بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهاني ، ت 1137 ه) تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين (قم : 1416 ه) ط 1.

183 - كشف اللثام : الفاضل الهندي (بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهاني ، ت 1137 ه) قم : مكتبة آية اللّه العظمي المرعشي النجفي 1405 ه- ، طبعة حجريّة.

184 - الكشكول : البحراني (يوسف بن أحمد بن إبراهيم ، ت 1186 ه) مؤسّسة الوفاء ودار النعمان 1406 ه- ، ط 2.

185 - كفاية الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر : القمي الرازي (أبو القاسم علي بن محمد بن علي «ق : 4») تحقيق : عبد اللطيف الحسيني (قم : مطبعة الخيام 1401 ه).

186 - كفاية الطالب : الكنجي(محمد بن يوسف الشافعي ، ت 658 ه) طهران : دار احياء تراث أهل البيت عليهم السلام 1404 ه) ط 3.

187 - كمال الدين : الصدوق (محمّد بن علي القمّي ، ت 381 ه) تصحيح : علي أكبر الغفّاري (قم :

ص: 366

مؤسّسة النشر الإسلامي 1416 ه) ط 3.

188 - كنز الدقائق : المشهدي (جمال الدين محمّد بن محمّد رضا بن إسماعيل القمّي ، ت 1125 ه) تحقيق : مجتبي العراقي (قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين 1407 ه).

189 - كنز العرفان : السيوري (جمال الدين المقداد بن عبداللّه ، ت 826 ه) تصحيح : محمّد باقر البهبودي (طهران : المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة 1384 ه).

190 - كنز العمّال : الهندي (علاء الدين علي المتّقي ، ت 975 ه) ضبط وتفسير الغريب : الشيخ بكري حياني ، تصحيح : الشيخ صفوة السقا (بيروت : مؤسّسة الرسالة 1413 ه).

191 - كنز الفوائد : الكراچكي (أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان ، ت 449 ه) تحقيق : عبداللّه نعمة (قم : دار الذخائر 1410 ه) ط 1.

حرف اللام

192 - لسان العرب : ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم ، ت 711 ه) تنسيق وتعليق : علي شيري ، (بيروت : دار إحياء التراث العربي 1408 ه- 1988 م) ط 1.

193 - اللمعة الدمشقية ، الشهيد الأول (محمد بن جمال الدين مكي العاملي ، ت 786 ه) قم : دار الفكر.

194 - لؤلؤة البحرين : البحراني (يوسف بن أحمد ، ت 1186 ه) تحقيق وتعليق : محمّد صادق بحر العلوم (قم : مؤسّسة آل البيت) ط 2.

حرف الميم

195 - المبسوط : الطوسي (محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) تحقيق : أحمد الحسيني (بيروت : مؤسّسة الوفاء 1403 ه) ط 2.

196 - مثير الأحزان : ابن نما (تاج الدين جعفر بن محمد الأسدي الحلّي ، ت 645 ه) (قم : مدرسة الإمام الهادي عليه السلام 1406 ه) ط 3.

ص: 367

197 - مجمع الأمثال : الميداني (أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم ، ت 518 ه) تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم (بيروت : دار الجيل 1407 ه- / 1987 م) ط 2.

198 - مجمع البحرين : الطريحي (فخر الدين محمّد علي ، ت 1085 ه) تحقيق : أحمد الحسيني (بيروت : مؤسّسة الوفاء 1403 ه) ط 3.

199 - مجمع البيان في تفسير القرآن : الطبرسي (أبو علي الفضل بن الحسن ، ت 548 ه) تحقيق : هاشم المحلّاتي (بيروت : دار إحياء التراث العربي ، مؤسّسة التاريخ العربي 1412 ه) ط 1.

200 - مجمل اللغة : ابن فارس (أبو الحسين أحمد بن فارس ، ت 357 ه- أو 369 ه- أو 390 ه) تحقيق : الشيخ هادي حسن حمّودي (الكويت : معهد المخطوطات العربية 1405 ه) ط 1.

