سرشناسه : تبریزی جواد، شارح عنوان و نام پديدآور : التهذیب فی مناسک العمره و الحج جواد التبریزی مشخصات نشر : قم دار التفسیر، 1423ق = 1381.
شابک : 964-6398-99-5 60000ریال (دوره ؛ 964-6398-96-0 (ج 1) ؛ 964-6398-97-9 (ج 2)
يادداشت : عربی يادداشت : ج 3 (چاپ اول 1423ق = )1381ISBN 964-6398-98-7
یادداشت : کتابنامه عنوان دیگر : العروة الوثقی برگزیده شرح موضوع : یزدی محمدکاظم بن عبدالعظیم 1247؟ - 1338؟ق العروة الوثقی -- نقد و تفسیر
موضوع : فقه جعفری -- قرن 14
موضوع : حج -- رساله عملیه شناسه افزوده : یزدی محمدکاظم بن عبدالعظیم 1247؟ - 1338؟ق العروة الوثقی برگزیده شرح رده بندی کنگره : BP183/5 /ی4ع40232 1381
رده بندی دیویی : 297/342
شماره کتابشناسی ملی : م 81-19962
الذي هو أحد أركان الدّين و من أوكد فرائض المسلمين، قال اللَّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
غير خفي على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون التأكيد و ضروب الحثّ و التشديد، و لا سيّما ما عرض به تاركه من لزوم كفره و إعراضه عنه بقوله عزّ شأنه وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.
و عن الصادق (عليه السّلام) في قوله عزّ من قائل وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا: «ذاك الذي يسوّف الحج يعني حجة الإسلام حتى يأتيه الموت». و عنه (عليه السّلام): «من مات و هو صحيح موسر لم يحج ممّن قال اللَّه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى و عنه (عليه السّلام): «من مات و لم يحج حجّة الإسلام لم
يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً».
و في آخر: «من سوّف الحج حتّى يموت بعثه اللَّه يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً».
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 8
و في آخر: «ما تخلف رجل عن الحج إلّا بذنب، و ما يعفو اللَّه أكثر». و عنهم (عليهم السّلام) مستفيضاً: «بني الإسلام على خمس: الصلاة و الزكاة و الحجّ و الصوم و الولاية».
و الحج فرضه و نفله عظيم فضله، خطير أجره، جزيل ثوابه، جليل جزاؤه، و كفاه ما تضمنه من وفود العبد على سيّده و نزوله في بيته و محل ضيافته و أمنه، و على الكريم إكرام ضيفه و إجارة الملتجئ إلى بيته؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «الحاج و المعتمر وفد اللَّه؛ إن سألوه أعطاهم و إن دعوه أجابهم و إن شفعوا شفعهم و إن سكتوا بدأهم، و يعوضون بالدرهم ألف ألف درهم». و عنه (عليه السّلام): «الحجّ و العمرة سوقان من أسواق الآخرة، اللازم لهما في ضمان اللَّه؛ إن أبقاه أداه إلى عياله و إن أماته أدخله الجنّة». و في آخر: إن أدرك ما يأمل غفر اللَّه له، و إن قصر به أجله وقع أجره على اللَّه (عزّ و جلّ)». و في آخر: «فإن مات متوجهاً غفر اللَّه له ذنوبه، و إن مات محرماً بعثه ملبّياً، و إن مات بأحد الحرمين بعثه من الآمنين، و إن مات منصرفاً غفر اللَّه له جميع ذنوبه». و في الحديث: «إنّ من الذنوب ما لا يكفره إلّا الوقوف بعرفة».
و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في مرضه الّذي توفي فيه في آخر ساعة من عمره الشريف:
«يا أبا ذر، اجلس بين يدي اعقد بيدك، من ختم له بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه دخل الجنّة إلى أن قال و من ختم له بحجة دخل الجنّة، و من ختم له بعمرة دخل الجنّة» الخبر. و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «وفد اللَّه ثلاثة: الحاج و المعتمر و الغازي؛ دعاهم اللَّه فأجابوه، و سألوه فأعطاهم». و سأل الصادق (عليه السّلام) رجل في المسجد الحرام: من أعظم النّاس وزراً؟ فقال: «من يقف بهذين الموقفين عرفة و المزدلفة و سعى بين هذين الجبلين، ثمّ طاف بهذا البيت و صلّى خلف مقام إبراهيم، ثمّ قال في نفسه و ظنّ أنّ اللَّه لم يغفر له فهو من أعظم النّاس وزراً».
و عنهم (عليهم السّلام): «الحاج مغفور له و موجوب له الجنّة و مستأنف به العمل و محفوظ
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 9
في أهله و ماله، و أن الحجّ المبرور لا يعدله شي ء و لا جزاء له إلّا الجنّة، و أنّ الحاج يكون كيوم ولدته أُمّه، و أنّه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات و لا تكتب عليه السيّئات إلّا أن يأتي بموجبه، فإذا مضت الأربعة أشهر خلط بالنّاس. و أنّ الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف: صنف يعتق من النّار، و صنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أُمّه، و صنف يحفظ في أهله و ماله، فذلك أدنى ما يرجع به الحاج. و أنّ الحاج إذا دخل مكة وكّل اللَّه به ملكين يحفظان عليه طوافه و صلاته و سعيه، فإذا وقف بعرفة ضربا منكبه الأيمن ثمّ قالا: أمّا ما مضى فقد كفيته، فانظر كيف تكون فيما تستقبل».
و في آخر: «و إذا قضوا مناسكهم
قيل لهم: بنيتم بنياناً فلا تنقضوه، كفيتم فيما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون». و في آخر: «إذا صلّى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول: يا هذا، أمّا ما قد مضى فقد غفر لك، و أمّا ما يستقبل فجدّ». و في آخر: «إذا أخذ النّاس منازلهم بمنى نادى مناد: لو تعلمون بفناء من حللتم لأيقنتم بالمغفرة بعد الخلف». و في آخر: «إن أردتم أن أرضى فقد رضيت».
و عن الثمالي قال: قال رجل لعلي بن الحسين (عليه السّلام): تركت الجهاد و خشونته و لزمت الحج و لينه؛ فكان متكئاً فجلس و قال: «و يحك! أمّا بلغك ما قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في حجة الوداع؟! إنّه لمّا وقف بعرفة و همّت الشمس ان تغيب قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): يا بلال، قل للنّاس فلينصتوا. فلمّا أنصتوا قال: إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم و شفع محسنكم في مسيئكم، فأفيضوا مغفوراً لكم».
و قال النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لرجل مميل فاته الحج و التمس منه ما به ينال أجره: «لو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء فأنفقته في سبيل اللَّه تعالى ما بلغت ما يبلغ الحاج. و قال: إنّ الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً و لم يضعه إلّا كتب اللَّه له عشر حسنات
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 10
و محا عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات، و إذا ركب بعيرة لم يرفع خُفاً و لم يضعه إلّا كتب اللَّه له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج
من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه. قال: فعدّ رسول اللَّه كذا و كذا موقفاً إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثمّ قال: أنّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاج».
و قال الصادق (عليه السّلام): «إنّ الحجّ أفضل من عتق رقبة، بل سبعين رقبة». بل ورد أنّه «إذا طاف بالبيت و صلّى ركعتيه كتب اللَّه له سبعين ألف حسنة، و حطّ عنه سبعين ألف سيئة، و رفع له سبعين ألف درجة، و شفّعه في سبعين ألف حاجة، و حسب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم، و أنّ الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل اللَّه تعالى، و أنّه أفضل من الصيام و الجهاد و الرباط، بل من كل شي ء ما عدا الصلاة». بل في خبر آخر: «أنّه أفضل من الصلاة» أيضاً، و لعلّه لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتى الصلاة التي هي أجمع العبادات، أو لأنّ الحج فيه صلاة و الصلاة ليس فيها حج، أو لكونه أشق من غيره، و أفضل الأعمال أحمزها، و الأجر على قدر المشقة.
و يستحب تكرار الحج و العمرة و إدمانهما بقدر القدرة، فعن الصادق (عليه السّلام): «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): تابعوا بين الحج و العمرة فإنّهما ينفيان الفقر و الذنوب ما ينفي الكير خَبَث الحديد». و قال (عليه السّلام): «حج تترى و عمرة تسعى يدفعان عَيلة الفقر و مِيتة السوء». و قال علي بن الحسين (عليه السّلام): «حجّوا و اعتمروا
تصحّ أبدانكم و تتّسع أرزاقكم و تكفون مئونة عيالكم».
و كما يستحب الحجّ بنفسه كذا يستحبّ الإحجاج بماله؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «إنّه كان إذا لم يحج أحج بعض أهله أو بعض مواليه و يقول لنا: يا بني، إن استطعتم فلا يقف النّاس بعرفات إلّا و فيها من يدعو لكم، فإنّ الحاج ليشفع في ولده و أهله
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 11
و جيرانه». و قال علي بن الحسين لإسحاق بن عمّار لما أخبره أنّه موطن على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسه أو برجل من أهله بماله: «فأيقن بكثرة المال و البنين، أو أبشر بكثرة المال».
و في كل ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام، و يظهر من جملة منها أنّ تكرارها ثلاثاً أو سنة و سنة لا إدمان، و يكره تركه للموسر في كل خمس سنين. و في عدّة من الأخبار «إنّ من أوسع اللَّه عليه و هو موسر و لم يحج في كل خمس و في رواية أربع سنين إنّه لمحروم». و عن الصادق (عليه السّلام): «من حجّ أربع حجج لم يصبه ضغطة القبر».
في آداب السفر و مستحبّاته لحج أو غيره و هي أمور:
أولها و من أوكدها: الاستخارة، بمعنى طلب الخير من ربّه و مسألة تقديره له عند التردّد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقاً، و الأمر بها للسفر و كل أمر خطير أو مورد خطر مستفيض، و لا سيّما عند الحيرة و الاختلاف في المشورة، و هي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره، و هذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التفؤّل و المشاورة بالرِّقاع و الحَصَى
و السُّبحة و البُندُقة و غيرها لضعف غالب أخبارها، و إن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً، بخلاف هذا النوع لورود أخبار كثيرة بها في كتب أصحابنا، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الأمر بها و الحث عليها.
و عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام) «كنّا نتعلّم الاستخارة كما نتعلّم السورة من القرآن». و عن الباقر: «أنّ علي بن الحسين (عليه السّلام) كان يعمل به إذا همّ بأمر حج أو عمرة أو بيع أو
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 12
شراء أو عتق». بل في كثير من رواياتنا النهي عن العمل بغير استخارة و أنّه «من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلى لم يؤجر». و في كثير منها: «ما استخار اللَّه عبد مؤمن إلّا خار له و إن وقع ما يكره»، و في بعضها: «إلّا رماه اللَّه بخير الأمرين».
و في بعضها: «استخر اللَّه مائة مرّة و مرّة، ثمّ انظر أجزم الأمرين لك فافعله، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللَّه تعالى». و في بعضها: «ثمّ انظر أي شي ء يقع في قلبك فاعمل به». و ليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه و طلب الخير من عنده و بناءً منه أنّ خيره فيما يختاره اللَّه له من أمره، و يستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته ليكون بدء مشورته منه سبحانه و أن يقرنه بطلب العافية؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «و ليكن استخارتك في عافية، فإنّه ربّما خير للرجل في قطع يده و موت ولده و ذهاب ماله».
و أخصر صورة فيها أن يقول: «أستخير اللَّه برحمته، أو أستخير اللَّه برحمته خيرة في عافية» ثلاثاً
أو سبعاً أو عشراً أو خمسين أو سبعين أو مائة مرة و مرة، و الكلّ مروي، و في بعضها في الأمور العظام مائة، و في الأمور اليسيرة بما دونه. و المأثور من أدعيته كثيرة جدّاً، و الأحسن تقديم تحميد و تمجيد و ثناء و صلوات و توسّل و ما يحسن من الدعاء عليها، و أفضلها بعد ركعتي الاستخارة أو بعد صلوات فريضة أو في ركعات الزوال أو في آخر سجدة من صلاة الفجر أو في آخر سجدة من صلاة الليل أو في سجدة بعد المكتوبة أو عند رأس الحسين (عليه السّلام) أو في مسجد النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و الكلّ مرويّ، و مثلها كل مكان شريف قريب من الإجابة كالمشاهد المشرفة أو حال أو زمان كذلك. و من أراد تفصيل ذلك فليطلبه من مواضعه كمفاتيح الغيب للمجلسي (قدّس سرّه) و الوسائل و مستدركه.
و بما ذكر من حقيقة هذا النوع من الاستخارة و أنّها محض الدعاء و التوسّل و طلب الخير و انقلاب أمره إليه، و بما عرفت من عمل السجاد في الحج و العمرة و نحوهما، يعلم أنّها راجحة للعبادات أيضاً خصوصاً عند إرادة الحج، و لا يتعيّن فيما
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 13
يقبل التردّد و الحيرة، و لكن في رواية أخرى: «ليس في ترك الحج خيرة». و لعلّ المراد بها الخيرة لأصل الحج أو للواجب منه.
ثانيها: اختيار الأزمنة المختارة له من الأسبوع و الشهر؛ فمن الأسبوع يختار السبت، و بعده الثلاثاء، و الخميس، و الكل مروي. و عن الصادق (عليه السّلام): «من كان مسافراً فليسافر يوم السبت، فلو أن حجراً زال عن جبل يوم السبت لرده اللَّه
إلى مكانه». و عنهم (عليهم السّلام): «السبت لنا، و الأحد لبني أميّة». و عن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «اللّهمّ بارك لأمّتي في بكورها يوم سبتها و خميسها».
و يتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها، و الأحد، فقد روي أنّ له حدّا كحدّ السيف، و الاثنين فهو لبني أميّة، و الأربعاء فإنّه لبني العباس، خصوصاً آخر أربعاء من الشهر فإنّه يوم نحس مستمر. و في رواية ترخيص السفر يوم الاثنين مع قراءة سورة هل أتى في أوّل ركعة من غداته فإنّه يقيه اللَّه به من شرّ يوم الاثنين. و ورد أيضاً اختيار يوم الاثنين؛ و حملت على التقية.
و ليتجنّب السفر من الشهر و القمر في المحاق أو في برج العقرب أو صورته؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «من سافر أو تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى». و قد عدّ أيام من كل شهر و أيام من الشهر منحوسة يتوقى من السفر فيها و من ابتداء كل عمل بها، و حيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمّنا التعرض لها و إن كان التجنّب منها و من كل ما يتطير بها أولى، و لم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفُرس أو العربية، و قد يوجه كل بوجه غير وجيه. و على كل حال فعلاجها لدى الحاجة بالتوكّل و المضي خلافاً على أهل الطيرة؛ فعن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «كفارة الطيرة التوكّل». و عن أبي الحسن الثاني: «من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة وقي من كل آفة و عوفي من كل عاهة و قضى اللَّه حاجته». و له أن يعالج نحوسة ما نحس من
الأيام بالصدقة؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «تصدق و اخرج أي يوم شئت». و كذا يفعل أيضاً لو عارضه في طريقه ما
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 14
يتطير به النّاس و وجد في نفسه من ذلك شيئاً، و ليقل حينئذ: «اعتصمت بك يا ربّ من شرّ ما أجد في نفسي فاعصمني»، و ليتوكّل على اللَّه و ليمض خلافاً لأهل الطيرة.
و يستحب اختيار آخر الليل للسير و يكره أوله؛ ففي الخبر: «الأرض تطوى من آخر الليل». و في آخر: «و إيّاك و السير في أوّل الليل، و سر في آخره».
ثالثها و هو أهمّها: التصدّق بشي ء عند افتتاح سفره، و يستحبّ كونها عند وضع الرجل في الركاب، خصوصاً إذا صادف المنحوسة أو المتطير بها من الأيام و الأحوال؛ ففي المستفيضة رفع نحوستها بها. و ليشرِ السلامة من اللَّه بما يتيسّر له، و يستحب أن يقول عند التصدّق: «اللّهمّ إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي و سلامة سفري. اللّهمّ احفظني و احفظ ما معي، و سلّمني و سلم ما معي، و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل».
رابعها: الوصية عند الخروج، لا سيّما بالحقوق الواجبة.
خامسها: توديع العيال، بأن يجعلهم وديعة عند ربّه و يجعله خليفة عليهم، و ذلك بعد ركعتين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج، و يقول: «اللّهمّ إنّي أستودعك نفسي و أهلي و مالي و ذرّيّتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة عملي»؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل منها، و لم يدع بذلك الدعاء إلّا أعطاه اللَّه (عزّ و جل) ما سأل».
سادسها: إعلام إخوانه بسفره؛ فعن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «حق على المسلم
إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانه، و حق على إخوانه إذا قدم أن يأتوه».
سابعها: العمل بالمأثورات من قراءة السور و الآيات و الأدعية عند باب داره، و ذكر اللَّه و التسمية و التحميد و شكره عند الركوب و الاستواء على الظهر و الإشراف و النزول و كل انتقال و تبدّل حال؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في سفره إذا
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 15
هبط سبّح، و إذا صعد كبّر». و عن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «من ركب و سمّى ردفه ملك يحفظه، و من ركب و لم يسمّ ردفه شيطان يمنيه حتّى ينزل».
و منها قراءة القدر للسلامة حين يسافر أو يخرج من منزله أو يركب دابته، و آية الكرسي و السخرة و المعوذتين و التوحيد و الفاتحة، و التسمية و ذكر اللَّه في كل حال من الأحوال.
و منها ما عن أبي الحسن (عليه السّلام) أنّه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجّه له و يقرأ الحمد و المعوذتين و التوحيد و آية الكرسي أمامه و عن يمينه و عن شماله و يقول: «اللّهمّ احفظني و احفظ ما معي و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» يحفظ و يبلغ و يسلم هو و ما معه.
و منها ما عن الرضا (عليه السّلام): «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل: بسم اللَّه و باللَّه و توكّلت على اللَّه، ما شاء اللَّه لا حول و لا قوّة إلّا باللَّه. تضرب به الملائكة وجوه الشياطين و تقول ما سبيلكم عليه و قد سمّى اللَّه و آمن به و توكّل عليه».
و
منها ما كان الصادق (عليه السّلام) يقول إذا وضع رجله في الركاب، يقول سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ «و يسبّح اللَّه سبعاً و يحمده سبعاً و يهلله سبعاً».
و عن زين العابدين (عليه السّلام): «أنّه لو حج رجل ماشياً و قرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر ما وجد ألم المشي». و قال: «ما قرأه أحد حين يركب دابته إلا نزل منها سالماً مغفوراً له، و لَقارؤها أثقل على الدواب من الحديد».
و عن أبي جعفر (عليه السّلام): «لو كان شي ء يسبق القدر لقلت قارئ إنّا أنزلناه في ليلة القدر حين يسافر أو يخرج من منزله سيرجع». و المتكفّل لبقية المأثورات منها على كثرتها الكتب المعدّة لها.
و في وصية النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «يا علي، إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها:
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 16
اللّهمّ إنّي أسألك خيرها و أعوذ بك من شرّها. اللّهمّ حببنا إلى أهلها و حبب صالحي أهلها إلينا». و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «يا علي، إذا نزلت منزلًا فقل: اللّهمّ أنزلني منزلًا مباركاً و أنت خير المنزلين؛ ترزق خيره و يدفع عنك شرّه». و ينبغي له زيادة الاعتماد و الانقطاع إلى اللَّه و قراءة ما يتعلّق بالحفظ من الآيات و الدعوات، و قراءة ما يناسب ذلك كقوله تعالى كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ، و قوله تعالى إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، و دعاء التوجه و كلمات الفرج و نحو ذلك، و عن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «يسبح تسبيح الزهراء و يقرأ آية الكرسي عند ما يأخذ مضجعه في
سفر يكون محفوظاً من كل شي ء حتّى يصبح».
ثامنها: التحنك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه؛ ففي المستفيضة عن الصادق و الكاظم (عليهما السّلام): «الضمان لمن خرج من بيته معتماً تحت حنكه أن يرجع إليه سالماً و أن لا يصيبه السَّرَق و لا الغَرَق و لا الحَرَق».
تاسعاً: استصحاب عصا من اللوز المرّ؛ فعنه (عليه السّلام): «إن أراد أن تطوى له الأرض فليتّخذ النقد من العصا، و النقد عصا لوز مرّ». و فيه نفي للفقر و أمان من الوحشة و الضواري و ذوات الحمة، و ليصحب شيئاً من طين الحسين (عليه السّلام) ليكون له شفاء من كل داء و أماناً من كلّ خوف، و يستصحب خاتماً من عقيق أصفر مكتوب على أحد جانبيه: «ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ استغفر اللَّه» و على الجانب الآخر «محمّد و علي»، و خاتماً من فيروزج مكتوب على أحد جانبيه: «للَّه الملك» و على الجانب الآخر: «الملك للَّه الواحد القهّار».
عاشرها: اتّخاذ الرفْقَة في السفر، ففي المستفيضة الأمر بها و النهي الأكيد عن الوحدة؛ ففي وصية النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لعلي: «لا تخرج في سفر وحدك فإنّ الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد. و لعن ثلاثة: الآكل زاده وحده و النائم في بيت وحده و الراكب في الفلاة وحده». و قال: «شرّ النّاس من سافر وحده و منع رفده و ضرب
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 17
عبده»، «و أحبّ الصحابة إلى اللَّه أربعة، و ما زاد [قوم على سبعة إلّا كثر لغطهم» أي تشاجرهم. و من اضطرّ إلى السفر وحده فليقل: «ما شاء اللَّه و لا قوّة إلّا باللَّه. اللّهمّ آمن وحشتي و
أعنّي على وحدتي و أدّ غيبتي». و ينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق و يكره مصاحبته دونه أو فوقه في ذلك، و أن يصحب من يتزيّن به و لا يصحب من يكون زينته له، و يستحب معاونة أصحابه و خدمتهم و عدم الاختلاف معهم و ترك التقدم على رفيقه في الطريق.
الحادي عشر: استصحاب السُّفرة و التنوّق فيها و تطيب الزاد و التوسعة فيه لا سيّما في سفر الحج، و عن الصادق (عليه السّلام): «إنّ من المروّة في السفر كثرة الزاد و طيبه و بذله لمن كان معك». نعم، يكره التنوّق في سفر زيارة الحسين (عليه السّلام)، بل يقتصر فيه على الخبز و اللبن لمن قرب من مشهده كأهل العراق لا مطلقاً في الأظهر؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين (عليه السّلام) حملوا معهم السفرة فيها الجَداء و الأخبصة و أشباهه، و لو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا»! و في آخر: «تاللَّه إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً، و تأتونه أنتم بالسُّفَر! كلّا، حتّى تأتونه شُعْثاً غُبراً».
الثاني عشر: حسن التخلق مع صحبه و رِفقَته؛ فعن الباقر (عليه السّلام): «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: خلق يخالق به من صحبه أو حلم يملك به غضبه أو ورع يحجزه عن معاصي اللَّه». و في المستفيضة: «المروّة في السفر ببذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير المعاصي». و في بعضها: «قلّة الخلاف على من صحبك، و ترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم». و عن الصادق (عليه السّلام): «ليس من المروّة أن يحدّث الرجل بما يتفق في السفر من خير أو شر». و عنه
(عليه السّلام): «وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك و كفّ لسانك و اكظِم غيظك و أقِلّ لغوك و تفرش عفوك و تسخي نفسك».
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 18
الثالث عشر: استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح و الآلات و الأدوية كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه، و ليعمل بجميع ما في تلك الوصيّة.
الرابع عشر: إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثاً؛ فعن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «إذا كنت في سفر و مرض أحدكم فأقيموا عليه ثلاثة أيام». و عن الصادق (عليه السّلام): «حق المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثاً».
الخامس عشر: رعاية حقوق دابته؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): للدابة على صاحبها خصال: يبدأ بعلفها إذا نزل، و يعرض عليها الماء إذا مرّ به، و لا يضرب وجهها فإنّها تسبح بحمد ربّها، و لا يقف على ظهرها إلّا في سبيل اللَّه، و لا يحملها فوق طاقتها، و لا يكلفها من المشي إلّا ما تطيق». و في آخر: «و لا تتوركوا على الدواب و لا تتّخذوا ظهورها مجالس». و في آخر: «و لا يضربها على النِّفار و يضربها على العِثار، فإنّها ترى ما لا ترون».
و يكره التعرس على ظهر الطريق و النزول في بطون الأودية و الإسراع في السير و جعل المنزلين منزلًا إلّا في أرض جَدبة، و أن يطرُق أهله ليلًا حتى يُعلمهم، و يستحب إسراع عوده إليهم، و أن يستصحب هدية لهم إذا رجع إليهم. و عن الصادق (عليه السّلام): «إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما تيسر و لو
بحجر» الخبر.
و يكره ركوب البحر في هيجانه، و عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إذا اضطرب بك البحر فاتّك على جانبك الأيمن و قل: بسم اللَّه، اسكن بسكينة اللَّه و قرّ بقرار اللَّه و اهدأ بإذن اللَّه، و لا حول و لا قوّة إلّا باللَّه».
و لينادِ إذا ضلّ في طريق البر: «يا صالح، يا أبا صالح، أرشدونا رحمكم اللَّه»، و في طريق البحر: «يا حمزة». و إذا بات في أرض قَفر فليقل إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى إلى قوله تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
و ينبغي للماشي أن يَنسل في مشيه، أي يسرع، فعن الصادق (عليه السّلام): «سيروا
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 19
و انسلوا فإنّه أخف عنكم». «و جاءت المشاة إلى النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فشكوا إليه الإعياء فقال: عليكم بالنَّسَلان. ففعلوا فذهب عنهم الإعياء»، و أن يقرأ سورة القدر لئلّا يجد ألم المشي كما مرّ عن السجاد (عليه السّلام)، و عن الرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «زاد المسافر الحُداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خَناء»، و في نسخة: «جفاء»، و في أخرى «حَنان». و ليختر وقت النزول من بِقاع الأرض أحسنها لوناً و ألينها تربة و أكثرها عُشباً. هذه جملة ما على المسافر.
و أمّا أهله و رِفقته فيستحب لهم تشييع المسافر و توديعه و إعانته و الدعاء له بالسهولة و السلامة و قضاء المآرب عند وداعه، قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «من أعان مؤمناً مسافراً فرج اللَّه عنه ثلاثاً و سبعين كُربة و أجاره في الدنيا و الآخرة من الغمّ و
الهمّ و نفّس كَربه العظيم يوم يعض النّاس بأنفاسهم». و كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا ودّع المؤمنين قال: «زوّدكم اللَّه التقوى و وجّهكم إلى كل خير و قضى لكم كلّ حاجة و سلم لكم دينكم و دنياكم و ردكم سالمين إلى سالمين». و في آخر: «كان إذا ودع مسافراً أخذ بيده ثمّ قال: أحسن لك الصحابة و أكمل لك المعونة و سهّل لك الحُزونة و قرب لك البعيد و كفاك المهم و حفظ لك دينك و أمانتك و خواتيم علمك و وجّهك لكل خير. عليك بتقوى اللَّه، أستودع اللَّه نفسك، سر على بركة اللَّه (عزّ و جل)». و ينبغي أن يقرأ في أذنه إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ إن شاء اللَّه، ثمّ يؤذن خلفه و ليُقِم كما هو المشهور عملًا، و ينبغي رعاية حقّه في أهله و عياله و حسن الخلافة فيهم لا سيّما مسافر الحج؛ فعن الباقر (عليه السّلام): «من خلف حاجّاً بخير كان له كأجره كأنّه يستلم الأحجار». و أن يوقّر القادم من الحج، فعن الباقر (عليه السّلام): «وقّروا الحاج و المعتمر فإنّ ذلك واجب عليكم». و كان علي بن الحسين (عليه السّلام) يقول: «يا معشر من لم يحج، استبشروا بالحاج و صافحوهم و عظّموهم فإن ذلك يجب عليكم، تشاركوهم في الأجر». و كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يقول للقادم من مكة: «قبل اللَّه منك و أخلف عليك نفقتك و غفر
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 20
ذنبك».
و لنتبرك بختم المقام بخير خبر تكفّل مكارم أخلاق السفر بل و الحضر: فعن الصادق (عليه السّلام) قال: «قال لقمان لابنه:
يا بني، إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك و أمورهم، و أكثر التبسّم في وجوههم، و كن كريماً على زادك، و إذا دعوك فأجبهم، و إذا استعانوا بك فأعنهم، و استعمل طول الصمت و كثرة الصلاة و سخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد، و إذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، و أجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت و تنظر، و لا تُجِب في مشورة حتّى تقوم فيها و تقعد و تنام و تأكل و تضع و أنت مستعمل فكرتك و حكمتك في مشورتك فإن من لم يمحض النصح لمن استشاره سلبه اللَّه رأيه و نزع منه الأمانة، و إذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم و إذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم فإذا تصدّقوا أو أعطوا قرضاً فأعط معهم، و اسمع لمن هو أكبر منك سناً، و إذا أمروك بأمر و سألوك شيئاً فقل نعم و لا تقل لا فإنّها عيّ و لؤم، و إذا تحيرتم في الطريق فانزلوا و إذا شككتم في القصد فقفوا أو تؤامروا، و إذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم و لا تسترشدوه فإنّ الشخص الواحد في الفلاة مريب لعلّه يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الّذي حيّركم، و احذروا الشخصين أيضاً إلّا أن تروا ما لا أرى، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئاً عرف الحقّ منه و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشي ء، صلّها و استرح منها فإنّها دين، و صلّ في جماعة و لو على رأس زُجّ، و لا تنامنّ على دابّتك فإنّ ذلك سريع في دبرها و ليس ذلك
من فعل الحكماء إلّا أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل، و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك و ابدأ بعلفها فإنّها نفسك، و إذا أردتم النزول فعليكم من بِقاع الأرض بأحسنها لوناً و ألينها تربة و أكثرها عُشباً، و إذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس، و إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 21
الأرض، و إذا ارتحلت فصلّ ركعتين ثمّ ودّع الأرض الّتي حللت بها و سلم عليها و على أهلها فإنّ لكلّ بُقعة أهلًا من الملائكة، فإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ و تصدق منه فافعل. و عليك بقراءة كتاب اللَّه ما دمت راكباً، و عليك بالتسبيح ما دمت عاملًا، و عليك بالدعاء ما دمت خالياً، و إيّاك و السير في أوّل اللّيل و سر في آخره، و إيّاك و رفع الصوت. يا بني سافر بسيفك و خُفّك و عِمامتك و حِبالك و سِقائك و خُيوطك و مِخرَزك و تزوّد معك من الأدوية فانتفع به أنت و من معك، و كن لأصحابك موافقاً إلّا في معصية اللَّه (عزّ و جل)».
هذا ما يتعلّق بكلي السفر.
و يختصّ سفر الحج بأمور أُخر:
منها: اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح بل الحَفاء على الانتعال، إلّا أن يضعفه عن العبادة أو كان لمجرّد تقليل النفقة، و عليهما يحمل ما يستظهر منها أفضلية الركوب، و روى: «ما تقرب العبد إلى اللَّه (عزّ و جل) بشي ء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين، و أنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة. و ما عبد اللَّه بشي ء مثل الصمت و المشي إلى بيته».
و منها: أن تكون نفقة
الحج و العمرة حلالًا طيباً، فعنهم (عليه السّلام): «إنّا أهل بيت حج صَرورتنا و مهور نسائنا و أكفاننا من طهور أموالنا». و عنهم (عليه السّلام): «من حجّ بمال حرام نودي عند التلبية لا لبّيك عبدي و لا سعديك». و عن الباقر (عليه السّلام): «من أصاب مالًا من أربع لم يقبل منه في أربع: من أصاب مالًا من غُلول أو رباء أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة و لا صدقة و لا حجّ و لا عمرة».
و منها: استحباب نيّة العود إلى الحج عند الخروج من مكّة و كراهة نيّة عدم العود، فعن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «من رجع من مكّة و هو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره، و من خرج من مكّة و لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه». و عن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 22
الصادق (عليه السّلام) مثله مستفيضاً، و قال لعيسى بن أبي منصور: «يا عيسى، إنّي أحبّ أن يراك اللَّه فيما بين الحجّ إلى الحجّ و أنت تتهيأ للحج».
و منها: البدأة بزيارة النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمن حجّ على طريق العراق.
و منها: أن لا يحجّ و لا يعتمر على الإبل الجلالة، و لكن لا يبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها و لا يسري إلى ما يسار عليها من البلاد البعيدة في الطريق.
و من أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السفر احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النّية و إخلاص السريرة و أداء حقيقة القربة و التجنّب عن الرياء و التجرّد عن حبّ المدح و الثناء، و أن لا يجعل سفره على
ما عليه كثير من مترفي عصرنا من جعله وسيلة للرفعة و الافتخار بل و صلة إلى التجارة و الانتشار و مشاهدة البلدان و تصفّح الأمصار، و أن يراعي إسراره الخفية و دقائقه الجليّة كما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام:
إنّ اللَّه تعالى سنّ الحجّ و وضعه على عباده إظهاراً لجلالة و كبريائه و علوّ شأنه و عِظَم سلطانه، و إعلاناً لرق النّاس و عبوديّتهم و ذلهم و استكانتهم، و قد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم و الملّاك لمماليكهم، يستذلونهم بالوقوف على باب بعد باب و اللبث في حجاب بعد حجاب، و إنّ اللَّه تعالى قد شرّف البيت الحرام و أضافه إلى نفسه و اصطفاه لقدسه و جعله قياماً للعباد و مقصداً يؤمّ من جميع البلاد، و جعل ما حوله حرماً و جعل الحرم آمناً و جعل فيه ميداناً و مجالًا و جعل له في الحلّ شبيهاً و مثالًا، فوضعه على مثال حضرة الملوك و السلاطين، ثمّ أذّن في النّاس بالحج ليأتوه رِجالًا و رُكباناً من كل فَجّ و أمرهم بالإحرام و تغيير الهيئة و اللباس شُعثاً غُبراً متواضعين مستكينين رافعين أصواتهم بالتّلبية و إجابة الدعوة، حتّى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول و أوقفهم في حجبه يدعونه و يتضرّعون إليه، حتّى إذا طال
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 23
تضرّعهم و استكانتهم و رجموا شياطينهم بجمارهم و خلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب قربانهم و قضاء تَفَثهم ليطهّروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم و بينه و ليزوروا البيت على طهارة منهم، ثمّ يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرق و كنه العبودية؛ فجعلهم تارة يطوفون فيه
و يتعلّقون بأستاره و يلوذون بأركانه و أخرى يسعون بين يديه مشياً و عَدْواً ليتبيّن لهم عزّ الربوبية و ذلّ العبودية و ليعرفوا أنفسهم و يضع الكبر من رؤوسهم و يجعل نير الخضوع في أعناقهم و يستشعروا شعار المذلّة و ينزعوا ملابس الفخر و العزّة، و هذا من أعظم فوائد الحج.
مضافاً إلى ما فيه من التذكّر بالإحرام و الوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر و أهوال يوم القيامة، إذ الحج هو الحشر الأصغر و إحرام النّاس و تلبيتهم و حشرهم إلى المواقف و وقوفهم بها و الهين متضرّعين راجعين إلى الفَلاح أو الخَيبة و الشَّقاء أشبه شي ء بخروج النّاس من أجداثهم و توشّحهم بأكفانهم و استغاثتهم من ذنوبهم و حشرهم إلى صعيد واحد إلى نعيم أو عذاب أليم، بل حركات الحاج في طوافهم و سعيهم و رجوعهم و عودهم يشبه أطوار الخائف الوَجِل المضطرب المدهوش الطالب مَلجأً و مَفزعاً نحو أهل المحشر في أحوالهم و أطوارهم، فبحلول هذه المشاعر و الجبال الشعب و الطلال ولدي وقوفه بموافقة العظام يهون ما بأمامه من أهوال يوم القيامة من عظائم يوم الحشر و شدائد النشر. عصمنا اللَّه و جميع المؤمنين و رزقنا فوزه يوم الدّين، آمين ربّ العالمين.
فصل في وجوب الحج من أركان الدين الحج، و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية من الرجال و النساء و الخناثي بالكتاب و السنّة و الإجماع من جميع المسلمين بل بالضرورة، و منكره في سلك الكافرين، و تاركه عمداً مستخفاً به بمنزلتهم، و تركه من غير استخفاف من الكبائر، و لا يجب في أصل الشرع إلّا مرّة واحدة في تمام العمر، و هو المسمّى بحجة الإسلام، أي الحج
الّذي بني عليه الإسلام مثل الصلاة و الصوم و الخمس و الزكاة، و ما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجِدَة كل عام على فرض ثبوته شاذ مخالف للإجماع و الأخبار، و لا بدّ من حمله على بعض المحامل كالأخبار الواردة بهذا المضمون من إرادة الاستحباب المؤكّد أو الوجوب على البدل (1) بمعنى أنّه يجب عليه في عامه و إذا تركه ففي العام الثاني و هكذا. (1) بأن يقيّد مثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) «قال: إن اللَّه (عزّ و جلّ) فرض الحج على أهل الجدة في كل عام» «1» ما دام لم يأت به و لو مرة واحدة، بقرينة مثل صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «ما كلّف اللَّه العباد إلّا ما يطيقون إلى أن قال و كلّفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك» «2». و يناسب هذا التقييد ما ذكره الإمام (عليه السّلام) في صحيح علي بن جعفر بعد قوله (عليه السّلام): إنّ اللَّه (عزّ و جلّ) فرض الحج على أهل الجدة في كل عام و ذلك قوله (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. و لذا سأل علي بن جعفر أخاه (عليه السّلام) بعد ذلك: فمن لم يحج منّا فقد كفر؟ قال: لا، و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر. و وجه سؤاله أنه استفاد كون ما ذكره الإمام (عليه السّلام) عين ما ذكره اللَّه (عزّ و جلّ) فوجّه السؤال عن الكفر الوارد في الآية. و المراد بالجدة بكسر الجيم و تخفيف الدال،
الغنى و الحصول على المال.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 26
و يمكن حملها على الوجوب الكفائي (1) فإنّه لا يبعد وجوب الحج كفاية على كل أحد في كلّ عام إذا كان متمكّناً بحيث لا تبقى مكّة خالية من الحجّاج، لجملة من الأخبار الدالّة على أنّه لا يجوز تعطيل الكعبة عن الحج، و الأخبار الدالّة على أنّ على الإمام كما في بعضها و على الوالي كما في آخر أن يجبر النّاس على الحج و المقام في مكّة و زيارة الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و المقام عنده و أنّه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال. (1) و أمّا الوجوب الكفائي فلا يبعد القول به كما يظهر ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إن ناساً من هؤلاء القصاص يقولون: إذا حج الرجل حجة ثم تصدّق و وصل كان خيراً له، قال (عليه السّلام): كذبوا؛ لو فعل هذا الناس لعطّل هذا البيت، إن اللَّه (عزّ و جلّ) جعل هذا البيت قياماً «3». و في الصحيح المروي في الفقيه عن حفص بن البختري و هشام بن سالم و معاوية بن عمّار و غيرهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «لو أنّ الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك، و لو تركوا زيارة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك. و على المقام عنده، فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين» «1».
(مسألة 1) لا خلاف في أنّ وجوب الحج بعد تحقّق الشرائط فوري،
بمعنى أنّه يجب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة فلا يجوز تأخيره عنه، و إن تركه فيه ففي العام الثاني و هكذا. و يدلّ عليه جملة من الأخبار، و لو خالف و أخّر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصياً، بل لا يبعد كونه كبيرة (1) كما صرّح به جماعة، و يمكن استفادته من جملة من الأخبار. (1) وجوب الخروج إلى الحج في عام الاستطاعة بحيث يعد تركه عصياناً و يجب فعله في السنة الآتية واضح كما هو مقتضى أخبار تسويفه ككون تركه أصلًا من الكبائر الموبقة و أما استفادة كون تركه في أول عام للاستطاعة مع فرض الإتيان به فيما بعد من الكبائر فلا يخلو عن تأمل؛ فإنه و إن ورد في صحيح عبد العظيم الحسني إن ترك الفريضة من الكبائر إلا أن المذكور في الكتاب وجوبه على من استطاع إليه سبيلًا لا وجوبه نفس عام الاستطاعة، لكن قد يقال بأنه يكفي في صدق ترك الفريضة تطبيقه في بعض الأخبار على تركه في عام الاستطاعة كما هو ظاهر صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: قال اللَّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، و إن كان سوّفه للتجارة فلا يسعه، و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «2». و هذا الذيل في الصحيحة و غيرها و إن مات على ذلك. إلخ عام لمن اعتقد تمكّنه من الإتيان به في السنة الآتية أو غيرها و من لم يعتقد بذلك.
(مسألة 2) لو توقّف إدراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات من السفر و
تهيئة أسبابه وجب المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحج في تلك السنة، و لو تعددت الرفقة و تمكّن من المسير مع كل منهم اختار أوثقهم سلامة و إدراكاً (1)، و لو وجدت واحدة و لم يعلم حصول أخرى أو لم يعلم التمكّن من المسير و الإدراك للحج بالتأخير فهل يجب الخروج مع الأُولى أو يجوز التأخير إلى الأُخرى بمجرّد احتمال الإدراك أو لا يجوز إلّا مع الوثوق؟ (1) مع الوثوق بالإدراك و السلامة كما هو ظاهر الفرض فلا يلزم اختيار الخروج مع الأوثق، نعم إذا احتمل عدم الإدراك من الخروج مع البعض فلا يبعد تعيّن الخروج مع غيره و لا يكفي مطلق الظن بالتمكن كما هو مقتضى قاعدة الاشتغال بعد فعلية التكليف و إحراز اجتماع قيود موضوع الوجوب.
و أمّا مثل تأخير قضاء الصلاة، حيث ذكروا جوازه إلى حين حصول أمارة الموت، فلأن قضاءها واجب موسع و تمكن المكلف منه غير منوط بحصول الأمور الخارجة عن اختياره نوعاً، فإذا كان المكلف سالماً فهو على وثوق بقضائها، بخلاف التمكن من الحج عام استطاعته فإن طرو المانع منه أو عدم إمكان إدراكه في وقته أمر عادي.
و بالجملة: مقتضى الاشتغال اليقيني بالحج في عامه هو الخروج عن عهدته و عدم جواز التأخير بما يحتمل معه عدم إمكان إدراك الحج.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 29
أقوال: أقواها الأخير، و على أي تقدير إذا لم يخرج مع الأُولى و اتّفق عدم التمكّن من المسير أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير استقر عليه الحج (1)، و إن لم يكن آثماً بالتأخير لأنّه كان متمكّناً من الخروج مع الأُولى، إلّا إذا تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً. (1) لما
قد يقال من أنّ تمامية شرائط وجوب الحج في عامه موجبة لتكليفه به واقعاً فيصير الحج ديناً عليه، كما هو مقتضى بعض الروايات، فيجب الإتيان به حال حياته و لو مع عدم بقاء استطاعته، فيجب قضاؤه من تركته مع موته قبل القضاء، و لكن لا يخفى أن الإتيان به مع بقاء استطاعته في السنة اللاحقة لا خلاف في لزومه لتحقق شرائط وجوبه، و أما مع عدم بقائها كما هو ظاهر المتن فلا موجب للاستقرار، فإنّ جواز تأخير الخروج مع الوثوق بإدراكه معه إذن في إتلاف استطاعته و لو كان الجواز المزبور ظاهرياً، كما أنه لو خرج مع قافلة و لم يدرك الحج اتفاقاً لعارض على القافلة بحيث لو خرج مع قافلة أخرى لأدركه لم يكن ذلك موجباً للاستقرار مع عدم بقاء استطاعته للسنة الآتية. و ما ذكر من استفادة صيرورته ديناً من بعض الروايات لا يخفى ما فيه، فان موردها تسويف الحج أو في فرض الاستقرار، فالأول كصحيح معاوية بن عمار قال: قال اللَّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ. قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة و إن كان سوفه للتجارة فلا يسعه، و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1». و الثاني مثل رواية حارث بيّاع الأنماط أنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أوصى بحجة؟ فقال: «إن كان صرورة فهي من صلب ماله، إنما هي دين عليه» «2».
و الحاصل: ان استقرار وجوب الحج مع عدم بقاء استطاعته إنما هو في صورة التأخير بنحو التهاون و التسويف، و كذلك مع العذر في ترك الحج و لو كان عذره التأخر في الخروج مع الرفقة مع الوثوق
بإدراك الحج.
فصل في شرائط وجوب حجّة الإسلام
و هي أمور:
أحدها: الكمال بالبلوغ و العقل (1)؛ فلا يجب على الصبي و إن كان مراهقاً، و لا على المجنون و إن كان أدوارياً إذا لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال، و لو حجّ الصبي لم يجزئ عن حجّة الإسلام و إن قلنا بصحّة عباداته و شرعيتها كما هو الأقوى و كان واجداً لجميع الشرائط سوى البلوغ؛ ففي خبر مسمع عن الصادق (عليه السّلام) «لو أنّ غلاماً حجّ عشر حجج ثمّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام». و في خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن (عليه السّلام) عن ابن عشر سنين يحج قال (عليه السّلام): «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت». (1) لا خلاف في اعتبار البلوغ و العقل، فلا يجب على الصبي ما لم يبلغ. و في صحيح إسحاق بن عمّار المروي في الفقيه عن صفوان عنه قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم. و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» «1». و قد روي في الفقيه عن أبان عن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر» «2». و التقييد بالغاية قرينة على أن المراد بحجة الإسلام الحج المندوب، كما أطلق لفظ حجة الإسلام على حج النائب حتى يستطيع و في الوسائل أبان بن الحكم و لكن الظاهر هو أبان عن الحكم؛ فإن أبان بن الحكم غير مذكور في الرجال، مع أن ظاهر كلام الصدوق في المشيخة أن ما يروى عن أبان مطلقاً هو أبان بن عثمان، فإنه قد أطلق أبان في غير واحد
من الموارد مع كون المراد به أبان بن عثمان كما يظهر ذلك للمتتبع. و الحكم المروي عنه هنا هو الحكم بن الحكم الصيرفي الخلاد بقرينة مثل الرواية السابقة من الباب 11.
و أما اعتبار العقل فان كل تكليف و ثواب و عقاب و إعطاء و أخذ بالعقل كما هو مدلول غير واحد من الروايات، كصحيح هشام و غيره من الروايات في مقدمة العبادات من الوسائل و غيرها من الأبواب. نعم إذا كان جنونه أدوارياً و كان وقت إفاقته وافياً بتمام الأعمال كان مكلفاً به كالتكليف بغيره من الصلاة و الصيام و غيرهما حين إفاقته.
(مسألة 1) يستحبّ للصبي المميز أن يحج (1) و إن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام، و لكن هل يتوقّف ذلك على إذن الولي أولًا؟ المشهور، بل قيل لا خلاف فيه، أنّه مشروط بإذنه لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهَدي و الكفارة، و لأنّه عبادة. (1) كما تدل عليه الروايات الواردة في كيفية حج الصبيان كصحيحة إسحاق عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام. قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون، و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم «1».
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 32
متلقاة من الشرع مخالف للأصل فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن. و فيه أنّه ليس تصرّفاً مالياً و إن كان ربّما يستتبع المال، و أنّ العمومات كافية في صحته و شرعيته مطلقاً، و يستفاد ذلك أيضاً مما دل على أن الصبي إذا حج فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر.
و لكن الكلام في اشتراط حجه بإذن وليه الشرعي و هو الأب و الجد للأب
أو الوصي لأحدهما أو الحاكم مع فقدهم. المنسوب للمشهور بل نفي عنه الخلاف هو الاشتراط لوجهين أشار إليهما المستفاد من أن العبادة أمر توقيفي، فاللازم إحراز مشروعيتها و المتيقن منها صورة حج الصبي بإذن الولي، و لأن الحج يستلزم صرف المال الموقوف على إذن الولي كتحصيل الهدي و الكفارة و لكن كليهما لا يثبت الاشتراط فإن ما ورد في صحيح معاوية بن عمّار «انظروا من كان معكم من الصبيان و قدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرو» «1» عام للصبي الذي معه وليه و غيره، و دعوى ورودها على نحو القضية في واقعة لعلم الإمام (عليه السّلام) بوجود أولياء الصبيان أو وكلائهم كدعوى أن ذيلها «و من لا يجد فليصم عنه وليه» لا تمنع من الإطلاق، فإن المقصود بالولي في الصحيح هو من يتولى أمر الصبي و إن لم يكن ولياً شرعياً أو مأذوناً منه كما يأتي، و كونها واردة في قضية خاصة غير ظاهر فضلًا عن فرض علم الإمام بحالهم. و ما في المتن من كون العمومات كافية في مشروعيته و لو بدون إذن وليه فغير بعيد إذا كان المراد منه ما ذكرناه من التمسك بالإطلاق أو كان المراد منه ما ورد في فضل الحج و استحبابه كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام): «و دّ من في القبور لو أن له حجة واحدة بالدنيا و ما فيها» «2»، و صحيح سيف التمار المروي في العلل عن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 33
فالأقوى عدم الاشتراط في صحته و إن وجب الاستئذان في بعض الصور. و أمّا البالغ فلا يعتبر في حجّة المندوب إذن الأبوين (1) إن لم يكن مستلزماً للسفر
المشتمل على الخطر الموجب لأذيتهما، و أمّا في حجّة الواجب فلا إشكال أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «كان أبي يقول: الحج أفضل من الصلاة و الصيام» «1»، بلحاظ أن الصلاة و الصيام مشروعان للصبي المميّز فحجة أفضل، كما أن مودة أهل القبور عامة لمن كان من أهل القبور كبيراً أو صبياً مميزاً. نعم تحصيل ثوبي الإحرام و الهدي الموقوفين على صرف ماله يحتاج لإذن الولي، و هذا غير اشتراط حجه بإذن الولي. و أما الكفارات فلا يبعد القول بعدم ثبوتها في حقه فإنها من الجزاء على العمل المرفوع عنه، و إن لم نقل بذلك فعليه الكفارة و يجب عليه أن يأتي بها بعد بلوغه، أو يجب على الولي أن يخرجها من ماله حال صغره كما يخرج سائر ديونه. (1) قد يقال بالاشتراط لوجهين:
1 إن سفره بدون إذنهما غير جائز.
2 ورود اعتبار إذنهما في حجه في بعض الأخبار، و هي رواية نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم المروية في الحدائق عن الصدوق في كتاب العلل عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن أحمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم إلا بإذن زوجها، و من صلاح العبد و نصحه و طاعته لمولاه أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن مولاه و أمره، و من بر الولد أن لا يصوم تطوعاً و لا يحج تطوعاً و لا يصلي تطوعاً إلا بإذن
أبويه و أمرهما، و إلّا كان الضيف جاهلًا و كانت المرأة عاصية و كان العبد فاسقاً
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 34
.......... عاصياً و كان الولد عاقا قاطعاً للرحم» «1». و دلالتها ظاهرة، و لكن رويت في الفقيه و الكافي خالية عن ذكر الصلاة تطوعاً و ذكر الحج تطوعاً، مع أن الصدوق بعد نقلها قال قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب جاء الخبر هكذا و لكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعاً كان أو فريضةً و لا في ترك الصلاة في ترك الصوم تطوعاً كان أو فريضة و لا في شي ء من ترك الإطاعات و ناقشه في الحدائق بأنه لم يرد في النقل معارض لها مع أنها مؤيدة بجملة من الأخبار الدالة على وجوب إطاعتهما على الولد و إن لزم منه الخروج من أهله و ماله.
أقول: الظاهر نظره (قدّس سرّه) إلى خبر محمد بن مروان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ان رجلًا أتى النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فقال: أوصني. قال: لا تشرك باللَّه شيئاً و إن أحرقت بالنار و عذبت إلا و قلبك مطمئن بالإيمان، و والديك فأطعهما و برّهما حيين أو ميتين، و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل فإن ذلك من الإيمان «2». و لكن لا يخفى أن الرواية لضعف سندها بأحمد بن هلال و عدم إمكان الأخذ بمدلولها بغض النظر عن السند لا يمكن الالتزام بها، فان الصدوق و الكليني (قدّس سرّهما) رؤياها في الفقيه و الكافي عن أحمد بن هلال من غير إضافة الحج و الصلاة، فلا يبعد أن الزيادة وقعت من بعض الرواة عن أحمد بن
هلال و لو سهواً. و مع قطع النظر عن ذلك، فلا يحتمل اشتراط الصلاة تطوعاً بإذن الأبوين أو الوالد، و خبر محمد بن مروان ضعيف، مع أن بر الوالدين في الحياة و ما بعدها غير واجب كما هو ظاهر عده من الإيمان، و أما حرمة سفر الولد بدون إذن الوالد فهي غير ثابتة أيضاً، و إنما الثابت عدم جوازه إذا كان موجباً لأذى الوالدين إن كان بقصد إيذائهما لصدق العقوق عليه. و بالجملة: اشتراط حج الولد البالغ تطوعاً بإذن الوالدين غير ثابت، بل مقتضى الإطلاق في الترغيب في الحج مندوباً عدم الاشتراط، على ما تقدم في حج الصبي.
(مسألة 2) يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز بلا خلاف لجملة من الأخبار، بل و كذا الصبية و إن استشكل فيها صاحب المستند (1)، و كذا المجنون (2) (1) وجه إشكاله ورود ما دلّ على الإحجاج في الصبي لا في الصبية، و المشروعية تحتاج للدليل، و لكن لا يخفى أن ذكر الصبي بغلبة الابتلاء به لا لغرض التقييد، و قد ورد في صحيح إسحاق بن عمّار عن ابن عشر سنين يحج. قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت «1» و كما أنه لا فرق بين حج الصبي في صغره و حج الصبيّة في المشروعية و عدم الإجزاء عن حجة الإسلام فكذلك لا فرق بينهما في الحج بهما و ربما يستدل على ذلك برواية يونس بن يعقوب عن أبيه: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «إن معي صبية صغاراً و أنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة.
ثم قال: فإن خفت عليهم فأتِ بهم الجحفة» «1». و لكن في سندها إشكال؛ فإن يونس يرويها عن أبيه و لا توثيق لأبيه و دلالتها مبنية على أن لفظ الصبية و إن كان جمعاً للصبي لكنه يعم الذكر و الأنثى و لو من باب التغليب، و العمدة عدم احتمال الفرق بين الصبي و الصبية. (2) ذكر ذلك الأصحاب، و لكن إلحاقه بالصبي غير المميز لا يخلو عن إشكال لورود الرواية، و احتمال الفرق بينه و بين المجنون موجودة، و لذلك يجب أن يكون
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 36
و إن كان لا يخلو عن إشكال لعدم نص فيه بالخصوص فيستحقّ الثواب عليه. و المراد بالإحرام به جعله محرماً (1) لا أن يحرم عنه، فيلبسه ثوبي الإحرام و يقول: اللّهمّ إنّي أحرمت هذا الصبي. إلخ، و يأمره بالتلبية، بمعنى أن يلقنه إيّاها، و إن لم يكن قابلًا يلبي عنه، و يجنبه عن كلّ ما يجب على المحرم الاجتناب عنه، و يأمره بكل فعل من أفعال الحج يتمكّن منه، و ينوب عنه في كل ما لا يتمكّن، و يطوف به و يسعى به بين إحجاجه بقصد الرجاء، بخلاف الصبي فإن إحجاجه مستحب و الولي مستحق للثواب عليه. و في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سمعته يقول: مرّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) برويثة و هو حاج، فقامت إليه امرأة و معها صبي لها، فقالت: يا رسول اللَّه، أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم، و لك أجره «2». (1) هذا فيما إذا أمكن للصبي غير المميز التلبية و لو بالتلقين بعد قول الولي
«اللّهمّ إني أحرمت هذا الصبي» ظاهر فإن نية الإحرام لا يمكن أن يتصدى لها الصبي غير المميز. و في صحيح معاوية بن عمار «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر، و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمى عنهم» «1». و خبر محمد بن الفضيل: «سألت أبا جعفر الثاني (عليه السّلام) عن الصبي متى يحرم به؟ قال: إذا أثغر» «2». و أمّا ما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه» «3»، فهو محمول على صورة عدم
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 37
الصفا و المروة، و يقف به في عرفات و منى، و يأمره بالرمي، و إن لم يقدر يرمي عنه، و هكذا يأمره بصلاة الطواف، و إن لم يقدر يصلّي عنه، و لا بدّ من أن يكون طاهراً و متوضئاً و لو بصورة الوضوء (1)، و إن لم يمكن فيتوضأ هو عنه، و يحلق رأسه، و هكذا جميع الأعمال.
(مسألة 3) لا يلزم كون الولي محرماً في الإحرام بالصبي، بل يجوز له ذلك و إن كان محلا (2).
(مسألة 4) المشهور على أنّ المراد بالولي في الإحرام بالصبي الغير المميز الولي الشرعي من الأب و الجد و الوصي لأحدهما و الحاكم و أمينه أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العمّ و الخال و نحوهما و الأجنبي، نعم ألحقوا بالمذكورين الأم و إن لم تكن ولياً تمكنه من التلبية و لو بالتلقين فيلبّي عنه وليه. و لذلك ذكر (عليه السّلام) في صحيح معاوية بن عمار يطاف بهم و يرمى عنهم، حيث إنّ الرمي مما لا يتيسر للصبي بخلاف الطواف، و قد ورد في صحيح زرارة: «فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه» «1». (1) لا يبعد أن يكون إجراء الوضوء للصبي كتلبيته؛ فكما أن الولي المتصدي لقصد إحرامه يأمر الطفل بالتلبية فيلبي الطفل و لو بالتلقين فكذلك يقصد الولي إجراء الوضوء، فإن تمكن الطفل من الغسل و المسح فهو، و إلّا قام الولي بمباشرته، كما هو المستفاد من صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام). (2) لأصالة البراءة عن اشتراط إحجاجه بإحرام الولي مع إمكان نفي الاشتراط بإطلاق بعض الأخبار، كقوله (عليه السّلام): «فقالت إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه و غسلوه» «2». فإنه عام لما إذا كان المحرم عنه غير محرم لنفسه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 38
شرعياً للنص الخاص فيها، قالوا: لأنّ الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على المذكورين، فلا يترتّب أحكام الإحرام إذا كان المتصدّي غيره. و لكن لا يبعد كون المراد الأعم منهم و ممّن يتولّى أمر الصبي (1) و يتكفّله و إن لم يكن وليّاً شرعياً
لقوله (عليه السّلام): «قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرو. إلخ»، فإنّه يشمل غير الولي الشرعي أيضاً، و أمّا في المميز فاللازم إذن الولي الشرعي إن اعتبرنا في صحة إحرامه الإذن.
(مسألة 5) النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي (2) إلّا إذا كان حفظه موقوفاً على السفر به أو يكون السفر مصلحة له. (1) إنّ القول باختصاص الحكم بالولي الشرعي و إن كان مشهوراً بين الأصحاب و استثنوا من ذلك الأم لصحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: مرّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) برويثة و هو حاج، فقامت إليه امرأة معها صبي لها فقالت: يا رسول اللَّه، أ يحج عن مثل هذا؟ فقال (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): نعم، و لك أجره «3». و لكن الأظهر عدم الاختصاص بالولي الشرعي إذا لم يكن إحجاجه متوقفاً على التصرف في مال الصبي، و لا يبعد إطلاق صحيح معاوية بن عمّار في قوله (عليه السّلام): «انظروا إلى من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة» «4»، لفرض ما إذا كان الصبي مع غير وليّه الشرعي على ما تقدم. (2) فإنّ المقدار المصروف من مال الصبي نفقته المعتادة، و ما زاد عن ذلك من نفقة السفر فصرفه من ماله خلاف مصلحته، فهو على وليّه. نعم لو اقتضت مصلحة الصبي السفر جاز الإنفاق من ماله.
(مسألة 6) الهدي على الولي (1)، و كذا كفارة الصيد (2) إذا صاد الصبي، و أمّا (1) و هو مقتضى ما ورد في صحيح إسحاق بن عمّار من قوله (عليه السّلام): و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم «1» و ما ورد في صحيح زرارة: قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار «2» إلّا أنه لا يبعد كون الهدي من مال الطفل
مع عدم المال للولي كما يدل عليه إطلاق صحيح معاوية بن عمّار في قوله (عليه السّلام): «و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه» «3». فان الظاهر رجوع ضمير الجمع إلى الأطفال لا إلى الأولياء، و إلّا كان ذكر وليّه مستدركاً. و بالجملة فان الطفل إذا لم يكن له مال و كان لوليّه مال و لو بمقدار الهدي الواحد فعليه أن يذبح عن الصغير و يصوم عن نفسه بدل هديه، كما هو المستفاد من صحيح زرارة و صحيح معاوية بن عمّار، و إن كان للطفل مال فهديه من ماله، إذ لا دلالة في وجوب الصوم على الولي مع عدم المال للطفل على كون هديه مع وجود مال له على وليّه، و ثبوت الهدي في مال الطفل إنما في فرض احجاجه بأبيه أو جدّه للأب أو المأذون منهما و إلّا، فلا يجوز لمن حج به التصرف في ماله، بل يكون على من حج به الهدي عن الطفل، و مع عدم المال يذبح عنه و يصوم عن نفسه. (2) كما ورد ذلك في صحيح زرارة «و إن قتل صيداً فعلى أبيه» «1». و أمّا كفارة غير الصيد فليست على وليّه و لا في ماله لقوله (عليه السّلام): «ليس على الصبي شي ء» و لرفع القلم عنه و أمّا ما ورد من أن عمده خطأ فقد قيل في معناه أنه ليس عليه سائر
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 40
الكفارات الأُخر المختصّة بالعمد فهل هي أيضاً على الولي أو في مال الصبي أو لا يجب الكفارة في غير الصيد لأنّ عمد الصبي خطأ و المفروض أنّ تلك الكفارات لا تثبت في صورة الخطأ؟ وجوه، لا يبعد قوّة
الأخير، إمّا لذلك و إمّا لانصراف أدلّتها عن الصبي، لكن الأحوط تكفل الولي بل لا يترك هذا الاحتياط، بل هو الأقوى، لأن قوله (عليه السّلام): «عمد الصبي خطأ» مختص بالديات، و الانصراف ممنوع، و إلّا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضاً.
(مسألة 7) قد عرفت أنّه لو حجّ الصبي عشر مرّات لم يجزئه عن حجّة الإسلام، بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ و أدرك المشعر فإنّه حينئذ يجزئ عن حجّة الإسلام، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه، و كذا إذا حجّ المجنون ندباً ثمّ كمل قبل المشعر، و استدلّوا على ذلك بوجوه:
أحدها: النصوص الواردة في العبد، على ما سيأتي، بدعوى عدم خصوصية للعبد في ذلك، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ثمّ حصوله قبل المشعر. و فيه أنّه قياس، مع أنّ لازمه الالتزام به فيمن حجّ متسكعاً ثمّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر، و لا يقولون به.
الثاني: ما ورد من الأخبار من أنّ من لم يحرم من مكّة أحرم من حيث أمكنه. فإنّه يستفاد منها أنّ الوقت صالح لإنشاء الإحرام، فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى، و فيه ما لا يخفى. الكفارات لسقوطها مع الجهل و النسيان، لكن لا يمكن المساعدة عليه، لأن ظاهره ما إذا كان كل من العمد و الخطأ موضوعاً لحكم خاص، فلا يجري على عمد الصبي إلّا حكم الخطأ، كما في مورد كون القصاص أو الدية على القاتل، و كون الدية على العاقلة؛ فقد ورد في تلك الروايات أن عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 41
الثالث: الأخبار الدالّة على أنّ من أدرك المشعر
فقد أدرك الحج. و فيه أنّ موردها من لم يحرم (1) فلا يشمل من أحرم سابقاً لغير حجّة الإسلام، فالقول بالإجزاء مشكل، و الأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً بل لا يخلو عن قوّة. و على القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد من أنّه هل يجب تجديد النية لحجّة الإسلام أو لا؟ و أنّه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا؟ و أنّه هل يجري في حج التمتّع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا؟ إلى غير ذلك.
(مسألة 8) إذا مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات و كان و لا يجري الحديث فيما إذا كان أمره موضوعاً لحكم بغرض رفعه في صورة الخطأ، كما إذا تكلّم الصبي في صلاته متعمداً أو شرب في صومه متعمداً فإنه لا يمكن الحكم بصحة صلاته و صومه بدعوى أن عمد الصبي خطأ حتى إذا كان الصبي معتقداً عدم البطلان بذلك. (1) ليس موردها من لم يحرم للحج من قبل، بل هي من حيث الإحرام مطلقة، و لكنها لا تعم ما إذا أدرك المشعر بالغاً مع صغره قبله، فإنها ناظرة إلى من فات عنه الوقوف بعرفة لا أنه أدركه مع عدم كونه مكلّفاً بحجة الإسلام لصغره. و قد يقال في وجه الإجزاء أن حج الصبي بعينه حجة الإسلام و لا فرق بينهما إلّا بالاستحباب و الوجوب، و يؤيده إطلاق حجة الإسلام عليه في رواية أبان عن الحكم. و الحاصل أنه ليست حجة الإسلام نوعاً من الحج و الحج المندوب نوع آخر ليكون إجزاء الثاني عن الأول محتاجاً لدليل خاص، فالمقام نظير من بلغ
أثناء صلاته فإنه لا ينبغي التأمل في صحتها و عدم الحاجة لإعادتها.
أقول: ما ورد في صحيح إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن (عليه السّلام) بعد السؤال عن ابن عشر سنين يحج؟ قال (عليه السّلام): عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 42
مستطيعاً لا إشكال في أنّ حجه حجّة الإسلام (1) الحج إذا طمثت «1» مقتضاه أن حج الإسلام هو الحج المأتي به بعد تحقق شرائط الوجوب. و عليه فلو أحرم الصبي ثم بلغ مع تحقق شرائط الإحرام و أمكنه تجديد الإحرام لحجة الإسلام فيحكم ببطلان إحرامه السابق، لأنه مأمور بعد بلوغه بالإحرام لحجة الإسلام، و إلّا كان إحرامه و حجه مستحباً و لا يجزي عن حجة الإسلام، فعليه الإتيان بحجة الإسلام مع بقاء استطاعته إلى السنة الآتية. (1) قد ظهر مما ذكرنا في المسألة السابقة عدم انحصار حجة إسلامه بما إذا بلغ قبل إحرامه، بل لو بلغ بعد إحرامه مع تحقق سائر شرائط وجوب الحج يرجع إلى الميقات لتجديد إحرامه، و مع عدم إمكانه يحرم على الأظهر من موضعه و لو كان أمامه ميقات آخر، و ذلك لأنه بعد إمكان تجديد الإحرام يكون إحرامه السابق محكوماً بالبطلان فهو ممن ترك الإحرام من الميقات أو ميقات أهله و حكمه الرجوع إلى الميقات إذا أمكن، و إذا دخل الحرم أو مكة و إن أتى بأعمال العمرة و لم يمكنه الرجوع للميقات فيخرج إلى خارج الحرم و يحرم منه، و الأحوط بعد خروجه من الحرم الرجوع إلى ما أمكن كما يدل عليه صحيح معاوية بن عمّار «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت، فأرسلت
إليهم، فقالوا: لا ندري أ عليكِ إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال: إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها مهلة فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم» «1». حيث إنّ اختصاص الحكم بالحائض التي تركت الإحرام جهلًا مع أن المناسب للمرأة هو تسهيل الأمر عليها لا يخلو عن بعد. إذن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 43
.......... فالأمر في من ترك الإحرام من الميقات كذلك. فيرفع اليد بهذه الصحيحة عن إطلاق صحيح عبد اللَّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة، فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج. فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك «2». و احتمال حمل ما ورد في صحيح معاوية بن عمّار على الاستحباب بعيد جدّاً غير مناسب مع موضوع الحكم المرأة و لكن هذا فيما إذا لم يكن ترك الإحرام من الميقات علماً و عمداً، و إلّا فإن أمكن الرجوع و التدارك من الميقات فهو، و إلّا حكم ببطلان إحرامه من غير الميقات و لو من الطريق أو خارج الحرم كما هو مقتضى ما ورد في عدم جواز الإحرام من غير الميقات. و دعوى أن تارك الإحرام من الميقات عالماً متعمداً حكمه حكم الناسي و الجاهل فلا يحكم ببطلان عمرته إذا تدارك إحرامه من غير الميقات من خارج الحرم أخذاً بإطلاق صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال: «يرجع إلى ميقات أهل
بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» «3» لا يمكن المساعدة عليها، فإن الإطلاق بمعنى ترك الاستفصال في الجواب لا مورد له، لأن المكلف العازم على الإتيان بالواجب لا يتركه علماً و عمداً، خصوصاً في هذا الواجب الذي يحتاج إتيانه إلى مؤنة و في تداركه صعوبة. و ما ورد في أن من كان بمكة و أراد أن يعتمر فليحرم من خارج الحرم، فالمراد به العمرة المفردة لا عمرة التمتع.
(مسألة 9) إذا حجّ باعتقاد أنّه غير بالغ ندباً فبان بعد الحج أنّه كان بالغاً، فهل يجزئ عن حجّة الإسلام أو لا؟ وجهان، أوجههما الأوّل (1)، و كذا إذا حجّ الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنية الندب ثمّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحج.
الثاني من الشروط (2): الحريّة، فلا يجب على المملوك و إن أذن له مولاه و كان مستطيعاً من حيث المال بناءً على ما هو الأقوى من القول بملكه أو بذل له مولاه الزاد و الراحلة. نعم لو حجّ بإذن مولاه صحّ بلا إشكال و لكن لا يجزئه عن حجّة الإسلام، فلو كما أن ما ورد من أن العمرة المفردة في أشهر الحج لمن أراد البقاء إلى الحج تحسب عمرة التمتع، موردها البعيد عن مكة الذي أحرم للعمرة المفردة من الميقات، فراجع. (1) و ذلك لما تقدم من أنّ حجة الإسلام المتعلق بها الوجوب هي ما تقع عند تحقق شرائطه، و حيث إنّ الحج من العبادات فالمعتبر في صحة وقوعه بقصد القربة، و قصد امتثال الأمر الندبي لاعتقاده عدم بلوغه لكونه من الخطأ في التطبيق لا ينافي قصد التقرب و لا يوجب تقييداً في الحج فان الواقع خارجاً هو الحج بعد تحقق شرائط وجوبه، نعم لو كان من قصده أن لا يأتي بالحج على تقدير بلوغه و وجوبه عليه فهذا أمر آخر موجب لفقد قصد التقرب إذا كان بنحو التعليق في القصد. (2) فلا يجب على المملوك و إن أذن له مولاه و كان مستطيعاً؛ فحج المملوك بإذن مولاه و إن كان مشروعاً إلّا أنه لا يجزي عن حجة الإسلام بعد عتقه و استطاعته كما يدل عليه صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السّلام)
ان المملوك إن حج و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق و إن أعتق فعليه الحج «1» و صحيح علي بن جعفر عن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 45
أعتق بعد ذلك أعاد، للنصوص منها خبر مسمع: «لو أنّ عبداً حجّ عشر حجج ثمّ أعتق كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلًا». و منها: «المملوك إذا حجّ و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق، فإن أُعتق أعاد الحج». و ما في خبر حكم بن حكيم: «أيّما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجّة الإسلام» محمول على إدراك ثواب الحج أو على أنّه يجزئه عنها ما دام مملوكاً لخبر أبان: «العبد إذا حج فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» فلا إشكال في المسألة. نعم لو حجّ بإذن مولاه ثمّ انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة الإسلام بالإجماع و النصوص. أخيه (عليه السّلام) قال: المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه إعادة الحج «1» و في معتبرة مسمع بن عبد الملك عن الصادق، قال (عليه السّلام): لو أنّ مملوكاً حج عشر حجج ثم أعتق كان عليه حجة الإسلام إذا استطاع «2». و كذلك ما ورد من أنّه لو أعتق و أدرك أحد الموقفين بعد الانعتاق أجزأه عن حجة الإسلام «3»، حيث إنّ مقتضاه عدم الإجزاء مع عدم إدراكه أحد الموقفين بعد عتقه. و كيف كان فلا خلاف نصاً و فتوى في أصل الحكم، و ما ورد في رواية حكم بن حكيم الصيرفي الخلّاد قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أيّما عبد حج به مواليه فقد قضى حجة الإسلام «4»، ناظر لاحتساب ما يأتيه حال رقّيته حجة الإسلام
من حيث الثواب و المشروعية لا أنّه حجة الإسلام حقيقة، نظير ما ورد في الصبي انه إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر.
و إنما يقع الكلام في المقام في جهات على ما أشار إليه الماتن:
و يبقى الكلام في أمور:
أحدها: هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام بعد الانعتاق فهو من باب القلب، أو لا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان، مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى؛ فلو فرض أنّه لم يعلم بانعتاقه حتّى فرغ أو علم و لم يعلم الإجزاء حتّى يجدّد النّية كفاه و أجزأه.
الثاني: هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق، أو لا يشترط ذلك أصلًا؟ أقوال أقواها الأخير؛ لإطلاق النصوص و انصراف ما دلّ على اعتبار الاستطاعة من المقام. الأولى: هل يعتبر في إجزاء حجه إذا أدرك المشعر بعد عتقه قصده حجة الإسلام أو لا؟ فلو لم يعلم بعتقه قبل وقوفه في المشعر إلّا بعد الوقوف أو بعد تمام حجه، فهل يحكم بإجزائه؟ لا يبعد ذلك، لإطلاق قوله (عليه السّلام) في حسنة شهاب بن عبد ربه في عبد أعتق عشية عرفة، قال: يجزي عن العبد حجة الإسلام «1»، و قوله (عليه السّلام) في صحيح معاوية بن عمّار «مملوك أعتق يوم عرفة، قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» «2» فإن المراد إدراك حجة الإسلام لكون حجه مشروعاً و لو كان رقاً، فمدلولها أنه إذا أدرك أحد الموقفين بعد عتقه حسب له حجة الإسلام من دون فرق بين علمه بعتقه و قصده حجة الإسلام في أحد الموقفين أم لا. الثانية: هل يشترط في أجزاء حجه عن حجة الإسلام استطاعته عند الدخول في الإحرام و لو ببذل مولاه أو يكفي استطاعته حين عتقه، أو لا يشترط ذلك أيضا؟ ذكر الماتن أن الأقوى الأخير لإطلاق الحسنة و الصحيحة، و لكن لا يخفى أن الروايتين
الثالث: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أو لا، أو يكفي إدراك أحد الموقفين، فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقاً كفى؟ قولان، الأحوط الأوّل، كما أنّ الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من المشعر، فلا يكفي إدراك الاضطراري منه، بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين، و إن كان يكفي
الانعتاق قبل المشعر، لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً و لو مملوكاً. ناظرتان إلى أن الحرية المعتبرة في حجة الإسلام تعم ما إذا انعتق العبد قبل أحد الموقفين من دون اعتبار حصولها من أوّل الأعمال، و أمّا أن سائر الشرائط لحجة الإسلام غير معتبرة في حج العبد المعتق قبل أحد الموقفين فلا دلالة لهما على ذلك فضلًا عمّا إذا لم تحصل له الاستطاعة و لو بعد عتقه؛ و لذا لا يمكن الحكم بأن العبد إذا كان صبياً و بلغ قبل أحد الموقفين يكون حجة أيضاً حجة الإسلام. فالحاصل أنه لا إطلاق في الروايتين إلّا من جهة عدم مانعية الرقّية قبل الموقفين عن كون حجه بعد إعتاقه في أحد الموقفين حجة الإسلام.
الثالثة: هل المعتبر في إجزاء حجه عن حجة الإسلام إدراكه أحد الموقفين حراً أو أن المعتبر إدراكه الوقوف بالمشعر بعد عتقه، أو يكفي في الإجزاء إدراكه أحد الموقفين الاختياريين بعد عتقه؟ الأظهر هو الأخير، و ذلك لما ورد في صحيح معاوية بن عمّار «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» «1». و قد ذكرنا في محلّه أن مثل عنوان الموقفين ينصرف إلى الاختياري كانصراف الوقت و القبلة إلى الاختياري منهما، و على ذلك فإن أدرك الوقوف الاختياري بعرفة بعد عتقه ثم فاته الوقوف الاختياري بالمشعر حكم بإجزاء حجه عن حجة الإسلام مطلقاً بناءً على صحة
الرابع: هل الحكم مختص بحجّ الإفراد و القران أو يجزي في حجّ التمتّع أيضاً و إن كانت عمرته بتمامها حال المملوكية؟ الظاهر الثاني لإطلاق النصوص، خلافاً لبعضهم فقال بالأوّل لأنّ إدراك المشعر معتقاً إنّما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال المملوكية. الحج بإدراك الوقوف الاختياري بعرفة فقط و أمّا
بناءً على أنّ الحكم بالصحة فيما إذا أدرك الوقوف بالمشعر و لو بوقوف اضطراري يكون الحكم بالإجزاء فيما إذا أدرك بعد الوقوف الاضطراري بالمشعر، كما أنه إذا فاته الوقوف الاختياري بعرفة أو حتى الوقوف الاضطراري بها و أدرك الوقوف الاختياري بالمشعر بعد عتقه حكم بإجزاء حجة. نعم لو فاته الوقوف الاختياري بكل من عرفة و المشعر و أدرك الوقوف الاضطراري فيهما أو في المشعر فقط حكم بصحة حجة، و لكنه لا يجزي عن حجة الإسلام. و دعوى أن الانصراف إلى الاختياري بدوي لا يمكن المساعدة عليها بعد ملاحظة ما ورد من النهي عن استقبال القبلة و استدبارها عند التخلي و الأمر بالتيمم إذا خاف فوت الوقت إلى غير ذلك، كما أن دعوى أنّ مقتضى صحيح معاوية بن عمّار الحكم بصحة الحج و إجزائه عن حجة الإسلام إذا لم يدرك العبد من الوقوفين إلّا الوقوف بعرفة بعد عتقه و فات منه الوقوف بالمشعر رأساً لا يمكن المساعدة عليها، فإن الصحيحة ناظرة إلى بيان الإجزاء عن حجة الإسلام بعد الفراغ عن تحقق شرائط صحة الحج؛ فمفادها أن الحرية لا يعتبر حدوثها من أول أعمال الحج في الحكم بالإجزاء، و أما سائر ما يعتبر في صحة الحج و منه إدراك الوقوف بالمشعر و لو اضطراراً فغير معتبر في المقام، فلا دلالة للصحيحة على ذلك أصلًا.
الرابعة: قد يقال إنّ مقتضى صحيح معاوية بن عمّار اختصاص الحكم بالإجزاء بحج الإفراد و حج القران فإنها ناظرة إلى بيان إجزاء الحج لا أجزاء العمرة المعتبرة قبل حجة الإسلام في حج التمتع. و لكن لا يخفى أن عمرة التمتع شرط في حج
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 49
و فيه ما
مرّ من الإطلاق، و لا يقدح ما ذكره ذلك البعض لأنّهما عمل واحد، هذا إذا لم ينعتق إلّا في الحج، و أمّا إذا انعتق في عمرة التمتّع و أدرك بعضها معتقاً فلا يرد الإشكال.
(مسألة 1) إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبّس به ليس له أن يرجع (1) في إذنه لوجوب الإتمام على المملوك، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. نعم لو أذن له ثمّ رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه، و إذا لم يعلم برجوعه فتلبّس به هل يصحّ إحرامه و يجب إتمامه أو يصحّ و يكون للمولى حله أو يبطل؟ وجوه أوجهها الأخير، لأنّ الصحّة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع، و دعوى أنّه دخل دخولًا مشروعاً فوجب إتمامه فيكون رجوع المولى كرجوع الموكّل قبل التصرّف و لم يعلم الوكيل، مدفوعة بأنّه لا تكفي المشروعية الظاهرية، و قد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل و لا يجوز القياس عليه. التمتع و غالب الحج هو حج التمتع، و مقتضى إطلاق الصحيحة أي عدم الاستفصال في الجواب عن كون حج العبد حج التمتع أو غيره مع كون الغالب هو التمتع عدم الفرق في الإجزاء بإدراك أحد الموقفين بعد عتقه. (1) ذكروا أن العبد إذا أحرم بإذن مولاه وجب عليه إتمام الحج أو العمرة و رجوع المولى في إذنه لا أثر له، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. و قد يورد على ذلك كما عن صاحب المستند و بعض من تأخر عنه بأنه و إن لم يكن هناك نقاش في كبرى حرمة طاعة المخلوق في فرض مزاحمتها لطاعة الخالق لاستقلال العقل بها بلا حاجة للاستدلال عليها بالنصوص كي يناقش
في ذلك بضعف السند إلّا أنّ الصغرى لهذه الكبرى غير متحققة في المقام؛ لأن جملة من أعمال الحج و العمرة منافية لحق المولى، و بما أن منافع العبد ملك للمولى فلا يجوز له تفويتها على مولاه بدون إذنه، و مجرد إحرامه بإذن مولاه لا يقتضي جواز سائر الأعمال بدون إذنه، نظير
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 50
.......... ما إذا سافر المكلف للحج على مركب الغير بعد إحرامه فإنه لا يحتمل الالتزام بأن مطالبة المالك لمركبه لا أثر لها. و بعبارة أخرى: إتمام الحج و العمرة مع رجوع المولى عن إذنه ليس من طاعة اللَّه كي يقال بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
و مما ذكرنا يظهر وجه النظر فيما رتب على ذلك من أنه لو بيع العبد المأذون في إحرامه أو انتقل إلى ورثة مولاه بموته لم يجز للمشتري أو الوارث منعه عن إتمام مناسكه.
و لكن نظر الأصحاب في حكمهم بعدم الأثر لرجوع المولى إلى أن إحرام العبد حيث وقع بإذن مولاه فصحته موضوع لوجوب إتمام العمل، نظير ما إذا نذر العبد سفر الزيارة بإذن مولاه فإنه يجب على العبد مع صحة نذره الوفاء به و لا أثر لرجوع المولى عن إذنه بل ينتفي حقه على عبده عند أمر الشارع بما ينهاه مولاه عنه. و قد استفيد مما ورد في المحصور و المصدود و من لم يدرك الموقفين أن إحرام الحج و العمرة إذا وقع صحيحاً وجب إتمامه، كما هو الحال فيما إذا وقع نذر العبد أو حلف الولد صحيحاً فلا أثر حينئذ لرجوع المولى أو الوالد عن إذنهما. و تنظير المقام بما لو ركب المكلف مركب الغير عند سفره للحج أو العمرة
بإذنه ثم رجع المالك عن رضاه بعد الإحرام غير صحيح، فإن صحة الإحرام موضوع لوجوب الإتمام عند التمكن منه، و توقف الإتمام على ارتكاب الحرام موجب لارتفاع التمكن و القدرة، بخلاف حج العبد فإنه و إن كان ملكاً لمولاه بحيث لا يجوز للغير استخدامه و يجب على نفس العبد رعاية حق مولاه إلّا أنه لاحق لمولاه فيه إذا أمره الشارع بما ينهى عنه مولاه و لو بنحو الاستلزام، و قوله تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ «1» معناه
(مسألة 2) يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه و ليس للمشتري حل إحرامه، نعم مع جهله بأنّه محرم يجوز له الفسخ (1) مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه.
