التهذيب في مناسك العمرة و الحج

اشارة

سرشناسه : تبریزی جواد، شارح عنوان و نام پديدآور : التهذیب فی مناسک العمره و الحج جواد التبریزی مشخصات نشر : قم دار التفسیر، 1423ق = 1381.

شابک : 964-6398-99-5 60000ریال (دوره ؛ 964-6398-96-0 (ج 1) ؛ 964-6398-97-9 (ج 2)

يادداشت : عربی يادداشت : ج 3 (چاپ اول 1423ق = )1381ISBN 964-6398-98-7

یادداشت : کتابنامه عنوان دیگر : العروة الوثقی برگزیده شرح موضوع : یزدی محمدکاظم بن عبدالعظیم 1247؟ - 1338؟ق العروة الوثقی -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : حج -- رساله عملیه شناسه افزوده : یزدی محمدکاظم بن عبدالعظیم 1247؟ - 1338؟ق العروة الوثقی برگزیده شرح رده بندی کنگره : BP183/5 /ی4ع40232 1381

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 81-19962

الجزء الأول

[كتاب الحج من العروة]

اشارة

الذي هو أحد أركان الدّين و من أوكد فرائض المسلمين، قال اللَّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

غير خفي على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون التأكيد و ضروب الحثّ و التشديد، و لا سيّما ما عرض به تاركه من لزوم كفره و إعراضه عنه بقوله عزّ شأنه وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.

و عن الصادق (عليه السّلام) في قوله عزّ من قائل وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا: «ذاك الذي يسوّف الحج يعني حجة الإسلام حتى يأتيه الموت». و عنه (عليه السّلام): «من مات و هو صحيح موسر لم يحج ممّن قال اللَّه تعالى وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى و عنه (عليه السّلام): «من مات و لم يحج حجّة الإسلام لم

يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً».

و في آخر: «من سوّف الحج حتّى يموت بعثه اللَّه يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 8

و في آخر: «ما تخلف رجل عن الحج إلّا بذنب، و ما يعفو اللَّه أكثر». و عنهم (عليهم السّلام) مستفيضاً: «بني الإسلام على خمس: الصلاة و الزكاة و الحجّ و الصوم و الولاية».

و الحج فرضه و نفله عظيم فضله، خطير أجره، جزيل ثوابه، جليل جزاؤه، و كفاه ما تضمنه من وفود العبد على سيّده و نزوله في بيته و محل ضيافته و أمنه، و على الكريم إكرام ضيفه و إجارة الملتجئ إلى بيته؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «الحاج و المعتمر وفد اللَّه؛ إن سألوه أعطاهم و إن دعوه أجابهم و إن شفعوا شفعهم و إن سكتوا بدأهم، و يعوضون بالدرهم ألف ألف درهم». و عنه (عليه السّلام): «الحجّ و العمرة سوقان من أسواق الآخرة، اللازم لهما في ضمان اللَّه؛ إن أبقاه أداه إلى عياله و إن أماته أدخله الجنّة». و في آخر: إن أدرك ما يأمل غفر اللَّه له، و إن قصر به أجله وقع أجره على اللَّه (عزّ و جلّ)». و في آخر: «فإن مات متوجهاً غفر اللَّه له ذنوبه، و إن مات محرماً بعثه ملبّياً، و إن مات بأحد الحرمين بعثه من الآمنين، و إن مات منصرفاً غفر اللَّه له جميع ذنوبه». و في الحديث: «إنّ من الذنوب ما لا يكفره إلّا الوقوف بعرفة».

و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في مرضه الّذي توفي فيه في آخر ساعة من عمره الشريف:

«يا أبا ذر، اجلس بين يدي اعقد بيدك، من ختم له بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه دخل الجنّة إلى أن قال و من ختم له بحجة دخل الجنّة، و من ختم له بعمرة دخل الجنّة» الخبر. و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «وفد اللَّه ثلاثة: الحاج و المعتمر و الغازي؛ دعاهم اللَّه فأجابوه، و سألوه فأعطاهم». و سأل الصادق (عليه السّلام) رجل في المسجد الحرام: من أعظم النّاس وزراً؟ فقال: «من يقف بهذين الموقفين عرفة و المزدلفة و سعى بين هذين الجبلين، ثمّ طاف بهذا البيت و صلّى خلف مقام إبراهيم، ثمّ قال في نفسه و ظنّ أنّ اللَّه لم يغفر له فهو من أعظم النّاس وزراً».

و عنهم (عليهم السّلام): «الحاج مغفور له و موجوب له الجنّة و مستأنف به العمل و محفوظ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 9

في أهله و ماله، و أن الحجّ المبرور لا يعدله شي ء و لا جزاء له إلّا الجنّة، و أنّ الحاج يكون كيوم ولدته أُمّه، و أنّه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات و لا تكتب عليه السيّئات إلّا أن يأتي بموجبه، فإذا مضت الأربعة أشهر خلط بالنّاس. و أنّ الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف: صنف يعتق من النّار، و صنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أُمّه، و صنف يحفظ في أهله و ماله، فذلك أدنى ما يرجع به الحاج. و أنّ الحاج إذا دخل مكة وكّل اللَّه به ملكين يحفظان عليه طوافه و صلاته و سعيه، فإذا وقف بعرفة ضربا منكبه الأيمن ثمّ قالا: أمّا ما مضى فقد كفيته، فانظر كيف تكون فيما تستقبل».

و في آخر: «و إذا قضوا مناسكهم

قيل لهم: بنيتم بنياناً فلا تنقضوه، كفيتم فيما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون». و في آخر: «إذا صلّى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول: يا هذا، أمّا ما قد مضى فقد غفر لك، و أمّا ما يستقبل فجدّ». و في آخر: «إذا أخذ النّاس منازلهم بمنى نادى مناد: لو تعلمون بفناء من حللتم لأيقنتم بالمغفرة بعد الخلف». و في آخر: «إن أردتم أن أرضى فقد رضيت».

و عن الثمالي قال: قال رجل لعلي بن الحسين (عليه السّلام): تركت الجهاد و خشونته و لزمت الحج و لينه؛ فكان متكئاً فجلس و قال: «و يحك! أمّا بلغك ما قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في حجة الوداع؟! إنّه لمّا وقف بعرفة و همّت الشمس ان تغيب قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): يا بلال، قل للنّاس فلينصتوا. فلمّا أنصتوا قال: إنّ ربّكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم و شفع محسنكم في مسيئكم، فأفيضوا مغفوراً لكم».

و قال النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لرجل مميل فاته الحج و التمس منه ما به ينال أجره: «لو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء فأنفقته في سبيل اللَّه تعالى ما بلغت ما يبلغ الحاج. و قال: إنّ الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً و لم يضعه إلّا كتب اللَّه له عشر حسنات

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 10

و محا عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات، و إذا ركب بعيرة لم يرفع خُفاً و لم يضعه إلّا كتب اللَّه له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج

من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه. قال: فعدّ رسول اللَّه كذا و كذا موقفاً إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثمّ قال: أنّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاج».

و قال الصادق (عليه السّلام): «إنّ الحجّ أفضل من عتق رقبة، بل سبعين رقبة». بل ورد أنّه «إذا طاف بالبيت و صلّى ركعتيه كتب اللَّه له سبعين ألف حسنة، و حطّ عنه سبعين ألف سيئة، و رفع له سبعين ألف درجة، و شفّعه في سبعين ألف حاجة، و حسب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم، و أنّ الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل اللَّه تعالى، و أنّه أفضل من الصيام و الجهاد و الرباط، بل من كل شي ء ما عدا الصلاة». بل في خبر آخر: «أنّه أفضل من الصلاة» أيضاً، و لعلّه لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتى الصلاة التي هي أجمع العبادات، أو لأنّ الحج فيه صلاة و الصلاة ليس فيها حج، أو لكونه أشق من غيره، و أفضل الأعمال أحمزها، و الأجر على قدر المشقة.

و يستحب تكرار الحج و العمرة و إدمانهما بقدر القدرة، فعن الصادق (عليه السّلام): «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): تابعوا بين الحج و العمرة فإنّهما ينفيان الفقر و الذنوب ما ينفي الكير خَبَث الحديد». و قال (عليه السّلام): «حج تترى و عمرة تسعى يدفعان عَيلة الفقر و مِيتة السوء». و قال علي بن الحسين (عليه السّلام): «حجّوا و اعتمروا

تصحّ أبدانكم و تتّسع أرزاقكم و تكفون مئونة عيالكم».

و كما يستحب الحجّ بنفسه كذا يستحبّ الإحجاج بماله؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «إنّه كان إذا لم يحج أحج بعض أهله أو بعض مواليه و يقول لنا: يا بني، إن استطعتم فلا يقف النّاس بعرفات إلّا و فيها من يدعو لكم، فإنّ الحاج ليشفع في ولده و أهله

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 11

و جيرانه». و قال علي بن الحسين لإسحاق بن عمّار لما أخبره أنّه موطن على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسه أو برجل من أهله بماله: «فأيقن بكثرة المال و البنين، أو أبشر بكثرة المال».

و في كل ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام، و يظهر من جملة منها أنّ تكرارها ثلاثاً أو سنة و سنة لا إدمان، و يكره تركه للموسر في كل خمس سنين. و في عدّة من الأخبار «إنّ من أوسع اللَّه عليه و هو موسر و لم يحج في كل خمس و في رواية أربع سنين إنّه لمحروم». و عن الصادق (عليه السّلام): «من حجّ أربع حجج لم يصبه ضغطة القبر».

مقدّمة

في آداب السفر و مستحبّاته لحج أو غيره و هي أمور:

أولها و من أوكدها: الاستخارة، بمعنى طلب الخير من ربّه و مسألة تقديره له عند التردّد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقاً، و الأمر بها للسفر و كل أمر خطير أو مورد خطر مستفيض، و لا سيّما عند الحيرة و الاختلاف في المشورة، و هي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره، و هذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التفؤّل و المشاورة بالرِّقاع و الحَصَى

و السُّبحة و البُندُقة و غيرها لضعف غالب أخبارها، و إن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً، بخلاف هذا النوع لورود أخبار كثيرة بها في كتب أصحابنا، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الأمر بها و الحث عليها.

و عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام) «كنّا نتعلّم الاستخارة كما نتعلّم السورة من القرآن». و عن الباقر: «أنّ علي بن الحسين (عليه السّلام) كان يعمل به إذا همّ بأمر حج أو عمرة أو بيع أو

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 12

شراء أو عتق». بل في كثير من رواياتنا النهي عن العمل بغير استخارة و أنّه «من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتلى لم يؤجر». و في كثير منها: «ما استخار اللَّه عبد مؤمن إلّا خار له و إن وقع ما يكره»، و في بعضها: «إلّا رماه اللَّه بخير الأمرين».

و في بعضها: «استخر اللَّه مائة مرّة و مرّة، ثمّ انظر أجزم الأمرين لك فافعله، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللَّه تعالى». و في بعضها: «ثمّ انظر أي شي ء يقع في قلبك فاعمل به». و ليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه و طلب الخير من عنده و بناءً منه أنّ خيره فيما يختاره اللَّه له من أمره، و يستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته ليكون بدء مشورته منه سبحانه و أن يقرنه بطلب العافية؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «و ليكن استخارتك في عافية، فإنّه ربّما خير للرجل في قطع يده و موت ولده و ذهاب ماله».

و أخصر صورة فيها أن يقول: «أستخير اللَّه برحمته، أو أستخير اللَّه برحمته خيرة في عافية» ثلاثاً

أو سبعاً أو عشراً أو خمسين أو سبعين أو مائة مرة و مرة، و الكلّ مروي، و في بعضها في الأمور العظام مائة، و في الأمور اليسيرة بما دونه. و المأثور من أدعيته كثيرة جدّاً، و الأحسن تقديم تحميد و تمجيد و ثناء و صلوات و توسّل و ما يحسن من الدعاء عليها، و أفضلها بعد ركعتي الاستخارة أو بعد صلوات فريضة أو في ركعات الزوال أو في آخر سجدة من صلاة الفجر أو في آخر سجدة من صلاة الليل أو في سجدة بعد المكتوبة أو عند رأس الحسين (عليه السّلام) أو في مسجد النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و الكلّ مرويّ، و مثلها كل مكان شريف قريب من الإجابة كالمشاهد المشرفة أو حال أو زمان كذلك. و من أراد تفصيل ذلك فليطلبه من مواضعه كمفاتيح الغيب للمجلسي (قدّس سرّه) و الوسائل و مستدركه.

و بما ذكر من حقيقة هذا النوع من الاستخارة و أنّها محض الدعاء و التوسّل و طلب الخير و انقلاب أمره إليه، و بما عرفت من عمل السجاد في الحج و العمرة و نحوهما، يعلم أنّها راجحة للعبادات أيضاً خصوصاً عند إرادة الحج، و لا يتعيّن فيما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 13

يقبل التردّد و الحيرة، و لكن في رواية أخرى: «ليس في ترك الحج خيرة». و لعلّ المراد بها الخيرة لأصل الحج أو للواجب منه.

ثانيها: اختيار الأزمنة المختارة له من الأسبوع و الشهر؛ فمن الأسبوع يختار السبت، و بعده الثلاثاء، و الخميس، و الكل مروي. و عن الصادق (عليه السّلام): «من كان مسافراً فليسافر يوم السبت، فلو أن حجراً زال عن جبل يوم السبت لرده اللَّه

إلى مكانه». و عنهم (عليهم السّلام): «السبت لنا، و الأحد لبني أميّة». و عن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «اللّهمّ بارك لأمّتي في بكورها يوم سبتها و خميسها».

و يتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها، و الأحد، فقد روي أنّ له حدّا كحدّ السيف، و الاثنين فهو لبني أميّة، و الأربعاء فإنّه لبني العباس، خصوصاً آخر أربعاء من الشهر فإنّه يوم نحس مستمر. و في رواية ترخيص السفر يوم الاثنين مع قراءة سورة هل أتى في أوّل ركعة من غداته فإنّه يقيه اللَّه به من شرّ يوم الاثنين. و ورد أيضاً اختيار يوم الاثنين؛ و حملت على التقية.

و ليتجنّب السفر من الشهر و القمر في المحاق أو في برج العقرب أو صورته؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «من سافر أو تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى». و قد عدّ أيام من كل شهر و أيام من الشهر منحوسة يتوقى من السفر فيها و من ابتداء كل عمل بها، و حيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمّنا التعرض لها و إن كان التجنّب منها و من كل ما يتطير بها أولى، و لم يعلم أيضاً أنّ المراد بها شهور الفُرس أو العربية، و قد يوجه كل بوجه غير وجيه. و على كل حال فعلاجها لدى الحاجة بالتوكّل و المضي خلافاً على أهل الطيرة؛ فعن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «كفارة الطيرة التوكّل». و عن أبي الحسن الثاني: «من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة وقي من كل آفة و عوفي من كل عاهة و قضى اللَّه حاجته». و له أن يعالج نحوسة ما نحس من

الأيام بالصدقة؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «تصدق و اخرج أي يوم شئت». و كذا يفعل أيضاً لو عارضه في طريقه ما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 14

يتطير به النّاس و وجد في نفسه من ذلك شيئاً، و ليقل حينئذ: «اعتصمت بك يا ربّ من شرّ ما أجد في نفسي فاعصمني»، و ليتوكّل على اللَّه و ليمض خلافاً لأهل الطيرة.

و يستحب اختيار آخر الليل للسير و يكره أوله؛ ففي الخبر: «الأرض تطوى من آخر الليل». و في آخر: «و إيّاك و السير في أوّل الليل، و سر في آخره».

ثالثها و هو أهمّها: التصدّق بشي ء عند افتتاح سفره، و يستحبّ كونها عند وضع الرجل في الركاب، خصوصاً إذا صادف المنحوسة أو المتطير بها من الأيام و الأحوال؛ ففي المستفيضة رفع نحوستها بها. و ليشرِ السلامة من اللَّه بما يتيسّر له، و يستحب أن يقول عند التصدّق: «اللّهمّ إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي و سلامة سفري. اللّهمّ احفظني و احفظ ما معي، و سلّمني و سلم ما معي، و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل».

رابعها: الوصية عند الخروج، لا سيّما بالحقوق الواجبة.

خامسها: توديع العيال، بأن يجعلهم وديعة عند ربّه و يجعله خليفة عليهم، و ذلك بعد ركعتين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج، و يقول: «اللّهمّ إنّي أستودعك نفسي و أهلي و مالي و ذرّيّتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة عملي»؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل منها، و لم يدع بذلك الدعاء إلّا أعطاه اللَّه (عزّ و جل) ما سأل».

سادسها: إعلام إخوانه بسفره؛ فعن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «حق على المسلم

إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانه، و حق على إخوانه إذا قدم أن يأتوه».

سابعها: العمل بالمأثورات من قراءة السور و الآيات و الأدعية عند باب داره، و ذكر اللَّه و التسمية و التحميد و شكره عند الركوب و الاستواء على الظهر و الإشراف و النزول و كل انتقال و تبدّل حال؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في سفره إذا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 15

هبط سبّح، و إذا صعد كبّر». و عن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «من ركب و سمّى ردفه ملك يحفظه، و من ركب و لم يسمّ ردفه شيطان يمنيه حتّى ينزل».

و منها قراءة القدر للسلامة حين يسافر أو يخرج من منزله أو يركب دابته، و آية الكرسي و السخرة و المعوذتين و التوحيد و الفاتحة، و التسمية و ذكر اللَّه في كل حال من الأحوال.

و منها ما عن أبي الحسن (عليه السّلام) أنّه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجّه له و يقرأ الحمد و المعوذتين و التوحيد و آية الكرسي أمامه و عن يمينه و عن شماله و يقول: «اللّهمّ احفظني و احفظ ما معي و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» يحفظ و يبلغ و يسلم هو و ما معه.

و منها ما عن الرضا (عليه السّلام): «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل: بسم اللَّه و باللَّه و توكّلت على اللَّه، ما شاء اللَّه لا حول و لا قوّة إلّا باللَّه. تضرب به الملائكة وجوه الشياطين و تقول ما سبيلكم عليه و قد سمّى اللَّه و آمن به و توكّل عليه».

و

منها ما كان الصادق (عليه السّلام) يقول إذا وضع رجله في الركاب، يقول سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ «و يسبّح اللَّه سبعاً و يحمده سبعاً و يهلله سبعاً».

و عن زين العابدين (عليه السّلام): «أنّه لو حج رجل ماشياً و قرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر ما وجد ألم المشي». و قال: «ما قرأه أحد حين يركب دابته إلا نزل منها سالماً مغفوراً له، و لَقارؤها أثقل على الدواب من الحديد».

و عن أبي جعفر (عليه السّلام): «لو كان شي ء يسبق القدر لقلت قارئ إنّا أنزلناه في ليلة القدر حين يسافر أو يخرج من منزله سيرجع». و المتكفّل لبقية المأثورات منها على كثرتها الكتب المعدّة لها.

و في وصية النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «يا علي، إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها:

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 16

اللّهمّ إنّي أسألك خيرها و أعوذ بك من شرّها. اللّهمّ حببنا إلى أهلها و حبب صالحي أهلها إلينا». و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «يا علي، إذا نزلت منزلًا فقل: اللّهمّ أنزلني منزلًا مباركاً و أنت خير المنزلين؛ ترزق خيره و يدفع عنك شرّه». و ينبغي له زيادة الاعتماد و الانقطاع إلى اللَّه و قراءة ما يتعلّق بالحفظ من الآيات و الدعوات، و قراءة ما يناسب ذلك كقوله تعالى كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ، و قوله تعالى إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، و دعاء التوجه و كلمات الفرج و نحو ذلك، و عن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «يسبح تسبيح الزهراء و يقرأ آية الكرسي عند ما يأخذ مضجعه في

سفر يكون محفوظاً من كل شي ء حتّى يصبح».

ثامنها: التحنك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه؛ ففي المستفيضة عن الصادق و الكاظم (عليهما السّلام): «الضمان لمن خرج من بيته معتماً تحت حنكه أن يرجع إليه سالماً و أن لا يصيبه السَّرَق و لا الغَرَق و لا الحَرَق».

تاسعاً: استصحاب عصا من اللوز المرّ؛ فعنه (عليه السّلام): «إن أراد أن تطوى له الأرض فليتّخذ النقد من العصا، و النقد عصا لوز مرّ». و فيه نفي للفقر و أمان من الوحشة و الضواري و ذوات الحمة، و ليصحب شيئاً من طين الحسين (عليه السّلام) ليكون له شفاء من كل داء و أماناً من كلّ خوف، و يستصحب خاتماً من عقيق أصفر مكتوب على أحد جانبيه: «ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ استغفر اللَّه» و على الجانب الآخر «محمّد و علي»، و خاتماً من فيروزج مكتوب على أحد جانبيه: «للَّه الملك» و على الجانب الآخر: «الملك للَّه الواحد القهّار».

عاشرها: اتّخاذ الرفْقَة في السفر، ففي المستفيضة الأمر بها و النهي الأكيد عن الوحدة؛ ففي وصية النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لعلي: «لا تخرج في سفر وحدك فإنّ الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد. و لعن ثلاثة: الآكل زاده وحده و النائم في بيت وحده و الراكب في الفلاة وحده». و قال: «شرّ النّاس من سافر وحده و منع رفده و ضرب

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 17

عبده»، «و أحبّ الصحابة إلى اللَّه أربعة، و ما زاد [قوم على سبعة إلّا كثر لغطهم» أي تشاجرهم. و من اضطرّ إلى السفر وحده فليقل: «ما شاء اللَّه و لا قوّة إلّا باللَّه. اللّهمّ آمن وحشتي و

أعنّي على وحدتي و أدّ غيبتي». و ينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق و يكره مصاحبته دونه أو فوقه في ذلك، و أن يصحب من يتزيّن به و لا يصحب من يكون زينته له، و يستحب معاونة أصحابه و خدمتهم و عدم الاختلاف معهم و ترك التقدم على رفيقه في الطريق.

الحادي عشر: استصحاب السُّفرة و التنوّق فيها و تطيب الزاد و التوسعة فيه لا سيّما في سفر الحج، و عن الصادق (عليه السّلام): «إنّ من المروّة في السفر كثرة الزاد و طيبه و بذله لمن كان معك». نعم، يكره التنوّق في سفر زيارة الحسين (عليه السّلام)، بل يقتصر فيه على الخبز و اللبن لمن قرب من مشهده كأهل العراق لا مطلقاً في الأظهر؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين (عليه السّلام) حملوا معهم السفرة فيها الجَداء و الأخبصة و أشباهه، و لو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا»! و في آخر: «تاللَّه إنّ أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً، و تأتونه أنتم بالسُّفَر! كلّا، حتّى تأتونه شُعْثاً غُبراً».

الثاني عشر: حسن التخلق مع صحبه و رِفقَته؛ فعن الباقر (عليه السّلام): «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: خلق يخالق به من صحبه أو حلم يملك به غضبه أو ورع يحجزه عن معاصي اللَّه». و في المستفيضة: «المروّة في السفر ببذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير المعاصي». و في بعضها: «قلّة الخلاف على من صحبك، و ترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم». و عن الصادق (عليه السّلام): «ليس من المروّة أن يحدّث الرجل بما يتفق في السفر من خير أو شر». و عنه

(عليه السّلام): «وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك و كفّ لسانك و اكظِم غيظك و أقِلّ لغوك و تفرش عفوك و تسخي نفسك».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 18

الثالث عشر: استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح و الآلات و الأدوية كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه، و ليعمل بجميع ما في تلك الوصيّة.

الرابع عشر: إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثاً؛ فعن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «إذا كنت في سفر و مرض أحدكم فأقيموا عليه ثلاثة أيام». و عن الصادق (عليه السّلام): «حق المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثاً».

الخامس عشر: رعاية حقوق دابته؛ فعن الصادق (عليه السّلام): «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): للدابة على صاحبها خصال: يبدأ بعلفها إذا نزل، و يعرض عليها الماء إذا مرّ به، و لا يضرب وجهها فإنّها تسبح بحمد ربّها، و لا يقف على ظهرها إلّا في سبيل اللَّه، و لا يحملها فوق طاقتها، و لا يكلفها من المشي إلّا ما تطيق». و في آخر: «و لا تتوركوا على الدواب و لا تتّخذوا ظهورها مجالس». و في آخر: «و لا يضربها على النِّفار و يضربها على العِثار، فإنّها ترى ما لا ترون».

و يكره التعرس على ظهر الطريق و النزول في بطون الأودية و الإسراع في السير و جعل المنزلين منزلًا إلّا في أرض جَدبة، و أن يطرُق أهله ليلًا حتى يُعلمهم، و يستحب إسراع عوده إليهم، و أن يستصحب هدية لهم إذا رجع إليهم. و عن الصادق (عليه السّلام): «إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما تيسر و لو

بحجر» الخبر.

و يكره ركوب البحر في هيجانه، و عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إذا اضطرب بك البحر فاتّك على جانبك الأيمن و قل: بسم اللَّه، اسكن بسكينة اللَّه و قرّ بقرار اللَّه و اهدأ بإذن اللَّه، و لا حول و لا قوّة إلّا باللَّه».

و لينادِ إذا ضلّ في طريق البر: «يا صالح، يا أبا صالح، أرشدونا رحمكم اللَّه»، و في طريق البحر: «يا حمزة». و إذا بات في أرض قَفر فليقل إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى إلى قوله تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

و ينبغي للماشي أن يَنسل في مشيه، أي يسرع، فعن الصادق (عليه السّلام): «سيروا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 19

و انسلوا فإنّه أخف عنكم». «و جاءت المشاة إلى النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فشكوا إليه الإعياء فقال: عليكم بالنَّسَلان. ففعلوا فذهب عنهم الإعياء»، و أن يقرأ سورة القدر لئلّا يجد ألم المشي كما مرّ عن السجاد (عليه السّلام)، و عن الرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «زاد المسافر الحُداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خَناء»، و في نسخة: «جفاء»، و في أخرى «حَنان». و ليختر وقت النزول من بِقاع الأرض أحسنها لوناً و ألينها تربة و أكثرها عُشباً. هذه جملة ما على المسافر.

و أمّا أهله و رِفقته فيستحب لهم تشييع المسافر و توديعه و إعانته و الدعاء له بالسهولة و السلامة و قضاء المآرب عند وداعه، قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «من أعان مؤمناً مسافراً فرج اللَّه عنه ثلاثاً و سبعين كُربة و أجاره في الدنيا و الآخرة من الغمّ و

الهمّ و نفّس كَربه العظيم يوم يعض النّاس بأنفاسهم». و كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا ودّع المؤمنين قال: «زوّدكم اللَّه التقوى و وجّهكم إلى كل خير و قضى لكم كلّ حاجة و سلم لكم دينكم و دنياكم و ردكم سالمين إلى سالمين». و في آخر: «كان إذا ودع مسافراً أخذ بيده ثمّ قال: أحسن لك الصحابة و أكمل لك المعونة و سهّل لك الحُزونة و قرب لك البعيد و كفاك المهم و حفظ لك دينك و أمانتك و خواتيم علمك و وجّهك لكل خير. عليك بتقوى اللَّه، أستودع اللَّه نفسك، سر على بركة اللَّه (عزّ و جل)». و ينبغي أن يقرأ في أذنه إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ إن شاء اللَّه، ثمّ يؤذن خلفه و ليُقِم كما هو المشهور عملًا، و ينبغي رعاية حقّه في أهله و عياله و حسن الخلافة فيهم لا سيّما مسافر الحج؛ فعن الباقر (عليه السّلام): «من خلف حاجّاً بخير كان له كأجره كأنّه يستلم الأحجار». و أن يوقّر القادم من الحج، فعن الباقر (عليه السّلام): «وقّروا الحاج و المعتمر فإنّ ذلك واجب عليكم». و كان علي بن الحسين (عليه السّلام) يقول: «يا معشر من لم يحج، استبشروا بالحاج و صافحوهم و عظّموهم فإن ذلك يجب عليكم، تشاركوهم في الأجر». و كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يقول للقادم من مكة: «قبل اللَّه منك و أخلف عليك نفقتك و غفر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 20

ذنبك».

و لنتبرك بختم المقام بخير خبر تكفّل مكارم أخلاق السفر بل و الحضر: فعن الصادق (عليه السّلام) قال: «قال لقمان لابنه:

يا بني، إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك و أمورهم، و أكثر التبسّم في وجوههم، و كن كريماً على زادك، و إذا دعوك فأجبهم، و إذا استعانوا بك فأعنهم، و استعمل طول الصمت و كثرة الصلاة و سخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد، و إذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، و أجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت و تنظر، و لا تُجِب في مشورة حتّى تقوم فيها و تقعد و تنام و تأكل و تضع و أنت مستعمل فكرتك و حكمتك في مشورتك فإن من لم يمحض النصح لمن استشاره سلبه اللَّه رأيه و نزع منه الأمانة، و إذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم و إذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم فإذا تصدّقوا أو أعطوا قرضاً فأعط معهم، و اسمع لمن هو أكبر منك سناً، و إذا أمروك بأمر و سألوك شيئاً فقل نعم و لا تقل لا فإنّها عيّ و لؤم، و إذا تحيرتم في الطريق فانزلوا و إذا شككتم في القصد فقفوا أو تؤامروا، و إذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم و لا تسترشدوه فإنّ الشخص الواحد في الفلاة مريب لعلّه يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الّذي حيّركم، و احذروا الشخصين أيضاً إلّا أن تروا ما لا أرى، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئاً عرف الحقّ منه و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.

يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشي ء، صلّها و استرح منها فإنّها دين، و صلّ في جماعة و لو على رأس زُجّ، و لا تنامنّ على دابّتك فإنّ ذلك سريع في دبرها و ليس ذلك

من فعل الحكماء إلّا أن تكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل، و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك و ابدأ بعلفها فإنّها نفسك، و إذا أردتم النزول فعليكم من بِقاع الأرض بأحسنها لوناً و ألينها تربة و أكثرها عُشباً، و إذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس، و إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 21

الأرض، و إذا ارتحلت فصلّ ركعتين ثمّ ودّع الأرض الّتي حللت بها و سلم عليها و على أهلها فإنّ لكلّ بُقعة أهلًا من الملائكة، فإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ و تصدق منه فافعل. و عليك بقراءة كتاب اللَّه ما دمت راكباً، و عليك بالتسبيح ما دمت عاملًا، و عليك بالدعاء ما دمت خالياً، و إيّاك و السير في أوّل اللّيل و سر في آخره، و إيّاك و رفع الصوت. يا بني سافر بسيفك و خُفّك و عِمامتك و حِبالك و سِقائك و خُيوطك و مِخرَزك و تزوّد معك من الأدوية فانتفع به أنت و من معك، و كن لأصحابك موافقاً إلّا في معصية اللَّه (عزّ و جل)».

هذا ما يتعلّق بكلي السفر.

و يختصّ سفر الحج بأمور أُخر:

منها: اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح بل الحَفاء على الانتعال، إلّا أن يضعفه عن العبادة أو كان لمجرّد تقليل النفقة، و عليهما يحمل ما يستظهر منها أفضلية الركوب، و روى: «ما تقرب العبد إلى اللَّه (عزّ و جل) بشي ء أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين، و أنّ الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة. و ما عبد اللَّه بشي ء مثل الصمت و المشي إلى بيته».

و منها: أن تكون نفقة

الحج و العمرة حلالًا طيباً، فعنهم (عليه السّلام): «إنّا أهل بيت حج صَرورتنا و مهور نسائنا و أكفاننا من طهور أموالنا». و عنهم (عليه السّلام): «من حجّ بمال حرام نودي عند التلبية لا لبّيك عبدي و لا سعديك». و عن الباقر (عليه السّلام): «من أصاب مالًا من أربع لم يقبل منه في أربع: من أصاب مالًا من غُلول أو رباء أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة و لا صدقة و لا حجّ و لا عمرة».

و منها: استحباب نيّة العود إلى الحج عند الخروج من مكّة و كراهة نيّة عدم العود، فعن النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «من رجع من مكّة و هو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره، و من خرج من مكّة و لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله و دنا عذابه». و عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 22

الصادق (عليه السّلام) مثله مستفيضاً، و قال لعيسى بن أبي منصور: «يا عيسى، إنّي أحبّ أن يراك اللَّه فيما بين الحجّ إلى الحجّ و أنت تتهيأ للحج».

و منها: البدأة بزيارة النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمن حجّ على طريق العراق.

و منها: أن لا يحجّ و لا يعتمر على الإبل الجلالة، و لكن لا يبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها و لا يسري إلى ما يسار عليها من البلاد البعيدة في الطريق.

و من أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السفر احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النّية و إخلاص السريرة و أداء حقيقة القربة و التجنّب عن الرياء و التجرّد عن حبّ المدح و الثناء، و أن لا يجعل سفره على

ما عليه كثير من مترفي عصرنا من جعله وسيلة للرفعة و الافتخار بل و صلة إلى التجارة و الانتشار و مشاهدة البلدان و تصفّح الأمصار، و أن يراعي إسراره الخفية و دقائقه الجليّة كما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام:

إنّ اللَّه تعالى سنّ الحجّ و وضعه على عباده إظهاراً لجلالة و كبريائه و علوّ شأنه و عِظَم سلطانه، و إعلاناً لرق النّاس و عبوديّتهم و ذلهم و استكانتهم، و قد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم و الملّاك لمماليكهم، يستذلونهم بالوقوف على باب بعد باب و اللبث في حجاب بعد حجاب، و إنّ اللَّه تعالى قد شرّف البيت الحرام و أضافه إلى نفسه و اصطفاه لقدسه و جعله قياماً للعباد و مقصداً يؤمّ من جميع البلاد، و جعل ما حوله حرماً و جعل الحرم آمناً و جعل فيه ميداناً و مجالًا و جعل له في الحلّ شبيهاً و مثالًا، فوضعه على مثال حضرة الملوك و السلاطين، ثمّ أذّن في النّاس بالحج ليأتوه رِجالًا و رُكباناً من كل فَجّ و أمرهم بالإحرام و تغيير الهيئة و اللباس شُعثاً غُبراً متواضعين مستكينين رافعين أصواتهم بالتّلبية و إجابة الدعوة، حتّى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول و أوقفهم في حجبه يدعونه و يتضرّعون إليه، حتّى إذا طال

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 23

تضرّعهم و استكانتهم و رجموا شياطينهم بجمارهم و خلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب قربانهم و قضاء تَفَثهم ليطهّروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم و بينه و ليزوروا البيت على طهارة منهم، ثمّ يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرق و كنه العبودية؛ فجعلهم تارة يطوفون فيه

و يتعلّقون بأستاره و يلوذون بأركانه و أخرى يسعون بين يديه مشياً و عَدْواً ليتبيّن لهم عزّ الربوبية و ذلّ العبودية و ليعرفوا أنفسهم و يضع الكبر من رؤوسهم و يجعل نير الخضوع في أعناقهم و يستشعروا شعار المذلّة و ينزعوا ملابس الفخر و العزّة، و هذا من أعظم فوائد الحج.

مضافاً إلى ما فيه من التذكّر بالإحرام و الوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر و أهوال يوم القيامة، إذ الحج هو الحشر الأصغر و إحرام النّاس و تلبيتهم و حشرهم إلى المواقف و وقوفهم بها و الهين متضرّعين راجعين إلى الفَلاح أو الخَيبة و الشَّقاء أشبه شي ء بخروج النّاس من أجداثهم و توشّحهم بأكفانهم و استغاثتهم من ذنوبهم و حشرهم إلى صعيد واحد إلى نعيم أو عذاب أليم، بل حركات الحاج في طوافهم و سعيهم و رجوعهم و عودهم يشبه أطوار الخائف الوَجِل المضطرب المدهوش الطالب مَلجأً و مَفزعاً نحو أهل المحشر في أحوالهم و أطوارهم، فبحلول هذه المشاعر و الجبال الشعب و الطلال ولدي وقوفه بموافقة العظام يهون ما بأمامه من أهوال يوم القيامة من عظائم يوم الحشر و شدائد النشر. عصمنا اللَّه و جميع المؤمنين و رزقنا فوزه يوم الدّين، آمين ربّ العالمين.

[فصل في وجوب الحج

اشارة

فصل في وجوب الحج من أركان الدين الحج، و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية من الرجال و النساء و الخناثي بالكتاب و السنّة و الإجماع من جميع المسلمين بل بالضرورة، و منكره في سلك الكافرين، و تاركه عمداً مستخفاً به بمنزلتهم، و تركه من غير استخفاف من الكبائر، و لا يجب في أصل الشرع إلّا مرّة واحدة في تمام العمر، و هو المسمّى بحجة الإسلام، أي الحج

الّذي بني عليه الإسلام مثل الصلاة و الصوم و الخمس و الزكاة، و ما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجِدَة كل عام على فرض ثبوته شاذ مخالف للإجماع و الأخبار، و لا بدّ من حمله على بعض المحامل كالأخبار الواردة بهذا المضمون من إرادة الاستحباب المؤكّد أو الوجوب على البدل (1) بمعنى أنّه يجب عليه في عامه و إذا تركه ففي العام الثاني و هكذا. (1) بأن يقيّد مثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) «قال: إن اللَّه (عزّ و جلّ) فرض الحج على أهل الجدة في كل عام» «1» ما دام لم يأت به و لو مرة واحدة، بقرينة مثل صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «ما كلّف اللَّه العباد إلّا ما يطيقون إلى أن قال و كلّفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك» «2». و يناسب هذا التقييد ما ذكره الإمام (عليه السّلام) في صحيح علي بن جعفر بعد قوله (عليه السّلام): إنّ اللَّه (عزّ و جلّ) فرض الحج على أهل الجدة في كل عام و ذلك قوله (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. و لذا سأل علي بن جعفر أخاه (عليه السّلام) بعد ذلك: فمن لم يحج منّا فقد كفر؟ قال: لا، و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر. و وجه سؤاله أنه استفاد كون ما ذكره الإمام (عليه السّلام) عين ما ذكره اللَّه (عزّ و جلّ) فوجّه السؤال عن الكفر الوارد في الآية. و المراد بالجدة بكسر الجيم و تخفيف الدال،

الغنى و الحصول على المال.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 26

و يمكن حملها على الوجوب الكفائي (1) فإنّه لا يبعد وجوب الحج كفاية على كل أحد في كلّ عام إذا كان متمكّناً بحيث لا تبقى مكّة خالية من الحجّاج، لجملة من الأخبار الدالّة على أنّه لا يجوز تعطيل الكعبة عن الحج، و الأخبار الدالّة على أنّ على الإمام كما في بعضها و على الوالي كما في آخر أن يجبر النّاس على الحج و المقام في مكّة و زيارة الرسول (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و المقام عنده و أنّه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال. (1) و أمّا الوجوب الكفائي فلا يبعد القول به كما يظهر ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إن ناساً من هؤلاء القصاص يقولون: إذا حج الرجل حجة ثم تصدّق و وصل كان خيراً له، قال (عليه السّلام): كذبوا؛ لو فعل هذا الناس لعطّل هذا البيت، إن اللَّه (عزّ و جلّ) جعل هذا البيت قياماً «3». و في الصحيح المروي في الفقيه عن حفص بن البختري و هشام بن سالم و معاوية بن عمّار و غيرهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «لو أنّ الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك، و لو تركوا زيارة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك. و على المقام عنده، فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين» «1».

[ (مسألة 1) لا خلاف في أنّ وجوب الحج بعد تحقّق الشرائط فوري

(مسألة 1) لا خلاف في أنّ وجوب الحج بعد تحقّق الشرائط فوري،

بمعنى أنّه يجب المبادرة إليه في العام الأوّل من الاستطاعة فلا يجوز تأخيره عنه، و إن تركه فيه ففي العام الثاني و هكذا. و يدلّ عليه جملة من الأخبار، و لو خالف و أخّر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصياً، بل لا يبعد كونه كبيرة (1) كما صرّح به جماعة، و يمكن استفادته من جملة من الأخبار. (1) وجوب الخروج إلى الحج في عام الاستطاعة بحيث يعد تركه عصياناً و يجب فعله في السنة الآتية واضح كما هو مقتضى أخبار تسويفه ككون تركه أصلًا من الكبائر الموبقة و أما استفادة كون تركه في أول عام للاستطاعة مع فرض الإتيان به فيما بعد من الكبائر فلا يخلو عن تأمل؛ فإنه و إن ورد في صحيح عبد العظيم الحسني إن ترك الفريضة من الكبائر إلا أن المذكور في الكتاب وجوبه على من استطاع إليه سبيلًا لا وجوبه نفس عام الاستطاعة، لكن قد يقال بأنه يكفي في صدق ترك الفريضة تطبيقه في بعض الأخبار على تركه في عام الاستطاعة كما هو ظاهر صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: قال اللَّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، و إن كان سوّفه للتجارة فلا يسعه، و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «2». و هذا الذيل في الصحيحة و غيرها و إن مات على ذلك. إلخ عام لمن اعتقد تمكّنه من الإتيان به في السنة الآتية أو غيرها و من لم يعتقد بذلك.

[ (مسألة 2) لو توقّف إدراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات

(مسألة 2) لو توقّف إدراك الحجّ بعد حصول الاستطاعة على مقدّمات من السفر و

تهيئة أسبابه وجب المبادرة إلى إتيانها على وجه يدرك الحج في تلك السنة، و لو تعددت الرفقة و تمكّن من المسير مع كل منهم اختار أوثقهم سلامة و إدراكاً (1)، و لو وجدت واحدة و لم يعلم حصول أخرى أو لم يعلم التمكّن من المسير و الإدراك للحج بالتأخير فهل يجب الخروج مع الأُولى أو يجوز التأخير إلى الأُخرى بمجرّد احتمال الإدراك أو لا يجوز إلّا مع الوثوق؟ (1) مع الوثوق بالإدراك و السلامة كما هو ظاهر الفرض فلا يلزم اختيار الخروج مع الأوثق، نعم إذا احتمل عدم الإدراك من الخروج مع البعض فلا يبعد تعيّن الخروج مع غيره و لا يكفي مطلق الظن بالتمكن كما هو مقتضى قاعدة الاشتغال بعد فعلية التكليف و إحراز اجتماع قيود موضوع الوجوب.

و أمّا مثل تأخير قضاء الصلاة، حيث ذكروا جوازه إلى حين حصول أمارة الموت، فلأن قضاءها واجب موسع و تمكن المكلف منه غير منوط بحصول الأمور الخارجة عن اختياره نوعاً، فإذا كان المكلف سالماً فهو على وثوق بقضائها، بخلاف التمكن من الحج عام استطاعته فإن طرو المانع منه أو عدم إمكان إدراكه في وقته أمر عادي.

و بالجملة: مقتضى الاشتغال اليقيني بالحج في عامه هو الخروج عن عهدته و عدم جواز التأخير بما يحتمل معه عدم إمكان إدراك الحج.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 29

أقوال: أقواها الأخير، و على أي تقدير إذا لم يخرج مع الأُولى و اتّفق عدم التمكّن من المسير أو عدم إدراك الحجّ بسبب التأخير استقر عليه الحج (1)، و إن لم يكن آثماً بالتأخير لأنّه كان متمكّناً من الخروج مع الأُولى، إلّا إذا تبيّن عدم إدراكه لو سار معهم أيضاً. (1) لما

قد يقال من أنّ تمامية شرائط وجوب الحج في عامه موجبة لتكليفه به واقعاً فيصير الحج ديناً عليه، كما هو مقتضى بعض الروايات، فيجب الإتيان به حال حياته و لو مع عدم بقاء استطاعته، فيجب قضاؤه من تركته مع موته قبل القضاء، و لكن لا يخفى أن الإتيان به مع بقاء استطاعته في السنة اللاحقة لا خلاف في لزومه لتحقق شرائط وجوبه، و أما مع عدم بقائها كما هو ظاهر المتن فلا موجب للاستقرار، فإنّ جواز تأخير الخروج مع الوثوق بإدراكه معه إذن في إتلاف استطاعته و لو كان الجواز المزبور ظاهرياً، كما أنه لو خرج مع قافلة و لم يدرك الحج اتفاقاً لعارض على القافلة بحيث لو خرج مع قافلة أخرى لأدركه لم يكن ذلك موجباً للاستقرار مع عدم بقاء استطاعته للسنة الآتية. و ما ذكر من استفادة صيرورته ديناً من بعض الروايات لا يخفى ما فيه، فان موردها تسويف الحج أو في فرض الاستقرار، فالأول كصحيح معاوية بن عمار قال: قال اللَّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ. قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة و إن كان سوفه للتجارة فلا يسعه، و إن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام «1». و الثاني مثل رواية حارث بيّاع الأنماط أنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أوصى بحجة؟ فقال: «إن كان صرورة فهي من صلب ماله، إنما هي دين عليه» «2».

و الحاصل: ان استقرار وجوب الحج مع عدم بقاء استطاعته إنما هو في صورة التأخير بنحو التهاون و التسويف، و كذلك مع العذر في ترك الحج و لو كان عذره التأخر في الخروج مع الرفقة مع الوثوق

بإدراك الحج.

[فصل في شرائط وجوب حجّة الإسلام

اشارة

فصل في شرائط وجوب حجّة الإسلام

[و هي أمور]
اشارة

و هي أمور:

[أحدها: الكمال بالبلوغ و العقل
اشارة

أحدها: الكمال بالبلوغ و العقل (1)؛ فلا يجب على الصبي و إن كان مراهقاً، و لا على المجنون و إن كان أدوارياً إذا لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال، و لو حجّ الصبي لم يجزئ عن حجّة الإسلام و إن قلنا بصحّة عباداته و شرعيتها كما هو الأقوى و كان واجداً لجميع الشرائط سوى البلوغ؛ ففي خبر مسمع عن الصادق (عليه السّلام) «لو أنّ غلاماً حجّ عشر حجج ثمّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام». و في خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن (عليه السّلام) عن ابن عشر سنين يحج قال (عليه السّلام): «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت». (1) لا خلاف في اعتبار البلوغ و العقل، فلا يجب على الصبي ما لم يبلغ. و في صحيح إسحاق بن عمّار المروي في الفقيه عن صفوان عنه قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم. و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» «1». و قد روي في الفقيه عن أبان عن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر» «2». و التقييد بالغاية قرينة على أن المراد بحجة الإسلام الحج المندوب، كما أطلق لفظ حجة الإسلام على حج النائب حتى يستطيع و في الوسائل أبان بن الحكم و لكن الظاهر هو أبان عن الحكم؛ فإن أبان بن الحكم غير مذكور في الرجال، مع أن ظاهر كلام الصدوق في المشيخة أن ما يروى عن أبان مطلقاً هو أبان بن عثمان، فإنه قد أطلق أبان في غير واحد

من الموارد مع كون المراد به أبان بن عثمان كما يظهر ذلك للمتتبع. و الحكم المروي عنه هنا هو الحكم بن الحكم الصيرفي الخلاد بقرينة مثل الرواية السابقة من الباب 11.

و أما اعتبار العقل فان كل تكليف و ثواب و عقاب و إعطاء و أخذ بالعقل كما هو مدلول غير واحد من الروايات، كصحيح هشام و غيره من الروايات في مقدمة العبادات من الوسائل و غيرها من الأبواب. نعم إذا كان جنونه أدوارياً و كان وقت إفاقته وافياً بتمام الأعمال كان مكلفاً به كالتكليف بغيره من الصلاة و الصيام و غيرهما حين إفاقته.

[ (مسألة 1) يستحبّ للصبي المميز أن يحج و إن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام

(مسألة 1) يستحبّ للصبي المميز أن يحج (1) و إن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام، و لكن هل يتوقّف ذلك على إذن الولي أولًا؟ المشهور، بل قيل لا خلاف فيه، أنّه مشروط بإذنه لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهَدي و الكفارة، و لأنّه عبادة. (1) كما تدل عليه الروايات الواردة في كيفية حج الصبيان كصحيحة إسحاق عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام. قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون، و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم «1».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 32

متلقاة من الشرع مخالف للأصل فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن. و فيه أنّه ليس تصرّفاً مالياً و إن كان ربّما يستتبع المال، و أنّ العمومات كافية في صحته و شرعيته مطلقاً، و يستفاد ذلك أيضاً مما دل على أن الصبي إذا حج فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر.

و لكن الكلام في اشتراط حجه بإذن وليه الشرعي و هو الأب و الجد للأب

أو الوصي لأحدهما أو الحاكم مع فقدهم. المنسوب للمشهور بل نفي عنه الخلاف هو الاشتراط لوجهين أشار إليهما المستفاد من أن العبادة أمر توقيفي، فاللازم إحراز مشروعيتها و المتيقن منها صورة حج الصبي بإذن الولي، و لأن الحج يستلزم صرف المال الموقوف على إذن الولي كتحصيل الهدي و الكفارة و لكن كليهما لا يثبت الاشتراط فإن ما ورد في صحيح معاوية بن عمّار «انظروا من كان معكم من الصبيان و قدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرو» «1» عام للصبي الذي معه وليه و غيره، و دعوى ورودها على نحو القضية في واقعة لعلم الإمام (عليه السّلام) بوجود أولياء الصبيان أو وكلائهم كدعوى أن ذيلها «و من لا يجد فليصم عنه وليه» لا تمنع من الإطلاق، فإن المقصود بالولي في الصحيح هو من يتولى أمر الصبي و إن لم يكن ولياً شرعياً أو مأذوناً منه كما يأتي، و كونها واردة في قضية خاصة غير ظاهر فضلًا عن فرض علم الإمام بحالهم. و ما في المتن من كون العمومات كافية في مشروعيته و لو بدون إذن وليه فغير بعيد إذا كان المراد منه ما ذكرناه من التمسك بالإطلاق أو كان المراد منه ما ورد في فضل الحج و استحبابه كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام): «و دّ من في القبور لو أن له حجة واحدة بالدنيا و ما فيها» «2»، و صحيح سيف التمار المروي في العلل عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 33

فالأقوى عدم الاشتراط في صحته و إن وجب الاستئذان في بعض الصور. و أمّا البالغ فلا يعتبر في حجّة المندوب إذن الأبوين (1) إن لم يكن مستلزماً للسفر

المشتمل على الخطر الموجب لأذيتهما، و أمّا في حجّة الواجب فلا إشكال أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «كان أبي يقول: الحج أفضل من الصلاة و الصيام» «1»، بلحاظ أن الصلاة و الصيام مشروعان للصبي المميّز فحجة أفضل، كما أن مودة أهل القبور عامة لمن كان من أهل القبور كبيراً أو صبياً مميزاً. نعم تحصيل ثوبي الإحرام و الهدي الموقوفين على صرف ماله يحتاج لإذن الولي، و هذا غير اشتراط حجه بإذن الولي. و أما الكفارات فلا يبعد القول بعدم ثبوتها في حقه فإنها من الجزاء على العمل المرفوع عنه، و إن لم نقل بذلك فعليه الكفارة و يجب عليه أن يأتي بها بعد بلوغه، أو يجب على الولي أن يخرجها من ماله حال صغره كما يخرج سائر ديونه. (1) قد يقال بالاشتراط لوجهين:

1 إن سفره بدون إذنهما غير جائز.

2 ورود اعتبار إذنهما في حجه في بعض الأخبار، و هي رواية نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم المروية في الحدائق عن الصدوق في كتاب العلل عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن أحمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم إلا بإذن زوجها، و من صلاح العبد و نصحه و طاعته لمولاه أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن مولاه و أمره، و من بر الولد أن لا يصوم تطوعاً و لا يحج تطوعاً و لا يصلي تطوعاً إلا بإذن

أبويه و أمرهما، و إلّا كان الضيف جاهلًا و كانت المرأة عاصية و كان العبد فاسقاً

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 34

.......... عاصياً و كان الولد عاقا قاطعاً للرحم» «1». و دلالتها ظاهرة، و لكن رويت في الفقيه و الكافي خالية عن ذكر الصلاة تطوعاً و ذكر الحج تطوعاً، مع أن الصدوق بعد نقلها قال قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب جاء الخبر هكذا و لكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعاً كان أو فريضةً و لا في ترك الصلاة في ترك الصوم تطوعاً كان أو فريضة و لا في شي ء من ترك الإطاعات و ناقشه في الحدائق بأنه لم يرد في النقل معارض لها مع أنها مؤيدة بجملة من الأخبار الدالة على وجوب إطاعتهما على الولد و إن لزم منه الخروج من أهله و ماله.

أقول: الظاهر نظره (قدّس سرّه) إلى خبر محمد بن مروان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ان رجلًا أتى النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فقال: أوصني. قال: لا تشرك باللَّه شيئاً و إن أحرقت بالنار و عذبت إلا و قلبك مطمئن بالإيمان، و والديك فأطعهما و برّهما حيين أو ميتين، و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل فإن ذلك من الإيمان «2». و لكن لا يخفى أن الرواية لضعف سندها بأحمد بن هلال و عدم إمكان الأخذ بمدلولها بغض النظر عن السند لا يمكن الالتزام بها، فان الصدوق و الكليني (قدّس سرّهما) رؤياها في الفقيه و الكافي عن أحمد بن هلال من غير إضافة الحج و الصلاة، فلا يبعد أن الزيادة وقعت من بعض الرواة عن أحمد بن

هلال و لو سهواً. و مع قطع النظر عن ذلك، فلا يحتمل اشتراط الصلاة تطوعاً بإذن الأبوين أو الوالد، و خبر محمد بن مروان ضعيف، مع أن بر الوالدين في الحياة و ما بعدها غير واجب كما هو ظاهر عده من الإيمان، و أما حرمة سفر الولد بدون إذن الوالد فهي غير ثابتة أيضاً، و إنما الثابت عدم جوازه إذا كان موجباً لأذى الوالدين إن كان بقصد إيذائهما لصدق العقوق عليه. و بالجملة: اشتراط حج الولد البالغ تطوعاً بإذن الوالدين غير ثابت، بل مقتضى الإطلاق في الترغيب في الحج مندوباً عدم الاشتراط، على ما تقدم في حج الصبي.

[ (مسألة 2) يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز بلا خلاف

(مسألة 2) يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز بلا خلاف لجملة من الأخبار، بل و كذا الصبية و إن استشكل فيها صاحب المستند (1)، و كذا المجنون (2) (1) وجه إشكاله ورود ما دلّ على الإحجاج في الصبي لا في الصبية، و المشروعية تحتاج للدليل، و لكن لا يخفى أن ذكر الصبي بغلبة الابتلاء به لا لغرض التقييد، و قد ورد في صحيح إسحاق بن عمّار عن ابن عشر سنين يحج. قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت «1» و كما أنه لا فرق بين حج الصبي في صغره و حج الصبيّة في المشروعية و عدم الإجزاء عن حجة الإسلام فكذلك لا فرق بينهما في الحج بهما و ربما يستدل على ذلك برواية يونس بن يعقوب عن أبيه: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «إن معي صبية صغاراً و أنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة.

ثم قال: فإن خفت عليهم فأتِ بهم الجحفة» «1». و لكن في سندها إشكال؛ فإن يونس يرويها عن أبيه و لا توثيق لأبيه و دلالتها مبنية على أن لفظ الصبية و إن كان جمعاً للصبي لكنه يعم الذكر و الأنثى و لو من باب التغليب، و العمدة عدم احتمال الفرق بين الصبي و الصبية. (2) ذكر ذلك الأصحاب، و لكن إلحاقه بالصبي غير المميز لا يخلو عن إشكال لورود الرواية، و احتمال الفرق بينه و بين المجنون موجودة، و لذلك يجب أن يكون

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 36

و إن كان لا يخلو عن إشكال لعدم نص فيه بالخصوص فيستحقّ الثواب عليه. و المراد بالإحرام به جعله محرماً (1) لا أن يحرم عنه، فيلبسه ثوبي الإحرام و يقول: اللّهمّ إنّي أحرمت هذا الصبي. إلخ، و يأمره بالتلبية، بمعنى أن يلقنه إيّاها، و إن لم يكن قابلًا يلبي عنه، و يجنبه عن كلّ ما يجب على المحرم الاجتناب عنه، و يأمره بكل فعل من أفعال الحج يتمكّن منه، و ينوب عنه في كل ما لا يتمكّن، و يطوف به و يسعى به بين إحجاجه بقصد الرجاء، بخلاف الصبي فإن إحجاجه مستحب و الولي مستحق للثواب عليه. و في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سمعته يقول: مرّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) برويثة و هو حاج، فقامت إليه امرأة و معها صبي لها، فقالت: يا رسول اللَّه، أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم، و لك أجره «2». (1) هذا فيما إذا أمكن للصبي غير المميز التلبية و لو بالتلقين بعد قول الولي

«اللّهمّ إني أحرمت هذا الصبي» ظاهر فإن نية الإحرام لا يمكن أن يتصدى لها الصبي غير المميز. و في صحيح معاوية بن عمار «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر، و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمى عنهم» «1». و خبر محمد بن الفضيل: «سألت أبا جعفر الثاني (عليه السّلام) عن الصبي متى يحرم به؟ قال: إذا أثغر» «2». و أمّا ما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه» «3»، فهو محمول على صورة عدم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 37

الصفا و المروة، و يقف به في عرفات و منى، و يأمره بالرمي، و إن لم يقدر يرمي عنه، و هكذا يأمره بصلاة الطواف، و إن لم يقدر يصلّي عنه، و لا بدّ من أن يكون طاهراً و متوضئاً و لو بصورة الوضوء (1)، و إن لم يمكن فيتوضأ هو عنه، و يحلق رأسه، و هكذا جميع الأعمال.

[ (مسألة 3) لا يلزم كون الولي محرماً في الإحرام بالصبي

(مسألة 3) لا يلزم كون الولي محرماً في الإحرام بالصبي، بل يجوز له ذلك و إن كان محلا (2).

[ (مسألة 4) المشهور على أنّ المراد بالولي في الإحرام بالصبي الغير المميز الولي الشرعي

(مسألة 4) المشهور على أنّ المراد بالولي في الإحرام بالصبي الغير المميز الولي الشرعي من الأب و الجد و الوصي لأحدهما و الحاكم و أمينه أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العمّ و الخال و نحوهما و الأجنبي، نعم ألحقوا بالمذكورين الأم و إن لم تكن ولياً تمكنه من التلبية و لو بالتلقين فيلبّي عنه وليه. و لذلك ذكر (عليه السّلام) في صحيح معاوية بن عمار يطاف بهم و يرمى عنهم، حيث إنّ الرمي مما لا يتيسر للصبي بخلاف الطواف، و قد ورد في صحيح زرارة: «فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه» «1». (1) لا يبعد أن يكون إجراء الوضوء للصبي كتلبيته؛ فكما أن الولي المتصدي لقصد إحرامه يأمر الطفل بالتلبية فيلبي الطفل و لو بالتلقين فكذلك يقصد الولي إجراء الوضوء، فإن تمكن الطفل من الغسل و المسح فهو، و إلّا قام الولي بمباشرته، كما هو المستفاد من صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام). (2) لأصالة البراءة عن اشتراط إحجاجه بإحرام الولي مع إمكان نفي الاشتراط بإطلاق بعض الأخبار، كقوله (عليه السّلام): «فقالت إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه و غسلوه» «2». فإنه عام لما إذا كان المحرم عنه غير محرم لنفسه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 38

شرعياً للنص الخاص فيها، قالوا: لأنّ الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على المذكورين، فلا يترتّب أحكام الإحرام إذا كان المتصدّي غيره. و لكن لا يبعد كون المراد الأعم منهم و ممّن يتولّى أمر الصبي (1) و يتكفّله و إن لم يكن وليّاً شرعياً

لقوله (عليه السّلام): «قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرو. إلخ»، فإنّه يشمل غير الولي الشرعي أيضاً، و أمّا في المميز فاللازم إذن الولي الشرعي إن اعتبرنا في صحة إحرامه الإذن.

[ (مسألة 5) النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي

(مسألة 5) النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي (2) إلّا إذا كان حفظه موقوفاً على السفر به أو يكون السفر مصلحة له. (1) إنّ القول باختصاص الحكم بالولي الشرعي و إن كان مشهوراً بين الأصحاب و استثنوا من ذلك الأم لصحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: مرّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) برويثة و هو حاج، فقامت إليه امرأة معها صبي لها فقالت: يا رسول اللَّه، أ يحج عن مثل هذا؟ فقال (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): نعم، و لك أجره «3». و لكن الأظهر عدم الاختصاص بالولي الشرعي إذا لم يكن إحجاجه متوقفاً على التصرف في مال الصبي، و لا يبعد إطلاق صحيح معاوية بن عمّار في قوله (عليه السّلام): «انظروا إلى من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة» «4»، لفرض ما إذا كان الصبي مع غير وليّه الشرعي على ما تقدم. (2) فإنّ المقدار المصروف من مال الصبي نفقته المعتادة، و ما زاد عن ذلك من نفقة السفر فصرفه من ماله خلاف مصلحته، فهو على وليّه. نعم لو اقتضت مصلحة الصبي السفر جاز الإنفاق من ماله.

[ (مسألة 6) الهدي على الولي، و كذا كفارة الصيد إذا صاد الصبي

(مسألة 6) الهدي على الولي (1)، و كذا كفارة الصيد (2) إذا صاد الصبي، و أمّا (1) و هو مقتضى ما ورد في صحيح إسحاق بن عمّار من قوله (عليه السّلام): و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم «1» و ما ورد في صحيح زرارة: قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار «2» إلّا أنه لا يبعد كون الهدي من مال الطفل

مع عدم المال للولي كما يدل عليه إطلاق صحيح معاوية بن عمّار في قوله (عليه السّلام): «و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه» «3». فان الظاهر رجوع ضمير الجمع إلى الأطفال لا إلى الأولياء، و إلّا كان ذكر وليّه مستدركاً. و بالجملة فان الطفل إذا لم يكن له مال و كان لوليّه مال و لو بمقدار الهدي الواحد فعليه أن يذبح عن الصغير و يصوم عن نفسه بدل هديه، كما هو المستفاد من صحيح زرارة و صحيح معاوية بن عمّار، و إن كان للطفل مال فهديه من ماله، إذ لا دلالة في وجوب الصوم على الولي مع عدم المال للطفل على كون هديه مع وجود مال له على وليّه، و ثبوت الهدي في مال الطفل إنما في فرض احجاجه بأبيه أو جدّه للأب أو المأذون منهما و إلّا، فلا يجوز لمن حج به التصرف في ماله، بل يكون على من حج به الهدي عن الطفل، و مع عدم المال يذبح عنه و يصوم عن نفسه. (2) كما ورد ذلك في صحيح زرارة «و إن قتل صيداً فعلى أبيه» «1». و أمّا كفارة غير الصيد فليست على وليّه و لا في ماله لقوله (عليه السّلام): «ليس على الصبي شي ء» و لرفع القلم عنه و أمّا ما ورد من أن عمده خطأ فقد قيل في معناه أنه ليس عليه سائر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 40

الكفارات الأُخر المختصّة بالعمد فهل هي أيضاً على الولي أو في مال الصبي أو لا يجب الكفارة في غير الصيد لأنّ عمد الصبي خطأ و المفروض أنّ تلك الكفارات لا تثبت في صورة الخطأ؟ وجوه، لا يبعد قوّة

الأخير، إمّا لذلك و إمّا لانصراف أدلّتها عن الصبي، لكن الأحوط تكفل الولي بل لا يترك هذا الاحتياط، بل هو الأقوى، لأن قوله (عليه السّلام): «عمد الصبي خطأ» مختص بالديات، و الانصراف ممنوع، و إلّا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضاً.

[ (مسألة 7) قد عرفت أنّه لو حجّ الصبي عشر مرّات لم يجزئه عن حجّة الإسلام

(مسألة 7) قد عرفت أنّه لو حجّ الصبي عشر مرّات لم يجزئه عن حجّة الإسلام، بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة، لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ و أدرك المشعر فإنّه حينئذ يجزئ عن حجّة الإسلام، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه، و كذا إذا حجّ المجنون ندباً ثمّ كمل قبل المشعر، و استدلّوا على ذلك بوجوه:

أحدها: النصوص الواردة في العبد، على ما سيأتي، بدعوى عدم خصوصية للعبد في ذلك، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ثمّ حصوله قبل المشعر. و فيه أنّه قياس، مع أنّ لازمه الالتزام به فيمن حجّ متسكعاً ثمّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر، و لا يقولون به.

الثاني: ما ورد من الأخبار من أنّ من لم يحرم من مكّة أحرم من حيث أمكنه. فإنّه يستفاد منها أنّ الوقت صالح لإنشاء الإحرام، فيلزم أن يكون صالحاً للانقلاب أو القلب بالأولى، و فيه ما لا يخفى. الكفارات لسقوطها مع الجهل و النسيان، لكن لا يمكن المساعدة عليه، لأن ظاهره ما إذا كان كل من العمد و الخطأ موضوعاً لحكم خاص، فلا يجري على عمد الصبي إلّا حكم الخطأ، كما في مورد كون القصاص أو الدية على القاتل، و كون الدية على العاقلة؛ فقد ورد في تلك الروايات أن عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 41

الثالث: الأخبار الدالّة على أنّ من أدرك المشعر

فقد أدرك الحج. و فيه أنّ موردها من لم يحرم (1) فلا يشمل من أحرم سابقاً لغير حجّة الإسلام، فالقول بالإجزاء مشكل، و الأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعاً بل لا يخلو عن قوّة. و على القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد من أنّه هل يجب تجديد النية لحجّة الإسلام أو لا؟ و أنّه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا؟ و أنّه هل يجري في حج التمتّع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا؟ إلى غير ذلك.

[ (مسألة 8) إذا مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات و كان مستطيعاً]

(مسألة 8) إذا مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات و كان و لا يجري الحديث فيما إذا كان أمره موضوعاً لحكم بغرض رفعه في صورة الخطأ، كما إذا تكلّم الصبي في صلاته متعمداً أو شرب في صومه متعمداً فإنه لا يمكن الحكم بصحة صلاته و صومه بدعوى أن عمد الصبي خطأ حتى إذا كان الصبي معتقداً عدم البطلان بذلك. (1) ليس موردها من لم يحرم للحج من قبل، بل هي من حيث الإحرام مطلقة، و لكنها لا تعم ما إذا أدرك المشعر بالغاً مع صغره قبله، فإنها ناظرة إلى من فات عنه الوقوف بعرفة لا أنه أدركه مع عدم كونه مكلّفاً بحجة الإسلام لصغره. و قد يقال في وجه الإجزاء أن حج الصبي بعينه حجة الإسلام و لا فرق بينهما إلّا بالاستحباب و الوجوب، و يؤيده إطلاق حجة الإسلام عليه في رواية أبان عن الحكم. و الحاصل أنه ليست حجة الإسلام نوعاً من الحج و الحج المندوب نوع آخر ليكون إجزاء الثاني عن الأول محتاجاً لدليل خاص، فالمقام نظير من بلغ

أثناء صلاته فإنه لا ينبغي التأمل في صحتها و عدم الحاجة لإعادتها.

أقول: ما ورد في صحيح إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن (عليه السّلام) بعد السؤال عن ابن عشر سنين يحج؟ قال (عليه السّلام): عليه حجة الإسلام إذا احتلم و كذلك الجارية عليها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 42

مستطيعاً لا إشكال في أنّ حجه حجّة الإسلام (1) الحج إذا طمثت «1» مقتضاه أن حج الإسلام هو الحج المأتي به بعد تحقق شرائط الوجوب. و عليه فلو أحرم الصبي ثم بلغ مع تحقق شرائط الإحرام و أمكنه تجديد الإحرام لحجة الإسلام فيحكم ببطلان إحرامه السابق، لأنه مأمور بعد بلوغه بالإحرام لحجة الإسلام، و إلّا كان إحرامه و حجه مستحباً و لا يجزي عن حجة الإسلام، فعليه الإتيان بحجة الإسلام مع بقاء استطاعته إلى السنة الآتية. (1) قد ظهر مما ذكرنا في المسألة السابقة عدم انحصار حجة إسلامه بما إذا بلغ قبل إحرامه، بل لو بلغ بعد إحرامه مع تحقق سائر شرائط وجوب الحج يرجع إلى الميقات لتجديد إحرامه، و مع عدم إمكانه يحرم على الأظهر من موضعه و لو كان أمامه ميقات آخر، و ذلك لأنه بعد إمكان تجديد الإحرام يكون إحرامه السابق محكوماً بالبطلان فهو ممن ترك الإحرام من الميقات أو ميقات أهله و حكمه الرجوع إلى الميقات إذا أمكن، و إذا دخل الحرم أو مكة و إن أتى بأعمال العمرة و لم يمكنه الرجوع للميقات فيخرج إلى خارج الحرم و يحرم منه، و الأحوط بعد خروجه من الحرم الرجوع إلى ما أمكن كما يدل عليه صحيح معاوية بن عمّار «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت، فأرسلت

إليهم، فقالوا: لا ندري أ عليكِ إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال: إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها مهلة فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم» «1». حيث إنّ اختصاص الحكم بالحائض التي تركت الإحرام جهلًا مع أن المناسب للمرأة هو تسهيل الأمر عليها لا يخلو عن بعد. إذن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 43

.......... فالأمر في من ترك الإحرام من الميقات كذلك. فيرفع اليد بهذه الصحيحة عن إطلاق صحيح عبد اللَّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة، فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج. فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك «2». و احتمال حمل ما ورد في صحيح معاوية بن عمّار على الاستحباب بعيد جدّاً غير مناسب مع موضوع الحكم المرأة و لكن هذا فيما إذا لم يكن ترك الإحرام من الميقات علماً و عمداً، و إلّا فإن أمكن الرجوع و التدارك من الميقات فهو، و إلّا حكم ببطلان إحرامه من غير الميقات و لو من الطريق أو خارج الحرم كما هو مقتضى ما ورد في عدم جواز الإحرام من غير الميقات. و دعوى أن تارك الإحرام من الميقات عالماً متعمداً حكمه حكم الناسي و الجاهل فلا يحكم ببطلان عمرته إذا تدارك إحرامه من غير الميقات من خارج الحرم أخذاً بإطلاق صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال: «يرجع إلى ميقات أهل

بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» «3» لا يمكن المساعدة عليها، فإن الإطلاق بمعنى ترك الاستفصال في الجواب لا مورد له، لأن المكلف العازم على الإتيان بالواجب لا يتركه علماً و عمداً، خصوصاً في هذا الواجب الذي يحتاج إتيانه إلى مؤنة و في تداركه صعوبة. و ما ورد في أن من كان بمكة و أراد أن يعتمر فليحرم من خارج الحرم، فالمراد به العمرة المفردة لا عمرة التمتع.

[ (مسألة 9) إذا حجّ باعتقاد أنّه غير بالغ ندباً فبان بعد الحج أنّه كان بالغاً]

(مسألة 9) إذا حجّ باعتقاد أنّه غير بالغ ندباً فبان بعد الحج أنّه كان بالغاً، فهل يجزئ عن حجّة الإسلام أو لا؟ وجهان، أوجههما الأوّل (1)، و كذا إذا حجّ الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنية الندب ثمّ ظهر كونه مستطيعاً حين الحج.

[الثاني من الشروط: الحريّة]
اشارة

الثاني من الشروط (2): الحريّة، فلا يجب على المملوك و إن أذن له مولاه و كان مستطيعاً من حيث المال بناءً على ما هو الأقوى من القول بملكه أو بذل له مولاه الزاد و الراحلة. نعم لو حجّ بإذن مولاه صحّ بلا إشكال و لكن لا يجزئه عن حجّة الإسلام، فلو كما أن ما ورد من أن العمرة المفردة في أشهر الحج لمن أراد البقاء إلى الحج تحسب عمرة التمتع، موردها البعيد عن مكة الذي أحرم للعمرة المفردة من الميقات، فراجع. (1) و ذلك لما تقدم من أنّ حجة الإسلام المتعلق بها الوجوب هي ما تقع عند تحقق شرائطه، و حيث إنّ الحج من العبادات فالمعتبر في صحة وقوعه بقصد القربة، و قصد امتثال الأمر الندبي لاعتقاده عدم بلوغه لكونه من الخطأ في التطبيق لا ينافي قصد التقرب و لا يوجب تقييداً في الحج فان الواقع خارجاً هو الحج بعد تحقق شرائط وجوبه، نعم لو كان من قصده أن لا يأتي بالحج على تقدير بلوغه و وجوبه عليه فهذا أمر آخر موجب لفقد قصد التقرب إذا كان بنحو التعليق في القصد. (2) فلا يجب على المملوك و إن أذن له مولاه و كان مستطيعاً؛ فحج المملوك بإذن مولاه و إن كان مشروعاً إلّا أنه لا يجزي عن حجة الإسلام بعد عتقه و استطاعته كما يدل عليه صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السّلام)

ان المملوك إن حج و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق و إن أعتق فعليه الحج «1» و صحيح علي بن جعفر عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 45

أعتق بعد ذلك أعاد، للنصوص منها خبر مسمع: «لو أنّ عبداً حجّ عشر حجج ثمّ أعتق كانت عليه حجّة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلًا». و منها: «المملوك إذا حجّ و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق، فإن أُعتق أعاد الحج». و ما في خبر حكم بن حكيم: «أيّما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجّة الإسلام» محمول على إدراك ثواب الحج أو على أنّه يجزئه عنها ما دام مملوكاً لخبر أبان: «العبد إذا حج فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» فلا إشكال في المسألة. نعم لو حجّ بإذن مولاه ثمّ انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة الإسلام بالإجماع و النصوص. أخيه (عليه السّلام) قال: المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه إعادة الحج «1» و في معتبرة مسمع بن عبد الملك عن الصادق، قال (عليه السّلام): لو أنّ مملوكاً حج عشر حجج ثم أعتق كان عليه حجة الإسلام إذا استطاع «2». و كذلك ما ورد من أنّه لو أعتق و أدرك أحد الموقفين بعد الانعتاق أجزأه عن حجة الإسلام «3»، حيث إنّ مقتضاه عدم الإجزاء مع عدم إدراكه أحد الموقفين بعد عتقه. و كيف كان فلا خلاف نصاً و فتوى في أصل الحكم، و ما ورد في رواية حكم بن حكيم الصيرفي الخلّاد قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أيّما عبد حج به مواليه فقد قضى حجة الإسلام «4»، ناظر لاحتساب ما يأتيه حال رقّيته حجة الإسلام

من حيث الثواب و المشروعية لا أنّه حجة الإسلام حقيقة، نظير ما ورد في الصبي انه إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر.

و إنما يقع الكلام في المقام في جهات على ما أشار إليه الماتن:

[و يبقى الكلام في أمور]
اشارة

و يبقى الكلام في أمور:

[أحدها: هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام بعد الانعتاق

أحدها: هل يشترط في الإجزاء تجديد النيّة للإحرام بحجّة الإسلام بعد الانعتاق فهو من باب القلب، أو لا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان، مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى؛ فلو فرض أنّه لم يعلم بانعتاقه حتّى فرغ أو علم و لم يعلم الإجزاء حتّى يجدّد النّية كفاه و أجزأه.

[الثاني: هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام

الثاني: هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق، أو لا يشترط ذلك أصلًا؟ أقوال أقواها الأخير؛ لإطلاق النصوص و انصراف ما دلّ على اعتبار الاستطاعة من المقام. الأولى: هل يعتبر في إجزاء حجه إذا أدرك المشعر بعد عتقه قصده حجة الإسلام أو لا؟ فلو لم يعلم بعتقه قبل وقوفه في المشعر إلّا بعد الوقوف أو بعد تمام حجه، فهل يحكم بإجزائه؟ لا يبعد ذلك، لإطلاق قوله (عليه السّلام) في حسنة شهاب بن عبد ربه في عبد أعتق عشية عرفة، قال: يجزي عن العبد حجة الإسلام «1»، و قوله (عليه السّلام) في صحيح معاوية بن عمّار «مملوك أعتق يوم عرفة، قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» «2» فإن المراد إدراك حجة الإسلام لكون حجه مشروعاً و لو كان رقاً، فمدلولها أنه إذا أدرك أحد الموقفين بعد عتقه حسب له حجة الإسلام من دون فرق بين علمه بعتقه و قصده حجة الإسلام في أحد الموقفين أم لا. الثانية: هل يشترط في أجزاء حجه عن حجة الإسلام استطاعته عند الدخول في الإحرام و لو ببذل مولاه أو يكفي استطاعته حين عتقه، أو لا يشترط ذلك أيضا؟ ذكر الماتن أن الأقوى الأخير لإطلاق الحسنة و الصحيحة، و لكن لا يخفى أن الروايتين

[الثالث: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر]

الثالث: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أو لا، أو يكفي إدراك أحد الموقفين، فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقاً كفى؟ قولان، الأحوط الأوّل، كما أنّ الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من المشعر، فلا يكفي إدراك الاضطراري منه، بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين، و إن كان يكفي

الانعتاق قبل المشعر، لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً و لو مملوكاً. ناظرتان إلى أن الحرية المعتبرة في حجة الإسلام تعم ما إذا انعتق العبد قبل أحد الموقفين من دون اعتبار حصولها من أوّل الأعمال، و أمّا أن سائر الشرائط لحجة الإسلام غير معتبرة في حج العبد المعتق قبل أحد الموقفين فلا دلالة لهما على ذلك فضلًا عمّا إذا لم تحصل له الاستطاعة و لو بعد عتقه؛ و لذا لا يمكن الحكم بأن العبد إذا كان صبياً و بلغ قبل أحد الموقفين يكون حجة أيضاً حجة الإسلام. فالحاصل أنه لا إطلاق في الروايتين إلّا من جهة عدم مانعية الرقّية قبل الموقفين عن كون حجه بعد إعتاقه في أحد الموقفين حجة الإسلام.

الثالثة: هل المعتبر في إجزاء حجه عن حجة الإسلام إدراكه أحد الموقفين حراً أو أن المعتبر إدراكه الوقوف بالمشعر بعد عتقه، أو يكفي في الإجزاء إدراكه أحد الموقفين الاختياريين بعد عتقه؟ الأظهر هو الأخير، و ذلك لما ورد في صحيح معاوية بن عمّار «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» «1». و قد ذكرنا في محلّه أن مثل عنوان الموقفين ينصرف إلى الاختياري كانصراف الوقت و القبلة إلى الاختياري منهما، و على ذلك فإن أدرك الوقوف الاختياري بعرفة بعد عتقه ثم فاته الوقوف الاختياري بالمشعر حكم بإجزاء حجه عن حجة الإسلام مطلقاً بناءً على صحة

[الرابع: هل الحكم مختص بحجّ الإفراد و القران

الرابع: هل الحكم مختص بحجّ الإفراد و القران أو يجزي في حجّ التمتّع أيضاً و إن كانت عمرته بتمامها حال المملوكية؟ الظاهر الثاني لإطلاق النصوص، خلافاً لبعضهم فقال بالأوّل لأنّ إدراك المشعر معتقاً إنّما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال المملوكية. الحج بإدراك الوقوف الاختياري بعرفة فقط و أمّا

بناءً على أنّ الحكم بالصحة فيما إذا أدرك الوقوف بالمشعر و لو بوقوف اضطراري يكون الحكم بالإجزاء فيما إذا أدرك بعد الوقوف الاضطراري بالمشعر، كما أنه إذا فاته الوقوف الاختياري بعرفة أو حتى الوقوف الاضطراري بها و أدرك الوقوف الاختياري بالمشعر بعد عتقه حكم بإجزاء حجة. نعم لو فاته الوقوف الاختياري بكل من عرفة و المشعر و أدرك الوقوف الاضطراري فيهما أو في المشعر فقط حكم بصحة حجة، و لكنه لا يجزي عن حجة الإسلام. و دعوى أن الانصراف إلى الاختياري بدوي لا يمكن المساعدة عليها بعد ملاحظة ما ورد من النهي عن استقبال القبلة و استدبارها عند التخلي و الأمر بالتيمم إذا خاف فوت الوقت إلى غير ذلك، كما أن دعوى أنّ مقتضى صحيح معاوية بن عمّار الحكم بصحة الحج و إجزائه عن حجة الإسلام إذا لم يدرك العبد من الوقوفين إلّا الوقوف بعرفة بعد عتقه و فات منه الوقوف بالمشعر رأساً لا يمكن المساعدة عليها، فإن الصحيحة ناظرة إلى بيان الإجزاء عن حجة الإسلام بعد الفراغ عن تحقق شرائط صحة الحج؛ فمفادها أن الحرية لا يعتبر حدوثها من أول أعمال الحج في الحكم بالإجزاء، و أما سائر ما يعتبر في صحة الحج و منه إدراك الوقوف بالمشعر و لو اضطراراً فغير معتبر في المقام، فلا دلالة للصحيحة على ذلك أصلًا.

الرابعة: قد يقال إنّ مقتضى صحيح معاوية بن عمّار اختصاص الحكم بالإجزاء بحج الإفراد و حج القران فإنها ناظرة إلى بيان إجزاء الحج لا أجزاء العمرة المعتبرة قبل حجة الإسلام في حج التمتع. و لكن لا يخفى أن عمرة التمتع شرط في حج

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 49

و فيه ما

مرّ من الإطلاق، و لا يقدح ما ذكره ذلك البعض لأنّهما عمل واحد، هذا إذا لم ينعتق إلّا في الحج، و أمّا إذا انعتق في عمرة التمتّع و أدرك بعضها معتقاً فلا يرد الإشكال.

[ (مسألة 1) إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبّس به ليس له أن يرجع في إذنه

(مسألة 1) إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبّس به ليس له أن يرجع (1) في إذنه لوجوب الإتمام على المملوك، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. نعم لو أذن له ثمّ رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه، و إذا لم يعلم برجوعه فتلبّس به هل يصحّ إحرامه و يجب إتمامه أو يصحّ و يكون للمولى حله أو يبطل؟ وجوه أوجهها الأخير، لأنّ الصحّة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع، و دعوى أنّه دخل دخولًا مشروعاً فوجب إتمامه فيكون رجوع المولى كرجوع الموكّل قبل التصرّف و لم يعلم الوكيل، مدفوعة بأنّه لا تكفي المشروعية الظاهرية، و قد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل و لا يجوز القياس عليه. التمتع و غالب الحج هو حج التمتع، و مقتضى إطلاق الصحيحة أي عدم الاستفصال في الجواب عن كون حج العبد حج التمتع أو غيره مع كون الغالب هو التمتع عدم الفرق في الإجزاء بإدراك أحد الموقفين بعد عتقه. (1) ذكروا أن العبد إذا أحرم بإذن مولاه وجب عليه إتمام الحج أو العمرة و رجوع المولى في إذنه لا أثر له، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. و قد يورد على ذلك كما عن صاحب المستند و بعض من تأخر عنه بأنه و إن لم يكن هناك نقاش في كبرى حرمة طاعة المخلوق في فرض مزاحمتها لطاعة الخالق لاستقلال العقل بها بلا حاجة للاستدلال عليها بالنصوص كي يناقش

في ذلك بضعف السند إلّا أنّ الصغرى لهذه الكبرى غير متحققة في المقام؛ لأن جملة من أعمال الحج و العمرة منافية لحق المولى، و بما أن منافع العبد ملك للمولى فلا يجوز له تفويتها على مولاه بدون إذنه، و مجرد إحرامه بإذن مولاه لا يقتضي جواز سائر الأعمال بدون إذنه، نظير

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 50

.......... ما إذا سافر المكلف للحج على مركب الغير بعد إحرامه فإنه لا يحتمل الالتزام بأن مطالبة المالك لمركبه لا أثر لها. و بعبارة أخرى: إتمام الحج و العمرة مع رجوع المولى عن إذنه ليس من طاعة اللَّه كي يقال بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و مما ذكرنا يظهر وجه النظر فيما رتب على ذلك من أنه لو بيع العبد المأذون في إحرامه أو انتقل إلى ورثة مولاه بموته لم يجز للمشتري أو الوارث منعه عن إتمام مناسكه.

و لكن نظر الأصحاب في حكمهم بعدم الأثر لرجوع المولى إلى أن إحرام العبد حيث وقع بإذن مولاه فصحته موضوع لوجوب إتمام العمل، نظير ما إذا نذر العبد سفر الزيارة بإذن مولاه فإنه يجب على العبد مع صحة نذره الوفاء به و لا أثر لرجوع المولى عن إذنه بل ينتفي حقه على عبده عند أمر الشارع بما ينهاه مولاه عنه. و قد استفيد مما ورد في المحصور و المصدود و من لم يدرك الموقفين أن إحرام الحج و العمرة إذا وقع صحيحاً وجب إتمامه، كما هو الحال فيما إذا وقع نذر العبد أو حلف الولد صحيحاً فلا أثر حينئذ لرجوع المولى أو الوالد عن إذنهما. و تنظير المقام بما لو ركب المكلف مركب الغير عند سفره للحج أو العمرة

بإذنه ثم رجع المالك عن رضاه بعد الإحرام غير صحيح، فإن صحة الإحرام موضوع لوجوب الإتمام عند التمكن منه، و توقف الإتمام على ارتكاب الحرام موجب لارتفاع التمكن و القدرة، بخلاف حج العبد فإنه و إن كان ملكاً لمولاه بحيث لا يجوز للغير استخدامه و يجب على نفس العبد رعاية حق مولاه إلّا أنه لاحق لمولاه فيه إذا أمره الشارع بما ينهى عنه مولاه و لو بنحو الاستلزام، و قوله تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ «1» معناه

[ (مسألة 2) يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه

(مسألة 2) يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه و ليس للمشتري حل إحرامه، نعم مع جهله بأنّه محرم يجوز له الفسخ (1) مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه.

[ (مسألة 3) إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه

(مسألة 3) إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه (2)، و إن لم يتمكّن فعليه أن يصوم، و إن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم للنصوص و الإجماعات. أنه لا يقدر عليه بالاستقلال لا مطلقاً و لو بإذن مولاه، بل يمكن أن يقال: انّ نفس قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «1» كافٍ في وجوب إتمام الحج على العبد إذا كان إحرامه بإذن مولاه و قد وقع صحيحاً، أي إن أذن المولى في الدخول في الإحرام إسقاط لحقه عنه إلى زمان خروجه عن الإحرام، بل إلى زمان إتمام حجه إذا كان إحرامه بعمرة التمتع. (1) لو قيل بجواز رجوع المولى عن إذنه و مع ذلك فلا يجوز للعبد إتمام حجه لأنه تفويت لمنافعه على مولاه، فلا موضوع لخيار الفسخ للمشتري، إلّا إذا كان رجوع المولى عن إذنه لا ينفع في فوت منافعه على المشتري. و أما لو قلنا بعدم نفوذ رجوع مولاه عن إذنه و أنه يجب على العبد الإتمام، فمع كون زمان فوت المنافع معتداً به يثبت للمشتري خيار الفسخ، نظير ما إذا باع عيناً ثم انكشف كونها ملكاً مسلوب المنفعة لزمان معتد به. (2) حيث إنّ الهدي واجب على الحاج المتمتع، فالظاهر عدم الفرق بين عتقه قبل أحد الموقفين الموجب لإجزاء حجه عن حجة الإسلام على ما تقدم أو عتقه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 52

.......... بعد الموقفين غير الموجب للإجزاء، فإن

الهدى على ما تقدم وظيفة الحاج، و كونه على غيره يحتاج إلى دليل. نعم لو حج المملوك بإذن مولاه ففي بعض الروايات المعتبرة أن مولاه إما أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم؛ ففي صحيحة جميل بن درّاج «سأل رجل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع. قال: فمره فليصم، و إن شئت فاذبح عنه» «1». و صحيح سعد بن أبي خلف، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) قلت: أمرت مملوكي أن يتمتع. فقال: إن شئت فاذبح عنه، و إن شئت فمره فليصم» «2». و موثقة الحسن العطّار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، أ عليه أن يذبح عنه؟ قال (عليه السّلام): لا، لأن اللَّه تعالى يقول عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ» «3». و مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدم حملها على عدم تعين الذبح على مولاه. و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «و سألته عن المتمتع المملوك، فقال (عليه السّلام): عليه مثل ما على الحر إما أضحية و إما صوم» «1». فإن مقتضى مماثلة ما عليه مع ما على الحر لزوم الهدي و عدم وصول النوبة إلى صومه مع التمكن من الهدي. و قد ذكر الشيخ (قدّس سرّه) بعد نقلها:

و هذا الخبر يحتمل وجهين:

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 53

.......... أحدهما: أن يكون مملوكاً ثم أعتق قبل أن يفوته أحد الموقفين، فإنه يجب عليه الهدي، لأن حجه يجزي عن حجة الإسلام. و الوجه الآخر أن المولى إذا لم يأمره بالصوم إلى يوم النفر الأخير فإنه يلزم أن يذبح عنه و لا يجزيه الصوم.

و استشهد للثاني برواية علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: «سألته عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ثم أهلّ بالحج يوم التروية و لم أذبح عنه، أ فله أن يصوم بعد النفر و قد ذهبت الأيام التي قال اللَّه تعالى؟ فقال: أ لا كنت أمرته أن يفرد الحج؟ فقلت: طلبت الخير. فقال: كما طلبت الخير فاذهب و اذبح عنه شاة سمينة» «2». و كان ذلك يوم النفر الأخير.

و أضاف في الاستبصار وجهاً ثالثاً و هو أن يكون الخبر ناظراً إلى تسويته مع ما على الحر من حيث الكمية لا من حيث الكيفية، أي لا يجري على بدل الهدي ما يجري على الظهار حتى يجب على العبد نصف ما يجب على الحر.

و لكن لا يخفى ما في الوجوه المذكورة، فإنه قد فرض فيها المتمتع مملوكاً و أن السؤال عن وظيفته في حج التمتع، فحملها مع من أعتق قبل الموقفين أو أحدهما غير ممكن، لأنه مع العتق يكون حراً يوم النحر و الذبح. و أما الوجه الثاني فهو كذلك أيضاً. و خبر علي بن أبي حمزة ضعيف سنداً، كما أنه لا بأس بتأخير الصوم إلى ما بعد أيام التشريق و النفر الثاني مع العذر كما يأتي. نعم لا بأس بحمل المماثلة على الكمية، بمعنى رفع اليد عن إطلاق المماثلة في صحيح

[ (مسألة 4) إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة، فهل هي على مولاه

(مسألة 4) إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة، فهل هي على مولاه، أو عليه و يتبع بها بعد العتق، أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز، أو في الصيد عليه و في غيره على مولاه؟ وجوه (1) أظهرها كونها على مولاه، لصحيحة حريز، خصوصاً إذا كان الإتيان

بالموجب بأمره أو بإذنه. نعم لو لم يكن مأذوناً في الإحرام بالخصوص بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره لم يبعد كونها عليه، حملًا لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران النافي لكون الكفارة في الصيد على مولاه على هذه الصورة. ابن مسلم بقرينة صحيح جميل بن درّاج و صحيح سعد بن أبي خلف لدلالتهما على تخيير المولى بين الذبح عنه أو أمره بالصوم، فوظيفة العبد مماثلة لوظيفة الحر بحسب الكم. (1) قد يقال بكون الكفارة فيما إذا أحرم بإذن المولى على سيده بلا فرق بين جزاء صيده و غيره، كما يقال بعدم كونها عليه بل تتعلق بنفس العبد؛ ففيما إذا كان الصوم فيصوم مع عجزه، و إلّا تبقى على عهدته لما بعد عتقه كسائر الجنايات التي يتبع بها بعد العتق، حيث إن تكليف مولاه بها ينافي قوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى

و قد يقال إن جزاء الصيد على العبد و غيره على مولاه، و المحكي عن المفيد (قدّس سرّه) عكس ذلك و إن جزاء الصيد على مولاه دون غيره. و ذكر الماتن (قدّس سرّه) تفصيلًا آخر و هو أنه إذا أذن مولاه في إحرامه بخصوصه كان الجزاء عليه بلا فرق بين جزاء الصيد و غيره، بخلاف ما لم يأذن فيه بخصوصه بأن أذن له في أي فعل يريده إحراماً كان أو غيره فان الجزاء في ذلك على العبد بلا فرق بين جزاء الصيد و غيره. و الوجه في هذا التفصيل ما أشار إليه (قدّس سرّه) من عموم قوله (عليه السّلام) في صحيحة حريز المرويّة في الاستبصار: «كل ما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له

في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 55

.......... الإحرام» «1». فإنها ظاهرة أو محمولة على الإذن في الإحرام بخصوصه. و ما ورد في صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن عبد أصاب صيداً و هو محرم، هل على مولاه شي ء من الفداء؟ فقال: لا شي ء عليه» «2» ناظر إلى صورة عدم الإذن في إحرامه بخصوصه. و لكن لا يخفى أن ما ذكر لا يخرج عن الجمع التبرعي. نعم قد يقال برفع اليد بهذه الصحيحة عن إطلاق صحيحة حريز، فيلتزم بأن كل ما أصاب العبد في إحرامه فالجزاء على مولاه، إلّا الصيد فان الجزاء فيه ليس على مولاه. و قد يقال بأنه لم يفرض في صحيح عبد الرحمن اذن المولى في إحرامه فيحمل على صورة عدم الاذن كما ذكر ذلك الشيخ (قدّس سرّه)، و لكن لا يخفى أن ظاهر الصحيحة فرض صحة إحرام العبد و لو كان إحرامه باطلًا، لما كان مورداً للسؤال عن الكفارة هل هي على مولاه أم لا، فيتعين الالتزام بأنه ليس الجزاء في الصيد على مولاه. و أما المناقشة في الرواية سنداً بأنّ رواية محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن بن أبي نجران غير معهودة ففيها أنّ رواية الصفار و غيره عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن بن نجران ثابتة في بعض الموارد، كما ذكرنا ذلك في الطبقات، كما أن رواية سعد عبد اللَّه عن محمد بن الحسن الصفار كذلك، فلا مورد للمناقشة في السند أصلًا. نعم قد يقال في المقام إنّ صحيحة حريز المتقدمة الدالة على أن كل ما أصاب العبد في إحرامه فهو على سيده مروية في الاستبصار بعين

السند، و المملوك كلما أصاب من الصيد و هو محرم فهو على سيده إذا أذن له في الإحرام. و عليه

[ (مسألة 5) إذا أفسد المملوك المأذون حجّه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام و القضاء]

(مسألة 5) إذا أفسد المملوك المأذون حجّه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام و القضاء، و أمّا البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه فالظاهر أنّ حالها حال سائر الكفارات على ما مرّ، و قد مرّ أنّ الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام. و هل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه، أو لا لأنّه من سوء اختياره؟ قولان أقواهما الأوّل (1) سواء قلنا إنّ القضاء هو حجّه أو إنّه عقوبة و إنّ حجّه هو الأوّل، هذا إذا أفسد حجّه و لم ينعتق. و أمّا إن أفسده بما ذكر ثمّ انعتق؛ فإن انعتق قبل المشعر. كان حاله حال الحر في وجوب الإتمام و القضاء و البدنة و كونه مجزئاً عن حجّة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين من كون الإتمام عقوبة و أنّ حجّه هو القضاء أو كون القضاء عقوبة، بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضاً أتى بحجّة الإسلام و إن كان عاصياً في ترك القضاء، و إن انعتق بعد المشعر فكما ذكر إلّا أنّه لا يجزئه عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع، و إن كان مستطيعاً فعلًا ففي وجوب تقديم حجّة الإسلام أو القضاء وجهان مبنيان على أنّ القضاء فوري أولا، فعلى الأوّل يقدم لسبق سببه، و على الثاني تقدّم حجّة الإسلام لفوريتها دون القضاء. فلا موجب للالتزام بكون الجزاء على السيد في غير الصيد بل في الصيد أيضاً، لتعارض هذه الصحيحة مع صحيحة عبد الرحمن الدالة على عدم كون

جزاء صيد العبد على مولاه. و لكن لا يبعد كون ما أخرجه في الاستبصار من النقل بالمعنى بقرينة رواية الكليني و الفقيه لا كونها رواية أخرى، فإن نقل رواية في الاستبصار مع عدم التعرض لها في التهذيب مع ملاحظة مخالفة مدلولها للروايات الأخرى بعيد جدّاً، فالوجه الثالث المذكور في المتن غير بعيد. (1) لا يخفى أن الفعل المأذون فيه هو إحرام العبد لا إفساده بالجماع قبل المشعر، و الإفساد بالجماع ليس لازماً للإحرام ليكون الإذن في الشي ء إذناً في

[ (مسألة 6) لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحج على المملوك و عدم صحته إلّا بإذن مولاه

(مسألة 6) لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحج على المملوك و عدم صحته إلّا بإذن مولاه و عدم إجزائه عن حجّة الإسلام إلّا إذا انعتق قبل المشعر بين القنّ و المدبر و المكاتب و أم الولد و المبعض إلّا إذا هاياه مولاه و كانت نوبته كافية مع عدم كون السفر خطرياً فإنّه يصحّ منه بلا إذن، لكن لا يجب و لا يجزئه حينئذ عن حجّة الإسلام و إن كان لوازمه. نعم يمكن أن يقال بأن الجماع قبل المشعر موضوع لوجوب الإتمام و أعادته فلا يكون لطاعة السيد في المنع عن الإتمام أو المنع عن القضاء موضوع، نظير ما تقدم من عدم جواز رجوع المولى عن إذنه و المنع عن إتمام العمل إذا أذن فيه في الإحرام، حيث إن الإحرام الصحيح موضوع لوجوب الإتمام على ما مرّ، هذا بالإضافة إلى وجوب الإتمام و القضاء. و أما الكفارة فقد تقدم أن الجزاء على مولاه، فالكفارة اللازمة داخلة في الجزاء على ما أصاب من غير فرق بين عتقه بعد الإفساد أم لا، حتى فيما إذا كان عتقه قبل الوقوف بأحد الموقفين فإنه حين الارتكاب عبد، فما أصابه

على مولاه، و إنما الفرق فيما إذا كان مستطيعاً؛ فان كان عتقه قبل أحد الموقفين على ما مرّ أجزأ حجه عن حجة الإسلام، و قد يقال بوجوب القضاء بناءً على ما هو الأظهر من كون حجه الأول الذي واقع فيه صحيحاً و أن القضاء عقوبة له، بخلاف ما إذا كان عتقه بعد الموقفين أو لم يكن مستطيعاً، لأنه إذا استطاع وجب عليه حجة الإسلام كما يجب القضاء، و بما أنّ الفورية في القضاء غير ثابتة فيجب عليه تقديم حجة الإسلام إذا استطاع فإن تأخيرها كما تقدم غير جائز بل هو كبيرة. و بهذا يظهر أنه لا يبعد القول بلزوم تقديمها حتى بناءً على فورية القضاء لما ذكرنا من أهمية حجة الإسلام. و سيأتي أن المأخوذ من الاستطاعة في وجوب حجة الإسلام هو أن يكون عنده ما يحج به مع صحته و تخلية السرب، لا ما يقال من القدرة الشرعية، بحيث يكون تكليفه بأمر آخر لا يجتمع مع حجة الإسلام موجباً لارتفاع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 58

مستطيعاً لأنّه لم يخرج عن كونه مملوكاً، و إن كان يمكن دعوى الانصراف (1) عن هذه الصورة، فمن الغريب ما في الجواهر من قوله: «و من الغريب ما ظنّه بعض النّاس من وجوب حجّة الإسلام عليه في هذا الحال ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي يشهد له التتبّع على اشتراط الحريّة المعلوم عدمها في المبعض» انتهى، إذ لا غرابة فيه بعد إمكان دعوى الانصراف، مع أنّ في أوقات نوبته يجرى عليه جميع آثار الحرية. موضوع وجوب حجة الإسلام كما هو المعروف في الواجبين إذا تزاحما، فإن أخذ القدرة الشرعية بالمعنى المزبور في موضوع أحد التكليفين

يخرجهما عن المتزاحمين حقيقة. (1) المبعض داخل في عنوان المملوك، و قد ورد في صحيحة عبد اللَّه بن سنان و غيرها «أنه لا يجب عليه حجة الإسلام حتى يعتق» «1»، و في صحيح على بن جعفر «المملوك إذا حج ثم أعتق فعليه إعادة الحج» «2». و المبعض و إن هاياه مولاه و كانت نوبته كافية للحج فهو عبد مملوك لمولاه و لو في بعضه، و قد رفع اليد عن الحكم المزبور إذا أعتق قبل المشعر أو أحد الموقفين و كان على سائر شرائط الاستطاعة فإن حجه يجزي عن حجة الإسلام على ما تقدم، و دعوى أن المبعض الذي هاياه مولاه في نوبته يجري عليه جميع أحكام الحرية لا يمكن المساعدة عليها، فان ما يجري لا يقبل التبعيض كالإرث، و أما مثل وجوب الحج فلا تبعيض فيه لأن نصف شخص واحد لا يكون مكلفاً بشي ء.

[ (مسألة 7) إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته

(مسألة 7) إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته (1) و إن لم يكن مجزئاً عن حجّة الإسلام، كما إذا آجره للنيابة عن غيره، فإنّه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة و بين إجارته للحج أو الصلاة أو الصوم.

[الثالث: الاستطاعة]
اشارة

الثالث: الاستطاعة من حيث المال و صحّة البدن و قوّته و تخلية السِّرب و سلامته و سعة الوقت و كفايته، بالإجماع و الكتاب و السنّة.

[ (مسألة 1) لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج

(مسألة 1) لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية (2)، و هي كما في جملة من الأخبار الزاد و الراحلة، فمع عدمهما لا يجب و إن كان قادراً عليه عقلًا بالاكتساب و نحوه. و هل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصّاً بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقة عليه أو منافياً لشرفه، أو يشترط مطلقاً و لو مع عدم الحاجة إليه؟ مقتضى إطلاق الأخبار و الإجماعات المنقولة الثاني، و ذهب جماعة من المتأخّرين إلى الأوّل لجملة (1) فان ذلك مقتضى كون العبد بمنافعه ملكاً لمولاه فلا يجوز له صرفها في غير ما أذن فيه، بل يجب عليه صرفها فيما أمر به مولاه، و يؤيد ذلك ما ورد في الهدي الواجب من أنّه يأمر عبده بالصيام بلا فرق بين أمره بالحج عن نفسه أو غيره، كان بنحو إيجاره للنيابة عن الغير أم لا، فإن إيجاره للحج عن الغير كإيجاره للخياطة و غيرها من الأعمال. (2) قد يقال إنّه لو لم يكن في البين الروايات الواردة في بيان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج و الناظرة إلى بيان المراد من الاستطاعة الواردة في الكتاب العزيز كان المتعين الالتزام بكفاية القدرة العقلية في وجوبه كسائر الواجبات، غاية الأمر كما أنها تسقط مع الحرج كذلك وجوبه، و أما بالنظر إلى الروايات المشار إليها فالاستطاعة العقلية غير كافية في وجوبه، بل يعتبر أن يكون للمكلف الزاد و الراحلة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج،

ج 1، ص: 60

من الأخبار المصرحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضاً أو كلا، بدعوى أنّ مقتضى الجمع بينها و بين الأخبار الأُوَل حملها على صورة الحاجة مع أنّها منزلة على الغالب بل انصرافها إليها. و الأقوى هو القول الثاني لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم و مسمع، فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل كالحمل على الحج المندوب و إن كان بعيداً عن سياقها، مع أنّها مفسرة للاستطاعة في الآية الشريفة، و حمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب و الندب بعيد، أو حملها على من استقرّ عليه حجّة الإسلام سابقاً و هو أيضاً بعيد، أو نحو ذلك. و كيف كان فالأقوى ما ذكرنا، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة، خصوصاً بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي و الركوب أو يكون المشي أسهل، لانصراف الأخبار الأُوَل عن هذه الصورة، بل لولا الإجماعات المنقولة و الشهرة لكان هذا القول في غاية القوّة. مع تخلية السرب و سلامته و سعة الوقت، بحيث يمكن مع الخروج إدراك المناسك في أوقاتها؛ و المراد بالزاد ما يتقوت به الإنسان في الطريق و المنازل ذهاباً و إياباً و عند القيام بالأعمال، كما أن المراد بالراحلة الوسيلة المناسبة لقطع المسافة بها ذهاباً و إياباً سواء كان بملك عينها أو باستئجارها.

و على الجملة كما يأتي أن يكون عند المكلف مال كاف لمصارف الحج زائداً على ما يحتاج إليه في إعاشة عياله. و هل اعتبار الراحلة في وجوبه مطلق حتى بالإضافة إلى المتمكن من المشي، أو يختص اعتبارها بصورة الحاجة و عدم التمكن من الحج مشياً؟ فالمنسوب إلى المشهور إطلاق اعتبارها في وجوبه، كما أن المنسوب

إلى جماعة اختصاص اعتبارها بصورة الحاجة و الحرج من المشي، و منشأ ذلك اختلاف الروايات فان بعضها ظاهرة في اعتبارها مطلقاً كصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في قول اللَّه (عزّ و جلّ)

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 61

.......... وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج» «1». و في صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي أو موثقته، قال: «سأل حفص الكناسي أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع الحج. أو قال: ممن كان له مال. فقال له حفص الكناسي: فإذا كان صحيحاً في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فلم يحج، فهو ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم» «2». و يؤيدهما رواية السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأله رجل من أهل القدر فقال: يا ابن رسول اللَّه، أخبرني عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، أ ليس قد جعل اللَّه لهم الاستطاعة؟! فقال: و يحك! إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن «3». إنما عنى بالاستطاعة الزاد و الراحلة.

و على الجملة، مقتضى الإطلاق فيها اعتبار الراحلة مطلقاً.

و في مقابل ذلك روايات يستظهر منها عدم اعتبار الراحلة مع التمكن من الحج مشياً، كصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو

ممن يستطيع الحج و لم يستحيِ و لو على حمار أجدع أبتر. قال:

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 62

.......... فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليفعل «1». و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): فإن كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلّا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر «2». و في صحيحة الحلبي «قال: قلت له فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك، أ هو ممن يستطيع إليه سبيلًا؟ قال: نعم، ما شأنه يستحيي و لو على حمار أجدع أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشى بعضاً و يركب بعضاً فليحج» «3». و ربما تحمل هذه الأخبار على من استقر عليه الحج بعد عدم الخروج عند ما عرض الحج عليه، فإنه يجب عليه الخروج بعد عدم الخروج بالبذل و لو على حمار أجدع أبتر. و هذا الحمل و إن كان غير بعيد بالإضافة إلى مثل صحيحة معاوية بن عمار الا انه لا يناسب ما في صحيحة محمد بن مسلم: و لم يستحيِ و لو على حمار أجدع أبتر. و مثلها بل أوضح منها صحيحة أبي بصير المروية في الفقيه، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج «4». و مع ذلك كله فمع عدم احتمال اختصاص ما ورد في الاخبار بصورة بذل الحج في اعتبار الراحلة و عدمه كما لا يبعد كون هذه الاخبار معارضة بما دل على اعتبار الراحلة الظاهرة فيما تناسب المكلف

[ (مسألة 2) لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب و البعيد]

(مسألة 2) لا فرق في اشتراط وجود الراحلة

بين القريب و البعيد حتّى بالنسبة إلى أهل مكّة لإطلاق الأدلّة، فما عن جماعة من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له (1). في سفره، و يؤخذ بالدالة على اعتبارها لكونها موافقة لظاهر الآية المباركة، فإن ظاهرها اعتبار الاستطاعة إلى الحج بالاستطاعة العرفية التي يدخل فيها الزاد و الراحلة بالمعنى المتقدم. و ما قيل من أنه لو لم يكن في البين الروايات لم يكن المستفاد من الآية بأزيد من القدرة العقلية كسائر الواجبات يمكن المساعدة عليه، فإنه لا حاجه إلى تقييد موضوع التكليف بالقدرة العقلية لاستقلال العقل باعتبارها، فذكر الاستطاعة في المقام و عدم ذكرها في خطابات سائر التكاليف ظاهره أنّ المراد بالاستطاعة غير ما يستقل به العقل، و ليس في البين من الاستطاعة الخاصة إلّا ما ورد في الروايات الواردة في بيان تفسير الآية و نحوها. و يؤيد ما ذكر بعض الروايات التي لا يمكن الالتزام بظاهرها، كرواية أبي بصير، حيث ورد فيها: «يخرج و يمشي إن لم يكن عنده. قلت: لا يقدر على المشي قال: يمشي و يركب. قلت:

لا يقدر على ذلك أعني المشي. قال: يخدم القوم و يخرج معهم» «1» فإن ظاهر هذه وجوب الاكتساب للحج و لو بإيجار نفسه للخدمة. (1) قيل الوجه فيه هو أن ما دل على اعتبار الراحلة في الاستطاعة الواردة في الآية المباركة ناظر إلى اعتبارها في السفر إلى بيت اللَّه الحرام، و هذا غير جار بالإضافة إلى أهل مكة و المجاورين بها، بل لا يجري بالإضافة إلى من كان قريباً إلى مكة بحيث لا حاجة له في وصوله إلى مكة بالراحلة.

و فيه أن المراد من الآية المباركة ليس مجرد الوصول إلى بيت اللَّه الحرام، بل

[ (مسألة 3) لا يشترط وجودهما عيناً عنده

(مسألة

3) لا يشترط وجودهما عيناً عنده (1)، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال من غير فرق بين النقود و الأملاك من البساتين و الدكاكين و الخانات و نحوها، و لا يشترط إمكان حمل الزاد معه، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة، و مع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان من غير فرق بين علف الدابّة و غيره، و مع عدمه يسقط الوجوب.

[ (مسألة 4) المراد بالزاد هنا المأكول و المشروب و سائر ما يحتاج إليه المسافر]

(مسألة 4) المراد بالزاد هنا المأكول و المشروب و سائر ما يحتاج إليه المسافر من الأوعية التي يتوقّف عليها حمل المحتاج إليه و جميع ضروريات ذلك السفر بحسب المراد الإتيان بالمناسك الخاصة المعبر عنها بحج بيت اللَّه الحرام، و إذا كان المراد ذلك فلا يكون عدم الحاجة إلى الراحلة في مجرد الوصول إلى بيت اللَّه الحرام موجباً لعدم اعتبارها في وجوب الحج مع الحاجة إليها في الانتقال إلى عرفات و المشعر و المراجعة إلى مكة. (1) إذا كان له مال وافٍ لتحصيل الزاد و الراحلة، فمع إمكان تحصيلهما يجب عليه الحج و لا يعتبر وجود عين الزاد و الراحلة في وجوبه، لما ورد في صحيحة محمد بن مسلم من قوله (عليه السّلام): يكون له ما يحج به. و مثلها صحيحة معاوية بن عمار قال اللَّه تعالى وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة.

و على الجملة، هذه العناوين تصدق فيما إذا كان عنده بستان أو دكّان أو غيرهما بحيث يمكن تحصيل الزاد و الراحلة بالبيع و الشراء، فضلًا عما إذا كان عنده النقود المتعارفة. و مما ذكر يظهر أنه لا يعتبر في الزاد حمله معه بل يكفي

تحصيله تدريجاً بمقدار الحاجة في المنازل. نعم إذا لم يمكن تحصيله فيها بالشراء و نحوه يجب حمله معه مع الإمكان، و مع عدم إمكانه أو كونه حرجياً يسقط وجوب الحج.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 65

حاله قوّة و ضعفاً و زمانه حراً و برداً و شأنه شرفاً و ضعة، و المراد بالراحلة مطلق ما يركب و لو مثل سفينة في طريق البحر، و اللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة و الضعف، بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة و الشرف كماً و كيفاً، فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعد ما دونهما نقصاً عليه يشترط في الوجوب القدرة عليه و لا يكفي ما دونه، و إن كانت الآية و الأخبار مطلقة، و ذلك لحكومة قاعدة نفي العسر و الحرج على الإطلاقات (1). نعم إذا لم يكن بحد الحرج وجب معه الحج، و عليه يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه و لو على حمار أجدع مقطوع الذَّنَب.

[ (مسألة 5) إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق

(مسألة 5) إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوباً يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و شربه و غيرهما من بعض حوائجه، هل يجب عليه أو لا؟ الأقوى عدمه و إن كان أحوط (2). (1) لا يبعد أن يقال بظهور الآية و الروايات الواردة في تفسير الاستطاعة أن يكون للمكلف زائداً على نفقته و إعاشته الاعتيادية مال يحج به لراحلته و زاده المناسبين لحاله، و المنفي بقاعدة نفي الحرج هو الحرج الشخصي، و لو لم يكن للمكلف مبالاة بحيث لو حج براحلة لا تناسبه لم يكن حجة حجة الإسلام، و كذا لو فقدت راحلته أو نفقته قبل العود إلى بلاده لا

يكون حجة حجة الإسلام و لو كان اعتبارهما للحرج لم يكن نافياً لوجوبه في الفرض لكون نفيه خلاف الامتنان.

نعم لو كان متمكناً فيما ذكر الحج بالمناسب و تحصيل الراحلة المناسبة و مع ذلك تحمل الحرج و لم يبال بشأنه يكون حجة حجة الإسلام حتى بناء على اعتبار كل ذلك، للظهور المشار اليه، و ما ورد في بعض الاخبار من وجوبه و لو على حمار أجدع أبتر يحمل على من لا ينافي حاله أو استقرار الحج عليه. (2) و الوجه في عدم الوجوب هو فقده ما يحج به من المال المشروط وجوب

[ (مسألة 6) إنّما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده

(مسألة 6) إنّما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده؛ فالعراقي إذا استطاع و هو في الشام وجب عليه و إن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق، بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكعاً أو لحاجة أخرى من تجارة أو غيرها و كان له هناك ما يمكن أن يحج به وجب عليه، بل لو أحرم متسكعاً فاستطاع و كان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه (1)، و إن كان لا يخلو عن إشكال. الحج به كما في ظاهر الروايات، و قد تقدم أنّ رواية أبي بصير لضعفها سنداً و معارضتها بظاهر تلك الروايات لا يمكن الاعتماد عليها، قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. قال يخرج و يمشي إن لم يكن عنده. قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشي و يركب. قلت لا يقدر على ذلك أعني المشي قال: يخدم القوم و يخرج معهم» «1». نعم بعد إيجار نفسه للخدمة في الحج يدخل في المستطيع

إذا حصل سائر شرائط وجوبه فيكون حجة حجة الإسلام. (1) بل يتعين القول بالوجوب عليه لاجتماع شرائط الوجوب مع سعة الوقت لحجة الإسلام، و يكشف هذا عن بطلان إحرامه لغيرها، فاللازم أن يرجع إلى الميقات و الإحرام منه إذا لم يكن أمامه ميقات آخر. و على الجملة فالإحرام للعمرة و الحج ندباً و إن يكون موضوعاً لوجوب الإتمام، و لكن هذا مع صحتهما لا مع انكشاف البطلان لعدم الأمر بهما في سنة الاستطاعة. و إن لم يكن امامه ميقات و لم يمكن رجوعه إليه أحرم من موضعه، و لا يترك الرجوع بالمقدار المتمكن منه، كما يأتي فيمن ترك الإحرام من الميقات.

[ (مسألة 7) إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب

(مسألة 7) إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب (1). و لو وجد و لم يوجد شريك للشق الآخر؛ فإن لم يتمكّن من أجرة الشقين سقط أيضاً، و إن تمكّن فالظاهر الوجوب لصدق الاستطاعة، فلا وجه لما عن العلّامة من التوقّف فيه، لأن بذل المال له خسران لا مقابل له. نعم لو كان بذله مجحفاً و مضرّاً بحاله لم يجب، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء. (1) لما تقدم من أن اعتبار الراحلة في الاستطاعة المأخوذة في الموضوع لوجوب الحج هي الظاهرة فيما يناسبه بحسب حاله، و شأنه. و ما ورد في بعض روايات بذل الحج كقوله (عليه السّلام) «هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيِ و لو على حمار أجدع أبتر» لا يوجب رفع اليد عن الظهور المذكور، لما ذكرنا من ظهور ذلك في فرض الامتناع عن الخروج بالمبذول، كما هو ظاهر صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «فإن كان دعاه قوم

أن يحجّوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلّا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر». «1» نعم ما ورد في صحيحة هشام بن سالم «من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج» «2» ظاهره كون الراحلة المبذولة كذلك، و لكنها معرض عنها عند الأصحاب مع كونها واردة في بذل الحج و لا يتعدى إلى صورة استطاعة المكلف للحج لكونه واجداً لما يحج به. و على ما ذكر فان كان شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط عنه الوجوب. و كذا لو وجد و لم يوجد له شريك للشق الآخر و لم يتمكن من اجرة الشقين، و أمّا إذا تمكن من أُجرتهما فقد حكم الماتن بوجوب الحج، و لكن قد يقال أن تمكنه عن أجرتهما لا يوجب الحج عليه لأن وجوبه في مثل الفرض ضرري، و كما

[ (مسألة 8) غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط]

(مسألة 8) غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط، و لا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكّنه من القيمة، بل و كذا لو توقّف على الشراء بأزيد من ثمن المثل و القيمة المتعارفة، بل و كذا لو توقّف على بيع أملاكه بأقل من ثمن المثل لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة، فما عن الشيخ من سقوط الوجوب ضعيف. نعم لو كان الضرر مجحفاً بماله مضرّاً بحاله لم يجب، و إلّا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة و شمول الأدلّة، فالمناط هو الإجحاف و الوصول إلى حدّ الحرج الرافع للتكليف. أنّ وجوبه ينتفي بالحرج كذلك ينفى الضرر و دعوى عدم حكومة نفي الضرر في الموارد التي يكون أصل الحكم

و التكليف ضرريّاً كوجوب الخمس و الجهاد و نحوهما، و إنما تكون حكومته فيما إذا كان إطلاق الحكم و التكليف ضرريّاً و يرفع اليد عن إطلاقهما بنفيه، كما هو الحال في قاعدة نفي الحرج لا يمكن المساعدة عليها.

و على الجملة، الضرر الملازم لطبيعى الحج غير مؤثر في نفي وجوب الحج، و أمّا الضرر الزائد الطارئ في بعض الأحيان فرافع لوجوبه، و لا يقاس بالضرر في شراء الماء للوضوء، فإن مقتضى النص الوارد لزوم الشراء بأي ثمن. نعم إذا كان ثمنه مجحفاً بحيث يوقع المكلف في الحرج يكون وجوب الوضوء فيه مرفوعاً بقاعدة نفي الحرج، و لكن لا يخفى أنّ التكليف في المقام لم يتعلق بطبيعي الحج و بالإتيان به في سنة الاستطاعة بأن يكون في البين تكليفان، بل يجب الحج في سنة حصول المال مع الصحة و تخلية السرب. و الحج في تلك السنة في استلزامه الضرر يختلف بالإضافة إلى الأشخاص؛ فربّما يكون بلد المكلف الذي يخرج منه إلى الحج بعيداً يستلزم الضرر الكثير و مكان الآخر قريباً، أو يحتاج خروج مكلف من بلد محتاجاً إلى تهيئة

[ (مسألة 9) لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط]

(مسألة 9) لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده و إن لم يكن له فيه أهل و لا مسكن مملوك و لو بالإجارة، للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له. نعم إذا لم يرد العود أو كان وحيداً لا تعلّق له بوطن لم يعتبر وجود نفقة العود (1)، لإطلاق الآية و الأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب، و إذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بدّ من وجود النفقة إليه إذا لم يكن

أبعد من وطنه (2)، و إلّا فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه. مقدمات يستلزم صرف المال الكثير و في مكلف في بلد آخر لا يكون كذلك، و إذا كانت تهيئة الراحلة موقوفةً على بيع بعض أمواله التي لا تدخل في المستثنيات بالأقل لنزول سعرها أو كانت الأسعار في تلك السنة غالية بالإضافة إلى الراحلة و الزاد و النفقه فلا حكومة لقاعدة نفي الضرر. و أمّا إذا كان بيعها بالأقل لا لنزول الأسعار بل لاتفاق عدم المشتري لها بقيمتها فلا بأس في الفرض بالأخذ بقاعدة نفي الضرر و لو لم يصل تحمله إلى الحد الموجب للحرج عليه. و مما ذكرنا يظهر الحال في المسألة الثامنة.

و على الجملة، فيما إذا اشترى شيئاً في سنة بقيمته السوقية أو باع متاعه بالقيمة السوقية مع كون القيمة في تلك السنة نازلة لم يكن الشراء أو البيع ضرريّاً، بخلاف ما إذا اشترى أو باع بغير القيمة السوقية فإن ذلك ضرر، و لكن مع ذلك كله فالأحوط رعاية الضرر الموجب للحرج، و اللَّه العالم. (1) و لكن يعتبر أن يكون له نفقة البقاء في ذلك البلد إلى زمان تمكّنه من الاكتساب فيه لمؤنته، و إلّا لم يجب عليه الحج، حيث يكون وجوبه عليه حرجياً كفاقد نفقة العودة. (2) نعم إذا كان مضطراً إلى الذهاب إلى ذلك البلد البعيد على تقدير الحج

[ (مسألة 10) قد عرفت أنّه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحج

(مسألة 10) قد عرفت أنّه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحج من الزاد و الراحلة و لا وجود أثمانها من النقود، بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها، لكن يستثني من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه؛ فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله، و

لا خادمه المحتاج إليه، و لا ثياب تجمله اللائقة بحاله فضلًا عن ثياب مهنته، و لا أثاث بيته من الفراش و الأواني و غيرهما ممّا هو محل حاجته، بل و لا حليّ المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها و مكانها، و لا كتب العلم لأهله التي لا بدّ له منها فيما يجب تحصيله لأنّ الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية، و لا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه، و لا فرس ركوبه مع الحاجة إليه، و لا سلاحه و لا سائر ما يحتاج إليه (1)، لاستلزام التكليف بصرفها في الحج العسر و الحرج، و لا يعتبر فيها الحاجة الفعلية، فلا وجه لما عن كشف اللثام: من أنّ فرسه إن كان صالحاً لركوبه في طريق الحج فهو من الراحلة و إلّا فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره. و لا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذ، كما لا وجه لما عن الدروس من التوقّف في استثناء ما يضطرّ إليه من أمتعة المنزل و السلاح و آلات الصنائع. فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه ممّا يكون إيجاب بيعه مستلزماً للعسر و الحرج. نعم لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج، و كذا لو استغنى عنها بعد الحاجة كما في حلي المرأة إذا كبرت عنه و نحوه. فيعتبر في وجوب الحج عليه وجود نفقة الذهاب إليه. (1) و لو كانت حاجته إليها في اعاشته و إعاشة عياله بالاسترباح منها، كرأس مال تجارته أو أرض زراعته و بستانه مما يعيش باستنمائها، و قد يحدّد ذلك بما إذا كان بيعها و صرف ثمنها في

الحج موجباً لوقوعه في الحرج أو المهانة. و لكن لا يخفى أنّ بيعها و صرف ثمنها في الحج مع لزوم الحرج و المهانة و إن كان كما ذكر من عدم

[ (مسألة 11) لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه و كان عنده دار مملوكة]

(مسألة 11) لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه و كان عنده دار مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة (1) إذا كانت وافية لمصارف الحج أو متممة لها، و كذا في الكتب وجوب الحج معه الا ان التحديد بذلك لا يخلو عن الخلل، كما يأتي بيان ذلك في المسألة الآتية، و لا يخفى أن المكلف لو حج مع كونه حرجياً لا يجزي عن حجة الإسلام و إذا استطاع بعد ذلك فعليه الحج؛ و دعوى أن دليل نفي الحرج يرفع الوجوب لا المشروعية لا تفيد في المقام، لما تقدم من ان حجة الإسلام نوع خاص من الحج و هو الحج الذي يؤتى به بعد تحقق الشرائط المعتبرة في الوجوب، و الحج المأتي به قبل تحققها لا يكون حجة الإسلام. نعم لو كان المكلف واجداً لشرائط الوجوب و لكن تحمل الحرج في حجه، بأن حج مشياً أو اشتغل في حجه بأعمال شاقة تحصيلًا للمال و نحو ذلك، يكون حجة حجة الإسلام؛ هذا لو قيل بعدم كون المستثنيات موجباً للاستطاعة لقاعدة نفي الحرج، و أما لو قيل بأن منصرف الآية و الروايات الواردة في تفسيرها ظاهر كون المكلف واجداً للمال الزائد على ما يحتاج إليه في اعاشته المناسبة له، كما يأتي، فهدمها ببيعها و صرف ثمنها في الحج لا يدخله في المستطيع للحج بلا حاجه إلى الأخذ بقاعدة نفي الحرج، كما أن جواز صرف المال الذي بيده فيها لا يحتاج إلى تلك القاعدة.

و تظهر الثمرة بين المسلكين ما إذا

فقد الحاج نفقة عودته إلى بلاده بعد تمام الحج بحيث انكشف كون حجه حرجياً؛ فبناءً على اعتبار نفقة العود لقاعدة نفي الحرج يُحكم بإجزائه عن حجة الإسلام، لأن نفي وجوب الحج في الفرض خلاف الامتنان، بخلاف ما ذكر عن انصراف الآية و الروايات فان مقتضاها عدم كون حجه حجة الإسلام، فتدبر. (1) ذكر جماعة من الأصحاب أنه لو كان عنده دار مملوكة يسكنها و بيده

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 72

المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته فيجب بيع المملوكة منها، و كذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة، لصدق الاستطاعة حينئذ، إذا لم يكن ذلك منافياً لشأنه و لم يكن عليه حرج في ذلك. نعم لو لم تكن موجودة و أمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك، فلا يجب بيع ما عنده و في ملكه. و الفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الأُولى إلّا إذا حصلت بلا سعي منه أو حصّلها مع عدم وجوبه، فإنّه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولًا. اخرى موقوفة يمكن ان يسكنها و يبيع المملوكة و يحج بثمنها وجب عليه الحج إذا لم يكن في بيعها و السكنى في الموقوفة حرج و مهانة، و كذا الحال إذا كان عنده الكتب الموقوفة يمكن الاستغناء بها عن المملوكة. نعم إذا لم يكن عنده الدار الموقوفة أو الكتب الموقوفة و لكن يمكن له تحصيلها و بيع الدار المملوكة أو الكتب المملوكة فلا يجب عليه الحج. و الفرق انه في الفرض الأول لوجود المال الزائد الوافي لمصارف الحج فهو مستطيع فعلًا، بخلاف الفرض الثاني فإن تحصيل الدار الموقوفة أو الكتب الموقوفة من تحصيل الاستطاعة،

و لا يجب تحصيلها، و يمكن ان يقال على ما ذكر بوجوب الحج في الفرض الثاني أيضاً، لأن فيه أيضاً أن عنده مال فعلًا و هي داره المملوكة أو الكتب كذلك، و مع تمكنه من تحصيل الموقوفة من غير لزوم حرج يتمكن من الحج، و فرق بين تحصيل المال الذي يمكن الحج به و بين تمكنه من الحج بالمال الموجود فعلًا، و ما هو غير لازم هو الأول دون الثاني، و لكن يدفع ذلك بما ذكرنا من ظاهر الروايات الواردة في تفسير الآية أن يكون للمكلف زائداً على ما يحتاج إليه في اعاشته مال يحج به، و هذا غير متحقق في الفرض الثاني كالأوّل، بل في صورة كون الدار الموقوفة أو الكتب التي عنده في معرض الأخذ منه، فلا تكفي في وجوب الحج.

[ (مسألة 12) لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها]

(مسألة 12) لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة و أمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونه لائقاً بحاله أيضاً، فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها؟ قولان، من صدق الاستطاعة و من عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة و الأصل عدم وجوب التبديل، و الأقوى الأوّل إذا لم يكن فيه حرج (1) أو نقص عليه، و كانت الزيادة معتداً بها كما إذا كانت له دار تسوى مائة و أمكن تبديلها بما يسوى خمسين مع كونه لائقاً بحاله من غير عسر فإنّه يصدق عليه الاستطاعة، نعم لو كانت الزيادة قليلة جدّاً بحيث لا يعتنى بها أمكن دعوى عدم الوجوب و إن كان الأحوط التبديل أيضاً. (1) إذا لم تكن داره بحسب العين زائدة على شأنه، و يمكن له بيعها و شراء

دار اخرى مثلها بحسب العين من المساحة و الحجرات، و لكن داره لقوة بنيانه يُثمن بمائة و الدار الأخرى يمكن شرائها بخمسين، فظاهر الماتن لزوم التبديل بلا فرق بين كون الدار مملوكة له بالميراث أو بالشراء أو بغيرهما. و ذلك فان الدار المملوكة مال يمكن ان يحج بها بتبديلها إذا لم يكن التبديل حرجاً و مهانة، أو كان التفاوت بين الدارين في القيمة قليلًا و انه يمكن تتميم استطاعته للحج بذلك التفاوت. و كذا الحال في غير الدار من سائر المستثنيات، و لكن لا يخفى ما في الفرق بين التفاوت القليل و الكثير فان الدليل على حساب الاستطاعة للحج بعدها اما للزوم الحرج و المهانة فيجب مع عدم لزومهما التبديل في الصورتين، و مع عدم لزومهما لا يجب فيهما، اما لما ذكرنا من أن منصرف الآية و الروايات الواردة في تفسير الآية ان يكون للمكلف ما يحج به زائداً على الأمور المحتاج إليها في اعاشته بحسب شأنه، و لو عيناً، و في ذلك لا يجب البيع في الصورتين خصوصاً بملاحظة ما في حسنة ابن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السّلام) «أنهما سئلا عن الرجل له دار و خادم أ يقبل الزكاة.

[ (مسألة 13) إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات، لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به

(مسألة 13) إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات، لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ففي جواز شرائها و ترك الحج إشكال، بل الأقوى عدم جوازه (1) إلّا أن يكون عدمها موجباً للحرج عليه، فالمدار في ذلك هو الحرج و عدمه، و حينئذ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلّا مع عدم الحاجة، و إن لم تكن موجودة لا يجوز شراؤها

إلّا مع لزوم الحرج من تركها، و لو كانت موجودة و باعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في الحج فحكم ثمنها حكمها، و لو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحج إلّا مع الضرورة إليها على حد الحرج في عدمها. قالا: نعم ان الدار و الخادم ليسا بمال» «1» فإنها مطلقة حتى فيما إذا كان سكناه بحسب شأنه عيناً. (1) لا يبعد جوازها حتى فيما لم يكن فقدها موجباً للحرج عليه، و لكن كان شرائها موافقاً لشأنه من جهة اعاشته كأمثاله، و ذلك فان وجوب الحج مشروط بان يكون للمكلف ما يحج به زائداً على ما يحتاج اليه بحسب شأنه في اعاشته كما هو منصرف الآية و الروايات الواردة في تفسيرها، كما لا يكون عليه بيع تلك الأعيان أو بعضها حتى فيما إذا لم يكن البيع صرف ثمنها في حجه موجباً لوقوعه في الحرج الرافع للتكليف على ما تقدم في المسألة التاسعة، فكون داره وسيعة بحيث يمكن له ان يكتفى بغيرها و صرف الزائد في حجة أمر واقع، و لم يرد في شي ء من الروايات بيعها، بل ورد في بعضها ان الدار ليست بمال. و كذا الحال في المركب و غيره من أثاث بيته، و دعوى دوران الأمر في جميع ذلك مدار الحرج كما ترى. فان الرافع للتكليف هو الحرج الشخصي، و ربما لا يكون الشخص مبالياً باعاشته و إن يعيش

[ (مسألة 14) إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج و نازعته نفسه إلى النكاح

(مسألة 14) إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج و نازعته نفسه إلى النكاح صرّح جماعة بوجوب الحج و تقديمه على التزويج، بل قال بعضهم: و إن شقّ عليه ترك التزويج؛ و الأقوى وفاقاً لجماعة أخرى عدم وجوبه

(1) مع كون ترك التزويج حرجاً عليه أو موجباً لحدوث مرض أو للوقوع في الزنا و نحوه. نعم لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة و لم يكن له حاجة فيها لا يجب أن يطلقها و يصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحج لعدم صدق الاستطاعة عرفاً. كأمثاله فلا يجد في نفسه حرجاً من فقدها و لو صرف مثل هذا الشخص المال في تملك الدار و تهيئة الأثاث اللائق بحاله فلا بأس به، بل يمكن القول بأنه على تقدير عدم صرفه فيما ذكر بل صرف في حجة لا يكون حجه من حجة الإسلام، فيجب عليه الإتيان بها إذا استطاع إليها على إقرار الحج مع فقد سائر الشرائط. اللّهمّ إلّا أن يقال مع ترك صرف المال في محاويجه بحسب شأنه و اكتفائه بالإعاشة بدونها يصدق أن عنده ما يحج به فيكون حجة حجة الإسلام، و على الجملة فصرف المال فيهما جائز، و لكن مع تركه يتحقق موضوع وجوب حجة الإسلام. (1) قيل إن النكاح أمر مندوب و الحج على الواجد لما يحج به، واجب يزاحم المندوب الواجب، و لكن لا يخفى انه إذا كان في صرف المال في الحج و ترك التزويج حرجاً عليه يسقط وجوب الحج بلا فرق بين الأعزب أو من تكون له زوجة، و لكن لمرضها أو غيابها عنه نازعته نفسه إلى النكاح الآخر. نعم من تكون اعاشته بلا زوجة أمراً حرجياً عليه، و مع ذلك قصد الإبقاء بماله و ترك التزويج يجب عليه الخروج إلى الحج و لا يكون وجوب الحج موجباً للحرج عليه، بل الحرج عليه من اختياره ترك التزوج. و الحاصل فرق بين من حجّ مع فقده الزاد و الراحلة فان

تحمله الحرج لا يكون موجباً لكونه مستطيعاً، و بين من كان له مال زائد على نفقته يكفى

[ (مسألة 15) إذا لم يكن عنده ما يحج به، و لكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو بما تتمّ به مئونته

(مسألة 15) إذا لم يكن عنده ما يحج به، و لكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو بما تتمّ به مئونته، فاللازم اقتضاؤه و صرفه في الحج إذا كان الدين حالّا و كان المديون باذلًا، لصدق الاستطاعة حينئذ. و كذا إذا كان مماطلًا (1) و أمكن إجباره بإعانة لمصارف الحج، و لكن كان صرفه فيه حرجياً لاحتياجه إلى ما يكون عدم صرفه فيه حرجاً عليه، فإنه مع اختيار عدم صرفه فيه لا يكون في الحج حرجاً عليه. و هكذا الحال فيما إذا كان ترك التزويج ضرراً عليه فان وجوب الحج عليه الموجب لترك التزويج يكون حرجاً عليه، بخلاف وجوبه مع اختياره ترك التزويج و الإبقاء بالمال، فان وجوب صرفه في الحج على تقدير ترك التزويج لا يكون فيه ضرر، بل الضرر في تركه التزويج. و ذكر الماتن (قدّس سرّه) أنه لو كان ترك التزويج موجباً لوقوعه في الحرام كالزنا لم يجب الحج، و لكن لا يخفى أنه لو كان ترك التزويج و صرف المال في الحج موجباً لوقوعه في مشقة حبس الشهوة و ضرره الا ان يرتكب الحرام يكون الفرض داخلًا فيما تقدم من كون ترك التزويج بوجوب صرف المال في الحج مطلقاً حرجاً عليه، و أما مع عدم وقوعه في الضرر و الحرج أصلا بترك التزويج فلا موجب لسقوط وجوب الحج بناءً على أن الدليل على سقوط وجوب الحج في الفرض دليل نفى الضرر أو نفى الحرج. و أما بناءً على ما تقدم من ظهور الآية و الروايات في كون الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج

ان يكون للمكلف مال زائد على حوائجه المعاشية فلا يجب عليه الحج و إن أمكنه ذلك إذا احتمل في ترك التزويج ضرراً و حرجاً، و لذا لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة و لم يكن له حاجة فيها، لم يجب ان يطلقها و يصرف مقدار نفقتها في الحج أو في تتميم مصرف الحج، لعدم صدق الاستطاعة عرفاً. (1) قد يشكل بان تحصيل ماله على الغير من تحصيل الاستطاعة و فعلًا ليس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 77

متسلّط أو كان منكراً و أمكن إثباته عند الحاكم الشرعي و أخذه بلا كلفة و حرج، بل و كذا إذا توقّف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور بناءً على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقّف استيفاء الحق عليه، لأنّه حينئذ يكون واجباً بعد صدق الاستطاعة لكونه مقدمه للواجب المطلق، و كذا لو كان الدين مؤجلًا و كان المديون باذلًا قبل الأجل لو طالبه، و منع صاحب الجواهر الوجوب حينئذ بدعوى عدم صدق الاستطاعة محل منع، و أمّا لو كان المديون معسراً أو مماطلًا لا يمكن إجباره أو منكراً للدين و لم يمكن إثباته أو كان الترافع مستلزماً للحرج أو كان الدين مؤجلًا مع عدم كون المديون باذلًا فلا يجب، بل الظاهر عدم الوجوب لو لم يكن واثقاً ببذله مع المطالبة.

[ (مسألة 16) لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان قادراً على وفائه بعد ذلك بسهولة]

(مسألة 16) لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان قادراً على وفائه بعد ذلك بسهولة، لأنّه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب، نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلًا أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلًا

له قبل الأجل، و أمكنه الاستقراض و الصرف في الحج ثمّ وفاؤه بعد ذلك، فالظاهر وجوبه (1) لصدق الاستطاعة حينئذ عرفاً، إلّا إذا لم يكن واثقاً بوصول عنده مال ليكون ما ذكر مقدمة للواجب.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان ماله على الغير مال له. و حيث انه يمكن أخذه منه بلا حرج فيكون المال في اختياره مع التمكن في صرفه في حجه، فلا وجه للقول المذكور. و مثله ما إذا توقف استيفائه و أخذه على الرجوع إلى حاكم الجور على ما هو الأظهر من جواز الرجوع إليه في صورة توقف استيفاء الحق عليه، و مما ذكر يظهر أنه لو كان الدين على الغير مؤجلًا و لم يبذل المديون و لكن أمكن بيعه بالأقل بما هو المتعارف في بيع الدين و الحج به أو تتيمم ما يحج به تعين بيعه لتحقق استطاعته. (1) بل الأظهر عدم وجوبه، فان الموضوع للوجوب وجود ما يحج به فعلًا و ما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 78

الغائب أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض، لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة.

[ (مسألة 17) إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين

(مسألة 17) إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين ففي كونه مانعاً عن وجوب الحج مطلقاً سواء كان حالّا مطالباً به أو لا أو كونه مؤجلًا، أو عدم كونه مانعاً إلّا مع الحلول و المطالبة، أو كونه مانعاً إلّا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة، أو كونه مانعاً (1) إلّا مع التأجيل و سعة الأجل للحج و العود أقوال، و الأقوى كونه مانعاً إلّا مع التأجيل و الوثوق بالتمكّن مع أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحج، و ذلك لعدم

صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة و هي المناط في الوجوب لا مجرّد كونه مالكاً للمال، و جواز التصرّف فيه بأي وجه أراد و عدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة، نعم لا يبعد الصدق إذا كان واثقاً بالتمكّن من الأداء مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن، و الأخبار الدالّة على جواز الحج لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب و في كونه حجّة الإسلام، و أمّا صحيح معاوية بن عمّار عن الصادق (عليه السّلام) عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: «نعم إنّ حجّة الإسلام واجبة على هو موجود بالفعل و هو دينه على الغير الذي لا يمكن الحج به، و ما يمكن الحج به و هو ما سيحصله بالاستدانة من تحصيل الاستطاعة و هو غير واجب، نعم لو أمكن بيع الدين المفروض و لو بالأقل و كان وافياً لمصارف الحج أو متمماً لما يحج به، يجب عليه الحج و لو بالاستدانة على ما مرّ. (1) قد يقال ان الدين لا يكون عدمه قيداً للاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، بل المعتبر في وجوبه وجود ما يحج به، غاية الأمر يكون كل من وجوب أداء الدين و وجوب الحج من المتزاحمين إذا لم يمكن للمكلف الجمع بينهما في الامتثال أو كان الجمع حرجياً عليه، و بما أن أداء ما للغير من الدين أهم يقدّم على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 79

من أطاق المشي من المسلمين»، و خبر عبد الرحمن عنه (عليه السّلام) أنّه قال: «الحج واجب على الرجل و إن كان عليه دين» فمحمولان على الصورة الّتي ذكرنا أو على من استقرّ عليه الحج

سابقاً، و إن كان لا يخلو عن إشكال كما سيظهر، فالأولى الحمل الأوّل.

و أمّا ما يظهر من صاحب المستند من أنّ كلًّا من أداء الدين و الحج واجب فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب و العود، و تقديم الحج في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير أو التأجيل مع سعة الأجل للحج و العود و لو مع عدم الوثوق بالتمكّن من أداء الدين بعد ذلك، حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحج بلا مزاحم.

ففيه أنّه لا وجه للتخيير في الصورتين الأُوليين و لا لتعيين تقديم الحج في الأخيرتين بعد كون الوجوب تخييراً أو تعييناً مشروطاً بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام خصوصاً مع المطالبة و عدم الرضا بالتأخير، مع أنّ التخيير فرع كون الواجبين مطلقين و في عرض واحد، و المفروض أنّ وجوب أداء الدين مطلق بخلاف وجوب الحج فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعية، نعم لو استقرّ عليه وجوب الحج سابقاً فالظاهر التخيير لأنّهما حينئذ في عرض واحد، و إن كان يحتمل تقديم الدين إذا كان حالّا مع المطالبة أو مع الرضا بالتأخير لأهميّة حقّ النّاس من حقّ اللَّه، لكنّه ممنوع و لذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزّع المال عليهما و لا يقدم دين النّاس، و يحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب، لكنّه أيضاً لا وجه له كما لا يخفى. التكليف بالحج، و دعوى ان الدين للناس مع وجوب الحج متزاحمين من غير أهمية الأول من الثاني، و لذا توزّع تركه الميت عليهما، و لا يقدم دين الناس لا يمكن المساعدة عليها، فان توزيع التركة عليهما فيما إذا كان الحج الميقاتي

ممكناً بالحصة التي تقع على الحج و إلا يقدم الحج، كما هو مقتضى النص الوارد. و على الجملة

[ (مسألة 18) لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحج بين أن يكون سابقاً على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا]

(مسألة 18) لا فرق في كون الدين مانعاً من وجوب الحج بين أن يكون سابقاً على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا، كما إذا استطاع للحج ثمّ عرض عليه دين بأن أتلف مال الغير مثلًا على وجه الضمان من دون تعمّد قبل خروج الرفقة أو بعده قبل أن يخرج هو أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال، فحاله حال تلف المال من دون دين فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعاً (1). ثبوت التوزيع على قضاء الحج لا يكشف عن عدم أهمية أداء الدين للناس على الحج بالنسبة إلى الحي المكلف و أما بالنسبة إلى الميت فهو كسائر الديون التي تتعلق بالتركة. فلا مورد للحاظ الأهمية أو أنّه يقدم الحج للنص الوارد.

أقول: عدم مانعية الدين عن الاستطاعة مبني على كون المراد من الاستطاعة المأخوذة في وجوب الحج مطلق المال الذي يمكن للمكلف صرفه في حجه من غير لزوم حرج، و عليه يجب صرف المال في أداء دينه مع كون صرفه في حجّه حرجياً أو لا يتمكّن مع صرفه في الحج من أداء دينه، و إلا يجب عليه الحج. و أما بناءً على ما ذكر من ظهور الاستطاعة الواردة في الآية و ما في الروايات من كون المكلف واجداً للمال الوافي للحج زائداً على نفقات اعاشته فلا يكون مستطيعاً مع كون الدين حالًا بمطالبة الدائن، نعم إذا كان الدين مؤجلًا أو رخص الدائن في التأخير في أدائه و أمكن له الأداء بعد رجوعه من الحج بلا لزوم محذور في أدائه فيما بعد يجب عليه الحج، فان ما يؤدى به

دينه بعد رجوعه عن حجه كسائر ما يحتاج اليه من النفقات في اعاشته لا يكون فقدها عند الخروج إلى الحج و مع التمكن منها في زمانها مانعة عن صدق الاستطاعة بالمعنى الذي استظهرناه من الأدلة. (1) و ذلك لأنّ الاستطاعة المعتبرة في وجوب حجة الإسلام هو المال الوافي لمصارف الحج زائداً على نفقته الاعاشية التي منها أداء دينه المطالب به، بل لو كان

[ (مسألة 19) إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة]

(مسألة 19) إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة، لأنّ المستحقّين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما و لا يكون مستطيعاً، و إن كان الحج مستقراً عليه سابقاً تجي ء الوجوه المذكورة من التخيير أو تقديم حقّ النّاس (1) أو تقديم الأسبق، هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمّته، و أمّا إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحج سواء كان مستقراً عليه أو لا، كما أنّهما يقدمان على ديون النّاس أيضاً، و لو حصلت الاستطاعة و الدين و الخمس و الزكاة معاً فكما لو سبق الدين. وجوب الحج و وجوب أداء الدين من المتزاحمين فيقدم التكليف بأداء الدين لكونه أهم و لا أقل من كونه محتمل الأهمية، و سبق أحد التكليفين زماناً لا يوجب تقديمه في مقام التزاحم على الآخر ما لم يكن زمان امتثاله أسبق، بل سبق الزمان بحسب الامتثال في نفسه مرجح في مقام التزاحم و لو كان زمان التكليفين واحداً حدوثاً، هذا كله إذا لم يكن صرف المال في الحج موجباً لوقوعه في الحرج و لو لاتهامه أنه يأكل أموال الناس و لا يؤدى أموالهم إليهم، و إلا فلا تكليف بالنسبة إلى حجة الإسلام

و لو مع الإغماض عن كون أداء الدين أهم.

ثم إنّه قد قيد الماتن كون إتلاف مال الغير قبل الشروع في الأعمال و كون إتلافه مال الغير بلا تعمّد، و لعلّ نظره ان مع كونه بعد شروع الأعمال أو كونه على وجه التعمد يجب عليه الإتمام أو الشروع لوجوب إتمام العمرة و الحج في الأول، و استقرار وجوب الحج عليه في الثاني، و لكن لا يخلو كل منهما عن التأمل. (1) قد تقدم أنّ حقوق الناس أهم، فتقدم على وجوب الحج و لو مع استقراره عليه أولًا، و كون وجوبه فورياً. و أما ما ذكر (قدّس سرّه) من اجتماع الاستطاعة و الدين و الخمس و الزكاة معاً فلا يخفى ما فيه، فان الدين على ما ذكرنا و إن أمكن اجتماعه مع

[ (مسألة 20) إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدّاً]

(مسألة 20) إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدّاً كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة (1)، و كذا إذا كان الديّان مسامحاً في أصله كما في مهور نساء أهل الهند فإنّهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه كمائة ألف روبية أو خمسين ألف لإظهار الجلالة و ليسوا مقيّدين بالإعطاء و الأخذ، فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة و وجوب الحج، و كالدين ممّن بناؤه على الإبراء إذا لم يتمكّن المديون من الأداء أو واعده بالإبراء بعد ذلك. الاستطاعة في بعض الفروض، إلّا إن حدوث الاستطاعة مع تعلق الخمس أو الزكاة إذا لم يكن المال الحاصل وافياً لمصارف الحج بعد أداء خمسة أو الزكاة فلا يمكنه، لان الخمس أو الزكاة من المال للغير قيل فيهما بالإشاعة أو التعلق بنحو الكلي في المعين، و معه لا يكون له مال واف لمصارف

الحج ليكون مستطيعاً. (1) قد تقدّم أنّ الدين إذا كان بحيث يتمكن المديون عند حلول اجله من أدائه بلا لزوم حرج عليه مع صرف ماله الموجود في حجه، فهذا النحو من الدين لا يمنع عن الاستطاعة، فإن أداء دينه عنده كسائر نفقاته المعاشية بعد رجوعه من الحج. و نظير ذلك الدين المتعارف أدائه من تركة الشخص بعد موته كمهور النساء في أكثر البلاد، حيث إن التأخير في أدائه إلى ما بعد الطلاق أو الموت كالشرط الضمني في عقد النكاح، و مثل ذلك لا يمنع عن الاستطاعة، بل لا يكون للمرأة الامتناع من التمكين ليلة الزفاف الا بعد تسلم المهر تماماً كالمهور التي لا يتمكن الزوج من أدائه إلّا أن يحصل له مال كثير أو يموت و يؤدى من تركته، و أما ما ذكره (قدّس سرّه) من كون الدين حالًا و لكن من له الدين لا يطالبه أو يواعده بالإبراء فهذا لا ينافي تحقق الاستطاعة، فلا يمكن المساعدة عليه إذا كان صرف المال الموجود في الحج موجبا للحرج على تقدير المطالبة و عدم الإبراء، بل لا يصدق الاستطاعة في مثله الا مع فعلية الإبراء.

[ (مسألة 21) إذا شكّ في مقدار ماله و أنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أولًا هل يجب عليه الفحص أو لا؟]

(مسألة 21) إذا شكّ في مقدار ماله و أنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أولًا هل يجب عليه الفحص أو لا؟ وجهان أحوطهما ذلك (1)، و كذا إذا علم مقداره و شك في مقدار مصرف الحج و أنّه يكفيه أولا. نعم ان أحرز تمكنه من أدائه بعد رجوعه عن حجة على تقدير المطالبة كسائر نفقاته الاعاشية فقد تقدم ان الدين كذلك لا يمنع عن تحقق الاستطاعة. (1) لا بأس بتركه بلا فرق بين العلم بمقدار مصارف الحج و الجهل بان ماله يبلغ ذلك

المقدار أم لا و بين العلم بمقدار ماله و لكن لا يعلم المقدار اللازم لمصارف الحج و أنها بمقدار ماله أو زائداً عليه، و الشبهة في كلتا الصورتين موضوعية و يجرى الاستصحاب في ناحية عدم استطاعته في الصورة الأولى، و أصالة البراءة عن وجوبه في الثانية، و ما يقال من عدم المجال للأصل النافي في الشبهات التي يكون ترك الفحص فيها موجباً لمخالفة التكاليف الواقعية كالشك في بلوغ المال مقدار النصاب، و الشك في مقدار دينه للغير، لا يمكن المساعدة عليه لعدم الدليل على لزوم رفع اليد عن إطلاق أدلتها إلّا في موارد العلم الإجمالي، أو وجود أصل مثبت للتكليف حاكم على الأصول النافية. و المقام ليس من موارد العلم الإجمالي كما لا يكون فيه أصل مثبت للتكليف، و قد يقال بوجوب الفحص لرواية زيد الصائغ «1» الواردة في مورد الشك في القدر الواجب من الزكاة الواجبة في الدراهم المغشوشة، و لكنها مع ضعفها سنداً لعدم ثبوت التوثيق لزيد الصائغ، و كذا محمد بن عبد اللَّه بن هلال، أنّها واردة في الشك في المقدار الواجب من الزكاة مع العلم بوجوبها و الشك في مقدارها، فالتعدي إلى غير موردها من الشك في المقدار الواجب من غير الزكاة فضلًا إلى مورد الشك في أصل التكليف، بلا موجب مع احتمال الخصوصية.

[ (مسألة 22) لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود]

(مسألة 22) لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب لو كان باقياً يكفيه في رواج أمره بعد العود لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه فالظاهر وجوب الحج بهذا الذي بيده (1) استصحاباً لبقاء الغائب، فهو كما لو شك في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أولا، فلا يعد

من الأصل المثبت.

[ (مسألة 23) إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة]

(مسألة 23) إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف فيه (2) بما يخرجه عن الاستطاعة، و أمّا بعد التمكّن منه فلا يجوز و إن كان قبل خروج الرفقة، و لو تصرّف بما يخرجه عنها بقيت ذمته مشغولة به، (1) لا يخفى أنّ الاستصحاب في ناحية بقاء المال الغائب لا يثبت تمكنه من التصرف فيه، و عدم كون حجة بهذا المال حرجاً عليه. و قد يقال ان وجوب الحج و صرف المال الموجود مقتضى ما دل على الخروج على من كان عنده ما يحج به، فإن إطلاقه يعم ما إذا احتمل تلف ما عنده أو تلف ماله الآخر. و لذا لا يمكن الالتزام بعدم وجوب الخروج في حق من احتمل تلف زاده أو راحلته، و فيه ان ما دل على وجوب الخروج مدلوله حكم واقعي و ليس وارداً في مورد الشك في تلف ماله أو عدم تلفه، و التكليف الواقعي بالحج مقيد بعدم كون وجوبه عليه حرجياً و لو من جهة عدم النفقة له و لعياله بعد عودته من الحج. (2) إذا حصل له مال يكفى لمصارف حجّه، و كان في تلك السنة متمكناً من الخروج بأن كان صحيحاً مع خلوّ السرب فلا يجوز له ان يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة و لو تصرف فيه كذلك يحكم بصحته، و لو كان ذلك بغرض الفرار عن وجوب الحج. نعم صحة التصرف لا ينافي استقرار الحج عليه، كما استفيد ذلك من اخبار البذل للحج، و يكفى في الوجوب التمكن من الخروج و تخلية السرب في السنة التي يخرج فيها للحج. نعم إذا لم يكن السّرب

في تلك السنة مُخلىً أو الصحة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 85

و الظاهر صحّة التصرّف في مثل الهبة و العتق و إن كان فعل حراماً، لأنّ النهي متعلّق بأمر خارج، نعم لو كان قصده في ذلك التصرّف الفرار من الحج لا لغرض شرعي أمكن أن يقال بعدم الصحّة، و الظاهر أنّ المناط في عدم جواز التصرّف المخرج هو التمكّن في تلك السنّة، فلو لم يتمكّن فيها و لكن يتمكّن في السنّة الأخرى لم يمنع عن جواز التصرّف، فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة فليس حاله حال من يكون بلده بعيداً عن مكّة بمسافة سنتين.

[ (مسألة 24) إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة وحده أو منضماً إلى ماله الحاضر و تمكّن من التصرّف في ذلك المال الغائب

(مسألة 24) إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة وحده أو منضماً إلى ماله الحاضر و تمكّن من التصرّف في ذلك المال الغائب يكون مستطيعاً و يجب عليه الحج، و إن لم يكن متمكّناً من التصرّف فيه و لو بتوكيل من يبيعه هناك فلا يكون مستطيعاً إلّا بعد التمكّن منه أو الوصول في يده، و على هذا فلو تلف في الصورة الأُولى بقي وجوب الحج مستقراً عليه إن كان التمكّن في حال تحقّق سائر الشرائط، و لو تلف في الصورة الثانية لم يستقر، و كذا إذا مات مورثه و هو في بلد آخر و تمكّن من التصرّف في حصّته أو لم يتمكّن فإنّه على الأوّل يكون مستطيعاً بخلافه على الثاني. للبدن ففي عدم جواز التصرف تأمل، و لا يبعد جوازه إذا لم يكن في سنة حصوله صحة البدن أو تخلية السرب، حيث ان تعلق وجوب الحج يكون باجتماعهما في السنة. نعم وجوب الخروج في سنةٍ لا ينافي عدم التمكن من الإتيان

بالمناسك في تلك السنة لبعد المسافة بين بلده و مكة بأن يتوقف الحج في سنةٍ على الخروج اليه قبل تلك السنة.

[ (مسألة 25) إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة لكنّه كان جاهلًا به أو كان غافلًا عن وجوب الحج عليه

(مسألة 25) إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة لكنّه كان جاهلًا به أو كان غافلًا عن وجوب الحج عليه (1) ثمّ تذكر بعد أن تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه.

[ (مسألة 26) إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحج ندباً]

(مسألة 26) إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحج ندباً فإن قصد امتثال الأمر المتعلّق به فعلًا و تخيّل أنّه الأمر الندبي أجزأ عن حجّة الإسلام، لأنّه حينئذ من باب الاشتباه (1) بل الأظهر التفصيل في كل من صورتي الجهل و الغفلة، فإنه مع الغفلة إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده، و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة غاية الأمر أنّه معذور في ترك ما وجب عليه، و حينئذ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستئجار عنه إن كانت له تركة بمقداره، و كذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثمّ علم بعد ذلك أنّه بقدر الاستطاعة، فلا وجه لما ذكره المحقّق القمي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب لأنّه لجهله لم يصر مورداً، و بعد النقل و التذكر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقر عليه، لأنّ عدم التمكّن من جهة الجهل و الغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي، و القدرة التي هي شرط في التكاليف، القدرة من حيث هي و هي موجودة، و العلم شرط في التنجّز لا في أصل التكليف.

لا يمكن أن يتعلق به الوجوب و فعليته في حق الغافل عن استطاعته بالمرة، و كذا في الغافل عن الحكم لقصوره. نعم لو كانت غفلته من جهة تقصيره بترك التعلم يتم استقرار الحج بتلف المال، لا لكونه مكلفاً بالحج حال الغفلة، بل الاستقرار لتفويته الملاك الملزم بتركه التعلم من قبل، فان ما دل على وجوب تعلم الاحكام أسقط

عذرية الجهل و الغفلة عن الحكم إذا كانا ناشئين من ترك التعلم.

و مما ذكر يظهر الحال في صورة الجهل بالاستطاعة و كون ما عنده وافياً بمصارف الحج، فان الترخيص الظاهري في ترك الخروج بالاستصحاب في عدم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 87

في التطبيق، و إن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد (1) لم يجزئ عنها و إن كان حجّه صحيحاً، و كذا الحال إذا علم باستطاعته ثمّ غفل عن ذلك. و أمّا لو علم بذلك و تخيّل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبي فلا يجزئ لأنّه يرجع إلى التقييد. استطاعته أو حديث الرفع عن وجوبه، لازمه الترخيص في صرف المال الموجود في غيره و مع الترخيص كذلك لا يستقر عليه الحج، و كذا مع جهله بالحكم إذا كان جهلًا قصورياً، بخلاف ما إذا كان تقصيرياً، فإنه لا يمنع عن استقرار الحج عليه بصرفه المال في غيره. (1) ذكر (قدّس سرّه) أنه إذا كان قصده امتثال الأمر الفعلي غاية الأمر لتخيله أنه غير مستطيع، قصد امتثال الأمر الندبي، فيكون المأتي به في الفرض حجة الإسلام و يعنون المأتي به بها لقصده الإجمالي. و أما إذا كان قصده امتثال الأمر الندبي بنحو التقييد، بمعنى انه لو كان عالماً باستطاعته لم يحج حجة الإسلام لا يكون المأتي به حجة الإسلام، و لكن المأتي به استحباباً محكوم بالصحة، كما إذا علم باستطاعته و تخيل عدم فورية وجوب حجة الإسلام و أتى بالحج ندباً. و على الجملة موارد التقييد خارج عن الاشتباه في التطبيق.

أقول: إذا كان متعلق التكليف من العناوين القصدية يصح فيه القول بأنه إذا كان المكلف من قصده امتثال الأمر الفعلي، و لكن تخيل ان الأمر

الفعلي تعلق بغير ما قصده من العنوان، يكون القصد الإجمالي الارتكازي كافياً في تحقق ما تعلق به الأمر الفعلي. و كذلك إذا كان تعلق التكليف الوجوبي بفعل، و الأمر الاستحبابي بفعل آخر، يكون امتياز كل من الفعلين عن الآخر بالخصوصية الخارجية، و قصد المكلف أحدهما بخصوصه لاعتقاده فعلية خصوصيته الخارجية، فإنه إذا كان للتحقق خارجاً خصوصية الفعل الآخر و كان من قصده امتثال الأمر الفعلي يكون قصده الفعل الآخر

[ (مسألة 27) هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و الراحلة و غيرهما]

(مسألة 27) هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و الراحلة و غيرهما، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدّة معيّنة أو باعه محاباة كذلك؟ وجهان أقواهما العدم لأنّها في معرض الزوال إلّا إذا كان واثقاً (1) بأنّه لا يفسخ، و كذا لو وهبه و أقبضه إذا لم يكن رحماً فإنّه ما دامت العين موجودة له الرجوع، و يمكن أن يقال بالوجوب هنا حيث إنّ له التصرّف في الموهوب فتلزم الهبة. نظير الاشتباه في التطبيق، و الأمر في المقام كذلك. لان امتياز حجة الإسلام عن غيرها من الحج بوقوع الحج بعد تحقق الشرائط المعينة التي منها الاستطاعة المالية. و المفروض تحققها و المكلف و إن قصد امتثال غيره و لكنه لتخيله عدم تحققها، و إلّا كان قصده امتثال الأمر الفعلي. و ما ذكر (قدّس سرّه) من التقييد لا يصح، لأن القيد أمر خارجي لا يتبع القصد و لا بد من أن يكون المراد منه في المقام و نظائره عدم قصده امتثال الأمر على تقدير كونه مكلفاً بالفعل الآخر، فبطلان العمل حينئذ لعدم أمره بالفعل الآخر و لو مترتباً، فإن الخصوصية للفعل الآخر لا تجتمع مع خصوصية الفعل الذي تعلق به التكليف.

و

على الجملة في موارد التقييد لا يكون الفعل الآخر صحيحاً و لا مجزياً عن حجة الإسلام، نعم الحكم بالصحة و عدم الاجزاء في موارد إمكان اجتماع الخصوصيتين و فرض التقييد في الامتثال كما إذا كان مستطيعاً بالحج و حجّ عن غيره تطوعاً أو نيابة، و اللَّه سبحانه هو العالم. (1) ذكر (قدّس سرّه) أنه إذا كان المال المنتقل إليه الوافي بمصارف حجّه بصلح خياري أو لبيعه منه محاباة بشرط الخيار للناقل فهذا المال لا يكفي في الاستطاعة، إلا إذا كان واثقاً بأنه لا يفسخ الصلح أو البيع. و كأن نظره ان تحقق الاستطاعة على تقدير بقاء الصلح أو البيع لما يأتي من أن بقاء المال إلى تمام أعمال الحج شرط في وجوب

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 89

.......... الحج. و عليه فالمكلف غير واجد للمال إلى تمام اعماله على تقدير فسخه فلا يحرز استطاعته ليجب الخروج إلى الحج، نعم بما أن الوثوق بعدم الفسخ طريق إلى استطاعته يجب معه الخروج اليه، ثم ذكر أنه لو كان المال الوافي بمصارفه منتقلا اليه حتى بالهبة غير اللازمة فلا يبعد الالتزام بحصول الاستطاعة، حيث يمكن له التصرف في المال الموهوب و لو بتبديله بمال آخر، و معه لا يمكن للواهب الرجوع، و وجود مال يحج به في وجوب الحج أعمّ من الحج بنفس ذلك المال أو ببدله. و هذا لا يجري في موردي الصلح أو البيع محاباة بعوض، حيث ان الفسخ و لو مع عدم بقاء عين المال موجب للضمان و مع الضمان يخرج المكلف عن الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، و يمكن أن يقال ما ذكر (قدّس سرّه) في المقام من عدم وجوب الخروج

ينافي ما ذكره سابقاً في مسألة اثنتين و عشرين، من وجوب الخروج إلى الحج و لو مع احتماله تلف ماله الموجود، فإنه لا فرق بين احتمال تلفه و بين فسخ المُصالح أو البائع، حيث ان كلا منهما من تلف المال. و ما يقال في تلك المسألة من ان وجوب الخروج مقتضى الاستصحاب في ناحية المال و لا يكون من الأصل المثبت، جارٍ في المقام أيضاً، فإن الاستصحاب في بقاء المال في ملكه و عدم الفسخ في المقام أيضاً، يقتضي بقاء الاستطاعة، بل ذكرنا ان الاستصحاب يجري في بقاء التمكن من التصرف في المال إلى آخر تمام الاعمال و عدم عوده إلى ملك ناقله، غاية الأمر إذا اتفق الفسخ ينكشف عدم استطاعته مع بقاء عين المال مطلقاً، و مع صرفه و تلفه ايضاً، بناءً على ان الدين مطلقا يمنع عن الاستطاعة. و أما بناءً على التفصيل السابق يختلف الحال بحسب الموارد. و على الجملة مجرد الوثوق بعدم الفسخ مع اتفاق الفسخ لا يوجب الاستطاعة، بل اتفاقه يكشف عن عدم الاستطاعة على ما مرّ،

[ (مسألة 28) يشترط في وجوب الحج بعد حصول الزاد و الراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال

(مسألة 28) يشترط في وجوب الحج بعد حصول الزاد و الراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال، فلو تلف بعد ذلك و لو في أثناء الطريق كشف عن عدم الاستطاعة، و كذا لو حصل عليه دين قهراً عليه كما إذا أتلف مال غيره خطأ، و أمّا لو أتلفه عمداً فالظاهر كونه كإتلاف الزاد و الراحلة عمداً (1) في عدم زوال استقرار الحج.

[ (مسألة 29) إذا تلف بعد تمام الأعمال مئونة عودته إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه

(مسألة 29) إذا تلف بعد تمام الأعمال مئونة عودته إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناءً على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة فهل يكفيه عن حجّة الإسلام أو لا؟ وجهان، لا يبعد الإجزاء (2) و يقربه ما ورد من أنّ من مات و وجوب الخروج ظاهراً إلى الحج، مع عدم العلم باتفاق الفسخ لا يتوقف على خصوص الوثوق، و اللَّه سبحانه هو العالم. (1) و ذلك فان وجوب الحج في سنة على من له مال و صحة و تخلية للسرب فيها من الواجب التعليقي بالإضافة إلى الاعمال في أيام الحج، فيجب على الواجد للشرائط المذكورة في سنةٍ يتوقف عليها الحج من الخروج و تهيئة سائر مقدمات الخروج، و إذا كان خروجه موقوفاً على حفظ المال يجب حفظه و لو ترك الخروج لإتلافه ذلك المال عمداً استقر عليه الحج، بخلاف ما كان إتلافه خطاءً أو لجهله باستطاعته فإنه يخرج بذلك عن موضوع وجوب الحج على ما بينا سابقاً. و يستفاد ايضاً كون ترك الخروج فيها لإتلاف المال عمداً موجباً لاستقراره ما ورد في الامتناع عن الخروج مع بذل الزاد و الراحلة و لو بنحو الإباحة في التصرف فيهما للحج، فإنه لا فرق في ترك الخروج لإتلاف هذا البذل و

لو بالاعراض عن البذل أو إتلاف المال الموجب لترك الخروج. و مما ذكرنا سابقاً يظهر في حصول دين قهري في الأثناء فإنّه لا يوجب فقد الاستطاعة مطلقا على ما ذكرناه في مانعية الدين عن الاستطاعة. (2) الإجزاء مبني على أحد أمرين أحدهما، أن يكون اعتبار مؤنة العود من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 91

بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحج أيضاً.

[ (مسألة 30) الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة]

(مسألة 30) الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة، فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب لصدق الاستطاعة (1)، و يؤيده الأخبار الواردة في البذل، فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرّف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلًا وجب عليه الحج و يكون كما لو كان مالكاً له. سفره لنفي الحرج، و نفي الحرج غير جارٍ في موارد كون رفع التكليف خلاف الامتنان. و ثانيهما، أن مؤنة الرجوع و إن كان مقوماً للاستطاعة ممن إعاشته في بلده إلّا أنّ المقوم وجوده من الأوّل، و أما إذا تلفت مؤنته بعد أعمال الحج أو في أثناء الحج فهذا التلف لا ينافي صدق الاستطاعة، بل إذا فقد ماله في أثناء الحج و كان إتمامه موقوفاً على صرف المال بحيث يكون إتمامه حرجياً عليه لاحتياجه إلى الاستدانة المضرة لا عاشته فلا يجب عليه التمام فضلًا عن كونه حجة الإسلام، و أما ذكره (قدّس سرّه) و يقربه ما ورد من أن من مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام لا يمكن المساعدة عليه، فان الاجزاء في ذلك لا يرتبط بالمقام. (1) قد

يقال بعدم الكفاية لما ورد في بعض الروايات من ان يكون له زاد و راحلة، أو ما يحج به، و ظاهر اللام الملكية فلا تنفع الإباحة و لو كانت لازمة، و ما ورد في بعضها الآخر من قوله (عليه السّلام) إذا قدر الرجل على ما يحج به أو إذا يجد ما يحج به، و أنّه يعم صورة الإباحة، الّا انه لا بد من رفع اليد عن الإطلاق و حمل القدرة و الوجدان على كونه بنحو الملك حملًا للمطلق على المقيد. و لكن لا يخفى ما فيه فان الحكم إذا كان انحلالياً ذكر في أحد الخطابين المطلق موضوعاً، و في الخطاب الآخر المقيد موضوعاً، لا يحمل المطلق على المقيد، بل يلتزم بأن الحكم يثبت مع

[ (مسألة 31) لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي

(مسألة 31) لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي خصوصاً إذا لم يعتبر القبول (1) في ملكية الموصى له و قلنا بملكيته ما لم يرد فإنّه ليس له الرد حينئذ. المقيد و المطلق كما إذا ورد الأمر بتجهيز المؤمن، و في خطاب آخر الأمر بتجهيز المسلم، و إنما يحمل المطلق على المقيد في موارد وحدة التكليف و الحكم و ذكر المتعلق له في أحدهما مطلقاً و في الآخر مقيداً أو كان في ناحية خطاب المقيد قيداً يستفاد منه المفهوم و شي ء من ذلك غير وارد في المقام، و دعوى انه كما لا تكفي الإباحة الشرعية في وجوب الحج كجواز التصرف في الأنفال و المباحات الأصلية كذلك لا تكفي الإباحة المالكية لا يمكن المساعدة عليها، فان تلك المباحات ما لم تدخل في حيازة الشخص و كذا الأنفال لا يصدق عليها المستطيع بالمعنى المتقدم، بخلاف الإباحة المالكية

لو كانت لازمة كمثال المتن فإنه يصدق عنده مال زائداً علي اعاشته الاعتيادية. نعم صدقه مع الإباحة غير اللازمة التي زمامها بيد مالك المال غير ظاهر خصوصاً إذا لم يكن المال بيد المباح له، نعم يلزم بالكفاية إذا أذن له في التصرف للحج خاصة فإن الإباحة كذلك داخلةٌ في أخبار البذل كما يأتي. (1) لا يجب عليه الحج ما لم يقبل الوصية بناءً على اعتبار القبول فيها لانه لا يصدق عنده الاستطاعة على ما يحج به إلا بعد القبول، فإن القدرة على المال ظاهره كون الإنسان واجداً له فعلًا بتملكه أو جواز التصرف فيه، لا مجرد تمكنه من تملكه فإنه تحصيل للاستطاعة بقبول الوصية فلا يجب، و بتعبير آخر القدرة على الحج غير القدرة على ما يحج به فعلًا، و الصادق في الفرض هو الأول، و لكنه غير مأخوذ في موضوع وجوب الحج، بل المأخوذ هو الثاني و لا يتحقق إلا بعد قبول الوصية بناءً على اعتباره.

[ (مسألة 32) إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين (عليه السّلام) في كل عرفة ثمّ حصلت له

(مسألة 32) إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين (عليه السّلام) في كل عرفة ثمّ حصلت له لم يجب عليه الحج (1)، بل و كذا لو نذر إن جاء مسافرة أن يعطي الفقير كذا مقداراً فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه، بل و كذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلًا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك، فإن هذا كلّه مانع عن تعلّق وجوب الحج به، و كذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة و لم يمكن الجمع بينه و بين الحج، ثمّ حصلت الاستطاعة و إن لم يكن ذلك الواجب أهمّ من الحج، لأنّ العذر

الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب، و أمّا لو حصلت الاستطاعة أولًا ثمّ حصل واجب فوري آخر لا يمكن الجمع بينه و بين الحج يكون من باب المزاحمة فيقدم الأهمّ منهما، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم على الحج، و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج فيه، و إلّا فلا إلّا أن يكون الحج قد استقرّ عليه سابقاً فإنّه يجب عليه و لو متسكعاً. (1) و قد يقال في وجه تقديم الوفاء بالنذر أن المأخوذ في موضوع وجوب الحج القدرة الشرعية بالإتيان به، و مع النذر قبل حصول الاستطاعة و فعلية وجوب الوفاء به فلا يتمكن المكلف من الحج في تلك السنة، و لذا لم يجب عليه الحج. و لو خالف المكلف وجوب الوفاء بالنذر أيضاً، لم يجب عليه الحج. كما هو مقتضى كل مورد يكون فيه ثبوت أحد التكليفين موجباً لارتفاع الموضوع للتكليف الآخر بخلاف موارد ثبوت التكليفين بالتضادين على نحو الترتب، فان الترتب يثبت ما إذا كان صرف التمكن في أحد التكليفين موجباً لارتفاع موضوع التكليف الآخر، كما هو المقرر في محله، و لكن أخذ القدرة الشرعية في موضوع وجوب الحج بحيث يكون ثبوت التكليف الآخر رافعاً لموضوع وجوبه غير صحيح، لأن المأخوذ في الاستطاعة المأخوذة في وجوبه ان يكون للمكلف مال يتمكن من صرفه في الحج مع صحته

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 94

.......... و تخلية سربه، و هذا الموضوع لا ينتفى بثبوت التكليف بفعل آخر لا يتمكن المكلف من الجمع بينهما، و لذا تخير غير واحد من الأعيان أن وجوب الحج مع وجوب الوفاء بالنذر من المتزاحمين فيقدم الحج عليه لكونه أهم، كيف و هو

فرض اللَّه سبحانه و أحد الخمسة التي بني الإسلام عليها و مع الأهمية لا ينظر إلى الترجيح بسبق فعلية وجوب الوفاء بالنذر، و على ذلك فلو ترك الحج عصياناً أو جهلًا يجب عليه الوفاء بالنذر، كما هو مقتضى الأمر بالمهم على نحو الترتب. و قد يقال بأنه إذا حصلت الاستطاعة للحج ينحل النذر السابق و انه كما لا أثر للنذر بعد الاستطاعة كذلك لا أثر للنذر السابق عليه. و ذلك لما يستظهر من بعض الروايات أن المكلف إذا نذر عملًا و رأى بعده ما هو خير منه لا يكون اختيار الخير حنثاً، كما ورد ذلك في اليمين أيضاً و في موثقة زرارة الواردة في النذر قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أي شي ء لا نذر فيه، قال كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه» «1» و لكن لا يخفى أن غاية ما يستفاد منها أن مع اختيار ما فيه نفع أُخروي أو دنيوي لا يكون حنثاً، و أما إذا ترك المنذور و الخير فلا حنث أيضاً فلا دلالة لها على ذلك، و على الجملة الموثقة لا تنافي التزاحم بين التكليف بالحج و وجوب الوفاء بالنذر، أضف إلى ذلك أن ظهور الروايات المشار إليها هو عدم الحنث إذا كان خلاف المحلوف عليه أو المنذور خيراً، و أما إذا كان الفعل الراجح ملازماً للمرجوح اتفاقاً للمضادة بين الفعلين كما في المقام فلا دلالة لها على حكم ذلك، بل يكون التكليف بكل من الفعلين ما يلازم كل منهما ترك الآخر من المتزاحمين.

[ (مسألة 33) النذر المعلق على أمر قسمان

(مسألة 33) النذر المعلق على أمر قسمان: تارة يكون التعليق على وجه الشرطية كما إذا قال: «إن جاء

مسافري فللَّه عليَّ أن أزور الحسين (عليه السّلام) في يوم عرفة»، و تارة يكون على نحو الواجب المعلّق كأن يقول: «للَّه عليَّ أن أزور الحسين (عليه السّلام) في يوم عرفة عند مجي ء مسافري»، فعلى الأوّل يجب الحج إذا حصلت الاستطاعة (1) قبل مجي ء لكن الصحيح لا يكون مورد نذر الفعل المضاد للحج و لو قبل الاستطاعة مع وجوب الحج من موارد التزاحم، حيث إن موارد التزاحم بين التكليفين يكشف العقل بقرينة امتناع تكليف العاجز، أن التكليف بكل من الفعلين في مقام الجعل مقيد بعدم صرف قدرته في الفعل الآخر إذا لم يكن لأحدهما مرجح، أو أن التكليف بأحدهما المعين في صورة عدم صرف القدرة في الآخر بخصوصه، كما إذا كان للآخر مرجح حتى لا يلزم من التكليف بهما في زمان طلب الجمع بين الضدين، و حيث إن جاعل الفعل على ذمته في فرض النذر، هو الناذر و دليل الوفاء بالنذر تكليف بالعمل على ما جعله على ذمته للَّه، و الجاعل جعل الفعل المضاد للحج على عهدته مطلقاً بحيث يصرف قدرته فيه حتى مع تحقق الموضوع لوجوب الحج، فإن أوجب الشارع الوفاء بهذا النذر مع إيجابه الحج لاستطاعته يكون هذا من طلب الجمع بينهما، و إن أوجب الوفاء بالنذر على تقدير ترك الحج فهذا لم يتعلق به النذر، نعم لو كان من قصده الإتيان بزيارة الحسين (عليه السّلام) يوم عرفه إذا ترك الحج كان النذر المزبور صحيحاً و يجب الوفاء به، و لكن هذا غير الفرض و الكلام في مانعية النذر عن وجوب الحج كما لا يخفى.

و على الجملة لا أثر للنذر المفروض في المقام في شي ء من الصور التي ذكرها الماتن (قدّس سرّه)، و اللَّه

العالم. (1) ما ذكر (قدّس سرّه) لا يناسب مسلك التزاحم فإنه عليه يقدم الأهم و لو كان فعلية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 96

مسافرة، و على الثاني لا يجب فيكون حكمه حكم النذر المنجز في أنّه لو حصلت الاستطاعة و كان العمل بالنذر منافياً لها لم يجب، سواء حصل المعلق عليه قبلها أو بعدها، و كذا لو حصلا معاً لا يجب من دون فرق بين الصورتين، و السرّ في ذلك أنّ وجوب الحج مشروط و النذر مطلق فوجوبه يمنع من تحقّق الاستطاعة.

[ (مسألة 34) إذا لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له: «حجّ و عليّ نفقتك و نفقة عيالك»]

(مسألة 34) إذا لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له: «حجّ و عليّ نفقتك و نفقة عيالك» وجب عليه، و كذا لو قال: «حجّ بهذا المال» و كان كافياً له ذهاباً و إياباً و لعياله، المهم قبل فعلية الأهم، و قد تقدم أن حجة الإسلام من الخمس التي بني عليها الإسلام فيقدم على المنذور، بل يتبنى على القول بان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج استطاعة شرعية حتى بان لا يكون الإنسان مكلفاً بالفعل المضاد له عند حصول المال الوافي لمصارف الحج مع صحته و تخلية السرب، و على ذلك فان كان النذر بزيارة الحسين (عليه السّلام) ليوم عرفة سابقاً من غير تعليق فهو يمنع عن تحقق الاستطاعة التي هي موضوع لوجوب الحج، و كذا يمنع عن وجوبه إذا كان المعلق عليه قيداً للمنذور لا للنذر، بان نذر أن يزور الحسين (عليه السّلام) يوم عرفة بالزيارة التي تكون مع مجي ء ولده، فإنه في هذا الفرض لا يجب عليه الحج و لو كان حصول المال له قبل مجي ء ولده، لأن وجوب النذر فعلي في الفرض من حين إنشاء النذر أما

بنحو الواجب المعلق أو بنحو الواجب المشروط بالشرط المتأخر، و هذا بخلاف ما كان مجي ء ولده قيداً لفعلية النذر بنحو الشرط المقارن، فإنه يكون حصول المال الوافي مع صحته و تخلية سربه قبل مجيئه موجباً لفعلية وجوب الحج.

أقول: قد ذكرنا في التعليقة السابقة ان الاستطاعة المأخوذة في وجوب الحج نفس حصول ما يحج به مع الصحة، و تخلية السرب، و أن النذر المتعلق بما يضاده لا يمكن أن يدخل في وجوب الوفاء بالنذر.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 97

فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها (1) من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملكها إيّاه، و لا بين أن يبذل عينها أو ثمنها، و لا بين أن يكون البذل واجباً عليه بنذر أو يمين أو نحوهما أولا، و لا بين كون الباذل موثوقاً به أولا على الأقوى، و القول (1) لا ينبغي التأمل في وجوب الحج على المبذول له و أنه لو امتنع عن الحج بالمبذول يكون ذلك موجباً لاستقرار الحج عليه، و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) «فمن عرض عليه الحج فاستحى قال: هو ممن يستطيع» «1» و ما يقال من ان الأخذ بظاهر أخبار عرض الحج مشكل فان ظواهرها وجوب الحج على المعروض عليه حتى في صورة كون الحج بالبذل حرجياً «و قد ورد في صحيحة أبي بصير سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع متطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج» «2» و في صحيحة محمد بن مسلم «فان عرض عليه الحج فاستحى؟ قال: هو ممن يستطيع الحج، و لم يستحي؟ و لو على حمار أجدع

أبتر، قال: فان كان يستطيع أن يمشي بعضاً و يركب بعضاً فليفعل» «1».

و لكن قد ذكرنا سابقاً أنه لو فرض عدم إمكان الالتزام بوجوب الحج على المبذول له و كان حجه بالبذل حرجياً أن تحمل صحيحة أبي بصير على من لا يكون حجة على الحمار الأجدع حرجياً عليه، كما يحمل ما ورد في ذيل مثل صحيحة محمد بن مسلم على ما بعد الامتناع عن الحج المقارن الموجب لاستقراره و يجب معه الخروج و لو كان فاقداً للاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، حيث إن الاستطاعة المتقدمة موضوع لوجوب الحج حدوثاً لا لوجوبه بقاءً بعد تركه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 98

بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف (1)، كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين، من التمليك أو الوجوب، و كذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقاً به، كل ذلك لصدق الاستطاعة و إطلاق الأخبار المستفيضة، و لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضاً، و لو بذل له نفقة الذهاب فقط و لم يكن عنده نفقة العود لم يجب، و كذا لو لم يبذل نفقة عياله إلّا إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود أو كان لا يتمكّن من نفقتهم مع ترك الحج أيضاً. مستطيعاً، و ظاهر الماتن (قدّس سرّه) أن الاستطاعة التي ذكرت موضوعاً لوجوب الحج تعم بذل النفقة بلا فرق بين كون البذل بنحو الإباحة أو بنحو التمليك، و لعل مراده تعميمها باخبار البذل، و إلّا فلا تصدق الاستطاعة بالمعنى المتقدم مع عدم القبول إذا كان البذل بنحو التمليك، حيث إن ظاهرها حصول المال الوافي للحج فعلًا لا الأعم منه و من التمكن من تحصيله، فان قبول البذل

إذا كان بنحو التمليك من تحصيل الاستطاعة، نعم ما ورد في بذل الحج يعم ما كان بنحو الإباحة و التمليك، و على الجملة تطبيق الاستطاعة على تمليك المال للصرف في الحج و لو مع عدم قبوله، تعبدٌ في التطبيق لو لم يكن التعبد حتى في صورة البذل بنحو الإباحة على ما يأتي. و المتحصل الفرق بين تمليك المال الوافي لمصارف الحج و بين تمليك مال ليصرفه في الحج من عدم وجوب القبول في الأول، و وجوبه في الثاني، للروايات المشار إليها فيكون القبول في الأول من شرط الوجوب، و في الثاني مقدمة للواجب. و أيضاً لا فرق في شمول الاخبار بين ان يكون المبذول عين الزاد و الراحلة أو ثمنهما. (1) لم يظهر وجه لدعوى الاختصاص بصورة التمليك مع أن الوارد في صحيحة معاوية بن عمار «فان كان دعاه قوم أن يحجّوه فاستحيى، فلم يفعل، فإنه لا يسعه» و ظاهره البذل بنحو الإباحة، و دعوى ان مع التمليك و احتمال رجوع الباذل

[ (مسألة 35) لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية]

(مسألة 35) لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية، نعم لو كان حالًا و كان الديان مطالباً مع فرض تمكّنه من أدائه لو لم يحج و لو تدريجاً ففي كونه مانعاً أو لا وجهان (1).

[ (مسألة 36) لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية]

(مسألة 36) لا يشترط الرجوع إلى كفاية (2) في الاستطاعة البذلية. يستصحب بقاء الملك فيحرز الوجوب كما ترى، فان الاستصحاب يجري في ناحية البذل بنحو الإباحة أيضاً، لأن الإباحة المالكية معناها الاذن في الانتفاع بالزاد و الراحلة و يحرز بقائها بالاستصحاب. و مما ذكر يظهر أنه لا وجه لاعتبار الوثوق أو وجوب البذل على الباذل بالنذر و نحوه حتى يحرز بظاهر حال المسلم أنه يعمل بوظيفته و لا يرجع في بذله.

و على الجملة إطلاق الاخبار المشار إليها بل ظهور بعضها في خصوص البذل بنحو الإباحة هو المتبع، نعم مع احتمال الرجوع في البذل لا تفيد تلك الأخبار فإنها غير متضمنة للحكم الظاهري فيمكن إحراز بقاء البذل بالاستصحاب كما ذكرنا، و هذا أيضاً يجري في صورة احتمال المكلف تلف زاده أو راحلته بحيث يكشف عن عدم استطاعته للحج كما تعرضنا لذلك آنفاً. (1) وجوب الحج في الفرض مع وجوب أداء الدين من المتزاحمين فإنه لم يُؤخذ في موضوع وجوب الحج بالبذل إلّا بذل الزاد و الراحلة، كما أنّه يجب أداء الدين مع التمكن و مطالبة الدائن، و حيث إن المكلف غير متمكن في الفرض من الجمع بينهما فعليه اختيار أداء الدين لكونه حق الناس، و لو لم تكن أهميته محرزة أقل من احتمالها. (2) لما تقدم من أن الموضوع لوجوب الحج بالبذل، بذل الزاد و الراحلة

[ (مسألة 37) إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى

(مسألة 37) إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى، بل و كذا لو وهبه و خيره بين أن يحج به أولا (1)، و أمّا لو وهبه و لم يذكر الحج لا تعييناً و لا تخييراً فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور. و تطبيق الاستطاعة

على البذل كما ذكرنا سابقاً تعبدي، فيكون وجوبه معه حتى وجوب الإنفاق على عياله من المتزاحمين، فيقدم وجوب الإنفاق للجزم بكونه أهم، بل يمكن أن يقال بعدم وجوب الحج عليه بالبذل المفروض لكونه حرجياً، و لذا يعتبر في وجوب الحج مع عدم النفقة لعياله بذل نفقتهم أيضاً، نعم لو لم يكن متمكناً على الإنفاق عليهم حتى مع تركه الحج يجب عليه الحج و لو مع عدم بذل نفقتهم. كما تقدم في كلام الماتن في مسألة الأربع و الثلاثين، و مما ذكرنا يظهر أنه لو كان الحج بالبذل موجباً لان لا تكون له نفقة بعد رجوعه كما إذا اتفق الخروج إليه في موسم يتوقف نفقته بعد رجوعه على الزراعة مثلًا، بحيث لو استجاب بالبذل يقع في عسر و حرج في اعاشته ففي مثل ذلك يعتبر في وجوب الحج عليه فعلًا بذل اعاشته بعد رجوعه بمقدار يفوت النفقة بالحج. (1) لا ينبغي التأمّل في صدق عرض الحج له إذا ملكه المال لأن يحج به فإنّه يجب في الفرض قبول الهبة لدلالة الأخبار المشار إليها في وجوب الحج عليه، و ذكر الماتن أنه كذلك إذا ملكه المال و خيره بين ان يحج به أم لا، و كأن لتخييره بين ان يحج به أم لا، يصدق أنه عرض عليه الحج و لو كان عرضه بنحو التخيير، و لكن لا يبعد أن يقال ظاهر الأخبار المشار إليها عرض الحج لا تمليك المال و تخييره بين الحج أو أي تصرف و لو كان إبقائه كما هو شأن المالك في ماله، و بتعبير آخر ظاهر تلك الاخبار عرض الحج لا الجامع بينه و بين غيره كما هو المفروض في المقام، و عليه

فلا يجب الحج عليه حتى يجب قبول الهبة و لو كان الموهوب متمماً

[ (مسألة 38) لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه

(مسألة 38) لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه، لصدق الاستطاعة (1) بل إطلاق الأخبار، و كذا لو أوصى له بما يكفيه للحج بشرط أن يحج فإنّه يجب عليه بعد موت الموصي.

[ (مسألة 39) لو أعطاه ما يكفيه للحج خمساً أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحّة]

(مسألة 39) لو أعطاه ما يكفيه للحج خمساً أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحّة (2) و وجوب الحج عليه إذا كان فقيراً أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللَّه. لاستطاعته المعتبرة في وجوب الحج فان قبولها من تحصيل الاستطاعة، كما هو الحال فيما إذا وهبه و لم يذكر الحج لا تعييناً و لا تخييراً و يؤيد ما ذكرنا، صحيحة حماد بن عثمان المروية في باب 24 من أبواب النيابة و التأييد لعدم فرض الصرورة فيها. (1) قد تقدم ان الاستطاعة المأخوذة موضوعاً لوجوب الحج هي حصول مال عنده كاف لمصارف الحج زائداً على نفقته الاعتيادية، و هذه غير حاصله في موارد التمليك بناءً على حصول الملك بالقبول، نعم ما ذكر داخل في عنوان عرض الحج له، و الاستطاعة فيه تعبدية. (2) لم يثبت وجه للصحة حيث إنّ من عليه الحق و إن يكون له ولاية إعطاء زكاة الفقير، و سهم السادة من الخمس لمستحقه، و الإعطاء و تمليك الولاية به لا يلازم ان يكون له الاشتراط على المعطى على حدّ الشرط في المعاملات على أحد المتعاملين، و أما إرجاع الاشتراط في المقام إلى تعليق التمليك على حصول الشرط بنحو الشرط المتأخر فهو أيضاً غير مفيد، لأن الولاية على التمليك المعلق غير ثابتة أيضاً على من عليه الحق. و دعوى ان ما ذكر فيما كان الإعطاء بنحو التمليك،

و أما إذا كان من قبيل الصرف في سبيل اللَّه فلا بأس بالاشتراط، فلا يمكن المساعدة عليها لما تقدم في مسائل مستحقي الزكاة ان مثل هذا لا يكون من قبيل صرف الزكاة

[ (مسألة 40) الحج البذلي مجزئ عن حجّة الإسلام

(مسألة 40) الحج البذلي مجزئ عن حجّة الإسلام، فلا يجب عليه إذا استطاع مالًا بعد ذلك على الأقوى (1). في سبيل اللَّه، بل ينحصر صرفها فيه إلى ما يرجع إلى المصالح العامة. (1) قد تقدم أنّه قد ورد في الروايات ان المبذول له مستطيع إلى الحج يعني الاستطاعة الواردة في ظاهر الآية المباركة، و ورد في صحيحة هشام بن سالم «أن الحج الواجب مرة واحدة» «1» بل كون الحج الواجب على المستطيع مرة واحدة من ضروريات الفقه فيكون الحج من المبذول له حجة الإسلام، أضف إلى ذلك ما في صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل لم يكن له مال فيحج به رجل من إخوانه يجزيه ذلك عنه عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة» «2» و لكن ذكر في الاستبصار بما حاصله أن المراد بالإجزاء، الإجزاء ما لم يستطع، فان استطاع يجب عليه الحج، نظير ما ورد في بعض الروايات الواردة في النائب عن غيره في الحج أنه يجزيه عن النائب أيضاً ما دام لم يستطع، و إذا استطاع يجب عليه، و في صحيحة الفضل بن عبد الملك أو موثقته عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أ قضى حجة الإسلام؟ قال: نعم، فإن أيسر بعد ذلك فعليه ان يحج، قلت: هل تكون حجة تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من

ماله؟ قال: نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة و ليست بناقصة فإن أيسر فليحج» «1» و لكن في التهذيب عكس الأمر، و حمل ما ورد في هذه الصحيحة أو

[ (مسألة 41) يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام

(مسألة 41) يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام، و في جواز رجوعه عنه بعده وجهان (1)، و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع قبل الإقباض و عدمه بعده، إذا كانت لذي رحم أو بعد تصرّف الموهوب له.

[ (مسألة 42) إذا رجع الباذل في أثناء الطريق

(مسألة 42) إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أولا وجهان. الموثقة على استحباب الإعادة.

أقول: لا يمكن الالتزام بما ذكر في الاستبصار، فإنه لو لم يكن عرض الحج موجباً لكون حج المبذول له حجة الإسلام، لم يجب الخروج عليه عند البذل مع أن الوارد في صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار «فان كان دعاه قوم ان يحجّوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا الخروج» «1» على ما مر من الامتناع عن الخروج يوجب استقرار الحج عليه، و على ذلك تحمل الصحيحة أو الموثقة على استحباب الإعادة أو على ما كان حجه مع أناس ذهبوا إلى الحج بالنيابة عن الغير. (1) ربما يقال بجواز الرجوع سواءً كان البذل بنحو الإباحة في التصرف أو بنحو التمليك، فإن الإباحة المالكية إذنٌ في التصرف في المال، و الملكية في الهبة متزلزلةٌ مع عدم كون المبذول له من ذي رحم، و عدم تصرف المبذول له في المال تصرفاً يمنع عن الرد. غاية الأمر يجب على المبذول له مع استطاعته عند الرجوع إتمام العمل و تكون مصارف إتمامه على الباذل الراجع، و لكن لا يخفى أنه لا موجب للضمان. فإن قاعدة الغرر لا تجري في المقام لإقدام المبذول له على الدخول في

[ (مسألة 43) إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية]

(مسألة 43) إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية (1)، فلو ترك الجميع استقرّ عليهم الحج فيجب على الكل لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل، نظير ما إذا وجد المتيمّمون ماءً يكفي لواحد منهم فإن تيمّم الجميع يبطل. العمل مع علمه بان للباذل الرجوع عن بذله، و جواز الهبة له نظير ما إذا أذن لجاره وضع خشبة بنائه على جداره ثم طلب منه

رفعها، فان الضرر على الجار برفعها أمر قد أقدم عليه الجار، و لهذا يفرق بين المصالحة على وضعها و بين مجرد الاذن و الرضا في وضعها. فإنه لا اثر للرجوع في الأول للزوم الصلح بخلاف مجرد الرضا، و مما ذكرنا يظهر أنه إذا رجع الباذل في أثناء الطريق فلا موجب لكون نفقة العود عليه كما أنه لو رجع عن البذل بعد الشروع في الأعمال، فان لم يكن المبذول له مستطيعاً مع قطع النظر عن البذل أو صار مستطيعاً بعد رجوعه عن بذله و لم يمكن ادراك الحج بإعادة الإحرام على ما تقدم بيانه لا يجب عليه الإتمام، لانكشاف عدم كونه مكلفاً بحجة الإسلام. و المفروض أنه أحرم له، نعم إذا كان مستطيعاً أو أمكن تدارك الإحرام بعد استطاعته يجب عليه حجة الإسلام و لم يكن في البين موجب لضمان الباذل، و دعوى أن أمر الغير بفعل يوجب الضمان، لا يخفى ما فيه فان ذلك فيما إذا أتى الفعل للغير بحيث يكون له أجرة أو يتوقف على صرف المال مما لا ينفذ رجوعه عن اذنه كما تقدم. (1) لا يخفى أن الموضوع لبطلان التيمم تمكن الشخص من الوضوء أو الاغتسال و لو بالسبق إلى الماء، و حيث إن كلا من المكلفين متمكن من السبق إليه يبطل تيممهم. و هذا بخلاف المقام فان مدلول الروايات المتقدمة وجوب الحج على المبذول له و كل من الاثنين أو الثلاثة لم يبذل له الحج، بل المبذول هو السابق منهم بالأخذ بالبذل. و لم يقم في المقام دليل على وجوب السبق إلى الأخذ، و لذا لو لم يسبق أحد منهم إلى الأخذ لم يجب الحج على أحدهم فضلًا عن استقراره على

كل منهم. و على الجملة السبق إلى أخذ البذل يدخل السابق في موضوع وجوب الحج بالبذل و إدخال المكلف نفسه في موضوع التكليف غير لازم، و البذل على الجامع و إن كان أمراً معقولًا إلا أنه غير مشمول للروايات المتقدمة.

[ (مسألة 44) الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل

(مسألة 44) الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل (1)، و أمّا الكفارات فإن أتى بموجبها (1) المراد الباذل إذا لم يرجع في بذله له يكون عليه ثمن الهدي، و قد يقال في وجهه بعدم وجوب الحج على من ليس عنده نفقة الهدي من الأول، نعم إذا كان واجداً له ثم فُقد أو صُرف يكون عليه الصيام، و إذا كان الأمر في وجوب الحج بالبذل معلقاً ببذل نفقة الحج يكون وجوبه على المبذول له ببذل الهدى أيضاً، و يكون ثمن الهدى على الباذل حتى لو ذبح الهدي المبذول له من ماله فضمانه على الباذل. و على الجملة ظاهر نفقة الحج نفقة تمام اعماله التي منها الهدي، و لو بذل تمام نفقاته من الأول بلا نفقة الهدي، بأن قال: لا أعطى ثمن الهدي، و لم يكن المكلف مستطيعاً إلى الحج الاختياري بضميمة البذل، لم يجب عليه الحج حتى فيما إذا لم يكن في صوم ثلثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع حرج عليه، و لكن لا يخفى ان وجوب الحج بالبذل أو بمن عنده الزاد و الراحلة أو ما يحج به و إن يقتضي وجدان ثمن الهدي أو بذله، الا ان هذا بالإطلاق فيرفع اليد عنه بالإضافة إلى ثمن الهدي لما دلت عليه الآية و الروايات «على أن من لم يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع» خصوصاً الآية المباركة مدلولها يختص

بالحج الواجب، بقرينة قوله سبحانه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فإن إطلاقها كإطلاق الروايات يعم من لم يكن واجداً للهدي من الأول. و على الجملة لو لم يكن بذل ثمن الهدي واجباً على الباذل بنذره أو نحوه يجب على المبذول له، إذا كان عنده ثمنه، و إلّا يصوم و إذا لم يكن عنده ثمنه و كان الصوم حرجياً لم يجب الحج بالبذل، بلا بذل نفقة الهدي و اللَّه العالم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 106

عمداً اختياراً فعليه، و إن أتى بها اضطراراً أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان (1).

[ (مسألة 45) إنّما يجب بالبذل الحج الّذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة]

(مسألة 45) إنّما يجب بالبذل الحج الّذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة فلو بذل للآفاقي بحج القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه (2)، و كذا لو بذل للمكي لحج التمتّع لا يجب عليه، و لو بذل لمن حجّ حجّة الإسلام لم يجب عليه ثانياً، و لو بذل لمن استقرّ عليه حجّة الإسلام و صار معسراً وجب عليه، و لو كان عليه حجّة النذر أو نحوه و لم يتمكّن فبذل له باذل وجب عليه و إن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج، لشمول الأخبار من حيث التعليل فيها بأنّه بالبذل صار مستطيعاً، و لصدق الاستطاعة عرفا. (1) الظاهر عدم الموجب لكونها على الباذل، فان ثبوت الكفارة مع الارتكاب جهلًا أو نسياناً أو مع الاضطرار و إن تثبت في بعض الموارد إلا أنها خارجة عن الحج. و التكاليف المستقلة تسقط عند عدم التمكن منها و ليست من ضمان نفقة الحج بوجه، و بتعبير آخر لم

يصدر موجب للكفارة بطلب الباذل و اذنه سواء كان صدوره عن عمد أو خطاء ليدعى على ما تقدم، من ان الأمر و الطلب يوجبان الضمان و لم يقع غرور من الباذل ليقال أنه مقتضى القاعدة. (2) و ذلك لظهور اخبار عرض الحج في كون الواجب على المكلف على تقدير استطاعته يجب بعرضه له مع عدم استطاعته أي عدم كونه واجداً لما يحج به، نعم لو استقر عليه حجة الإسلام و لم يتمكن من الإتيان به لعسره فبذل له مال وجب عليه قبول البذل ان كان بنحو التمليك لوجوب الإتيان بالحج الذي استقر عليه ليسره بالبذل المزبور، كما لو كان البذل بنحو الإباحة. لأن المعتبر في وجوب الحج بعد استقراره التمكن من الإتيان به عقلًا، و عدم كونه حرجاً و عسراً عليه. و يتحقق ذلك بالبذل و لو مطلقاً، و كذا الحال إذا كان الحج واجباً عليه بالنذر و نحوه فبذل له المال فإنه إذا تمكن من الوفاء بنذره يجب عليه الوفاء و لو لم يكن عليه حجة الإسلام، و أما في المتن و إن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج، فالظاهر أنه من تتمة المسألة الآتية و ذكره في هذه المسألة من سهو القلم.

[ (مسألة 46) إذا قال له: «بذلت لك هذا المال مخيراً بين أن تحج به أو تزور الحسين (عليه السّلام)»]

(مسألة 46) إذا قال له: «بذلت لك هذا المال مخيراً بين أن تحج به أو تزور الحسين (عليه السّلام)» وجب عليه الحج (1).

[ (مسألة 47) لو بذل له مالًا ليحج بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق

(مسألة 47) لو بذل له مالًا ليحج بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب.

[ (مسألة 48) لو رجع عن بذله في الأثناء]

(مسألة 48) لو رجع عن بذله في الأثناء و كان في ذلك المكان يتمكّن من أن يأتي ببقية الأعمال من مال نفسه، أو حدث له مال بقدر كفايته وجب عليه الإتمام و أجزأه عن حجّة الإسلام (2). (1) قد ظهر مما ذكرناه في مسألة البذل لأحد شخصين أو الأشخاص لا بعينه ان الأظهر في المقام عدم وجوب قبول البذل و عدم وجوب الحج بهذا النحو من البذل، لظهور الأخبار المتقدمة في عرض الحج بخصوصه و المبذول و المعروض في الفرض الجامع بين الحج و غيره، نعم لو حصل عند المكلف سائر ما يعتبر في الاستطاعة المالية يتعين القول بوجوب الحج عليه لكونه مستطيعاً مع كون البذل بنحو الإباحة، و أما إذا كان بنحو التمليك لا يجب القبول لان القبول من تحصيل الاستطاعة و لا يجب تحصيلها. (2) في كل من وجوب الإتمام و الإجزاء تأمل، فإنه إذا لم يكن بنفسه مستطيعاً للحج فرجوع الباذل عن بذله كاشف عن عدم استطاعته بالبذل فاحرامه لحجة الإسلام كان فاسداً، و حدوث الاستطاعة في أثناء العلم لا يوجب كونه حجة الإسلام. فإنها ما يقع بعد فرض الاستطاعة و لو كانت استطاعته بضميمة البذل المزبور، و على ذلك فان تمكن بعد حصولها من تدارك الإحرام على ما مر فهو و إلا لا يجب عليه الإتمام أيضاً، إلا إذا قصد الوظيفة الواقعية في إحرامه. فإن مع قصده كذلك يكون حجة واقعاً الحج المندوب، و يجب عليه إتمامه إذا أمكن و اللَّه سبحانه هو العالم.

[ (مسألة 49) لا فرق في الباذل بين أن يكون واحداً أو متعدّداً]

(مسألة 49) لا فرق في الباذل بين أن يكون واحداً أو متعدّداً، فلو قالا له: حجّ و علينا نفقتك وجب (1) عليه.

[ (مسألة 50) لو عين له مقداراً ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها]

(مسألة 50) لو عين له مقداراً ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها وجب عليه الإتمام في الصورة الّتي لا يجوز له الرجوع، إلّا إذا كان ذلك مقيّداً بتقدير كفايته.

[ (مسألة 51) إذا قال: «اقترض و حجّ و عليّ دينك»]

(مسألة 51) إذا قال: «اقترض و حجّ و عليّ دينك» ففي وجوب ذلك عليه نظر، لعدم صدق الاستطاعة عرفاً، نعم لو قال: «اقترض لي و حج به» وجب مع وجود المقرض (2) كذلك. (1) و ذلك لإطلاق الروايات الواردة في عرض الحج كقوله (عليه السّلام) «نعم فيما قيل له فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أ هو ممن يستطيع اليه سبيلًا؟» فإنه يعم ما إذا كان عرضه عن واحد أو متعدد، بل في صحيحة معاوية بن عمار قال «فإن كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى» و ظاهرها كون الباذل متعدداً. (2) ان كان المراد أن المكلف في الفرض يدخل في عنوان من عرض عليه الحج، فالمعروض في الفرض ليس نفقة الحج، بل الاقتراض لنفقته و لو من الغير، و إن كان المراد ان المكلف يدخل مع وجود المقرض في عنوان المستطيع، فلا ينبغي التأمل في ان الاقتراض إذا كان على الغير تحصيل للاستطاعة و تحصيل الاستطاعة غير واجب.

[ (مسألة 52) لو بذل له مالًا ليحج به فتبيّن بعد الحج أنّه كان مغصوباً]

(مسألة 52) لو بذل له مالًا ليحج به فتبيّن بعد الحج أنّه كان مغصوباً ففي كفايته للمبذول له عن حجّة الإسلام و عدمها وجهان أقواهما العدم، أمّا لو قال: «حج و عليّ نفقتك» ثمّ بذل له مالًا فبان كونه مغصوباً فالظاهر صحّة الحج و إجزاؤه عن حجّة الإسلام (1) لأنّه استطاع بالبذل، و قرار الضمان على الباذل في الصورتين عالماً كان بكونه مال الغير أو جاهلًا.

[ (مسألة 53) لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعاً]

(مسألة 53) لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعاً وجب عليه الحج، و لا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير، لأنّ الواجب عليه في حج نفسه أفعال الحج، و قطع الطريق مقدمة توصلية بأي وجه أتى بها كفى و لو على وجه الحرام أولا، بنيّة الحج. و لذا لو كان مستطيعاً قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق، بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صحّ أيضاً و لا يضرّ بحجه، نعم لو آجر نفسه لحج بلدي لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي (2) كإجارته لزيارة بلدية أيضاً، أمّا لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس و إن كان مشيه للمستأجر الأوّل، فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلًا أو بالإجارة. (1) بل الأظهر عدم وجوب حجة الإسلام و عدم إجزاء المأتي به كما في الصورة الأولى، و ذلك فان مجرد إنشاء البذل لا يكون موضوعاً للوجوب ما لم يكن وفاء به، و المال الذي أعطاه لم يكن للباذل سلطان فيه فلا يكون وفاءً بالبذل، ليجب على المبذول له حجة الإسلام. (2) نعم يجوز إذا كان المستأجر عليه المشي الخاص كالمشي مع المستأجر

الثاني.

[ (مسألة 54) إذا استؤجر أي طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً]

(مسألة 54) إذا استؤجر أي طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً لا يجب عليه القبول و لا يستقر الحج عليه، فالوجوب عليه مقيّد بالقبول و وقوع الإجارة، و قد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجاً عليه لصدق الاستطاعة و لأنّه مالك لمنافعه فيكون مستطيعاً قبل الإجارة، كما إذا كان مالكاً لمنفعة عبده أو دابّته و كانت كافية في استطاعته، و هو كما ترى إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره كما إذا كان من عادته أجار نفسه للأسفار.

[ (مسألة 55) يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير]

(مسألة 55) يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير، و إن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدم الحج النيابي (1)، فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه، و إلّا فلا.

[ (مسألة 56) إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعاً]

(مسألة 56) إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعاً لا يكفيه عن حجّة الإسلام فيجب عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك، و ما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء ما دام فقيراً كما صرح به في بعضها الآخر، فالمستفاد منها أنّ حجّة الإسلام مستحبّة على الغير المستطيع (2) و واجبة على المستطيع، و يتحقّق الأوّل بأي وجه أتى به و لو عن الغير تبرّعاً أو بالإجارة، و لا يتحقّق الثاني إلّا مع حصول شرائط الوجوب. (1) هذا فيما إذا كان الحج النيابي مقيداً بسنة الاستئجار و احرز أو احتمل عدم تمكنه من الحج الاستئجاري، لو صرف الأجرة كلا أو بعضاً منها في الحج عن نفسه. (2) قد تقدم ان الحج مع عدم الاستطاعة و عدم البذل لا يكون من حجة الإسلام، و إطلاقها عليه مع عدمها بلحاظ ما يترتب عليه من ثوابها.

[ (مسألة 57) يشترط في الاستطاعة مضافاً إلى مئونة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به عياله حتّى يرجع

(مسألة 57) يشترط في الاستطاعة مضافاً إلى مئونة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به عياله حتّى يرجع، فمع عدمه لا يكون مستطيعاً (1)، و المراد بهم من يلزمه نفقته لزوماً عرفياً و إن لم يكن ممّن يجب عليه نفقته شرعاً على الأقوى، فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لا يقدر على التكسب و هو ملتزم بالإنفاق عليه أو كان متكفلًا لإنفاق يتيم في حجره و لو أجنبي يعد عيالًا له، فالمدار على العيال العرفي.

[ (مسألة 58) الأقوى وفاقاً لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له

(مسألة 58) الأقوى وفاقاً لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له، من بستان أو دكان أو نحو ذلك بحيث لا يحتاج إلى التكفف و لا يقع في الشدّة و الحرج، و يكفي كونه قادراً على التكسب اللائق به أو التجارة باعتبار وجاهته و إن لم يكن له رأس مال يتجر به، نعم قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية، و لا يبعد عدم اعتباره أيضاً فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة و غيرهم، فإذا حصل لهم مقدار مئونة الذهاب و الإياب و مئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم، بل و كذا الفقير الّذي عادته و شغله أخذ الوجوه و لا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب و الإياب له و لعياله، و كذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب و الإياب من دون حرج عليه. (1) المراد من الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج ان تكون له نفقة الحج زائداً على نفقة الاعاشة الاعتيادية و من لا يكون له

نفقة عياله لا يكون مستطيعاً، و كذا الحال بالإضافة إلى الرجوع إلى ما به الكفاية، و ذكرنا ما يستفاد منه ذلك ليس نفي الحرج و العسر ليكون حجه مع عدمهما حجة الإسلام، كما إذا انكشف بعد الحج عدم كونه واجداً لنفقة عياله، حيث إن نفي جزمها عليه في الفرض بقاعدة نفي الحرج لا يوافق الامتنان.

[ (مسألة 59) لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحجّ به

(مسألة 59) لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحجّ به، كما لا يجب على الوالد أن يبذل له، و كذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحجّ به، و كذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج، و القول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف، و إن كان يدلّ عليه صحيح سعيد بن يسار «قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم يحج منه حجّة الإسلام، قال: و ينفق منه؟ قال: نعم، ثمّ قال: إنّ مال الولد لوالده، إن رجلًا اختصم هو و والده إلى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فقضى أنّ المال و الولد للوالد» و ذلك لإعراض الأصحاب عنه مع إمكان حمله على الاقتراض (1) من ماله مع استطاعته من مال نفسه أو على ما إذا كان فقيراً و كانت نفقته على ولده، و لم تكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ.

[ (مسألة 60) إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله

(مسألة 60) إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله، فلو حجّ في نفقة غيره لنفسه أجزأه، و كذا لو حجّ متسكعاً، بل لو حجّ من مال الغير غصباً صحّ و أجزأه، نعم إذا كان ثوب إحرامه و طوافه و سعيه (2) من المغصوب لم يصح، و كذا إذا كان ثمن هديه غصبا.

[ (مسألة 61) يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية]

(مسألة 61) يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية، فلو كان مريضاً لا يقدر على الركوب أو كان حرجاً عليه و لو على المحمل أو الكنيسة لم يجب، و كذا لو تمكّن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته؛ و كذا لو احتاج إلى خادم و لم يكن عنده مئونته. (1) لا يخفى ان الحمل على ما ذكر لا يناسب التعليل الوارد فيه و العمدة أنه معارض بصحيحة الحسين بن أبي العلاء، و مقتضى القاعدة جواز الإنفاق على نفسه و على ولده الصغير و أمه إذا لم يكن له و للأم نفقة. (2) لم يثبت اشتراط الإحرام و السعي بالثوب، بل هو واجب فيهما بخلاف الطواف، فان الستر فيه شرط فيبطل الطواف بدونه.

[ (مسألة 62) و يشترط أيضاً الاستطاعة الزمانية]

(مسألة 62) و يشترط أيضاً الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت ضيقاً لا يمكنه الوصول إلى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب، و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب، و إلّا فلا.

[ (مسألة 63) و يشترط أيضاً الاستطاعة السربية]

(مسألة 63) و يشترط أيضاً الاستطاعة السربية بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال و إلّا لم يجب، و كذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه أو بدنة أو عرضه أو ماله و كان الطريق منحصراً فيه أو كانت جميع الطرق كذلك، و لو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون، وجب الذهاب من الأبعد المأمون، و لو كانت جميع الطرق مخوفة إلّا أنّه يمكنه الوصول إلى الحج بالدوران في البلاد مثل ما إذا كان من أهل العراق و لا يمكنه إلّا أن يمشي إلى كرمان و منه إلى خراسان و منه إلى بخارا و منه إلى الهند و منه إلى بوشهر و منه إلى جدّة مثلًا و منه إلى المدينة و منها إلى مكّة فهل يجب أو لا؟ وجهان أقواهما عدم الوجوب (1) لأنّه يصدق عليه أنّه لا يكون مخلى السِّرب.

[ (مسألة 64) إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتد به لم يجب

(مسألة 64) إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتد به لم يجب، و كذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري سابق على حصول الاستطاعة أو لاحق مع كونه أهمّ من الحج كإنقاذ غريق أو حريق، و كذا إذا توقّف على ارتكاب محرم (2) كما إذا توقّف على ركوب دابّة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة. (1) بل الأظهر الوجوب إذا لم يكن الدوران أمراً حرجياً أو متضرراً بضرر مجحف، لصدق انه يمكن له ان يخرج إلى الحج و له إليه سبيل. (2) لا يخفى ان الواجب إذا توقف على ارتكاب محرّم و إن يكون وجوبه مع حرمة ذلك الفعل من المتزاحمين، إلا انه

إذا لم يحرز أهمية الواجب يكون مقتضى إطلاق خطاب الحرمة موجباً لارتفاع التكليف المتعلق بذلك الواجب، و عليه فبمجرد توقف الحج على ارتكاب حرام ما مع إحراز أهميته لا يوجب سقوط وجوبه أصلا و في غيره يؤمر به على نحو الترتب.

[ (مسألة 65) في عدم وجوب الحج مع فقد هذه الشرائط]
اشارة

(مسألة 65) قد علم ممّا مرّ أنّه يشترط في وجوب الحج مضافاً إلى البلوغ و العقل و الحريّة، الاستطاعة المالية و البدنية و الزمانية و السربية و عدم استلزامه الضرر أو ترك واجب أو فعل حرام (1)، و مع فقد أحد هذه لا يجب،

[فبقي الكلام في أمرين
اشارة

فبقي الكلام في أمرين:

[أحدهما: إذا اعتقد تحقّق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً أو اعتقد فقد بعضها و كان متحقّقاً]

أحدهما: إذا اعتقد تحقّق جميع هذه مع فقد بعضها واقعاً أو اعتقد فقد بعضها و كان متحقّقاً فنقول: إذا اعتقد كونه بالغاً أو حراً مع تحقّق سائر الشرائط فحجّ ثمّ بان أنّه كان صغيراً أو عبداً فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجّة الإسلام، و إن اعتقد كونه غير بالغ أو عبداً مع تحقّق سائر الشرائط و أتى به أجزأه عن حجّة الإسلام (2) مسائل في شرائط وجوب الحج (1) قد تقدم أنّ مع إحراز أهمية الحج بل مع احتمالها فلا يكون استلزامه ترك واجب أو فعل حرام موجباً لسقوط وجوبه، نعم مع عدم إحراز الأهمية و احتمالها يكون مكلفاً بالحج الا على نحو الترتب على ترك الواجب و فعل الحرام. (2) لا يقال مع اعتقاده بعدم بلوغه يشكل الأجزاء فإنه لا يكون مكلفاً بحجة الإسلام لغفلته و اعتقاده بعدم دخوله في الموضوع لوجوبها، و الأمر استحباباً بغير حجة الإسلام غير ثابت في حقه لكون الصادر عنه لا يكون غير حجة الإسلام، و كذا الحال في الاعتقاد بعدم حرمته أو عدم استطاعته فإنه يقال امتياز حجة الإسلام عن غيرها، و إن يكون بالقيود، إلا أن القيود مأخوذة في ناحية الموضوع في الأمر و المتعلق في كل من الأمر الوجوبي و الاستحبابي فعل واحد، و عليه فالمعتقد بعدم بلوغه أو عدم استطاعته يعلم بتوجه الأمر الحج إليه غاية الأمر يعتقد انه أمر استحبابي، و المعلوم في الواقع وجوبه فمثل هذه الغفلة لا تمنع عن اعتبار التكليف الواقعي الذي يمكن للمكلف الإتيان بمتعلقه و لو من باب الاشتباه و الخطاء في تعيين ذلك التكليف.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 115

كما مرّ

سابقاً، و إن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجّة فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه (1) فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك كما إذا تلف ماله وجب عليه الحج و لو متسكعاً، و إن اعتقد كونه مستطيعاً مالًا و أن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج ففي إجزائه عن حجّة الإسلام و عدمه وجهان من فقد الشرط واقعاً و من أنّ القدر المسلّم من عدم إجزاء حج غير المستطيع عن حجّة الإسلام غير هذه الصورة، و إن اعتقد عدم (1) قد تقدم سابقاً أنّه مع العذر في تفويت المال الوافي لمصارف الحج لا يكون الحج مستقراً، عليه كما إذا شك في استطاعته المالية فترك الحج ثم صرفه في أمر آخر و انكشف بعد صرفه انه كان وافياً لحجة، فإن ترخيص الشارع في صرف ذلك المال و لو ظاهراً في غير الحج يمنع عن استقرار وجوبه، و كذا مع الاعتقاد بعدم كون المال الموجود عنده وافياً لمصارفه، و ذلك فان وجوب الحج موضوعه مقيد بالاستطاعة المالية، و بقائها إلى تمام اعمال الحج على ما تقدم، و حفظ الموضوع غير لازم على المكلف غاية الأمر خرجنا عن ذلك بالأخبار الواردة في تسويف الحج و لو يصرف المال الموجود عنده في مصرف آخر كالتزوج بامرأة أخرى، و بما ورد في أن ترك الحج مع عرضه عليه موجب لاستقرار الحج و شي ء من ذلك لا يجري في صرف المال الموجود في مصرف آخر لاعتقاده عدم كفايته بمصارف الحج، فيؤخذ فيه بما ذكرنا من مقتضى القاعدة من عدم لزوم حفظ المال الذي يعتقد عدم كفايته لحجة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 116

كفاية ما عنده من المال و

كان في الواقع كافياً و ترك الحج فالظاهر الاستقرار عليه، و إن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف فالظاهر كفايته، و إن اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج فترك الحج فبان الخلاف فهل يستقر عليه الحج أولا؟ وجهان، و الأقوى عدمه لأنّ المناط في الضرر الخوف و هو حاصل، إلّا إذا كان اعتقاده على خلاف روية العقلاء (1) و بدون الفحص و التفتيش، و إن اعتقد عدم مانع شرعي فحج فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف، و إن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف فالظاهر الاستقرار.

[ثانيهما: إذا ترك الحج مع تحقّق الشرائط متعمداً أو حج مع فقد بعضها كذلك

ثانيهما: إذا ترك الحج مع تحقّق الشرائط متعمداً أو حج مع فقد بعضها كذلك، أمّا الأوّل فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجّة (2)، و أمّا الثاني فإن حج مع عدم البلوغ أو مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه إلّا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ (3) قد مرّ، و إن حجّ مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الإجزاء و لا دليل عليه إلّا الإجماع (4)، و إلّا فالظاهر أنّ حجّة الإسلام هو الحج الأوّل و إذا أتى به كفى و لو كان ندباً، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحباً بناءً على شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت فإنّ الأقوى عدم وجوب (1) قد ظهر مما ذكرنا في التعليقة السابقة ان الاعتقاد حتى ما لو كان على خلاف رؤية العقلاء لا يوجب استقرار الحج عليه. (2) لا يخفى أن فقد بعض الشرائط بترك الخروج إلى الحج كما إذا سرق ماله من بيته، بحيث لو خرج إلى الحج لم يكن يُسرق، بل كان له

صرفه في مصارفه فمثل هذا الفقد لا يمنع عن استقرار وجوبه. (3) قد تقدم عدم الاجزاء إلا إذا تدارك الإحرام من جديد على ما مرّ. (4) قد بينا ان ظاهر الأدلة وجوب الحج بعد تحقق الشرائط المأخوذة في ناحية المكلف، و الحج المأتي به قبل تحققها حج استحبابي فاقد للقيود المعتبرة في ناحية حجة الإسلام، فإجزاء المأتي به عنها يحتاج إلى قيام دليل، و ذكرنا أن عدم أخذ تلك القيود في ناحية الحج في خطاب التكليف للاستغناء عن أخذها بالأخذ في ناحية الموضوع، و لا يقاس ذلك بالصلاة المأتي بها في أول الوقت من الصبي ثم ان يبلغ بعدها أو في أثنائها، فإن البلوغ مأخوذ في ناحية موضوع الوجوب فقط لا في ناحية صلاة الوقت، فإن طبيعي صلاة الوقت مطلوب من البالغ و الصبي المميز، غاية الأمر المطلوبية في الصبي بنحو الاستحباب، بخلاف الحج فان الطلب الوجوبي في حق المستطيع الوجوب بعد تحقق الشرائط و إن كان قد حج قبل ذلك مع فقد الشرائط، و لذا لو أتى به متسكعاً قبل الاستطاعة يكون عليه الحج بعدها كما هو مورد النص؟ في حج الصبي و العبد و الالتزام بعدم الاجزاء في حج الصبي إذا بلغ بعد تمام الموقفين، و بالإجزاء ما إذا حج بلا استطاعة مالية ثم استطاع بعد الحج لا يخلو عن تهافت. و على الجملة ظاهر ما ورد في الصلوات اليومية ان الصلاة الواجبة على كل مكلف في اليوم و الليلة خمس صلوات، و المشروع في حق الصبي أيضاً في يوم و ليلة تلك الصلوات الخمس، و إذا أتى الصبي بصلاة الوقت قبل بلوغه ثم بلغ بعدها يطلب منه الوجود الثاني، بخلاف الحج فان

المطلوب من المستطيع الحج بعد الاستطاعة، و إن كان قد حج قبل ذلك فعدم الاجزاء لا يبتني على القول بتعدد الماهية، بل يجري بناءً على وحدتهما ماهيةً، و لكن متعلق الوجوب الوجود بعد حصول الشرائط و لو كان هذا الوجود الوجود الثاني، لأن مطلوبية الحج بالإضافة إلى كل سنة انحلالي، بخلاف صلاة الوقت فان المطلوب منها للبالغ و غيره نفس الطبيعي أي صرف وجوده بين الحدين.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 117

إعادتها، و دعوى أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب ممنوعة بعد اتّحاد ماهية الواجب و المستحب، نعم لو ثبت تعدّد ماهية حج المتسكع و المستطيع تم ما ذكر، لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب بل لتعدد الماهية، و إن حج مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحّة البدن مع كونه حرجاً عليه أو مع ضيق الوقت كذلك فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب، و عن الدروس الإجزاء إلّا إذا كان إلى حد الإضرار بالنفس، و قارن بعض المناسك فيحتمل عدم الإجزاء، ففرق بين حج المتسكع و حج هؤلاء، و علّل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 118

الأجزاء بأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط فإنّه لا يجب لكن إذا حصله وجب، و فيه أنّ مجرد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط مع أنّ غاية الأمر حصول المقدمة الّتي هي المشي إلى مكّة و منى و عرفات، و من المعلوم أنّ مجرّد هذا لا يوجب حصول الشرط الّذي هو عدم الضرر أو عدم الحرج، نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط و لم يكونا حين الشروع في الأعمال تم ما ذكر و لا قائل بعدم

الإجزاء في هذه الصورة، هذا و مع ذلك فالأقوى ما ذكره في الدروس، لا لما ذكره بل لأنّ الضرر و الحرج إذا لم يصلا إلى حد الحرمة، إنّما يرفعان الوجوب و الإلزام لا أصل الطلب (1) فإذا تحملهما و أتى بالمأمور به كفى.

[ (مسألة 66) إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجزئه عن حجّة الإسلام

(مسألة 66) إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجزئه عن حجّة الإسلام، و إن اجتمعت سائر الشرائط. لا لأنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه لمنعه أولًا، و منع بطلان العمل بهذا النّهي ثانياً، لأنّ النّهي متعلّق بأمر خارج، بل لأنّ الأمر (1) لا يخفى أن مع ارتفاع الوجوب يكون حجّة ندبياً و الواجب الوجود غير الحرجي و الضرري، فإجزاء الحرجي و الضرري عنه يحتاج إلى دليل، نعم كما ذكرنا سابقاً أنه لو انكشف الحرج أو الضرر بعد تمام الاعمال لا يكون وجوبه منفياً، لان نفي الوجوب في الفرض خلاف الامتنان، فيكون المأتي به مجزياً و داخلًا في عنوان حجة الإسلام، أو يكون من الوجود بعد تحقق الشرائط.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 119

مشروط بعدم المانع و وجوب ذلك الواجب مانع (1)، و كذلك النّهي المتعلّق بذلك المحرم مانع و معه لا أمر بالحج، نعم لو كان الحج مستقرّاً عليه و توقّف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة و أمكن أن يقال بالاجزاء، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه و منع كون النّهي المتعلّق بأمر خارج موجباً للبطلان.

[ (مسألة 67) إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلّا بالمال

(مسألة 67) إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلّا بالمال فهل يجب بذله و يجب الحج أو لا؟ أقوال ثالثها الفرق بين المضر بحاله و عدمه فيجب في الثاني دون الأوّل (2). (1) لا يخفى انه لو كان الحج مستلزماً لترك واجب أو ارتكاب حرام، و قيل بان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده الخاص، و قدم جانب الواجب الآخر أو الحرام يكون الحج محكوماً بالفساد حتى مع كون النهي عنه

غيرياً تبعياً. و ذلك فإن النهي الغيري التبعي يتعلّق بنفس ما هو ضد للواجب لا بعنوان خارجي، فإن عنوان الضد جهة تعليلة لا تقييدية، و يكون النهي المزبور مانعاً عن شمول خطاب الأمر لمتعلق النهي الغيري لعدم إمكان اجتماع الأمر و النهي في شي ء، فلا كاشف عن الملاك في ذلك المتعلق. بخلاف ما إذا قيل بعدم الاقتضاء فإنه في الفرض يكون الحج واجباً و لو بنحو الترتب على ترك الواجب الآخر. و على الجملة مجرد واجب آخر أهم أو رعاية حرام آخر أهم أو يحتمل الأهمية لا يوجب ارتفاع الوجوب عن الحج كما هو الحال في صورة استقرار وجوبه فالتفرقة بين الصورتين بلا وجه. (2) لا يخفى أنه إذا كان دفع المال إلى العدو مضراً بحاله بحيث يقع في الحرج من جهة اعاشته و لو بعد رجوعه فلا يكون مستطيعاً إلى الحج على ما تقدم، و أما مع عدم لزومه فإنما يجب الحج إذا لم يكن دفع المال موجباً لتقوية الظالم و بسط سلطته و لو بحسب عمود الزمان، و إلا ففي وجوب الحج بدفع المال تأمل بل منع. نعم لو لم يكن للدفع أثر في بقاء سلطته و تقويته كما يشاهد ذلك في بعض البلاد التي تربع على كرسي الحكم فيها من يأخذ المال قهراً ممن أرادها دخولًا أو خروجاً، فلا يوجب مثل ذلك سقوط وجوبه.

[ (مسألة 68) لو توقّف الحج على قتال العدو لم يجب حتّى مع ظنّ الغلبة عليه و السلامة]

(مسألة 68) لو توقّف الحج على قتال العدو لم يجب حتّى مع ظنّ الغلبة عليه و السلامة (1)، و قد يقال بالوجوب في هذه الصورة.

[ (مسألة 69) لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه

(مسألة 69) لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلّا مع خوف الغرق أو المرض خوفاً عقلائياً (2) أو استلزامه الإخلال بصلاته أو إيجابه لأكل النجس أو شربه، و لو حجّ مع هذا صحّ حجّة لأنّ ذلك في المقدّمة و هي المشي إلى الميقات كما إذا ركب دابّة غصبيّة إلى الميقات. (1) لا يبعد عدم وجوبه حتى مع العلم بالسلامة فيما إذا كانت الغلبة عليه تستدعي وقوعه في الضرر. نعم إذا كان العدو داخلًا في عنوان الباغي أو المحارب يجب دفع شره كفاية و لو بالقتال، و عدم الظن بالسلامة حتى بالإضافة إلى من لا يجب عليه الحج. و على الجملة القتال في الفرض مع احتمال الظفر و السلامة تكليف آخر لا لوجوب الحج، ليقال ان مع العدو المفروض لا يكون تخلية السرب و قتاله من تحصيل استطاعته مع ظن السلامة، بل مع العلم بها و تحصيلها غير لازم. (2) إذا كان الخوف مما يتعارف في ركوب البحر لعامة الناس نوعاً، و إن كان هذا الخوف أمراً عقلائياً، فلا يمنع عن تحقق الاستطاعة الموجبة للحج. فان هذا الخوف متحقق في ركوب الطائرة بل ركوب السيارة أيضاً و لازم للحج. نعم إذا كان البحر متلاطماً يجري فيه الطوفان فيكون مانعاً عن تحقق الاستطاعة لعدم تخلية السرب. و أما الإخلال ببعض ما يعتبر في الصلاة فلا يسقط وجوب الحج بذلك، لعدم وجوب حفظ القدرة على الصلاة الاختيارية قبل دخول وقتها و حرمة أكل النجس مع التكليف بالحج من المتزاحمين و لا يبعد

أهمية الحج، و هذا بناءً على مانعية ما ذكر عن الاستطاعة، فالحج المأتي به و إن كان صحيحاً و يجزي عن حجة الإسلام إذا كان مستقراً عليه قبل ذلك إلا ان مع عدم استقراره لا يكون مجزياً عن حجة الإسلام إذا ابتلى بعد رجوعه أيضاً بما ذكر من المحذور، و الوجه في عدم الاجزاء عدم تحقق الاستطاعة المعتبرة في وجوبه كما لا يخفى.

[ (مسألة 70) إذا استقرّ عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها]

(مسألة 70) إذا استقرّ عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، و لا يجوز له المشي إلى الحج قبلها، و لو تركها عصى، و أمّا حجّه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمّته لا في عين ماله، و كذا إذا كانت في عين ماله و لكن كان ما يصرفه في مئونته من المال الّذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما، أو كان ممّا تعلّق به الحقوق و لكن كان ثوب إحرامه (1) و طوافه و سعيه و ثمن هديه من المال الّذي ليس فيه حق، بل و كذا إذا كانا ممّا تعلّق به الحق من الخمس و الزكاة إلّا أنّه بقي عنده مقدار ما فيه منهما بناءً على ما هو الأقوى (2) من كونها في العين على نحو الكلّي في المعيّن لا على وجه الإشاعة.

[ (مسألة 71) يجب على المستطيع الحج مباشرة]

(مسألة 71) يجب على المستطيع الحج مباشرة، فلا يكفيه حج غيره عنه تبرعاً أو بالإجارة إذا كان متمكّناً من المباشرة بنفسه. (1) هذا ينافي ما يذكره في مسائل الإحرام من ان لبس ثوبي الإحرام واجب مستقل بالإضافة إلى الإحرام، و كذا بالإضافة إلى سعيه بل في ثوب طوافه الذي هو غير الساتر. (2) كون الحق في الزكاة مطلقاً و في الخمس بنحو الكلي في المعين ممنوع كما تقدم في مسائل الزكاة و الخمس.

[ (مسألة 72) إذا استقرّ الحج عليه و لم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجاً عليه

(مسألة 72) إذا استقرّ الحج عليه و لم يتمكّن من المباشرة لمرض لم يرج زواله أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجاً عليه، فالمشهور وجوب الاستنابة عليه (1)، بل ربّما يقال بعدم الخلاف فيه و هو الأقوى، و إن كان ربّما يقال بعدم الوجوب، و ذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب، و أمّا إن كان موسراً من حيث (1) و قد يقال بعدم وجوبها بل هي أمر مستحب، و يستدل على ذلك بأنه و إن ورد في بعض الروايات الأمر ببعث الرجل ليحج عنه كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أن علياً (عليه السّلام) رأى شيخاً لا يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز رجلًا فيحج عنه» «1» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «و إن كان موسراً و حال بينه و بين الحج مرض، أو حصر، أو أمر يعذره اللَّه فيه، فإن عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» «2» إلّا ان في بعضها الآخر قرينة على المراد من الأمر الاستحباب، و هي تعليق الأمر بالبعث على مشية المكلف،

ففي خبر ابن مسلمة بن حفص عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «ان رجلًا أتى علياً و لم يحج قط، إلى أن قال علي (عليه السّلام) ان شئت فجهز رجلًا ثم ابعثه يحج عنك» «3» و قريب منها ما في خبر عبد اللَّه بن ميمون، و كذا اعتبار كون النائب رجلا صرورة مع جواز نيابة المرأة عن الرجل، و الرجل عن المرأة بلا فرق بين الصرورة و غيرها، و الالتزام بالاستحباب في القيد لا في أصل النيابة لا يخلو عن بعد، و لكن لا يخفى أنه يمكن اعتبار كون النائب عن الرجل في حياته صرورة، و ما ورد في تعليق التجهيز على المشيئة لا يدل على الاستحباب بحيث يكون قرينة على رفع اليد عما يدل على الوجوب، حيث ان التعليق لبيان البدل للحج المباشري في تفريغ الذمة. فالمعنى ان أردت تفريغ الذمة فجهز رجلًا بمئونة الحج ليحج عنك، هذا مع الإغماض عن ضعف السند في الروايتين. ثم ان المتيقن من مدلول الروايات بل مدلول بعضها يختص بصورة استقرار الحج على المكلف قبل طرو العجز، و من كان موسراً من حيث المال و لم يتمكن من المباشرة فلا يبعد وجوب الاستنابة عليه، فان وجوبها عليه مقتضى الإطلاق في بعض الروايات كصحيحة الحلبي المتقدمة، بل ذكر الماتن (قدّس سرّه) ان إطلاقها و إن يعم صورة رجاء العذر و عدمه، إلا ان ظهور بعضها في عدم رجاء الزوال مضافاً إلى الإجماع يوجب رفع اليد عن الإطلاق المزبور. و قد يناقش فيما ذكر تارة بعدم الإطلاق في الروايات الدالة على وجوب الاستنابة في صورة التمكن من المباشرة و لو في السنين الآتية، فإن ظاهر صحيحة محمد بن مسلم عن

أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «كان علي (عليه السّلام) يقول لو ان رجلًا أراد الحج فعرض له عرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج، فليجهز رجلًا من ماله ثم ليبعثه مكانه» «1» حيث يقال ان ظاهرها حصول المانع عن الخروج فعلًا، و إن استطاع الخروج مستقبلًا. و الحال فرق بين قوله لم يستطع الخروج، و بين قوله لا يستطيع الخروج، و لكن يورد عليها أيضاً بأن ظاهرها الحج الإرادي يعني الاستحبابي و الكلام في المقام في حجة الإسلام.

أقول: ظاهر قوله (عليه السّلام) لو أن رجلًا أراد الحج، ما إذا أراد إفراغ ذمته نظير ما تقدم في قوله (عليه السّلام) «ان شئت فجهز رجلًا»، و على الجملة لو لم يكن ظاهر هذه الصحيحة إرادة خصوص حجة الإسلام فلا ينبغي التأمل في أن إطلاقها يعمّها، فان ثبت إجماع تعبدي على عدم وجوب البعث في فرض زوال العذر مستقبلًا و لو مع ثبوت الإطلاق المشار اليه فهو، و إلا فرفع اليد عن الإطلاق مشكل. و بعض الروايات و إن وردت فيمن لا يتمكن من الحج مباشرة و لو مستقبلًا، إلا أنها لا توجب رفع اليد عن الإطلاق لعدم التنافي بين الطائفتين.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 123

المال و لم يتمكّن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة و عدمه قولان لا يخلو أولهما عن قوة، لإطلاق الأخبار المشار إليها، و هي و إن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال و عدمه لكن المنساق من بعضها ذلك، مضافاً إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال، و الظاهر فورية الوجوب كما في صورة المباشرة،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 124

و مع بقاء

العذر إلى أن مات يجزئه حج النائب فلا يجب القضاء عنه و إن كان مستقراً عليه، و إن اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك، فالمشهور أنّه يجب عليه المباشرة (1) و إن كان بعد إتيان النائب، بل ربّما يدّعى عدم الخلاف فيه، لكن الأقوى عدم الوجوب لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الّذي كان واجباً على المنوب عنه فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه و لا دليل على وجوبه مرة أخرى، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه، و معه لا وجه لدعوى أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب (1) ظاهر الروايات كون الموضوع لوجوب الاستنابة عدم التمكن من الحج مباشرةً، فإن قيل باختصاص الوجوب بمن لا يتمكن على طبيعي الحج و لو مستقبلًا كان المأتي به من فعل النائب حكماً اعتقادياً أو ظاهرياً، فمع كشف الخلاف باتفاق التمكن من المباشرة فلا يحكم بالإجزاء، و بتعبير آخر لم يؤخذ عدم رجاء الزوال موضوعاً للحكم الواقعي ليقال ان ما يأتي به النائب هو الواجب في حقه واقعاً. و مما ذكرنا يظهر أنه لو قيل بوجوب الاستنابة مع عدم التمكن من المباشرة في السنة الفعلية و اتفق زوال العذر، فإن كان المنوب عنه متمكناً من المباشرة في سنته كان تمكنه كاشفاً عن عدم الأمر بالبدل، و بطلان الإجارة على تقدير تعلقها بحجة الإسلام، و أما إذا لم يتمكن يكون المورد من موارد الأمر بالبدل حتى فيما إذا كان طرو التمكن قبل إحرام النائب.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 125

نفس ما كان واجباً و المفروض في المقام

أنّه هو، بل يمكن أن يقال إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب إنّه يجب عليه الإتمام و يكفي عن المنوب عنه، بل يحتمل ذلك و إن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام، و دعوى أنّ جواز النيابة ما دامي كما ترى بعد كون الاستنابة بأمر الشارع و كون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك، و لا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض و غيره و بين من كان معذوراً خلقة (1)، و القول بعدم الوجوب في الثاني، و إن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف، و هل يختص الحكم بحجّة الإسلام أو يجري في الحج النذري و الإفسادي أيضاً؟ قولان، و القدر المتيقّن هو الأول بعد كون الحكم على خلاف القاعدة (2)، و إن لم يتمكّن المعذور من الاستنابة و لو لعدم وجود النائب أو وجوده مع عدم رضاه إلّا بأزيد من أجرة المثل و لم يتمكّن من الزيادة أو كانت مجحفة سقط الوجوب، و حينئذ (1) و ذلك لإطلاق أمر يعذره اللَّه فيه، كما ورد ذلك في صحيحة الحلبي المتقدمة. و أورد جملة من الاخبار و إن كانت صورة طرو العذر، إلا ان ذلك لا يمنع عن الأخذ بالإطلاق المشار اليه. (2) ما ذكر من القدر المتيقن لا يمنع الأخذ بالإطلاق، من صحيحة محمد بن مسلم. نعم لو صحة المناقشة في دلالتها على وجوب الاستنابة على ما تقدم، فلا دلالة في سائر الروايات على وجوبها في غير حجة الإسلام. و قد يأتي عن الماتن (قدّس سرّه) في فصل وجوب الحج بالنذر و

العهد و اليمين وجوب الاستنابة في طريان العذر في الحج النذري أيضاً، و لكن إذا كان متمكناً من الحج النذري قبل طريان العذر، و كذا في صورة العهد و اليمين، و لا يبعد هذا الاختصاص لان عدم التمكن من الوفاء بالنذر يوجب انحلاله، و لا يبقى موجب لإرادة الناذر الحج ليدخل في مدلول الصحيحة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 126

يجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرّاً عليه، و لا يجب مع عدم الاستقرار، و لو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناءً على الوجوب و وجب القضاء عنه مع الاستقرار، و هل يجب مع عدم الاستقرار أيضاً أولا؟ وجهان أقواهما نعم، لأنّه استقرّ عليه بعد التمكّن من الاستنابة، و لو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجزئ عن حجّة الإسلام (1) فيجب عليه بعد زوال العذر، و لو استناب مع رجاء الزوال و حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية، و عن صاحب المدارك عدمها و وجوب الإعادة لعدم الوجوب مع عدم اليأس فلا يجزئ عن الواجب، و هو كما ترى، و الظاهر كفاية حج المتبرّع (2) عنه في صورة وجوب الاستنابة، و هل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان، لا يبعد الجواز حتّى إذا أمكن ذلك في مكّة مع كون الواجب عليه هو التمتّع، و لكن الأحوط خلافه لأنّ القدر المتيقّن من الأخبار الاستنابة من مكانه، كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرّع عنه لذلك أيضاً. (1) و لو استظهر من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) المتقدمة أن الحيلولة بينه و بين الحج في سنته موضوع لوجوب الاستنابة، فمقتضاها الإجزاء. فان

ما يأتي به النائب هو الواجب في حقه و بحسب حجة الإسلام فلا موجب لعدم الاجزاء، فان الواجب في حق المكلف حجة واحدة كانت بالمباشرة أو بالتسبيب. (2) بل الأظهر عدم الكفاية، فان الواجب على العاجز هو بعث النائب و تجهيزه. كما هو ظاهر الروايات كما أن مقتضى إطلاقها عدم اعتبار كون البعث و التجهيز من بلد المنوب عنه، بل يجوز البعث و التجهيز من أي بلد حتى من الميقات. و أما ما في معتبرة محمد بن مسلم ثم ليبعثه مكانه ظاهره بعثه بدلًا عنه، و لو كان هذا البعث بالتسبيب كما ان يوكّل حاجّاً أن يأخذ له نائباً يحج عنه كما لا يخفى.

[ (مسألة 73) إذا مات من استقرّ عليه الحج في الطريق

(مسألة 73) إذا مات من استقرّ عليه الحج في الطريق فإن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام فلا يجب القضاء عنه، و إن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و إن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى (1)، خلافاً لما عن الشيخ و ابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضاً، و لا دليل لهما على ذلك إلّا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي، حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم: (1) و يدلُّ على ذلك صحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال «في رجل خرج حاجّاً حجة الإسلام فمات في الطريق، فقال: ان مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن مات دون الحرم، فليقض عنه وليّه حجة الإسلام» «1» فإنها و إن كانت مطلقة من حيث استقرار حجة الإسلام عليه و عدمه، إلا ان من استقر عليه الحج داخل في مدلولها قطعاً، و هذه الصحيحة و إن لم تتعرض لكون

دخوله في الحرم بعد الإحرام، و لذا ربما يقال بأن إطلاقها يعم ما إذا نسي الإحرام حتى دخل الحرم إلا أن انصرافها إلى صورة دخول الحرم بعد الإحرام غير بعيد، حيث ان خروجه حاجّاً مقتضاه كون دخوله في الحرم بعد الإحرام.

و على الجملة ظاهرها أن مات قبل دخول الحرم و لو كان بعد إحرامه لا يوجب الاجزاء، و قد يقال ان مقتضى ما ورد في صحيحة بريد العجلي الاجزاء بعد الإحرام و إن لم يدخل الحرم حيث سأل أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل خرج حاجّاً و معه جمل له نفقة و زاد فمات في الطريق، قال: ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين» «2» الحديث بدعوى ان مقتضى الشرطية الثانية أي مفهومها الإجزاء إذا كان موته بعد الإحرام، و لكن لا يخفى أنه من المحتمل جدّاً ان يكون المراد من قوله قبل أن يحرم، قبل أن يدخل الحرم بقرينة الشرطية الأولى. حيث يقال لمن دخل الحرم أنه أحرم، و لمن دخل اليمن أيمن، و لمن دخل نجد أنجد، و مع الإغماض عن ذلك يكون مفهوماً معارضاً بمنطوق الشرطية الأولى، و المنطوق فيها أخص فيرفع اليد به و بما ورد في الشرطية الثانية في صحيحة ضريس المتقدمة عن إطلاق المفهوم المزبور.

أضف إلى ذلك أنّ الإجزاء على خلاف القاعدة فيرفع اليد عنها بمقدار تمام دليل الاجزاء و هو صورة الإحرام و دخول الحرم و الموت بعده، بل قد

يقال لا بد في الإجزاء من الموت بعد دخول مكة. كما هو مقتضى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) حيث ورد فيها «فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة؟ قال: يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر، انما هو شي ء عليه» «1».

و دلالتها على اعتبار دخول مكة انما هي بعدم الاستفصال في جوابه (عليه السّلام) بدخوله الحرم أو عدمه فيرفع اليد عن الإطلاق، بمثل صحيحة ضريس المتقدمة الدالة على كفاية دخول الحرم في الاجزاء، كما يرجع إليها في عدم كفاية مجرد الإحرام لو فرض سقوط صحيحة بريد العجلي بالمعارضة بين صدرها و ذيلها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 128

«و إن كان مات و هو صَرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته في حجّة الإسلام» فإن مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم، لكنّه معارض بمفهوم صدرها و بصحيح ضريس، و صحيح زرارة، و مرسل المقنعة، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله: «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم كما يقال: «أنجد» أي دخل في نجد و «أيمن» أي دخل اليمن، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام، كما لا يخفى الدخول في الحرم بدون الإحرام كما إذا نسيه في الميقات و دخل الحرم ثمّ مات، لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام، و لا يعتبر دخول مكّة و إن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك، لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم، و الظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال كما إذا مات بين الإحرامين، و قد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت

في الحل أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام و دخول الحرم،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 129

و هو مشكل لظهور الأخبار في الموت في الحرم. و الظاهر عدم الفرق بين حج التمتّع و القران و الإفراد، كما أنّ الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتّع أجزأه عن حجّه أيضاً، بل لا يبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حج القران أو الإفراد عن عمرتهما و بالعكس، لكنّه مشكل لأنّ الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتّع فإنّ العمرة فيه داخلة في الحج (1) فهما عمل واحد، ثمّ الظاهر اختصاص حكم الإجزاء (1) أضف إلى ذلك أن فرض الموت في الطريق قبل الإحرام أو بعده يكون نوعاً في عمرة التمتع، فالحكم بالاجزاء مع فوته فيه يعم الموت بعد إحرام عمرة التمتع جزماً. و أما عموم ما يدل عليه لما مات بعد الإحرام للعمرة المفردة أو إذا مات بعد الإحرام لحج الافراد أو القرآن أجزائه عن عمرتها غير ظاهر، و على ذلك فالأظهر وجوب قضاء عمرتهما مع الاستقرار على الميت.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 130

بحجّة الإسلام (1) فلا يجري الحكم في حج النذر و الإفساد إذا مات في الأثناء، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً، و إن احتمله بعضهم.

و هل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه فيجزئه عن حجّة الإسلام إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم و يجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان بل قولان من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور و من أنّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية، و لذا لا

يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسراً، و من هنا ربّما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقرّ عليه، و ربّما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقرّ عليه و حمل الأمر بالقضاء على الندب، و كلاهما مناف لإطلاقها، مع أنّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقرّ عليه بلا دليل مع أنّه مسلّم بينهم، و الأظهر الحكم بالإطلاق (2) إمّا بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق كما عليه جماعة و إن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط أو الموت و هو في البلد، و إمّا بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج، و هذا هو الأظهر فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضاً فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين و استحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك. (1) و ذلك لتقييد الاجزاء في الروايات بحجة الإسلام فيبقى غيرها على القاعدة، نعم يجري الاجزاء في حجة الإفساد بناءً على أنها حجة الإسلام لا الحجة الأولى الفاسدة. و لكن الأظهر ان حجة الإسلام هي الأولى كما يأتي. (2) و قد يقال بعدم الفرق بين من استقر عليه الحج و من لم يستقر، فان مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، و أما إذا كان موته قبل دخول الحرم و بعد الإحرام يجب القضاء عنه، كما هو مقتضى صحيحة ضريس حيث إن ظاهر تلبس المكلف بالإحرام و مدلولها أنه «إن مات بعد دخول الحرم يكفي ذلك في حجه، و أما إذا مات قبل دخول الحرم فيجب القضاء عنه» و

لا بأس بالالتزام بوجوب القضاء عنه مع عدم استقرار الحج عليه، و دعوى ان موته كاشف عن عدم وجوب الحج عليه كما في فقد سائر شرائط وجوبه أو الموت في البلد فيحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك، و استفادة وجوب القضاء فيمن استقر عليه الحج من الخارج لا يمكن المساعدة عليها، فإنه و إن كان ما ذكر مقتضى القاعدة إلا إنه يلتزم بوجوب القضاء حتى فيمن استقر عليه الحج لدلالة الصحيحة بالإطلاق و لو كان وجوبه أمراً تعبدياً، بل لا يبعد الالتزام بوجوب القضاء عنه. و كذا من استقر عليه الحج و يخرج مصارفه من جَمَلِهِ و زاده و نفقته التي معه في سفره كما هو مقتضى صحيحة بريد العجلي، و لا يخرج من صلب ماله.