201 - المجموع شرح المهذّب : النووي (أبو زكريا محيي الدين بن شرف الشافعي ، ت 686 ه) تحقيق : محمّد نجيب المطبعي (جدّة : مكتبة الإرشاد).

202 - المحاسن : البرقي (أبو جعفر أحمد بن محمّد ، ت 274 أو 280 ه) تحقيق : مهديّ الرجائيّ (قم : المجمع العالمي لأهل البيت : 1413 ه) ط 1.

203 - مختار الصحاح : الرازي (محمّد بن أبي بكر بن عبد القادر ، ت 666 ه) (بيروت : دار الكتاب العربي 1979 م) ط 1.

204 - مختصر بصائر الدرجات : الحلّي (حسن بن سليمان الحلّي ق : 9) (قم : انتشارات الرسول المصطفي صلى اللّه عليه وآله).

205 - المختصر النافع : المحقّق الحلّي (أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ، ت 676 ه) تحقيق ونشر : قسم الدراسات الإسلاميّة - موسّسة البعثة (قم : 1413 ه) ط 1.

206 - مختلف الشيعة : العلّامة الحلّي (الحسن بن يوسف بن المطهّر ، ت 726 ه) (تحقيق ونشر : مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة - قم 1415 ه) ط 1.

207 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام : السيّد السند (محمّد بن علي بن الحسين الموسوي العاملي ، ت 946 ه) تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (مشهد : 1410 ه) ط 1.

208 - مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج علي البشر : البحراني (هاشم بن سليمان ، ت

ص: 368

1107 ه) تحقيق ونشر : مؤسسة المعارف الإسلامية (قم 1414 ه) ط 1.

209 - مرآة العقول : المجلسي (محمّد باقر بن محمّد تقي ، ت 1111 - 10 ه) إخراج ومقابلة وتصحيح : هاشم الرسولي (طهران : دار الكتب الإسلامية 1370 ه) ط 3.

210 - المراسم العلويّة (ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة) : سلّار (أبو يعلي حمزة بن عبد العزيز الديلمي ، ت 463 ه) إشراف : علي أصغر مرواريد ، (بيروت : دار التراث ، الدار الإسلاميّة 1410 ه) ط 1.

211 - المزار الكبير : المشهدي (أبو عبد اللّه محمد بن جعفر «ق : 6») تحقيق : جواد القيومي (طهران : مؤسسة الآفاق 1419 ه) ط 1.

212 - المسائل البغدادية (ضمن الرسائل التسع) : المحقق الحلي (نجم الدين جعفر بن الحسن 676 ه) تحقيق : رضا الاستادي (قم : مكتبة آية اللّه المرعشي 1413) ط 1.

213 - مسائل علي بن جعفر (علي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، ت 220 ه) تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (مشهد : المؤتمر العالمي للإمام رضا عليه السلام 1409 ه) ط 1.

214 - المسائل الناصريّات : المرتضي (علي بن الحسين ، ت 436 ه) تحقيق : مركز البحوث والدراسات العلميّة (طهران : رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة 1417 ه).

215 - مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة : المعيد (محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي ، ت 413 ه) تحقيق : مهدي نجف (بيروت : دار المفيد 1414 ه) ط 2.

216 - مسالك الأفهام إلي تنقيح شرائع الإسلام : الشهيد الثاني (زين الدين بن علي العاملي ، ت 965 ه) (تحقيق ونشر : مؤسّسة المعارف الإسلاميّة - قم - 1413 ه).

217 - المستدرك علي الصحيحين : النيسابوري (أبو عبداللّه الحاكم ، ت 405 ه) دراسة وتحقيق : مصطفي عبد القادر عطا (بيروت : الكتب العلميّة 1411 ه- / 1990 م) ط 1.