(مسألة 3) إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه (2)، و إن لم يتمكّن فعليه أن يصوم، و إن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم للنصوص و الإجماعات. أنه لا يقدر عليه بالاستقلال لا مطلقاً و لو بإذن مولاه، بل يمكن أن يقال: انّ نفس قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «1» كافٍ في وجوب إتمام الحج على العبد إذا كان إحرامه بإذن مولاه و قد وقع صحيحاً، أي إن أذن المولى في الدخول في الإحرام إسقاط لحقه عنه إلى زمان خروجه عن الإحرام، بل إلى زمان إتمام حجه إذا كان إحرامه بعمرة التمتع. (1) لو قيل بجواز رجوع المولى عن إذنه و مع ذلك فلا يجوز للعبد إتمام حجه لأنه تفويت لمنافعه على مولاه، فلا موضوع لخيار الفسخ للمشتري، إلّا إذا كان رجوع المولى عن إذنه لا ينفع في فوت منافعه على المشتري. و أما لو قلنا بعدم نفوذ رجوع مولاه عن إذنه و أنه يجب على العبد الإتمام، فمع كون زمان فوت المنافع معتداً به يثبت للمشتري خيار الفسخ، نظير ما إذا باع عيناً ثم انكشف كونها ملكاً مسلوب المنفعة لزمان معتد به. (2) حيث إنّ الهدي واجب على الحاج المتمتع، فالظاهر عدم الفرق بين عتقه قبل أحد الموقفين الموجب لإجزاء حجه عن حجة الإسلام على ما تقدم أو عتقه
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 52
.......... بعد الموقفين غير الموجب للإجزاء، فإن
الهدى على ما تقدم وظيفة الحاج، و كونه على غيره يحتاج إلى دليل. نعم لو حج المملوك بإذن مولاه ففي بعض الروايات المعتبرة أن مولاه إما أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم؛ ففي صحيحة جميل بن درّاج «سأل رجل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع. قال: فمره فليصم، و إن شئت فاذبح عنه» «1». و صحيح سعد بن أبي خلف، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) قلت: أمرت مملوكي أن يتمتع. فقال: إن شئت فاذبح عنه، و إن شئت فمره فليصم» «2». و موثقة الحسن العطّار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، أ عليه أن يذبح عنه؟ قال (عليه السّلام): لا، لأن اللَّه تعالى يقول عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ» «3». و مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدم حملها على عدم تعين الذبح على مولاه. و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «و سألته عن المتمتع المملوك، فقال (عليه السّلام): عليه مثل ما على الحر إما أضحية و إما صوم» «1». فإن مقتضى مماثلة ما عليه مع ما على الحر لزوم الهدي و عدم وصول النوبة إلى صومه مع التمكن من الهدي. و قد ذكر الشيخ (قدّس سرّه) بعد نقلها:
و هذا الخبر يحتمل وجهين:
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 53
.......... أحدهما: أن يكون مملوكاً ثم أعتق قبل أن يفوته أحد الموقفين، فإنه يجب عليه الهدي، لأن حجه يجزي عن حجة الإسلام. و الوجه الآخر أن المولى إذا لم يأمره بالصوم إلى يوم النفر الأخير فإنه يلزم أن يذبح عنه و لا يجزيه الصوم.
و استشهد للثاني برواية علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: «سألته عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ثم أهلّ بالحج يوم التروية و لم أذبح عنه، أ فله أن يصوم بعد النفر و قد ذهبت الأيام التي قال اللَّه تعالى؟ فقال: أ لا كنت أمرته أن يفرد الحج؟ فقلت: طلبت الخير. فقال: كما طلبت الخير فاذهب و اذبح عنه شاة سمينة» «2». و كان ذلك يوم النفر الأخير.
و أضاف في الاستبصار وجهاً ثالثاً و هو أن يكون الخبر ناظراً إلى تسويته مع ما على الحر من حيث الكمية لا من حيث الكيفية، أي لا يجري على بدل الهدي ما يجري على الظهار حتى يجب على العبد نصف ما يجب على الحر.
و لكن لا يخفى ما في الوجوه المذكورة، فإنه قد فرض فيها المتمتع مملوكاً و أن السؤال عن وظيفته في حج التمتع، فحملها مع من أعتق قبل الموقفين أو أحدهما غير ممكن، لأنه مع العتق يكون حراً يوم النحر و الذبح. و أما الوجه الثاني فهو كذلك أيضاً. و خبر علي بن أبي حمزة ضعيف سنداً، كما أنه لا بأس بتأخير الصوم إلى ما بعد أيام التشريق و النفر الثاني مع العذر كما يأتي. نعم لا بأس بحمل المماثلة على الكمية، بمعنى رفع اليد عن إطلاق المماثلة في صحيح
(مسألة 4) إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة، فهل هي على مولاه، أو عليه و يتبع بها بعد العتق، أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز، أو في الصيد عليه و في غيره على مولاه؟ وجوه (1) أظهرها كونها على مولاه، لصحيحة حريز، خصوصاً إذا كان الإتيان
بالموجب بأمره أو بإذنه. نعم لو لم يكن مأذوناً في الإحرام بالخصوص بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره لم يبعد كونها عليه، حملًا لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران النافي لكون الكفارة في الصيد على مولاه على هذه الصورة. ابن مسلم بقرينة صحيح جميل بن درّاج و صحيح سعد بن أبي خلف لدلالتهما على تخيير المولى بين الذبح عنه أو أمره بالصوم، فوظيفة العبد مماثلة لوظيفة الحر بحسب الكم. (1) قد يقال بكون الكفارة فيما إذا أحرم بإذن المولى على سيده بلا فرق بين جزاء صيده و غيره، كما يقال بعدم كونها عليه بل تتعلق بنفس العبد؛ ففيما إذا كان الصوم فيصوم مع عجزه، و إلّا تبقى على عهدته لما بعد عتقه كسائر الجنايات التي يتبع بها بعد العتق، حيث إن تكليف مولاه بها ينافي قوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
و قد يقال إن جزاء الصيد على العبد و غيره على مولاه، و المحكي عن المفيد (قدّس سرّه) عكس ذلك و إن جزاء الصيد على مولاه دون غيره. و ذكر الماتن (قدّس سرّه) تفصيلًا آخر و هو أنه إذا أذن مولاه في إحرامه بخصوصه كان الجزاء عليه بلا فرق بين جزاء الصيد و غيره، بخلاف ما لم يأذن فيه بخصوصه بأن أذن له في أي فعل يريده إحراماً كان أو غيره فان الجزاء في ذلك على العبد بلا فرق بين جزاء الصيد و غيره. و الوجه في هذا التفصيل ما أشار إليه (قدّس سرّه) من عموم قوله (عليه السّلام) في صحيحة حريز المرويّة في الاستبصار: «كل ما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له
في
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 55
.......... الإحرام» «1». فإنها ظاهرة أو محمولة على الإذن في الإحرام بخصوصه. و ما ورد في صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن عبد أصاب صيداً و هو محرم، هل على مولاه شي ء من الفداء؟ فقال: لا شي ء عليه» «2» ناظر إلى صورة عدم الإذن في إحرامه بخصوصه. و لكن لا يخفى أن ما ذكر لا يخرج عن الجمع التبرعي. نعم قد يقال برفع اليد بهذه الصحيحة عن إطلاق صحيحة حريز، فيلتزم بأن كل ما أصاب العبد في إحرامه فالجزاء على مولاه، إلّا الصيد فان الجزاء فيه ليس على مولاه. و قد يقال بأنه لم يفرض في صحيح عبد الرحمن اذن المولى في إحرامه فيحمل على صورة عدم الاذن كما ذكر ذلك الشيخ (قدّس سرّه)، و لكن لا يخفى أن ظاهر الصحيحة فرض صحة إحرام العبد و لو كان إحرامه باطلًا، لما كان مورداً للسؤال عن الكفارة هل هي على مولاه أم لا، فيتعين الالتزام بأنه ليس الجزاء في الصيد على مولاه. و أما المناقشة في الرواية سنداً بأنّ رواية محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن بن أبي نجران غير معهودة ففيها أنّ رواية الصفار و غيره عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن بن نجران ثابتة في بعض الموارد، كما ذكرنا ذلك في الطبقات، كما أن رواية سعد عبد اللَّه عن محمد بن الحسن الصفار كذلك، فلا مورد للمناقشة في السند أصلًا. نعم قد يقال في المقام إنّ صحيحة حريز المتقدمة الدالة على أن كل ما أصاب العبد في إحرامه فهو على سيده مروية في الاستبصار بعين
السند، و المملوك كلما أصاب من الصيد و هو محرم فهو على سيده إذا أذن له في الإحرام. و عليه
(مسألة 5) إذا أفسد المملوك المأذون حجّه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام و القضاء، و أمّا البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه فالظاهر أنّ حالها حال سائر الكفارات على ما مرّ، و قد مرّ أنّ الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام. و هل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه، أو لا لأنّه من سوء اختياره؟ قولان أقواهما الأوّل (1) سواء قلنا إنّ القضاء هو حجّه أو إنّه عقوبة و إنّ حجّه هو الأوّل، هذا إذا أفسد حجّه و لم ينعتق. و أمّا إن أفسده بما ذكر ثمّ انعتق؛ فإن انعتق قبل المشعر. كان حاله حال الحر في وجوب الإتمام و القضاء و البدنة و كونه مجزئاً عن حجّة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين من كون الإتمام عقوبة و أنّ حجّه هو القضاء أو كون القضاء عقوبة، بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضاً أتى بحجّة الإسلام و إن كان عاصياً في ترك القضاء، و إن انعتق بعد المشعر فكما ذكر إلّا أنّه لا يجزئه عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع، و إن كان مستطيعاً فعلًا ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيان على أنّ القضاء فوري أولا، فعلى الأوّل يقدم لسبق سببه، و على الثاني تقدّم حجّة الإسلام لفوريتها دون القضاء. فلا موجب للالتزام بكون الجزاء على السيد في غير الصيد بل في الصيد أيضاً، لتعارض هذه الصحيحة مع صحيحة عبد الرحمن الدالة على عدم كون
جزاء صيد العبد على مولاه. و لكن لا يبعد كون ما أخرجه في الاستبصار من النقل بالمعنى بقرينة رواية الكليني و الفقيه لا كونها رواية أخرى، فإن نقل رواية في الاستبصار مع عدم التعرض لها في التهذيب مع ملاحظة مخالفة مدلولها للروايات الأخرى بعيد جدّاً، فالوجه الثالث المذكور في المتن غير بعيد. (1) لا يخفى أن الفعل المأذون فيه هو إحرام العبد لا إفساده بالجماع قبل المشعر، و الإفساد بالجماع ليس لازماً للإحرام ليكون الإذن في الشي ء إذناً في
(مسألة 6) لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحج على المملوك و عدم صحته إلّا بإذن مولاه و عدم إجزائه عن حجّة الإسلام إلّا إذا انعتق قبل المشعر بين القنّ و المدبر و المكاتب و أم الولد و المبعض إلّا إذا هاياه مولاه و كانت نوبته كافية مع عدم كون السفر خطرياً فإنّه يصحّ منه بلا إذن، لكن لا يجب و لا يجزئه حينئذ عن حجّة الإسلام و إن كان لوازمه. نعم يمكن أن يقال بأن الجماع قبل المشعر موضوع لوجوب الإتمام و أعادته فلا يكون لطاعة السيد في المنع عن الإتمام أو المنع عن القضاء موضوع، نظير ما تقدم من عدم جواز رجوع المولى عن إذنه و المنع عن إتمام العمل إذا أذن فيه في الإحرام، حيث إن الإحرام الصحيح موضوع لوجوب الإتمام على ما مرّ، هذا بالإضافة إلى وجوب الإتمام و القضاء. و أما الكفارة فقد تقدم أن الجزاء على مولاه، فالكفارة اللازمة داخلة في الجزاء على ما أصاب من غير فرق بين عتقه بعد الإفساد أم لا، حتى فيما إذا كان عتقه قبل الوقوف بأحد الموقفين فإنه حين الارتكاب عبد، فما أصابه
على مولاه، و إنما الفرق فيما إذا كان مستطيعاً؛ فان كان عتقه قبل أحد الموقفين على ما مرّ أجزأ حجه عن حجة الإسلام، و قد يقال بوجوب القضاء بناءً على ما هو الأظهر من كون حجه الأول الذي واقع فيه صحيحاً و أن القضاء عقوبة له، بخلاف ما إذا كان عتقه بعد الموقفين أو لم يكن مستطيعاً، لأنه إذا استطاع وجب عليه حجة الإسلام كما يجب القضاء، و بما أنّ الفورية في القضاء غير ثابتة فيجب عليه تقديم حجة الإسلام إذا استطاع فإن تأخيرها كما تقدم غير جائز بل هو كبيرة. و بهذا يظهر أنه لا يبعد القول بلزوم تقديمها حتى بناءً على فورية القضاء لما ذكرنا من أهمية حجة الإسلام. و سيأتي أن المأخوذ من الاستطاعة في وجوب حجة الإسلام هو أن يكون عنده ما يحج به مع صحته و تخلية السرب، لا ما يقال من القدرة الشرعية، بحيث يكون تكليفه بأمر آخر لا يجتمع مع حجة الإسلام موجباً لارتفاع
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 58
مستطيعاً لأنّه لم يخرج عن كونه مملوكاً، و إن كان يمكن دعوى الانصراف (1) عن هذه الصورة، فمن الغريب ما في الجواهر من قوله: «و من الغريب ما ظنّه بعض النّاس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي يشهد له التتبّع على اشتراط الحريّة المعلوم عدمها في المبعض» انتهى، إذ لا غرابة فيه بعد إمكان دعوى الانصراف، مع أنّ في أوقات نوبته يجرى عليه جميع آثار الحرية. موضوع وجوب حجة الإسلام كما هو المعروف في الواجبين إذا تزاحما، فإن أخذ القدرة الشرعية بالمعنى المزبور في موضوع أحد التكليفين
يخرجهما عن المتزاحمين حقيقة. (1) المبعض داخل في عنوان المملوك، و قد ورد في صحيحة عبد اللَّه بن سنان و غيرها «أنه لا يجب عليه حجة الإسلام حتى يعتق» «1»، و في صحيح على بن جعفر «المملوك إذا حج ثم أعتق فعليه إعادة الحج» «2». و المبعض و إن هاياه مولاه و كانت نوبته كافية للحج فهو عبد مملوك لمولاه و لو في بعضه، و قد رفع اليد عن الحكم المزبور إذا أعتق قبل المشعر أو أحد الموقفين و كان على سائر شرائط الاستطاعة فإن حجه يجزي عن حجة الإسلام على ما تقدم، و دعوى أن المبعض الذي هاياه مولاه في نوبته يجري عليه جميع أحكام الحرية لا يمكن المساعدة عليها، فان ما يجري لا يقبل التبعيض كالإرث، و أما مثل وجوب الحج فلا تبعيض فيه لأن نصف شخص واحد لا يكون مكلفاً بشي ء.
(مسألة 7) إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته (1) و إن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام، كما إذا آجره للنيابة عن غيره، فإنّه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة و بين إجارته للحج أو الصلاة أو الصوم.
الثالث: الاستطاعة من حيث المال و صحّة البدن و قوّته و تخلية السِّرب و سلامته و سعة الوقت و كفايته، بالإجماع و الكتاب و السنّة.
(مسألة 1) لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية (2)، و هي كما في جملة من الأخبار الزاد و الراحلة، فمع عدمهما لا يجب و إن كان قادراً عليه عقلًا بالاكتساب و نحوه. و هل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصّاً بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقة عليه أو منافياً لشرفه، أو يشترط مطلقاً و لو مع عدم الحاجة إليه؟ مقتضى إطلاق الأخبار و الإجماعات المنقولة الثاني، و ذهب جماعة من المتأخّرين إلى الأوّل لجملة (1) فان ذلك مقتضى كون العبد بمنافعه ملكاً لمولاه فلا يجوز له صرفها في غير ما أذن فيه، بل يجب عليه صرفها فيما أمر به مولاه، و يؤيد ذلك ما ورد في الهدي الواجب من أنّه يأمر عبده بالصيام بلا فرق بين أمره بالحج عن نفسه أو غيره، كان بنحو إيجاره للنيابة عن الغير أم لا، فإن إيجاره للحج عن الغير كإيجاره للخياطة و غيرها من الأعمال. (2) قد يقال إنّه لو لم يكن في البين الروايات الواردة في بيان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و الناظرة إلى بيان المراد من الاستطاعة الواردة في الكتاب العزيز كان المتعين الالتزام بكفاية القدرة العقلية في وجوبه كسائر الواجبات، غاية الأمر كما أنها تسقط مع الحرج كذلك وجوبه، و أما بالنظر إلى الروايات المشار إليها فالاستطاعة العقلية غير كافية في وجوبه، بل يعتبر أن يكون للمكلف الزاد و الراحلة
التهذيب في مناسك العمرة و الحج،
ج 1، ص: 60
من الأخبار المصرحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضاً أو كلا، بدعوى أنّ مقتضى الجمع بينها و بين الأخبار الأُوَل حملها على صورة الحاجة مع أنّها منزلة على الغالب بل انصرافها إليها. و الأقوى هو القول الثاني لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم و مسمع، فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل كالحمل على الحج المندوب و إن كان بعيداً عن سياقها، مع أنّها مفسرة للاستطاعة في الآية الشريفة، و حمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب و الندب بعيد، أو حملها على من استقرّ عليه حجّة الإسلام سابقاً و هو أيضاً بعيد، أو نحو ذلك. و كيف كان فالأقوى ما ذكرنا، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة، خصوصاً بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي و الركوب أو يكون المشي أسهل، لانصراف الأخبار الأُوَل عن هذه الصورة، بل لولا الإجماعات المنقولة و الشهرة لكان هذا القول في غاية القوّة. مع تخلية السرب و سلامته و سعة الوقت، بحيث يمكن مع الخروج إدراك المناسك في أوقاتها؛ و المراد بالزاد ما يتقوت به الإنسان في الطريق و المنازل ذهاباً و إياباً و عند القيام بالأعمال، كما أن المراد بالراحلة الوسيلة المناسبة لقطع المسافة بها ذهاباً و إياباً سواء كان بملك عينها أو باستئجارها.
و على الجملة كما يأتي أن يكون عند المكلف مال كاف لمصارف الحج زائداً على ما يحتاج إليه في إعاشة عياله. و هل اعتبار الراحلة في وجوبه مطلق حتى بالإضافة إلى المتمكن من المشي، أو يختص اعتبارها بصورة الحاجة و عدم التمكن من الحج مشياً؟ فالمنسوب إلى المشهور إطلاق اعتبارها في وجوبه، كما أن المنسوب
إلى جماعة اختصاص اعتبارها بصورة الحاجة و الحرج من المشي، و منشأ ذلك اختلاف الروايات فان بعضها ظاهرة في اعتبارها مطلقاً كصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في قول اللَّه (عزّ و جلّ)
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 61
.......... وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج» «1». و في صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي أو موثقته، قال: «سأل حفص الكناسي أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج. أو قال: ممن كان له مال. فقال له حفص الكناسي: فإذا كان صحيحاً في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فلم يحج، فهو ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم» «2». و يؤيدهما رواية السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأله رجل من أهل القدر فقال: يا ابن رسول اللَّه، أخبرني عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، أ ليس قد جعل اللَّه لهم الاستطاعة؟! فقال: و يحك! إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن «3». إنما عنى بالاستطاعة الزاد و الراحلة.
و على الجملة، مقتضى الإطلاق فيها اعتبار الراحلة مطلقاً.
و في مقابل ذلك روايات يستظهر منها عدم اعتبار الراحلة مع التمكن من الحج مشياً، كصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو
ممن يستطيع الحج و لم يستحيِ و لو على حمار أجدع أبتر. قال:
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 62
.......... فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليفعل «1». و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): فإن كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلّا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر «2». و في صحيحة الحلبي «قال: قلت له فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك، أ هو ممن يستطيع إليه سبيلًا؟ قال: نعم، ما شأنه يستحيي و لو على حمار أجدع أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشى بعضاً و يركب بعضاً فليحج» «3». و ربما تحمل هذه الأخبار على من استقر عليه الحج بعد عدم الخروج عند ما عرض الحج عليه، فإنه يجب عليه الخروج بعد عدم الخروج بالبذل و لو على حمار أجدع أبتر. و هذا الحمل و إن كان غير بعيد بالإضافة إلى مثل صحيحة معاوية بن عمار الا انه لا يناسب ما في صحيحة محمد بن مسلم: و لم يستحيِ و لو على حمار أجدع أبتر. و مثلها بل أوضح منها صحيحة أبي بصير المروية في الفقيه، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج «4». و مع ذلك كله فمع عدم احتمال اختصاص ما ورد في الاخبار بصورة بذل الحج في اعتبار الراحلة و عدمه كما لا يبعد كون هذه الاخبار معارضة بما دل على اعتبار الراحلة الظاهرة فيما تناسب المكلف
(مسألة 2) لا فرق في اشتراط وجود الراحلة
بين القريب و البعيد حتّى بالنسبة إلى أهل مكّة لإطلاق الأدلّة، فما عن جماعة من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له (1). في سفره، و يؤخذ بالدالة على اعتبارها لكونها موافقة لظاهر الآية المباركة، فإن ظاهرها اعتبار الاستطاعة إلى الحج بالاستطاعة العرفية التي يدخل فيها الزاد و الراحلة بالمعنى المتقدم. و ما قيل من أنه لو لم يكن في البين الروايات لم يكن المستفاد من الآية بأزيد من القدرة العقلية كسائر الواجبات يمكن المساعدة عليه، فإنه لا حاجه إلى تقييد موضوع التكليف بالقدرة العقلية لاستقلال العقل باعتبارها، فذكر الاستطاعة في المقام و عدم ذكرها في خطابات سائر التكاليف ظاهره أنّ المراد بالاستطاعة غير ما يستقل به العقل، و ليس في البين من الاستطاعة الخاصة إلّا ما ورد في الروايات الواردة في بيان تفسير الآية و نحوها. و يؤيد ما ذكر بعض الروايات التي لا يمكن الالتزام بظاهرها، كرواية أبي بصير، حيث ورد فيها: «يخرج و يمشي إن لم يكن عنده. قلت: لا يقدر على المشي قال: يمشي و يركب. قلت:
لا يقدر على ذلك أعني المشي. قال: يخدم القوم و يخرج معهم» «1» فإن ظاهر هذه وجوب الاكتساب للحج و لو بإيجار نفسه للخدمة. (1) قيل الوجه فيه هو أن ما دل على اعتبار الراحلة في الاستطاعة الواردة في الآية المباركة ناظر إلى اعتبارها في السفر إلى بيت اللَّه الحرام، و هذا غير جار بالإضافة إلى أهل مكة و المجاورين بها، بل لا يجري بالإضافة إلى من كان قريباً إلى مكة بحيث لا حاجة له في وصوله إلى مكة بالراحلة.
و فيه أن المراد من الآية المباركة ليس مجرد الوصول إلى بيت اللَّه الحرام، بل
(مسألة
3) لا يشترط وجودهما عيناً عنده (1)، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال من غير فرق بين النقود و الأملاك من البساتين و الدكاكين و الخانات و نحوها، و لا يشترط إمكان حمل الزاد معه، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة، و مع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان من غير فرق بين علف الدابّة و غيره، و مع عدمه يسقط الوجوب.
(مسألة 4) المراد بالزاد هنا المأكول و المشروب و سائر ما يحتاج إليه المسافر من الأوعية التي يتوقّف عليها حمل المحتاج إليه و جميع ضروريات ذلك السفر بحسب المراد الإتيان بالمناسك الخاصة المعبر عنها بحج بيت اللَّه الحرام، و إذا كان المراد ذلك فلا يكون عدم الحاجة إلى الراحلة في مجرد الوصول إلى بيت اللَّه الحرام موجباً لعدم اعتبارها في وجوب الحج مع الحاجة إليها في الانتقال إلى عرفات و المشعر و المراجعة إلى مكة. (1) إذا كان له مال وافٍ لتحصيل الزاد و الراحلة، فمع إمكان تحصيلهما يجب عليه الحج و لا يعتبر وجود عين الزاد و الراحلة في وجوبه، لما ورد في صحيحة محمد بن مسلم من قوله (عليه السّلام): يكون له ما يحج به. و مثلها صحيحة معاوية بن عمار قال اللَّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة.
و على الجملة، هذه العناوين تصدق فيما إذا كان عنده بستان أو دكّان أو غيرهما بحيث يمكن تحصيل الزاد و الراحلة بالبيع و الشراء، فضلًا عما إذا كان عنده النقود المتعارفة. و مما ذكر يظهر أنه لا يعتبر في الزاد حمله معه بل يكفي
تحصيله تدريجاً بمقدار الحاجة في المنازل. نعم إذا لم يمكن تحصيله فيها بالشراء و نحوه يجب حمله معه مع الإمكان، و مع عدم إمكانه أو كونه حرجياً يسقط وجوب الحج.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 65
حاله قوّة و ضعفاً و زمانه حراً و برداً و شأنه شرفاً و ضعة، و المراد بالراحلة مطلق ما يركب و لو مثل سفينة في طريق البحر، و اللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة و الضعف، بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة و الشرف كماً و كيفاً، فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعد ما دونهما نقصاً عليه يشترط في الوجوب القدرة عليه و لا يكفي ما دونه، و إن كانت الآية و الأخبار مطلقة، و ذلك لحكومة قاعدة نفي العسر و الحرج على الإطلاقات (1). نعم إذا لم يكن بحد الحرج وجب معه الحج، و عليه يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه و لو على حمار أجدع مقطوع الذَّنَب.
(مسألة 5) إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و شربه و غيرهما من بعض حوائجه، هل يجب عليه أو لا؟ الأقوى عدمه و إن كان أحوط (2). (1) لا يبعد أن يقال بظهور الآية و الروايات الواردة في تفسير الاستطاعة أن يكون للمكلف زائداً على نفقته و إعاشته الاعتيادية مال يحج به لراحلته و زاده المناسبين لحاله، و المنفي بقاعدة نفي الحرج هو الحرج الشخصي، و لو لم يكن للمكلف مبالاة بحيث لو حج براحلة لا تناسبه لم يكن حجة حجة الإسلام، و كذا لو فقدت راحلته أو نفقته قبل العود إلى بلاده لا
يكون حجة حجة الإسلام و لو كان اعتبارهما للحرج لم يكن نافياً لوجوبه في الفرض لكون نفيه خلاف الامتنان.
نعم لو كان متمكناً فيما ذكر الحج بالمناسب و تحصيل الراحلة المناسبة و مع ذلك تحمل الحرج و لم يبال بشأنه يكون حجة حجة الإسلام حتى بناء على اعتبار كل ذلك، للظهور المشار اليه، و ما ورد في بعض الاخبار من وجوبه و لو على حمار أجدع أبتر يحمل على من لا ينافي حاله أو استقرار الحج عليه. (2) و الوجه في عدم الوجوب هو فقده ما يحج به من المال المشروط وجوب
(مسألة 6) إنّما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده؛ فالعراقي إذا استطاع و هو في الشام وجب عليه و إن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق، بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكعاً أو لحاجة أخرى من تجارة أو غيرها و كان له هناك ما يمكن أن يحج به وجب عليه، بل لو أحرم متسكعاً فاستطاع و كان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه (1)، و إن كان لا يخلو عن إشكال. الحج به كما في ظاهر الروايات، و قد تقدم أنّ رواية أبي بصير لضعفها سنداً و معارضتها بظاهر تلك الروايات لا يمكن الاعتماد عليها، قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قال يخرج و يمشي إن لم يكن عنده. قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشي و يركب. قلت لا يقدر على ذلك أعني المشي قال: يخدم القوم و يخرج معهم» «1». نعم بعد إيجار نفسه للخدمة في الحج يدخل في المستطيع
إذا حصل سائر شرائط وجوبه فيكون حجة حجة الإسلام. (1) بل يتعين القول بالوجوب عليه لاجتماع شرائط الوجوب مع سعة الوقت لحجة الإسلام، و يكشف هذا عن بطلان إحرامه لغيرها، فاللازم أن يرجع إلى الميقات و الإحرام منه إذا لم يكن أمامه ميقات آخر. و على الجملة فالإحرام للعمرة و الحج ندباً و إن يكون موضوعاً لوجوب الإتمام، و لكن هذا مع صحتهما لا مع انكشاف البطلان لعدم الأمر بهما في سنة الاستطاعة. و إن لم يكن امامه ميقات و لم يمكن رجوعه إليه أحرم من موضعه، و لا يترك الرجوع بالمقدار المتمكن منه، كما يأتي فيمن ترك الإحرام من الميقات.
(مسألة 7) إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب (1). و لو وجد و لم يوجد شريك للشق الآخر؛ فإن لم يتمكّن من أجرة الشقين سقط أيضاً، و إن تمكّن فالظاهر الوجوب لصدق الاستطاعة، فلا وجه لما عن العلّامة من التوقّف فيه، لأن بذل المال له خسران لا مقابل له. نعم لو كان بذله مجحفاً و مضرّاً بحاله لم يجب، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء. (1) لما تقدم من أن اعتبار الراحلة في الاستطاعة المأخوذة في الموضوع لوجوب الحج هي الظاهرة فيما يناسبه بحسب حاله، و شأنه. و ما ورد في بعض روايات بذل الحج كقوله (عليه السّلام) «هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيِ و لو على حمار أجدع أبتر» لا يوجب رفع اليد عن الظهور المذكور، لما ذكرنا من ظهور ذلك في فرض الامتناع عن الخروج بالمبذول، كما هو ظاهر صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «فإن كان دعاه قوم
أن يحجّوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلّا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر». «1» نعم ما ورد في صحيحة هشام بن سالم «من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج» «2» ظاهره كون الراحلة المبذولة كذلك، و لكنها معرض عنها عند الأصحاب مع كونها واردة في بذل الحج و لا يتعدى إلى صورة استطاعة المكلف للحج لكونه واجداً لما يحج به. و على ما ذكر فان كان شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط عنه الوجوب. و كذا لو وجد و لم يوجد له شريك للشق الآخر و لم يتمكن من اجرة الشقين، و أمّا إذا تمكن من أُجرتهما فقد حكم الماتن بوجوب الحج، و لكن قد يقال أن تمكنه عن أجرتهما لا يوجب الحج عليه لأن وجوبه في مثل الفرض ضرري، و كما
(مسألة 8) غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط، و لا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكّنه من القيمة، بل و كذا لو توقّف على الشراء بأزيد من ثمن المثل و القيمة المتعارفة، بل و كذا لو توقّف على بيع أملاكه بأقل من ثمن المثل لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة، فما عن الشيخ من سقوط الوجوب ضعيف. نعم لو كان الضرر مجحفاً بماله مضرّاً بحاله لم يجب، و إلّا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة و شمول الأدلّة، فالمناط هو الإجحاف و الوصول إلى حدّ الحرج الرافع للتكليف. أنّ وجوبه ينتفي بالحرج كذلك ينفى الضرر و دعوى عدم حكومة نفي الضرر في الموارد التي يكون أصل الحكم
و التكليف ضرريّاً كوجوب الخمس و الجهاد و نحوهما، و إنما تكون حكومته فيما إذا كان إطلاق الحكم و التكليف ضرريّاً و يرفع اليد عن إطلاقهما بنفيه، كما هو الحال في قاعدة نفي الحرج لا يمكن المساعدة عليها.
و على الجملة، الضرر الملازم لطبيعى الحج غير مؤثر في نفي وجوب الحج، و أمّا الضرر الزائد الطارئ في بعض الأحيان فرافع لوجوبه، و لا يقاس بالضرر في شراء الماء للوضوء، فإن مقتضى النص الوارد لزوم الشراء بأي ثمن. نعم إذا كان ثمنه مجحفاً بحيث يوقع المكلف في الحرج يكون وجوب الوضوء فيه مرفوعاً بقاعدة نفي الحرج، و لكن لا يخفى أنّ التكليف في المقام لم يتعلق بطبيعي الحج و بالإتيان به في سنة الاستطاعة بأن يكون في البين تكليفان، بل يجب الحج في سنة حصول المال مع الصحة و تخلية السرب. و الحج في تلك السنة في استلزامه الضرر يختلف بالإضافة إلى الأشخاص؛ فربّما يكون بلد المكلف الذي يخرج منه إلى الحج بعيداً يستلزم الضرر الكثير و مكان الآخر قريباً، أو يحتاج خروج مكلف من بلد محتاجاً إلى تهيئة
(مسألة 9) لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده و إن لم يكن له فيه أهل و لا مسكن مملوك و لو بالإجارة، للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له. نعم إذا لم يرد العود أو كان وحيداً لا تعلّق له بوطن لم يعتبر وجود نفقة العود (1)، لإطلاق الآية و الأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب، و إذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بدّ من وجود النفقة إليه إذا لم يكن
أبعد من وطنه (2)، و إلّا فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه. مقدمات يستلزم صرف المال الكثير و في مكلف في بلد آخر لا يكون كذلك، و إذا كانت تهيئة الراحلة موقوفةً على بيع بعض أمواله التي لا تدخل في المستثنيات بالأقل لنزول سعرها أو كانت الأسعار في تلك السنة غالية بالإضافة إلى الراحلة و الزاد و النفقه فلا حكومة لقاعدة نفي الضرر. و أمّا إذا كان بيعها بالأقل لا لنزول الأسعار بل لاتفاق عدم المشتري لها بقيمتها فلا بأس في الفرض بالأخذ بقاعدة نفي الضرر و لو لم يصل تحمله إلى الحد الموجب للحرج عليه. و مما ذكرنا يظهر الحال في المسألة الثامنة.
و على الجملة، فيما إذا اشترى شيئاً في سنة بقيمته السوقية أو باع متاعه بالقيمة السوقية مع كون القيمة في تلك السنة نازلة لم يكن الشراء أو البيع ضرريّاً، بخلاف ما إذا اشترى أو باع بغير القيمة السوقية فإن ذلك ضرر، و لكن مع ذلك كله فالأحوط رعاية الضرر الموجب للحرج، و اللَّه العالم. (1) و لكن يعتبر أن يكون له نفقة البقاء في ذلك البلد إلى زمان تمكّنه من الاكتساب فيه لمؤنته، و إلّا لم يجب عليه الحج، حيث يكون وجوبه عليه حرجياً كفاقد نفقة العودة. (2) نعم إذا كان مضطراً إلى الذهاب إلى ذلك البلد البعيد على تقدير الحج
(مسألة 10) قد عرفت أنّه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحج من الزاد و الراحلة و لا وجود أثمانها من النقود، بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها، لكن يستثني من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه؛ فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله، و
لا خادمه المحتاج إليه، و لا ثياب تجمله اللائقة بحاله فضلًا عن ثياب مهنته، و لا أثاث بيته من الفراش و الأواني و غيرهما ممّا هو محل حاجته، بل و لا حليّ المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها و مكانها، و لا كتب العلم لأهله التي لا بدّ له منها فيما يجب تحصيله لأنّ الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية، و لا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه، و لا فرس ركوبه مع الحاجة إليه، و لا سلاحه و لا سائر ما يحتاج إليه (1)، لاستلزام التكليف بصرفها في الحج العسر و الحرج، و لا يعتبر فيها الحاجة الفعلية، فلا وجه لما عن كشف اللثام: من أنّ فرسه إن كان صالحاً لركوبه في طريق الحج فهو من الراحلة و إلّا فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره. و لا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذ، كما لا وجه لما عن الدروس من التوقّف في استثناء ما يضطرّ إليه من أمتعة المنزل و السلاح و آلات الصنائع. فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه ممّا يكون إيجاب بيعه مستلزماً للعسر و الحرج. نعم لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج، و كذا لو استغنى عنها بعد الحاجة كما في حلي المرأة إذا كبرت عنه و نحوه. فيعتبر في وجوب الحج عليه وجود نفقة الذهاب إليه. (1) و لو كانت حاجته إليها في اعاشته و إعاشة عياله بالاسترباح منها، كرأس مال تجارته أو أرض زراعته و بستانه مما يعيش باستنمائها، و قد يحدّد ذلك بما إذا كان بيعها و صرف ثمنها في
الحج موجباً لوقوعه في الحرج أو المهانة. و لكن لا يخفى أنّ بيعها و صرف ثمنها في الحج مع لزوم الحرج و المهانة و إن كان كما ذكر من عدم
(مسألة 11) لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه و كان عنده دار مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة (1) إذا كانت وافية لمصارف الحج أو متممة لها، و كذا في الكتب وجوب الحج معه الا ان التحديد بذلك لا يخلو عن الخلل، كما يأتي بيان ذلك في المسألة الآتية، و لا يخفى أن المكلف لو حج مع كونه حرجياً لا يجزي عن حجة الإسلام و إذا استطاع بعد ذلك فعليه الحج؛ و دعوى أن دليل نفي الحرج يرفع الوجوب لا المشروعية لا تفيد في المقام، لما تقدم من ان حجة الإسلام نوع خاص من الحج و هو الحج الذي يؤتى به بعد تحقق الشرائط المعتبرة في الوجوب، و الحج المأتي به قبل تحققها لا يكون حجة الإسلام. نعم لو كان المكلف واجداً لشرائط الوجوب و لكن تحمل الحرج في حجه، بأن حج مشياً أو اشتغل في حجه بأعمال شاقة تحصيلًا للمال و نحو ذلك، يكون حجة حجة الإسلام؛ هذا لو قيل بعدم كون المستثنيات موجباً للاستطاعة لقاعدة نفي الحرج، و أما لو قيل بأن منصرف الآية و الروايات الواردة في تفسيرها ظاهر كون المكلف واجداً للمال الزائد على ما يحتاج إليه في اعاشته المناسبة له، كما يأتي، فهدمها ببيعها و صرف ثمنها في الحج لا يدخله في المستطيع للحج بلا حاجه إلى الأخذ بقاعدة نفي الحرج، كما أن جواز صرف المال الذي بيده فيها لا يحتاج إلى تلك القاعدة.
و تظهر الثمرة بين المسلكين ما إذا
فقد الحاج نفقة عودته إلى بلاده بعد تمام الحج بحيث انكشف كون حجه حرجياً؛ فبناءً على اعتبار نفقة العود لقاعدة نفي الحرج يُحكم بإجزائه عن حجة الإسلام، لأن نفي وجوب الحج في الفرض خلاف الامتنان، بخلاف ما ذكر عن انصراف الآية و الروايات فان مقتضاها عدم كون حجه حجة الإسلام، فتدبر. (1) ذكر جماعة من الأصحاب أنه لو كان عنده دار مملوكة يسكنها و بيده
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 72
المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته فيجب بيع المملوكة منها، و كذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة، لصدق الاستطاعة حينئذ، إذا لم يكن ذلك منافياً لشأنه و لم يكن عليه حرج في ذلك. نعم لو لم تكن موجودة و أمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك، فلا يجب بيع ما عنده و في ملكه. و الفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الأُولى إلّا إذا حصلت بلا سعي منه أو حصّلها مع عدم وجوبه، فإنّه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولًا. اخرى موقوفة يمكن ان يسكنها و يبيع المملوكة و يحج بثمنها وجب عليه الحج إذا لم يكن في بيعها و السكنى في الموقوفة حرج و مهانة، و كذا الحال إذا كان عنده الكتب الموقوفة يمكن الاستغناء بها عن المملوكة. نعم إذا لم يكن عنده الدار الموقوفة أو الكتب الموقوفة و لكن يمكن له تحصيلها و بيع الدار المملوكة أو الكتب المملوكة فلا يجب عليه الحج. و الفرق انه في الفرض الأول لوجود المال الزائد الوافي لمصارف الحج فهو مستطيع فعلًا، بخلاف الفرض الثاني فإن تحصيل الدار الموقوفة أو الكتب الموقوفة من تحصيل الاستطاعة،
و لا يجب تحصيلها، و يمكن ان يقال على ما ذكر بوجوب الحج في الفرض الثاني أيضاً، لأن فيه أيضاً أن عنده مال فعلًا و هي داره المملوكة أو الكتب كذلك، و مع تمكنه من تحصيل الموقوفة من غير لزوم حرج يتمكن من الحج، و فرق بين تحصيل المال الذي يمكن الحج به و بين تمكنه من الحج بالمال الموجود فعلًا، و ما هو غير لازم هو الأول دون الثاني، و لكن يدفع ذلك بما ذكرنا من ظاهر الروايات الواردة في تفسير الآية أن يكون للمكلف زائداً على ما يحتاج إليه في اعاشته مال يحج به، و هذا غير متحقق في الفرض الثاني كالأوّل، بل في صورة كون الدار الموقوفة أو الكتب التي عنده في معرض الأخذ منه، فلا تكفي في وجوب الحج.
(مسألة 12) لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة و أمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونه لائقاً بحاله أيضاً، فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها؟ قولان، من صدق الاستطاعة و من عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة و الأصل عدم وجوب التبديل، و الأقوى الأوّل إذا لم يكن فيه حرج (1) أو نقص عليه، و كانت الزيادة معتداً بها كما إذا كانت له دار تسوى مائة و أمكن تبديلها بما يسوى خمسين مع كونه لائقاً بحاله من غير عسر فإنّه يصدق عليه الاستطاعة، نعم لو كانت الزيادة قليلة جدّاً بحيث لا يعتنى بها أمكن دعوى عدم الوجوب و إن كان الأحوط التبديل أيضاً. (1) إذا لم تكن داره بحسب العين زائدة على شأنه، و يمكن له بيعها و شراء
دار اخرى مثلها بحسب العين من المساحة و الحجرات، و لكن داره لقوة بنيانه يُثمن بمائة و الدار الأخرى يمكن شرائها بخمسين، فظاهر الماتن لزوم التبديل بلا فرق بين كون الدار مملوكة له بالميراث أو بالشراء أو بغيرهما. و ذلك فان الدار المملوكة مال يمكن ان يحج بها بتبديلها إذا لم يكن التبديل حرجاً و مهانة، أو كان التفاوت بين الدارين في القيمة قليلًا و انه يمكن تتميم استطاعته للحج بذلك التفاوت. و كذا الحال في غير الدار من سائر المستثنيات، و لكن لا يخفى ما في الفرق بين التفاوت القليل و الكثير فان الدليل على حساب الاستطاعة للحج بعدها اما للزوم الحرج و المهانة فيجب مع عدم لزومهما التبديل في الصورتين، و مع عدم لزومهما لا يجب فيهما، اما لما ذكرنا من أن منصرف الآية و الروايات الواردة في تفسير الآية ان يكون للمكلف ما يحج به زائداً على الأمور المحتاج إليها في اعاشته بحسب شأنه، و لو عيناً، و في ذلك لا يجب البيع في الصورتين خصوصاً بملاحظة ما في حسنة ابن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السّلام) «أنهما سئلا عن الرجل له دار و خادم أ يقبل الزكاة.
(مسألة 13) إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات، لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ففي جواز شرائها و ترك الحج إشكال، بل الأقوى عدم جوازه (1) إلّا أن يكون عدمها موجباً للحرج عليه، فالمدار في ذلك هو الحرج و عدمه، و حينئذ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلّا مع عدم الحاجة، و إن لم تكن موجودة لا يجوز شراؤها
إلّا مع لزوم الحرج من تركها، و لو كانت موجودة و باعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في الحج فحكم ثمنها حكمها، و لو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحج إلّا مع الضرورة إليها على حد الحرج في عدمها. قالا: نعم ان الدار و الخادم ليسا بمال» «1» فإنها مطلقة حتى فيما إذا كان سكناه بحسب شأنه عيناً. (1) لا يبعد جوازها حتى فيما لم يكن فقدها موجباً للحرج عليه، و لكن كان شرائها موافقاً لشأنه من جهة اعاشته كأمثاله، و ذلك فان وجوب الحج مشروط بان يكون للمكلف ما يحج به زائداً على ما يحتاج اليه بحسب شأنه في اعاشته كما هو منصرف الآية و الروايات الواردة في تفسيرها، كما لا يكون عليه بيع تلك الأعيان أو بعضها حتى فيما إذا لم يكن البيع صرف ثمنها في حجه موجباً لوقوعه في الحرج الرافع للتكليف على ما تقدم في المسألة التاسعة، فكون داره وسيعة بحيث يمكن له ان يكتفى بغيرها و صرف الزائد في حجة أمر واقع، و لم يرد في شي ء من الروايات بيعها، بل ورد في بعضها ان الدار ليست بمال. و كذا الحال في المركب و غيره من أثاث بيته، و دعوى دوران الأمر في جميع ذلك مدار الحرج كما ترى. فان الرافع للتكليف هو الحرج الشخصي، و ربما لا يكون الشخص مبالياً باعاشته و إن يعيش
(مسألة 14) إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج و نازعته نفسه إلى النكاح صرّح جماعة بوجوب الحج و تقديمه على التزويج، بل قال بعضهم: و إن شقّ عليه ترك التزويج؛ و الأقوى وفاقاً لجماعة أخرى عدم وجوبه
(1) مع كون ترك التزويج حرجاً عليه أو موجباً لحدوث مرض أو للوقوع في الزنا و نحوه. نعم لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة و لم يكن له حاجة فيها لا يجب أن يطلقها و يصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحج لعدم صدق الاستطاعة عرفاً. كأمثاله فلا يجد في نفسه حرجاً من فقدها و لو صرف مثل هذا الشخص المال في تملك الدار و تهيئة الأثاث اللائق بحاله فلا بأس به، بل يمكن القول بأنه على تقدير عدم صرفه فيما ذكر بل صرف في حجة لا يكون حجه من حجة الإسلام، فيجب عليه الإتيان بها إذا استطاع إليها على إقرار الحج مع فقد سائر الشرائط. اللّهمّ إلّا أن يقال مع ترك صرف المال في محاويجه بحسب شأنه و اكتفائه بالإعاشة بدونها يصدق أن عنده ما يحج به فيكون حجة حجة الإسلام، و على الجملة فصرف المال فيهما جائز، و لكن مع تركه يتحقق موضوع وجوب حجة الإسلام. (1) قيل إن النكاح أمر مندوب و الحج على الواجد لما يحج به، واجب يزاحم المندوب الواجب، و لكن لا يخفى انه إذا كان في صرف المال في الحج و ترك التزويج حرجاً عليه يسقط وجوب الحج بلا فرق بين الأعزب أو من تكون له زوجة، و لكن لمرضها أو غيابها عنه نازعته نفسه إلى النكاح الآخر. نعم من تكون اعاشته بلا زوجة أمراً حرجياً عليه، و مع ذلك قصد الإبقاء بماله و ترك التزويج يجب عليه الخروج إلى الحج و لا يكون وجوب الحج موجباً للحرج عليه، بل الحرج عليه من اختياره ترك التزوج. و الحاصل فرق بين من حجّ مع فقده الزاد و الراحلة فان
تحمله الحرج لا يكون موجباً لكونه مستطيعاً، و بين من كان له مال زائد على نفقته يكفى
(مسألة 15) إذا لم يكن عنده ما يحج به، و لكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو بما تتمّ به مئونته، فاللازم اقتضاؤه و صرفه في الحج إذا كان الدين حالّا و كان المديون باذلًا، لصدق الاستطاعة حينئذ. و كذا إذا كان مماطلًا (1) و أمكن إجباره بإعانة لمصارف الحج، و لكن كان صرفه فيه حرجياً لاحتياجه إلى ما يكون عدم صرفه فيه حرجاً عليه، فإنه مع اختيار عدم صرفه فيه لا يكون في الحج حرجاً عليه. و هكذا الحال فيما إذا كان ترك التزويج ضرراً عليه فان وجوب الحج عليه الموجب لترك التزويج يكون حرجاً عليه، بخلاف وجوبه مع اختياره ترك التزويج و الإبقاء بالمال، فان وجوب صرفه في الحج على تقدير ترك التزويج لا يكون فيه ضرر، بل الضرر في تركه التزويج. و ذكر الماتن (قدّس سرّه) أنه لو كان ترك التزويج موجباً لوقوعه في الحرام كالزنا لم يجب الحج، و لكن لا يخفى أنه لو كان ترك التزويج و صرف المال في الحج موجباً لوقوعه في مشقة حبس الشهوة و ضرره الا ان يرتكب الحرام يكون الفرض داخلًا فيما تقدم من كون ترك التزويج بوجوب صرف المال في الحج مطلقاً حرجاً عليه، و أما مع عدم وقوعه في الضرر و الحرج أصلا بترك التزويج فلا موجب لسقوط وجوب الحج بناءً على أن الدليل على سقوط وجوب الحج في الفرض دليل نفى الضرر أو نفى الحرج. و أما بناءً على ما تقدم من ظهور الآية و الروايات في كون الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج
ان يكون للمكلف مال زائد على حوائجه المعاشية فلا يجب عليه الحج و إن أمكنه ذلك إذا احتمل في ترك التزويج ضرراً و حرجاً، و لذا لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة و لم يكن له حاجة فيها، لم يجب ان يطلقها و يصرف مقدار نفقتها في الحج أو في تتميم مصرف الحج، لعدم صدق الاستطاعة عرفاً. (1) قد يشكل بان تحصيل ماله على الغير من تحصيل الاستطاعة و فعلًا ليس
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 77
متسلّط أو كان منكراً و أمكن إثباته عند الحاكم الشرعي و أخذه بلا كلفة و حرج، بل و كذا إذا توقّف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور بناءً على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقّف استيفاء الحق عليه، لأنّه حينئذ يكون واجباً بعد صدق الاستطاعة لكونه مقدمه للواجب المطلق، و كذا لو كان الدين مؤجلًا و كان المديون باذلًا قبل الأجل لو طالبه، و منع صاحب الجواهر الوجوب حينئذ بدعوى عدم صدق الاستطاعة محل منع، و أمّا لو كان المديون معسراً أو مماطلًا لا يمكن إجباره أو منكراً للدين و لم يمكن إثباته أو كان الترافع مستلزماً للحرج أو كان الدين مؤجلًا مع عدم كون المديون باذلًا فلا يجب، بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقاً ببذله مع المطالبة.
(مسألة 16) لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان قادراً على وفائه بعد ذلك بسهولة، لأنّه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب، نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلًا أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلًا
له قبل الأجل، و أمكنه الاستقراض و الصرف في الحج ثمّ وفاؤه بعد ذلك، فالظاهر وجوبه (1) لصدق الاستطاعة حينئذ عرفاً، إلّا إذا لم يكن واثقاً بوصول عنده مال ليكون ما ذكر مقدمة للواجب.
و لكن لا يخفى ما فيه، فان ماله على الغير مال له. و حيث انه يمكن أخذه منه بلا حرج فيكون المال في اختياره مع التمكن في صرفه في حجه، فلا وجه للقول المذكور. و مثله ما إذا توقف استيفائه و أخذه على الرجوع إلى حاكم الجور على ما هو الأظهر من جواز الرجوع إليه في صورة توقف استيفاء الحق عليه، و مما ذكر يظهر أنه لو كان الدين على الغير مؤجلًا و لم يبذل المديون و لكن أمكن بيعه بالأقل بما هو المتعارف في بيع الدين و الحج به أو تتيمم ما يحج به تعين بيعه لتحقق استطاعته. (1) بل الأظهر عدم وجوبه، فان الموضوع للوجوب وجود ما يحج به فعلًا و ما
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 78
الغائب أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض، لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة.
(مسألة 17) إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين ففي كونه مانعاً عن وجوب الحج مطلقاً سواء كان حالّا مطالباً به أو لا أو كونه مؤجلًا، أو عدم كونه مانعاً إلّا مع الحلول و المطالبة، أو كونه مانعاً إلّا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة، أو كونه مانعاً (1) إلّا مع التأجيل و سعة الأجل للحج و العود أقوال، و الأقوى كونه مانعاً إلّا مع التأجيل و الوثوق بالتمكّن مع أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحج، و ذلك لعدم
صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة و هي المناط في الوجوب لا مجرّد كونه مالكاً للمال، و جواز التصرّف فيه بأي وجه أراد و عدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة، نعم لا يبعد الصدق إذا كان واثقاً بالتمكّن من الأداء مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن، و الأخبار الدالّة على جواز الحج لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب و في كونه حجّة الإسلام، و أمّا صحيح معاوية بن عمّار عن الصادق (عليه السّلام) عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: «نعم إنّ حجّة الإسلام واجبة على هو موجود بالفعل و هو دينه على الغير الذي لا يمكن الحج به، و ما يمكن الحج به و هو ما سيحصله بالاستدانة من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب، نعم لو أمكن بيع الدين المفروض و لو بالأقل و كان وافياً لمصارف الحج أو متمماً لما يحج به، يجب عليه الحج و لو بالاستدانة على ما مرّ. (1) قد يقال ان الدين لا يكون عدمه قيداً للاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، بل المعتبر في وجوبه وجود ما يحج به، غاية الأمر يكون كل من وجوب أداء الدين و وجوب الحج من المتزاحمين إذا لم يمكن للمكلف الجمع بينهما في الامتثال أو كان الجمع حرجياً عليه، و بما أن أداء ما للغير من الدين أهم يقدّم على
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 79
من أطاق المشي من المسلمين»، و خبر عبد الرحمن عنه (عليه السّلام) أنّه قال: «الحج واجب على الرجل و إن كان عليه دين» فمحمولان على الصورة الّتي ذكرنا أو على من استقرّ عليه الحج
سابقاً، و إن كان لا يخلو عن إشكال كما سيظهر، فالأولى الحمل الأوّل.
و أمّا ما يظهر من صاحب المستند من أنّ كلًّا من أداء الدين و الحج واجب فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب و العود، و تقديم الحج في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير أو التأجيل مع سعة الأجل للحج و العود و لو مع عدم الوثوق بالتمكّن من أداء الدين بعد ذلك، حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحج بلا مزاحم.
ففيه أنّه لا وجه للتخيير في الصورتين الأُوليين و لا لتعيين تقديم الحج في الأخيرتين بعد كون الوجوب تخييراً أو تعييناً مشروطاً بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام خصوصاً مع المطالبة و عدم الرضا بالتأخير، مع أنّ التخيير فرع كون الواجبين مطلقين و في عرض واحد، و المفروض أنّ وجوب أداء الدين مطلق بخلاف وجوب الحج فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعية، نعم لو استقرّ عليه وجوب الحج سابقاً فالظاهر التخيير لأنّهما حينئذ في عرض واحد، و إن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالّا مع المطالبة أو مع الرضا بالتأخير لأهميّة حقّ النّاس من حقّ اللَّه، لكنّه ممنوع و لذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزّع المال عليهما و لا يقدم دين النّاس، و يحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب، لكنّه أيضاً لا وجه له كما لا يخفى. التكليف بالحج، و دعوى ان الدين للناس مع وجوب الحج متزاحمين من غير أهمية الأول من الثاني، و لذا توزّع تركه الميت عليهما، و لا يقدم دين الناس لا يمكن المساعدة عليها، فان توزيع التركة عليهما فيما إذا كان الحج الميقاتي
ممكناً بالحصة التي تقع على الحج و إلا يقدم الحج، كما هو مقتضى النص الوارد. و على الجملة
(مسألة 18) لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحج بين أن يكون سابقاً على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا، كما إذا استطاع للحج ثمّ عرض عليه دين بأن أتلف مال الغير مثلًا على وجه الضمان من دون تعمّد قبل خروج الرفقة أو بعده قبل أن يخرج هو أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال، فحاله حال تلف المال من دون دين فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعاً (1). ثبوت التوزيع على قضاء الحج لا يكشف عن عدم أهمية أداء الدين للناس على الحج بالنسبة إلى الحي المكلف و أما بالنسبة إلى الميت فهو كسائر الديون التي تتعلق بالتركة. فلا مورد للحاظ الأهمية أو أنّه يقدم الحج للنص الوارد.
أقول: عدم مانعية الدين عن الاستطاعة مبني على كون المراد من الاستطاعة المأخوذة في وجوب الحج مطلق المال الذي يمكن للمكلف صرفه في حجه من غير لزوم حرج، و عليه يجب صرف المال في أداء دينه مع كون صرفه في حجّه حرجياً أو لا يتمكّن مع صرفه في الحج من أداء دينه، و إلا يجب عليه الحج. و أما بناءً على ما ذكر من ظهور الاستطاعة الواردة في الآية و ما في الروايات من كون المكلف واجداً للمال الوافي للحج زائداً على نفقات اعاشته فلا يكون مستطيعاً مع كون الدين حالًا بمطالبة الدائن، نعم إذا كان الدين مؤجلًا أو رخص الدائن في التأخير في أدائه و أمكن له الأداء بعد رجوعه من الحج بلا لزوم محذور في أدائه فيما بعد يجب عليه الحج، فان ما يؤدى به
دينه بعد رجوعه عن حجه كسائر ما يحتاج اليه من النفقات في اعاشته لا يكون فقدها عند الخروج إلى الحج و مع التمكن منها في زمانها مانعة عن صدق الاستطاعة بالمعنى الذي استظهرناه من الأدلة. (1) و ذلك لأنّ الاستطاعة المعتبرة في وجوب حجة الإسلام هو المال الوافي لمصارف الحج زائداً على نفقته الاعاشية التي منها أداء دينه المطالب به، بل لو كان
(مسألة 19) إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة، لأنّ المستحقّين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما و لا يكون مستطيعاً، و إن كان الحج مستقراً عليه سابقاً تجي ء الوجوه المذكورة من التخيير أو تقديم حقّ النّاس (1) أو تقديم الأسبق، هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمّته، و أمّا إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحج سواء كان مستقراً عليه أو لا، كما أنّهما يقدمان على ديون النّاس أيضاً، و لو حصلت الاستطاعة و الدين و الخمس و الزكاة معاً فكما لو سبق الدين. وجوب الحج و وجوب أداء الدين من المتزاحمين فيقدم التكليف بأداء الدين لكونه أهم و لا أقل من كونه محتمل الأهمية، و سبق أحد التكليفين زماناً لا يوجب تقديمه في مقام التزاحم على الآخر ما لم يكن زمان امتثاله أسبق، بل سبق الزمان بحسب الامتثال في نفسه مرجح في مقام التزاحم و لو كان زمان التكليفين واحداً حدوثاً، هذا كله إذا لم يكن صرف المال في الحج موجباً لوقوعه في الحرج و لو لاتهامه أنه يأكل أموال الناس و لا يؤدى أموالهم إليهم، و إلا فلا تكليف بالنسبة إلى حجة الإسلام
و لو مع الإغماض عن كون أداء الدين أهم.
ثم إنّه قد قيد الماتن كون إتلاف مال الغير قبل الشروع في الأعمال و كون إتلافه مال الغير بلا تعمّد، و لعلّ نظره ان مع كونه بعد شروع الأعمال أو كونه على وجه التعمد يجب عليه الإتمام أو الشروع لوجوب إتمام العمرة و الحج في الأول، و استقرار وجوب الحج عليه في الثاني، و لكن لا يخلو كل منهما عن التأمل. (1) قد تقدم أنّ حقوق الناس أهم، فتقدم على وجوب الحج و لو مع استقراره عليه أولًا، و كون وجوبه فورياً. و أما ما ذكر (قدّس سرّه) من اجتماع الاستطاعة و الدين و الخمس و الزكاة معاً فلا يخفى ما فيه، فان الدين على ما ذكرنا و إن أمكن اجتماعه مع
(مسألة 20) إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدّاً كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة (1)، و كذا إذا كان الديّان مسامحاً في أصله كما في مهور نساء أهل الهند فإنّهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه كمائة ألف روبية أو خمسين ألف لإظهار الجلالة و ليسوا مقيّدين بالإعطاء و الأخذ، فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة و وجوب الحج، و كالدين ممّن بناؤه على الإبراء إذا لم يتمكّن المديون من الأداء أو واعده بالإبراء بعد ذلك. الاستطاعة في بعض الفروض، إلّا إن حدوث الاستطاعة مع تعلق الخمس أو الزكاة إذا لم يكن المال الحاصل وافياً لمصارف الحج بعد أداء خمسة أو الزكاة فلا يمكنه، لان الخمس أو الزكاة من المال للغير قيل فيهما بالإشاعة أو التعلق بنحو الكلي في المعين، و معه لا يكون له مال واف لمصارف
الحج ليكون مستطيعاً. (1) قد تقدّم أنّ الدين إذا كان بحيث يتمكن المديون عند حلول اجله من أدائه بلا لزوم حرج عليه مع صرف ماله الموجود في حجه، فهذا النحو من الدين لا يمنع عن الاستطاعة، فإن أداء دينه عنده كسائر نفقاته المعاشية بعد رجوعه من الحج. و نظير ذلك الدين المتعارف أدائه من تركة الشخص بعد موته كمهور النساء في أكثر البلاد، حيث إن التأخير في أدائه إلى ما بعد الطلاق أو الموت كالشرط الضمني في عقد النكاح، و مثل ذلك لا يمنع عن الاستطاعة، بل لا يكون للمرأة الامتناع من التمكين ليلة الزفاف الا بعد تسلم المهر تماماً كالمهور التي لا يتمكن الزوج من أدائه إلّا أن يحصل له مال كثير أو يموت و يؤدى من تركته، و أما ما ذكره (قدّس سرّه) من كون الدين حالًا و لكن من له الدين لا يطالبه أو يواعده بالإبراء فهذا لا ينافي تحقق الاستطاعة، فلا يمكن المساعدة عليه إذا كان صرف المال الموجود في الحج موجبا للحرج على تقدير المطالبة و عدم الإبراء، بل لا يصدق الاستطاعة في مثله الا مع فعلية الإبراء.
(مسألة 21) إذا شكّ في مقدار ماله و أنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أولًا هل يجب عليه الفحص أو لا؟ وجهان أحوطهما ذلك (1)، و كذا إذا علم مقداره و شك في مقدار مصرف الحج و أنّه يكفيه أولا. نعم ان أحرز تمكنه من أدائه بعد رجوعه عن حجة على تقدير المطالبة كسائر نفقاته الاعاشية فقد تقدم ان الدين كذلك لا يمنع عن تحقق الاستطاعة. (1) لا بأس بتركه بلا فرق بين العلم بمقدار مصارف الحج و الجهل بان ماله يبلغ ذلك
المقدار أم لا و بين العلم بمقدار ماله و لكن لا يعلم المقدار اللازم لمصارف الحج و أنها بمقدار ماله أو زائداً عليه، و الشبهة في كلتا الصورتين موضوعية و يجرى الاستصحاب في ناحية عدم استطاعته في الصورة الأولى، و أصالة البراءة عن وجوبه في الثانية، و ما يقال من عدم المجال للأصل النافي في الشبهات التي يكون ترك الفحص فيها موجباً لمخالفة التكاليف الواقعية كالشك في بلوغ المال مقدار النصاب، و الشك في مقدار دينه للغير، لا يمكن المساعدة عليه لعدم الدليل على لزوم رفع اليد عن إطلاق أدلتها إلّا في موارد العلم الإجمالي، أو وجود أصل مثبت للتكليف حاكم على الأصول النافية. و المقام ليس من موارد العلم الإجمالي كما لا يكون فيه أصل مثبت للتكليف، و قد يقال بوجوب الفحص لرواية زيد الصائغ «1» الواردة في مورد الشك في القدر الواجب من الزكاة الواجبة في الدراهم المغشوشة، و لكنها مع ضعفها سنداً لعدم ثبوت التوثيق لزيد الصائغ، و كذا محمد بن عبد اللَّه بن هلال، أنّها واردة في الشك في المقدار الواجب من الزكاة مع العلم بوجوبها و الشك في مقدارها، فالتعدي إلى غير موردها من الشك في المقدار الواجب من غير الزكاة فضلًا إلى مورد الشك في أصل التكليف، بلا موجب مع احتمال الخصوصية.
(مسألة 22) لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه فالظاهر وجوب الحج بهذا الذي بيده (1) استصحاباً لبقاء الغائب، فهو كما لو شك في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أولا، فلا يعد
من الأصل المثبت.
(مسألة 23) إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف فيه (2) بما يخرجه عن الاستطاعة، و أمّا بعد التمكّن منه فلا يجوز و إن كان قبل خروج الرفقة، و لو تصرّف بما يخرجه عنها بقيت ذمته مشغولة به، (1) لا يخفى أنّ الاستصحاب في ناحية بقاء المال الغائب لا يثبت تمكنه من التصرف فيه، و عدم كون حجة بهذا المال حرجاً عليه. و قد يقال ان وجوب الحج و صرف المال الموجود مقتضى ما دل على الخروج على من كان عنده ما يحج به، فإن إطلاقه يعم ما إذا احتمل تلف ما عنده أو تلف ماله الآخر. و لذا لا يمكن الالتزام بعدم وجوب الخروج في حق من احتمل تلف زاده أو راحلته، و فيه ان ما دل على وجوب الخروج مدلوله حكم واقعي و ليس وارداً في مورد الشك في تلف ماله أو عدم تلفه، و التكليف الواقعي بالحج مقيد بعدم كون وجوبه عليه حرجياً و لو من جهة عدم النفقة له و لعياله بعد عودته من الحج. (2) إذا حصل له مال يكفى لمصارف حجّه، و كان في تلك السنة متمكناً من الخروج بأن كان صحيحاً مع خلوّ السرب فلا يجوز له ان يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة و لو تصرف فيه كذلك يحكم بصحته، و لو كان ذلك بغرض الفرار عن وجوب الحج. نعم صحة التصرف لا ينافي استقرار الحج عليه، كما استفيد ذلك من اخبار البذل للحج، و يكفى في الوجوب التمكن من الخروج و تخلية السرب في السنة التي يخرج فيها للحج. نعم إذا لم يكن السّرب
في تلك السنة مُخلىً أو الصحة
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 85
و الظاهر صحّة التصرّف في مثل الهبة و العتق و إن كان فعل حراماً، لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج، نعم لو كان قصده في ذلك التصرّف الفرار من الحج لا لغرض شرعي أمكن أن يقال بعدم الصحّة، و الظاهر أنّ المناط في عدم جواز التصرّف المخرج هو التمكّن في تلك السنّة، فلو لم يتمكّن فيها و لكن يتمكّن في السنّة الأخرى لم يمنع عن جواز التصرّف، فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة فليس حاله حال من يكون بلده بعيداً عن مكّة بمسافة سنتين.
(مسألة 24) إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة وحده أو منضماً إلى ماله الحاضر و تمكّن من التصرّف في ذلك المال الغائب يكون مستطيعاً و يجب عليه الحج، و إن لم يكن متمكّناً من التصرّف فيه و لو بتوكيل من يبيعه هناك فلا يكون مستطيعاً إلّا بعد التمكّن منه أو الوصول في يده، و على هذا فلو تلف في الصورة الأُولى بقي وجوب الحج مستقراً عليه إن كان التمكّن في حال تحقّق سائر الشرائط، و لو تلف في الصورة الثانية لم يستقر، و كذا إذا مات مورثه و هو في بلد آخر و تمكّن من التصرّف في حصّته أو لم يتمكّن فإنّه على الأوّل يكون مستطيعاً بخلافه على الثاني. للبدن ففي عدم جواز التصرف تأمل، و لا يبعد جوازه إذا لم يكن في سنة حصوله صحة البدن أو تخلية السرب، حيث ان تعلق وجوب الحج يكون باجتماعهما في السنة. نعم وجوب الخروج في سنةٍ لا ينافي عدم التمكن من الإتيان
بالمناسك في تلك السنة لبعد المسافة بين بلده و مكة بأن يتوقف الحج في سنةٍ على الخروج اليه قبل تلك السنة.
(مسألة 25) إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة لكنّه كان جاهلًا به أو كان غافلًا عن وجوب الحج عليه (1) ثمّ تذكر بعد أن تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه.
(مسألة 26) إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحج ندباً فإن قصد امتثال الأمر المتعلّق به فعلًا و تخيّل أنّه الأمر الندبي أجزأ عن حجّة الإسلام، لأنّه حينئذ من باب الاشتباه (1) بل الأظهر التفصيل في كل من صورتي الجهل و الغفلة، فإنه مع الغفلة إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده، و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة غاية الأمر أنّه معذور في ترك ما وجب عليه، و حينئذ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستئجار عنه إن كانت له تركة بمقداره، و كذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثمّ علم بعد ذلك أنّه بقدر الاستطاعة، فلا وجه لما ذكره المحقّق القمي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب لأنّه لجهله لم يصر مورداً، و بعد النقل و التذكر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقر عليه، لأنّ عدم التمكّن من جهة الجهل و الغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي، و القدرة التي هي شرط في التكاليف، القدرة من حيث هي و هي موجودة، و العلم شرط في التنجّز لا في أصل التكليف.
لا يمكن أن يتعلق به الوجوب و فعليته في حق الغافل عن استطاعته بالمرة، و كذا في الغافل عن الحكم لقصوره. نعم لو كانت غفلته من جهة تقصيره بترك التعلم يتم استقرار الحج بتلف المال، لا لكونه مكلفاً بالحج حال الغفلة، بل الاستقرار لتفويته الملاك الملزم بتركه التعلم من قبل، فان ما دل على وجوب تعلم الاحكام أسقط
عذرية الجهل و الغفلة عن الحكم إذا كانا ناشئين من ترك التعلم.
و مما ذكر يظهر الحال في صورة الجهل بالاستطاعة و كون ما عنده وافياً بمصارف الحج، فان الترخيص الظاهري في ترك الخروج بالاستصحاب في عدم
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 87
في التطبيق، و إن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد (1) لم يجزئ عنها و إن كان حجّه صحيحاً، و كذا الحال إذا علم باستطاعته ثمّ غفل عن ذلك. و أمّا لو علم بذلك و تخيّل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبي فلا يجزئ لأنّه يرجع إلى التقييد. استطاعته أو حديث الرفع عن وجوبه، لازمه الترخيص في صرف المال الموجود في غيره و مع الترخيص كذلك لا يستقر عليه الحج، و كذا مع جهله بالحكم إذا كان جهلًا قصورياً، بخلاف ما إذا كان تقصيرياً، فإنه لا يمنع عن استقرار الحج عليه بصرفه المال في غيره. (1) ذكر (قدّس سرّه) أنه إذا كان قصده امتثال الأمر الفعلي غاية الأمر لتخيله أنه غير مستطيع، قصد امتثال الأمر الندبي، فيكون المأتي به في الفرض حجة الإسلام و يعنون المأتي به بها لقصده الإجمالي. و أما إذا كان قصده امتثال الأمر الندبي بنحو التقييد، بمعنى انه لو كان عالماً باستطاعته لم يحج حجة الإسلام لا يكون المأتي به حجة الإسلام، و لكن المأتي به استحباباً محكوم بالصحة، كما إذا علم باستطاعته و تخيل عدم فورية وجوب حجة الإسلام و أتى بالحج ندباً. و على الجملة موارد التقييد خارج عن الاشتباه في التطبيق.
أقول: إذا كان متعلق التكليف من العناوين القصدية يصح فيه القول بأنه إذا كان المكلف من قصده امتثال الأمر الفعلي، و لكن تخيل ان الأمر
الفعلي تعلق بغير ما قصده من العنوان، يكون القصد الإجمالي الارتكازي كافياً في تحقق ما تعلق به الأمر الفعلي. و كذلك إذا كان تعلق التكليف الوجوبي بفعل، و الأمر الاستحبابي بفعل آخر، يكون امتياز كل من الفعلين عن الآخر بالخصوصية الخارجية، و قصد المكلف أحدهما بخصوصه لاعتقاده فعلية خصوصيته الخارجية، فإنه إذا كان للتحقق خارجاً خصوصية الفعل الآخر و كان من قصده امتثال الأمر الفعلي يكون قصده الفعل الآخر
(مسألة 27) هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و الراحلة و غيرهما، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدّة معيّنة أو باعه محاباة كذلك؟ وجهان أقواهما العدم لأنّها في معرض الزوال إلّا إذا كان واثقاً (1) بأنّه لا يفسخ، و كذا لو وهبه و أقبضه إذا لم يكن رحماً فإنّه ما دامت العين موجودة له الرجوع، و يمكن أن يقال بالوجوب هنا حيث إنّ له التصرّف في الموهوب فتلزم الهبة. نظير الاشتباه في التطبيق، و الأمر في المقام كذلك. لان امتياز حجة الإسلام عن غيرها من الحج بوقوع الحج بعد تحقق الشرائط المعينة التي منها الاستطاعة المالية. و المفروض تحققها و المكلف و إن قصد امتثال غيره و لكنه لتخيله عدم تحققها، و إلّا كان قصده امتثال الأمر الفعلي. و ما ذكر (قدّس سرّه) من التقييد لا يصح، لأن القيد أمر خارجي لا يتبع القصد و لا بد من أن يكون المراد منه في المقام و نظائره عدم قصده امتثال الأمر على تقدير كونه مكلفاً بالفعل الآخر، فبطلان العمل حينئذ لعدم أمره بالفعل الآخر و لو مترتباً، فإن الخصوصية للفعل الآخر لا تجتمع مع خصوصية الفعل الذي تعلق به التكليف.
و
على الجملة في موارد التقييد لا يكون الفعل الآخر صحيحاً و لا مجزياً عن حجة الإسلام، نعم الحكم بالصحة و عدم الاجزاء في موارد إمكان اجتماع الخصوصيتين و فرض التقييد في الامتثال كما إذا كان مستطيعاً بالحج و حجّ عن غيره تطوعاً أو نيابة، و اللَّه سبحانه هو العالم. (1) ذكر (قدّس سرّه) أنه إذا كان المال المنتقل إليه الوافي بمصارف حجّه بصلح خياري أو لبيعه منه محاباة بشرط الخيار للناقل فهذا المال لا يكفي في الاستطاعة، إلا إذا كان واثقاً بأنه لا يفسخ الصلح أو البيع. و كأن نظره ان تحقق الاستطاعة على تقدير بقاء الصلح أو البيع لما يأتي من أن بقاء المال إلى تمام أعمال الحج شرط في وجوب
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 89
.......... الحج. و عليه فالمكلف غير واجد للمال إلى تمام اعماله على تقدير فسخه فلا يحرز استطاعته ليجب الخروج إلى الحج، نعم بما أن الوثوق بعدم الفسخ طريق إلى استطاعته يجب معه الخروج اليه، ثم ذكر أنه لو كان المال الوافي بمصارفه منتقلا اليه حتى بالهبة غير اللازمة فلا يبعد الالتزام بحصول الاستطاعة، حيث يمكن له التصرف في المال الموهوب و لو بتبديله بمال آخر، و معه لا يمكن للواهب الرجوع، و وجود مال يحج به في وجوب الحج أعمّ من الحج بنفس ذلك المال أو ببدله. و هذا لا يجري في موردي الصلح أو البيع محاباة بعوض، حيث ان الفسخ و لو مع عدم بقاء عين المال موجب للضمان و مع الضمان يخرج المكلف عن الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، و يمكن أن يقال ما ذكر (قدّس سرّه) في المقام من عدم وجوب الخروج
ينافي ما ذكره سابقاً في مسألة اثنتين و عشرين، من وجوب الخروج إلى الحج و لو مع احتماله تلف ماله الموجود، فإنه لا فرق بين احتمال تلفه و بين فسخ المُصالح أو البائع، حيث ان كلا منهما من تلف المال. و ما يقال في تلك المسألة من ان وجوب الخروج مقتضى الاستصحاب في ناحية المال و لا يكون من الأصل المثبت، جارٍ في المقام أيضاً، فإن الاستصحاب في بقاء المال في ملكه و عدم الفسخ في المقام أيضاً، يقتضي بقاء الاستطاعة، بل ذكرنا ان الاستصحاب يجري في بقاء التمكن من التصرف في المال إلى آخر تمام الاعمال و عدم عوده إلى ملك ناقله، غاية الأمر إذا اتفق الفسخ ينكشف عدم استطاعته مع بقاء عين المال مطلقاً، و مع صرفه و تلفه ايضاً، بناءً على ان الدين مطلقا يمنع عن الاستطاعة. و أما بناءً على التفصيل السابق يختلف الحال بحسب الموارد. و على الجملة مجرد الوثوق بعدم الفسخ مع اتفاق الفسخ لا يوجب الاستطاعة، بل اتفاقه يكشف عن عدم الاستطاعة على ما مرّ،
(مسألة 28) يشترط في وجوب الحج بعد حصول الزاد و الراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال، فلو تلف بعد ذلك و لو في أثناء الطريق كشف عن عدم الاستطاعة، و كذا لو حصل عليه دين قهراً عليه كما إذا أتلف مال غيره خطأ، و أمّا لو أتلفه عمداً فالظاهر كونه كإتلاف الزاد و الراحلة عمداً (1) في عدم زوال استقرار الحج.
(مسألة 29) إذا تلف بعد تمام الأعمال مئونة عودته إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناءً على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة فهل يكفيه عن حجّة الإسلام أو لا؟ وجهان، لا يبعد الإجزاء (2) و يقربه ما ورد من أنّ من مات و وجوب الخروج ظاهراً إلى الحج، مع عدم العلم باتفاق الفسخ لا يتوقف على خصوص الوثوق، و اللَّه سبحانه هو العالم. (1) و ذلك فان وجوب الحج في سنة على من له مال و صحة و تخلية للسرب فيها من الواجب التعليقي بالإضافة إلى الاعمال في أيام الحج، فيجب على الواجد للشرائط المذكورة في سنةٍ يتوقف عليها الحج من الخروج و تهيئة سائر مقدمات الخروج، و إذا كان خروجه موقوفاً على حفظ المال يجب حفظه و لو ترك الخروج لإتلافه ذلك المال عمداً استقر عليه الحج، بخلاف ما كان إتلافه خطاءً أو لجهله باستطاعته فإنه يخرج بذلك عن موضوع وجوب الحج على ما بينا سابقاً. و يستفاد ايضاً كون ترك الخروج فيها لإتلاف المال عمداً موجباً لاستقراره ما ورد في الامتناع عن الخروج مع بذل الزاد و الراحلة و لو بنحو الإباحة في التصرف فيهما للحج، فإنه لا فرق في ترك الخروج لإتلاف هذا البذل و
لو بالاعراض عن البذل أو إتلاف المال الموجب لترك الخروج. و مما ذكرنا سابقاً يظهر في حصول دين قهري في الأثناء فإنّه لا يوجب فقد الاستطاعة مطلقا على ما ذكرناه في مانعية الدين عن الاستطاعة. (2) الإجزاء مبني على أحد أمرين أحدهما، أن يكون اعتبار مؤنة العود من
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 91
بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحج أيضاً.
(مسألة 30) الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة، فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب لصدق الاستطاعة (1)، و يؤيده الأخبار الواردة في البذل، فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرّف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلًا وجب عليه الحج و يكون كما لو كان مالكاً له. سفره لنفي الحرج، و نفي الحرج غير جارٍ في موارد كون رفع التكليف خلاف الامتنان. و ثانيهما، أن مؤنة الرجوع و إن كان مقوماً للاستطاعة ممن إعاشته في بلده إلّا أنّ المقوم وجوده من الأوّل، و أما إذا تلفت مؤنته بعد أعمال الحج أو في أثناء الحج فهذا التلف لا ينافي صدق الاستطاعة، بل إذا فقد ماله في أثناء الحج و كان إتمامه موقوفاً على صرف المال بحيث يكون إتمامه حرجياً عليه لاحتياجه إلى الاستدانة المضرة لا عاشته فلا يجب عليه التمام فضلًا عن كونه حجة الإسلام، و أما ذكره (قدّس سرّه) و يقربه ما ورد من أن من مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام لا يمكن المساعدة عليه، فان الاجزاء في ذلك لا يرتبط بالمقام. (1) قد
يقال بعدم الكفاية لما ورد في بعض الروايات من ان يكون له زاد و راحلة، أو ما يحج به، و ظاهر اللام الملكية فلا تنفع الإباحة و لو كانت لازمة، و ما ورد في بعضها الآخر من قوله (عليه السّلام) إذا قدر الرجل على ما يحج به أو إذا يجد ما يحج به، و أنّه يعم صورة الإباحة، الّا انه لا بد من رفع اليد عن الإطلاق و حمل القدرة و الوجدان على كونه بنحو الملك حملًا للمطلق على المقيد. و لكن لا يخفى ما فيه فان الحكم إذا كان انحلالياً ذكر في أحد الخطابين المطلق موضوعاً، و في الخطاب الآخر المقيد موضوعاً، لا يحمل المطلق على المقيد، بل يلتزم بأن الحكم يثبت مع
(مسألة 31) لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي خصوصاً إذا لم يعتبر القبول (1) في ملكية الموصى له و قلنا بملكيته ما لم يرد فإنّه ليس له الرد حينئذ. المقيد و المطلق كما إذا ورد الأمر بتجهيز المؤمن، و في خطاب آخر الأمر بتجهيز المسلم، و إنما يحمل المطلق على المقيد في موارد وحدة التكليف و الحكم و ذكر المتعلق له في أحدهما مطلقاً و في الآخر مقيداً أو كان في ناحية خطاب المقيد قيداً يستفاد منه المفهوم و شي ء من ذلك غير وارد في المقام، و دعوى انه كما لا تكفي الإباحة الشرعية في وجوب الحج كجواز التصرف في الأنفال و المباحات الأصلية كذلك لا تكفي الإباحة المالكية لا يمكن المساعدة عليها، فان تلك المباحات ما لم تدخل في حيازة الشخص و كذا الأنفال لا يصدق عليها المستطيع بالمعنى المتقدم، بخلاف الإباحة المالكية
لو كانت لازمة كمثال المتن فإنه يصدق عنده مال زائداً علي اعاشته الاعتيادية. نعم صدقه مع الإباحة غير اللازمة التي زمامها بيد مالك المال غير ظاهر خصوصاً إذا لم يكن المال بيد المباح له، نعم يلزم بالكفاية إذا أذن له في التصرف للحج خاصة فإن الإباحة كذلك داخلةٌ في أخبار البذل كما يأتي. (1) لا يجب عليه الحج ما لم يقبل الوصية بناءً على اعتبار القبول فيها لانه لا يصدق عنده الاستطاعة على ما يحج به إلا بعد القبول، فإن القدرة على المال ظاهره كون الإنسان واجداً له فعلًا بتملكه أو جواز التصرف فيه، لا مجرد تمكنه من تملكه فإنه تحصيل للاستطاعة بقبول الوصية فلا يجب، و بتعبير آخر القدرة على الحج غير القدرة على ما يحج به فعلًا، و الصادق في الفرض هو الأول، و لكنه غير مأخوذ في موضوع وجوب الحج، بل المأخوذ هو الثاني و لا يتحقق إلا بعد قبول الوصية بناءً على اعتباره.