أقول: ان ظهر اختصاص وجوب القضاء عمن مات قبل دخول الحرم أو قبل الإحرام بمن كان الحج مستقراً عليه، فان الاختصاص مقتضى التعليل الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة، حيث ذكر (عليه السّلام) فيها «يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه» حيث ان ظاهر التعليل كون الحج و العمرة واجباً عليه قبل موته و كانت ذمته مشغولة بهما، و هذا لا يجري في حق من لم يكن مستطيعاً للحج قبل هذه السنة، و اللَّه العالم.

[ (مسألة 74) الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع

(مسألة 74) الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع لأنّه مكلّف بالفروع لشمول الخطابات له أيضاً، و لكن لا يصح منه ما دام كافراً (1) كسائر العبادات و إن كان معتقداً (1) لقوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، و لفحوى ما ورد من الروايات الظاهرة في بطلان عمل المخالف، و لأن قصد التقرب المعتبر في العبادة لا

يتمشى من الكافر نوعاً لعدم اعتقاده بالشريعة، و البحث في كون الكفار مكلفين بالفروع أم لا، فيختص تكليفهم بالأصول ما لا يترتب عليه ثمرة فقهية، و في باب الحج إذا كان الكافر مستطيعاً ثم أسلم و كانت استطاعته باقية فهو مكلف بالحج لاستطاعته عند إسلامه، و كذا ما إذا استطاع بعد إسلامه. نعم إذا لم يستطع بعد إسلامه و كذا ما إذا استطاع بعد إسلامه، نعم إذا لم يستطع بعد إسلامه و كان مستطيعاً قبله فلا ينبغي التأمل في عدم وجوب الحج عليه، لأن الإسلام يجب ما قبله. و هذا و إن ورد في بعض الروايات التي في سندها ضعف، الا ان الحكم مقطوع به بحسب السيرة القطعية، و لذا لا يجب عليه قضاء الصلاة و الصوم و غيرهما مما فات حال كفره بناءً على كون الكفار مكلفين بالفروع، نعم لو أسلم الكافر في وقت الفريضة يجب عليه الإتيان بها في وقتها نظير بقاء استطاعته بعد إسلامه، فإن هذا غير داخل في السيرة المشار إليها بل و لا في حديث الجبّ.

ثم انه قد يورد على الالتزام بكون الكفار مكلفين بالفروع، بأنه كيف يصح تكليفهم مع بطلان عملهم حال كفرهم، و مع إسلامهم لا يثبت في حقهم القضاء، و هذا في الحقيقة إشكال في تكليفهم بالقضاء لا بالإضافة إلى الأداء. حيث يمكن لهم امتثال التكليف به بإسلامهم في الوقت، و أما بالإضافة إلى القضاء فتكليفه غير معقول. لأنّه لا يصح عمله بدون إسلامه، و مع إسلامه يسقط التكليف بالقضاء، و لذا ذكر الماتن أن تكليفهم حال كفرهم بالقضاء تهكمى لتسجيل العقاب. و لكن لا يخفى ما فيه فان الكفار على مسلك تكليفهم بالفروع مكلفون بالتكاليف المتوجهة

إلى المسلمين. و التكليف التهكمي ليس داخلًا في التكليف، و ذكر ثانياً ان الكافر كما هو مكلف بالأداء في الوقت كذلك مكلف بالأداء خارج الوقت على تقدير تركه فيه. و على ذلك فلو أسلم الكافر أثناء الوقت و لم يأتي بفريضته فهو مكلف من حين التكليف بالأداء بالقضاء أيضاً، فيجب عليه القضاء في الفرض. و فيه ان هذا النحو من التعليق في الواجب و أن يصحح الأمر بالقضاء في حق الكفار، الا ان شيئاً من أدلة القضاء لا يساعد على الواجب المعلق، و دعوى ان ما ذكر في وجوب قضاء الصلاة أو الصوم من التوجيه لا يجري في الحج، فان وجوبه ليس من الموقت فلا يمكن المساعدة عليها، فان وجوب الحج على المستطيع فوراً ففوراً بمنزلة التوقيت حيث يمكن الأمر في السنة الأولى بحج السنة الثانية على تقدير تركها بعد استطاعته في السنة الأولى إذا أسلم فيها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 132

لوجوبه و آتياً به على وجهه مع قصد القربة لأنّ الإسلام شرط في الصحّة، و لو مات لا يقضى عنه لعدم كونه أهلًا للإكرام و الإبراء، و لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، و كذا لو استطاع بعد إسلامه، و لو زالت استطاعته ثمّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى لأنّ الإسلام يجب ما قبله، كقضاء الصلاة و الصيام حيث إنّه واجب عليه حال كفره كالأداء و إذا أسلم سقط عنه، و دعوى أنّه لا يعقل الوجوب عليه إذ لا يصح منه إذا أتى به و هو كافر، و يسقط عنه إذا أسلم. مدفوعة بأنّه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمراً تهكمياً ليعاقب لا حقيقياً، لكنّه مشكل بعد

عدم إمكان إتيانه به لا كافراً و لا مسلماً،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 133

و الأظهر أن يقال: إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً و إن تركه فمتسكعاً، و هو ممكن في حقّه لإمكان إسلامه و إتيانه مع الاستطاعة و لا معها إن ترك، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال و مأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها، و كذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال: إنّه في الوقت مكلّف بالأداء و مع تركه بالقضاء، و هو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداءً و مع تركها قضاءً فتوجّه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلّق، فحاصل الإشكال أنّه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا أسلم، فكيف يكون مكلّفاً بالقضاء و يعاقب على تركه؟! و حال الجواب أنّه يكون مكلّفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق، و مع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء و القضاء فيستحق العقاب عليه، و بعبارة أخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء، و حينئذ فإذا ترك الإسلام و مات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء، و إذا أسلم يغفر له و إن خالف أيضاً و استحقّ العقاب.

[ (مسألة 75) لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه

(مسألة 75) لو أحرم الكافر ثمّ أسلم في الأثناء لم يكفه، و وجب عليه الإعادة من الميقات (1)، و لو لم يتمكّن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه و لا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً لأن إحرامه باطل.

[ (مسألة 76) المرتد يجب عليه الحج

(مسألة 76) المرتد يجب عليه الحج سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده (2)، و لا يصح منه، فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه، و لا يقضى عنه على الأقوى لعدم أهليته للإكرام و تفريغ ذمّته كالكافر الأصلي، و إن تاب وجب عليه (1) الوجه في وجوب الرجوع إلى الميقات و إعادة الإحرام بطلان الإحرام الواقع، فان كفره كان مانعاً عن صحته و لو لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات أحرم من موضعه على ما يأتي في مسألة من ترك الإحرام من الميقات. و على الجملة بعد بطلان الإحرام من الميقات لكفره لا يفيد إدراك أحد الوقوفين، و لا يقاس بما إذا تحرر العبد بعد إحرامه مع إدراكه أحد الوقوفين على ما تقدم. شرائط وجوب الحج (في وجوب الحج على المرتد فطرياً أو ملياً) (2) و ذلك فان ما استفيد منه عدم تكليف الكفار بالفروع يختص بالكافر الأصلي، و أما المرتد فمقتضى الإطلاقات كونه مكلفاً بالحج حتى ما إذا استطاع حال ردته. غاية الأمر أنّه لا يصح منه الحج حال ارتداده، فعليه الإنابة و الرجوع إلى الإسلام. و لو أحرم حال ردته ثم أسلم فعليه الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه على ما ذكرنا في إحرام الكافر قبل إسلامه، نعم لو زالت استطاعته عند إسلامه فعليه الحج لاستقراره عليه. و لا يجري في حقه جب الإسلام لما قبله لاختصاص السيرة المتقدمة، بل

ظاهر حديث الجب بالإسلام بعد الكفر الأصلي، و لو حج حين ارتداده يحكم ببطلانه لأن الإسلام شرط لقبول العمل. نعم لو حج مسلماً ثم ارتد ثم تاب لا يجب عليه الإعادة، كما يدل على ذلك معتبرة زرارة المروية في مقدمة العبادات عن جعفر (عليه السّلام) قال: «من كان مؤمناً فحج و عمل في إيمانه ثم اصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب و آمن، قال: يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه و لا يبطل منه شي ء» «1» و رواها الشيخ (قدّس سرّه) في التهذيب بسنده عن الحسين بن علي أو هو الحسين بن علي بن سفيان البزوفري أبو عبد اللَّه و قد ذكر (قدّس سرّه) في رجاله ان له كتب أخبرنا عنها جماعة منهم محمد بن محمد بن النعمان و موسى بن بكر من المعاريف اللذين لم يرد فيهم قدح بل لا يبعد دلالة الآية المباركة وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ و ظاهرها قبول توبة المرتد حتى ما إذا كان فطرياً، و إن حبط الاعمال بالارتداد فيما إذا مات كافراً.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 135

و صح منه و إن كان فطرياً على الأقوى من قبول توبته سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لأنّها مختصّة بالكافر الأصلي بحكم التبادر، و لو أحرم في حال ردته ثمّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي، و لو حجّ في حال إسلامه ثمّ ارتدّ لم يجب عليه الإعادة على الأقوى، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): «من كان مؤمناً فحج ثمّ أصابه فتنة ثمّ تاب يحسب له كل

عمل صالح عمله و لا يبطل منه شي ء»، و آية الحبط مختصّة بمن مات على كفرة بقرينة الآية الأخرى و هي قوله تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ، و هذه الآية دليل على قبول توبة المرتد الفطري، فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له.

[ (مسألة 77) لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح

(مسألة 77) لو أحرم مسلماً ثمّ ارتدّ ثمّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح (1)، كما هو كذلك لو ارتدّ في أثناء الغسل ثمّ تاب، و كذا لو ارتدّ في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمّ تاب قبل فوات الموالاة، بل و كذا لو ارتدّ في أثناء الصلاة ثمّ تاب قبل أن يأتي بشي ء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءاً فيها، نعم لو ارتدّ في أثناء الصوم بطل و إن تاب بلا فصل.

[ (مسألة 78) إذا حج المخالف ثمّ استبصر لا يجب عليه الإعادة]

(مسألة 78) إذا حج المخالف ثمّ استبصر لا يجب عليه الإعادة بشرط أن يكون صحيحاً في مذهبه (2) و إن لم يكن صحيحاً في مذهبنا من غير فرق بين الفِرَق لإطلاق الأخبار، و ما دلّ على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السّلام): «يقضي أحب إليّ» و قوله (عليه السّلام): «و الحجّ أحبّ إليّ». (1) و ذلك فان الإحرام و إن كان عبادة تعتبر فيه الأمور المعتبرة في العبادة من إسلام المكلف، و قصد التقرب فيه، الا انه حدوثاً كذلك. و أما بعد انعقاده واجداً للشرائط فاستمراره أمر قهري حتى يحصل الإحلال و تنضم إليه سائر الأعمال. و كذلك الارتداد في الآنات المتخللة بين أجزاء الصلاة، و الغسل، و الوضوء، و إن يناقش في ذلك بان الارتداد موجب للنجاسة و يشترط طهارة البدن في الآنات المتخللة، كما يشترط طهارة البدن قبل الغسل و طهارة العضو قبل الوضوء، و لكن لا يخفى ان هذا في النجاسة العرضية في الصلاة، و المعتبر في الغسل و الوضوء طهارة العضو المغسول قبل غسله، نعم الارتداد في أثناء الصوم يوجب بطلانه لبطلان الإمساك

حين الارتداد و الواجب هو جميع الامساكات بوجوب واحد. (2) و ذلك فإن الاجزاء مع صحته في مذهبه هو القدر المتيقن من الروايات الدالة على الاجزاء كصحيحة بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل حج و هو لا يعرف هذا الأمر ثم منَّ اللَّه عليه بمعرفته و الدينونة به، أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: قد قضى فريضته و لو حج لكان أحب إليّ، و قال: سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم منّ اللَّه عليه فعرف هذا الأمر، يقضي حجة الإسلام؟ قال: يقضي أحب إلى» «1» و ما ورد في بعض الروايات من الأمر بالإعادة، يحمل على الاستحباب. بقرينة ما في ذيل هذه الصحيحة و نحوها، و ربما أن ظاهر مثل هذه الصحيحة ناظرة إلى أن فقد الولاية عند الحج مع استبصاره بعده لا يوجب القضاء تفضلًا من الشارع، فلا يعم ما إذا كان المأتي به فاسداً حتى على مذهبه، نعم لو كان حجه على مذهبنا و تمشى منه قصد القربة و لو لاحتمال صحة الحج على المذاهب الأخر فلا يبعد شمول الإطلاق لذلك أيضاً.

[ (مسألة 79) لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة]

(مسألة 79) لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها منه (1)، شرائط وجوب الحج و عدم اعتبار إذن الزوج في حجة الإسلام لزوجته (1) و لعله من غير خلاف و يشهد له جملة من الروايات لصحيحة محمد عن أبي جعفر (عليه السّلام) «قال سألته عن امرأة لم تحج و لها زوج و أبى أن يأذن لها في الحج فغاب زوجها فهل لها أن

تحج؟ قال: لا طاعة له عليها في حجة الإسلام» «1» و صحيحة معاوية بن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) امراة لها زوج فأبى ان يأذن لها في الحج، و لم تحج حجة الإسلام، فغاب عنها زوجها و قد نهاها ان تحج، قال: لا طاعة له عليها في حجة الإسلام و لا كرامة لتحج ان شاءت» «2» و صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «سألته عن امراة لها زوج و هي صرورة و لا يأذن لها في الحج، قال: تحج و إن لم يأذن لها» «3» و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن الصادق (عليه السّلام) «تحج و إن رغم أنفه» «4» و مع إطلاق هذه الروايات و عدم الاستفصال في الجواب عن استقرار الحج على المرأة أذن لها زوجها أو لم يأذن فلا مجال لتوهم أن نهى زوجها عن الخروج مانع عن تحقق الاستطاعة لها.

أضف إلى ذلك ما تقدم سابقاً كون المراد بالاستطاعة في الحج ان يكون له مال زائد واف بمصارف الحج، زائداً على اعاشته العائلية. فيكون النهي عن خروجها من بيتها مع وجوب الحج عليها من المتزاحمين و لأهمية الحج يقدم على النهي.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 138

و كذا في الحج الواجب بالنذر (1) و نحوه إذا كان مضيقاً، و أمّا في الحج المندوب (1) الأظهر اعتبار كون المنذور راجحاً في ظرف العمل، حيث ورد في بعض روايات اليمين «ان رأيت خيراً منه فاتركه» و مع نهي الزوج عن الخروج من بيتها لا يكون الحج المزبور راجحاً، و لا يقاس ذلك بما إذا استأجر شخص امرأة على عمل خارج بيتها ثم بعد

زواجها منعها زوجها من الخروج، حيث لا يكون لزوجها حق المنع عن خروجها، و ذلك فان عملها بالإجارة صار ملكاً للغير بالاستئجار فيجب عليها تسليمه إلى المستأجر، و لا يكون لزوجها منعها عن تسليم مال الغير إلى صاحبه. بخلاف المنذور فإنه لحرمة خروجها عن بيتها من غير اذن زوجها يكون حجها غير راجح.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 139

فيشترط إذنه (1)، و كذا في الواجب الموسع قبل تضيقه على الأقوى، بل في حجّة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة مع وجود الرفقة الأخرى قبل تضيق الوقت، و المطلقة الرجعية كالزوجة في اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدّة، (1) من غير خلاف، حيث إنّه لا يجوز لها الخروج من بيتها من غير رضا زوجها خصوصاً إذا كان منافياً لحق الزوج، و يدلُّ على ذلك صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السّلام) «قال: سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام و تقول لزوجها أحج من مالي إله أن يمنعها من ذلك، قال: نعم و يقول لها حقي عليك أعظم من حقك عليّ في هذا» «1» و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) «و لا تخرج من بيتها إلا بإذنه و إن خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها» «2» و صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: «سألته عن المرأة إلها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال: لا» «3» و مما ذكر أنه يجوز له منعها عن السفر مع أول الرفقة مع وجود الرفقة الأولى و وثوقها بإدراك المناسك مع

التأخير، و مما ذكر يظهر الحال في المطلقة الرجعية قبل انقضاء عدتها فإنها زوجة، بل يدل عليه بعض الروايات المعتبرة كصحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن المطلقة تحج في عدتها؟ قال: ان كانت صرورة حجت في عدتها و إن كانت حجت فلا تحج حتى تقضي عدتها» «4» و مثل هذه محمول على المطلقة الرجعية بقرينة موثقة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته «يقول المطلقة تحج في عدتها ان طابت نفس زوجها» «5» و موثقة سماعة قال: «سألته عن المطلقة أين تعتد؟ فقال: في بيتها، إلى أن قال: و ليس لها أن تحج حتى تقضي عدتها» «6».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 140

بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه، و كذا المعتدة للوفاة فيجوز لها الحج واجباً كان أو مندوباً، و الظاهر أنّ المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن (1)، و لا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا.

[ (مسألة 80) لا يشترط وجود المَحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها]

(مسألة 80) لا يشترط وجود المَحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها كما دلّت عليه جملة من الأخبار (2)، و لا فرق بين كونها ذات بعل أولا، و مع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم و لو بالأجرة مع تمكّنها منها، و مع عدمه (1) لأنها زوجة تدخل فيما دل على عدم جواز خروجها إلى الحج المندوب إلّا إذا طابت نفس زوجها، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق في ذلك بين ان يكون ممنوعاً من الاستمتاع بها و عدمه. (2) كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في المرأة تريد الحج ليس

معها محرم هل يصلح لها الحج؟ فقال: نعم إذا كانت مأمونة» «1» و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن المرأة تحج إلى مكة بغير ولي؟ قال: لا بأس تخرج مع قوم ثقات» «2» و صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن المرأة تحجّ بغير ولي، قال: لا بأس» «3» إلى غير ذلك و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كونها ذات بعل أو لا.

و مع عدم امنها يجب عليها استصحاب المحرم لها و لو بالأجرة مع تمكنها منها، و مع عدم التمكن لا تكون مستطيعة أي لا يجب عليها الحج.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 141

لا تكون مستطيعة، و هل يجب عليها التزويج تحصيلًا للمحرم؟ وجهان (1) و لو كانت ذات زوج و ادّعى عدم الأمن عليها و أنكرت، قدم قولها مع عدم البينة أو القرائن الشاهدة، و الظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها (2) إلّا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له عليها بدعوى أن حجها حينئذ مفوّت لحقه مع عدم وجوبه عليها فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف، و هل للزوج مع هذه الحالة منعها عن الحج باطناً (1) أوجههما وجوب التزويج عليها ما لم يكن أمراً حرجياً عليه، فان التزويج كاستصحاب المحرم من مقدمات الوجود، و غير مأخوذ في الاستطاعة المتقدمة التي ذكرناها أنها الموضوع لوجوب الحج. (2) هذا إذا كان الزوج معترفاً بأنها خائفة في سفرها و لكنّه يخاف عليها، فان في هذا الفرض لا يكون في البين دعوى له عليها بعد اعترافه إحرازها الموضوع لوجوب الحج عليها، نعم إذا كان الزوج مدعياً أنها غير خائفة على نفسها و إنما تدعي

كونها آمنة كذباً، و في ذلك تحلف الزوجة على نفي دعوى زوجها، و ما يقال من ان الزوجة في الفرض أيضاً مدعية النفقة عليه كالحاضر، و الزوج مدّع لحقه في الاستمتاع بها و حقه في منعها عن سفرها فيكون من باب التداعي، فلا يكون بعد التحالف للزوج المنع و لا للزوجة حق مطالبة النفقة لا يمكن المساعدة عليه، فان حق الزوج مترتب على عدم ثبوت وجوب الحج عليها، و مع إحراز وجوبه عليها بحلفها على أمنها و عدم خوفها يثبت لها حق النفقة، و لا موضوع لمطالبة الزوج حق الاستمتاع بها أو لمنعها عن سفرها. كما أنه ليس المقام من باب التزاحم بين الحقين أو التكليفين فان التزاحم ما إذا ثبت الحقان أو التكليفان على واحد مع عدم تمكنه من الأداء.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 142

إذا أمكنه ذلك؟ وجهان في صورة عدم تحليفها، و أمّا معه فالظاهر سقوط حقه، و لو حجّت بلا محرم مع عدم الأمن صحّ حجّها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام، و إلّا ففي الصحّة إشكال (1) و إن كان الأقوى الصحّة.

[ (مسألة 81) إذا استقر عليه الحج

(مسألة 81) إذا استقر عليه الحج بأن استكملت الشرائط و أهمل حتّى زالت أو (1) ذكر (قدّس سرّه) بعد الاستشكال ان الأقوى الصحة، و لكن لا يخفى ان مع زوال خوفها و حصول أمنها بوصولها إلى الميقات يجب عليها الحج إذا لم تكن خائفة من عودها إلى ما قبل الميقات عند رجوعها لاستطاعتها إلى الحج عند وصولها إلى الميقات، و أما إذا لم تزل خائفة بعد وصولها إليه فالأظهر الحكم ببطلان حجها بناءً على ان خروجها عن بيتها في الفرض محرم، فان وقوفها في عرفات

و المشعر الحرام و طوافها و سعيها مصداق للحرمة على ما ذكرنا من استفادة ذلك مما ورد في خروجها عن بيتها. نعم إذا ظهر بعد حجتها أنه لم يكن في البين موجب لعدم أمنها و فرض حصول قصد التقرب منها كما إذا كانت جاهلة باعتبار خوفها لا يبعد الحكم بصحة حجها، بل كونها حجة الإسلام بناءً على على أن خوفها طريق إلى عدم وجوب حجة الإسلام عليها، و الموضوع لوجوبها عليها، عدم الضرر لها في حجها كما هو غير بعيد.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 143

زال بعضها صار ديناً عليه و وجب الإتيان به بأي وجه تمكّن (1)، و إن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة، و يصحّ التبرّع عنه، و اختلفوا فيما به يتحقّق الاستقرار على أقوال: فالمشهور مضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعاً للشرائط و هو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة، و قيل باعتبار مضي زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعاً للشرائط فيكفي بقاؤها إلى مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي، و ربّما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة، و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم، و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو أهمل استقر عليه و إن فقدت بعض ذلك لأنّه كان مأموراً بالخروج معهم، و الأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية، و أمّا بالنّسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال (2)، و ذلك لأن فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعاً و أنّ

وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهرياً، و لذا لو علم من الأوّل أنّ الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه، نعم لو فرض تحقّق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود و الرجوع إلى كفاية و تخلية السرب (1) هذا فيما لم يكن الإتيان حرجياً عليه، و إلا ينتفي وجوبه كسائر الواجبات. نعم لا يبعد كونه ديناً عليه فيخرج الحج بالقضاء عنه، ان كانت له تركة نظير الدين إذا لم يتمكن من أدائه حال حياته. (2) و ليكن المراد و إلى آخر اعمال الحج، و أما طواف النساء فلا يشترط إمكان الإتيان به و مثله المبيت في ليالي منى فإنه أيضاً واجب مستقل في حق المتمكن منه، و لذا لو علم بعدم تمكنه منه يجب عليه الحج. و ما ذكر يجري فيمن وظيفته حج الإفراد أو القرآن.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 144

و نحوها، و لو علم من الأوّل بأنّه يموت بعد ذلك فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي، و إن كان بعده وجب عليه، هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستنداً إلى ترك المشي، و إلّا استقر عليه كما إذا علم أنّه لو مشى إلى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلًا، فإنّه حينئذ يستقر عليه الوجوب لأنّه بمنزلة تفويت الشرائط على نفسه، و أمّا لو شك في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أولا فالظاهر عدم الاستقرار (1) للشك في تحقّق الوجوب و عدمه واقعاً، هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه، و أمّا لو كان واجداً للشرائط حين المسير فسار ثمّ زالت

بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال كفى حجّه عن حجّة الإسلام (2) إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية و نحوها على الأقوى.

[ (مسألة 82) إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط]

(مسألة 82) إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما فيمن وظيفته حجّ الإفراد و القران ثمّ زالت استطاعته فكما مر يجب عليه أيضاً بأي وجه تمكّن، و إن مات يقضى عنه.

[ (مسألة 83) تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها]

(مسألة 83) تقضى حجّة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها (3) سواء كانت (1) بل الأظهر الاستقرار، فان الموضوع لوجوب الحج عليه و استقراره بقاء الشرائط على ما ذكر، و هذا يحرز بالاستصحاب و أصالة السلامة التي عليها بناء العقلاء. (2) و في الكفاية إشكال إذا انكشف بفقد الشرط عدم الوجوب من أول الأمر، نعم إذا كان اعتبار المفقود بدليل نفي الحرج فيمكن ان يقال بان نفي الوجوب في الفرض خلاف الامتنان فلا يكون لدليله شمول لذلك، و مسألة الإجزاء «فيمن مات بعد الإحرام و دخول الحرم» حكم تعبدي يحتاج ثبوته في غيره إلى قيام دليل عليه. (3) يجب قضاء حجة الإسلام عن الميت من تركته، إلا إذا أوصى بالقضاء عنه من ثلثه و وجوب القضاء عنه سواء أوصى بالقضاء أو لم يوص أمر متفق عليه بين الأصحاب، و يدلُّ عليه غير واحد من الروايات منها صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ يقضى عنه؟ قال: نعم» «1» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله» «1» إلى غير ذلك، و ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار من قوله (عليه السّلام) «و من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم أحق بما ترك فان

شاءوا أكلوا أو ان شاءوا حجوا عنه» «2» لا ينافي ما ذكر فان ظاهر صورة عدم وفاء ما ترك لنفقة الحج عنه، بل كفايته لأجرة الحمولة خاصة، و في الفرض يكون المال غير وافي للورثة. و مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق بين كون ما على الميت حج التمتع أو حج الافراد و القران، و كذا ما كان عليه عمرتهما. و قد ورد في صحيحة زرارة المتقدمة «فيمن مات قبل الانتهاء إلى مكة، قال: يحج عنه ان كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شي ء عليه» «3».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 145

حج التمتّع أو القرآن أو الإفراد، و كذا إذا كان عليه عمرتها، و إن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك (1) أيضاً، و أمّا إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه و تقدّم على الوصايا المستحبّة و إن كانت متأخّرة عنها في الذكر، (1) يعني يخرج من أصل التركة مع عدم الوصية بالقضاء عنه من ثلثه كما يدل عليه ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله فإن أوصى ان يحج عنه رجل فليحج ذلك الرجل» و صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مات فأوصى أن يحج عنه، قال: إن كان صرورة فمن جميع المال، و إن كان تطوعاً فمن ثلثه» «1».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 146

و إن لم يف الثلث بها أخذت البقية من الأصل، و الأقوى أن حج النذر أيضاً كذلك (1)، بمعنى أنّه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه، و لو

كان عليه دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة فإن كان المال المتعلّق به الخمس أو الزكاة موجوداً قدم (1) يعني يخرج الحج النذري من أصل المال، و لكن لا يخفى انه لم يتم دليل على وجوب قضاء الحج النذري مع عدم الوصية فضلًا عن إخراجه من صلب المال. و يستدل على ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) تارة برواية الخثعمية المروية في مستدرك الوسائل، و بإطلاق الدين على الحج النذري كإطلاقه على حجة الإسلام، و بان الناذر في نذره يجعل الحج على ذمته للَّه سبحانه فيكون من الدين للَّه، و شي ء منها غير قابل الاعتماد عليه لضعف الرواية و عدم ثبوت إخراج كل دين و لو لم يكن من قبيل المال من أصل التركة، و إخراج حجة الإسلام من صلب المال كإخراج مؤنة التجهيز لثبوت الدليل عليه، و بتعبير آخر «لا يكون الدين للَّه من قبيل كون المنذور ملكاً اعتبارياً للَّه سبحانه» و لذا لا فرق بين ان يقول الناذر للَّه على صوم كذا أو صلاة كذا أو التصدق بكذا في أنه يخرج من ثلث الميت مع وصيته، نعم قد يقال بوجوب إخراج الحج النذري من ثلث التركة و لو مع عدم الوصية به، و يستظهر ذلك من صحيحة ضريس الكناسي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به رجلًا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام، و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر، قال: ان ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد وفى بالنذر. و إن لم

يكن ترك مالًا إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر إنما هو مثل دين عليه» «1» و صحيحة عبد اللَّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نذر للَّه ان عافى اللَّه ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت اللَّه الحرام، فعافى اللَّه الابن و مات الأب. فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه» «2» و لكن لا يخفى أن المفروض فيها نذر الإحجاج و ما ورد فيها من ثلثه، لعله قرينة على كون الإخراج مع وصيته بثلثه في الخيرات، و يناسبه ما ورد من حج الابن عن أبيه مع أن نذر أبيه كان متعلقاً باحجاج ابنه، و ما ورد في صحيحة ضريس من إحجاج رجل من ثلثه ينافيه: نعم ورد في صحيحة مسمع قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «كانت لي جارية حبلى، فنذرت للَّه (عزّ و جلّ) ان ولدت غلاماً أن أحجه أو أحج عنه، فقال: ان رجلًا نذر للَّه (عزّ و جلّ) في ابن له، ان هو أدرك ان يحج عنه أو يحجّه فمات الأب، و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الغلام، فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ان يحج عنه مما ترك أبوه» «3» و هذه كما تتم في نذر الإحجاج تعم نذر الحج عن الابن، و ظاهرها الإخراج من صلب المال الا ان الظهور بالإطلاق يحمل على ثلثه، بقرينة صحيحة ضريس و عبد اللَّه بن أبي يعفور و عليه تكون على خلاف القاعدة، فيرجع إليها

في غير ذلك، و يلتزم بعدم ثبوت القضاء فيما كان المنذور حجة و مات قبل الوفاء بها حتى مع تمكنه من الوفاء لانه لم يثبت القضاء في النذر إلا في نذر الإحجاج أو الحج عن ولده إذا مات قبل الوفاء به و اللَّه العالم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 147

لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرفه في غيرهما، و إن كانا في الذمّة فالأقوى أنّ التركة توزع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 148

على الجميع (1) بالنسبة كما في غرماء المفلس، و قد يقال يقدم الحج على غيره و إن كان هناك دين، للنّاس لخبر معاوية بن عمّار الدال على تقديمه على الزكاة و نحوه بخبر آخر، لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب لأنّهما في خصوص الزكاة، و ربّما يحتمل تقديم دين النّاس لأهميّته، و الأقوى ما ذكر من التخصيص، و حينئذ فإن وفت حصّة الحج به فهو، و إلّا فإن لم تف إلّا ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي فالظاهر سقوطه و صرف حصّته في الدين أو الخمس أو الزكاة، و مع وجود الجميع توزع عليها، و إن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران و الإفراد تصرف فيهما مخيّراً بينهما، و الأحوط تقديم الحج، و في حج التمتّع الأقوى السقوط و صرفها في الدين و غيره، و ربّما يحتمل فيه أيضاً التخيير أو ترجيح الحج لأهميّته أو العمرة لتقدمها، لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتّع عملًا واحداً، و قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام. (1) إذا كان على الميت دين و خمس و زكاة، فان كان ما تعلق به الخمس أو الزكاة موجوداً، فلا ينبغي

التأمل في تقديم إخراج الخمس و الزكاة، فان ديون الميت تؤدي من تركته، و مقدار الخمس أو الزكاة في العين المتعلق بها أحدهما لا يكون من تركته، و هذا بخلاف ما إذا كانت الزكاة أو الخمس على ذمة الميت، فإنهما كسائر الديون. فان كانت تركة الميت وافية بجميع ديونه، فهو و إلا فيوزع عليها بالنسبة. كما يدل على ذلك موثقة زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل مات و ترك عليه ديناً و ترك عبداً له مال في التجارة و ولداً، و في يد العبد مال و متاع، و عليه دين استدانه العبد في حياة سيّده في تجارة، و إن الورثة و غرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال و المتاع في رقبة العبد فقال: أرى ان ليس للورثة سبيل على رقبة العبد، و لا على ما في يده من المتاع، و المال، الا ان يضمنوا دين الغرماء جميعاً، فيكون العبد و ما في يده للورثة، فإن أبوا كان العبد و ما في يده للغرماء، يقوم العبد و ما في يده من المال، ثم يقسم ذلك بالحصص، فان عجز قيمة العبد و ما في يده من المال للغرماء رجعوا إلى الورثة فيما بقي لهم ان كان الميت ترك شيئاً» «1» الحديث.

أضف إلى ذلك أنه إذا كان كل من الحقوق ديناً و لم يدل دليل على تقديم بعضها في الأداء يكون التحصيص أمراً متعيناً كما هو الحال في غرماء المفلس على ما تقدم، و قد يقال بتقديم الحج على غيره من الحقوق حتى ما إذا كان ديناً للناس. و يستظهر ذلك من صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه

السّلام) «في رجل مات و ترك ثلاثمأة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم، و أوصى ان يحج عنه، قال: يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة» «2» هذا بحسب رواية الشيخ، و أما بحسب رواية الكليني قال: معاوية بن عمار قلت «له رجل يموت و عليه خمسمأة درهم من الزكاة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمأة درهم و أوصى بحجة الإسلام و إن يقضى عنه دين الزكاة قال: يحج عنه من أقرب ما يكون و تخرج البقية من الزكاة» «3» و ظاهرهما خصوصاً الأخيرة كون الزكاة ديناً و أن مع قصور التركة يقدم الحج، و لا يبعد عدم الفرق في ذلك بين الخمس و بينها، و أما تقديم الحج حتى بالإضافة إلى ديون الناس فقد يستظهر ذلك من صحيحة بريد العجلي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل خرج حاجّاً و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق؟ قال ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن مات و هو صرورة قبل ان يحرم جعل جَمَله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام، فإن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين» «4» الحديث. و وجه الاستظهار ان تعليق كون الزائد للورثة على عدم الدين للميت بخلاف إنفاق جَمَله و زاده و نفقته و ما معه من المال، حيث إنّ هذا الإنفاق لم يعلق على عدم الدين فيكون مقتضى تعليق دفع الزائد للورثة على عدم الدين، و عدم تعليق صرف ما ذكر في الحج عليه تقديم الحج على الدين. و لكن يمكن المناقشة

بأنه لم تفرض في الرواية عدم وفاء تركته للحج و دينه على تقديره، و لم يفرض انحصار تركته على ما معه بل ظاهرها فرض عدم انحصارها أضف إلى ذلك اختصاصها بالتركة التي كانت في سفر حجه.

[ (مسألة 84) لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقاً لها]

(مسألة 84) لا يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقاً لها (1) بل مطلقاً على الأحوط إلّا إذا كانت واسعة جدّاً فلهم التصرف في بعضها حينئذ مع البناء على إخراج الحج من بعضها الآخر كما في الدين، فحاله حال الدين. (1) لان مع الاستغراق لا ينتقل شي ء من التركة إلى الورثة ليجوز لهم التصرف فيها، بخلاف ما إذا كانت زائداً على مصارفه فإنه يجوز لهم التصرف في المقدار الزائد لأن ما هو ملك للميت منها بنحو الكلي في المعين، و مع بقاء مقدار الكلي يكون تصرفهم في الزائد من التصرف في مقدار مالهم بلا فرق بين كون التركة واسعة جدّاً أم لا، و يدلُّ على ذلك موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السّلام) «عن رجل يموت و يترك عيالًا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله، قال: ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم، و إن لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» «1» و مع النص لا مناقشة في البين مع أن الحكم على القاعدة بعد كون مال الميت أي الدين من الكلي في المعين.

[ (مسألة 85) إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره الآخرون

(مسألة 85) إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره الآخرون لم يجب عليه إلّا دفع ما يخص حصّته بعد التوزيع (1)، و إن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصّته، كما إذا أقرّ بدين و أنكره غيره من الورثة فإنّه لا يجب عليه دفع الأزيد، فمسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب، حيث إنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر و أنكره الآخر لا

يجب عليه إلّا دفع الزائد عن حصّته فيكفي دفع ثلث ما في يده و لا ينزّل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنص. (1) و يستدل على ذلك بمعتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل مات فأقر بعض ورثته لرجل بدين، قال: يلزم ذلك في حصته» «1» بدعوى ان ظاهرها أنه يؤخذ بإقراره بالإضافة إلى حصته، فان كان الوارث ابنين فأقر أحدهما بدين على أبيه يؤخذ نصف الدين من نصيبه هذا و إن كان على خلاف القاعدة، فإن تعلق الدين بالتركة بنحو الكلي في المعين. فمقدار الدين باق على ملك الميت بهذا النحو و لازمه ان يؤدي الوارث تمام الدين مما وصل بيده، غاية الأمر له ان يطالب الوارث الآخر المنكر للدين أو الممتنع من أدائه بما بيده من حصته من الإرث، و هذا بخلاف إقراره بوارث آخر أو بوصيته للميت، فان الوارث الآخر أو الميت يشارك الورثة بنحو الإشاعة و إذا اخرج حصة الوارث الآخر ما بيده بحسب ما بيده جاز له التصرف في الباقي و لا يكون له الدعوى على الآخر بشي ء. و قد يقال ما ورد في المعتبرة لا يخالف القاعدة في دين الميت، فان المراد من قوله (عليه السّلام) «يلزم ذلك في حصته» ان تمام الدين المقر به يلزم إخراجه من حصته، و لكن ملاحظة سائر الروايات الواردة في إقرار بعض الورثة في عتق الميت عبده قبل موته أو بوارث الآخر يشهد ان المراد من الكلام المزبور نفوذ الإقرار بالإضافة إلى ما وصل إليه من الحصة فلاحظ، و استظهاره من الرواية لا يتوقف على اعتبارها كما لا يخفى.

[ (مسألة 86) إذا كان على الميّت حجاً و لم تكن تركته وافية به و لم يكن عليه دين

(مسألة 86) إذا كان على الميّت حجاً و

لم تكن تركته وافية به و لم يكن عليه دين، فالظاهر كونها للورثة و لا يجب صرفها في وجوه البر (1) عن الميّت، لكن الأحوط التصدّق عنه، للخبر عن الصادق (عليه السّلام) «عن رجل مات و أوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدق بها، فقال (عليه السّلام): ما (1) و ذلك فان ما ينتقل إلى الوراث من تركة الميت و إن يكون هو الباقي من بعد أداء دينه و وصيته و لازم ذلك بقائها على ملك الميت في مقدار الدين و مقدار الوصية النافذة، الا ان هذا فيما إذا كان دينه قابلًا للأداء و وصيته قابلة للعمل بها، و مع عدم إمكان ذلك تدخل التركة في ملك الوارث لانصراف قوله سبحانه «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» إلى ما ذكر، نعم في رواية على بن يزيد السابري ما يستظهر منه أنه مع عدم وفاء التركة لدين الميت، و عدم إمكان ذلك، تصرف في وجوه الخير، قال: «أوصى إلى رجل بتركته و أمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فاذا هو شي ء يسير لا يكون للحج إلى أن قال، فسألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام)، فقال: ما صنعت بها؟ قلت: تصدقت بها. قال: ضمنت أو يكون يبلغ ان يحج به مكة فإن كان لا يبلغ ان يحج به من مكة فليس عليك ضمان و إن كان يبلغ به من مكة فأنت ضامن» «1»، و لكن في سندها بل في دلالتها ضعف، اما الأول فلعدم ثبوت و توثيق لزيد النرسي، و لا لعلي بن يزيد، و أما الثاني فإن غاية المستفاد منها عدم دخول

التركة في الميراث مع عدم وفائها بمصارف الحج في صورة وصية الميت بالحج، و أما مع عدم الوصية فلا دلالة لها على ذلك.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 153

صنعت بها؟ قلت: تصدقت بها؛ فقال (عليه السّلام): ضمنت إلّا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكّة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكّة فليس عليك ضمان» نعم لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرّع بدفع التتمّة لمصرف الحج وجب إبقاؤها (1).

[ (مسألة 87) إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستيجار إلى الورثة،]

(مسألة 87) إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستيجار إلى الورثة، سواء عينها الميت أو لا، و الأحوط صرفها في وجوه البر أو التصدق عنه خصوصا فيما إذا عينها الميت

[ (مسألة 88) هل الواجب الاستئجار عن الميّت من الميقات أو البلد؟]

(مسألة 88) هل الواجب الاستئجار عن الميّت من الميقات أو البلد؟ المشهور وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكّة إن أمكن، و إلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و ذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال و إلّا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و ربّما يحتمل قول ثالث و هو الوجوب من البلد مع سعة المال و إلّا فمن الميقات و إن أمكن من الأقرب (1) لا يبعد القول بعدم وجوب الإبقاء بالاستصحاب في عدم تبرع البقية و بقائها على ما عليه من عدم كفايته بمصارف الحج فتدخل في الميراث، نعم هذا حكم ظاهري فلا ينافي ضمان الوارث إذا وجد بعد ذلك متبرع للبقية أو صارت التركة وافية لمصارفه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 154

إلى البلد فالأقرب، و الأقوى هو القول الأوّل (1) و إن كان الأحوط القول الثاني لكن لا يحسب الزائد عن الأجرة الميقاتية على الصغار من الورثة، و لو أوصى بالاستئجار من البلد وجب و يحسب الزائد عن الأجرة الميقاتية من الثلث، و لو أوصى و لم يعين شيئاً كفت الميقاتية إلّا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها كما إذا عين مقداراً يناسب البلدية. (1) و ذلك فان الحج كسائر أسماء العبادات اسم لمجموع الأعمال التي تبدء بالإحرام، و مقتضى قضائه عن الميت الإتيان بتلك الاعمال. و أما الخروج من بلده إلى الميقات فليس داخلًا في الحج، بل تكون مقدمة و لا حاجة إليها

في فرض أخذ النائب من الميقات، بل يجوز أخذه من أقرب المواقيت إلى مكة. نعم لو أوصى الميت بالحج بنحو يكون في البين قرينة على إرادته الخروج من البلد يجب ذلك عملًا بالوصية، و على تقدير الوصية بالحج البلدي و كان عليه حجة الإسلام يسقط الحج عن ذمته حتى مع أخذ النائب من الميقات، و قيل بوجوب النيابة من البلد مع عدم الوصية أيضاً، فإن مقتضى ما ذكرنا من كون الحج عبارة عن نفس الاعمال فيكون وجوب الخروج اليه من البلد مطلوب آخر بالوصية أو حتى بدونها، و تظهر الثمرة بين القولين في استثناء مؤنة الوصول إلى الميقات، فإنه على القول بوجوبه حتى مع عدم الوصية تخرج من أصل التركة، بخلاف القول بلزومه معها فإنها تخرج من ثلثة. و ما ذكرنا من كفاية الميقاتي لا يفرق فيه بين سعة التركة و عدمها. و يستدل على وجوب النيابة من بلد الميت على تقدير سعة تركته بموثقة ابن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أنه سُئل عن رجل أوصى بماله فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده؟ قال: فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه» «1» و رواية محمد بن عبد اللَّه قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام): «عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله ان وسعه ماله فمن منزله، و إن لم يسعه ماله فمن الكوفة، فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة» «2» و لكن لا يمكن الاستدلال بهما على الحكم، فان المفروض فيها وصيته بالحج من ماله، و ماله مقدار ثلث التركة فان لم يف ثلث تركته للحج من بلده فيحج عنه مما يسعه المال،

مضافاً إلى ما في سند الثانية من الضعف.

[ (مسألة 89) لو لم يمكن الاستئجار إلّا من البلد وجب

(مسألة 89) لو لم يمكن الاستئجار إلّا من البلد وجب، و كان جميع المصرف من الأصل (1).

[ (مسألة 90) إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقاً فخولف و استؤجر من الميقات

(مسألة 90) إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقاً فخولف و استؤجر من الميقات أو تبرّع عنه متبرّع منه برأت ذمّته و سقط الوجوب من البلد، و كذا لو لم يسع المال إلّا من الميقات (2). (1) لأنه في المفروض تكون أجرة النيابة للحج من البلد من مؤنة طبيعي الحج التي تخرج من التركة. (2) قد تقدم أن ما على الميت من الاعمال تبدء من الإحرام و مع الإتيان بها عن الميت تبرء ذمته، و لكن إذا أوصى بالحج البلدي و استؤجر للحج عنه من الميقات يسقط مع حج النائب عن ذمته، الا انه لا يصح الاستئجار من الميقات. فان وجوب الوفاء بهذه الإجارة لا يجتمع مع وجوب الوفاء بوصيته، فالذي تم استئجاره من الميقات خلاف الوصية فيكون ضامناً لاجرة المثل للأجير، فهل يؤديها من تركة الميت لان الحج المزبور دينه الأظهر ذلك، و أما مقدار الأجرة الزائدة على اجرة المثل الميقاتي فلا يبعد عودها إلى ملك الورثة على ما تقدم في مسألة السابعة و الثمانين.

[ (مسألة 91) الظاهر أنّ المراد من البلد هو البلد الّذي مات فيه

(مسألة 91) الظاهر أنّ المراد من البلد هو البلد الّذي مات فيه (1)، كما يشعر به خبر زكريا بن آدم (رحمهما اللَّه): «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل مات و أوصى بحجّة أ يجزئه أن يحج عنه من غير البلد الّذي مات فيه؟ فقال (عليه السّلام): ما كان دون الميقات فلا بأس به» مع أنّه آخر مكان كان مكلفاً فيه بالحج، و ربّما يقال: إنّه بلد الاستيطان لأنّه المنساق من النص و الفتوى، و هو كما ترى، و قد يحتمل البلد الّذي صار مستطيعاً فيه، و يحتمل التخيير بين البلدان الّتي كان فيها بعد الاستطاعة، و الأقوى ما

ذكرنا وفاقاً لسيد المدارك (قدّس سرّه) و نسبه إلى ابن إدريس (رحمه اللَّه) أيضاً، و إن كان الاحتمال الأخير و هو التخيير قوياً جدّاً.

[ (مسألة 92) لو عين بلدة غير بلده

(مسألة 92) لو عين بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف أو من كربلاء؛ تعين.

[ (مسألة 93) على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه

(مسألة 93) على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب بل يكفي كل بلد دون الميقات، لكن الأجرة الزائدة على الميقات مع إمكان الاستئجار منه لا تخرج من الأصل و لا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد، إلّا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعين مصرفه و من دون أن يزاحم واجباً مالياً عليه. (1) قد تقدم كفاية الحج الميقاتي مع عدم الوصية، و أما معها فظاهرها الحج من بلد استيطانه إلا إذا عين بلداً آخر أو لم يبلغ مال الوصية فيحج عنه من البلد الذي يسعه المال. و ما في خبر زكريا بن آدم باعتبار الغالب من موته في بلد يستوطنه يعم ما إذا أدركه الموت في سفر، إلا إذا كان في وصيته ظهور بالاستنابة منه، كما إذا أوصى بالاستنابة إن مات في الطريق في سفره إلى الحج أضف إلى ذلك ان في سنده سهل بن زياد.

بناءً على ان تعين الحج البلدي بالوصية و الواجب بدونها الحج الميقاتي، و أما بناءً على ما ذكره بعض الأصحاب من وجوب الحج البلدي بالأصل تكون الوصية بخلافه، خلاف المعروف فلا تنفذ.

[ (مسألة 94) إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات و أمكن من البلد وجب

(مسألة 94) إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات و أمكن من البلد وجب، و إن كان عليه دين النّاس أو الخمس أو الزكاة، فيزاحم الدين إن لم تف التركة بهما، بمعنى أنّها توزع عليهما بالنسبة (1).

[ (مسألة 95) إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري

(مسألة 95) إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري كمكة أو أدنى الحل وجب (2)، نعم لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد، و يخرج من أصل التركة لأنّه لا اضطرار للميّت مع سعة ماله. (1) إذا كان ما عليه من الدين الزكاة أو الخمس يقدم الحج عليها على ما تقدم في مسألة الثالثة و الثمانين. (2) في وجوب الحج عنه في هذه الصورة تأمل، فإن ما ورد في الإحرام من أدنى الحل أو مكة غير شامل للفرض، حيث إنّ ظاهره من ترك الإحرام من الميقات و لم يمكن رجوعه اليه، كما ان ما ورد من أنّه إذا أوصى بالحج عنه و لم يكفى المال للحج من بلده، مدلوله جواز النيابة من غير بلده. و الحج عبارة عن الأعمال التي تبدء بالإحرام من الميقات فلا دلالة له على جواز الإحرام من غير الميقات في الفرض، و مما ذكر يظهر الوجه في تعين الاستئجار من البلد مع عدم إمكان أخذ النائب من الميقات أو من الأقرب إليه.

[ (مسألة 96) بناءً على المختار من كفاية الميقاتية، لا فرق بين الاستئجار عنه و هو حي أو ميّت

(مسألة 96) بناءً على المختار من كفاية الميقاتية، لا فرق بين الاستئجار عنه و هو حي أو ميّت، فيجوز لمن هو معذور بعذر لا يرجى زواله أن يجهز رجلًا من الميقات كما ذكرنا سابقاً أيضاً، فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى (1)، و إن كان الأحوط ذلك.

[ (مسألة 97) الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت

(مسألة 97) الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت (2) خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير من الميّت، و حينئذ فلو لم يمكن إلّا من البلد وجب و خرج من الأصل، و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى و لو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيراً على الورثة، كما أنّه لو لم يمكن من الميقات إلّا بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الموت وجب و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى توفيراً عليهم. (1) قد تقدم في مسألة الثانية و السبعين، أن مقتضى إطلاق البعث و تجهيز النائب في أن يحج عنه، هو جواز أخذ النائب من أي بلد حتى إذا كان التجهيز و البعث من الميقات و لو بالتسبيب، بان يوكل الحي المعذور عن المباشرة حاجّاً أن يأخذ نائباً في الحج عنه من الميقات، نعم استئجاره من بلده أحوط. (2) و يستدل على ذلك بان المال الوافي للحج عن الميت باق على ملك الميت بيد الورثة أو الوصي بامانة شرعية و لا يجوز لهم التصرف فيه أو إبقائه الا بدليل، فيجب صرفه في الحج عن الميت في أول أزمنة الإمكان خصوصاً في فرض فوته عن الميت بتقصيره، حيث يحتمل مع الحج عنه ارتفاع العقاب عنه. و على الجملة إذا كان قضاء الحج عنه واجباً فوراً مع عدم التقصير، ففي صورة التقصير يكون الوجوب

فوراً أولى.

أقول: لا يخلو هذا الاستدلال عن المناقشة، فإن مقتضى الأمر بقضاء حجة الإسلام عن الميت من تركته من غير تقييد بكونه في السنة الأولى أو سنة موته جواز التأخير، و هذا الإطلاق دليل على جواز الإمساك بماله و إبقائه إذا لم يعد التأخير إهمالًا، و دعوى المستفاد من الروايات ان وجوب الإحجاج عن الميت على الوارث أو الوصي نظير وجوب الحج على الميت قبل وفاته من كونه فوراً ففوراً لا يمكن المساعدة عليه، بل هو نظير وجوب قضاء الصلاة أو الصوم على الولد الأكبر في أن الثابت عدم جواز التأخير إذا عدّ ذلك إهمالًا، لا مثل انتظار من يقضي منه بأقل الأجرة لتوفير المال على الورثة و نحو ذلك، و كون الحج ديناً بل مقدماً على سائر الديون لا يقتضي ما ذكر. فان الدين المطالب به لا يجوز التأخير في أدائه و طلب الشارع القضاء عنه مع إطلاقه غير طلب الديان، حيث إن التأخير في الثاني من الواجب و كونه ظلماً على الدائن، و لكن يأتي أن التأخير في أداء الوصي و الورثة للدين يوجب الضمان إلّا أنّ الضمان لا يلازم عدم جواز التأخير، و مع ذلك الأحوط عدم التأخير مع التمكن.

[ (مسألة 98) إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن

(مسألة 98) إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن (1)، كما أنّه لو كان على الميّت دين و كانت التركة وافية و تلفت بإهمال ضمن.

[ (مسألة 99) على القول بوجوب البلدية و كون المراد بالبلد الوطن إذا كان له وطنان

(مسألة 99) على القول بوجوب البلدية و كون المراد بالبلد الوطن إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكة إلّا مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد، نعم مع عدم تفاوت الأجرة يكون الحكم بالتخيير. (1) بمعنى أن نقصان القيمة و إن لم يكن بحدوث نقص في تركته يوجب ضمان الورثة أو الوصي الإحجاج عن الميت، حيث إنه مع الإهمال فوتوا الحج على الميت. كما يشهد ذلك ما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) بعد ذكر «ضمان ناقل الزكاة» و كذلك «الوصي الذي يوصي اليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا أوجد ربّه الذي أمر بدفعه اليه» و بتعبير آخر تأخيرهم في الإحجاج عن الميت إتلاف للحج عنه فيضمنون لمنعه.

[ (مسألة 100) بناءً على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب

(مسألة 100) بناءً على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب فلا اختصاص بحجّة الإسلام، فلو كان عليه حج نذري لم يقيد بالبلد و لا بالميقات يجب الاستئجار من البلد (1)، بل و كذا لو أوصى بالحج ندباً اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث.

[ (مسألة 101) إذا اختلف تقليد الميّت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميّت

(مسألة 101) إذا اختلف تقليد الميّت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميّت (2)، و إذا علم أنّ الميّت لم يكن مقلّداً في هذه المسألة فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصي أو العمل على طبق فتوى المجتهد الّذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعيّناً، و التخيير مع تعدّد المجتهدين و مساواتهم؟ وجوه، و على الأوّل فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصّته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد، (1) قد تقدم أن الحج النذري لا يخرج من أصل المال و إنما يخرج من الثلث بالوصية، و لو لم يكن في البين قرينة على وصيته بالحج البلدي أو كونه منذوراً فلا يبعد الاكتفاء بالحج الميقاتي. (2) لا يخفى أن تقليد الميت كان طريقاً إلى إحرازه الوظيفة بالإضافة إلى نفسه و لا يكون الطريق إلى وظيفة الوارث إلا تقليد نفسه، حيث انه يرث المال بعد إخراج الحج. و لو كان مقتضى تقليد الميت الاكتفاء بالحج من الميقات و تقليد الوارث الحج عنه من البلد لا يكون تقليد الميت طريقاً للوارث إلى تملك الزائد عن أجرة الحج الميقاتي، و كذا العكس. و عليه فعلى الوراث الأخذ بمقتضى تقليدهم و كونهم مكلفين بإخراج الحج عن الميت من تركته، و هكذا الحال إذا كان اختلاف

تقليد الميت و الورثة في شرائط وجوب الحج، فان الميزان في تملك التركة مقتضى تقليد الورثة، و أما إذا كان الاختلاف بين الورثة بحسب تقليدهم بان كان مقتضى تقليد بعضهم وجوب البلدي، و تقليد البعض الآخر الحج الميقاتي، أو وجوب الحج عن مورثهم، أو عدم وجوب الحج عنه، لعدم استقراره على مورثهم، فان بنى على خروج الدين عن سهام الوراث بنحو التقسيط كما التزمنا بذلك في إخراج ثلث الميت، فعلى كل من الورثة العمل على وظيفته بإخراج ما يخص حصته فان كان ما يخص حصته ذلك البعض بالحج و لو من الميقات فهو، و إلا يجري عليه ما تقدم من صرفه في وجوه الخير أو عوده إلى ملك الوارث. و هذا بخلاف ما قيل من كون خروج الحج عن تركة الميت بنحو الكلي في المعين، فالمتعين رفع الواقعة إلى الحاكم الشرعي و قضائه و يكون حكمه و قضائه نافذاً في حق الجميع على ما ذكر في بحث القضاء. و هذا كله إذا لم يكن إخراج الحج عن الميت بوصيته، و إلا يكون المتبع ظاهر وصيته و يعمل الوصي بها على ما استظهر منها. نعم إذا خاصمه الورثة في ظهور الوصية أو كون الحج من حجة الإسلام أو غيره ليخرج من ثلث الميت لا من التركة فالمرجع أيضاً المرافعة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 161

و يحتمل الرجوع إلى الحاكم لرفع النزاع فيحكم بمقتضى مذهبه نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة، و إذا اختلف تقليد الميّت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه و عدمه بأن يكون الميّت مقلداً لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية، فكان يجب عليه الحج و

الوارث مقلداً لمن يشترط ذلك فلم يكن واجباً عليه أو بالعكس فالمدار على تقليد الميّت (1). (1) قد تقدم أن المدار على تقليد الوارث، ففي الفرض لا يجب عليهم الإحجاج عن ميتهم إلا مع وصيته، و معه يخرج من ثلثه على ما ذكرنا.

[ (مسألة 102) الأحوط في صورة تعدّد من يمكن استئجاره، استئجار من أقلهم أجرة]

(مسألة 102) الأحوط في صورة تعدّد من يمكن استئجاره، استئجار من أقلهم أجرة مع إحراز صحّة عمله و لو مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية، و إن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب (1) لحال الميّت من حيث الفضل و الأوثقية مع عدم قبوله إلّا بأزيد و خروجه من الأصل، كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عن أقلهم أجرة و إن كانت أحوط.

[ (مسألة 103) قد عرفت أنّ الأقوى كفاية الميقاتية]

(مسألة 103) قد عرفت أنّ الأقوى كفاية الميقاتية، لكن الأحوط الاستئجار من البلد بالنسبة إلى الكبار من الورثة بمعنى عدم احتساب الزائد عن أجرة الميقاتية على القُصَّر إن كان فيهم قاصر.

[ (مسألة 104) إذا علم أنّه كان مقلداً و لكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة فهل يجب الاحتياط]

(مسألة 104) إذا علم أنّه كان مقلداً و لكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة فهل يجب الاحتياط أو المدار على تقليد الوصي أو الوارث؟ وجهان أيضاً (2).

[ (مسألة 105) إذا علم استطاعة الميّت مالًا و لم يعلم تحقّق سائر الشرائط في حقّه

(مسألة 105) إذا علم استطاعة الميّت مالًا و لم يعلم تحقّق سائر الشرائط في حقّه فلا يجب القضاء عنه (3)، لعدم العلم بوجوب الحج عليه لاحتمال فقد بعض الشرائط.

[ (مسألة 106) إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنّه أتى به أم لا]

(مسألة 106) إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنّه أتى به أم لا فالظاهر وجوب (1) و ذلك لدعوى انصراف الأمر بالقضاء إلى المناسب و المتعارف لحال الميت. (2) قد تقدم أن العبرة بتقليد الوارث و لا عبرة بتقليد الميت سواء علم ذلك أم لم يعلم. (3) و لو بالأصل في عدم اشتغال ذمة الميت بالحج، نعم لو بنى أن الموضوع لوجوب الحج على الميت في حياته هو الموضوع لوجوب القضاء عنه مع تركه إلى ان مات فيجب القضاء عنه، إذا أحرز تحقق الشرائط في حقه و لو بالأصل.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 163

القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمّته، و يحتمل عدم وجوبه عملًا بظاهر حال المسلم (1) و أنّه لا يترك ما وجب عليه فوراً، و كذا الكلام إذا علم أنّه تعلّق به خمس أو زكاة أو قضاء صلوات أو صيام و لم يعلم أنّه أداها أو لا.

[ (مسألة 107) لا يكفي الاستئجار في براءة ذمّة الميّت و الوارث بل يتوقّف على الأداء]

(مسألة 107) لا يكفي الاستئجار في براءة ذمّة الميّت و الوارث بل يتوقّف على الأداء، و لو علم أنّ الأجير لم يؤد وجب الاستئجار ثانياً، و يخرج من الأصل إن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير.

[ (مسألة 108) إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية]

(مسألة 108) إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن أجرة الميقاتية للورثة أو لبقيتهم.

[ (مسألة 109) إذا لم يكن للميّت تركة و كان عليه الحج لم يجب على الورثة شي ء]

(مسألة 109) إذا لم يكن للميّت تركة و كان عليه الحج لم يجب على الورثة شي ء و إن كان يستحب على وليّه، بل قد يقال بوجوبه للأمر به في بعض الأخبار (2). (1) لم يقم دليل على اعتبار ظاهر حال المسلم ما لم يكن في البين وثوق بأداء ما عليه، و إلا فمقتضى الاستصحاب بقاء اشتغال ذمته إذا لم يكن في البين أصل حاكم عليه. كما إذا شك في أداء الزكاة من العين الزكوية التي تركها أو أداء الخمس المتعلق بها، فان مقتضى يده على العين الموجودة كونها بتمامها ملكه عند موته، نظير ما إذا باع المالك العين الزكوية و شك المشتري في أداء زكاتها. و هذا بخلاف ما إذا أحرز أن ذمته كانت مشغولة بالزكاة أو الخمس لا تلافه العين و النصاب فان مقتضى الاستصحاب بقاء عهدته و عدم الأداء قبل موته، و لا ينافي ذلك ما دل على عموم ثبوت الدين على الميت إلا باليمين الاستظهاري. (2) ما ورد في خروج الحج من تركة الميت و الأمر بالاحجاج من ماله، ظاهره في ان وجوب القضاء عنه في فرض ثبوت التركة خصوصاً بملاحظة التصدق الوارد فيما إذا ضاقت تركة الميت للحج، و ما ورد في بعض الاخبار من الأمر بالقضاء لم يفرض فيه عدم وجود تركة للميت، و لو تم الإطلاق فيه يرفع اليد عنه بما أشرنا إليه من التقييد.

[ (مسألة 110) من استقر عليه الحج و تمكّن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرّعاً أو بإجارة]

(مسألة 110) من استقر عليه الحج و تمكّن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرّعاً أو بإجارة، و كذا ليس له أن يحج تطوعاً (1)، و لو خالف، فالمشهور البطلان بل ادّعى بعضهم عدم الخلاف فيه و بعضهم الإجماع عليه، و لكن

عن سيد المدارك التردّد في البطلان، و مقتضى القاعدة الصحّة و إن كان عاصياً في ترك ما وجب عليه كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، إذ لا وجه للبطلان إلّا دعوى أنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، و هي محل منع، و على تقديره لا يقتضي البطلان لأنّه نهي تبعي، و دعوى أنّه يكفي في عدم الصحّة عدم الأمر، مدفوعة بكفاية المحبوبية في حد نفسه في الصحّة كما في مسألة ترك الأهم و الإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين أو دعوى أنّ الزمان مختص بحجّته عن نفسه فلا يقبل لغيره، و هي أيضاً مدفوعة بالمنع إذ مجرّد الفورية لا يوجب الاختصاص، فليس المقام من قبيل شهر رمضان، حيث إنّه غير قابل لصوم آخر، و ربّما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام): عن الرجل الصرورة يحج عن الميّت، قال (عليه السّلام): «نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتّى يحج من ماله، و هي تجزئ عن الميّت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال» و قريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و هما كما ترى بالدلالة على الصحّة أولى، فإن غاية ما يدلان عليه أنّه لا يجوز له ترك حج نفسه، (1) إذا كان المكلف جاهلًا بأنه يجب على المستطيع في سنة استطاعته حجة الإسلام، و توهم أنه يجوز له ندباً في سنة استطاعته و الإتيان بحجة الإسلام بعد تلك السنة، حج ندباً يحكم بصحة حجة و اجزائه عن حجة

الإسلام، بل الحج المأتي به عين حجة الإسلام، لأن حجة الإسلام عبارة عن الحج المأتي به بعد تحقق شرائط وجوبه، غاية الأمر مع علمه بذلك و مع قصد الاستحباب في حجة يحكم بفساد المأتي به لكونه تشريعاً، و لا يقاس ذلك بالحج عن الغير بعد استطاعته بالإجارة أو تبرعاً فإنه لا مجال لفساد الحج عن الغير، لأن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده و الحج عن الغير مع الحج عن نفسه نوعان من الحج، و يمكن الأمر بالأول مترتباً على ترك الحج عن نفسه، نعم إذا بنى على ان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، فهذا النهي التبعي لا يمكن ان ينعقد لما دل على استحباب قضاء الحج عن الغير إطلاق، ليشمل الفرض، و لا يمكن مع عدم شمول الأمر إحراز الملاك، و بهذا يظهر الخلل فيما ذكر الماتن من ان النهي التبعي لا يمنع عن الحكم بالصحة. نعم إذا استوجر للحج عن الغير في سنة استطاعته أو من بعدها على تقدير تركها فيها يحكم ببطلان الإجارة، فإن الحج عن الغير المنشأ ملكه مطلقاً للمستأجر لا يمكن أن يتعلق باستئجاره الإمضاء يحكم بوجوب الوفاء بها مع وجوب الحج عن نفسه مطلقاً، و دعوى إمكان تعلق الإمضاء بالإجارة و إيجاب الوفاء به مشروطاً على ترك الحج عن نفسه لا يمكن المساعدة عليها، فإن المنشأ ملك المستأجر للحج عن ميتة بملكية مطلقة، و إمضاء الملكية المطلقة و وجوب الوفاء بالإجارة كذلك لا يجتمع مع وجوب الحج على الأجير بأن يحج عن نفسه، و لو فرض ان المنشأ بالإجارة هو ملك المستأجر الحج عن ميته معلقاً و مشروطاً بترك الأجير الحج عن نفسه، و هذا من التعليق

في العقد فيحكم ببطلانه. و دعوى ان المنشأ للمستأجر و إن يكون من قبيل الملك المطلق و لكن إمضاء الشارع و إيجابه الوفاء به معلق، يعني مشروط بترك الأخير الحج عن نفسه، نظير ما ينشئه المتعاقدان في بيع السلم ملك العوضين بالعقد و لكن إمضاء الشارع ذلك العقد مشروط بقبض الثمن في المجلس لا يمكن المساعدة عليها أيضاً، و ذلك فان عقد السلم ما لم يقبض الثمن في المجلس لا يكون مورد الإمضاء أصلًا، و إنما يتعلق به الإمضاء من حين قبض الثمن. حيث يتم به العقد لا أنه يتعلق به الإمضاء من الأول، لكنه على تقدير تحقق القبض في المجلس بنحو الشرط المتأخر. و هذا النحو من الإمضاء و إن كان ممكناً في بيع السلم أو غيره إلا انه خلاف ظاهر ما دل على اشتراط قبض الثمن فيه في المجلس، فان ظاهره أنه قيد لتمام العقد بنحو الشرط المقارن، و في مفروض المسألة لا يمكن أن يكون سقوط

وجوب الحج عن نفسه تركه في سنة الاستطاعة شرطاً لتمام عقد الإجارة، حيث إن لم يخرج إلى الحج حتى فوات زمن الخروج لم يمكن الوفاء بالعقد أيضاً، و مع خروجه و إحرامه للحج عن الغير فلا يمكن فرض تمام عقد الإجارة، حيث وقعت اعماله قبل تمام عقدها، و بتعبير آخر الملك المنشأ في الإجارة ملك مطلق لا معلّق و إلّا بطلت الإجارة للتعليق في عقده، و هذا الملك المطلق لا يمكن أن يقع مورد إمضاء الشارع كما إنشاء حتى بعد سقوط وجوب الحج عن نفسه كما ذكرنا فلا يقاس باشتراط القبض في بيع السلم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 165

فتردّد صاحب المدارك في محلّه، بل

لا يبعد الفتوى بالصحّة لكن لا يترك الاحتياط، هذا كلّه لو تمكّن من حج نفسه، و أمّا إذا لم يتمكّن فلا إشكال في الجواز و الصحّة عن غيره، بل لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه لعدم علمه باستطاعته مالًا أو لا يعلم بفورية وجوب الحج عن نفسه فحج عن غيره أو تطوعاً، ثمّ على فرض صحّة الحج عن الغير و لو مع التمكّن و العلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضاً صحيحة أو باطلة مع كون حجّه صحيحاً عن الغير؟ الظاهر بطلانها، و ذلك لعدم قدرته شرعاً على العمل المستأجر عليه لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه فوراً، و كونه صحيحاً على تقدير المخالفة لا ينفع في صحّة الإجارة، خصوصاً على القول بانّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، لأنّ اللَّه إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، و إن كانت الحرمة تبعية، فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد، مع قولكم بالصحة هناك كما إذا باعه عبداً و شرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحّة البيع و يكون للبائع خيار تخلف الشرط؟ قلت: الفرق أنّ في ذلك المقام المعاملة على تقدير صحّتها مفوتة لوجوب العمل بالشرط، فلا يكون العتق واجباً بعد البيع لعدم كونه مملوكاً له، بخلاف المقام حيث إنّا لو قلنا بصحّة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فوراً، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلًا فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة و إن قلنا إنّ النّهي التبعي لا يوجب البطلان، فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 166

لا لأجل النهي عن الإجارة، نعم

لو لم يكن متمكّناً من الحج عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحج عن غيره، و إن تمكن بعد الإجارة عن الحج عن نفسه لا تبطل إجارته بل لا يبعد صحّتها لو لم يعلم باستطاعته أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه فآجر نفسه للنيابة و لم يتذكّر إلى أن فات محل استدراك الحج عن نفسه كما بعد الفراغ أو في أثناء الأعمال. ثمّ لا إشكال في أنّ حجّه عن الغير لا يكفيه عن نفسه بل هو إمّا باطل كما عن المشهور أو صحيح عمّن نوى عنه كما قويناه، و كذا لو حجّ تطوّعاً لا يجزئه عن حجّة الإسلام في الصورة المفروضة فهو إمّا باطل أو صحيح و تبقى عليه حجّة الإسلام، فما عن الشيخ من أنّه يقع عن حجّة الإسلام لا وجه له، إذ الانقلاب القهري لا دليل عليه، و دعوى أنّ حقيقة الحج واحدة و المفروض إتيانه بقصد القربة فهو منطبق على ما عليه من حجّة الإسلام مدفوعة بأنّ وحدة الحقيقة لا تجدي بعد كون المطلوب

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 167

هو الإتيان بقصد ما عليه، و ليس المقام من باب التداخل بالإجماع، كيف و إلّا لزم كفاية الحج عن الغير أيضاً عن حجّة الإسلام، بل لا بدّ من تعدّد الامتثال مع تعدّد الأمر وجوباً و ندباً أو مع تعدّد الواجبين، و كذا ليس المراد من حجّة الإسلام الحج الأوّل بأي عنوان كان كما في صلاة التحيّة و صوم الاعتكاف، فلا وجه لما قاله الشيخ (قدّس سرّه) أصلًا، نعم لو نوى الأمر المتوجّه إليه فعلًا و تخيّل أنّه أمر ندبي غفلة من كونه مستطيعاً أمكن القول بكفايته عن حجّة

الإسلام لكنّه خارج عمّا قاله الشيخ، ثمّ إذا كان الواجب عليه حجّا نذرياً أو غيره و كان وجوبه فورياً فحاله ما ذكرنا في حجّة الإسلام من عدم جواز حج غيره و أنّه لو حجّ صحّ أولا و غير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة.

[فصل في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين

اشارة

فصل في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين و يشترط في انعقاده البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، فلا ينعقد من الصبي و إن بلغ عشراً و قلنا بصحّة عباداته و شرعيتها، لرفع قلم الوجوب عنه، و كذا لا تصحّ من المجنون و الغافل و الساهي و السكران و المكره، و الأقوى صحّتها من الكافر (1) وفاقاً للمشهور في اليمين خلافاً لبعض و خلافاً للمشهور في النذر وفاقاً لبعض، و ذكروا في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين و اعتباره في النذر و لا تتحقّق القربة في الكافر، و فيه أوّلًا أنّ القربة لا تعتبر في النذر بل هو مكروه، و إنّما تعتبر في متعلّقه حيث (1) الصحة مبتنية على كون الكفار مكلفين بالفروع، و إن لا يسقط وجوب الوفاء بها بعد إسلامهم، و في كل من الأمرين تأمل، بل منع. و دعوى الانصراف في قاعدة الجبّ لا يمكن المساعدة عليها سواء أريد انصراف خبر جبّ الإسلام أو قصور السيرة المحرزة من زمان النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعدم إلزام الكفار بعد إسلامهم بتدارك ما كان عليهم حال كفرهم، فإن السيرة المشار إليها جارية في نذورهم حتى ما إذا كان المنذور العبادة المشروعة في الإسلام، و لذا لا يبعد بطلان نذورهم و نحوها حتى ما إذا احتملوا حقانية الإسلام. و أمكن بذلك قصد التقرب

حال كفرهم خصوصاً في الحج المتوقف على الدخول في المسجد الحرام، فان النذر في مثل ذلك لا يكون من التوصل الذي أثبتتهُ الشرائع السابقة عندهم نظير بعض المحرمات أو بعض الواجبات كأداء الدين مما لا يجري فيها قاعدة الجبّ.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 169

إنّ اللازم كونه راجحاً شرعاً، و ثانياً إنّ متعلّق اليمين أيضاً قد يكون من العبادات، و ثالثاً أنّه يمكن قصد القربة من الكافر أيضاً، و دعوى عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام، مدفوعة بإمكان إسلامه ثمّ إتيانه فهو مقدور لمقدورية مقدمته فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات و يعاقب على مخالفته و يترتّب عليها وجوب الكفارة فيعاقب على تركها أيضاً، و إن أسلم صح إن أتى به و يجب عليه الكفارة لو خالف و لا يجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لانصرافها عن المقام، نعم لو خالف و هو كافر و تعلّقت به الكفارة فأسلم لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل.

[ (مسألة 1) ذهب جماعة إلى أنّه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى

(مسألة 1) ذهب جماعة إلى أنّه يشترط في انعقاد (1) اليمين من المملوك إذن المولى، و في انعقاده من الزوجة إذن الزوج، و في انعقاده من الولد إذن الوالد، لقوله (عليه السّلام): «لا يمين لولد مع والده و لا للزوجة مع زوجها و لا للملوك مع مولاه» فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم ينعقد، و ظاهرهم اعتبار الإذن السابق فلا تكفي الإجازة بعده (1) منشأ الخلاف في المقام اختلاف الاستظهار من صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و غيرها، قال: قال: رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) «لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة

مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة» «1» قد يقال ظاهرها نفي اليمين للولد بمعنى أنه لا يتحقق اليمين من الجماعة و إن النفي ادعائي بمعنى لا أثر ليمينهم كما هو الحال في غيرها من الفقرات الواردة فيها المروية في الفقيه، و بما أن النفي المطلق غير مراد قطعاً و إلّا لكان ذكر الولد و المولى لغواً يتردد الأمر بين كون المراد نفي اليمين من غير اذن الوالد و الزوج و المولى أو كون المراد نفيها مع منعهم و نهيهم عن اليمين أو عن العمل بها و لو لم يتم لأحدهما فلا بدّ من الاقتصار على صورة المنع عن اليمين أو عن العمل بها الموجب لانحلالها، لانه القدر المتيقن في رفع اليد عن إطلاق ما دل على وجوب العمل باليمين و ترتب الكفارة على حنثها، كصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام)، قال: «سألته عما يكفر من الايمان؟ فقال: ما كان عليك ان تفعله، فحلفت أن لا تفعله، ففعلته، فليس عليك شي ء إذا فعلته، و ما لم يكن عليك واجباً أن تفعله، فحلفت أن لا تفعله، ثم فعلته، فعليك الكفارة» «2» و قريب منها غيرها، و لكن لا يبعد عدم الإجمال في صحيحة منصور بن حازم و ما هو بمفادها، فان ظاهرها نفي اليمين للولد إذا استقل بها كما هو مقتضى النفي مقيداً بمنع الوالد أو المولى فان مقتضاه نفي اليمين للولد حتى مع عدم نهى الوالد إذا كان مستقلا بها كما إذا لم يطلع والده بيمينه أصلًا، نعم لا يعتبر الاذن السابق بل إذا أجاز بعد يمين الولد يخرج الولد عن الاستقلال بها، و هكذا الحال في يمين الزوجة مع

زوجها و المملوك مع سيّده، و ليس دعوى الظهور مبتنية على تقدير الوجود بان يرد النفي على وجود اليمين، و ذلك فان نفي العنوان ظاهره عدم تحققه حتى فيما كان نفيه ادعائياً، و لا يتفاوت في ذلك بين القول باعتبار الإذن و نفي الاستقلال أو الحكم بالفساد في صورة منع الجماعة فقط. و بتعبير آخر قوله (عليه السّلام) مع الوالد فرض لوجوده و نفي اليمين للولد مع فرض وجود الوالد ظاهره عدم تحقق اليمين للولد باستقلاله، نظير ما ورد ليس للبكر أمر مع أبيها، و أما تقدير مع ممانعة والده و مزاحمته فيحتاج إلى ذكر القرينة عليه. فما ذكره الماتن (قدّس سرّه) من قوة القول بعدم اعتبار الاذن بل للمذكورين حل يمين الجماعة لا يخلو عن التأمل بل المنع، و اللَّه العالم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 170

مع أنّه من الإيقاعات، و ادّعى الاتفاق على عدم جريان الفضولية فيها و إن كان يمكن دعوى أنّ القدر المتيقّن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير مثل الطلاق و العتق و نحوهما لا مثل المقام ممّا كان في مال نفسه غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه و لا فرق فيه بين الرضا السابق و اللاحق خصوصاً إذا قلنا إنّ الفضولي على القاعدة.

و ذهب جماعة إلى أنّه لا يشترط الإذن في الانعقاد لكن للمذكورين حلّ يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقاً بنهي أو إذن، بدعوى أنّ المنساق من الخبر المذكور و نحوه أنّه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمه جواز حلهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به، و على هذا فمع النهي السابق

لا ينعقد و مع الإذن يلزم و مع عدمهما ينعقد و لهم حله. و لا يبعد قوة هذا القول، مع أنّ المقدّر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع و المعارضة أي لا يمين مع منع المولى مثلًا، فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الإجمال و القدر المتيقّن هو عدم الصحّة مع المعارضة و النهي بعد كون مقتضى العمومات الصحّة و اللزوم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 171

ثمّ إنّ جواز الحل أو التوقّف على الإذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقاً (1) كما هو ظاهر كلماتهم بل إنّما هو فيما كان المتعلّق منافياً لحق المولى أو الزوج و كان ممّا يجب (1) نفي اليمين للجماعة مع المذكورين مطلق و ذكرنا أن ظاهر النفي عدم تحقق اليمين منهم باستقلالهم من غير فرق بين كون متعلق اليمين مما يرتبط بحقوق المذكورين أم لم يرتبط بها، بل لو كان متعلق اليمين من قسم عدم رعاية حقوقهم الواجبة أو المستحبة يكون عدم انعقاده لكون متعلق اليمين مرجوحاً أو كان ترك ما حلف عليه أرجح، و لا يكون ذلك أمراً زائداً على ما يعتبر في صحة الحلف مطلقاً كما لا يخفى، و الاقتصار في الاستثناء في كلماتهم بما إذا كان الحلف على فعل الواجب و ترك الحرام و الحكم بالانعقاد فيها لا يدل على اختصاص النفي بما إذا كان متعلق الحلف مرتبطاً بحقوق المذكورين و إلا ذكروا ذلك في الاستثناء أيضاً، و لعل استثناء الأمرين ينشأ من دعوى عدم السبيل للوالد و الزوج و المولى في الواجبات و المحرمات، حيث إن الجماعة ملزومون بالواجبات و ترك المحرمات من قبل الشارع و

كون التزامهم بالإتيان في الواجبات الأصلية عليهم و ترك المحرمات كذلك من مقتضى أمر الشارع بها أو نهيه عنها، و لكن هذا أيضاً غير خال عن الخلل فان عدم السبيل للولد أو الزوجة أو العبد في الواجبات الأصلية و ترك المحرمات لا ينافي السبيل لهم في حلفهم عليهما لئلا يتحملوا ما يترتب على حلفهم عليها كما هو مقتضى إطلاق نفي اليمين على ما تقدم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 172

فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى، و أمّا ما لم يكن كذلك فلا كما إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى أو حلفت الزوجة أن تحج إذا مات زوجها أو طلقها أو حلفا أن يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءاً من القرآن أو نحو ذلك ممّا لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين فلا مانع من انعقاده، و هذا هو المنساق من الأخبار فلو حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة مثلًا لا مانع من انعقاده. و هكذا بالنسبة إلى المملوك و الزوجة، فالمراد من الأخبار أنّه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافياً لحق المذكورين، و لذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح و حكم بالانعقاد فيهما، و لو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء.

هذا كلّه في اليمين، و أمّا النذر فالمشهور بينهم أنّه كاليمين في المملوك و الزوجة،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 173

و ألحق بعضهم بهما الولد أيضاً، و هو مشكل لعدم الدليل عليه (1)، خصوصاً في الولد إلّا القياس

على اليمين بدعوى تنقيح المناط و هو ممنوع، أو بدعوى أنّ المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار منها خبران في كلام الإمام (عليه السّلام) و منها أخبار في كلام الراوي و تقرير الإمام (عليه السّلام) له، و هو أيضاً كما ترى، (1) و لكن قد يقال أن الاشكال لا يلائم ما قواه من اختصاص نفي اليمين بما إذا كان منافياً لحق الوالد، و لأن مع المنافاة لا يكون متعلق النذر راجحاً و الرجحان معتبر في انعقاد النذر، فالإلحاق على مبنى الاختصاص على القاعدة بخلاف ما إذا قيل بالعموم في نفي اليمين فإن إلحاق النذر باليمين مشكل لاحتمال الخصوصية في اليمين، و إطلاق الحلف عليه في بعض الموارد لا يوجب ظهوره في الأعم، بحيث يشمل النذر. و على ذلك فان كان المنذور على خلاف حق الوالد فلا ينعقد النذر لعدم رجحان متعلقه، و مع عدم منافاته أيضاً ينحل النذر بنهي الوالد عما نذره، لأن الإتيان بالمنذور يكون على خلاف المصاحبة بالمعروف و جواز حل يمين الولد لوالده بمنعه عن المنذور فهو أمر على القاعدة، حيث إن الوفاء لا يجب على الوالد فيكون له حكم نهيه.

أقول: المعتبر في النذر رجحان المنذور و ينحصر حق الوالد فيما إذا لم يكن فعل الولد راجعاً اليه، على ان لا يقصد بفعله تأثر والده و تألّمه، فنهي الوالد ولده عن صلاة الليل أو قراءة القرآن و نحو ذلك لا يخرج المنذور عن الرجحان، و لا يكون العمل بنذره مع عدم قصده تألم الوالد أو تأثره خروجاً عن المصاحبة بالمعروف. فالقول بانحلال نذره بنهي الوالد في أمثال ما ذكر غير تام. نعم إذا كان

المنذور يؤتي به بقصد تألمه و تأثره لا يكون المأتي به راجحاً، و لا ينعقد النذر بالإتيان به كذلك. و هذا لا يختص بنهي الوالد بل يجري في صورة نهي الوالدة أيضاً.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 174

فالأقوى في الولد عدم الإلحاق، نعم في الزوجة و المملوك لا يبعد الإلحاق (1) باليمين لخبر قرب الإسناد عن جعفر (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام): «أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: ليس على المملوك نذر إلّا بإذن مولاه» و صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السّلام) «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها» و ضعف الأوّل منجبر بالشهرة، و اشتمال الثاني على ما لا نقول به لا يضر. (1) فإن خبر قرب الاسناد سنده معتبر حيث ان الحسين بن علوان الكلبي موثق، كما يستفاد من كلام ابن عقده و يرويه عن جعفر بن محمد عن أبيه «ان علياً (عليه السّلام) كان يقول ليس على المملوك نذر، إلّا أن يأذن له سيّده» «1»، بل مدلوله له أعم بناءً على اختصاص نفي اليمين بصورة منع المولى، و أما نذر الزوجة فقد ورد في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها، إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها» «1» و حيث إنّ جواز عتق المرأة مملوكها و

صدقتها و تدبيرها و هبتها من القطعيات، و قوله «و لا نذر في مالها» معطوف على مدخول في قوله «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق» و يبعد نفي تفكيك أمرها بالإضافة إلى النذر في مالها و غيره، بأن يلتزم باستحباب الاستئذان من زوجها في غير النذر في مالها و لزومه في نذرها في مالها، بل مناسبة الحكم و الموضوع مقتضاها أن لا تخرج المرأة مالها فعلًا أو تقديراً عن ملكها إلا بالاستئذان من زوجها، و هذه الجهة اخلاقية توجب ان يدخل منشأ الاختلاف بينهما في معاشرتهما، و إلا فلو كان اذن الزوج شرطاً في صحة نذر المرأة كاشتراطه في يمينها، لما كان وجه لتقييد «نذرها بمالها» بل يذكر «و لا نذرها» ليعم سائر نذورها مما لا يرجع إلى المال، و على ذلك يجري على نذر المرأة مطلقاً ما ذكرنا في نذر الولد مع والده، و اللَّه سبحانه هو العالم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 175

ثمّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان (1)، و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟ كذلك وجهان.

و الأمة المزوجة عليها الاستئذان من الزوج و المولى بناءً على اعتبار الإذن. و إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته (2) الواجبة عليه من مصارف الحج، و هل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان.

ثمّ على القول بأنّ لهم الحل هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حل حلفهم أم لا (3)؟ وجهان. (1) إذا كان حلفها أو نذرها مخالفاً لحق زوجها فلا ينبغي التأمل في اعتبار اذن زوجها الموجب لإسقاط حقه، و الكلام فيما إذا لم يكن

ذلك مخالفاً لحقه و لا يبعد دعوى الإطلاق بالإضافة إلى ما ورد في اليمين، و القول بانصراف المرأة مع زوجها إلى ما كان بالعقد الدائم لأن المرأة المتزوجة متعة كالمستأجرة لا يمكن المساعدة عليه، و مجرد إطلاق المستأجرة على الزوجة متعة بالعناية لا يوجب عدم صدق عنوان الزوجة عليها، و عدم صدق عنوان الزوج على بعلها، و لذا لو أبدل عقد المتعة بعقد الاستئجار بطل و يحسب الدخول من الزنا. (2) حيث إن مقتضى اذن المولى في حلفه أو نذره أنه لا مانع من قبله ان يحج إذا أمكن له، و لذا لا يكون على المولى تخلية سبيله لتحصيل مؤنة الحج. و إنما يكون عليه الحج إذا صار واجداً إليها بالبذل له، و استصحبه الغير في حجّة. (3) لو قيل بعدم اعتبار الاذن في حلفهم و نذرهم و إنما يكون للمذكورين المنع عن الوفاء، فلا ينبغي التأمل في جواز الالتماس في حل حلفهم، و أما إذا قيل باعتبار الاذن في الحلف على ما تقدم فالحلف منهم بلا اذن باطل و لا أثر للالتماس. و مقتضى ما ذكرنا في النذر من ان الانحلال بالنهي يختص بما إذا كان الوفاء بالنذر مرجوحاً بالنهي، بحيث يكون الوفاء موجباً لتأثر الوالد و الخروج عن المصاحبة بالمعروف، فالتماس النهي و نهيهم لتسهيل الأمر للناذر فقط لا أثر له.

[ (مسألة 2) إذا كان الوالد كافراً ففي شمول الحكم له وجهان

(مسألة 2) إذا كان الوالد كافراً ففي شمول الحكم له وجهان، أوجههما العدم للانصراف و نفي السبيل.

[ (مسألة 3) هل المملوك المبعض حكمه حكم القِنّ أو لا؟]

(مسألة 3) هل المملوك المبعض حكمه حكم القِنّ أو لا؟ وجهان، لا يبعد الشمول، و يحتمل عدم توقف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المُهاياة خصوصاً إذا كان وقوع المتعلّق في نوبته.

[ (مسألة 4) الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى

(مسألة 4) الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى، و كذا في المملوك و المالك، لكن لا تلحق الأم بالأب (1).

[ (مسألة 5) إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ثمّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه

(مسألة 5) إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ثمّ انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه بقي على لزومه (2).

[ (مسألة 6) لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوّجت وجب عليها العمل

(مسألة 6) لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمّ تزوّجت وجب عليها العمل و إن كان منافياً للاستمتاع بها (3)، و ليس للزوج منعها من ذلك الفعل كالحج (1) هذا بالإضافة إلى اليمين، حيث لا اعتبار بإذن الأم في الانعقاد، و أما بالإضافة إلى حل اليمين و النذر بنهيها عن الوفاء به أو بالنذر فيلاحظ تأثرها في صورة المخالفة و الخروج عن المصاحبة بالمعروف. (2) بل الأظهر عدم لزومه إذا كان متعلق الحلف أو النذر منافياً لحق مولاه، و إذن مولاه الأول يوجب سقوط حقه ما دام باقياً على ملكه. (3) الأظهر انحلال يمينها و نذرها بمطالبة الزوج بحقه فان المعتبر في اليمين و النذر كون العمل المحلوف عليه أو المنذور راجحاً عند العمل، و مع التنافي لحق الزوج يكون العمل غير راجح، و لا يقاس ذلك باستئجار المرأة قبل زواجها للعمل من الغير، حيث إن زواجها بعد ذلك لا يمنع عن عملها بالاستئجار حتى فيما كان منافياً لحق الزوج، حيث إن عملها قبل زواجها صار ملكاً للغير فعليها أدائه إلى مالكه، و مما ذكر يظهر أن حلفها الصوم كل خميس مطلقاً أو مقيداً بما إذا تزوجت بزيد لا أثر له، فان لزوجها بعد تزوجها المطالبة بحق الاستمتاع سواء حلف أو نذر الاستمتاع بها أم لا.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 177

و نحوه، بل و كذا لو نذرت أنّها لو تزوّجت بزيد مثلًا صامت كل خميس، و كان المفروض أنّ زيداً أيضاً حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوّجها

فإن حلفها أو نذرها مقدم على حلفه، و إن كان متأخّراً في الإيقاع لأن حلفه لا يؤثر شيئاً في تكليفها بخلاف نذرها، فإنّه يوجب الصوم عليها لأنّه متعلق بعمل نفسها فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.

[ (مسألة 7) إذا نذر الحج من مكان معيّن كبلدة أو بلد آخر معيّن فحجّ من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته

(مسألة 7) إذا نذر الحج من مكان معيّن كبلدة أو بلد آخر معيّن فحجّ من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته و وجب عليه ثانياً، نعم لو عيّنه في سنة فحجّ في تلك السنة من غير ذلك المكان، وجبت عليه الكفارة لعدم إمكان التدارك، و لو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا، و خالف فحج من غير ذلك المكان برئ من النذر الأوّل، و وجبت عليه الكفارة لخلف النذر الثاني، كما أنّه لو نذر أن يحج حجّة الإسلام من بلد كذا، فخالف فإنّه يجزئه عن حجّة الإسلام و وجبت عليه الكفارة لخلف النذر (1). (1) و ذلك فإنه قد تقدم كون الطبيعي مطلوباً و محبوباً في ضمن أي فرد أو حصة كاف في صحة نذرهما، و حيث انه لم يأت بالمنذور عند حجه من مكان آخر فعليه الإتيان بالمنذور بعد ذلك، و لا يكون عليه شي ء، هذا إذا لم يعين سنة للمنذور و إلا وقع الحنث و تكون عليه الكفارة فقط.

نعم إذا نذر ان يحج في سنة من غير تعيين مكان للخروج اليه، ثم نذر ان يخرج اليه من مكان عينه فان لم يكن للخروج اليه من ذلك المكان رجحان فلا يقع حنث إذا خرج اليه من غيره، لعدم انعقاد نذره الثاني لعدم الرجحان في متعلقه، بخلاف ما إذا كان له رجحان كالخروج من المدينة أو

كربلاء المعلى و غيرهما من المشاهد المشرفة، فإنه مع الحج من غيره و إن لا يقع حنث بالإضافة إلى نذره الأول، إلا انه تجب عليه الكفارة لحنث نذره الثاني، و بذلك يظهر الحال فيما إذا نذر الخروج إلى حجة الإسلام من بلد ثم خالفه.

[ (مسألة 8) إذا نذر أن يحج و لم يقيده بزمان

(مسألة 8) إذا نذر أن يحج و لم يقيده بزمان، فالظاهر جواز التأخير إلى ظنّ الموت (1) أو الفوت، فلا تجب عليه المبادرة إلّا إذا كان هناك انصراف، فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصياً، و القول بعصيانه مع تمكّنه في بعض تلك الأزمنة و إن جاز التأخير لا وجه له، و إذا قيّده بسنة معيّنة لم يجز التأخير مع فرض تمكّنه في تلك السنة، فلو أخّر عصى و عليه القضاء و الكفارة (2)، و إذا مات وجب (1) و ما يمكن ان يقال في وجه ما ذكر كون أصالة السلامة في أمثال المقام أصل عقلائي يحرز به التمكن و الإتيان بالفعل مستقبلًا ما لم يكن في البين ما يظن معه بعدم التمكن كالموت أو غيره، و المفروض ان المنذور نفس طبيعي الفعل من غير تقييده بزمان معين، و لكن مجرد كون ما ذكر طريقاً معتبراً و لو مع عدم الوثوق بعدم فوت الواجب فيه تأمل و الأظهر جواز التأخير، ما دام الوثوق بالتمكن و عدم الفوت، و مع عدمه يتعين الإتيان به خروجاً عن التكليف الفعلي المحرز. (2) لا مورد للتأمل في العصيان و الكفارة، و أما وجوب القضاء فقد تعرضنا لذلك في مسألة 83 من مسائل شرائط وجوب الحج، و ذكرنا انه لم يثبت وجوب قضاء الحج المنذور و أنه مبني على الاحتياط. و

مما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا مات فإنه لم يجب عنه القضاء سواء أ كان موته قبل خروج الزمان المعين لفعله المنذور أو بعده، فان القضاء يحتاج إلى قيام دليل عليه، و لم يقم في المقام ما يدل عليه كما تعرضنا لذلك في تلك المسألة؛ نعم طريق الاحتياط ظاهر بالإضافة إلى الورثة أو الوصي فيما إذا أوصى بصرف ثلثه في الخيرات، فان صرفه في موارد الاحتياط من الخيرات أيضاً.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 179

قضاؤه عنه، كما أنّ في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكّنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه، و القول بعدم وجوبه بدعوى أنّ القضاء بفرض جديد، ضعيف لما يأتي.

و هل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث؟ قولان.

فذهب جماعة إلى القول بأنّه من الأصل لأنّ الحج واجب مالي، و إجماعهم قائم على أنّ الواجبات المالية تخرج من الأصل.

و ربّما يورد عليه بمنع كونه واجباً مالياً و إنّما هو أفعال مخصوصة بدنية، و إن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدماته، كما أنّ الصلاة أيضاً قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك.

و فيه أنّ الحج في الغالب محتاج إلى بذل المال بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية، فإن كان هناك إجماع أو غيره على أنّ الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعاً.

و أجاب صاحب الجواهر (رحمه اللَّه) بأنّ المناط في الخروج من الأصل كون الواجب ديناً و الحج كذلك فليس تكليفاً صرفاً كما في الصلاة و الصوم، بل للأمر به جهة وضعية، فوجوبه على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية، فلذا يخرج من الأصل كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة

بأنّه دين أو بمنزلة الدين.

قلت: التحقيق أنّ جميع الواجبات الإلهية ديون اللَّه تعالى سواء كانت مالًا أو عملًا مالياً أو عملًا غير مالي، فالصلاة و الصوم أيضاً ديون اللَّه و لهما جهة وضع فذمة المكلّف مشغولة بهما، و لذا يجب قضاؤهما فإنّ القاضي يفرغ ذمّة نفسه أو ذمّة الميّت، و ليس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 180

القضاء من باب التوبة أو من باب الكفارة بل هو إتيان لما كانت الذمّة مشغولة به، و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل، بل مثل قوله: «للَّه عليّ أن أعطي زيداً درهماً» دين إلهي لا خَلقي فلا يكون الناذر مديوناً لزيد بل هو مديون للَّه بدفع الدرهم لزيد، و لا فرق بينه و بين أن يقول: «للَّه عليّ أن أحجّ» أو «أن أصلّي ركعتين» فالكل دين اللَّه، و دين اللَّه أحقّ أن يقضى كما في بعض الأخبار، و لازم هذا كون الجميع من الأصل، نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمّة به بعد فوته لا يجب قضاؤه لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه و لا بعد موته سواء كان مالًا أو عملًا، مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة، فإنّه لو لم يعطه حتّى مات لا يجب عليه و لا على وارثه القضاء، لأنّ الواجب إنّما هو حفظ النفس المحترمة و هذا لا يقبل البقاء بعد فوته، و كما في نفقة الأرحام فإنّه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكّنه لا يصير ديناً عليه لأنّ الواجب سدّ الخَلّة و إذا فات لا يتدارك.

فتحصّل أنّ مقتضى القاعدة في الحج النذري إذا تمكّن و ترك حتّى مات، وجوب قضائه

من الأصل لأنّه دين إلهي، إلّا أن يقال بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات، و هو محل منع، بل دين اللَّه أحقّ أن يقضى.

و أمّا الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث، فاستدلوا بصحيحة ضريس و صحيحة ابن أبي يعفور الدالّتين على أنّ من نذر الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه، و إذا كان نذر الإحجاج كذلك مع كونه مالياً قطعاً فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل.

و فيه أنّ الأصحاب لم يعملوا بهذين الخبرين في موردهما فكيف يعمل بهما في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 181

غيره. و أمّا الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض بناءً على خروج المنجزات من الثلث فلا وجه له بعده كون الأقوى خروجها من الأصل.

و ربّما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة، أو على صورة عدم التمكّن من الوفاء حتّى مات، و فيهما ما لا يخفى خصوصاً الأوّل.

[ (مسألة 9) إذا نذر الحج مطلقاً أو مقيّداً بسنة معيّنة و لم يتمكّن من الإتيان به حتّى مات

(مسألة 9) إذا نذر الحج مطلقاً أو مقيّداً بسنة معيّنة و لم يتمكّن من الإتيان به حتّى مات لم يجب القضاء عنه، لعدم وجوب الأداء عليه حتّى يجب القضاء عنه، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره.

[ (مسألة 10) إذا نذر الحج معلّقاً على أمرٍ كشفاء مريضة أو مجي ء مسافرة، فمات قبل حصول المعلّق عليه

(مسألة 10) إذا نذر الحج معلّقاً على أمرٍ كشفاء مريضة أو مجي ء مسافرة، فمات قبل حصول المعلّق عليه، هل يجب القضاء عنه أم لا؟ المسألة مبنيّة على أنّ التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلّق (1)، فعلى الأوّل لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط، و إن كان متمكّناً من حيث المال و سائر الشرائط، و على الثاني يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجباً عليه من الأوّل، إلّا أن يكون نذره منصرفاً إلى بقاء حياته حين حصول الشرط.

[ (مسألة 11) إذا نذر الحج و هو متمكّن منه فاستقر عليه ثمّ صار معضوباً لمرض أو نحوه أو مصدوداً بعدوّ أو نحوه

(مسألة 11) إذا نذر الحج و هو متمكّن منه فاستقر عليه ثمّ صار معضوباً لمرض أو (1) لا يخفى ان الواجب المعلق أيضاً مشروط بالتمكن من الفعل في ظرفه بنحو الشرط المتأخر، و إذا مات المكلف قبل حلول ظرف العمل لا يكشف حصول الشرط عن فعلية الوجوب في حقه حين النذر؛ و على الجملة وجوب القضاء غير ثابت في الفرض حتى بناء على وجوب قضاء الحج المنذور مع فعليته و موت الناذر قبل أن يأتي به عذراً أو عصياناً.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 182

نحوه أو مصدوداً بعدوّ أو نحوه، فالظاهر وجوب استنابته حال حياته، لما مرّ من الأخبار سابقاً في وجوبها، و دعوى اختصاصهابحجّة الإسلام ممنوعة كما مرّ سابقاً، و إذا مات وجب القضاء عنه، و إذا صار معضوباً أو مصدوداً قبل تمكّنه و استقرار الحج عليه أو نذر و هو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكّنه من حيث المال، ففي وجوب الاستنابة و عدمه حال حياته و وجوب القضاء عنه بعد موته قولان، أقواهما العدم. و إن قلنا بالوجوب بالنسبة إلى

حجّة الإسلام إلّا أن يكون قصده من قوله: «للَّه عليّ أن أحج» الاستنابة.

[ (مسألة 12) لو نذر أن يحج رجلًا في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه وجب عليه القضاء و الكفارة]

(مسألة 12) لو نذر أن يحج رجلًا في سنة معيّنة فخالف مع تمكّنه وجب عليه القضاء و الكفارة، و إن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة لأنّهما واجبان ماليان بلا إشكال، و الصحيحتان المشار إليهما سابقاً الدالّتان على الخروج من الثلث معرض عنهما كما قيل، أو محمولتان على بعض المحامل، و كذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معيّنة مطلقاً أو معلقاً على شرط و قد حصل و تمكّن منه و ترك حتّى مات، فإنّه يقضى عنه من أصل التركة، و أمّا لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه و لم يتمكّن منه حتّى مات، ففي وجوب قضائه و عدمه وجهان، أوجههما ذلك لأنّه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار ديناً، غاية الأمر أنّه ما لم يتمكّن معذور، و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه أنّه لا يعد ديناً مع عدم التمكّن منه، و اعتبار المباشرة بخلاف الإحجاج فإنّه كنذر بذل المال، كما إذا قال: «للَّه عليّ أن أعطي الفقراء مائة درهم» و مات قبل تمكّنه، و دعوى كشف عدم التمكّن عن عدم الانعقاد ممنوعة (1)، ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشري و إن استلزم صرف المال، فإنّه لا يعد ديناً عليه بخلاف الأوّل. (1) قد تقدم منه (قدّس سرّه) في مسألة 72 من الفصل السابق الالتزام بالاختصاص بدعوى أن المتيقن من الاخبار أو منصرفها خصوص حجة الإسلام، و ذكرنا ان الاختصاص في بعض الاخبار لكون المفروض فيها أو منصرفها حجة الإسلام لا ينافي الإطلاق في مثل معتبرة محمد بن مسلم مقتضاه العموم فراجع، حيث أوضحنا أن

ذكر ارادة الحج لا يقتضي اختصاصها بالحج الإرادي بغير الاستحبابي، فان ارادة الامتثال تجري في الواجب و المستحب كما لا يخفى، و بتعبير آخر الاستنابة تعميم للامتثال إذا كان المكلف معذوراً في المباشرة؛ نعم لا يبعد اعتبار سبق التمكن من المباشرة و كونه مكلفاً به قبل ذلك في وجوب الاستنابة، كما هو ظاهر الاستقرار المفروض في عبارة الماتن.

[ (مسألة 13) لو نذر الإحجاج معلقاً على شرط كمجي ء المسافر أو شفاء المريض، فمات قبل حصول الشرط]

(مسألة 13) لو نذر الإحجاج معلقاً على شرط كمجي ء المسافر أو شفاء المريض، فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك و تمكّنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه (1)، إلّا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيّاً حينه، و يدلّ على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك فيمن كانت له جارية حبلى فنذر إن هي ولدت غلاماً أن يُحجه أو يَحج عنه، حيث قال الصادق (عليه السّلام) بعد ما سئل عن هذا-: «إن رجلًا نذر في ابن له إن هو أدرك أن يُحجه أو يحج عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعد فأتى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فسأله عن ذلك فأمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أن يُحَج عنه ممّا ترك أبوه» و قد عمل به جماعة، و على ما ذكرنا لا يكون مخالفاً للقاعدة، كما تخيله سيد الرياض و قرره عليه صاحب الجواهر و قال: إن الحكم فيه تعبدي على خلاف القاعدة.

[ (مسألة 14) إذا كان مستطيعاً و نذر أن يحج حجّة الإسلام انعقد على الأقوى

(مسألة 14) إذا كان مستطيعاً و نذر أن يحج حجّة الإسلام انعقد على الأقوى (2) (1) قد تقدم في مسألة 83 من مسائل شرائط وجوب الحج عدم ثبوت وجوب القضاء، فيما كان المنذور الحج، و أما الإحجاج ففيما إذا مات بعد تمكنه عنه فالأحوط بل الأظهر قضائه و يخرج من ثلثه. (2) المفروض في المسألة كون النذر حال الاستطاعة و وجوب حجة الإسلام عليه، و حيث ان وجوبها فوري لعدم جواز تسويفها، فاللازم ان يكون نذره بحيث لا ينافي عدم جواز تسويفها بان ينذرها فوراً ففوراً، و إلا كان نذره محكوماً بالبطلان، كما لو نذر الإتيان بها

بعد سنتين، إلا إذا علق النذر على تقدير تركها في السنة الأولى و الثانية و كما إذا نذر الإتيان بحجة الإسلام مطلقاً و لو بتأخيرها إلى السنين الآتية، ثم إذا صح نذره فيوجب عدم الوفاء بالكفارة عليه؛ و لكن إذا مات وجب قضاء الحج بعنوان قضاء حجة الإسلام من تركته، كما تقدم من عدم ثبوت القضاء في الحج النذري، كما لا تجب الكفارة من تركته، بل من ثلثه إذا أوصى بها كسائر الواجبات التي تخرج من الثلث بالوصية بها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 184

و كفاه حج واحد، و إذا تُرك حتّى مات وجب القضاء عنه و الكفارة من تركته، و إذا قيده بسنة معيّنة فأخّره عنها وجبت عليه الكفارة، و إذا نذر في حالة عدم الاستطاعة انعقد أيضاً، و وجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة، إلّا أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة.

[ (مسألة 15) لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية]

(مسألة 15) لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية، بل يجب مع القدرة العقلية، خلافاً للدروس، و لا وجه له، إذ حاله حال سائر الواجبات الّتي تكفيها القدرة عقلًا.

[ (مسألة 16) إذا نذر حجّا غير حجّة الإسلام في عامه، و هو مستطيع

(مسألة 16) إذا نذر حجّا غير حجّة الإسلام في عامه، و هو مستطيع لم ينعقد (1)، إلّا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت، و يحتمل الصحّة مع الإطلاق أيضاً إذا زالت حملًا لنذره على الصحّة. (1) قد تقدم أن حجّه مع الاستطاعة المعتبرة في وجوب حجة الإسلام عين حجة الإسلام، و عليه فان كان منذورة الحج عن نفسه ينعقد نذره فتدخل في المسألة الرابع عشرة، و إن كان المنذور الحج عن غيره، فلا ينعقد نذره لكون منذورة مستلزماً لترك الواجب عليه، إلّا أن يكون منذورة بحيث لا ينافي وجوب الحج عليه، بان ينذر الحج عن الغير على تقدير ترك الحج الواجب عليه، و هذا مع بقاء استطاعته للحج. و أما إذا نذر الحج عن الغير و زالت استطاعته في وقت يمكن فيه الإتيان بالحج عن الغير، وجب الوفاء بنذره، لان زوالها يكشف عن عدم وجوب حجة الإسلام عليه، و عدم كون حجه عن الغير مرجوحاً.

[ (مسألة 17) إذا نذر حجّا في حال عدم الاستطاعة الشرعية، ثمّ حصلت له

(مسألة 17) إذا نذر حجّا في حال عدم الاستطاعة الشرعية، ثمّ حصلت له فإن كان موسعاً أو مقيّداً بسنة متأخّرة قدم حجّة الإسلام (1) لفوريتها، و إن كان مضيقاً بأن قيده بسنة معيّنة، و حصل فيها الاستطاعة أو قيده بالفورية قدمه، و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت، و إلّا فلا، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي، و يحتمل وجوب تقديم النذر، و لو مع كونه موسعاً، لأنّه دين عليه بناءً على أنّ الدين و لو كان موسعاً يمنع عن تحقّق الاستطاعة خصوصاً مع ظنّ عدم تمكّنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجّة الإسلام.

[ (مسألة 18) إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً ثمّ استطاع و أهمل عن وفاء النذر في عامه

(مسألة 18) إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فورياً ثمّ استطاع و أهمل عن وفاء النذر في عامه، وجب الإتيان به في العام القابل مقدماً على حجّة الإسلام، و إن بقيت الاستطاعة إليه لوجوبه عليه فوراً ففوراً فلا يجب عليه حجّة الإسلام إلّا بعد الفراغ عنه، لكن عن الدروس أنّه قال بعد الحكم بأنّ استطاعة النذر شرعية لا عقلية: «فلو نذر ثمّ استطاع صرف ذلك إلى النذر، فإن أهمل و استمرّت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت حجّة الإسلام أيضاً» و لا وجه له، نعم لو قيد نذره بسنة معيّنة، و حصلت و حصل فيها الاستطاعة، فلم يف بها و بقيت استطاعته إلى العام المتأخّر أمكن أن يقال (1) بل الإتيان بحجة الإسلام كاف في الوفاء بنذره أيضاً، سواء كان المنذور الحج مطلقاً أو مقيداً بسنة الاستطاعة، بل بغيرها مع تأخيره حجة الإسلام إلى تلك السنة، و إن كان عاصياً بتركها قبلها، كل ذلك فان الوفاء بالنذر عبارة عن الإتيان بالمنذور، و إذا كان المنذور طبيعي الحج فقد تحقق

بحجة الإسلام؛ نعم لو كان المنذور الحج عن غيره جرى فيه ما تقدم في المسألة السابقة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 186

بوجوب حجّة الإسلام أيضاً، لأنّ حجّه النذري صار قضاءً موسعاً، ففرق بين الإهمال مع الفورية و الإهمال مع التوقيت بناءً على تقديم حجّة الإسلام مع كون النذر موسعاً (1).

[ (مسألة 19) إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجّة الإسلام و لا بغيرها و كان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك

(مسألة 19) إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجّة الإسلام و لا بغيرها و كان مستطيعاً أو استطاع بعد ذلك، فهل يتداخلون، فيكفي حج واحد عنهما أو يجب التعدّد أو يكفي نيّة الحج النذري عن حجّة الإسلام دون العكس؟ أقوال، أقواها الثاني (2)، لأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب، و القول بأنّ الأصل هو التداخل ضعيف، و استدلّ الثالث بصحيحتي رفاعة و محمّد بن مسلم: «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه فمشى هل يجزئه عن حجّة الإسلام؟ قال (عليه السّلام): نعم»، و فيه أنّ ظاهرهما كفاية الحج النذري عن حجّة الإسلام مع عدم الاستطاعة و هو غير معمول به، و يمكن حملهما على أنّه نذر المشي لا الحج، ثمّ أراد أن يحج فسئل (عليه السّلام) عن أنّه هل يجزئه هذا الحج الّذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا؟ فأجاب (عليه السّلام) بالكفاية، نعم لو نذر أن يحج مطلقاً أيّ حج كان كفاه عن نذره حجّة الإسلام بل الحج النيابي و غيره أيضاً، لأن مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأيّ وجه كان. (1) قد ظهر ما في هذه المسألة مما ذكرناه في المسألة السابقة. (2) بل المتعين هو الأول، و ذلك فان الحج بعد تحقق الاستطاعة بعينه حجة الإسلام، و عليه فان كان متعلق نذره قبل حصول الاستطاعة

طبيعي الحج مطلقاً أو في تلك السنة، و حصلت الاستطاعة فيها، ينطبق على حجة إسلامه طبيعي الحج أو الحج في تلك السنة. نعم لو كان متعلقه الحج قبل الاستطاعة أو بعد الإتيان بحجة الإسلام، فبحصول الاستطاعة ينحل نذره في الأول لعدم تمكنه من منذورة، و في الثاني يجب الإتيان بحج آخر بعد حجة الإسلام للوفاء بنذره، لكون متعلق نذره حج آخر لا ينطبق على حجة الإسلام.

[ (مسألة 20) إذا نذر الحج حال عدم استطاعته معلّقاً على شفاء ولده مثلًا، فاستطاع قبل حصول المعلّق عليه

(مسألة 20) إذا نذر الحج حال عدم استطاعته معلّقاً على شفاء ولده مثلًا، فاستطاع قبل حصول المعلّق عليه، فالظاهر تقديم حجّة الإسلام، و يحتمل تقديم المنذور (1) إذا فرض حصول المعلّق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فورياً، بل هو المتعيّن، إن كان نذره من قبيل الواجب المعلّق.

[ (مسألة 21) إذا كانت عليه حجّة الإسلام و الحج النذري، و لم يمكنه الإتيان بهما]

(مسألة 21) إذا كانت عليه حجّة الإسلام و الحج النذري، و لم يمكنه الإتيان بهما، إمّا لظنّ الموت أو لعدم التمكّن إلّا من أحدهما، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً أو التخيير أو تقديم حجّة الإسلام لأهميّتها وجوه، أوجهها الوسط و أحوطها الأخير (2)، و كذا إذا مات و عليه حجّتان و لم تف تركته إلّا لأحدهما، و أمّا إن وفت التركة فاللازم استئجارهما (3) و لو في عام واحد. (1) قد تقدم أن الحج يتم مع تحقق الاستطاعة و تكون حجة الإسلام، فإن كان المنذور هو الحج قبل الاستطاعة، فهذا النذر ينحل بحصول الاستطاعة، و إن كان الحج المنذور هو الطبيعي تكون حجة إسلامه كافية عن الوفاء بنذره. (2) إذا كان الحج المنذور لا ينطبق على حجة الإسلام و قدمت حجة الإسلام لكونها أهم، بل لا يجتمع في باب التزاحم التخيير بين الحج النذري أو حجة الإسلام مع الاحتياط في تقديم حجة الإسلام لأن احتمال الأهمية في هذا الباب معين. (3) وجوب قضاء الحج النذري غير ظاهر كما تقدم، و على الوجوب يخرج من الثلث لأمن أصل التركة.

[ (مسألة 22) من عليه الحج الواجب بالنذر الموسع، يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله

(مسألة 22) من عليه الحج الواجب بالنذر الموسع، يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله (1).

[ (مسألة 23) إذا نذر أن يَحج أو يُحج عنه انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير]

(مسألة 23) إذا نذر أن يَحج أو يُحج عنه انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير، و إذا تركهما حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً (2).

و إذا طرأ من أحدهما معيّناً تعيّن الآخر، و لو تركه أيضاً حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّراً أيضاً، لأنّ الواجب كان على وجه التخيير فالفائت هو الواجب المخيّر و لا عبرة بالتعيين العرضي، فهو كما كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان، و كان عاجزاً عن بعض الخصال ثمّ مات فإنّه يجب الإخراج من تركته مخيّراً، و إن تعيّن عليه في حال حياته في إحداها فلا يتعيّن في ذلك المتعيّن. (1) هذا فيما إذا لم ينطبق المنذور من الحج على المأتي به، كما إذا كان المنذور الحج عن أبيه، و المأتي به الحج عن نفسه، أو بالعكس، و أما إذا كان كل منهما عن نفسه يكون المأتي به وفاءً للنذر أيضاً، نظير ما إذا نذر صوم يوم من أيام الشهر، فصام يوم الخميس بنية امتثال استحباب الصوم فيه. (2) هذا بناءً على ثبوت وجوب القضاء في كل من الحج النذري و نذر الإحجاج، و أما بناءً على عدم وجوب القضاء في الحج النذري كما تقدم لا يجب القضاء في الفرض أصلًا، لأن متعلق النذر الجامع بين الحج النذري و الإحجاج ليس خصوص الإحجاج ليجب قضائه بعد موته على ما تقدم، و لا فرق في ذلك بين كون الميت متمكناً قبل موته من كل من الحج أو الاحجاج أو كان متمكناً من خصوص أحدهما كالاحجاج مثلًا؛ فان عدم التمكن الا من بعض خصال الواجب

التخييري لا يوجب انقلابه إلى الواجب التعييني، و لا يقاس بما إذا وجب على المكلف فعل بنحوٍ و فعلٍ بنحو آخر إذا كان داخلًا في العنوان الآخر، كما إذا صار المكلف في آخر الوقت مسافراً و فاتت صلاته في سفره، فان الواجب عليه كان خصوص القصر عند الفوت فعليه قضائها قصراً، و الوجه في عدم القياس تبدل التكليف في المفروض بخلاف المقام، حتى فيما إذا كان المكلف غير متمكن حين النذر الا من أحد الأمرين من الحج مباشرة أو الإحجاج، لما تقدم من صحة تعلق النذر بالجامع حتى فيما إذا كان المقدور فرده الخاص، كما إذا نذر التصدق على الفقير، و لم يكن متمكناً إلا من دفعه إلى زيد من بين الفقراء، و لو مات و تمكن وصيه من دفعه إلى فقير آخر، جاز بناءً على وجوب القضاء في النذر، أو كان نفس الناذر غير متمكن من دفعه إلى غير زيد ثم طرء العجز من دفعه اليه فدفعه إلى عمرو و هكذا. و مما ذكر ما يعلم ضعف ما ذكر في الدروس من بطلان نذر الجامع.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 189

نعم لو كان حال النذر غير متمكّن إلّا من أحدهما معيّناً، و لم يتمكّن من الآخر إلى أن مات، أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالّذي كان متمكّناً منه بدعوى أنّ النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكّن منه، بناءً على أنّ عدم التمكّن يوجب عدم الانعقاد، لكن الظاهر أنّ مسألة الخصال ليست كذلك فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير و إن لم يكن في حياته متمكّناً إلّا من البعض أصلًا، و ربّما يحتمل في الصورة المفروضة و نظائرها عدم انعقاد

النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً، بدعوى أنّ متعلّق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير و مع تعذّر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً، بل عن الدروس (قدّس سرّه) اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولداً أن يحجّه أو يحجّ عنه إذا مات الولد قبل تمكّن الأب من أحد الأمرين. و فيه: أنّ مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير، فليس النذر مقيّداً بكونه واجباً تخييرياً حتّى يشترط في انعقاده التمكّن منهما.

[ (مسألة 24) إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (عليه السّلام) من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره

(مسألة 24) إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (عليه السّلام) من بلده ثمّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته (1)، و لو اختلفت أجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما أجرة إلّا إذا تبرّع الوارث بأجرة الزائد، فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد و إن جعل الميّت أمر التعيين إليه، و لو أوصى باختيار الأزيد أجرة خرج الزائد من الثلث. (1) لم يثبت وجوب قضاء الزيادة الواجبة على الميت بالنذر بعد موته، و عليه لا يكون في الفرض وجوب القضاء حتى لو قيل بثبوته في الحج النذري، فان المنذور في الفرض ليس هو الحج بل الجامع بينه و بين الزيادة، ثم على تقدير وجوب القضاء في نذر الزيادة أيضاً، و إخراج أجرتها عن تركة الميت كاجرة الحج النذري، فاللازم في وجوب القضاء الاقتصار على أقلهما أجرة، لأن صرف الزيادة إضرار بالورثة، إلا إذا تبرع الورثة، و لو أوصى الميت باختيار الزائد أجرة يحسب الزائد من ثلثه. و هل جعل أمر التعيين إلى الوصي في وصيته من قبيل الوصية بالأزيد على تقدير اختيار الوصي الزائد أجرة فيكون نافذاً، أو أنه ليس من تلك الوصية الأظهر هو

الأول. فإنه لو تعين في الفرض اختيار الأقل أجرة لكان جعل أمر التعيين على الوصي لغواً، فمقتضى جعل التعيين اليه هو الوصية بالزيادة على تقدير اختيار الوصي فيخرج الزائد من الأجرتين من ثلثه إذا كان وافياً، بل قد يقال أن جعل الجامع بين الحج و الزيادة هو متعلق النذر و الالتزام بوجوب قضائه بعد موته من تركته، ثبوت التخيير للوصي في إخراج أجرة الزيادة حتى مع عدم رضى الورثة، لما تقدم من الفائت إذا كان من قبيل الواجب التخييري يجب قضائه أيضاً على نحو التخيير، و لكن لا يخفى بناءً على وجوب قضاء المنذور عن الميت من تركته، تكون اجرة المنذور ديناً على الميت يخرج من تركته. و بما ان وفائه يتحقق باختيار ما أجرته أقل، فالمقدار الثابت من الدين على الميت هو الأقل، و أما الزائد فيدخل في ملك الوارث فيحتاج صرفه إلى رضاه، إلا أن يكون المقدار الزائد وصية الميت من ثلثه. و لذا لا يجوز للوصي اختيار الكفن الذي قيمته اغلى بل يتعين اختيار الأقل الذي لا يكون تكفينه فيه وهناً منافياً للأمر بتجهيز الميت. و لذا حملنا فيما إذا فوض اختيار الأكثر اجرة للوصي على كونه من الوصية بالثلث بالإضافة إلى المقدار الزائد. و على الجملة ليس الدين على الميت خصوص ما يكون أجرته الأكثر بل الجامع الذي يتحقق في ضمن الأقل أجرةً.

[ (مسألة 25) إذا علم أنّ على الميّت حجّا، و لم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر]

(مسألة 25) إذا علم أنّ على الميّت حجّا، و لم يعلم أنّه حجّة الإسلام أو حجّ النذر وجب قضاؤه عنه (1) من غير تعيين و ليس عليه كفارة، و لو تردّد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضاً، و حيث إنّها مردّدة بين كفارة النذر

و كفارة اليمين فلا بدّ من الاحتياط، و يكفي حينئذ إطعام ستّين مسكيناً لأنّ فيه إطعام عشرة أيضاً الّذي يكفي في كفارة الحلف. (1) هذا مبني على وجوب القضاء في الحج النذري، حيث ان معه يكون وجوب القضاء متيقناً و وجوب الكفارة مشكوكاً يدفع بالأصل النافي. و أما بناءً على ما ذكر من عدم ثبوت القضاء في الحج النذري و لا في الكفارة يدفع وجوب قضاء حجة الإسلام بالأصل. ثم بناءً على وجوب القضاء في الحج النذري أو الحلفي فمع تردد ما عليه بين النذري و الحلفي يجب القضاء و تتعين كفارة اليمين، بناءً على وجوب قضاء الكفارة، لأن الأظهر كفارة حنث النذر هي كفارة اليمين، بل مع كونهما متباينين يرجع في تعيين ما بقي على ملك الميت من دينه إلى القرعة. حيث ان اللازم على الورثة ترك مقدار دينه، فان كان دينه مردداً بين الأقل و الأكثر و ما هو بمعناه يبنى على الأقل، و مع كونه من المتباينين يرجع إلى القرعة، و لا يجري في المسألة ما تقدم في مسألة 24 من انه مع تردد الوفاء بما على الميت بين الأقل أجرة و أكثرها، يقتصر على ما يكون أجرته أقل؛ و ذلك فان جريان الاستصحاب في بقاء ما على الميت من الكفارة بعد إطعام عشرة مساكين مثلًا، كاف في عدم جواز الاقتصار عليه، بخلاف ما تقدم مما يحرز براءة ذمة الميت مع الاقتصار على الأقل أجرة.

[ (مسألة 26) إذا نذر المشي في حجّه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقاً]

(مسألة 26) إذا نذر المشي في حجّه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقاً (1). حتّى في مورد يكون الركوب أفضل، لأنّ المشي في حد نفسه أفضل من الركوب بمقتضى جملة من الأخبار، و إن كان الركوب قد

يكون أرجح لبعض الجهات، فإنّ أرجحيّته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حد نفسه، و كذا ينعقد لو نذر الحج ماشياً مطلقاً و لو مع الإغماض عن رجحان المشي، لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد، إذ لا يلزم أن يكون المتعلّق راجحاً بجميع قيوده و أوصافه، فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له، و أضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقاً، لأنّ المفروض نذر المقيّد، فلا معنى لبقائه مع عدم صحّة قيده.

[ (مسألة 27) لو نذر الحج راكباً انعقد و وجب و لا يجوز حينئذ المشي و إن كان أفضل

(مسألة 27) لو نذر الحج راكباً انعقد و وجب و لا يجوز حينئذ المشي و إن كان أفضل، لما مرّ من كفاية رجحان المقيّد دون قيده، نعم لو نذر الركوب في حجّه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد، لأنّ المتعلّق حينئذ الركوب لا الحج راكباً، و كذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، و كذا ينعقد لو نذر الحج حافياً، و ما في صحيحة الحذاء من أمر النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بركوب أخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللَّه حافية قضية في واقعة يمكن أن يكون لمانع من صحّة نذرها من إيجابه كشفها أو تضرّرها أو غير ذلك. (1) حاصل ما ذكره (قدّس سرّه) في المسألة و المسالة الآتية إنه إذا تعلق نذره بالحج ماشياً أو بالحج راكباً فلا ينبغي التأمل في انعقاد نذره، لأن المنذور في الفرضين الحج المقيد، و يكفي في الانعقاد أن يكون المقيد راجحاً و لو بانطباق الطبيعي الراجح عليه، و لا يتعلق في الفرضين تعلق النذر

بنفس القيد، ليلاحظ رجحان القيد و عدمه في انعقاده، و أما إذا تعلق نذره بالمشي في الحج الواجب عليه أو المندوب بان كان مفاد نذره للَّه على المشي في حجي، فأيضاً ينعقد النذر حتى بالإضافة إلى الموارد التي يكون الركوب فيها راجحاً بملاحظة بعض الجهات ككونه أقوى للإتيان بالمناسك. و ذلك فان المعتبر في انعقاد النذر ان يكون متعلقه راجحاً في نفسه، و إن كان غيره بملاحظة بعض الجهات أرجح، و لكن تعرض في المسألة الآتية لنذر الركوب في حجة، و ذكر ان نذره في مورد يكون المشي أفضل لا ينعقد، و ربما يؤخذ بظاهر عبارته و يقال كيف لا ينعقد نذر الركوب، فإنه يكفي في انعقاد النذر رجحان متعلقه في نفسه، و إن يكون غيره أرجح منه كما تقدم. فينذر المشي و لكن مراده (قدّس سرّه) أنه لا فضيلة في الركوب في نفسه بل الرجحان في المشي. نعم في بعض الموارد يكون الركوب أفضل من المشي فينعقد فيما نذره. و لا يصح نذره في غيرها لعدم الرجحان في متعلقه، و قد يستظهر كون الركوب في نفسه أيضاً راجحاً ببعض الاخبار، كمعتبرة رفاعة قال: «سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل: الركوب أفضل أم المشي؟ فقال: الركوب أفضل من المشي، لأن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ركب» «1». و مصححة سيف التمار، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إنه بلغنا و كنا تلك السنة مشاة عنك انك تقول في الركوب. فقال: الناس يحجون مشاة و يركبون، فقلت: ليس عن هذا أسألك. فقال: عن أي شي ء تسألني؟ فقلت: أي شي ء أحب إليك نمشي أو نركب؟ فقال: تركبون أحب الي، فان ذلك

أقوى على الدعاء و العبادة» «2». و فيه ان ظاهر الاولى كون الركوب أفضل من المشي مطلقاً. و هذا مخالف للروايات الدالة على أفضلية المشي. فلا بدّ من حملها على موارد رجحان الركوب لجهة أخرى كالتي ذكرها (عليه السّلام) في الثانية من التقوّي على الدعاء و العبادة، و لا يبعد ان يكون ركوب رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ايضاً لجهة تسهيل الحج للناس بان لا يتكلفوا باختيارهم المشي ليكون صعوبته موجباً للترك من بعض الناس، فقد ظهر مما ذكر أنّه لو نذر الحج ماشياً ينعقد نذره حتى مع الإغماض عن مطلوبية المشي إليه في نفسه، لما تقدم من ان انطباق الطبيعي على المنذور مع كونه هو المقيد، كاف في انعقاده. فلا يعتبر ان يكون المقيد بتمام قيوده راجحاً، و ما ذكره بعض من عدم الانعقاد في موارد كون الركوب أفضل من المشي غير صحيح. كما أن دعوى انعقاد النذر بالإضافة إلى أصل الحج دون قيوده أضعف. لأن المفروض كون المنذور الحج المقيد فان صح النذر يجب الوفاء به و إلا بطل، بل تقدم انعقاد النذر إذا كان المنذور المشي في حجه لكون المشي في نفسه راجحاً. نعم قد يستظهر من بعض الروايات ان نذر المشي حافياً في حجة لا يصح. كصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل نذر ان يمشي إلى مكة حافياً. فقال: ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) خرج حاجّاً فنظر إلى امراة تمشي بين الإبل. فقال: من هذه فقالوا أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)

يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فتركب فان اللَّه غني عن مشيها و حفاها قال: فركبت» «3». و قد ذكر الماتن أنها واردة في واقعة واحدة

يمكن ان يكون عدم انعقاد نذرها لمانع من إيجاب الوفاء به موجباً لانكشافها أو تضررها أو غير ذلك، و لكن لا يخفى ان ذكرها من جهة الاستشهاد على الجواب للسؤال الوارد فيها و حملها على أنها واقعة خاصة لا يكون جواباً عنه. و الصحيح إنّه بعد البناء على مرغوبية المشي في حجه يكون نذر المكلف المشي حافياً فيه صحيحاً لما تقدم من كفاية رجحان الطبيعي في نذر المقيد، و إن لم يكن قيده راجحاً. و أما الصحيحة فلا يوجب رفع اليد عن إطلاق وجوب الوفاء بالنذر، لأن صحيحة رفاعة و حفص المروية في باب 8 من أبواب النذر دالة على انعقاد نذر المشي في الحج حافياً تعارضها. قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نذر ان يمشي إلى بيت اللَّه حافياً، قال: فليمش فاذا تعب فليركب» «4».

[ (مسألة 28) يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر و عدم تضرّره بهما]

(مسألة 28) يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكّن الناذر و عدم تضرّره بهما، فلو كان عاجزاً أو كان مضرّاً ببدنه لم ينعقد، نعم لا مانع منه إذا كان حرجاً (1) لا يبلغ حدّ الضرر، لأنّ رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة، هذا إذا كان حرجياً حين النذر و كان عالماً به و أمّا إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب. (1) لا يخفى ان مقتضى إطلاق وضع الحرج عدم وجوب الوفاء بالنذر حتى ما إذا كان الناذر حين نذره ملتفتاً إلى ذلك، فمجرد اقدام المكلف و إحرازه الحرج في منذورة لا يوجب ان لا يعمه خطاب

عدم جعل الحرج في الدين، كما أنه كون رفع الحرج امتنانياً، لا ينافي عدم وضع الشارع على المكلف حتى في صورة التزامه على نفسه. نعم هذا إذا كان حرجياً من الابتداء، و أما إذا صارت الاستدامة حرجية فيجب الفعل إلى أن يلزم الحرج. كما ورد في صحيحة رفاعة و حفص المتقدمة من قوله (عليه السّلام) فليمش، فاذا تعب فليركب.

[ (مسألة 29) في كون مبدء وجوب المشي أو الحَفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات أو مبدأ الشروع في السفر أو أفعال الحج أقوال

(مسألة 29) في كون مبدء وجوب المشي أو الحَفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات أو مبدأ الشروع في السفر أو أفعال الحج أقوال، و الأقوى أنّه تابع للتعيين أو الانصراف (1)، و مع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال: «للَّه عليّ أن أحج ماشياً» و من حين الشروع في السفر إذا قال: «للَّه عليّ أن أمشي إلى بيت اللَّه» أو نحو ذلك، كما أنّ الأقوى أنّ منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار، لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور، و لا الإفاضة من عرفات كما في بعض الأخبار. (1) كما هو الحال في النذر في سائر الموارد حيث إن تعيين المنذور يتبع قصد الناذر، و لو بقصده الإجمالي المتعلق بما ينصرف اليه عنوان المنذور، و لو قال الناذر للَّه على المشي إلى بيت اللَّه، في مقابل الذهاب اليه راكباً يكون منذورة المشي من حين الشروع في السفر، بخلاف ما لو قال للَّه على ان أحج ماشياً فإنه يتعين المشي من أول أفعال الحج هذا بحسب المبدأ. و أما من حيث المنتهي فيما إذا لم يعينه في قصده على ما ذكر، فقد ذكر الماتن انه رمى الجمار فإن رميها آخر واجبات الحج. و أما ما عن المشهور من أن منتهاه طواف

النساء فلا يمكن المساعدة عليه، حيث إن طواف النساء خارج عن اعمال الحج. و علل كون رميها منتهاه بجملة من الاخبار و لكن الوارد فيها رمي الجمرة، و لا يبعد ان يكون المراد إتمام اعمال يوم النحر، حيث ورد في صحيحة إسماعيل بن حمام عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) «في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكباً» «1» و الذيل قرينة على ارادة رمى جمرة العقبة حيث يجوز الإتيان بطواف الحج بعد اعمال يوم النحر. و في بعض الاخبار يعني صحيحة يونس بن يعقوب سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «متى ينقطع مشي الماشي قال: إذا أفضت من عرفات» «2» و هذه الصحيحة تعد نافية للتحديد الوارد في مثل صحيحة إسماعيل بن همام عن الرضا (عليه السّلام)، فالمرجع مع تساقطهما القاعدة، و مقتضاه الفراغ من رمى الجمرات. و أما النفر من منى فليس واجباً فضلًا عن كونه من اعمال الحج، و إنما لا يجوز في النفر الأول النفر قبل الزوال. ثم ان ظاهر الروايتين ما إذا مشى الحاج في حجة و لو نذراً فيما إذا كان نذره بلا تعيين تفصيلي في نذره، بان كان قصده نذر المشي في حجه، و أما مع تعيين غير ذلك تفصيلا في نذره فلا كلام فيه. و لا يبعد ان يكون منصرف الروايات المشار إليها أيضاً ذلك، و إلا فلا موجب مع تعيين الناذر تفصيلًا السؤال عن منتهى مشيه و لا يحتمل ان يكون المشي لازماً له في ذهابه إلى المشعر الحرام أو منى أو إذا نذر المشي في ذهابه إلى عرفات فقط.

[ (مسألة 30) لا يجوز لمن نذر الحج ماشياً أو المشي في حجّه أن يركب البحر لمنافاته لنذره

(مسألة 30) لا يجوز لمن نذر الحج ماشياً أو المشي في حجّه

(1) أن يركب البحر لمنافاته لنذره، و إن اضطرّ إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره (2)، كما (1) هذا إذا عين في نذره المشي إلى الحج، و إلا فلا بأس ان يركب البحر قبل إحرامه لحجة كما تقدم في المسألة السابقة أو كان ركوبه البحر بعد إحرامه للحج، كما في حج الافراد أو القرآن. ناذر المشي

[ (مسألة 31) إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكباً]

(مسألة 31) إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكباً، فإن كان المنذور الحج ماشياً من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة و لا كفارة (1) إلّا إذا تركها أيضاً، و إن كان المنذور الحج ماشياً في سنة معيّنة فخالف و أتى به راكباً وجب عليه القضاء و الكفارة، و إذا كان المنذور المشي في حج معيّن وجبت الكفارة دون القضاء لفوات محل النذر.

و الحج صحيح في جميع الصور خصوصاً الأخيرة، لأنّ النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحج، و عدم الصحّة من حيث النذر لا يوجب عدمها. من حيث الأصل فيكفي في صحّته الإتيان به بقصد القربة. (1) يعني يجب عليه الحج الآخر للوفاء بنذره، و لا تجب عليه الكفارة إذا ترك الحج ثانياً؛ و لو كان المنذور الحج ماشياً في سنة معينة فخالف و أتى بالحج راكباً فقد ذكر الماتن أنه يجب عليه القضاء و الكفارة، و لكن لا يخفى الوجه في وجوب الكفارة، و أما القضاء فلا دليل على وجوبه لما تقدم من عدم ثبوت القضاء في الحج المنذور فضلًا عن نذر المشي فيه.

و لو كان منذورة المشي في حج معين كنذره المشي في حجة إسلامه فأتى بحجة الإسلام راكباً، وجبت عليه الكفارة لمخالفته نذره، و لا مورد لقضاء نذره لسقوط حجة الإسلام

عنه بالإتيان بها. و ذكر الماتن ان حج الناذر في جميع الصور الثلاث صحيح خصوصاً الأخيرة. و الظاهر أن كلمة خصوصاً تصحيف أو من سهو القلم. و المناسب ان يكون هكذا أو الحج في جميع الصور صحيح حتى الأخيرة؛ و كيف ما كان فالحكم بالصحة في الصورة الأولى ظاهر، فإنه لم يخالف فيها نذره بحجّه راكباً و إنما تكون مخالفته بتركه الحج ماشياً بعد ذلك كما تقدم. نعم ربما يقال ان حجه راكباً في الصورة الثانية، و كذا في الصورة الثالثة، مخالفة لوجوب الوفاء بنذره فيكون منهياً عنه فيبطل، نظير من نذر فريضته اليومية جماعة فأتى بها فرادى، و لكن لا يخفى ما فيه لما تقرر في بحث الضد من ان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، بل لو كان ضده واجباً أيضاً لا مكن الأمر به بنحو الترتب، و لو كان مستحباً نفسياً فيجتمع الأمر الاستحبابي به مع الإيجاب، حيث ان الأمر الاستحبابي النفسي بطبيعي الحج لا يتنافى مع إيجاب الحج ماشياً، بعنوان الوفاء بالنذر فان الاستحباب يلازم الترخيص في الترك.

و بتعبير آخر إذا نذر المشي في حجة إسلامه أو نذر ان يأتي بحجة إسلامه ماشياً فالتركيب بين حجة الإسلام و المشي فيها، انضمامي، فان الواجب الأصلي لم يؤخذ فيه المشي فيه و لا الركوب، بل يكون خصوص المشي واجب آخر بالنذر، و مع عدم المشي لا يسقط الأمر بحجة الإسلام، نظير ما ذكرناه في الأمر بصلاة الوقت و نذر الإتيان بها جماعة، فان ترك الجماعة فيها لا يوجب عدم الأمر بطبيعي الفريضة، و مما ذكر يظهر ضعف ما قيل في وجه البطلان في الصورة من عدم وجود ما قصد و هو

الإتيان بالحج النذري، و ما وجد و هو طبيعي الحج غير مقصود، و ذلك لقصد الإتيان بالحج في جميع الصور، و لكنه غير مقصود بعنوان الوفاء بالنذر إلا في الصورة الثانية فيما إذا فرض فيها تعلق نذره بأمرين أحدهما الحج في سنة و الآخر المشي فيه، فان حجه راكباً صَحّ بعنوان الوفاء بأحد الأمرين، و كذا ما ذكر الماتن من ان المقام ما إذا صام المكلف بعنوان الكفارة من غير تتابع فان صومه صحيح، و إن لم يتحقق عنوان الكفارة. حيث ان طبيعي الصوم مقصود في قصد صوم الكفارة. و الوجه في الظهور ما ذكرنا من ان الناذر في المقام مع تركه المشي في حجه لا يأتي به بعنوان الوفاء بالنذر الا فيما ذكرنا من فرض تعدد منذورة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 199

و قد يتخيّل البطلان من حيث إنّ المنوي و هو الحج النذري لم يقع و غيره لم يقصد، و فيه أنّ الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف، أ لا ترى أنّه لو صام أياماً بقصد الكفارة ثمّ ترك التتابع لا يبطل الصيام عن الأيام السابقة أصلًا و إنّما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته و أذكاره الّتي أتى بها من حيث كونها قرآناً أو ذكراً.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 200

و قد يستدلّ للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأنّ الأمر بإتيانها ماشياً موجب للنهي عن إتيانها راكباً، و فيه منع كون الأمر بالشي ء نهياً عن ضدّه، و منع استلزامه البطلان على القول به (1)، مع أنّه لا يتمّ فيما

لو نذر الحج ماشياً مطلقاً من غير تقييد بسنة معيّنة و لا بالفورية لبقاء محل الإعادة. (1) لا يخفى أنه لا يمكن الحكم بصحة الحج راكباً لو قلنا بأنه نهى عنه، و لو بالنهي الغيري، فإن النهي عنه كذلك أيضاً يوجب تقييد إطلاقات الأمر بطبيعي الحج. و مع التقييد المزبور لا أمر بطبيعيه ليكشف عن الملاك فيه. و الأمر بالطبيعي و لو بنحو الترتب انما يعقل مع عدم كونه نهياً عنه، و لو بالنهي الغيري المطلق كما تقرر ذلك في بحث الضد.

[ (مسألة 32) لو ركب بعضاً و مشى بعضاً فهو كما لو ركب الكلّ

(مسألة 32) لو ركب بعضاً و مشى بعضاً فهو كما لو ركب الكلّ (1) لعدم الإتيان بالمنذور، فيجب عليه القضاء أو الإعادة ماشياً، و القول بالإعادة و المشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له.

[ (مسألة 33) لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكّنه منه أو رجائه سقط]

(مسألة 33) لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكّنه منه أو رجائه سقط، و هل يبقى حينئذ وجوب الحج راكباً أو لا بل يسقط أيضاً، فيه أقوال:

أحدها: وجوبه راكباً مع سياق بدنة.

الثاني: وجوبه بلا سياق.

الثالث: سقوطه إذا كان الحج مقيّداً بسنة معيّنة أو كان مطلقاً مع اليأس من التمكّن بعد ذلك، و توقّع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس. (1) حيث إنّ المنذور هو المشي في حجه أو في ذهابه إلى بيت اللَّه الحرام. و شي ء منها مع الركوب في بعض اعمال الحج أو في بعض الطريق إلى البيت الحرام غير محقق، و لو كان نذره معيناً فعليه الكفارة. و أما القضاء كما ذكر الماتن فقد تقدم عدم ثبوت وجوبه. نعم إذا كان نذره مطلقاً غير مقيد بسنته أو فيه، يجب عليه الوفاء بنذره و لو في السنين الآتية، و لا تجب عليه الكفارة إلا بتركه على ما تقدم، و أما الالتزام بالقضاء أو بالإتيان في السنين الآتية بالمشي في مواضع ركوبه في حجه السابق و جواز المشي في مواضع مشيه فيه ضعيف، لان الحج كذلك لا يكون وفاءً بالنذر فان الناذر قصد المشي في حجه في سنته لا قضائه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 202

الرابع: وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق، و توقّع المكنة مع عدم اليأس.

الخامس: وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام، و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين

و توقّع المكنة مع الإطلاق.

و مقتضى القاعدة و إن كان هو القول الثالث (1)، إلّا أنّ الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني (2) بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدي على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان، مضافاً (1) لا يخفى أن مقتضى القاعدة انما يكون القول الثالث فيما إذا طرء العجز قبل الإحرام للحج، و أما إذا كان بعده فمقتضاها وجوب الإتمام و لو راكباً، و ذلك لوجوب إتمام العمرة و الحج إذا أحرم لأحدهما صحيحاً، و قد تقدم أن عنوان الحج ماشياً ينتزع عن خصوصية خارجة عن طبيعي الحج، فإنه إذا أحرم للحج و هو ماش ينتزع منه الحج ماشياً إذا أتمّه كذلك، و إن لم يقصد عنوان الحج ماشياً فيكون المأتي به وفاءً لنذره، و إن لم يقصد في اعماله إلا الإتيان بطبيعي الحج. و على الجملة إذا طرء العجز بعد إحرامه يجب عليه إتمامه راكباً، و لكن لا يجب عليه القضاء فضلًا عن الكفارة حتى و إن لم يتمه اختياراً، و هذا إذا كان المنذور الحج ماشياً في سنته، و أما إذا كان مطلقاً فعليه الحج ماشياً إذا تمكن منه و لو مستقبلًا و إن لم يتمكن منه و لو مستقبلًا فلا شي ء عليه. (2) بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدى على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر: لا يخفى ان السكوت في مثل صحيحة رفاعة بن موسى إطلاق مقامي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نذر ان يمشي إلى بيت اللَّه؟ قال: فليمش. قلت: فإنه تعب؟ قال: فاذا تعب ركب» «1» و الإطلاق المقامي

لا يزيد عن الإطلاق اللفظي، و كما يرفع اليد عن الثاني بورود القيد في خطاب آخر كذلك يرفع اليد عن الإطلاق المقامي، يعني يزول الإطلاق المقامي بورود وظيفة أخرى معها أيضاً في خطاب آخر. و قد وردت في صحيحة الحلبي قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نذر ان يمشي إلى بيت اللَّه، و عجز عن المشي؛ قال: فليركب و ليسق بدنة، فان ذلك يجزي عنه إذا عرف اللَّه منه الجهد» «2» و نحوها صحيحة ذبيح المحاربي. نعم لا يبعد ان يكون سوق الهدي أمراً استحبابياً، بقرينة رواية عنبسة بن مصعب قال: نذرت في ابن لي، ان عافاه اللَّه ان أحج ماشياً، فمشيت حتى بلغت العقبة، فاشتكيت، فركبت، ثم وجدت راحة، فمشيت، فسألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن ذلك، فقال: اني أحبّ ان كنت موسراً ان تذبح بقرة، فقلت معي نفقة، و لو شئت ان أذبح لفعلت، فقال اني أحبّ ان كنت موسراً ان تذبح بقرة، فقلت: أ شي ء واجب أفعله؟ قال: لا، من جعل للَّه شيئاً فبلغ جهده فلا شي ء عليه «3» و كما ذكرنا لا يبعد اعتبارها فان عنبسة بن مصعب من المشاهير الذين لم يرد فيهم قدح، بالإضافة إلى وثاقتهم و ظاهرها نفي وجوب سياق الهدي أيضاً، و ظاهر الروايات عدم الفرق بين العجز قبل الإحرام أو بعده.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 203

إلى خبر عنبسة الدال على عدم وجوبه صريحاً فيه، من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده و قبل الدخول في الإحرام أو بعده، و من غير فرق أيضاً بين كون النذر مطلقاً أو مقيّداً بسنة مع توقع

المكنة و عدمه، و إن كان الأحوط في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة و كونه قبل الشروع في الذهاب، الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة، و الأحوط إعمال قاعدة الميسور أيضاً بالمشي بمقدار المكنة، بل لا يخلو عن قوّة للقاعدة مضافاً إلى الخبر عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللَّه حافياً قال (عليه السّلام): «فليمش فإذا تعب فليركب» و يستفاد منه كفاية الحرج و التعب في جواز الركوب و إن لم يصل إلى حدّ العجز، و في مرسل حريز «إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب».

[ (مسألة 34) إذا نذر الحج ماشياً فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي

(مسألة 34) إذا نذر الحج ماشياً فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض أو خوف أو عدو أو نحو ذلك، فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان، و لا يبعد التفصيل بين المرض و مثل العدوّ (1) باختيار الأوّل في الأوّل و الثاني في الثاني، و إن كان الأحوط الإلحاق مطلقاً. (1) و لعل نظر الماتن (قدّس سرّه) انصراف العجز عن المشي إلى عدم التمكن من المشي لعدم طاقة الشخص سواء كان للتعب أو حصول المرض أو طريان العلّة في الرجل و نحو ذلك، و قد ورد التعب في صحيحة رفاعة و عدم الطاقة في صحيحة ذريح المحاربي، حيث ورد فيها رجل حلف ليحجن ماشياً فعجز عن ذلك فلم يطقه، و ظاهر ما ورد في رواية عنبسة بن مصعب من قوله فاشتكيت المرض، و أما عدم التمكن للعدو و نحوه فهو خارج عن منصرفها، فيرجع فيه إلى القاعدة المشار إليها.

[فصل في النيابة]

اشارة

فصل في النيابة لا إشكال في صحّة النيابة عن الميّت في الحج الواجب و المندوب، و عن الحي في المندوب مطلقاً و في الواجب في بعض الصور (1).

[ (مسألة 1) يشترط في النائب أمور]

(مسألة 1) يشترط في النائب أمور:

أحدها: البلوغ على المشهور، فلا يصحّ نيابة الصبي عندهم و إن كان مميزاً، و هو الأحوط، لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينية، لأنّ الأقوى كونها شرعية (2)، و لا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه، لأنّه أخص من المدعى، بل لأصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلة خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرجل، و لا فرق بين أن يكون حجّة بالإجارة أو بالتبرّع بإذن الولي أو عدمه، و إن كان لا يبعد دعوى صحّة نيابته في الحج المندوب بإذن الولي. (1) قد ذكرنا أن الحج من الأفعال التي لا تستند إلا إلى الفاعل بالمباشرة كما هو الحال في الصلاة و الصوم و نحوهما من العبادات و غيره، و إجزاء الفعل الصادر عن الغير عما على المكلف يحتاج إلى قيام الدليل عليه، سواء كان الفعل عن الغير باستنابته أو بتبرع الغير عنه، و قد قامت الروايات على مشروعية النيابة في الحج المندوب عن الحي و الميت. و في الحج الواجب عن الميت مطلقاً، و عن الحي في بعض الصور كما إذا عجز المستطيع للحج عن الحج مباشرة فإنه يبعث من يحج عنه على نحو ما تقدم في مسائل وجوب الحج. (2) لا ينبغي التأمل في مشروعية حج الصبي المميز كصلاته و صومه لصحيحة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن ابن عشر سنين يحج. قال: عليه

حجة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» «1» و في صحيحته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام. قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون» «2» الحديث. و إنما الكلام في مشروعية نيابة الصبي في الحج عن الغير فإن النيابة عن الغير كما تقدم على خلاف القاعدة، و إثبات مشروعية نيابة الصبي عن الغير في الحج الواجب عن الميت مشكل جدّاً، لما ورد في بعض الروايات من تقييد نيابة الصرورة عن الغير بما إذا لم يكن له مال، و ظاهره إن التقييد لأجل انه لو كان للصرورة مال يجب عليه الحج عن نفسه، فلا يعم إطلاق الصرورة في الروايات الصبي لأنه لا يجب عليه الحج و لو كان له مال. و ورد في بعض الروايات كصحيحة حكم بن حكيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة عن المرأة» «3» و لا يبعد ظهورها في تعيين أقسام النائب و عدم التعرض لنيابة الرجل عن الرجل لظهور جوازها و كونها من المتيقن من بين فروضها. و كذا لا يجوز استنابة الصبي من الموسر إذا منعه مرض أو كبر عن الخروج، حيث ورد في بعض رواياتها بعث الرجل و في بعضها الأخرى بعث صرورة لا مال له و استنابة الصبي خارج عن كلتا الطائفتين، و قد يدعي أنه قد ورد في خصوص النيابة عن الميت في الحج عنه ما يعم نيابة الصبي و كذا في النيابة فيه عن الحي. و يؤخذ بإطلاقهما في مورد لم يثبت فيه تقييد بالبلوغ، اما

الأول كمعتبرة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «ما يلحق الرجل بعد موته فقال: سنة سنها يعمل بها بعد موته. إلى ان قال: و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما و يحج و يتصدق و يعتق عنهما و يصلي و يصوم عنهما» «4» حيث ان إطلاق الولد يعم غير البالغ، و لكن في إطلاقها تأمل بملاحظة التصدق عن الوالد و العتق عنهما كما لا يخفى. و أما الثاني رواية يحيى الأزرق عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من حج عن إنسان اشتركا حتى إذا قضى طواف الفريضة انقطعت الشركة فما كان بعد ذلك من عمل كان لذلك الحاج» «5» و ظاهرها النيابة عن الحي كما هو ظاهر الإنسان فإنه كظهور سائر العناوين في الفعلية، و لكن مع الفحص عن سندها فإن يحيى الأزرق مشترك بين ابن عبد الرحمن الثقة و بين ابن حسان الكوفي، و مدلولها و هو اختصاص ما بعد طواف الفريضة بالنائب و لا يحسب عملًا للمنوب عنه. و على الجملة إثبات مشروعية نيابة الصبي عن الميت أو الحي في الحج لا يخلو عن التأمل. و على تقدير ثبوت المشروعية في الحج المستحب فلا موجب للالتزام بتوقفها على اذن وليه إذا كانت تبرعية. نعم إذا كان باستئجاره للحج عنه يصح عقده بلا اذن وليه، فلو صحبه وليه في السفر إلى الحج فأحرم الصبي من الميقات تبرعاً للحج أو العمرة عن الغير، فالظاهر الصحة. هذا كله بالإضافة إلى الصبي المميز، و أما غير المميز فلا

يتحقق منه القصد بالإضافة إلى الحج عن نفسه فضلًا عن النيابة عن الغير، و كذا الحال في المجنون سواء كان جنونه مطبقاً أو أدوارياً في

دور جنونه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 206

الثاني: العقل، فلا تصح نيابة المجنون الّذي لا يتحقّق منه القصد، مُطبِقاً كان جنونه أو أدوارياً في دور جنونه، و لا بأس بنيابة السفيه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 208

الثالث: الإيمان (1)، لعدم صحّة عمل غير المؤمن و إن كان معتقداً بوجوبه و حصل منه نيّة القربة، و دعوى أنّ ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى.

الرابع: العدالة أو الوثوق بصحّة عمله (2)، و هذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحّة عمله. (1) المراد أنه إذا كان الحج الصادر عن غير المؤمن واجداً لجميع شرائط صحته مع فرض فساد وضوء المخالف المفسد لحجّة أنه لا تصح نيابته لفقده الايمان المعتبر في صحة العبادة، و دعوى أن فقده يوجب بطلان عمله بما هو عمله، و أما إذا كان عمله عن الغير فلا يبطل عمل الغير إذا كان مؤمناً كما ترى. فان ما ورد في عمل المخالف يقتضي عدم احتساب عمله عملًا سواء كان عن نفسه أو عن الغير و من الظاهر أن النائب يتقرب بالعمل عند نيابته لا بنيابته عند العمل فيعتبر ان يكون عمله واجداً للشرائط. (2) ذكر (قدّس سرّه) أن عدالة النائب غير معتبرة في صحة عمل النائب بل هذا الشرط معتبر في جواز الاستنابة، و لكن لا يخفى أن عدالة النائب أو الوثوق بصحة عمله غير معتبر في جواز الاستنابة أيضاً، بل المعتبر في صحة استنابته تمكنه من العمل المستأجر عليه و لو كان فاسقاً، و إنما يعتبر في إحراز فراغ ذمة المنوب عنه إحراز صدور العمل المستأجر عليه من الأجير و لو بالوثوق أو عدالته، و بعد

إحراز الصدور يحمل فعله على الصحيح. فالمعتبر في الفراغ إحراز العمل من الأجير بما ذكر، و أما صحته فيحمل عمله على الصحة كما في سائر الموارد، نعم دعوى ان استئجار الفاسق مع عدم الوثوق بصدور العمل منه عن المنوب عنه، يوجب كون الاستئجار غررياً بالإضافة إلى المستأجر فتبطل الإجارة للغرر.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 209

الخامس: معرفته بأفعال الحج (1) و أحكامه، و إن كان بإرشاد معلم حال كل عمل.

السادس: عدم اشتغال ذمّته بحج واجب عليه في ذلك العام، فلا تصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه، و أمّا مع عدم تمكّنه لعدم المال فلا بأس، فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحج لنفسه بطل على المشهور، لكن الأقوى أنّ هذا الشرط (2) إنّما هو لصحّة الاستنابة و الإجارة، و إلّا فالحج صحيح و إن لم يستحق الأجرة، و تبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشي ء نهياً عن ضدّه، مع أنّ ذلك على القول به و إيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم و العمد، و أمّا مع الجهل و الغفلة فلا، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير لأنّ البطلان إنّما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه، حيث إنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي و مع الجهل أو الغفلة لا مانع لأنّه قادر شرعاً.

[ (مسألة 2) لا يشترط في النائب الحريّة]

(مسألة 2) لا يشترط في النائب الحريّة، فتصح نيابة المملوك بإذن مولاه، و لا تصحّ استنابته بدونه، و لو حج بدون إذنه بطل. (1) لا يخفى ان معرفة النائب بأفعال الحج عند الإتيان بها و لو بإرشاد معلم و إن كان

كافياً في صحة عمله عن المنوب عنه، إلا أنه إذا لم يكن عارفاً بأفعال الحج بالمقدار المتعارف عند استئجاره يشكل الحكم بصحة استئجاره لكون الإجارة غررية كما تقدم، نظير ذلك في استئجار الفاسق مع عدم إحراز وفائه بها. (2) و المراد أن من يجب عليه الحج في عام الاستنابة لاستطاعته أو نذره المضيق إذا حج فيه عن غيره يصح الحج عن المنوب عنه لتعلق الأمر به و لو على نحو الترتب، و إن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، إلا ان الإجارة محكومة بالبطلان على ما تقدم من أن النائب في عقد الاستئجار يلتزم بالعمل للغير و يملكه إياه طلقاً، فالأمر بالوفاء به مع إيجاب الحج عليه عن نفسه لا يجتمع مع الأمر بالوفاء بها، نعم لو التزم النائب بالحج عن الغير على تقدير ترك الحج عن نفسه، فلا يمكن الأمر بالوفاء لكون العقد تعليقياً محكوماً بالبطلان. و بالنتيجة فلا يستحق الأجير الأجرة المسماة و لكن يستحق أجرة المثل، لأن عمله مشروع قد صدر بأمر الغير و طلبه كما هو الحال في سائر موارد بطلان الإجارة على العمل المشروع.

[ (مسألة 3) يشترط في المنوب عنه الإسلام

(مسألة 3) يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا تصح النيابة عن الكافر (1)، لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه، لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه، بل لانصراف الأدلة، فلو مات مستطيعاً و كان الوارث مسلماً لا يجب عليه استئجاره عنه.

و يشترط فيه أيضاً كونه ميتاً أو حياً عاجزاً في الحج الواجب، فلا تصح النيابة عن الحي في الحج الواجب إلّا إذا كان عاجزاً، و أمّا في الحج الندبي فيجوز عن الحي و الميّت تبرعاً أو بالإجارة. (1) بلا فرق بين القول بكون الكافر مكلفاً

بالفروع أم بعدمها، فإنه لو قيل بكونه مكلفاً بها فلا يجب على وارثة المسلم الحج عنه من تركته، فان ما ورد «فيمن مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه، أو أن عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له» و نحوها، منصرفها من كان شأنه أن يحج حال حياته، فلا يعم غير المسلم. و كذا ما ورد فيمن عجز عن الخروج من أمره ببعث رجل مكانه بل مشروعية القضاء عنه مشكل، لما تقدم من ان النيابة عن الغير تحتاج إلى قيام دليل على مشروعيتها، و ما ورد في مشروعيتها ما أشرنا إليه و لأنه لم يعهد بالأمر على من كان يدخل في الإسلام ان يحج عن أبيه المشرك و الكافر لا إيجاباً و لا ندباً، و لو كان ذلك ثابتاً لنقل و شاع. و لذا يشكل التبرع بالنيابة حتى فيما إذا وصل اليه من أمواله إرثاً أو وصية. نعم ذلك مروي فيمن يريد الحج عن أبيه الناصب و التعدي منه إلى سائر الكفار لا يمكن لاحتمال الخصوصية، و هو ان لا يرتد الابن عن تبصره بمنعه عن الخير عن أبيه. روى الكليني و الشيخ (قدّس سرّهما) في الصحيح عن وهب بن عبد ربه قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أ يحج الرجل عن الناصب؟ فقال: لا قلت: فان كان ابى؟ قال ان كان أباك فنعم» «1».

و على الجملة لو التزم بالإطلاق في بعض ما ورد في الترغيب في الحج و العمرة عن ذي القرابة و شموله للكافر أيضاً فلا ينبغي التأمل في عدم مشروعية النيابة عن المشرك، كما هو مقتضى قوله سبحانه ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ

لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى و خصصنا الجواز عن الأب الناصبي مع ورود الجواز في صحيحة إسحاق بن عمار أبي إبراهيم (عليه السّلام) بلا تقييد، فان التخصيص مقتضى الجمع بينها و بين الصحيح عن وهب بن عبد ربه، حيث ان مقتضاه الجواز إذا كان الناصب أباً للنائب.

[ (مسألة 4) تجوز النيابة عن الصبي المميز و المجنون

(مسألة 4) تجوز النيابة عن الصبي المميز و المجنون (1)، بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنونا.

[ (مسألة 5) لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة]

(مسألة 5) لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة المرأة عن الرجل و بالعكس، نعم الأولى المماثلة.

[ (مسألة 6) لا بأس باستنابة الصرورة رجلًا كان أو امرأة عن رجل أو امرأة]

(مسألة 6) لا بأس باستنابة الصرورة رجلًا كان أو امرأة عن رجل أو امرأة، و القول بعدم جواز استنابة المرأة صرورة مطلقاً أو مع كون المنوب عنه رجلًا ضعيف، نعم يكره ذلك خصوصاً مع كون المنوب عنه رجلًا، بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة و لو كان رجلًا عن رجل. (1) اما بالنسبة إلى الصبي فلا ينبغي التأمل في جواز النيابة عنه، لما تقدم من مشروعية الحج للصبي. و بما أن النيابة في الحج عن الغير عمل مشروع بالإضافة إلى الحج الاستحبابي مطلقاً، فيجوز النيابة عنه، و يدلُّ عليه صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «سمعته يقول مرّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها، فقالت: يا رسول اللَّه أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم، و لك أجره» «1» و أما المجنون فقد ذكروا أنه إن كان قبل جنونه مستطيعاً و استقر عليه الحج يجب الحج عنه إذا كانت له تركة، غاية الأمر لا تجوز النيابة عنه ما دام حياً فان الواجب على الحي العاجز بعث النائب على ما تقدم، و هذا لا يشمل المجنون حيث لا يتمكن من البعث فيؤدي عنه بعد موته، و لا يبعد النيابة عن مثل ذلك إذا لم يكن ممن استقر عليه الحج، أو لم تكن له تركة، و أما المجنون بجنون مطبق لم يمضِ عليه حالة إفاقة، فمشروعية النيابة عنه لا تخلو عن تأمل لانصراف

أدلة النيابة إلى من كان من شأنه أن يحج أو متمكناً منه فلاحظها.

لا خلاف في جواز نيابة الرجل عن الميت بلا فرق بين كون الميت رجلًا أو امرأة، و بلا فرق بين كون النائب صرورة؛ نعم إذا كان النائب ممن استقر عليه الحج أو كان مستطيعاً فعلًا لا يجوز ان يؤجر نفسه للحج عن الغير، بل يجب عليه الحج عن نفسه على ما تقدم. و لا فرق أيضاً في كون الرجل نائباً عن الغير في حجة الإسلام أم في غيرها، و ما ورد في بعض الروايات من «ان الميت إذا كان عليه حجة الإسلام يقضى عنه رجل صرورة لا مال له» كصحيحة معاوية بن عمار: قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام، و يترك مالًا؟ قال: عليه أن يحج من ماله رجلًا صرورة لا مال له» «2» و على رواية الكافي يحج عنه صرورة لا مال له «3» محمول على بيان ان الصرورة إذا حج عن الغير يعتبر في جواز نيابته عدم المال له على ما تقدم، لا أنه يعتبر ان يكون النائب في حجة الإسلام عن الميت صرورة. و القرينة على كون المراد ذلك ما دلّ على جواز قضاء غير الصرورة حجة الإسلام عن الميت، كصحيحة حكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إنسان هلك و لم يحج، و لم يوص بالحج، فأحج عنه بعض اهله رجلًا أو امرأة، هل يجزى ذلك و يكون قضاءً عنه؟ و يكون الحج لمن حج؟ و يوجر من أحج عنه؟ فقال: ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً و أجر الذي أحجّه» «4» فان ظاهرها جواز

القضاء عن الميت و فراغ ذمته بنيابة غير الصرورة حتى فيما إذا كان النائب امرأة، و على الجملة ما حملنا صحيحة معاوية بن عمار عليه مقتضى تجويز كون النائب غير صرورة مع كون ما على الميت حجة الإسلام و لو لم يكن في البين مثل صحيحة حكم بن حكيم مما تحسب قرينة على المراد من صحيحة معاوية لكان ظاهرها تعين نيابة الصرورة، نظير ما ورد «فيمن كان مستطيعاً و طرأ العجز عن المباشرة»، حيث التزمنا فيه من لزوم بعثه «رجلًا صرورة لا مال له» ليحج عنه. فإنه ورد في صحيحة الحلبي عن عبد اللَّه (عليه السّلام) «و إن كان موسراً و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللَّه فيه فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» «5» و رفعنا اليه بظهورها في اعتبار كون النائب عنه صرورة عن إطلاق ما دل على جواز نيابة كل من الرجل و المرأة عن الآخر من غير تقييد بكون النائب صرورة، نظير صحيحة أخرى للحكم بن حكيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يحج الرجل عن المرأة، و المرأة عن الرجل، و المرأة عن المرأة «6».

و على الجملة ظاهر صحيحة الحلبي تعين نيابة الصرورة عن الرجل المستطيع للحج الذي طرء عليه العجز عن المباشرة، و اعتبرنا أيضاً كون الصرورة رجلًا، لما ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان علي (عليه السّلام) «يقول: لو ان رجلًا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلًا من ماله ثم ليبعثه مكانه» «7» و نحوها، صحيحة معاوية بن عمار «8» حيث ان

ظاهر ما ذكر دخالة بعث الرجل في النيابة عن الحي العاجز عن المباشرة. و الحاصل إذا كان المنوب عنه رجلًا عاجزاً عن المباشرة فاللازم لزوم بعث الرجل الصرورة للنيابة عنه، و أما إذا كان المنوب عنه امرأة فيكفي كون النائب صرورة و لو كانت امرأة.

لا يقال جواز نيابة المرأة عن الرجل الميت أو فيما كانت صرورة و لو عن المرأة مشكل، لموثقة عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه، هل تجزي عنه امرأة؟ قال: لا؟ كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان؟ قال: إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة، و الرجل عن الرجل، و قال: لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة» «9» و رواية سليمان بن جعفر قال سألت الرضا (عليه السّلام) عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة قال: لا ينبغي» «10» و رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: سمعته يقول: «يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة» «11».

أقول: قد تقدم أن مقتضى ما ورد في صحيحة حكم بن حكيم المروية في باب 28 من أبواب وجوب الحج، جواز نيابة المرأة عن الرجل الصرورة، حيث ورد فيها جواز قضاء المرأة الحج الذي على الميت فتحمل الموثقة على الكراهة، و مما ذكر يظهر الحال في غير الموثقة مع أن في إسنادها ضعف.

و أما رواية إبراهيم بن عقبة قال كتبت إليه أسأله عن رجل «صرورة لم يحج قط» حج عن صرورة لم يحج قط، أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة، من حجة الإسلام أو لا؟ بين لي ذلك يا سيدي، فكتب (عليه السّلام)، لا

يجزي» «12» فيحمل على عدم الاجزاء عن النائب إذا كان مستطيعاً أو بعد ما صار كذلك، فإن الاجزاء عنه بمعنى إعطاء الثواب ما لم يكن له مال على ما ورد في بعض الروايات و اللَّه العالم.

[ (مسألة 7) يشترط في صحّة النيابة قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النيّة و لو بالإجمال

(مسألة 7) يشترط في صحّة النيابة (1) قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النيّة و لو بالإجمال و لا يشترط ذكر اسمه و إن كان يستحب ذلك في جميع المواطن و المواقف. (1) يعتبر في صحة الحج نيابة قصد الحاج، النيابة عن الغير و تعيين ذلك الغير في قصده. فإنه بعد قيام الدليل على مشروعية النيابة في الحج على ما تقدم يكون حج الشخص عن نفسه أو عن الغير يكون بالقصد، و في فرض كونه عن الغير لا بد من تعيينه ليقع الحج عنه، نعم لا يعتبر تعيينه على نحو التفصيل بل يكفي التعيين الإجمالي.

أي بالعنوان بحيث لا ينطبق إلا على معين كقصده الحج عمن استأجره أو عمن اوصى اليه و نحو ذلك، نعم ورد في بعض الروايات ما ظاهره لزوم تسمية المنوب عنه عند المناسك و التسمية ظاهرها ذكر الاسم كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: قلت له «ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال: تسميته في المواطن و المواقف» «1» و لكنها محمولة على الاستحباب لحصول المقصود بالقصد، و لبعض الروايات الأخرى النافية لاشتراطها كصحيحة البزنطي أنه قال: سأل رجل أبا الحسن الأول (عليه السّلام) «عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه؟ قال: ان اللَّه لا تخفى عليه خافية» «2» و قد ورد في صحيحة مثنى عبد السلام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في

جميع المواطن كلها، قال: ان شاء فعل، و إن شاء لم يفعل، اللَّه يعلم انه قد حج عنه، و لكن يذكره عند الأضحية» «3» و يحمل ذكره عند الأضحية أيضاً على تأكد الاستحباب لمقتضى التعليل في صحيحة البزنطي، و لما ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: «سألته عن الأضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمى غير صاحبها أ تجزي صاحب الأضحية، قال: نعم أنما هو ما نوى» «4».

[ (مسألة 8) كما تصح النيابة بالتبرّع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة]

(مسألة 8) كما تصح النيابة بالتبرّع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة (1)، (1) فان ما ورد فيمن يحج عن ميت أو عن الحي يعم ما إذا كان حجة عن الميت أو الحي بالتبرع، أو بالإجارة، أو بالجعالة، أو بالشرط في معاملة مع الوارث، أو الحي فلا يختص مشروعية النيابة عن الغير في الحج بموارد التبرع أو بالإجارة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 217

و لا تفرغ ذمّة المنوب عنه إلّا بإتيان النائب صحيحاً و لا تفرغ بمجرّد الإجارة (1)، و ما دلّ من الأخبار على كون الأجير ضامناً و كفاية الإجارة في فراغها منزّلة على أنّ اللَّه تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصّر النائب في الإتيان، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها. (1) و ذلك لأن مقتضى الإجارة تملك المستأجر الحج عنه أو عن الغير على الأجير، و هذا لا يقتضي فراغ ذمته أو ذمة الغير عما عليه من الحج، و ليست الإجارة كعقد ضمان المال على الغير، حيث مع تمام عقده ينتقل المال عن ذمة المضمون عنه إلى عهدة الضامن، بل المقام نظير ما إذا استأجر شخصاً لأداء ما عليه من الدين إلى الدائن في بلد آخر، فان بمجرد عقد هذه

الإجارة لا تفرغ ذمته من دينه للغير. نعم في البين بعض روايات استظهر منها فراغ ذمة المستأجر عن الحج الواجب أو فراغ ذمة الميت المنوب عنه بتمام عقد الإجارة من الوصي أو الوارث أو المتبرع، و ظاهر الماتن تسلم الظهور و لكن ذكر أنها معرض عنها عند الأصحاب، حيث لم يعلم عامل بها غير صاحب الحدائق (قدّس سرّه)، و منها مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل أخذ من رجل مالًا و لم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئاً، فقال: ان كان حج الأجير أخذت حجته و دفعت إلى صاحب المال، و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج» «1». و مرسلة الصدوق في الفقيه قال: قيل لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئاً، فقال: أجزأت عن الميت، و إن كان له عند اللَّه حجة أثبتت لصاحبه» «2» و موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل أخذ دراهم رجل فأنفقها فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شي ء» قال: يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن، سُئل ان لم يقدر؟ قال: ان كانت له عند اللَّه حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة» «1».

و لكن لا يخفى ضعف الروايتين الأوليتين سنداً، و ظاهر الأولى الأخذ للحج الاستحبابي لا لحجة الإسلام، فإن المفروض فيها من أخذ المال منه للحج عنه حتى و لو كان المراد حجة الإسلام، كأن يقيد (بأنه عجز عن الخروج و أخذ رجل منه مالًا ليحج عنه) فمدلولها لو مات و لم يترك شيئاً كتب للحي ثواب الحج لقصده الإتيان

بالحج الاستحبابي بالاستنابة و تحسب حجة الميت حجة له إذا كان للميت حجة عند اللَّه، و مما ذكر يظهر الحال في الموثقة، أضف إلى ذلك ما يأتي في الأجير من «انه إذا مات في الطريق قبل الإحرام لا يجزي ذلك في حجة الإسلام» فكيف الاجزاء قبل الخروج بمجرد الإجارة كما هو مقتضى الاستظهار، و أما صحيحة إسحاق بن عمار، قال: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم ليحج بها عنه فيموت قبل ان يحج، ثم اعطى الدراهم غيره، فقال: ان مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضى مناسكه فإنه يجزي عن الأول، قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجة حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم» «2» فناظرة إلى موت الأجير في الطريق أو قبل تمام الاعمال، فيأتي التعرض لها في مسألة «موت من خرج إلى الحج و مات في الطريق أو قبل تمام الاعمال» و أما الحكم الآخر و هو أن فساد الأجير الحج بحيث يجب عليه في العام القابل و لا يكون للمنوب عنه شي ء، فلما يأتي من ان المراد بفساد الحج لزوم تكراره في السنة القادمة للجماع قبل الموقف، و ليس الفساد من هذه الموارد بمعنى بطلان العمل، بل المراد لزوم التكرار عقوبة تتعلق على نفس النائب.

[ (مسألة 9) لا يجوز استئجار المعذور]

(مسألة 9) لا يجوز استئجار المعذور (1) في ترك بعض الأعمال، بل لو تبرّع المعذور يشكل الاكتفاء به. (1) فإنه كما لا تصل النوبة إلى المأمور به الاضطراري مع التمكن من الاختياري في موارد لزوم المباشرة، كذلك لا تصل النوبة اليه مع التمكن من استئجار من يأتي بالاختياري في موارد

الاستنابة. لما ذكر في محله من انصراف خطابات الاضطراريات إلى صورة عدم التمكن من الاختياري.

نعم لو طرء الاضطرار على النائب أثناء العمل في الحج لا يبعد الالتزام بالاكتفاء به، لان ما ورد فيمن طرء عليه الاضطرار أثنائه يعم النائب عن الغير في حجة، مع ان طريانه أمر عادي في الحج و عدم التعرض لبقاء العمل على عهدة المنوب عنه مقتضاه الإجزاء، نعم إذا كان التكليف متوجهاً في النيابة إلى شخص العاجز كوجوب قضاء الصلاة عن الأب فإنه متوجه إلى الولد الأكبر و مع عجزه عن الصلاة الاختيارية لا يبعد الاكتفاء بصلاته الاضطرارية، و لا يجب عليه الاستئجار في القضاء عن أبيه من يأتي بالاختيارية كما هو مفاد مقتضى قاعدة نفي الضرر، و مما ذكر يظهر انه لو تبرع العاجز لا يكتفي بعمله فان مع استحباب التبرع بالقضاء عن الغير بنحو الاستحباب الكفائي لا يعم الأمر مع وجود المتبرع بالاختياري العاجز عنه كما هو مقتضى الانصراف المشار إليه.

[ (مسألة 10) إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك

(مسألة 10) إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عن المنوب عنه، لما مرّ من كون الأصل عدم فراغ ذمّته إلّا بالإتيان بعد حمل الأخبار الدالّة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه.

و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه، لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه لاختصاص ما دلّ عليه به، و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق، بل لموثقة إسحاق بن عمّار المؤيّدة بمرسلتي حسين بن عثمان و حسين بن يحيى الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيّدة بمرسلة المقنعة (1) «من خرج حاجّاً فمات في الطرق فإنّه إن

كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحَجّة» الشاملة للحاج عن غيره أيضاً، و لا يعارضها موثقة عمّار الدالّة على أنّ النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي، لأنّها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام أو على الاستحباب، مضافاً إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق، و ضعفها سنداً بل و دلالة ينجبر بالشهرة و الإجماعات المنقولة فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة. (1) يظهر من كلامه (قدّس سرّه) ان ما ورد في موثقة إسحاق بن عمار من قوله (عليه السّلام) «فان مات في الطريق» «1» مطلق يعم ما إذا مات قبل الإحرام أم بعده قبل دخول الحرم أم بعد دخوله، و على ذلك فبما أن دلالتها على الإجزاء عن المنوب عنه بالإطلاق، يرفع اليد عن إطلاقها بمرسلة المفيد في المقنعة قال: قال الصادق (عليه السّلام) «من خرج حاجّاً فمات في الطريق فإنه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، و ليقض عنه وليه» «2» و كذلك لو قيل بان قوله (عليه السّلام) في موثقة إسحاق بن عمار قبل ان يقضى مناسكة قيد للموت في الطريق» أيضاً، فإن كان قبل قضاء الحج أي إتمامه و إن كان ظاهراً في الشروع فيه و لو بالإحرام، حيث إنه أول مناسكه، الا ان الموت بعد الإحرام يعم ما إذا دخل الحرم و مات فيه أم مات قبل الدخول فيه، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بمرسلة المفيد في المقنعة، و حيث ان المرسلة ضعيفة سنداً بل دلالة أيضاً. أما السند فلإرساله، و أما من جهة الدلالة فإن ما في ذيلها و هو

قوله (عليه السّلام) (و ليقض عنه وليه) ظاهره كون حج الميت عن نفسه التزم بجبران ضعفها بالشهرة و الإجماعات المنقولة، فيكون المتحصل أجزاء حج النائب عن الغير إذا مات النائب بعد الإحرام و دخول الحرم أو في مكة قبل ان يقضى مناسكه، و لكن لا يخفى ما فيه فإنه لو فرض أن الشهرة أو الإجماعات المنقولة جابرة فإنما يجبر بهما ضعف السند و لا توجبان في المرسلة التي هي ظاهره في الميت الذي كان حجه عن نفسه ان تكون ظاهره في المطلق، يعني من كان حجة عن نفسه أو عن الغير. ففي الحقيقة يكون المقيد لإطلاق موثقة إسحاق بن عمار هي الشهرة و الإجماعات المنقولة بلا حاجة إلى ملاحظة المرسلة، أضف إلى ذلك ان التقييد بما إذا مات في الحرم ببركة المرسلة لا يناسب ما ذكره بعد ذلك. و إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان لا يبعد الاجزاء و إن لم نقل به في الحاج عن نفسه. و الوجه في عدم المناسبة ان المرسلة إذا كانت مقيدة لإطلاق الموثقة بما بعد دخول الحرم كما ذكره أولًا، فلا يبقى لها إطلاق كما لا يبقى لمرسلتي الحسين بن عثمان و الحسين بن يحيى الإطلاق، حيث ان إطلاقهما لا تزيد على إطلاق الموثقة الا ان يلتزم بأن مرسلة المفيد في المقنعة مجملة، حيث يحتمل ان يكون المراد من قوله «ان كان مات في الحرم فالموت في حالة الإحرام» تعم الموت بعد الإحرام و دخول الحرم متيقن من مدلولها، و لعله لظهور المرسلة في كون الموت بعد الدخول في الحرم ذكر بعد ذلك، و لكن الأقوى عدم الاجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و

قبل دخول الحرم فحاله حال الحاج عن نفسه، و لكن لا يخفى لو بنى على ان ظاهر المرسلة اعتبار الموت بعد الدخول في الحرم لا بعد الإحرام، و دلالة الشرطية الثانية فيها على عدم الاجزاء فيما إذا مات قبل دخول الحرم فلا اختصاص لمدلولها بالحاج عن الغير، بل تعمه إطلاقها و دلالة قوله (عليه السّلام) في موثقة إسحاق بن عمار على الاجزاء «فيما إذا مات بعد الإحرام و لو قبل دخول الحرم» تختص بالحاج عن الغير، فيرفع اليد بها عن إطلاق الشرطية الثانية في المرسلة فيختص مدلولها يعني عدم الاجزاء فيمن مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم بالحاج عن نفسه، و قد ذكرنا في محله ان الميزان في ملاحظة النسبة بين الدليلين هو الموضوع الوارد في كل منهما، فان كان الموضوع في

أحدهما أخص يقدم و يحسب قرينة على الحكم المخالف الوارد في الآخر الذي الموضوع فيه العام أو المطلق، هذا بالإضافة إلى المرسلة. و أما ملاحظة موثقة إسحاق بن عمار مع موثقة عمار الدالة على عدم الاجزاء مع موت النائب عن الغير في الطريق فإنه بعد البناء على ما تقدم من اختصاص موثقة عمار «بما إذا مات النائب بعد الإحرام» تكون مقيدة لإطلاق موثقة عمار، فتكون النتيجة الاجزاء عن المنوب عنه إذا مات النائب في الطريق بعد إحرامه. و عدم الاجزاء فيما إذا كان موته قبل إحرامه. و لو قيل بإجمال ما في موثقة عمار أو كون ظاهرها كظاهر موثقة عمار الموت في الطريق سواء كان قبل الإحرام أم بعده فيؤخذ بإطلاق موثقة عمار أو كون ظاهرها كظاهر موثقة عمار «الموت في الطريق سواء كان قبل الإحرام أم بعده» فيؤخذ بإطلاق موثقة عمار

على تقدير الإجمال، و تتعارضان و تتساقطان على تقدير التعارض فيرجع إلى القاعدة الأولية التي مقتضاها عدم الاجزاء، و يؤخذ بما في موثقة إسحاق بن عمار بما إذا مات في مكة قبل تمام الأعمال أو في الحرم بناءً على التسالم على عدم خصوصية لمكة و إنما الخصوصية للدخول في الحرم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 221

و أمّا إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان، و لا يبعد الإجزاء و إن لم نقل به في الحاج عن نفسه، لإطلاق الأخبار في المقام و القدر المتيقّن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام، لكن الأقوى عدمه فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء.

و الظاهر عدم الفرق بين حجّة الإسلام و غيرها من أقسام الحج، و كون النيابة بالأجرة أو بالتبرّع.

[ (مسألة 11) إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم

(مسألة 11) إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة (1) إذا كان أجيراً على تفريغ الذمّة، و بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحج بمعنى الأعمال المخصوصة، و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئاً سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده و قبل الإحرام أو بعده و قبل الدخول في الحرم، لأنّه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلًّا و لا بعضاً بعد فرض عدم إجزائه، من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدّمات من المشي و نحوه، (1) إذا مات بعد إحرامه و قبل دخول الحرم إذا كان أجيراً على تفريغ الذمة بالنسبة إلى ما أتى به من الإحرام أو إذا كان أجيراً على الإتيان بالحج بمعنى الاعمال المخصوصة، فما

ذكره الماتن (قدّس سرّه) من عدم استحقاقه شيئاً فيما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم سواء كان أجيراً على تفريغ الذمة أو على الأعمال المخصوصة، مبني على عدم الاجزاء فيما إذا مات بعد الإحرام و قبل الدخول في الحرم، حيث بناءً عليه يكون نظير ما استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثم أبطل صلاته اختياراً أو بلا اختيار، و ذكر (قدّس سرّه) أنه لا فرق في عدم الاستحقاق بين ان يكون المستأجر عليه اعمال الحج و بين كونه المشي إلى الميقات، و الإتيان باعمال الحج بان يكون المشي داخلًا في متعلق الإجارة، و لكن بوصف المقدمية لإتيان الأعمال لا بان تكون الإجارة منحلة إلى استئجاره لعملين أحدهما: المشي إلى الميقات بما هو هو، و ثانيها: الإتيان بالأعمال بعده بحيث لو ذهب إلى الميقات و لم يأت بالأعمال فقد أتى بأحد عملين استؤجر عليهما، و إن تخلف شرطه عليه فعليه، فإنه في الفرض يستحق الأجرة بإزاء ذهابه إلى الميقات، و يتصور ذلك فيما كان للمتسأجر غرض آخر في مشيه إلى الميقات كايصال متاع إلى طرف معاملته فيه، و إن يأتي بالمناسك بعده. و هذا المراد من قوله (قدّس سرّه) نعم لو كان المشي داخلًا في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً، استحق مقدار ما يقابله من الأجرة، بخلاف ما إذا لم يكن داخلًا في الإجارة أو داخلًا فيها لا نفساً بل بوصف المقدمية للإتيان بالأعمال. و نقول توضيحاً بأنه لا يقاس المقام بما استؤجر الشخص لحفر بئر بعشرين متراً، و حفر عدة أمتار، ثم لم يتمكن لحدوث مرض أو موت و نحو ذلك، فإنه يستحق في المثال حصة من الأجرة

بإزاء مقدار حفرة أو اجرة المثل لمقداره، و ذلك لأن حفر مقدار عدة أمتار ليس فاسداً بحيث لا يترتب عليه غرض، فان للمستأجر ان يستأجر شخصاً لتكميل حفر البئر فيكون لمقدار حفره مالية، بخلاف الموارد التي يكون المقدار المأتي به فاسداً لا يترتب عليه أي أثر عقلائي، بحيث لا يكون له مالية بهذا اللحاظ، ففي مثلها لا يكون استحقاق الأجرة للعامل إذا لم يتم العمل؟ من غير فرق بين ان لا يتعلق به عقد الاستئجار أصلا أو تعلق به و لكن بوصف المقدمية و مجرد التبعية.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 224

نعم لو كان المشي داخلًا في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً استحق مقدار ما يقابله من الأجرة، بخلاف ما إذا لم يكن داخلًا أصلًا أو كان داخلًا فيها لا نفساً بل بوصف المقدمية، فما ذهب إليه بعضهم من توزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثمّ أبطلت صلاته فإنّه لا إشكال في أنّه لا يستحق الأجرة على ما أتى به، و دعوى انّه و إن كان لا يستحق من المسمّى بالنسبة، لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به حيث إنّ عمله

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 225

محترم، مدفوعة بأنّه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه، و المفروض أنّه لم يكن مغروراً من قبله، و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معيّنة و يجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة (1)، من غير استحقاق لشي ء على التقديرين.

[ (مسألة 12) يجب في الإجارة تعيين نوع الحج

(مسألة 12) يجب في الإجارة تعيين نوع الحج (2) من تمتّع

أو قران أو إفراد، و لا يجوز للموجر العدول عمّا عيّن له و إن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأوّل، إلّا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع، كما في الحج و لا يجوز للموجر العدول عمّا عيّن له و إن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد (1) المراد أنه لا تبطل بموته الإجارة إذا لم يكن الإتيان مقيداً بسنة موته بل كانت مطلقة من حيث السنة و المباشرة، فيلزم أن يأتي من يستأجر من تركته و لو في السنة الآتية. و لا يبعد ان يقال إذا كان موته قبل إحرامه و أمكن له ان يوصي أن يقوم شخص آخر مكانه و يأتي بالحج عن المنوب عنه فَعَلَ حتى فيما إذا كانت نيابته بالاستئجار، و لو بشرط المباشرة و سواء كانت الإجارة في سنته أو مطلقاً، كل ذلك لإطلاق موثقة عمار المتقدمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، حيث ورد فيها «و لكن يوصي فإن قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» حيث ان عدم التقييد بما إذا كانت نيابته تبرعاً أو كانت بعقد الإجارة في سنته مقتضاه الإطلاق و اللَّه العالم. (2) التزم (قدّس سرّه) بلزوم تعيين نوع الحج في الإجارة و أنه يستأجره على حج التمتع أو الافراد أو القرآن، و لكن فيما كان الاستئجار لحج المندوب أو المنذور بنذر مطلق الحج، أو يجزي في حجة إسلام المستأجر أحدها لكونه ذا منزلين، أحدهما، في داخل الحد و الآخر في خارجة؟ فيجوز للأجير النائب العدول إلى غير المستأجر عليه إذا كان برضا المستأجر، و حيث قد يتوهم ان رضاه بغير ما استوجر عليه

يوجب تعلق الإجارة بأحد الأنواع من غير تعيين دفعه بأنه إذا كان النوع الخاص مذكوراً في عقد الإجارة شرطاً، بان كان الاستئجار على طبيعي الحج مع اشتراط أن يأتي الأجير تمتعاً يكون رضاه بعدوله إلى غيره إسقاطاً لشرطه، لان الشرط حق للمستأجر على الأجير فله ان يرفع يده عن حقه، و أما إذا كان عنوان النوع مأخوذاً في الإجارة قيداً بأن يكون متعلق الإجارة الحج تمتعاً بتعيين الأجرة بإزائه، يكون رضاه بالعدول إلى الآخر رضاءً بالوفاء بعقد الاستئجار بغير النوع، و هذا أمر صحيح كما هو الحال في الرضا بوفاء الدين بغير النوع في سائر الديون، حيث ان النوع بعد عقد الإجارة يكون مملوكاً للمستأجر على عهدة الأجير، و قال (قدّس سرّه) «انما ينفع رضا المستأجر في عدول الأجير إلى النوع الآخر إذا لم يجب على المستأجر النوع المعين» و أما مع تعينه عليه فلا ينفع رضاه بالعدول، و لو فرض عدول الأجير إلى النوع الآخر مع عدم إذن المستأجر و رضاه، فان كان التعيين مذكوراً في عقد الإجارة شرطاً فان لم يفسخ المستأجر عقد الإجارة بتخلف الأجير في الشرط عليه فيستحق الأجرة المسماة، لأن الأجرة عينت في عقد الإجارة بإزاء الطبيعي و إن فسخه لتخلفه يستحق اجرة المثل لعمله، و أما إذا كان تعيين النوع في عقد الاجارة بنحو التقييد بان جعل في عقدها الأجرة بإزاء النوع الخاص، فلا يستحق شيئاً لعدم وفائه بعقدها بتسليمه العمل المستأجر عليه، و ما أتى به من النوع الآخر لم يكن متعلق الإجارة و لا أمر الأجير بالإتيان به، و الوجه في ما ذكر أن واقع المعاملة فيما إذا كان متعلقها قابلًا للتقييد و الاشتراط ملاحظة مدلول إنشائها،

حيث لا يكون لواقعها الا مدلوله. نعم إذا لم يكن قابلًا إلا لأحدها فلا ننظر إلى اختلاف التعبير.

أقول: تعيين النوع بالاشتراط فرض لتعلق الاستئجار على طبيعي الحج، غاية الأمر اشترط على الأجير الوفاء بعقدها بنوع معين، و إذا اذن في العقد عدوله بغيره فمعناه تعلق الاستئجار بالطبيعى بلا تعيين نوع، و مقتضى ظاهر الماتن نفوذ هذا الاذن حيث لم يقيد بأنه يعتبر ان يكون رضاه بعد العقد، فإنه إذا كان رضاه به بعد العقد، يمكن ان يقال المعتبر من التعيين هو التعيين في عقد الإجارة و إن الغي بعدها، نظير ما إذا باع البائع متاعه نسيةً إلى مدة معينة و بعد البيع رضي بتأخير أداء الثمن، فان هذا لا يوجب كون البيع عند وقوعه غررياً. و على الجملة اشتراط تعيين نوع خاص فيما إذا كان غرض المستأجر إفراغ ذمته كما فيمن له منزلان داخل الحد و خارجه، أو كان منذورة مطلق الحج، أو كان الحج مندوباً، و كان غرضه نيل الثواب، فاعتبار تعيين النوع مشكل لعدم الغرر في عقد الاستئجار.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 226

الأخيرين إلى الأوّل، إلّا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيّراً بين النوعين أو الأنواع، كما في الحج المستحبي و المنذور المطلق، أو كان ذا منزلين متساويين في مكّة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 227

و خارجها، و أمّا إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه (1) أيضاً بالعدول إلى غيره، و في صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية، و من باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيدية، و على أيّ تقدير

يستحق الأجرة المسمّاة و إن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني، لأنّ المستأجر إذا رضي بغير النوع الّذي عيّنه فقد وصل إلى ماله على المؤجر، كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون فكأنّه قد أتى بالعمل المستأجر عليه. (1) لا ينبغي التأمل في أنه إذا كان على المنوب عنه نوع خاص، فلا يفيد في الاجزاء عما عليه، العدول إلى نوع آخر حتى برضاه، كما في النيابة عن الحي الذي استقرت عليه حجة الإسلام و لم يتمكن من المباشرة فاستأجره للحج عنه، و كذا الحال فيما كان المستأجر وصى الميت الذي عليه حجة الإسلام أو وراثه أو المتبرع في الاستئجار للحج عن الميت المفروض، و أما ان الأجير يجوز له العدول مع رضا المنوب عنه أو المستأجر و يستحق الأجرة المسماة فظاهر الماتن عدم الجواز، بل و لا يستحقها إذا عدل، و لكن لا يخفى ان الرضا بالعدول تارة يكون باستئجار شخص آخر للحج عنه في تلك السنة بما يتعين عليه، و أخرى مع بقاء ما يتعين عليه على عهدته فيها، فالالتزام بعدم الجواز يبتني على عدم مشروعية الحج الآخر عن المنوب عنه في تلك السنة غير ما اشتغلت عهدته به، فإنه على ذلك يكون عمل الأجير مع العدول محكوماً بالبطلان، و مع علمه بالحال لا يستحق اجرة على العمل الفاسد حتى أجرة المثل، نعم مع جهله بالحال يستحق اجرة المثل لكونه مغروراً من المستأجر و الالتزام بعدم المشروعية في الفرض الأول لا يخلو عن تأمّل لو لم يتأمل في الثاني أيضاً.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 228

و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل (1) أو إلى المفضول، هذا

و يظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل كالعدول إلى التمتّع تعبّداً من الشارع لخبر أبي بصير عن أحدهما «في رجل أعطى رجلًا دراهم يحجّ بها مفردة أ يجوز له أن يتمتّع إلى الحج؟ قال (عليه السّلام): نعم إنّما خالف إلى الأفضل» و الأقوى ما ذكرناه، و الخبر منزّل على صورة العلم (1) و يستدل على ذلك بصحيحة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السّلام) «في رجل اعطى رجلًا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة فيجوز له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج قال نعم انما خالف إلى الأفضل» «1» فإنه يستفاد منه أنه لا بأس بعدول الأجير إلى الأفضل عما استوجر عليه، و ذكر الماتن ان الرواية تحمل على صورة علم الأجير برضا المستأجر جمعاً بينها و بين خبر آخر، رواه الشيخ (قدّس سرّه) في التهذيب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الهيثم الهندي عن الحسن بن محبوب عن علي «في رجل اعطى رجلًا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة قال ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم» «2».

أقول: الخبر الآخر ضعيف، فان الحسن بن محبوب يروى عن علي و لا يبعد أن يكون المراد بعلي، علي بن رئاب الذي يروى عنه كثيراً. و فتوى علي بن رئاب لا تفيد شيئاً و لا يحتمل أن تكون فيه قرينة على كونه علي (عليه السّلام)، لان الشيخ قد ذكر في التهذيب في ذيله، أنه حديث موقوف غير مسند إلى أحد من الأئمة (عليهم السّلام) و لو كان في الخبر كلمة (عليه السّلام) لم يذكر ذلك، فما في الوسائل بل في الاستبصار (عليه السّلام) بعد ذكر عليّ من النساخ و لو كان ذلك

في الأصل أيضاً فلا يفيد، لان الحسن بن محبوب لا يمكن ان يروي عن علي (عليه السّلام) إلّا مرفوعاً، و لا يخفى ان مدلول الصحيحة جواز عدول الأجير إلى الأفضل من أنواع الحج لا مطلق الأفضل في كل استئجار، كما إذا استؤجر للحج الندبي و ذهب الأجير إلى زيارة سيد الشهداء (عليه السّلام)، بل ليس مدلولها الحكم التعبدي لأن الاستئجار للحج الندبي لنيل ثواب الحج، و إذا كان حج التمتع أفضل افراد الحج يكون الرضا بالعدول مفهوماً بالفحوى نوعاً، و كيف ما كان فلا تعم الصحيحة حجة الإسلام بأن كان المنوب عنه عليه حجة الافراد و أتى الأجير بحج التمتع، فإنه مضافاً إلى فرض المنوب عنه حياً التعبير بالأفضل، ظاهره نيل الثواب الأكثر.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 229

برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيّراً بين النوعين، جمعاً بينه و بين خبر آخر «في رجل أعطى رجلًا دراهم يحج بها حجّة مفردة قال (عليه السّلام): ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم» و على ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلّا مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية، و إن كان حجّه صحيحاً عن المنوب عنه و مفرغاً لذمّته إذا لم يكن ما في ذمّته متعيّناً فيما عيّن، و أمّا إذا كان على وجه الشرطية فيستحق إلّا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط إذ حينئذ لا يستحق أُجرة المسمّى بل أجرة المثل.

[ (مسألة 13) لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق

(مسألة 13) لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و إن كان في الحج البلدي لعدم تعلّق الغرض بالطريق نوعاً، و لكن لو عيّن تعيّن و لا يجوز

العدول عنه إلى غيره، إلّا إذا علم أنّه لا غرض للمستأجر في خصوصيّته، و إنّما ذكره على المتعارف فهو راض بأي طريق كان، فحينئذ لو عدل صحّ و استحقّ تمام الأجرة، و كذا إذا أسقط بعد العقد حق تعيينه، فالقول بجواز العدول مطلقاً أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية ضعيف، كالاستدلال له بصحيحة حريز «عن رجل أعطى رجلًا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة فقال: لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّة» إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب (1)، مع أنّها إنّما دلّت على صحّة الحج من حيث هو لا من حيث كونه عملًا مستأجراً عليه كما هو المدّعى، و ربّما تحمل على محامل آخر، و كيف كان لا إشكال في صحّة حجّه و براءة ذمّة المنوب عنه إذا لم يكن ما (1) لا يخفى أنه ليس الغالب في تعيين البلد، عدم الغرض لتحمل الصحيحة على صورة العلم بعدمه في تعيين البلد فليلاحظ موارد وصية الميت بالحج عنه من بلده، أو نذر الشخص الحج، أو الإحجاج من بلده، أو بلد آخر فيه مزار للمعصوم، أو مقام له (عليه السّلام).

و أما المناقشة في دلالتها بان مدلولها صحة الحج بما هو لا من حيث كونه عملًا مستأجراً عليه، ففيها ان ظاهر قوله (عليه السّلام) «فقد تم حجة» إجزاء الحج المفروض من غير فرق بين كون تعيين الكوفة، لا لغرض خاص فيه أو لكون منذورة الإحجاج منها أو نحو ذلك، و على الجملة الإطلاق في قوله (عليه السّلام) «فقد تم حجة» من غير استفصال في الجواب مقتضاه الإجزاء في جميع الصور، نعم يمكن ان يقال بعدم دلالتها

على جواز العدول للمستأجر عما عين عليه. فالاجزاء حكم تعبدي فما ذكر الماتن (قدّس سرّه) من انه لا إشكال في صحة حجه و براءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيداً بخصوصية الطريق المعين لا يمكن المساعدة عليه، فان الغرض من السؤال في الرواية هو العلم بفراغ ذمة المنوب عنه لا احتمال فساد حج الأجير في نفسه عن المعطى، لأن غاية تعيين الطريق ان يكون الأجير متبرعاً في نيابته عن المعطى و النيابة عن الغير في الحج مشروعيته محرزة لا وجه للسؤال عنها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 231

عليه مقيّداً بخصوصية الطريق المعيّن، إنّما الكلام في استحقاقه الأجرة المسمّاة على تقدير العدول و عدمه، و الأقوى أنّه يستحق من المسمّى بالنسبة (1) و يسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئية، و لا يستحقّ شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيدية، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ، و إن برئت ذمّة المنوب عنه بما أتى به لأنّه حينئذ متبرّع بعمله، و دعوى انّه يعدّ في العرف أنّه أتى ببعض ما استؤجر عليه فيستحق بالنسبة و قصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه (1) سقوط ما وقع بإزاء الطريق و استحقاق الأجير ما يقع بإزاء نفس الحج إنما إذا لم يفسخ المستأجر عقد الإجارة نظير الفسخ في موارد تبعض الصفقة في البيع، و إلا يستحق الأجير اجرة المثل لنفس الحج، و هذا في مورد أخذ الطريق المعين في الاستئجار على نحو الجزئية كما هو فرض الماتن، كما ان السقوط عند الماتن لبطلان الإجارة بالإضافة إلى ما يقع بازاء الطريق، و أما بناءً على ما ذكرنا في الإجارة من عدم

بطلانها بعدم وفاء الأجير، فالاجير يستحق مع عدم الفسخ تمام الأجرة المسماة و يطالبه المستأجر بأجرة المثل لما لم يأت به، و هو سلوك الطريق المعين عليه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 232

عرفاً عن العمل ذي الأجزاء كما ذهب إليه في الجواهر لا وجه لها، و يستحقّ تمام الأجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية (1) بمعنى الالتزام في الالتزام، نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط فيرجع إلى أجرة المثل. (1) قد تقدم أنّ الفرق بين ما هو جزء العمل المستأجر عليه و ما هو شرط في الاستئجار على عمل، هو أن الأجرة في موارد الجزء تقع بإزاء مجموع عملين أو أزيد. بحيث يكون مفاد العقد الانحلال، بالإضافة إلى ما يطلق عليه الجزء، بخلاف موارد الشرط فيها. فإن الأجرة بتمامها تقع بحسب مفاد العقد في مقابل العمل الذي لا يدخل فيه الشرط، بل الشرط إذا كان عملًا أيضاً يكون على المشروط عليه الوفاء به، و إلا يكون للمشروط خيار فسخ المعاملة، فان لم تفسخ الإجارة يستحق الأجير تمام الأجرة المسماة حيث إنها عوض العمل المستأجر عليه، و إن فسخها يكون للأجير أجرة المثل على نفس العمل الذي كان هو المستأجر عليه، و مراده (قدّس سرّه) من الشرطية الفقهية الشرط في المعاملات الذي يكون زائداً على أصل المعاملة، و يلتزم به فيها أحد المتعاقدين للآخر، لا الشرط بمعنى تقييد متعلق الحكم بالقيد بحيث يكون متعلقه الحصة، فإن هذا في الحقيقة تقييد متعلق الإجارة و جعله حصته بأن يستأجره على الحج الخاص، و هو الحج الذي وصل إلى الميقات فيه من طريق خاص، و إن وصل إليه الأجير من طريق آخر و أتى بالمناسك

لم يأت بمتعلق الإجارة أصلا، و لذا لا يستحق شيئاً على تقدير فسخ المستأجر لعدم وفائه بالإجارة، و إن لم يفسخ يطالبه بقيمة الحج الذي تملكه على الأجير بالإجارة، نعم بناءً على بطلان الإجارة بعدم وفاء الأجير بها تسقط الأجرة المسماة عن عهدة المستأجر، و إن أداها إلى الأجير قبل ذلك استردها و لا يستحق الأجير على عمله و هو الحج من طريق آخر شيئاً، لأنه لم يكن متعلق الإجارة و لا مما أمر به المستأجر.

[ (مسألة 14) إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معيّنة ثمّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً]

(مسألة 14) إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معيّنة ثمّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً بطلت الإجارة الثانية (1)، لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأُولى، و مع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحتا معاً، و دعوى بطلان الثانية و إن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأُولى لأنّه يعتبر في صحّة الإجارة تمكّن الأجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و إن لم يشترط المباشرة، ممنوعة فالأقوى الصحّة، هذا إذا آجر نفسه ثانياً للحج بلا اشتراط المباشرة، و أمّا إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه، و كذا تصحّ الثانية مع اختلاف السنتين أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما، بل و كذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل. (1) البطلان ليس من جهة عدم قدرة الأجير على الحج عن المستأجر الثاني، فإن الأمر بالوفاء بالإجارة الاولى لا يقتضي النهي عن حج الأجير عن الثاني، بل على تقديره فالنهي الغيري عنه عند الماتن لا يقتضي الفساد، بل البطلان من

جهة عدم إمكان إمضاء العقد الثاني و الأمر بالوفاء به مع إمضاء الإجارة الأولى، و الأمر بالوفاء بها، و لا مورد للترتب في مثل المقام حيث ان الأجير قد ملك المستأجر الثاني الحج عنه في هذه السنة مطلقاً، بحيث يكون الحج عنه فيها ملكاً له من غير تقدير و تعليق، و لو كانت الإجارة الثانية مورد الإمضاء و الأمر بالوفاء بها على طبق مدلولها لم يمكن اجتماع ذلك مع إمضاء الإجارة الأولى، و الأمر بالوفاء بها مطلقاً و إن آجر نفسه للحج عن الثاني لا مطلقاً، بل على تقدير ترك الحج عن المستأجر الأول تكون الإجارة الثانية باطلة أيضاً للتعليق، لا يقال لا بأس بالالتزام بالإطلاق و التنجيز في الإجارة الثانية، و لكن الأجير في فرض تركه الوفاء بالإجارة الأولى يتعلق الإمضاء الشرعي و الأمر بالوفاء مطلقاً بالإجارة الثانية، نظير بيع السلم فان مدلوله بحسب إنشاء المتعاقدين ملكية المبيع للمشتري من زمان قبول المشتري مطلقاً، و لكن إمضاء الشارع و أمره بالوفاء يَتُم من زمان قبض الثمن قبل افتراقهما و لو بعد عدة ساعات من تمام قبول المشتري، فإنه يقال قد ذكرنا سابقاً ان مثل المقام لا يرتبط بمسألة إمضاء بيع السلم و الأمر بالوفاء به، فإن إمضاء الشارع موضوعه زمان تحقّق قبض الثمن، فإن زمان تحقق قبض الثمن يتم الموضوع لإمضاء الشارع و يكون أمر الشارع بالوفاء مطلقاً، فيصير المبيع على عهدة بايعه ملكاً فعلياً للمشتري مطلقاً بإزاء ملكية البائع الثمن كذلك، بخلاف المقام هنا فإن الأجير بتركه الإحرام من المستأجر الأول لا يسقط الأمر بالحج و الإحرام عنه، ما دام ممكناً فهو مأمور بالإحرام و الحج عنه ما لم يفت زمان الإحرام عنه

و لو بالرجوع إلى الميقات، و إذا فات زمان الإحرام عنه، فات زمان الإحرام عن الثاني أيضاً، و الإحرام عن الثاني قبل ذلك ليس مورداً لإمضاء الشارع، و الأمر به. و على الجملة فلا يمكن فرض سقوط زمان الأمر بالإحرام و الحج عن المستأجر الأول يحدث الإمضاء و الأمر بالإحرام و الحج عن الثاني.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 234

و لو اقترنت الإجارتان كما إذا آجر نفسه من شخص و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة، و كان وقوع الإجارتين في وقت واحد بطلتا معاً مع اشتراط المباشرة فيهما.

و لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة أحدهما كما في صورة عدم الاقتران، و لو آجر نفسه من شخص ثمّ علم أنّه آجره فضولي من شخص آخر سابقاً على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك العقد (1) و إن قلنا بكون الإجازة كاشفة بدعوى أنّها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه، لكون إجارته نفسه مانعاً عن صحّة (1) يظهر الوجه في ذلك مما تقدم فان العقد فضولًا و إن كان سابقاً زماناً على إجارة الأجير نفسه على الحج عن الآخر إلا ان إتمامه بالاستناد إلى الأجير يتم من حين الإجازة، و الإجازة كاشفة حكماً لتعلقها بمضمون العقد، إلا ان شمول خطاب إمضاء العقد له و الأمر بالوفاء به بإجازته في الفرض غير ممكن، لان المفروض ان الأجير آجر نفسه للحج عن الآخر في تلك السنة قبل اجازته، و ليست صحة عقد الإجارة فضولًا بعد إجازة الأجير من جهة التعبد و ورود خطاب لفظي فيه ليقال بانصرافه عن صورة إجارة الأجير نفسه قبل اجازته العقد الفضولي.

التهذيب في مناسك العمرة و

الحج، ج 1، ص: 235

الإجازة حتّى تكون كاشفة و انصراف أدلّة صحّة الفضولي عن مثل ذلك.

[ (مسألة 15) إذا آجر نفسه للحج في سنة معيّنة لا يجوز له التأخير]

(مسألة 15) إذا آجر نفسه للحج في سنة معيّنة لا يجوز له التأخير بل و لا التقديم إلّا مع رضا المستأجر، و لو أخّر لا لعذر أثم، و تنفسخ الإجارة إن كان التعيين على وجه التقييد (1)، و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية و إن أتى به مؤخراً لا يستحق الأجرة على الأوّل و إن برئت ذمّة المنوب عنه به، و يستحق المسمّاة (1) إذا لم يتمكن الأجير من الحج عن الغير في سنته أي من الحج عنه في تلك السنة فلا ينبغي التأمل في بطلان الإجارة، حيث يعتبر في صحتها تمكن الأجير من تسليم العمل في وقته. و أما إذا لم يأت الأجير مع تمكنه منه فلا دليل على انفساخ الإجارة، لأن الأجير بتركه العمل قد أتلف ملك المستأجر فيكون عليه ضمانه، و حيث ان العمل قيمي فيدفع العمل إلى المستأجر بقيمته و يستحق اجرة المسماة بذلك، فالالتزام بالانفساخ كما هو ظاهر الماتن (قدّس سرّه) بلا وجه. و إذا أتى الأجير بالحج عن المستأجر في السنة الآتية تبرء ذمة المنوب عنه و لكن لا تسقط القيمة أي أجرة المثل عن ذمته إلا برضاء المستأجر، حيث ان رضاه إبراء ذمته. و هذا في صورة كون السنة مأخوذة في متعلق الإجارة تقييداً بان تجعل الأجرة المسماة فيعقد الإجارة بإزاء الحج عنه في تلك السنة، و أما إذا جعلت بإزاء نفس طبيعي الحج عنه و اشترط على الأجير ان يأتي الطبيعي في السنة فان تركه فيها و فسخ المستأجر عقد الإجارة، فإن كان الفسخ قبل الحج في السنة

اللاحقة فلا يستحق الأجير شيئاً، بل عليه رد الأجرة المسماة على المستأجر ان كان أخذها من قبل، و إن كان بعد حجه في السنة اللاحقة يستحق الأجير اجرة المثل إذا لم يزد على الأجرة المسماة، و قد ظهر مما ذكرنا الفرق بين تقييد متعلق الإجارة و الاشتراط في العقد و دعوى أنه يرجع الاشتراط في مثل المقام إلى التقييد لا يمكن المساعدة عليه، بعد ما ذكرنا أنه مع إمكان الأمرين المتبع إنشاء المعاملة فإنه ليس لها حقيقة إلا مدلول عقدها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 236

على الثاني إلّا إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى أجرة المثل، و إذا أطلق الإجارة و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال، و في ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان: من أنّ الفورية ليست توقيتاً، و من كونها بمنزلة الاشتراط (1). (1) قد ذكر الماتن (قدّس سرّه) في شرائط الإجارة على عمل معلوم تعيين المدة التي على الأجير ان يأتي به فيها و لو بمثل إلى جمعة أو شهر، و حيث ان حقيقة الإجارة على الاعمال تمليك الأجير العمل للمستأجر بإزاء تملك الأجرة. فالأجرة مع الإطلاق تقع بإزاء نفس العمل المعلوم لا العمل المقيد بالزمان الخاص فيكون طبيعي العمل مملوكاً للمستأجر على الأجير، و يأتي أن مقتضى ذلك لزوم التعجيل بمعنى كون العمل على ذمة الأجير حالًا، فيجوز للمستأجر المطالبة به، و معها يجب على الأجير الإتيان بالعمل المستأجر عليه، و لكن ذكر بعض الأصحاب بأن لزوم العمل فوراً لا يحتاج إلى مطالبة المستأجر و سيأتي انه بلا وجه، ثم انه بناء على التعجيل بمعنى الفورية لو أهمل الأجير و لم يأت بالعمل المستأجر عليه فوراً فهل

للمستأجر فسخ عقد الاستئجار؟ بحيث لا يستحق الأجير الأجرة المسماة إذا كان الفسخ بعد الإتيان بالعمل متأخراً، أو يستحق اجرة المثل، أو لا يستحق شيئاً إذا كان الفسخ قبل عمله، ذكر الماتن (قدّس سرّه) لا مجال في المقام لاحتمال انفساخ الإجارة و بطلانه باهماله، لان التعجيل ليس قيداً في المعاملة للعمل المستأجر عليه كالاستئجار على العمل الموقت، و يمكن كونها بمنزلة الاشتراط في عقد الإجارة المتضمنة لبذل الأجرة في مقابل طبيعي العمل، فيستحق الأجير بعد إهماله بالعمل قبل الفسخ و فسخها بعده اجرة المثل، و لكن لا يخفى عبارته (قدّس سرّه) لا تفي بما ذكرنا فان ظاهر قوله من ان الفورية ليست توقيتاً و من كونها بمنزلة الاشتراط، بيان الوجهين لنفي الخيار و ثبوته لا لعدم انفساخ الإجارة و ثبوت الخيار، و أيضاً إذا كانت الفورية في الوفاء شرطاً ارتكازياً في عقد الإجارة على العمل مطلقاً فهذا من الاشتراط لا بمنزلته، و إن كان وجوبها مستفاداً من وجوب الوفاء بالإجارة و عدم جواز عدم رد ملك الغير اليه إلا مع رضاه، فهذا الوجوب المستفاد على تقدير القول به لا يكون بمنزلته كالاشتراط في عقد الإجارة حتى يوجب عدم رعاية خيار الفسخ، نعم لا يبعد بناءً على ما يأتي من ان إطلاق العمل في عقد الاستئجار و عدم تعيين زمان له حتى بعنوان الاشتراط يوجب ان يكون العمل على الأجير حالًا نظير الإطلاق في البيع فيما كان الثمن كلياً على عهدة المشتري، فإنه يوجب كون البيع حالًا فللبائع مطالبته بالثمن بعد العقد، فإن أهمل بعد المطالبة يجوز للآخر فسخ المعاملة فإن كون إهماله كذلك موضوع الخيار للآخر شرط ارتكازي في الإجارة و البيع.

[ (مسألة 16) فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا؟]

(مسألة 16) قد

عرفت عدم صحّة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه لشخص في سنة معيّنة ثمّ آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأوّل أو لا؟ فيه تفصيل: و هو أنّه إن كانت الأُولى واقعة على العمل في الذمّة لا تصح الثانية بالإجارة (1)، لأنّه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتّى تصح له (1) لا يخفى أنّ اجازة المستأجر الأول الإجارة الثانية ترجع إلى فسخ الإجارة الأولى أو رضاه في الوفاء بها بحج الأجير عنه بوجه آخر، اما بالتأخير أو الإتيان بغير نحو المباشرة و مع رجوعها إلى أحدها تصح الإجارة الثانية و يتعلق وجوب الوفاء بها، و إجازة المستأجر الأول في الفرض نظير تحقق قبض الثمن قبل التفرق في بيع المسلم في كونها متممة لموضوع وجوب الوفاء بالإجارة الثانية، و حيث انها لا تكون بنفسها متمّمة بل المتمّم حقيقة انتفاء ما لا يمكن معه الأمر بالوفاء بها لا تكون إجازته كاشفة عن تمام الإجارة الثانية من حين وقوعها حتى بنحو الكشف الحكمي، فلا يدخل الحج عن المستأجر الثاني في ملكه، و الأجرة في ملك الأجير لا تكون إلا من حين تمام الإجازة لا من حين وقوعها، و دعوى ان الأجير لم يكن له حين عقد الإجارة سلطاناً على العقد الثاني، فلا يفيد تجدد السلطنة، يدفعها بان الأمر بالوفاء بالإجارة الأولى قبل الإجازة لم يكن يقتضي النهي عن الحج عن الآخر، بل عدم تمام الإجارة الثانية لوجوب الوفاء بالإجارة الأولى، حيث لم يكن يجتمع الوفاء بها مع الوفاء بالثانية، و بعد الإجازة لم يكن مانع عن شموله لها بل على القول بالنهي عن الضد أيضاً كذلك، كما لا

يخفى حيث ذكرنا ان الإجازة في المقام لا تكون كاشفة حتى حكماً.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 238

إجازتها، و إن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة بأن تكون منفعته من حيث الحج أو جميع منافعه له جاز له إجازة الثانية لوقوعها على ماله، و كذا الحال في نظائر المقام فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معيّن ثمّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني، و أمّا إذا ملكه منفعته في الخياطة فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو جاز له إجازة هذا العقد (1) لأنّه تصرّف في متعلّق حقّه، و إذا (1) إذا فرض تمليك منفعته الخياطة من ذلك اليوم في الإجارة الأولية فلا تكون منفعته الكتابية فيه ملكاً للمستأجر الأول، فإجارته نفسه ثانياً للكتابة لعمر ملحق بالقسم السابق، و لا تدخل في إجازة العقد الفضولي لتكون الأجرة في الإجارة الثانية بعد الإجازة ملكاً للمستأجر الأول.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 239

أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر، نعم لو ملك منفعة خاصّة (1) كخياطة ثوب معيّن أو الحج عن ميّت معيّن على وجه التقييد، يكون كالأول في عدم إمكان إجازته.

[ (مسألة 17) إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه فيما عليه من الأعمال

(مسألة 17) إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه فيما عليه من الأعمال و تنفسخ الإجارة مع كونها مقيّدة بتلك السنة (2)، و يبقى الحج في ذمّته مع الإطلاق، و للمستأجر خيار التخلّف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد، و لا يجزئ عن المنوب عنه و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم، لأنّ ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار، و

القياس عليه لا وجه له، و لو ضمن المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته، و القول بوجوبه ضعيف، و ظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال، و هو مشكل لأنّ المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه و عدم فائدة فيما أتى به، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها، و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلى المستأجر فلا يستحق أجرة المثل أيضاً. (1) هذا الكلام استدراك من قوله إذا ملكه منفعته في الخياطة. إلخ و مراده انه إذا لم يملك في الإجارة الأولى منفعة الخياطية مطلقاً، بل ملك منفعته الخياطية الخاص من حيث الثوب أو منفعته الحج الخاص من حيث المنوب عنه، فأجرته نفسه ثانياً للخياطة للآخر أو الحج عن ميت آخر للآخر تكون كالأول في عدم صحتها بإجازة المستأجر الأول. (2) فإنه مع الصد أو الحصر ينكشف عدم تمكن الأجير من العمل المستأجر عليه فتكون الإجارة باطلة، نعم لو لم يكن حجه عن المنوب عنه المقيدة بتلك السنة بأن جعلت الأجرة في عقد الإجارة بإزاء مطلق الحج عنه، و لكن اشترط عليه الإتيان به فيها يبطل الشرط، و لكن يكون للمستأجر خيار الفسخ على ما ذكر في محله من ان بطلان الشرط و لو لعدم تمكن الأجير منه يوجب الخيار للمستأجر لتخلف شرطه، و لا يجري في المقام ما تقدم في موت الأجير في الطريق من التفصيل بين كونه بعد الإحرام و دخول الحرم أو قبله، فإنه لا أجزاء في الفرض بلا فرق بين كونه قبل الإحرام أو بعده، قبل دخول

الحرم أو بعده، و لذا لا يستحق الأجير الأجرة المسماة مع أحدهما، بل لا يستحق اجرة المثل أيضاً. حيث ان المفروض تعيين الأجرة المسماة بإزاء الحج عن المنوب عنه، و ما أتى به الأجير من بعض الاعمال لا يستند إلى المستأجر بل إلى نفس الأجير لقبوله الاستئجار و قيامه به من غير غرور من المستأجر و لا كون عمله بحيث ينتفع به على ما تقدم.

[ (مسألة 18) إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة]

(مسألة 18) إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله (1).

[ (مسألة 19) إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل

(مسألة 19) إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول (2) في مقابل الأجل بمعنى الفورية إذ لا دليل عليها، و القول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف، فحالها حال البيع في أنّ إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة و وجوب المبادرة معها.

[ (مسألة 20) إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها]

(مسألة 20) إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها، كما أنّها لو زادت ليس له استرداد الزائد، نعم يستحب الإتمام كما قيل، بل قيل يستحب على الأجير أيضاً (1) و ذلك فإن الكفارة جزاء على ارتكاب المحرم المنهي عنه و لو عند الاختيار و المرتكب هو الأجير فلا موجب لضمان المستأجر شيئاً منها. (2) قد تقدم الكلام في التعجيل الذي يقتضيه إطلاق الإجارة في المسألة الخامسة عشرة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 241

رد الزائد، و لا دليل بالخصوص على شي ء من القولين، نعم يستدل على الأوّل بأنّه معاونة على البر و التقوى، و على الثاني بكونه موجباً للإخلاص في العبادة.

[ (مسألة 21) لو أفسد الأجير حجّة بالجماع قبل المشعر]

(مسألة 21) لو أفسد الأجير حجّة بالجماع قبل المشعر، فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه و الحج من قابل و كفارة بدنة، و هل يستحق الأجرة على الأوّل أو لا؟ قولان مبنيان على أنّ الواجب هو الأوّل و أنّ الثاني عقوبة أو هو الثاني و أنّ الأوّل عقوبة.

قد يقال بالثاني للتعبير في الأخبار بالفساد (1) الظاهر في البطلان، و حمله على (1) و قد ورد في صحيحة سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول «في الجدال شاة و في السباب و الفسوق بقرة و الرفث فساد الحج» «1» و في صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي موسى (عليه السّلام) «عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو و ما على من فعله، فقال: الرفث جماع النساء» «2» و استظهر من إطلاق الفساد في الصحيحة و غيرها بطلان الحج، غاية الأمر يقيد البطلان بما يستفاد من بعض الروايات ككون الجماع بعد إحرام الحج و قبل الوقوف بالمشعر، بل

قيل ان التعبير بان عليه الحج من قابل، ظاهره اعادة الحج و عدم كونه مجزياً في امتثال التكليف السابق، و لكن شي ء من التعبير بالفساد و الأمر بالحج من قابل لا يمكن ان يكون صالحاً في الحكم ببطلان الحج، لأن الأمر بإتمام الحج المزبور مقتضاه صحته، و لو كان الحج محكوماً بالبطلان كمن لم يدرك شيئاً من الوقوفين يكون غاية الأمر التكليف بإتمامه عمرة مفردة، و يدلُّ ايضاً على صحته و اجزائه عن التكليف المتوجه اليه من قبل صحيحة زرارة قال: سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة، قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجبني على الوجهين إلى ان قال و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما الحج من قابل، فاذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا مناسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: فأي الحجتين لهما قال الاولى و أنها حجة الإسلام و الأخرى عليهما عقوبة» «3» و يضاف إلى ذلك خصوص ما ورد في الأجير و هي صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة، قال: هي للأول تامة و على هذا ما اجترح» «4» و في مضمرته قال: «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة إلى أن قال: قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم» «5» و يؤيد ذلك أي صحة الحجة الأولى و كونها مجزية عن التكليف عدم ورود الأمر بإعادة الحج

في الروايات، بل الوارد فيها عليه الحج من قابل، و يترتب على ذلك انه لو مات و عليه الحج العقوبتي لم يخرج من تركته، بل هو كالحج النذري يجب قضائه من ثلثه إذا أوصى به، بخلاف ما إذا قيل بالبطلان فإنه يكون عليه حجة الإسلام يخرج من تركته إذا كان ما عليه سابقاً حجة الإسلام.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 242

إرادة النقصان و عدم الكمال مجاز لا داعي إليه، و حينئذ فتنفسخ الإجارة (1) إذا كانت معيّنة و لا يستحق الأجرة و يجب عليه الإتيان من قابل بلا أجرة، و مع إطلاق الإجارة تبقى ذمّته مشغولة و يستحق الأجرة على ما يأتي به في القابل. (1) قد تقدم ان الانفساخ ينحصر على مورد انكشاف عدم تمكن الأجير من العمل المستأجر عليه و لا تعم مورد عدم الوفاء بالإجارة مع تمكنه عليه، بل مورد وفائه يتخير المستأجر بين إبقاء الإجارة و مطالبة الأجير ببدل العمل الذي كان مملوكاً له بعقد الإجارة أو فسخها و استرداد الأجرة المسماة إذا دفعها اليه من قبل، و هذا مع تقييد العمل المستأجر عليه بحج السنة، و أما مع الإطلاق فيجب على الأجير الإتيان به في السنة القادمة أو مستقبلًا مع عدم اشتراط الفورية، و إلا يجوز له فسخ الإجارة بتخلف الشرط و استرداد الأجرة المسماة على ما تقدم، نعم هذا مع قطع النظر عما ورد في صحيحة إسحاق بن عمار «من ان على الأجير الحج من قابل و عمله مجزي عن المنوب عنه» و تعليل ذلك بضمان الأجير، فإنه بناءً على بطلان الحج الأول يكون المجزي الحج من قابل حتى في صورة تقييد الحج في عقد الإجارة بالسنة

الحالية، كما هو مقتضى الإطلاق في الصحيحة و التعليل بضمان الأجير مع كون المجزي الحج الثاني، مقتضاه كون الحج من قابل بدلًا شرعياً للعمل المستأجر عليه، فيكون البدل وفاءً بعقد الإجارة و لازم ذلك استحقاق الأجير الأجرة المسماة بالحج عن المنوب عنه في القابل حتى في صورة التقييد بالسنة الحالية في الإجارة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 243

و الأقوى صحّة الأوّل، و كون الثاني عقوبة لبعض الأخبار الصريحة في ذلك في الحاج عن نفسه، و لا فرق بينه و بين الأجير، و لخصوص خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمّار عن أحدهما (عليهما السّلام) «قال: قلت: فإن ابتلي بشي ء يفسد عليه حجّه حتّى يصير عليه الحج من قابل أ يجزئ عن الأوّل؟ قال: نعم، قلت: إنّ الأجير ضامن الحج، قال: نعم»، و في الثاني سئل الصادق (عليه السّلام): «عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجّه شيئاً يلزم فيه الحج من قابل و كفارة قال (عليه السّلام): هي للأوّل تامّة، و على هذا ما اجترح»، فالأقوى استحقاق الأجرة على الأوّل و إن ترك الإتيان من قابل عصياناً أو لعذر، و لا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معيّنة.

و هل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الّذي أتى به الأوّل فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه و بذلك العنوان أو هو واجب عليه تعبّداً و يكون لنفسه؟ وجهان، لا يبعد الظهور في الأوّل و لا ينافي كونه عقوبة فإنّ الإعادة عقوبة، و لكن الأظهر الثاني، و الأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمّة.

ثمّ لا يخفى عدم تماميّة ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الأجرة في صورة كون الإجارة معيّنة، و لو على

ما يأتي به في القابل لانفساخها و كون وجوب الثاني تعبّداً

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 244

لكونه خارجاً عن متعلّق الإجارة و إن كان مبرئاً لذمّة المنوب عنه، و ذلك لأنّ الإجارة و إن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأوّل لكنّها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبّداً بكونه عوضاً شرعياً تعبديّاً عمّا وقع عليه العقد، فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني.

و قد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضاً في تفريغ ذمّة المنوب عنه بل لا بدّ للمستأجر أن يستأجر مرّة أخرى في صورة التعيين و للأجير أن يحج ثالثاً في صورة الإطلاق، لأنّ الحج الأوّل فاسد، و الثاني إنّما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث، إذ التداخل خلاف الأصل. و فيه أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان، و الظاهر من الأخبار على القول بعدم صحّة الأوّل وجوب إعادة الأوّل، و بذلك العنوان فيكفي في التفريغ و لا يكون من باب التداخل فليس الإفساد عنواناً مستقلا، نعم إنّما يلزم ذلك إذا قلنا إنّ الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأوّل و هو خلاف ظاهر الأخبار.

و قد يقال في صورة التعيين إنّ الحج الأوّل إذا كان فاسداً و انفسخت الإجارة يكون لنفسه، فقضاؤه في العام القابل أيضاً يكون لنفسه و لا يكون مبرئاً لذمّة المنوب عنه فيجب على المستأجر استئجار حج آخر، و فيه أيضاً ما عرفت من أنّ الثاني واجب بعنوان إعادة الأوّل، و كون الأوّل بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له و إن كان بدلًا عنه لأنّه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار إليه بعد الفسخ، هذا.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1،

ص: 245

هذا و الظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحج الأوّل المستأجر عليه واجباً أو مندوباً، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام و الإعادة في النيابة تبرّعاً أيضاً (1) و إن كان لا يستحق الأجرة أصلًا.

[ (مسألة 22) يملك الأجير الأجرة بمجرّد العقد]

(مسألة 22) يملك الأجير الأجرة بمجرّد العقد، لكن لا يجب تسليمها إلّا بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل و لم تكن قرينة على إرادته من انصراف أو غيره، و لا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عيناً أو ديناً لكن إذا كانت عيناً و نمت كان النماء للأجير، و على ما ذكر من عدم وجوب التسليم قبل العمل إذا كان المستأجر وصياً أو وكيلًا و سلّمها قبله كان ضامناً لها على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلًا، و لا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكّل أو الوارث (2)، و لو لم يقدر الأجير (1) فإن الصحيحة الأخرى لإسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) تعم صورة النيابة تبرعاً، حيث ورد فيها «الرجل يحج عن آخر اجترح في حجه شيئاً يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة؟ قال: هي للأول تامة و على هذا ما اجترح» و لكنها كالصريحة في صحة الحج الأول و اجزائه عن المنوب عنه. (2) و عدم جواز اشتراط التعجيل للوكيل من غير اذن الموكل ظاهر، فان اشتراطه خروج عن مورد الوكالة فلا ينفذ و لو سلم الأجرة معه أو بدونه يكون ضامناً إذا لم يعمل الأجير أو كان عمله باطلًا، بل في تعيين المدفوع اجرة إذا كانت الأجرة كلياً تأمل بل منع، و أما استجارة الوصي و استيذانه من الوارث في اشتراط التعجيل فهي

تفيد فيما إذا لم يعمل الأجير أو كان عمله باطلًا و كان للميت تركة زائدة على أجرة الحج، فان مع اذن الوارث في اشتراط التعجيل لا ضمان على الوصي إذا لم يمكن استرداد الأجرة و على الوارث الاستئجار مرة أخرى، بخلاف ما لم يستأذن منه فان الضمان يكون على الأجير على ما تقدم، و أما إذا لم يكن له تركة زائدة على أجرته فلا اثر للاستئذان من الوارث.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 246

على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ و كذا المستأجر (1)، لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق و يجوز للوكيل و الوصي دفعها من غير ضمان.

[ (مسألة 23) إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة]

(مسألة 23) إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلّا مع الإذن صريحاً أو ظاهراً، و الرواية الدالّة على الجواز محمولة على صورة العلم. (1) لا يخفى أن عجز الأجير و عدم تمكنه من العمل المستؤجر عليه و لو من جهة عدم تسلمه الأجرة بعضاً أو كلا قبل العمل يوجب بطلان عقد الإجارة، لأن تمكنه منه في وقته شرط في صحة الإجارة، نعم إذا كان الشرط في عقد الإجارة تسليم الأجرة إليه قبل العمل و لو بنحو الشرط الارتكازي الحاصل من المتعارف و لم يدفعها إليه المستأجر قبله فله مع تمكنه من العمل بدون تسلمها خيار الفسخ، و إلا تبطل الإجارة لعجزه. و مما ذكر أنه إذا لم يشترط تسليم الأجرة إليه قبل العمل حتى بالشرط الارتكازي الحاصل من المتعارف و لم يكن الأجير متمكنا من العمل بدونه فالإجارة باطلة. نعم قد يقال لو بدا للمستأجر و دفع الأجرة قبل

العمل تصح الإجارة لتمكنه منه، و لكن هذا ايضاً لا يخلو عن إشكال، فإن الشرط في صحتها ليس مجرد تمكن الأجير واقعاً من العمل في وقته، بل اللازم إحرازه أيضاً عند العقد، إلا انه لا بأس بما قيل لو كان من اعتقاد الأجير تمكنه من العمل و لو بدون تسلم الأجرة عند العقد ثم بان عجزه لو لم يتسلمها قبل العلم و لكن دفعها إليه المستأجر قبله اتفاقاً.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 247

بالرضا من المستأجر (1) (1) الرواية المشار إليها رواها الكليني و الشيخ (قدّس سرّهما)، أما الشيخ ففي موضعين من باب الزيارات في فقه الحج، و في الأول بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن أبي سعيد عن يعقوب بن يزيد عن جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام) «ما تقول في الرجل يعطي الحجة فيدفعها إلى غيره، قال: لا بأس» «1» و هذا موافق لما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد عن جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام)، و في الموضع الثاني فقد روى بإسناده عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن الأحول عن عثمان بن عيسى عن أبي الحسن (عليه السّلام)، و على ذلك فلا مجال للمناقشة في سندها بسهل بن زياد، حيث ان كلمة أبي سعيد و إن كانت كنية لسهل بن زياد الا ان في الموضع الثاني لم يقع سهل في سندها، و احتمال كون ابي سعيد غير سهل بن زياد موهوم عند من لاحظ بعض روايات محمد بن احمد بن يحيى التي

أوردها الشيخ عنه عن أبي سعيد و سنده (قدّس سرّه) في الموضع الثاني إلى محمد بن الحسين معتبر، حيث يروى عن ابن أبي الجيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين و ابن أبي الجيد من مشايخ النجاشي، و يظهر من كلامه في بعض المواضع توثيق مشايخه و لا أقل من دلالته على أنهم لا يخلون عن حسن الظاهر، نعم في السند مناقشة أخرى و هي ان الأحول الراوي عن عثمان بن عيسى عن أبي الحسن (عليه السّلام) يبعد كونه محمد بن النعمان المعروف بالاحول، فإنه يروي عن الباقر و الصادق و بعض أصحابهم (عليهما السّلام) و روايته عن عثمان بن عيسى الذي يروي عن الرضا و موسى بن جعفر (عليهم السّلام) لم توجد في مورد، خصوصاً الوارد في السند في الموضع الأول، و في رواية الكليني هو جعفر الأحول و ما قيل من أن الظاهر سقوط لفظه ابي و كان الأصل أبي جعفر الأحول و أبي جعفر كنية لمحمد بن النعمان الأول، و لعلة لذلك أضاف في الوسائل اللفظة فرواها عن الشيخ بإسناده عن أبي جعفر الأحول عن عثمان بن عيسى لا يمكن المساعدة عليه، فإنه من المحتمل سقوط لفظة جعفر في الموضع الثاني مع كون جعفر الأحول شخص آخر مجهول أو مهمل. و يمكن المناقشة في دلالتها أيضاً بأنه لم يفرض في السؤال كون دفع الحجة بعنوان الاستئجار على النيابة عن دافعها، بل مقتضاها أنه يعطى لشخص المال بغرض ان يحج الحرم، و إنما سأل الراوي عن دفعها إلى الغير لاحتماله أنه بالدفع اليه يتعين عليه الحج ثانياً مع إتيانه بحجة الإسلام من قبل، و

على الجملة المحتمل جدّاً ان يكون جهة السؤال بعد فرض ان غرض المعطى الإحجاج و نيل ثوابه لا الحج عنه، و لكن المدفوع اليه يحتمل ان يتعين عليه الحج ثانياً، و لذا ذكر في الجواب لا بأس بدفعها إلى الغير من غير تقييد. و أما ما ذكره الماتن (قدّس سرّه) من أنها محمولة على صورة العلم بالرضا فلا يمكن المساعدة عليه، فان القرينة على الحمل مفقودة مع أن مجرد العلم بالرضا لا يخرج المعاملة الثانية مع الغير عن الفضولية أيضاً، و مع فرض علم المدفوع اليه برضا المستأجر لا يبقى وجه للسؤال عن جواز دفعها إلى الغير، و ما قيل من ان وجه السؤال لعدم يقين المدفوع إليه بأنه يأتي الحجة و ينويها عن المستأجر أو يأتي بها صحيحة أو بلا خلل كما ترى، فإنه لو كان وجه السؤال كذلك، فاللازم تقييد الجواز الوارد في الجواب بما إذا كان الغير أميناً عارفاً بمناسك الحج و أعماله.

[ (مسألة 24) لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتّعاً]

(مسألة 24) لا يجوز استئجار من ضاق وقته (1) عن إتمام الحج تمتّعاً و كانت وظيفته العدول إلى حج الإفراد عمّن عليه حج التمتّع، و لو استأجره مع سعة الوقت (1) فان ذلك مقتضى اشتغال ذمة المنوب عنه بحج التمتع المفروض ان الأجير لا يتمكن منه، و ما ورد في اتفاق ضيق الوقت عن إدراك عمرة التمتع من الأمر بالعدول إلى حج الافراد و كذا في الحائض لعدم تمكنها من طواف عمرة التمتع يكون من البدل الاضطراري فلا تصل النوبة اليه مع التمكن من الاختياري سواء كان التكليف بالحج مباشرة أو على وجه التسبيب و النيابة، و عليه فلا يجوز للوصي أو العاجز استنابة من هو في ضيق الوقت

و نحوه لا يتمكن من الحج تمتعاً. نعم لو خرج مع سعة الوقت و اتفق الضيق يجوز له العدول و يجزي عن فرض التمتع إذا كان الحج عن نفسه، و الكلام في جوازه فيما كان الحج عن الغير بنحو النيابة و في أجزائه عن المنوب عنه، فإنه قد التزم الماتن بعدم جوازه على النائب في حجه، و أنه على تقدير عدوله لا يجزي عن المنوب عنه و لا يستحق الأجرة على عمله. و علل عدم جواز عدوله و عدم أجزائه بانصراف الأخبار الواردة في العدول إلى صورة الحج عن نفسه، و عدم استحقاق الأجرة على تقدير عدوله بان ما أتى به الأجير غير ما على الميت و غير ما استؤجر عليه.

أقول: لا ينبغي التأمل في جواز عدوله بل أجزاء عمله عن المنوب عنه، فان بعض ما ورد فيه من الأمر بالعدول يعم ما إذا كان محرماً للتمتع عن الغير كما أن لازم جواز العدول الاجزاء، لان المنقلب إلى الافراد حج المنوب عنه و ليس الأمر بحج الافراد و للخروج من إحرامه فقط، و إلا لم يكن وجه للأمر بالإتيان العمرة المفردة بعد تمام الحج، بل لم يكن وجه للأمر بالعدول و الخروج إلى عرفة لإمكان إتمام عمرته التي أحرم لها بجعلها عمرة مفردة بعد عدم إمكان إتمامها تمتعاً، كما هو الحال في عدم إمكان إتمام الحج الذي أحرم له بفوات الموقفين، و دعوى الانصراف في جميع ما ورد في روايات العدول، إلى صورة كون المحرم لعمرة التمتع قاصداً الحج عن نفسه غير تام، فإن صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن الرجل يكون في يوم عرفه و بينه و بين مكة ثلاثة أميال

و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: يقطع التلبية تلبية المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر و يمضي إلى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه» «1» و إطلاقها مما لا ينبغي التأمل فيه، و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل أهل بالحج و العمرة جميعاً ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان طاف و سعى بين الصفا و المروة ان يفوته الموقف، قال: يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» «2» و أما بالإضافة إلى استحقاق الأجرة فقد يظهر مما ذكرنا في موت الأجير في الأثناء.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 249

فنوى التمتّع ثمّ اتّفق ضيق الوقت فهل يجوز العدول و يجزئ عن المنوب عنه أو لا؟ وجهان: من إطلاق أخبار العدول، و من انصرافها إلى الحاج عن نفسه، و الأقوى عدمه، و على تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميّت و عدم استحقاق الأجرة عليه لأنّه غير ما على الميّت و لأنّه غير العمل المستأجر عليه.

[ (مسألة 25) يجوز التبرّع عن الميّت في الحج الواجب أيّ واجب كان و المندوب

(مسألة 25) يجوز التبرّع عن الميّت في الحج الواجب (1) أيّ واجب كان (1) يقع الكلام أولًا ما إذا كان على الميت حجة الإسلام و قد ناب شخص عنه في حجة إسلامه تبرعاً، فهل هذه النيابة مشروعة و يجزي حج النائب حتى فيما إذا كانت للميت تركة، فالظاهر جوازها و الإجزاء، فان ذلك مقتضى ما ورد في غير واحد من روايات مشروعية القضاء عنه بلا تقييد، كصحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل مات و لم

يحج حجة الإسلام يحج عنه؟ قال: نعم» «1» و صحيحته الأخرى التي أظهر منها مع احتمال الاتحاد، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ يقضى عنه؟ قال: نعم» «2» و الوجه في أظهرية هذه ان فرض السائل «و لم يوص بها» ظاهره ثبوت التركة له، و نحوه صحيحة رفاعة، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها أ تقضى عنه، قال: نعم» «3» إلى غير ذلك فان مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق في الاجزاء بين النيابة عنه تبرعاً أو بالأجرة حتى فيما إذا كانت له تركة، و ما ورد في صحيحة الحلبي عن عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله» ناظر إلى بيان خروج حجة الإسلام على الميت من جميع التركة لأمن ثلثه، بمعنى ان حجة الإسلام يحسب ديناً، و هذا لا ينافي جواز النيابة تبرعاً كما في الدين المالي على الميت، و مثل ذلك ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و يترك مالًا؟ قال: عليه ان يحج من ماله رجلًا صرورة لا مال له» «4» و قد تقدم الكلام فيها من اعتبار الصرورة بناءً على ان ظاهرها الإحجاج عن الميت. نعم ورد في موثقة سماعة بن مهران ما ربما يتبادر إلى الذهن ظهورها في لزوم القضاء عنه من تركته و عدم جواز النيابة التبرعية، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و

لم يوص بها و هو موسر، فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك» «5» و لكن المراد من قوله (عليه السّلام) «لا يجوز غير ذلك» أن التصرف في التركة بغير إخراج الحج غير جائز كما في صورة كون الميت مديوناً بالمال، و لو لم يكن ظاهرها ذلك فيحمل عليه بدلالة صحيحة حكم بن حكيم، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «إنسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج فأحج عنه بعض اهله رجلًا أو امرأة هل يجزي ذلك؟ و يكون قضاءً عنه و يكون الحج لمن حج و يؤجر من أحج عنه؟ فقال: ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً و أجر الذي أحجه» فإنها كالصريحة في جواز التبرع بأجرة الحج، و مثلها في الدلالة رواية عامر بن عميرة، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «بلغني عنك انك قلت لو ان رجلًا مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك منه؟ قال: نعم اشهد بها على أبي بأنه حدثني عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)» «6» الحديث و لكنها لضعف سندها غير مؤيّدة، و يجرى ما ذكر من جواز التبرع نيابة عن الميت في غير حجة الإسلام من الحج الواجب كالمنذور أيضاً، كما هو مقتضى الإطلاق و عدم احتمال الفرق بين النيابة في حجة الإسلام أو في غيرها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 252

و المندوب، بل يجوز التبرّع عنه بالمندوب و إن كانت ذمّته مشغولة بالواجب (1) و لو قبل الاستئجار عنه للواجب، و كذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك. (233) قد يشكل في جواز النيابة عن

الميت في الحج المندوب إذا كان على ذمته حجة الإسلام، بأنه لم يثبت مشروعية هذه النيابة حيث ان الميت في حياته كان مكلفاً بحجة الإسلام و لم يكن الحج المندوب مطلوباً منه، فيكون المقام نظير نيابة الإنسان عن المجنون المطبق بعد موته في الصلاة و الصيام المندوبين، نعم حج الشخص عن نفسه ندباً و كذا صلاته و صومه ثم إهداء الثواب للميت المفروض أو المجنون لا بأس به. و فيه ما ذكرنا سابقاً غاية ما يمكن الالتزام به بعدم مشروعية الحج الندبي عمن عليه حجة الإسلام بأن يحج عن نفسه الحج الاستحبابي مع وجوب حجة الإسلام عليه، كما في الآفاقي المستطيع للحج إذا تركه و أراد حج الإفراد ندباً، أو يأتي بحج التمتع ندباً، و أمّا النائب عن الغير فلا بأس أن يحج عن الغير بحج الإفراد ندباً أو يحج بحج التمتع ندباً فلا بأس به، لبعض الإطلاقات الواردة في استحباب النيابة حتى فيما لو فرض أن على الغير حجة الإسلام و لم يأت به الأجير أو لم يستأجر عليه، نعم يجري في المقام ما تقدم و هو أن الحج عن الميت ندباً بالنوع الذي عليه لا يبعد الالتزام باجزائه عن حجة الإسلام الواجبة عليه إذا لم يختل أمر قصد التقرب، فان عنوان حجة الإسلام ينطبق على المأتي به، فإن حجة الإسلام عنوان لأوّل حج يأتي به المكلف أو يؤتي عنه بعد حصول استطاعته. و المفروض أن النيابة عن الميت الذي عليه حجة الإسلام بنحو التبرع أمر مستحب و لا يختل بقصده التقرب المعتبر في وقوعه عبادة و إفراغ ذمته بانطباق عنوان حجة الإسلام عليه، و مما ذكرنا ظهر الحال في الاستئجار على الحج الندبي

عن الميت الذي عليه حجة الإسلام، و يأتي مع اتحاد النوع ما ذكر في النيابة تبرعاً من فراغ ذمة الميت عما عليه من حجة الإسلام.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 253

و أمّا الحي فلا يجوز التبرّع عنه (1) في الواجب إلّا إذا كان معذوراً في المباشرة لمرض أو هرم فإنّه يجوز التبرّع عنه و يسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مر سابقاً، و أمّا الحج المندوب فيجوز التبرّع عنه كما يجوز له أن يستأجر له حتّى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكّن من أدائه فعلًا، و أمّا إن تمكّن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه (1) قد تقدم في مسألة الثانية و السبعين من مسائل وجوب الحج اعتبار الاستنابة في الحي المستطيع العاجز عن الإتيان بالمباشرة، و لا تكفي مجرد نيابة الغير و ذكرنا أن ذلك مقتضى الروايات الواردة فيه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 254

مشكل، بل التبرّع عنه حينئذ أيضاً لا يخلو عن إشكال في الحج الواجب (1).

[ (مسألة 26) لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد]

(مسألة 26) لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد، و إن كان الأقوى فيه الصحّة، إلّا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج، و أمّا في الحج المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب، لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضاً (2)، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب. (1) كلمة في الحج الواجب موضعه ما ذكر في صدر المسألة الآتية من قوله (قدّس سرّه) «لا يجوز ان ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد»،

فان كلمة في الحج الواجب، تتمة لذلك، و أما ما وقع في المسألة الآتية و إن كان الأقوى الصحة فهي تتمة هذه المسألة و كلمة فيه زائدة، و قد ذكر أن بعض ما ورد في استحباب الحج عن الغير يعم الحي الذي عليه حجة الإسلام، و لكن ما ذكرنا من الاجزاء مع اتحاد النوع لا يجري على الحي حتى فيما إذا عجز للتأخير عن المباشرة فإن وظيفته حينئذ استنابته و بعثه من يحج عنه، و لا يجزي مجرد النيابة بل الاستئجار من شخص آخر، و اللَّه العالم. (2) أوضح ما في الباب صحيحة معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «ان أبي قد حج و والدتي قد حجت و إن أخوي قد حجا و قد أردت أن أدخلهم في حجتي كأني أحببت ان يكونوا معي، فقال: اجعلهم معك فان اللَّه جاعل لهم حجاً و لك حجاً و لك أجر بصلتك إياهم» «1» حيث ان ظاهرها إدخال غيره في حجة كأنهم يحجون و هذا عبارة أخرى عن النيابة، و في المقام روايات أخرى لا يبعد دعوى ظهورها في التشريك في نفس الحج و لا أقل من إطلاقها و حملها على إهداء الثواب فقط بلا وجه، نعم مورد الروايات ما إذا حج الشخص عن نفسه و ينوي النيابة فيه عن الغير، و أما قصد النيابة عن المتعدد بحيث يكون الحج حجهم فغير داخل في الروايات، و لكن يفهم جوازها كذلك منها لعدم احتمال الفرق.

[ (مسألة 27) يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب تبرّعاً أو بالإجارة]

(مسألة 27) يجوز أن ينوب جماعة عن الميّت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب تبرّعاً أو بالإجارة، بل يجوز ذلك في الواجب أيضاً كما إذا كان على الميّت

أو الحي الّذي لا يتمكّن من المباشرة لعذر، حجّان مختلفان نوعاً كحجّة الإسلام و النذر أو متحدان من حيث النوع كحجّتين للنذر فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، و كذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً و الآخر مستحبّاً، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد كحجّة الإسلام في عام واحد احتياطاً لاحتمال بطلان حج أحدهما، بل و كذا مع العلم بصحّة الحج من كل منهما (1) و كلاهما آت بالحج الواجب و إن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر، فهو مثل ما إذا صلّى جماعة على الميّت في وقت واحد، و لا يضرّ سبق أحدهما بوجوب الآخر فإنّ الذمّة مشغولة ما لم يتمّ العمل فيصحّ قصد الوجوب من كل منهما، و لو كان أحدهما أسبق شروعاً. (1) لا يخفى ان الصحة من كل منها بعنوان حجة الإسلام مثلًا يتوقف على إتمام كل منهما الحج في زمان واحد بلا فرق بين ان يكون الشروع في زمان واحد أو كان أحدهما أسبق من الآخر فيه، فان التكليف أو ما على ذمة الميت لا يسقط إلا بعد إتمام الحج عليه، إذا فرغ أحدهما قبل الآخر فلا يكون حج الآخر حجة الإسلام مع فرض صحة السابق، كما هو المفروض. و عليه فيشكل قصد حجة الإسلام من الذي يعلم أن الآخر يفرغ من العمل المستأجر عليه قبله، نعم مع عدم العلم لا بأس بقصده و لو مطلقاً فان مقتضى الاستصحاب عدم تحقق العمل من الآخر قبله، و ما ذكره الماتن من صلاة جماعة على الميت في زمان واحد أيضاً كما ذكر، فإنه لا تكون صلاة من لم يفرغ عنها بعد فراغ الآخر واجبة.