218 - مسترك وسائل الشيعة : النوري (ميرزا حسين محمّد تقي ، ت 1320 ه) تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (قم : 1407 ه) ط 1.

219 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة : النراقي (أحمد بن محمّد مهدي ، ت 1245 ه) (تحقيق

ص: 369

ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد - 1415 ه) ط 1.

220 - مسند أحمد بن حنبل : (أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ، ت 241 ه) بيروت : دار صادر.

221 - مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين : الحافظ البرسي (رضي الدين رجب بن محمد بن رجب «ق : 9») (بيروت : مؤسسة الأعلمي).

222 - مصباح الشريعة : الإمام الصادق عليه السلام (جعفر بن محمد عليه السلام ، ت 148 ه) بيروت : مؤسّسة الأعلمي 1400 ه) ط 1.

223 - المصباح في الأدعية : الكفعمي (إبراهيم بن علي ، ت 900 ه) تصحيح : الشيخ حسين الأعلمي (بيروت : مؤسسة الأعلمي 1414 ه) ط 1.

224 - مصباح المتهجد : الطوسي (محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) تصحيح ونشر : إسماعيل الأنصاري الزنجاني ، (طبعة الحجرية).

225 - المصباح المنير : الفيّومي (أحمد بن محمّد بن علي المقري ، ت 770 ه) قم : مؤسّسة دار الهجرة 1405 ه- ، ط 1.

226 - المصباح السؤول في مناقب آل الرسول : ابن طلحة (محمد بن طلحة القرشي الشافعي ، ت 652 ه) النجف الأشرف : مكتبة دار الكتب التجارية.

227 - المطوّل : التفتازاني (سعد الدين مسعود بن عمر ، ت 793 ه) قم : مكتبة الداوري.

228 - المعارف : ابن قتبية (عبداللّه بن مسلم الدينوري ، ت 276 ه) بيروت : دار الكتب العلمية 1407 ه- ، ط 1.

229 - معاني الأخبار : الصدوق (أبو جعفر محمّد بن علي القمّي ، ت 381 ه) تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفّاري (قم : مؤسّسة النشر الإسلامي 1416 ه) ط 3.

230 - المعتبر : المحقّق الحلّي (نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن ، ت 676 ه) (قم : مؤسّسة سيد الشهداء 1364 ه. ش) ط 1.

231 - معجم البلدان : الحمويّ (أبو عبداللّه شهاب الدين ياقوت بن عبد اللّه ، ت 626 ه) بيروت : دار إحياء التراث العربي 1979 م.

ص: 370

232 - معجم المؤلّفين : عمر رضا كحالة (بيروت : دار أحيا التراث العربي).

233 - المغرب في ترتيب المعرب : المطرزي (أبو الفتح ناصر بن عبد السيد بن علي الحنفي ، ت 616 ه) بيروت : دار الكتاب العربي.

234 - المغني : ابن قدامة (عبد اللّه بن أحمد بن محمّد المقدسي ، ت 620 ه) بيروت : دار إحياء التراث العربي ، مؤسّسة التاريخ العربي.

235 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب : ابن هشام (أبو محمَّد عبد اللّه جمال الدين الأنصاريّ ، ت 461 ه) تحقيق الدكتور مازن المبارك ، ومحمَّد عل حمد اللّه. (بيروت 1979) ط 5.

236 - مفاتيح الاُصول : الطباطبائي (السيّد محمّد بن علي ، ت 1242 ه) قم : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، طبعة حجريّة.

237 - مفاتيح الشرائع : الكاشاني (محمّد محسن الفيض ، ت 1091 ه) تحقيق : مهدي الرجائي (قم : مجمع الذخائر الإسلاميّة 1401 ه).

238 - مفردات ألفاظ القرآن : الراغب الأصفهاني (الحسين بن محمد المفضّل ، ت 425 ه) تحقيق : صفوان عدنان داودي (دمشق : دار القلم ، بيروت : الدار الشاميّة 1412 ه- - 1992 م) ط 1.