(مسألة 32) إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين (عليه السّلام) في كل عرفة ثمّ حصلت له لم يجب عليه الحج (1)، بل و كذا لو نذر إن جاء مسافرة أن يعطي الفقير كذا مقداراً فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه، بل و كذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلًا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك، فإن هذا كلّه مانع عن تعلّق وجوب الحج به، و كذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة و لم يمكن الجمع بينه و بين الحج، ثمّ حصلت الاستطاعة و إن لم يكن ذلك الواجب أهمّ من الحج، لأنّ العذر
الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب، و أمّا لو حصلت الاستطاعة أولًا ثمّ حصل واجب فوري آخر لا يمكن الجمع بينه و بين الحج يكون من باب المزاحمة فيقدم الأهمّ منهما، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم على الحج، و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج فيه، و إلّا فلا إلّا أن يكون الحج قد استقرّ عليه سابقاً فإنّه يجب عليه و لو متسكعاً. (1) و قد يقال في وجه تقديم الوفاء بالنذر أن المأخوذ في موضوع وجوب الحج القدرة الشرعية بالإتيان به، و مع النذر قبل حصول الاستطاعة و فعلية وجوب الوفاء به فلا يتمكن المكلف من الحج في تلك السنة، و لذا لم يجب عليه الحج. و لو خالف المكلف وجوب الوفاء بالنذر أيضاً، لم يجب عليه الحج. كما هو مقتضى كل مورد يكون فيه ثبوت أحد التكليفين موجباً لارتفاع الموضوع للتكليف الآخر بخلاف موارد ثبوت التكليفين بالتضادين على نحو الترتب، فان الترتب يثبت ما إذا كان صرف التمكن في أحد التكليفين موجباً لارتفاع موضوع التكليف الآخر، كما هو المقرر في محله، و لكن أخذ القدرة الشرعية في موضوع وجوب الحج بحيث يكون ثبوت التكليف الآخر رافعاً لموضوع وجوبه غير صحيح، لأن المأخوذ في الاستطاعة المأخوذة في وجوبه ان يكون للمكلف مال يتمكن من صرفه في الحج مع صحته
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 94
.......... و تخلية سربه، و هذا الموضوع لا ينتفى بثبوت التكليف بفعل آخر لا يتمكن المكلف من الجمع بينهما، و لذا تخير غير واحد من الأعيان أن وجوب الحج مع وجوب الوفاء بالنذر من المتزاحمين فيقدم الحج عليه لكونه أهم، كيف و هو
فرض اللَّه سبحانه و أحد الخمسة التي بني الإسلام عليها و مع الأهمية لا ينظر إلى الترجيح بسبق فعلية وجوب الوفاء بالنذر، و على ذلك فلو ترك الحج عصياناً أو جهلًا يجب عليه الوفاء بالنذر، كما هو مقتضى الأمر بالمهم على نحو الترتب. و قد يقال بأنه إذا حصلت الاستطاعة للحج ينحل النذر السابق و انه كما لا أثر للنذر بعد الاستطاعة كذلك لا أثر للنذر السابق عليه. و ذلك لما يستظهر من بعض الروايات أن المكلف إذا نذر عملًا و رأى بعده ما هو خير منه لا يكون اختيار الخير حنثاً، كما ورد ذلك في اليمين أيضاً و في موثقة زرارة الواردة في النذر قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أي شي ء لا نذر فيه، قال كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه» «1» و لكن لا يخفى أن غاية ما يستفاد منها أن مع اختيار ما فيه نفع أُخروي أو دنيوي لا يكون حنثاً، و أما إذا ترك المنذور و الخير فلا حنث أيضاً فلا دلالة لها على ذلك، و على الجملة الموثقة لا تنافي التزاحم بين التكليف بالحج و وجوب الوفاء بالنذر، أضف إلى ذلك أن ظهور الروايات المشار إليها هو عدم الحنث إذا كان خلاف المحلوف عليه أو المنذور خيراً، و أما إذا كان الفعل الراجح ملازماً للمرجوح اتفاقاً للمضادة بين الفعلين كما في المقام فلا دلالة لها على حكم ذلك، بل يكون التكليف بكل من الفعلين ما يلازم كل منهما ترك الآخر من المتزاحمين.
(مسألة 33) النذر المعلق على أمر قسمان: تارة يكون التعليق على وجه الشرطية كما إذا قال: «إن جاء
مسافري فللَّه عليَّ أن أزور الحسين (عليه السّلام) في يوم عرفة»، و تارة يكون على نحو الواجب المعلّق كأن يقول: «للَّه عليَّ أن أزور الحسين (عليه السّلام) في يوم عرفة عند مجي ء مسافري»، فعلى الأوّل يجب الحج إذا حصلت الاستطاعة (1) قبل مجي ء لكن الصحيح لا يكون مورد نذر الفعل المضاد للحج و لو قبل الاستطاعة مع وجوب الحج من موارد التزاحم، حيث إن موارد التزاحم بين التكليفين يكشف العقل بقرينة امتناع تكليف العاجز، أن التكليف بكل من الفعلين في مقام الجعل مقيد بعدم صرف قدرته في الفعل الآخر إذا لم يكن لأحدهما مرجح، أو أن التكليف بأحدهما المعين في صورة عدم صرف القدرة في الآخر بخصوصه، كما إذا كان للآخر مرجح حتى لا يلزم من التكليف بهما في زمان طلب الجمع بين الضدين، و حيث إن جاعل الفعل على ذمته في فرض النذر، هو الناذر و دليل الوفاء بالنذر تكليف بالعمل على ما جعله على ذمته للَّه، و الجاعل جعل الفعل المضاد للحج على عهدته مطلقاً بحيث يصرف قدرته فيه حتى مع تحقق الموضوع لوجوب الحج، فإن أوجب الشارع الوفاء بهذا النذر مع إيجابه الحج لاستطاعته يكون هذا من طلب الجمع بينهما، و إن أوجب الوفاء بالنذر على تقدير ترك الحج فهذا لم يتعلق به النذر، نعم لو كان من قصده الإتيان بزيارة الحسين (عليه السّلام) يوم عرفه إذا ترك الحج كان النذر المزبور صحيحاً و يجب الوفاء به، و لكن هذا غير الفرض و الكلام في مانعية النذر عن وجوب الحج كما لا يخفى.
و على الجملة لا أثر للنذر المفروض في المقام في شي ء من الصور التي ذكرها الماتن (قدّس سرّه)، و اللَّه
العالم. (1) ما ذكر (قدّس سرّه) لا يناسب مسلك التزاحم فإنه عليه يقدم الأهم و لو كان فعلية
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 96
مسافرة، و على الثاني لا يجب فيكون حكمه حكم النذر المنجز في أنّه لو حصلت الاستطاعة و كان العمل بالنذر منافياً لها لم يجب، سواء حصل المعلق عليه قبلها أو بعدها، و كذا لو حصلا معاً لا يجب من دون فرق بين الصورتين، و السرّ في ذلك أنّ وجوب الحج مشروط و النذر مطلق فوجوبه يمنع من تحقّق الاستطاعة.
(مسألة 34) إذا لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له: «حجّ و عليّ نفقتك و نفقة عيالك» وجب عليه، و كذا لو قال: «حجّ بهذا المال» و كان كافياً له ذهاباً و إياباً و لعياله، المهم قبل فعلية الأهم، و قد تقدم أن حجة الإسلام من الخمس التي بني عليها الإسلام فيقدم على المنذور، بل يتبنى على القول بان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج استطاعة شرعية حتى بان لا يكون الإنسان مكلفاً بالفعل المضاد له عند حصول المال الوافي لمصارف الحج مع صحته و تخلية السرب، و على ذلك فان كان النذر بزيارة الحسين (عليه السّلام) ليوم عرفة سابقاً من غير تعليق فهو يمنع عن تحقق الاستطاعة التي هي موضوع لوجوب الحج، و كذا يمنع عن وجوبه إذا كان المعلق عليه قيداً للمنذور لا للنذر، بان نذر أن يزور الحسين (عليه السّلام) يوم عرفة بالزيارة التي تكون مع مجي ء ولده، فإنه في هذا الفرض لا يجب عليه الحج و لو كان حصول المال له قبل مجي ء ولده، لأن وجوب النذر فعلي في الفرض من حين إنشاء النذر أما
بنحو الواجب المعلق أو بنحو الواجب المشروط بالشرط المتأخر، و هذا بخلاف ما كان مجي ء ولده قيداً لفعلية النذر بنحو الشرط المقارن، فإنه يكون حصول المال الوافي مع صحته و تخلية سربه قبل مجيئه موجباً لفعلية وجوب الحج.
أقول: قد ذكرنا في التعليقة السابقة ان الاستطاعة المأخوذة في وجوب الحج نفس حصول ما يحج به مع الصحة، و تخلية السرب، و أن النذر المتعلق بما يضاده لا يمكن أن يدخل في وجوب الوفاء بالنذر.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 97
فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها (1) من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملكها إيّاه، و لا بين أن يبذل عينها أو ثمنها، و لا بين أن يكون البذل واجباً عليه بنذر أو يمين أو نحوهما أولا، و لا بين كون الباذل موثوقاً به أولا على الأقوى، و القول (1) لا ينبغي التأمل في وجوب الحج على المبذول له و أنه لو امتنع عن الحج بالمبذول يكون ذلك موجباً لاستقرار الحج عليه، و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) «فمن عرض عليه الحج فاستحى قال: هو ممن يستطيع» «1» و ما يقال من ان الأخذ بظاهر أخبار عرض الحج مشكل فان ظواهرها وجوب الحج على المعروض عليه حتى في صورة كون الحج بالبذل حرجياً «و قد ورد في صحيحة أبي بصير سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع متطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج» «2» و في صحيحة محمد بن مسلم «فان عرض عليه الحج فاستحى؟ قال: هو ممن يستطيع الحج، و لم يستحي؟ و لو على حمار أجدع
أبتر، قال: فان كان يستطيع أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليفعل» «1».
و لكن قد ذكرنا سابقاً أنه لو فرض عدم إمكان الالتزام بوجوب الحج على المبذول له و كان حجه بالبذل حرجياً أن تحمل صحيحة أبي بصير على من لا يكون حجة على الحمار الأجدع حرجياً عليه، كما يحمل ما ورد في ذيل مثل صحيحة محمد بن مسلم على ما بعد الامتناع عن الحج المقارن الموجب لاستقراره و يجب معه الخروج و لو كان فاقداً للاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، حيث إن الاستطاعة المتقدمة موضوع لوجوب الحج حدوثاً لا لوجوبه بقاءً بعد تركه
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 98
بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف (1)، كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين، من التمليك أو الوجوب، و كذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقاً به، كل ذلك لصدق الاستطاعة و إطلاق الأخبار المستفيضة، و لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضاً، و لو بذل له نفقة الذهاب فقط و لم يكن عنده نفقة العود لم يجب، و كذا لو لم يبذل نفقة عياله إلّا إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود أو كان لا يتمكّن من نفقتهم مع ترك الحج أيضاً. مستطيعاً، و ظاهر الماتن (قدّس سرّه) أن الاستطاعة التي ذكرت موضوعاً لوجوب الحج تعم بذل النفقة بلا فرق بين كون البذل بنحو الإباحة أو بنحو التمليك، و لعل مراده تعميمها باخبار البذل، و إلّا فلا تصدق الاستطاعة بالمعنى المتقدم مع عدم القبول إذا كان البذل بنحو التمليك، حيث إن ظاهرها حصول المال الوافي للحج فعلًا لا الأعم منه و من التمكن من تحصيله، فان قبول البذل
إذا كان بنحو التمليك من تحصيل الاستطاعة، نعم ما ورد في بذل الحج يعم ما كان بنحو الإباحة و التمليك، و على الجملة تطبيق الاستطاعة على تمليك المال للصرف في الحج و لو مع عدم قبوله، تعبدٌ في التطبيق لو لم يكن التعبد حتى في صورة البذل بنحو الإباحة على ما يأتي. و المتحصل الفرق بين تمليك المال الوافي لمصارف الحج و بين تمليك مال ليصرفه في الحج من عدم وجوب القبول في الأول، و وجوبه في الثاني، للروايات المشار إليها فيكون القبول في الأول من شرط الوجوب، و في الثاني مقدمة للواجب. و أيضاً لا فرق في شمول الاخبار بين ان يكون المبذول عين الزاد و الراحلة أو ثمنهما. (1) لم يظهر وجه لدعوى الاختصاص بصورة التمليك مع أن الوارد في صحيحة معاوية بن عمار «فان كان دعاه قوم أن يحجّوه فاستحيى، فلم يفعل، فإنه لا يسعه» و ظاهره البذل بنحو الإباحة، و دعوى ان مع التمليك و احتمال رجوع الباذل
(مسألة 35) لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية، نعم لو كان حالًا و كان الديان مطالباً مع فرض تمكّنه من أدائه لو لم يحج و لو تدريجاً ففي كونه مانعاً أو لا وجهان (1).
(مسألة 36) لا يشترط الرجوع إلى كفاية (2) في الاستطاعة البذلية. يستصحب بقاء الملك فيحرز الوجوب كما ترى، فان الاستصحاب يجري في ناحية البذل بنحو الإباحة أيضاً، لأن الإباحة المالكية معناها الاذن في الانتفاع بالزاد و الراحلة و يحرز بقائها بالاستصحاب. و مما ذكر يظهر أنه لا وجه لاعتبار الوثوق أو وجوب البذل على الباذل بالنذر و نحوه حتى يحرز بظاهر حال المسلم أنه يعمل بوظيفته و لا يرجع في بذله.
و على الجملة إطلاق الاخبار المشار إليها بل ظهور بعضها في خصوص البذل بنحو الإباحة هو المتبع، نعم مع احتمال الرجوع في البذل لا تفيد تلك الأخبار فإنها غير متضمنة للحكم الظاهري فيمكن إحراز بقاء البذل بالاستصحاب كما ذكرنا، و هذا أيضاً يجري في صورة احتمال المكلف تلف زاده أو راحلته بحيث يكشف عن عدم استطاعته للحج كما تعرضنا لذلك آنفاً. (1) وجوب الحج في الفرض مع وجوب أداء الدين من المتزاحمين فإنه لم يُؤخذ في موضوع وجوب الحج بالبذل إلّا بذل الزاد و الراحلة، كما أنّه يجب أداء الدين مع التمكن و مطالبة الدائن، و حيث إن المكلف غير متمكن في الفرض من الجمع بينهما فعليه اختيار أداء الدين لكونه حق الناس، و لو لم تكن أهميته محرزة أقل من احتمالها. (2) لما تقدم من أن الموضوع لوجوب الحج بالبذل، بذل الزاد و الراحلة
(مسألة 37) إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى، بل و كذا لو وهبه و خيره بين أن يحج به أولا (1)، و أمّا لو وهبه و لم يذكر الحج لا تعييناً و لا تخييراً فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور. و تطبيق الاستطاعة
على البذل كما ذكرنا سابقاً تعبدي، فيكون وجوبه معه حتى وجوب الإنفاق على عياله من المتزاحمين، فيقدم وجوب الإنفاق للجزم بكونه أهم، بل يمكن أن يقال بعدم وجوب الحج عليه بالبذل المفروض لكونه حرجياً، و لذا يعتبر في وجوب الحج مع عدم النفقة لعياله بذل نفقتهم أيضاً، نعم لو لم يكن متمكناً على الإنفاق عليهم حتى مع تركه الحج يجب عليه الحج و لو مع عدم بذل نفقتهم. كما تقدم في كلام الماتن في مسألة الأربع و الثلاثين، و مما ذكرنا يظهر أنه لو كان الحج بالبذل موجباً لان لا تكون له نفقة بعد رجوعه كما إذا اتفق الخروج إليه في موسم يتوقف نفقته بعد رجوعه على الزراعة مثلًا، بحيث لو استجاب بالبذل يقع في عسر و حرج في اعاشته ففي مثل ذلك يعتبر في وجوب الحج عليه فعلًا بذل اعاشته بعد رجوعه بمقدار يفوت النفقة بالحج. (1) لا ينبغي التأمّل في صدق عرض الحج له إذا ملكه المال لأن يحج به فإنّه يجب في الفرض قبول الهبة لدلالة الأخبار المشار إليها في وجوب الحج عليه، و ذكر الماتن أنه كذلك إذا ملكه المال و خيره بين ان يحج به أم لا، و كأن لتخييره بين ان يحج به أم لا، يصدق أنه عرض عليه الحج و لو كان عرضه بنحو التخيير، و لكن لا يبعد أن يقال ظاهر الأخبار المشار إليها عرض الحج لا تمليك المال و تخييره بين الحج أو أي تصرف و لو كان إبقائه كما هو شأن المالك في ماله، و بتعبير آخر ظاهر تلك الاخبار عرض الحج لا الجامع بينه و بين غيره كما هو المفروض في المقام، و عليه
فلا يجب الحج عليه حتى يجب قبول الهبة و لو كان الموهوب متمماً
(مسألة 38) لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه، لصدق الاستطاعة (1) بل إطلاق الأخبار، و كذا لو أوصى له بما يكفيه للحج بشرط أن يحج فإنّه يجب عليه بعد موت الموصي.
(مسألة 39) لو أعطاه ما يكفيه للحج خمساً أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحّة (2) و وجوب الحج عليه إذا كان فقيراً أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللَّه. لاستطاعته المعتبرة في وجوب الحج فان قبولها من تحصيل الاستطاعة، كما هو الحال فيما إذا وهبه و لم يذكر الحج لا تعييناً و لا تخييراً و يؤيد ما ذكرنا، صحيحة حماد بن عثمان المروية في باب 24 من أبواب النيابة و التأييد لعدم فرض الصرورة فيها. (1) قد تقدم ان الاستطاعة المأخوذة موضوعاً لوجوب الحج هي حصول مال عنده كاف لمصارف الحج زائداً على نفقته الاعتيادية، و هذه غير حاصله في موارد التمليك بناءً على حصول الملك بالقبول، نعم ما ذكر داخل في عنوان عرض الحج له، و الاستطاعة فيه تعبدية. (2) لم يثبت وجه للصحة حيث إنّ من عليه الحق و إن يكون له ولاية إعطاء زكاة الفقير، و سهم السادة من الخمس لمستحقه، و الإعطاء و تمليك الولاية به لا يلازم ان يكون له الاشتراط على المعطى على حدّ الشرط في المعاملات على أحد المتعاملين، و أما إرجاع الاشتراط في المقام إلى تعليق التمليك على حصول الشرط بنحو الشرط المتأخر فهو أيضاً غير مفيد، لأن الولاية على التمليك المعلق غير ثابتة أيضاً على من عليه الحق. و دعوى ان ما ذكر فيما كان الإعطاء بنحو التمليك،
و أما إذا كان من قبيل الصرف في سبيل اللَّه فلا بأس بالاشتراط، فلا يمكن المساعدة عليها لما تقدم في مسائل مستحقي الزكاة ان مثل هذا لا يكون من قبيل صرف الزكاة
(مسألة 40) الحج البذلي مجزئ عن حجّة الإسلام، فلا يجب عليه إذا استطاع مالًا بعد ذلك على الأقوى (1). في سبيل اللَّه، بل ينحصر صرفها فيه إلى ما يرجع إلى المصالح العامة. (1) قد تقدم أنّه قد ورد في الروايات ان المبذول له مستطيع إلى الحج يعني الاستطاعة الواردة في ظاهر الآية المباركة، و ورد في صحيحة هشام بن سالم «أن الحج الواجب مرة واحدة» «1» بل كون الحج الواجب على المستطيع مرة واحدة من ضروريات الفقه فيكون الحج من المبذول له حجة الإسلام، أضف إلى ذلك ما في صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل لم يكن له مال فيحج به رجل من إخوانه يجزيه ذلك عنه عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة» «2» و لكن ذكر في الاستبصار بما حاصله أن المراد بالإجزاء، الإجزاء ما لم يستطع، فان استطاع يجب عليه الحج، نظير ما ورد في بعض الروايات الواردة في النائب عن غيره في الحج أنه يجزيه عن النائب أيضاً ما دام لم يستطع، و إذا استطاع يجب عليه، و في صحيحة الفضل بن عبد الملك أو موثقته عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أ قضى حجة الإسلام؟ قال: نعم، فإن أيسر بعد ذلك فعليه ان يحج، قلت: هل تكون حجة تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من
ماله؟ قال: نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة و ليست بناقصة فإن أيسر فليحج» «1» و لكن في التهذيب عكس الأمر، و حمل ما ورد في هذه الصحيحة أو
(مسألة 41) يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام، و في جواز رجوعه عنه بعده وجهان (1)، و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع قبل الإقباض و عدمه بعده، إذا كانت لذي رحم أو بعد تصرّف الموهوب له.
(مسألة 42) إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أولا وجهان. الموثقة على استحباب الإعادة.
أقول: لا يمكن الالتزام بما ذكر في الاستبصار، فإنه لو لم يكن عرض الحج موجباً لكون حج المبذول له حجة الإسلام، لم يجب الخروج عليه عند البذل مع أن الوارد في صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار «فان كان دعاه قوم ان يحجّوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا الخروج» «1» على ما مر من الامتناع عن الخروج يوجب استقرار الحج عليه، و على ذلك تحمل الصحيحة أو الموثقة على استحباب الإعادة أو على ما كان حجه مع أناس ذهبوا إلى الحج بالنيابة عن الغير. (1) ربما يقال بجواز الرجوع سواءً كان البذل بنحو الإباحة في التصرف أو بنحو التمليك، فإن الإباحة المالكية إذنٌ في التصرف في المال، و الملكية في الهبة متزلزلةٌ مع عدم كون المبذول له من ذي رحم، و عدم تصرف المبذول له في المال تصرفاً يمنع عن الرد. غاية الأمر يجب على المبذول له مع استطاعته عند الرجوع إتمام العمل و تكون مصارف إتمامه على الباذل الراجع، و لكن لا يخفى أنه لا موجب للضمان. فإن قاعدة الغرر لا تجري في المقام لإقدام المبذول له على الدخول في
(مسألة 43) إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية (1)، فلو ترك الجميع استقرّ عليهم الحج فيجب على الكل لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل، نظير ما إذا وجد المتيمّمون ماءً يكفي لواحد منهم فإن تيمّم الجميع يبطل. العمل مع علمه بان للباذل الرجوع عن بذله، و جواز الهبة له نظير ما إذا أذن لجاره وضع خشبة بنائه على جداره ثم طلب منه
رفعها، فان الضرر على الجار برفعها أمر قد أقدم عليه الجار، و لهذا يفرق بين المصالحة على وضعها و بين مجرد الاذن و الرضا في وضعها. فإنه لا اثر للرجوع في الأول للزوم الصلح بخلاف مجرد الرضا، و مما ذكرنا يظهر أنه إذا رجع الباذل في أثناء الطريق فلا موجب لكون نفقة العود عليه كما أنه لو رجع عن البذل بعد الشروع في الأعمال، فان لم يكن المبذول له مستطيعاً مع قطع النظر عن البذل أو صار مستطيعاً بعد رجوعه عن بذله و لم يمكن ادراك الحج بإعادة الإحرام على ما تقدم بيانه لا يجب عليه الإتمام، لانكشاف عدم كونه مكلفاً بحجة الإسلام. و المفروض أنه أحرم له، نعم إذا كان مستطيعاً أو أمكن تدارك الإحرام بعد استطاعته يجب عليه حجة الإسلام و لم يكن في البين موجب لضمان الباذل، و دعوى أن أمر الغير بفعل يوجب الضمان، لا يخفى ما فيه فان ذلك فيما إذا أتى الفعل للغير بحيث يكون له أجرة أو يتوقف على صرف المال مما لا ينفذ رجوعه عن اذنه كما تقدم. (1) لا يخفى أن الموضوع لبطلان التيمم تمكن الشخص من الوضوء أو الاغتسال و لو بالسبق إلى الماء، و حيث إن كلا من المكلفين متمكن من السبق إليه يبطل تيممهم. و هذا بخلاف المقام فان مدلول الروايات المتقدمة وجوب الحج على المبذول له و كل من الاثنين أو الثلاثة لم يبذل له الحج، بل المبذول هو السابق منهم بالأخذ بالبذل. و لم يقم في المقام دليل على وجوب السبق إلى الأخذ، و لذا لو لم يسبق أحد منهم إلى الأخذ لم يجب الحج على أحدهم فضلًا عن استقراره على
كل منهم. و على الجملة السبق إلى أخذ البذل يدخل السابق في موضوع وجوب الحج بالبذل و إدخال المكلف نفسه في موضوع التكليف غير لازم، و البذل على الجامع و إن كان أمراً معقولًا إلا أنه غير مشمول للروايات المتقدمة.
(مسألة 44) الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل (1)، و أمّا الكفارات فإن أتى بموجبها (1) المراد الباذل إذا لم يرجع في بذله له يكون عليه ثمن الهدي، و قد يقال في وجهه بعدم وجوب الحج على من ليس عنده نفقة الهدي من الأول، نعم إذا كان واجداً له ثم فُقد أو صُرف يكون عليه الصيام، و إذا كان الأمر في وجوب الحج بالبذل معلقاً ببذل نفقة الحج يكون وجوبه على المبذول له ببذل الهدى أيضاً، و يكون ثمن الهدى على الباذل حتى لو ذبح الهدي المبذول له من ماله فضمانه على الباذل. و على الجملة ظاهر نفقة الحج نفقة تمام اعماله التي منها الهدي، و لو بذل تمام نفقاته من الأول بلا نفقة الهدي، بأن قال: لا أعطى ثمن الهدي، و لم يكن المكلف مستطيعاً إلى الحج الاختياري بضميمة البذل، لم يجب عليه الحج حتى فيما إذا لم يكن في صوم ثلثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع حرج عليه، و لكن لا يخفى ان وجوب الحج بالبذل أو بمن عنده الزاد و الراحلة أو ما يحج به و إن يقتضي وجدان ثمن الهدي أو بذله، الا ان هذا بالإطلاق فيرفع اليد عنه بالإضافة إلى ثمن الهدي لما دلت عليه الآية و الروايات «على أن من لم يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع» خصوصاً الآية المباركة مدلولها يختص
بالحج الواجب، بقرينة قوله سبحانه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فإن إطلاقها كإطلاق الروايات يعم من لم يكن واجداً للهدي من الأول. و على الجملة لو لم يكن بذل ثمن الهدي واجباً على الباذل بنذره أو نحوه يجب على المبذول له، إذا كان عنده ثمنه، و إلّا يصوم و إذا لم يكن عنده ثمنه و كان الصوم حرجياً لم يجب الحج بالبذل، بلا بذل نفقة الهدي و اللَّه العالم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 106
عمداً اختياراً فعليه، و إن أتى بها اضطراراً أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان (1).
(مسألة 45) إنّما يجب بالبذل الحج الّذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة فلو بذل للآفاقي بحج القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه (2)، و كذا لو بذل للمكي لحج التمتّع لا يجب عليه، و لو بذل لمن حجّ حجّة الإسلام لم يجب عليه ثانياً، و لو بذل لمن استقرّ عليه حجّة الإسلام و صار معسراً وجب عليه، و لو كان عليه حجّة النذر أو نحوه و لم يتمكّن فبذل له باذل وجب عليه و إن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج، لشمول الأخبار من حيث التعليل فيها بأنّه بالبذل صار مستطيعاً، و لصدق الاستطاعة عرفا. (1) الظاهر عدم الموجب لكونها على الباذل، فان ثبوت الكفارة مع الارتكاب جهلًا أو نسياناً أو مع الاضطرار و إن تثبت في بعض الموارد إلا أنها خارجة عن الحج. و التكاليف المستقلة تسقط عند عدم التمكن منها و ليست من ضمان نفقة الحج بوجه، و بتعبير آخر لم
يصدر موجب للكفارة بطلب الباذل و اذنه سواء كان صدوره عن عمد أو خطاء ليدعى على ما تقدم، من ان الأمر و الطلب يوجبان الضمان و لم يقع غرور من الباذل ليقال أنه مقتضى القاعدة. (2) و ذلك لظهور اخبار عرض الحج في كون الواجب على المكلف على تقدير استطاعته يجب بعرضه له مع عدم استطاعته أي عدم كونه واجداً لما يحج به، نعم لو استقر عليه حجة الإسلام و لم يتمكن من الإتيان به لعسره فبذل له مال وجب عليه قبول البذل ان كان بنحو التمليك لوجوب الإتيان بالحج الذي استقر عليه ليسره بالبذل المزبور، كما لو كان البذل بنحو الإباحة. لأن المعتبر في وجوب الحج بعد استقراره التمكن من الإتيان به عقلًا، و عدم كونه حرجاً و عسراً عليه. و يتحقق ذلك بالبذل و لو مطلقاً، و كذا الحال إذا كان الحج واجباً عليه بالنذر و نحوه فبذل له المال فإنه إذا تمكن من الوفاء بنذره يجب عليه الوفاء و لو لم يكن عليه حجة الإسلام، و أما في المتن و إن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج، فالظاهر أنه من تتمة المسألة الآتية و ذكره في هذه المسألة من سهو القلم.
(مسألة 46) إذا قال له: «بذلت لك هذا المال مخيراً بين أن تحج به أو تزور الحسين (عليه السّلام)» وجب عليه الحج (1).
(مسألة 47) لو بذل له مالًا ليحج بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب.
(مسألة 48) لو رجع عن بذله في الأثناء و كان في ذلك المكان يتمكّن من أن يأتي ببقية الأعمال من مال نفسه، أو حدث له مال بقدر كفايته وجب عليه الإتمام و أجزأه عن حجّة الإسلام (2). (1) قد ظهر مما ذكرناه في مسألة البذل لأحد شخصين أو الأشخاص لا بعينه ان الأظهر في المقام عدم وجوب قبول البذل و عدم وجوب الحج بهذا النحو من البذل، لظهور الأخبار المتقدمة في عرض الحج بخصوصه و المبذول و المعروض في الفرض الجامع بين الحج و غيره، نعم لو حصل عند المكلف سائر ما يعتبر في الاستطاعة المالية يتعين القول بوجوب الحج عليه لكونه مستطيعاً مع كون البذل بنحو الإباحة، و أما إذا كان بنحو التمليك لا يجب القبول لان القبول من تحصيل الاستطاعة و لا يجب تحصيلها. (2) في كل من وجوب الإتمام و الإجزاء تأمل، فإنه إذا لم يكن بنفسه مستطيعاً للحج فرجوع الباذل عن بذله كاشف عن عدم استطاعته بالبذل فاحرامه لحجة الإسلام كان فاسداً، و حدوث الاستطاعة في أثناء العلم لا يوجب كونه حجة الإسلام. فإنها ما يقع بعد فرض الاستطاعة و لو كانت استطاعته بضميمة البذل المزبور، و على ذلك فان تمكن بعد حصولها من تدارك الإحرام على ما مر فهو و إلا لا يجب عليه الإتمام أيضاً، إلا إذا قصد الوظيفة الواقعية في إحرامه. فإن مع قصده كذلك يكون حجة واقعاً الحج المندوب، و يجب عليه إتمامه إذا أمكن و اللَّه سبحانه هو العالم.
(مسألة 49) لا فرق في الباذل بين أن يكون واحداً أو متعدّداً، فلو قالا له: حجّ و علينا نفقتك وجب (1) عليه.
(مسألة 50) لو عين له مقداراً ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها وجب عليه الإتمام في الصورة الّتي لا يجوز له الرجوع، إلّا إذا كان ذلك مقيّداً بتقدير كفايته.
(مسألة 51) إذا قال: «اقترض و حجّ و عليّ دينك» ففي وجوب ذلك عليه نظر، لعدم صدق الاستطاعة عرفاً، نعم لو قال: «اقترض لي و حج به» وجب مع وجود المقرض (2) كذلك. (1) و ذلك لإطلاق الروايات الواردة في عرض الحج كقوله (عليه السّلام) «نعم فيما قيل له فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أ هو ممن يستطيع اليه سبيلًا؟» فإنه يعم ما إذا كان عرضه عن واحد أو متعدد، بل في صحيحة معاوية بن عمار قال «فإن كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى» و ظاهرها كون الباذل متعدداً. (2) ان كان المراد أن المكلف في الفرض يدخل في عنوان من عرض عليه الحج، فالمعروض في الفرض ليس نفقة الحج، بل الاقتراض لنفقته و لو من الغير، و إن كان المراد ان المكلف يدخل مع وجود المقرض في عنوان المستطيع، فلا ينبغي التأمل في ان الاقتراض إذا كان على الغير تحصيل للاستطاعة و تحصيل الاستطاعة غير واجب.
(مسألة 52) لو بذل له مالًا ليحج به فتبيّن بعد الحج أنّه كان مغصوباً ففي كفايته للمبذول له عن حجّة الإسلام و عدمها وجهان أقواهما العدم، أمّا لو قال: «حج و عليّ نفقتك» ثمّ بذل له مالًا فبان كونه مغصوباً فالظاهر صحّة الحج و إجزاؤه عن حجّة الإسلام (1) لأنّه استطاع بالبذل، و قرار الضمان على الباذل في الصورتين عالماً كان بكونه مال الغير أو جاهلًا.
(مسألة 53) لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحج، و لا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير، لأنّ الواجب عليه في حج نفسه أفعال الحج، و قطع الطريق مقدمة توصلية بأي وجه أتى بها كفى و لو على وجه الحرام أولا، بنيّة الحج. و لذا لو كان مستطيعاً قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق، بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صحّ أيضاً و لا يضرّ بحجه، نعم لو آجر نفسه لحج بلدي لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي (2) كإجارته لزيارة بلدية أيضاً، أمّا لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس و إن كان مشيه للمستأجر الأوّل، فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلًا أو بالإجارة. (1) بل الأظهر عدم وجوب حجة الإسلام و عدم إجزاء المأتي به كما في الصورة الأولى، و ذلك فان مجرد إنشاء البذل لا يكون موضوعاً للوجوب ما لم يكن وفاء به، و المال الذي أعطاه لم يكن للباذل سلطان فيه فلا يكون وفاءً بالبذل، ليجب على المبذول له حجة الإسلام. (2) نعم يجوز إذا كان المستأجر عليه المشي الخاص كالمشي مع المستأجر
الثاني.
(مسألة 54) إذا استؤجر أي طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً لا يجب عليه القبول و لا يستقر الحج عليه، فالوجوب عليه مقيّد بالقبول و وقوع الإجارة، و قد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجاً عليه لصدق الاستطاعة و لأنّه مالك لمنافعه فيكون مستطيعاً قبل الإجارة، كما إذا كان مالكاً لمنفعة عبده أو دابّته و كانت كافية في استطاعته، و هو كما ترى إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره كما إذا كان من عادته أجار نفسه للأسفار.
(مسألة 55) يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير، و إن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدم الحج النيابي (1)، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه، و إلّا فلا.
(مسألة 56) إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعاً لا يكفيه عن حجّة الإسلام فيجب عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك، و ما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء ما دام فقيراً كما صرح به في بعضها الآخر، فالمستفاد منها أنّ حجّة الإسلام مستحبّة على الغير المستطيع (2) و واجبة على المستطيع، و يتحقّق الأوّل بأي وجه أتى به و لو عن الغير تبرّعاً أو بالإجارة، و لا يتحقّق الثاني إلّا مع حصول شرائط الوجوب. (1) هذا فيما إذا كان الحج النيابي مقيداً بسنة الاستئجار و احرز أو احتمل عدم تمكنه من الحج الاستئجاري، لو صرف الأجرة كلا أو بعضاً منها في الحج عن نفسه. (2) قد تقدم ان الحج مع عدم الاستطاعة و عدم البذل لا يكون من حجة الإسلام، و إطلاقها عليه مع عدمها بلحاظ ما يترتب عليه من ثوابها.
(مسألة 57) يشترط في الاستطاعة مضافاً إلى مئونة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به عياله حتّى يرجع، فمع عدمه لا يكون مستطيعاً (1)، و المراد بهم من يلزمه نفقته لزوماً عرفياً و إن لم يكن ممّن يجب عليه نفقته شرعاً على الأقوى، فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لا يقدر على التكسب و هو ملتزم بالإنفاق عليه أو كان متكفلًا لإنفاق يتيم في حجره و لو أجنبي يعد عيالًا له، فالمدار على العيال العرفي.
(مسألة 58) الأقوى وفاقاً لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له، من بستان أو دكان أو نحو ذلك بحيث لا يحتاج إلى التكفف و لا يقع في الشدّة و الحرج، و يكفي كونه قادراً على التكسب اللائق به أو التجارة باعتبار وجاهته و إن لم يكن له رأس مال يتجر به، نعم قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية، و لا يبعد عدم اعتباره أيضاً فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة و غيرهم، فإذا حصل لهم مقدار مئونة الذهاب و الإياب و مئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم، بل و كذا الفقير الّذي عادته و شغله أخذ الوجوه و لا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب و الإياب له و لعياله، و كذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب و الإياب من دون حرج عليه. (1) المراد من الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج ان تكون له نفقة الحج زائداً على نفقة الاعاشة الاعتيادية و من لا يكون له
نفقة عياله لا يكون مستطيعاً، و كذا الحال بالإضافة إلى الرجوع إلى ما به الكفاية، و ذكرنا ما يستفاد منه ذلك ليس نفي الحرج و العسر ليكون حجه مع عدمهما حجة الإسلام، كما إذا انكشف بعد الحج عدم كونه واجداً لنفقة عياله، حيث إن نفي جزمها عليه في الفرض بقاعدة نفي الحرج لا يوافق الامتنان.
(مسألة 59) لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحجّ به، كما لا يجب على الوالد أن يبذل له، و كذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحجّ به، و كذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج، و القول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف، و إن كان يدلّ عليه صحيح سعيد بن يسار «قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم يحج منه حجّة الإسلام، قال: و ينفق منه؟ قال: نعم، ثمّ قال: إنّ مال الولد لوالده، إن رجلًا اختصم هو و والده إلى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فقضى أنّ المال و الولد للوالد» و ذلك لإعراض الأصحاب عنه مع إمكان حمله على الاقتراض (1) من ماله مع استطاعته من مال نفسه أو على ما إذا كان فقيراً و كانت نفقته على ولده، و لم تكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ.
(مسألة 60) إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله، فلو حجّ في نفقة غيره لنفسه أجزأه، و كذا لو حجّ متسكعاً، بل لو حجّ من مال الغير غصباً صحّ و أجزأه، نعم إذا كان ثوب إحرامه و طوافه و سعيه (2) من المغصوب لم يصح، و كذا إذا كان ثمن هديه غصبا.
(مسألة 61) يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية، فلو كان مريضاً لا يقدر على الركوب أو كان حرجاً عليه و لو على المحمل أو الكنيسة لم يجب، و كذا لو تمكّن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته؛ و كذا لو احتاج إلى خادم و لم يكن عنده مئونته. (1) لا يخفى ان الحمل على ما ذكر لا يناسب التعليل الوارد فيه و العمدة أنه معارض بصحيحة الحسين بن أبي العلاء، و مقتضى القاعدة جواز الإنفاق على نفسه و على ولده الصغير و أمه إذا لم يكن له و للأم نفقة. (2) لم يثبت اشتراط الإحرام و السعي بالثوب، بل هو واجب فيهما بخلاف الطواف، فان الستر فيه شرط فيبطل الطواف بدونه.
(مسألة 62) و يشترط أيضاً الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت ضيقاً لا يمكنه الوصول إلى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب، و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب، و إلّا فلا.
(مسألة 63) و يشترط أيضاً الاستطاعة السربية بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال و إلّا لم يجب، و كذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه أو بدنة أو عرضه أو ماله و كان الطريق منحصراً فيه أو كانت جميع الطرق كذلك، و لو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون، وجب الذهاب من الأبعد المأمون، و لو كانت جميع الطرق مخوفة إلّا أنّه يمكنه الوصول إلى الحج بالدوران في البلاد مثل ما إذا كان من أهل العراق و لا يمكنه إلّا أن يمشي إلى كرمان و منه إلى خراسان و منه إلى بخارا و منه إلى الهند و منه إلى بوشهر و منه إلى جدّة مثلًا و منه إلى المدينة و منها إلى مكّة فهل يجب أو لا؟ وجهان أقواهما عدم الوجوب (1) لأنّه يصدق عليه أنّه لا يكون مخلى السِّرب.
(مسألة 64) إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتد به لم يجب، و كذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري سابق على حصول الاستطاعة أو لاحق مع كونه أهمّ من الحج كإنقاذ غريق أو حريق، و كذا إذا توقّف على ارتكاب محرم (2) كما إذا توقّف على ركوب دابّة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة. (1) بل الأظهر الوجوب إذا لم يكن الدوران أمراً حرجياً أو متضرراً بضرر مجحف، لصدق انه يمكن له ان يخرج إلى الحج و له إليه سبيل. (2) لا يخفى ان الواجب إذا توقف على ارتكاب محرّم و إن يكون وجوبه مع حرمة ذلك الفعل من المتزاحمين، إلا انه
إذا لم يحرز أهمية الواجب يكون مقتضى إطلاق خطاب الحرمة موجباً لارتفاع التكليف المتعلق بذلك الواجب، و عليه فبمجرد توقف الحج على ارتكاب حرام ما مع إحراز أهميته لا يوجب سقوط وجوبه أصلا و في غيره يؤمر به على نحو الترتب.
(مسألة 65) قد علم ممّا مرّ أنّه يشترط في وجوب الحج مضافاً إلى البلوغ و العقل و الحريّة، الاستطاعة المالية و البدنية و الزمانية و السربية و عدم استلزامه الضرر أو ترك واجب أو فعل حرام (1)، و مع فقد أحد هذه لا يجب،
فبقي الكلام في أمرين:
أحدهما: إذا اعتقد تحقّق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً أو اعتقد فقد بعضها و كان متحقّقاً فنقول: إذا اعتقد كونه بالغاً أو حراً مع تحقّق سائر الشرائط فحجّ ثمّ بان أنّه كان صغيراً أو عبداً فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجّة الإسلام، و إن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقّق سائر الشرائط و أتى به أجزأه عن حجّة الإسلام (2) مسائل في شرائط وجوب الحج (1) قد تقدم أنّ مع إحراز أهمية الحج بل مع احتمالها فلا يكون استلزامه ترك واجب أو فعل حرام موجباً لسقوط وجوبه، نعم مع عدم إحراز الأهمية و احتمالها يكون مكلفاً بالحج الا على نحو الترتب على ترك الواجب و فعل الحرام. (2) لا يقال مع اعتقاده بعدم بلوغه يشكل الأجزاء فإنه لا يكون مكلفاً بحجة الإسلام لغفلته و اعتقاده بعدم دخوله في الموضوع لوجوبها، و الأمر استحباباً بغير حجة الإسلام غير ثابت في حقه لكون الصادر عنه لا يكون غير حجة الإسلام، و كذا الحال في الاعتقاد بعدم حرمته أو عدم استطاعته فإنه يقال امتياز حجة الإسلام عن غيرها، و إن يكون بالقيود، إلا أن القيود مأخوذة في ناحية الموضوع في الأمر و المتعلق في كل من الأمر الوجوبي و الاستحبابي فعل واحد، و عليه فالمعتقد بعدم بلوغه أو عدم استطاعته يعلم بتوجه الأمر الحج إليه غاية الأمر يعتقد انه أمر استحبابي، و المعلوم في الواقع وجوبه فمثل هذه الغفلة لا تمنع عن اعتبار التكليف الواقعي الذي يمكن للمكلف الإتيان بمتعلقه و لو من باب الاشتباه و الخطاء في تعيين ذلك التكليف.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 115
كما مرّ
سابقاً، و إن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجّة فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه (1) فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك كما إذا تلف ماله وجب عليه الحج و لو متسكعاً، و إن اعتقد كونه مستطيعاً مالًا و أن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج ففي إجزائه عن حجّة الإسلام و عدمه وجهان من فقد الشرط واقعاً و من أنّ القدر المسلّم من عدم إجزاء حج غير المستطيع عن حجّة الإسلام غير هذه الصورة، و إن اعتقد عدم (1) قد تقدم سابقاً أنّه مع العذر في تفويت المال الوافي لمصارف الحج لا يكون الحج مستقراً، عليه كما إذا شك في استطاعته المالية فترك الحج ثم صرفه في أمر آخر و انكشف بعد صرفه انه كان وافياً لحجة، فإن ترخيص الشارع في صرف ذلك المال و لو ظاهراً في غير الحج يمنع عن استقرار وجوبه، و كذا مع الاعتقاد بعدم كون المال الموجود عنده وافياً لمصارفه، و ذلك فان وجوب الحج موضوعه مقيد بالاستطاعة المالية، و بقائها إلى تمام اعمال الحج على ما تقدم، و حفظ الموضوع غير لازم على المكلف غاية الأمر خرجنا عن ذلك بالأخبار الواردة في تسويف الحج و لو يصرف المال الموجود عنده في مصرف آخر كالتزوج بامرأة أخرى، و بما ورد في أن ترك الحج مع عرضه عليه موجب لاستقرار الحج و شي ء من ذلك لا يجري في صرف المال الموجود في مصرف آخر لاعتقاده عدم كفايته بمصارف الحج، فيؤخذ فيه بما ذكرنا من مقتضى القاعدة من عدم لزوم حفظ المال الذي يعتقد عدم كفايته لحجة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 116
كفاية ما عنده من المال و
كان في الواقع كافياً و ترك الحج فالظاهر الاستقرار عليه، و إن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف فالظاهر كفايته، و إن اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج فترك الحج فبان الخلاف فهل يستقر عليه الحج أولا؟ وجهان، و الأقوى عدمه لأنّ المناط في الضرر الخوف و هو حاصل، إلّا إذا كان اعتقاده على خلاف روية العقلاء (1) و بدون الفحص و التفتيش، و إن اعتقد عدم مانع شرعي فحج فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف، و إن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف فالظاهر الاستقرار.
ثانيهما: إذا ترك الحج مع تحقّق الشرائط متعمداً أو حج مع فقد بعضها كذلك، أمّا الأوّل فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجّة (2)، و أمّا الثاني فإن حج مع عدم البلوغ أو مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه إلّا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ (3) قد مرّ، و إن حجّ مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الإجزاء و لا دليل عليه إلّا الإجماع (4)، و إلّا فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحج الأوّل و إذا أتى به كفى و لو كان ندباً، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحباً بناءً على شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت فإنّ الأقوى عدم وجوب (1) قد ظهر مما ذكرنا في التعليقة السابقة ان الاعتقاد حتى ما لو كان على خلاف رؤية العقلاء لا يوجب استقرار الحج عليه. (2) لا يخفى أن فقد بعض الشرائط بترك الخروج إلى الحج كما إذا سرق ماله من بيته، بحيث لو خرج إلى الحج لم يكن يُسرق، بل كان له
صرفه في مصارفه فمثل هذا الفقد لا يمنع عن استقرار وجوبه. (3) قد تقدم عدم الاجزاء إلا إذا تدارك الإحرام من جديد على ما مرّ. (4) قد بينا ان ظاهر الأدلة وجوب الحج بعد تحقق الشرائط المأخوذة في ناحية المكلف، و الحج المأتي به قبل تحققها حج استحبابي فاقد للقيود المعتبرة في ناحية حجة الإسلام، فإجزاء المأتي به عنها يحتاج إلى قيام دليل، و ذكرنا أن عدم أخذ تلك القيود في ناحية الحج في خطاب التكليف للاستغناء عن أخذها بالأخذ في ناحية الموضوع، و لا يقاس ذلك بالصلاة المأتي بها في أول الوقت من الصبي ثم ان يبلغ بعدها أو في أثنائها، فإن البلوغ مأخوذ في ناحية موضوع الوجوب فقط لا في ناحية صلاة الوقت، فإن طبيعي صلاة الوقت مطلوب من البالغ و الصبي المميز، غاية الأمر المطلوبية في الصبي بنحو الاستحباب، بخلاف الحج فان الطلب الوجوبي في حق المستطيع الوجوب بعد تحقق الشرائط و إن كان قد حج قبل ذلك مع فقد الشرائط، و لذا لو أتى به متسكعاً قبل الاستطاعة يكون عليه الحج بعدها كما هو مورد النص؟ في حج الصبي و العبد و الالتزام بعدم الاجزاء في حج الصبي إذا بلغ بعد تمام الموقفين، و بالإجزاء ما إذا حج بلا استطاعة مالية ثم استطاع بعد الحج لا يخلو عن تهافت. و على الجملة ظاهر ما ورد في الصلوات اليومية ان الصلاة الواجبة على كل مكلف في اليوم و الليلة خمس صلوات، و المشروع في حق الصبي أيضاً في يوم و ليلة تلك الصلوات الخمس، و إذا أتى الصبي بصلاة الوقت قبل بلوغه ثم بلغ بعدها يطلب منه الوجود الثاني، بخلاف الحج فان
المطلوب من المستطيع الحج بعد الاستطاعة، و إن كان قد حج قبل ذلك فعدم الاجزاء لا يبتني على القول بتعدد الماهية، بل يجري بناءً على وحدتهما ماهيةً، و لكن متعلق الوجوب الوجود بعد حصول الشرائط و لو كان هذا الوجود الوجود الثاني، لأن مطلوبية الحج بالإضافة إلى كل سنة انحلالي، بخلاف صلاة الوقت فان المطلوب منها للبالغ و غيره نفس الطبيعي أي صرف وجوده بين الحدين.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 117
إعادتها، و دعوى أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب ممنوعة بعد اتّحاد ماهية الواجب و المستحب، نعم لو ثبت تعدّد ماهية حج المتسكع و المستطيع تم ما ذكر، لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب بل لتعدد الماهية، و إن حج مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجاً عليه أو مع ضيق الوقت كذلك فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب، و عن الدروس الإجزاء إلّا إذا كان إلى حد الإضرار بالنفس، و قارن بعض المناسك فيحتمل عدم الإجزاء، ففرق بين حج المتسكع و حج هؤلاء، و علّل
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 118
الأجزاء بأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط فإنّه لا يجب لكن إذا حصله وجب، و فيه أنّ مجرد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط مع أنّ غاية الأمر حصول المقدمة الّتي هي المشي إلى مكّة و منى و عرفات، و من المعلوم أنّ مجرّد هذا لا يوجب حصول الشرط الّذي هو عدم الضرر أو عدم الحرج، نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط و لم يكونا حين الشروع في الأعمال تم ما ذكر و لا قائل بعدم
الإجزاء في هذه الصورة، هذا و مع ذلك فالأقوى ما ذكره في الدروس، لا لما ذكره بل لأنّ الضرر و الحرج إذا لم يصلا إلى حد الحرمة، إنّما يرفعان الوجوب و الإلزام لا أصل الطلب (1) فإذا تحملهما و أتى بالمأمور به كفى.
(مسألة 66) إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجزئه عن حجّة الإسلام، و إن اجتمعت سائر الشرائط. لا لأنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه لمنعه أولًا، و منع بطلان العمل بهذا النّهي ثانياً، لأنّ النّهي متعلّق بأمر خارج، بل لأنّ الأمر (1) لا يخفى أن مع ارتفاع الوجوب يكون حجّة ندبياً و الواجب الوجود غير الحرجي و الضرري، فإجزاء الحرجي و الضرري عنه يحتاج إلى دليل، نعم كما ذكرنا سابقاً أنه لو انكشف الحرج أو الضرر بعد تمام الاعمال لا يكون وجوبه منفياً، لان نفي الوجوب في الفرض خلاف الامتنان، فيكون المأتي به مجزياً و داخلًا في عنوان حجة الإسلام، أو يكون من الوجود بعد تحقق الشرائط.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 119
مشروط بعدم المانع و وجوب ذلك الواجب مانع (1)، و كذلك النّهي المتعلّق بذلك المحرم مانع و معه لا أمر بالحج، نعم لو كان الحج مستقرّاً عليه و توقّف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة و أمكن أن يقال بالاجزاء، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه و منع كون النّهي المتعلّق بأمر خارج موجباً للبطلان.
(مسألة 67) إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلّا بالمال فهل يجب بذله و يجب الحج أو لا؟ أقوال ثالثها الفرق بين المضر بحاله و عدمه فيجب في الثاني دون الأوّل (2). (1) لا يخفى انه لو كان الحج مستلزماً لترك واجب أو ارتكاب حرام، و قيل بان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده الخاص، و قدم جانب الواجب الآخر أو الحرام يكون الحج محكوماً بالفساد حتى مع كون النهي عنه
غيرياً تبعياً. و ذلك فإن النهي الغيري التبعي يتعلّق بنفس ما هو ضد للواجب لا بعنوان خارجي، فإن عنوان الضد جهة تعليلة لا تقييدية، و يكون النهي المزبور مانعاً عن شمول خطاب الأمر لمتعلق النهي الغيري لعدم إمكان اجتماع الأمر و النهي في شي ء، فلا كاشف عن الملاك في ذلك المتعلق. بخلاف ما إذا قيل بعدم الاقتضاء فإنه في الفرض يكون الحج واجباً و لو بنحو الترتب على ترك الواجب الآخر. و على الجملة مجرد واجب آخر أهم أو رعاية حرام آخر أهم أو يحتمل الأهمية لا يوجب ارتفاع الوجوب عن الحج كما هو الحال في صورة استقرار وجوبه فالتفرقة بين الصورتين بلا وجه. (2) لا يخفى أنه إذا كان دفع المال إلى العدو مضراً بحاله بحيث يقع في الحرج من جهة اعاشته و لو بعد رجوعه فلا يكون مستطيعاً إلى الحج على ما تقدم، و أما مع عدم لزومه فإنما يجب الحج إذا لم يكن دفع المال موجباً لتقوية الظالم و بسط سلطته و لو بحسب عمود الزمان، و إلا ففي وجوب الحج بدفع المال تأمل بل منع. نعم لو لم يكن للدفع أثر في بقاء سلطته و تقويته كما يشاهد ذلك في بعض البلاد التي تربع على كرسي الحكم فيها من يأخذ المال قهراً ممن أرادها دخولًا أو خروجاً، فلا يوجب مثل ذلك سقوط وجوبه.
(مسألة 68) لو توقّف الحج على قتال العدو لم يجب حتّى مع ظنّ الغلبة عليه و السلامة (1)، و قد يقال بالوجوب في هذه الصورة.
(مسألة 69) لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلّا مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائياً (2) أو استلزامه الإخلال بصلاته أو إيجابه لأكل النجس أو شربه، و لو حجّ مع هذا صحّ حجّة لأنّ ذلك في المقدّمة و هي المشي إلى الميقات كما إذا ركب دابّة غصبيّة إلى الميقات. (1) لا يبعد عدم وجوبه حتى مع العلم بالسلامة فيما إذا كانت الغلبة عليه تستدعي وقوعه في الضرر. نعم إذا كان العدو داخلًا في عنوان الباغي أو المحارب يجب دفع شره كفاية و لو بالقتال، و عدم الظن بالسلامة حتى بالإضافة إلى من لا يجب عليه الحج. و على الجملة القتال في الفرض مع احتمال الظفر و السلامة تكليف آخر لا لوجوب الحج، ليقال ان مع العدو المفروض لا يكون تخلية السرب و قتاله من تحصيل استطاعته مع ظن السلامة، بل مع العلم بها و تحصيلها غير لازم. (2) إذا كان الخوف مما يتعارف في ركوب البحر لعامة الناس نوعاً، و إن كان هذا الخوف أمراً عقلائياً، فلا يمنع عن تحقق الاستطاعة الموجبة للحج. فان هذا الخوف متحقق في ركوب الطائرة بل ركوب السيارة أيضاً و لازم للحج. نعم إذا كان البحر متلاطماً يجري فيه الطوفان فيكون مانعاً عن تحقق الاستطاعة لعدم تخلية السرب. و أما الإخلال ببعض ما يعتبر في الصلاة فلا يسقط وجوب الحج بذلك، لعدم وجوب حفظ القدرة على الصلاة الاختيارية قبل دخول وقتها و حرمة أكل النجس مع التكليف بالحج من المتزاحمين و لا يبعد
أهمية الحج، و هذا بناءً على مانعية ما ذكر عن الاستطاعة، فالحج المأتي به و إن كان صحيحاً و يجزي عن حجة الإسلام إذا كان مستقراً عليه قبل ذلك إلا ان مع عدم استقراره لا يكون مجزياً عن حجة الإسلام إذا ابتلى بعد رجوعه أيضاً بما ذكر من المحذور، و الوجه في عدم الاجزاء عدم تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوبه كما لا يخفى.
(مسألة 70) إذا استقرّ عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، و لا يجوز له المشي إلى الحج قبلها، و لو تركها عصى، و أمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته لا في عين ماله، و كذا إذا كانت في عين ماله و لكن كان ما يصرفه في مئونته من المال الّذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما، أو كان ممّا تعلّق به الحقوق و لكن كان ثوب إحرامه (1) و طوافه و سعيه و ثمن هديه من المال الّذي ليس فيه حق، بل و كذا إذا كانا ممّا تعلّق به الحق من الخمس و الزكاة إلّا أنّه بقي عنده مقدار ما فيه منهما بناءً على ما هو الأقوى (2) من كونها في العين على نحو الكلّي في المعيّن لا على وجه الإشاعة.
(مسألة 71) يجب على المستطيع الحج مباشرة، فلا يكفيه حج غيره عنه تبرعاً أو بالإجارة إذا كان متمكّناً من المباشرة بنفسه. (1) هذا ينافي ما يذكره في مسائل الإحرام من ان لبس ثوبي الإحرام واجب مستقل بالإضافة إلى الإحرام، و كذا بالإضافة إلى سعيه بل في ثوب طوافه الذي هو غير الساتر. (2) كون الحق في الزكاة مطلقاً و في الخمس بنحو الكلي في المعين ممنوع كما تقدم في مسائل الزكاة و الخمس.
(مسألة 72) إذا استقرّ الحج عليه و لم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجاً عليه، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه (1)، بل ربّما يقال بعدم الخلاف فيه و هو الأقوى، و إن كان ربّما يقال بعدم الوجوب، و ذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب، و أمّا إن كان موسراً من حيث (1) و قد يقال بعدم وجوبها بل هي أمر مستحب، و يستدل على ذلك بأنه و إن ورد في بعض الروايات الأمر ببعث الرجل ليحج عنه كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أن علياً (عليه السّلام) رأى شيخاً لا يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز رجلًا فيحج عنه» «1» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «و إن كان موسراً و حال بينه و بين الحج مرض، أو حصر، أو أمر يعذره اللَّه فيه، فإن عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» «2» إلّا ان في بعضها الآخر قرينة على المراد من الأمر الاستحباب، و هي تعليق الأمر بالبعث على مشية المكلف،
ففي خبر ابن مسلمة بن حفص عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «ان رجلًا أتى علياً و لم يحج قط، إلى أن قال علي (عليه السّلام) ان شئت فجهز رجلًا ثم ابعثه يحج عنك» «3» و قريب منها ما في خبر عبد اللَّه بن ميمون، و كذا اعتبار كون النائب رجلا صرورة مع جواز نيابة المرأة عن الرجل، و الرجل عن المرأة بلا فرق بين الصرورة و غيرها، و الالتزام بالاستحباب في القيد لا في أصل النيابة لا يخلو عن بعد، و لكن لا يخفى أنه يمكن اعتبار كون النائب عن الرجل في حياته صرورة، و ما ورد في تعليق التجهيز على المشيئة لا يدل على الاستحباب بحيث يكون قرينة على رفع اليد عما يدل على الوجوب، حيث ان التعليق لبيان البدل للحج المباشري في تفريغ الذمة. فالمعنى ان أردت تفريغ الذمة فجهز رجلًا بمئونة الحج ليحج عنك، هذا مع الإغماض عن ضعف السند في الروايتين. ثم ان المتيقن من مدلول الروايات بل مدلول بعضها يختص بصورة استقرار الحج على المكلف قبل طرو العجز، و من كان موسراً من حيث المال و لم يتمكن من المباشرة فلا يبعد وجوب الاستنابة عليه، فان وجوبها عليه مقتضى الإطلاق في بعض الروايات كصحيحة الحلبي المتقدمة، بل ذكر الماتن (قدّس سرّه) ان إطلاقها و إن يعم صورة رجاء العذر و عدمه، إلا ان ظهور بعضها في عدم رجاء الزوال مضافاً إلى الإجماع يوجب رفع اليد عن الإطلاق المزبور. و قد يناقش فيما ذكر تارة بعدم الإطلاق في الروايات الدالة على وجوب الاستنابة في صورة التمكن من المباشرة و لو في السنين الآتية، فإن ظاهر صحيحة محمد بن مسلم عن
أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «كان علي (عليه السّلام) يقول لو ان رجلًا أراد الحج فعرض له عرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج، فليجهز رجلًا من ماله ثم ليبعثه مكانه» «1» حيث يقال ان ظاهرها حصول المانع عن الخروج فعلًا، و إن استطاع الخروج مستقبلًا. و الحال فرق بين قوله لم يستطع الخروج، و بين قوله لا يستطيع الخروج، و لكن يورد عليها أيضاً بأن ظاهرها الحج الإرادي يعني الاستحبابي و الكلام في المقام في حجة الإسلام.
أقول: ظاهر قوله (عليه السّلام) لو أن رجلًا أراد الحج، ما إذا أراد إفراغ ذمته نظير ما تقدم في قوله (عليه السّلام) «ان شئت فجهز رجلًا»، و على الجملة لو لم يكن ظاهر هذه الصحيحة إرادة خصوص حجة الإسلام فلا ينبغي التأمل في أن إطلاقها يعمّها، فان ثبت إجماع تعبدي على عدم وجوب البعث في فرض زوال العذر مستقبلًا و لو مع ثبوت الإطلاق المشار اليه فهو، و إلا فرفع اليد عن الإطلاق مشكل. و بعض الروايات و إن وردت فيمن لا يتمكن من الحج مباشرة و لو مستقبلًا، إلا أنها لا توجب رفع اليد عن الإطلاق لعدم التنافي بين الطائفتين.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 123
المال و لم يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة و عدمه قولان لا يخلو أولهما عن قوة، لإطلاق الأخبار المشار إليها، و هي و إن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال و عدمه لكن المنساق من بعضها ذلك، مضافاً إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال، و الظاهر فورية الوجوب كما في صورة المباشرة،
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 124
و مع بقاء
العذر إلى أن مات يجزئه حج النائب فلا يجب القضاء عنه و إن كان مستقراً عليه، و إن اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك، فالمشهور أنّه يجب عليه المباشرة (1) و إن كان بعد إتيان النائب، بل ربّما يدّعى عدم الخلاف فيه، لكن الأقوى عدم الوجوب لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الّذي كان واجباً على المنوب عنه فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه و لا دليل على وجوبه مرة أخرى، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه، و معه لا وجه لدعوى أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب (1) ظاهر الروايات كون الموضوع لوجوب الاستنابة عدم التمكن من الحج مباشرةً، فإن قيل باختصاص الوجوب بمن لا يتمكن على طبيعي الحج و لو مستقبلًا كان المأتي به من فعل النائب حكماً اعتقادياً أو ظاهرياً، فمع كشف الخلاف باتفاق التمكن من المباشرة فلا يحكم بالإجزاء، و بتعبير آخر لم يؤخذ عدم رجاء الزوال موضوعاً للحكم الواقعي ليقال ان ما يأتي به النائب هو الواجب في حقه واقعاً. و مما ذكرنا يظهر أنه لو قيل بوجوب الاستنابة مع عدم التمكن من المباشرة في السنة الفعلية و اتفق زوال العذر، فإن كان المنوب عنه متمكناً من المباشرة في سنته كان تمكنه كاشفاً عن عدم الأمر بالبدل، و بطلان الإجارة على تقدير تعلقها بحجة الإسلام، و أما إذا لم يتمكن يكون المورد من موارد الأمر بالبدل حتى فيما إذا كان طرو التمكن قبل إحرام النائب.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 125
نفس ما كان واجباً و المفروض في المقام
أنّه هو، بل يمكن أن يقال إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب إنّه يجب عليه الإتمام و يكفي عن المنوب عنه، بل يحتمل ذلك و إن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام، و دعوى أنّ جواز النيابة ما دامي كما ترى بعد كون الاستنابة بأمر الشارع و كون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك، و لا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض و غيره و بين من كان معذوراً خلقة (1)، و القول بعدم الوجوب في الثاني، و إن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف، و هل يختص الحكم بحجّة الإسلام أو يجري في الحج النذري و الإفسادي أيضاً؟ قولان، و القدر المتيقّن هو الأول بعد كون الحكم على خلاف القاعدة (2)، و إن لم يتمكّن المعذور من الاستنابة و لو لعدم وجود النائب أو وجوده مع عدم رضاه إلّا بأزيد من أجرة المثل و لم يتمكّن من الزيادة أو كانت مجحفة سقط الوجوب، و حينئذ (1) و ذلك لإطلاق أمر يعذره اللَّه فيه، كما ورد ذلك في صحيحة الحلبي المتقدمة. و أورد جملة من الاخبار و إن كانت صورة طرو العذر، إلا ان ذلك لا يمنع عن الأخذ بالإطلاق المشار اليه. (2) ما ذكر من القدر المتيقن لا يمنع الأخذ بالإطلاق، من صحيحة محمد بن مسلم. نعم لو صحة المناقشة في دلالتها على وجوب الاستنابة على ما تقدم، فلا دلالة في سائر الروايات على وجوبها في غير حجة الإسلام. و قد يأتي عن الماتن (قدّس سرّه) في فصل وجوب الحج بالنذر و
العهد و اليمين وجوب الاستنابة في طريان العذر في الحج النذري أيضاً، و لكن إذا كان متمكناً من الحج النذري قبل طريان العذر، و كذا في صورة العهد و اليمين، و لا يبعد هذا الاختصاص لان عدم التمكن من الوفاء بالنذر يوجب انحلاله، و لا يبقى موجب لإرادة الناذر الحج ليدخل في مدلول الصحيحة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 126
يجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرّاً عليه، و لا يجب مع عدم الاستقرار، و لو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناءً على الوجوب و وجب القضاء عنه مع الاستقرار، و هل يجب مع عدم الاستقرار أيضاً أولا؟ وجهان أقواهما نعم، لأنّه استقرّ عليه بعد التمكّن من الاستنابة، و لو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجزئ عن حجّة الإسلام (1) فيجب عليه بعد زوال العذر، و لو استناب مع رجاء الزوال و حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية، و عن صاحب المدارك عدمها و وجوب الإعادة لعدم الوجوب مع عدم اليأس فلا يجزئ عن الواجب، و هو كما ترى، و الظاهر كفاية حج المتبرّع (2) عنه في صورة وجوب الاستنابة، و هل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان، لا يبعد الجواز حتّى إذا أمكن ذلك في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتّع، و لكن الأحوط خلافه لأنّ القدر المتيقّن من الأخبار الاستنابة من مكانه، كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرّع عنه لذلك أيضاً. (1) و لو استظهر من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) المتقدمة أن الحيلولة بينه و بين الحج في سنته موضوع لوجوب الاستنابة، فمقتضاها الإجزاء. فان
ما يأتي به النائب هو الواجب في حقه و بحسب حجة الإسلام فلا موجب لعدم الاجزاء، فان الواجب في حق المكلف حجة واحدة كانت بالمباشرة أو بالتسبيب. (2) بل الأظهر عدم الكفاية، فان الواجب على العاجز هو بعث النائب و تجهيزه. كما هو ظاهر الروايات كما أن مقتضى إطلاقها عدم اعتبار كون البعث و التجهيز من بلد المنوب عنه، بل يجوز البعث و التجهيز من أي بلد حتى من الميقات. و أما ما في معتبرة محمد بن مسلم ثم ليبعثه مكانه ظاهره بعثه بدلًا عنه، و لو كان هذا البعث بالتسبيب كما ان يوكّل حاجّاً أن يأخذ له نائباً يحج عنه كما لا يخفى.
(مسألة 73) إذا مات من استقرّ عليه الحج في الطريق فإن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام فلا يجب القضاء عنه، و إن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و إن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى (1)، خلافاً لما عن الشيخ و ابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضاً، و لا دليل لهما على ذلك إلّا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي، حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم: (1) و يدلُّ على ذلك صحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال «في رجل خرج حاجّاً حجة الإسلام فمات في الطريق، فقال: ان مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن مات دون الحرم، فليقض عنه وليّه حجة الإسلام» «1» فإنها و إن كانت مطلقة من حيث استقرار حجة الإسلام عليه و عدمه، إلا ان من استقر عليه الحج داخل في مدلولها قطعاً، و هذه الصحيحة و إن لم تتعرض لكون
دخوله في الحرم بعد الإحرام، و لذا ربما يقال بأن إطلاقها يعم ما إذا نسي الإحرام حتى دخل الحرم إلا أن انصرافها إلى صورة دخول الحرم بعد الإحرام غير بعيد، حيث ان خروجه حاجّاً مقتضاه كون دخوله في الحرم بعد الإحرام.
و على الجملة ظاهرها أن مات قبل دخول الحرم و لو كان بعد إحرامه لا يوجب الاجزاء، و قد يقال ان مقتضى ما ورد في صحيحة بريد العجلي الاجزاء بعد الإحرام و إن لم يدخل الحرم حيث سأل أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل خرج حاجّاً و معه جمل له نفقة و زاد فمات في الطريق، قال: ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين» «2» الحديث بدعوى ان مقتضى الشرطية الثانية أي مفهومها الإجزاء إذا كان موته بعد الإحرام، و لكن لا يخفى أنه من المحتمل جدّاً ان يكون المراد من قوله قبل أن يحرم، قبل أن يدخل الحرم بقرينة الشرطية الأولى. حيث يقال لمن دخل الحرم أنه أحرم، و لمن دخل اليمن أيمن، و لمن دخل نجد أنجد، و مع الإغماض عن ذلك يكون مفهوماً معارضاً بمنطوق الشرطية الأولى، و المنطوق فيها أخص فيرفع اليد به و بما ورد في الشرطية الثانية في صحيحة ضريس المتقدمة عن إطلاق المفهوم المزبور.
أضف إلى ذلك أنّ الإجزاء على خلاف القاعدة فيرفع اليد عنها بمقدار تمام دليل الاجزاء و هو صورة الإحرام و دخول الحرم و الموت بعده، بل قد
يقال لا بد في الإجزاء من الموت بعد دخول مكة. كما هو مقتضى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) حيث ورد فيها «فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة؟ قال: يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر، انما هو شي ء عليه» «1».
و دلالتها على اعتبار دخول مكة انما هي بعدم الاستفصال في جوابه (عليه السّلام) بدخوله الحرم أو عدمه فيرفع اليد عن الإطلاق، بمثل صحيحة ضريس المتقدمة الدالة على كفاية دخول الحرم في الاجزاء، كما يرجع إليها في عدم كفاية مجرد الإحرام لو فرض سقوط صحيحة بريد العجلي بالمعارضة بين صدرها و ذيلها.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 128
«و إن كان مات و هو صَرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته في حجّة الإسلام» فإن مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم، لكنّه معارض بمفهوم صدرها و بصحيح ضريس، و صحيح زرارة، و مرسل المقنعة، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله: «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم كما يقال: «أنجد» أي دخل في نجد و «أيمن» أي دخل اليمن، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام، كما لا يخفى الدخول في الحرم بدون الإحرام كما إذا نسيه في الميقات و دخل الحرم ثمّ مات، لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام، و لا يعتبر دخول مكّة و إن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك، لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم، و الظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال كما إذا مات بين الإحرامين، و قد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت
في الحل أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام و دخول الحرم،
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 129
و هو مشكل لظهور الأخبار في الموت في الحرم. و الظاهر عدم الفرق بين حج التمتّع و القران و الإفراد، كما أنّ الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضاً، بل لا يبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حج القران أو الإفراد عن عمرتهما و بالعكس، لكنّه مشكل لأنّ الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتّع فإنّ العمرة فيه داخلة في الحج (1) فهما عمل واحد، ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء (1) أضف إلى ذلك أن فرض الموت في الطريق قبل الإحرام أو بعده يكون نوعاً في عمرة التمتع، فالحكم بالاجزاء مع فوته فيه يعم الموت بعد إحرام عمرة التمتع جزماً. و أما عموم ما يدل عليه لما مات بعد الإحرام للعمرة المفردة أو إذا مات بعد الإحرام لحج الافراد أو القرآن أجزائه عن عمرتها غير ظاهر، و على ذلك فالأظهر وجوب قضاء عمرتهما مع الاستقرار على الميت.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 130
بحجّة الإسلام (1) فلا يجري الحكم في حج النذر و الإفساد إذا مات في الأثناء، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً، و إن احتمله بعضهم.
و هل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه فيجزئه عن حجّة الإسلام إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و يجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان بل قولان من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور و من أنّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية، و لذا لا
يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسراً، و من هنا ربّما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقرّ عليه، و ربّما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقرّ عليه و حمل الأمر بالقضاء على الندب، و كلاهما مناف لإطلاقها، مع أنّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقرّ عليه بلا دليل مع أنّه مسلّم بينهم، و الأظهر الحكم بالإطلاق (2) إمّا بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق كما عليه جماعة و إن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط أو الموت و هو في البلد، و إمّا بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج، و هذا هو الأظهر فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضاً فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين و استحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك. (1) و ذلك لتقييد الاجزاء في الروايات بحجة الإسلام فيبقى غيرها على القاعدة، نعم يجري الاجزاء في حجة الإفساد بناءً على أنها حجة الإسلام لا الحجة الأولى الفاسدة. و لكن الأظهر ان حجة الإسلام هي الأولى كما يأتي. (2) و قد يقال بعدم الفرق بين من استقر عليه الحج و من لم يستقر، فان مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، و أما إذا كان موته قبل دخول الحرم و بعد الإحرام يجب القضاء عنه، كما هو مقتضى صحيحة ضريس حيث إن ظاهر تلبس المكلف بالإحرام و مدلولها أنه «إن مات بعد دخول الحرم يكفي ذلك في حجه، و أما إذا مات قبل دخول الحرم فيجب القضاء عنه» و
لا بأس بالالتزام بوجوب القضاء عنه مع عدم استقرار الحج عليه، و دعوى ان موته كاشف عن عدم وجوب الحج عليه كما في فقد سائر شرائط وجوبه أو الموت في البلد فيحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك، و استفادة وجوب القضاء فيمن استقر عليه الحج من الخارج لا يمكن المساعدة عليها، فإنه و إن كان ما ذكر مقتضى القاعدة إلا إنه يلتزم بوجوب القضاء حتى فيمن استقر عليه الحج لدلالة الصحيحة بالإطلاق و لو كان وجوبه أمراً تعبدياً، بل لا يبعد الالتزام بوجوب القضاء عنه. و كذا من استقر عليه الحج و يخرج مصارفه من جَمَلِهِ و زاده و نفقته التي معه في سفره كما هو مقتضى صحيحة بريد العجلي، و لا يخرج من صلب ماله.
أقول: ان ظهر اختصاص وجوب القضاء عمن مات قبل دخول الحرم أو قبل الإحرام بمن كان الحج مستقراً عليه، فان الاختصاص مقتضى التعليل الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة، حيث ذكر (عليه السّلام) فيها «يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه» حيث ان ظاهر التعليل كون الحج و العمرة واجباً عليه قبل موته و كانت ذمته مشغولة بهما، و هذا لا يجري في حق من لم يكن مستطيعاً للحج قبل هذه السنة، و اللَّه العالم.
(مسألة 74) الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع لأنّه مكلّف بالفروع لشمول الخطابات له أيضاً، و لكن لا يصح منه ما دام كافراً (1) كسائر العبادات و إن كان معتقداً (1) لقوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، و لفحوى ما ورد من الروايات الظاهرة في بطلان عمل المخالف، و لأن قصد التقرب المعتبر في العبادة لا
يتمشى من الكافر نوعاً لعدم اعتقاده بالشريعة، و البحث في كون الكفار مكلفين بالفروع أم لا، فيختص تكليفهم بالأصول ما لا يترتب عليه ثمرة فقهية، و في باب الحج إذا كان الكافر مستطيعاً ثم أسلم و كانت استطاعته باقية فهو مكلف بالحج لاستطاعته عند إسلامه، و كذا ما إذا استطاع بعد إسلامه. نعم إذا لم يستطع بعد إسلامه و كذا ما إذا استطاع بعد إسلامه، نعم إذا لم يستطع بعد إسلامه و كان مستطيعاً قبله فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب الحج عليه، لأن الإسلام يجب ما قبله. و هذا و إن ورد في بعض الروايات التي في سندها ضعف، الا ان الحكم مقطوع به بحسب السيرة القطعية، و لذا لا يجب عليه قضاء الصلاة و الصوم و غيرهما مما فات حال كفره بناءً على كون الكفار مكلفين بالفروع، نعم لو أسلم الكافر في وقت الفريضة يجب عليه الإتيان بها في وقتها نظير بقاء استطاعته بعد إسلامه، فإن هذا غير داخل في السيرة المشار إليها بل و لا في حديث الجبّ.
ثم انه قد يورد على الالتزام بكون الكفار مكلفين بالفروع، بأنه كيف يصح تكليفهم مع بطلان عملهم حال كفرهم، و مع إسلامهم لا يثبت في حقهم القضاء، و هذا في الحقيقة إشكال في تكليفهم بالقضاء لا بالإضافة إلى الأداء. حيث يمكن لهم امتثال التكليف به بإسلامهم في الوقت، و أما بالإضافة إلى القضاء فتكليفه غير معقول. لأنّه لا يصح عمله بدون إسلامه، و مع إسلامه يسقط التكليف بالقضاء، و لذا ذكر الماتن أن تكليفهم حال كفرهم بالقضاء تهكمى لتسجيل العقاب. و لكن لا يخفى ما فيه فان الكفار على مسلك تكليفهم بالفروع مكلفون بالتكاليف المتوجهة
إلى المسلمين. و التكليف التهكمي ليس داخلًا في التكليف، و ذكر ثانياً ان الكافر كما هو مكلف بالأداء في الوقت كذلك مكلف بالأداء خارج الوقت على تقدير تركه فيه. و على ذلك فلو أسلم الكافر أثناء الوقت و لم يأتي بفريضته فهو مكلف من حين التكليف بالأداء بالقضاء أيضاً، فيجب عليه القضاء في الفرض. و فيه ان هذا النحو من التعليق في الواجب و أن يصحح الأمر بالقضاء في حق الكفار، الا ان شيئاً من أدلة القضاء لا يساعد على الواجب المعلق، و دعوى ان ما ذكر في وجوب قضاء الصلاة أو الصوم من التوجيه لا يجري في الحج، فان وجوبه ليس من الموقت فلا يمكن المساعدة عليها، فان وجوب الحج على المستطيع فوراً ففوراً بمنزلة التوقيت حيث يمكن الأمر في السنة الأولى بحج السنة الثانية على تقدير تركها بعد استطاعته في السنة الأولى إذا أسلم فيها.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 132
لوجوبه و آتياً به على وجهه مع قصد القربة لأنّ الإسلام شرط في الصحّة، و لو مات لا يقضى عنه لعدم كونه أهلًا للإكرام و الإبراء، و لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، و كذا لو استطاع بعد إسلامه، و لو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى لأنّ الإسلام يجب ما قبله، كقضاء الصلاة و الصيام حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء و إذا أسلم سقط عنه، و دعوى أنّه لا يعقل الوجوب عليه إذ لا يصح منه إذا أتى به و هو كافر، و يسقط عنه إذا أسلم. مدفوعة بأنّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكمياً ليعاقب لا حقيقياً، لكنّه مشكل بعد
عدم إمكان إتيانه به لا كافراً و لا مسلماً،
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 133
و الأظهر أن يقال: إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً و إن تركه فمتسكعاً، و هو ممكن في حقّه لإمكان إسلامه و إتيانه مع الاستطاعة و لا معها إن ترك، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال و مأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها، و كذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال: إنّه في الوقت مكلّف بالأداء و مع تركه بالقضاء، و هو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداءً و مع تركها قضاءً فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق، فحاصل الإشكال أنّه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا أسلم، فكيف يكون مكلّفاً بالقضاء و يعاقب على تركه؟! و حال الجواب أنّه يكون مكلّفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق، و مع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء و القضاء فيستحق العقاب عليه، و بعبارة أخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء، و حينئذ فإذا ترك الإسلام و مات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء، و إذا أسلم يغفر له و إن خالف أيضاً و استحقّ العقاب.
(مسألة 75) لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه، و وجب عليه الإعادة من الميقات (1)، و لو لم يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه و لا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً لأن إحرامه باطل.