[فصل في الوصيّة بالحج

اشارة

فصل في الوصيّة بالحج

[ (مسألة 1) إذا أوصى بالحج فإن علم أنّه واجب أخرج من أصل التركة]

(مسألة 1) إذا أوصى بالحج فإن علم أنّه واجب أخرج من أصل التركة و إن كان بعنوان الوصيّة، فلا يقال مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث، نعم لو صرّح بإخراجه من الثلث أخرج منه فإن وفى به و إلّا يكون الزائد من الأصل، و لا فرق في الخروج من الأصل بين حجّة الإسلام و الحج النذري و الإفسادي (1) لأنّه بأقسامه واجب مالي و إجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل، مع أنّ في بعض الأخبار أنّ الحج بمنزلة الدين و من المعلوم خروجه من الأصل، بل الأقوى خروج كل واجب من الأصل و إن كان بدنياً كما مرّ سابقاً. و إن علم أنّه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث. (1) الأظهر ثبوت الفرق فان ما ورد في الروايات هو خروج حجة الإسلام من أصل التركة، و أما غيرها فلم يرد فيه ما يدل على ذلك. و ما يقال في وجه كونه كحجة الإسلام أمران أحدهما الإجماع على خروج كل واجب مالي على الميت من أصل تركته و لكن الإجماع على تقديره لم يحرز كونه تعبدياً، بل من المحتمل جدّاً استفادته مما ورد في موارد مختلفة كتجهيز الميت بالتكفين، و ما ورد على الميت من الزكاة و الحج يعني حجة الإسلام و لاحتمال الخصوصية لا يمكن التعدي، فإن الزكاة و الخمس لصيرورتهما ديناً مورداً لعدم بقاء العين، و مع بقائها فإن العين مشتركة و لو بنحو الإشاعة في المالية بين الميت و بين حق الزكاة و الخمس، و ثانيهما، أنه قد ورد في الحج النذري أنه بمنزلة الدين، ففي الصحيح عن ضريس الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه

السّلام) «عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذراً في شكر ليحجن به (عنه) رجلًا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر، قال: ان ترك مالًا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و أخرج من ثلثه ما يحج به رجلًا لنذره و قد وفى بالنذر، و إن لم يكن ترك مالًا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر، انما هو مثل دين عليه» «1» و لكن لا يخفى ان قوله (عليه السّلام) انما «هو مثل دين عليه» راجع إلى حجة الإسلام و غير راجع إلى نذر الإحجاج و إلا لم يكن يخرج من الثلث، و قد ذكر (عليه السّلام) الوفاء به من ثلثه و مع عدم المال يحج وليه، و حج وليه أمر مستحب. كما يشهد لذلك صحيحة عبد اللَّه بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نذر للَّه ان عافى اللَّه ابنه من وجعه ليحجن إلى بيت اللَّه الحرام فعافى اللَّه الابن و مات الأب فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه، فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه» «2» فإنها صريحه في عدم وجوبه على الابن.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 257

و إن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان، يظهر من سيّد الرياض (قدّس سرّه) خروجه من الأصل، حيث إنّه وجّه كلام الصدوق (قدّس سرّه) الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل بأنّ مراده ما إذا لم يعلم

كون الموصى به واجباً أولا، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندبياً، و حمل الخبر الدالّ بظاهره على ما عن الصدوق أيضاً على ذلك، لكنّه مشكل فإنّ العمومات مخصّصة بما دلّ على أنّ الوصية بأزيد من الثلث ترد إليه إلّا مع إجازة الورثة، هذا مع أنّ الشبهة مصداقية (1) و التمسّك بالعمومات فيها محل (1) الصحيح الجواب الأوّل، و أنه لا يمكن في المقام التمسك بما دل على وجوب العمل بالوصية بتقريب أن مقتضى عمومه العمل بها من أصل التركة، نظير قوله سبحانه مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ و ذلك فان ما دل على رد الوصية إلى الثلث أو عدم نفوذها إلا في مقداره، و كقوله (عليه السّلام) في موثقة عمار الساباطي «الميت أحق بماله ما دام فيه الروح، و إذا قال: بعدي فليس الا الثلث» «1» قد قيدت ما دل على وجوب العمل بالوصية بما إذا كانت في مقدار الثلث و ما يخرج من أصل التركة، سواء قلنا باختصاصه بتجهيز الميت و حجة الإسلام و الزكاة و الخمس أو عممناه لمطلق واجب مالي أو بدني أيضاً، انما يجب إخراجها كذلك لا بعنوان الوصية، بل هي ديون أو ملحق بالدين و اللازم إخراجها كذلك و لو لم يوص بها الميت، فلا عموم في المقام الا ما دلّ على نفوذ وصية الميت و وجوب العمل بها من ثلثه إلا إذا رضي الوارث بالزائد عليه، و إذا شك في كون الموصى به كالحج المفروض في المقام حجة الإسلام أو حج ندبي، فالاستصحاب في عدم اشتغال ذمة الميت بحجة الإسلام حال حياته يحرز وجوب العمل بالحج الموصى به

من ثلث الميت، و بتعبير آخر وجوب العمل و الإخراج من الثلث يثبت في الوصية بما ينفى عنه ثبوته على عهده الميت حال حياته، و هذا يحرز بضم الوجدان إلى الأصل. فإن ما يجب إخراجه من أصل التركة و لو بلا رضا الورثة ما يجب ديناً أو كان واجباً على الميت حال حياته فإنه يجب إخراجه و لو لم يوص به الميت، و المتحصل يكون من التمسك بالعام في شبهته المصداقية، فيما إذا لم يكن في البين أصل يحرز به حال الفرد المشكوك. و مما ذكر يظهر أنه لو علم اشتغال ذمة الميت حال حياته بحجة الإسلام أو بالزكاة أو الخمس و شك في الأداء قبل موته فمقتضى الاستصحاب في بقائها على عهدته وجوب الإخراج من أصل التركة أوصى بها أم لا، و ما ورد في الحلف الاستظهاري في وجوب بقاء الدين على ذمته مورده الدين المالي و لا يجري في مثل المقام و مفاد قاعدة اليد الجارية في تركة الميت أنها ملكه.

لا نفي الدين عن عهدته فضلًا عن عدم اشتغال ذمته بواجب يخرج من أصل التركة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 258

إشكال، و أمّا الخبر المشار إليه و هو قوله (عليه السّلام): «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح إن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 259

أوصى به كلّه فهو جائز»، فهو موهون بإعراض العلماء عن العمل بظاهره، (1) و يمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الّذي أمره بيده، نعم يمكن أن يقال في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكّة: الظاهر من قول الموصي: حجّوا عنّي؛ هو حجّة الإسلام الواجبة لعدم تعارف الحج المستحبي في

هذه الأزمنة و الأمكنة، (1) لا يخفى أنها ضعيفة سنداً فان الشيخ رواها عن علي بن الحسن عن علي بن أسباط عن ثعلبة عن عمرو بن شداد و السري جميعاً عن عمار بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و عمرو بن شداد مجهول و السري ملعون، و مع ذلك تعارضها موثقته السابقة و غيرها، بل ما ورد في عدم نفوذ الوصية إلّا في ثلث الميت متواترة إجمالًا فلا مجال للاعتماد عليها، و قد ذكر الصدوق (قدّس سرّه) في الفقيه بعد نقلها عن علي بن أسباط عن ثعلبة عن أبي الحسن عمرو بن شداد الأزدي عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المراد منها «ما إذا لم يكن للموصى قريب و لا بعيد فيوصي بماله كله حيث يشاء و متى كان له وارث قريب أو بعيد لم يجز له ان يوصي أكثر من الثلث و إذا أوصى بأكثر من الثلث رد إلى الثلث» أقول الأظهر جواز وصيته من لا وارث له بماله حيث شاء الا ان الرواية آبية عن الحمل على ذلك فإنه من حمل المطلق على الفرد النادر.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 260

فيحمل على أنّه واجب من جهة هذا الظهور (1) و الانصراف كما أنّه إذا قال: أدّوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة؛ ينصرف إلى الواجب عليه.

فتحصّل أنّ في صورة الشك في كون الموصى به واجباً حتّى يخرج من أصل التركة أولا حتّى يكون من الثلث مقتضى الأصل الخروج من الثلث لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً و هو غير معلوم، بل الأصل عدمه إلّا إذا كان هناك انصراف كما في مثل الوصية بالخمس أو الزكاة

أو الحج و نحوها.

نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقاً و لم يعلم أنّه أتى به أو لا فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل، و دعوى أنّ ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكّه لا شك الوصي أو الوارث، و لا يعلم أنّه كان شاكّاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين مدفوعة بمنع اعتبار شكّه، بل يكفي شك الوصي أو الوارث أيضاً، و لا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث، و لكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد لحصول العلم غالباً بأنّ الميّت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حج أو نحو ذلك، إلّا أن يدفع بالحمل على الصحّة، فإنّ ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه، لكنّه مشكل في (1) عدم تعارف الحج المستحب في هذه الأزمنة و الأمكنه لا يوجب إخراجه من أصل التركة، لأنه إذا لم يذكر في وصيته أن علىّ حجة الإسلام يكتفى بإخراجه عن ثلثه، لاحتمال كون وصيته به بعنوان الاحتياط، و كذا الحال في وصيته بإخراج مقدار من الخمس و الزكاة، نعم إذا علم الوارث باشتغال ذمته بما أوصى يخرج من أصل التركة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 261

الواجبات الموسعة بل في غيرها أيضاً في غير الموقتة، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل. (1)

[ (مسألة 2) يكفي الميقاتية]

(مسألة 2) يكفي الميقاتية (2) سواء كان الحج الموصى به واجباً أو مندوباً و يخرج الأوّل من الأصل و الثاني من الثلث، إلّا إذا أوصى

بالبلدية و حينئذ فالزائد عن أجرة الميقاتية في الأوّل من الثلث، كما أنّ تمام الأجرة في الثاني منه.

[ (مسألة 3) إذا لم يعيّن الأجرة فاللازم الاقتصار على أجرة المثل

(مسألة 3) إذا لم يعيّن الأجرة فاللازم الاقتصار على أجرة المثل (3) للانصراف إليها، و لكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب استئجاره إذ الانصراف إلى أجرة المثل إنّما هو نفي الأزيد فقط، و هل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟ (1) لا يبعد كونه أظهر فيما علم باشتغال ذمته بان يكون الحق على الذمة، و كذا فيما إذا كان متعلقاً بالعين و كانت العين باقية، و أما مع تلفها و احتمال أداء الحق قبل إتلافها ببدله أو احتمال تلفها بلا تفريط فلا يجب الإخراج لعدم أحرار الاشتغال و ثبوت الحق في ذمّته. (2) لان عنوان ما على عهدته من الحج أو الموصي به ينطبق على الافعال و المناسك التي تبدء بالإحرام من الميقات. (3) إذا لم يعين الموصي الأجرة فإن كان ما اوصى به حجة الإسلام يخرج من أصل التركة أجرة المثل، و لو وجد من يطلب الأقل فالأحوط بل الأظهر استئجاره، لان ما على ذمة الميت طبيعي الحج لا خصوص الحج بأجرة المثل. و مع وجدان من يطلب الأقل يكون الاستئجار بأجرة المثل تفويتاً للمال على الورثة، حيث يؤدى دين الميت بالأقل، كما أنه إذا توقف الحج عنه على دفع الأكثر لعدم وجدان الأجير بأجرة المثل تعين ذلك، حيث لا يؤدي ما على الميت إلّا بذلك بل يبعد أن يكون الأمر في سائر الحج مما يخرج من ثلث الميت، كذلك سواء كان واجباً أو مندوباً فيما إذا كان الزائد على أجرة الحج من ثلث الميت يصل إلى الورثة أو يكون للميت وصية اخرى

يجب العمل بها و لا يمكن إلّا باستئجار من يطلب الأقل من أجرة المثل. نعم إذا لم يصل الزائد إلى الورثة و أمكن العمل بتمام وصاياه مع وصيته بصرف تمام ثلثه لم يجب استئجار من يطلب الأقل بل يجوز استئجار من يطلب الأزيد من اجرة المثل إذا كان في استئجاره خصوصية لكونه اعرف بمسائل الحج التي يمكن للأجير الابتلاء بها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 262

الأحوط ذلك (1) توفيراً على الورثة خصوصاً مع الظنّ بوجوده و إن كان في وجوبه إشكال خصوصاً مع الظنّ بالعدم، و لو وجد من يريد أن يتبرّع فالظاهر جواز الاكتفاء به بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار، بل هو المتعيّن توفيراً على الورثة، فإن أتى به صحيحاً كفى و إلّا وجب الاستئجار، و لو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحج واجباً، بل و إن كان مندوباً أيضاً مع وفاء الثلث، (1) قد يقال لا بأس بتركه حتى مع الظن بوجود من يطلب الأقل من أجرة المثل، فان الاستئجار بأجرة المثل مقتضى الاستصحاب في عدم وجود من يطلب الأقل و لا فرق في جريانه بين صورة الظن و عدمه، فان الظن مع عدم اعتباره ملحق بالشك، و لكن لا يخفى انما لا يجب الفحص إذا قيل بان خطابات وجوب قضاء حجة الإسلام عن الميت ينصرف إلى الحج عنه بأجرة المثل و لو في صورة الإمكان، و كذا فيما كان الحج عنه بالوصية، فخطاب وصيته ينصرف إلى الحج عنه بأجرة المثل و لو في صورة إمكانه، يعني ان لا تكون الأجرة أزيد منها في صورة إمكانه الحج عنه بأجرة المثل، و في هذا

الفرض لا يجب استئجار من يطلب الأقل حتى فيما كان وجوده محرزاً، و أما إذا قلنا بعدم الانصراف و أن مدلول خطابات الأمر بالقضاء أو العمل بالوصية، بل مدلول خطاب الوصية هو أن يؤتي بطبيعي الحج عنه، فان ما على عهدته أو ما أوصى به هو الطبيعي لا خصوص الحج بأجرة المثل، و ما يتوقف عليه الطبيعي لا ينتقل إلى ملك الوارث، فإن الإرث بعد الدين و الوصية يكون مقتضى ذلك تعين الاكتفاء بالأقل مع إمكان الاستئجار به، و بما أن الفحص طريق إلى تعيين ما يتوقف عليه الطبيعي من الأقل أو اجرة المثل، فالشبهة في المقام و إن كانت موضوعية إلا أن الأصل في عدم وجدان من يطلب الأقل لا يثبت كون اجرة المثل هي الموقوف عليه في الحج عن الميت، و كذا الاستصحاب في بقاء مقدار التفاوت بين الأقل و أجرة المثل في ملك الميت لا يثبت ان الموقوف عليه لطبيعي الحج عنه هو أجرة المثل ليثبت صحة الاستئجار بها، هذا مع الميت عدم رضا الورثة بالاستئجار بالأكثر كما هو ظاهر، و مما ذكر يظهر الحال فيما وجد متبرع بالحج عن الميت في حجة الإسلام أو في واجب خاص كان على الميت، و أما لو وجد متبرع بالحج عنه فلا تسقط وصيته بالحج المندوب من ثلثه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 263

و لا يجب الصبر إلى العام القابل و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو أقل، بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمّة الميّت (1) في الواجب و العمل بمقتضى الوصيّة في المندوب.

و إن عيّن الموصي مقداراً للأجرة تعيّن و خرج من الأصل في الواجب إن لم

يزد (1) لو لم يناقش في فورية وجوب القضاء مما كان على الميت حال حياته فلا ينبغي التأمل في أنه لا دليل على وجوب الحج المندوب عن الميت فوراً، فان وجوب العمل بالوصية لا يقتضي إلا عدم جواز التأخير بحيث يحتمل عدم التمكن من العمل بها بعد ذلك، و المفروض ان الميت لم يذكر في وصيته إلا الحج عنه بعد موته.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 264

على أجرة المثل (1) و إلّا فالزيادة من الثلث، كما أنّ في المندوب كلّه من الثلث.

[ (مسألة 4) هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقل النّاس أجرة]

(مسألة 4) هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقل النّاس أجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميّت في شرفه وضعته؟ لا يبعد الثاني، و الأحوط الأظهر الأوّل (2)، و مثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً. (1) ظاهر التعليق أنه إذا زادت الأُجرة لا يجب العمل بإعطاء الزيادة و يجب رعاية وصيته بإعطاء أجرة المثل حتى فيما إذا أمكن الاستئجار بالأقل من اجرة المثل، و لكن الفرق بلا وجه، فإنه ان فهم من وصيته ان الموصى كان يريد إعطاء هذا المقدار من الأجرة و لو للتوسعة على الأجير فاللازم إعطاء الزيادة، و إن لم يفهم منها إلا إتيان الحج بعد وفاته لا يجب رعاية وصيته حتى فيما لو عيّن أجرة المثل و أمكن الاستئجار بالأقل، و التفرقة بين الزائد عن أجرة المثل حيث يحسب من ثلثه و بين الزائد عن الأقل مع إمكان الاستئجار به فلا يحسب، بل يخرج أجرة المثل من أصل التركة في الواجب عليه غير صحيح. (2) تارة يكون كل من طالب الأقل و الأكثر مساوياً مع الآخر من حيث الشرف و

الضعة و يطلب أحدهما الأجرة أقل مما يطلبها الآخر، و قد تقدم سابقاً ان المتعين مع عدم رضا الورثة استئجار من يكون أجرته أقل. و عبارة الماتن غير ناظرة إلى هذه الصورة، و أخرى يكون الاختلاف في أجرتهما لاختلافهما، فالطالب بالأكثر شخص شريف يناسب شرف الميت، و الآخر وضيع لا يناسب الميت. فقد ذكر الماتن بعد أن نفي في لزوم استئجار الأجير الشريف الطالب بأجرة أكثر أن الأحوط الأظهر استئجار من يطلب الأقل، و الأحوط بملاحظة عدم رضا الورثة و توفير حقهم و كونه أظهر لأن العمل من الوضيع صحيح فيكون مجزئاً، و لذا لو تبرع بالنيابة عن الميت في حجة الإسلام يلتزم بالاجزاء، و عليه فلا بأس باستئجاره بل لا يبعد تعينه مع عدم رضى الورثة، نعم الأحوط عليهم الرضا باستئجار الآخر و لو كان هذا بالإضافة إلى كبارهم كما هو الحال في الكفن و التجهيز الواجب، و يشهد لما ذكرنا أنه لو لم يوجد الا الوضيع كان اللازم استئجاره و لا يجوز مع إمكان استئجاره التأخير إلى ان يوجد الأجير الشريف.

[ (مسألة 5) لو أوصى بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن

(مسألة 5) لو أوصى بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معيّن تعيّن، و إن لم يعين كفى حج واحد إلّا أن يعلم أنّه أراد التكرار (1)، و عليه يحمل ما ورد في الأخبار من أنّه يحج عنه ما دام له مال كما في خبرين أو ما بقي من ثلثه شي ء كما في ثالث بعد حمل الأوّلين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال، فما عن الشيخ و جماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقياً ضعيف، مع أنّه يمكن أن يكون المراد من الاخبار أنّه يجب الحج ما دام يمكن

الإتيان به ببقاء شي ء من الثلث بعد العمل بوصايا آخر، و على فرض ظهورها في إرادة التكرار و لو مع عدم العلم بإرادته لا بدّ من طرحها لإعراض المشهور عنها، فلا ينبغي الإشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار، نعم لو أوصى بإخراج الثلث و لم يذكر إلّا الحج يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحج، و كذا لو لم يذكر إلّا المظالم أو إلّا الزكاة أو إلّا الخمس، و لو أوصى أن يحج عنه مكرّراً كفى مرّتان لصدق التكرار معه. (1) و يكفي في ذلك ظاهر وصيته كما إذا قال حجوا عني بثلثي مالي فإنه يؤتي عنه الحج ما دام ثلثه فإنه ماله بعد وفاته، و على ذلك يحمل ما ورد في الأخبار التي كلها ينتهي إلى محمد بن الحسن الأشعري القمي المعبر عنه بمحمد بن الحسن بن أبي خالد ايضاً و لم يثبت له توثيق، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل أوصى ان يحج عنه مبهماً، فقال: يحج عنه ما بقي من ثلثه شي ء» و في الآخريين «يحج عنه ما دام له مال» «1» و مع ضعفهما يؤخذ مع الإطلاق و عدم فهم التكرار بمقتضى إطلاق الحج عنه المقتضى لحصول الطبيعي و لو مرة واحد بل يحج واحد.

[ (مسألة 6) لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحج سنين معيّنة و عيّن لكل سنة مقداراً معيّناً و اتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة]

(مسألة 6) لو أوصى بصرف مقدار معيّن في الحج سنين معيّنة و عيّن لكل سنة مقداراً معيّناً و اتّفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة صرف نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلًا و هكذا، لا لقاعدة الميسور لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع (1)، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في

الحج (1) المراد من المجعولات الشرعية الواجبات الارتباطية و نحوها مما اعتبرها الشارع لها عنواناً واحداً، فان تعذر بعض الاجزاء من المركب الاعتباري و تعذر بعض الشرط من المقيد به يوجب ارتفاع التكليف بالكل أو المشروط، فالأمر ببعض الاجزاء مستقلا أو للفاقد للشرط يحتاج ثبوته إلى دليل غير خطاب الأمر بالكل أو المشروط، و قاعدة الميسور بناءً على أنها معتبرة تكشف عن ذلك الأمر الاستقلالي بالبعض أو الفاقد للشرط، حيث يعلم بها قيام الملاك بالبعض أو الفاقد مع عدم التمكن من الكل المشروط، و أما الشي ء الخاص الذي يطلبه الغير و طلب الشارع يتعلق بموافقته كالوالد فيما إذا أمر ولده بشي ء خاص لم يتمكن من تحصيل الخصوصية لا يثبت الإيجاب في فاقدها، و كذا الأمر فيما إذا التزم المكلف على نفسه شيئاً خاصاً بعنوان النذر أو الحلف عليه و لم يتمكن من خصوصية فالالتزام بوجوب الفاقد بلا موجب، لان الموضوع للوجوب الشرعي إطاعة الوالد أو الوفاء بالنذر أو الحلف، و الفاقد للخصوصية لم يتعلق به أمر الوالد أو لم يتعلق به النذر إذا أمر الوالد ولده بزيارة الحسين (عليه السّلام) يوم عرفة أو نذرها و لم يتمكن منه يومها، فالالتزام بوجوب زيارتها في يوم آخر ليس من إطاعة الوالد أو الوفاء بالنذر إلى غير ذلك، و الأمر في الوصية كذلك. و على الجملة يكون المنصرف في ما دل على قاعدة الميسور ما إذا كان الوجوب الشرعي المتعلق بالكل أو المشروط بالأصالة، و لا يعم ما إذا كان تبعاً لطلب الغير أو التزامه. نعم إذا استفيد من طلب الغير ان طلبه الشي ء الخاص بنحو تعدد المطلوب أو كان نذره كذلك، ثبت الوجوب الشرعي في الناقص و

الفاقد و إن لم يتم فقاعدة الميسور كما أنه إذا كان الطلب الشرعي الثابت بالأصالة في موارد انحلال الطلب بان يكون الناقص ايضاً فرداً مطلوباً بطلب نفسي مستقل، كما في أمر الشارع بصوم شهر رمضان يكون ثبوت الوجوب فيمن لا يتمكن إلا من صوم بعض الأيام بالعقل، و لا يرتبط بقاعدة الميسور. و كذا الأمر بالإضافة إلى أداء الدين و هكذا. و على الجملة التكليف من هذه الموارد تعلقه بالمتمكن منه غير مرتبط بحصول التكليف بالإضافة إلى الباقي بخلاف الحال في الواجبات الارتباطية أو المشروطة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 267

و كون تعيين مقدار كل سنة بتخيّل كفايته، و يدلّ عليه أيضاً خبر علي بن محمّد الحضيني و خبر إبراهيم بن مهزيار (1) ففي الأوّل تجعل حجّتين في حجّه و في الثاني تجعل ثلاث حجج في حجّتين، و كلاهما من باب المثال كما لا يخفى، هذا. (1) و الخبر أن كلاهما لإبراهيم بن مهزيار ففي الأول، قال: كتب اليه علي بن محمد الحصيني «أن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر ديناراً في كل سنة، و ليس يكفي، ما تأمر في ذلك، فكتب (عليه السّلام) يجعل حجتين في حجه، فان اللَّه عالم بذلك» «1» و في الثاني، قال: كتبت اليه (عليه السّلام) «ان مولاك علي ابن مهزيار أوصى ان يحج عنه من ضيعة صير ريعها لك في كل سنة حجة إلى عشرين ديناراً و انه قد انقطع طريق البصرة، فتضاعف المؤن على الناس، فليس يكتفون بعشرين ديناراً، و كذلك أوصى عدة من مواليك في حججهم فكتب (عليه السّلام) يجعل ثلاث حجج حجتين إنشاء اللَّه» «2» فإن المروي في الأول: كتاب علي بن

محمد الحضيني إليه (عليه السّلام)، و في الثاني: كتابة نفسه اليه (عليه السّلام) فيما أوصى به علي بن مهزيار، و الخبران و إن يكونان مورد المناقشة سنداً لعدم ثبوت توثيق لإبراهيم بن مهزيار، و إن ذكر في الحدائق انه ثقة و كونه من سفراء القائم (عليه السّلام)، و من الأبواب المعروفين على ما ذكره ابن طاوس في ربيع الشيعة أيضاً، غير ثابت إلا ان الأظهر اعتباره. فإنه من المعاريف الذين لم ينقل في حقهم قدح، و على كل تقدير فلا ينبغي التأمل في الحكم لانه على القاعدة، لأن الظاهر من حال الموصى ان يُعين الأجرة المفروضة لاعتقاده كفايتها للحج عنه حتى في المستقبل.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 268

و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجّة فهل ترجع ميراثاً أو في وجوه البر أو تزاد على أجرة بعض السنين؟ وجوه. (1) (1) لا وجه لرجوعه ميراثاً بعد إبقاء الموصي ذلك المال في ملكه بوصيته ثلثاً، أو بزيادة كانت بإجازة الورثة، و يبقى الكلام في الوجهين الأخيرين فإن علم أن غرض الموصى صرف ذلك المقدار من المال في خصوص الحج عنه و لو بنحو التوسعة للأجير، كما إذا كان معتقداً عند الوصية بأنه يبقى في هذا المال في الآخر شيئاً لا يفي بحجة اخرى، و مع ذلك قال: «حجوا عني بهذا المال» فيزداد على اجرة بعض السنوات على ما تقدم، و إلا يصرف في بعض وجوه الخير الأنسب بالميت، و المال لأن غرضه من بقائه وصول الثواب اليه بنحو تعدد المطلوب فإن أمكن الحج عنه فهو و إلّا يصرف في وجهٍ آخر.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 269

و لو كان الموصى

به الحج من البلد و دار الأمر بين جعل أجرة سنتين مثلًا لسنة و بين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة ففي تعيين الأوّل أو الثاني وجهان، و لا يبعد التخيير بل أولوية الثاني، إلّا أنّ مقتضى إطلاق الخبرين الأوّل. (1) هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد و إلّا فتبطل الوصية إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير أو كانت الوصية مقيّدة بسنين معيّنة.

[ (مسألة 7) إذا أوصى بالحج و عيّن الأجرة في مقدار]

(مسألة 7) إذا أوصى بالحج و عيّن الأجرة في مقدار فإن كان الحج واجباً و لم يزد ذلك المقدار عن أجرة المثل أو زاد و خرجت الزيادة من الثلث تعيّن، و إن زاد و لم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصية و يرجع إلى أجرة المثل (2)، و إن كان الحج مندوباً فكذلك تعيّن أيضاً مع وفاء الثلث بذلك المقدار، و إلّا فبقدر وفاء الثلث مع عدم كون التعيين على وجه التقييد، و إن لم يف الثلث بالحج أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصية و سقط وجوب الحج. (1) لا ينبغي التأمل في ثبوت الإطلاق في الجواب بالإضافة إلى الخبر الثاني الذي كَتبه إبراهيم إليه (عليه السّلام)، و ظاهر السؤال فيه فرض الوصية بالحج البلدي و عليه فالأحوط لو لم يكن أظهر تعين الأول. (2) إذا أوصى بحجة الإسلام و عين اجرة لها أو أوصى بغيرها من الحج الواجب، و قلنا بخروجه كحجة الإسلام من أصل التركة، فإن كانت الأجرة التي عينها زائدة على اجرة المثل و تركته أيضاً يحسب الزائد على أجرة المثل من ثلثة و مقدار اجرة المثل يخرج من أصل التركة على ما تقدم، و إن لم يمكن

إخراج الزائد من ثلثه اما لوصيته بتمام ثلثه على أمر آخر أو لا، و لم تكن تركته الا بمقدار اجرة المثل، بطلت الوصية و يحج عنه بأجرة المثل. نعم إذا كانت تركته زائدة على أجرة المثل و لكن لا يبلغ ثلث الزائد المقدار الذي عينه في وصيته للحج عنه، فإن أجاز الورثة نفذت وصيته في كل الأجرة التي عينها في وصيته، و إلا نفذت في ثلث الزائد حيث ينضم إلى أجرة المثل، و بتعبير آخر يكون المقام من صغريات من أوصى بالزائد على ثلثه بعد دينه في بقاء ما اوصى به من ثلثه في ملكه.

[ (مسألة 8) إذا أوصى بالحج و عين أجيراً معيّناً تعيّن استئجاره بأجرة المثل

(مسألة 8) إذا أوصى بالحج و عين أجيراً معيّناً تعيّن استئجاره بأجرة المثل، و إن لم يقبل إلّا بأزيد فإن خرجت الزيادة من الثلث تعيّن أيضاً و إلّا بطلت الوصية و استؤجر غيره بأجرة المثل في الواجب مطلقاً، و كذا في المندوب إذا وفى به الثلث و لم يكن على وجه التقييد، و كذا إذا لم يقبل أصلًا.

[ (مسألة 9) إذا عيّن للحج أجرة لا يرغب فيها أحد، و كان الحج مستحبّاً بطلت الوصية]

(مسألة 9) إذا عيّن للحج أجرة لا يرغب فيها أحد، و كان الحج مستحبّاً بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب فيها، و حينئذ فهل ترجع ميراثاً أو تصرف في وجوه البر أو يفصل بين ما إذا كان كذلك من الأوّل فترجع ميراثاً أو كان الراغب موجوداً ثمّ طرأ التعذّر؟ وجوه.

و الأقوى هو الصرف في وجوه البر (1)، لا لقاعدة الميسور بدعوى أنّ الفصل إذا تعذّر يبقى الجنس، لأنّها قاعدة شرعية و إنّما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع و لا مَسرح لها في مجعولات النّاس، كما أشرنا إليه سابقاً، مع أنّ الجنس لا يعد ميسوراً للنوع فمحلها المركبات الخارجية إذا تعذّر بعض أجزائها و لو كانت ارتباطية، بل لأنّ الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه، و إنّما عيّن عملًا خاصاً لكونه أنفع في نظره من غيره فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدّد المطلوب و إن لم يكن متذكّراً لذلك حين الوصية، نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللُّبّ أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة، و لا فرق في الصورتين بين كون التعذّر طارئاً أو من الأوّل. (1) قد تقدم ان الميت بوصيته يبقى المال في ملكه بعد موته، فان كفى المال بالحج و لو من

الميقات تعين صرفه في الحج و إن لم يمكن يصرف في سائر وجوه البر، لان الغرض من الوصية بمثل الحج المندوب وصول الخير اليه بعد موته، غاية الأمر بما عينه من الحج عنه، و إن لم يمكن ذلك فبأمر آخر يصل اليه ثوابه. و هذه القرينة العامة توجب هذا الظهور في مقامات نظير الوصية و الأمر أوضح إذا أوصى بتمام ثلثه و عين له مصارف تعذر بعضها بعد موته، فإنها تصرف في سائر موارد الخير و لا ترجع إلى الوارث، و لا فرق في ذلك بين جريان العذر بعد موته أو كان ذلك قبل موته ايضاً، و يؤيد ما ذكر رواية علي بن مزيد (قدّس سرّه) صاحب السابري، قال: «أوصى إلى رجل بتركته و أمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فإذا هي شي ء يسير لا يكفي للحج، فسألت أبا حنيفة و فقهاء أهل الكوفة، فقالوا: تصدق بها إلى ان قال: فلقيت جعفر بن محمد في الحج، فقلت: رجل مات و أوصى إليَّ بتركته ان أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف، فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدق بها، فقال: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، فقال: ضمنت إلا ان لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان، فان كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن» «1» فإنها دالة على أن المال الموصى به للحج إذا لم يكف للحج من الميقات لو بأخذ الأجير من مكة يصرف المال في التصدق، و ما في المتن من رواية علي بن سويد غير صحيح، فإنه من أصحاب الرضا و أبي الحسن موسى

و الرواية عن جعفر بن محمد مع ان الرواية علي بن مزيد أو فرقد و لم يثبت له توثيق، لا يقال إذا أوصى بمال لا يكفى للحج و لو من الميقات و كان له تركة يبلغ ثلثها مقدار أجرة الحج عنه و لو من الميقات بتكميل اجرة المثل من بقية ثلثة، كما إذا كان الحج الموصى به مندوباً أو واجباً يخرج من ثلثه إذا قلنا بخروج غير حجة الإسلام من الثلث ايضاً، و ذلك فان غرض الموصي هو الحج عنه بعد موته، غاية الأمر لخياله بان ما عيّنه من المال يكفي له عيّن في وصيته ذلك المقدار، فإنه يقال لا يفهم ذلك في الوصية بالحج المندوب و لو كان غرضه الحج عنه من ثلثه بأي مبلغ، لم يكن وجه لتعيين الأجرة في وصيته. و على الجملة لا تكون الوصية بالحج بأجرة وصيتَهُ بالزائد عن تلك الأجرة، نعم إذا أحرز ما يوصي به هو الحج الواجب عليه مما يخرج من ثلثه بناء على ما تقدم يؤتي بالحج الميقاتي عنه ما لم يزد من ثلثه، فان غرضه فراغ ذمته عما اشتغلت به حال حياته، فان زادت من ثلثه فنفوذ الوصية بأصل الحج انما هو في فرض آخر و هو رضى الورّاث، بخلاف ما لو قيل بان الحج الواجب كحجة الإسلام يخرج من أصل التركة أوصى به أم لا، فإنه يجب الاستئجار إذا كانت له تركه تكفي بالحج من الميقات أوصى بذلك أم لا على ما تقدم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 271

و يؤيّد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام، بل يدلّ عليه خبر علي بن سويد عن الصادق (عليه السّلام): قال «قلت:

مات رجل فأوصى بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم تكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها، فقال (عليه السّلام): ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، فقال (عليه السّلام): ضمنت إلّا أن لا يكون يبلغ أن يحج بها من مكّة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكّة فليس عليك ضمان».

و يظهر ممّا ذكرنا حال سائر الموارد الّتي تبطل الوصية لجهة من الجهات. هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث و عيّن له مصارف و تعذّر بعضها، و أمّا فيه فالأمر أوضح لأنّه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه.

[ (مسألة 10) إذا صالحه على داره مثلًا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صحّ

(مسألة 10) إذا صالحه على داره مثلًا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صحّ و لزم و خرج من أصل التركة و إن كان الحج ندبياً (1) و لا يلحقه حكم الوصية. (1) إذا فرض كون الدار ملكاً بالمصالحة لمن اشترط المصالح عليه الحج عنه بعد موته لا يكون الحج عنه ملكاً للمصالح بالشرط لينتقل الحج عنه إلى وارثه بعد مماته، و ذلك لما ذكر في بحث الشروط من الفرق بين شرط العمل على الآخر في العقد و بين استئجار الآخر على العمل، فان العمل مع الاستئجار يكون ملكاً للمستأجر على الأجير، و لا يكون ملكاً للشارط على المشروط عليه في موارد الشرط، و لذا لو أتلف الأجير العمل على المستأجر فله إبقاء عقد الإجارة و مطالبة الأجير بالبدل، بخلاف موارد الشرط فإنه مع تخلف المشروط عليه يثبت للشارط خيار الفسخ في العقد الذي وقع فيه الشرط إذا كان العقد قابلًا لخيار الفسخ، فما عن الماتن (قدّس سرّه) من كون الحج عن المصالح ملكاً

له، و لكن بحيث لا ينتقل إلى وارثة بعد موته، و لذا يخرج من أصل التركة حتى فيما كان الحج عنه ندبياً لا يمكن المساعدة عليه، بل عدم انتقال الحج عنه إلى ملك الورثة لعدم كونه ملكاً للمصالح.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 273

و يظهر من المحقّق القمي (قدّس سرّه) في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه بدعوى أنّه بهذا الشرط ملك عليه الحج و هو عمل له أجرة فيحسب مقدار أجرة المثل لهذا العمل فإن كانت زائدة عن الثلث توقف على إمضاء الورثة، و فيه أنّه لم يملك عليه الحج مطلقاً في ذمّته ثمّ أوصى أن يجعله عنه، بل إنّما ملك بالشرط الحج عنه و هذا ليس مالًا يملكه الورثة فليس تمليكاً و وصية و إنّما هو تمليك على نحو خاص لا ينتقل إلى الورثة.

و كذا الحال إذا ملكه (1) داره بمائة تومان مثلًا بشرط أن يصرفها في الحج عنه أو عن غيره، أو ملكه إيّاها بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه، فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل و إن كان العمل المشروط عليه ندبياً.

نعم له الخيار عند تخلّف الشرط، و هذا ينتقل إلى الوارث بمعنى أنّ حق الشرط ينتقل إلى الوارث فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة. (1) هذا الفرض غير فرض صلح الدار السابق فإنه إذا باع داره بمأة مع شرطه ان يحج عن البائع بالمأة بعد موته تصير المأة ملكاً لبائعها بمجرد البيع و بعد موته تدخل المأة في تركته، فان كانت بمقدار ثلث تركة البائع أو أقل نفذ الشرط على المشتري و إلّا يكون نفوذه مشروطاً بإجازة

الوارث و رضاهم سواء كان رضاهم حال حياة البائع أو بعد موته، فان الشرط في الحقيقة وصية بالحج عنه بثمن الدار. نعم ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) ثالثاً من تمليك داره الغير و اشتراطه عليه ان يبيع الدار بعد موته و يحج بثمنه عنه، كمثال الصلح في كون الحج عنه بثمنها كبيعها ليس ملكاً للشارط حتى يحسب من تركته.

ثم انه قد ذكر (قدّس سرّه) انه يثبت في هذه الموارد مع عدم عمل المشروط عليه بالشرط خيار الفسخ فللوارث مع تخلفه فسخ الصلح أو التمليك و البيع، و قد يقال ان الخيار في الفرض غير قابل للانتقال إلى الوارث و إن ينتقل خيار الفسخ إلى الوارث في سائر الموارد، و الوجه في ذلك ان الخيار انما ينتقل إلى الوارث في الموارد التي يمكن انتفاعهم بالخيار و ليس المقام كذلك، لتعين صرف المال في الحج عن الميت. و لذا يكون مع تخلفه خيار الفسخ للميت و يستعمله الحاكم بالولاية لأن الميت لا يمكن له استعمال خيار الفسخ.

أقول: لا يخفى انه إذا فسخ الحاكم الشرعي أو الوصي المعاملة بخيار الميت، ترجع الدار أو المبيع إلى ملك الميت فتدخل الدار أو المبيع الآخر في تركة الميت لا محالة، فلا ينفذ شرطه لانفساخه بفسخ المعاملة. و حساب الشرط مع انفساخه وصيّة لازمة حسابه من ثلث الميت، و على ذلك ينتفع الوارث بخيار الفسخ حتى للميت، فان الميت لا يمكن ان يستعمل هذا الخيار، و لا وجه للالتزام بثبوته بل للحاكم ولاية على تنفيذ شرط الميت على المشروط، فيأخذ الدار في الأول و الثالث و يبيعها و يستأجر شخصاً آخر للحج عن الشارط، فالدار عند بيع الحاكم ملك للمشروط عليه يبيعها

الحاكم قهراً عليه لتنفيذ شرط الميت عليه، فلا مورد لتوهم دخولها في تركة الميت و حساب الحج عنه من ثلث الميت، و اللَّه سبحانه هو العالم.

[ (مسألة 11) لو أوصى بأن يحج عنه ماشياً أو حافياً صح

(مسألة 11) لو أوصى بأن يحج عنه ماشياً أو حافياً صح و اعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبياً و خروج الزائد عن أجرة الميقاتية منه إن كان واجباً (1)، و لو نذر في حال حياته أن يحج ماشياً أو حافياً و لم يأت به حتى مات و أوصى به أو لم يوص وجب الاستئجار عنه من أصل التركة كذلك، نعم لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب الاستئجار عنه لأنّ المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته لأن مشي الأجير ليس ببدنة، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً.

[ (مسألة 12) إذا أوصى بحجّتين أو أزيد و قال: إنّها واجبة عليه صدّق و تخرج من أصل التركة]

(مسألة 12) إذا أوصى بحجّتين أو أزيد و قال: إنّها واجبة عليه صدّق و تخرج من أصل التركة (2)، نعم لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت و كان متّهماً في إقراره فالظاهر أنّه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متّهماً على ما هو الأقوى. (1) و يلاحظ الزائد عن الأجرة الميقاتية التي لم يشترط فيها لا ماشياً و لا حافياً، فان الخارج من أصل التركة طبيعي الحج الميقاتي، و أيضاً هذا فيما كانت وصيته بحجة الإسلام، و أما سائر الحج الواجب فيخرج من ثلث الميت مع الوصية لا مطلقاً، نعم القضاء من دون وصية حسابه من أصل التركة على ورثته الكبار على ما تقدم. (2) ما ذكر (قدّس سرّه) مبني على خروج مطلق الحج الواجب من التركة، و أما بناءً على اختصاصه بحجة الإسلام و خروج غيرها من الثلث إذا اوصى به، فلا ينبغي التأمل في سماع إقراره و نفوذ وصيته بحجّتين واجبتين غير حجة الإسلام من ثلثه حتى فيما إذا كان متهماً، و

أما إذا أوصى بان عليه حجّتين اسلاميتين سواء كانت إحداهما من نفسه و الأخرى عن الغير، كما إذا كان أجيراً بلا اشتراط المباشرة و كون المدة في الإجارة وسيعاً أو كانت كلتاهما عن الغير، كما ذكر يقبل قوله فإن إقراره على نفسه للغير نافذ حتى فيما إذا كان متهماً سواء كان حال الصحة أو غير مرض الموت، ما لم يعلم خلافه. و نفوذ الإقرار مستفاد من سيرة العقلاء و الروايات الواردة في الأبواب المتفرقة، نعم إذا كان إقراره بمال للغير في مرض موته يحسب إقراره من ثلثه إذا كان متهماً، و هذا طريق الجمع العرفي بين الروايات على ما بين في محله، فهل يجري التفصيل فيما كان إقراره بالحج الإسلامي عليه لا يبعد ذلك عند الماتن، حيث ذكر ان الظاهر أنه كالإقرار بالدين للغير و لكن الإلحاق لا يخلو عن تأمل لاحتمال الفرق.

[ (مسألة 13) لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار و شك في أنّه استأجر الحج قبل موته أو لا]

(مسألة 13) لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار و شك في أنّه استأجر الحج قبل موته أو لا فإن مضت مدّة يمكن الاستئجار فيها فالظاهر حمل أمره على الصحّة (1) مع كون الوجوب فورياً منه، و مع كونه موسعاً إشكال، و إن لم تمض مدّة يمكن الاستئجار فيها وجب الاستئجار من بقيّة التركة إذا كان الحج واجباً و من بقيّة الثلث إذا كان مندوباً، و في ضمانه لما قبض و عدمه لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان (1) لا يخفى انه لو كان أمره تأخير الاستئجار يحمل تأخيره على الصحة أيضاً، حيث يحتمل ان يكون له عذر شرعي في التأخير حتى مع وجوب الاستئجار فوراً، كما إذا لم يجد من يثق به في الاستنابة. و على الجملة الحمل على

الصحة مع عدم العلم بارتكاب المعصية مقتضاه ان لا ينسب اليه الحرام و المعصية و لا يثبت وقوع عمل واجب عليه فوراً أو غير فور، نعم إذا أحرز صدور عمل عنه لصحته و عدم بطلانه أثر شرعي للآخرين تجري أصالة الصحة في عمله بعد إحراز صدور ذلك العمل منه فيترتب عليه اثر صحته.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 277

وجهان (1)، نعم لو كان المال المقبوض موجوداً أخذ حتّى في الصورة الأُولى و إن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان ممّا يحتاج إلى بيعه و صرفه في الأجرة و تملك ذلك المال بدلًا عمّا جعله أجرة لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميّت.

[ (مسألة 14) إذا قبض الوصي الأجرة و تلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامناً]

(مسألة 14) إذا قبض الوصي الأجرة و تلفت في يده بلا تقصير لم يكن ضامناً، و وجب الاستئجار من بقيّة التركة أو بقيّة الثلث (2)، و إن اقتسمت على الورثة استرجع منهم، و إن شك في كون التلف عن تقصير أو لا فالظاهر عدم الضمان (1) أظهرهما عدم ضمانه بعد فرض أن الميت جعله أميناً و يحتمل تلف المال بلا تفريط منه، نعم إذا كانت عين المال موجودة أخذت حتى فيما إذا احتمل أنّه استأجر بماله و تملكه بدلًا عما استأجر به لجريان الاستصحاب في بقاء المال على ملك الميت، و لا تجري قاعدة اليد مع العلم بالحالة السابقة في اليد مع عدم دعوى ذي اليد ملكيته. (2) و الوجه في ذلك هو أن حجة الإسلام أو مطلق الحج الواجب على عهدة الميت يحسب ديناً عليه و تعلقه بالتركة بنحو الكلي في المعين، و لذا لو تلفت التركة إلا بمقدار الدين يتعين صرفه في أدائه، و على ذلك

فتلف الأجرة بيد الوصي من غير تقصير يوجب الأداء من بقية التركة حتى لو قسمت البقية على سهام الورثة، حيث ان تلفها بيده كشف عن بطلان القسمة بالإضافة إلى أجرة الحج، و إذا كان الموصى به حجاً ندبياً فيخرج من ثلث الميت و ثلث الميت مع سهام الورثة. و إن كان بنحو الإشاعة كما هو ظاهر عنوان الثلث المضاف إلى مال الميت في الأدلة «و لو تلف من التركة شي ء يحسب على الميت و سهام الورثة» لكن المفروض في المقام ان ما تلف بيد الوصي كان متعيناً في مال الميت كما هو مقتضى ولاية الوصي بسهم الميت و أخذه و لا يحسب على سائر الورثة، الا انه إذا كان من ثلث الميت بقية يكون مقتضى وجوب العمل بالوصية صرف بقيته في تنفيذها و لو بالأخذ من يد الورثة، حيث ان تلفه يكشف عن بطلان تمام البقية بين الورثة فان الموصى به محدود بعنوان الحج لا بمقدار المال المتلف بيد الوصي من غير ضمان، و على الجملة فالتالف كاشف عن عدم انتقال بقية ثلث الميت إلى الورثة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 278

أيضاً (1)، و كذا الحال إن استأجر و مات الأجير و لم يكن له تركة (2) أو لم يمكن الأخذ من ورثته.

[ (مسألة 15) إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندباً و لم يعلم أنّه يخرج من الثلث أو لم يجز صرف جميعه

(مسألة 15) إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندباً و لم يعلم أنّه يخرج من الثلث أو لم يجز صرف جميعه (3)، نعم لو ادّعى أنّ عند الورثة ضِعف هذا أو أنّه أوصى سابقاً بذلك و الورثة أجازوا وصيّته ففي سماع دعواه و عدمه وجهان (4). (1) لأن الوصي داخل في عنوان الأمين و الأمين لا يضمن المال الا

مع التقصير المنفي بالأصل. (2) حيث إنه لو كان للأجير تركة تؤخذ من تركته مقدار الأجرة أو قيمة الحج الذي آجر نفسه عليه، فإنه من الدين على الأجير فتخرج من تركته. و أما إذا لم يكن له تركة فبما أنه ليس على الوصي ضمان تخرج من بقية التركة أو بقية الثلث على ما تقدم. (3) لان ما عنده و إن كان ملكاً للموصى الا انه لا يعلم ولايته بالتصرف في جميعها بالوصية، و أصالة الصحة لا تجرى من موارد الشك في ولاية المتصرف. و دعوى أن أصالة الصحة تقتضي ان المال بمقدار الثلث كما ترى فان جريانها موقوف على ثبوت ولايته المتوقفة على كونه بمقدار الثلث. (4) و لكن الأظهر عدم السماع فإنه يعتبر قول ذي اليد إذا كان إقراراً على النفس. أو فيما قام دليل خاص على اعتباره كالإخبار بنجاسة ما بيده و لا يدخل المقام في شي ء منها، فإن إخباره بضعف المال بيد الورثة يعد من الإقرار للنفس و الدعوى للورثة، و قوله فإنهم أجازوا وصيته من قبل الإخبار عنهم يعتبر فيه شرط قبول الخبر، و أما أصالة الصحة في وصيته بالحج بالمال المزبور فقد تقدم عدم جريانها في موارد الشك في ولاية المتصرف.

[ (مسألة 16) من المعلوم أنّ الطواف مستحب مستقلا]

(مسألة 16) من المعلوم أنّ الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج (1)، و يجوز النيابة فيه عن الميّت، و كذا عن الحي إذا كان غائباً عن مكّة أو (1) الظاهر عدم الخلاف في الاستحباب النفسي للطواف حول الكعبة و إن لم يكن في ضمن حج أو عمرة، و يشهد لذلك عدة روايات بل يمكن استفادة ذلك من إطلاق قوله سبحانه إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ

شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ «1». و قد ورد في بعض الروايات كصحيحة حريز بن عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «الطواف لغير أهل مكة أفضل من الصلاة، و الصلاة لأهل مكة و القاطنين بها أفضل من الطواف» «2» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «يستحب ان يطوف ثلاثمأة و ستين أسبوعاً على عدد أيام السنة» «3» الحديث إلى غير ذلك مما يستفاد منه الاستحباب النفسي للطواف حول البيت و يجوز في الطواف المستحب النيابة عن الغير، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قلت له فأطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة؟ فقال: نعم، يقول حين يفتتح الطواف: اللّهمّ تقبل من فلان، للذي يطوف عنه» «4» و صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: «سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته و عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله و هو عنه غائب ببلد آخر، قال: نعم» «5» الحديث فإنها تعم ما كان الجعل بعنوان النيابة أو هدية الثواب بل ما بعده قرينة على كون المراد النيابة، و صحيحة موسى بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثاني: «قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك، فقيل لي: ان الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال: بلى، طف ما أمكنك» «6» نعم لا يجوز النيابة عن الحاضر بمكة إذا لم يكن به علة، كما يشهد بذلك صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال: «كنت إلى جنب أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و عنده ابنه عبد اللَّه أو ابنه

الذي يليه، فقال: له رجل أصلحك اللَّه يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علّة؟ فقال: لا، لو كان يجوز لأمرت ابني فلاناً فطاف عني و سمى الأصغر و هما يسمعان» «7» و التقييد بعدم العلة مفروض في كلام السائل فلا يدلّ على جواز النيابة عن الحاضر بمكة إذا كان به علّة، الا انه يمكن ان يستدل عليه بما دلّ على «جواز النيابة في الطواف عن المريض و المغمى عليه و المبطون» «8» حيث لا يحتمل اختصاصه بما إذا كان جزءاً من الحج أو العمرة، أضف إلى ذلك بعض الإطلاقات في بعض الروايات، ففي رواية أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «من وصل أباً، أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له أجره كاملًا، و للذي طاف عنه، مثل أجره و يفضل هو بصلته إياه بطواف آخر» «9» فإنها تعم بإطلاقها ما إذا كان الأب أو القريب أيضاً بمكة غاية الأمر إذا لم يكن للحاضر علة لم تجز النيابة على ما تقدم.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 280

حاضراً و كان معذوراً في الطواف بنفسه، و أمّا مع كونه حاضراً و غير معذور فلا تصحّ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 281

النيابة عنه، و أمّا سائر أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم حتّى مثل السعي بين الصفا و المروة (1). (1) ذكر بعض الأصحاب انه يظهر من بعض الروايات استحبابه لنفسه كالطواف، ففيما رواه في الوسائل عن البرقي في المحاسن عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و

سلّم) «لرجل من الأنصار إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند اللَّه أجر من حجّ ماشياً من بلاده و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة» «1» و لكنها لم ترد إلا في مقام بيان ثواب اعمال الحج و العمرة و مناسكها لا في مقام ثواب السعي بين الصفا و المروة منفرداً عن الحج و العمرة، كما يظهر ذلك بملاحظة روايتي التهذيب و الفقيه فإنه روى في التهذيب عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) «و هو يحدث الناس بمكة فقال ان رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يسأله فقال له رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ان شئت فسل و إن شئت أخبرتك بما جئت تسألني عنه فقال أخبرني يا رسول اللَّه فقال جئت تسألني مالك في حجك و عمرتك فان لك إذا توجهت إلى سبيل الحج ثم ركبت ثم قلت بسم اللَّه و باللَّه مضت راحلتك لم تضع خفاً الا كتب لك حسنة و محى عنك سيئة فإذا أحرمت و لبست قال لك بكل تلبية لبيتها عشر حسنات و محى عنك عشر شيئات فاذا طفت بالبيت الحرام أسبوعاً كان لك بذلك عند اللَّه عهد و ذخر يستحي أن يعذبك بعده أبداً فإذا صليت الركعتين خلف المقام كان لك بها حجة متقبلة فإذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك مثل أجر من حج ماشياً من بلاده و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة» الحديث و كذا في الفقيه فلا دلالة لها على استحباب السعي بين الصفا و المروة نفسياً

كما لا دلالة لها على استحباب الإحرام كذلك، و يستظهر الاستحباب النفسي أيضاً مما رواه الصدوق في العلل عن محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى و احمد بن إدريس عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن مسلم عن يونس عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقول ما من بقعة أحب إلى اللَّه من المسعى لانه يذل فيه كل جبار عنيد» «2» السند المذكور في المروي في الوسائل عن العلل، و حيث انه لم يجد رواية يرويها محمد بن الحسن الأشعري عن محمد بن مسلم كما لم يوجد رواية رواها محمد بن مسلم عن يونس، و الصحيح هو محمد بن أسلم و لم يثبت له توثيق فلا يمكن الاعتماد عليها، بل لا دلالة لها الا على فضيلة المسعى لا استحباب السعي فيه نفسياً، و على الجملة لم يثبت الاستحباب النفسي لشي ء من اعمال العمرة أو الحج نفسياً غير الطواف و ركعتيه.

[ (مسألة 17) لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجّة الإسلام و علم أو ظن أنّ الورثة لا يؤدون عنه إذا ردها إليهم

(مسألة 17) لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجّة الإسلام و علم أو ظن أنّ الورثة لا يؤدون (1) عنه إذا ردها إليهم، جاز بل وجب عليه أن (1) ذكر (قدّس سرّه) أن الصحيحة و إن كانت مطلقة الا ان الأصحاب قيدوها بما إذا علم أو ظن بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم، و لكن قد يقال ان كان المراد من الإطلاق شمول الصحيحة لصورة احتمال عدم الأداء ان دفع المال إليهم فالإطلاق صحيح و لكن لا موجب لرفع اليد عنه، و إن كان المراد شمولها حتى لصورة علمه بأداء الورثة على تقدير دفع الوديعة إليهم فالإطلاق

غير تام، لان فرض السائل في السؤال «ليس لوارثه شي ء» لاحتماله أن الورثة لحاجتهم إلى المال لا يؤدون الحج عن الميت على تقدير دفعه إليهم، و لو لم يكن هذا ظاهر ذكر الفرض و لا أقل من الاحتمال فلا يتم الإطلاق، و على الجملة لا يعتبر علم المستودع و لا ظنه بعدم أداء الوارث بل يكفي احتمال ذلك و إن لم يكن بمرتبة الظن، و المستفاد من قول الإمام (عليه السّلام) في الجواب «حج عنه و ما فضل فأعطهم» هو ان اللازم ان لا يبقى حجة الإسلام على عهدة الميت مع عدم العلم بحج الورثة عن مورثهم، و لذا لا فرق في الحكم بين عدم المال للوارث أو كان لهم و لكن لا يعلم الأداء منهم مع دفع الوديعة إليهم حتى في هذه الصورة، أقول فرض السائل عدم المال للورثة بنفسه يوجب الظن نوعاً بأنهم لحاجتهم إلى المال لا يؤدون الحج عن الميت خصوصاً في صورة إنكارهم أو تشكيكهم في استقراره عليه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 283

يحج بها عنه، و إن زادت عن أجرة الحج رد الزيادة إليهم لصحيحة بريد «عن رجل استودعني مالًا فهلك و ليس لوارثه شي ء و لم يحج حجّة الإسلام قال (عليه السّلام): حج عنه و ما فضل فأعطهم» و هي و إن كانت مطلقة إلّا أنّ الأصحاب قيّدوها بما إذا علم أو ظنّ بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم، و مقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى الاستئذان من الحاكم الشرعي (1)، و دعوى أنّ ذلك للإذن من الإمام (عليه السّلام) كما ترى، لأنّ الظاهر من كلام الإمام (عليه السّلام) بيان الحكم الشرعي، ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن

من الحاكم، و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء، و كذا عدم الاختصاص بحج الودعي بنفسه لانفهام الأعم من ذلك منها. (1) المراد بإطلاق الرواية عدم ذكره (عليه السّلام) في الجواب التقييد بمثل اذنه، بان يقول «أذنت لك في الحج عنه و ما فضل فأعطهم» فإن عدم تقييد الجواب مثل ما ذكر ظاهره أنه (عليه السّلام) في مقام بيان الوظيفة الشرعية الثابتة للواقعة المفروضة واقعاً مع قطع النظر عن بيانه، و يجري هذا الظهور في كل مورد بوجه الامام (عليه السّلام) الحكم إلى السائل أو غيره في مقام الجواب عن واقعة محقّقة أو مفروضة تحققها تقع مورد السؤال، و ما ذكر مراد الماتن (عليه السّلام) من قوله لان الظاهر من كلام الامام (عليه السّلام) بيان الحكم الشرعي.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 284

و هل يلحق بحجّة الإسلام غيرها من أقسام الحج (1) الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه مثل الخمس و الزكاة و المظالم و الكفارات و الدين أو لا؟ و كذا هل (1) قد تقدم أن وجوب القضاء في غير حجة الإسلام سواء كانت على الميت بالأصالة أو الاستئجار و نحوه غير ثابت، بل يقضى غيرها عنه بالوصية من ثلثه، و إذا أوصى من ائتمنه بالمال ان يحج عنه ندباً أو يقضي ما عليه من الحج النذري أو الافسادي نفذت، إذا كان ما يصرفه في الموصى له بمقدار ثلثه أو أقل منه على ما تقدم، و إن أوصى وارثه بذلك و يعلم من عنده المال ان الوارث لا يعمل بوصيته أو لا يطمئن بأنه يقوم بالعمل على وصيته فحسبه الاستيذان من الحاكم؛ و أما إذا احتمل

انه يعمل بوظيفته فاللازم دفعه إلى الوارث، حيث ان مقتضى الوصية إلى الوارث ان يكون ثلثه بيد وارثه و إيصاله اليه، و المفروض ان ما بيده ثلثه مع سهام الورثة أو بعض ذلك، و مما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا كان على الميت زكاة أو خمس أو دين مالي و لو من المظالم فإنها تخرج عن أصل التركة، و لا ينتقل إلى ملك الورثة فإن علم من عنده الوديعة ان الورثة لا يؤدون ما على الميت أو اطمئن بذلك أو ظن فلا يجوز دفع المال إليهم، لأنه من تفويت ملك الميت بل يجب عليه صرفها فيما على الميت، و لكن بالاستئذان من الحاكم، حيث يحتمل اختصاص الحكم المتقدم بالحج عن الميت، و مقتضى القاعدة عدم جواز التصرف في تركته لانه من ملك الميت أو ملكه مع ملك سائر الورثة، فالأداء من باب الحسبة يرجع فيه إلى الحاكم، و أما غير ما ذكر يظهر الحال في سائر الواجبات التي تقضى عن الميت بالوصية و يدخل فيها الكفارات، فإنه مع عدم الوصية يرجع المال إلى الورثة و معها حالها حال الوصية بغير حجة الإسلام.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 285

يلحق بالوديعة غيرها (1) مثل العارية و العين المستأجرة و المغصوبة و الدين في ذمّته أو لا؟ وجهان، قد يقال بالثاني، لأنّ الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا إنّ التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث و إن كانوا مكلّفين بأداء الدين و محجورين عن التصرف قبله، بل و كذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميّت لأنّ أمر الوفاء إليهم فلعلّهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال أو أرادوا أن يباشروا العمل الّذي على الميّت

بأنفسهم، و الأقوى مع العلم بأنّ الورثة لا يؤدّون بل مع الظنّ القوي أيضاً جواز الصرف فيما عليه، لا لما ذكر في المستند: من أنّ وفاء ما على الميّت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك، و أولوية الورثة بالتركة إنّما هي ما دامت موجودة و أمّا إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتّى يكون الورثة أولى به، إذ هذه الدعوى فاسدة جدّاً، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة، أو دعوى تنقيح المناط، أو أنّ المال إذا كان بحكم مال الميّت فيجب صرفه عليه و لا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه، بل و كذا (1) لا يبعد الإلحاق، و ذلك فان الحكم الوارد في الصحيحة و إن كان مخالفاً للقاعدة، و لذا ذكرنا ان في غير الحج مما على الميت يكون اللازم المراجعة إلى الحاكم الشرعي و الاستيذان منه في وفاء ما على الميت من بيده المال، إلّا أن فرض السائل الوديعة لكونها موجبة لصيرورة مال الميت بيده لا لدخالتها بخصوصها، فيعم الحكم ما إذا كان مال الميت بيده بعنوان آخر، و الوجه في كون الحكم المزبور على خلاف القاعدة ان تعلق الحج بتركة الميت على ما تقدم، و إن كان بنحو الكلي في المعين، و ما بيده اما مال الميت و الورثة أو مال الميت فقط و لا ولاية لمن بيده المال على الميت و لا على الورثة، بل إذا كان عنده ما يكفي لحجة الإسلام فقط و لم يكن للميت مال آخر فللورثة حق الاختصاص بأعيان التركة فلهم إخراجه من مالهم و لو بالاستدانة على أنفسهم أو مباشرتهم في الحج عن

ميّتهم، و كذا في غير حجة الإسلام مما يخرج عن أصل التركة من الزكاة و الخمس و المظالم و سائر الديون المالية فيما تضمنته الصحيحة من التكليف على المستودع، الحج عن الميت بما بيده من مال الميت، سواء كان بمقدار مصرف الحج أو أزيد في صورة ظنّه بأن الورثة لا يؤدون الحج عن ميتهم، أو في صورة مطلق الاحتمال ينافي حق الورثة في أعيان التركة، بل هم مكلفون مع عدم وصية الميت بإخراج الحج من التركة، إلّا أنّه كما ذكرنا لا خصوصية للوديعة في هذا الحكم، و أما ما ذكر في المستند أن مقتضى الأخبار المتواترة المصرحة بوجوب قضاء الحج عن الميت من أصل ماله من غير خطاب إلى شخص معين، وجوبه على كل مكلف. و هو يجعل الوجوب الكفائي للمستودع أصلا ثانياً، فالتوقف على الاذن يحتاج إلى دليل، بل يكون مقتضى ما ذكر ان الوجوب في غير الحج من الموارد ما يقضى من أصل التركة أو يؤدي منه كوجوب قضاء الحج و أولوية الورثة ما دامت أصل التركة باقية، و أما إذا بادر أحد إلى صرفها فيما يخرج عن الأصل لا يبقى مال حتى يكون الورثة أولى به، و لذا لا يعتبر الاذن من الحاكم الشرعي في هذه الموارد، حيث لا يمكن المساعدة عليه. فان مقتضى كون التركة أكثر مما يجب، يخرج من أصل التركة.

و كذا مقتضى تعلق حق أولياء الميت بأعيانها ان لا يجوز التصرف فيها الا بالاستئذان منهم، و لو كان وجوب القضاء بنحو الواجب الكفائي بحيث يكون لكل مكلف الولاية في التصرف في تركة الميت، لجاز للأجنبي عن أولياء الميت الحج عن الميت من عند نفسه و لو بقصد أخذ أجرة

المثل ثم أخذها من الورثة قهراً عليهم، أو سرقة من عندهم، و ليس عدم جواز ذلك إلّا لكون الورثة هم المكلفون بالإخراج و الأداء، كما يشهد بذلك مثل صحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه السّلام) «في رجل خرج حاجّاً حجة الإسلام فمات في الطريق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام» «1».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 286

على القول بالانتقال إلى الورثة حيث إنّه يجب صرفه في دينه فمن باب الحسبة يجب على من عنده صرفه عليه، و يضمن لو دفعه إلى الوارث لتفويته على الميّت، نعم يجب الاستئذان من الحاكم لأنّه ولي من لا ولي له، و يكفي الإذن الإجمالي فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه كما قد يتخيّل، نعم لو لم يعلم و لم يظن عدم تأدية الوارث يجب الدفع إليه، بل لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً و أمكن إثبات ذلك عند الحاكم أو أمكن إجباره عليه لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه.

[ (مسألة 18) يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه و عن غيره

(مسألة 18) يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه و عن غيره، و كذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره.

[ (مسألة 19) يجوز لمن أعطاه رجل مالًا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه

(مسألة 19) يجوز لمن أعطاه رجل مالًا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه ما لم يعلم أنّه أراد الاستئجار من الغير، و الأحوط عدم مباشرته (1) إلّا مع العلم بأنّ مراد المعطي حصول الحج في الخارج، و إذا عيّن شخصاً تعيّن إلّا إذا علم عدم أهليّته و أنّ المعطي مشتبه في تعيينه أو أنّ ذكره من باب أحد الأفراد. (1) و الوجه في كون الاحتياط استحبابياً و يجوز له استئجار نفسه للحج عنه هو أن ظهور كلام الموكل و لو كان إطلاقياً معتبر مع عدم العلم بالخلاف و كون استئجار الغير متيقنا بحسب مراد المعطى واقعاً، لا يوجب رفع اليد عن الظهور الإطلاقي لكلامه و توكيل شخص في أحد طرفي المعاملة لا يوجب إخراجه فيها عن الطرف الآخر لإمكان كون الشخص أصيلًا في المعاملة وكيلًا فيها عن الآخر. و على الجملة الظهور و لو كان إطلاقاً يعتبر مع عدم العلم بالخلاف و لا يكون اعتباره تابعاً لإحراز الواقع و دعوى انصراف الإطلاق إلى استئجار غير نفسه في مثل التوكيل في الاستئجار للحج مما يكون الوكيل كالغير إن لم يكن أولى منه ممنوعة.

[فصل في الحج المندوب

اشارة

فصل في الحج المندوب

[ (مسألة 1) يستحب لفاقد الشرائط من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما أن يحج مهما أمكن

(مسألة 1) يستحب لفاقد الشرائط من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما أن يحج مهما أمكن، بل و كذا من أتى بوظيفته من الحج الواجب، و يستحب تكرار الحج بل يستحب تكراره في كل سنة، بل يكره تركه خمس سنين متوالية، و في بعض الأخبار: «من حجّ ثلاث حجّات لم يصبه فقر أبداً».

[ (مسألة 2) يستحب نيّة العود إلى الحج عند الخروج من مكّة]

(مسألة 2) يستحب نيّة العود إلى الحج عند الخروج من مكّة، و في الخبر إنّها توجب الزيادة في العمر، و بكرة نيّة عدم العود، و فيه أنّها توجب النقص في العمر.

[ (مسألة 3) يستحب التبرّع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياءً و أمواتاً]

(مسألة 3) يستحب التبرّع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياءً و أمواتاً، و كذا عن المعصومين: أحياءً و أمواتاً، و كذا يستحب الطواف عن الغير و عن المعصومين: أمواتاً و أحياءً مع عدم حضورهم في مكّة أو كونهم معذورين.

[ (مسألة 4) يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج

(مسألة 4) يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك.

[ (مسألة 5) يستحب إحجاج من لا استطاعة له

(مسألة 5) يستحب إحجاج من لا استطاعة له.

[ (مسألة 6) يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها.]

(مسألة 6) يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها.

[ (مسألة 7) الحج أفضل من الصدقة بنفقته.]

(مسألة 7) الحج أفضل من الصدقة بنفقته.

[ (مسألة 8) يستحب كثرة الإنفاق في الحج

(مسألة 8) يستحب كثرة الإنفاق في الحج، و في بعض الأخبار: «إنّ اللَّه يبغض الإسراف إلّا بالحج و العمرة».

[ (مسألة 9) يجوز الحج بالمال المشتبه

(مسألة 9) يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها.

[ (مسألة 10) لا يجوز الحج بالمال الحرام

(مسألة 10) لا يجوز الحج بالمال الحرام لكن لا يبطل الحج إذا كان لباس إحرامه و طوافه و ثمن هديه من حلال. (1)

[ (مسألة 11) يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى بل الأبوين في بعض الصور]

(مسألة 11) يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى بل الأبوين في بعض الصور، و يشترط أيضاً أن لا يكون عليه حج واجب مضيق، لكن لو عصى و حج صح. (2)

[ (مسألة 12) يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه

(مسألة 12) يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه، كما يجوز أن يكون ذلك من نيّته قبل الشروع فيه.

[ (مسألة 13) يستحب لمن لا مال له يحج به أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره

(مسألة 13) يستحب لمن لا مال له يحج به أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره، و في بعض الأخبار: إنّ للأجير من الثواب تسعاً و للمنوب عنه واحد. (1) لبس ثوبي الإحرام و إن كان واجبا عند الإحرام إلا أنه مجرد تكليف لا أنه شرط في انعقاده و عليه لا يبطل الإحرام إذا كان من غير حلال بخلاف الطواف و ثمن الهدي. (2) إذا كان ما عليه من الحج الواجب ينطبق على المأتي به ندبا كما إذا نذر الحج في سنته و أتى بالحج فيها بالحج الندبي صح و لا عصيان أيضا كما تقدم فإنه ليس الوفاء بالنذر عنوانا قصديا و نظير ذلك ما إذا كان مستطيعا للحج و تخيل أن وجوبه من قبيل الواجب الموسع و قصد في سنته الحج الندبي و أما في غير ذلك ففي صحة حجه أيضا ما تقدم في مسائل وجوب الحج

[فصل في أقسام العمرة]

اشارة

فصل في أقسام العمرة

[ (مسألة 1) تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب

(مسألة 1) تنقسم العمرة (1) كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب (1) العمرة لغة الزيارة مأخوذة من العمارة لأنّ الزائر يعمر المكان بزيارته، و شرعاً اسم للأعمال الخاصة التي تبدء بالإحرام من الميقات، ثمّ طواف البيت و صلاته، ثمّ السعي بين الصفا و المروة، ثمّ التقصير، و يعتبر في المفردة طواف النساء على ما يأتي، و مشروعية العمرة في نفسها ثابتة بالكتاب المجيد، كما أنّ وجوب إتمامها بعد الدخول فيها مستفاد منه. قال سبحانه و تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما «1»، و قال وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «2».

و ربّما يقال بأنّ وجوب العمرة مستقلا مستفاد من قوله سبحانه وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «3»، فإنّ حجّ البيت يعمّ العمرة أيضاً، و لكن لا يخفى أنّه لو كان حجّ البيت أي قصده شاملًا لكل منهما يكون المستفاد وجوب أحدهما لا وجوبهما معاً، و هذا مع قطع النظر عن الروايات المفسّرة، و أمّا مع ملاحظتها فلا مجال للتأمّل في وجوب كل منهما، و انّ ذلك أيضاً مراد من قوله سبحانه.

و في صحيحة عمر بن أذينة المروية في العلل قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج دون العمرة؟ قال: لا و لكنّه يعني الحج و العمرة جميعاً لأنّهما مفروضان» «4»، و في صحيحة الفضل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قال: هما مفروضان «5». و في مصحّحة معاوية بن عمار عن أبي عبد

اللَّه (عليه السّلام) قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع إليه سبيلًا لأنّ اللَّه (عزّ و جلّ) يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «6».

إلى غير ذلك ممّا يستفاد منه وجوبها على كل مكلف استطاع إليها، و أنّ وجوبها في العمر مرّة واحدة، و أنّها تجب على المستطيع إليها فوراً، كما هو مقتضى كونها بمنزلة الحج الوارد في المصحّحة و نحوها، و المستفاد من غيرها كمصححة عمر بن أذينة المروية في الكافي: «قال: كتبت إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)» بمسائل بعضها مع ابن بكير و بعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب بإملاءه سألت عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يعني به الحج و العمرة جميعاً لأنّهما مفروضان، و سألته عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قال: يعني بتمامهما أدائهما، و اتقاء ما يتقى المحرم فيهما) «1» الحديث، و ظاهرها وجوب كل منهما و إن لم يتحقق شرط وجوب الآخر و ما قيل من عدم وجوب أحدهما إلّا مع الاستطاعة للآخر أو أنّ الحج يجب مع الاستطاعة له مجرّداً عنها، و لكن وجوب العمرة مشروط بالاستطاعة للحج، كما عن الدروس لا يناسب ظاهر ما تقدّم من الأخبار و غيرها و هذا في العمرة المفردة، و أمّا في وجوب حج التمتع فلا ينبغي التأمّل في أنّ وجوبه مشروط بالاستطاعة لعمرة التمتع، حيث إنّ عمرته شرط في صحة حج التمتع على ما يأتي.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 292

فتجب بأصل الشرع على كل مكلّف بالشرائط المعتبرة في الحج في العمر مرّة، (1) بالكتاب و السنّة و

الإجماع، ففي صحيحة زرارة: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج فإنّ اللَّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، و في صحيحة الفضيل في قول اللَّه تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ قال (عليه السّلام): «هما مفروضان».

و وجوبها بعد تحقّق الشرائط فوري كالحج، و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفي استطاعتها في وجوبها و إن لم تتحقّق استطاعة الحج، كما أنّ العكس كذلك فلو استطاع للحج دونها وجب دونها، و القول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما و أنّهما مرتبطان ضعيف، كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة.

[ (مسألة 2) تجزئ العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة بالإجماع و الأخبار]

(مسألة 2) تجزئ العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة بالإجماع و الأخبار (2)، و هل تجب على من وظيفته حج التمتّع إذا استطاع لها و لم يكن مستطيعاً للحج؟ المشهور عدمه، بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات، و هو الأقوى، و على هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و إن كان مستطيعاً لها و هو في مكّة، و كذا لا تجب على من تمكّن منها و لم يتمكّن من الحج لمانع، و لكن الأحوط الإتيان بها. (1) بلا خلاف بين الأصحاب و يدل عليه غير واحد من الروايات منها صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر ع في حديث قال العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج لأن الله تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ (2) لا خلاف بين الأصحاب في أجزاء عمرة التمتع عن العمرة المفردة، و يدلّ عليه الروايات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السّلام) كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة» «1». و في

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أ يجزي ذلك عنه؟ قال: نعم» «2». و صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ يكفي الرجل إذا تمتّع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أصحابه» «3» إلى غير ذلك ممّا لا مجال للمناقشة فيها سنداً أو دلالة.

و أمّا من لم يكن مستطيعاً للحج و لم يجب عليه حج التمتع، و كان مستطيعاً بالإضافة إلى العمرة المفردة فقط، فهل تجب عليه العمرة المفردة كمن استطاع في عصرنا الحاضر في غير أشهر الحج للعمرة، و كما في الأجير للحج عن الغير بعد فراغه عن الحج النيابي؟ فالمشهور عند الأصحاب عدم وجوبها كما هو مختار الماتن أيضاً، و إنْ ذكر أنّ الإتيان بها أحوط، و ربّما قيل بوجوبها في الفرض بدعوى إنّ ما تقدّم من الأخبار في أنّ العمرة و الحج مفروضان، و أنّ العمرة واجبة على الخلق، و أنّها بمنزلة الحج مقتضاها وجوبها على كل مكلف إذا استطاع لها كوجوب الحج عليهم إذا استطاعوا له، غاية الأمر أنّ الآفاقي إذا استطاع لحج التمتع تكون عمرة التمتع مجزية، بل يكون الواجب في حقه عمرة التمتع دون المفردة، و يبقى غير هذا الفرض تحت إطلاقاتها، و لكن لا يخفى أنّ العمرة الواردة في الروايات المتقدمة الدالة على وجوبها لم تقيّد بكونها عمرة مفردة، و إنّما استفيد كونها مفردة لظهور تلك الأخبار في الوجوب الاستقلالي المستفاد من إطلاقها، و إذا قام الدليل على دخول عمرة

التمتع في الحج يرفع اليد عن ظهورها الإطلاقي بالإضافة إلى الآفاقي، حيث إنّ عمرة التمتع داخلة في إطلاق العمرة، فتجب إذا استطاع للحج، فتكون جزءً من الحج، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لأنّ اللَّه تعالى يقول فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فليس لأحد إلّا أن يتمتع، لأنّ اللَّه أنزل ذلك في كتابه و جرت به السنة من رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) «1»، و نحوها غير واحد من الروايات.

و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) قول اللَّه (عزّ و جلّ) من كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال: يعني: أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلًا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة، فهو ممّن دخل في هذه الآية و كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» «2»، فإنّ ظاهر هذه أنّ من كان أهله وراء الحد فعليه في عمرته و حجه التمتع، و المفروض أنّ الآية ناظرة إلى بيان الفريضة من العمرة و الحج، و لو كان الواجب على الآفاقي مع استطاعته للعمرة المفردة الإتيان بها إذا لم يكن مستطيعاً للحج لأشير إلى ذلك، و لو في بعض الروايات الواردة في الأجير الصرورة على الحج عن الغير بأنّ عليه بعد الفراغ عن الحج النيابي الإتيان بالعمرة المفردة لاستطاعته له، و لا ينافي ما ذكرنا ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) من قوله «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج لأنّ اللَّه

تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و إنّما نزلت العمرة بالمدينة» «3»، حيث إنّ نزول العمرة في المدينة لا ينافي وجوب عمرة التمتع على أهلها.

غاية الأمر ورد بيان ذلك فيما بعد على ما دلّت الروايات الواردة في أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) النّاس بالإحلال بعد فراغهم من السعي بين الصفا و المروة.

[ (مسألة 3) قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد]

(مسألة 3) قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد، و تجب أيضاً لدخول مكّة بمعنى حرمته بدونها، فإنّه لا يجوز دخولها إلّا محرماً إلّا بالنسبة إلى من يتكرّر دخوله و خروجه كالحَطّاب و الحَشّاش.

و ما عدا ما ذكر مندوب (1). (1) ما ذكر في هذه المسألة بيان لموارد وجوب العمرة بالعرض، كما إذا وجبت بالنذر و الحلف و العهد و بالشرط في ضمن العقد و بالإجارة، حيث إنّ وجوبها لوجوب الوفاء بالنذر و الحلف و العهد و الشرط هو وجوب الوفاء بالإجارة، و تجب أيضاً لدخول مكة بمعنى حرمة الدخول فيها بدون الإحرام، كما تشهد لذلك عدة روايات منها صحيحة عاصم بن حميد، قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): يدخل الحرم أحد إلّا محرماً؟ قال: لا، إلّا مريض أو مبطون» «1»، و صحيحة محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال: لا إلّا أن يكون مريضاً أو به بطن» «2»، و في صحيحة رفاعة بن موسى قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل به بطن أو وجع شديد يدخل مكة حلالًا؟ قال: لا يدخلها إلّا محرماً، قال: إنّ الحطابة و المجتلبة أتوا النّبي (صلّى اللَّه

عليه و آله و سلّم) فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالًا» «3»، و صدر هذه الصحيحة محمول على الاستحباب جمعاً بينهما و بين الصحيحتين السابقتين.

ثمّ إنّ المذكور في الصحيحتين و إن كان وجوب الإحرام لدخول الحرم، إلّا أنّ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 296

.......... المراد صورة إرادة دخول مكة بقرينة أنّ هذا الحكم لأجل حرمة مكة، و انّ الداخل فيها من خارج الحرم يجب أن يكون ناسكاً و ليس مجرّد الإحرام بنسك، و إنّما يكون كذلك فيما كان في ضمن العمرة أو الحج، و موضع بقية الأعمال في العمرة مكة، و لذا وقع السؤال في بعض الروايات عن الدخول فيها بلا إحرام كصحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال: لا، إلّا مريضاً أو من به بطن» «4»، و لا يبعد اتحادها مع الصحيحة المتقدمة، و انّ الاختلاف فيهما حدث في نقل بعض الرواة، و يستثنى من الحكم عدّة أشخاص:

الأول: المريض الذي يكون في مشقّة من الدخول بالإحرام بشهادة ورود استثنائه في الروايات، و ظاهرها من يكون مريضاً عند دخوله مكة بأن لم يزل العلة قبل دخوله فيها، و لو زال قبل ذلك يرجع إلى الميقات أو خارج الحرم و يحرم ثمّ يدخل.

الثاني: من يدخل مكة بإحرام حج الإفراد أو القرآن أو بإحرام عمرة التمتع، فإنّ من يدخل فيها كذلك يكون على الإحرام.

الثالث: من يقتضي عمله و مهنته تكرّر الدخول و الخروج منها كالحطاب، و من يجلب حاجيات البلد من خارجه، و قد ورد في ذيل صحيحة رفاعة بن موسى المتقدمة «انّ الحطابة و المجتلبة أتوا النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و

سلّم)، فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالًا» «5». الرابع: و لم يتعرّض له الماتن و هو الداخل فيها قبل انقضاء الشهر الذي اعتمر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 297

.......... فيه، سواء كان ما أتى به أولًا بقصد عمرة التمتّع أو العمرة المفردة، و يدلّ على ذلك بعض الروايات كموثّقة إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته، ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق، أو إلى بعض المعادن، قال: يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأنّ لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج، قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال: كان أبي مجاوراً ههنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج» «1»، حيث إنّ قوله (عليه السّلام) «يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه» بمفهومه يدلّ على عدم وجوب الإحرام فيما كان دخوله في الشهر الذي اعتمر فيه، كما أنّ مقتضى تعليله (عليه السّلام) «لأنّ لكل شهر عمرة» عدم الفرق في الحكم بين ما كان الأولى بقصد عمرة التمتع أو بقصد العمرة المفردة، و لعلّ قوله (عليه السّلام) في ذيلها «كان أبي مجاوراً.» إشارة إلى عدم مشروعية الإحرام بالعمرة مع عدم انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه، و لذا أحرم أبوه (عليه السّلام) بالحج المراد منه حج الإفراد، حيث إنّ ميقات حج التمتع مكة لا غير، و يأتي إن شاء اللَّه. أنّ العمرة الأولى التي كانت بقصد التمتع لا تبطل بالخروج بلا إحرام، و لكن تحسب عمرة مفردة،

و يدلّ أيضاً على الحكم ما ورد في صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ.، قال: قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام، ثمّ رجع إبّان الحج يريد الحج فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً، قلت: فأيّ الإحرامين

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 298

.......... و المتعتين، متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجّته» «1»، و بما أنّ ظاهرها كظاهر ما تقدّم عدم بطلان العمرة الأولى بالخروج بلا إحرام للحج، و إلّا لم يكن وجه لاعتبار خروج الشهر الذي اعتمر فيه في الإحرام ثانياً تحسب العمرة الأولى مفردة، فالأحوط لو لم يكن أظهر الإتيان بطواف نسائها، و مقتضى إطلاق الأولى عموم الحكم حتى فيما كان خروجه بلا إحرام للحج عمدياً و بلا عذر، و فرض الجهل في الثانية في سؤال الراوي لا يوجب رفع اليد عن الإطلاق، و لا يبعد أن يستفاد من الدخول بإحرام جديد عدم كون طواف النساء جزءاً، بل هو واجب مستقل كما في الحج، بقي في المقام ما ذكر الأصحاب و تعرض له الماتن من وجوب العمرة المفردة بافسادها، و المراد بالإفساد الجماع قبل الفراغ من سعيها، كما يشهد لذلك صحيحة مسمع عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في الرجل يعتمر عمرة مفردة، ثمّ يطوف بالبيت طواف الفريضة، ثمّ يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: أفسد عمرته و عليه

بدنة و عليه أن يقيم، مكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهله فيحرم منه و يعتمر» «2»، و صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه أن يقيم إلى الشهر الآخر؟ فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة» «3»، و نحوهما غيرهما و ظاهر الكل صحة العمرة مع وجوب اعادتها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 299

.......... و تكرارها، و ذلك فإنّ قوله (عليه السّلام): «و عليه الإقامة في مكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه» بضميمة الروايات الواردة في «أنّ لكل شهر عمرة مقتضاه أنّ الأمر بالبقاء و الإحرام في الشهر الآتي لئلّا تقع العمرة الثانية في الشهر الذي اعتمر فيه»، و ملاحظة اعتبار الفصل فرع صحة العمرة الأولى، و إلّا فلا تكون عمرتان لتقعا في شهرين، و عليه فيجب إتمام العمرة الأولى أخذاً بقوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، و يدلّ أيضاً على أنّ المراد بالفساد النقص لا البطلان تعليل الإمام (عليه السّلام) لزوم الكفارة بفساد عمرته، مع أنّ الكفارة تثبت حتى مع الجماع بعد السعي، و لكن اعتبار رجوعه بعد خروج الشهر إلى بعض المواقيت أو إلى ما وقته رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهله يشعر بفساد العمرة المفردة حقيقة، فإنّه لو كانت تلك العمرة صحيحة كان ميقات العمرة المفردة ثانياً خارج الحرم لا ميقات أهله، و لا أقل من عدم دلالة اعتبار إكمال الشهر على

صحة العمرة المفروض فيها الجماع قبل الفراغ من سعيها إلّا أن يتشبث في وجوب إتمامها بالإطلاق في مثل قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ للإجمال فيما دلّ على الفساد، من أنّه بمعنى الفساد، في الجماع في إحرام الحج قبل الوقوف أو بمعنى البطلان رأساً، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ في جريان الفساد كما ذكر في الجماع قبل إكمال السعي من عمرة التمتع أو اختصاصه بالعمرة المفردة خلاف، فإنّ جمعاً من الأصحاب عمّموه لعمرة التمتع أيضاً، و لكن الأظهر هو الاختصاص بالعمرة المفردة لعدم الإطلاق في مثل ما تقدّم من الأخبار، نعم ربّما يستظهر العموم من مصححة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن متمتع وقع على امرأته و لم يقصر، قال: ينحر جزوراً و قد خشيت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 300

.......... أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً، و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه» «2».

و في المدارك أنّه إشعار فيها إلى بطلان عمرة التمتّع، و وجه الاستظهار أو الإشعار هو أنّ الحكم بنحر الجزور بالجماع قبل التقصير في فرض العلم بحرمته، و التعبير بخشية الخلل و الفساد في حجّه كون الجماع المسئول عن حكمه موجباً للفساد في الجملة، و هو ما إذا وقع الجماع قبل الفراغ من طواف عمرته و سعيها، و فيه أنّ المحتمل جدّاً كون التعبير بالخشية في صورة علمه للخوف بأنّ المتمتّع المفروض ارتكب ذلك في إحرام حجّه قبل الوقوف بالمزدلفة، حيث إنّه لم يذكر في الرواية ما يكون شاهداً لكون السؤال ناظراً إلى الجماع في إحرام التمتّع، كيف و في مصححته الأُخرى المحتمل اتّحادها مع المتقدّمة، قال: «سألت أبا عبد

اللَّه (عليه السّلام) عن متمتّع وقع على أهله و لم يزر البيت قال: ينحر جزوراً و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً، و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال: عليه جزور سمينة و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه» «1»، و لو كانت هذه ناظرة إلى صورة وقوع الجماع في إحرام التمتّع قبل طوافها لكان مدلولها عدم فساد عمرة التمتّع بالجماع قبل طوافها حتى مع العلم بحرمته و لو كانت راجعة إلى السؤال في إحرام حجّ التمتّع فالأمر في المصححة المتقدّمة أيضاً كذلك.

و أمّا الاستدلال على بطلان عمرة التمتّع بالجماع في إحرام عمرة التمتّع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 301

.......... بالإطلاق، في مثل مصححة زرارة قال سألته «عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجبني في الوجهين جميعاً؟ قال: إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء و إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما الحج من قابل و عليهما بدنة، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكها و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» «2» الحديث فلا يمكن المساعدة عليه، فإن إطلاق الأمر بإعادة الحج في السنة الآتية قرينة على كونها ناظرة إلى الجماع في إحرام الحج، حيث إنّ فساد عمرة التمتّع لا يوجب الحج في السنة الآتية إلّا إذا لم يمكن تداركها قبل الإحرام للحج و كذا الأمر بالتفريق حتى يرجعا إلى المكان الذي أحدثا فيه. و استدل أيضاً على لحوق عمرة

التمتّع بالعمرة المفردة في بطلانها بالجماع قبل إكمال سعيها بإطلاق صحيحة ضريس قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت، فأحرمت و لم يكن هو أحرم فغشيها بعد ما أحرمت؟ قال: يأمرها فتغتسل ثمّ تحرم و لا شي ء عليه» «3» و وجه الاستدلال ظهور قوله (عليه السّلام) ثمّ تحرم في بطلان إحرامها الأوّل، و ترك الاستفصال في الجواب عن كون إحرامها للحج أو العمرة المفردة أو تمتّعاً، مقتضاه البطلان في جميع الصور. و فيه إنّ غاية مدلولها كون الإحرام لغواً بالجماع قبل الخروج عن الميقات، كما هو فرض السائل أنّه لم يحرم و هذا غير إعادة العمرة في الشهر الآتي، و لا يبعد أن يكون نفي الكفارة عن الرجل الآمر جاريته بالإحرام مطلقاً قرينة على وقوع الجماع قبل تلبية الجارية، حيث إنّه لا بأس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 302

و يستحب تكرارها كالحج، و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين فقيل: يعتبر شهر، و قيل عشرة أيام، و الأقوى عدم اعتبار فصل فيجوز إتيانها كل يوم، و تفصيل المطلب موكول إلى محله (1) بمحظورات الإحرام قبلها، فإنّ حقيقة الإحرام التلبية فتحصل عدم تمام الدليل على جريان الحكم المذكور في الجماع في عمرة التمتع، و الحكم المذكور يختص بما إذا وقع الجماع في المفردة مع العلم بحرمته، كما ورد التقييد في بعض الروايات المتقدمة، و يضاف إلى ذلك ما ورد في صحيحه زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «في المحرم يأتي أهله ناسياً، قال: لا شي ء عليه إنّما هو بمنزلة من أكل في نهار شهر رمضان و هو ناسٍ» «4»، و صحيحة معاوية بن عمار قال:

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه» «5»، و صحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أنه قال لرجل أعجمي أحرم في قميصه: أخرجه من رأسك، فإنّه ليس عليك بدنة، و ليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه» «1». (1) ففي صحيحة زرارة بن أعين قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) الذي يلي الحج في الفضل؟ قال: العمرة المفردة، ثمّ يذهب حيث شاء» «2».

إلى غير ذلك ممّا يأتي ما يدلّ على استحباب تكرارها و اختلفوا في الفصل بين العمرتين، فقيل بعدم الاعتبار فيجوز الإتيان بالعمرة في كل يوم، كما عن الجواهر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 303

.......... و اختاره الماتن (قدّس سرّه)، و قيل باعتبار الفصل بعشرة أيام، و قيل باعتبار الفصل بشهر المفسّر في كلام بعضهم بثلاثين يوماً، و في كلام البعض الآخر بانقضاء الشهر الهلالي الذي اعتمر فيه، و على التفسير الثاني قد لا يكون فصل بين العمرتين حتى بيوم كما إذا اعتمر آخر يوم من الشهر الهلالي و اليوم الأول بعد ذلك الشهر، و الأظهر بحسب الروايات هو اعتبار الفصل بشهر على التفسير الثاني كما هو ظاهر عدة روايات منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «في كتاب علي (عليه السّلام) في كل شهر عمرة» «1»، و نحوها موثقة يونس بن يعقوب «2»، و منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «كان علي (عليه السّلام) يقول: لكل شهر عمرة» «3»، و نحوها صحيحة يونس بن يعقوب «4»، و

منها مصححة إسحاق بن عمار قال: «قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): السنة أثنى عشر شهراً، يعتمر لكل شهر عمرة» «5»، و ظاهرها كون العمرة الثانية مشروعة إذا وقعت بعد انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه، و إن لم يفصل بينهما يوم فضلًا عن ثلاثين يوماً، و مثلها مصححته المتقدمة الواردة في متمتع يقضي عمرته ثمّ يخرج إلى المدينة أو غيرها حيث ذكر الإمام (عليه السّلام) فيها: «يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأنّ لكل شهر عمرة»، و مقتضاه أنّه يدخل بلا إحرام إذا دخل قبل خروج ذلك الشهر، و مقتضى التعليل بقوله (عليه السّلام) «لأنّ لكل شهر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 304

.......... عمرة» «1» عدم الفرق بين كون العمرة الثانية مفردة أو عمرة التمتع، فما عن بعض الأعاظم (قدّس سرّهم) من اختصاص اعتبار الفصل بشهر بما إذا كانت العمرتان مفردتين لا يمكن المساعدة عليه، نعم ظاهر الروايات اختصاص الفصل بين العمرتين من كل مكلف، و أمّا إذا ناب عن اثنين في العمرة المفردة جاز الإتيان بهما بلا فصل، و كذا إذا اعتمر عن نفسه و ناب في الثاني عن الآخر أو بالعكس.

و استدل على اعتبار الفصل بعشرة أيام بحمل أخبار الفصل بشهر على الأفضلية بخبر علي بن أبي حمزةقال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يدخل مكة في السنة المرة أو المرتين و الأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبّياً، و إذا خرج فليخرج محلّا. قال: و لكل شهر عمرة، فقلت: يكون أقل؟ قال: في كل عشرة أيام عمرة» «2»، و لكن الرواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة، و أمّا ما رواه الصدوق (قدّس

سرّه) عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يدخل مكة في السنة المرة و المرتين و الثلاث كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبّياً، و إذا خرج يخرج محلّا» «3»، فلم يرد فيه فصل عشرة أيام، و لا يدلّ على عدم اعتبار الفصل أصلًا، لأنّ المفروض في السؤال كون الرجل يدخل المرة و المرتين و الأربع في السنة و إحرامه كلما دخل لا ينافي اعتبار الفصل بين العمرتين بشهر، مضافاً إلى ضعف سندها حتى بناءً على كون المراد بعلي بن أبي حمزة، ابن أبي حمزة الثمالي، و ذلك فإنّه روي في الفقيه هذه الرواية عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة، و سنده إلى قاسم بن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 305

.......... محمد غير مذكور، بل لا يحتمل كون المراد ابن أبي حمزة الثمالي لعدم معهودية نقل روايات الأحكام عنه، و ممّا ذكر يظهر الحال فيما رواه في الفقيه في باب العمرة في كل شهر و في أقل ما يكون عن علي بن أبي حمزة، قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام)، قال: لكل شهر عمرة. قال: فقلت له أ يكون أقل من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة» «1»، و وجه الظهور الانصراف إلى البطائني على ما ذكرنا.

و أمّا ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «العمرة في كل سنة مرّة» «2»، و في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «لا تكون عمرتان في سنة» «3»، فتحمل على عمرة التمتع، حيث إنّ المشروع من عمرة

التمتع لدخولها في الحج في كل سنة مرّة، و قد ورد في مصححة حماد بن عيسى المتقدمة الواردة فيمن تمتع بالعمرة، قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام، ثمّ رجع إبان الحج في أشهر الحج، يريد الحج، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً، قلت: فأيّ الإحرامين و المتعتين متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته» «4»، و ظاهرها انقلاب العمرة الأولى إلى المفردة لا فسادها رأساً، و إلّا لم يكن وجه لاعتبار خروج الشهر الذي اعتمر فيه في الإحرام للثانية و لو كان المشروع في السنة أزيد من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 306

.......... عمرة تمتع واحد لم يكن للانقلاب و اختصاص الأخيرة بالتمتع وجه.

ثمّ هل الفصل يعتبر بين الإحرامين من العمرتين بأن يكون الإحرام بالأولى في شهر، و الإحرام بالثانية في شهر آخر، أو يعتبر بين آخر أعمال العمرة الأولى و بين الإحرام من الثانية، بأن يكون الفراغ من عمرة في شهر و الإحرام بالثانية في الشهر الآخر، فقد يقال بالثاني بدعوى أنّ العمرة عنوان لمجموع أفعال، و ما ورد في الفصل بين العمرتين بشهر يلاحظ بين مجموع الأفعال من العمرتين، و ما ورد في تقديم إحرام شهر رجب و كون العمرة رجبية مع وقوع إحرامها قبل انقضاء الشهر تعبّد في عمرة شهر رجب، و لا يجرى على كل عمرة مفردة، و لكن الأظهر هو اعتبار الفصل بين الإحرامين منهما، و ذلك فإنّ العمرة و إن كانت عنواناً لمجموع الأفعال إلّا أنّ الروايات الواردة في

أنّ لكل شهر عمرة المراد منها حدوثها، فلا ينافي الإتيان بباقي أفعالها في الشهر الآخر، كما يدلّ على ذلك ما في مصحّحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إنّي كنت أخرج ليلة أو ليلتين تبقيان من رجب، فتقول أمّ فروة أي أبه، إن عمرتنا شعبانية؟ فأقول لها أي بنيّة أنّها: فيما أهللت، و ليس فيما أحللت» «1»، فإنّ ظاهرها عود الضمير إلى العمرة لا عمرة رجب، كما يفصح عن ذلك قولها لأبيها (عليه السّلام) «ان عمرتنا شعبانية»، و صحيحة معاوية بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا أن يخاف فوت الشهر في العمرة» «2»، حيث إنّها ظاهرة في كون اللازم في عمرة الشهر عقد إحرامها فيه، و لكن قد ورد فيمن أفسد عمرته المفردة بالجماع قبل أن يفرغ من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 307

طوافه و سعيه، أنّ عليه أن يقيم بمكة إلى الشهر الآتي، ثمّ يخرج إلى بعض المواقيت فيحرم منه، كما في صحيحة معاوية العجلي و في صحيحة مسمع «قد أفسد عمرته و عليه بدنة و عليه أن يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقته رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهله، فيحرم منه و يعتمر» و هذا على رواية الفقيه، و أمّا على رواية الكليني و الشيخ (قدّس سرّهما) «يقيم بمكة محلًّا» و مقتضى إطلاقهما «انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه بلا فرق بين كون الإحرام لها في ذلك الشهر أو قبله»، ففي النتيجة ظاهر

الصحيحتين و نحوهما، أنّ الميزان في مشروعية العمرة في شهر وقوع أفعالها فيه لا مجرد الإحرام فيه، و فيه أولًا: أنّ ما تقدم يكون بياناً لإتيان العمرة و مشروعيتها لكل شهر، و أنّه يكفي فيه مجرد وقوع الإحرام لها فيه، و ثانياً: أنّه مع الإغماض عن ذلك يلتزم في صورة وقوع الجماع قبل الفراغ من سعيها و طوافها الانتظار بعد إتمامها حلول الشهر الآتي، و الوجه في وجوب إكمالها تقييد البقاء في صحيحة مسمع على رواية الكليني و الشيخ بالبقاء محلًّا، و مقتضى التقييد لزوم إكمالها، و إلّا كان التقييد لغواً، فإنّه مع الفساد بمعنى البطلان يكون المكلف محلًّا لا محالة، و وقوع سهل بن زياد في سند رواية مسمع لا يضرّ لأنّ الشيخ يروي عن الحسن بن محبوب و له إلى كتب الحسن بن محبوب، و رواياته سند صحيح على ما ذكره في الفهرست.

و قد يقال: إنّ المستفاد من صحيحة إسحاق بن عمار الواردة «فيمن خرج من مكة بعد عمرة التمتع» أنّ اللازم في الدخول بلا إحرام لمكة ثانياً أن يكون دخوله في الشهر الذي أتى بأعمال العمرة فيه لا خصوص إحرامه، قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) «عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته، ثمّ تبدوا له الحاجة، فيخرج إلى المدينة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 308

يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأنّ لكل شهر عمرة» «1» و وجه الاستفادة ظهور تمتع فيه «في الإتيان بأعمالها بتمامها لا خصوص الإحرام لها»، و فيه أنّ المراد انقضاء الشهر الذي أحرم لها فيه لما تقدّم، فالمراد من الشهر الذي تمتع فيه أي أحرم فيه للعمرة قبل ذلك، كما هو

المراد من صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أيضاً حيث ورد فيها: «قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام، ثمّ رجع في إبّان الحج، في أشهر الحج، يريد الحج، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً» «2»، بل يمكن أن يقال مثل هذه الصحيحة ناظرة إلى الشهر الذي أحرم فيه لأنّ الإحرام جزء من العمرة، و إذا دخل مكة بعد انقضاء الشهر الذي أحرم لها فيه، و أتي ببقية الأعمال، ثمّ خرج و أحرم للعمرة الأخرى في ذلك الشهر فقد دخل في العمرة في كل من الشهرين فيعمهما قولهم (عليهم السّلام): «لكل شهر عمرة».

و ينبغي تتميم مباحث العمرة المفردة المعبّر عنها بالعمرة المبتولة في لسان بعض الروايات بذكر مسائل الأولى تجب في العمرة المفردة أمور:

الأول: الإحرام، الثاني: الطواف حول البيت، الثالث: صلاة الطواف، الرابع: السعي بين الصفا و المروة، الخامس: الحلق أو التقصير، السادس: طواف النساء، السابع: صلاته، و وجوب طواف النساء فيها مشهور بين أصحابنا، بل لم يعرف الخلاف فيه، إلّا ما حكاه في الدروس عن الجعفي و مال إليه بعض المتأخرين لبعض روايات استظهر منها عدم وجوبه كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام):

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 309

.......... «قال إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع، و طاف بالكعبة و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم و سعى بين الصفا و المروة، فليلحق بأهله إن شاء» «1»، و فيه أنّ دلالتها على عدم لزوم طواف النساء بالإطلاق و السكوت في مقام البيان فيرفع اليد عن الإطلاق

بتقييده بما دلّ على وجوبه، كصحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يجي ء معتمراً عمرة مبتولة، قال: «يجزيه إذا طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت و من شاء أن يقصّر قصّر» «2»، و يستظهر عدم وجوبها من صحيحة صفوان بن يحيى قال: «سأله أبو حرث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى» «3»، و هذه أيضاً مع الإغماض عن إضمارها لا تدلّ على عدم وجوب طواف النساء في العمرة المفردة لكون الحصر فيها إضافياً، و بلحاظ نفي وجوبه في عمرة التمتع المفروض في السؤال، و بتعبير آخر ما ورد فيها إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى ناظر إلى الحاج بحج التمتع لا إلى كل ناسك، و يدلّ على اعتباره مضافاً إلى ظاهر صحيحة عبد اللَّه بن سنان، صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد أنّه قال لإبراهيم بن عبد الحميد يسأله أبا الحسن موسى (عليه السّلام) «عن العمرة المفردة على صاحبها طواف النساء؟ فجاء الجواب أن نعم هو واجب لا بدّ منه، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها فقال: نعم هو واجب، فدخل بشر بن إسماعيل بن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 310

.......... عمار الصيرفي فسأله عنها، فقال: نعم هو واجب» «1»، و نحوها في الدلالة على اعتباره فيها ما رواه محمد بن عيسى في المعتبرة، قال: «كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل (عليهما السّلام) يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء و العمرة التي

يمتع بها إلى الحج؟ فكتب: أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و أمّا التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء» «2»، و يؤيّدها مثل خبر إسماعيل بن رباح، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال: نعم» «3»، و التعبير بالتأييد لضعف السند، و أمّا مثل خبر أبي خالد مولى علي بن يقطين، قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء» «4» فلا يصلح لرفع اليد عن الروايات المتقدمة و حملها على الاستحباب لضعف سنده.

ثمّ ظاهر الأصحاب كظاهر صحيحة عبد اللَّه بن سنان كون موضع هذا الطواف بعد الحلق و التقصير، كما أنّ ظاهرهم بل المصرّح به في كلام جماعة عدم الفرق في لزوم طواف النساء بين الرجل و المرأة، و بين الكبير و الصغير.

كما هو مقتضي إطلاق قوله (عليه السّلام) كما في صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد «العمرة المفردة على صاحبها طواف النساء» و لزومه على الصبي بمعنى أنّه يمنع عن النساء ما دام لم يطف، كما يمنع عن سائر المحرمات على المحرم ما دام لم يحلق أو لم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 311

يقصر، كما يستفاد ذلك من صحيحة زرارة الواردة في حجّ الصبيان حيث ورد فيها: «و يتقي عليهم ما يتقي على المحرم من الثياب و الطيب و إن قتل صيداً فعلى أبيه» «1». و ذكر في الجواهر أنّه إذا لم يأت بطواف النساء تحرم عليه النساء بعد بلوغه، و مراده أنّ الإحرام بالعمرة المفردة أو الحج يوجب حرمة النساء إذا لم يطف غاية الأمر تكون الحرمة مرفوعة عن الصبي ما

دام صبياً، و تثبت بعد بلوغه. نظير ما إذا وطأ الصبي زوجته قبل بلوغه، فإنّه لا يحرم عليه المكث في المساجد ما لم يبلغ لكن يحرم عليه بعد بلوغه.

و على الجملة انعقاد الإحرام عن الصبي كجنابته موضوع لحكم تكليفي، ما دام لم يطف، كما أنّ جنابته موضوع له ما دام لم يغتسل، و يؤيد ذلك صحيحة حسين بن علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف كلّهم» «2». الثانية: تفترق العمرة المفردة عن عمرة التمتع بوجوب طواف النساء فيها دون عمرة التمتع، و يأتي بيان عدم وجوبه فيها في بحث عمرة التمتع، و ظاهر الأصحاب أنّ اعتبار طواف النساء في العمرة المفردة كاعتباره في الحج لحلية النساء فقط، و كما أنّ طواف النساء خارج عن أفعال الحج، و يستفاد خروجه منها بما ورد في بعض من الروايات المعتبرة أنّ على الحاج بعد طواف الحج و السعي طواف النساء بعد الحج، حيث إنّ تقييد طواف النساء بما بعد الحج ظاهره خروجه من أفعالها، و لذا لو ترك المكلف طواف النساء و ما يقوم مقامه من طواف الوداع لم يكن عليه شي ء غير

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 312

.......... حرمة المجامعة مع زوجته، و كذا لا يبعد خروجه من أفعال العمرة المفردة أيضاً، حيث إنّ مقتضى الارتكاز انّ اعتباره في العمرة المفردة كاعتباره في الحج، و يترتب على ذلك أنّه لو ترك طواف النساء نسياناً أو جهلًا أو عمداً، ثمّ عاد بعد انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه لتداركه، فعليه الإحرام لدخول مكة ثانية، بخلاف ما إذا ترك بعض أفعالها، فإنّه لا

يحتاج إلى الإحرام ثانية، و اللَّه العالم.

و تفترق أيضاً عن عمرة التمتع بأنّه يتعين الخروج عن إحرام عمرة التمتع بالتقصير و لا يجزى الحلق، بخلاف الإحلال من إحرام العمرة المفردة فإنّه يتخير بين الحلق و التقصير و إن كان الحلق أفضل، كما يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة و صلاة الركعتين خلف المقام و السعي بين الصفا و المروة حلق أو قصّر، و سألته عن العمرة المبتولة فيها الحلق، قال: نعم، و قال: إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال في العمرة المبتولة: اللّهمّ اغفر للمحلّقين، قيل يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و للمقصرين، قال: اللهمّ اغفر للمحلّقين، قيل يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و للمقصرين، فقال: و للمقصرين» «1»، و ظاهر ذيلها أفضلية الحلق، و هذا بالإضافة إلى الرجال، و أمّا النساء فليس عليهنّ إلّا التقصير، و تفترقان أيضاً بأنّه ليس للعمرة المفردة وقت خاص، بل يؤتي بها في كل وقت، كما تقدم من الروايات الدالّة على أنّ لكل شهر عمرة بخلاف عمرة التمتع، فإنّه لا بدّ من أن تقع في أشهر الحج و يؤتي بها موصولة إلى الحج لدخولها في الحج على ما تقدم، و لا يعتبر في العمرة المفردة الإتيان بالحج في سنتها و يأتي التفصيل في مباحث عمرة التمتع إن شاء اللَّه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 313

.......... الثالثة: من ترك طواف النساء في عمرته المفردة نسياناً حتى خرج من مكة، فعليه الرجوع إليها لتداركها، و إن لم يتمكّن من

الرجوع فعليه الاستنابة للطواف عنه، و مقتضى الإطلاق في بعض الروايات جواز الاستنابة حتى مع تمكّنه من الرجوع، كصحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله؟ قال: يرسل فيطاف عنه، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليّه» «1»، و صحيحته المروية في الفقيه قال: «قلت له: رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحجّ، فإنّه لا يحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت» «2»، و رواها الكليني (قدّس سرّه) بسنده إليه، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت» «3»، و قال فقال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحج و إن توفى قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره» «4»، و في مقابل ذلك صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار مقتضى إطلاقها عدم جواز الاستنابة، بل عليه أن يرجع و يأتي بطواف النساء بالمباشرة، قال: «سألته يعني أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله؟ قال: لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره؟ فامّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضى عنه. و إن نسي الجمار فليسا بسواء انّ الرمي سنة، و الطواف فريضة» «5»، و لكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق قوله «فامّا ما دام حيّاً فلا يقضي عنه»

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 314

.......... بما دلّ على جواز الإتيان بطواف النساء عنه إذا لم يقدر على الإتيان بالمباشرة،

و لو بعدم تمكّنه من الرجوع، كما في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال: «لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فإن لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه» «4»، و بعد رفع اليد عن إطلاق فامّا ما دام حيّاً فلا يقضي عنه بالإضافة إلى العاجز عن المباشرة يبقى تحته من يتمكّن من الرجوع و الإتيان بالمباشرة، فيكون هذا المدلول أخص ممّا دلّ على جواز الاستنابة مطلقاً، فيرفع بهذا عن إطلاق ما دلّ على جواز الاستنابة.

و على الجملة فالمقام من صغريات انقلاب النسبة بين الطائفة الأولى المجوزة للاستنابة مطلقاً و بين الطائفة الثانية النافية لجوازها مطلقا.

لا يقال: لا معارضة بين الطائفة الأولى و الثانية، بل بينهما في نفسهما جمع عرفي، فإنّ الأولى: دالّة على جواز الاستنابة لناسي طواف النساء بعد رجوعه إلى أهله، و الثانية: دالّة على عدم جواز القضاء عنه، و مقتضى إطلاق الثانية عدم الفرق بين كون القضاء باستنابة الناسي، أو نيابة الغير عنه تبرعاً بلا استنابة، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بالطائفة الأولى، فتكون النتيجة عدم كفاية مجرد القضاء عنه حال حياته بلا استنابته، و لكن يجزي مع الاستنابة و فرض عدم التمكن من المباشرة في الصحيحة الأخيرة مفروض في كلام السائل فلا يوجب تقييداً في الطائفة الأولى، و لعلّه لذلك افتى المشهور بجوازها مطلقاً، فإنّه يقال حمل قوله (عليه السّلام) «فامّا ما دام حيّاً فلا يصلح أن يقضي عنه على غير صورة الاستنابة» من حمل المطلق على الفرد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 315

.......... النادر، حيث يعلم ترك طواف النساء إلّا من قبل طلب الناسي و سؤاله

أن يقضي عنه.

هذا بالإضافة إلى ترك طواف النساء نسياناً، و أمّا إذا تركه جهلًا فعليه أيضاً الرجوع و الإتيان به مباشرة مع تمكّنه، و أمّا مع عدم تمكّنه من المباشرة و لو لعدم تمكّنه من الرجوع يجوز له الاستنابة كالناسي، و ما ورد في تدارك طواف النساء على النحو المتقدّم مورده و إن كان نسيانه، إلّا أنّه يتعدى إلى صورة الترك جهلًا، و إن كان تقصيرياً لعدم احتمال محروميّة الرجل عن زوجته إلى آخر عمره مع عدم تمكّنه من الرجوع و الإتيان بطواف النساء مباشرة، كما أنّه لا يحتمل أن يكون الناسي أصعب أمراً من الجاهل، و لو كان جهله تقصيرياً بأن يحلّ له النساء من غير حاجة إلى تدارك الطواف، ثمّ إنّ ما ورد في قضاء الولي طواف النساء عنه بعد موته يحمل على الاستحباب، و ليس قضائه مثل قضاء حجة الإسلام بأن يخرج من تركته، و الوجه في ذلك ضم غير الولي إلى الولي في بعض روايات القضاء، فإنّه لا يحتمل أن يجب القضاء عنه على الغير بأن يكون وجوب القضاء كوجوب تجهيز الميت واجباً كفائياً، و دعوى أنّ الروايات الواردة في القضاء عنه و الاختلاف فيها بضم الغير إلى الولي ينتهي إلى معاوية بن عمار، و من المحتمل اتحاد تلك الروايات و هذا لا يمكن المساعدة عليه، فإنّه مع احتمال الاتحاد و احتمال الضمّ في كلام الإمام (عليه السّلام) يوجب إجمالها و عدم تمامية الظهور في وجوب القضاء.

الرابعة: من ترك طواف العمرة المفردة نسياناً و خرج من مكة، فعليه الرجوع إليها لتداركها، و الأحوط إعادة السعي أيضاً، بل التقصير أو الحلق و طواف النساء، و إذا لم يتمكّن أو لم يتيسّر له

الرجوع و التدارك و لو لرجوعه إلى بلاده، يستنيب و يقضي النائب الطواف خاصة، و لو كان واقع النساء فعليه بعث هدى يذبحه بمكة،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 316

.......... و يشهد له صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم إلى بلاده و واقع النساء كيف يصنع، قال: يبعث بهدي إن كان تركه في حج بعث به في حج، و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، و وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه» «1»، و مدلولها جواز الاستنابة للناسي بعد رجوعه إلى أهله الظاهر في عدم تيسّر الرجوع و الإتيان بالمباشرة، و دعوى أنّ المراد بطواف الفريضة طواف النساء، و مقتضى القاعدة هو تدارك طواف العمرة و الإتيان بما بعده من الأعمال كما في فرض عدم خروجه عن مكة أو تيسّر رجوعه إليها لا يمكن المساعدة عليها، فإنّ طواف الفريضة و إن أطلق على طواف النساء في بعض الموارد كما في إحدى الصحاح المتقدّمة لمعاوية بن عمار في المسألة الثالثة، إلّا أنّ ظاهره هو الطواف الذي هو جزء العمرة أو الحج، كما أنّ ما ورد في الصحيحة «من بعث الهدي إذا واقع النساء» لا يجري في صورة عدم المواقعة لاحتمال دخالة الجماع في وجوبه، نعم الظاهر أنّ المراد من البعث و لو بأن يشتري النائب الهدي من مكة أو من منى لا خصوص أن يجلب الحيوان إلى مكة أو منى من مكان آخر، و ما ذكرنا من أنّ الأحوط إعادة السعي بل التقصير أو الحلق و طواف النساء لما يأتي من أنّه على القاعدة، و الصحيحة ظاهرها صورة

عدم التدارك بالمباشرة لعدم تمكّنه و لا أقل من عدم تيسّر رجوعه إلى مكة، و إنّ مع الاستنابة يقتصر النائب على الإتيان بالطواف من غير تدارك للأعمال المترتبة عليه.

هذا بالإضافة إلى العمرة الواجبة بالأصل التي يكون طوافها فريضة،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 317

و أمّا المندوبة بالأصل الواجب إتمامها بالدخول فيها أو بغير ذلك فمقتضى القاعدة بطلانها إذا لم يتدارك طوافها بالمباشرة أو بالاستنابة، و لكن يجب تداركه بأحد الأمرين أخذاً بظاهر قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ، و يأتي أنّ العمرة المفردة يعني إحرامها لا تبطل بمجرد الخروج عن مكة، بل على المكلف إتمامها ما دام للعمر مجال، و هذا مقتضى كون العمرة المفردة عملًا ارتباطياً لم تحدّد بوقت، و لكن ورد في السعي يعني نسيانه ما يشمل بإطلاقه نسيان السعي في العمرة المفردة المندوبة بالأصل، و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة، قال: يطاف عنه» «1» و بما أنّ احتمال الفرق بين نسيان السعي و نسيان الطواف موهوم، فاللازم تدارك طواف العمرة المفردة أيضاً حتى لو كانت مندوبة بالأصل، بل يمكن أن يقال: طواف الفريضة في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة تشمل العمرة المندوبة أيضاً، حيث يستفاد منها أنّ التدارك للطواف الفائت المنسي الذي هو جزء للحج أو العمرة يكون بالمباشرة أو الاستنابة، و إطلاق طواف الفريضة باعتبار المقابلة مع طواف النساء و طواف الزيارة المستحب في نفسه، و أمّا صحيحة هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عمّن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: لا يضرّه إذا كان قد

قضى مناسكه» «2» ظاهره نسيان الزيارة الوداعية في الحج بقرينة تقييده (عليه السّلام) نفي البأس بصورة الإتيان بالمناسك و لما تقدّم من لزوم تدارك طواف النساء إذا نسيه، و اللَّه العالم.

بقي في المقام أمر و هو أنّه إذا رجع ناسي طواف العمرة إلى مكة لتداركه في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 318

.......... غير الشهر الذي أحرم فيه للعمرة، فهل يجب عليه تجديد الإحرام و لو لعمرة أخرى أو أنّه يدخل مكة بلا إحرام، لا يبعد أن يقال: بعدم الحاجة إلى إحرام آخر، حيث إنّ المكلف لم يزل على إحرامه، حيث لم يتم من عمرته التي أحرم لها من قبل غير الإحرام، و لا دليل على صحة سعيه و تقصيره و طواف نسائه، و دعوى صحتها فإنّها مقتضى حديث رفع النسيان لا يمكن المساعدة عليها، لأنّ مقتضى رفعه عدم كونه مكلّفاً بإتمام العمرة مع استمرار نسيانه، لا أنّه مكلّف بالعمرة الخالية عن طوافها، يقاس المقام بما إذا نسي طواف عمرة التمتع أو حج التمتع، و تذكر بعد انقضاء وقت عمرة التمتع أو حج التمتع، فإنّ عمرته أو حجّه محكوم بالصحّة، و الإتيان بالطواف قضاء، و مقتضى ما دلّ على عدم جواز دخول مكة بغير إحرام وجوب الإحرام عليه، و لكن مع ذلك الأحوط الإحرام للعمرة رجاءً، و الإتيان بأعمالها بعد تدارك الطواف المنسي.

فيمن ترك طواف العمرة المفردة و سعيها جهلًا أو نسياناً الخامسة: من ترك طواف العمرة المفردة جهلًا يجب عليه التدارك و تدارك الأفعال المترتبة عليها التي أتى بها قبل أن يطوف، و ذلك فإنّه لم يثبت للعمرة المفردة اشتراط وقوع تمام إعمالها في شهر، و ما ورد من أنّ في كل

شهر عمرة أو لكل شهر عمرة، المراد مشروعية الإتيان بالعمرة المفردة في كل شهر، و أمّا اشتراطها بوقوعها و إتمامها في شهر بحيث تكون من الواجبات الموقتة، فلا يستفاد منه، بل مقتضى إطلاق قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ مع ملاحظة ما ورد في اشتراط الترتب في سعي العمرة و تقصيره، أو حلقها و طواف نسائها بقاء الإحرام الأول حتى يأتي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 319

.......... بالطواف، و يعيد الأفعال المترتبة عليه، و ما ورد في وجوب الإحرام لدخول مكة ناظر إلى غير المحرم، و لا يشمل المفروض في المقام. و عليه فلو أحرم في رجوعه بغير العمرة المفردة يحكم ببطلان ذلك الإحرام، نعم لو أحرم بالعمرة بالمفردة رجاءً و أتى بأفعالها بقصد الأعم من التدارك كان أولى و أحوط، و لا فرق فيما ذكرنا بين العمرة المفردة غير المقرونة و المقرونة بحج القران أو الإفراد، و ما في الجواهر ناقلًا عن المسالك من أنّ فوات العمرة المفردة فيما إذا كانت مقرونة بأحدهما بانقضاء سنة الحج لا يمكن المساعدة عليه، و ذلك فإنّ حج الإفراد أو القرآن غير مشروط بالعمرة المفردة أصلًا، بل العمرة عمل مستقل، و عليه فإن كان الإحرام لها بعد الفراغ من الحج فالمكلف باق على إحرامه للعمرة إلى أن يتمّها، و إن كان الإحرام لها قبل الحج، فالإحرام بالحج محكوم بالبطلان لأنّه حينما أحرم له، كان محرماً للعمرة، و ممّا ذكرنا يظهر الحال في ترك السعي جهلًا في العمرة المفردة، حيث يجب عليه العود لتداركه و إعادة ما هو مترتب عليه من باقي أفعالها، و كذا إذا أحرم بعمرة التمتع قبل إتمام العمرة المفردة يحكم

ببطلان الإحرام لها، و إذا ترك السعي نسياناً فالأمر فيه كما في نسيان الطواف، إلّا أنّه إذا واقع النساء حال نسيان سعيه لا يجب عليه بعث الهدي، و إن كان أحوط، و اللَّه العالم.

السادسة: تجب صلاة الفريضة عقيب الطواف بنحو المبادرة العرفية بأن لا يفصل بين الطواف و بينها زمان يعتدّ به، و يعتبر أن تكون قبل البدء بالسعي، كما يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصّل ركعتين و اجعله اماماً. و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي ساعة (ساعات) شئت، عند طلوع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 320

.......... الشمس و عند غروبها، و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما» «1»، و المراد من أي الساعات بيان الردّ على النّاس حيث يزعمون أنّ الصلاة لا تجوز أو تكره في ساعات من بعد صلاة الفجر أو طلوع الشمس أو بعد العصر و أنّه لا بأس بصلاة الطواف، منع في الإتيان بها في أيّ ساعة فرغ من الطواف، و صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس، قال: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلّيهما قبل المغرب».

إلى غير ذلك، و ظاهر الجمع استحباب المبادرة و كذلك عنون في الوسائل في باب الطواف باستحباب المبادرة إليهما بعد الطواف، و لكن لم تثبت قرينة موجبة لرفع اليد عن ظهورها في لزوم المبادرة، و ما ورد في ناسي الصلاة و أنّه يرجع و يصلّيهما أو يصلّيها حيث ما ذكر إذا لم يتمكن من

الرجوع أو شق عليه ذلك، الظاهر في وقوعها مع التأخير لا يقتضي عدم اعتبار المبادرة مع العلم و العمد.

و على الجملة ظاهر ما تقدم لزوم المبادرة، و حيث إنّ العمرة المفردة كالحج واجب ارتباطي تكون المبادرة شرطاً في وقوعها صحيحة، بل في وقوع الطواف أيضاً صحيحاً، و الظاهر أنّ وقوع الصلاة قبل السعي أيضاً شرط في صحة السعي، فلو أخّر صلاته بعد السعي بطل السعي إذا كان عمداً، و إن لم يمض من فراغه عن طوافه زمان يعتدّ به، و يدلّ على هذا الاعتبار مضافاً إلى ما ورد في الأخبار البيانية من فعل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و أنّه بدء بالسعي بين الصفا و المروة بعد فراغه من ركعتي الطواف كما في صحيحة عبد اللَّه بن سنان و نحوها ما ورد «فيمن بدء بالسعي و تذكر في أثنائه انّه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 321

.......... لم يصل صلاة الطواف، و أنّه يقطع السعي و يرجع و يصلّي صلاة الطواف ثمّ يبني على موضع قطع سعيه» فإنّه لو لم يكن صلاة الطواف شرطاً في صحة سعيه عند التذكر لم يكن ملزم لقطع سعيه حتى يصلّي الركعتين قبله، كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال «في رجل طاف طواف الفريضة و نسى الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثمّ ذكر قال: يعلم ذلك المكان ثمّ يعود فيصلّي الركعتين، ثمّ يعود إلى مكانه» «1»، و نحوها صحيحة محمد بن مسلم.

و على الجملة إنّ مقتضى كون العمرة ارتباطياً و ظاهر الأمر الإرشادي إلى السعي بعد ركعتي الطواف أو الأمر بالركعتين بعد الفراغ من الطواف

و قبل البدء بالسعي هو اشتراط المتقدم بالمتأخر و اشتراط المتأخر بالمتقدم، فكل مورد قام الدليل فيه على صحة العمل نسياناً أو حتى جهلًا و لو مع التقصير، فيرفع اليد عن القاعدة المشار إليها و إلّا يؤخذ بمقتضاها.

ثمّ إنّ ما ذكر من لزوم المبادرة إلى صلاة الطواف في العمرة المفردة و اشتراط السعي بوقوعه بعدها، يجري في سائر طواف الفريضة من طواف عمرة التمتع و الحج للعموم الإطلاقي فيما تقدم من الروايات، بل تجب المبادرة في صلاة طواف النساء المعتبر وقوع الحلق و التقصير بعدها في العمرة المفردة و بعد الحج فيه.

السابعة: إذا ترك صلاة الطواف في العمرة المفردة بعد طوافها أو في غيرها نسياناً حتى خرج من مكة، فعليه أن يرجع إليها مع التمكّن و عدم المشقّة، و يأتي بها خلف المقام، و لا عليه إعادة الأعمال المترتبة على صلاته، و لم يعرف الخلاف في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 322

.......... ذلك إلّا ما يحكي عن الصدوق (قدّس سرّه) حيث مال إلى جواز الإتيان بركعتي الطواف حيثما ذكر، و لو مع عدم المشقة في الرجوع و لو كان ذكره في أهله، و يستدلّ على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السّلام) فلم يذكر حتى ارتحل من مكة، قال: فليصلّيهما حيث ذكر، و إن ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما» «1»، و ما رواه محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكنائي قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام) في طواف لحج و العمرة، فقال: إن

كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام)، فإنّ اللَّه (عزّ و جلّ) يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع» «2»، و لكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى من ارتحل عن مكة و يتيسّر له الرجوع و الإتيان بالصلاة خلف المقام، بشهادة صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللَّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى حتى ارتحل، قال: إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه، و لا آمره أن يرجع و لكن يصلّي حيث يذكر» «3»، فإنّ ظاهرها أنّ وجوب الرجوع مع كونه إيقاعاً للمشقة منتف يصلّي حيثما يذكر، و أوضح منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة، قال: «إن كان مضى قليلًا فليرجع فليصلّهما، أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه» «4»، فإنّ ظاهر صدرها تعين الرجوع مع المشي القليل، حيث إنّه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 323

.......... لا يوجب نوعاً بملاحظة تلك الأزمنة من المشقة في الرجوع.

و بتعبير آخر من لم يخرج عن مكة فعليه العود إلى المقام و الإتيان بالصلاة المنسية، و من ارتحل منها فمع عدم المشقة من الرجوع، يرجع، و معها يصلّي حيث ما ذكر، أو يرسل من يصلّي عنه، قوله (عليه السّلام) في صحيحة عمر بن يزيد (أو يأمر بعض الناس.) معطوف على القضية الشرطية لا إلى خصوص الجزاء فيها، إذا من البعيد جدّاً أن يقتصر (عليه السّلام) في الجواب بذكر الحكم في

المرتحل الناسي إذا كان قريباً إلى مكة، فالاستنابة حكم لما يستفاد من مفهوم الشرط و هو المرتحل الناسي إذا لم يكن قريباً بأن يكون الرجوع شاقّاً عليه كما هو الغالب فيمن ارتحل و بعد من مكة، و يرفع اليد عن إطلاق الحكم بما ورد في صحيحة أبي بصير «من جواز الصلاة حينما ذكر» فيكون الحكم فيه تخييرياً بين الاستنابة و الصلاة في مكان الذكر.

هذا كلّه في نسيان صلاة الطواف في العمرة المفردة، و الأمر في نسيانها في غيرها يعني في طواف الحج أيضاً، كذلك مع الارتحال من مكة، و أمّا مع نسيانه في طواف الحج و الخروج إلى منى للأعمال، فإن ذكرها في الطريق فلا يبعد الحكم بلزوم الرجوع إلى مكة و الإتيان بها خلف المقام، كما يشهد لذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: «سُئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثمّ طاف طواف النساء و لم يصلّ لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح، قال: يرجع إلى المقام فيصلّي الركعتين» «1»، المراد ركعتي الطواف من كل من الطوافين، كما في موثقة عبيد بن زرارة قال: «سألت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 324

.......... أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى ذكر و هو بالأبطح، يصلّي أربعاً؟ قال: يرجع فيصلّي عند المقام أربعاً» «1»، و فيما رواه الكليني عنه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثمّ طاف طواف النساء فلم تصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلّي أربع

ركعات، قال: يرجع و يصلّي عند المقام أربعاً» «2»، و أمّا إذا تذكر و هو بمنى ففي طائفة من الروايات جواز الإتيان بها بمنى، منها موثقة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أنّه سأله عن رجل نسي أن يصلّى الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم حتى أتى منى، قال: يصلّيهما بمنى» «3»، و رواية عمر بن البراء عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «فيمن نسي ركعتي طواف الفريضة حتى أتى منى، أنّه رخّص له أن يصلّيهما بمنى» «4»، و نحوهما رواية هشام بن المثنى أو صحيحة هاشم بن المثنى قال: «نسيت أن أصلّي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى مكة فصلّيتهما ثمّ عدت إلى منى، فذكرنا لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: أ فلا صلاهما حيث ما ذكر» «5»، و في مقابلها صحيحة أحمد بن عمر الحلال قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى أتى منى، قال: يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّيهما» «6»، و لا يبعد حمل الأمر بالرجوع على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 325

.......... الاستحباب و الالتزام بجواز الصلاة في منى، و إن كان الأحوط مع عدم المشقة في الرجوع اختياره، و لو لم يتذكر حتى مات يقضي عنه وليّه كسائر الصلاة الفائتة.

ثمّ إنّ المتعين في صلاة طواف الفريضة الإتيان بها خلف المقام، حيث ورد في صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم (عليه السّلام) فصل ركعتين و اجعله إماماً» «1» الحديث، فإنّ ظاهر قوله (عليه السّلام) «فاجعله إماماً» تعيّنه بلا فرق

بين أن يقرء اماما بالكسر أو بالفتح و لم يثبت قرينة على حمله على الاستحباب، كما ثبتت بالإضافة إلى السورة التي تقرء في الركعتين، و في مرسلة صفوان بن يحيى عمّن حدثه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام لقوله (عزّ و جلّ) وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فإن صلّيتها في غيره فعليك إعادة الصلاة» «2» نعم لا بأس عند الزحام الصلاة في غيره من المسجد، و في صحيحة الحسين بن عثمان قال: «رأيت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) يصلّي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد» «3»، و حيث إنّ مدلولها حكاية فعل يحتمل كونه للزحام فيقتصر عليه، و في خبره قال: «رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريباً من الظلال لكثرة الناس» «4».

الثامنة: قد تقدم اعتبار الحلق أو التقصير في العمرة المفردة بعد طوافه و سعيه، و يدلّ عليه عدّة من الروايات كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال:

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 326

.......... «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة و صلاة الركعتين خلف المقام و السعي بين الصفا و المروة حلق أو قصّر» «1» و بمثلها يرفع اليد عن إطلاق بعض الروايات كالإطلاق في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالبيت و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم و سعى بين الصفا و المروة فليلحق بأهله إن شاء» «2» كما رفع اليد عن إطلاقها بالروايات الدالّة على اعتبار طواف النساء، و ظاهر الصحيحة الأولى كون

الحلق أو التقصير مترتباً على إتمام السعي بين الصفا و المروة، كما هو مقتضى ترتبهما في الجزاء على تحقق ما ذكر في الشرط من الفراغ، فلا يجزي الحلق أو التقصير قبل إكماله، بل لا يجوز. كما أنّ الظاهر ترتب طواف النساء على الحلق أو التقصير فلا يجزي قبل أحدهما، حيث ورد في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يجي ء معتمراً عمرة مبتولة، قال: «يجزيه إذا طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و حلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت و من شاء أن يقصر قصّر» «3»، حيث فرض في أجزاء الطواف الأخير «تحقق الحلق أو التقصير بعد السعي» و دعوى عدم دلالتها على اعتبار وقوع طواف النساء بعد الحلق أو التقصير لأنّها ناظرة إلى بيان أجزاء طواف الوداع عن طواف النساء، و تأخّر طواف الوداع غير اعتبار تأخّر طواف النساء لا يمكن المساعدة عليها، فإنّ غاية ما يمكن عدم اختصاصه بطواف النساء، بل يجزي الطواف الواحد بعد الحلق أو التقصير و لو كان بعنوان طواف الوداع.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 327

.......... التاسعة: حيث إنّه ظهر ممّا تقدم اعتبار الحلق أو التقصير في العمرة المفردة بعد إكمال سعيه و قبل طواف النساء، فإن ترك المكلف الحلق أو التقصير في العمرة المفردة و لو جهلًا أو نسياناً و خرج، فعليه العود إلى مكة لإعادة طواف النساء بعد الحلق أو التقصير فيها، و اعتبار وقوع الحلق أو التقصير فيها و إن لا يخلو عن تأمّل إلّا أنّه أحوط، و لا يحتاج في عودها إليها إلى إحرام جديد، و إن تجاوز الميقات فإنّ الإحرام لدخولها مع انقضاء الشهر

الذي أحرم فيه وظيفة غير المحرم و المكلف المفروض في المقام محرم، و يترتب على ذلك أنّه لو بقي في مكة بعد نسيان التقصير أو الحلق و أحرم للحج، فالحكم بصحة إحرام حجه مشكل، و ما ورد من أنّ من نسي التقصير حتى أحرم بالحج لم يبطل إحرامه و تمت عمرته، يختصّ بمن أحرم لعمرة التمتع، و لذا فرض في تلك الروايات نسيان خصوص التقصير، نعم يعمّ العمرة المفردة التي تنقلب إلى المتعة بالإحرام للحج بعدها، و ما ذكر من التأمّل في وقوع الحلق أو التقصير بمكة بدعوى أنّ مقتضى صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالكعبة و صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم و سعى بين الصفا و المروة فليلحق بأهله إن شاء» «1» هو عدم اعتبار وقوع الحلق أو التقصير بمكة لا يمكن المساعدة عليها، لما تقدم من دلالة صحيحة عبد اللَّه بن سنان المتقدمة على وقوع طواف النساء بعد الحلق، و لازم ذلك وقوع الحلق أو التقصير قبل الخروج من مكة، بل في معتبرة أخرى لمعاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «من أين افترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: إنّ المتمتع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 328

.......... مرتبط بالحج، و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء» «1» حيث علق خروج المعتمر على الفراغ من العمرة.

العاشرة: إذا أتى المكلف بالعمرة المفردة في أشهر الحج و بقي في مكة، ثمّ أراد أن يحج حجّ التمتع فله الإحرام للحج من مكة و يكتفي عن عمرة التمتع بتلك العمرة التي أتى بها، و يشهد لذلك جملة

من الروايات، منها موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال: «من حج معتمراً في شوال، و من نيّته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن هو أقام إلى الحج فهو متمتعٌ، لأنّ أشهر الحج، شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة» «2»، و منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته ثمّ خرج كان ذلك له، و إن أقام إلى أن يدرك الحج كانت عمرته متعة و قال: ليس تكون متعة إلّا في أشهر الحج» «3»، و صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المعتمر في أشهر الحج؟ قال: هي متعة» «4»، و ربّما يقال بأنّ ظواهرها صيرورة العمرة المفردة مع الإقامة إلى زمان الحج متعة، فيجب عليه الإتيان بحج التمتع، و أظهر ممّا تقدم صحيحة عمر بن يزيد الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلّا أن يدركه خروج الناس يوم التروية» «5»، و خبره الآخر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 329

.......... عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحجّ مع الناس» «1»، و لكن يتعين حمل الإتيان بالحج على الأفضلية و الاستحباب، بشهادة صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل

خرج في أشهر الحج ثمّ خرج إلى بلاده؟ قال: «لا بأس، و إن حجّ من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم، و انّ الحسين بن علي (عليه السّلام) خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمراً» «2»، فإنّ الاستشهاد بفعل الحسين (عليه السّلام) يعطي عدم وجوب الحج، و دعوى أنّه (عليه السّلام) كان مضطرّاً إلى الخروج لا يمكن المساعدة عليها، فإنّه لو كان اختصاص الجواز بصورة الاضطرار لما يكون التعليل مناسباً للاستشهاد على الجواز من غير فرض الاضطرار، و اوضح منها صحيحة معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): من أين يفترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: إنّ المتمتع مرتبط بالحج و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، و قد اعتمر الحسين (عليه السّلام) في ذي الحجة ثمّ راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج»، فإنّ قوله (عليه السّلام) في الذيل «و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة. إلخ» كالصريح في جواز الاكتفاء بالعمرة المفردة و ترك الإحرام للحج من غير فرق بين فرض بقائه بعد العمرة أيام الحج في مكة أم لا، فصيرورتها عمرة التمتع تكون بقصد حج التمتع، و يعتبر أيضاً في صيرورتها عمرة التمتع إقامته بمكة إلى زمان الحج، فهل المعتبر خصوص البقاء في مكة إلى زمان الخروج إلى عرفات بعد الإحرام بالحج، أو أنّ المعتبر إقامته إلى زمان الحج، نظير الإقامة في سائر الأمكنة فلا يضرّ بالإقامة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 1، ص: 330

.......... الخروج من مكة و لو كان بمقدار المسافة الشرعية بأيام قليلة ما لم ينقض الشهر الذي أحرم

فيه للعمرة، حيث إنّه لو انقضى ذلك الشهر يحتاج الدخول إلى مكة ثانياً إلى إحرام جديد، و حيث إنّ الإحرام لا يكون إلّا في ضمن العمرة و الحج، و أنّ لكل شهر عمرة فيعمه ما دلّ على عدم جواز الدخول في مكة إلّا بإحرام، فإنّ الخارج منه عدة أشخاص منهم من دخلها بإحرام قبل مضى الشهر.

و على الجملة المراد بالإقامة إلى الحج مقابل الرجوع إلى بلاده و الاقتصار على تلك العمرة المفردة، و لا يبعد كون الظاهر من الروايات هو الثاني.

الجزء الثاني

[تتمة كتاب الحج من العروة]

[فصل في أقسام الحج

اشارة

فصل في أقسام الحج و هي ثلاثة بالإجماع و الأخبار (1): تمتّع، و قران، و إفراد.

و الأوّل فرض من كان بعيداً عن مكّة و الآخران فرض من كان حاضراً أي غير بعيد.

و حدّ البعد الموجب للأوّل ثمانية و أربعون ميلًا من كل جانب على المشهور الأقوى، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): قلت له: قول اللَّه (عزّ و جلّ) في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فقال (عليه السّلام): «يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلًا ذات عِرق و عُسفان كما يدور حول مكّة فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة»، و خبره عنه (عليه السّلام): سألته عن قول اللَّه (عزّ و جلّ) ذلِكَ.، قال: «لأهل مكّة، ليس لهم متعة، و لا عليهم عمرة، قلت: فما حد ذلك؟ قال: ثمانية و أربعون ميلًا من جميع نواحي مكّة، دون عُسفان، و ذات عرق» و يستفاد أيضاً من جملة من أخبار آخر. (1) أقسام الحج ثلاثة بالإجماع و الاخبار، و في الصحيح عن معاوية بن عمار

قال: (سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول الحج ثلاثة أصناف حج مفرد و قران و تمتّع بالعمرة إلى الحج و بها أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و الفضل فيها، و لا نأمر الناس إلّا بها و الأولان وظيفة القريب إلى مكة، و الثالث وظيفة البعيد عنها، و حدّ البعد عند

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 6

و القول بأنّ حدّه أثنا عشر ميلًا من كل جانب كما عليه جماعة ضعيف لا دليل عليه، إلّا الأصل فإن مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتّع على كل أحد، و القدر المتيقّن الخارج منها من كان دون الحد المذكور، و هو مقطوع بما مرّ، أو دعوى أنّ الحاضر المشهور ثمانية و أربعون ميلًا من كل الجهات لمكّة أي ستة عشر فرسخاً)، كما يشهد لذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) قول اللَّه (عزّ و جلّ) في كتابه ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، قال: يعني أهل مكة ليس عليهم المتعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعون ميلًا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممّن دخل في هذه الآية، و كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة) «1»، و ظاهرها تحديد البعد عن مكة من كل جانب من جوانبها بثمانية و أربعين ميلًا و أنّ من كان أهله دون هذا الحد فعليه غير المتعة، و قيل و القائل الشيخ في المبسوط و ابن إدريس و المحقق في الشرائع، أنّ حج التمتع وظيفة من يبعد عن مكة أثنى عشر ميلًا أي أربعة فراسخ، و أنّ ما في صحيحة زرارة

من التحديد بثمانية و أربعين ميلًا يوزّع على الجهات الأربع فيكون كل جهة أثنى عشر ميلًا، حيث إنّ المكلف بالبعد كذلك يخرج عن عنوان الحاضر في مكة، و نسب المحقق في المعتبر هذا القول الذي اختاره في الشرائع إلى قول نادر لا عبرة به.

أقول: لم يظهر أنّ المراد من كون أهل الشخص حاضري المسجد الحرام عدم كون أهله مسافرين، بل ينافي ذلك التحديد الوارد في صحيحة زرارة و صحيحة الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (ليس لأهل مكة، و لا لأهل مرّ، و لا لأهل سرف متعة) «2»، و ذلك قول اللَّه (عزّ و جلّ) ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و وجه المنافاة ما يقال من أنّ البعد من مكة في بعض ذلك أزيد من المرحلة التي ظاهرها ثمانية فراسخ، و أنّ ذات عرق في صحيحة زرارة بيان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 7

مقابل للمسافر و السفر أربعة فراسخ، و هو كما ترى، أو دعوى أنّ الحاضر المعلّق عليه وجوب غير التمتّع أمر عرفي و العرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلًا، و هذا أيضاً كما ترى، كما أنّ دعوى أنّ المراد من ثمانية و أربعين التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كل جهة اثنى عشر ميلًا منافية لظاهر تلك الأخبار. لثمانية و أربعين ميلًا بنحو التمثيل، و في الحكم على من يكون أهله دونه بعدم المتعة له دلالة واضحة على عدم العبرة باثني عشر ميلًا، و أمّا ما في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه (عزّ و جلّ) ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ

أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، قال: (من كان منزله على ثمانية عشر ميلًا من بين يديها، و ثمانية عشر ميلًا من خلفها، و ثمانية عشر ميلًا عن يمينها و ثمانية عشر ميلًا عن يسارها، فلا متعة له مثل مر و أشباهه) «1» فلا عامل بها من أصحابنا، و أمّا صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: في حاضري المسجد الحرام، قال: ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام و ليس لهم متعة، و صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حاضري المسجد الحرام، قال ما دون الأوقات إلى مكة، فإنّه لو كان المراد من كان أهله قريباً إلى مكة من الميقات فلا يمكن الأخذ بها، و إن أريد من يكون أهله دون تمام المواقيت فإنّ ذلك تحديد بالأخفى، و لكن لا ينافي ما تقدم من التحديد الوارد في صحيحة زرارة.

و المتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّه لا مورد في المقام لأن يقال بأنّ المستفاد من بعض الأخبار وجوب الحج تمتعاً على كل مستطيع، نظير ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيمة لأنّ اللَّه تعالى يقول (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فليس لأحد إلّا أن يتمتع) «2»، فإنّ قوله (عليه السّلام) (فليس لأحد إلّا أن يتمتع) يعم كل مستطيع و القدر المتيقن ممّن خرج

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 8

و أمّا صحيحة حريز الدالّة على أنّ حد البعد ثمانية عشر ميلًا فلا عامل بها، كما لا عامل بصحيحتي حماد بن عثمان الحلبي الدالّتين على أنّ الحاضر من كان دون المواقيت

إلى مكّة. عن هذا العموم أهل مكة و من كان بعيداً بأقل من اثنى عشر ميلًا حيث يكون حاضراً، و لا يدخل في عنوان المسافر و يؤخذ في غيره بالعموم المزبور. و فيه مع إمكان المناقشة في مثل العموم المزبور، حيث إنّه تفريع على قوله سبحانه و ما في قوله سبحانه، مقيّد بغير حاضري المسجد الحرام انّ المخصّص للعموم المزبور صحيحة زرارة المتقدمة، حيث إنّ ظاهرها في نفسها و بقرينة بيان المثال للحد الوارد فيها بذات عرق و عسفان و لمن ليس عليه متعة لأهل من يبعد عن مكة باثني عشر ميلًا أو أزيد، كما في صحيحة الفضلاء، يعني في الصحيح عن عبيد اللَّه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: (ليس لأهل مكة، و لا لأهل مرّ، و لا لأهل سرف، متعة) «1» يكون دليلًا على أنّ الحد ليس باثني عشر ميلًا، فلا يبقى مورد للتمسك بالأصل أي العموم المزبور، و الحاضر المذكور في الآية يقابل الغائب لا المسافر، و لا مجال للرجوع إلى المعنى العرفي للحاضر بمعنى جعل صدقه معياراً بعد ورود التحديد له، و اللَّه سبحانه هو العالم.

ثمّ إنّه يبقى في المقام أمر و هو أنّ ظاهر الروايات الواردة في تفسير الآية المباركة هو تعين حج التمتع على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، مع أنّ ظاهر الآية المباركة وجوب الهدي على من تمتع بالعمرة على الحج، و انّ هذا التمتع لا يثبت في حق من كان أهله حاضري المسجد الحرام، كما أنّ ظاهر ما ورد في حج رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّ المتعة وظيفة من لم

يسق الهدي في إحرامه، و شي ء من ذلك لا يقدح فإنّ الإحرام للحج بسياق الهدي قد نسخ بالإضافة إلى حجة الإسلام ممّن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 9

و هل يعتبر الحد المذكور من مكّة أو من المسجد؟ وجهان، أقربهما الأوّل (1). كان وراء الحد بتعيّن إحرامه بالتلبية، و تعيّن التمتع على النائي كما هو مدلول الروايات في مورد نزول الآية. (1) لا يخفى أنّ المستفاد من الآية أنّ التمتع بالعمرة إلى الحج ليست وظيفة من كان أهله حاضري المسجد الحرام، بل هو وظيفة من لم يكن أهله حاضريه، و قد حدّد من يكون أهله حاضريه بثمانية و أربعين ميلًا، و مقتضى ذلك ملاحظة البعد بين المسجد الحرام و بين مكان أهله، كما عليه ظاهر كلمات جماعة من الأصحاب، و لم يرد في الروايات ما يدلّ على ملاحظة هذا البعد من مكة، و ما في رواية زرارة ثمانية و أربعون ميلًا من جميع نواحي مكة مع ضعف ضعف سندها لا تدلّ على أنّ المبدأ هو مكة، فإنّ مكة قيد للنواحي لا مبدأ لثمانية و أربعين ميلًا.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد من المسجد الحرام نفس مكة، و لذا عدّ أهل مكة من حاضريه مع أنّهم غير ساكنين في المسجد الحرام، و المتعارف في تحديد البعد بحيث يعرفه الناس هو التحديد بين قرية أو بلد و بين قرية أو بلد آخر لا ملاحظة البعد بين مكان و بين بناء أو بيت في بلد أو قرية، نعم إذا بنى على إجمال صحيحة زرارة و عدم تعيين ظهورها من حيث مبدأ حساب البعد يقال يلتزم بأنّ مبدأ الحساب نفس المسجد الحرام، أخذاً بالعموم في مثل قوله

(عليه السّلام) في صحيحة حلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (فليس لأحد إلّا أن يتمتع) و قوله (عليه السّلام) في صحيحة ليث المرادي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (ما نعلم حجّا للَّه غير المتعة إنّا إذا لقينا ربّنا قلنا، يا ربّنا، عملنا بكتابك) «1» الحديث، حيث لا يرفع اليد عن العموم في غير المتيقن مع إجمال الخاص، و هو من يكون بعده من المسجد الحرام و منزله أقل من ثمانية و أربعون ميلًا.

أقول: قد تقدم التأمّل في العموم المذكور، و يأتي بيان الوظيفة عند تردّد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 10

و من كان على نفس الحد فالظاهر أنّ وظيفته التمتع (1)، لتعليق حكم الإفراد و القران على ما دون الحد.

و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص، و مع عدم تمكّنه الواجب عليه بين التمتع و الإفراد. (1) من كان أهله على نفس الحد يجب عليه التمتع لأنّ حكم الإفراد أو القرآن معلّق في صحيحة زرارة على دون ثمانية و أربعين ميلًا، و حكم التمتع فيها و إن كان معلّقاً فيها على عنوان وراء ثمانية و أربعين ميلًا، كما هو ظاهر اسم الإشارة إلّا أنّ المستفاد من الآية و لو بانضمام الروايات هو أنّ التمتع بالعمرة إلى الحج وظيفة من لم يكن أهله حاضري مكة المفسر حضورها بكون أهله بما دون الحد، و ممّا ذكر يظهر أنّه لو شك المكلف في المسافة و انّ أهله دون الحدّ المذكور أم لا، فالاستصحاب في عدم كونه حاضراً يدرجه في موضوع وجوب التمتع.

و على الجملة إجمال صحيحة زرارة بالإضافة إلى من كان رأس الحدّ لا يوجب الإجمال في

الآية المباركة المستفاد منها و لو بانضمام الروايات انّ التمتع بالعمرة إلى الحج وظيفة من لم يكن أهله فيما دون الحدّ، و ممّا ذكر يظهر أنّه في موارد تردد أمر بيته في أنّه دون الحدّ أم لا، لا يجب الفحص، بل يبنى على عدم كونه دون الحد فيثبت في حقه وجوب المتعة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 11

يراعي الاحتياط (1)، و إن كان لا يبعد القول بأنّه يجري عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتّع لأنّ غيره معلّق على عنوان الحاضر و هو مشكوك، فيكون كما لو شك في أنّ المسافة ثمانية فراسخ أو لا، فإنّه يصلّي تماماً لأنّ القصر معلّق على السفر و هو مشكوك. الوظيفة عند تردّد الحج الواجب بين التمتّع و غيره (1) قد تقدم عدم وجوب الاحتياط و جواز الاكتفاء بحج التمتع، كما نفي الماتن (قدّس سرّه) البعد منه في المقام، و إذا أراد المكلّف الاحتياط، فعليه أن يحرم لما هو وظيفته الواقعية من عمرة التمتع أو حج الإفراد، و إذا دخل مكة طاف و سعى بقصد الإتيان بالوظيفة الواقعية فيقصّر ثمّ يحرم للحج من مكة، و بعد الإتيان بأعمال الحج و الفراغ عنها يعتمر بعمرة مفردة، و بهذا يحصل له اليقين بفراغ ذمته من حجة إسلامه، سواء كانت حج التمتع أو الإفراد، فإنّه على تقدير كون وظيفته حج التمتع فظاهر، و أمّا بناءً على أنّها حج الإفراد يكون إحرامه للحج من مكة لغواً، لأنّ الوظيفة هي الإحرام لحج الإفراد من الميقات كما يكون تقصيره غير واجب، بل الواجب في حقه العمرة المفردة التي أتى بها بعد الحج على الفرض. نعم يجب على تقصيره الكفارة فإنّه و إن كان أمره

مردداً بين الوجوب و الحرمة، فللمكلف اختيار فعله لرجاء وجوبه إلّا أنّ علمه الإجمالي حين التقصير امّا بوجوبه أو وجوب الإتيان بالطواف و السعي بعد أفعال منى أوجب الإتيان بكل منهما، ففي النتيجة قد جمع المكلف في سنة واحدة بين حج التمتع و حج الإفراد من حيث الأمور المعتبرة في كل منهما بخصوصه، و قد يقال في الاحتياط وجه آخر، و هو أن يحرم للعمرة تمتعاً، و يأتي بعد أن دخل مكة بأعمال عمرة التمتع، ثمّ يحرم من مكة بالحج و يخرج من مكة للإحرام ثانياً لحج الإفراد، ثمّ بعد الفراغ من أعمال الحج يأتي بالعمرة المفردة، و لكن جواز هذا الوجه لا يخلو عن تأمّل، لأنّ الأمر بالعمرة تمتعاً في حق حاضري المسجد الحرام في سنة استطاعته للحج غير ثابت و لو ترتباً، و عليه فإحرام المكلف المفروض لعمرة التمتع يمكن أن يكون باطلًا فلا يجوز له الدخول بمكة بهذا الإحرام.

و على الجملة علمه إجمالًا إمّا بعدم جواز دخول مكة بهذا الإحرام، و أمّا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 12

ثمّ ما ذكر إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام، حيث لا يجزئ للبعيد إلّا التمتّع و لا للحاضر الإفراد أو القرآن، و أمّا بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل من البعيد و الحاضر كل من الأقسام (1) الثلاثة بلا إشكال، و إن كان الأفضل اختيار التمتّع، و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجّة الإسلام كالحج النذري و غيره. لا يجوز له الخروج منها و بعد تقصيره بعد طوافه و سعيه يوجب الاقتصار بالوجه الأول، و اللَّه العالم. (1) بلا خلاف معروف بين أصحابنا و يشهد لذلك ما ورد في الروايات المتعددة، كصحيحة أحمد

بن محمد بن أبي نصر قال: (سألت أبا جعفر (عليه السّلام) في السنة التي حج فيها، و ذلك سنة اثنتي عشرة (احدى) و مأتين، فقلت: بأيّ شي ء دخلت مكة مفرداً أو متمتعاً؟ فقال: متمتعاً، فقلت: أيّما أفضل المتمتع بالعمرة إلى الحج، أو من أفرد و ساق الهدي؟ فقال: كان أبو جعفر (عليه السّلام) يقول: المتمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي و كان يقول: ليس يدخل الحاج بشي ء أفضل من المتعة) «1» فظاهر قوله (عليه السّلام) أفضل مشروعية الإفراد، و المراد من مثل هذه الصحيحة الحج الندبي لما تقدم من تعين التمتع في حجة الإسلام للبعيد، و تعين الإفراد على من أهله حاضري المسجد الحرام.

[ (مسألة 1) من كان له وطنان أحدهما في الحد و الآخر في خارجه

(مسألة 1) من كان له وطنان أحدهما في الحد و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما (1) لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة و لا متعة له، فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكّة، فقال (عليه السّلام): فلينظر أيّهما الغالب» فإن تساويا فإن كان مستطيعاً من كل منهما تخيّر بين الوظيفتين و إن كان الأفضل اختيار التمتّع، و إن كان مستطيعاً من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة. (1) لا ينبغي التأمّل فيما إذا كان له وطنان أحدهما في الحدّ و الآخر في خارجه و استطاع للحج، فعليه فرض أغلبهما، فقد روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له، فقلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ قال: فلينظر أيّهما

الغالب عليه فهو من أهله) «2».

و في غير هذه الصورة بأن لم يكن أحدهما غالباً بل كانا متساويين سواءً كانت اقامته في كل منهما ستة أشهر أو أقل، و كان في الأشهر الباقية متردّداً بينهما لا يبعد أن يتخير بين الأقسام الثلاثة، لكونه مكلّفاً بطبيعي الحج مع خروجه عن موضوع الوجوب التعييني لخصوص أحد الأقسام، و دعوى أنّه يمكن القول بوجوب التمتع عليه أخذاً بالعموم، في مثل صحيحة الحلبي المتقدمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيمة لأنّ اللَّه يقول فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فليس لأحد إلّا أن يتمتع) «1» الحديث مدفوعة بما تقدم من أنّ العموم المزبور بالإضافة إلى من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام بقرينة ورودها تفسيراً، بل تفريعاً على الآية، و كذا دعوى تعين الإفراد أو القرآن عليه، لأنّ قيد الموضوع لوجوبهما على المستطيع إثباتي بأن كان أهله من حاضري المسجد الحرام، و للآخر يعني لوجوب التمتع سلبي بأن لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و مع صدق الموضوع الإثباتي ينفي عنه الموضوع لوجوب التمتع، لعدم إمكان صدق الإثبات و النفي معاً، فلا مجال للتخيير حتى في فرض استطاعته في كل من الوطنين فضلًا عمّا إذا استطاع في الداخل في الحدّ، و لو لم يكن وجوب الإفراد عليه تعييناً ظاهراً فلا أقل من كونه أحوط.

أقول: لو كان وجوب حج الإفراد معلّقاً على ثبوت الأهل للمستطيع في داخل الحد، و كان الموضوع لوجوب حج التمتع سلب ذلك العنوان بأن لا يكون أهله من

[ (مسألة 2) من كان من أهل مكّة و خرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها]

(مسألة 2) من كان من أهل مكّة و خرج إلى بعض الأمصار ثمّ رجع إليها فالمشهور جواز

حجّ التمتّع له (1) و كونه مخيّراً بين الوظيفتين، و استدلّوا بصحيحة عبد الرحمن بن حاضري المسجد الحرام، لما كان وجه لتعليق وجوب كل من الحجين على الغالب عليه من أهلية، بل كان المناسب أن يقول (عليه السّلام) عليه الحج إفراداً، و لا أقل من أن يقول إذا لم يكن الغالب عليه من أهلية خارج الحدّ فعليه حج الإفراد، فتعليق وجوب كل منهما على الغالب عليه من أهلية يعطي ان ذا الوطنين خارج عن مدلول الآية كما ذكرنا، فمع استطاعته للحج في كل من الوطنين يجب عليه طبيعي الحج إذا لم يكن الغالب عليه أحد أهلية.

و على الجملة إذا كان مستطيعاً للحج من كل من المكانين فحكمه التخيير، و إن كان اختيار حج التمتع أفضل للأخبار الواردة في كونه أفضل الأقسام، و أمّا إذا فرض عدم استطاعته إلّا من أحدهما خاصة فتعين حجّ أهل ذلك المكان مع عدم كونه الغالب عليه محلّ تأمّل، فإنّ مقتضى ما تقدم تخييره في الفرض أيضاً، و اللَّه العالم. (1) المكّي إذا بعد عن أهله و مرّ في رجوعه إلى مكة ببعض المواقيت، فعليه الإحرام من ذلك الميقات بلا خلاف معروف، و يقتضيه ما دلّ على عدم جواز دخول مكة بلا إحرام، أضف إلى ذلك ما في صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) من قوله (عليه السّلام): (إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها) «1».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 15

الحجّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «عن رجل من أهل مكّة يخرج إلى بعض الأمصار ثمّ يرجع إلى مكّة، فيمرّ

ببعض المواقيت، إله أن يتمتّع؟ قال (عليه السّلام): ما أزعم أنّ ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحبّ إليّ» و نحوها صحيحة أخرى عنه و عن عبد الرحمن بن أعين عن أبي الحسن (عليه السّلام)، و عن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك و أنّه يتعيّن عليه فرض المكّي إذا كان الحج واجباً عليه، و تبعه جماعة لما دلّ من الأخبار على أنّه لا متعة لأهل مكّة، و حملوا الخبرين على الحج الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني، و لا يبعد قوّة هذا القول، مع أنّه أحوط لأنّ الأمر دائر بين التخيير و التعيين و مقتضى الاشتغال هو الثاني خصوصاً إذا كان مستطيعاً حال كونه في مكّة فخرج قبل الإتيان بالحج، بل يمكن أن يقال إنّ محل كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها و أمّا إذا كان مستطيعاً فيها قبل خروجه منها فيتعيّن عليه فرض أهلها. ثمّ إنّه إذا كانت عليه حجة الإسلام هل يتعين عليه ما هو فرض أهل مكة فيحرم له أو يجوز له الإحرام لعمرة التمتع، فعن الشيخ (قدّس سرّه) في جملة من كتبه و المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهي جوازه، بل الجواز منسوب في المدارك إلى الأكثر و في غيرها إلى المشهور، و يستدل على ذلك بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها: (سألته عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار، ثمّ يرجع إلى مكة، فيمرّ ببعض المواقيت، إله أن يتمتع؟ قال: ما أزعم أنّ ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحب إليّ) «1»، و في الصحيحة الأخرى لعبد الرحمن بن أعين قالا: (سألنا أبا الحسن

(عليه السّلام). إلى أن قال: ما أزعم أنّ ذلك ليس له و الإهلال بالحج أحبّ إلىّ) و قد يقال: كما عن ابن أبي عقيل و جماعة انّ المراد من الصحيحتين الحج المندوب لا حجة الإسلام، بقرينة ما ورد في ذيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن أعين من السؤالات الراجعة إلى الحج المندوب.

أضف إلى ذلك أنّ من كان من أهل مكة بحيث له مقدرة مالية يخرج إلى بعض الأمصار لا تكون حجة الإسلام باقية على عهدته، بل لو كانتا مطلقتين من حيث الحج الواجب و المندوب يعارضهما ما ورد في صحيحة زرارة و غيرها من أنّ أهل مكة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 16

.......... ليس عليهم متعة، و في الصحيح عن عبيد اللَّه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (ليس لأهل مكة، و لا لأهل مر، و لا لأهل سرف، متعة) «1»، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق في عدم جواز المتعة حتى ممّن كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار، ثمّ رجع إلى الميقات، و مورد المعارضة المكي الخارج الذي يرجع إلى مكة و عليه حجة الإسلام، فيؤخذ في مورد اجتماعهما بإطلاق نفي المتعة لأهل مكة لموافقته لإطلاق الآية أو كون إطلاق الآية مرجعاً بعد تساقط الإطلاقين، فتكون النتيجة ما عليه ابن أبي عقيل و المختار عند جماعة كما قواه الماتن (قدّس سرّه)، و لكن يورد على ذلك بعدم حمل إمكان الصحيحتين على الحج المندوب، فإنّه ينافيه ما ورد فيها من كون الإهلال بالحج أحب إلىّ، حيث لا ينبغي التأمّل في أنّ في الحج المندوب الأفضل حج التمتع، فكيف

يكون الإحرام للحج أحبّ.

أقول: ظاهر الأحب جواز الأمرين و كون الإحرام للحج أحب و أفضلية التمتع لأهل مكة في الحج المندوب لم تثبت، و ما ورد في أفضلية التمتع بقرينة التعليل بأنّه أخذ بقول اللَّه سبحانه و سنة نبيّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مقتضاه اختصاص الأفضلية للبعيد إذا حج ندباً، نعم التمتع عن المجاور بل ذي الوطنين أفضل، و هذا غير الفرض في الصحيحتين.

و على الجملة ففي فرض حجة الإسلام يكون إطلاق الآية المباركة مرجّحاً لما دلّ على عدم التمتع لأهل مكة، و لو خرج إلى البعيد أو مرجعاً بعد تساقط الإطلاقين، و اللَّه العالم.

نعم لو كان وصول النوبة إلى الأصل العملي لكان مقتضاه التخيير لا تعيّن

[ (مسألة 3) الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة]

(مسألة 3) الآفاقي إذا صار مقيماً في مكّة فإن كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتّع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه سواء (1) كانت إقامته بقصد التوطّن أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين. الإفراد، لما ذكرنا في بحث الأصول أنّه إذا دار أمر الواجب بين التعيين و التخيير يكون مقتضى أصالة البراءة الجارية في ناحية الوجوب التعييني عدم معارضتها بأصالة البراءة الجارية في ناحية الجامع بين الفعلين هو الاكتفاء بأي من الفعلين. (1) الآفاقي إذا أقام بمكة بعد استطاعته و وجوب حج التمتع عليه فلا خلاف يعرف في بقاء حكمه السابق، و لو كان ذلك بقصد الاستيطان في مكة، أو بعد سنتين من اقامته بها بعنوان المجاور، و كأنّ موضوع وجوب حجّ الإفراد أو القرآن كون المكلّف زمان حصول استطاعته حاضر مكّة، كما أنّ الموضوع لوجوب حج التمتع عدم كونه عند حصولها من حاضريها، و دعوى أنّ استفادة ذلك من الخطابات الشرعية مشكل،

فإنّ مقتضاها دوران وجوب الحج تمتعاً أو غيره مدار كون المكلف زمان الإتيان من أهل مكة أم لا، فإنّ مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له) «1» و بإطلاقها شاملة لمن كانت استطاعته للحج قبل إقامته أم بعدها، بل يكفي ظاهر تقسيم الموضوع في الآية المباركة بين من أهله من حاضري المسجد الحرام، المراد منهم أهل مكة و ما دون الحدّ و بين من يكون أهله من حاضريه، فالأول مكلف بالحج مفرداً، و الثاني بالحج تمتعاً، نظير تقسيم المكلف بكونه مسافراً أو غير مسافراً، فإنّ كون المكلف حاضراً أو مسافراً عند تحقق الوجوب لا يكفي في بقاء ذلك الوجوب إذا تبدل إلى العنوان الآخر لا يمكن المساعدة عليها، و ذلك لأنّ الاعتبار بسنة الاستطاعة، و انّ المكلف إذا كان مكلفاً فيها بحج التمتع يجب عليه الإتيان به و لو بعد استيطانه بمكة أو بعد سنوات من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 18

.......... اقامته فيها بعنوان المجاور، لأنّ المستفاد من الروايات أنّ الحج الواجب على المكلف في سنة استطاعته مع تركه في تلك السنة يثبت في عهدته كالدين، و لذا يكون وجوب الإتيان به بعد تلك السنة منوطاً ببقاء الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، و يقضي عنه من أصل تركته مع موته قبل الإتيان.

و على الجملة الإتيان بالحج في السنة اللاحقة وفاء لما عليه في السنة السابقة، و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قلت: (فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة، قال: يحج عنه إن كان حجة الإسلام و يعتمر، إنّما هو شي ء عليه)

«1»، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إن كان صرورة فمن جميع المال، أنّه بمنزلة الدين الواجب) «2»، و على ذلك يجب عليه الإتيان بما ينطبق عليه ما على ذمته ليكون وفاءً به و لا يقاس المقام بمسألة القصر و الإتمام إذا كان المكلف في بعض الوقت حاضراً و في بعضه مسافراً، فإنّه لو كان في آخر الوقت مسافراً كان تكليفه فيه القصر و لو كان في أوّل الوقت لعدم كونه مسافراً مكلفاً بالتمام، نعم لو لم يأت بالقصر في آخر الوقت يثبت على ذمته القصر، و لذا يجب قضائها قصراً حتى فيما كان القضاء في الحضر، و ما في صحيحة زرارة المتقدمة من قوله (عليه السّلام): (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له) ليس له إطلاق بحيث يشمل لمن كان عليه حج التمتع قبل ذلك، و الوجه في ذلك أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام) هو تنزيل المقيم منزلة المكّي ليثبت له ما للمكّي، و التمتع المنفي عن المكّي هو كونه مكيّاً حال استطاعته المعتبرة في وجوب الحج، و أمّا إذا كان عليه حج التمتع لاستطاعته إلى الحج قبل كونه مكيّاً، فالتمتع غير منفي عنه حتى ينتفي عن المقيم بمكة أيضاً، و مقتضى التنزيل أن يجب على المستوطن حج التمتع، و لا يحتاج إلى مضى السنتين أو أقل أو

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 19

و أمّا إذا لم يكن مستطيعاً ثمّ استطاع بعد إقامته في مكّة فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكّي في الجملة، كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرّد الإقامة، و إنّما الكلام في الحد الّذي به يتحقّق

الانقلاب، فالأقوى ما هو المشهور من أنّه بعد الدخول في السنة الثالثة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة و لا متعة له (1).»، أكثر فإنّه حقيقة من أهل مكة. (1) إذا استطاع الآفاقي بعد ما أقام بمكة يجب عليه التمتع قبل إتمامه السنتين من اقامته، و إذا استطاع بعد إتمامه السنتين ينقلب فرضه إلى حج الإفراد أو القرآن عند المشهور، بل هذا هو المنسوب إلى غير الشيخ (قدّس سرّه) من أصحابنا، و قد ورد في صحيحة زرارة قوله (عليه السّلام): (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة فلا متعة له) «1»، و في صحيحة عمر بن يزيد قال: (قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين، فإذا جاوز سنتين كان قاطناً، و ليس له يتمتع) «2»، و ما عن الشيخ في النهاية و المبسوط و المنسوب إلى الإسكافي و الحلي من عدم انتقال الفرض إلى الإفراد أو القرآن حتى يقيم ثلثاً، لعلّه محمول على أنّ المراد الدخول في السنة الثالثة فلا ينافي ما تقدّم من اعتبار إكمال سنتين و إلّا فلا يعرف له مستند.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 20

و صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السّلام): «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطناً و ليس له أن يتمتّع» و قيل بأنّه بعد الدخول في الثانية لجملة من الأخبار، و هو ضعيف لضعفها بإعراض المشهور عنها، مع أنّ القول الأوّل موافق للأصل، و أمّا القول بأنّه بعد تمام ثلاث سنين فلا دليل عليه إلّا الأصل المقطوع بما ذكر، مع أنّ

القول به غير محقّق لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة، و أمّا الأخبار الدالّة على أنّه بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها، مع احتمال صدورها تقيّة و إمكان حملها على محامل آخر.

و الظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة، فلو كانت بقصد التوطّن فينقلب بعد قصده من الأوّل، فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له، و من الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطّن. و ظاهر الشهيد و الفاضل الأصبهاني الميل إلى انقلاب الفرض بالدخول في السنة الثانية لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: (من أقام بمكة سنة فهو بمنزلة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 21

.......... أهل مكة) «1»، و صحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليهما السّلام) لأهل مكة أن يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها، قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين، صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهراً فإنّ لهم أن يتمتّعوا) «2»، و يضعف هذا القول باعراض المشهور عن الروايتين كما أعرضوا عن صحيحة حفص البختري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثمّ يرجع مكة بأي شي ء يدخل؟ فقال: إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع، و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع) «3»، و لكن يمكن أن يقال: بعد تعارض الطائفتين الأوليتين في التحديد و عدم إمكان تقييد المفهوم، فيما يدلّ على اعتبار السنتين بما دلّ على الاكتفاء بالسنة، فإنّه مساوق لإلغاء التحديد بالسنتين و لا يعدّ مثله من الجمع العرفي خصوصاً مع

اعتبار تجاوز السنتين في صحيحة عمر بن يزيد، و ظاهر الآية المباركة وجوب التمتع على المجاور و لو بملاحظة ما ورد في تفسيرها فلا يكون شي ء من الطائفتين موافقاً للكتاب، و يؤخذ بالآية و ما هو بمفادها من الروايات بالإضافة إلى غير القدر المتيقن، و هو من يكون إقامته بمكة أقل من سنتين، فيحكم بوجوب التمتع عليه، و يرفع اليد في مورد الجزم أو الوثوق و لو بمعونة الشهرة بين الأصحاب، و هو من أقام بمكة سنتين أو أزيد.

و على الجملة الالتزام بانقلاب الفرض في الأقل من السنتين لا يمكن الالتزام

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 22

ثمّ الظاهر أنّ في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكّي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضاً (1) فيكفي في وجوب الحج الاستطاعة من مكّة و لا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده، فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه لعموم أدلّتها، و أنّ الانقلاب إنّما أوجب تغيير نوع الحج و أمّا الشرط فعلى ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتّع، هذا. به، و قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ اعتبار السنتين في المجاور في انقلاب فرضه لا يعم صورة الاستيطان، فإنّ مع الاستيطان المعبّر عنه بالقاطن يدخل الشخص في عنوان أهل مكة الوارد في الروايات عدم المتعة لهم، و لذا علّق كون المجاور قاطناً على تجاوز سنتين حيث لا يعتبر في المجاور أن يكون أهله حاضري المسجد الحرام، و إطلاق القاطن و أهل مكة عليه بعد إقامة سنتين تنزيل و إلحاق حكمي. (1) يقع الكلام في المقام في أنّه لو استطاع للحج بعد سنتين هل يلاحظ استطاعته لحج الإفراد من مكة حيث تكون الاستطاعة له

من مكّة قليلة المؤنة أو يعتبر أن يكون مستطيعاً باستطاعة بلده بأن يكون له مؤنة الحجّ من بلده، فقد اختار الماتن (قدّس سرّه) كعدة من أصحابنا الأوّل، و عن صاحب الجواهر (قدّس سرّه) الثاني، و بتعبير آخر يتعين على المجاور بعد سنتين الإفراد لا التمتع، و لكن الكلام أنّه يكفي في وجوبه استطاعته عن مكة كسائر أهل مكة أو أنّه يفترق عن أهل مكة في الاستطاعة، فيعتبر في وجوب الحج عليه إفراداً استطاعته من بلده إلى الحج فالتبدل في نوع الحج الواجب لا في الاستطاعة المعتبرة في وجوبه، و لكن لا يخفى أنّه لم يرد في الخطابات الشرعية إلّا أن يكون للمكلف ما يحج به، و ظاهرها كون ما يحج به زائداً على مصارفه العادية اللازمة، و على ذلك فربّما يختلف استطاعة المكي عن المجاور بعد إكمال سنتين، فإنّه إذا كان بقاء المجاور في مكة بعد إكمال حجّه حرجياً و صرف ما عنده من المال في مصارف حجّه يوجب أن لا يتمكّن من العودة إلى بلده، أو كونه حرجياً فلا يكون مستطيعاً حتى لحج الإفراد بخلاف المكي، فإنّه لا حاجة له إلى العودة إلّا بمكة، و نظيره المجاور الذي لا يعوده إلى بلده بعد الفراغ من حجه، بل يبقى بمكة لتحصيل مال بحيث لا يلزم من صرف ماله الفعلي في مصارف حجه حرج أو محذور فيكون مستطيعاً للحج كأهل مكة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 23

و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكّة لكن قبل مضي السنتين، فالظاهر أنّه كما لو حصلت في بلده فيجب عليه التمتّع و لو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد، فالمدار على حصولها بعد الانقلاب (1).

و أمّا المكّي

إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيماً بها فلا يلحقه حكمها في تعيّن التمتّع عليه لعدم الدليل و بطلان القياس، إلّا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطّن و حصلت الاستطاعة بعده، فإنّه يتعيّن عليه التمتّع بمقتضى القاعدة و لو في السنة الأُولى، و أمّا إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكّة فلا، نعم الظاهر دخوله حينئذ في المسألة السابقة فعلى القول بالتخيير فيها كما عن المشهور يتخيّر و على قول ابن أبي عقيل يتعيّن عليه وظيفة المكّي. (1) قد تقدم أنّ ذلك فيما كانت استطاعته بعد السنتين، و أمّا إذا كانت في بلده أو قبل تجاوز السنتين و أراد الإتيان بالحج بعد تجاوزهما، فعليه حج التمتع و لو في السنة، هذا فيما إذا جاور الآفاقي مكة، و أمّا إذا جاور المكي في بلدة نائية فالمتعين عليه حج الإفراد بلا فرق بين كون استطاعته في مكة أو تلك البلدة، و بلا فرق بين كونهما بعد السنتين أو قبلهما، فإنّ انقلاب الوظيفة بعد المجاورة بسنتين وارد في مكة، و على خلاف ما تقدم من ظهور الخطابات الأوّلية و لاحتمال الخصوصية يقتصر بمورده، نعم إذا كان المكي مستوطناً في بلدة خارج الحدّ يلحقه حكم أهلها فيتعين

[ (مسألة 4) المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع

(مسألة 4) المقيم في مكّة إذا وجب عليه التمتّع كما إذا كانت استطاعته في بلده أو استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتّع، و اختلفوا في تعيين ميقاته (1) على أقوال:

أحدها: أنّه مهلّ أرضه، ذهب إليه جماعة، بل ربّما يسند إلى المشهور كما في الحدائق لخبر سماعة عن أبي الحسن (عليه السّلام) سألته عن المجاور، إله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه

السّلام): «نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فليلبّ إن شاء» المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في عليه حج التمتع إذا حصلت له الاستطاعة في تلك البلدة قبل سنتين أو بعدهما، نعم إذا بنى على أنّ المكّي إذا خرج إلى بعض البلاد و رجع إليها يتخيّر بين التمتع و حج الإفراد كما تقدم في المسألة الثانية، فيجوز له التمتع و حج الإفراد، و إن كان ذلك قبل سنتين، و إلّا يتعين عليه الإفراد، و اللَّه العالم. (1) المقيم بمكة إذا وجب عليه التمتع كما إذا كان مستطيعاً في بلده أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه يجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتع، و وقع الخلاف في تعيين ميقاته فعن الشيخ و أبي الصلاح و ابن سعيد و المحقق في النافع و العلامة في بعض كتبه أنّه ميقات أهل أرضه، و عن ظاهر المقنعة و النهاية و المبسوط و المحقق في الشرائع و العلامة في القواعد و صريح الدروس و المسالك أنّه أحد المواقيت المخصوصة مخيّراً بينها، و عن الحلبي أنّه خارج الحرم، و احتمله في المدارك و منشأ الخلاف اختلاف الأخبار و اختلاف الأنظار في الجمع بينها.

منها ما يقال: إنّها ظاهره في تعيين ميقات أرضه كخبر سماعة عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: (سألته عن المجاور، إله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فيلبّي، إن شاء) «1»، و في السند معلى بن محمد. و يستدل على ذلك أيضاً بروايات واردة في تارك الإحرام من الميقات جهلًا أو نسياناً

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 25

الجاهل و الناسي الدالّة على ذلك بدعوى عدم خصوصية للجهل و النسيان و أنّ ذلك

لكونه مقتضى حكم التمتّع، و بالأخبار الواردة في توقيت المواقيت و تخصيص كل قُطر بواحد منها أو من مرّ عليها بعد دعوى أنّ الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.

ثانيها: أنّه أحد المواقيت المخصوصة مخيّراً بينها، و إليه ذهب جماعة أخرى لجملة أخرى من الأخبار، مؤيدة بأخبار المواقيت بدعوى عدم استفادة خصوصية كل بقطر معيّن.

ثالثها: أنّه أدنى الحل، نقل عن الحلبي و تبعه بعض متأخري المتأخرين، لجملة ثالثة من الأخبار. كصحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج) «1» بدعوى أنّ الخروج إلى ميقات أهله وظيفة كل من يكون مكلّفاً بحج التمتع بلا دخل لخصوصية دخول الحرم بلا إحرام نسياناً أو جهلًا؛ و بالروايات الواردة في تعيين المواقيت لأهل الآفاق، و يستدل على القول الثاني بصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) حيث ورد فيها: (فكتب انّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علّة فلا تجاوز الميقات إلّا من علة) «2» حيث يصدق على الراجع إلى ميقات من المواقيت أنّه أتى عليها، و لو كانت الروايات الواردة في تعيين المواقيت أو في رجوع الجاهل و الناسي ظاهرة في تعين ميقات خاص فيرفع اليد عن التعين بمثل الصحيحة الدالّة على التعميم لمن أتى على أخرى، بل لو قيل في تارك الإحرام إلى أن دخل الحرم بتعيّن رجوعه إلى ميقات أهله أخذاً

بظهور التعين في جملة من الروايات الواردة فيه، فلا وجه للتعدّي منه إلى المجاور لأنّه كان معلنا بالإحرام من ذلك الميقات فلعلّ فيه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 26

و الأحوط الأوّل، و إن كان الأقوى الثاني لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة و أخبار الجاهل و الناسي و إن ذكر المهل من باب أحد الأفراد، و منع خصوصية للمرور في الأخبار العامّة الدالّة على المواقيت، و أمّا أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيّدة بأخبار المواقيت أو محمولة على صورة التعذّر. خصوصيّة، و في موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (من حجّ معتمراً في شوال. إلى أن قال: و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتّع، و إنّما هو مجاور أفرد للعمرة، فإنّ هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاور ذات عرق، أو يجاوز عسفان، فيدخل متمتعاً بالعمرة إلى الحج، فإن هو أحبّ أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها) «1»، و تفصيله (عليه السّلام) بين إحرام المجاور بعمرة التمتع و إحرامه بحجّ الإفراد شاهد قوي لوجوب الرجوع إلى الميقات، و ظاهر هذه الموثقة و إن كان الحج الاستحبابي، إلّا أنّه لا يحتمل أن يكون الحج الواجب تمتعاً مختلفاً عن التمتع استحباباً و لا يضرّ بالاستدلال اشتمالها للخروج إلى عسفان الذي لا يعرف حاله.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر، أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها) «2» بحملها

على غير عمرة التمتع حيث يحرم المجاور لها من خارج الحرم، كما يرفع اليد عن إطلاق صحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) لأهل مكة أن يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها. إلى أن قال: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم) «3» فتحمل على صورة عدم التمكن من الرجوع إلى أحد المواقيت، و مثلها رواية سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج في رجب. إلى أن قال: من دخلها في غير أشهر الحج، ثمّ أراد أن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 27

ثمّ الظاهر أنّ ما ذكرنا حكم كل من كان في مكّة و أراد الإتيان بالتمتّع و لو مستحباً (1).

هذا كلّه مع إمكان الرجوع إلى المواقيت، و أمّا إذا تعذّر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحل، بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكّن من خارج الحرم ممّا هو دون الميقات، و إن لم يتمكّن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه، و الأحوط الخروج إلى ما يتمكّن. يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها، ثمّ يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر إلى البيت، ثمّ يطوف بالبيت و يصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام)، ثمّ يخرج إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما، ثمّ يقصر و يحلّ، ثمّ يعقد التلبية يوم التروية) «2»، فإنّها أيضاً تحمل امّا على العدول إلى التمتع أو على صورة عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات لما تقدم، فلا مجال للقول الثالث أو القول بأنّ الرجوع إلى الميقات أفضل و إلّا فيجوز الإحرام بكل من الوجوه الثلاثة إلّا أن يقال ليس في البين ما يوجب الحمل على

صورة عدم التمكن إلّا أن دعوى أنّ المفروض في الطائفة الأولى، و كذا الثانية تمكن رجوعه إلى الميقات بخلاف الطائفة الثالثة، فإنّها مطلقة بالإضافة إلى التمكن و عدمه فيرفع اليد عن إطلاقها بالطائفتين الأوليتين. (1) بل تقدم أنّ ظاهر بعض الروايات هو صورة استحباب التمتع كموثقة سماعة بن مهران الواردة في كون الإحرام بعمرة التمتع مشروطاً بوقوعه في أشهر الحج، و أمّا مع عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات يجزي الإحرام للتمتع من خارج الحرم، و قد تقدم أنّ مقتضى الطائفة الثالثة جواز الإحرام لعمرة التمتع للمجاور بمكة من خارج الحرم، غاية الأمر أنّها مطلقة من حيث التمكن من الرجوع إلى الميقات و عدمه فيحمل على صورة التمكن بالطائفتين الأولى و الثانية، حيث إنّ موردهما صورة التمكن من الرجوع إلى ميقات أهله أو أحد المواقيت، و ما عن الماتن من الاحتياط بالرجوع إلى ما يمكن من خارج الحرم، ففيه أنّ ذلك وارد فيمن دخل

[فصل في صورة حج التمتّع و شرائطه

اشارة

فصل في صورة حج التمتّع و شرائطه

[صورة حج التمتّع على الإجمال

صورة حج التمتّع على الإجمال أن يُحرم في أشهر الحج من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحج، ثمّ يدخل مكّة فيطوف فيها بالبيت سبعاً و يصلّي ركعتين في المقام، ثمّ يسعى لها بين الصفا و المروة سبعاً، ثمّ يطوف للنساء احتياطاً و إن كان الأصح عدم وجوبه (1)، و يقصّر، ثمّ ينشئ إحراماً للحج من مكّة في وقت يعلم أنّه يدرك الوقوف بعرفة، و الأفضل إيقاعه يوم التروية، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى الغروب، ثمّ يفيض و يمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه و يقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ثمّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة، ثمّ ينحر أو يذبح هديه و يأكل منه، ثمّ يلحق أو يقصّر، فيحل من كل شي ء إلّا الحرم مع مروره بالميقات و تركه الإحرام منه، فلا يعم المفروض في المقام مع أنّ مقتضى الاحتياط الإعادة. (1) قد تقدم وجوب طواف النساء في العمرة المفردة، و الظاهر ليس فيه خلاف يعتد به بين أصحابنا، كما هو مقتضى الروايات المعتبرة، و ذكرنا أنّ موضع الإتيان بهذا الطواف فيها بعد الحلق أو التقصير، و أمّا العمرة تمتعاً فالمشهور، بل بلا خلاف يعرف عدم اعتبار طواف النساء فيها، بل يحصل الإحلال من إحرامها بمجرد التقصير، و يدلّ على ذلك عدة من الروايات منها صحيحة صفوان بن يحيى قال: (سأله أبو حرث، عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى) «1»، و صحيحة محمد بن عيسى قال: (كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي

إلى الرجل (عليه السّلام) يسأله عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها طواف النساء و العمرة التي يتمتع بها إلى الحج؟ فكتب أمّا العمرة التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 29

النساء و الطيب، و الأحوط اجتناب الصيد أيضاً، و إن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام ثمّ هو مخيّر بين أن يأتي إلى مكّة ليومه فيطوف طواف الحج و يصلّي ركعتيه و يسعى سعيه فيحل له الطيب، ثمّ يطوف النساء و يصلّي ركعتيه فتحلّ له النساء، ثمّ يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق و هي الحادي عشر، و الثاني عشر، و الثالث عشر و يرمي في أيّامها الجمار الثلاث، و أن لا يأتي إلى مكّة ليومه بل يقيم بمنى حتّى يرمي جماره الثلاث يوم النساء «1»، و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك، و قلّم أظفارك و ابق منها لحجّك فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه، فطف بالبيت تطوّعاً ما شئت) «2».

إلى غير ذلك، و أمّا ما رواه في الصحيح إبراهيم بن عبد الحميد عن عمر أو غيره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المعتمر يطوف و يسعى و يحلق، و قال: لا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر) «3» فمضافاً إلى تردد الراوي عنه (عليه السّلام) و جهالته لا تعم عمرة التمتع، حيث لا يكون فيها بعد السعي إلّا التقصير دون الحلق)، و ما رواه محمد

بن عيسى عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 30

.......... سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليه السّلام) (إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعاً فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السّلام) و سعى بين الصفا و المروة و قصّر حلّ له كل شي ء ما خلا النساء، لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافاً و صلاة) «4» و مع الإغماض عن سندها يقال: انّها محمولة على العودة إلى مكة بعد أفعال منى.

و لكن يرد بأنّه لا يكون في الحج إلّا الحلق و التقصير قبل طواف الحج و سعيه، و فيه أنّ الإيراد مبني على ثبوت القصّر، و فيما رواه في الاستبصار خال عنه، و حيث لم يثبت فرض التقصير بعد السعي بين الصفا و المروة يحتمل كون المراد العودة إلى مكة بعد أفعال منى، فلا تصلح للمعارضة مع ما تقدم، و أمّا دعوى حمل الطواف الوارد فيها على الاستحباب للجمع بينها و بين ما تقدم فلا يمكن المساعدة عليها فإنّ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 31

الحادي عشر و مثله يوم الثاني عشر، ثمّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتّقى النساء (1) و الصيد، و إن أقام إلى النفر الثاني و هو الثالث عشر و لو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضاً، ثمّ عاد إلى مكّة للطوافين و السعي، و لا إثم عليه في شي ء من ذلك على الأصح، كما أنّ الأصح الاجتزاء بالطواف و السعي تمام ذي الحجّة، و الأفضل الأحوط هو اختيار الأوّل بأن يمضي إلى مكّة يوم النحر بل لا ينبغي التأخير لغده فضلًا عن أيام التشريق إلّا لعذر.

[و يشترط في حج التمتّع أمور]
اشارة

و يشترط في حج التمتّع أمور:

[أحدها: النيّة]

أحدها: النيّة بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج (2) حين الشروع في إحرام العمرة، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردّد في نيّته بينه و بين غيره لم يصح، نعم في جملة من الأخبار أنّه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز أن يتمتّع بها، بل يستحب ذلك إذا بقي في مكّة إلى هلال ذي الحجّة، و يتأكّد إذا بقي إلى يوم التروية، بل عن القاضي وجوبه حينئذ، و لكن الظاهر تحقّق الإجماع على خلافه، ففي موثق سماعة عن الصادق (عليه السّلام) «من حجّ معتمراً في شوال، و من نيّته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن هو أقام إلى الحج فهو متمتّع، لأنّ أشهر الحج، شوال و ذو القعدة و ذو الحجّة، فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة ظهورها عن عدم حلية النساء قبل الإتيان بالطواف الآخر.

ثمّ إنّ الماتن التزم بأنّ طواف النساء في عمرة التمتع احتياط استحبابي، و ربّما يستظهر من عبارة المتن أنّ محلّه بعد إكمال السعي و قبل التقصير، مع أنّ الوارد في رواية سليمان بن حفص المروزي أنّ طواف النساء و صلاته بعد التقصير، و لعلّ الوجه فيما ذكر، ما ورد في الروايات المتعددة من (أنّ المتمتع بالعمرة إذا قصر أحلّ من كل شي ء أحرم منه) فإنّ لازمه أن يكون طواف النساء فيها قبل التقصير ليكون المقصر محلًّا لجميع ما حرم عليه بالإحرام، و رواية سليمان بن حفص المروزي قاصرة على الترتيب المدّعى، ثمّ إنّ ما تعرض الماتن (قدّس سرّه) لما ذكره في المقام نتكلم فيها فيما يأتي من أفعال عمرة التمتع و حج التمتع

تفصيلًا. (1) لا فرق في جواز النفر الأول لمن اتقى النساء و الصيد بين أن يأتي يوم العيد مكة لطوافه و سعيه أو يأتي بعد ذلك اليوم. (2) قد تقدم أنّ أنواع الحج ثلاثة و كل من الأنواع و إن كان يختلف عن الآخر في بعض الخصوصيات الخارجية كاشتراط حج التمتع بسبق عمرته في سنة حجّة و وجوب الهدي في حجّه و عدم ارتباط حج الإفراد و القران بسبق العمرة و الإتيان بها في سنة الحج، و جواز تقديم طوافه و سعيه على الوقوفين، و نحو ذلك إلّا أنّه حيث تصحّ العمرة المفردة كعمرة التمتع في أشهر الحج، و كلتا العمرتين متحدتان في صورتهما حتى في طواف النساء، فإنّ الإتيان به في عمرة التمتع احتياط استحبابي، ففي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 32

و من رجع إلى بلاده و لم يقم الحج فهي عمرة، و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتّع، و إنّما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتّع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتّى يجاور ذات عرق، أو يجاوز عسفان، فيدخل متمتعا تعيّن إحداهما عند الإحرام يحتاج إلى تعيين لأيّهما الإحرام، و بما أنّه لا تكون العمرة تمتعاً إلّا بالإتيان بالحج بعده فاللازم في وقوعها عمرة التمتع ان قصد الإحرام للحج بعد الفراغ منها بخلاف وقوعها عمرة مفردة، و على ذلك فلا مناص من الالتزام بكون العمرتين، و لو في إحرامها عنوانين قصديين، فعلى المكلف التعيين في النية عند إحرامهما، و كذلك يصحّ الإحرام من الميقات لحج الإفراد من الميقات قبل الإتيان بالعمرة، فعلى المكلف تعيينَهُ أنّه للحج أو للعمرة

و لو إجمالًا، كما في موارد تردّد التكليف الواقعي بين كونه حج التمتع أو حج الإفراد، نعم في جملة من الأخبار انّ من اعتمر بعمرة مفردة في أشهر الحج و بقي إلى أوان الحج له أن يحرم بحج

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 33

بعمرته إلى الحج، فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها» و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله إلّا أن يدركه خروج النّاس يوم التروية» و في قوية عنه (عليه السّلام) «من دخل مكّة معتمراً مفرداً للحج فيقضي عمرته ثم خرج كان ذلك له، و إن أقام إلى أن يدرك الحج كانت عمرته متعة)، قال (عليه السّلام): و ليس تكون متعة إلّا في أشهر الحج» و في صحيحة عنه (عليه السّلام) «من دخل مكّة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجّة التمتع من مكة، و تحسب عمرته المفردة عمرة التمتع، كصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (من دخل مكة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته فخرج كان ذلك له، و إن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة. و قال: ليس تكون متعة إلّا في أشهر الحج) «1»، و موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال: (من اعتمر في شوال و من نيّته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن أقام إلى الحج فهو متمتع لأنّ أشهر الحج شوال و ذي القعدة و ذي الحجة) «1»، و هذه كسابقتها، و إن كانت ظاهره في انقلاب العمرة المفردة إلى عمرة

التمتع بمجرد البقاء إلى موسم الحج أي زمان يحرم فيه للحج، إلّا أنّه لا بدّ من حملهما على صورة الإحرام للحج من مكة لجواز رجوعه إلى بلاده، و عدم وجوب إحرام الحج عليه، و لو كان الانقلاب غير مشروط بالإحرام لم يجز له الرجوع إلى أهله و ترك الحج، لكون عمرة التمتع مع حجه عمل واحد يجب إتمامه بالدخول فيه، كما هو المحكي عن القاضي استناداً إلى ما تقدم، و صحيحة أخرى لعمر بن زيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلّا أن يدركه خروج الناس يوم التروية) «2»، و في حسنته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): (من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس) «3» إلّا أنّه مع ذلك لا بدّ من حملها على الاستحباب أو ما كان عليه حجة الإسلام، فإنّه مضافاً إلى تعارضها و كون المحكي عن القاضي قولًا نادراً لم يلتزم به المشهور بمقتضى الحمل المذكور في صحيحة إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (أنّه سئل عن رجل خرج في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 34

فليس له أن يخرج حتّى يحج مع النّاس» (1) و في مرسل موسى بن القاسم «من اعتمر في أشهر أشهر الحج معتمراً، ثمّ خرج إلى بلاده؟ قال: لا بأس و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم) «1»، و انّ الحسين بن علي (عليهما السّلام) خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمراً، حيث إنّ استشهاده (عليه السّلام) لجواز الخروج بفعل الحسين

(عليه السّلام) مع كون خروجه (عليه السّلام) على الظاهر كان للضرورة، دليل على جواز خروج المعتمر في حال الاختيار حتى يوم التروية، و أوضح منها معتبرة معاوية بن عمار قال: (قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من أين افترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: إنّ المتمتع مرتبط بالحج، و المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء)، و قد اعتمر الحسين (عليه السّلام) في ذي الحجة ثمّ راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى، و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج) «2»، و قد تقدم في مباحث العمرة المفردة أنّ المراد بالبقاء إلى الحج ليس هو خصوص البقاء في مكة، بل لكون عمرته مفردة يجوز له الخروج حتى إلى بلد بعيد مع رجوعه إلى مكة قبل انقضاء الشهر الذي أحرم فيه، بل مطلقاً إذا لم يخرج عن الحرم، غاية الأمر إذا رجع إلى مكة من خارج الحرم في غير الشهر الذي اعتمر فيه يجب عليه الإحرام ثانياً لدخول مكة فإن أحرم تكون عمرته عمرة التمتع، فإن ترك الإحرام فإنّه و إن عصى لتركه الإحرام لدخول مكة، و لكن لو أحرم للحج من مكة يكون حجه حج التمتع، لما ورد في أنّ العمرة في أشهر الحج متعة، و قد ذكرنا سابقاً أنّه لو أحرم أولًا لعمرة التمتع، ثمّ خرج عن الحرم بلا إحرام للحج من مكة و لم يحرم للعمرة ثانياً بعد مضى الشهر فهو أيضاً كما ذكر. (1) لا يخفى أنّ الرواية ليست صحيحة فإنّ في سندها موسى بن سعدان و هو ضعيف، و الحسين بن حماد و في ثبوت التوثيق له تأمّل و قوله (قدّس سرّه) مفرداً للحج، لعلّه

من سهو القلم و الصحيح مفرداً للعمرة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 35

الحج فليتمتّع» إلى غير ذلك من الأخبار، و قد عمل بها جماعة، بل في الجواهر لا أجد فيه خلافاً، و مقتضاها صحّة التمتّع مع عدم قصده حين إتيان العمرة، بل الظاهر من بعضها أنّه يصير تمتّعاً قهراً من غير حاجة إلى نيّة التمتّع بها بعدها، بل يمكن أن يستفاد منها أنّ التمتّع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج بأي نحو أتى بها، و لا بأس بالعمل بها، لكن القدر المتيقّن منها هو الحج الندبي (1)، ففيما إذا وجب عليه التمتّع فأتى بعمرة مفردة ثمّ أراد أن يجعلها عمرة التمتّع يشكل الاجتزاء بذلك عمّا وجب عليه سواء كان حجّة الإسلام أو غيرها ممّا وجب النذر أو الاستئجار. (1) استظهر (قدّس سرّه) من الروايات الواردة في المقام جواز الإتيان بحج التمتع عقيب العمرة المفردة في أشهر الحج فيما إذا أقام إلى الحج، و لكن التزم بأنّ القدر المتيقن منها ما إذا كان حج التمتع ندبياً، فلا يعم ما إذا كان واجباً عليه بالأصل أو بالاستيجار أو بالنذر، و لعلّ التزامه مبنى على أنّ الوارد في الروايات المعتبرة أنّ للمعتمر بعد عمرته المفردة الرجوع إلى أهله، و إن بقي إلى الحج يتمتع، و هذا الوارد لا يجري في حق من يجب عليه التمتع، فإنّه ليس له الرجوع إلى بلاده، بل يجب عليه البقاء ليأتي بالحج، و يمكن المناقشة فيه بأنّ المعتمر بالعمرة المفردة إذا اعتمر في شوال يمكن له أن يرجع إلى بلده إذا كان بلده قريباً ثمّ يعود إلى الميقات، و يأتي بحج التمتع، و في الفرض لا يجب عليه البقاء

إلى الحج.

و على الجملة شمول الروايات لهذا الفرض يمنع عن الالتزام باختصاصها بالحج الندبي، و كذلك ما يقال من اختصاصها بما إذا لم يكن المكلف مريداً للحج في تلك السنة عند الإحرام للعمرة المفردة، و إلّا فلا يحكم بالانقلاب مع قصده العمرة المفردة.

أقول: لا بأس بالالتزام بإطلاق الأخبار حتى بالإضافة إلى من كان من قصده الإتيان بالحج في تلك السنة، و مفاد الأخبار أنّه إذا أحرم للعمرة المفردة فإن بدا له أن يخرج إلى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 36

.......... بلاده، و يترك الحج فلا بأس، و إن بقي إلى أوان الحج فلا حاجة إلى الإتيان بعمرة التمتع، فإنّ العمرة التي أتى بها تحسب تمتعاً، و في صحيحة يعقوب بن شعيب قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المعتمر في أشهر الحج؟ قال: هي متعة) «1»، و إطلاق التنزيل و أن يقتضي الاكتفاء بها في إتيان حج التمتع، و أنّه لا يجوز خروجه و رجوعه إلى بلاده، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق التنزيل بالإضافة إلى عدم الخروج إلى بلاده بالروايات الدالة على أنّه إذا أراد الخروج إلى بلاده فله ذلك، ففي صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثمّ يرجع إلى أهله) «2»، و نحوها غيرها.

و مع ذلك كله الأحوط على من عليه حج التمتع بعنوان حجة الإسلام أن يحرم من الميقات بعمرة التمتع، و عدم الاكتفاء في الإحرام لحج التمتع بالعمرة المفردة الواقعة في أشهر الحج، و إن اتفق له حاجة توجب خروجه إلى بعض الأمكنة أن يحرم للحج من مكة، ثمّ يخرج على

ما تقدم، و أمّا ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) بعدم الاكتفاء فيما إذا كان أجيراً للحج تمتعاً فعدم الاكتفاء فيه ليس مبنياً على الاكتفاء في خصوص الحج تمتعاً إذا كان مندوباً، بل على تقدير الاكتفاء في حجة الإسلام أيضاً يجب على الأجير العمرة من الميقات تمتعاً، لأنّ منصرف عقد الإجارة الإتيان بحج التمتع بالإحرام لعمرة التمتع.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 37

.......... و أمّا مسألة النذر فهو تابع لقصد الناذر فإن كان منذورة مطلق حج التمتع فيلتزم بالاكتفاء، و إلّا فلا و إن قلنا بجواز الاكتفاء حتى في الحج الواجب بالأصالة.

ثمّ إنّه قد ورد في جملة من الأخبار أنّ من أحرم لحج الميقات و دخل مكة و طاف و سعى، فله أن يقصر و يجعلها متعة، ثمّ أحرم للتمتع من مكة، و تلك الأخبار كما عليه المشهور ناظرة إلى الإحرام بالحج الأفرادي ندباً أو جهلًا مع كون وظيفته التمتع أو رعاية للتقية، و أمّا من كانت وظيفته الإفراد أو كان الإفراد واجباً عليه بالنذر و شبهه فلا يشرع في حقّه العدول، و في موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، ثمّ يبدوا أن يجعلها عمرة، فقال: إنّ لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له) «1»، و هذه الموثقة ظاهرها جواز العدول إلى التمتع فيما أحرم للحج إفراداً ندباً، لأنّ جهة السؤال العدول إلى التمتع بعد الفراغ عن جواز حجّ التمتع في حقّه، و أيضاً لو كان الإفراد فرضاً عليه لكان عليه العدول حتى فيما إذا لبّى بعد طوافه و سعيه، كما هو مفاد ما ورد في تفسير

الآية المباركة (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) الآية، و في صحيحة زرارة قال: (جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السّلام) و هو خلف المقام إنّي قرنت بين حجة و عمرة، فقال له: هل طفت بالبيت؟ قال: نعم، فقال: هل سقت الهدي؟ قال: لا، فأخذ (عليه السّلام) شعره، و قال: أحللت و اللَّه)، و هذه الرواية مطلقة تشمل لمن عليه حج التمتع و أحرم للإفراد جهلًا هذا لو لم يكن ظهورها في خصوص ذلك بقرينة أنّ ظاهر السؤال استعلام الوظيفة مع عدم استفصال الإمام (عليه السّلام) في الجواب من التلبية بعد الطواف و السعي و عدمها، و في الصحيح المروي في الوسائل عن عبد اللَّه بن زرارة (ان تهلّ بالإفراد، و تنوي الفسخ

[الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجّه في أشهر الحج
اشارة

الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجّه في أشهر (1) الحج، فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتّع بها، و أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجّة بتمامه على الأصح، لظاهر الآية و جملة من الأخبار كصحيحة معاوية بن عمّار و موثقة سماعة و خبر زرارة، فالقول بأنّها الشهران الأوّلان مع العشر الأوّل من ذي الحجّة كما عن بعض أو مع ثمانية أيام كما عن آخر أو مع تسعة أيام و ليلة يوم النحر إلى طلوع فجره كما عن ثالث أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع ضعيف، على أنّ الظاهر أنّ النزاع لفظي فإنّه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجّة، فيمكن أن يكون مرادهم أنّ هذه الأوقات هي آخر الأوقات الّتي يمكن بها إدراك الحج. إذا قدمت مكة فطفت و سعيت فسخت ما أهللت به، و قلّبت الحج عمرة، و

أحللت إلى يوم التروية) «1» و صدره و ذيله شاهدان على أنّ ما ذكر فيه لرعاية التقية، و لا يبعد كون هذا النحو من القصد نحو قصده لعمرة التمتع، و لا يكون في الحقيقة عدولًا. (1) يعتبر في حج التمتع أن تكون عمرته في أشهر الحج، فلو أتى بعمرته أو بعض عمرته قبل أشهر الحج لم يجز أن يتمتع بها، و لعلّه من غير خلاف يعرف، و يدلّ على ذلك موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال: (من حجّ معتمراً في شوال، و من نيّته أن يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن هو أقام إلى الحج فهو متمتع، لأنّ أشهر الحج، شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة، و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس بمتمتّع، و إنّما هو مجاور أفرد العمرة فإن هو أحبّ أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج، فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق، أو يجاوز عسفان، فيدخل متمتّعاً بالعمرة إلى الحج) «2»،

[ (مسألة 1) إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصداً بها التمتّع

(مسألة 1) إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصداً بها التمتّع فقد عرفت عدم صحّتها تمتّعاً، لكن هل تصح مفردة (1) أو تبطل من الأصل؟ قولان، اختار الثاني في المدارك، لأنّ ما نواه لم يقع و المفردة لم ينوها، و بعض اختار الأوّل لخبر الأحول عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل و دلالتها على كون أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة كدلالتها على عدم صحة العمرة

تمتعاً قبل دخول شهر شوال تامّاً، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه (عزّ و جلّ) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ و الفرض التلبية و الإشعار و التقليد، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج و لا يفرض الحج إلّا في هذه الشهور التي قال اللَّه (عزّ و جلّ) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ و هو شوال و ذو القعدة و ذو الحجة «1»، فما عن التبيان و الجواهر و غيرهما من أنّها شوال و ذو القعدة و عشرة أيام من ذي الحجة، و ما عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة من أنّها الشهران الأولان مع أيام من ذي الحجة تنتهي بطلوع الفجر من يوم النحر و كذا ما عن الجمل و العقود و المهذب من كونها الشهرين الأولين مع تسعة أيام من ذي الحجة الظاهر أنّ النزاع لفظي، فإنّه لا ينبغي التأمّل في جواز الإتيان ببعض أعمال الحج إلى آخر ذي الحجة مطلقاً أو مع العذر كما لا إشكال ببطلان الحج بفوت الوقوفين على تفصيل يأتي. (1) إذا اعتمر قبل أشهر الحج قاصداً بها التمتع فقد تقدم عدم صحتها متعة، و الكلام في أنّها تقع مفردة أو أنّها تبطل من الأصل، و قد اختار الثاني في المدارك

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 40

فرض الحج في غير أشهر الحج، قال: يجعلها عمرة» و قد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): «من تمتّع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكّة حتّى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، و إن تمتّع في غير أشهر الحج ثمّ جاور حتّى يحضر الحج فليس عليه

دم إنّما هي حجّة مفردة، إنّما الأضحى على أهل الأمصار» و مقتضى القاعدة و إن كان هو ما ذكره صاحب المدارك لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين.

[الثالث: أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة]

الثالث (1): أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة، كما هو المشهور المدعى عليه مستدلًا عليه بأنّ ما نواه لم يقع و المفردة لم ينوها، و اختار بعض الأوّل، لرواية عن أبي جعفر الأحول عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج، قال: يجعلها عمرة) «1»، و هذه مع الإغماض عن سندها لم يفرض فيها الإحرام لعمرة التمتع إلّا بدعوى الإطلاق بمعنى عدم الاستفصال في الجواب بكون فرض الحج للإحرام له أو لعمرة التمتع، و رواية سعيد الأعرج قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): (من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج فليس عليه دم إنّما هي حجة مفردة، و إنّما الأضحى على أهل الأمصار) «2» و هذه في سندها محمد بن سنان، و تدلّ على أنّ الحج بعد العمرة المفروضة يكون حج إفراد، و أمّا العمرة المفروضة مفردة أو باطلة من أصلها فلا دلالة لها على شي ء منهما فما ذكره الماتن (قدّس سرّه) من عدم البأس بالقول بأنّها عمرة مفردة للخبرين لا يمكن المساعدة عليه لضعفها سنداً، بل دلالة أيضاً. (1) الثالث من الأمور المعتبرة في حج التمتع أن تكون عمرته و حجّه في سنة واحدة، و يدلّ على ذلك أمور كالأخبار الواردة في كيفية حج التمتع فإنّ ظاهرها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 41

الإجماع، لأنّه المتبادر من الأخبار المبينة لكيفية

حجّ التمتّع، و لقاعدة توقيفية العبادات، و للأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحج و ارتباطها به، و الدالّة على عدم جواز الخروج من مكّة بعد العمرة قبل الإتيان بالحج، بل و ما دلّ من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة و نحوها، و لا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدّم بدعوى أنّ المراد من القابل فيه العام القابل فيدلّ على جواز إيقاع العمرة في سنة و الحج في أخرى، لمنع ذلك بل المراد منه الشهر القابل، على انّه لمعارضة الأدلّة السابقة غير قابل، و على هذا فلو أتى بالعمرة في عام و أخّر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتّعاً سواء أقام في مكّة إلى العام القابل أو رجع إلى أهله ثمّ عاد إليها، و سواء أحل من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الأخرى، و لا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحّة في هذه الصورة.

ثمّ المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا معاً في أشهر الحج من سنة واحدة، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر شهراً، و حينئذ فلا يصح أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجّة و أتى بالحج في ذي الحجّة من العام القابل. الإتيان بالحج بعد التحلل من عمرته بالإحرام للحج من مكة بضميمة ما ورد في (أنّ المتمتع بعمرته إلى الحج محتبس في مكة للحج، و أنّه إذا عرض له حاجة إلى الخروج يحرم للحج منها فيخرج و لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة أن لا يدرك الحج) كما في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال: (سألته عن رجل قدم إلى مكة متمتعاً فأحلّ، أ يرجع؟ قال:

لا يرجع حتى يحرم بالحج، و لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة أن يدرك الحج، فإن أحب أن يرجع إلى مكة رجع، و إن خاف أن يفوته الحج مضى على وجهه إلى عرفات) «1»، و نحوها غيرها، و كالأخبار الواردة في دخول عمرة التمتع في الحج إلى يوم القيمة، فإنّ ظاهر دخولها فيه هو عدم افتراقها عن الحج بعدها في سنة العمرة بقرينة ما أشرنا إليه من أخبار كونه محتبساً بمكة لا يخرج منها عند الحاجة إلّا بالإحرام للحج، فإنّه لا معنى للإحرام للحج في سنته و لو مع خروج ذي الحجة، و منها الأخبار الواردة في ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو بدخول يوم عرفة أو إلى زمان لم يدرك الحج. إلى غير ذلك، و يستدلّ أيضاً بما ورد في عدة من الروايات من أنّ اللَّه (عزّ و جلّ) (فرض الحج على أهل الجدّة في كل عام) فإنّ مقتضاها اعتبار وقوع الحج في سنة، و بما أنّ حج التمتع مشروط بوقوع العمرة قبلها و دخولها في الحج، فلا محالة يكون الحاصل اعتبار وقوع عمرة التمتع و حجه في سنة واحدة، و يمكن المناقشة فيه بأنّ الحكم المزبور حكم استحبابي فلا منافاة بين استحباب

[الرابع: أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار]

الرابع (1): أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار، للإرجاع و الأخبار. و ما في حج التمتع في كل سنة نظير ما ورد في أنّ لكل شهر عمرة، و لكن لم يعتبر الإتيان بعمرته في تلك السنة مع حجّه كما لا يعتبر الإتيان بالعمرة المفردة في شهر واحد، حيث يجوز أن يأتي بإحرامها في شهر، و الإتيان بسائر أعمالها بعد شهر أو شهرين، و ما في خبر سعيد الأعرج

المتقدم من تمتع في أشهر الحج ثمّ أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعلية شاة، حيث ادّعى أنّ ظاهره جواز الإتيان بعمرة التمتع في أواخر ذي الحجة من عامه و الإقامة بمكة إلى أن يحضر الحج من السنة الآتية ثمّ يحرم للحج فيها، فمع ضعف سنده و تسالم الأصحاب على خلافه لم يعلم أنّ المراد من القابل السنة الآتية، بل يحتمل كونه الشهر القابل، و بتعبير آخر هذه الرواية في مقام بيان أنّ حج التمتع الذي يجب فيه الهدي لا يتوقف على الإحرام بالحج بعد الفراغ من عمرته من غير فصل، بل يكون الحج متمتعاً و لو بخروج الشهر الذي اعتمر فيه إذا بقي في مكة. (1) يعتبر في الإحرام لحج التمتع أن يحرم له من أي موضع من مكة بلا خلاف يعرف، و يدلّ على ذلك أخبار منها حسنة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (عن الرجل يتمتع يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهلّ بالحج من مكّة) «1»، و صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي قال: (قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): من أين أهلّ بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة، و إن شئت من الطريق) «2»، و رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن عمرو بن حريث الصيرفي قال:

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 43

خبر إسحاق عن أبي الحسن (عليه السّلام) من قوله (عليه السّلام): «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلمّا رجع فبلغ ذات عِرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج» حيث إنّه ربّما يستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكّة

محمول على محامل أحسنها أنّ المراد بالحج عمرته حيث إنّها أوّل أعماله، نعم يكفي أيّ موضع منها كان و لو في سِككَها للإجماع و خبر عمرو بن حريث عن الصادق (عليه السّلام): «من أين أهلّ بالحج؟ فقال: إن شئت من رَحلك و إن شئت من المسجد، و إن شئت من الطريق» و أفضل مواضعها المسجد و أفضل مواضعه المقام (قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و هو بمكة من أين أهلّ للحج؟ فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من المسجد، و إن شئت من الطريق) «1»، و الظاهر أنّ المراد من الرحل موضعه أي المنزل، و المراد من الطريق، الطريق في داخل مكة، و في موثقة يونس بن يعقوب قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) من أىّ مسجد أحرم يوم التروية؟ فقال: من أي مسجد شئت) «2»، و المراد مساجد مكة، و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (إذا كان يوم التروية إن شاء اللَّه تعالى فاغتسل، ثمّ ألبس ثوبيك و ادخل المسجد. إلى أن قال: ثمّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام) أو في الحجر ثمّ أحرم بالحج) «3»، و تحمل ما فيها على الأفضلية بالقرينة السابقة، و أمّا موثقة إسحاق بن عمار قال: (سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المتمتع يجي ء فيقضي متعة، ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و إلى ذات عرق، أو إلى بعض المعادن، قال: يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأنّ لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج، قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال: كان أبي مجاوراً فخرج يتلقى بعض هؤلاء،

فلمّا بلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج) «1»، و ربّما يستظهر منها جواز الإحرام لحج التمتع من الميقات من خارج الحرم، و لكن من المحتمل جدّاً كما تقدم سابقاً أن يكون المراد الإحرام بحج الإفراد، و مناسبة نقل ذلك في مقام الجواب الإشارة إلى عدم مشروعية الإحرام بالعمرة قبل انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه سواء كانت العمرة الأولى عمرة مفردة أو عمرة تمتع، و كيف كان فلو أحرم من غير مكة بطل إحرامه لحج التمتع، و لو لم يتداركه بطل حجّه، و لا يكفي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 44

أو الحجر، و قد يقال أو تحت الميزاب، و لو تعذّر الإحرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن، و لو أحرم من غيرها اختياراً متعمّداً بطل إحرامه، و لو لم يتداركه بطل حجّه، و لا يكفيه العود إليها و التجديد مع الإمكان، و مع عدمه جدّده في مكانه. العود إلى مكة بدون تجديد الإحرام منها، و ذلك فإنّ إحرامه من غيرها كالعدم، نعم لو كان ذلك جهلًا أو نسياناً منه و لم يمكنه العود إلى مكة و تجديد الإحرام منها جدّد الإحرام و لو من عرفه، بل لو لم يعلم أو لم يتذكّر إلّا بعد أعمال الحج يحكم بصحة حجّه، كما يشهد لذلك صحيحة علي جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: (سألته عن رجل كان متمتعاً خرج إلى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلاده؟ قال: إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه) «1»، و صحيحته الأخرى عن أخيه (عليه السّلام) (و سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو

بعرفات فما حاله؟ قال: يقول: اللّهمّ على كتابك و سنة نبيّك، فقد تمّ إحرامه) «2». و لأجل هذه الصحيحة يكون الأحوط ضم هذه الجملة إلى التلبية في عرفات.

ثمّ إنّ ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) من أنّه أحسن المحامل لموثقة إسحاق بن عمار إحرامه (عليه السّلام) لعمرة التمتع، لا يمكن المساعدة عليه لما تقدم من عدم انقضاء الشهر الذي اعتمر فيه، كما هو ظاهر فرض السائل فلا مجال للإحرام للعمرة تمتعاً و لا للعمرة مفرداً، كما أنّ دعوى أنّ في الرواية إجمال، أو لعلّه سقط منها بعضها لا يمكن المساعدة عليه.

و كذا ما ذكره (قدّس سرّه) من أنّ المكلّف إذا أحرم للحج من غير مكة جهلًا أو نسياناً، و أمكن له الرجوع إلى مكة و تجديد الإحرام تعيّن الرجوع و الإحرام من مكة، و إن لم يكن يجدّد الإحرام من موضعه لا يخلو عن الإشكال، فإنّه إذا لم يمكن له الرجوع و أحرم جهلًا أو نسياناً في ذلك الموضع بحيث لو علم أو تذكّر في زمان الإحرام لم

[الخامس: ربّما يقال إنّه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته و حجّه عن واحد واحد]

الخامس: ربّما يقال إنّه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته و حجّه عن واحد (1) واحد، يمكن له الرجوع فلا حاجة إلى التجديد، فإنّه قد أتى بما هو وظيفته مع العجز عن الرجوع إلى مكة، و بتعبير آخر المتفاهم ذكر الجهل و النسيان من موارد العذر في ترك الإحرام من مكة لا أنّ لهما خصوصية، فلو كان ترك الإحرام من مكة لعذر آخر فلا يبعد جواز الإحرام من موضع العذر من خارج مكة. (1) يذكر لحج التمتع شرطاً آخر و هو أن يكون عمرة التمتع و حجّه من شخص

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 46

فلو

استؤجر اثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أحدهما لعمرته و الآخر لحجّة لم يجزئ عنه، و كذا لو حجّ شخص و جعل عمرته عن شخص و حجّه عن آخر لم يصح، و لكنّه محل تأمّل، بل ربّما يظهر من خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) صحة الثاني حيث قال: «سألته عن رجل يحجّ عن أبيه، أ يتمتّع؟ قال: نعم المتعة له و الحج عن أبيه». واحد و بالنيابة عن واحد، فلو اعتمر واحد تمتعاً عن شخص و أتى نفس الحج تمتعاً آخر عن ذلك الشخص لم يصح، و كذلك إذا اعتمر متمتعاً واحد عن شخص و أتى عقيبها حجّه عن آخر، و الوجه في ذلك أنّ عمرة التمتع مع حجّه عمل واحد كما استظهر ذلك ممّا ورد في دخول عمرة التمتع في حجّه، و ما دلّ على عدم المتعة لمن لم يدرك بعد المتعة الوقوفين، و على هذا فلو أتى أحد الشخصين عمرة التمتع عن واحد و الآخر حجّه عن ذلك الواحد تبطل عمرة النائب الأول لعدم تعقبها بالحج، كما يبطل حج الآخر لعدم سبقه بعمرة التمتع، و بتعبير آخر عمرة التمتع شرط في حج التمتع و الإتيان بشرط دون ملازمه لا يجزي كالطهارة من واحد، و المشروط من آخر كنفس الصلاة لم يثبت مشروعيته حتى في مورد النيابة.

و ممّا ذكر يظهر الوجه في عدم الصحة ما إذا أتى واحد عمرة التمتع عن شخص، و الآخر حجه عن شخص آخر، و أمّا ما ورد في معتبرة محمد بن مسلم عن

[ (مسألة 2) المشهور أنّه لا يجوز الخروج من مكّة بعد الإحلال من عمرة التمتّع قبل أن يأتي بالحج

(مسألة 2) المشهور أنّه لا يجوز الخروج من مكّة بعد الإحلال من عمرة التمتّع قبل أن يأتي بالحج (1) و أنّه إذا أراد

ذلك عليه أن يحرم بالحج فيخرج محرماً به، و إن خرج مُحلا و رجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة، و ذلك لجملة من الأخبار الناهية عن الخروج، و الدالّة على أنّه مرتهن و محتبس بالحج، و الدالّة على أنّه لو أراد الخروج خرج ملبّياً بالحج، و الدالّة أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (سألته عن رجل يحج عن أبيه، أ يتمتّع؟ قال: نعم، المتعة له و الحج عن أبيه) «1»، فلا دلالة لها على التبعيض بأن يأتي العمرة من نفسه و الحج عن أبيه، بل السؤال راجع إلى مشروعية النيابة عن الميت بالإتيان بحج التمتع، حيث إنّ الميت يتمتع بالإحلال من عمرة التمتع فأجاب (عليه السّلام) (بأنّ النائب يتمتّع بالإحلال)، و بتعبير آخر المتعة له، و الحج عن أبيه غير المتعة منه و الحجة عن أبيه، فإنّ ظاهر الثاني التفريق و ظاهر الأول هو كون الحج الداخل فيه العمرة لأنّه حج التمتع عن أبيه و المتعة له أي ينتفع بها و لو لم يكن هذا ظاهر فلا أقل من احتمالها بحيث لا يكون لها ظهور في التفريق، نعم ورد في رواية الحارث بن المغيرة التي لا يبعد اعتبارها سنداً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (في رجل تمتّع عن أمّه و أهلّ بحجه عن أبيه، قال: إن ذبح فهو خير له، و إن لم يذبح فليس عليه شي ء لأنّه إنّما تمتع عن أمّه، و أهلّ بالحج عن أبيه) «2» فقد يقال بأنّ ظاهرها جواز التفريق و ليس في سندها إلّا صالح بن عقبه الذي ضعّفه ابن الغضائري و تبعه العلّامة، و لكن الرجل من المعاريف و تضعيف ابن الغضائري لا اعتبار به، و لكن مدلولها

عدم وقوع الحج أي حج التمتع، و لذا لا يجب عليه الهدي و الكلام في وقوع كل من العمرة و الحج عن اثنين مع كون العمرة تمتعاً و الحج حج التمتع، و إذا لم يكن الحج حج التمتع يكون حج افراد، كما أنّ العمرة تقع مفردة، كما لا يخفى. (1) المشهور عدم جواز خروج المتمتع بعد عمرته من مكة، بل هو محتبس للحج و أنّه إذا اتّفقت له حاجة إلى الخروج يحرم للحج و يخرج، فإن ترك الإحرام و خرج و عاد في الشهر الذي أحرم فيه فهو، و إلّا يجدّد إحرامه للعمرة و يعتمر ثانية،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 48

على أنّه لو خرج محلا فإن رجع في شهره دخل محلا و إن رجع في غير شهره دخل محرماً، و الأقوى عدم حرمة الخروج و جوازه محلا حملًا للأخبار على الكراهة كما عن ابن إدريس (رحمه اللَّه) و جماعة أخرى بقرينة التعبير ب «لا أحب» في بعض تلك الأخبار، و قوله (عليه السّلام) في مرسلة الصدوق (قدّس سرّه): «إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنّه مرتبط بالحج حتّى يقضيه، إلّا أن يعلم أنّه لا يفوته الحج» و نحوه الرضوي، بل و قوله (عليه السّلام) في مرسل أبان: «و لا يتجاوز إلّا على قدر ما لا تفوته عرفة» إذ هو و إن كان بعد قوله: «فيخرج محرماً» إلّا أنّه يمكن أن يستفاد منه أنّ المدار فوت الحج و عدمه، بل يمكن أن يقال: إنّ المنساق من جميع الأخبار المانعة أنّ ذلك للتحفظ عن عدم إدراك الحج و فوته لكون الخروج في معرض ذلك، و على هذا فيمكن

دعوى عدم الكراهة أيضاً مع علمه بعدم فوات الحج منه، نعم لا يجوز الخروج لا بنية العود أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج. و يدلّ على ذلك عدة من الروايات منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الوقت فتلبّي. إلى أن قال: و ليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج) «1»، و في صحيحة معاوية بن عمار (إنّ أهل مكة يقولون: إنّ عمرته عراقية و حجّه مكيّة، قال: كذبوا أو ليس مرتبطاً بالحج لا يخرج حتى يقضيه) «2»، و صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها، قال: فقال: فليغتسل للإحرام و ليهلّ بالحج و ليمض في حاجته، فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات) «3»، و صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (من دخل مكة متمتّعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 49

ثمّ الظاهر أنّ الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنّما هو من جهة أو (لكل شهر عمرة) لا أن يكون ذلك تعبّداً أو لفساد عمرته السابقة أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكّة، بل هو صريح خبر إسحاق بن عمّار: قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المتمتّع يجي ء ذات عرق خرج محرماً و دخل ملبّياً بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرماً و لم يقرب البيت حتى يخرج مع

الناس إلى منى على إحرامه، و إن شاء وجهه ذلك إلى منى، قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام، ثم رجع في إبان الحج، في أشهر الحج، يريد الحج، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرماً، قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجّته، قلت: فما فرق بين المفردة و بين عمرة المتعة إذا دخل في أشهر الحج؟ قال: أحرم بالعمرة (بالحج)، و هو ينوي العمرة، ثمّ أحلّ منها و لم يكن عليه دم، و لم يكن محتبساً لأنّه لا يكون ينوي الحج) «1»، و ظاهر ما تقدم أنّه لا يجوز للمعتمر بعمرة التمتع الخروج من مكة، بل عليه البقاء فيها حتى يحج، و ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) من حملها على كراهة الخروج بقرينة التعبير بلا أحبّ لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ غاية التعبير أن لا أحب لا يدل على الحرمة لا أنّه ظاهر في الكراهة الاصطلاحية فيؤخذ بدلالة غيره من إطلاق النهي عن الخروج و عدم الترخيص في تركه إلّا في مورد الحاجة إليه، حيث يتعيّن عليه الإحرام من مكة ثمّ الخروج إلى حاجته، و كذا ما ذكره (قدّس سرّه) من دلالة مرسلة الصدوق حيث نفى البأس عن الخروج إذا علم أنّه لا يفوت الوقوف بعرفة، و مثلها ما في الفقه الرضوي و مرسلة أبان، فإنّها لضعفها سنداً لا تصلح لأن تكون قرينة على الكراهة.

و الحاصل لا ينبغي التأمّل في أنّ النهي عن الخروج للاحتفاظ بالحج، و لكن

التهذيب في مناسك العمرة و

الحج، ج 2، ص: 50

فيقضي متعته ثمّ تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عِرق أو إلى بعض المنازل، قال (عليه السّلام): يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الّذي تمتّع فيه لأنّ لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج.»، و حينئذ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب ظاهر الروايات أنّه حكمة في عدم جواز الخروج شرعاً لا أنّ الاحتفاظ هو متعلق التكليف لئلا يجري في مورد العلم بتمكنه من الإتيان بالحج برجوعه إلى مكة، ثمّ لا يخفى ظهور هذه الصحيحة عدم وجوب الرجوع إلى مكة مع كونه محرماً للحج عند الخروج منها، بل له الذهاب من مكانه إلى عرفات حتى مع إمكان رجوعه إلى مكة، و لكن مقتضى صحيحة حفص بن البختري أنّ الذهاب إلى عرفات على تقدير عدم تمكنه من الرجوع إلى مكة، اللهمّ إلّا أن يقال: لا اقتضاء للتعليق، كما ذكر فإنّه (عليه السّلام) في مقام بيان أثر الإحرام من مكة للحج قبل خروجه منها، حيث إنّه إذا لم يتمكن من الرجوع إلى مكة فلا حاجة له في الرجوع إليها حيث أنّه محرم بالحج من مكة من قبل فإن لم يرجع يمشي إلى عرفات بإحرامه.

ثمّ إنّه إذا ترك المعتمر بعمرة التمتع الإحرام من مكة للحج و خرج بلا إحرام، فإن رجع في غير الشهر الذي خرج فيه يحرم ثانياً للعمرة في رجوعه، فتكون عمرة التمتع هي العمرة الثانية، و تكون الأولى عمرة مفردة فيجب لها طواف النساء إن لم يطف قبل ذلك، و لا يحكم ببطلان العمرة الأولى حيث علّل (عليه السّلام) الإحرام للعمرة الثانية في صحيحة إسحاق بن عمار بأن (لكل شهر عمرة) و

ظاهره أنّ العمرة السابقة عمرة في شهر، و العمرة الثانية عمرة أخرى في الشهر الآخر، و لو كانت العمرة السابقة باطلة لكان التعليل بأنّ حج التمتع لا تكون إلّا بعمرته و حيث إنّ الإمام (عليه السّلام) عين العمرة تمتعاً في العمرة الثانية فلا محالة تكون العمرة الأولى عمرة مفردة، و أيضاً لو كانت العمرة الأولى فاسدة بمجرد الخروج بلا إحرام لما اعتبر في الإحرام للعمرة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 51

لا الوجوب لأنّ العمرة الّتي هي وظيفة كل شهر ليست واجبة (1)، لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده كصحيحتي حماد و حفص بن البختري الثانية مضى الشهر الذي اعتمر فيه.

و على الجملة لزوم العمرة الثانية لما تقدم من أنّ انقضاء الشهر و عدم جواز دخول مكة ثانياً بلا إحرام يوجب تجديد العمرة، و لو رجع في الشهر الآخر و ترك الإحرام للعمرة ثانياً، و إن عصى بدخول مكة بلا إحرام لكن يجوز له أن يحج تمتعاً بالعمرة السابقة، حيث إنّ انقلابها إلى المفردة مع تجديد العمرة ثانيةً، كما هو مقتضى صحيحة حماد بن عيسى لا مع ترك تجديدها. (1) لا يخفى أنّ الأمر بتجديد الإحرام إذا خرج من غير إحرام للحج و رجع في غير شهره كما في صحيحة حماد بن عيسى، أو في غير الشهر الذي تمتع فيه، كما في صحيحة معاوية بن عمار لكون العمرة مشروعة لكل شهر، كما في هذه الصحيحة أنّه حيث لا يجوز الدخول من خارج الحرم، مكة بغير إحرام يجب عليه العمرة المشروعة لكل شهر، فالالتزام بالاستحباب في حقه لا يمكن المساعدة عليه، كما هو أيضاً مقتضى الأخبار في

الأمر بتجديد الإحرام لدخول مكة في غير الحطاب و الحشاش، و نحوهما ممّا يقتضي حاجته إلى الخروج تكرار الدخول و الخروج، و لا يبعد أن يدخل في ذلك بعض خدمة الحجاج الذين يقتضي شغلهم بعد متعة العمرة، تكرار الخروج و الدخول لتنظيم أمور الحجاج و تأمين الغذاء و الطعام و سائر حوائجهم، و أيضاً تطبيق مشروعية العمرة لكل شهر على تجديد الإحرام للعمرة تمتعاً في المقام،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 52

و مرسلة الصدوق و الرضوي، و ظاهرها الوجوب، إلّا أن تحمل على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل، لكنّه بعيد فلا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج، بل القدر المتيقّن من جواز الدخول مُحلا صورة كونه قبل مضي شهر من حين الإهلال أي الشروع في إحرام العمرة، و الإحلال منها، و من حين الخروج، إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة: ثلاثون يوماً من حين الإهلال، و ثلاثون من حين الإحلال بمقتضى خبر إسحاق بن عمار، و ثلاثون من حين الخروج بمقتضى هذه الأخبار، بل من حيث احتمال كون المراد من الشهر في الأخبار هنا و الأخبار الدالّة على أنّ لكل شهر عمرة الأشهر الاثني عشر المعروفة لا بمعنى ثلاثين يوماً، و لازم ذلك أنّه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور فخرج و دخل في شهر آخر أن يكون عليه عمرة، و الأُولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضاً، و ظهر ممّا ذكرنا أنّ الاحتمالات ستة: كون المدار على الإهلال، أو الإحلال، أو الخروج، و على التقادير فالشهر إمّا بمعنى ثلاثين يوماً أو أحد الأشهر المعروفة.

و على أيّ حال إذا ترك الإحرام مع الدخول في

شهر آخر و لو قلنا بحرمته لا يكون موجباً لبطلان عمرته السابقة فيصح حجّه بعدها.

ثمّ إنّ عدم جواز الخروج على القول به إنّما هو في غير حال الضرورة بل مطلق الحاجة، و أمّا مع الضرورة أو الحاجة مع كون الإحرام بالحج غير ممكن أو حرجاً عليه فلا إشكال فيه (1). ظاهره أنّ المراد بالشهر في المقام هو المراد فيما تقدم في مباحث العمرة المفردة من أنّ لكل شهر عمرة في كون المراد، كما ذكر الشهر الذي أحرم فيه للعمرة لا الذي أهلّ فيه، و يحتمل ذلك في صحيحتي حماد بن عيسى و معاوية بن عمار «1». (1) ظاهر الماتن (قدّس سرّه) أنّه مع الضرورة بل الحاجة إلى الخروج بعد عمرة التمتع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 53

و أيضاً الظاهر اختصاص المنع على القول به بالخروج إلى المواضع البعيدة (1)، فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين، بل يمكن أن يقال باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم، و إن كان الأحوط خلافه.

ثمّ الظاهر أنّه لا فرق في المسألة بين الحج الواجب و المستحب، فلو نوى التمتّع مستحباً ثمّ أتى بعمرته يكون مرتهناً بالحج و يكون حاله في الخروج محرماً أو محلا و الدخول كذلك كالحج الواجب. يجوز الخروج بعد الإحرام للحج من مكة، و لا يجوز الخروج مع أحدهما بلا إحرام إلّا إذا لم يتمكن من الإحرام، أو كان حرجاً عليه، و قد يقال: إنّه مع الضرورة أو الحاجة يجوز الخروج مُحلًّا إذا أحرز أنّه لا يفوته منه الحج، و يستظهر ذلك من صحيحة إسحاق بن عمار (حيث سأل أبا الحسن (عليه السّلام) عن متمتع يجي ء فيقضي متعته، ثمّ تبدوا له الحاجة فيخرج إلى

المدينة و إلى ذات عرق، أو بعض المعادن، قال: يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأنّ لكل شهر عمرة) الحديث حيث لم يتعرض فيها (عليه السّلام) لعدم جواز الخروج بلا إحرام، و فيه أنّ المفروض في السؤال خروجه من مكة بلا إحرام فيسأل عن حكمه بعد ذلك فلا نظر في الجواب إلى حكم الإحرام قبل الخروج، فيؤخذ فيه بصحيحتي حفص البختري و حماد بن عيسى حيث أمر الإمام (عليه السّلام) فيهما بالإحرام للحج قبل الخروج و مقتضى الإطلاق فيهما وجوبه حتى مع إحراز إدراكه الحج على تقدير تركه، و بما أنّ البقاء في مكة واجب مستقل يسقط في مورد الاضطرار أو الحرج في الخروج بالإحرام. (1) مقتضى ما ورد في أنّ المتمتع في أشهر الحج لم يكن له الخروج حتى يقضي الحج، أو هو محتبس بمكة إلى الحج بمعنى عدم جواز الخروج من مكة فضلًا عن الخروج عن الحرم، و ما ورد في خروجه إلى الأمكنة البعيدة أو خارج الحرم مفروض في كلام السائل لا يوجب التقييد في الإطلاق المشار إليه، غاية الأمر يلتزم جواز الخروج إلى بعض الأمكنة التابعة لمكة، فإنّ هذا الخروج لا ينافي صدق كونه مقيماً بمكة محتبساً فيها للحج، و يترتب على ذلك جواز نزول الحجاج بعد العمرة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 54

ثمّ إنّ سقوط وجوب الإحرام عمّن خرج محلا و دخل قبل شهر مختص بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتّع (1)، و أمّا من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكّة في حرمة دخوله بغير الإحرام إلّا مثل الحَطّاب و الحَشّاش و نحوهما.

و أيضاً سقوطه إذا كان بعد

العمرة قبل شهر، إنّما هو على وجه الرخصة بناءً على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين (2)، فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضاً، ثمّ إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتّع هي العمرة الأُولى أو الأخيرة؟ مقتضى حسنة حماد أنّها تمتعاً في المنازل و البيوت الخارجة من مكة كما في عصرنا الحاضر، نعم لا يبعد أن يكون ما ورد في أنّه إذا رجع في الشهر الذي تمتع فيه يدخل بلا إحرام، و إن دخل في غيره يحرم للعمرة ثانياً، ناظر إلى من خرج إلى خارج الحرم، فلا يعم من لم يخرج من حدود الحرم، و اللَّه العالم. (1) و لعلّ التقييد بعمرة التمتع لكون الفرض فيمن يريد الإتيان بحج التمتع، و إلّا فلا يختص الحكم بمن قصد عمرة التمتع، بل يعم من دخل مكة بعمرة مفردة ثمّ خرج و أراد الرجوع إلى مكة ثانياً، فإنّه يجوز له الدخول بلا إحرام، نعم إذا كان مريداً حج التمتع فالأحوط أن يصبر حتى خروج الشهر الذي اعتمر فيه و يحرم ثانياً بعمرة التمتع، فإنّ الاكتفاء بالعمرة المفردة مع خروجه عن مكة كما هو المفروض لا يخلو عن تأمّل كما تقدم، و إن قلنا بأنّه غير بعيد أخذاً بإطلاق ما دلّ على أنّ المفردة في أشهر الحج متعة. (2) قد تقدم أنّ مشروعية العمرة إنّما هو في كل شهر، و ذلك لما دلّ على أنّ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 55

الأخيرة المتصلة بالحج، و عليه لا يجب فيها طواف النساء، و هل يجب حينئذ في الأُولى أو لا؟ وجهان، أقواهما نعم، و الأحوط الإتيان بطواف مردّد بين كونه للأُولى أو الثانية.

ثمّ الظاهر أنّه

لا إشكال في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتّع قبل الإحلال منها (1). لكل شهر عمرة و بما أنّ مشروعيتها لكل شهر بنحو الاستحباب فلا يكون في غيره استحباب، نعم لا بأس بالإتيان قبل خروج الشهر بنحو الرجاء، و تقدم أيضاً أنّ مع الإحرام في غير الشهر الذي اعتمر فيه تكون الثانية عمرة التمتع و الأولى عمرة مفردة، و يجب للأولى طواف النساء، و ما يقال إنّه لا يحتمل وجوب طواف النساء فإنّه إذا جامع امرأته بعد الفراغ من الطواف و السعي و التقصير من الأولى جاز، و لا يمكن أن يلتزم بأنّه إذا أحرم للثانية و فرغ منها لا تحلّ له النساء لصيرورة العمرة الأولى مفردة، و فيه أنّ هذا مجرد استبعاد، بل لا يبعد أن يقال بأنّه في فرض الإتيان بالعمرة ثانية في الشهر الثاني تكون الأولى مفردة من حين وقوعها، فلو أحرز المكلف أنّه يخرج من مكة و يأتي بالعمرة ثانية في الشهر الآخر لم يجز له مواقعة النساء إلّا بعد طواف النساء. (1) و ذلك فإنّ الروايات الواردة مدلولها عدم جواز خروج المتمتع عن مكة بعد إتمام عمرته و أنّه محتبس ليس له أن يخرج منها، و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): كيف أتمتع؟ فقال: تأتي الوقت فتلبّي بالحج، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صلّيت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و أحللت من كل شي ء و ليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج) «1»، و في صحيحة معاوية بن عمار (انّ أهل مكة يقولون: إنّ عمرته عراقية و حجته مكية، كذبوا أو ليس هو

مرتبطاً بالحج لا يخرج حتى يقضيه) «2» و في صحيحة حفص البختري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها، قال: فقال: فليغتسل للإحرام و ليهل بالحج) «1».

و على الجملة ظاهر هذه الروايات التفرقة بين عمرة التمتع و العمرة المفردة،

[ (مسألة 3) لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين اختياراً]

(مسألة 3) لا يجوز لمن وظيفته التمتّع أن يعدل إلى غيره من القسمين الأخيرين (1) اختياراً نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له نقل النية إلى الإفراد و أن يأتي بالعمرة بعد الحج بلا خلاف و لا إشكال و إنّما الكلام في حد الضيق المسوغ لذلك، و اختلفوا فيه على أقوال:

أحدها: خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة. و انّ المتمتع بالعمرة لا يجوز له الخروج من مكة، بل هو محتبس فيها للحج، بخلاف العمرة المفردة، و إلى ذلك ينظر قوله (عليه السّلام) في صحيحة حماد (من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج) «1»، و أمّا الخروج في الأثناء فلا فرق بين المفردة و التمتع، فإن احتمل عدم التمكن من الرجوع و الإتمام فلا يجوز و إن علم أو اطمئنّ بتمكّنه جاز.

موارد عدول المتمتع إلى الإفراد (1) من يكون وظيفته حج التمتع فلا يجوز له العدول إلى القسمين الآخرين اختياراً إلّا إذا ضاق وقته من إتمام العمرة و إدراك الحج و معه يعدل بنيته إلى الإفراد، و يأتي بالعمرة بعد الحج بلا خلاف، و في صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 57

الثاني: فوات الركن من الوقوف الاختياري و هو المسمّي منه.

الثالث: فوات

الاضطراري منه.

الرابع: زوال يوم التروية.

الخامس: غروبه.

السادس: زوال يوم عرفة.

السابع: التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول و الإتمام إذا لم يخف الفوت.

و المنشأ اختلاف الأخبار فإنّها مختلفة أشد الاختلاف و الأقوى أحد القولين الأوّلين، لجملة مستفيضة من تلك الأخبار، فإنّها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها أنّ المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة. منها قوله (عليه السّلام) في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي: «لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوات الموقفين» و في نسخة «لا بأس للمتمتّع أن يحرم ليلة عرفة.»، و أمّا الأخبار المحدّدة بزوال يوم التروية أو بغروبه أو بليلة عرفة أو سحرها فمحمولة على صورة عدم إمكان الإدراك إلّا قبل هذه الأوقات فإنّه مختلف باختلاف الأوقات و الأحوال و الأشخاص، و يمكن حملها على التقية إذا لم يخرجوا (أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتعاً و إلّا كنت حاجّاً) «1»، و الكلام يقع في مقامين الأوّل: حدّ الضيق الموجب للعدول و الإتيان بحج الإفراد، و الثاني: أجزاء المعدول إليه عمّا عليه من حج التمتع، امّا المقام الأوّل فاختلفوا فيه على أقوال: أحدها: خوف فوت الاختياري من الوقوف بعرفة، و الثاني: فوات الركن من الوقوف الاختياري يعرفه المعبّر عنه بمسمّى الوقوف بها قبل غروب الشمس، و الثالث: فوت الاضطراري من الوقوف بها، و الرابع: زوال يوم التروية، الخامس: غروب يوم التروية، السادس: زوال يوم عرفة، السابع: التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول و الإتمام إذا لم يخف الفوت، و منشأ هذا الاختلاف اختلاف الروايات الواردة في المقام، ففي صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المتمتع له

المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر) «2»، و مقتضاها كفاية ادراك مسمّى الوقوف الاختياري بعرفة، فإنّه من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال يوم عرفة بقليل و إدراك الناس بعرفة من أوّل الوقت للوقوف بها، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ما أدرك الناس بمنى) «3»، و ظاهرها ادراك الناس قبل وصولهم إلى عرفة المساوي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 58

مع النّاس يوم التروية، و يمكن كون الاختلاف لأجل التقية كما في أخبار الأوقات للصلوات، و ربّما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحج المندوب فإنّ أفضل أنواع التمتّع أن تكون عمرته قبل ذي الحجّة، ثمّ ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثمّ ما يكون قبل يوم عرفة، مع أنا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدّة اختلافها عليه هو التمتّع فمادام ممكناً لا يجوز العدول عنه، و القدر المسلّم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراك الحج، و اللازم إدراك الاختياري من الوقوف فإنّ كفاية الاضطراري منه خلاف الأصل. لإدراك الوقوف الواجب و الاختياري بها، و في صحيحة علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج ثمّ يدخلان مكة يوم عرفة، كيف يصنعان؟ قال: يجعلانها حجة مفردة، و حدّ المتعة إلى يوم التروية) «1».

إلى غير ذلك و يقال المستفاد منها بملاحظة مجموعها باختلاف ألسنتها أنّ المناط في الإتمام و عدم العدول، عدم خوف فوت الوقوف بعرفة، نعم الاخبار المحدّدة بزوال يوم التروية أو بغروبه

أو بليلة عرفة أو سحرها محمولة على عدم إمكان الإدراك قبل هذه الأوقات، فإن إمكان الإدراك يختلف باختلاف الأشخاص و الأحوال و الأوقات، كما يمكن حملها على التقية إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية، أو على اختلاف أفراد المتعة في الفصل بعد حمل الأخبار المختلفة على كون حج التمتع مندوباً و غير ذلك.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 59

يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الأوّلين و لا يبعد رجحان أوّلهما (1) بناءً على كون ما هو الملاك في ضيق وقت العمرة ليجوز العدول إلى الإفراد (1) بل الأظهر تعيّن القول الثاني لا لمرفوعة سهل أو صحيحة جميل فإنّ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 60

الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال و الغروب بالوقوف و إن كان الركن هو المسمّى، و لكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال فإنّ من جملة الأخبار مرفوع سهل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «في متمتّع دخل يوم عرفة، قال: متعته تامّة إلى أن يقطع النّاس تلبيتهم» حيث إنّ قطع التلبية بزوال يوم عرفة، و صحيحة جميل: «المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر»، و مقتضاهما كفاية إدراك مسمى الوقوف الاختياري فإنّ من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفه و إدراك النّاس في أوّل الزوال بعرفات، و أيضاً يصدق إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب، إلّا أن يمنع الصدق فإنّ المنساق منه إدراك تمام الواجب، و يجاب عن المرفوعة و الصحيحة بالشذوذ كما ادعي، و قد يؤيّد القول الثالث و هو كفاية إدراك الاضطراري من عرفة بالأخبار الدالّة على أنّ من يأتي بعد

إفاضة النّاس من عرفات و أدركها ليلة النحر تم حجّه، و فيه أنّ موردها غير ما نحن فيه و هو عدم الإدراك من الأخبار الواردة في المقام مختلفة متعارضة، بل لما سيجي ء من أنّ تحديد الوقوف بعرفة بزوال الشمس و بما بعد صلاتي الظهرين احتياط، و لا يستفاد من الروايات عدم جواز الخروج من عرفة قبل غروب الشمس، و انّ المقدار المسلم من الواجب هو الوقوف بعرفة قبل غروبها، و عليه فلو تمكن المكلف من إتمام عمرته و إدراك الوقوف الواجب تعيّن عليه إتمامه، و لا يجوز له العدول، أخذاً بما دلّ على تعين التمتع على النائي أو وجوب إتمام العمرة تمتعاً، و تكون النتيجة تعين القول الثاني، و مع الإغماض عن ذلك فما ورد في صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر) «1» موافق للكتاب العزيز الدالّ على وجوب التمتع على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فيؤخذ بها فيمن تعين عليه بحسب وظيفته الأولية، و أمّا صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: (أضمر في نفسك

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 61

حيث هو، و فيما نحن فيه يمكن الإدراك و المانع كونه في أثناء العمرة فلا يقاس بها، نعم لو أتمّ عمرته في سعة الوقت ثمّ اتّفق أنّه لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري و دخل في مورد تلك الأخبار، بل لا يبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتمّ عمرته ثمّ بان كون الوقت مضيقاً في تلك الأخبار (1).

ثمّ إنّ

الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحج المندوب (2) و شمول الأخبار له، فلو المتعة فإن أدركت متعة و إلّا كنت حاجّاً) «1» فلا تعيّن حد الإدراك بالواجب أو الركن الاختياري، و بتعبير آخر تعين العدول إلى حج الإفراد مع عدم إدراك المتعة، يستفاد من مثل صحيحة أبان بن تغلب، و أمّا تعيين حدّ إدراك المتعة فهو بصحيحة جميل و نحوها لكونها موافقة للكتاب المجيد و لو لم يكن في البين دلالتها كان المتعين ملاحظة ادراك الواجب من الوقوف بتمامه.

أجزاء حج الإفراد عن وظيفة التمتع (1) و الوجه فيما ذكر أنّ مفاد الأخبار الواردة في العدول أنّه لإمكان إدراك الوقوف الاختياري بعرفة و لو بمسماه على ما تقدم، و المفروض مع سعة الوقت لعمرة التمتع لا يكون ترك الوقوف الاختياري مستنداً إلى إتمام العمرة، بل إلى ما اتّفق من العذر من الخروج إلى عرفة حتى فات عنه الوقوف الاختياري بها فيدخل في مورد ما دلّ على الاجزاء إذا أدرك الوقوف الاضطراري بها، و كذلك إذا اعتقد سعة الوقت لإتمام العمرة و الخروج بعدها إلى الوقوف الاختياري بها ثمّ ظهر بعد إتمام العمرة أنّ الوقت كان مضيقاً لا يمكن له الوقوف الاختياري بها، فإنّ هذا الفرض لا يدخل في أخبار العدول لأنّه مع اعتقاد سعة الوقت و عدم الخوف من فوت الاختياري من الوقوف لا يكون ترك الوقوف الاختياري مستنداً إلى الإتيان بعمرة التمتع، بل إلى اعتقاده بسعة الوقت و بعد الالتفات إلى الضيق لا يمكن ادراك الوقوف الاختياري عدل أو لم يعدل، و لذا يدخل فيمن ادراك الوقوف الاضطراري بعرفة فيحكم بصحة عمرته و حجه تمتعاً. (2) ثمّ إنّ ظاهر صحيحة أبان بن تغلب المتقدمة

عدم الفرق في العدول إلى الإفراد بين حج التمتع الواجب و المندوب و أنّه مع عدم تمكنه من الوقوف الاختياري بعرفة مع إتمام عمرة التمتع يعدل إلى الإفراد، و يترتب على ذلك أنّه لو كان التمتع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 62

نوى التمتّع ندباً و ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له العدول إلى الإفراد، و في وجوب العمرة بعده إشكال، و الأقوى عدم وجوبها، و لو علم مَن وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة و إدراك الحج قبل أن يدخل في العمرة هل يجوز له العدول من الأوّل إلى الإفراد؟ فيه إشكال، و إن كان غير بعيد، و لو دخل في العمرة بنيّة التمتّع في سعة الوقت و أخّر الطواف و السعي متعمّداً إلى ضيق الوقت ففي جواز العدول و كفايته إشكال، و الأحوط العدول و عدم الاكتفاء إذا كان الحج واجباً عليه. واجباً، فبناءً على الاجزاء يكون على المكلف الإتيان بالعمرة المفردة بعد الحج، حيث إنّه لم يأت بعمرة التمتع المجزية عن المفردة، و أمّا إذا كان مندوباً فله ترك العمرة المفردة، لأنّ كل من حج الإفراد و العمرة المفردة عمل مستقل لا ارتباط بينهما حتى يجب الآخر بوجوب أحدهما بعنوان وجوب الإتمام.