239 - مقاتل الطالبين : أبو الفرج الأصفهاني (علي بن الحسين بن محمد ، ت 356 ه) تقديم : كاظم المظفر (النجف الأشرف : منشورات المكتبة الحيدرية ت 385 ه- / 1965 م).

240 - المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية : الشهيد الثاني (زين الدين بن علي العاملي ، ت 965 ه) تحقيق : مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية (قم : مركز دفتر تبليغات 1420 ه) ط 1.

241 - مقباس الهداية في علم الدراية : المامقاني (عبد اللّه بن الشيخ محمّد حسن النجفي ، ت 1351 ه) تحقيق : محمّد رضا المامقاني (قم : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث 1411 ه) ط 1.

242 - المقنع : الصدوق (محمّد بن علي القمّي ، ت 381 ه) تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام الهادي عليه السلام (قم : 1415 ه).

243 - المقنعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) : المفيد (محمّد بن محمّد النعمان ، ت 413 ه) تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي (بيروت : دار المفيد 1414 ه) ط 2.

ص: 371

244 - ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار : المجلسي (محمد باقر بن محمد تقي ، ت 1111 ه) تحقيق : مهدي الرجائي (قم : مكتبة آية اللّه المرعشي 1406 ه).

245 - مناقب آل أبي طالب : ابن شهر آشوب (أبو جعفر محمّد بن علي ، ت 588 ه) تحقيق : د. يوسف البقاعي (بيروت : دار الأضواء 1412 ه) ط 2.

246 - مناقب علي بن أبي طالب : ابن المغازلي (علي بن محمد بن محمد الواسطي ، ت 483 ه) تحقيق : محمد باقر البهبودي (طهران : المطبعة الإسلامية 1394 ه. ش).

247 - منتقي الجمان : الشيخ حسن (جمال الدين الحسن بن زين الدين ، ت 1011 ه) تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفّاري (قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين) ط 1.

248 - منهي المطلب : العلّامة الحلّي (الحسن بن يوسف بن المطهّر ، ت 726 ه) طبعة حجرية.

249 - منتهي المطلب في تحقيق المذهب : العلّامة الحلي (الحسن بن يوسف بن علي المطهّر ، ت 726 ه) (تحقيق ونشر : قسم الفقه في مجمع البحوث الاسلامية - إيران - : 1413 ه) ط 1.

250 - مهج الدعوات ومنهج العبادات : ابن طاووس (رضي الدين علي بن موسي بن جعفر ، ت 664 ه) بيروت : مؤسسة الأعلمي 1414 ه- ، ط 1.

251 - المهذب البارع في شرح المختصر النافع ، ابن فهد (جمال الدين أحمد بن محمد الحلي ت 841 ه) تحقيق : مجتبي العراقي (قم : مؤوسة النشر الاسلامي 1407 ه).

252 - المهذّب : الطرابلسي (عبد العزيز بن البرّاج ، ت 481 ه) إعداد : مؤسّسة سيّد الشهداء (قم : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين 1406 ه).

حرف النون

253 - نزهة الناظر في الجمع بين الأشياء والنظائرِ (ضمن سلسلة الينابيع الفقهية) : الحلي (يحيي بن سعيد ، ت 690 ه) إشراف : علي أصغر مرواريد (بيروت : مؤسسة فقه الشيعة 1413 ه) ط 1.

254 - النشر في القراءات العشر : ابن الجزري (أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي ، ت 833 ه) تصحيح : علي محمد الضباع (بيروت : دار الفكر).

ص: 372

255 - النهاية في غريب الحديث والأثر : ابن الأثير (مجد الدين أبو السعادات المبارك ابن محمَّد الجزريّ ، ت 606 ه) تحقيق : طاهر أحمد الزاويّ ، محمود أحمد الطناحيّ (القاهرة :دار إحياء الكتب العربيَّة 1963).