(مسألة 76) المرتد يجب عليه الحج سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده (2)، و لا يصح منه، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه، و لا يقضى عنه على الأقوى لعدم أهليته للإكرام و تفريغ ذمّته كالكافر الأصلي، و إن تاب وجب عليه (1) الوجه في وجوب الرجوع إلى الميقات و إعادة الإحرام بطلان الإحرام الواقع، فان كفره كان مانعاً عن صحته و لو لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات أحرم من موضعه على ما يأتي في مسألة من ترك الإحرام من الميقات. و على الجملة بعد بطلان الإحرام من الميقات لكفره لا يفيد إدراك أحد الوقوفين، و لا يقاس بما إذا تحرر العبد بعد إحرامه مع إدراكه أحد الوقوفين على ما تقدم. شرائط وجوب الحج (في وجوب الحج على المرتد فطرياً أو ملياً) (2) و ذلك فان ما استفيد منه عدم تكليف الكفار بالفروع يختص بالكافر الأصلي، و أما المرتد فمقتضى الإطلاقات كونه مكلفاً بالحج حتى ما إذا استطاع حال ردته. غاية الأمر أنّه لا يصح منه الحج حال ارتداده، فعليه الإنابة و الرجوع إلى الإسلام. و لو أحرم حال ردته ثم أسلم فعليه الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه على ما ذكرنا في إحرام الكافر قبل إسلامه، نعم لو زالت استطاعته عند إسلامه فعليه الحج لاستقراره عليه. و لا يجري في حقه جب الإسلام لما قبله لاختصاص السيرة المتقدمة، بل
ظاهر حديث الجب بالإسلام بعد الكفر الأصلي، و لو حج حين ارتداده يحكم ببطلانه لأن الإسلام شرط لقبول العمل. نعم لو حج مسلماً ثم ارتد ثم تاب لا يجب عليه الإعادة، كما يدل على ذلك معتبرة زرارة المروية في مقدمة العبادات عن جعفر (عليه السّلام) قال: «من كان مؤمناً فحج و عمل في إيمانه ثم اصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب و آمن، قال: يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه و لا يبطل منه شي ء» «1» و رواها الشيخ (قدّس سرّه) في التهذيب بسنده عن الحسين بن علي أو هو الحسين بن علي بن سفيان البزوفري أبو عبد اللَّه و قد ذكر (قدّس سرّه) في رجاله ان له كتب أخبرنا عنها جماعة منهم محمد بن محمد بن النعمان و موسى بن بكر من المعاريف اللذين لم يرد فيهم قدح بل لا يبعد دلالة الآية المباركة وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ و ظاهرها قبول توبة المرتد حتى ما إذا كان فطرياً، و إن حبط الاعمال بالارتداد فيما إذا مات كافراً.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 135
و صح منه و إن كان فطرياً على الأقوى من قبول توبته سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لأنّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر، و لو أحرم في حال ردته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي، و لو حجّ في حال إسلامه ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): «من كان مؤمناً فحج ثمّ أصابه فتنة ثمّ تاب يحسب له كل
عمل صالح عمله و لا يبطل منه شي ء»، و آية الحبط مختصّة بمن مات على كفرة بقرينة الآية الأخرى و هي قوله تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ، و هذه الآية دليل على قبول توبة المرتد الفطري، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له.
(مسألة 77) لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح (1)، كما هو كذلك لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب، و كذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة، بل و كذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة ثمّ تاب قبل أن يأتي بشي ء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءاً فيها، نعم لو ارتدّ في أثناء الصوم بطل و إن تاب بلا فصل.
(مسألة 78) إذا حج المخالف ثمّ استبصر لا يجب عليه الإعادة بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه (2) و إن لم يكن صحيحاً في مذهبنا من غير فرق بين الفِرَق لإطلاق الأخبار، و ما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السّلام): «يقضي أحب إليّ» و قوله (عليه السّلام): «و الحجّ أحبّ إليّ». (1) و ذلك فان الإحرام و إن كان عبادة تعتبر فيه الأمور المعتبرة في العبادة من إسلام المكلف، و قصد التقرب فيه، الا انه حدوثاً كذلك. و أما بعد انعقاده واجداً للشرائط فاستمراره أمر قهري حتى يحصل الإحلال و تنضم إليه سائر الأعمال. و كذلك الارتداد في الآنات المتخللة بين أجزاء الصلاة، و الغسل، و الوضوء، و إن يناقش في ذلك بان الارتداد موجب للنجاسة و يشترط طهارة البدن في الآنات المتخللة، كما يشترط طهارة البدن قبل الغسل و طهارة العضو قبل الوضوء، و لكن لا يخفى ان هذا في النجاسة العرضية في الصلاة، و المعتبر في الغسل و الوضوء طهارة العضو المغسول قبل غسله، نعم الارتداد في أثناء الصوم يوجب بطلانه لبطلان الإمساك
حين الارتداد و الواجب هو جميع الامساكات بوجوب واحد. (2) و ذلك فإن الاجزاء مع صحته في مذهبه هو القدر المتيقن من الروايات الدالة على الاجزاء كصحيحة بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منَّ اللَّه عليه بمعرفته و الدينونة به، أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: قد قضى فريضته و لو حج لكان أحب إليّ، و قال: سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم منّ اللَّه عليه فعرف هذا الأمر، يقضي حجة الإسلام؟ قال: يقضي أحب إلى» «1» و ما ورد في بعض الروايات من الأمر بالإعادة، يحمل على الاستحباب. بقرينة ما في ذيل هذه الصحيحة و نحوها، و ربما أن ظاهر مثل هذه الصحيحة ناظرة إلى أن فقد الولاية عند الحج مع استبصاره بعده لا يوجب القضاء تفضلًا من الشارع، فلا يعم ما إذا كان المأتي به فاسداً حتى على مذهبه، نعم لو كان حجه على مذهبنا و تمشى منه قصد القربة و لو لاحتمال صحة الحج على المذاهب الأخر فلا يبعد شمول الإطلاق لذلك أيضاً.
(مسألة 79) لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها منه (1)، شرائط وجوب الحج و عدم اعتبار إذن الزوج في حجة الإسلام لزوجته (1) و لعله من غير خلاف و يشهد له جملة من الروايات لصحيحة محمد عن أبي جعفر (عليه السّلام) «قال سألته عن امرأة لم تحج و لها زوج و أبى أن يأذن لها في الحج فغاب زوجها فهل لها أن
تحج؟ قال: لا طاعة له عليها في حجة الإسلام» «1» و صحيحة معاوية بن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) امراة لها زوج فأبى ان يأذن لها في الحج، و لم تحج حجة الإسلام، فغاب عنها زوجها و قد نهاها ان تحج، قال: لا طاعة له عليها في حجة الإسلام و لا كرامة لتحج ان شاءت» «2» و صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «سألته عن امراة لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحج، قال: تحج و إن لم يأذن لها» «3» و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن الصادق (عليه السّلام) «تحج و إن رغم أنفه» «4» و مع إطلاق هذه الروايات و عدم الاستفصال في الجواب عن استقرار الحج على المرأة أذن لها زوجها أو لم يأذن فلا مجال لتوهم أن نهى زوجها عن الخروج مانع عن تحقق الاستطاعة لها.
أضف إلى ذلك ما تقدم سابقاً كون المراد بالاستطاعة في الحج ان يكون له مال زائد واف بمصارف الحج، زائداً على اعاشته العائلية. فيكون النهي عن خروجها من بيتها مع وجوب الحج عليها من المتزاحمين و لأهمية الحج يقدم على النهي.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 138
و كذا في الحج الواجب بالنذر (1) و نحوه إذا كان مضيقاً، و أمّا في الحج المندوب (1) الأظهر اعتبار كون المنذور راجحاً في ظرف العمل، حيث ورد في بعض روايات اليمين «ان رأيت خيراً منه فاتركه» و مع نهي الزوج عن الخروج من بيتها لا يكون الحج المزبور راجحاً، و لا يقاس ذلك بما إذا استأجر شخص امرأة على عمل خارج بيتها ثم بعد
زواجها منعها زوجها من الخروج، حيث لا يكون لزوجها حق المنع عن خروجها، و ذلك فان عملها بالإجارة صار ملكاً للغير بالاستئجار فيجب عليها تسليمه إلى المستأجر، و لا يكون لزوجها منعها عن تسليم مال الغير إلى صاحبه. بخلاف المنذور فإنه لحرمة خروجها عن بيتها من غير اذن زوجها يكون حجها غير راجح.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 139
فيشترط إذنه (1)، و كذا في الواجب الموسع قبل تضيقه على الأقوى، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود الرفقة الأخرى قبل تضيق الوقت، و المطلقة الرجعية كالزوجة في اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدّة، (1) من غير خلاف، حيث إنّه لا يجوز لها الخروج من بيتها من غير رضا زوجها خصوصاً إذا كان منافياً لحق الزوج، و يدلُّ على ذلك صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السّلام) «قال: سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام و تقول لزوجها أحج من مالي إله أن يمنعها من ذلك، قال: نعم و يقول لها حقي عليك أعظم من حقك عليّ في هذا» «1» و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) «و لا تخرج من بيتها إلا بإذنه و إن خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها» «2» و صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: «سألته عن المرأة إلها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال: لا» «3» و مما ذكر أنه يجوز له منعها عن السفر مع أول الرفقة مع وجود الرفقة الأولى و وثوقها بإدراك المناسك مع
التأخير، و مما ذكر يظهر الحال في المطلقة الرجعية قبل انقضاء عدتها فإنها زوجة، بل يدل عليه بعض الروايات المعتبرة كصحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن المطلقة تحج في عدتها؟ قال: ان كانت صرورة حجت في عدتها و إن كانت حجت فلا تحج حتى تقضي عدتها» «4» و مثل هذه محمول على المطلقة الرجعية بقرينة موثقة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته «يقول المطلقة تحج في عدتها ان طابت نفس زوجها» «5» و موثقة سماعة قال: «سألته عن المطلقة أين تعتد؟ فقال: في بيتها، إلى أن قال: و ليس لها أن تحج حتى تقضي عدتها» «6».
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 140
بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه، و كذا المعتدة للوفاة فيجوز لها الحج واجباً كان أو مندوباً، و الظاهر أنّ المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن (1)، و لا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا.
(مسألة 80) لا يشترط وجود المَحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها كما دلّت عليه جملة من الأخبار (2)، و لا فرق بين كونها ذات بعل أولا، و مع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم و لو بالأجرة مع تمكّنها منها، و مع عدمه (1) لأنها زوجة تدخل فيما دل على عدم جواز خروجها إلى الحج المندوب إلّا إذا طابت نفس زوجها، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق في ذلك بين ان يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها و عدمه. (2) كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في المرأة تريد الحج ليس
معها محرم هل يصلح لها الحج؟ فقال: نعم إذا كانت مأمونة» «1» و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن المرأة تحج إلى مكة بغير ولي؟ قال: لا بأس تخرج مع قوم ثقات» «2» و صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن المرأة تحجّ بغير ولي، قال: لا بأس» «3» إلى غير ذلك و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كونها ذات بعل أو لا.
و مع عدم امنها يجب عليها استصحاب المحرم لها و لو بالأجرة مع تمكنها منها، و مع عدم التمكن لا تكون مستطيعة أي لا يجب عليها الحج.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 141
لا تكون مستطيعة، و هل يجب عليها التزويج تحصيلًا للمحرم؟ وجهان (1) و لو كانت ذات زوج و ادّعى عدم الأمن عليها و أنكرت، قدم قولها مع عدم البينة أو القرائن الشاهدة، و الظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها (2) إلّا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له عليها بدعوى أن حجها حينئذ مفوّت لحقه مع عدم وجوبه عليها فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف، و هل للزوج مع هذه الحالة منعها عن الحج باطناً (1) أوجههما وجوب التزويج عليها ما لم يكن أمراً حرجياً عليه، فان التزويج كاستصحاب المحرم من مقدمات الوجود، و غير مأخوذ في الاستطاعة المتقدمة التي ذكرناها أنها الموضوع لوجوب الحج. (2) هذا إذا كان الزوج معترفاً بأنها خائفة في سفرها و لكنّه يخاف عليها، فان في هذا الفرض لا يكون في البين دعوى له عليها بعد اعترافه إحرازها الموضوع لوجوب الحج عليها، نعم إذا كان الزوج مدعياً أنها غير خائفة على نفسها و إنما تدعي
كونها آمنة كذباً، و في ذلك تحلف الزوجة على نفي دعوى زوجها، و ما يقال من ان الزوجة في الفرض أيضاً مدعية النفقة عليه كالحاضر، و الزوج مدّع لحقه في الاستمتاع بها و حقه في منعها عن سفرها فيكون من باب التداعي، فلا يكون بعد التحالف للزوج المنع و لا للزوجة حق مطالبة النفقة لا يمكن المساعدة عليه، فان حق الزوج مترتب على عدم ثبوت وجوب الحج عليها، و مع إحراز وجوبه عليها بحلفها على أمنها و عدم خوفها يثبت لها حق النفقة، و لا موضوع لمطالبة الزوج حق الاستمتاع بها أو لمنعها عن سفرها. كما أنه ليس المقام من باب التزاحم بين الحقين أو التكليفين فان التزاحم ما إذا ثبت الحقان أو التكليفان على واحد مع عدم تمكنه من الأداء.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 142
إذا أمكنه ذلك؟ وجهان في صورة عدم تحليفها، و أمّا معه فالظاهر سقوط حقه، و لو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام، و إلّا ففي الصحّة إشكال (1) و إن كان الأقوى الصحّة.
(مسألة 81) إذا استقر عليه الحج بأن استكملت الشرائط و أهمل حتّى زالت أو (1) ذكر (قدّس سرّه) بعد الاستشكال ان الأقوى الصحة، و لكن لا يخفى ان مع زوال خوفها و حصول أمنها بوصولها إلى الميقات يجب عليها الحج إذا لم تكن خائفة من عودها إلى ما قبل الميقات عند رجوعها لاستطاعتها إلى الحج عند وصولها إلى الميقات، و أما إذا لم تزل خائفة بعد وصولها إليه فالأظهر الحكم ببطلان حجها بناءً على ان خروجها عن بيتها في الفرض محرم، فان وقوفها في عرفات
و المشعر الحرام و طوافها و سعيها مصداق للحرمة على ما ذكرنا من استفادة ذلك مما ورد في خروجها عن بيتها. نعم إذا ظهر بعد حجتها أنه لم يكن في البين موجب لعدم أمنها و فرض حصول قصد التقرب منها كما إذا كانت جاهلة باعتبار خوفها لا يبعد الحكم بصحة حجها، بل كونها حجة الإسلام بناءً على على أن خوفها طريق إلى عدم وجوب حجة الإسلام عليها، و الموضوع لوجوبها عليها، عدم الضرر لها في حجها كما هو غير بعيد.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 143
زال بعضها صار ديناً عليه و وجب الإتيان به بأي وجه تمكّن (1)، و إن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة، و يصحّ التبرّع عنه، و اختلفوا فيما به يتحقّق الاستقرار على أقوال: فالمشهور مضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعاً للشرائط و هو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة، و قيل باعتبار مضي زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط فيكفي بقاؤها إلى مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي، و ربّما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة، و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم، و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو أهمل استقر عليه و إن فقدت بعض ذلك لأنّه كان مأموراً بالخروج معهم، و الأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية، و أمّا بالنّسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال (2)، و ذلك لأن فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً و أنّ
وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهرياً، و لذا لو علم من الأوّل أنّ الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه، نعم لو فرض تحقّق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود و الرجوع إلى كفاية و تخلية السرب (1) هذا فيما لم يكن الإتيان حرجياً عليه، و إلا ينتفي وجوبه كسائر الواجبات. نعم لا يبعد كونه ديناً عليه فيخرج الحج بالقضاء عنه، ان كانت له تركة نظير الدين إذا لم يتمكن من أدائه حال حياته. (2) و ليكن المراد و إلى آخر اعمال الحج، و أما طواف النساء فلا يشترط إمكان الإتيان به و مثله المبيت في ليالي منى فإنه أيضاً واجب مستقل في حق المتمكن منه، و لذا لو علم بعدم تمكنه منه يجب عليه الحج. و ما ذكر يجري فيمن وظيفته حج الإفراد أو القرآن.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 144
و نحوها، و لو علم من الأوّل بأنّه يموت بعد ذلك فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي، و إن كان بعده وجب عليه، هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي، و إلّا استقر عليه كما إذا علم أنّه لو مشى إلى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلًا، فإنّه حينئذ يستقر عليه الوجوب لأنّه بمنزلة تفويت الشرائط على نفسه، و أمّا لو شك في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أولا فالظاهر عدم الاستقرار (1) للشك في تحقّق الوجوب و عدمه واقعاً، هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه، و أمّا لو كان واجداً للشرائط حين المسير فسار ثمّ زالت
بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال كفى حجّه عن حجّة الإسلام (2) إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية و نحوها على الأقوى.
(مسألة 82) إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما فيمن وظيفته حجّ الإفراد و القران ثمّ زالت استطاعته فكما مر يجب عليه أيضاً بأي وجه تمكّن، و إن مات يقضى عنه.
(مسألة 83) تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها (3) سواء كانت (1) بل الأظهر الاستقرار، فان الموضوع لوجوب الحج عليه و استقراره بقاء الشرائط على ما ذكر، و هذا يحرز بالاستصحاب و أصالة السلامة التي عليها بناء العقلاء. (2) و في الكفاية إشكال إذا انكشف بفقد الشرط عدم الوجوب من أول الأمر، نعم إذا كان اعتبار المفقود بدليل نفي الحرج فيمكن ان يقال بان نفي الوجوب في الفرض خلاف الامتنان فلا يكون لدليله شمول لذلك، و مسألة الإجزاء «فيمن مات بعد الإحرام و دخول الحرم» حكم تعبدي يحتاج ثبوته في غيره إلى قيام دليل عليه. (3) يجب قضاء حجة الإسلام عن الميت من تركته، إلا إذا أوصى بالقضاء عنه من ثلثه و وجوب القضاء عنه سواء أوصى بالقضاء أو لم يوص أمر متفق عليه بين الأصحاب، و يدلُّ عليه غير واحد من الروايات منها صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ يقضى عنه؟ قال: نعم» «1» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله» «1» إلى غير ذلك، و ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار من قوله (عليه السّلام) «و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك فان
شاءوا أكلوا أو ان شاءوا حجوا عنه» «2» لا ينافي ما ذكر فان ظاهر صورة عدم وفاء ما ترك لنفقة الحج عنه، بل كفايته لأجرة الحمولة خاصة، و في الفرض يكون المال غير وافي للورثة. و مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق بين كون ما على الميت حج التمتع أو حج الافراد و القران، و كذا ما كان عليه عمرتهما. و قد ورد في صحيحة زرارة المتقدمة «فيمن مات قبل الانتهاء إلى مكة، قال: يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه» «3».
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 145
حج التمتّع أو القرآن أو الإفراد، و كذا إذا كان عليه عمرتها، و إن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك (1) أيضاً، و أمّا إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه و تقدّم على الوصايا المستحبّة و إن كانت متأخّرة عنها في الذكر، (1) يعني يخرج من أصل التركة مع عدم الوصية بالقضاء عنه من ثلثه كما يدل عليه ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله فإن أوصى ان يحج عنه رجل فليحج ذلك الرجل» و صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مات فأوصى أن يحج عنه، قال: إن كان صرورة فمن جميع المال، و إن كان تطوعاً فمن ثلثه» «1».
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 146
و إن لم يف الثلث بها أخذت البقية من الأصل، و الأقوى أن حج النذر أيضاً كذلك (1)، بمعنى أنّه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه، و لو
كان عليه دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدم (1) يعني يخرج الحج النذري من أصل المال، و لكن لا يخفى انه لم يتم دليل على وجوب قضاء الحج النذري مع عدم الوصية فضلًا عن إخراجه من صلب المال. و يستدل على ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) تارة برواية الخثعمية المروية في مستدرك الوسائل، و بإطلاق الدين على الحج النذري كإطلاقه على حجة الإسلام، و بان الناذر في نذره يجعل الحج على ذمته للَّه سبحانه فيكون من الدين للَّه، و شي ء منها غير قابل الاعتماد عليه لضعف الرواية و عدم ثبوت إخراج كل دين و لو لم يكن من قبيل المال من أصل التركة، و إخراج حجة الإسلام من صلب المال كإخراج مؤنة التجهيز لثبوت الدليل عليه، و بتعبير آخر «لا يكون الدين للَّه من قبيل كون المنذور ملكاً اعتبارياً للَّه سبحانه» و لذا لا فرق بين ان يقول الناذر للَّه على صوم كذا أو صلاة كذا أو التصدق بكذا في أنه يخرج من ثلث الميت مع وصيته، نعم قد يقال بوجوب إخراج الحج النذري من ثلث التركة و لو مع عدم الوصية به، و يستظهر ذلك من صحيحة ضريس الكناسي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به رجلًا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام، و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر، قال: ان ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد وفى بالنذر. و إن لم
يكن ترك مالًا إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر إنما هو مثل دين عليه» «1» و صحيحة عبد اللَّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نذر للَّه ان عافى اللَّه ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت اللَّه الحرام، فعافى اللَّه الابن و مات الأب. فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه» «2» و لكن لا يخفى أن المفروض فيها نذر الإحجاج و ما ورد فيها من ثلثه، لعله قرينة على كون الإخراج مع وصيته بثلثه في الخيرات، و يناسبه ما ورد من حج الابن عن أبيه مع أن نذر أبيه كان متعلقاً باحجاج ابنه، و ما ورد في صحيحة ضريس من إحجاج رجل من ثلثه ينافيه: نعم ورد في صحيحة مسمع قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «كانت لي جارية حبلى، فنذرت للَّه (عزّ و جلّ) ان ولدت غلاماً أن أحجه أو أحج عنه، فقال: ان رجلًا نذر للَّه (عزّ و جلّ) في ابن له، ان هو أدرك ان يحج عنه أو يحجّه فمات الأب، و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الغلام، فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ان يحج عنه مما ترك أبوه» «3» و هذه كما تتم في نذر الإحجاج تعم نذر الحج عن الابن، و ظاهرها الإخراج من صلب المال الا ان الظهور بالإطلاق يحمل على ثلثه، بقرينة صحيحة ضريس و عبد اللَّه بن أبي يعفور و عليه تكون على خلاف القاعدة، فيرجع إليها
في غير ذلك، و يلتزم بعدم ثبوت القضاء فيما كان المنذور حجة و مات قبل الوفاء بها حتى مع تمكنه من الوفاء لانه لم يثبت القضاء في النذر إلا في نذر الإحجاج أو الحج عن ولده إذا مات قبل الوفاء به و اللَّه العالم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 147
لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرفه في غيرهما، و إن كانا في الذمّة فالأقوى أنّ التركة توزع
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 148
على الجميع (1) بالنسبة كما في غرماء المفلس، و قد يقال يقدم الحج على غيره و إن كان هناك دين، للنّاس لخبر معاوية بن عمّار الدال على تقديمه على الزكاة و نحوه بخبر آخر، لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب لأنّهما في خصوص الزكاة، و ربّما يحتمل تقديم دين النّاس لأهميّته، و الأقوى ما ذكر من التخصيص، و حينئذ فإن وفت حصّة الحج به فهو، و إلّا فإن لم تف إلّا ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي فالظاهر سقوطه و صرف حصّته في الدين أو الخمس أو الزكاة، و مع وجود الجميع توزع عليها، و إن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران و الإفراد تصرف فيهما مخيّراً بينهما، و الأحوط تقديم الحج، و في حج التمتّع الأقوى السقوط و صرفها في الدين و غيره، و ربّما يحتمل فيه أيضاً التخيير أو ترجيح الحج لأهميّته أو العمرة لتقدمها، لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتّع عملًا واحداً، و قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام. (1) إذا كان على الميت دين و خمس و زكاة، فان كان ما تعلق به الخمس أو الزكاة موجوداً، فلا ينبغي
التأمل في تقديم إخراج الخمس و الزكاة، فان ديون الميت تؤدي من تركته، و مقدار الخمس أو الزكاة في العين المتعلق بها أحدهما لا يكون من تركته، و هذا بخلاف ما إذا كانت الزكاة أو الخمس على ذمة الميت، فإنهما كسائر الديون. فان كانت تركة الميت وافية بجميع ديونه، فهو و إلا فيوزع عليها بالنسبة. كما يدل على ذلك موثقة زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل مات و ترك عليه ديناً و ترك عبداً له مال في التجارة و ولداً، و في يد العبد مال و متاع، و عليه دين استدانه العبد في حياة سيّده في تجارة، و إن الورثة و غرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال و المتاع في رقبة العبد فقال: أرى ان ليس للورثة سبيل على رقبة العبد، و لا على ما في يده من المتاع، و المال، الا ان يضمنوا دين الغرماء جميعاً، فيكون العبد و ما في يده للورثة، فإن أبوا كان العبد و ما في يده للغرماء، يقوم العبد و ما في يده من المال، ثم يقسم ذلك بالحصص، فان عجز قيمة العبد و ما في يده من المال للغرماء رجعوا إلى الورثة فيما بقي لهم ان كان الميت ترك شيئاً» «1» الحديث.
أضف إلى ذلك أنه إذا كان كل من الحقوق ديناً و لم يدل دليل على تقديم بعضها في الأداء يكون التحصيص أمراً متعيناً كما هو الحال في غرماء المفلس على ما تقدم، و قد يقال بتقديم الحج على غيره من الحقوق حتى ما إذا كان ديناً للناس. و يستظهر ذلك من صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه
السّلام) «في رجل مات و ترك ثلاثمأة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم، و أوصى ان يحج عنه، قال: يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة» «2» هذا بحسب رواية الشيخ، و أما بحسب رواية الكليني قال: معاوية بن عمار قلت «له رجل يموت و عليه خمسمأة درهم من الزكاة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمأة درهم و أوصى بحجة الإسلام و إن يقضى عنه دين الزكاة قال: يحج عنه من أقرب ما يكون و تخرج البقية من الزكاة» «3» و ظاهرهما خصوصاً الأخيرة كون الزكاة ديناً و أن مع قصور التركة يقدم الحج، و لا يبعد عدم الفرق في ذلك بين الخمس و بينها، و أما تقديم الحج حتى بالإضافة إلى ديون الناس فقد يستظهر ذلك من صحيحة بريد العجلي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل خرج حاجّاً و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق؟ قال ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جَمَله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين» «4» الحديث. و وجه الاستظهار ان تعليق كون الزائد للورثة على عدم الدين للميت بخلاف إنفاق جَمَله و زاده و نفقته و ما معه من المال، حيث إنّ هذا الإنفاق لم يعلق على عدم الدين فيكون مقتضى تعليق دفع الزائد للورثة على عدم الدين، و عدم تعليق صرف ما ذكر في الحج عليه تقديم الحج على الدين. و لكن يمكن المناقشة
بأنه لم تفرض في الرواية عدم وفاء تركته للحج و دينه على تقديره، و لم يفرض انحصار تركته على ما معه بل ظاهرها فرض عدم انحصارها أضف إلى ذلك اختصاصها بالتركة التي كانت في سفر حجه.
(مسألة 84) لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقاً لها (1) بل مطلقاً على الأحوط إلّا إذا كانت واسعة جدّاً فلهم التصرف في بعضها حينئذ مع البناء على إخراج الحج من بعضها الآخر كما في الدين، فحاله حال الدين. (1) لان مع الاستغراق لا ينتقل شي ء من التركة إلى الورثة ليجوز لهم التصرف فيها، بخلاف ما إذا كانت زائداً على مصارفه فإنه يجوز لهم التصرف في المقدار الزائد لأن ما هو ملك للميت منها بنحو الكلي في المعين، و مع بقاء مقدار الكلي يكون تصرفهم في الزائد من التصرف في مقدار مالهم بلا فرق بين كون التركة واسعة جدّاً أم لا، و يدلُّ على ذلك موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السّلام) «عن رجل يموت و يترك عيالًا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله، قال: ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم، و إن لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» «1» و مع النص لا مناقشة في البين مع أن الحكم على القاعدة بعد كون مال الميت أي الدين من الكلي في المعين.
(مسألة 85) إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره الآخرون لم يجب عليه إلّا دفع ما يخص حصّته بعد التوزيع (1)، و إن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصّته، كما إذا أقرّ بدين و أنكره غيره من الورثة فإنّه لا يجب عليه دفع الأزيد، فمسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب، حيث إنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر و أنكره الآخر لا
يجب عليه إلّا دفع الزائد عن حصّته فيكفي دفع ثلث ما في يده و لا ينزّل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنص. (1) و يستدل على ذلك بمعتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل مات فأقر بعض ورثته لرجل بدين، قال: يلزم ذلك في حصته» «1» بدعوى ان ظاهرها أنه يؤخذ بإقراره بالإضافة إلى حصته، فان كان الوارث ابنين فأقر أحدهما بدين على أبيه يؤخذ نصف الدين من نصيبه هذا و إن كان على خلاف القاعدة، فإن تعلق الدين بالتركة بنحو الكلي في المعين. فمقدار الدين باق على ملك الميت بهذا النحو و لازمه ان يؤدي الوارث تمام الدين مما وصل بيده، غاية الأمر له ان يطالب الوارث الآخر المنكر للدين أو الممتنع من أدائه بما بيده من حصته من الإرث، و هذا بخلاف إقراره بوارث آخر أو بوصيته للميت، فان الوارث الآخر أو الميت يشارك الورثة بنحو الإشاعة و إذا اخرج حصة الوارث الآخر ما بيده بحسب ما بيده جاز له التصرف في الباقي و لا يكون له الدعوى على الآخر بشي ء. و قد يقال ما ورد في المعتبرة لا يخالف القاعدة في دين الميت، فان المراد من قوله (عليه السّلام) «يلزم ذلك في حصته» ان تمام الدين المقر به يلزم إخراجه من حصته، و لكن ملاحظة سائر الروايات الواردة في إقرار بعض الورثة في عتق الميت عبده قبل موته أو بوارث الآخر يشهد ان المراد من الكلام المزبور نفوذ الإقرار بالإضافة إلى ما وصل إليه من الحصة فلاحظ، و استظهاره من الرواية لا يتوقف على اعتبارها كما لا يخفى.
(مسألة 86) إذا كان على الميّت حجاً و
لم تكن تركته وافية به و لم يكن عليه دين، فالظاهر كونها للورثة و لا يجب صرفها في وجوه البر (1) عن الميّت، لكن الأحوط التصدّق عنه، للخبر عن الصادق (عليه السّلام) «عن رجل مات و أوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدق بها، فقال (عليه السّلام): ما (1) و ذلك فان ما ينتقل إلى الوراث من تركة الميت و إن يكون هو الباقي من بعد أداء دينه و وصيته و لازم ذلك بقائها على ملك الميت في مقدار الدين و مقدار الوصية النافذة، الا ان هذا فيما إذا كان دينه قابلًا للأداء و وصيته قابلة للعمل بها، و مع عدم إمكان ذلك تدخل التركة في ملك الوارث لانصراف قوله سبحانه «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» إلى ما ذكر، نعم في رواية على بن يزيد السابري ما يستظهر منه أنه مع عدم وفاء التركة لدين الميت، و عدم إمكان ذلك، تصرف في وجوه الخير، قال: «أوصى إلى رجل بتركته و أمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فاذا هو شي ء يسير لا يكون للحج إلى أن قال، فسألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام)، فقال: ما صنعت بها؟ قلت: تصدقت بها. قال: ضمنت أو يكون يبلغ ان يحج به مكة فإن كان لا يبلغ ان يحج به من مكة فليس عليك ضمان و إن كان يبلغ به من مكة فأنت ضامن» «1»، و لكن في سندها بل في دلالتها ضعف، اما الأول فلعدم ثبوت و توثيق لزيد النرسي، و لا لعلي بن يزيد، و أما الثاني فإن غاية المستفاد منها عدم دخول
التركة في الميراث مع عدم وفائها بمصارف الحج في صورة وصية الميت بالحج، و أما مع عدم الوصية فلا دلالة لها على ذلك.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 153
صنعت بها؟ قلت: تصدقت بها؛ فقال (عليه السّلام): ضمنت إلّا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكّة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكّة فليس عليك ضمان» نعم لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرّع بدفع التتمّة لمصرف الحج وجب إبقاؤها (1).
(مسألة 87) إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستيجار إلى الورثة، سواء عينها الميت أو لا، و الأحوط صرفها في وجوه البر أو التصدق عنه خصوصا فيما إذا عينها الميت
(مسألة 88) هل الواجب الاستئجار عن الميّت من الميقات أو البلد؟ المشهور وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن، و إلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و ذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال و إلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و ربّما يحتمل قول ثالث و هو الوجوب من البلد مع سعة المال و إلّا فمن الميقات و إن أمكن من الأقرب (1) لا يبعد القول بعدم وجوب الإبقاء بالاستصحاب في عدم تبرع البقية و بقائها على ما عليه من عدم كفايته بمصارف الحج فتدخل في الميراث، نعم هذا حكم ظاهري فلا ينافي ضمان الوارث إذا وجد بعد ذلك متبرع للبقية أو صارت التركة وافية لمصارفه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 154
إلى البلد فالأقرب، و الأقوى هو القول الأوّل (1) و إن كان الأحوط القول الثاني لكن لا يحسب الزائد عن الأجرة الميقاتية على الصغار من الورثة، و لو أوصى بالاستئجار من البلد وجب و يحسب الزائد عن الأجرة الميقاتية من الثلث، و لو أوصى و لم يعين شيئاً كفت الميقاتية إلّا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها كما إذا عين مقداراً يناسب البلدية. (1) و ذلك فان الحج كسائر أسماء العبادات اسم لمجموع الأعمال التي تبدء بالإحرام، و مقتضى قضائه عن الميت الإتيان بتلك الاعمال. و أما الخروج من بلده إلى الميقات فليس داخلًا في الحج، بل تكون مقدمة و لا حاجة إليها
في فرض أخذ النائب من الميقات، بل يجوز أخذه من أقرب المواقيت إلى مكة. نعم لو أوصى الميت بالحج بنحو يكون في البين قرينة على إرادته الخروج من البلد يجب ذلك عملًا بالوصية، و على تقدير الوصية بالحج البلدي و كان عليه حجة الإسلام يسقط الحج عن ذمته حتى مع أخذ النائب من الميقات، و قيل بوجوب النيابة من البلد مع عدم الوصية أيضاً، فإن مقتضى ما ذكرنا من كون الحج عبارة عن نفس الاعمال فيكون وجوب الخروج اليه من البلد مطلوب آخر بالوصية أو حتى بدونها، و تظهر الثمرة بين القولين في استثناء مؤنة الوصول إلى الميقات، فإنه على القول بوجوبه حتى مع عدم الوصية تخرج من أصل التركة، بخلاف القول بلزومه معها فإنها تخرج من ثلثة. و ما ذكرنا من كفاية الميقاتي لا يفرق فيه بين سعة التركة و عدمها. و يستدل على وجوب النيابة من بلد الميت على تقدير سعة تركته بموثقة ابن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أنه سُئل عن رجل أوصى بماله فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده؟ قال: فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه» «1» و رواية محمد بن عبد اللَّه قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام): «عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله ان وسعه ماله فمن منزله، و إن لم يسعه ماله فمن الكوفة، فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة» «2» و لكن لا يمكن الاستدلال بهما على الحكم، فان المفروض فيها وصيته بالحج من ماله، و ماله مقدار ثلث التركة فان لم يف ثلث تركته للحج من بلده فيحج عنه مما يسعه المال،
مضافاً إلى ما في سند الثانية من الضعف.
(مسألة 89) لو لم يمكن الاستئجار إلّا من البلد وجب، و كان جميع المصرف من الأصل (1).
(مسألة 90) إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقاً فخولف و استؤجر من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع منه برأت ذمّته و سقط الوجوب من البلد، و كذا لو لم يسع المال إلّا من الميقات (2). (1) لأنه في المفروض تكون أجرة النيابة للحج من البلد من مؤنة طبيعي الحج التي تخرج من التركة. (2) قد تقدم أن ما على الميت من الاعمال تبدء من الإحرام و مع الإتيان بها عن الميت تبرء ذمته، و لكن إذا أوصى بالحج البلدي و استؤجر للحج عنه من الميقات يسقط مع حج النائب عن ذمته، الا انه لا يصح الاستئجار من الميقات. فان وجوب الوفاء بهذه الإجارة لا يجتمع مع وجوب الوفاء بوصيته، فالذي تم استئجاره من الميقات خلاف الوصية فيكون ضامناً لاجرة المثل للأجير، فهل يؤديها من تركة الميت لان الحج المزبور دينه الأظهر ذلك، و أما مقدار الأجرة الزائدة على اجرة المثل الميقاتي فلا يبعد عودها إلى ملك الورثة على ما تقدم في مسألة السابعة و الثمانين.
(مسألة 91) الظاهر أنّ المراد من البلد هو البلد الّذي مات فيه (1)، كما يشعر به خبر زكريا بن آدم (رحمهما اللَّه): «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل مات و أوصى بحجّة أ يجزئه أن يحج عنه من غير البلد الّذي مات فيه؟ فقال (عليه السّلام): ما كان دون الميقات فلا بأس به» مع أنّه آخر مكان كان مكلفاً فيه بالحج، و ربّما يقال: إنّه بلد الاستيطان لأنّه المنساق من النص و الفتوى، و هو كما ترى، و قد يحتمل البلد الّذي صار مستطيعاً فيه، و يحتمل التخيير بين البلدان الّتي كان فيها بعد الاستطاعة، و الأقوى ما
ذكرنا وفاقاً لسيد المدارك (قدّس سرّه) و نسبه إلى ابن إدريس (رحمه اللَّه) أيضاً، و إن كان الاحتمال الأخير و هو التخيير قوياً جدّاً.
(مسألة 92) لو عين بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف أو من كربلاء؛ تعين.
(مسألة 93) على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب بل يكفي كل بلد دون الميقات، لكن الأجرة الزائدة على الميقات مع إمكان الاستئجار منه لا تخرج من الأصل و لا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد، إلّا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعين مصرفه و من دون أن يزاحم واجباً مالياً عليه. (1) قد تقدم كفاية الحج الميقاتي مع عدم الوصية، و أما معها فظاهرها الحج من بلد استيطانه إلا إذا عين بلداً آخر أو لم يبلغ مال الوصية فيحج عنه من البلد الذي يسعه المال. و ما في خبر زكريا بن آدم باعتبار الغالب من موته في بلد يستوطنه يعم ما إذا أدركه الموت في سفر، إلا إذا كان في وصيته ظهور بالاستنابة منه، كما إذا أوصى بالاستنابة إن مات في الطريق في سفره إلى الحج أضف إلى ذلك ان في سنده سهل بن زياد.
بناءً على ان تعين الحج البلدي بالوصية و الواجب بدونها الحج الميقاتي، و أما بناءً على ما ذكره بعض الأصحاب من وجوب الحج البلدي بالأصل تكون الوصية بخلافه، خلاف المعروف فلا تنفذ.
(مسألة 94) إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات و أمكن من البلد وجب، و إن كان عليه دين النّاس أو الخمس أو الزكاة، فيزاحم الدين إن لم تف التركة بهما، بمعنى أنّها توزع عليهما بالنسبة (1).
(مسألة 95) إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري كمكة أو أدنى الحل وجب (2)، نعم لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد، و يخرج من أصل التركة لأنّه لا اضطرار للميّت مع سعة ماله. (1) إذا كان ما عليه من الدين الزكاة أو الخمس يقدم الحج عليها على ما تقدم في مسألة الثالثة و الثمانين. (2) في وجوب الحج عنه في هذه الصورة تأمل، فإن ما ورد في الإحرام من أدنى الحل أو مكة غير شامل للفرض، حيث إنّ ظاهره من ترك الإحرام من الميقات و لم يمكن رجوعه اليه، كما ان ما ورد من أنّه إذا أوصى بالحج عنه و لم يكفى المال للحج من بلده، مدلوله جواز النيابة من غير بلده. و الحج عبارة عن الأعمال التي تبدء بالإحرام من الميقات فلا دلالة له على جواز الإحرام من غير الميقات في الفرض، و مما ذكر يظهر الوجه في تعين الاستئجار من البلد مع عدم إمكان أخذ النائب من الميقات أو من الأقرب إليه.
(مسألة 96) بناءً على المختار من كفاية الميقاتية، لا فرق بين الاستئجار عنه و هو حي أو ميّت، فيجوز لمن هو معذور بعذر لا يرجى زواله أن يجهز رجلًا من الميقات كما ذكرنا سابقاً أيضاً، فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى (1)، و إن كان الأحوط ذلك.
(مسألة 97) الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت (2) خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير من الميّت، و حينئذ فلو لم يمكن إلّا من البلد وجب و خرج من الأصل، و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى و لو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيراً على الورثة، كما أنّه لو لم يمكن من الميقات إلّا بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الموت وجب و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى توفيراً عليهم. (1) قد تقدم في مسألة الثانية و السبعين، أن مقتضى إطلاق البعث و تجهيز النائب في أن يحج عنه، هو جواز أخذ النائب من أي بلد حتى إذا كان التجهيز و البعث من الميقات و لو بالتسبيب، بان يوكل الحي المعذور عن المباشرة حاجّاً أن يأخذ نائباً في الحج عنه من الميقات، نعم استئجاره من بلده أحوط. (2) و يستدل على ذلك بان المال الوافي للحج عن الميت باق على ملك الميت بيد الورثة أو الوصي بامانة شرعية و لا يجوز لهم التصرف فيه أو إبقائه الا بدليل، فيجب صرفه في الحج عن الميت في أول أزمنة الإمكان خصوصاً في فرض فوته عن الميت بتقصيره، حيث يحتمل مع الحج عنه ارتفاع العقاب عنه. و على الجملة إذا كان قضاء الحج عنه واجباً فوراً مع عدم التقصير، ففي صورة التقصير يكون الوجوب
فوراً أولى.
أقول: لا يخلو هذا الاستدلال عن المناقشة، فإن مقتضى الأمر بقضاء حجة الإسلام عن الميت من تركته من غير تقييد بكونه في السنة الأولى أو سنة موته جواز التأخير، و هذا الإطلاق دليل على جواز الإمساك بماله و إبقائه إذا لم يعد التأخير إهمالًا، و دعوى المستفاد من الروايات ان وجوب الإحجاج عن الميت على الوارث أو الوصي نظير وجوب الحج على الميت قبل وفاته من كونه فوراً ففوراً لا يمكن المساعدة عليه، بل هو نظير وجوب قضاء الصلاة أو الصوم على الولد الأكبر في أن الثابت عدم جواز التأخير إذا عدّ ذلك إهمالًا، لا مثل انتظار من يقضي منه بأقل الأجرة لتوفير المال على الورثة و نحو ذلك، و كون الحج ديناً بل مقدماً على سائر الديون لا يقتضي ما ذكر. فان الدين المطالب به لا يجوز التأخير في أدائه و طلب الشارع القضاء عنه مع إطلاقه غير طلب الديان، حيث إن التأخير في الثاني من الواجب و كونه ظلماً على الدائن، و لكن يأتي أن التأخير في أداء الوصي و الورثة للدين يوجب الضمان إلّا أنّ الضمان لا يلازم عدم جواز التأخير، و مع ذلك الأحوط عدم التأخير مع التمكن.
(مسألة 98) إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن (1)، كما أنّه لو كان على الميّت دين و كانت التركة وافية و تلفت بإهمال ضمن.
(مسألة 99) على القول بوجوب البلدية و كون المراد بالبلد الوطن إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكة إلّا مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد، نعم مع عدم تفاوت الأجرة يكون الحكم بالتخيير. (1) بمعنى أن نقصان القيمة و إن لم يكن بحدوث نقص في تركته يوجب ضمان الورثة أو الوصي الإحجاج عن الميت، حيث إنه مع الإهمال فوتوا الحج على الميت. كما يشهد ذلك ما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) بعد ذكر «ضمان ناقل الزكاة» و كذلك «الوصي الذي يوصي اليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا أوجد ربّه الذي أمر بدفعه اليه» و بتعبير آخر تأخيرهم في الإحجاج عن الميت إتلاف للحج عنه فيضمنون لمنعه.
(مسألة 100) بناءً على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب فلا اختصاص بحجّة الإسلام، فلو كان عليه حج نذري لم يقيد بالبلد و لا بالميقات يجب الاستئجار من البلد (1)، بل و كذا لو أوصى بالحج ندباً اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث.
(مسألة 101) إذا اختلف تقليد الميّت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميّت (2)، و إذا علم أنّ الميّت لم يكن مقلّداً في هذه المسألة فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصي أو العمل على طبق فتوى المجتهد الّذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعيّناً، و التخيير مع تعدّد المجتهدين و مساواتهم؟ وجوه، و على الأوّل فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصّته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد، (1) قد تقدم أن الحج النذري لا يخرج من أصل المال و إنما يخرج من الثلث بالوصية، و لو لم يكن في البين قرينة على وصيته بالحج البلدي أو كونه منذوراً فلا يبعد الاكتفاء بالحج الميقاتي. (2) لا يخفى أن تقليد الميت كان طريقاً إلى إحرازه الوظيفة بالإضافة إلى نفسه و لا يكون الطريق إلى وظيفة الوارث إلا تقليد نفسه، حيث انه يرث المال بعد إخراج الحج. و لو كان مقتضى تقليد الميت الاكتفاء بالحج من الميقات و تقليد الوارث الحج عنه من البلد لا يكون تقليد الميت طريقاً للوارث إلى تملك الزائد عن أجرة الحج الميقاتي، و كذا العكس. و عليه فعلى الوراث الأخذ بمقتضى تقليدهم و كونهم مكلفين بإخراج الحج عن الميت من تركته، و هكذا الحال إذا كان اختلاف
تقليد الميت و الورثة في شرائط وجوب الحج، فان الميزان في تملك التركة مقتضى تقليد الورثة، و أما إذا كان الاختلاف بين الورثة بحسب تقليدهم بان كان مقتضى تقليد بعضهم وجوب البلدي، و تقليد البعض الآخر الحج الميقاتي، أو وجوب الحج عن مورثهم، أو عدم وجوب الحج عنه، لعدم استقراره على مورثهم، فان بنى على خروج الدين عن سهام الوراث بنحو التقسيط كما التزمنا بذلك في إخراج ثلث الميت، فعلى كل من الورثة العمل على وظيفته بإخراج ما يخص حصته فان كان ما يخص حصته ذلك البعض بالحج و لو من الميقات فهو، و إلا يجري عليه ما تقدم من صرفه في وجوه الخير أو عوده إلى ملك الوارث. و هذا بخلاف ما قيل من كون خروج الحج عن تركة الميت بنحو الكلي في المعين، فالمتعين رفع الواقعة إلى الحاكم الشرعي و قضائه و يكون حكمه و قضائه نافذاً في حق الجميع على ما ذكر في بحث القضاء. و هذا كله إذا لم يكن إخراج الحج عن الميت بوصيته، و إلا يكون المتبع ظاهر وصيته و يعمل الوصي بها على ما استظهر منها. نعم إذا خاصمه الورثة في ظهور الوصية أو كون الحج من حجة الإسلام أو غيره ليخرج من ثلث الميت لا من التركة فالمرجع أيضاً المرافعة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 161
و يحتمل الرجوع إلى الحاكم لرفع النزاع فيحكم بمقتضى مذهبه نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة، و إذا اختلف تقليد الميّت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه و عدمه بأن يكون الميّت مقلداً لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية، فكان يجب عليه الحج و
الوارث مقلداً لمن يشترط ذلك فلم يكن واجباً عليه أو بالعكس فالمدار على تقليد الميّت (1). (1) قد تقدم أن المدار على تقليد الوارث، ففي الفرض لا يجب عليهم الإحجاج عن ميتهم إلا مع وصيته، و معه يخرج من ثلثه على ما ذكرنا.
(مسألة 102) الأحوط في صورة تعدّد من يمكن استئجاره، استئجار من أقلهم أجرة مع إحراز صحّة عمله و لو مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية، و إن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب (1) لحال الميّت من حيث الفضل و الأوثقية مع عدم قبوله إلّا بأزيد و خروجه من الأصل، كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عن أقلهم أجرة و إن كانت أحوط.
(مسألة 103) قد عرفت أنّ الأقوى كفاية الميقاتية، لكن الأحوط الاستئجار من البلد بالنسبة إلى الكبار من الورثة بمعنى عدم احتساب الزائد عن أجرة الميقاتية على القُصَّر إن كان فيهم قاصر.
(مسألة 104) إذا علم أنّه كان مقلداً و لكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة فهل يجب الاحتياط أو المدار على تقليد الوصي أو الوارث؟ وجهان أيضاً (2).
(مسألة 105) إذا علم استطاعة الميّت مالًا و لم يعلم تحقّق سائر الشرائط في حقّه فلا يجب القضاء عنه (3)، لعدم العلم بوجوب الحج عليه لاحتمال فقد بعض الشرائط.
(مسألة 106) إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنّه أتى به أم لا فالظاهر وجوب (1) و ذلك لدعوى انصراف الأمر بالقضاء إلى المناسب و المتعارف لحال الميت. (2) قد تقدم أن العبرة بتقليد الوارث و لا عبرة بتقليد الميت سواء علم ذلك أم لم يعلم. (3) و لو بالأصل في عدم اشتغال ذمة الميت بالحج، نعم لو بنى أن الموضوع لوجوب الحج على الميت في حياته هو الموضوع لوجوب القضاء عنه مع تركه إلى ان مات فيجب القضاء عنه، إذا أحرز تحقق الشرائط في حقه و لو بالأصل.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 163
القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمّته، و يحتمل عدم وجوبه عملًا بظاهر حال المسلم (1) و أنّه لا يترك ما وجب عليه فوراً، و كذا الكلام إذا علم أنّه تعلّق به خمس أو زكاة أو قضاء صلوات أو صيام و لم يعلم أنّه أداها أو لا.
(مسألة 107) لا يكفي الاستئجار في براءة ذمّة الميّت و الوارث بل يتوقّف على الأداء، و لو علم أنّ الأجير لم يؤد وجب الاستئجار ثانياً، و يخرج من الأصل إن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير.
(مسألة 108) إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن أجرة الميقاتية للورثة أو لبقيتهم.
(مسألة 109) إذا لم يكن للميّت تركة و كان عليه الحج لم يجب على الورثة شي ء و إن كان يستحب على وليّه، بل قد يقال بوجوبه للأمر به في بعض الأخبار (2). (1) لم يقم دليل على اعتبار ظاهر حال المسلم ما لم يكن في البين وثوق بأداء ما عليه، و إلا فمقتضى الاستصحاب بقاء اشتغال ذمته إذا لم يكن في البين أصل حاكم عليه. كما إذا شك في أداء الزكاة من العين الزكوية التي تركها أو أداء الخمس المتعلق بها، فان مقتضى يده على العين الموجودة كونها بتمامها ملكه عند موته، نظير ما إذا باع المالك العين الزكوية و شك المشتري في أداء زكاتها. و هذا بخلاف ما إذا أحرز أن ذمته كانت مشغولة بالزكاة أو الخمس لا تلافه العين و النصاب فان مقتضى الاستصحاب بقاء عهدته و عدم الأداء قبل موته، و لا ينافي ذلك ما دل على عموم ثبوت الدين على الميت إلا باليمين الاستظهاري. (2) ما ورد في خروج الحج من تركة الميت و الأمر بالاحجاج من ماله، ظاهره في ان وجوب القضاء عنه في فرض ثبوت التركة خصوصاً بملاحظة التصدق الوارد فيما إذا ضاقت تركة الميت للحج، و ما ورد في بعض الاخبار من الأمر بالقضاء لم يفرض فيه عدم وجود تركة للميت، و لو تم الإطلاق فيه يرفع اليد عنه بما أشرنا إليه من التقييد.
(مسألة 110) من استقر عليه الحج و تمكّن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرّعاً أو بإجارة، و كذا ليس له أن يحج تطوعاً (1)، و لو خالف، فالمشهور البطلان بل ادّعى بعضهم عدم الخلاف فيه و بعضهم الإجماع عليه، و لكن
عن سيد المدارك التردّد في البطلان، و مقتضى القاعدة الصحّة و إن كان عاصياً في ترك ما وجب عليه كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، إذ لا وجه للبطلان إلّا دعوى أنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، و هي محل منع، و على تقديره لا يقتضي البطلان لأنّه نهي تبعي، و دعوى أنّه يكفي في عدم الصحّة عدم الأمر، مدفوعة بكفاية المحبوبية في حد نفسه في الصحّة كما في مسألة ترك الأهم و الإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين أو دعوى أنّ الزمان مختص بحجّته عن نفسه فلا يقبل لغيره، و هي أيضاً مدفوعة بالمنع إذ مجرّد الفورية لا يوجب الاختصاص، فليس المقام من قبيل شهر رمضان، حيث إنّه غير قابل لصوم آخر، و ربّما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام): عن الرجل الصرورة يحج عن الميّت، قال (عليه السّلام): «نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتّى يحج من ماله، و هي تجزئ عن الميّت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال» و قريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و هما كما ترى بالدلالة على الصحّة أولى، فإن غاية ما يدلان عليه أنّه لا يجوز له ترك حج نفسه، (1) إذا كان المكلف جاهلًا بأنه يجب على المستطيع في سنة استطاعته حجة الإسلام، و توهم أنه يجوز له ندباً في سنة استطاعته و الإتيان بحجة الإسلام بعد تلك السنة، حج ندباً يحكم بصحة حجة و اجزائه عن حجة
الإسلام، بل الحج المأتي به عين حجة الإسلام، لأن حجة الإسلام عبارة عن الحج المأتي به بعد تحقق شرائط وجوبه، غاية الأمر مع علمه بذلك و مع قصد الاستحباب في حجة يحكم بفساد المأتي به لكونه تشريعاً، و لا يقاس ذلك بالحج عن الغير بعد استطاعته بالإجارة أو تبرعاً فإنه لا مجال لفساد الحج عن الغير، لأن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده و الحج عن الغير مع الحج عن نفسه نوعان من الحج، و يمكن الأمر بالأول مترتباً على ترك الحج عن نفسه، نعم إذا بنى على ان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، فهذا النهي التبعي لا يمكن ان ينعقد لما دل على استحباب قضاء الحج عن الغير إطلاق، ليشمل الفرض، و لا يمكن مع عدم شمول الأمر إحراز الملاك، و بهذا يظهر الخلل فيما ذكر الماتن من ان النهي التبعي لا يمنع عن الحكم بالصحة. نعم إذا استوجر للحج عن الغير في سنة استطاعته أو من بعدها على تقدير تركها فيها يحكم ببطلان الإجارة، فإن الحج عن الغير المنشأ ملكه مطلقاً للمستأجر لا يمكن أن يتعلق باستئجاره الإمضاء يحكم بوجوب الوفاء بها مع وجوب الحج عن نفسه مطلقاً، و دعوى إمكان تعلق الإمضاء بالإجارة و إيجاب الوفاء به مشروطاً على ترك الحج عن نفسه لا يمكن المساعدة عليها، فإن المنشأ ملك المستأجر للحج عن ميتة بملكية مطلقة، و إمضاء الملكية المطلقة و وجوب الوفاء بالإجارة كذلك لا يجتمع مع وجوب الحج على الأجير بأن يحج عن نفسه، و لو فرض ان المنشأ بالإجارة هو ملك المستأجر الحج عن ميته معلقاً و مشروطاً بترك الأجير الحج عن نفسه، و هذا من التعليق
في العقد فيحكم ببطلانه. و دعوى ان المنشأ للمستأجر و إن يكون من قبيل الملك المطلق و لكن إمضاء الشارع و إيجابه الوفاء به معلق، يعني مشروط بترك الأخير الحج عن نفسه، نظير ما ينشئه المتعاقدان في بيع السلم ملك العوضين بالعقد و لكن إمضاء الشارع ذلك العقد مشروط بقبض الثمن في المجلس لا يمكن المساعدة عليها أيضاً، و ذلك فان عقد السلم ما لم يقبض الثمن في المجلس لا يكون مورد الإمضاء أصلًا، و إنما يتعلق به الإمضاء من حين قبض الثمن. حيث يتم به العقد لا أنه يتعلق به الإمضاء من الأول، لكنه على تقدير تحقق القبض في المجلس بنحو الشرط المتأخر. و هذا النحو من الإمضاء و إن كان ممكناً في بيع السلم أو غيره إلا انه خلاف ظاهر ما دل على اشتراط قبض الثمن فيه في المجلس، فان ظاهره أنه قيد لتمام العقد بنحو الشرط المقارن، و في مفروض المسألة لا يمكن أن يكون سقوط
وجوب الحج عن نفسه تركه في سنة الاستطاعة شرطاً لتمام عقد الإجارة، حيث إن لم يخرج إلى الحج حتى فوات زمن الخروج لم يمكن الوفاء بالعقد أيضاً، و مع خروجه و إحرامه للحج عن الغير فلا يمكن فرض تمام عقد الإجارة، حيث وقعت اعماله قبل تمام عقدها، و بتعبير آخر الملك المنشأ في الإجارة ملك مطلق لا معلّق و إلّا بطلت الإجارة للتعليق في عقده، و هذا الملك المطلق لا يمكن أن يقع مورد إمضاء الشارع كما إنشاء حتى بعد سقوط وجوب الحج عن نفسه كما ذكرنا فلا يقاس باشتراط القبض في بيع السلم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 165
فتردّد صاحب المدارك في محلّه، بل
لا يبعد الفتوى بالصحّة لكن لا يترك الاحتياط، هذا كلّه لو تمكّن من حج نفسه، و أمّا إذا لم يتمكّن فلا إشكال في الجواز و الصحّة عن غيره، بل لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه لعدم علمه باستطاعته مالًا أو لا يعلم بفورية وجوب الحج عن نفسه فحج عن غيره أو تطوعاً، ثمّ على فرض صحّة الحج عن الغير و لو مع التمكّن و العلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضاً صحيحة أو باطلة مع كون حجّه صحيحاً عن الغير؟ الظاهر بطلانها، و ذلك لعدم قدرته شرعاً على العمل المستأجر عليه لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه فوراً، و كونه صحيحاً على تقدير المخالفة لا ينفع في صحّة الإجارة، خصوصاً على القول بانّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، لأنّ اللَّه إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، و إن كانت الحرمة تبعية، فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد، مع قولكم بالصحة هناك كما إذا باعه عبداً و شرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحّة البيع و يكون للبائع خيار تخلف الشرط؟ قلت: الفرق أنّ في ذلك المقام المعاملة على تقدير صحّتها مفوتة لوجوب العمل بالشرط، فلا يكون العتق واجباً بعد البيع لعدم كونه مملوكاً له، بخلاف المقام حيث إنّا لو قلنا بصحّة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فوراً، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلًا فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة و إن قلنا إنّ النّهي التبعي لا يوجب البطلان، فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 166
لا لأجل النهي عن الإجارة، نعم
لو لم يكن متمكّناً من الحج عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحج عن غيره، و إن تمكن بعد الإجارة عن الحج عن نفسه لا تبطل إجارته بل لا يبعد صحّتها لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه فآجر نفسه للنيابة و لم يتذكّر إلى أن فات محل استدراك الحج عن نفسه كما بعد الفراغ أو في أثناء الأعمال. ثمّ لا إشكال في أنّ حجّه عن الغير لا يكفيه عن نفسه بل هو إمّا باطل كما عن المشهور أو صحيح عمّن نوى عنه كما قويناه، و كذا لو حجّ تطوّعاً لا يجزئه عن حجّة الإسلام في الصورة المفروضة فهو إمّا باطل أو صحيح و تبقى عليه حجّة الإسلام، فما عن الشيخ من أنّه يقع عن حجّة الإسلام لا وجه له، إذ الانقلاب القهري لا دليل عليه، و دعوى أنّ حقيقة الحج واحدة و المفروض إتيانه بقصد القربة فهو منطبق على ما عليه من حجّة الإسلام مدفوعة بأنّ وحدة الحقيقة لا تجدي بعد كون المطلوب
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 167
هو الإتيان بقصد ما عليه، و ليس المقام من باب التداخل بالإجماع، كيف و إلّا لزم كفاية الحج عن الغير أيضاً عن حجّة الإسلام، بل لا بدّ من تعدّد الامتثال مع تعدّد الأمر وجوباً و ندباً أو مع تعدّد الواجبين، و كذا ليس المراد من حجّة الإسلام الحج الأوّل بأي عنوان كان كما في صلاة التحيّة و صوم الاعتكاف، فلا وجه لما قاله الشيخ (قدّس سرّه) أصلًا، نعم لو نوى الأمر المتوجّه إليه فعلًا و تخيّل أنّه أمر ندبي غفلة من كونه مستطيعاً أمكن القول بكفايته عن حجّة
الإسلام لكنّه خارج عمّا قاله الشيخ، ثمّ إذا كان الواجب عليه حجّا نذرياً أو غيره و كان وجوبه فورياً فحاله ما ذكرنا في حجّة الإسلام من عدم جواز حج غيره و أنّه لو حجّ صحّ أولا و غير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة.
فصل في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين و يشترط في انعقاده البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، فلا ينعقد من الصبي و إن بلغ عشراً و قلنا بصحّة عباداته و شرعيتها، لرفع قلم الوجوب عنه، و كذا لا تصحّ من المجنون و الغافل و الساهي و السكران و المكره، و الأقوى صحّتها من الكافر (1) وفاقاً للمشهور في اليمين خلافاً لبعض و خلافاً للمشهور في النذر وفاقاً لبعض، و ذكروا في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين و اعتباره في النذر و لا تتحقّق القربة في الكافر، و فيه أوّلًا أنّ القربة لا تعتبر في النذر بل هو مكروه، و إنّما تعتبر في متعلّقه حيث (1) الصحة مبتنية على كون الكفار مكلفين بالفروع، و إن لا يسقط وجوب الوفاء بها بعد إسلامهم، و في كل من الأمرين تأمل، بل منع. و دعوى الانصراف في قاعدة الجبّ لا يمكن المساعدة عليها سواء أريد انصراف خبر جبّ الإسلام أو قصور السيرة المحرزة من زمان النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعدم إلزام الكفار بعد إسلامهم بتدارك ما كان عليهم حال كفرهم، فإن السيرة المشار إليها جارية في نذورهم حتى ما إذا كان المنذور العبادة المشروعة في الإسلام، و لذا لا يبعد بطلان نذورهم و نحوها حتى ما إذا احتملوا حقانية الإسلام. و أمكن بذلك قصد التقرب
حال كفرهم خصوصاً في الحج المتوقف على الدخول في المسجد الحرام، فان النذر في مثل ذلك لا يكون من التوصل الذي أثبتتهُ الشرائع السابقة عندهم نظير بعض المحرمات أو بعض الواجبات كأداء الدين مما لا يجري فيها قاعدة الجبّ.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 169
إنّ اللازم كونه راجحاً شرعاً، و ثانياً إنّ متعلّق اليمين أيضاً قد يكون من العبادات، و ثالثاً أنّه يمكن قصد القربة من الكافر أيضاً، و دعوى عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام، مدفوعة بإمكان إسلامه ثمّ إتيانه فهو مقدور لمقدورية مقدمته فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات و يعاقب على مخالفته و يترتّب عليها وجوب الكفارة فيعاقب على تركها أيضاً، و إن أسلم صح إن أتى به و يجب عليه الكفارة لو خالف و لا يجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لانصرافها عن المقام، نعم لو خالف و هو كافر و تعلّقت به الكفارة فأسلم لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل.
(مسألة 1) ذهب جماعة إلى أنّه يشترط في انعقاد (1) اليمين من المملوك إذن المولى، و في انعقاده من الزوجة إذن الزوج، و في انعقاده من الولد إذن الوالد، لقوله (عليه السّلام): «لا يمين لولد مع والده و لا للزوجة مع زوجها و لا للملوك مع مولاه» فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم ينعقد، و ظاهرهم اعتبار الإذن السابق فلا تكفي الإجازة بعده (1) منشأ الخلاف في المقام اختلاف الاستظهار من صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و غيرها، قال: قال: رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) «لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة
مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة» «1» قد يقال ظاهرها نفي اليمين للولد بمعنى أنه لا يتحقق اليمين من الجماعة و إن النفي ادعائي بمعنى لا أثر ليمينهم كما هو الحال في غيرها من الفقرات الواردة فيها المروية في الفقيه، و بما أن النفي المطلق غير مراد قطعاً و إلّا لكان ذكر الولد و المولى لغواً يتردد الأمر بين كون المراد نفي اليمين من غير اذن الوالد و الزوج و المولى أو كون المراد نفيها مع منعهم و نهيهم عن اليمين أو عن العمل بها و لو لم يتم لأحدهما فلا بدّ من الاقتصار على صورة المنع عن اليمين أو عن العمل بها الموجب لانحلالها، لانه القدر المتيقن في رفع اليد عن إطلاق ما دل على وجوب العمل باليمين و ترتب الكفارة على حنثها، كصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام)، قال: «سألته عما يكفر من الايمان؟ فقال: ما كان عليك ان تفعله، فحلفت أن لا تفعله، ففعلته، فليس عليك شي ء إذا فعلته، و ما لم يكن عليك واجباً أن تفعله، فحلفت أن لا تفعله، ثم فعلته، فعليك الكفارة» «2» و قريب منها غيرها، و لكن لا يبعد عدم الإجمال في صحيحة منصور بن حازم و ما هو بمفادها، فان ظاهرها نفي اليمين للولد إذا استقل بها كما هو مقتضى النفي مقيداً بمنع الوالد أو المولى فان مقتضاه نفي اليمين للولد حتى مع عدم نهى الوالد إذا كان مستقلا بها كما إذا لم يطلع والده بيمينه أصلًا، نعم لا يعتبر الاذن السابق بل إذا أجاز بعد يمين الولد يخرج الولد عن الاستقلال بها، و هكذا الحال في يمين الزوجة مع
زوجها و المملوك مع سيّده، و ليس دعوى الظهور مبتنية على تقدير الوجود بان يرد النفي على وجود اليمين، و ذلك فان نفي العنوان ظاهره عدم تحققه حتى فيما كان نفيه ادعائياً، و لا يتفاوت في ذلك بين القول باعتبار الإذن و نفي الاستقلال أو الحكم بالفساد في صورة منع الجماعة فقط. و بتعبير آخر قوله (عليه السّلام) مع الوالد فرض لوجوده و نفي اليمين للولد مع فرض وجود الوالد ظاهره عدم تحقق اليمين للولد باستقلاله، نظير ما ورد ليس للبكر أمر مع أبيها، و أما تقدير مع ممانعة والده و مزاحمته فيحتاج إلى ذكر القرينة عليه. فما ذكره الماتن (قدّس سرّه) من قوة القول بعدم اعتبار الاذن بل للمذكورين حل يمين الجماعة لا يخلو عن التأمل بل المنع، و اللَّه العالم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 170
مع أنّه من الإيقاعات، و ادّعى الاتفاق على عدم جريان الفضولية فيها و إن كان يمكن دعوى أنّ القدر المتيقّن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير مثل الطلاق و العتق و نحوهما لا مثل المقام ممّا كان في مال نفسه غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه و لا فرق فيه بين الرضا السابق و اللاحق خصوصاً إذا قلنا إنّ الفضولي على القاعدة.
و ذهب جماعة إلى أنّه لا يشترط الإذن في الانعقاد لكن للمذكورين حلّ يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقاً بنهي أو إذن، بدعوى أنّ المنساق من الخبر المذكور و نحوه أنّه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمه جواز حلهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به، و على هذا فمع النهي السابق
لا ينعقد و مع الإذن يلزم و مع عدمهما ينعقد و لهم حله. و لا يبعد قوة هذا القول، مع أنّ المقدّر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع و المعارضة أي لا يمين مع منع المولى مثلًا، فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الإجمال و القدر المتيقّن هو عدم الصحّة مع المعارضة و النهي بعد كون مقتضى العمومات الصحّة و اللزوم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 171
ثمّ إنّ جواز الحل أو التوقّف على الإذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً (1) كما هو ظاهر كلماتهم بل إنّما هو فيما كان المتعلّق منافياً لحق المولى أو الزوج و كان ممّا يجب (1) نفي اليمين للجماعة مع المذكورين مطلق و ذكرنا أن ظاهر النفي عدم تحقق اليمين منهم باستقلالهم من غير فرق بين كون متعلق اليمين مما يرتبط بحقوق المذكورين أم لم يرتبط بها، بل لو كان متعلق اليمين من قسم عدم رعاية حقوقهم الواجبة أو المستحبة يكون عدم انعقاده لكون متعلق اليمين مرجوحاً أو كان ترك ما حلف عليه أرجح، و لا يكون ذلك أمراً زائداً على ما يعتبر في صحة الحلف مطلقاً كما لا يخفى، و الاقتصار في الاستثناء في كلماتهم بما إذا كان الحلف على فعل الواجب و ترك الحرام و الحكم بالانعقاد فيها لا يدل على اختصاص النفي بما إذا كان متعلق الحلف مرتبطاً بحقوق المذكورين و إلا ذكروا ذلك في الاستثناء أيضاً، و لعل استثناء الأمرين ينشأ من دعوى عدم السبيل للوالد و الزوج و المولى في الواجبات و المحرمات، حيث إن الجماعة ملزومون بالواجبات و ترك المحرمات من قبل الشارع و
كون التزامهم بالإتيان في الواجبات الأصلية عليهم و ترك المحرمات كذلك من مقتضى أمر الشارع بها أو نهيه عنها، و لكن هذا أيضاً غير خال عن الخلل فان عدم السبيل للولد أو الزوجة أو العبد في الواجبات الأصلية و ترك المحرمات لا ينافي السبيل لهم في حلفهم عليهما لئلا يتحملوا ما يترتب على حلفهم عليها كما هو مقتضى إطلاق نفي اليمين على ما تقدم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 172
فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى، و أمّا ما لم يكن كذلك فلا كما إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى أو حلفت الزوجة أن تحج إذا مات زوجها أو طلقها أو حلفا أن يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءاً من القرآن أو نحو ذلك ممّا لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين فلا مانع من انعقاده، و هذا هو المنساق من الأخبار فلو حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة مثلًا لا مانع من انعقاده. و هكذا بالنسبة إلى المملوك و الزوجة، فالمراد من الأخبار أنّه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافياً لحق المذكورين، و لذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح و حكم بالانعقاد فيهما، و لو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء.
هذا كلّه في اليمين، و أمّا النذر فالمشهور بينهم أنّه كاليمين في المملوك و الزوجة،
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 173
و ألحق بعضهم بهما الولد أيضاً، و هو مشكل لعدم الدليل عليه (1)، خصوصاً في الولد إلّا القياس
على اليمين بدعوى تنقيح المناط و هو ممنوع، أو بدعوى أنّ المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار منها خبران في كلام الإمام (عليه السّلام) و منها أخبار في كلام الراوي و تقرير الإمام (عليه السّلام) له، و هو أيضاً كما ترى، (1) و لكن قد يقال أن الاشكال لا يلائم ما قواه من اختصاص نفي اليمين بما إذا كان منافياً لحق الوالد، و لأن مع المنافاة لا يكون متعلق النذر راجحاً و الرجحان معتبر في انعقاد النذر، فالإلحاق على مبنى الاختصاص على القاعدة بخلاف ما إذا قيل بالعموم في نفي اليمين فإن إلحاق النذر باليمين مشكل لاحتمال الخصوصية في اليمين، و إطلاق الحلف عليه في بعض الموارد لا يوجب ظهوره في الأعم، بحيث يشمل النذر. و على ذلك فان كان المنذور على خلاف حق الوالد فلا ينعقد النذر لعدم رجحان متعلقه، و مع عدم منافاته أيضاً ينحل النذر بنهي الوالد عما نذره، لأن الإتيان بالمنذور يكون على خلاف المصاحبة بالمعروف و جواز حل يمين الولد لوالده بمنعه عن المنذور فهو أمر على القاعدة، حيث إن الوفاء لا يجب على الوالد فيكون له حكم نهيه.
أقول: المعتبر في النذر رجحان المنذور و ينحصر حق الوالد فيما إذا لم يكن فعل الولد راجعاً اليه، على ان لا يقصد بفعله تأثر والده و تألّمه، فنهي الوالد ولده عن صلاة الليل أو قراءة القرآن و نحو ذلك لا يخرج المنذور عن الرجحان، و لا يكون العمل بنذره مع عدم قصده تألم الوالد أو تأثره خروجاً عن المصاحبة بالمعروف. فالقول بانحلال نذره بنهي الوالد في أمثال ما ذكر غير تام. نعم إذا كان
المنذور يؤتي به بقصد تألمه و تأثره لا يكون المأتي به راجحاً، و لا ينعقد النذر بالإتيان به كذلك. و هذا لا يختص بنهي الوالد بل يجري في صورة نهي الوالدة أيضاً.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 174
فالأقوى في الولد عدم الإلحاق، نعم في الزوجة و المملوك لا يبعد الإلحاق (1) باليمين لخبر قرب الإسناد عن جعفر (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام): «أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: ليس على المملوك نذر إلّا بإذن مولاه» و صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السّلام) «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها» و ضعف الأوّل منجبر بالشهرة، و اشتمال الثاني على ما لا نقول به لا يضر. (1) فإن خبر قرب الاسناد سنده معتبر حيث ان الحسين بن علوان الكلبي موثق، كما يستفاد من كلام ابن عقده و يرويه عن جعفر بن محمد عن أبيه «ان علياً (عليه السّلام) كان يقول ليس على المملوك نذر، إلّا أن يأذن له سيّده» «1»، بل مدلوله له أعم بناءً على اختصاص نفي اليمين بصورة منع المولى، و أما نذر الزوجة فقد ورد في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها، إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها» «1» و حيث إنّ جواز عتق المرأة مملوكها و
صدقتها و تدبيرها و هبتها من القطعيات، و قوله «و لا نذر في مالها» معطوف على مدخول في قوله «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق» و يبعد نفي تفكيك أمرها بالإضافة إلى النذر في مالها و غيره، بأن يلتزم باستحباب الاستئذان من زوجها في غير النذر في مالها و لزومه في نذرها في مالها، بل مناسبة الحكم و الموضوع مقتضاها أن لا تخرج المرأة مالها فعلًا أو تقديراً عن ملكها إلا بالاستئذان من زوجها، و هذه الجهة اخلاقية توجب ان يدخل منشأ الاختلاف بينهما في معاشرتهما، و إلا فلو كان اذن الزوج شرطاً في صحة نذر المرأة كاشتراطه في يمينها، لما كان وجه لتقييد «نذرها بمالها» بل يذكر «و لا نذرها» ليعم سائر نذورها مما لا يرجع إلى المال، و على ذلك يجري على نذر المرأة مطلقاً ما ذكرنا في نذر الولد مع والده، و اللَّه سبحانه هو العالم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 175
ثمّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان (1)، و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟ كذلك وجهان.
و الأمة المزوجة عليها الاستئذان من الزوج و المولى بناءً على اعتبار الإذن. و إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته (2) الواجبة عليه من مصارف الحج، و هل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان.
ثمّ على القول بأنّ لهم الحل هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حل حلفهم أم لا (3)؟ وجهان. (1) إذا كان حلفها أو نذرها مخالفاً لحق زوجها فلا ينبغي التأمل في اعتبار اذن زوجها الموجب لإسقاط حقه، و الكلام فيما إذا لم يكن
ذلك مخالفاً لحقه و لا يبعد دعوى الإطلاق بالإضافة إلى ما ورد في اليمين، و القول بانصراف المرأة مع زوجها إلى ما كان بالعقد الدائم لأن المرأة المتزوجة متعة كالمستأجرة لا يمكن المساعدة عليه، و مجرد إطلاق المستأجرة على الزوجة متعة بالعناية لا يوجب عدم صدق عنوان الزوجة عليها، و عدم صدق عنوان الزوج على بعلها، و لذا لو أبدل عقد المتعة بعقد الاستئجار بطل و يحسب الدخول من الزنا. (2) حيث إن مقتضى اذن المولى في حلفه أو نذره أنه لا مانع من قبله ان يحج إذا أمكن له، و لذا لا يكون على المولى تخلية سبيله لتحصيل مؤنة الحج. و إنما يكون عليه الحج إذا صار واجداً إليها بالبذل له، و استصحبه الغير في حجّة. (3) لو قيل بعدم اعتبار الاذن في حلفهم و نذرهم و إنما يكون للمذكورين المنع عن الوفاء، فلا ينبغي التأمل في جواز الالتماس في حل حلفهم، و أما إذا قيل باعتبار الاذن في الحلف على ما تقدم فالحلف منهم بلا اذن باطل و لا أثر للالتماس. و مقتضى ما ذكرنا في النذر من ان الانحلال بالنهي يختص بما إذا كان الوفاء بالنذر مرجوحاً بالنهي، بحيث يكون الوفاء موجباً لتأثر الوالد و الخروج عن المصاحبة بالمعروف، فالتماس النهي و نهيهم لتسهيل الأمر للناذر فقط لا أثر له.
(مسألة 2) إذا كان الوالد كافراً ففي شمول الحكم له وجهان، أوجههما العدم للانصراف و نفي السبيل.
(مسألة 3) هل المملوك المبعض حكمه حكم القِنّ أو لا؟ وجهان، لا يبعد الشمول، و يحتمل عدم توقف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المُهاياة خصوصاً إذا كان وقوع المتعلّق في نوبته.
(مسألة 4) الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى، و كذا في المملوك و المالك، لكن لا تلحق الأم بالأب (1).
(مسألة 5) إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ثمّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه بقي على لزومه (2).
(مسألة 6) لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوّجت وجب عليها العمل و إن كان منافياً للاستمتاع بها (3)، و ليس للزوج منعها من ذلك الفعل كالحج (1) هذا بالإضافة إلى اليمين، حيث لا اعتبار بإذن الأم في الانعقاد، و أما بالإضافة إلى حل اليمين و النذر بنهيها عن الوفاء به أو بالنذر فيلاحظ تأثرها في صورة المخالفة و الخروج عن المصاحبة بالمعروف. (2) بل الأظهر عدم لزومه إذا كان متعلق الحلف أو النذر منافياً لحق مولاه، و إذن مولاه الأول يوجب سقوط حقه ما دام باقياً على ملكه. (3) الأظهر انحلال يمينها و نذرها بمطالبة الزوج بحقه فان المعتبر في اليمين و النذر كون العمل المحلوف عليه أو المنذور راجحاً عند العمل، و مع التنافي لحق الزوج يكون العمل غير راجح، و لا يقاس ذلك باستئجار المرأة قبل زواجها للعمل من الغير، حيث إن زواجها بعد ذلك لا يمنع عن عملها بالاستئجار حتى فيما كان منافياً لحق الزوج، حيث إن عملها قبل زواجها صار ملكاً للغير فعليها أدائه إلى مالكه، و مما ذكر يظهر أن حلفها الصوم كل خميس مطلقاً أو مقيداً بما إذا تزوجت بزيد لا أثر له، فان لزوجها بعد تزوجها المطالبة بحق الاستمتاع سواء حلف أو نذر الاستمتاع بها أم لا.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 177
و نحوه، بل و كذا لو نذرت أنّها لو تزوّجت بزيد مثلًا صامت كل خميس، و كان المفروض أنّ زيداً أيضاً حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوّجها
فإن حلفها أو نذرها مقدم على حلفه، و إن كان متأخّراً في الإيقاع لأن حلفه لا يؤثر شيئاً في تكليفها بخلاف نذرها، فإنّه يوجب الصوم عليها لأنّه متعلق بعمل نفسها فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.
(مسألة 7) إذا نذر الحج من مكان معيّن كبلدة أو بلد آخر معيّن فحجّ من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته و وجب عليه ثانياً، نعم لو عيّنه في سنة فحجّ في تلك السنة من غير ذلك المكان، وجبت عليه الكفارة لعدم إمكان التدارك، و لو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا، و خالف فحج من غير ذلك المكان برئ من النذر الأوّل، و وجبت عليه الكفارة لخلف النذر الثاني، كما أنّه لو نذر أن يحج حجّة الإسلام من بلد كذا، فخالف فإنّه يجزئه عن حجّة الإسلام و وجبت عليه الكفارة لخلف النذر (1). (1) و ذلك فإنه قد تقدم كون الطبيعي مطلوباً و محبوباً في ضمن أي فرد أو حصة كاف في صحة نذرهما، و حيث انه لم يأت بالمنذور عند حجه من مكان آخر فعليه الإتيان بالمنذور بعد ذلك، و لا يكون عليه شي ء، هذا إذا لم يعين سنة للمنذور و إلا وقع الحنث و تكون عليه الكفارة فقط.
نعم إذا نذر ان يحج في سنة من غير تعيين مكان للخروج اليه، ثم نذر ان يخرج اليه من مكان عينه فان لم يكن للخروج اليه من ذلك المكان رجحان فلا يقع حنث إذا خرج اليه من غيره، لعدم انعقاد نذره الثاني لعدم الرجحان في متعلقه، بخلاف ما إذا كان له رجحان كالخروج من المدينة أو
كربلاء المعلى و غيرهما من المشاهد المشرفة، فإنه مع الحج من غيره و إن لا يقع حنث بالإضافة إلى نذره الأول، إلا انه تجب عليه الكفارة لحنث نذره الثاني، و بذلك يظهر الحال فيما إذا نذر الخروج إلى حجة الإسلام من بلد ثم خالفه.
(مسألة 8) إذا نذر أن يحج و لم يقيده بزمان، فالظاهر جواز التأخير إلى ظنّ الموت (1) أو الفوت، فلا تجب عليه المبادرة إلّا إذا كان هناك انصراف، فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصياً، و القول بعصيانه مع تمكّنه في بعض تلك الأزمنة و إن جاز التأخير لا وجه له، و إذا قيّده بسنة معيّنة لم يجز التأخير مع فرض تمكّنه في تلك السنة، فلو أخّر عصى و عليه القضاء و الكفارة (2)، و إذا مات وجب (1) و ما يمكن ان يقال في وجه ما ذكر كون أصالة السلامة في أمثال المقام أصل عقلائي يحرز به التمكن و الإتيان بالفعل مستقبلًا ما لم يكن في البين ما يظن معه بعدم التمكن كالموت أو غيره، و المفروض ان المنذور نفس طبيعي الفعل من غير تقييده بزمان معين، و لكن مجرد كون ما ذكر طريقاً معتبراً و لو مع عدم الوثوق بعدم فوت الواجب فيه تأمل و الأظهر جواز التأخير، ما دام الوثوق بالتمكن و عدم الفوت، و مع عدمه يتعين الإتيان به خروجاً عن التكليف الفعلي المحرز. (2) لا مورد للتأمل في العصيان و الكفارة، و أما وجوب القضاء فقد تعرضنا لذلك في مسألة 83 من مسائل شرائط وجوب الحج، و ذكرنا انه لم يثبت وجوب قضاء الحج المنذور و أنه مبني على الاحتياط. و
مما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا مات فإنه لم يجب عنه القضاء سواء أ كان موته قبل خروج الزمان المعين لفعله المنذور أو بعده، فان القضاء يحتاج إلى قيام دليل عليه، و لم يقم في المقام ما يدل عليه كما تعرضنا لذلك في تلك المسألة؛ نعم طريق الاحتياط ظاهر بالإضافة إلى الورثة أو الوصي فيما إذا أوصى بصرف ثلثه في الخيرات، فان صرفه في موارد الاحتياط من الخيرات أيضاً.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 179
قضاؤه عنه، كما أنّ في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكّنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه، و القول بعدم وجوبه بدعوى أنّ القضاء بفرض جديد، ضعيف لما يأتي.