أمّا المقام الثاني: و هو أجزاء حج الإفراد و بعده العمرة المفردة عمّا كان عليه من فرض حج التمتع، فظاهر الأصحاب التسالم عليه، و يمكن أن يستدل على ذلك بصحيحة زرارة قال: (سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يكون في يوم عرفة، بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال: يقطع التلبية تلبية المتعة، و يهلّ بالحج بالتلبية

إذا صلّى الفجر و يمشي إلى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرّم و لا شي ء عليه) «1»، فإنّ قوله (عليه السّلام) (و لا شي ء عليه) هو الاجزاء، و هذا حكم آخر في مورد العدول فلا ينافي دخولها في اطار الأخبار المتعارضة من جهة التحديد مع أنّها غير ظاهرة في جواز العدول في خصوص صوره التمكن على ادراك الوقوف الواجب بعرفة من الزوال بل غايتها الإطلاق من جهته.

هذا إذا لم يحرز من وظيفته التمتع ضيق الوقت من إتمام العمرة، و أمّا مع إحراز ضيقه قبل الإحرام بالعمرة فلا دليل على أجزاء الإفراد من فرضه التمتع، كما لا دليل على جواز العدول و الإجزاء لو آخر المكلّف طواف عمرة التمتع و سعيه عمداً إلى أن ضاق الوقت، نعم لا بأس بعدولهما إلى الإفراد رجاءً بنية الأعم من العمرة المفردة و حج الأفراد، فإنّ هذا احتياط مع لزوم اعادة الحج في السنة القادمة، و ربّما يحتمل أنّه مع تأخير طواف عمرته و سعيها عمداً إلى أن ضاق الوقت يرجع إلى القاعدة المقتضية لوجوب إتمام العمرة و الاكتفاء في الحج و لو بإدراك المشعر، لعموم من أدرك الوقوف بالمشعر فقد تم حجّه، كما في سائر الأبدال الاضطراريّة، فإنّ من أراق ماء الوضوء عمداً صحّ تممه، و من آخر الصلاة حتى أدرك ركعة من الوقت صحت صلاته أداءً، و من عجّز نفسه من القيام في صلاته صحت صلاته من جلوس، إلى غير ذلك، و لكن لا يخفى أنّه يلزم على ذلك صحة الحج و اجزائه ممّن فرغ من عمرة تمتّعه و أحرم بالحج من مكة، و لكن لم يخرج عمداً إلى

الوقوف بعرفة و ذهب ليلة النحر بعد طلوع الفجر للوقوف بالمشعر أو وقف بالمشعر قبل الظهر يوم النحر و لا يمكن لأحد الالتزام بذلك و السرّ في ذلك أنّ ظاهر قوله (عليه السّلام) (من أدرك الوقوف بالمشعر فقد تم حجّه) فوت ما قبله لعذر لا تفويته، و قياس المقام بالتيمم للصلاة، و نحوه في الصلاة مع الفارق حيث إنّ الأحكام المذكورة في الصلاة مستفادة من عدم سقوطها بحال، بخلاف تعين الحج في السنة القادمة فإنّه مقتضى الأدلة.

[ (مسألة 4) اختلفوا في الحائض و النفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر و إتمام العمرة و إدراك الحج

(مسألة 4) اختلفوا في الحائض و النفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر و إتمام العمرة و إدراك الحج على أقوال:

أحدها: أنّ عليهما العدول إلى الإفراد و الإتمام ثمّ الإتيان بعمرة بعد الحج لجملة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 64

من الأخبار (1).

الثاني: ما عن جماعة من أنّ عليهما ترك الطواف و الإتيان بالسعي ثمّ الإحلال و إدراك الحج و قضاء طواف العمرة بعده، فيكون عليهما الطواف ثلاث مرّات مرّة لقضاء طواف العمرة و مرّة للحج و مرّة للنساء، و يدلّ على ما ذكروه أيضاً جملة من الأخبار. (1) يستدل على لزوم العدول إلى حج الإفراد و أنّها تأتي بعد الفراغ من حجّها بالعمرة المفردة بصحيحة جميل بن دراج قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية، قال: تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة ثمّ تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة، قال: ابن أبي عمير كما صنعت عائشة) «1» و يستدل على القول الثاني، أي ترك طواف العمرة و صلاتها، بأن تُتمّ عمرتها بالإتيان بالسعي و تتهلل من إحرام عمرتها، و تحرم بالحج و تخرج إلى عرفات،

و تقضي طواف عمرتها قبل الإتيان بطواف حجّها بعد طهرها بروايات، منها ما رواه الكليني في الصحيح، عن العلاء بن صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد اللَّه بن صالح كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكّة ثمّ حاضت تقيم ما بينها و بين يوم التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت ثمّ سعت بين الصفا و المروة ثمّ خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها، ثمّ طافت طوافاً للحج، ثمّ خرجت فسعت فإذا فعلت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 65

الثالث: ما عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين من التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين بذلك.

الرابع: التفصيل بين ما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل أو كانت طاهراً حال الشروع فيه ثمّ طرأ الحيض في الأثناء فتترك الطواف و تتمّ العمرة و تقضي بعد الحج، اختاره بعض بدعوى أنّه مقتضى الجمع بين الطائفتين بشهادة خبر أبي بصير «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في المرأة المتمتّعة إذا أحرمت و هي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تقضي متعتها: سعت و لم تطف حتى تطهر ثمّ تقضي طوافها و قد تمت متعتها، و إن أحرمت و هي حائض لم تسعَ و لم تطف حتّى تطهر» و في الرضوي: «إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم إلى قوله (عليه السّلام) و إن طهرت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا و المروة و فرغت من المناسك كلّها إلّا الطواف بالبيت، فإذا طهرت ذلك فقد

أحلّت من كل شي ء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها و إذا طافت طوافاً آخر حلّ لها فراش زوجها) «1»، و قريب منها غيرها، القول الثالث: هو المحكي في المتن عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين من التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين، و القول الرابع: التفرقة بين ما كانت حائضاً أو نفساء عند إحرامها فتعدل إلى حج الإفراد يعني تحرم له، و ما إذا كانت حائضاً بعد ذلك، كما فيما بعد قدومها إلى مكة، فإنّها تترك طواف العمرة و تأتي بسعيها و بعد الإهلال تحرم للحج، و تقضي طواف العمرة قبل طواف حجّها بعد طهرها، اختار ذلك بعض المتأخرين بدعوى أنّ ذلك مقتضى الجمع بين الطائفتين، بشهادة خبر أبي بصير قال: (سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في المرأة المتمتّعة إذا أحرمت و هي طاهر ثمّ حاضت قبل أن تنقضي متعتها: سعت و لم تطف حتى تطهر ثمّ تقضي طوافها و قد تمت متعتها، و إن أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر) «2»، و لكن الخبر في سنده ضعف لا يصلح شاهداً، مع أنّ الفرق بين الصورتين غير مناسب للحكم فيهما لعدم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 66

قضت الطواف بالبيت و هي متمتّعة بالعمرة إلى الحج و عليها طواف الحج و طواف العمرة و طواف النساء».

و قيل في توجيه الفرق بين الصورتين: إنّ في الصورة الأُولى لم تدرك شيئاً من أفعال العمرة طاهراً فعليها العدول إلى الإفراد بخلاف الصورة الثانية فإنّها أدركت بعض أفعالها طاهراً فتبني عليها و تقضي الطواف بعد الحج. اعتبار الطهارة في إحرام عمرة التمتع كإحرام غيرها، و عدم تمكنها من الإتيان

بطواف العمرة حال طهرها، سواء كانت حائضاً عند الإحرام أم بعده. خصوصاً إذا علمت بحدوث الحيض عند قدومها مكة، و الخامس: ما نسب إلى بعض من أنّها تستنيب لطواف عمرتها، و السادس: ما ذكره بعض الأعاظم (قدّس سرّه) من أنّه إذا كانت حائضاً عند الإحرام و خافت عدم طهرها إلى زمان الخروج إلى عرفات تحرم لحج الإفراد من الميقات، و أمّا إذا كانت طاهراً تحرم لعمرة التمتع فإن أدركتها بطهرها إلى زمان الخروج فهو، و إلّا تتخيّر بين العدول إلى الإفراد و بين ترك طواف عمرتها و الإتيان بالسعي و الإهلال، ثمّ الإحرام لحج التمتع، و تقضي طواف العمرة قبل الإتيان بطواف حجّها، و الوجه في ذلك أنّ ما دلّ على أنّها تحرم لحج الإفراد إذا كانت حائضاً عند الإحرام لا معارض له من الأخبار، و أمّا إذا حاضت بعد ذلك ففيه طائفتان من الأخبار، طائفة تدلّ على أنّها تخرج بذلك الإحرام إلى الحج ثمّ تأتي بعده بالعمرة المفردة كمصحّحة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: (سألته عن المرأة تجي ء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات، قال: تصير حجّة مفردة، قلت: عليها شي ء؟ قال: دم تهريقه، و هي أضحيتها) «1»، و إراقة الدم محمولة على الاستحباب بقرينة غيرها من الروايات، كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع الآتية، و طائفة تدلّ على أنّها تأتي بالسعي و تهلّل، ثمّ تحرم للحج و تقضي طواف

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 67

و عن المجلسي (قدّس سرّه) في وجه الفرق ما محصله: أنّ في الصورة الأُولى لا تقدر على نيّة العمرة لأنّها تعلم أنّها لا تطهر للطواف و إدراك الحج

بخلاف الصورة الثانية فإنّها حيث كانت طاهرة وقعت منها النيّة و الدخول فيها.

الخامس: ما نقل عن بعض من أنّها تستنيب للطواف ثمّ تتمّ العمرة و تأتي بالحج، لكن لم يعرف قائله. عمرتها، كصحيح حفص بن البختري عن العلاء بن صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد اللَّه بن صالح كلّهم يروونه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكة ثمّ حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت. إلى أن قال: و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت ثمّ سعت بين الصفا و المروة ثمّ خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثمّ طافت طوافاً للحج) «1» الحديث و مقتضى الجمع بينهما رفع اليد عن ظهور كل من الطائفتين في التعين بصراحة الأخرى في جواز الآخر فتكون النتيجة هو التخيير.

لا يقال: ليس بين الروايتين جمع عرفي، لأنّه ورد في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع النهي عن الإتيان بالعمرة بترك طوافها إلى زمان الرجوع إلى مكة لطواف الحج، قال: (سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحلّ، متى تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر (عليه السّلام) يقول زوال الشمس من يوم التروية و كان موسى (عليه السّلام) يقول: صلاة المغرب من يوم التروية، فقلت: جعلت فداك، عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثمّ يحرمون بالحج، فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبي صالح، قال: لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: هي على إحرامها أو تجدّد إحرامها للحج؟ قال: لا هي على

التهذيب في

مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 68

و الأقوى من هذه الأقوال هو القول الأوّل للفرقة الأُولى من الأخبار الّتي هي أرجح من الفرقة الثانية لشهرة العمل بها دونها، و أمّا القول الثالث و هو التخيير فإن كان المراد منه الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين، ففيه أنّهما يعدان من المتعارضين و العرف لا يفهم التخيير منهما و الجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك، و إن كان المراد إحرامها) «1»، فإنّ مع نفي الإمام (عليه السّلام) رواية عجلان الوارد فيها ترك طواف العمرة و إتمامها ثمّ الإحرام لحج التمتع لا يجتمع مع التخيير المذكور، فإنّه يقال مثل هذه الصحيحة لا يصلح للاعتماد عليها بالإضافة إلى حجة الإسلام، لمعارضتها بما تدلّ على عدم انقضاء وقت العمرة إلّا بآخر الأزمنة حيث لا يفوت مع إتمام العمرة الوقوف الاختياري بعرفة.

و على الجملة ما يكون ظاهره أنّ على الحائض عند عدم تمكّنها من طواف العمرة العدول إلى حج الإفراد، كمصحّحة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السّلام) (عن المرأة تجي ء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات، قال: تصير حجّة مفردة) «1» الحديث تقع المعارضة بين مثلها، و بين ما دلّ على أنّ المرأة المتمتعة إذا حاضت قبل أن تطوف من عمرتها إلى زمان الخروج إلى عرفات سعت بين الصفا و المروة و أحلّت و أحرمت بالحج، ثمّ تقضي طواف عمرتها كرواية عجلان أبي صالح أنّه سمع أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: (إذا اعتمرت المرأة ثمّ اعتلّت قبل أن تطوف قدمت السعي، و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء، ثمّ

أحلّت من كل شي ء) «2» و لكن لم أجد رواية معتبرة سنداً تكون دلالتها على ما ذكر تامّة، فإن أخبار قضاء طواف العمرة كلّها مقيدة بقيود لا يمكن الأخذ بها كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 69

التخيير الظاهري العملي فهو فرع مكافأة الفرقتين و المفروض أنّ الفرقة الأُولى أرجح من حيث شهرة العمل بها، و أمّا التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل، مع أنّ بعض أخبار القول الأوّل ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الإحرام، نعم لو فرض كونها حائضاً حال الإحرام و عملت بأنّها لا تطهر لإدراك الحج يمكن أن يقال يتعيّن عليها العدول إلى الإفراد من الأوّل لعدم فائدة في الدخول في العمرة ثمّ العدول إلى الحج، و أمّا القول الخامس فلا وجه له و لا له قائل معلوم. رئاب و عبد اللَّه بن صالح كلّهم يروونه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدمة، حيث إنّ ظاهرها زمان ذلك يوم التروية، و لا بدّ من حملها على الحج الاستحبابي خصوصاً ما ورد في ذيل صحيحة أبي بزيع المتقدمة من قوله (عليه السّلام): (اما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة) و المتحصّل لا يبعد الالتزام بالقول الأوّل، و هو أنّه إذا كانت المرأة عند إحرامها حائضاً و أحرزت أنّها لا تطهر إلى زمان يمكن لها الخروج إلى الوقوف بعرفة أحرمت لحج الإفراد، و تأتي بالعمرة المفردة بعد فراغها من حجّها، و أمّا إذا لم تحرز ذلك و احتملت طهرها قبل الخروج إلى الوقوف بعرفة أحرمت لعمرة التمتع، فإن طهرت إلى ذلك الزمان أتمّت عمرتها، و إلّا عدلت إلى

حج الإفراد و خرجت بإحرامها إلى الوقوف بعرفة، و تأتي بعد حجّتها بالعمرة المفردة، فقد ذكرنا أنّ إدراك زمان الوقوف

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 70

.......... بعرفة هو الوقوف الواجب الاختياري، كما هو ظاهر العناوين المأخوذة في الخطاب الشرعي موضوعاً للحكم الشرعي، حيث إنّها منصرفة إلى الفرد الاختياري منها ما لم تقم قرينة على الخلاف.

اللّهمّ إلّا أن يقال: المستفاد من أخبار الطائفة الثانية أمران: أحدهما: الإتيان بحج التمتع بترك طواف العمرة و قضائه قبل طواف الحج بعد طهرها، و الثاني: انقضاء وقت عمرة التمتع بدخول يوم التروية أو الزوال من يومها، و التعارض بينها في الجهة الثانية مع ما تقدم من الأخبار الدالّة على عدم فوت عمرة التمتع، ما دامت تتمكن من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 71

(مسألة 5) إذا حدث الحيض و هي في أثناء طواف عمرة التمتّع فإن كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى (1)، و حينئذ فإن كان الوقت موسعاً أتمت عمرتها بعد الطهر، و إلّا فلتعدل إلى حج الإفراد و تأتي بعمرة مفردة بعده، و إن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف و بعد الطهر تأتي بالثلاثة الأُخرى و تقصّر مع سعة الوقت، و مع ضيقه تأتي الوقوف الاختياري بعرفة بإتمامها، لا ينافي الأخذ بها في الجهة الأولى من الإتيان بحج التمتع بترك طواف عمرتها إلى القضاء بعد طهرها، و يحمل التحديد بيوم التروية على موارد حج التمتع المندوب، و أمّا الحكم الأوّل أي الإتيان بعمرة التمتع بترك طوافها، فلا يحتمل اختصاصها بالحج المندوب مع احتمال أنّ بعض الأخبار التي وردت فيها مع عدم طهر المرأة إلى يوم التروية، أنّها تأتي

بعمرة التمتع بترك طوافها و قضائه قبل طواف الحج، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب (و إذا لم تطهر إلى يوم التروية أهلّت بحج التمتع من بيتها و خرجت إلى منى و إذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين) الحديث ناظرة إلى صورة خوف فوت الوقوف بعرفة إذا انتظرت طهرها أو أحرزت بقاء حيضها، و لكن كل ذلك لا يخلو عن تأمُّل، و قد ظهر ممّا تقدّم أنّه لو تمّت الأخبار كلّها أو بعضها على إتيانها بعمرة التمتع بترك طواف العمرة، و قضائها قبل طواف الحج لكان التخيير واقعياً لاقتضاء الجمع الدلالي بين الطائفتين من الأخبار، و إن منع عن ذلك باعتبار ورود النهي في أخبار العدول عن الإتيان بالعمرة بترك طواف العمرة أو لغير ذلك، أو بدعوى أنّ الطائفة الثانية غير تامة سنداً، بل بعضها دلالة، تسقط الطائفتان عن الاعتبار على الأوّل و يؤخذ بالطائفة الأولى على الثانية، كما نفينا البعد عن ذلك، و اللَّه العالم.

حيض المرأة أثناء طوافها (1) ما ذكره (قدّس سرّه) من الحكم ببطلان طوافها إذا حدث حيضها قبل تمام أربع أشواط، و استظهر من بعض الروايات بوجوب دخول الفرض في المسألة السابقة و هو أنّه إذا كان الوقت مُتسعاً بحيث تطهر ولديها زمان يمكن الإحرام فيه للحج، مع خروجها للوقوف بعرفة تعين إتمام عمرتها بعد طهرها، ثمّ الإحرام بحج التمتع. و إن ضاق الوقت تعدل بإحرامها إلى حج الإفراد، و تأتي بعده بعمرة مفردة و يلزم على الحكم بصحة طوافها بعد أربعة أشواط أنّه مع سعة الوقت بعد طهرها أن تأتي ببقية أشواط طوافها، و تصلّي صلاة طوافها و تسعى بين الصفا و المروة و تقصّر ثمّ تحرم

لحج التمتع، و مع ضيق الوقت و عدم طهرها تسعى بين الصفا و المروة و تقصر و تحرم بالحج. ثمّ بعد رجوعها إلى مكة لطواف حجّها تقضي الأشواط الباقية من طواف عمرتها قبل طواف الحج أو بعده، فتتمّ لها عمرة التمتع و حج التمتع، و كذلك الحال إذا حاضت أو نفست بعد طواف عمرتها و قبل أن تصلّي صلاة طوافها فإنّها مع عدم طهرها تصلّي صلاة طواف العمرة و تسعى و تقصر، ثمّ تحرم لحج التمتع و تخرج إلى الوقوف بعرفة، و يدلّ على الحكم بالإضافة إلى صلاة الطواف، صحيحة أبان عن زرارة قال: (سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين، فقال: ليس عليها إذا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 72

.......... طهرت إلّا الركعتين و قد قضت الطواف) «1»، فإنّ ظاهرها عدم استيناف الطواف فلا ينافي الإتيان بالسعي بعد الركعتين ثمّ التقصير مع سعة الوقت، و نحوها رواية أبي الصباح الكنائي قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثمّ حاضت قبل أن تصلّي الركعتين؟ قال: إذا طهرت فلتصلّ الركعتين عند مقام إبراهيم و قد قضت طوافها) «2».

و احتمل بعض الأصحاب جواز السعي بين الصفا و المروة ثمّ التقصير و الإتيان بالأشواط الباقية إذا حاضت بعد الأشواط الأربعة في سعة الوقت، و لكن ذلك لا يمكن المساعدة عليه، لما دلّ من أنّ السعي بعد الطواف و صلاته، و رواية سعيد الأعرج ظاهرها ضيق الوقت، قال: (سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت، قال: تتم طوافها فليس عليها غيره، و متعتها تامة، فلها أن

تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لأنّها زادت على النصف و قد قضت متعتها و لتستأنف بعد الحج) «1»، فإنّ قوله (عليه السّلام) فلتستأنف بعد الحج ظاهرها خروجها إلى الوقوف بعرفة لضيق الوقت و عدم طهرها، و الإتيان بالطواف المفروض بعد الحج. و في صحيحة ابن مسكان عن أبي إسحاق صاحب للؤلؤ قال: (حدثني من سمع أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في المرأة المتمتّعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثمّ حاضت فمتعتها تامة، و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة، و تخرج إلى منى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 73

.......... قبل أن تطوف الطواف الآخر) «2»، و ظاهرها و لا أقل من الاحتمال أن يكون المراد سعة الوقت بعد طهرها، حيث تأتي ببقية طوافها و تسعى بين الصفا و المروة و تحرم للحج بعد التقصير و تخرج إلى عرفات من طريق منى قبل أن تأتي بطواف الحج كما هو الوظيفة في حج التمتع من تأخير طواف الحج إلى زمان الرجوع إلى مكة، و في مرسلة إبراهيم بن إسحاق (عمّن سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثمّ طمثت، قال: تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة، و لها أن تطوف بين الصفا و المروة لأنّها زادت على النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، و إن هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، و إن أقام بها جمّالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر) «3»، و ظاهرها أيضاً ضيق الوقت حيث فرض فيها مع ثلاثة أشواط الإتيان بحج الإفراد، و هذه

الأخيرة مثل قبلها من حيث السند ضعيفة، و دعوى انجبار ضعف سندها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليه، لأنّه يحتمل أن يكون حكمهم بالصحة مع أربعة أشواط

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 74

بالسعي و تقصّر ثمّ تحرم للحج و تأتي بأفعاله ثمّ تقضي بقيّة طوافها قبل طواف الحج (1) أو بعده، ثمّ تأتي ببقيّة أعمال الحج و حجّها صحيح تمتّعاً، و كذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف و قبل صلاته. لوروده في غيرها من الروايات أيضاً، و حكمهم بالاستيناف بعد طهرها مع سعة الوقت على ما تقدم و كذلك العدول إلى حج الإفراد مع ضيقه مقتضى ما تقدم.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لو أمكن دعوى الوثوق بصدور ما يدلّ على صحة الطواف بإكمال أربعة أشواط يكون الحكم كما ذكر الماتن، و لكن ورد في صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثمّ رأت دماً، قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت و اعتدّت بما مضى) «1»، و مقتضاها تدارك النقص بعد طهرها بلا فرق بين إكمال أربعة أشواط و عدمه، و إذا لم يتم ما تقدم من الروايات لضعفها سنداً يؤخذ بإطلاق هذه الصحيحة و مقتضاها تدارك ما بقي من الطواف بعد طهر بلا فرق بين حدوث الحيض بعد أربعة أشواط أو قبلها، و عليه فالأحوط عليها مع ضيق الوقت من الوقوف بعرفة، الإتيان بعد الرجوع إلى مكة بطواف كامل بقصد الأعم من التمام و الإتمام، و كذا مع سعة الوقت فتتم بعد الإتيان بالطواف بنية مذكورة عمرة تمتعها، ثمّ تحرم بحج التمتع من مكة فإن ذلك جمع بين الروايات

من حيث العمل. (1) قد تقدم في بعض الروايات الأمر بالقضاء قبل طواف الحج، و لا يحتمل الفرق بين حدوث الحيض في الأثناء أو قبل الطواف، و لذا الأحوط لو لم يكن أقوى تقدم القضاء.

[فصل في المواقيت

اشارة

فصل في المواقيت و هي المواضع المعيّنة للإحرام أطلقت عليها مجازاً أو حقيقة متشرعية، و المذكور منها في جملة من الأخبار خمسة، و في بعضها ستة، و لكن المستفاد من مجموع الأخبار

[أنّ المواضع الّتي يجوز الإحرام منها عشرة]
اشارة

أنّ المواضع الّتي يجوز الإحرام منها عشرة:

[أحدها: ذو الحُلَيفة]
اشارة

أحدها: ذو الحُلَيفة، و هي ميقات أهل المدينة و من يمرّ على طريقهم، و هل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟ قولان، و في جملة من الأخبار أنّه هو الشجرة، و في بعضها أنّه مسجد الشجرة، و على أي حال فالأحوط الاقتصار على المسجد، إذ مع كونه هو المسجد فواضح و مع كونه مكاناً فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على المقيّد، لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد و لو اختياراً و إن قلنا إن ذا الحليفة هو المسجد، و ذلك لأن مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفاً، إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد أو بالإحرام فيه، هذا مع إمكان دعوى أنّ المسجد حدّ للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته، و إن شئت فقل: المحاذاة كافية و لو مع القرب من الميقات (1). (1) قد ورد تفسير ذي الحليفة بالشجرة في صحيحة علي بن رئاب حيث قال (عليه السّلام) فيها (انّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة) «1»، و في صحيحة الحلبي بمسجد الشجرة حيث ورد فيها (و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة) «2» و ظاهر هذه أنّ المراد من المسجد خصوص المسجد لا المكان الواقع فيه المسجد الذي يطلق عليه الشجرة و ذو الحليفة، حيث ورد فيها أنّ رسول اللَّه يصلي فيه و يفرض الحج فيه فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حتى يحاذي الميل الأوّل أحرم، و وجه الظهور مناسبة الصلاة فيه مع نفس المسجد، و لا يخفى أنّه لو

كان المراد من ذي الحليفة أو الشجرة خصوص

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 76

.......... المسجد، لم يكن ذلك من حمل المطلق على المقيد، بل من قبيل ارادة الجزء من الكلّ. نعم لو كان الوارد في رواية معتبرة الأمر بالإحرام من ذي الحليفة أو الشجرة، و في الأخرى الإحرام من المسجد لكان حمل المطلق على المقيد وجه، و إن نوقش في هذا الوجه أيضاً، بأنّه فرق بين الإحرام في المسجد و الإحرام من المسجد، و الحمل إنّما يتعين على الأول دون الثاني، لأنّ الإحرام من المسجد غير ظاهر في ظرفية المسجد للإحرام، بل يناسب أن يكون المسجد حدّا للبدء بالإحرام، و لو من احدى جانبيه، فإنّ ظاهره أن لا يتقدم البدء بالإحرام على المسجد أو لا يتأخر عنه أيضاً، أضف إلى ذلك أنّ محاذاة المسجد كافية في صحة الإحرام، و لو كانت المحاذاة ممّن لا يسلك طريقاً آخر بأن تكون المحاذاة مع كون الشخص بجانب المسجد.

أقول: الأمر بالإحرام من المسجد نظير الأمر بالإحرام من الميقات، فكما لا يجوز الإحرام من موضع يعدّ أحد جانبي الميقات و خارجاً منها أو بعد الخروج منها، بدعوى الفرق بين الإحرام من الميقات و الإحرام في الميقات كذلك الأمر في المقام، فإنّ التعبير ب (من دون في) لأنّ مثل الصلاة تمامها تقع من المسجد بخلاف الإحرام، فإنّه يعتبر أمراً باقياً إلى زمان الإحلال فيبدء من المسجد أو من الميقات، و ما ورد في الإحرام من محاذاة الشجرة لا يعمّ غير من سلك طريقاً آخر، كما هو مورد الرواية و للكلام تتمة نتعرض لها في مسألة إحرام الحائض و النفساء و المحاذاة لأحد المواقيت التي عدّت ميقاتاً.

و على الجملة

إذا وصلت النوبة إلى الأصل العملي في دوران الأمر بين كون الميقات خصوص المسجد أو الأعم، فالأصل عدم اعتبار غير المسجد ميقاتاً،

[ (مسألة 1) الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجُحفة]

(مسألة 1) الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجُحفة (1) و هي ميقات أهل الشام اختياراً، نعم يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع، لكن خصها بعضهم بخصوص المرض و الضعف، لوجودهما في الأخبار فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات، و الظاهر إرادة المثال، فالأقوى جوازه مع مطلق الضرورة. و لا يعارض بأصالة عدم اعتبار خصوص المسجد، فإنّه إن أريد إثبات كون الأعم ميقاتاً يكون الأصل مثبتاً، و لا أثر آخر له لصحة الإحرام منه يقينياً. (1) كما عليه المشهور، بل لم يحك الخلاف إلّا عن ظاهر الجعفي و ابن حمزة، و عن المدارك صحة الإحرام من الجحفة مقطوع، و إن أثم بتأخيره إليها. و يستدل على عدم الجواز بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت الّتي وقّتها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا تجاوزها إلّا و أنت محرم. إلى أن قال: و وقّت لأهل المغرب الجحفة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة) «1»، و صحيحة الحلبي قال: (قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلّي فيه و يفرض الحج، و وقّت لأهل الشام الجحفة) «2»، و التعبير ب (لا ينبغي) لو لم يكن ظاهراً في التعيّن كما هو مقتضى

معناه اللغوي فلا أقل من عدم دلالته على الاستحباب المصطلح، فيؤخذ بظاهر مثل صحيحة معاوية بن عمار بل مقتضى التوقيت لموضع الإحرام كالتوقيت لزمان الإحرام و غيره الشرطية و نظيرهما، بل أوضح منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال: (سألته عن المتعة في الحج من أين إحرامها و إحرام الحج؟ قال: وقّت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهل العراق من العقيق، و لأهل المدينة و من يليها من الشجرة، و لأهل الشام و من يليها من الجحفة. إلى أن قال: فليس لأحد أن يعد و من هذه المواقيت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 78

.......... إلى غيرها) «1»، و في مقابل ذلك صحيحة معاوية بن عمار (أنّه سأل أبا عبد اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة، فقال: لا بأس) «2»، فإنّ مقتضى ترك الاستفصال في الجواب، جواز إحرامه من الجحفة و لو مع عدم العذر و ليس في البين ما يمكن رفع اليد عن إطلاقها إلّا صحيحة أبي بصير، قال: (قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): خصال عابها عليك أهل مكة، قال: و ما هي؟ قلت: قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أحرم من الشجرة، قال: الجحفة أحد الميقاتين فأخذت بأدناها و كنت عليلًا) «3»، فإنّ مقتضى اعتذاره (عليه السّلام) بقوله (و كنت عليلًا) اختصاص جواز التأخير بصورة العذر، فيكون قرينة على الجمع بين الطائفة الدالّة على عدم جواز التأخير بالإطلاق، و بين الدالّة على جوازه كذلك من صحيحة أبي بصير المتقدمة، و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى

بن جعفر (عليه السّلام) قال: (سألته عن إحرام أهل كوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل شام و مصر أين هو؟ فقال: امّا أهل كوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة، و أهل الشام و مصر من الجحفة) «4»، فإنّه يرفع اليد عن مقتضى إطلاق عطف الجحفة على ذي الحليفة بتقيده بصورة العذر عن الإحرام من ذي الحليفة، و يؤيّد ذلك رواية أبي بكر الحضرمي قال: (قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّي خرجت بأهلي ماشياً فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكياً، فجعل أهل المدينة يسألون عنّي فيقولون، لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعلمون، و قد رخّص رسول اللَّه لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة) «5»، و أمّا رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) (عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها، فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة

[ (مسألة 2) يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول إلى ميقات آخر كالجحفة أو العقيق

(مسألة 2) يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول إلى ميقات آخر كالجحفة (1) أو فليس له أن يحرم إلّا من المدينة) «1» فيأتي الكلام فيها، ثمّ إنّ التعدي من صحيحة أبي بصير من جواز تأخير المريض إلى مطلق العذر حتى الضعيف الوارد في رواية أبي بكر الحضرمي مع عدم خوفه الضرر و الحرج مشكل، كنسيان الإحرام من ذي الحليفة مع إمكان الرجوع، و الأحوط لو لم يكن أقوى الاقتصار على موارد الضرر و الحرج، ثمّ إنّه لو أخّر الإحرام إلى الجحفة من غير عذر

فهل يصحّ إحرامه من الجحفة حتى مع تمكنه من الرجوع إلى ذي الحليفة يأتي الكلام فيه في أحكام المواقيت. (1) يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول إلى ميقات آخر كالجحفة و العقيق، و ما تقدم من عدم جواز التأخير إلى الجحفة إنّما هو إذا مشى على طريق ذي الحليفة، بل لو أتى ذا الحليفة ثمّ أراد الرجوع منه و المشي من طريق آخر جاز، و كذا عند الماتن العدول عنه من غير رجوع، فإنّ الذي لا يجوز هو التجاوز عن الميقات محلًّا، بأن يمشي إلى مكة من غير إحرام من طريقه و إذا عدل إلى طريق آخر من نفس الميقات لا يكون مجاوزاً منه، و لكن ما ذكره (قدّس سرّه) مع عدم الرجوع من الميقات لا يخلو عن إشكال، فإنّه لإرادته الذهاب إلى مكة من غير رجوع يصدق تجاوزه الميقات بلا إحرام، و لا يقاس هذا بالعدول قبل الوصول إلى الميقات أو بالرجوع عنه بعده،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 80

العقيق، فعدم جواز التأخير إلى الجحفة إنّما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة، بل الظاهر أنّه لو أتى إلى ذي الحليفة ثمّ أراد الرجوع منه و المشي من طريق آخر جاز، بل يجوز أن يعدل عنه من غير رجوع فإنّ الّذي لا يجوز هو التجاوز عن الميقات مُحلا و إذا عدل إلى طريق آخر لا يكون مجاوزاً و إن كان ذلك و هو في ذي الحليفة و ما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد من المنع عن العدول إذا أتى المدينة مع ضعفه منزّل على الكراهة.

[ (مسألة 3) الحائض تحرم خارج المسجد على المختار]

(مسألة 3) الحائض تحرم خارج المسجد على المختار (1)، و يدلّ عليه مضافاً إلى ما

مر مرسلة يونس في كيفية إحرامها «و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير الصلاة» و أمّا على القول بالاختصاص بالمسجد فمع عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر تدخل المسجد و تحرم في حال الاجتياز إن أمكن، و إن لم يمكن لزحم أو غيره أحرمت خارج المسجد و جددت في الجحفة أو محاذاتها. و المناقشة في جواز ذلك أيضاً بخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) المتقدم لضعف سنده فإنّ فيه جعفر بن محمد بن حكيم لا يمكن الاعتماد عليه، مع أنّ ظاهره تعيّن الإحرام من ذي الحليفة بمجرّد قدوم المدينة. (1) إذا بنى على جواز الإحرام اختياراً من خارج المسجد، لعدم كون الميقات خصوص مسجد الشجرة، أو قيل بجوازه من أحد جانبي المسجد من الخارج، لكونه محاذاة للميقات فلا يكون تأمّل في إحرام الحائض من أحد طرفي المسجد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 81

.......... من خارجه، بل و كذا لو بنى على عدم الاكتفاء بذلك في حال الاختيار، كما يستظهر ذلك من صحيحة يونس بن يعقوب قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحائض تريد الإحرام، قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوباً دون ثوب إحرامها و تستقبل القبلة و تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير صلاة) «1»، و دعوى أنّها مختصّة بإحرام الحج من المسجد، و إن النهي عن دخولها المسجد مطلقاً ظاهره المسجد الحرام، حيث لا يجوز دخول الحائض و الجنب و لو اجتيازاً لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ الإحرام للحج يعمّ الإحرام لعمرة التمتع، حيث إنّها شرط في حج التمتع، فيصحّ الإحرام لتأتي بالحج بعد عمرتها، و حيث إنّ الدخول في

المسجد يكون لصلاة الإحرام و الحائض ليس عليها صلاة فيحرم من خارج المسجد، بل قد ذكرنا أنّ عدم التصدي لبيان حكم النساء في إحرامهنّ على طريق المدينة دليل على جواز

[ (مسألة 4) إذا كان جنباً و لم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم خارج المسجد]

(مسألة 4) إذا كان جنباً و لم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم خارج المسجد، و الأحوط أن يتيمم للدخول و الإحرام، و يتعيّن ذلك على القول بتعيين المسجد (1)، و كذا الحائض إذا لم يكن لها ماء بعد نقائها.

[الثاني: العقيق

الثاني: العقيق، و هو ميقات أهل نجد و العراق و من يمرّ عليه من غيرهم (2)، و أوّله المَسلخ، و أوسطه غَمرة، و آخره ذات عِرق، و المشهور جواز الإحرام من جميع مواضعه إحرامهنّ من خارج المسجد من غير أن يدخلن فيه، حيث إنّ الاجتياز يتوقف على الدخول من باب و الخروج من آخر، بحيث يكون المسجد طريقاً فلا يفيد مجرّد بابين أحدهما في جنب الآخر، بحيث يدخل من أحدهما و يطوف في المسجد و يخرج منه أو من باب آخر، أضف إلى ذلك ما يأتي من جواز الإحرام من أوّل البيداء حتى اختياراً، كما هو ظاهر عدّة من الروايات، بل في صحيحة معاوية بن عمار، و كذا في صحيحة العيص بن القاسم الواردتين في قضية ولادة ابن أسماء بنت عميس بالبيداء من أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) باستثفارها و اغتسالها و إحرامها فلا يكون خصوص المسجد ميقاتاً مطلقاً أو لا أقل بالإضافة إلى الحائض و النفساء. (1) هذا بناءً على عدم كون خصوص المسجد ميقاتاً فإنّه في هذا الفرض يكون إحرامه من خارجه إحراماً من الميقات، و هل يجوز في الفرض التيمم و الدخول في المسجد و الإحرام من داخله، فقد يناقش فيه بعدم الدليل على مشروعية التيمم للدخول في المسجد، و لكن لا يخفى أنّه يستحب الاغتسال للإحرام، و إذا تيمم للإحرام لكونه فاقداً للماء يجوز له

الدخول في المسجد و الإحرام منه، بل ذكرنا في بحث التيمم أنّ التيمم من فاقد الماء كالاغتسال من الجنابة لواجد الماء مستحب نفسي، و عليه فلا بأس للتيمم للطهارة و إن يدخل المسجد، و يتعيّن ذلك يعني التيمم للدخول و الإحرام منه بناءً على كون الميقات خصوص المسجد، و لذا ذكر (قدّس سرّه) أنّ التيمم للدخول و الإحرام منه احتياط، و المناقشة في مشروعية التيمم لمجرد الدخول في المسجد لا تجري إذا كان الدخول للإحرام، فتدبّر. (2) قد ورد في عدة روايات صحاح متظافرة و الفتوى بها عند الأصحاب أنّ العقيق ميقات أهل العراق و أهل النجد، و في صحيحة معاوية بن عمار (وقّت يعني رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق، بطن العقيق) «1»، و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) (امّا أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 83

اختياراً، و أنّ الأفضل الإحرام من المسلخ ثمّ من غمرة، و الأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلّا لمرض أو تقيّة فإنّه ميقات العامّة، لكن الأقوى ما هو المشهور، و يجوز في حال التقيّة الإحرام من أوّله قبل ذات عرق سرّاً من غير نزع ما عليه من الثياب إلى ذات عرق ثمّ إظهاره و لبس ثوبي الإحرام هناك، بل هو الأحوط، و إن أمكن تجرّده و لبس الثوبين سراً ثمّ نزعهما و لبس ثيابه إلى ذات عرق ثمّ التجرّد و لبس الثوبين فهو أولى. العقيق) «1».

إلى غير ذلك، و على الجملة فكون العقيق ميقاتاً لأهل العراق و لأهل النجد و غيرهم

ممّن يمرّ عليه ممّا لا ينبغي التأمّل فيه كما لا خلاف فيه، و في صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: (كتبت إليه أنّ بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق، و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مؤنة شديدة،. إلى أن قال: فكتب أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علّة فلا تجاوز الميقات إلّا من علة) «2»، و إنّما الكلام في المقام في جهتين: الأولى من جهة منتهى العقيق الذي يجوز الإحرام منه اختياراً فإنّ المشهور أنّ أوّل العقيق المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق، و لكن المحكي عن الصدوقين و الشيخ في النهاية عدم جواز تأخير الإحرام إلى ذات عرق اختياراً، و لكن ظاهر عدة من الروايات جواز تأخيره إلى ذات عرق كموثقة إسحاق بن عمار قال: (سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته، ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و إلى ذات عرق، أو إلى بعض المعادن، قال: يرجع إلى مكة بعمرة. إلى أن قال: كان أبي مجاوراً ههنا يتلقّى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 84

.......... عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج) «1» و مصححة أبي بصير قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول حدّ العقيق أوّله المسلخ، و آخره ذات عرق) «2»، و مرسلة الصدوق في الفقيه قال: (قال الصادق (عليه السّلام): وقّت رسول اللَّه لأهل العراق العقيق، و أوّله المسلخ، و وسطه

غمرة، و آخره ذات عرق، و أوّله أفضل) «3»، و لكن يناقش في المرسلة بضعف السند بالإرسال، و في المصححة باشتراك عمار بن مروان الراوي عن أبي بصير بين اليشكري الثقة و الكلبي الذي لم يثبت له توثيق، و لكن المرسلة صالحة للتأييد، و رواية أبي بصير معتبرة، لأنّه لم يثبت تعدد عمار بن مروان، و على تقديره، فالإطلاق منصرف إلى اليشكري لأنّه صاحب كتاب دون الآخر، و لذا لم يتعرض له بعض الرجاليين فإنّه إمّا للاتحاد أو ندرة رواياته، و الحاصل ما ورد في أنّ آخر العقيق ذات العرق أو أنّه يحرم من ذات العرق مقتضاه جواز الإحرام منه حتى في حال الاختيار، و لكن قد يقال بأنّ مقتضى صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: وقّت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهل المشرق العقيق نحواً من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة «4»، ينافي كون ذات عرق ميقاتاً حيث إنّ ظاهرها انتهاء الميقات في غمرة، و كذا ظاهر خبر أبي بصير عن أحدهما (عليه السّلام) قال: (حدّ العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة) «5»، و لكن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 85

.......... مقتضى الجمع هو الالتزام بأنّ الإحرام من أوّل العقيق أي في المسلخ أفضل منه من غمرة، و الإحرام من غمرة أفضل من الإحرام من ذات عرق، فإنّ ما تقدّم صريح في جواز الإحرام من ذات عرق، و صحيحة عمر بن يزيد ظاهرة في عدم جواز الإحرام منه، و بتعبير آخر صريح ما تقدّم كون ذات عرق ميقاتاً، و ظاهر الصحيحة خروجها فيرفع اليد عن الظاهر، حيث إنّه بالإطلاق

بالتصريح بكونه ميقاتاً في مصحّحة أبي بصير، و بجواز الإحرام منه في موثقة إسحاق بن عمار كما هو ظاهر صحيحة مسمع عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة، فليحرم من منزله) «1»، و أيضاً يدلّ على أفضلية الإحرام من أوّل العقيق أفضل بالإضافة إلى الإحرام من غمرة و ذات عرق، صحيحة يونس بن يعقوب قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الإحرام من أي العقيق أفضل أن أحرم، قال: من أوّله أفضل) «2»، و في صحيحة إسحاق بن عمار قال: (سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الإحرام، من غمرة؟ قال: ليس به بأس، و كان بريد العقيق أحبّ إليّ) «3»، و أمّا ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (آخر العقيق بريد أوطاس، و قال: بريد البعث دون غمرة ببريدين) «4»، فإن كان الأوطاس قبل ذات عرق فقد تقدم أنّ الإحرام منه يحمل على الأفضلية، و إن كان بعد ذات عرق فلا ينافي ما تقدم من جواز الإحرام من ذات عرق، و في صحيحته الثانية عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (أوّل العقيق بريد البعث، و هو دون المسلخ بستّة أميال ممّا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 86

.......... يلي العراق، و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلًا بريدان) «5»، فإنّ المستفاد منها كما هو المستفاد ممّا قبلها أنّ المسافة من بريد البعث إلى غمرة بريدان، و انّ الإحرام يصح من أوّل بريد البعث، و لو كان دون المسلخ، و مقتضى الجمع بينهما و بين معتبرة أبي بصير الظاهرة في أنّ حدّ العقيق أوّله المسلخ و

آخره ذات عرق، هو الالتزام بأنّ بريد البعث بتمامه، و إن كان داخلًا في ذات عرق، إلّا أنّ الإحرام يتعيّن بستّة أميال منه إلى آخر ذات عرق، و يناسب ذلك التعبير عن ذلك الموضع بالمسلخ، و ما ورد في مثل صحيحة معاوية بن عمار من قوله (عليه السّلام): (و وقّت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق ببطن العقيق) و بذلك يظهر الحال في الجهة الثانية، و هو تعيين مبدأ العقيق من جهة إنشاء الإحرام.

ينبغي في المقام التعرّض لأمرين: أحدهما ما رواه الطبرسي في كتاب الإحتجاج عن محمد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، و رواه الشيخ في كتاب الغيبة مسنداً عن أحمد بن إبراهيم النوبختي انّ في جملة ما كتبه الحميري إلى صاحب الزمان (عجّل اللَّه تعالى فرجه) انّه كتب إليه يسأله (عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلًا بهم يحجّ و يأخذ عن طريق الجادة، لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة، أم لا يجوز أن يحرم إلّا من المسلخ، فكتب إليه من الجواب: يحرم من ميقاته، ثمّ يلبس الثياب و يلبى في نفسه، فإذا بلغ ميقاتهم أظهره) «1»، و لكن ضعف السند يمنع عن رفع اليد عن الأخبار المتقدمة و حملها على أن ذات عرق ميقات حال الضرورة، بل لا يمكن هذا الحمل بالإضافة إلى موثقة إسحاق بن عمار الذي أحرم فيه (عليه السّلام) من ذات عرق للحج. الثاني: قد ورد في الروايات المتقدمة و غيرها أنّ العقيق ميقات لأهل النجد و العراق، و لكن في صحيحة عمر بن يزيد (وقّت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه

و آله و سلّم) لأهل المشرق العقيق نحواً من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل نجد قرن المنازل) «2» الحديث، فهذه الصحيحة تنافي ما تقدم و يمكن دفعه بأنّ لأهل النجد طريقين يكون الميقات على أحدهما العقيق، و على الآخر قرن المنازل.

[الثالث: الجَحفة]

الثالث: الجَحفة، و هي لأهل الشام و مصر و مغرب و من يمرّ عليها من غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق (1) عليها.

[الرابع: يَلَمْلَم

الرابع: يَلَمْلَم، و هو لأهل اليمن (2). (1) قد ورد في صحيحة الحلبي و غيرها، أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) (وقّت لأهل الشام الجحفة) و في صحيحة علي بن جعفر (إحرام أهل الشام و مصر من الجحفة) و في صحيحته الأخرى (و لأهل الشام و من يليها من الجحفة) و في صحيحة معاوية بن عمار (وقّت لأهل المغرب الجحفة) و كذا في صحيحة أبي أيوب الخزاز «1»، و قد تقدم أنّ المعذور في الإحرام من مسجد الشجرة يحرم من الجحفة و ورد أيضاً في صحيحة صفوان بن يحيى (انّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها) «2». (2) بلا خلاف و يدلُّ على الروايات الواردة في تعيين المواقيت، إلّا أنّ صحيحة

[الخامس: قَرن المنازل

الخامس: قَرن المنازل، و هو لأهل الطائف.

[السادس: مكّة]

السادس: مكّة، و هي لحج التمتّع (1).

[السابع: دُوَيرة الأهل أي المنزل

السابع: دُوَيرة الأهل أي المنزل، و هي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكّة (2)، بل لأهل مكّة أيضاً على المشهور الأقوى و إن استشكل فيه بعضهم فإنّهم يحرمون لحج القران علي بن رئاب و وقّت لأهل اليمن قرن المنازل و لا بدّ من حملها على ما حملنا عليه صحيحة عمر بن يزيد حيث كان الوارد فيها (و لأهل النجد قرن المنازل مع أنّه كان الوارد في غير واحد من الروايات أنّ ميقات أهل النجد و أهل العراق هو العقيق) و ذكرنا أنّه يمكن أن يكون لأهل النجد طريقان يكون الميقات على أحدهما العقيق، و على الآخر قرن المنازل، و هذا يجري في صحيحة علي بن رئاب أيضاً، و إنّما الخلاف في تعيين يلملم، و كذا الحال في تعيين قرن المنازل، و يأتي الكلام في الوظيفة في تعيين كلّ منهما. (1) بلا خلاف يعرف، و يدلّ عليه ما تقدم، و من الروايات الدالة على أنّ المتمتع للحج بالعمرة لا يخرج عن مكة حتى يحج أو يحرم للحج إذا عرضت له حاجة، و أمّا ما في صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي قال: (قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و هو بمكة من أين أهلّ بالحج، فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من المسجد و إن شئت من الطريق) «1» لا ينافي ما ذكر حيث إنّه يحمل الطريق على طريق الخروج من مكة لا طريق المنى بعد الخروج من مكة. (2) ليس المراد و لا المستفاد من الروايات الواردة في المقام ان تقاس المسافة بين منزله و مكة إلى المسافة بين جميع المواقيت و بين مكة، فإن كانت

المسافة بين

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 89

و الإفراد من مكّة، بل و كذا المجاور الّذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكّة، و إن كان الأحوط منزله و مكة أقل من المسافة من كل من المواقيت و بين مكة يحرم من منزله، و إلّا يذهب إلى الميقات، ليلزم على ذلك أن من يكون منزله بعد الجحفة بقليل ان يذهب إلى الجحفة و يحرم منها، لأن بعد منزله من مكة أكثر من بعد ذات عرق أو قرن المنازل من مكة، بل المراد و المستفاد منها أن يعدّ منزل الشخص من بعد الميقات إلى مكة، و كونه أي الميقات قدام منزله من ناحية مكة أو انّ منزلة من قبل الميقات و ورائه، و لا يحسب جميع المواقيت فيكون إحرام المكلف في المثال من منزله، و المعيار كون منزله كذلك بالإضافة إلى الميقات إلى مكة لا بالإضافة إلى عرفات، و أن لا يحصل على ما ذكرنا فرق بين الأمرين، و لا ملاحظة البعد من الميقات إلى مكة في إحرام العمرة و منه إلى عرفات في إحرام الحج، و ذلك لعدم ذكر عرفات في شي ء من الروايات الواردة في المقام، و قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) بعد ذكر المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقّته منزله) فإنّه و إن يتوهم منها بدواً انّ المعيار ملاحظة جميع المواقيت إلّا أنّ المراد منها ما ذكرنا حيث ورد في صحيحة مسمع عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى

مكة، فليحرم من منزله) «1»، فإنّ ظاهرها كون المعيار ملاحظة ذات عرق بالإضافة إليه لا قرن المنازل، الذي يقال إنّه أقرب المواقيت إلى مكة مسافةً، و في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الشيخ يسنده إلى كتاب موسى بن القاسم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (من كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من منزله)، و في الصحيح عن عبد اللَّه بن مسكان عن أبي سعيد قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عمّن كان منزله

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 90

إحرامه من الجعرانة و هي أحد مواضع أدنى الحل للصحيحين الواردين فيه المقتضي دون الجحفة إلى مكة، قال: يحرم منه)، إلى غير ذلك، و لا يخفى أنّه إذا كان منزل الرجل بعد ذي الحليفة و قبل الجحفة يتعين عليه الإحرام من الجحفة، و لا يجزي إحرامه من منزله، لأنّ ما ورد في الروايات أنّ من كان منزله دون الميقات إلى مكة يحرم من منزله، ظاهرها أنّه ليس عليه الذهاب إلى الوراء للإحرام من الميقات، بل يحرم من منزله، فلا تعم ما إذا كان قدامه ميقات آخر. و يؤيده أنّه لم يرد رواية فيمن كان منزله دون ذي الحليفة إلى مكة، بل ورد فيمن كان دون الجحفة إلى مكة، و من كان منزله دون ذات عرق إلى مكة لا من كان منزله دون المسلخ أو بريد البعث، ثمّ إنّ هذا كلّه بالإضافة إلى من يكون منزله بين الميقات و بين مكة، و أمّا بالإضافة إلى أهل مكة فيقال: إنّ ميقاتهم أيضاً منازلهم، كما هو المنسوب إلى المشهور. بدعوى أنّ المستفاد من الروايات المتقدمة كون منزلهم ميقاتاً لهم، لكونها من توابع

مكة، فيشمل أهل مكة بالأولوية و في النبوي (فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله) حيث إنّ دونهنّ يعمّ أهل مكة، و مثلها مرسلة الصدوق (عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم، قال: من منزله) «2» حيث إنّ خلف الجحفة يعمّ نفس مكة أيضاً، و لكن لا يخفى أنّ الروايات

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 91

إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم ينتقل، و إن كان القدر المتيقّن الثاني، المتقدمة واردة فيمن يكون منزله أقرب إلى مكة بالإضافة إلى ما بين الميقات و مكة، و بتعبير آخر يكون بالإضافة إلى مكة منزله قدام الميقات لا ورائه، و النبوي و المرسلة لضعفهما سنداً لا يمكن الاعتماد عليهما، مع أنّ ظاهر المرسلة أي خلف الميقات لا تشمل منازل مكة كما هو منصرف السؤال الوارد فيها، و ما ذكر من كون دويرة الأهل ميقاتاً لكون أهلها تابعين لأهل مكة لم يظهر له وجه، و ممّا ذكر يظهر الحال فيما ورد في رواية رباح بن أبي نصر قال: (قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام). إلى أن قال: فهل قال علي (عليه السّلام) من تمام الحج و العمرة أن يحرم الرجل من دويرة أهله، فقال: قد قال ذلك أمير المؤمنين (عليه السّلام) لمن كان منزله خلف المواقيت) الحديث مع أنّها واردة في بيان لزوم الإحرام من المواقيت كما لا يخفى.

في موضع الإحرام لحج الإفراد و القران و قد يقال: الروايات الواردة فيها من كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من منزله، شامل لمن كان منزله خارج مكة و داخل الحرم بلا تأمّل، و إذا كان الحكم ثابتاً في حقّه يثبت في حق من يكون

منزله بمكة، لأنّ احتمال الفرق بعيد جدّاً، و لكن لم يظهر أيضاً وجه بعد الفرق، و الماتن (قدّس سرّه) فصل بين المكّي و المجاور الذي انتقلت وظيفته إلى وظيفة أهل مكة، فإنّه كالمكي يحرم لحج الإفراد و القران من مكة، و لكن ذكر أنّ الاحتياط بالإضافة إلى المجاور الإحرام من الجعرانة، و هي أحد مواضع أدنى الحلّ، و علّله بإطلاق الصحيحتين الدالتين على أنّ المجاور بمكة يحرم من الجعرانة، إحداهما صحيحة صفوان عن أبي الفضل قال: (كنت مجاوراً بمكّة فسألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) من أين أحرم بالحج، قال: من حيث أحرم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح، فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت: متى أخرج؟ قال: إذا كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم، و إذا كنت حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس) «1»، و المراد بأبي الفضل سالم الحناط و ثانيتهما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج حيث ورد فيها (قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّي أريد الجوار بمكة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 92

.......... فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فأخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج) الحديث «2» و ذكر (قدّس سرّه) أنّ المتيقن من الصحيحتين المجاور الذي لم تنتقل وظيفته إلى حج الإفراد أو القرآن، و لا تعمّان المجاور الذي انتقلت وظيفته إلى وظيفة أهل مكة، و لكن الأحوط العمل بإطلاقهما بأن يخرج هذا المجاور الذي انتقلت وظيفته إلى وظيفة أهل مكة إلى الجعرانة.

أقول: لا يبعد كون المتيقن من صحيحة أبي الفضل المجاور الذي انتقلت وظيفته إلى حج الإفراد و

القران، حيث سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن موضع إحرامه للحج أولًا، و عن زمان إحرام له ثانياً، و أجاب (عليه السّلام) بالتفصيل في زمان إحرامه بين كونه صرورة، و بين كونه غير صرورة، و لو كان صرورة و كان الفرض عدم انتقال وظيفته، فاللازم أن يسأل الإمام (عليه السّلام) عن موضع إحرامه للعمرة، لا أن يسأل عن موضع إحرامه للحج، و زمان إحرامه له، فإنّ موضع إحرام حج التمتع مكة بلا كلام و بلا فرق بين شخص دون شخص، و حمل الصحيحة على صورة عدم استطاعته لحج التمتع و إرادته الإتيان بحج الإفراد ندباً، و إن كان محتملًا إلّا أنّ مجرد هذا الاحتمال لا يجعل كون قبل انتقال الوظيفة متيقناً، بل غايته الإطلاق و شمول السؤال و الجواب بمعنى عدم الاستفصال فيه لكل من فرض انتقال الوظيفة و عدمه، مع أنّه سيأتي منه (قدّس سرّه) في آخر المسألة السادسة ان قبل انتقال الوظيفة إذا أراد الحج أو القرآن فميقاته أحد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 93

فلا يشمل ما نحن فيه، لكن الأحوط ما ذكرنا عملًا بإطلاقهما، و الظاهر أنّ الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة، و إلّا فيجوز له الإحرام من أحد المواقيت (1)، بل لعلّه أفضل لبعد المسافة و طول زمان الإحرام. الخمسة أو محاذاتها، و قوله (قدّس سرّه) الأحوط عملًا بإطلاقهما ما ذكرنا من الخروج إلى الجعرانة و فيه ما لا يخفى، فإنّ القدر المتيقن إذا منع عن الإطلاق فلا إطلاق، و إن لم يمنع كما هو الصحيح يجب العمل به، و أمّا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فما ورد في ذيلها، لا يبعد أن يكون قرينة على

أنّها أيضاً ناظرة إلى من انتقلت وظيفته إلى الإفراد و صار كأهل مكة التي لا متعة لهم، نعم تعبير الإمام (عليه السّلام) (فأحببت أن يخرجوا من مكة إلى بعض المواقيت)، و تعليله (عليه السّلام) عدم أمره النساء بالخروج و الاكتفاء بإحرامهنّ من مكة، بأنّ خروجهنّ شهرة يناسب الاستحباب، فإنّ مجرد كون خروجهنّ شهرة يقتضي سقوط اعتبار الإحرام من الميقات، كما هو الحال في سائر المواقيت أيضاً، و أيضاً لو لم يكن ظاهر الصحيحة المجاور بقصد الاستيطان فلا أقل من إطلاقها، حيث إنّ ظاهر القاطن هو المستوطن، و أن يستعمل في بعض الموارد بمعنى مطلق المجاور، و عليه فالأحوط على القاطن أيضاً كالمجاور الخروج إلى الجعرانة و الإحرام منه للحج، حيث إنّ الإحرام من خصوص مكة بملاحظة الروايات غير لازم على المستوطن و المجاور الذي انتقلت وظيفته بأن كان بعد سنتين من الإقامة يقيناً و الإحرام من أدنى الحلّ مطلقاً أو خصوص الجعرانة إمّا لازم أو مستحب، كما لا يخفى على المستوطن و المجاور الذي انتقلت وظيفته بأن كان بعد سنتين من الإقامة. (1) و ذلك فإنّ الأمر بالإحرام من دويرة أهله ظاهره أنّه لتسهيل الأمر، و دفع توهم الخطر، مع أنّ المنهي عنه في الروايات هو أن يتجاوز الميقات بلا إحرام، بأن

[الثامن: فَخّ

الثامن: فَخّ، و هو ميقات الصبيان في غير حج التمتّع عند جماعة (1)، بمعنى جواز تأخير إحرامهم إلى هذا المكان لا أنّه يتعيّن ذلك، و لكن الأحوط ما عن آخرين من وجوب كون إحرامهم من الميقات لكن لا يجرّدون إلّا في فخّ، ثمّ إنّ جواز التأخير على القول الأوّل، إنّما هو إذا مرّوا على طريق المدينة، و أمّا إذا سلكوا طريقاً لا يصل

إلى فخّ فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين. يتجاوز نحو مكة، لا الرجوع من ميقات إلى ميقات ورائه، و يعمّه ما ورد في صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: (كتبت إليه أنّ بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق، و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مؤنة شديدة. إلى أن قال: فكتب انّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها) «1» الحديث، و مقتضاها جواز الرجوع من ميقات آخر، غاية الأمر يرفع اليد عن إطلاقها في صورة تجاوز ميقات آخر نحو مكة بلا إحرام، و على ذلك فيصحّ القول بأنّ بعد المسافة لكون المكلف محرّماً يوجب كون إحرامه من الميقات أفضل. (1) ذكر جماعة و لعلّه الأشهر من كون فخّ ميقات الصبيان، و لكن في غير حج التمتع، فإنّ ميقات حجّ التمتع هو خصوص مكة بالنسبة إلى جميع الناس، و هو بفتح الفاء و تشديد الخاء المعجمة، بئر معروف على فرسخ من مكة على ما قيل، و يمكن أن يرجع إليه ما عن القاموس، من أنّه موضع بمكة دفن فيه ابن عمر، و كذا ما عن السرائر أنّه على رأس فرسخ من مكة قتل فيه الحسين بن على بن الحسن بن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و يستظهر كونه ميقاتاً لهم من صحيحة أيوب بن الحرّ أخي أديم قال: (سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) من أين تجرّد الصبيان، قال: كان أبي يجرّدهم من فخّ)، و وجه الاستظهار هو أنّ السؤال عن تجريد الصبيان من ثيابهم سؤال عن موضع

[التاسع: محاذاة أحد المواقيت الخمسة]

التاسع: محاذاة أحد المواقيت الخمسة، و هي

ميقات من لم يمرّ على أحدها، و الدليل عليه صحيحتا ابن سنان (1)، و لا يضرّ اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالية منهما و عدم القول بالفصل، و مقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكّة إذا كان في طريق يحاذي اثنين، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكّة. إحرامهم، لأنّه عند الإحرام ينزع الثياب، و بها يرفع اليد عن إطلاق ما دلّ على عدم جواز الإحرام إلّا من المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و لكن لا يخفى كون السؤال راجعاً إلى موضع إحرام الصبيان لا موضع تجريدهم عن ثيابهم غير ظاهر، بل مقتضى ما ورد في المواقيت و أنّ من تمام الحج و العمرة الإحرام من المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، لزوم إحرامهم من الميقات، نعم يجوز أن يؤخر إحرامهم عن ميقات إذا كان بعده ميقات آخر، كالتأخير من مسجد الشجرة إلى الجحفة و لا يختص ذلك بهم، بل يجري في مطلق الضعيف و المريض على ما تقدم، و ما في الصحيح عن يونس بن يعقوب عن أبيه قال: (قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ معي صبية صغاراً و أنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج، فليحرموا منها) «1» الحديث، لعدم ثبوت التوثيق لوالد يونس لا يمكن الاعتماد عليها، و في السند مع قطع النظر عنه أيضاً مناقشة، أضف إلى ذلك أنّ العَرْج على ما قيل قرية من نواحي الطائف أوّل تهامة، لم يعرف الالتزام بكونه ميقاتاً و لو للصبيان من الأصحاب. (1) قد يقال بأنّ الصحيحتين لا دلالة لها إلّا على جواز الإحرام من محاذاة

الشجرة من البيداء في الجملة، فإنّ فيما رواه الكليني بسنده عن عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (من أقام بالمدينة شهراً و هو يريد الحج ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء) «2» و مقتضى هذه اعتبار كون الشخص مريداً للحج من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 96

و تتحقّق المحاذاة بأن يصل في طريقه إلى مكّة إلى موضع يكون بينه و بين مكّة باب، و هي بين ذلك الميقات و مكّة بالخط المستقيم و بوجه آخر أن يكون الخط من موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق.

ثمّ إنّ المدار على صدق المحاذاة عرفاً، فلا يكفي إذا كان بعيداً عنه فيعتبر فيها المسامتة كما لا يخفى. طريق أهل المدينة، و كونه مقيماً بها شهراً ثمّ بدا له الخروج من طريق آخر، فلا دلالة لها على جواز الإحرام من محاذاتها في غير ذلك، و فيما رواه الفقيه عن عبد اللَّه بن سنان قال: من اقام بالمدينة، و هو يريد الحج شهراً أو نحوه ثمّ بدا له أن يخرج من غير طريق أهل المدينة فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستة أميال فليحرم (منها) «1» و مقتضاها أيضاً كونه مريداً للحج على طريق المدينة، ثمّ بدا له ذلك بعد إقامته بها شهراً أو نحو شهر، و لا يقال: لمثل خمسة أيام أو عشرة أيام، بل الأزيد نحو شهر.

و على الجملة المأخوذ فيها إقامة شهر و نحوه، بعد دخول المدينة بقصد الحج من الشجرة ثمّ بدا له الحج من طريق آخر، و مع

ذلك قد يقال بتعارضها بمرسلة الكليني (قدّس سرّه) قال: (و في رواية أخرى يحرم من الشجرة ثمّ يأخذ أي طريق شاء) و رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: (سألته عن قوم قدموا مدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام، يعني: الإحرام من الشجرة و أرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها؟ فقال: لا و هو مغصب، من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة) «2»، و لكن المرسلة لإرسالها ضعيفة، و أمّا رواية إبراهيم بن عبد الحميد مع ضعف سندها أيضاً لا تنافي الصحيحتين، فإنّ المراد من الإحرام من المدينة الشروع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 97

.......... فيه من المدينة، فلا ينافي الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة بأن يغتسل في المدينة و ينشأ التلبية من محاذاة الشجرة، حيث إنّ الوارد في السؤال خوفهم من كثرة أيام الإحرام فيما إذا أحرموا من مسجد الشجرة، و أرادوا تأخيره إلى ذات عرق.

أقول: احتمال اختصاص الحكم بمحاذاة الشجرة له وجه، و أمّا الخصوصية الأخرى ممّا ذكره الإمام (عليه السّلام) من إقامة الشهر أو نحوه و حصول البداء و كونه قاصداً للحج من طريق المدينة ابتداءً لا يحتمل دخلها في الحكم، بل ذكرها لحصول البداء للمكلف معها غالباً نظير البداء بعد قصد الإقامة في مكان، و لذا لم يفهموا الأصحاب دخالتها في الحكم، بل اختصاص هذا الحكم بخصوص مسجد الشجرة دون سائر المواقيت بعيد، فيما إذا لم يكن في الطريق الذي أخذه إلى الحج غير محاذاة الميقات، و إذا كان في الطريق ما يحاذي الاثنين فاللازم الإحرام من أبعدهما إلى مكة، كما هو الظاهر من تعيّن الإحرام

من محاذاة الشجرة المستفاد من الصحيحتين، و إذا كان فيه ميقات أقرب إلى مكة فلا يبعد استفادة تعيّن الإحرام من المحاذي الأبعد منه، و لكن الأحوط الإحرام من المحاذي ثمّ التلبية في الميقات بقصد الأعم من التكرار و الإنشاء، و وجه الاستفادة أنّه (عليه السّلام) لم يقيّد الإحرام من محاذي الشجرة بما إذا لم يكن في الطريق المفروض ميقات آخر، ثمّ إنّه و إن كان الوارد في الصحيحتين الإحرام من مسيرة ستة أميال، إلّا أنّ الستة لا موضوعية لها، بل المعيار أن يكون في محاذاة الشجرة، سواء سلك طريقاً بخط مستقيم ستة أميال أو منكسر أزيد منها، كما يفصح عن ذلك قوله (عليه السّلام) فيكون حذاء الشجرة، ثمّ إنّ الماتن (قدّس سرّه) ذكر في تحقق المحاذاة وجهين: أحدهما، وصول المكلف في طريقه إلى مكة موضعاً يكون الفاصل بينه و بين مكة بعينه المقدار الفاصل بين ذلك الميقات و مكة، و الثاني: أن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 98

و اللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن (1)، و إلّا فالظنّ الحاصل من قول أهل الخبرة، و مع عدمه أيضاً فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أوّل موضع احتماله و استمرار النية يكون الخط من ذلك الموضع إلى ذلك الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق، و ظاهر كلامه أنّ الثاني تعبير آخر للوجه الأوّل، و لكن مقتضاهما يختلف، فإنّه إذا فرض وصول القادم إلى مكة من جهة جنوبها إلى نقطة يكون المسافة بينها و بين مكة بالخط المستقيم مقدار المسافة بين مسجد الشجرة و بين مكة، فيصدق الوجه الأوّل، مع أنّه لا يصدق على ذلك محاذاة الميقات، بل يعدّ مواجهته و إذا فرض طريق

يحاذي لطريق ذي الحليفة مثلًا، و وصل المكلف فيه إلى نقطة يصل الخط الخارج عن جهته إلى مكة، و الخطوط الخارجة عن يمينه و شماله إلى مسجد الشجرة، و لكن الخط العمودي الواصل عن يمينه أو شماله إلى الميقات أطول من الخطوط المنحنية، كما إذا صار الفصل بينه و بين مسجد الشجرة في نقطة المحاذاة أوسع لانحناء الطريق فيها عما قبلها، فبتحقق المحاذاة قطعاً و لا يصدق الوجه الثاني، و ما ذكر بعد ذلك من أنّ المدار على صدق المحاذاة عرفاً، فلا يكفي الإحرام من موضع يكون بعيداً عن الميقات عرفاً، بل تعتبر في المحاذاة للميقات المعدود من المواقيت المسامتة للميقات، أي كون الموضع المفروض و الميقات أحدهما في سمت الآخر، و بذلك يندفع ما ذكرنا على الوجه الأوّل إذا كان مراده (قدّس سرّه) المسامتة، بحيث يصدق عرفاً أنّ الميقات يحاذي يمينه أو شماله، و يمكن توجيه الوجه الثاني أيضاً بأنّه ناظر إلى ما كان الطريق الذي يسلكه المحرم من المحاذي موازياً مع الطريق الذي فيه ميقات. (1) إذا فرض كون الموضع المحاذي للميقات ميقاتاً يجري عليه حكم سائر المواقيت من أنّ اللازم عند الإحرام إحراز كونه محاذياً للميقات، و يكفي في إحراز

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 99

و التلبية إلى آخر مواضعه، و لا يضر احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذ مع أنّه لا يجوز، لأنّه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط، و لا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة أو أصالة عدم وجوب الإحرام، لأنّهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذياً، و المفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة، و يجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الإحرام قبل

الميقات فيحرم في أوّل موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر، و الأحوط في صورة الظنّ أيضاً عدم الاكتفاء به و إعمال أحد هذه الأمور، و إن كان الأقوى الاكتفاء، بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات، لكن الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقاً. ذلك قول أهل الخبرة أي المطلعين على حال ذلك الموضع و لو لأجل كونهم من الناس الذين يعيشون في أطراف ذلك الطريق العارفين بالميقات، و في صحيحة معاوية بن عمار قال: (يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الأعراب عن ذلك) كما هو الحال، أيضاً فيما ورد في صحيحة عبد اللَّه بن سنان (فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة) حيث إنّ الموضع في طريقه على ستة أميال من مدينة لا يعرف عادة إلّا بقول الأشخاص العارفين بحال ذلك الطريق، و اعتبار حصول الظن من قولهم غير ظاهر لا من الصحيحة و لا من غيرها، و كذا اعتبار عدم إمكان تحصيل العلم بالميقات في الاعتماد على الظن، نعم يحتمل أنّ الأمر بالسؤال إذا لم يعرف الميقات لحصول العلم بها و لو اطميناناً، فلا يدلّ على اعتبار قولهم تعبداً أو عند حصول مطلق الظنّ، و لكن هذا الاحتمال ضعيف لأنّ قوله (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار (يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الأعراب) من التعبير بالاجزاء ظاهره العمل بقولهم.

ثمّ إنّه إذا لم يمكن تحصيل العلم و الاطمينان بالمحاذاة و لا الظفر بقول الناس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 100

ثمّ إن أحرم في موضع الظنّ بالمحاذاة (1) و لم يتبيّن الخلاف فلا إشكال،

و إن تبيّن بعد ذلك كونه قبل المحاذاة و لم يتجاوزه أعاد الإحرام، و إن تبيّن كونه قبله و قد تجاوز أو تبيّن كونه بعده فإن أمكن العود و التجديد تعيّن، و إلّا فيكفي في الصورة الثانية و يجدد في من أطراف ذلك الموضع، فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أوّل موضع يحتمل فيه المحاذاة و استمرار نيّة إنشائه و التلبية رجاءً إلى آخر موضع يحتمل محاذاته، و يجوز الإحرام جزماً من أول موضع يحتمل محاذاته بنحو الجزم، بل قبله أيضاً مع النذر، حيث ينعقد الإحرام قبل الميقات بالنذر، و إذا كان ناذراً فيجوز الإحرام بالتلبية أو بغيرها قبل الوصول إلى موضع يحتمل محاذاته للميقات أو من ذلك الموضع بعينه، بلا حاجة إلى الاستمرار المذكور، نعم إذا كان الموضع المفروض يحتمل كونه بعد محاذاة الميقات و أمكن الإحرام بالذهاب إلى الميقات تعين الذهاب إليه، كما في الحجاج النازلين في جدة في زماننا الحاضر، فإنّه يحتمل كونه بعد المحاذاة فلا يقبح النذر الإحرام منها، بل لو كان الحاج غير مريد للذهاب إلى الميقات تعين الذهاب إليه كما في الحجاج النازلين في جدة في زماننا الحاضر، فإنّه يحتمل كونه بعد المحاذاة فلا يصحّح النذر الإحرام منها، بل لو كان الحاج غير مريد للذهاب إلى الميقات كالجحفة فعليه أن يعقد إحرامه بالنذر من قبل، بل الإحرام منها أحوط مع النذر، بالإضافة إلى من لا يتمكن من الذهاب إلى الميقات و لو لضيق الوقت و خوفه فوت عمرة التمتع أو الوقوف بعرفة لاحتمال كونه قبل المحاذاة المعتبرة. (1) قد ذكر الماتن (قدّس سرّه) أنّه إذا أحرم من موضع الظنّ بالمحاذاة و لم ينكشف الخلاف فلا إشكال في الحكم

بالاجزاء أي صحة إحرامه، كما هو مقتضى اعتبار الظن عنده أو اعتبار قول الساكنين في أطراف الطريق و الموضع كما ذكرنا، و أمّا إذا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 101

الأُولى في مكانه، و الأولى التجديد مطلقاً (1). تبين الخلاف ففيه صور:

الأولى: أن ينكشف أنّه أحرم قبل الموضع المحاذي و لم يكن متجاوزاً موضع المحاذاة، فإنّه يعيد في هذه الإحرام من موضعها، لأنّ اعتبار الظنّ في المقام أو قول أهل الخبرة ظاهره أنّه كسائر الموارد في أنّه لا يزيد على اعتبار العلم في كونه طريقاً إلى الواقع، فالتكليف بالواقع مع انكشاف بقائه يكون منجزاً فعليه إحراز الإتيان بمتعلّقه إلّا مع قيام دليل على خلافه.

الثانية: ما إذا تبين أنّه أحرم قبل موضع المحاذاة، و لكن عند انكشاف الحال كان متجاوزاً ذلك الموضع، و قد ظهر ممّا ذكرنا سابقاً أنّه يتعين عليه فيها الرجوع إلى موضع المحاذاة ليتدارك الإحرام منه، هذا مع تمكنه من الرجوع إليه، و أمّا مع عدم تمكنه و لو لخوف ضيق الوقت جدّد إحرامه في موضعه، لما سيأتي من قيام الدليل على أنّ من ترك الإحرام من الميقات و لم يتمكن من الرجوع إليه بحرم من موضعه.

الثالثة: ما إذا أحرم بعد موضع المحاذاة و تبيّن الأمر بعد ذلك، فقد ذكر الماتن أنه يرجع إلى موضع المحاذاة و يحرم منه و هو الصحيح، كما يظهر وجهه ممّا ذكرنا، و أمّا إذا لم يتمكن من الرجوع فقد أفتى (قدّس سرّه) بصحة إحرامه، و لكن لا يخفى ما فيه فإن ما قام الدليل على أجزائه هو أن يحرم الشخص من موضع لا يتمكن من الرجوع فيه إلى الميقات أو المحاذاة حال إحرامه، و أمّا إذا

كان عند إحرامه متمكناً من الرجوع و عند الانكشاف لم يتمكن، فلا دليل على إجزاء ذلك الإحرام، بل الإحرام المفروض أوّلًا باطل، و حيث لا يتمكن فعلًا من الرجوع إلى الميقات يحرم من موضعه. (1) قد تقدم أن تجديد الإحرام متعيّن، لأنّ الإحرام من غير الميقات و من غير

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 102

و لا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البر و البحر (1).

ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا يتصوّر طريق لا يمرّ على ميقات و لا يكون محاذياً لواحد منها، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب فلا بدّ من محاذاة واحد منها (2)، و لو فرض إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحل، و عن بعضهم أنّه يحرم من موضع يكون بينه و بين مكّة بقدر ما بينها و بين أقرب المواقيت إليها و هو مرحلتان، لأنّه لا يجوز لأحد قطعه إلّا محرماً، و فيه أنّه لا دليل عليه، لكن الأحوط الإحرام منه و تجديده في أدنى الحل. محاذاة يصحّ إذا لم يتمكن المكلف عند إحرامه من الذهاب إلى الميقات و لو بالرجوع، و في الصورة الثانية إن كان عند إحرامه متمكناً من الرجوع إلى الميقات أو موضع المحاذاة كان مكلّفاً بالإحرام من أحدهما، و لا أقل لم يكن مكلفاً بالإحرام من موضعه الذي أحرم منه، و انّما يحدث التكليف به بعد طريان عدم تمكنه من الرجوع. (1) فإنّ المستفاد من صحيحة عبد اللَّه بن سنان، هو كون المكلف محاذياً لمسجد الشجرة موضوع لجواز الإحرام أو تعينه منه، و إذا بنى على عدم الخصوصية لمحاذاة الشجرة فيعم محاذاة أيّ ميقات، سواء كان من طريق البرّ أو البحر، حيث ان الوارد

فيها و إن كان خصوصية ستة أميال من الطريق الآخر، إلّا أن ذكرها لما ورد فيها من أنه (فيكون حذاء الشجرة من البيداء لو بنى على الاختصاص، فأيضاً لا خصوصية لمحاذاة الشجرة من طريق البحر. نعم إذا كانت المسافة بعيدة جدّاً فلا دليل على إجزاء الإحرام بالمحاذاة من بعيد. (2) قد تقدم منه قده اعتبار الصدق العرفي في كفاية الإحرام من موضع المحاذاة، و عليه فلا يفيد مجرّد ما ذكره، فإنّ الدائرة الموهومة في كل المواقيت التي مركزها مكة، و إن كانت متعددة بتعدّد المواقيت، فلا بدّ في كل من يريد دخول مكة من وصوله في طريقه إلى موضع يحاذي أحد المواقيت، سواء كان طريقه شرقاً أو غرباً أو شمالًا أو جنوباً بالنسبة إلى مكة، إلّا أنّ هذه المحاذاة علميّة لا عرفية، و غير العرفي لا اعتبار به كسائر العناوين المتعلقة بها الأحكام في الخطابات الشرعية.

ثمّ ذكر (قدّس سرّه) أنّه لو فرض طريق لم يكن فيه ميقات و لا موضع محاذي للميقات، فاللازم الإحرام من أدنى الحلّ، و فيه أوّلًا، أنّ مسجد الشجرة من جهة الشمال،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 103

.......... و الجحفة بين الشمال و المغرب، و وادي العقيق بين الشمال و المشرق، و قرن المنازل في المشرق تقريباً، و يلملم من جهة الجنوب، إلّا أنّه لا دليل على كفاية المحاذاة التي تكون عرفية، و أمّا ما ذكره (قدّس سرّه) من كون إحرامه من أدنى الحلّ لا دليل عليه مع التمكن من الذهاب إلى أحد المواقيت، بل لا يجوز له سلوك طريق لا يكون فيه ميقات أو المحاذي له المتمكن من معرفته، كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر عن أخيه

(عليه السّلام) قال: (سألته عن المتعة في الحج من أين إحرامها و إحرام الحج، قال: وقّت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأهل العراق من العقيق، و لأهل المدينة و ما يليها من الشجرة، و لأهل الشام و ما يليها الجحفة، و لأهل الطائف من قرن، و لأهل اليمن من يلملم، فليس لأحد أن يعدوا من هذه المواقيت إلى غيرها) «1» فإنّ ظاهرها أنّ كل من يحجّ عليه أن يحرم من أحد هذه المواقيت، غاية الأمر يرفع اليد بالإضافة إلى من يحرم من موضع المحاذاة مطلقاً، أو في خصوص الشجرة، و مثلها صحيحة الحلبي قال: (قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، و وقّت لأهل المدينة) «2» الحديث، و لو قيل بأنّه لا دلالة للفظة (لا ينبغي) على عدم الجواز، فإنّه يكفي في الحكم الصحيحة المتقدمة، حيث لو لم يكن (لا ينبغي) و لو بقرينة التوقيت دالًّا على الإلزام، فيحمل

[العاشر: أدنى الحل
اشارة

العاشر: أدنى الحل، و هو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الإفراد، بل لكل عمرة مفردة (1)، و الأفضل أن يكون من الحُدَيبية أو الجِعرانة أو التنعيم فإنّها منصوصة، و هي من حدود الحرم على اختلاف بينها في القرب و البعد، فإنّ الحديبية بالتخفيف أو التشديد بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة ثمّ أطلق على الموضع، و يقال نصفه في الحل عليه بصحيحة علي بن جعفر بعد ان لم يكن ظاهراً في معناه المصطلح، و التزام الماتن (قدّس سرّه) بتعين الإحرام من أدنى الحلّ،

لدلالة الاخبار أنّه لا يجوز دخول الحرم، كما في بعض الروايات و دخول مكة في بعضها الآخر بلا إحرام، و حيث إنّ الإحرام لا يكون واجباً مستقلا و إنّما يجب في عمرة أو حج، فالواجب على من يريد دخول مكة في عمرة أو حج الإحرام قبل دخول الحرم، و أمّا الدخول إلى مكة من داخل الحرم كالدخول إلى الحرم فقط لا يحتاج إلى الإحرام، و إذا لاحظنا وجوب الإحرام لدخول الحرم و ضممنا إليه أنّه لا يجوز أن يجاوز الميقات أو يُحاذيه بلا إحرام، و هذا الفرد لم يجاوز شيئاً منهما، و أصالة البراءة عن وجوب ذهابه إلى الميقات مقتضاها الإحرام من أدنى الحلّ، و فيه أنّه لا مورد لأصالة البراءة في المقام، لما ذكرنا من أنّ تعيّن الإحرام من إحدى المواقيت مدلول الصحيحتين فلا موجب لرفع اليد عنه. (1) مراده (قدّس سرّه) أنّ ميقات العمرة المفردة التي يؤتى بها بعد الفراغ من حج الأفراد أو القرآن، حيث يكون الحاج بمكة و أدنى الحل، و كذا الحل من أراد الإتيان بالعمرة المفردة من مكة حتى من أتى بحجّ التمتع أو لم يأت بالحج أصلًا و أراد العمرة المفردة يخرج إلى أدنى الحلّ فيحرم لها منه، كما يصرّح بذلك في المسألة السادسة، و يدلّ على ذلك صحيحة جميل بن دراج قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال: تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة، ثمّ تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة، قال ابن أبى عمير: كما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 105

و نصفه في الحرم، و الجعرانة بكسر الجيم و العين و

تشديد الراء أو بكسر الجيم و سكون العين و تخفيف الراء موضع بين مكّة و الطائف على سبعة أميال، و التنعيم موضع قريب من مكّة و هو أقرب أطراف الحل إلى مكّة، و يقال: بينه و بين مكّة أربعة أميال، و يعرف بمسجد عائشة، كذا في مجمع البحرين، و أمّا المواقيت الخمسة فعن العلّامة (رحمه اللَّه) في المنتهى أن أبعدها من مكة صنعت عائشة) «1»، و صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر، أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها) «2»، و قوله (عليه السّلام) و ما أشبهها ظاهره عدم اختصاص موضع الإحرام بالموضعين أو الثلاثة، و أن وجه الشباهة كونها من أدنى الحلّ. نعم بما أنّ الثلاثة منصوصة بعناونيها فالأفضل الاقتصار بها، و لا يقدح في الاستدلال اختصاص الجواب في صحيحة جميل بمورد السؤال، فإن الصحيحة الثانية عامة بالإضافة إلى كل من كان بمكة وارد الإتيان بالعمرة المفردة، و بتعبير آخر الأمر بالخروج إلى التنعيم إرشاد إلى كون ميقات العمرة المفردة هو التنعيم، كما أنّ قوله (عليه السّلام): (من أراد أن يخرج.) ظاهره المفروغية من عدم جواز إحرام العمرة من مكة، و أنه يكون بعد خروجه إلى ميقات إحرامها و انّ ميقات إحرامها ما ذكر، نعم روى الصدوق مرسلًا بعد نقل صحيحة عمر بن يزيد أنه قال: و إن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) اعتمر ثلاث عمر متفرقات كلّها في ذي القعدة، عمرة أهل فيها من عسفان و هي عمرة الحديبية، و عمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة، و عمرة أهل فيها من الجعرانة، و هي بعد أن

رجع من الطائف من غزاة حنين «3».

و المراد من عمرة القضا قضاء عمرة الحديبية، حيث لم يوفق بعد إحرامه من الدخول إلى مكة و قضاها في السنة الآتية بالإحرام لها من الجحفة، و يشكل بأن إحرامه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في عمرة الحديبية لا بد من أن يقع في مسجد الشجرة، و كذا في القضاء، بل في عمرته الثالثة أيضاً لم يكن (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) داخل مكة حتى يكون ميقات عمرته

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 106

ذو الحليفة فإنّها على عشرة مراحل من مكّة، و يليه في البعد الجحفة، و المواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة بينها و بين مكّة ليلتان قاصدتان، و قيل: إنّ الجحفة على ثلاث مراحل من مكّة. المفردة الجعرانة، فكيف أحرم في الاولى من عسفان و في القضاء من الجحفة و في الثالثة من الجعرانة، و روى المرسلة الكليني (قدّس سرّه) بسند صحيح عن معاوية بن عمار مع شي ء من الاختلاف، و لا ينبغي التأمل في أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أحرم بالعمرة المفردة من الجعرانة عند رجوعه من طائف، كما ورد ذلك في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و غيرها، و لا بأس بالالتزام بأن من مر على الميقات لا يجب عليه الإحرام إذا لم يكن مريداً لدخول مكة، و إذا صار في أدنى الحلّ عند رجوعه عن مقصده فلا بأس أنّ يحرم بالعمرة المفردة من أدنى الحلّ، نظير من كان بمكة و أراد الإتيان بالعمرة المفردة.

و أما إحرامه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من عسفان الذي رجع (صلّى اللَّه عليه و آله

و سلّم) بعد إحرامه بصدّ المشركين من دخوله إلى مكة و إحرام قضائها في السنة اللاحقة بإحرامه من جحفة فهذا غير ثابت، فإن الموجود في الكافي إهلال من عسفان، ثم في القضاء الإهلال من الجحفة، و لعل المراد بالإهلال رفع الصوت بالتلبية، فإن الرفع حصل فيهما و إن كان محرماً من مسجد الشجرة، كما يحتمل أنّ يكون تركه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الإحرام من مسجد الشجرة لعذر، فإن المراد حكاية فعل في واقعة لا معرفة لنا بخصوصياتها، فالمتبع في غير من كان بمكة عموم قوله (عليه السّلام) بعد حكاية عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) المواقيت التي وقتها فليس لأحد ان يعدو من هذه المواقيت إلى غيرها، و إنما يرفع اليد عنه بالإضافة إلى من كان منزله دون الميقات أو كان بمكة، فإن الأول يحرم من منزله إذا كان خارج مكة، و من كان بمكة فإنه يخرج إلى أدنى الحلّ على ما تقدم.

[ (مسألة 5) كل من حجّ أو اعتمر على طريق فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق

(مسألة 5) كل من حجّ أو اعتمر على طريق فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق، و إن كان مُهَلّ أرضه غيره كما أشرنا إليه سابقاً، فلا يتعيّن أن يحرم من مهلّ أرضه بالإجماع و النصوص (1)، منها صحيحة صفوان: «إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها».

[ (مسألة 6) قد علم ممّا مرّ أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة]

(مسألة 6) قد علم ممّا مرّ أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة واجباً كان أو مستحبّاً من الآفاقي أو من أهل مكّة، و ميقات عمرته أحد المواقيت الخمسة أو محاذاتها كذلك أيضاً (2)، (1) و منها ما ورد في جواز التمتع للمكّي إذا بعد ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت، و في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة، فيمر ببعض المواقيت إله أنّ يتمتع؟ قال: (ما أزعم ان ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحب الي) «1» و المراد الإهلال بالحج أحبّ، و منها ما ورد في صحيحة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المتمتع يجي ء و يقضي حاجته إلى أن قال (عليه السّلام): (كان أبي مجاوراً ههنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج) «2» و منها ما ورد من ان (من أقام في المدينة شهراً يحرم إذا خرج في غير طريق المدينة من مسيرة ستة أميال من محاذات الشجرة) إلى غير ذلك. (2) أي من غير فرق بين كونه من الآفاقي أو كونه من أهل مكة، و قد يقال لا بد من تقييد ذلك

بعدم كون منزل أهله أقرب إلى مكة من الميقات، و إلا فيجوز له الإحرام لعمرة التمتع من منزله، كما يحرم للعمرة المفردة و لحج الافراد و القران منه. و بتعبير آخر ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) بعد بيان المواقيت من قوله (و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله) مقتضاه كون منزله ميقاتاً لأي إحرام غير الإحرام لحج التمتع، حيث ان الميقات

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 108

و ميقات حجّ القرآن و الإفراد أحد تلك المواقيت مطلقاً أيضاً، إلّا إذا كان منزله دون الميقات أو مكّة فميقاته منزله، و يجوز من أحد تلك المواقيت أيضاً بل هو الأفضل، و ميقات عمرتهما أدنى الحل إذا كان في مكّة و يجوز من أحد المواقيت أيضاً، و إذا لم يكن في مكّة فيتعيّن أحدها (1)، و كذا الحكم في العمرة المفردة مستحبة كانت أو واجبة، و إن نذر الإحرام من ميقات معيّن تعيّن، و المجاور بمكّة بعد السنتين حاله حال أهلها، و قبل ذلك حاله حال النائي، فإذا أراد حج الإفراد أو القرآن يكون ميقاته أحد الخمسة أو محاذاتها، و إذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحل. لإحرامه لكل أحد هو مكة، و لكن قد تقدم سابقاً أنّ مشروعية عمرة التمتع لأهل مكة الداخلين في حاضري المسجد الحرام في غير صورة مرورهم على أحد المواقيت غير ظاهرة، و عليه فاللازم و لا أقل من الاحتياط إذا أرادوا حج التمتع ندباً ان يحرموا لإحرام عمرة التمتع من أحد المواقيت الخمسة كما هو الحال في أهل نفس مكة فإنه لا يجوز لهم الإحرام

لعمرة التمتع من مكة. (1) و منها منزل أهله على ما تقدم، و لعل لذلك لم يقيد المواقيت في الفرض بالخمسة، و الحاصل أنّ من كان منزل أهله دون الميقات من مكة فإحرامه لحج الافراد و القران بل لعمرتهما منزله. نعم إذا كان في مكة يخرج لعمرتهما لأدنى الحلّ على ما تقدم، و تقدم أيضاً ان هذا الحكم غير جار بالاضافة إلى أهل مكة، و إن إحرامهم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 109

.......... من منزلهم محل إشكال حتى بالإضافة إلى إحرام حج الافراد فضلًا عن إحرامهم للعمرة المفردة، بل الأحوط لو لم يكن أظهر الخروج إلى الجعرانة في إحرام حج الافراد و إلى أدنى الحلّ في إحرام العمرة المفردة كسائر من يكون في مكة، و يريد العمرة سواء كان قاطناً أو مجاوراً أو نازلًا أخذاً بالإطلاق في صحيحة عمر بن يزيد «1». أي وجب الإحرام منه، لأن ميقاته يتعين في المنذور بحيث لو أحرم من غيره بطل إحرامه، لأن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، فلو ترك الإحرام من المنذور عصى و وجبت عليه كفارة الحنث، إلّا أنه يصح إحرامه من ميقات آخر و لو للأمر به ترتباً، و إنما يجب الوفاء بالنذر إذا لم يستلزم الوفاء التجاوز من ميقات أو محاذاته بلا إحرام، و إلا كان النذر باطلًا لعدم رجحان منذورة باستلزامه ارتكاب الحرام.

هذا ينافي ما تقدم منه (قدّس سرّه) في الميقات السابع، حيث تعرض فيه للصحيحتين يعني صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، و صحيحة أبي الفضل، الواردتين في المجاور و أنه يخرج لإحرام حجّه إلى الجعرانة فيحرم للحج منها، حيث قال (قدّس سرّه): بعد الإشارة إليهما ان المتيقن منها

المجاور الذي لم ينتقل فرضه إلى حج الافراد و القران، أي لا يكون بعد إكمال اقامة سنتين بمكة، و كأنه تحملان على المجاور الذي يريد حج الافراد ندباً فيكون ميقاته الجعرانة، مع أنه (قدّس سرّه) ذكر في المقام ان ميقاته لحج الافراد و القران أحد المواقيت الخمسة، كما ذكر قبل ذلك أنّ وظيفة المجاور مع إرادته الإتيان بعمرة التمتع مهل أرضه، و قد ذكرنا سابقاً أن المجاور مطلقاً إذا أراد حج الافراد يخرج إلى الجعرانة و يجري ذلك حتى في أهل مكة.

[فصل في أحكام المواقيت

اشارة

فصل في أحكام المواقيت

[ (مسألة 1) لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد]

(مسألة 1) لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد، و لا يكفي المرور عليها محرماً بل لا بدّ من إنشائه جديداً (1)، ففي خبر ميسرة: «دخلت على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و أنا متغيّر اللون فقال (عليه السّلام): من أين أحرمت بالحج؟ فقلت: من موضع كذا و كذا، فقال (عليه السّلام): ربّ طالب خير يزلّ قدمه، ثمّ قال: أ يسرّك إن صلّيت الظهر في السفر أربعاً؟ قلت: لا قال: فهو و اللَّه ذاك».

نعم يستثني من ذلك موضعان:

أحدها: إذا نذر الإحرام قبل الميقات، فإنّه يجوز و يصح للنصوص، منها خبر أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «لو أنّ عبداً أنعم اللَّه تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يُحرم من خراسان كان عليه أن يتم». (1) بلا خلاف معروف أو منقول و تقتضيه نصوص المواقيت، حيث إنها عينت لإنشاء الإحرام منها لا مجرد المرور عليها محرماً كما هو مدلولها، و قد وردت روايات متظافرة في بعضها شُبه الإحرام قبل الميقات بصلاة العصر بست ركعات، و في موثقة ميسر التي عبر عنها في المتن بخبر ميسرة بالإتيان بالظهر في السفر أربعاً، و يستثنى من الحكم المذكور موردان الأول ما إذا نذر الإحرام قبل الميقات على المشهور، خلافاً لابن إدريس حيث منعه لكونه خلاف مقتضى الأدلة و أصول المذهب، و لكن نسبة المنع إلى غيره من القدماء لم تثبت. و يستدل على جواز تقديم الإحرام على الميقات بالنذر بصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل جعل للَّه عليه شكراً ان يحرم من الكوفة، قال: (فليحرم من الكوفة، و ليف

بما قال) «1» و قد يناقش فيها سنداً و دلالة، اما سنداً، فإن الموجود في بعض نسخ التهذيب الحسين بن سعيد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 111

و لا يضر عدم رجحان ذلك بل مرجوحيّته قبل النذر مع أنّ اللازم كون متعلّق النذر راجحاً، و ذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من الأخبار، و اللازم رجحانه حين العمل و لو كان ذلك للنذر، و نظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرّم من حيث هو مع صحّته و رجحانه بالنذر، و لا بدّ من دليل يدلّ على كونه راجحاً بشرط النذر، فلا يرد أنّ لازم ذلك صحّة نذر كل مكروه أو محرّم، و في المقامين المذكورين الكاشف هو الأخبار، فالقول بعدم الانعقاد كما عن جماعة لما ذكر لا وجه له، لوجود النصوص و إمكان تطبيقها على القاعدة. عن حماد عن علي، و حماد الذي يروي عنه الحسين بن سعيد هو حماد بن عيسى، و على الذي يروي منه حماد بن عيسى هو علي بن أبي حمزة البطائني، و لا أقل من كون ذلك محتملًا، و فيه ان الحديث أخرجه في الاستبصار عن الحسين بن سعيد عن حماد عن الحلبي، و لم ينقل اختلاف في نسخة الاستبصار، و رواية حماد بن عيسى عن عمر ان الحلبي في التهذيبين متعدد بل نظير السند أيضاً موجود فلا موجب لاحتمال كون الراوي علي بن أبي حمزة البطائني بل نسخة على اشتباه، بقرينة رواية الاستبصار، و المناقشة في دلالتها بأن المراد من الإحرام بالكوفة الإحرام من ميقات أهل العراق و الكوفة، نظير ما ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) (من أن ميقات أهل

السند من البصرة) «1» يعني من ميقات أهل البصرة يدفعها ظهورها في نذر الإحرام من نفس الكوفة لا من ميقات أهل الكوفة، نظير ما ورد في موثقة أبي بصير و خبر على بن أبي حمزة قال: كتبت إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أسأله عن رجل جعل للَّه عليه أن يحرم من الكوفة؟ قال: (يحرم من الكوفة) «2» و على الجملة فلا مجال للمناقشة في الحكم بحسب المدرك و أما تطبيق الحكم على القاعدة المعروفة من أنه لا بد من كون متعلق النذر راجحاً في نفسه، فقد ذكرنا في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 112

و في إلحاق العهد و اليمين بالنذر و عدمه وجوه، ثالثها إلحاق العهد دون اليمين، و لا يبعد الأوّل لإمكان الاستفادة من الأخبار، و الأحوط الثاني (1) لكون الحكم على خلاف القاعدة، هذا. بحث أوقات الصلاة ان المعتبرة في انعقاد النذر ان يكون العمل المنذور في ظرفه راجحاً و لو بتعلق النذر، و لكن لا يمكن استفادة صيرورة المنذور في ظرف العمل راجحاً من خطاب وجوب الوفاء بالنذر، حيث إن وجوبه قد قيّد بما إذا كان المنذور في ظرفه راجحاً، فلا بد من إحراز كون المنذور كذلك، اما من قيام دليل على رجحان المنذور مطلقاً حتى و إن لم يتعلق به نذر، أو قيام دليل بصيرورته راجحاً في ظرف العمل بتعلق النذر به، كما هو مدلول صحيحة الحلبي و غيرها في المقام و ما ذكرناه ظاهر كلام الماتن (قدّس سرّه) في المقام. (1) قد اختار (قدّس سرّه) إلحاق العهد و اليمن بالنذر في جواز الإحرام قبل الميقات بكل منهما أيضاً، و كأنه لإطلاق الأخبار و التزم بأن الأحوط

استحباباً عدم الإلحاق لكون الحكم على خلاف القاعدة، و المراد بالاحتياط إما ترك العهد و اليمين على الإحرام قبل الميقات، أو تقديم الإحرام بعد العهود و اليمين رجاءً، و تجديد إنشاء الإحرام بعد وصوله إلى الميقات رجاءً أيضاً، و ما ذكره (قدّس سرّه) من إمكان استفادة عموم الحكم من الاخبار بحيث يعم العهد و اليمين غير تام بالإضافة إلى صحيحة الحلبي، و رواية علي بن حمزة، لأن ظاهر ما ورد فيهما من أنه جعل للَّه عليه ان يحرم من الكوفة هو النذر. نعم ما ورد في موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من قوله فجعل على نفسه ان يحرم بخراسان يعمّ النذر و العهد، بل اليمين أيضاً، فإن في كل منها التزاماً على نفسه بالعمل و لكن بما أنه لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق فإنه يعم الالتزام بالإحرام قبل الميقات و لو لم يكن بصورة العهد الشرعي أو النذر و الحلف باللَّه، فاللازم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 113

و لا يلزم التجديد في الميقات و لا المرور عليها (1) و إن كان الأحوط التجديد خروجاً عن شبهة الخلاف.

و الظاهر اعتبار تعيين المكان (2) فلا يصح نذر الإحرام قبل الميقات مطلقاً فيكون مخيّراً بين الأمكنة لأنّه القدر المتيقّن بعد عدم الإطلاق في الأخبار، نعم لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول: «للَّه عليّ أن أحرم إمّا من الكوفة أو من البصرة» و إن كان الأحوط خلافه. الاقتصار بالقدر المتيقن و هو صورة النذر فلو لم يكن الاقتصار أظهر فلا أقل من تعين الاحتياط. (1) أما عدم لزوم التجديد، فلان المفروض كونه محرماً بإحرام صحيح، و إما لزوم المرور على الميقات

فإن المرور على الميقات يجب للإحرام منه، و ما هو منهي عنه هو التجاوز عن الميقات بلا إحرام فلا يجب عليه المرور عليها، فإن مرّ يجوز له المرور من غير تجديد إحرامه، نعم إذا ذهب إلى الميقات و جدّد إحرامه لاحتمال عدم كونه في الواقع محرماً لما تقدم عن بعض يكون من الاحتياط المستحب. (2) صحة الإحرام قبل الميقات بالنذر خلاف القاعدة، بمعنى أنه لو لم يكن الدليل الخاص على جواز الإحرام قبله بالنذر لكان الإحرام المفروض محكوماً بالبطلان، لان خطابات وجوب الوفاء بالنذر حيث إنها مقيدة بكون المنذور راجحاً لا تعمّه، لكونه قبل الميقات المحكوم بعدم الجواز، بمقتضى أدلة توقيت المواقيت. و الدليل الخاص الوارد لا يعمّ غير نذر الإحرام من مكان معين كالكوفة و خراسان، كما هو المفروض في الصحيحة و الموثقة المتقدمتين.

و ما ذكر الماتن من نفي البعد عن الصحة مع الترديد بين المكانين بان يقول للَّه على ان أحرم أما من الكوفة أو من البصرة، فلم يعلم الفرق بينه و بين التردد بين امكنه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 114

و لا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة (1)، نعم لو كان للحج أو عمرة التمتّع يشترط أن يكون في أشهر الحج لاعتبار كون الإحرام لهما فيها، و النصوص إنّما جوزت قبل الوقت المكاني فقط.

ثمّ لو نذر و خالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسياناً أو عمداً لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات، نعم عليه الكفارة إذا خالفه متعمّداً. ثلثه أو أربعة، فلو لم يكن عدم الصحة مع الترديد أظهر فلا ينبغي التأمل في ان تركه أحوط بترك النذر، أو تجديد الإحرام

بعد الوصول إلى الميقات.

الإحرام قبل الميقات (1) كل ذلك للإطلاق في الصحيحة و الموثقة حيث لم يفرض الإحرام لخصوص حج أو عمرة فيهما في السؤال، كما أنه لم يستفصل الإمام (عليه السّلام) في الجواب، نعم إذا كان المنذور الإحرام لعمرة التمتع أو لحج الافراد أو القرآن المندوبين أو غيرهما، فاللازم أن يكون الإحرام المنذور قبل الميقات، الإحرام في أشهر الحج، لأن الصحيحة و غيرها ناظرة إلى تجويز التقديم في الإحرام مكاناً لا من حيث الزمان المعتبر فيه.

ثم أنه لو نذر الإحرام من مكان قبل الميقات، و خالف نذره و أحرم من الميقات، صح إحرامه لأن وجوب الحج أو استحبابه لا يسقط بمخالفة نذره فيتعلق الأمر به و لو بالإحرام من الميقات، و لو بنحو الترتب فإن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده، نعم عليه الكفارة إذا كانت مخالفة نذره عمدياً، بخلاف ما لو كان جاهلًا فإنه لا كفارة فيها مع الجهل حتى في صورة التقصير و استحقاق العقاب.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 115

ثانيهما: إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي فواتها إن أخّر الإحرام إلى الميقات (1) فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و إن أتى ببقية الأعمال في شعبان، لصحيحة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «عن رجل يجي ء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق أ يحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب، أم يؤخّر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: يحرم قبل الوقت لرجب فإن لرجب فضلًا» و صحيحة معاوية بن عمّار: «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الّذي

وقت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا أن يخاف فوت الشهر في العمرة» و مقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك (1) بلا خلاف معروف أو منقول، و يدلُّ عليه صحيحة إسحاق بن عمار التي ذكرها في المتن، و رواها الشيخ و الكليني (قدّس سرّهما)، و كذا صحيحة معاوية بن عمار التي أوردها في المتن، و الأولى و إن كانت واردة في تقديم الإحرام للعمرة المفردة قبل الميقات لإدراك عمرة رجب، إلّا أن الصحيحة الثانية، تعم تقديم إحرامها لإدراك عمرة الشهر سواء كان في رجب أو غيره، فإن لكل شهر عمرة. و قد ذكر في الجواهر ان التعليل في الصحيحة الأولى، فإن لرجب فضلًا مقتضاه اختصاص الحكم بإحرام عمرة رجب، لأن باقي الشهور متساوية في الفضل. و قد يناقش فيما ذكره بأنه إذا كان أدراك عمرة كل شهر بإدراك الإحرام لعمرته قبل انقضائه، فمع اعتبار الفصل بين إحرام عمرة و عمرة أخرى بشهر كما تقدم سابقاً لا يكون ادراك فضل عمرة شهر، أن يحرم بها فيه قبل انقضائه ليتمكن من تجديد الإحرام للشهر الآتي فيه الذي في عمرتها أيضاً فضل، لكن لا يخفى ما فيه فإن ظاهر التعليل أن لشهر رجب فضلًا بالإضافة إلى سائر الشهور، بمعنى أنه إذا أراد الإتيان بعمرة مفردة فقط أما برجب أو شعبان فيقدم إحرامه لعمرة رجب قبل الميقات فيما إذا خاف فوت الإحرام فيه مع تأخيره إلى الميقات، نعم هذا لا ينافي جواز التقديم أيضاً فيما إذا خاف انقضاء شهر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 116

لإدراك عمرة غير رجب أيضاً، حيث إنّ لكل شهر عمرة، لكن الأصحاب خصصوا ذلك برجب فهو الأحوط حيث إنّ الحكم

على خلاف القاعدة، و الأولى و الأحوط مع ذلك التجديد في الميقات، كما أنّ الأحوط التأخير إلى آخر الوقت و إن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق، إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات، بل هو الأولى حيث إنّه يقع باقي أعمالها أيضاً في رجب (1).

و الظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة و الواجبة بالأصل أو بالنذر و نحوه.

[ (مسألة 2) كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها]

(مسألة 2) كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها، فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكّة أن يجاوز الميقات اختياراً إلّا محرماً (2)، قبل الإحرام لعمرته، بحيث لم يتمكن من الإحرام لعمرة الشهر الآتي و لو لاعتبار الفصل بين الإحرام لعمرتين بانقضاء الشهر، و هذا يدخل في مدلول صحيحة معاوية بن عمار و لا ينافيه التعليل في صحيحة إسحاق بن عمار، فتكون النتيجة أنه يجوز تقديم الإحرام في العمرة المفردة في فرضين، الأول: ما إذا أراد الإتيان بعمرة واحدة أما في رجب أو شعبان فالفضل في عمرة رجب و لإدراك عمرته يكفي الإحرام لها قبل الميقات، إذا خاف الفوت مع التأخير إليها، و الثاني: ما إذا أراد عمرة شهرين و خاف فوت الاولى بتأخير الإحرام لها إلى الميقات. (1) لا يخفى ما في هذا التعليل و المناسب أن يقال هو الاولى لكونه محرماً في رجب في زمان أكثر. (2) كما هو المستفاد مما ورد في توقيت المواقيت، و إنها وقت لإحرام أهلها و من أتى إليها و انه لا يتجاوز عنها من غير إحرام، و الحكم فيما إذا لم يكن أمامه ميقات آخر مما لا تأمل فيه، و أما إذا كان أمامه ميقات آخر فالظاهر أن الحكم

المذكور

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 117

بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضاً إلّا محرماً و إن كان أمامه ميقات آخر، فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان إلّا إذا كان أمامه ميقات آخر فإنّه يجزئه الإحرام منها (1) و إن أثم بترك الإحرام من الميقات الأوّل، و الأحوط العود إليها مع الإمكان مطلقاً و إن كان أمامه ميقات آخر، و أمّا إذا لم يرد النسك و لا دخول مكّة بأن كان له شغل خارج مكة و لو يجري في هذا الفرض أيضاً كما هو مقتضى إطلاق قوله (عليه السّلام) و لا تجاوزها إلّا و أنت محرم، فإن مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين كون ميقات آخر أمامه أم لا، و ما ورد في صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السّلام) أن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، لا يدل على جواز ترك الإحرام من ميقات بأن يتجاوزها بلا إحرام منه و يحرم من ميقات أمامه، بل مدلولها أن المواقيت الموقتة من قبل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا تختص بخصوص أهلها، بل من أتى عليها من غير أهلها تحسب ميقاتاً له أيضاً، فلا يجوز له أيضاً تجاوزها بلا إحرام. و الحاصل عدم جواز تأخير إحرامه إلى ميقات آخر أمامه و تجاوزه عن ميقات قبله بلا إحرام غير جائز إلّا مع العذر، كما يدل أيضاً على ذلك موثقة أبي بصير الواردة في اعتذار الإمام (عليه السّلام) عن تأخير إحرامه إلى الجحفة، و تركه من مسجد الشجرة، حيث ذكر (عليه السّلام) و الجحفة أحد الوقتين

فأخذت بأدناهما و كنت عليلًا، و قد ورد في رواية أبي بكر الحضرمي (و قد رخّص رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة) «1». (1) و قد ذكر الماتن (قدّس سرّه) أنه لو تجاوز الميقات عمداً و كان امامه ميقات آخر و أحرم منه أجزء، و لكن أثم بتجاوزه عن الميقات السابق بلا إحرام، و كأنه (قدّس سرّه) قد حمل الأمر بالإحرام من مسجد الشجرة مثلًا، لمن يريد العمرة أو الحج على مجرد التكليف و النهي عن تجاوزه بلا ميقات، إرشاداً إلى عدم جواز الترك و عدم الترخيص فيه، و لكن لا يخفى أن الأمر بالإحرام منه و النهي عن تجاوزه بدونه بقرينة كون الإحرام

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 118

كان في الحرم فلا يجب الإحرام (1)، نعم في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم و إن لم يرد دخول مكّة، لكن قد يدعى الإجماع على عدم وجوبه و إن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات. جزء العمل الواجب أو المستحب إرشاد إلى شرطية ذلك الميقات في صحة إحرامه لا مجرّد التكليف، و عليه فإن لم يتمكن عند الإحرام من الجحفة من الرجوع إلى مسجد الشجرة يصح إحرامه منها، كما إذا لم يكن عند تجاوزه الميقات من ميقات آخر، أيضاً يصح إحرامه من غير الميقات لما يأتي، و أما مع التمكن من الرجوع لا دليل على سقوط الشرطية فاللازم الرجوع، نعم ذكرنا أن المعذور في ترك الإحرام من ذي الحليفة، يحرم من الجحفة، و لا يبعد الالتزام في صورة عدم تمكنه من الرجوع و تركه الإحرام من

ذي الحليفة عمداً و بلا عذر، استحقاق العقاب على الترك فيما كان حجّه أو عمرته واجبة لتفويته الجزء الاختياري بعد فعلية التكليف. (1) و ذلك فإنه لو كان الإحرام لمجرد دخول الحرم من غير دخول مكة واجباً أيضاً، لكان الأمر بالإحرام لمن يريد دخول مكة مختصاً بالساكنين في خارج مكة من أهل الحرم، و ذلك فإن الإحرام لا يكون مشروعاً إلّا في ضمن عمرة أو حج و ليس الأمر به أمراً نفسياً استقلالياً.

و لو وجب الإحرام في ضمن عمرة أو حج لدخول الحرم يكون المكلف المذكور عند دخول مكة لإتمام العمرة أو الحج محرماً، فلا معنى للأمر بإحرامه لدخول مكة، فيختص ما ورد في الروايات من الأمر بالإحرام لدخول مكة ناظراً إلى من كان ساكناً في أطراف مكة من داخل الحرم، مع أن ظاهر بعض تلك الاخبار أن الإحرام لدخول مكة تكليف بالإضافة إلى جميع الناس لحرمتها، و في صحيحة معاوية بن عمار قال، قال: رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يوم فتح مكة: إن اللَّه حرم مكة يوم خلق

[ (مسألة 3) لو أخّر الإحرام من الميقات عالماً عامداً و لم يتمكّن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر]

(مسألة 3) لو أخّر الإحرام من الميقات عالماً عامداً و لم يتمكّن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر و لم يكن أمامه ميقات آخر بطل إحرامه و حجّه على المشهور الأقوى (1)، السموات و الأرض، و هي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي، و لا تحل لأحد بعدي، و لم تحل لي إلّا ساعة من نهار «1» و ظاهرها أن التكليف بالإحرام لدخول مكة تكليف بالإضافة إلى جميع الناس، حتى بالإضافة إلى شخص يسكن داخل الحرم و من هو بعيد عن الحرم بأقصى بعد، و المناسب لهذا

التكليف العام أن الإحرام لا يكون واجباً على من يريد الحرم فقط لا دخول مكة، و على الجملة ما ورد في صحيحة عاصم بن حميد قال قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يدخل الحرم أحد محرماً؟ قال: لا، إلّا مريض أو مبطون «2» و كذا ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليه السّلام) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال: (لا إلّا أن يكون مريضاً أو به بطن) «3» بقرينة ما ذكرنا ناظرتان لمن يريد بدخوله الحرم دخول مكة، و أن اللازم الإحرام لدخولها سواء كان الشخص داخلًا من خارج الحرم أو داخله، كما يدل على ذلك ما تقدم. و صحيحة أخرى لمحمد بن مسلم سألت أبا جعفر (عليه السّلام) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام قال: (لا إلا مريضاً أو من به بطن) «4». (1) قد تقدم أنّ الأمر بالإحرام من الميقات كالأمر بجزء العمل في حال أو زمان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 120

و وجب عليه قضاؤه إذا كان مستطيعاً، و أمّا إذا لم يكن مستطيعاً فلا يجب، و إن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات خصوصاً إذا لم يدخل مكّة، و القول بوجوبه عليه و لو لم يكن مستطيعاً بدعوى وجوب ذلك عليه إذا قصد مكّة فمع تركه يجب قضاؤه لا دليل عليه، خصوصاً إذا لم يدخل مكّة، و ذلك لأنّ الواجب عليه إنّما كان الإحرام لشرف البقعة، كصلاة التحيّة في دخول المسجد فلا قضاء مع تركه، مع أنّ وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحج عليه، و أيضاً إذا بدا له و لم يدخل مكّة كشف عن عدم الوجوب من الأوّل.

و ذهب بعضهم

إلى أنّه لو تعذّر عليه العود إلى الميقات أحرم من مكانه كما في الناسي و الجاهل، نظير ما إذا ترك التوضؤ إلى أن ضاق الوقت فإنّه يتيمم و تصح صلاته، و إن أثم بترك الوضوء متعمّداً، و فيه أنّ البدلية في المقام لم تثبت بخلاف مسألة التيمم، و المفروض أنّه ترك ما وجب عليه متعمّداً. ظاهره الإرشاد إلى شرطية ذلك الحال أو الزمان في صحته، و إذا ترك الإحرام من الميقات عالماً عامداً و حكم ببطلانه بمقتضى القاعدة، إلّا أنه كما إذا لم يتمكن من العود في صورة تركه نسياناً أو جهلًا يحكم بصحة إحرامه، لقيام الدليل، و إذا أحرم من موضعه كذلك قيل بصحته مع تعذر عوده في صورة تركة عمداً عالماً، بدعوى أن صحيحة الحلبي الواردة فيمن ترك الإحرام من الميقات تعمّ بإطلاقها العامد العالم أيضاً، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، و إن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج) «1» و لكن يمكن المناقشة في عمومها بالإضافة إلى العالم العامد في تركه الإحرام من الميقات، بأن ترك عمل مع كون المكلف بصدد الإتيان به مع علمه و عمده لا يقع خارجاً، و ما يقع ما إذا جهل أو نسي أو كان غافلًا، و عليه فالسؤال في صحيحة الحلبي ظاهره كونه راجعاً إلى ما يقع عادة من ترك الإحرام من الميقات، لا السؤال عن شي ء لعله غير واقع أو يقع نادراً، نعم يمكن السؤال عن حكم عمل لا يقع في الخارج عادة إلّا أنه يكون بسؤال خاص

به و لا يقاس المقام بما إذا ترك الوضوء إلى ضيق الوقت بحيث لو توضأ فات الوقت فاته يتيمّم و تصح صلاته و إن اثم بترك الوضوء تعمداً، فإن عدم سقوط الصلاة و بدلية التيمم ثبت بالدليل عليه، نعم لا بأس بالالتزام بان عليه الاحتياط في الفرض بإحرامه من أدنى الحلّ بقصد ما عليه، بأن إن لم يكن إحرامه

[ (مسألة 4) لو كان قاصداً من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمّداً]

(مسألة 4) لو كان قاصداً من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمّداً يجوز لعمرة التمتع مشروعاً فهو للعمرة المفردة، و بعد الإتيان باعمال العمرة و طواف النساء يحرم من مكة لحج التمتع رجاءً، و يعيده في السنة الآتية إذا كان ما عليه حجة الإسلام، و أما إذا كان غير حجة الإسلام فلا يحتاج إلى الإعادة فإنه لو كانت الوضيفة المشروعة الواقعية بعد ترك الإحرام من الميقات هي الإحرام للعمرة المفردة لدخول مكة فقد أتى بها و كان حج التمتع غير مكلف به و أن كان حج التمتع مشروعاً بالإحرام لعمرته من أدنى الحلّ فقد أتى به و لا يخفى أن إحرامه من أدنى الحلّ للعمرة المفردة لما تقدم من جواز الإحرام لها لمن بدا له الإتيان بالعمرة المفردة و المتيقن منه صورة عدم تمكنه من الرجوع إلى ميقات أهله كما أن عليه الإحرام من أدنى الحلّ كما ذكر بعد دخول ذي الحجة لئلا يكون في دخوله مكة ثانياً بعد الوقوفين و أعمال منى اشكال لعدم ثبوت أن إحرامه للحج رجاءً يجعله محرماً يجوز له دخول مكة ثانياً بعد انقضاء الشهر الذي أحرم فيه للعمرة، و لكن مع ذلك لا يخلو إحرامه كما ذكر عن الإشكال لأنه كان من الميقات قاصداً لدخول مكة و لا

يصح الدخول فيها بلا إحرام منه و لو للعمرة المفردة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 122

له أن يحرم من أدنى الحل (1) و إن كان متمكّناً من العود إلى الميقات، فأدنى الحل له مثل كون الميقات أمامه، و إن كان الأحوط مع ذلك العود إلى الميقات، و لو لم يتمكّن من العود و لا الإحرام من أدنى الحل بطلت عمرته. (1) و ذلك لإحرام رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من الجعرانة للعمرة المفردة و لما يستفاد مما ورد من أن من كان بمكة و أراد الإحرام فليخرج و يحرم لها من الجعرانة و الحديبية و ما أشبهها الظاهر في كون أدنى الحلّ ميقاتاً للعمرة المفردة فيكون ترك الإحرام من الميقات السابق عالماً و عامداً و إحرامه من أدنى الحلّ كمن ترك الإحرام من ذي الحليفة و أحرم من الجحفة في كون إحرامه من الميقات في الاجزاء حتى مع تمكنه من العود إلى الميقات الذي تجاوزه بلا إحرام، بل يمكن أن يقال بجواز ذلك التأخير لأن العمرة المفردة ليست بفريضة و لكن قد تقدم أن الأمر بالإحرام من المواقيت و النهي عن تجاوزها بلا إحرام إرشاد إلى اشتراط الإحرام بوقوعه في الميقات الذي وصل إليه حتى فيما إذا كان أمامه ميقات آخر من غير فرق بين كون الإحرام للعمرة أو الحج الواجب منهما أو المندوب منهما، و على ذلك فمن قصد العمرة المفردة و وصل إلى الميقات فلا يصح إحرام عمرته إلّا بإيقاعه فيه و لو تجاوزه عالماً عامداً فاللازم في صحة عمرته المفردة الرجوع إليه و الإحرام منه حتى لو كان أمامه ميقات آخر نعم لو بدا له قصد

العمرة بعد تجاوز ذلك الميقات فلا بأس بالإحرام من ميقات أمامه كما أنه إذا بدا له قصد العمرة المفردة عند الوصول بأدنى الحلّ يعني بعد تجاوز المواقيت التي كانت في طريقه يحرم من أدنى الحلّ كما ذكرنا استفادة ذلك من إحرام رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) للعمرة من الجعرانة، حيث أنه كان راجعاً من الطائف و قسمته غنائم حنين، و ما ورد في أن من كان بمكة و أراد العمرة المفردة خرج و يحرم من أدنى الحلّ، لا يعم من لم يكن في مكة كما هو المفروض في المقام، و على ذلك فما تقدم في المسألة السابقة من أن مقتضى القاعدة بطلان الإحرام حتى مع عدم تمكنه من الرجوع إلى الميقات يجري هنا في المقام أيضاً. نعم إذا دخل مكة بلا إحرام و لو عصياناً يجوز له الخروج إلى أدنى الحلّ و الإحرام منه، لشمول صحيحة عمر بن يزيد قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) (من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها) «1».

[ (مسألة 5) لو كان مريضاً لم يتمكّن من النزع

(مسألة 5) لو كان مريضاً لم يتمكّن من النزع، و لبس الثوبين يجزئه النية و التلبية (1)، فإذا زال عذره نزع و لَبسهما و لا يجب حينئذ عليه العود إلى الميقات، نعم لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام لمرض أو إغماء ثمّ زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكّن، و إلّا كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكّن إلّا منه، و إن تمكّن العود في الجملة وجب، و ذهب بعضهم إلى أنّه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره لمرسل جميل عن أحدهما

(عليهما السّلام) «في مريض أغمي عليه فلم يفق حتّى أتى الموقف، قال (عليه السّلام): يحرم عنه رجل» و الظاهر أنّ المراد أنّه يحرم رجل و يجنبه عن محرمات الإحرام لا أنّه ينوب عنه في الإحرام، و مقتضى هذا القول عدم وجوب العود إلى الميقات بعد إفاقته و إن كان ممكناً، و لكن العمل به مشكل لإرسال الخبر و عدم الجابر، فالأقوى العود مع الإمكان و عدم الاكتفاء به مع عدمه. (1) في المسألة فرضان: الأول: أن يكون المكلف متمكناً من عقد الإحرام من الميقات و لكن لم يتمكن من نزع ثيابه المخيطة و قد ذكر الماتن (قدّس سرّه) أنه يتعين في الفرض عقد الإحرام من الميقات و لا محذور في لبسه المخيط لاضطراره و المفروض أن المحرمات حال الإحرام اجتنابها ليس شرطاً في صحة عقد الإحرام، فإيجاب الإحرام من الميقات إحراماً للحج أو العمرة تكليف، و الاجتناب عن المحرمات للمحرم تكليف مستقل فإذا ارتكب الثاني لاضطراره الرافع للتكليف فلا موجب لسقوط

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 124

.......... التكليف بالإحرام للحج أو العمرة حتى فيما إذا كان أمام المكلف ميقات آخر يتمكن فيه من نزع ثيابه و الإحرام منه. و على الجملة مقتضى القاعدة لزوم الإحرام من الميقات و إن كان عليه ثيابه، أو كان أمامه ميقات يمكن فيه نزع ثيابه ينزعها و أما لزوم ثوبي الإحرام فيه فغير لازم إلّا من جهة ستره اللازم لما سيأتي من أن لبس ثوبي الإحرام غير لازم في الاستدامة بل المقدار الثابت وجوبه من المتمكن حال عقد إحرامه. أقول هذا على القاعدة و لكن يمكن أن يستظهر من بعض الروايات جواز تأخير الإحرام إلى الميقات الآخر الذي

أمامه كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (عليه السّلام) حيث ورد فيها أن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها «1» و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات إلّا من علة، وجه الدلالة أن المريض بحسب النوع لا يتمكن من نزع ثيابه و الغسل لإحرامه فتعم العلة من لا يتمكن من نزع ثيابه و لو مع تمكنه من التلبية و النية كما هو الغالب و في موثقة أبي بصير بل صحيحته قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) خصال عابها عليك أهل مكة قال: و ما هي قلت: قالوا: أحرم من الجحفة و رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أحرم من الشجرة قال الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت عليلًا «2» و دلالتها على ما ذكرنا واضحة، نعم المستفاد منها مجرد جواز التأخير إلى ميقات آخر.

الفرض الثاني: ما لم يتمكن في الميقات حتى في التلبية و النية فذكر (قدّس سرّه) أنه إذا ترك الإحرام منه ثم تمكن من الرجوع و الإحرام منه تعين، و إلا يكون كناسي الإحرام و الجاهل، حيث إذا لم يتمكنا من الرجوع إلى الميقات أحرما من موضعها كما يأتي أو مع رجوعهما إلى جانب الميقات بالمقدار الممكن كما عليه الماتن. أقول ما ذكره و إن كان صحيحاً فإنه و إن يستفاد مما ورد في الناسي و الجاهل من أن مع عدم تمكنها من الرجوع يحرمان من موضعهما أن المضطر لا يقل عنهما و لكن مضافاً إلى ذلك يعمه ما ورد في صحيحة صفوان بن يحيى من جواز تأخير الإحرام من المواقيت

إلى غيرها مع العلة مرخص فيه، و عن ابن إدريس و المحقق في المعتبر أنه (إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره) و يستدل على ذلك بمرسلة جميل عن أحدهما (عليه السّلام) التي ذكرها في المتن «3» و لكنها لضعفها سنداً بل دلالة لا يمكن الاعتماد عليها في المقام، و ضعف دلالتها من ناحية أن الوارد فيها على بعض النسخ حتى أتى الموقف و في بعضها حتى أتى الوقت فإن الصحيح الموقف فلا ترتبط بالمقام، فيكون مدلولها من كان مغمى عليه إلى الوقوف بعرفة أو إلى الوقوف بالمشعر و أما ما احتمل الماتن من جعل المغمى عليه محرماً فهو خلاف كلمة عنه الظاهرة في النيابة و مع ذلك فهي مرسلة لم يعمل بها المشهور ليقال بجبر ضعفها بعملهم.

[ (مسألة 6) إذا ترك الإحرام من الميقات ناسياً أو جاهلًا بالحكم أو الموضوع

(مسألة 6) إذا ترك الإحرام من الميقات ناسياً أو جاهلًا بالحكم أو الموضوع وجب العود إليه مع الإمكان، و مع عدمه فإلى ما أمكن (1) إلّا إذا كان أمامه ميقات آخر، و كذا إذا جاوزها مُحلا لعدم كونه قاصداً للنسك و لا لدخول مكّة ثمّ بدا له ذلك فإنّه يرجع إلى الميقات مع التمكّن و إلى ما أمكن مع عدمه. (1) ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) من أن الجاهل و الناسي مع عدم تمكنه من العود إلى الميقات بعود بالمقدار الممكن، و هو وارد في الحائض التي تركت الإحرام من الميقات لجهلها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 126

.......... بالحكم، و في صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت، فأرسلت إليهم فسألتهم؟ فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت

الحرم فقال (عليه السّلام): إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه فإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها «1» و لا بأس بالالتزام بوجوب الرجوع شرطاً بالمقدار الممكن على الحائض التي تركت الإحرام جهلًا، و أما في غيرها فالثابت وجوب الخروج عن الحرم إذا لم يكن يفوته الوقوف بعرفة بعد إحرامه للحج من مكة، و يدلُّ على ذلك روايات منها صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف أن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج؟ فقال: (يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك) «2» فإن إطلاق الرجوع إلى خارج الحرم و عدم تقييده بالرجوع إلى طرف الميقات بالمقدار الممكن مقتضاه عدم اعتبار ذلك، و في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال: (قال أبي يخرج إلى ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم يحرم) «3» اللّهمّ إلّا أن يقال بأن المرأة الحائض أولى بعدم وجوب الرجوع إلى ناحية الميقات فإن ثبت عليها هذا الحكم وجب على غيرها أيضاً فما ورد في الحائض كالمقيد لهذه الإطلاقات فلا أقل في كون الرجوع كما في الحائض احتياط لا يترك و دعوى أن الأمر على الحائض

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 127

.......... برجوعها كما ذكر يحمل على الاستحباب بقرينة الإطلاقات لا يمكن المساعدة عليها، حيث أن

من المقرر في محله أنه لا يرفع اليد عن ظهور الأمر بالمقيد بالحمل على الاستحباب بقرينة الأمر بالمطلق في بعض الخطابات.

و أما ما ذكر (قدّس سرّه) من أنه إذا جاوزه محلا لعدم كونه قاصداً للنسك و لا دخول مكة ثم بدا له ذلك فإنه يرجع إلى الميقات مع التمكن و إلى ما أمكن مع عدمه، فقد تقدم الحكم بالإضافة إلى ما أمكن و أما إذا تمكن من الرجوع إلى الميقات فالظاهر أنه يجب على هذا المكلف الرجوع إلى الميقات الذي مرّ عليه، بل يجوز له الإحرام من أي ميقات حيث أنه لم يكن ينوي النسك و لا دخول مكة ليكون عليه الإحرام من ذلك الميقات، غاية الأمر إذا بدا له الإتيان بالحج أو العمرة أو دخول مكة فعليه الإحرام من الميقات سواء كان ذلك الميقات أو غيره فإن كلا منها ميقات لأهله و لمن يمر عليه و أيضاً هذا فيما بدا له أن يأتي بعمرة التمتع أو حج الافراد و القران، و أما إذا بدا له أن يدخل مكة بعمرة مفردة يكون ميقاته مع تجاوز المواقيت أدنى الحلّ على ما تقدم

[ (مسألة 7) من كان مقيماً في مكّة و أراد حجّ التمتّع

(مسألة 7) من كان مقيماً في مكّة و أراد حجّ التمتّع وجب عليه الإحرام لعمرته من الميقات (1) إذا تمكّن، و إلّا فحاله حال الناسي.

[ (مسألة 8) لو نسي المتمتّع الإحرام للحج بمكّة ثمّ ذكر]

(مسألة 8) لو نسي المتمتّع الإحرام للحج بمكّة (2) ثمّ ذكر وجب عليه العود مع الإمكان و إلّا ففي مكانه، و لو كان في عرفات بل المشعر صحّ حجّه، و كذا لو كان جاهلًا بالحكم، و لو أحرم له من غير مكّة مع العلم و العمد لم يصح، و إن دخل مكّة بإحرامه بل وجب عليه الاستئناف مع الإمكان و إلّا بطل حجّه، نعم لو أحرم من غيرها نسياناً و لم يتمكّن من العود إليها صحّ إحرامه من مكانه. هذا كلّه فيمن لم يكن عليه حجة الإسلام أو حج واجب في تلك السنة و إلا يكون عليه الرجوع إلى الميقات الذي مر عليه من غير قصد لكونه مكلفاً بالإحرام بعمرة التمتع أو الحج الواجب افراداً أو قراناً من ذلك الميقات. نعم إذا لم يمكن الرجوع إليه لخوف فوت الحج أحرم من ميقات آخر بالرجوع إليه أو لكونه أمامه و أن لم يمكن ذلك أيضاً أحرم من موضعه مع جهله بالحكم أو بالموضوع، و أما رواية على بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) الظاهرة في إجزاء الإحرام من موضعه حتى مع إمكان رجوعه إلى الميقات و حتى بالإضافة إلى من كان مكلفاً بالإحرام من الميقات الذي مر به و تجاوزه بلا إحرام فلضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها، قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى إلى الحرم، فأحرم قبل أن يدخله؟ قال: إن كان فعل ذلك جاهلًا فليبن مكانه ليقضي، فإن ذلك يجزيه، أن شاء اللَّه، و إن رجع إلى

الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل «1» حيث ان التعبير بالأفضل ظاهره الاجزاء و أرجحية الرجوع. (1) قد تقدم في المسألة الرابعة من مسائل أقسام الحج، أن ميقات عمرته التمتع هو أحد المواقيت المخصوصة مخيراً بينها مع تمكنه من الذهاب إليه، و مع تعذره أدنى الحلّ. (2) لو ترك إحرام الحج يعني حج التمتع بمكة نسياناً أو جهلًا وجب العود إليها مع التمكن و مع عدمه يحرم من مكانه و لو كان في عرفات بل المشعر و لو لم يتذكر أو لم يعلم حتى أتى بجميع مناسكه صحّ حجّه، كما يدل على ذلك مُسنده علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات فما حاله قال، يقول: (اللّهمّ على كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تم حجّه) «2» و التعبير بالرواية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 129

.......... لأن في سنده محمد بن أحمد العلوي و رواها أيضاً الشيخ في الزيارات في فقه الحج بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل كان متمتعاً خرج إلى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلاده ما حاله قال: (إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجّه) و سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله قال: (يقول اللّهمّ على كتابك و سنة نبيك فقد تمّ إحرامه) «1»، و السند صحيح، و ما في الوسائل من أن الشيخ رواها بإسناده عن علي جعفر عن أخيه

مثله إلى قوله فقد تم إحرامه غير دقيق بل الشيخ كما ذكرنا رواها عن علي بن جعفر بتمامها، غاية الأمر ذيل السند فيه محمد بن أحمد العلوي صدر فيما رواه بسنده عن علي بن جعفر و لعله (قدّس سرّه) تسامح في ملاحظة متن الرواية و كيف كان فذكر النسيان في أحد الحكمين و الجهل في الحكم الآخر لا يوجب اختصاص أحد الحكمين بالنسيان و الآخر بالجهل، بل ذكرهما من جهة الموجب لترك إحرام الحج، و لكن في دلالتها على لزوم التلبية عند التذكر بعرفات تأمل فإن قوله اللّهمّ على كتابك و سنة نبيك لا يدلّ إلّا على نية حج التمتع الذي أمر اللَّه به في كتابه و بينه نبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و مع ذلك فالأحوط إنشاء الإحرام بالتلبية بلا فرق بين التذكر بعرفة أو في

[ (مسألة 9) لو نسي الإحرام و لم يذكر حتّى أتى بجميع الأعمال من الحج أو العمرة]

(مسألة 9) لو نسي الإحرام و لم يذكر حتّى أتى بجميع الأعمال من الحج أو العمرة فالأقوى صحّة عمله (1)، و كذا لو تركه جهلًا حتّى أتى بالجميع. غيرها و على الجملة إذا صحّ الحج مع وقوعه بتمام اعمالها بلا إحرام من مكة نسياناً أو جهلًا فوقوعه مع بعضها بدونه أولى بالصحة.

هذا كله مع ترك إحرام الحج جهلًا أو نسياناً مع عدم إمكان تداركه، و أما إذا كان تركه مع العلم و العمد و لم يمكن تداركه بالرجوع إلى مكة و الإحرام بها ثم إدراك الوقوف بعرفة يكون حجّه باطلًا حيث أن الإحرام جزء من الحج و العمرة و الصحة بدونه تحتاج إلى قيام الدليل و لو أحرم مع العلم و العمد من غير مكة فإحرامه محكوم بالبطلان و لا يفيد الدخول بمكة بعده حيث

ان ميقات إحرام الحج مكة، و قد تقدم أن ظاهر الأمر بالإحرام من ميقات مقتضاه اعتبار وقوعه فيه في الحكم بصحته و الدخول بمكة بعده لا يكون من إنشائه بها، و ما ذكره (قدّس سرّه) نعم، لو أحرم من غير مكة نسياناً و لم يتمكن من العود إليها صحّ إحرامه من مكانه، الظاهر في لزوم إحرامه من مكانه بعد التذكر مع عدم إمكان عوده إلى مكة لا يتم على إطلاقه فإنه لو أحرم من خارج مكة بعد خروجها منه و لم يكن متمكناً في زمان إحرامه من العود إليها كفى ذلك الإحرام و لا يحتاج إلى إعادته بعد التذكر لانه ترك الإحرام من مكة نسياناً، و لم يكن حين الإحرام متمكناً من الرجوع إليها. (1) قد ذكرنا في المسألة السابقة أن ترك الإحرام في حج التمتع نسياناً أو جهلًا لا يوجب بطلانه، و لا يبعد عدم الفرق بين حج التمتع و غيره في ذلك بل دعوى أن ما في صحيحة علي بن جعفر (رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات) يعم غير حج التمتع أيضاً و لكن بالإضافة إلى ترك الإحرام في العمرة المفردة أو عمرة التمتع، فالحكم بالصحة مشكل جدّاً، لعدم قيام دليل عليه بعد كون مقتضى جزئية الإحرام من العمرة و الحج بطلانهما بدونه حتى فيما كان مع العذر و النسيان، و لكن المشهور ألحقوا العمرة بالحج في الحكم و لعل المستند في الإلحاق مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى قال: (تجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجّه و إن

لم يهل،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 131

.......... الحديث) «1» بدعوى أنها كما تعم نسيان إحرام الحج أو تركه جهلًا، كذلك تعم نسيان إحرام العمرة و تركه جهلًا، نعم لا دلالة لها على حكم ترك الإحرام في العمرة المفردة لأنه قوله (عليه السّلام) فقد تم حجه و إن لم يهل يصح بالإضافة إلى إحرام عمرة التمتع حيث إنها شرط في تمام حج التمتع بخلاف العمرة المفردة، و لذا ورد في بعض الأخبار جواز التلبية للحج عند الإحرام لعمرة التمتع و لكن لا يخفى أن الرواية مع الغمض عن ضعف سندها بالإرسال دلالتها أيضاً غير تامة فإن تعبير السائل بأنه شهد المناسك كلّها و أنه طاف و سعى ظاهره مواضع العبادات في الحج من الوقوف بعرفة و المشعر و منى و الطواف و السعي و هذا السؤال ناظر إلى حكم ترك الإحرام في حجّه و مما ذكر يظهر أنه لا مجال لدعوى انجبار ضعف السند بعمل المشهور لعدم إحراز أصل الظهور.

[فصل في مقدّمات الإحرام

اشارة

فصل في مقدّمات الإحرام

[ (مسألة 1) يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور]
اشارة

(مسألة 1) يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور:

[أحدها: توفير شعر الرأس

أحدها: توفير شعر الرأس (1) بل و اللحية لإحرام الحج مطلقاً لا خصوص التمتّع كما يظهر من بعضهم، لإطلاق الأخبار من أوّل ذي القعدة بمعنى عدم إزالة شعرهما، لجملة من الأخبار، و هي و إن كانت ظاهرة في الوجوب إلّا أنّها محمولة على الاستحباب لجملة أخرى من الأخبار ظاهرة فيه، فالقول بالوجوب كما هو ظاهر جماعة ضعيف، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط، كما لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق حيث يظهر من بعضهم وجوبه أيضاً لخبر محمول على الاستحباب أو على ما إذا كان في حال الإحرام.

و يستحب التوفير للعمرة شهراً. (1) ذكروا توفير شعر الرأس و اللحية من أول ذي القعدة لإحرام الحج سواء كان تمتعاً أو غيره و المراد بالتوفير عدم أخذ شعرهما و الماتن (قدّس سرّه) فسره بعدم إزالة شعرهما و وجهه غير ظاهر فإن الوارد في بعض الروايات الأمر بتوفير الشعر كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (الحج أشهر معلومات: شوال، و ذي القعدة، و ذي الحجة، فمن أراد الحج و فرّ شعره إذا انظر إلى هلال ذي القعدة و من أراد العمرة و فرّ شعره شهراً) «1» و في بعضها الأمر بإعفاء الشعر كصحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (أعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة، و للعمرة شهراً) «2» و في بعضها النهي عن الأخذ من شعره إذا أراد الحج من ذي القعدة كما في صحيحة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 133

.......... عبد اللَّه بن مسكان أو سنان

عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحج في ذي القعدة و لا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة) «1» و في صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يريد الحج أ يأخذ من رأسه في شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال: (لا بأس ما لم ير الهلال) «2» إلى غير ذلك و بما أن التوفير أمر خارج عن اختيار المكلف إلّا أن يكون بمعنى ترك الأخذ فيكون المطلوب عدم أخذ شعره في شهر ذي القعدة إذا كان مريداً للحج، و في الشهر فيمن يريد العمرة و هل الحكم مختص بالأخذ من شعر الرأس أو يعم اللحية كذلك فإن إطلاق الأمر بتوفير شعره أو النهي عن أخذه و إن يعم اللحية و يؤيده خبر أبي الصباح الكناني قال: سألت عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يريد الحج أ يأخذ شعره في أشهر الحج فقال: (لا و لا من لحيته و لكن يأخذ من شاربه و من أظفاره و ليطل أن شاء) «3» و مثلها خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة و أراد الخروج من رأسه و لا من لحيته) «4» إلّا أن المتفاهم العرفي بمناسبة الحكم و الموضوع كون الأمر بالتوفير و عدم الأخذ بحلق الرأس في أفعال مني أو للحلق بعد السعي في العمرة المفردة، و لذا سأل الحسين بن أبي العلاء عن أخذ شعر رأسه و لكن لا يخفى أن المناسبة المذكورة لا تزيد على حكمة الحكم و لم تؤخذ موضوعاً لتمنع عن الأخذ

بالإطلاق في الروايات و المناقشة في الإطلاق بأن الشعر الوارد فيها يعم غير شعر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 134

.......... الرأس و اللحية، أيضاً و هذا الإطلاق غير مراد قطعاً فيؤخذ بالقدر المتيقن و هو شعر الرأس خاصة لا يمكن المساعدة عليه، لان عدم إرادة الإطلاق لدلالة بعض الروايات المعتبرة بأنه لا بأس لمن أراد الحج أن يأخذ من شاربه بل أمر به للتهيؤ للإحرام، و في صحيحة حريز قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التهيؤ للإحرام فقال: (تقليم الأظفار و أخذ الشارب و حلق العانة) «1» و في موثقة سماعة عن عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحجامة و حلق القفا في أشهر الحج فقال: (لا بأس به و السواك و النورة) «2».

حلق شعر الرأس في مدة التوفير ثم إن الأمر بالتوفير أو النهي عن الأخذ حكم غير إلزامي لان التوفير أو النهي عن الأخذ أن كان حكماً إلزامياً لكان من المسلمات لكثرة الابتلاء و عدم صيرورته كذلك يكشف عن عدم كونه إلزاماً، أضف إلى ذلك ورود الترخيص في الترك و الأخذ ما لم يحرم المكلف، كما في صحيحة علي بن جعفر حيث روى في الوسائل عن كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما دام لم يحرم؟ قال: (لا بأس به) «3» و ربما يقال يدل على الجواز أيضاً صحيحة هشام بن الحكم و إسماعيل بن جابر جميعاً عن الصادق (عليه السّلام) أنه يجزئ الحاج أن يوفّر شعره شهراً «4» و لكن لا يخفى أن التعبير بالاجزاء مقتضاه كون الأكثر

التهذيب في مناسك

العمرة و الحج، ج 2، ص: 135

.......... أفضل، و لكن الأفضلية في مقام امتثال الحكم غير إلزامي أي استحبابي، فلا دلالة على ذلك فلا ينافي كونه أفضل فردي الواجب و أما المناقشة في أصل استحباب التوفير لما ورد في رواية محمد بن خالد الخراز قال: سمعت أبا الحسن (عليه السّلام) يقول (أما أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج يعني إلى مكة للإحرام) «1» فلا وجه لها، فإن الرواية ضعيفة بمحمد بن خالد الخراز حيث لم يوثق و يحتمل قوياً أن المراد أن التهيؤ بالإحرام بأخذ الشعر من الشارب و غيره مما يأتي يحصل منى عند الخروج إلى مكة حيث يحرم (عليه السّلام) من مسجد الشجرة.

بقي في المقام ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) من أن الأحوط استحباباً اهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق حيث يظهر من بعض الأصحاب وجوبه أيضاً كوجوب توفيره لخبر محمول على الاستحباب و الخبر ما رواه الصدوق (قدّس سرّه) بإسناده عن جميل بن دارج و سنده إليه صحيح على ما في مشيخة الفقيه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن ممتنع حلق رأسه بمكة؟ قال: (إن كان جاهلًا فليس عليه شي ء و إن تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي ء و أن تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها للحج فإن عليه دماً يهريقه) «2».

و رواه أيضاً الكليني و لكن في سنده علي بن حديد و ظاهره أن التي وصف لما بعد الثلاثين فيكون المراد بالثلاثين شهر شوال و ممّا بعدها شهر ذي القعدة و ما بعدها حيث يوفر فيه الشعر و يحمل هذا الحكم أيضاً على الاستحباب لما ذكرنا من أن هذا

[الثاني: قص الأظفار]

الثاني: قص الأظفار، و

الأخذ من الشارب، و إزالة شعر الإبط و العانة بالطلي أو الحَلق أو النَّتف (1)، و الأفضل الأوّل ثمّ الثاني، و لو كان مطلياً قبله يستحب له الإعادة و إن لن يمض خمسة عشر يوماً، و يستحب أيضاً إزالة الأوساخ من الجسد، لفحوى ما دلّ على المذكورات، و كذا يستحب الاستياك. التكفير لو كان أمراً إلزامياً لكان من الواضحات لكثرة الابتلاء و التكفير عن ترك المستحب بنحو الاستحباب لا بأس به، و أما كونه واجباً لترك المستحب فهو أمر بعيد و لو كان ثابتاً لكان من المسلمات و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط و مما ذكرنا يظهر أن الأمر بالتوفير شهراً للعمرة المفردة أيضاً بنحو الاستحباب لا بنحو الوجوب تكليفاً أو شرطاً لظهور الروايات في كون التوفير و نحوه من آداب الإحرام و اعتباره في إحرام الحج و العمرة على نحو واحد و كونه للعمرة المفردة بنحو اللزوم أو الاشتراط و للحج بنحو الاستحباب و الأدب أمر غير محتمل و التفكيك في المتفاهم العرفي من روايات الباب. (1) كما يستفاد ذلك من عدة من الروايات كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو الى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام ان شاء اللَّه، فانتف إبطيك و قلم أظفارك، و اطلِ عانتك و خذ من شاربك، و لا يضرك بأي ذلك بدأت، ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك) «1» و في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (السنة في الإحرام تقليم الأظفار، و أخذ الشارب، و حلق العانة) «2» و مقتضى إطلاق مثلهما عدم الفرق بين أن

يمضي خمسة عشر يوماً من إطلاء العانة أو حلقها و عدمه، و إن ورد في رواية بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)

[الثالث: الغسل للإحرام في الميقات

الثالث: الغسل للإحرام في الميقات (1)، و مع العذر عنه التيمّم، و يجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء، بل الأقوى جوازه مع عدم الخوف أيضاً، و الأحوط الإعادة في الميقات، و يكفي الغسل من أوّل النهار إلى الليل و من أوّل الليل إلى النهار، بل الأقوى كفاية غسل اليوم إلى آخر الليل و بالعكس، و إذا أحدث بعدها قبل الإحرام يستحب إعادته خصوصاً في النوم، كما أنّ الأولى إعادته إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم، بل قال: (لا بأس بأن تطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوماً) «1» و في صحيحة معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يطلي قبل أن يأتي الوقت بستّ ليال قال: (لا بأس) و سأله عن الرجل قبل أن يأتي مكة بسبع أو ثمان ليال فقال: (لا بأس به) «2» و الاكتفاء بما ذكر لا ينافي استحباب التجديد كما هو مقتضى الإطلاق المشار اليه و ما ورد في استحباب الاطلاء و ما ذكر في الترتيب بين الاطلاء و الحلق و النتف لا يخلو عن تأمل و كذا استحباب إزالة الأوساخ للإحرام نعم النظافة في نفسها مستحبة و خصوص استحبابها للإحرام زائداً على الاستحباب النفسي غير ظاهر. (1) يقع الكلام في المقام في جهات الاولى اعتبار وقوع الغسل في الميقات أو أنه يجوز قبل الوصول إليه كالاغتسال في المدينة للإحرام من مسجد الشجرة، و في صحيحة هشام بن سالم قال: أرسلنا إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)

و نحن جماعة، و نحن بالمدينة، إنا نريد أن نودعك، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف أن يعز الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني «3» و فيما رواه الشيخ بإسناده عن ابن أبي عمير و كذا الفقيه عن هشام بن سالم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 138

و كذا لو تطيب، بل الأولى ذلك في جميع تروك الإحرام فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام الأولى إعادته، و لو أحرم بغير غسل أتى به و أعاد صورة الإحرام سواء تركه عالماً عامداً أو جاهلًا ناسياً و لكن إحرامه الأوّل صحيح باق على حاله فلو أتى بما يوجب الكفارة بعده و قبل الإعادة وجبت عليه. قال: قال له ابن أبي يعفور ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام إلى أن قال فلمّا أردنا أن نخرج قال لا عليكم أن تغتسلوا إذا وجدتم ماء إذا بلغتم ذي الحليفة «1» و في صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام أ يجزيه عن غسل ذي الحليفة قال: (نعم) «2» و التعليل في الصحيحة الأولى غير صالح لتقييد مثل هذه الصحيحة لظهور التعليل في كونه موجباً لتعين الفرد و كون الأمر بالاغتسال في المدينة إرشاد إلى تعينه عقلًا كما في الأمر بالصلاة أول الوقت و تعليله بأني أخاف فوتها في آخره أضف إلى ذلك ما في ذيل صحيحة هشام بن سالم على رواية التهذيب و الفقيه من قوله (عليه السّلام) لا عليكم أن تغتسلوا إذا وجدتم ماء إذا بلغتم ذي الحليفة فإن ظاهره أن الاغتسال في المدينة مجز عما كان

عليهم من الأمر بالاغتسال لإحرامهم من مسجد الشجرة.

الجهة الثانية: أن الاغتسال للإحرام سواء كان لإحرام العمرة أو الحج مستحب و لم ينسب الخلاف في ذلك إلّا إلى العماني و ظاهر الإسكافي بل عن جماعة دعوى الشهرة بل الإجماع على الاستحباب، و إن يكون ظاهر الاخبار الواردة فيه وجوبه و لكنها محمولة على الاستحباب حيث لو كان هذا الغسل واجباً كسائر الأغسال الواجبة لكان وجوبه لكثرة الابتلاء به في جميع الأزمنة من الواضحات و المسلمات

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 139

.......... عند العلماء و بحسب مرتكزات المتشرعة، و لم ينفرد للقول بوجوبه واحد أو اثنان. و على الجملة المرتكز عند المتشرعة أن الغسل الذي يكون من اغتسال الحي إنما يجب إذا كان لرفع الحدث، و إما الغسل المشروع من المتطهر و المحدث يكون غسلًا استحبابياً و الغسل للإحرام مشروع للحائض و النفساء و للمتطهر من الاحداث فيكون عملًا استحبابياً و لذا عد الاغتسال من التهيؤ للإحرام، و في صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) و نحن بالمدينة عن التهيؤ للإحرام فقال اطل بالمدينة و تجهز بكل ما تريد و اغتسل و إن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة) «1» و لكن العمدة ما ذكرنا فإنه قد عدّ في ضمن التهيؤ للإحرام في بعض الروايات لبس ثوبي الإحرام، كما في رواية أبي بصير الواردة في الإحرام للحج يوم التروية و كذا في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في الإحرام من العقيق أو غيره من الوقت و الحاصل لا يكون غسل الإحرام واجباً كلبس ثوبي الإحرام و لا شرطاً في صحته و التعبير عنه بالغسل الواجب كالتعبير عن

غسل الجمعة و غيره من الأغسال المستحبة بالواجب يراد منه معناه اللغوي أي الثابت.

الجهة الثالثة: قد ذكر الماتن (قدّس سرّه) أنه مع العذر عن الاغتسال يكون التيمم بدلًا عنه كسائر الموارد التي عند عذر المكلف عن استعمال الماء بالوضوء أو الغسل يكون التيمم بدلًا عنهما كما ذكر ذلك الشيخ (قدّس سرّه) و نسب إلى جماعة من الأصحاب و توقف فيه آخرون لان التيمم مشروع عند العذر عن استعمال الماء و يكون معه أحد الطهورين و أمّا الغسل المشروع في حق المحدث و الطاهر و كذا الوضوء فلا دليل على بدلية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 140

.......... التيمم عنهما، و لكن فيه أنه كما يكفي كون الغسل طهوراً إذا كان المكلف محدثاً بالأكبر على ما ذكرنا في بحث تداخل الأغسال كذلك يكفي في كون التيمم طهوراً كونه محدثاً قبله و لم يتمكن من استعمال الماء؛ و على الجملة بدلية التراب عن الماء و كون التيمم بدلًا فيما إذا كان الغسل مشروعاً و لم يتمكن المكلف منه مستفاد من مثل قوله (عليه السّلام) فإذا تيمّم فقد فعل أحد الطهورين حيث أن الطهور عنوان لنفس الغسل و التيمم لا أنه أمر يترتب عليهما نعم الأثر المترتب على عنوان الغسل كاجزائه عن الوضوء فيما كان محدثاً بالأصغر أيضاً لا يترتب على التيمم الذي هو بدل عن الغسل و إن كان طهوراً فإن ترتب الإجزاء على الغسل لأنه أي وضوء أنقى من الغسل و هذا التعليل لا يجري على التيمم حتى فيما إذا كان بدلًا عن الغسل.

الجهة الرابعة: ذكروا أن الغسل في أول النهار يكفي إلى الليل و من أول الليل إلى النهار بل عن الأكثر كما عليه

الماتن (قدّس سرّه) كفاية غسل اليوم إلى آخر الليل و كفايته من أول الليل إلى آخر النهار كما يدل على ذلك صحيحة جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (غسل يومك يجزيك لليلتك، و غسل ليلتك لليلتك) «1» و لكن في صحيحة هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (غسل يومك ليومك و غسل ليلتك لليلتك) «2» و مثلها غيرها، و مقتضى الجمع بينها هو حمل الأخيرة على أفضلية الإعادة إذا دخل الليل بعد الاغتسال في النهار و لم يحرم، و كذا أفضلية الإعادة إذا طلع الفجر و لم يحرم بعد الاغتسال ليلًا و دعوى أن اللام في صحيحة جميل من قوله (عليه السّلام) (غسل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 141

.......... يومك يجزيك لليلتك) بمعنى إلى فيكون مدلول الطائفتين أمراً واحداً لا يمكن المساعدة عليه فإن كون اللام بمعنى إلى إن صح فيحتاج إلى قيام قرينة و إلا فظاهرها كونها للتعدية. الجهة الخامسة: أن الغسل للإحرام من الأغسال الفعلية بمعنى أن الغسل يستحب للفعل الذي يريد ان يفعله و هو الإحرام في المقام و هذا القسم من الأغسال إذا وقع الحدث فيه قبل الإتيان بذلك الفعل يبطل كما تقدم بيان ذلك في الأغسال المستحبة، و ما تقدم في الجهة السابقة من كفاية الاغتسال في الليل للإحرام في النهار و كذا كفاية الاغتسال في أول النهار للإحرام في آخرها و كذا في الاغتسال في أول الليل المراد من الاجزاء في الفرض عدم وقوع الحدث قبل الإحرام و على ذلك فبما أن هذا الغسل مستحب فإن أحدث المغتسل قبل الإحرام يستحب اعادته بلا فرق بين النوم

و غيره، نعم الإعادة في فرض النوم قبل الإحرام منصوص، و في صحيحة النضر بن سويد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قال: (عليه اعادة الغسل) «1» و نحوها خبر علي بن أبي حمزة «2» و ما ورد في صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم قال: (ليس عليه غسل) «3» لا ينافي ما تقدم حيث أن مقتضى الجمع العرفي أن عدم لزوم اعادة الغسل لكونه غسلًا استحبابياً لا أنه لا يبطل بالحدث بعده، و على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 142

.......... الجملة المتفاهم العرفي من الأمر بالاغتسال للفعل الذي يريدان يفعله هو أن يفعله بعد الاغتسال قبل وقوع الحدث منه و لذا فرض النوم الوارد في الصحيحة لا خصوصية له بل المذكور فيهما حكم الحدث بعد الاغتسال و قبل الإحرام.

و لا يبعد الالتزام أيضاً بأفضلية إعادة الغسل فيما إذا أكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم أكله أو لبسه و كذا لو تطيب بعده و قبل الإحرام و سائر محظورات الإحرام حيث ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا لبست ثوباً لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاماً لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل «1» و في صحيحة عمر بن يزيد إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع و لا تطيب، و لا تأكل طعاماً فيه طيب فتعيد الغسل «2» و عدم التعرض لسائر محظورات الإحرام لأن الغالب على المغتسل من جهة الارتكاب ما ذكر من الأكل و اللبس و التعبير بأفضلية

إعادة الغسل لان ما ذكر يكون من قبيل الحدث و لا يكون في ارتكابها محذور قبل الإحرام.

الجهة السادسة: و لو إحرام بغير غسل اغتسل و أعاد صورة الإحرام سواء كان تركه الغسل قبل إحرامه عالماً عامداً أو جاهلًا أو ناسياً و لكن إحرامه السابق صحيح باق عليه فلا يجوز له ارتكاب المحذورات بعده فلو أتى بما يوجب ارتكابه الكفارة لزمت عليه روى الشيخ في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن قال: كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن (عليه السّلام) رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلًا أو عالماً ما عليه في ذلك؟ و كيف ينبغي له أن يصنع؟ قال: (يعيده) «3» فإن الأمر بالإعادة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 143

.......... بعد الإحرام صحيحاً و بقاء المكلف على ذلك الإحرام يراد منه صورة الإعادة حيث إن جعل المحرم نفسه محرماً ثانياً لا يمكن إلّا بفرض مرتبتين للإحرام تكون مرتبته الثانية مستحبة بعد الإتيان بمرتبته الاولى و لا يكون لازم ذلك تعدّد العقاب و الكفارة بارتكاب أحد تروك الإحرام لأن الموضوع للحرمة و الكفارة ارتكاب المحرم في زمان كونه محرماً سواء كان بإحرام واحد أو متعدد كما هو الحال في الولي المحرم إذا أحرم عن صبية أيضاً.

و لو قيل ببطلان الإحرام الأول و كون الثاني إنشاء إحرام حقيقةً بدعوى أن ذلك مقتضى ظاهر الإعادة كما عن المسالك و الرياض و اغمض عما تقدم من عدم ظهور الإعادة فيه بعد قيام القرينة على صحة الإحرام الأوّل فلا يكون ذلك موجباً لسقوط الكفارة إذا أتى بموجبها قبل الإعادة و ذلك فإن غاية ما يمكن الالتزام به بدعوى أنه لازم الأمر بالإعادة هو بطلان

الإحرام الأول من حين الإعادة لا كشفها عن بطلان الإحرام الأول لاتفاق النص و الفتوى على أنه لو لم يعد الإحرام على ما ذكر فإحرامه الأول كان باقياً على صحته و ليس الأمر بالإعادة في مثل المقام إرشاداً إلى بطلان العمل المأتي به فتكون النتيجة أنّ المكلف حال إحرامه ارتكب ما يوجب الكفارة فعليه ما على سائر المحرمين ثم إن الصحيحة إذا دلّت على مشروعية إعادة الإحرام مع ترك الغسل عالماً تكون مشروعيتها عند النسيان بالأولوية.

الجهة السابعة: يستحب الغسل للإحرام من الحائض و النفساء أيضاً كما يشهد له صحيحة يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحائض تريد الإحرام؟ قال: (تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوباً دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 144

و يستحب أن يقول عند الغسل أو بعده (1): بسم اللَّه و باللَّه اللّهمّ اجعله لي نوراً و طهوراً و حرزاً و أمناً من كل خوف و شفاءً من كل داء و سقم اللّهمّ طهرني و طهر قلبي و اشرح لي صدري و أجر على لساني محبّتك و مدحتك و الثناء عليك فإنّه لا قوّة إلّا بك و قد علمت أنّ قوام ديني التسليم بك و الاتباع لسنة نبيّك صلواتك عليه و آله.

[الرابع: أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة]

الرابع: أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة (2)، و قيل بوجوب ذلك لجملة و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير الصلاة) «1» و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحائض تحرم و هي حائض قال: (نعم، تغتسل و تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلّي)

«2» و حمل الاغتسال فيهما على التنظيف خلاف ظاهرهما خصوصاً الأخيرة الدالة على أنها تصنع ما يصنعه سائر النساء غير أنها لا تصلي. (1) ذكر في الفقيه في باب سياق مناسك الحج و قل إذا اغتسلت (بسم اللَّه و باللَّه اللّهمّ اجعله لي نوراً و طهوراً و حرزاً و أنساً من كلّ خوف و شفاءً من كل داء و سقم اللّهم طهرني و طهر لي قلبي و اشرح لي صدري و أجر على لساني محبتك و مدحتك و الثناء عليك فإنه لا قوة لي إلّا بك و قد علمت أنّ قوام ديني التسليم لأمرك و الاتباع لسنة نبيك صلواتك عليه و آله) ثم البس ثوبي إحرامك، و ظاهر كلامه (قدّس سرّه) أنّ الدعاء المذكور لغسل الإحرام و مقتضى الإطلاق أنه يقرء عند الشروع في الاغتسال أو بعد الفراغ عنه. (2) الروايات الواردة في المقام و أنّ كان ظاهرها الوجوب بل الاشتراط و اختلافها في عدد الركعات مع ما يأتي فيها من المناقشة لا يكون قرينة على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 145

من الأخبار الظاهرة فيه المحمولة على الندب للاختلاف الواقع بينها و اشتمالها على خصوصيات غير واجبة، و الأولى أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حجّ التمتّع فإنّ الأفضل فيه أن يصلّي الظهر بمنى و إن لم يكن في وقت الظهر فبعد صلاة فريضة أخرى حاضرة، و إن لم يكن فمقضية، و إلّا فعقيب صلاة النافلة. الاستحباب مع إمكان الجمع بينها بحمل الزائد على الركعتين على الاستحباب كما لا يكون اشتمالها على بعض الخصوصيات الغير الواجبة موجباً لرفع اليد عن الظهور و هو اعتبار وقوع الإحرام عقيب صلاة فريضة أو

نافلة و قد ذكر (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار لا يكون الإحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم و إن كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما «1» الحديث و ما ذكر بعد ذلك فيها من الأمور الغير الواجبة لا يوجب رفع اليد عن ظهور صدرها نعم قد ذكر ذلك في كلمات الأصحاب في عداد المستحبات من غير إشارة إلى القول بالوجوب المحكي في كلمات بعضهم عن الإسكافي بل المرتكز عند الأذهان عدم اشتراط الإحرام بها و أنها كسائر الآداب للإحرام مع أنّ وقوعه بعد صلاة فريضة أو نافلة لو كان معتبراً في صحته لكان من الواضحات لكثرة الابتلاء و على الجملة لا يبعد أن يكون ما ذكر قرينة على حمل الأصحاب (قدس سرهم) وقوعه عقيب الصلاة على الاستحباب.

ثم إنّ المنسوب إلى المشهور كما في الحدائق أن يكون الإحرام بعد صلاة الظهر، و يشهد له صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام أن شاء اللَّه فانتف إبطك، و قلّم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 146

.......... أظفارك، و اطلِ عانتك، و خذ من شاربك، و لا يضرك بأي ذلك بدأت، ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك و ليكن فراغك من ذلك أن شاء اللَّه عند زوال الشمس و أن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك ذلك غير أني أحبّ أنّ يكون ذلك عند زوال الشمس «1» و صحيحة معاوية بن عمار و عبيد اللَّه الحلبي كلاهما عن أبي عبد اللَّه

(عليه السّلام) قال: (صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة «2» الحديث تكون النتيجة كون الإحرام عقيب صلاة الظهر أفضل، و أما ما في صحيحة الحلبي الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (سألته ليلًا أحرم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أم نهاراً قال: نهاراً، فقلت أي ساعة قال: صلاة الظهر، فسألته متى ترى أن نحرم قال: سواء عليكم إنّما أحرم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلاة الظهر لأنّ الماء كان قليلًا كان في رؤوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك من الغد و لا يقدرون على الماء و إنما حدثت هذه المياه حديثاً) «3» فظاهرها و أن كان نفي الأولوية عن الإحرام عقيب صلاة الظهر إلّا أنه لا يبعد أنّ يكون النفي لدفع احتمال تعين الإحرام بعد صلاة الظهر المرتكز عن لزوم التأسي للنبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في الأذهان.

و يستثنى ممّا ذكر الإحرام لحج التمتع فإن الأفضل أنّ يصلي الحاج الظهر بمنى في طريقه إلى عرفات كما يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار قال قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا أنتهيت إلى منى فقل و ذكر دعاءً قال: ثم تصلي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر «4» الحديث و صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت

[الخامس: صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام

الخامس: صلاة ست ركعات (1) أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام، و الأولى الإتيان بها مقدماً على الفريضة، و يجوز إتيانها في أي وقت كان بلا كراهة حتّى في الأوقات المكروهة و في وقت الفريضة حتّى على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة، لخصوص الأخبار الواردة في المقام، و

الأولى أن يقرأ في الركعة الأُولى بعد الحمد التوحيد و في الثانية الجحد لا العكس كما قيل. أبا جعفر (عليه السّلام) هل صلى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الظهر بمنى يوم التروية فقال: (نعم و الغداة بمنى يوم عرفة) «1». (1) المنسوب إلى المشهور صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام و أن الأولى الإتيان بها قبل الفريضة أقول أما استحباب ركعتين للإحرام و أن الأفضل تقديمهما على الإتيان بالفريضة فقيل باستظهارهما من صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا كان يوم التروية إن شاء اللَّه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافياً و عليك بالسكينة و الوقار ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام) أو في الحجر ثم اقعد حتى تزول الشمس فصّل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من مسجد الشجرة) «2» الحديث و لكن في الاستظهار تأملًا فإن من المحتمل جدّاً أنّ الركعتين صلاة التحية للمسجد لا صلاة الإحرام و في صحيحته الأخرى ما ظاهره أنه يكون الإحرام بعد صلاة الفريضة أو بعد النافلة حيث روى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) لا يكون الإحرام إلّا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم و أن كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما «3»

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 148

.......... الحديث و في صحيحته الثالثة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين ثم إحرام في دبرها) «1» و على الجملة صلاة الإحرام في غير وقت الصلاة

المكتوبة ركعتان، و في وقتها يكون الإحرام بعد الفريضة، من غير صلاة أخرى للإحرام قبلها أو بعدها و يساعد ذلك كلمات جملة من أصحابنا.

و أما الصلاة بستّ ركعات للإحرام فلم أظفر بها إلّا في رواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (تصلّي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها) «2» و ما رواه الشيخ (قدّس سرّه) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن علي بن الصلت عن زرعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم) إلى أن قال: (ثمّ ائت المسجد و صلى ست ركعات قبل أن تحرم) «3» الحديث و ليس شي ء من السندين. تاماً فإن في الأول علي بن أبي حمزة و في الثاني على بن الصلت و أما صلاة أربع ركعات فقد وردت في رواية إدريس بن عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر، كيف يصنع؟ قال: (يقيم إلى المغرب) قلت فإن أبي جماله أن يقيم عليه؟ قال: (ليس له أن يخالف السنّة) قلت أ يتطوع بعد العصر قال: (لا بأس به) إلى أنّ قال: قلت: كم أصلي إذا تطوعت قال: (أربع ركعات) «4» لم يرد في رواية ابن إدريس علي بن الصلت و في الشرائع أقلّه ركعتان في الأول الحمد و قل يا أيها الكافرون. في الثانية

[ (مسألة 2) يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحِنّاء إذا كان يبقى أثره إلى ما بعده مع قصد الزينة]

(مسألة 2) يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحِنّاء إذا كان يبقى أثره إلى ما بعده (1) مع قصد الزينة، بل لا معه أيضاً إذا كان يحصل به الزينة و

إن لم تقصدها، بل قيل بحرمته، فالأحوط تركه و إن كان الأقوى عدمها، و الرواية مختصّة بالمرأة لكنّهم ألحقوا بها الرجل أيضاً لقاعدة الاشتراك و لا بأس به، و أمّا استعماله مع عدم إرادة الإحرام فلا بأس به و إن بقي أثره، و لا بأس بعدم إزالته و إن كانت ممكنة. (1) قد نسب في الحدائق إلى أكثر أصحابنا، أنه يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحناء إذا كان يبقى أثره إلى ما بعد إحرامها، و يستدل على ذلك برواية أبي الصباح الكناني المروية في التهذيبين و الفقيه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم، هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: (ما يعجبني أن تفعل) «1» و ظاهرها الخضاب مع عدم قصد الزينة و إذا كان مع عدم قصدها مكروهاً فيكره مع قصدها بالأولوية و يلحق الرجل بالمرأة، لأنّ المتفاهم من الرواية أنّ الكراهة حكم الخضاب قبل الإحرام من غير خصوصية للمرأة و ذكرها لتحقق خوف الشقاق للنساء غالباً، و عن الروضة أنّ الخضاب بالحناء إذا بقي أثره لما بعد الإحرام لكونه زينه حرام، و يدفعه عدم قيام دليل على حرمته قبل الإحرام و إن بقي أثره لما بعده و الرواية لضعف سندها بجهالة محمد بن الفضيل غير صالحة للاستدلال على الكراهة فضلًا عن الحرمة، نعم إن صدق على الخضاب به التزين لكان محرماً حال الإحرام و إما إذا كان للتداوي و نحوه فلا بأس باستعماله و في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحناء فقال أن المحرم ليمسّه و يداوي به بعيره و ما هو

التهذيب في

مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 150

.......... بطيب و ما به بأس) «1»، و لكن لا يستفاد منها جواز التزين بالخضاب بالحناء بل مدلولها جواز مس المحرم الحناء للتداوي و عدم كونه طيباً.

[فصل في كيفيّة الإحرام

اشارة

فصل في كيفيّة الإحرام و واجباته ثلاثة:

[الأوّل: النيّة]
اشارة

الأوّل: النيّة، بمعنى القصد إليه (1)، فلو أحرم من غير قصد أصلًا بطل سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل، و يبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عمداً، و أمّا مع السهو و الجهل فلا يبطل، و يجب عليه تجديده من الميقات إذا أمكن و إلّا فمن حيث أمكن على التفصيل الّذي مرّ سابقاً في ترك أصل الإحرام. (1) المراد من القصد في المقام على الأصح هو أن يقصد بالتلبية أو الإشعار أو التقليد الدخول و البدء باعمال العمرة أو الحج فإنه إذا قصد بها ذلك يكون محرماً أي موضوعاً لحرمة أمور عليه يعبر عنها بالمحرمات عند الإحرام ففي الحقيقة لا يكون عنوان الإحرام عنواناً قصدياً، بل حيث يكون ترتب حرمتها بالتلبية بقصد البدء بالعمرة أو الحج لا على ذات التبلية من غير قصد العمرة أو الحج يكون قصد ترتب حرمة تلك المحرمات من قصد الملزوم عن طريق قصد اللازم و لذا لو نوى أنه يلبي بالعمرة أو الحج من غير قصد الإحرام يترتب على تلبيته عنوان الإحرام و أن لم يقصد ترتب المحرمات كما إذا كان غافلًا عنها فما قيل من أن إنشاء الإحرام لا يكون بالقصد إلى تلك التروك لدخول هذا القصد في حقيقة الإحرام و أن المعتبر في تحقيق القصد إلى الترك المستمر لا استمرار ذلك القصد فلو لم يستمر كما إذا قصد في الأثناء الإتيان ببعض محظورات الإحرام فلا يضر بصحة إحرامه، و بذلك يفترق القصد إلى الترك في المقام عن القصد إلى ترك المفطرات في باب الصوم حيث أن استمرار القصد معتبر في الصوم بخلاف المقام لا يمكن المساعدة عليه لما ذكرنا

أنّ إحرام الحج أو العمرة عبارة عن التلبية بقصد البدء بالعمرة أو بالحج و قصد ترك محظورات الإحرام أو فعلها غير

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 152

.......... دخيل في تحقق الإحرام الذي هو جزء من العمرة أو الحج، و يشهد لما ذكرنا صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم) «1» و وجه الدلالة أنه لا يكون شي ء من التلبية و الإشعار و التقليد واجباً نفسياً مستقلا و لا مستحباً كذلك بل يكون مشروعاً إذا كان البدء بها بالعمرة أو الحج و في هذه الصورة ينطبق عليها عنوان الإحرام و يؤيد ذلك ما دل على عدم البأس بما فعله المريد للإحرام قبل التلبية كصحيحة اخرى له عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة يقول الذي يريد أن يقوله و لا يلبي ثمّ يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه فيه شي ء) «2» حيث إن المتفاهم من مثلها أنّ عدم البأس بها لعدم تحقق الإحرام إلّا بالتلبية التي يقصد بها الدخول في العمرة أو الحج بلا اعتبار قصد لترك المحرمات فيه، و ما عن الشهيد (قدّس سرّه) من أنّ حقيقة الإحرام عبارة عن توطين النفس على ترك المحرمات المعهودة إلى أن يأتي بالمحلّل، و ارجع تفسير النية في كلمات الأصحاب إلى ذلك لا وجه له كما يصّح التمسك بذلك بصحيحته الثالثة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (في رجل أحرم و عليه قميصه فقال: ينزعه و لا يشقه و أن كان لبسه بعد ما أحرم

شقّه و أخرجه مما يلي رجليه) «3» حيث إن ظاهرها صحة إحرامه مع لبسه القميص عند إحرامه كما هو مقتضى الأمر بالنزع و لو كان القصد إلى التروك دخيلًا في تحققه لما كان يتحقق مع لبس القميص عند التلبية و على الجملة لم يثبت كون القصد إلى تروك الإحرام دخيلًا في تحققه بل المعيار في تحققه التلبية أو أختيها بقصد البدء و الدخول في العمرة أو الحج و ما عن المختلف من أن ماهية الإحرام مركبة من التلبية و النية لا يصح لو كان مراده قصد التروك.

[ (مسألة 1) يعتبر فيها القربة و الخلوص

(مسألة 1) يعتبر فيها القربة و الخلوص (1) كما في سائر العبادات فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه.

[ (مسألة 2) يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه

(مسألة 2) يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه، فلا يكفي حصولها في الأثناء، فلو تركها وجب تجديده، و لا وجه لما قيل من أنّ الإحرام تروك و هي لا تفتقر إلى النيّة، و القدر المسلّم من الإجماع على اعتبارها إنّما هو في الجملة و لو قبل التحلل، إذ نمنع أولًا كونه تروكاً فإنّ التلبية و لبس الثوبين من الأفعال، و ثانياً اعتبارها فيه على حد اعتبارها في سائر العبادات في كون اللازم تحقّقها حين الشروع فيها.

[ (مسألة 3) يعتبر في النيّة تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة]

(مسألة 3) يعتبر في النيّة تعيين (2) كون الإحرام لحج أو عمرة، و أنّ الحج تمتّع أو قران أو إفراد، و أنّه لنفسه أو نيابة عن غيره، و أنّه حجّة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي، فلو نوى الإحرام من غير تعيين و أوكله إلى ما بعد ذلك بطل، فما عن بعضهم من صحّته و أن (1) قد ذكرنا أنّ الإحرام للحج أو العمرة يكون بالتلبية التي يقصد بها البدء بالحج أو العمرة و حيث أنّ كلا من الحج و العمرة عبادة يعتبر فيهما قصد التقرب و الإخلاص كسائر العبادات و يكون قصد التقرب و الإخلاص في الكل بالإخلاص و قصد التقرب في إجزائه حيث أن الكل عين الإجزاء و أمّا قصد تروك الإحرام فقد تقدم عدم دخالته في تحقق الإحرام ليكون قصد التقرب و الإخلاص معتبراً في تلك التروك كما أن الأمر في لبس ثوبي الإحرام كذلك فان اللبس حال عقد الإحرام واجب نفسي فاعتبار التقرب في الإحرام لا يلازم اعتبار قصد التقرب في لبسهما و مما ذكر يظهر الحال فيما ذكر الماتن (قدّس سرّه) في المسألة الثانية. (2) كل ما يكون عنواناً قصدياً فعلى المكلف قصد ذلك

العنوان عند البدء بالفعل و كل من الحج و العمرة ككونهما عن نفسه أو عن غيره أو كون الحج تمتعاً أو قرانا أو افراداً من العناوين القصدية، و المفروض أن التلبية جزء من عمل الحج

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 154

له صرفه إلى أيّهما شاء من حج أو عمرة لا وجه له إذ الظاهر أنّه جزء من النسك فتجب نيّته كما في أجزاء سائر العبادات، و ليس مثل الوضوء و الغسل بالنسبة إلى الصلاة، نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتّى بأن ينوي الإحرام لما سيعينه من حج أو عمرة فإنّه نوع تعيين، و فرق بينه و بين ما لو نوى مردّداً مع إيكال التعيين إلى ما بعد. و العمرة فعلى المكلف عند التلبية تعيين أنها لأي منها بل لو لم يكن شي ء منها عنواناً قصدياً فرضاً لزم عند التلبية تعيين أنها لأي منها لأن التلبية جزء لكل منها فلا تتعين لكونها جزءاً لواحد معين منها إلّا إذا قصد عند التلبية أنها له نظير ما ربما يقال بأن كل من السور القرآنية بآياتها الخاصة و ترتيبها الخاص عنوان غير قصدي، و لكن بما أن البسملة جزء لكل منها فاللازم عند البسملة تعيين أنها لأي من السور لتصير جزء منها نعم لا يعتبر أنّ يكون العنوان القصدي متعلقاً للقصد تفصيلًا بل يكفي القصد اليه بعنوانه الإجمالي و ذكر (قدّس سرّه) أنّ من التعيين الإجمالي ما إذا أحرم و كان مقصده عند الإحرام أنه جزء لعمل يأتي ببقية ذلك العمل بعده ففي زمان الإحرام و أن لم يقصد جزئيته لعمل خاص تفصيلًا إلّا أنها مقصودة في إحرامه إجمالًا من الأول نظير ما إذا قرء البسملة

و كان عند قرأتها قاصداً بأنها جزء من السورة التي سوف يقرؤها بعدها، و مما ذكر يظهر الفرق بين هذه الصورة و ما إذا أحرم من غير قصد عند الإحرام أنه جزء لعمل يأتي ببقيته بعد ذلك، بل كان قصده أن يبقى مردداً إلى أن يعيّن العمل الخاص بعد ذلك فيصير جزءاً له عند تعيين ذلك العمل فإن هذا الإحرام محكوم عليه بالبطلان لان قصد الجزئية فيه بعد تحققه من غير قصدها من الأول لا يجعله جزءاً كما هو الحال بالبسملة أيضاً.

[ (مسألة 4) لا يعتبر فيها نيّة الوجه من وجوب أو ندب إلّا إذا توقّف التعيين عليها]

(مسألة 4) لا يعتبر فيها نيّة الوجه من وجوب أو ندب إلّا إذا توقّف التعيين عليها (1)، و كذا لا يعتبر فيها التلفظ بل و لا الإخطار بالبال فيكفي الداعي.

[ (مسألة 5) لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته

(مسألة 5) لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته، بل المعتبر العزم على تركها مستمراً (2)، فلو لم يعزم من الأوّل على استمرار الترك بطل، و أمّا لو عزم على ذلك و لم يستمر عزمه بأن نوى بعد تحقّق الإحرام عدمه أو إتيان شي ء منها لم يبطل، فلا يعتبر فيه استدامة النيّة كما في الصوم، و الفرق أنّ التروك في الصوم معتبرة في صحّته بخلاف الإحرام فإنّها فيه واجبات تكليفية.

[ (مسألة 6) لو نسي ما عيّنه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد]

(مسألة 6) لو نسي ما عيّنه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد سواء تعين عليه أحدهما أو لا (3)، و قيل: إنّه للمتعيّن منهما و مع عدم التعيين يكون لما يصح منهما و مع (1) لا يخفى أنه ربما يكون قصد الوجه من قصد الإجمالي إلى عنوان العمل الذي يحرم له إلّا أنّ توقف تعيين الإحرام على قصد الوجه أمر لعله غير واقع. (2) أنه كما لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرمات كذلك لا يعتبر في الابتداء العزم على تركها مستمراً و لا يضر عدم قصده في تحقق الإحرام لعدم كونه دخيلًا في تحققه بل التلبية للعمرة أو لحج خاص من الميقات تجعل المكلف محرماً يترتب عليه حرمة ما يعبر عنها بالمحرمات على المحرم أو حال الإحرام حتى بالإضافة إلى الجماع و الاستمناء بناءً على ما هو الأصح من أنّ شيئاً منهما لا يوجب فساد الحج أو العمرة بالمعنى المصطلح على ما تقدم و أنما يوجب في بعض الموارد تكرار الحج و العمرة في السنة الآتية و بعد خروج الشهر عقوبة على الارتكاب. (3) مراده (قدّس سرّه) أن لا يكون أثناء عمل يقصده و لكن لا يدري أنه أحرم

له أو لغيره

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 156

صحتهما كما في أشهر الحج الأولى جعله للعمرة المتمتّع بها، و هو مشكل إذ لا وجه له. فإنه في هذه الصورة يبني على أنه أحرم له سواء كان الإحرام لغيره صحيحاً أم كان باطلًا و قد ذكر ذلك في المسألة الحادية عشرة فإن الحكم بتحقق الإحرام لما يأتي بقصده مقتضى قاعدة التجاوز بل مراده أنّ المكلف بعد ما أحرم من الميقات نسي ما أحرم له سواء اشتغل حال نسيانه ببعض الأعمال أو لم يشتغل و أفتى بلزوم تجديد الإحرام و أن إحرامه السابق كالعدم و لم يفصل بين ما إذا كان إحرامه السابق على تقدير صحيحاً و على تقدير آخر باطلًا و بين صحته على كل تقدير و لكن فيه ما لا يخفى فإنه أنما يلزم الإعادة فيما إذا كان إحرامه السابق على تقدير صحيحاً و على تقدير آخر باطلًا كما إذا أحرم قبل دخول هلال شوال و نسى أنه أحرم للعمرة المفردة أو لعمرة التمتع أو نسي أنه كان للعمرة المفردة أو لحج الإفراد فإنه في الفرضين عليه إعادة الإحرام إذا كان قصده دخول مكة أو كان عليه الحج الواجب تمتعاً أو إفراداً لجريان الاستصحاب في عدم تحقق الصحيح من الإحرام و لا تجري قاعدة الفراغ في إحرامه السابق لأنها أنما تجري في عمل يكون أصل الإتيان بذلك العمل بعنوانه محرزاً و شك في وقوع الخلل فيه سهواً، و في الفرض لم يحرز أنه كان يأتي عند الإحرام بإحرام العمرة المفردة و أما إذا كان إحرامه على كل تقدير كان صحيحاً كما إذا نسي أنه أحرم بعد حلول شهر شوال للعمرة المفردة أو

لعمرة التمتع أو أحرم للعمرة أو لحج الافراد فلا موجب للالتزام ببطلان إحرامه و لزوم تجديده لانه صحيح على كلا التقديرين فإن كان لعمرة مفردة أو لتمتع يدخل مكة و يأتي بالطواف و السعي و التقصير و يعلم بوجوب طواف النساء عليه أو البقاء في مكة و الإحرام لحج التمتع فإن بقي فيها يحسب عمرته تمتعاً و يحرم لحج التمتع و يجزي عمله حتى فيما إذا كان عليه حجة الإسلام يسقط عنه و لم يكن عليه إلّا طواف النساء بعد اعمال الحج

[مسألة 7): لا تكفي نية واحدة للحج و العمرة]

مسألة 7): لا تكفي نية واحدة للحج و العمرة بل لا بدّ لكل منهما من نيته مستقلًّا إذ كل منهما يحتاج إلى إحرام مستقلّ (1)، فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها و القول بصرفه إلى المتعين منهما إذا تعين عليه أحدهما و التخيير بينهما إذا لم يتعيّن و صحّ منه كل منهما كما في أشهر الحج لا وجه له كالقول بأنّه لو كان في أشهر الحج بطل و لزم التجديد، و إن كان في غيرها صحّ عمرة مفردة. فإن كان إحرامه السابق لحج الإفراد يأتي بعد دخول مكة بالطواف و السعي بما هو عليه واقعاً، و لا يتردّد تقصيره بين الوجوب و الحرمة لإمكان تأخيره إلى ما بعد الوقوفين و أعمال منى، حيث يأتي بها رجاءً بعد رجوعه إلى مكة حيث يقصر و يطوف طواف النساء و لا يكون هذا من الجمع بين الحج و العمرة المفردة، بل من الاحتياط بالإتيان بما عليه في الواقع من أحدهما و لا بأس لهذا المكلف التقصير رجاءً في منى أيضاً بعد رمي جمرة العقبة حيث انّ أمره فيه بناءً على اعتبار التقصير في العمرة المفردة بمكة

دائر بين الوجوب و الحرمة فيختار الفعل رجاءً و هذا لمن كان مكلفاً بخصوص حج الافراد و إلا كان له بعد الطواف و السعي التقصير بالعدول إلى عمرة التمتع ثمّ يحرم لحج التمتع من مكة و يخرج إلى عرفات، و مما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا دار أمر إحرامه من الميقات بين الإحرام لعمرة التمتع أو لحج الافراد حيث أنه بعد دخول مكة يطوف و يسعى و يقصر عدولًا إلى حج التمتع على فرض أن إحرامه كان لحج الافراد ثم يحرم من مكة لحج التمتع و يخرج إلى الوقوفين و أعمال منى. (1) يعني أنّ كلا من العمرة و الحج عمل يكون الإحرام جزءً لكل منها و إذا أحرم للعمرة و الحج فإن كان قصده الإتيان بالعمرة ثمّ الإحرام بالحج بإحرام جديد كما في المتمتع بالعمرة إلى الحج فهو ليس من الإحرام الواحد لهما معاً بل من القصد بالإتيان بكل من الفعلين و من الجمع بينهما في النية خاصة و أن أراد أنّ يدخل في كل

[ (مسألة 8): لو نوى كإحرام فلان

(مسألة 8): لو نوى كإحرام فلان فإن علم أنّه لماذا أحرم صحّ (1)، و إن لم يعلم فقيل بالبطلان لعدم التعيين و قيل بالصحة لما عن علي (عليه السّلام)، و الأقوى الصحة لأنّه نوع تعيين نعم لو لم يحرم فلان أو بقي على الاشتباه، فالظاهر البطلان. و قد يقال إنّه في صورة الاشتباه يتمتع، و لا وجه له إلّا إذا كان في مقام يصح له العدول إلى التمتع. منهما بإحرام واحد فهو مناف للإخبار البيانية الواردة في كيفية أقسام الحج. (1) فإنه من التعيين الإجمالي كما مر و أن لم يعلم أنه بماذا أحرم حتى بعد إحرامه كذلك فقيل

بالبطلان لعدم التعيين، و لكن لا يخفى أنه إذا أحرز أن إحرامه لنوع معين و أنه إحرام صحيح و لكن لم يظهر له ذلك النوع فعليه العمل بما تقدم في المسألة السابقة من وظيفة الناسي بما عيّنه.

و ما ذكر الماتن (قدّس سرّه) من الحكم ببطلان إحرامه مطلقاً كما في صورة ظهور أنه لم يحرم أصلًا لا يمكن المساعدة عليه نعم إذا ظهر أنه لم يحرم أصلًا أو أحرم من غير تعيين و لو بنحو الإجمال يحكم ببطلان إحرام هذا الشخص أيضاً لأنه لم يحرم لنوع معين و لو إجمالًا، بل إذا احتمل بأن فلاناً لم يحرم أو أحرم لغير معين أيضاً يحكم ببطلان إحرامه لأنه لا يدري أنه نوى نوع معين و لو إجمالًا أم لا، و مقتضى الاستصحاب عدم تحققه لا منه و لا من فلان و ما قيل من أنه يتمتع فقد تقدم في المسألة السادسة مورد العدول إلى التمتع و هو بعض صور إحراز صحة الإحرام من الميقات فراجع.

و قد يستدل فيما إذا نوى أنه يحرم كإحرام فلان على صحته بما عن علي (عليه السّلام) من قوله لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) (أهللت بما أحل النبي) (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و لكن لا يخفى أنّ قول علي (عليه السّلام) لا يرتبط بالمقام أصلًا فإنّ ظاهر صحيحة الحلبي و معاوية بن عمار أنه (عليه السّلام) عند رجوعه من طائف أحرم للحج كالنبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و سائر المؤمنين و المسلمين الذين

[ (مسألة 9): لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره

(مسألة 9): لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل (1).

[ (مسألة 10): لو نوى نوعاً و نطق بغيره

(مسألة 10): لو نوى نوعاً و نطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق (2).

[ (مسألة 11): لو كان في أثناء نوع و شك في أنّه نواه أو نوى غيره

(مسألة 11): لو كان في أثناء نوع و شك في أنّه نواه أو نوى غيره بنى على أنّه نواه (3).

[ (مسألة 12): يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفظ بالنية]

(مسألة 12): يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفظ بالنية، و الظاهر تحققه بأي لفظ كان (4)، و الأولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمار، و هو أن يقول اللّهمّ إنّي أريد ما كانوا مع النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أنما كان غرضه (عليه السّلام) من قوله: (أهللت بما أهل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)) كما في صحيحة الحلبي أو إهلالًا كإهلال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كما في صحيحة بن عمار الاستفتاء عن حكم إحرامه للحج حيث أخبرته فاطمة (سلام اللَّه عليها) بأن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أمر بالإحلال فجاء (عليه السّلام) النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) للاستفتاء عن حكمه فسأله النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بماذا أحرمت فأجاب (عليه السّلام) (كاحرامك) أي بسياق الهدى فقال (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فلتبق على إحرامك مثلي حتى يبلغ الهدي محلّه. نعم ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار و ما في صحيحة الحلبي اختلاف في جهة أخرى و هي أن إحرامه (عليه السّلام) على ما في صحيحة معاوية بن عمار كان بسياق الهدي كالنبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و في صحيحة الحلبي أن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) شرك علياً في هديه و كأن تشريك النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) علياً في هديه أنه (عليه السّلام) نوى في إحرامه أنه يحرم بما يحرم

النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من غير أن يسوق الهدي و أنما ساق رسول اللَّه جميع مأة بدنة ثم شرك علياً (عليه السّلام) فجعل له سبعاً و ثلاثين و نحر (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ثلاثاً و ستين و لو كان الواقع كما في صحيحة الحلبي فهذا حكم يختص بعلي (عليه السّلام). (1) و لعل مراده أنه لا يقع عما وجب عليه لا أنه يبطل رأساً، بل ذكرنا أنه لو نوى الندب مع كونه مستطيعاً للجهل باستطاعته أو تخيل عدم استطاعته يكون حجّة حجة الإسلام. (2) لأن صيرورة النوع نوعاً بالنية و التلفظ اشتباهاً لا أثر له (3) لقاعدة التجاوز كما تقدم في المسألة السادسة. (4) المراد استحباب التلفظ بنية الإحرام و هذا هو المنسوب إلى ظاهر المشهور

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 160

أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيّك (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فيسّر لي ذلك و تقبله منّي و أعنّي عليه فإنّ عرض شي ء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرتك الذي قدرت علىّ، اللّهمّ إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخّي و عصبي من النساء أو الطيب ابتغى بذلك وجهك و الدار الآخرة.

[ (مسألة 13): يستحب أن يشترط عند إحرامه على اللَّه أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حج أو عمرة]

(مسألة 13): يستحب أن يشترط عند إحرامه على اللَّه أن يحلّه إذا عرض مانع (1) من إتمام نسكه من حج أو عمرة، و إن يتم إحرامه عمرة إذا كان للحج و لم يمكنه كما يظهر من بعض الأخبار و اختلفوا في فائدة هذا الاشتراط فقيل إنّها سقوط الهدي، و قيل إنّها تعجيل التحلّل و عدم

انتظار بلوغ الهدي محلّه، و قيل سقوط الحج من قابل، و قيل أنّ فائدته إدراك الثواب، فهو مستحب تعبدي. من استفادته من بعض الاخبار و ما ذكر الماتن من صحيحة بن عمار، و أرد في التلفظ بنية إحرام عمرة التمتع كبعض الروايات الأخرى و لكن في بعض الروايات أن الإضمار أحب، و في صحيحة إسحاق بن عمار أنه سأل أبا الحسن (عليه السّلام) قال: أصحاب الإضمار أحب الي و نحوها ما في الصحيح عن أبي بكر الحضرمي و زيد الشحام و منصور بن حازم قالوا: (أمرنا أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أن نلبي و لا نسمي شيئاً و قال أصحاب الإضمار أحب إلى) «1» و مقتضى الجمع بينها استحباب التلفظ بنية الإحرام و إضمار أنه لعمرة التمتع إلى الحج بأن يقول: (اللّهم إني أحرم على كتابك و سنة نبيك) و يضمر أنه لعمرة التمتع (1) يستحب أن يشترط في إحرامه على اللَّه تعالى أن يحلّه إذا عرض ما يمنعه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 161

.......... عن إتمام عمرته أو حجّه و أن يتم إحرامه عمرة إذا كان للحج و لم يمكنه إتمامه و يشهد لذلك جملة من الاخبار منها صحيحة معاوية بن عمار «2» المتقدمة الواردة في استحباب التلفظ بينة الإحرام و اختلف في فائدة هذا الاشتراط فالمحكي عن ابن إدريس و المرتضى و الحلبي و ابن سعيد و العلامة في بعض كتبه أن فائدته سقوط الهدى و حصول الإحلال بمجرد الإحصار، و يستدل على ذلك بصحيحة ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل متمتع بالعمرة إلى الحج و أحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال: أو

ما اشترط على ربّه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللَّه فقلت: بلي قد اشترط ذلك قال فليرجع إلى أهله حلالًا لا إحرام عليه إن اللَّه أحق من وفى بما اشترط عليه قال: فقلت أ فعليه الحج من قابل قال: لا) «1» حيث يستظهر منها انفساخ إحرام المشترط على ربّه بحصول الحصر فلا يجب عليه الاجتناب عن محرمات الإحرام كما لا يجب عليه الهدي فإن الهدى لو كان واجباً عليه لكان على الإمام (عليه السّلام) بيانه حيث سأل ذريح أنه كيف يصنع و دعوى ان وجوب الهدي عليه حكم و عدم تحلله إلى بلوغ الهدي محلّه حكم آخر و ظاهر الصحيحة انفساخ إحرامه بالاحصار فلا يجب عليه الانتظار بالإضافة إليه و إما وجوب الهدي عليه و عدمه فلم يعلم كونه (عليه السّلام) بالإضافة إليه في مقام البيان ليؤخذ سكوته (عليه السّلام) دليلًا على تخصيص الآية من هذه الجهة أيضاً يدفعها ظهور كلام السائل في سؤاله عن وظيفته لا عن التعجيل في إحلاله و عدمه فقط ففائدة الاشتراط سقوط الهدي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 162

.......... و صيرورته محلا عند الإحصار و يضاف إلى ذلك ما في صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله و أي شي ء عليه قال: هو حلال من كل شي ء، فقلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: (نعم من جميع ما يحرم على المحرم) ثمّ قال: (إما بلغك قول أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على) «1» و لكن لا يخفى عدم الدلالة في هذه الصحيحة على

أنّ المكسور ساقه اشترط في إحرامه الإحلال عند الإحصار، بل ظاهرها الإحلال عند كسر ساقه من غير فرق بين أنّ يشترط أم لا. و الاستدلال بقول أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) لأنّ هذا الإحلال أمر كان أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يشترطه على ربّه و على الجملة الاولى أن يجعل هذه الصحيحة من الروايات التي ظاهرها عدم توقف الإحلال عند الإحصار على الاشتراط و أنه عند الإحصار ينحل الإحرام اشترط المحرم في إحرامه أم لم يشترط كما ورد ذلك في رواية حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الذي يقول حلّني حيث حبستني قال: (هو حلّ حيث حبسه، قال أو لم يقل) «2» و صحيحة زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (هو حل إذا احبسه اشترط أو لم يشترط) «3» و يمكن أنّ يناقش في الصحيحة بأن مرجع الضمير فيها غير مذكور و لعله شخص خاص معهود بين الإمام (عليه السّلام) و زرارة و هو من لا يتمكن من الهدي و لا من الصوم فتكون الرواية مجملة فلا يمكن الاستدلال بها كما لا يصح الاستدلال برواية حمزة بن حمران لعدم ثبوت توثيق له، و ما ورد في رواية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 163

.......... حمزة بن حمران و أن رواها الصدوق (قدّس سرّه) بإسناده عن حمران أعين و لكن سنده إليه مجهول، و على الجملة لم يثبت في البين ما يكون معارضاً لصحيحة ذريح المحاربي الوارد فيها أنّ للاشتراط على اللَّه ان الإحلال عند عارض يمنعه من إتمام عمرته أو حجه الإحرام أثراً و هو انحلال الإحرام عند عروض المانع، حيث أنّ صحيحة البزنطي أيضاً مجملة لا

تدلّ على الانحلال بلا فرض الاشتراط في الإحرام لو لم نقل بظهور ذيلها في أنّ الاشتراط في موردها مفروض و قد تقدم أن صحيحة ذريح المحاربي تحسب قيداً بالإضافة إلى قوله سبحانه فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ حيث إن المستفاد من الآية أنّ الإحلال مع الحصر يكون بالهدي و أنه ما لم يبلغ محلّه يبقى المحصور على إحرامه و الصحيحة دالة على أنّ المشترط على ربه إذا أحصر لا إحرام عليه فلا موجب لإرساله الهدى و التحلّل عند وصوله إلى محله، اللّهم إلّا أنّ يقال أنّ المراد مما ورد في صحيحة ذريح و صحيحة البزنطي من قوله (عليه السّلام) (يرجع إليه و لا إحرام له أو حلال من كل شي ء) هو بيان أنه بعد الإحلال بما في آية الحصر لا يبقى إحرام بالإضافة إلى شي ء من محرمات الإحرام لا أنه يسقط التكليف بالإضافة إلى نسك العمرة أو الحج فقط. فالصحيحتان واردتان في مقام بيان عدم بقاء الإحرام أو شي ء من محرماته بالإحلال، و لذا ذكر الإمام (عليه السّلام) في صحيحة البزنطي بعد ما قال هو (حلال من كل شي ء) و سؤال البزنطي بقوله فقلت من النساء و الطيب: (نعم من جميع ما يحرم على المحرم و استشهد بقول أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عند إحرامه حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي) فإن قوله (عليه السّلام) يخرج من عنوان الدعاء و الطلب و سؤاله (عليه السّلام) أيضاً في صحيحة ذريح المحاربي أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم، الإشارة إلى ما ورد من نيته الإحرام و التلفظ به عنده استشهاداً على عدم

التهذيب في مناسك

العمرة و الحج، ج 2، ص: 164

.......... بقاء الإحرام، لا أن الساقط عن المحصور و المصدور مجرد وجوب إتمام العمرة أو الحج أو جواز الحلق أو التقصير فقط، و ما ورد في صحيحة زرارة، هو حلال إذا حبسه اشترط أو لم يشترط ليس في مقام أنّ الإحلال لا يكون إذا حصر ببعث الهدي، و حضور زمان المواعدة مطلقاً بل أنّ الإحلال بذلك لا فرق في اعتباره أن يشترط الإحلال أو لم يشترط يعني قال أو لم يقل كما في رواية حمزة بن حمران أو حمران بن أعين و إلا كانت على خلاف الآية. نعم ذكرنا في بحث الصد و الحصر أن المحصور في العمرة المفردة إذا بعث هدية إلى مكة و حضر زمان المواعدة يحل من إحرامه بالإضافة إلى النساء أيضاً بخلاف ما إذا لم يبعث بل ذبح أو نحر في مكان الحصر و نحوه فإنه في هذا الفرض تبقى عليه حرمة النساء حتى يأتي بعد ذلك بالعمرة المفردة، و هذا الفرق يستفاد من ذيل صحيحة معاوية بن عمار الواردة في الفرق بين الصد حيث ينحر أو يذبح فيه في مكان الصد و نحوه بخلاف الحصر فإنه يبعث فيه الهدي و لو بقيمته إلى مكة في العمرة و منى في الحج و يتحلل المحصور يوم العيد في الحج و زمان المواعدة في العمرة فإنه ورد في ذيلها قضية عمرة الحسين (عليه السّلام) و حصر فيه و أن علياً (عليه السّلام) خرج في طلبه و وجده مريضاً فنحر بدنة في مكانه و حلق رأسه و رده إلى المدينة إلى أن قال: (لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة) «1» الحديث و

في موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (المصدود يذبح حيث صد و يرجع صاحبه فيأتي النساء و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوماً فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه قلت أ رأيت إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحلّ فأتى النساء قال فليعد فليس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 165

.......... عليه شي ء و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث) «1» فإن ظاهر هذه الموثقة هو بعث الدراهم و لا يلزم بعث نفس الهدي و أنه إذا بعث تحلّ له النساء أيضاً و على الجملة لم يثبت وجوب الإمساك عن النساء إلّا في العمرة المفردة إذا ذبح أو نحر في محل الحصر و لا يعم صورة البعث.

و مما ذكر يظهر أنه لا مجال لدعوى أنّ فائدة الاشتراط التعجيل في الإحلال و لا ينتظر فيه بلوغ الهدي محله فإن استحباب الاشتراط وارد في الإحرام للحج و العمرة و في صورة طريان الصد و طريان الحصر مع أنّ التعجيل ثابت في الصد أصالة من غير أثر للاشتراط و إذا كان الاشتراط حتى في صورة الصد مجرد استحباب الدعاء بالإحلال كان في صورة طريان الحصر أيضاً كذلك، و الاستدلال بعدم سقوط الهدى عن المشترط على ربّه و جواز التعجيل بما ورد في عمرة الحسين (عليه السّلام) فيه ما لا يخفى فإن وجه الاستدلال استظهار أنه (عليه السّلام) كان مشترطا الإحلال عند إحرامه فإنه يبعد أنّ يترك المستحب و فيه أولًا أنّ القائل بالتعجيل يلتزم بالبعث و لكن يقول بجواز الإحلال عند الحصر و عدم لزوم الانتظار و علي (عليه السّلام) نحر البدنة في موضع الحصر و ثانياً ترك المستحب أحياناً

لغرض لا ينافي شأن الإمام (عليه السّلام) أضف إلى ذلك أن الوارد في صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (خرج الحسين (عليه السّلام) معتمراً و قد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه حتى جاء فضرب الباب فقال: علي (عليه السّلام) (إنّي و رب الكعبة افتحوا له) «2» الحديث.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 166

و هذا هو الأظهر و يدلُّ عليه قوله (عليه السّلام) في بعض الاخبار: هو حل حيث حبسه اشترط أو لم يشترط، و الظاهر عدم كفاية النية في حصول الاشتراط (1)، بل لا بدّ من التلفظ و لكن يكفي كل ما أفاد هذا المعنى فلا يعتبر لفظ مخصوص و إن كان الأولى التعيين ممّا في الأخبار.

[الثاني من واجبات الإحرام التلبيات الأربع
اشارة

الثاني من واجبات الإحرام التلبيات الأربع (2) و القول بوجوب الخمس أو السّت ضعيف، بل ادعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع و اختلفوا في صورتها على أقوال: أحدها أن يقول لبّيك اللّهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك. فإنه و إن يمكن أن تكون هذه غير الواقعة التي ردّه علي (عليه السّلام) إلى المدينة إلّا أنّ مقتضاها النحر مكان الحصر مع أنهم قائلون بوجوب البعث في الإحرام بسياق الهدي و لعل سياقه في الفرض كان مقارناً للإحرام بالتلبية، و على تقدير ففي العمرة المفردة يجوز الذبح بمكان الحصر و في غيرها يتعين البعث في صورة الإمكان لا مع عدمه أو الحرج فيه كما يدل على ذلك موثقة سماعة التي رواها في المقنع قال: سألته عن رجل أحصر في الحج قال: (فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه و محله أنّ يبلغ

الهدي) «1» الحديث فإن تعليق الأمر بالبعث على ما كان مع أصحابه ظاهره اعتبار اليسر في وجوب البعث و الحاصل ما ورد في ذيل صحيحة معاوية بن عمار و ما ورد فيها بعد ذلك من قضية عمرة الحسين (عليه السّلام) مقتضاه جواز التعجيل عند الحصر في العمرة المفردة بالذبح مكان الحصر و لو مع عدمه الاشتراط. (1) فإن الاشتراط في المقام في حقيقته دعاء و طلب من اللَّه سبحانه و عنوانهما غير صادق على مجرد القصد و النية. (2) قد تقدم تحقق الإحرام بالتلبية و الواجب منها التلبيات الأربع على المعروف

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 167

الثاني أن يقول بعد العبارة المذكورة إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك.

الثالث أن يقول لبّيك اللّهمّ لبّيك إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك.

الرابع كالثالث إلّا أنّه يقول إنّ الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك لبيك بتقديم لفظ (و الملك) على لفظ (لك) و الأقوى هو القول الأوّل كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمار و الزوائد مستحبة، و الأولى التكرار بالإتيان بكلّ من الصور المذكورة، بل يستحب أن يقول كما في صحيحة معاوية بن عمار (لبّيك اللّهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك إنّ الحمد و النعمة لك و الملك لك لا شريك لك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك غفار الذنوب لبّيك لبّيك أهل التلبية لبّيك لبّيك ذا الجلال و الإكرام لبّيك مرهوباً و مرغوباً إليك لبّيك لبّيك تبدأ و المعاد إليك لبّيك كشاف الكروب العظام لبّيك لبّيك عبدك و ابن عبديك لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك. بين أصحابنا

و عن العلامة دعوى الإجماع عليه و عن الاقتصاد تلبي فرضاً واجباً فتقول لبيك اللّهم لبيك لبيك انّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك و بحجة و عمرة أو بحجة مفردة تمامها عليك لبيك و ظاهره وجوب التلبيات الخمس و عن المهذب البارع أنّ فيها قولًا بوجوب السّت و لكن كل من القولين الأخيرين ضعيف و في صحيحة معاوية بن عمار دلالة واضحة على وجوب الأربع فقط، و في صورة التلبيات الأربع خلاف فعن بعض نسخ المقنعة و عن المحقق و العلامة في بعض كتبه و جماعة أنّ يقول: (لبيك اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك) و عن بعض نسخ المقنعة و المحكي عن الصدوق و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد إضافة جملة أنّ الحمد و النعمة لك و الملك إلى التلبيات الأربع بذكرها في آخرها و عن الشيخ في المبسوط و ابن إدريس و أكثر المتأخرين و العلامة في القواعد أنّ يقول لبيك اللّهم لبيك لبيك أنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك إلّا أنّ العلامة قدم لفظ الملك على لفظ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 168

.......... لك، و المحكي عن بعض ذكر لفظ لك قبل الملك و بعده و الأظهر الاكتفاء بالصورة الأولى كما يدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: التلبية أنّ تقول لبيك اللّهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك إلى أن قال (عليه السّلام) و أن تركت بعض التلبية فلا يضرك غير أن تمامها أفضل و اعلم

أنه لا بد من التلبيات الأربع التي كنّ في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبّى المرسلون «1» الحديث فإن قوله (عليه السّلام) التلبيات الأربع التي كنّ في أول الكلام مقتضاه هي التي قبل جملة إن الحمد و النعمة لك و الملك، و حملها على تمام ما قبل التلبية الخامسة لتشمل الجملة المذكورة أيضاً خلاف الظاهر بلا خلاف قوله (عليه السّلام) و هي الفريضة و هي التوحيد فإن ظاهر التوحيد نفي الشرك و هي التلبية الرابعة دون ما بعدها من الإخلاص.

و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشياً لبيّت مكانك من المسجد تقول: لبيك اللّهمّ لبيك لا شريك لك لبيك لبيك يا ذا المعارج لبيك لبيك بحجة تمامها عليك و اجهر بها كلّما ركبت و كلّما نزلت و كلّما هبطت وادياً أو علوت اكمة أو لقيت راكباً و بالأسحار) «2» و بضميمة ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار من أن الواجب أربع تلبيات تكون دلالتها على عدم وجوب ضمّ أن الحمد و النعمة لك و الملك إلى التلبيات الأربع قريبة من الصراحة و بذلك يرفع اليد عن ظهور مثل صحيحة عاصم بن حميد الظاهرة في اعتبار ضمّ الجملة المذكورة

[ (مسألة 14): اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح

(مسألة 14): اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربية (1)، فلا يجزي الملحون مع التمكن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح و مع عدم و يحمل الضمّ على الأفضل قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لما انتهى إلى البيداء حيث الميل قربت

له ناقة تركبها فلما انبعث به لبّى بالأربع فقال لبيك اللّهمّ لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أنّ الحمد و النعمة (و الملك لك) لا شريك لك ثم قال ههنا يخسف بالأخابث ثم قال: انّ الناس زادوا بعد و هو حسن «1» مع أنّ للمناقشة في دلالتها على زيادة خصوص الجملة المذكورة مجالًا لاختلاف النسخة في تلك الزيادة و كيف ما كان فإضافة تلك الجملة مستحبة كما هو الحال في سائر الزيادات التي تضمنها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة. (1) يجب الإتيان بالتلبيات الأربع على الوجه الصحيح مادّة و هيئة كما هو منصرف الروايات فلا يجزي الملحون مع التمكن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح كما هو الحال في سائر الموارد من القراءة و الأذكار المأمور بها في الصلاة و غيرها و مع عدم التمكن كما يقال، و ذكر الماتن أيضاً الاحتياط بالجمع بين الملحون و الاستنابة فإن مقتضى قاعدة الميسور بعد العلم بعدم سقوط التكليف بالحج عنه هو الإتيان بالملحون و مقتضى رواية زرارة أنّ رجلًا من أهل خراسان قدم حاجّا و كان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي فاستفتي له أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فأمر أن يلبّي عنه و يمر الموسى على رأسه فإن ذلك يجزيه «1» مقتضاها كفاية الاستنابة فيكون الاحتياط بالجمع بين الأمرين، و قد يقال بأن الرواية ضعيفة سنداً فإنّ في سندها ياسين الضرير و لم يوثق و لكن يمكن أن يجاب بأن الشيخ رواها عن محمد بن يعقوب و المروي عنه للضرير

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 170

تمكنه، فالأحوط الجمع بينه و بين الاستنابة.

و كذا لا تجزي الترجمة مع التمكن و مع عدمه، فالأحوط الجمع بينهما و

بين الاستنابة و الأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه، و الأولى أن يجمع بينهما و بين الاستنابة و يلبي عن الصبي غير المميز (1) و عن المغمى عليه (2)، و في قوله إنّ الحمد. يصح أن يقرء بكسر هو حريز و للشيخ لجميع كتب حريز رواياته سند صحيح كما ذكره في الفهرست و لكن في رواية مسعدة بن صدقة قال: سمعت جعفر بن محمد (عليه السّلام) يقول أنك ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح «1» و ربما يستظهر منها كفاية الملحون ممن لا يتمكن من التعلم و الأداء بالنحو الصحيح و لو بنحو التلقين و لكنها ضعيفة سنداً بمسعدة بن صدقة فالأحوط الجمع بينه و بين الاستنابة و لا تجزي الترجمة مع التمكن من التلبية لان منصرف قراءة القرآن عند الأمر بها و كذا منصرف الأذكار عنده هو العربي و لا يعم الترجمة. نعم مع عدم التمكن فالأحوط الجمع بين الملحون و الترجمة و الاستنابة حيث أنّ الترجمة تدخل في أطراف العلم الإجمالي فيما يجب عليه عند إحرامه و لكن هذا كلّه فيما إذا لم يتمكن من تعلّم الصحيح أو الإتيان به بالتلقين أصلًا و أما إذا تمكن من أحدهما و لو بتأخير الحج إلى السنة القادمة ففي الاكتفاء بما ذكر أشكال. (1) لما ورد في صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبي و يفرض الحج فإن لم يحسن

أن يلبي لبّوا عنه و يطاف به و يصلي عنه «2» الحديث. (2) ورد في مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السّلام) في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 171

الهمزة و فتحها و الأولى الأوّل (1)، و لبّيك مصدر منصوب بفعل مقدر أي ألبّ لك إلباباً بعد الباب أو لباً بعد لبّ أي إقامة بعد اقامة من لبّ بالمكان أو ألبّ أي أقام، و الأولى كونه من لبّ و على هذا فأصله لبيّن لك فحذفت اللام و أُلحقت الكاف بعد حذف النون و حاصل معناه اجابتين لك و ربّما يحتمل أن يكون من لبّ بمعنى واجه يقال داري تلب دارك أي تواجهها فمعناه مواجهتي و قصدي لك و أمّا احتمال كونه من لبّ الشي ء أي خالصة فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد كما أنّ القول بأنّه كلمة مفردة نظير (على) و فأضيفت إلى الكاف فقلبت ألفه ياءً لا وجه له لأنّ (على) و (لدى) إذا أضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلي زيد ولدي زيد و ليس لبّى كذلك فإنّه يقال فيه لبّى زيد. مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى إذا أتى الوقت فقال يحرم عنه رجل) «1» و في الاعتماد عليها لإرسالها أشكال، و كذا في استفادة الحكم من رواية زرارة المقدمة فيمن لا يحسن أنّ يلبي عنه و إن قلنا باعتبار سندها للوجه الذي أشرنا إليه فإن المغمى عليه خارج عن مدلولها و أما الأخرس ففي معتبرة السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال تلبية الأخرس، و تشهده، و قراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه «2» و ظاهره كفاية ذلك في تحقق إحرامه و

لو كان المشار إليه في إشارة إصبعه التلبية التي يأتي بها المحرمين عند إحرامهم و لو بعنوان الفعل الذي يفعلونه. (1) و الوجه في الأولوية أنه إذا قرء (أنّ) بالكسر يكون ما بعدها جملة مستقلة بخلاف ما إذا قرأ بالفتح حيث تكون تعلقها بما قبلها بتقدير الباء السببية أو لامها و يكون مفاد التلبيات أنّ إجابتي لك لكون الحمد و النعمة لك فيوجب اختصاصاً في التلبية بخلاف ما إذا أقرء بالكسر فإنه تكون التلبيات على عمومها، و أصل لبيك على ما

[ (مسألة 15): لا ينعقد إحرام حج التمتع و إحرام عمرته، و لا إحرام حج الإفراد و لا أحرم حج العمرة المفردة إلّا بالتلبية]

(مسألة 15): لا ينعقد إحرام حج التمتع و إحرام عمرته، و لا إحرام حج الإفراد و لا أحرم حج العمرة المفردة إلّا بالتلبية (1) و أمّا في حج القران فيتخير بين التلبية و بين الإشعار أو التقليد و الإشعار مختصّ بالبدن و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدي، و الأولى في البدن الجمع بين الاشعار و التقليد، فينعقد إحرام حج القران بأحد هذه الثلاثة، و لكن الأحوط مع اختيار الاشعار و التقليد ضمّ التلبية أيضاً، نعم الظاهر وجوب التلبية على القارن، و إن لم يتوقف انعقاد إحرامه عليها فهي واجبة عليه في نفسها و يستحب الجمع بين التلبية واحد الأمرين و بأيّهما بدء كان واجباً و الآخر مستحباً. ذكروا (لبّين لك) أي إجابتين لك فحذفت اللام من لك، و ألحقت كاف الخطاب إلى لبيّن بعد حذف النون فصارت لبّيك، و القول بأن لبّى مثل كلمة (على) و (لدى) ضعيف لأنّ على ولدي إذا أضيفتا إلى الظاهر أبدلت يائها بالألف بخلاف لبّى فإنه يائها تثبت حتى فيما إذا أضيفت إلى الظاهر و كيف ما كان أنها تقال في مقام الإجابة للنداء. في

كيفية الإحرام (1) لا ينعقد إحرام حج التمتع و إحرام عمرته و إحرام حج الافراد و لا حج العمرة المفردة إلّا بالتلبية، فإنه لا يعتبر فيها سياق هدي بمعنى أنه لا يترتب فيها على ارتكاب محظورات الإحرام شي ء من الحرمة و الكفارة إلّا بعد التلبية كما يدل على ذلك غير واحد من الروايات كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ قال: (ليس عليه شي ء) و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (لا بأس أنّ يصلي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد أنّ يقوله و لا يلبي ثمّ يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه شي ء، و ما رواه الصدوق بسنده الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي قال: ليس عليه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 173

.......... شي ء) إلى غير ذلك و ما ورد في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل إذا تهيأ للإحرام فله أنّ يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّ) من البأس بالإضافة إلى عقد التلبية يحمل على الكراهة لما تقدم فإن ظاهر قوله (عليه السّلام) أو يلبّ أنّ المراد من عقد التلبية نيتها، و كذا ما ورد فيما رواه الشيخ (قدّس سرّه) بإسناده عن أحمد بن محمد قال: سمعت أبي يقول في الرجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام ثمّ يواقع أهله قبل أنّ يهلّ بالإحرام قال: عليه دم، مع أنّ هذه الرواية غير

مسندة إلى الإمام (عليه السّلام) فلا اعتبار بها أصلًا. و على الجملة لا ينبغي التأمل في أنّ فتاوى الأصحاب و الروايات متطابقة في عدم انعقاد إحرام عمرة التمتع و حجه إلّا بالتلبية و يستفاد ذلك مضافاً إلى الروايات المتقدمة الدالة على عدم البأس بارتكاب محظورات الإحرام ما لم يلبّ ما ورد في فرض حج التمتع على النافي و ما قال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عند أمره على الناس باحلالهم يجعل إحرامهم و نسكهم عمرة التمتع و أنه لا يكون ذلك في حق من كان إحرامه بسياق الهدى و سؤاله عن علي (عليه السّلام) بماذا أحرم و جوابه (عليه السّلام) (أحرمت بما أحرم النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)) و بقائه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) على إحرامه للحج و ما ورد في كيفية الإحرام للحج يوم التروية يعني لحج التمتع من الأمر بالتلبية من مكة و الخروج إلى عرفة و أما عدم كون الإحرام حج الافراد إلّا بالتلبية فإنه هو الفارق بين حج الافراد و بين حج القران.

و ظاهر الأصحاب التسالم على عدم انعقاد إحرام العمرة المفردة أيضاً بالتلبية و لا يبعد ذلك من الروايات الواردة في افتراق عمرة التمتع عن العمرة المفردة من أنّ المعتمر بعمرة التمتع مرتبط بالحج إذا فرغ منها فهو مرتهن للحج و المعتمر بعمرة مفردة إذا فرغ منها ذهب حيث يشاء، و ما ورد في أنّ المعتمر بعمرة مفردة في أشهر الحج تكون عمرته عمرة التمتع إذا أقام للحج و في موثقة سماعة بن مهران عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 174

.......... أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه قال:

من حج معتمراً في شوال و من نيّته أنّ يعتمر و يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك و إن قام إلى الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة «1» و نحوها غيرها فإن ظاهر كل ذلك اعتبار إحرام العمرة المفردة بالتلبية فلا مجال أن يناقش في ذلك بما ورد في صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: خرج الحسين (عليه السّلام) معتمراً و قد ساق بدنه حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه ثمّ أقبل حتى جاء فضرب الباب «2» الحديث، و وجه المناقشة أنه إذا كان سياق الهدي في العمرة المفردة مشروعاً كما يظهر من الصحيحة فيعمه ما في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من أشعر بدنته فقد أحرم و أن يتكلم بقليل أو كثير «3» و ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم «4» و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يقلدها نعلًا خلقاً و الإشعار و التقليد بمنزلة التلبية «5» و وجه الدفع ما تقدم من الروايات الظاهرة في أنّ العمرة المفردة بعينها عمرة التمتع غير أنّ فيها طواف النساء و التخيير بين الحلق و التقصير، و أن المكلف إذا أتى بها في أشهر الحج و أقام إلى الحج فهي عمرة التمتع و هذه الروايات كلها ناظرة إلى إحرام الحج و أنه إذا أحرم الحاج في غير حج التمتع على ما تقدم بالإشعار أو التقليد كما في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 175

.......... حج القران أو بالتلبية كما فيه و في حج الافراد فقد أحرم و ما في بعض الروايات مما يقتضي الجمع بين الإشعار و التقليد في الإحرام بهما «1» يحمل على الاستحباب لكفاية واحدة منها لما هو كالصريح من قوله (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار الاولى تفريعاً فإذا فعل شيئاً من ذلك كما لا مجال للمناقشة في انعقاد الإحرام بالإشعار و التقليد و الالتزام بانعقاده بعدهما، بالتلبية كما عن السيد المرتضى و ابن إدريس من قولهما من لزوم التلبية بعدهما كما لا مجال للالتزام بأن التلبية بعدهما واجب نفسي مع انعقاد الإحرام بهما أو بأحدهما فإن المعهود من واجبات الحج الإحرام فإذا انعقد فلا مجال لوجوب التلبية و لو نفساً و الأمر بهما بعدهما في بعض الروايات محمول على الاستحباب ببركة الأخبار الواردة في بيان أنواع الحج و أفعال كل منها، و ما في موثقة يونس بن يعقوب قال: (قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّي اشتريت بدنة فكيف اصنع بها، فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء و البس ثوبك ثمّ أنخها مستقبل القبلة ثمّ ادخل المسجد فصل ثمّ افرض بعد صلاتك ثمّ اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثمّ قل بسم اللَّه اللّهمّ منك و لك اللّهمّ تقبّل منّي ثمّ انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه) «2» لا يدلّ على وجوب التلبية نفساً بل الإحرام ينعقد بها فإنّها واقعة إحرام العمرة كما رواها الصدوق و إحرام العمرة يكون بالتلبية على ما تقدّم فيحمل مع سياق البدنة إشعارها على الاستحباب، و أيضاً يظهر ضعف ما عن الشيخ و ابن حمزة

و البراج من أنّ عقد الإحرام بغير التلبية مشروط بالعجز عنها فإن مقتضى ما تقدم جواز العقد بكل من الاشعار و التقليد كعقده بالتلبية.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 176

ثمّ إنّ الاشعار (1) عبارة عن شق السنام الأيمن بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدي و يشق سنامه من الجانب الأيمن و يلطخ صفحته بدمه، و التقليد أن يعلق في رقبة الهدي نعلًا خلقاً قد صلّى فيه. (1) ظاهر الأصحاب اختصاص الإبل بالإشعار بمعنى أنه لا يجري في غيره من البقر و الشاة بخلاف التقليد فإنّه يجزي في كل منها و أن كان الأحوط كما تقدم الجمع في الإبل بين الإشعار و التقليد إلّا أنّ الاحتياط كما تقدم استحبابي و ذكرنا أيضاً أنّ التلبية بعد عقد الإحرام بالإشعار استحبابي و أن عقده بالتلبية لا يلزم الاشعار و التقليد و لو مع سياق الهدي و في صحيحة معاوية بن عمار المروية في الفقيه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل ساق هدياً و لم يقلّده و لم يشعره قال قد أجزأ عنه ما أكثر ما لا يقلّد و لا يشعر و لا يجلّل «1» فإن المراد من الصحيحة كفاية نفس السوق إذا لبّى حيث تكون تلبيته عقد الإحرام لما تقدم في صحيحته السابقة الذي يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم «2» لا يقال مقتضى إطلاق مثل هذه الصحيحة جريان الإشعار في عقد الإحرام به في غير الإبل فإنه يقال مضافاً إلى المناقشة في إطلاقها لعدم كونها في مقام بيان موارد الأمور الواردة فيها يمنع الأخذ بإطلاقها ما ورد في صحيحة عمر

بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من أشعر بدنته فقد أحرم و أن لم يتكلم بقليل أو كثير «3» فإن ظاهرها دخالة البدنة في كون الإشعار إحراماً و إلا لم يكن وجه لذكرها، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال و الإشعار أنّ تطعن في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 177

.......... سنامها بحديدة حتى تدميها «1» و ما ذكروا في كيفية الإشعار قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: البدن تشعر في الجانب الأيمن و يقوم الرجل في الجانب الأيسر ثمّ يقلدها بفعل خلق قد صلى فيها «2» و يحتمل أنّ يحمل قيام الرجل في الأيسر على الاستحباب للإطلاق في كثير من الروايات الواردة في كيفية الاشعار اللّهمّ إلّا أنّ يقال جريان ذلك في اعتبار الجانب الأيمن أيضاً و في كلا الأمرين يؤخذ بقانون الإطلاق و التقييد اللّهمّ إلّا أنّ يقال ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار غير ظاهر في قيام الرجل في الأيسر عند الاشعار و يحتمل كونه عند التقليد فلا وجه لرفع اليد عن الإطلاقات بالإضافة إلى قيامه بخلاف الشق من جانب الأيمن فإن المتبع فيه ظاهر الروايات في اعتباره في الاشعار نعم إذا كان البدن كثيرة يقوم الرجل بين اثنتين و يشق إحداهما من الجانب الأيمن و الأخرى من الأيسر كما ورد في صحيحة حريز بن عبد اللَّه و مثلها رواية جميل بن دراج المرويتين في الوسائل في باب 12 من أقسام الحج الحديث 19 و 7، نعم ما في كلمات غير واحد من الأصحاب من تلطيخ صفحة السنام بالدم فلم أجد ما يدل على

اعتباره إلّا دعوى دخالته في صدق الاشعار و أما اعتبار كون التقليد بفعل خلق قد صلى فيه فقد ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و في صحيحته الأخرى التي تقدمت في أول المسألة ما أكثر ما لا يقلد و لا يشعر و لا يجلل، و يستظهر منها جواز الإحرام بالتجليل أيضاً كما يستظهر ذلك من قوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) كان الناس يقلدون الغنم و البقر و أنما

[ (مسألة 16): لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام

(مسألة 16): لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام (1)، و إن كان أحوط فيجوز أن يؤخّرها عن النية و لبس الثوبين على الأقوى.

[ (مسألة 17): لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية]

(مسألة 17): لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية و إن دخل فيه (2) بالنية و لبس الثوبين فلو فعل شيئاً من المحرمات لا يكون آثماً و ليس عليه كفارة، و كذا في القارن إذا لم يأت بها و لا بالإشعار أو التقليد، بل يجوز له أن يبطل الإحرام ما لم يأت بها في غير القارن أو ما لم يأت بها و لا بأحد الأمرين فيه.

[ (مسألة 18): إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها]

(مسألة 18): إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها، و إن لم يتمكن أتى بها في مكان التذكر (3)، و الظاهر عدم وجوب الكفارة عليه إذا كان آتياً بما يوجبها لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلّا بها. تركه الناس حديثاً و يقلدونه بخيط و سير «1» و لكن في دلالتها على ما ذكر تأملًا فإن فعل الناس لا يكون حجة و عدم التجليل مع سياق الهدي لا يدل على انعقاد الإحرام به مطلقاً كما لا يخفى. (1) قد تقدم أنّ الدخول في الإحرام لا يحتاج إلى النية بل إذا لبّى في الميقات للعمرة أو للدخول في الحج يدخل الملبي في عنوان المحرم. (2) قد تقدم الكلام في ذلك و أن الدخول في الإحرام لا يكون بمجرد النية بل التلبية أو الإشعار أو التقليد. (3) قد تقدم الكلام في ذلك مفصلًا في المسألة الثانية من مسائل فصل في أحكام المواقيت.

[ (مسألة 19): الواجب من التلبية مرة واحدة]

(مسألة 19): الواجب من التلبية مرة واحدة (1)، نعم يستحب الإكثار بها و تكريرها ما استطاع خصوصاً في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة و عند صعود شرف أو هبوط واد و عند المقام و عند اليقظة و عند الركوب و عند النزول و عند ملاقاة راكب و في الأسحار، و في بعض الأخبار من (لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيماناً و احتساباً أشهد اللَّه له ألف ألف ملك براءة من النار و براءة من (1) ظاهر الأصحاب (قدّس سرّهم) أنّ الواجب من التلبية المرة الواحدة كما هو مقتضى ما ورد من أنه إذا لبى فقد أحرم أو يوجب الإحرام التلبية و الإشعار و التقليد و إذا فعل شيئاً من ذلك فقد أحرم

و لكن يستحب الإكثار بها و تكريرها ما استطاع خصوصاً في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة و عند صعود شرف أو هبوط واد و عند اليقظة عند الركوب و عند النزول و عند ملاقاة راكب و في الأسحار و قيل عند النوم و في صحيحة عبد اللَّه بن سنان المروي في الفقيه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لما لبّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: (لبيك اللّهمّ لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أنّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك يا ذا المعارج لبيك) و كان يكثر من ذي المعارج و كان يلبي كلما لقي راكباً أو على اكمة أو هبط وادياً و من آخر الليل و في أدبار الصلوات «1» و في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في كيفية التلبية الواجبة تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من نومك و بالأسحار و أكثر ما استطعت بها و اجهر بها «2» الحديث و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و اجهر بها كلّما ركبت و كلّما نزلت و كلّما هبطت وادياً أو علوت اكمة أو لقيت راكباً و بالأسحار) «3» و المراد بالسحر قبل طلوع الفجر من آخر الليل.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 180

النار و براءة من النفاق)، و يستحب الجهر بها خصوصا في المواضع المذكورة للرجال دون النساء (1)، ففي المرسل (أن التلبية شعار المؤمن فارفع صوتك بالتلبية، و في المرفوعة (لما أحرم رسول اللَّه

(صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتاه جبرئيل فقال: مر أصحابك بالعجّ و الثجّ فالعجّ رفع الصوت في التلبية و الثجّ نحر البدن (2).

[ (مسألة 20): ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حجّ على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقاً]

(مسألة 20): ذكر جماعة أنّ الأفضل لمن حجّ على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء (3) مطلقاً كما قاله بعضهم أو خصوص الراكب كما قيل و لمن حج عن طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلًا و لمن حجّ من مكة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل أو إلى أن يشرف على الأبطح، لكن الظاهر بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية و لبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقاً و كون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها، فالأفضل أن يأتي بها حين النية و لبس الثوبين سراً و يؤخّر الجهر بها إلى المواضع المذكورة. (1) بلا خلاف معروف أو منقول و يشهد لذلك صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (ليس على النساء جهر بالتلبية و لا استلام الحجر و لا دخول البيت و لا سعي بين الصفا و المروة يعني الهرولة «1». (2) الرواية في الفقيه مرسلة مرفوعة و كذا على رواية الكليني و إما على رواية الشيخ في التهذيب فالظاهر أنّ حريز بن عبد اللَّه يروى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فتكون مسندة معتبرة و أن كان نقل الكليني و الصدوق (قدّس سرّهما) يوجب احتمال سوء التعبير في كلام الشيخ (قدّس سرّه). (3) قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: صل المكتوبة ثمّ أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بلا تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء أي أول ميل عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2،

ص: 181

و البيداء أرض مخصوصة بين مكة و المدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة و الأبطح مسيل وادي مكة و هو مسيل واسع فيه دقائق الحصى أو له عند منقطع الشعب بين وادي منى و آخر متصل بالمقبرة التي تسمّى بالعُلى عند أهل مكة و الرقطاء موضع دون الرَّدم يسمّى مدعى و مدعى الأقوام مجتمع قبائلهم و الردم حاجز يمنع السيل عن البيت و يعبر عنه بالمدعى. يسارك فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبّ «1». و ظاهر هذه أنّ المراد من قوله (عليه السّلام) ثمّ أحرم بالحج أو بالمتعة نية الإتيان بالحج أو عمرة التمتع و أنه بعد النية يخرج عن المسجد بلا تلبية حتى يصل إلى أول البيداء حيث يقع في يسار طريقه فيلبي فيه بلا فرق بين كونه راكباً أو ماشياً كما هو ظاهر صحيحة منصور بن حازم أيضاً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش) «2» و في صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و قد ترى أناساً يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول لبيك اللّهمّ لبيك «3» الحديث و في صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء «4» و لكن بما أنّ الدخول في الحج أو العمرة

بالتلبية لهما من الشجرة أمر جائز كما عليه السيرة المتشرعة و في صحيحة عبد اللَّه بن سنان أنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام)

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 182

.......... هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة فقال نعم أنما لبى النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في البيداء لأنّ الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أنّ يعرفهم كيف التلبية «1». و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و إن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء «2» فتحمل الروايات المتقدمة أما على أفضلية تأخير الإهلال بالتلبية إلى أول البيداء إذا تهيأ لها من المسجد، و أما الالتزام بوجوب التلبية من المسجد و لو بلا إجهار و استحباب الجهر بها في أول البيداء مطلقاً أو ما إذا كان راكباً فلا يمكن المساعدة عليه فإن صحيحة عمر بن يزيد في تأخير الإهلال الظاهر في الدخول في الحج و العمرة بالتلبية أول البيداء مما لا ينبغي التأمل فيه و كذا ظاهر ما تقدم من الروايات، و على الجملة ظاهر الروايات المشار إليها بعد فرض جواز الإحرام من مسجد الشجرة استحباب تأخير الدخول في الإحرام يعني التلبية إلى أول البيداء خصوصاً إذا كان راكباً فيما تهيأ للإحرام في مسجد الشجرة بالصلاة فيه بلا نية الدخول في إحرام الحج أو العمرة و لا ينافي ذلك ما ورد في عدم جواز تجاوز الميقات بلا إحرام فإن هذا المقدار من التجاوز لا بأس به كما لا بأس بالتجاوز بالمقدار القليل لمن حج عن طريق آخر، حيث ورد في

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيهة (هنيئة) فإذا استوت بك الأرض ماشياً كنت أو راكباً فلبّ «3» و في صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: أن أحرمت من غمرة و من بريد البعث صلّيت و قلت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 183

.......... كما يقول المحرم في دبر صلاتك و أن شئت لبيت من موضعك و الفضل أن تمشي قليلًا ثمّ تلبي «1» و لكن في دلالتها على جواز الإحرام بعد الخروج من الميقات تأملًا بل مقتضى عدم جواز تجاوز الميقات بلا إحرام عدم جواز ذلك.

ثمّ إنّ ظاهر كلام الماتن هو جواز تأخير التلبية عن نية الإحرام و لكن الإتيان بها مقارناً للنية أفضل من غير جهر و الجهر بها في البيداء أو بعد المشي قليلًا أفضل فتكون النتيجة أنّ التلبية لعقد الإحرام في المسجد أو موضع الصلاة و التهيؤ أفضل من تأخيرها إلى البيداء، و لكن الجهر بالتلبية أفضل من الجهر بها حين نية الإحرام بل يؤتى بها عند نية الإحرام سرّاً و لكن قد تقدم أنه يستفاد من الروايات المتقدمة أفضلية تأخير الإحرام حتى فيما كانت التلبية سراً، و لكن مع ذلك الأحوط تقديم التلبية ثمّ تكرارها عند البيداء أو بعد المشي قليلًا خصوصاً في الراكب.

و أما ما ذكروا من تأخير التلبية إذا أحرم من مكة إلى الرقطاء أو إلى أن يشرف على الأبطح فقد ورد فيما رواه الفقيه بأسانيده عن حفض بن البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي جميعاً عن أبي عبد اللَّه

(عليه السّلام) في حديث و أن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام و أفضل ذلك أنّ تمضي حتى تأتي الرقطاء و تلبّي قبل أنّ تصير إلى الأبطح «1» و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا كان يوم التروية أن شاء اللَّه تعالى فاغتسل ثمّ البس ثوبيك و ادخل المسجد حافياً و عليك بالسكينة و الوقار ثمّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام)

[ (مسألة 21): المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة]

(مسألة 21): المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية (1) عند مشاهدة بيوت مكة في الزمن أو في الحجر ثمّ اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج و عليك السكينة و الوقار فإذا انتهيت إلى الرفضاء دون الردم فلبّ، فإذا انتهيت إلى الردم و اشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى) «1» فغاية ما يستفاد من الروايتين جواز تأخير التلبية إلى الرقطاء (الرمضاء) و إنما يكون عند الاشراف على الأبطح الجهر بها، و هذا الجهر يكون بالتلبية بعد عقد الإحرام بها قبل ذلك و لكن الأحوط أيضاً التلبية و لو من غير جهر بمكة لخروج الأبطح عند حدود مكة كما يشهد لذلك صحيحة زرارة الآتية في المسألة الآتية، بل الرقطاء أو الرمضاء أيضاً كما قيل مع أنّ ميقات إحرام حج التمتع مكة و ما في كلام الماتن (قدّس سرّه) من أنّ الرقطاء موضع دون الردم يسمى مدعى و قوله بعد ذلك الردم حاجز يمنع السيل عن البيت و يعبر عنه بالمدعى متهافت لأن ما ذكر أولا أنّ المدعى هو الرقطاء الذي دون الردم و آخره أنّ الردم هو المدعى

إلّا أن يكون المراد التعبير عن الردم بالمدعى من باب التوسعة في الإطلاق. (1) أما أنّ المعتمر بعمرة التمتع يقطع تلبيته عند مشاهدته بيوت مكة القديمة فيدل عليه صحيحة معاوية بن عمار قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) (إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية و حدّ بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فإن الناس أحدثوا بمكة ما لم يكن فاقطع التلبية و عليك بالتكبير و التحميد و التهليل و الثناء على اللَّه (عزّ و جلّ) ما استطعت) «1» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 185

القديم، و حدّها لمن جاء على طريق المدينة عقبة المدنيين، و هو مكان معروف و المعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم، و عند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكة لإحرامها و الحاج بأي نوع من الحج يقطعها عند الزوال من يوم عرفة، و ظاهرهم أنّ القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب و هو الأحوط، و قد يقال بكونه مستحباً. المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية «1» و صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) أنه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية قال: (إذا نظر إلى عراش مكة عقبة ذي طوى، قلت بيوت مكة، قال نعم) «2» و ما ورد في هذه الصحيحة من عقبة ذي طوى يراد منه الداخل في مكة من غير طريق المدينة و كان حدّ مكة القديمة من عقبة المدنيين إلى عقبة ذي طوى و حنان بن سدير قال، قال: أبو جعفر و أبو عبد اللَّه (عليه

السّلام) (إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية) «3» و صحيحة عبد اللَّه بن مسكان أو سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن تلبية المتمتع متى يقطعها؟ قال: (إذا رأيت بيوت مكة) «4» و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته أين يمسك المتمتع عن التلبية قال: (إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح) «5» و قد يتراءى التنافي بين هذه الأخيرة و ما تقدم عليها فإن رؤية بيوت مكة تحصل قبل الدخول في بيوتها فالمعيار فيما تقدم في قطع التلبية رؤية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 186

.......... بيوت مكة و في هذه الأخيرة دخولها و لعل المراد من بيوت مكة في مقابل بيوت الأبطح بيوتها الجديدة فإن الشخص إذا دخل فيها يرى البيوت القديمة فيقطع التلبية فلا منافاة بين الطائفتين و أما ما ورد في رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن تلبية المتعة متى تقطع قال: (حين يدخل الحرم) «1» فلضعف سندها بأبي جميلة المفضل بن صالح لا يمكن أنّ يعتمد عليها هذا كله في عمرة التمتع و أما العمرة المفردة فقد فصل الماتن كما علية المشهور بين من جاء للعمرة المفردة من خارج الحرم فإنه يقطع التلبية عند ما يدخل الحرم و بين من كان بمكة و خرج إلى أدنى الحلّ للعمرة المفردة فإنه يقطع التلبية عند ما يشاهد الكعبة، و لكن الظاهر عدم الفرق بين من خرج من مكة للعمرة المفردة أو أحرم و من يأتي من الخارج من أدنى الحلّ، كما إذا بدا لمن يمر من خارج الحرم أن يعتمر بعمرة مفردة فإن أحرم من أدنى الحلّ يقطع

تلبيته عند ما يشاهد الكعبة، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد «2» و النظر إلى المسجد يلازم مشاهدة الكعبة و أدنى الحلّ هو الدخيل لا خصوص التنعيم كما مرّ في عمرة رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من أنه أحرم من الحديبية، و ما ورد في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من خرج من مكة يريد العمرة ثمّ دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة «3» لا ينافي عموم الحكم بالإضافة إلى من يعتمر بالإحرام لها من أدنى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 187

.......... الحلّ حيث إنّ الغالب على من يحرم من أدنى الحلّ أو التنعيم هو الخارج من مكة للعمرة المفردة، و هذا بخلاف من أحرم للعمرة من أحد المواقيت أو من منزلة لكون منزله دون الميقات فإنه يقطع التلبية عند الدخول في الحرم و في موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال يقطع تلبية المعتمر إذا دخل الحرم «1» فإنها و أن تعم من يخرج عن مكة للاعتمار و لكن يرفع اليد عن إطلاقها بما تقدم و نحوها حسنة مرازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم) «2» و أما ما ورد في صحيحة البزنطي المروية في قرب الاسناد قال سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التلبية قال: (كان أبو الحسن (عليه السّلام) من قوله يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة) «3»

فقد يرفع اليد عن إطلاقها بالروايات المتقدمة الدالة على قطع التلبية بدخول الحرم بعد تقييدها بغير من خرج من مكة أو أحرم للعمرة من أدنى الحلّ بحسب وظيفته فإنها بعد التقييد كذلك تكون أخص بالإضافة إلى صحيحة البزنطي كما لا يخفى، و مما ذكر يظهر الحال في رواية يونس بن يعقوب «4» مع الغمض عن ضعف سندها بمحسن بن أحمد حيث لم يثبت له توثيق و مثلها رواية الفضيل بن يسار «5» و أما المحرم بإحرام الحج بأي نوع منه فيقطع التلبية عند الزوال من يوم عرفة بلا خلاف بين الأصحاب كما يدل عليه غير

[ (مسألة 22): الظاهر أنّه لا يلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام

(مسألة 22): الظاهر أنّه لا يلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام (1)، و لا بإحدى الصور المذكورة في الاخبار، بل يكفي أن يقول: لبّيك اللّهمّ لبّيك، بل لا يبعد تكرار لفظ لبّيك.

[ (مسألة 23): إذا شك بعد الإتيان بالتلبية أنّه أتى بها صحيحة أم لا]

(مسألة 23): إذا شك بعد الإتيان بالتلبية أنّه أتى بها صحيحة أم لا بنى على واحد من الروايات منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنه قال يقطع الحاج التلبية يوم عرفة زوال الشمس «1» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (قطع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة) «2» الحديث ثمّ إنّ التلبية بعد حصول الغاية لقطعها غير مشروعة لأن تلك الغايات كلها غاية للتلبية المستحبة فإن التلبية الواجبة هي ما حصل بها الإهلال في العمرة أو الحج، و ظاهر الغاية عدم استحبابها بعد حصولها فلا تكون مشروعة بعنوانها. (1) لا ينبغي التأمل في استحباب تكرار التلبية بالصورة المعتبرة في انعقادها فإن هذا النحو من التكرار هو المتيقن دخوله فيما يدل على استحباب تكرارها بل تكرارها بإحدى الصور الواردة في الأخبار أيضاً كذلك بل قوله (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار أكثر من ذي المعارج كفاية التكرار بقوله يا ذا المعارج لبيك من غير أن يضيف إليها تلبية اخرى قبلها أو بعدها و قوله (عليه السّلام) فيها و اعلم أنه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ في أوّل الكلام المراد اعتبارها في عقد الإحرام لا في تكرار التلبية كيف و قد ورد في صحيحة هشام بن الحكم تلبية الأنبياء في صفائح الروحاء و فيها لبيك عبدك ابن أمتك

«1».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 189

الصحة (1).

[ (مسألة 24): إذا أتى بالنية و لبس الثوبين و شك في أنّه أتى بالتلبية أيضاً حتى يجب عليه ترك المحرمات أو لا]

(مسألة 24): إذا أتى بالنية و لبس الثوبين و شك في أنّه أتى بالتلبية أيضاً حتى يجب عليه ترك المحرمات أو لا يبنى (2) على عدم الإتيان بها، فيجوز له فعلها، و لا كفارة عليه.

[ (مسألة 25): إذا أتى بموجب الكفارة و شك في أنّه كان بعد التلبية حتى تجب عليه أو قبلها]

(مسألة 25): إذا أتى بموجب الكفارة و شك في أنّه كان بعد التلبية حتى تجب عليه أو قبلها، فإن كانا مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية مجهولًا لم تجب عليه الكفارة (3)، و إن كان (1) لقاعدة الفراغ الجارية حتى فيما إذا شك في صحة جزء العمل بعد إحراز أصل الإتيان به. (2) لجريان الاستصحاب في ناحية عدم تلبيته و قد تقدم أنّ المكلف إذا تهيأ للإحرام و لبس ثوبيه يجوز له ارتكاب محظوراته ما لم يلبّ نعم إذا دخل في الجزء المترتب على الإحرام كطواف العمرة مثلًا و شك في التلبية لها أم لا يبني على أنه لبّى كما هو مقتضى قاعدة التجاوز، و هل يكفي في جريانها مجرد تجاوز الميقات بلا ارتكاب شي ء من محظوراته أو بعد التجاوز و ارتكاب محظورة أو لا يكفي ذلك في جريانها في شي ء من الفرضين لا يبعد أنّ يقال حيث لا يجوز الدخول بمكة بلا إحرام مشروع فإن رأي المكلف القاصد لدخولها من الميقات أنه دخل بمكة و شك بعد دخوله أنه أحرم من الميقات للعمرة أو للحج لدخولها أو لا فله أن يبني على أنه لبّى لتجاوز محل الإحرام في الفرض عند ما شك، و أما إذا شك في ذلك قبل الدخول بمكة فلم يتحقق تجاوز المحل عند الشك لأن النهي عن تجاوز الميقات بلا إحرام متوجّه إلى من يدخل مكة، و كما ذكرنا أنّ النهي إرشاد إلى شرطية الميقات في

الإحرام و الشك في المقام في أصل الإتيان بالمشروط لا في شرطه بأن يشك بعد إحراز الإحرام أنه كان صحيحاً حيث أحرم من الميقات أم قبله أو بعده ليجري أصالة الصحة في إحرامه. (3) لا لأصالة البراءة في حرمة ما ارتكبه أو وجوب الكفارة بل لأن الاستصحاب

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 190

تاريخ إتيان الموجب مجهولًا، فيحتمل أن يقال بوجوبها لأصالة التأخّر، و لكن الأقوى عدمه لأنّ الأصل لا يثبت كونه بعد التلبية.