256 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي : الطوسي (أبو جعفر محمّد بن الحسن ، ت 460 ه) (بيروت : دار الكتاب العربي 1390 ه) ط 1.

257 - نهاية الوصول إلي علم الاُصول :العلّامة الحلي (حسن ين يوسف بن المطهر ، ت 726 ه) مخلوط في المكتبة المركزية لجامعة طهران ومصوّرتها في قسم مصوّرات مركز إحياء التراث الإسلامي برقم : 389 ، ودار المصطفي صلى اللّه عليه وآله لإحياء التراث.

258 - النهاية ونكتها : الطوسي ، المحقّق الحلّي (محمد بن الحسن ، ت 460 ه- ، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ، ت 676 ه) تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين (قم : 1412 ه) ط 1.

259 - نور الثقلين : الحويزي (عبد علي العروسي ، ت 1112 ه) قم : مؤسّسة إسماعيليان 1412 ه- ، ط 4.

260 - النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين : الجزائري (نعمة اللّه بن عبد اللّه بن محمد ، ت 1112 ه) بيروت : مؤسسة الأعلمي 1398 ه- ، ط 8.

حرف الهاء

261 - الهداية بالخير (ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة) : الصدوق (أبو جعفر محمد بن علي القمّي ، ت 381 ه) إشراف : علي أصغر مرواريد (بيروت : دار التراث ، الدار الإسلاميّة 1410 ه- / 1990 م) ط 1.

262 - الهداية الكبري : الخصيبي (الحسين بن حمدان ، ت 334 ه) بيروت : موسّسة البلاغ 1411 ه- ، ط 4.

263 - همع الهوامع شرح جمع الجوامع : السيوطي (أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ، ت 911 ه) تصحيح : محمَّد بدر الدين النعسانيّ (قم : منشورات الرضي 1405 ه).

ص: 373

حرف الواو

264 - الوافي : الفيض الكاشاني (محمّد بن مرتضي بن محمود ، ت 1091 ه) تحقيق : ضياء الدين الحسيني (اصفهان : مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامّة 1406 ه) ط 1.

265 - وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة : العاملي (محمّد بن الحسن ، ت 1104 ه) قم : تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث 1409 ه- ، ط 1.

266 - الوسيط في تفسير القرآن المجيد : الواحدي (علي بن أحمد النيسابوري ، ت 468 ه) تحقيق : عادل أحمد ، علي محمد معوض ، د. أحمد محمد صيرة ، د. أحمد عبد الغني الجمل ، د. عبد الرحمن عويس (بيروت : دار الكتب العلمية 1415 ه) ط 1.

267 - الوسيلة إلي نيل الفضيلة : ابن حمزة (أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي ، «ق : 6») تحقيق : الشيخ محمّد الحسّون (قم : مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي 1408 ه) ط 1.

268 - مجلة الموسم : العدد (9 - 10) لسنة (1991 م / 1411 ه).

ص: 374

فهرست الموضوعات

الرسالة التاسعة عشرة : مواليد المعصومين عليهم السلام ووفياتهم... 7

مقدمة... 11

تنبيه... 15

فائدتان... 21

الاُولي في مبدأ التاريخ وزمانه... 21

الثانية في أسماء الشهور والأيام ومبدئها... 24

تنبيهان... 24

الأوّل في أسماء الشهور العربية وغير العربية... 24

التنبيه الثاني في أسماء الأيّام... 28

الفصل الأول في ولادة سيّد الخلق طرّاً محمّد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه وآله ووفاته... 35

ميلاده المبارك... 35

وفاته صلى اللّه عليه وآله... 47

الفصل الثاني في مولد أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين علي بن أبي طالب سلام اللّه عليه ووفاته

... 49

ميلاده المبارك... 49

تنبيه... 51

شهادته عليه السلام... 53

ص: 375

الفصل الثالث في ميلاد البضعة الطاهرة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام ووفاتها 59

الفصل الرابع في مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ المجتبي سلام اللّه عليه وولادته ووفاته... 67