و هل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث؟ قولان.
فذهب جماعة إلى القول بأنّه من الأصل لأنّ الحج واجب مالي، و إجماعهم قائم على أنّ الواجبات المالية تخرج من الأصل.
و ربّما يورد عليه بمنع كونه واجباً مالياً و إنّما هو أفعال مخصوصة بدنية، و إن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدماته، كما أنّ الصلاة أيضاً قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك.
و فيه أنّ الحج في الغالب محتاج إلى بذل المال بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية، فإن كان هناك إجماع أو غيره على أنّ الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعاً.
و أجاب صاحب الجواهر (رحمه اللَّه) بأنّ المناط في الخروج من الأصل كون الواجب ديناً و الحج كذلك فليس تكليفاً صرفاً كما في الصلاة و الصوم، بل للأمر به جهة وضعية، فوجوبه على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية، فلذا يخرج من الأصل كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة
بأنّه دين أو بمنزلة الدين.
قلت: التحقيق أنّ جميع الواجبات الإلهية ديون اللَّه تعالى سواء كانت مالًا أو عملًا مالياً أو عملًا غير مالي، فالصلاة و الصوم أيضاً ديون اللَّه و لهما جهة وضع فذمة المكلّف مشغولة بهما، و لذا يجب قضاؤهما فإنّ القاضي يفرغ ذمّة نفسه أو ذمّة الميّت، و ليس
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 180
القضاء من باب التوبة أو من باب الكفارة بل هو إتيان لما كانت الذمّة مشغولة به، و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل، بل مثل قوله: «للَّه عليّ أن أعطي زيداً درهماً» دين إلهي لا خَلقي فلا يكون الناذر مديوناً لزيد بل هو مديون للَّه بدفع الدرهم لزيد، و لا فرق بينه و بين أن يقول: «للَّه عليّ أن أحجّ» أو «أن أصلّي ركعتين» فالكل دين اللَّه، و دين اللَّه أحقّ أن يقضى كما في بعض الأخبار، و لازم هذا كون الجميع من الأصل، نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمّة به بعد فوته لا يجب قضاؤه لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه و لا بعد موته سواء كان مالًا أو عملًا، مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة، فإنّه لو لم يعطه حتّى مات لا يجب عليه و لا على وارثه القضاء، لأنّ الواجب إنّما هو حفظ النفس المحترمة و هذا لا يقبل البقاء بعد فوته، و كما في نفقة الأرحام فإنّه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكّنه لا يصير ديناً عليه لأنّ الواجب سدّ الخَلّة و إذا فات لا يتدارك.
فتحصّل أنّ مقتضى القاعدة في الحج النذري إذا تمكّن و ترك حتّى مات، وجوب قضائه
من الأصل لأنّه دين إلهي، إلّا أن يقال بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات، و هو محل منع، بل دين اللَّه أحقّ أن يقضى.
و أمّا الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث، فاستدلوا بصحيحة ضريس و صحيحة ابن أبي يعفور الدالّتين على أنّ من نذر الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه، و إذا كان نذر الإحجاج كذلك مع كونه مالياً قطعاً فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل.
و فيه أنّ الأصحاب لم يعملوا بهذين الخبرين في موردهما فكيف يعمل بهما في
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 181
غيره. و أمّا الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض بناءً على خروج المنجزات من الثلث فلا وجه له بعده كون الأقوى خروجها من الأصل.
و ربّما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة، أو على صورة عدم التمكّن من الوفاء حتّى مات، و فيهما ما لا يخفى خصوصاً الأوّل.
(مسألة 9) إذا نذر الحج مطلقاً أو مقيّداً بسنة معيّنة و لم يتمكّن من الإتيان به حتّى مات لم يجب القضاء عنه، لعدم وجوب الأداء عليه حتّى يجب القضاء عنه، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره.
(مسألة 10) إذا نذر الحج معلّقاً على أمرٍ كشفاء مريضة أو مجي ء مسافرة، فمات قبل حصول المعلّق عليه، هل يجب القضاء عنه أم لا؟ المسألة مبنيّة على أنّ التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلّق (1)، فعلى الأوّل لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط، و إن كان متمكّناً من حيث المال و سائر الشرائط، و على الثاني يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من الأوّل، إلّا أن يكون نذره منصرفاً إلى بقاء حياته حين حصول الشرط.
(مسألة 11) إذا نذر الحج و هو متمكّن منه فاستقر عليه ثمّ صار معضوباً لمرض أو (1) لا يخفى ان الواجب المعلق أيضاً مشروط بالتمكن من الفعل في ظرفه بنحو الشرط المتأخر، و إذا مات المكلف قبل حلول ظرف العمل لا يكشف حصول الشرط عن فعلية الوجوب في حقه حين النذر؛ و على الجملة وجوب القضاء غير ثابت في الفرض حتى بناء على وجوب قضاء الحج المنذور مع فعليته و موت الناذر قبل أن يأتي به عذراً أو عصياناً.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 182
نحوه أو مصدوداً بعدوّ أو نحوه، فالظاهر وجوب استنابته حال حياته، لما مرّ من الأخبار سابقاً في وجوبها، و دعوى اختصاصهابحجّة الإسلام ممنوعة كما مرّ سابقاً، و إذا مات وجب القضاء عنه، و إذا صار معضوباً أو مصدوداً قبل تمكّنه و استقرار الحج عليه أو نذر و هو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكّنه من حيث المال، ففي وجوب الاستنابة و عدمه حال حياته و وجوب القضاء عنه بعد موته قولان، أقواهما العدم. و إن قلنا بالوجوب بالنسبة إلى
حجّة الإسلام إلّا أن يكون قصده من قوله: «للَّه عليّ أن أحج» الاستنابة.
(مسألة 12) لو نذر أن يحج رجلًا في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه وجب عليه القضاء و الكفارة، و إن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة لأنّهما واجبان ماليان بلا إشكال، و الصحيحتان المشار إليهما سابقاً الدالّتان على الخروج من الثلث معرض عنهما كما قيل، أو محمولتان على بعض المحامل، و كذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معيّنة مطلقاً أو معلقاً على شرط و قد حصل و تمكّن منه و ترك حتّى مات، فإنّه يقضى عنه من أصل التركة، و أمّا لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه و لم يتمكّن منه حتّى مات، ففي وجوب قضائه و عدمه وجهان، أوجههما ذلك لأنّه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار ديناً، غاية الأمر أنّه ما لم يتمكّن معذور، و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه أنّه لا يعد ديناً مع عدم التمكّن منه، و اعتبار المباشرة بخلاف الإحجاج فإنّه كنذر بذل المال، كما إذا قال: «للَّه عليّ أن أعطي الفقراء مائة درهم» و مات قبل تمكّنه، و دعوى كشف عدم التمكّن عن عدم الانعقاد ممنوعة (1)، ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشري و إن استلزم صرف المال، فإنّه لا يعد ديناً عليه بخلاف الأوّل. (1) قد تقدم منه (قدّس سرّه) في مسألة 72 من الفصل السابق الالتزام بالاختصاص بدعوى أن المتيقن من الاخبار أو منصرفها خصوص حجة الإسلام، و ذكرنا ان الاختصاص في بعض الاخبار لكون المفروض فيها أو منصرفها حجة الإسلام لا ينافي الإطلاق في مثل معتبرة محمد بن مسلم مقتضاه العموم فراجع، حيث أوضحنا أن
ذكر ارادة الحج لا يقتضي اختصاصها بالحج الإرادي بغير الاستحبابي، فان ارادة الامتثال تجري في الواجب و المستحب كما لا يخفى، و بتعبير آخر الاستنابة تعميم للامتثال إذا كان المكلف معذوراً في المباشرة؛ نعم لا يبعد اعتبار سبق التمكن من المباشرة و كونه مكلفاً به قبل ذلك في وجوب الاستنابة، كما هو ظاهر الاستقرار المفروض في عبارة الماتن.
(مسألة 13) لو نذر الإحجاج معلقاً على شرط كمجي ء المسافر أو شفاء المريض، فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك و تمكّنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه (1)، إلّا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيّاً حينه، و يدلّ على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك فيمن كانت له جارية حبلى فنذر إن هي ولدت غلاماً أن يُحجه أو يَحج عنه، حيث قال الصادق (عليه السّلام) بعد ما سئل عن هذا-: «إن رجلًا نذر في ابن له إن هو أدرك أن يُحجه أو يحج عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعد فأتى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فسأله عن ذلك فأمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أن يُحَج عنه ممّا ترك أبوه» و قد عمل به جماعة، و على ما ذكرنا لا يكون مخالفاً للقاعدة، كما تخيله سيد الرياض و قرره عليه صاحب الجواهر و قال: إن الحكم فيه تعبدي على خلاف القاعدة.
(مسألة 14) إذا كان مستطيعاً و نذر أن يحج حجّة الإسلام انعقد على الأقوى (2) (1) قد تقدم في مسألة 83 من مسائل شرائط وجوب الحج عدم ثبوت وجوب القضاء، فيما كان المنذور الحج، و أما الإحجاج ففيما إذا مات بعد تمكنه عنه فالأحوط بل الأظهر قضائه و يخرج من ثلثه. (2) المفروض في المسألة كون النذر حال الاستطاعة و وجوب حجة الإسلام عليه، و حيث ان وجوبها فوري لعدم جواز تسويفها، فاللازم ان يكون نذره بحيث لا ينافي عدم جواز تسويفها بان ينذرها فوراً ففوراً، و إلا كان نذره محكوماً بالبطلان، كما لو نذر الإتيان بها
بعد سنتين، إلا إذا علق النذر على تقدير تركها في السنة الأولى و الثانية و كما إذا نذر الإتيان بحجة الإسلام مطلقاً و لو بتأخيرها إلى السنين الآتية، ثم إذا صح نذره فيوجب عدم الوفاء بالكفارة عليه؛ و لكن إذا مات وجب قضاء الحج بعنوان قضاء حجة الإسلام من تركته، كما تقدم من عدم ثبوت القضاء في الحج النذري، كما لا تجب الكفارة من تركته، بل من ثلثه إذا أوصى بها كسائر الواجبات التي تخرج من الثلث بالوصية بها.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 184
و كفاه حج واحد، و إذا تُرك حتّى مات وجب القضاء عنه و الكفارة من تركته، و إذا قيده بسنة معيّنة فأخّره عنها وجبت عليه الكفارة، و إذا نذر في حالة عدم الاستطاعة انعقد أيضاً، و وجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة، إلّا أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة.
(مسألة 15) لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية، بل يجب مع القدرة العقلية، خلافاً للدروس، و لا وجه له، إذ حاله حال سائر الواجبات الّتي تكفيها القدرة عقلًا.
(مسألة 16) إذا نذر حجّا غير حجّة الإسلام في عامه، و هو مستطيع لم ينعقد (1)، إلّا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت، و يحتمل الصحّة مع الإطلاق أيضاً إذا زالت حملًا لنذره على الصحّة. (1) قد تقدم أن حجّه مع الاستطاعة المعتبرة في وجوب حجة الإسلام عين حجة الإسلام، و عليه فان كان منذورة الحج عن نفسه ينعقد نذره فتدخل في المسألة الرابع عشرة، و إن كان المنذور الحج عن غيره، فلا ينعقد نذره لكون منذورة مستلزماً لترك الواجب عليه، إلّا أن يكون منذورة بحيث لا ينافي وجوب الحج عليه، بان ينذر الحج عن الغير على تقدير ترك الحج الواجب عليه، و هذا مع بقاء استطاعته للحج. و أما إذا نذر الحج عن الغير و زالت استطاعته في وقت يمكن فيه الإتيان بالحج عن الغير، وجب الوفاء بنذره، لان زوالها يكشف عن عدم وجوب حجة الإسلام عليه، و عدم كون حجه عن الغير مرجوحاً.
(مسألة 17) إذا نذر حجّا في حال عدم الاستطاعة الشرعية، ثمّ حصلت له فإن كان موسعاً أو مقيّداً بسنة متأخّرة قدم حجّة الإسلام (1) لفوريتها، و إن كان مضيقاً بأن قيده بسنة معيّنة، و حصل فيها الاستطاعة أو قيده بالفورية قدمه، و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت، و إلّا فلا، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي، و يحتمل وجوب تقديم النذر، و لو مع كونه موسعاً، لأنّه دين عليه بناءً على أنّ الدين و لو كان موسعاً يمنع عن تحقّق الاستطاعة خصوصاً مع ظنّ عدم تمكّنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجّة الإسلام.
(مسألة 18) إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً ثمّ استطاع و أهمل عن وفاء النذر في عامه، وجب الإتيان به في العام القابل مقدماً على حجّة الإسلام، و إن بقيت الاستطاعة إليه لوجوبه عليه فوراً ففوراً فلا يجب عليه حجّة الإسلام إلّا بعد الفراغ عنه، لكن عن الدروس أنّه قال بعد الحكم بأنّ استطاعة النذر شرعية لا عقلية: «فلو نذر ثمّ استطاع صرف ذلك إلى النذر، فإن أهمل و استمرّت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت حجّة الإسلام أيضاً» و لا وجه له، نعم لو قيد نذره بسنة معيّنة، و حصلت و حصل فيها الاستطاعة، فلم يف بها و بقيت استطاعته إلى العام المتأخّر أمكن أن يقال (1) بل الإتيان بحجة الإسلام كاف في الوفاء بنذره أيضاً، سواء كان المنذور الحج مطلقاً أو مقيداً بسنة الاستطاعة، بل بغيرها مع تأخيره حجة الإسلام إلى تلك السنة، و إن كان عاصياً بتركها قبلها، كل ذلك فان الوفاء بالنذر عبارة عن الإتيان بالمنذور، و إذا كان المنذور طبيعي الحج فقد تحقق
بحجة الإسلام؛ نعم لو كان المنذور الحج عن غيره جرى فيه ما تقدم في المسألة السابقة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 186
بوجوب حجّة الإسلام أيضاً، لأنّ حجّه النذري صار قضاءً موسعاً، ففرق بين الإهمال مع الفورية و الإهمال مع التوقيت بناءً على تقديم حجّة الإسلام مع كون النذر موسعاً (1).
(مسألة 19) إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجّة الإسلام و لا بغيرها و كان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك، فهل يتداخلون، فيكفي حج واحد عنهما أو يجب التعدّد أو يكفي نيّة الحج النذري عن حجّة الإسلام دون العكس؟ أقوال، أقواها الثاني (2)، لأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب، و القول بأنّ الأصل هو التداخل ضعيف، و استدلّ الثالث بصحيحتي رفاعة و محمّد بن مسلم: «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه فمشى هل يجزئه عن حجّة الإسلام؟ قال (عليه السّلام): نعم»، و فيه أنّ ظاهرهما كفاية الحج النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة و هو غير معمول به، و يمكن حملهما على أنّه نذر المشي لا الحج، ثمّ أراد أن يحج فسئل (عليه السّلام) عن أنّه هل يجزئه هذا الحج الّذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا؟ فأجاب (عليه السّلام) بالكفاية، نعم لو نذر أن يحج مطلقاً أيّ حج كان كفاه عن نذره حجّة الإسلام بل الحج النيابي و غيره أيضاً، لأن مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأيّ وجه كان. (1) قد ظهر ما في هذه المسألة مما ذكرناه في المسألة السابقة. (2) بل المتعين هو الأول، و ذلك فان الحج بعد تحقق الاستطاعة بعينه حجة الإسلام، و عليه فان كان متعلق نذره قبل حصول الاستطاعة
طبيعي الحج مطلقاً أو في تلك السنة، و حصلت الاستطاعة فيها، ينطبق على حجة إسلامه طبيعي الحج أو الحج في تلك السنة. نعم لو كان متعلقه الحج قبل الاستطاعة أو بعد الإتيان بحجة الإسلام، فبحصول الاستطاعة ينحل نذره في الأول لعدم تمكنه من منذورة، و في الثاني يجب الإتيان بحج آخر بعد حجة الإسلام للوفاء بنذره، لكون متعلق نذره حج آخر لا ينطبق على حجة الإسلام.
(مسألة 20) إذا نذر الحج حال عدم استطاعته معلّقاً على شفاء ولده مثلًا، فاستطاع قبل حصول المعلّق عليه، فالظاهر تقديم حجّة الإسلام، و يحتمل تقديم المنذور (1) إذا فرض حصول المعلّق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فورياً، بل هو المتعيّن، إن كان نذره من قبيل الواجب المعلّق.
(مسألة 21) إذا كانت عليه حجّة الإسلام و الحج النذري، و لم يمكنه الإتيان بهما، إمّا لظنّ الموت أو لعدم التمكّن إلّا من أحدهما، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً أو التخيير أو تقديم حجّة الإسلام لأهميّتها وجوه، أوجهها الوسط و أحوطها الأخير (2)، و كذا إذا مات و عليه حجّتان و لم تف تركته إلّا لأحدهما، و أمّا إن وفت التركة فاللازم استئجارهما (3) و لو في عام واحد. (1) قد تقدم أن الحج يتم مع تحقق الاستطاعة و تكون حجة الإسلام، فإن كان المنذور هو الحج قبل الاستطاعة، فهذا النذر ينحل بحصول الاستطاعة، و إن كان الحج المنذور هو الطبيعي تكون حجة إسلامه كافية عن الوفاء بنذره. (2) إذا كان الحج المنذور لا ينطبق على حجة الإسلام و قدمت حجة الإسلام لكونها أهم، بل لا يجتمع في باب التزاحم التخيير بين الحج النذري أو حجة الإسلام مع الاحتياط في تقديم حجة الإسلام لأن احتمال الأهمية في هذا الباب معين. (3) وجوب قضاء الحج النذري غير ظاهر كما تقدم، و على الوجوب يخرج من الثلث لأمن أصل التركة.
(مسألة 22) من عليه الحج الواجب بالنذر الموسع، يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله (1).
(مسألة 23) إذا نذر أن يَحج أو يُحج عنه انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير، و إذا تركهما حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً (2).
و إذا طرأ من أحدهما معيّناً تعيّن الآخر، و لو تركه أيضاً حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً أيضاً، لأنّ الواجب كان على وجه التخيير فالفائت هو الواجب المخيّر و لا عبرة بالتعيين العرضي، فهو كما كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان، و كان عاجزاً عن بعض الخصال ثمّ مات فإنّه يجب الإخراج من تركته مخيّراً، و إن تعيّن عليه في حال حياته في إحداها فلا يتعيّن في ذلك المتعيّن. (1) هذا فيما إذا لم ينطبق المنذور من الحج على المأتي به، كما إذا كان المنذور الحج عن أبيه، و المأتي به الحج عن نفسه، أو بالعكس، و أما إذا كان كل منهما عن نفسه يكون المأتي به وفاءً للنذر أيضاً، نظير ما إذا نذر صوم يوم من أيام الشهر، فصام يوم الخميس بنية امتثال استحباب الصوم فيه. (2) هذا بناءً على ثبوت وجوب القضاء في كل من الحج النذري و نذر الإحجاج، و أما بناءً على عدم وجوب القضاء في الحج النذري كما تقدم لا يجب القضاء في الفرض أصلًا، لأن متعلق النذر الجامع بين الحج النذري و الإحجاج ليس خصوص الإحجاج ليجب قضائه بعد موته على ما تقدم، و لا فرق في ذلك بين كون الميت متمكناً قبل موته من كل من الحج أو الاحجاج أو كان متمكناً من خصوص أحدهما كالاحجاج مثلًا؛ فان عدم التمكن الا من بعض خصال الواجب
التخييري لا يوجب انقلابه إلى الواجب التعييني، و لا يقاس بما إذا وجب على المكلف فعل بنحوٍ و فعلٍ بنحو آخر إذا كان داخلًا في العنوان الآخر، كما إذا صار المكلف في آخر الوقت مسافراً و فاتت صلاته في سفره، فان الواجب عليه كان خصوص القصر عند الفوت فعليه قضائها قصراً، و الوجه في عدم القياس تبدل التكليف في المفروض بخلاف المقام، حتى فيما إذا كان المكلف غير متمكن حين النذر الا من أحد الأمرين من الحج مباشرة أو الإحجاج، لما تقدم من صحة تعلق النذر بالجامع حتى فيما إذا كان المقدور فرده الخاص، كما إذا نذر التصدق على الفقير، و لم يكن متمكناً إلا من دفعه إلى زيد من بين الفقراء، و لو مات و تمكن وصيه من دفعه إلى فقير آخر، جاز بناءً على وجوب القضاء في النذر، أو كان نفس الناذر غير متمكن من دفعه إلى غير زيد ثم طرء العجز من دفعه اليه فدفعه إلى عمرو و هكذا. و مما ذكر ما يعلم ضعف ما ذكر في الدروس من بطلان نذر الجامع.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 189
نعم لو كان حال النذر غير متمكّن إلّا من أحدهما معيّناً، و لم يتمكّن من الآخر إلى أن مات، أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالّذي كان متمكّناً منه بدعوى أنّ النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكّن منه، بناءً على أنّ عدم التمكّن يوجب عدم الانعقاد، لكن الظاهر أنّ مسألة الخصال ليست كذلك فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير و إن لم يكن في حياته متمكّناً إلّا من البعض أصلًا، و ربّما يحتمل في الصورة المفروضة و نظائرها عدم انعقاد
النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً، بدعوى أنّ متعلّق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير و مع تعذّر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً، بل عن الدروس (قدّس سرّه) اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولداً أن يحجّه أو يحجّ عنه إذا مات الولد قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين. و فيه: أنّ مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير، فليس النذر مقيّداً بكونه واجباً تخييرياً حتّى يشترط في انعقاده التمكّن منهما.
(مسألة 24) إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (عليه السّلام) من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته (1)، و لو اختلفت أجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما أجرة إلّا إذا تبرّع الوارث بأجرة الزائد، فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد و إن جعل الميّت أمر التعيين إليه، و لو أوصى باختيار الأزيد أجرة خرج الزائد من الثلث. (1) لم يثبت وجوب قضاء الزيادة الواجبة على الميت بالنذر بعد موته، و عليه لا يكون في الفرض وجوب القضاء حتى لو قيل بثبوته في الحج النذري، فان المنذور في الفرض ليس هو الحج بل الجامع بينه و بين الزيادة، ثم على تقدير وجوب القضاء في نذر الزيادة أيضاً، و إخراج أجرتها عن تركة الميت كاجرة الحج النذري، فاللازم في وجوب القضاء الاقتصار على أقلهما أجرة، لأن صرف الزيادة إضرار بالورثة، إلا إذا تبرع الورثة، و لو أوصى الميت باختيار الزائد أجرة يحسب الزائد من ثلثه. و هل جعل أمر التعيين إلى الوصي في وصيته من قبيل الوصية بالأزيد على تقدير اختيار الوصي الزائد أجرة فيكون نافذاً، أو أنه ليس من تلك الوصية الأظهر هو
الأول. فإنه لو تعين في الفرض اختيار الأقل أجرة لكان جعل أمر التعيين على الوصي لغواً، فمقتضى جعل التعيين اليه هو الوصية بالزيادة على تقدير اختيار الوصي فيخرج الزائد من الأجرتين من ثلثه إذا كان وافياً، بل قد يقال أن جعل الجامع بين الحج و الزيادة هو متعلق النذر و الالتزام بوجوب قضائه بعد موته من تركته، ثبوت التخيير للوصي في إخراج أجرة الزيادة حتى مع عدم رضى الورثة، لما تقدم من الفائت إذا كان من قبيل الواجب التخييري يجب قضائه أيضاً على نحو التخيير، و لكن لا يخفى بناءً على وجوب قضاء المنذور عن الميت من تركته، تكون اجرة المنذور ديناً على الميت يخرج من تركته. و بما ان وفائه يتحقق باختيار ما أجرته أقل، فالمقدار الثابت من الدين على الميت هو الأقل، و أما الزائد فيدخل في ملك الوارث فيحتاج صرفه إلى رضاه، إلا أن يكون المقدار الزائد وصية الميت من ثلثه. و لذا لا يجوز للوصي اختيار الكفن الذي قيمته اغلى بل يتعين اختيار الأقل الذي لا يكون تكفينه فيه وهناً منافياً للأمر بتجهيز الميت. و لذا حملنا فيما إذا فوض اختيار الأكثر اجرة للوصي على كونه من الوصية بالثلث بالإضافة إلى المقدار الزائد. و على الجملة ليس الدين على الميت خصوص ما يكون أجرته الأكثر بل الجامع الذي يتحقق في ضمن الأقل أجرةً.
(مسألة 25) إذا علم أنّ على الميّت حجّا، و لم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر وجب قضاؤه عنه (1) من غير تعيين و ليس عليه كفارة، و لو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضاً، و حيث إنّها مردّدة بين كفارة النذر
و كفارة اليمين فلا بدّ من الاحتياط، و يكفي حينئذ إطعام ستّين مسكيناً لأنّ فيه إطعام عشرة أيضاً الّذي يكفي في كفارة الحلف. (1) هذا مبني على وجوب القضاء في الحج النذري، حيث ان معه يكون وجوب القضاء متيقناً و وجوب الكفارة مشكوكاً يدفع بالأصل النافي. و أما بناءً على ما ذكر من عدم ثبوت القضاء في الحج النذري و لا في الكفارة يدفع وجوب قضاء حجة الإسلام بالأصل. ثم بناءً على وجوب القضاء في الحج النذري أو الحلفي فمع تردد ما عليه بين النذري و الحلفي يجب القضاء و تتعين كفارة اليمين، بناءً على وجوب قضاء الكفارة، لأن الأظهر كفارة حنث النذر هي كفارة اليمين، بل مع كونهما متباينين يرجع في تعيين ما بقي على ملك الميت من دينه إلى القرعة. حيث ان اللازم على الورثة ترك مقدار دينه، فان كان دينه مردداً بين الأقل و الأكثر و ما هو بمعناه يبنى على الأقل، و مع كونه من المتباينين يرجع إلى القرعة، و لا يجري في المسألة ما تقدم في مسألة 24 من انه مع تردد الوفاء بما على الميت بين الأقل أجرة و أكثرها، يقتصر على ما يكون أجرته أقل؛ و ذلك فان جريان الاستصحاب في بقاء ما على الميت من الكفارة بعد إطعام عشرة مساكين مثلًا، كاف في عدم جواز الاقتصار عليه، بخلاف ما تقدم مما يحرز براءة ذمة الميت مع الاقتصار على الأقل أجرة.
(مسألة 26) إذا نذر المشي في حجّه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقاً (1). حتّى في مورد يكون الركوب أفضل، لأنّ المشي في حد نفسه أفضل من الركوب بمقتضى جملة من الأخبار، و إن كان الركوب قد
يكون أرجح لبعض الجهات، فإنّ أرجحيّته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حد نفسه، و كذا ينعقد لو نذر الحج ماشياً مطلقاً و لو مع الإغماض عن رجحان المشي، لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد، إذ لا يلزم أن يكون المتعلّق راجحاً بجميع قيوده و أوصافه، فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له، و أضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقاً، لأنّ المفروض نذر المقيّد، فلا معنى لبقائه مع عدم صحّة قيده.
(مسألة 27) لو نذر الحج راكباً انعقد و وجب و لا يجوز حينئذ المشي و إن كان أفضل، لما مرّ من كفاية رجحان المقيّد دون قيده، نعم لو نذر الركوب في حجّه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد، لأنّ المتعلّق حينئذ الركوب لا الحج راكباً، و كذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، و كذا ينعقد لو نذر الحج حافياً، و ما في صحيحة الحذاء من أمر النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بركوب أخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللَّه حافية قضية في واقعة يمكن أن يكون لمانع من صحّة نذرها من إيجابه كشفها أو تضرّرها أو غير ذلك. (1) حاصل ما ذكره (قدّس سرّه) في المسألة و المسالة الآتية إنه إذا تعلق نذره بالحج ماشياً أو بالحج راكباً فلا ينبغي التأمل في انعقاد نذره، لأن المنذور في الفرضين الحج المقيد، و يكفي في الانعقاد أن يكون المقيد راجحاً و لو بانطباق الطبيعي الراجح عليه، و لا يتعلق في الفرضين تعلق النذر
بنفس القيد، ليلاحظ رجحان القيد و عدمه في انعقاده، و أما إذا تعلق نذره بالمشي في الحج الواجب عليه أو المندوب بان كان مفاد نذره للَّه على المشي في حجي، فأيضاً ينعقد النذر حتى بالإضافة إلى الموارد التي يكون الركوب فيها راجحاً بملاحظة بعض الجهات ككونه أقوى للإتيان بالمناسك. و ذلك فان المعتبر في انعقاد النذر ان يكون متعلقه راجحاً في نفسه، و إن كان غيره بملاحظة بعض الجهات أرجح، و لكن تعرض في المسألة الآتية لنذر الركوب في حجة، و ذكر ان نذره في مورد يكون المشي أفضل لا ينعقد، و ربما يؤخذ بظاهر عبارته و يقال كيف لا ينعقد نذر الركوب، فإنه يكفي في انعقاد النذر رجحان متعلقه في نفسه، و إن يكون غيره أرجح منه كما تقدم. فينذر المشي و لكن مراده (قدّس سرّه) أنه لا فضيلة في الركوب في نفسه بل الرجحان في المشي. نعم في بعض الموارد يكون الركوب أفضل من المشي فينعقد فيما نذره. و لا يصح نذره في غيرها لعدم الرجحان في متعلقه، و قد يستظهر كون الركوب في نفسه أيضاً راجحاً ببعض الاخبار، كمعتبرة رفاعة قال: «سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل: الركوب أفضل أم المشي؟ فقال: الركوب أفضل من المشي، لأن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ركب» «1». و مصححة سيف التمار، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إنه بلغنا و كنا تلك السنة مشاة عنك انك تقول في الركوب. فقال: الناس يحجون مشاة و يركبون، فقلت: ليس عن هذا أسألك. فقال: عن أي شي ء تسألني؟ فقلت: أي شي ء أحب إليك نمشي أو نركب؟ فقال: تركبون أحب الي، فان ذلك
أقوى على الدعاء و العبادة» «2». و فيه ان ظاهر الاولى كون الركوب أفضل من المشي مطلقاً. و هذا مخالف للروايات الدالة على أفضلية المشي. فلا بدّ من حملها على موارد رجحان الركوب لجهة أخرى كالتي ذكرها (عليه السّلام) في الثانية من التقوّي على الدعاء و العبادة، و لا يبعد ان يكون ركوب رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ايضاً لجهة تسهيل الحج للناس بان لا يتكلفوا باختيارهم المشي ليكون صعوبته موجباً للترك من بعض الناس، فقد ظهر مما ذكر أنّه لو نذر الحج ماشياً ينعقد نذره حتى مع الإغماض عن مطلوبية المشي إليه في نفسه، لما تقدم من ان انطباق الطبيعي على المنذور مع كونه هو المقيد، كاف في انعقاده. فلا يعتبر ان يكون المقيد بتمام قيوده راجحاً، و ما ذكره بعض من عدم الانعقاد في موارد كون الركوب أفضل من المشي غير صحيح. كما أن دعوى انعقاد النذر بالإضافة إلى أصل الحج دون قيوده أضعف. لأن المفروض كون المنذور الحج المقيد فان صح النذر يجب الوفاء به و إلا بطل، بل تقدم انعقاد النذر إذا كان المنذور المشي في حجه لكون المشي في نفسه راجحاً. نعم قد يستظهر من بعض الروايات ان نذر المشي حافياً في حجة لا يصح. كصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل نذر ان يمشي إلى مكة حافياً. فقال: ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) خرج حاجّاً فنظر إلى امراة تمشي بين الإبل. فقال: من هذه فقالوا أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)
يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فتركب فان اللَّه غني عن مشيها و حفاها قال: فركبت» «3». و قد ذكر الماتن أنها واردة في واقعة واحدة
يمكن ان يكون عدم انعقاد نذرها لمانع من إيجاب الوفاء به موجباً لانكشافها أو تضررها أو غير ذلك، و لكن لا يخفى ان ذكرها من جهة الاستشهاد على الجواب للسؤال الوارد فيها و حملها على أنها واقعة خاصة لا يكون جواباً عنه. و الصحيح إنّه بعد البناء على مرغوبية المشي في حجه يكون نذر المكلف المشي حافياً فيه صحيحاً لما تقدم من كفاية رجحان الطبيعي في نذر المقيد، و إن لم يكن قيده راجحاً. و أما الصحيحة فلا يوجب رفع اليد عن إطلاق وجوب الوفاء بالنذر، لأن صحيحة رفاعة و حفص المروية في باب 8 من أبواب النذر دالة على انعقاد نذر المشي في الحج حافياً تعارضها. قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نذر ان يمشي إلى بيت اللَّه حافياً، قال: فليمش فاذا تعب فليركب» «4».
(مسألة 28) يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر و عدم تضرّره بهما، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم ينعقد، نعم لا مانع منه إذا كان حرجاً (1) لا يبلغ حدّ الضرر، لأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة، هذا إذا كان حرجياً حين النذر و كان عالماً به و أمّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب. (1) لا يخفى ان مقتضى إطلاق وضع الحرج عدم وجوب الوفاء بالنذر حتى ما إذا كان الناذر حين نذره ملتفتاً إلى ذلك، فمجرد اقدام المكلف و إحرازه الحرج في منذورة لا يوجب ان لا يعمه خطاب
عدم جعل الحرج في الدين، كما أنه كون رفع الحرج امتنانياً، لا ينافي عدم وضع الشارع على المكلف حتى في صورة التزامه على نفسه. نعم هذا إذا كان حرجياً من الابتداء، و أما إذا صارت الاستدامة حرجية فيجب الفعل إلى أن يلزم الحرج. كما ورد في صحيحة رفاعة و حفص المتقدمة من قوله (عليه السّلام) فليمش، فاذا تعب فليركب.
(مسألة 29) في كون مبدء وجوب المشي أو الحَفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات أو مبدأ الشروع في السفر أو أفعال الحج أقوال، و الأقوى أنّه تابع للتعيين أو الانصراف (1)، و مع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال: «للَّه عليّ أن أحج ماشياً» و من حين الشروع في السفر إذا قال: «للَّه عليّ أن أمشي إلى بيت اللَّه» أو نحو ذلك، كما أنّ الأقوى أنّ منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار، لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور، و لا الإفاضة من عرفات كما في بعض الأخبار. (1) كما هو الحال في النذر في سائر الموارد حيث إن تعيين المنذور يتبع قصد الناذر، و لو بقصده الإجمالي المتعلق بما ينصرف اليه عنوان المنذور، و لو قال الناذر للَّه على المشي إلى بيت اللَّه، في مقابل الذهاب اليه راكباً يكون منذورة المشي من حين الشروع في السفر، بخلاف ما لو قال للَّه على ان أحج ماشياً فإنه يتعين المشي من أول أفعال الحج هذا بحسب المبدأ. و أما من حيث المنتهي فيما إذا لم يعينه في قصده على ما ذكر، فقد ذكر الماتن انه رمى الجمار فإن رميها آخر واجبات الحج. و أما ما عن المشهور من أن منتهاه طواف
النساء فلا يمكن المساعدة عليه، حيث إن طواف النساء خارج عن اعمال الحج. و علل كون رميها منتهاه بجملة من الاخبار و لكن الوارد فيها رمي الجمرة، و لا يبعد ان يكون المراد إتمام اعمال يوم النحر، حيث ورد في صحيحة إسماعيل بن حمام عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) «في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكباً» «1» و الذيل قرينة على ارادة رمى جمرة العقبة حيث يجوز الإتيان بطواف الحج بعد اعمال يوم النحر. و في بعض الاخبار يعني صحيحة يونس بن يعقوب سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «متى ينقطع مشي الماشي قال: إذا أفضت من عرفات» «2» و هذه الصحيحة تعد نافية للتحديد الوارد في مثل صحيحة إسماعيل بن همام عن الرضا (عليه السّلام)، فالمرجع مع تساقطهما القاعدة، و مقتضاه الفراغ من رمى الجمرات. و أما النفر من منى فليس واجباً فضلًا عن كونه من اعمال الحج، و إنما لا يجوز في النفر الأول النفر قبل الزوال. ثم ان ظاهر الروايتين ما إذا مشى الحاج في حجة و لو نذراً فيما إذا كان نذره بلا تعيين تفصيلي في نذره، بان كان قصده نذر المشي في حجه، و أما مع تعيين غير ذلك تفصيلا في نذره فلا كلام فيه. و لا يبعد ان يكون منصرف الروايات المشار إليها أيضاً ذلك، و إلا فلا موجب مع تعيين الناذر تفصيلًا السؤال عن منتهى مشيه و لا يحتمل ان يكون المشي لازماً له في ذهابه إلى المشعر الحرام أو منى أو إذا نذر المشي في ذهابه إلى عرفات فقط.
(مسألة 30) لا يجوز لمن نذر الحج ماشياً أو المشي في حجّه
(1) أن يركب البحر لمنافاته لنذره، و إن اضطرّ إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره (2)، كما (1) هذا إذا عين في نذره المشي إلى الحج، و إلا فلا بأس ان يركب البحر قبل إحرامه لحجة كما تقدم في المسألة السابقة أو كان ركوبه البحر بعد إحرامه للحج، كما في حج الافراد أو القرآن. ناذر المشي
(مسألة 31) إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكباً، فإن كان المنذور الحج ماشياً من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة و لا كفارة (1) إلّا إذا تركها أيضاً، و إن كان المنذور الحج ماشياً في سنة معيّنة فخالف و أتى به راكباً وجب عليه القضاء و الكفارة، و إذا كان المنذور المشي في حج معيّن وجبت الكفارة دون القضاء لفوات محل النذر.
و الحج صحيح في جميع الصور خصوصاً الأخيرة، لأنّ النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحج، و عدم الصحّة من حيث النذر لا يوجب عدمها. من حيث الأصل فيكفي في صحّته الإتيان به بقصد القربة. (1) يعني يجب عليه الحج الآخر للوفاء بنذره، و لا تجب عليه الكفارة إذا ترك الحج ثانياً؛ و لو كان المنذور الحج ماشياً في سنة معينة فخالف و أتى بالحج راكباً فقد ذكر الماتن أنه يجب عليه القضاء و الكفارة، و لكن لا يخفى الوجه في وجوب الكفارة، و أما القضاء فلا دليل على وجوبه لما تقدم من عدم ثبوت القضاء في الحج المنذور فضلًا عن نذر المشي فيه.
و لو كان منذورة المشي في حج معين كنذره المشي في حجة إسلامه فأتى بحجة الإسلام راكباً، وجبت عليه الكفارة لمخالفته نذره، و لا مورد لقضاء نذره لسقوط حجة الإسلام
عنه بالإتيان بها. و ذكر الماتن ان حج الناذر في جميع الصور الثلاث صحيح خصوصاً الأخيرة. و الظاهر أن كلمة خصوصاً تصحيف أو من سهو القلم. و المناسب ان يكون هكذا أو الحج في جميع الصور صحيح حتى الأخيرة؛ و كيف ما كان فالحكم بالصحة في الصورة الأولى ظاهر، فإنه لم يخالف فيها نذره بحجّه راكباً و إنما تكون مخالفته بتركه الحج ماشياً بعد ذلك كما تقدم. نعم ربما يقال ان حجه راكباً في الصورة الثانية، و كذا في الصورة الثالثة، مخالفة لوجوب الوفاء بنذره فيكون منهياً عنه فيبطل، نظير من نذر فريضته اليومية جماعة فأتى بها فرادى، و لكن لا يخفى ما فيه لما تقرر في بحث الضد من ان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، بل لو كان ضده واجباً أيضاً لا مكن الأمر به بنحو الترتب، و لو كان مستحباً نفسياً فيجتمع الأمر الاستحبابي به مع الإيجاب، حيث ان الأمر الاستحبابي النفسي بطبيعي الحج لا يتنافى مع إيجاب الحج ماشياً، بعنوان الوفاء بالنذر فان الاستحباب يلازم الترخيص في الترك.
و بتعبير آخر إذا نذر المشي في حجة إسلامه أو نذر ان يأتي بحجة إسلامه ماشياً فالتركيب بين حجة الإسلام و المشي فيها، انضمامي، فان الواجب الأصلي لم يؤخذ فيه المشي فيه و لا الركوب، بل يكون خصوص المشي واجب آخر بالنذر، و مع عدم المشي لا يسقط الأمر بحجة الإسلام، نظير ما ذكرناه في الأمر بصلاة الوقت و نذر الإتيان بها جماعة، فان ترك الجماعة فيها لا يوجب عدم الأمر بطبيعي الفريضة، و مما ذكر يظهر ضعف ما قيل في وجه البطلان في الصورة من عدم وجود ما قصد و هو
الإتيان بالحج النذري، و ما وجد و هو طبيعي الحج غير مقصود، و ذلك لقصد الإتيان بالحج في جميع الصور، و لكنه غير مقصود بعنوان الوفاء بالنذر إلا في الصورة الثانية فيما إذا فرض فيها تعلق نذره بأمرين أحدهما الحج في سنة و الآخر المشي فيه، فان حجه راكباً صَحّ بعنوان الوفاء بأحد الأمرين، و كذا ما ذكر الماتن من ان المقام ما إذا صام المكلف بعنوان الكفارة من غير تتابع فان صومه صحيح، و إن لم يتحقق عنوان الكفارة. حيث ان طبيعي الصوم مقصود في قصد صوم الكفارة. و الوجه في الظهور ما ذكرنا من ان الناذر في المقام مع تركه المشي في حجه لا يأتي به بعنوان الوفاء بالنذر الا فيما ذكرنا من فرض تعدد منذورة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 199
و قد يتخيّل البطلان من حيث إنّ المنوي و هو الحج النذري لم يقع و غيره لم يقصد، و فيه أنّ الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف، أ لا ترى أنّه لو صام أياماً بقصد الكفارة ثمّ ترك التتابع لا يبطل الصيام عن الأيام السابقة أصلًا و إنّما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته و أذكاره الّتي أتى بها من حيث كونها قرآناً أو ذكراً.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 200
و قد يستدلّ للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأنّ الأمر بإتيانها ماشياً موجب للنهي عن إتيانها راكباً، و فيه منع كون الأمر بالشي ء نهياً عن ضدّه، و منع استلزامه البطلان على القول به (1)، مع أنّه لا يتمّ فيما
لو نذر الحج ماشياً مطلقاً من غير تقييد بسنة معيّنة و لا بالفورية لبقاء محل الإعادة. (1) لا يخفى أنه لا يمكن الحكم بصحة الحج راكباً لو قلنا بأنه نهى عنه، و لو بالنهي الغيري، فإن النهي عنه كذلك أيضاً يوجب تقييد إطلاقات الأمر بطبيعي الحج. و مع التقييد المزبور لا أمر بطبيعيه ليكشف عن الملاك فيه. و الأمر بالطبيعي و لو بنحو الترتب انما يعقل مع عدم كونه نهياً عنه، و لو بالنهي الغيري المطلق كما تقرر ذلك في بحث الضد.
(مسألة 32) لو ركب بعضاً و مشى بعضاً فهو كما لو ركب الكلّ (1) لعدم الإتيان بالمنذور، فيجب عليه القضاء أو الإعادة ماشياً، و القول بالإعادة و المشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له.
(مسألة 33) لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكّنه منه أو رجائه سقط، و هل يبقى حينئذ وجوب الحج راكباً أو لا بل يسقط أيضاً، فيه أقوال:
أحدها: وجوبه راكباً مع سياق بدنة.
الثاني: وجوبه بلا سياق.
الثالث: سقوطه إذا كان الحج مقيّداً بسنة معيّنة أو كان مطلقاً مع اليأس من التمكّن بعد ذلك، و توقّع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس. (1) حيث إنّ المنذور هو المشي في حجه أو في ذهابه إلى بيت اللَّه الحرام. و شي ء منها مع الركوب في بعض اعمال الحج أو في بعض الطريق إلى البيت الحرام غير محقق، و لو كان نذره معيناً فعليه الكفارة. و أما القضاء كما ذكر الماتن فقد تقدم عدم ثبوت وجوبه. نعم إذا كان نذره مطلقاً غير مقيد بسنته أو فيه، يجب عليه الوفاء بنذره و لو في السنين الآتية، و لا تجب عليه الكفارة إلا بتركه على ما تقدم، و أما الالتزام بالقضاء أو بالإتيان في السنين الآتية بالمشي في مواضع ركوبه في حجه السابق و جواز المشي في مواضع مشيه فيه ضعيف، لان الحج كذلك لا يكون وفاءً بالنذر فان الناذر قصد المشي في حجه في سنته لا قضائه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 202
الرابع: وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق، و توقّع المكنة مع عدم اليأس.
الخامس: وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام، و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين
و توقّع المكنة مع الإطلاق.
و مقتضى القاعدة و إن كان هو القول الثالث (1)، إلّا أنّ الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني (2) بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدي على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان، مضافاً (1) لا يخفى أن مقتضى القاعدة انما يكون القول الثالث فيما إذا طرء العجز قبل الإحرام للحج، و أما إذا كان بعده فمقتضاها وجوب الإتمام و لو راكباً، و ذلك لوجوب إتمام العمرة و الحج إذا أحرم لأحدهما صحيحاً، و قد تقدم أن عنوان الحج ماشياً ينتزع عن خصوصية خارجة عن طبيعي الحج، فإنه إذا أحرم للحج و هو ماش ينتزع منه الحج ماشياً إذا أتمّه كذلك، و إن لم يقصد عنوان الحج ماشياً فيكون المأتي به وفاءً لنذره، و إن لم يقصد في اعماله إلا الإتيان بطبيعي الحج. و على الجملة إذا طرء العجز بعد إحرامه يجب عليه إتمامه راكباً، و لكن لا يجب عليه القضاء فضلًا عن الكفارة حتى و إن لم يتمه اختياراً، و هذا إذا كان المنذور الحج ماشياً في سنته، و أما إذا كان مطلقاً فعليه الحج ماشياً إذا تمكن منه و لو مستقبلًا و إن لم يتمكن منه و لو مستقبلًا فلا شي ء عليه. (2) بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدى على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر: لا يخفى ان السكوت في مثل صحيحة رفاعة بن موسى إطلاق مقامي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نذر ان يمشي إلى بيت اللَّه؟ قال: فليمش. قلت: فإنه تعب؟ قال: فاذا تعب ركب» «1» و الإطلاق المقامي
لا يزيد عن الإطلاق اللفظي، و كما يرفع اليد عن الثاني بورود القيد في خطاب آخر كذلك يرفع اليد عن الإطلاق المقامي، يعني يزول الإطلاق المقامي بورود وظيفة أخرى معها أيضاً في خطاب آخر. و قد وردت في صحيحة الحلبي قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نذر ان يمشي إلى بيت اللَّه، و عجز عن المشي؛ قال: فليركب و ليسق بدنة، فان ذلك يجزي عنه إذا عرف اللَّه منه الجهد» «2» و نحوها صحيحة ذبيح المحاربي. نعم لا يبعد ان يكون سوق الهدي أمراً استحبابياً، بقرينة رواية عنبسة بن مصعب قال: نذرت في ابن لي، ان عافاه اللَّه ان أحج ماشياً، فمشيت حتى بلغت العقبة، فاشتكيت، فركبت، ثم وجدت راحة، فمشيت، فسألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن ذلك، فقال: اني أحبّ ان كنت موسراً ان تذبح بقرة، فقلت معي نفقة، و لو شئت ان أذبح لفعلت، فقال اني أحبّ ان كنت موسراً ان تذبح بقرة، فقلت: أ شي ء واجب أفعله؟ قال: لا، من جعل للَّه شيئاً فبلغ جهده فلا شي ء عليه «3» و كما ذكرنا لا يبعد اعتبارها فان عنبسة بن مصعب من المشاهير الذين لم يرد فيهم قدح، بالإضافة إلى وثاقتهم و ظاهرها نفي وجوب سياق الهدي أيضاً، و ظاهر الروايات عدم الفرق بين العجز قبل الإحرام أو بعده.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 203
إلى خبر عنبسة الدال على عدم وجوبه صريحاً فيه، من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده و قبل الدخول في الإحرام أو بعده، و من غير فرق أيضاً بين كون النذر مطلقاً أو مقيّداً بسنة مع توقع
المكنة و عدمه، و إن كان الأحوط في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة و كونه قبل الشروع في الذهاب، الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة، و الأحوط إعمال قاعدة الميسور أيضاً بالمشي بمقدار المكنة، بل لا يخلو عن قوّة للقاعدة مضافاً إلى الخبر عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه حافياً قال (عليه السّلام): «فليمش فإذا تعب فليركب» و يستفاد منه كفاية الحرج و التعب في جواز الركوب و إن لم يصل إلى حدّ العجز، و في مرسل حريز «إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب».
(مسألة 34) إذا نذر الحج ماشياً فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض أو خوف أو عدو أو نحو ذلك، فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان، و لا يبعد التفصيل بين المرض و مثل العدوّ (1) باختيار الأوّل في الأوّل و الثاني في الثاني، و إن كان الأحوط الإلحاق مطلقاً. (1) و لعل نظر الماتن (قدّس سرّه) انصراف العجز عن المشي إلى عدم التمكن من المشي لعدم طاقة الشخص سواء كان للتعب أو حصول المرض أو طريان العلّة في الرجل و نحو ذلك، و قد ورد التعب في صحيحة رفاعة و عدم الطاقة في صحيحة ذريح المحاربي، حيث ورد فيها رجل حلف ليحجن ماشياً فعجز عن ذلك فلم يطقه، و ظاهر ما ورد في رواية عنبسة بن مصعب من قوله فاشتكيت المرض، و أما عدم التمكن للعدو و نحوه فهو خارج عن منصرفها، فيرجع فيه إلى القاعدة المشار إليها.
فصل في النيابة لا إشكال في صحّة النيابة عن الميّت في الحج الواجب و المندوب، و عن الحي في المندوب مطلقاً و في الواجب في بعض الصور (1).
(مسألة 1) يشترط في النائب أمور:
أحدها: البلوغ على المشهور، فلا يصحّ نيابة الصبي عندهم و إن كان مميزاً، و هو الأحوط، لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينية، لأنّ الأقوى كونها شرعية (2)، و لا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه، لأنّه أخص من المدعى، بل لأصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلة خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل، و لا فرق بين أن يكون حجّة بالإجارة أو بالتبرّع بإذن الولي أو عدمه، و إن كان لا يبعد دعوى صحّة نيابته في الحج المندوب بإذن الولي. (1) قد ذكرنا أن الحج من الأفعال التي لا تستند إلا إلى الفاعل بالمباشرة كما هو الحال في الصلاة و الصوم و نحوهما من العبادات و غيره، و إجزاء الفعل الصادر عن الغير عما على المكلف يحتاج إلى قيام الدليل عليه، سواء كان الفعل عن الغير باستنابته أو بتبرع الغير عنه، و قد قامت الروايات على مشروعية النيابة في الحج المندوب عن الحي و الميت. و في الحج الواجب عن الميت مطلقاً، و عن الحي في بعض الصور كما إذا عجز المستطيع للحج عن الحج مباشرة فإنه يبعث من يحج عنه على نحو ما تقدم في مسائل وجوب الحج. (2) لا ينبغي التأمل في مشروعية حج الصبي المميز كصلاته و صومه لصحيحة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن ابن عشر سنين يحج. قال: عليه
حجة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» «1» و في صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام. قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون» «2» الحديث. و إنما الكلام في مشروعية نيابة الصبي في الحج عن الغير فإن النيابة عن الغير كما تقدم على خلاف القاعدة، و إثبات مشروعية نيابة الصبي عن الغير في الحج الواجب عن الميت مشكل جدّاً، لما ورد في بعض الروايات من تقييد نيابة الصرورة عن الغير بما إذا لم يكن له مال، و ظاهره إن التقييد لأجل انه لو كان للصرورة مال يجب عليه الحج عن نفسه، فلا يعم إطلاق الصرورة في الروايات الصبي لأنه لا يجب عليه الحج و لو كان له مال. و ورد في بعض الروايات كصحيحة حكم بن حكيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة عن المرأة» «3» و لا يبعد ظهورها في تعيين أقسام النائب و عدم التعرض لنيابة الرجل عن الرجل لظهور جوازها و كونها من المتيقن من بين فروضها. و كذا لا يجوز استنابة الصبي من الموسر إذا منعه مرض أو كبر عن الخروج، حيث ورد في بعض رواياتها بعث الرجل و في بعضها الأخرى بعث صرورة لا مال له و استنابة الصبي خارج عن كلتا الطائفتين، و قد يدعي أنه قد ورد في خصوص النيابة عن الميت في الحج عنه ما يعم نيابة الصبي و كذا في النيابة فيه عن الحي. و يؤخذ بإطلاقهما في مورد لم يثبت فيه تقييد بالبلوغ، اما
الأول كمعتبرة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «ما يلحق الرجل بعد موته فقال: سنة سنها يعمل بها بعد موته. إلى ان قال: و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما و يحج و يتصدق و يعتق عنهما و يصلي و يصوم عنهما» «4» حيث ان إطلاق الولد يعم غير البالغ، و لكن في إطلاقها تأمل بملاحظة التصدق عن الوالد و العتق عنهما كما لا يخفى. و أما الثاني رواية يحيى الأزرق عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من حج عن إنسان اشتركا حتى إذا قضى طواف الفريضة انقطعت الشركة فما كان بعد ذلك من عمل كان لذلك الحاج» «5» و ظاهرها النيابة عن الحي كما هو ظاهر الإنسان فإنه كظهور سائر العناوين في الفعلية، و لكن مع الفحص عن سندها فإن يحيى الأزرق مشترك بين ابن عبد الرحمن الثقة و بين ابن حسان الكوفي، و مدلولها و هو اختصاص ما بعد طواف الفريضة بالنائب و لا يحسب عملًا للمنوب عنه. و على الجملة إثبات مشروعية نيابة الصبي عن الميت أو الحي في الحج لا يخلو عن التأمل. و على تقدير ثبوت المشروعية في الحج المستحب فلا موجب للالتزام بتوقفها على اذن وليه إذا كانت تبرعية. نعم إذا كان باستئجاره للحج عنه يصح عقده بلا اذن وليه، فلو صحبه وليه في السفر إلى الحج فأحرم الصبي من الميقات تبرعاً للحج أو العمرة عن الغير، فالظاهر الصحة. هذا كله بالإضافة إلى الصبي المميز، و أما غير المميز فلا
يتحقق منه القصد بالإضافة إلى الحج عن نفسه فضلًا عن النيابة عن الغير، و كذا الحال في المجنون سواء كان جنونه مطبقاً أو أدوارياً في
دور جنونه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 206
الثاني: العقل، فلا تصح نيابة المجنون الّذي لا يتحقّق منه القصد، مُطبِقاً كان جنونه أو أدوارياً في دور جنونه، و لا بأس بنيابة السفيه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 208
الثالث: الإيمان (1)، لعدم صحّة عمل غير المؤمن و إن كان معتقداً بوجوبه و حصل منه نيّة القربة، و دعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى.
الرابع: العدالة أو الوثوق بصحّة عمله (2)، و هذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحّة عمله. (1) المراد أنه إذا كان الحج الصادر عن غير المؤمن واجداً لجميع شرائط صحته مع فرض فساد وضوء المخالف المفسد لحجّة أنه لا تصح نيابته لفقده الايمان المعتبر في صحة العبادة، و دعوى أن فقده يوجب بطلان عمله بما هو عمله، و أما إذا كان عمله عن الغير فلا يبطل عمل الغير إذا كان مؤمناً كما ترى. فان ما ورد في عمل المخالف يقتضي عدم احتساب عمله عملًا سواء كان عن نفسه أو عن الغير و من الظاهر أن النائب يتقرب بالعمل عند نيابته لا بنيابته عند العمل فيعتبر ان يكون عمله واجداً للشرائط. (2) ذكر (قدّس سرّه) أن عدالة النائب غير معتبرة في صحة عمل النائب بل هذا الشرط معتبر في جواز الاستنابة، و لكن لا يخفى أن عدالة النائب أو الوثوق بصحة عمله غير معتبر في جواز الاستنابة أيضاً، بل المعتبر في صحة استنابته تمكنه من العمل المستأجر عليه و لو كان فاسقاً، و إنما يعتبر في إحراز فراغ ذمة المنوب عنه إحراز صدور العمل المستأجر عليه من الأجير و لو بالوثوق أو عدالته، و بعد
إحراز الصدور يحمل فعله على الصحيح. فالمعتبر في الفراغ إحراز العمل من الأجير بما ذكر، و أما صحته فيحمل عمله على الصحة كما في سائر الموارد، نعم دعوى ان استئجار الفاسق مع عدم الوثوق بصدور العمل منه عن المنوب عنه، يوجب كون الاستئجار غررياً بالإضافة إلى المستأجر فتبطل الإجارة للغرر.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 209
الخامس: معرفته بأفعال الحج (1) و أحكامه، و إن كان بإرشاد معلم حال كل عمل.
السادس: عدم اشتغال ذمّته بحج واجب عليه في ذلك العام، فلا تصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه، و أمّا مع عدم تمكّنه لعدم المال فلا بأس، فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحج لنفسه بطل على المشهور، لكن الأقوى أنّ هذا الشرط (2) إنّما هو لصحّة الاستنابة و الإجارة، و إلّا فالحج صحيح و إن لم يستحق الأجرة، و تبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشي ء نهياً عن ضدّه، مع أنّ ذلك على القول به و إيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم و العمد، و أمّا مع الجهل و الغفلة فلا، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه، حيث إنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي و مع الجهل أو الغفلة لا مانع لأنّه قادر شرعاً.
(مسألة 2) لا يشترط في النائب الحريّة، فتصح نيابة المملوك بإذن مولاه، و لا تصحّ استنابته بدونه، و لو حج بدون إذنه بطل. (1) لا يخفى ان معرفة النائب بأفعال الحج عند الإتيان بها و لو بإرشاد معلم و إن كان
كافياً في صحة عمله عن المنوب عنه، إلا أنه إذا لم يكن عارفاً بأفعال الحج بالمقدار المتعارف عند استئجاره يشكل الحكم بصحة استئجاره لكون الإجارة غررية كما تقدم، نظير ذلك في استئجار الفاسق مع عدم إحراز وفائه بها. (2) و المراد أن من يجب عليه الحج في عام الاستنابة لاستطاعته أو نذره المضيق إذا حج فيه عن غيره يصح الحج عن المنوب عنه لتعلق الأمر به و لو على نحو الترتب، و إن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، إلا ان الإجارة محكومة بالبطلان على ما تقدم من أن النائب في عقد الاستئجار يلتزم بالعمل للغير و يملكه إياه طلقاً، فالأمر بالوفاء به مع إيجاب الحج عليه عن نفسه لا يجتمع مع الأمر بالوفاء بها، نعم لو التزم النائب بالحج عن الغير على تقدير ترك الحج عن نفسه، فلا يمكن الأمر بالوفاء لكون العقد تعليقياً محكوماً بالبطلان. و بالنتيجة فلا يستحق الأجير الأجرة المسماة و لكن يستحق أجرة المثل، لأن عمله مشروع قد صدر بأمر الغير و طلبه كما هو الحال في سائر موارد بطلان الإجارة على العمل المشروع.
(مسألة 3) يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا تصح النيابة عن الكافر (1)، لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه، لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه، بل لانصراف الأدلة، فلو مات مستطيعاً و كان الوارث مسلماً لا يجب عليه استئجاره عنه.
و يشترط فيه أيضاً كونه ميتاً أو حياً عاجزاً في الحج الواجب، فلا تصح النيابة عن الحي في الحج الواجب إلّا إذا كان عاجزاً، و أمّا في الحج الندبي فيجوز عن الحي و الميّت تبرعاً أو بالإجارة. (1) بلا فرق بين القول بكون الكافر مكلفاً
بالفروع أم بعدمها، فإنه لو قيل بكونه مكلفاً بها فلا يجب على وارثة المسلم الحج عنه من تركته، فان ما ورد «فيمن مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه، أو أن عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له» و نحوها، منصرفها من كان شأنه أن يحج حال حياته، فلا يعم غير المسلم. و كذا ما ورد فيمن عجز عن الخروج من أمره ببعث رجل مكانه بل مشروعية القضاء عنه مشكل، لما تقدم من ان النيابة عن الغير تحتاج إلى قيام دليل على مشروعيتها، و ما ورد في مشروعيتها ما أشرنا إليه و لأنه لم يعهد بالأمر على من كان يدخل في الإسلام ان يحج عن أبيه المشرك و الكافر لا إيجاباً و لا ندباً، و لو كان ذلك ثابتاً لنقل و شاع. و لذا يشكل التبرع بالنيابة حتى فيما إذا وصل اليه من أمواله إرثاً أو وصية. نعم ذلك مروي فيمن يريد الحج عن أبيه الناصب و التعدي منه إلى سائر الكفار لا يمكن لاحتمال الخصوصية، و هو ان لا يرتد الابن عن تبصره بمنعه عن الخير عن أبيه. روى الكليني و الشيخ (قدّس سرّهما) في الصحيح عن وهب بن عبد ربه قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أ يحج الرجل عن الناصب؟ فقال: لا قلت: فان كان ابى؟ قال ان كان أباك فنعم» «1».
و على الجملة لو التزم بالإطلاق في بعض ما ورد في الترغيب في الحج و العمرة عن ذي القرابة و شموله للكافر أيضاً فلا ينبغي التأمل في عدم مشروعية النيابة عن المشرك، كما هو مقتضى قوله سبحانه ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ
لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى و خصصنا الجواز عن الأب الناصبي مع ورود الجواز في صحيحة إسحاق بن عمار أبي إبراهيم (عليه السّلام) بلا تقييد، فان التخصيص مقتضى الجمع بينها و بين الصحيح عن وهب بن عبد ربه، حيث ان مقتضاه الجواز إذا كان الناصب أباً للنائب.
(مسألة 4) تجوز النيابة عن الصبي المميز و المجنون (1)، بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنونا.
(مسألة 5) لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة المرأة عن الرجل و بالعكس، نعم الأولى المماثلة.
(مسألة 6) لا بأس باستنابة الصرورة رجلًا كان أو امرأة عن رجل أو امرأة، و القول بعدم جواز استنابة المرأة صرورة مطلقاً أو مع كون المنوب عنه رجلًا ضعيف، نعم يكره ذلك خصوصاً مع كون المنوب عنه رجلًا، بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة و لو كان رجلًا عن رجل. (1) اما بالنسبة إلى الصبي فلا ينبغي التأمل في جواز النيابة عنه، لما تقدم من مشروعية الحج للصبي. و بما أن النيابة في الحج عن الغير عمل مشروع بالإضافة إلى الحج الاستحبابي مطلقاً، فيجوز النيابة عنه، و يدلُّ عليه صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «سمعته يقول مرّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها، فقالت: يا رسول اللَّه أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم، و لك أجره» «1» و أما المجنون فقد ذكروا أنه إن كان قبل جنونه مستطيعاً و استقر عليه الحج يجب الحج عنه إذا كانت له تركة، غاية الأمر لا تجوز النيابة عنه ما دام حياً فان الواجب على الحي العاجز بعث النائب على ما تقدم، و هذا لا يشمل المجنون حيث لا يتمكن من البعث فيؤدي عنه بعد موته، و لا يبعد النيابة عن مثل ذلك إذا لم يكن ممن استقر عليه الحج، أو لم تكن له تركة، و أما المجنون بجنون مطبق لم يمضِ عليه حالة إفاقة، فمشروعية النيابة عنه لا تخلو عن تأمل لانصراف
أدلة النيابة إلى من كان من شأنه أن يحج أو متمكناً منه فلاحظها.
لا خلاف في جواز نيابة الرجل عن الميت بلا فرق بين كون الميت رجلًا أو امرأة، و بلا فرق بين كون النائب صرورة؛ نعم إذا كان النائب ممن استقر عليه الحج أو كان مستطيعاً فعلًا لا يجوز ان يؤجر نفسه للحج عن الغير، بل يجب عليه الحج عن نفسه على ما تقدم. و لا فرق أيضاً في كون الرجل نائباً عن الغير في حجة الإسلام أم في غيرها، و ما ورد في بعض الروايات من «ان الميت إذا كان عليه حجة الإسلام يقضى عنه رجل صرورة لا مال له» كصحيحة معاوية بن عمار: قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام، و يترك مالًا؟ قال: عليه أن يحج من ماله رجلًا صرورة لا مال له» «2» و على رواية الكافي يحج عنه صرورة لا مال له «3» محمول على بيان ان الصرورة إذا حج عن الغير يعتبر في جواز نيابته عدم المال له على ما تقدم، لا أنه يعتبر ان يكون النائب في حجة الإسلام عن الميت صرورة. و القرينة على كون المراد ذلك ما دلّ على جواز قضاء غير الصرورة حجة الإسلام عن الميت، كصحيحة حكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إنسان هلك و لم يحج، و لم يوص بالحج، فأحج عنه بعض اهله رجلًا أو امرأة، هل يجزى ذلك و يكون قضاءً عنه؟ و يكون الحج لمن حج؟ و يوجر من أحج عنه؟ فقال: ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً و أجر الذي أحجّه» «4» فان ظاهرها جواز
القضاء عن الميت و فراغ ذمته بنيابة غير الصرورة حتى فيما إذا كان النائب امرأة، و على الجملة ما حملنا صحيحة معاوية بن عمار عليه مقتضى تجويز كون النائب غير صرورة مع كون ما على الميت حجة الإسلام و لو لم يكن في البين مثل صحيحة حكم بن حكيم مما تحسب قرينة على المراد من صحيحة معاوية لكان ظاهرها تعين نيابة الصرورة، نظير ما ورد «فيمن كان مستطيعاً و طرأ العجز عن المباشرة»، حيث التزمنا فيه من لزوم بعثه «رجلًا صرورة لا مال له» ليحج عنه. فإنه ورد في صحيحة الحلبي عن عبد اللَّه (عليه السّلام) «و إن كان موسراً و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللَّه فيه فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» «5» و رفعنا اليه بظهورها في اعتبار كون النائب عنه صرورة عن إطلاق ما دل على جواز نيابة كل من الرجل و المرأة عن الآخر من غير تقييد بكون النائب صرورة، نظير صحيحة أخرى للحكم بن حكيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يحج الرجل عن المرأة، و المرأة عن الرجل، و المرأة عن المرأة «6».
و على الجملة ظاهر صحيحة الحلبي تعين نيابة الصرورة عن الرجل المستطيع للحج الذي طرء عليه العجز عن المباشرة، و اعتبرنا أيضاً كون الصرورة رجلًا، لما ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان علي (عليه السّلام) «يقول: لو ان رجلًا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلًا من ماله ثم ليبعثه مكانه» «7» و نحوها، صحيحة معاوية بن عمار «8» حيث ان
ظاهر ما ذكر دخالة بعث الرجل في النيابة عن الحي العاجز عن المباشرة. و الحاصل إذا كان المنوب عنه رجلًا عاجزاً عن المباشرة فاللازم لزوم بعث الرجل الصرورة للنيابة عنه، و أما إذا كان المنوب عنه امرأة فيكفي كون النائب صرورة و لو كانت امرأة.
لا يقال جواز نيابة المرأة عن الرجل الميت أو فيما كانت صرورة و لو عن المرأة مشكل، لموثقة عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه، هل تجزي عنه امرأة؟ قال: لا؟ كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان؟ قال: إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة، و الرجل عن الرجل، و قال: لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة» «9» و رواية سليمان بن جعفر قال سألت الرضا (عليه السّلام) عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة قال: لا ينبغي» «10» و رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: سمعته يقول: «يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة» «11».
أقول: قد تقدم أن مقتضى ما ورد في صحيحة حكم بن حكيم المروية في باب 28 من أبواب وجوب الحج، جواز نيابة المرأة عن الرجل الصرورة، حيث ورد فيها جواز قضاء المرأة الحج الذي على الميت فتحمل الموثقة على الكراهة، و مما ذكر يظهر الحال في غير الموثقة مع أن في إسنادها ضعف.
و أما رواية إبراهيم بن عقبة قال كتبت إليه أسأله عن رجل «صرورة لم يحج قط» حج عن صرورة لم يحج قط، أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة، من حجة الإسلام أو لا؟ بين لي ذلك يا سيدي، فكتب (عليه السّلام)، لا
يجزي» «12» فيحمل على عدم الاجزاء عن النائب إذا كان مستطيعاً أو بعد ما صار كذلك، فإن الاجزاء عنه بمعنى إعطاء الثواب ما لم يكن له مال على ما ورد في بعض الروايات و اللَّه العالم.
(مسألة 7) يشترط في صحّة النيابة (1) قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النيّة و لو بالإجمال و لا يشترط ذكر اسمه و إن كان يستحب ذلك في جميع المواطن و المواقف. (1) يعتبر في صحة الحج نيابة قصد الحاج، النيابة عن الغير و تعيين ذلك الغير في قصده. فإنه بعد قيام الدليل على مشروعية النيابة في الحج على ما تقدم يكون حج الشخص عن نفسه أو عن الغير يكون بالقصد، و في فرض كونه عن الغير لا بد من تعيينه ليقع الحج عنه، نعم لا يعتبر تعيينه على نحو التفصيل بل يكفي التعيين الإجمالي.
أي بالعنوان بحيث لا ينطبق إلا على معين كقصده الحج عمن استأجره أو عمن اوصى اليه و نحو ذلك، نعم ورد في بعض الروايات ما ظاهره لزوم تسمية المنوب عنه عند المناسك و التسمية ظاهرها ذكر الاسم كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: قلت له «ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال: تسميته في المواطن و المواقف» «1» و لكنها محمولة على الاستحباب لحصول المقصود بالقصد، و لبعض الروايات الأخرى النافية لاشتراطها كصحيحة البزنطي أنه قال: سأل رجل أبا الحسن الأول (عليه السّلام) «عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه؟ قال: ان اللَّه لا تخفى عليه خافية» «2» و قد ورد في صحيحة مثنى عبد السلام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في
جميع المواطن كلها، قال: ان شاء فعل، و إن شاء لم يفعل، اللَّه يعلم انه قد حج عنه، و لكن يذكره عند الأضحية» «3» و يحمل ذكره عند الأضحية أيضاً على تأكد الاستحباب لمقتضى التعليل في صحيحة البزنطي، و لما ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: «سألته عن الأضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمى غير صاحبها أ تجزي صاحب الأضحية، قال: نعم أنما هو ما نوى» «4».
(مسألة 8) كما تصح النيابة بالتبرّع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة (1)، (1) فان ما ورد فيمن يحج عن ميت أو عن الحي يعم ما إذا كان حجة عن الميت أو الحي بالتبرع، أو بالإجارة، أو بالجعالة، أو بالشرط في معاملة مع الوارث، أو الحي فلا يختص مشروعية النيابة عن الغير في الحج بموارد التبرع أو بالإجارة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 217
و لا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلّا بإتيان النائب صحيحاً و لا تفرغ بمجرّد الإجارة (1)، و ما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً و كفاية الإجارة في فراغها منزّلة على أنّ اللَّه تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصّر النائب في الإتيان، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها. (1) و ذلك لأن مقتضى الإجارة تملك المستأجر الحج عنه أو عن الغير على الأجير، و هذا لا يقتضي فراغ ذمته أو ذمة الغير عما عليه من الحج، و ليست الإجارة كعقد ضمان المال على الغير، حيث مع تمام عقده ينتقل المال عن ذمة المضمون عنه إلى عهدة الضامن، بل المقام نظير ما إذا استأجر شخصاً لأداء ما عليه من الدين إلى الدائن في بلد آخر، فان بمجرد عقد هذه
الإجارة لا تفرغ ذمته من دينه للغير. نعم في البين بعض روايات استظهر منها فراغ ذمة المستأجر عن الحج الواجب أو فراغ ذمة الميت المنوب عنه بتمام عقد الإجارة من الوصي أو الوارث أو المتبرع، و ظاهر الماتن تسلم الظهور و لكن ذكر أنها معرض عنها عند الأصحاب، حيث لم يعلم عامل بها غير صاحب الحدائق (قدّس سرّه)، و منها مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل أخذ من رجل مالًا و لم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئاً، فقال: ان كان حج الأجير أخذت حجته و دفعت إلى صاحب المال، و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج» «1». و مرسلة الصدوق في الفقيه قال: قيل لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئاً، فقال: أجزأت عن الميت، و إن كان له عند اللَّه حجة أثبتت لصاحبه» «2» و موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل أخذ دراهم رجل فأنفقها فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شي ء» قال: يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن، سُئل ان لم يقدر؟ قال: ان كانت له عند اللَّه حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة» «1».
و لكن لا يخفى ضعف الروايتين الأوليتين سنداً، و ظاهر الأولى الأخذ للحج الاستحبابي لا لحجة الإسلام، فإن المفروض فيها من أخذ المال منه للحج عنه حتى و لو كان المراد حجة الإسلام، كأن يقيد (بأنه عجز عن الخروج و أخذ رجل منه مالًا ليحج عنه) فمدلولها لو مات و لم يترك شيئاً كتب للحي ثواب الحج لقصده الإتيان
بالحج الاستحبابي بالاستنابة و تحسب حجة الميت حجة له إذا كان للميت حجة عند اللَّه، و مما ذكر يظهر الحال في الموثقة، أضف إلى ذلك ما يأتي في الأجير من «انه إذا مات في الطريق قبل الإحرام لا يجزي ذلك في حجة الإسلام» فكيف الاجزاء قبل الخروج بمجرد الإجارة كما هو مقتضى الاستظهار، و أما صحيحة إسحاق بن عمار، قال: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم ليحج بها عنه فيموت قبل ان يحج، ثم اعطى الدراهم غيره، فقال: ان مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضى مناسكه فإنه يجزي عن الأول، قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجة حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم» «2» فناظرة إلى موت الأجير في الطريق أو قبل تمام الاعمال، فيأتي التعرض لها في مسألة «موت من خرج إلى الحج و مات في الطريق أو قبل تمام الاعمال» و أما الحكم الآخر و هو أن فساد الأجير الحج بحيث يجب عليه في العام القابل و لا يكون للمنوب عنه شي ء، فلما يأتي من ان المراد بفساد الحج لزوم تكراره في السنة القادمة للجماع قبل الموقف، و ليس الفساد من هذه الموارد بمعنى بطلان العمل، بل المراد لزوم التكرار عقوبة تتعلق على نفس النائب.
(مسألة 9) لا يجوز استئجار المعذور (1) في ترك بعض الأعمال، بل لو تبرّع المعذور يشكل الاكتفاء به. (1) فإنه كما لا تصل النوبة إلى المأمور به الاضطراري مع التمكن من الاختياري في موارد لزوم المباشرة، كذلك لا تصل النوبة اليه مع التمكن من استئجار من يأتي بالاختياري في موارد
الاستنابة. لما ذكر في محله من انصراف خطابات الاضطراريات إلى صورة عدم التمكن من الاختياري.
نعم لو طرء الاضطرار على النائب أثناء العمل في الحج لا يبعد الالتزام بالاكتفاء به، لان ما ورد فيمن طرء عليه الاضطرار أثنائه يعم النائب عن الغير في حجة، مع ان طريانه أمر عادي في الحج و عدم التعرض لبقاء العمل على عهدة المنوب عنه مقتضاه الإجزاء، نعم إذا كان التكليف متوجهاً في النيابة إلى شخص العاجز كوجوب قضاء الصلاة عن الأب فإنه متوجه إلى الولد الأكبر و مع عجزه عن الصلاة الاختيارية لا يبعد الاكتفاء بصلاته الاضطرارية، و لا يجب عليه الاستئجار في القضاء عن أبيه من يأتي بالاختيارية كما هو مفاد مقتضى قاعدة نفي الضرر، و مما ذكر يظهر انه لو تبرع العاجز لا يكتفي بعمله فان مع استحباب التبرع بالقضاء عن الغير بنحو الاستحباب الكفائي لا يعم الأمر مع وجود المتبرع بالاختياري العاجز عنه كما هو مقتضى الانصراف المشار إليه.
(مسألة 10) إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عن المنوب عنه، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلّا بالإتيان بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه.
و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه، لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه لاختصاص ما دلّ عليه به، و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق، بل لموثقة إسحاق بن عمّار المؤيّدة بمرسلتي حسين بن عثمان و حسين بن يحيى الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيّدة بمرسلة المقنعة (1) «من خرج حاجّاً فمات في الطرق فإنّه إن
كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحَجّة» الشاملة للحاج عن غيره أيضاً، و لا يعارضها موثقة عمّار الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي، لأنّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام أو على الاستحباب، مضافاً إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق، و ضعفها سنداً بل و دلالة ينجبر بالشهرة و الإجماعات المنقولة فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة. (1) يظهر من كلامه (قدّس سرّه) ان ما ورد في موثقة إسحاق بن عمار من قوله (عليه السّلام) «فان مات في الطريق» «1» مطلق يعم ما إذا مات قبل الإحرام أم بعده قبل دخول الحرم أم بعد دخوله، و على ذلك فبما أن دلالتها على الإجزاء عن المنوب عنه بالإطلاق، يرفع اليد عن إطلاقها بمرسلة المفيد في المقنعة قال: قال الصادق (عليه السّلام) «من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، و ليقض عنه وليه» «2» و كذلك لو قيل بان قوله (عليه السّلام) في موثقة إسحاق بن عمار قبل ان يقضى مناسكة قيد للموت في الطريق» أيضاً، فإن كان قبل قضاء الحج أي إتمامه و إن كان ظاهراً في الشروع فيه و لو بالإحرام، حيث إنه أول مناسكه، الا ان الموت بعد الإحرام يعم ما إذا دخل الحرم و مات فيه أم مات قبل الدخول فيه، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بمرسلة المفيد في المقنعة، و حيث ان المرسلة ضعيفة سنداً بل دلالة أيضاً. أما السند فلإرساله، و أما من جهة الدلالة فإن ما في ذيلها و هو
قوله (عليه السّلام) (و ليقض عنه وليه) ظاهره كون حج الميت عن نفسه التزم بجبران ضعفها بالشهرة و الإجماعات المنقولة، فيكون المتحصل أجزاء حج النائب عن الغير إذا مات النائب بعد الإحرام و دخول الحرم أو في مكة قبل ان يقضى مناسكه، و لكن لا يخفى ما فيه فإنه لو فرض أن الشهرة أو الإجماعات المنقولة جابرة فإنما يجبر بهما ضعف السند و لا توجبان في المرسلة التي هي ظاهره في الميت الذي كان حجه عن نفسه ان تكون ظاهره في المطلق، يعني من كان حجة عن نفسه أو عن الغير. ففي الحقيقة يكون المقيد لإطلاق موثقة إسحاق بن عمار هي الشهرة و الإجماعات المنقولة بلا حاجة إلى ملاحظة المرسلة، أضف إلى ذلك ان التقييد بما إذا مات في الحرم ببركة المرسلة لا يناسب ما ذكره بعد ذلك. و إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان لا يبعد الاجزاء و إن لم نقل به في الحاج عن نفسه. و الوجه في عدم المناسبة ان المرسلة إذا كانت مقيدة لإطلاق الموثقة بما بعد دخول الحرم كما ذكره أولًا، فلا يبقى لها إطلاق كما لا يبقى لمرسلتي الحسين بن عثمان و الحسين بن يحيى الإطلاق، حيث ان إطلاقهما لا تزيد على إطلاق الموثقة الا ان يلتزم بأن مرسلة المفيد في المقنعة مجملة، حيث يحتمل ان يكون المراد من قوله «ان كان مات في الحرم فالموت في حالة الإحرام» تعم الموت بعد الإحرام و دخول الحرم متيقن من مدلولها، و لعله لظهور المرسلة في كون الموت بعد الدخول في الحرم ذكر بعد ذلك، و لكن الأقوى عدم الاجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و
قبل دخول الحرم فحاله حال الحاج عن نفسه، و لكن لا يخفى لو بنى على ان ظاهر المرسلة اعتبار الموت بعد الدخول في الحرم لا بعد الإحرام، و دلالة الشرطية الثانية فيها على عدم الاجزاء فيما إذا مات قبل دخول الحرم فلا اختصاص لمدلولها بالحاج عن الغير، بل تعمه إطلاقها و دلالة قوله (عليه السّلام) في موثقة إسحاق بن عمار على الاجزاء «فيما إذا مات بعد الإحرام و لو قبل دخول الحرم» تختص بالحاج عن الغير، فيرفع اليد بها عن إطلاق الشرطية الثانية في المرسلة فيختص مدلولها يعني عدم الاجزاء فيمن مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم بالحاج عن نفسه، و قد ذكرنا في محله ان الميزان في ملاحظة النسبة بين الدليلين هو الموضوع الوارد في كل منهما، فان كان الموضوع في
أحدهما أخص يقدم و يحسب قرينة على الحكم المخالف الوارد في الآخر الذي الموضوع فيه العام أو المطلق، هذا بالإضافة إلى المرسلة. و أما ملاحظة موثقة إسحاق بن عمار مع موثقة عمار الدالة على عدم الاجزاء مع موت النائب عن الغير في الطريق فإنه بعد البناء على ما تقدم من اختصاص موثقة عمار «بما إذا مات النائب بعد الإحرام» تكون مقيدة لإطلاق موثقة عمار، فتكون النتيجة الاجزاء عن المنوب عنه إذا مات النائب في الطريق بعد إحرامه. و عدم الاجزاء فيما إذا كان موته قبل إحرامه. و لو قيل بإجمال ما في موثقة عمار أو كون ظاهرها كظاهر موثقة عمار الموت في الطريق سواء كان قبل الإحرام أم بعده فيؤخذ بإطلاق موثقة عمار أو كون ظاهرها كظاهر موثقة عمار «الموت في الطريق سواء كان قبل الإحرام أم بعده» فيؤخذ بإطلاق موثقة عمار
على تقدير الإجمال، و تتعارضان و تتساقطان على تقدير التعارض فيرجع إلى القاعدة الأولية التي مقتضاها عدم الاجزاء، و يؤخذ بما في موثقة إسحاق بن عمار بما إذا مات في مكة قبل تمام الأعمال أو في الحرم بناءً على التسالم على عدم خصوصية لمكة و إنما الخصوصية للدخول في الحرم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 221
و أمّا إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان، و لا يبعد الإجزاء و إن لم نقل به في الحاج عن نفسه، لإطلاق الأخبار في المقام و القدر المتيقّن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام، لكن الأقوى عدمه فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء.
و الظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام و غيرها من أقسام الحج، و كون النيابة بالأجرة أو بالتبرّع.
(مسألة 11) إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة (1) إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة، و بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحج بمعنى الأعمال المخصوصة، و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئاً سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده و قبل الإحرام أو بعده و قبل الدخول في الحرم، لأنّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلًّا و لا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه، من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي و نحوه، (1) إذا مات بعد إحرامه و قبل دخول الحرم إذا كان أجيراً على تفريغ الذمة بالنسبة إلى ما أتى به من الإحرام أو إذا كان أجيراً على الإتيان بالحج بمعنى الاعمال المخصوصة، فما
ذكره الماتن (قدّس سرّه) من عدم استحقاقه شيئاً فيما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم سواء كان أجيراً على تفريغ الذمة أو على الأعمال المخصوصة، مبني على عدم الاجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم، حيث بناءً عليه يكون نظير ما استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثم أبطل صلاته اختياراً أو بلا اختيار، و ذكر (قدّس سرّه) أنه لا فرق في عدم الاستحقاق بين ان يكون المستأجر عليه اعمال الحج و بين كونه المشي إلى الميقات، و الإتيان باعمال الحج بان يكون المشي داخلًا في متعلق الإجارة، و لكن بوصف المقدمية لإتيان الأعمال لا بان تكون الإجارة منحلة إلى استئجاره لعملين أحدهما: المشي إلى الميقات بما هو هو، و ثانيها: الإتيان بالأعمال بعده بحيث لو ذهب إلى الميقات و لم يأت بالأعمال فقد أتى بأحد عملين استؤجر عليهما، و إن تخلف شرطه عليه فعليه، فإنه في الفرض يستحق الأجرة بإزاء ذهابه إلى الميقات، و يتصور ذلك فيما كان للمتسأجر غرض آخر في مشيه إلى الميقات كايصال متاع إلى طرف معاملته فيه، و إن يأتي بالمناسك بعده. و هذا المراد من قوله (قدّس سرّه) نعم لو كان المشي داخلًا في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً، استحق مقدار ما يقابله من الأجرة، بخلاف ما إذا لم يكن داخلًا في الإجارة أو داخلًا فيها لا نفساً بل بوصف المقدمية للإتيان بالأعمال. و نقول توضيحاً بأنه لا يقاس المقام بما استؤجر الشخص لحفر بئر بعشرين متراً، و حفر عدة أمتار، ثم لم يتمكن لحدوث مرض أو موت و نحو ذلك، فإنه يستحق في المثال حصة من الأجرة
بإزاء مقدار حفرة أو اجرة المثل لمقداره، و ذلك لأن حفر مقدار عدة أمتار ليس فاسداً بحيث لا يترتب عليه غرض، فان للمستأجر ان يستأجر شخصاً لتكميل حفر البئر فيكون لمقدار حفره مالية، بخلاف الموارد التي يكون المقدار المأتي به فاسداً لا يترتب عليه أي أثر عقلائي، بحيث لا يكون له مالية بهذا اللحاظ، ففي مثلها لا يكون استحقاق الأجرة للعامل إذا لم يتم العمل؟ من غير فرق بين ان لا يتعلق به عقد الاستئجار أصلا أو تعلق به و لكن بوصف المقدمية و مجرد التبعية.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 224
نعم لو كان المشي داخلًا في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً استحق مقدار ما يقابله من الأجرة، بخلاف ما إذا لم يكن داخلًا أصلًا أو كان داخلًا فيها لا نفساً بل بوصف المقدمية، فما ذهب إليه بعضهم من توزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ أبطلت صلاته فإنّه لا إشكال في أنّه لا يستحق الأجرة على ما أتى به، و دعوى انّه و إن كان لا يستحق من المسمّى بالنسبة، لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به حيث إنّ عمله
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 225
محترم، مدفوعة بأنّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه، و المفروض أنّه لم يكن مغروراً من قبله، و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معيّنة و يجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة (1)، من غير استحقاق لشي ء على التقديرين.
(مسألة 12) يجب في الإجارة تعيين نوع الحج (2) من تمتّع
أو قران أو إفراد، و لا يجوز للموجر العدول عمّا عيّن له و إن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل، إلّا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع، كما في الحج و لا يجوز للموجر العدول عمّا عيّن له و إن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد (1) المراد أنه لا تبطل بموته الإجارة إذا لم يكن الإتيان مقيداً بسنة موته بل كانت مطلقة من حيث السنة و المباشرة، فيلزم أن يأتي من يستأجر من تركته و لو في السنة الآتية. و لا يبعد ان يقال إذا كان موته قبل إحرامه و أمكن له ان يوصي أن يقوم شخص آخر مكانه و يأتي بالحج عن المنوب عنه فَعَلَ حتى فيما إذا كانت نيابته بالاستئجار، و لو بشرط المباشرة و سواء كانت الإجارة في سنته أو مطلقاً، كل ذلك لإطلاق موثقة عمار المتقدمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، حيث ورد فيها «و لكن يوصي فإن قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» حيث ان عدم التقييد بما إذا كانت نيابته تبرعاً أو كانت بعقد الإجارة في سنته مقتضاه الإطلاق و اللَّه العالم. (2) التزم (قدّس سرّه) بلزوم تعيين نوع الحج في الإجارة و أنه يستأجره على حج التمتع أو الافراد أو القرآن، و لكن فيما كان الاستئجار لحج المندوب أو المنذور بنذر مطلق الحج، أو يجزي في حجة إسلام المستأجر أحدها لكونه ذا منزلين، أحدهما، في داخل الحد و الآخر في خارجة؟ فيجوز للأجير النائب العدول إلى غير المستأجر عليه إذا كان برضا المستأجر، و حيث قد يتوهم ان رضاه بغير ما استوجر عليه
يوجب تعلق الإجارة بأحد الأنواع من غير تعيين دفعه بأنه إذا كان النوع الخاص مذكوراً في عقد الإجارة شرطاً، بان كان الاستئجار على طبيعي الحج مع اشتراط أن يأتي الأجير تمتعاً يكون رضاه بعدوله إلى غيره إسقاطاً لشرطه، لان الشرط حق للمستأجر على الأجير فله ان يرفع يده عن حقه، و أما إذا كان عنوان النوع مأخوذاً في الإجارة قيداً بأن يكون متعلق الإجارة الحج تمتعاً بتعيين الأجرة بإزائه، يكون رضاه بالعدول إلى الآخر رضاءً بالوفاء بعقد الاستئجار بغير النوع، و هذا أمر صحيح كما هو الحال في الرضا بوفاء الدين بغير النوع في سائر الديون، حيث ان النوع بعد عقد الإجارة يكون مملوكاً للمستأجر على عهدة الأجير، و قال (قدّس سرّه) «انما ينفع رضا المستأجر في عدول الأجير إلى النوع الآخر إذا لم يجب على المستأجر النوع المعين» و أما مع تعينه عليه فلا ينفع رضاه بالعدول، و لو فرض عدول الأجير إلى النوع الآخر مع عدم إذن المستأجر و رضاه، فان كان التعيين مذكوراً في عقد الإجارة شرطاً فان لم يفسخ المستأجر عقد الإجارة بتخلف الأجير في الشرط عليه فيستحق الأجرة المسماة، لأن الأجرة عينت في عقد الإجارة بإزاء الطبيعي و إن فسخه لتخلفه يستحق اجرة المثل لعمله، و أما إذا كان تعيين النوع في عقد الاجارة بنحو التقييد بان جعل في عقدها الأجرة بإزاء النوع الخاص، فلا يستحق شيئاً لعدم وفائه بعقدها بتسليمه العمل المستأجر عليه، و ما أتى به من النوع الآخر لم يكن متعلق الإجارة و لا أمر الأجير بالإتيان به، و الوجه في ما ذكر أن واقع المعاملة فيما إذا كان متعلقها قابلًا للتقييد و الاشتراط ملاحظة مدلول إنشائها،
حيث لا يكون لواقعها الا مدلوله. نعم إذا لم يكن قابلًا إلا لأحدها فلا ننظر إلى اختلاف التعبير.
أقول: تعيين النوع بالاشتراط فرض لتعلق الاستئجار على طبيعي الحج، غاية الأمر اشترط على الأجير الوفاء بعقدها بنوع معين، و إذا اذن في العقد عدوله بغيره فمعناه تعلق الاستئجار بالطبيعى بلا تعيين نوع، و مقتضى ظاهر الماتن نفوذ هذا الاذن حيث لم يقيد بأنه يعتبر ان يكون رضاه بعد العقد، فإنه إذا كان رضاه به بعد العقد، يمكن ان يقال المعتبر من التعيين هو التعيين في عقد الإجارة و إن الغي بعدها، نظير ما إذا باع البائع متاعه نسيةً إلى مدة معينة و بعد البيع رضي بتأخير أداء الثمن، فان هذا لا يوجب كون البيع عند وقوعه غررياً. و على الجملة اشتراط تعيين نوع خاص فيما إذا كان غرض المستأجر إفراغ ذمته كما فيمن له منزلان داخل الحد و خارجه، أو كان منذورة مطلق الحج، أو كان الحج مندوباً، و كان غرضه نيل الثواب، فاعتبار تعيين النوع مشكل لعدم الغرر في عقد الاستئجار.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 226
الأخيرين إلى الأوّل، إلّا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع، كما في الحج المستحبي و المنذور المطلق، أو كان ذا منزلين متساويين في مكّة
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 227
و خارجها، و أمّا إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه (1) أيضاً بالعدول إلى غيره، و في صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية، و من باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيدية، و على أيّ تقدير
يستحق الأجرة المسمّاة و إن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني، لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع الّذي عيّنه فقد وصل إلى ماله على المؤجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون فكأنّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه. (1) لا ينبغي التأمل في أنه إذا كان على المنوب عنه نوع خاص، فلا يفيد في الاجزاء عما عليه، العدول إلى نوع آخر حتى برضاه، كما في النيابة عن الحي الذي استقرت عليه حجة الإسلام و لم يتمكن من المباشرة فاستأجره للحج عنه، و كذا الحال فيما كان المستأجر وصى الميت الذي عليه حجة الإسلام أو وراثه أو المتبرع في الاستئجار للحج عن الميت المفروض، و أما ان الأجير يجوز له العدول مع رضا المنوب عنه أو المستأجر و يستحق الأجرة المسماة فظاهر الماتن عدم الجواز، بل و لا يستحقها إذا عدل، و لكن لا يخفى ان الرضا بالعدول تارة يكون باستئجار شخص آخر للحج عنه في تلك السنة بما يتعين عليه، و أخرى مع بقاء ما يتعين عليه على عهدته فيها، فالالتزام بعدم الجواز يبتني على عدم مشروعية الحج الآخر عن المنوب عنه في تلك السنة غير ما اشتغلت عهدته به، فإنه على ذلك يكون عمل الأجير مع العدول محكوماً بالبطلان، و مع علمه بالحال لا يستحق اجرة على العمل الفاسد حتى أجرة المثل، نعم مع جهله بالحال يستحق اجرة المثل لكونه مغروراً من المستأجر و الالتزام بعدم المشروعية في الفرض الأول لا يخلو عن تأمّل لو لم يتأمل في الثاني أيضاً.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 228
و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل (1) أو إلى المفضول، هذا
و يظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل كالعدول إلى التمتّع تعبّداً من الشارع لخبر أبي بصير عن أحدهما «في رجل أعطى رجلًا دراهم يحجّ بها مفردة أ يجوز له أن يتمتّع إلى الحج؟ قال (عليه السّلام): نعم إنّما خالف إلى الأفضل» و الأقوى ما ذكرناه، و الخبر منزّل على صورة العلم (1) و يستدل على ذلك بصحيحة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السّلام) «في رجل اعطى رجلًا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة فيجوز له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج قال نعم انما خالف إلى الأفضل» «1» فإنه يستفاد منه أنه لا بأس بعدول الأجير إلى الأفضل عما استوجر عليه، و ذكر الماتن ان الرواية تحمل على صورة علم الأجير برضا المستأجر جمعاً بينها و بين خبر آخر، رواه الشيخ (قدّس سرّه) في التهذيب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الهيثم الهندي عن الحسن بن محبوب عن علي «في رجل اعطى رجلًا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة قال ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم» «2».
أقول: الخبر الآخر ضعيف، فان الحسن بن محبوب يروى عن علي و لا يبعد أن يكون المراد بعلي، علي بن رئاب الذي يروى عنه كثيراً. و فتوى علي بن رئاب لا تفيد شيئاً و لا يحتمل أن تكون فيه قرينة على كونه علي (عليه السّلام)، لان الشيخ قد ذكر في التهذيب في ذيله، أنه حديث موقوف غير مسند إلى أحد من الأئمة (عليهم السّلام) و لو كان في الخبر كلمة (عليه السّلام) لم يذكر ذلك، فما في الوسائل بل في الاستبصار (عليه السّلام) بعد ذكر عليّ من النساخ و لو كان ذلك
في الأصل أيضاً فلا يفيد، لان الحسن بن محبوب لا يمكن ان يروي عن علي (عليه السّلام) إلّا مرفوعاً، و لا يخفى ان مدلول الصحيحة جواز عدول الأجير إلى الأفضل من أنواع الحج لا مطلق الأفضل في كل استئجار، كما إذا استؤجر للحج الندبي و ذهب الأجير إلى زيارة سيد الشهداء (عليه السّلام)، بل ليس مدلولها الحكم التعبدي لأن الاستئجار للحج الندبي لنيل ثواب الحج، و إذا كان حج التمتع أفضل افراد الحج يكون الرضا بالعدول مفهوماً بالفحوى نوعاً، و كيف ما كان فلا تعم الصحيحة حجة الإسلام بأن كان المنوب عنه عليه حجة الافراد و أتى الأجير بحج التمتع، فإنه مضافاً إلى فرض المنوب عنه حياً التعبير بالأفضل، ظاهره نيل الثواب الأكثر.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 229
برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيّراً بين النوعين، جمعاً بينه و بين خبر آخر «في رجل أعطى رجلًا دراهم يحج بها حجّة مفردة قال (عليه السّلام): ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم» و على ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلّا مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية، و إن كان حجّه صحيحاً عن المنوب عنه و مفرغاً لذمّته إذا لم يكن ما في ذمّته متعيّناً فيما عيّن، و أمّا إذا كان على وجه الشرطية فيستحق إلّا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط إذ حينئذ لا يستحق أُجرة المسمّى بل أجرة المثل.
(مسألة 13) لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و إن كان في الحج البلدي لعدم تعلّق الغرض بالطريق نوعاً، و لكن لو عيّن تعيّن و لا يجوز
العدول عنه إلى غيره، إلّا إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيّته، و إنّما ذكره على المتعارف فهو راض بأي طريق كان، فحينئذ لو عدل صحّ و استحقّ تمام الأجرة، و كذا إذا أسقط بعد العقد حق تعيينه، فالقول بجواز العدول مطلقاً أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية ضعيف، كالاستدلال له بصحيحة حريز «عن رجل أعطى رجلًا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة فقال: لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّة» إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب (1)، مع أنّها إنّما دلّت على صحّة الحج من حيث هو لا من حيث كونه عملًا مستأجراً عليه كما هو المدّعى، و ربّما تحمل على محامل آخر، و كيف كان لا إشكال في صحّة حجّه و براءة ذمّة المنوب عنه إذا لم يكن ما (1) لا يخفى أنه ليس الغالب في تعيين البلد، عدم الغرض لتحمل الصحيحة على صورة العلم بعدمه في تعيين البلد فليلاحظ موارد وصية الميت بالحج عنه من بلده، أو نذر الشخص الحج، أو الإحجاج من بلده، أو بلد آخر فيه مزار للمعصوم، أو مقام له (عليه السّلام).
و أما المناقشة في دلالتها بان مدلولها صحة الحج بما هو لا من حيث كونه عملًا مستأجراً عليه، ففيها ان ظاهر قوله (عليه السّلام) «فقد تم حجة» إجزاء الحج المفروض من غير فرق بين كون تعيين الكوفة، لا لغرض خاص فيه أو لكون منذورة الإحجاج منها أو نحو ذلك، و على الجملة الإطلاق في قوله (عليه السّلام) «فقد تم حجة» من غير استفصال في الجواب مقتضاه الإجزاء في جميع الصور، نعم يمكن ان يقال بعدم دلالتها
على جواز العدول للمستأجر عما عين عليه. فالاجزاء حكم تعبدي فما ذكر الماتن (قدّس سرّه) من انه لا إشكال في صحة حجه و براءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيداً بخصوصية الطريق المعين لا يمكن المساعدة عليه، فان الغرض من السؤال في الرواية هو العلم بفراغ ذمة المنوب عنه لا احتمال فساد حج الأجير في نفسه عن المعطى، لأن غاية تعيين الطريق ان يكون الأجير متبرعاً في نيابته عن المعطى و النيابة عن الغير في الحج مشروعيته محرزة لا وجه للسؤال عنها.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 231
عليه مقيّداً بخصوصية الطريق المعيّن، إنّما الكلام في استحقاقه الأجرة المسمّاة على تقدير العدول و عدمه، و الأقوى أنّه يستحق من المسمّى بالنسبة (1) و يسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئية، و لا يستحقّ شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيدية، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ، و إن برئت ذمّة المنوب عنه بما أتى به لأنّه حينئذ متبرّع بعمله، و دعوى انّه يعدّ في العرف أنّه أتى ببعض ما استؤجر عليه فيستحق بالنسبة و قصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه (1) سقوط ما وقع بإزاء الطريق و استحقاق الأجير ما يقع بإزاء نفس الحج إنما إذا لم يفسخ المستأجر عقد الإجارة نظير الفسخ في موارد تبعض الصفقة في البيع، و إلا يستحق الأجير اجرة المثل لنفس الحج، و هذا في مورد أخذ الطريق المعين في الاستئجار على نحو الجزئية كما هو فرض الماتن، كما ان السقوط عند الماتن لبطلان الإجارة بالإضافة إلى ما يقع بازاء الطريق، و أما بناءً على ما ذكرنا في الإجارة من عدم
بطلانها بعدم وفاء الأجير، فالاجير يستحق مع عدم الفسخ تمام الأجرة المسماة و يطالبه المستأجر بأجرة المثل لما لم يأت به، و هو سلوك الطريق المعين عليه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 232
عرفاً عن العمل ذي الأجزاء كما ذهب إليه في الجواهر لا وجه لها، و يستحقّ تمام الأجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية (1) بمعنى الالتزام في الالتزام، نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط فيرجع إلى أجرة المثل. (1) قد تقدم أنّ الفرق بين ما هو جزء العمل المستأجر عليه و ما هو شرط في الاستئجار على عمل، هو أن الأجرة في موارد الجزء تقع بإزاء مجموع عملين أو أزيد. بحيث يكون مفاد العقد الانحلال، بالإضافة إلى ما يطلق عليه الجزء، بخلاف موارد الشرط فيها. فإن الأجرة بتمامها تقع بحسب مفاد العقد في مقابل العمل الذي لا يدخل فيه الشرط، بل الشرط إذا كان عملًا أيضاً يكون على المشروط عليه الوفاء به، و إلا يكون للمشروط خيار فسخ المعاملة، فان لم تفسخ الإجارة يستحق الأجير تمام الأجرة المسماة حيث إنها عوض العمل المستأجر عليه، و إن فسخها يكون للأجير أجرة المثل على نفس العمل الذي كان هو المستأجر عليه، و مراده (قدّس سرّه) من الشرطية الفقهية الشرط في المعاملات الذي يكون زائداً على أصل المعاملة، و يلتزم به فيها أحد المتعاقدين للآخر، لا الشرط بمعنى تقييد متعلق الحكم بالقيد بحيث يكون متعلقه الحصة، فإن هذا في الحقيقة تقييد متعلق الإجارة و جعله حصته بأن يستأجره على الحج الخاص، و هو الحج الذي وصل إلى الميقات فيه من طريق خاص، و إن وصل إليه الأجير من طريق آخر و أتى بالمناسك
لم يأت بمتعلق الإجارة أصلا، و لذا لا يستحق شيئاً على تقدير فسخ المستأجر لعدم وفائه بالإجارة، و إن لم يفسخ يطالبه بقيمة الحج الذي تملكه على الأجير بالإجارة، نعم بناءً على بطلان الإجارة بعدم وفاء الأجير بها تسقط الأجرة المسماة عن عهدة المستأجر، و إن أداها إلى الأجير قبل ذلك استردها و لا يستحق الأجير على عمله و هو الحج من طريق آخر شيئاً، لأنه لم يكن متعلق الإجارة و لا مما أمر به المستأجر.
(مسألة 14) إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معيّنة ثمّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً بطلت الإجارة الثانية (1)، لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأُولى، و مع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحتا معاً، و دعوى بطلان الثانية و إن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأُولى لأنّه يعتبر في صحّة الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و إن لم يشترط المباشرة، ممنوعة فالأقوى الصحّة، هذا إذا آجر نفسه ثانياً للحج بلا اشتراط المباشرة، و أمّا إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه، و كذا تصحّ الثانية مع اختلاف السنتين أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما، بل و كذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل. (1) البطلان ليس من جهة عدم قدرة الأجير على الحج عن المستأجر الثاني، فإن الأمر بالوفاء بالإجارة الاولى لا يقتضي النهي عن حج الأجير عن الثاني، بل على تقديره فالنهي الغيري عنه عند الماتن لا يقتضي الفساد، بل البطلان من
جهة عدم إمكان إمضاء العقد الثاني و الأمر بالوفاء به مع إمضاء الإجارة الأولى، و الأمر بالوفاء بها، و لا مورد للترتب في مثل المقام حيث ان الأجير قد ملك المستأجر الثاني الحج عنه في هذه السنة مطلقاً، بحيث يكون الحج عنه فيها ملكاً له من غير تقدير و تعليق، و لو كانت الإجارة الثانية مورد الإمضاء و الأمر بالوفاء بها على طبق مدلولها لم يمكن اجتماع ذلك مع إمضاء الإجارة الأولى، و الأمر بالوفاء بها مطلقاً و إن آجر نفسه للحج عن الثاني لا مطلقاً، بل على تقدير ترك الحج عن المستأجر الأول تكون الإجارة الثانية باطلة أيضاً للتعليق، لا يقال لا بأس بالالتزام بالإطلاق و التنجيز في الإجارة الثانية، و لكن الأجير في فرض تركه الوفاء بالإجارة الأولى يتعلق الإمضاء الشرعي و الأمر بالوفاء مطلقاً بالإجارة الثانية، نظير بيع السلم فان مدلوله بحسب إنشاء المتعاقدين ملكية المبيع للمشتري من زمان قبول المشتري مطلقاً، و لكن إمضاء الشارع و أمره بالوفاء يَتُم من زمان قبض الثمن قبل افتراقهما و لو بعد عدة ساعات من تمام قبول المشتري، فإنه يقال قد ذكرنا سابقاً ان مثل المقام لا يرتبط بمسألة إمضاء بيع السلم و الأمر بالوفاء به، فإن إمضاء الشارع موضوعه زمان تحقّق قبض الثمن، فإن زمان تحقق قبض الثمن يتم الموضوع لإمضاء الشارع و يكون أمر الشارع بالوفاء مطلقاً، فيصير المبيع على عهدة بايعه ملكاً فعلياً للمشتري مطلقاً بإزاء ملكية البائع الثمن كذلك، بخلاف المقام هنا فإن الأجير بتركه الإحرام من المستأجر الأول لا يسقط الأمر بالحج و الإحرام عنه، ما دام ممكناً فهو مأمور بالإحرام و الحج عنه ما لم يفت زمان الإحرام عنه
و لو بالرجوع إلى الميقات، و إذا فات زمان الإحرام عنه، فات زمان الإحرام عن الثاني أيضاً، و الإحرام عن الثاني قبل ذلك ليس مورداً لإمضاء الشارع، و الأمر به. و على الجملة فلا يمكن فرض سقوط زمان الأمر بالإحرام و الحج عن المستأجر الأول يحدث الإمضاء و الأمر بالإحرام و الحج عن الثاني.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 234
و لو اقترنت الإجارتان كما إذا آجر نفسه من شخص و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة، و كان وقوع الإجارتين في وقت واحد بطلتا معاً مع اشتراط المباشرة فيهما.
و لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة أحدهما كما في صورة عدم الاقتران، و لو آجر نفسه من شخص ثمّ علم أنّه آجره فضولي من شخص آخر سابقاً على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك العقد (1) و إن قلنا بكون الإجازة كاشفة بدعوى أنّها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه، لكون إجارته نفسه مانعاً عن صحّة (1) يظهر الوجه في ذلك مما تقدم فان العقد فضولًا و إن كان سابقاً زماناً على إجارة الأجير نفسه على الحج عن الآخر إلا ان إتمامه بالاستناد إلى الأجير يتم من حين الإجازة، و الإجازة كاشفة حكماً لتعلقها بمضمون العقد، إلا ان شمول خطاب إمضاء العقد له و الأمر بالوفاء به بإجازته في الفرض غير ممكن، لان المفروض ان الأجير آجر نفسه للحج عن الآخر في تلك السنة قبل اجازته، و ليست صحة عقد الإجارة فضولًا بعد إجازة الأجير من جهة التعبد و ورود خطاب لفظي فيه ليقال بانصرافه عن صورة إجارة الأجير نفسه قبل اجازته العقد الفضولي.
التهذيب في مناسك العمرة و
الحج، ج 1، ص: 235
الإجازة حتّى تكون كاشفة و انصراف أدلّة صحّة الفضولي عن مثل ذلك.
(مسألة 15) إذا آجر نفسه للحج في سنة معيّنة لا يجوز له التأخير بل و لا التقديم إلّا مع رضا المستأجر، و لو أخّر لا لعذر أثم، و تنفسخ الإجارة إن كان التعيين على وجه التقييد (1)، و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية و إن أتى به مؤخراً لا يستحق الأجرة على الأوّل و إن برئت ذمّة المنوب عنه به، و يستحق المسمّاة (1) إذا لم يتمكن الأجير من الحج عن الغير في سنته أي من الحج عنه في تلك السنة فلا ينبغي التأمل في بطلان الإجارة، حيث يعتبر في صحتها تمكن الأجير من تسليم العمل في وقته. و أما إذا لم يأت الأجير مع تمكنه منه فلا دليل على انفساخ الإجارة، لأن الأجير بتركه العمل قد أتلف ملك المستأجر فيكون عليه ضمانه، و حيث ان العمل قيمي فيدفع العمل إلى المستأجر بقيمته و يستحق اجرة المسماة بذلك، فالالتزام بالانفساخ كما هو ظاهر الماتن (قدّس سرّه) بلا وجه. و إذا أتى الأجير بالحج عن المستأجر في السنة الآتية تبرء ذمة المنوب عنه و لكن لا تسقط القيمة أي أجرة المثل عن ذمته إلا برضاء المستأجر، حيث ان رضاه إبراء ذمته. و هذا في صورة كون السنة مأخوذة في متعلق الإجارة تقييداً بان تجعل الأجرة المسماة فيعقد الإجارة بإزاء الحج عنه في تلك السنة، و أما إذا جعلت بإزاء نفس طبيعي الحج عنه و اشترط على الأجير ان يأتي الطبيعي في السنة فان تركه فيها و فسخ المستأجر عقد الإجارة، فإن كان الفسخ قبل الحج في السنة
اللاحقة فلا يستحق الأجير شيئاً، بل عليه رد الأجرة المسماة على المستأجر ان كان أخذها من قبل، و إن كان بعد حجه في السنة اللاحقة يستحق الأجير اجرة المثل إذا لم يزد على الأجرة المسماة، و قد ظهر مما ذكرنا الفرق بين تقييد متعلق الإجارة و الاشتراط في العقد و دعوى أنه يرجع الاشتراط في مثل المقام إلى التقييد لا يمكن المساعدة عليه، بعد ما ذكرنا أنه مع إمكان الأمرين المتبع إنشاء المعاملة فإنه ليس لها حقيقة إلا مدلول عقدها.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 236
على الثاني إلّا إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى أجرة المثل، و إذا أطلق الإجارة و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال، و في ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان: من أنّ الفورية ليست توقيتاً، و من كونها بمنزلة الاشتراط (1). (1) قد ذكر الماتن (قدّس سرّه) في شرائط الإجارة على عمل معلوم تعيين المدة التي على الأجير ان يأتي به فيها و لو بمثل إلى جمعة أو شهر، و حيث ان حقيقة الإجارة على الاعمال تمليك الأجير العمل للمستأجر بإزاء تملك الأجرة. فالأجرة مع الإطلاق تقع بإزاء نفس العمل المعلوم لا العمل المقيد بالزمان الخاص فيكون طبيعي العمل مملوكاً للمستأجر على الأجير، و يأتي أن مقتضى ذلك لزوم التعجيل بمعنى كون العمل على ذمة الأجير حالًا، فيجوز للمستأجر المطالبة به، و معها يجب على الأجير الإتيان بالعمل المستأجر عليه، و لكن ذكر بعض الأصحاب بأن لزوم العمل فوراً لا يحتاج إلى مطالبة المستأجر و سيأتي انه بلا وجه، ثم انه بناء على التعجيل بمعنى الفورية لو أهمل الأجير و لم يأت بالعمل المستأجر عليه فوراً فهل
للمستأجر فسخ عقد الاستئجار؟ بحيث لا يستحق الأجير الأجرة المسماة إذا كان الفسخ بعد الإتيان بالعمل متأخراً، أو يستحق اجرة المثل، أو لا يستحق شيئاً إذا كان الفسخ قبل عمله، ذكر الماتن (قدّس سرّه) لا مجال في المقام لاحتمال انفساخ الإجارة و بطلانه باهماله، لان التعجيل ليس قيداً في المعاملة للعمل المستأجر عليه كالاستئجار على العمل الموقت، و يمكن كونها بمنزلة الاشتراط في عقد الإجارة المتضمنة لبذل الأجرة في مقابل طبيعي العمل، فيستحق الأجير بعد إهماله بالعمل قبل الفسخ و فسخها بعده اجرة المثل، و لكن لا يخفى عبارته (قدّس سرّه) لا تفي بما ذكرنا فان ظاهر قوله من ان الفورية ليست توقيتاً و من كونها بمنزلة الاشتراط، بيان الوجهين لنفي الخيار و ثبوته لا لعدم انفساخ الإجارة و ثبوت الخيار، و أيضاً إذا كانت الفورية في الوفاء شرطاً ارتكازياً في عقد الإجارة على العمل مطلقاً فهذا من الاشتراط لا بمنزلته، و إن كان وجوبها مستفاداً من وجوب الوفاء بالإجارة و عدم جواز عدم رد ملك الغير اليه إلا مع رضاه، فهذا الوجوب المستفاد على تقدير القول به لا يكون بمنزلته كالاشتراط في عقد الإجارة حتى يوجب عدم رعاية خيار الفسخ، نعم لا يبعد بناءً على ما يأتي من ان إطلاق العمل في عقد الاستئجار و عدم تعيين زمان له حتى بعنوان الاشتراط يوجب ان يكون العمل على الأجير حالًا نظير الإطلاق في البيع فيما كان الثمن كلياً على عهدة المشتري، فإنه يوجب كون البيع حالًا فللبائع مطالبته بالثمن بعد العقد، فإن أهمل بعد المطالبة يجوز للآخر فسخ المعاملة فإن كون إهماله كذلك موضوع الخيار للآخر شرط ارتكازي في الإجارة و البيع.
(مسألة 16) قد
عرفت عدم صحّة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه لشخص في سنة معيّنة ثمّ آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا؟ فيه تفصيل: و هو أنّه إن كانت الأُولى واقعة على العمل في الذمّة لا تصح الثانية بالإجارة (1)، لأنّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتّى تصح له (1) لا يخفى أنّ اجازة المستأجر الأول الإجارة الثانية ترجع إلى فسخ الإجارة الأولى أو رضاه في الوفاء بها بحج الأجير عنه بوجه آخر، اما بالتأخير أو الإتيان بغير نحو المباشرة و مع رجوعها إلى أحدها تصح الإجارة الثانية و يتعلق وجوب الوفاء بها، و إجازة المستأجر الأول في الفرض نظير تحقق قبض الثمن قبل التفرق في بيع المسلم في كونها متممة لموضوع وجوب الوفاء بالإجارة الثانية، و حيث انها لا تكون بنفسها متمّمة بل المتمّم حقيقة انتفاء ما لا يمكن معه الأمر بالوفاء بها لا تكون إجازته كاشفة عن تمام الإجارة الثانية من حين وقوعها حتى بنحو الكشف الحكمي، فلا يدخل الحج عن المستأجر الثاني في ملكه، و الأجرة في ملك الأجير لا تكون إلا من حين تمام الإجازة لا من حين وقوعها، و دعوى ان الأجير لم يكن له حين عقد الإجارة سلطاناً على العقد الثاني، فلا يفيد تجدد السلطنة، يدفعها بان الأمر بالوفاء بالإجارة الأولى قبل الإجازة لم يكن يقتضي النهي عن الحج عن الآخر، بل عدم تمام الإجارة الثانية لوجوب الوفاء بالإجارة الأولى، حيث لم يكن يجتمع الوفاء بها مع الوفاء بالثانية، و بعد الإجازة لم يكن مانع عن شموله لها بل على القول بالنهي عن الضد أيضاً كذلك، كما لا
يخفى حيث ذكرنا ان الإجازة في المقام لا تكون كاشفة حتى حكماً.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 238
إجازتها، و إن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة بأن تكون منفعته من حيث الحج أو جميع منافعه له جاز له إجازة الثانية لوقوعها على ماله، و كذا الحال في نظائر المقام فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معيّن ثمّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني، و أمّا إذا ملكه منفعته في الخياطة فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو جاز له إجازة هذا العقد (1) لأنّه تصرّف في متعلّق حقّه، و إذا (1) إذا فرض تمليك منفعته الخياطة من ذلك اليوم في الإجارة الأولية فلا تكون منفعته الكتابية فيه ملكاً للمستأجر الأول، فإجارته نفسه ثانياً للكتابة لعمر ملحق بالقسم السابق، و لا تدخل في إجازة العقد الفضولي لتكون الأجرة في الإجارة الثانية بعد الإجازة ملكاً للمستأجر الأول.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 239
أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر، نعم لو ملك منفعة خاصّة (1) كخياطة ثوب معيّن أو الحج عن ميّت معيّن على وجه التقييد، يكون كالأول في عدم إمكان إجازته.
(مسألة 17) إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه فيما عليه من الأعمال و تنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة (2)، و يبقى الحج في ذمّته مع الإطلاق، و للمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد، و لا يجزئ عن المنوب عنه و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، لأنّ ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار، و
القياس عليه لا وجه له، و لو ضمن المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته، و القول بوجوبه ضعيف، و ظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال، و هو مشكل لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه و عدم فائدة فيما أتى به، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها، و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلى المستأجر فلا يستحق أجرة المثل أيضاً. (1) هذا الكلام استدراك من قوله إذا ملكه منفعته في الخياطة. إلخ و مراده انه إذا لم يملك في الإجارة الأولى منفعة الخياطية مطلقاً، بل ملك منفعته الخياطية الخاص من حيث الثوب أو منفعته الحج الخاص من حيث المنوب عنه، فأجرته نفسه ثانياً للخياطة للآخر أو الحج عن ميت آخر للآخر تكون كالأول في عدم صحتها بإجازة المستأجر الأول. (2) فإنه مع الصد أو الحصر ينكشف عدم تمكن الأجير من العمل المستأجر عليه فتكون الإجارة باطلة، نعم لو لم يكن حجه عن المنوب عنه المقيدة بتلك السنة بأن جعلت الأجرة في عقد الإجارة بإزاء مطلق الحج عنه، و لكن اشترط عليه الإتيان به فيها يبطل الشرط، و لكن يكون للمستأجر خيار الفسخ على ما ذكر في محله من ان بطلان الشرط و لو لعدم تمكن الأجير منه يوجب الخيار للمستأجر لتخلف شرطه، و لا يجري في المقام ما تقدم في موت الأجير في الطريق من التفصيل بين كونه بعد الإحرام و دخول الحرم أو قبله، فإنه لا أجزاء في الفرض بلا فرق بين كونه قبل الإحرام أو بعده، قبل دخول
الحرم أو بعده، و لذا لا يستحق الأجير الأجرة المسماة مع أحدهما، بل لا يستحق اجرة المثل أيضاً. حيث ان المفروض تعيين الأجرة المسماة بإزاء الحج عن المنوب عنه، و ما أتى به الأجير من بعض الاعمال لا يستند إلى المستأجر بل إلى نفس الأجير لقبوله الاستئجار و قيامه به من غير غرور من المستأجر و لا كون عمله بحيث ينتفع به على ما تقدم.
(مسألة 18) إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله (1).
(مسألة 19) إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول (2) في مقابل الأجل بمعنى الفورية إذ لا دليل عليها، و القول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف، فحالها حال البيع في أنّ إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة و وجوب المبادرة معها.
(مسألة 20) إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها، كما أنّها لو زادت ليس له استرداد الزائد، نعم يستحب الإتمام كما قيل، بل قيل يستحب على الأجير أيضاً (1) و ذلك فإن الكفارة جزاء على ارتكاب المحرم المنهي عنه و لو عند الاختيار و المرتكب هو الأجير فلا موجب لضمان المستأجر شيئاً منها. (2) قد تقدم الكلام في التعجيل الذي يقتضيه إطلاق الإجارة في المسألة الخامسة عشرة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 241
رد الزائد، و لا دليل بالخصوص على شي ء من القولين، نعم يستدل على الأوّل بأنّه معاونة على البر و التقوى، و على الثاني بكونه موجباً للإخلاص في العبادة.
(مسألة 21) لو أفسد الأجير حجّة بالجماع قبل المشعر، فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه و الحج من قابل و كفارة بدنة، و هل يستحق الأجرة على الأوّل أو لا؟ قولان مبنيان على أنّ الواجب هو الأوّل و أنّ الثاني عقوبة أو هو الثاني و أنّ الأوّل عقوبة.
قد يقال بالثاني للتعبير في الأخبار بالفساد (1) الظاهر في البطلان، و حمله على (1) و قد ورد في صحيحة سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول «في الجدال شاة و في السباب و الفسوق بقرة و الرفث فساد الحج» «1» و في صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى (عليه السّلام) «عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو و ما على من فعله، فقال: الرفث جماع النساء» «2» و استظهر من إطلاق الفساد في الصحيحة و غيرها بطلان الحج، غاية الأمر يقيد البطلان بما يستفاد من بعض الروايات ككون الجماع بعد إحرام الحج و قبل الوقوف بالمشعر، بل
قيل ان التعبير بان عليه الحج من قابل، ظاهره اعادة الحج و عدم كونه مجزياً في امتثال التكليف السابق، و لكن شي ء من التعبير بالفساد و الأمر بالحج من قابل لا يمكن ان يكون صالحاً في الحكم ببطلان الحج، لأن الأمر بإتمام الحج المزبور مقتضاه صحته، و لو كان الحج محكوماً بالبطلان كمن لم يدرك شيئاً من الوقوفين يكون غاية الأمر التكليف بإتمامه عمرة مفردة، و يدلُّ ايضاً على صحته و اجزائه عن التكليف المتوجه اليه من قبل صحيحة زرارة قال: سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة، قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجبني على الوجهين إلى ان قال و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما الحج من قابل، فاذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا مناسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: فأي الحجتين لهما قال الاولى و أنها حجة الإسلام و الأخرى عليهما عقوبة» «3» و يضاف إلى ذلك خصوص ما ورد في الأجير و هي صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة، قال: هي للأول تامة و على هذا ما اجترح» «4» و في مضمرته قال: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة إلى أن قال: قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم» «5» و يؤيد ذلك أي صحة الحجة الأولى و كونها مجزية عن التكليف عدم ورود الأمر بإعادة الحج
في الروايات، بل الوارد فيها عليه الحج من قابل، و يترتب على ذلك انه لو مات و عليه الحج العقوبتي لم يخرج من تركته، بل هو كالحج النذري يجب قضائه من ثلثه إذا أوصى به، بخلاف ما إذا قيل بالبطلان فإنه يكون عليه حجة الإسلام يخرج من تركته إذا كان ما عليه سابقاً حجة الإسلام.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 242
إرادة النقصان و عدم الكمال مجاز لا داعي إليه، و حينئذ فتنفسخ الإجارة (1) إذا كانت معيّنة و لا يستحق الأجرة و يجب عليه الإتيان من قابل بلا أجرة، و مع إطلاق الإجارة تبقى ذمّته مشغولة و يستحق الأجرة على ما يأتي به في القابل. (1) قد تقدم ان الانفساخ ينحصر على مورد انكشاف عدم تمكن الأجير من العمل المستأجر عليه و لا تعم مورد عدم الوفاء بالإجارة مع تمكنه عليه، بل مورد وفائه يتخير المستأجر بين إبقاء الإجارة و مطالبة الأجير ببدل العمل الذي كان مملوكاً له بعقد الإجارة أو فسخها و استرداد الأجرة المسماة إذا دفعها اليه من قبل، و هذا مع تقييد العمل المستأجر عليه بحج السنة، و أما مع الإطلاق فيجب على الأجير الإتيان به في السنة القادمة أو مستقبلًا مع عدم اشتراط الفورية، و إلا يجوز له فسخ الإجارة بتخلف الشرط و استرداد الأجرة المسماة على ما تقدم، نعم هذا مع قطع النظر عما ورد في صحيحة إسحاق بن عمار «من ان على الأجير الحج من قابل و عمله مجزي عن المنوب عنه» و تعليل ذلك بضمان الأجير، فإنه بناءً على بطلان الحج الأول يكون المجزي الحج من قابل حتى في صورة تقييد الحج في عقد الإجارة بالسنة
الحالية، كما هو مقتضى الإطلاق في الصحيحة و التعليل بضمان الأجير مع كون المجزي الحج الثاني، مقتضاه كون الحج من قابل بدلًا شرعياً للعمل المستأجر عليه، فيكون البدل وفاءً بعقد الإجارة و لازم ذلك استحقاق الأجير الأجرة المسماة بالحج عن المنوب عنه في القابل حتى في صورة التقييد بالسنة الحالية في الإجارة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 243
و الأقوى صحّة الأوّل، و كون الثاني عقوبة لبعض الأخبار الصريحة في ذلك في الحاج عن نفسه، و لا فرق بينه و بين الأجير، و لخصوص خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمّار عن أحدهما (عليهما السّلام) «قال: قلت: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجّه حتّى يصير عليه الحج من قابل أ يجزئ عن الأوّل؟ قال: نعم، قلت: إنّ الأجير ضامن الحج، قال: نعم»، و في الثاني سئل الصادق (عليه السّلام): «عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً يلزم فيه الحج من قابل و كفارة قال (عليه السّلام): هي للأوّل تامّة، و على هذا ما اجترح»، فالأقوى استحقاق الأجرة على الأوّل و إن ترك الإتيان من قابل عصياناً أو لعذر، و لا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معيّنة.
و هل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الّذي أتى به الأوّل فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه و بذلك العنوان أو هو واجب عليه تعبّداً و يكون لنفسه؟ وجهان، لا يبعد الظهور في الأوّل و لا ينافي كونه عقوبة فإنّ الإعادة عقوبة، و لكن الأظهر الثاني، و الأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمّة.
ثمّ لا يخفى عدم تماميّة ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الأجرة في صورة كون الإجارة معيّنة، و لو على
ما يأتي به في القابل لانفساخها و كون وجوب الثاني تعبّداً
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 244
لكونه خارجاً عن متعلّق الإجارة و إن كان مبرئاً لذمّة المنوب عنه، و ذلك لأنّ الإجارة و إن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأوّل لكنّها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبّداً بكونه عوضاً شرعياً تعبديّاً عمّا وقع عليه العقد، فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني.
و قد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضاً في تفريغ ذمّة المنوب عنه بل لا بدّ للمستأجر أن يستأجر مرّة أخرى في صورة التعيين و للأجير أن يحج ثالثاً في صورة الإطلاق، لأنّ الحج الأوّل فاسد، و الثاني إنّما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث، إذ التداخل خلاف الأصل. و فيه أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان، و الظاهر من الأخبار على القول بعدم صحّة الأوّل وجوب إعادة الأوّل، و بذلك العنوان فيكفي في التفريغ و لا يكون من باب التداخل فليس الإفساد عنواناً مستقلا، نعم إنّما يلزم ذلك إذا قلنا إنّ الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأوّل و هو خلاف ظاهر الأخبار.
و قد يقال في صورة التعيين إنّ الحج الأوّل إذا كان فاسداً و انفسخت الإجارة يكون لنفسه، فقضاؤه في العام القابل أيضاً يكون لنفسه و لا يكون مبرئاً لذمّة المنوب عنه فيجب على المستأجر استئجار حج آخر، و فيه أيضاً ما عرفت من أنّ الثاني واجب بعنوان إعادة الأوّل، و كون الأوّل بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له و إن كان بدلًا عنه لأنّه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار إليه بعد الفسخ، هذا.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1،
ص: 245
هذا و الظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحج الأوّل المستأجر عليه واجباً أو مندوباً، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام و الإعادة في النيابة تبرّعاً أيضاً (1) و إن كان لا يستحق الأجرة أصلًا.
(مسألة 22) يملك الأجير الأجرة بمجرّد العقد، لكن لا يجب تسليمها إلّا بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل و لم تكن قرينة على إرادته من انصراف أو غيره، و لا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عيناً أو ديناً لكن إذا كانت عيناً و نمت كان النماء للأجير، و على ما ذكر من عدم وجوب التسليم قبل العمل إذا كان المستأجر وصياً أو وكيلًا و سلّمها قبله كان ضامناً لها على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلًا، و لا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكّل أو الوارث (2)، و لو لم يقدر الأجير (1) فإن الصحيحة الأخرى لإسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) تعم صورة النيابة تبرعاً، حيث ورد فيها «الرجل يحج عن آخر اجترح في حجه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة؟ قال: هي للأول تامة و على هذا ما اجترح» و لكنها كالصريحة في صحة الحج الأول و اجزائه عن المنوب عنه. (2) و عدم جواز اشتراط التعجيل للوكيل من غير اذن الموكل ظاهر، فان اشتراطه خروج عن مورد الوكالة فلا ينفذ و لو سلم الأجرة معه أو بدونه يكون ضامناً إذا لم يعمل الأجير أو كان عمله باطلًا، بل في تعيين المدفوع اجرة إذا كانت الأجرة كلياً تأمل بل منع، و أما استجارة الوصي و استيذانه من الوارث في اشتراط التعجيل فهي
تفيد فيما إذا لم يعمل الأجير أو كان عمله باطلًا و كان للميت تركة زائدة على أجرة الحج، فان مع اذن الوارث في اشتراط التعجيل لا ضمان على الوصي إذا لم يمكن استرداد الأجرة و على الوارث الاستئجار مرة أخرى، بخلاف ما لم يستأذن منه فان الضمان يكون على الأجير على ما تقدم، و أما إذا لم يكن له تركة زائدة على أجرته فلا اثر للاستئذان من الوارث.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 246
على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ و كذا المستأجر (1)، لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق و يجوز للوكيل و الوصي دفعها من غير ضمان.
(مسألة 23) إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلّا مع الإذن صريحاً أو ظاهراً، و الرواية الدالّة على الجواز محمولة على صورة العلم. (1) لا يخفى أن عجز الأجير و عدم تمكنه من العمل المستؤجر عليه و لو من جهة عدم تسلمه الأجرة بعضاً أو كلا قبل العمل يوجب بطلان عقد الإجارة، لأن تمكنه منه في وقته شرط في صحة الإجارة، نعم إذا كان الشرط في عقد الإجارة تسليم الأجرة إليه قبل العمل و لو بنحو الشرط الارتكازي الحاصل من المتعارف و لم يدفعها إليه المستأجر قبله فله مع تمكنه من العمل بدون تسلمها خيار الفسخ، و إلا تبطل الإجارة لعجزه. و مما ذكر أنه إذا لم يشترط تسليم الأجرة إليه قبل العمل حتى بالشرط الارتكازي الحاصل من المتعارف و لم يكن الأجير متمكنا من العمل بدونه فالإجارة باطلة. نعم قد يقال لو بدا للمستأجر و دفع الأجرة قبل
العمل تصح الإجارة لتمكنه منه، و لكن هذا ايضاً لا يخلو عن إشكال، فإن الشرط في صحتها ليس مجرد تمكن الأجير واقعاً من العمل في وقته، بل اللازم إحرازه أيضاً عند العقد، إلا انه لا بأس بما قيل لو كان من اعتقاد الأجير تمكنه من العمل و لو بدون تسلم الأجرة عند العقد ثم بان عجزه لو لم يتسلمها قبل العلم و لكن دفعها إليه المستأجر قبله اتفاقاً.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 247
بالرضا من المستأجر (1) (1) الرواية المشار إليها رواها الكليني و الشيخ (قدّس سرّهما)، أما الشيخ ففي موضعين من باب الزيارات في فقه الحج، و في الأول بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن أبي سعيد عن يعقوب بن يزيد عن جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام) «ما تقول في الرجل يعطي الحجة فيدفعها إلى غيره، قال: لا بأس» «1» و هذا موافق لما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد عن جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام)، و في الموضع الثاني فقد روى بإسناده عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن الأحول عن عثمان بن عيسى عن أبي الحسن (عليه السّلام)، و على ذلك فلا مجال للمناقشة في سندها بسهل بن زياد، حيث ان كلمة أبي سعيد و إن كانت كنية لسهل بن زياد الا ان في الموضع الثاني لم يقع سهل في سندها، و احتمال كون ابي سعيد غير سهل بن زياد موهوم عند من لاحظ بعض روايات محمد بن احمد بن يحيى التي
أوردها الشيخ عنه عن أبي سعيد و سنده (قدّس سرّه) في الموضع الثاني إلى محمد بن الحسين معتبر، حيث يروى عن ابن أبي الجيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين و ابن أبي الجيد من مشايخ النجاشي، و يظهر من كلامه في بعض المواضع توثيق مشايخه و لا أقل من دلالته على أنهم لا يخلون عن حسن الظاهر، نعم في السند مناقشة أخرى و هي ان الأحول الراوي عن عثمان بن عيسى عن أبي الحسن (عليه السّلام) يبعد كونه محمد بن النعمان المعروف بالاحول، فإنه يروي عن الباقر و الصادق و بعض أصحابهم (عليهما السّلام) و روايته عن عثمان بن عيسى الذي يروي عن الرضا و موسى بن جعفر (عليهم السّلام) لم توجد في مورد، خصوصاً الوارد في السند في الموضع الأول، و في رواية الكليني هو جعفر الأحول و ما قيل من أن الظاهر سقوط لفظه ابي و كان الأصل أبي جعفر الأحول و أبي جعفر كنية لمحمد بن النعمان الأول، و لعلة لذلك أضاف في الوسائل اللفظة فرواها عن الشيخ بإسناده عن أبي جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى لا يمكن المساعدة عليه، فإنه من المحتمل سقوط لفظة جعفر في الموضع الثاني مع كون جعفر الأحول شخص آخر مجهول أو مهمل. و يمكن المناقشة في دلالتها أيضاً بأنه لم يفرض في السؤال كون دفع الحجة بعنوان الاستئجار على النيابة عن دافعها، بل مقتضاها أنه يعطى لشخص المال بغرض ان يحج الحرم، و إنما سأل الراوي عن دفعها إلى الغير لاحتماله أنه بالدفع اليه يتعين عليه الحج ثانياً مع إتيانه بحجة الإسلام من قبل، و
على الجملة المحتمل جدّاً ان يكون جهة السؤال بعد فرض ان غرض المعطى الإحجاج و نيل ثوابه لا الحج عنه، و لكن المدفوع اليه يحتمل ان يتعين عليه الحج ثانياً، و لذا ذكر في الجواب لا بأس بدفعها إلى الغير من غير تقييد. و أما ما ذكره الماتن (قدّس سرّه) من أنها محمولة على صورة العلم بالرضا فلا يمكن المساعدة عليه، فان القرينة على الحمل مفقودة مع أن مجرد العلم بالرضا لا يخرج المعاملة الثانية مع الغير عن الفضولية أيضاً، و مع فرض علم المدفوع اليه برضا المستأجر لا يبقى وجه للسؤال عن جواز دفعها إلى الغير، و ما قيل من ان وجه السؤال لعدم يقين المدفوع إليه بأنه يأتي الحجة و ينويها عن المستأجر أو يأتي بها صحيحة أو بلا خلل كما ترى، فإنه لو كان وجه السؤال كذلك، فاللازم تقييد الجواز الوارد في الجواب بما إذا كان الغير أميناً عارفاً بمناسك الحج و أعماله.
(مسألة 24) لا يجوز استئجار من ضاق وقته (1) عن إتمام الحج تمتّعاً و كانت وظيفته العدول إلى حج الإفراد عمّن عليه حج التمتّع، و لو استأجره مع سعة الوقت (1) فان ذلك مقتضى اشتغال ذمة المنوب عنه بحج التمتع المفروض ان الأجير لا يتمكن منه، و ما ورد في اتفاق ضيق الوقت عن إدراك عمرة التمتع من الأمر بالعدول إلى حج الافراد و كذا في الحائض لعدم تمكنها من طواف عمرة التمتع يكون من البدل الاضطراري فلا تصل النوبة اليه مع التمكن من الاختياري سواء كان التكليف بالحج مباشرة أو على وجه التسبيب و النيابة، و عليه فلا يجوز للوصي أو العاجز استنابة من هو في ضيق الوقت
و نحوه لا يتمكن من الحج تمتعاً. نعم لو خرج مع سعة الوقت و اتفق الضيق يجوز له العدول و يجزي عن فرض التمتع إذا كان الحج عن نفسه، و الكلام في جوازه فيما كان الحج عن الغير بنحو النيابة و في أجزائه عن المنوب عنه، فإنه قد التزم الماتن بعدم جوازه على النائب في حجه، و أنه على تقدير عدوله لا يجزي عن المنوب عنه و لا يستحق الأجرة على عمله. و علل عدم جواز عدوله و عدم أجزائه بانصراف الأخبار الواردة في العدول إلى صورة الحج عن نفسه، و عدم استحقاق الأجرة على تقدير عدوله بان ما أتى به الأجير غير ما على الميت و غير ما استؤجر عليه.
أقول: لا ينبغي التأمل في جواز عدوله بل أجزاء عمله عن المنوب عنه، فان بعض ما ورد فيه من الأمر بالعدول يعم ما إذا كان محرماً للتمتع عن الغير كما أن لازم جواز العدول الاجزاء، لان المنقلب إلى الافراد حج المنوب عنه و ليس الأمر بحج الافراد و للخروج من إحرامه فقط، و إلا لم يكن وجه للأمر بالإتيان العمرة المفردة بعد تمام الحج، بل لم يكن وجه للأمر بالعدول و الخروج إلى عرفة لإمكان إتمام عمرته التي أحرم لها بجعلها عمرة مفردة بعد عدم إمكان إتمامها تمتعاً، كما هو الحال في عدم إمكان إتمام الحج الذي أحرم له بفوات الموقفين، و دعوى الانصراف في جميع ما ورد في روايات العدول، إلى صورة كون المحرم لعمرة التمتع قاصداً الحج عن نفسه غير تام، فإن صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن الرجل يكون في يوم عرفه و بينه و بين مكة ثلاثة أميال
و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: يقطع التلبية تلبية المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر و يمضي إلى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه» «1» و إطلاقها مما لا ينبغي التأمل فيه، و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل أهل بالحج و العمرة جميعاً ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان طاف و سعى بين الصفا و المروة ان يفوته الموقف، قال: يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» «2» و أما بالإضافة إلى استحقاق الأجرة فقد يظهر مما ذكرنا في موت الأجير في الأثناء.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 249
فنوى التمتّع ثمّ اتّفق ضيق الوقت فهل يجوز العدول و يجزئ عن المنوب عنه أو لا؟ وجهان: من إطلاق أخبار العدول، و من انصرافها إلى الحاج عن نفسه، و الأقوى عدمه، و على تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميّت و عدم استحقاق الأجرة عليه لأنّه غير ما على الميّت و لأنّه غير العمل المستأجر عليه.
(مسألة 25) يجوز التبرّع عن الميّت في الحج الواجب (1) أيّ واجب كان (1) يقع الكلام أولًا ما إذا كان على الميت حجة الإسلام و قد ناب شخص عنه في حجة إسلامه تبرعاً، فهل هذه النيابة مشروعة و يجزي حج النائب حتى فيما إذا كانت للميت تركة، فالظاهر جوازها و الإجزاء، فان ذلك مقتضى ما ورد في غير واحد من روايات مشروعية القضاء عنه بلا تقييد، كصحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل مات و لم
يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال: نعم» «1» و صحيحته الأخرى التي أظهر منها مع احتمال الاتحاد، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ يقضى عنه؟ قال: نعم» «2» و الوجه في أظهرية هذه ان فرض السائل «و لم يوص بها» ظاهره ثبوت التركة له، و نحوه صحيحة رفاعة، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ تقضى عنه، قال: نعم» «3» إلى غير ذلك فان مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق في الاجزاء بين النيابة عنه تبرعاً أو بالأجرة حتى فيما إذا كانت له تركة، و ما ورد في صحيحة الحلبي عن عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله» ناظر إلى بيان خروج حجة الإسلام على الميت من جميع التركة لأمن ثلثه، بمعنى ان حجة الإسلام يحسب ديناً، و هذا لا ينافي جواز النيابة تبرعاً كما في الدين المالي على الميت، و مثل ذلك ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و يترك مالًا؟ قال: عليه ان يحج من ماله رجلًا صرورة لا مال له» «4» و قد تقدم الكلام فيها من اعتبار الصرورة بناءً على ان ظاهرها الإحجاج عن الميت. نعم ورد في موثقة سماعة بن مهران ما ربما يتبادر إلى الذهن ظهورها في لزوم القضاء عنه من تركته و عدم جواز النيابة التبرعية، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و
لم يوص بها و هو موسر، فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك» «5» و لكن المراد من قوله (عليه السّلام) «لا يجوز غير ذلك» أن التصرف في التركة بغير إخراج الحج غير جائز كما في صورة كون الميت مديوناً بالمال، و لو لم يكن ظاهرها ذلك فيحمل عليه بدلالة صحيحة حكم بن حكيم، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «إنسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج فأحج عنه بعض اهله رجلًا أو امرأة هل يجزي ذلك؟ و يكون قضاءً عنه و يكون الحج لمن حج و يؤجر من أحج عنه؟ فقال: ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً و أجر الذي أحجه» فإنها كالصريحة في جواز التبرع بأجرة الحج، و مثلها في الدلالة رواية عامر بن عميرة، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «بلغني عنك انك قلت لو ان رجلًا مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك منه؟ قال: نعم اشهد بها على أبي بأنه حدثني عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)» «6» الحديث و لكنها لضعف سندها غير مؤيّدة، و يجرى ما ذكر من جواز التبرع نيابة عن الميت في غير حجة الإسلام من الحج الواجب كالمنذور أيضاً، كما هو مقتضى الإطلاق و عدم احتمال الفرق بين النيابة في حجة الإسلام أو في غيرها.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 252
و المندوب، بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب و إن كانت ذمّته مشغولة بالواجب (1) و لو قبل الاستئجار عنه للواجب، و كذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك. (233) قد يشكل في جواز النيابة عن
الميت في الحج المندوب إذا كان على ذمته حجة الإسلام، بأنه لم يثبت مشروعية هذه النيابة حيث ان الميت في حياته كان مكلفاً بحجة الإسلام و لم يكن الحج المندوب مطلوباً منه، فيكون المقام نظير نيابة الإنسان عن المجنون المطبق بعد موته في الصلاة و الصيام المندوبين، نعم حج الشخص عن نفسه ندباً و كذا صلاته و صومه ثم إهداء الثواب للميت المفروض أو المجنون لا بأس به. و فيه ما ذكرنا سابقاً غاية ما يمكن الالتزام به بعدم مشروعية الحج الندبي عمن عليه حجة الإسلام بأن يحج عن نفسه الحج الاستحبابي مع وجوب حجة الإسلام عليه، كما في الآفاقي المستطيع للحج إذا تركه و أراد حج الإفراد ندباً، أو يأتي بحج التمتع ندباً، و أمّا النائب عن الغير فلا بأس أن يحج عن الغير بحج الإفراد ندباً أو يحج بحج التمتع ندباً فلا بأس به، لبعض الإطلاقات الواردة في استحباب النيابة حتى فيما لو فرض أن على الغير حجة الإسلام و لم يأت به الأجير أو لم يستأجر عليه، نعم يجري في المقام ما تقدم و هو أن الحج عن الميت ندباً بالنوع الذي عليه لا يبعد الالتزام باجزائه عن حجة الإسلام الواجبة عليه إذا لم يختل أمر قصد التقرب، فان عنوان حجة الإسلام ينطبق على المأتي به، فإن حجة الإسلام عنوان لأوّل حج يأتي به المكلف أو يؤتي عنه بعد حصول استطاعته. و المفروض أن النيابة عن الميت الذي عليه حجة الإسلام بنحو التبرع أمر مستحب و لا يختل بقصده التقرب المعتبر في وقوعه عبادة و إفراغ ذمته بانطباق عنوان حجة الإسلام عليه، و مما ذكرنا ظهر الحال في الاستئجار على الحج الندبي
عن الميت الذي عليه حجة الإسلام، و يأتي مع اتحاد النوع ما ذكر في النيابة تبرعاً من فراغ ذمة الميت عما عليه من حجة الإسلام.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 253
و أمّا الحي فلا يجوز التبرّع عنه (1) في الواجب إلّا إذا كان معذوراً في المباشرة لمرض أو هرم فإنّه يجوز التبرّع عنه و يسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مر سابقاً، و أمّا الحج المندوب فيجوز التبرّع عنه كما يجوز له أن يستأجر له حتّى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكّن من أدائه فعلًا، و أمّا إن تمكّن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه (1) قد تقدم في مسألة الثانية و السبعين من مسائل وجوب الحج اعتبار الاستنابة في الحي المستطيع العاجز عن الإتيان بالمباشرة، و لا تكفي مجرد نيابة الغير و ذكرنا أن ذلك مقتضى الروايات الواردة فيه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 254
مشكل، بل التبرّع عنه حينئذ أيضاً لا يخلو عن إشكال في الحج الواجب (1).
(مسألة 26) لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد، و إن كان الأقوى فيه الصحّة، إلّا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج، و أمّا في الحج المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب، لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضاً (2)، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب. (1) كلمة في الحج الواجب موضعه ما ذكر في صدر المسألة الآتية من قوله (قدّس سرّه) «لا يجوز ان ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد»،
فان كلمة في الحج الواجب، تتمة لذلك، و أما ما وقع في المسألة الآتية و إن كان الأقوى الصحة فهي تتمة هذه المسألة و كلمة فيه زائدة، و قد ذكر أن بعض ما ورد في استحباب الحج عن الغير يعم الحي الذي عليه حجة الإسلام، و لكن ما ذكرنا من الاجزاء مع اتحاد النوع لا يجري على الحي حتى فيما إذا عجز للتأخير عن المباشرة فإن وظيفته حينئذ استنابته و بعثه من يحج عنه، و لا يجزي مجرد النيابة بل الاستئجار من شخص آخر، و اللَّه العالم. (2) أوضح ما في الباب صحيحة معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «ان أبي قد حج و والدتي قد حجت و إن أخوي قد حجا و قد أردت أن أدخلهم في حجتي كأني أحببت ان يكونوا معي، فقال: اجعلهم معك فان اللَّه جاعل لهم حجاً و لك حجاً و لك أجر بصلتك إياهم» «1» حيث ان ظاهرها إدخال غيره في حجة كأنهم يحجون و هذا عبارة أخرى عن النيابة، و في المقام روايات أخرى لا يبعد دعوى ظهورها في التشريك في نفس الحج و لا أقل من إطلاقها و حملها على إهداء الثواب فقط بلا وجه، نعم مورد الروايات ما إذا حج الشخص عن نفسه و ينوي النيابة فيه عن الغير، و أما قصد النيابة عن المتعدد بحيث يكون الحج حجهم فغير داخل في الروايات، و لكن يفهم جوازها كذلك منها لعدم احتمال الفرق.
(مسألة 27) يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب تبرّعاً أو بالإجارة، بل يجوز ذلك في الواجب أيضاً كما إذا كان على الميّت
أو الحي الّذي لا يتمكّن من المباشرة لعذر، حجّان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام و النذر أو متحدان من حيث النوع كحجّتين للنذر فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، و كذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً و الآخر مستحبّاً، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد احتياطاً لاحتمال بطلان حج أحدهما، بل و كذا مع العلم بصحّة الحج من كل منهما (1) و كلاهما آت بالحج الواجب و إن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر، فهو مثل ما إذا صلّى جماعة على الميّت في وقت واحد، و لا يضرّ سبق أحدهما بوجوب الآخر فإنّ الذمّة مشغولة ما لم يتمّ العمل فيصحّ قصد الوجوب من كل منهما، و لو كان أحدهما أسبق شروعاً. (1) لا يخفى ان الصحة من كل منها بعنوان حجة الإسلام مثلًا يتوقف على إتمام كل منهما الحج في زمان واحد بلا فرق بين ان يكون الشروع في زمان واحد أو كان أحدهما أسبق من الآخر فيه، فان التكليف أو ما على ذمة الميت لا يسقط إلا بعد إتمام الحج عليه، إذا فرغ أحدهما قبل الآخر فلا يكون حج الآخر حجة الإسلام مع فرض صحة السابق، كما هو المفروض. و عليه فيشكل قصد حجة الإسلام من الذي يعلم أن الآخر يفرغ من العمل المستأجر عليه قبله، نعم مع عدم العلم لا بأس بقصده و لو مطلقاً فان مقتضى الاستصحاب عدم تحقق العمل من الآخر قبله، و ما ذكره الماتن من صلاة جماعة على الميت في زمان واحد أيضاً كما ذكر، فإنه لا تكون صلاة من لم يفرغ عنها بعد فراغ الآخر واجبة.
فصل في الوصيّة بالحج
(مسألة 1) إذا أوصى بالحج فإن علم أنّه واجب أخرج من أصل التركة و إن كان بعنوان الوصيّة، فلا يقال مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث، نعم لو صرّح بإخراجه من الثلث أخرج منه فإن وفى به و إلّا يكون الزائد من الأصل، و لا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام و الحج النذري و الإفسادي (1) لأنّه بأقسامه واجب مالي و إجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل، مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الحج بمنزلة الدين و من المعلوم خروجه من الأصل، بل الأقوى خروج كل واجب من الأصل و إن كان بدنياً كما مرّ سابقاً. و إن علم أنّه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث. (1) الأظهر ثبوت الفرق فان ما ورد في الروايات هو خروج حجة الإسلام من أصل التركة، و أما غيرها فلم يرد فيه ما يدل على ذلك. و ما يقال في وجه كونه كحجة الإسلام أمران أحدهما الإجماع على خروج كل واجب مالي على الميت من أصل تركته و لكن الإجماع على تقديره لم يحرز كونه تعبدياً، بل من المحتمل جدّاً استفادته مما ورد في موارد مختلفة كتجهيز الميت بالتكفين، و ما ورد على الميت من الزكاة و الحج يعني حجة الإسلام و لاحتمال الخصوصية لا يمكن التعدي، فإن الزكاة و الخمس لصيرورتهما ديناً مورداً لعدم بقاء العين، و مع بقائها فإن العين مشتركة و لو بنحو الإشاعة في المالية بين الميت و بين حق الزكاة و الخمس، و ثانيهما، أنه قد ورد في الحج النذري أنه بمنزلة الدين، ففي الصحيح عن ضريس الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه
السّلام) «عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به (عنه) رجلًا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر، قال: ان ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و أخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد وفى بالنذر، و إن لم يكن ترك مالًا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر، انما هو مثل دين عليه» «1» و لكن لا يخفى ان قوله (عليه السّلام) انما «هو مثل دين عليه» راجع إلى حجة الإسلام و غير راجع إلى نذر الإحجاج و إلا لم يكن يخرج من الثلث، و قد ذكر (عليه السّلام) الوفاء به من ثلثه و مع عدم المال يحج وليه، و حج وليه أمر مستحب. كما يشهد لذلك صحيحة عبد اللَّه بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نذر للَّه ان عافى اللَّه ابنه من وجعه ليحجن إلى بيت اللَّه الحرام فعافى اللَّه الابن و مات الأب فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه، فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه» «2» فإنها صريحه في عدم وجوبه على الابن.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 257
و إن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان، يظهر من سيّد الرياض (قدّس سرّه) خروجه من الأصل، حيث إنّه وجّه كلام الصدوق (قدّس سرّه) الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل بأنّ مراده ما إذا لم يعلم
كون الموصى به واجباً أولا، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندبياً، و حمل الخبر الدالّ بظاهره على ما عن الصدوق أيضاً على ذلك، لكنّه مشكل فإنّ العمومات مخصّصة بما دلّ على أنّ الوصية بأزيد من الثلث ترد إليه إلّا مع إجازة الورثة، هذا مع أنّ الشبهة مصداقية (1) و التمسّك بالعمومات فيها محل (1) الصحيح الجواب الأوّل، و أنه لا يمكن في المقام التمسك بما دل على وجوب العمل بالوصية بتقريب أن مقتضى عمومه العمل بها من أصل التركة، نظير قوله سبحانه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ و ذلك فان ما دل على رد الوصية إلى الثلث أو عدم نفوذها إلا في مقداره، و كقوله (عليه السّلام) في موثقة عمار الساباطي «الميت أحق بماله ما دام فيه الروح، و إذا قال: بعدي فليس الا الثلث» «1» قد قيدت ما دل على وجوب العمل بالوصية بما إذا كانت في مقدار الثلث و ما يخرج من أصل التركة، سواء قلنا باختصاصه بتجهيز الميت و حجة الإسلام و الزكاة و الخمس أو عممناه لمطلق واجب مالي أو بدني أيضاً، انما يجب إخراجها كذلك لا بعنوان الوصية، بل هي ديون أو ملحق بالدين و اللازم إخراجها كذلك و لو لم يوص بها الميت، فلا عموم في المقام الا ما دلّ على نفوذ وصية الميت و وجوب العمل بها من ثلثه إلا إذا رضي الوارث بالزائد عليه، و إذا شك في كون الموصى به كالحج المفروض في المقام حجة الإسلام أو حج ندبي، فالاستصحاب في عدم اشتغال ذمة الميت بحجة الإسلام حال حياته يحرز وجوب العمل بالحج الموصى به
من ثلث الميت، و بتعبير آخر وجوب العمل و الإخراج من الثلث يثبت في الوصية بما ينفى عنه ثبوته على عهده الميت حال حياته، و هذا يحرز بضم الوجدان إلى الأصل. فإن ما يجب إخراجه من أصل التركة و لو بلا رضا الورثة ما يجب ديناً أو كان واجباً على الميت حال حياته فإنه يجب إخراجه و لو لم يوص به الميت، و المتحصل يكون من التمسك بالعام في شبهته المصداقية، فيما إذا لم يكن في البين أصل يحرز به حال الفرد المشكوك. و مما ذكر يظهر أنه لو علم اشتغال ذمة الميت حال حياته بحجة الإسلام أو بالزكاة أو الخمس و شك في الأداء قبل موته فمقتضى الاستصحاب في بقائها على عهدته وجوب الإخراج من أصل التركة أوصى بها أم لا، و ما ورد في الحلف الاستظهاري في وجوب بقاء الدين على ذمته مورده الدين المالي و لا يجري في مثل المقام و مفاد قاعدة اليد الجارية في تركة الميت أنها ملكه.
لا نفي الدين عن عهدته فضلًا عن عدم اشتغال ذمته بواجب يخرج من أصل التركة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 258
إشكال، و أمّا الخبر المشار إليه و هو قوله (عليه السّلام): «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 259
أوصى به كلّه فهو جائز»، فهو موهون بإعراض العلماء عن العمل بظاهره، (1) و يمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الّذي أمره بيده، نعم يمكن أن يقال في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكّة: الظاهر من قول الموصي: حجّوا عنّي؛ هو حجّة الإسلام الواجبة لعدم تعارف الحج المستحبي في
هذه الأزمنة و الأمكنة، (1) لا يخفى أنها ضعيفة سنداً فان الشيخ رواها عن علي بن الحسن عن علي بن أسباط عن ثعلبة عن عمرو بن شداد و السري جميعاً عن عمار بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و عمرو بن شداد مجهول و السري ملعون، و مع ذلك تعارضها موثقته السابقة و غيرها، بل ما ورد في عدم نفوذ الوصية إلّا في ثلث الميت متواترة إجمالًا فلا مجال للاعتماد عليها، و قد ذكر الصدوق (قدّس سرّه) في الفقيه بعد نقلها عن علي بن أسباط عن ثعلبة عن أبي الحسن عمرو بن شداد الأزدي عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المراد منها «ما إذا لم يكن للموصى قريب و لا بعيد فيوصي بماله كله حيث يشاء و متى كان له وارث قريب أو بعيد لم يجز له ان يوصي أكثر من الثلث و إذا أوصى بأكثر من الثلث رد إلى الثلث» أقول الأظهر جواز وصيته من لا وارث له بماله حيث شاء الا ان الرواية آبية عن الحمل على ذلك فإنه من حمل المطلق على الفرد النادر.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 260
فيحمل على أنّه واجب من جهة هذا الظهور (1) و الانصراف كما أنّه إذا قال: أدّوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة؛ ينصرف إلى الواجب عليه.
فتحصّل أنّ في صورة الشك في كون الموصى به واجباً حتّى يخرج من أصل التركة أولا حتّى يكون من الثلث مقتضى الأصل الخروج من الثلث لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً و هو غير معلوم، بل الأصل عدمه إلّا إذا كان هناك انصراف كما في مثل الوصية بالخمس أو الزكاة
أو الحج و نحوها.
نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقاً و لم يعلم أنّه أتى به أو لا فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل، و دعوى أنّ ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكّه لا شك الوصي أو الوارث، و لا يعلم أنّه كان شاكّاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين مدفوعة بمنع اعتبار شكّه، بل يكفي شك الوصي أو الوارث أيضاً، و لا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث، و لكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد لحصول العلم غالباً بأنّ الميّت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حج أو نحو ذلك، إلّا أن يدفع بالحمل على الصحّة، فإنّ ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه، لكنّه مشكل في (1) عدم تعارف الحج المستحب في هذه الأزمنة و الأمكنه لا يوجب إخراجه من أصل التركة، لأنه إذا لم يذكر في وصيته أن علىّ حجة الإسلام يكتفى بإخراجه عن ثلثه، لاحتمال كون وصيته به بعنوان الاحتياط، و كذا الحال في وصيته بإخراج مقدار من الخمس و الزكاة، نعم إذا علم الوارث باشتغال ذمته بما أوصى يخرج من أصل التركة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 261
الواجبات الموسعة بل في غيرها أيضاً في غير الموقتة، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل. (1)
(مسألة 2) يكفي الميقاتية (2) سواء كان الحج الموصى به واجباً أو مندوباً و يخرج الأوّل من الأصل و الثاني من الثلث، إلّا إذا أوصى
بالبلدية و حينئذ فالزائد عن أجرة الميقاتية في الأوّل من الثلث، كما أنّ تمام الأجرة في الثاني منه.
(مسألة 3) إذا لم يعيّن الأجرة فاللازم الاقتصار على أجرة المثل (3) للانصراف إليها، و لكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب استئجاره إذ الانصراف إلى أجرة المثل إنّما هو نفي الأزيد فقط، و هل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟ (1) لا يبعد كونه أظهر فيما علم باشتغال ذمته بان يكون الحق على الذمة، و كذا فيما إذا كان متعلقاً بالعين و كانت العين باقية، و أما مع تلفها و احتمال أداء الحق قبل إتلافها ببدله أو احتمال تلفها بلا تفريط فلا يجب الإخراج لعدم أحرار الاشتغال و ثبوت الحق في ذمّته. (2) لان عنوان ما على عهدته من الحج أو الموصي به ينطبق على الافعال و المناسك التي تبدء بالإحرام من الميقات. (3) إذا لم يعين الموصي الأجرة فإن كان ما اوصى به حجة الإسلام يخرج من أصل التركة أجرة المثل، و لو وجد من يطلب الأقل فالأحوط بل الأظهر استئجاره، لان ما على ذمة الميت طبيعي الحج لا خصوص الحج بأجرة المثل. و مع وجدان من يطلب الأقل يكون الاستئجار بأجرة المثل تفويتاً للمال على الورثة، حيث يؤدى دين الميت بالأقل، كما أنه إذا توقف الحج عنه على دفع الأكثر لعدم وجدان الأجير بأجرة المثل تعين ذلك، حيث لا يؤدي ما على الميت إلّا بذلك بل يبعد أن يكون الأمر في سائر الحج مما يخرج من ثلث الميت، كذلك سواء كان واجباً أو مندوباً فيما إذا كان الزائد على أجرة الحج من ثلث الميت يصل إلى الورثة أو يكون للميت وصية اخرى
يجب العمل بها و لا يمكن إلّا باستئجار من يطلب الأقل من أجرة المثل. نعم إذا لم يصل الزائد إلى الورثة و أمكن العمل بتمام وصاياه مع وصيته بصرف تمام ثلثه لم يجب استئجار من يطلب الأقل بل يجوز استئجار من يطلب الأزيد من اجرة المثل إذا كان في استئجاره خصوصية لكونه اعرف بمسائل الحج التي يمكن للأجير الابتلاء بها.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 262
الأحوط ذلك (1) توفيراً على الورثة خصوصاً مع الظنّ بوجوده و إن كان في وجوبه إشكال خصوصاً مع الظنّ بالعدم، و لو وجد من يريد أن يتبرّع فالظاهر جواز الاكتفاء به بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار، بل هو المتعيّن توفيراً على الورثة، فإن أتى به صحيحاً كفى و إلّا وجب الاستئجار، و لو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحج واجباً، بل و إن كان مندوباً أيضاً مع وفاء الثلث، (1) قد يقال لا بأس بتركه حتى مع الظن بوجود من يطلب الأقل من أجرة المثل، فان الاستئجار بأجرة المثل مقتضى الاستصحاب في عدم وجود من يطلب الأقل و لا فرق في جريانه بين صورة الظن و عدمه، فان الظن مع عدم اعتباره ملحق بالشك، و لكن لا يخفى انما لا يجب الفحص إذا قيل بان خطابات وجوب قضاء حجة الإسلام عن الميت ينصرف إلى الحج عنه بأجرة المثل و لو في صورة الإمكان، و كذا فيما كان الحج عنه بالوصية، فخطاب وصيته ينصرف إلى الحج عنه بأجرة المثل و لو في صورة إمكانه، يعني ان لا تكون الأجرة أزيد منها في صورة إمكانه الحج عنه بأجرة المثل، و في هذا
الفرض لا يجب استئجار من يطلب الأقل حتى فيما كان وجوده محرزاً، و أما إذا قلنا بعدم الانصراف و أن مدلول خطابات الأمر بالقضاء أو العمل بالوصية، بل مدلول خطاب الوصية هو أن يؤتي بطبيعي الحج عنه، فان ما على عهدته أو ما أوصى به هو الطبيعي لا خصوص الحج بأجرة المثل، و ما يتوقف عليه الطبيعي لا ينتقل إلى ملك الوارث، فإن الإرث بعد الدين و الوصية يكون مقتضى ذلك تعين الاكتفاء بالأقل مع إمكان الاستئجار به، و بما أن الفحص طريق إلى تعيين ما يتوقف عليه الطبيعي من الأقل أو اجرة المثل، فالشبهة في المقام و إن كانت موضوعية إلا أن الأصل في عدم وجدان من يطلب الأقل لا يثبت كون اجرة المثل هي الموقوف عليه في الحج عن الميت، و كذا الاستصحاب في بقاء مقدار التفاوت بين الأقل و أجرة المثل في ملك الميت لا يثبت ان الموقوف عليه لطبيعي الحج عنه هو أجرة المثل ليثبت صحة الاستئجار بها، هذا مع الميت عدم رضا الورثة بالاستئجار بالأكثر كما هو ظاهر، و مما ذكر يظهر الحال فيما وجد متبرع بالحج عن الميت في حجة الإسلام أو في واجب خاص كان على الميت، و أما لو وجد متبرع بالحج عنه فلا تسقط وصيته بالحج المندوب من ثلثه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 263
و لا يجب الصبر إلى العام القابل و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو أقل، بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمّة الميّت (1) في الواجب و العمل بمقتضى الوصيّة في المندوب.
و إن عيّن الموصي مقداراً للأجرة تعيّن و خرج من الأصل في الواجب إن لم
يزد (1) لو لم يناقش في فورية وجوب القضاء مما كان على الميت حال حياته فلا ينبغي التأمل في أنه لا دليل على وجوب الحج المندوب عن الميت فوراً، فان وجوب العمل بالوصية لا يقتضي إلا عدم جواز التأخير بحيث يحتمل عدم التمكن من العمل بها بعد ذلك، و المفروض ان الميت لم يذكر في وصيته إلا الحج عنه بعد موته.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 264
على أجرة المثل (1) و إلّا فالزيادة من الثلث، كما أنّ في المندوب كلّه من الثلث.