[الثالث من واجبات الإحرام لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه
اشارة

الثالث من واجبات الإحرام لبس الثوبين (1) بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه يتّزر بأحدهما و يرتدي بالآخر، و الأقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقق الإحرام، بل كونه واجباً تعبدياً، و الظاهر عدم اعتبار كيفية مخصوصة في لبسهما، فيجوز الاتزار بأحدهما في عدم تلبيته زمان الارتكاب جار بلا معارض من غير فرق بين كون تاريخ أحدهما معلوماً أو جهل التاريخان و دعوى جريان الاستصحاب في عدم الإتيان إلى زمان التلبية مطلقاً أو فيما كان تاريخه مجهولًا يدفعها أنه لا يثبت الإتيان به بعد التلبية ليحرز حرمته و أن الإتيان به يوجب الكفارة و على الجملة لا أثر للاستصحاب المذكور ليكون معارضاً للاستصحاب في عدم التلبية إلى زمان الارتكاب و أصالة البراءة أصل طولي لا تصل النوبة إليها مع جريان الأصل السببي. (2) يجب لبس ثوبي الإحرام عند عقد الإحرام بالتلبية أو بغيرها بلا خلاف يعرف و عن جماعة دعوى الإجماع عليه و يشهد له مضافاً إلى كون لبسها من المسلمات بين المسلمين ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: (إذا أنتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه

المواقيت و أنت تريد الإحرام، إلى أن قال (عليه السّلام) فاغسل و البس ثوبيك و لا يضر بالاستدلال اشتمالها على الآداب لأن ثبوت القرينة على الاستحباب فيها لا يمنع عن الأخذ بظهور الأمر بلبس ثوبي الإحرام في الوجوب، و صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فإن فيها فلما نزل الشجرة يعني رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرد في إزار و رداء أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء الحديث «1» و صحيحة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 191

.......... معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التهيؤ للإحرام فقال أطل بالمدينة فإنه طهور و تجهز بكل ما تريد و أن شئت تمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء و تلبس ثوبيك أن شاء اللَّه و يستفاد ذلك أيضاً مما ورد في إحرام النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كان ثوبا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الذين أحرم فيهما يمانيين الحديث، و ما ورد في تجريد الصبيان من ثيابهم من فخ على ما تقدم. و على الجملة اعتبار الثوبين عند الإحرام و أن التحديد بالإضافة إلى الأقل مما لا ينبغي التأمل فيه فما في كشف اللثام من أنّ لبس الثوبين إن كان على وجوبه إجماع كان هو الدليل و إلا فالأخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستنداً له لا يمكن المساعدة عليه كما لا يمكن المساعدة

على ما عن الشهيد من أنه إذا كان الثوب طويلًا فاتزر ببعضه و ارتدى بالباقي أو ترشح أجزأه و ذلك فإن الثوب الواحد كما ذكر لا يصدق عليه ثوبان يكون الاتزار بأحدهما و ارتداء بالآخر، و ذكر الماتن (قدّس سرّه) أنّ وجوب لبس الثوبين مجرد حكم تكليفي عند الإحرام فلا يكون شرطاً في صحة الإحرام و لو أحرم من غير لبسهما تمّ إحرامه و يستفاد ذلك من صحيحة معاوية بن عمار و غير واحد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل أحرم و عليه قميصه فقال: ينزعه و لا يشقه و أن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه مما يلي رجليه فإنها ظاهرة في انعقاد الإحرام مع فرض كون لباسه قميصه و التفرقة بين لبس القميص عند عقد الإحرام و ما بعده حكم تعبدي لا بملاحظة حرمة تغطية الرأس على المحرم و إلا لم يكن فرق بين الفرضين و بتعبير آخر لو كان الإحرام في الفرض محكوماً بالبطلان لم يكن مورد إلّا للأمر بإعادة الإحرام بعد نزعه فلا وجه لتوهم أنّ الأمر بشق القميص إذا لبسه بعد إحرامه لوقوع إحرامه صحيحاً بخلاف ما إذا أحرم و عليه قميصه حيث أنّ الإحرام في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 192

الفرض محكوم عليه بالبطلان، أضف إلى ذلك ما ورد من أنّ الموجب للإحرام ثلثة أشياء التلبية و الإشعار و التقليد حيث إنّ مقتضى إطلاقه و عدم تقييد كون كل منها مع لبس الثوبين أنّ لبسهما شرطاً في تحقق الإحرام بكل منها و ليس في البين ما يوجب رفع اليد عن الإطلاق المذكور نظير ما رفع اليد عنه بالإضافة إلى اشتراط الميقات أو

كون كل منها في أشهر الحج إذا كان الإحرام لعمرة التمتع أو الحج.

و قد يقال أنّ صحيحة معاوية بن عمار و إن تكون دالة على صحة الإحرام و لو لم يكن المكلف عند عقد الإحرام لابساً ثوبيه إلّا أنه يرفع اليد عن إطلاقها بحملها على صورة الجهل بقرينة صحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث أنّ رجلًا أعجمياً دخل المسجد يلبّي و عليه قميصه فقال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إني كنت رجلًا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فجئت أحجّ لم أسأل أحداً عن شي ء و أفتوني هؤلاء أنّ أشق قميصي و أنزعه من قبل رجلي و أن حجّي فاسد و إن عليّ بدنة فقال له: متى لبست قميصك أبعد ما لبيت أم قبل، قال: قبل أن ألبّي قال فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل اىّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه طف بالبيت سبعاً و صلى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام) و اسع بين الصفا و المروة و قصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل فأهل بالحجّ و اصنع كما يصنع الناس «1» بدعوى أنّ قوله (عليه السّلام) أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه مقتضاه عدم بطلان الإحرام بترك لبس الثوبين عند الجهل، و لكن لا يخفى أنه لو كان لبس الثوبين شرطاً لكان الإحرام متروكاً فالارتكاب بالإضافة إلى لبس القميص لا يجب على الجاهل شي ء بالإضافة إليه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 193

.......... من شقه و إخراجه من قبل رجليه أو وجوب الكفارة و لذا يتمسك بالقاعدة المستفادة منها في سائر

موارد الكفارات و أنها لا تجب على المرتكب الجاهل بحرمة الفعل. و على الجملة لا منافاة بين المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار و بين هذه الصحيحة في أنّ وجوب لبس ثوبي إحرام تكليف محض لا شرط في انعقاد الإحرام و ما ورد في بعض الروايات من الأمر بإعادة التلبية إذا لبس الثوبين بعد إحرامه تحمل على الاستحباب كالأمر بالإعادة لمن ترك الغسل و أما كيفية لبس الثوبين فالواجب الاتزار بأحدهما و الارتداء بالآخر أو التوشح به و في صحيحة عبد اللَّه بن سنان الواردة في كيفية الحجّ فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرد في إزار و رداء أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء «1» الحديث. و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين و أن لم يكن رداء طرح قميصه على عنقه أو قبائه بعد أن ينكسه) «2» إلى غير ذلك و ما في خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه «3» لضعف سنده لا يمكن الاعتماد عليه بل يمكن حمل تجويز لبسه مقلوباً على طرحه كذلك على منكبيه هذا كله في الرجال، و أما النساء فالأظهر جواز إحرامها في ثيابها و في صحيحة عيص بن القاسم قال قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين «4» و المراد من الحرير

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 194

كيف شاء و الارتداء بالآخر

أو التوشح به أو غير ذلك من الهيئات، لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف، و كذا الأحوط عدم عقد الإزار (1) في عنقه، بل عدم عقده مطلقاً و لو بعضه المعبر عنه في بعض الروايات بالحرير المبهم هو الخالص بقرينة الروايات المرخصة في غير الخالص و في صحيحة محمد بن علي الحلبي أنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المرأة إذا أحرمت أتلبس السراويل قال: (نعم تريد بذلك الستر) «1». و على الجملة مع النصوص الدالة على جواز لبس القميص و السراويل و غيرها للمرأة لا مورد للتمسك بقاعدة الاشتراك و الالتزام بلزوم الرداء و الإزار على النساء، نعم روى زيد الشحام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألت عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال: (تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الأُخر حتى تطهر) «2» و ربما يستظهر منها أنّ ثياب الإحرام مشتركةٌ بين الرجل و المرأة غير أنه لا يحرم على المرأة لبس المخيط و فيه مضافاً إلى ضعف سندها أنها لا تدل على أنّ المراد بثياب إحرامها الثوب المعهود لإحرام الرجل و لو كان مخيطاً بل المحتمل جدّاً أنّ يكون المراد هي الثياب التي تريد المرأة المفروضة الإحرام فيها من كونها طاهرة من الخبث، و مما ذكرنا يظهر الحال في موثقة يونس بن يعقوب أو صحيحته سألت عن الحائض تريد الإحرام قال تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوباً دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهل بالحج من غير صلاة «3». (1) الأحوط لو لم يكن أظهر عدم عقد إزاره

في عنقه بل الأحوط عدم عقده

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 195

ببعض، و عدم غرزة بإبرة و نحوها، و كذا في الرداء الأحوط عدم عقده، و لكن الأقوى جواز ذلك كله في كل منهما ما لم يخرج عن كونه رداءً أو إزاراً، و يكفي فيهما المسمّى و إن كان الأولى بل الأحوط أيضاً الإزار مما يستر السرة و الركبة و الرداء مما يستر المنكبين و الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه و يرتدي بالباقي إلّا في حال الضرورة، و الأحوط كون اللبس قبل النية و التلبية فلو قدمهما عليه أعادهما بعده، و الأحوط ملاحظة النية في اللبس و أمّا التجرّد فلا يعتبر فيه النية، و إن كان الأحوط و الأولى اعتبارها فيه أيضاً.

[ (مسألة 26): لو أحرم في قميص عالماً أو عامداً أعاد لا لشرطية لبس الثوبين لمنعها]

(مسألة 26): لو أحرم في قميص عالماً أو عامداً أعاد لا لشرطية لبس الثوبين لمنعها كما عرفت، بل لأنّه مناف للنية حيث يعتبر فيها العزم على ترك المحرمات التي منها لبس المخيط، و على هذا فلو لبسهما فوق القميص أو تحته كان الأمر كذلك أيضاً لأنّه مثله في مطلقاً فإنه ورد في موثقة سعيد بن عبد اللَّه الأعرج أنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المحرم يعقد إزاره في عنقه قال: (لا) و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: (المحرم لا يصلح أنّ يعقد إزاره على رقبته و لكن يثنيه و لا يعقده) فإنه لا يبعد إطلاق هذه الصحيحة بالإضافة إلى العقد في عنقه و إن سأل سائل عن عقده في رقبته و كونها صحيحة لرواية صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر و طريقه إليه بعينه طريق الشيخ (قدّس سرّه) و المناقشة

في الموثقة بقصور دلالتها على حرمة العقد لاحتمال كون النهي في مقام توهم الوجوب حيث أنّ العقد يحتمل لزومه لكونه أنسب للستر الواجب يدفعها وهن الاحتمال هذا بالإضافة إلى عقد الإزار و أما بالإضافة إلى عقد الرداء فلا دليل على المنع إلّا دعوى الوثوق بعدم الفرق بين الإزار و الرداء في ذلك و ورود السؤال عن عقد الإزار لكون الغالب عقده و كذا لم يقم ما يدل على المنع عن غرزه أو غرز الإزار بإبرة و نحوها أو اعتبار عدم كون الرداء مخيطاً و كذا الإزار و لكن ترك كل ذلك موافق للإحتياط المرغوب إليه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 196

المنافاة للنية إلّا أن يمنع كون الإحرام هو العزم على ترك المحرمات، بل هو البناء على تحريمها على نفسه فلا تجب الإعادة حينئذٍ هذا، و لو أحرم في قميص جاهلًا بل أو ناسياً أيضاً نزعه و صحّ إحرامه، و ما إذا لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه و إخراجه من تحت و الفرق بين الصورتين من حيث النزع و الشق تعبّد لا لكون الإحرام باطلًا في الصورة الأولى كما قيل (1).

[ (مسألة 27): لا يجب استدامة لبس الثوبين

(مسألة 27): لا يجب استدامة لبس الثوبين، بل يجوز تبديلهما و نزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير (2)، بل الظاهر جواز التجرّد منهما مع الأمن من الناظر أو كون العورة مستورة بشي ء آخر. (1) قد تقدم أنّ جعل المكلف نفسه محرماً يكون بتلبيته بقصد البدء في العمرة أو الحج و كذا بالإشعار أو التقليد بقصد الدخول في الحج نظير أنّ التكبيرة بقصد الدخول في الصلاة تكبيرة الإحرام و إلّا فتحريم بعض الافعال على المكلف المسمى بمحرمات الإحرام كوجوب إتمام الحج و العمرة حكم

شرعي لا يكون بقصد المكلف على تركها أو بنائه على تحريمها على نفسه بلّ حرمتها تترتب بالدخول في العمرة أو الحج بالبدء بهما بالتلبية أو بغيرها نعم ربما يحتمل عدم تحقق قصد التقرب بالبدء بالعمرة أو الحج حال ارتكاب محظور الإحرام مع العلم و العمد و لكن فيه ما لا يخفى فإن المتقرب به و هي العمرة أو الحج و التقرب بهما لا ينافي ارتكاب محذور آخر و إذا لبس القميص حال إحرامه جاهلًا أو ناسياً صحّ إحرامه و ينزعه و أما إذا لبس القميص بعد إحرامه شقّه و أخرجه من تحت و الفرق بينهما على ما تقدم دلالة النص عليه «1» و هو تعبد لا لكون الإحرام باطلًا في الأول. (2) و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) لا بأس أن يحوّل المحرم ثيابه «2»

[ (مسألة 28): لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام و في الأثناء للاتقاء عن البرد و الحر]

(مسألة 28): لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام و في الأثناء (1) للاتقاء عن البرد و الحر بل و لو اختياراً. و ما دلّ على وجوب لبس الثوبين يستفاد منها وجوب اللبس عند الإحرام و أمّا الاستمرار على لبسه فلا دليل عليه فالأصل عدم وجوبه فلا بأس بالتجرد منها مع الأمن من الناظر بل من المقطوع أن المحرم غير ممنوع من الاستحمام و الاغتسال و غير ذلك مما يلازم التجرد عن الرداء و قد تقدم في خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) (أن الحائض تلبس ثياب الإحرام و تحرم و إذا جاء الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى)، و على الجملة الممنوع على الرجل المحرم لبس المخيط و نحوه لا وجوب لبس الإزار و الرداء ما دام محرماً. (1) و يشهد

لذلك مضافاً إلى كونه مقتضى الأصل صحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المحرم يتردّى بالثوبين؟ قال: نعم و الثلاثة أن شاء يتقي بها البرد و الحرّ) «1» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فإنه ورد فيها سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها؟ قال: لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة) «2».

[تتمة كتاب الحج من غير العروة]

[مسائل

اشارة

مسائل

[ (مسألة 1): يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلّي

(مسألة 1): يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلّي (1)، فيلزم أن لا يكونا من الحرير الخالص، و لا من أجزاء و توابع ما لا يؤكل لحمه، و لا من الذهب و يلزم طهارتهما كذلك نعم لا بأس بتنجّسهما بنجاسة معفو عنها في الصلاة. (1) المصرح به في كلمات جماعة من الأصحاب أنه لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبس جنسه في الصلاة و ليكن مرادهم أن الثوبين الواجب لبسهما حال الإحرام ما تجوز الصلاة فيه و إذا لم تجز الصلاة فيه لا يجزي عن الثوبين الواجب لبسهما حال الإحرام كالثوب المنسوج كلا أو بعضاً من شعر أو وبر ما لا يؤكل لحمه أو من جلد الميتة أو الحرير الخالص بل المتنجس بنجاسة غير المعفو عنها في الصلاة، و يقتضيه المفهوم في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كل ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه) «1» و دعوى أن مفهومها ثبوت البأس إذا أحرم في الثوب الذي لا يجوز الصلاة فيه و ثبوت البأس أعم من عدم الجواز يدفعها أن ظاهر نفي البأس الترخيص فيكون المفهوم عدمه إذا لم تجز الصلاة فيه، بل لا يبعد أن يقال بعدم جواز لبس المتنجس حتى بعد عقد الإحرام و لكن هذا مجرد تكليف لا يضر بصحة الإحرام لبسه و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال: (لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تامّ) «2» و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألت عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها و بين غيرها قال:

(نعم إذا كانت طاهرة) «3» و يرفع اليد عن إطلاق الأخيرة بالإضافة إلى النجاسة المعفو عنها في الصلاة فإن عدم اعتبار طهارة الثوب من النجاسة المعفو عنها حال عقد الإحرام كما هو مقتضى قوله (عليه السلام) كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أنّ تحرم فيه و اعتبارها بعد عقد الإحرام غير محتمل.

[ (مسألة 2): حرمة لبس الحرير و إن كانت تختصّ بالرجال و لا يحرم لبسه على النساء]

(مسألة 2): حرمة لبس الحرير و إن كانت تختصّ بالرجال و لا يحرم لبسه على النساء إلّا أنّ الأظهر أن لا يجوز للمرأة الإحرام في الحرير الخالص (1)، بل الأحوط أن لا تلبس من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام. و ربما يناقش الإحرام فيما كان عقد الإحرام في الجلود حتى فيما إذا كان من المأكول لحمه المذكى، و كذا في الملبد لعدم إحراز صدق الثوب على الجلود و لو اتّزر بأحد الجلدين و ارتدى الآخر، و قد تقدم وجوب لبس الثوبين عند عقد الإحرام و الواردة في صحيحة حريز المتقدمة كل ثوب تصلي فيه و كذا الحال في الملبد و لكن ما ذكر لا يخلو عن التأمل بل المنع و لكنه أحوط. (1) لا ينبغي التأمل في أنه يجوز للمرأة لبس الحرير الخالص و أن حرمة لبسه مختصة بالرجال و الكلام في المقام في جواز كون ثياب إحرام المرأة من الحرير الخالص، بل في جواز لبسها الحرير في حال إحرامها و لو بعد عقد إحرامها في غيره و المحكي عن المفيد و ابن إدريس و العلامة بلّ المنسوب إلى أكثر المتأخرين الجواز و يستدل عليه بقوله (عليه السلام) في صحيحة حريز المتقدمة كل ثوب تصلي فيه فلا بأس بالإحرام فيه و في صحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه

السلام) المرأة تلبس القميص و تزرّه عليها و تلبس الحرير و الديباج و الخز فقال: (نعم لا بأس به) «1» و صدر السؤال قرينة ظاهرها أن السؤال راجع إلى حال الإحرام، و لكن للمناقشة في الاستدلال

[ (مسألة 3): يلزم في الإزار أن يكون ساتراً للبشرة غير حاك عنها في شي ء من الأحوال

(مسألة 3): يلزم في الإزار أن يكون ساتراً للبشرة (1) غير حاك عنها في شي ء من الأحوال، و الأحوط اعتبار ذلك في الرداء.

[ (مسألة 4): يستحب كون ثوبي الإحرام من القطن

(مسألة 4): يستحب كون ثوبي الإحرام من القطن (2)، و الأفضل كونهما من البيض لا من الملون خصوصاً السواد. بهما مجال واسع فإن العموم المزبور في الصحيحة الاولى مع كونه ناظراً إلى صلاة الرجل مخصص بمثل صحيحة العيص قال قال: أبو عبد الله «عليه السلام) (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين) «1» كما أنه يرفع اليد عن إطلاق الصحيحة الثانية بحملها على غير الخالص من الحرير بقرينة موثقة سماعة أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرمة أتلبس الحرير فقال: (لا يصلح أن تلبس حريراً محضاً لا خلط فيه) «2» فالأظهر ما عليه الشيخ و الصدوق و جماعة من عدم جواز إحرامها في الحرير بمعنى عدم جواز لبسها حال إحرامها بل ما دام كونها محرمة كما هو مقتضى الخبرين و غيرهما. (1) فإن الإزار إذا لم يكن ساتراً للبشرة لم تجز الصلاة فيه و ما لا تجوز الصلاة فيه لا يجزي لبسه عن الإزار الواجب لبسه حال الإحرام، و أما اعتبار ذلك في الرداء فلم يتم عليه دليل إلّا دعوى أنّ ظاهر صحيحة حريز المتقدمة أنّ يكون كل من الثوبين مما تجوز الصلاة فيه منفرداً و فيها تأمّل كما لا يخفى. (2) يعلّل ذلك بالتأسي بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) حيث أحرم في القطن و أن القطن لأمة محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) كما في معتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «3» و أن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 201

.......... البياض الأطيب و الأطهر من الثياب كما في موثقة ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) (البسوا البياض فإنه أطيب و أطهر و كفنوا فيه موتاكم) «1» و في حسنة الحسين بن المختار قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يحرم في ثوب أسود قال: (لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به) «2» و المشهور بين الأصحاب الجواز و أنه يحمل النهي على الكراهة في الموردين كالروايات الواردة في النهي عن لبس السواد.

[فصل في تروك الإحرام

اشارة

فصل في تروك الإحرام

[ (مسألة 5): يكره للرجل الإحرام في الثياب المخططة و في الثوب الوسخ

(مسألة 5): يكره للرجل الإحرام في الثياب المخططة (1) و في الثوب الوسخ، و أمّا إذا توسخ بعد الإحرام فالأولى ترك غسله، هذا مع مجرّد الوساخة، و لو أصابته النجاسة فعليه غسله، على ما تقدّم.

[ (مسألة 6): الأحوط لو لم يكن أقوى أنّه مع عدم الرداء له عند الإحرام يطرح قميصه أو العمامة أو العباء بعد قلبه على كتفيه

(مسألة 6): الأحوط لو لم يكن أقوى أنّه مع عدم الرداء له عند الإحرام يطرح قميصه أو العمامة أو العباء بعد قلبه على كتفيه (2)، و لا يدخل يديه في كمّيه. (1) يكره للرجل الإحرام في الثوب المعلم كما يدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال أبو عبد الله (عليه السلام) (لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم و تركه أحب إلى إذا قدر على غيره) «1» و في موثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أمّا الخزّ و العلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه المرأة و هي محرمة «2» و هذه و إنّ لا تنافي الكراهة إلّا أنّ الدليل على الكراهة لا يعم المرأة و أما كراهة الإحرام في الثوب الوسخ و ما ذكر بعده فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال: (لا و لا أقول أنه حرام و لكن تطهيره أحب إلى و طهوره غسله و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ و أن توسخ إلّا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله) «3» و قريب منها صحيحة علا بن رزين و صحيحة الحلبي «4». (2) و ذلك لظهور الروايات في كون ذلك بدلًا اضطرارياً للرداء فيجب مع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 203

قد تقدّم أنّه لا ينعقد إحرام حج التمتع و إحرام عمرة التمتع و

لا إحرام حج الإفراد و لا إحرام العمرة المفردة، إلّا بالتلبية و ينعقد إحرام حج القران بها و بالإشعار و التقليد، و انّ الاشعار مختص بالبدن بخلاف التقليد، فإنّه مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدي و إذا لبّى بقصد البدء في عمرة أو حج أو أشعر أو قلّد الهدي بقصد البدء بحج القران صار محرماً، و بكونه محرماً يحرم عليه أمور يعبّر عنها بمحرمات الإحرام و هي خمسة و عشرون كما يلي:

1 الصيد البري 2 مجامعة النساء 3 تقبيل النساء 4 لمسهنّ 5 النظر إلى المرأة 6 الاستمناء 7 عقد النكاح 8 استعمال الطيب 9 لبس المخيط للرجال 10 استعمال الكحل 11 النظر في المرآة 12 لبس الخف و الجورب للرجال 13 الكذب و السبّ 14 المجادلة 15 قتل القمل و نحوه من الحشرات التي تكون على جسد الإنسان 16 التزيين 17 الادّهان 18 إزالة الشعر من البدن 19 ستر الرأس للرجال و الارتماس في الماء حتى على النساء 20 ستر الوجه للنساء 21 التظليل للرجال 22 إخراج الدم من البدن 23 التقليم 24 قلع السنّ 25 حمل السلاح، و الكلام في كل منها و ما يترتب عليها في ضمن مسائل: التمكن منها و في صحيحة عبد الله سنان الواردة في أقسام الحج قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام) فلما نزل رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) الشجرة أمر الناس بالتجرد في إزار و رداء أو عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء «1» و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين و أن لم

يكن له رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه) أو قباءه بعد أن ينكسه «2».

و ما في صدرها من لبس الخفين إذا لم يجد نعلين ترخيص في لبسهما مع عدم النعلين لا أنّ لبسها واجب لأنه يجوز الإحرام و الحج حافياً على ما مرّ في مسألة نذر

[1 الصيد البرّي
اشارة

1 الصيد البرّي

[ (مسألة 1): لا يجوز للمحرم سواء كان في الحلّ أو الحرم صيد الحيوان البرّي أو قتله

(مسألة 1): لا يجوز للمحرم سواء كان في الحلّ أو الحرم صيد الحيوان البرّي أو قتله (1) سواء كان محلّل الأكل أم لم يكن، و لا يجوز له قتل الحيوان البرّي و إن تأهل بعد صيده كما لا يجوز صيد الحرم مطلقاً، و إن كان الصائد محلًّا. الحج ماشياً أو حافياً، نعم ربما يقيّد جواز لبسهما بخرق مقدمتها استناداً إلى روايتين في سندها ضعف و يأتي الكلام في ذلك في تروك الإحرام و في صحيحة الحلبي إذا اضطر المحرم إلى البقاء و لم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً و لا يدخل يديه في يدي القباء «1» و ظاهر هذه الاضطرار إلى لبسه لمثل الحر و البرد و لكن لا يحتمل عدم جواز الإدخال فيه و جوازه في فرض عدم الرداء و عليه مع عدمه يطرح القباء على عاتقه بعد نكسه و لو كان الطرح عليه بحيث يمكن إدخال يديه في كميه فلا يدخلهما فيهما.

هذا بالإضافة إلى الرداء و أما بالإضافة إلى الإزار فمع عدم تمكنه منه جاز له لبس السراويل و في كونه بدلًا عن الإزار تأمّل و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) و لا تلبس السراويل «2» إلّا أنّ لا يكون لك إزار و نحوها صحيحة حمران بن أعين. (1) بلا خلاف بعرف و حرمة الاصطياد على المحرم و كذا قتل الصيد سواء كان بالذبح أو غيره كان ذلك في الحرم أو في الحل مما يدل عليه الكتاب المجيد قبل الروايات قال الله سبحانه (وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) و قال عزّ من قائل (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ) و إطلاق

الثانية يعمّ ما إذا كان القتل بالصيد أو بالذبح

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 205

.......... بعده و مثلها قوله سبحانه (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ) و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) إذا فرض على نفسه الحج ثمّ أتمّ بالتلبية فقد حرم عليه الصيد و غيره و وجب عليه في فعله ما يجب على المحرم) «2» كما يدلّ على حرمة صيد الحرم و أن كان الصائد محلّا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تستحلّن شيئاً من الصيد و أنت حرام و لا أنت حلال في الحرم «1» و على الجملة دلالة الآية و الروايات على عدم جواز الصيد على المحرم و لا قتله سواء كان بالصيد أو بالذبح بعد الصيد و سواء كان ذلك داخل الحرم أو خارجه تامة، و الحق بذلك صيد الحرم و إن كان الصائد محلّا كما ورد ذلك في صحيحة الحلبي و غيرها مما يأتي و كما لا يجوز للمحرم الصيد و قتله و لو تأهل حيث يصدق على ذبحه مثلًا قتل الصيد كذلك لا يجوز له أكله و إمساكه.

حيث ورد في صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لحوم الوحش تهدى للرجل و هو محرم لم يعلم بصيده و لم يأمره به أ يأكله قال: (لا) «2» و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تأكل من الصيد و أنت حرام و إن كان أصابه محل) «3» و في صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه

السلام) عن لحوم الوحش تهدى إلى الرجل و لم يعلم بصيدها و لم يأمر به أ يأكله قال: (لا) و قال و سالته عن قديد الوحش أ يأكل محرم قال لا «4» و المراد مما في الصحيحتين من تقييد السائل بقوله لم يعلم بصيده و لم يأمر به بيان فرض عدم دخالة المحرم في صيده و حتى عدم اطلاعه به و مع ذلك ذكر (عليه السلام) عدم الفرق بين ذلك و ما كان الأكل من صيده في عدم الجواز.

[ (مسألة 2): كما يحرم على المحرم صيد الحيوان البرّي تحرم عليه الإعانة على صيده و لو بالإشارة]

(مسألة 2): كما يحرم على المحرم صيد الحيوان البرّي تحرم عليه الإعانة على صيده (1) و لو بالإشارة، و لا فرق في حرمة الإعانة بين أن يكون الصائد محرماً أو محلًّا. (1) لما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تستحلّن شيئاً من الصيد و أنت حرام و لا أنت حلال في الحرم و لا تدلن عليه محلا أو محرماً فيصطاده و لا تشر إليه فيستحل من أجلك فإن فيه فداء لم تعمده «1» و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم لا يدلّ على الصيد فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء) و دلالتهما على عدم جواز اعانة المحرم على اصطياد الغير محلا كان أو محرماً و كذا عدم جواز دلالة المحل و إشارته إلى الصيد في الحرم تامّة حتى فيما إذا لم يترتب على إعانته قتل الحيوان بل أخذه و إمساكه، نعم مجرّد الدلالة و الإشارة إلى الحيوان الممتنع في الحرم أو من المحرم في خارج الحرم لمن لا يريد قتله و لا أخذه و إمساكه أو علم ذلك الغير قبل دلالة المحرم و أشارته

بحيث لم يكن لدلالة أو إشارته دخل في صيده خارج عن مدلولهما و لذا عبّر في المتن بالإعانة على صيده و يأتي في مسائل الكفارات أن الإعانة و لو كانت حراماً إلّا أنّ الكفارة لا تترتب إلّا على قتل الحيوان في الحرم أو قتل المحرم و لو في غيره و على أكل الصيد و الدلالة حتى يأخذ الغير خارج عن موضوع الفداء نعم لو قتل الغير بدلالته أو إشارته فربما يقال بالكفارة و يستفاد ضمانه

[ (مسألة 3): لا يجوز للمحرم إمساك الصيد البرّي و الاحتفاظ به

(مسألة 3): لا يجوز للمحرم إمساك الصيد البرّي و الاحتفاظ به (1) و إن كان اصطياده قبل إحرامه، و لا يجوز له أكل لحم الصيد، و إن كان الصائد محلًّا، و يحرم الصيد الذي ذبح المحرم على المحل أيضاً، و كذلك ما ذبحه المحل في الحرم و الجراد ملحق بالحيوان البري فيحرم صيده و إمساكه و أكله. بالفداء من الصحيحتين و يأتي الكلام في ذلك في بيان الكفارات. حرمة الصيد الذي ذبحه المحرم في خارج الحرم أو المحل داخل الحرم (1) لا يجوز للمحرم إمساك الصيد معه بلا فرق بين أن يصطادة الغير أو يصطاده هو قبل إحرامه أو حال حرامه و بتعبير آخر كما يحرم على المحرم اصطياد الحيوان البري الممتنع كذلك يحرم أخذه معه في إحرامه و لو كان اصطياده محللًا كما إذا اصطاده قبل إحرامه في الحل و أما لم إذا يكن معه كما إذا كان في منزل اهله حيوان اصطاده أو اشتراه فلا إشكال في إبقائه على ملكه كما يشهد لذلك صحيحة جميل قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله و من الطير فيحرم و هو في منزله

قال و ما به بأس لا يضرّه «1» و الكلام في المقام في إمساكه معه من غير ترتب قتله عليه فإن هذا الإمساك غير جائز على المحرم كالاصطياد الذي لا يترتب عليه قتل أو ذبح، بل مجرد الاستيلاء و يظهر من بعض الروايات أنّ عدم جواز إمساك المحرم بالصيد معه حال إحرامه كان مسلماً و لذا سئل الإمام (عليه السلام) عن الإمساك به في أهله و في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يحرم و عنده في أهله صيد إما وحشي و إما طير قال: (لا بأس به) «2» و في رواية أبي سعيد المكاري

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 208

.......... عن أبي عبد الله (عليه السلام) (لا يحرم أحد معه شي ء من الصيد حتى يخرجه عن ملكه) «1» و مصححة بكير بن أعين قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم قال: (أن كان حين ادخله خلّى سبيله فلا شي ء عليه و أن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء) «2».

أقول: لا ينبغي التأمّل في أنه إذا كان مع الشخص صيد حي سواء كان محلا أو محرماً اصطاده قبل إحرامه أو شراه فعليه عند دخول الحرم إرساله و يدلُّ عليه غير و أحد من الروايات منها ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الصيد يصاد في الحل ثمّ يجاء به إلى الحرم و هو حيّ قال: (إذا أدخله إلى الحرم حرم عليه أكله و إمساكه) «3» الحديث و منها ما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)

قال سألته عن ظبي دخل الحرم قال لا يؤخذ و لا يمسّ أن الله تعالى يقول (وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) «4» فإن إطلاقها يشمل الدخول بالإدخال و مع الغمض عنه يعمه مقتضى التعليل المذكور و إذا وجب الإرسال حتى مع عدم الإحرام فالارسال معه وجوبه متيقن و أمّا وجوبه على المحرم بالإحرام و لو مع كون صيده قبل الإحرام فهو مقتضى رواية أبي سعيد المكاري، بل قد استظهر منها خروج الصيد بالإحرام عن الملك و لكن الاستظهار غير تام بل غاية مدلولها وجوب إخراجه عن الملك عند الإحرام و يشكل الالتزام به أيضاً حيث لم يثبت لأبي سعيد توثيق و مصححة بكير بن أعين لا دلالة لها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 209

.......... على وجوب الإرسال بل مدلولها نفي الفداء على تقدير الإرسال و موت الحيوان بعده و على الجملة فالثابت وجوب الإرسال عند دخول الحرم نعم إذا كان الصيد حال الإحرام فمقتضى حرمته على المحرم عدم جواز الإمساك به أيضاً كما هو مقتضى قوله سبحانه (وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) بناءً على كون المراد حرمة الاصطياد و لو بالاستيلاء على الحيوان حيّاً لا حرمة أكل المصيد فقط أو قتله لغرض الأكل و كيف ما كان فالارسال على المحرم عند إحرامه احتياط إلّا إذا كان الصيد من سباع البر، فإنه قد ورد في بعض الروايات أنه يجوز إدخالها في الحرم مأسوراً و إخراجها عن الحرم و لكن في إسنادها ضعف.

نعم لا يجوز قتلها على المحرم إلّا إذا خيف منها و لا يختص حرمة الصيد و القتل بما إذا كان الحيوان الوحشي محلل الأكل و في صحيحة معاوية بن عمار

عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلّا الأفعى و العقرب) «1» الحديث و في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) على رواية الشيخ (قدس سره) كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيرها فليقتله و إن لم يردك فلا ترده «2» ثمّ أنه لا بأس للمحرم أنّ يستصحب معه من الصيد لحمه سواء قتله بالصيد أو بالذبح بعده و هو قبل إحرامه أو المحل الآخر و إنما يحرم أكله ما دام محرماً فإذا أحل جاز أن يأكله و في صحيحة علي بن مهزيار قال سألته عن المحرم معه لحم من لحوم الصيد في زاده هل يجوز أنّ يكون معه و لا يأكله و يدخله مكة و هو محرم فإذا حلّ أكله فقال نعم إذا لم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 210

.......... يكن صاده «1» و ظاهر قوله (عليه السلام) بمناسبة الحكم و الموضوع إذا لم يكن صاده حال إحرامه و إلّا فلا يجوز أيضاً أكله إذا كان الغير صاده حال الإحرام.

في أنّ الصيد الذي ذبحه المحرم و لو في خارج الحرم أو مذبوح المحل في الحرم ميته و إذا ذبح المحرم صيداً أو ذبحه محلّا في الحرم فهو ميته لا يجوز أكله على المشهور بين أصحابنا بل عن المنتهي أنه قول علمائنا أجمع و يدلُّ عليه حسنة إسحاق عن أبي جعفر (عليه السلام) أن علّياً (عليه السلام) كان يقول إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميته لا يأكله محل و لا محرم و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم

«2» و نحوها رواية وهب و مقتضى الحكم بأنها ميتة ترتب سائر أحكام الميتة من الحكم بالنجاسة و عدم جواز الصلاة فيه و عدم جواز بيعه، و عن الصدوق (قدس سره) في الفقيه أنّ ما يذبحه المحرم من الصيد في خارج الحرم لا يحرم على المحل و في الدروس حكاية ذلك عن ابن الجنيد و استدل على ذلك بمثل صحيحة حريز قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن محرم أصاب صيداً أ يأكل منه المحل فقال ليس على المحل شي ء و إنما الفداء على المحرم «3» و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب صيداً و هو محرم أ يأكل منه الحلال قال: (لا بأس إنما الفداء على المحرم) «4» و صحيحته الأخرى قال قال: أبو عبد الله (عليه السلام) إذا صاب المحرم الصيد في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 211

.......... الحرم و هو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد و إذا أصاب في الحل فإن الحلال يأكله و عليه الفداء «1» و لكن لا يخفى أن مقتضى الجمع العرفي هو الالتزام بما عليه المشهور فإن المحكوم عليه بالميتة هو مذبوح المحرم و لو خارج الحرم و مذبوح المحل داخل الحرم و الروايات المطلقة دالة على جواز أكل المحل من صيد المحرم خارج الحرم و يرفع عن إطلاقها بما إذا كان قتل المحرم بالصيد أو كان المحل يذبح خارج الحرم و بهذا يظهران ما يقتله المحرم بصيده داخل الحرم و ما يقتله المحل فيه بصيده حرام اكله على المحرم و المحل، و لكن لا يجري عليهما حكم الميتة بخلاف ما

إذا ذبحه المحرم و لو في خارج الحرم أو ذبحه المحل في الحرم فإنه محكوم بالميتة و ما يقال ما ورد في المضطر إلى الميتة أنه إذا وجد الصيد يأكل الصيد و يجتنب عن الميتة ينافي حسنه إسحاق حيث أن الصيد إذا كان ميتة فكيف يقدم على الميتة و في صحيحة يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المضطر إلى الميتة و هو يجد الصيد قال: (يأكل الصيد) قلت أن الله عزّ و جل أحلّ له الميتة إذا اضطر إليها و لم يحلّ له الصيد قال: (تأكل من مالك أحبّ إليك أو ميتة من مالي قال هو مالك لأن عليك فداءه قلت فإن لم يكن عندي مال قال تقضيه إذا رجعت إلى مالك) «2» و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن محرم يضطر فيجد الميتة و الصيد أيهما يأكل قال: (يأكل من الصيد أما يحبّ أن يأكل من ماله قلت بلى قال أنما عليه الفداء يأكل و يفديه) «1» إلى غير ذلك و يدفعه أن حسنة إسحاق أخصّ فإن الميتة هو الصيد الذي ذبحه المحرم و لو في غير الحرم و الصيد المذبوح في الحرم و لو من المحل و يلتزم بأنّ لزوم تقديم الصيد على أكل الميتة في غير الصيد المذبوح أو المذبوح الذي ذبحه المحل خارج الحرم و الله العالم.

[ (مسألة 4): الحكم المذكور إنّما يختص بالحيوان البرّي

(مسألة 4): الحكم المذكور إنّما يختص بالحيوان البرّي (1)، و أمّا صيد البحر ثمّ إن الجراد ملحق بالحيوان البري فلا يجوز للمحرم صيده و إمساكه و أكله و لو في خارج الحرم و لا يجوز كذلك صيده في داخل الحرم حتى فيما إذا

صاده مُحِل فلا يجوز أكله حتى للمُحل و يدلُّ على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال مرّ علي (صلوات الله عليه) على قوم يأكلون جراداً فقال سبحان الله و أنتم محرمون فقالوا أنما هو من صيد البحر فقال لهم ارموه في الماء إذاً «1» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ليس للمحرم أن يأكل جراداً و لا يقتله) «2» الحديث نعم لا بأس للمحرم قتله إذا لم يجد بداً من قتله و في صحيحة زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال: (المحرم يتنكب الجراد إذا كان على الطريق فإن لم يجد بدّاً فقتل فلا شي ء عليه) «3» و صحيحة أبي بصير قال سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدرسونه من غير تعمد لقتله أو يمرون عليه في الطريق فيطأؤنه قال أو وجدت معدلًا فاعدل عنه فإن قتلته من غير تعمد فلا بأس «4». (1) قد تقدم أن الممنوع من صيده و قتله على المحرم كل حيوان بري ممتنع بالأصل سواء كان مأكول اللحم أو غيره، و يشهد لذلك مضافاً إلى إمكان دعوى إطلاق

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 213

كالسمك فلا بأس به، و المراد بصيد البحر ما يعيش فيه فقط، و أمّا ما يعيش في البرء و البحر كليهما فملحق بالبرّي. الآية حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً بناءً على أن المراد بالصيد معناه المصدري أي الاصطياد و قوله سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ و عموم ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلّها إلّا

الأفعى و العقرب و الفارة فإنها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت و أما العقرب فإن نبي الله مدّ يده إلى الحجر فلسعته، فقال لعنك الله لا براً تدعينه و لا فاجراً و الحية إذا أرادتك فاقتلها فإن لم تردك فلا تردها و الكلب العقور و السبع إذا أرادك فاقتلهما فإن لم يريداك فلا تردهما و الأسود الغدر فاقتله على كل حال و ارم الغراب رمياً و الحدأة على ظهر بعيرك «1» حيث إن العموم فيها لا سيما بقرينة الاستثناء يقتضي عموم الحكم بالإضافة إلى مأكول اللحم و غيره و ما قيل من أن الممنوع عنه هو صيد مأكول اللحم يدفعه إطلاق الآية و عموم الصحيحة.

و لكن يختص المنع بالحيوان البري كما هو مقتضى التقييد في الآية و التعبير في الصحيحة بالدواب و أما ما يعيش في البحر فإن كان محلل الأكل فلا بأس بصيده و أكله بل إذا لم يكن من مأكول اللحم أيضاً فلا بأس بصيده للمحرم أخذاً بإطلاق قوله سبحانه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ، و التقييد الوارد في جواز أكل الصيد لا يقتضي التقييد في حلية صيد البحر الظاهر في اصطياد ما يعيش فيه كان محلّل الأكل من السمك أو غيره و بعض ما دلّ على حرمة الصيد أخذاً و قتلًا و أن كان غير قاصر عن الشمول لحيوان البحر إلّا أنه لا بدّ من رفع اليد عن عمومه أو إطلاقه بالإضافة إلى صيد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 214

.......... حيوان البحر لدلالة الكتاب المجيد على جوازه و للروايات الواردة في تمييز الحيوان البري عن البحري حيث إن مقتضاها حلية صيد البحري فيرفع اليد بهما

عما دلّ على حرمة مطلق الصيد كالعموم في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا تستحلن شيئاً من الصيد و أنت حرام و لا أنت حلال في الحرم) «2» و تلك الروايات ما ورد بعضها في تميز طير الماء عن الطير البري كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و السمك لا بأس بأكله طريه و مالحة و يتزود قال الله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ قال فليتخير الذين يأكلون و قال و فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيدا البحر و بعضها واردة في أن كل حيوان يكون أصله في البحر و يكون في البر و البحر لا يجوز للمحرم أن يقتله فإن قتله فعليه الجزاء «1» و في صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) الجراد من البحر و قال كل شي ءٍ أصله في البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله فإن قتله فعليه الجزاء كما قال الله عزّ و جل «2» و صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يصيد المحرم السمك و يأكله طرية و مالحة و يتزود قال الله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لكم قال فليتخير الذين يأكلون و قال و فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد

البر و ما كان من الطير يكون في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 215

.......... البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر «3» و لعل ما في الوسائل من صحيحة معاوية بن عمار الاولى اشتباه قد ألصق ما في ذيل رواية حريز بتلك الرواية و المناقشة في صحيحة حريز بأنها مرسلة عن حريز في الكافي حيث رواها حريز عمن أخبره لا يضر باعتبارها لاحتمال أن حريز قد سمعها مرتين تارة بالواسطة و أخرى بلا واسطة و كيف ما كان فما يعيش في الماء و البر يلحق بالحيوان البري نعم يحتمل اختصاص ذلك بالطيور و في غيرها يتبع الحكم بعده حيواناً بحرياً عرفاً و أن خرج إلى ساحل البحر في بعض الأحيان لكن في رواية الطيار عن أحدهما (عليه السلام) قال لا يأكل المحرم طير الماء «4» و لأن طير الماء يعيش في خارج الماء أيضاً فاللازم أن يلحق بالحيوان البري كما هو مقتضى الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمار و ما ورد من الضابطة في صحيحة حريز لا يمكن الالتزام به و أن أدعى عليه الإجماع و ذلك فإنه لا يعرف طير ذو لحم يبيض في الماء و يفرخ في الماء و حملها على أن يبيض في أطراف الماء و يفرخ فيها خلاف الظاهر و مع عدم القرينة يكون من التأويل و الحمل على شي ء بلا وجه فالأحوط لو لم يكن أظهر الأخذ بما في صحيحة معاوية بن عمار فالحيوان البحري ما يختص بالماء كما ذكرنا في المتن و لا يخفى أن المراد من البحر في المقام مقابل البر فيشمل الأنهار أيضاً نظير قوله سبحانه ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حيث

إنّ المعيار في حلية الصيد ما يعيش في الماء فقط كالسمك على ما ذكرنا ثمّ أنه إذا شك في حيوان وحشي بأنه من الحيوان البري أو البحري فالظاهر عدم البأس بصيده على المحرم مع فرض الشبهة موضوعية لجريان الاستصحاب في ناحية عدم كونه برياً بناءً على اعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي و لا تقع المعارضة بينه و بين الاستصحاب في عدم كونه حيواناً بحرياً و ذلك لعدم المعارضة بين الاستصحابين فإن الاستصحاب في عدم كونه بحرياً لا يثبت أنه حيوان بري بل غايته أنه لا يثبت فيه الإباحة الشرعية و يكفي في جواز الارتكاب عدم ثبوت الحرمة فيه كما هو مقتضى الاستصحاب بعدم كونه حيواناً برياً بلا حاجة إلى إثبات الإباحة الشرعية و مع عدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي يرجع إلى أصالة الحلية و أصالة البراءة عن الحرمة و لا مجال في المفروض للتمسك بعموم قوله (عليه السلام) لا تستحلن شيئاً من الصيد كما في صحيحة الحلبي لأن العام المزبور قد قيد بالحيوان البري كما تقدم لا أنه خرج منه عنوان الحيوان البحري بنحو التخصيص على ما تقدم نعم إذا كانت الشبهة مفهومية على فرض فلا بأس بالتمسك بالعموم المزبور لأن المفصل لإجماله يوجب الاكتفاء في التقييد بالأقل في ناحية العام فتدّبر.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 216

و لا بأس بصيد ما يشك في أنّه برئ على الأظهر، و كذلك لا بأس بذبح الحيوانات الأهلية (1) كالدجاج و الغنم و البقر و الإبل و الدجاج الحبشي، و إن توحشت كما لا بأس بذبح (1) يجوز للمحرم و المحل أن ينحرا الإبل و يذبحا البقر و الغنم و الدجاج و غيرها من الحيوان

الأهلي في الحرم و خارجه بلا خلاف معروف أو منقول بل جواز ذلك من المسلمات حتى فيما إذا توحش الأهلي منها و يدلّ على ذلك عدة من الروايات مضافاً إلى الإطلاق في خطابات النحر و الذبح كصحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم يذبح ما حل للحلال في الحرم أن يذبحه و هو في الحل و الحرم جميعاً «1» و صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم يذبح الإبل و البقر و الغنم و كل ما لم يصف من الطير و ما أحل للحلال أن يذبحه في الحرم و هو محرم في الحل و الحرم «2» و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (تذبح في الحرم الإبل و البقر و الدجاج) «3» إلى غير ذلك فإن مقتضاها جواز النحر و الذبح بالإضافة إليها و أن توحشت.

ثمّ إنه ظاهر عدة من الروايات أن كل ما كان كالدجاج لا يصف لا يكون الاستيلاء عليه صيداً و لا ذبحه من ذبح الصيد منها صحيحة معاوية بن عمار أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الدجاج الحبشي قال ليس من الصيد أنما الطير ما طار بين السماء و الأرض و صفّ «4» و صحيحة جميل بن دراج و محمد بن مسلم قال سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الدجاج السندي يخرج به من الحرم قال نعم أنها لا تستقل بالطيران «5» و صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كل ما لم يصف من الطير فهو بمنزلة الدجاج «6» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ما

كان يصف من الطير فليس لك أن تخرجه و ما كان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 217

ما يشك في كونه أهلياً.

[ (مسألة 5): فراخ هذه الأقسام الثلاثة من الحيوانات البرّية و البحرية و الأهلية و بيضها تابعة للأصول

(مسألة 5): فراخ هذه الأقسام الثلاثة من الحيوانات البرّية و البحرية و الأهلية و بيضها تابعة للأصول في حكمها (1).

[ (مسألة 6): لا يجوز للمحرم قتل السباع

(مسألة 6): لا يجوز للمحرم قتل السباع (2) إلّا فيما إذا خيف منها على النفس، لا يصف فلك أن تخرجه «1» إلى غير ذلك فلا بأس بالالتزام بأن ما كان كالدجاج في حلية الأكل و الطيران يحل أكله للمحرم في الحرم و خارجه و يجوز ذبحه في الحرم للمحل و المحرم و الله العالم. (1) إذا كان الحيوان محللًا للمحرم و المحل في الحرم كالسمك و الإبل و البقر و الغنم و نحوها فالأمر ظاهر فإن تحليل الأصل مقتضاه تحليل بيضه و فرخه كسراً و ذبحاً و أكلًا و أما إذا كان الأصل محرماً فالمتسالم عليه بين الأصحاب التبعية أيضاً فلا يجوز للمحرم أن يكسر بيضة أو يقتل أو يستولي فرخاً و في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أن وطأ المحرم بيضة و كسرها فعليه درهم كل هذا يتصدق به بمكة و منى و هو قول الله عزّ و جل تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ «2» فإن تعليله (عليه السلام) ظاهر في أنّ تحريم البيضة كالأصل بل يدلّ على ذلك جميع الروايات التي تدل على ثبوت الكفارة في البيضة و الفرخ فإن لسان جميعها أن ثبوتها فيهما كثبوت الجزاء في صيد الأصل في كونها جزاءً كجزاء الأصل في صورتي العمد و الخطاء و في صحيحة أخرى لحريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة و إن قتل فراخه ففيه حمل و أن وطأ البيض فعليه درهم «3» و في صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله

(عليه السلام) قال في الحمام درهم و في البيضة ربع درهم إلى غير ذلك «4». (2) عدم جواز قتل السباع إلّا فيما خيف منها على النفس مذكور في كلمات الأصحاب و ادعى عدم الخلاف فيه لما ورد في صحيحة بن عمار اتق الدواب كلّها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 219

و كذلك إذا آذت حمام الحرم و لا كفارة في قتل السباع حتى الأسد على الأظهر بلا فرق بين ما جاز و لم يجز. إلّا الأفعى و العقرب و الفارة «1» الحديث فإن المراد بالدواب الحيوانات البرية سواء كانت من السباع أو من غيرها حتى ما إذا كانت من قسم الطيور حيث إنّ الطير أيضاً يمشي على الأرض و استثناء الأفعى و العقرب و غيرها أيضاً يشهد للعموم و في صحيحة حريز (كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيرها فليقتله و أن لم يردك فلا ترده) «2» و في صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن محرم قتل زنبوراً قال إن كان خطاء فليس عليه شي ء قلت لا بل متعمداً قال يطعم شيئاً من الطعام قلت أنه أرادني قال كل شي ء أرادك فاقتله «3» و ظاهرها عدم ثبوت الإثم و الكفارة فيما إذا قتل فراراً من أذية وكل شي ء قتله كذلك لا أثم فيه و لا كفارة و على الجملة لا بأس بقتل السباع إذا خيف منها على النفس و كذلك إذا خيف منها على حمام الحرم و في صحيحة معاوية بن عمار أنه أتى أبو عبد الله (عليه السلام) فقيل له أن سبعاً من سباع الطير على الكعبة ليس يمرّ به

من حمام الحرم إلّا ضربه قال انصبوا له و قتلوه فإنه قد ألحد) «4» و مقتضى إطلاقها جواز ذلك سواء كان قتل السبع المفروض من المحرم أو المحل و أيضاً لا تثبت في قتل السباع كفارة بلا فرق بين صورة جواز قتلها أو عدم جوازه كما في صورة عدم الخوف منها لأن ثبوت الكفارة في الصيد و قتله أمّا بالدليل العام أو بقيام دليل خاص عليها في الحيوان و الدليل العام يعني قوله سبحانه (وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) فلا يجري في السباع لعدم المماثل لها من النعم و أما الدليل الخاص فلم يرد في قتلها ما يدل على ثبوت الكفارة غير ما ورد في قتل الأسد و التزم جملة من الأصحاب بثبوت الكفارة في قتلها و هي رواية أبي سعيد المكاري قال قلت

[ (مسألة 7): يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى و الأسود الغدر و كل حيّة سوء]

(مسألة 7): يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى و الأسود الغدر و كل حيّة سوء و العقرب و الفأرة و لا كفارة في قتل شي ء من ذلك (1). لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل قتل أسداً في الحرم قال عليه كبش يذبحه «1» و قد تقدم المناقشة بعدم ثبوت توثيق لأبي سعيد المكاري مع أن مدلولها ثبوت الكفارة في القتل في الحرم و إن كان القاتل محلّا و أما ثبوتها فيما إذا قتله المحرم و لو في خارج الحرم فلا دلالة لها على ذلك و لم يثبت الملازمة أيضاً في الكفارة بين حال الإحرام و الحرم. (1) يدلّ على ذلك الاستثناء الوارد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة من قوله (عليه السلام) إلّا الأفعى و العقرب و الفارة فإنها توهي السقاء و تحرق على أهل البيت

و أما العقرب فإن نبي الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) مدّ يده إلى الحجر فلسعته عقرب فقال: (لعنك الله لا براً تدعين و لا فاجراً و الحية إن أرادتك فاقتلها و إن لم تردك فلا تردها و الأسود الغدر فاقتله على كل حال و ارم الغراب و الحدأة رمياً و على ظهير بعيرك «2» و مقتضى تقييد قتل الحية بما إذا أرادتك و إن لم تردك فلا تردها إطلاق الحكم في غيرها مما ذكر قبل ذلك كما أنّ الأمر برمي الغراب و الحدأة على ظهير بعيرك ظاهره أن يكون غرضه من الرمي تبعيدهما عن أطرافه لا لخصوصية لظهر بعيره و لا يوجب ذكر ظهره رفع اليد عن الإطلاق في صحيحة الحلبي حيث روى أبي عبد الله (عليه السلام) قال يقتل في الحرم و الإحرام الأفعى و الأسود الغدر و كل حية سوء، و العقرب و الفارة و هي الفويسقة و يرجم الغراب و الحدأة رجماً فإن عرض لك لصوص امتنعت منهم «3» و حيث إنّ ظاهرها أيضاً الرجم لغرض التبعيد فلا يجوز القتل نعم لو أصابهما الرمي و قتلهما اتفاقاً فلا شي ء عليه بعد كون غرضه التبعيد و لا كفارة في شي ء مما ذكر كما هو ظاهر الروايتين و غيرها مضافاً إلى كونه

[ (مسألة 8): لا بأس للمحرم أن يرمي الغراب و الحدأة]

(مسألة 8): لا بأس للمحرم أن يرمي الغراب و الحدأة و لا كفارة لو أصابهما الرمي و قتلهما. مقتضى الأصل المتقدم ثمّ إن جواز التبعيد لا يختص بالغراب و الحدأة بل يجوز ذلك في مثل البق و البرغوث و نحوهما من الحشرات بل لا يبعد جواز قتلها فيما إذا توقف دفعها عليه أخذا بالعموم في صحيحة معاوية بن عمار

الواردة في قتل الزنبور من قوله (عليه السلام) كل شي ء أرادك فاقتله «1» و يدلّ عليه أيضاً خبر زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا رآه «2» قال نعم و لضعف السند غير صالح للتأييد نعم لا ينبغي التأمل في جواز قتل ما ذكر في الحرم من المحلّ و في صحيحة معاوية بن عمار قال: (لا بأس بقتل النمل و البق «3» و في صحيحته المروية في الفقيه و لا بأس بقتل القملة في الحرم «4» و في رواية زرارة لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم «5» إلى غير ذلك.

[كفارات الصيد]
اشارة

كفارات الصيد

[ (مسألة 9): في قتل النعامة بدنة و في قتل بقرة الوحش بقرة]

(مسألة 9): في قتل النعامة بدنة و في قتل بقرة الوحش بقرة و في قتل حمار الوحش بدنة أو بقرة (1)، و في قتل الظبي و الأرنب شاة، و كذلك في الثعلب على الأحوط. (1) يدلّ على ما ذكر صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ و جل فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ قال في النعامة بدنة و في حمار الوحش بقرة و في الظبي شاة و في البقرة بقرة «1» و في صحيحة سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الظبي شاة و في البقرة بقرة و في الحمار بدنه و في النعامة بدنه و فيما سوى ذلك قيمته «2» فإن الجزاء المعين في الحمار الوحشي هو البدنة في هذه الصحيحة و في السابقة عليها البقرة فيرفع عن إطلاق كل منها في التعيين بالنص باجزاء الآخر فتكون النتيجة التخيير في صيد حمار الوحش بين الفداء ببدنة أو بقرة و فسرت البدنة بالناقة و مقتضى ذلك عدم أجزاء الذكر نعم في رواية الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) و في النعامة جزور «3» و الجزور يطلق من الإبل على ما أكمل خمس سنين و دخل في السادسة من غير فرق بين الذكر و الأنثى و لكن في السند محمد بن الفضيل المردد بين الثقة و غيره فالأحوط الاقتصار على الأنثى و إن كان مقتضى الأصل عدم الاعتبار.

ثمّ إنّ المنفي الخلاف فيه هو أن الجزاء في قتل الأرنب و الثعلب كالجزاء في الظبي شاة و لا مورد للتأمل بالإضافة إلى الأرنب لأنّ الجزاء فيه بالشاة وارد في الروايات المعتبرة كصحيحة البزنطي عن أبي

عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن محرم أصاب

[ (مسألة 10): من أصاب شيئاً من الصيد]

(مسألة 10): من أصاب شيئاً من الصيد فإن كان فدائه بدنة و لم يجدها فعليه (1) إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مدّ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً و إن كان فدائه بقرة و لم يجدها فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر صام تسعة أيام، و إن كان فدائه شاة و لم يجدها فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام. أرنباً أو ثعلباً فقال في الأرنب شاة «1» و سكوته (عليه السلام) عن الثعلب ظاهره عدم الجزاء فيه و لا أقل من عدم كونه شاة و صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم فقال شاة هدياً بالغ الكعبة «2» نعم في رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل ثعلباً قال عليه دم فإن ظاهر قوله أن عليه دماً هو ذبح الشاة خصوصاً مع قول أبي بصير قلت فأرنباً قال مثل ما في الثعلب «3» و لكن الرواية بحسب سندها ضعيفة و حيث إنّ المشهور لم يفرقوا بين الأرنب و الثعلب ذكرنا في المتن رعاية الاحتياط. (1) يدلّ على ما ذكر صحيحة معاوية بن عمار المروية في التهذيب قال قال: أبو عبد الله (عليه السلام) من أصاب شيئاً فدائه بدنة من الإبل فإن لم يجد ما يشتري (به) بدنة فأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين مسكيناً كل مسكين مداً فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام و من كان عليه شي ء من الصيد فدائه بقرة فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكيناً

فإن لم يجد فليصم تسعة أيام و إن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام «4» ذكر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 224

.......... المحقق في الشرائع و مع العجر عن البدنة تقوم البدنة و يفض ثمنها على البرّ و يتصدق به لكل مسكين مدان و لا يلزم ما زاد عن الستين و لو عجز صام عن كل مدين يوماً و إن عجز صام ثمانية عشر يوماً.

و يدلّ على ما ذكره (قدس سره) صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا صاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب الصيد فيه قوم جزائه من النعم دراهم ثم قومت الدراهم طعاماً ثمّ جعل لكل مسكين نصف صاع فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوماً «1» و صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في محرم قتل نعامة قال عليه بدنة فإن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكيناً لم يزد على إطعام ستين مسكيناً و إن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة «2» و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن قوله أو عدل ذلك صياماً قال عدل الهدى ما بلغ ما يتصدق به فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوماً «3» و كأنه (قدس سره) قد جمع ما في هذه الروايات الثلاثة بعد تقييد الإطلاق في بعضها بالتقييد الوارد في الأخرى و أصبحت النتيجة ما ذكره،

و لكن لا يخفى أنه لم يرد فيها النص على البر و لعل ذكره لأنه المتيقن من الطعام أقول ظاهر صحيحة معاوية بن

[ (مسألة 11): إذا قتل المحرم حمامة و نحوها في خارج الحرم فعليه شاة]

(مسألة 11): إذا قتل المحرم حمامة و نحوها في خارج الحرم فعليه شاة (1)، و في فرخها حمل أو جدي و في كسر بيضها درهم على الأحوط، و أمّا إذا قتلها المحل في الحرم فعليه درهم، و في فرخها نصف درهم و في بيضها ربع درهم، و إذا قتلها المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين، و كذلك في قتل الفرخ و كسر البيض و حكم البيض إذا تحرك فيه الفرخ حكم الفرخ. عمار المتقدمة و كذا صحيحة علي بن جعفر أن عدل الإطعام على عشرة مساكين مع عدم التمكن من الإطعام و التصدق صيام ثلاثة أيام و لذا يكون الصوم الواجب في قتل النعامة مع عدم التمكن من البدنة و الإطعام ثمانية عشر يوماً نعم لا يبعد في الجمع بين صحيحتي معاوية بن عمار و علي بن جعفر و بين غيرهما من الروايات الثلاثة الالتزام بإطعام مدين من الطعام لكل مسكين و مع عدم التمكن من الإطعام على ستين مسكيناً بمد الصوم عن كل مدّ من الطعام بيوم و الالتزام بأنه لا يجب الإطعام بأزيد من قيمة البدنة إذا غلا الطعام و المكلف لم يجد في موضع الصيد بدنة و وجد قيمتها فإنه لا يجب عليه أزيد من إطعام ستين مسكيناً إذا تمكن من إطعام أزيد من ستين مسكيناً لزيادة قيمة النعامة عنه و إذا أنقصت قيمتها عن إطعام ستين مسكيناً لم يجب عليه إلّا الإطعام بما تسع قيمتها و أما ما ورد في صحيحة داود الرقي عن أبي عبد الله

(عليه السلام) في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء قال إذا لم يجد بدنة فسبع شياة فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً «1» فلا عامل بها من الأصحاب، و الله العالم. (1) المحرم إذا قتل حمامة و نحوها فعليه شاة فقط إذا كان قتله خارج الحرم سواء كان بالذبح أو بالصيد و قيل أن المراد بالحمامة و نحوها طائر يهدر و يعبّ الماء أي يتواتر صوته و يشرب الماء من غير مصّ و لا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج و العصافير و لكن الظاهر كون المعيار الصدق العرفي و أن في قتل فرخها خارج الحرم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 226

.......... حمل أو جدي و المراد من الحمل بالتحريك ولد الضأن إذا بلغ أربعة أشهر و من الجدي ولد المعز كذلك.

و يدلّ على ما ذكر مع عدم الخلاف بين الأصحاب صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة و إن قتل فراخه ففيه حمل و إن وطأ البيض فعليه درهم «1» و صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في محرم ذبح طيراً إن عليه دم شاة يهريقه فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن «2».

ثمّ أنه لا فرق فيما ذكر بين كون الحمامة مملوكة للغير المعبر عنه بالاهلي أو لم تكن مملوكة للغير فما ذكر جزاء من قتله و قد ورد في بعض الروايات كصحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في حمام مكة الطير الأهلي من غير حمام الحرم من ذبح طيراً منه هو

غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه فإن كان محرماً فشاة من كل طير «3» و أما بالإضافة إلى كسر بيضتها فقد ذكرنا أن فيه درهم على الأحوط و التعبير بالأحوط مع أنه ورد في صحيحة حريز و إن وطأ البيض فعليه درهم لما ورد في صحيحة سليمان بن خالد و إبراهيم بن عمر قالا قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أغلق بابه على طائر فقال أن أغلق بابه بعد ما أحرم فعليه شاة و إن عليه لكل طائر شاة و لكل فرخ حملًا و أن لم يحرك فدرهم و للبيض نصف درهم «4»

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 227

.......... و ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته عن رجل كسر بيض حمام و في البيض فرخ قد تحرك قال عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة و يتصدق بلحومها إن كان محرماً و إن كان الفرخ لم يتحرك تصدق بقيمته ورقاً يشتري به علفاً يطرحه لحمام الحرم «1» و ظاهر هذه الصحيحة أن الفرخ إذا تحرك في البيض فجزاؤه شاة و أن لم يتحرك فقيمته يعني الدرهم و قوله (عليه السلام) و تصدق بقيمته ورقاً يشتري المراد منه التخيير بين التصدق و الشراء كما يأتي و لكن ورد في صحيحة سلمان بن خالد كما عرفت نصف الدرهم فلا بد من حمل ما في الصحيحة على كسر البيض الغير المجرد فتكون النتيجة الدرهم في كسر بيض لم يتحرك الفرخ فيه و نصف الدرهم في كسر البيض المجرد كما هو مقتضى الجمع بين الإطلاق و التقييد هذا كله في الجزاء على المحرم في

قتله أو الكسر و أما بالإضافة إلى القتل و كسر البيض في الحرم ففي قتل الحمامة و الطير المحلل نحوها كما يأتي في الحرم درهم و في فرخها نصف درهم و في كسر كل من بيضها ربع درهم و يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قيمة الحمامة درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيض ربع درهم «2» و صحيحة حفص البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في الحمام درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيض «3» ربع درهم و ظاهرهما كظاهر مثلهما تحديد قيمة الحمام في مقام الجزاء بالصيد و الذبح و كذا في الكسر سواء كان الطير مملوكاً للغير أم لم يكن و لا ينافي ذلك أنه إذا كان مملوكاً للغير أن يضمن لمالكه بقيمته السوقية و أن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 228

.......... كانت بأضعاف الجزاء حيث إنّ الجزاء لله و قد حدّد بالدرهم و نصفه و ربعه و دعوى أنّ ما ورد في الروايات من الدرهم بيان للقيمة السوقية في ذلك الزمان و الجزاء في كل زمان بمقدار القيمة السوقية كما عن المدارك لا يمكن المساعدة عليها لما ذكرنا من الظهور مع أنه يبعد أنّ يتعدى الإمام (عليه السلام) لبيان القيمة السوقية خصوصاً مع اختلاف القيمة السوقية بحسب اختلاف الحمام و البلاد و القراء.

بقي في المقام أمور: الأول أنه إذا قتل المحرم في الحرم حماماً يكون عليه جزائان الجزاء على الصيد حال إحرامه أو كسر البيض حاله و الجزاء على القتل أو الكسر في الحرم.

الأمر الثاني أن في الدرهم عوض الحمام أو كسر بيضه

و فيه فرخ و كذا نصف الدرهم و ربعه يتخير المكلف بين التصدق به أو شراء الطعام به لحمام الحرم و يدلّ على الأمرين صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة و ثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام مكة فإن قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها «1» كما يدلّ على الحكم الثاني صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال من أصاب طيراً في الحرم و هو محل فعليه القيمة و القيمة درهم يشتري علفاً لحمام الحرم «2» و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما و أنا بمكة محل فقال لي لم ذبحتها فقلت جائتني بهما جارية قوم من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 229

.......... بالكوفة و لم أذكر الحرم فذبحتهما فقال تصدّق بثمنهما فقلت كم ثمنهما فقال درهم خير من ثمنهما «1» و في رواية الكليني درهم و هو خير منهما إلى غير ذلك و قد يقال بأنه لو كان الحمام أهلياً يعني مملوكاً يتصدق بالدرهم و أن كان من حمام الحرم يشتري به طعاماً لحمام الحرم «2» و لكن مقتضى إطلاق صحيحة الحلبي عدم الفرق و أنه يتصدق به أو يشتري به علفاً و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات قال يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم) «3» نعم وردفي رواية حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد الله

(عليه السلام) رجل أصاب طيرين واحداً من حمام الحرم و الآخر من حمام غير الحرم قال: (يشتري بقيمته الذي من حمام الحرم قمحاً يطعمه حمام الحرم و يتصدق بجزاء الآخر) «4» و لكنها ضعيفة سنداً مع أنه على تقدير الإغماض يرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى حمامة الحرم يعني ظهورها في تعين شراء الطعام لحمام الحرم بحملها على التخيير بينه و بين التصدق و أما بالإضافة إلى غيره كالحمام الأهلي يلتزم بتعيّن التصدق بقيمته إذا قتل في الحرم كما التزم بذلك جملة من الأصحاب فراجع.

الأمر الثالث أنه قد ورد في جملة من الروايات أنّ الحكم معلّق على عنوان الطير و في كثير من الروايات عنوان الحمام و لا يبعد الالتزام بأن الحكم ثابت في كل طير محلّل الأكل و التعبير بالحمام باعتبار الغلبة فلا يوجب التقييد غاية الأمر إذا ثبت في طير خاص حكم مخالف يرفع اليد عن الإطلاق و يؤخذ به فيما لم يرد.

[ (مسألة 12): في قتل القطاة و الحَجَل و الدراج و نظيرها حمل قد فطم من اللبن

(مسألة 12): في قتل القطاة و الحَجَل و الدراج و نظيرها حمل (1) قد فطم من اللبن و أكل من الشجر و في العصفور و القُبّرة و الصعوة مدّ من الطعام على المشهور و الأحوط فيها حمل فطيم، و في قتل جرادة واحدة تمرة و في أكثر من واحدة كف من الطعام و في الكثير شاة. (1) و يشهد لذلك صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن و أكل من الشجر «1» و فيما رواه الكليني عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عبد الحميد عن سيف بن عميرة

عن منصور يعني ابن حازم عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في كتاب علي (عليه السلام) من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم «2» و إطلاق الدم فيها يحمل على ما ورد في الرواية الاولى من جهة التحديد من حمل فطم و أكل من الشجر كما هو المنسوب إلى الأصحاب من غير خلاف و قد تقدم أن المراد بالحمل ما بلغ من أولاد الضأن أربعة أشهر و لا يبعد أن يكون المراد ما فطم من اللبن و تغذي بالزرع و نحوه حتى ما إذا كان سنّه أقل من ذلك نعم يبقى في المقام أمر و هو أنه قد ورد في بيض القطاة بكارة من الغنم كما في صحيحة سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) في كتاب علي (عليه السلام) في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل «3» و في رواية سليمان بن خالد و هي مضمرة قال سألته عن رجل وطأ بيض قطاة و شدخه إلى أن قال و من أصاب بيضة فعليه مخاض من الإبل «4» و ظاهر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 231

.......... المخاض ما من شأنه أن يكون حاملًا و كيف ما كان فكيف يكون الجزء بإصابة الحيوان أقل من إصابة البيض حتى فيما كان البيض فيه فرخ قد تحرك اللّهمّ إلّا أن يقال الرواية الثانية ضعيفة و الأولى و فيه بكارة من الغنم يصدق على الحمل أيضاً و أن الحمل حدّ للأقل فيحوز الأكثر سناً أيضاً حتى في إصابة نفس الحيوان و كسر بيضته أيضاً إذا كان

فيها فرخ يتحرك.

و أما ما عن المشهور من أن في قتل العصفور و القبرة و الصعوة مدّ من الطعام فيستدل عليه بمرسلة صفوان بن يحيى التي رواها الكليني و الشيخ (قدس سرهما) بأسانيد مختلفة ففي الكافي بإسناده إلى صفوان بن يحيى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في القبرة و العصفور و الصعوة يقتلهم المحرم قال عليه مدّ من طعام لكل واحد «1» و في التهذيب مثله بسندين آخرين و يقال بأن الإرسال غير ضائر لعمل المشهور و لأن صفوان بن يحيى ممن لا يروي و لا يرسل إلّا عن ثقة و بما أن الظاهر و لا أقل من المحتمل أن يكون وجه عمل المشهور هو الأمر الثاني الذي ذكر الشيخ في العدة و ذكرنا أنه اجتهاد من كلام الكشي في أصحاب الإجماع فلا يمكن الاعتماد عليها و الأحوط فيها حمل فطم كما ورد في القطاة و الحجل و الدراج فلا يحتمل أن تكون الكفارة فيها أكثر مع ان الوارد في الرواية الثانية لسليمان بن خالد من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فإن المراد من نظيرهن من الطيور أضف إلى ذلك الإطلاق المتقدم في إصابة مطلق الطير الظاهر في مأكول اللحم كما في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة حيث ورد فيها من ذبح طيراً من مكة و هو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه فإن كان محرماً فشاة عن كل طير «2».

و أمّا بالإضافة إلى الجرادة فقد ورد في صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في محرم قتل جرادة قال يطعم تمرة و تمرة خير من جرادة «3» و في صحيحة محمد بن

مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن محرم قتل جراداً كثيراً قال كف من طعام و أن كان أكثر فعليه شاة «4» فإنه يكون لحاظ الكثير و الأكثر بالإضافة إلى الواحدة التي هي ظاهر الرواية الاولى و إلّا لا ينضبط و قد تقدم أنه إذا تعرض المحرم في طريقه للجراد يعدل عن طريقه إلى آخر فإن لم يمكن أو كان فيه عسر فلا عليه إذا قتله و في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال على المحرم أن يتنكب الجراد إذا كان على طريقه فإن لم يجد بدّاً فقتله فلا بأس (فلا شي ء عليه) «5».

[ (مسألة 13): في قتل اليربوع و القنفذ و الضب و ما أشبهها جدي

(مسألة 13): في قتل اليربوع و القنفذ و الضب و ما أشبهها جدي (1)، و في قتل العظاية كفّ من طعام. (1) و يدلّ على الحكم في العظاية صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في محرم قتل عظاية قال كف من طعام «1» و أما بالإضافة إلى اليربوع و القنفذ و الضب فيدلّ عليه معتبرة مسمع أي مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في اليربوع و القنفذ و الضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي و الجدي خير منه و أنما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد) «2» و الجدي كما تقدم من أولاد المعز إذا أكمل أربعة أشهر من عمره.

[ (مسألة 14): في قتل الزنبور متعمّداً إطعام شي ء من الطعام

(مسألة 14): في قتل الزنبور متعمّداً إطعام شي ء من الطعام (1)، و إذا كان القتل دفعاً لإيذائه فلا شي ء عليه.

[ (مسألة 15): يجب على المحرم أن ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد]

(مسألة 15): يجب على المحرم أن ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد فإن لم يتمكّن فلا بأس بقتلها (2).

[ (مسألة 16): لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد]

(مسألة 16): لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم (3) كفارة مستقلّة. (1) قد تقدم الكلام في ذلك في بيان تروك الإحرام. (2) قد تقدم ذلك في بيان الجزاء في قتل الجراد. (3) بلا خلاف و هو قول الأصحاب و أكثر العامة كما في المدارك و غيره و يدلّ عليه صحيحة زرارة عن أحدهما (عليه السلام) في محرمين أصابا صيداً فقال على كل منهما الفداء «1» و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلين أصابا صيداً و هما محرمان الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما الجزاء فقال لا بل عليهما أن يجزى كل و أحد منهما الصيد قلت أن بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا «2» و ظاهر الروايتين استناد موت الحيوان إلى فعل كليهما معاً كما لو أخذاه و لم يرسلا حتى مات الحيوان و يدلّ على ذلك ما ورد

[ (مسألة 17): كفارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه

(مسألة 17): كفارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه (1) فلو صاده المحرم و أكله فعليه كفارتان. في جماعة أوقدوا ناراً فمرّ بهما طائر صاف كالحمامة و شبهها فسقط فيها من أن على كل منهم شاة إذا قصدوا الصيد «1». (1) يقع الكلام في المسألة في مقامين الأول أن أكل المحرم من الصيد يوجب الجزاء كما أنّ نفس صيد الحيوان أي قتله أو ذبحه يوجب الجزاء بلا فرق بين أن يكون أكل المحرم حال إحرامه من الصيد شيئاً قليلًا أو كثيراً و أن الجزاء للأكل من الصيد بعينه الجزاء على صيده الثاني أنه إذا اصطاد المحرم صيداً و

أكل منه فهل عليه الفداء الواحد أو لكل من الصيد و الأكل فداء، أما المقام الأول فقد تقدم أنه كما يحرم على المحرم اصطياد الحيوان و قتله بالصيد أو الذبح كذلك يحرم عليه الأكل من الحيوان المصيد سواء كان صيده و قتله خارج الحرم قبل إحرامه أو من محلّ آخر خارج الحرم و يدلّ على ذلك قبل الروايات الآية المباركة الدالة على حرمة الصيد حال الإحرام فإن ظاهرها أنه كما يحل حال الإحرام صيد البحر و أكله كذلك يحرم حاله صيد البر و أكله، و من الروايات مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا تأكل من الصيد و أنت حرام و إن كان أصابه محل و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد فإن عليك فيه الفداء بجهالة كان أو بعمد) «2» و ظاهرها أيضاً ثبوت الجزاء للأكل كما يدلّ على ثبوت الفداء ما ورد فيمن اضطر إلى أكل الميتة أو الصيد حيث ورد في الروايات المعتبرة أنه يأكل الصيد و يفديه و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن قوم اشتروا ظبياً فأكلوا منه جميعاً و هم حرم ما عليهم قال: (على كل من أكل منه فداء صيد كل إنسان منهم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 235

.......... على حدته فداء صيداً كاملًا) «1» و على الجملة لا مورد للتأمل في ثبوت الجزاء للأكل من الصيد على المحرم كما يثبت ذلك الجزاء في إصابة الحيوان و قتله سواء كان ما أكله من الصيد قليلًا أو كثيراً صاده في الحل قبل إحرامه أو صاده فيه محل آخر.

فيقع الكلام في أنه إذا

صاده حال إحرامه في الحل و أكل منه حال إحرامه يكون عليه جزاء لصيده و جزاء آخر لأكله أو يكون عليه جزاء واحد بمعنى أن الصيد و الأكل يتداخلان في الجزاء و من الظاهر أن التداخل يحتاج إلى ثبوت دليل فإنه على خلاف الأصل و أن لم يثبت دليل فيلتزم بالجزائين و قد تقدم مما ذكرنا أن الفداء للأكل هو الفداء للصيد حيث ذكر الإمام (عليه السلام) في صحيحة علي بن جعفر على كل إنسان منهم فداء صيد و ما عن الشيخ في الخلاف و الماتن و العلامة في جملة من كتبه من أن الواجب في الفرض فداء القتل و ضمان قيمة الحيوان المأكول لا يمكن المساعدة عليه و إن يستدل على ذلك بصحيحة منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اهدى لنا طير مذبوح بمكة فأكله أهلنا فقال لا يرى به أهل مكة بأساً قلت فأي شي ء تقول أنت قال عليهم ثمنه «2» و لكن لا يخفى أن ظاهر السؤال بقرينة قوله (عليه السلام) أن أهل مكة لا يرون به بأساً هو أكل المحل من الطير المقتول بمكة و أن الجزاء على أكله قيمته و الكلام في أكل المحرم من الصيد و على الجملة صيد المحل أي قتله الطير في الحرم جزائه قيمته و كذا أكل المقتول فيه إذا كان الآكل محلا و هذا لا يرتبط بمحل الكلام و هو أكل المحرم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 236

.......... من الصيد و لو كان صائده محلّا أو صاده الأكل المحرم قبل إحرامه و يستدل على اعتبار القيمة سواء زادت عن الفداء أو نقصت بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي

عبد الله (عليه السلام) قال إذا اجتمع قوم على صيد و هم محرمون في صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته «1» و موثقته في حديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على كل إنسان منهم قيمته فإن اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك «2» أقول لم يفرض في الموثقة كون المجتمعين على الصيد أو الأكل محرمين فيحمل على الصيد في الحرم من المحلين أو أكله من المحلّين و أما الصحيحة فقد فرض فيها كونهم محرمين عند الصيد أو الأكل فتدل على ضمان القيمة في الأكل و في الصيد و اللازم رفع اليد عن إطلاقها في صيد تعين في الشرع الفداء في صيده و أكله و حملها على صيد يكون الجزاء فيه قيمته حيث ورد في صحيحة سليمان بن خالد قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) في الظبي شاة و في البقرة بقرة و في الحمار بدنة و في النعامة بدنة و فيما سوى ذلك قيمته «3» فإنه و إن ورد لعموم قوله (عليه السلام) و فيما سوى ذلك قيمته التخصيص في بعض الحيوانات كالحمار و شبهه إذا صاده المحرم أو أكله إلّا أنه يؤخذ بها في غير ذلك كاليحمور و نحوه من الوحشي المحلّل أكله بل في غير المحلل أكله أيضاً إذا كانت له قيمة و لو باعتبار جلده و قد يقال بالتداخل و أنه يكفي في قتل الصيد و أكله جزاء و أحد لصحيحة أبان بن ثعلب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها و أكلوها فقال عليهم مكان كل فرخ أصابوه و أكلوه

بدنه يشتركون

[ (مسألة 18): و لو لم يعين في الكفارة على صيد الفداء]

(مسألة 18): و لو لم يعين في الكفارة على صيد الفداء فكفارته قيمته (1).

[ (مسألة 19): من كان معه صيد و دخل الحرم يجب عليه إرساله

(مسألة 19): من كان معه صيد و دخل الحرم يجب عليه إرساله، فإن لم يرسله (2) فيهن فيشترون على عدد الفراخ و عدد الرجال قلت فإن منهم من لا يقدر على ذلك قال يقوم و بحساب ما يصيبه من البدن و يصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوماً) «1» و وجه الاستدلال أنّه لو كان لكل من الذبح و الأكل فداء مستقل أو كان مع الفداء قيمة لكان على كل منهم ذبح و أكل بدنتان لا بدنة و الرواية صحيحه على رواية الصدوق حيث رواها بإسناده عن بن رئاب و لكن ليس على روايته (قدس سره) فذبحوها و لعلهم أصابوها مذبوحين، نعم على رواية الشيخ (قدس سره) كما نقلناه فذبحوها و أكلوها إلّا أن في سندها على روايته اللؤلؤي و هو الحسن بن الحسين اللؤلؤي الذي ضعفه القميون و استثنوه من روايات نوادر الحكمة و توثيق النجاشي مع تضعيفهم لا يفيد و مع الإغماض عن ذلك يختص ذلك بالنعامة و لا بد في الالتزام بفدية واحدة في فراخها و احتمال الخصوصية فيها و في فراخها موجود لأنه ورد أنه لا تضعيف في الفداء إذا بلغ النعامة و أما في غيرها يؤخذ بما تقدم من مضاعفة الفداء كما يظهر من صحيحة علي بن جعفر «2» المؤيدة برواية يوسف الطاطري قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) صيد أكله قوم محرمون قال عليهم شاة و ليس على الذي ذبحه شاة «3». (1) قد تقدم أن هذا مدلول ما ورد في صحيحة سليمان بن خالد التي نقلناه في التعليقة على المسألة السابقة. (2) قد تقدم

الكلام في ذلك في مسألة حرمة الصيد على المحرم و ذكرنا أن إرسال

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 238

حتى مات لزمه الفداء، بل الحكم كذلك بعد إحرامه و إن لم يدخل الحرم.

[ (مسألة 20): لا فرق في وجوب الكفارة في قتل الصيد و أكله

(مسألة 20): لا فرق في وجوب الكفارة في قتل الصيد و أكله بين العمد و السهو و الجهل (1). الحيوان عند ما دخل الحرم بعد إحرامه مدلول بعض الروايات المعتبرة و لا مورد للتأمل فيه و لا فرق في ذلك بين دخول المحرم الحرم أو دخول المحل و أمّا إرساله بمجرد الإحرام فهو مبنى على الاحتياط و أنه إذا لم يرسله حتى مات الحيوان وجب عليه الفداء و في معتبرة شهاب بن عبد ربه قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني أتسحر بفراخ اوتى بها من غير مكة فنذبح في الحرم فأتسحر بها فقال بئس السحور سحورك أما علمت أن ما دخلت به الحرم حياً فقد حرم عليك ذبحه و إمساكه «4» و في معتبرة بكر بن أعين: إن كان حين أدخله الحرم خلى سبيله فمات فلا شي ء عليه و إن كان أمسكه حتى مات عنده في الحرم فعليه الفداء «5». (1) على المشهور بين أصحابنا بل لا أعرف له خلافاً و يشهد لذلك عدة روايات منها صحيحة معاوية بن عمار قال لا تأكل من الصيد و أنت حرام و إن كان أصابه محل و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد فإن عليك فيه الفداء بجهل كان أو عمد «6» و صحيحة البزنطي المروية بطرق متعددة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال عليه كفارة قلت فإن أصابه خطاءً قال

و أي شي ء الخطاء عندك قلت ترى هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى فقال نعم هذا الخطاء و عليه الكفارة قلت فإن أخذ طائراً متعمداً فذبحه و هو محرم قال عليه الكفارة قلت جعلت

[ (مسألة 21) تتكرر الكفارة بتكرر الصيد جهلا أو نسيانا أو خطاء]

(مسألة 21) تتكرر الكفارة بتكرر الصيد جهلا أو نسيانا أو خطاء (1)، و كذلك في العمد إذا كان الصيد من المحل في الحرم أو من المحرم مع تعدد الإحرام، و أما إذا تكرر الصيد عمدا عالما من المحرم في إحرام واحد لم تتعدد الكفارة. فداك أ لست قلت أن الخطاء و الجهالة و العمد ليسوا بسواء فبأي شي ء تفضل المتعمد الجاهل و الخاطئ قال أنه أثم و لعب بدينه «2» إلى غير ذلك و يتفرع على ذلك أنه لو أراد صيد حيوان و أصاب حيوانين يكون عليه كفارتان. (1) قد تقدم أن مقتضى الروايات أن كل صيد يوجب الفداء سواء كان في الحرم أو في الإحرام و أن الفداء يتضاعف إذا صاد المحرم في الحرم بلا فرق بين الصيد جهلًا أو خطاءً بل عمداً إلّا أنه استثني صيد المحرم عمداً و متعمداً فإنه لا تتكرر الكفارة في إحرام بل هو ممن ينتقم الله منه و النقمة في الآخرة لا الدنيا ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزائه و يتصدق بالصيد على مسكين فإن عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزائه و ينتقم الله منه و النقمة في الآخرة «1» و الانتقام قرينة على التعمد في الصيد و في غير صورة التعمد من الجهل و الخطاء يؤخذ بما في صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) محرم أصاب صيداً

قال عليه كفارة قلت فإن عاد قال عليه كفارة كلّما عاد «2» و في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أصاب المحرم الصيد خطاءً فعليه كفارة فإن أصابه ثانياً خطاءً فعليه الكفارة أبداً إذا كان خطاء فإن أصابه متعمداً كان عليه الكفارة فإن أصابه ثانية متعمداً فهو ممن ينتقم الله منه و النقمة في الآخرة و لم يكن عليه الكفارة «3» و ظاهر الروايات عود المحرم إلى الصيد في إحرامه الذي اصطاد فيه و أما العود في إحرام آخر قريباً أو بعيداً فهو باق تحت إطلاقات الكفارة كما هو الحال في عود المحل في الحرم إلى الاصطياد.

[ (مسألة 22): قد تقدّم أنّ الكفارة في كسر البيض المجرد درهم على الأحوط]

(مسألة 22): قد تقدّم أنّ الكفارة في كسر البيض المجرد درهم على الأحوط، و لكن إذا أكل المحرم البيض في إحرامه فكفارته حمل أو جدي أو شاة (1).

[2 مجامعة النساء]
اشارة

2 مجامعة النساء

[ (مسألة 1): يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتع

(مسألة 1): يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتع و أثناء العمرة المفردة (2) (1) و يشهد لذلك صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل محل اشترى لرجل محرم بيض نعامة فأكله المحرم قال على الذي اشترى للمحرم فداء و على المحرم فداء قلت و ما عليهما قال: (على المحل جزاء قيمة البيض لكل بيض درهم و على المحرم لكل بيضة شاة) «1».

و في رواية الحارث المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن رجل أكل من بيض حمام الحرم و هو محرم: (قال عليه لكل بيضة دم و عليه ثمنها سدس أو ربع درهم (و الوهم من صالح) ثم قال أن الدماء لزمه لأكله و هو محرم و إن الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم) «1». (2) و في العبارة إشارة إلى أنّ طواف النساء المعتبر في الحج ليس جزءاً من أعمال الحج بل اعتباره بعد الحج لحلية النساء بخلاف طواف النساء المعتبر في العمرة المفردة فإنه جزء من العمرة المفردة و قد تقدم الكلام في ذلك عند التكلم في ثبوت طواف النساء في العمرة المفردة و كيف كان فمجامعة النساء حرام على المحرم بعمرة التمتع و بعمرة مفردة أو بحج قبل إتمامها و بعد إتمام الحج أيضاً ما دام لم يأت بطواف النساء و صلاته بلا خلاف يعرف سواء كانت المجامعة قبلًا أو دبراً و دعوى الإجماع في كلمات الأصحاب كثيرة قال الله تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ فإن قوله سبحانه و إن لم يعم الإحرام للعمرة المفردة في غير أشهر الحج إلّا أنّ العموم ثابت بالروايات

منها الروايات الدالة على ثبوت الكفارة في الجماع في عمرة التمتع و العمرة المفردة خصوصاً بملاحظة نفيها عن الجاهل و الناسي حيث إنّ المراد بالجاهل عادة هو الجاهل بالحرمة لا بثبوت الكفارة حيث إنّ الكفارة لا تنفى عن الجاهل بثبوتها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 241

و أثناء الحج و بعده قبل الإتيان بصلاة طواف النساء.

[ (مسألة 2): إذا جامع المتمتع أثناء عمرته قبلًا أو دبراً عالماً عامداً]

(مسألة 2): إذا جامع المتمتع أثناء عمرته قبلًا أو دبراً عالماً عامداً، فإن كان بعد الفراغ من السعي، لم تفسد عمرته و وجبت عليه الكفارة و هي شاة، و الأحوط جزور أو بقرة، و إن كان قبل الفراغ من السعي فكفارته ما تقدم، و لا تفسد عمرته أيضاً على الأظهر، و الأحوط إعادتها قبل الحج مع الإمكان و إلّا أعاد حجّه في العام القابل (1). (1) المراد بفساد العمرة هو لزوم إعادة العمرة بعد إتمامها إذا أمكن له الإعادة و إدراك الموقفين بعدها و إذا لم يمكن إدراكهما بعد إحرام الحج مع اعادتها يحرم للحج بعد إتمام تلك العمرة و يعيد الحج في السنة اللاحقة.

كما أنّ المراد بفساد العمرة المفردة إتمامها ثمّ الإحرام في الشهر الآتي بالعمرة المفردة ثانية و يأتي أنّ المراد بفساد الحج أيضاً إتمامه في هذه السنة ثمّ إعادتها في السنة اللاحقة و قد تقدم في بحث العمرة المفردة أنها نفسد بالجماع قبل إكمال سعيها و أما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 242

.......... المجامعة بعد إكماله فإنما يوجب الكفارة فقط على ما تقدم و ذكرنا أن المشهور حكموا بفساد عمرة التمتع أيضاً إذا كانت المجامعة قبل إكمال سعيها و بالكفارة فقط في الجماع بعد إكمال سعيه.

و قلنا إنّ الحكم بالفساد في عمرة التمتع

بالمعنى المتقدم لم يتمّ عليه دليل و إنما الثابت في عمرة التمتع الكفارة سواء كان الجماع قبل إكمال السعي أو بعده و أن كفارته شاة و الأحوط جزور أي إبل أكمل خمس سنين أو بقرة و أن الأحوط استحباباً اعادة عمرة التمتع على ما ذكر إذا كانت المجامعة قبل إكمال سعيها و هذا مقتضى الجمع بين الروايات الواردة في كفارة المجامعة أثنائها منها صحيحة الحلبي أنه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع طاف بالبيت و بين الصفا و المروة و قبل امرأته قبل أن يقصر من رأسه قال (عليه السلام): عليه دم يهريقه و إن كان الجماع فعليه جزور أو بقرة «1» و موثقة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر قال ينحر جزوراً و قد خشيت أنّ يكون قد ثلم حجّه «2» و موثقة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر قال عليه دم شاة «3» و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على امرأته و لم يقصر قال ينحر جزوراً و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه «4» و المنسوب إلى المشهور أن الجزاء جزور على الموسر و البقرة للمتوسط و الشاة للفقير و ليس في البين شاهد على التفصيل المذكور نعم التفصيل الوارد في صحيحة علي بن جعفر المروية في التهذيب قال سألت أخي موسى (عليه السلام) عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو و ما

على من فعله فقال الرفث جماع النساء و الفسوق الكذب و المفاخرة و الجدال قول الرجل لا و الله و بلى و الله فمن رفث فعليه بدنة ينحرها و إن لم يجد فشاة و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم «2» لا بأس به إنّ لم نقل بانصرافها إلى الرفث في الحج و أما مع انصرافها إليه كما لا يبعد عند من لاحظ الروايات الواردة في الجماع في الحج فمقتضى الجمع بين الروايات المتقدمة هو الالتزام بالتخيير بتقييد إطلاق جزور أو بقرة بالشاة الواردة في موثقة عبد الله بن مسكان و المناقشة في سندها بجهالة على الواقع فيه ضعيفة فإن المراد منه علي بن حسن الطاطري الذي يروي عن محمد بن أبي حمزة و درست عن ابن مسكان و الشيخ (قدس سره) وثق الطاطريين حيث ذكر عمل الأصحاب برواياتهم ثمّ إنّ الموضوع في الروايات للكفارة المجامعة قبل التقصير في عمرة التمتع و هذا العنوان يعم ما إذا كان الجماع قبل السعي فيها بل قبل طوافها و لا يختص بما إذا كان الجماع بعد الفراغ منهما و قبل التقصير فالمعيار وقوعه بعد إحرام عمرة التمتع و قبل الإحلال منها بالتقصير.

[ (مسألة 3): إذا جامع المحرم امرأته قبلًا أو دبراً عالماً عامداً قبل الوقوف بالمزدلفة]

(مسألة 3): إذا جامع المحرم امرأته قبلًا أو دبراً عالماً عامداً قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت عليه الكفارة (1) و الإتمام و الإعادة في عام قابل سواء كان الحج فرضاً أو نفلًا، و كذلك في كفارات الجماع بعد إحرام الحج و قبل طواف النساء و أثناء طواف النساء (1) وجوب الكفارة غير معلق على الجماع قبل الوقوف بالمزدلفة بل تترتب الكفارة على المجامعة سواء كانت قبل الوقوف بها أو بعده بل التعليق على قبل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 244

المرأة إذا كانت محرمة و عالمة بالحال و مطاوعة له على الجماع، و لو كانت المرأة مكرهة على الجماع لم يفسد حجّها، و تجب على الزوج المكره كفارتان، و لا شي ء على المرأة الوقوف بالمزدلفة باعتبار ترتب اعادة الحج من قابل أما ترتب الكفارة على المجامعة في أثناء الحج بل قبل طواف النساء بعد تمام الحج فيدلّ عليه جملة من الروايات منها صحيحة جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن محرم وقع على أهله قال عليه بدنة قال فقال له زرارة قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي عليه بدنة قلت عليه شي ء آخر غير هذا قال عليه الحج من قابل «1» و الذيل قرينة على أنّ السؤال راجع إلى جماع المحرم بإحرام الحج و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمداً ما عليه قال يطوف و عليه بدنه «2» و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على أهله إلى أن قال و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه «3».

و الوارد في الروايات المذكورة عنوان البدنة و الجزور و الظاهر أنّ المراد بالجزور أيضاً البدنة و في صحيحة عيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل واقع أهله حين ضحى و قبل أن يزور البيت قال: (يهريق دماً) «4» و حيث إنّ انصراف اهراق

الدم إلى ذبح الشاة في كفارات الحج فتحمل الصحيحة على صورة عدم التمكن من البدنة بشهادة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال فمن رفث فعليه بدنة و إن لم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 245

.......... يجد شاة «1» و قد تقدم نقلها و ذكر أنّ المتيقن لولا الظاهر من مدلولها هو الرفث في الحج و يكون المحتمل أن كفارة الجماع للمتمكن بدنة و مع عدمه شاة و أما التخيير بين البقرة و الشاة مع العجز عن البدنة كما عن المحقق في النافع و الشرائع غير بعيد فإنه إذا كانت الشاة مجزية مع عدم التمكن من البدنة فالبقرة أولى بالإجزاء من الشاة هذا و إن يعد وجه التخيير إلّا أنه لا يخلو عن التأمل.

نعم القول بأن الكفارة بدنة و مع العجز عنها بقرة و مع العجز عن البقرة شاة كما عن المهذب و غيره لم يثبت له وجه يعتمد عليه ورائه بياع القلانس قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أتى أهله و عليه طواف النساء قال عليه بدنة ثمّ جاءه آخر فقال بقرة ثمّ جاءه آخر فقال عليك شاة فقلت بعد ما قاموا أصلحك الله كيف قلت عليه بدنة فقال أنت موسر و عليك بدنة و على الوسط بقرة و على الفقير شاة «2» لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها فإن في طريق الصدوق (قدس سره) إليه النضر بن شعيب و لم يثبت له توثيق بل يقال أنه مجهول.

ثمّ أنه إذا جامع بعد ما طاف من طواف النساء خمسة أشواط فلا كفارة عليه و يستغفر الله من ذنبه كما هو المعروف بين الأصحاب خلافاً للحلي حيث التزم

بالكفارة قبل الفراغ من طواف النساء و لعله لإطلاق ما دل على ثبوتها بالجماع قبل طواف النساء و لكن لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها بحسنة حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 246

.......... أشواط ثمّ غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض ثم غشي جاريته قال يغتسل ثمّ يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه و يستغفر الله و لا يعود و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشي فقد أفسد حجّه و عليه بدنة و يغتسل ثمّ يعود فيطوف أسبوعاً «1» حيث إنّ ذكر الكفارة مع ثلاثة أشواط و السكوت عنها فيما طاف خمسة أشواط قرينة على عدم وجوبها في فرض الإتيان بالخمسة بل يمكن أن يقال فرض ثلاثة أشواط في مقام بيان وجوب الكفارة و وجوب اعادة الطواف بالقضية الشرطية مقتضاه إلحاق فرض الأربعة بالخمسة و لعله لذلك ذكر الشيخ (قدس سره) و اتباعه سقوط الكفارة مع تجاوز النصف و اختاره العلامة و غيره و لكن الشرط مفاده تحقق الموضوع للحكم لا تعليق الحكم للموضوع على تحقق الشرط و ما ورد في الحسنة من إفساد الحج المراد فساد الطواف بقرينة الأمر بإعادة الطواف و لما نذكر أن الجماع بعد المزدلفة لا يوجب فساد الحج.

ثمّ إنّ ما ذكر من كفارة الرفث المفسر في صحيحة علي بن جعفر و صحيحة معاوية بن عمار بالجماع يعم ما إذا كانت المجامعة مع زوجته الدائمة أو المنقطعة كسائر الروايات الواردة فيها الجماع مع امرأته

أو أهله بل لا يبعد شمول الصحيحتين ما إذا كان الجماع مع الأجنبية و التقييد في كثير من الروايات بالزوجة أو الأهل باعتبار الغالب فلا مفهوم للقيد ليرفع اليد عن إطلاق ما ورد في صحيحة علي بن جعفر من قوله (عليه السلام) بعد تفسير الرفث بالجماع فمن رفث فعليه بدنة ينحرها و إنّ لم يجد فشاة «2»

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 247

.......... و دعوى أنّ تحريم الرفث في الحج ظاهره أن الرفث الذي كان حلالًا في نفسه هو حرام في حال الإحرام فلا نظر في الآية إلى الرفث المحرم في نفسه ضعيفة كيف و قد ذكر الفسوق معه المفسر بالكذب و السبّ هذا إذا لم نقل إنّ الرفث في صحيحة معاوية بن عمار «1» قد فسر بالجماع و مقتضاه ثبوت الكفارة في الجماع مع الحيوان و اللواط و المساحقة و تقييده في صحيحة علي بن جعفر بالنساء فهو أيضاً بملاحظة الغلبة فلا مفهوم له و كيف كان فثبوت الكفارة في مطلق المواقعة لو لم يكن أظهر فلا ينبغي التأمل في أنه أحوط نعم دعوى أن ثبوت الكفارة في الجماع المحلّل في نفسه يقتضي ثبوتها في المحرم بالأولوية لا يمكن المساعدة عليه، لاحتمال أن تكون الكفارة لدفع العقاب أو لتخفيفه و لهذه الجهة ثبتت في المحلّل في نفسه فقد تحصل ممّا ذكرنا ترتب الكفارة على الجماع بلا فرق بين كونه قبل الوقوف بالمشعر أو فيه أو ما بعده و تترتب الكفارة على كل من الرجل و إمرأته و لكن يتحمل الزوج من زوجته الكفارة إذا أكرهها على الجماع سواء كان الزوج محرماً أو محلا و يشهد لذلك عدة من الروايات منها صحيحة سليمان

بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما فقال إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعاً و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «2» و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل محرم وقع على أهله فيما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 248

دون الفرج قال عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل و إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه و إن استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل «1» و دلالة الاولى على عدم شي ء على الزوجة مع الاستكراه و الثانية على تحمل زوجها الكفارة تامة و ظاهرهما كما ترى كونهما محرمين و أما إذا كان الزوج محلًّا فيدلّ على تحمله الكفارة صحيحة أبي بصير قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أحلّ من إحرامه و لم تحل امرأته فوقع عليها قال عليها بدنة يغرمها زوجها) «2» و قرينة الحال مقتضاها إكراهه عليها هذا كله بالإضافة إلى كفارة الجماع.

في الجماع في إحرام الحج قبل الوقوف بالمزدلفة و أما بالإضافة إلى غيرها فإنه إذا جامع امرأته بعد إحرامها للحج و قبل أن يقفا بالمشعر فإن كانت الزوجة مكرهة يجب على زوجها كفارتان على ما تقدم كما يجب عليه إتمام حجه و إعادته في القابل و لا يجب على الزوجة لا الكفارة و لا إعادة حجّها في القابل كما يشهد لذلك قوله (عليه السلام)

في صحيحة معاوية بن عمار و إن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه و إن استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل «3» نعم يرفع اليد عن إطلاق هذه الصحيحة و نحوها بالإضافة إلى ما لم يكن الجماع قبل الوقوف بمزدلفة كما يأتي و إن كانت الزوجة تابعته فيجب على كل منهما الكفارة و إتمام الحج و إعادته في العام القابل كما يجب التفريق بينهما من موضع و كفارة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 249

.......... المجامعة إلى أن يرجعا إلى ذلك المكان ثانياً أو إلى نحر هديهما في منى يوم النحر على تفصيل يأتي الكلام فيه و هذا التفريق واجب في الحج الواجب إتمامه و في الحج القابل و لا فرق فيما ذكر من وجوب الكفارة و إعادة الحج و التفريق بينهما كون الجماع قبل الوقوف بالمزدلفة في حج الفريضة و النافلة كما يدلّ على ذلك مضافاً إلى ما تقدم صحيحة معاوية بن عمار الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رجل محرم وقع على أهله فقال إنّ كان جاهلًا فلا شي ء عليه و إن لم يكن جاهلًا فإن عليه أن يسوق بدنة و يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و عليه الحج من قابل «1» و في نسخة الوسائل التي عندي كما نقلنا و لكن في نسخة التهذيب التي عندي و عليهما الحج من قابل فإن كان الصحيح ما في الوسائل فالرواية ناظرة إلى صورة استكراه المرأة أو جهلها بقرينة ما تقدم في الصحيحة السابقة من النفي عن المستكرهة و الجاهل و لا يبعد تعين حملها على صورة جهلها

لأن في الاستكراه يكون على الرجل بدنتان لا بدنة واحدة و أما إذا كان الصحيح ما نقل عن التهذيب و الموجود عندي من نسخة فتكون ناظرة إلى صورة علمهما و مطاوعة الزوجة و على ذلك فلا يمكن أنّ يتمسك بهذه الصحيحة لدعوى أنّ التفريق بينهما حكم عام يجري حتى في صورة جهل المرأة أو استكراهها.

و صحيحة زرارة قال سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة قال: جاهلين أو عالمين قلت أجبني في الوجهين جميعاً قال إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء و إن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 250

.......... فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قلت أي الحجتين لهما قال الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا و الأخرى عليهما عقوبة «1» و هذه الصحيحة دالّة على وجوب التفريق مع علمهما حتى في الحجة المعادة و كذلك دالة على أن الحج الواجب عليهما الحجة الأولى و الثانية عقوبة على ما أحدثا فيها و المراد بفساد الحج بالجماع قبل الوقوف بالمزدلفة وجوب الإعادة في العام القابل بعد إتمام حجتهما في عام الارتكاب و قد تقدم أن المراد بفساد العمرة المفردة بالجماع قبل إكمال سعيها أيضاً لزوم إعادتها في الشهر القابل بعد إكمال الأولى فما عن ابن إدريس من أنّ الحجة الثانية هي الواجبة و الأولى أي وجوب إتمامها عقوبة بدعوى أن الفاسد لا يكون صحيحاً كما ترى فإنه ذكرنا المراد من الفساد في الحج و العمرة

المفردة و تظهر الثمرة أن الشخص إذا كان أجيراً تستحق الأجرة المسمى بالحجة الأولى و كذا إذا كان الحج في السنة منذوراً فإنه قد وفى بنذره و لا كفارة لحنت النذر و إن كان الحج في العام القابل واجباً عليه أيضاً كما هو ظاهر الروايات المتقدمة و غيرها و كذا لو كان ما أحدث فيه حجة الإسلام فبناءً على فسادها بالمعنى الذي ذكره ابن إدريس تقضى من أصل التركة لو مات قبل اعادتها و بناءً على كونه بالمعنى الذي ذكرنا تخرج الحجة المعادة من الثلث لأن ما يخرج من أصل التركة هي حجة الإسلام فقط و كيف ما كان فلا وجه لحمل التفريق على الاستحباب فإن ظاهر ما تقدم من أنه كوجوب إعادة الحج تكليف.

بقي في المقام أمور الأول: ما ذكرنا من أنّ الحكم بفساد الحج بالمعنى المتقدم ما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 251

.......... إذا كان الجماع قبل الوقوف بالمشعر و أما في غيره فلا يجب الإعادة و يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة فعليه الحج من قابل «1» فإن مقتضى مفهوم الشرطية عدم الحج من قابل إذا لم يكن المواقعة قبل الإتيان بالمزدلفة و في مرسلة الصدوق قال الصادق (عليه السلام) و إن جامعت و أنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة و الحج من قابل «2» و إن جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل و المرسلة لضعفها سنداً قابلة للتأييد و كذا يشهد للحكم في الجملة صحيحة العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل

واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت قال: يهريق دماً) «3» فإن إطلاق الجواب أي عدم التعرض للإعادة مقتضاها عدمها.

الثاني: قد تقدم أنّ وجوب التفريق بين الرجل و امرأته يكون من مكان أحدثا فيه في الحجة الأولى و في الحجة بالمعادة معاً و ما قيل من اختصاص التفريق بالحج المعادة لا يمكن المساعدة عليه بعد دلالة صحيحة سليمان بن خالد و نحوها على لزومه في الحج الذي أحدثا فيه و أنما الكلام في غاية هذا التفريق فإنه قد حدد في بعض الروايات برجوعها إلى المكان الذي أصابا فيه بعد فراغهما من المناسك كما في صحيحة سليمان بن خالد حيث ذكر الإمام (عليه السلام) فيها و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه «4» و مثلها صحيحة عبد الله بن علي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 252

الحلبي المروية في معاني الاخبار عن أبي عبيد الله (عليه السلام) حيث ذكر الإمام (عليه السلام) فيها و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا «1» نعم ظاهر هذه الصحيحة أنهما إذا أخذا في رجوعهما طريقاً آخر لا يؤدي إلى ذلك المكان يجتمعان بعد النفر الظاهر بعد تمام المناسك أي النفر الثاني حيث ورد في ذيلها أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان قال نعم و مثل هذه ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الكريم عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال قلت له من ابتلى بالرفث و هو

الجماع ما عليه قال يسوق الهدى و يفرق بينه و بين أهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا فقلت أ رأيت إن أراد أن يرجعا في غير ذلك الطريق قال فليجتمعا إذا قضيا المناسك «2».

و ظاهر ما تقدم وجوب التفريق في الحج الذي أحدثا فيه بعد إحرامه قبل أن يقف بالمزدلفة و أن غاية التفريق الفراغ من المناسك إذا لم يكن لهما الرجوع إلى موضع المجامعة و إذا كان لهما رجوع إليه فالغاية مجموع الأمرين أي الفراغ من المناسك و الرجوع إلى ذلك الموضع فإن كانت المجامعة قبل منى في طريقه إلى عرفات فلا يجوز الاجتماع حتى يصلا بعد الفراغ من المناسك إلى ذلك الموضع و إن كان الرجوع إليه قبل الفراغ كما إذا أصابا ما أصابا بعد الخروج من منى في طريقه إلى الوقوف بعرفة فيبقى التفريق حتى يفرغا عن المناسك و مما ذكر يظهر الحال فيما أحرما لحج

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 253

.......... الافراد من أحد المواقيت و أصابا بعد إحرامها للحج ما أصابا فإنهما يبقيان على التفريق حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا و في مقابلها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المحرم يقع على أهله قال يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محله «1» و لكن هذه مطلقة من حيث رجوعهما من طريق يصل إلى ما أصابا فيه و غيره فيرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى من يرجع من نفس ذلك الطريق فيلتزم بأن غاية التفريق بالإضافة إلى من لا يرجع من ذلك الطريق هو الفراغ

من ذبح الهدى أو نحره و أن التفريق بعده إلى تمام المناسك مستحب و أما بالإضافة إلى من يرجع من ذلك الطريق مجموع الأمرين الوصول إلى ذلك الموضع و الفراغ من الذبح أو النحر فإن كان موضوع اصابتهما بعد الخروج من منى في طريقهما إلى الوقوف بعرفة يبقيان بعد الخروج إلى منى و تجاوز ذلك الموضع على التفريق حتى يفرغا من الهدى أو المناسك هذا بالإضافة إلى التفريق في الحج الذي أصابا بعد إلّا حرام له و أما الحج القابل فيدلّ على التفريق فيه و في الحج الأول صحيحة زرارة المتقدمة حيث ذكر (عليه السلام) فيها بعد الحكم بالتفريق في الحج الذي أصابا فيه: (و عليهما الحج من قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا) و كذا يدلّ على التفريق في الحجة المعادة صحيحة معاوية بن عمار المروية في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل وقع على امرأته و هو محرم قال إنّ كان جاهلًا فليس عليه شي ء و إن لم يكن جاهلًا فعليه سوق بدنة و عليه الحج من قابل فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 254

.......... فرق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محله «1» و حيث إنّ التفريق في الحج الذي أصابا فيه و الحج المعاد بنحو واحد يكون مقتضى الجمع بينهما ما تقدم.

الثالث: إذا وجب على الرجل و المرأة اعادة الحج لكون المرأة غير مكره فلا ينبغي التأمل في ثبوت التفريق عليهما في الحج الذي أحدثا

فيه و في الحج المعاد كما يدلّ على التفريق فيهما صحيحة زرارة المتقدمة «2» و يدلّ أيضاً على التفريق في الحجة المعادة صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة المروية في الكافي و الكلام في أنه إذا كانت مستكرهة بحيث لا تجب عليها الإعادة فهل يثبت وجوب التفريق بينهما في الحج الذي أحدثا فيه قد يقال بالثبوت لإطلاق مثل صحيحة معاوية بن عمار المروية في التهذيب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل محرم وقع على أهله فقال إن كان جاهلًا فليس عليه شي ء و إن لم يكن جاهلًا فإن عليه أن يسوق بدنة و يفرق بينها حتى يقضيا المناسك و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه و عليه الحج من قابل «3» و مثلها صحيحة معاوية بن عمار المروية في التهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) بسند آخر في المحرم يقع على أهله فقال يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محله «4» و أظهر منهما في ثبوت التفريق في صورة استكراه المرأة ما ورد في صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت أ رأيت من ابتلى بالجماع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 255

الجماع بدنة مع اليسر و مع العجز عنها شاة، و يجب التفريق بين الرجل و المرأة في حجتهما و في المعادة إذا لم يكن معهما ثالث (1) إلى أن يرجعا إلى نفس المحلّ الذي وقع فيه الجماع، و إذا كان الجماع بعد تجاوزه من منى إلى عرفات لزم استمرار الفصل بينما من ذلك المحل إلى وقت النحر بمنى، و الأحوط استمرار الفصل

إلى الفراغ من تمام أعمال الحج. ما عليه قال عليه بدنة و إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما و إن كان استكرهها ليس بهوى منها فليس عليها شي ء و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قلت أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان قال نعم «1» و وجه الأظهرية أنه لو كان التفريق أمراً مترتباً على صورة ثبوت الكفارة للمرأة أيضاً لذكر (عليه السلام) التفريق قبل بيان حكم الاستكراه نعم قد يقال هذه الروايات التي تعرض فيها للتفريق في الحج الذي أحدثا فيه و تعم ما إذا كانت المرأة مستكرهة يعارضها ما ورد في صحيحة سليمان بن خالد حيث ذكر الإمام (عليه السلام) بعد بيان التفريق بينهما في فرض اعانتها بشهوة الرجل بقوله (عليه السلام) فعليها الهدى جميعاً و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و إن استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «2» و لكن لا يخفى أنّ المراد بقوله (عليه السلام) فليس عليها شي ء نفي الكفارة بل التفريق أيضاً في الفرض وظيفة الرجل على ما هو ظاهر ما تقدم. (1) المراد بالتفريق بين الزوج و امرأته في إتمام الحج بعد الجماع و قضائه أن يكون معهما ثالث بحيث يكون من شأن حضوره الممانعة عن تكرار العمل كما صرح

[ (مسألة 4): إذا جامع المحرم عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة]

(مسألة 4): إذا جامع المحرم عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة فإن كان ذلك قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة على النحو المتقدّم (1)، و لكن لا تجب عليه الإعادة، و كذلك إذا كان جماعه قبل الشوط الخامس من

طواف النساء، و أمّا إذا كان بعده فلا كفارة أيضاً. بذلك جملة من أصحابنا فلا عبرة بحضور غير المميز و الزوجة و الأمة ممن لا يمنع حضورهم و يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث ذكر (عليه السلام) فيها و لا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محله «1» و صحيحته الأخرى الواردة في التفريق في الحجة المعادة من قوله (عليه السلام) فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها فرق محلاهما فلم يجتمعا في خباء واحد إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محله) و في مرفوعة أبان عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قالا المحرم إذا وقع على أهله يفرق بينهما يعني بذلك لا يخلوان و أن يكون معهما ثالث و مما ذكر يظهر أنه لو كان معهما ثالث) من الأول كما ذكر فالتفريق حاصل من الأول و لذا ذكرنا في المتن و يجب التفريق إذا لم يكن معهما ثالث. (1) قد تقدم الكلام في أنّ كفارة الجماع بعد إحرام الحج غير مقيدة فتثبت سواء كان قبل الوقوف بالمزدلفة أو بعده و التقييد أنما هو في فساد الحج أي وجوب إعادته في العام القابل فإن كان الجماع بعد الوصول إلى المزدلفة فلا يجب اعادتها بل الأظهر أن الحكم بالتفريق أيضاً كذلك حيث إنّ التفريق بالجماع بعده غير ثابت و ظاهر الروايات الواردة في التفريق ثبوتها فيما كان الجماع مفسداً للحج و وجه الظهور هو أنّ غاية التفريق كما تقدم مجموع الأمرين من وصول وقت الهدى و الرجوع إلى مكان أحدثا فيه و من الواضح أن الحاج بعد وقوفه

في المزدلفة أي بعد

[ (مسألة 5): من جامع امرأته عالماً عامداً في العمرة المفردة]

(مسألة 5): من جامع امرأته عالماً عامداً في العمرة المفردة وجبت عليه الكفارة على النحو المتقدم، و لا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السعي (1)، و أمّا إذا كان قبله وجبت الكفارة و وجبت عليه بعد تمام عمرتها أن يقيم بمكة إلى شهر آخر ثمّ يخرج إلى أحد المواقيت و يحرم منه للعمرة المفردة.

[ (مسألة 6): من أحلّ من إحرامه إذا جامع زوجته المحرمة]

(مسألة 6): من أحلّ من إحرامه إذا جامع زوجته المحرمة وجبت الكفارة على زوجته و على الرجل أن يغرمها (2)، و الكفارة بدنة و إن لم تكن المرأة مستكرهة. الوصول إليها بعد الفراغ من الوقوف بعرفة لا يرجع إليها ثانياً و كما يظهر من الروايات كان الطريق في ذلك الزمان للذهاب إلى عرفات هو منى و لا يبعد أفضلية ذلك بحسب تلك الروايات و الحجاج بعد أعمال منى يرجعون إلى مكة فلا يكون رجوع إلى مزدلفة و لا إلى عرفة فالمفروض في روايات التفريق وقوع الجماع في مكان يرجع إليه الحاج بعد الفراغ من المناسك. (1) قد تقدم الكلام في ذلك في مباحث العمرة المفردة و بينا الوجه في أنّ المراد بفسادها بالجماع قبل السعي وجوب إعادتها في الشهر القادم بعد إتمامها و أن الميقات لإعادتها أحد المواقيت الخمسة لا أدنى الحل كما هو ميقات العمرة المفردة لمن كان بمكة واراد أن يعتمر بعمرة مفردة. (2) قد تقدم الكلام في تحمل الزوج الكفارة عن زوجته المحرمة إذا استكرها و إذا كان الزوج محلا و كانت هي المحرمة يكون عليه تحملها و يشهد لذلك صحيحة أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أحلّ من إحرامه و لم تحل امرأته فوقع عليها قال: عليها بدنة يغرمها زوجها «1» و

قد يقال إن الاستكراه غير معتبر في تحمل الزوج عن زوجته بل لو كانت إعانته أيضاً بمطاوعتها يجب على الزوج تحملها و لكن يقتصر في ذلك على المفروض في الصحيحة و هو كون الزوج

[ (مسألة 7): إذا جامع المحرم امرأته جهلًا أو نسياناً]

(مسألة 7): إذا جامع المحرم امرأته جهلًا أو نسياناً صحّت عمرته و حجّه سواء كانت العمرة عمرة التمتع أو العمرة المفردة، و سواء كان الحج تمتعاً أو غيره، و هذا الحكم يجري في بقية المحرمات الآتية التي توجب الكفارة (1) بمعنى أنّ ارتكاب أي عمل منها على المحرم لا يوجب الكفارة إذا كان صدوره منه ناشئاً عن جهل أو نسيان، و لو كان جهله تقصيريّاً، و يستثنى من ذلك موارد:

1 ما إذا نسي طواف الفريضة في الحج أو العمرة و واقع أهله قبل تذكره بتركه الطواف على الأحوط أو نسي شيئاً من السعي في عمرة التمتع فأحلّ لاعتقاده الفراغ من السعي، و ما إذا أتى أهله بعد السعي و قبل التقصير جاهلًا بالحكم.

2 من أمر يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان.

3 ما ادّهن عن جهل و سيأتي الحكم في كل من تلك في محلّه. محرماً قد أحلّ و وقع على زوجتها قبل إحلالها و لو كان الزوج محلا من الأصل و وقع على زوجته المحرمة فإن كانت مستكرهة ترتفع عنها الكفارة برفع الإكراه و إلّا كان عليها الكفارة و لا يتحمل عنها زوجها و لكن الحالة المفروضة للزوج في لصحيحة تشعر بالكراهة على زوجته و إن كان ما يقال أنسب بإطلاقها لو لا التعبير بالغرامة.

عدم ثبوت الكفارة على الجاهل و الناسي في ارتكاب غير الصيد من المخطورات حال الإحرام (1) قد تقدم في مسائل كفارات الصيد أنها

تثبت في حق الجاهل و الخاطي كالعالم العامد و قد ورد ذلك في عدة من الروايات منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) الواردة فيها و ليس عليك فداء ما أتيته جهلًا إلّا الصيد) «1» فإن ظاهرها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 259

.......... عدم ثبوت الكفارة على الجاهل في ارتكاب أي شي ء من محظورات الإحرام و تقدم أيضاً الروايات الواردة في الجماع بعد الإحرام الدالة على عدم ثبوت شي ء على الجاهل حيث يدخل فيه الناسي أيضاً لأن الناسي ما دام نسيانه باقياً فهو جاهل و يدلّ على ذلك أيضاً صحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (عليه السلام) الواردة في أعجمي دخل المسجد يلبي و عليه قميصه حيث ورد فيها قوله (عليه السلام) أي رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي ء عليه «1».

و قد يقال الروايات الواردة في الجماع بعد إحرام الحج و قبل الوقوف بالمزدلفة قد دلّت على صحة الحج و عدم وجوب الكفارة مع الجهل بحرمة الجماع و لكن في ما إذا جامع امرأته في العمرة المفردة قبل إكمال السعي وردت الروايات في بطلان العمرة و وجوب الكفارة و مثل صحيحة عبد الصمد بن بشير نلتزم بعدم الكفارة في الجماع قبل إكمال السعي إذا كان جاهلًا و أما صحة العمرة المفروضة فلا يمكن إثباتها بها و ذلك فإن ما ورد في الجماع في العمرة المفردة قبل سعيها لسانها مانعية الجماع عن صحتها و تماميتها و لذا يجب قضائها و على الجملة الجهل بحرمة الجماع فيها بالإضافة إلى ما قبل إكمال سعيها كالجهل بحرمة النكاح على المحرم و إذا عقد المحرم إحرامه نكاحاً يبطل ذلك النكاح سواء

كان عالماً بحرمته أم جاهلًا أو غافلًا و لكن لا يخفى لا يستفاد مما ورد في الجماع في العمرة المفردة قبل إكمال سعيها مانعيته عن صحة تلك العمرة و تماميتها و لذا يجب إتمامها كما هو الحال في الجماع بعد إحرام الحج و قبل الوقوف بالمزدلفة و الإعادة عقوبة على الجماع كما تقدم في مباحث

[3- التقبيل
[ (مسألة 8): لا يجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة]

(مسألة 8): لا يجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة فإن قبّلها و خرج منه المني، فعليه كفارة بدنة أو جزور، و إن لم يخرج منه المني أو لم يكن التقبيل عن شهوة فكفارته شاة (1). العمرة المفردة و عليه ترتفع الكفارة و العقوبة بمثل صحيحة عبد الصمد بن بشير نعم لو قيل بفساد تلك العمرة و عدم وجوب إتمامها مع العلم بحرمة الجماع فيها فلا يمكن تصحيحه بالصحيحة لما تقدم من أنه ليس لبس ثوبي الإحرام شرطاً في انعقاد الإحرام و لا لبس المخيط مانعاً بل الأول واجب عند الإحرام تكليفاً كما أن الثاني حرام كذلك و لذا ذكر في تناول المفطر في شهر رمضان إذا كان المكلف جاهلًا بمفطريته لم تثبت في حقه الكفارة و لكن صومه باطل يجب عليه قضائها حيث إنّ الإمساك عنه جزء الصوم و الجزئية لا ترتفع بنفي الكفارة بأن يثبت أن الصوم في حق الجاهل بالمفطرية في شي ء الإمساك عن الباقي. (1) يحرم على المحرم تقبيل امرأته عن شهوة و يدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدم في الإحرام الأمر بالاستغفار عليه من ارتكابه فإن قبلها بشهوة فأمنى فكفارته بدنة أو جزور فإنّ البدنة واردة في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته

قال نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت أ فيمسها و هي محرمة قال نعم قلت المحرم يضع يده بشهوة قال يهريق دم شاة قلت فإن قبّل قال هذا أشد ينحر بدنة «1» و الجزور واردة في صحيحة مسمع أبي سيار قال قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة فمن قبل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة و من قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 261

.......... جزور و يستغفر ربّه و من مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة) «1» الحديث و قد تقدم أن الجزور يعم الذكر و الأنثى من الإبل الذي أكمل سنته الخامسة و تقييد التقبيل في هذه الصحيحة بصورة الامناء مقتضاه عدم ثبوت البدنة مع عدم الامناء و أن يلتزم بأن الكفارة في التقبيل بشهوة مع عدم الامناء شاة فإنها و إن كانت ساكتة عن حكم التقبيل بشهوة مع عدم الامناء و لكن يفهم من ذلك بأن الكفارة هي شاة بفحوى التقبيل بلا شهوة حيث إنه إذا ثبت فيه كفارة الشاة و لو مع عدم الامناء تثبت في التقبيل بشهوة مع عدمه بالأولوية و كيف كان يرفع اليد بهذه الصحيحة عن إطلاق صحيحة الحلبي حيث إنّ الإطلاق فيها مقتضاه ثبوت نحر البدنة في التقبيل مع الشهوة خرج المني أم لا كما هو مقتضى قانون حمل المطلق على المقيد و قد يلتزم في المقام بعدم التقييد و الالتزام بأن الكفارة في التقبيل بشهوة البدنة خرج المني أم لا كما عن جماعة منهم الشيخ و العلامة و

الشهيد و يذكر لذلك وجوه.

الأوّل: رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سألته عن رجل قبل امرأته و هو محرم قال و عليه بدنة و إن لم ينزل و ليس له أن يأكل منها «2» و لكنها ضعيفة سنداً فلا يمكن الاعتماد عليها بل مدلولها ثبوت البدنة و أن لم يكن التقبيل بشهوة.

الثاني: أنه و لو كان ترتب الكفارة بالبدنة في التقبيل موقوفاً على الإمناء لا يكون التقبيل أشد من المس بشهوة بل يكون الأمر بالعكس حيث تترتب الكفارة على المس بشهوة سواء خرج المني أم لم يخرج بخلاف التقبيل فإن الكفارة بالبدنة لا تترتب بلا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 262

.......... أمناء و فيه أنه يكفي في الأشدية ترتب الكفارة على التقبيل و أن لم يكن بشهوة بخلاف المس و وضع اليد فإنه لا يترتب عليه إذا لم يكن بشهوة على ما تقدم في صدر صحيحة الحلبي.

الثالث: أن ترتب الامناء على التقبيل و لو كان بشهوة أمر نادر و لو قيد إطلاق التقبيل عن شهوة في صحيحة الحلبي بصورة الامناء لزم خروج التقبيل عن شهوة عن الكفارة بالبدنة بحيث يحمل على الصورة النادرة و فيه، أن التقييد بعنوان واحد يوجب اختصاص الحكم بصورة نادرة لا محذور فيه كما في تقييد جميع ما ورد في الكفارات على المحذورات بصورة الارتكاب عن علم بحرمتها فإن الغالب على الارتكاب صورة جهل المحرم بحرمتها أو الغفلة و النسيان و ثانياً أن المراد بالتقبيل عن شهوة أو لمس المرأة أو النظر إليها بشهوة أن يكون هيجان الشهوة الحاصلة داعياً إلى التقبيل و المس و ترتب الامناء على التقبيل و اللمس لا يكون أمراً

نادراً في الشباب كما أن المراد من التقبيل و اللمس من غير شهوة أن لا يكون هيجانها داعياً لهما و لا ينافي هيجان الشهوة بنفس التقبيل و الشهوة و إلّا كيف يترتب الامناء على المس بلا شهوة و قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار و إن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء عليه «1» و في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى قال إن كان حملها و مسها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أو أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه و إن حملها أو مسّها بغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «2» و المتحصل أنه لا يجوز للمحرم تقبيل امرأته عن شهوة فلو قبلها و خرج منه المني فعليه كفارة بدنة أو جزور و إذا لم يخرج منه المني أو لم يكن التقبيل عن شهوة فكفارته شاة.

[ (مسألة 9): إذا قبّل الرجل بعد طوافه النساء امرأته المحرمة]

(مسألة 9): إذا قبّل الرجل بعد طوافه النساء امرأته المحرمة فالأحوط (1) أن يكفّر بشاة. (1) و يدلُّ على ذلك ما في صحيحة معاوية بن عمار المروية في الكافي حيث ورد فيها و سألته عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي قال (عليه السلام): عليه دم يهريقه من عنده «1» و فيما رواه في التهذيب بسنده إلى زرارة أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي قال عليه دم يهريقه من عنده «2» و لا يبعد اعتبار سند ثانية أيضاً و إن وقع في

سندها علي بن المسندي و ذلك فإنها مروية عن حريز عن زرارة و للشيخ (قدس سره) يجمع كتب و روايات حريز سند آخر على ما ذكره في الفهرست و لكن قد يناقش في الروايتين بأن الشخص بعد خروجه عن إحرامه لا يكون عليه تكليف بالإضافة إلى الاجتناب عن النساء فكيف تتعلق به الكفارة و دعوى أن هذه الكفارة كجماعة بعد إحلاله بامرأته المحرمة التي تقدم تحمله الكفارة عن زوجته لا يمكن المساعدة عليها فإن الجماع كما أنه محرم على المحرم كذلك محرم على المحرمة بخلاف التقبيل فإنه حرام على المحرم حيث إنه لو قبل امرأته لم ترتكب امرأته حراماً فلا موضوع للكفارة في الفرض حيث إنّ التقبيل وقع بعد إحلال الزوج و لذ لم يلتزم الأصحاب بما في الروايتين فيحمل على الاستحباب أو يحتاط.

[4- لمس النساء]
[ (مسألة 10): لا يجوز للمحرم أن يمسّ زوجته عن شهوة]

(مسألة 10): لا يجوز للمحرم أن يمسّ زوجته عن شهوة، فإن فعل ذلك لزمه (1) كفارة شاة، فإن لم يكن المس عن شهوة فلا شي ء عليه.

[ (مسألة 11): إذا لاعب المحرم امرأته حتى يمني لزمته كفارة بدنة]

(مسألة 11): إذا لاعب المحرم امرأته حتى يمني لزمته كفارة بدنة (2)، و إذا نظر إلى (1) إذا مس المحرم امرأته بشهوة فعليه شاة أمنى أو لم يمن و إذا مسها بغير شهوة فلا شي ء عليه أمنى أم لم يمن و يدلّ على ذلك قول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (إن كان حملها أو مسها شي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه فإن حملها أو مسها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء) و إطلاق الدم محمول على الشاة فإنه مضافاً إلى انصرافه إليها في باب الكفارات يقتضيه ما في صحيحة مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) و من مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة «1» لا يقال قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار ثبوت الكفارة بالمس عن شهوة بصورة الامناء حيث ذكر (عليه السلام) فيها: (و إن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم) فإنه يقال هذا التقييد معارض بالتصريح بالإطلاق في صحيحة محمد بن مسلم و بعد المعارضة يرجع إلى الإطلاق في مثل صحيحة مسمع أبي سيار من قوله (عليه السلام) و من مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم. (2) المحرم إذا لاعب امرأته حتى يمني فعليه كفارة بدنة إن كان مؤسراً و شاة إذا كان فقيراً و يدلّ على ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن

(عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 265

امرأة أجنبيّة عن شهوة أو غير شهوة فأمنى وجبت عليه الكفارة و هي بدنة أو جزور على الموسر و بقرة على المتوسط و شاة على الفقير، و أمّا إذا نظر إليها و لو عن شهوة و لم يمن فهو و إن كان محرماً إلّا أنّه لا كفارة عليه. رمضان ماذا عليهما قال: عليهما جميعاً الكفارة مثل ما على الذي يجامع «1» و قد ورد أن كفارة الجماع بدنة أو جزور مع يسره و شاة مع عدم وجدانه و فقره حيث ورد في صحيحة علي بن جعفر التي تقدم نقلها في كفارة الجماع عن أخيه (عليه السلام) فمن رفث فعليه بدنة ينحرها و إن لم يجد فشاة «2».

ثمّ أنه لا يترتب على اللعب المفروض بطلان الحج لأن بطلانه مترتب على الجماع الخاص و هو الجماع قبل السعي في العمرة المفردة و قبل الوقوف بالمزدلفة في إحرام الحج و الذي يجامع في إحرامه لا يترتب عليه إلّا الكفارة و اللاعب المذكور نزل منزلة المجامع لا المجامع الخاص و هذا بخلاف ما يجي ء في الاستمناء حيث إنه ورد فيه أنه كالمجامع فعليه بدنة و إعادة الحج فيعلم بالتنزيل الخاص فيه.

و إذا نظر المحرم إلى الأجنبية سواء كان هيجان الشهوة هو الموجب للنظر إليها أو حصل بعد النظر فأمنى فإن كان موسراً فعليه بدنة و إن كان متوسطاً فعليه بقرة و إن كان معسراً فعليه شاة و يشهد لذلك موثقة أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل محرم نظر إلى

ساق امرأة فأمنى فقال إن كان موسراً فعليه بدنة و إن كان وسطاً فعليه بقرة و إن كان فقيراً فعليه شاة ثمّ قال أما أني لم أجعل عليه هذا لأنه أمنى إنما جعلته عليه لأنه نظر إلى ما لا يحلّ له «3» و في صحيحة زرارة قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل محرم نظر

[5- النظر]
[ (مسألة 12): إذا نظر المحرم إلى زوجته عن شهوة فأمنى وجبت عليه الكفارة]

(مسألة 12): إذا نظر المحرم إلى زوجته عن شهوة فأمنى وجبت عليه الكفارة (1) و هي بدنة أو جزور و مع عدم تمكّنه فشاة، و أمّا إذ النظر إليها بشهوة و لم يمن أو نظر إليها بغير شهوة فأمنى فلا كفارة عليه. إلى غير أهله فأنزل قال عليه جزور أو بقرة فإن لم يجد فشاة) «1» و الجمع بينها و بين الموثقة مقتضاه الجزور بما إذا كان موسراً و البقرة بما إذا وسط الحال و إذا لم يجد الجزور و البقرة كما إذا كان فقيراً فعليه شاة كما ان مقتضى الإطلاق في الصحيحة و الموثقة عدم الفرق بين كون الامناء بالنظر المنبعث عن هيجان الشهوة قبل النظر أو كان النظر إليها موجباً لهيجانها و مقتضى التعليل في الموثقة و إن كان ثبوت الكفارة للنظر إلى المحرم عليه و أن لم يمن إلّا أنه لا بد من رفع اليد عنه بصحيحة معاوية بن عمار في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل قال عليه دم لأنه نظر إلى غير ما يحلّ له و إن لم يكن أنزل فليتق الله و لا يعد و ليس عليه شي ء «2» فإن الجمع في هذه الصحيحة بين تعليله و نفي الكفارة مع عدم الإنزال قرينة واضحة على أنّ المراد من التعليل أنه إذا كان منشأ

الانزال النظر إلى ما لا يحل له فعليه الكفارة و مع عدم الانزال و أن ارتكب حراماً إلّا أنه لا كفارة فيه و بهذا يظهر المراد من التعليل في الموثقة و لكن قد يشكل بأن ما رواه معاوية بن عمار مضمرة لم يعلم أنه قول الإمام (عليه السلام) ليمكن رفع اليد بها عن ظهور التعليل في الموثقة و فيه ما لا يخفى فإن المطمئن به أن معاوية بن عمار كزرارة و محمد بن مسلم لا يتصدى لنقل الحكم عن غير المعصوم (عليه السلام). (1) إذا نظر المحرم إلى زوجته بشهوة فأمنى فعليه بدنة و يدلُّ على ذلك ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 267

.......... بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة «1» و في صحيحة مسمع أبي سيار عن أبي عبد الله (عليه السلام) و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور «2» و في صحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة اطرحي ثوبك و نظر إلى فرجها قال لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «3» فإن هذه أيضاً بمفهومها ظاهرة في وجوب الكفارة إذا أمنى و ربما يقال تعارضها مصححة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى قال ليس عليه شي ء «4» و يمكن الجمع بأن نفي الشي ء بإطلاقه ينفي البدنة و الإعادة و الإطعام فيرفع هذا الإطلاق بالإضافة إلى

البدنة و يلزم بعدم شي ء عليه غير البدنة و إن لم يمكن هذا الحمل بدعوى أن نفي الكفارة هو المتيقن من نفي الشي ء عليه و كذا الحمل على صورة جهله بحرمة النظر إلى امرأته كذلك تطرح في مقام المعارضة لكونها موافقة لمعظم العامة.

و يدلّ على عدم الكفارة فيما إذا نظر إلى زوجته من غير شهوة فأمنى ما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) فإن في صدرها قال: (سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال لا شي ء عليه) فإن المراد نفي الشي ء صورة النظر بلا شهوة بقرينة ما في ذيلها و قال في المحرم ينظر

[6- الاستمناء]
[ (مسألة 13): إذا عبث المحرم بذكره فأمنى فحكمه حكم الجماع

(مسألة 13): إذا عبث المحرم بذكره فأمنى فحكمه حكم الجماع (1)، و عليه فلو وقع ذلك في إحرام الحج قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت الكفارة و لزم إتمامه و إعادته في العام القابل، كما أنّه لو فعل ذلك في عمرته المفردة قبل الفراغ من السعي لزمه الإتمام و إعادتها بعد انقضاء الشهر على ما تقدّم، و كفارة الاستمناء كفارة الجماع و لو استمنى بغير ذلك كالنظر و الخيال و ما يشاكل ذلك فأمنى لزمته الكفارة إن كان قصده الإنزال و لا تجب إعادة حجه و لا عمرته، و إن لم يكن قصده الإنزال فاتفق. فالأظهر أنّه لا كفارة. إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة و لا ينافي حمل الصدر على صورة غير الشهوة ما ذكره (عليه السلام) لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربه حيث إنّ الاستغفار لا يناسب الأمر به مع فرض النظر بلا شهوة الذي لا يكون محرماً و لكن لا يخفى

أن هيجان الشهوة بعد النظر أيضاً إذا علم أو أطمئن به المكلف محرم فالأمر بالاستغفار من هذه الجهة بأن لا يرجع إلى مثل هذا النظر ثانياً و يدلّ أيضاً على عدم الكفارة مع النظر بلا شهوة سواء أمنى أو لم يمن إطلاق ما في ذيل صحيحة مسمع و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور. (1) و يدلّ على ذلك معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) قال قلت ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى قال أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم بدنة، و الحج من قابل «1» و التعبير في المعتبرة فإن في سندها صباح الراوي عن إسحاق بن عمار و الظاهر أنه صباح بن صبيح الحذاء لأنه المعروف في هذه الطبقة حيث إنّ له كتاب هذا فيما كان الاستمناء بالعبث بذكره و أما إذا قصد الانزال بغيره فهو و إن كان محرماً بل عليه البدنة مع التمكن و مع فقره الشاة إلّا أن الأمر بالإعادة مترتب على العبث بذكره و يستفاد وجوب الكفارة فيما ذكر من صحيحة معاوية بن عمار من أن الإنزال بالوجه المحرم يوجب الكفارة قال (عليه السلام) فيها

[7- عقد النكاح
[ (مسألة 14): يحرم على المحرم التزويج لنفسه أو لغيره

(مسألة 14): يحرم على المحرم التزويج لنفسه أو لغيره (1)، و سواء كان ذلك الغير محرماً أم محلًّا، و سواء كان التزويج بنكاح دائم أو منقطع، و يفسد العقد في جميع الصور، بل لو كان المحرم عالماً بعدم جواز التزويج حال الإحرام تحرم عليه المرأة المعقودة مؤبداً. في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل قال عليه دم لأنه نظر إلى غير ما يحل له و إن لم يكن انزل فليتق الله و

لا يعد و ليس عليه شي ء «1» فقد ذكرنا فيما سبق أنه يستفاد منها أن الإمناء بالوجه المحرم يوجب الكفارة نعم إذا لم يقصد الانزال فاتفق خروجه كما في الاستماع إلى وصف المرأة الجميلة و نحو ذلك فلا دليل على لزوم الكفارة و في موثقة سماعة عن المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني قال ليس عليه شي ء «2».

و يدلّ على حرمة ما ذكر بقصد الانزال حتى مع قطع النظر عن الإحرام موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل ينكح بهيمة أو يدلك فقال كل ما انزل به الرجل مائه من هذا و شبهه فهو زنا «3» فإن التنزيل بالزنا من جهة الحرمة لا في سائر الآثار المترتبة على الزنا لما قام الدليل على سائر الحكم المترتب على إتيان البهيمة و ما دل على اعتبار القيود المعتبرة في الزنا المترتب عليه الحد. (1) يحرم على المحرم التزويج لنفسه و لو بتوكيل المحل و كذا التزويج لغيره

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 270

.......... سواء كان ذلك الغير محرماً أو محلا و سواء كان التزويج دواماً أو انقطاعاً و يفسد العقد في جميع الصور و هذا هو المنسوب إلى المشهور بل ادعى عدم الخلاف فيه كما في الجواهر و غيرها و يستدل على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ليس للمحرم أن يتزوج و لا يزوج فإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل «1» و لا ينبغي التأمل في ظهور صدرها في الحكم التكليفي و ذيلها في الحكم الوضعي و إن قلنا بأن تعلق النهي بالمعاملة ظاهره الإرشاد إلى فسادها و الوجه

في الظهور أن الذيل و هو الحكم الوضعي ذكر تفريعاً على الصدر و التفريع في شي ء على نفسه غير صحيح و عليه يكون هذا التفريع قرينة على ارادة التكليف من الصدر و نظيرها صحيحة معاوية بن عمار قال المحرم لا يتزوج و لا يزوج فإن فعل فنكاحه باطل «2» و دعوى أن صاحب الوسائل نقل صحيحة عبد الله بن سنان بلا تفريع بل بالعطف بالواو لا يضر مع وجود التفريع في صحيحة معاوية بن عمار بل صحيحة عبد الله بن سنان لأن الصدوق (قدس سره) رواها بالتفريع كما هو في نسخة التهذيب أيضاً و لعل ما في الوسائل اشتباه من النساخ أضف إلى ذلك كون التكرار خلاف الظاهر و لو كان العطف بالواو أيضاً كان الصدر ظاهراً في التكليف و مقتضى إطلاق الروايات الصحيحتين و غيرهما الحكم بفساد العقد سواء كان عالماً بحرمة النكاح حال الإحرام أم لا و سواء حصل الدخول أم لا نعم إذا كان عالماً بحرمة النكاح حال الإحرام تحرم المعقود على المحرم مؤبداً كما يشهد لذلك صحيحة زرارة و داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبداً إلى ان قال و المحرم إذا تزوج و هو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبداً «3» بلا فرق في ذلك بين كون المحرم هو الرجل أو كانت هي المرأة على الأظهر كما يأتي في النكاح المحرم حيث إنّ الظاهر كون التحريم مؤبداً من أثر الإحرام في صورة العلم بالحرمة كان هو المحرم أو هي المحرمة.

[ (مسألة 15): لو عقد المحرم أو عقد المحل للمحرم امرأة و دخل الزوج بها]

(مسألة 15): لو عقد المحرم أو عقد المحل للمحرم امرأة و دخل الزوج بها، و كان العاقد

و الزوج عالمين بحرمة العقد في هذا الحال، فعلى كل منهما كفارة بدنة (1)، و كذلك على المرأة إذا كانت عالمة بالحال، و إن لم تكن محرمة. (1) إذا عقد المحرم نكاحاً أو تزوج فعل حراماً كما مرّ و لكن لم يقم دليل على ثبوت الكفارة عليه نعم إذا عقد المحرم لمحرم آخر نكاح امراة و دخل المحرم بالمعقودة تجب البدنة على العاقد إذا كان عالماً بحرمة نكاح المحرم و تزويجه و كذا تجب الكفارة مع الدخول إذا كان العاقد محلّا يعلم بحرمة تزويجه المحرم على الأظهر و يشهد لذلك موثقة سماعة بن مهران قال لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرماً و هو يعلم أن لا يحل له قلت فإن فعل فدخل بها المحرم فقال إن كانا عالمين فإن على كل واحد منها بدنة و على المرأة إن كانت محرمة بدنة و إن لم تكن محرمة فلا شي ء عليها إلّا أن تكون هي علمت أن الذي تزوجها محرم فإن كانت علمت ثمّ تزوجت فعليها بدنة «1» و الرواية معتبرة سنداً و تامة دلالة فلا مجال لتوقف المحقق و العلامة و بعض آخر في الحكم على المحلّ العاقد بأن عليه بدنة و يستفاد من الموثقة حكم ما إذا كان العاقد أيضاً محرماً بالفحوى نعم لا مجال للفحوى إذا كان المحرم عاقداً لنفسه و دخل بالمعقودة فإن عليه كفارة الدخول فقط مع علمه بحرمة عقده سواء كان عالماً ببطلان النكاح أو جاهلًا به.

[ (مسألة 16): المشهور حرمة حضور المحرم مجلس العقد و الشهادة عليه

(مسألة 16): المشهور حرمة حضور المحرم مجلس العقد و الشهادة عليه (1) و هو الأحوط، و ذهب بعضهم إلى حرمة أداء الشهادة على العقد السابق أيضاً، و لكن دليله غير ظاهر.

[ (مسألة 17): الأحوط أن لا يتعرض المحرم لخطبة النساء]

(مسألة 17): الأحوط أن لا يتعرض المحرم لخطبة النساء (2)، نعم لا بأس بالرجوع (1) المعروف عند الأصحاب حرمة حضور المحرم عقد النكاح لتحمل الشهادة و عند جماعة حرمة شهادته على النكاح حتى فيما تحمل الشهادة قبل إحرامه و يستدل عليه بمرسلة ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد فإن نكح فنكاحه باطل «1» و مرسلة ابن أبي شجرة عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في المحرم يشهد على نكاح محلين قال لا يشهد) «2» و لضعف سندها بالإرسال و غيره لا يمكن الاعتماد عليها و عمل الأصحاب لكونهما موافقاً للاحتياط لا يقتضي اعتبارهما مع أنهما لا تعمان اقامة المحرم شهادته على النكاح الذي تحملها قبل إحرامه بل مقتضى عموم النهي عن كتمان الشهادة وجوب أدائها إذا دعي إليها. (2) الروايات الواردة في المقام ناهية تزوج المحرم و تزويجه و التعرض لخطبة النساء لا يكون من التزوج و التزويج و لكن في مرسلة ابن فضال المتقدمة التي رواها في الكافي أيضاً و لا يخطب و عليه يكون ذلك وجه الاحتياط المذكور في المتن نعم لا بأس للمحرم الرجوع إلى المطلقة فإن الرجوع ليس بنكاح كما يجوز له الطلاق

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 273

إلى المطلّقة الرجعية و بشراء الإماء، و إن كان شراءها بقصد الاستمتاع و الأحوط أن لا يقصد بشرائه الاستمتاع حال الإحرام، و

الأظهر جواز تحليل أمنه، و كذا قبوله التحليل.

[8 استعمال الطيب
اشارة

8 استعمال الطيب

[ (مسألة 1): يحرم على المحرم استعمال الزعفران و العود]

(مسألة 1): يحرم على المحرم استعمال الزعفران و العود و المسك الورس و العنبر (1) و في صحيحة أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول المحرم يطلق و لا يتزوج «1» و كذا الحال في شراء الأمة و في صحيحة سعد بن سعد الأشعري القمي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يشتري الجواري و يبيعها قال نعم «2». (1) لا يجوز للمحرم استعمال الطيب شماً و أكلًا و دلكاً و كذا لبس ما يكون فيه اثر الطيب بلا خلاف في الجملة و اختلفوا فيما يحرم من الطيب فهل الحرام جميع أنواعه كما عن المفيد و السيد و الشيخ في موضع من المبسوط و ابن إدريس و المحقق و جمع آخر من المتأخرين أو أن الحرام منه خصوص الزعفران و المسك و العنبر و الورس كما عن الصدوق و الشيخ (قدس سرهما) في التهذيب أو بإضافة العود و الكافور كما عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة أو بإسقاط الورس و حصر الحرام على خمسة كما في المهذب و غيره و لكن الذي ينبغي أن يقال حصر الحرام على المسك و العنبر و الزعفران و الورس و العود و الوجه في ذلك أن مقتضى بعض الروايات و إن كانت حرمة جميع الطيب كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تمس شيئاً من الطيب و لا من الدهن في إحرامك و اتق الطيب في طعامك و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2،

ص: 274

.......... طيبة «1» إلّا أنه لا بد من رفع اليد عن ظهور النهي في مثله في التحريم بالإضافة إلى غير الخمسة التي ذكرناها بقرنية صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تمس شيئاً من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليها من الريح المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة و اتق الطيب في زادك فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع و إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلّا المضطر إلى الزيت و شبهه يتداوى به «2» و صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الطيب المسك و العنبر و الزعفران و الورس «3» و مقتضى الجمع بين الصحيحتين الأخيرتين تقييد إطلاق كل منهما بما ورد في الأخرى فيكون الحرام هو الأربعة في الصحيحة الأولى بإضافة العود و أما الكافور فلم يرد فيه نصّ على حرمته على المحرم نعم ورد في المحرم إذا مات يُترك حنوطه بالكافور و عدم مسّه بطيب و يقال إذا كان الكافور حراماً على المحرم الميت فالمحرم الحي أولى بالحرمة و في الاستدلال نظر كما لا يخفى لبطلان إحرام الميت بموته كما هو مقتضى كون كل من العمرة و الحج عملًا ارتباطياً فيكون الحكم بعدم مسّه بطيب و كذا ترك حنوطه حكماً تعبدياً لا يجري على الحي في مقابل ما تقدم من الروايات المفسرة للطيب ثمّ إن النهي يعم كلا من الأكل و الشم و الدلك أو حتى

لبس ثوب فيه أثرها فإنه نوع مس للطيب و استعماله بل الأحوط أن يجنبه من فراشه أيضاً و إن يتأمل في عموم النهي.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 275

بالشم الدلك و الأكل، و كذلك لبس ما يكون عليه أثر منها (1)، و الأحوط الأولى الاجتناب عن كل طيب. (1) فإن لبس الثوب المفروض يكون من مس الطيب و استعماله بل مقتضى ما ورد في إزالة أثر الطيب من الثوب عدم جواز لبسه للمحرم و يشهد لوجوب الإزالة صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رجل مس الطيب ناسياً و هو محرم قال يغسل يده و يلبي «1» و صحيحة حماد بن عثمان قال قالت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني جعلت ثوبي إحرامي مع أثواب قد جمرت فأخذ من ريحها قال فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها «2» و ظاهر هذه لزوم الإزالة حتى في الأثر و لو كان ذلك بالمجاورة لا الإصابة و حتى لو كان ذلك قبل الإحرام و هل يجوز الإزالة بالغسل بيده كما صرح به الشيخ في التهذيب و العلامة في التحرير و المنتهى أو يجب غسله بالآلة أو أن يأمر المحلّ بغسله كما عن الشهيد في الدروس الأظهر الجواز فإن غسله بيده إزالة أثر الطيب من ثوبه أو بدنه كما يدل عليه الصحيحة الأولى و لا يعد من استعمال الطيب و مسه نعم لو كان الطيب بعينه باقياً في الثوب بحيث يتأثر يده بذلك الطيب ففي جواز غسله باليد اشكال.

و ما في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المحرم يصيب ثوبه الطيب قال لا بأس بأن

يغسله بيده نفسه «3» و في مرسلته الأخرى عن أحدهما (عليهما السلام) في محرم اصابه طيب فقال لا بأس أن يمسحه بيده أو يغسله «4» و أن كان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 276

..........

[ (مسألة 2): لا بأس بأكل الفواكه الطيبة الرائحة عند الإحرام و حال الإحرام

(مسألة 2): لا بأس بأكل الفواكه الطيبة الرائحة عند الإحرام و حال الإحرام (1) كالتفاح و السفرجل، و لكن الأولى أن يمسك عن شمها حين الأكل. ظاهرهما الجواز حتى في فرض الانتقال و السراية و لكن إرسالهما يمنع عن الالتزام بالجواز. (1) لا بأس للمحرم أن يأكل الفواكه الطيبة الرائحة كالتفاح و السفرجل و نحوهما و عن ظاهر الشيخ (قدس سره) في التهذيب وجوب الإمساك على أنفه عند الأكل و استدل عليه بصحيحة علي بن مهزيار قال سألت ابن أبي عمير عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه قال تمسك عن شمه و تأكله «1» و في مرسلة ابن عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه قال يمسك على شمه و يأكله «2» و لكن الرواية الأولى حكاية قول ابن أبي عمير لا الإمام (عليه السلام) مضافاً إلى أن ظاهرها ترك الشم لا الإمساك على أنفه و الثانية مرسلة و دعوى كون مراسيل ابن أبي عمير كمسنداته في الاعتبار قد تكلمنا في ذلك مراراً و قلنا إن الأمر ليس كذلك خصوصاً مع عدم عمل المشهور كما في المقام بل في موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يأكل الأترج قال نعم قلت له رائحة طيبة قال اترج طعام ليس هو من الطيب «3»

و لكن دلالتها على عدم وجوب الإمساك عن شمه بالإطلاق المقامي و لو قيل بأن ما ورد في صحيحة معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم

[ (مسألة 3): لا يجب على المحرم أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة حال سعيه بين الصفاء و المروة]

(مسألة 3): لا يجب على المحرم أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة حال سعيه بين الصفاء و المروة (1) إذا كان هناك من يبيع العطور، و لكن الأحوط لزوماً أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة في غير هذا الحال، و لا بأس بشم خلوق الكعبة و هو نوع خاص من العطر. أن يتلذذ بريح طيبة «1» يقتضي الإمساك عن شم ما ذكرنا قلنا إذا جاز استعمال الطيب من غير الأنواع الخمسة المتقدمة مع عدم انفكاك استعمالها عن شم رائحتها و جاز شم الرياحين التي لها ريح طيبة جاز شم الفواكه المذكورة أيضاً نعم لا بأس بالالتزام باستحباب الإمساك عن شمها عند الأكل. (1) لا يجب على المحرم الإمساك على أنفه من الرائحة الطيبة حال سعيه بين الصفا و المروة و كذا لا يجب عليه الإمساك عليه من خلوق الكعبة و هو عطر خاص و لا بأس بما يصيب ثيابه منه فلا يجب عليه إزالته و يشهد بما ذكر صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على أنفه «2» و صحيحة عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم قال لا بأس و لا يغسله فإنه طهور «3» و صحيحة

يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة قال لا يضره و لا يغسله «4» و موثقة سماعة المروية في الفقيه أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال لا بأس به

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 278

.......... و هو طهور فلا تتقه أن تصيبك «1» و لا يخفى أن الخلوق عطر خاص يصنع من الزعفران و غيره من أنواع الطيب كان في السابق يطلى به البيت فلا يجب الإمساك على الأنف منه و لا غسله عن الثوب و البدن إذا أصابهما كما نطقت به الروايات كما تقدم و يرفع اليد بها عن إطلاق ما ورد في بعض الروايات لا تمس شيئاً فيه زعفران و ما ذكر في خلوق الكعبة يجري على خلوق القبر أيضاً و في صحيحة حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام قال لا بأس بهما فإنهما طهوران «2» و الأحوط لو لم يكن أظهر الاقتصار على إصابة الثوب و البدن من طلي الكعبة و القبر و يؤخذ في غيره بالإطلاق.

ثمّ أنه يكره للمحرم شم الريحان على الأظهر و هو كل نبات له رائحة طيبة كما هو معناه لغة لا خصوص مقابل النعناع و نحوه مما ينبته الآدمي بزرع بذره و عن المفيد و العلامة حرمة ذلك و يستدل عليها بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تمس ريحاناً و أنت محرم و لا شيئاً فيه زعفران و لا تطعم طعاماً فيه زعفران

«3» و بصحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يمس المحرم شيئاً من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه من الطعام «4» و في مقابل ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا بأس أن تشم

[ (مسألة 4): إذا استعمل المحرم حال إحرامه الطيب المحرم عليه عالماً عامداً بحرمته

(مسألة 4): إذا استعمل المحرم حال إحرامه الطيب المحرم عليه عالماً عامداً بحرمته فعليه دم شاة، و لو كان الاستعمال بغير الأكل على الأحوط (1). الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيح و أشباهه و أنت محرم) «1» و مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدم حمل النهي فيما تقدم على الكراهة و ما قيل من كون الجمع كذلك مقتضاه استعمال النهي في مثل صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في النهي عن مس الزعفران و الريحان في معنيين الحرمة و الكراهة لا يمكن المساعدة عليه و ذلك لما تقرر في محله من أن الكراهة و الحرمة تنتزعان من عدم ثبوت الترخيص في الخلاف و ثبوته و شي ء منهما غير مأخوذ في المستعمل فيه النهي و ذكر في المدارك أن ما تقدم يشمل كل نبات له رائحة طيبة سواء كان من نبات الصحراء أو ما ينبته الآدمي و صحيحة معاوية بن عمار خاصة بما تنبته الصحراء كما هو الحال في الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيح فيجمع بينهما و بين ما تقدم بتقييد الأولى بالثانية، فتختص الحرمة بالريحان الذي ينبته الآدمي و هذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه لأن قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار و أشباهه ظاهره المشابهة في الرائحة الطيبة لا النبات في

الصحراء مع أن ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان و كذا ظاهر صحيحة حريز حرمة مس الريحان كالطيب الحرام و لا يحضرني الآن القول بذلك من أحد من أصحابنا. (1) على المشهور بل عن المنتهي دعوى الإجماع عليه و يشهد لذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم و أن كان ناسياً فلا شي ء عليه فليستغفر الله «2» و الصحيحة واردة في الأكل إلّا أنه يستفاد منها

[ (مسألة 5): الأحوط وجوباً على المحرم أن لا يمسك على أنفه من الرائحة الكريهة]

(مسألة 5): الأحوط وجوباً على المحرم أن لا يمسك على أنفه (1) من الرائحة الكريهة نعم لا بأس بالإسراع في المشي للتخلّص من ذلك. بضميمة النهي عن استعمال الطيب أن الأكل مثال لاستعمال الطيب المحرم و لكن هذا لا يخلو عن تأمل و أما ما في صحيحة حريز المتقدمة من قوله (عليه السلام) لا تمس شيئاً من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه فيحمل على الاستحباب في غير الطيب الحرام و فيه يؤخذ بما في صحيحة زرارة بناءً على ظهور ما في صحيحة حريز من كفارة الأكل كما لا يبعد بقرينة قوله (عليه السلام) بقدر ما صنع بقدر شبعه و أما الاستدلال على كفارة استعمال الطيب أكلًا كان أو غيره بصحيحة معاوية بن عمار في محرم كانت به قرحة فداؤها بدهن بنفسج قال أن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين و إن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه «1» ففيه انه يرتبط بالطيب بل راجع بالتدهين. (1) المحكي عن الشهيد في الدروس عدم جواز قبض المحرم على أنفه من الرائحة الكريهة و كذا عن بعض

الأصحاب و يستدل على ذلك بالروايات الواردة فيها أن المحرم يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة و لا يمسك عليه من الريح المنتنة كصحيحة الحلبي و محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة و لا يمسك على أنفه من الريح الخبيثة «2» على رواية الفقيه و من الريح المنتنة على رواية الكليني و نحوها غيرها و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) لا تمس شيئاً من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن و أمسك على أنفك من الريح الطيبة و لا تمسك عليها من الريح المنتنة فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح

[9 لبس المخيط]
اشارة

9 لبس المخيط

[ (مسألة 1): يحرم على المحرم أن يلبس القميص، و القباء و السراول و الثوب المزرور مع شد أزراره

(مسألة 1): يحرم على المحرم أن يلبس القميص (1)، و القباء و السراول و الثوب المزرور مع شد أزراره و الدرع و كل ثوب يمكن أن تدخل فيه اليدان، و الأحوط الاجتناب عن كل ثوب مخيط، بل الأحوط الاجتناب عن كل ثوب يشابه الخيط كالملبد الذي يستعمله طيبة و اتق الطيب في زادك فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بقدر ما صنع و إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك، و العنبر، و الورس، و الزعفران «1»، الحديث فإن صدر الصحيحة دالة على النهي عن مس جميع الطيب أكلًا و شمّاً و دلكاً و لكن حصر الحرام في ذيلها على الأربعة قرينة على أن النهي بالإضافة إلى غير الأربعة بنحو الكراهة و الأمر بالتصدق باعتبار ما يكره من الطيب فذكر النهي على الأنف من الرائحة الكريهة في سياق المكروه و إثبات كفارته عليها لعله قرينة على كراهتها أيضاً و لذا عبرنا بالاحتياط و الإمساك على الأنف غير صادق على المشي سريعاً للتخلص منها كما لا يخفى. (1) لا يجوز على الرجل المحرم لبس القميص و القباء و السروال و الثوب المزرور بشد أزراره و الدرع و كل ثوب يمكن أن تدخل فيه اليدان بلا خلاف يعرف بل دعوى الإجماع على عدم جواز لبس كل مخيط من الثياب و أرسل ذلك بعض الأصحاب إرسال المسلمات و الحق بعض آخر بالمخيط ما أشبهه كالملبد الذي يستعمله الرعاة و لعل منشأ دعوى الإجماع بالإضافة إلى كل مخيط استفاده ذلك مما ورد فيه النهي عن لبسه من الثياب في الروايات و أنها مصاديق المخيط قد ذكرت من باب الغلبة في استعمالها و

لكن في الاستفادة ما لا يخفى بل في دعوى الإجماع أيضاً ما لا يخفى كما ظهر ذلك بالمراجعة إلى كلمات الأصحاب و يستدل على ذلك

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 282

.......... بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تلبس ثوباً له أزرار و أنت محرم إلّا أن تنكسه و لا ثوباً تدرعه و لا سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار و لا خفين إلّا أن لا يكون لك نعلين «1» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا اضطر المحرم إلى القباء و لم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً و لا يدخل يديه في يدي القباء «2» و ظاهر هذه عدم جواز لبس القباء بنحو المتعارف حتى عند الاضطرار و مثلها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين و إن لم يكن له رداء طرح قميصه على عاتقه أو قباء بعد أن ينكسه «3».

و في صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور قال: نعم و في كتاب علي (عليه السلام) لا يلبس طيلسان حتى ينزع أزراره فحدثني أبي إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه «4» و نحوها صحيحة الحلبي و فيها و قال إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل و أما الفقيه فلا بأس أن يلبسه «5» و لذا قيدنا في المتن لا يجوز الثوب المزرور مع شد أزراره و على ذلك يحمل ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تلبس ثوباً له

أزرار و أنت محرم إلّا أن تنكسه «6» و في صحيحته الأخرى إذا لبست قميصاً

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 283

الرعاة و يستثنى من ذلك الهميان (1)، و هو ما يوضع فيه النقود للاحتفاظ بها و يشدّ على الظهر أو المتن فإن لبسه جائز، و إن كان من المخيط و كذلك بالتحزم بالحزام المخيط الذي يستعمله المبتلى بالفتق لمنع نزول الأمعاء في الأنثيين، و يجوز للمحرم أن يغطّي بدنه ما عدا الرأس باللحاف و نحوه من المخيط حالة الاضطجاع للنوم و غيره. و أنت محرم فشقه و أخرجه من تحت قدميك «1» إلى غير ذلك من الروايات التي لا يتيسر استفادة حرمة لبس المخيط منها على الإطلاق بل في صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عما يكره للمحرم أن يلبسه فقال يلبس كل ثوب ثوباً يتدرعه «2» و أما الروايات الواردة في الإحرام من الأمر بنزع الثياب و لبس ثوبي الإحرام فيكون المراد من الثياب فيها ما تقدم في عدم جواز لبسها حيث ورد الترخيص في لبس غيرها كما هو ظاهر صحيحة زرارة المقيد إطلاقها ببعض ما تقدم من النهي عن لبس السراويل و الثوب المزرور و القباء و نحوها. (1) و في صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه قال نعم و يلبس المنطقة و الهميان «3» و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المحرم يشد العمامة على بطنه قال لا ثمّ قال كان أبي يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها فإنها من تمام حجه «4» إلى غير ذلك و ما في

صدر صحيحة أبي بصير من المنع عن شد العمامة على بطنه يحمل على الكراهة أو المنع إذا رفعها إلى صدره بشهادة صحيحة عمران الحلبي المروية في الفقيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم يشد على بطنه العمامة و إن شاء يعصبها على موضع الإزار و لا يرفعها إلى صدره «5» و مما ذكر يظهر وجه جواز الحزام.

ثمّ أنه يجب على ولي الطفل تجريده عما لا يجوز لبسه للرجل المحرم من الثياب كما يشهد لذلك كصحيحة زرارة عن أحدهما (عليه السلام) قال إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبي و يفرض الحج فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه و يطاف به و يصلي عنه إلى أن قال و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و إن قتل صيداً فعلى أبيه «6» نعم قد تقدم آنفاً جواز تأخير تجريدهم من ثيابهم إلى الفخ.

[ (مسألة 2): الأحوط أن لا يعقد الإزار في عنقه

(مسألة 2): الأحوط أن لا يعقد الإزار في عنقه (1)، بل لا يعقده مطلقاً، و لو بعضه ببعض و لا يغرزه بإبرة و نحوها، و الأحوط أن لا يعقد الرداء أيضاً و لا بأس بغرزه بإبرة و أمثالها. (1) المنسوب إلى المشهور جواز عقد إزاره في عنقه و لكن في صحيحة سعد الأعرج المروية في الفقيه أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يعقد إزاره في عنقه قال «1»: لا و في صحيحة علي بن جعفر التي رواها في الوسائل عن كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده «2» و حيث لا

يحتمل أن يكون السؤال فيهما راجعاً إلى وجوب العقد يتعين أن يكون راجعاً إلى الجواز و عدم المحذور الشرعي و ظاهر النفي أو النهي عدم جوازه و أيضاً بما أن عقده يكون على الرقبة فيما إذا كان الإزار وسيعاً عريضاً يحتمل أنّ يكون ذكر الرقبة من جهة الغلبة و أن المنهي عنه مطلق عقده و لذا يكون رعاية فتوى المشهور بالجواز و الكراهة و رعاية الاحتمال في ذكر الرقبة هو التعبير عن تركه في العنق بل مطلق بالاحتياط و ربما يقال إنّ المراد بالإزار هو الرداء لا المئزر كما هو الحال في قطعات الكفن حيث يعبر عن الرداء بالإزار يكون الاحتياط ترك عقد الرداء أيضاً و هذا الاحتمال و أن كان ضعيفاً في المقام لذكر الإزار في مقام الرداء في ثوبي الإحرام إلّا أنه لا يمنع من حسن الاحتياط هذا بالإضافة إلى العقد و أما بالإضافة إلى غرزة بإبرة و نحوها فلورود النهي عن ذلك في رواية الاحتجاج فهي و أن كانت ضعيفة سنداً و لكنها لا تمنع عن الاحتياط المذكور.

[ (مسألة 3): يجوز للنساء لبس المخيط مطلقاً عدا القفازين

(مسألة 3): يجوز للنساء لبس المخيط مطلقاً عدا القفازين (1)، و هو لباس خاص يلبس لليدين.

[ (مسألة 4): إذا لبس المحرم متعمداً شيئاً ممّا حرم لبسه عليه فكفارته شاة]

(مسألة 4): إذا لبس المحرم متعمداً شيئاً ممّا حرم لبسه عليه فكفارته شاة (2)، و الأحوط لزوم الكفارة عليه و لو كان لبسه للاضطرار. (1) يجوز للنساء لبس المخيط مطلقاً كما عليه المشهور بل قيل إن المخالف في المسألة هو الشيخ (قدس سره) في النهاية قد رجع عنه و كيف كان فيدلّ على الجواز روايات كصحيحة عيص بن القاسم قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفاز «1» و قد تقدم في مسائل ثوبي الإحرام عدم جواز لبس المرأة الحرير الخالص ما دامت محرمة و كذا لا يجوز لها لبس القفازين للصحيحة و غيرها و هما ثوبان تلبسهما المرأة في يديها و ليس في البين ما يوجب رفع اليد عن ظاهر النهي في التحريم و الالتزام بالكراهة. (2) إذا لبس المحرم ما لا يجوز له من الثياب فكفارته شاة بلا خلاف معروف و في

[10 الاكتحال
اشارة

10 الاكتحال

[ (مسألة 1): الاكتحال على صور]

(مسألة 1): الاكتحال (1) على صور: المنتهي عليه الإجماع و يدلّ على ذلك صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلًا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم شاة «1» و مقتضاها ثبوت الكفارة سواء كان مع العلم و العمد مضطراً أو لا و دعوى الانصراف إلى صورة الاختيار و حكومة حديث رفع الاضطرار لا تفيد لصحيحة محمد بن مسلم الواردة في الحاجة و تتعدد الكفارة بتكرار اللبس في إحرامه كما هو ظاهر الصحيحة في كون الحكم انحلالياً و تتعدد بتعدد صنف الثوب أيضاً بشهادة صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها قال عليه لكل صنف فداء «2» نعم بما أن الاضطرار أخص من الحاجة فالحكم أي ثبوت الكفارة في الاضطرار بالمعنى الأخص مبني على الاحتياط لحكومة رفع الاضطرار المشار إليه خصوصاً إذا كان اللبس بقلب الثياب و إثباتها بقوله سبحانه فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ بتقريب أن المراد بالنسك دم شاة و فيه الآية واردة في المحصور و أنه إذا صعب عليه الانتظار حتى يبلغ الهدى محله يكون له التعجيل بالإحلال بالفداء و المقام لا يرتبط بالمحصور. (1) لا يجوز الاكتحال بالأسود على المحرم عند المشهور سواء كان بقصد الزينة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 287

الأولى: أن يكون بكحل أسود مع

قصد الزينة و هذا حرام على المحرم قطعاً، و تلزمه كفارة شاة على الأحوط الأولى، الثانية أن يكون بكحل أسود مع عدم قصد الزينة الثالثة: أن يكون بكحل غير أسود مع قصد الزينة، و الأحوط الاجتناب في هاتين الصورتين، كما أنّ الأحوط الأولى التكفير فيهما، و الرابعة: الاكتحال بكحل غير أسود، و لا يقصد به الزينة و لا بأس به و لا كفارة عليه. أو بدونه إلّا مع الحاجة إليه للتداوي فيجوز و لكن يعتبر أن لا يكون فيه طيب و أما الروايات الواردة في المقام فهي على طوائف الأولى ما دل على الترخيص في الاكتحال للمحرم بما لم يكن فيه طيب إذا لم يكن للزينة و أما إذا كان الغرض و القصد الزينة فلا يجوز و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الكحل الأسود و غيره كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأمّا للزينة فلا «1» و فيما رواه الكليني (قدس سره) عنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يكتحل المحرم إلّا من وجع و قال لا بأس بأن تكتحل و أنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأمّا للزينة فلا «2».

و الطائفة الثانية دالة على أنّ الكحل الأسود الاكتحال به في نفسه زينة و لو لم يكن فيه طيب فلا يجوز ذلك على المحرم إلّا من علّة كصحيحة الحلبي المروية في العلل قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تكحل و هي محرمة قال لا تكتحل قلت بسواد ليس فيه طيب فكرهه من أجل أنه زينة و قال إذا

اضطرت إليه فلتكتحل «3» و صحيحة حريز

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 288

.......... عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد أن السواد زينة «1» و لا يخفى أن بين هذه الطائفة و الطائفة الاولى جمع عرفي حيث إنّ مدلول الطائفة الاولى أن الاكتحال للزينة غير جائز على المحرم و مدلول الثانية أن الاكتحال بالأسود يحسب زينة فلا يجوز إلّا مع الاضطرار و عدم كونه مشتملًا على الطيب كما هو المستفاد من صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار عنه (عليه السلام) قال: لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلّا من علّة «2» و لو لم يكن في البين إلّا الطائفة الأولى و هذه الصحيحة كان مقتضى الجمع بينها و بين هذه الالتزام بحرمة الاكتحال للزينة و حرمة الاكتحال بالأسود إلّا عند الاضطرار الظاهر في الحاجة كالتداوي و لكن في البين صحيحة زرارة و مدلولها عدم البأس بالاكتحال للمحرم إلّا بالكحل الأسود للزينة قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) تكتحل المرأة بالكحل كلّه إلّا الكحل الأسود للزينة «3» و مقتضاها كما ذكرنا جواز الاكتحال بكل كحل إلّا بالأسود للزينة فيكون العموم قرينة على حمل النهي عن الاكتحال للزينة في الطائفة بالإضافة إلى غير الأسود على الكراهة و كذا النهي عن الاكتحال بالأسود و لو لم تكن بقصد الزينة كما هو ظاهر الطائفة الثانية و لذا ذكرنا في المتن أن الاكتحال بالأسود للزينة حرام و بالأسود لغير الزينة أو بغير الأسود للزينة مورد احتياط و لا بأس بغير الأسود إذا لم يكن للزينة، و الله العالم.

ثمّ إنّ كفارة الاكتحال على ما قيل شاة و لكن لم يقم عليه دليل

نعم ربما يتمسك فيه برواية علي بن جعفر كل شي ء جرحت من حجك فعليك دم «4».

[11 النظر في المرآة]
اشارة

11 النظر في المرآة

[ (مسألة 1): يحرم على المحرم النظر في المرآة للزينة]

(مسألة 1): يحرم على المحرم النظر في المرآة للزينة (1)، و كفارته شاة على الأحوط الأولى، و أمّا إذا كان النظر فيها لغرض آخر غير الزينة كنظر السائق فيها لرؤية ما خلفه من السيارات فلا بأس به، و يستحب لمن نظر فيها للزينة تجديد التلبية، و أمّا لبس النظارة فلا بأس به للرجل و المرأة إذا لم يكن للزينة و الأولى الاجتناب عنه و هذا الحكم لا يجري في سائر الأجسام الشفافة فلا بأس بالنظر في الماء الصافي أو الأجسام الصيقلية الأخرى. (1) لا يجوز للمحرم النظر في المرآة كما عن الصدوق و الشيخ و الحلبي بل هذا منسوب إلى الأكثر كما في الجواهر و في الشرائع أنه أشهر و عن جماعة منهم السيد في الجمل و العقود و ابن حمزة في الوسيلة المحقق في النافع أنه مكروه و يشهد للحرمة صحيحة حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تنظر في المرأة و أنت محرم فإنه من الزينة «1» و نحوها صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) «2» و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين أن يكون النظر فيها للزينة أو شي ء آخر و لكن في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة «3» و في صحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) لا ينظر المحرم في المرآة لزينة فإن نظر فليلب «4» و لا موجب لرفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة بحمله على الكراهة نعم ما في الأخيرة من الأمر بالتلبية محمول على

[12 لبس الخف و الجورب
اشارة

12 لبس الخف و الجورب

[ (مسألة 1): يحرم على الرجل المحرم لبس الخف و الجورب

(مسألة 1): يحرم على الرجل المحرم لبس الخف و الجورب (1) و كفارة ذلك شاة على الأحوط، و لا بأس بلبسهما للنساء، و الأحوط الاجتناب عن لبس كل ما يستر تمام ظهر القدم، و إذا لم تيسر للمحرم نعل أو شبهه و دعت الضرورة إلى لبس الخف، فالأحوط الأولى خرقة من المقدم، و لا بأس بستر تمام ظهر القدم من دون لبس. الاستحباب لعدم بطلان الإحرام بارتكاب محظوراته و تقييد النظر في الأخيرتين بقوله (عليه السلام) للزينة مقتضاه رفع اليد عن الإطلاق في الأولتين بحملهما على أن الغرض يكون زينة كما هو ظاهر التقييد بأن للغاية دخلًا في متعلق النهي و أما النظر في الماء الصافي و سائر الأجسام الشفافة فلا بأس به حتى فيما كان بداع الزينة فإن تعليله (عليه السلام) المنع عن النظر في المرآة يكون النظر فيها زينة لا بد من حمله على التعبد بنحو الحكومة و إلّا فالنظر فيها لا تكون زينة حقيقة حتى يتعدى إلى كل ما يكون كالمرآة نعم التزين أمر آخر يأتي الكلام فيه و لا يعم النظر في المرآة فضلًا عن النظر في مثلها.

ثمّ إن الحال في كفارة النظر في المرآة كما تقدم في كفارة الاكتحال. (1) المعروف أنه لا يجوز للمحرم لبس الخفين و الجوربين بل ظاهر غير واحد على ما حكى عنهم عدم جواز لبس كل ما يستر ظهر القدم و أن لم يكن من الجورب و الخف و يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار في حديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و لا تلبس سراويل إلّا أن يكون لك إزار و لا خفين إلّا أن يكون لك

نعلان «1» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و أي محرم هلكت نعلاه و لم يكن له نعلان فله أن يلبس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 291

.......... الخفين إذا اضطر إلى ذلك و الجوربين يلبسها إذا اضطر إلى لبسهما «1» و صحيحة رفاعة بن موسى أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلبس الجوربين قال نعم و الخفين إذا اضطر إليهما «2» و الاضطرار قيد للخفين و الجوربين معاً بقرينة ما تقدم و لا يبعد اختصاص هذا الحكم للرجال فيجوز للنساء لبس الجوربين و الخفين و دعوى أن المراد بالمحرم الجنس و قاعدة الاشتراك التي لا يرفع اليد عنها إلّا بالدليل لا يمكن المساعدة عليه لعدم جريان قاعدته في محرمات الإحرام الذي يختلف بها الرجال و النساء و إرادة جنس الذكر المحرم محرز و أما بحيث يعم النساء أيضاً غير ظاهر و لذا ذكرنا جواز لبسها للنساء بل استثناء القفازين و الحرير المبهم عما يحرم على المرأة المحرمة مقتضاه جواز لبسها الجوربين كما في صحيحة عيص بن القاسم قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين «3» حيث إنّ الجوربين لباس الرجلين كما أن القفازين لباس اليدين و لو قيل بأن صدق اللبس لا يستلزم صدق الثوب على الملبوس لتم الاستدلال أيضاً فإن ذكر القفازين و عدم ذكر الجوربين مقتضاه جواز الجوربين و أن لم يصدق عليهما عنوان الثوب و لذا ذكران الكفارة في لبس الجوربين و الخفين على الرجل بالشاة احتياط لأن الموضوع للكفارة هو لبس الثوب كما تقدم في صحيحة زرارة بن أعين قال

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لا ينبغي له أو أكل طعاماً

[13 الكذب و السبّ
اشارة

13 الكذب و السب

[ (مسألة 1): الكذب و السبّ محرمان في جميع الأحوال

(مسألة 1): الكذب و السبّ محرمان في جميع الأحوال، و لكن حرمتهما مؤكّدة حال الإحرام (1)، و المراد بالفسوق في قوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ)

لا ينبغي له أكله و هو محرم فعل ذلك ناسياً أو جاهلًا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه دم شاة «1» و على الجملة لا يجوز للمحرم لبس الجورب و الخف و أن لم يكن ساتراً لتمام ظهر قدميه و التعدي إلى ما يستر تمام ظهر القدم مما يكون شبيهاً بالجورب و الخف مع ستر تمامه احتياط و أما التعدي إلى ما لا يكون شبيهاً و لا يصدق عليه اللبس كما إذا كان ظاهر القدم تحت اللحاف أو الغطاء فلا ينبغي التأمل في جوازه كستره عند الجلوس بطرف إزاره.

ثمّ إنه إذا اضطر إلى لبس الخفين هل يجب خرقه من مقدمه كما التزم بذلك جماعة أو لا فقد ورد في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر على نعلين قال له أن يلبس الخفين أن اضطر إلى ذلك فيشق عن ظهر القدم «2» الحديث و روى الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم علن أبي جعفر (عليه السلام) في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال نعم لكن يشق ظهر القدم «3» و الروايتان ضعيفتان سنداً لأن في سند الاولى علي بن أبي حمزة و طريق الصدوق إلى محمد بن مسلم ضعيف. (1) يحرم على المحرم الفسوق و الأصل فيه قوله سبحانه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 293

هو الكذب و السبّ، و أمّا التفاخر و هو

إظهار الفخر من حيث الحسب و النسب، فهو على قسمين: الأول: أن يكون ذلك لإثبات فضيلة لنفسه مع استلزام الحط من شأن الآخرين و هذا محرم في نفسه، و الثاني: أن يكون ذلك لإثبات فضيلة لنفسه من دون أن يستلزم إهانة للغير و حطاً من كرامته و هذا لا بأس به عند الإحرام أو غيره. فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و حيث إنّ الفسوق في نفسه أمر محرم في جميع الأحوال بلا فرق بين الرجل و المرأة يكون النهي عنه بعد إحرام الحج أو العمرة لحصول ملاك آخر مبغوض يوجب تأكد حرمته وقع الخلاف في المراد منه و المحكي عن الصدوق و المفيد و الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن إدريس و المحقق أنه الكذب و عن السيد المرتضى و ابن الجنيد و جمع آخر أنه الكذب و السباب و عن الجمل و العقود أنه الكذب على الله و الحق به بعضهم الكذب على رسوله و الأئمة (عليهم السلام) و لكن تخصيص الكذب بما ذكر لا وجه له و في بعض الروايات فسّر الفسوق بالكذبة كما في خبر زيد الشحام المروي في معاني الأخبار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرفث و الفسوق و الجدال قال أما الرفث فالجماع و أما الفسوق فهو الكذب إلّا تسمع لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ و الجدال هو قول الرجل لا و الله بلى و الله سباب الرجل الرجل «1» و دلالتها على اختصاص الفسوق بالكذب بالإطلاق و على تقدير تمامية السند فيها أو في مثلها يرفع

اليد عن الإطلاق بصحيحة معاوية بن عمار الدالة على أن الفسوق هو الكذب و السباب قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أحرمت فعليك بتقوى الله و ذكر الله و قلة الكلام إلّا بخير فإن تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه إلّا من خير كما قال الله عزّ و جل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 294

.......... فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب الجدال قول الرجل لا و الله بلى و الله «1» و في صحيحة علي بن جعفر قال سألت أخي موسى (عليه السلام) عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو و ما على من فعله فقال الرفث جماع النساء و الفسوق الكذب و المفاخرة و الجدال قول الرجل و الله بلى و الله «2» و مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و سابقتها هو رفع اليد عن إطلاق كل منهما بالإضافة إلى المذكور في الأخرى فتكون النتيجة أن الفسوق هو الكذب و السباب و المفاخرة و ارجع في المختلف المفاخرة إلى السباب بدعوى أن المفاخرة تتم بذكر فضائل لنفسه و سلبها عن خصمه أو سلب رذائل عن نفسه و إثباتها لخصمه أقول التعبير عن المفاخرة بالفسوق الظاهر في المحرم في نفسه قرينة على أن المراد منها المفاخرة التي في نفسها محرمة و تكون حرمتها عن الإحرام و بعده آكد و لا تكون إثبات الفضائل لنفسه بمجرده محرماً بل فيما كان مستلزماً للإهانة و التنقيص في الآخرين و مع عدم استلزامه ذلك فلا بأس به و لا يعمه الفسوق و تقتضي الروايات عدم الفرق

فيما تقدم بين الحج و العمرة ثمّ أنه لا تجب الكفارة بارتكاب الفسوق بل عليه الاستغفار و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه قال لم يجعل الله له حدّا يستغفر الله و يلبي «3» و لكن في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال و كفارته الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم «4» و في

[14 الجدال
اشارة

14 الجدال

[ (مسألة 1): لا يجوز للمحرم الجدال

(مسألة 1): لا يجوز للمحرم الجدال و هو قول (لا و الله) و (بلى و الله) (1)، و الأحوط ترك الحلف حتى بغير هذه الألفاظ. صحيحة سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) و في السباب و الفسوق بقرة و الرفث فساد الحج «1» و أن لم يمكن الجمع بينهما و بين صحيحة الحلبي بحمل ما في الأخيرين عن الاستحباب تصل النوبة إلى الأصل العملي فمقتضاه عدم ثبوت الكفارة لما تقدم من عدم تمام العموم في أن في كل ما جرحه المحرم في إحرامه فعليه شاة لضعف رواية علي بن جعفر الوارد فيها هذا العموم على أحد الوجهين فيها و ما في الوسائل من الجمع بينها من حمل صحيحة الحلبي على صورة عدم التعمد ففيه أنه لو لم يمنع الأمر بالاستغفار فيها عن هذا الجمع فلا ينبغي التأمل في أنه جمع بلا شاهد. (1) يحرم على المحرم الجدال باتفاق الكلمة من أصحابنا و المخالفين قال عزّ من قائل فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و قد فسروا (عليهم السلام) على ما في الروايات الجدال بقول القائل لا و الله بلى و الله كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و في صحيحته الأخرى قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يقول لا لعمري و هو محرم قال ليس بالجدال أنما الجدال قول الرجل لا و الله بلى و الله و أما قوله لا ها فإنما هو طلب الاسم و قوله يا هناه فلا بأس به و أما قوله لا بل شانيك فإنه من قول الجاهلية «1» و في صحيحة أبي

بصير قال سألته عن المحرم يريدان يعمل العمل فيقول صاحبه و الله لا تعمله فيقول و الله لأعملنه فيخالفه مراراً يلزم الجدال قال لا أنما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 296

.......... أراد بهذا إكرام أخيه أنما كان ذلك ما كان لله عزّ و جل فيه معصية «1» إلى غير ذلك مما يأتي الكلام في بعضها.

ثمّ أنه يقع الكلام في جهات الاولى هل الحكم أي حرمة الجدال يختص بلفظ الجلالة المصدرة بواو القسم أو يعم الحلف بغيرها من الأسماء الحسنى و الصفات المختصة كقوله لا و الذي خلق أو بلى و الذي خلق و كذا قوله لا بالله و بلى بالله مما يكون لفظ الجلالة مصدرة بإحدى حروف القسم غير الواو مقتضى ظاهر الروايات المتقدمة المبينة للجدال هو الاختصاص نعم لا ينبغي التأمل في أن الجمع بين لا و الله و بلى و الله غير دخيل في تحقق الجدال بل يكفي فيه أحدهما لأن المحلوف عليه في الغالب يكون إثبات أمرٍ أو نفيه و لا يمكن فيه الجمع بين النفي و الإثبات و كذا لا يبعد القول بأن واو القسم لا دخل لها في الحكم بالحرمة المتفاهم هو الحلف بلفظ الجلالة سواء كانت مصدره بالواو أو بغيرها من حروف القسم و أن يمكن المناقشة بأن الغالب في الحلف فيما كان المحلوف عليه مضمون جملة خبرية إثباتاً أو نفياً الحلف بالواو و ظاهر الروايات اختصاص الحكم بهذا الغالب بل التفرقة في روايات كفارة الجدال بين الحلف صادقاً و بين الحلف كاذباً يعطي اختصاص الحكم بما كان المحلوف عليه مضمون الخبر الاثباتي أو المنفي و الحلف على الإنشاء في مقام الإنشاء خارج عن مدلول الروايات المحددة

للجدال بلا و الله و بلى و الله و أن قد يطلق الصدق و الكذب في الإنشاء باعتبار كون داعيه الجد أو شيئاً آخر كما يشهد بذلك موارد استعمالاتهما كقوله سبحانه وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ أي كاذبون في شهادتهم بأنك رسول الله و مما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 297

.......... ذكر يظهر الوجه في الاشكال في التعدي من لفظ الجلالة إلى مرادفها من سائر اللغات أو الحلف بسائر الأسماء الحسنى و الصفات المختصة و أن كان مقتضى الاحتياط الحلف في الجميع و دعوى أن الحكم يعم الجمع حيث ورد في صحيحة معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) أن الرجل إذا احلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل و عليه حدّ الجدال دم يهريقه و يتصدق به «1» فإن إطلاق الحلف في الصحيحة يعم جميع ما تقدم و فيه أن ظاهر تحديد الجدال من حيث الكل في تعلق الكفارة و تحقق الجدال لا من حيث كيفية الحلف و على تقدير الإطلاق يرفع اليد عنه بالروايات المبينة لكيفية الحلف كما في صحيحته الأخرى المروية في الكافي حيث ورد في ذيلها أنما الجدال قول الرجل لا و الله بلى و الله «2» و دعوى أن النسبة هي العموم من وجه يدفعها أن المرجع بعد تساقط الإطلاقين في مورد اجتماعهما و هو الحلف بما تقدم عدم ترتب الأثر لأصالة عدم كونه جدالًا و مما ذكر يظهر الوجه في مناقشة في الاستدلال على عموم الحلف بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان و هو صادق و هو محرم فعليه

دم يهريقه و إذا حلف يميناً واحدة كاذباً فقد جادل فعليه دم يهريقه «3» حيث إنّ المراد منها أيضاً التحديد في الحكم من جهة الكفارة.

الجهة الثانية قد تقدم أنه لا يعتبر في تحقق الجدال الجمع بين الصفتين بل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 298

.......... يكفي في تحققه إحداهما حيث ذكرنا أن ظاهر الروايات كون كل منهما جدالًا و أن الجمع بينهما فيها في تفسير الجدال نظير الجمع فيها بين الكذب و السباب في تفسير الفسوق و يستفاد عدم اعتبار اجتماعهما من صحيحة أبي بصير بالتقريب بالآتي و الكلام في هذه الجهة عدم دخل كلمة لا و كلمة بلى في تحقق الجدال و يدلّ على ذلك أيضاً صحيحة أبي بصير قال سألته عن المحرم يريد أن يعمل فيقول له صاحبه و الله لا تعمله فيقول و الله اعمله فيخالفه مراراً يلزمه ما يلزم الجدال قال لا أنما أراد بهذا إكرام أخيه أنما كان ذلك ما كان لله عزّ و جل فيه معصية «1» و وجه الدلالة أن قوله (عليه السلام) أنما أراد بهذا إكرام أخيه مقتضاه أنه لو لم يرد من حلفه إكرام أخيه بأن ذكر الحلف التزاماً على نفسه العمل في مقام الجد و الإرادة و أن لا يتركه لكان عليه ما على المجادل مع أن المفروض فيها من الحلف غير مقرون بلفظ لا و بلى و يمكن الاستدلال بهذا النحو على جريان الجدال في الإنشاء أيضاً أضف إلى ذلك أنه لم يجمع المحرم في حلفه بين الصيغتين و الرواية مضمرة و لكن لا يضر الإضمار من ليث بن البختري المرادي و هو الراوي بقرينة رواية عبد الله بن مسكان عنه.

الجهة الثالثة

أنه ليس المراد من قوله (عليه السلام) في صحيحة أبي بصير أنما كان ذلك ما كان لله عزّ و جل فيه معصيته انحصار حكم الجدال على الحلف المحرم في نفسه بأن يحلف بالله كاذباً بل يعم ما إذا كان الحلف بالله صادقاً أيضاً كما يأتي فإن العصيان بمعنى المخالفة سواء كان النهي تحريمياً أو كراهتياً فإن في الحلف مطلقاً مخالفة لله عزّ و جل حيث يقول عزّ من قائل وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ فيكون المراد من قوله (عليه السلام) لا أنما أراد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 299

.......... بهذا إكرام أخيه أنه لم يقصد الحلف حقيقة ليشمله المنع في قوله سبحانه بل أراد من قوله و الله لا عملته إظهار المحبة و التعظيم كما إذا أراد شخص مسح خفي شخص آخر تجليلًا و إكراماً له فقال ذلك الشخص و الله لا تفعله و هذا اجابه بقوله و الله لا فعلته فإنه ليس مراد المجيب في نظير المقام الحلف بالله حقيقة كما هو ظاهر.

الجهة الرابعة الجدال المحكوم بحرمته على المحرم تفسيره بالحلف بالله تعبد شرعي و ليس معناه اللغوي أو العرفي هو الحلف و عليه فهل الجدال مطلق الحلف بالله حتى مرة واحدة في واقعة و لو صادقاً فيحكم بحرمته على المحرم أو أن حرمته مختصة بالحلف كاذباً و لو مرة و أما إذا كان صادقاً يعتبر كونه زائداً على مرتين في مقام واحد فلا حرمة مع عدم زيادته على مرتين أو مع زيادته و لكن في موارد متعددة و يشهد للإطلاق الروايات المفسرة و أن الجدال قوله لا و الله بلى و الله و قد يقال لا يتحقق الجدال في الحلف

صادقاً بالمرة و المرتين و لو في مقام واحد بالثلاثة أيضاً إذا كانت الموارد متعددة و يستظهر ذلك من الشرطية الواردة في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) من قوله و أعلم أن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و إذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به حيث إنّ مفهوم الشرطية عدم تحقق الجدال بالمرة و المرتين بالحلف صادقاً و كذا مع عدم الولاء في مقام واحد و في موثقة يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقول لا و الله و بلى و الله هو صادق عليه شي ء قال لا «1» فإن إطلاق النفي فيها يشمل استحقاق العقاب و لزوم الاستغفار فلا يكون حراماً و لكن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 300

.......... لا يبعد ظهور السؤال عن الكفارة و النفي راجع إليها غاية الأمر يرفع عن إطلاقها بالإضافة إلى تجاوزه في مورد واحد مرتين فإنه مع التجاوز تثبت الكفارة لما يأتي و حيث إنّ في صدر صحيحة معاوية بن عمار قد فسر الجدال بقول الرجل لا و الله بلى و الله يكون ما ذكره بعده تحديد للجدال المتعلق به الكفارة فلا ينافي في كون غيره أيضاً محرماً لانطباق الجدال عليه و أن لا يتعلق به كفارة حيث كون الحلف كاذباً مرة واحدة جدالًا و لا يكون الحلف صادقاً جدالًا بثلاث مرات من حيث الصدق بعيد جدّاً و يزيد هذه وضوحاً ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت فمن ابتلى

بالجدال ما عليه قال إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه و على المخطي بقرة «1» فإن ظاهرها كون كل من الحلف صادقاً جدالًا و لكن تترتب الكفارة إذا كان فوق مرتين كما أن ظاهر السؤال عن حكم الابتلاء بالجدال الذي هو محرم على محرم من حيث الكفارة فيكون الحلف مرة صادقاً أيضاً حراماً على المحرم و على ذلك فلا يجوز للمحرم الحلف في المرافعة لإثبات حق له على الغير أو لنفي دعوى الغير إلّا إذا لم يمكن تأخير المرافعة إلى ما بعد إحرامه فإنه مع عدم إمكان التأخير يجوز له الحلف لحكومة قاعدة نفي الضرر على أدلة حرمة الجدال و ربما يقال لا حاجة إلى نفي قاعدة نفي الضرر بل أدلة حرمة الجدال على المحرم في نفسها قاصرة على الشمول للحلف في مقام المرافعة و لذا يعتبر في جواز الحلف على المحرم في مقام المرافعة عدم إمكان تأخير المرافعة إلى ما بعد الإحرام و ذلك لما ورد في صحيحة أبي بصير من التعليل بقوله (عليه السلام) أنما كان ذلك ما كان لله عزّ و جل فيه معصيته و فيه أن المراد من المعصية

[ (مسألة 2): يستثني من حرمة الجدال أمران

(مسألة 2): يستثني من حرمة الجدال أمران:

الأول: أن يكون ذلك لضرورة تقتضيه (1) من إحقاق حق أو إبطال باطل، الثاني: أن لا يقصد بذلك الحلف، بل يقصد به أمراً آخر كإظهار المحبّة و التعظيم كقول القائل لا و الله لا تفعل ذلك.

[ (مسألة 3): لا كفارة على المجادل فيما إذا كان صادقاً في قوله

(مسألة 3): لا كفارة على المجادل فيما إذا كان صادقاً في قوله و لكنّه يستغفر ربّه هذا فيما إذا لم يتجاوز حلفه المرة الثانية (2)، و إلّا كان عليه كفارة شاة، و أمّا إذا كان الجدال عن كذب فعليه شاة للمرة الأولى، و شاة أخرى للمرة الثانية و بقرة للمرة الثالثة. مخالفة النهي و لو كان بنحو الكراهة و هذا يجري في الحلف في المرافعة حتى مع توقف نفي دعوى الغير أو ثبوت حقه عليه و ظاهر التعليل كون الحلف معصية مع قطع النظر عن الإحرام كما لا يخفى على المتأمل. (1) قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة السابقة و في المسألة التالية في المسألة الاولى من مسائل الجدال. (2) قد بينّا أنّ مقتضى الروايات حرمة الجدال على المحرم إلّا في موردين و لكن لا يترتب عليه الكفارة مطلقاً بل إذا حلف المحرم صادقاً مرة أو مرتين في مورد لم يترتب عليه كفارة و إذا كان حلفه في مورد بأزيد من مرتين تكون كفارته شاة و أما إذا حلف كاذباً فيترتب على كل حلفه كذلك كفارة شاة ما لم يتجاوز عن مرتين فإن تجاوزهما فعليه الكفارة ببقرة و يقتضي ذلك الجمع بين الروايات الواردة في كفارة الجدال حيث ورد في صحيحة سليمان بن خالد أن كفارة الجدال شاة قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في الجدال شاة «1» و مقتضى

إطلاقها ترتب التكفير بشاة على وقوع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 302

.......... الجدال الذي حدّد سابقاً بلا و الله أو بلى و الله بلا فرق بين كون الحلف صادقاً أو كاذباً و لكن يرفع عن إطلاقها بالإضافة إلى الحلف صادقاً فيما لم يكن زائداً على مرتين في مورد بالإضافة إلى الحلف كاذباً إذا كان بأزيد من مرتين فيلتزم في الأول بعدم الكفارة و في الثاني بكون الكفارة بقرة كما يشهد لذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث ورد فيها قلت فمن ابتلى بالجدال ما عليه إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه و على المخطي بقرة «1» فإن ظاهر قوله (عليه السلام) و على المخطي بقرة أنه معطوف على الجزاء في القضية الشرطية المذكورة و كون الحلف فوق مرتين أو لم يكن و أن لم يقيد في هذه الصحيحة بمورد واحد إلّا أنه يحمل عليه بشهادة صحيحة معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث و الجدال قول الرجل لا و الله و بلى و الله و أعلم أن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاءً في مقام واحد و هو محرم فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه «2» و مما ذكر يعلم أنه يرفع عن إطلاق موثقة يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقول لا و الله بلى و الله و هو صادق هل عليه شي ء قال لا «3» حيث تحمل على ما إذا كان الحلف صادقاً مرّة أو مرتين أو الأزيد و

لكن في مقامات متعددة و لا يبعد أن يعتبر في ترتب الكفارة على الحلف صادقاً في مورد اعتبار الولاء في الثلاثة حيث ورد هذا التقييد في صحيحة معاوية بن عمار المروية في الكافي و المروية في التهذيب ثمّ إن الظاهر أن التحديد بثلاثة أيمان صادقاً تحديد من جهة الأقل و لو حلف في مورد واحد بأربعة أيمان أو خمسة لا يجب عليه إلّا شاة واحدة بل لا يبعد أن يكون ستة أيمان في مقام واحد أيضاً كذلك لقوله (عليه السلام) إذا جادل فوق مرتين فعليه شاة فإنه بعد تقييده بمقام واحد يكون مقتضاه ما ذكرنا و كون التحديد بالثلاثة في ناحية الأقل فقط نتيجة الجمع بين قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي و صحيحة معاوية بن عمار و الجدال كذباً فوق مرتين مع كون كفارته بقرة أيضاً كذلك و قد تحصل من جميع ما ذكرنا أن المنسوب إلى المشهور من أنه إذا حلف كاذباً ففي المرة شاة و في المرتين بقرة ففي ما فوق جزور لا تساعد عليه الروايات.

[15 قتل هوام الجسد]
اشارة

15 قتل هوام الجسد

[ (مسألة 1): لا يجوز للمحرم قتل القمل و لا إلقائه من جسده

(مسألة 1): لا يجوز للمحرم قتل القمل و لا إلقائه من جسده (1)، و لا بأس بنقله من مكان إلى مكان آخر و إذا قتله فالأحوط التكفير عنه بكفّ من طعام للفقير، و أمّا البق و البرغوث و أمثالهما فالأحوط عدم قتلهما إذا لم يكن هناك ضرر يتوجه منهما على المحرم و أمّا دفعهما فالأظهر جوازه، و إن كان الترك أحوط. (1) لا يجوز للمحرم قتل القمّل عند الأكثر بل عدم جواز قتل هوام الجسد أي دوابه مشهور عند الأصحاب بلا فرق بين القمّل و غيره كالبراغيث و البق و نحوهما و المنقول عن الشيخ في المبسوط و ابن حمزة جواز قتلها على البدن و يدلُّ على عدم الجواز صحيحة زرارة فإنه ورد فيها سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل يحك المحرم رأسه قال يحك ما لم يتعمد قتل دابة «1» و لا يبعد شمول. الدابة للقمّل و غيره و في حسنة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في محرم قتل قملة قال لا شي ء عليه في القمل و لا ينبغي أن يتعمد قتلها «2» و ربما يقال بظهور لا ينبغي في الكراهة خصوصاً بقرينة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 304

.......... إطلاق نفي الشي ء و شموله للعقاب الأخروي و لكن فيه أن (لا ينبغي) لا يكون في نفسه ظاهراً في الكراهة الاصطلاحية بل لو لم يكن في نفسه ظاهراً في الحرمة فلا أقل من كونها لغة الأعم كما هو الحال في لفظ الكراهة لغة و نفي الشي ء ظاهره ترتب الكفارة نظير ارتكاب سائر المحظورات حال الإحرام و في صحيحة معاوية بن عمار

المعبر عنها في الكلمات بالحسنة كالحسنة المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ثمّ اتق قتل الدواب كلها إلّا الأفعى و العقرب و الفارة «1» فإنها أيضاً قابلة لدعوى الإطلاق بحيث يشمل القمل و نحوه و دعوى انصراف الدابة و الدواب عن مثله و مثل البق يدفعها ملاحظة مثل صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلّا القملة فإنها من جسده نعم دعواه في البق و نحوه ليست ببعيد «2» و على الجملة لو لم يكن عدم جواز قتل البق و البرغوث و نحوهما هو الأظهر فلا أقل من كونه هو الأحوط نعم فرق بين القمل و غيره فإن إلقاء القمل عن جسده و ثوبه غير جائز بخلاف غيره فإن إلقاء غيره و دفعه عنه لا بأس به كما هو ظاهر هذه الصحيحة الدالة أيضاً على جواز نقل القمل من مكان إلى مكان آخر من جسده أو ثوبه و ما دل على جواز طرحه منهما كما ورد ذلك في رواية مرّة مولى خالد قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يلقي القملة فقال ألقوها أبعده الله غير محمودة و لا مفقودة «3» لضعف سندها لا تصلح قرينة لرفع اليد عما تقدم لجهالة مرة مولى خالد نعم إذا آذاه البق أو البراغيث و نحوهما فلا يبعد الالتزام

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 305

305 بجواز دفعها بل ورد جواز قتلها فيما رواه ابن إدريس من نوادر البزنطي عن جميل قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا أذاه قال نعم «1» و كذا في رواية زرارة المروية في الكافي عن

أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يقتل البقة و البراغيث إذا رآه (اراده) قال: (نعم) «2» و لا يبعد الالتزام بالجواز في هذه الصورة إذا كان التحمل ضرريّاً أو حرجياً.

ثمّ أنه إذا طرح المحرم القمل من جسده أو ثوبه فعليه التصدق بكف من الطعام و كذا إذا قتله على الأحوط و يدلّ عليه صحيحة حماد بن عيسى قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يبين القملة من جسده فيلقيها قال يطعم مكانها طعاماً «3» و نحوها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) و حسنة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا ثوبه و أن قتل (فعل) شيئاً من ذلك خطاءً فليطعم مكانهاً طعاماً قبضة بيده «4» و الأخيرة محمولة على الاستحباب بناءً على أن المراد من الخطاء مقابل التعمد حيث لا كفارة على غير المتعمد و الأوليتين لا بأس بالأخذ بظاهرهما حيث إنه ليس في مقابلها إلّا بعض الروايات الضعيفة سنداً التي لا تصلح للاعتماد عليها و مورد الروايتين إلقاء القملة من جسده و أما القتل فقد يقال بثبوت الكفارة فيه أيضاً بالفحوى و لكن ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ما تقول في محرم قتل قملة قال لا شي ء عليه في القمل

[16 التزين
اشارة

16 التزين

[ (مسألة 1): يحرم على المحرم التختم بقصد الزينة]

(مسألة 1): يحرم على المحرم التختم (1) بقصد الزينة و لا بأس بذلك بقصد الاستحباب، بل يحرم عليه التزيّن مطلقاً و كفارته شاة على الأحوط. و لا ينبغي أن يتعمد قتلها «1» و يمكن أن يقال إطلاق نفي الشي ء يرفع اليد عنه أو يقال المراد نفي الشي ء الثابت في سائر محرمات الإحرام من إراقة الدم.

و قد ورد في بعض الروايات المعتبرة النهي عن إلقاء الحلمة عن البعير كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس و لا يلقى الحلمة «2» و في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال القراد ليس من البعير و الحلمة من البعير «3» و في الصحيحة عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رأيت أن وجدت على القراد أو حلمة أطرحهما قال نعم «4» وصفاً لهما أنهما رقيا في غير مرتاهما و لكن لم يثبت في غير إلقاء القمل أو قتله كفارة. (1) يحرم على المحرم لبس الخاتم بقصد الزينة و يجوز إذا كان بقصد الاستحباب و هذا مقطوع به في كلام الأكثر على ما في الجواهر ناقلًا ذلك عن كشف اللثام و الذخيرة و يدلّ على ذلك خبر مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و سألته أ يلبس المحرم الخاتم قال لا يلبسه للزينة «5» و خبر نجيح عن أبي الحسن (عليه السلام) قال لا بأس

[ (مسألة 2): يحرم على المحرم استعمال الحناء فيما إذا عدّ زينة خارجاً]

(مسألة 2): يحرم على المحرم استعمال الحناء فيما إذا عدّ زينة خارجاً، و إن لم يقصد به التزيّن نعم لا بأس به إذا لم يكن زينة كما إذا كان لعلاج و نحوه.

[ (مسألة 3): يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة]

(مسألة 3): يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة و يستثنى من ذلك ما كانت تعتاد لبسه قبل إحرامها، و لكنّها لا تظهره لزوجها أو غيره من الرجال (1). بلبس الخاتم للمحرم «1» و الجمع بينها مقتضاه حمل الجواز في الأخيرة على صورة عدم قصد الزينة و لكن مع ضعفها سنداً لا يمكن الاعتماد عليها و في صحيحة ابن بزيع قال رأيت العبد الصالح (عليه السلام) و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «2» و هذه الصحيحة بما أن مدلولها حكاية فعل فلا إطلاق لها حتى يتمسك به في جواز لبس الخاتم مطلقاً بل غاية ما يستفاد منها جواز لبس الخاتم حال الإحرام في الجملة و المتيقن الخاتم للرجل لبسه مع عدم قصده الزينة و يؤخذ في غيره بإطلاق ما دل على حرمة الزينة على المحرم حيث إنّ الأظهر عدم جواز التزين للمحرم كما يظهر ذلك ما ورد في المنع عن النظر في المرآة معلّلًا بأنها من الزينة حيث إنّ مقتضاه كون الزينة بمعناه الاسم المصدري ممنوعة على المحرم كما أن تعليلة (عليه السلام) المنع عن الاكتحال بالسواد يكون السواد زينة ظاهره عدم جواز استعمال المحرم ما يعد من الزينة و عليه فلا يجوز للمحرم لبس النظارات للزينة و التزين باستعمال الحناء و نحوه.

ثمّ أنه لم يثبت في لبس الخاتم للزينة و لا في التزين كفارة و القول بأنها شاة مبني على الأحوط الاولى. (1) لا يجوز للمحرمة لبس

الحلي للزينة إلّا ما كانت تعتاد لبسه قبل إحرامها فإنها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 308

.......... تلبس و لكن تستره عن الرجال حتى عن زوجها و أما عدم جواز لبسها للزينة فقد ذكره الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن إدريس في السرائر و العلامة في القواعد خلافاً للسيد في جمله و الشيخ في التهذيب و الاستبصار و المحقق في النافع و المعتبر كما في الجواهر حيث حكموا بكراهته و يدلّ على المنع مضافاً إلى إطلاق منع المحرم عن التزين صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث ورد فيها المحرمة لا تلبس الحلي و لا المصبغات إلّا صبغاً لا يردع «1» و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرمة تلبس الحلي كلّه إلّا حلّياً مشهوراً للزينة «2» و حسنة الكابلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال تلبس المرأة المحرمة الحلّي إلّا القرط المشهور و القلادة المشهورة «3» و يقتضي ظاهر الأخيرين بعد الجمع بينها بحمل المستثنى في الحسنة على المثال هو جواز لبس المحرمة حلياً غير ظاهر و لم تلبس للزينة بأن لبسته تحفظاً عليه من التلف و في مقابلهما صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم تنزع حلّيها «4» فإنها بمنطوقها تدل على عدم البأس بما كان عليها من قبل سواء كان ظاهراً أو مستوراً حتى ما إذا كان قصدها للزينة عند لبسه و بمفهومها تدل على عدم جواز لبسه عند إحرامه كان ظاهراً أو مستوراً فتقع المعارضة بين منطوقها و بين المستثنى في صحيحة محمد بن مسلم بالعموم من وجه و مورد

اجتماعهما إذا كان عليها ما كانت تلبس من الحلي المشهور للزينة قبل إحرامها فإن

[17 الادهان
اشارة

17 الادهان

[ (مسألة 1): لا يجوز للمحرم الادّهان

(مسألة 1): لا يجوز للمحرم الادّهان و لو كان بما ليست فيه رائحة طيبة (1)، و يستثنى مقتضى إطلاق المنطوق جوازه و مقتضى إطلاق المستثنى عدم جوازه و لكن يؤخذ بإطلاق المنطوق و يرفع اليد فيه عن إطلاق المستثنى أو عمومه بشهادة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبس في بيتها قبل حجها أ تنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله قال تحرم فيه و تلبسه غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها «1» فإن موردها إن لم يكن مختصاً بالحلي الظاهر للزينة بقرينة لبسها في بيتها و نهيها عن إظهاره للرجال و أيضاً تقع المعارضة بين عموم المستثنى منه في صحيحة محمد بم مسلم و بين مفهوم الصحيحة بالمفهوم من وجه و مورد اجتماعهما لبسها الحلي المستور لغير الزينة عند إحرامها أو بعده فإن مقتضى المفهوم عدم جوازه حيث أحدثته عند إحرامها و مقتضى عموم المستثنى منه جوازه و يقدم جانب العموم في المستثنى منه لعدم صلاحية معارضة الإطلاق مع العام الوضعي فتحصل مما ذكرنا أنه لا بأس للمرأة من لبس الحلي الذي كانت تعتاد لبسه قبل إحرامها و لكن يجب ستره عن الرجال سواء كانوا الأجانب أو الأرحام حتى زوجها لإطلاق نهيها عن إظهاره للرجال و كذا لا بأس أن تلبس الحلي المستور بعد إحرامها لا للزينة و الأمر في كفارة التزين كما تقدم في كفارة النظر في المرآة و الاكتحال من كونه شاة على الأحوط الأولى على ما مر. (1) المعروف

بين الأصحاب عدم جواز الادهان للمحرم بالادهان الطيبة بل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 310

من ذلك ما كان لضرورة و علاج. لا يعرف الخلاف في ذلك بينهم و عن المنتهي أنه قول عامة أهل العلم و المحكي عن الشيخ في النهاية و المبسوط و عن جماعة من الأصحاب المنع عن التدهين حال الإحرام حتى بما ليست فيه رائحة طيبة لأن ما ورد في صحيحة الحلبي ظاهره ذلك حيث روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل «1» فإن قوله (عليه السلام) فإذا أحرمت. مقتضى إطلاق الدهن فيه عدم الفرق بين ما فيه رائحة طيبة أم لا و ما يستدل به على الاختصاص من صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا خرج بالمحرم خراج و الدمل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت «2» و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن المحرم تشققت يداه فقال يدهنها بزيت أو سمن أو هالة «3» و لكن ظاهرهما الجواز في صورة الاضطرار لا الاختيار الذي هو مورد الكلام نعم في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في مسألة حرم الطيب حال الإحرام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تمس شيئاً من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن إلى أن قال و أنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و

الورس و الزعفران غير أنه يكره الادهان الطيبة المضطر إلى الزيت أو شبهه يتداوى به «4» فإنه قد ذكر في صدرها النهي عن مس الدهن حال الإحرام و في ذيلها قيد الدهن بالطيب و ربما يقال

[ (مسألة 2): كفارة الادّهان شاة إذا كان عالم بحرمته

(مسألة 2): كفارة الادّهان شاة إذا كان عالم بحرمته (1) و إذا كان عن جهل فإطعام فقير. مقتضى التقييد في الذيل هو عدم البأس بالدهن إذا لم يكن له رائحة طيبة و لكن لا يخفى أن ما في الذيل هو أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة و الكراهة تعم الأكل و التدهين و حيث إنّ أكل الدهن الذي رائحة طيبة غير محرم بل المحرم من الطيب أربعة أشياء فيلتزم بكراهة أكل الدهن الذي فيه رائحة طيبة و أمّا الادهان فيلتزم فيه بالحرمة أخذا بالإطلاق بما ورد في صحيحة الحلبي من قوله (عليه السلام) فإذا أحرمت حرم عليك الدهن حتى تحل «1» ثمّ أنّ ظاهر جماعة من الأصحاب عدم جواز التدهين قبل الإحرام بدهن فيه من الطيب المحرم إذا بقي رائحته إلى ما بعد الإحرام و يستدل على ذلك بفحوى ما تقدم من عدم جواز لبس ما فيه أثر الطيب المحرم حال الإحرام إلّا بعد إزالة ذلك الأثر و في صحيحة معاوية بن عمار قال الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل أن يغتسل للإحرام و قال لا تجمر ثوبك لإحرامك «2» و عن بعض الأصحاب عدم جواز التدهين بمطلق الدهن الذي يبقى أثره بعد الإحرام و لكن ليس له دليل بل الإطلاق في صحيحة معاوية بن عمار و صحيحة الحلبي مقتضاه جواز التدهين بكل دهن قبل الإحرام

إذا لم يكن فيه الطيب المحرم، و الله سبحانه هو العالم. (1) و يستدل على ذلك بمضمرة معاوية بن عمار في محرم كانت فيه قرحة فداواها بدهن بنفسج قال أن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين و إن كان تعمد فعليه شاة يهريقه «3» و لكن لم يظهر منها أنه حكاية عن المعصوم (عليه السلام) أضف إلى ذلك أن

[18 إزالة الشعر عن البدن
اشارة

18 إزالة الشعر عن البدن

[ (مسألة 1): لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره المحرم أو المحل

(مسألة 1): لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره المحرم أو المحل (1)، التدهين في المفروض في الرواية جائز لكونه في مورد التداوي و ثبوت الفرق بين العالم و الجاهل أنما يناسب صورة عدم جواز الارتكاب لا في صورة جوازه واقعاً و أما الاستدلال برواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) المروية في قرب الاسناد قال لكل شي ء جرحت من حجك فعليك دم يهريقه حيث شئت «1» فلضعف سندها بعبد الله بن الحسن و لم يثبت له توثيق لا يخلو الاعتماد عليها عن الاشكال و ما في الجواهر من الاستدلال لوجوب الكفارة بخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال الله تعالى في كتابه فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحاً فصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم و أنما عليه واحد من ذلك «2» فلا يخفى ما فيه لضعفها سنداً و عدم القول بالتخيير بين ثلاث خصال في المقام و غيره من أصحابنا. (1) يحرم على المحرم إزالة الشعر عن رأسه أو لحيته أو سائر جسده حتى الشعرة الواحدة أو تصفها بحلق أو نتف أو قص أو نورة أو غيرها بالمباشرة أو بغيرها و تدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحك رأسه قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «2» و صحيحة الحلبي قال سألت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 313

و يستثنى من ذلك حالات أربع (1): 1 أن يتكاثر القمل على جسد المحرم و يتأذى أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يحتجم قال لا إلّا أن لا يجد بداً فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «1» و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له قال لا يصلح له قال لا يصلح له مخافة ان يصيبه جراح أو يقع بعض شعره «2» و هذه بظاهرها تعم ما إذا كان القطع أو الإزالة بالتسبيب و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلًا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم «3» حيث إنه ذكرنا أن مع جواز الفعل مطلقاً التفصيل بين الجهل بالحكم و العلم به أمر بعيد عن الأذهان و الجهل بالموضوع في المفروض في الرواية لا يقع عادة ثم أنه كما لا يجوز للمحرم إزالة شعر نفسه كذلك لا يجوز له إزالة شعر غيره سواء كان الغير محلا أو محرماً و يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يأخذ المحرم من شعر الحلال حيث إنه إذا لم يجز له أخذ شعر الحلال فأخذه من المحرم يكون أولى بعدم الجواز. (1) تجوز إزالة الشعر فيما اضطر المحرم إليها لأذى القمل و الوجع أو غير ذلك كما يشهد لذلك رفع ما اضطر إليه و نفي الحرج و الضرر و قوله سبحانه فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ الآية، و روى حريز

عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما في الصحيح المروي في التهذيب قال مرّ رسول الله على كعب بن حجرة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم فقال أ توذيك هوامك فقال نعم قال فأنزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فأمره رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 314

بذلك 2 أن تدعو ضرورة إلى إزالته 3 أن يكون الشعر نابتاً في أجفان العين و يتألّم المحرم بذلك 4 أن ينفصل الشعر من الجسد من غير قصد حين الوضوء أو الغسل.

[ (مسألة 2): إذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة]

(مسألة 2): إذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة فكفارته شاة (1)، و إذا حلقه لضرورة فكفارته شاة أو صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل واحد مدّان من طعام. بحلق رأسه و جعل عليه صيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان و النسك شاة «1» الحديث و ربما يقال بأن الرواية مرسلة لأن الكليني (قدس سره) رواها عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) بل يكفي في عدم اعتبارها ترددها بين كونها مرسلة أو منقولة ينقلها عن الإمام (عليه السلام) و قد ذكرنا أنه لا منافاة بين أن يسمع حريز كلام الإمام (عليه السلام) مع الواسطة ثمّ يسمعه عن الإمام عليه مباشرة في مجلس آخر و يرويهما لحماد بن عيسى في مورد أو في موردين و كيف كان فمدلولها جواز حلق الرأس للاضطرار إليه للمرض أو في الأذى كما هو ظاهر الآية المباركة، و أيضاً إن الكفارة في هذه الصورة أي جواز

الحلق تخييري بين النسك المفسر بذبح الشاة و صوم ثلاثة أيام و الصدقة لكل مسكين بمدين. (1) إذا حلق المحرم رأسه عالماً بحرمته فعليه شاة و أما إذا كان جاهلًا أو ناسياً فلا شي ء عليه كما يشهد لذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلًا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم «1» و قد تقدم في التعليقة السابقة أنه مع اضطرار المحرم إلى حلق رأسه فعليه كفارة شاة أو الصيام ثلاثة أيام أو طعام ستة مساكين بمدين، كما يدلّ عليه صحيحة حريز المتقدمة و لكن في رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال الله تعالى في كتابه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 315

و إذا نتف المحرم شعره النابت تحت إبطيه فكفارته شاة (1)، و كذا إذا نتف أحد إبطيه على الأحوط و إذا نتف شيئاً من شعر لحيته و غيرها فعليه أن يطعم مسكيناً بكفّ من الطعام و لا كفارة في حلق المحرم رأس غيره محرماً كان أم محلًّا. فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحاً فالصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام و النسك شاة يذبحها و يأكل و يطعم و أنما عليه واحد من ذلك «1» إلّا أنه لضعفها سنداً لا تصلح للمعارضة حتى تحمل في مقام الجمع بينها و بين صحيحة حريز على التخيير بين إطعام الستة لكل مسكين بمدين أو إطعام

عشرة بالإشباع.

و هل يجري ما ذكر في كفارة الحلق في حلق بعض الرأس أو يختص بما إذا حلق جميع شعره لا يبعد صدق عنوان حلق الرأس في مثل الأصلع إذا أزال جميع شعر رأسه بالحلق و أمّا صدقه فيما إذا أزال بعض الشعر سواء أصلع أو غيره فغير ظاهر و ذكر العلامة في المنتهي أن الكفارة عندنا تتعلق بحلق جميع الرأس أو بعضه قليلًا أو كثيراً و لكن تختلف ففي حلق الرأس دم و كذا ما يسمى حلق الرأس انتهى موضع الحاجة من كلامه و أشكل مما ذكر جريانه في إزالة شعر الرأس بغير الحلق لخروجها عن العنوان الوارد في الآية و الرواية. (1) إذا انتف إبطيه عالماً بحرمته عليه فعليه شاة دون ما إذا كان جاهلًا أو ناسياً بلا خلاف معروف و يدلُّ على ذلك صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا نتف الرجل بعد الإحرام فعليه دم «2» و إطلاق الدم على المحرم ظاهره الشاة و أما عدم وجوبها مع الجهل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 316

.......... أو النسيان فقد ورد في صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر (عليه السلام) من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو جاهلًا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم و في صحيحته الأخرى فعليه دم شاة «1» فالمنسوب إلى المشهور أن عليه إطعام ثلاثة مساكين بل في الجواهر أنه لم يخالفه إلّا بعض المتأخرين و يستدل عليه بخبر عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في محرم نتف إبطه قال يطعم ثلاثة مساكين «2» و ضعفه سنداً يمنع عن العمل به خصوصاً أن مقتضى صحيحة

زرارة المتقدمة وجوب الشاة في نتف الإبط حيث ورد فيها من حلق رأسه أو نتف إبطه إلى أن قال و من فعله متعمداً فعليه دم و ما في الجواهر من أن مفهوم القضية الشرطية في صحيحة حريز المتقدمة عدم وجوب الشاة في نتف الإبط الواحد لا يمكن المساعدة عليه فإن الصدوق رواها بإسناده عن حريز بلفظ المفرد لا التثنية فلم تثبت نقل التثنية حتى يؤخذ بمفهومها هذا أولًا و ثانياً أن دلالتها على عدم وجوب الشاة في نتف إبط واحد موقوفة على الالتزام بمفهوم اللقب و ثالثاً على تقدير الالتزام بالمفهوم فلا ينبغي التأمل في أن دلالتها على عدم وجوب الشاة في غير نتف الإبطين بالإطلاق فيرفع اليد عنه بصحيحة زرارة الدالة على وجوب الشاة في حلق رأسه و نتف إبطه مع التعمد و لكن يمكن المناقشة في ذلك بأن صحيحة حريز في مقام بيان الكفارة لنتف الإبطين و لو قيل بوجوب الشاة في نتف إبط واحد أيضاً لكان أخذ الإبطين في الصحيحة لغواً و يمكن دفعها بأن ذكر الإبطين مع أنه غير ثابت كما تقدم يمكن كونه باعتبار رعاية الغلبة فلا يوجب رفع اليد عن إطلاق

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 317

.......... صحيحة زرارة و كيف كان فلو لم يكن ثبوت الشاة في نتف إبط واحد أظهر فلا تأمل في أنه أحوط ثمّ إن الظاهر أن الملاك في ثبوت الكفارة هو إزالة شعر الرأس و الإبطين سواء كان بالحلق أو بالنتف غاية الأمر رعاية الحلق في إزالة شعر الرأس و النتف في إزالة شعر الإبط للتعارف الخارجي بل لا يبعد ثبوت الكفارة في إزالة شعرهما و لو لم يصدق على الإزالة

عنوانهما نعم الأمر في إزالة بعض الشعر عن إبطٍ واحد كما تقدم في حلق بعض الرأس في عدم دخول الفرض في صحيحة زرارة بل في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أنّ نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئاً فعليه أن يطعم مسكيناً في يده «1» و صحيحة هشام بن سالم قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته و هو محرم فسقط شي ء من الشعر فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق «2» و لا ينافي مدلولها مع ما تقدم لأن الكف من طعام أو من السويق داخل في التصدق بكف من الطعام و صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المحرم يعبث بلحيته فتسقط منها الشعرة و الثنتان قال يطعم شيئاً «3» و مقتضى الجمع في لحاظها أن الإطعام بطعام يجري في نتف بعض شعر الإبط أو إزالة بعض الشعر من سائر جسده أيضاً و من غير فرق بين كون ذلك متعمداً أو بغير عمد و أن المراد من الطعام ما يعد قوتا كالسويق و التمر بل و الكعك لما في صحيحة هشام على رواية الصدوق (قدس سره) هذا كله في سقوط الشعر و لو بالمسح على اللحية و الرأس في غير الوضوء

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 318

.......... و الغسل و أما في سقوطه بالمسح عليهما فيهما فلا شي ء فيه حتى الكف من الطعام فإنه قد ورد في صحيحة الهيثم بن عروة التميمي قال سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان فقال ليس

بشي ء ما جعل عليكم في الدين من حرج «1» و أما دعوى أن الروايات المتقدمة و نحوها مما تدل على وجوب التصدق بكف من طعام أو نحوه محمولة على الاستحباب لما رواه المفضل بن عمر قال دخل النباحي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان على شي ء «2» و هذه الرواية على ما في الوسائل صحيحة بلا كلام بناءً على أن الراوي لقضية دخول النباحي على أبي عبد الله (عليه السلام) و سؤاله عنه (عليه السلام) جعفر بن بشير و المفضل بن عمر فإنه لو قيل بضعف مفضل بن عمر يكفي في صحتها كون الناقل جعفر بن بشير و لكن لم يعهد أن يروي جعفر بن بشير رواية عن الصادق (عليه السلام) كيف و هو معدود من أصحاب الرضا (عليه السلام) و الصحيح أن الراوي عن المفضل بن عمر هو جعفر بن بشير كما في غيرها من بعض الروايات و مع ذلك قيل لا يضر ذلك باعتبار الرواية حيث إنّ المفضل بن عمر ثقة و ما نقل عن النجاشي مع عدم دلالته على كونه ضعيفاً في الرواية معارض بما ذكر المفيد (قدس سره) في إرشاده من عده من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) و خاصته و بطانته و ثقات الفقهاء و الصالحين و الشيخ (قدس سره) في كتاب الغيبة ذكر أن من المحمودين المختصين بإمام و يتولى المفضل بن عمر و ما ورد في ذمّه في

[ (مسألة 3): لا بأس بحك المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه و ما لم يدمه

(مسألة 3): لا بأس بحك المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه

و ما لم يدمه، و كذلك البدن (1)، و إذا أمرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان فليتصدق بكف من طعام، و أمّا إذا كان في الوضوء و نحوه فلا شي ء عليه.

[19 ستر الرأس للرجال
اشارة

19 ستر الرأس للرجال

[ (مسألة 1): لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه و لو جزء منه

(مسألة 1): لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه (2) و لو جزء منه بأي ساتر كان حتى مثل الطين، بل و بحمل شي ء على الرأس على الأحوط، نعم لا بأس بستره بحبل القربة، و كذلك تعصيبه بمنديل و نحوه من جهة الصداع، و كذلك لا يجوز ستر الأذنين. بعض الروايات نظير ما ورد في ذم زرارة و غيره من الرواة الثقات و لكن مع ذلك ما ذكره النجاشي لا يناسب غير ضعفه في الرواية بحيث لا يمكن الاعتماد على روايته بل على تقدير الإغماض فنفي الشي ء في سقوط شعر اللحية و نحوه قابل للاستثناء باستثناء التصدق بكف من الطعام.

ثمّ إن ما تقدم من لزوم الشاة في حلق الرأس و نتف الإبط يعم ما إذا كان الحلق و النتف بالمباشرة أو بالتسبيب و أما إذا حلق المحرم رأس غيره سواء كان الغير محلّا أو محرماً فلم يثبت عليه كفارة و أن لم يجز له ذلك لما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يأخذ المحرم من شعر الحلال «1» فإنه إذا لم يجز له أخذ شعر الحلال فيكون أخذه شعر المحرم ممنوعاً بالأولوية. (1) قد تقدم الوجه فيما ذكر في المسألة السابقة و يجي ء الكلام في عدم جواز إخراج الدم من البدن للمحرم عن قريب أن شاء الله. (2) لا يجوز للرجل في إحرامه تغطية رأسه، و هذا الحكم مجمع عليه بين

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 320

.......... أصحابنا على ما في المدارك و غيرها و يدلّ على ذلك منها صحيحة زرارة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل المحرم يريد

أن ينام يغطي وجهه من الذباب قال نعم و لا يخمّر رأسه و المرأة لا بأس أن تغطي وجهها كلّه و صحيحة عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «1» و صحيحة عبد الرحمن قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما قال: (لا) «2» و صحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي و شكى إليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال ترى أن استتر بطرف ثوبي فقال لا بأس ذلك ما لم يصبك رأسك و مقتضى هذه الأخيرة عدم جواز تغطية بعض الرأس أيضاً كما أن مقتضى ما قبلها دخول الأذنين في الرأس في عدم جواز تغطيتهما و أن كان الظاهر فيما يقال الرأس مقابل الوجه هو خصوص منابت الشعر و لا يبعد أن لا يكون فرق في عدم جواز تغطية الرأس بين ستره بالمعتاد كالعمامة و القلنسوة أو بغيره حتى الطين بل بحمل متاع يستره و ذلك لصدق تغطية الرأس المنهي عنها في جميع ذلك نعم لا يبعد عدم البأس بوضع المحرم عصام القربة على رأسه كما هو المعروف و عدم البأس لما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى قال: نعم «3» و ذلك لضعف سند الصدوق إلى محمد بن مسلم بل لثبوت السيرة القطعية على وضع عصام القربة على الرأس و لو كان هذا أمر ممنوعاً عند الإحرام تعرضوا (عليهم السلام) لبيان

عدم جوازه حيث إنهم لم يتعرضوا له

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 321

.......... فيعلم من ذلك جوازه و على الجملة الموارد التي قامت فيها السيرة العملية على أمر فالردع عن السيرة يتوقف على المنع عندنا في موردها بخصوصها.

و لا بأس بستر رأسه بمثل يده و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض «1» و كذا لا بأس بستر بعض الرأس الحاصل بالنوم على الوسادة فإن هذا الستر لو كان ممنوعاً لكان لغلبة الابتلاء أمراً مباناً و قد ذكر (عليه السلام) في صحيحة الحلبي لا بأس أن ينام الرجل على وجهه على راحلته «2» و المتفاهم منها أن الستر لبعض الرأس اللازم لوضع الرأس على الوسادة خارج عن مورد النهي بل قد يقال أن المنع عن ستر المحرم رأسه مختص بغير حال النوم لصحيحة لخبر زرارة الظاهر في جواز التغطية عند اراده النوم عن أحدهما (عليه السلام) فإنه قال في المحرم له أن يغطي رأسه و وجهه إذا أراد أن ينام «3» و لا بأس بسنده و أن كان فيه من يضر ضعفه باعتباره و لكن لا يمكن الالتزام به لمعارضته بصحيحته الأخرى المتقدمة التي ورد فيها النهي عن تخمير الرأس عند النوم فيحمل على صورة الضرورة أو يطرح و مع فرض المعارضة و التساقط يكون المرجع عدم جواز ستر الرجل رأسه المستفاد مما دل على أن إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها.

ثمّ أنه لا بأس بستر الرأس للمحرم عند اضطراره إليه من جهة الصداع و

نحوه لصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع «4».

[ (مسألة 2): لا يجوز للمحرم الارتماس في الماء]

(مسألة 2): لا يجوز للمحرم الارتماس في الماء (1)، و كذلك في غير الماء على الأحوط، و الظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة.

[ (مسألة 3): إذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط]

(مسألة 3): إذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط (2)، و الظاهر عدم وجوب الكفارة في موارد جواز الستر كالاضطرار. (1) يحرم على المحرم رمس رأسه في الماء و يدلّ عليه صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم «1» و ظاهرها أن الارتماس الممنوع على المحرم و الممنوع على الصائم أمر واحد فلا يضر الارتماس إذا كان بعض رأسه خارجاً عن الماء و أن الارتماس على المحرم موضوع مستقل من غير كونه داخلًا في تغطية الرأس حتى يحرم رمس بعض رأسه في الماء و نحوه و يختص المنع على الرجل لعدم حرمة تغطية الرأس على النساء في إحرامهن بل كونه موضوعاً مستقلا و أنه كما لا يجوز للصائم كذلك لا يجوز على المحرم و من الظاهر كون الارتماس مفطراً بلا فرق بين الرجل و المرأة و على الجملة في كلام جمع من الأصحاب إلحاقه بتغطية الرأس و لكن لم يتضح لذلك و وجه به يعتمد عليه. (2) كفارة ستر الرأس عند المشهور شاة و لكن ليس في البين ما يصلح للتمسك به في إثباتها نعم في الوسائل في الباب الخامس من بقية الكفارات محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي قال المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكيناً في يده «3» و الرواية ليست بمضمرة بل رواه الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و لكن الوارد فيها

المحرم إذا غطى وجهه و لعل ذكر رأسه اشتباه من صاحب الوسائل فراجع التهذيب و الرواية محمولة على الاستحباب لجواز تغطية المحرم وجهه اختياراً و أن ذكر الشيخ (قدس سره) في التهذيب فأمّا تغطية الوجه فيجوز مع الاختيار غير أنه يلزمه الكفارة و متى لم ينو لم يجز ذلك و أما الاستدلال على وجوب الشاة في تغطية الرأس بما ورد في أن المحرم إذا لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه فعليه دم شاة فلا يخفى ما فيه فإن ثبوت الكفارة في لبس ثوب لا يجوز للمحرم لبسه كالدرع و القميص لا يرتبط بتغطية الرأس فإن التغطية تتحقق بغير لبس شي ء.

[20 ستر الوجه للنساء]
اشارة

20 ستر الوجه للنساء

[ (مسألة 1): لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما أشبه ذلك

(مسألة 1): لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما أشبه ذلك، و الأحوط أن لا تستر وجهها بأيّ ساتر كان، كما أنّ الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضاً، نعم يجوز لها أن تغطّي وجهها حال النوم، و لا بأس بستر بعض وجهها مقدمة لستر الرأس في الصلاة، و الأحوط رفعه عند الفراغ منها (1). (1) المعروف بين الأصحاب عدم جواز ستر المرأة المحرمة وجهها بالنقاب و البرقع و غيرهما كما يدلّ عليه حسنة عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه «1» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال مرّ أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال أحرمي و اسفري و أرخي ثوبك من رأسك فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك قال رجل إلى أين ترخيه قال تغطي عينها قال قلت تبلغ فمها قال: نعم «2» و صحيحة حريز قال قال

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 324

.......... أبو عبد الله (عليه السلام) المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن «1» و المستفاد منها خصوصاً قوله (عليه السلام) لأن إحرام المرأة في وجهها و أنك أن تنقبت لم يتغير لونك أنه لا يجوز للمرأة المحرمة تغطية وجهها بأي سائر في وجهها و لا يبعد أن يرفع اليد عن الإطلاق بالإضافة إلى ستر وجهها في موارد كونها معرضاً لنظر الأجانب حيث يجوز في هذا الحال إسدال ثوبها على وجهها إلى عينها أو فمها بل إلى ذقنها و نحرها و في صحيحة عيص

بن القاسم قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث كره النقاب يعني للمرأة المحرمة و قال تسدل الثوب على وجهها قلت حدّ ذلك إلى أين قال طرف الأنف قدر ما تبصر «2» و في صحيحة حريز قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن «3» و في صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة «4» و تقييد الإسدال إلى النحر بكونها راكبة لعله إذا صارت في علوّ لا يمنع الإسدال إلى الذقن عن روية تحت ذقنها بل حلقومها بالإضافة إلى غير الراكبين و في موثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأله عن المحرمة فقال أن مرّ بها رجل استترت منه بثوبها «5» و مقتضى الشرطية جواز ستر وجهها عند صيرورتها في معرض النظر و بهذا يرفع اليد عن إطلاق بعض ما تقدم. حيث لم يقيد فيها إسدال الثوب بصورة وقوعها في معرض النظر إليها و على الجملة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 325

.......... ارخائها ثوبها بإنزالها من فوق وجهها حتى إلى ذقنها و نحرها جائز عن صيرورتها في معرض النظر إليها.

ثمّ إنه لم يذكر في الروايات اعتبار ان تجعل القسم النازل بعيداً عن وجهها حتى لا يمسه الثوب بل مقتضى إطلاقها عدم اعتبار ذلك و المحكي عن المبسوط اعتباره و ذكر أنه لا بد من منع الثوب بيدها أو بخشبة من أن يباشر وجهها و عن الشهيد في الدروس أن المشهور على الاعتبار و لكن في تحقق الشهرة تأملًا و على تقدير ثبوتها لا يصلح الاعتماد عليها

في ذلك الاعتبار لاحتمال إنهم اعتبروا ذلك جمعاً بين الطائفة الدالة على المنع عن التغطية و بين الدالة على جواز الإسدال.

المورد الثاني من جواز تغطية المرأة وجهها عند إحرامها حال نومها كما يدل على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطي وجهه قال نعم و لا يخمر رأسه و المرأة المحرمة لا بأس بأن تغطي وجهها كلّه عند النوم «1» فإن ظاهرها جواز تغطية المرأة وجهها حال النوم و قد ذكر في الجواهر أنه لم يقف على من يفتي بذلك كما أنه لم يقف على من ردّ الرواية. المورد الثالث أنه يجوز للمرأة المحرمة ستر شي ء من وجهها الذي يتوقف عليه إحرازه ستر رأسها الواجب عليها في صلاتها كما صرح بذلك جمع من الفقهاء و هذا بناءً على أنه كما لا يجوز لها ستر جميع وجهها كذلك لا يجوز ستر بعض وجهها لانصراف المنع في الاخبار عن هذا المقدار من الستر و ما عن بعضهم من الخدشة في الجواز المذكور في غير محله.

[ (مسألة 2): كفارة ستر الوجه شاة]

(مسألة 2): كفارة ستر الوجه شاة على الأحوط (1).

[21 التظليل للرجال
اشارة

21 التظليل للرجال

[ (مسألة 1): لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال سيره بمظلة أو غيرها]

(مسألة 1): لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال سيره بمظلة أو غيرها (2)، و لو كان بسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة و نحوها و لا بأس بالسير في ظل جبل أو جدار أو شجر و نحو ذلك من الأجسام الثابتة، كما لا بأس بالسير تحت السحابة المانعة عن شروق الشمس. و يستدل على تقديم الستر باهمية الصلاة بالإضافة إلى وجوب اسفار وجهها و يورد عليه بأن التزاحم بين وجوب الستر في الصلاة و وجوب الأسفار في الإحرام لا بين نفس وجوب الصلاة و وجوب الاسفار ليقال بأن الأول أهم من الثاني و لكن لا يخفى ما فيه فإن المقام ليس من موارد التزاحم أصلًا بل بين الدليل على وجوب الصلاة بالستر الصلاتي و ما دل على وجوب اسفارها من وجهها تعارض و مقتضى القاعدة التخيير بين الأمرين لولا ما ذكرنا من انصراف ما دل على اسفارها من وجهها إلى غير ما يلزم رعايته في صلاتها. (1) كفارة ستر الوجه على المرأة شاة على المشهور و لكن لم يرد ما يصلح للاعتماد عليه في هذا الحكم نعم في خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال لكل شي ء جرحت من حجك فعليك فيه دم يهريقه «1» فقد تقدم أنه مروي في قرب الاسناد و في سنده ضعف لعدم ثبوت وثاقة لعبد الله بن الحسن أضف إلى ذلك أن في بعض النسخ خرجت. (2) المشهور عند أصحابنا حرمة التظليل على الرجل المحرم عن الشمس حال سيره بلا فرق بين كونه راكباً أو ماشياً بل عن جماعة من الأصحاب دعوى الإجماع

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 327

..........

عليها و لم يحك الخلاف إلّا عن الإسكافي كما في الجواهر و يشهد لذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يركب القبة فقال لا قلت فالمرأة المحرمة قال نعم «1» و صحيحة هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يركب في الكنيسة قال لا و هو في النساء جائز «2» و صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم؟ قال: لا، إلّا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حرّ الشمس «3» و صحيحة عبد الله بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه السلام) أظلل و أنا محرم قال لا قلت فأظلل و اكفر قال لا قلت فإن مرضت قال ظلل و كفر ثمّ قال أما علمت أن رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) قال: ما من حاج يضحى ملبياً حتى تغيب الشمس إلّا غابت ذنوبه معها «4» و هذه و ما قبلها يعمان ما إذا كان التظليل حال الركوب أو حال المشي.

و ما في الروايات الناهية عن ركوب المحرم القبة و الكنيسة نهى عن مورد التظليل و لا يدل على اختصاص حرمة التظليل بحال الركوب ليرفع اليد عن الإطلاق في سائر الروايات نعم حرمة التظليل تختص بحال الاختيار فإن كان له ضرورة على التظليل لمرض أو حرج فلا بأس به و في صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يركب في القبة قال ما يعجبني إلّا أن يكون مريضاً قلت فالنساء قال نعم «5»

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 328

.......... و

ربما يقال ظاهر تعبيره (عليه السلام) بما يعجبني كراهة التظليل فتكون قرينة على رفع اليد عن ظهور ما تقدم في الحرمة و لكن لا يخفى ما فيه فإن التعبير بما ذكر لا ينافي الحرمة خصوصاً في الموارد التي يكون داعيه (عليه السلام) بمثل هذا التعبير دعوة السامع إلى ترك الفعل و رعاية عدم التصريح بخلاف العامة و أما صحيحة جميل بن دارج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بالظلال للنساء و قد رخص فيه للرجال «1» فيرفع اليد عن إطلاقها بتقييد الترخيص للرجال بحال الضرورة لما ورد التقييد بحالها في سائر الروايات بل لو كان الترخيص للرجال أيضاً مطلقاً لم يكن وجه للتعبير بنفي البأس في النساء و ورد الترخيص في الرجال مع أنه يقال كلمة قد الداخلة على الماضي يفيد القلة و لكن لا يخلو عن تأمل و العمدة تقييد إطلاق النهي بغير الضرورة و العلة في سائر الروايات و يقيد إطلاق الترخيص على تقديره بها.

و قد روى الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر قال سألت أخي (عليه السلام) أظلل و أنا محرم قال: نعم و عليك كفارة «2» و قد يقال أن مقتضى إطلاقها جواز التظليل اختياراً و فيه ما لا يخفى فإنها تحمل على صورة العذر بقرينة صحيحة عبد الله بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام) أظلل و أنا محرم قال لا قلت فأظلل و أكفر قال لا قلت فإن مرضت قال ظلل و كفر «3» فإن التفصيل في هذه الصحيحة يكون قرينة على حمل ما تقدم على صورة العذر و على الجملة لا ينبغي التأمل في عدم جواز التظليل من غير عذر

بلا فرق بين كون المحرم راكباً أو ماشياً نعم يستثني من ذلك من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 329

.......... المنزل و الخباء و نحوهما حتى في طريقه حيث لا بأس بالاستظلال حينئذ و يدلُّ على ذلك الروايات الواردة في الرد على العامة حيث لا يفرقون في جواز الاستظلال حال السير و دخول المنزل بأن السنة لا تقاس و في صحيحة البزنطي المروي في قرب الاسناد عن الرضا (عليه السلام) قال قال أبو حنيفة أيش (أي شي ء) فرق ما بين ظلال المحرم و الخباء فقال أبو عبد الله (عليه السلام) إن السنة لا تقاس «1» و يستثنى من حرمة الاستظلال أيضاً المشي على جانب الظل الثابت كالجبال و تحت السقوف و المنازل لجريان السيرة على المشي كذلك من غير أن يرد نهي عن ذلك بل ورد جواز المشي على ظل المحمل فكيف لا يجوز المشي على الظل الثابت و في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت إلى الرضا (عليه السلام) هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل فكتب (نعم) «2» و مما ذكر يظهر الحال المشي تحت السحاب المانعة عن شروق الشمس و يجوز أيضاً أن يستر المحرم بعض جسده ببعضه و في حسنة المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) لا يستتر المحرم من الشمس بثوب و لا بأس أن يستتر بعضه ببعض «3» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بأن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس و لا بأس بأن يستتر بعض جسده ببعض «4» إلى غير ذلك ما في صحيحة سعيد الأعرج أنه سأل أبا

عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يستتر عن الشمس بعود

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 330

و لا فرق في حرمة التظليل بين الراكب و الراجل على الأحوط، و الأحوط بل الأظهر حرمة التظليل بما لا يكون فوق رأس المحرم بأن يكون ما يتظلل به على أحد جوانبه، نعم يجوز للمحرم أن يستر من الشمس بيديه، و لا بأس بالاستظلال بظلّ المحمل حال المسير، و كذلك بالإحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة (1).

[ (مسألة 2): المراد من الاستظلال التستر من الشمس أو البرد أو الحرّ أو المطر و نحو ذلك

(مسألة 2): المراد من الاستظلال التستر من الشمس أو البرد أو الحرّ أو المطر و نحو و بيده قال: لا إلّا من علّة «1» فالنهي فيها بالإضافة إلى اليد محمول على الكراهة لما تقدم من التصريح بالجواز و لا يخفى أن استتار بشرة الجسد بالثوب أمر جائز للمحرم و أنما الممنوع ستر رأسه بثوب أو غيره و لكن لا يجوز أن يستظل على وجهه المستور بثوب كاستظلاله على رأسه المكشوف و على الجملة التغطية غير الاستظلال و عدم جواز التغطية بالإضافة إلى رأسه فقط و أما سائر جسده حتى وجهه فليس بحرام بخلاف الاستظلال و استتار المحرم جسده عن شروق الشمس أو المطر و نحوهما بالظلال على ما تقدم فإنه غير جائز و بالإضافة إلى رأسه أو سائر جسده أيضاً و لو كان سائر جسده يجوز ستره بالثوب و في صحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي و شكى إليه حرّ الشمس و هو محرم يتأذى به فقال ترى أن استتر بطرف ثوبي فقال لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «2» فإن ظاهر هذه الصحيحة جواز الاستظلال حال الضرورة و التأذي و

لكن لا يجوز تغطية الرأس كلا أو بعضاً على ما مرّ. (1) لما تقدم من عدم الاستظلال في المنزل و الخباء و عدم البأس بالاستظلال بالظل الثابت و منه سقف المسجد.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 331

ذلك (1)، فإذا لم يكن شي ء من ذلك بحيث كان وجود المظلة كعدمها فلا بأس بها.

[ (مسألة 3): لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكة]

(مسألة 3): لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكة (2)، و إن كان بعدُ لم يتخذ بيتاً كما لا بأس به حال الذهاب و الإياب في المكان الذي ينزل فيه المحرم، و كذلك فيما إذا نزل في الطريق للجلوس أو لملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك، و أمّا جواز الاستظلال في هذه الموارد بمظلة و نحوها ممّا يستظلّ بها سائراً ممّا لا يعدّ من الظل الثابت ففيه إشكال و الأحوط الترك. (1) كما يحرم التظليل على الرجل المحرم من الشمس كذلك يحرم عليه التظليل من المطر و الريح العاصفة و يشهد لذلك صحيحة ابن بزيع قال و سأل الرضا (عليه السلام) رجل من الظلال من أذى مطر أو شمس و أنا أسمع فأمره أن يفدي شاة و يذبحها بمنى «1» و صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا (عليه السلام) المحرم يظلل على محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضران به قال نعم قلت كم الفداء قال شاة «2» حيث إنّ ثبوت الكفارة ظاهره عدم جواز الفعل اختياراً بل ظاهر التقييد في السؤال صورة الضرورة و الاضطرار هو المفروغية عن عدم الجواز في صورة الاختيار. (2) قد تقدم أن الاستظلال المنهي للمحرم أنما هو حال سيره و أن الاستظلال المنهي عنه حال سيره أنما هو بالظل

غير السائر و أما النزول في المنزل أو الطريق فلا بأس بالاستظلال بدخول الخباء و الخيمة و المنزل و يقال أن مكة القديمة تعد منزلًا للحجاج و المعتمرين فلا بأس بالاستظلال فيها حتى بمظلة و نحوها و لكن هذا القول و إن كان أمراً قريباً إلّا أن الأحوط الاقتصار على الظل الثابت في حال تردده في الأزقة و الجادة إلّا مع الضروة على ما مرّ.

[ (مسألة 4): لا بأس بالتظليل للنساء و الأطفال

(مسألة 4): لا بأس بالتظليل للنساء (1) و الأطفال، و كذلك للضرورة للرجال و الخوف من الحرّ أو البرد.

[ (مسألة 5): كفارة التظليل شاة]

(مسألة 5): كفارة التظليل شاة و لا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار و الاضطرار (2). (1) لا بأس بالتظليل للنساء و قد ورد جواز ذلك لهن في الروايات المتقدمة و كذلك لا بأس به للصبيان و في الجواهر لا أجد خلافاً فيه بينهم و يشهد لذلك صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بالقبة للنساء و الصبيان و هم محرمون «1» و نحوها غيرها. (2) اختلفوا في كفارة التظليل و المنسوب إلى الأكثر من أصحابنا أنها شاة و عن ابن أبي عقيل فدية صيام أو صدقة أو نسك كما في الحلق و عن أبي الصباح أنها على المختار لكل يوم شاة و على المضطر لجملة المدة شاة و عن الصدوق (قدس سره) أنها لكل يوم مدّ و لكن الأظهر أنها شاة لإحرام العمرة للتظليل فيها و كذا في إحرام الحج و الأفضل أن يذبح الأول بمكة و الثانية بمنى و في صحيحة إبراهيم بن محمود قال قلت للرضا (عليه السلام) المحرم يظلل على محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضران به قال نعم قلت كم الفداء قال شاة «1» و صحيحة علي بن جعفر قال سألت أخي (عليه السلام) أظلل و أنا محرم فقال نعم و عليك الكفارة «2» و قد تقدم إطلاق نفي البأس محمول على الضرورة و في صحيحة أبي راشد قال قلت له جعلت فداك أنه يشتد على كشف الظلال في الإحرام لأني محرور يشتد على حرّ الشمس فقال ظلل و ارق دماً فقلت له دماً

أو دمين قال للعمرة قلت أنا نحرم بالعمرة و ندخل مكة فنحل و نحرم بالحج قال: فارق دمين «3» و دلالة هذه الأخيرة على وجوب الكفارة الواحدة للتظليل في العمرة و كفارة اخرى للتظليل في إحرام الحج واضحة، و هي كسائر الروايات ظاهرة في صورة الاضطرار و يتعدى إلى صورة الاختيار بالفحوى و أما الفداء لكل يوم بمدّ فقد ورد في رواية أبي بصير و لضعف سندها لا تصلح للاعتماد عليها.