ميلاده المبارك... 67

وفاته عليه السلام... 69

الفصل الخامس في ميلاد خامس أهل العبا الحسين الشهيد عليه السلام ووفاته... 73

ميلاده المبارك... 73

استشهاده عليه السلام... 78

الفصل السادس في مولد الإمام زين العابدين سلام اللّه عليه ووفاته... 79

ميلاده المبارك... 79

وفاته عليه السلام... 82

رجع... 85

الفصل السابع في مولد الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الباقر سلام اللّه عليه ووفاته... 89

ميلاده المبارك... 89

وفاته عليه السلام... 91

الفصل الثامن في مولد الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه سلام اللّه أبداً ووفاته 97

ميلاده المبارك... 97

وفاته عليه السلام... 100

الفصل التاسع في مولد الإمام السابع موسي بن جعفر الكاظم سلام اللّه عليه ووفاته... 103

ميلاده المبارك... 103

وفاته عليه السلام... 105

الفصل العاشر في مولد الإمام الثامن علي بن موسي الرضا سلام اللّه عليهما ووفاته... 109

ميلاده المبارك... 109

ص: 376

وفاته عليه السلام... 111

الفصل الحادي عشر في مولد الامام التاسع سيّدنا محمّد بن عليّ الجواد سلام اللّه عليه ووفاته 115

ميلاده المبارك... 115

وفاته عليه السلام... 117

الفصل الثاني عشر في مولد الإمام العاشر عليّ بن محمّد الهادي سلام اللّه عليه ووفاته... 121

ميلاده المبارك... 121

وفاته عليه السلام... 123

الفصل الثالث عشر في مولد الإمام الحادي عشر أبي محمّد الحسن بن علي العسكري سلام اللّه عليه ووفاته  127

ميلاده المبارك... 127

وفاته عليه السلام... 129

الفصل الرابع عشر في مولد إمام الزمان الخلف الحجّة محمّد بن الحسن عجّل اللّه فرجه وفرّج عنّا به          133

رجع... 135

الرسالة العشرون : إعراب «صلى اللّه عليه وآله»... 139

تصوير الخلاف في المسألة... 141

الأدلة علي جواز العطف بدون إعادة الجار... 143

بطلان القول بنصب «آله» عطفاً علي المحل وشروط العطف عليه... 155

بطلان القول بنصب «آله» علي المعيّة... 157

رجع... 161

بطلان القول بنصب «آله» لفعل متعدٍّ... 161

ما يفتقر إليه الحذف... 161

ص: 377

نقل كلام الفاضل الداماد... 162

خاتمة... 165

في معني الصلاة لغة... 165

الرسالة الحادية والعشرون : إعراب «وآله» من «صلى اللّه عليه وآله»... 169

تقرير المسألة... 171

طرق الاستدلال علي وجوب الجر... 173

الدليل النقلي... 173

نقل كلام الفاضل الداماد... 175

دليل الحصر العقلي... 179

بطلان القول بنصب «آله» عطفاً علي المحل وشروط العطف عليه... 179

بطلان القول بنصب «آله» علي المعيّة... 182

دليل الاعتبار... 183

خاتمة في كلام الشيخ أحمد الأحسائيّ... 187

الرسالة الثانية والعشرون : في حرمة اُم واُخت وابنة الملاط به علي اللائط... 191

تحقيق حال وكشف سجال : حرمة اُمّ واخت وابنة الملاط به علي اللائط... 193

الفهارس العامة للكتاب... 199 - 379

فهرس الآيات... 201

فهرس الأحاديث والروايات... 229

فهرس الشعر والرجز... 279

فهرس الأعلام... 285

اعلام الرجال... 285

اعلام النساء... 329

فهرس الأديان والفرق والمذاهب والطوائف... 333

ص: 378

فهرس الأماكن... 339

مصادر التحقيق... 349

فهرست الموضوعات...

* * *

ص: 379

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.