(مسألة 4) هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقل النّاس أجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميّت في شرفه وضعته؟ لا يبعد الثاني، و الأحوط الأظهر الأوّل (2)، و مثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً. (1) ظاهر التعليق أنه إذا زادت الأُجرة لا يجب العمل بإعطاء الزيادة و يجب رعاية وصيته بإعطاء أجرة المثل حتى فيما إذا أمكن الاستئجار بالأقل من اجرة المثل، و لكن الفرق بلا وجه، فإنه ان فهم من وصيته ان الموصى كان يريد إعطاء هذا المقدار من الأجرة و لو للتوسعة على الأجير فاللازم إعطاء الزيادة، و إن لم يفهم منها إلا إتيان الحج بعد وفاته لا يجب رعاية وصيته حتى فيما لو عيّن أجرة المثل و أمكن الاستئجار بالأقل، و التفرقة بين الزائد عن أجرة المثل حيث يحسب من ثلثه و بين الزائد عن الأقل مع إمكان الاستئجار به فلا يحسب، بل يخرج أجرة المثل من أصل التركة في الواجب عليه غير صحيح. (2) تارة يكون كل من طالب الأقل و الأكثر مساوياً مع الآخر من حيث الشرف و
الضعة و يطلب أحدهما الأجرة أقل مما يطلبها الآخر، و قد تقدم سابقاً ان المتعين مع عدم رضا الورثة استئجار من يكون أجرته أقل. و عبارة الماتن غير ناظرة إلى هذه الصورة، و أخرى يكون الاختلاف في أجرتهما لاختلافهما، فالطالب بالأكثر شخص شريف يناسب شرف الميت، و الآخر وضيع لا يناسب الميت. فقد ذكر الماتن بعد أن نفي في لزوم استئجار الأجير الشريف الطالب بأجرة أكثر أن الأحوط الأظهر استئجار من يطلب الأقل، و الأحوط بملاحظة عدم رضا الورثة و توفير حقهم و كونه أظهر لأن العمل من الوضيع صحيح فيكون مجزئاً، و لذا لو تبرع بالنيابة عن الميت في حجة الإسلام يلتزم بالاجزاء، و عليه فلا بأس باستئجاره بل لا يبعد تعينه مع عدم رضى الورثة، نعم الأحوط عليهم الرضا باستئجار الآخر و لو كان هذا بالإضافة إلى كبارهم كما هو الحال في الكفن و التجهيز الواجب، و يشهد لما ذكرنا أنه لو لم يوجد الا الوضيع كان اللازم استئجاره و لا يجوز مع إمكان استئجاره التأخير إلى ان يوجد الأجير الشريف.
(مسألة 5) لو أوصى بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن، و إن لم يعين كفى حج واحد إلّا أن يعلم أنّه أراد التكرار (1)، و عليه يحمل ما ورد في الأخبار من أنّه يحج عنه ما دام له مال كما في خبرين أو ما بقي من ثلثه شي ء كما في ثالث بعد حمل الأوّلين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال، فما عن الشيخ و جماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقياً ضعيف، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من الاخبار أنّه يجب الحج ما دام يمكن
الإتيان به ببقاء شي ء من الثلث بعد العمل بوصايا آخر، و على فرض ظهورها في إرادة التكرار و لو مع عدم العلم بإرادته لا بدّ من طرحها لإعراض المشهور عنها، فلا ينبغي الإشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار، نعم لو أوصى بإخراج الثلث و لم يذكر إلّا الحج يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحج، و كذا لو لم يذكر إلّا المظالم أو إلّا الزكاة أو إلّا الخمس، و لو أوصى أن يحج عنه مكرّراً كفى مرّتان لصدق التكرار معه. (1) و يكفي في ذلك ظاهر وصيته كما إذا قال حجوا عني بثلثي مالي فإنه يؤتي عنه الحج ما دام ثلثه فإنه ماله بعد وفاته، و على ذلك يحمل ما ورد في الأخبار التي كلها ينتهي إلى محمد بن الحسن الأشعري القمي المعبر عنه بمحمد بن الحسن بن أبي خالد ايضاً و لم يثبت له توثيق، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل أوصى ان يحج عنه مبهماً، فقال: يحج عنه ما بقي من ثلثه شي ء» و في الآخريين «يحج عنه ما دام له مال» «1» و مع ضعفهما يؤخذ مع الإطلاق و عدم فهم التكرار بمقتضى إطلاق الحج عنه المقتضى لحصول الطبيعي و لو مرة واحد بل يحج واحد.
(مسألة 6) لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحج سنين معيّنة و عيّن لكل سنة مقداراً معيّناً و اتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة صرف نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلًا و هكذا، لا لقاعدة الميسور لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع (1)، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في
الحج (1) المراد من المجعولات الشرعية الواجبات الارتباطية و نحوها مما اعتبرها الشارع لها عنواناً واحداً، فان تعذر بعض الاجزاء من المركب الاعتباري و تعذر بعض الشرط من المقيد به يوجب ارتفاع التكليف بالكل أو المشروط، فالأمر ببعض الاجزاء مستقلا أو للفاقد للشرط يحتاج ثبوته إلى دليل غير خطاب الأمر بالكل أو المشروط، و قاعدة الميسور بناءً على أنها معتبرة تكشف عن ذلك الأمر الاستقلالي بالبعض أو الفاقد للشرط، حيث يعلم بها قيام الملاك بالبعض أو الفاقد مع عدم التمكن من الكل المشروط، و أما الشي ء الخاص الذي يطلبه الغير و طلب الشارع يتعلق بموافقته كالوالد فيما إذا أمر ولده بشي ء خاص لم يتمكن من تحصيل الخصوصية لا يثبت الإيجاب في فاقدها، و كذا الأمر فيما إذا التزم المكلف على نفسه شيئاً خاصاً بعنوان النذر أو الحلف عليه و لم يتمكن من خصوصية فالالتزام بوجوب الفاقد بلا موجب، لان الموضوع للوجوب الشرعي إطاعة الوالد أو الوفاء بالنذر أو الحلف، و الفاقد للخصوصية لم يتعلق به أمر الوالد أو لم يتعلق به النذر إذا أمر الوالد ولده بزيارة الحسين (عليه السّلام) يوم عرفة أو نذرها و لم يتمكن منه يومها، فالالتزام بوجوب زيارتها في يوم آخر ليس من إطاعة الوالد أو الوفاء بالنذر إلى غير ذلك، و الأمر في الوصية كذلك. و على الجملة يكون المنصرف في ما دل على قاعدة الميسور ما إذا كان الوجوب الشرعي المتعلق بالكل أو المشروط بالأصالة، و لا يعم ما إذا كان تبعاً لطلب الغير أو التزامه. نعم إذا استفيد من طلب الغير ان طلبه الشي ء الخاص بنحو تعدد المطلوب أو كان نذره كذلك، ثبت الوجوب الشرعي في الناقص و
الفاقد و إن لم يتم فقاعدة الميسور كما أنه إذا كان الطلب الشرعي الثابت بالأصالة في موارد انحلال الطلب بان يكون الناقص ايضاً فرداً مطلوباً بطلب نفسي مستقل، كما في أمر الشارع بصوم شهر رمضان يكون ثبوت الوجوب فيمن لا يتمكن إلا من صوم بعض الأيام بالعقل، و لا يرتبط بقاعدة الميسور. و كذا الأمر بالإضافة إلى أداء الدين و هكذا. و على الجملة التكليف من هذه الموارد تعلقه بالمتمكن منه غير مرتبط بحصول التكليف بالإضافة إلى الباقي بخلاف الحال في الواجبات الارتباطية أو المشروطة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 267
و كون تعيين مقدار كل سنة بتخيّل كفايته، و يدلّ عليه أيضاً خبر علي بن محمّد الحضيني و خبر إبراهيم بن مهزيار (1) ففي الأوّل تجعل حجّتين في حجّه و في الثاني تجعل ثلاث حجج في حجّتين، و كلاهما من باب المثال كما لا يخفى، هذا. (1) و الخبر أن كلاهما لإبراهيم بن مهزيار ففي الأول، قال: كتب اليه علي بن محمد الحصيني «أن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر ديناراً في كل سنة، و ليس يكفي، ما تأمر في ذلك، فكتب (عليه السّلام) يجعل حجتين في حجه، فان اللَّه عالم بذلك» «1» و في الثاني، قال: كتبت اليه (عليه السّلام) «ان مولاك علي ابن مهزيار أوصى ان يحج عنه من ضيعة صير ريعها لك في كل سنة حجة إلى عشرين ديناراً و انه قد انقطع طريق البصرة، فتضاعف المؤن على الناس، فليس يكتفون بعشرين ديناراً، و كذلك أوصى عدة من مواليك في حججهم فكتب (عليه السّلام) يجعل ثلاث حجج حجتين إنشاء اللَّه» «2» فإن المروي في الأول: كتاب علي بن
محمد الحضيني إليه (عليه السّلام)، و في الثاني: كتابة نفسه اليه (عليه السّلام) فيما أوصى به علي بن مهزيار، و الخبران و إن يكونان مورد المناقشة سنداً لعدم ثبوت توثيق لإبراهيم بن مهزيار، و إن ذكر في الحدائق انه ثقة و كونه من سفراء القائم (عليه السّلام)، و من الأبواب المعروفين على ما ذكره ابن طاوس في ربيع الشيعة أيضاً، غير ثابت إلا ان الأظهر اعتباره. فإنه من المعاريف الذين لم ينقل في حقهم قدح، و على كل تقدير فلا ينبغي التأمل في الحكم لانه على القاعدة، لأن الظاهر من حال الموصى ان يُعين الأجرة المفروضة لاعتقاده كفايتها للحج عنه حتى في المستقبل.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 268
و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجّة فهل ترجع ميراثاً أو في وجوه البر أو تزاد على أجرة بعض السنين؟ وجوه. (1) (1) لا وجه لرجوعه ميراثاً بعد إبقاء الموصي ذلك المال في ملكه بوصيته ثلثاً، أو بزيادة كانت بإجازة الورثة، و يبقى الكلام في الوجهين الأخيرين فإن علم أن غرض الموصى صرف ذلك المقدار من المال في خصوص الحج عنه و لو بنحو التوسعة للأجير، كما إذا كان معتقداً عند الوصية بأنه يبقى في هذا المال في الآخر شيئاً لا يفي بحجة اخرى، و مع ذلك قال: «حجوا عني بهذا المال» فيزداد على اجرة بعض السنوات على ما تقدم، و إلا يصرف في بعض وجوه الخير الأنسب بالميت، و المال لأن غرضه من بقائه وصول الثواب اليه بنحو تعدد المطلوب فإن أمكن الحج عنه فهو و إلّا يصرف في وجهٍ آخر.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 269
و لو كان الموصى
به الحج من البلد و دار الأمر بين جعل أجرة سنتين مثلًا لسنة و بين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة ففي تعيين الأوّل أو الثاني وجهان، و لا يبعد التخيير بل أولوية الثاني، إلّا أنّ مقتضى إطلاق الخبرين الأوّل. (1) هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد و إلّا فتبطل الوصية إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير أو كانت الوصية مقيّدة بسنين معيّنة.
(مسألة 7) إذا أوصى بالحج و عيّن الأجرة في مقدار فإن كان الحج واجباً و لم يزد ذلك المقدار عن أجرة المثل أو زاد و خرجت الزيادة من الثلث تعيّن، و إن زاد و لم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصية و يرجع إلى أجرة المثل (2)، و إن كان الحج مندوباً فكذلك تعيّن أيضاً مع وفاء الثلث بذلك المقدار، و إلّا فبقدر وفاء الثلث مع عدم كون التعيين على وجه التقييد، و إن لم يف الثلث بالحج أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصية و سقط وجوب الحج. (1) لا ينبغي التأمل في ثبوت الإطلاق في الجواب بالإضافة إلى الخبر الثاني الذي كَتبه إبراهيم إليه (عليه السّلام)، و ظاهر السؤال فيه فرض الوصية بالحج البلدي و عليه فالأحوط لو لم يكن أظهر تعين الأول. (2) إذا أوصى بحجة الإسلام و عين اجرة لها أو أوصى بغيرها من الحج الواجب، و قلنا بخروجه كحجة الإسلام من أصل التركة، فإن كانت الأجرة التي عينها زائدة على اجرة المثل و تركته أيضاً يحسب الزائد على أجرة المثل من ثلثة و مقدار اجرة المثل يخرج من أصل التركة على ما تقدم، و إن لم يمكن
إخراج الزائد من ثلثه اما لوصيته بتمام ثلثه على أمر آخر أو لا، و لم تكن تركته الا بمقدار اجرة المثل، بطلت الوصية و يحج عنه بأجرة المثل. نعم إذا كانت تركته زائدة على أجرة المثل و لكن لا يبلغ ثلث الزائد المقدار الذي عينه في وصيته للحج عنه، فإن أجاز الورثة نفذت وصيته في كل الأجرة التي عينها في وصيته، و إلا نفذت في ثلث الزائد حيث ينضم إلى أجرة المثل، و بتعبير آخر يكون المقام من صغريات من أوصى بالزائد على ثلثه بعد دينه في بقاء ما اوصى به من ثلثه في ملكه.
(مسألة 8) إذا أوصى بالحج و عين أجيراً معيّناً تعيّن استئجاره بأجرة المثل، و إن لم يقبل إلّا بأزيد فإن خرجت الزيادة من الثلث تعيّن أيضاً و إلّا بطلت الوصية و استؤجر غيره بأجرة المثل في الواجب مطلقاً، و كذا في المندوب إذا وفى به الثلث و لم يكن على وجه التقييد، و كذا إذا لم يقبل أصلًا.
(مسألة 9) إذا عيّن للحج أجرة لا يرغب فيها أحد، و كان الحج مستحبّاً بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب فيها، و حينئذ فهل ترجع ميراثاً أو تصرف في وجوه البر أو يفصل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرأ التعذّر؟ وجوه.
و الأقوى هو الصرف في وجوه البر (1)، لا لقاعدة الميسور بدعوى أنّ الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس، لأنّها قاعدة شرعية و إنّما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع و لا مَسرح لها في مجعولات النّاس، كما أشرنا إليه سابقاً، مع أنّ الجنس لا يعد ميسوراً للنوع فمحلها المركبات الخارجية إذا تعذّر بعض أجزائها و لو كانت ارتباطية، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه، و إنّما عيّن عملًا خاصاً لكونه أنفع في نظره من غيره فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدّد المطلوب و إن لم يكن متذكّراً لذلك حين الوصية، نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللُّبّ أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة، و لا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارئاً أو من الأوّل. (1) قد تقدم ان الميت بوصيته يبقى المال في ملكه بعد موته، فان كفى المال بالحج و لو من
الميقات تعين صرفه في الحج و إن لم يمكن يصرف في سائر وجوه البر، لان الغرض من الوصية بمثل الحج المندوب وصول الخير اليه بعد موته، غاية الأمر بما عينه من الحج عنه، و إن لم يمكن ذلك فبأمر آخر يصل اليه ثوابه. و هذه القرينة العامة توجب هذا الظهور في مقامات نظير الوصية و الأمر أوضح إذا أوصى بتمام ثلثه و عين له مصارف تعذر بعضها بعد موته، فإنها تصرف في سائر موارد الخير و لا ترجع إلى الوارث، و لا فرق في ذلك بين جريان العذر بعد موته أو كان ذلك قبل موته ايضاً، و يؤيد ما ذكر رواية علي بن مزيد (قدّس سرّه) صاحب السابري، قال: «أوصى إلى رجل بتركته و أمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فإذا هي شي ء يسير لا يكفي للحج، فسألت أبا حنيفة و فقهاء أهل الكوفة، فقالوا: تصدق بها إلى ان قال: فلقيت جعفر بن محمد في الحج، فقلت: رجل مات و أوصى إليَّ بتركته ان أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف، فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدق بها، فقال: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، فقال: ضمنت إلا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان، فان كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن» «1» فإنها دالة على أن المال الموصى به للحج إذا لم يكف للحج من الميقات لو بأخذ الأجير من مكة يصرف المال في التصدق، و ما في المتن من رواية علي بن سويد غير صحيح، فإنه من أصحاب الرضا و أبي الحسن موسى
و الرواية عن جعفر بن محمد مع ان الرواية علي بن مزيد أو فرقد و لم يثبت له توثيق، لا يقال إذا أوصى بمال لا يكفى للحج و لو من الميقات و كان له تركة يبلغ ثلثها مقدار أجرة الحج عنه و لو من الميقات بتكميل اجرة المثل من بقية ثلثة، كما إذا كان الحج الموصى به مندوباً أو واجباً يخرج من ثلثه إذا قلنا بخروج غير حجة الإسلام من الثلث ايضاً، و ذلك فان غرض الموصي هو الحج عنه بعد موته، غاية الأمر لخياله بان ما عيّنه من المال يكفي له عيّن في وصيته ذلك المقدار، فإنه يقال لا يفهم ذلك في الوصية بالحج المندوب و لو كان غرضه الحج عنه من ثلثه بأي مبلغ، لم يكن وجه لتعيين الأجرة في وصيته. و على الجملة لا تكون الوصية بالحج بأجرة وصيتَهُ بالزائد عن تلك الأجرة، نعم إذا أحرز ما يوصي به هو الحج الواجب عليه مما يخرج من ثلثه بناء على ما تقدم يؤتي بالحج الميقاتي عنه ما لم يزد من ثلثه، فان غرضه فراغ ذمته عما اشتغلت به حال حياته، فان زادت من ثلثه فنفوذ الوصية بأصل الحج انما هو في فرض آخر و هو رضى الورّاث، بخلاف ما لو قيل بان الحج الواجب كحجة الإسلام يخرج من أصل التركة أوصى به أم لا، فإنه يجب الاستئجار إذا كانت له تركه تكفي بالحج من الميقات أوصى بذلك أم لا على ما تقدم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 271
و يؤيّد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام، بل يدلّ عليه خبر علي بن سويد عن الصادق (عليه السّلام): قال «قلت:
مات رجل فأوصى بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم تكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها، فقال (عليه السّلام): ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، فقال (عليه السّلام): ضمنت إلّا أن لا يكون يبلغ أن يحج بها من مكّة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكّة فليس عليك ضمان».
و يظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد الّتي تبطل الوصية لجهة من الجهات. هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث و عيّن له مصارف و تعذّر بعضها، و أمّا فيه فالأمر أوضح لأنّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه.
(مسألة 10) إذا صالحه على داره مثلًا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صحّ و لزم و خرج من أصل التركة و إن كان الحج ندبياً (1) و لا يلحقه حكم الوصية. (1) إذا فرض كون الدار ملكاً بالمصالحة لمن اشترط المصالح عليه الحج عنه بعد موته لا يكون الحج عنه ملكاً للمصالح بالشرط لينتقل الحج عنه إلى وارثه بعد مماته، و ذلك لما ذكر في بحث الشروط من الفرق بين شرط العمل على الآخر في العقد و بين استئجار الآخر على العمل، فان العمل مع الاستئجار يكون ملكاً للمستأجر على الأجير، و لا يكون ملكاً للشارط على المشروط عليه في موارد الشرط، و لذا لو أتلف الأجير العمل على المستأجر فله إبقاء عقد الإجارة و مطالبة الأجير بالبدل، بخلاف موارد الشرط فإنه مع تخلف المشروط عليه يثبت للشارط خيار الفسخ في العقد الذي وقع فيه الشرط إذا كان العقد قابلًا لخيار الفسخ، فما عن الماتن (قدّس سرّه) من كون الحج عن المصالح ملكاً
له، و لكن بحيث لا ينتقل إلى وارثة بعد موته، و لذا يخرج من أصل التركة حتى فيما كان الحج عنه ندبياً لا يمكن المساعدة عليه، بل عدم انتقال الحج عنه إلى ملك الورثة لعدم كونه ملكاً للمصالح.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 273
و يظهر من المحقّق القمي (قدّس سرّه) في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه بدعوى أنّه بهذا الشرط ملك عليه الحج و هو عمل له أجرة فيحسب مقدار أجرة المثل لهذا العمل فإن كانت زائدة عن الثلث توقف على إمضاء الورثة، و فيه أنّه لم يملك عليه الحج مطلقاً في ذمّته ثمّ أوصى أن يجعله عنه، بل إنّما ملك بالشرط الحج عنه و هذا ليس مالًا يملكه الورثة فليس تمليكاً و وصية و إنّما هو تمليك على نحو خاص لا ينتقل إلى الورثة.
و كذا الحال إذا ملكه (1) داره بمائة تومان مثلًا بشرط أن يصرفها في الحج عنه أو عن غيره، أو ملكه إيّاها بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه، فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل و إن كان العمل المشروط عليه ندبياً.
نعم له الخيار عند تخلّف الشرط، و هذا ينتقل إلى الوارث بمعنى أنّ حق الشرط ينتقل إلى الوارث فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة. (1) هذا الفرض غير فرض صلح الدار السابق فإنه إذا باع داره بمأة مع شرطه ان يحج عن البائع بالمأة بعد موته تصير المأة ملكاً لبائعها بمجرد البيع و بعد موته تدخل المأة في تركته، فان كانت بمقدار ثلث تركة البائع أو أقل نفذ الشرط على المشتري و إلّا يكون نفوذه مشروطاً بإجازة
الوارث و رضاهم سواء كان رضاهم حال حياة البائع أو بعد موته، فان الشرط في الحقيقة وصية بالحج عنه بثمن الدار. نعم ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) ثالثاً من تمليك داره الغير و اشتراطه عليه ان يبيع الدار بعد موته و يحج بثمنه عنه، كمثال الصلح في كون الحج عنه بثمنها كبيعها ليس ملكاً للشارط حتى يحسب من تركته.
ثم انه قد ذكر (قدّس سرّه) انه يثبت في هذه الموارد مع عدم عمل المشروط عليه بالشرط خيار الفسخ فللوارث مع تخلفه فسخ الصلح أو التمليك و البيع، و قد يقال ان الخيار في الفرض غير قابل للانتقال إلى الوارث و إن ينتقل خيار الفسخ إلى الوارث في سائر الموارد، و الوجه في ذلك ان الخيار انما ينتقل إلى الوارث في الموارد التي يمكن انتفاعهم بالخيار و ليس المقام كذلك، لتعين صرف المال في الحج عن الميت. و لذا يكون مع تخلفه خيار الفسخ للميت و يستعمله الحاكم بالولاية لأن الميت لا يمكن له استعمال خيار الفسخ.
أقول: لا يخفى انه إذا فسخ الحاكم الشرعي أو الوصي المعاملة بخيار الميت، ترجع الدار أو المبيع إلى ملك الميت فتدخل الدار أو المبيع الآخر في تركة الميت لا محالة، فلا ينفذ شرطه لانفساخه بفسخ المعاملة. و حساب الشرط مع انفساخه وصيّة لازمة حسابه من ثلث الميت، و على ذلك ينتفع الوارث بخيار الفسخ حتى للميت، فان الميت لا يمكن ان يستعمل هذا الخيار، و لا وجه للالتزام بثبوته بل للحاكم ولاية على تنفيذ شرط الميت على المشروط، فيأخذ الدار في الأول و الثالث و يبيعها و يستأجر شخصاً آخر للحج عن الشارط، فالدار عند بيع الحاكم ملك للمشروط عليه يبيعها
الحاكم قهراً عليه لتنفيذ شرط الميت عليه، فلا مورد لتوهم دخولها في تركة الميت و حساب الحج عنه من ثلث الميت، و اللَّه سبحانه هو العالم.
(مسألة 11) لو أوصى بأن يحج عنه ماشياً أو حافياً صح و اعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبياً و خروج الزائد عن أجرة الميقاتية منه إن كان واجباً (1)، و لو نذر في حال حياته أن يحج ماشياً أو حافياً و لم يأت به حتى مات و أوصى به أو لم يوص وجب الاستئجار عنه من أصل التركة كذلك، نعم لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب الاستئجار عنه لأنّ المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته لأن مشي الأجير ليس ببدنة، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً.
(مسألة 12) إذا أوصى بحجّتين أو أزيد و قال: إنّها واجبة عليه صدّق و تخرج من أصل التركة (2)، نعم لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت و كان متّهماً في إقراره فالظاهر أنّه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متّهماً على ما هو الأقوى. (1) و يلاحظ الزائد عن الأجرة الميقاتية التي لم يشترط فيها لا ماشياً و لا حافياً، فان الخارج من أصل التركة طبيعي الحج الميقاتي، و أيضاً هذا فيما كانت وصيته بحجة الإسلام، و أما سائر الحج الواجب فيخرج من ثلث الميت مع الوصية لا مطلقاً، نعم القضاء من دون وصية حسابه من أصل التركة على ورثته الكبار على ما تقدم. (2) ما ذكر (قدّس سرّه) مبني على خروج مطلق الحج الواجب من التركة، و أما بناءً على اختصاصه بحجة الإسلام و خروج غيرها من الثلث إذا اوصى به، فلا ينبغي التأمل في سماع إقراره و نفوذ وصيته بحجّتين واجبتين غير حجة الإسلام من ثلثه حتى فيما إذا كان متهماً، و
أما إذا أوصى بان عليه حجّتين اسلاميتين سواء كانت إحداهما من نفسه و الأخرى عن الغير، كما إذا كان أجيراً بلا اشتراط المباشرة و كون المدة في الإجارة وسيعاً أو كانت كلتاهما عن الغير، كما ذكر يقبل قوله فإن إقراره على نفسه للغير نافذ حتى فيما إذا كان متهماً سواء كان حال الصحة أو غير مرض الموت، ما لم يعلم خلافه. و نفوذ الإقرار مستفاد من سيرة العقلاء و الروايات الواردة في الأبواب المتفرقة، نعم إذا كان إقراره بمال للغير في مرض موته يحسب إقراره من ثلثه إذا كان متهماً، و هذا طريق الجمع العرفي بين الروايات على ما بين في محله، فهل يجري التفصيل فيما كان إقراره بالحج الإسلامي عليه لا يبعد ذلك عند الماتن، حيث ذكر ان الظاهر أنه كالإقرار بالدين للغير و لكن الإلحاق لا يخلو عن تأمل لاحتمال الفرق.
(مسألة 13) لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار و شك في أنّه استأجر الحج قبل موته أو لا فإن مضت مدّة يمكن الاستئجار فيها فالظاهر حمل أمره على الصحّة (1) مع كون الوجوب فورياً منه، و مع كونه موسعاً إشكال، و إن لم تمض مدّة يمكن الاستئجار فيها وجب الاستئجار من بقيّة التركة إذا كان الحج واجباً و من بقيّة الثلث إذا كان مندوباً، و في ضمانه لما قبض و عدمه لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان (1) لا يخفى انه لو كان أمره تأخير الاستئجار يحمل تأخيره على الصحة أيضاً، حيث يحتمل ان يكون له عذر شرعي في التأخير حتى مع وجوب الاستئجار فوراً، كما إذا لم يجد من يثق به في الاستنابة. و على الجملة الحمل على
الصحة مع عدم العلم بارتكاب المعصية مقتضاه ان لا ينسب اليه الحرام و المعصية و لا يثبت وقوع عمل واجب عليه فوراً أو غير فور، نعم إذا أحرز صدور عمل عنه لصحته و عدم بطلانه أثر شرعي للآخرين تجري أصالة الصحة في عمله بعد إحراز صدور ذلك العمل منه فيترتب عليه اثر صحته.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 277
وجهان (1)، نعم لو كان المال المقبوض موجوداً أخذ حتّى في الصورة الأُولى و إن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان ممّا يحتاج إلى بيعه و صرفه في الأجرة و تملك ذلك المال بدلًا عمّا جعله أجرة لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميّت.
(مسألة 14) إذا قبض الوصي الأجرة و تلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامناً، و وجب الاستئجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثلث (2)، و إن اقتسمت على الورثة استرجع منهم، و إن شك في كون التلف عن تقصير أو لا فالظاهر عدم الضمان (1) أظهرهما عدم ضمانه بعد فرض أن الميت جعله أميناً و يحتمل تلف المال بلا تفريط منه، نعم إذا كانت عين المال موجودة أخذت حتى فيما إذا احتمل أنّه استأجر بماله و تملكه بدلًا عما استأجر به لجريان الاستصحاب في بقاء المال على ملك الميت، و لا تجري قاعدة اليد مع العلم بالحالة السابقة في اليد مع عدم دعوى ذي اليد ملكيته. (2) و الوجه في ذلك هو أن حجة الإسلام أو مطلق الحج الواجب على عهدة الميت يحسب ديناً عليه و تعلقه بالتركة بنحو الكلي في المعين، و لذا لو تلفت التركة إلا بمقدار الدين يتعين صرفه في أدائه، و على ذلك
فتلف الأجرة بيد الوصي من غير تقصير يوجب الأداء من بقية التركة حتى لو قسمت البقية على سهام الورثة، حيث ان تلفها بيده كشف عن بطلان القسمة بالإضافة إلى أجرة الحج، و إذا كان الموصى به حجاً ندبياً فيخرج من ثلث الميت و ثلث الميت مع سهام الورثة. و إن كان بنحو الإشاعة كما هو ظاهر عنوان الثلث المضاف إلى مال الميت في الأدلة «و لو تلف من التركة شي ء يحسب على الميت و سهام الورثة» لكن المفروض في المقام ان ما تلف بيد الوصي كان متعيناً في مال الميت كما هو مقتضى ولاية الوصي بسهم الميت و أخذه و لا يحسب على سائر الورثة، الا انه إذا كان من ثلث الميت بقية يكون مقتضى وجوب العمل بالوصية صرف بقيته في تنفيذها و لو بالأخذ من يد الورثة، حيث ان تلفه يكشف عن بطلان تمام البقية بين الورثة فان الموصى به محدود بعنوان الحج لا بمقدار المال المتلف بيد الوصي من غير ضمان، و على الجملة فالتالف كاشف عن عدم انتقال بقية ثلث الميت إلى الورثة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 278
أيضاً (1)، و كذا الحال إن استأجر و مات الأجير و لم يكن له تركة (2) أو لم يمكن الأخذ من ورثته.
(مسألة 15) إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندباً و لم يعلم أنّه يخرج من الثلث أو لم يجز صرف جميعه (3)، نعم لو ادّعى أنّ عند الورثة ضِعف هذا أو أنّه أوصى سابقاً بذلك و الورثة أجازوا وصيّته ففي سماع دعواه و عدمه وجهان (4). (1) لأن الوصي داخل في عنوان الأمين و الأمين لا يضمن المال الا
مع التقصير المنفي بالأصل. (2) حيث إنه لو كان للأجير تركة تؤخذ من تركته مقدار الأجرة أو قيمة الحج الذي آجر نفسه عليه، فإنه من الدين على الأجير فتخرج من تركته. و أما إذا لم يكن له تركة فبما أنه ليس على الوصي ضمان تخرج من بقية التركة أو بقية الثلث على ما تقدم. (3) لان ما عنده و إن كان ملكاً للموصى الا انه لا يعلم ولايته بالتصرف في جميعها بالوصية، و أصالة الصحة لا تجرى من موارد الشك في ولاية المتصرف. و دعوى أن أصالة الصحة تقتضي ان المال بمقدار الثلث كما ترى فان جريانها موقوف على ثبوت ولايته المتوقفة على كونه بمقدار الثلث. (4) و لكن الأظهر عدم السماع فإنه يعتبر قول ذي اليد إذا كان إقراراً على النفس. أو فيما قام دليل خاص على اعتباره كالإخبار بنجاسة ما بيده و لا يدخل المقام في شي ء منها، فإن إخباره بضعف المال بيد الورثة يعد من الإقرار للنفس و الدعوى للورثة، و قوله فإنهم أجازوا وصيته من قبل الإخبار عنهم يعتبر فيه شرط قبول الخبر، و أما أصالة الصحة في وصيته بالحج بالمال المزبور فقد تقدم عدم جريانها في موارد الشك في ولاية المتصرف.
(مسألة 16) من المعلوم أنّ الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج (1)، و يجوز النيابة فيه عن الميّت، و كذا عن الحي إذا كان غائباً عن مكّة أو (1) الظاهر عدم الخلاف في الاستحباب النفسي للطواف حول الكعبة و إن لم يكن في ضمن حج أو عمرة، و يشهد لذلك عدة روايات بل يمكن استفادة ذلك من إطلاق قوله سبحانه إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ
شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ «1». و قد ورد في بعض الروايات كصحيحة حريز بن عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «الطواف لغير أهل مكة أفضل من الصلاة، و الصلاة لأهل مكة و القاطنين بها أفضل من الطواف» «2» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «يستحب ان يطوف ثلاثمأة و ستين أسبوعاً على عدد أيام السنة» «3» الحديث إلى غير ذلك مما يستفاد منه الاستحباب النفسي للطواف حول البيت و يجوز في الطواف المستحب النيابة عن الغير، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قلت له فأطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة؟ فقال: نعم، يقول حين يفتتح الطواف: اللّهمّ تقبل من فلان، للذي يطوف عنه» «4» و صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: «سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته و عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله و هو عنه غائب ببلد آخر، قال: نعم» «5» الحديث فإنها تعم ما كان الجعل بعنوان النيابة أو هدية الثواب بل ما بعده قرينة على كون المراد النيابة، و صحيحة موسى بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثاني: «قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك، فقيل لي: ان الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال: بلى، طف ما أمكنك» «6» نعم لا يجوز النيابة عن الحاضر بمكة إذا لم يكن به علة، كما يشهد بذلك صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال: «كنت إلى جنب أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و عنده ابنه عبد اللَّه أو ابنه
الذي يليه، فقال: له رجل أصلحك اللَّه يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علّة؟ فقال: لا، لو كان يجوز لأمرت ابني فلاناً فطاف عني و سمى الأصغر و هما يسمعان» «7» و التقييد بعدم العلة مفروض في كلام السائل فلا يدلّ على جواز النيابة عن الحاضر بمكة إذا كان به علّة، الا انه يمكن ان يستدل عليه بما دلّ على «جواز النيابة في الطواف عن المريض و المغمى عليه و المبطون» «8» حيث لا يحتمل اختصاصه بما إذا كان جزءاً من الحج أو العمرة، أضف إلى ذلك بعض الإطلاقات في بعض الروايات، ففي رواية أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «من وصل أباً، أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له أجره كاملًا، و للذي طاف عنه، مثل أجره و يفضل هو بصلته إياه بطواف آخر» «9» فإنها تعم بإطلاقها ما إذا كان الأب أو القريب أيضاً بمكة غاية الأمر إذا لم يكن للحاضر علة لم تجز النيابة على ما تقدم.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 280
حاضراً و كان معذوراً في الطواف بنفسه، و أمّا مع كونه حاضراً و غير معذور فلا تصحّ
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 281
النيابة عنه، و أمّا سائر أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم حتّى مثل السعي بين الصفا و المروة (1). (1) ذكر بعض الأصحاب انه يظهر من بعض الروايات استحبابه لنفسه كالطواف، ففيما رواه في الوسائل عن البرقي في المحاسن عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و
سلّم) «لرجل من الأنصار إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند اللَّه أجر من حجّ ماشياً من بلاده و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة» «1» و لكنها لم ترد إلا في مقام بيان ثواب اعمال الحج و العمرة و مناسكها لا في مقام ثواب السعي بين الصفا و المروة منفرداً عن الحج و العمرة، كما يظهر ذلك بملاحظة روايتي التهذيب و الفقيه فإنه روى في التهذيب عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) «و هو يحدث الناس بمكة فقال ان رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يسأله فقال له رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ان شئت فسل و إن شئت أخبرتك بما جئت تسألني عنه فقال أخبرني يا رسول اللَّه فقال جئت تسألني مالك في حجك و عمرتك فان لك إذا توجهت إلى سبيل الحج ثم ركبت ثم قلت بسم اللَّه و باللَّه مضت راحلتك لم تضع خفاً الا كتب لك حسنة و محى عنك سيئة فإذا أحرمت و لبست قال لك بكل تلبية لبيتها عشر حسنات و محى عنك عشر شيئات فاذا طفت بالبيت الحرام أسبوعاً كان لك بذلك عند اللَّه عهد و ذخر يستحي أن يعذبك بعده أبداً فإذا صليت الركعتين خلف المقام كان لك بها حجة متقبلة فإذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك مثل أجر من حج ماشياً من بلاده و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة» الحديث و كذا في الفقيه فلا دلالة لها على استحباب السعي بين الصفا و المروة نفسياً
كما لا دلالة لها على استحباب الإحرام كذلك، و يستظهر الاستحباب النفسي أيضاً مما رواه الصدوق في العلل عن محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى و احمد بن إدريس عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن مسلم عن يونس عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقول ما من بقعة أحب إلى اللَّه من المسعى لانه يذل فيه كل جبار عنيد» «2» السند المذكور في المروي في الوسائل عن العلل، و حيث انه لم يجد رواية يرويها محمد بن الحسن الأشعري عن محمد بن مسلم كما لم يوجد رواية رواها محمد بن مسلم عن يونس، و الصحيح هو محمد بن أسلم و لم يثبت له توثيق فلا يمكن الاعتماد عليها، بل لا دلالة لها الا على فضيلة المسعى لا استحباب السعي فيه نفسياً، و على الجملة لم يثبت الاستحباب النفسي لشي ء من اعمال العمرة أو الحج نفسياً غير الطواف و ركعتيه.
(مسألة 17) لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجّة الإسلام و علم أو ظن أنّ الورثة لا يؤدون (1) عنه إذا ردها إليهم، جاز بل وجب عليه أن (1) ذكر (قدّس سرّه) أن الصحيحة و إن كانت مطلقة الا ان الأصحاب قيدوها بما إذا علم أو ظن بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم، و لكن قد يقال ان كان المراد من الإطلاق شمول الصحيحة لصورة احتمال عدم الأداء ان دفع المال إليهم فالإطلاق صحيح و لكن لا موجب لرفع اليد عنه، و إن كان المراد شمولها حتى لصورة علمه بأداء الورثة على تقدير دفع الوديعة إليهم فالإطلاق
غير تام، لان فرض السائل في السؤال «ليس لوارثه شي ء» لاحتماله أن الورثة لحاجتهم إلى المال لا يؤدون الحج عن الميت على تقدير دفعه إليهم، و لو لم يكن هذا ظاهر ذكر الفرض و لا أقل من الاحتمال فلا يتم الإطلاق، و على الجملة لا يعتبر علم المستودع و لا ظنه بعدم أداء الوارث بل يكفي احتمال ذلك و إن لم يكن بمرتبة الظن، و المستفاد من قول الإمام (عليه السّلام) في الجواب «حج عنه و ما فضل فأعطهم» هو ان اللازم ان لا يبقى حجة الإسلام على عهدة الميت مع عدم العلم بحج الورثة عن مورثهم، و لذا لا فرق في الحكم بين عدم المال للوارث أو كان لهم و لكن لا يعلم الأداء منهم مع دفع الوديعة إليهم حتى في هذه الصورة، أقول فرض السائل عدم المال للورثة بنفسه يوجب الظن نوعاً بأنهم لحاجتهم إلى المال لا يؤدون الحج عن الميت خصوصاً في صورة إنكارهم أو تشكيكهم في استقراره عليه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 283
يحج بها عنه، و إن زادت عن أجرة الحج رد الزيادة إليهم لصحيحة بريد «عن رجل استودعني مالًا فهلك و ليس لوارثه شي ء و لم يحج حجّة الإسلام قال (عليه السّلام): حج عنه و ما فضل فأعطهم» و هي و إن كانت مطلقة إلّا أنّ الأصحاب قيّدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم، و مقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى الاستئذان من الحاكم الشرعي (1)، و دعوى أنّ ذلك للإذن من الإمام (عليه السّلام) كما ترى، لأنّ الظاهر من كلام الإمام (عليه السّلام) بيان الحكم الشرعي، ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن
من الحاكم، و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء، و كذا عدم الاختصاص بحج الودعي بنفسه لانفهام الأعم من ذلك منها. (1) المراد بإطلاق الرواية عدم ذكره (عليه السّلام) في الجواب التقييد بمثل اذنه، بان يقول «أذنت لك في الحج عنه و ما فضل فأعطهم» فإن عدم تقييد الجواب مثل ما ذكر ظاهره أنه (عليه السّلام) في مقام بيان الوظيفة الشرعية الثابتة للواقعة المفروضة واقعاً مع قطع النظر عن بيانه، و يجري هذا الظهور في كل مورد بوجه الامام (عليه السّلام) الحكم إلى السائل أو غيره في مقام الجواب عن واقعة محقّقة أو مفروضة تحققها تقع مورد السؤال، و ما ذكر مراد الماتن (عليه السّلام) من قوله لان الظاهر من كلام الامام (عليه السّلام) بيان الحكم الشرعي.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 284
و هل يلحق بحجّة الإسلام غيرها من أقسام الحج (1) الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه مثل الخمس و الزكاة و المظالم و الكفارات و الدين أو لا؟ و كذا هل (1) قد تقدم أن وجوب القضاء في غير حجة الإسلام سواء كانت على الميت بالأصالة أو الاستئجار و نحوه غير ثابت، بل يقضى غيرها عنه بالوصية من ثلثه، و إذا أوصى من ائتمنه بالمال ان يحج عنه ندباً أو يقضي ما عليه من الحج النذري أو الافسادي نفذت، إذا كان ما يصرفه في الموصى له بمقدار ثلثه أو أقل منه على ما تقدم، و إن أوصى وارثه بذلك و يعلم من عنده المال ان الوارث لا يعمل بوصيته أو لا يطمئن بأنه يقوم بالعمل على وصيته فحسبه الاستيذان من الحاكم؛ و أما إذا احتمل
انه يعمل بوظيفته فاللازم دفعه إلى الوارث، حيث ان مقتضى الوصية إلى الوارث ان يكون ثلثه بيد وارثه و إيصاله اليه، و المفروض ان ما بيده ثلثه مع سهام الورثة أو بعض ذلك، و مما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا كان على الميت زكاة أو خمس أو دين مالي و لو من المظالم فإنها تخرج عن أصل التركة، و لا ينتقل إلى ملك الورثة فإن علم من عنده الوديعة ان الورثة لا يؤدون ما على الميت أو اطمئن بذلك أو ظن فلا يجوز دفع المال إليهم، لأنه من تفويت ملك الميت بل يجب عليه صرفها فيما على الميت، و لكن بالاستئذان من الحاكم، حيث يحتمل اختصاص الحكم المتقدم بالحج عن الميت، و مقتضى القاعدة عدم جواز التصرف في تركته لانه من ملك الميت أو ملكه مع ملك سائر الورثة، فالأداء من باب الحسبة يرجع فيه إلى الحاكم، و أما غير ما ذكر يظهر الحال في سائر الواجبات التي تقضى عن الميت بالوصية و يدخل فيها الكفارات، فإنه مع عدم الوصية يرجع المال إلى الورثة و معها حالها حال الوصية بغير حجة الإسلام.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 285
يلحق بالوديعة غيرها (1) مثل العارية و العين المستأجرة و المغصوبة و الدين في ذمّته أو لا؟ وجهان، قد يقال بالثاني، لأنّ الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا إنّ التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث و إن كانوا مكلّفين بأداء الدين و محجورين عن التصرف قبله، بل و كذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميّت لأنّ أمر الوفاء إليهم فلعلّهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال أو أرادوا أن يباشروا العمل الّذي على الميّت
بأنفسهم، و الأقوى مع العلم بأنّ الورثة لا يؤدّون بل مع الظنّ القوي أيضاً جواز الصرف فيما عليه، لا لما ذكر في المستند: من أنّ وفاء ما على الميّت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك، و أولوية الورثة بالتركة إنّما هي ما دامت موجودة و أمّا إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتّى يكون الورثة أولى به، إذ هذه الدعوى فاسدة جدّاً، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة، أو دعوى تنقيح المناط، أو أنّ المال إذا كان بحكم مال الميّت فيجب صرفه عليه و لا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه، بل و كذا (1) لا يبعد الإلحاق، و ذلك فان الحكم الوارد في الصحيحة و إن كان مخالفاً للقاعدة، و لذا ذكرنا ان في غير الحج مما على الميت يكون اللازم المراجعة إلى الحاكم الشرعي و الاستيذان منه في وفاء ما على الميت من بيده المال، إلّا أن فرض السائل الوديعة لكونها موجبة لصيرورة مال الميت بيده لا لدخالتها بخصوصها، فيعم الحكم ما إذا كان مال الميت بيده بعنوان آخر، و الوجه في كون الحكم المزبور على خلاف القاعدة ان تعلق الحج بتركة الميت على ما تقدم، و إن كان بنحو الكلي في المعين، و ما بيده اما مال الميت و الورثة أو مال الميت فقط و لا ولاية لمن بيده المال على الميت و لا على الورثة، بل إذا كان عنده ما يكفي لحجة الإسلام فقط و لم يكن للميت مال آخر فللورثة حق الاختصاص بأعيان التركة فلهم إخراجه من مالهم و لو بالاستدانة على أنفسهم أو مباشرتهم في الحج عن
ميّتهم، و كذا في غير حجة الإسلام مما يخرج عن أصل التركة من الزكاة و الخمس و المظالم و سائر الديون المالية فيما تضمنته الصحيحة من التكليف على المستودع، الحج عن الميت بما بيده من مال الميت، سواء كان بمقدار مصرف الحج أو أزيد في صورة ظنّه بأن الورثة لا يؤدون الحج عن ميتهم، أو في صورة مطلق الاحتمال ينافي حق الورثة في أعيان التركة، بل هم مكلفون مع عدم وصية الميت بإخراج الحج من التركة، إلّا أنّه كما ذكرنا لا خصوصية للوديعة في هذا الحكم، و أما ما ذكر في المستند أن مقتضى الأخبار المتواترة المصرحة بوجوب قضاء الحج عن الميت من أصل ماله من غير خطاب إلى شخص معين، وجوبه على كل مكلف. و هو يجعل الوجوب الكفائي للمستودع أصلا ثانياً، فالتوقف على الاذن يحتاج إلى دليل، بل يكون مقتضى ما ذكر ان الوجوب في غير الحج من الموارد ما يقضى من أصل التركة أو يؤدي منه كوجوب قضاء الحج و أولوية الورثة ما دامت أصل التركة باقية، و أما إذا بادر أحد إلى صرفها فيما يخرج عن الأصل لا يبقى مال حتى يكون الورثة أولى به، و لذا لا يعتبر الاذن من الحاكم الشرعي في هذه الموارد، حيث لا يمكن المساعدة عليه. فان مقتضى كون التركة أكثر مما يجب، يخرج من أصل التركة.
و كذا مقتضى تعلق حق أولياء الميت بأعيانها ان لا يجوز التصرف فيها الا بالاستئذان منهم، و لو كان وجوب القضاء بنحو الواجب الكفائي بحيث يكون لكل مكلف الولاية في التصرف في تركة الميت، لجاز للأجنبي عن أولياء الميت الحج عن الميت من عند نفسه و لو بقصد أخذ أجرة
المثل ثم أخذها من الورثة قهراً عليهم، أو سرقة من عندهم، و ليس عدم جواز ذلك إلّا لكون الورثة هم المكلفون بالإخراج و الأداء، كما يشهد بذلك مثل صحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه السّلام) «في رجل خرج حاجّاً حجة الإسلام فمات في الطريق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام» «1».
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 286
على القول بالانتقال إلى الورثة حيث إنّه يجب صرفه في دينه فمن باب الحسبة يجب على من عنده صرفه عليه، و يضمن لو دفعه إلى الوارث لتفويته على الميّت، نعم يجب الاستئذان من الحاكم لأنّه ولي من لا ولي له، و يكفي الإذن الإجمالي فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه كما قد يتخيّل، نعم لو لم يعلم و لم يظن عدم تأدية الوارث يجب الدفع إليه، بل لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً و أمكن إثبات ذلك عند الحاكم أو أمكن إجباره عليه لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه.
(مسألة 18) يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه و عن غيره، و كذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره.
(مسألة 19) يجوز لمن أعطاه رجل مالًا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه ما لم يعلم أنّه أراد الاستئجار من الغير، و الأحوط عدم مباشرته (1) إلّا مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحج في الخارج، و إذا عيّن شخصاً تعيّن إلّا إذا علم عدم أهليّته و أنّ المعطي مشتبه في تعيينه أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد. (1) و الوجه في كون الاحتياط استحبابياً و يجوز له استئجار نفسه للحج عنه هو أن ظهور كلام الموكل و لو كان إطلاقياً معتبر مع عدم العلم بالخلاف و كون استئجار الغير متيقنا بحسب مراد المعطى واقعاً، لا يوجب رفع اليد عن الظهور الإطلاقي لكلامه و توكيل شخص في أحد طرفي المعاملة لا يوجب إخراجه فيها عن الطرف الآخر لإمكان كون الشخص أصيلًا في المعاملة وكيلًا فيها عن الآخر. و على الجملة الظهور و لو كان إطلاقاً يعتبر مع عدم العلم بالخلاف و لا يكون اعتباره تابعاً لإحراز الواقع و دعوى انصراف الإطلاق إلى استئجار غير نفسه في مثل التوكيل في الاستئجار للحج مما يكون الوكيل كالغير إن لم يكن أولى منه ممنوعة.
فصل في الحج المندوب
(مسألة 1) يستحب لفاقد الشرائط من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما أن يحج مهما أمكن، بل و كذا من أتى بوظيفته من الحج الواجب، و يستحب تكرار الحج بل يستحب تكراره في كل سنة، بل يكره تركه خمس سنين متوالية، و في بعض الأخبار: «من حجّ ثلاث حجّات لم يصبه فقر أبداً».
(مسألة 2) يستحب نيّة العود إلى الحج عند الخروج من مكّة، و في الخبر إنّها توجب الزيادة في العمر، و بكرة نيّة عدم العود، و فيه أنّها توجب النقص في العمر.
(مسألة 3) يستحب التبرّع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياءً و أمواتاً، و كذا عن المعصومين: أحياءً و أمواتاً، و كذا يستحب الطواف عن الغير و عن المعصومين: أمواتاً و أحياءً مع عدم حضورهم في مكّة أو كونهم معذورين.
(مسألة 4) يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك.
(مسألة 5) يستحب إحجاج من لا استطاعة له.
(مسألة 6) يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها.
(مسألة 7) الحج أفضل من الصدقة بنفقته.
(مسألة 8) يستحب كثرة الإنفاق في الحج، و في بعض الأخبار: «إنّ اللَّه يبغض الإسراف إلّا بالحج و العمرة».
(مسألة 9) يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها.
(مسألة 10) لا يجوز الحج بالمال الحرام لكن لا يبطل الحج إذا كان لباس إحرامه و طوافه و ثمن هديه من حلال. (1)
(مسألة 11) يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى بل الأبوين في بعض الصور، و يشترط أيضاً أن لا يكون عليه حج واجب مضيق، لكن لو عصى و حج صح. (2)
(مسألة 12) يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه، كما يجوز أن يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه.
(مسألة 13) يستحب لمن لا مال له يحج به أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره، و في بعض الأخبار: إنّ للأجير من الثواب تسعاً و للمنوب عنه واحد. (1) لبس ثوبي الإحرام و إن كان واجبا عند الإحرام إلا أنه مجرد تكليف لا أنه شرط في انعقاده و عليه لا يبطل الإحرام إذا كان من غير حلال بخلاف الطواف و ثمن الهدي. (2) إذا كان ما عليه من الحج الواجب ينطبق على المأتي به ندبا كما إذا نذر الحج في سنته و أتى بالحج فيها بالحج الندبي صح و لا عصيان أيضا كما تقدم فإنه ليس الوفاء بالنذر عنوانا قصديا و نظير ذلك ما إذا كان مستطيعا للحج و تخيل أن وجوبه من قبيل الواجب الموسع و قصد في سنته الحج الندبي و أما في غير ذلك ففي صحة حجه أيضا ما تقدم في مسائل وجوب الحج
فصل في أقسام العمرة
(مسألة 1) تنقسم العمرة (1) كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب (1) العمرة لغة الزيارة مأخوذة من العمارة لأنّ الزائر يعمر المكان بزيارته، و شرعاً اسم للأعمال الخاصة التي تبدء بالإحرام من الميقات، ثمّ طواف البيت و صلاته، ثمّ السعي بين الصفا و المروة، ثمّ التقصير، و يعتبر في المفردة طواف النساء على ما يأتي، و مشروعية العمرة في نفسها ثابتة بالكتاب المجيد، كما أنّ وجوب إتمامها بعد الدخول فيها مستفاد منه. قال سبحانه و تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما «1»، و قال وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «2».
و ربّما يقال بأنّ وجوب العمرة مستقلا مستفاد من قوله سبحانه وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «3»، فإنّ حجّ البيت يعمّ العمرة أيضاً، و لكن لا يخفى أنّه لو كان حجّ البيت أي قصده شاملًا لكل منهما يكون المستفاد وجوب أحدهما لا وجوبهما معاً، و هذا مع قطع النظر عن الروايات المفسّرة، و أمّا مع ملاحظتها فلا مجال للتأمّل في وجوب كل منهما، و انّ ذلك أيضاً مراد من قوله سبحانه.
و في صحيحة عمر بن أذينة المروية في العلل قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج دون العمرة؟ قال: لا و لكنّه يعني الحج و العمرة جميعاً لأنّهما مفروضان» «4»، و في صحيحة الفضل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قال: هما مفروضان «5». و في مصحّحة معاوية بن عمار عن أبي عبد
اللَّه (عليه السّلام) قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع إليه سبيلًا لأنّ اللَّه (عزّ و جلّ) يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «6».
إلى غير ذلك ممّا يستفاد منه وجوبها على كل مكلف استطاع إليها، و أنّ وجوبها في العمر مرّة واحدة، و أنّها تجب على المستطيع إليها فوراً، كما هو مقتضى كونها بمنزلة الحج الوارد في المصحّحة و نحوها، و المستفاد من غيرها كمصححة عمر بن أذينة المروية في الكافي: «قال: كتبت إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)» بمسائل بعضها مع ابن بكير و بعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب بإملاءه سألت عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج و العمرة جميعاً لأنّهما مفروضان، و سألته عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قال: يعني بتمامهما أدائهما، و اتقاء ما يتقى المحرم فيهما) «1» الحديث، و ظاهرها وجوب كل منهما و إن لم يتحقق شرط وجوب الآخر و ما قيل من عدم وجوب أحدهما إلّا مع الاستطاعة للآخر أو أنّ الحج يجب مع الاستطاعة له مجرّداً عنها، و لكن وجوب العمرة مشروط بالاستطاعة للحج، كما عن الدروس لا يناسب ظاهر ما تقدّم من الأخبار و غيرها و هذا في العمرة المفردة، و أمّا في وجوب حج التمتع فلا ينبغي التأمّل في أنّ وجوبه مشروط بالاستطاعة لعمرة التمتع، حيث إنّ عمرته شرط في صحة حج التمتع على ما يأتي.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 292
فتجب بأصل الشرع على كل مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحج في العمر مرّة، (1) بالكتاب و السنّة و
الإجماع، ففي صحيحة زرارة: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج فإنّ اللَّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، و في صحيحة الفضيل في قول اللَّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ قال (عليه السّلام): «هما مفروضان».
و وجوبها بعد تحقّق الشرائط فوري كالحج، و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفي استطاعتها في وجوبها و إن لم تتحقّق استطاعة الحج، كما أنّ العكس كذلك فلو استطاع للحج دونها وجب دونها، و القول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما و أنّهما مرتبطان ضعيف، كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة.
(مسألة 2) تجزئ العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة بالإجماع و الأخبار (2)، و هل تجب على من وظيفته حج التمتّع إذا استطاع لها و لم يكن مستطيعاً للحج؟ المشهور عدمه، بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات، و هو الأقوى، و على هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و إن كان مستطيعاً لها و هو في مكّة، و كذا لا تجب على من تمكّن منها و لم يتمكّن من الحج لمانع، و لكن الأحوط الإتيان بها. (1) بلا خلاف بين الأصحاب و يدل عليه غير واحد من الروايات منها صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر ع في حديث قال العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج لأن الله تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ (2) لا خلاف بين الأصحاب في أجزاء عمرة التمتع عن العمرة المفردة، و يدلّ عليه الروايات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السّلام) كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة» «1». و في
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أ يجزي ذلك عنه؟ قال: نعم» «2». و صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ يكفي الرجل إذا تمتّع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أصحابه» «3» إلى غير ذلك ممّا لا مجال للمناقشة فيها سنداً أو دلالة.
و أمّا من لم يكن مستطيعاً للحج و لم يجب عليه حج التمتع، و كان مستطيعاً بالإضافة إلى العمرة المفردة فقط، فهل تجب عليه العمرة المفردة كمن استطاع في عصرنا الحاضر في غير أشهر الحج للعمرة، و كما في الأجير للحج عن الغير بعد فراغه عن الحج النيابي؟ فالمشهور عند الأصحاب عدم وجوبها كما هو مختار الماتن أيضاً، و إنْ ذكر أنّ الإتيان بها أحوط، و ربّما قيل بوجوبها في الفرض بدعوى إنّ ما تقدّم من الأخبار في أنّ العمرة و الحج مفروضان، و أنّ العمرة واجبة على الخلق، و أنّها بمنزلة الحج مقتضاها وجوبها على كل مكلف إذا استطاع لها كوجوب الحج عليهم إذا استطاعوا له، غاية الأمر أنّ الآفاقي إذا استطاع لحج التمتع تكون عمرة التمتع مجزية، بل يكون الواجب في حقه عمرة التمتع دون المفردة، و يبقى غير هذا الفرض تحت إطلاقاتها، و لكن لا يخفى أنّ العمرة الواردة في الروايات المتقدمة الدالة على وجوبها لم تقيّد بكونها عمرة مفردة، و إنّما استفيد كونها مفردة لظهور تلك الأخبار في الوجوب الاستقلالي المستفاد من إطلاقها، و إذا قام الدليل على دخول عمرة
التمتع في الحج يرفع اليد عن ظهورها الإطلاقي بالإضافة إلى الآفاقي، حيث إنّ عمرة التمتع داخلة في إطلاق العمرة، فتجب إذا استطاع للحج، فتكون جزءً من الحج، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لأنّ اللَّه تعالى يقول فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فليس لأحد إلّا أن يتمتع، لأنّ اللَّه أنزل ذلك في كتابه و جرت به السنة من رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) «1»، و نحوها غير واحد من الروايات.
و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) قول اللَّه (عزّ و جلّ) من كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال: يعني: أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلًا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة، فهو ممّن دخل في هذه الآية و كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» «2»، فإنّ ظاهر هذه أنّ من كان أهله وراء الحد فعليه في عمرته و حجه التمتع، و المفروض أنّ الآية ناظرة إلى بيان الفريضة من العمرة و الحج، و لو كان الواجب على الآفاقي مع استطاعته للعمرة المفردة الإتيان بها إذا لم يكن مستطيعاً للحج لأشير إلى ذلك، و لو في بعض الروايات الواردة في الأجير الصرورة على الحج عن الغير بأنّ عليه بعد الفراغ عن الحج النيابي الإتيان بالعمرة المفردة لاستطاعته له، و لا ينافي ما ذكرنا ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) من قوله «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج لأنّ اللَّه
تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و إنّما نزلت العمرة بالمدينة» «3»، حيث إنّ نزول العمرة في المدينة لا ينافي وجوب عمرة التمتع على أهلها.
غاية الأمر ورد بيان ذلك فيما بعد على ما دلّت الروايات الواردة في أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) النّاس بالإحلال بعد فراغهم من السعي بين الصفا و المروة.
(مسألة 3) قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد، و تجب أيضاً لدخول مكّة بمعنى حرمته بدونها، فإنّه لا يجوز دخولها إلّا محرماً إلّا بالنسبة إلى من يتكرّر دخوله و خروجه كالحَطّاب و الحَشّاش.
و ما عدا ما ذكر مندوب (1). (1) ما ذكر في هذه المسألة بيان لموارد وجوب العمرة بالعرض، كما إذا وجبت بالنذر و الحلف و العهد و بالشرط في ضمن العقد و بالإجارة، حيث إنّ وجوبها لوجوب الوفاء بالنذر و الحلف و العهد و الشرط هو وجوب الوفاء بالإجارة، و تجب أيضاً لدخول مكة بمعنى حرمة الدخول فيها بدون الإحرام، كما تشهد لذلك عدة روايات منها صحيحة عاصم بن حميد، قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): يدخل الحرم أحد إلّا محرماً؟ قال: لا، إلّا مريض أو مبطون» «1»، و صحيحة محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال: لا إلّا أن يكون مريضاً أو به بطن» «2»، و في صحيحة رفاعة بن موسى قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل به بطن أو وجع شديد يدخل مكة حلالًا؟ قال: لا يدخلها إلّا محرماً، قال: إنّ الحطابة و المجتلبة أتوا النّبي (صلّى اللَّه
عليه و آله و سلّم) فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالًا» «3»، و صدر هذه الصحيحة محمول على الاستحباب جمعاً بينهما و بين الصحيحتين السابقتين.
ثمّ إنّ المذكور في الصحيحتين و إن كان وجوب الإحرام لدخول الحرم، إلّا أنّ
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 296
.......... المراد صورة إرادة دخول مكة بقرينة أنّ هذا الحكم لأجل حرمة مكة، و انّ الداخل فيها من خارج الحرم يجب أن يكون ناسكاً و ليس مجرّد الإحرام بنسك، و إنّما يكون كذلك فيما كان في ضمن العمرة أو الحج، و موضع بقية الأعمال في العمرة مكة، و لذا وقع السؤال في بعض الروايات عن الدخول فيها بلا إحرام كصحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال: لا، إلّا مريضاً أو من به بطن» «4»، و لا يبعد اتحادها مع الصحيحة المتقدمة، و انّ الاختلاف فيهما حدث في نقل بعض الرواة، و يستثنى من الحكم عدّة أشخاص:
الأول: المريض الذي يكون في مشقّة من الدخول بالإحرام بشهادة ورود استثنائه في الروايات، و ظاهرها من يكون مريضاً عند دخوله مكة بأن لم يزل العلة قبل دخوله فيها، و لو زال قبل ذلك يرجع إلى الميقات أو خارج الحرم و يحرم ثمّ يدخل.
الثاني: من يدخل مكة بإحرام حج الإفراد أو القرآن أو بإحرام عمرة التمتع، فإنّ من يدخل فيها كذلك يكون على الإحرام.
الثالث: من يقتضي عمله و مهنته تكرّر الدخول و الخروج منها كالحطاب، و من يجلب حاجيات البلد من خارجه، و قد ورد في ذيل صحيحة رفاعة بن موسى المتقدمة «انّ الحطابة و المجتلبة أتوا النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و
سلّم)، فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالًا» «5». الرابع: و لم يتعرّض له الماتن و هو الداخل فيها قبل انقضاء الشهر الذي اعتمر
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 297
.......... فيه، سواء كان ما أتى به أولًا بقصد عمرة التمتّع أو العمرة المفردة، و يدلّ على ذلك بعض الروايات كموثّقة إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته، ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق، أو إلى بعض المعادن، قال: يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأنّ لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج، قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال: كان أبي مجاوراً ههنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج» «1»، حيث إنّ قوله (عليه السّلام) «يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه» بمفهومه يدلّ على عدم وجوب الإحرام فيما كان دخوله في الشهر الذي اعتمر فيه، كما أنّ مقتضى تعليله (عليه السّلام) «لأنّ لكل شهر عمرة» عدم الفرق في الحكم بين ما كان الأولى بقصد عمرة التمتع أو بقصد العمرة المفردة، و لعلّ قوله (عليه السّلام) في ذيلها «كان أبي مجاوراً.» إشارة إلى عدم مشروعية الإحرام بالعمرة مع عدم انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه، و لذا أحرم أبوه (عليه السّلام) بالحج المراد منه حج الإفراد، حيث إنّ ميقات حج التمتع مكة لا غير، و يأتي إن شاء اللَّه. أنّ العمرة الأولى التي كانت بقصد التمتع لا تبطل بالخروج بلا إحرام، و لكن تحسب عمرة مفردة،
و يدلّ أيضاً على الحكم ما ورد في صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ.، قال: قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام، ثمّ رجع إبّان الحج يريد الحج فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً، قلت: فأيّ الإحرامين
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 298
.......... و المتعتين، متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجّته» «1»، و بما أنّ ظاهرها كظاهر ما تقدّم عدم بطلان العمرة الأولى بالخروج بلا إحرام للحج، و إلّا لم يكن وجه لاعتبار خروج الشهر الذي اعتمر فيه في الإحرام ثانياً تحسب العمرة الأولى مفردة، فالأحوط لو لم يكن أظهر الإتيان بطواف نسائها، و مقتضى إطلاق الأولى عموم الحكم حتى فيما كان خروجه بلا إحرام للحج عمدياً و بلا عذر، و فرض الجهل في الثانية في سؤال الراوي لا يوجب رفع اليد عن الإطلاق، و لا يبعد أن يستفاد من الدخول بإحرام جديد عدم كون طواف النساء جزءاً، بل هو واجب مستقل كما في الحج، بقي في المقام ما ذكر الأصحاب و تعرض له الماتن من وجوب العمرة المفردة بافسادها، و المراد بالإفساد الجماع قبل الفراغ من سعيها، كما يشهد لذلك صحيحة مسمع عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في الرجل يعتمر عمرة مفردة، ثمّ يطوف بالبيت طواف الفريضة، ثمّ يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: أفسد عمرته و عليه
بدنة و عليه أن يقيم، مكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهله فيحرم منه و يعتمر» «2»، و صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه أن يقيم إلى الشهر الآخر؟ فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة» «3»، و نحوهما غيرهما و ظاهر الكل صحة العمرة مع وجوب اعادتها
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 299
.......... و تكرارها، و ذلك فإنّ قوله (عليه السّلام): «و عليه الإقامة في مكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه» بضميمة الروايات الواردة في «أنّ لكل شهر عمرة مقتضاه أنّ الأمر بالبقاء و الإحرام في الشهر الآتي لئلّا تقع العمرة الثانية في الشهر الذي اعتمر فيه»، و ملاحظة اعتبار الفصل فرع صحة العمرة الأولى، و إلّا فلا تكون عمرتان لتقعا في شهرين، و عليه فيجب إتمام العمرة الأولى أخذاً بقوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، و يدلّ أيضاً على أنّ المراد بالفساد النقص لا البطلان تعليل الإمام (عليه السّلام) لزوم الكفارة بفساد عمرته، مع أنّ الكفارة تثبت حتى مع الجماع بعد السعي، و لكن اعتبار رجوعه بعد خروج الشهر إلى بعض المواقيت أو إلى ما وقته رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهله يشعر بفساد العمرة المفردة حقيقة، فإنّه لو كانت تلك العمرة صحيحة كان ميقات العمرة المفردة ثانياً خارج الحرم لا ميقات أهله، و لا أقل من عدم دلالة اعتبار إكمال الشهر على
صحة العمرة المفروض فيها الجماع قبل الفراغ من سعيها إلّا أن يتشبث في وجوب إتمامها بالإطلاق في مثل قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ للإجمال فيما دلّ على الفساد، من أنّه بمعنى الفساد، في الجماع في إحرام الحج قبل الوقوف أو بمعنى البطلان رأساً، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ في جريان الفساد كما ذكر في الجماع قبل إكمال السعي من عمرة التمتع أو اختصاصه بالعمرة المفردة خلاف، فإنّ جمعاً من الأصحاب عمّموه لعمرة التمتع أيضاً، و لكن الأظهر هو الاختصاص بالعمرة المفردة لعدم الإطلاق في مثل ما تقدّم من الأخبار، نعم ربّما يستظهر العموم من مصححة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن متمتع وقع على امرأته و لم يقصر، قال: ينحر جزوراً و قد خشيت
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 300
.......... أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً، و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه» «2».
و في المدارك أنّه إشعار فيها إلى بطلان عمرة التمتّع، و وجه الاستظهار أو الإشعار هو أنّ الحكم بنحر الجزور بالجماع قبل التقصير في فرض العلم بحرمته، و التعبير بخشية الخلل و الفساد في حجّه كون الجماع المسئول عن حكمه موجباً للفساد في الجملة، و هو ما إذا وقع الجماع قبل الفراغ من طواف عمرته و سعيها، و فيه أنّ المحتمل جدّاً كون التعبير بالخشية في صورة علمه للخوف بأنّ المتمتّع المفروض ارتكب ذلك في إحرام حجّه قبل الوقوف بالمزدلفة، حيث إنّه لم يذكر في الرواية ما يكون شاهداً لكون السؤال ناظراً إلى الجماع في إحرام التمتّع، كيف و في مصححته الأُخرى المحتمل اتّحادها مع المتقدّمة، قال: «سألت أبا عبد
اللَّه (عليه السّلام) عن متمتّع وقع على أهله و لم يزر البيت قال: ينحر جزوراً و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً، و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال: عليه جزور سمينة و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه» «1»، و لو كانت هذه ناظرة إلى صورة وقوع الجماع في إحرام التمتّع قبل طوافها لكان مدلولها عدم فساد عمرة التمتّع بالجماع قبل طوافها حتى مع العلم بحرمته و لو كانت راجعة إلى السؤال في إحرام حجّ التمتّع فالأمر في المصححة المتقدّمة أيضاً كذلك.
و أمّا الاستدلال على بطلان عمرة التمتّع بالجماع في إحرام عمرة التمتّع
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 301
.......... بالإطلاق، في مثل مصححة زرارة قال سألته «عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجبني في الوجهين جميعاً؟ قال: إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء و إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما الحج من قابل و عليهما بدنة، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكها و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» «2» الحديث فلا يمكن المساعدة عليه، فإن إطلاق الأمر بإعادة الحج في السنة الآتية قرينة على كونها ناظرة إلى الجماع في إحرام الحج، حيث إنّ فساد عمرة التمتّع لا يوجب الحج في السنة الآتية إلّا إذا لم يمكن تداركها قبل الإحرام للحج و كذا الأمر بالتفريق حتى يرجعا إلى المكان الذي أحدثا فيه. و استدل أيضاً على لحوق عمرة
التمتّع بالعمرة المفردة في بطلانها بالجماع قبل إكمال سعيها بإطلاق صحيحة ضريس قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت، فأحرمت و لم يكن هو أحرم فغشيها بعد ما أحرمت؟ قال: يأمرها فتغتسل ثمّ تحرم و لا شي ء عليه» «3» و وجه الاستدلال ظهور قوله (عليه السّلام) ثمّ تحرم في بطلان إحرامها الأوّل، و ترك الاستفصال في الجواب عن كون إحرامها للحج أو العمرة المفردة أو تمتّعاً، مقتضاه البطلان في جميع الصور. و فيه إنّ غاية مدلولها كون الإحرام لغواً بالجماع قبل الخروج عن الميقات، كما هو فرض السائل أنّه لم يحرم و هذا غير إعادة العمرة في الشهر الآتي، و لا يبعد أن يكون نفي الكفارة عن الرجل الآمر جاريته بالإحرام مطلقاً قرينة على وقوع الجماع قبل تلبية الجارية، حيث إنّه لا بأس
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 302
و يستحب تكرارها كالحج، و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين فقيل: يعتبر شهر، و قيل عشرة أيام، و الأقوى عدم اعتبار فصل فيجوز إتيانها كل يوم، و تفصيل المطلب موكول إلى محله (1) بمحظورات الإحرام قبلها، فإنّ حقيقة الإحرام التلبية فتحصل عدم تمام الدليل على جريان الحكم المذكور في الجماع في عمرة التمتع، و الحكم المذكور يختص بما إذا وقع الجماع في المفردة مع العلم بحرمته، كما ورد التقييد في بعض الروايات المتقدمة، و يضاف إلى ذلك ما ورد في صحيحه زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «في المحرم يأتي أهله ناسياً، قال: لا شي ء عليه إنّما هو بمنزلة من أكل في نهار شهر رمضان و هو ناسٍ» «4»، و صحيحة معاوية بن عمار قال:
«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه» «5»، و صحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أنه قال لرجل أعجمي أحرم في قميصه: أخرجه من رأسك، فإنّه ليس عليك بدنة، و ليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه» «1». (1) ففي صحيحة زرارة بن أعين قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) الذي يلي الحج في الفضل؟ قال: العمرة المفردة، ثمّ يذهب حيث شاء» «2».
إلى غير ذلك ممّا يأتي ما يدلّ على استحباب تكرارها و اختلفوا في الفصل بين العمرتين، فقيل بعدم الاعتبار فيجوز الإتيان بالعمرة في كل يوم، كما عن الجواهر
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 303
.......... و اختاره الماتن (قدّس سرّه)، و قيل باعتبار الفصل بعشرة أيام، و قيل باعتبار الفصل بشهر المفسّر في كلام بعضهم بثلاثين يوماً، و في كلام البعض الآخر بانقضاء الشهر الهلالي الذي اعتمر فيه، و على التفسير الثاني قد لا يكون فصل بين العمرتين حتى بيوم كما إذا اعتمر آخر يوم من الشهر الهلالي و اليوم الأول بعد ذلك الشهر، و الأظهر بحسب الروايات هو اعتبار الفصل بشهر على التفسير الثاني كما هو ظاهر عدة روايات منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «في كتاب علي (عليه السّلام) في كل شهر عمرة» «1»، و نحوها موثقة يونس بن يعقوب «2»، و منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «كان علي (عليه السّلام) يقول: لكل شهر عمرة» «3»، و نحوها صحيحة يونس بن يعقوب «4»، و
منها مصححة إسحاق بن عمار قال: «قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): السنة أثنى عشر شهراً، يعتمر لكل شهر عمرة» «5»، و ظاهرها كون العمرة الثانية مشروعة إذا وقعت بعد انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه، و إن لم يفصل بينهما يوم فضلًا عن ثلاثين يوماً، و مثلها مصححته المتقدمة الواردة في متمتع يقضي عمرته ثمّ يخرج إلى المدينة أو غيرها حيث ذكر الإمام (عليه السّلام) فيها: «يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأنّ لكل شهر عمرة»، و مقتضاه أنّه يدخل بلا إحرام إذا دخل قبل خروج ذلك الشهر، و مقتضى التعليل بقوله (عليه السّلام) «لأنّ لكل شهر
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 304
.......... عمرة» «1» عدم الفرق بين كون العمرة الثانية مفردة أو عمرة التمتع، فما عن بعض الأعاظم (قدّس سرّهم) من اختصاص اعتبار الفصل بشهر بما إذا كانت العمرتان مفردتين لا يمكن المساعدة عليه، نعم ظاهر الروايات اختصاص الفصل بين العمرتين من كل مكلف، و أمّا إذا ناب عن اثنين في العمرة المفردة جاز الإتيان بهما بلا فصل، و كذا إذا اعتمر عن نفسه و ناب في الثاني عن الآخر أو بالعكس.
و استدل على اعتبار الفصل بعشرة أيام بحمل أخبار الفصل بشهر على الأفضلية بخبر علي بن أبي حمزةقال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يدخل مكة في السنة المرة أو المرتين و الأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبّياً، و إذا خرج فليخرج محلّا. قال: و لكل شهر عمرة، فقلت: يكون أقل؟ قال: في كل عشرة أيام عمرة» «2»، و لكن الرواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة، و أمّا ما رواه الصدوق (قدّس
سرّه) عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يدخل مكة في السنة المرة و المرتين و الثلاث كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبّياً، و إذا خرج يخرج محلّا» «3»، فلم يرد فيه فصل عشرة أيام، و لا يدلّ على عدم اعتبار الفصل أصلًا، لأنّ المفروض في السؤال كون الرجل يدخل المرة و المرتين و الأربع في السنة و إحرامه كلما دخل لا ينافي اعتبار الفصل بين العمرتين بشهر، مضافاً إلى ضعف سندها حتى بناءً على كون المراد بعلي بن أبي حمزة، ابن أبي حمزة الثمالي، و ذلك فإنّه روي في الفقيه هذه الرواية عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة، و سنده إلى قاسم بن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 305
.......... محمد غير مذكور، بل لا يحتمل كون المراد ابن أبي حمزة الثمالي لعدم معهودية نقل روايات الأحكام عنه، و ممّا ذكر يظهر الحال فيما رواه في الفقيه في باب العمرة في كل شهر و في أقل ما يكون عن علي بن أبي حمزة، قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام)، قال: لكل شهر عمرة. قال: فقلت له أ يكون أقل من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة» «1»، و وجه الظهور الانصراف إلى البطائني على ما ذكرنا.
و أمّا ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «العمرة في كل سنة مرّة» «2»، و في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا تكون عمرتان في سنة» «3»، فتحمل على عمرة التمتع، حيث إنّ المشروع من عمرة
التمتع لدخولها في الحج في كل سنة مرّة، و قد ورد في مصححة حماد بن عيسى المتقدمة الواردة فيمن تمتع بالعمرة، قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام، ثمّ رجع إبان الحج في أشهر الحج، يريد الحج، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً، قلت: فأيّ الإحرامين و المتعتين متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته» «4»، و ظاهرها انقلاب العمرة الأولى إلى المفردة لا فسادها رأساً، و إلّا لم يكن وجه لاعتبار خروج الشهر الذي اعتمر فيه في الإحرام للثانية و لو كان المشروع في السنة أزيد من
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 306
.......... عمرة تمتع واحد لم يكن للانقلاب و اختصاص الأخيرة بالتمتع وجه.
ثمّ هل الفصل يعتبر بين الإحرامين من العمرتين بأن يكون الإحرام بالأولى في شهر، و الإحرام بالثانية في شهر آخر، أو يعتبر بين آخر أعمال العمرة الأولى و بين الإحرام من الثانية، بأن يكون الفراغ من عمرة في شهر و الإحرام بالثانية في الشهر الآخر، فقد يقال بالثاني بدعوى أنّ العمرة عنوان لمجموع أفعال، و ما ورد في الفصل بين العمرتين بشهر يلاحظ بين مجموع الأفعال من العمرتين، و ما ورد في تقديم إحرام شهر رجب و كون العمرة رجبية مع وقوع إحرامها قبل انقضاء الشهر تعبّد في عمرة شهر رجب، و لا يجرى على كل عمرة مفردة، و لكن الأظهر هو اعتبار الفصل بين الإحرامين منهما، و ذلك فإنّ العمرة و إن كانت عنواناً لمجموع الأفعال إلّا أنّ الروايات الواردة في
أنّ لكل شهر عمرة المراد منها حدوثها، فلا ينافي الإتيان بباقي أفعالها في الشهر الآخر، كما يدلّ على ذلك ما في مصحّحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إنّي كنت أخرج ليلة أو ليلتين تبقيان من رجب، فتقول أمّ فروة أي أبه، إن عمرتنا شعبانية؟ فأقول لها أي بنيّة أنّها: فيما أهللت، و ليس فيما أحللت» «1»، فإنّ ظاهرها عود الضمير إلى العمرة لا عمرة رجب، كما يفصح عن ذلك قولها لأبيها (عليه السّلام) «ان عمرتنا شعبانية»، و صحيحة معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا أن يخاف فوت الشهر في العمرة» «2»، حيث إنّها ظاهرة في كون اللازم في عمرة الشهر عقد إحرامها فيه، و لكن قد ورد فيمن أفسد عمرته المفردة بالجماع قبل أن يفرغ من
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 307
طوافه و سعيه، أنّ عليه أن يقيم بمكة إلى الشهر الآتي، ثمّ يخرج إلى بعض المواقيت فيحرم منه، كما في صحيحة معاوية العجلي و في صحيحة مسمع «قد أفسد عمرته و عليه بدنة و عليه أن يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقته رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهله، فيحرم منه و يعتمر» و هذا على رواية الفقيه، و أمّا على رواية الكليني و الشيخ (قدّس سرّهما) «يقيم بمكة محلًّا» و مقتضى إطلاقهما «انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه بلا فرق بين كون الإحرام لها في ذلك الشهر أو قبله»، ففي النتيجة ظاهر
الصحيحتين و نحوهما، أنّ الميزان في مشروعية العمرة في شهر وقوع أفعالها فيه لا مجرد الإحرام فيه، و فيه أولًا: أنّ ما تقدم يكون بياناً لإتيان العمرة و مشروعيتها لكل شهر، و أنّه يكفي فيه مجرد وقوع الإحرام لها فيه، و ثانياً: أنّه مع الإغماض عن ذلك يلتزم في صورة وقوع الجماع قبل الفراغ من سعيها و طوافها الانتظار بعد إتمامها حلول الشهر الآتي، و الوجه في وجوب إكمالها تقييد البقاء في صحيحة مسمع على رواية الكليني و الشيخ بالبقاء محلًّا، و مقتضى التقييد لزوم إكمالها، و إلّا كان التقييد لغواً، فإنّه مع الفساد بمعنى البطلان يكون المكلف محلًّا لا محالة، و وقوع سهل بن زياد في سند رواية مسمع لا يضرّ لأنّ الشيخ يروي عن الحسن بن محبوب و له إلى كتب الحسن بن محبوب، و رواياته سند صحيح على ما ذكره في الفهرست.
و قد يقال: إنّ المستفاد من صحيحة إسحاق بن عمار الواردة «فيمن خرج من مكة بعد عمرة التمتع» أنّ اللازم في الدخول بلا إحرام لمكة ثانياً أن يكون دخوله في الشهر الذي أتى بأعمال العمرة فيه لا خصوص إحرامه، قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) «عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته، ثمّ تبدوا له الحاجة، فيخرج إلى المدينة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 308
يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأنّ لكل شهر عمرة» «1» و وجه الاستفادة ظهور تمتع فيه «في الإتيان بأعمالها بتمامها لا خصوص الإحرام لها»، و فيه أنّ المراد انقضاء الشهر الذي أحرم لها فيه لما تقدّم، فالمراد من الشهر الذي تمتع فيه أي أحرم فيه للعمرة قبل ذلك، كما هو
المراد من صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أيضاً حيث ورد فيها: «قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام، ثمّ رجع في إبّان الحج، في أشهر الحج، يريد الحج، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً» «2»، بل يمكن أن يقال مثل هذه الصحيحة ناظرة إلى الشهر الذي أحرم فيه لأنّ الإحرام جزء من العمرة، و إذا دخل مكة بعد انقضاء الشهر الذي أحرم لها فيه، و أتي ببقية الأعمال، ثمّ خرج و أحرم للعمرة الأخرى في ذلك الشهر فقد دخل في العمرة في كل من الشهرين فيعمهما قولهم (عليهم السّلام): «لكل شهر عمرة».