[22 إخراج الدم من البدن

22 إخراج الدم من البدن لا يجوز للمحرم إخراج الدم من جسده (1)، و إن كان ذلك بحك أو غيره، و لا بأس به (1) لا يجوز للمحرم إخراج الدم من جسده بحك أو غيره كما عن المفيد و السيد في جمله و الشيخ في نهايته و مبسوطه و ابن إدريس في سرائره و غيرهم و عن الشيخ في الخلاف و المحقق و جمع آخر كراهته و يدلّ على الحرمة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له قال لا يصلح مخافة أن يصيبه جراح أو يقطع بعض شعره «1» و صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يحتجم قال لا إلّا أن لا يجد بدّاً فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «2» و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحك رأسه قال بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «3» و ما في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر «4» من إطلاق نفي البأس فيرفع اليد عنه بقرينة صحيحة الحلبي بالحمل

على صورة الضرورة كما أن صورتها ظاهر ما في موثقة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 334

مع الضرورة أو دفع الأذى و كفارته شاة على الأحوط الأولى (1)، و أمّا السواك فلا يبعد جوازه حتى مع الإدماء، و إن كان الأحوط تركه معه و لا بأس به مع الضرورة. عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن المحرم به الجرب فيؤذيه؟ قال يحكه فإن سال الدم فلا بأس «1» و ما في بعض الروايات من أن رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) احتجم و هو صائم و محرم «2» و خبر مقاتل بن مقاتل رأيت أبا الحسن (عليه السلام) في يوم الجمعة في وقت الزوال على ظهر الطريق يحتجم و هو محرم «3» مضافاً إلى ضعف السند مدلولها حكاية فعل و لعله كان من الامام حال الضرورة و الحاجة.

و أما الإدماء بالسواك ففي صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يستاك قال نعم و لا يدمي «4» و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك قال لا بأس و لا ينبغي أن يدمي فمه «5» و في مقابلهما صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت المحرم يستاك قال نعم قلت فإن أدمى و هو يستاك قال نعم هو من السنة و ظاهرها جواز إخراج الدم بالسواك بأن يستلزم السواك خروجه و حمل ظاهرها على صورة الجهل بالإدماء و الأوليتين على صورة العلم و العمد بلا شاهد و لا يبعد الجمع بينهما بكراهة الإدماء بالسواك. (1) قيل

أن الكفارة في الإدماء شاة و لم يذكر ما يصلح للاعتماد عليه في ذلك نعم يذكر في وجهه خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال لكل شي ء

[23 التقليم
اشارة

23 التقليم لا يجوز للمسلم تقليم ظفره، و لو بعضه (1) إلّا أن يتضرّر المحرم ببقائه كما إذا انفصل بعض ظفره و تألّم من بقاء الباقي، فيجوز له حينئذ قطعه، و يكفر عن كل ظفر بقبضة من الطعام. جرحت من حجك فعليك دم يهريقه «1» فقد تقدم أن في سنده ضعفاً و أن دلالتها على لزوم كفارة شاة بحيث تكون قاعدة فيما لم يقم فيه على الكفارة دليل خاص مبنى على نسخة جرحت لا خرجت. (1) يحرم على المحرم قص أظفاره بل تقليمها بأي نحو كان بلا خلاف معروف بل عن المنتهي و التذكرة نسبته إلى علماء الأعصار و يدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من قلم أظافيره ناسياً أو ساهياً أو جاهلًا فلا عليه و من فعله متعمداً فعليه دم «2» و ظاهر ثبوت الكفارة عند التعمد عدم جواز الفعل و في صحيحته الأخرى تحمل أنها من تعدد الطريق و اتحادها مع ما قبلها قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسياً أو جاهلًا فليس عليه شي ء و من فعله متعمداً فعليه دم شاة «3» و في صحيحة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل نسي يقلم أظفاره عند إحرامه قال يدعها قلت فإن رجلًا من أصحابنا أفتاه بأن يقلم أظفاره و يعيد إحرامه ففعل قال عليه دم يهريقه «4» و ظاهر هذه ثبوت

الكفارة مع الجهل مع أن الصحيحتين و غيرهما دالة على عدم ثبوتها معه فتحمل الأخيرة على الاستحباب و مع المعارضة يرجع إلى عموم ما دل على عدم الكفارة للجاهل و في

[ (مسألة 1): كفارة تقليم كل ظفر مدّ من الطعام

(مسألة 1): كفارة تقليم كل ظفر مدّ من الطعام (1) و كفارة تقليم أظافير اليد جميعها في مجلس واحد شاة، و كذلك الرجل و إذا كان تقليم أظافير اليد و أظافير الرجل في مجلس واحد فالكفارة أيضاً شاة. صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره قال لا يقصّ منها شيئاً أن استطاع فإن كانت تؤذيه فليقصها و ليطعم مكان كلّ ظفر قبضة من طعام «1» و دلالتها على عدم الجواز مع عدم تأذيه و جوازه معه واضحة بلا فرق بين قصّ تمامها أو بعضها و أن الكفارة في صورة تأذيه مكان كل ظفر قبضة من طعام. (1) كفارة تقليم كل ظفر مدّ من طعام و كفارة تقليم أظفار اليد جميعاً في مجلس واحد شاة و كذلك أظافير الرجل و إذا كان تقليم أظفار اليد و الرجل في مجلس واحد فالكفارة أيضاً شاة و أن كان تقليم أظافير اليد في مجلس و أظافير الرجل في مجلس آخر فالكفارة شاتان هذا على المشهور بين أصحابنا و المحكي عن الإسكافي أن الكفارة في كل ظفر مدّ من الطعام و في أظافير إحدى يديه شاة كما في أظافير كلتيهما و كذا في أظافير الرجل و يدلّ على ما هو المشهور من كون الكفارة في كل ظفر مدّاً من الطعام صحيحة أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قصّ ظفراً من أظافيره و هو محرم

قال في كل ظفر قيمته مدّ من الطعام حتى يبلغ عشرة فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة فإن قلّم أظافير يديه و رجليه جميعاً فقال أن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم و أن كان فعل متفرقاً في مجلسين فعليه دمان «2» و رواها الصدوق (قدس سره) إلّا أنه ترك قيمة مدّ من طعام إلى مدّ من طعام فإعطاء

[ (مسألة 2): إذا قلم المحرم أظافيره فأدمى اعتماداً على فتوى من جوّزه

(مسألة 2): إذا قلم المحرم أظافيره فأدمى اعتماداً على فتوى من جوّزه وجبت الكفارة (1) على المفتي، و لا شي ء على الفاعل. القيمة لم يثبت لعدم ثبوت اشتمال الرواية بلفظة قيمة و أما في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المحرم ينسى فيقلم ظفراً من أظافيره قال يتصدق بكف من الطعام قلت فاثنين قال كفين قلت ثلاثة فقال ثلاث أكف كل ظفر كفّ حتى يصير خمسة فإذا قلم خمسه فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان «1» و كذا ما في صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في المحرم تطول أظافيره أو ينكسر بعضها فيؤذيه قال لا يقص شيئاً منها إن استطاع فإن كان تؤذيه فليقصها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «2» فلا ينافي ما ورد في صحيحة أبي بصير المتقدمة فإن صحيحة حريز واردة في الناسي و الحكم الوارد فيها استحبابي لما تقدم من عدم وجوب الكفارة على الناسي و الجاهل و صحيحة معاوية بن عمار واردة في صورة الاضطرار و لا يعم صورة الاختيار و يرفع اليد عن إطلاق صحيحة أبي بصير المتقدمة بحمل مدّ من طعام فيها على تقليم الظفر حال الاختيار. (1) إذا أفتى

مفت خطاءً بتقليم ظفره ففعل و أدماه لزم على المفتي شاة و قد نفى الخلاف فيه كما في الجواهر و يستدل على ذلك برواية إسحاق الصيرفي قال قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) أن رجلًا أحرم فقلم أظفاره و كانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه فقال على الذي افتى شاة «3» و مقتضى إطلاقها عدم اعتبار الاجتهاد في المفتي و لكن الرواية لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور على تقدير عملهم لم يعلم أنهم استندوا إليها بل لعل استنادهم إلى ما يأتي و هو موثقة عمار قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقلم أظفاره عن إحرامه قال يدعها

[24 قلع الضرس
اشارة

24 قلع الضرس

[ (مسألة 1): ذهب جمع من الفقهاء إلى حرمة قلع الضرس على المحرم

(مسألة 1): ذهب جمع من الفقهاء إلى حرمة قلع الضرس على المحرم (1)، و إن لم يخرج به الدم و أوجبوا له كفارة شاة، و لكن في دليله تأمّل بل لا يبعد جوازه. قلت فإن رجلًا من أصحابنا أفتاه بأن يقلّم أظفاره و يعيد إحرامه ففعل قال عليه دم يهريقه «1» و لكن هذه أيضاً لضعفها دلالة لا تصلح للاعتماد حيث من المحتمل لو لم يكن الظاهر هو رجوع الضمير في عليه إلى المحرم الفاعل لا من أفتاه مضافاً إلى عدم فرض الإدماء فيها و ما في الجواهر من أن إطلاق هذه يقيد بالقيد الوارد في السابقة فيه ما لا يخفى لما ذكرنا من أن ظاهر الموثقة كون الشاة أو الدم على الفاعل لا على المفتي و مع الإغماض عن ذلك لا وجه لتقييدها بالأولى فإن الإدماء لم يؤخذ فيها قيداً للجواب بل هو فرض السائل و قد تقدم أن التكفير بالدم في الموثقة على نحو الاستحباب حيث إنّ تقليم الظفر جهلًا لا يوجب الكفارة. (1) لا يجوز للمحرم قلع ضرسه إذا خرج به الدم و لم يكن له ضرورة إلى قلعه حال إحرامه لما تقدم من عدم جواز إخراج المحرم الدم من جسده مع عدم الاضطرار و أما مع عدم خروج الدم و الضرورة إلى قلعه فلا بأس فإنه ليس في البين ما يصلح للاعتماد عليه في الحكم بالمنع و تقدم ما يكون دليلًا على جواز إخراج الدم مع الضرورة و قيل أن كفارة قلع الضرس شاة و استدل عليه برواية محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان أن سأله وقعت في الموسم لم يكن عند

مواليه فيها شي ء محرم قلع ضرسه فكتب يهريق دماً «2» و الرواية لوهن سندها بالإرسال لا تصلح للاعتماد عليها مع أنه يمكن أن يكون المراد منها صورة الإدماء فإن قلعه مع عدم الإدماء فرض نادر سواء كان له ضرورة إلى القلع أم لا.

[25 حمل السلاح

اشارة

25 حمل السلاح

[ (مسألة 1): لا يجوز للمحرم حمل السلاح

(مسألة 1): لا يجوز للمحرم حمل السلاح كالسيف و الرمح و غيرهما (1) ممّا يصدق عليه السلاح عرفاً و ذهب بعض الفقهاء إلى عموم الحكم لآلات التحفّظ كالدرع و المغفر و هذا القول أحوط.

[ (مسألة 2): لا بأس بوجود السلاح عند المحرم إذا لم يكن حاملًا له

(مسألة 2): لا بأس بوجود السلاح عند المحرم إذا لم يكن حاملًا له و مع ذلك الترك أحوط.

[ (مسألة 3): تختص حرمة حمل السلاح بحال الاختيار]

(مسألة 3): تختص حرمة حمل السلاح بحال الاختيار، و لا بأس به عند الاضطرار و الخوف على نفسه و ما يتعلق به.

[ (مسألة 4): كفارة حمل السلاح شاة على الأحوط]

(مسألة 4): كفارة حمل السلاح شاة على الأحوط، و قد انتهى ما يحرم بالإحرام. (1) لا يجوز للمحرم لبس السلاح و حمله مع الأمن عند أكثر أصحابنا كما في المدارك و على المشهور كما عن كشف اللثام و غيره كما في الجواهر خلافاً للمحقق و العلامة في بعض كتبه و عن بعض آخر حيث ذكروا كراهة لبس السلاح و حمله و يدلّ على الحرمة صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم إذا خاف لبس السلاح «1» حيث إنّ مفهوم الشرطية عدم جواز لبسه مع عدم الخوف و دعوى عدم المفهوم لها لأن الشخص مع عدم الخوف لا يلبس السلاح كما عن العلامة يدفعها جريان العادة على اللبس لبعض الناس مع عدم الخوف أيضاً للتشخص و إظهار شجاعته و صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المحرم إذا خاف العدو يلبس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 340

.......... السلاح فلا كفارة عليه «1» و دلالتها على عدم الجواز كسابقتها بالمفهوم كما أنها تدل على جواز اللبس و الحمل مع الخوف و عدم الكفارة معه و لكن لا يستفاد منها المنع عن حمل المحرم السلاح بوضعه في أمتعته. ثمّ أنه إذا لبس المحرم السلاح مع عدم الخوف فمقتضى الصحيحة الثانية ثبوت الكفارة عليه و لكن كون الكفارة شاة فليس في البين ما يعينها إلّا دعوى انصراف الكفارة حيث يطلق إلى الشاة و هذا لو لم يكن ثابتاً و لكن رعايتها أحوط كما أنه إذا لم

يصدق على حمل السلاح اللبس فالأحوط أيضاً تركه فيما كان يأخذه معه كوضعه في ثوبه.

الصيد في الحرم و قلع شجرة أو نبته تذنيب قد تقدم حرمة الصيد في الحرم و ما يترتب عليه من الوضع و التكليف و كذا يحرم في الحرم على المحرم و المحل قلع كل شي ء نبت في الحرم و قطعه من شجر و نبات بلا خلاف كما في الجواهر و عن العلامة في المنتهي و التذكرة نسبته الحرمة إلى علماء الأمصار و يستدل على ذلك بصحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) حيث ورد فيها قال رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) إلّا أن الله قد حرم مكة يوم خلق السموات و الأرض و هي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لا ينفر صيدها و لا يعضد شجرها و لا يختلى خلاها و لا تحل لقطتها إلّا لمنشد فقال العباس يا رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) إلّا الإذخر فإنه للقبر و البيوت فقال رسول الله (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) إلّا الإذخر «2» و موثقة زرارة قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام)

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 341

.......... يقول حرم الله حرمه أن يختلى خلاه أو يعضد شجره إلّا الإذخر أو يصاد طيره «1» و قوله لا يعضد شجرها أي لا يقطع و لا يختلى خلاها أي لا يقطع نبتها الرطب كما في المجمع و في موثقته المروية في التهذيب قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول حرم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلا خلاه أو يعضد شجرة الإذخر أو يصاد طيره و حرم رسول الله (صلّى اللّه

عليه و آله و سلم) المدينة ما بين لا لابتيها صيدها الحديث «2» و ظاهر هذه الصحيحة تحديد المحكوم بما ذكر محدود ببريدين عرضاً و طولًا أي بريد عرضاً و بريد طولًا لا بريدين من كل جانب من البيت كما لا يخفى.

و في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتته أنت و غرسته «3» و في صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينزع من شجر مكة شي ء إلّا النخل و شجر الفاكهة «4» و ظاهرها عدم جواز القطع و القطع في غير النخل و شجر الفاكهة و في خبر حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال أن بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها و أن كانت نبت في منزله و هو له فليقلعها «5» و في خبره الآخر قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال أن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له أن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 342

.......... يقلعها و أن كانت طرقة عليه فله قلعها «1» و في سند الخبرين محمد بن يحيى الصيرفي و لم يثبت له توثيق ثمّ إن مقتضى الإطلاق في صحيحة حريز المتقدمة حرمة قطع ما ينبت في الحرم و لو كان ذلك بعد يبسه و صيرورته حشيشاً و قوله (عليه السلام) في الموثقين و يختلى خلاه بناءً على أن المراد به

النبات الرطب لا ينافي في الإطلاق في الصحيحة فيؤخذ بهما جميعاً و يؤخذه خبرا محمد بن مسلم و عبد الله بن سنان و في الأوّل منهما قلت لأحدهما (عليه السلام) ينزع الحشيش من غير الحرم قال نعم قلت له أن يحتش لدابته و بعيره قال نعم «2» و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم «3» فلا و مما ذكر ظهر الحال في قطع الشجر أو نزعه بعد يبسه فإن إطلاقه هذا مقتضاه عدم الجواز إلّا أنّ في سندها تأمل و الشجرة ظاهرة في الرطبة كما تقدم و عن العلامة في التذكرة و التحرير و الشهيدين في الدروس و المسالك جواز قطع اليابس فإنه كقطع العضو الميت من الصيد و هو كما ترى.

ثمّ أنه يستثني من عدم جواز القلع أمور: منها ما زرعه أو غرسه سواء كان ذلك في مكة أو غير و يشهد لذلك الاستثناء في صحيحة حريز المتقدمة و أما نزع ما كان طارئاً على بنائه داره و كذا قطعه فقد ورد جوازه في خبر حماد بن عثمان و لعل اعتبار طريان النبات و الشجر على بناء داره و مضربه لكونه هو الذي زرعه أو غرسه فيتحد مع مدلول الصحيحة و على تقدير كون المراد غير ذلك فلا اعتبار به لضعف سنده و منها قلع شجر الفواكه و النخل أو قطعها فإنه ورد جواز ذلك في صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 343

.......... و منها الإذخر و هو نبت معروف و قد ورد جواز قطعه أو نزعه في صحيحة حريز و الموثقتين.

و منها ما يجعل علوفة الإبل فإنه يجوز قطعه و نزعه كما

يدل على ذلك حسنة محمد بن حمران قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع فقال أما شي ء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه و حملها على ترك الإبل ترعى من حشيش الحرم و شجره كما عن الوسائل لا وجه فإن جواز ترك الحيوان أن يأكل و يرعى من نبات الحرم خارج عن مورد الأخبار الناهية بل في صحيحة حريز بن عبد الله الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء «1» و لعل الأمر في غير الإبل أيضاً كذلك لأنه لا يحتمل أن يترك الحيوان في الحرم جائعاً. و من هذا القبيل ما يقطع أو ينزع من نبات الحرم و حشيشه في الحرم راكباً أو راجلًا خصوصاً في الليل حيث إنّ هذا القطع و النزع لازم عادى لمشي الحيوان و الإنسان و لم يرد في شي ء من الروايات الردع عن ذلك فلاحظ و تدبر بقي في المقام أمران الأوّل أنه إذا كان أصل الشجرة في الحرم و الأغصان خارجه أو بالعكس حرم قطعها و قطع أغصان و كذا قلعها و يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحل فقال حرم فرعها لمكان أصلها قال قلت فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم قال حرام أصلها لمكان فرعها «2».

الثاني إذا نزع من شجر الحرم أو قطعه فعليه قيمة ما قطعه أو نزعه يتصدق بها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 344

.......... و لا شي ء في قطع اعشاب الحرم و حشيشه و نباته

و يدلّ على ثبوت الكفارة كذلك صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال عليه ثمنه يتصدق به و لا ينزع من شجر مكة شيئاً إلّا النخل و شجر الفواكه «1» و لو لا قوله (عليه السّلام) و لا ينزع من شجر مكة شيئاً إلخ لكان من المحتمل أن يجوز القطع من أراك مكة مع التصدق بثمنه كما أن الكفارة بالتصدق بثمنه و أن ورد في قطع شجر الأراك إلّا أنه بنفس قوله (عليه السلام) و لا تنزع يظهر أنه لا فرق بين الأراك و غيره نعم هذا فيما كان للمقطوع كالأراك قيمة و أما إذا لم يكن له قيمة فلا كفارة كما لا كفارة في قطع غير الشجر كما هو مقتضى الأصل و قد ورد فيما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم قال روى أصحابنا عن أحدهما (عليه السلام) أنه قال إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع فإن أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين «2» قال في الوسائل و قد حمل بعض الأصحاب هذه على صورة كون الشجرة كبيرة و لكن لا يخفى ما فيه فإنه مجرد جمع تبرعي مع أنها ضعيفة سنداً بالإرسال و دعوى أن الإرسال المذكور كإرسال ابن عمير عن غير واحد من أصحابنا لا يضر باعتبارها لأن الواسطة بين موسى و الإمام (ع) جماعة الأصحاب لا يمكن المساعدة عليها لأن موسى بن القاسم لا يمكن عادة أن يروي عن الصادقين (عليهما السلام) بواسطة واحدة و التعبير بأصحابنا لرعاية الطبقتين أو الأزيد من الواسطة و هذا معناه الإرسال لصدقة مع

كون الراوي عن الإمام واحداً لم يثبت وثاقته بل يمكن دعوى عدم إمكان الأخذ بمدلولها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 345

.......... حيث إنّ مدلولها جواز النزع إذا كفر عند ارادة النزع.

يكره للمحرم أمور منها نومه على فراش اصفر و كذا المرفقة الصفراء يعني المخدّة الصغراء، و يشهد لذلك صحيحة أبا بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: يكره للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر و المرفقة الصفراء «1» و نحوها غيرها.

و منها دلكه جسده، ففي صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المحرم يغتسل، فقال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «2» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المحرم يغتسل، قال: لا بأس ان يدخل المحرم الحمام و لكن لا يدلك «3» و باعتبار التسالم على الجواز و جريان السيرة على الارتكاب يرفع اليد عن ظاهر النهي بحمله على الكراهة حيث إن الدلك لو كان من محرمات الإحرام لكان ذلك من الأمور المتسالم عليه لكثرة الابتلاء.

و قد ذكر جماعة كراهة دخول المحرم الحمام و يدلّ عليه خبر عقبة بن خالد، و لكن لضعف سنده و عدم إحراز عمل المشهور به يكون مقتضاه عدم ثبوت كراهته. و منها تلبية من يناديه على المشهور، و عن ظاهر التهذيب عدم جوازه و في صحيحة حماد بن عيس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ليس للمحرم ان يلبّى من دعاه حتى يقضى إحرامه، قلت: كيف؟ يقول قال يا سعد «1» و ظاهر النهي عدم جوازها، و ما ذكرنا فيما تقدم من التسالم على الجواز و عدم وضوح حرمته أوجب حمل المنع على

التهذيب

في مناسك العمرة و الحج، ج 2، ص: 346

.......... الكراهة، و لكن فيه تأمل، و الأحوط تركه. و منها الإحرام في الثوب الأسود كما يدل عليه معتبرة الحسين بن المختار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يحرم الرجل بالثوب الأسود؟ قال: لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به الميتة «1» و النهي في الرواية و غيرها محمول على الكراهة، لحكومة صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) كل ثوب تصلى فيه فلا بأس ان تحرم فيه، و مقتضاه جواز الإحرام في الثوب الأسود لجواز الصلاة فيه، و قد يقال بكراهة الإحرام في الثوب المعلم و المخيط و يستدل على ذلك بصحيحة بن معاوية بن عمار قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا بأس ان يحرم الرجل في الثوب المعلم و تركه أحب إليه و في دلالته على الكراهة لا على أفضلية غيره تأمل.

و منها الإحرام في ثوب وسخ طاهر كما يدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال لا «2»، و لا أقول انه حرام و لكن تطهيره أحب إليّ، و طهره غسله و لا يغسل الرجل ثوب الذي يحرم فيه، حتى يحل و إن وسخ الا ان تصيبه جنابة أو شي ء بغسله، و قريب منها صحيحة علاء بن رزين المحتمل اتحادها جامع ما قبلها، و منها ما عن بعض من كراهة استعمال الحناء قبل الإحرام إذا بقي أثره إلى وقت الإحرام، و في رواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سألته: عن امرأة خاف الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخصب

يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: ما يعجبني ان تفعل «3»، و نفي البأس بالتداوي به للمحرم وجب حملها على الكراهة، و لكن فيه ما لا يخفى.

[الجزء الثالث

[تتمة كتاب الحج من غير العروة]

[فصل في الطواف و شرائطه

اشارة

فصل في الطواف و شرائطه الطواف، هو الواجب الثاني في عمرة التمتع، و يفسد الحج بتركه عمداً، سواء كان عالماً بالحكم أو جاهلًا به أو بالموضوع، و يتحقق الترك بالتأخير إلى زمان لا يمكن ادراك الركن من الوقوف بعرفات. من واجبات عمرة التمتع الطواف، و كذا الحج تمتعاً كان أو غيره، كما هو واجب في العمرة المفردة على ما تقدم عند الكلام فيها، و يبطل كل من الحج و عمرة التمتع بتركه متعمداً مع العلم بلا خلاف بل مع الجهل ايضاً على الأظهر، كما صرح بذلك جماعة، و يدلّ على البطلان بتركه في الحج و لو جهلًا، مضافاً الى كون ذلك مقتضى الجزئية صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة: قال ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد و عليه بدنة «1» و يؤيدها خبر علي بن أبي حمزة قال: سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى رجع الى أهله قال إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «2» و هي على رواية الشيخ مرسلة و على رواية الصدوق مسندة إلى أبي الحسن (عليه السّلام) الا ان فيه سهي ان يطوف و أما بطلان في عمره التمتع فلكونه مقتضى كونه جزءاً لها لا يقال تقييد الحكم بالإعادة في الصحيحة بتركه في الحج جهلًا، مقتضاه عدم الحكم بها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 6

و يتحقق الترك في عمرة التمتع بالتأخير إلى زمان لا يمكنه

إدراك الركن من الوقوف الاختياري (1) بعرفات ثم انه إذا بطلت عمرة التمتع بطل إحرامه ايضاً على الأظهر و الأحوط بتركه جهلًا في العمرة، فإنه يقال مقتضى التقييد عدم ثبوت كلا الأمرين في العمرة، لا عدم ثبوت الإعادة مجردة عن التكفير، بل ترك الطواف في عمرة التمتع يوجب بطلان حجّة فيكون عليه اعادة الحج، و إعادة حج التمتع لا يكون إلا بالإتيان بعمرة التمتع ثانياً، و دعوى عدم وجوب القضاء في الفرض أخذاً بقوله (عليه السّلام) ناقلًا عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) رفع عن أمّتي ما لا يعلمون لا يمكن المساعدة عليها، لان حديث الرفع لا ينفي القضاء الذي موضعه فوت الواجب الواقعي، لا ارتكاب الفعل جهلًا. فما عن الأردبيلي و صاحب المدارك (قدّس سرّهما) في الميل الى الحكم بعدم وجوب القضاء أخذاً برفع ما لا يعلمون ضعيف، نعم إذا كان ترك الطواف فيها أو في الحج نسياناً لا يحكم بالبطلان بل عليه قضاء الطواف مباشرة أو بالاستنابة و الأحوط الاقتصار في الاستنابة بصورة عدم التمكن من المباشرة أو كونه حرجياً، و يدلُّ على ذلك صحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم الى بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حج و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة و وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه «1». (1) بطلان الحج بترك طواف عمرة متعمداً و لو كان مع الجهل و عدم العلم قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من (مسائل فصل في كيفية حج التمتع)، و ذكرنا

فيها ان الملاك في إدراك عمرة التمتع الفراغ منها بحيث يتمكن بعدها من الإحرام للحج و إدراك الركن من الوقوف الاختياري بعرفة، و إذا فرض ان المكلف آخر في الفراغ منها متعمداً بترك طوافها تكون عمرتها محكومة بالبطلان، و بعد بطلانها لا يحتاج في الخروج عن إحرامها إلى محلل حيث ان بطلانها لبطلان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 7

الأولى حينئذٍ العدول الى حج الافراد و على التقديرين تجب اعادة الحج من قابل (1). الحج يوجب بطلان الإحرام لا محالة، حيث ان مقتضى الواجب الارتباطي بعدم الإتيان بها بتمامها بطلان بعضه المأتي به ايضاً، و ما عن المدارك و غيرها من احتمال بقاء الإحرام ضعيف و مشروعية العدول الى حج الافراد يحتاج الى قيام دليل عليه، نعم لا بأس به رجاء كما عبر عن ذلك في المتن بالأحوط الاولى، و سيأتي ان ترك الطواف نسياناً و التذكر بها بعد فوت وقت عمرة التمتع و إن لا يوجب بطلانها بل يصح الحج تمتعاً بتلك العمرة، غاية الأمر يقضي ذلك الطواف المنسي، الا ان لزوم قضائه لا يوجب بقاء إحرامها أو بقاء إحرام الحج، و الالتزام ببقائه استظهاراً من إيجاب بعث الهدى في صورة النسيان إذا واقع النساء، و إيجاب البدنة في صورة ترك الطواف جهلًا لا يمكن المساعدة عليه، لعدم الملازمة بين الخروج عن الإحرام و إيجاب شي ء عليه بعد خروجه منه كفارة كانت أو القضاء، لان كلا من القضاء و حرمة ارتكاب المحرمات و وجوب الكفارة تكليف آخر و غير داخل في العمرة أو الحج، بل الداخل فيها الجزء الادائي و منه الإحرام لهما المنطبق على نفس التلبية. (1) إذا كانت عمرة التمتع

محكومة بالبطلان بترك طوافها متعمداً و لو جهلًا يبطل حج التمتع، كما يبطل بترك طواف حجة، و عليه فان كان على المكلف حجة الإسلام فعليه اعادتها سواء عدل بعد بطلان عمرة التمتع الى حج الإفراد أم لا، نعم إذا إذا لم يكن عليه حجة الإسلام فلا شي ء عليه على التقديرين، لان المفروض أن ما أتى به من عمرة التمتع الفاسد كان مع العدول الى حج الافراد لا يوجب عليه شيئاً سواء كان العدول بحسب مقام الثبوت صحيحاً أو باطلًا.

هذا كله بالإضافة إلى ترك طواف العمرة أو الحج متعمداً مع العلم و الجهل، و أما تركه فيهما أو في أحدهما نسياناً فلا يوجب بطلان العمرة و الحج، بل يجب عليه

[يعتبر في الطواف أمور]
اشارة

يعتبر في الطواف أمور:

[الأول النية]

الأول النية فيبطل الطواف إذا لم يقترن بقصد القربة (1).

[الثاني الطهارة من الحديثين الأكبر و الأصغر]
اشارة

الثاني الطهارة من الحديثين الأكبر و الأصغر فلو طاف المحدث عمداً و لو جهلًا أو نسياناً لم يصح طوافه (2) و يعد ممن ترك الطواف جهلًا. قضاء الطواف و لو في غير ذي الحجة كما يأتي. (1) لا ينبغي التأمل في ان الطواف المعتبر في العمرة أو الحج في الفعل الاختياري المتعلق به الأمر الضمني في ضمن الأمر بالعمرة و الحج و الفعل الصادر من غير قصد أصلًا لا يتعلّق به الأمر سواء كان نفسياً مستقلا أو ضمنياً، فإنه اما غير اختياري أو خطائي، فالقصد الى الفعل المخرج عن كونه خطاء أو غير اختياري معتبر في متعلق التكليف المتعلق بالفعل المباشري، و أما اعتبار قصد التقرب في الطواف كسائر اعمال العمرة و الحج فهو مقتضى كونهما عبارتين و الطواف جزء من كلّ منهما و يستفاد كونهما كذلك من قوله سبحانه وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و قوله لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ و كون الحج كالصلاة و الزكاة و الصوم مما بني عليه السلام و العمل الذي بني عليه الدين لا يكون غير عبادة، بل لا يبعد ان يكون اعتبار كونهما عبادة من الضروريات عند المسلمين. (2) يعتبر في الطواف الواجب اي ما كان جزءً من العمرة أو الحج و كذا طواف النساء الطهارة من الحدث الأصغر و الأكبر، و قد نفى الخلاف عن اعتبارها فيه، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه. و يدلُّ على ذلك غير واحد من الروايات، منها صحيحة معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللَّه لا بأس ان يقضي المناسك كلها على غير وضوء الا الطواف بالبيت و الوضوء

أفضل «1»، و صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما (عليهما السّلام) عن رجل طاف طواف الفريضة على غير وضوء؟ قال يتوضأ و يعيد طوافه و إن كان تطوعاً توضأ و صلّى ركعتين «2» و المراد بالطواف تطوعاً ما لم يكن جزءً

[ (مسألة 1) إذا أحدث المحرم أثناء طوافه فله صور]

(مسألة 1) إذا أحدث المحرم أثناء طوافه (1) فله صور: الأولى ان يكون ذلك قبل بلوغه النصف ففي هذه الصورة مبطل طوافه و تلزمه الا بمادته بعد الطهارة الثانية ان يكون الحدث بعد إتمامه الشوط الرابع و من دون اختياره ففي هذه يقطع طوافه و يتطهر و يتمه من حيث قطعه الثالثة ان يكون الحدث بعد النصف و قبل تمام الشوط الرابع أو يكون بعد تمامه من عمرة أو حج، حيث لا يعتبر فيه الطهارة من الحدث الأصغر في موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: له رجل طاف على غير وضوء فقال: ان كان تطوعاً فيتوضأ و ليصلّ «1»، و مما ذكر أن ما عن الحلبي من اعتبار الوضوء في الطواف المندوب أيضاً أخذاً ببعض الإطلاق اللازم رفع اليد عنه بما ذكر لا يمكن المساعدة عليه، و هذا بالإضافة إلى الوضوء، و أما الطهارة من الحدث الأكبر فالأظهر اعتبارها في الطواف المندوب أيضاً أخذاً بالإطلاق في مثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف قال يقطع طوافه و لا يعتد بشي ء «2» نعم يرفع اليد عما ورد في ذيلها و سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء قال: يقطع طوافه و لا يعتد به بالإضافة إلى الطواف المندوب لما

مر من عدم اعتبار الوضوء فيه. و المحكي عن التهذيب عدم اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر و الأصغر في الطواف المندوب، و قواه في الجواهر و حكم بصحة طواف الجنب إذا دخل المسجد ناسياً جنابته ثم ذكرها بعد الفراغ، و فيه ما تقدم، و لكن لا يبعد كون من عليه غسل المس كما ذكره ثم إنه كما أشرنا ظاهر ما ورد ذكره في جواز الطواف من غير وضوء تطوعاً و نافلة هو الطواف المندوب لنفسه، فلا يدخل فيه ما يكون جزء من العمرة المندوبة أو الحج المندوب مع ان ما يكون جزء منها واجب لا مستحب و تطوع. (1) إذا أحدث الطائف في الأثناء فالمشهور جواز البناء على ذلك الطواف بعد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 10

مع صدور الحدث عنه بالاختيار، و الأحوط في هذين الفرضين ان يتم طوافه بعد الطهارة من حيث قطع ثم يعيده. و يجزي عن الاحتياط المذكور ان يأتي بعد الطهارة بطواف كامل يقصد به الأعم من التمام و الإتمام و معنى ذلك ان يقصد الإتيان بما تعلّق بذمّته سواء أ كان هو مجموع الطواف الثاني أو الجزء المتمم للطواف الأول و يكون الزائد لغواً. التطهير إذا أكمل الشوط الرابع قبل الحدث، و فسّر بذلك تجاوز النصف في كلام بعضهم، و الإعادة فيما إذا كان الحدث قبل إكماله، و يستدل على ذلك بمرسلة جميل عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه قال يخرج و يتوضأ فان كان جاز النصف بنى على طوافه و إن كان أقل من النصف أعاد الطواف «1» و لا يبعد انصرافها عن صورة التعمد في إحداث الحدث، حيث

ان الطائف لحرمة المسجد الحرام و كونه حال العبادة لا يرتكب ذلك، نعم يمكن ذلك بغير اختياره أو بغير التعمد.

و حيث ان المشهور عملوا بالرواية فإن كان فيها ضعف من جهة الإرسال و اغمض عن كون جميل من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على الصحيح ما يصح عنهم يكون عمل المشهور جابراً لضعفها، و لكن يحتمل قوياً ان وجه العمل بمثلها ما ذكره الكشي من الإجماع، و ذكرنا في محلّه ان هذا الكلام لا يدل على اعتبار مرسلاتهم أو الروايات التي ينقل هؤلاء عن الثقة و المجهول، و عليه يشكل الاعتماد على هذه المرسلة، و قد يقال ان مقتضى القاعدة صحة الطواف إذا قطع طوافه عند الحدث و توضأ فأتمّ حيث لا دليل على اعتبار الطهارة في الآنات المتخللة بين الحركات الطوافية و الأشواط نظير اعتبارها في الآفات المتخللة بين أجزاء الصلاة، حيث لم يتم في الطواف على اعتبار وضوء واحد، و أن الحدث قاطع غاية الأمر يلتزم بالبطلان بوقوع الحدث قبل بلوغ النصف للتسالم بين الأصحاب بحيث لم

[ (مسألة 2) إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في أثنائه

(مسألة 2) إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في أثنائه فإن علم الحالة السابقة كانت هي الطهارة و كان الشك في صدور الحدث بعدها لم يعتن بالشك (1) و إلا وجبت عليه الطهارة أو استينافه بعدها ينقل من أحد من أصحابنا، و هذا يكشف عن كون ذلك أمراً مسلّماً حتى مع قطع النظر عن مرسلة الجميع، أقول: الظاهر من قوله (عليه السّلام) يقضى المناسك بغير وضوء الا الطواف فان فيه صلاة، ان اعتبار الطهارة من الحدث في الطواف نظير اعتبارها في الصلاة، غاية الأمر يؤخذ بالقاعدة المقتضية للبطلان فيما إذا أحدث قبل بلوغ

النصف و لو من غير تعمّد، و يحتاط في غيره بالإتمام بعد الوضوء ثم الإعادة بعد الإتيان بصلاته، و يمكنه الإتيان بسبعة أشواط بعد الوضوء بقصد الأعم من التمام و الإتمام، حيث لو كانت الوظيفة الإتمام تكون الأشواط الزائدة لغواً لم يقصد بها الطواف و إن كانت الإعادة فقد أتى بطواف كامل. (1) إذا أحرز الطائف طهارته سابقاً و شك في بقائها يجوز له الطواف للاستصحاب في ناحيتها سواء كان الشك بعد الشروع في الطواف أو كان قبله، و إذا شك بعد فراغه منه يأتي بصلاة الطواف بالطهارة المستصحبة.

و أما إذا لم يحرز طهارته السابقة فإن كان محدثاً بالأصغر و شك في أنه توضأ بعد الحدث يجرى الاستصحاب في ناحية حدثه، فعليه أن يتوضأ و يطوف. و كذا فيما إذا توضأ و أحدث و شك في المتقدم و المتأخر منهما سواء قيل بعدم جريان الاستصحاب في ناحية الحدث و الوضوء لعدم تمام أركان الاستصحاب في ناحية شي ء منهما أو قيل لتساقطهما بالمعارضة، حيث يلزم عليه إحراز طهارته في طوافه، و إذا كانت الحالة السابقة الحدث أو لم يعلم أنها الحدث أو الطهارة و شك في أثناء الطواف أنه توضأ ثم طاف أو انه لم يتوضأ فعليه أن يتوضأ و يستأنف طوافه لما تقدم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 12

.......... من اعتبار وقوع الطواف من أوله إلى آخره بوضوء واحد كاعتبار وقوع الصلاة من أولها إلى آخرها كذلك، كما هو ظاهر قوله (عليه السّلام) يقضى المناسك بغير الوضوء الا الطواف فان فيه صلاة، حيث ان مقتضى التعليل ان الطواف كالصلاة في جهة اعتبار الطهارة من الحدث، و ما ورد في أن من أحدث

بعد تجاوز النصف يتوضأ و يبنى على الأشواط السابقة على تقدير الالتزام به لا يعمّ المقام، فان الحدث المحتمل لو كان واقعاً فهو من أول الطواف، و ما قبل من ان مقتضى قاعدة الفراغ في الأشواط السابقة وقوعها مع الطهارة و مع التوضؤ لما بقي يحرز الطهارة في جميع الأشواط، نظير من شك المصلّى بعد الفراغ من صلاة الظهر يحكم بصحة صلاته بقاعدة الفراغ و يتوضأ و يصلى العصر فيحرز وقوع كلتا الصلاتين بالطهارة، و الرد عليه بان عدم الوضوء واقعاً في صلاة الظهر لا يوجب بطلان العصر لسقوط الترتيب بين الصلاتين عند العذر، بخلاف ترتب الأشواط الباقية فإن صحتها متوقفة على الطهارة الواقعية.

الشك في الطهارة أثناء الطواف و بعد الفراغ منه في الأشواط السابقة لا يمكن المساعدة على شي ء من توجيه الصحة و الرد عليه، فإنه لو لم يعتبر وقوع الطواف من أوّله الى آخره بطهارة واحدة كان لما ذكر مجال، فيكون الحال في الشك في أثناء الطواف كالشك بعد الفراغ منه، حيث يبني على صحة طوافه و وقوعه بالطهارة و مع ذلك يتوضأ و يصلي صلاة الطواف، و المفروض أن صحة صلاته موقوفة على حصول الطهارة الواقعية في الطواف، و الّا كانت صلاته بعد الوضوء محكومة بالبطلان ايضاً، و أما إذا قلنا باعتبار وقوع الطواف من أوله الى آخره بطهارة واحدة، فلا مورد لقاعدة الفراغ في الأشواط السابقة لعدم

[ (مسألة 3) إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك

(مسألة 3) إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك (1) و ان كانت الإعادة أحوط و لكن تجب الطهارة لصلاة الطواف. إمكان إثبات الطهارة بالإضافة إلى الأشواط اللاحقة كما هو الحال في الشك في الطهارة في أثناء الصلاة، حيث قاعدة

الفراغ الجارية في العمل المشروط لا تحرز نفس ما يطلق عليه شرط كالوضوء في المقام بل يحرز بها وقوع العمل المفروغ عنه بالشواط أو الأشواط السابقة أو الأجزاء السابقة من الصلاة، بناء على اعتبار وقوع الطواف و الصلاة بطهارة واحدة غير داخلة في العمل المفروغ منه.

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما إذا كان محدثاً بالأكبر كما إذا كان جنباً و شك في أثناء طوافه انه اغتسل من جنابته ثم دخل في الطواف أو أنه لم يغتسل فإنه يحكم ببطلان طوافه، و إن عليه ان يستأنفه بعد ان يغتسل، و أما إذا شك في اغتساله بعد الفراغ من طوافه و قبل ان يصلى صلاته يغتسل لصلاته و لا يعيد طوافه، الّا مع الفصل كثيراً بين طوافه و صلاته فإنه معه يعيد طوافه ايضاً على الأحوط.

و هذا فيما إذا لم يحدث بالأصغر بعد طوافه و قبل صلاته و إلا يجب الجمع بين الاغتسال و الوضوء لصلاة طوافه، حيث انه يعلم تفصيلًا ببطلان صلاة طوافه إذا لم يتوضأ لأنه ان كان لم يغتسل قبل طوافه فصلاته أيضاً باطلة لبطلان طوافه، و إن كان مغتسلًا لطوافه فصلاته باطلة لعدم وضوئه لها فلا مجال للأصل في ناحية صلاة الطواف بلا وضوء، و لكن يجري قاعدة الفراغ في ناحية طوافه فيحكم باجزائه و بالجمع بين الغسل و الوضوء لصلاته التيمم للطواف للعاجز عن استعمال الماء (1) قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة السابقة.

[ (مسألة 4) إذا لم يتمكن المكلف من الوضوء يتيمم و يأتي بالطواف

(مسألة 4) إذا لم يتمكن المكلف من الوضوء يتيمم و يأتي بالطواف (1) و إذا لم يتمكن من التيمم أيضاً جرى عليه حكم من لم يتمكن من الطواف أصلا فإذا حصل له البأس من التمكن لزمته الاستنابة

للطواف، و الأحوط الاولى ان يأتي هو ايضاً بالطواف من غير طهارة. (1) إذا لم يتمكن المكلف من الطهارة المائية لطواف عمرة التمتع الى قبل إحرامه للحج و الخروج الى عرفة للوقوف بها أو لا يتمكن منها لطواف الحج قبل انقضاء ذي الحجة، فعليه التيمم لطوافهما فان اعتبار الوضوء أو الغسل في الطواف كما ذكرنا كاعتبارهما في الصلاة لكونهما طهارة، و مع عدم التمكن منهما يكون المقام مشمولًا لمثل قوله (عليه السّلام) إذا تيمّم فقد فعل أحد الطهورين، أي طهارتين. و إن التراب أحد الطهورين، و كما إذا تيمم لصلاته فيما كان التيمم لها مشروعاً جاز له الإتيان بسائر ما يكون جوازه مشروطاً بالطهارة، كدخول المساجد و المكث فيها و مس المصحف و غير ذلك، كذلك إذا تيمم لطوافه جاز له الإتيان بها و بصلاة الطواف ما لم ينتقض التيمم بالحدث، أو بالتمكن من الطهارة المائية، فما عن العلامة و ولده من عدم جواز دخول الجنب في المسجدين و لا المكث في سائر المساجد، فلا بد من ان يكون المراد ما إذا تمكن من الطهارة المائية لسائر ما هو واجب عليه أو مستحب من المشروط بالطهارة المائية، واراد التيمم لمجرد الدخول في المسجدين أو المكث في المساجد.

و مما ذكرنا يظهر الحال في الموارد التي يكون المكلف متوضأً أو مغتسلًا بالوضوء أو الغسل العذري، كصاحب الجبيرة و ارتفع عذره من غير ان يصدر منه حدث حيث يجوز له الإتيان لسائر ما هو مشروط بالطهارة حيث إن ما دل على عدم انتقاض الوضوء و الغسل الا بالحدث، مقتضاه بقاء طهارته الى حدوث الحدث منه،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 15

.......... و لا يقاس بالتيمم حيث

يبطل التيمم بالحدث و بالتمكن من الطهارة المائية، و على ذلك إذا كانت الجبيرة مستوعبة لجميع وقت الصلاة فتوضأ أو اغتسل جبيرة لها فيجوز له الإتيان بالطواف بتلك الطهارة و لو ارتفع عذره بعد وقت تلك الصلاة، نعم إذا ارتفع عن صاحب السلس و المبطون العذر بعد وقت صلاة لا يجوز له الاكتفاء بالوضوء السابق ان لم يخرج منه قطرة بول بعد انقضاء وقت الصلاة، لأن المقدار الثابت من عدم ناقضية قطرات البول بالإضافة الى ما يأتي زمان السلس على اشكالٍ في ذلك ايضاً، و أما بالإضافة إلى زمان انقضاء عنوان السلس فلا بأس بالأخذ بإطلاق ما دلّ على ان خروج البول ناقض و موجب للوضوء، و هكذا الحال أيضاً في المبطون و المستحاضة، نعم يأتي الأحوط في المستحاضة الوضوء لطوافها و الوضوء الآخر لصلاة الطواف إذا كانت باستحاضة قليلة، و إن كانت متوسطة تغتسل لها و تتوضأ لكل منهما، و إن كانت كثيرة تغتسل لكل منهما و تتوضأ ايضاً لكل منهما على الأحوط.

و في كشف اللثام ان الأصحاب قاطعون بان المبطون يطاف عنه، و في الجواهر لعل الفارق النص، و الّا فالقاعدة تقتضي الاكتفاء بالطهارة المائية أ أقول: و قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما «1»، و فيما رواه الصدوق بإسناده عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الكسير يحمل و يرمى الجمار و المبطون يرمى عنه و يصلي عنه «2»، و لكنها محمولة على صورة عدم تمكنه من الطواف لعجزه، لا من جهة الطهارة بقرينة الأمر بالرمي عنه مع ان الطهارة غير معتبرة في

رمي الجمار، بل ذكر الكسير معه ايضاً، مع أنه مكلف بالوضوء جبيرة و انه طهارة لصلاته، هذا كله مع التمكن من الطهارة المائية و لو كانت اضطرارية، أو من الطهارة الترابية مع عدم التمكن من المائية، و مع عدم تمكن

[ (مسألة 5) يجب على الحائض و النفساء بعد انقضاء أيامهما]

(مسألة 5) يجب على الحائض و النفساء بعد انقضاء أيامهما (1) و على المجنب الاغتسال للطواف و مع تعذر الاغتسال و اليأس من التمكن منه يجب الطواف مع التيمم، و الأحوط الأولى حينئذٍ الاستنابة أيضاً و مع تعذر التيمم تتعين الاستنابة.

[ (مسألة 6) إذا حاضت المرأة في عمرة التمتع حال الإحرام أو بعده و قد وسع الوقت لأداء اعمالها صبرت

(مسألة 6) إذا حاضت المرأة في عمرة التمتع حال الإحرام أو بعده و قد وسع الوقت لأداء اعمالها صبرت (2) الى ان تطهر فتغتسل و تأتي بأعمالها، و إن لم يسع الوقت فللمسألة صورتان الاولى: ان يكون حيضها عند إحرامها أو قبل ان تحرم ففي هذه الصورة ينقلب الشخص من شي ء منهما كمن تكون الجروح أو القروح مستوعبة لجميع أعضاء وضوئه و لم يكن عليه جبيرة فالمتعين ان يستنيب لطوافه، و إن كان الأحوط الاولى ان يأتي هو ايضاً بطوافه بلا طهارة، لاحتمال سقوطها عن الشرطية، و إن كان مقتضى الإطلاق في شرطية الوضوء للطواف عدم تمكنه من الطواف فيطاف عنه. (1) كما هو مقتضى اشتراط الطواف بالطهارة و عدم جواز دخول المسجد الحرام بحدث الحيض و النفاس و الجنابة فضلًا عن المكث فيه، و إذا لم يتمكن هؤلاء من الاغتسال تنتقل الوظيفة إلى التيمم على ما تقدم، و مع عدم تمكنها حتى مع التيمم تكون الوضيفة الطواف بالاستنابة. (2) إذا ضاق وقت عمرة التمتع الحائض و ذلك رعاية الترتيب المعتبر في اعمال العمرة، حيث ان سعيها متوقف على الفراغ من الطواف و صلاته، نعم إذا أحرزت انها لا تتمكن من الطواف حتى فيما إذا رجعت الى مكة بعد أفعال منى فعليها الاستنابة لطواف عمرتها، ثم تسعى بنفسها و تقصر ثم تحرم للحج، كما ان عليها بعد رجوعها من منى الاستنابة لطواف حجها و

طواف نسائها إذا لم تتمكن من الإتيان بهما مباشرة، و لو لانه لا يمكن لها البقاء الى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 17

حجّها الى الافراد، و بعد الفراغ من الحج تجب عليها العمرة المفردة إذا تمكنت منها، الثانية: ان يكون حيضها بعد الإحرام، ففي هذه الصورة تتخير بين الإتيان بحج الافراد بالعدول من إحرام التمتع اليه كما في الصورة الأولى، و بين أن تأتي باعمال عمرة التمتع من دون طواف فتسعى و تقصّر ثم تحرم للحج، و بعد ما ترجع إلى مكة بعد الفراغ من اعمال منى تقضي طواف العمرة قبل طواف الحج، و فيما إذا تيقنت ببقاء حيضها و عدم تمكنها من الطواف حتى بعد رجوعها من منى استنابت لطوافها ثم أتت بالسعي بنفسها، ثم ان اليوم الذي يجب عليها الاستظهار فيه بحكم أيام الحيض، فيجري حكمها.

[ (مسألة 7) إذا حاضت المحرمة أثناء الطواف

(مسألة 7) إذا حاضت المحرمة أثناء الطواف، فالمشهور على ان طروّ الحيض إذا كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها (1) و إذا كان بعده صحت ما أتت به، و وجب إتمامه بعد الطهر و الاغتسال. و الأحوط في كلتا الصورتين أن تأتي بسبعة أشواط تنوي بها الأعم من التمام و الإتمام هذا إذا وسع الوقت، و إلا سعت و قصرت و أحرمت للحج، و لزمها الإتيان بقضاء طوافها بعد الرجوع من منى و قبل طواف الحج على النحو الذي ذكرناه. تمام ذي الحجة في مكة.

و أيضاً ذكرنا في بحث الحيض وجوب الاستظهار بيوم بعد أيام حيضها، و أن المراد بالاستظهار كون الدم بحكم الحيض، ثم ان وظيفة الحائض في عمرة التمتع مع عدم سعة الوقت ذكرناها مفصلًا في المسألة الرابعة من مسائل (فصل

في صورة التمتع)، و تعرضنا فيها لاختلاف الأخبار الواردة فيها، و مقتضى الجمع بينها ما ذكرنا في المقام. (1) رؤية المرأة دم الحيض أثناء طواف عمرة التمتع قد تقدم في ذلك في المسألة الخامسة، (فصل في صورة حج التمتع) و ذكرنا فيها بما أن ما استدل به على جواز البناء على الأشواط السابقة بعد طهرها إذا

[ (مسألة 8) إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف و قبل الإتيان بصلاة الطواف صح طوافها]

(مسألة 8) إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف و قبل الإتيان بصلاة الطواف صح طوافها (1) و أتت بالصلاة بعد طهرها و اغتسالها، و إن ضاق الوقف سعت و قصّرت و قضت الصلاة قبل طواف الحج.

[ (مسألة 9) إذا طافت المرأة و شعرت بالحيض

(مسألة 9) إذا طافت المرأة و شعرت بالحيض (2) و لم تدر انه كان قبل الطواف أو قبل الصلاة أو في أثنائها أو أنه حدث بعد الصلاة، بنت على صحة طوافها و صلاته، و إذا علمت أن حدوثه كان قبل الصلاة و ضاق الوقت سعت و قصرت. فاجأها الحيض بعد الشوط الرابع لا يخلو عن قصور في السند، و معارض بصحيحة محمد بن مسلم الدالة على جواز البناء حتى ما إذا لم تكمل الشوط الرابع، بل ان طافت ثلاثة أشواط أو أقل فالأحوط مع سعة الوقت ينتظر طهرها و اغتسالها، و تأتي بسبعة أشواط بقصد الأعم من الإتمام و التمام ثم تأتي ببقية اعمال عمرة التمتع، و إن ضاقها الوقت تسعى و تقصّر و تحرم بالحج ثم تأتي بسبعة أشواط بعد رجوعها من أفعال منى قضاء بقصد الأعم من الإتمام و التمام قبل طواف الحج. (1) و ذلك لصحيحة زرارة قال سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل ان تصلّي الركعتين، فقال: ليس عليها إذا طهرت الا الركعتين و قد قضت الطواف «1» و في رواية أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل ان تصلي الركعتين؟ قال: إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم و قد قضت طوافها «2» و مقتضاهما انها إذا طهرت مع سعة الوقت يتم عمرتها بالركعتين بعد اغتسالها ثم تأتي

بالسعي و التقصير و طوافها محكومة بالصحة و مع ضيق الوقت تؤخر الركعتين الى ما بعد رجوعها إلى مكة بعد أفعال منى على قرار ما تقدم في حدوث الحيض أثناء الطواف بان تقدم الركعتين على طواف الحج. (2) الحكم بالصحة في الفرض على طوافها و صلاتها لا يتوقف على جريان

[ (مسألة 10) إذا دخلت المرأة مكة متمكنّة من اعمال العمرة، و لكنها أخرتها الى ان حاضت حتى ضاق الوقت مع العلم و العمد]

(مسألة 10) إذا دخلت المرأة مكة متمكنّة من اعمال العمرة، و لكنها أخرتها الى ان حاضت حتى ضاق الوقت مع العلم و العمد فالظاهر فساد عمرتها (1) و الأحوط ان تعدل الى حج الافراد و لا بدّ لها من اعادة الحج في السنة القادمة.

[ (مسألة 11) الطواف المندوب لا تعتبر فيه الطهارة]

(مسألة 11) الطواف المندوب لا تعتبر فيه الطهارة فيصح بغير طهارة (2) و لكن قاعدة الفراغ ليشكل في جريانها في المقام، مع فرض غفلتها عن حالها عند طوافها أو صلاة طوافها لاحتمال الذكر حال العمل في جريانها، بل الحكم بها للاستصحاب في ناحية طهرها و طهارتها الى ما بعد الفراغ منها. (1) ما ورد في الاخبار المتقدمة من ان المرأة إذا طمثت بعد إحرامها قبل دخول مكة أو بعد دخولها، من أنها تخرج باحرامها للعمرة إلى الوقت بعرفة و تأتي بحج الافراد و بعد فراغها من الحج تأتي بالعمرة المفردة أو أنها تأتي بالسعي و التقصير و تحرم لحج التمتع و تقضي طواف عمرة بعد رجوعها من منى، و مقتضاها أجزاء كل منهما عن فرضها، أي حجة الإسلام منصرفها ما إذا صارت حائضاً مع ضيق وقتها بان لا يمكنها الصبر الى ان تأتي بطواف عمرة التمتع و بقية اعمالها بعد طهرها لفوت الوقوف الاختياري بعرفة على ما تقدم، و أمّا المرأة التي كان وقت عمرتها وسيعاً و مع علمها بحدوث حيضها، بل مع الاطمئنان ايضاً أخرت اعمالها الى ان صارت حائضاً و ضاق الوقت فلا يشملها، نعم عدولها الى حج الافراد لاحتمال عدم بطلان إحرامها، و خروجها بحج الافراد عن إحرامها بل كون وظيفتها ايضاً العدول الى حج الافراد واقعاً محتمل، و لكن مقتضي ما دلّ على وجوب حج التمتع للنائي

و عدم الدليل على مشروعية العدول بطلان تلك العمرة و الحج، و على ذلك فاللازم وجوب اعادة الحج في السنة القادمة. (2) قد تقدم في اعتبار الطهارة من الحدثين في الطواف الذي هو جزء الحج

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 20

صلاته لا تصلح الا عن طهارة.

[ (مسألة 12) المعذور يكتفي بالطهارة العذرية]

(مسألة 12) المعذور يكتفي بالطهارة العذرية كالمجبور و المسلوس، و أما المبطون فالأحوط أن يجمع مع التمكن بين الطواف بنفسه و الاستنابة، و أمّا المستحاضة فالأحوط لها ان تتوضأ لكل من الطواف و صلاته.

ان كانت الاستحاضة قليلة، (1) و إن تغتسل غسلًا واحداً لهما و تتوضأ لكل منهما ان كانت الاستحاضة متوسطّة، و أما الكثيرة، فتغتسل لكل منهما من دون حاجة الى الوضوء ان لم تكن محدثة بالأصغر، و الّا فالأحوط ضم الوضوء الى الغسل. و العمرة أنه و إن لم تكن الطهارة من الحدث الأصغر معتبرة في الطواف المندوب الا أنه لا يبعد عدم الجنابة، و حدث الحيض و النفاس معتبراً فيه لا لعدم جواز الدخول في المسجد فقط، بل حتى في صورة نسيان الحدث ايضاً طوافه محكوم بالبطلان، كما هو مقتضي الإطلاق في صحيحة علي بن جعفر حيث ان إطلاقها يقتضي عدم الاعتداد بذلك، و لو حصل التذكر بالجنابة فيما بقي منه شوط واحد، و دعوى انصرافها الى الطواف الواجب يدفعها ملاحظة سائر الأخبار الواردة في الباب حيث استفصل (عليه السّلام) فيها بين الطواف المندوب و الواجب فما فرض عدم الوضوء. (1) اعتبار الطهارة في طواف المستحاضة قد ذكرنا في المسألة الرابعة من مسائل الأمر الثاني جواز الاكتفاء في الطواف بالوضوء العذري، أو الغسل العذري، إذا لم يتمكن من الوضوء أو الغسل الاختياري، كصاحب

الجبيرة و ذكرنا ايضاً الاكتفاء بالتيمم مع عدم التمكن من الطهارة المائية، و أما المستحاضة فقد ذكر المشهور من أصحابنا ان ما يعتبر في حقها طهارة بالإضافة إلى صلاتها فهو طهارة في حقها بالإضافة إلى طوافها، و بتعبير آخر يكون طوافها كصلاتها و صلاة طوافها صلاة حقيقة، و لازم ذلك انه ان كانت مستحاضة

[الثالث من الأمور المعتبرة في الطواف الطهارة من الخبث
اشارة

الثالث من الأمور المعتبرة في الطواف الطهارة من الخبث، فلا يصح الطواف مع نجاسة البول و اللباس (1) و النجاسة المعفو عنها في الصلاة كالدم الأقل من الدرهم، لا يكون معفواً عنها في الطواف على الأحوط. باستحاضة قليلة تتوضأ لطوافها، و تتوضأ بعد الطواف لصلاته، و إن كانت متوسطة تغتسل للطواف و صلاته معاً و تتوضأ لكل منهما، و إن كانت كثيرة تغتسل لكل من طوافها، و صلاة طوافها و يستظهر ذلك مما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المستحاضة أ يطؤها زوجها و هل تطوف بالبيت قال: تقعد قرأها الذي تحيض فيه الى ان قال كل شي ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت «1» و وجه الاستظهار هو أن الطهارة معتبرة في الطواف كاعتبارها في الصلاة، فيكون ظاهر قوله عليه كل شي ء استحلت به الصلاة انه يلزم في طوافها ما يلزم لصلاتها، و حيث ان الطهارة المعتبرة في صلاة المستحاضة تختلف باختلاف كونها مستحاضة قليلة أو كثيرة أو متوسطة، فكذلك تختلف في طوافها و احتمال كون المراد ان يأتيها زوجها بعد صلاتها بما ذكر من الغسل من استحاضتها أو يطوف بالبيت بعد صلاتها بذلك الغسل ضعيف غايته، و إلا كان المذكور

وكل شي ء أحلّته الصلاة لاستحلت به الصلاة، و على الجملة الطهارة المعتبرة لصلاتها معتبرة في طوافها و صلاة طوافها، و حيث ان الغسل يجزي عن الوضوء في المستحاضة الكثيرة، فالوضوء غير محتاج اليه. بل لا يبعد ان يقال بالاكتفاء بغسل واحد لهما كما لا يخفى مع عدم الفصل بينهما. (1) اعتبار طهارة الثوب و البدن في الطواف أكثر أصحابنا اعتبروا في صحة الطواف طهارة الثوب و البدن، بل عن العلامة عدم العفو عما يعفى عنه في الصلاة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 22

.......... يستدل على الاعتبار بالنبوي المروي الطواف بالبيت صلاة، و بخبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللَّه عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج و يغسله ثم يعود فيتمّ طوافه «1» ظاهره أن لا يضر نجاسة ثوبه مع جهله، لانه (عليه السّلام) ذكر البناء على ما طاف فيتمّه بعد غسله، و لو كانت نجاسته مانعة حتى في صورة الجهل لكان الواجب الإعادة، و لكن نوقش في الخبرين بضعف السند، و إن ظاهر الثاني عدم العفو عن الدم مع كونه أقل، لأن الأمر بعرفان موضعه و التعرف عليه انما يحتاج مع قلة الدم، فالكثير لا يحتاج الى التعرف بموضعه قبل الخروج، و مع الغض عن ذلك فمقتضى إطلاق الجواب و عدم الاستفصال عن قلته و كونه بمقدار العفو عدم الفرق بين الحالتين، و لكن لا يخفى ان الخبر الثاني رواه الصدوق (قدّس سرّه) بإسناده عن يونس بن يعقوب و ليس في سنده من يناقش فيه الا الحكم بن مسكين، و هو على ما ذكرنا من المعاريف الذين

لم يرد فيهم قدح، و هذا المقدار يكفي في اعتبار خبره لان تصدى جماعة من الرواة و بينهم الأجلاء لأخذ الروايات عن شخص يوجب كونه محط الانظار، و إذا لم يرد فيه قدح و لو بطريق غير معتبر يكشف ذلك عن حسن ظاهره في عصره و لا بأس بالالتزام بعدم العفو في الطواف عن النجاسة المعفو عنه أي الدم القليل في الصلاة، و في مقابل ذلك مرسلة البزنطي عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: له رجل في ثوبه دم مما لا يجوز فيه الصلاة في مثله فطاف في ثوبه فقال: أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر «1» و هذه مرسلة و مع الغمض عن ذلك يرفع اليد عن إطلاقها، بما دلت عليه رواية يونس بن يعقوب عن عدم البطلان في صورة الجهل، و لزوم التطهير مع العلم، و يلحق بالجهل صورة النسيان، و ذلك فإنه لا يستفاد من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 23

.......... رواية يونس بن يعقوب الا مانعية النجاسة في الثوب المعلومة حال الطواف، و في صورة النسيان جاهل بها حال الطواف، و ما ورد في إعادة الصلاة في النجاسة المنسية لا يعمّ نفس الطواف، و لاحتمال الخصوصية في الصلاة و لا يمكن التعدي منها، غاية الأمر ان يتعدى من الثوب الى البدن، حيث لا يحتمل ان تكون نجاسة الثوب مانعة من الطواف دون نجاسة البدن، و يؤيد هذا التعدي رواية حبيب بن مظاهر قال ابتدأت بطواف الفريضة فطفت شوطاً واحداً فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته، ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فقال: بئس

ما صنعت كان ينبغي لك ان تبنى على ما طفت، ثم قال: اما أنه ليس عليك شي ء، وجه التأييد أنه لو لم يكن عدم نجاسة البدن معتبراً في الطواف، لما كان لتقرير الخروج لغسل الدم، و لضعف الخبر بجهالة حبيب بن مظاهر عبرنا بالتأييد، حيث لا يحتمل كونه المقتول بالطف، فان حماد بن عثمان الواقع في السند لا يمكن ان يروي عنه عادة، و في هامش الوسائل فسّره بأبي عبد اللَّه الحسين (عليه السّلام) و هذا منه (قدّس سرّه) و ليس في الفقيه هذا التفسير.

ثم انه قد يقال بأن اعتبار الطهارة مختص بثوب تتم فيه الصلاة، فلا بأس بنجاسة المحمول أو ما لا يتم فيه الصلاة كالجورب و القلنسوة و التكة المنفصلة لانصراف الثوب على ما يكون ساتراً بحيث لولا نجاسته يطوف و يصلي فيه، أو ساتراً للجزء الأعلى من البدن، و لذا لا يقال لبائع الجورب كبائع الخف أنه يبيع الثوب و كذا الحال في بائع القلنسوة.

[ (مسألة 1) لا بأس بدم القروح و الجروح فيما يشق الاجتناب عنه

(مسألة 1) لا بأس بدم القروح و الجروح فيما يشق الاجتناب عنه و لا تجب إزالته عن الثوب و البدن (1) في الطواف كما لا بأس بالمحمول المتنجس و كذلك نجاسة ما لا يتم فيه الصلاة.

[ (مسألة 2) إذا لم يعلم نجاسة بدنه أو ثيابه ثم علم بها بعد الفراغ من الطواف صح طوافه

(مسألة 2) إذا لم يعلم نجاسة بدنه أو ثيابه ثم علم بها بعد الفراغ من الطواف صح طوافه (2) فلا حاجة الى إعادته و كذلك تصح صلاة الطواف إذا لم يعلم بالنجاسة الى ان فرغ منها. (1) الثالث في اعتبار طهارة الثوب و البدن في الطواف قد يقال بان ذلك مقتضى نفي الحرج و لكن لا يخفى ما فيه، فان مقتضي قاعدة نفي الحرج نفي التكليف بالمشروط لا إثبات الأمر بالخالي عن الشرط، و لو كان اشتراط الطواف بالطهارة من الخبث مطلقا كاشتراطه بالطهارة من الحدث، لكان المكلف من العاجز عن الطواف، فتكون الوظيفة الاستنابة كمن لا يتمكن في طوافه لا من الطهارة المائية و لا الترابية بل الوجه في عدم البأس عدم المقتضى لاعتبار الطهارة من الخبث المفروض، فإن عمدة الدليل على اعتبارها معتبرة يونس بن يعقوب و المفروض فيها الخبث الذي يمكن له إزالته للشخص من غير ضرر و لا حرج كما كان المفروض فيها نجاسة ثوبه، فلا يعم المحمول و المتنجس و لا مثل الجورب و القلنسوة مما ينصرف عنه إطلاق الثوب. (2) لما تقدم من ان المستفاد من معتبرة يونس بن يعقوب أن المانع عن الطواف هي النجاسة المعلومة حال طوافه، و إن مع الجهل بها يكون الطواف محكوماً بالصحة، و الأمر في صلاة الطواف كالأمر في سائر الصلوات مع أن صحتها مع الجهل مقتضى حديث لا تعاد.

[ (مسألة 3) إذا نسي نجاسة بدنه أو ثيابه ثم تذكرها بعد طوافه صح طوافه على الأظهر]

(مسألة 3) إذا نسي نجاسة بدنه أو ثيابه ثم تذكرها بعد طوافه صح طوافه على الأظهر (1) و ان كانت اعادته أحوط و إذا تذكرها بعد صلاة الطواف أعادها.

[ (المسألة 4) إذا لم يعلم نجاسة بدنه أو ثوبه و علم بها أثناء الطواف أو طرأت النجاسة عليه قبل فراغه من الطواف

(المسألة 4) إذا لم يعلم نجاسة بدنه أو ثوبه و علم بها أثناء الطواف أو طرأت النجاسة عليه قبل فراغه من الطواف فان كان معه ثوب طاهر مكانه طرح الثوب النجس و أتم طوافه في ثوب طاهر و إن لم يكن معه ثوب طاهر فان كان ذلك بعد إتمام الشوط الرابع من الطواف قطع طوافه و لزمه الإتيان بما بقي منه بعد إزالة النجاسة، و إن كان العلم بالنجاسة أو طروّها عليه قبل إكمال الشوط الرابع قطع طوافه و أزال النجاسة و يأتي بطواف كامل بقصد التمام و الإتمام على الأحوط (2). (1) لما تقدم من ان المستفاد من معتبرة يونس بن يعقوب النجاسة المعلومة حال طوافه مع نسيانه في حال الطواف نجاستها، و ما ورد من إعادة الصلاة من النجاسة المنسية مقتضاه إعادة صلاة الطواف من تلك النجاسة، و لا يجري في نفس الطواف، و النبوي المروي بأن الطواف بالبيت صلاة لا يمكن الاعتماد عليه لضعفه، و ما ورد في اعتبار الوضوء في الطواف من ان فيه صلاة، مقتضاه اعتبار الطهارة من الحدث في الطواف ايضاً لا جريان سائر شرائط و موانع الصلاة فيه كما تقدم. (2) إذا علم نجاسة ثوبه أو بدنه أثناء طوافه أو تذكر بها فان كان له ثوب طاهر آخر يلبسه مكانه لبس ذلك الثوب و يتم طوافه، لان المفروض نجاسته فيما إذا أتى به من الأشواط غير مانع عن طوافه، و الأشواط الباقية أتى بها في ثوب طاهر، و المستفاد

من معتبرة يونس بن يعقوب عدم مانعية النجاسة المعلومة في الآنات المتخللة حتى في صورة قطع الطواف، و مقتضاها أيضاً إذا لم يكن له ثوب آخر يخرج و يغسله، ثم يأتي ببقية الطواف بلا فرق بين تجاوز النصف أو بلوغه و عدمه، الا ان رعاية التفصيل المنسوب الى المشهور بين النصف و عدمه يوجب الاحتياط بالإتيان بسبعة أشواط

[الرابع الختان للرجال
اشارة

الرابع الختان للرجال و الأحوط بل الأظهر اعتباره في الصبي المميّز أيضاً (1) إذا أحرم بنفسه و أما إذا كان الصبي غير مميّز أو كان إحرامه من وليّه فاعتبار الختان في طوافه غير ظاهر و إن كان رعاية الاعتبار أحوط. بعد غسل ثوبه بقصد الأعم من التمام و الإتمام، و ليس في البين وجه للمنسوب الا ما ورد في حدوث الحيض أو الحدث أثناء الطواف، و ألحقوا المقام بهما مع ظهور احتمال الخصوصية فيهما كما يأتي، هذا كله مع عدم فوت الموالاة المعتبرة في الطواف، و إلا فالأحوط الإتيان بسبعة أشواط بقصد الأعم من التمام و الإتمام و اللَّه العالم. (1) الرابع اعتبار الختان للرجال في طوافهم يعتبر في الطواف حتى المندوب منه الختان للرجال، و لا يعتبر في طواف النساء، و الأظهر ان الصبي إذا تصدى بنفسه الإحرام فيعتبر في طوافه ايضاً، كما إذا كان مميزاً عارفاً بالإحرام فتصدى له، و الاعتبار في طواف الرجل مما لا خلاف فيه: و عن الحلبي ان عليه إجماع آل محمد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و يشهد للاعتبار صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوضة فأما الرجل فلا يطوف الّا مختتن «1» و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين

الطواف الواجب و المندوب، و هذه الصحيحة و إن لا تدل على الاعتبار في طواف الصبي المميز المباشر لإحرامه، الا انه لا ينفي الاعتبار فيه. و لذا يلتزم بالاعتبار في حقه أيضاً بالإطلاق الوارد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: الأغلف لا يطوف بالبيت و لكن لا بأس ان تطوف المرأة «2»، حيث ان الأغلف يعم الصبي أيضاً غاية الأمر أن النهي لا يعم من لم يتحقق منه قصد الطواف مباشرة، بل يختص بمن يصح منه الطواف أو دخل في إحرام العمرة كذلك، و ما ورد في المريض المغمى عليه ظاهره جواز إطافته فيما إذا

[ (مسألة 1) إذا طاف المحرم غير المختون بالغاً كان أو صبياً مميزاً فلا يجتزي بطوافه

(مسألة 1) إذا طاف المحرم غير المختون بالغاً كان أو صبياً مميزاً فلا يجتزي بطوافه، فان لم يعده مختوناً فهو كتارك الطواف يجري فيه ماله من الأحكام الآتية (1).

[ (مسألة 2) إذا استطاع المكلف و هو غير مختون

(مسألة 2) إذا استطاع المكلف و هو غير مختون فإن أمكنه الختان و الحج في سنة الاستطاعة (2) وجب ذلك، و الّا أخّر الحج إلى السنة القادمة، فان لم يمكنه الختان لضرر أو حرج أو نحو ذلك فاللازم عليه الحج، و لكن الأحوط ان يطوف بنفسه في عمرته و حجة و يستنيب ايضاً من يطوف عنه و يصلي هو صلاة الطواف بعد طواف النائب. كان عدم تمكنه من الطواف لاغمائه، لا من جهة سائر الجهات و عليه فيعتبر الختان في طوافه ايضاً. (1) كما هو الحال في فقد سائر الأمور المعتبرة في الطواف فيما إذا كان اعتبارها مطلقاً بان لا يسقط اعتباره عند الجهل و النسيان، كالطهارة من الحدث. و يترتب عليه الأحكام المترتبة على ترك الطواف على ما يأتي. (2) حيث ان الختان من مقدمات الحج في السنة، و لو باعتباره في جزء عمرة التمتع و حجّه. فيجب على من تمكن من تحصيلها في سنة وجوبه، و على ذلك فان لم يتمكن من الختان و الحج في سنة فعليه الختان في السنة الحاضرة و الحج في السنة القادمة بالإبقاء لاستطاعته المالية لأن الحج في السنة القادمة يتوقف على تحصيل مقدمته في هذه السنة، نظير الحج النائي المتوقف حجة في السنة القادمة على الخروج في هذه السنة، و احتمل في كشف اللثام الحج في السنة الاستنابة لطوافه كما في سائر العاجزين.

و في معتبرة إبراهيم بن ميمون عن ابي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يسلم فيريدان

بحج و قد حضر الحج أ يحج أم يختتن قال لا يحج حتى يختتن «1» و معتبرة حسنان بن سدير قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن نصراني أسلم و حضر الحج و لم يكن

[الخامس ستر العورة حال الطواف على الأحوط]

الخامس ستر العورة حال الطواف على الأحوط (1) و يعتبر في الساتر الإباحة و الأحوط اعتبار جميع شرائط لباس المصلى. اختتن أ يحج قبل ان يختتن قال لا و لكن يبدء بالسنّة «1» و على ذلك فإن أحرز عدم تمكنه من الختان أصلًا أو كونه ضرورياً لعدم اندمال جرحه يتعين عليه الحج و الاستنابة في طوافه: و حيث يحتمل سقوط شرط الختان في الفرض ثبوتاً، فالأحوط أن يطوف بنفسه ايضاً، ثم يصلي بعد طوافه و طواف نائبه صلاة الطواف، و في هذا الفرض ما احتمله في كشف اللثام صحيح و لا يجوز في الفرض ان يستنيب لحجّة، لأن ما ورد في استنابة الحي وارد في العاجز عن قطع المسافة كالشيخ و المريض لا العاجز عن بعض اعمال الحج أو العمرة، و أما مع تمكنه من الختان و الحج فيما بعد فالمتعين تأخير الحج إلى السنة القادمة. (1) الخامس اعتبار ستر العورة في الطواف يستدل على الاعتبار بالنبوي الطواف بالبيت صلاة، و مقتضاه اعتبار جميع ما يعتبر في الصلاة من الشرائط و الموانع لحاظهما في الطواف ايضاً، فيكون الستر المعتبر في الصلاة و هو كونه بالثوب و اللباس معتبراً في الطواف أيضاً، إلّا إذا قام دليل خاص على عدم اعتباره في الطواف كعدم اعتبار الطهارة في الآنات المتخللة في الطواف في بعض الصور، و لكن النبوي لضعف سنده لا يمكن الاعتماد عليه، و لم يظهر استناد المشهور عليه حتى في

المقام ايضاً، و بعضهم لولا جلهم اعتمدوا بالروايات المتعددة الواردة فيها النهي عن طواف العاري و العريان، و استفادوا منها الاعتبار و تلك الروايات المنقولة بطرقنا و بطرق العامة و لو كانت ضعيفة مع لحاظ كل منها في نفسها الا ان دعوى الاطمئنان بصدور بعضها عن الامام (عليه السّلام) ليست بجزاف، و لكن بين عدم العريان و ستر العورة اختلاف، حيث ربما يكون الشخص غير عريان

[تعتبر في الطواف أمور سبعة]
اشارة

تعتبر في الطواف أمور سبعة

[الأوّل: الابتداء من الحجر الأسود]

الأوّل: الابتداء من الحجر الأسود (1) و الأحوط ان يمرّ بجميع بدنه على جميع أجزاء الحجر، و يكفي في هذا الاحتياط ان يقف دون الحجر بقليل و ينوي الطواف من الموضع الذي تتحقق فيه المحاذاة واقعاً، على ان تكون الزيادة من باب المقدمة العلمية

[الثاني: الانتهاء في كل شوط بالحجر الأسود]

الثاني: الانتهاء في كل شوط بالحجر الأسود و يحتاط في الشوط الأخير بتجاوزه عن الحجر بقليل على ان تكون الزيادة من باب المقدمة العلمية. حيث لابساً للثوب و لكن يمكن ان تكون عورته غير مستورة لانخراق في ثوبه في ناحية عورته، و قد يكون عارياً، و لكن كانت عورته مستورة بيده أو بالطين و الحشيش، لا يبعد ان يكون المستفاد منها لأمر بلبس الثوب كالأمر الوارد بالصلاة في قميص و إزار لاعتبار ستر العورة في الطواف أيضاً كالصلاة بالثوب، و لو لم يكن هذا أظهر فلا أقل من كونه أحوط، و على ذلك يجري على الطواف في ثوب مغصوب ما ذكرنا في الصلاة في ثوب مغصوب و اللَّه العالم. (1) واجبات الطواف بدء الطواف من الحجر الأسود، الانتهاء إليه في كل شوط أمر مجمع عليه بين العلماء، و عليه سيرة المسلمين في جميع الأعصار، كما ان الأمر في انتهاء الشوط كذلك. و يستفاد ايضاً كون البدء و الانتهاء كما ذكر من بعض الروايات، و أما البدء و الختم فقد روى معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه قال من اختصر في الحجر في الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «1»، و يستفاد من وجوب اعادة الشوط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود اعتبار كون الأشواط في الطواف من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود،

و عدم ذكر الانتهاء في ما رواه الفقيه لا ينافي، فإنه (قدّس سرّه) قال: في الفقيه و في رواية معاوية بن عمار من اختصر في الحجر فليعد طوافه من الحجر الأسود، حيث ان هذا النحو من النقل لا يدل على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 30

.......... عدم زيادة في روايته، و لعل فيها ما تركها لعدم الحاجة الى ذكرها لانه (قدّس سرّه) في مقام بيان ان التدارك يكون بإعادة الشوط لا بإعادة خصوص المقدار الذي وقع الاختصار عليه، و أما نهاية الشوط فكونه الى الحجر الأسود ظاهر، و ما في صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار، قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كنّا نقول لا بدّ أن نستفتح بالحجر و نختم به فامّا اليوم فقد كثر الناس «1»، ظاهره عدم وجوب استلام الحجر الأسود في بدء الطواف و ختمه، و إنما كان التزامه (عليه السّلام) بعدم ترك هذا الاستحباب في غير وقت زحام الناس، كما يدلّ على ذلك جملة من المرويات في استحباب استلام الحجر و المنسوب الى المشهور من المتأخرين من زمان العلامة ان البدء بالحجر الأسود يكون بإمرار جميع بدنه على جميع الحجر الأسود، بأن يجعل الأول من قدام عضوه محاذياً لأوّل جزء من الحجر الأسود ليمر عليه بجميع أعضاء بدنه و جعله بعضهم كصاحب المدارك أحوط، حيث ان الواجب ان يصدق عرفاً لكان اللازم التعرض له في غير واحد من الروايات لغفلة عامة الناس عنه، كما نبيّن في انتهاء الطواف مع انه لم يرد ذلك في شي ء من الروايات. و نذكر في الثاني أي انتهاء الطواف أن الواجب في كل شوط ان يبدء بالحجر الأسود و ينتهي الشوط اليه،

و لو كان مقتضي البدء في كل شوط ما ذكر يلزم عليه في انتهائه أن يمرّ جميع البدن الى الموضع الذي يليه الحجر الأسود، و هذا لا يكون الا بالدخول بجميع البدن إلى محاذاة الحجر الأسود حتى يتم الشوط، و في البدء بالشوط الثاني يتأخر ما دون الحجر حتى يبدء.

من الحجر كما ذكر، و الالتزام بلزوم ذلك باطل قطعاً خصوصاً في طواف الراكب. حيث ان الالتزام بان عليه ان يرجع بدابته الى الوراء ليحرز البدء في الشوط بأول جزء من الحجر الأسود على ما تقدم كما ترى، اللّهمّ الّا ان يقال ان ما دلّ على

[الثالث: جعل الكعبة على يساره في جميع أحوال الطواف

الثالث: جعل الكعبة على يساره في جميع أحوال الطواف (1) فاذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل الأركان أو لغيره أو ألجأه الزحام الى استقبال الكعبة أو استدبارها أو جعلها على اليمين فذلك المقدار لا يعد من الطواف، و الظاهر ان العبرة في جعل الكعبة على اليسار بالصدق العرفي كما يظهر ذلك من طواف النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) راكباً، و الأولى المداقة في ذلك لا سيما عند فتحي فجر إسماعيل و عند الأركان. للزوم بدء الشوط من الحجر يدلّ بالملازمة على ان انتهائه بوصول أول عضو من مقاديم بدنه الى موضع يليه الحجر الأسود، و عليه فلا يحتاج في إحراز انتهاء الأشواط السابقة على الشوط الأخير إلى المقدمة العلمية، حيث يمكن للمكلف بأن يقصد في كل شوط من طوافه يبدأهُ إذا وصل مقدم عضو بدنه محاذاة الحجر، نعم في الشوط الأخير يحتاج في إحراز انتهائه الى ذلك ان يتجاوز الحجر الأسود بشي ء من مقاديم بدنه ليحرز الفراغ من الشوط الأخير. (1) يعتبر في الطواف ان تكون الكعبة في

حالات الطواف على يسار الطائف بلا خلاف يعرف، بل هذا الأمر أيضاً كالسابقين متسالم عليه بين العلماء، و سيرة المسلمين في جميع الأعصار تجري على هذا النحو من الطواف. و يستفاد ذلك ايضاً من بعض الروايات كصحيحة معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يديك على البيت ألصق بدنك الى ان قال ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر الأسود «1» فان هذا النحو لا يكون الا بالطواف على اليسار و نحوها و غيرها و صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا كنت في الطواف السابع فائت المنعوذ و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب الى ان قال ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به «2» و مقتضى اعتبار جعل الكعبة على يساره حال الطواف

[الرابع إدخال إسماعيل في المطاف

الرابع إدخال إسماعيل في المطاف (1) بمعنى ان يطوف حول الحجر من غير أن يدخل فيه.

[الخامس خروج الطائف عن الكعبة]

الخامس خروج الطائف عن الكعبة و الصفة التي أطرافها (2) المسماة بشاذروان. على ما يظهر من التسالم، و استظهر من الروايات الصدق العرفي لا المداقة العقلية، و عليه فان خرج عن الصدق العرفي كما إذا ألجأه الزحام الى استدبار الكعبة أو جعلها على يمينه في أثناء طوافه لا يحسب ذلك المقدار من الطواف، فعليه تدارك ذلك المقدار و لو بالرجوع الى الوراء، بل الأحوط التدارك في مقدار استلام الأركان ايضاً ان كان في وجوبه نظر للأمر باستلامها مطلقاً، أو في الشوط الأخير مع عدم التعرض لتدارك ما تركه في مقدار المشي إليها، من جعل الكعبة على يساره.

و ما ذكرنا من المداقة في جعل البيت على يساره اولى خصوصاً عند فتحي حجر إسماعيل و عند الأركان المراد الاحتياط المستحب لا الحكم بالاستحباب في نفسه، لما ذكرنا من أنه لم يرد في الأدلّة الا ان يصدق أنه يطوف و البيت على يساره حال طوافه. (1) تعين الطواف من خارج الحجر و عدم جواز الطواف من داخل الحجر أمر متسالم عليه، و قد ورد روايات معتبرة ان الحجر و إن لم يكن من البيت الا ان على الطائف ان يدخله في مطافه، بان يطوف من خارجه. و ورد في الروايات المعتبرة التي مفادها أنه لو اختصر في الحجر، فعلية اعادة ذلك الشوط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، و هل المراد بالاختصار ان يجعل الطائف داخل الحجر كلّه و بعضه مطافاً، أو ان الاختصار يعمّ دخول الحجر في شوطه و إن لم يقصد بدخوله جعله مطافاً يأتي التكلم في ذلك في المسائل

الآتية. (2) لا يتحقق طواف البيت الّا بان يطوف من خارج البيت و خارج الحجر على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 33

.......... ما تقدم، و عليه فلو مشى على الشاذرون لا يحصل بالمشي عليه الطواف المأمور به في الحج و العمرة، بل لا يحصل الطواف المندوب لان الشاذروان على ما ذكروا الباقي من أساس جدار البيت بعد عمارته أخيراً، فلو مشى عليه في بعض الأشواط يجب عليه تداركه قبل البدء بشوط آخر و إتمام ذلك الطواف، و الأحوط اعادة ذلك الطواف قبل البدء بالسعي لاحتمال بطلانه بالمشي على الصفة لأنه يلحق بالدخول في البيت أثناء الطواف، و أما الالتزام بإعادة ذلك الشوط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، كالدخول في حجر إسماعيل في بعض أشواط طوافه فلا وجه، له لان حجر إسماعيل ليس من البيت، بخلاف الشاذروان فلا يمكن التعدي من النص الوارد في الاختصار (ع) إلى المشي على الشاذروان، نعم ما ورد في بطلان الطواف بدخول البيت ايضاً منصرف عن المشي بشاذروان، فالاحتياط في إعادة الطواف استحبابي، و الواجب هو تدارك ما مشى عليه إذا كان جهلًا أو نسياناً لإحراز أنه طاف من خارج البيت من حوله، فإنه لو لم يثبت ان الشاذروان من أصل البيت و أساس حائطه فلا أقل من ان ذلك محتمل.

و قد يقال انه إذا لم يثبت ان الشاذروان كان من البيت فمقتضى أصالة البراءة عن وجوب الطواف من خارجه عدم لزوم التدارك و جوازه من غير ان يعارضه أصل آخر، كما هو المقرر في دوران أمر الواجب بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و لو كان هذا الدوران بالشبهة المفهومية نظير وجوب الذبح و النحر في منى

مع تردد بعض الاجزاء من كونها من مني أو من خارجه، و ليست الدعوى جريان الاستصحاب في عدم كون الشاذروان من البيت ليناقش فيه بعدم الحالة السابقة لذلك تارة، أو انه لا يثبت كونه خارج البيت اخرى.

[السادس: ان يطوف بالبيت سبع مرّات متواليات عرفاً]

السادس: ان يطوف بالبيت سبع مرّات متواليات عرفاً (1) و لا يجزي الأقل من السبع و يبطل الطواف بالزيادة على السبع عمداً كما يأتي

[مسائل في الطواف
[ (مسألة 1) اعتبر المشهور في الطواف ان يكون بين الكعبة و مقام إبراهيم (عليه السّلام)]

(مسألة 1) اعتبر المشهور في الطواف ان يكون بين الكعبة و مقام إبراهيم (عليه السّلام) (2) (1) لا خلاف بين العلماء أن الطواف الواجب الذي هو جزء من العمرة أو الحج أو الطواف المندوب و هو ما لا يكون جزءاً منها بل يكون مستحباً مستقلا كاستحباب الصلاة في نفسها نافلة يكون بسبع أشواط، كل شوط يبدء من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود. و يستفاد ذلك من الروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة و الطهارة التي لا يبعد بلوغها حدّ التواتر، منها الأخبار الواردة في بيان كيفية الحج، و منها الروايات الواردة في حكم الشك في أشواط الطواف، و منها ورد في بيان آداب الشوط الأخير يعني الشوط السابع، بل آداب الطواف. كصحيحة معاوية عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: طف سبعة أشواط و تقول في الطواف الحديث «1» الى غير ذلك من الاخبار الواردة في القرآن بين الطوافين و نحوها، و بما ان سبعة أشواط عمل واحد و يطلق الطواف على مجموع تلك الأشواط، فظاهر الأمر الإتيان بها متوالياً من غير تفريق بينها بحيث يخرجه التفريق عن عنوان العمل الواحد، كما يعتبر التوالي بين أجزاء شوط واحد. نعم إذا قام دليل في مورد عدم البأس بالتفريق بعد الإتيان ببعض الأشواط مطلقاً أو عند طروّ الحاجة الاضطرارية يلتزم بجواز التفريق، حيث ان الظهور يترك مع قيام القرينة على خلافه، نظير جواز التفريق بين أجزاء الغسل الترتيبي، و كذلك مقتضى تحديده بسبعة أشواط عدم أجزاء الناقص و الزائد، كما يأتي الكلام

في المسائل الآتية. (2) المشهور على اعتبار كون الطواف بين البيت و المقام و في مقداره من سائر الجهات، كما يدل عليه ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن حدّ الطواف بالبيت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 35

و يقدّر هذا الفاصل بستة و عشرين ذراعاً و نصف ذراع، و بما ان حجر إسماعيل داخل في المطاف فمحل الطواف من الحجر لا يتجاوز ستة أذرع و نصف ذراع و ما ذكروا أحوط.

الخروج عن المطاف قبل تمام الطواف (1)

[ (مسألة 2) إذا خرج الطائف عن المطاف فدخل الكعبة بطل طوافه

(مسألة 2) إذا خرج الطائف عن المطاف فدخل الكعبة بطل طوافه و لزمته الإعادة الذي من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت؟ قال: كان الناس على عهد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يطوفون بالبيت و المقام و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و البيت، فكان الحد موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، و الحدّ قبل اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلّها، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت، بمنزلة من طاف بالمسجد لانه طاف في غير حدّ و لا طواف له «1».

و لكن في سند الرواية ياسين الضرير و هو غير موثق، و إن ذكر الشيخ (قدّس سرّه) أن له لجميع كتب حريز و رواياته سنداً صحيحاً على ما في الفهرست، و لكنها معارضة بصحيحة محمد بن علي قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الطواف خلف المقام قال ما أحب ذلك و ما أرى به بأساً فلا تفعله الّا ان لا تجد منه بدّاً، فإن تم أمر السند في رواية محمد بن مسلم

فالجمع بينهما بحمل الطواف في الحد الوارد فيها على الأفضل لا يخلو عن التأمل، لأن ما ورد فيه من نفي كون الطواف في غير الحد طوافاً بالبيت، بل هو كطواف المسجد يأبى عن هذا الحمل، و الصحيحة ايضاً قابلة للحمل على التقية، و الأحوط مراعاة الحد إلّا في مقام الاضطرار و الزحام، و ظاهر الصدوق (قدّس سرّه) جواز الطواف في غير الحد و عن أبي على جوازه حال الاضطرار، و عن العلامة الميل اليه على ما ذكرناه في الجواهر. (1) المنسوب الى المشهور انه إذا دخل الطائف الكعبة قبل إكمال طوافه فان لم يتجاوز النصف بطل طوافه و عليه الإعادة، و أما إذا كان الدخول مع تجاوز النصف

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 36

الاولى إتمام الطواف ثم أعادته إذا كان الخروج بعد تجاوز النصف. يبني على طوافه و يكمله سبع أشواط، و الروايات المستفاد منها حكم الطواف في فرض دخول الكعبة، صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها، قال: يستقبل طوافه «1»، و ظاهرها بطلان الطواف بدخولها، و مقتضى إطلاق الأمر بالاستقبال عدم الفرق في لزوم الإعادة بين كون دخوله قبل تجاوز النصف أو بعده، و موثقة عمران الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أطواف في الفريضة ثم وجد من البيت خلوة فدخله، قال: يقضي طوافه و قد خالف السنة فليعد طوافه «2» و التقييد بالثلاثة أشواط حيث يطلق الطواف على الشوط، و لذا ذكرنا في ان ما ورد في بعض روايات الاختصار في الحجر من اعادة الطواف أنه يحمل على اعادة الشوط

جمعاً بينها و بين ما ورد في بعضها الآخر، من أنه لو اختصر في حجر إسماعيل بعيد ذلك الشوط من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، مثل موثقة عمران الحلبي أو صحيحة ابن مسكان قال: حدثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط، ثم وجد خلوة من البيت فدخله، قال: نقض فدخله قال: نقض طوافه و خالف السنة فليعد «3»، و لو لم تكن في البين صحيحة حفص البختري كان مقتضي الموثقة و الصحيحة التي لا يبعد عدم مناقشة الإرسال فيها، لان ظاهر نقل ابن مسكان أنه يشهد بسؤال من حدّثه و جواب الامام (عليه السّلام) عن سؤاله لأمكن الحكم باختصاص البطلان بما إذا لم يطف بأزيد من ثلاثة أشواط، و الرجوع فيمن دخل البيت و فيمن دخلها بعد إكمال أربعة أو أزيد إلى أصالة عدم المانعية، بل إلى إطلاق مثل قوله (عليه السّلام) طف من الحجر الى الحجر سبع مرات، الا ان إطلاق صحيحة حفص البختري كما ذكرنا يمنعنا عن تخصيص البطلان، نعم الأحوط ان مع تجاوز النصف يكمل ما أتى

[ (مسألة 3) إذا تجاوز عن مطافة الى الشاذروان بطل طوافه بالنسبة إلى المقدار الخارج عن المطاف

(مسألة 3) إذا تجاوز عن مطافة الى الشاذروان بطل طوافه بالنسبة إلى المقدار الخارج عن المطاف (1) و الأحوط إتمام الطواف بعد تدارك ذلك المقدار ثم اعادته، و الأحوط ان لا يمدّ يده حال طوافه من جانب شاذروان الى جدار الكعبة لاستلام الأركان أو غيره و إن كان لا يبعد جوازه. به أوّلًا، ثم يعيد الطواف أو يأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التمام و الإتمام، و بما أن مستند المشهور في التفصيل بعض ما ورد في قطع الطواف للخروج للحاجة و يأتي الكلام فيه، و أنهم جعلوا المقام من صغريات

الخروج للحاجة لا يمكن ان يدعى ان فتوى المشهور كاشف عن مستند معتبر في التفصيل الذي ذهبوا اليه و اللَّه سبحانه هو العالم. (1) قد تقدم ان المعتبر في الطواف ان يكون المشي عن حول البيت من خارجه، و حيث ان الصفّة أي الشاذروان من أساس البيت، فلا يكون المقدار الذي مشى عليه من الطواف. نعم ما دلّ على ان دخول البيت مبطل للطواف منصرف عن مجرد المشي على الصفّة، و عليه فاللازم تدارك ذلك المقدار فقط، و إعادة الطواف بعد إتمامه لاحتمال كونه من دخول البيت لا يكون الّا احتياطاً استحبابياً، هذا بناء على ما هو المعروف من كون الصفة من البيت أي من أساسه، و أمّا مع المناقشة فيه باحتمال كونها من خارج البيت من حوله فقد يقال بلزوم اعادة ذلك المقدار أيضاً، لإحراز كون المأتي به طوافاً أي مشياً خارج البيت من حوله، فيكون تداركه من المقدمة العلمية للطواف الواجب، و لكن قد تقدم ما فيه من المناقشة و الالتزام بعدم جريان أصالة البراءة بالإضافة إلى اشتراط كون الطواف من غير الشاذروان، و قد نوقش بان التدارك في هذا الفرض أي على تقدير كون الشاذروان خارج البيت من الزيادة في الطواف، و لكن لا يخفى ان ما دلّ على مبطلية الزيادة ما إذا كان بقصدها

[ (مسألة 4) إذا دخل الطائف حجر إسماعيل بطل الشوط الذي وقع فيه ذلك

(مسألة 4) إذا دخل الطائف حجر إسماعيل بطل الشوط الذي وقع فيه ذلك فلا بد من اعادته (1)، و الأولى اعادة الطواف بعد إتمامه، هذا مع بقاء الموالاة. و أما مع عدمها فالطواف محكوم بالبطلان، و إن كان ذلك عن جهل أو نسيان، و في حكم دخول الحجر التسلق على حائطه على الأحوط، بل الأحوط ان لا

يضع الطائف يده على حائط الحجر ايضاً، ان كان الأظهر جوازه.

[ (مسألة 5) إذا خرج الطائف عن المطاف الى الخارج قبل تجاوزه النصف من دون عذر]

(مسألة 5) إذا خرج الطائف عن المطاف الى الخارج قبل تجاوزه النصف من دون عذر، فان فاتته الموالاة العرفية بطل طوافه و لزمته الإعادة. حين الإتيان بها، لا ما اتصف بالزيادة بعد الإتيان بآخر بقصد تدارك النقص المحتمل في السابق على ما ذكر في بحث الزيادة في الصلاة و غيرها.

و أما ما ذكر من ان لا يمد يده الى استلام جدار البيت من جانب الشاذروان، لانه يعتبر في الطائف ان يكون جميع بدنه خارج البيت، و الشاذروان جزء من البيت، فلا يكون مع المد المذكور يده خارجاً عن البيت، لا يمكن المساعدة عليه. لصدق الطواف مع المد المذكور و كفاية خروج معظم أجزاء بدنه عن فضاء الصفة حتى بناء على ان فضائها كنفسها يحسب من البيت. (1) خروج الطائف عن المطاف أثناء طوافه قد تقدم الكلام في ذلك في اشتراط الطواف بكونه من خارج حجر إسماعيل و إن لم يكن شي ء من الحجر داخلًا في البيت، و على الجملة حجر إسماعيل و إن لم يكن جزءَ من البيت بل هو خارج عنه، الا أنه خارج عن المطاف بلا فرق بين الطواف الواجب و المندوب، و في صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شي ء من البيت: قال: لا، و لا قلامة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 39

و إن لم تفت الموالاة أو كان خروجه بعد تجاوز النصف (1) فالأحوط إتمام الطواف ثم اعادته. ظفر و لكن إسماعيل دفن أمّه فيه فكره ان يوطأ فجعل عليه حجراً و فيه قبور الأنبياء «1»

و نحوها غيرها، و في صحيحة الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من احتصر في الحجر في الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود «2» و المراد من اعادة طوافه اعادة الشوط بقرينة التقييد من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، و صحيحته الأخرى المتقدمة و غيرها، نعم هذا مع رعاية بقاء الموالاة التي ذكرنا اعتبارها بين الأشواط، و أما مع فقدها فاللازم اعادة الطواف من غير فرق بين بين العمد و الجهل و النسيان، و ما في رواية إبراهيم بن سفيان، قال: كتبت الى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) امرأة طافت طواف الحج فلما كانت في الشوط السابع اختصرت و طافت في الحجر و صلت ركعتي الفريضة و سعت و طافت طواف النساء ثم ائت منى فكتب (عليه السّلام) تعيد، المفروض فيها فقد الموالاة «3» و المراد بالاختصار دخول الحجر بقصد الطواف فيه بأن شي ء فيه بقصد الطواف، و أما مجرّد الدخول فيه لا بقصد الطواف فالظاهر أنه خارج عن مدلول ما دل عليه اعادة الشوط، و على حائط الحجر من اعادة ذلك الشوط لان احتمال ان المراد من روايات الاختصار ان الطواف لا بدّ من وقوعه من خارج حائط الحجر قوي، نعم لا يبعد جواز وضع يده عند الطواف على حائط الحجر لان معظم بدنه خارج عنه بحيث يصدف انه مشي من خارجه. (1) المشهور على ما يظهر من كلمات الأصحاب التزموا بإعادة الطواف إذا كان الخروج من غير ضرورة، و اضطر قبل إكمال النصف. و أما إذا كان الخروج بعد إكمال النصف يرجع و يتم الطواف السابق، هذا بالإضافة، إلى الطواف الواجب، و أما بالإضافة إلى المستحب فليبن على ما

قطع، حتى فيما إذا كان قبل النصف. و قد ورد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 40

.......... في صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل طاف شوطاً أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجته قال: ان كان طواف نافلة بنى عليه و إن كان طواف فريضة لم يبن عليه «1» فان ظاهر الشرطية الأولى جواز البناء على ما قطع في طواف النافلة حتى فيما إذا فاتت الموالاة العرفية بالخروج و الرجوع بعده، بل لا يبعد دعوى ظهورها في فرض فوتها أو ظاهر الشرطية الثانية عدم جواز البناء على ما قطع في الطواف الواجب. و قد ورد في صحيحة صفوان الجمال قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف قال يخرج معه في حاجته ثم يرجع و يبني على طوافه «1» و هذه بإطلاقها تعم الطواف الواجب ايضاً من غير فرق بين تجاوز النصف و عدمه، حتى ما إذا طاف شوطاً أو شوطين، و على ذلك ففي فرض الخروج صور، الاولى: ما إذا خرج بقطع الطواف الواجب قبل إكمال نصفه و فاتت الموالاة بذلك ففي هذه الصورة يحكم ببطلان الطواف، لان البطلان هو الفرض المتيقن من مدلول الشرطية الثانية الواردة في صحيحة أبان، و السؤال فيها و إن وقع عن قطع الطواف بعد شوط أو شوطين الا ان دخالتها في الحكم بالبطلان غير محتمل، و أما الاحتمال لخصوصية تجاوز النصف و عدمه على ما يأتي، و الصورة الثانية: ما إذا حصل القطع قبل تجاوز النصف، و لكن لم تفت الموالاة بذلك الخروج بان رجع سريعاً و أكمل الأشواط، و مقتضى صحيحة صفوان و

إن كانت صحة البناء في هذه الصورة بل جوازه مقتضى القاعدة، لأن مجرد الخروج عن المطاف لا يقتضي بطلان الطواف كالخروج إلى الكعبة في اثنائه، فإنه لا دليل على ذلك بل يدل على جوازه ما ورد في جواز الجلوس للاستراحة في أثناء الطواف.

حيث إنّ إطلاقه يعم الجلوس خارج المطاف، الا ان رعاية فتوى المشهور بل

[ (مسألة 6) إذا أحدث أثناء طوافه جاز له ان يخرج و يتطّهر ثم يرجع و يتم طوافه

(مسألة 6) إذا أحدث أثناء طوافه جاز له ان يخرج و يتطّهر ثم يرجع و يتم طوافه (1) على ما تقدم، و كذلك الخروج لإزالة النجاسة من بدنه أو ثيابه، و لو حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه و الخروج من المسجد فوراً، و قد مر حكم طواف هؤلاء في شرائط الطواف. دعوى ان الإطلاق في الشرطية الثانية في صحيحة أبان تعم فرض عدم فوت الموالاة أيضاً يقتضي الاحتياط بالإتمام و الإعادة.

و كذا الحال في الصورة الثالثة: و هو القطع بعد تجاوز النصف فاتت الموالاة أم لم تفت، فإنه يبني على ما قطع رعاية لفتوى المشهور، و لإطلاق صحيحة صفوان المتقدمة. و لكن بما أنه لا يبعد ان يكون الاختلاف في الحكم بالبقاء و عدمه كون الطواف نافلة أو فريضة، فعليه اعادة الطواف ايضاً. و يمكن أن يأتي بسبعة أشواط بقصد الأعم من التمام و الإتمام و الالتزام بخصوصية تجاوز النصف و عدمه و إن كان محتملًا ثبوتاً، الا أنه لم يقم عليه دليل. و ما ورد من التعليل في إتمام المرأة طوافها إذا حاضت أثنائه و أنها تتمه بعد طهرها لانه ما زادت على النصف عند حيضها لا يدل على حكم في المقام، فإنه حكم صورة الاضطرار الى قطع الطواف و وجوب الخروج عن المسجد فوراً لا صورة

الخروج بالاختيار، كما هو المفروض في المقام و نتعرض لحكم الاضطرار الى الخروج عن قريب. (1) قد تقدم الكلام في ذلك في بيان الأمر الثاني من الأمور المعتبرة في الطواف، و هو اشتراط الطهارة من الحدثين. و كذلك ما إذا تنجس ثوبه حال إحرامه أو علم نجاسته و هو حال الطواف في الأمر الثالث منها، و هو اشتراط الطهارة من الخبث حيث تعرضنا في المسألة الثالثة من الأمر الثالث، كما تعرضنا لحكم المرأة التي حاضت أثناء طوافها في العمرة في المسألة السابعة من الأمر الثاني.

[ (مسألة 7) إذا التجاء الطائف إلى قطع طوافه و خروجه عن المطاف لصداع أو وجع في البطن و نحو ذلك

(مسألة 7) إذا التجاء الطائف إلى قطع طوافه و خروجه عن المطاف لصداع أو وجع في البطن و نحو ذلك، فان كان قبل إتمامه الشوط الرابع بطل طوافه (1)، و إن كان بعده فالأحوط أن يستنيب للمقدار الباقي و يحتاط بالإتمام و الإعادة بعد زوال العذر بالنحو المتقدم. (1) روى إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السّلام) في رجل طاف طواف الفريضة، ثم اعتل علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف، فقال: ان كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط، فقد تم طوافه، و إن كان طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فان هذا مما غلب اللَّه عليه فلا بأس ان يؤخر الطواف يوماً أو يومين، فان خلته العلّة عاد فطاف أسبوعاً، و إن طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعاً و يصلي هو ركعتين و يسعي عنه و قد خرج من إحرامه «1» الحديث و قد يظهر من كلماتهم ان الموضوع للإعادة القطع قبل تجاوز النصف، و البناء للإتمام بعد تجاوزه، مستفاد من هذه الرواية و ممّا ورد في حدوث الحدث أثناء الطواف

و طروّ الحيض أثنائه، فإن أربعة أشواط تجاوز النصف و ثلاثة ما لم يكمل بعدها شوطاً آخر قبل تجاوز النصف، حيث يصدق ثلاثة أشواط على ما أتى به ما لم يكمل بعدها أشواط آخر، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة أشواط ثم اشتكى أعاد الطواف «2» و لكن استفادة القاعدة العامة لموارد قطع الطواف مشكل جدّاً، بل استفادة حكم الإلجاء إلى قطع الطواف من رواية إسحاق أيضاً مشكل، لأن في سندها سهل بن زياد نعم يحكم بالبطلان إذا إلجاء إلى قطع طوافه قبل إتمام الشوط الرابع، لان الحكم بالبناء و صحة الطواف مع فقد الموالاة على خلاف القاعدة، و الالتزام بها مع فقدها يحتاج الى قيام دليل، و عمدة الدليل على الصحة مع البناء و فقد الموالاة إطلاق صحيحة صفوان الجمال المتقدمة، و موردها من يقطع

[ (مسألة 8) يجوز للطائف ان يخرج من المطاف لعيادة مريض و لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد إخوانه المؤمنين

(مسألة 8) يجوز للطائف ان يخرج من المطاف لعيادة مريض و لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد إخوانه المؤمنين و لكن تلزمه الإعادة (1) ان كان الطواف فريضة و كان ما أتي به شوطاً أو شوطين، و أما إذا كان خروجه بعد ثلاثة أشواط فالأحوط أن يأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التمام و الإتمام. الطواف و يخرج لحاجة الغير، و احتمال خصوصية للخروج لحاجة الغير يمنع عن التعدي إلى صورة الإلجاء إلى القطع و الخروج كما هو المفروض في المقام، و دعوى انه إذا جاز البناء، إذا كان القطع لأمر استحبابي اختياري جاز مع الاضطرار بالأولوية، لا يمكن المساعدة عليها.

و أما صحيحة الحلبي فالموضوع فيها للإعادة هو الإلجاء إلى الخروج للاشتكاء إذا طاف ثلاثة أشواط، و لا يبعد دعوى

ظهورها انه إذا قطع الطواف بعد أربعة أشواط لم يبطل، لأن أخذ الثلاثة في الموضوع للحكم بالبطلان ظاهره ان لها دخل في الحكم، و أما إذا قطع بعد أربعة أشواط يبني عليها بعد ذلك، أو انه يستنيب للثلاثة الباقية فلا دلالة لها على ذلك، و مقتضى ذلك الجمع بين الاستنابة لثلاثة أشواط باقية، و كذا فيما إذا قطع في الشوط الخامس، و هكذا و بين البناء على الأشواط السابقة بعد وجدانه تمكنه، و الأولى أن يأتي بسبعة أشواط بقصد الإتمام و التمام، بل الاولى ان يعمل بالاحتياط كذلك إذا ألجأ إلى القطع بعد الثلاثة و قبل إكمال الشوط الرابع. (1) لا يخفى انه و إن لم يثبت كون الطواف الواجب كالصلاة الواجبة في عدم جواز قطعه بعد الدخول، و مقتضى القاعدة الأولية جواز قطعه بحيث لو فقد أحد الأمور و القيود المعتبرة فيه بالقطع أتي بفرد آخر منه، و هذا الجواب منصوص كما في موارد قطع الطواف لضرورة شرعية كتطهير ثوبه أو بدنه أو للخروج لضرورة خارجية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 44

.......... كالاشتكاء أو للحاجة عرفية لنفسه أو لغيره من أخيه المؤمن، و الأحوط الاقتصار في قطعه على هذه الموارد، و ما ورد في الدخول في البيت أثناء الطواف من انه خالف السنة غير ظاهر في بيان حرمة إبطال الطواف تكليفاً، بل ظاهر أنه مانع من صحته فعليه اعادته لا أنه يستغفر ربّه بذلك فعليه إعادته، فإن قام دليل في مورد على البناء و على ما قطع يؤخذ به و إلا يعمل على القاعدة التي أشرنا إليها من لزوم الإعادة، و قد ورد في مورد الخروج للحاجة في صحيحة أبان بن تغلب

عدم البناء في طواف فريضة إذا طاف شوطاً أو شوطين، و مقتضى صحيحة صفوان الجمال جواز البناء فيما خرج في حاجة أخيه قال قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف فقال يخرج معه في حاجته ثم يرجع و يبني عليه «1»، فان هذه الصحيحة تعم الخروج في طواف الواجب ايضاً، و انه يبني فيه ايضاً على ما قطع. و مقتضى صحيحة أبان بن تغلب عدم جواز البناء في الطواف الواجب في الشوط و الشوطين، و أما عدم الجواز فيما إذا قطع الواجب بعد الشوط الثالث و ما زاد فلا دلالة لها على ذلك فيؤخذ فيه بإطلاق صحيحة صفوان الجمال، و ما ذكرنا سابقاً من ان الشوط و الشوطين لا خصوصية لهما، بل الخصوصية المحتملة هو تجاوز النصف أي إكمال الشوط الرابع و عدمه قابل للمناقشة كما يظهر مما ذكرنا، و عليه فالأحوط إذا كان القطع بعد ثلاثة أشواط في طواف الفريضة ان يتمّه و يعيد الطواف، و يكفي أن يأتي بسبعة أشواط بقصد الأعم من الإتمام و التمام و اللَّه العالم.

ثم انه يجوز قطع الطواف أيضاً للإتيان بصلاة الفريضة إذا دخل وقتها، كما يجوز إذا أقيمت جماعتهم و كذا لا بأس بقطعه لصلاة نافلة الفجر إذا طلع و خاف فوت وقتها، و يبني بعد ذلك على ما قطع حتى ما إذا كان شوطاً أو شوطين، و يدلّ على ما

[ (مسألة 9) يجوز الجلوس أثناء الطواف للاستراحة]

(مسألة 9) يجوز الجلوس أثناء الطواف للاستراحة و لكن لا بدّ أن يكون مقداره (1) بحيث لا تفوت به الموالاة فإن زاد على ذلك بطل و لزمه الاستيناف. ذكر حسنة هشام عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) انه قال في

رجل كان في طواف الفريضة فأدركته صلاة فريضة قال يقطع الطواف و يصلي الفريضة، ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه «1»، و صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل كان في طواف النساء فأقيمت الصلاة قال: يصلي معهم الفريضة فاذا فرغ بنى من حيث قطع «2»، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعض و بقي عليه بعضه فطلع الفجر فيخرج من الطواف الى الحجر أو الى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر ثم يرجع فيتم طوافه افترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر و إن اسفر بعض الاسفرار قال ابدء بالوتر و اقطع الطواف إذا خفت ذلك، ثم أتم الطواف بعد ذلك «3». (1) و يدلُّ على جواز الاستراحة في أثناء الطواف صحيحة على بن رئاب قال: قلت: لأبي عبد اللَّه الرجل يعي في الطواف إله أن يستريح قال نعم يستريح ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه «4».

و خبر ابن يعفور عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه سأل عن الرجل يستريح في طوافه فقال: نعم، انا قد كانت توضع لي مرفقة و اجلس عليها «5» و لا يخفى أنه لو قيل يكون المطاف هو ما بين البيت و الحجر لا يتعين ان تكون استراحته في ذلك المقدار، بان يجلس في المطاف بل له ان يخرج من هذا المطاف بالدخول في الحجر للاستراحة، أو في أي نقطة من المسجد الأقرب الى المطاف المذكور، كما هو مقتضي الإطلاق في صحيحة

علي بن رئاب بل يقرب ذلك الى التصريح في خبر ابن أبي يعفور لان وضع المرفقة في نفس مقدار المطاف المذكور أمر بعيد، غايته خصوصاً مع فرض الزحام أيضاً.

[ (مسألة 10) إذا نقص من طوافه عمداً]

(مسألة 10) إذا نقص من طوافه عمداً فان فاتت الموالاة بطل (1) طوافه و الّا جاز له الإتمام ما لم يخرج عن المطاف و قد تقدم حكم الخروج من المطاف متعمداً. نعم قد يقال: و يعتبر ان تكون الاستراحة بمقدار لا تفوت مع الفصل المفروض للموالاة المعتبرة في الطواف كما هو الغالب في مثل الاستراحة أثناء الطواف و السعي، و على الجملة الترخيص في الاستراحة أثناء الطواف و كذا ما ورد فيه الترخيص أثناء السعي بمناسبة الحكم و الموضوع في الاستراحة القصيرة التي لا يفوت معها الموالاة، بأن يأتي بعض الأشواط صباحاً و الباقية بعد الاستراحة إلى قريب الظهر، و نظير ذلك ما ورد في البناء على الأشواط المأتي بها بعد ما خرج لحاجته و حاجة غيره ثم رجع ليكملها فإنه لا يجوز التأخير بمقدار يوم أو يومين، بل بالمقدار المتعارف للحاجة العرفية، و إن فاتت الموالاة مع الفصل بالخروج و الرجوع على ما، تقدم أقول ما ذكر من اعتبار عدم فوت الموالاة العرفية في الاستراحة و كذا في الخروج إلى الحاجة أثناء الطواف ان يكون الخروج و الرجوع بمقدار الحاجة العرفية في مثل هذه المقامات و إن يكون مورداً للتأمل الّا ان رعايتهما أحوط. (1) النقصان في الطواف إذا قصد الطواف و أتي ببعض الأشواط رجع عن قصده و بنى ان لا يتمه، ثم بدا له في الإتيان يجوز له بل الأحوط البناء على ما أتى به من الأشواط إذا لم تفت الموالاة و لم

يخرج عن المطاف، فان قصد عدم الإتمام في الأثناء لا يكون مبطلًا و قاطعاً للطواف بخلاف ما إذا كان بعد فوت الموالاة، فإن مقتضي اعتبار الموالاة ان يستأنف الطواف من الأول، نعم إذا خرج من المطاف و فاتت الموالاة بخروجه يأتي فيه ما تقدم من الاحكام في قطع الطواف و الخروج عن المطاف عمداً.

[ (مسألة 11) إذا انقص من طوافه سهواً]

(مسألة 11) إذا انقص من طوافه سهواً فان تذكره قبل فوت الموالاة و لم يخرج بعدُ من المطاف أتى بالباقي (1) و صح طوافه، و أما إذا كان تذكره بعد فوت الموالاة أو بعد خروجه من المطاف، فان كان المنسي شوطاً واحد أتى به و صح طوافه ايضاً و إن لم يتمكن من الإتيان بنفسه و لو لأجل أن تذكره كان بعد إيابه الى بلده استناب غيره، و إن كان المنسي أكثر من شوط واحد و أقل من أربعة فالأحوط إتمام ما نقص، ثم اعادة الطواف بعد الإتمام، و كذا إذا كان المنسي أربعة أو أكثر. (1) لما تقدم من ان النقص عمداً لا يوجب بطلان ما أتى به من الأشواط فيما إذا لم تفت الموالاة و لم يخرج من المطاف، فكيف بالنقص سهواً، و المراد بالمطاف ليس خصوص المقدار الذي يطاف فيه بين البيت و المقام، بل تعم ما لم يخرج من حدود المسجد الحرام أي حدوده الأصلية مما يجوز فيه الطواف عند الزحام، و أما إذا تذكره بعد فوت الموالاة فيلتزم بان المنسي إذا كان شوطاً واحداً أتي به و صحّ، و إن لم يتمكن من الإتيان بنفسه، و لو لأجل رجوعه الى بلاده و كون الرجوع ثانياً حرجاً استناب غيره، و يستدل على ذلك بصحيحة الحسن بن عطية

قال: سأله سليمان بن خالد و أنا معه عن رجل طاف بالبيت سنة أشواط قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) و كيف طاف ستة أشواط؟ قال: قال استقبل الحجر و قال اللَّه أكبر و عقد واحداً فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) يطوف شوطاً فقال سليمان فإنه فاته ذلك حتى أتي أهله قال يأمر من يطوف عنه «1» و ليس ظاهرها جهل الطائف أي اعتقاده بان استقبال الحجر بحسب شوطاً واحداً و يستقبل بعده ستة مرّات، و هذا استثناء ممّا ترك الطواف جهلًا من وجوبه اعادة حجّة بل ظاهرها نسيان شوط واحد، حيث ان حساب الأشواط تارة يكون بالعقد قبل شروع كل شوط، و حينئذٍ لا بدّ في إتمام الأشواط من شوط بعد العقد للشوط

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 48

.......... السابع، و أخرى يكون بالعقد بعد تمام كل شوط و إتمام الأشواط يتحقق في الفرض بمجرد العقد للسابع، و المفروض في الرواية اشتبه مع عقده للشوط قبله قطع الأشواط بمجرد العقد للسابع فيكون نسيانه من قطع الطواف في الشوط السادس لنسيان حسابه، و أما إذا كان المنسي أكثر من شوط و أقل من أربعة رجع و أتم ما نقص، من غير حاجة الى إعادة الطواف بعد الإتمام، و ذلك لصحيحة إسحاق بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصفا فطاف بين الصفا و المروة فبينما يطوف إذ ذكر انه قد ترك بعض طوافه بالبيت قال: يرجع الى البيت فيتمّ طوافه، ثم يرجع الى الصفا و المروة فيتمّ ما بقي «1» فان ظاهرها كفاية البناء بعد التذكر بنقصان طوافه على اشواطه السابقة، و إذا كانت

الأشواط السابقة أربعة فلا موجب للتأمل في الأخذ بالصحيحة، فإن المشهور ايضاً التزموا بان الطائف إذا تجاوز النصف يبني على ما طاف، و أما إذا كان الأمر بالعكس بان كان الباقي عليه من الأشواط أربعة أو أزيد، فبما أن القطع قد حصل قبل تجاوز النصف فعند المشهور عليه اعادة الطواف، و لكن قد عرفت من عدم الكلية في تلك القاعدة فلا محذور في الأخذ بإطلاق الصحيحة، غاية الأمر الأحوط بعد إتمامه إعادة، الطواف و بما أن مورد الصحيحة فرض إمكان التدارك ففي مورد عدم إمكان التدارك كما إذا تذكر بعد الاعمال و بعد خروج ذي الحجة أو بعد رجوعه الى بلاده يجري عليه حكم ناسي الطواف من القضاء مباشرة في صورة تمكنه و عدم الحرج عليه، و إلا يستنيب. و لكن الأحوط في القضاء ان يأتي بقضاء الأشواط الباقية ثم يعيد الطواف بعد الإتيان بها.

ثم ان هذا كلّه في نقصان الطواف نسياناً، و أما إذا أتي به ناقصاً للجهل بالحكم أو بالموضوع بان تخيل انه الطواف الواجب يتحقق بشوط أو شوطين، أو ان الواجب

[أحكام الطواف
[للزيادة في الطواف خمس صور]
اشارة

للزيادة في الطواف خمس صور:

[الاولى: ان لا يقصد الطائف جزئية الزائد]

الاولى: ان لا يقصد الطائف جزئية الزائد الذي بيده أو لطواف آخر، ففي هذه الصورة لا يبطل بالزيادة (1)

[الثانية، ان يقصد حين شروعه في الطواف أو في أثنائه الإتيان بالزائد على ان يكون جزءاً من طوافه الذي بيده

الثانية، ان يقصد حين شروعه في الطواف أو في أثنائه الإتيان بالزائد على ان يكون جزءاً من طوافه الذي بيده، و لا إشكال في بطلان طوافه حينئذٍ، و لزوم اعادته،

[الثالثة ان يأتي بالزائد على ان يكون جزءً من طوافه الذي فرغ منه

الثالثة ان يأتي بالزائد على ان يكون جزءً من طوافه الذي فرغ منه، بمعنى ان يكون قصد الجزئية بعد فراغه من الطواف و الأظهر في هذه الصورة أيضاً البطلان. في الطواف ستة أشواط، فهذا كله داخل في النقصان متعمداً، و قد تقدم حكمه. و دعوى ان ما ورد في النسيان يعم الجاهل، أيضاً فإن الناسي حال نسيانه جاهل كما ترى، فإن الناسي يدخل في الجاهل حال العمل لا أن الجاهل يعم الناسي. (1) الزيادة في الطواف قد تبين في بحث الزيادة ان زيادة الجزء في مركب اعتباري انما يكون بالإتيان بالزائد بقصد انه جزء ذلك المركب، و الّا فمجرد الإتيان بشي ء و لو أثنائه لا يوجب صدق الزيادة فيه فضلًا عن الإتيان به قبل ذلك، و هذا بعينه يجري في زيادة الطواف، فإنه إذا كانت الزيادة في الأشواط المعتبرة في الطواف مبطلة له كما يأتي، ينحصر البطلان بما إذا قصد بذلك الزائد في الشوط أنه جزء من ذلك الطواف، و الكلام فعلًا فيما دل على بطلان الطواف بالزيادة. و يستدل على ذلك بصحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال يعيد حتى يثبته، و في رواية الشيخ حتى يستتمّه «1» و لا مجال للمناقشة في سندها لكون ابي بصير ثقة، سواء كان ليث المرادي أو يحيى بن القاسم، و دلالتها على كون الطواف بشرط لا بالإضافة إلى الشوط الثامن ايضاً تامة، سواء كان قصد الطائف

الإتيان بثمانية أشواط بعنوان الطواف الواحد من الأول أو في الأثناء أو حتى بعد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 50

.......... تمام سبعة أشواط، بأن قصد بعدها الإتيان بشوط آخر جزء من الطواف الذي أتي به، و دعوى انّه لا يزيد الطواف على الصلاة، فإن الزيادة العمدية في الصلاة بل زيادة الركعة و لو سهواً مبطلة للصلاة، و لكن المكلف إذا صلى و بعدها بنى على ان يأتي بركعة جزءاً من الصلاة المأتي بها لا يوجب ذلك بطلانها، فكيف يكون الإتيان بشوط آخر بعد سبعة أشواط موجباً لبطلان الطواف لا يمكن المساعدة عليه، فان الإتيان في الصلاة بالتسليمة بقصد انها تمام الصلاة و آخر جزء منها يمنع من ان يزيد فيها شي ء بعد ذلك، بخلاف الطواف فإنه لم ينفصل فيه بين الشوط الثامن و السابع شي ء، فالأصل يمنع عن صدق الزيادة في اشواطه، أضف الى ذلك ان كون الزيادة في الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليه، و ظاهرها الإتيان بالزائد بقصد الجزئية، و من هنا يجي ء الوهم بأنه إذا أتي بالشوط السابع بعنوان أنه الأخير من الطواف فلا يصدق على الشوط الزائد عنوان الزيادة، و لو قصد كونه جزءاً. بل الإتيان به بهذا القصد مجرد عمل تشريعي لا يوجب بطلان الطواف الذي فرغ منه، و لكن هذه الرواية في سندها مناقشة لاحتمال كون عبد اللَّه بن محمد الراوي لصفوان بن يحيى بن عبد اللَّه بن محمد بن علي بن العباس الذي له نسخة عن الرضا (عليه السّلام)، أو عبد اللَّه بن محمد الأهوازي الذي له مسائل عن موسى بن جعفر (عليه السّلام) و لم يثبت لهما توثيق، و إن

قيل بان عبد اللَّه بن محمد في هذه الطبقة ينصرف الى عبد اللَّه بن محمد الحجال و عبد اللَّه بن محمد بن حضين الحضيني لكونهما مشهورين لكل منهما كتاب.

أضف الى ذلك أوّلًا: أنه لا مجال لما ذكر فيما إذا أتي الطائف بالشوط السابع متردداً في ان يتم طوافه بذلك الشوط أو يضيف اليه شوطاً آخر ثم أضاف، و ثانياً: ان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 51

.......... غاية الدعوى ان رواية عبد اللَّه بن محمد لا تدل على بطلان الطواف فيما إذا بدأ الطائف بعد الإتيان بالشوط السابع ان يضيف في طوافه شوطاً آخر، لعدم صدق الزيادة في الطواف بعد تحققه، و أما صحيحة أبي بصير فإطلاقها غير قاصر عن الشمول للفرض، حيث انه لم يؤخذ فيها عنوان الزيادة، بل ظاهرها ان يطوف بثمانية أشواط في طوافه غايته بقصد ذلك الطواف سواء كان قاصداً من الأول أو في الأثناء أو بعد سبعة أشواط، نعم لا تعم الصحيحة ما إذا لم يقصد بشوطه الإتيان بالطواف أصلا أو قصد الإتيان بطواف آخر غير الطواف الذي ان بيده، ثم قطع الطواف الثاني بعد شوط واحد، و لكن في مقابل الصحيحة صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط؟ قال: يضيف إليها ستة «1»، و هما في تقسمها متعارضتان، و لكن يرفع اليد عن إطلاقها صحيحة أبي بصير بحملها على من زاد في طوافه متعمداً بشوط واحد سواء كان منشأه الجهل بالحكم أو مع العلم بقرينة صحيحة أخرى لمحمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: ان في كتاب علي (عليه السّلام) إذا طاف الرجل البيت ثمانية أشواط

الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستاً و كذلك إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستاً «2»، فان ظاهر قوله (عليه السّلام) فاستيقن ان الزيادة المفروضة كانت بلا عمد، و بعد حمل صحيحة أبي بصير على صورة العمد بتخصيصها في صورة السهو و النسيان تكون أخص من صحيحة محمد بن مسلم الاولى و تحمل صحيحة الاولى، و الوارد فيها الأمر بإضافة السّت على صورة الإتيان بالثمانية سهواً و اشتباهاً في التعداد، فالمورد من صغريات باب انقلاب النسبة، فتكون النتيجة ان الطواف بزيادة عمداً باطل، و بالزيادة سهواً إذا كانت بشوط واحد أو أقل لا يبطل، نعم ورد في رواية أبي بصير الأخرى قلت له فإنه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 52

.......... طاف و هو تطوع ثماني مرات و هو ناس، قال: فليتمه طوافين ثم يصلي أربع ركعات فأمّا الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط «1» و ظاهرها بطلان طواف الفريضة بالزيادة سهواً، الا ان في سندها إسماعيل بن مرار مضافاً الى كونها مضمرة فلا يرفع اليد بها عما تقدم، ثم ان ما ورد في إضافة السند فيما إذا طاف ثمانية أشواط بقرينة عدم وجوب الطوافين محمول على الاستنابة، و لا يبعد ان يتميز بين قطعه و إضافة ستة أخرى، إلا أن الأحوط إضافته إذا تذكر بعد تمام الشوط الثامن، و أما إذا ذكر و لم يتم الشوط فمقتضى رواية أبي كهمس لزوم قطعه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط، قال: ان ذكر قبل ان يبلغ الركن فليقطعه «2»، و لكن مع قصورها سنداً و دلالتها على عدم القطع بعد بلوغ الركن ينافيها صحيحة عبد اللَّه

بن سنان حيث ورد فيها ما ظاهره عدم الفرق بين تمام الشوط الثامن و عدمه، حيث روى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطاً ثم ليصل ركعتين «3» و ربما يقال تعارض هذه الصحيحة ما تقدم في الروايات التي علّق فيها اضافة ستة بما إذا تذكر بالزيادة عند تمام الشوط الثامن، كصحيحة محمد بن مسلم الثانية حيث ورد فيها ان في كتاب علي (عليه السّلام) إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستاً «4»، فالتقييد بثمانية أشواط عند التذكر مأخوذ في كلام الامام (عليه السّلام) ابتداء من غير سبق في السؤال و لو كان الحكم بإضافة ستة جارياً حتى فيما كان التذكر قبل إكمال الثامنة سقطت الثمانية عن الموضوعية، فمقتضى الجمع بين صحيحة عبد اللَّه بن سنان و بينها حمل الدخول في الثمانية في الأول على الدخول في نهاية الشوط الثامن، فيتحد مضمون الطائفتين و فيه ما لا يخفى، لان تلك الروايات ناظرة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 53

.......... الى موضوع الحكم بإضافة ستة أشواط من حين التذكر بالزيادة، و لا يكون هذا الا بان يذكر عند تمام الشوط الثامن، فالشرطية و القيد فيها فاستيقن المستفاد منه صورة السهو كما تقدم لتحقق الموضوع لإضافة الستة و لا تدل على حكم صورة التذكر قبل تمام الشوط الثامن، و أما صحيحة عبد اللَّه بن سنان فالحكم الوارد فيها إتمام الطواف بأربعة عشر شوطاً فلا منافاة بينهما و لا أقل من ان دلالة مثل صحيحة محمد بن مسلم على نفي الحكم في طرفي الزيادة على الثمانية و النقيصة

بالإطلاق فيرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى التذكر في صورة النقيصة اي الدخول في الثامنة، نعم بما ان العدول من شوط بعد تحقق الطواف بقصد جعله شوطاً من طواف آخر على خلاف القاعدة، و تختص الإضافة بصورة التذكر قبل إكمال الثامنة أو عند تمامها و أما في غير ذلك فلا يبعد الحكم بالصّحة، و الأحوط ان يكمل الزائد بقصد طواف آخر لتحقيق سبعة أشواط لعدم تمام الدليل على بطلان الطواف بالزيادة السهوية، و أما رواية عبد اللَّه بن محمد فقد تقدم أن في سندها ضعف و مع الإغماض عنه فالزيادة السهوية الموجبة للبطلان في الصلاة هي الزيادة العمدية لا السهوية إلا في الركوع و نحوه، فمطلق الزيادة الموجبة لبطلان الصلاة هي العمدية فلا تكون الزيادة في الطواف سهواً مبطلًا له، و الاستدلال على بطلان الطواف حتى بالزيادة السهوية بالأخبار الواردة في لزوم اعادة الطواف بالشك في عدد الأشواط كما إذا شك في شوطه هو السادس أو الثامن أو ان شوطه الذي لم يفرغ منه سابع أو ثامن لا يمكن المساعدة عليه، حيث يمكن ان يكون الحكم بالبطلان لاعتبار العلم بعدد اشواطه حال الطواف، نظير ما ذكر في عدد الركعات الثلاثية و الثنائية و الركعتين الأوليتين من الرباعية و دعوى ان إتمام الزائد على السبع باشواط حتى يصير أربعة عشر شوطاً

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 54

(جواز القرآن في الطواف الفريضة إذا دخل في الشوط الثامن سهواً أو طاف الشوط الثامن).

[الرابعة: ان يقصد جزئية الزائد بطواف آخر و يتم الطواف الثاني

الرابعة: ان يقصد جزئية الزائد بطواف آخر و يتم الطواف الثاني (1) و الزيادة في هذه الصورة و إن لم تكن متحققة حقيقة الا ان الأحوط بل الأظهر فيها البطلان، و ذلك من

جهة القرآن بين الطوافين في الفريضة. يوجب تحقق القرآن بين الطوافين، و هو غير جائز في الفريضة، و يستثنى من عدم الجواز ما إذا طاف بالثمانية سهواً فيؤخذ في غيره بإطلاق عدم جواز القرآن في الفريضة الموجب لقطع الزيادة بقصد طواف آخر لا يمكن المساعدة عليها.

و ذلك فإنه يمكن ان يستظهر في صحيحة عبد اللَّه بن سنان المتقدمة انه إذا زاد الطائف في طواف الفريضة شيئاً و لو سهواً بان دخل في الثامنة فعليه إكمال الزائد بأربعة عشر شوطاً، فالموضوع للإكمال الزائد في صورة السهو الدخول في الثامنة و من طاف سبعة أشواط سهواً فهو ممن دخل في الثامنة، سهواً فله إتمامه بأربعة عشر شوطاً، و على ذلك فالقران بين الطوافين فيما زاد في طواف الفريضة بالدخول في الثامنة لا بأس به، و في غير ذلك لا يجوز القرآن في الفريضة بأن يأتي بطواف الفريضة، و قبل ان يصلي صلاته يطوف طوافاً آخر واجباً كان أو مندوباً. (1) في قصد الإتيان بالزائد بعد سبعة أشواط إذا زاد شوطاً بقصد الإتيان بالطواف الثاني فإن أكمل الطواف يحكم ببطلان طوافه الأوّل و الثاني، و ذلك فان القرآن في غير ما ذكر بين الطوافين في الفريضة مانع عن الصحة و هو المنسوب الى المشهور في النافع، و ذكر في التذكرة ان الأكثر على عدم جواز القرآن بين الطوافين في الفريضة خلافاً لابن إدريس و العلامة في المختلف

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 55

.......... و الشهيد في الدروس، حيث ذهبوا الى كراهته و يدلّ على المنع صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سأل رجل أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يطوف الأسباع جميعاً فيقرن

فقال لا إلا أسبوع و ركعتان و إنما قرن أبو الحسن (عليه السّلام) لانه كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية «1» و ظاهرها عدم جواز الجمع بين الطوافين بلا صلاة بينهما المعبر عن ذلك بالقران سواء كان ذلك في طواف الفريضة أم النافلة كما هو مقتضى إطلاقها، و يرفع اليد عن هذا الإطلاق بالإضافة إلى النافلة بالالتزام بجواز القرآن فيها بين الطوافين، بل الأكثر لما ورد في صحيحة زرارة قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) انما يكره ان يجمع الرجل بين أسبوعين و طوافين في الفريضة، فأمّا في النافلة فلا بأس. و التعبير عن المنع بالكراهة في هذه الصحيحة لا يصلح قرينة على رفع اليد عن ظهور النهي في الصحيحة الأولى بحمله على الكراهة المصطلحة، و ذلك ان الكراهة المستعملة في كلامهم ظاهرة في معناها اللغوي الذي لا ينافي المنع و التحريم.

لا يخفي ان النهي عن الجمع بين الطوافين في الفريضة كالنهي عن القرآن بين السورتين في صلاة الفريضة ظاهر في كون ذلك مانعاً عن تحقق ما هو جزء للعبادة، فيكون الطواف الذي هو جزء من الحج و العمرة مقيداً بعدم طواف آخر قبل الإتيان بصلاته، و أما ما ورد فيه جواز القرآن بين الطوافين أو أكثر كصحيحة أخرى لزرارة انه قال ربما طفت مع أبي جعفر (عليه السّلام) و هو ممسك بيدي الطوافين و الثلاثة ثم ينصرف و يصلي الركعات ستاً «2» فمحمول على القرآن في النافلة، و يلتزم بالمنع كما ذكر فيما أتى بالفريضة إلّا في المورد المتقدم و هو الدخول في الثامنة سهواً، حيث يتمه أربعة عشر شوطاً، و لا يخفى ايضاً انه إذا كان الطواف الأول فريضة و

أكمل الطواف الثاني يحكم ببطلان الطواف على ما تقدم، و أما إذا لم يكمله فلا يحكم ببطلانه من جهة

[الخامس: ان يقصد جزئية الزائد لطواف آخر]

الخامس: ان يقصد جزئية الزائد لطواف آخر و لا يتم الطواف الثاني من باب الاتفاق فلا زيادة و لا قران الّا انه قد يبطل الطواف فيها لعدم تأتي قصد القربة، و ذلك فيما إذا قصد المكلف الزيادة عند ابتدائه بالطواف أو في أثنائه، مع علمه بحرمة القرآن أو بطلان الطواف، به فإنه لا يتحقق قصد القربة و الإتيان بالمأمور به و إن لم يتحقق القرآن خارجاً.

[ (مسألة 1) إذا أزاد في طوافه سهواً]

(مسألة 1) إذا أزاد في طوافه سهواً فان كان الزائد أقل من شوط قطعه (1) و إن لا يبعد ان يجوز إكماله أربعة عشر شوطاً، كما إذا كان الزائد شوطاً أو أكثر سهواً فإنه إذا كان الزائد كذلك فالأحوط ان لا يقطعه و يجعل الزائد طوافاً كاملًا بقصد القربة المطلقة بمعنى ان لا يعين ان الطواف الواجب هو الأول من الطوافين أو الثاني. القرآن لعدم تحقق القرآن و لا من جهة الزيادة لأن المفروض ان الزائد أتى به بقصد طواف آخر، نعم هذا فيما إذا قصد الإتيان بطواف آخر بعد الفراغ عن الطواف الأوّل، و أما إذا قصده من الأول أو في أثنائه يكون طوافه محكوماً بالبطلان مع علمه بكون القرآن مبطلًا، حيث معه لا يتحقق قصد الإتيان بالطواف المأمور به بقصد التقرب. (1) قد تقدم الكلام فيما زاد على سبعة أشواط ببعض الشوط أو الشوط الكامل عند التكلم في صورة الزيادة العمدية، بقي في المقام أمران أحدهما: أنه إذا زاد على الأشواط السبعة شوطاً أو أقل أو أكثر سهواً فإتمام الزائد أربعة عشر شوطاً غير واجب، بل للمكلف ان يقطع ذلك الطواف و يعيده بناءً على انه عند الزيادة السهوية يكون الطواف الواجب هو الطواف الثاني، الذي يتحقق

بإكمال الزائد بستة أشواط اخرى، و كذا بناءً على ان الطواف الواجب هو الأول، و الثاني طواف مندوب قد أمر به أن يخرج الزائد في الطواف الواجب عن الزيادة فيه، بجعله جزءً من الطواف المندوب. فإن غاية ذلك أنه إذا رفع اليد عن الطواف الأول و أعاده بعد ذلك فقد أبطل الطواف الأول بقطعه و قطع ما أتى به بقصد الطواف الواجب لا بأس به و ليس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 57

.......... قطعه كقطع صلاة الفريضة التي ذكروا الإجماع و التسالم على عدم جواز قطعها و ما لا يجوز قطعه هو قطع نفس الحج أو العمرة بعد الدخول بهما لا عدم جواز قطع جزء من أجزائهما، ثم الإتيان بذلك الجزء بل لو قيل بان الطواف الثاني مجرّد طواف مندوب، و الطواف الأوّل طواف واجب تام و الزيادة السهوية لا تخرجه عن الصحّة فلا يحتاج بعد ترك إكماله أربعة عشر شوطاً إلى الإعادة أيضاً، و على الجملة عدم إكمال الزائد بأربعة عشر ليس من ارتكاب أمر غير جائز بل غايته قطع للطواف الواجب، فيحتاج إلى إعادته بعد ذلك من غير ان يكون في قطعه محذور، الأمر الثاني: انه إذا أكمل الزائد بأربعة عشر شوطاً حتى يصير المأتي به طوافان فهل الواجب هو الطواف الأوّل أو الثاني: فإن كان الطواف الثاني مستحباً لا يضر الشك في عدد اشواطه و يبني على الأقل كما يأتي ذلك في الشك في عدد أشواط الطواف المندوب، بخلاف ما إذا قلنا بأنه الطواف الواجب فإنه يبطل بالشك في عدد اشواطه و إن لم نقل بوجوب الإعادة لصحة الأوّل الذي زاد فيه سهواً و لم يتم العدول الى طواف

ثان ليخرج الأوّل.

في تعيين الواجب في أي من الطوافين و وجوب صلاة ركعتي الطواف بعدهما عن الطواف الواجب و قد يقال أن مع الإكمال يكون الأوّل طوافاً مندوباً، و الثاني طواف فريضة و يستظهر ذلك من صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): ان علياً (عليه السّلام) طاف طواف الفريضة ثمانية و ترك سبعة و بنى على واحد و أضاف اليه ستاً ثم صلّى ركعتين خلف المقام ثم خرج الى الصفا و المروة فلما فرغ من السعي بينهما رجع و صلى الركعتين اللتين ترك في المقام الأوّل «1». و ظاهر قوله (عليه السّلام) فترك سبعة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 58

.......... منضماً الى قوله فلما فرغ من السعي بينهما رجع و صلى الركعتين اللتين. إلخ كون الثاني هو الطواف الواجب الذي صلّى ركعتاه بعد الفراغ منه خلف المقام قبل السعي.

و يؤيد ذلك انه لو كان الواجب من الطواف هو الثاني، يبقى إطلاق ما دلّ على عدم جواز القرآن في الفريضة بحاله، فإن مع كون الطواف الأوّل مندوباً لا بأس بالقران فيه، و ما بعده من الطواف الواجب لا قران فيه، حيث صلّى بعده صلاته من غير ان يأتي بطواف آخر، و لكن يمكن المناقشة في الصحيحة بأنه حكاية فعل و غاية دلالتها جواز جعل الأوّل طوافاً مندوباً. و الثاني طواف فريضة، و أما دلالتها على تعين هذا النحو من الجعل فلا يستفاد، و مقتضى الإطلاق في الروايات الواردة فيها اضافة ستة عدم الفرق بين الصورتين من كون الإضافة بقصد العدول من الأوّل أو بقصد الطواف المندوب، و لذا ذكرنا في المتن إن الأحوط أن يجعله طوافاً كاملًا بقصد القربة، بل ظاهر تلك الروايات

اضافة الستة على الزائد على طواف الفريضة، فيكون الثاني طوافاً مندوباً، مع ان في صحيحة زرارة مناقشة أُخرى و انه كيف يصح ان يزيد علي (عليه السّلام) على الطواف سهواً، و هذا ينافي عصمة الامام (عليه السّلام)، و لذا افتى بعض الأصحاب على ما قيل بأنه لا بأس بالزيادة العمدية في الطواف الواجب مطلقاً أو فيما إذا أكمله طوافين و ربما يجاب عن المناقشة بأن إسناد ما ورد في الرواية إلى علي (عليه السّلام) من رعاية التقية في الرواية، و أما التأييد فقد ذكر الحال فيه مما ذكرنا، و كيف كان لا يجب في فرض إكمال طوافين إلا صلاة طواف واحدة، لأن الآخر من الطوافين طواف مندوب، و قد ورد في صحيحة عبد اللَّه بن سنان «1» و صحيحة رفاعة «2» حيث ورد في الأولى، ثم ليصل ركعتين، و في الثانية قلت: يصلي أربع ركعات قال

[ (مسألة 2) إذا شك في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف و التجاوز من محلّه لم يعتن بالشك

(مسألة 2) إذا شك في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف و التجاوز من محلّه لم يعتن بالشك (1) كما إذا كان شكه بعد دخوله في صلاة الطواف.

[ (مسألة 3) إذا تيقّن بالسبعة و شك في الزائد]

(مسألة 3) إذا تيقّن بالسبعة و شك في الزائد كما إذا احتمل ان يكون الشوط الأخير هو الثامن لم يعتن بالشك و صحّ طوافه (2) الا ان يكون شكه هذا قبل تمام الشوط الأخير فإن الأظهر حينئذٍ بطلان الطواف و الأحوط إتمامه رجاءً و إعادته. يصلي ركعتين، نعم يجوز ان يصلي للنافلة أيضاً بنحو الجمع قبل السعي و بنحو التفريق بأن يأتي بصلاة أُخرى للمندوب بعده. (1) الشك في عدد الأشواط اعتبار الطواف في الحج أو العمرة كاعتبار الاجزاء في الصلاة، و كما أن كل جزء من الصلاة يعتبر وقوعه في محلّه من حيث الترتيب المعتبر فيها، كذلك الحال بالإضافة إلى طواف الحج أو العمرة بالإضافة الى الاجزاء المعتبرة فيهما. و على ذلك فان دخل المكلف في صلاة الطواف و شك في أنه أتى بالشوط السابع في طوافه أم لا، يبني على انه أتم طوافه بل لو دخل المكلف في صلاة الطواف أو في السعي و شك في الإتيان بالطواف، يأخذ بمقتضى قاعدة التجاوز. و إذا فرغ من طوافه و شك في أنه توضأ لطوافه أم لا يأخذ بمقتضى قاعدة الفراغ. و على الجملة لا قصور في مدرك قاعدتي الفراغ و التجاوز من جهة العموم و شموله للافعال المعتبرة في الحج و العمرة. (2) لا خلاف بين الأصحاب في أنّ الشك بين الشوط السابع أو الثامن يحكم بصحة الطواف و لا يعتني باحتمال الزيادة كما يشهد لذلك صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن

رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أ سبعاً طاف أم ثمانية فقال: اما السبعة فقد استيقن و إنما وقع وهمه على الثامن فليصل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 60

.......... الركعتين» «1». و موثقته عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «قلت له رجل طاف فلم يدر أ سبعة طاف أم ثمانية قال يصلي الركعتين» «2». و نحوها ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «3». و على الجملة لا مورد للتأمل في الحكم إذا حصل التردد بين السبعة و الثمانية عند تمام الشوط و أما إذا حصل قبل إتمام الشوط، في أنه إذا أكمل الشوط هل هو سابع أو ثامن فالأظهر بطلان الطواف و عليه اعادته، و إن اختار البعض كصاحب المدارك أنه يتمّه على أنه سابع و لا يعتني باحتمال أنه ثامن، و ليس الحكم بالبطلان لما ذكره الشهيد الثاني من أنه لا يمكن إتمامه لاحتمال الزيادة و لا يمكن تركه لاحتمال النقص فان ما ذكره مردود، بأنّ مقتضى الاستصحاب عدم كونه شوطاً ثامناً حتى فيما إذا أتمّه و يحرز بإتمامه أنه طاف بالبيت سبعة أشواط، بل الحكم بالبطلان لعدم دخول الفرض في مدلول صحيحة الحلبي، حيث إنّ ظاهرها كون الطائف عند حدوث الشك على يقين بأنه أتى بالشوط السابع و يحتمل زيادة الشوط الثامن و هذا لا يكون الّا ما إذا كان حدوث الشك عند إكمال الشوط و بلوغ منتهاه، و الاستصحاب في عدم زيادة الثامن أو عدم دخوله في الثامن غير معتبر، بل المكلف في المفروض يكون شاكاً في أنه طاف

ستة أشواط أو سبعة أشواط بحيث لو أكمل الشوط يكون سابعاً أو ثامناً فيعمه ما دل على بطلان الطواف إذا شك في الستة و السبعة، كصحيحة معاوية بن عمار قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ قال: يستقبل قلت: ففاته ذلك قال ليس عليه شي ء» «4». و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل لم يدر ستة طاف أو سبعة قال يستقبل» «5» و صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن

[ (مسألة 4) إذا شك في عدد الأشواط]

(مسألة 4) إذا شك في عدد الأشواط، كما إذا شك في عدد الأشواط بين السادس و السابع (1) أو بين الخامس و السادس، و كذلك الاعداد السابقة يحكم ببطلان طوافه، و كذلك إذا شك في الزيادة و النقصان معاً، كما إذا شك في أن شوطه الأخير هو السادس أو الثامن، و لا اعتبار بالظن ما لم يحصل حد الاطمئنان و يجرى عليه حكم الشك. رجل طاف بالبيت فلم يدر أ ستّة طاف أو سبعة طواف فريضة؟ قال: فليعد طوافه قيل: انه قد خرج وفاته ذلك، قال: ليس عليه شي ء» «1» و ظاهر هذه الروايات المعتبرة ان الشك بين الستة و السبعة سواء حصل عند تمام الشوط و منتهاه أو في أثنائه يوجب بطلان الطواف فيكون على المكلف اعادته. (1) المشهور على بطلان الطواف عند الشك بين السادس و السابع، كما في المدارك و إن التزم هو (قدّس سرّه) كبعض المتأخرين بالصحة إذا أكمله، بحيث أحرز بأنه طاف سبعة أشواط بضميمة أصالة عدم الزيادة، و هذا القول محكي عن المفيد و الصدوق و الحلبي من المتقدمين. و قد تقدم ما

يدل على بطلان الطواف في المسألة السابقة، و ناقش في المدارك فيها، و التزم بالصحة على ما ذكر مستدلًا بصحيحة منصور بن حازم قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «إني طفت فلم أدر أ ستّة طفت أم سبعة، فطفت طوافاً آخر، فقال هلا استأنفت؟ قلت: طفت و ذهبت قال: ليس عليك شي ء» «2». حيث إنّه لا يمكن حمل الشك فيه بين الستة و السبعة على ما إذا حدث الشك بعد فوت وقت التدارك، كما إذا شك بعد الدخول في السعي أو في صلاة الطواف حيث انه بزعمه تدارك شكه قبل فوت وقت التدارك بإضافة شوط آخر، و لو كان الشك موجباً لبطلان طوافه لم يقل (عليه السّلام) في الجواب ليس عليك شي ء. فيستفاد من الصحيحة، جواز البناء على الأقل، و إن تكون الإعادة أفضل كما استدل بصحيحة رفاعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة؟ قال: يبني على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 62

.......... يقينه» «1». فان ظاهرها البناء على الأقل و إتمام النقص. و في صحيحة أُخرى لمنصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة قال: فليعد طوافه، قلت ففاته، قال ما أرى عليه شيئاً و الإعادة أحبّ و أفضل» «2».

أقول: اما الصحيحة الأولى، فلا تدلّ على أنّ وظيفة الشاك في طوافه بين الستة و السبعة، هو البناء على الأقل لا الاستيناف، غاية الأمر يلتزم بان الجاهل بلزوم الإعادة إن أتى بشوط بلا إعادة و استمر جهله الى ان فات زمن التدارك يجزي ذلك كما سيأتي. و أما ما ورد

في صحيحة رفاعة «في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة، قال يبني على يقينه» «3» فتحمل على طواف نافلة جمعاً بينها و بين صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل لم يدر ستة طاف أو سبعة قال يستقبل «4» و شاهد الجميع بينهما ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟ قال: يستقبل» «5» و ما في ذيلها قلت: «ففاته ذلك قال ليس عليه شي ء» لا بد من حمله على ترك الإعادة جهلًا حتى فات زمان تداركه كخروج ذي الحجة في طواف الحج أو ضيق الوقت عن ادراك الوقوف بعرفة في طواف العمرة، و بما أنه لم يفرض معاوية بن عمار في سؤاله أنه بنى على الأقل و أتي بشوط آخر فلا بد من تقييده بهذا البناء، و الإتمام إن ثبت إجماع على بطلان الطواف بترك البناء على الأقل و عدم الإعادة و إلا أمكن ان يقال باجزاء الطواف الذي شك المكلف فيه بين الستة و السبعة، و لم يعده و حتى لم يزده بشوط لاستمرار جهله الى أن فات محل التدارك، و مما ذكرنا يظهر الحال فيما ورد في ذيل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، بعد ان ذكر الامام (عليه السّلام) لزوم الإعادة عند الشك

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 63

.......... بين الستة و السبعة من قوله قيل انه قد خرج وفاته ذلك قال ليس عليه شي ء، فإنه ان لم يمكن حمله على صورة حصول الشك بعد فوت المحل كما ذكرنا عدم الإمكان في صحيحة منصور فلا بد من حمله على صورة ترك الإعادة

جهلًا مع الإتيان بشوط آخر ان لم يمكن الالتزام بالصحة مع ترك الإعادة و ترك البناء لاستمرار جهله الى زمان الفوت، و مثلها ما ورد في صحيحة منصور بن حازم فإنه لا بد من حملها على صورة الشك بعد تجاوز المحل و الالتزام باستحباب الإعادة معه، و إلا فظاهرها الاكتفاء بالطواف الذي شك فيه بين الستة و السبعة و لم يعد و لم يضف اليه شوطاً حتى تجاوز محلّه و فات، فان ثبت اتفاق على البطلان فهو و إلا يحكم بالاجزاء كما يظهر من صاحب الحدائق، حيث ان محل الخلاف عند الشك في الستة و السبعة في لزوم الإعادة أو البناء على الأقل صورة حضور الطائف، و أما مع الذهاب الى الأهل و الرجوع إلى بلاده فلا نزاع في الحكم بالصحة لأجل الروايات و حكى ذلك عن المجلسي (قدّس سرّه) ايضاً.

و إن أنكر في الجواهر الحكم بالاجزاء و التزم ببطلان الطواف بلا فرق بين ان يكون حاضراً بمكة أو رجع الى بلاده، بان فات محل التدارك أي الإعادة أو شق عليه الرجوع إلى مكة و لو مع بقاء محل التدارك. هذا كله عند الشك في الستة و السبعة، و كذا إذا كان الشك بين الستة و الخمسة، و كذا في الأعداد السابقة، فيحكم ببطلان الطواف. و كذلك إذا كان الشك في الزيادة و النقيصة معاً كما إذا شك في كون شوطه الأخير السادس أو الثامن. و يدلّ على ذلك صحيحة صفوان قال: «سألته عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم، احفظوا الطواف فلمّا ظنّوا انهم قد فرغوا، قال: واحد منهم معي ستة أشواط قال ان شكوا كلهم فليستأنفوا و إن لم يشكوا أو علم

كل

[ (مسألة 5) إذا شك بين السادس و السابع و بنى على السادس جهلًا منه بالحكم و أتم طوافه لزمه الاستئناف

(مسألة 5) إذا شك بين السادس و السابع و بنى على السادس جهلًا منه بالحكم و أتم طوافه لزمه الاستئناف، و إن استمر جهله إلى أن فاته زمان الدارك لم تبعد صحة طوافه. واحد منهم ما في يديه فليبنوا» «1» و رواها الشيخ بإسناده عن إبراهيم بن هاشم عن صفوان، و فيما رواه قال: واحد معي سبعة أشواط، و قال: الآخر معي ستة أشواط، و قال: الثالث معي خمسة أشواط» و يؤيد الحكم بالبطلان ما رواه سماعة عن أبي بصير قال: «قلت: له رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أو سبعة أو ثمانية قال يعيد طوافه حتى يحفظ» «1» و موثقة حنان بن سدير قال قلت لأبي عبد اللَّه: (عليه السّلام) «ما تقول في رجل طاف فأوهم قال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة، فقال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أيّ الطوافين كان طواف نافلة أم طواف فريضة، قال: ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و ليستأنف، و إن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع انه طاف فليبن على الثلاثة فإنه يجوز له «2». (1) قد تقدم أنه يستفاد ذلك من صحيحة منصور بن حازم قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافاً آخر قال هلا استأنفت؟ قلت: طفت و ذهبت قال: ليس عليك شي ء» «3» فإنه لا يمكن حمل الشك في طوافه على حدوث الشك بعد التجاوز و فوت المحل، حيث انه تدارك بزعمه بإضافة شوط كما انه لا يمكن حمله على الطواف المندوب، فان الشك فيه لا يوجب الاستيناف و حكمه (عليه السّلام) بعد

فوت التدارك بأنه لا شي ء عليك ظاهره الاجزاء مع استمرار الجهل الى زمان الفوت. و قد تقدم ان الاجزاء يظهر من بعض الروايات حتى فيما إذا بنى على السبعة و لم يأت بعد الشك بشي ء حتى فات محل التدارك، و لكن احتمال ان المراد من الشك فيها الشك الحادث بعد تجاوز المحل يمنعه عن الالتزام بما ذكر.

[ (مسألة 6) يجوز للطائف أن يتكل على إحصاء صاحبه في حفظ عدد اشواطه

(مسألة 6) يجوز للطائف أن يتكل على إحصاء صاحبه في حفظ عدد اشواطه (1) إذا كان صاحبه على يقين من عددها.

[ (مسألة 7) إذا شك في الطواف المندوب

(مسألة 7) إذا شك في الطواف المندوب يبني على الأقل (2).

[ (مسألة 8) إذا ترك الطواف في عمرة التمتع عمداً مع العلم بالحكم

(مسألة 8) إذا ترك الطواف في عمرة التمتع عمداً مع العلم بالحكم أو مع الجهل به و لم يتمكن من التدارك قبل الوقوف بعرفات بطلت عمرته (3) و عليه الحج من قابل و قد مر ان الأظهر بطلان إحرامه أيضاً لكن الأحوط ان يعدل الى حج الافراد و يتمه بقصد الأعم من (1) صرّح الأصحاب بجواز الاتكال في عدد الأشواط على إحصاء الغير إذا كان صاحبه حافظاً لعددها، و إن كان يستفاد من بعض الروايات الواردة في زيادة شوط، و في الشك في عدد الأشواط لزوم كون الطائف حافظاً لعددها، بل إحراز الإتيان بمتعلّق التكليف وظيفة نفس المكلف، الا انه ورد في صحيحة سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام): «عن الطواف أ يكتفي الرجل بإحصاء صاحبه فقال نعم» «1». و يؤيده رواية الهذيل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف أ يجزيه عنها و عن الصبي؟ فقال: نعم، أ لا ترى أنّك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه، فهو مثله» «2» و التعبير بالتأييد لعدم ثبوت توثيق لهذيل. (2) قد تقدم ذلك في بيان صور الشك في عدد الأشواط، و أنه كما في بعض الروايات المعتبرة إن حكم الشاك في عدد طواف النافلة جواز البناء على الأقل و أنه يجزئ كما في موثقة حنان بن سدير المتقدمة. (3) نسيان طواف عمرة التمتع أو الحج مع فوت محل التدارك قد تقدم الكلام في ترك الطواف في عمرة التمتع، و انه إذا تركه متعمداً سواء كان مع العلم أو الجهل يوجب بطلان العمرة إذا لم يتمكن من

تداركه الى زمان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 66

الحج و العمرة المفردة، و إذا ترك الطواف في الحج متعمداً و لم يمكنه التدارك بطل حجه أيضاً و لزمته الإعادة من قابل و إذا كان ذلك من جهة الجهل بالحكم لزمته كفارة بدنة أيضاً.

[ (مسألة 9) إذا ترك الطواف نسياناً وجب عليه تداركه بعد التذكر]

(مسألة 9) إذا ترك الطواف نسياناً (1) وجب عليه تداركه بعد التذكر، فان تذكّره بعد فوت محلّه قضاه و صحّ حجّه، و الأحوط إعادة السعي بعد قضاء الطواف، و إذا تذكره في فوتها و إن زمان فوت عمرة التمتع عدم إمكان ادراك اختياري الوقوف بعرفات، و هو الوقوف بها قبل انقضاء يوم عرفة بغروب الشمس، و ذكرنا بما فيه الكفاية في أوّل فصل في الطواف، أنه إذا بطلت العمرة بطل الإحرام لها ايضاً، كما هو مقتضي كون كل من العمرة و الحج واجباً ارتباطياً، و حيث ان حج التمتع مشروط بعمرته فمع بطلان العمرة و فوت زمان تداركه لا يتحقق حج التمتع، و العدول الى حج الافراد يحتاج الى قيام دليل على انتقال الوظيفة، و لم يقم عليه دليل في الفرض، فيكون عليه الحج في السنة القادمة إذا كان حجّه حجة الإسلام أو كان واجباً عليه بوجه آخر، من نذر، أو عهد أو استيجار، بحيث لم يتعين عليه في خصوص السنة التي أفسد فيها عمرة التمتع.

و قد تقدم ايضاً ان الأحوط لإحراز خروجه عن الإحرام يقيناً ان يعدل الى حج الافراد، و يتمه بقصد الأعم من حج الافراد و العمرة المفردة. و يلزم على القصد الأعم ان يخرج إلى الإتيان بالعمرة المفردة بعد انقضاء اعمال حج الافراد.

و كذا يبطل الحج بترك طواف الحج و لو جهلًا، و يكون عليه

اعادة الحج و إذا كان ذلك لجهله يلزم عليه كفارة بدنه ايضاً على ما تقدم. (1) نسيان طواف عمرة التمتع و حجّه لا يوجب بطلانهما، فإنه إذا تذكر قبل فوت محلّ التدارك تداركه، كما تدل على ذلك موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت:

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 67

وقت لا يتمكن من القضاء ايضاً كما إذا كان تذكره بعد رجوعه الى بلده وجب عليه الاستنابة، و الأحوط أن يأتي النائب بالسعي أيضاً بعد الطواف. لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة، فبينما هو يطوف إذ ذكر انه قد ترك من طوافه بالبيت: قال يرجع الى البيت فيتم طوافه، ثم يرجع الى الصفا و المروة فيتم ما بقي. قلت: فإنه بدء بالصفا و المروة قبل ان يبدء بالبيت. فقال: يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة، قلت: فما الفرق بين هذين؟ قال: لان هذا قد دخل في شي ء من الطواف، و هذا لم يدخل في شي ء منه» «1» و دلالتها على ان ناسي بعض الأشواط من طوافه و التذكر بالنقص بعد البدء بالسعي بين الصفا و المروة يكفي له ان يرجع و يتم طوافه و يبني على السعي الذي أتى به بان يتمّه واضحة، و كذا دلالتها على إعادة السعي من الأوّل إذا أتى به قبل الطواف. و في صحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت؟ قال: يطوف بالبيت، ثم يعود الى الصفا و المروة فيطوف بينهما» «2» و إطلاق هذه الصحيحة يعمّ الجاهل أيضاً فإنه يجب

على الجاهل ايضاً ان يطوف بالبيت، ثم يسعى بين الصفا و المروة و البناء على الأشواط المأتي بها غير جار في فرض الجهل على ما تقدم، بل عليه مع تركه بعض أشواط الطواف جهلًا أن يأتي بسبعة أشواط، بقصد الأعم من الإتمام و التمام، و بعد صلاته يعيد السعي من الأوّل. و صحيحة منصور بن حازم رواها في الكافي عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان عن منصور بن حازم، و رواياته في الكافي عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان كثيرة و محمد بن إسماعيل هو البندقي النيشابوري الذي يروي عنه الكشي عن الفضل بن شاذان كالكليني و احتمال كونه محمد بن إسماعيل بن بزيع لإمكان إدراك الكليني إياه أو كون رواياته

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 68

.......... عنه مرفوعة ضعيف جدّاً، فإنه لم يوجد رواية ابن بزيع عن الفضل بن شاذان و كذا احتمال كونه هو محمد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة فإنه متقدم في الطبقة على الكليني، و على الجملة محمد بن إسماعيل البندقي النيشابوري و إن لم يصرح بتوثيقه الا انه من المعاريف الذين لم يرد في حقهم قدح.

بل وجوب التدارك في صورة تقديم السعي على الطواف مع بقاء وقت التدارك لا يحتاج إلى الرواية سواء كان التقديم جهلًا أو نسياناً. نعم البناء على بعض السعي في صورة تقديمه على الطواف الناقص نسياناً يحتاج الى دليل. كما هو مدلول موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة، و إذا فرض فوت محل التدارك عند التذكر بترك طواف عمرة التمتع أو الحج فالمنسوب الى المشهور صحة العمرة و الحج و أنه يقضي مباشرة الطواف المنسي إذا أمكنه الرجوع

و إلا يستنيب. خلافاً لما عن الشيخ (قدّس سرّه) في التهذيبين، حيث ألحق ناسي طواف العمرة و الحج بتاركها، جهلًا و خصصّ وجوب التدارك بمن ترك طواف النساء، فإنه روى في التهذيب رواية علي بن حمزة قال: سئل «عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى رجع الى أهله قال: إذا كان على الجهالة أعاد الحج، و عليه بدنة» «1» ثم روى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) «عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد، و عليه بدنة، و قال: بعد ذلك و الذي رواه علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده، و واقع النساء كيف يصنع قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حجّ، و إن كان تركه في عمرة، بعث به في عمرة و وكّل من يطوف عنه ما ترك من طوافه» «2» محمول على طواف النساء، لان من ترك طواف النساء ناسياً جاز له ان يستنيب غيره

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 69

.......... مقامه في طوافه، و لا يجوز ذلك في طواف الحج فلا تنافي بين الخبرين، ثم استشهد بما ورد في الاستنابة لطواف النساء عند نسيانه، و قد أورد على ما ذكره بأنه لا داعي لحمل صحيحة علي بن جعفر على ترك طواف النساء، و لا منافاة بينها و بين ما تقدم عليه من الروايتين فان بطلان الحج مع ترك طوافه. و مدلول صحيحة على بن جعفر عدم بطلانه في صورة تركه نسياناً، فلا منافاة في البين. و

الحاصل يلتزم بوجوب القضاء عند ترك طواف العمرة أو الحج نسياناً و لو بعد انقضاء وقت عمرة التمتع أو انقضاء ذي الحجة في طواف الحج، فإن أمكنه الرجوع و القضاء مباشرة فهو و إلا يستنيب. و احتمال جواز الاستنابة حتى مع تمكنه من الرجوع و القضاء مباشرة كما حكي عن المدارك ضعيف، لان قوله (عليه السّلام) في صحيحة علي بن جعفر و وكّل من يطوف عنه لا يكون إيجاباً للاستنابة حتى مع تمكنه من المباشرة، حيث ان رجوعه و قضائه بالمباشرة جائز قطعاً، فيكون التكليف بالاستنابة في غير هذا الفرض، و على الجملة ظاهر صحيحة علي بن جعفر ترك طواف الفريضة نسياناً و طواف الفريضة ظاهره طواف الحج أو العمرة، حيث ان طواف النساء سنة و ليس مما فرضه اللَّه و حمله على طواف النساء في الحج و في العمرة المفردة خلاف الظاهر.

أقول: نسيان طواف عمرة التمتع أو الحج، و إن لا يوجب اعادة الحج و ليس تركه في أحدهما نسياناً كتركه فيهما عمداً و لو جهلًا، و ذلك لمقتضى الشرطية الواردة في صحيحة علي بن يقطين حيث ذكر سلام اللَّه عليه في الجواب مع فرض السائل ترك الطواف جهلًا «ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد و عليه بدنة» فان مفهوم الشرطية عدم الإعادة إذا لم يكن الترك بجهالة، بأن كان عن نسيان حيث ان الترك عالماً عامداً لا يحتاج وجوب الإعادة فيه الى التعرض، فإنه إذا كان الترك جهلًا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 70

.......... موجباً للإعادة فالترك عالماً عامداً يكون أولى بالإعادة، و لكن استفادة ذلك من صحيحة علي بن جعفر لا يخلو عن التأمّل، فإن المفروض في سؤال

علي بن جعفر ترك طواف الفريضة نسياناً حتى قدم بلاده و طواف الفريضة يعم طواف النساء ايضاً، كما يدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار «1»، حيث «ذكر سلام اللَّه عليه فيها وجوب قضاء طواف النساء حتى بعد موت تاركه و انه فرق بين طواف النساء و رمي الجمار في تركهما نسياناً بان طواف النساء فريضة تقضى و رمي الجمار سنة» و يكفي في كون الطواف فريضة ذكر الطواف و الأمر به في الكتاب المجيد و إن عين النبي صلى اللَّه عليه و آله أنواعه الواجبة، و فرض علي بن جعفر في سؤاله الوقاع بعد رجوع التارك الى بلاده يوحي بان مراده من طواف الفريضة طواف النساء و الكفارة الواردة في الجواب كفارة الجماع، و إلا فلو كان المتروك نسياناً طواف الحج أو العمرة لم يكن بحاجة الى السؤال عن الوقاع مع ان المفروض ان التارك لطوافه قد أتى بطواف النساء في حجه أو عمرته المفردة، ثم ان قوله عليه و وكل أمر في مقام توهم الحظر فلا يدل على وجوب الاستنابة حتى مع التمكن من المباشرة. و أما الاستدلال على صحة الحج و عمرة التمتع بصحيحة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عمن نسي زيارة البيت حتى رجع الى أهله. فقال: لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه» «2» بدعوى ان ظاهر زيارة البيت طوافه فيعم طواف الحج و العمرة فلا يمكن المساعدة عليه، فان الصحيحة في مقام بيان عدم وجوب طواف الوداع كما يدل على ذلك قوله عليه السلام لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه، فان قضاء المناسك الإتيان بها و منها طواف الحج و العمرة.

و المتحصل انه

لا يبطل عمرة التمتع و الحج بترك طوافهما نسياناً، بل يجب

[ (مسألة 10) إذا نسي الطواف حتى رجع إلى بلده و واقع اهله

(مسألة 10) إذا نسي الطواف حتى رجع إلى بلده و واقع اهله، لزمه بعث هدي الى منى، ان كان المنسي طواف الحج، و إلى مكة إذا كان المنسي طواف العمرة، و يكفي في الهدي ان يكون شاة (1). عليه قضائه فإنه إذا وجب القضاء في طواف النساء معللًا بأنه فريضة يكون الحكم ثابتاً في طوافهما، و أما كون قضائهما في أي وقت كما ادعى فيه نفي الخلاف فاستفادته من صحيحة علي بن جعفر أو من صحيحة معاوية بن عمار لا يخلو عن الإشكال، فالأحوط في القضاء هو القضاء في موسم الحج في نسيان طواف الحج و في أشهر الحج في قضاء طواف عمرة التمتع. نعم بناءً على دلالة صحيحة علي بن جعفر يمكن القول بالجواز في أي وقت لإطلاق قوله (عليه السّلام) و وكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه. (1) الكفارة على من نسي طواف الفريضة و واقع أهله المنسوب الى أكثر أصحابنا ان الناسي لطواف الفريضة و العمرة إذا رجع الى بلاده، و واقع اهله قبل قضاء الطواف مباشرة أو بالتوكيل وجب عليه بدنة. و ذكر بعضهم عدم الكفارة على الناسي لحديث رفع النسيان، و إنما تجب الكفارة إذا واقع اهله بعد تذكره بتركه طواف الفريضة أو طواف النساء.

و قد ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) على ما رواه في التهذيب قال: «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج، بعث به في حج و إن كان تركه في عمرة بعث به في

عمرته، و وكّل من يطوف عنه ما تركه في طوافه» «1» و فيما رواه في قرب الاسناد بدل الهدي بدنة، و كذا في البحار، و لكن في طريق الحميري في قرب الاسناد عبد اللَّه بن الحسن و طريق المجلسي الى كتاب علي بن جعفر نفس طريق الشيخ و مع

[ (مسألة 11) إذا نسي الطواف و تذكّره في زمان

(مسألة 11) إذا نسي الطواف و تذكّره في زمان يكفيه القضاء بإحرامه الأوّل من دون حاجة الى تجديد الإحرام، نعم إذا كان قد خرج من مكّة و مضي عليه شهر أو أكثر لزمه الإحرام لدخول مكّة كما مرّ (1). دوران الأمر في الرواية في كتاب علي بن جعفر بين البدنة و الهدي يكون أمر الواجب مردّداً بين مطلق الهدي الصادق على الشاة أو خصوص البدنة، و يكون مقتضي أصالة البراءة عن التعيين كفاية الشاة، و لكن عن جماعة و منهم صاحب الجواهر (قدّس سرّه) عدم وجوب الكفارة على الناسي إذا كان الوقاع على اهله قبل التذكر لحديث رفع النسيان و غيره و الصحيحة لو لم تكن ظاهرة في الوقاع بعد التذكر غايته أنها مطلقة يرفع اليد عن إطلاقها بحديث الرفع و غيره، كما هو الحال بالإضافة إلى سائر أدلّة الكفارات. و دعوى انها ظاهرة في الوقاع قبل التذكر ليكون مخصصاً للأدلة النافية، نظير ما ورد في كفارة الصيد على الجاهل إثباتها على مدعيها، حيث لم يذكر علي بن جعفر في سؤاله كيف يصنع بعد تذكره. نعم ما ذكر في إطلاق الكفارة هو الأحوط. (1) إذا نسي طواف عمرة التمتع أو الحج، فان كان تذكره عند كونه بمكّة قضاه غاية الأمر الأحوط إذا كان المنسي طواف الحج و تذكّر قبل خروج ذي الحجة أتى بطواف الحج و

يعيد السعي بل طواف النساء على الأحوط. أما إعادة السعي فتدل عليه إطلاق مثل صحيحة منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل ان يطوف بالبيت قال: يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا و المروة فيطوف بينهما» «1» و أما كون اعادة طواف النساء احتياطاً فلقوله (عليه السّلام) و عليه طواف بعد الحج، و لكن ورد في موثقة سماعة بن مهران، ما ظاهره عدم البأس بتقديم طواف النساء على السعي قال سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) «عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل ان يسعى بين الصفا و المروة؟ قال:

[ (مسألة 12) لا يحلّ لناسي الطواف ما كان حلّه متوقفاً عليه

(مسألة 12) لا يحلّ لناسي الطواف ما كان حلّه متوقفاً عليه (1) حتى يقضيه بنفسه أو بنائبه. لا يضرّه يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجّه» «1». و أما إذا تذكر بعد خروج ذي الحجة، و هو بمكة يكون الإتيان بالطواف قضاءً بمعناه المصطلح لخروج شهر الحج، و لكن يكون إعادة السعي بعد قضائه احتياطاً، لان ما ورد في إعادة السعي بعد قضاء الطواف، و هي صحيحة منصور بن حازم ظاهرها بقاء ذي الحجة فلم يثبت قضاء السعي، أيضاً و إن كان أحوط. و أما إذا تذكر نسيان طواف الحج و العمرة بعد الخروج عن مكة فإن رجع الى مكة قبل خروج ذي الحجة فلا ينبغي التأمّل في عدم لزوم إحرام جديد لدخولها لعدم خروج الشهر الذي أحرم فيه. بل لعدم تمام إحرامه لبقاء الطواف و السعي عليه. هذا فيما إذا أمكن له الإتيان بهما قبل خروج الشهر، و أما إذا كان دخوله مكة بعد انقضاء ذي الحجة فقد

ذكرنا سابقاً انه يلزم عليه الإحرام للعمرة المفردة و يقضي طواف الحج، بل السعي له ايضاً على الأحوط، ثم يأتي بأعمال العمرة المفردة. و عن بعض أصحابنا كما اختاره صاحب الجواهر عدم الحاجة في الرجوع الى إحرام آخر لبقائه على إحرامه الأوّل، و لذا يجب عليه الكفارة بالوقاع. كما ورد في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة و قد ذكرنا سابقاً انّ حرمة الطيب و الوقاع و وجوب الكفارة لا يستلزم بقاء الإحرام فيؤخذ بمقتضى ما دل على عدم جواز دخول مكة إلا بإحرام بل لا يبعد ان يكون الأمر كذلك في صورة نسيان طواف الحج أو السعي أيضاً و خروج شهر ذي الحجة من تجديد الإحرام للعمرة المفردة و قضاء الحج أو السعي ثم الإتيان بها في أعمال العمرة المفردة على ما تقدم. (1) لإطلاق ما دلّ على حرمته، كالطيب، و النساء، ما لم يطف طواف الحج، و طواف النساء و لا تقربوا النساء أي الوقاع ما لم يطف طواف النساء، كما تدل على

[ (مسألة 13) إذا لم يتمكن من الطواف بنفسه لمرض، أو كسر، أو أشباه ذلك

(مسألة 13) إذا لم يتمكن من الطواف بنفسه لمرض، أو كسر، أو أشباه ذلك، لزمته الاستنابة بالغير في طوافه (1)، و لو بان يطوف راكباً على متن رجل آخر، و إن لم يتمكن من ذلك ايضاً، وجبت عليه الاستنابة فيطاف عنه. ذلك الروايات، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح فقال: ربما آخرته، حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقربوا النساء و الطيب» «1» و في صحيحة معاوية عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: له «رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال: يأمر من يقضي

عنه ان لم يحج. فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت» «2» و النهي عن قرب النساء و الطيب في صحيحة الحلبي قرينة على ان المراد بزيارة البيت طواف الحج الى غير ذلك، و دعوى انه بخروج ذي الحجة ينتهي إحرام الحج لا يمكن المساعدة عليه، فان انتهاء الإحرام انما هو بتمام التلبية كتمام تكبيرة الإحرام بالفراغ عنه، و لكن يبقى حكمه أي وجوب الاجتناب عن المحرمات الى حصول غايتها المعبر عنها بالمحلل لها. (1) ظاهر ما دلّ على الأمر بالطواف في الحج و العمرة، هو ان يطوف الحاج و المعتمر بإرادته و اختياره و أما إذا كانت حركته حول البيت قائمة بالغير، و قصد الطواف من الشخص كما إذا طاف راكباً متن رجل آخر المعبر عن ذلك بالاطافة فإجزائه عن الطواف الواجب عليه، بل المطلوب منه، يحتاج الى دليل كما ان نيابة الغير عن الطواف الواجب عليه، و لو باستنابته كذلك و مفاد الروايات الواردة في المقام، أنه مع العجز عن الطواف باختياره و إرادته استقلالًا يجزي الإطافة في حقه، و مع عدم التمكن من إطافته نجزي النيابة عنه. و في صحيحة حريز قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يطاف به و يرمى عنه قال: نعم ان كان لا يستطيع» «3» بل يظهر من صحيحته الأخرى أنه «إذا لم يتمكن من التصدي لقصد الطواف يحمل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 75

.......... و يطاف به» حيث روى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «المريض المغمى عليه يرمى عنه و يطاف به» «1» و ظاهرها ان هذا النحو من الإطافة، مجزية و إن كان من يجب عليه الطواف لا

يعقله ليقصده. و مثلها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل فليحرم عنها و يتقى عليها ما يتقي على المحرم و يطاف بها أو يطاف عنها و يرمى عنها» «2» بل يظهر من بعض الروايات أنه و لو مع إمكان هذا النحو من الإطافة لا تصل النوبة إلى النيابة من غير حمله في الطواف. و في موثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: قلت: «المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال: لا، و لكن يطاف به» «3» و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «الكسير يحمل فيطاف به و المبطون يرمي و يطاف عنه و يصلي عنه» «4» و التفصيل في هذه الأخيرة بين الكسير و المبطون بالطواف به في الأوّل، و الطواف عنه في الثاني، شاهد على التفصيل المذكور في المتن. و إن جواز الاستنابة انما هو مع عدم التمكن على الطواف و لو باستعانة الغير. و في صحيحة صفوان بن يحيى قال سألت أبا الحسن (عليه السّلام): «عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع ان يطوف بالبيت و لا بين الصفا و المروة؟ قال يطاف به محمولًا يخطّ الأرض برجليه حتى تمس الأرض قدميه في الطواف، ثم يوقف به بين أصل الصفا و المروة إذا كان معتلا» «5» و الإطافة بهذا النحو بان تمسّ قدماه الأرض محمول على الأفضل لخلوّ الأخبار الأخرى عن ذلك القيد، و عدم الالتزام من الأصحاب بوجوبه. و على الجملة مقتضى مثل موثقة إسحاق بن عمار أو صحيحته إن الإطافة بالنحو الأوّل متقدم على الاستنابة، و بالنحو الثاني متقدم على مجرد النيابة،

فإن تمكن منها أتى بها مباشرة، و إلا يستنيب أو يؤتى عنه بمجرد قصد النيابة، و يأتي الكلام في ذلك.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 76

.......... ثم انه ذكر في كشف اللثام انه لا يجب في الطواف الصبر الى ضيق الوقت، بل يجوز المبادرة إليه كما هو ظاهر الاخبار و كلمات الأصحاب. و فيه انه لا ظهور لأخبار الباب في جواز المبادرة إلى الإطافة بمجرد العجز و عدم التمكن في بعض الوقت، فان المعتبر في طواف عمرة التمتع هو التمكن منه قبل انقضاء وقتها كما ان المعتبر في طواف الحج التمكن منه الى آخر ذي الحجة، فإذا تمكن المكلف من ذلك فلا يجزي في حقه الاستنابة فضلًا عن النيابة، كما يقتضيه مفهوم قوله (عليه السلام) في صحيحة حريز «بعد السؤال عن الرجل يطاف به و يرمى عنه، فقال: نعم إذا كان لا يستطيع» و على ذلك فان اعتقد بقاء العجز أو احتمله و أتى بوظيفة العاجز، ثم زال العجز، و تمكن من الطواف مباشرةً أعاد.

و مما ذكرنا يظهر الحال في حدوث الحيض قبل طواف الحج، و قد ذكرنا سابقاً أنها إذا خافت من حدوثه تقدم الطواف على وقوفها بعرفات، و الأحوط تقديم سعيها ايضاً، و إن تعيد السعي بعد أفعال منى. و أما إذا اتفق حيضها قبل طواف الحج فمع تمكنها من البقاء الى آخر ذي الحجة من غير حرج عليها تعيّن عليها البقاء و الإتيان بالطواف لحجّها، و إذا لم تتمكن من البقاء تعيّن عليها الاستنابة. و أما الحيض و النفاس قبل طواف العمرة فقد تقدم الكلام في ذلك سابقاً. و إذا حاضت قبل طواف النساء و لم تتمكن من البقاء و

الإقامة، فظاهر حسنة أبي أيوب الخزاز عدم وجوب الاستنابة قال: «كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فدخل عليه رجل ليلًا، فقال: له أصلحك اللَّه، امرأة معنا حاضت و لم تطف طواف النساء، فقال: لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم، فقال: أصلحك اللَّه انا زوجها و قد أحببت أن أسمع ذلك منك فأطرق كأنّه يناجي نفسه، و هو يقول: لا يقيم عليها جمّالها، و لا تستطيع ان تتخلّف عن أصحابها، تمضي و قد تمّ

[في صلاة الطواف
اشارة

في صلاة الطواف و هي الواجب الثالث، من واجبات عمرة التمتع، و هي ركعتان، يؤتى بهما عقيب الطواف (1) و صورتها كصلاة الفجر، و لكنّه مخير في قرائتها بين الجهر و الإخفات و يجب الإتيان بها قريباً من مقام إبراهيم، و الأحوط بل الأظهر لزوم الإتيان بها خلف المقام، فان لم يتمكن فيصلي في أيّ مكان من المسجد مراعياً الأقرب فالأقرب إلى المقام من خلفه على الأحوط، هذا في طواف الفريضة. و أما في الطواف المستحب فيجوز الإتيان بصلاته في أي موضع من المسجد اختياراً. حجّها» «1» الا ان الأحوط الاستنابة، فإنه من المحتمل جدّاً ان يكون قوله (عليه السّلام) و قد تمّ حجها بيان كون طواف النساء خارجاً عن أفعال الحج فلا ينافي لزوم الاستنابة المستفاد وجوبها مما مر في العاجز، و لعل الامام (عليه السّلام) أجاب بالاستنابة اليوم و ما يناجي به نفسه في هذه الصحيحة لأن يطمئن الزوج بان ما أجاب به اليوم هو حكمها. نعم ما ورد في موثقة فضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شأءت» «2» لا يبعد الإطلاق المقامي فيها،

بالإضافة الى عدم وجوب الاستنابة و لا يجي ء فيها ما ذكرنا في صحيحة أبي أيوب من عدم إحراز الإطلاق المقامي، الا ان الأحوط في الفرض أيضاً الاستنابة. (1) و في جواز صلاة الطواف ناقلة في أي وضع من المسجد من واجبات عمرة التمتع و كذا العمرة المفردة و الحج صلاة الطواف بعد الفراغ من طوافها، و تجب ايضاً لطواف النساء بلا خلاف يعتّد به، بل القائل بالاستحباب من أصحابنا غير معروف قال: اللَّه تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى و حيث ان مقام إبراهيم حجر كان إبراهيم (عليه السّلام) يقوم عليه في بناء البيت،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 78

.......... و لا يسع الحجر للصلاة عليه، يكون المراد اتخاذ قربه موضع الصلاة. و في صحيحة معاوية بن عمار قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم (عليه السّلام) فصل ركعتين، و اجعله اماماً، و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد قل هو اللَّه أحد و في الثانية قل يا ايّها الكافرون ثم تشهّد و احمد اللَّه و اثن عليه و صلّ على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) و اسأله ان يتقبل منك و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس، أو عند غروبها، و لا تؤخرها ساعة تطوف و تفرغ فصلهما» «1» و لها دلالة واضحة على كون الركعتين فريضة و ليس وقتها إلا بعد الفراغ من الطواف، و لا يلاحظ فيما بعض الأوقات التي وردت كراهة الصلاة فيها كطلوع الشمس أو عند غروبها و بما أنه لم يرد فيها و لا في غيرها اعتبار الجهر

أو الإخفات. في قراءتها يكون مقتضى إطلاقها كإطلاق غيرها التخيير بين الجهر و الإخفات و في صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس قال: وجبت عليه تلك الساعة ركعتان فليصلّهما قبل المغرب» «2» و ما يظهر منه خلاف ذلك من أنه يصلي صلاة الطواف ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها أو أكرهها عند اصفرار الشمس و عند طلوعها يحمل على التقية، لكون ذلك موافقاً للعامة، و كيف ما كان فلا مورد للتأمل في وجوبها عقيب طواف الفريضة لما تقدم من كونها فريضة و ليس في مقابل ما ذكر و ما يأتي إلا بعض الإطلاقات الواردة في حصر الصلوات الواجبة اللازم رفع اليد عن إطلاقها بما تقدم. و ما يأتي كما هو مقتضى الجمع بين الإطلاق و خطابات المقيد حيث ان المفهوم للحصر من قبيل المطلق فيرفع اليد عن الإطلاق بخطابات المقيد.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 79

.......... ثم ظاهر ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، من جعل المقام أمامه انه يعتبر ان تكون صلاة الطواف خلف المقام حتى لو قرأ اماماً بالكسر، فان رفع اليد عن بعض ما ورد في الصحيحة و حمله على الاستحباب لقيام قرينة عليه لا يوجب رفع اليد عن اعتبار الخلف ايضاً، بل يظهر من بعض الروايات ان اعتبار وقوع صلاة الطواف خلف المقام كان مفروغاً عنه عند بعض الرواة، كصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت: للرضا (عليه السّلام) «أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه

و آله) قال حيث هو الساعة» «1». و على الجملة لا موجب لرفع اليد عن اعتبار وقوع الصلاة خلف المقام بعد دلالة ما تقدم على ذلك، و يؤيد ذلك مرسلة صفوان بن يحيى عمن حدثه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث، ورد فيها «ليس لأحد ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام لقول اللَّه عز و جل وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» «2» و خبر أبي عبد اللَّه الأبزاري قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل نسي فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال يعيدهما خلف المقام لان اللَّه تعالى يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى عني بذلك ركعتي طواف الفريضة» «3» و هذا مع التمكن من الصلاة خلفه، و لو لم يتمكن من ذلك يأتي بها الأقرب فالأقرب إلى المقام من جهة الخلف أو أحد جانبيه، أخذاً بإطلاق قوله تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى و الاتخاذ بنحو يكون المقام أمامه مقصور على صورة التمكن منه، و إلا فمفاد الآية الصلاة قرب مقام إبراهيم بقرينة عدم إمكان الصلاة على الصخرة فيرفع اليد عن إطلاقها في صورة التمكن من الصلاة خلفه و يؤخذ به في غيرها للعلم بعدم سقوط صلاة طواف الفريضة و لا الطواف بذلك. نعم يبقي في البين وجه عدم جواز الصلاة من قدام المقام مع

[مسائل في صلاة الطواف
[ (المسألة الاولى) من ترك صلاة الطواف عالماً عامداً بطل حجّه

(المسألة الاولى) من ترك صلاة الطواف عالماً عامداً بطل حجّه (1)، لاستلزامه فساد السعي المترتب عليها. عدم التمكن أو الحرج في الصلاة خلفه، و لكن فرضه لا يخلو عن تأمل، هذا كلّه بالنسبة إلى صلاة الطواف الواجب، و أما الطواف المستحب أي ما لا يكون جزءً من العمرة و الحج

و لا طواف النساء فيجوز الإتيان بصلاته في أي موضع من المسجد، كما يشهد بذلك عدة روايات منها موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قال: كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعاً و صلّى ركعتين في أيّ جوانب المسجد شاء كتب اللَّه له ستة آلاف حسنة الحديث» «1». و ظاهرها الترغيب في الطواف المستحب و توهم أنها مطلقة تعم الطواف الواجب أي ما كان جزءً من العمرة و الحج فاسد، مع أن ما ورد في صلاة طواف الفريضة من اعتبار كونه خلف المقام يكون خارجاً عن إطلاقها بما دلّ على اعتبار خلف المقام في صلاة طواف الفريضة. و في خبر زرارة عن أحدهما (عليه السّلام) «لا ينبغي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم (عليه السّلام) و أما التطوع فحيث شئت من المسجد» «2» بل يظهر من صحيحة علي بن جعفر جواز صلاة الطواف المندوب خارج المسجد، حيث روى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته «عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارجاً من المسجد قال: يصلي بمكة لا يخرج منها الّا ان ينسى فيصلي إذا رجع الى المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف» «3» و قد ذكر في الجواهر أنه لم أرى من افتى به مفتياً به و العمل بها مشكل على تقدير صحة السند. (1) مسائل صلاة الطواف و كذلك إذا ترك صلاة طواف عمرة التمتع عالماً عامداً، حيث تبطل عمرة التمتع و ببطلانها يبطل حج التمتع. و الوجه في ذلك ان كلا من الحج و العمرة واجب

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 81

..........

ارتباطي يكون الجزء المترتب عليه مشروطاً بالإتيان بالجزء السابق عليه، فتمامية السعي و صحته مشروط بان يقع بعد الطواف و صلاته، إذا لم يقم دليل على خلافه في مورد، فإنه مع قيامه يؤخذ بمقتضى ذلك الدليل. و يدلّ على اعتبار الترتب بين السعي و صلاة الطواف في صورة العلم و الالتفات، مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السّلام) قال: سألته «عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسي ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك؟ قال ينصرف حتى يصلى الركعتين، ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه» «1» و مثلها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أنه قال في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم ذكر، قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى مكانه» «2» كما أن الاشتراط و الترتب مستفاد مما ورد في الاخبار البيانية في كيفية الحج حيث ان السعي مترتب فيها على الطواف و صلاته، و ما عن الجواهر (قدّس سرّه) من ان صلاة الطواف واجب مستقل بعد الطواف و لا يضر تركها في صحة الحج، غاية الأمر ان عليه ان يرجع و يصلي الركعتين في المقام، و إن لم يتمكن يصلّي حيث ما كان و استشهد لذلك بما ورد في ان الجاهل في ترك صلاة الطواف كناسيها بلا فرق بين الجاهل القاصر و المقصر، و الجاهل المقصر عامد لا يمكن المساعدة عليه، و ما ورد في الناسي و الجاهل كبعض الموارد التي يشترك الجاهل القاصر و المقصر في الحكم لا يوجب التعدي إلى العالم العامد، و

كذا ما ورد من ان المرأة إذا حاضت أثناء الطواف يصّح سعيها و تقصيرها و قد تمت عمرتها «3» على تقدير تمام السند مع انه غير تام لا يوجب التعدي إلى غيرها، فإن للحائض أحكام خاصة لها و من جملتها ما ذكر.

[ (المسألة الثانية) تجب المبادرة إلى الصلاة بعد الطواف بمعنى

(المسألة الثانية) تجب المبادرة إلى الصلاة بعد الطواف (1) بمعنى، ان لا يفصل بين الطواف و الصلاة عرفاً.

[المسألة الثالثة إذا نسي صلاة الطواف و ذكرها بعد السعي أتي بها]

المسألة الثالثة إذا نسي صلاة الطواف و ذكرها بعد السعي أتي بها و لا تجب إعادة السعي بعدها (2)، و إن كانت الإعادة أحوط، و إذا ذكرها في أثناء السعي قطعه و أتى بالصلاة في المقام، ثم رجع و أتم السعي حيثما قطع، و إذا ذكرها بعد خروجه من مكة لزمه الرجوع و الإتيان بها في محلّها، فان لم يتمكن من الرجوع أتى بها في أي موضع ذكرها فيه، نعم إذا تمكن من الرجوع الى الحرم رجع اليه و أتى بالصلاة فيه على الأحوط و حكم التارك لصلاة الطواف جهلًا حكم الناسي، و لا فرق في الجاهل بين القاصر و المقصر. (1) لما ورد في بعض الروايات من الأمر بصلاة الطواف عند الفراغ منه، كصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) «عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس قال أوجبت عليه تلك الساعة الركعتين فليصلّيها قبل المغرب» «1» و صحيحة معاوية بن عمار قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم الى ان قال و لا تؤخرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّها» «2» و مثلها رواية منصور بن حازم «3» نعم ورد في صحيحة علي بن يقطين تقديم صلاة الوقت على ركعتي الطواف قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) «عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة أ يصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال لا» «1» و لكنها محمولة على التقية و الالتزام بكراهة الصلاة بعد

صلاة الغداة إلى طلوع الشمس و بعد صلاة العصر الى غروب الشمس، و قد ورد في الروايات ان صلاة الطواف تصلى في أي ساعة و انها لا تؤخر عند ما تفرغ من طواف الفريضة. (2) تعرضنا لحكم نسيان صلاة طواف الفريضة من العمرة، و الحج، و طواف

[ (المسألة الرابعة) إذا نسي صلاة الطواف حتى مات

(المسألة الرابعة) إذا نسي صلاة الطواف حتى مات وجب على الولي. قضائها (1). النساء، في المسألة السابعة من مسائل العمرة المفردة، و عدم وجوب إعادة السعي بعدها لما تقدم من الروايات الواردة «1» في أنه إذا تذكر صلاة الطواف في أثناء سعيه قطع سعيه و يصلي في المقام و يبني على ما سعى من غير فرق بين ان يسعى اشواطاً حتى شوطاً فان ظاهر دلّ على أن ترتب السعي على صلاة الطواف، انما هو عند الالتفات و العلم فمع النسيان و الجهل تكون الاعمال المترتبة عليها محكومة بالصحة. و أيضاً ورد أن ناسي صلاة طواف الفريضة إن كان رجوعه إلى المقام للصلاة شاقاً يصلي حيث ما ذكر. و ورد في صحيحة جميل «ان الجاهل في ترك الركعتين بمنزلة الناسي» «2» و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الجاهل القاصر و المقصر.

و ما ورد فيمن نسي بعض أشواط الطواف و شرع في السعي ثم تذكّر و إن يقتضي صحة السعي فيما إذا نسي بعض أشواط الطواف، الا ان ما ورد فيمن نسي الطواف رأساً و أتى بالسعي فعليه الإتيان بالطواف ثم اعادة السعي محكم، فالسعي قبل الطواف محكوم بالبطلان حتى في صورة النسيان، نعم هذا فيما إذا تذكر قبل فوات وقت تدارك الطواف، و أما في صورة فواته يقضي الطواف و قضاء السعي أحوط على ما تقدم. و ما ذكر

في المتن من انه إذا لم يتمكن الناسي من الرجوع الى مكة يرجع الى الحرم إذا أمكن مجرد احتياط استحبابي غير ناشئ من ورود رواية و لو كانت ضعيفة، بل منشأه ما ذكره الشهيد (قدّس سرّه). ثم ان القول بجواز إتمام السعي ثم الإتيان بصلاة الطواف فيما إذا تذكرها أثناء السعي لا يمكن المساعدة عليه، فإنه و إن روى ذلك الصدوق (قدّس سرّه) بإسناده الى محمد بن مسلم، الا ان سنده اليه ضعيف، و فيها عن أبي جعفر (عليه السّلام) «أنه رخص ان يتم طوافه ثم يرجع و يركع خلف المقام» «3». (1) و يدلُّ على ذلك الإطلاق في صحيحة محمد بن مسلم قال: سألته «عن

[ (المسألة الخامسة) إذا كان في قراءة المصلّي لحن

(المسألة الخامسة) إذا كان في قراءة المصلّي لحن فان لم يكن متمكناً من تصحيحها فلا إشكال في اجتزائه بما يتمكن منه (1) في صلاة الطواف و غيرها، و أما إذا تمكن من التصحيح لزمه ذلك، فإن أهمل حتى ضاق الوقت عن تصحيحها فالأحوط أن يأتي بصلاة الطواف حسب إمكانه، و إن يصلّيها جماعة و يستنيب أيضاً.

[ (المسألة السادسة) إذا كان جاهلًا باللحن في قرائته، و كان معذوراً في جهله صحت صلاته

(المسألة السادسة) إذا كان جاهلًا باللحن في قرائته، و كان معذوراً في جهله صحت صلاته و لا حاجة الى الإعادة، حتى إذا علم بذلك بعد الصلاة. و أما إذا لم يكن معذوراً فاللازم عليه اعادتها بعد التصحيح، و يجري عليه حكم تارك صلاة الطواف نسياناً. رجل نسي ان يصلي الركعتين قال: يصلي عنه» «1» و صحيحة عمر بن زيد قال: «من نسي ان يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه ان يقضي أو يقضي عنه وليّه أو رجل من المسلمين» «2» فإنهما بإطلاقهما تعمان ما بعد موت الناسي، أضف الى ذلك ما ورد في أن على وليّ الميت قضاء ما عليه من صلاة و صيام، كصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في الرجل يموت و عليه صلاة و صيام قال يقضي أولى الناس بميراثه» «3» و ما ذكر في ترك صلاة الطواف نسياناً يجري فيما إذا كان تركها لجهل المكلف بوجوبها بعد الطواف بان كان الجهل بوجوبها منشأ لتركها سواء كان جاهلًا قاصراً أو مقصراً، و كذا فيما كان الجهل بخصوصياتها موجباً لتركها كالاتيان بها في غير خلف المقام أو صلاها مع الجهل بحدثه، نعم لا حاجة الى الإعادة أو الاستنابة فيما إذا ترك منها ما لا يضّر تركه عند العذر من غفلة

أو نسيان كما هو مقتضى حديث لا تعاد. (1) لأن صلاة الطواف لا تزيد على الصلوات اليومية في الحكم، كما لنا علم بعدم سقوطها عمن لا يتمكن من القراءة الصحيحة كذلك الحال في صلاة الطواف، و بتعبير آخر صلاته الصحيحة هي التي يتمكن منها كما هو الحال في الأخرس، حيث

[الرابع من واجبات عمرة التمتع السعي

اشارة

الرابع من واجبات عمرة التمتع السعي، و هو ايضاً من الأركان، فلو تركه عمداً بطل حجّه (1) سواء في ذلك العلم بالحكم و الجهل به أو يعتبر فيه قصد القربة و لا يعتبر فيه ستر العورة و لا الطهارة من الحدث و الخبث، و الأولى رعاية الطهارة فيه. ورد فيه تلبية الأخرس و تشهده و قرائته للقران في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه، كما في معتبرة السكوني «1» و في رواية مسعدة بن صدقة «قد ترى من المحرم العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح» «2» و ما ورد من أن سين بلال شين كما هو المروي في المستدرك. (1) الرابع واجبات عمرة التمتع السعي، و تبطل عمرة التمتع، و الحج، بتركه فيهما أو في أحدهما سواء كان مع العلم أو مع الجهل المعبر عن ذلك بالترك عمداً، و يشهد للبطلان مضافاً الى قاعدة الجزئية، صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها «انه قال: في رجل ترك السعي متعمداً قال: لا حج له» «3» و في صحيحته الأخرى «من ترك السعي متعمداً فعليه الحج من قابل» «4» و في صحيحته الثالثة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «السعي بين الصفا و المروة فريضة» «5» بل المراد من العمد مقابل الناسي، فإن تركه السعي لا يوجب

بطلان عمرة التمتع و حجه، بل يجب عليه قضائه بعد فوت وقته بالمباشرة، أو بالاستنابة، كما يأتي بيانه، و بيان ان الغافل عن وجوب السعي ملحق بالعامد، أو الناسي، و يعتبر فيه النيّة، بأن يسعى بقصد كونه جزءً من عمرته أو حجّه على حدّ النية المعتبرة في سائر أجزاء العبادة، و لا يعتبر الستر في السعي بأن يكون شرطاً في صحته و إن وجب تكليفاً «عن الناظر المحترم كوجوبه عنه في سائر الحالات، كما لا يكون الطهارة من الخبث شرطاً فيه، كما كان شرطاً في حال الطواف، و كذا الطهارة من الحدث، و إن كان الاولى كونه

[مسائل السعي
[ (المسألة الأولى) محلّ السعي انما هو بعد الطواف، و صلاته

(المسألة الأولى) محلّ السعي انما هو بعد الطواف، و صلاته، فلو قدمه على الطواف أو على صلاته وجبت عليه الإعادة بعدهما (1). و قد تقدم حكم من نسي الطواف و تذكّره بعد سعيه و كذا حكم من نسي صلاة الطواف و تذكر بعد سعيه و كذا الجاهل بوجوبها قبل السعي و بعد الطواف. طاهراً من الحدث حاله لقوله (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «لا بأس ان تقضي المناسك كلّها على غير وضوء الا الطواف فان فيه صلاة و الوضوء أفضل» «1» و صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «سألته عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل ان تسعى قال: تسعى قال: و سألته عن امراة سعت بين الصفا و المروة فحاضت بينهما قال: تتم سعيها» «2» نعم ورد في صحيحة الحلبي «قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض؟ قال: لا ان اللَّه يقول ان الصفا و المروة من

شعائر اللَّه» «3» و في موثقة ابن فضال قال: قال: أبو الحسن (عليه السّلام) «لا تطوف و لا تسعى الا بوضوء» «4» و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه «قال: سألته عن الرجل يقضي شيئاً من المناسك و هو على غير وضوء، قال: لا يصلح الا على وضوء» «5» و لكن مقتضى ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار الاولى الالتزام بكون الوضوء أفضل بالإضافة إلى السعي، كما ان مقتضى صحيحته الثانية كون الأفضل تأخير السعي مع سعة الوقت إلى انقضائه و حال طهرها بل التعليل الوارد في صحيحة الحلبي بنفسه يقتضي الاستحباب، فإن مني و مشعر و عرفات كلها من شعائر اللَّه، و لا يعتبر الطهارة حال الوقوف و المبيت، كما هو واضح. (1) مسائل السعي قد تقدم أنه لو دخل في السعي قبل الطواف يأتي بالطواف ثم يعيد السعي، نعم إذا نسي بعض الأشواط من الطواف و دخل في السعي و تذكر نقصان طوافه

[ (المسألة الثانية) يعتبر في السعي النية]

(المسألة الثانية) يعتبر في السعي النية، بأن يأتي به عن العمرة ان كان في العمرة و عن الحج ان كان في الحج قاصداً به القربة الى اللَّه تعالى.

[ (المسألة الثالثة) يبدأ بالسعي من أوّل جزء من الصفا ثم يذهب بعد ذلك الى المروة]

(المسألة الثالثة) يبدأ بالسعي من أوّل جزء من الصفا ثم يذهب بعد ذلك الى المروة (1)، و هذا يعدّ شوطاً واحداً، ثم يبدء من المروة راجعاً الى الصفا الى ان يصل اليه فيكون الإياب شوطاً آخر، و هكذا يصنع الى ان يختم السعي بالشوط السابع في المروة. يرجع و يتم طوافه و صلاته ثم يرجع و يبني على ما سعى، كما تدل على ذلك موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة قال: قلت: «لأبي عبد اللَّه رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت قال: يرجع الى البيت فيتم طوافه ثم يرجع إلى الصفا و المروة فيتم ما بقي قلت: فإنه بدء بين الصفا و المروة قبل ان يبدء بالبيت قال: يأتي بالبيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة. قلت: فما الفرق بين هذين قال: لان هذا قد دخل في شي ء من الطواف و هذا لم يدخل في شي ء منه» «1» و مقتضاها إعادة السعي إذا أتي به أو شرع به قبل الطواف، و أما بالإضافة إلى نسيان صلاة الطواف فقد تقدم أنه إذا ذكرها أثناء السعي يرجع فيصلي ثم يبني على إتمام سعيه، و أما إذا ذكرها بعد تمام السعي فيصلي و لا يحتاج إلى إعادة السعي، و كذا الجاهل بوجوب صلاة الطواف إذا علم بتركها أثناء سعيه أو بعده و إنما يحتاج إلى الإعادة إذا قدم السعي عالماً عامداً. (1) يجب

في السعي البدء من الصفا و الذهاب منه الى المروة و إذا انتهى الى المروة يعد هذا شوطاً كما يعد رجوعه من المروة إلى الصفا شوطاً ثانياً يكرّر الذهاب من الصفا إلى المروة و الرجوع الى الصفا حتى يتم سبعة أشواط السعي أربعة منها يكون بالذهاب من الصفا إلى المروة و ثلاثة الرجوع من المروة إلى الصفا، و في صحيحة معاوية بن عمار «ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدء بالصفا و تحتم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 88

الأحوط لزوماً اعتبار الموالاة بأن لا يكون فصل معتد به بين الأشواط (1). بالمروة» «1» و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قال: ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال ابدأ بما بدأ اللَّه عز و جّل به من إتيان الصفا ان اللَّه عزّ و جلّ يقول إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» «2». و يدلُّ ايضاً على ان الذهاب من الصفا إلى المروة شوط و الرجوع من المروة إلى الصفا شوط آخر صحيحة هشام بن سالم «قال: سعيت بين الصفا و المروة انا و عبيد اللَّه راشد. فقلت له تحفظ على فجعل يعدّ ذاهباً و جائياً شوطاً واحداً فبلغ مثل ذلك فقلت له كيف تعدّ قال ذاهباً و جائياً شوطاً واحداً فأتممنا أربعة عشر شوطاً فذكرنا لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قد زادوا ما عليهم ليس عليهم شي ء» «3» و دلالتها على كون الشوط هو الذهاب من الصفا إلى المروة و كون الرجوع منها الى الصفا شوطاً آخر واضحة بل كون الشروع من الصفا و الختم من المروة معتبراً

في السعي أمر متسالم عليه. (1) و ذلك لما تقدم في اعتبار الموالاة في الطواف من ان المركب من الاجزاء إذا اعتبر عملًا واحداً فاللازم الإتيان بالأجزاء بنحو الموالاة العرفية بحيث يعدّ المجموع عملًا واحداً، نعم إذا قام في مورد دليل على عدم اعتبار ذلك في عمل كما في أجزاء الغسل أو في حين العمل يرفع اليد عن القاعدة بمقدار دلالة الدليل، و لا يكون ذلك الدليل قرينة على عدم اعتبار الموالاة بين أجزائه أصلا، لذا ما التزم به المشهور من عدم اعتبار الموالاة بين الأشواط لما ورد في ناسي بعض أشواط الطواف انه يرجع و يتم طوافه و صلاته ثم يرجع و يبني على الأشواط التي أتى بها من السعي، و فيمن دخل عليه وقت الفريضة أثناء سعيه من جواز قطعه و البناء على الأشواط من سعيه السابق، و كذلك من يعيى في سعيه فإنه يستريح ثم يبني على ما قطع. و في صحيحة يحيى بن عبد الرحمن الأزرق «قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن

[المسألة الرابعة لو بدء بالمروة قبل الصفا]

المسألة الرابعة لو بدء بالمروة قبل الصفا، فان كان في شوطه الأوّل ألغاه و شرع من الصفا (1)، و إن كان بعده الغى ما بيده و استأنف السعي من الأوّل. الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط، أو أربعة، ثم يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة، أو الى الطعام، قال: ان أجابه فلا بأس» «1» لا يمكن ان يجعل سنداً للالتزام بعدم اعتبار الموالاة فيه مطلقاً، بل يقتصر على موارد قيام النصّ فيبني فيها على الأشواط السابقة، و أما الخروج لحاجة أخيه أو لنفسه فالخروج و إن كان جائزاً الّا انه لا دلالة في

الصحيحة على البناء، و الأحوط الإتيان بسبعة أشواط بقصد الأعم من التمام و الإتمام، إذا قطعها في الصفا، و أما إذا قطع الأشواط في المروة أو في ما بينهما فيتمها ثم يعيد السعي من الأوّل. (1) قد تقدم ان المعتبر في السعي البدء به من الصفا إلى المروة و لو عكس ذلك سهواً طرح ما سعى و أعاد سعيه من الأوّل من الصفا، كما هو ظاهر المشهور. و تدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قال: من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة» «2» و مقتضى إطلاق الأمر بالطرح عدم احتساب الشوط الثاني أوّل السعي الذي بدء به من الصفا إلى المروة، كما حكي هذا النحو من الاحتساب عن بعض الأصحاب. و استظهر صاحب الجواهر (قدّس سرّه) هذا النحو من الاحتساب من رواية علي بن حمزة. «قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل بدء بالمروة قبل الصفا. قال: يعيد أ لا ترى أنه لو بدء بشماله قبل يمينه في الوضوء عليه ان يبدء بيمينه» «3» و نحوها رواية على الصائغ «4». و وجه الاستظهار أن مقتضى التنزيل ان المكلف حين الوضوء غسل شماله أولًا ثم غسل يمينه و تذكر أو علم أنه غسل شماله قبل يمينه يبني في الفرض على غسل يمينه و يعيد الغسل في شماله فقط، فيكون الأمر في أشواط السعي أيضاً كذلك. فإنه إذا بدأ بالمروة إلى

[ (المسألة الخامسة) لا يعتبر في السعي المشي راجلًا]

(المسألة الخامسة) لا يعتبر في السعي المشي راجلًا فيجوز السعي راكباً (1) على حيوان، أو على متن إنسان، أو غير ذلك، و لكن يلزم على المكلف ان يكون ابتداء سعيه من

الصفا و اختتامه بالمروة. الصفا ثم ذهب من الصفا إلى المروة فالتفت انه بدء الشوط الأوّل من المروة يكون شوطه الأوّل الثاني الذي ذهب به من الصفا إلى المروة. و فيه مضافاً الى ضعف الروايتين سنداً انّ ظاهر الاولى لزوم اعادة الوضوء من الأوّل، فلا يمكن رفع اليد بهما عن ظاهر صحيحة معاوية بن عمار الدالة على إلغاء ما بيده من السعي، فان علي الصائغ على تقدير كونه علي بن ميمون الصائغ لم يثبت وثاقته و المدح الوارد فيه برواية نفسه، و ما ذكره الغضائري لا اعتبار به، و إن كان مدلولها كما لا يبعد إعادة الغسل على الشمال فقط. (1) يجوز السعي راكباً و لو مع التمكن من المشي راجلًا من غير خلاف معروف، كما يشهد لذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قال: سألته عن السعي بين الصفا و المروة على الدابة قال: نعم و على المحمل» «1».

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قال: سألته عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة راكباً قال: لا بأس به و المشي أفضل» «2» الى غير ذلك مما لا يبقى في البين معه احتمال ان يعتبر في السعي جعل المكلف عقبه ملصقاً بالصفا في ابتداء الشوط و أصابع رجليه ملصقة بالمروة في انتهائه، فضلًا عن احتمال تعيّن الصعود الى الصفا و المروة فان هذا النحو لا يتحقق مع السعي راكباً عادة، بل في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن النساء هل يطفن على الإبل و الدواب أ يجزيهن ان يقفن تحت الصفا و المروة فقال: نعم بحيث يرين البيت» «3» و كيف كان

فنزول الراكب حتى يلصق عقبه بالصفا أو أصابع رجليه

[ (المسألة السادسة) يعتبر في السعي ان يكون ذهابه و إيابه فيما بين الصفا و المروة من الطريق المتعارف

(المسألة السادسة) يعتبر في السعي ان يكون ذهابه و إيابه فيما بين الصفا و المروة من الطريق المتعارف، (1) فلا يجزي الذهاب أو الإياب من المسجد الحرام أو أي طريق آخر، نعم لا يعتبر ان يكون ذهابه إيابه بالخط المستقيم.

[ (المسألة السابعة) يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها]

(المسألة السابعة) يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه، فلو استدبر المروة عند الذهاب إليها، أو استدبر الصفا عند بالمروة، و الصعود عليهما احتياط ضعيف في مقابل الروايات الواردة التي لم يذكر في ذلك شي ء منها، هذا بالإضافة إلى الراكب، و أمّا الماشي فلا يبعد إجزاء السعي المذكور في حقّه ايضاً، نعم الأحوط صعوده على الصفا و المروة إلى الدرجة الرابعة لما قيل من انه (صلّى اللَّه عليه و آله) رقى قامة حتى رأى الكعبة، و إن بعض الدرجات محدثة حيث حفرو الأرض فظهرت الدرجات الأربع فلا ينبغي ان يخلفها وراء ظهره. (1) الواجب في الحج و العمرة السعي بين الصفا و المروة بسبعة أشواط، و أن الذهاب من الصفا إلى المروة يحسب شوطاً و الرجوع منها الى الصفا شوطاً آخر على ما تقدم. و المفهوم من السعي بين الصفا و المروة هو الذهاب إلى المروة و الإياب منها، و المعهود عند الأذهان من الذهاب و الإياب بينهما ان لا يخرج الساعي في ذهابه و إيابه عن استقبال المروة و الصفا، و إن لا يكون مسعاه خارجاً عن كونه ما بينهما. فلا يجزي اقتحام المسجد الحرام مثلا و الخروج من باب آخر الى جانب المروة، و نحو ذلك. و بتعبير آخر المشي المتعارف من الصفا إلى المروة باستقبال المروة في ذهابه إليه و في الإياب من المروة

إلى الصفا استقبال الصفا عنده، فلا يجوز المشي بنحو القهقرى، كما لا يجزي الخروج مما بين الصفا و المروة، بأن يمشي خارجاً عما بينهما، نعم لا يعتبر الذهاب و الإياب بالخط المستقيم الهندسي و لا عدم الالتفات يميناً أو شمالًا أو حتى الى الخلف بالوجه.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 92

الإياب من المروة، لم يجزيه ذلك. و لا بأس بالالتفات الى اليمين و اليسار، أو الخلف، عند الذهاب و الإياب.

[ (المسألة الثامنة) يجوز الجلوس على الصفا و المروة أو فيما بينهما للاستراحة]

(المسألة الثامنة) يجوز الجلوس على الصفا و المروة أو فيما بينهما للاستراحة، و إن كان الأحوط ترك الجلوس فيما بينهما (1).

[أحكام السعي
اشارة

تقدم ان السعي من أركان الحج، فلو تركه عمداً عالماً بالحكم، أو جاهلًا به، أو بالموضوع، الى زمان لا يمكنه التدارك قبل الوقوف بعرفات بطل حجّه و لزمه الإعادة من قابل. و الأظهر انه يبطل إحرامه ايضاً، و إن كان الأحوط الأولى العدول الى الافراد و إتمامه بقصد الأعم منه و من العمرة المفردة (2). (1) يجوز الجلوس للاستراحة أثناء السعي عند الصفا و المروة و ما بينهما، بحيث لا تفوت الموالاة بلا خلاف في جواز الجلوس عندهما، و يدلُّ على الجواز حتى في الجلوس في ما بينهما، صحيحة الحلبي «قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟ قال: نعم، ان شاء جلس على الصفا و المروة و بينهما فليجلس» «1» و قريب منها. غيرها و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قال: لا يجلس بين الصفا و المروة الا من جهد» «2» و عن الحلبيين انهما منعا عن الجلوس بين الصفا و المروة الا مع الإعياء، كما هو ظاهر الصحيحة، و لكنها تحمل على الكراهة لنفي البأس به الوارد في صحيحة الحلبي. (2) أحكام السعي قد تقدم وجوب السعي في العمرة و الحج، و إذا تركه المكلف في عمرة التمتع أو الحج بطل حجّه، كما هو مقتضي قاعدة الجزئية في كلّ مركب اعتباري، و هذا فيما إذا تركه عمداً أمر متسالم عليه بين الأصحاب و مورد للنص. و روى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص:

93

.......... معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل ترك السعي متعمداً قال: عليه الحج من قابل» «1» و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «انه قال: في رجل ترك السعي متعمداً قال لا حج له» «2» أو العامد و المتعمد يشمل العالم و الجاهل بالجهل البسيط الذي يحتمل أن عليه بعد صلاة الطواف واجباً آخر، و مع ذلك يقصّر في عمرته، أو يأتي بما يجب عليه بعد السعي في الحج، فإنه إذا فات زمان التدارك في العمرة بان لا يمكن السعي بل اعادة الطواف و صلاته قبله حيث لا يمكنه مع التدارك درك الوقوف الاختياري بعرفة تبطل عمرته، بل إحرامه ايضاً، على ما تقدم في ترك طواف العمرة الى ان فات زمان تداركه، و يجب عليه الحج من قابل إذا كان حجّه حجة الإسلام. و أما إذا كان تركه السعي في عمرة التمتع أو في الحج نسياناً، فان تذكّر قبل زمان الفوت تداركه من غير حاجة الى إعادة الطواف و صلاته، كما هو مقتضى الإطلاق في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قال: قلت: له رجل نسي السعي بين الصفا و المروة. قال: يعيد السعي قلت: فإنه قد خرج قال: يرجع و يعيد السعي ان هذا ليس كرمي الجمار، ان الرمي سنّة و السعي بين الصفا و المروة فريضة» «1» و ظاهرها بمعنى عدم الاستفصال، فيها في الجواب مقتضاه لزوم التدارك قبل فوت الوقت و لزوم القضاء بعده، و ما في ذيلها لا يوجب اختصاص التدارك و القضاء بالناسي لسعي الحج خاصة، بل مقتضى التعليل فيه عدم الفرق بين نسيان السعي في

الحج أو عمرة التمتع و المفردة، لان كلا من السعيين فريضة لقوله «سبحانه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» و قد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السّلام) «قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة قال: يطاف عنه» «2» و قد يقال ان مقتضى الجمع بينهما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 94

.......... و إن كان التخيير بين المباشرة في القضاء و الاستنابة، الا ان المشهور بين الأصحاب هو ان الاستنابة في فرض عدم التمكن من القضاء بالمباشرة، و لو لكونه حرجياً، و لذا يكون الأحوط لو لم يكن أظهر اعتبار التعذر و الحرج في لزوم الاستنابة.

و لكن لا يخفى ان الأمر بالإعادة بمعنى القضاء، و لو بعد خروج ذي الحجة، كما إذا تذكر بعد خروجه وجوب نفسي لا إرشاد إلى الجزئية و لا وجوب ضمني، و لذا يختص بما إذا تمكن من الرجوع و الإتيان بالمباشرة بخلاف الأمر بالاستنابة، فإنه بالإضافة إلى التمكن من المباشرة و عدمه مطلق فيرفع عن إطلاق الأمر بالاستنابة بتعين القضاء بالمباشرة في صورة التمكن فيختص الأمر بالاستنابة بصورة العذر عن القضاء بالمباشرة، حيث لا يطلب من الناسي الجمع في القضاء مباشرة أو استنابة.

يبقى الكلام فيمن ترك السعي غافلًا عن وجوبه بعد الطواف و صلاته بحيث يكون جهله عند الترك من الجهل المركّب، فهل هذا ملحق بناسي السعي، أو بالتارك له متعمداً، و عمداً، لا يبعد ان يقال انه يترتب عليه حكم تارك السعي عمداً أو متعمداً. و ذلك لما تقدم من ان البطلان عند ترك السعي في العمرة أو الحج مقتضى الجزئية، و ما ورد من

وجوب اعادة الحج على من ترك السعي عمداً لا مفهوم له، حيث ان قيد العمد أُخذ في سؤال السائل و عنوان الناسي أيضاً أُخذ في السؤال، و لكن يلحق الغافل عن وجوب السعي أو عن نفس السعي، كما إذا اعتقد ان السعي هو طواف البيت بالعامد بمقتضى قاعدة الجزئية، و في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الشيخ بإسناده عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار و إن أخذ قيد العمد في قول الامام (عليه السّلام) حيث قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «من ترك السعي

[ (المسألة الأولى) لو ترك السعي نسياناً أتى به حيث ما ذكره

(المسألة الأولى) لو ترك السعي نسياناً أتى به حيث ما ذكره، و إن كان تذكره بعد فراغه من اعمال الحج، فان لم يتمكن منه مباشرة أو كان فيه حرج و مشقة لزمته الاستنابة. و يصح حجه في كلتا الصورتين (1).

[ (المسألة الثانية) من لم يتمكن من السعي بنفسه

(المسألة الثانية) من لم يتمكن من السعي بنفسه، و لو بحمله على متن إنسان أو حيوان و نحو ذلك استناب غيره فيسعى عنه و يصح حجّه (2). متعمداً فعليه الحج من قابل» «1» الا انه يحتمل جدّاً ان تكون هذه عين الرواية عن معاوية بن عمار التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار، و إنما وقع الاختلاف في النقل عن ابن أبي عمير و بناءً على نقل الكليني التعمد ليس قيداً في كلام الامام (عليه السّلام)، و كيف كان فإلحاق الغافل بالعامد لو لم يكن أظهر، فلا ينبغي التأمل في ان الأحوط هو إتمام ذلك الحج كالناسي ثم اعادته في السنة القادمة. (1) قد ذكرنا فيما تقدم ان الناسي إذا تذكر نسيان السعي بين الصفا و المروة فان تذكر قبل زمان الفوت أتي به و لا حاجة الى إعادة الطواف و صلاته، و أما إذا تذكره بعد زمان الفوت عليه قضائه مباشرة إذا أمكنه ذلك بلا حرج و مشقة، حتى فيما كان بعد خروج ذي الحجة، و إلا يستنيب. و في كلا الفرضين يصح حجّة أي لا يبقى عليه شي ء، و إلا فالحج قبل القضاء صحيح يسقط التكليف به عنه و القضاء تكليف مستقل فان لم يأت به حال حياته وجب قضائه عنه، كما يقتضيه إطلاق صحيحة محمد بن مسلم. و التعليل الوارد في قضاء

الطواف بعد وفاته إذا تركه نسياناً بان «الطواف فريضة» «2». (2) ما تقدم من مراتب الطواف، الطواف بنفسه و الإطافة به و الطواف بالاستنابة، أو مجرّد النيابة عنه، يجي ء في السعي أيضاً. حيث ما علل في الاخبار

[ (المسألة الثالثة) الأحوط ان لا يؤخر السعي عن الطواف و صلاته بمقدار يعتّد به من غير ضرورة]

(المسألة الثالثة) الأحوط ان لا يؤخر السعي عن الطواف و صلاته بمقدار يعتّد به من غير ضرورة كشدة الحر أو التعب، و إن كان الأقوى جواز تأخيره إلى الليل (1)، نعم لا يجوز تأخيره إلى الغد في حال الاختيار. بتقديم الإطافة على الاستنابة و الطواف عنه، بان الطواف فريضة و الرمي سنة مقتضاه جريان المراتب في السعي أيضاً، بل ما ذكر في الاخبار الواردة في مراتب الطواف يعمّ السعي، حيث ان السعي بين الصفا و المروة طواف كما عبر عنه بالطواف في بعض الاخبار و قبلها في الكتاب المجيد. (1) يجوز تأخير السعي عن الطواف الى الليل بلا خلاف يعرف، و تدل على ذلك صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قال: سألته عن الرجل يقدم مكّة و قد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة و يؤخّر السعي الى ان يبرد؟ قال: لا بأس به و ربّما فعلته و قال: ربّما رأيته يؤخر السعي إلى الليل» «1» و صحيحة محمد بن مسلم «قال: سألت أحدهما (عليهما السّلام) عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة قال: نعم» «2» و مقتضى إطلاق هذه جواز التأخير إلى يوم و يومين أو أكثر، و لكن لا بد من رفع اليد عن إطلاقها بصحيحة علاء بن رزين «قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخّر الطواف بين الصفا و المروة الى غد؟ قال: لا»

«3» فتكون النتيجة ان المكلف إذا أتي بالطواف و صلاته في النهار جاز له تأخير السعي إلى الليل، بان يسعى في الليل لا أنه لا بد من الإتيان بسعيه و الفراغ عنه قبل مجي ء الليل، و ذلك فإن إلى الليل في صحيحة عبد اللَّه بن سنان و إن يحتمل ذلك احتمالًا ضعيفاً، الا ان مدلولها حكاية فعل لا تدلّ على التوقيت، و صحيحة مسلم مطلقة و مقتضاها جواز التأخير على الإطلاق، غاية الأمر يرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى التأخير إلى الغد، بأن يسعى بين الصفا و المروة في الغد، فان هذا التأخير غير جائز فيكون غيره

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 97

.......... جائزاً. لا يقال المفروض في هذه الروايات الإعياء و التعب فلا يستفاد منها الا جواز التأخير في صورة العذر، و أما في غير ذلك فيؤخذ بما ظاهره لزوم البدء بالسعي بعد الفراغ من طوافه و صلاته بعد الإتيان بالمقدمات التي يُستحب الإتيان بها قبل البدء بالسعي من الصفا، كما في صحيحة معاوية بن عمار و صحيحة الحلبي و غيرهما «1» فإنه يقال ما ورد في السؤال في صحيحة عبد اللَّه بن سنان و صحيحة محمد بن مسلم من فرض اشتداد الحر عليه أو الإعياء أي التعب من فرض الداعي إلى التأخير، و إلا فطبيعة الحال تقتضي للحاج و المعتمر الاستعجال في الخروج عن عهدة الوظيفة. فقوله عليه السلام في الصحيحة الأولى «لا بأس به و ربما فعلته» و في الثانية بنعم. بيان أنه لا بأس بترك الموالاة بعد الفراغ من الطواف و صلاته و بين الإتيان بالسعي و أنه (عليه السّلام) ربما يؤخّره، غاية الأمر أنه لا يجوز التأخير

إلى غد، لظاهر صحيحة علاء بن رزين، و ظاهر هذه الصحيحة، أنه إذا طاف في يوم لا يجوز تأخير سعيه الى غد، اي ما يعبر عنه في لغة الفرس ب (فردا) و أما أنّه إذا طاف و صلى صلاة الطواف في الليل، فلا يجوز تأخير سعيه الى اليوم، فلا يستفاد منها خصوصاً إذا كان الطواف و صلاته في آخر الليل، و الحاصل ينبغي التأمل في ان الاحتياط ان لا يؤخر السعي عن الطواف و صلاته بفصل معتدّ به من غير ضرورة كما ذكرنا في المتن، و لكن هذا الاحتياط غير لازم، و الأظهر ما ذكرنا من أنه إذا طاف في يوم يجوز تأخير سعيه الى الليل و إذا طاف في الليل يجوز تأخير سعيه الى اليوم لا سيما فيما كان الطواف و صلاته في أواخر الليل.

[ (المسألة الرابعة) حكم الزيادة في السعي

(المسألة الرابعة) حكم الزيادة في السعي كحكم الزيادة في الطواف، فيبطل السعي إذا كانت الزيادة عن علم و عمد (1) على ما تقدم في الطواف، نعم إذا كان جاهلًا بالحكم، فالأظهر عدم بطلان السعي بالزيادة و إن كانت الإعادة أحوط. (1) الزيادة في السعي الزيادة في السعي كالزيادة في الطواف، فان كانت الزيادة عن علم و عمد يبطل لما تقدم في الطواف، كما أنه إذا كانت عن سهو و نسيان فان كانت أقل من شوط قطعها و بعد إكمال الشوط يتخيّر بين قطعه و بين اضافة ستّة أشواط أُخر، و يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) «في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال: ان كان خطاء اطرح واحداً و اعتد بسبعة» «1» و ظاهرها الإتيان بالثمانية من غير

قصد بها، و مقتضاها و إن كان تعيّن القطع الا أنه يحمل على التخيير جمعاً بينها و بين صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السّلام) قال: في كتاب علي (عليه السّلام) «إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستاً». و كذلك إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستاً «2». و استشكل صاحب الحدائق في إضافة ستّة بوجهين، الأوّل ان الطواف المستقل في نفسه مستحب فلم يكن في إضافة ستة أشواط في الطواف محذور بخلاف السعي فإنه ليس مستحباً نفسياً حتى يؤتى به بإضافة ستة أشواط آخر على الشوط الذي أتي زائداً سهواً، و الثاني انه كما تقدم يعتبر في السعي البدء بالشوط الأوّل من الصفا و ختم الأشواط بالمروة و مع اضافة ستة أُخرى يكون البدء في السعي الثاني من المروة إلى الصفا، و فيه أنه يلتزم باستحباب السعي في المقام نفسياً كما يلتزم بالبدء به من المروة لدلالة النص الصحيح على الأمرين، و ما دلّ على لزوم البدء في السعي من الصفا مطلق يرفع اليد عنه بورود المقيد.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 99

.......... كما تقدم نظير ذلك في الطواف، حيث التزم بعض الأصحاب بأن طواف الفريضة هو الطواف الأوّل، و مع ذلك لا بأس بالقران فيه في فرض الإتيان بثمانية أشواط سهواً.

ثم انه إذا جاز قطع الشوط الثامن بعد إكماله كما هو مقتضى الصحيحة الأولى لجاز قطعه قبل إكماله أيضاً، لأنه لا يحتمل جواز قطعه بعد إكماله و عدم جوازه قبله، هذا بالإضافة إلى الناسي، و أما إذا كان الإتيان بالزيادة جهلًا بأن السعي سبعة أشواط فربّما يستظهر بطلانه من صحيحة معاوية بن عمار عن

أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «ان طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد، و ليطرح ثمانية و إن طاف بين الصفا و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و ليستأنف السعي، و إن بدء بالمروة فليطرح ما سعى و ليبدأ بالصفا» «1» فان قوله (عليه السّلام) و إن طاف بين الصفا و المروة ثمانية. إلخ. و إن يعم الإتيان بالشوط الثامن جهلًا، أو سهواً، و نسياناً، الا انه يرفع اليد عن إطلاقه بما تقدم من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الدالة على عدم الإعادة بزيادة الشوط الثامن خطاءً، فيختص الحكم بالبطلان بصورة الزيادة عمداً، حتى فيما إذا كان جهلًا، بل لا تعم هذه الصحيحة العالم العامد فان المكلّف المريد لامتثال التكليف و الإتيان بالوظيفة لا يأتي على خلاف الوظيفة مع علمه و التفاته بها خصوصاً في الحج الذي يتحمل المشاق في سبيل امتثال التكليف به، كما ان صحيحة معاوية بن عمار غير ناظرة إلى العالم بقرينة صدرها و لا يبعد ان يكون صحيحة معاوية بن عمار تشمل الجاهل و الناسي فبالاضافة إلى الناسي يرفع اليد عن إطلاقها فيما إذا كانت الزيادة شوطاً واحداً، و أما إذا سعى تسعة أشواط فلا موجب لرفع اليد عن الحكم الوارد فيها حتى بالإضافة إلى الناسي، الا ان ظاهر الأصحاب

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 100

.......... عدم الالتزام بذلك بل يذكرون ان الناسي يتخيّر بين طرح الزائد و بين اضافة أشواط أُخرى حتى يكون أربعة عشر شوطاً، كما أنهم لا يلتزمون بالبناء على التاسع في صورة الجهل الا عن البعض، حيث يلحقه بصورة الزيادة سهواً و الباقي يلحقونه بالعالم العامد فيحكمون بإعادة السعي.

أقول: إذا

أتي الجاهل السعي بأربعة عشر شوطاً أو خمسة عشر شوطاً يحكم بصحة سعيه و عدم لزوم الإعادة و يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال: «من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطاً طرح ثمانية و اعتد بسبعة» «1» و صحيحة جميل بن دارج قال: «حججنا و نحن صرورة فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطاً فسألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن ذلك. فقال: لا بأس سبعة لك و سبعة تطرح» «2» و صحيحة هشام بن سالم قال سعيت بين الصفا و المروة انا و عبيد اللَّه بن راشد فقلت: «له تحفظ على فجعل يعدّ ذاهباً و جائياً شوطاً واحداً فبلغ مثل ذلك فقلت له كيف تعدّ قال ذاهباً و جائياً شوطاً واحداً فأتممنا أربعة عشر شوطاً فذكرنا لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فقال: زادوا على ما عليهم ليس عليهم شي ء» «3» و لا ينبغي التأمل في ان ظواهر هذه الاخبار بل ظاهر خصوص الأخيرة صورة الجهل بان الطواف سبعة أشواط بحيث يكون الذهاب إلى المروة شوطاً و الإياب من المروة إلى الصفا شوطاً آخر، و قوله (عليه السّلام) «زادوا على ما عليهم ليس عليهم شي ء» مقتضاه أن الزيادة في الأشواط مع الجهل لا يضر و على ذلك فيمكن حمل ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار من انه «ان طاف بين الصفا و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و يستأنف» «4» حمله على الاستحباب، بان يلتزم باستحباب الإعادة في فرض زيادة الطواف بشوط واحد أو أكثر بمعنى ان الشوط الزائد الأخير ان كان من الصفا إلى المروة يضيف إليه

[ (المسألة الخامسة) إذا زاد في سعيه خطاءً صحّ سعيه

(المسألة الخامسة) إذا زاد في سعيه (1) خطاءً صحّ سعيه، و لكن

الزائد إذا كان شوطاً كاملًا يستحب له ان يضيف إليه ستة أشواط ليكون سعياً كاملًا غير سعيه الأوّل فيكون انتهاء السعي الثاني إلى الصفا و لا بأس بالإتمام رجاءً إذا كان الزائد أكثر من شوط واحد.

[ (المسألة السادسة) إذا نقص من أشواط السعي عامداً عالماً بالحكم أو جاهلًا به

(المسألة السادسة) إذا نقص من أشواط السعي عامداً عالماً بالحكم أو جاهلًا به و لم يمكنه تداركه الى زمان الوقوف بعرفات فسد حجّه، و لزمته الإعادة من قابل (2). و الظاهر ستاً حتى يكمل سبعة أشواط و يطرح ما سعى أولًا. (1) عنوان الخطاء وارد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) «في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية ما عليه. فقال: ان كان خطأ اطرح واحداً و اعتد بسبعة» «1» و عنوان الخطاء صدقه في صورة السهو و النسيان محرز و لا يبعد صدقه في صورة الجهل ايضاً، كما يظهر لمن تتبع موارد استعماله فيكون مفهوم الشرطية عدم صحة السعي في صورة العلم و قصد الزيادة، و لكن ما ورد في إتمام سعيه بأربعة عشر شوطاً وارد في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السّلام) قال: «ان في كتاب علي (عليه السّلام) إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة أو استيقن ثمانية أضاف إليها ستاً، و كذا إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستاً» «2» و ظاهرها كما تقدم سابقاً بقرينة قوله عليه السلام استيقن ثمانية وقوع الثمانية سهواً و لا يصدق على من أتم ثمانية أشواط مع العلم بأنها ثمانية جهلًا بأن السعي سبعة أشواط كما كان الحال في الزيادة في الطواف ايضاً كذلك و على الجملة استحباب إكمال الأشواط بأربعة عشر في صورة الجهل غير ظاهر و لا بأس

به رجاءً بقصد سعي آخر، كما هو الحال في صورة كون الزائد أكثر من شوط بل تقدم أن في صورة زيادة الأشواط جهلًا الأحوط إعادة السعي. (2) قد تقدم أن من واجبات العمرة و الحج السعي بعد الطواف و صلاته و أن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 102

بطلان إحرامه ايضاً، و الأحوط العدول الى الحج الافراد و إتمامه بنيّة الأعم من الحج و العمرة، و أما إذا كان النقص نسياناً فان كان بعد الشوط الرابع وجب عليه تدارك الباقي حيث ما تذكر، و لو كان ذلك بعد الفراغ من اعمال الحج و تجب عليه الاستنابة لذلك إذا لم يتمكن بنفسه من التدارك أو تعسر عليه ذلك و لو لأجل أن تذكره كان بعد رجوعه الى بلده، و الأحوط حينئذٍ ان يأتي النائب بسعي كامل ينوي فراغ ذمة المنوب عنه بالإتمام و التمام. تركه عمداً و لو كان للجهل يوجب بطلانهما، كما هو مقتضي قاعدة الجزئية و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل ترك السعي متعمداً. قال: عليه الحج من قابل» «1» و نحوها غيرها بخلاف ما إذا تركه نسياناً فإنه يجب عليه تداركه و لو بالقضاء على ما تقدم.

هذا بالإضافة إلى ترك السعي رأساً و أما إذا ترك منه بعض الأشواط فمع كونه مع العمد و لو جهلًا و عدم إمكان تداركه، بان لا يمكن إدراك الوقوف الاختياري بعرفة مع تداركه أو خرج ذو الحجة في ترك بعضها في الحج يحكم ببطلان عمرته و حجّه، كما هو مقتضي القاعدة في الجزئية و لصدق انه ترك السعي متعمداً فيكون عليه الحج من قابل. و ما قيل

من انقلاب عمرة التمتع الى حج الافراد على تقدير تركه السعي كلا أو بعضاً في عمرة التمتع لا يوجد له شاهد فان الروايات الواردة في انقلاب حج التمتع الى الافراد موردها فوت العمرة لضيق الوقت و عدم تمكن المكلف من اعمالها و لا تعم ما إذا ترك بعض ما هو يعتبر فيها الى ان فات زمان الإدراك.

و أما إذا ترك بعض الأشواط نسياناً فقد ادعي الإجماع على أنه إذا كان المنسي شوطاً، أو شوطين، أو ثلاثة أشواط، يأتي بها حيث ما ذكر، و أما إذا كان المنسي أكثر فعليه الإتيان بسبعة أشواط بقصد الأعم من الإتمام و التمام، و حيث ان البناء على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 103

و أما إذا كان نسيانه قبل إتمام الشوط الرابع، فالأحوط أن يأتي بسعي كامل يقصد به الأعم من التمام و الإتمام، و مع التعسر يستنيب لذلك.

[ (المسألة السابعة) إذا نقص شيئاً من السعي في عمرة التمتع نسياناً فأحل لاعتقاده الفراغ من السعي

(المسألة السابعة) إذا نقص شيئاً من السعي في عمرة التمتع نسياناً فأحل لاعتقاده الفراغ من السعي فالأحوط لزوم التكفير عن ذلك ببقرة (1) و يلزمه إتمام السعي على النحو الذي ذكرناه. أربعة أشواط الذي ادعي عليه التسالم و الإجماع محرز فيما إذا كان القضاء بالمباشرة فالأحوط فيما إذا كان بالاستنابة كما في صورة كون المباشرة شاقاً أو غير ممكن أن يقضي النائب بالإتيان بسبعة أشواط بقصد الأعم من التمام و الإتمام، كما انه يجري هذا الاحتياط فيما يقضي بالمباشرة و لكن كان المنسي أكثر من ثلاثة أشواط.

أقول: لا يبعد الاستدلال على البناء فيما إذا كان القضاء بالمباشرة، و كان المنسي ثلاثة أشواط أو أقل، بصحيحة سعيد بن يسار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل متمتع سعى

بين الصفا و المروة ستة أشواط ثم رجع الى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه، قلّم اضافيره و أحلّ، ثم ذكر أنه قد سعى ستة أشواط. فقال: لي يحفظ أنه قد سعي ستة أشواط فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد و ليتم شوطاً و ليرق دماً فقلت: دم ماذا؟ قال: بقرة و إن لم يكن يحفظ انه قد سعى ستة أشواط فليعد فليبتدء السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة» «1» فان ذكر حفظ ستة أشواط لفرض السائل في سؤاله ستة أشواط لا لان للستة خصوصية بل الخصوصية المحتملة هو تجاوز النصف أي إكمال أربعة، و مدلول الرواية انه إذا كان على يقين من عدد اشواطه يقضي الناقص، و أما إذا كان على شك مع إحراز النقص فاللازم إعادة السعي و سيأتي ان دم البقرة باعتبار الوقاع أو الإحلال. (1) قد ورد في صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، ان الناسي للشوط من السعي

[لا اعتبار بالشك في عدد أشواط السعي بعد التقصير]
اشارة

لا اعتبار بالشك في عدد أشواط السعي بعد التقصير (1)، و ذهب جمع من الفقهاء الى عدم الاعتناء بالشك بعد انصرافه من السعي، و إن كان الشك قبل التقصير، و لكن الأظهر لزوم الاعتناء به حينئذٍ. إذا أحل من عمرة التمتع يكون عليه دم بقرة و المفروض فيها و لو بتقليم الأظفار، و لكن المتفاهم يبني أن هذا للإحلال من إحرام عمرة التمتع فيجري فيما كان بالتقصير ايضاً، و المشهور لم يلتزموا بالكفارة لوقوع الفعل للجهل و الخطاء و لا تثبت في موردهما الكفارة إلا في الصيد على ما تقدم في بحث محرمات الإحرام. و لكن كما ذكرنا في ذيل مسائل المحرمات ان ما دل

على نفي الكفارة في مورد الجهل و الخطاء إلا في الصيد، من قبيل العام و يرفع اليد عنه فيما قام على ثبوتها فيه خطاب خاص. و لكن ورد في رواية عبد اللَّه بن مسكان فرض الوقاع بعد إحلاله قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستة أشواط و هو يظن أنها سبعة، فذكر بعد ما حلّ و واقع النساء انه انما طاف ستة أشواط قال عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطاً آخر» «1» و في السند محمد بن سنان و قد فرض في صحيحة يسار الإحلال و مقتضاها أنّ الموضوع للكفارة هو الإحلال فقط واقع الأهل أو لم يواقع بعد إحلاله، و بما أن المشهور لم يلتزموا بوجوب، الكفارة عبرنا بالاحتياط، كما ان الاحتياط اعادة التقصير بعد إكمال سعيه ما دام لم يحرم للحج، حيث ان الإحلال المفروض ترتب الكفارة عليه حتى في صورة الخطاء يبعد كونه مخرجاً عن إحرام عمرة التمتع و انه يمكن ان يقال بأن الإطلاق المقامي بعدم ذكره (عليه السّلام) إعادة الإحلال، مقتضاه الاكتفاء بالسابق و اللَّه العالم. (1) الشك في السعي و ذلك فان عدم الاعتناء بالشك في عدد الأشواط بعد التقصير مقتضى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 105

.......... قاعدة التجاوز، حيث ان محلّ السعي قبل التقصير و الشك فيما تجاوز محلّه مع احتمال الإتيان به في محلّه ملغى، حتى بالإضافة إلى الأثر المترتب على نفس الشك فإنه إذا كان الشك في شي ء قبل الفراغ من العمل مبطلًا لذلك العمل، فلا يكون مبطلًا له إذا حدث الشك فيه بعد الفراغ عنه. كمن فرغ من صلاة الصبح و شك بعد التسليم

أنه صلاها ركعتين أو بركعة واحدة،، فإن هذا الشك إذا حدث قبل التسليم كانت صلاته محكومة بالبطلان، حتى مع فرض أنها كانت في الواقع بركعتين، و لكن إذا حدث بعد التسليمة يحكم بصحتها أخذاً بقوله (عليه السّلام) في موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) «كلّما شككت في شي ء مما قد مضى فامضه كما هو «1» و إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشككت فشكك ليس بشي ء» «2» و لو كان هذا المصلي غافلًا عن حاله و سلم ثم التفت أنه تشهد و سلم بركعة واحدة، فإنه قبل ان يأتي بالمنافي يقوم و يأتي بركعة أُخرى و يتشهد و يسلّم ثم يسجد سجدتي السهو لزيادة التسليمة سهواً، فقاعدة الفراغ أو التجاوز بالإضافة إلى الصلاة أو الركعة الثانية ينفي حكم الشك في الأثناء فيحكم بصحة صلاته و عدم لزوم شي ء عليه. و فيما نحن فيه ايضاً الشك في عدد الأشواط قبل الفراغ و التجاوز مبطل للسعي فإذا حدث الشك في عددها بعد تجاوز محل السعي و الفراغ يحكم بصحة سعيه. و من الظاهر ان الفراغ من السعي و تجاوز محلّه يحصل بالتقصير كما يحصل الفراغ منه بإحراز أنه أتى بالجزء الأخير يعني الشوط السابع، و من ذلك ظهر أنه لو كان على المروة فشك في انه فرغ من شوطه السابع أو التاسع فلا يحتاج الحكم بصحة سعيه لا إلى قاعدة الفراغ الى قاعدة التجاوز، فإن الزيادة إن كانت فهي سهوية، و الزيادة جهلًا فضلًا عن السهو غير مبطل. و هذا بخلاف ما إذا حصل هذا الشك قبل وصوله إلى المروة فإنه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 106

.......... يحكم ببطلان

سعيه، لان الشك في عدد الأشواط أثناء السعي مبطل له كما يأتي. و إذا كان على المروة فشك في انه سعى خمسة أو سبعة أو تسعة أيضاً يحكم ببطلان سعيه، لان الشك لم يحصل بعد الفراغ من سبعة أشواط لأنه يحتمل ان يكون سعيه بخمسة أشواط، و أما إذا حصل هذا الشك بعد سعيه يحكم بصحة سعيه، لان شكه في السعي بعد تجاوزه و الفراغ من عمرته بالتقصير، نعم إذا علم بعد التقصير بنقصان سعيه و شك في عدد الناقص من الأشواط يحكم ببطلان سعيه و لا تجري قاعدة التجاوز بالإضافة الى غير المتقين من الشوط الناقص، كما إذا علم بعد التقصير انه شاط أقل من سبعة، و لكن لا يعلم انه شاط بستة أشواط أو بخمسة. و تدل على ذلك صحيحة سعيد بن يسار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل متمتع سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط، ثم رجع الى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه، و قلّم أظافيره و أحلّ، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط فقال: لي يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط، فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد فليتمّ شوطاً و ليرق دماً، فقلت: دم ماذا؟ قال: بقرة، و إن لم يحفظ انه قد سعى ستّة، فليعد فليبتدء السعي حتى يكمل سبعة أشواط» «1» و ظاهرها أن مع إحراز النقيصة في الطواف لا مجال لقاعدة التجاوز مع تردد الشوط الناقص بين الأقل و الأكثر.

نعم إذا شك بين السادسة و السابعة بعد التقصير يبني على الصحة و التمام لقاعدة التجاوز و الفراغ. و هذا غير داخل في صحيحة سعيد بن يسار، و كذا لو

كان الشك بين الخامسة و السابعة بعد التقصير أو بين الخامسة و السابعة و التاسعة بعده.

و أما إذا كان هذا الشك قبل التقصير و بعد الانصراف من السعي، فقد ذهب جمع من الفقهاء الى الحكم بالصحة و عدم لزوم الاعتناء و لعلّهم اكتفوا في جريان

[ (المسألة الأولى) إذا شك و هو على المروة في ان شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع

(المسألة الأولى) إذا شك و هو على المروة في ان شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع فلا اعتبار (1) بشكه و يصح سعيه، و إذا كان هذا الشك أثناء الشوط بطل سعيه و وجب عليه الاستيناف.

[ (المسألة الثانية) حكم الشك في عدد الأشواط من السعي حكم الشك في عدد الأشواط من الطواف

(المسألة الثانية) حكم الشك في عدد الأشواط من السعي حكم الشك في عدد الأشواط من الطواف فاذا شك في عددها بطل سعيه. قاعدة التجاوز و الفراغ بالانصراف عن العمل، باعتقاد أنه أتمّه و قد عبر في كلام بعضهم بان المعتبر في جريان قاعدة الفراغ، الفراغ الاعتقادي، و هذا يحصل بالانصراف من السعي باعتقاد التمام.

و لكن لا يخفي أن الفراغ عن عمل و مضيّه يحصل إما بالإتيان بالجزء الأخير منه أو في الشك في الإتيان بجزئه الأخير منه، و لكن مع حدوث الشك بعد حصول المنافي، كما إذا شك في التشهد و التسليم بعد ما تكلم أحدث أو بالدخول في عمل مترتب عليه مع إحراز أصل تحقّقه، كما انه يعتبر في قاعدة التجاوز تجاوز محل الشي ء بالدخول في الجزء المترتب عليه، و شي ء من ذلك غير حاصل في الفروض المذكورة لأن الشك فيها في نفس تحقق الجزء الأخير من غير دخول في التقصير المترتب عليه، نعم لو بنى على اعتبار الموالاة في جميع أشواط السعي أمكن ان يقال انه إذا لم يقصر و لكن حصل الشك بعد فقد الموالاة العرفية يبني على الصحة، حتى فيما إذا فرض إحراز النقص غفلة يتدارك النقص حتى مع فقدها (1) لأصالة عدم الزيادة بل لا حاجة إلى أصالة عدمها، حيث ان الزيادة جهلًا فضلًا عن السهو لا يبطل السعي على ما تقدم. و أما إذا كان الشك أثناء الشوط فلا يحفظ عند الشك

أنه طاف سبعة و عدم الحفظ عند الشك موجب لبطلانه، كما يستفاد ذلك من «صحيحة سعيد بن يسار» و في الفرض عند الشك لا تجري قاعدة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 108

.......... الفراغ و لا قاعدة التجاوز ليكون حاكماً على ما يستفاد من تلك الصحيحة بإلغاء شكه بعد الفراغ و التجاوز، بل لا يبعد ان يعم الفرض الروايات الواردة فيمن شك في انه طاف سبعة أو ستة حيث يحتمل المكلف المفروض أنه طاف سبعة، كما إذا كان ما بيده الدخول في التسعة و أما إذا كان ما بيده الدخول في سبعة فقد طاف ستة، و بتعبير آخر ما ورد فيمن شك في الطواف يعيد أو يستقبل يعمّ الفرض إذ لم يقيد الطواف بالفريضة أو بالبيت، بخلاف ما إذا قيد بأحدهما فإنه معه لا يعمّ لان السعي لا يتصف بالفريضة و المندوبة، حيث لا يكون كالطواف مستحباً نفسياً و الطواف بين الصفا و المروة ليس من الطواف بالبيت و لكن في الالتزام بان ما ورد في الشك في أشواط الطواف يعمّ الشك في أشواط السعي، فإن السعي بين الصفا و المروة طواف بهما، اشكال لانصراف الطواف بلا قيد الى الطواف بالبيت، و لذا جعل في الروايات السعي مقابل الطواف الوارد فيها بلا قيد.

و لم يلتزم بالاستحباب النفسي للسعي مع كثرة الروايات الواردة في استحباب الطواف بلا قيد بل كونه أفضل من الصلاة للمجاورين، و لم يعتبر جميع الشرائط المعتبرة في الطواف في السعي أيضاً كطهارة الثوب و البدن و نحوها، مع ان الوارد في الروايات انه إذا تنجس ثوبه أثناء الطواف يخرج و يغسله ثم يبني على ما طاف.

الطواف و السعي في ثوبٍ مغصوب

أو على الدابة المغصوبة بقي من المقام أمر و هو انه إذا طاف المكلف أو سعى في ثوب مغصوب أو ساتر مغصوب، فهل يبطل طوافه و سعيه أم لا؟ أو فيه تفصيل بين الطواف و السعي؟ الصحيح هو التفصيل بين الطواف و السعي فيما إذا كان الساتر مغصوباً؟ حيث ان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 109

.......... الستر معتبر في الطواف دون السعي؟ فالتركيب بين الواجب المشروط بساتر و النهي عن الستر بالمغصوب اتحادى في ناحية الستر على ما تقدم في الستر المعتبر في الصلاة؟ و هذا التركيب الاتحادي و إن كان مورد إشكال، الا ان التركيب في غير الساتر في الطواف و في السعي مطلقاً انضمامي، فان المحرم لبس المغصوب و حركة الثوب المغصوب بالمشي في الطواف و السعي ليس محرماً آخر زائداً على لبسه، حيث لا يعد تصرفاً آخر غير التصرف بلبسه، و قد يلتزم بأن حركة الثوب تصرف آخر، و لكن لا توجب حرمته لبطلان السعي أصلا بطلان الطواف في غير الساتر المغصوب، و الوجه في ذلك ان الحركة القائمة ببدن الطائف غير الحركة القائمة بالثوب، و هناك وجودان من الحركة و بما إن الإيجاد عين الوجود خارجاً، و الاختلاف بينهما بالاعتبار خاصة فيكون في البين ايجادان و إن كان إيجاد حركة الثوب لإيجاد حركة البدن فتحريك البدن مقدمة لحركة الثوب و حرمة ذي المقدمة لا تسري الى مقدمته، فلا يكون تحريك البدن حراماً و لا يكون التركيب بينه و بين حركة الثوب اتحادياً، فلا موجب لبطلان السعي القائم بالبدن، و لا بطلان الطواف إذا كان الثوب المغصوب غير ساتر.

ثم ذكر انه لو طاف أو سعى بركوبه الدابة المغصوبة يكون

الأمر على العكس، بأن حركة الدابة تكون هي الحرام مع كونها مقدمة للسعي و الطواف، و في هذا الفرض لا موجب لبطلان السعي و الطواف أصلا، لأن حرمة المقدمة لا تسري الى ذيها، و لذا لا يكون السفر مع ركوب الدابة المغصوبة محرماً لان البعد عن الوطن يترتب على حركة الدابة المفروض حرمتها من غير ان تسرى الى نفس البعد الموضوع لوجوب القصر في الصلاة مع عدم حرمة نفسه و لا حرمة غايته.

[التقصير]

اشارة

و هو الواجب الخامس في عمرة التمتع و معناه أخذ شي ء من ظفر يده، أو رجله، أو شعر رأسه، أو لحيته، أو شاربه، و يعتبر فيه قصد القربة و لا يكفي النتف عن التقصير. أقول: التركيب بين حركة البدن و حركة الثوب و إن لم يكن اتحادياً، و كذا في حركة الدابة المركوبة و البعد الحاصل للبدن عن الوطن، أو الحركة الحاصلة للبدن في الطواف و السعي، الا انه لا يمكن الأمر الترتيبي الترخيص الترتيبي بالحركة الحاصلة للبدن، فإنه من الأمر أو الترخيص في الشي ء بعد حصوله، فيكون من قبيل طلب الحاصل، نعم يمكن الأمر بقصد الطواف و السعي في تلك الحركة الا أن قصد الطواف ليس بطواف و قصد السعي ليس بسعي، و إنما تعلق الأمر بالطواف و السعي، و لا يقاس بالأمر بصلاة القصر على فرض تحقق السفر و لو بالدابة المغصوبة، حيث أمر الشارع بصلاة القصر مع عدم كون السفر بنفسه و لا بغايته محرماً، و المفروض انه مع ركوب الدابة المغصوبة تصبح مقدمة السفر محرّمة لا نفسها و غايتها و صلاة القصر المأمور به عمل آخر غير السفر و غير مقدمته و لا يقاس الأمر بها بالأمر بالطواف

و السعي عند حصول الحركة القائمة ببدن الدابة حول البيت، أو بين الصفا و المروة. و على الجملة التركيب الاتحادي في الفرضين مع قطع النظر عما ذكرنا من عدم كون حركتها محرماً آخر وراء ركوبها ملحق بالأمر و النهي في موارد التركيب الاتحادي نظير صلاة الفرادى في مكان أقيم فيه صلاة الجماعة من شخص يعرفه المصلي حيث ان صلاته فيه بنفسها إيهام للناس بعدم عدالته. (1) الواجب الخامس في عمرة التمتع التقصير يتعين التقصير في عمرة التمتع للرجال و النساء بلا خلاف يعرف، الّا عن الشيخ في الخلاف و المحكي عن والد العلامة، حيث ان المنسوب إليهما جواز الحلق للرجال و كون التقصير أفضل، و كيف ما كان تدلّ على تعين التقصير صحيحة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 111

.......... معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير، و إن لم تفعل فمخيّر لك التقصير و الحلق في الحج و ليس في المتعة إلا التقصير» «1» فان مقتضي قوله (عليه السّلام) و ليس في المتعة إلا التقصير تعينه في عمرة التمتع، و يأتي ان ما ورد من تعين الحلق على المعقوص و الملبد و مع عدمهما التخيير بين الحلق و التقصير مختص بإحرام الحج، و أما في إحرام عمرة التمتع لا فرق بين المعقوص و الملبد و غيرهما في تعيّن التقصير. و بتعبير آخر قوله (عليه السّلام) في «الحج» قيد لكل ما تقدم، و يدلّ على ذلك إطلاق الأمر بالتقصير بعد السعي في عمرة، التمتع حيث ان مقتضى الإطلاق كون الواجب تعيينياً على ما تقرر في محله،

و لم يظهر لما عن الشيخ في الخلاف أو عن العلامة أو والده من التخيير أو أجزاء الحلق وجه، و ما قيل من ان أوّل جزء من البدء بالحلق تقصير كما ترى، فان الحلق لا يصدق عليه التقصير لا في أوّل جزئه و لا في آخره؛ و أما كون المراد بالتقصير في المقام الأخذ من شعر الرأس أو اللحية أو الشارب أو الأخذ من أظافير ظفر يده أو رجله، فقد تدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه، و لحيتك، و خذ من شاربك، و قلم أظفارك و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم، و أحرمت منه فطف بالبيت تطوعاً ما شئت» «2» و مقتضاها و إن كان الجمع بين التقصير و الأخذ من الأظافير، الا ان الجمع يحمل على الاستحباب، بقرينة ما ورد من أجزاء البعض كصحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «سمعته يقول طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة و يسعي بين الصفا و المروة، و يقصر من شعره فاذا فعل ذلك فقد أحل» «3» و صحيحة جميل بن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 112

.......... دراج و حفص بن البختري و غيرهما عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في محرم يقصر من بعض و لا يقصر من بعض قال: يجزيه» «1» فان عدم الاستفصال في الجواب عن تعيين البعض الذي قصره مقتضاه عدم الفرق في تقصير أي بعض مما تقدم.

و صحيحة الحلبي قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «جعلت

فداك اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم اقصر. قال: عليك بدنة قال: قلت: اني لما أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها اللَّه كانت أفقه منك، و عليك بدنة و ليس عليها شي ء» «2» و يظهر من هذه الصحيحة مضافاً الى الاكتفاء بالمسمى من التقصير عدم اعتبار كون التقصير بالآلة كالمقراض؛ و في صحيحة معاوية بن عمار المروية في الفقيه قلت: له متمتع قرض من أظفاره بأسنانه و أخذ من شعره بمشقص؟ فقال: لا بأس به ليس كل أحد يجد الجلم» «3».

إحلال المعقوص و الملبد من إحرام عمرة التمتع ثم إنّ ما يجب في عمرة التمتع بعد السعي التقصير كما تقدم و أشرنا الى عدم الفرق بين المعتمر معقوصاً ملبداً أو غيرهما، كما عليه المشهور. و المحكي عن المفيد و ظاهر التهذيب وجوب الحلق على المعقوص و الملبّد في إحرام الحج و العمرة المفردة و عمرة التمتع، و يستظهر وجوب الحلق عليهما من صحيحة هشام بن سالم قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا عقص الرجل رأسه أو لبّده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق» «4» و لكن لا يخفى ان العمرة تعم العمرة المفردة و عمرة التمتع فان قام الدليل على تعين التقصير على المعقوص و الملبد في عمرة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 113

.......... التمتع كسائر الناس يرفع اليد عن إطلاقها بحملها عليهما في إحرام الحج و العمرة المفردة كما عليه المشهور. كما يستظهر وجوب الحلق عليهما من صحيحة عيص قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل عقص شعر رأسه و هو متمتع ثم

قدم مكّة فقضى نسكه و حلّ عقاص رأسه فقصّر و ادهن و أحلّ؟ قال: عليه دم شاة» «1» و وجه الاستظهار أنه لو لم يتعين عليه الحلق في الإحلال عن إحرام عمرة التمتع أو كان التقصير أيضاً مجزياً، لم يكن وجه لوجوب الكفارة عليه بشاة.

و فيه انه لا ينبغي التأمل في ان الواجب على المعقوص شعره و الملبد في الإحلال من إحرام الحج و العمرة المفردة الحلق، و لو كان المراد من قول السائل ثم قدم مكة فقضى نسكه الإتيان باعمال عمرة التمتع خاصة يكون ذلك دليلًا على وجوب الحلق عليهما في عمرة التمتع ايضاً، و أما إذا كان المراد منه أنه قضى نسك الحج أي الوقوفين كما يقتضيه اضافة نسكه اي جميع نسك التمتع أو في إحلاله بعد نسك الحج قصّر بدلًا عن الحلق، فلا يدلّ على تعين الحلق عليهما في إحلال عمرة التمتع، بل تدل على تعينه في إحلال الحج. و قد روى في الوسائل الرواية عن الفقيه بإسناده عن عبد اللَّه بن سنان «2» و ذكر في ذيلها التقصير هنا محمول على الحلق قبل محلّه و لعل مراده (قدّس سرّه) من قبل محلّه، قبل الرمي و الذبح، و لكن لا يخفى أنّ حمل التقصير على الحلق بلا شاهد غير ممكن.

و مع ذلك يمكن ان يقال لو كان المراد هو الإحلال من إحرام الحج لم يحتج ان يذكر السائل في سؤاله قدم مكة، بل كان الأنسب أن يقول رجل عقص رأسه و هو متمتع و قد أحلّ بعد قضاء مناسكه بالتقصير من غير ان يحلق، و إضافة فرض قدومه مكة فقضى نسكه يوحي ان المراد انقضاء اعمال مكة بعد قدومه إليها و هو

محرم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 114

.......... بإحرام عمرة التمتع. الا ان يمنع بان ذكر قيد مكة في سؤال السائل لا يكون قرينة على خلاف ظهور قضى نسكه من الجمع المضاف الى الشخص لا إلى مكة. نعم ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «ينبغي للصرورة أن يحلق، و إن حج فان شاء قصّر، و إن شاء حلق، فاذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق» «1» مدلولها تعين الحلق على الملبد أو المعقوص حتى فيما إذا حجّ من قبل و أنه لا تخير له بين التقصير و الحلق كسائر الناس، و أمّا تعين الحلق عليه في إحلاله من عمرة تمتعه مما يجب على غيره التقصير فلا دلالة لها، و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير و إن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق في الحج و ليس في المتعة إلا التقصير» «2» و قد تقدم أنه يستظهر منها وجوب الحلق في الإحلال من عمرة التمتع على المعقوص و الملبّد بدعوى أن قوله (عليه السّلام) في صدر الرواية، فقد وجب عليه الحلق مطلق يشمل إحرام عمرة التمتع و إحرام الحج، فيكون المعقوص و الملبّد خارجين مما ورد في ذيلهما، و ليس في المتعة إلا التقصير. و لكن لا يخفى ان قيد في الحج يرجع الى كل من الفقرتين الواردتين فيها اللتين من القضية الشرطية إحداهما إذا أحرمت فعقصت. إلخ. و ثانيتهما و إن لم تفعل، و لا أقل من احتمال ذلك فقد ظهر ان

الالتزام بوجوب الحلق على الملبد و المعقوص في الإحلال من عمرة تمتعهما لا يستفاد الّا من إطلاق بعض الروايات، كالإطلاق في صحيحة هشام بن سالم المتقدمة لو لم نقل بانصراف العمرة إلى المفردة، و هذا الإطلاق معارض بمثل ما ورد في ذيل صحيحة معاوية بن عمار (و ليس في المتعة) إلا التقصير فإن النسبة بينها العموم من وجه، و بعد تساقطهما في مورد اجتماعهما

[مسائل في التقصير]
[ (المسألة الأولى) يتعيّن التقصير في إحلال عمرة التمتع

(المسألة الأولى) يتعيّن التقصير في إحلال عمرة التمتع، و لا يجزي عنه حلق الرأس بل يحرم عليه، و إذا حلق لزمه التكفير عنه بشاة إذا كان عالماً عامداً، بل مطلقاً على الأحوط (1). و هو إحلال المعقوص و الملبّد من إحرام عمرة تمتعهما يرجع الى الإطلاق في الأدلّة البيانية، كصحيحة معاوية عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها على المتمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ثلاثة أطواف بالبيت، و سعيان بين الصفا و المروة. الى ان قال: و عليه إذا قدم مكّة طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم (عليه السّلام)، و سعى بين الصفا و المروة، ثم يقصر و قد أحلّ هذا للعمرة «1».

اللهم الا ان يقال لا يزيد ما ورد في مثل هذه الصحيحة عما ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة من قوله (عليه السّلام) (ليس في المتعة إلّا التقصير)، حيث انه ايضاً وارد في بيان وظيفة الإحلال من إحرام عمرة المتمتع فتكون النسبة بينها و بين صحيحة هشام بن سالم العموم من وجه، و مقتضى أصالة البراءة عن تعيّن التقصير و إن كان هو التخيير الّا ان الأحوط رعاية التقصير. (1) الجماع في عمرة التمتع قبل الإحلال بالتقصير قد تقدم عدم أجزاء الحلق مكان التقصير

و عليه إذا حلق رأسه قبل التقصير يكون من إزالة الشعر قبل الخروج من الإحرام، و كفارة الحلق قبل الخروج من الإحرام شاة. و هذا فيما كان عالماً ببقاء إحرامه و كون حلق رأسه محرماً بلا كلام، و أما إذا كان جاهلًا فمقتضى مثل صحيحة زرارة (و إن كان عدم الكفارة) فإن فيما رواه عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلًا فلا شي ء عليه و من فعله متعمداً فعليه دم» «2» فان مقابلة المتعمد للناسي و الساهي

[ (المسألة الثانية) إذا جامع بعد السعي و قبل التقصير جاهلًا بالحكم

(المسألة الثانية) إذا جامع بعد السعي و قبل التقصير جاهلًا بالحكم فعليه كفارة بدنة على الأحوط (1). و الجاهل مقتضاه ان يكون المراد منه العالم القاصد، الّا انه قد ورد في رواية أبي بصير ما يكون مقتضاه ثبوت الكفارة على المتمتع الذي قصد الإحلال بالحلق و لو كان بنحو السهو قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن المتمتع أراد ان يقصّر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فاذا كان يوم النحر أمر الموسي على رأسه حين يريد ان يحلق» «1» فإنه إذا ثبتت الكفارة في صورة الاشتباه و السهو تكون مع الجهل بالأولوية، حيث ان الجاهل يتعمد العمل و لكن لا يعلم حكمه، و الساهي أو الناسي لا يتعمد العمل و لا يعرف عنده حكمه، و لو كان سند الرواية تاماً كانت مخصصة لما ورد في عدم الكفارة على الساهي و الجاهل، و لكن في سندها محمد بن سنان، و لذا ذكرنا ان التكفير في غير صورة العلم و العمد أحوط. (1) قد استظهر ذلك من صحيحة الحلبي قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «جعلت فداك،

انّي لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم اقصّر، قال: عليك بدنة، قال: قلت: اني لمّا أردت ذلك منها و لم يكن قصّرت امتنعت، فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها اللَّه، كانت أفقه منك، عليك بدنة و ليس عليها شي ء» «2» بدعوى ان الظاهر جهل الحلبي بالحكم كما هو مقتضى قوله (عليه السّلام) «كانت أفقه منك»، و لكن في الاستظهار ما لا يخفى، فان كونها أفقه من الحلبي لأنها كانت عالمة بخروجها عن إحرامها و لو بقطع شعر من رأسها بأسنانها، و لم يكن الحلبي عالماً بخروجه من إحرامه بمثل فعلها في ذلك الحين، و أما عدم جواز الوقاع قبل التقصير فالظاهر أن الحلبي كان عالماً بعدم جوازه و لا أقل من أنّ امتناع اهله من التمكين أرشده الى عدم الجواز، أضف الى ذلك ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار

[ (المسألة الثالثة) يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي

(المسألة الثالثة) يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي (1) فلو فعله عالماً عامداً لزمته الكفارة. قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن متمتع وقع على امرأته و لم يقصر؟ قال: ينحر جزوراً و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالماً، و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه» «1» فان ظاهرها عدم الكفارة على الوقاع قبل التقصير على الجاهل، و قد روى الكليني (قدّس سرّه) ذلك في باب المتمتع ينسى ان يقصر حتى يهل بالحج أو يحلق رأسه أو يقع على اهله، و روى بعين السند في باب المحرم يأتي أهله و قد قضى بعض مناسكه عن معاوية بن عمار: قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن متمتع وقع على اهله، و لم يزر، قال: ينحر جزوراً

و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالماً، و إن كان جاهلًا فلا شي ء عليه» و حيث ان السند و المتن متحدان و الاختلاف في لم يقصر و لم يزر، استظهر ان الروايتين في الأصل رواية واحدة و لم يعلم ان الأصل كان لم يزر أو لم يقصر فلا تمنع هذه الرواية عن العمل بإطلاق صحيحة الحلبي التي استظهر منها الكفارة على المتمتع الذي جامع زوجته قبل التقصير حتى مع جهله بالحكم، و ذلك فان عدم الكفارة على من جامع قبل الطواف في الحج جاهلًا لا يرتبط بالمقام، و لكن قد تقدم ان استظهار الإطلاق من صحيحة الحلبي مشكل، و مع ذلك وحدة السند و المتن في الحديثين لا تدل على اتحادهما في الأصل خصوصاً إذا كان بينهما اختلاف ما يختلف معه الحكم في أحدهما عن الآخر فان التعدد هو الأصل، و مع ذلك الأحوط رعاية الكفارة حتى على الجاهل. (1) كما تطابق على ذلك الروايات و فتاوي أصحابنا، و قد تقدم ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر من شعرك» الحديث «1» و تقدم ايضاً ما دل على ترتب السعي على الطواف و صلاته،

[ (المسألة الرابعة) لا تجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أي وقت و محل شاء]

(المسألة الرابعة) لا تجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أي وقت و محل شاء (1)، كان في المسعى أو في منزله أو غيرهما.

[ (المسألة الخامسة) إذا ترك التقصير عمداً فأحرم للحج بطلت عمرته

(المسألة الخامسة) إذا ترك التقصير عمداً (2) فأحرم للحج بطلت عمرته و ينقلب حجَّه الى الافراد و الأحوط أن يأتي بعمرة مفردة بعده، كما ان الأحوط إعادة الحجة في السنة القادمة. و على ذلك فان قصّر قبل إكمال سعيه عالماً و عامداً لزمته كفارة إزالة الشعر على المحرم، أخذاً بإطلاق ما يدلّ عليها. (1) فان مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة مدلولها ترتب التقصير على الفراغ من السعي و أن تقديمه على السعي أو إكماله غير مجزي، و أما الإتيان فوراً و بلا فصل فلا دلالة لها على ذلك، بل مقتضى صحيحة الحلبي المتقدمة جواز التقصير بعد الرجوع الى الأهل و منزله بمكة أو أي مكان بها كما لا يخفى. (2) سواء كان تركه التقصير و إحرامه بالحج مع العلم أو مع جهله بان عليه ان يقصّر ثم يحرم للحج و في كلا الفرضين عمرة التمتع محكومة بالبطلان و انه تنقلب وظيفته الى حج الافراد فيكون عليه بعد الفراغ من اعمال الحج الإحرام بالعمرة المفردة، كما في غير هذا المورد من مورد انقلاب الوظيفة إلى حج الافراد، و ذلك منسوب الى المشهور خلافاً لابن إدريس حيث ذهب الى بطلان إحرام الحج فيجب عليه التقصير لبقاء إحرامه للعمرة ثم يحرم للحج ثانياً، و يتم حجّه بحج التمتع.

و يدلّ على ما عليه المشهور موثقة إسحاق بن عمار عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبّى بالحج قبل ان يقصّر، فليس له ان

يقصر، و ليس عليه متعة» «1» فان ظاهرها نفي التكليف بحج التمتع عنه مع صحة إحرامه بالحج، و إلا لم يكن في حقه بأس بأن يقصّر فنفي التكليف بحج التمتع

[ (المسألة السادسة) إذا ترك التقصير نسياناً فأحرم للحج صحت عمرته

(المسألة السادسة) إذا ترك التقصير نسياناً فأحرم للحج صحت عمرته (1) بان سقط عنه التقصير عنه بإحرامه للحج و الأحوط التكفير عنه بشاة. عنه مع الحكم بصحة إحرامه للحج مساوية للحكم بانقلاب وظيفته الى حج الافراد. و هذه الموثقة و إن كانت مطلقة تعم الناسي أيضاً الا انه يرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى الساهي و الناسي بالروايات الواردة في الناسي كما تأتي، و يدلّ ايضاً على انقلابه رواية العلاء بن الفضيل قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل ان يقصر، قال: بطلت متعته هي حجة مبتولة» «1» و لكن لضعف سنده تصلح للتأييد فقط.

و مما ذكر يظهر أن ما ذكره ابن إدريس و إن كان على مقتضى القاعدة الّا أنه يتعين رفع اليد عنها بالموثقة المؤيدة برواية العلاء، و لا يخفى أنه لو لم يكن ظاهر الموثقة نفي التكليف بالمتعة مطلقاً و لا أقل من كون نفيه في السنة القادمة مقتضى الإطلاق المقامي، حيث انه لو كانت اعادتها متعة واجبة عليه في السنة القادمة، كان اللازم التنبيه لذلك لارتكازيه وجوب الحج على كل مكلف يستطيع مرّة واحدة طول عمره. اللهم الا ان يقال لم يفرض في الرواية كون التمتع حجة الإسلام، لينعقد الإطلاق المقامي و تعين حج التمتع على من استطاع من أهل الخارج عن الحدّ، مقتضاه عدم سقوط الحج الواجب بذلك. (1) المتمتع إذا ترك التقصير بعد تمام السعي نسياناً و أحرم للحج، صحّ إحرامه للحج و سقط التقصير عنه،

و تمّت عمرته. بمعنى ان التقصير لا يكون جزءً من عمرة التمتع في هذا الحال على الأصح فيصح إحرامه للحج، و الأحوط التكفير عن ذلك بشاة. و يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أهلّ بالعمرة و نسى ان يقصّر حتى دخل في الحج، قال: يستغفر اللَّه و لا شي ء عليه

[ (المسألة السابعة) إذا قصّر المحرم في عمرة التمتع حلّ له جميع ما كان يحرم عليه من جهة إحرامه ما عدا الحلق

(المسألة السابعة) إذا قصّر المحرم في عمرة التمتع حلّ له جميع ما كان يحرم عليه من جهة إحرامه (1) ما عدا الحلق، و أما الحلق ففيه تفصيل، و هو ان المكلف إذا أتى بعمرة التمتع في شهر شوال جاز له الحلق الى مضيّ ثلاثين يوماً من يوم عيد الفطر، و أما بعده فالأحوط ان لا يحلق و إذا حلق فالأحوط التكفير عنه بشاة إذا كان عن علم و عمد. و قد تمت عمرته» «1» و في موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت: لأبي إبراهيم (عليه السّلام) «الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتى يهل بالحج، فقال: عليه دم يهريقه» «2» و لا يخفى ان ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار «يستغفر اللَّه و لا شي ء عليه» و إن يعدّ من قبيل المطلق، و ما ورد في الموثقة من قوله (عليه السّلام) «دم يهريقه من قبيل المقيد» و يمكن ان يدعى ان مقتضى القاعدة رفع اليد عن إطلاق نفي الشي ء بالإضافة إلى التكفير بشاة، كما هو منصرف إراقة الدم الا ان نفي الشي ء في مثل ارتكاب المحظورات عدم ثبوت الكفارة، و لذا حمل إراقة الدم في الموثقة على الاستحباب، و لكن الأحوط رعايته، و قد ذكرنا انه لو نسي التقصير حتى أحرم بالحج يحكم بتمامية عمرته و

صحة إحرام حجّه الذي إنشائه قبل التقصير نسياناً، و يظهر من بعض الكلمات ان التسالم انما وقع على صحة حج التمتع من الناسي لا ان إحرامه المفروض كونه قبل التقصير محكوم بالصحة، بل التسالم على ان الناسي ليس كالعامد حتى يصح عنه حج التمتع لبطلان عمرته، و على ذلك فاللازم ان يقصّر و بذلك تتم عمرته ثم يحرم للحج ثانياً لبطلان إحرامه الأوّل لوقوعه قبل التقصير، و لكن يخفى أنّ قوله (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار «و قد تمت عمرته» مع فرض الإحرام للحج لا يناسب تدارك التقصير و إعادة الإحرام. (1) مسائل التقصير من عمرة التمتع بلا خلاف فإن الإحلال من إحرام عمرة التمتع يكون بالتقصير، فيحل له

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 121

.......... جميع ما كان محرماً عليه بالإحرام لا بدخول الحرم كحرمة الصيد. و يدلُّ على ذلك غير واحد من الروايات كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتّع فقصّر من شعرك، الى ان قال: فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم، و أحرمت منه فطف بالبيت تطوعاً ما شئت» «1» و صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول «طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة، و يسعى بين الصفا و المروة، و يقصّر من شعره، فاذا فعل ذلك فقد أحلّ» «2».

ثم إنه من المحرمات على المحرم حلق الرأس فإذا قصّر المتمتع بعد إكمال سعيه من عمرة التمتع فمقتضى العموم و الإطلاق جوازه له بعد إحلاله كما عليه المشهور، و إن يستحب له توفير الشعر لإحرام حجّه، و المنسوب

الى بعض المحدثين عدم جوازه للمتمتع، كما أن المنقول عن بعض من قارب عصرنا الإشكال في جوازه، و يذكر في وجه الإشكال أو عدم الجواز ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة بعد قوله (عليه السّلام) «ثم قصّر رأسك في جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك، و قلم أظفارك و ابق منها لحجك» «3» و لكن لا يخفى ان ظاهرها الإبقاء من جميع ما ذكر للحجّ يعني للإحلال من إحرامه، و حيث ان الواجب في التقصير أمر واحد منها يكون مفادها استحباب الإبقاء لا لزومه.

نعم ورد في صحيحة جميل بن دراج انه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن متمتع حلق رأسه بمكة قال: ان كان جاهلًا فلا شي ء عليه، و إن تعمد في ذلك في أوّل شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي ء، و إن تعمّد ذلك بعد الثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج فان عليه دماً يهريقه» «4» و ظاهر هذه الصحيحة فرض الحلق بعد الإحلال من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 122

إذا أتى بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم بدا له ان يحج التمتع يجوز ان يجعلها عمرة التمتع (1) و يحرم من مكة، و لا يضر الإتيان بطواف النساء في عمرته كما لا يضر الحلق لو كان به إحلاله من العمرة المفردة. عمرة التمتع بالتقصير، و إلا لم يكن وجه للفرق بين ما بعد ثلاثين يوماً التي يوفّر فيها الشعر للحج و بين ما قبلها، و لا بين كون العمرة في أوّل شهور الحج أو في غيره، و على الجملة ظاهرها عدم جواز حلق الرأس بعد الفراغ من عمرة التمتع إذا أتى المكلف بالعمرة في

شهر شوال و قد مضي ثلاثون يوماً من عيد الفطر، فإنه إذا فعل ذلك فعليه شاة، بل لا يبعد ان يجري هذا الحكم على من أتى بعمرة التمتع في شهر ذي القعدة أو في ذي الحجّة و حلق رأسه بعد الإحلال من عمرة تمتعه، فالوارد في الرواية حكم الحلق بعد الإحلال من عمرة التمتع في مدّة توفير الشعر للحج إذا كان ذلك مع العلم و العمد، و أما إذا كان جاهلًا أو ناسياً فلا شي ء عليه. اللهم الا أن يقال إذا كان توفير الشعر من شهر ذي القعدة مستحباً، و لم تكن الوظيفة في الحج بعد رمي الجمرة و الذبح خصوص الحلق فالنهي عن الحلق راجع الى استحباب التوفير، و إن التكفير بشاة مستحب لمن كان عالماً بحكم التوفير، و لذا لم يلتزم الأصحاب بحرمة الحلق و لا لوجوب الكفارة. (1) جواز الإتيان بحج التمتع بالعدول عن العمرة المفردة إلى عمرة التمتع قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة من مسائل العمرة المفردة، و مقتضى إطلاق ما دلّ على انه ان بدا له الإتيان بحج التمتع يجعلها عمرة التمتع عدم الفرق بين ما كان البدء بعد الإحلال من العمرة المفردة بالحلق أو بالتقصير.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 123

قد تقدم ان واجبات الحج ثلاثة عشر ذكرناها و إليك تفصيلها الأوّل الإحرام (1) و أفضل أوقاته يوم التروية، و يجوز التقديم عليه بثلاثة أيام للصحيح، و بالإضافة الى الشيخ الكبير و المريض إذا خافا من الزحام، فيحرمان و يخرجان قبل خروج الناس و لو بأكثر من ثلاثة أيام، و تقدم جواز الخروج من مكة محرماً بالحج لضرورة بعد الفراغ من العمرة في أي

وقت كان. (1) واجبات الحج و الأوّل منها الإحرام للحج قد تقدم ان الإحرام لحج التمتع من مكّة أول واجب من واجبات حج التمتع بعد الفراغ من عمرته، و يقع الكلام في المقام في جهتين، الاولى في آخر وقت لإحرام حج التمتع بحيث لا يكون بعده الإحرام لحجّة، و الثانية في أول وقت يجوز فيه الإحرام له، اما الجهة الأولى فقد تعرضنا لها عند التكلم في آخر وقت يفوت مع التأخير إليه في عمرة التمتع، و ذكرنا أنه و إن اختلفت الروايات في آخر وقت إدراكها الا ان الاختلاف بينها محمول على ما كان في ذلك الزمان من اختلاف الناس في الوصول إلى عرفات، أو على فوت فصل الإحرام بحج التمتع و الخروج بعده الى عرفات من طريق منى، و كل ذلك بقرينة صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة» «1» و من الظاهر ان غاية ما يمكن في ذلك الزمان لمن أتم عمرته بمكة عند الزوال من يوم عرفة ان يدرك من الوقوف بعرفات مسمّاه قبل غروب الشمس، و لا يمكن في مثل عصرنا ايضاً لمن أتم عمرته عند الزوال ان يقف بعرفات بعد الزوال الى غروب الشمس.

اما الجهة الثانية فالمنسوب الى المشهور جواز الإحرام لحج التمتع من مكة بعد الفراغ من عمرة التمتع، حتى فيما إذا كانت عمرته في أوّل شهر شوال من أشهر الحج، و لكن الأفضل ان يؤخر الإحرام للحج بعد الفراغ من عمرة التمتع الى يوم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 124

.......... التروية بعد الزوال و الفراغ من فريضة الظهر، بل العصر ايضاً. كما

أن أفضل الأمكنة هو المسجد الحرام عند مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل، كما يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا كان يوم التروية ان شاء اللَّه فاغتسل ثم البس ثوبيك، و ادخل المسجد حافياً، و عليك السكينة و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام) أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصّل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحج و عليك السكينة و الوقار، فاذا انتهيت الى الرفضاء (الرقطاء) دون الردم فلبّ، فان انتهيت الى الردم و اشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى» «1» و الظاهر ان الركعتين تحية المسجد، و الأمر بالصلاة المكتوبة يعمّ صلاة العصر، ايضاً و ظاهرها كون الإحرام و الخروج يكونان يوم التروية. و قد تقدم ايضاً ان المعتمر بعمرة التمتع محتبس للحج لا يجوز خروجه من مكة فإن اقتضت الضرورة خروجه يحرم للحج من مكة و يخرج فان لم يرجع الى مكة يذهب من طريقه الى عرفات للوقوف بها. و يجوز ايضاً للشيخ الكبير أو المريض الذي يخاف من زحام الناس و تدافعهم؟ ان يحرم للحج من مكة و يخرج الى عرفات قبل يوم التروية و لو بأكثر من ثلاثة أيام، و أما الصحيح فالأظهر عدم جواز خروجه بأكثر من ثلاثة أيام لصحيحة إسحاق بن عمار أو موثقته عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: «سألته عن الرجل يكون شيخاً كبيراً أو مريضاً، يخاف ضغاط الناس و زحامهم، يحرم بالحج و يخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال: نعم قلت: يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكاناً و يتروّح بذلك

المكان؟ قال: لا قلت: يعجّل بيوم؟ قال: نعم قلت بيومين؟ قال: نعم، قلت: ثلاثة؟ قال: نعم، قلت: أكثر من ذلك؟ قال: لا» «2» و ظاهرها جواز خروج الشيخ و المريض الخائفين و لو بأكثر من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 125

.......... ثلاثة أيام قبل التروية، و إلا لم يكن للجواب عن خروجهما قبل التروية ب (نعم) و عن خروج الصحيح ب (لا) مع انه يجوز للصحيح ايضاً الخروج قبل التروية بثلاثة أيام، و هذا بالإضافة إلى الخروج من مكة. و أما ان الإحرام للحج لا يصحّ بعد إكمال عمرة التمتع و إن لم يخرج من مكة قبل يوم التروية بأكثر من ثلاثة أيام فلا دلالة للصحيحة على ذلك، و مقتضى الأخبار الواردة في بيان أشهر الحج جواز الإحرام له بعد الإحلال من عمرته، ثم ان ما ذكرنا من كون الأفضل الإحرام لحج التمتع يوم التروية بعد فريضة الظهر من مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل.

و بالنسبة الى الامام أي أمير الحاج فلا يبعد ان يكون الأفضل في حقّه الإحرام قبل الزوال حتى يصلي الظهر يوم التروية بمنى و إن يبيت بها الى طلوع الشمس فيكون صلاة ظهره و عصره و العشائين و الفجر بمنى، كما يشهد لذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: لا ينبغي للإمام ان يصلي الظهر من يوم التروية إلا بمنى، و يبيت بها الى طلوع الشمس» «1» و صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «ينبغي للإمام ان يصلي الظهر من يوم التروية بمنى و يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج» «2» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي

عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «على الامام ان يصلي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف، و يصلي الظهر يوم النفر في المسجد الحرام» «3» و في الصحيح سأل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه السّلام) هل صلى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) الظهر بمنى يوم التروية؟ قال: نعم و الغداة بمنى يوم عرفة» «4»، بل يظهر من صحيحة معاوية بن عمار «ان يصلى غير الامام الظهر يوم التروية بمنى ايضاً، بمعنى استحباب ذلك في حق غير الإمام أيضاً، فإنه روى في الصحيح قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا انتهيت إلى منى فقل و ذكر دعاءً، و قال: ثم

[مسائل الإحرام للحج
[ (المسألة الأولى) كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصير لا يجوز للحاج ان يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام أعمال الحج

(المسألة الأولى) كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصير (1) لا يجوز للحاج ان يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام أعمال الحج نعم لا مانع منه بعد إتمام النسك قبل طواف النساء.

[ (المسألة الثانية) يتضيق وقت الإحرام للحج فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة]

(المسألة الثانية) يتضيق وقت الإحرام للحج فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة. تصلى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر و الإمام يصلى بها الظهر لا يسعه الا ذلك، و موسع لك ان تصلي بغيرها ان لم تقدر ثم تدركهم بعرفات» الحديث «1» فان تعليق عدم الإتيان بصلاة الظهر بمنى على عدم القدرة يعطي أن الأفضل درك صلاة يوم التروية بمنى، و لا يبعد ان يقال بأن الإحرام بعد الإتيان بصلاة الظهر في المسجد الحرام في حجر إسماعيل أو عند المقام أفضل، و كذا الإحرام يوم التروية قبل الزوال من مكة و الخروج منها بحيث يدرك صلاة ظهر يومها بمنى، هذا في حق غير أمير الحاج و أما بالإضافة إليه فالأفضل هو الإحرام يوم التروية قبل الزوال و الخروج من مكة قبله، بحيث يدرك صلاة الظهر و يقيمها بمنى. (1) مسائل الإحرام للحج ينبغي التكلم في المسألة في جهتين، الاولى ان المتمتع إذا فرغ من عمرته، هل يجوز له الإتيان بعمرة مفردة قبل الحج بان يفصل بين عمرة التمتع التي فرغ منها و بين إحرامه للحج، الإحرام بعمرة مفردة أم لا؟ الثانية هل يجوز لمن أحرم للحج قبل الفراغ من مناسك الحج ان يحرم بالعمرة المفردة أم لا يجوز الا بعد إكمالها؟

[ (المسألة الثالثة) يتحد إحرام الحج و إحرام العمرة في كيفيته و واجباته و محرماته

(المسألة الثالثة) يتحد إحرام الحج و إحرام العمرة في كيفيته و واجباته و محرماته (1) و الاختلاف بينهما في النية. (1) إحرام حج التمتع و عمرة التمتع متحدتان في الكيفية يتحد الإحرام لحج التمتع مع الإحرام لعمرته بل الإحرام للعمرة سواء كانت مفردة أو تمتعاً يتحد مع الإحرام للحج سواء كان تمتعاً أو إفراداً، و إنما

الاختلاف بينها يكون بالنية و يمتاز حج القران عن غيره، فإن الإحرام له يكون بالتلبية و بالإشعار أو التقليد أيضاً، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا كان يوم التروية ان شاء اللَّه فاغتسل، ثم البس ثوبيك، و ادخل المسجد حافياً، إلى ان قال: فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج «1».

و يشترك حج التمتع و الإفراد و القران في ان الإحرام لأي منها لا يكون إلا في أشهر الحج، بخلاف عمرة التمتع و العمرة المفردة فان الإحرام للأولى لا يكون إلا في أشهر الحج، بخلاف العمرة المفردة فإنها يؤتى بها في أي الشهور من السنة. و لذا لو كان على غير الآفاقي استطاعة للعمرة دون الحج فله الإتيان بالعمرة في أي الشهور، بل لو كان مستطيعاً للحج ايضاً فله ان يأتي بالعمرة المفردة الواجبة عليه قبل أشهر الحج، فان لكل شهر عمرة، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في قول اللَّه عز و جّل الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ و الفرض: التلبية و الإشعار و التقليد، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج، و لا يفرض الحج إلا في هذه الشهور التي قال اللَّه عز و جل الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ و هو: شوال و ذو القعدة و ذو الحجة» «2» و في صحيحة ابن أذينة قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حجّ له، و من أحرم دون الوقت فلا إحرام له» «3» الى غير ذلك

[ (المسألة الرابعة) للمكلف ان يحرم للحج من مكة من أي موضع شاء]

(المسألة الرابعة) للمكلف ان يحرم للحج من مكة من أي

موضع شاء (1) و لكن الأحوط ان يحرم من مكة القديمة، و الأفضل الإحرام من المسجد الحرام في مقام إبراهيم و حجر إسماعيل و مع عدم الإحرام فيهما يحرم في أي موضع من المسجد. من الروايات الواردة في أشهر الحج، و اعتبار وقوع الإحرام له فيها و قد تقدم اعتبار وقوع إحرام عمرة التمتع في أشهر الحج. (1) وجوب الإحرام لحج التمتع من مكة لا خلاف بين الأصحاب في ان الإحرام لحج التمتع ميقاته مكة، و يدلّ على ذلك مضافاً الى التسالم جملة من الروايات، منها الروايات التي دلت على ان المتمتع محتبس بمكة للحج و إن دعته الحاجة الى الخروج يحرم من مكة للحج، ثم يخرج، كصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهلّ بالحج من مكة، و ما أحب ان يخرج منها الا محرماً» «1» و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قدم متمتعاً، ثم أحلّ قبل يوم التروية، إله الخروج؟ قال: لا يخرج حتى يحرم بالحج» «2» و غيرها و على الجملة الروايات التي يستفاد منها ان إحرام الحج ميقاته مكة كثيرة و ما ورد في صحيحة معاوية عمار «3» و غيرها انه «يحرم للحج يوم التروية من عند المقام و من حجر إسماعيل» يراد منها الأفضل كما تقدم.

لصحيحة أبي أحمد عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «أين أهل بالحج قال ان شئت من رحلك، و إن شئت من الكعبة، و إن شئت من الطريق» «4» و رواها الشيخ في الزيارات في فقه الحج بإسناده

عن محمد بن الحسين عن صفوان عن عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «و هو

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 131

.......... بمكة من أين أهل بالحج؟ فقال: ان شئت من رحلك و إن شئت من المسجد و إن شئت من الطريق» و موثقة يونس بن يعقوب قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «من أي المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال: من أي المسجد شئت» «1» و المتيقن من الطريق الوارد في الصحيحة و إن كان الطريق من داخل مكة كما أن المراد من أي المسجد أي موضع من المسجد الحرام، الّا أن الإطلاق في الأوّل بحيث يشمل الطريق من مكة إلى منى، و العموم في الثاني بحيث يعم المسجد الآخر من مكة غير بعيد. و على كل تقدير فالمتيقن من مكة مكة القديمة لا مكة في العصر الحاضر بحيث تتصل بيوتها الى منى يكون بعض بيوتها في أدنى الحل كالتنعيم، و الأحوط الاقتصار على مكة القديمة، حيث يظهر من بعض الروايات ان الاحكام المترتبة على مكة تترتب على القديمة منها، مثل صحيحة معاوية بن عمار الواردة في «قطع المتمتع التلبية إذا شاهد بيوت مكة» قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت الى بيوت مكة فاقطع التلبية، و حد بيوت مكة التي كانت قيل اليوم عقبة المدنيين، فان الناس قد أحدثوا ما لم يكن» الحديث «2» و صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) «أنه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال: إذا نظر الى عراش مكة عقبة ذي طوى قلت: بيوت مكة، قال: نعم» «3» و قد تقدم أن بين عقبة

إلى ذي طوى حدّ مكة في زمان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، نعم إذا شك في كون موضع من مكة القديمة أو من الجديدة فلا يبعد جواز الإحرام منه، كما إذا لم يتمكن المكلف من الإحرام من القديمة لا يبعد جواز إحرامه من حيث ما أمكن و لو أحرز أنه من الجديدة للإطلاق المشار إليه في الصحيحة و العلم بعدم سقوط التكليف بالحج بذلك على ما يستفاد من الاخبار الواردة فيمن ترك الميقات حيث يحرم مما يتمكن من الرجوع اليه من

[ (المسألة الخامسة) من ترك الإحرام نسياناً أو جهلًا منه بالحكم الى ان خرج من مكة ثم تذكر أو علم بالحكم

(المسألة الخامسة) من ترك الإحرام نسياناً أو جهلًا منه بالحكم الى ان خرج من مكة ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع الى مكة و لو من عرفات و الإحرام منها، فان لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت لعذر آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه، و كذلك لو تذكّر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات حيث يحرم من الموضع الذي فيه و إن كان متمكنّاً من العود إلى مكة و الإحرام منها، و لو لم يتذكّر و لم يعلم الى ان فرغ من الحج صحّ حجّه و لا شي ء عليه (1). جهة الميقات، و ما نذكره في المسألة الآتية، و اللَّه العالم. (1) مسائل الإحرام لحج التمتع لا ينبغي التأمل في أنه إذا ترك الإحرام من مكة نسياناً أو جهلًا منه بالحكم ثم تذكّر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع الى مكة و الإحرام منها و لو كان بعرفات مع تمكنه من ادراك الموقف أي ادراك الوقوف بعرفة قبل غروب الشمس يومها، و ذلك فإنه لا موجب لسقوط التكليف بالحج بأوّل اعماله عنه مع تمكنه بالإتيان به بتمام

اعماله، و ما يقال من ان مقتضى الإطلاق في صحيحة علي بن جعفر عدم لزوم العودة من عرفات إلى مكة حتى مع التمكن من العودة لا يمكن المساعدة عليه، فإنه روى عن أخيه (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج من مكة، فذكر و هو بعرفات، فما حاله قال: يقول اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تمّ إحرامه» «1» و الوجه في عدم المساعدة أن ظاهرها فرض خوف فوت الموقف فإن المسافة بين مكة و عرفات كانت في ذلك الزمان بأربعة فراسخ و العودة من عرفات إلى مكة و الإحرام منها و الرجوع منها الى عرفات ثانياً كان موجبه خوف فوت الوقوف بها، و إلا لم يكن وجه للسؤال. بل قوله (عليه السّلام) في الجواب يقول: «اللهم على كتابك و سنتك» ظاهره كونه بعد الزوال من يوم عرفة، حيث يقطع الحاج التلبية عنده و إلا أمره (عليه السّلام)

[ (المسألة السادسة) من ترك الإحرام عالماً عامداً لزمه التدارك

(المسألة السادسة) من ترك الإحرام عالماً عامداً لزمه التدارك، فان لم يتمكن منه قبل الوقوف بعرفات فسد حجّه (1) و لزمته الإعادة من قابل. بالتلبية و هو بعرفة و الاقتصار على قول ان عليه ما عن ربّه و سنة نبيه ممّا على المحرم لا تكون تلبية، و هي الإحرام حقيقة على ما تقدم. و قد ظهر مما ذكر أنه لو تذكر أو علم بعد ذلك كما إذا تذكر أو علم و هو بالمشعر الحرام يذكر ما ذكره (عليه السّلام) حيث انه من نية الإحرام من غير تلبية و لا يحتاج الى أن يعود إلى مكّة لأن الإحرام حقيقة قد فات عنه، و ما هو إحرامه تنزيلًا لم يقم دليل على اعتبار إيقاعه في مكة

ثم ان الصحيحة و إن كانت قاصرة بالنسبة إلى الجاهل الّا ان الناسي يُلحق بالجاهل في المقام لما ورد في صحيحته الأخرى عن أخيه (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل كان متمتعاً خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده؟ قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجّه» «1» فان ظاهرها ان ترك الإحرام بتاتاً لا يضر بحجّه فيثبت الحكم عند تركه في بعض أعماله أيضاً مع الجهل، و إذا كان الترك بالجهل بتاتا غير مضر بصحة الحج فمع النسيان يكون أولى، لأن الناسي وظيفته أخف من الجاهل في اعمال الحج. (1) الإحرام من الميقات جزء من الحج فان تركه و خرج من مكة عالماً عامداً فإن أمكنه الرجوع الى مكة و أحرم منها، فقد أتي بالجزء الواجب، و أما إذا لم يتداركه و لو لعدم إمكانه لفوت الوقوف الاختياري بعرفات فسد حجه بمقتضى القاعدة و الإحرام من غير مكة لا يفيد لقوله (عليه السّلام) «من أحرم دون الوقت فلا إحرام له» «2» و الالتزام بالاجزاء في صورة النسيان و الجهل، لما تقدم من قيام الدليل عليه فان قوله (عليه السّلام) «من أحرم دون الوقت فلا إحرام له» «3»، من قبيل المطلق و العام فيقيّد أو يخصّص بقيام الدليل على خلافه.

[ (المسألة السابعة) الأحوط ان لا يطوف المتمتع بعد إحرام الحج قبل الخروج الى عرفات طوافاً مندوباً]

(المسألة السابعة) الأحوط ان لا يطوف المتمتع (1) بعد إحرام الحج قبل الخروج الى عرفات طوافاً مندوباً فلو طاف جدّد التلبية بعد الطواف على الأحوط. (1) المراد ان لا يطوف بقصد الطواف المستحب النفسي و إلا فلا يجوز له تقديم طواف الحج على الوقوفين كما يأتي و النهي للإرشاد الى عدم المشروعية، و كأن الطواف بقصد الاستحباب النفسي

غير مشروع بعد إحرام الحج قبل الخروج الى عرفات، و يستدل على ذلك بصحيحة الحلبي قال: «سألته عن رجل أتي المسجد الحرام و قد أزمع بالحج أ يطوف بالبيت؟ قال: نعم ما لم يحرم» «1» و ظاهرها أن الإتيان بالطواف بقصد الاستحباب النفسي لا بأس به قبل عقد الإحرام للحج و أما بعد الإحرام فلا، و مما ذكر يعلم ان المحكي عن بعض الأصحاب ان من آداب الإحرام للحج تمتعاً الإتيان بطواف قبله ضعيف، غايته إن مدلول الصحيحة بيان مشروعية الطواف قبل عقد الإحرام و عدم مشروعيته بعد عقده، و بصحيحة حماد بن عيسى الواردة فيمن أراد الخروج من مكة بعد عمرته تمتعاً لحاجته الى الخروج، حيث ذكر أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق، خرج محرماً و دخل ملبياً للحج، فلا يزال على إحرامه فإن رجع الى مكة رجع محرماً و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على إحرامه» «2» فان الظاهر أن النهي عن قربه البيت كناية عن النهي بالإتيان بالطواف و لكن يعارضهما موثقة إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المتمتع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل ان يأتي منى؟ فقال نعم من كان هكذا يعجل و سألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خالياً فيطوف به قبل ان يخرج عليه؟ شي ء قال: لا» «1» فان ظاهر السؤال الثاني كونه عن الطواف المستحب بعد إحرام الحج و قبل الخروج الى عرفات فنفي الشي ء عليه

[القول في الوقوف بعرفات

اشارة

الثاني من واجبات حجّ التمتع الوقوف بعرفات بقصد القربة (1) و

المراد بالوقوف الحضور بعرفات من دون فرق بين كونه راكباً أو راجلًا ساكناً أو متحركاً. ظاهره المشروعية و مقتضى الجمع بين الطائفتين حمل الاولى منها على الكراهة المعروفة في العبادات، و يمكن حمل ما ورد في صحيحة حماد على النهي من الإتيان بطواف الحج قبل الخروج الى عرفات، و كيف ما كان فالأحوط الترك و كذا الأحوط على تقدير الإتيان بالطواف المندوب تكرار التلبية، فان تكرارها و إن لم يرد في خصوص المورد الا انه قد ورد في المفرد و القارن أنهما كلّما طافا بالبيت قبل الخروج الى عرفات سواء كان الطواف طواف حجّهما أو المندوب يلبيان. و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته «عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال: ما شاء و يجدد التلبية بعد الركعتين و القارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلّا من الطواف بالتلبية» «1» و قريب منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «2» و لا يبعد ان يكون الإتيان بالطواف المندوب في عمرة التمتع قبل التقصير كذلك و قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر، الى ان قال: فاذا فعلت فقد أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم فطف بالبيت تطوعاً ما شئت» «3» بل في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «لا يطوف المعتمر بالبيت بعد طوافه حتى يقصّر» «4». (1) الوقوف بعرفة المعتبر في الحج قد تقدم في بيان اعمال حج التمتع ان الواجب الثاني من واجباته الوقوف بعرفات، و حيث ان الوقوف بها جزء من الحج الواجب عبادة، فيعتبر ان

يقصد المكلف الإتيان به بقصد التقرب فلا يحصل إذا لم يكن قاصداً الوقوف بها أصلا أو لم يكن صادراً عنه بقصد التقرب، و المراد بالوقوف الكون و الحضور بعرفات يوم عرفة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 136

.......... بعد الزوال و قبل غروب الشمس من غير فرق بين ان يكون قائماً أو قاعداً أو راكباً أو راجلًا ساكناً أو متحركاً، حيث لم يعتبر الوقوف على الرجلين حتى يكون ظاهراً في اعتبار القيام كما لم يقيد بالسكون و عدم الحركة ليكون ظاهراً فيه، بل إطلاق الوقوف على المكث و الكون بعرفات لعدم جواز الخروج منها قبل ان تغرب الشمس كما يأتي.

و ذكروا كما تقدم اعتبار كونه بالقصد و الاختيار فلو كان نائما في جميع الوقت أو مغمى عليه فلا يتحقّق الوقوف المعتبر في الحج، و إن قيل في النائم حيث قصد جميع اعمال الحج عند ما كان يحرم، و منها الوقوف بعرفة و المشعر الحرام و مع عدم عدوله عن قصده يكون القصد الأوّل كافياً في صحة عمله نظير من يقصد صوم الغد في الليل و نام حتى قام من نومه بعد انقضاء النهار بل قصده بعد الخروج من مكة الذهاب الى عرفات لان يقف بها بعد زوال الشمس من يوم كاف في قصد الوقوف المعتبر بالمعنى المتقدم، كما هو الحال في قصد الصوم و نحوه، مما لا يكون الواجب عبادة عملًا يتوقف تحققه على القصد و إعمال الإرادة عند العمل كالصلاة، و الطواف، و السعي، و الرمي، الى غير ذلك.

و على أي تقدير إذا أدرك النائم في جميع الوقت و كذا المغمى عليه الوقوف الاضطراري فلا يبعد الحكم بالصحة إذا كان غلبة النوم أمراً

قهرياً كالإغماء، و دعوى أنه يمكن الالتزام في المغمى عليه بجواز النيابة عنه في الوقوف به نظير قصد الطواف به، و استظهاره من مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليه السّلام) «في مريض أغمي عليه فلم يفعل حتى أتى الموقف، فقال: يحرم عنه رجل» «1» و وجه الاستظهار ان لازم جواز جعله محرماً جواز جعله ايضاً واقفاً

[ (المسألة الأولى) حدّ عرفات من بطن عرفة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز و من المأزمين إلى أقصى الموقف

(المسألة الأولى) حدّ عرفات (1) من بطن عرفة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز و من المأزمين إلى أقصى الموقف، و هذه حدود عرفات و هي خارجة عن الموقف. بعرفة، و فيه ما لا يخفى من عدم وجه للملازمة حيث لم يفرض فيها استدامة الإغماء بل النيابة في الإحرام أيضاً لضعف الرواية محل اشكال فضلًا عنها في الوقوف بعرفة. (1) حدود عرفة المرجع في تعيين الحدود المذكورة و معرفتها أهل الخبرة القاطنين في تلك الأطراف، و كذا الحال في معرفة المشعر و سائر المواضع على ما تقدم في بحث المواقيت للإحرام، و مع الشك في بعض الحدود فيها يجب الاقتصار على القدر المتيقن لقاعدة الاشتغال و إن كان لجريان أصالة البراءة مجال الا أنها على خلاف الاحتياط المراعى في مسائل الحج، و ظاهر الروايات الواردة في بيان حدود عرفة بأسماء الأمكنة ان تلك الحدود خارجة عن عرفة فلا يجوز الوقوف بها، حيث روى معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «فاذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فاذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر و العصر بأذان واحد» الحديث «1» فان ظاهرها خروج نمرة عن عرفة، و صحيحة أبي

بصير قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «ان أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت الأراك لا حج لهم» «2» و الأراك على ما ذكروا اسم موضع بعرفة من ناحية الشام قرب نمرة، و كأنه ايضاً من حدود عرفة خارج عن الموقف. و في صحيحة معاوية بن عمار «و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز» «3» و في صحيحة أبي بصير قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «حدّ عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف» «4» و ظاهرها أن المأزمين من حدود عرفة من ناحية المشعر و خارجة منها كالحدود المتقدمة في الروايات السابقة، و في رواية سماعة بن

[ (المسألة الثانية) الظاهر ان الجبل موقف

(المسألة الثانية) الظاهر ان الجبل موقف (1)، و لكن يكره الوقوف عليه و يستحب الوقوف في السفح من ميسرة الجبل. مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «اتّق الأراك و نمرة و هي بطن عرنة و ثوية و ذي المجاز فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه» «1». و على الجملة ظاهر الروايات ان ما ورد فيها من نمرة و ثوبه و بطن عرنة و ذي المجاز و الأراك و المأزمين كلها خارجة عن عرفة فلا يجزي الوقوف بها. (1) لما روى الشيخ (قدّس سرّه) في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) «عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض. قال: على الأرض» «2» و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «قف في ميسرة الجبل فان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقف بعرفات في ميسرة الجبل» الحديث «3» و مقتضى ما رواه إسحاق بن عمار

كون فوق الجبل ايضاً موقف، كما ان مقتضى صحيحة معاوية بن عمار و نحوها كون سفح الجبل أي أسفله من ميسرته أفضل للوقوف، و لكن فيما رواه سماعة ما يدلّ على عدم جواز الوقوف بالجبل حال الاختيار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا أكثر الناس بمنى و ضاقت عليهم كيف يصنعون فقال: يرتفعون إلى وادي محسّر، قلت: و إذا كثروا في الجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون إلى المأزمين. قلت: فاذا كانوا بالموقف و كثروا و ضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الى الجبل وقف في ميسرة الجبل» «4» و في مرسلة الصدوق عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المحتمل جدّاً كونها من رواية معاوية بن عمار أو أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «حد عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة و ذي المجاز و خلف الجبل موقف الى ما وراء الجبل و ليست عرفات من الحرم» «5» فان ظاهر الاولى أن حال الجبل حال وادي محسّر بالإضافة إلى إعمال منى و بالإضافة إلى

[ (المسألة الثالثة) يعتبر في الوقوف ان يكون عن اختيار]

(المسألة الثالثة) يعتبر في الوقوف ان يكون عن اختيار (1) فلو نام أو غشي عليه هناك في جميع الوقت لم يتحقق منه الوقوف.

[ (المسألة الرابعة) الأحوط للمختار ان يقف في عرفات من أوّل ظهر التاسع من ذي الحجة إلى الغروب

(المسألة الرابعة) الأحوط للمختار ان يقف في عرفات من أوّل ظهر التاسع من ذي الحجة إلى الغروب (2) و الأظهر جواز تأخيره بساعة تقريباً و الوقوف في تمام هذا المأزمين في الوقوف بالمشعر و يأتي ان وادي محسّر خارج عن منى كما أن المأزمين خارج عن المشعر الحرام، و ظاهر الثانية ان الداخل في الموقف خلف الجبل لا نفس وقوفه و لذا قد يقال المراد من خلف الجبل أسفله، و سفحه من خلفه الى ما وراء أسفله و في مرسلة الصدوق سُئل الصادق (عليه السّلام) «ما اسم جبل عرفة الذي يقف عليه الناس فقال: الآل» «1» و لكن في سند الأولى كالثانية مناقشة لوقوع محمد بن سماعة في سند الاولى، و إن وصفوها بالموثقة و لم يثبت كون الثانية من رواية معاوية بن أبي بصير أو هما معاً، بل في دلالة الأولى أيضاً مناقشة لأنه يمكن الالتزام بكون الجبل من عرفة و لكن الوقوف بها مكروه إلا إذا ضاقت عرفة. (1) في الزمان المعتبر في الوقوف الواجب قد تقدم الكلام في اعتبار الاختيار و الإرادة حال الوقوف الذي هو ركن في بيان ان الواجب الثاني الوقوف بعرفة بقصد التقرب، و ذكرنا انه على تقدير الاعتبار يكون المكلف ممن لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفة، فيكون عليه الوقوف الاضطراري. (2) في تحديد زمان الوقوف بعرفة يقع الكلام في المقام في تحديد الزمان من يوم عرفة الذي يجب الوقوف به و المنسوب الى المشهور أن مبدأ ذلك الزمان زوال الشمس يوم عرفة،

التهذيب في مناسك العمرة

و الحج، ج 3، ص: 140

الوقت و إن كان واجباً يأثم بتركه الا انه ليس من الأركان بمعنى أن من ترك الوقوف في و استفادة كون المبدء ذلك بان يجب على المكلف الوقوف به من أوّل الزمان مشكل جدّاً، فإنه يستفاد من بعض الاخبار المعتبرة أن للمكلف ان يفرغ من صلاتي الظهر و العصر ثم النهوض الى الموقف بالدخول بعرفة كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) التي وردت في بيان حج النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حيث ورد فيها حتى انتهوا إلى نمرة و هي بطن عرنة بحيال الأراك، فضربت قبته و ضرب الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم حتى صلى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته» الحديث «1» حيث ان ظاهرها أن خطاب رسول اللَّه الناس وقع في مسجد نمرة المعروف مسجد إبراهيم، كما انه صلى فيه صلاتي الظهر و العصر قبل الوصول إلى الموقف و وضع القبة في نمرة، و اغتساله (صلّى اللَّه عليه و آله) و أصحابه بعد الزوال ثم وعظه و صلاته يكون بساعة بل أكثر منها بعد الزوال، و احتمال كون صلاته في نفس عرفة و كذا وعظه قبل الصلاة لاحتمال كون المراد من المسجد غير مسجد نمرة خلاف ظاهرها، و نحوها صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها «فاذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة، و نمرة هي بطن

عرنة دون الموقف و دون عرفة فاذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين» «2» و ظاهرها ايضاً وقوع الاغتسال بعد الزوال و الصلاتين خارج عرفة، و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك فأما النزول تحته حتى تزول الشمس و ينهض الى الموقف فلا بأس» «1» و لا يبعد ان يستفاد من هذه الاخبار ان الاغتسال بعد الزوال و صلاة الظهر بالجمع بينهما بعد الزوال اولى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 141

مقدار من هذا الوقت لا يفسد حجة، نعم لو ترك الوقوف رأساً باختياره فسد حجه (1)، فما هو الركن من الوقوف هو الوقوف في الجملة.

[ (المسألة الخامسة) من لم يدرك الوقوف الاختياري، (الوقوف في النهار) لنسيان أو جهل أو لغيرهما من الاعذار]

(المسألة الخامسة) من لم يدرك الوقوف الاختياري، (الوقوف في النهار) لنسيان أو جهل أو لغيرهما من الاعذار لزمه الوقوف الاضطراري (2). (الوقوف برهة من ليلة العيد) لا لمجرد التأسي بالنبي (صلّى اللَّه عليه و آله) بل للأمر بذلك، كما هو ظاهر الصحيحة الثانية. اللهم الا ان يقال يمكن ان يلتزم بذلك في حق من أراد الاغتسال للوقوف بعرفة، و أما في حق غيره لم يثبت، فإن رواية أبي بصير في سندها علي بن الصلت لم يثبت له توثيق، و على ذلك فالأحوط لغيره الوقوف بعرفة من عند الزوال، هذا كله من حيث المبدء. و أما من حيث المنتهي فلا خلاف في عدم جواز الخروج منها قبل ان تغيب الشمس، كما يدلّ على ذلك جملة من الروايات كصحيحة يونس بن يعقوب قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «متى الإفاضة من عرفات قال إذا ذهب الحمرة يعني من الجانب الشرقي»

«1» و صحيحة معاوية بن عمار قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «ان المشركين كانوا يفيضون قبل ان تغيب الشمس فخالفهم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أفاض بعد غروب الشمس» «2» و لا تنافي بينهما فان غروب الشمس يلازم ذهاب الحمرة من الأفق الشرقي بمعنى مطلع الشمس، و كالروايات الدالة على ان «من أفاض من عرفة قبل ان تغيب الشمس، فان كان جاهلًا فلا شي ء عليه، و إن كان متعمداً فعليه بدنة» «3». (1) فإنه يستفاد من هذه الروايات ان الذي هو ركن في الحج مسمى الوقوف قبل غروب الشمس، فان الخارج عنه قبله و لو عمداً حجّه محكوم بالصحة، كما يستفاد منها عدم جواز الخروج كما هو ظاهر ثبوت الكفارة للعالم المتعمّد في مثل المقام. (2) و ذلك فإنه مقتضى جزئية الوقوف بعرفة للحج، غاية الأمر رفعنا اليد عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 142

و صحّ حجّه فان تركه متعمداً فسد حجّه. ذلك بالإضافة الى من وقف قبل غروب الشمس مقداراً ما، للروايات المتقدمة «الواردة فيمن أفاض من عرفات قبل ان تغرب الشمس و انه مع الخروج جهلًا لا شي ء عليه و مع العمد و العلم فعليه بدنة» فان ظاهرها صحة حجّه من جهة الوقوف بعرفة على كلا التقديرين و لا أقل من كون صحته من هذه الجهة مقتضى الإطلاق المقامي في تلك الروايات، و يدلُّ على ذلك ايضاً ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال: رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) «في الموقف ارتفعوا عن بطن عرفة و قال: ان أصحاب الأراك لا حج لهم» «1»

و لو لم يكن ترك الوقوف بعرفة موجباً لبطلان الحج لكان المتعين ان يقول لا وقوف لهم، فنفى الحج غير نفي الوقوف، و ما في مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنة» «2» لا يمكن الاعتماد عليها لإرسالها و معارضتها بمثل صحيحة الحلبي و غيرها، بل لا دلالة لها على عدم كون الوقوف بعرفة جزءً واجباً لاحتمال ان يكون المراد من السنة ما استفيد وجوبه و جزئيته من السنة لا من الكتاب العزيز، بخلاف وجوب الوقوف بالمشعر فإنه يستفاد من قوله سبحانه «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ» ذكر ذلك الشيخ (قدّس سرّه) و غيره، و لكن القول بعدم دلالة الآية على وجوب الوقوف بعرفة كما ترى لعدم كون عرفات في طريق الوصول الى المشعر كمنى لئلا تدل الإضافة منها على كونها موقفاً.

و يشهد لذلك عدة من الروايات منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «في رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: انه يأتي عرفات فيقف فيها قليلًا ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ انه يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تمّ حجّه» «3» و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام)

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 143

.......... «عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي، عرفات و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات

فليقف بالمشعر الحرام، فان اللَّه أعذر لعبده فقد تمّ حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل ان يفيض الناس. فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» «1» و دلالتها على بطلان الحج فيما إذا ترك الوقوف الاختياري بعرفة عن عذر و ترك وقوفه الاضطراري ليلة العيد عمداً مع تمكنه من إدراكه و إدراك المشعر الحرام بعده تامّة، حيث انّ ظاهر عدم تمام حجة إلّا بالإتيان بعرفات بطلانه بدونه، و صحيحة معاوية بن عمار الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) في سفر فاذا شيخ كبير فقال: يا رسول اللَّه! ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال: له: ان ظنّ انه يأتي عرفات فيقف قليلًا ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن انه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجّه» «2» و دلالة هذه الأخيرة ايضاً على وجوب الإتيان باضطراري من وقوف عرفة مع التمكن تامة، كما انها تدلّ كسابقتها على انه إذا لم يتمكن من الوقوف الاضطراري ايضاً، و لكن أتي بالوقوف الاختياري من المشعر الحرام قبل طلوع الشمس يصّح حجه.

ثم يقع الكلام في العذر الموجب لانتقال الوظيفة إلى الوقوف الاضطراري و لا ينبغي التأمل في ان ضيق الوقت من الوصول الى عرفة الموجب لفوت الموقف الاختياري أو حتى الوقوف الاضطراري منه، حيث يكتفي معه بالوقوف بالمشعر عن عذر، بل هذا هو المتيقن من مدلول الروايات المتقدمة. و أما العذر الناشي عن نسيان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 144

.......... وجوب الوقوف

بعرفة أو نسيان موضع عرفة أو الجهل بالحكم أو موضعها فهل يوجب ترك الوقوف الاختياري بذلك الانتقال إلى الاضطراري أو حتى الاكتفاء بالوقوف بالمشعر مع استمرار النسيان أو الجهل، فقد يقال بأنهما ايضاً عذر، نعم يقيد الجهل بما إذا لم يكن الجاهل مقصراً أو كان، و لكن تقصيره في أصل ترك تعلم الأحكام الشرعية، بحيث كان غافلًا حال العمل لعموم قوله (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار «من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج» و يشكل على ذلك بان قوله (عليه السّلام) بعمومه يشمل العالم ايضاً نظير قوله (عليه السّلام) «من أدرك ركعة من الغداة فقد أدركها» و لكن لا يخفى ما في الاشكال فإن العالم العامد في ترك الوقوف بعرفة محكوم بفساد حجّه، كما يدلّ على ذلك قوله (عليه السّلام) في صحيحة الحلبي حيث علق (عليه السّلام) «تمامية حج من لم يتمكن من الوقوف الاختياري بعرفة و عدم خوفه من فوت المشعر على إدراكه الوقوف الاضطراري بعرفة» بل قد يشكل في معذورية الجاهل و شمول الروايات للجاهل لقولهم (عليهم السّلام) «ان أصحاب الأراك الذي يقفون فيه لا حج لهم» «1» حيث ان فوت الوقوف بعرفة عنهم لجهلهم بموضع الوقوف و أن الأراك ليس من عرفة، و المفروض أنهم يقفون بالمشعر الحرام بالوقوف الاختياري و تركهم الوقوف الاضطراري بعرفة ايضاً، لجهلهم بفوت الوقوف الاختياري بعرفة، و لكن يمكن الجواب بان الامام (عليه السّلام) نقل الحكم المفروض عن قول النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و يمكن ان يقيّد نفي الحج عنهم في قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) «بما إذا لم يكونوا معذورين» و عن صاحب الحدائق (قدّس سرّه) «ان الرواية

المتقدمة لا تشمل الناسي أيضاً»، حيث ان النسيان منشأه الشيطان فكون اللَّه أعذر لعبده، كما ورد في صحيحة الحلبي «لا يعمّه»، و فيه ان المكلف إذا كان بحيث لو التفت الى الوظيفة الشرعية لتصدي لموافقتها و لكن لم يكن ملتفتاً إليها لنسيانه

[ (المسألة السادسة) تحرم الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالماً عامداً]

(المسألة السادسة) تحرم الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالماً عامداً (1)، لكنها لا تفسد الحج فاذا ندم و رجع الى عرفات فلا شي ء عليه، و إلا كانت عليه كفارة بدنة ينحرها في منى، و إن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوماً حتى في سفره، و الأحوط ان تكون متواليات، و يجري هذا الحكم فيمن أفاض من عرفات جهلًا بالحكم أو نسياناً فيجب عليه الرجوع بعد العلم و التذكر فان لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الأحوط. لكان معذوراً من اللَّه، و لو كان منشأ غفلته و نسيانه فعل الشيطان، كما إذا منعه العدو عن الوصول بعرفة قبل الغروب، فان كون منشا الترك هو العدو لا ينافي المعذورية عند اللَّه. و على الجملة إذا لم يدرك المكلف الوقوف الاختياري بعرفة لعذر لزمه الوقوف الاضطراري أي الوقوف برهة من ليلة العيد بان يحصل مسمّى الوقوف، و إن ترك الاضطراري أيضاً من غير عذر بطل حجه، و إن كان مع العذر ايضاً ينتقل وظيفته الى الوقوف بالمشعر خاصة، و معه يصح حجّه كما يأتي. (1) من أفاض من عرفات قبل الغروب فان كان مع العلم و العمد فعليه بدنة ينحرها بمنى كما في سائر الكفارات الواجبة في الحج، بل في صحيحة ضريس الكناسي عليه بدنة ينحرها يوم النحر و ظاهر تعين نحرها في يوم العيد و إن لم يتمكن من نحرها صام ثمانية عشر

يوماً في سفره أو بعد رجوعه إلى أهله، هذا فيما إذا لم يرجع قبل الغروب ثانياً إلى منى حتى يفيض بعد الغروب و إلا فلا شي ء عليه أي لا تجب الكفارة، نعم إذا خرج جهلًا بالحكم أو نسياناً و علم أو تذكر قبل ان تغيب الشمس بحيث كان يمكنه الرجوع الى عرفة و الخروج بعد الغروب و لم يرجع فعليه أيضاً الكفارة و إن لم يمكن الرجوع كذلك فلا شي ء عليه، و يدلّ على ذلك صحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال: ان كان جاهلًا فلا شي ء عليه و إن كان متعمداً فعليه بدنة» «1»

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 146

.......... و صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر و إن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطريق أو في أهله» «2» و قد تقدم في الوقوف الواجب عدم جواز الخروج من عرفات قبل غروب الشمس، و مقتضاه انه إذا خرج فعليه الرجوع حتى يمكث الى غروب الشمس فان رجع فلا كفارة عليه، لان ظاهر الصحيحتين ان الكفارة على من خرج قبل غروب الشمس بان يكون عند غروبها خارج عرفة، و أن عدم الكفارة على الجاهل فيما كان وجوده عند الغروب خارج عرفة لجهله، فلا يعم ما إذا علم الحكم بعده في وقت يمكنه الرجوع الى عرفة ليقف فيها و يخرج بعد الغروب.

ثم ان المنفي عنه الكفارة في مصححة مسمع بن عبد الملك هو «من أفاض من عرفات قبل

الغروب جهلًا» فقد يقال ان الجاهل لا يعمّ الناسي، فمقتضى الإطلاق في صحيحة ضريس ثبوتها على الناسي، و لكن لا يخفى ان مقابلة الجاهل مع المتعمد تقتضي ان يكون المراد من المتعمد العامد العالم، فالناسي خارج عن المتعمد و داخل في الجاهل، حيث ان الناسي حال نسيانه جاهل أي غير عامد. بقي في المقام أمر و هو انه لا يعتبر في صيام ثمانية عشر يوماً التتابع، بل يجوز ان يكون مجموع الصيام ثمانية عشر يوماً و إن كان الأحوط التتابع، و ذلك فان تحديد الشي ء الواحد المستمر بالأيام و إن يقتضي التوالي و التتابع كتحديد الإقامة في السفر بعشرة أيام، و الاعتكاف بثلاثة أيام، و الحيض و الطهر بعشرة أيام، لكن تحديد الشي ء الواحد عنواناً و المتعددة خارجاً إذا حدّد بالأيام و نحوها يقتضي التوالي و التتابع و تحديد الصوم بثمانية عشر يوماً من قبيل الثاني لا الأوّل لأن صوم كل يوم عمل مستقل

[ (المسألة السابعة) إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة، و حكم على طبقه و لم يثبت عند الشيعة]

(المسألة السابعة) إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة، و حكم على طبقه و لم يثبت عند الشيعة، ففيه صورتان: الاولى: ما إذا احتملت مطابقة الحكم للواقع، فعندئذ وجبت متابعتهم و ترتبت جميع آثار ثبوت الهلال الراجعة إلى مناسك حجّه، من الوقوف و أعمال منى يوم النحر و غيرها، و يجرى هذا في الحج على الأظهر و من خالف ما تقتضيه التقية بتسويل نفسه ان الاحتياط في مخالفتهم بان اقتصر بالوقوف في الغد ارتكب أمراً غير جائز و يفسد وقوفه (1). و الحاصل انه تجب متابعة الحاكم السني و يصّح معها الحج، و الاحتياط بالمعنى المتقدم غير مشروع و لا سيّما إذا كان فيه خوف تلف النفس و نحوه كما قد

يتفق ذلك. فلا يعتبر في الأمر بصيام عشرة أيام أو أقل أو أكثر التتابع، الا مع قيام دليل على اعتباره مطلقاً. كما في صوم ثلاثة أيام في كفارة اليمين، أو بين بعض أيامه كما في كفارة إفطار شهر رمضان من وجوب صوم شهرين، و في المقام لم يقم دليل على اعتبار التوالي في صوم ثمانية عشر يوماً بل مقتضى صحيحة عبد اللَّه بن سنان الواردة في صوم الكفارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) اعتباره قال: «كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين» «1». (1) في ثبوت هلال ذي الحجة بحكم قضاه العامة إذا ثبت هلال ذي الحجة عند العامّة بحكم قضاتهم فمع احتمال المطابقة للواقع يجب متابعتهم في الوقوف، و يجزي ذلك على الأظهر و ذلك فان حكم قاضيهم طريق شرعي إلى دخول الشهر و إحرازه لليوم التاسع، حيث ان اختلاط العامة و الخاصة في الوقوفين و أفعال منى لم يحدث اليوم بل كان مستمراً من زمان الأئمة (عليهم السّلام) و كانوا يقفون معهم بعرفة و المزدلفة و لم ينقل عنهم سلام اللَّه عليهم ردعهم عن ذلك أو أمرهم بالاحتياط بالوقوفين الاضطراريين، و مما ذكر يظهر ان عدم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 148

الثانية: ما إذا فرض العلم بالخلاف: و إن اليوم الذي حكم القاضي بأنه يوم عرفة هو يوم التروية واقعاً، ففي هذه الصورة لا يجزي الوقوف معهم فان تمكن المكلف من العمل بالوظيفة و الحال هذه و لو بأن يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة دون ان يترتب عليه أي محذور، و لو كان المحذور مخالفة التقية عمل بوظيفته، و إلا بدّل حجّة بالعمرة المفردة، و لا حجّ

له، فان كانت استطاعته من السنة الحاضرة و لم تبق بعدها، سقط عنه وجوب الحج إلا إذا طرأت عليه الاستطاعة من جديد، و يمكن ان يحتال في هذه الصورة بالرجوع إلى مكّة من منى يوم عيدهم ثم يرجع بطريق عرفات و المشعر إلى منى، بحيث يدرك قبل الغروب الوقوف بعرفة آناً ما، و لو في حال الحركة ثم يدرك المشعر بعد دخول الليل كذلك زماناً ما ليلًا ثم ينتقل إلى منى.

[الثالث: من واجبات الحج تمتعاً الوقوف بالمزدلفة]

اشارة

الثالث: من واجبات الحج تمتعاً الوقوف بالمزدلفة (1)، و المزدلفة اسم لمكان يقال له المشعر الحرام، و حدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر، و هذه كلّها أجزاء الاضطراري في مورد حكم قضاتهم مع عدم العلم بالخلاف من التعمد الى ترك الوقوف الاختياري كما هو مقتضى الطريق المعتبر، هذا هو الحكم في الصورة الأولى و أما في الصورة الثانية فلا يعتبر حكم قاضيهم طريقاً فإنه لا يعتبر طريق مع العلم بكونه مخالفاً للواقع فيتعين في الفرض الوقوف الاضطراري إذا أمكن للمكلف و إلا سقط عنه وجوب الحج و تبدّلت وظيفته إلى العمرة المفردة، و ما ذكرنا من الاحتيال للإتيان بالحج الصحيح في هذه الصورة أمر ممكن في زماننا هذا تصل النوبة إلى إتمام عمله بالعمرة و اللَّه سبحانه هو العالم. (1) الوقوف في المزدلفة تطابق النص و الفتوى بان الواجب على الحاج بعد الوقوف بعرفة و الإفاضة منها الذهاب إلى المزدلفة، و يقال له المشعر الحرام للوقوف بها، و حدّ المشعر الحرام

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 149

حدود المشعر و ليست بموقف الّا عند الزحام و ضيق الوقت، فيرتفعون إلى المأزمين، و يعتبر فيه قصد القربة. من طرف عرفة

المأزمين، و من طرف منى وادي محسّر، كما يستفاد من عدّة روايات منها، صحيحة معاوية بن عمار قال: «حد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر، و إنما سميت المزدلفة لأنهم ازدلفوا إليها من عرفات» «1» و صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) انه قال: للحكم بن «عتيبة ما حدّ المزدلفة فسكت فقال: أبو جعفر (عليه السّلام) حدّها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسّر» «2» و الحياض كوادي محسّر حدّ خارج عن المشعر من جهة منى، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة» «3» و منها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «حدّ المزدلفة من وادي محسّر إلى المأزمين» «4» و موثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: «سألته عن حدّ جمع قال: ما بين المأزمين إلى وادي محسّر» «5». و على الجملة جميع المأزمين كجميع وادي محسّر، و منها الحياض خارجة عن المشعر الحرام، و إنما الموقف ما بينهما نظير ما تقدم في حدود عرفة، نعم هذا مع التمكن من الوقوف في ما بينهما و أما مع عدمه للزحام و ضيق الموقف أي نفس المحدود فيكفي الوقوف إلى المأزمين، كما يدل على ذلك موثقة سماعة قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «إذا أكثر الناس بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين» «6» و التعبير بالارتفاع يشير إلى رعاية ما أمكن من رعاية القرب الى نفس الحدود. و ما رواه الشيخ (قدّس سرّه) في الصحيح عن البزنطي عن محمد بن سماعة عن سماعة قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام)

«إذا كثر الناس بمنى و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسّر قلت: فاذا كثروا بجمع و ضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين قلت: فاذا كانوا

[ (المسألة الأولى) إذا أفاض الحاج من عرفات

(المسألة الأولى) إذا أفاض الحاج من عرفات، فالأحوط أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة (1) و إن لم يثبت وجوبها. بالموقف و كثروا و ضاق عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون الى الجبل» «1» و لا يخفى أن المراد بالجبل في هذه الرواية جبل عرفة الذي سفحه يعني أسفله موقف. و ظاهر الرواية أنه عند الزحام في الموقف أي عرفات و ضيقها على الناس يكفي الوقوف في الجبل، و ما في بعض الكلمات من أنه إذا ضاق الأمر في المشعر يرتفع إلى المأزمين و الجبل سهو، فان الارتفاع الى الجبل عند ما ضاق على الناس في المزدلفة لم يرد في نصّ بل الوارد الارتفاع إلى المأزمين و الارتفاع الى الجبل في هذه الرواية راجع الى الزحام الموجب للضيق في جبل عرفة، نعم الجبل حدّ آخر للمشعر قد ورد في صحيحة زرارة المتقدمة، و لكن كما ذكرنا لم يذكر الارتفاع اليه عند الزحام لا في صحيحة زرارة و لا في غيرها، ثم انه قد يقال كيف يكفي الوقوف في المأزمين عن الوقوف بالمشعر الحرام فإن المأزمين خارج عن المشعر و الوقوف بالمشعر ركن في الحج، و لكن لا يخفى ما فيها فان الوقوف في المأزمين عند عدم التمكن من الوقوف في نفس المزدلفة يحسب بدلًا عن الوقوف في نفس المشعر، فلا يكون معه الوقوف المعتبر في الحج متروكاً و إن شئت قلت يكون الموقف أوسع عند الزحام و صعوبة الوصول الى نفس المشعر. (1) المشهور بين الأصحاب

ان زمان الوقوف الواجب ليلة النحر من طلوع الفجر الى طلوع الشمس، و عن الشهيد في الدروس و جماعة ان زمان الوقوف الواجب ليلة العيد الى طلوع الشمس، و يأتي في المسألة الاتية بيان ما تقتضيه الروايات الواردة في المقام، و يقع الكلام في هذه المسألة في أنه بناءً على ما هو المشهور من وقت الوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس هل يجب المبيت ليلة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 151

.......... المزدلفة فيها، بمعنى انه إذا أفاض من عرفات عليه ان يدخل المزدلفة و لا يخرج منها و إن رجع قبل طلوع الفجر إليها ليقف بها، و بهذا يظهر انه لا يمكن الاستدلال على وجوب المبيت بالروايات التي ورد فيها الترخيص للنساء و الصبيان و الضعفاء و الخائفين ان يفيضوا من المشعر الحرام ليلًا بعد الوقوف بها في الجملة، و الوجه في ذلك أن مدلول روايات الترخيص جواز الإفاضة لهؤلاء الأشخاص ليقوموا بالليل باعمال منى و الإفاضة لا يجوز لغير هؤلاء إنما الكلام في وجوب المبيت في المزدلفة ليلًا في صورة وجوب وقوفه بها من طلوع الفجر الى طلوع الشمس أو الى القريب من طلوعها. نعم يستدل على وجوب المبيت بروايات منها صحيحة الحلبي التي رواها الكليني (قدّس سرّه) عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، حيث ورد فيها على ما في الوسائل «و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة» «1» و وجه الاستدلال ان حياض وادي محسّر خارجة عن المزدلفة حيث تقدم انها حدّ خارج منها و النهي عن تجاوزها ظاهره عدم جواز الخروج من المزدلفة ليلًا، و لكن في الكافي «و لا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة» و ملاحظة صدرها يمنع عن ظهوره

في المنع بنحو اللزوم قال: (عليه السّلام) «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً، و تصلّي بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين، و أنزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر. و يستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام و يطأه برجله و لا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة، و يقول اللهم هذه جمع» الحديث «2» فإنه لو لم يكن ظاهرها كون لا يجاوز عطفاً على الوقوف بالمشعر الحرام و وطأه برجله بان يكون البقاء في المشعر الحرام ليلًا مستحباً فلا أقل من احتمال ذلك.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 152

.......... هل المبيت في المزدلفة واجب ليلة أم لا و المشعر الحرام و إن يطلق و يراد منه المزدلفة بحدودها المتقدمة، الا انه قد يطلق و يراد منه الجبل المسمى بقزح. و قد فسّر في بعض الكلام بقرب المنارة فيكون المراد قرب المسجد الموجود فعلًا، و المراد من المشعر الحرام في الموضعين في الصحيحة المعنى الثاني، بقرينة الأمر بالنزول ببطن الوادي قريباً من المشعر الحرام، حيث ان الوادي بنفسه المزدلفة، فيكون النزول فيه نزولًا بالمشعر الحرام بالمعنى الأوّل لا قريباً منه.

و من الروايات التي يستدل بها على لزوم المبيت بالمزدلفة، صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «أصبح على طهر بعد ما تصلي، الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل، و إن شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد اللَّه عز و جل و اثن عليه» الحديث «1» و وجه الاستدلال ظهورها في كون المكلف عند الصبح في المزدلفة، و لكن لا يخفى أن فرض كون المكلف عند الإصباح في المشعر لا يدل على أنه لا يجوز له

في أوائل ما يدخل في المزدلفة ان يخرج الى خارجها ثم يرجع إليها قبل طلوع الفجر، بل لازمه ان يكون فيها قبل طلوع الفجر و لو بقليل، و الالتزام بوجوب المبيت بالاستدلال برواية عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «سمى الأبطح أبطح لأن آدم (عليه السّلام) أمران ينبطح في بطحاء جمع، فتبطح حيث انفجر الصبح، ثم أمر ان يصعد جبلٍ جمع» الحديث «1» ففيه ان الرواية ظهورها في أنه إذا دخل آدم (عليه السّلام) المزدلفة أمر بالبقاء فيها و أمر بعد طلوع الفجر ان يصعد جبل المزدلفة غير بعيد، الّا أنها لضعف سندها لا تصلح للاعتماد عليها فان في سندها محمد بن سنان و الراوي عن الامام (عليه السّلام) عبد الحميد بن أبي الديلم، و قد يستدل على ذلك بصحيحة

[ (المسألة الثانية) يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد الى طلوع الشمس

(المسألة الثانية) يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد الى طلوع الشمس، لكن الركن منه هو الوقوف في الجملة. فإذا وقف مقدار ما بين الطلوعين و لم يقف الباقي و لو متعمداً صح حجّه (1)، و إن ارتكب محرماً. و كذا إذا وصل الى المزدلفة قبل طلوع الشمس و لو بقليل فمكث فيها الى ان طلعت الشمس، صحّ حجّه و أدرك الوقوف الاختياري بالمشعر. هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا تجاوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس» «1» فان مقتضاها ان الحاج إذا دخل المشعر الحرام لا يخرج منها الى طرف منى حتى تطلع الشمس، بناء على ان المراد من تجاوز وادي محسّر الدخول في الوادي. و فيه ان المحتمل جدّاً ان النهي عن تجاوز وادي محسّر الى ان تطلع الشمس انما هو

عند الذهاب الى عرفات من طريق منى على ما تقدم، و هذا أمر مستحب بان يكون طلوع الشمس قبل تجاوزه وادي محسّر عند الذهاب الى عرفة، و هذا لا يرتبط بالمبيت في المزدلفة قبل طلوع الفجر ليلة العيد، و لو قيل بأن الصحيحة مطلق تعم الذهاب من منى الى عرفات و الرجوع من المزدلفة إلى منى يوم العيد، يكون لازم مدلولها جواز الإفاضة من المزدلفة قبل طلوع الشمس بحيث تطلع قبل الوصول إلى منى. و لذا أورد في الوسائل الصحيحة في البابين و لكن على ذلك ايضاً لا ترتبط الصحيحة بمسألة المبيت في المزدلفة، و على كل المبيت فيها أحوط. (1) المشهور ان وقت الوقوف الواجب في المشعر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و إن الوقوف فيها في جميع هذا الوقت و إن كان واجبا الا ان الركن الواجب للحج هو الوقوف بين الطلوعين في الجملة، بأن يحصل مسمى الوقوف فيه فيما بينهما، و المحكي عن الشهيد في الدروس ان الوقت الواجب فيه الوقوف ليلة النحر الى طلوع الشمس، و ينسب ذلك الى جماعة. و يستدل على الأوّل بصحيحة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 154

.......... معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريباً من الجبل و إن شئت حيث شئت، اما إذا وقفت فاحمد اللَّه عز و جل و اثن عليه الى ان قال، ثم أفض حيث تشرق لك ثبير و ترى الإبل مواضع أخفافها» «1» و اشتمالها على بعض المستحبات للوقوف من الحمد و الثناء و الاستغفار، لا ينافي الأخذ بظاهر الأمر في غيرها، و هذه الصحيحة و

إن كانت ظاهرة في كون مبدأ الوقوف الواجب هو طلوع الفجر الا ان في دلالتها على انتهاء وقت الوقوف الاختياري بطلوع الشمس نوع خفاء، و لكن يكفي في الاستدلال على أن غاية الوقوف الاختياري هو طلوع الشمس، ما رواه الشيخ (قدّس سرّه) عن موسى بن القاسم عن إبراهيم الأسدي عن معاوية بن عمار قال: «ثم أفض حيث يشرق لك ثبير و ترى الإبل مواضع أخفافها قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير يعنون الشمس كيما تغير، و إنما أفاض رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) خلاف أهل الجاهلية كانوا يفيضون بإيجاف الخيل و إيضاع الإبل. فأفاض رسول اللَّه خلاف ذلك بالسكينة و الوقار و الدعة فافض بذكر اللَّه» الحديث «2» و وجه دلالتها على أن انتهاء وقت الوقوف الاختياري طلوع الشمس هو ظاهر إشراق ثبير و هو اسم جبل بمكة، فإن إشراقه وقوع ضوء الشمس عليه الملازم لطلوعها لا مجرد اسفار الجبل، حيث ذكر الامام (عليه السّلام) كان أهل الجاهلية أشرق ثبير بعنوان الشمس أي يجعلونه كناية عن إشراق الشمس و طلوعها و يجعلونه وقت تسيير الإبل بسرعة المراد بقوله كيما تغير و دعوى ان قوله (عليه السّلام) «و ترى الإبل مواضع أخفافها قرينة على ان المراد من إشراق الجبل الاسفار، لا وقوع ضوء الشمس لا يمكن المساعدة عليه، حيث يمكن ان يراد من و ترى الإبل مواضع أخفافها الرؤية الواضحة و الكاملة. و على الجملة مبدء الوقوف الاختياري هو

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 155

.......... طلوع الفجر و منتهاه طلوع الشمس على ظاهر الروايتين، و لا مجال للمناقشة بإبراهيم الأسدي، فإن إبراهيم الأسدي هو إبراهيم بن

مهزم الأسدي حيث وثّقه النجاشي مع ان الصدوق رواها في العلل بسند صحيح آخر عن معاوية بن عمار و في الوسائل اشراف بدل إشراق اشتباه، كما يظهر بمراجعة التهذيب كما انه سقط في نقله يعنون الشمس الموجود في التهذيب فراجع. و قد تقدم ان وجوب المبيت في المشعر و عدم جواز الخروج منه ليلة النحر غير ثابت، حيث يجعل وجوبه كاشفاً عن ان وجوب الوقوف فيه من الليل، بل لو كان وجوب المبيت و عدم جواز الخروج الى الحدود أمراً ثابتاً لما كان فيه دلالة على كونه جزء من الوقوف الواجب بالمشعر المعتبر في الحج، بل كان واجباً آخر نظير وجوب بقاء المتمتع في مكة بعد فراغه من اعمال عمرة التمتع و عدم جواز خروجه منها.

ثم ان ظاهر المشهور مع كونهم قائلين بأن وقت الوقوف الاختياري في المزدلفة يبدء من طلوع الفجر، يلتزمون بان من وقف بها قبل طلوع الفجر و أفاض إلى منى و لو عمداً صحّ حجه، بشرط ان يقف بعرفة و يكفّر عن تركه البقاء في المشعر بشاة. و استندوا في ذلك الى بعض الروايات كصحيحة مسمع عن أبي إبراهيم (عبد اللَّه) (عليه السّلام) «في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل ان يفيض الناس. قال: ان كان جاهلًا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» «1» و لكن لا يخفى ان ظاهرها ان الجاهل إذا وقف مع الناس بعد طلوع الفجر و أفاض قبل إفاضة الناس فلا شي ء عليه، و إن كان قد أفاض قبل الوقوف مع الناس بان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة، و ظاهرها أي السكوت عن بطلان حجّه، ظاهرها

الاجزاء و يدلُّ على الاجزاء أيضاً بعض ما يأتي نقله من بعض الروايات، و أمّا العامد العالم فيحكم ببطلان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 156

.......... حجّه، لانه بإفاضته قبل طلوع الفجر و عدم رجوعه الى الوقوف بها ثانياً فاتته المزدلفة، فيحكم ببطلان حجه.

لا يقال قد ورد في صحيحة علي بن رئاب على المروي في الفقيه ان الصادق (عليه السّلام) قال: «من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمداً أو مستخفاً فعليه بدنة» «1» و مقتضى الإطلاق المقامي صحّة حجّه غاية الأمر عليه بدنة فإنه يقال بطلان حجّه للأخذ بقوله (عليه السّلام) «إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج» و ظاهرها ان فوت الوقوف بالمزدلفة يوجب بطلان الحج، غاية الأمر يرفع عن إطلاقها بالنسبة إلى الجاهل على ما تقدم. و ليس الحكم بالاجزاء لمجرد صحيحة مسمع ليناقش في الاجزاء بأن دلالتها أيضاً بالإطلاق المقامي، و لا يتم هذا الإطلاق مع قوله (عليه السّلام) «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج» بل مثل حسنة محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «انه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى، قال: أ لم ير الناس؟ أ لم يذكر منى حين دخلها، قلت: فإنه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: ان ذلك فاته، قال: لا بأس به» «2» و ما في بعض الروايات من تقييد الحكم بالصحة بصورة «ذكر اللَّه في المشعر، و لو في ضمن قنوت الصلاة» لضعف سندها لا تصلح للاعتبار، و لو علم الجاهل المفروض الحكم بعد الوصول إلى منى أو قبله يجب عليه الرجوع الى المشعر للوقوف بها حتى

فيما كان ذلك بعد طلوع الشمس من يوم النحر، كما يدلّ على ذلك مثل موثقة يونس بن يعقوب قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل أفاض من عرفات، فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى أتى منى فرمى الجمرة، و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع الى المشعر فيقف فيه حتى يرجع و يرمي الجمرة» «3».

[ (المسألة الثالثة) من ترك الوقوف فيما بين الفجر و طلوع الشمس رأساً فسد حجّه

(المسألة الثالثة) من ترك الوقوف فيما بين الفجر و طلوع الشمس رأساً فسد حجّه، و يستثنى (1) من ذلك النساء، و الصبيان، و الخائف، و الضعفاء كالشيوخ و المرضى، فيجوز لهم حينئذٍ الوقوف في المزدلفة ليلة العيد و الإفاضة منها قبل طلوع الفجر إلى منى. فتحصل من جميع ما ذكر ان التارك العالم بوجوب الوقوف بالمزدلفة بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس، بحيث لم يدرك مسمى الوقوف بها بين الحدين حجّه محكوم بالفساد، بخلاف الجاهل بالحكم الذي وقف في المشعر قبل طلوع الفجر و أفاض قبل طلوعه، بحيث لم يدرك من الوقوف بعد طلوعه شيئاً فإنه يحكم بصحة حجّه، إذا لم يعلم بالحكم حتى خرج وقت الوقوف الاضطراري ايضاً و عليه شاة على ما تقدم. (1) جواز إفاضة هؤلاء من المزدلفة ليلًا بعد الوقوف بها في الجملة سواء كان وقوفهم بعد طلوع الفجر أم قبله ممّا لا ينبغي التأمّل فيه، بل لا يعرف في ذلك خلاف. و يدلّ على ذلك غير واحد من الروايات منها صحيحة سعيد الأعرج قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهنّ بليل، قال: نعم تريدان تصنع كما صنع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، قلت: نعم. قال: أفض بهنّ بليل و لا تفض بهن حتى تقف بهن

بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن و يمضين إلى مكة في وجوههن» الحديث «1» و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «رخص رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) للنساء و الصبيان ان يفيضوا بليل، و إن يرموا الجمار بليل، و إن يصلوا الغداة في منازلهم، فان خفن الحيض مضين إلى مكّة و وكّلن من يضحي عنهن» «2» و صحيحته الأخرى «رخّص رسول اللَّه للنساء و الضعفاء ان يفيضوا من جمع بليل، و إن يرموا الجمرة بليل، فإذا أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهم» «3»

[ (المسألة الرابعة) من وقف بالمزدلفة ليلة العيد و أفاض منها قبل طلوع الفجر جهلًا منه بالحكم صحّ حجّه على الأظهر]

(المسألة الرابعة) من وقف بالمزدلفة ليلة العيد و أفاض منها قبل طلوع الفجر جهلًا منه بالحكم صحّ حجّه على الأظهر، و عليه كفارة شاة. هذا فيما لم يعلم بالحكم في زمان يتمكن من الرجوع و الوقوف بها قبل طلوع الشمس، و إلا تعين عليه الرجوع فان لم يرجع يحكم ببطلان حجه على الأظهر (1). و صحيحته الثالثة قال سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول «لا بأس بأن يقدم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر الحرام في ساعة، ثم ينطلق بهنّ إلى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة ثم يقصرن و ينطلقن إلى مكة فيطفن، الا ان يكن يردن ان يذبح عنهن فإنهن يوكّلن من يذبح عنهنّ» «1» و التقييد بكون وقوفهن بما بعد زوال الليل أي انتصافه يحمل على الاستحباب لانه لا يحتمل إلّا الخصوصية بالإضافة إلى طلوع الفجر، حيث لو لم يكن في البين الإطلاقات كان المتيقن على هؤلاء الوقوف بعد طلوع الفجر فان

لم يتمكنوا ان يفيضوا مع الناس جاز لهم الإفاضة بعد الوقوف الركني، و لكن ببركة هذه الروايات قلنا بالاكتفاء بوقوف هؤلاء ليلًا و هل من يصاحب هؤلاء و يفيض بهم الى منى ليلًا يجزي في حقه ايضاً الوقوف ليلًا، ظاهر صحيحة سعيد الأعرج أنه ايضاً مثلهم في الوقوف ليلًا، و كذا رواية علي بن عطية التي في سندها احمد بن هلال، قال: «أفضنا من المزدلفة بليل و أنا و هشام بن عبد الملك الكوفي، فكان هشام خائفاً فانتهينا جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال: لي هشام أي شي ء أحدثنا في حجّنا، فنحن كذلك إذا لقينا موسى قد رمى الجمار و انصرف فطابت نفس هشام» «2» و لكن مع التمكن من الرجوع الى المشعر قبل طلوع الشمس فالأحوط لو لم يكن أظهر الرجوع الى المشعر و لم يفرض ان على بن عطية لم يكن معذوراً أو ان أسامة لم يرجع كذلك مع تمكنه منه. (1) و الوجه في ذلك ان الجاهل بالحكم غير داخل فيمن استثنى من اعتبار

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 159

.......... الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس، و إنما التزمنا بصحة حجّه و حصول وقوفه بالمزدلفة مع فرض إفاضته قبل طلوع الفجر مع جبره بشاة لصحيحة مسمع المتقدمة عن أبي إبراهيم (عليه السّلام)، و ظاهرها استمرار جهله قال: «في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل ان يفيض الناس، قال: ان كان جاهلًا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» «1» حيث ان ظاهرها ان الرجل المفروض في السؤال وقف بعد طلوع الفجر مع الناس حيث ان وقوف الناس بعد طلوعه، و لكن

أفاض قبل إفاضتهم فذكر الامام (عليه السّلام) لا شي ء عليه، ثم ذكر سلام اللَّه عليه «ان الجاهل إذا أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» و ظاهرها استمرار جهله و كونه موجباً لترك وقوفه مع الناس، و لو كان الفرض علمه بالحكم و تمكنه من الرجوع و مع ذلك ترك الرجوع عمداً و هو عالم بالحكم الى ان طلعت الشمس يكون داخلًا في تارك الوقوف عالماً عامداً، و قد تقدم ان مقتضى قوله (عليه السّلام) «إذا فاتتك المزدلفة فاتك الحج» بطلان حجّه، و يمكن استفادة ذلك من موثقة يونس بن يعقوب ايضاً، قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى فرمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع الى المشعر فيقف بها، ثم يرجع و يرمي الجمرة» «2» و نحوها حسنة محمد بن يحيى الخثعمي، و وجه الإمكان هو ان يكون المراد بعدم الوقوف في المشعر الوقوف الواجب و كيف ما كان يلحق الناسي بالجاهل ايضاً، و لكن في ثبوت كفارة الشاة عليه تأمل لاحتمال اختصاصها بالجاهل و اللَّه العالم.

[ (المسألة الخامسة) من لم يتمكن من الوقوف الاختياري

(المسألة الخامسة) من لم يتمكن من الوقوف الاختياري (الوقوف بين الطلوعين) في المزدلفة لنسيان أو لعذر آخر، أجزأه الوقوف الاضطراري (الوقوف وقتاً ما بعد طلوع الشمس الى زوال يوم العيد)، و لو تركه عمداً فسد حجّه (1). (1) كما يدلّ على ذلك جملة من الروايات كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من أفاض إلى منى فليرجع و ليأت جمع و ليقف بها، و إن كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع» «1» و منها موثقة يونس

يعقوب المتقدمة «2»، و صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» «3» و موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج» «4» و نحوهما غيرهما، و ما قال الصدوق (قدّس سرّه) في العلل الذي افتى به و اعتمده في هذا المعنى ما حدثنا به شيخنا محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد عن محمد بن حسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، و من أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة» «5» ظاهره أنه يدرك عمرة التمتع إذا أتمها يوم عرفة عند الزوال، و أن الحاج المفرد أو المتمتع أو القارن يدرك الحج إذا أدرك الوقوف بالمشعر قبل الزوال من يوم النحر، و إن فات عنه الوقوف الاختياري بالمشعر، و هذا كلام آخر نتعرض له. و الكلام في هذه المسألة انه إذا فات عنه الوقوف بعرفة و فات الوقوف الاختياري بالمشعر، و لكن تمكن من الوقوف فيه قبل الزوال من يوم العيد فقد أدرك الوقوف بالمشعر، و لو تركه عمداً بطل حجّه. و أما إذا لم يتمكن من الوقوف الاضطراري فإن فات عنه الوقوف بعرفة ايضاً يبطل حجّه و يتمه بالعمرة المفردة، و إن أدرك الوقوف بعرفة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 161

تقدم ان كلا من الوقوفين الوقوف بعرفة

و الوقوف بالمزدلفة) ينقسم الى قسمين اختياري و اضطراري، فإذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا اشكال، و إلا فله حالات الاولى: ان لا يدرك شيئاً من الوقوفين الاختياري و الاضطراري منهما: ففي هذه الصورة يبطل حجّه و يجب الإتيان بالعمرة المفردة بنفس إحرام الحج (1)، و يجب عليه الحج في السنة القادمة فيما إذا كانت استطاعته باقية، أو كان الحج مستقراً في ذمته قبل ذلك. و فات عنه الوقوف بالمشعر خاصة فأيضاً يبطل حجّه، أخذاً بقولهم (عليهم السّلام) «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج، و انه من أدرك المشعر الحرام يوم النحر فقد أدرك الحج» حيث ان مفهوم التعليق فوت الحج مع عدم ادراك الوقوف بالمشعر و لو بالوقوف الاضطراري، نعم يستثني من ذلك ما تقدم من الجاهل و الناسي و اللذين لم يقفا بالمشعر و مرا منه الى منى أو خرجا من المشعر قبل طلوع الفجر و لم يعلم الجاهل و لم يتذكّر الناسي الى ان فات الوقوف بالمشعر وقوفه بالاختياري و الاضطراري. (1) ادراك الوقوفين أو أحدهما كما يشهد لذلك مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج، قال: و قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أيما حاج سائق للهدي، أو مفرد للحج، أو متمتع بالعمرة إلى الحج، قدم وفاته الحج فليجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل» «1» و صحيحته الأخرى قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل جاء حاجّاً ففاته الحج و لم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراماً أيام التشريق و لا عمرة فيها، فاذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل

و عليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم» «2» و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، الى ان قال: فان لم يدرك المشعر الحرام فقد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 162

الثانية: ان يدرك الوقوف الاختياري في عرفات و الاضطراري في المزدلفة (1).

و الثالثة ان يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات و الاختياري في المزدلفة، ففي هاتين الصورتين يصح حجّه بلا إشكال.

الرابعة: ان يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات و المزدلفة (2) و الأظهر في هذه الصورة صحة حجّه و إن كان الأحوط إعادته في السنة القادمة إذا بقيت على شرائط الوجوب، أو كان الحج مستقراً في ذمته. فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» «1». (1) و يدلُّ على صحة الحج في الفرض موثقة يونس بن يعقوب «2» و حسنة محمد بن يحيى الخثعمي «3»، و المناقشة في الحسنة بأن الشيخ رواها بإسناده عن ابن أبي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و رواها الكليني بإسناده عن ابن أبي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و بعيد أن يروي محمد بن يحيى الحكم الواحد في فرض واحد لابن أبي عمير تارة مرسلًا، و أُخرى مسنداً إلى الامام (عليه السّلام). فالرواية مردّدة بين المرسلة و المسندة فلا يمكن الاعتماد عليها غير صحيح لانه لا يبعد ان يسمع الحكم محمد بن يحيى بواسطة بعض أصحابه من الامام (عليه السّلام) و أُخرى يسمعه منه (عليه السّلام) مباشرة و ينقله لابن أبي عمير مضافاً إلى اختلاف

النقلين في الجملة، و كون رواية الكليني (قدّس سرّه) بسنده عنه مُسندة إلى الامام (عليه السّلام) و يدلُّ على صحة الحج في الصورة الثالثة صحيحة معاوية بن عمار و صحيحة الحلبي المتقدمتان على ما مر، و ورد في الاولى مع فرض فوت الوقوف بعرفة أن يأتي بها و يقف بها، ثم يدرك الجمع قبل طلوع الشمس. (2) و يدلُّ على الصحة في هذه الصورة صحيحة الحسن بن عطار أي الحسن بن زياد العطار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 163

الخامسة ان يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط ففي هذه الصورة يصح حجه ايضاً (1). من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلًا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه» «1» فان الوصول الى المشعر الحرام مع فرض إفاضة الناس فرض لطلوع الشمس حتى بناءً على جواز الإفاضة أو استحبابه قبل طلوع الشمس، بقليل لان ظاهرها عدم بقاء الناس في المشعر حين وصوله حتى أمير الحاج و جماعته، و لذا قال (عليه السّلام) «و ليلحق الناس بمنى» و لم ينقل صاحب الوسائل في باب إدراك الوقوف الاضطراري من الوقوفين الا هذه الرواية، و لكن قد يقال يعارض الصحيحة ما ورد في ذيل صحيحة الحلبي الواردة فيمن فاته الوقوف بعرفات، حيث ذكر سلام اللَّه عليه في ذيلها «و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللَّه أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس قبل ان يفيض الناس فان لم يدرك المشعر الحرام فقد

فاته الحج» «2» و لكن لا يخفى ان الذيل ناظر لمن لا يدرك الوقوف بعرفة و لو بوقوف اضطراري، و ظاهرها كما يأتي إدراك الوقوف الاضطراري بالمشعر فقط، و الاحتياط الوارد في المتن بنحو الاستحباب لمجرد الخروج من الخلاف. (1) لا ينبغي التأمل في ان إدراك الوقوف الاختياري بالمزدلفة مع فوت الوقوف الاختياري بعرفة، و كذا فوته الاضطراري، كما إذا وصل الى المشعر الحرام من ناحية منى قبل طلوع الشمس و بعد الفجر يكفي في صحة حجّه، لما ورد في صحيحة الحلبي المتقدمة «و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللَّه أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس» و كذا يدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج» الى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 164

.......... غير ذلك، و لعل التعبير في بعض الروايات بان الوقوف بعرفات سنة و الوقوف بالمزدلفة فريضة، يراد منه عدم فوت الحج بترك الوقوف بعرفات أصلًا مع العذر، بخلاف الوقوف بالمزدلفة، و إن يقال ان المراد بالسنة ما استفيد وجوبه من غير الكتاب بخلاف وجوب الوقوف بالمزدلفة و قد ناقشنا في ذلك سابقاً بأنه لا يبعد ان يستفاد وجوب الوقوف بعرفات من الكتاب ايضاً، باعتبار أن عرفات في ذلك الزمان لم يكن طريقاً للوصول بالمزدلفة بل كانت المزدلفة طريق عرفات، حيث كان الذهاب الى عرفات من جهة منى. كما يظهر من الروايات.

الكلام في أجزاء الوقوف الاضطراري بالمشعر فقط في تمام الحج و أما أجزاء الوقوف الاضطراري بالمشعر الحرام فقط، كما إذا وقف به بعد طلوع الشمس و قبل الزوال

من يوم النحر. فهو ما ذهب اليه الصدوق (قدّس سرّه) و المحكي عن السيد و الإسكافي و الحلبي و التزم به من المتأخرين الشهيد الثاني و صاحب المدارك خلافاً للمشهور، حيث ذهبوا الى عدم أجزائه بانفراده و يشهد للاجزاء صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «من أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج و من أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة» «1» و صحيحة عبد اللَّه بن المغيرة عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «من أدرك المشعر الحرام قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج» و على رواية الكليني «من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج» «2» و التقييد «و عليه خمسة من الناس» لعلّه لصدق عنوان إدراك الجمع و إلا فالملاك بالوقوف بالمزدلفة قبل زوال الشمس و لعلّ ترك القيد في الفقيه لذلك، أو لم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 165

.......... يكن هذا القيد فيما وصل إليه بطريقه، نعم لا يمكن الاستدلال على الاجزاء بمثل «قوله من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج» «1» و ذلك لقرب دعوى انصرافه إلى إدراك الوقوف الاختياري كما في سائر العناوين التي لها اختيارية و اضطرارية إذا وقعت موضوعاً للحكم، و لذا لا يحتمل شموله لإدراك جمع و لو بعد الزوال من يوم النحر، و قد يقال ان صحيحة جميل بن دارج و نحوها و إن دلت على إجزاء الوقوف الاضطراري بالمشعر فقط في صحة الحج الا انه يعارضها ما ورد في صحيحة الحلبي من قوله (عليه السّلام) «و إن قدم

رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللَّه أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس من قبل ان يفيض الناس فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» «2» و مثلها صحيحة حريز قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعاً فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» «3» و وجه المعارضة ان تفريع بطلان الحج و لزوم جعلها عمرة مفردة على القضية الشرطية التي مفادها تعليق ادراك الحج على الوقوف بالمشعر قبل ان تطلع الشمس مقتضاه أنه لا مورد للوقوف به بعد طلوعها، و انه لا يتم حجّه. و لكن يمكن الجمع بين الطائفتين و إن كان بينهما تعارض بالتباين بانقلاب النسبة و ذلك فإنه قد ورد في المقام بعض الروايات التي مدلولها أجزاء الوقوف الاضطراري فقط بالمشعر لمن لم يكن متمكنا من الوقوفين كموثقة الفضل بن يونس عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل ان يعرّف فبعث به الى مكة فحبسه فلما كان يوم النحر خلّى سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف إلى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 166

.......... منى فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه، قلت فان خلّى سبيله يوم النفر كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحج ان كان دخل متمتعاً بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعاً ثم يسعى أسبوعاً و يحلق رأسه

و يذبح شاة» الحديث «1» فان عدم الاستفصال في الجواب عن إمكان إدراكه المشعر قبل طلوع الشمس مقتضاه كفاية إدراكه بعد طلوعها بل لا يبعد كونها ظاهرة في خصوص صورة إدراكه بعد طلوعها كما هو فرض خلاصه من الحبس في مكة يوم النحر، و نحوها صحيحة عبد اللَّه بن المغيرة قال: «جائنا رجل بمنى فقال: انى لم أدرك الناس بالموقفين جميعا، الى ان قال: فدخل إسحاق بن عمار على أبي الحسن (عليه السّلام) فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج» «2» و المفروض في هذه الصحيحة قدوم الرجل إلى منى و الناس فيه و انه لم يدرك الموقفين فحكمه (عليه السّلام) بأنه إذا وقف بالمزدلفة يصّح حجّه، ظاهره إجزاء الوقوف الاضطراري بالمشعر فقط في حق غير المتمكن من الوقوف بها اختياراً فيرفع اليد بها عن الإطلاق في صحيحة حريز بحملها على صورة تمكنه من الوقوف بالمزدلفة قبل طلوع الشمس فإن تأخر من غير عذر فلا حج له، و كذا الإطلاق في صحيحة الحلبي بأنه إذا لم يدرك الوقوف قبل طلوع الشمس مع تمكنه من مسماه قبل طلوع الشمس فات عنه الحج و على الجملة لو لم يكن في البين جمع عرفي و كانت الطائفتان متعارضتين، فمقتضى القاعدة الأولية تقديم ما دلّ على فوت الحج بطلوع الشمس، لأنها موافقة للكتاب العزيز الظاهرة في وجوب الوقوف بالمشعر قبل إفاضة الناس، أضف الى ذلك ان مقتضى الجزئية انتفاء الحج بفوت جزئه. فقد ظهر ممّا ذكرنا ان الأظهر إجزاء الوقوف الاضطراري بالمشعر عند العذر و عدم التمكن، و دعوى ان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص:

167

(السادسة) أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورة لا تبعد صحة الحج، إلا أن الأحوط ان يأتي ببقية الأعمال قاصداً فراغ ذمته عما تعلق بها من العمرة المفردة أو إتمام الحج، و إن يعيد الحج في السنة القادمة.

(السابعة) ان يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، و الأظهر في هذه الصورة انقلاب حجه الى العمرة المفردة (1)، و يستثنى من ذلك ما إذا وقف في المزدلفة ليلة العيد و أفاض منها قبل طلوع الفجر جهلًا منه بالحكم، كما تقدم. و لكنه ان امكنه الرجوع و لو الى قبل زوال الشمس من يوم العيد وجب ذلك، و إن لم يمكنه صحّ حجه و عليه كفارة شاة.

(الثامنة) أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات و في هذه الصورة أيضاً يبطل حجّه و عليه ان يجعله عمرة مفردة. العذر في فوت اختياري المشعر مفروض في صحيحة الحلبي حيث ذكر سلام اللَّه عليه فيها «فان اللَّه أعذر لعبده» و لكن مع ذلك علق تمام حجه بإدراك الموقف قبل طلوع الشمس و حكم بفوت الحج بعد طلوعها لا يمكن المساعدة عليه فان العذر المفروض فيها بالإضافة إلى فوت عرفات لا بالنسبة إلى الوقوف الاختياري بالمشعر بل التمكن من ادراك الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس أمر عادي في مفروض الرواية، حيث لم يفرض فيها الا فوت الوقوف بعرفات اختياره و اضطراره. (1) لما تقدم من أن مقتضى ما ورد في انه إذا فاتته المزدلفة فاته الحج، و تقدم ايضاً من «انه إذا وقف بالمزدلفة ليلًا و أفاض منها قبل طلوع الفجر جهلًا منه بالحكم صحّ حجّه و عليه شاة» كما هو مقتضى صحيحة مسمع المتقدمة، هذا فيما إذا لم يعلم

بالحكم بعد الإفاضة. و أما إذا علم به و بوجوب الرجوع الى المزدلفة و تمكن من ذلك و لم يرجع بطل حجّه، لانه ممن فاتته المزدلفة. و مما ذكر ظهر الحال في الصورة الثامنة فإن المكلف فيها ممن فاتته المزدلفة و لم يدرك الوقوف بالمشعر و لو قبل

[القول في واجبات منى

اشارة

إذا أفاض المكلف من المزدلفة وجب عليه الوصول إلى منى لأداء الأعمال الواجبة هناك و هي كما نذكرها تفصيلًا ثلاثة:

[الأوّل: رمي جمرة العقبة يوم النحر]
اشارة

الأوّل: رمي جمرة العقبة يوم النحر (1) و يعتبر فيه أمور الزوال، فمقتضى مفهوم قوله (عليه السّلام) «من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج» بطلان حجّه، و عليه وظيفة من لم يدرك الحج من إتمامه عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل مع بقاء استطاعته، أو كونه ممن استقر عليه الحج. (1) في منى و واجباتها أول الواجبات في منى رمي جمرة العقبة، و يقال لها جمرة القصوى ايضاً. و هي أقرب الجمرات الثلاثة إلى مكة بحيث يصل الخارج منها إليها في يسار الطريق و هي الى هذه السنوات الأخيرة كانت منصوبة في جدار متصل بها فرميها واجب رابع من واجبات حج التمتع، و كذا واجب في غيره من أقسام الحج بلا خلاف معروف أو منقول. بل رميها واجب عند علماء المسلمين كافة، و ما في بعض كلمات الشيخ (قدّس سرّه) من التعبير عن حكم رميها بالسنة المراد به الواجب الثابت بغير الكتاب فلا ينافي وجوبه و يشهد لوجوبه، الروايات الكثيرة التي نذكرها في بيان الأمور الآتية المعتبرة فيه و بما أن الأمور الثلاثة من واجبات الحج الواجب عبادة فمقتضى جزئيتها له صدورها بقصد التقرب و مقتضى كونها من اعمال منى يوم النحر رميها يوم النحر، و يستفاد ذلك مضافاً الى التسالم و عدم الخلاف من صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين، مرّة لما فاته، و أُخرى ليومه

الذي يصبح فيه، و ليفرق بينها يكون أحدهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند الزوال» «1»، حيث يستفاد منها انتهاء وقت الرمي يوم النحر بغروب الشمس فيجب عليه قضائه من غد، و ما فيها من التفرقة بين قضاء يوم الأمس و اليوم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 169

1 نية القربة 2 ان يكون الرمي بسبع حصيات و لا يجزي الأقل كما لا يجزي رمي غيرها الذي يصبح فيه يحمل على الاستحباب كما يأتي، و يستفاد كون وجوبه يوم النحر من الاخبار التي «رخص فيها للنساء و الصبيان و الضعفاء و الخائفين في الإفاضة ليلًا من المزدلفة بعد الوقوف بها في الجملة و الرمي ليلًا» «1»، حيث ان ظاهرها تعين الرمي لغير هؤلاء في اليوم، و على الجملة يستفاد من الصحيحة زائداً على وجوب الرمي يوم النحر انتهاء وقته بغروب الشمس، و يستفاد كون بدية من طلوع الشمس من عدة روايات منها صحيحة إسماعيل بن همام قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) «يقول لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس» «2» و صحيحة صفوان بن مهران قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) «يقول ارم الجمار ما بين طلوع الشمس و غروبها» «3» جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قلت: متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار الى غروب الشمس» «4» محمول على الاستحباب لصراحة ما تقدم من أجزاء الرمي بعد طلوع الشمس.

و يعتبر في الرمي كونه بسبع حصيات تؤخذ من الحرم، فلا يجزي الأخذ من غيره بلا خلاف معروف أو منقول، و الأفضل أخذها من المشعر، و يدلُّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي عبد

اللَّه (عليه السّلام) قال: «حصى الجمار ان أخذته من الحرم أجزأك و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال: و قال: لا ترم الجمار الا بالحصى» «5».

و معتبرة حنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «يجوز أخذ الحصى من جميع الحرم الا من المسجد الحرام و مسجد الخيف» «6» و صحيحة معاوية بن عمار «خذ الحصى من جمع و إن أخذته من رحلك بمنى أجزأك» «7» و مقتضى الجمع بين ما دل على جواز الأخذ من جميع الحرم و بين الأمر بأخذها من المشعر حمل الأخذ من المشعر على الأفضلية، و قد دلت صحيحة زرارة على عدم جواز الأخذ من غير الحرم كما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 170

من الأجسام 3 ان يكون رمي الحصيات واحدة بعد واحدة فلا يجزي رمي اثنين أو أكثر مرة واحدة (1). دلّت على عدم جواز الرمي إلا بالحصاة. (1) رمي جمرة العقبة و يعتبر في الرمي كونه بسبع حصيات تدريجاً، فلا يجزي وضع الحصيات على الجمرة أو طرحها عليها بما لا يسمّى رمياً، بلا خلاف يعرف، و يشهد على اعتبار التدريج صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: «خذ حصى الجمار، الى ان قال: ثم ترمى فتقول مع كل حصاة اللَّه أكبر» «1» و مثلها صحيحة يعقوب بن شعيب في حديث قلت: «ما أقول إذا رميت؟ قال: كبّر مع كل حصاة» «2» و وجه الدلالة ان التكبير مع رمي كل حصاة و إن كان مستحباً الا انه يدل على أن الرمي المعتبر أمر تدريجي مضافاً الى السيرة المستمرة من المتشرعة في رمي جمرة العقبة، بل سائر الجمرات. و قد روى

الحميري في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: «حصى الجمار تكون مثل الأنملة، الى ان قال: تحذفهن حذفاً و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة، قال و ارمها من بطن الوادي و اجعلهن على يمينك كلهن» الحديث «3» فإن ظاهرها رميها تدريجاً واحداً بعد واحد، حيث ان الحذف كما ذكر لا يتحقق الا بالتدريج، و هذه الكيفية أي الرمي بنحو الحذف و إن كان مستحباً الا ان بيانها بعد الفراغ من كون الرمي بسبع مرات و على الجملة تدريجية الرمي أو كونه بسبع مرات من المسلمات الواضحات حتى في ذلك الزمان، و لذا لم يتعرض في غالب الروايات لبيان تدريجية الرمي و كونه بسبع مرات، و إنما وقع التعرض لهما في بعض روايات أصل تشريع الحج لآدم (عليه السّلام) فراجع.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 171

4 ان تصل الحصيات إلى الجمرة (1) 5 ان يكون وصولها إلى الجمرة بسبب الرمي فلا يجزي وضعها عليها، و الظاهر جواز الاجتزاء بما إذا رمى فلاقت الحصاة في طريقها شيئاً ثم أصابت الجمرة (2)، نعم إذا كان ما لاقته الحصاة صلباً فطفرت منه فأصابت الجمرة لا يجزي ذلك. 6 ان يكون الرمي بين طلوع الشمس و غروبها (3) و يجزي للنساء (4) و سائر و من رخّص لهم الإفاضة من المشعر في الليل ان يرموا بالليل (ليلة العيد) لكن يجب عليهم تأخير الذبح و النحر الى يومه و الأحوط تأخير التقصير ايضاً، و يأتون بعد ذلك اعمال الحج إلا الخائف على نفسه من العدو فإنه يذبح و يقصّر ليلًا كما سيأتي. الأمور المعتبرة في رمي جمرة

العقبة (1) لأن ظاهر الأمر برمي الجمرة اصابتها و إن تكون الإصابة بالرمي كما تقدم، و تدل على اعتبار الإصابة صحيحة معاوية بن عمار الآتية. (2) لا ينبغي التأمل في الاجزاء إذا مسّت الحصاة في طريقها في الوصول إلى الجمرة شيئاً ثم أصابت الجمرة حيث يصدق إصابة الجمرة بالرمية، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، و إن أصابت إنساناً أو جهلًا ثم وقعت على الجمار أجزأك «1» و أما إذا رمى فأصاب شيئاً صلباً فطفرت منه و وقعت على الجمرة فلا يصدق أنه أصابت رميته الجمرة، و لكن ربما يقال إطلاق صحيحة معاوية بن عمار يشمل الفرض ايضاً و فيه تأمل، فالأحوط لو لم يكن أظهر عدم الاجتزاء به، و على كل تقدير فدلالة الصحيحة على إصابة الجمرة واضحة فلا يكفي مجرد الرمي إذا وقعت الحصاة في مثل المحمل. (3) قد تقدم كون مبدء وقت الرمي طلوع الشمس و مقتضاه غروبها في بيان لزوم كون الرمي يوم النحر. (4) قد تقدم الكلام في ذلك عند التكلم في وقت الوقوف بالمشعر، و أنه و إن

[مسائل رمي جمرة العقبة]
[ (المسألة الأولى) إذا شك في الإصابة و عدمها]

(المسألة الأولى) إذا شك في الإصابة و عدمها بنى على العدم (1) الا ان يدخل في واجب آخر مترتب عليه أو كان الشك بعد دخول الليل. كان بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس الا انه قد ورد الترخيص للنساء و الصبيان و الضعفاء و الخائف الإفاضة ليلًا و الوصول إلى منى و الرمي ليلًا، و يبقى الكلام في أنه يجوز لهؤلاء بعد الرمي ليلًا الذبح و النحر ايضاً ليلًا و كذا التقصير، أو ان الجواز

يختص بالرمي خاصة و أما الذبح و النحر و كذا التقصير فيجب ان يكون بعد طلوع الشمس من يوم العيد، و يأتي أن الخائف على نفسه يجوز له الرمي ليلًا و كذا النحر و التقصير بان كان خائفاً في بقائه في منى، و أما غيره فالمستفاد من الروايات على ما يأتي ترتب الذبح و النحر على رمي الجمرة العقبة و ترتب التقصير أو الحلق عليهما و بما أن وقت رمي الجمرة ما بين طلوع الشمس و غروبها فيكون وقت الذبح أو التقصير ايضاً كذلك و الترخيص الوارد لهؤلاء في الروايات المعتمد عليها بالإضافة إلى الإفاضة ليلًا و رمي الجمرة فيكون الترخيص بالإضافة إلى الذبح و التقصير محتاجاً الى مثبت و هذا الترخيص لم يثبت في حق من عليه الهدى بل مقتضى المفهوم في صحيحة سعيد الأعرج عدمه، نعم إذا كان الترخيص لكون الشخص خائفاً على نفسه فالترخيص في حقه وارد، كما في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس يرمي الخائف بالليل و يضحي و يفيض بالليل «1» و لذا ذكرنا التفصيل بين الخائف على نفسه و غيره في المتن. (1) مسائل رمي جمرة العقبة فإن مقتضى الاستصحاب في عدم تحقق الرمية بقاء الواجب على عهدته، حيث ان المعتبر هي الرمية التي تصيب الجمرة، هذا فيما إذا شك قبل الفراغ و التجاوز، و أما إذا شك بعد الفراغ كما إذا دخل في واجب مترتب عليه كالذبح، أو

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 173

.......... كان شكه بعد تجاوز المحل كما إذا آخر الذبح الى غد عذراً أو من غير عذر، و شك بعد دخول الليل في الإصابة

فتجري في الفرض قاعدة التجاوز لمضي محل الرمي الاختياري بغروب الشمس، و بتقريب آخر الواجب الذي هو جزء من الحج هو مجموع الرمي بسبع رميات تصيب كل رمية الجمرة، فإذا شك عند رمية انها أصابت الجمرة أم لا، فالأصل عدم اصابتها لا يجري في الفرض شي ء من قاعدة الفراغ و التجاوز، بخلاف ما إذا دخل في واجب مترتب عليه كالذبح، فإنه يكون الشك في صحة الرمية التي فرغ من أصل وجودها فيحكم بصحّتها بقاعدة الفراغ، نظير ما إذا غسل ثوبه المتنجس بالبول أو اغتسل من جنابته بغسل ترتيبي و دخل في الصلاة ثم شك بعد دخوله فيها في انه غسل ثوبه مرتين أو مرة واحدة، فيحكم بصحة غسل الثوب. أو شك في انه غسل عند اغتساله تمام جانبه الأيسر أو بقي منه شي ء فيحكم بصحة الغسل من جنابته أي بتماميته، فيجوز له إتمام تلك الصلاة بل الدخول في صلاة أخرى بعدها، كما يمكن جريان قاعدة التجاوز في رميته المشكوكة لمضي محلّها، حيث ان محلّها قبل الذبح و أما إذا شك بعد دخول الليل في اصابة بعض رمياته فتجري قاعدة التجاوز لمضي محله و إن لم يذبح و لم يقصّر، لعذر و إن شئت قلت الشك تعلق بفوت رمية جمرة العقبة، فالأصل عدم فوتها.

[ (المسألة الثانية) يعتبر في الحصيات أمران

(المسألة الثانية) يعتبر في الحصيات أمران، الأول: ان تكون من الحرم و الأفضل أخذها من المشعر الحرام (1)، الثاني: ان لا تكون مستعملة في الرمي قبل ذلك (2) و لا بأس برمي المشكوك، و يستحب فيها ان تكون ملونه منقطة و رخوة، و إن يكون حجمها بمقدار أنملة و إن يكون الرامي راجلًا و على طهارة. (1) قد تقدم الكلام في ذلك

في بيان اعتبار كون الرمي بسبع حصيات. (2) مستحبات الرمي المشهور اعتبار كون الحصيات أبكاراً بأن لم تستعمل في الرمي سابقاً، و قد ورد ذلك في مرسلة حريز فإنه روى عمن أخبره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حصى الجمار، قال: لا تأخذ من موضعين خارج الحرم و من حصى الجمار «1»، و في خبر عبد الاعلى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تأخذ من حصى الجمار «2»، و لضعف سندهما يشكل الاعتماد عليهما و كذا مرسلة الصدوق.

حيث قال في الفقيه و في خبر آخر و لا تأخذ من حصى الجمار التي قد رمي «3» و دعوى انجبار ضعفها بالشهرة بل بدعوى الإجماع على الاعتبار لا يمكن المساعدة عليها، فإنه على تقدير الشهرة يمكن ان يكون الاعتبار لرعاية الاحتياط حيث ان مراعاته في مسائل الحج معروفة، و قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة فرمى بها و زادت واحدة و لم يدر أيهن نقصت، قال فليرجع و ليرم كل واحدة بحصاة و إن سقطت من رجل حصاة و لم يدر أيهن هي فليأخذ من تحت قدميه حصاة فيرمي بها «4» الحديث فإن نقضي إطلاق الأخذ من تحت قدميه عدم الفرق بين كونها مستعملة في الرمي قبل ذلك أم لا، و كيف كان فالاحتياط في المراعاة خصوصاً مع ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار و إن أخذته من رجلك بمنى أجزأك فان في التقيد بالرجل اشعاراً بالاعتبار،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 175

.......... نعم إذا شك في كونها مستعملة من قبل أم لا فلا بأس بالرمي بها

لا صالة عدم كونها مستعملة من قبل.

ثم انه يستحب في الحصاة كونها ملونة منقطّة و رخوة و حجمها بمقدار الأنملة و اختيار صغار الأحجار، و يدلُّ على ذلك صحيحة البزنطي المروية عن قرب الاسناد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء خذها كحلية منقطة «1» و صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حصى الجمار قال: كره الصم منها و قال خذ البرش و الصم أي الصلب و البرش نقط بيض فيقال الأبرش كناية عن الأبرص «2»، و التسالم على عدم اعتبار ما ذكر قرينة على أنه على نحو الاستحباب، كيف و لو كان معتبراً لكان اعتباره كاعتبار كونه من الحصى من الواضحات، قيل باستحباب التقاط الحصيات واحدة، بعد واحده و لعل المراد من ذلك ان تكون الحصيات منفصلة بحسب الأصل مكسورة من حجر، و يستفاد ذلك من رواية أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول التقط الحصى و لا تكسرنّ منهن شيئاً «3» و الرواية بحسب سندها ضعيفة لأن الراوي عن أبي بصير علي بن أبي حمزة البطائي، الّا ان الأحوط مراعاة عدم الكسر، و يستحب كون الرامي راجلًا و مع الطهارة، و كون رميه بنحو الحذف بان يضع الحصى على الإبهام و يدفعها بظفر السبّابة، و استقبال الجمرة و استدبار القبلة حال الرمي متباعداً عنها عشرة أذرع، و يدلُّ على ذلك صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) قال: سمعت رسول اللَّه (عليه السّلام) يرمى الجمار ماشياً «4»، و قريب منها صحيحة على بن مهزيار: قال

رأيت أبا جعفر (عليه السّلام) يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكباً و كنت أراه ماشياً بعد ما يحاذي المسجد «5» بمنى و رواية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 176

.......... عنبسة بن مصب قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) بمنى يمشى و يركب فحدث نفسي ان أسأله حين ادخل عليه فابتدأني هو بالحديث: فقال ان علي بن الحسين (عليهما السّلام) كان يخرج من منزله ماشياً إذا رمى الجمار، و منزلى اليوم أنفس (أبعد) من منزله، فاركب حتى أتى إلى منزله فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى أرمي الجمار (الجمرة) «2».

و عن المبسوط و السرائر ان الركوب في رمي جمرة العقبة أفضل، و لعله لصحيحة أحمد بن محمد بن عيسى أنه رأى أبا جعفر (عليه السّلام) رمى الجمار راكباً «3»، و صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران انه رأى أبا الحسن الثاني رمى (يرمي) الجمار و هو راكب حتى رماها كلها «4».

و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل رمى الجمار و هو راكب، فقال: لا بأس به «1»، و لكن نفى البأس في الصحيحة الأخيرة لا يدل على الأفضلية، و كذا وقوع الرمي راكباً عن الامام (عليه السّلام)، فإن الذي لا يناسب الامام (عليه السّلام) استمراره على ترك المستحب لا وقوع الترك بمثل مرة أو مرتين، و على تقدير الإغماض عن ذلك فمقتضى هذه الروايات عدم الفرق بين الجمار في رميها لا اختصاص الاستحباب بجمرة العقبة على ما هو ظاهر الحكاية.

و أما استحباب الطهارة حال الرمي فيدل عليه مثل صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الجمار فقال لا

ترم الجمار الا و أنت على طهر «2» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها و يستحب ان ترمي الجمار على طهر «3» و في رواية أبي غسان عن حميد بن مسعود قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رمى الجمار على غير طهور قال: الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان ان طفت بينهما على غير طهور لم يضرك و الطهر أحب الي فلا تدعه و أنت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 177

.......... قادر عليه «1»

لا يقال هذه الأخيرة ضعيفة سنداً، و صحيحة معاوية بن عمار غير ظاهرة في الاستحباب الاصطلاحي حتى يرفع بها عن ظاهر صحيحة محمد بن مسلم، و أما ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار الأخرى قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا بأس ان يقضى المناسك كلها على غير وضوء الا الطواف بالبيت فان فيه صلاة و الوضوء أفضل «2»

فمن قبيل العام فيرفع عن عمومها بصحيحة محمد بن مسلم، و لعله لذلك اختار المفيد و الإسكافي اعتبار الطهارة، فإنه يقال التعليل الوارد في هذه الصحيحة لاعتبار الطهارة في الطواف، فتكون قرينه على حمل صحيحة محمد بن مسلم على الاستحباب، و كذا صحيحة رفاعة قال قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أشهد شيئاً من المناسك و أنا على غير وضوء، قال: نعم الا الطواف فان فيه صلاة، حيث أن مقتضى التعليل عدم اعتبار الطهارة في غير الطواف، و منه الرمي غير معتبر أضف الى ذلك أنه لو كان الوضوء معتبراً في الرمي لكان هذا من المسلمات في عصر الأئمة (عليهم السّلام) لكثرة الابتلاء به.

و أما استحباب الرمي خذفاً

فيدل عليه صحيحة البزنطي المروية في قرب الاسناد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: حصى الجمار يكون مثل الأنملة الى ان قال تخذفهن خذفاً و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة قال ارمها من بطن الوادي و اجعلهن على يمينك «3»

، و قوله (عليه السّلام) و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة بيان للخذف المحكوم باستحبابه، فان القرينة على الاستحباب ما ذكرنا في اعتبار الطهارة من أنه لو كانت هذه الكيفية معتبرة في الرمي لكان اعتبارها من الواضحات، مع خلو أغلب الأخبار الواردة في رمي جمرة العقبة و سائر الجمرات عن التعرض لها، و كذا الحال في استقبال الجمرة و استدبار القبلة متباعداً عنها بعشرة أذرع أو خمسة عشر، فان ما

[ (المسألة الثالثة) إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها]

(المسألة الثالثة) إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد إشكال (1) فالأحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقاً فان لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد مباشرة و استناب شخصاً ليرمي عنه المقدار المزيد عليه و لا فرق في ذلك بين العالم و الجاهل و الناسي. ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها، و تقول و الحصى في يدك اللّهمّ هؤلاء حصياتي فأحصهن لي و ارفعهن في عملي، ثم ترمي فتقول مع كل حصاة اللَّه أكبر اللهم ادحر عني الشيطان، الى ان قال و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً «1»

الحديث يحمل على الاستحباب و بيان الأفضل و اللَّه العالم. (1) مسائل في رمي جمرة

العقبة المعروف ان المراد من الجمرة البناء المخصوص و موضعه مع زواله، كما ان المتيقن من البناء مقدار البناء السابق و لو زيد على ذلك في ارتفاعها فلا يحرز برمي المقدار الزائد تحقق رمي الجمرة المأمور به، فعليه مقتضى قاعدة الاشتغال ان يرمي المقدار الذي كان سابقاً و لو لم يتمكن المكلف من رمي المقدار الذي كان سابقاً، فعليه ان يرمي المقدار الزائد مع تمكنه من رمي ذلك المقدار، و يستنيب لرمي المقدار الذي كان سابقاً و احتمال ان يكون المراد من الجمرة الأعم من البناء و نفس موضع الحصى لا المائل منه، فيكفي في الرمي اصابة الموضع و إن لم يصب البناء لانه مقتضى أصالة البرءه عن اعتبار اصابه نفس البناء ضعيف جدّاً، فان المراد من الجمرة نفس البناء أو موضعه مع عدمه، كما يظهر ذلك من رواية عبد الأعلى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: له رجل رمي الجمرة بست حصيات وقعت واحدة في

[ (المسألة الرابعة) إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلًا منه لزمه التدارك الى اليوم الثالث عشر حينما تذكّر أو علم

(المسألة الرابعة) إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلًا منه لزمه التدارك الى اليوم الثالث عشر (1) حينما تذكّر أو علم، فان تذكّر أو علم في الليل لزمه الرمي في نهاره إذا لم يكن ممن قد رخص له الرمي في الليل، و سيجي ء ذلك في رمي الجمار و لو علم أو تذكر بعد اليوم الثالث عشر فالأحوط ان يرجع الى منى و يرمى و يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنيابة على الأحوط. الحصى قال يعيدها ان شاء من ساعته و إن شاء من الغد إذ أراد الرمي «1»

، حيث ان ظاهرها ان الجمرة عنوان لنفس البناء و لا يضر ضعف الرواية سنداً في استظهار

معنى اللفظ. (1) حكم ما إذا فات رمي جمرة العقبة كما تدل على ذلك صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض فلم يرمي حتى غابت الشمس قال: يرم إذا أصبح مرتين مرّة لما فاته و أخرى ليومه الذي يصبح فيه و ليفرق بينهما يكون أحدهما بكرة و الأخرى عند زوال الشمس «2»

، فإن الظاهر المراد من العارض هو بيان فرض العذر في الترك فيعم الحكم الناسي و الغافل، و يأتي أنه لا فرق في وجوب القضاء بين زوال العذر اليوم الثاني أو اليوم الثالث، و إذا زال العذر ليلة اليوم الثاني أو ليلة اليوم الثالث آخر القضاء الى النهار، لان وقت الرمي أداءً أو قضاءً بين طلوع الشمس و غروبها و هذا في حق غير من رخص له في الرمي ليلًا و إلا يقضي هو في الليل، و المشهور كما يأتي يلتزمون بان وقت الرمي أداءً و قضاءً ينتهي بانتهاء أيام التشريق، و يستندون في ذلك الى رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه ان يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه وليه و إن لم يكن له ولّى استعان برجل من

[ (المسألة الخامسة) إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلًا فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف

(المسألة الخامسة) إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلًا فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف (1) و إن كانت الإعادة أحوط و أما إذا كان الترك مع العلم و العمد فالظاهر بطلان طوافه فيجب عليه ان يعيده بعد تدارك الرمي. المسلمين يرمي عنه، فإنه

لا يكون رمى الجمار إلا أيام التشريق «1»

، و لكن بما أن في سندها محمد بن عمر بن يزيد و لم يثبت له توثيق فيشكل رفع اليد بها عن الإطلاق في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل نسي رمي الجمار قال يرجع فيرميها قلت فإنه نسيها حتى أتى مكّة، قال: يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كل رميتين بساعة قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته و خرج، قال: ليس عليه ان يعيد «2»

، فان مقتضى إطلاقها وجوب الرجوع و الإعادة و لو بعد أيام التشريق، و مع عدم تمكّنه لا شي ء عليه. و عليه فالأحوط ان يرجع و يقضي و لو بعد أيام التشريق و يستنيب ايضاً للقضاء عنه في القابل إذا لم يحج، و إلا يقضي بنفسه فان في ذلك جمعاً بين العمل بالروايتين اللتين مقتضى الصحيحة عدم وجوب القضاء في القابل كما تعلم، و أما التفرقة بين الرمي قضاءً و الرمي أداءً يكون الأول في أول النهار و الثاني عند الزوال محمول على الاستحباب لاستحباب الرمي عند الزوال، كما تقدم. (1) يعتبر ان يلزم طواف الحج و سعيه بعد اعمال منى يوم النحر، و يستفاد ذلك من الروايات الواردة في أن الحاج إذا حلق أو قصر حل له كل شي ء إلا الطيب و النساء، و إذا طاف حلّ له الطيب. فان بقاء حرمة الطيب بعد تمام اعمال منى يوم النحر مقتضاه اعتبار كون طواف الحج بعد تلك الاعمال، و يدلُّ على ذلك أيضاً صحيحة محمد مسلم بن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل زار البيت قبل ان يحلق فقال: ان كان زار البيت قبل ان يحلق رأسه و

هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة «3»

و صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللَّه عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق

[3 الذبح و النحر في منى
اشارة

3 الذبح و النحر في منى و هو الخامس من واجبات حج التمتع و يعتبر فيه قصد القربة (1) و الإيقاع في النهار و لا يجزيه الذبح أو النحر في الليل و إن كان جاهلًا، نعم يجوز للخائف الذبح و النحر في لليل و يجب الإتيان به بعد الرمي، و لكن لو قدمه على الرمي جهلًا أو نسياناً صح و لم يحتج إلى الإعادة. قال: لا ينبغي له الّا ان يكون ناسياً ثم قال: ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتاه أناس يوم النحر فقال: بعضهم يا رسول اللَّه اني حلقت قبل ان أذبح و قال: بعضهم حلقت قبل ان أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي ان يؤخروه إلا قدموه قال: لا حرج «1»

و يستفاد من التعبير «بلا ينبغي الا ناسياً» و كذا من قوله (عليه السّلام) و هو عالم بأنه لا ينبغي الاشتراط، نعم مع النسيان و الجهل فالطواف المقدم محكوم بالصحة كما هو ظاهر صحيحة جميل، و أما ما ورد في عدم جواز تقديم المتمتع الطواف و السعي على الوقوفين، فظاهره ان لا يقطع الطواف و السعي قبلهما لا أن يقعا بعد اعمال منى، بقي في المقام أمر هو أن نسيان بعض الرمي كنسيان كلّه، فان تذكر بالنقص فعليه تداركه فان كان المنسي أقل من الثلاثة يعيد الرمي بسبع رميات مع فوف الموالاة بقصد الأعم من التمام و الإتمام و إن كان أكثر يعيدها بقصد الإعادة، و أما إذا لم يفت

الموالاة يتمّ الناقص على كل تقدير، و الدليل على اعتبار الموالاة في رمي جمرة العقبة ما تقدم من أن الظاهر كونه عملًا واحداً يؤتى به بحيث لا يخرج عن وحدته عرفاً، و تخلل عدم إصابة بعض الرميات لا يوجب الخلل في الموالاة العرفية كما هو ظاهر، بل يستفاد ذلك من بعض الروايات المتقدمة في فرض عدم الإصابة. (1) قد تقدم ان رمي جمرة العقبة و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير من واجبات الحج المعتبر وقوعه عبادة، فيعتبر قصد التقرب في الحج أي في أجزائه،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 182

.......... و يجب ذبح الهدي أو نحره يوم النحر على المتمتع بلا فرق بين كون التمتع واجباً كحجة الإسلام بالإضافة إلى الآفاقي أو لكون المتمتع مكياً أو نائباً، و يشهد لذلك مثل صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) الى ان قال: فقلت: فما المتعة، فقال: يهل بالحج في شهر الحج فاذا طاف بالبيت فصلى ركعتين خلف المقام و سعى بين الصفا و المروة و قصر و أحل، و إذا كان يوم التروية أحرم بالحج و نسك المناسك و عليه الهدي «1»

، الحديث. فإنها بالإطلاق تعم جميع من ذكر، و اسم الإشارة في الآية المباركة ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إشارة إلى الشرط في القضية الشرطية من قوله سبحانه فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ يعتبر التمتع بالعمرة إلى الحج وظيفة البعيد من المسجد الحرام، و لا يكون إشارة إلى الجزاء. لا يكون مفاد الآية ان المتمتع يكون عليه الهدي إذا لم يكن اهله من حاضري المسجد الحرام، و يفصح عن ذلك الروايات الواردة في تفسير الآية المباركة كالصحيح

عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ليس لأهل مكة و لا لأهل مر و لا لأهل سرف متعة «2»

و ذلك لقول اللَّه عزّ و جلّ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و نحوها غيرها، فما عن الشيخ (قدّس سرّه) في المبسوط من اختصاص وجوب الهدي على من تمتع من البعيد لا يمكن المساعدة عليه و وجوبه يوم النحر بمعنى عدم جوازه قبله بلا خلاف ظاهر، و يستثنى الخائف على نفسه على ما تقدم في الرمي، حيث ذكرنا جواز ذبح الخائف على نفسه أو نحره ليلًا أي قبل طلوع الشمس، و يشهد لذلك صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: بأس ان يرمي الخائف بليل و يضحي و يفيض «1»

، و صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الخائف انه لا بأس ان يضحي بليل و يفيض بليل «2»

و قد تقدم ان رمي الجمرة يكون بين طلوع الشمس

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 183

.......... و غروبها، و حيث يعتبر وقوع الذبح و النحر بعد الرمي فلا بد من وقوعه بعد طلوع الشمس من يوم النحر، و في صحيحة معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا رميت الجمرة فاشتر هديك «1»

الحديث و نحوها غيرها، مع ان تسمية ذلك اليوم بيوم النحر اما لتعين النحر فيه أو لعدم جواز تقديمه على ذلك اليوم المعبر في بعض الروايات بيوم الحج الأكبر، و قد تقدم أنه يستفاد ايضاً اعتبار تأخير الذبح عن رمي الجمرة يوم الأضحى من صحيحة جميل كلزوم الحلق عن الرمي و الذبح، نعم المستفاد من تلك

الصحيحة و غيرها أنه لو قدم الذبح على الرمي جهلًا و نسياناً أجزأ قال: أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق قال: لا ينبغي الا ان يكون ناسياً ثم قال ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتاه ناس يوم النحر فقال: بعضهم يا رسول اللَّه اني حلقت قبل ان أذبح قال: بعضهم حلقت قبل ان أرمي فلم يتركوا شي ء كان ينبغي ان يؤخروه إلا قدموه و لا شيئاً ينبغي لهم ان يؤخروه إلّا قدموه فقال: حرج «2»

و أيضاً و قد ذبح و نحر فيه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ثم انه هل يتعين الذبح أو النحر فيه أو يجوز تأخيره الى انقضاء أيام التشريق أو الى آخر ذي الحجة فلا ينبغي التأمل التأمل في جواز التأخير و لو الى آخر ذي الحجة مع العذر، بل ظاهر بعض الأصحاب من القدماء و المتأخرين جواز التأخير مطلقاً و يشهد لجوازه مع العذر صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و أمر من يشترى له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضى ذو الحجة آخر ذلك الى قابل من ذي الحجة «3»

، نعم اللازم الالتزام بكونه واجداً قبل أيام التشريق قبل القضاء يوم النفر الثاني، و لا تكون وظيفته الصوم لما ورد في موثقة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السّلام): قال سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 184

.......... وجد ثمن شاة، أ يذبح

أو يصوم قال: يصوم فإن أيام الذبح قد انقضت «1»

فان المراد من النفر يوم الثاني بقرينة مضى أيام الذبح فيكون مفادها تعين الصوم فيما لم يتمكن من الهدي لفقده ثمنه الى آخر اليوم الثاني عشر، و وجوب الهدي أو إيداع الثمن على من كان واجداً لثمن الهدي قبل انقضاء ذلك اليوم، و على الجملة مفاد الموثقة ان أيام الذبح في منى ثلاثة أيام، يوم النحر و يومين بعده، و إن كان أيام التشريق التي لا يجوز صومها لمن كان بمنى ثلاثة أيام بعد يوم النحر، نعم روى الشيخ في التهذيب في الزيادات في فقه الحج بإسناده عن الحسن بن علي بن فضال عن عبيس بن كرام عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل تمتع و لم يجد الهدى و لم يصم الثلاثة حتى إذا كان بعد النفر وجد ثمن شاة، أ يذبح أو يصوم، قال: لا، بل يصوم فإن أيام الذبح قد مضت «2»

و لا ينافي ما تقدم، لانه لا دليل على اتحاد الروايتين فيمكن أن يسأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) وجدان الهدى بعد النفر و مسألة أخرى عما إذا وجد ثمن الهدى يوم النفر الثاني بل و يستفاد كون أيام الذبح ثلاثة أيام من صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) حيث ورد فيها قال: و قال: إذا وجد الرجل هدياً ضالّاً فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث «3»

بناء على ان المراد ثالث من يوم النحر كما لا يبعد، لا الثالث من بعد يوم النحر ليساوي أيام التشريق.

و أما صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال سألته عن

الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام و عن الأضحى في سائر البلاد؟ قال: ثلاثة أيام «4»

، فمضافاً الى معارضتها بظاهر ما دل على ان الأضحى ثلاثة أيام بمنى كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: الأضحى يومان بعد يوم النحر و يوم واحد بالاحصار «5»

محمولة على الهدي المستحب، و نحوها موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللَّه،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 185

.......... و يدلُّ ايضاً على كون أيام الذبح ثلاثة أيام من يوم النحر حسنة كليب الأسدي قال سألت: أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن النحر فقال اما بمنى ثلاثة أيام و أما في البلدان فيوم واحد «1»

، و نحوه معتبرة منصور بن حازم: قال سألته عن النحر بمنى قال: ثلاثة أيام فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضى الثلاثة الأيام و النحر بالأمصار يوم فمن أراد ان يصوم صام من الغد «2»

، و لا بد من حمل قوله (عليه السّلام) لم يصم حتى تمضي ثلاثة أيام على من لا يجد الهدي فإنه يجوز الهدي فإنه يجوز له الصوم يوم النفر الثاني إذا لم يصم من قبل، و كيف ما كان فالأحوط مع التمكن من الذبح يوم النحر ان لا يؤخره إلى اليوم الثاني و الثالث و إن تمكن من اليوم الثاني أو الثالث ان يؤخره الى ما بعدهما، نعم إذا كان واجداً لثمن الهدي و لم يتمكن من الذبح في تلك الأيام فله ان يؤخره إلى آخر ذي الحجة على ما تقدم و حيث يعتبر وقوع الذبح أو النحر في منى و قد دلت غير واحدة من الروايات ان محل الهدي الواجب للمتمتع بمنى، و منها صحيحة منصور بن

حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال: ان كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه «3»

، و ما ورد في الخائف انه يرمي من الليل و يذبح و يفيض أي يخرج من منى الى غير ذلك مما لا ينبغي التأمل في ان مذبح الهدي هو منى الا مع العذر كنسيانه و تذكره في مكة، كما يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل نسي أن يذبح بمنى حنى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح فقال لا بأس به قد أجزاء عنه «4»

، بناء على كون مراد السائل الذبح بمكة بدعوى قرينة الشراء بمكة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 186

و يجب ان يكون الذبح أو النحر بمنى و إن لم يكن ذلك، (1) كما قيل انه كذلك في زماننا لأجل تغيير المذبح و جعله في وادي محسر، فان تمكن المكلف من التأخير و الذبح أو النحر في منى و لو كان ذلك الى آخر ذي الحجة حلق أو قصر و أحل بذلك و أخر ذبحه أو نحره، و ما يترتب عليهما من الطواف و الصلاة و السعي و إلا جاز له ان يذبح في المذبح الفعلي و يجزيه ذلك. (1) في أفعال منى الذبح و النحر فيه إذا لم يكن الذبح في منى كما قيل انه كذلك في زماننا لكون المذبح المعين في وادي محسر، فان تمكن المكلف من التأخير و الذبح أو النحر في منى و لو كان ذلك الى آخر ذي الحجة حلق

أو قصر يوم النحر بعد الرمي و أحلّ بذلك، و أخر ذبحه أو نحره و أخر و ما يترتب على الذبح و النحر من الطواف و الصلاة و السعي، و ذلك فإنه لا يحتمل سقوط الهدي عن المكلف المفروض، و الاكتفاء ببدله و هو الصوم. لأن الصوم بدل الهدي ممن لا يجد الهدي لا ممن يجده و لا يتمكن من ذبحه أو نحره في خصوص منى يوم العيد، و قد تقدم في ما سبق جواز تأخير الذبح أو النحر الى اليومين من بعد يوم النحر أو الى آخر أيام التشريق أو حتى الى آخر ذي ذي الحجة مع استمرار العذر، كمن يجد ثمن الهدي و لكن لا يحصّل الهدي، و على الجملة فالمراد من لا يجد الهدي من لا يتمكن من تحصيل الحيوان للفقد المالي قبل انقضاء أيام الذبح أو أيام التشريق، و أما القادر على تحصيله من حيث القدرة المالية قبل انقضاءها فهو مكلف بالهدي و لو بإيداع الثمن، و بما أن ترتب الحلق أو التقصير على الذبح و النحر يختص بما إذا لم يكن مقدوراً في تأخير الذبح لجهله أو نسيانه أو عدم تمكنه من الذبح فيه جاز له ان يحلق أو يقصر يوم العيد و تحل له ما كان يحل للمحرم بالحلق أو التقصير، و على الجملة الحلق أو التقصير كرمي الجمرة من واجبات الحج

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 187

.......... يوم النحر ترتبهما على الذبح و النحر فيما إذا كان الذبح و النحر مشروعاً في حقّه و تمكن منه في ذلك اليوم، و إذا تعين له تأخير ذلك سقط اعتبار الترتب، و إذا حلق أو قصر مع تأخير

الذبح أو النحر للعذر جاز له كل ما كان يحرم عليه بإحرامه إلا الطيب و النساء، لقوله (عليه السّلام) في حسنة حمران قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له قال كل شي ء إلا النساء و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب «1»

، و ظاهرها مضافاً الى ما ذكر لزوم الإتيان بالرمي و الذبح و الحلق أو التقصير في ذلك اليوم فان ظاهر يوم النحر هو اليوم العاشر من ذي الحجة و إذا وجب فيه التقصير و جاز بل وجب تأخير الذبح، سقط اشتراط ترتب الحلق و التقصير على الذبح المستفاد من قوله (عليه السّلام) في موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل حلق قبل ان يذبح قال يذبح و يعيد الموسى لان اللَّه تعالى يقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «2»

، نعم قد تقدم ان المستفاد من صحيحة جميل بن دراج و صحيحة محمد بن حمران ان اعتبار الترتب يختص بغير حال النسيان و الجهل، و عليه تحمل مثل الموثقة على العالم العامد مع تمكنه من الذبح قبله، كما ان مقتضى النهي في الآية فرض التمكن و عدم العذر في تأخير الذبح و النحر على ما تقدم، أو يُحمل ما ورد في الموثقة على الاستحباب ان لم يمكن حملها على خصوص العالم العامد فيكون اعادة الموسى بامراره على الرأس مستحباً للجاهل و الناسي، و ما ذكر في المتن من أنه إذا أحل المعذور من الذبح و النحر يوم العيد يؤخر طوافه و سعيه الى ما بعد الذبح، ينبغي ان

يكون احتياطاً مستحباً فيما إذا ذبح أو نحر قبل انقضاء أيام الذبح و النحر أو أيام التشريق، لان جواز الطواف و السعي مترتب على الحلق و التقصير و المفروض ان المكلف حلق أو قصر

[مسائل الذبح و النحر]
[ (المسألة الأولى) الأحوط ان يكون الذبح أو النحر يوم العيد]

(المسألة الأولى) الأحوط ان يكون الذبح أو النحر يوم العيد (1) و لكن إذا تركهما يوم العيد لنسيان أو لغيره من الأعذار أو الجهل بالحكم لزمه التدارك الى آخر يوم النفر الأوّل، يوم العيد، كما يستفاد ذلك مما تقدم في اعمال منى و في صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن امرأة رمت و ذبحت و لم تقصّر حتى زارت البيت فطافت و سعت من الليل ما حالها أو ما حال الرجل إذا فعل ذلك قال لا بأس به يقصّر و يطوف بالحج ثم يطوف للزيارة و قد أحل من كل شي ء «1»

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل زار البيت قبل ان يحلق، فقال: ان كان زار البيت قبل ان يحلق رأسه و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة «2»

و على الجملة انما تقتضي الروايات و الآية ترتب التقصير و الحلق على الذبح و النحر في فرض التمكن و عدم العذر في تأخير الذبح، كما أن مقتضى الروايات تحقق الإحلال بالحلق و التقصير يوم العيد و إن لم يذبح لعذر و أنه إذا حلق أو قصّر مع تركه الذبح و النحر مع العذر جاز له طواف الحج و ترتب الطواف على النحر و الذبح المشروعين، و لو في أي يوم من ذي الحجة لم يثبت.

و ذلك لعدم سقوط الهدي الواجب على المتمتع في قوله سبحانه

فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ بعدم التمكن من ذبحه أو نحره في منى مضافاً الى ما يستفاد من بعض الروايات من ان وادي محسّر بحكم منى إذا كان وقت الزحام، و إذا جاز المبيت فيه مع تعذر المبيت في منى أو كونه حرجاً، مع ان المبيت ليس من الفريضة فكيف يحتمل سقوط الهدي مع عدم التمكن من الذبح في منى. (1) مسائل الذبح و النحر قد ذكرنا أنه يستفاد لزوم الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير يوم العيد من حسنة حمران قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحاج غير المتمتع ما يحل له يوم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 189

و إن لم يرتفع العذر جاز تأخيره إلى زوال العذر و لو في آخر ذي الحجة، فإن تذكّر أو علم بعد الطواف و تداركه لم يجب اعادة الطواف بخلاف (1) ما إذا تركه عالماً عامداً، فطاف فالظاهر بطلان طوافه و يجب عليه اعادته بعد تدارك الذبح، و قد تقدم أنه إذا لم يكن متمكناً من الذبح أو النحر يوم العيد فحلق أو قصّر فالأحوط أن يؤخر الطواف و السعي الى ان يذبح في أيام الذبح أي إلى آخر يوم من أيام النفر النفر فان استمر العذر جاز له الطواف و السعي. النحر، قال: كل شي ء إلا النساء و عن المتمتع ما يحل له، قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب «1»

، و حيث ان مجرد دخول يوم العيد لا يوجب الحلية فالمراد فرض أمثال التكليف في ذلك اليوم، بان يكون على المكلف الإتيان به من خصوص ذلك اليوم، و إلا يجوز الإتيان الطواف الحج و السعي

في يوم النحر ايضاً و على الجملة ظاهر يوم النحر في مقابل أيام النحر هو يوم العيد فيستفاد من الحسنة تعين الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير في ذلك اليوم، فيكون ما ورد من ان أيام النحر بمنى ثلاثة ناظراً الى المعذور في ذلك اليوم، و أما احتمال انه حاكم على الذبح و النحر يوم العيد حتى بالإضافة إلى المختار ضعيف، لقوله (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا رميت الجمرة فاشتر هديك «2»، و في صحيحة سعيد الأعرج الواردة في الترخيص للنساء في الإفاضة من المشعر الحرام ليلًا ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن «3» فان مقتضى القضية الشرطية ترتب التقصير الواجب يوم العيد على الذبح فيه. (1) لما تقدم من ان ترتب الطواف على الذبح و الحلق يسقط عند الجهل و النسيان، لما ورد في صحيحة جميل بن دراج و صحيحة محمد بن حمران، بخلاف ما إذا كان عن عمدٍ فإنه مقتضى صحيحة علي بن يقطين اعادة الطواف بعد الحلق أو

[ (المسألة الثانية) لا يجزي هدي واحد إلّا عن شخص واحد]

(المسألة الثانية) لا يجزي هدي واحد إلّا عن شخص واحد (1).

[ (المسألة الثالثة) يجب ان يكون الهدي من الإبل أو البقر أو الغنم

(المسألة الثالثة) يجب ان يكون الهدي من الإبل أو البقر أو الغنم و لا يجزئ من الإبل إلا ما أكمل السنة الخامسة. التقصير و عليه كفارة شاة كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، و قد ذكرنا ان الأحوط رعاية ترتب الطواف على الذبح الى آخر يوم النفر الأول و إن كان فيه ما تقدم، و بعدها يطوف و يسعى و يتم حجه فان تمكن من الهدى في منى و لو الى آخر ذي الحجة يجب فيها إذا كان واجداً لثمنه قبل انقضاء أيام الذبح، و إلا يقضي الهدي في السنة الآتية و لو بالاستنابة كما و يستفاد ذلك مما ورد في استيداع الثمن عند بعض أهل مكة. (1) المشهور على ما صرح به جماعة عدم إجزاء الهدي الواحد الا عن واحد، و ذكر بعض إجزاء الهدي عن خمسة أو سبعة أو أكثر عند الضرورة. و يشهد لما عليه المشهور طاهر الآية المباركة من قوله سبحانه فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ حيث ان الهدي يطلق على الحيوان و الميسور من الحيوان المفسر بالشاة على كل متمتع، و قد ورد في صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قوله اللَّه تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ قال شاة «1» و روى الشيخ (قدّس سرّه) في الصحيح عن زرارة بن عين عن أبي جعفر (عليه السّلام) في المتمتع، قال: عليه الهدي قلت: و ما الهدي قال: أفضله بدنه و أوسطه بقرة و آخره شاه «2»، و يدلُّ ايضاً على عدم الاجزاء الا عن واحد،

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: لا يجوز البدنة و البقرة الا عن واحد بمنى «3»، فإنه إذا لم يجزئ البدنة و البقرة يكون عدم الاجزاء في الشاة أوضح، و صحيحة محمد بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن النفر تجزيهم البقرة قال: اما في الأضحى فنعم «4»، فإن المقابلة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 191

.......... بين الهدي و الأضحية في الأضحى و التفرقة بينهما بعدم الاجزاء في الأول و جواز الاشتراك في الثاني مقتضاه عدم جواز الاشتراك في الهدي الواجب على المتمتع، و ربما قيل بالاجزاء مع كون الهدي بدنه أو بقرة بل مطلقاً عند الضرورة، لما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يجزي البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد «1»، و في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم يتمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و ضربهم واحداً، لهم ان يذبحوا بقرة قال: لا أحب ذلك الا من ضرورة «2»، و في حسنة حمران قال: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مأة دينار فسئل أبو جعفر (عليه السّلام) عن ذلك فقال اشتركوا فيها قال قلت كم قال ما خف فهو أفضل قال فقلت عن كم يجزي، فقال: عن سبعين «3»، و لكن لا يخفى ان صحيحة معاوية بن عمار غايتها أنها بالإطلاق تدل على جواز الاشتراك حتى في الهدي الواجب فيرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى الهدي الواجب، لما ورد التفضيل بين الهدي و

الأضحية في صحيحة محمد بن علي الحلبي، و لو فرض المعارضة بينهما بالعموم من وجه بدعوى ان صحيحة محمد بن علي الحلبي و إن كانت مختصة بالهدي الواجب الا انها مطلقة من جهة كون الشركاء من أهل خوان واحد و عدمه، و صحيحة معاوية بن عمار أيضاً مختصة بما إذا كانوا من أهل خوان واحد و مطلقة من جهة كون الهدي واجباً أو مستحباً فنقع المعارضة بين الإطلاقين في مورد اجتماعهما، و هو ما إذا كان الهدي الواجب من الشركاء في خوان واحد فيتساقطان فيرجع الى الإطلاق في الآية و الروايات الواردة فيها، ان على المتمتع هدى المفسر بالبدنة و البقرة و الشاة على ما تقدم، و مما ذكرنا يظهر الحال في حسنة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 192

دخل في السادسة (1) و لا من البقر و المعز الا ما أكمل الثاني على الأحوط و لا يجزي من الضأن إلا ما أكمل الشهر السابع و دخل في الثامن و الأحوط ان يكون قد أكمل السنة الواحدة و دخل في الثانية. حمران حيث لم يفرض فيها ان من كان يريد الشركة في البدن حاجّ بحج التمتع، فغايتها الإطلاق فيكون معارضاً مع إطلاق صحيحة محمد بن علي الحلبي الدالة على اعتبار الاستقلال في الهدي حتى في صورة عزت البدنة فيتساقطان فيرجع الى الآية و الروايات الدالة على اعتبار الهدي في حج التمتع، و مع عدم التمكن تنتقل الوظيفة إلى الصيام، و أما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المفروض فيها كون حجتهم حج التمتع فغايتها جواز الاشتراك مع الضرورة في الإبل و البقرة، و لا يمكن التعدي إلى الاشتراك في الشاة فمع تمكن المكلف من الهدي

بشاة، لا يجوز الاشتراك فيها بل لا تكون في البين ضرورة، و مع عدم التمكن منها لا بأس بالالتزام بانتقال الوظيفة إلى الصوم، و إن كان الأحوط الجمع بين الشركة في الهدي و الصيام على ما يأتي. (1) في الأصناف المعتبرة في الهدي يجب ان يكون الهدي من الأنعام الثلاثة الإبل و البقر و الغنم بلا خلاف نصاً و فتوى، بل ظاهر قوله سبحانه ايضاً كذلك يقول اللَّه عزّ و جلّ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ حيث ان بهيمة الأنعام تطلق على الإبل و البقر و الغنم خاصة، أو المراد منها في المقام خصوص ما ذكر بقرينة الأمر على الحاج بالذبح و الأكل منها، فلا نعم مثل الغزال و الطيور ما لا يجوز للمحرم صيده و لا الأكل منه، بل لا يجوز صيد الحرم مطلقاً كما لا يعم الحمار و الفرس و البغل لأنها لا تعد من الرزق للأكل منها، و قد تقدم في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 193

.......... صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في التمتع قال: و عليه الهدي قلت: و ما الهدي فقال: أفضله بدنة و أوسطه بقرة و آخره شاة «1»، و لا خلاف أيضاً في اعتبار السن في الأنعام الثلاثة بمعنى يعتبر ان لا يكون عمر الحيوان أقل من ذلك المقدار المعتبر، و أما الزائد على ذلك فلا يضر. و بتعبير آخر التحديد في ناحية الأقل، و في صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن علي (عليه السّلام) أنه كان يقول المثنى من الإبل و المثنية من

البقر و الثنية من المعز و الجذعة من العنان «2»، و المراد من ثني الإبل ما أكمل السنة الخامسة و دخل في السادسة، و أما الثني من البقر و المعز فهو ما أكمل سنته الاولى و دخل في الثانية أو أكمل السنة الثانية و دخل في الثالثة، و القدر المتيقن من التقيد الوارد لصحيحة زرارة ما لم يدخل في السنة الثانية، و أما في اعتبار الزائد يؤخذ في نفيه بالإطلاق كما هو المقرر في موارد إجمال خطاب المقيد المخصص، و مع الإغماض عن ذلك جاز الاكتفاء بالقدر اليقين كما هو مقتضى أصالة البراءة عن اعتبار الزائد على ما هو المقرر في دوران أمر الواجب بين الأقل و الأكثر و المطلق و المشروط، و على الجملة ظاهر صحيحة عيص بن القاسم اعتبار الثني في كل من الإبل و البقر و المعز و المعتبر في الضأن الجذعة، و يفسر الثني في الإبل ما أكمل السنة الخامسة و دخل في السادسة، و يقال الثني من البقر و المغز ما أكمل السنة الثانية و دخل في الثالثة، و يقال الثني باعتبار إسقاط ثنيتهما فيها، و في بعض الكلمات بل عن غير واحد ما أكمل السنة الأولى و دخل في الثانية، و الاحتياط طريقه ظاهر لما تقدم من ان التحديد من ناحية أقل السن فقط و ذكرنا ان مقتضى الإطلاق بل و أصالة البراءة الاكتفاء بالداخل في السنة الثانية، و المراد من الجذع من الضأن هو الداخل في الشهر السابع أو ما أكمل السابع و دخل في الثامن أو ما لم يتم له سنة أو كان له سنة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 194

.......... الى غير ذلك مما

ذكر في كلمات أهل اللغة و الأصحاب، و يستفاد من صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه الجذع يكون أصغر من الثني قال سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول فيجزي من الضأن و لا يجزي من المعز إلا الثني «1»، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال و يجزي في المتعة الجذع و لا يجزي الجذع من المعز بل و تفسير الجذع بما تم له سنة خلاف المعروف عند الأصحاب و أهل اللغة و مقتضى الإطلاق الاكتفاء من الضأن بما تم له ستة أشهر حيث ان اعتبار الزائد لم يثبت، الا ان الاحتياط ما ذكر في المتن بل الأحوط منه مراعاة إكمال السنة، ثم انه قد ورد في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الإبل و البقر أيّهما أفضل ان يضحى بها قال: ذوات الأرحام و سألته عن أسنانها فقال: اما البقر فلا يضرّك بأي أسنانها ضحيت و أما الإبل فلا يصلح إلا الثني في فوق «2» و قوله (عليه السّلام) في البقر فلا يضرك بأي أسنانها ضحيت ينافي ينافي ما ورد في صحيحة عيص و غيرها من كون البقر و المعز ثنتين، حيث ان ظاهره عدم اعتبار السن في البقر بل في معتبرة محمد بن حمران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في أسنان البقر تبيعها و مسنها في الذبح سواء «1»، و يقال لولد البقرة في أول سنة عجل ثم تبيع ثم جذع تم ثنّى فاعتبار كون البقر ثنياً في الهدي ينافي ما ورد في المعتبرة من أجزاء تبيع، و لكن لا يخفى ان المنافاة لو

بنى على ان الثني ما أكمل الثانية و دخل في الثالثة، و أما إذا قلنا انه ما أكمل السنة الأولى فيتحد مع التبيع، حيث ذكروا في الزكاة ان التبيع ما أكمل السنة الأولى و قد تقدم ان الثابت من اعتبار الثني في البقر و المعز إكمال السنة الأولى و الدخول في الثانية، و أما ما في صحيحة الحلبي فلا يضّر بأي أسنانها ضحيت، فظاهرها ان الأسنان المعتبرة في الإبل غير معتبر في البقر فلا ينافي أن يقيد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 195

و إذا تبين له بعد الذبح في الهدي انه لم يبلغ السّن المعتبر فيه لم يجزئه (1) ذلك و لزمته الإعادة و يعتبر في الهدى ان يكون تام الأعضاء (2) فلا يجزئ الأعور و الأعرج و المقطوع اذنه و المسكور قرنه الداخل و نحو ذلك. إطلاقها بالثني الوارد، في صحيحة العيص و غيرها المعتبر في ناحية المعز أيضاً بأن يكمل السنة الأولى و الثانية و دخل في الثانية و الثالثة على قرار ما تقدم، و أمّا ما يقال من ان عنوان البقر لا يصدق على ولد البقر ما لم يكمل سنته الاولى، فيقال لولدها فيه عنوان العجل لا يمكن المساعدة عليه، فان عنوان العجل كعنوان تبيع لا ينافي صدق عنوان البقر المراد به أحد الأنعام الثلاثة أي جنس تلك الانعام. (1) و ذلك لعدم الفرق في اشتراط ما تقدم من السن من الحيوان بين صورة الجهل و العلم، كما هو مقتضى صحيحة عيص و غيرها، و على الجملة الاجزاء عند الجهل يكون ما لأخذ العلم بالسن و الاعتقاد به أو لقيام دليل على الاجزاء في صورة فقد الأمر المعتبر عند الجهل

بفقده، و شي ء منهما غير محقق في اشتراط السن في الهدي فيلزم اعادته. (2) يعتبر في الهدي ان يكون تام الأعضاء خال من العيب بلا خلاف معروف أو منقول، و يشهد لذلك صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) انه سأل عن الرجل يشتري الأضحية عور أو لا يعلم عورها إلّا بعد شرائها هل تجزي عنه قال نعم الّا ان يكون هدياً واجباً «1»، فإنه يجوز ناقصاً، و معبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال: رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يضحي بالعرجاء بيّن عرجها و لا بالعوراء بين عورها و لا بالعجفاء و لا بالخرقاء و لا بالجرباء و لا بالجذعاء و لا بالغضباء مكسورة القرن و الجذباء المقطوعة الأذن «2».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 196

.......... في عدم أجزاء الخصي في الهدى الواجب ايضاً العجفاء المهزولة من الناقة التي بلغت غاية الهزال و الخرقاء ما كان في اذنه خرق أي قطع أو ثقب و الجرباء ما كان فيه داء الجرب و ذكرنا بان عدم الاجزاء في المكسور قرنه بكسر القرن الداخل لما ورد في صحيحة جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الأضحية بكسر قرنها قال ان كان القرن الداخل صحيحاً فهو يجزي «1»، و فيما رواه الشيخ (قدّس سرّه) في الصحيح عن جميل بن دارج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في المقطوع القرن و المكسور القرن إذا كان القرن الداخل صحيحاً فلا بأس و إن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعاً «2» و مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق بين الهدي الواجب و غيره، بل لا يضّر

كسر القرن الداخل في غير الواجب لقوله (عليه السّلام) الّا ان يكون هدياً واجباً فإنه لا يجوز ان يكون ناقصاً، و القرن الداخل هو الأبيض الذي في وسط الخارج من ناحية الرأس.

و لا يخفى ان المستفاد من صحيحة علي بن جعفر عدم النقص في الحيوان من حيث الأعضاء معتبراً في الهدي سواء عاش الحيوان مع ذلك النقص أم لا، و كذا يستفاد منها، و من معتبرة السكوني اعتبار عدم النقص من حيث الصفات، حيث ذكر في الصحيحة العور و طبق عليه عنوان النقص. و ورد في السكوني و إن كانت العيوب الخاصة، الا ان المستفاد من صحيحة علي بن جعفر اعتبار عدم النقص في الحيوان حتى من حيث الصفات، و لكن مع ذلك وقع الكلام في أجزاء الخصي في الهدى الواجب، و المشهور على ما قيل يلتزمون بعدم الاجزاء، و إن صرّح جماعة بالإجزاء إذا لم يوجد غيره، كما ان المحكي عن بعض الكراهة و إن وجد غيره و يستدل على المنع بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام): قال سألته عن الأضحية بالخصي،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 197

.......... قال: لا «1» فإنها بإطلاقها تعم الهدى الواجب، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يشتري الهدي فلمّا ذبحه إذا هو خصي مجبوب، و لم يعلم ان الخصي لا يجزى في الهدى هل يجزيه أم يعيده قال لا يجزيه الا ان يكون لا قوة به عليه «2»، حيث ان ظاهرها عدم الاجزاء حتى في صورة الجهل مع تمكنه من غيره، و لكن يظهر من بعض الروايات أجزاء الخصي و إن كان الأفضل اختيار غيره، و

قد روى الشيخ بإسناده في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: النعجة من الضأن ان كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن، و قال الكبش السمين خير من الخصي و من الأنثى و قال: سألته عن الخصي و عن الأنثى قال الأنثى أحب الي من الخصي «3»، فان التعبير بالأفضل و الأحب ظاهره الاجزاء في الكل، فيمكن حمل النهي في صحيحة محمد بن مسلم على الأفضلية و عدم الكمال في الاجزاء، و لكن هذه الصحيحة و نحوها بإطلاقها تعم الهدي الواجب، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ناظرة إلى الهدي الواجب فلا بد من الالتزام بعدم الاجزاء الّا في فرض شراء الخصي جهلًا و لا يكون له تمكن من شراء غيره، و ثانيها انه لم يجد من الأول غير الخصي، حيث يستفاد الجواز في الأوّل من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة، و في الثاني ما في ذيل صحيحة معاوية بن عمار قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) اشتر فحلًا سميناً للمتعة فان لم تجد مرجوءاً فان لم تجد فمن فحولة المعز، فان لم تجد فنعجة، فان لم تجد فما استيسر من الهدي، فإن قوله (عليه السّلام) فان لم تجد فما استيسر من الهدي «4»، ظاهره الجواز مع عدم وجدان غيره، و يظهر من الصحيحة جواز المرجوء هدياً حتى مع التمكن من غيره حيث ذكر (عليه السّلام) تقديمه على فحولة المعز مع ان المعز مجزئ في الهدي مع

[مسائل الهدي
[ (المسألة الأولى) إذا اشترى هدياً معتقداً سلامته معيباً بعد فقد الثمن

(المسألة الأولى) إذا اشترى هدياً معتقداً سلامته معيباً بعد فقد الثمن فالظاهر جواز الاكتفاء به (1). التمكن من شراء الفحل من الضأن، و هل يلحق المرضوض الخصيتين و المجبوب بالخصي أو بالموجوء

مقتضى صحيحة علي بن جعفر المتقدمة عدم الجواز، و إن يقال ان الحيوان الذي يراد منه أكل لحمه لا يعد حتى خصاه نقصاً فما ورد فيه النهي مع عدم عدّ ما فيه نقصاً، بهذا اللحاظ يؤخذ به لكونه مقطوع الاذن، حيث ورد النهي عنه في معتبرة السكوني و يلتزم في غيره بالجواز عليه فلا بأس بما يكون مشقوق الاذن و مثقوبها، و ما تقدم في المهزول قد يقال ان المعيار في الهزل ان لا يكون على كليته شحم، و قد ورد ذلك في خبر الفضل و يناقش في سنده و يقال المراد ان لا يقال عرفاً انه مهزول، فهذا المقدار يكفي في الاجزاء كان على كليتيه شحم أم لا، و لكن ما ورد في انه إذا اشترى مهزولًا فوجده سميناً أو بالعكس و ربما يشير إلى الأوّل، و كيف ما كان فاشتراط السلامة و عدم النقص في الهدي على ما تقدم معتبر في صورة التمكن من الصحيح و عدم الناقص، و إلا فمع عدم لتمكن الّا من الناقص مع صدق عناوين الأنعام الثلاثة لا تصل النوبة إلى الصيام كما صرّح بذلك جماعة، و يدلُّ عليه ما ورد في ذيل صحيحة معاوية بن عمار و غيرها و من أجزاء ما استيسر من الهدي. (1) مسائل الهدي إذا ظهر العيب في الهدي بعد الشراء يستدل على جواز الاكتفاء بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل يشتري هدياً فكان به عيب عوار و غيره فقال: ان كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه و إن لم يكن نقد ثمنه ردّه و اشترى غيره «1»، و صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)

قال: من اشترى هدياً و لم يعلم انه به عيباً حتى نقد ثمنه ثم علم فقد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 199

.......... تم «1»، حيث ان ظاهرها الاجزاء بعد نقد الثمن حتى فيما إذا كان متمكناً من شراء هدي صحيح آخر، و لكن قد يقال ان الهدي فيهما مطلق يعم الهدي غير الواجب، و ورد في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) أنه سأل عن الرجل يشتري الأضحية عوار فلا يعلم عورها الا بعد شرائها هل تجزي عنه، قال: نعم، الّا ان يكون هدياً واجباً فإنه لا يجوز ناقصاً «2»، فان مقتضى إطلاقها عدم الاجزاء بلا فرق بين العلم بعورها بعد نقد الثمن أو بعد الشراء و قبل نقده، و يجاب عنه بأن الهدي الوارد في صحيحة معاوية بن عمار و إن لم يقيد بالواجب الا ان نظر السائل هو السؤال عن حكم الهدي الواجب، كما ان الهدي الوارد في صحيحة عمران الحلبي مقتضي انصرافه الى الواجب، و على ذلك فالنسبة بين صحيحة علي بن جعفر و صحيحة معاوية بن عمار العموم من وجه، فإن صحيحة معاوية بن عمار فرض فيها نقد الثمن و لم يفرض جهل المشتري بالعيب عند الشراء و علمه، فالصحيحة من حيث نقد الثمن خاصة و من حيث الجهل بالعيب عند الشراء مطلقه، و صحيحة علي جعفر بالعكس من حيث الجهل بالعيب عند الشراء خاصة و من حيث نقد الثمن و عدمه مطلقه فيتعارضان في فرض الجهل بالعيب عند الشراء مع نقد الثمن، فمقتضى صحيحة معاوية بن عمار الاجزاء في فرض كلا الأمرين بأن كان جاهلًا بالعيب عند الشراء و نقد الثمن، حيث ذكر (عليه السّلام) في

اجتماع الفرضين فقد تم هديه لا يقال على ما ذكر، فمقتضى صحيحة معاوية بن عمار الاجزاء مع نقد الثمن و لو كان عند الشراء عالماً بالعود و العيب، فإنه يقال مقتضى إطلاقها. و إن كان كذلك الا انه يرفع اليد عن هذا الإطلاق بالتقييد الوارد في صحيحة عمران الحلبي، حيث ان الامام (عليه السّلام) قيد الحكم بالاجزاء و بعد العلم بالعيب عند الشراء، و لكن مع ذلك يبقى اعراض

[ (المسألة الثانية) إذا ذبح الهدي بزعم انه سمين فبان مهزولًا أجزأه

(المسألة الثانية) إذا ذبح الهدي بزعم انه سمين فبان مهزولًا أجزأه (1) و لا يحتاج إلى الإعادة. المشهور عن صحيحة معاوية بن عمار و صحيحة عمران الحلبي، حيث ان الحكم الوارد فيهما بالرد على البائع مع عدم نقد الثمن و تمام الشراء و الهدى مع نقده لا ينطبق على القاعدة، فإنه لو أسقط البائع الخيار عند بيع الحيوان كما لا يبعد بمقتضى قرينة الحال، فلا يمكن رد الحيوان و لو مع نقد الثمن، و إن لم يكن إسقاط الخيار فله الرد في المجلس مطلقاً و لو مع نقد الثمن و حتى مع العلم بالغيب عند الشراء و بعده مع الجهل سواء نقد الثمن أم لا، و لذا يتبادر الى الذهن انه مع نقد الثمن لا يمكن استرداده كثيراً، و لذا يحكم بالاجزاء باعتبار عدم تمكنه من شراء غيره كما ذكر الشيخ (قدّس سرّه).

هذا ما أشرنا اليه ان الموضوع في صحيحة علي بن جعفر الهدي الواجب فإنه لا يكون ناقصاً، و الموضوع في الصحيحين مطلق الهدي، فيؤخذ بإطلاق الحكم في ناحية الأخص سواء كان الحكم في ناحية الآخر أي المطلق مطلقاً أو مشروطاً فلاحظ، و تدبر، فإنه يأتي ان إطلاقات الهدي تعم الهدي الواجب و غيره، فيمكن

حملها على المندوب مع قيام الدليل على عدم الاجزاء في الواجب. (1) مسائل الذبح و النحر و يدلّ على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) في حديث قال و إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه «1»، و موثقة منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: و إن اشترى الرجل هدياً و هو يرى انه سمين أجزأ عنه و إن لم يجده سميناً و من اشترى هدياً و هو يرى أنه مهزول فوجده سميناً أجزأ عنه و إن اشترى و هو يعلم انه مهزول لم يجز عنه «2»، و ظاهرهما انه إذا

[ (المسألة الثالثة) إذا ذبح ثم شك في أنه كان واجداً للشرائط حكم بصحته

(المسألة الثالثة) إذا ذبح ثم شك في أنه كان واجداً للشرائط (1) حكم بصحته ان احتمل انه كان محرزاً للشرائط حين الذبح و منه ما إذا شك بعد الذبح انه كان في منى أم كان في محل آخر و أما إذا شك في أصل الذبح فان كان الشك بعد الحلق أو التقصير اشترى هدياً و هو بنظره سمين يجزي عن هديه و إن ظهر أنه مهزول، كما ان ظاهرهما انه إذا اشترى هدياً و هو بنظره مهزول فبان سميناً يجزي عن هديه، و أما إذا اشترى و هو عالم بأنه مهزول فلا يجزي، و التعبير بالعلم في الصورة الأخيرة و بيرى في قبلها ظاهره فرض احتمال السمن في الصورة التي قبل الأخيرة، و أنه إذا ذبحه لهذا الاحتمال فظهر سميناً يجزئ.

و هل المعيار في الاجزاء ظهور الهزال بعد الذبح فيما إذا اشتراه بنظره أنه سمين، بحيث لو ظهر هزاله قبل الذبح و بعد الشراء يجزي، أو أنه لا فرق في ظهور الهزال

بعد الذبح أو بعد الشراء فإنه على كلا التقديرين يجزئ، ظاهر صحيحة محمد بن مسلم الإطلاق و شمولها لكلا الفرضين، و دعوى الانصراف الى الظهور بعد الذبح بلا موجب، الا ان يفسّر السمن بان يكون على كليتيه شحم و لكن التفسير غير ثابت و الملاك الصدق العرفي و ظهوره يكون بعد الشراء و قبل الذبح، كما يكون بعده. بل على التفسير ايضاً ربما يظهر كونه كذلك قبل الذبح، و ما يقال من ان نية الهدي يكون عند الذبح، و ظاهر ما ورد في ذيل صحيحة محمد بن مسلم و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز، يعم ما إذا كان نية الهزال عند الذبح لظهور الهزال بعد الشراء لا يمكن المساعدة عليه، حيث ان ظاهر الصحيحة نية الأضحية عند الشراء و انه إذا كان الشراء مع قصد الهزال و كان هزالًا لا يجزئ. (1) فإنه إذا شك في كونه واجداً للشرائط بعد الفراغ منه فمع احتمال إحرازه الشرائط عند الذبح تجري قاعدة الفراغ، فإنها معتبرة في كل عمل أحرز الإتيان به

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 202

لم يعتن بشكه و إلا لزم الإتيان به و إذا شك في هزال الهدي فذبحه امتثالًا لأمر اللَّه و لو رجاءً، ثم ظهر سمنه بعد الذبح أجزأ.

[ (المسألة الرابعة) إذا اشترى هدياً سليماً فمرض بعد ما اشتراه أو اصابه كسر أو عيب أجزأه ان يذبحه

(المسألة الرابعة) إذا اشترى هدياً سليماً فمرض بعد ما اشتراه أو اصابه كسر أو عيب أجزأه ان يذبحه و لا يلزمه إبداله (1).

[ (المسألة الخامسة) لو اشترى هدياً فضّل اشترى مكانه هدياً آخر]

(المسألة الخامسة) لو اشترى (2) هدياً فضّل اشترى مكانه هدياً آخر، فان وجد الأول قبل ذبح الثاني ذبح الأوّل و هو بالخيار في الثاني. و شك في صحته و فساده بعد الفراغ منه، و أما إذا لم يحرز أصل الذبح بان شك في أنه ذبح أم لا فان كان الشك بعد الدخول في عمل مترتب عليه كالحلق أو التقصير يحكم بالإتيان به كما هو مفاد قاعدة التجاوز، و بعد إحرازه يحكم بصحة الإتيان بكل عمل مترتب عليه كالطواف و السعي الى غير ذلك، و قد تقدم في المسألة السابقة انه إذا ذبح الحيوان (1) و يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل اهدى هدياً و هو سمين فاصابه مرض و انفقأت عينه فانكسر فبلغ المنحر و هو حيّ قال: يذبحه و قد أجزأ عنه «1»، فان كلا من انفقاء العين و الكسر الناشئ منه عيب، و إذا كان حدوثهما غير مانع عن الاجزاء يكون غيرهما من العيب كذلك، لعدم احتمال الفرق. و يؤيد الحكم بل يدلّ عليه ما تقدم من أنه إذا اشترى هدياً به عيب و لم يعلم به عند الشراء، فإن نقد الثمن يجزي. فإنه إذا كان العيب الموجود سابقاً غير مانع عن الاجزاء يكون العيب الحادث اولى بعدم المانعية، و نظير ما ورد في شراء المهزول بظن أنه سمين حيث لا يكون هزاله مانعاً عن الإجزاء، و دعوى أن ظاهر صحيحة معاوية سوق الهدي فيكون هدياً مندوباً يدفعها بان الإهداء

يعّم غيره ايضاً. (2) يقع الكلام في جهتين الاولى انه إذا ضلّ الهدي الذي كان عنده لا يجزي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 203

.......... عن الهدي الواجب عليه، و عليه الهدي الثانية أنه إذا وجد الهدي الضالة فإن كان الوجدان قبل ذبح الثاني ذبح الأول و يكون مخيراً في الثاني بين بيعه أو ذبحه، و إن كان الأحوط ذبحه. و أما إذا كان الوجدان بعد ذبح الثاني يجب ذبح الأول أيضاً على الأحوط، أما الجهة الأولى، فإن مقتضى ما دلّ على أن على المتمتع الهدي يذبحه يوم العيد بعد الرمي في منى على ما تقدم، و لا دليل على ان مجرّد تملك الهدي و كونه في منى يجزي عن الهدي الواجب على المتمتع، نعم ورد في بعض الروايات ما يستظهر منه الاجزاء كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن رجل اشترى هدياً لمتعته فأتى به منزله فربطه ثم انحلّ فهلك، فهل يجزيه أو يعيد، قال: لا يجزيه الا ان يكون لا قوة به عليه «1»، فان ظاهرها الاجزاء عن المتمتع إذا لم يتمكن من شراء غيره، و رواية علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح (عليه السّلام) إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها و صارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله «2»، فان ما ذكر في ذيلها من قوله فقد بلغ الهدي محله قرينة على أن المراد من الأضحية ما على المتمتع من الهدي، و قريب منها مرسلة أحمد بن محمد عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل اشترى شاة فسرقت أو هلكت، فقال: إن كان أوثقها في رحله

فضاعت فقد أجزأت عنه «3»، و لكن الرواية الأخيرة مرسلة بإرسال في مرتبة واسطة أو واسطتين، و دلالتها ايضاً على كون الشاة هدياً واجباً على المتمتع غير ظاهرة و غايتها الإطلاق، و لا مجال لاحتمال أن أحمد بن محمد بن عيسى الذي أدرك زمان الغيبة قد لقي من بعض أصحاب الصادق (عليه السّلام) لطول عمرهما و الوجه في عدم المجال، روايته عن غير واحد فالرواية ضعيفة سنداً لا يمكن الاعتماد عليها أصلًا، و على تقدير الاعتبار دلالتها بالإطلاق فتحمل على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 204

إن شاء ذبحه و إن شاء لم يذبحه و هو كسائر أمواله و الأحوط الاولى ذبحه أيضاً و إن وجد بعد ذبح الثاني ذبح الأول على الأحوط. المندوب لما يأتي، و السابقة عليها و إن كانت من حيث الدلالة تامة الا ان سندها ضعيف بالبطائني.

و أما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فالظاهر ان الاستثناء بقوله (عليه السّلام) الّا ان يكون لا قوة به عليه راجع الى يعيد حيث ان قوله (عليه السّلام) لا يجز به يعني يعيد الهدي الا ان يكون له بالإعادة قوة فيكون ممن لا يجد الهدى و حكمة الصوم على ما يأتي، و كيف كان فمدلول الصحيحة انه مع التمكن من شراء الهدي يتعين عليه الهدي و لا يجزئ ما ضاع أو هلك و أمّا ما في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا عرّف بالهدي ثم ضلّ بعد ذلك فقد أجزأ «1» فقد يقال بان ظهورها إجزاء الهدي إذا دخل بعرفة و إن تلف أو ضل بعد ذلك، و لكن لا يخفى انه لم يفرض فيها كون الهدي واجباً فغايتها

أن إطلاقها يعم الهدي الواجب على المتمتع أو غيره، فيرفع اليد عن إطلاقها حيث تعارضها مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أي رجل ساق بدنه فانكسرت قبل ان تبلغ محلّها أو عرض له موت أو هلاك الى ان قال و إن كان الهدي الذي انكسر و هلك مضموناً فان عليه ان يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك، و المضمون هو الشي ء الواجب عليك في نذر أو غيره، فهذه الصحيحة تدلّ على عدم الاجزاء في الهدي الواجب و مطلقة من حيث دخول الهدي عرفة أم لا، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج مختصة بالداخل بعرفة مطلقة من حيث الواجب و التطوع فيتعارضان في الواجب الذي دخل بعرفة و بعد سقوطهما يرجع الى المطلقات الدالة على ان على المتمتع الهدى يذبحه أو ينحره بمنى بعد الرمي، و المتحصل ما دلّ على الاجزاء في الأضحية أو في الهدي إذا ضلّ أو هلك في منى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 205

.......... أو قبل منى، و انه يجزي، يحمل على غير المضمون أي الواجب، و يلتزم في الهدي الواجب بوجوب الهدي ثانياً إذا أمكن و إن لم يمكن لعدم المال فهو ممن لا يجد الهدي فيصوم أخذاً بما دل على بدليّته الصوم عند عدم قدرة الحاج المتمتع على الهدي، نعم إذا أحرز بعد ذلك ان الغير وجد الهدي و ذبح أو نحر أيام الذبح في منى أجزأ من مالكه كما يأتي فلا يحتاج الى الصوم.

المقام الثاني: ما إذا وجد الهدي الضال فقد ورد فيما رواه الشيخ و الكليني بإسنادهما عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل اشترى كبشاً

فهلك منه قال يشتري مكانه آخر قلت: فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأوّل قال: ان كانا جميعاً قائمين فليذبح الأوّل و ليبع الأخير، و إن شاء ذبحه و إن كان ذبح الأخير ذبح الأوّل معه «1»، و في سندهما محمد بن سنان و لكن رواها في الفقيه بإسناده عن عبد اللَّه بن مسكان عن أبي بصير و سنده الى عبد اللَّه بن مسكان صحيح فالرواية تعتبر صحيحة.

و يستفاد من هذه الصحيحة ان شراء الحيوان بنية الهدي يعيّن الهدي فيه مع بقائه و التمكن من ذبحه أو نحره، و لا مورد للمناقشة بأنه إذا ذبح الثاني و ظفر بالأوّل فلا موجب لذبح الأوّل مع امتثال التكليف بالبدل، و الوجه في عدم المورد لهما ما ذكرنا من انه إذا كان قصد الهدي في شراء معيناً الهدي فيه يكون ما ذبحه هدياً، نعم قد ذكر جملة من الأصحاب تبعاً للشيخ (قدّس سرّه) ان تعيّن الأوّل بالهدي يكون بالإشعار أو التقليد فقط لا بمجرد النية عند الشراء، و لذا يحمل ما ورد في الصحيحة من لزوم ذبح الأوّل إذا وجده بعد ذبح الثاني على ما إذا أشعر الأوّل أو قلّده بعد الشراء، و استظهر التعين بها خاصة بما ورد في صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 206

.......... الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل ان يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه قال ان لم يكن قد أشعرها فهي ماله ان شاء نحرها و إن شاء باعها و إن كان قد أشعرها نحرها «1»، و يؤيد ذلك بمرفوعة العياشي في تفسيره عن

عبد اللَّه بن فرقد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الهدي من الإبل و البقر و الغنم و لا يجب حتى يعلّق عليه «2»، و ظاهره تعين الحيوان بالهدي بالتقليد خصوصاً إذا كان ما في ذيلها يعني إذا قلده فقد وجب من تتمة الرواية و لكن مع ضعف السند لا يمكن الاعتماد عليها.

أقول: الظاهر من قول السائل في صحيحة الحلبي ثم تضل قبل ان يشعرها و يقلدها ان المورد كان مورد الاشعار و التقليد و هذا يناسب حج القران الذي أحرم له بالتلبية، و مع ذلك ساق الهدي و ضل قبل ان يشعرها و هذا غير ما على المتمتع من الهدي الواجب، و ما ذكر في الوسائل في عنوان الباب حيث يتلقى من عنوانه فتواه من ان الهدي إذا هلك أو ضاع فأقام بدله، ثم وجد الأوّل تخير في ذبح ما شاء الّا ان يشعره أو يقلّده فتعين مقتضاه أنه (قدّس سرّه) حمل قوله (عليه السّلام) و إن شاء ذبحه في صحيحة أبي بصير على التخيير بين ذبحه و ذبح الأوّل، مع ان الضمير في قوله و إن شاء ذبحه يرجع الى الأخير و ليس في البين ما يدل على التخيير بل ظاهر الأمر بذبح الأول تعييني، فيكون ذبح الثاني مستحباً كما هو مقتضى التعليق على المشتبه و الوجه في التعبير الاحتياط في ذبح الأول إذا وجد بعد الفراغ الثاني لرعاية خلاف جملة من الأصحاب، بل المشهور من عدم تعيّن ذبحه.

[ (المسألة السادسة) لو وجد أحد هدياً ضالّاً عرفه الى اليوم الثاني عشر]

(المسألة السادسة) لو وجد أحد هدياً ضالّاً عرفه الى اليوم الثاني عشر (1) فان لم يجد صاحبه ذبحه في عصر اليوم الثاني عشر عن صاحبه.

[ (المسألة السابعة) من لم يجد الهدي و تمكن من ثمنه أودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هدياً]

(المسألة السابعة) من لم يجد الهدي و تمكن من ثمنه (2) أودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هدياً و يذبحه عنه إلى آخر ذي الحجة، فان مضى الشهر لا يذبحه إلّا في السنة القادمة. (1) إذا وجد الهدي الأوّل بعد شراء البدل قبل ذبحه أم بعده كما يشهد بذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال و قال إذا وجد الرجل هدياً ضالّاً فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثالث و قد تقدم في صحيحة أبي بصير أن بتمام يوم النفر الأول ينتهي أيام النحر.

و الاستشكال في الحكم بأنه كيف جاز للغير التصرف في ملك الآخر، و على فرض الجواز كيف يجزي عن مالكه مع ان المالك لم يوكله في الذبح أو النحر عنه لا يمكن المساعدة، عليه بعد اذن الشارع في التصرف في الهدي الضال بذلك كما هو مدلول الصحيحة المتقدمة، كما يحكم بالاجزاء عن مالكه لصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في رجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره فقال ان كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه «1»، و مقتضى إطلاقها الحكم بوقوع الهدي عن مالكه و إن لم يقصده الناحر نظير التصدق بمجهول المالك فإنه يقع عن مالكه و إن لم يقصده من يتصدق. (2) محل الكلام في هذه المسألة ما إذا كان الحاج متمكناً من ثمن الهدي بحيث

لو وجد الحيوان يباع يشتريه، و لكن لا يجد الحيوان فالمشهور عند الأصحاب في هذا الفرض انه يودع الثمن عند الثقة من أهل مكة أو غيرها ليشتري الهدي و لو

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 208

إذا وجد ثمن الهدي أيام النحر و تمكن من تحصيل الهدي تعين عليه الهدي في طول ذي الحجة و يذبح عنه، فان لم يتمكن منه إلى آخر ذي الحجة يؤخره إلى ذي الحجة المقبلة، و إن هذا المكلف لا يكون مكلفاً بالصوم بدل الهدي، و المحكي عن ابن إدريس لا فرق بين هذا الشخص و بين من لا يتمكن من شراء الهدي لفقده ثمنه، في انه مكلّف بالصوم كما تقتضي ذلك الآية المباركة من قوله سبحانه فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ و قد اختار المحقق في الشرائع هذا القول حيث قال و قيل ينتقل فرضه إلى الصوم و هو أشبه، و قد يقال ان المكلف في الفرض واجد للهدي لأنه ليس المراد من وجدان الهدي من كان عنده الحيوان و إلّا لم يجب شرائه حتى مع التمكن من الشراء يوم النحر، بل المراد من كان عنده العين أو ثمنه و لكن لا يخفي ان وجود الحيوان عند الشخص ليس من شرط وجوب الذبح أو النحر حتى لا يجب شرائه، بل التمكن من الذبح أو النحر شرط لوجوبه بحيث يمكن للمكلف تحصيل الحيوان بالشراء و نحوه، و مع فقد الحيوان لا يكون متمكناً من الذبح أو النحر كما ربما يقال أن الواجب من الذبح أو النفر هو الأعم من المباشرة

أو التسبيب، و إذا أمكن له تحصيل الحيوان و ذبحه و لو بالاستنابة فلا يكون ممن لا يجد الهدي، و لا يخفي ما فيه أيضاً فإن الذبح أو النحر قابل للنيابة إلّا ان النائب إذا أمكنه تحصيل الحيوان و ذبحه أو نحره أيام الذبح و النحر يكون الشخص مع التمكن من الاستنابة واجداً، للهدي و أما إذا لم يتمكن النائب كالمنوب عنه تحصيل الحيوان في تلك الأيام فلا يكون الشخص.

من الواجد للهدي، و على الجملة ان تمكن المكلف يوم النحر أو أيام النحر من فعل الذبح أو النحر و لو بالاستنابة يكون من يجد الهدي، بل غاية الأمر ان يقال انه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 209

.......... واجد للهدي فيما لو أحرز تمكنه من تحصيل الهدي و لو بالاستنابة قبل انقضاء ذي الحجة، و أمّا مع عدم إحرازه فمقتضى الاستصحاب بقاء عدم تمكنه إلى انقضائه، فيكون مكلفاً بالصوم لا الذبح أو النحر و لو في العام القابل، و على ذلك فالخروج عن إطلاق قوله سبحانه فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ بصحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه، فان مضى ذو الحجة آخر ذلك إلى قابل من ذي الحجة «1»، و دعوى أنها تحمل على صورة عدم التمكن من الصوم، لما ورد في رواية النصر بن قرواش من فرض عدم التمكن منه، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك

فطلبه و لم يجده و هو موسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام فما ينبغي له ان يصنع؟ قال: يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي إلى أهله و ليذبح عنه في ذي الحجة الحديث «2»، لا يمكن المساعدة عليها فان فرض عدم التمكن من الصوم في سؤال السائل، و هذا لا يوجب التقييد في صحيحة حريز. مع ان الرواية ضعيفة سنداً لعدم ثبوت التوثيق للنضر هذا كله إذا كان الحاج متمكناً من ثمن الهدي في يوم النحر أو أيام النحر.

و أما إذا لم يجد ثمن الهدي في تلك الأيام و وجده بعدها فهل يتعين عليه الذبح أو يتعين عليه الصيام أو يتخير، و في هذه الصورة فرضان أحدهما انه لم يصم ثلاثة أيام قبل ذلك، و الثاني أنه صامها من قبل. أما الأول فقد ادعى انه يجب فيه الهدي لقوله سبحانه فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ و لكن في دعوى الإجماع بحيث يكون الحكم من المتسالم عليه عند الأصحاب جميعاً تأملًا،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 210

.......... و قد ذكر الصدوق (قدّس سرّه) في ذيل باب ما يجب الصوم على المتمتع و إن لم يصم ثلاثة أيام فوجد بعد النفر ثمن الهدي فإنه يصوم ثلاثة أيام لأن أيام الذبح قد مضت.

و روى الشيخ بإسناده عن الحسن بن علي بن فضال عن عبيس (يعني عباس بن هاشم عن كرام يعني عبد الكريم بن عمرو عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل تمتع و لم يجد ما يهدي و لم يصم الثلاثة أيام حتى إذا كان بعد النفر وجد ثمن

شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: لإبل يصوم فإن أيام الذبح قد مضت «1»، و ما ذكر في الفقيه مضمون هذه الرواية.

إذا وجد الثمن بعد أيام النحر يجزي الصوم و قد يقال ان الرواية بهذا المضمون لم تثبت لان الشيخ و الكليني قدس سرهما رويا الرواية عن عبد الكريم الذي هو كرام عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم فإن أيام الذبح قد مضت «2»، و لا يحتمل تعدد الرواية مع ان الراوي عبد الكريم بن عمرو عن ابي بصير، و لعل فرض لم يصم الثلاثة فيما تقدم من سهو الشيخ (قدّس سرّه) أو من النساخ، و على الجملة لا يثبت فرض عدم صوم الثلاثة و غاية الأمر أن الرواية مطلقة تحمل على صورة صوم ثلاثة أيام ثم وجدانه الثمن بعد النفر، و في هذا يلتزم بكفاية الصيام و الموجب للحمل على صورة صوم الثلاثة صحيحة حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هدياً يوم خرج من منى، قال: أجزأ صيامه «3»، أقول لا يخفي ما فيه حيث يحتمل تعدّد الرواية بأن سأل أبو بصير عن الباقر (عليه السّلام) عمن يجد ثمن الهدي يوم النفر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 211

.......... الثاني مطلقاً، و سأل فيما بعد عن الصادق (عليه السّلام) عمن لم يصم الثلاثة و وجد ثمن الهدي بعد نفره، بل ذكرنا ان ما ذكره في الفقيه يؤيد أنه كانت الرواية مع فرض عدم صوم الثلاثة و مع الإغماض

عن ذلك فلا موجب لرفع اليد عن الإطلاق بالتقييد الوارد في رواية حماد بن عثمان، لان قيد فرض صوم ثلاثة أيام وارد في سؤال السائل لا في جواب الامام (عليه السّلام) مع إطلاق السؤال، أضف إلى ذلك ضعف سند رواية حماد بن عثمان و إن عبر عنها بالصحيحة، فإن الراوي عن حماد عبد اللَّه بحر و لم يثبت له توثيق، بل قيل في حقه ان الرجل ضعيف مرتفع القول، و المتحصل لا بأس بالالتزام باجزاء الصوم في فرض عدم الصوم ثلاثة أيام من قبل فضلًا عن فرض صومها، لان المعيار في وجوب الهدي على المتمتع وجدانه الهدي أو ثمنه قبل انقضاء أيام النحر، و يرفع بذلك اليد من إطلاق الآية المباركة كما رفعنا اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى التمكن من الهدي بعد انقضاء ذي الحجة، لا يقال لا يبعد ان يلتزم باجزاء الهدى أيضاً حتى فيما إذا صام الثلاثة قبل التمكن من الهدي، لرواية عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هدياً فلما ان صام ثلاثة أيام من الحج أيسر، أ يشتري هدياً فينحره أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله، قال: يشتري هدياً فينحره و يكون صومه الذي صامه نافلة له «1»، و الرواية و إن كان في سندها محمد بن عبد اللَّه بن هلال لم يوثق و كذا عقبة بن خالد، إلّا أن كلاهما من المعاريف الذين لم يرد في حقهما، قدح فإنه لا يقال لم يفرض فيها فرض حصول التمكن من الهدي بعد انقضاء أيام النحر فيحمل على صورة حصوله قبل انقضائها جمعاً بينها و بين

صحيحة أبي بصير المتقدمة التي ورد فيها فرض حصوله بعد انقضائها.

[ (المسألة الثامنة) إذا لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه صام بدلًا عنه عشرة أيام

(المسألة الثامنة) إذا لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه صام بدلًا عنه عشرة أيام (1) ثلاثة في الحج من اليوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجة، و سبعة إذا رجع إلى بلده، و الأحوط ان تكون السبعة متوالية و يجوز ان تكون الثلاثة من أول ذي الحجة بعد التلبس بعمرة التمتع أو بعدها و يعتبر فيها التوالي. وظيفة الصوم مع عدم التمكن من الهدي (1) من لا يتمكن من الهدي و لا من ثمنه و لو بالإيداع كما مر فعليه بدل الهدي صيام عشرة أيّام، ثلاثة أيام متوالية طوال ذي الحجة و الأفضل ثلاثة أيام قبل يوم التروية و يومها و يوم عرفه على المشهور عند أصحابنا، و تكون سبعة أيام بعد رجوع الحاج إلى أهله قال: اللَّه عزّ و جلّ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، و قد تقدم قوله سبحانه ذلِكَ لِمَنْ إلخ، راجع إلى التمتع بالعمرة إلى الحج لا إلى ما استيسر من الهدي، و المراد من قوله سبحانه فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أي في شهر ذي الحجة، كما يدل على ذلك صحيحة رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المتمتع لا يجد الهدي؟ قال يصوم قبل يوم التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قلت: فإنه قدم يوم التروية، قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق قلت: لم يقم عليه جماله؟ قال يصوم يوم

الحصبة و بعده يومين قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره قلت: يصوم و هو مسافر، قال: نعم أ ليس يوم عرفة مسافراً إنا أهل بيت نقول ذلك لقول اللَّه عزّ و جلّ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ يقول في ذي الحجة «1»، و مقتضى ذيل هذه الصحيحة جواز الصوم ثلاثة أيام حتى من أول ذي الحجة بعد التلبس بإحرام التمتع، و ما ذكر من قبل يوم التروية و يومها و يوم عرفة أو بعد صوم يوم الحصبة صوم يومين لتكون ثلاثة أيام متصلة و نحو ذلك على

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 213

.......... الأفضلية بحسب مرايتها، و نحوها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنت قائماً أصلي و أبو الحسن قاعد قدامي و أنا لا اعلم فجائه عباد البصري فسلم ثم جلس فقال: له يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي؟ فقال: يصوم الأيام التي قال اللَّه تعالى قال: فجعلت سمعي إليهما فقال له عباد و أي أيام هي؟ قال: قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة قال: فان فاته ذلك، قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك قال: فلا تقول «1»، كما قال: عبد اللَّه بن الحسن قال فأي شي ء قال؟ قال: يصوم أيام التشريق، قال: ان جعفر كان يقول ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أمر بديلًا ينادي ان هذه أيام أكل و شرب فلا يصومن أحد، قال يا أبا الحسن ان اللَّه قال: فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم، قال كان جعفر يقول ذو الحجة كلّه من أشهر الحج «2» فان مقتضاها.

جواز

الإتيان بصوم ثلاثة أيام في أي جزء من شهر ذي الحجة، و يدلُّ على ذلك من الروايات ما رواه الشيخ (قدّس سرّه) في الصحيح عن عبد اللَّه بن مسكان قال: حدثني أبان بن الأزرق عن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه قال: من لم يجد الهدي و أحبّ ان يصوم الثلاثة أيام في أول العشر فلا بأس بذلك «3»، و ما رواه الكليني (قدّس سرّه) عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد و سهل بن زياد جميعاً عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو، و عن زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) أنه قال من لم يجد هدياً و أحب ان يقدم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس «4»، به هذا على ما في الوسائل، و روى في باب آخر الرواية عن الكليني (قدّس سرّه) عن عدة من أصحابنا عن سهل عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام)، و الرواية بهذا السند ضعيفة لوقوع سهل بن زياد، و بحسب النقل الأول

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 214

.......... صحيحة لأن الراوي عن البزنطي سهل بن زياد و احمد بن محمد جميعاً عن البزنطي، و الموجود في الكافي أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام)، و حيث انه (قدّس سرّه) روى قبل ذلك عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد و سهل بن زياد جميعاً عن رفاعة بن موسى، و بدأ الرواية التي بعدها بأحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن

عمرو عن زرارة، حمل صاحب الوسائل البدء بأحمد بن محمد أبي نصر على التعليق على الرواية السابقة، حيث ان الكليني لا يمكن ان يروي عن احمد بن محمد بن أبي نصر بلا واسطة و كأن الواسطة من ذكره في الرواية السابقة، و لكن المعهود من التعليقات على الحديث السابق في الكافي تكرار الراوي الذي يقتصر في ذكر الواسطة بينة و بين ذلك الراوي على التعليق بالحديث السابق، و احمد بن محمد بن أبي نصر غير مذكور في الحديث السابق، و إنما روي الحديث عن احمد بن محمد أبي نصر في الباب الذي قبل الباب السابق على هذا الباب، و الواسطة فيها عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر و التعليق عليه ممكن عنه لمن تتبع تعليقات الكليني (قدّس سرّه)، و لعل صاحب الوسائل من أحد الموضعين من الوسائل رأي هذا التعليق، و لكن أحمد بن محمد بن عيسى أو سهل بن زياد أنما يرويان عن رفاعة بن موسى بواسطة أو بواسطتين، فالواسطة بينهما و بين رفاعة لا يبعد ان يكون احمد بن محمد بن أبي نصر و إن سقط في بعض نسخ الكافي أو كلها، كما يدل على ذلك بدء الرواية الثانية بأحمد بن محمد بن أبي نصر، و لعل هذا المقدار كاف في اعتبار الرواية و إحراز صحتها و إن يحتمل ان يكون الواسطة بينه و بين البزنطي أحد السندين إلى البزنطي و هو السند المعروف عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 215

.......... فان هذا المقدار أيضاً يكفي في التعليق على الحديث

السابق عليه، و على الجملة ما تقدم كاف في الالتزام بجواز صوم ثلاثة أيام من أول شهر ذي الحجة لمتمتع لا يتمكن من الهدي و لا من ثمنه، و ما ورد في الروايات من خصوصية بعض أيام الشهر على حسب الترتيب يحمل على الأفضلية، كما أن ما ورد من النهي عن صوم أيام التشريق فيمن كان بمنى «1» يرفع اليد عن إطلاقه بالإضافة إلى متمتع لا يجد الهدي و لا ثمنه فإنه يجوز له الصوم يوم النفر الثاني و يومين بعده، مع ان يوم النفر الثاني آخر أيام التشريق، كما يقتضي ذلك صحيحة حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: قال: علي (عليه السّلام) صيام ثلاثة أيام من الحج قبل يوم التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة فمن فاته ذلك فيتسحر ليلة الحصبة يعني ليلة النفر و يصبح صائماً و يومين بعده «2»، و صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة صائماً و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده «3»، و ربما يقيد ذلك بمن خرج من منى يوم الثاني عشر و لم يبق فيه إلى النفر الثاني ليعمه ما دل على النهي عن الصوم أيام التشريق، و لكن التقييد بلا موجب حيث ان الامام (عليه السّلام) لم يذكر يصوم بعد نفره، بل ذكر يوم النفر و يومين بعده و ظاهره ان لا يكون شي ء من اليومين من بعده من يوم النفر، فيكون المراد النفر الثاني. و ما في صحيحة معاوية

بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن صيام أيام التشريق؟ فقال: انما نهى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عن صيامها بمنى و أما بغيرها فلا بأس «4»، يرفع اليد عن إطلاقه بما تقدم و لظاهر صحيحة منصور بن حازم في جواز الصوم في منى يوم النفر الثاني قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول النحر بمنى ثلاثة أيام فمن أراد الصوم لم يصم حتى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 216

.......... تمضي الثلاثة أيام، و النحر في الإحصار يوم واحد فمن أراد ان يصوم صام من الغد حيث الممنوع من الإحصار من الصوم صوم عيد الأضحى، و يكون الممنوع من الصوم لمن كان في منى ثلاثة أيام من يوم عيد الأضحى «1»، و نحوها صحيحة محمد بن مسلم «2» و حسنة كليب الأسدي «3» و ما ورد في غيرها من ان الأضحى بمنى أربعة أيام و في سائر البلاد ثلاثة أيام مجمل كما هو ظاهرها ايضاً على استحباب الأضحية، لا عدم جواز الصوم إلّا بعد أربعة أيام بقرينية صحيحة منصور بن حازم و نحوها، كما انه ما ورد فيمن يجب عليه الصوم بدل الهدي إذا لم يصم قبل يوم التروية و يومها و يوم عرفة له ان يصومها بعد أيام التشريق يحمل على الأفضل من ان يصوم يوم النفر الثاني و يومين بعده لما تقدم من دلالة صحيحة عيص بن القاسم و نحوها على جواز الثاني.

اعتبار التوالي من صيام ثلاثة أيام في الحج ثم انه يشهد لاعتبار التوالي في صيام ثلاثة أيام مضافاً إلى ما يدعى من ظهور الأمر بصوم ثلاثة أيام في ذلك صحيحة

علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن صيام الثلاثة الأيام في الحج و السبعة أ يصومها متوالية أم يفرق بينهما؟ قال: يصوم الثلاثة لا يفرق بينها و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع السبعة و الثلاثة جميعاً «4» و لو فرض قيام الدليل على جواز التفرقة في السبعة لا يوجب ذلك عن ظهور الصحيحة في اعتبار التوالي من الثلاثة، نعم يرفع اليد عن الظهور في اعتبار التوالي في الثلاثة ما إذا صام يوم التروية و يوم عرفة فإنه يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق، كما حكى ذلك عن الشيخ و الحلي و جماعة منهم المحقق في الشرائع، بل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 217

.......... المنسوب إلى المشهور كما في المدارك. و يدلُّ على ذلك رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة قال يجزيه ان يصوم يوماً آخر «1»، و الرواية في سندها مفضل بن صالح و الصحيح عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعاً و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة قال: يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق «2»، و المعروف من يحيى الأزرق هو يحيى بن عبد الرحمن الأزرق و هو ثقة، فتكون الرواية صحيحة إلّا ان الصدوق (قدّس سرّه) روى ايضاً هذا الحديث عن يحيى الأزرق و قال: في مشيخة من لا يحضر ما كان فيه عن يحيى الأزرق فقد رويته عن أبي رضي اللَّه عنه عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن أبان بن

عثمان عن يحيى بن حسان الأزرق و يحيى بن حسان الأزرق غير معروف، بل كما قيل لم يوجد له رواية في الكتب الأربعة و يقال ان توصيف يحيى بابن حسان من طغيان قلم نساخ من لا يحضر، و صفوان يروي عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق كما في غير هذا المورد ايضاً، و على ذلك فالرواية كما ذكرنا صحيحة و المتحصل ان التوالي في صيام ثلاثة أيام معتبر إلّا في هذا المورد، و مقتضى قوله (عليه السّلام) و يوم آخر بعد أيام التشريق لا يقتضي الفورية، بل يجوز تأخيره قبل الدخول إلى أهله إلى آخر ذي الحجة و إن كان الأحوط المبادرة إليه، و يبقى الكلام في ان عدم اعتبار التوالي في هذا الفرض يختص بما إذا كان للمكلف عذر في ترك صوم قبل يوم التروية أو ان الحكم بالتفريق و جوازه يجري حتى في صورة ترك الصوم فيه اختياراً، مقتضى إطلاق صحيحة يحيى الأزرق أي عدم الاستفصال فيه أي عدم الاختصاص، حيث ان المفروض فيها كون الرجل قبل قدومه كان متلبساً بعمرة التمتع و كان الصوم في سفره جائزاً، فيكون عدم الاستفصال

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 218

.......... في جوابه (عليه السّلام) مقتضاه عدم الفرق في ترك الصوم قبل يوم دخوله بمكة مع العذر أو بدونه و دعوى تركه إلى صورة العذر.

هل جواز الصوم في يوم التروية و عرفة و تأخير صوم آخر يختص بصورة العذر عن الإتيان بصوم ثلاثة أيام قبل حيث ان الظاهر انه كان يعلم عند دخوله مكة بوجوب صوم ثلاثة أيام فبدئه بالصوم يوم التروية كان للعذر لا يمكن المساعدة عليها، حيث ان علمه بوجوب صوم ثلاثة

أيام لا يلازم علمه بوجوب التوالي فيها، بل يكون مع احتماله عدم اعتبار التوالي، و أضعف من ما ذكر دعوى ان الإطلاق المذكور يعارضها الروايات الدالة على الصوم يوم قبل التروية و يومها و يوم عرفة فان مقتضى إطلاقها عدم الاكتفاء بغيرها، و إن هذا النحو متعين. و بعد تعارض الإطلاقين يرجع إلى صحيحة علي بن جعفر الدالة على اعتبار التوالي في الثلاثة مطلقاً، و يقتصر في الخروج عن إطلاق صحيحته بالمقدار المتيقن و هو صورة العذر، و وجه الضعف ما تقدم من عدم تعين ثلاثة أيام على ذلك النحو، بل هو أفضل على ما تقدم. و على الجملة مقتضى إطلاقها عدم أفضلية غير هذا النحو من صيام ثلاثة أيام، لا عدم جواز غيره. و قد يقال ان ما ورد في رواية يحيى الأزرق تعارضها ما ورد في صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائماً و هو يوم النفر، و يصوم يومين بعده «1» بدعوى أن ظاهرها عدم أجزاء صوم يوم التروية و يوم عرفة و صوم يوم آخر بعد أيام التشريق، و لكن فيها ما لا يخفي لما تقدم من ان النهي يحمل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 219

.......... على ان الصوم ثلاثة أيام بالبدء من يوم النفر الثاني أفضل من صوم يوم التروية و صوم يوم عرفة و تأخير صوم يوم آخر، لان رواية الأزرق صريحه في الاجزاء و النهي بتمامية الظهور الإطلاقي في عدم الاجزاء، فلا مورد له مع ورود

التصريح بالاجزاء، أضف إلى ذلك ان النهي في صحيحة العيص لو لم يكن ظاهراً بالإتيان بصوم يوم واحد قبل العيد، أما يوم التروية أو يوم عرفة فلا ينبغي التأمل في ان إطلاقها يعمه بان يكتفي بصوم واحد قبل العيد و يومين بعد أيام التشريق، و رواية الأزرق دالة على الاجزاء في صورة انضمام صوم يومين قبل العيد، فيرفع اليد عن إطلاق المنع في صحيحة العيص في صورة انضمام صوم يومين، فتكون النتيجة عدم أجزاء صوم يوم واحد قبل العيد مع صوم يومين بعد أيام التشريق، و اجزاء صوم يومين قبله مع صوم يوم آخر بعد أيامه.

قد ورد في عدة من الروايات أنه ان يصم المكلف فيما تقدم من الأيام يصومها كالسبعة في أهله، منها ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن متمتع لم يجد هدياً؟ قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج يوماً قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة إلى ان قال: قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: ان شاء صامها في الطريق و إن شاء إذا رجع إلى أهله «1»، و صحيحة سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل تمتع و لم يجد هدياً قال: يصوم ثلاثة أيام بمكة و سبعة إذا رجع إلى أهله فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله «2» و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: صوم الثلاثة الأيام ان صادف تأخرها يوم عرفة و إن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله و لا

تصومها في السفر «3»، و النهي عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 220

فان لم يرجع إلى بلده و أقام بمكة فعليه ان يصبر حتى يرجع أصحابه إلى بلدهم أو يمضي شهر ثم يصوم بعد ذلك. صيامها في السفر، في مقام توهم وجوبها في السفر و قد تقدم جواز صومها في الطريق عند رجوعه إلى أهله، و اللازم تقييد إطلاقها بأمرين أحدهما: ان يكون ثلاثة أيام في الأهل قبل انقضاء ذي الحجة، حيث يعتبر وقوع صيامها في ذي الحجة على ما تقدم، و الثاني: لزوم الفصل بين صوم ثلاثة و بين صوم سبعة أيام، كما دل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: لا يجمع الثلاثة و السبعة «1».

بقي الكلام في اعتبار التوالي في السبعة و عدمه بعد وجوب صومها عند رجوعه إلى أهله من غير خلاف معروف، كما عن الذخيرة و غيرها و إن خالف في وجوبها في أهله أكثر العامة، فقال بعضهم جواز صومها بعد الفراغ من أفعال الحج، و بعضهم إذا خرج من مكة أنه يصوم في الطريق، و ظاهر الآية المباركة كغير واحد من الروايات على ما عليه أصحابنا من لزوم صيام السبعة في أهله، و أما اعتبار التوالي فالمعروف عند أصحابنا جواز التفريق، و يستدل لهم بعموم صحيحة عبد اللَّه بن سنان كل صوم يفرق فيه إلّا ثلاثة أيام في كفارة يمين، و رواية إسحاق بن عمار قال: قالت: لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السّلام) اني قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيام حتى فرغت في حاجة إلى بغداد، قال: صمها ببغداد، قلت: أفرقها؟ قال: نعم و ظاهرها «2»، أنه سأل (عليه السّلام)

عن أمرين أحدهما جواز الإتيان بالسبعة عند غير أهله و بلده، و الثاني: جواز التفريق فيها بعد فرض الإتيان بها عند غير أهله أو حتى عند الإتيان في أهله، و لكن قد ورد في صحيحة علي بن جعفر اعتبار التوالي في السبعة كاعتباره في الثلاثة، و معها لا يمكن التمسك بالعموم في صحيحة عبد اللَّه بن سنان، بل يتعين رفع اليد عن عمومه في صيام السبعة كصيام الثلاثة، و أما رواية إسحاق بن

[ (المسألة التاسعة) المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام من الحج إذا لم يتمكن من الصوم يوم السابع

(المسألة التاسعة) المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام من الحج إذا لم يتمكن من الصوم يوم السابع صام الثامن و التاسع و يوماً آخر بعد رجوعه من منى (1) و لو لم يتمكن من اليوم الثامن ايضاً آخر جميعها إلى ما بعد رجوعه من منى و الأحوط ان يبادر إلى الصوم بعد رجوعه من منى و لا يؤخره من دون عذر و إذا لم يتمكن بعد الرجوع من عمار فالراوي عن إسحاق بن عمار محمد بن أسلم و لم يثبت له توثيق، و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليها، لاحتمال كون عملهم بها لكونها مؤيدة بعموم صحيحة عبد اللَّه بن سنان و نحوها، و على ذلك فرعاية التوالي فيها أحوط كاعتبار الإتيان بها في غير السفر من وطنه أو محل اقامته، و أما الفصل بين الثلاثة أو السبعة فقد تقدم أنه معتبر، و قد ورد في ذيل صحيحة علي بن جعفر و لو اقام من وجب عليه السبعة بمكة بأن صار مجاوراً انتظر إلى وصول أصحابه إلى بلده أو بمضي شهر ثم يصوم السبعة «1» كما يدل على ذلك عدة من الروايات كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي

عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها و إن كان له مقام بمكة واراد ان يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهراً ثم صام بعده «2»، و مقتضى ذكر العدل بأو كفاية أقلهما، كما أن مقتضى إطلاقها عدم اعتبار خروج ذي الحجة و لو كان بحيث يصل إلى أهله أو أصحابه إلى أهليهم قبل خروجه كما في القريب بلده من مكة يجوز له بعد وصوله إلى أهله أو وصول أصحابه البدء بصوم الأيام السبعة، و هل ما ذكر من الحكم يختص بالمجاور بمكة أو يعم المقيم في غيرها أيضاً مدة فلا يبعد العموم، و إن ذكر فرض مكة لعد الداعي إلى مجاورة غير مكة نوعاً. (1) مسائل الذبح و النحر و الصوم بدلًا عنهما قد تقدم الكلام في ذلك عند التكلم في المسألة السابقة و ذكرنا أنه إذا لم يصم الثلاثة كما ذكر لا يجوز له صيام ثلاثة أيام التشريق بان يصوم الثلاثة في منى،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 222

منى صام في الطريق أو صامها في بلده ايضاً و لكن لا يجمع بين الثلاثة و السبعة فان لم يصم الثلاثة حتى أهل هلال محرم (1) سقط الصوم و تعين الهدي للسنة القادمة. و ذكرنا أنه لا بأس بأن يصوم يوم النفر الثاني و يومين بعده، و إن الأحوط ان ينفر في النفر الأول من منى ليكون صومه في غير منى، و إن نفر في النفر الثاني يكون صومه من اليوم الرابع عشر على ما تقدم، نعم قد ورد في موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أبيه ان علياً (عليه السّلام) كان يقول من فاته

صوم الثلاثة أيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق فان ذلك جائز له «1». و نحوها رواية عبد اللَّه بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه ان علياً (عليه السّلام) كان يقول من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج و هي قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة فليصم أيام التشريق فقد اذن له «2» و هاتان الروايتان مع ضعف سند الثانية مخالفتان لسائر الأخبار، و قد أنكر أبو الحسن (عليه السّلام) قول عبد اللَّه الحسن على ما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في جواب عباد البصري، و إن جعفر (عليه السّلام) كان يقول ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أمر بلالًا ينادي أن هذه الأيام أيام أكل و شرب فلا يصومن أحد الحديث، و على الجملة ما في الروايتين كان قولًا لعبد اللَّه بن الحسن فتحملان على التقية في النقل و لا تصلح شي ء منهما للمعارضة، للأخبار الواردة في المنع عن صيام أيام التشريق لمن كان بمنى و انها ليست تلك الثلاثة التي أمر اللَّه سبحانه بصيامها في الحج. (1) قد تقدم اعتبار وقوع صيام ثلاثة أيام في ذي الحجة، و لو لم يصم حتى أهل هلال محرم يسقط وجوب الصوم حتى السبعة الباقية التي كان يجب الإتيان بها بعد رجوعه إلى أهله و تتعين وظيفته في الهدي في السنة القابلة و لو بالاستنابة و التوكيل، و يشهد لذلك صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمنى «3»

[ (المسألة العاشرة) من لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه و صام ثلاثة أيام في الحج ثم تمكن من ذلك وجب عليه الهدي

(المسألة العاشرة) من لم يتمكن من الهدي

و لا من ثمنه و صام ثلاثة أيام في الحج ثم تمكن من ذلك وجب عليه الهدي، نعم إذا كان التمكن بعد انقضاء أيام التشريق أجزأ الصيام (1)، و كذا إذا تمكن آخر يوم من أيام التشريق على الأظهر. و ظاهر قوله (عليه السّلام) و ليس له صوم بإطلاقه يعم السبعة، كما ان ظاهر قوله (عليه السّلام) يذبحه بمنى انتقال الوظيفة لا ان دم شاة كفارة ليجوز الإتيان بها في بلده.

و دعوى ان مقتضى ما ورد من ان من ترك نسكاً فعليه دم كون الدم شاة كفارة لا يمكن المساعدة عليه، لأنه نبوي ضعيف لا يصلح الاعتماد عليه، و صحيحة منصور بن حازم مطلقة من حيث كون ترك صومه لنسيانه أو للجهل بالحكم، كان الترك لعذر أو بدونه و إن كان الالتزام في صورة العلم و العمد لا يخلو عن تأمل، و لا فرق بعد ثبوت بدلية الهدي في القابل عن الصوم الواجب لمن لم يجد الهدي بين نسيان الصوم و غيره، و ما ورد في الروايات من ان من لم يصم الثلاثة يصوم في أهله «1»، تقيد بعد خروج ذي الحجة، فإن الصوم فيه صوم في الحج على ما تقدم، كما ان ما ورد في صحيحة عمران الحلبي قال: سئل أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم اهله قال: يبعثه بدم «2»، محمول على صورة خروج ذي الحجة، و البعث بالدم بقرينة لزوم ذبحه بمنى هو كما ظاهر الأمر بالبعث، يكون من الهدي لا عن الكفارة. (1) قد تقدم الكلام في ذلك في بحث من وجد ثمن الهدي و لم يجد

الهدي و أنه ان وجد الهدي إلى آخر ذي الحجة فهو و إلا يكون عليه الذبح في السنة القابلة و لو بالاستنابة، و ذكرنا ان هذا يختص بمن يجد الثمن أيام الذبح و إلا فان وجد الثمن و تمكن من الهدي بعد انقضائها فإن صام الثلاثة الأيام قبل ذلك يجزيه صومه، و أما إذا لم يصم فالمشهور ان عليه الهدي، و ذكرنا ان الأظهر عدم الفرق بين الصورتين

[ (المسألة الحادية عشرة) إذا لم يتمكن من الهدي باستقلاله و تمكن من الشركة فيه مع الغير]

(المسألة الحادية عشرة) إذا لم يتمكن من الهدي باستقلاله و تمكن من الشركة فيه مع الغير (1) فالأحوط الجمع بين الشركة في الهدي و الصوم على الترتيب المذكور. و انه إذا لم يصم الثلاثة من قبل يجزئ أيضاً الصوم فراجع. (1) مسائل الهدي و الصوم المشهور كما صرّح به جماعة عدم إجزاء الهدي الواحد إلّا عن واحد و أقله شاة على ما تقدم من غير فرق بين حال الضرورة و عدمه، فان لم يتمكن تنتقل الوظيفة إلى الصيام، نعم ذكر بعض أجزاء الهدي الواحد عن المتعدد عند الضرورة و عدم الاجزاء حتى في حالها مقتضى إيجاب الهدي على كل متمتع، و يشهد له أيضاً صحيحة محمد بن علي الحلبي المروية في الفقيه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن النفر تجزيهم البقرة، قال: أما في الهدي فلا و أما في الأضحى فنعم «1»، فان مقابلة الهدي مع الأضحية و الحكم بعدم الإجزاء في الأول ظاهرها عدم الاجزاء في الهدي الواجب، و لعل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: تجزي البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة و لا تجزي بمنى إلّا عن واحد «2»، يرجع إلى التفصيل بين الهدي الواجب و غيره و

بهما يرفع اليد عن إطلاق مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال تجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا من أهل خوان واحد «1»، بحملها على الأضحية، و لو فرض وقوع المعارضة بينهما بالعموم من وجه بدعوى ان صحيحة محمد الحلبي مختصة بالهدي الواجب و مطلقة من جهة كون المشتركين من أهل خوان واحد أم لا، و صحيحة معاوية مطلقة من حيث الهدي الواجب و غيره و مختصة بالمتعدد من أهل خوان واحد، يكون المرجح أو المرجع بعد تساقطهما إطلاق الآية المباركة فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فإن ظاهر وجوب الميسور المفسر بالشاة في صحيحة أبي عبيدة نعم «2»، في صحيحة

[ (المسألة الثانية عشرة) إذا اعطى الهدي أو ثمنه أحداً فوكله في الذبح عنه ثم شك في انه ذبحه أم لا]

(المسألة الثانية عشرة) إذا اعطى الهدي أو ثمنه أحداً فوكله في الذبح عنه ثم شك في انه ذبحه أم لا بني على (1) عدمه نعم إذا كان ثقة و أخبره بذبحه كفى.

[ (المسألة الثالثة عشرة) ما ذكرنا من الشرائط في الهدي لا تعتبر فيما ذبح كفارة]

(المسألة الثالثة عشرة) ما ذكرنا من الشرائط في الهدي لا تعتبر فيما ذبح كفارة (2) و إن كان الأحوط اعتبارها.

[ (المسألة الرابعة عشرة) الذبح الواجب هدياً أو كفارة لا تعتبر المباشرة فيه

(المسألة الرابعة عشرة) الذبح الواجب هدياً أو كفارة لا تعتبر المباشرة (3) فيه بل يجوز ذلك بالاستنابة في حال الاختيار ايضاً و لا بد من كون الذابح مسلماً و لا يلزم كونه مؤمناً، عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و مضربهم واحداً لهم ان يذبحوا بقرة؟ قال: لا أحب ذلك إلّا من ضرورة «1»، و حملها على الأضحية المستحبة زائداً على الهدي الواجب على كل واحد منهم خلاف الظاهر لفرض كونهم متمتعين في السؤال و لم يكن وجه لذكره فيه، بل كان يكفي ذكر فرض غلاء الأسعار و لكن دلالتها على الاشتراك في البقرة و يتعدى إلى البدنة، و في التعدي إلى الشاة تأمل، فالأحوط الجمع بين الشركة و الصيام و اللَّه العالم. (1) للزوم إحراز الإتيان بالهدي و لو بنحو التسبيب، نعم لو كان الوكيل ثقة يكون قوله معتبراً كما في سائر اخبار الثقة بالموضوعات. (2) فان المعتبر في الكفارات إحراز عنوان البدنة أو البقرة أو الشاة من غير خصوصية من حيث السن و الوصف، و إن كان رعايتها الأحوط الاولى. (3) في مسائل الهدي الواجب و غيره و ذلك فان الذبح و النحر من الأفعال التي تنسب إلى المباشرة و إلى الموكل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 226

و إن تكون النية مستمرة من صاحب الهدي إلى الذبح و لا يشترط فيه الذابح بكونه هدياً واجباً و إن

كانت أحوط و أولى.

(في مصرف الهدي) الأحوط ان يعطي ثلث الهدي إلى الفقير المؤمن صدقة (1) و يعطي ثلثه إلى المؤمنين هدية و أن يأكل من الثلث الباقي له و لا يجب إعطاء ثلث إلى الفقير بل يجوز الإعطاء إلى وكيله و إن كان الوكيل نفس من عليه الهدي. و المسبب و هو بهذا اللحاظ متعلق الأمر، كما يشهد بذلك ما ورد فيه النهي عن إعطاء الجزار الجلد و الجلال و القلائد، و لذا لا يعتبر فيمن يوكله لذبح هديه ان يكون مؤمناً، نعم يعتبر كونه مسلماً لان ذبح غير المسلم ليس بذبح، لاعتبار الإسلام في مباشرة الذبح و لا يعتبر ايضاً قصد المباشرة، بل يعتبر قصد صاحب الهدي و انه يذبحه بالتوكيل وفاءً لوظيفته من الهدي أو الكفارة أو غيره، سواء كان هذا القصد منه تحقق عند ذبح الموكل حدوثاً أو كان القصد مستمراً باقياً إلى تحقق الذبح أو النحر، و القصد المعتبر في العبادة باجزائها يكون قائماً بالمسبب و الموكل، فان ذبح الغير عمل صاحب الهدي بالتسبيب فيعتبر ان يتقرب بعمله و يأتيها بعنوان وظيفة حج التمتع. (1) يتعرض في هذه المسألة لأُمور: منها أنه يجب على المتمتع عند جماعة من الأصحاب الأكل من هديه، و يستدل على ذلك بظاهر الأمر في الآية المباركة فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ خلافاً للآخرين من المنسوب إلى المشهور من عدم وجوبه، حيث منع من دلالة الأمر بالأكل على الوجوب، فإنه في مقام توهم الحظر، فيفيد الترخيص بل غايته المطلوبية و الاستحباب لا لمجرد ان المحكي عن الجاهلية منع ذلك على أنفسهم، كما ذكر ذلك الزمخشري في الكشاف، ليقال ان ذلك غير ثابت بل أمر

الإنسان ان يأكل من ماله، و إحسانه ظاهره في نفسه يفيد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 227

.......... الترخيص أو الاستحباب.

و الجواب عن ذلك بأنه لم يحرز بناء الجاهلية على المنع عن أكل صاحب الهدي، و على تقدير فالدين الإسلامي ناسخ لأحكام الجاهلية كما ترى، فإنه إذا كان قوله سبحانه فَكُلُوا ناسخاً فلا يفهم منه إلّا الترخيص و عدم المنع، و أما الاستدلال على الوجوب بالروايات و عمدتها ما ورد من أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بطبخ شي ء و أكله و أكل علي (عليه السّلام) منه، كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حين ينحر ان يؤخذ كل بدنه جذوة من لحمها، ثم تطرح في برمة ثم تطبخ فأكل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و علي منها و حسيا من مرقه «1» و نحوها غيرها، و لا يخفي ان الأمر بالأخذ و الطبخ أمر غيري تابع لأمر ذي المقدمة و أكله صلوات عليه و آله مع أكل علي من قبيل الفعل، و لا يستفاد منه إلّا أصل المطلوبية، و الأكل من الهدي غير داخل في النسك التي أمر (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بأخذها منه، بل غايته على تقدير وجوبه واجب مستقل، و كيف ما كان فالأحوط الأكل مع التمكن منه.

الأمر الثاني: المعروف بين الأصحاب على ما قيل تثليث الهدي ثلث يأكل منه، و ثلث يتصدق به، و قلت: يهديه كما هو ظاهر بعض الاخبار و عليه جماعة و المحكي عن ابن إدريس ان الهدي يؤكل منه

و يتصدق، بان يقسم قسمان و في قوله سبحانه دلالة على التثليث، حيث يدل قوله سبحانه فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ على الإهداء و الأكل منه، و قوله سبحانه وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ فبناءً على عدم اعتبار الفقر في القانع و المعتر كما ورد من ان القانع ما يقتنع بالإعطاء، و المعتر الذي يعتريك و يترقب الإعطاء من غير اعتبار الفقر، و البائس هو الفقير و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه جلّ ثنائه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 228

.......... فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ قال: القانع الذي يقتنع بما أعطيته، و المعتر الذي يعتريك، و السائل الذي يسألك في يديه، و البائس هو الفقير «1»، فان مقابله الفقير للقانع و المعتر ظاهرها عدم اعتبار الفقر فيهما، نعم لو قيل بان القانع و المعتر من أقسام الفقير يكون مفاد قوله سبحانه الأكل و الصدقة، و ظاهر صحيحة سيف التمار هو التثليث قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ان سعيد بن عبد الملك قدم حاجّاً فلقي أبي فقال اني سقت هدياً فكيف اصنع؟ فقال: له أبي أطعم أهلك ثلثاً، و أطعم القانع و المعتر ثلثاً، و أطعم المساكين ثلثاً، فقلت المساكين هم السؤال؟ قال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر الذي ينبغي له أكثر من ذلك و هو اغنى من القانع يعتريك و لا يسألك «2»، و لا مجال لدعوى ان القانع و المعتر من أقسام الفقير في مقابل المساكين المراد منهم السؤال فتكون كالاية في انه لا

يستفاد منها إلّا الأكل و الصدقة، و أظهر منها في الأكل و الإهداء و التصدق و التثليث صحيحة شعيب العقرقوفي قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها، قال: بمكة قلت: أي شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثاً و اهدي و تصدق بثلث «3»، نعم الروايتان واردتان في سياق الهدي في إحرام العمرة و الحج، و لكن لا يضر ذلك بالاستدلال بهما على هدي التمتع، فان المستفاد منهما ان ذلك حكم الهدي لا حكم سياقه في الإحرام فقط.

الأمر الثالث: هو ان ظاهر الروايتين على ما تقدم هو جعل الهدي ثلاثة أثلاث لا مجرد تقسيمه بثلاثة أقسام و لو متفاضلة غير متساوية، نعم لا يجب على صاحب الهدي الأكل بتمام ثلثه و لو مع اهله و عياله و إن كان ذلك أمراً جائزاً له لو اتفق، بشهادة مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: أمر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 229

.......... حين ينحر ان يؤخذ من كل بدنة جذوة من لحمها ثم تطرح في برمة، ثم تطبخ، و أكل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و علي منهما و حسيا من المرق، و يقتضيه ايضاً مناسبة الحكم و الموضوع، حيث لا يأكل شخص ثلث حيوان خصوصاً من البقر و الإبل و لا يصاحب الأهل و العيال بحيث يصرف ثلث الهدي هناك، و على الجملة يجوز ترك الباقي من ثلثه بعد مقدار الأكل منه بل مطلقاً إذا لم يتمكن من الأكل منه، كما يجوز ترك الثلثين الآخرين إذا لم يتمكن من الإعطاء و

التصدق بها و إن كان الأحوط إيصال حصة الفقير بنحو التوكيل المتعارف، لان الغرض إيصال المال إلى الفقير بخلاف القانع أو المعتبر فان الغرض منها وصول نفس الحصة من الهدي إليهما و مع عدمهما هناك كما هو الفرض لا يكون تكليف، نعم لو كان مع التكليف أو بدونه ايضاً اعتبار وضع يضمن مع الإتلاف، و لكن الثاني لا وجه له، و الأول لم يثبت و إن كان رعايته أحوط.

الأمر الرابع: هل يعتبر في الفقير الذي يتصدق عليه بثلث الهدي الايمان، فقد يقال ان مقتضى الإطلاق فيما ورد في الآية و الروايات عدم الاعتبار و يساعده ملاحظة الحال في عصر الأئمة عليهم السلام، بل في زماننا هذا ايضاً، و يختلف الأمر في الزكاة و سائر الصدقات عن التصدق بالهدي، بل ورد في زكاة الفطرة إعطائها لغير الناصبي إذا لم تجد المؤمن، كما في موثقة الفضيل «1» و صحيحة علي بن يقطين انه سأل أبا الحسن الأول (عليه السّلام) عن زكاة الفطرة هل يصلح ان تعطى الجيران و انطواره ممن لا يعرف و لا ينصب؟ قال: لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً «2»، و التقييد بالحاجة ظاهره انه من سهم الفقراء.

الأمر الخامس: يجوز إخراج اللحوم من منى و لو قبل ثلاثة أيام أي انقضاء أيام النحر، فإنه و إن ورد في الروايات النهي عن إخراج اللحم، من منى بل حبسه فيه بعد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 230

و يتصرف الوكيل فيه حسب اجازة موكله من الهبة و البيع أو الاعراض أو غير ذلك و يجوز إخراج لحم الهدي و الأضاحي من منى

[ (المسألة الخامسة عشرة) يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرف فيما قبضه كيفما شاء]

(المسألة الخامسة عشرة) يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرف فيما قبضه كيفما

شاء (1) فلا بأس بتمليكه غير المؤمن أو غير المسلم.