و ينبغي تتميم مباحث العمرة المفردة المعبّر عنها بالعمرة المبتولة في لسان بعض الروايات بذكر مسائل الأولى تجب في العمرة المفردة أمور:
الأول: الإحرام، الثاني: الطواف حول البيت، الثالث: صلاة الطواف، الرابع: السعي بين الصفا و المروة، الخامس: الحلق أو التقصير، السادس: طواف النساء، السابع: صلاته، و وجوب طواف النساء فيها مشهور بين أصحابنا، بل لم يعرف الخلاف فيه، إلّا ما حكاه في الدروس عن الجعفي و مال إليه بعض المتأخرين لبعض روايات استظهر منها عدم وجوبه كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام):
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 309
.......... «قال إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع، و طاف بالكعبة و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم و سعى بين الصفا و المروة، فليلحق بأهله إن شاء» «1»، و فيه أنّ دلالتها على عدم لزوم طواف النساء بالإطلاق و السكوت في مقام البيان فيرفع اليد عن الإطلاق
بتقييده بما دلّ على وجوبه، كصحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يجي ء معتمراً عمرة مبتولة، قال: «يجزيه إذا طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت و من شاء أن يقصّر قصّر» «2»، و يستظهر عدم وجوبها من صحيحة صفوان بن يحيى قال: «سأله أبو حرث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى» «3»، و هذه أيضاً مع الإغماض عن إضمارها لا تدلّ على عدم وجوب طواف النساء في العمرة المفردة لكون الحصر فيها إضافياً، و بلحاظ نفي وجوبه في عمرة التمتع المفروض في السؤال، و بتعبير آخر ما ورد فيها إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى ناظر إلى الحاج بحج التمتع لا إلى كل ناسك، و يدلّ على اعتباره مضافاً إلى ظاهر صحيحة عبد اللَّه بن سنان، صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد أنّه قال لإبراهيم بن عبد الحميد يسأله أبا الحسن موسى (عليه السّلام) «عن العمرة المفردة على صاحبها طواف النساء؟ فجاء الجواب أن نعم هو واجب لا بدّ منه، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها فقال: نعم هو واجب، فدخل بشر بن إسماعيل بن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 310
.......... عمار الصيرفي فسأله عنها، فقال: نعم هو واجب» «1»، و نحوها في الدلالة على اعتباره فيها ما رواه محمد بن عيسى في المعتبرة، قال: «كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل (عليهما السّلام) يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء و العمرة التي
يمتع بها إلى الحج؟ فكتب: أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و أمّا التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء» «2»، و يؤيّدها مثل خبر إسماعيل بن رباح، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال: نعم» «3»، و التعبير بالتأييد لضعف السند، و أمّا مثل خبر أبي خالد مولى علي بن يقطين، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء» «4» فلا يصلح لرفع اليد عن الروايات المتقدمة و حملها على الاستحباب لضعف سنده.
ثمّ ظاهر الأصحاب كظاهر صحيحة عبد اللَّه بن سنان كون موضع هذا الطواف بعد الحلق و التقصير، كما أنّ ظاهرهم بل المصرّح به في كلام جماعة عدم الفرق في لزوم طواف النساء بين الرجل و المرأة، و بين الكبير و الصغير.
كما هو مقتضي إطلاق قوله (عليه السّلام) كما في صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد «العمرة المفردة على صاحبها طواف النساء» و لزومه على الصبي بمعنى أنّه يمنع عن النساء ما دام لم يطف، كما يمنع عن سائر المحرمات على المحرم ما دام لم يحلق أو لم
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 311
يقصر، كما يستفاد ذلك من صحيحة زرارة الواردة في حجّ الصبيان حيث ورد فيها: «و يتقي عليهم ما يتقي على المحرم من الثياب و الطيب و إن قتل صيداً فعلى أبيه» «1». و ذكر في الجواهر أنّه إذا لم يأت بطواف النساء تحرم عليه النساء بعد بلوغه، و مراده أنّ الإحرام بالعمرة المفردة أو الحج يوجب حرمة النساء إذا لم يطف غاية الأمر تكون الحرمة مرفوعة عن الصبي ما
دام صبياً، و تثبت بعد بلوغه. نظير ما إذا وطأ الصبي زوجته قبل بلوغه، فإنّه لا يحرم عليه المكث في المساجد ما لم يبلغ لكن يحرم عليه بعد بلوغه.
و على الجملة انعقاد الإحرام عن الصبي كجنابته موضوع لحكم تكليفي، ما دام لم يطف، كما أنّ جنابته موضوع له ما دام لم يغتسل، و يؤيد ذلك صحيحة حسين بن علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف كلّهم» «2». الثانية: تفترق العمرة المفردة عن عمرة التمتع بوجوب طواف النساء فيها دون عمرة التمتع، و يأتي بيان عدم وجوبه فيها في بحث عمرة التمتع، و ظاهر الأصحاب أنّ اعتبار طواف النساء في العمرة المفردة كاعتباره في الحج لحلية النساء فقط، و كما أنّ طواف النساء خارج عن أفعال الحج، و يستفاد خروجه منها بما ورد في بعض من الروايات المعتبرة أنّ على الحاج بعد طواف الحج و السعي طواف النساء بعد الحج، حيث إنّ تقييد طواف النساء بما بعد الحج ظاهره خروجه من أفعالها، و لذا لو ترك المكلف طواف النساء و ما يقوم مقامه من طواف الوداع لم يكن عليه شي ء غير
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 312
.......... حرمة المجامعة مع زوجته، و كذا لا يبعد خروجه من أفعال العمرة المفردة أيضاً، حيث إنّ مقتضى الارتكاز انّ اعتباره في العمرة المفردة كاعتباره في الحج، و يترتب على ذلك أنّه لو ترك طواف النساء نسياناً أو جهلًا أو عمداً، ثمّ عاد بعد انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه لتداركه، فعليه الإحرام لدخول مكة ثانية، بخلاف ما إذا ترك بعض أفعالها، فإنّه لا
يحتاج إلى الإحرام ثانية، و اللَّه العالم.
و تفترق أيضاً عن عمرة التمتع بأنّه يتعين الخروج عن إحرام عمرة التمتع بالتقصير و لا يجزى الحلق، بخلاف الإحلال من إحرام العمرة المفردة فإنّه يتخير بين الحلق و التقصير و إن كان الحلق أفضل، كما يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة و صلاة الركعتين خلف المقام و السعي بين الصفا و المروة حلق أو قصّر، و سألته عن العمرة المبتولة فيها الحلق، قال: نعم، و قال: إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال في العمرة المبتولة: اللّهمّ اغفر للمحلّقين، قيل يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و للمقصرين، قال: اللهمّ اغفر للمحلّقين، قيل يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و للمقصرين، فقال: و للمقصرين» «1»، و ظاهر ذيلها أفضلية الحلق، و هذا بالإضافة إلى الرجال، و أمّا النساء فليس عليهنّ إلّا التقصير، و تفترقان أيضاً بأنّه ليس للعمرة المفردة وقت خاص، بل يؤتي بها في كل وقت، كما تقدم من الروايات الدالّة على أنّ لكل شهر عمرة بخلاف عمرة التمتع، فإنّه لا بدّ من أن تقع في أشهر الحج و يؤتي بها موصولة إلى الحج لدخولها في الحج على ما تقدم، و لا يعتبر في العمرة المفردة الإتيان بالحج في سنتها و يأتي التفصيل في مباحث عمرة التمتع إن شاء اللَّه.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 313
.......... الثالثة: من ترك طواف النساء في عمرته المفردة نسياناً حتى خرج من مكة، فعليه الرجوع إليها لتداركها، و إن لم يتمكّن من
الرجوع فعليه الاستنابة للطواف عنه، و مقتضى الإطلاق في بعض الروايات جواز الاستنابة حتى مع تمكّنه من الرجوع، كصحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله؟ قال: يرسل فيطاف عنه، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه» «1»، و صحيحته المروية في الفقيه قال: «قلت له: رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحجّ، فإنّه لا يحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» «2»، و رواها الكليني (قدّس سرّه) بسنده إليه، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت» «3»، و قال فقال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحج و إن توفى قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره» «4»، و في مقابل ذلك صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار مقتضى إطلاقها عدم جواز الاستنابة، بل عليه أن يرجع و يأتي بطواف النساء بالمباشرة، قال: «سألته يعني أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله؟ قال: لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره؟ فامّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه. و إن نسي الجمار فليسا بسواء انّ الرمي سنة، و الطواف فريضة» «5»، و لكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق قوله «فامّا ما دام حيّاً فلا يقضي عنه»
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 314
.......... بما دلّ على جواز الإتيان بطواف النساء عنه إذا لم يقدر على الإتيان بالمباشرة،
و لو بعدم تمكّنه من الرجوع، كما في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فإن لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه» «4»، و بعد رفع اليد عن إطلاق فامّا ما دام حيّاً فلا يقضي عنه بالإضافة إلى العاجز عن المباشرة يبقى تحته من يتمكّن من الرجوع و الإتيان بالمباشرة، فيكون هذا المدلول أخص ممّا دلّ على جواز الاستنابة مطلقاً، فيرفع بهذا عن إطلاق ما دلّ على جواز الاستنابة.
و على الجملة فالمقام من صغريات انقلاب النسبة بين الطائفة الأولى المجوزة للاستنابة مطلقاً و بين الطائفة الثانية النافية لجوازها مطلقا.
لا يقال: لا معارضة بين الطائفة الأولى و الثانية، بل بينهما في نفسهما جمع عرفي، فإنّ الأولى: دالّة على جواز الاستنابة لناسي طواف النساء بعد رجوعه إلى أهله، و الثانية: دالّة على عدم جواز القضاء عنه، و مقتضى إطلاق الثانية عدم الفرق بين كون القضاء باستنابة الناسي، أو نيابة الغير عنه تبرعاً بلا استنابة، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بالطائفة الأولى، فتكون النتيجة عدم كفاية مجرد القضاء عنه حال حياته بلا استنابته، و لكن يجزي مع الاستنابة و فرض عدم التمكن من المباشرة في الصحيحة الأخيرة مفروض في كلام السائل فلا يوجب تقييداً في الطائفة الأولى، و لعلّه لذلك افتى المشهور بجوازها مطلقاً، فإنّه يقال حمل قوله (عليه السّلام) «فامّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضي عنه على غير صورة الاستنابة» من حمل المطلق على الفرد
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 315
.......... النادر، حيث يعلم ترك طواف النساء إلّا من قبل طلب الناسي و سؤاله
أن يقضي عنه.
هذا بالإضافة إلى ترك طواف النساء نسياناً، و أمّا إذا تركه جهلًا فعليه أيضاً الرجوع و الإتيان به مباشرة مع تمكّنه، و أمّا مع عدم تمكّنه من المباشرة و لو لعدم تمكّنه من الرجوع يجوز له الاستنابة كالناسي، و ما ورد في تدارك طواف النساء على النحو المتقدّم مورده و إن كان نسيانه، إلّا أنّه يتعدى إلى صورة الترك جهلًا، و إن كان تقصيرياً لعدم احتمال محروميّة الرجل عن زوجته إلى آخر عمره مع عدم تمكّنه من الرجوع و الإتيان بطواف النساء مباشرة، كما أنّه لا يحتمل أن يكون الناسي أصعب أمراً من الجاهل، و لو كان جهله تقصيرياً بأن يحلّ له النساء من غير حاجة إلى تدارك الطواف، ثمّ إنّ ما ورد في قضاء الولي طواف النساء عنه بعد موته يحمل على الاستحباب، و ليس قضائه مثل قضاء حجة الإسلام بأن يخرج من تركته، و الوجه في ذلك ضم غير الولي إلى الولي في بعض روايات القضاء، فإنّه لا يحتمل أن يجب القضاء عنه على الغير بأن يكون وجوب القضاء كوجوب تجهيز الميت واجباً كفائياً، و دعوى أنّ الروايات الواردة في القضاء عنه و الاختلاف فيها بضم الغير إلى الولي ينتهي إلى معاوية بن عمار، و من المحتمل اتحاد تلك الروايات و هذا لا يمكن المساعدة عليه، فإنّه مع احتمال الاتحاد و احتمال الضمّ في كلام الإمام (عليه السّلام) يوجب إجمالها و عدم تمامية الظهور في وجوب القضاء.
الرابعة: من ترك طواف العمرة المفردة نسياناً و خرج من مكة، فعليه الرجوع إليها لتداركها، و الأحوط إعادة السعي أيضاً، بل التقصير أو الحلق و طواف النساء، و إذا لم يتمكّن أو لم يتيسّر له
الرجوع و التدارك و لو لرجوعه إلى بلاده، يستنيب و يقضي النائب الطواف خاصة، و لو كان واقع النساء فعليه بعث هدى يذبحه بمكة،
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 316
.......... و يشهد له صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم إلى بلاده و واقع النساء كيف يصنع، قال: يبعث بهدي إن كان تركه في حج بعث به في حج، و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، و وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه» «1»، و مدلولها جواز الاستنابة للناسي بعد رجوعه إلى أهله الظاهر في عدم تيسّر الرجوع و الإتيان بالمباشرة، و دعوى أنّ المراد بطواف الفريضة طواف النساء، و مقتضى القاعدة هو تدارك طواف العمرة و الإتيان بما بعده من الأعمال كما في فرض عدم خروجه عن مكة أو تيسّر رجوعه إليها لا يمكن المساعدة عليها، فإنّ طواف الفريضة و إن أطلق على طواف النساء في بعض الموارد كما في إحدى الصحاح المتقدّمة لمعاوية بن عمار في المسألة الثالثة، إلّا أنّ ظاهره هو الطواف الذي هو جزء العمرة أو الحج، كما أنّ ما ورد في الصحيحة «من بعث الهدي إذا واقع النساء» لا يجري في صورة عدم المواقعة لاحتمال دخالة الجماع في وجوبه، نعم الظاهر أنّ المراد من البعث و لو بأن يشتري النائب الهدي من مكة أو من منى لا خصوص أن يجلب الحيوان إلى مكة أو منى من مكان آخر، و ما ذكرنا من أنّ الأحوط إعادة السعي بل التقصير أو الحلق و طواف النساء لما يأتي من أنّه على القاعدة، و الصحيحة ظاهرها صورة
عدم التدارك بالمباشرة لعدم تمكّنه و لا أقل من عدم تيسّر رجوعه إلى مكة، و إنّ مع الاستنابة يقتصر النائب على الإتيان بالطواف من غير تدارك للأعمال المترتبة عليه.
هذا بالإضافة إلى العمرة الواجبة بالأصل التي يكون طوافها فريضة،
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 317
و أمّا المندوبة بالأصل الواجب إتمامها بالدخول فيها أو بغير ذلك فمقتضى القاعدة بطلانها إذا لم يتدارك طوافها بالمباشرة أو بالاستنابة، و لكن يجب تداركه بأحد الأمرين أخذاً بظاهر قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، و يأتي أنّ العمرة المفردة يعني إحرامها لا تبطل بمجرد الخروج عن مكة، بل على المكلف إتمامها ما دام للعمر مجال، و هذا مقتضى كون العمرة المفردة عملًا ارتباطياً لم تحدّد بوقت، و لكن ورد في السعي يعني نسيانه ما يشمل بإطلاقه نسيان السعي في العمرة المفردة المندوبة بالأصل، و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة، قال: يطاف عنه» «1» و بما أنّ احتمال الفرق بين نسيان السعي و نسيان الطواف موهوم، فاللازم تدارك طواف العمرة المفردة أيضاً حتى لو كانت مندوبة بالأصل، بل يمكن أن يقال: طواف الفريضة في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة تشمل العمرة المندوبة أيضاً، حيث يستفاد منها أنّ التدارك للطواف الفائت المنسي الذي هو جزء للحج أو العمرة يكون بالمباشرة أو الاستنابة، و إطلاق طواف الفريضة باعتبار المقابلة مع طواف النساء و طواف الزيارة المستحب في نفسه، و أمّا صحيحة هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عمّن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: لا يضرّه إذا كان قد
قضى مناسكه» «2» ظاهره نسيان الزيارة الوداعية في الحج بقرينة تقييده (عليه السّلام) نفي البأس بصورة الإتيان بالمناسك و لما تقدّم من لزوم تدارك طواف النساء إذا نسيه، و اللَّه العالم.
بقي في المقام أمر و هو أنّه إذا رجع ناسي طواف العمرة إلى مكة لتداركه في
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 318
.......... غير الشهر الذي أحرم فيه للعمرة، فهل يجب عليه تجديد الإحرام و لو لعمرة أخرى أو أنّه يدخل مكة بلا إحرام، لا يبعد أن يقال: بعدم الحاجة إلى إحرام آخر، حيث إنّ المكلف لم يزل على إحرامه، حيث لم يتم من عمرته التي أحرم لها من قبل غير الإحرام، و لا دليل على صحة سعيه و تقصيره و طواف نسائه، و دعوى صحتها فإنّها مقتضى حديث رفع النسيان لا يمكن المساعدة عليها، لأنّ مقتضى رفعه عدم كونه مكلّفاً بإتمام العمرة مع استمرار نسيانه، لا أنّه مكلّف بالعمرة الخالية عن طوافها، يقاس المقام بما إذا نسي طواف عمرة التمتع أو حج التمتع، و تذكر بعد انقضاء وقت عمرة التمتع أو حج التمتع، فإنّ عمرته أو حجّه محكوم بالصحّة، و الإتيان بالطواف قضاء، و مقتضى ما دلّ على عدم جواز دخول مكة بغير إحرام وجوب الإحرام عليه، و لكن مع ذلك الأحوط الإحرام للعمرة رجاءً، و الإتيان بأعمالها بعد تدارك الطواف المنسي.
فيمن ترك طواف العمرة المفردة و سعيها جهلًا أو نسياناً الخامسة: من ترك طواف العمرة المفردة جهلًا يجب عليه التدارك و تدارك الأفعال المترتبة عليها التي أتى بها قبل أن يطوف، و ذلك فإنّه لم يثبت للعمرة المفردة اشتراط وقوع تمام إعمالها في شهر، و ما ورد من أنّ في كل
شهر عمرة أو لكل شهر عمرة، المراد مشروعية الإتيان بالعمرة المفردة في كل شهر، و أمّا اشتراطها بوقوعها و إتمامها في شهر بحيث تكون من الواجبات الموقتة، فلا يستفاد منه، بل مقتضى إطلاق قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ مع ملاحظة ما ورد في اشتراط الترتب في سعي العمرة و تقصيره، أو حلقها و طواف نسائها بقاء الإحرام الأول حتى يأتي
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 319
.......... بالطواف، و يعيد الأفعال المترتبة عليه، و ما ورد في وجوب الإحرام لدخول مكة ناظر إلى غير المحرم، و لا يشمل المفروض في المقام. و عليه فلو أحرم في رجوعه بغير العمرة المفردة يحكم ببطلان ذلك الإحرام، نعم لو أحرم بالعمرة بالمفردة رجاءً و أتى بأفعالها بقصد الأعم من التدارك كان أولى و أحوط، و لا فرق فيما ذكرنا بين العمرة المفردة غير المقرونة و المقرونة بحج القران أو الإفراد، و ما في الجواهر ناقلًا عن المسالك من أنّ فوات العمرة المفردة فيما إذا كانت مقرونة بأحدهما بانقضاء سنة الحج لا يمكن المساعدة عليه، و ذلك فإنّ حج الإفراد أو القرآن غير مشروط بالعمرة المفردة أصلًا، بل العمرة عمل مستقل، و عليه فإن كان الإحرام لها بعد الفراغ من الحج فالمكلف باق على إحرامه للعمرة إلى أن يتمّها، و إن كان الإحرام لها قبل الحج، فالإحرام بالحج محكوم بالبطلان لأنّه حينما أحرم له، كان محرماً للعمرة، و ممّا ذكرنا يظهر الحال في ترك السعي جهلًا في العمرة المفردة، حيث يجب عليه العود لتداركه و إعادة ما هو مترتب عليه من باقي أفعالها، و كذا إذا أحرم بعمرة التمتع قبل إتمام العمرة المفردة يحكم
ببطلان الإحرام لها، و إذا ترك السعي نسياناً فالأمر فيه كما في نسيان الطواف، إلّا أنّه إذا واقع النساء حال نسيان سعيه لا يجب عليه بعث الهدي، و إن كان أحوط، و اللَّه العالم.
السادسة: تجب صلاة الفريضة عقيب الطواف بنحو المبادرة العرفية بأن لا يفصل بين الطواف و بينها زمان يعتدّ به، و يعتبر أن تكون قبل البدء بالسعي، كما يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصّل ركعتين و اجعله اماماً. و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي ساعة (ساعات) شئت، عند طلوع
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 320
.......... الشمس و عند غروبها، و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما» «1»، و المراد من أي الساعات بيان الردّ على النّاس حيث يزعمون أنّ الصلاة لا تجوز أو تكره في ساعات من بعد صلاة الفجر أو طلوع الشمس أو بعد العصر و أنّه لا بأس بصلاة الطواف، منع في الإتيان بها في أيّ ساعة فرغ من الطواف، و صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس، قال: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلّيهما قبل المغرب».
إلى غير ذلك، و ظاهر الجمع استحباب المبادرة و كذلك عنون في الوسائل في باب الطواف باستحباب المبادرة إليهما بعد الطواف، و لكن لم تثبت قرينة موجبة لرفع اليد عن ظهورها في لزوم المبادرة، و ما ورد في ناسي الصلاة و أنّه يرجع و يصلّيهما أو يصلّيها حيث ما ذكر إذا لم يتمكن من
الرجوع أو شق عليه ذلك، الظاهر في وقوعها مع التأخير لا يقتضي عدم اعتبار المبادرة مع العلم و العمد.
و على الجملة ظاهر ما تقدم لزوم المبادرة، و حيث إنّ العمرة المفردة كالحج واجب ارتباطي تكون المبادرة شرطاً في وقوعها صحيحة، بل في وقوع الطواف أيضاً صحيحاً، و الظاهر أنّ وقوع الصلاة قبل السعي أيضاً شرط في صحة السعي، فلو أخّر صلاته بعد السعي بطل السعي إذا كان عمداً، و إن لم يمض من فراغه عن طوافه زمان يعتدّ به، و يدلّ على هذا الاعتبار مضافاً إلى ما ورد في الأخبار البيانية من فعل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و أنّه بدء بالسعي بين الصفا و المروة بعد فراغه من ركعتي الطواف كما في صحيحة عبد اللَّه بن سنان و نحوها ما ورد «فيمن بدء بالسعي و تذكر في أثنائه انّه
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 321
.......... لم يصل صلاة الطواف، و أنّه يقطع السعي و يرجع و يصلّي صلاة الطواف ثمّ يبني على موضع قطع سعيه» فإنّه لو لم يكن صلاة الطواف شرطاً في صحة سعيه عند التذكر لم يكن ملزم لقطع سعيه حتى يصلّي الركعتين قبله، كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال «في رجل طاف طواف الفريضة و نسى الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثمّ ذكر قال: يعلم ذلك المكان ثمّ يعود فيصلّي الركعتين، ثمّ يعود إلى مكانه» «1»، و نحوها صحيحة محمد بن مسلم.
و على الجملة إنّ مقتضى كون العمرة ارتباطياً و ظاهر الأمر الإرشادي إلى السعي بعد ركعتي الطواف أو الأمر بالركعتين بعد الفراغ من الطواف
و قبل البدء بالسعي هو اشتراط المتقدم بالمتأخر و اشتراط المتأخر بالمتقدم، فكل مورد قام الدليل فيه على صحة العمل نسياناً أو حتى جهلًا و لو مع التقصير، فيرفع اليد عن القاعدة المشار إليها و إلّا يؤخذ بمقتضاها.
ثمّ إنّ ما ذكر من لزوم المبادرة إلى صلاة الطواف في العمرة المفردة و اشتراط السعي بوقوعه بعدها، يجري في سائر طواف الفريضة من طواف عمرة التمتع و الحج للعموم الإطلاقي فيما تقدم من الروايات، بل تجب المبادرة في صلاة طواف النساء المعتبر وقوع الحلق و التقصير بعدها في العمرة المفردة و بعد الحج فيه.
السابعة: إذا ترك صلاة الطواف في العمرة المفردة بعد طوافها أو في غيرها نسياناً حتى خرج من مكة، فعليه أن يرجع إليها مع التمكّن و عدم المشقّة، و يأتي بها خلف المقام، و لا عليه إعادة الأعمال المترتبة على صلاته، و لم يعرف الخلاف في
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 322
.......... ذلك إلّا ما يحكي عن الصدوق (قدّس سرّه) حيث مال إلى جواز الإتيان بركعتي الطواف حيثما ذكر، و لو مع عدم المشقة في الرجوع و لو كان ذكره في أهله، و يستدلّ على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السّلام) فلم يذكر حتى ارتحل من مكة، قال: فليصلّيهما حيث ذكر، و إن ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما» «1»، و ما رواه محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكنائي قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام) في طواف لحج و العمرة، فقال: إن
كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام)، فإنّ اللَّه (عزّ و جلّ) يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع» «2»، و لكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى من ارتحل عن مكة و يتيسّر له الرجوع و الإتيان بالصلاة خلف المقام، بشهادة صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللَّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى حتى ارتحل، قال: إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه، و لا آمره أن يرجع و لكن يصلّي حيث يذكر» «3»، فإنّ ظاهرها أنّ وجوب الرجوع مع كونه إيقاعاً للمشقة منتف يصلّي حيثما يذكر، و أوضح منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة، قال: «إن كان مضى قليلًا فليرجع فليصلّهما، أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه» «4»، فإنّ ظاهر صدرها تعين الرجوع مع المشي القليل، حيث إنّه
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 323
.......... لا يوجب نوعاً بملاحظة تلك الأزمنة من المشقة في الرجوع.
و بتعبير آخر من لم يخرج عن مكة فعليه العود إلى المقام و الإتيان بالصلاة المنسية، و من ارتحل منها فمع عدم المشقة من الرجوع، يرجع، و معها يصلّي حيث ما ذكر، أو يرسل من يصلّي عنه، قوله (عليه السّلام) في صحيحة عمر بن يزيد (أو يأمر بعض الناس.) معطوف على القضية الشرطية لا إلى خصوص الجزاء فيها، إذا من البعيد جدّاً أن يقتصر (عليه السّلام) في الجواب بذكر الحكم في
المرتحل الناسي إذا كان قريباً إلى مكة، فالاستنابة حكم لما يستفاد من مفهوم الشرط و هو المرتحل الناسي إذا لم يكن قريباً بأن يكون الرجوع شاقّاً عليه كما هو الغالب فيمن ارتحل و بعد من مكة، و يرفع اليد عن إطلاق الحكم بما ورد في صحيحة أبي بصير «من جواز الصلاة حينما ذكر» فيكون الحكم فيه تخييرياً بين الاستنابة و الصلاة في مكان الذكر.
هذا كلّه في نسيان صلاة الطواف في العمرة المفردة، و الأمر في نسيانها في غيرها يعني في طواف الحج أيضاً، كذلك مع الارتحال من مكة، و أمّا مع نسيانه في طواف الحج و الخروج إلى منى للأعمال، فإن ذكرها في الطريق فلا يبعد الحكم بلزوم الرجوع إلى مكة و الإتيان بها خلف المقام، كما يشهد لذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «سُئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثمّ طاف طواف النساء و لم يصلّ لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح، قال: يرجع إلى المقام فيصلّي الركعتين» «1»، المراد ركعتي الطواف من كل من الطوافين، كما في موثقة عبيد بن زرارة قال: «سألت
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 324
.......... أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى ذكر و هو بالأبطح، يصلّي أربعاً؟ قال: يرجع فيصلّي عند المقام أربعاً» «1»، و فيما رواه الكليني عنه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثمّ طاف طواف النساء فلم تصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلّي أربع
ركعات، قال: يرجع و يصلّي عند المقام أربعاً» «2»، و أمّا إذا تذكر و هو بمنى ففي طائفة من الروايات جواز الإتيان بها بمنى، منها موثقة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أنّه سأله عن رجل نسي أن يصلّى الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم حتى أتى منى، قال: يصلّيهما بمنى» «3»، و رواية عمر بن البراء عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «فيمن نسي ركعتي طواف الفريضة حتى أتى منى، أنّه رخّص له أن يصلّيهما بمنى» «4»، و نحوهما رواية هشام بن المثنى أو صحيحة هاشم بن المثنى قال: «نسيت أن أصلّي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى مكة فصلّيتهما ثمّ عدت إلى منى، فذكرنا لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: أ فلا صلاهما حيث ما ذكر» «5»، و في مقابلها صحيحة أحمد بن عمر الحلال قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى أتى منى، قال: يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّيهما» «6»، و لا يبعد حمل الأمر بالرجوع على
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 325
.......... الاستحباب و الالتزام بجواز الصلاة في منى، و إن كان الأحوط مع عدم المشقة في الرجوع اختياره، و لو لم يتذكر حتى مات يقضي عنه وليّه كسائر الصلاة الفائتة.
ثمّ إنّ المتعين في صلاة طواف الفريضة الإتيان بها خلف المقام، حيث ورد في صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم (عليه السّلام) فصل ركعتين و اجعله إماماً» «1» الحديث، فإنّ ظاهر قوله (عليه السّلام) «فاجعله إماماً» تعيّنه بلا فرق
بين أن يقرء اماما بالكسر أو بالفتح و لم يثبت قرينة على حمله على الاستحباب، كما ثبتت بالإضافة إلى السورة التي تقرء في الركعتين، و في مرسلة صفوان بن يحيى عمّن حدثه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام لقوله (عزّ و جلّ) وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فإن صلّيتها في غيره فعليك إعادة الصلاة» «2» نعم لا بأس عند الزحام الصلاة في غيره من المسجد، و في صحيحة الحسين بن عثمان قال: «رأيت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) يصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد» «3»، و حيث إنّ مدلولها حكاية فعل يحتمل كونه للزحام فيقتصر عليه، و في خبره قال: «رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريباً من الظلال لكثرة الناس» «4».
الثامنة: قد تقدم اعتبار الحلق أو التقصير في العمرة المفردة بعد طوافه و سعيه، و يدلّ عليه عدّة من الروايات كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال:
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 326
.......... «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة و صلاة الركعتين خلف المقام و السعي بين الصفا و المروة حلق أو قصّر» «1» و بمثلها يرفع اليد عن إطلاق بعض الروايات كالإطلاق في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالبيت و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم و سعى بين الصفا و المروة فليلحق بأهله إن شاء» «2» كما رفع اليد عن إطلاقها بالروايات الدالّة على اعتبار طواف النساء، و ظاهر الصحيحة الأولى كون
الحلق أو التقصير مترتباً على إتمام السعي بين الصفا و المروة، كما هو مقتضى ترتبهما في الجزاء على تحقق ما ذكر في الشرط من الفراغ، فلا يجزي الحلق أو التقصير قبل إكماله، بل لا يجوز. كما أنّ الظاهر ترتب طواف النساء على الحلق أو التقصير فلا يجزي قبل أحدهما، حيث ورد في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يجي ء معتمراً عمرة مبتولة، قال: «يجزيه إذا طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت و من شاء أن يقصر قصّر» «3»، حيث فرض في أجزاء الطواف الأخير «تحقق الحلق أو التقصير بعد السعي» و دعوى عدم دلالتها على اعتبار وقوع طواف النساء بعد الحلق أو التقصير لأنّها ناظرة إلى بيان أجزاء طواف الوداع عن طواف النساء، و تأخّر طواف الوداع غير اعتبار تأخّر طواف النساء لا يمكن المساعدة عليها، فإنّ غاية ما يمكن عدم اختصاصه بطواف النساء، بل يجزي الطواف الواحد بعد الحلق أو التقصير و لو كان بعنوان طواف الوداع.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 327
.......... التاسعة: حيث إنّه ظهر ممّا تقدم اعتبار الحلق أو التقصير في العمرة المفردة بعد إكمال سعيه و قبل طواف النساء، فإن ترك المكلف الحلق أو التقصير في العمرة المفردة و لو جهلًا أو نسياناً و خرج، فعليه العود إلى مكة لإعادة طواف النساء بعد الحلق أو التقصير فيها، و اعتبار وقوع الحلق أو التقصير فيها و إن لا يخلو عن تأمّل إلّا أنّه أحوط، و لا يحتاج في عودها إليها إلى إحرام جديد، و إن تجاوز الميقات فإنّ الإحرام لدخولها مع انقضاء الشهر
الذي أحرم فيه وظيفة غير المحرم و المكلف المفروض في المقام محرم، و يترتب على ذلك أنّه لو بقي في مكة بعد نسيان التقصير أو الحلق و أحرم للحج، فالحكم بصحة إحرام حجه مشكل، و ما ورد من أنّ من نسي التقصير حتى أحرم بالحج لم يبطل إحرامه و تمت عمرته، يختصّ بمن أحرم لعمرة التمتع، و لذا فرض في تلك الروايات نسيان خصوص التقصير، نعم يعمّ العمرة المفردة التي تنقلب إلى المتعة بالإحرام للحج بعدها، و ما ذكر من التأمّل في وقوع الحلق أو التقصير بمكة بدعوى أنّ مقتضى صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالكعبة و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم و سعى بين الصفا و المروة فليلحق بأهله إن شاء» «1» هو عدم اعتبار وقوع الحلق أو التقصير بمكة لا يمكن المساعدة عليها، لما تقدم من دلالة صحيحة عبد اللَّه بن سنان المتقدمة على وقوع طواف النساء بعد الحلق، و لازم ذلك وقوع الحلق أو التقصير قبل الخروج من مكة، بل في معتبرة أخرى لمعاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «من أين افترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: إنّ المتمتع
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 328
.......... مرتبط بالحج، و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء» «1» حيث علق خروج المعتمر على الفراغ من العمرة.
العاشرة: إذا أتى المكلف بالعمرة المفردة في أشهر الحج و بقي في مكة، ثمّ أراد أن يحج حجّ التمتع فله الإحرام للحج من مكة و يكتفي عن عمرة التمتع بتلك العمرة التي أتى بها، و يشهد لذلك جملة
من الروايات، منها موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال: «من حج معتمراً في شوال، و من نيّته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن هو أقام إلى الحج فهو متمتعٌ، لأنّ أشهر الحج، شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة» «2»، و منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته ثمّ خرج كان ذلك له، و إن أقام إلى أن يدرك الحج كانت عمرته متعة و قال: ليس تكون متعة إلّا في أشهر الحج» «3»، و صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المعتمر في أشهر الحج؟ قال: هي متعة» «4»، و ربّما يقال بأنّ ظواهرها صيرورة العمرة المفردة مع الإقامة إلى زمان الحج متعة، فيجب عليه الإتيان بحج التمتع، و أظهر ممّا تقدم صحيحة عمر بن يزيد الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلّا أن يدركه خروج الناس يوم التروية» «5»، و خبره الآخر
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 329
.......... عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحجّ مع الناس» «1»، و لكن يتعين حمل الإتيان بالحج على الأفضلية و الاستحباب، بشهادة صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل
خرج في أشهر الحج ثمّ خرج إلى بلاده؟ قال: «لا بأس، و إن حجّ من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم، و انّ الحسين بن علي (عليه السّلام) خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمراً» «2»، فإنّ الاستشهاد بفعل الحسين (عليه السّلام) يعطي عدم وجوب الحج، و دعوى أنّه (عليه السّلام) كان مضطرّاً إلى الخروج لا يمكن المساعدة عليها، فإنّه لو كان اختصاص الجواز بصورة الاضطرار لما يكون التعليل مناسباً للاستشهاد على الجواز من غير فرض الاضطرار، و اوضح منها صحيحة معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): من أين يفترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: إنّ المتمتع مرتبط بالحج و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، و قد اعتمر الحسين (عليه السّلام) في ذي الحجة ثمّ راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج»، فإنّ قوله (عليه السّلام) في الذيل «و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة. إلخ» كالصريح في جواز الاكتفاء بالعمرة المفردة و ترك الإحرام للحج من غير فرق بين فرض بقائه بعد العمرة أيام الحج في مكة أم لا، فصيرورتها عمرة التمتع تكون بقصد حج التمتع، و يعتبر أيضاً في صيرورتها عمرة التمتع إقامته بمكة إلى زمان الحج، فهل المعتبر خصوص البقاء في مكة إلى زمان الخروج إلى عرفات بعد الإحرام بالحج، أو أنّ المعتبر إقامته إلى زمان الحج، نظير الإقامة في سائر الأمكنة فلا يضرّ بالإقامة
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 330
.......... الخروج من مكة و لو كان بمقدار المسافة الشرعية بأيام قليلة ما لم ينقض الشهر الذي أحرم
فيه للعمرة، حيث إنّه لو انقضى ذلك الشهر يحتاج الدخول إلى مكة ثانياً إلى إحرام جديد، و حيث إنّ الإحرام لا يكون إلّا في ضمن العمرة و الحج، و أنّ لكل شهر عمرة فيعمه ما دلّ على عدم جواز الدخول في مكة إلّا بإحرام، فإنّ الخارج منه عدة أشخاص منهم من دخلها بإحرام قبل مضى الشهر.
و على الجملة المراد بالإقامة إلى الحج مقابل الرجوع إلى بلاده و الاقتصار على تلك العمرة المفردة، و لا يبعد كون الظاهر من الروايات هو الثاني.
فصل في أقسام الحج و هي ثلاثة بالإجماع و الأخبار (1): تمتّع، و قران، و إفراد.
و الأوّل فرض من كان بعيداً عن مكّة و الآخران فرض من كان حاضراً أي غير بعيد.
و حدّ البعد الموجب للأوّل ثمانية و أربعون ميلًا من كل جانب على المشهور الأقوى، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): قلت له: قول اللَّه (عزّ و جلّ) في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فقال (عليه السّلام): «يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلًا ذات عِرق و عُسفان كما يدور حول مكّة فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة»، و خبره عنه (عليه السّلام): سألته عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) ذلِكَ.، قال: «لأهل مكّة، ليس لهم متعة، و لا عليهم عمرة، قلت: فما حد ذلك؟ قال: ثمانية و أربعون ميلًا من جميع نواحي مكّة، دون عُسفان، و ذات عرق» و يستفاد أيضاً من جملة من أخبار آخر. (1) أقسام الحج ثلاثة بالإجماع و الاخبار، و في الصحيح عن معاوية بن عمار
قال: (سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول الحج ثلاثة أصناف حج مفرد و قران و تمتّع بالعمرة إلى الحج و بها أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و الفضل فيها، و لا نأمر الناس إلّا بها و الأولان وظيفة القريب إلى مكة، و الثالث وظيفة البعيد عنها، و حدّ البعد عند
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 6
و القول بأنّ حدّه أثنا عشر ميلًا من كل جانب كما عليه جماعة ضعيف لا دليل عليه، إلّا الأصل فإن مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتّع على كل أحد، و القدر المتيقّن الخارج منها من كان دون الحد المذكور، و هو مقطوع بما مرّ، أو دعوى أنّ الحاضر المشهور ثمانية و أربعون ميلًا من كل الجهات لمكّة أي ستة عشر فرسخاً)، كما يشهد لذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) قول اللَّه (عزّ و جلّ) في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، قال: يعني أهل مكة ليس عليهم المتعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعون ميلًا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة) «1»، و ظاهرها تحديد البعد عن مكة من كل جانب من جوانبها بثمانية و أربعين ميلًا و أنّ من كان أهله دون هذا الحد فعليه غير المتعة، و قيل و القائل الشيخ في المبسوط و ابن إدريس و المحقق في الشرائع، أنّ حج التمتع وظيفة من يبعد عن مكة أثنى عشر ميلًا أي أربعة فراسخ، و أنّ ما في صحيحة زرارة
من التحديد بثمانية و أربعين ميلًا يوزّع على الجهات الأربع فيكون كل جهة أثنى عشر ميلًا، حيث إنّ المكلف بالبعد كذلك يخرج عن عنوان الحاضر في مكة، و نسب المحقق في المعتبر هذا القول الذي اختاره في الشرائع إلى قول نادر لا عبرة به.
أقول: لم يظهر أنّ المراد من كون أهل الشخص حاضري المسجد الحرام عدم كون أهله مسافرين، بل ينافي ذلك التحديد الوارد في صحيحة زرارة و صحيحة الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (ليس لأهل مكة، و لا لأهل مرّ، و لا لأهل سرف متعة) «2»، و ذلك قول اللَّه (عزّ و جلّ) ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و وجه المنافاة ما يقال من أنّ البعد من مكة في بعض ذلك أزيد من المرحلة التي ظاهرها ثمانية فراسخ، و أنّ ذات عرق في صحيحة زرارة بيان
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 7
مقابل للمسافر و السفر أربعة فراسخ، و هو كما ترى، أو دعوى أنّ الحاضر المعلّق عليه وجوب غير التمتّع أمر عرفي و العرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلًا، و هذا أيضاً كما ترى، كما أنّ دعوى أنّ المراد من ثمانية و أربعين التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كل جهة اثنى عشر ميلًا منافية لظاهر تلك الأخبار. لثمانية و أربعين ميلًا بنحو التمثيل، و في الحكم على من يكون أهله دونه بعدم المتعة له دلالة واضحة على عدم العبرة باثني عشر ميلًا، و أمّا ما في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه (عزّ و جلّ) ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ
أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، قال: (من كان منزله على ثمانية عشر ميلًا من بين يديها، و ثمانية عشر ميلًا من خلفها، و ثمانية عشر ميلًا عن يمينها و ثمانية عشر ميلًا عن يسارها، فلا متعة له مثل مر و أشباهه) «1» فلا عامل بها من أصحابنا، و أمّا صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: في حاضري المسجد الحرام، قال: ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام و ليس لهم متعة، و صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حاضري المسجد الحرام، قال ما دون الأوقات إلى مكة، فإنّه لو كان المراد من كان أهله قريباً إلى مكة من الميقات فلا يمكن الأخذ بها، و إن أريد من يكون أهله دون تمام المواقيت فإنّ ذلك تحديد بالأخفى، و لكن لا ينافي ما تقدم من التحديد الوارد في صحيحة زرارة.
و المتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّه لا مورد في المقام لأن يقال بأنّ المستفاد من بعض الأخبار وجوب الحج تمتعاً على كل مستطيع، نظير ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيمة لأنّ اللَّه تعالى يقول (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فليس لأحد إلّا أن يتمتع) «2»، فإنّ قوله (عليه السّلام) (فليس لأحد إلّا أن يتمتع) يعم كل مستطيع و القدر المتيقن ممّن خرج
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 8
و أمّا صحيحة حريز الدالّة على أنّ حد البعد ثمانية عشر ميلًا فلا عامل بها، كما لا عامل بصحيحتي حماد بن عثمان الحلبي الدالّتين على أنّ الحاضر من كان دون المواقيت
إلى مكّة. عن هذا العموم أهل مكة و من كان بعيداً بأقل من اثنى عشر ميلًا حيث يكون حاضراً، و لا يدخل في عنوان المسافر و يؤخذ في غيره بالعموم المزبور. و فيه مع إمكان المناقشة في مثل العموم المزبور، حيث إنّه تفريع على قوله سبحانه و ما في قوله سبحانه، مقيّد بغير حاضري المسجد الحرام انّ المخصّص للعموم المزبور صحيحة زرارة المتقدمة، حيث إنّ ظاهرها في نفسها و بقرينة بيان المثال للحد الوارد فيها بذات عرق و عسفان و لمن ليس عليه متعة لأهل من يبعد عن مكة باثني عشر ميلًا أو أزيد، كما في صحيحة الفضلاء، يعني في الصحيح عن عبيد اللَّه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: (ليس لأهل مكة، و لا لأهل مرّ، و لا لأهل سرف، متعة) «1» يكون دليلًا على أنّ الحد ليس باثني عشر ميلًا، فلا يبقى مورد للتمسك بالأصل أي العموم المزبور، و الحاضر المذكور في الآية يقابل الغائب لا المسافر، و لا مجال للرجوع إلى المعنى العرفي للحاضر بمعنى جعل صدقه معياراً بعد ورود التحديد له، و اللَّه سبحانه هو العالم.
ثمّ إنّه يبقى في المقام أمر و هو أنّ ظاهر الروايات الواردة في تفسير الآية المباركة هو تعين حج التمتع على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، مع أنّ ظاهر الآية المباركة وجوب الهدي على من تمتع بالعمرة على الحج، و انّ هذا التمتع لا يثبت في حق من كان أهله حاضري المسجد الحرام، كما أنّ ظاهر ما ورد في حج رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّ المتعة وظيفة من لم
يسق الهدي في إحرامه، و شي ء من ذلك لا يقدح فإنّ الإحرام للحج بسياق الهدي قد نسخ بالإضافة إلى حجة الإسلام ممّن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 9
و هل يعتبر الحد المذكور من مكّة أو من المسجد؟ وجهان، أقربهما الأوّل (1). كان وراء الحد بتعيّن إحرامه بالتلبية، و تعيّن التمتع على النائي كما هو مدلول الروايات في مورد نزول الآية. (1) لا يخفى أنّ المستفاد من الآية أنّ التمتع بالعمرة إلى الحج ليست وظيفة من كان أهله حاضري المسجد الحرام، بل هو وظيفة من لم يكن أهله حاضريه، و قد حدّد من يكون أهله حاضريه بثمانية و أربعين ميلًا، و مقتضى ذلك ملاحظة البعد بين المسجد الحرام و بين مكان أهله، كما عليه ظاهر كلمات جماعة من الأصحاب، و لم يرد في الروايات ما يدلّ على ملاحظة هذا البعد من مكة، و ما في رواية زرارة ثمانية و أربعون ميلًا من جميع نواحي مكة مع ضعف ضعف سندها لا تدلّ على أنّ المبدأ هو مكة، فإنّ مكة قيد للنواحي لا مبدأ لثمانية و أربعين ميلًا.
و يمكن أن يقال: إنّ المراد من المسجد الحرام نفس مكة، و لذا عدّ أهل مكة من حاضريه مع أنّهم غير ساكنين في المسجد الحرام، و المتعارف في تحديد البعد بحيث يعرفه الناس هو التحديد بين قرية أو بلد و بين قرية أو بلد آخر لا ملاحظة البعد بين مكان و بين بناء أو بيت في بلد أو قرية، نعم إذا بنى على إجمال صحيحة زرارة و عدم تعيين ظهورها من حيث مبدأ حساب البعد يقال يلتزم بأنّ مبدأ الحساب نفس المسجد الحرام، أخذاً بالعموم في مثل قوله
(عليه السّلام) في صحيحة حلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (فليس لأحد إلّا أن يتمتع) و قوله (عليه السّلام) في صحيحة ليث المرادي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (ما نعلم حجّا للَّه غير المتعة إنّا إذا لقينا ربّنا قلنا، يا ربّنا، عملنا بكتابك) «1» الحديث، حيث لا يرفع اليد عن العموم في غير المتيقن مع إجمال الخاص، و هو من يكون بعده من المسجد الحرام و منزله أقل من ثمانية و أربعون ميلًا.
أقول: قد تقدم التأمّل في العموم المذكور، و يأتي بيان الوظيفة عند تردّد
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 10
و من كان على نفس الحد فالظاهر أنّ وظيفته التمتع (1)، لتعليق حكم الإفراد و القران على ما دون الحد.
و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص، و مع عدم تمكّنه الواجب عليه بين التمتع و الإفراد. (1) من كان أهله على نفس الحد يجب عليه التمتع لأنّ حكم الإفراد أو القرآن معلّق في صحيحة زرارة على دون ثمانية و أربعين ميلًا، و حكم التمتع فيها و إن كان معلّقاً فيها على عنوان وراء ثمانية و أربعين ميلًا، كما هو ظاهر اسم الإشارة إلّا أنّ المستفاد من الآية و لو بانضمام الروايات هو أنّ التمتع بالعمرة إلى الحج وظيفة من لم يكن أهله حاضري مكة المفسر حضورها بكون أهله بما دون الحد، و ممّا ذكر يظهر أنّه لو شك المكلف في المسافة و انّ أهله دون الحدّ المذكور أم لا، فالاستصحاب في عدم كونه حاضراً يدرجه في موضوع وجوب التمتع.
و على الجملة إجمال صحيحة زرارة بالإضافة إلى من كان رأس الحدّ لا يوجب الإجمال في
الآية المباركة المستفاد منها و لو بانضمام الروايات انّ التمتع بالعمرة إلى الحج وظيفة من لم يكن أهله فيما دون الحدّ، و ممّا ذكر يظهر أنّه في موارد تردد أمر بيته في أنّه دون الحدّ أم لا، لا يجب الفحص، بل يبنى على عدم كونه دون الحد فيثبت في حقه وجوب المتعة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 11
يراعي الاحتياط (1)، و إن كان لا يبعد القول بأنّه يجري عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتّع لأنّ غيره معلّق على عنوان الحاضر و هو مشكوك، فيكون كما لو شك في أنّ المسافة ثمانية فراسخ أو لا، فإنّه يصلّي تماماً لأنّ القصر معلّق على السفر و هو مشكوك. الوظيفة عند تردّد الحج الواجب بين التمتّع و غيره (1) قد تقدم عدم وجوب الاحتياط و جواز الاكتفاء بحج التمتع، كما نفي الماتن (قدّس سرّه) البعد منه في المقام، و إذا أراد المكلّف الاحتياط، فعليه أن يحرم لما هو وظيفته الواقعية من عمرة التمتع أو حج الإفراد، و إذا دخل مكة طاف و سعى بقصد الإتيان بالوظيفة الواقعية فيقصّر ثمّ يحرم للحج من مكة، و بعد الإتيان بأعمال الحج و الفراغ عنها يعتمر بعمرة مفردة، و بهذا يحصل له اليقين بفراغ ذمته من حجة إسلامه، سواء كانت حج التمتع أو الإفراد، فإنّه على تقدير كون وظيفته حج التمتع فظاهر، و أمّا بناءً على أنّها حج الإفراد يكون إحرامه للحج من مكة لغواً، لأنّ الوظيفة هي الإحرام لحج الإفراد من الميقات كما يكون تقصيره غير واجب، بل الواجب في حقه العمرة المفردة التي أتى بها بعد الحج على الفرض. نعم يجب على تقصيره الكفارة فإنّه و إن كان أمره
مردداً بين الوجوب و الحرمة، فللمكلف اختيار فعله لرجاء وجوبه إلّا أنّ علمه الإجمالي حين التقصير امّا بوجوبه أو وجوب الإتيان بالطواف و السعي بعد أفعال منى أوجب الإتيان بكل منهما، ففي النتيجة قد جمع المكلف في سنة واحدة بين حج التمتع و حج الإفراد من حيث الأمور المعتبرة في كل منهما بخصوصه، و قد يقال في الاحتياط وجه آخر، و هو أن يحرم للعمرة تمتعاً، و يأتي بعد أن دخل مكة بأعمال عمرة التمتع، ثمّ يحرم من مكة بالحج و يخرج من مكة للإحرام ثانياً لحج الإفراد، ثمّ بعد الفراغ من أعمال الحج يأتي بالعمرة المفردة، و لكن جواز هذا الوجه لا يخلو عن تأمّل، لأنّ الأمر بالعمرة تمتعاً في حق حاضري المسجد الحرام في سنة استطاعته للحج غير ثابت و لو ترتباً، و عليه فإحرام المكلف المفروض لعمرة التمتع يمكن أن يكون باطلًا فلا يجوز له الدخول بمكة بهذا الإحرام.
و على الجملة علمه إجمالًا إمّا بعدم جواز دخول مكة بهذا الإحرام، و أمّا
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 12
ثمّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام، حيث لا يجزئ للبعيد إلّا التمتّع و لا للحاضر الإفراد أو القرآن، و أمّا بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل من البعيد و الحاضر كل من الأقسام (1) الثلاثة بلا إشكال، و إن كان الأفضل اختيار التمتّع، و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجّة الإسلام كالحج النذري و غيره. لا يجوز له الخروج منها و بعد تقصيره بعد طوافه و سعيه يوجب الاقتصار بالوجه الأول، و اللَّه العالم. (1) بلا خلاف معروف بين أصحابنا و يشهد لذلك ما ورد في الروايات المتعددة، كصحيحة أحمد
بن محمد بن أبي نصر قال: (سألت أبا جعفر (عليه السّلام) في السنة التي حج فيها، و ذلك سنة اثنتي عشرة (احدى) و مأتين، فقلت: بأيّ شي ء دخلت مكة مفرداً أو متمتعاً؟ فقال: متمتعاً، فقلت: أيّما أفضل المتمتع بالعمرة إلى الحج، أو من أفرد و ساق الهدي؟ فقال: كان أبو جعفر (عليه السّلام) يقول: المتمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي و كان يقول: ليس يدخل الحاج بشي ء أفضل من المتعة) «1» فظاهر قوله (عليه السّلام) أفضل مشروعية الإفراد، و المراد من مثل هذه الصحيحة الحج الندبي لما تقدم من تعين التمتع في حجة الإسلام للبعيد، و تعين الإفراد على من أهله حاضري المسجد الحرام.
(مسألة 1) من كان له وطنان أحدهما في الحد و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما (1) لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة و لا متعة له، فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكّة، فقال (عليه السّلام): فلينظر أيّهما الغالب» فإن تساويا فإن كان مستطيعاً من كل منهما تخيّر بين الوظيفتين و إن كان الأفضل اختيار التمتّع، و إن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة. (1) لا ينبغي التأمّل فيما إذا كان له وطنان أحدهما في الحدّ و الآخر في خارجه و استطاع للحج، فعليه فرض أغلبهما، فقد روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له، فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ قال: فلينظر أيّهما
الغالب عليه فهو من أهله) «2».
و في غير هذه الصورة بأن لم يكن أحدهما غالباً بل كانا متساويين سواءً كانت اقامته في كل منهما ستة أشهر أو أقل، و كان في الأشهر الباقية متردّداً بينهما لا يبعد أن يتخير بين الأقسام الثلاثة، لكونه مكلّفاً بطبيعي الحج مع خروجه عن موضوع الوجوب التعييني لخصوص أحد الأقسام، و دعوى أنّه يمكن القول بوجوب التمتع عليه أخذاً بالعموم، في مثل صحيحة الحلبي المتقدمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيمة لأنّ اللَّه يقول فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فليس لأحد إلّا أن يتمتع) «1» الحديث مدفوعة بما تقدم من أنّ العموم المزبور بالإضافة إلى من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام بقرينة ورودها تفسيراً، بل تفريعاً على الآية، و كذا دعوى تعين الإفراد أو القرآن عليه، لأنّ قيد الموضوع لوجوبهما على المستطيع إثباتي بأن كان أهله من حاضري المسجد الحرام، و للآخر يعني لوجوب التمتع سلبي بأن لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و مع صدق الموضوع الإثباتي ينفي عنه الموضوع لوجوب التمتع، لعدم إمكان صدق الإثبات و النفي معاً، فلا مجال للتخيير حتى في فرض استطاعته في كل من الوطنين فضلًا عمّا إذا استطاع في الداخل في الحدّ، و لو لم يكن وجوب الإفراد عليه تعييناً ظاهراً فلا أقل من كونه أحوط.
أقول: لو كان وجوب حج الإفراد معلّقاً على ثبوت الأهل للمستطيع في داخل الحد، و كان الموضوع لوجوب حج التمتع سلب ذلك العنوان بأن لا يكون أهله من
(مسألة 2) من كان من أهل مكّة و خرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها فالمشهور جواز
حجّ التمتّع له (1) و كونه مخيّراً بين الوظيفتين، و استدلّوا بصحيحة عبد الرحمن بن حاضري المسجد الحرام، لما كان وجه لتعليق وجوب كل من الحجين على الغالب عليه من أهلية، بل كان المناسب أن يقول (عليه السّلام) عليه الحج إفراداً، و لا أقل من أن يقول إذا لم يكن الغالب عليه من أهلية خارج الحدّ فعليه حج الإفراد، فتعليق وجوب كل منهما على الغالب عليه من أهلية يعطي ان ذا الوطنين خارج عن مدلول الآية كما ذكرنا، فمع استطاعته للحج في كل من الوطنين يجب عليه طبيعي الحج إذا لم يكن الغالب عليه أحد أهلية.
و على الجملة إذا كان مستطيعاً للحج من كل من المكانين فحكمه التخيير، و إن كان اختيار حج التمتع أفضل للأخبار الواردة في كونه أفضل الأقسام، و أمّا إذا فرض عدم استطاعته إلّا من أحدهما خاصة فتعين حجّ أهل ذلك المكان مع عدم كونه الغالب عليه محلّ تأمّل، فإنّ مقتضى ما تقدم تخييره في الفرض أيضاً، و اللَّه العالم. (1) المكّي إذا بعد عن أهله و مرّ في رجوعه إلى مكة ببعض المواقيت، فعليه الإحرام من ذلك الميقات بلا خلاف معروف، و يقتضيه ما دلّ على عدم جواز دخول مكة بلا إحرام، أضف إلى ذلك ما في صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) من قوله (عليه السّلام): (إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها) «1».
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 15
الحجّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «عن رجل من أهل مكّة يخرج إلى بعض الأمصار ثمّ يرجع إلى مكّة، فيمرّ
ببعض المواقيت، إله أن يتمتّع؟ قال (عليه السّلام): ما أزعم أنّ ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحبّ إليّ» و نحوها صحيحة أخرى عنه و عن عبد الرحمن بن أعين عن أبي الحسن (عليه السّلام)، و عن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك و أنّه يتعيّن عليه فرض المكّي إذا كان الحج واجباً عليه، و تبعه جماعة لما دلّ من الأخبار على أنّه لا متعة لأهل مكّة، و حملوا الخبرين على الحج الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني، و لا يبعد قوّة هذا القول، مع أنّه أحوط لأنّ الأمر دائر بين التخيير و التعيين و مقتضى الاشتغال هو الثاني خصوصاً إذا كان مستطيعاً حال كونه في مكّة فخرج قبل الإتيان بالحج، بل يمكن أن يقال إنّ محل كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها و أمّا إذا كان مستطيعاً فيها قبل خروجه منها فيتعيّن عليه فرض أهلها. ثمّ إنّه إذا كانت عليه حجة الإسلام هل يتعين عليه ما هو فرض أهل مكة فيحرم له أو يجوز له الإحرام لعمرة التمتع، فعن الشيخ (قدّس سرّه) في جملة من كتبه و المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهي جوازه، بل الجواز منسوب في المدارك إلى الأكثر و في غيرها إلى المشهور، و يستدل على ذلك بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها: (سألته عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار، ثمّ يرجع إلى مكة، فيمرّ ببعض المواقيت، إله أن يتمتع؟ قال: ما أزعم أنّ ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحب إليّ) «1»، و في الصحيحة الأخرى لعبد الرحمن بن أعين قالا: (سألنا أبا الحسن
(عليه السّلام). إلى أن قال: ما أزعم أنّ ذلك ليس له و الإهلال بالحج أحبّ إلىّ) و قد يقال: كما عن ابن أبي عقيل و جماعة انّ المراد من الصحيحتين الحج المندوب لا حجة الإسلام، بقرينة ما ورد في ذيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن أعين من السؤالات الراجعة إلى الحج المندوب.
أضف إلى ذلك أنّ من كان من أهل مكة بحيث له مقدرة مالية يخرج إلى بعض الأمصار لا تكون حجة الإسلام باقية على عهدته، بل لو كانتا مطلقتين من حيث الحج الواجب و المندوب يعارضهما ما ورد في صحيحة زرارة و غيرها من أنّ أهل مكة
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 16
.......... ليس عليهم متعة، و في الصحيح عن عبيد اللَّه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (ليس لأهل مكة، و لا لأهل مر، و لا لأهل سرف، متعة) «1»، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق في عدم جواز المتعة حتى ممّن كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار، ثمّ رجع إلى الميقات، و مورد المعارضة المكي الخارج الذي يرجع إلى مكة و عليه حجة الإسلام، فيؤخذ في مورد اجتماعهما بإطلاق نفي المتعة لأهل مكة لموافقته لإطلاق الآية أو كون إطلاق الآية مرجعاً بعد تساقط الإطلاقين، فتكون النتيجة ما عليه ابن أبي عقيل و المختار عند جماعة كما قواه الماتن (قدّس سرّه)، و لكن يورد على ذلك بعدم حمل إمكان الصحيحتين على الحج المندوب، فإنّه ينافيه ما ورد فيها من كون الإهلال بالحج أحب إلىّ، حيث لا ينبغي التأمّل في أنّ في الحج المندوب الأفضل حج التمتع، فكيف
يكون الإحرام للحج أحبّ.
أقول: ظاهر الأحب جواز الأمرين و كون الإحرام للحج أحب و أفضلية التمتع لأهل مكة في الحج المندوب لم تثبت، و ما ورد في أفضلية التمتع بقرينة التعليل بأنّه أخذ بقول اللَّه سبحانه و سنة نبيّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مقتضاه اختصاص الأفضلية للبعيد إذا حج ندباً، نعم التمتع عن المجاور بل ذي الوطنين أفضل، و هذا غير الفرض في الصحيحتين.
و على الجملة ففي فرض حجة الإسلام يكون إطلاق الآية المباركة مرجّحاً لما دلّ على عدم التمتع لأهل مكة، و لو خرج إلى البعيد أو مرجعاً بعد تساقط الإطلاقين، و اللَّه العالم.
نعم لو كان وصول النوبة إلى الأصل العملي لكان مقتضاه التخيير لا تعيّن
(مسألة 3) الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة فإن كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتّع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه سواء (1) كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين. الإفراد، لما ذكرنا في بحث الأصول أنّه إذا دار أمر الواجب بين التعيين و التخيير يكون مقتضى أصالة البراءة الجارية في ناحية الوجوب التعييني عدم معارضتها بأصالة البراءة الجارية في ناحية الجامع بين الفعلين هو الاكتفاء بأي من الفعلين. (1) الآفاقي إذا أقام بمكة بعد استطاعته و وجوب حج التمتع عليه فلا خلاف يعرف في بقاء حكمه السابق، و لو كان ذلك بقصد الاستيطان في مكة، أو بعد سنتين من اقامته بها بعنوان المجاور، و كأنّ موضوع وجوب حجّ الإفراد أو القرآن كون المكلّف زمان حصول استطاعته حاضر مكّة، كما أنّ الموضوع لوجوب حج التمتع عدم كونه عند حصولها من حاضريها، و دعوى أنّ استفادة ذلك من الخطابات الشرعية مشكل،
فإنّ مقتضاها دوران وجوب الحج تمتعاً أو غيره مدار كون المكلف زمان الإتيان من أهل مكة أم لا، فإنّ مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له) «1» و بإطلاقها شاملة لمن كانت استطاعته للحج قبل إقامته أم بعدها، بل يكفي ظاهر تقسيم الموضوع في الآية المباركة بين من أهله من حاضري المسجد الحرام، المراد منهم أهل مكة و ما دون الحدّ و بين من يكون أهله من حاضريه، فالأول مكلف بالحج مفرداً، و الثاني بالحج تمتعاً، نظير تقسيم المكلف بكونه مسافراً أو غير مسافراً، فإنّ كون المكلف حاضراً أو مسافراً عند تحقق الوجوب لا يكفي في بقاء ذلك الوجوب إذا تبدل إلى العنوان الآخر لا يمكن المساعدة عليها، و ذلك لأنّ الاعتبار بسنة الاستطاعة، و انّ المكلف إذا كان مكلفاً فيها بحج التمتع يجب عليه الإتيان به و لو بعد استيطانه بمكة أو بعد سنوات من
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 18
.......... اقامته فيها بعنوان المجاور، لأنّ المستفاد من الروايات أنّ الحج الواجب على المكلف في سنة استطاعته مع تركه في تلك السنة يثبت في عهدته كالدين، و لذا يكون وجوب الإتيان به بعد تلك السنة منوطاً ببقاء الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، و يقضي عنه من أصل تركته مع موته قبل الإتيان.
و على الجملة الإتيان بالحج في السنة اللاحقة وفاء لما عليه في السنة السابقة، و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قلت: (فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة، قال: يحج عنه إن كان حجة الإسلام و يعتمر، إنّما هو شي ء عليه)
«1»، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إن كان صرورة فمن جميع المال، أنّه بمنزلة الدين الواجب) «2»، و على ذلك يجب عليه الإتيان بما ينطبق عليه ما على ذمته ليكون وفاءً به و لا يقاس المقام بمسألة القصر و الإتمام إذا كان المكلف في بعض الوقت حاضراً و في بعضه مسافراً، فإنّه لو كان في آخر الوقت مسافراً كان تكليفه فيه القصر و لو كان في أوّل الوقت لعدم كونه مسافراً مكلفاً بالتمام، نعم لو لم يأت بالقصر في آخر الوقت يثبت على ذمته القصر، و لذا يجب قضائها قصراً حتى فيما كان القضاء في الحضر، و ما في صحيحة زرارة المتقدمة من قوله (عليه السّلام): (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له) ليس له إطلاق بحيث يشمل لمن كان عليه حج التمتع قبل ذلك، و الوجه في ذلك أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام) هو تنزيل المقيم منزلة المكّي ليثبت له ما للمكّي، و التمتع المنفي عن المكّي هو كونه مكيّاً حال استطاعته المعتبرة في وجوب الحج، و أمّا إذا كان عليه حج التمتع لاستطاعته إلى الحج قبل كونه مكيّاً، فالتمتع غير منفي عنه حتى ينتفي عن المقيم بمكة أيضاً، و مقتضى التنزيل أن يجب على المستوطن حج التمتع، و لا يحتاج إلى مضى السنتين أو أقل أو
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 19
و أمّا إذا لم يكن مستطيعاً ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكّي في الجملة، كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرّد الإقامة، و إنّما الكلام في الحد الّذي به يتحقّق
الانقلاب، فالأقوى ما هو المشهور من أنّه بعد الدخول في السنة الثالثة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة و لا متعة له (1).»، أكثر فإنّه حقيقة من أهل مكة. (1) إذا استطاع الآفاقي بعد ما أقام بمكة يجب عليه التمتع قبل إتمامه السنتين من اقامته، و إذا استطاع بعد إتمامه السنتين ينقلب فرضه إلى حج الإفراد أو القرآن عند المشهور، بل هذا هو المنسوب إلى غير الشيخ (قدّس سرّه) من أصحابنا، و قد ورد في صحيحة زرارة قوله (عليه السّلام): (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة فلا متعة له) «1»، و في صحيحة عمر بن يزيد قال: (قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين، فإذا جاوز سنتين كان قاطناً، و ليس له يتمتع) «2»، و ما عن الشيخ في النهاية و المبسوط و المنسوب إلى الإسكافي و الحلي من عدم انتقال الفرض إلى الإفراد أو القرآن حتى يقيم ثلثاً، لعلّه محمول على أنّ المراد الدخول في السنة الثالثة فلا ينافي ما تقدّم من اعتبار إكمال سنتين و إلّا فلا يعرف له مستند.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 20
و صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السّلام): «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتّع» و قيل بأنّه بعد الدخول في الثانية لجملة من الأخبار، و هو ضعيف لضعفها بإعراض المشهور عنها، مع أنّ القول الأوّل موافق للأصل، و أمّا القول بأنّه بعد تمام ثلاث سنين فلا دليل عليه إلّا الأصل المقطوع بما ذكر، مع أنّ
القول به غير محقّق لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة، و أمّا الأخبار الدالّة على أنّه بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها، مع احتمال صدورها تقيّة و إمكان حملها على محامل آخر.
و الظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة، فلو كانت بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل، فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له، و من الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطّن. و ظاهر الشهيد و الفاضل الأصبهاني الميل إلى انقلاب الفرض بالدخول في السنة الثانية لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: (من أقام بمكة سنة فهو بمنزلة
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 21
.......... أهل مكة) «1»، و صحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليهما السّلام) لأهل مكة أن يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها، قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين، صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهراً فإنّ لهم أن يتمتّعوا) «2»، و يضعف هذا القول باعراض المشهور عن الروايتين كما أعرضوا عن صحيحة حفص البختري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثمّ يرجع مكة بأي شي ء يدخل؟ فقال: إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع، و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع) «3»، و لكن يمكن أن يقال: بعد تعارض الطائفتين الأوليتين في التحديد و عدم إمكان تقييد المفهوم، فيما يدلّ على اعتبار السنتين بما دلّ على الاكتفاء بالسنة، فإنّه مساوق لإلغاء التحديد بالسنتين و لا يعدّ مثله من الجمع العرفي خصوصاً مع
اعتبار تجاوز السنتين في صحيحة عمر بن يزيد، و ظاهر الآية المباركة وجوب التمتع على المجاور و لو بملاحظة ما ورد في تفسيرها فلا يكون شي ء من الطائفتين موافقاً للكتاب، و يؤخذ بالآية و ما هو بمفادها من الروايات بالإضافة إلى غير القدر المتيقن، و هو من يكون إقامته بمكة أقل من سنتين، فيحكم بوجوب التمتع عليه، و يرفع اليد في مورد الجزم أو الوثوق و لو بمعونة الشهرة بين الأصحاب، و هو من أقام بمكة سنتين أو أزيد.
و على الجملة الالتزام بانقلاب الفرض في الأقل من السنتين لا يمكن الالتزام
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 22
ثمّ الظاهر أنّ في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضاً (1) فيكفي في وجوب الحج الاستطاعة من مكّة و لا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده، فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه لعموم أدلّتها، و أنّ الانقلاب إنّما أوجب تغيير نوع الحج و أمّا الشرط فعلى ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتّع، هذا. به، و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ اعتبار السنتين في المجاور في انقلاب فرضه لا يعم صورة الاستيطان، فإنّ مع الاستيطان المعبّر عنه بالقاطن يدخل الشخص في عنوان أهل مكة الوارد في الروايات عدم المتعة لهم، و لذا علّق كون المجاور قاطناً على تجاوز سنتين حيث لا يعتبر في المجاور أن يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و إطلاق القاطن و أهل مكة عليه بعد إقامة سنتين تنزيل و إلحاق حكمي. (1) يقع الكلام في المقام في أنّه لو استطاع للحج بعد سنتين هل يلاحظ استطاعته لحج الإفراد من مكة حيث تكون الاستطاعة له
من مكّة قليلة المؤنة أو يعتبر أن يكون مستطيعاً باستطاعة بلده بأن يكون له مؤنة الحجّ من بلده، فقد اختار الماتن (قدّس سرّه) كعدة من أصحابنا الأوّل، و عن صاحب الجواهر (قدّس سرّه) الثاني، و بتعبير آخر يتعين على المجاور بعد سنتين الإفراد لا التمتع، و لكن الكلام أنّه يكفي في وجوبه استطاعته عن مكة كسائر أهل مكة أو أنّه يفترق عن أهل مكة في الاستطاعة، فيعتبر في وجوب الحج عليه إفراداً استطاعته من بلده إلى الحج فالتبدل في نوع الحج الواجب لا في الاستطاعة المعتبرة في وجوبه، و لكن لا يخفى أنّه لم يرد في الخطابات الشرعية إلّا أن يكون للمكلف ما يحج به، و ظاهرها كون ما يحج به زائداً على مصارفه العادية اللازمة، و على ذلك فربّما يختلف استطاعة المكي عن المجاور بعد إكمال سنتين، فإنّه إذا كان بقاء المجاور في مكة بعد إكمال حجّه حرجياً و صرف ما عنده من المال في مصارف حجّه يوجب أن لا يتمكّن من العودة إلى بلده، أو كونه حرجياً فلا يكون مستطيعاً حتى لحج الإفراد بخلاف المكي، فإنّه لا حاجة له إلى العودة إلّا بمكة، و نظيره المجاور الذي لا يعوده إلى بلده بعد الفراغ من حجه، بل يبقى بمكة لتحصيل مال بحيث لا يلزم من صرف ماله الفعلي في مصارف حجه حرج أو محذور فيكون مستطيعاً للحج كأهل مكة.
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 23
و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة لكن قبل مضي السنتين، فالظاهر أنّه كما لو حصلت في بلده فيجب عليه التمتّع و لو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد، فالمدار على حصولها بعد الانقلاب (1).
و أمّا المكّي
إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيماً بها فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه لعدم الدليل و بطلان القياس، إلّا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطّن و حصلت الاستطاعة بعده، فإنّه يتعيّن عليه التمتّع بمقتضى القاعدة و لو في السنة الأُولى، و أمّا إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكّة فلا، نعم الظاهر دخوله حينئذ في المسألة السابقة فعلى القول بالتخيير فيها كما عن المشهور يتخيّر و على قول ابن أبي عقيل يتعيّن عليه وظيفة المكّي. (1) قد تقدم أنّ ذلك فيما كانت استطاعته بعد السنتين، و أمّا إذا كانت في بلده أو قبل تجاوز السنتين و أراد الإتيان بالحج بعد تجاوزهما، فعليه حج التمتع و لو في السنة، هذا فيما إذا جاور الآفاقي مكة، و أمّا إذا جاور المكي في بلدة نائية فالمتعين عليه حج الإفراد بلا فرق بين كون استطاعته في مكة أو تلك البلدة، و بلا فرق بين كونهما بعد السنتين أو قبلهما، فإنّ انقلاب الوظيفة بعد المجاورة بسنتين وارد في مكة، و على خلاف ما تقدم من ظهور الخطابات الأوّلية و لاحتمال الخصوصية يقتصر بمورده، نعم إذا كان المكي مستوطناً في بلدة خارج الحدّ يلحقه حكم أهلها فيتعين
(مسألة 4) المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع كما إذا كانت استطاعته في بلده أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع، و اختلفوا في تعيين ميقاته (1) على أقوال:
أحدها: أنّه مهلّ أرضه، ذهب إليه جماعة، بل ربّما يسند إلى المشهور كما في الحدائق لخبر سماعة عن أبي الحسن (عليه السّلام) سألته عن المجاور، إله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه
السّلام): «نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فليلبّ إن شاء» المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في عليه حج التمتع إذا حصلت له الاستطاعة في تلك البلدة قبل سنتين أو بعدهما، نعم إذا بنى على أنّ المكّي إذا خرج إلى بعض البلاد و رجع إليها يتخيّر بين التمتع و حج الإفراد كما تقدم في المسألة الثانية، فيجوز له التمتع و حج الإفراد، و إن كان ذلك قبل سنتين، و إلّا يتعين عليه الإفراد، و اللَّه العالم. (1) المقيم بمكة إذا وجب عليه التمتع كما إذا كان مستطيعاً في بلده أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه يجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتع، و وقع الخلاف في تعيين ميقاته فعن الشيخ و أبي الصلاح و ابن سعيد و المحقق في النافع و العلامة في بعض كتبه أنّه ميقات أهل أرضه، و عن ظاهر المقنعة و النهاية و المبسوط و المحقق في الشرائع و العلامة في القواعد و صريح الدروس و المسالك أنّه أحد المواقيت المخصوصة مخيّراً بينها، و عن الحلبي أنّه خارج الحرم، و احتمله في المدارك و منشأ الخلاف اختلاف الأخبار و اختلاف الأنظار في الجمع بينها.
منها ما يقال: إنّها ظاهره في تعيين ميقات أرضه كخبر سماعة عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: (سألته عن المجاور، إله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبّي، إن شاء) «1»، و في السند معلى بن محمد. و يستدل على ذلك أيضاً بروايات واردة في تارك الإحرام من الميقات جهلًا أو نسياناً
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 25
الجاهل و الناسي الدالّة على ذلك بدعوى عدم خصوصية للجهل و النسيان و أنّ ذلك
لكونه مقتضى حكم التمتّع، و بالأخبار الواردة في توقيت المواقيت و تخصيص كل قُطر بواحد منها أو من مرّ عليها بعد دعوى أنّ الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.
ثانيها: أنّه أحد المواقيت المخصوصة مخيّراً بينها، و إليه ذهب جماعة أخرى لجملة أخرى من الأخبار، مؤيدة بأخبار المواقيت بدعوى عدم استفادة خصوصية كل بقطر معيّن.
ثالثها: أنّه أدنى الحل، نقل عن الحلبي و تبعه بعض متأخري المتأخرين، لجملة ثالثة من الأخبار. كصحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج) «1» بدعوى أنّ الخروج إلى ميقات أهله وظيفة كل من يكون مكلّفاً بحج التمتع بلا دخل لخصوصية دخول الحرم بلا إحرام نسياناً أو جهلًا؛ و بالروايات الواردة في تعيين المواقيت لأهل الآفاق، و يستدل على القول الثاني بصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) حيث ورد فيها: (فكتب انّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علّة فلا تجاوز الميقات إلّا من علة) «2» حيث يصدق على الراجع إلى ميقات من المواقيت أنّه أتى عليها، و لو كانت الروايات الواردة في تعيين المواقيت أو في رجوع الجاهل و الناسي ظاهرة في تعين ميقات خاص فيرفع اليد عن التعين بمثل الصحيحة الدالّة على التعميم لمن أتى على أخرى، بل لو قيل في تارك الإحرام إلى أن دخل الحرم بتعيّن رجوعه إلى ميقات أهله أخذاً
بظهور التعين في جملة من الروايات الواردة فيه، فلا وجه للتعدّي منه إلى المجاور لأنّه كان معلنا بالإحرام من ذلك الميقات فلعلّ فيه
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 26
و الأحوط الأوّل، و إن كان الأقوى الثاني لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة و أخبار الجاهل و الناسي و إن ذكر المهل من باب أحد الأفراد، و منع خصوصية للمرور في الأخبار العامّة الدالّة على المواقيت، و أمّا أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت أو محمولة على صورة التعذّر. خصوصيّة، و في موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (من حجّ معتمراً في شوال. إلى أن قال: و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتّع، و إنّما هو مجاور أفرد للعمرة، فإنّ هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاور ذات عرق، أو يجاوز عسفان، فيدخل متمتعاً بالعمرة إلى الحج، فإن هو أحبّ أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها) «1»، و تفصيله (عليه السّلام) بين إحرام المجاور بعمرة التمتع و إحرامه بحجّ الإفراد شاهد قوي لوجوب الرجوع إلى الميقات، و ظاهر هذه الموثقة و إن كان الحج الاستحبابي، إلّا أنّه لا يحتمل أن يكون الحج الواجب تمتعاً مختلفاً عن التمتع استحباباً و لا يضرّ بالاستدلال اشتمالها للخروج إلى عسفان الذي لا يعرف حاله.
و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر، أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها) «2» بحملها
على غير عمرة التمتع حيث يحرم المجاور لها من خارج الحرم، كما يرفع اليد عن إطلاق صحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) لأهل مكة أن يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها. إلى أن قال: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم) «3» فتحمل على صورة عدم التمكن من الرجوع إلى أحد المواقيت، و مثلها رواية سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج في رجب. إلى أن قال: من دخلها في غير أشهر الحج، ثمّ أراد أن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 27
ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كل من كان في مكّة و أراد الإتيان بالتمتّع و لو مستحباً (1).
هذا كلّه مع إمكان الرجوع إلى المواقيت، و أمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحل، بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات، و إن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه، و الأحوط الخروج إلى ما يتمكّن. يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها، ثمّ يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر إلى البيت، ثمّ يطوف بالبيت و يصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام)، ثمّ يخرج إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما، ثمّ يقصر و يحلّ، ثمّ يعقد التلبية يوم التروية) «2»، فإنّها أيضاً تحمل امّا على العدول إلى التمتع أو على صورة عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات لما تقدم، فلا مجال للقول الثالث أو القول بأنّ الرجوع إلى الميقات أفضل و إلّا فيجوز الإحرام بكل من الوجوه الثلاثة إلّا أن يقال ليس في البين ما يوجب الحمل على
صورة عدم التمكن إلّا أن دعوى أنّ المفروض في الطائفة الأولى، و كذا الثانية تمكن رجوعه إلى الميقات بخلاف الطائفة الثالثة، فإنّها مطلقة بالإضافة إلى التمكن و عدمه فيرفع اليد عن إطلاقها بالطائفتين الأوليتين. (1) بل تقدم أنّ ظاهر بعض الروايات هو صورة استحباب التمتع كموثقة سماعة بن مهران الواردة في كون الإحرام بعمرة التمتع مشروطاً بوقوعه في أشهر الحج، و أمّا مع عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات يجزي الإحرام للتمتع من خارج الحرم، و قد تقدم أنّ مقتضى الطائفة الثالثة جواز الإحرام لعمرة التمتع للمجاور بمكة من خارج الحرم، غاية الأمر أنّها مطلقة من حيث التمكن من الرجوع إلى الميقات و عدمه فيحمل على صورة التمكن بالطائفتين الأولى و الثانية، حيث إنّ موردهما صورة التمكن من الرجوع إلى ميقات أهله أو أحد المواقيت، و ما عن الماتن من الاحتياط بالرجوع إلى ما يمكن من خارج الحرم، ففيه أنّ ذلك وارد فيمن دخل
فصل في صورة حج التمتّع و شرائطه
صورة حج التمتّع على الإجمال أن يُحرم في أشهر الحج من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحج، ثمّ يدخل مكّة فيطوف فيها بالبيت سبعاً و يصلّي ركعتين في المقام، ثمّ يسعى لها بين الصفا و المروة سبعاً، ثمّ يطوف للنساء احتياطاً و إن كان الأصح عدم وجوبه (1)، و يقصّر، ثمّ ينشئ إحراماً للحج من مكّة في وقت يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفة، و الأفضل إيقاعه يوم التروية، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى الغروب، ثمّ يفيض و يمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه و يقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ثمّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة، ثمّ ينحر أو يذبح هديه و يأكل منه، ثمّ يلحق أو يقصّر، فيحل من كل شي ء إلّا الحرم مع مروره بالميقات و تركه الإحرام منه، فلا يعم المفروض في المقام مع أنّ مقتضى الاحتياط الإعادة. (1) قد تقدم وجوب طواف النساء في العمرة المفردة، و الظاهر ليس فيه خلاف يعتد به بين أصحابنا، كما هو مقتضى الروايات المعتبرة، و ذكرنا أنّ موضع الإتيان بهذا الطواف فيها بعد الحلق أو التقصير، و أمّا العمرة تمتعاً فالمشهور، بل بلا خلاف يعرف عدم اعتبار طواف النساء فيها، بل يحصل الإحلال من إحرامها بمجرد التقصير، و يدلّ على ذلك عدة من الروايات منها صحيحة صفوان بن يحيى قال: (سأله أبو حرث، عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى) «1»، و صحيحة محمد بن عيسى قال: (كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي
إلى الرجل (عليه السّلام) يسأله عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها طواف النساء و العمرة التي يتمتع بها إلى الحج؟ فكتب أمّا العمرة التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 29
النساء و الطيب، و الأحوط اجتناب الصيد أيضاً، و إن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام ثمّ هو مخيّر بين أن يأتي إلى مكّة ليومه فيطوف طواف الحج و يصلّي ركعتيه و يسعى سعيه فيحل له الطيب، ثمّ يطوف النساء و يصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء، ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق و هي الحادي عشر، و الثاني عشر، و الثالث عشر و يرمي في أيّامها الجمار الثلاث، و أن لا يأتي إلى مكّة ليومه بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم النساء «1»، و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك، و قلّم أظفارك و ابق منها لحجّك فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه، فطف بالبيت تطوّعاً ما شئت) «2».
إلى غير ذلك، و أمّا ما رواه في الصحيح إبراهيم بن عبد الحميد عن عمر أو غيره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المعتمر يطوف و يسعى و يحلق، و قال: لا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر) «3» فمضافاً إلى تردد الراوي عنه (عليه السّلام) و جهالته لا تعم عمرة التمتع، حيث لا يكون فيها بعد السعي إلّا التقصير دون الحلق)، و ما رواه محمد
بن عيسى عن
التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 30
.......... سليمان بن حف