[ (المسألة الخامسة عشر) إذا ذبح الهدي فسُرِق أو أخذه متغلب عليه قهراً قبل التصدق و الإهداء]

(المسألة الخامسة عشر) إذا ذبح الهدي فسُرِق أو أخذه متغلب عليه قهراً قبل التصدق و الإهداء فلا ضمان على صاحب الهدي، نعم لو أتلفه باختياره و لو بإعطائه لغير اهله ضمن على الأحوط. ثلاثة أيام الا ان هذا الحكم مقيد بصورة الحاجة إلى اللحوم فيه لمراعاة حال الفقراء، و إذا عدمت كما في مثل زماننا فلا يحرم شي ء منهما، كما تشهد صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى، قال: كنا نقول لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس اليه فاما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه «1»، و فيها أيضاً دلالة على إعطاء الفقير غير المؤمن و في حسنته عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة فأما اليوم فلا بأس به «2». (1) في أحكام الهدي و مسائله و ذلك فإنه بعد القبض يعتبر المأخوذ ملكه و للمالك ان يتصرف في ملكه كيفما شاء، و القبض في الإهداء و الصدقة شرط في صيرورة المقبوض ملكاً لقابضه، سواء قلنا بأنه قبل قبضه ملك لصاحب الهدي و أنه يجب عليه صرفه لا كله و الإعطاء و التصدق على الفقير كالمال المنذور التصدق به، أم قلنا بأنه نظير مال الزكاة في النصاب. و على كلا التقديرين فان تلف الهدي قبل التصرف فيه على ما، تقدم كما إذا سرق أو أخذه متغلب فلا ضمان على صاحب الهدي حتى بالإضافة إلى الثلثين،

[الحلق و التقصير]
اشارة

الحلق و التقصير و هو الواجب السادس من واجبات الحج، و يعتبر فيه قصد التقرب و إيقاعه في

النهار على الأحوط من دون فرق بين العالم و الجاهل و الأحوط تأخيره عن الرمي و الذبح، و لكن لو قدمه عليهما أو على الذبح نسياناً أو جهلًا منه بالحكم أجزأه و لم يحتج إلى الإعادة (1). و لو أتلفه هو باختياره و لو بإعطائه لغير أهله فإن قلنا أنه كالمنذور بالتصدق فلا ضمان و إن ترك الواجب و استحق الإثم، و على الثاني، يضمن الثلثين ايضاً و لكن لا يستفاد من الآية المباركة الثاني بل استفادته منه من الروايات ايضاً مشكل، حيث ان أمر الهدي في التثليث على حد سواء بين الهدي الواجب و المستحب على ما تقدم عند التكلم في الدليل الدال على التثليث، و لذا ذكرنا ان الضمان أحوط و إن أمكن المناقشة في تصوير الضمان بالإضافة إلى الثلث الذي يهدى و اللَّه العالم. (1) قد تقدم ان أفعال منى في نهار يوم العيد الرمي يعني رمي جمرة العقبة و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير و كل ذلك من أفعال الحج التي يعد جزءً من الحج المعتبر فيه قصد القربة، و يستفاد وجوب الحلق أو التقصير من الآية المباركة و الروايات أما الآية المباركة لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ففي دلالتها مناقشة واضحة فإنها كما سيأتي أنها واردة في بيان حكم المحصور، و لا دلالة لها على حكم أفعال منى أصلًا، نعم يستفاد وجوبه من الروايات على ما يأتي التعرض لها، و على الجملة وجوب الحلق أو التقصير مما لا ينبغي التأمل في وجوبه، و المحكي عن الشيخ (قدّس سرّه) في التبيان أو النهاية على ما قيل شاذ، و الكلام في جهات الاولى: وجوب تأخيره عن الذبح و

النحر بان يقع الذبح أو النحر قبل الحلق أو التقصير، و يستفاد من صحيحة سعيد الأعرج مضافاً إلى أصل وجوب أحدهما انه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) معنا نساء قال: أفض بهن بليل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 232

.......... و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة الحديث «1»، فإن ظاهر الشرطية في جهة مفهومها انهن إذا كن مكلفات بالذبح لا يقصرن، فاللازم وقوع الذبح أو النحر قبل التقصير، و يدلُّ على ذلك أيضاً رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك «2»، و مقتضاهما ترتب الحلق أو التقصير على الذبح أو النحر كما تقدم ما يدل على ترتب الذبح أو النحر على رمي جمرة العقبة، و يدلُّ على كلا الأمرين مضافاً إلى أصل وجوب الحلق أو التقصير مثل صحيحة جميل قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق قال: لا ينبغي إلّا ان يكون ناسياً، ثم قال ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتاه أناس يوم النحر فقال: بعضهم يا رسول اللَّه أني حلقت قبل ان أذبح و قال: بعضهم حلقت قبل ان أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي ان يؤخروه إلا قدموه، فقال: لا حرج «3»، و ما يقال من ظهور لا ينبغي في الكراهة على تقديره لا يعم المقام بقرينة استثناء الناسي المراد منه الأعم من الجاهل، فان

ظاهره عمد الحرج من صورة الجهل أو النسيان، و على الجملة لو لم يكن الترتيب أمراً معتبراً بل كان أمراً راجحاً لما كان للسؤال عن تقديم المتأخر مورد، و بهذا يظهر الحال في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سألته عن رجل حلق رأسه قبل ان يضحي قال: لا بأس و ليس عليه شي ء و لا يعودن «4»، فإن غاية مدلولها الحكم بالصحة في مورد التقديم جهلًا.

و على الجملة لو كان السؤال هكذا سألته عن الرجل هل يحلق رأسه قبل ان يضحي قال لا بأس و ليس عليه شي ء، يكون مدلول الجواب عدم لزوم رعاية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 233

.......... الترتيب، و أما السؤال المفروض من الصحيحة ظاهره الجهل بالحكم خصوصاً بعد ذكره (عليه السّلام) و لا يعودن الثانية، هل يتعين الحلق أو التقصير في خصوص نهار العيد كالرمي و الذبح أو يجوز تأخيره إلى الليل، قد ذكرنا سابقاً انه يستفاد وقوع الذبح و الحلق أو التقصير في نهار يوم النحر من حسنة محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له قال: كل شي ء إلا النساء و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب «1»، و وجه الاستفادة ان مجرد تحقق يوم النحر لا يوجب الحلية و إنما تتحقق الحلية بعد أفعال اليوم، و لو كان الامام (عليه السّلام) في مقام بيان ما يجوز في ذلك اليوم لا دخل الطواف أيضاً في الجواب و يقول كل شي ء إلا النساء إذا طاف طواف الحج، و ذكره (عليه السّلام) في

الجواب كل شي ء إلا الطيب و النساء، ظاهره انه (عليه السّلام) قد عرض الأفعال التي يجب الإتيان بها في ذلك اليوم، و يدلُّ عليه ايضاً ما ورد في الترخيص للنساء في رمي العقبة ليلة النحر و التقصير ليلًا إذا لم يكن لهن ذبح، فيعلم ان التقصير كالذبح من أفعال يوم النحر و قد رخص للنساء التقصير ليلًا إذا لم يجب عليهن ذبح، و أما مع وجوب الذبح فاللازم ان يكون تقصيرهن بعد اليوم، فما عن أبي الصباح من جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق، و لكن لا يزور البيت قبله فمبني على جواز تأخير الذبح عن يوم النحر اختياراً، و قد تقدم انه لا يمكن المساعدة على ذلك و انه لا يجوز التأخير إلا مع العذر، و معه ايضاً يقصر أو يحلق يوم النحر و يؤخر الذبح إلى أيامه بل إلى آخر ذي الحجة مع استمراره إلى آخره، نعم روي الشيخ بإسناده عن موسى القاسم عن علي قال: لا يحلق رأسه و لا يزور حتى يضحي فيحلق رأسه و يزور متى شاء «2»، فقيل ظاهرها جواز تأخير الحلق متى شاء كالطواف، و فيه ان الرواية مضمرة و على مردّد فيحتمل

[مسائل الحلق و التقصير]
[ (المسألة الأولى) لا يجوز للنساء الحلق

(المسألة الأولى) لا يجوز للنساء بل يتعين عليهن التقصير.

[ (المسألة الثانية) يتخير الرجل بين الحلق و التقصير و الحلق أفضل

(المسألة الثانية) يتخير الرجل بين الحلق و التقصير (2) و الحلق أفضل و من لبد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمل، أو عقص شعر رأسه و عقده بعد جمعه و لفه كونه علي بن أبي حمزة البطائني، و من حيث الدلالة قاصرة، لان قوله متى يزور قيد للطواف لا الحلق و قيد (عليه السّلام) بعد على اشتباه من بعض النساخ، و على الجملة مفاده ايضاً ترتب الحلق على الذبح، و لكنه ورد في بعض الروايات يكفي في الحلق شراء الهدي و جعله في رحله و إن لم يذبح، و في سنده جملة منها علي بن أبي حمزة في غير رواية واحدة رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن وهب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محله و إن أحببت أن تحلق فاحلق «1». (1) مسائل الحلق و التقصير يجب على النساء التقصير و لا يجزي الحلق بلا خلاف نصاً و فتوى، قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في صحيحة الحلبي ليس على النساء حلق و عليهن التقصير، و ظاهرها عدم مشروعية الحلق في احلالهن و تعين ذلك بالتقصير، و يدلُّ ايضاً مثل صحيحة سعيد الأعرج قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) معنا نساء قال: أفض بهن بليل و لا تفض حتى تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى و ليرمين الجمرة فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن ثم يمضين

إلى مكة «2». (2) يجب على الحاج الحلق أو التقصير تخييراً مطلقاً و لو كان صرورة لم يحج

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 235

فالأحوط وجوباً لولا الأظهر عليه اختيار الحلق، و من كان صرورة فالأحوط له اختيار الحلق و إن كان تخييره بين الحلق و التقصير أظهر. من قبل على الأظهر، نعم الأفضل بل الأحوط للصرورة الحلق خلافاً لما هو المنسوب إلى المعظم من وجوب الحلق تعييناً على الصرورة، نعم إذا عقص الحاج شعره أو لبده أي جعل صمغاً أو عسلًا لشعر رأسه لئلا يتسخ أو يتقمل تعين عليه الحلق و إن لم يكن صرورة، و يدلُّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: ينبغي للصرورة أن يحلق و إن كان قد حج فان شاء قصر و إن شاء حلق فإذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير «1»، فان التعبير في الصرورة بينبغي و إن لا ينافي وجوب الفعل كما عبر بذلك في الترتيب المعتبر في أفعال منى على ما تقدم، الا ان مقابلة الصرورة مع الملبد و المعقوص شعره، و التعبير فيه بان عليه الحلق و ليس له التقصير قرينة على إرادة الأفضل من ينبغي، و إلا كان المناسب عطف الصرورة عليهما. و يدلُّ ايضاً على كفاية التقصير و إن كان الحاج صرورة صحيحة أخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق في الحج و ليس في المتعة إلا التقصير «2»، فان ظاهرها تعين الحلق

في مورد عقاص الشعر و تلبيده و تعين القصر في الإحلال من عمرة التمتع و التخيير في غيره من موارد الإحلال من إحرام العمرة المفردة و الحج من الصرورة أو من غيره، نعم في بعض الروايات دلالة على تعين الحلق على الصرورة كرواية عمار الساباطي التي رواها الشيخ بإسناده إلى عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عنه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق قال ان كان قد حج قبلها فلينجز شعره و إن كان لم يحج فلا بد من الحلق «3»، و لكن باعتبار ضعف

[ (المسألة الثالثة) من أراد الحلق و علم ان الحلاق يجرح رأسه

(المسألة الثالثة) من أراد الحلق و علم ان الحلاق يجرح رأسه فعليه ان يقصر (1) أولًا ثم يحلق. السند لضعف سند الشيخ إلى عمرو بن سعيد و معارضتها بصحيحة معاوية بن عمار الاولى و عدم إمكان الالتزام بمدلولها مع عدم التمكن من الحلق كيف يتعين الحلق.

لا يقال: لا يناسب حمل (لا ينبغي) على الاستحباب في صحيحة معاوية بن عمار لان الحلق أفضل من التقصير و إن لم يكن الحاج صرورة، فإنه يقال للاستحباب مراتب، و كذا الحال في سائر ما ورد و ظاهره تعين الحلق على الصرورة من رواية أبي بصير و بكر بن خالد و سليمان بن مهران و أبي سعيد فان هذه الروايات مع ضعف السند فيها لا تصلح لرفع اليد عن ظهور ما تقدم، و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليها لأن الشهرة على تقديرها في مثل مسائل الحج التي يراعى فيها الاحتياط لا تكون جابرة، و قد يستدل على جواز التقصير على الصرورة بقوله سبحانه لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ

الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ الآية بتقريب ان من كان مع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كانوا صرورات، و دخول المسجد الحرام محلقين أو مقصرين لا يكون في العمرة لأن التقصير في عمرة التمتع يكون آخر اعمالها، و كذا في العمرة المفردة يكون الحلق أو التقصير بعد اعمالها، و إنما يكون دخول المسجد الحرام حال التقصير و الحلق بعد اعمال منى، و فيه ان ما في الآية اخبار بدخول المسجد الحرام آمناً و إتمام الاعمال حيث ان آخرها يكون بالتقصير أو الحلق كما في العمرة المفردة بان لا يتكرر ما حدث في صلح الحديبية. (1) لو علم بخروج الدم عند الحلق قيل لا يجوز له الحلق، بل لا بد من ان يختار التقصير لان الواجب التخييري انما يقتضي التخيير فيما إذا لم يكن في الإتيان بأي

[ (المسألة الرابعة) الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم يكن ملبداً أو معقوصاً]

(المسألة الرابعة) الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم يكن ملبداً أو معقوصاً (1) و إلا جمع بين القصر و الحلق و يقدم التقصير على الحلق على الأحوط.

[ (المسألة الخامسة) إذا حلق المحرم أو قصّر له جميع ما حرّم عليه بالإحرام

(المسألة الخامسة) إذا حلق المحرم أو قصّر له جميع ما حرّم عليه بالإحرام (2) ما عد النساء و الطيب بل الصيد أيضاً على الأحوط. من العدلين محذور، و إلا فان كان في ارتكاب أحدهما بعينه محذور فعليه الامتثال باختيار العدل الآخر كما هو مقتضى الإطلاق في دليل ذلك المحذور، و المفروض ان في ارتكاب الحلق محذور لاستلزامه خروج الدم و لا يكون إخراجه للمحرم ما يحصل به الإحلال، و لكن يمكن ان يقال ان الحلق لا ينفك عادة عن خروج الدم و لو كان قليلًا، فتخيير المكلف في الخطابات بينه و بين التقصير بل الترغيب إلى الحلق مقتضاه عدم حرمة هذا الإخراج كما هو الحلال فيما تعين الحلق و مستلزم خروجه. (1) الخنثى المشكل يجب عليه التقصير فيما إذا لم تكن ملبداً أو معقوصاً، لان التقصير يخرجه عن إحرامها لأنه ان كانت امرأة فهو وظيفتها، و إن كانت رجلًا فالرجل مخير بين التقصير و الحلق بخلاف ما إذا حلقت فان مقتضى الاستصحاب على إحرامها بعده، و إن إزالة شعرها يكون مع كونها محرمة و لو كانت ملبدة أو معقوصة يجب عليها الجمع بين الحلق و التقصير، و الأحوط ان يقدم التقصير لأن أمر التقصير و الحلق مردد بين الوجوب و الحرمة من دون أصل موضوعي في أحدهما بعينه بحيث يختص به، و كذا الأصل الحكمي و بعد ارتكاب أحدهما يجوز ارتكاب الآخر اما لكونه محل لها أو انه يقع بعد خروجه عن إحرامها، تأتي بالآخر منهما و

ما ذكرنا من ان الأحوط عليها التقصير أولًا ثم الحلق فهو لرعاية المنسوب إلى المشهور من عدم وجوب الحلق على الملبد و المعقوص شعره بل يكفيه التقصير. (2) إذا حلق المحرم أو قصّر حلّ له جميع ما كان يحرم عليه بالإحرام ما عدا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 238

.......... النساء و الطيب، بل الصيد كما عليه المعظم من أصحابنا بل لم يعرف الخلاف فيه منهم على ما قيل، و يشهد بذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا النساء و الطيب فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا النساء و إذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا الصيد «1»، و صحيحة العلاء قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) اني حلقت رأسي و ذبحت و اني متمتع و أطلي رأسي بالحناء قال نعم من غير ان تمس شيئاً من الطيب، قلت: و ألبس القميص و أتقنع قال: نعم، قلت: قبل ان أطوف بالبيت قال: نعم «2» و تدل حسنة محمد بن حمران على ان حرمة الطيب يختص بالحاج المتمتع قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحلّ له قال: كل شي ء إلا النساء و عن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر، قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب «3»، و يؤيد التفصيل بين المتمتع و غيره فحوى خبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا كنت متمتعاً فلا

تقربن شيئاً فيه صفرة حتى تطوف بالبيت «4»، و ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلًا من نوادر احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن جميل قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتمتع ما يحلّ له إذا حلق رأسه قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب قلت فالمفرد قال كل شي ء إلا النساء «5»، و على الجملة مقتضى صحيحة معاوية بن عمار الظاهر في الحاج المتمتع بقرينة فرض ذبح الهدي و الحلق، و كذلك حسنة حمران مؤيداً بما ذكر انه يتحلل بعد الحلق و الذبح من كل شي ء كان محرماً عليه بالإحرام إلا الطيب و النساء، كما يدل على ذلك أيضاً صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح قال: ربما آخرته

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 239

.......... حتى تذهب أيام التشريق و لكن لا تقربوا النساء و الطيب «1»، و هذه الصحيحة أيضاً منصرفة إلى حج التمتع لفرض عدم الطواف و مع الإغماض عن ذلك فيرفع اليد عن الإطلاق بقرينة التفصيل في حسنة محمد حمران.

و المحكي عن الصدوق و والده (قدّس سرّهما) التحلّل من كل شي ء إلّا الطيب و النساء بالرمي و هذا وارد في الفقه الرضوي نعم.

في موثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السّلام) انه كان يقول إذا رميت جمرة العقبة حلّ لك كل شي ء إلّا النساء «2»، و موثقة يونس بن يعقوب قال: قلت: لأبي الحسن موسى (عليه السّلام) جعلت فداك رجل أكل فالودج بعد ما رمى الجمرة و لم يحلق، قال: لا بأس «3» و لكن شي ء من الروايتين يوافق

ما عليه الصدوق و والده من بقاء حرمة الطيب و النساء بعد الرمي، و الصحيح أن الموثقة إطلاقها يقيد بما ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة من أنه إذا ذبح و حلق يعني إذا رميت و ذبحت و حلقت في موثقة يونس السؤال عن الارتكاب قبل الحلق و ظاهر فرض جهله بحرمته بعد الأكل و لا أقل من حمله عليه جمعاً بينها و بين ما تقدم.

ما يحلّ للمتمتع إذا رمى جمرة العقبة و ذبح و حلق أو قصر نعم ينافي ما تقدم ما ورد في صحيحة سعيد بن يسار قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المتمتع، قال: إذا حلق رأسه قبل ان يزور البيت يطليه بالحناء، قال نعم الحناء و الثياب و الطيب وكل شي ء إلّا النساء «4»، و صحيحة أبي أيوب الخزاز قال رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) بعد ما ذبح حلق ثم ضمد رأسه بسكّ (مسك) و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعاً «5»، و المناقشة في سند الثانية بأن يونس مولى علي لا مجال

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 240

.......... لها، فإنه يونس بن عبد الرحمن يعبر عنه بمولى علي بن يقطين، كما ان المناقشة في دلالتها بان الامام (عليه السّلام) كان متمتعاً من الاخبار بالموضوع كذلك، فإن الأخبار بالموضوع كالاخبار في الحكم من الاعتبار، و لكن مع ذلك الروايتان معرض عنهما عند أصحابنا معارضتان بالأخبار المتقدمة الدالة على ان المتمتع يمسّ الطيب حتى يطوف و يسعى، و ليس بين الطائفتين جمع عرفي فإن قولهم (عليهم السّلام) يحلّ المتمتع يوم النحر أو إذا ذبح و حلق أو حلق كل شي ء إلّا النساء و الطيب،

و ما ورد في الروايتين من انه يحلّ المتمتع يوم النحر إذا ذبح أو حلق من كل شي ء إلّا النساء و الطيب، و ما ورد في الروايتين في أنه يحل للمتمتع من كل شي ء إلّا النساء و يحل له الثياب و الطيب من المتعارضين، فإن أمكن الحمل على التقية أو الحمل على حج الافراد، كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ولد لأبي الحسن مولود بمنى «1» الحديث، فهو و إلّا تطرح كصحيحة أبي أيوب الخزاز لاحتمال اشتباه الراوي في قوله و كان متمتعاً، نعم لو أغمض عما ذكرنا و تساقطت الطائفتان بالتعارض و عدم المرجح في البين كان مقتضى اصالة البراءة عدم حرمة الطيب بعد أفعال منى لما ذكر في محله انه يجري الاستصحاب لا في ناحية الإحرام، و لا في ناحية حرمة الطيب لأن الشبهة حكمية، بقي من المقام أمر و هو أنه قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة انه إذا طاف و سعى يحلّ له كل شي ء إلّا النساء و إذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا الصيد، فيقال ان ظاهرها بقاء حرمة الصيد الذي كان بالإحرام لا بالدخول في الحرم فلا يجوز له أكل الصيد الذي صاده الغير في غير الحرم، أو صاد هو في غير الحرم قبل إحرامه و يجاب عن ذلك بان حرمة الصيد بعد طواف النساء هي حرمة صيد الحرم، و الاستثناء منقطع. و لذلك فإنه قد ورد في سائر الروايات انه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 241

.......... إذا حلق فقد أحل من كل شي ء حرم منه إلّا الطيب و النساء، و مقتضاها حلية الصيد الإحرامي من

حين تحقق الحلق غاية الأمر بما أنه في الحرم يبقى عليه حرمة الصيد في الحرم كسائر الناس في الحرم الذين يعيشون فيه كأهل مكة، و لا يخفى ما في الجواب فان حمل الاستثناء في صحيحة عمار على المنقطع خلاف الظاهر خصوصاً بملاحظة معتبرته الأخرى قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من نفر في النفر الأوّل متى يحلّ له الصيد، قال: إذا زالت الشمس من اليوم الثالث «1» فان التحديد بزوال اليوم الثالث راجع إلى حرمة الصيد الإحرامي لا حرمة الصيد في الحرم من حرمة صيده، تبقى ما دام كونه في الحرم بعد زوال اليوم الثالث و قبله و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول في قول اللَّه عزّ و جلّ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى قال: يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى إلى النفر الأخير «2» نعم في صحيحته الثالثة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: ينبغي لمن تعجل في يومين ان يمسك عن الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث «3» و ظاهرها على هو المعروف الاستحباب من جهة التعبير بينبغي و تحديد الإمساك إلى انقضاء اليوم الثالث، و لكن لا ينافي تحديد بقاء حرمة الصيد الإحرامي إلى زوال اليوم الثالث و استحباب الاتقاء إلى انقضائه، و قد ورد في صحيحة حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس ان ينفر في الأول و من نفر من النفر الأوّل فليس له ان يصيب الصيد حتى ينفر الناس و هو قول اللَّه عزّ و جلّ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. لِمَنِ اتَّقى

فقال اتقى الصيد «4» و لكن بما ان الأصحاب لم يذكروا بقاء حرمة الصيد الإحرامي كذلك فالأحوط ما ورد في هذه الروايات.

[ (المسألة السادسة) إذا لم يقصر و لم يحلق نسياناً أو جهلًا منه بالحكم إلى ان خرج منى

(المسألة السادسة) إذا لم يقصر و لم يحلق نسياناً أو جهلًا منه بالحكم إلى ان خرج منى (1) رجع و قصر أو حلق فيها فان تعذر الرجوع أو تعسّر عليه قصّر و حلق في مكانه و بعث بشعره إلى منى ان امكنه ذلك.

[ (المسألة السابعة) إذا لم يقصر و لم يحلق نسياناً أو جهلًا فذكره أو علم به بعد الفراغ من اعمال الحج و تداركه

(المسألة السابعة) إذا لم يقصر و لم يحلق نسياناً أو جهلًا فذكره أو علم به بعد الفراغ من اعمال الحج (2) و تداركه لم يجب اعادة الطواف على الأظهر، و إن كانت الإعادة أحوط (1) مسائل الحلق و التقصير إذا لم يحلق المحرم و لم يقصّر من منى جهلًا بالحكم أو نسياناً إلى ان خرج رجع و حلق أو قصر فيها بلا خلاف معروف، و في المدارك ان الحكم مقطوع به عند الأصحاب و يدلُّ عليه صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي ان من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى قال: يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصير «1»، و لكن تعارضها صحيحة مسمع قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر قال: يحلق في الطريق أو أين كان «1»، لا يقال مقتضى الجمع العرفي بينهما الاستحباب في الرجوع إلى منى فإنه يقال ظاهر صحيحة الحلبي الأمر بالرجوع و التقصير فيها مع التمكن منه و عدم الحرج، لان الحكم بالحلق و التقصير من منى يجب معه، و صحيحة مسمع مطلقة من حيث الرجوع و عدمه، فيرفع اليد عن إطلاقها في صورة اليسر و التمكن من الرجوع فتكون النتيجة تعين العودة به و جواز الحلق أو التقصير أينما كان مع عدم التمكن و

الحرج، نعم مع الحلق أو التقصير في غيرها لزم بعث الشعر إلى منى لظاهر صحيحة حفص البختري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يحلق رأسه بمكة قال: يردّ الشعر إلى منى «2» و نحوها. (2) يعتبر وقوع الحلق و التقصير قبل طواف الحج و سعيه كما عليه المشهور من

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 243

بل الأحوط إعادة السعي أيضاً، و لا يترك الاحتياط بإعادة الطواف مع الإمكان فيما إذا كان تذكره أو علمه بالحكم قبل خروجه من مكة. الأصحاب، خلافاً لجماعة حيث ذهبوا إلى استحباب تأخير الطواف، و على الأول أيضاً إذا قدم الطواف و السعي جهلًا بالحكم أو نسياناً يحكم بالاجزاء كما هو ظاهر نفي الحرج في صحيحة جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق إلى ان قال: فلم يتركوا شيئاً أن يؤخروه إلّا ان قدّموه فقال لا حرج «1» و لكن في مقابلها صحيحة علي بن يقطين: قال سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن امرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتى زار البيت فطافت و سعت من الليل ما حالها و ما حال الرجل إذا فعل ذلك قال: لا يقصر و يطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم أحلّ من كل شي ء «2»، و ربما يقال بان مدلول الصحيحة هو لزوم الإعادة و الحكم مطلقاً حتى في صورتي الجهل و النسيان، حيث لا يمكن الالتزام بأن الصحيحة ناظرة إلى صورة العمد و علم المرأة بالحكم، و فيه ان مقتضى الجمع بين صحيحة جميل بن دراج و هذه الصحيحة الالتزام باستحباب اعادة الطواف و السعي بعد التقصير لأن صحيحة

جميل تدل على الاجزاء لا على نفي الاستحباب، و يبقى إطلاق صحيحة علي بن يقطين بالإضافة إلى العالم العامد بحاله من لزوم الإعادة.

[القول فيما يجب بعد أعمال منى
[طوائف الحج و صلاته و السعي
اشارة

الواجب السابع و الثامن و التاسع من واجبات الحج الطواف و صلاته و السعي و كيفيتها و شرائطها هي نفس الكيفية.

(لزوم تأخير طواف الحج و سعيه عن الحلق أو التقصير) و الشرائط (1) التي ذكرناها في طواف العمرة و صلاتها و سعيها.

[ (المسألة الأولى) يجب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير في حج التمتع

(المسألة الأولى) يجب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير في حج التمتع (2) فلو قدمه عالماً عامداً وجبت اعادته بعد الحلق أو التقصير و لزمته كفارة شاة. (1) طوائف الحج و صلاته و السعي و ذلك فان كلّا من الطواف و صلاته و السعي حقيقة واحدة في نفسها و كيفيتها في موارد وجوبها و اعتبارها، و إن اختلفت موارد و الاعتبار من حيث العدد و بعض الاحكام، مثلًا يعتبر في عمرة التمتع طواف واحد و في المفردة طوافان و في حج التمتع ثلاثة، و في صحيحة معاوية بن عمارة الواردة في بيان طواف الحج ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه و تقبله فان لم تستطع فاستلم بيدك و قبّل يدك و إن لم تستطع فاستقبله و كبّر و قل: كما قلت: حين طفت البيت يوم قدمت مكة، ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة، ثم صل عند مقام إبراهيم ركعتين تقرأ فيها إلى ان قال: ثم اخرج إلى الصفا فاصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت بالمروة فاصعد عليها و طف بينها سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه الّا النساء «1» الحديث، و قريب منها غيرها. (2) يجب تأخير الطواف عن الحلق و التقصير على المشهور، بل عن بعض دعوى عدم العلم بالخلاف و لو قدم الطواف عامداً

عالماً لم يصّح طوافه و يجب

[ (المسألة الثانية) الأحوط عدم تأخير طواف الحج عن اليوم الحادي عشر]

(المسألة الثانية) الأحوط عدم تأخير طواف الحج عن اليوم الحادي عشر (1) و إن كان جواز تأخيره إلى ما بعد أيام التشريق بل إلى آخر ذي الحجة لا يخلو من قوة. عليه اعادة الطواف بعد الحلق و التقصير و يكون عليه دم شاة، و يدلُّ على لزوم الكفارة صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل زار البيت قبل ان يحلق، فقال: ان كان زار البيت قبل ان يحلق و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة «1»، و أما لزوم الإعادة فقد تقدم أنه مدلول صحيحة علي بن يقطين «2»، بل مقتضى الاشتراط المستفاد من صحيحة جميل بن دراج و محمد بن حمران المتقدمتين في أفعال منى، نعم ما ورد في عدم جواز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين للمتمتع فظاهره عدم جواز تقديمهما على الوقوفين لا اعتبار وقوعهما بعد أفعال منى كما لا يخفي. (1) الأفضل للمتمتع الإتيان بطواف الحج يوم النحر أو في الليل بعد الفراغ من اعمال منى يوم النحر، ثم الإتيان في اليوم الأول من أيام التشريق ثم إلى آخر أيام التشريق كما هو المنسوب إلى الأكثر، و تشهد بذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في زيارة البيت يوم النحر، فقال زرارة فإن شغلت فلا يضرك ان تزور البيت من الغد و لا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع ان يؤخر «3»، و موسع للمفرد أن يؤخر و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت قال: يوم النحر «4»، و صحيحة

منصور بن حازم قال سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت «5» و صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ينبغي للمتمتع ان يزور البيت يوم النحر أو من ليلته و لا يؤخر ذلك اليوم «6» و لكن في مقابلها موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن زيارة البيت قال: تؤخر إلى اليوم الثالث و تعجيلها أحبّ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 246

.......... إلى و ليس به بأس ان أخّره «1»، و صحيحة عبد اللَّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال: لا بأس أنا ربما آخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقرب النساء و الطيب «2»، و نحوها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس ان أخّرت زيارة البيت إلى ان تذهب أيام التشريق إلّا انك لا تقرب النساء و الطيب «3»، و لو لم يكن ظاهر الأخيرة نفي البأس عن الإتيان بالطواف بعد انقضاء أيام التشريق بان كان المراد الإتيان بها قبل انقضائها، فلا ينبغي التأمل في ظهور صحيحة هشام جواز تأخيره إلى ما بعد انقضائها.

و الأمر يدور بين حمل النهي عن التأخير من الغد من يوم النحر على استحباب، التعجيل نظير حمل النهي عن التأخير من يوم النحر و ليلة المبيت في صحيحة عمران بقرنية دلالة صحيحة معاوية بن عمار على جواز التأخير إلى الغد، و بين حمل ما دل على جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق، أو ما بعدها على غير

حج التمتع، و الالتزام بعدم جواز التأخير للمتمتع إلى اليوم الثاني من أيام التشريق، كما هو ظاهر السيد المرتضى في جمل العلم و العمل و بما ان هذا الجمع يشبه مثل حمل المطلق على الفرد النادر، لان الغالب على الحاج هو التمتع مضافاً إلى ما ورد في ذيل بعضها عن النهي عن قرب النساء و الطيب الظاهر ان المفروض فيحج التمتع حلية الطيب لغير المتمتع حتى في صورة عدم الإتيان بالطواف و السعي قبل الوقوفين، كما هو ظاهر حسنة محمد بن حمران المتقدمة و غيرها، فالمتعين حمل النهي عن التأخير على استحباب التعجيل به تأخيره إلى آخر ذي الحجة، مقتضى ما ورد من كون ذي الحجة. زمان الحج كما في صحيحة رفاعة بن موسى الواردة في صوم ثلاثة أيام في

[ (المسألة الثالثة) لا يجوز في حج التمتع تقديم طواف الحج و صلاته و السعي على الوقوفين

(المسألة الثالثة) لا يجوز في حج التمتع تقديم طواف الحج و صلاته و السعي على الوقوفين (1) و يستثنى من ذلك الشيخ الكبير و المرأة التي تخاف الحيض فيجوز لهما تقديم الطواف و صلاته على الوقوفين و الإتيان بالسعي في وقته، و الأحوط تقديم السعي أيضاً و إعادته في وقته، و الأولى إعادة الطواف و الصلاة ايضاً مع التمكن في أيام التشريق أو بعدها إلى آخر ذي الحجة. الحج «1»، هذا في طواف حج التمتع، و أما في غير حج التمتع فيجوز تأخير طوافه في طول ذي الحجة بلا خلاف، كما قيل و يدلّ على ذلك ما ورد في ذيل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة فإنه يكره للمتمتع ان يؤخر و موسع للمفرد أن يؤخّر و صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت قال: يوم النحر أو

من الغد و لا يؤخر و المفرد و القارن ليس بسواء موسّع عليهما «2»، فان تجويز التأخير من غير تحديد مقتضاه جواز الإتيان به طول ذي الحجة. (1) لزوم تأخير المتمتع طواف الحج و سعيه عن الوقوفين لا يجوز للمتمتع تقديم طواف حجّة و سعيه على الوقوفين إلّا الشيخ الكبير و النساء اللاتي يخفن أن يحضن مع التأخير على المشهور بين أصحابنا، و يقتضيه الجمع بين الروايات فان بعض الروايات تدل بإطلاقها على جواز التقديم حتى مع الاختيار كصحيحة حفص بن البختري عن أبي الحسن (عليه السّلام) في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى فقال هما سواء أخّر ذلك أو قدمه يعني للمتمتع «3» و موثقة زرارة و صحيحة جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه سألاهما عن المتمتع يقدّم طوافه و سعيه في الحج فقالا هما سيّان قدمت أو أخّرت «4»، إلّا انه لا بد من رفع اليد عن إطلاقها بحملها على صورة الاضطرار و خوف الحيض بقرينة روايات أخرى، كموثقة إسحاق عمار: قال سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المتمتع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 248

.......... تخاف الحيض يعجّل طواف الحج قبل ان يأتي منى، قال نعم من كان هكذا يعجّل و قال: سألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خالياً فيطوف به قبل ان يخرج عليه شي ء قال: لا «1» فان مقتضى قوله عليه نعم من كان هكذا يعجّل إلخ، عدم جواز التقديم لغير من ذكر و ما في ذيل الصحيحة من عدم المنع من طواف البيت قبل الخروج إلى الوقوف ظاهره المندوب خصوصاً بملاحظة اقتصار السائل بذكر الطواف دون

السعي، و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة التي تخاف الحيض قبل ان تخرج إلى منى «2»، فان تعليق جواز التقديم بما ذكر يشير إلى اختصاص الجواز بالمذكورين، و معتبرة إسماعيل بن عبد الخالق قال سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: لا بأس ان يعجّل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل ان يخرج إلى منى «3»، و صحيحة الحسن بن علي عن أبيه يعني علي بن يقطين: قال سمعت الحسن الأوّل يقول لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى «1»، و كذلك من خاف امراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ان يطوف و يودع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً، و صحيحة صفوان الأزرق غير صفوان بن عبد الرحمن عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر أ يصلح لها ان تعجل طوافها طواف الحج قبل ان تأتي منى قال إذا خافت ان تضطر إلى ذلك فعلت «2»، إلى غير ذلك. لا يجوز للمتمتع تقديم طواف الحج قبل الوقوفين إلا مع خوف الفوت و عدم التمكن. و على الجملة ما تقدم مما يدلّ على ان تقديم المتمتع طوافه على الوقوفين و تأخيرهما على حد سواء يرفع اليد عن إطلاقها، بان تقديمه سواء إذا كان له ضرورة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 249

.......... في التقديم كخوف الحيض و طرو عدم التمكن من الطواف من الزحام لمرضه و ضعفه،

فيكون المفاد ان التقديم ممن رخص له مساوياً مع تأخير سائر الناس في الاجزاء، و لكن حمل السيان على ما ذكر خلاف الظاهر، بل مفاد تلك الاخبار ان تقديم شخص طوافه و سعيه على الوقوفين مع تأخير ذلك الشخص سيان، فالطائفتان معارضتان بمعنى ان المفهوم من الروايات التي علّق فيها نفي البأس عن التقديم على الخوف من عدم التمكن من الطواف على تقدير تأخيره إلى ما بعد أفعال منى، فالمعارضة في جواز تقديم الطوافين على الوقوفين عند خوف الفوت منتفية، لاتفاق كلا الطائفتين فيه، و إنما الاختلاف في جواز التأخير مع عدمه أو تعيّن تأخيره مع عدمه فيؤخذ بالمنطوق من الطائفة التي علق الجواز على الخوف، و أما مع عدمه فيؤخذ بالروايات التي دلت على اشتراط طواف الحج بوقوعه بعد الحلق أو التقصير كصحيحة جميل بن دراج المتقدمة و غيرها، مما ورد في بيان اعمال حج التمتع. و مما ذكر يظهر اختصاص التقديم مع الخوف بالطواف لا أنه يعم السعي أيضاً، لأن السعي غير مشروط بالطهارة فيمكن للمكلف الإتيان بالسعي في وقته، و روايات التقديم مع الخوف لم تشتمل على تقديم السعي و إن كان الأحوط الإتيان بالسعي حفاظاً على احتمال اشتراط السعي بوقوعه بعد الطواف من غير تأخير، تقدم اعتبار مقداره و بين الإتيان به في وقته، نعم لو قيل بان الجمع العرفي بين الطائفتين مقتضاه رفع اليد عن إطلاق الاخبار التي مفادها تقديم الطواف و السعي و تأخير سيان بحملها على صورة خوف فوت الطواف، أمكن القول بجواز تقديم السعي أيضاً، لورود تقديم السعي مع الطواف في تلك الاخبار، و أما دعوى ان الجمع العرفي بين الطائفتين يقتضي حمل التأخير إلى ما بعد،

مع عدم الخوف على

[ (المسألة الرابعة) يجوز للخائف على نفسه من دخول مكة بعد أفعال منى ان يقدم طوافه و صلاته و السعي على الوقوفين

(المسألة الرابعة) يجوز للخائف على نفسه من دخول مكة بعد أفعال منى ان يقدم طوافه و صلاته و السعي على الوقوفين (1) بل لا بأس بتقديم طواف النساء أيضاً فيمضي بعد اعمال منى إلى حيث أراد.

[ (المسألة الخامسة) من طرء عليه العذر فلم يتمكن من الطواف

(المسألة الخامسة) من طرء عليه العذر فلم يتمكن من الطواف كالمرأة التي رأت الحيض (2) و النفاس و لم يتيسر لها المكث بمكة لتطوف بعد طهرها لزمتها الاستنابة للطواف ثم السعي بنفسها بعد طواف النائب. الأفضل، فيكون التقديم جائزاً مطلقاً و إن كان الأفضل مع عدم الخوف التأخير فلا يمكن المساعدة عليهما، فان مدلول ما ورد فيه التعليق انه مع عدم الخوف لا يجوز التقديم، و حمل و إثبات البأس على نفي الأفضل خلاف المتفاهم العرفي، ثم ان التقديم جوازه للمتمتع عند خوفه على ما تقدم حكم واقعي، فلا يجب الإعادة إذا تمكن من ذلك كما هو مقتضى الإطلاق المقامي، و عدم التعرض في الروايات للزوم الإعادة من صورة اتفاق التمكن بعد أفعال منى. (1) مسائل طواف الحج و سعيه و يدلّ على ذلك صحيحة الحسن بن علي عن أبيه يعني علي بن يقطين قال: سمعت أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج في يوم التروية قبل خروجه إلى منى «1»، و كذلك من خاف امراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ان يطوف و يودع البيت، ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً، و الطواف في هذه الصحيحة يعم طواف الحج و السعي و طواف النساء بقرينة ما في ذيلها عن قوله (عليه السّلام) ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً. (2) قد تقدم انه إذا

خاف عدم التمكن من الطواف بعد اعمال منى يجوز له

[ (المسألة السادسة) إذا طاف المتمتع و صلى و سعى حل له الطيب و بقي عليه من المحرمات النساء]

(المسألة السادسة) إذا طاف المتمتع و صلى و سعى حل له الطيب و بقي عليه من المحرمات النساء (1) بل الصيد ايضاً على الأحوط، و الظاهر جواز العقد عليه بعد طوافه و سعيه، و الأحوط الاجتناب عن سائر الاستمتاعات و إن كان الأظهر جوازها و حرمة الجماع خاصة. تقديم طوافه قبل الوقوفين، و أمّا إذا اتفق العذر من غير ذلك و لم يتمكن من البقاء و الإتيان بالطواف مباشرة فتصل النوبة إلى الاستنابة، لما استفيد مما ورد في الطواف من ان الشخص إذا لم يتمكن من المباشرة اختياراً يطاف به، و إن لم يمكن ذلك ايضاً يستنيب، و إن تمكن من الاستنابة يطاف عنه، و على ذلك فالمرأة الحائض في الغرض غير متمكنة من الطواف مباشرة، فتستنيب لها و لصلاتها و تسعى بنفسها. (1) لما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا ذبح الرجل و حلق أحلّ فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا الطيب و النساء، فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفاء و المروة، فقد أحل من كل شي ء حرم منه إلّا النساء، و إذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي ء حرم منه إلّا الصيد «1»، فان مقتضاها توقف حلية الطيب بعد اعمال منى على طواف الحج و صلاته و السعي، و عدم ذكر صلاة الطواف، و يغنيه عن ذكرها ذكر السعي فإن السعي متأخر عن صلاة الطواف، و لا يبعد حمل بعض ما ورد من ان المتمتع إذا حلق و طاف حل له الطيب، على صورة الإتيان بالسعي أيضاً، فإن

ظاهر الصحيحة و غيرها اعتبار تحقق السعي أيضاً، و يبقى بعد ذلك على المتمتع حرمة النساء و إذا طاف طواف النساء حلّت النساء، و المراد بحلية النساء ارتفاع حرمة الوطي و المجامعة التي أوجبت الإحرام، حيث ورد في الصحيح عن العلاء صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد اللَّه بن صالح كلهم يرونه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 252

.......... مكة فإذا قضت المناسك و زارت البيت و طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحج ثم خرجت فسعت فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه الحاج إلّا فراش زوجها فإذا طافت طوافاً آخر حل لها فراش زوجها، و نحوها غيرها و من الظاهر ان حلية فراش زوجها حلية الوطي، فان مجرد نومها في فراش زوجها لم يكن محرماً عليها و لا على زوجها حال إحرامها، فالمحرم من الفراش الجماع. و أما حرمة العقد و الإشهاد و الخطبة فغير داخل في حرمة النساء، بل كان حرمتها على المحرم ما دام لم يحلق أو لم يقصر، بل لا يبعد كون الاستمتاعات الأخرى أيضاً من قبيل العقد و الشهادة و عليه الاشهاد، و لو وصلت النوبة إلى الأصل العملي فمقتضى أصالة البراءة عدم حرمتها، حيث ان الاستصحاب في بقاء حرمتها من الاستصحاب في الشبهة الحكمية، و كذا الحال في الاستصحاب من بقاء إحرامها بالإضافة إلى الاستمتاعات على ما تقدم سابقاً، و التمسك بالمطلقات الدالة على عدم جواز تقبيل المحرم زوجته من التمسك بالخطاب المتضمن للحكم في الشبهة المصداقية، و على الجملة المقدار الثابت بعد الإتيان بطواف

الحج و سعيه حرمة الوطي و المجامعة.

سائر الاستمتاعات بل في صحيحة الحلبي دلالته على حليتها قبل الطواف بالحلق أو التقصير فإنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) ان رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح فقال ربما آخرته حتى تذهب أيام التشريق و لكن لا تقربوا النساء و الطيب «1»، فإن النهي عن قرب النساء يظهر نهي اللَّه سبحانه أولًا وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ كناية عن النهي عن المواقعة، و قد يقال أن المستفاد من بعض الاخبار ان حرمة النساء يعم حرمة الوطي و سائر الاستمتاعات، حيث ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف

[ (المسألة السابعة) من كان يجوز له تقديم الطواف و السعي إذا قدمهما على الوقوفين

(المسألة السابعة) من كان يجوز له تقديم الطواف و السعي إذا قدمهما على الوقوفين لا يحلّ له الطيب حتى يأتي بمناسك منى (1) عن الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير. هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده «1».

فإنه لو كان التقبيل جائزاً حتى قبل طواف النساء لم يكن وجه لتحمل الزوج الكفارة، فإن التقبيل جوازه لا يتوقف على ان تطوف المرأة طواف النساء و نحوها رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «2».

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه لا موجب لكون الكفارة على المحل و حملها على صورة الإكراه عليها بلا وجه، و لذا لم يلتزم بمدلولها المشهور، بل ذكر بعضهم حملها على المندوب، و لذا تقدم كون هذه الكفارة على الاحتياط و على تقدير الإغماض فهو حكم تعبدي بالإضافة إلى المحل يختص بالتقبيل. (1) إذا جاز للمتمتع تقديم طواف حجة و سعيه على الوقوفين لم يحل له الطيب

بالفراغ منها، بل يجب الفراغ من اعمال منى. فان ظاهر ما تقدم من انه إذا طاف و سعى حل له الطيب ما إذا كان الطواف للحج و السعي بعد اعمال منى، فإذا وقع قبل الوقوفين حل له الطيب بالحلق أيضاً، لأنه ليس لهما بعد اعمال منى طواف الحج و سعيه نظير حلق المفرد للحج أو القرآن، فإنه بحلق أو تقصيره يحل له حتى الطيب سواء قدم الطواف و السعي للحج قبل الوقوفين أو أخره عنهما، كما هو مفاد حسنة محمد بن حمران سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له؟ قال: كل شي ء إلّا النساء و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء إلّا النساء و الطيب «3»، و على الجملة مواطن التحليل ثلاثة الأول الحلق و التقصير، الثاني: طواف الحج و الثالث: طواف النساء، نعم ذكرنا ان الأحوط حرمة الصيد بإحرامه إذا نفر في النفر الأول إلى زوال يوم النفر الثاني.

[طواف النساء]
اشارة

طواف النساء الواجب العاشر و الحادي عشر من واجبات الحج طواف النساء و صلاته و هما و إن كانا من الواجبات إلّا أنّهما ليسا من نسك الحج فتركهما و لو عمداً لا يوجب فساد الحج (1). (1) الواجب العاشر و الحادي عشر من واجبات الحج طواف النساء و صلاته و لا فرق في وجوبه بين أنواع الحج و كيفية هذا الطواف و صلاته كطواف الحج و صلاته، و يدلُّ على وجوبه على المتمتع روايات منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت و سعيان بين الصفاء و المروة و عليه إذا

قدم مكة طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم و سعى بين الصفا و المروة ثم يقصر و قد أحلّ هذا للعمرة و عليه للحج طوافان و سعى بين الصفا و المروة و يصلّي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم «1»، لكن لا يكون طواف النساء من أجزاء الحج كطواف الحج و لا يكون تركه و لو عمداً موجباً لبطلان الحج بلا خلاف معروف، إلّا عن صاحب الذخيرة حيث ذكر أن مقتضى ما مر من ترك طواف الفريضة من عدم الإتيان بالمأمور به على و جهة بطلان الحج هنا ايضاً، و لكن لا يخفي ما فيه لدلالة بعض الصحاح لخروجه عن الحج و كونه واجباً مستقلا، و لذا يصح تركه إلى ما بعد ذي الحجة ان أقام بمكة، و يدلُّ على كونه خارجاً عن اعمال الحج صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها أنه قال: انما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد و ليس بأفضل منه الّا بسياق الهدي و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام، و سعى واحد بين الصفا و المروة، و طواف بالبيت بعد الحج «2»، و نحوها صحيحة معاوية بن عمار «3» و لا ينافي هذه الروايات صحيحة معاوية بن عمار الثالثة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها، فإذا فعلت ذلك (يعني طفت و سعيت بعد الرجوع

[مسائل طواف النساء]
[ (المسألة الأولى) كما يجب طواف النساء على الرجال كذلك يجب على النساء]

(المسألة الأولى) كما يجب طواف النساء على الرجال كذلك يجب على النساء (1) فلو تركه الرجل حرمت عليه النساء و لو تركته المرأة حرم عليها الرجال، و لو أتى النائب في الحج عن الغير بطواف النساء عنه كفى، و

الأحوط أن يأتي يقصد الأعم يعني بقصد ما هو الوظيفة. إلى منى) فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه إلّا النساء ثم أرجع إلى البيت و طف به أسبوعاً آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم ثم أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله «1»، فإنه قبل تفريع الفراغ من الحج كلّه مع بقاء المبيت و رمي الجمرات عليه على الإتيان بطواف النساء ظاهره دخوله في اعمال الحج كسائر الطواف و السعي، و الوجه في عدم المنافاة تفريع مجموع الفراغ من الحج و إلا حلال من جميع المحرمات على طواف النساء لا كل واحد منهما و لو كان هذا الحمل لما تقدم من الروايات. (1) طواف النساء لا ينبغي التأمل في وجوب طواف النساء من جميع أنواع الحج على النساء كوجوبه على الرجال، و قد تقدم ان المرأة إذا طافت و سعت بعد أفعال منى يوم النحر حلّ لها جميع ما حرمه إحرامها إلّا فراش زوجها، و قد ورد في صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء، قال: نعم عليهم الطواف كلّهم «2» نعم ينبغي الكلام في المقام في الصبي هل يعتبر في حلية النساء عليه و لو بعد بلوغه ان يطوف في الحج الذي أتى به في صغره طواف النساء أم لا يعتبر في حقه، ظاهر المنسوب إلى المشهور اعتباره في حقه ايضاً، و لعلّه للأخذ بالإطلاق في مثل قوله (عليه السّلام) على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف فإنه يعم الصبي المميز بناءً على مشروعية حجه كصلاته و صومه، و لكن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص:

256

.......... لا يخفى ان طواف النساء خارج عن اعمال الحج و ليس كاعتبار طواف الحج و سعيه جزءاً من الحج و إذا كان واجباً مستقلا يعّمه حديث رفع القلم عن الصبي، و ما دلّ على حرمة النساء على المتمتع حتى يطوف بطواف النساء لا يثبت الحرمة على الصبي، لما ذكر من حديث رفع القلم عن الصبي الحاكم على خطابات التكليف، و بتعبير آخر مدلول الخطابات حرمة النساء على المحرم من حين اتصافه بالإحرام و تبقى هذه الحرمة في إحرام الحج إلى أن يطوف الحاج طواف النساء، و هذا الحكم لا يترتب على إحرام الصبي و ترتب حرمة النساء عليه من حين بلوغه في القابل إذا لم يطف بعد حجه طواف النساء و يحتاج إلى دليل آخر غير ما دل على حرمة النساء على المحرم بإحرام الحج إلى ان يطوف طواف النساء، و على الجملة ما كان من محرمات الإحرام من مجرّد التكليف فلا يثبت في حق الصبي من الأول، و أما ما كان من قبيل الحكم الوضعي كعدم جواز النكاح على المحرم حيث ان عقد المحرم سواء كان المحرم هو العاقد أو أحد الزوجين أو كلاهما محكوم بالفساد، فهذا الحكم الوضعي لا يرتفع عن الصبي لانصراف رفع القلم إلى ما كان من قبيل الإلزام و التكليف عليه، أو لأن الفساد ليس حكماً قابلًا للارتفاع فإنه عبارة عن عدم الإمضاء، و نظيره بطلان شهادة المحرم و حرمة ما صاده الصبي المحرم، فان ما صاده المحرم فيه سواء كان بالغاً أو صبياً، ثم ان النائب عن الغير في الحج كما يأتي الحج أي اعماله عن المنوب عنه كذلك طواف النساء الواجب على المتمتع يقضيه عن المنوب عنه،

كما إذا فات طواف النساء عن شخص حيث يقضي عنه بعد موته، و بتعبير آخر بعد قيام الدليل على مشروعية النيابة في مواردها يحسب عمل النائب عملًا للمنوب عنه سواء كان ما يأتي به النائب من أجزاء العمل أو من توابعه و ملحقاته، إلّا إذا قام الدليل

[ (المسألة الثانية) طواف النساء و صلاته كطواف الحج و صلاته

(المسألة الثانية) طواف النساء و صلاته كطواف الحج و صلاته في الكيفية و الشرائط (1).

[ (المسألة الثالثة) من لم يتمكن من طواف النساء باستقلاله لمرض أو غيره استعان بغيره فيطوف

(المسألة الثالثة) من لم يتمكن من طواف النساء باستقلاله لمرض أو غيره استعان بغيره فيطوف و لو بان يحمل على متن حيوان أو إنسان و إذا لم يتمكن منه ايضاً لزمته الاستنابة عنه و يجري هذا في صلاة الطواف (2) ايضاً. و لو في مورد جزء العمل على ان على النائب ملاحظة حاله كحلق النائب رأسه يوم النحر بعد الذبح مع كونه نائباً عن المرأة، و نظير ذلك جهر الرجل في الصلاة الجهرية مع كونه المنوب عنه امرأة، و في مثل ذلك يكفي ان يقصد الإتيان بطبيعي الفعل الذي على ذمة الغير أي المنوب عنه من غير ان يلزم الانحلال من القصد بالإضافة إلى كل جزء من أجزاء ذلك العمل، و قد ورد في النيابة في الصوم و الصلاة عن الميت عنوان يقضى ما عليه و مقتضى ذلك انه إذا قصد بصلاته و صومه أنه يأتي بما على ذمة الميت كفى في النيابة، كما يكفي ذلك من إفراغ ذمة المديون للغير بإعطاء المال إلى ذلك الغير لافراغ ذمة المديون له. (1) ما ذكر في الروايات من كيفية الطواف و ما هو معتبر فيه يعم طواف العمرة و الحج و النساء لشمول الإطلاق فيها لجميع ما يعتبر فيهما، و ما يجب بعد الحج من طواف النساء فاختلاف بعضها عن بعض من بعض الشرائط كاشتراط وقوع طواف النساء بعد سعي الحج، و وقوع طواف الحج بعد اعمال منى يوم النحر لقيام الدليل عليه على ما تقدم، و يأتي لضعف المستند و ظهور الأمر به من الاستقلال. (2) و قد ذكرنا ان للطواف

مراتب إحداها، الطواف مباشرة و في جواز الركوب على حيوان تأمل، و ثانيهما: الطواف مباشرة باستعانة الغير كالمريض الذي يركب حيوان أو يحمله الغير ليطوف، و ثالثها: الاستنابة، و مع التمكن من كل مرتبة سابقة

[ (المسألة الرابعة) من ترك طواف النساء سواء أ كان متعمداً مع العلم بالحكم أو جاهلًا أو كان ناسياً]

(المسألة الرابعة) من ترك طواف النساء سواء أ كان متعمداً مع العلم بالحكم أو جاهلًا أو كان ناسياً حرمت عليه النساء (1) إلى ان يتداركه و معه تعذر المباشرة أو تعسرها جاز له الاستنابة فإذا طاف النائب عنه جاز له النساء و إذا مات قبل تداركه فالأحوط ان يقضي من تركته. لا تصل النوبة إلى المرتبة اللاحقة، و لا يخفى أن شهر ذي الحجة يعتبر في صحة طواف الحج و إذا تمكن منه الحاج من المباشرة قبل انقضائه تعين عليه المباشرة، نعم إذا لم يتمكن قبل انقضائه منه و لو لعدم إمكان اقامته في مكة أو كونها حرجاً عليه ينتقل الأمر إلى المرتبة اللاحقة، و مع عدم تمكنه منها ايضاً قبل انقضائه تصل النوبة إلى الاستنابة، و هذا بخلاف طواف النساء فإنه لا يعتبر وقوعه قبل انقضاء شهر ذي الحجة و لو تمكن من البقاء في مكة ليأتي بعد انقضائه بطواف النساء مباشرة تعين. (1) لا ينبغي التأمل و الخلاف في اشتراك طواف النساء نسياناً كصورة تركه عمداً مع العلم بالحكم أو الجهل به حرمة النساء لما تقدم من الروايات في انه إذا طاف و سعى حل عليه الطيب وكل شي ء حرمه الإحرام إلّا النساء بعد ذلك حلّت له النساء و كل شي ء حرمه الإحرام، فإن مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق بين الناسي و غيره، و يتوقف حلية النساء على الإتيان بطواف النساء، و يقع الكلام في الناسي ان الإتيان

به مباشرة أو بالاستنابة تخييري فيجوز له الاستنابة حتى مع تمكنه من الإتيان بالمباشرة بالرجوع إلى مكة، أو ان الاستنابة في صورة تمكنه من الرجوع و الإتيان بالمباشرة و لو كان عدم التمكن بنحو الحرج و العسر ظاهر بعض الروايات لزوم الإتيان به مع التمكن، كصحيحة معاوية بن عمار قال سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت «1» و ظاهر بعض

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 259

.......... الروايات جواز الاستنابة عليه حتى في صوره التمكن من المباشرة كصحيحة اخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المروية من الفقيه قال: قلت: له رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج فإنه حرمت عليه النساء حتى يطوف بالبيت «1» و مقتضى الجمع بينهما الالتزام بالتخيير، و ربما يقال في البين رواية ثالثة و هي صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار تحسب شاهده للجمع بين الروايتين، و هي روي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل نسي طواف النساء حتى اتى كوفة قال لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت قلت: فان لم يقدر، قال: يأمر من يطوف عنه «2» فيحمل قوله (عليه السّلام) في صحيحته الثانية يأمر من يقضي عنه، على صورة عدم التمكن و تعين الإتيان بنفسه في الصحيحة الأولى على صورة التمكن و لا يخفى ما فيه فان فرض عدم التمكن من الرجوع مفروض من كلام السائل فلا يوجب تقييداً من جواز الاستنابة من الصحيحة الثانية مطلقاً، و الجمع العرفي بين الثانية و الأولى هو الحمل على التخيير، و لكن رعاية عدم التمكن

و الحرج احتياط لا يترك و الوجه في ذلك أنه قد ورد معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي طواف إلى ان قال: فان مات هو فليقض عنه وليّه أو غيره فأمّا ما دام حيّاً فلا يقضى عنه «3» فان مقتضى هذا الذيل عدم إجزاء النيابة عنه ما دام حيّاً، و لا بد من رفع اليد عن ذلك في صورة عدم التمكن من الرجوع إلى مكة أو كونه حرجياً، فان ما ورد في صحيحته الثالثة المتقدمة، قلت: فان لم يقدر قال يأمر من يطوف، عنه يوجب رفع اليد عن إطلاق إلا يصلح و حمله على صورة تمكنه من الرجوع. اللهم إلّا أن يقال: إن المراد من قوله فأمّا ما دام حيّاً فلا يصلح هو النيابة عنه بلا استنابته أو أمره و أما إذا ترك طواف النساء جهلًا فالروايات الواردة في المقام كلها ناظرة إلى صورة الترك نسياناً

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 260

.......... و حيث يحتمل ان يكون التارك الجاهل محروماً من زوجته أو تكون الزوجة الجاهلة محرومة من زوجها مع عدم تمكنها من الرجوع إلى مكة.

قضاء طواف النساء عن الميت و الإتيان بطواف النساء بالمباشرة فلا يبعد الالتزام بجواز الاستنابة مع عدم التمكن من الرجوع إلى مكة أو كونه حرجياً عليه، و إلّا فمع التمكن لا سبيل إلى الالتزام بجواز الاستنابة كما انه لا سبيل إلى الالتزام بجواز الاستنابة للتارك عامداً عالماً مطلقاً، فعليه الرجوع إلى مكة و الإتيان بطواف النساء بنفسه، و إلّا يبقى على ما هو عليه من حرمة النساء.

ثم ان المستفاد من الروايات ان لطواف النساء جهتين الاولى: وجوبه النفسي بعد الحج، الثانية:

جهة كونه محللًا للنساء و إذا مات المكلف و لم يأت بطواف النساء يجب القضاء عنه، و يقع الكلام في ان قضاء طواف النساء عن الميت كوجوب قضاء ما فات عن الأب من الصلاة و الصيام تكليف لوليه، أو ان قضائه كقضاء نفس الحج الذي فات عن الميت يخرج من تركته من غير ان يختص التكليف بالولد الأكبر، و قد ورد في بعض الروايات انه يقضي طواف النساء عن الميت وليه. و قد روى حماد بن عيسى عن معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال: يرسل فيطاف عنه فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليطف عنه وليه «1»، و ظاهرها ان القضاء وظيفة ولي الميت كما هو الحال في قضاء الصلاة و الصوم.

و قد ورد فيما رواه ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يأمر من يقضي عنه ان لم يحج، فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقضي عنه وليه «2»، أو

[ (المسألة الخامسة) لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي

(المسألة الخامسة) لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي (1) فإن قدمه فان كان عن علم و عمد لزمته اعادته بعد السعي، و كذلك ان كان عن جهل أو نسيان على الأحوط. غيره فيما رواه صفوان و فضالة عن معاوية بن عمار فان هو مات فليقض عنه وليه «1» أو غيرها، و ظاهر هاتين ان التكليف لا يختص بالولي، و يقال يلزم على ذلك إخراج القضاء من تركته، لان كل واجب يتوقف الإتيان به على صرف المال يلحق بالديون يخرج عن أصل تركة الميت، و لكن قد ذكر في قضاء الحج المنذور عن الميت

ان هذه الكبرى لم تثبت، فإن اوصى به الميت يخرج عن ثلثه، فان لم يوص لم يجب الإتيان به لا على الولي و لا على غيره، نعم يستحب القضاء عنه. و بما ان ما رواه حماد عن معاوية يتعارض مع ما رواه عنه ابن أبي عمير، و كذا صفوان و فضالة، و يشكل الحكم بوجوب القضاء على الولي خاصة، و كذا الحكم بان قضاء طواف النساء كقضاء نفس حجة الإسلام، بل يحتمل ان تكون لمعاوية بن عمارة رواية واحدة و لا يعلم أصلها هل هي ما نقله عنه حماد بن عيسى أو ما نقله غيره، و كيف كان فالأحوط على الورثة القضاء من تركته، نعم في الرواية التي رواها ابن إدريس في آخر السرائر من نوادر البزنطي ما ظاهره ان قضاء طواف النساء عن الميت تكليف على وليه، و لكن سند ابن إدريس إلى نوادره غير معلوم لنا، هذا في القضاء عن ميت نسي طواف النساء، و أمّا التارك جهلًا أو مع العلم و العمد فالأحوط فيهما كما في الناسي. (1) مسائل طواف النساء و يدلّ على ذلك ما ورد من ان طواف النساء بعد الحج، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في بيان حج الافراد و القران و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام و سعى واحد بين الصفا و المروة و طواف بالبيت بعد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 262

.......... الحج «1»، و من الظاهر أن آخر واجبات الحج الذي يعتبر من أجزاء الحج هو السعي، و أما طواف النساء و كذا المبيت و رمي الجمار أيامه فكل منها واجب مستقل خارج عن الحج، كما يدل

على ذلك و على اعتبار وقوع طواف النساء بعد الإتيان بالسّعي بمعنى وقوعه قبله غير صحيح، صحيحة معاوية عمار الواردة فيمن يدخل مكة يوم النحر بعد اعمال منى، ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة، ثم صلّ عند مقام إبراهيم ركعتين، إلى ان قال: ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه كما صنعت يوم دخلت، مكة ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه إلّا النساء، ثم ارجع إلى البيت و طف به أسبوعاً آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السّلام)، ثم قد أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله وكل شي ء أحرمت منه «2»، و ذيل هذه الصحيحة دلالة واضحة على خروج المبيت بمنى و رمي الجمرات في أيامها واجبات مستقلة و ليست من أجزاء الحج، و نتيجة ذلك ان تركها و لو عمداً لا يوجب بطلان الحج، كما تقدم ان نفس طواف النساء أيضاً خارج، عن أفعال الحج التي آخرها السعي بين الصفا و المروة بعد طواف الحج و صلاته، و أيضاً هناك دلالة واضحة في الذيل ان محل طواف النساء يكون بعد الحج فيكون السعي مقدماً على طواف النساء كما هو مقتضى ظاهر قوله (عليه السّلام) ثم ارجع إلى البيت. إلخ، و مقتضى الشرطية أنه لو قدم طواف النساء على السعي متعمداً مع العلم يحكم ببطلانه، فعليه اعادته بعد الإتيان بالسعي، و أما إذا قدم طواف النساء على السعي جهلًا أو نسياناً فقد يقال ان ما ورد في صحيحة جميل بن دراج مقتضاها ان التقديم جهلًا أو نسياناً

لا يضّر بصحة طواف النساء، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن

[ (المسألة السادسة) من قدّم طواف النساء على الوقوفين لعذر لم تحل له النساء]

(المسألة السادسة) من قدّم طواف النساء على الوقوفين لعذر لم تحل له النساء حتى يأتي بمناسك منى من الرمي و الذبح و الحلق (1). الرجل يزور البيت قبل ان يحلق قال لا ينبغي إلّا ان يكون ناسياً، قال: فان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتاه أناس يوم النحر، فقال بعضهم يا رسول اللَّه أني حلقت قبل ان أذبح، و قال بعضهم حلقت قبل ان أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي ان يؤخروه إلّا قدموه قال: لا حرج «1»، و مثلها حسنة محمد بن حمران «2» فان قوله (عليه السّلام) أتاه أناس، قرينة عرفية ان المراد بالناس الأعم من الجاهل، فيستفاد من الصحيحة و الحسنة قاعدة كلية و هي انه إذا كان الإخلال باعمال الحج من حيث التقديم و التأخير جهلًا أو نسياناً فلا يضر ذلك، و قد نوقش في الاستدلال بهما في المقام بان طواف النساء غير داخل في اعمال الحج يعني أجزائه، و ظاهرهما الإخلال جهلًا أو نسياناً في واجبات الحج، يعني أجزائه الواجبة. و فيه ان الخارج عن مدلول الصحيحة المبيت في منى و رمي الجمار في أيامها، لأن المفروض ان السؤال من الاعمال، وقع يوم النحر، من الأعمال إلى ذلك اليوم، فيعمّ الأعمال التي فيها اعتبار تقديم و تأخير سواء كان من أجزاء الحج أو من الواجب فيه، حيث ان عامة الناس لا يعرفونها إلّا بعنوان اعمال الحج، و على ذلك فصحيحة جميل بن دراج، و حسنة محمد بن حمران تكونان قرنية على حمل موثقة سماعة بن مهران الدالة على صحة طواف النساء قبل السعي

على صورة النسيان أو الجهل، فإنه روى عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل ان يسعى بين الصفا و المروة، قال: لا يضره يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه «3». (1) قد تقدم الكلام في ذلك في مسألة تقديم طواف الحج و السعي و طواف النساء قبل الوقوفين.

[ (المسألة السابعة) إذا حاضت المرأة و لم تنتظر القافلة طهرها]

(المسألة السابعة) إذا حاضت المرأة و لم تنتظر القافلة طهرها جاز لها ترك طواف النساء (1) و الخروج مع القافلة، و الأحوط حينئذ ان تستنيب لطوافها و لصلاته، و إذا كان حيضها بعد تجاوز النصف من طواف النساء جاز لها ترك الباقي و الخروج مع القافلة و الأحوط الاستنابة لبقية الطواف و لصلاتها.

[ (المسألة الثامنة) نسيان الصلاة في طواف النساء كنسيان الصلاة في طواف الحج

(المسألة الثامنة) نسيان الصلاة في طواف النساء كنسيان الصلاة في طواف الحج (2) و قد تقدم ذلك في المسألة الثالثة من مسائل صلاة طواف الحج. (1) مقتضى القاعدة أنها إذا لم تتمكن من البقاء إلى ان تطهر يتعين عليها الاستنابة مع فرض رجوعها بعد ذلك أيضاً غير متمكن منه أو كونه حرجياً، و لكن ورد في صحيحة أبي أيوب الخزاز إبراهيم بن عثمان قال: كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إذ دخل عليه رجل فقال: أصلحك اللَّه ان معنا امرأة حائضاً و لم تطف طواف النساء فأبى الجمال ان يقيم عليها، قال: فأطرق و هو يقول: لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها و لا يقيم عليها جمالها، تمضي و قد تم حجها «1»، و قد رواها الكليني أيضاً و لكن مع اختلاف قال: كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فدخل عليه رجل ليلًا فقال: له أصلحك اللَّه امرأة معنا حاضت و لم تطف طواف النساء، فقال: لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم فقال: أصلحك اللَّه، أنا زوجها و قد أحببت أن أسمع ذلك منك فأطرق كأنه يناجي نفسه و هو يقول: لا يقيم عليه جمالها و لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها تمضي و قد تم حجها. (2) قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من مسائل صلاة طواف

الحج، و كذا في الأمور المتعلقة بالعمرة المفردة.

[ (المسألة التاسعة) إذا طاف المتمتع طواف النساء و صلّى صلاته حلت له النساء]

(المسألة التاسعة) إذا طاف المتمتع طواف النساء و صلّى صلاته حلت له النساء، و إذا طافت المرأة و صلّت حلّ لها الرجال، و تبقى حرمة الصيد إلى الظهر من اليوم الثالث عشر على الأحوط (1) و أما قلع الشجر و ما يثبت في الحرم و كذلك الصيد في الحرم فقد تقدم حرمتهما على المحرم و المحلّ.

[المبيت بمنى
اشارة

المبيت بمنى الواجب الثاني عشر: من واجبات الحج المبيت بمنى ليلة الحادي عشر و الثاني عشر، و يعتبر فيه قصد القربة فإذا خرج الحاج من مكة يوم العيد لأداء فريضة الطواف و الحج و السعي أو طواف النساء أيضاً وجب عليه الرجوع ليبيت في منى، و من لم يتجنب الصيد من إحرامه فعليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً، و كذا من أتى النساء على الأحوط و تجوز لغيرهما الإفاضة من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر، و لكن إذا بقي في منى إلى ان دخل الليل وجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً (2). (1) تقدم الكلام في ذلك في مسائل الحلق و التقصير من أفعال منى كما تقدم حرمه صيد الحرم و قلع شجرة و نباته في المحرمات على المحرم. (2) في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق قد تقدم عند الكلام في المسألة الاولى من وجوب طواف النساء ان آخر اعمال الحج بعد أفعال منى يوم العيد طواف الحج و سعيه، و أمّا الطواف للنساء و المبيت و الرمي في أيام المبيت واجبات بعد الحج و ليست من أجزاء الحج، فتركها و لو عمداً لا يوجب بطلان الحج و إن ترتب على تركها بعض الاحكام كبقاء حرمة النساء في ترك طواف النساء أو وجوب الكفارة في ترك المبيت

أو قضاء الرمي في السنة الآتية، و على ذلك فان لم يكن المبيت جزأً من اعمال الحج، إلّا انه واجب بعد

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 266

.......... الحج ليلة الحادي عشر و الثانية عشر بلا خلاف بين علماء المسلمين، فضلًا عن اتفاق أصحابنا. و إنما الخلاف بينهم قدس سرهم هل الواجب البقاء في منى في النصف الأول من الليل كما هو المنسوب إلى المشهور، أو ان الوجوب تخييري بين البقاء في النصف الأول أو النصف الثاني، كما عن الحلبي و بعض آخر بعد الاتفاق ايضاً على عدم وجوب البقاء في منى تمام الليل، و على المشهور يجب على المكلف ان يكون عند دخول الليل بمنى، و على الثاني يجزي في المبيت الواجب ان يكون في منى عند انتصاف الليل إلى طلوع الفجر، و يدلُّ على إجزاء ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى فان بتّ في غيرها فعليك دم، فان خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت بمنى إلّا ان يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك ان تصبح في غيرها «1» و يرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى من خرج من منى قبل الغروب من اليوم الثاني عشر فإنه لا يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر، كما يدل على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس، فإن أدركه المساء بات و لم ينفر «2»، و على ذلك فمن كان بمنى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني عشر إلى

ان غربت فعليه المبيت ليلة الثالث عشر ايضاً، و يؤيد ما ذكر من تخيير المكلف في أحد النصفين بالإضافة إلى المبيت في منى خبر جعفر ناجيه قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و هو بمنى، و إذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس ان يصبح في غيرها «3»، و دلالته و إن كانت تامة إلّا انه يعد مؤيداً لضعف سنده، و في مقابل ما ذكر صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا فرغت من طوافك

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 267

.......... للحج و طواف النساء فلا تبيت إلّا بمنى إلّا ان يكون شغلك في نسكك و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك ان تبيت في غير منى «1»، و لكن مدلولها أجزاء المبيت في النصف الأول بأن يبيت بمنى إلى انتصاف الليل، و أما عدم أجزاء المبيت من الإنصاف إلى طلوع الفجر، فعلى تقدير دلالتها عليه بإطلاق المفهوم، فيرفع اليد عنه بما ورد في صحيحته المتقدمة فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى، و أما رواية عبد الغفار الجازي: قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكة، قال: لا يصلح له حتى يتصدق بها صدقة أو يهريق دماً، فان خرج بعد انتصاف الليل لم يضرّه شي ء «2»، فلا ينافي ما تقدم من كفاية المبيت في منى من انتصاف الليل إلى طلوع الفجر لأن المفروض فيها الخروج قبل انتصاف الليل، أضف إلى ذلك ضعف سندها بالنضر بن شعيب فإنه

مجهول، و عدم الالتزام بما ورد فيها من كفارة ترك المبيت تخييري بين التصدق و إراقة الدم، بقي في المقام ما ورد في صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) انه قال: إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلّا بها «3»، و لكن إطلاقها من حيث مبدء العودة و الكون بمنى يقيد بما ورد في صحيحة معاوية بن عمار من لزوم ذلك من انتصاف الليل أو قبله.

و أما لزوم المبيت بمنى ليلة الثالث عشر على من يكون بمنى عند غروب الشمس فقد تقدم ان ذلك وارد في صحيحة الحلبي المتقدمة، و يدلُّ على ذلك أيضاً صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا نفرت في النفر الأول فإن شئت ان تقيم بمكة و تبيت بها فلا بأس بذلك.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 268

.......... في مسائل العود إلى منى قال: و قال: إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل فبت بمنى فليس لك ان تخرج منها حتى تصبح «1»، و ظاهرها و إن كان وجوب المبيت إلى طلوع الفجر، و يحمل ذلك على الخروج بعنوان النفر. و مقتضى ذلك عدم وجوب الرمي يوم الثالث أو على الاستحباب أو على من دخل منى بعد دخول الليل، و على الجملة يجوز النفر في اليوم الثاني بعد الزوال، و أما إذا أدركه دخول الليل يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر ايضاً، و على ذلك فمن تأهب اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس للخروج من منى و لكن غربت قبل ان يخرج منها وجب عليه المبيت بها، و ما عن العلامة من ان التأهب للخروج قبل غروبها كاف

في جواز ترك المبيت ليلة الثالث عشر لكون البقاء بمنى في هذه الصورة حرج على المتأهب فيه ما لا يخفى، فان الرافع للتكليف هو الحرج الشخصي و لا يكون موجباً لئلا يجب المبيت على المتأهب للخروج مطلقاً، و مقتضى إطلاق ما تقدم عدم الفرق في وجوب المبيت إذا أدركه الليل بينه و بين غيره، و يأتي في المسألة الآتية ان عليه مع الخروج و لو في صورة الحرج و الاضطرار كفارة شاة على الأحوط، و إذا نفر بعد الزوال يوم الثاني عشر و رجع إلى منى بعد دخول الليل لحاجة اقتضت العودة إليها فهل يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر أولا يجب عليه ذلك؟ فقد يقال: بعدم الوجوب لان وجوب المبيت ثابت لمن يكون بمنى عند غروب الشمس و أدركه المساء و هو بمنى، و أما من كان خارجاً عن منى و أدركه الليل و هو خارج عنه، فلا يجب عليه المبيت في تلك الليلة، نعم إذا كان رجوعه إلى منى قبل غروب الشمس و أدركه الليل و هو بمنى يجب عليه المبيت فيها، حيث ان مع عودته إلى منى كذلك يستكشف عدم كون خروجه نفراً و فيه ما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 269

.......... لا يخفي، فان قوله (عليه السّلام) في صحيحة معاوية بن عمار إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى فليس لك ان تخرج منها حتى تصبح، يعم من دخل بمنى ليلًا بعد النفر الأول كما إذا كان قبل الغروب بمكة للأعمال و عاد إليها للنفر قبل ان تغرب الشمس فدخل بها ليلًا، بل ربما يكون في النهي عن الخروج حتى تصبح قرنية على ذلك، لان المبيت الواجب هو

إلى انتصاف الليل، و على الجملة فالأظهر عدم الفرق بين الصورتين، ثم انه يلحق بمن كان بمنى ليلة الثالث عشر في وجوب المبيت من أصاب الصيد في إحرام حجه بلا خلاف معروف أو منقول، كما يدل على ذلك صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها و من أصاب الصيد فليس ان ينفر في النفر الأول «1»، و رواية حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأول و من نفر في الأول فليس له ان يصيب الصيد حتى ينفر الناس، و هو قول اللَّه عزّ و جلّ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. لِمَنِ اتَّقى فقال اتقى الصيد في إحرامه «2».

1 و يشهد لذلك مضافاً إلى كونه مقتضى الأصل بعض الروايات كصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس ان يأتي الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى و لا يبيت بها.

2 على المشهور و المراد بالنفر الخروج من منى بقصد عدم الرجوع إليها و يدلُّ على ذلك جملة من الروايات مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك ان تنفر حتى تزول الشمس «3» الحديث و بمثلها يرفع اليد عن إطلاق صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الأول، ثم يقم بمكة «4».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 270

.......... و مثلها روايته يعني حماد بن عثمان بن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و

جلّ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لمن اتقى الصيد يعني في إحرامه فإن أصابه لم يكن له ان ينفر في النفر الأول «1»، و هل المراد بالاتقاء من الصيد في خصوص إحرام الحج أو يعمّ اتقائه في إحرام عمرة التمتع ايضاً، لا يبعد ان يعمّها لما تقدم في اشتراطها في حج التمتع، و مقتضى الإطلاق في صحيحة جميل هو الالتزام بالعموم و إن كان الاتقاء في إحرام الحج هو المتيقن، حيث ان المتيقن لا يمنع عن الأخذ بالإطلاق و كذا الإطلاق غير بعيد من رواية حماد الأولى التي قيل باعتبار سندها لكون محمد بن يحيى الراوي عن حماد هو محمد بن يحيى الخزاز دون الصيرفي، و لكن دعوى انصراف محمد بن يحيى إلى الخزاز حيث ما يطلق محل تأمل خصوصاً في المقام، حيث ان الراوي عن حماد بن عثمان في الرواية الثانية قيد بالصيرفي فلاحظ و كيف كان نفي شمول الاتقاء من الصيد اكله و إمساكه و نحوه دون خصوص قتله أو اصطياده وجه لا يخلو عن تأمل و إشكال و إن كان أحوط، و المنسوب إلى المشهور أنهم ألحقوا بالاتقاء من الصيد الاتقاء من النساء في إحرامه، و يستدل على ذلك برواية محمد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: من أتى النساء في إحرامه لم يكن ينفر في النفر الأول، و لكن الرواية لضعف سندها و لا يمكن الاعتماد عليها، و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليه، فإنه من المحتمل ان يكون اعتماد البعض على إطلاق الآية المباركة أو ما ورد في رواية سلام بن المستنير عن أبي جعفر (عليه السّلام) انه لمن اتقى الرفث و الفسوق و

الجدل «2»، أو كونه الإلحاق مطابقاً للاحتياط ثم بناءً على لزوم الاتقاء من النساء، فهل المراد خصوصاً المجامعة أو يعم مثل القبلة و اللمس و غيرها فالحال فيه كما في الصيد.

[مسائل المبيت بمنى
[ (مسألة 1) إذا تهيأ للخروج و تحرّك من مكانه و لم يمكنه الخروج من منى قبل غروب الشمس للزحام و نحوه

(مسألة 1) إذا تهيأ للخروج و تحرّك من مكانه و لم يمكنه الخروج من منى قبل غروب الشمس للزحام و نحوه فإن أمكنه المبيت وجب ذلك و إن لم يمكنه أو كان المبيت حرجياً جاز له الخروج و عليه دم شاة على الأحوط (1).

[ (مسألة 2) من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات

(مسألة 2) من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات و لا يجب عليه المبيت في مجموع الليل له المكث في منى من أول الليل إلى ما بعد منتصفه أو المكث فيها قبل منتصف الليل إلى الفجر و الأولى لمن بات النصف الأول ثم خرج لا يخل مكة قبل طلوع الفجر (2). (1) قد تقدم الكلام في ذلك في بيان المبيت الواجب و ألحقنا بذلك ما إذا رجع إلى منى لحاجة دعته إلى الرجوع إليها سواء كان رجوعه قبل الغروب و أدركته الليلة أو كان رجوعه بعد دخول الليلة على الأحوط و ذكرنا أنه لو لم يمكن له المبيت أو كان حرجاً عليه فيجوز له الخروج حتى فيما كان رجوعه قبل الغروب و أدركته دخول الليلة و هو فيها و حينئذٍ يجري عليه حكم المعذور من المبيت في وجوب الكفارة على الأحوط في منى على ما يأتي الكلام في المسألة الثالثة (2) كون الواجب في المبيت في منى من دخول الليل إلى انتصافه، أو من حيث انتصافه إلى طلوع الفجر، قد تقدم الكلام فيه في بيان وجوب المبيت و لا يجب البقاء في منى إلّا بمقدار الرمي الواجب. و يشهد لذلك مضافاً إلى كونه مقتضى الأصل بعض الروايات كصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس ان يأتي

الرجل مكة فيطوف بها في أيام منى و لا يبيت بها. و إذا أراد النفر يوم الثاني عشر لا يجوز له الخروج من منى بعنوان النفر بعد زوال الشمس على المشهور و المراد بالنفر الخروج من منى بقصد عدم الرجوع إليها، و يدلُّ على ذلك جملة من الروايات مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا أردت أن تنفر في يومين

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 272

.......... فليس لك ان تنفر حتى تزول الشمس «1» الحديث، و بمثلها يرفع اليد عن إطلاق صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الأول، ثم يقم بمكة «2».

فما عن العلامة في التذكرة جواز النفر قبل الزوال، لان الواجب رمي الجمار و المبيت و بعد الإتيان بهما لا موجب للبقاء في منى إلى ما بعد زوال الشمس من الاجتهاد في مقابل النص، نعم ورد في خبر زرارة عنه عن سليمان بن أبي زينبة عن حريز بن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الأول قبل الزوال، و لكن ضعف سندها و إعراض المشهور عنها لا تصلح ان تكون قرينة على حمل النهي على النفر قبل الزوال على الاستحباب.

ثم انه إذا خرج من منى بعد انتصاف الليل في ليالي المبيت ففي قول جماعة لا يجوز له الدخول بمكة قبل ان ينفجر الصبح كالشيخ و الحلي و ابن حمزة.

و لكن مقتضى ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها، و إن خرجت بعد انتصاف الليل فلا يضرك ان

تبيت في غير منى «1»، و ما ورد في صحيحة العيص بن القاسم و إن زار بعد انتصاف الليل و السحر فلا بأس ان ينفجر الصبح و هو بمكة «2»، جواز ذلك، نعم ورد في رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الدلجة إلى مكة أيام منى، و أنا أريد أزور البيت، فقال: لا حتى ينشق الفجر كراهة ان يبيت الرجل بغير منى «3» و مع الإغماض عن سندها و تقييدها بصورة عدم كون خروجه من منى بعد المبيت بها من أول الليل إلى ما بعد انتصافه، فلا بد من ان يراد بها الكراهة الاصطلاحية أو كون البقاء تمام الليل بمنى أفضل.

[ (مسألة 3) يستثني ممن يجب عليه المبيت بمنى عدّة طوائف
اشارة

(مسألة 3) يستثني ممن يجب عليه المبيت بمنى عدّة طوائف

[الاولى: المعذور]

الاولى: المعذور (1) كالمريض و الممرض و من خاف على نفسه و ماله من المبيت في منى.

[الثانية: من اشتغل بالعبادة في مكة تمام ليلته

الثانية: من اشتغل بالعبادة في مكة تمام ليلته (2) أو تمام الباقي من ليلته إذا خرج من منى بعد دخول الليل ما عدا الحوائج الضرورية كالأكل و الشرب و نحوهما.

[الثالثة: من طاف بالبيت و بقي في عبادته في مكة و تجاوز عقبة المدنيين

الثالثة: من طاف بالبيت و بقي في عبادته في مكة و تجاوز عقبة المدنيين فيجوز له ان يبيت في الطريق دون ان يصل إلى منى، و يجوز لهؤلاء التأخير في الرجوع إلى منى إلى إدراك الرمي في النهار. (1) عدم وجوب المبيت لطوائف لا ينبغي التأمل في عدم وجوب المبيت فيما إذا كان عدم المبيت للضرورة بحيث كان المبيت له فيها ضرريّاً أو حرجياً، و هذا كالمريض و الخائف على نفسه و ماله من التلف، و أما بالإضافة إلى الممرض و لو كان من قبيل الأطباء في عصرنا الحاضر فيمكن ان يستفاد جواز بقائهم في مكة مضافاً إلى وجوب المحافظة على المرضى من معتبرة مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السّلام) ان العباس استأذن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ان يبيت بمكة ليالي منى فأذن له رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من أجل سقاية الحاج «1»، و صحيحة سعيد بن يسار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل فقال: لا بأس «2». (2) إذا اشتغل الحاج بمكة بالعبادة تمام ليلة أو الباقي من ليلته كما إذا خرج من منى بعد دخول الليل سقط عنه وجوب المبيت و لا يضّر بسقوطه مقدار الاشتغال بغير العبادة من حوائجه الضرورية كالأكل و التخلي و نحوها، و يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة حيث ورد فيها، فان خرجت أوّل الليل فلا ينتصف

الليل إلّا و أنت في منى إلّا ان يكون شغلك نسكك، و في صحيحته

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 274

.......... الأخرى قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه و دعائه و السعي و الدعاء حتى طلع الفجر؟ فقال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللَّه عزّ و جلّ و نحوها غيرها، و الظاهر جواز الاشتغال بمكة و سقوط المبيت بذلك متسالم عليه بين الأصحاب، و الصحيحة الاولى ظاهرها سقوط المبيت و لو كان الاشتغال بمكة في فرض الخروج من منى ليلًا، و زاد الكليني: و سألته عن الرجل زار عشاءً فلم يزل في طوافه و دعائه و في السعي بين الصفا و المروة حتى يطلع الفجر؟ قال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللَّه.

و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الخروج من منى قبل دخول الليل أو بعده.

الثالثة: ان يكون مبيته بعد رجوعه إلى منى خارج مكة بأن بات في الطريق و سقوط المبيت بذلك و إن كان على قول غير مشهور إلّا انه لا بأس به لدلالة بعض الاخبار المعتبرة على ذلك، كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة حيث ورد فيها فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى إلّا ان يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة «1»، و صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: من زار البيت فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم و إن كان قد خرج منها فليس عليه شي ء و إن أصبح دون منى «2» و صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا

زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة ثم أصبح قبل ان يأتي منى فلا شي ء عليه «3» و صحيحة محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن (عليه السّلام) من الرجل يزور فينام دون منى قال إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس ان ينام «4»، و بهذه الروايات يرفع اليد عن إطلاق مثل صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) انه قال: إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلّا بها فيلتزم بالتخيير بين الإصباح

[ (مسألة 4) من ترك المبيت بمنى

(مسألة 4) من ترك المبيت بمنى فعليه كفارة شاة عن كل ليلة (1) و الأحوط التكفير فيما إذا تركه نسياناً أو جهلًا منه بالحكم ايضاً، و الأحوط التكفير للمعذور من المبيت و لا كفارة على الطائفة الثانية و الثالثة ممن تقدم. بمنى أو في طريقها، و إن طريقها بعد خروج مكة بمنزلة منى في المبيت، و ما ورد في تجاوز عقبة المدنيين يحمل على انه حدّ للخروج عن مكة إلى منى أي الدخول في الطريق. (1) في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق من ترك المبيت الواجب فعليه عن كل ليلة شاة على المشهور، و يشهد له صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألني بعضهم عن رجل بات ليلة من ليالي منى بمكة فقلت: ادري فقلت له جعلت فداك ما تقول فيها، فقال: عليه دم إذا بات فقلت، انما حبسه شأنه الذي كان فيه طوافه و سعيه و لم يكن لنوم و لا لذة أ عليه مثل ما على هذا؟ فقال: ما هذا بمنزلة هذا، و ما أحب ان ينشق الفجر إلّا و هو بمنى «1»، و في الوسائل نقلًا عن التهذيب بأن

ليالي، منى بمكة، بخلاف ما في التهذيب و الاستصبار فإنه فيهما بات ليلة من ليالي منى بمكة، و لا يبعد ان يكون قول السائل ثانياً، فقلت ان حبسه شأنه الذي كان فيه طوافه و سعيه قرنية على ان الصحيح ليلة من ليالي منى، و ذلك فان الاشتغال بالطواف و السعي لا يكون إلّا في ليلته، و الطواف و إن أمكن ان يتعدد و لكن السعي للحج لا يتكرر و لا تتعدّد ليالي منى، و ما في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح، قال: إن كان أتاها نهاراً فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه «2» ظاهرها كفارة بيتوتة ليلة بمكة من ليالي منى، كما أن ظاهر ما في صحيحة معاوية بن عمار لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى و إن بت في غيرها فعليك دم، هو الانحلال و لا أقل من أن يحمل

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 276

.......... على الانحلال بقرينة ما تقدم، و يدلُّ على الانحلال رواية جعفر ناجية قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عمن بات ليالي منى بمكة فقال: علية ثلاثة من الغنم «1»، و لكن لضعف سندها بجعفر ناجية تصلح للتأييد، و ربما يستظهر من عبارة المقنعة و الهداية و المراسم و الكافي و الجمل و العلم التسوية بين ترك المبيت ليلة أو أزيد في وجوب شاة، و لكن قد تقدم ان ظاهر صحيحة بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) الانحلال كما هو مقتضى القضية الشرطية فيها المؤيدة برواية جعفر بن ناجيه، و ما في الوسائل بأنه أبي جعفر بن ناجية، اشتباه و على تقديره

فهو غير مذكور. نعم في مقابل ما ذكرنا صحيحة العيص القاسم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى، قال: ليس عليه شي ء و قد أساء، و يقال ظاهرها عدم وجوب الكفارة من ترك المبيت في ليلة، و لكنها تحمل على صورة الاشتغال بمكة مشتغلًا بالعبادة بقرينة ما تقدم من الروايات، و لا ينافي هذا الحمل ذكر انه قد أساء لما تقدم من ان المبيت بمنى أحب، و أما ما في رواية عبد الغفار الجازي: قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكة، قال: لا يصلح حتى يتصدق بها صدقة أو يهريق دماً «2» فقد تقدم عدم العمل بها مضافاً إلى أن في سندها النضر بن شعيب و هو مجهول.

ثم مقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين ترك العالم المبيت أو ترك الجاهل و الناسي و المضطر في وجوب الكفارة، و لكن لا يبعد عدم وجوب الكفارة في فرض الجهل أو النسيان بل الاضطرار لحديث رفع النسيان و الاضطرار و الإكراه، و قد تقدم أن صحيحة عبد الصمد مقتضاها عدم الكفارة في ارتكاب المحذور جهلًا حتى فيما إذا كان الجهل تقصيرياً.

[ (مسألة 5) إذا أفاض من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجة]

(مسألة 5) إذا أفاض من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجة قيل لم يجب عليه المبيت بها و لكنه مشكل فالأحوط المبيت بها إذا أمكن و لم يكن حرجاً عليه (1).

[رمي الجمار]
اشارة

رمي الجمار الثالث عشر من واجبات الحج رمي الجمرات الثلاث الاولى و الوسطى و جمرة العقبة و يجب الرمي في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر و إذا بات ليلة الثالث عشر في منى وجب الرمي في اليوم الثالث عشر ايضاً على الأحوط، و يعتبر في رمي الجمرات المباشرة فلا يجوز الاستنابة اختياراً (2). (1) يقال في وجه عدم الخروج بان المبيت في الليلة الثالثة عشر وظيفة من كان بمنى عند دخول الليل دون من دخل منى بعد نفره قبل الغروب رجوعاً إليها لحاجة، كما هو ظاهر قوله (عليه السّلام) في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: من تعجّل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس فإن أدركه المساء بات و لم ينفر «1» و لكن يمكن أن يقال ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار يعمّه أيضاً، حيث قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فيها إذا نفرت في النفر الأول فإن شئت أن تقيم بمكة و تبيت بها فلا بأس بذلك، و قال: إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى فليس ان تخرج منها حتى تصبح، حيث ان قوله (عليه السّلام) فبت بها تعم الدخول بها ليلًا ايضاً، و عليه فالأحوط رعاية المبيت. (2) يجب رمي الجمار يوم الحادي عشر، و الثاني عشر، بلا خلاف معروف أو منقول. و يشهد له ما ورد من يوم الرمي يوم النحر كصحيحة عبد اللَّه بن سنان

قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس؟ قال: يرمي إذا أصبح مرتين مرة لما فاته و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه و ليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة و هي للأمس، و الأخرى عند

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 278

.......... زوال الشمس «1» كما يدل على وجوب الرمي يوم الثاني عشر، ما ورد من صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: أرم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل: كما قلت حين رميت جمرة العقبة «2» فان الظاهر ان كل يوم غير يوم رمي جمرة العقبة، خاصة و رواية بريد العجلي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني، قال: فليرمها في اليوم الثالث لما فاته و لما يجب عليه في يومه، قلت: فان لم يذكر إلّا يوم النفر قال: فليرمها و لا شي ء عليه «3»، فان ظاهرها وجوب الرمي يوم الثاني أيضاً، و بما ان في سندها حسن بن الحسين اللؤلؤي فتصلح للتأييد خاصة، و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) ما تقول في امرأة جهلت ان ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة؟ قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي و الرجل كذلك «1» فان ظاهرها وجوب الرمي يوم نفرها، فتدل على وجوب الرمي فيه على الرجل و المرأة و المتيقن من مدلولها يوم النفر الأول، و لا إطلاق لها بالإضافة إلى يوم النحر، بل هي واردة في عدم كون الجهل مسقطاً لوجوب الرمي، و صحيحة جميل

بن دراج لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الأول و يقيم بمكة و من شاء رمى الجمار ارتفاع النهار، ثم ينفر، لا ظهور لها في وجوب الرمي في النفر الثاني، و كيف ما كان فرمي الجمار يوم الحادي عشر و الثاني عشر واجب مستقل لا يبطل الحج بتركه أيام التشريق، و في صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل نسي رمي الجمار قال: يرجع و يرميها قلت: فإنه نسيها حتى اتى مكة قال: يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته و خرج، قال: ليس عليه شي ء يعيد «2» هذا مع ملاحظة ما دل على تمام الحج و الفراغ منه بالطواف و السعي لصحيحته الأخرى عن

[مسائل رمي الجمار الثلاث
اشارة

مسائل رمي الجمار الثلاث

[ (المسألة الأولى) يجب الابتداء برمي الجمرة الوسطى ثم جمرة العقبة]

(المسألة الأولى) يجب الابتداء برمي الجمرة الوسطى ثم جمرة العقبة و لو خالف، وجب الرجوع إلى ما يحصل به الترتيب، و لو كانت المخالفة عن جهل و نسيان. نعم إذا نسي فرمى جمرة بعد ان رمى سابقتها أربع حصيات أجزأ إكمالها سبعاً، و لا يجب اعادة رمي اللاحقة (1). أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها، ثم ارجع إلى البيت و طف به أسبوعاً آخر، ثم تصلي عند مقام إبراهيم ثم أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك «1» و أما صحيحة عبد اللَّه بن جبلة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) انه قال: من ترك رمي الجمار متعمداً لم تحل له النساء و عليه الحج من قابل «2» فلا تصلح للمعارضة لما دل على تمام الحج و حلية النساء بعد طواف النساء بعد الإتيان بطواف الحج و سعيه في يوم النحر أو بعده، فإن أمكن حملها على الاستحباب فهو و إلا فلا يمكن الأخذ بها في مقابل الروايات المعتبرة التي رواها المشايخ الثلاثة، و هذه لم يذكرها إلّا الشيخ (قدّس سرّه) و لم يعهد العمل بها من أحد، بل لو فرض وصول النوبة إلى الأصل العملي فمقتضاه عدم جزئية رميها و البراءة عن وجوب اعادة الحج و اللَّه العالم. (1) رمي الجمار أيام التشريق بلا خلاف يعرف، و يدلّ على الترتيب المذكور صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها قال قلت الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: يعود و يرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة و إن كان من الغد «3» و صحيحة الحلبي و

معاوية بن عمار جميعاً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى و جمرة العقبة «4» و ظاهرها عدم الفرق بين العالم و الجاهل و الناسي بلا لا يبعد انصرافهما كغيرهما عن صورة العلم.

[ (المسألة الثانية) ما ذكرناه في واجبات رمي جمرة العقبة يوم النحر يجري في رمي الجمرات الثلاث كلها]

(المسألة الثانية) ما ذكرناه في واجبات رمي جمرة العقبة يوم النحر يجري في رمي الجمرات الثلاث (1) كلها. و قد تقدم ان المعتبر رمي كل واحدة من الجمرات بسبع حصيات، و إن الرمي المعتبر في أيام التشريق كرمي الجمرة يوم النحر.

و على ذلك فلو رمى الجمار على الترتيب المذكور و لكن نقص في رمي السابقة، نسياناً فان كان الناقص هو ثلاث حصيات أو أقل أكمله و لا يعيد الرمي اللاحق، و أما إذا كان النقص بأربع أو أزيد أعاد الرمي عليها و على اللاحق بسبع حصيات، و يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث ورد فيها و قال: في رجل رمى الجمار فرمى الاولى بأربع و الآخرتين بسبع و سبع قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الاولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع فليعد و ليرمهن جميعاً بسبع و سبع فليعد و ليرمهن جميعاً بسبع و سبع «1» و نحوها صحيحته الأخرى «2»، ثم ان التفكيك المفروض في الصحيحتين برمي أحدها ناقصاً رمى و الباقي بسبع و سبع يتصور في صورة النسيان و لا يتفق في حق الجاهل بالحكم الشرعي عادة، و مقتضى إطلاق ما تقدم من لزوم و تدارك الرميات الباقية فيما إذا كان الناقص ثلاث حصيات أو أقل، عدم الفرق بين كون التدارك موجباً لفوات الموالاة بأن كان الفصل بين

أربع حصيات المرمية و الثلاثة الباقية فصل طويل أم لا، و دعوى اعتبار الموالاة، و إلّا يجب إعادة الرمي على السابق و اللاحق مطلقاً بلا وجه كما لا يخفى. (1) في رمي الجمار أيام التشريق على المشهور بين الأصحاب فيكون وقت الرمي من طلوع الشمس إلى

[ (المسألة الثالثة) يجب ان يكون رمي الجمرات في النهار]

(المسألة الثالثة) يجب ان يكون رمي الجمرات في النهار، و يستثنى من ذلك العبد و الراعي و المديون الذي يخاف ان يقبض عليه، و كل من يخاف على نفسه أو عرضه و ماله، و يشمل ذلك الشيخ و النساء و الصبيان و الضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام فيجوز لهؤلاء الرمي ليلة ذلك النهار. غروبها، و عن رسالة علي بن بابويه انه مطلق لك ان ترمي الجمار من أول النهار إلى الزوال، و عن الفقيه و الغنية و الخلاف و بعض آخر ان وقته بعد الزوال نعم زاد في الخلاف، و قد روى رخصته قبل الزوال في الأيام كلها، و الظاهر انهم استندوا فيما ذكروا إلى مثل صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إلى متى يكون رمي الجمار، فقال: من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس «1» و لكن في صحيحة صفوان بن مهران قال سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول ارم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «2»، و صحيحته الأخرى قال: الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «3»، و صحيحة زرارة و ابن أذينة عن أبي جعفر (عليه السّلام) انه قال: للحكم بن عتيبة ما حدّ رمي الجمار فقال: الحكم عند زوال الشمس، فقال: أبو جعفر (عليه السّلام) يا حكم أ رأيت انهما كانا اثنين، فقال: أحدهما لصاحبه احفظ

علينا متاعنا حتى أرجع، أو كان يفوته الرمي هو و اللّه ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «4» و على ذلك يحمل ما في صحيحة جميل بن دراج المتقدمة و ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: أرم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة على الاستحباب أو على التقية، هذا بالإضافة إلى المختار. و أما بالإضافة إلى الخائف و العبد و الراعي فلا بأس ان يرمي كل منهم ليلًا أي يرمي الجمار ليلة الحادي عشر، و الثانية عشر، بأن يرمي ليلة الحادي عشر، ليومها و الثانية عشر ليوم ثاني عشر و ما يظهر من بعض الأصحاب من عدم الفرق بين الليل المتقدم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 282

و لكن لا يجوز لغير الخائف من المكث ان ينفر ليلة الثانية عشر بعد الرمي حتى تزول الشمس من يومه (1). و المتأخر لإطلاق النص لا يمكن المساعدة عليه، فان اعتبار ليلة النحر في رمي جمرة العقبة ظاهر لظهور الروايات الواردة في خصوص ليلة العيد، و أما بالإضافة إلى رمي الجمار و أيام التشريق فقيل بجواز التقديم و التأخير لإطلاق النصّ كموثقة سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه كره رمي الجمار بالليل، و رخص للعبد و الراعي في رمي الجمار ليلًا «1»، و في موثقته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: و خصّ للعبد و الخائف و الراعي في الرمي ليلًا أقول: بعد فرض ذكر الليل بغير قيد في بعض روايات رمي جمرة العقبة، و يراد منه ليلة النحر بقرينة الإفاضة، يكون الأمر في رمي الجمار ليالي

أيام التشريق ايضاً كذلك، فالروايات المتقدمة بصدد تجويز تقديم الرمي على هؤلاء الأشخاص قبل وقت الرمي، و يؤكد ذلك ما ورد في ناسي الرمي انه يقضي في اليوم الآتي لا الليلة الآتية، و لا يمكن الالتزام بأن الراعي أو العبد إذا بات ليلة الثالثة عشرة فله ان يرمي بعد انقضاء أيام التشريق. (1) أحكام رمي الجمار و ذلك فان عدم جواز النفر يوم الثاني عشر تكليف آخر لا يرتبط على رمي الجمار على ما تقدم عند التعرض للكلام المحكي عن العلامة، و الترخيص في الرمي ليلًا لا يستلزم الترخيص في النفر قبل الزوال. و عليه فاللازم لغير الخائف و من ليس له حرج من البقاء إلى ما بعد الزوال، ان ينفر بعده. و أما في صورة خوف الضرر أو الحرج فلا بأس بالنفر قبله الحرج و خوف الضرر.

[ (المسألة الرابعة) من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر]

(المسألة الرابعة) من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضائه في الثاني عشر و من نسي في الثاني عشر قضاه في اليوم الثالث عشر و الأحوط ان يفرق بين الأداء و القضاء و إن يقدم القضاء على الأداء و يكون القضاء أول النهار و الأداء أحدهما عند الزوال (1). (1) و يدلُّ على ذلك صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي ان أصبح مرتين مرّة لما فاته و أخرى ليومه الذي يصبح فيه و ليفرق بينهما و يكون أحدهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس «1» و لا يحتمل ان لا يكون قضاء رمي الجمار كذلك، و يختص

القضاء برمي جمرة العقبة. و قد ورد في رواية بريد العجلي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني، قال: فليرمها في اليوم الثالث لما فاته و لما يجب عليه في يومه، قلت: فان لم يذكر إلّا يوم النفر، قال: فليرمها و لا شي ء عليه «2» و صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل نسي رمي الجمار قال: يرجع فيرمها قلت: فإنه نسيها حتى اتى مكة قال: يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كل رميتين بساعة قلت فإنه نسي أو جهل و خرج، قال: ليس عليه ان يعيد «3» و قد تقدم في صحيحة عبد اللَّه بن سنان من الأمر بالتفريق و يكون القضاء بكرة و الأخرى اي الأداء عند الزوال، و الوارد في الصحيحة الأخيرة الأمر بالتفريق، و لا يبعد الالتزام بالتفريق بان يتم القضاء من اليوم السابق ثم يشرع بالإتيان بالأداء، و الأحوط كون الشروع فيها بالفصل بينهما، و أما اعتبار كون الأداء عند الزوال و القضاء بكرة فلا يمكن الالتزام بوجوبه، فان وقت رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، و انه يقضى الفائت من رمي الجمار قبل الإتيان بالأداء، و الساعة الواردة في صحيحة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 284

.......... معاوية بن عمار بمعنى حين و زمان بحيث يصدق في العرف أنه حصل الانفصال بينهما بحين حيث ان الساعة بمعناها اللغوي، و المتحصل انه إذا ترك رمي الجمار نسياناً أو جهلًا فان كان بمكة رجع و رماها، و مقتضى إطلاق صحيحة معاوية عدم الفرق بين انقضاء أيام التشريق و عدمه و إن خرج من مكة فلا

يجب ان يرمي، و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: له الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى قال: يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة و إن كان من الغد «1».

فقد يقال قوله (عليه السّلام) فيها و إن كان من الغد يعّم اليوم الرابع عشر بناءً على وجوب الرمي يوم الثالث عشر لمن بات بمنى ليلة الثالث عشر. و لكن لا يخفى عدم وجوب النفر على من بات ليلة الثالثة عشر، و ظاهر قوله (عليه السّلام) ان كان بمكة يعود فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة هو الرمي في ذلك اليوم أو من الغد، و يدلُّ على عدم وجوب الرمي على من بات ليلة الثالثة عشر ما دل على جواز الخروج من منى بعد طلوع الفجر لمن كان بات ليلة الثالثة عشر فيها، فإنه لو كان الرمي واجباً عليه لكان عليه الخروج بعد طلوع الشمس، و قد يستظهر وجوب رمي الجمار على من بات بمنى ليلة الثالثة عشر من صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا أردت أن تنفر من يومين فليس لك ان تنفر حتى تزول الشمس و إن تأخرت إلى آخر أيام التشريق و هو النفر الأخير، فلا شي ء عليك أي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده، و لكن رواية الكليني خالية عن ذكر رميت و هو مذكور في رواية الصدوق و الشيخ و مع عدم ثبوت ذكر الرمي لا يمكن الالتزام بالوجوب، بل على تقديره يحمل على الاستحباب أو لصورة نسيان رمي الجمار قبل يوم الثالث عشر، و كيف كان و لو

[ (المسألة الخامسة) المريض الذي لا يرجى برئه إلى المغرب

(المسألة الخامسة) المريض

الذي لا يرجى برئه إلى المغرب (1) يستنيب لرميه و لو اتفق برئه قبل غروب الشمس على الأحوط. خرج من مكة إلى بلاده و إن كان في الطريق لم يجب عليه ان يعود و يتدارك الرمي أو يقضيه، كما يدل عليه ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة منه، و ما ورد في رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه ان يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق «1» لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها و إن كان الأحوط قضائه. (1) المريض الذي لا يتمكن من المباشرة بالرمي و كذا الكسير و المغمى عليه بل الصبيان يرمى عنهم بالاستنابة أو النيابة عمن لا يتمكن من الاستنابة و يحمل إلى الجمار إذا أمكن و لو تمكن من الرمي مباشرة و لو في جزء من اليوم و لو في آخره رمى بنفسه، و لا يجزئ يكون السابقة على الأحوط، فإنه لا يبعد دعوى انصراف ما دل على ان المريض و الكسير و المغمى عليه يرمى عنه إلى صورة كونه كذلك في تمام الوقت و يدلُّ على جواز الاستنابة و كفاية النيابة و لو بلا استنابة في مثل المغمى عليه صحيحة معاوية بن عمار و هي جميعاً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: الكسير و المبطون يرمى عنهما، قال: و الصبيان يرمى عنهم، و صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه، و

يطاف به. و في صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: يطاف به و يرمى عنه فقال نعم إذا كان لا يستطيع، و ظاهر القضية الشرطية انه إذا استطاع و لو في آخر الوقت فعليه الرمي مباشرة، و أما حمله إلى الجمار فهو مقتضى موثقة عمار انه سأل أبا الحسن موسى عن المريض ترمى عنه الجمار قال: نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه قلت: لا يطيق، قال: يترك في منزله

[ (المسألة السادسة) لا يبطل الحج بترك رمي الجمار أيام التشريق

(المسألة السادسة) لا يبطل الحج بترك رمي الجمار أيام التشريق و لو كان متعمداً في ترك رميها و قد تقدم ان الأحوط الرمي بنفسه أو بنائبه في العام القابل كما ان الأمر في ترك المبيت لياليها كذلك و إن كان الواجب التكفير بشاة كما تقدم (1). و يرمى عنه، و لكن لا بد من ان يحمل الحمل إلى الجمار على الاستحباب لصحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث فصل الامام (عليه السّلام) بين الرمي و الطواف في المريض المغلوب و المغمى عليه بقوله يرمى عنه و يطاف به و لو كان الحمل في الرمي واجباً يقال يحمل فيرمى عنه و يطاف، و على الجملة ترك التعرض للحمل إلى الجمار و الاكتفاء بذكر الرمي عنه يعطي عدم لزومه، لان الحمل كذلك أمر يغفل عنه أذهان العامة و لو كان امراً واجباً لوقع التأكيد به في كثير من الروايات و لم يقتصر على ذكره في رواية واحدة أضف إلى ذلك ما يظهر من التسالم من الأصحاب على عدم لزوم الحمل إلى الجمار في النيابة عن العاجز. (1) لما تقدم من ان آخر اعمال الحج بعد أفعال يوم النحر طواف الحج و سعيه،

و ما دل على ان الحاج إذا طاف طواف النساء بعد طواف الحج و سعيه حل له كل ما يحرم بالإحرام، و ما ورد في رواية عبد اللَّه بن جبلة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) انه قال: من ترك رمي الجمار متعمداً لم تحل له النساء و عليه الحج من قابل لضعف سندها بيحيى بن المبارك و إعراض الأصحاب عنها و مخالفتها للروايات الدالة على تمام الحج بما تقدم لا يمكن الاعتماد عليها.

و الإتيان بطواف نسائهما بالمباشرة، فلا يبعد الالتزام بجواز الاستنابة لهما مع عدم تمكنها من الرجوع إلى مكة أو كونه حرجياً، و إلا فمع التمكن و الحرج لا بد من الرجوع و الإتيان بطواف النساء بالمباشرة كما لا سبيل إلى الالتزام بجواز الاستنابة في صورة الترك عالماً عامداً بل لا بد للعالم العامد الرجوع و الإتيان بالمباشرة. و الحمد للَّه رب العالمين.

[القول في الصد و الحصر]
[أحكام المصدود]
اشارة

فصل

[ (مسألة 1) المصدود هو الممنوع عن الحج و العمرة]

(مسألة 1) المصدود هو الممنوع (1) عن الحج و العمرة بعد تلبسه باحرامهما.

[ (المسألة 2) المصدود عن العمرة يذبح في مكانه

(المسألة 2) المصدود عن العمرة يذبح في مكانه و يتحلّل به حتّى من النساء، و الأحوط ضم التقصير أو الحلق (2) إليه، بل الأحوط اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدى في العمرة المفردة. (1) أحكام المصدود المصدود عن الحج هو الممنوع عن ادراك الموقفين، و كذا الممنوع عن دخول مكة على ما يأتي، و المصدود عن العمرة الممنوع من دخول مكة، و المصدود مقابل المحصور. و المراد بالمحصور، من حبسه المرض و الكسر و نحوهما بعد أن تلبس بإحرام الحج أو العمرة من ادراك الوقوفين أو الوصول بمكة. (2) و يدلّ على أنّ المصدود من العمرة بعد إحرامه يتحلّل بالذبح و يرجع إلى بلاده موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: المصدود يذبح حيث صدّ، و يرجع صاحبه فيأتي النساء، الحديث «1» و ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع إلى المدينة «2».

و لا يخفى أنّ مقتضى القاعدة الأولية أنّه لا شي ء على المحرم إذا صُدّ، و أنّه يبطل إحرامه لعمرة التمتّع أو الحج لأنّ كلًّا من العمرة و الحج من المركب الارتباطي، و مقتضى الارتباطية أنّ صحة الجزء السابق منوط بلحوق الجزء اللاحق و بالعكس، و مع عدم لحوق تمام أجزاء عمرة التمتع أو الحج بل العمرة المفردة يحكم ببطلان إحرامه إلّا أنّه قد رفعنا اليد عن هذه القاعدة بالإضافة إلى المصدود، و التزمنا بان

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص:

288

.......... إحلاله من إحرامها لها يكون بالذبح و النحر في مكان الصدّ. و يستدل على لزوم الهدى في إحلاله بموثقة زرارة المتقدمة، و صحيحة معاوية بن عمار أيضاً و الاستدلال على لزوم الإحلال بالذبح أو النحر بالإضافة إلى الصد في إحرام عمرة التمتع و العمرة المفردة ظاهر، لأن المناقشة في عدم دلالة الجملة الفعلية على الوجوب أو أن فعل النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في قضية الحديبية لا يدلّ على الوجوب كما ترى، فإنه لا فرق في ظهور الأمر في لزوم التحليل بالذبح بين التعبير بصيغة الأمر أو بالفعل المضارع، كما أن فعل الشارع في مقام تحديد الوظيفة و بيانه يؤخذ به كما ذكرنا ذلك في الروايات البيانية الواردة في الوضوء، و كما انه لا مجال للمناقشة في وجوب الذبح أو النحر كذلك لا مورد لها في أنه لا فرق في ذلك بين إحرام الحج و العمرة كما يقتضي ذلك إطلاق موثقة زرارة، حيث لم يفرض فيها الإحرام لخصوص العمرة. و يمكن الاستدلال على أن المصدود يجب عليه أيضاً الإحلال بالهدي بإطلاق الآية المباركة فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ حيث ان الحصر بمعناه اللغوي يعم الصدّ بمعناه المتقدم. و الحصر المقابل لذلك المعنى. و حيث ان اللَّه سبحانه أمر قبل ذلك بإتمام الحج و العمرة للَّه و قال: فإن أحصرتم أي منعتم من إتمامها يجب ما استيسر من الهدى كما في قوله سبحانه بعد ذلك فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ و لا ينافي عموم الحصر في الآية للمصدود اختصاص قوله سبحانه، وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ بالمحصور. حيث ان المرض إذا منع

الشخص بعد إحرامه عن الذهاب إلى مكة يبعث هديه إلى محله و هو مكة في إحرام العمرة المفردة و حتى في إحرام الحج، و لا يجوز له الحلق حتى يبلغ الهدى محله، إلّا إذا كان مريضاً يتوقف علاجه إلى الحلق، أو كان في رأسه أذى

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 289

.......... يحتاج إلى حلقه، فإنه في هذه الصورة لا ينتظر بلوغ الهدى فيحلق و يكفر، إمّا صيام ثلاثة أيام أو صدقة، و هي إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان أو ذبح شاة. و يأتي فيما بعد جواز الهدى على المحصور في موضع حصره فيما إذا كان إحرامه للعمرة المفردة، و كيف ما كان فاختصاص الحكم بالإمساك عن الحلق حتى يبلغ الهدى محله بالمحصور لا يمنع عن الأخذ في الآية المباركة بالمعنى اللغوي للحصر، و الظاهر فيه بالالتزام بلزوم الإحلال من إحرام الحج و العمرة بالهدي، بل قد يقال التفريع في قوله عزّ من قائل فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ إلخ، قرينة على عموم الإحصار في الآية المباركة للمصدود أيضاً، و إلّا لم يكن وجه لتفريع المريض على الإحصار و المحصور. فإن المحصور هو المريض بناءً على مقابلته مع المصدود، بل لم يكن على تقدير التفريع لقوله عزّ من قال فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً وجه فإنه ظاهر من التبعيض فيدلّ التفريع على ان الإحصار في صدر الآية، أعم يعم المصدود و المريض. و لكن لا يمكن المساعدة على هذا الاستشهاد، فإن التفريع يشهد و لا يؤكد عموم الإحصار الوارد في الآية للصد أيضاً، فإنّ المراد من قوله سبحانه فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ليس مطلق المريض، بل المريض الخاص.

أي المريض الذي يداوى وجع رأسه بالحلق أو يبرء من الأذى به، و تفريع المريض الخاص على الممنوع من السفر للمرض من تفريع الخاص على العام، أضف إلى ذلك ما ورد في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «مرّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) على كعب بن عجزه الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم، فقال أ تؤذيك هوامك، قال: نعم قال: فأنزلت هذه الآية «1» و على ذلك فلا يكون في التفريع مجال لاستكشاف المراد من الحصر الوارد في صدر الآية، و دعوى ان الرواية مرسلة فإن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 290

.......... الكليني رواها بإسناده عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللَّه لا يمكن المساعدة عليه، فإنه يمكن ان يسمع حريز عن أبي عبد اللَّه بعد سماعه عمن أخبره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و المتحصل ان إحلال المصدود كالمحصور بالهدي مما لا ينبغي التأمل فيه، و يبقى الكلام في ان المصدود يجب ان يضمّ إلى الهدى في موضع الصد، الحلق أو التقصير أو لا يحتاج إلى ضم أحدهما. و المنسوب إلى بعض الأصحاب لزوم التقصير و لا يجزي الحلق، و عن بعضهم تعين الحلق، و عن الشهيدين التخيير بينهما.

و يلتزم بالحلق لما ورد في النبوي من ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حلق، و لكنه لضعفه سنداً لا يمكن الاعتماد عليه. و قد ورد التقصير في مرسلة المفيد حيث ورد فيها و المصدود بالعدو ينحر هدية الذي ساقه بمكانه و يقصر من شعر رأسه و يحل، و ليس عليه اجتناب النساء سواء كانت حجته

فريضة أو سنة «1» و لكنّها أيضاً لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها، و في رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حين صد بالحديبية قصر و أحل و نحر ثمّ انصرف منها و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فامّا المحصور فإنما يكون عليه التقصير «2».

و أمّا ما ورد في تفسير علي بن إبراهيم في أوّل سورة الفتح حدثني أبي عن ابن عمير عن ابن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و في بعض النسخ ابن سيار قال كان سبب نزول هذه السورة و هذا الفتح العظيم أن اللَّه عزّ و جل أمر رسول اللَّه في النوم ان يدخل المسجد الحرام و يطوف و يحلق مع المحلقين، فأخبر أصحابه و أمرهم بالخروج فخرجوا فلمّا نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة و ساقوا البدن و ساق رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ستّاً و ستون بدنة و أشعرها عند إحرامه و أحرموا من ذي الحليفة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 291

.......... ملبين بالعمرة و قد ساق من ساق منهم الهدى مشعرات مجللات فلمّا بلغ قريشاً ذلك بعثوا خالد بن الوليد في مأتي فارس كميناً ليستقبل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فكان يعارضه على الجبال فلمّا كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذن بلال و صلى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بالناس فقال: خالد بن الوليد لو كنّا حملنا عليهم و هم في الصلاة لأصبناهم فإنهم لا يقطعون صلاتهم، و لكن تجي ء الآن صلاة أخرى أحب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا

دخلوا في الصلاة اغرنا عليهم، فنزل جبرئيل (عليه السّلام) على رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بصلاة الخوف بقوله «وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية إلى ان قال: فنحر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و حلق و نحر القوم على حيث يقين و شك و ارتياب فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تعظيماً للبدن رحم اللَّه المحلقين، و قال: قوم لم يسوقو البدن يا رسول اللَّه و المقصرين لان من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق فقال: رسول اللَّه ثانياً رحم اللَّه المحلقين الذين لم يسوقوا الهدى فقالوا يا رسول اللَّه المقصرين فقال رحم اللَّه المقصرين»، الحديث «1» و ظاهرها جواز الحلق و التقصير لمن لم يسق الهدى في إحرامه مع أفضلية الحلق، و تعين الحلق لمن أحرم بسياق الهدى. و لكنها واردة في الصد بعد الإحرام للعمرة المفردة، و إلحاق الصدّ في مورد الإحرام للحج بالإحرام للعمرة المفردة لا تخلو عن تأمّل. و الرواية في سندها أيضاً تأمّل لعدم ثبوت كون راويها عبد اللَّه بن سنان، و دعوى صحة روايات التفسير لما ذكره علي بن إبراهيم من أنه يورد في التفسير ما وصل اليه من طريق الثقات، فقد ذكرنا أنّه من باب التغليب و لكن ينبغي التأمّل في ان الاحتياط في التحلل يقتضي ضم الحلق أو التقصير مع عدم سوق الهدى، و ضم الحلق مع سوقه. و يؤكد ما ذكرنا ما في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يوم الحديبية «اللّهمّ اغفر للمحلقين

[ (مسألة 3) المصدود عن الحج إن كان مصدوداً عن الموقفين أو عن الموقف بالمشعر خاصة]

(مسألة 3) المصدود عن

الحج إن كان مصدوداً عن الموقفين أو عن الموقف بالمشعر (1) خاصة فوظيفته ذبح الهدى في محل الصد و التحلل به عن إحرامه، و الأحوط ضم الحلق أو التقصير إليه، و إن كان عن الطواف و السعي بعد الموقفين قبل أعمال مني أو بعدها فعندئذ إن لم يكن متمكّناً من الاستنابة فوظيفته ذبح الهدى في محل الصد، و إن كان متمكّناً منها فالأحوط الجمع بين الوظيفتين ذبح الهدى في محلّه. مرتين، و قيل و للمقصرين يا رسول اللَّه قال: و للمقصرين» «1».

و يبقى الكلام في موضع الذبح و النحر، حيث عيّن ذلك في موثقة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر (عليه السّلام) بموضع الصد، قال: المصدود يذبح حيث صُدَّ و يرجع صاحبه و يأتي النساء، و تقدم أيضاً ما ورد في قضية الحديبية من أن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نحر في موضع الصد. و دعوى ان الأمر بالذبح أو النحر في موضع الصد من قبيل الأمر الوارد في مقام توهم الحظر، فلا ينافي جواز الإرسال إلى محله إذا أمكن، يمكن المساعدة عليه، فإنه لم تتم قرينة على كون الأمر بالنحر أو الذبح حيث صدّ من الأمر في مقام توهم الحظر، بل المقابلة بين البعث و تأخير الإحلال في الحصر المقابل للصد قرينة على عدم ثبوت البعث في الصد. نعم المعتبر صدق هذا العنوان أنّه ذبح أو نحر حيث صدّ فيكفي الذبح في نفس المنطقة قبل الرجوع إلى بلده، اللّهم إلّا ان يدعي أنّ الأمر بالذبح موضع الصد بمناسبة الحكم و الموضوع لرعاية عدم إمكان البعث نوعاً، لا لخصوصية في موضع الصد و لكنه كما ترى. (1) إذا كان المكلف لم يتمكن

بعد إحرامه للحج أو لعمرة التمتع من ادراك الموقفين أو إدراك الوقوف بالمشعر اختيارية و اضطرارية، لا يكون في حقه تكليف بالحج. و قد تقدم ان مقتضى القاعدة بطلان إحرامه و كونه لغواً من غير حاجة إلى الخروج من الإحرام بشي ء، و لكنه في الصد بعد إحرامه لعمرة التمتع يذبح في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 293

.......... موضع الصد و يرجع إلى أهله و تحل له النساء كما هو مقتضى الإطلاق في موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال المصدود يذبح حيث صد و يرجع صاحبه و يأتي النساء «1» و قد تقدم ان الأحوط ضمّ الحلق أو التقصير إلى الهدى في الإحلال. و على الجملة بعد ما كان الوقوف بالمشعر اختيارية و اضطرارية ركناً في الحج، و مع عدم التمكن منهما فلا حج له.

ثمّ إنّ التحلّل بالذبح أو النحر في موضع الصد، ما إذا أوجب الصد فوت الموقفين فإنه بالذبح أو النحر في موضع الصد يتحلل من إحرامه، و لا تصل النوبة مع فوتهما و إمكان الوصول إلى مكة تبدل إحرام حجه إلى العمرة المفردة، فإن ما دل على الإحلال بالعمرة المفردة مورده صورة عدم الصد و الوصول إلى مكة متأخراً، و لذا لا يبعد ان يجرى على المكلف حكم الصد إذا منع بعد الوقوفين عن دخول مكة أيضاً، و دعوى أنه مع ادراك الوقوفين يكون عليه الاستنابة لإعمال مكة يدفعها أن أدلة النيابة عن العاجز عن الطواف و السعي قاصر عن الشمول لمن لا يتمكن منهما لمنعه عن دخول مكة، بل موردها من كان بمكة و لكن لا يتمكن منهما بالمباشرة. نعم لو صدّ بعد الدخول بها لدخل فيما

دل على جواز الاستنابة إذا أدرك الوقوفين أو الوقوف بالمشعر، و لو كان بإدراكه الوقوف الاضطراري منه، و ربما يستظهر من صحيحة الفضل بن يونس أنّه إذا صدّ عن الوقوفين فقط يتحلل بالعمرة المفردة، فإنه روى عن أبي الحسن (عليه السّلام) عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل ان يعرف فبعث به إلى مكة فحبسه فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثمّ ينصرف إلى منى فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحج ان كان دخل متمتعاً

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 294

و الاستنابة، و إن كان الأظهر جواز الاكتفاء بالذبح إن كان الصد صداً عن دخول مكة، و جواز الاكتفاء بالاستنابة إن كان الصد بعده.

و إن كان مصدوداً عن مناسك منى خاصة دون دخول مكة فوقتئذٍ إن كان متمكّناً من الاستنابة فيستنيب للرمي (1) و الذبح ثمّ يحلق أو يقصّر و يتحلّل ثمّ يأتي ببقية المناسك، و إن لم يكن متمكّناً من الاستنابة فالظاهر أنّ وظيفته في هذه الصورة أن يودع ثمن الهدى عند من يذبح عنه ثمّ يحلق أو يقصّر في مكانه، فيرجع إلى مكّة لأداء مناسكها، فيتحلّل بعد هذه كلّها عن جميع ما يحرم عليه حتّى النساء من دون حاجة إلى شي ء آخر، و صح حجّه و عليه الرمي في السنة القادمة على الأحوط. بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعاً، ثمّ يسعى أسبوعاً و يحلق رأسه و يذبح شاة، فإنّ كان مفرداً للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه «1» و لكن الالتزام بالعدول إلى

المفردة مع فوت الوقوفين لا يناسب وجوب الذبح و قيامه مقام طواف النساء، و كيف إذا كان محرماً بحج الافراد لا يكون عليه لا ذبح و لا شي ء آخر حتى طواف النساء. و في رواية التهذيب فليس عليه ذبح و لا حلق، و كيف ما كان فلا يمكن رفع اليد بهذه الصحيحة عما تقدم من التحليل من إحرام الحج إذا كان مصدوداً عن دخول مكة، و إن كان الأحوط الجمع بين وظيفة الصد و الاستنابة إذا كان الصد عن دخول مكة. (1) أمّا الاستنابة لرمي جمرة العقبة و كذا لرمي سائر الجمار فلما ورد في جوازها روايات فإنّها و إن ذكرت فيها عناوين خاصة كالمريض، و المبطون، و المغمى عليه، و الكسير، إلّا ان المتفاهم من مجموعها كون الموضوع لجوازها عدم التمكن من المباشرة. و في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يطاف به و يرمي عنه، فقال: «نعم إذا كان لا يستطيع» «2».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 295

.......... و أمّا جواز الاستنابة في الذبح و النحر فلا مورد للكلام فيه، فإن جوازها فيهما لا يختص بصورة عدم التمكن من المباشرة، بل يعم حال الاختيار أيضاً و جواز الحلق أو التقصير في الطريق و في غير منى مع تعذر الرجوع اليه أو تعسره مورد النص على ما تقدم في مسألة نسيان التقصير و الخروج من منى، و إذا وكل المصدود من أفعال منى في الذبح بعد الرمي، ثمّ حلق أو قصر فقد أحل من كل شي ء أحرم منه، إلّا الطيب و النساء كسائر الحجاج الفارغين من أفعال منى.

و أمّا إذا لم يتمكن من الاستنابة للرمي و

الذبح فلا يحكم بترك رمي جمرة العقبة بفساد الحج، فإنه ليس بركن كما يدلّ عليه ما ورد في نسيان الرمي، حيث يستفاد منه ان ترك الرمي لعذر لا يوجب فساد الحج، كما أنه مع العذر في ترك الذبح يقصر أو يُلحق و يوكل من يذبح عنه بمنى إلى آخر ذي الحجة، بل يحتمل ان يكون الذبح بمكة مجزياً، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثمّ ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه «1» و يمكن ان يدعي ان النسيان لا خصوصية له، بل هو بعنوان العذر في ترك الذبح بمنى، و إن كان الأحوط ما ذكرنا في المتن، و قد تقدم الوجه في الاحتياط بقضاء الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بالاستنابة في مسائل رمي الجمار فراجع.

يبقى الكلام فيمن لم يتمكن بعد الصدّ من الهدى، فهل يسقط عنه الإحلال بالهدي و يحكم ببطلان إحرامه للقاعدة التي أشرنا إليها، أو يحكم ببقائه على إحرامه إلى ان وجد المحلل أو أكمل العمل الذي أحرم له كما في إحرامه للعمرة المفردة، أو يحكم بان هذا المصدود تتبدل وظيفته إلى الصيام أي صوم ثلاثة أيام أو الصدقة على ستة مساكين أو صيام عشرة أيام نظير الصوم في بدل هدى التمتع، وجوه المنسوب

[ (مسألة 4) المصدود عن الحج لا يسقط عنه الحج بالهدي المزبور]

(مسألة 4) المصدود عن الحج لا يسقط عنه الحج بالهدي المزبور، بل يجب عليه الإتيان به في القابل (1) إذا بقيت الاستطاعة أو كان مستقراً في ذمته.

[ (مسألة 5) إذا صدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت و رمى الجمار فقد تمّ حجّه

(مسألة 5) إذا صدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت و رمى الجمار فقد تمّ حجّه (2)، و يستنيب إن كان امكنه في سنته و إلّا ففي القابل على الأحوط و لا يجري عليه حكم المصدود. إلى المشهور انه يبقى على إحرامه حتى يتحلل بالهدي أو بالعمرة المفردة، و سيأتي التعرض لذلك. (1) ما تقدم في الروايات الواردة في الصدّ ناظرة إلى إحلال المصدود من إحرامه بما تقدم، و لا دلالة على سقوط الحج الواجب عنه أو عدم سقوطه، و مقتضى الأدلة أنه إذا استطاع للحج بعد ذلك أو كان الحج مستقراً عليه من قبل فعليه الإتيان به و إن كان حجاً مندوباً فلا شي ء عليه، و في صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يشترط في الحج ان حلني حيث حبستني أ عليه الحاج من قابل؟ قال: «نعم» «1» و نحوها غيرها. و ما ورد في نفي الحج عنه محمول على الحج المندوب و على تقدير المعارضة يرجع إلى القاعدة التي أشرنا إليها. (2) قد تقدم أنّ آخر ما يكون معتبراً في الحج هو الطواف للحج و سعيه بعد رجوعه من اعمال منى يوم النحر، و عليه فلا يكون الصدّ عن العود إلى منى موجباً للخلل في حجه، و وجوب المبيت فيها ليالي أيام التشريق مجرد حكم تكليفي يسقط بالتعذر، و أمّا الرمي في أيامها فقد تقدم ما يدلّ على أنّ العاجز عنه يستنيب له، فإن أمكن للمصدود عن العود إلى منى الاستنابة

له فهو، و إلّا يسقط و يقضيه في القابل مباشرة أو بالاستنابة على الأحوط. و بما أنه لم يكن للمصدود عن العود إلى منى إحرام، فلا موضوع فيه للإحلال بالذبح أو بغيره.

[ (مسألة 6) من تعذر عليه المضي في حجّه لمانع من الموانع غير الصّد و الحصر]

(مسألة 6) من تعذر عليه المضي في حجّه لمانع من الموانع غير الصّد و الحصر فالأحوط (1) أن يتحلل في مكانه بالذبح.

[ (مسألة 7) لا فرق في الهدى المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة]

(مسألة 7) لا فرق في الهدى المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة، و لو لم يتمكّن منه ينتقل الأمر إلى بدله، و هو الصوم على الأحوط، كما أنّ الأحوط (2) أن يؤخّر الإحلال إلى ما بعد الصيام على النحوين المتقدّم في صيام الهدى. (1) هذا خارج عن المصدود و المحصور بحسب التقسيم الوارد في الروايات، حيث ان الصدّ يتحقق بعد الإحرام لحج أو عمرة بحسب منع العدو و الظالم، و الحصر يتحقق بالمرض و الكسر المانعين عن الذهاب إلى الموقفين أو دخول مكة على ما تقدم و يأتي. و المفروض عدم تحقق شي ء منهما، و لكن مقتضى الحصر الوارد في الآية المباركة حيث إنّه بمعناه اللغوي، و الواردة في صد المشركين النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أصحابه في قضية الحديبية العموم و الاحتياج في التحلل بما ورد فيها من التحلل بالهدي. و لذا لو لم يكن ما ذكر في المتن أظهر، فلا مورد للتأمّل في أنه أحوط. نعم مع قطع النظر عن الآية تقدم ان مقتضى القاعدة انحلال الإحرام في غير العمرة المفردة و بقائه على إحرامه فيها حتى يأتي بسائر أعمالها. (2) و قد تعرضنا لذلك في ذيل المسألة الثانية، و ذكرنا فيه الوجوه المتقدمة التي أولها: الالتزام بالتحلل من غير حاجة إلى الهدى أو شي ء آخر، فأن التحلل بالهدي وارد في الآية المباركة في صورة اليسر، و المفروض في المقام عدمه و لكن ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه

السّلام) في المحصور لم يسق الهدى، قال: ينسك و يرجع، قيل: فإن لم يجد هدياً، قال: «يصوم» «1» و في صحيحته الأُخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه قال: في المحصور و لم يسق الهدي، قال: ينسك و يرجع، فإن لم يجد ثمن هدى صام «2» و مقتضاهما أن على المحصور بدل الهدى الصادق

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 298

.......... على البدنة و البقرة و الشاة عند عدم تمكنه منه و من ثمنه الصوم، و ظاهر الصوم انصرافاً هو بدل الهدى الواجب في حج التمتع و يتعدى من المحصور إلى المصدود، حيث يحتمل الفرق في بدلية الصوم عن الهدى بينه و بين المحصور خصوصاً بملاحظة ان الحصر مفروض في سؤال السائل، و بتعبير آخر كما يستفاد من الصحيحتين انه في الصد أيضاً إذا ساق هدياً يذبحه و مع عدمه ينسك و يرجع، كذلك في صورة عدم التمكن من الهدى و اليسر في الآية المباركة، راجع إلى يسر نوع الهدى لا إلى ان اعتبار الهدى في التحلل في صورة يسره. و على الجملة فلو لم يكن ما ذكر أظهر فلا ينبغي التأمل في انه أحوط، كما ان الأحوط تأخير الإحلال إلى ما بعد الصوم. حيث ان في وجوب الصوم على المريض تأملًا و ظاهر الحصر المفروض في الصحيحتين هو المرض.

لا يقال: يستفاد من صحيحة زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و كذا من غيرها انه هو حلال إذا حبسه اشترط أو لم يشترط التحلل عند إحرامه بلا حاجة إلى الهدي، غاية الأمر يرفع اليد عن إطلاقها و إطلاق غيرها بما دل على اعتبار الهدى في التحلل، فإنه يقال كما يرفع اليد

عن إطلاقها بالإضافة إلى صورة التمكن، كذلك يرفع اليد عن إطلاقها في صورة عدم التمكن بالإحلال بالبدل. هذا بالإضافة إلى إحرام عمرة التمتع و الحج و أمّا بالإضافة إلى إحرام العمرة المفردة فيجوز له البقاء على إحرامه إلى ان يتمكن من إتمامها، حيث ان العمرة المفردة غير موقتة بوقت خاصّ. نعم يجوز التحلل بالهدي منها أيضاً، لما ورد ذلك في التحلل من إحرامها في قضيته الحديبية و تحلل الحسين (عليه السّلام) و مقتضى صحيحتي معاوية جواز الإحلال بالصوم مع عدم التمكن من الهدى من غير استفصال بين كون الإحلال من إحرام الحج أو العمرة

[ (مسألة 8) من أفسد حجّه ثمّ صدّ]

(مسألة 8) من أفسد حجّه ثمّ صدّ فالظاهر لزوم كفارة الإفساد (1) زائداً على الهدى و لكن لا يلزم اعادة الحج مع الصد الطاري، نعم عليه الحج مع استقرار الحج أو بقاء استطاعته إلى السنة القادمة.

[ (مسألة 9) من ساق هدياً معه ثمّ صدّ كفى ذبح ما ساقه

(مسألة 9) من ساق هدياً معه ثمّ صدّ كفى ذبح ما ساقه و لا يجب عليه هدى آخر (2)، و كذا الحال فيمن ساق الهدى ثمّ أحصر. تمتعاً أو منفردة. (1) إذا كان الإفساد بالجماع قبل الوقوف بالمزدلفة موجباً لبطلان الإحرام نظير بطلان الصلاة و الصوم فمع حدوث الصدّ بعده لا موضوع لوجوب الإحلال بالهدي لبطلان الإحرام قبل الصد، فيكفي كفارة الجماع. كما لا موضوع لإعادة الحج لعدم كونه مكلفاً بالحج كما هو مقتضى حدوث الصد، نعم لو كان الحج مستقراً عليه قبل ذلك أو بقيت استطاعته للسنة القادمة أو حدثت استطاعة يجب عليه الحج و لا فرق في عدم وجوب الإعادة بين الالتزام بالفساد بالمعنى المذكور أو الالتزام بان المراد بالفساد اعادة الحج عقوبة في السنة الآتية، و لكن الحج الواجب بعنوان حجة الإسلام هو الحج الذي وقع بعد الإحرام له، و قبل الوقوف بالمزدلفة فإنه في هذا الفرض لا تجب الإعادة، لأن حدوث الصد كاشف عن عدم كونه مكلفاً بحجة الإسلام، نعم يجب عليه كفارة الوقاع و هدي التحلل، لأنّ كلا منهما موضوع لتكليف مستقل فتجب كفارة للوقاع، و هدى للتحلل به بعد الصد، حيث ان التداخل بين التكليفين في الامتثال يحتاج إلى قيام دليل عليه. (2) على المشهور بين الأصحاب و القول بعدم الاكتفاء بهدي السياق عن هدى التحلل منقول عن ابني بابويه و جمع من الأصحاب. و يستدل عليه بان كلا من السياق و الإحلال

بالهدي موجب لوجوب الهدى، و التداخل يحتاج إلى الدليل على

[أحكام المحصور]
اشارة

أحكام المحصور

[ (مسألة 1) المحصور هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمرض و نحوه

(مسألة 1) المحصور هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمرض و نحوه بعد تلبسه بالإحرام.

[ (مسألة 2) المحصور إن كان محصوراً في عمرة مفردة فوظيفته أن يبعث هدياً]

(مسألة 2) المحصور إن كان محصوراً في عمرة مفردة فوظيفته أن يبعث هدياً و يواعد أصحابه (1) أن يذبحوه أو ينحروه في وقت معين، فإذا جاء الوقت تحلل في مكانه ما تقدم في المسألة السابقة، فإن المراد بالسياق عقد الإحرام بالإشعار أو التقليد حيث يتعين بذلك المسوق للهدي، و لكن لا يخفى أنّه يستفاد من الروايات الواردة في السياق الاجزاء كصحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في أنّه خرج الحسين (عليه السّلام) معتمراً و قد ساق الهدى بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه، ثمّ اقبل حتى جاء فضرب الباب الحديث «1»، و قد كان الاكتفاء أمراً مرتكزاً و قد سأل معاوية بن عمار في المحصور و لم يسق الهدى، قال: ينسك و يرجع، قيل: فإن لم يجد هدياً، قال: «يصوم» «2» و التقييد في السؤال بأنه لم يسق الهدى لارتكازه بأنه لو كان ساقه أجزأه هديه، و التفرقة بين الحصر و الصد بعيد جدّاً، و قد اكتفى رسول اللَّه و أصحابه في قضية الحديبية بنحر ما ساقوا، أضف إلى ذلك ان الصد و الحصر يوجب الإحلال بالهدي لا وجوب هدى آخر إذا ساقوا الهدى في إحرامهم، و لا يقاس ذلك بلزوم الكفارة و لزوم الهدى في الإحلال به، فإن الكفارة على الارتكاب واجب آخر. (1) أحكام المحصور و في مضمرة زرعة التي رواها في المقنع عن سماعة قال: سألته عن رجل أحصر في الحج، قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه و محله ان يبلغ الهدى محله، و محله منى

يوم النحر إذا كان في الحج، و إن كان في عمرة نحر بمكة. فإنّما عليه أن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 301

بالتقصير، و يجوز له خاصة أن يذبح أو ينحر في مكانه و يتحلل، و تحلل المحصور في العمرة المفردة انّما هو من غير النساء، و أمّا منها فلا تحلّل منها إلّا بعد إتيانه بعمرة مفردة يعدهم لذلك يوماً، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى و إن اختلفوا في الميعاد لم يضر إنشاء اللَّه تعالى «1»، و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أحصر فبعث بالهدي؟ فقال: يواعد أصحابه ميعاداً، فإن كان في حجّ فمحل الهدى يوم النحر، و إذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، و إن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصر و أحل. و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع إلى أهله رجع و نحر بدنة إن قام مكانه، و إن كان في عمرة فإذا برء فعليه العمرة واجبة، و إن كان عليه الحج فرجع إلى أهله و أقام ففاته الحج كان عليه الحج من قابل فإن ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هدياً ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شي ء، و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضاً الحديث «2».

و موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه فيأتي النساء. و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوماً فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، قلت: أ رأيت ان ردوا عليه

دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث «3» و قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: المحصور غير المصدود، و قال: المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي ردّه المشركون كما ردّوا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، ليس من مرض و المصدود تحل له النساء «4» و المحصور لا تحل له النساء، و ينبغي ان يرفع اليد عن إطلاق هذه الصحيحة بالإضافة إلى المحصور الذي بعث هديه حتى يذبح أو ينحر في منى يوم النحر فيما إذا كان محصوراً بعد إحرام

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 302

بعد إفاقته، فيما إذا ذبح أو نحر في مكان الحصر، و أمّا مع البعث فللتحلّل بوصول الهدى الحج، و إلى مكة فيما إذا كان محصوراً في إحرام العمرة، حتى بالالتزام بحلية النساء على المحصور ببلوغ الهدى محله، بخلاف ما إذا أحل في موضع الحصر فإنه لا يحل له النساء حتى يحج في القابل أو يعتمر بعد ذلك، و ما في صحيحة البزنطي: قال سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء تكون حاله و أي شي ء عليه، قال: هو حلال من كل شي ء، قلت: من النساء و الثياب و الطيب، فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، قال: اما بلغك قول أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حلني حيث حبستني لقدرتك التي قدرت عليّ، قلت: أخبرني عن المحصور و المصدود هما سواء، فقال: لا الحديث «1» محمول على صورة بعث الهدي بالإضافة إلى حلية النساء، بقرينة

ما تقدم و بما في ذيلها من عدم التسوية بين المصدود و المحصور. و قد يقال ان هذه الصحيحة مخالفة للروايات الواردة الدالة على ان المحصور يبعث بهديه و لا يحل إلّا إذا بلغ الهدى محله، و بعد تعارضهما بالتباين يلاحظ ما ورد في الحصر في العمرة المفردة و مرض الحسين (عليه السّلام) و أنه لا تحل النساء إلّا إذا اعتمر بعد ذلك فإن هذا أخص بالإضافة إليهما.

و فيه أنّ الروايات الدالّة على الفرق بين المحصور و المصدود تقتضي توقّف حلية النساء على بعث الهدي معيناً، و يستفاد ممّا ورد في مرض الحسين (عليه السّلام) عدم تعيّن ذلك و انّ المحصور يحلّ بالعمرة الّتي يأتي بها بعد ذلك أيضاً، فتكون النتيجة أنّ حلية النساء للمحصور في العمرة المفردة تكون بأحد أمرين، بعث الهدي أو الإتيان بعمرة مفردة بعد ذلك. و صحيحة البزنطي تدلّ بإطلاق الحكم على عدم توقّف حلية النساء على شي ءٍ فيرفع اليد عن إطلاقها بالتقييد الوارد في خصوص حلية النساء و انّها تتوقّف على بعث الهدي أو الإتيان بعمرة مفردة بعد ذلك.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 303

محلّه و موعده حتّى من النساء وجه (1). (1) قد يقال المحصور في عمرة التمتع ينحل إحرامه بالذبح أو النحر و لو في مكان الحصر حتى بالإضافة إلى حرمة النساء، لأن العمرة المفردة تفترق عن عمرة التمتع لاعتبار طواف النساء في العمرة المفردة، بخلاف عمرة التمتع فتكون حلية النساء في العمرة المفردة موقوفاً على الإتيان به بإعادة العمرة و لا يحتاج إلى ذلك في عمرة التمتع، و لكن لا يخفى ما فيه فإنه لم يدلّ دليل على ان بقاء حرمة النساء على المحصور في

العمرة المفردة لاعتبار طواف النساء فيها ليقال بحليتها في الحصر في عمرة التمتع بعد الإحلال بالهدي، و قد يقال بعدم حرمة النساء بعد الإحلال بالهدي في عمرة التمتع. و يبني ذلك على انقلاب النسبة بين صحيحة البزنطي الدالة على ان المحصور الذي انكسرت ساقه حلال من كل شي ء، قلت: من النساء و الثياب و الطيب، فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، و بين مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و المصدود تحل له النساء، و المحصور لا تحل له النساء ببركة ما ورد في المحصور في العمرة المفردة من أنّه لا تحلّ له النساء حتى يعتمر بعد ذلك، فيرفع اليد بذلك عن إطلاق صحيحة البزنطي فيخصّص مدلولها بحلية النساء في غير العمرة المفردة. و هذا المدلول أخص من صحيحة معاوية بن عمار فيرفع اليد عن إطلاقها بصحيحة البزنطي التي صارت بالإضافة إليها أخص. و فيه ما ذكرنا من شاهد الجمع بين صحيحة البزنطي و صحيحة معاوية بن عمار و نحوها، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) الدالة على التفرقة بين صورة بعث الهدى الى منى أو مكة فيحل له النساء ببلوغ الهدى إليها، و بين الذبح و النحر في موضع الصدّ حيث لا تحل به النساء.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 304

و إن كان المحصور محصوراً في عمرة التمتع فحكمه ما تقدم إلّا أنّه يتحلّل حتّى من النساء، و إن كان المحصور محصوراً في الحج فحكمه ما تقدّم، و الأحوط أنّه لا يتحلّل من النساء حتّى يطوف و يسعى و يأتي (1) بطواف النساء بعد ذلك في حج أو عمرة.

[ (مسألة 3) إذا أحصر و بعث بهديه و بعد ذلك خفّ المرض

(مسألة 3) إذا أحصر و

بعث بهديه و بعد ذلك خفّ المرض، فإن ظنّ أو احتمل ادراك الحج وجب عليه (2) الالتحاق، و حينئذٍ فإن أدرك الموقفين أو الوقوف بالمشعر خاصّة حسب ما تقدم فقد أدرك الحج، و إلّا فإن لم يذبح أو ينحر عنه انقلب حجّه إلى العمرة المفردة و إن ذبح عنه تحلّل من غير النساء و وجب عليه الإتيان بالطواف و صلاته و السعي و طواف النساء و صلاته للتحلّل من النساء أيضاً على الأحوط. (1) ما تقدّم من بيان دعوى انقلاب النسبة مقتضاه حلية النساء أيضاً في المحصور في الحج حتى في صورة الذبح أو النحر في موضع الحصر، إلّا أنه قد يدعي الإجماع على اعتبار العمرة المفردة في حلية النساء عليه، و لكن قد تقدم ان مقتضى ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) حلية النساء في صورة بعث الهدى إلى منى للذبح أو النحر فيها يوم النحر، و في صورة عدم البعث مقتضى صحيحة معاوية بن عمار و نحوها توقف الحلية على اعادة الحج أو الإتيان بالعمرة المفردة. (2) هذا الحكم على القاعدة، فإن المفروض أنّه قد أحرم للحج أو لعمرة التمتع فيحتمل أو يظن أنه متمكن من الإتمام، فعليه الذهاب إلى إتمام عمرة التمتع و الإتيان بالحج بل لا يبعد الذهاب كذلك إذا احتمل أو ظن أنه يتمكن من إتمام الحج و لو بنحو الأفراد، فإن فرض أنه أدرك الوقوفين أو الوقوف بالمشعر الحرام و لو بوقوفه الاضطراري يأتي بمناسك الحج كسائر الحجاج، و يدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: إذا أُحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق و وجد في نفسه خفة فليمض ان ظن

أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل ان ينحر الهدى فليقم على إحرامه

[ (مسألة 4) إذا أحصر عن مناسك مني أو أحصر من الطواف و السعي بعد الوقوفين

(مسألة 4) إذا أحصر عن مناسك مني أو أحصر من الطواف و السعي بعد الوقوفين فالحكم فيه كما تقدم في لمصدود (1)، نعم إذا كان الحصر من الطواف و السعي بعد دخول مكة فلا إشكال و لا خلاف في أن وظيفته الاستنابة. حتى يفرغ من جميع المناسك، و لينحر هديه و لا شي ء عليه. و إن قدم مكة و قد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل و العمرة، قلت: فإن مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة؟ قال: يحج عنه ان كانت حجة الإسلام، و يعتمر انما هو شي ء عليه «1» و ظاهرها و إن كان جعل المناط في إدراك الحج و عدمه قدومه مكة و قد ذبح هديه أو لم يذبح هدية، فإن لم يذبح فقد أدرك الحج، و إلّا فلا، و لكن لا يبعد ان يكون ذبحه كناية عن فوت الوقوفين و عدم ذبحه عن بقاء وقت الوقوفين كلاهما أو المشعر خاصة.

لا يقال ان ذكر قدوم مكة لعله بالذبح فيها ينتهي إحرام المحصور، يعني إحرامه لعمرة التمتع فإنه يقال لو كان الأمر كذلك يكشف تمكنه من إتمام عمرة التمتع و الإتيان بحج التمتع، فلا يكون في البين حصر يوجب الإحلال و إن لم يكن متمكناً من إتمامه و تمكن من ادراك الموقفين، تتبدل الوظيفة إلى حج الافراد، و لا يكون في البين موجب لوجوب الهدى، فالأمر بالهدي يعد تمام المناسك قرينة على ادراك حج التمتع و إن لم يتمكن من ادراك الموقفين، يخرج من إحرامه بالعمرة المفردة. و الإطلاق المقامي في الصحيحة مقتضاه انه ان ذبح هدية

في فرض ادراك الموقفين أو المشعر ينحل إحرامه كسائر موارد بعث الهدى، حيث ذكرنا حلية النساء معه و إن بقيت استطاعته إلى القابل أو تجددت أو كان الحج مستقراً عليه من قبل فعليه الإتيان به من قابل. (1) و قد تقدم أنّ الحكم فيه إذا لم يدخل مكة، الحلق أو التقصير بعد الإحلال

[ (مسألة 5) إذا أحصر الرجل فبعث بهديه ثمّ آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدى محلّه

(مسألة 5) إذا أحصر الرجل فبعث بهديه ثمّ آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدى محلّه، جاز له أن يذبح شاة في محلّه أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم على ستة مساكين لكل مسكين مدّان، و يحلق، و يبقى على إحرامه إلى بلوغ الهدى محلّه و موعده (1).

[ (مسألة 6) لا يسقط الحج عن المحصور بتحلّله بالهدي

(مسألة 6) لا يسقط الحج عن المحصور بتحلّله بالهدي، فعليه الإتيان به في القابل إذا بقيت استطاعته أو كان مستقراً في ذمته (2). بالهدي. و الأحوط الاستنابة لطوافه و سعيه، و إذا كان الحصر بعد دخول مكة فالمتعين الاستنابة كما هو مقتضى ما ورد فيمن لم يتمكن من الطواف و السعي يطاف عنه و يسعى عنه، و الفرق ان المصدود قبل دخول مكة لا يمكنه دخولها بخلاف المحصور، فإنه يمكن ذلك نوعاً فيستنيب، و كذا تجري الاستنابة في المحصور من أعمال يوم النحر فيحلق أو يقصر فيحل على ما تقدّم. (1) فإن ما ذكر كفارة حلق المحرم رأسه حال الإحرام، و قد تقدم ان اختيار الشاة لا يوجب الاكتفاء بالهدي، و يدلّ على كون كفارة الحلق ما ذكر الآية الشريفة بملاحظة ما ورد في تفسيرها، و ما ورد في كفارة الحلق على المحرم و عمدتها معتبرة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و قد تقدم انها على رواية الكليني مرسلة. حيث يرويها عن حريز عمن أخبره لا ينافي في اعتبارها، فإنها على رواية الشيخ (قدّس سرّه) غير مرسلة تعدد السماع عن حريز و لحريز محتمل. (2) ذكرنا الوجه في ذلك في المصدود و إن الإحلال بالهدي تكليف بالإضافة إلى المصدود و المحصور، و لا يوجب سقوط الحج عنه إذا استطاع عليه في القابل أو كان الحج مستقراً

عليه قبل ذلك.

و قد ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إن قدم مكة و قد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل و العمرة، قلت: فإن مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة، قال:

[ (مسألة 7) المحصور إذا لم يجد هدياً و لا ثمنه صام عشرة أيام

(مسألة 7) المحصور إذا لم يجد هدياً (1) و لا ثمنه صام عشرة أيام على ما تقدّم (2).

[ (مسألة 8) يستحب للمحرم عند عقد الإحرام أن يشترط على ربّه تعالى أن يحلّه حيث حبسه

(مسألة 8) يستحب للمحرم عند عقد الإحرام أن يشترط على ربّه تعالى أن يحلّه (3) حيث حبسه، و إن كان حلّه لا يتوقف على ذلك، فإنه يحلّ عند الحبس اشتراط أم لم يشترط. يحج عنه إن كانت حجة الإسلام و يعتمر إنّما هو شي ء عليه «1»، و عطف العمرة على الحج ظاهره عمرة التمتع، فإن ما يكون عليه التمتع و يعم تشمله العمرة المفردة أيضاً إذا كان ما عليه من الحج حج الإفراد، حيث يكون عليه كل من العمرة و الحج. و على الجملة قوله (عليه السّلام) انّما هو شي ء عليه، قرينة على أن المراد من قوله (عليه السّلام) في القضاء عنه بعد موته و ما تقدم عليه فإن عليه الحج من قابل و العمرة. و الوجه في كونه قرينة ان من عليه الحج لا يجزيه في قضائه العمرة المفردة و كذلك العكس، و ما في الكافي من بعض نسخه من العطف بأو لا بدّ من حمله على تنويع ما على المحصور، كما لا يخفى أو على غلط النسخة. (1) فإن المراد بوجدان الهدى الأعم، فيشمل وجدان ثمنه. و المراد من بعث الهدى أيضاً ما يعم بعث الثمن، كما يشهد لذلك ما في موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و المصدود يذبح حيث صدّ إلى ان قال: و المحصور يبعث إلى ان قال: قلت: أ رأيت ان ردوا دراهمه و لم يذبحوا الحديث. (2) قد تقدم الكلام في ذلك في بحث المصدود. (3) تعرضنا لذلك مفصلًا في المسألة الثالث عشر من مسائل فصل (في كيفية الإحرام)

و قلنا إن فائدة الاشتراط ادراك الثواب، فإن الظاهر أن ما يعبّر عنه الاشتراط ذكره عند الإحرام مستحب نفسي.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 308

إلى هنا فرغنا من واجبات الحج فلنشرع الآن في آدابه، و قد ذكر الفقهاء من الآداب ما لا تسعه هذه الرسالة فنقتصر على يسير منها.

[البحث في آداب الحج
اشارة

البحث في آداب الحج

[مستحبات الإحرام

مستحبات الإحرام يستحب في الإحرام أُمور:

1 تنظيف الجسد و تقليم الأظفار و أخذ الشارب و إزالة الشعر من الإبطين و العانة، كل ذلك قبل الإحرام (1).

2 تسريح شعر الرأس و اللحية من أوّل ذي القعدة لمن أراد الحج، و قبل شهر واحد لمن أراد العمرة المفردة (2).

و قال بعض الفقهاء بوجوب ذلك، و هذا القول و إن كان ضعيفاً إلّا أنه أحوط.

3 الغسل للإحرام في الميقات (3)، و يصح من الحائض و النفساء أيضاً على الأظهر، و إذا خاف عوز الماء في الميقات قدّمه عليه، فإن وجد الماء في الميقات أعاده و إذا اغتسل ثمّ أحدث بالأصغر أو أكل أو لبس ما يحرم أعاد غسله، و يجزي الغسل نهاراً إلى آخر الليلة الآتية، و يجزئ الغسل ليلًا إلى آخر النهار الآتي. (1) قد تقدم كل ذلك في بيان مقدمات الإحرام فراجع الأمر الثاني من تلك المقدمات. (2) و تقدم الكلام في ذلك أيضاً في المسألة الأُولى من تلك المقدمات. (3) تقدّم الكلام في ذلك في الأمر الثالث من تلك المقدمات، و ذكرنا فيه تمام الأمور المرتبطة إلى هذا الاغتسال التي منها جواز التيمم للإحرام إذا كان المكلف معذوراً بالإضافة إلى الاغتسال.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 309

4 أن يدعو عند الغسل على ما ذكره الصدوق (قدّس سرّه) (1) و يقول: «بسم اللَّه و باللَّه، اللّهمّ اجْعَلْه لي نوراً و طَهوراً و حِرْزاً و أمْناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ و شِفاءً مِنْ كُلِّ داءٍ و سُقم، اللّهمّ طَهِّرْني و طهِّرْ قَلْبِي و اشْرَحْ لي صَدْري، و أجْرِ على لساني مَحبّتك و مِدحَتَك و الثّناءَ عَلَيْك، فإنَّهُ لا قوَّةَ لي إلّا بِكَ،

و قَدْ عَلِمْتُ أنّ قِوام ديني التسليمُ لكَ، و الاتباعُ لِسُنّة نبيّك صلواتُك عليهِ و آله».

5 أن يدعوا عند لبس ثوبي الإحرام و يقول: «الحمدُ للَّه الّذي رَزَقَنِي ما أُواري به عَوْرَتي و أُؤدّي فيه فَرْضي، و أعبُدُ فيه ربّي، و أنتهي فيه إلى ما أمَرَني، الحمْد للَّه الذي قَصَدْتُهُ فَبَلَّغَني، و أردْتُهُ فأعانني و قَبِلَني و لمْ يقطَعْ بي، و وَجْهَهُ أردتُ فسلمني فهو حِصْني و كَهْفي و حِرْزي، و ظَهري و مَلاذي، و رجائي، و مَنْجاي و ذُخْري و عُدَّتي في شِدَّتي و رَخائي». و ذكروا أنّ الغسل في أوّل النهار يكفي إلى الليل و في أوّل الليل يكفي إلى النهار، و المنسوب إلى الأكثر ما ذكر في المتن من كفاية غسل اليوم إلى آخر الليل، يعني آخر الليلة الآتية، و كفاية غسل الليل إلى آخر النهار الآتي، كما يظهر ذلك من صحيحة جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «غسل يومك يجزيك لليلتك و غسل ليلتك يجزيك ليومك» «1» و لكن في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «غسل ليومك و غسل ليلتك لليلتك» «2» و نحوها غيرها و مقتضى الجمع حمل الأخيرة على أفضلية الإعادة إذا دخل الليل بعد الاغتسال في النهار و لم يحرم، و كذا أفضلية الإعادة إذا طلع الفجر و لم يحرم في الليل. و دعوى ان اللام في صحيحة جميل بمعنى إلى، فيكون مدلول الطائفتين أمراً واحداً لا يمكن المساعدة عليها، لأن كون اللام بمعنى إلى إن صح، يحتاج إلى قرينة و إلّا فظاهرها التعدية. (1) ذكر ذلك في الفقيه في باب سياق مناسك الحج.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3،

ص: 310

6 أن يكون ثوباه للإحرام من القطن (1).

7 أن يكون إحرامه بعد فريضة الظهر. فإن لم يتمكّن فبعد فريضة أُخرى، و إلّا فبعد ركعتين أو ست ركعات من النوافل، و السّت أفضل، يقرأ في الركعة الأُولى الفاتحة و سورة التوحيد، و في الثانية الفاتحة و سورة الجحد (2)، فإذا فرغ حمد اللَّه و أثنى عليه، و صلّى على النّبي و آله ثم يقول:

«اللّهمّ إنّي أسألُكَ أنْ تَجْعَلَني ممَّن اسْتَجابَ لَكَ، و آمَنَ بوَعْدِكَ، و اتَّبَعَ أمْرَكَ فإنّي عَبْدُكَ و في قبضَتِكَ، لا أُوقى إلّا ما وقَيْتَ، و لا آخُذُ إلّا ما أعْطَيْتَ، و قَد ذكرْتَ الحجَّ، فأسألُكَ أن تَعْزِمَ لي عليهِ على كتابك و سُنَّةِ نبيِّكَ صلّى اللَّه عليه و آله، و تُقوِّيَني على ما ضعُفْتُ عنه، و تُسلِّم مِنِّي مَناسِكي في يُسرٍ منكَ و عافيةٍ، و اجْعَلني من وَفْدك الّذين رَضيتَ و ارْتَضيتَ و سمَّيْتَ و كَتَبْت، اللّهمّ إنّي خَرَجْتُ مِنْ شُقَّةٍ بَعيدَةٍ و أنْفَقْتُ مالي ابْتغاءَ مَرْضاتِكَ، اللّهمّ فتَمّم لي حَجّي و عُمرتي، اللّهمّ إنّي أُريدُ التمتّع بالعُمْرةِ إلى الحَجِّ على كتابِكَ و سنَّة نَبيَّكَ صلى اللَّه عليه و آله و سلم، فإن عَرضَ لي عارضٌ يَحْبِسُني، فَحُلَّني حيثُ حَبَسْتَني لِقَدَرِكَ الّذي قدَّرْت عليَّ، اللّهمّ إنْ لَمْ تَكُنْ حَجَّةٌ فَعمرةٌ، أحرَم لك شَعري و بَشري و لَحْمي و دَمي، و عِظامي و مُخّي و عَصَبي من النّساء و الثّيابِ و الطّيب، أبتغي بذلك وجْهَكَ و الدّار الآخرة». (1) تعرضنا لجميع ما ذكر في المتن في بحث مقدّمات الإحرام، فراجع. (2) رواها الصدوق (قدّس سرّه) بإسناده عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و فيها، فإذا انتقلت من صلاتك فاحمد

اللَّه و اثن عليه وصل على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و تقول اللّهمّ إلى آخر الدعاء. و في آخر الصحيحة و تجزيك ان تقول هذا مرة حين تحرم، ثمّ قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشياً كنت أو راكباً فلب «1»، و في صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و إن شئت فلب حين تنهض و إن شئت فأخره حتى تركب بعيرك و تستقبل القبلة فافعل «2»، و لا يبعد دلالتهما على تأخير التلبية

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 311

8 التلفظ بنية الإحرام مقارناً للتلبية (1).

9 رفع الصوت بالتلبية للرجال (2).

10 أن يقول في تلبيته:

«لبَّيكَ ذا المعارج لبَّيك (3)، لبَّيكَ داعياً إلى دار السّلام لبَّيك، لبَّيكَ غفّارَ الذُّنوبِ لبَّيك، لبَّيكَ أهلَ التلبيةِ لبَّيك، لبَّيكَ ذا الجلالِ و الإكرامِ لبَّيك، لبَّيكَ تُبدِئُ و المعادُ إليكَ لبَّيك، لبَّيكَ تَستغني و يُفتَقَرُ إليكَ لبَّيك، لبَّيكَ مَرهوباً و مَرغوباً إليكَ لبَّيك، لبَّيكَ إلهَ الحقّ لبَّيك، لبَّيكَ ذا النّعْماء و الفضْلِ الحسنِ الجميلِ لبَّيك، لبَّيكَ كشّافَ الكُرَبِ العظامِ لبَّيك، لبَّيكَ عبدُك و ابنُ عبدَيكَ لبَّيك، لبَّيكَ يا كريمُ لبَّيك». ثمّ يقول: إلى الخروج عن مثل مسجد الشجرة. و يظهر ذلك من الروايات في باب 34 و 35 من أبواب الإحرام أيضاً. (1) استحباب التلفظ بنية الإحرام عند إرادة الإحرام، مستفاد من بعض الروايات منها ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في بيان الأمر الثاني و يعتبر استمرار النية إلى ذكر التلبية، إلّا ان في اعتبار التلفظ مقارناً للتلبية الواجبة مطلقاً تأملًا، و إن كان الأمر في الماشي كذلك. (2) يستفاد ذلك من صحيحة أبي بصير عن

أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ليس للنساء جهر بالتلبية «1»، و في معتبرة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ان كنت ماشياً فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و إن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء «2». (3) كما ورد ذلك في ذيل صحيحة معاوية بن عمار «3» و غيرها.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 312

«لبَّيكَ أتقرّبُ إليكَ بمحمّدٍ و آل محمّدٍ لبَّيك، لبَّيكَ بحجّة أو عُمرةٍ لبَّيك، لبَّيكَ و هذه عُمرةُ متعة إلى الحج لبَّيك، لبَّيكَ تلبيةً تمامُها و بلاغُها عليك».

11 تكرار التلبية حال الإحرام، في وقت اليقظة من النوم، و بعد كل صلاة، و عند الركوب على البعير و النزول منها، و عند كلّ علوّ و هبوط، و عند ملاقاة الراكب، و في الأسحار يستحب إكثارها و لو كان جنباً أو حائضاً، و لا يقطعها في عمرة التمتّع إلى أن يشاهد بيوت مكة و في حجّ التمتّع إلى زوال يوم عرفة.

[مكروهات الإحرام

مكروهات الإحرام يكره في الإحرام أمور:

1 الإحرام في ثوب أسود (1)، بل الأحوط ترك ذلك، و الأفضل الإحرام في ثوب أبيض (2).

2 النوم على الفراش الأصفر، و على الوسادة الصفراء (3). (1) و يدلّ على ذلك معتبرة الحسين بن المختار قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يحرم الرجل بالثوب الأسود، قال: «لا يحرم في الثوب الأسود، و لا يكفن به الميت» «1» و النهي عن الإحرام فيه يحمل على الكراهة كحمل النهي عن تكفين الميت به، لقوله (عليه السّلام) في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كل ثوب يصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه «2» حيث إنّ هذه الصحيحة

ناظرة إلى الأمور المعتبرة في ثوبي الإحرام. (2) تعرضنا لذلك و لما تقدم في المسألة الرابعة من مسائل فصل في كيفية الإحرام. (3) و يدلّ على ذلك خبر أبي بصير الذي لا يبعد اعتباره عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال:

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 313

3 الإحرام في الثياب الوسخة (1)، و لو وسخت حال الإحرام فالأولى أن لا يغسلها ما دام محرماً، و لا بأس بتبديلها.

4 الإحرام في الثياب المخططة (2).

5 استعمال الحناء قبل الإحرام إذا كان أثره باقياً إلى وقت الإحرام (3).

6 دخول الحمام، و الأولى بل الأحوط أن لا يدلك المحرم جسده (4). «يكره للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر و المرفقة الصفراء» «1»، و الصحيح عن المعلى بن أبي عثمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «كره ان ينام المحرم على فراش اصفر أو على مرفقة صفراء» «2». (1) يدلّ على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال: «لا، و لا أقول أنّه حرام، و لكن تطهيره أحب اليّ و طهوره غسله، و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و إن توسخ إلّا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله» «3» و من الظاهر أنّ التبديل لا يصدق عليه عنوان الغسل. (2) و يدلّ على كراهة إحرام الرجل في الثوب المعلم صحيحة معاوية بن عمار قال قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم و تركه أحب إليّ إذا قدر على غيره «4»، و ذكرنا تمام الكلام في ذلك في المسألة الخامسة، من مسائل ثوبي

الإحرام من مقدمات الإحرام. (3) تعرضنا لذلك في المسألة الثانية من مقدمات الإحرام. و ذكرنا أنّ الرواية واردة في المرأة و التعدي إلى الرجل للوثوق بعدم خصوصية المرأة، و إن ذكرها لكونها الغالب في الابتلاء في استعمال الحناء. (4) و يدلّ على ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 314

7 تلبية من يناديه، بل الأحوط ترك ذلك (1).

[يستحب في دخول الحرم أمور]

يستحب في دخول الحرم أمور:

1 النزول من المركوب عند وصوله الحرم، و الاغتسال لدخوله (2).

2 خلع نعليه عند دخوله الحرم، و أخذهما بيده تواضعاً و خشوعاً للَّه سبحانه. المحرم يغتسل، قال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «1». و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: لا بأس ان يدخل المحرم الحمام، و لكن لا يتدلك «2». (1) و تدلّ على ذلك صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «ليس للمحرم أن يلبي من دعاه حتى يقضي إحرامه، قلت: كيف يقول؟ قال يقول: يا سعد» «3». (2) دخول الحرم و مستحباته يستحب لدخول الحرم أُمور: منها الاغتسال لدخوله، و يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا انتهيت إلى الحرم إنشاء اللَّه تعالى فاغتسل حين تدخله، و إن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك بمكة» «1» و في رواية أبي عبيدة قال زاملت أبا جعفر (عليه السّلام) فيما بين مكة و المدينة، فلما انتهى إلى الحرم اغتسل و أخذ نعليه بيديه، و مشى في الحرم ساعة «2» رواها الكليني بسند آخر

معتبر. و صحيحة ذريح قال: سألته عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله؟ قال: «لا يضرك أي ذلك فعلت، و إن اغتسلت بمكة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس» «3» و ربّما يظهر من هذه الأخيرة استحباب الغسل للدخول بمكة سواء قدمه على دخول الحرم أو مكة أو أخره إلى دخوله أو إلى دخولها، و يمكن الالتزام بأفضلية التقديم على دخوله ما

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 315

3 أن يدعو بهذا الدّعاء عند دخول الحرم (1):

«اللّهمّ إنّكَ قُلتَ في كتابِكَ، و قولُكَ الحقّ وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، اللّهمّ إنّي أرجو أنْ أكون ممّن أجاب دعوتك، قد جئتُ من شُقَّةٍ بعيدةٍ و فجٍّ عميق، سامعاً لندائك و مُستجيباً لك، مُطيعاً لأمرك، و كلّ ذلك بفضلك عليَّ و إحسانِك إليَّ، فَلَكَ الحمْدُ على ما وَفّقْتَني لَهُ أبتغي بذلك الزُّلفةَ عندك، و القربة إليك يظهر من بعض كلمات الأصحاب من استحباب الغسل لدخول كل منهما لا يخلو عن تأمل، إذا كان مرادهم تعدد الغسل حتى فيما إذا لم ينتقض غسله لدخول الحرم بناقض.

نعم لا بأس بالالتزام به في صورة الانتقاض لموثقة محمد الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إنّ اللَّه عزّ و جل يقول في كتابه أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ فينبغي للعبدان لا يدخل مكة إلّا و هو طاهر قد غسل عرقه و الأذى و تطهر «1»، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثمّ ينام فيتوضأ قبل أن

يدخل أ يجزيه ذلك أو يعيد؟ قال: «لا يجزيه لأنّه إنما دخل بوضوء» «2» و كيف ما كان فلو قيل باستحباب الاغتسال لدخول كل منهما أجزأ غسل واحد في دخولهما على ما تقدّم في بحث أجزاء غسل واحد عن الأغسال المتعددة.

و يستحب النزول من المركب و المشي في الحرم مقداراً على ما ورد في رواية أبي عبيدة التي ذكرنا أن للكليني طريقا معتبراً آخر لها، و كذا الحال بالإضافة إلى أخذ نعليه بيديه. و قد ورد مضغ إذخر الحرم في صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه» «3». (1) روى ذلك في الفقيه في التلبية في سياق مناسك الحج.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 316

و المنزلة لديك، و المغْفِرةَ لذُنوبي، و التّوبة عليَّ منها بمنِّك، اللّهمّ صلّ على محمّدٍ و آل محمّد و حرِّم بدَني على النّارِ و آمنّي مِنْ عَذابِك بِرَحْمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحمين».

4 أن يمضغ شيئاً من الإذخر عند دخوله الحرم (1).

يستحب لمن أراد أن يدخل مكة المكرمة أن يغتسل (2) قبل دخولها، و أن يدخلها بسكينة و وقار، و يستحب لمن جاء من طريق المدينة أن يدخل من أعلاها و يخرج من أسفلها. (1) قد ورد ذلك في موثقة أبي عبيدة كخلع نعليه و أخذهما بيده. (2) آداب دخول مكة المكرّمة و المسجد الحرام يستحب لدخول مكة أُمور: منها الاغتسال لدخولها و قد مرّ الكلام فيه، و منها الدخول بسكينة و وقار. و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنه قال: «من دخلها بسكينة غفر له ذنبه» قلت كيف يدخل بسكينة؟ قال: «يدخلها

غير متكبر و لا متجبر» «1» و موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا يدخل مكة رجل بسكينة إلّا غفر له» قلت: و ما السكينة؟ قال: «بتواضع» «2».

و منها: دخولها من أعلاها لمن جاء من طريق المدينة و الخروج من أسفلها، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «في صفة حج رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين، و خرج من أسفل مكة ذي طوى «3».

و في موثقة يونس بن يعقوب قال: قلت: لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) من أين أدخل مكة و قد جئت من المدينة؟ قال: «ادخل من أعلى مكة، و إذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة» «4».

و منها: دخول المسجد حافياً على سكينة و وقار.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 317

و يستحب أن يكون حال دخول المسجد حافياً على سكينة و وقار و خشوع (1)، و إن يكون دخوله من باب بني شيبة، و هذا الباب و إن جهل فعلًا من جهة توسعة المسجد، إلّا أنّه قال بعضهم إنّه كان بإزاء باب السلام، فالأولى الدخول من باب السلام، ثمّ يأتي مستقيماً إلى أن يتجاوز الأسطوانات، و يستحب أن يقف على باب المسجد (2) و يقول:

«السلام عليك أيُّها النّبيُّ و رحمة اللَّه و بركاته، بسم اللَّه و باللَّه، و من اللَّه و ما شاء اللَّه، السلام على أنبياء اللَّه خليل اللَّه، و الحمد للَّه ربّ العالمين».

ثمّ يدخل المسجد متوجّهاً إلى الكعبة رافعاً يديه إلى السماء و يقول:

«اللّهمّ إنّي أسألك في مَقامي هذا، في أوّل مناسِكي أن تَقبَلَ تَوبَتي

و أن تَجاوَزَ عن خَطيئَتي و تَضَعَ عنّي وِزْري، الحمد للَّه الّذي بَلَّغَني بَيتَهُ الحرامَ، اللّهمّ إنّي أشهِدُكَ أنّ هذا بيتُكَ الحرام الّذي جعلته مثابةً للنّاس و أمْناً مُباركاً و هُدًى للعالمين، اللّهمّ إنّي عبدك و البلدُ بلدُك و البيتُ بيتك، و جئتُ أطلبُ رَحْمَتَكَ و أؤُمّ طاعَتَكَ، مُطيعاً لأمرك، راضياً بقَدرك، أسألكَ مسألةَ الفقيرِ إليك، الخائف لعُقُوبتِك، اللّهمّ افْتَحْ لي أبواب رحمتك، و اسْتعمِلني (1) يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافياً على السكينة و الوقار و الخشوع، و قال من دخل بخشوع غفر اللَّه له إنشاء اللَّه» قلت ما الخشوع؟ قال: «السكينة، لا تدخل بتكبر» «1».

و منها: دخول المسجد من باب بني شيبة على ما يقال. و قد ورد ذلك في بعض الروايات و في سندها ضعف و هذا الباب مجهول فعلًا لتوسعة المسجد، إلّا أنّه قيل إنّه كان بإزاء باب السلام فيكون الدخول منه بالإتيان مستقيماً إلى أن يتجاوز الأسطوانات محققاً للدخول من باب بني شيبة. (2) ذكر هذا الدعاء في الفقيه في باب سياق مناسك الحج ثمّ ذكر بعد ذلك.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 318

بطاعتك و مَرْضاتِك».

و في رواية أُخرى يقف على باب المسجد و يقول:

«بسم اللَّه و باللَّه، و مِن اللَّه و إلى اللَّه و ما شاء اللَّه، و على ملّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و خيرُ الأسماء للَّه، و الحمد للَّه، و السّلام على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، السلام على محمّدٍ بن عبد اللَّه، السلام عليك أيّها النّبيّ و رحمة اللَّه و بركاته، السلام على أنبياء اللَّه

و رسله، السلام على إبراهيم خليل الرحمن، السلام على المرسلين، و الحمد للَّه ربّ العالمين، السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، اللّهمّ صلّ على محمّدٍ و آل محمّدٍ، و بارِكْ على محمّدٍ و آل محمّد، و ارْحَمْ محمّداً و آل محمّدٍ، كما صلَّيْتَ و بارَكْتَ و تَرَحَّمْتَ على إبراهيمَ و آل إبراهيمَ إنَّك حَميدٌ مَجيد، اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد عبْدِك و رسولِك، و اللّهمّ صلّ على إبراهيمَ خَليلِكَ، و على أنبيائِكَ و رُسُلِكَ، و سَلّمْ عَلَيْهِم، و سلامٌ على المُرْسَلينَ، و الحَمْدُ للَّه ربّ العالمين. اللّهمّ افْتَحْ لي أبوابَ رَحْمَتِكَ وَ اسْتَعْمِلْني في طاعَتِكَ وَ مَرْضاتِكَ و احْفَظْني بِحِفْظِ الإيمان أبداً ما أبْقَيْتَني جَلَّ ثَناءُ وَجْهِك، الحمدُ للَّه الّذي جَعَلَني مِن وَفْدِه وَ زُوّارِهِ، وَ جَعَلَني مِمّن يَعْمُرُ مَساجِدَهُ وَ جَعَلني مِمّن يُناجيهِ، اللّهمّ إنّي عَبْدُكَ، وَ زائِرُكَ في بَيْتِكَ وَ عَلى كُلِّ مأتيٍّ حقّ لِمَن أتاهُ وَ زارَهُ، و أنتَ خَيْرُ مأتيٍّ و أكرَمُ مَزورٍ، فأسألُكَ يا اللَّه يا رَحْمنُ و بأنّكَ أنتَ اللَّه لا إلهَ إلّا أنتَ، وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، و بأنّكَ واحِدٌ أحَدٌ صَمَدٌ لَمْ تَلِدْ وَ لَمْ تُولَد، وَ لَمْ يكُنْ لك كُفواً أحَدٌ، و أنّ محمّداً عَبدُكَ و رَسُولُكَ صلّى اللَّه عَليهِ و على أهْل بيتِه، يا جوادُ يا كريم يا ماجدُ يا جبّارُ يا كريمُ، أسألُكَ أن تَجْعَلَ تُحْفَتَكَ إيّايَ بزيارتي إيّاكَ أوّل شي ءٍ تُعطيني فَكاكَ رَقَبتي مِنَ النّار».

ثمّ يقول ثلاثاً:

«اللّهمّ فُكَّ رَقَبَتي مِنَ النّار». فإذا دخلت المسجد فانظر إلى الكعبة، و قل الحمد للَّه الذي عظمكِ و شرفكِ

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 319

ثمّ يقول:

«و أوسِعْ عليَّ مِن رِزْقِكَ الحَلالِ

الطيِّبِ، و ادرأ عنّي شرَّ شياطين الإنسِ و الجنّ، و شرّ فَسَقَةِ العربِ و العجَمِ».

و يستحبّ عند ما يحاذي الحجر الأسود أن يقول:

«أشْهَدُ أنْ لا إله إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، و أشهدُ أنّ محمّداً عَبْدُهُ و رسولُه آمنْتُ باللَّه، و كَفَرْتُ بالطاغوتِ و باللّات و العُزّى و بعبادةِ الشيطانِ و بعبادةِ كلِّ نِدٍّ يُدعى من دُونِ اللَّه».

ثمّ يذهب إلى الحجر الأسود و يستلمه و يقول:

«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ، سُبْحانَ اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، اللَّه أكبرُ مِنْ خَلقِه، أكبرُ مِمّن أخشى و أحذَرُ و لا إله إلّا اللَّه وحدهُ لا شريكَ له، له المُلك و لهُ الحَمْد، يحيي و يُميتُ، و يُميتُ و يُحيي، و هُوَ حيٌّ لا يموتُ بيدِهِ الخَيْرُ، و هوَ على كلِّ شي ءٍ قدير».

و يصلّي على محمّد و آل محمّد، و يسلّم على الأنبياء كما كان يصلّي و يسلّم عند دخوله المسجد الحرام، ثمّ يقول:

«إنّي أُؤمِنُ بوعدِكَ و أُوفي بعهدِكَ».

و في رواية صحيحة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «إذا دنوت من الحجر الأسود فارْفع يديك، و احْمد اللَّه و أثن عليه، و صلّ على النّبي، و اسأل اللَّه أن يتقبّل منك، ثمّ اسْتلم الحجر و قبّله، فإن لم تستطع أن تقبله فاسْتلمه بيدك، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه و قل: و جعلكِ مثابة للناس و أمناً و مباركاً و هدًى للعالمين، ثمّ انظر إلى الحجر الأسود و استقبله بوجهك و قل الحمد للَّه الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه. إلخ.

التهذيب في مناسك العمرة و

الحج، ج 3، ص: 320

اللّهمّ أمانتي أدّيتُها، و ميثاقي تعاهَدتُهُ لتشهَدَ لي بالمُوافاة، اللّهمّ تصديقاً بكتابك، و على سُنَّةِ نبيك أشْهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللَّه وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، و أنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُه، آمنتُ باللَّهِ و كَفَرتُ بِالجِبْتِ و الطّاغوتِ و اللّاتِ و العُزّى، و عِبَادَةِ الشّيْطانِ و عبادةِ كلِّ نِدٍّ يُدعى مِن دونِ اللَّهِ تعالى».

فإن لم تستطع أن تقول هذا فبعضه، و قل:

«اللّهمّ إليْكَ بَسَطْتُ يَدي، وَ فيما عِنْدَك عَظُمَتْ رَغْبَتي فَاقْبَلْ سَبْحَتي، وَ اغْفِرْ لي وَ ارْحَمْني، اللّهمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ و الفَقْرِ وَ مَوَاقِفِ الخِزْيِ في الدُّنيا وَ الآخِرة».

[آداب الطواف

آداب الطواف (1) روى معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، قال: تقول في الطواف:

«اللّهمّ إنّي أسألكَ بِاسْمِكَ الّذي يُمْشى بِهِ عَلى طَلل الماء كما يُمشى بهِ عَلى جَدَدِ الأرض، أسألُكَ باسْمِكَ الّذي يَهْتَزُّ لَهُ عَرْشُكَ، و أسألُكَ بِاسْمِكَ الّذي تَهْتَزّ لَهُ أقدامُ مَلائكتِكَ، و أسألُكَ باسْمِكَ الّذي دَعاكَ بِهِ مُوسى مِن جانِب الطّور فَاسْتَجَبْتَ لَهُ و ألْقَيْتَ عليهِ محبَّة مِنْكَ و أسْألُكَ بِاسْمِكَ الّذي غَفَرتَ بِهِ لمُحمّدٍ ما تَقدّمَ مِن ذَنْبِهِ وَ ما تأخّر، و أتمَمْتَ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ أنْ تَفْعَل بي كذا و كذا» ما أحببت من الدعاء.

و كل ما انتهيت إلى باب الكعبة فصلّ على محمّد و آل محمّد، و تقول فيما بين الركن اليماني و الحجر الأسود:

«رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ». (1) يستحب في الطواف أُمور: منها الوقوف عند الحجر و حمد اللَّه و الثناء عليه و الصلاة على النّبي و آله و رفع اليدين بالدعاء و استلام الحجر و تقبيله، و إن لم يقدر على

الاستلام و التقبيل يستلمه بيده فإن لم يقدر على ذلك يشير اليه بيده. و في

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 321

و قل في الطواف: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا دنوت عن الحجر الأسود فارفع يديك و احمد اللَّه و اثني عليه وصل على النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و اسأل اللَّه أن يتقبّل منك ثمّ استلم الحجر و قبله، فإن لم تستطيع أن تقبله فاستلمه بيدك فإن لم تستطيع أن تستلمه بيدك فأشر إليه، و قل اللّهمّ أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللّهم تصديقاً بكتابك و على سنة نبيك أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أن محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عبده و رسوله آمنت باللَّه و كفرت بالجبت و الطاغوت و باللات و العزى و عبادة الشياطين و كلّ ندّ يدعي من دون اللَّه فإن لم تستطع ان يقول هذا فبعضه، و قل اللّهمّ إليك بسطت يدي و فيما عندك عظمت رغبتي فاقبل مسبحتي و اغفر لي و ارحمني، اللّهم أعوذ بك من الكفر و الفقر و مواقف الخزي في الدنيا و الآخرة «1»، و يستفاد من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «كنت أطوف و سفيان الثوري قريب منّي، فقال: يا أبا عبد اللَّه كيف كان رسول اللَّه يصنع بالحجر إذا انتهى اليه، فقلت: كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يستلمه في كل طواف فريضة و نافلة، قال: فتخلف عني قليلًا فلما انتهيت إلى الحجر جزت و مشيت فلم

استلمه فلحقني، فقال: يا أبا عبد اللَّه أ لم تخبرني ان رسول اللَّه يستلم الحجر في كل طواف فريضة و نافلة؟ قلت: بلى، قال: فقد مررت به فلم تستلم؟ فقلت: ان الناس كانوا يرون لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ما لا يرون لي، و كان إذا انتهى إلى الحجر أفرجوا له حتى يستلمه و أني اكره الزحام» «2» و منها: استحباب استلامه في كل طواف، بل من كلّ شوط من طواف الواجب و المندوب. غاية الأمر أولوية عدم المزاحمة حال الزحام و اجزاء الإشارة و الإيماء، و لا يبعد اختصاص استحبابه للرجال، و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «ليس علي النساء جهر

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 322

.......... بالتلبية، و لا استلام الحجر، و لا دخول البيت، و لا سعي بين الصفا و المروة يعني الهرولة-» «1».

و منها أن يلتزم المستجار المسمّى في الروايات بالمتعوذ و الملتزم في الشوط السابع، و يبسط يديه على البيت و يلصق به بدنة و خده، و يقول: بما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل، فابسط يديك على البيت و الصق بدنك و خدك بالبيت، و قل: اللّهمّ البيت بيتك، و العبد عبدك، و هذا مكان العائذ بك من النار، ثمّ أقر لربك بما عملت، فإنه ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلّا غفر اللَّه له إن شاء اللَّه الحديث «2».

و منها: استلام الأركان كلّها و يؤكد الاستحباب في الركن اليماني و الركن

الذي فيه الحجر الأسود، و في صحيحة جميل «أنه رأى أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يستلم الأركان كلها» «3» و في صدر صحيحة جميل بن صالح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول ما بال هذين الركنين يستلمان و لا يستلم هذان، فقلت: إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) استلم هذين و لم يعرض لهذين فلا تعرض لهما إذ لم يعرض لهما رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يستلم الأركان كلّها «4».

و في الصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) انه لما انتهى إلى ظهر الكعبة حتى يجوز الحجر قال يا ذا المن و الطول و الجود و الكرم إن عملي ضعيف فضاعفه لي و تقبّله مني إنك سميع الدعاء «5».

و عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) ان لما صار بحذاء الركن اليماني قام فرفع يديه ثم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 323

.......... قال: يا اللَّه يا ولي العافية، و خالق العافية و رازق العافية و المنعم بالعافية، و المنّان بالعافية، و المتفضّل بالعافية على و على جميع خلقك، يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمها، صلّ على محمد و آل محمد، و ارزقنا العافية، و تمام العافية، و شكر العافية في الدنيا و الآخرة يا ارحم الراحمين.

و عن أبي عبد اللَّه إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخّر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يديك على البيت و الصق بدنك و خدك و قل اللهم البيت بيتك، و العبد عبدك، و هذا مكان العائذ بك من النار،

ثم أقرّ لربك بما عملت فإنه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربه بذنوبه في هذا المكان الّا غفر اللَّه له ان شاء اللَّه، و تقول اللهم من قبلك الروح و الفرج و العافية، اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي و اغفر لي ما اطلعت عليه منّي و خفى على خلقك.

ثم تستجير باللَّه من النّار و تخيّر لنفسك من الدعاء، ثم استلم الركن اليماني.

و في رواية أخرى عنه (عليه السّلام) ثم استقبل الركن اليماني، و الركن الذي فيه الحجر الأسود و اختم به و تقول اللّهم قنّعني بما رزقتني، و بارك لي فيما أتيتني. و يستحب للطائف في كل شوط ان يستلم الأركان كلّها و إن يقول عند استلام الحجر الأسود أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 324

«اللّهمّ إنّي إليكَ فقيرٌ، و إنّي خائِفٌ مُسْتَجيرٌ، فلا تُغَيِّر جِسْمي، وَ لا تُبَدِّل اسْمي» (1).

و عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: كان عليّ بن الحسين (عليه السّلام) إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب يرفع رأسه، ثمّ يقول و هو ينظر إلى الميزاب:

«اللّهمّ أدْخِلْني الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ، و أجِرْني بِرَحْمَتِكَ مِنَ النّار، وَ عافِني مِنَ السُّقْمِ، و أوسِعْ عَليَّ مِنَ الرّزقِ الحلال، و ادْرَأ عَنّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ و الإنس، و شرَّ فَسَقَةِ العَرَبِ و العجَم».

و في الصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه لما انتهى إلى ظهر الكعبة حتّى يجوز الحجر قال:

«يا ذَا المَنِّ و الطَّول و الجُودِ و الكرم، إنّ عمَلي ضَعيف فضاعِفْه لي وَ تَقَبَّلهُ مِنّي، إنّك أنتَ السَّميعُ العَليمُ».

و عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) أنّه لما صار بحذاء الركن اليماني أقام فرفع يديه

ثمّ قال:

«يا اللَّهُ، يا وَليَّ العافية، و خالقَ العافية، و رازقَ العافية، و المُنْعِمُ بالعافية، و المَنّانُ بالعافية و المُتَفَضِّلُ بالعافية عليَّ و على جميع خَلْقِكَ يا رَحْمنَ الدّنيا و الآخرةِ و رحيمَهُما، صلِّ عَلى مُحمّدٍ و آل محمّدٍ و ارْزُقنا العافيةَ، و دَوامَ العافية، و تمامَ العافيةَ، و شُكرَ العافِيَة، في الدنيا و الآخرةِ يا أرحمَ الرّاحمين».

و عن أبي عبد اللَّه (عليهما السّلام) إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يديك على البيت و ألصق بدنك و خدك بالبيت و قل: (1) روى هذه الصحيحة التي ذكرها في المتن بطولها في الوسائل في باب 20 من أبواب الطواف.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 325

«اللّهمّ البَيتُ بيتُك، و العبدُ عبدُك و هذا مكانُ العائذ بك من النّار».

ثمّ أقرَّ لربّك بما عملت، فإنّه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلّا غفر اللَّه له إن شاء اللَّه، و تقول:

«اللّهمّ مِنْ قِبلكَ الرَّوحُ و الفَرَجُ و العافية، اللّهمّ إنّ عملي ضَعيفٌ فضاعِفْه لي، و اغْفِر لي ما اطّلَعْتَ عَلَيْهِ منِّي و خَفِيَ على خَلْقِك».

ثمّ تستجير باللَّه من النّار و تخير لنفسك من الدعاء، ثمّ استلم الركن اليماني.

و في رواية أُخرى عنه (عليه السّلام): «ثمّ استقبل الركن اليماني و الركن الّذي فيه الحجر الأسود و اختم به و تقول:

اللّهمّ قنِّعْني بِما رَزَقْتَني، و بارِكْ فيما آتَيْتَني».

و يستحب للطائف في كلّ شوط أن يستلم الأركان كلّها و أن يقول عند استلام الحجر الأسود:

«أمانتي أدَّيْتُها و ميثاقي تَعاهدتُهُ لتشهَدَ لي بالمُوافاةِ» (1).

[آداب صلاة الطواف

آداب صلاة الطواف يستحب في صلاة الطواف أن يقرأ بعد الفاتحة (2) سورة

التوحيد في الركعة الأُولى، (1) روى هذه الرواية في الوسائل عن الكليني (قدّس سرّه) بسند صحيح عن عمر بن عاصم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام). (2) يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد سورة التوحيد. و في الركعة الثانية سورة الجحد، و قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و اقرأ في الأولى سورة التوحيد قل هو اللَّه أحد، و في الثانية قل يا أيها الكافرون، ثمّ تشهد و احمد اللَّه و اثن عليه و صلى على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و اسأله أن يتقبل منك «1».

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 326

و سورة الجحد في الركعة الثانية، فإذا فرغ من صلاته حمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على محمّد و آل محمّد، و طلب من اللَّه تعالى أن يتقبّل منه.

و عن الصادق (عليه السّلام) أنّه سجد بعد ركعتي الطواف و قال في سجوده:

«سَجَد وَجْهي لكَ تَعبّداً و رِقّاً، لا إله إلّا أنتَ حَقّاً حَقّاً، الأوّلُ قَبلَ كُلِّ شي ء، و الآخِرُ بَعْدَ كلِّ شي ء وَ هَا أنَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ، ناصيَتي بِيَدِكَ، و اغفِر لي إنّه لا يغفِر الذَّنبَ العظيمَ غيرُكَ فاغْفِر لي، فإنِّي مُقرّ بِذُنُوبي عَلى نفسي و لا يَدفَعُ الذَّنْبَ العَظيمَ غيرُكَ».

و يستحب أن يشرب من ماء زمزم قبل أن يخرج إلى الصفا (1) و يقول:

«اللّهمّ اجْعَلهُ عِلماً نافِعاً، و رِزقاً واسعاً شفاءً مِنْ كلِّ داءٍ و سُقم».

و إن أمكنه أتى زمزم بعد صلاة الطواف و أخذ منه ذنوباً أو ذنوبين، فيشرب منه و يصب الماء على رأسه و ظهره و بطنه، و يقول:

«اللّهمّ اجْعَلهُ عِلماً نافِعاً، و

رِزقاً واسعاً و شفاءً مِن كُلِّ داءٍ و سُقم».

ثمّ يأتي الحجر الأسود فيخرج منه إلى الصفا. و روى الحميري في قرب الإسناد عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمد قال: خرجت أطوف و أنا إلى جنب أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حتى فرغ من طوافه، ثمّ قام فصلى ركعتين سمعته يقول ساجداً سجد وجهي لك تعبداً و رقاً، لا إله إلّا أنت حقاً حقا، الأول قبل كل شي ء، و الآخر بعد كل شي ء و ها أنا ذا بين يديك. «1» إلخ. (1) و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبله و استلمه و أشر إليه، فإنه لا بدّ من ذلك. و قال: ان قدرت ان تشرب من ماء زمزم قبل ان تخرج إلى الصفا فافعل، و تقول حين تشرب، اللّهم اجعله علماً نافعاً، و رزقاً واسعاً، و شفاءً من كل داء و سقم. و في صحيحة الحلبي

[آداب السعي

يستحب الخروج إلى الصفا من الباب الذي يقابل الحجر الأسود (1) مع سكينة و وقار، فإذا صعد على الصفا نظر إلى الكعبة، و يتوجّه إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود، و يحمد اللَّه و يثني عليه و يتذكر آلاء اللَّه و نعمه ثمّ يقول: (اللَّه أكبر) سبع مرات، (الحمد للَّه) سبع مرات، (لا إله إلّا اللَّه) سبع مرات، و يقول ثلاث مرات:

«لا إله إلّا اللَّه وحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ و لَهُ الحَمْدُ يُحْيي و يُميتُ وَ هُوَ حيّ لا يَموت، بِيَدِهِ الخَير وَ هُوَ على كلّ شي ء قَدير».

ثمّ يصلّي على محمد و آل محمد، ثمّ يقول ثلاث مرات:

«اللَّه أكبرُ على ما هَدانا،

و الحَمْدُ للَّه على ما أولانا، و الحمدُ للَّه الحيِّ القَيّومِ، و الحَمْدُ للَّه الحَيِّ الدَّائِم». عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا فرغ الرجل من طوافه و صلى ركعتين فليأت زمزم و يستق منه ذنوباً أو ذنوبين فليشرب منه و ليصب على رأسه، و ظهره، و بطنه «1» و في صحيحة صفوان عن الحميد بن سعيد (سعد) قال: سألته أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن باب الصفا، قلت: ان أصحابنا قد اختلفوا فيه بعضهم يقول الذي يلي السقاية و بعضهم يقول الذي يلي الحجر، فقال: هو يلي الحجر و الذي يلي السقاية محدث»

. (1) آداب السعي للسعي مقدمات مستحبة و آداب منها: الطهارة من الحدث على المشهور، خلافاً للعماني حيث أوجبها. و يشهد لما عليه المشهور صحيحة معاوية عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: لا بأس ان تقضي المناسك كلّها على غير وضوء، إلّا الطواف فإن فيه صلاة و الوضوء أفضل «3» و في صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض، قال: لا ان اللَّه يقول ان الصفا و المروة

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 328

ثمّ يقول ثلاث مرّات:

«أشهدُ أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهدُ أنّ محمّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، لا نعْبُدُ إلّا إيّاه، مُخْلِصينَ لهُ الدّين، وَ لو كَرِهَ المُشْرِكونَ».

ثمّ يقول ثلاث مرّات:

«اللّهمّ إنّي أسْألُكَ العَفْوَ و العافِيَةَ و اليَقين في الدُّنيا و الآخِرة».

ثمّ يقول: «اللَّه أكبر» مائة مرّة، «لا إله إلّا اللَّه» مائة مرّة، «الحمد للَّه» مائة مرّة، «سبحان اللَّه» مائة مرّة، ثمّ يقول: من شعائر اللَّه» «1»، و لكنها محمولة على استحباب التأخير إلى

طهرها جمعاً بينها و بين مثل صحيحة معاوية بن عمار الأخرى، قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن امرأة طافت بالبيت ثمّ حاضت قبل أن تسعى، قال: و سألته عن امرأة سعت بين الصفا و المروة فحاضت بينهما، قال: تتم سعيها» «2».

و منها: الخروج إلى الصفا من الباب المحاذي للحجر الأسود، و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال: «ابدء بما بدأ اللَّه عزّ و جل من إتيان الصفا، ان اللَّه عزّ و جل يقول إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ثمّ اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللَّه، و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي. و عليك السكينة و الوقار» الحديث «3».

و منها: الصعود إلى الصفا حتى تستقبل البيت اي الركن الذي فيه الحجر الأسود، و تنظر إليها، و في ذيل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت و تستقبل الركن الذي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 329

«لا إله إلّا اللَّه وَحْدَهُ وَحْدَهُ، أنجزَ وعْدَهُ، وَ نَصَرَ عَبْدَهُ، و غَلَبَ الأحزابَ وحْدَهُ، فَلَهُ المُلْكُ و لَهُ الحَمْدُ، وحْدَه وحْدَهُ، اللّهمّ بارِكْ في الموتِ و فيما بَعدَ الموت، اللّهمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ ظُلْمَةِ القَبْرِ و وحْشَتِه، اللّهمّ أظِلَّني في ظِلِّ عَرْشِكَ يوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظِلُّكَ».

و يستودع اللَّه دينه و نفسه و أهله كثيراً، فيقول: «أستَودِعُ اللَّه الرّحمنَ الرّحيمَ الّذي لا تَضيعُ ودائعهُ ديني

و نفْسي و أهلي، اللّهمّ اسْتَعْمِلْني على كِتابِكَ و سُنَّةِ نبيِّك، و توفَّني على مِلَّتِهِ، و أعِذْني من الفِتنَة».

ثمّ يقول: «اللَّه أكبر» ثلاث مرّات، ثمّ يعيدها مرّتين، ثمّ يكبّر واحدة ثمّ يعيدها، فإن لم يستطع هذا فبعضه. فيه الحجر الأسود، فاحمد اللَّه عزّ و جلّ و اثن عليه، ثمّ اذكر من آلائه و بلائه و حسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثمّ كبر اللَّه سبعاً، و احمد سبعا، و هلّله سبعاً، و قل: إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، و له الحمد يحيي و يميت و هو حيّ لا يموت، و هو على كل شي ء قدير. ثلاث مرات، ثمّ صل على النّبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و قل: اللَّه أكبر، الحمد للَّه على ما هدانا، و الحمد للَّه على ما أولانا، و الحمد للَّه الحي القيوم و الحمد للَّه الحي الدائم، ثلاث مرات. و قل أشهد أن لا إله إلّا اللَّه و أشهد أنّ محمداً عبده و رسوله، لا نعبد إلّا إيّاه مخلصين له الدين و لو كره المشركون، ثلاث مرات. و قل: اللّهمّ إنّي أسألك العفو و العافية و اليقين في الدنيا و الآخرة، ثلاث مرات. و قل: اللّهمّ آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ثلاث مرات. ثمّ كبر مأة مرة، و هلل مأة مرة، و احمد اللَّه مأة مرة، و سبح مأة مرة. و تقول: لا إله إلّا اللَّه وحده وحده، و أنجز وعده، و نصر عبده، و غلب الأحزاب وحده، فله الملك، و له الحمد، وحده وحده، اللّهمّ بارك لي في الموت، و بعد الموت، اللّهمّ إنّي أعوذ

بك من ظلمة القبر، و وحشته، اللّهمّ أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلّا ظلك، و يستودع اللَّه دينه

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 330

و عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) (1) أنّه إذا صعد الصفا استقبل الكعبة، ثمّ يرفع يديه ثمّ يقول:

«اللّهمّ اغْفِرْ لي كُلّ ذَنْبٍ أذْنَبْتُهُ قَطّ، فإنْ عُدْتُ فَعُدْ عليَّ بالمَغْفِرَةِ، فإنَّك أنتَ الغَفُورُ الرّحيم، اللّهمّ افْعَلْ بي ما أنت أهْلهُ، فإنَّكَ إنْ تَفْعَلْ بي ما أنتَ أهلُه تَرحمْني، و إن تعذِّبْني فأنْت غنيٌّ عَنْ عذابي، و أنا محتاجٌ إلى رَحْمَتِكَ، فيا مَن أنا محتاجٌ إلى رَحْمَتِه ارْحَمْني، اللّهمّ لا تفْعلْ بي ما أنا أهْلُهُ فإنّك إن تفعل بي ما أنا أهلُهُ تعذِّبْني و لمْ تظلِمني، أصْبَحتُ أتَّقي عدْلَك و لا أخافُ جَوْرَكَ، فيا مَن هُوَ عَدْلٌ لا يجورُ ارْحمني».

و عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إن أردت أن يكثر مالك فأكثر (2) من الوقوف على الصفا، و يستحب أن يسعى ماشياً و أن يمشي مع سكينة و وقار حتّى يأتي محل المنارة الأُولى (3) فيهرول إلى محل المنارة الأُخرى، ثمّ يمشي مع سكينة و وقار حتّى يصعد على المروة فيصنع عليها كما صنع على الصفا، و يرجع من المروة إلى الصفا على هذا النهج أيضاً، و إذا كان راكباً أسرع فيما بين المنارتين فينبغي أن يجدّ في البكاء و يدعو اللَّه كثيراً، و لا هرولة على النساء. و نفسه و أهله كثيراً فيقول استودع اللَّه الرحمن الرحيم الذي لا تضيع ودائعه ديني و نفسي و أهلي، اللّهم استعملني على كتابك، و سنة نبيك، و توفني على ملته، و أعذني من الفتنة. ثمّ تكبر ثلاثاً ثمّ تعيدها مرتين ثمّ

تكبر واحدة ثمّ تعيدها، فإن لم تستطع هذا فبعضه. و قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يقف على الصفا بقدر ما يقرء سورة البقرة مترتلًا (مترسلًا) «1». (1) و في مرفوعة علي بن النعمان قال كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثمّ يرفع يديه ثمّ يقول اللّهمّ اغفر لي كل ذنب. إلخ «2». (2) رواها في الوسائل عن حماد المنقري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «3». (3) ورد ذلك في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الكليني، و كذا فيما رواه

[آداب الإحرام للحج إلى الوقوف بعرفات

آداب الإحرام للحج إلى الوقوف بعرفات ما تقدم من الآداب في إحرام العمرة يجري في إحرام الحج أيضاً، فإذا أحرم للحج و خرج من مكّة يلبّي في طريقه غير رافع صوته، حتّى إذا أشرف على الأبطح (1) رفع صوته، فإذا توجّه إلى منى قال:

«اللّهمّ إيّاكَ أرجُو، و إيّاكَ أدعو، فَبَلِّغْني أملي، و أصْلِحْ لي عَملي».

ثمّ يذهب إلى منى بسكينة و وقار مشتغلًا بذكر اللَّه سبحانه، فإذا وصل إليها قال:

«الحَمْدُ للَّهِ الّذي أقْدَمَنيها صالِحاً في عافية، و بلَّغَني هذا المكان». الشيخ بسنده عن موسى بن القاسم عن إبراهيم بن أبي سماك عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «1». (1) آداب الإحرام للحج إلى الوقوف بعرفات و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا انتهيت إلى الردم و اشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى» «2» و في صحيحته الأُخرى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «إذا توجهت إلى منى فقل اللّهم إياك أرجو و إياك أدعو

فبلغني أملي و أصلح لي عملي» «3»، و في صحيحته الثالثة قال: قال: «أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا انتهيت إلى منى، فقل: اللّهم هذه منى و هذه مما مننت به على أنبيائك فإنما أنا عبدك و في قبضتك، إلى ان قال: و حدّ منى من العقبة إلى وادي محسر» «4».

و قد تقدم الإحرام للحج من مكة عقيب صلاة الظهر، و لكن لا يبعد كون الأفضل للإمام أي أمير الحاج الإحرام له قبل الزوال، بحيث يصلي الظهر بمنى و يبيت بها إلى طلوع الشمس. و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) «لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلّا بمنى، و يبيت بها إلى طلوع الشمس» «5»، بل يظهر من بعض الروايات استحباب ذلك لغير الإمام أيضاً،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 332

ثمّ يقول:

«اللّهمّ هذه مِنى، و هذه مما مَنَنْتَ به علَينا مِن المَناسِكِ، فأسألكَ أنْ تَمُنَّ عليّ بما مَنَنْتَ به على أنْبيائِكَ، فإنَّما أنا عَبدُك و في قَبضَتِك».

و يستحب له المبيت في منى ليلة عرفة، يقضيها في طاعة اللَّه تبارك و تعالى، و الأفضل أن تكون عباداته و لا سيّما صلواته في مسجد الخَيف، فإذا صلّى الفجر عقّب إلى طلوع الشمس، ثمّ يذهب إلى عرفات، و لا بأس بخروجه من منى بعد طلوع الفجر، و الأولى بل الأحوط أن لا يتجاوز وادي محسّر قبل طلوع الشمس (1) و يكره خروجه منها قبل الفجر، و ذهب بعضهم إلى عدم جوازه إلّا لضرورة، كمرض أو خوف من الزحام، فإذا توجّه إلى عرفات قال:

«اللّهمّ إلَيْكَ صَمَدتُ، و إيّاكَ اعْتَمَدتُ وَ وَجْهَكَ أرَدْتُ، فأسألكَ أنْ تُباركَ لي في رحلَتي كصحيحة معاوية بن

عمار المتقدمة حيث ورد فيها «إذا انتهيت إلى منى فقل و ذكر دعاءً و قال: ثمّ تصلي بها الظهر، و العصر، و المغرب، و العشاء الآخرة، و الفجر. و الإمام يصلي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك، و موسع لك ان تصلي بغيرها ان لم تقدر ثمّ تدركهم بعرفات، و تعليق الظهر أي الإتيان بها في غير منى على عدم القدرة يعطي الاستحباب، و إن كان ذلك مؤكداً في حق أمير الحاج. (1) و في صحيحة هشام بن سالم و غيره، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) انّه قال: «في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به» «1»، و في صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا يجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس» و مقتضى الجمع بينهما أنّه عند الخروج بعد طلوع الفجر أو قبله أيضاً، لا يجوز وادي محسّر.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 333

و أن تَقْضيَ لي حاجتي، و أن تجْعلَني ممَّنْ تُباهي به اليومَ مَنْ هو أفْضَل منّي». ثمّ يلبّي إلى أن يصل إلى عرفات (1).

[آداب الوقوف بعرفات

يستحب في الوقوف بعرفات أُمور، و هي كثيرة نذكر بعضها، منها:

1 الطهارة حال الوقوف (2).

2 الغسل عند الزوال.

3 تفريغ النفس للدعاء و التوجّه إلى اللَّه.

4 الوقوف بسفح الجبل في ميسرته.

5 الجمع بين صلاتي الظهرين بأذان و إقامتين.

6 الدعاء بما تيسّر من المأثور و غيره، و الأفضل المأثور، فمن ذلك دعاء الحسين (عليه السّلام)، و دعاء ولده الإمام زين العابدين (عليه السّلام). (1) قد ورد ذلك في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في باب 8 من إحرام الحج. (2) آداب الوقوف

بعرفات يستحب في الوقوف بعرفة أُمور: منها الطهارة حال الوقوف، و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال سألته عن رجل هل يصلح ان يقف بعرفات على غير وضوء، قال: «لا يصلح إلّا و هو على وضوء» رواها في الوسائل في باب 20 من أبواب إحرام الحج، و ظاهرها و إن كان اشتراط الوقوف بالطهارة إلّا أنه لا بدّ من رفع اليد عن ظهورها بحملها على الاستحباب، بقرينة مثل صحيحة معاوية بن عمار المروية في باب 38 من أبواب الطهارة قال: قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا بأس بأن يقضي المناسك كلّها

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 334

و منه ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إنّما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثمّ تأتي الموقف و عليك السكينة و الوقار، فاحمد اللَّه و هلّله و مجّده و اثن عليه، و كبّره مائة مرّة، و احمده مائة مرّة، و سبّحه مائة مرّة، و اقرأ قل هو اللَّه أحد مائة مرّة، و تخير لنفسك ما أحببت، و اجتهد فإنّه يوم دعاء و مسألة و تعوّذ باللَّه من الشيطان فإن الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ أحبّ إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، و إيّاك أن تشتغل بالنظر إلى النّاس، و أقبل قبل نفسك، و ليكن فيما تقول: اللّهمّ إنّي عبدُك فلا تجعلْني مِن أخيبِ وَفدِك، و ارْحم مَسيري إليك مِنَ الفَج العميق، و ليكن فيما تقول:

«اللّهمّ ربَّ المشاعِر كلِّها فُكَّ رَقَبتي مِنَ النّار، وَ أوسِعْ عَليَّ مِنْ رِزْقِكَ الحَلال، و ادْرَأ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنّ و

الإنس»، و تقول: «اللّهمّ لا تمكُرْ بي و لا تخْدَعْني و لا تَسْتَدْرِجْني» و تقول: «اللّهمّ إنّي أسألُكَ بِحَوْلِكَ وَ جُودِكَ وَ كَرَمِكَ و مَنِّكَ و فَضْلِكَ يا أسْمَعَ السامعين و يا أبْصَرَ الناظرينَ و يا أسْرَعَ الحاسِبينَ و يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ أنْ تُصلِّيَ على محمّدٍ و آلِ محمّدٍ، و أن تفعَلَ بي كذا و كذا»، و تذكر حوائجك، و ليكن فيما تقول و أنت رافع رأسك إلى السماء: «اللّهمّ حاجتي إلَيْكَ الّتي إنْ أعطَيتَنيها لمْ يَضُرَّني ما مَنَعْتَني، و الّتي إن مَنَعتَنيها لَمْ يَنْفَعْني ما أعْطَيْتَني، أسألُكَ خلاصَ رقَبَتي مِنَ النّار»، و ليكن فيما تقول: «اللّهمّ إنّي عَبْدُكَ و مِلْكُ يدِكَ، ناصِيَتي بيَدِكَ و أجَلي بِعلمِك، أسألك أن توفّقني لِما يُرضيكَ عنّي و أن تَسلَّم منِّي مَناسكي الّتي أريْتَها خليلَك إبراهيم صلواتك عليه و دلَلتَ عَلَيْها نبيَّك محمّداً صلّى اللَّه عليه و آله». و ليكن فيما تقول: «اللّهمّ اجْعَلني ممّنْ رَضيتَ عَمَلَهُ و أطَلْت عُمْرَهُ و أحييْتَهُ بَعْدَ المَوْتِ حَياةً طيِّبة». على غير وضوء، إلّا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل.

و منها: الاغتسال عند الزوال، ففي صحيحة معاوية بن عمار المروية في باب 9

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 335

و من الأدعية المأثورة ما علّمه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عليّاً (عليه السّلام) على ما رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: فتقول:

«لا إله إلّا اللَّه وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ و لَهُ الحَمْدُ، يُحيي و يُميتُ و يُميتُ و يُحيي، وَ هُوَ حيٌّ لا يَموتُ، بيدهِ الخَيْرُ وَ هُو على كلّ شي ءٍ قَديرٍ، اللّهمّ لَكَ الحَمْدُ أنت كما تَقُول، و خير ما يَقُولُ

القائِلون، اللّهمّ لَكَ صلاتي و ديني و مَحيايَ و مَماتي، و لَكَ تُراثي و بِكَ حَوْلي و مِنْكَ قوَّتي، اللّهمّ إنّي أعوذُ بكَ من الفَقْر و مِنْ وسواسِ الصَّدر و مِنْ شَتاتِ الأمرِ وَ مِنْ عَذابِ النّار و مِنْ عَذابِ القبر، اللّهمّ إنّي أسألُكَ مِنْ خَيْر ما تأتي به الرّياحُ، و أعوذُ بِكَ مِنْ شرِّ ما تأتي بِهِ الرِّياحُ، و أسألُكَ خَيْرَ اللَّيل و خَيْرَ النّهار».

و من تلك الأدعية ما رواه عبد اللَّه بن ميمون، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول: إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقف بعرفات، فلما همت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع، قال:

«اللّهمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ، وِ منْ تَشتُّتِ الأمر، و مِنْ شَرِّ ما يحدثُ باللّيل و النّهار، أمْسى ظُلمي مُستَجيراً بعفوِك، و أمْسى خَوْفي باللّيل و النّهار، أمْسى ظُلمي مُسْتَجيراً بعفوِك، و أمْسى خَوْفي مُسْتَجيراً بأمانِك، و أمْسى ذلِّي مُسْتَجيراً بِعزكَ، و أمْسى وجهي الفاني مُسْتَجيراً بِوَجْهِكَ الباقي، يا خَيْرَ مَنْ سُئل، و يا أجْوَدَ مَنْ أعْطى جَلِّلْني بِوَجْهِكَ الباقي، يا خَيْر مَنْ سُئِل، و يا أجْودَ مَنْ أعطى جَلِّلني بِرَحْمَتِك، و ألْبِسْنِي عافِيَتِك، و اصْرِفْ عنّي شرَّ جميع خلقك». من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة، و نمرة بطن عرفة دون الموقف و دون عرفة فإذا زالت الشمس فاغتسل وصل الظهر و العصر بأذان و إقامتين فإنما تعجل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة»، و مثلها صحيحته الّتي رواها الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن إبراهيم بن أبي سماك عن

معاوية بن عمار

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 336

و روى أبو بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا غربت الشمس يوم عرفة فقل:

«اللّهمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ هذا المَوْقِف، و ارْزُقنيه مِنْ قابل أبداً ما أبقَيْتَني، و اقْلِبْني اليَوْمَ مُفْلِحاً مُسْتَجاباً لي مرحوماً مَغْفُوراً لي، بأفْضَل ما يَنْقَلِبُ بِهِ اليَوْمَ أحَداً مِنْ وَفْدِك و حُجّاج بَيْتِكَ الحَرام، و اجْعَلْني اليَوْمَ مِنْ أكْرَمِ وَفْدِك عَليْك، و اعْطِني أفضَلَ ما أعْطَيْتَ أحَداً مِنْهُم مِنَ الخَيْرِ و البَركةِ و الرَّحْمَةِ و الرّضْوانِ و المَغْفِرَة، و بَارِكْ لي فيما أرْجعُ إلَيْهِ مِنْ أهْلٍ أو مالٍ أو قَليلٍ أو كَثيرٍ، و بارِكْ لَهُمْ فيّ». و الكليني بسنده الصحيح عنه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و أضاف فيها، ثمّ تأتي الموقف و عليك السكينة و الوقار فاحمد اللَّه و هلّله و مجّده و اثن عليه و كبّره مأة مرة، و احمدهُ مائة مرة، و سبّحه مأة مرة، و اقرأ قل هو اللَّه أحد مأة مرة، و تخير لنفسك من الدعاء ما أحببت إلى آخر ما ذكر في المتن من الأدعية التي وردت في الصحيحة المروية في الوسائل في باب 14 من أبواب الإحرام.

و منها الوقوف بسفح الجبل في ميسرته في صحيحة معاوية بن عمار المروية في باب 11 من أبواب إحرام الحج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «قف في ميسرة الجبل فإن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقف بعرفات في ميسرة الجبل، فلما وقف جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته و يقفون إلى جانبه» الحديث.

1 الوسائل، الباب 14 من أبواب إحرام الحج، و قد رواها الصدوق (قدّس سرّه) بإسناده عن

معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام).

2 الوسائل، الباب 24، رواها الكليني بسند صحيح عند عبد اللَّه بن ميمون و رواها أيضاً الحميري في قرب الاسناد عن محمّد بن عيسى عنه.

3 الوسائل، الباب 24، رواها الصدوق بسنده إلى زرعة و كذا الشيخ (قدّس سرّهما).

[آداب الوقوف بالمزدلفة]

آداب الوقوف بالمزدلفة و هي أيضاً كثيرة نذكر بعضها:

1 الإفاضة من عرفات على سكينة و وقار مستغفراً، فإذا انتهى إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق بقول:

«اللّهمّ ارْحَمْ مَوْقِفِي وَ زِدْ فِي عَمَلِي وَ سَلِّمْ لِي دِينِي وَ تَقَبَّلْ مَنَاسِكِي» (1).

2 الاقتصاد في السير.

3 تأخير العشائين إلى المزدلفة، و الجمع بينهما بأذان و إقامتين و إن ذهب ثلث اللّيل.

4 نزول بطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر، و يستحب للصرورة وطء المشعر برجله.

5 إحياء تلك الليلة بالعبادة و الدعاء بالمأثور و غيره، و من المأثور أن يقول:

«اللّهمّ هذه جُمَع، اللّهمّ إنّي أسألُكَ أنْ تَجْمَعَ لي فيها جوامعَ الخَيْرِ، اللّهُمَّ لا تؤْيسني مِنَ الخَيْر الّذي سألْتُكَ أن تجْمَعَهُ لي في قَلْبِي، و أطْلبُ إلَيْكَ أنْ تُعرِّفَنِي ما عَرَّفْتَ أوْلياءَك، في مَنْزلي هذا، و أنْ تَقِيَني جوامِعَ الشَّر.

6 أن يصبح على طهر، فيصلي الغداة و يحمد اللَّه عزّ و جلّ و يثني عليه، و يذكر من آلائه و بلائه ما قدر عليه، و يصلي على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، ثمّ يقول: (1) أما آداب الوقوف بالمشعر فمنها الإفاضة من عرفات على سكينة و وقار، و أن يقتصد في السير و أن يدعو عند وصوله إلى الكئيب الأحمر، بقوله اللّهمّ ارحم موقفي و زد في عملي و سلم لي ديني و تقبل مني مناسكي، و قد ورد في

صحيحة معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا غربت الشمس فامض مع الناس و عليك السكينة و الوقار و أفض من حيث أفاض الناس فاستغفر اللَّه ان اللَّه غفور رحيم، فإذا

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 338

«اللّهمّ ربَّ المشْعر الحرامِ فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّار، و أوسِعْ عَلَىَّ مِنْ رِزْقِكَ الحلال، و ادْرأ عَنّي شرَّ فَسَقَة الجنِّ و الإنس، اللّهمّ أنْتَ خَيْرُ مَطْلُوب إلَيْه و خَيْرُ مَدْعُوٍّ و خَيْرُ مسئول و لِكُلِّ وافِدٍ جائزةٌ، فاجْعَلْ جَائِزَتِي فِي مَوْطِنِي هَذا أنْ تُقيلَني عَثْرَتِي، و تَقبل مَعْذِرَتي، و أنْ تَجاوزَ عَنْ خَطِيئَتِي، ثُمّ اجْعَل التَّقْوى مِنَ الدُّنيا زادي».

7 التقاط حصى الجمار من المزدلفة، و عددها سبعون.

8 السعي (السير السريع) إذا مرّ بوادي محسّر و قدر للسعي مائة خطوة، و يقول: «اللّهمّ سَلِّمْ لِي عَهْدِي، واقْبَلْ تَوْبَتِي، و أجِبْ دَعْوَتِي، و اخْلُفْنِي بِخَيْرٍ فيمن تَرَكْتُ بَعْدِي. انتهيت إلى الكئيب الأحمر عن يمين الطريق فقل اللّهمّ ارحم موقفي و زد في عملي و سلم لي ديني و تقبل مناسكي، و أوردها في الوسائل في باب 1 من أبواب الوقوف بالمشعر.

و منها تأخير العشائين إلى المزدلفة و الجمع بينهما بأذان و إقامتين، كما يدلّ على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السّلام) قال: «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً، و إن ذهب ثلث الليل». و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً فصل بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين» الحديث و نحوهما غيرهما رواها في الوسائل في بابى 5 و 6 منها.

و منها: النزول ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر و

إن يطأ الصرورة المشعر برجله، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: و أنزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر يستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام و يطأ برجله» «1»، و منها الدعاء بالمأثور و غيره. و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، و تقول: اللّهمّ هذه جمع اللّهمّ إنّي أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير إلى آخر ما في المتن.

[آداب رمي الجمرات

يستحب في رمي الجمرات أُمور، منها:

1 أن يكون على طهارة حال الرمي (1).

2 أن يقول عند أخذ الحصيات بيده:

«اللّهمّ هؤلاء حَصياتي فأحصِهِنَّ لِي و ارْفَعْهُنَّ فِي عَمَلِي». و منها أن يصبح على طهر بعد صلاة الفجر و يحمد اللَّه عزّ و جل و يثني عليه و يذكر من آلائه و بلائه ما قدر عليه ثمّ يصلي على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، ثمّ يقول اللّهم رب المشعر الحرام إلى آخر ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار المروية في الوسائل في باب 11 من الوقوف بالمشعر.

و منها: استحباب السعي في وادي محسّر، و هو الوادي بين جمع و منى، و في بعض الروايات قدر السعي بمأة خطوة كما في صحيحة محمّد بن إسماعيل عن أبي الحسن (عليه السّلام) المروية في باب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر و منها استحباب التقاط حصى الجمار من المشعر كما في صحيحة معاوية بن عمار المروية في باب 18 و نحوها غيرها. (1) آداب رمي الجمرات يستحب كون الرامي على طهارة و كون رميه خذفاً، بان يضع الحصاة على إبهامه و يدفعها بظفر السبابة و أن يستقبل الجمرة

أي جمرة العقبة و يستدبر القبلة عند رميها، و أن يكون مستقبلًا للقبلة عند رمي الجمرة الأولى و الوسطى، و يقال باستحباب كون الرامي رجلًا و كونه عند رميه بعيداً عن الجمرة بعشرة أذرع. و يستظهر ما ذكر من الروايات و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عن آبائه قال: كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يرمي الجمار ماشياً «1» و تصدي الإمام (عليه السّلام) لنقل ذلك عن آبائه عن

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 340

3 أن يقول عند كل رمية:

«اللَّه أكبر، اللّهمّ ادْحَرْ عَنِّي الشَّيْطان، اللّهمّ تَصديقاً بِكِتَابِكَ، و على سُنَّةِ نَبِيِّك، اللّهمّ اجْعَلْهُ حَجّا مَبْروراً و عملًا مَقْبولًا و سَعْياً مَشْكُوراً و ذَنْباً مَغْفُوراً».

4 أن يقف الرامي على بعد من جمرة العقبة بعشر خطوات أو خمس عشرة خطوة.

5 أن يرمي جمرة العقبة متوجّهاً إليها مستدبر القبلة، و يرمي الجمرتين الأُولى و الوسطى مستقبل القبلة. رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ظاهره بيان الأفضلية، و في صحيحة علي بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر (عليه السّلام) يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمار ثمّ ينصرف راكباً، و كنت أراه ماشياً عند ما يحاذي المسجد بمنى «1» و في رواية عنبسة بن مصعب قال: «رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) بمنى يمشي و يركب فحدثت نفسي ان أسأله حين ادخل عليه فابتدأني هو بالحديث فقال: «ان علي بن الحسين (عليه السّلام) كان يخرج من منزله ماشياً إذا رمى الجمار، و منزلي اليوم أنفس (أبعد) من منزله فاركب حتى آتي إلى منزله فإذا أتيت إلى منزله مشيت حتى أرمي الجمار (الجمرة)» «2» و عن المبسوط

و السرائر ان الركوب في رمي جمرة العقبة أفضل، و لعله لصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران أنّه رأى أبا الحسن الثاني رمى الجمار و هو راكب حتى رماها كلّها «3» و صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل رمى الجمار و هو راكب قال: «لا بأس» «4» و لكن نفي البأس لا ينافي أفضلية المشي و كون الرامي راجلًا، و وقوع الرمي راكباً عن الإمام (عليه السّلام) لا ينافي أفضلية المشي و كونه راجلًا، فإن الذي لا يناسب الإمام (عليه السّلام) تركه المستحب دوماً بلا عذر كما تقدم في تركه (عليه السّلام) استلام الحجر الأسود.

و أمّا استحباب الطهارة حال الرمي فيدلّ عليه مضافاً إلى الإطلاق الآتي مثل صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رمي الجمار، فقال: لا ترم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 341

6 أن يضع الحصاة على إبهامه، و يدفعها بظفر السبابة.

7 أن يقول إذا رجع إلى منى:

«اللّهمّ بِكَ وَثِقْتُ، وَ عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، فَنِعْمَ الربُّ وَ نِعْمَ المَوْلى وَ نِعْمَ النَّصير». الجمار إلّا و أنت على طهر» «1» و صحيحة معاوية بن عمار فإن فيما قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «و يستحب أن ترمي الجمار على طهر» «2» و في رواية أبي غسان حميد بن مسعود قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رمي الجمار و على غير طهور، قال: «الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان ان طفت بينهما على غير طهور لم يضرك، و الطهر أحب إليّ فلا تدعه و أنت قادر عليه» «3» و ما في صحيحة محمّد بن مسلم يحمل على اللابدية في

كونه أفضل بقرينة غيرها. و من جملة القرينة صحيحة معاوية بن عمار و في صحيحته الأُخرى قال: أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) «لا بأس أن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّا الطواف بالبيت فإنّ فيه صلاة و الوضوء أفضل» «4» فإن مقتضى التعليل الوارد في هذه الصحيحة هو عدم اعتبار الطهارة في شي ء من المناسك غير الطواف و صلاته، و إن الوضوء في غيرهما و منه رمي جمرة العقبة بل رمي الجمار أفضل.

و يدلّ على استحباب الرمي خذفاً صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال حصي الجمار يكون مثل الأنملة إلى ان قال: تخذفهن خذفاً و تضعفها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة و ارمها من بطن الوادي، و اجعلهن على يمينك كلهن «5».

و قوله (عليه السّلام) و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة بيان للخذف المحكوم باستحبابه، و ما عن السرائر و الانتصار من لزوم الكيفية ضعيف جدّاً، فإن خلو الأخبار الواردة في الرمي عن التعرض لاعتبار الكيفية مع عدم رعايتها من جل الناس، بل

[آداب الهدى

يستحب في الهدى أُمور منها:

1 أن يكون بدنة (1)، و مع العجز فبقرة، و مع العجز عنها أيضاً فكبشاً.

2 أن يكون سميناً (2).

3 أن يقول عند الذبح أو النحر:

«وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذي فَطَرَ السَّمواتِ و الأرض حَنِيفاً مُسْلِماً و ما أنا مِنَ المُشْرِكينَ، إنّ كلّهم إلّا عدد قليل، دليل على عدم لزومها في الرمي.

و كذا الحال في استقبال الجمرة و استدبار القبلة متباعداً عنها بخمسة عشر ذراعاً، فإنه و إن ورد ما ذكر من البعد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «خذ حصى الجمار ثمّ ائت الجمرة القصوى التي عند

العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها» إلى ان قال: «و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر» «1».

و لكن قد ورد في غير واحد من الروايات اعتبار رمي الجمرات مطلقاً، و لو كان ما ذكر أمراً معتبراً فيه لزوماً، لكان التعرض لذلك في غير واحد من الروايات. و لكان الاعتبار من المسلمات مع غفلة غالب الناس عن اعتباره رعاية قرينة على عدم لزومه، و ما ذكر من الدعاء في المتن وارد في صحيحة معاوية بن المروية في باب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة. (1) آداب الهدى و يدلّ على ذلك من الروايات في باب 8 و 9 من أبواب الذبح و كذا في باب 12 منها. (2) و يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار المروية في باب 37 من أبواب

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 343

صلاتي و نُسُكِي و مَحْيايَ و مَمَاتي للَّهِ ربِّ العالمين، لا شَريكَ لَهُ و بِذلك أُمِرْتُ و أنا مِنَ المُسْلِمِين، اللّهمّ مِنْكَ و لَكَ، بسم اللَّهِ و اللَّهُ أكبرُ، اللّهمّ تَقَبَّل مِنّي».

4 أن يباشر الذبح بنفسه، فإن لم يتمكّن فليضع السكين بيده (1)، و يقبض الذابح على يده، و لا بأس بأن يضع يده على يد الذابح.

[آداب الحلق

يستحب في الحلق أن يبتدئ فيه من الطرف الأيمن، و أن يقول (2) حين الحلق: «اللّهمّ أعطني بكلّ شَعرة نوراً يوم القيامة».

2 أن يدفن شعره في خيمته في منى.

3 أنْ يأخذ من لحيته و شاربه و يقلِّم أظافره بعد الحلق. الذبح و غيرها. (1) و يدلّ على ذلك بعض المرويات في باب 36 من أبواب الذبح. (2) آداب الحلق

يستحب أن يسمي عند الحلق و يضع الحلاق الموسى على قرنه الأيمن بان يشرع في الحلق من ذلك الجانب، و يقول: الحاج بعد التسمية، اللّهمّ أعطني بكل شعره نوراً يوم القيامة. و في صحيحة معاوية بن عمار عن ابي جعفر (عليه السّلام) قال: أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن، ثمّ أمره أن يحلق و سمى هو، و قال: اللّهم أعطني بكل شعر نوراً يوم القيمة، و يستحب أيضاً بعد الحلق تقليم أظفاره، و الأخذ من شواربه و لحيته. و يدلّ على ذلك مثل موثقة عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يوم النحر يحلق رأسه، و يقلم أظفاره، و يأخذ من شاربه و من أطراف لحيته»، رواها في الوسائل في باب 2 من أبواب الحلق و التقصير كما روى صحيحة معاوية بن عمار في باب 10 منها.

[آداب طواف الحج و السعي

ما ذكرناه من الآداب في طواف العمرة و صلاته و السعي فيها يجري هنا أيضاً، و يستحب الإتيان بالطواف يوم العيد (1)، فإذا قام على باب المسجد يقول:

«اللّهمّ أعِنِّي على نُسُكِكَ و سَلِّمْنِي لَهُ و سَلِّمْهُ لي، أسألُكَ مَسْألَةَ العَلِيل الذّليل المُعْتَرِفْ بِذَنبه أن تغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، و أن ترجِعَني بحاجتي، اللّهمّ إنّي عَبْدُك و البَلَدُ بَلَدُك و البَيْتُ بَيْتُك، جِئْتُ أطْلبُ رَحْمَتك و أؤُمُّ طاعتَك، مُتبعاً لأمْرك راضياً بِقَدَرِكَ أسألك مسألة المُضْطَرِّ إلَيْك، المُطيعِ لأمرِك، المُشْفِقِ مِنْ عَذابِك، الخائِف لعُقُوبَتِكَ أنْ تُبَلِّغني عفوَك و تُجيرَني مِنَ النّار برحمتك».

ثم يأتي الحجر الأسود فيستلمه و يقبّله، فإن لم يستطع استلم بيده و قبَّلها، و إن لم يستطع من ذلك أيضاً استقبل الحجر

و كبّر، و قال: كما قال: حين طاف بالبيت يوم قدم مكة، و قد مرّ ذلك في آداب دخول المسجد الحرام. (1) آداب طواف الحج و السعي يستحب الاغتسال لدخول المسجد للرجل و المرأة، و تقليم الأظفار، و الأخذ من الشارب. كما ورد ذلك في بعض الروايات المروية في بابي 2 و 3، من أبواب زيارة البيت، كما يستحب الإتيان لزيارة البيت بعد اعمال منى يوم النحر. و في صحيحة منصور بن حازم المروية في باب 1، من أبواب زيارة البيت يقول: لا يبيت المتمتع بمنى يوم النحر حتى يزور البيت، كما يستحب الدعاء في باب المسجد بما ذكر في المتن حيث ورد ذلك في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في باب 4، من أبواب زيارة البيت، و في ذيلها بعد ذكر الطواف و صلاته ثمّ ارجع إلى الحجر الأسود فقبله ان استطعت، و استقبله و كبر ثمّ اخرج إلى الصفا الحديث.

[آداب منى

يستحب المقام بمنى أيام التشريق و عدم الخروج منها، و لو كان الخروج للطواف المندوب، و يستحب التكبير فيها بعد خمس عشرة صلاة أولها ظهر يوم النحر، و بعد عشر صلوات في سائر الأمصار، و الأولى في كيفية التكبير أن يقول:

«اللَّه أكبرُ اللَّه أكبرُ، لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبرُ، اللَّه أكبرُ و للَّه الحَمْدُ، اللَّه أكبرُ على ما هدانا، اللَّه أكبرُ على ما رَزقَنا مِنْ بَهيمة الأنعامِ، و الحمْدُ للَّه على ما أبلانا».

و يستحب أن يصلي فرائضه و نوافله في مسجد الخَيف (1)، روى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: «من صلّى في مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما، و

من سبّح اللَّه فيه مائة تسبيحة كتب له كأجر عتق رقبة، و من هلّل اللَّه فيه مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، و من حمد اللَّه فيه مائة تحميدة عدلت أجر خراج العراقين يتصدق به في سبيل اللَّه عزّ و جلّ». (1) آداب منى يستحب أن يصلي الحاج صلاته في مسجد الخيف بمنى، و أفضله ما كان مسجداً للنبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في زمانه عند المنارة التي يكون في وسط المسجد، و في صحيحة معاوية بن عمار المروية في باب 50، من أبواب أحكام المساجد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلى في مسجد الخيف و هو مسجد منى، و كان مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد و فوقها إلى القبلة نحو ثلثين ذراعاً، و عن يمينها و عن يسارها و خلفها نحو من ذلك، قال: فتحر ذلك فإن استطعت ان يكون مصلاك فيه فافعل فإنه قد صلى فيه ألف نبي، و إنما سمي الخيف لأنه مرتفع من الوادي، و ما ارتفع من الوادي سمي خيفاً.

و يستحب أيضاً الصلاة فيه بست ركعات في مسجده (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). و في رواية

[آداب مكة المعظمة]

آداب مكة المعظمة يستحب فيها أُمور، منها:

1 الإكثار من ذكر اللَّه سبحانه و قراءة القرآن.

2 ختم القرآن فيها (1). أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: صلّ ستّ ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة، كما يستحب ان يخرج من منى و قد صلى فيه مأة ركعة. كما ورد ذلك في صحيحة أبي حمرة الثمالي المروية في باب 50، من أبواب

أحكام المساجد عن أبي جعفر (عليه السّلام) كما ورد في المتن. و يستحب التكبيرات في أيام التشريق بمنى عقيب الصلوات التي أولها صلاة الظهر من يوم العيد، و صورتها ما ذكر في المتن. و يستمر على هذه التكبيرات عقيب كلّ صلاة إلى صلاة العصر من يوم النفر الثاني، أو عند خروجه من منى إذا خرج من منى في النفر الأول، حيث يقطعها عند خروجه، و قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار المروية في باب 11، من أبواب صلاة العيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: «التكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق ان أقمت بمنى و إن أنت خرجت فليس عليك التكبير» و في صحيحة محمد بن مسلم التحديد إلى صلاة الصبح من اليوم الثالث، و هي موافقة لصحيحة زرارة في التحديد بخمسة عشر صلاة، حيث قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن قول اللَّه عزّ و جلّ وَ اذْكُرُوا اللَّهَ قال: «التكبير في أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من يوم الثالث، و في الأمصار عشر صلوات، فإذا نفر بعد الأولى أمسك أهل الأمصار و من اقام بمنى فصلى بها الظهر و العصر فليكبّر رواها في الوسائل في باب 21، من صلاة العيد. (1) آداب مكة المعظمة ورد الترغيب في الذكر و قراءة القرآن و ختم القرآن في بعض الروايات التي

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 347

3 الشرب من ماء زمزم ثم يقول (1):

«اللّهمّ اجْعَلْهُ عِلْماً نافِعاً و رِزْقاً واسِعَاً و شِفَاءً من كلّ داءٍ و سُقم»، ثمّ يقول: «بسمِ اللَّه، الحَمْدُ للَّه، الشُّكْرُ للَّه».

4 و الإكثار

من النظر إلى الكعبة (2).

5 الطواف (3) حول الكعبة عشر مرات: ثلاثة في أوّل اللّيل، و ثلاثة في آخره، و طوافان بعد الفجر، و طوافان بعد الظهر.

6 أن يطوف أيام إقامته في مكة ثلاثة و ستّين طوافاً (4)، فإن لم يتمكّن فاثنين و خمسين طوافاً، فإن لم يتمكّن أتى بما قدر عليه. رواها في الوسائل في باب 45 من مقدمات الطواف. (1) ورد استحباب الشرب من ماء زمزم بعد الطواف على ما تقدم، و ظاهر بعض الروايات استحباب شربه مطلقا كما يظهر من الروايات في باب 20 من أبواب مقدمات الطواف و ما ذكر من الدعاء في باب 29، منها. (2) ورد ذلك في بعض الروايات و في صحيحة حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال النظر إلى الكعبة عبادة، و النظر إلى الوالدين عبادة، و النظر إلى الإمام عبادة رواها في باب 29، من مقدمات الطواف. (3) قد ورد ذلك في بعض الروايات و يستظهر من صحيحة معاوية بن عمار المروية في باب 6، من أبواب الطواف. (4) كما يدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يستحب أن يطوف ثلاثمأة و ستّين أسبوعاً على عدد الأيام السنة فإن لم تستطع فما قدرت عليه رواها في باب 7 من أبواب الطواف.

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 348

7 دخول الكعبة للصرورة (1)، و يستحبّ له أن يغتسل قبل دخوله و أن يقول عند دخوله:

«اللّهمّ إنّكَ قلت وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، فآمِنّي مِنْ عَذاب النّار».

ثمّ يصلّي ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء، يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأُولى سورة حم السجدة، و في الثانية بعد الفاتحة خمساً

و خمسين آية.

8 أن يصلّي في كلّ زاوية من زوايا البيت، و بعد الصلاة يقول:

«اللّهمّ مَنْ تَهَيَّأ أوْ تَعَبَّأ أوْ أعَدَّ أو اسْتَعَدَّ لِوفادةٍ إلى مَخْلُوقٍ رَجَاءَ رِفْدِه و جائزَتِهِ و نَوافِلِهِ و فَواضِلِهِ، فإليكَ يا سيّدي تهْيئتي و تَعْبِئَتِي و إعدادي و اسْتِعدادي رَجاءَ رِفْدِكَ و نوافِلِك و جائِزَتِك، فلا تُخَيِّب اليومَ رَجائي، يا مَنْ لا يَخيبُ عَلَيه سائِلٌ، و لا يَنْقُصُهُ نائلٌ فإنّي لمْ آتِكَ اليومَ بِعَمَلٍ صالحٍ قَدَّمْتُهُ، و لا شَفاعَةِ مَخْلُوقٍ رَجَوْتُهُ، و لكنّي أتَيْتُكَ مُقِرّاً بالظُّلمِ و الإساءَةِ على نَفْسي، فإنَّه لا حُجّةَ لي و لا عُذر، فأسألُكَ يا مَنْ هُوَ كذلك أنْ تصلّيَ على محمّد و آله، و تُعطيَني مَسألتي و تُقيلَني عَثْرَتي و تَقْلِبَني بِرَغْبَتي، و لا ترُدَّني مجبوهاً ممنُوعاً و لا خائباً، يا عَظيمُ يا عَظيمُ يا عَظيمُ أرْجُوكَ للعَظيم، أسألُكَ يا عَظيمُ أنْ تَغْفِرَ لي الذَّنْبَ العَظيمَ لا إله إلّا أنت».

و يستحب التكبير ثلاثاً عند خروجه من الكعبة و أن يقول:

«اللّهمّ لا تجْهدْ بَلاءنا، ربّنا و لا تُشمِت بِنا أعداءنا، فإنّكَ أنْتَ الضّارُّ النّافع».

ثمّ ينزل و يستقبل الكعبة، و يجعل الدرجات على جانبه الأيسر، و يصلّي عند الدرجات. (1) كما يدلّ عليه صحيحة حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن دخول البيت فقال: «أمّا الصرورة فيدخله و أما من قد حجّ فلا» «1»، و في صحيحة

[طواف الوداع

يستحب لمن أراد الخروج من مكة أن يطوف طواف الوداع (1)، و أن يستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كل شوط، و أن يأتي بما تقدم في (ص 234) من المستحبات عند الوصول إلى المستجار، و أن يدعو اللَّه بما شاء، ثمّ يستلم الحجر الأسود،

و يلصق بطنه بالبيت، و يضع إحدى يديه على الحجر، الأُخرى نحو الباب، ثمّ يحمد اللَّه و يثني عليه، و يصلّي على النّبي و آله، ثمّ يقول:

«اللّهمّ صلِّ على محمّد عَبْدكَ و رسولكَ و نبيِّكَ و أمينِكَ و حبيبكَ و نجيبكَ و خيرَتِكَ مِنْ خلقِكَ، اللّهمّ كما بلَّغَ رِسالاتِكَ، و جاهدَ في سبيلِكَ، و صَدَعَ بأمْركَ، و أوذي فيك و في جَنْبِكَ، وعَبَدَكَ حتّى أتاهُ اليقينُ، اللّهمّ اقْلِبْني مُفلِحاً مُنْجِحاً مُسْتجاباً لي بأفْضلِ ما يرجِع له أحدٌ مِنْ وَفْدِكَ مِنَ المَغْفِرَة و البركةِ و الرِّضوانِ و العافية».

و يستحب له الخروج من باب الحنّاطين، و يقع قبال الركن الشامي، و يطلب من اللَّه التوفيق لرجوعه مرة أُخرى، و يستحب أن يشتري عند الخروج مقدار درهم من التمر و يتصدّق به على الفقراء. سعيد الأعرج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) «لا بدّ للصرورة من أن يدخل البيت قبل أن يرجع» «1». (1) طواف الوداع لا يجب على الحاج بعد تمام الحج و المبيت بمنى و رمي الجمار العود إلى مكة، بل يجوز له الخروج من منى إلى بلاده. نعم يستحب له الرجوع إلى مكة لطواف الوداع الذي يفترق عن سائر الطواف في القصد، و إذا أمكن له استلام الحجر الأسود و الركن اليماني في كل شوط، أو أوّل هذا الطواف و آخره فعل و يأتي بعد الفراغ من صلاة الطواف المستجار، و هو الحائط من الكعبة قبل الركن اليماني بقليل فيلتزم

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 350

.......... البيت و يكشف عن بطنه عند الحجر الأسود، و يقول بما ورد في صحيحة معاوية بن عمار المروية في باب 18، من أبواب العود إلى منى

عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا أردت ان تخرج من مكة فتأتي أهلك فودع البيت و طف أسبوعاً و إن استطعت ان تستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كل شوط فافعل، و إلّا فافتح به و اختم، و إن لم تستطع ذلك فموسع عليك. ثمّ تأتي المستجار فتصنع عنده مثل ما صنعت يوم قدمت مكة، ثمّ تخير لنفسك من الدعاء، ثمّ استلم الحجر الأسود ثمّ ألصق بطنك بالبيت و احمد اللَّه و اثن عليه و صلّ على محمد و آل محمد، ثمّ قال: اللّهمّ صلّ على محمد عبدك و رسولك و نبيك و أمينك و حبيبك و نجيبك و خيرتك من خلقك، اللّهم كما بلغ رسالتك و جاهد في سبيلك و صدع بأمرك و أوذي فيك و في جنبك (و عندك) حتى أتاه اليقين، اللّهمّ اقلبني مفلحاً منجحاً مستجاباً لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة و البركة و الرضوان و العافية، مما يسعني أن أطلب أن تعطيني مثل الذي أعطيته أفضل من عبدك و تزيدني عليه، اللّهمّ إن أمتّني فاغفر لي، و إن أحييتني فارزقنيه من قابل، اللّهمّ لا تجعله آخر العهد من بيتك، اللّهمّ إنّي عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك حملتني على (دوابك) دابتك و سيّرتني من بلادك إلى أن قال ثمّ ائت زمزم فاشرب منها، ثمّ اخرج فقل آئبون تائبون لربنا حامدون، إلى ربنا راغبون إلى ربنا راجعون. و في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) ودع البيت فلما أراد أن يخرج خرّ ساجداً ثمّ، قال: و استقبل الكعبة فقال اللّهمّ إنّي انقلب على لا إله إلّا اللَّه «1».

و

الأفضل أن يأتي بجميع صلواته بمكة في المسجد الحرام و أفضله بين الحجر المسمى بالحطيم، ثمّ عند مقام إبراهيم ثمّ سائر المواضع الأدنى إلى البيت فالأدنى،

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 351

.......... و في صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السّلام) من صلى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل اللَّه منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة، و كل صلاة يصليها إلى أن يموت. و في رواية السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن آبائه قال: الصلاة في المسجد الحرام تعدل مأة ألف صلاة رواها في الوسائل كما قبلها في باب 52، من أحكام المساجد.

قد حصل الفراغ في الخميس الآخر من شهر رمضان المبارك من سنة أربعمائة و عشرين بعد الألف من السنة الهجرية القمرية على هاجرها آلاف التحية و الصلاة و السلام.

الدعاء في الوقوف بعرفة و تقول اللّهم لا تمكر بي و لا تخدعني و لا تستدرجني، و تقول: «اللّهم إني أسألك بحولك وجودكَ و كرمكَ و فضلكَ يا أسمع السامعين، و يا أبصر الناضرين، و يا أسرع الحاسبين، و يا ارحم الراحمين، ان تصلي على محمد و آله محمد، و إن تفعل بي كذا و كذا» و تذكر حوائجك و ليكن فيما تقول و أنت رافع رأسك إلى السماء «اللّهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، و التي ان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص رقبتي من النار» و ليكن فيما تقول «اللّهم أني عبدك و ملك يدك، ناصيتي بيدك، و أجلي بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني، و أن تسلم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم صلواتك عليه، و دَلَلت

عليها نبيك محمد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)» و ليكن فيما تقول «اللّهم اجعلني ممن رضيت عمله، و أطلت عمره، و أحييته بعد الموت حياة طيبة» و من الأدعية المأثورة ما علمه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)

التهذيب في مناسك العمرة و الحج، ج 3، ص: 352

.......... علياً (عليه السّلام) على ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: فتقول لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و يميت و يحيي و هو حيّ لا يموت بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، اللّهمّ لك الحمد أنت كما تقول، و خير ما يقول القائلون، اللّهمّ لك صلاتي و ديني و محياي و مماتي، و لك تراثي، و بك حولي و منك قوتي، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الفقر، و من وسواس الصدر، و من شتات الأمر، و من عذاب النار، و من عذاب القبر، اللّهمّ إنّي أسألك من خير ما تأتي به الرياح، و أعوذ بك من شر ما تأتي به الرياح، و أسألك خير الليل و النهار» «1».

و من تلك الأدعية ما رواه عبد اللَّه بن ميمون قال سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول ان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) وقف بعرفات فلما همت الشمس ان تغيب قبل ان يندفع قال «اللّهمّ إني أعوذ بك من الفقر، و من تشتت الأمر، و من شر ما يحدث بالليل و النهار، أمسى ظلمي مستجيراً بعفوك، و أمسي خوفي مستجيراً بأمانك، و أمسي ذلي مستجيراً بعزك، و أمسي وجهي الفاني مستجيراً بوجهك الباقي، يا

خير من سُئل، و يا أجود من اعطى، جللني برحمتك، و ألبسني عافيتك، و اصرف عني شر جميع خلقك» «2».

و روى أبو بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غربت الشمس يوم عرفه فقل: «اللّهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، و ارزقنيه من قابل أبداً ما أبقيتني، و اقلبني اليوم مفلحاً منجحاً مستجاباً لي مرحوماً مغفوراً لي، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحداً من وفدك عليك، و أعطني أفضل ما أعطيت أحداً منهم من الخير و البركة و الرحمة و الرضوان و المغفرة، و بارك لي فيما ارجع إليه من أهل و مال أو قليل أو كثير و بارك لهم فيّ.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.