تعاليق مبسوطة على مناسك الحج

اشارة

سرشناسه : فياض محمداسحاق - 1934

عنوان و نام پديدآور : تعاليق مبسوطه علي مناسك الحج لسيدنا و استاذنا ... ابوالقاسم الخوئي تاليف محمداسحاق الفياض مشخصات نشر : قم محلاتي 14ق = - 13.

شابك : 10000ريال ج 1)

يادداشت : فهرستنويسي براساس جلد دهم 1418ق = 1376

عنوان ديگر : مناسك الحج شرح موضوع : خويي ابوالقاسم 1371 - 1278. مناسك الحج -- نقد و تفسير

موضوع : حج -- رساله عمليه شناسه افزوده : خويي ابوالقاسم 1371 - 1278. مناسك الحج شرح رده بندي كنگره : BP188/8 /خ 9م 80217 1300ي

رده بندي ديويي : 297/357

شماره كتابشناسي ملي : م 77-14680

[كتاب الحج

اشارة

.......... بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين محمد و آله الطيبين الطاهرين، و اللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

و بعد: إن هذه رسالة في مناسك الحج، وافية بأغلب ما يبتلى به عادة من المسائل. و هى رسالة منظمة مرتبة يسهل فهمها و مراجعتها. و قد أفردت فيها المستحبات عن الواجبات، لئلا يلتبس الأمر على المؤمنين. و أرجو من اللّه تعالى أن يجعلها ذخرا لي يوم لا ينفع مال و لا بنون.

[وجوب الحج

وجوب الحج يجب الحج على كل مكلف جامع للشرائط الآتية و وجوبه ثابت بالكتاب، و السنة القطعية.

و الحج ركن من أركان الدين، و وجوبه من الضروريات و تركه- مع الاعتراف بثبوته- معصية كبيرة، كما أن انكار أصل الفريضة- اذا لم يكن مستندا الى شبهة- كفر.

قال اللّه تعالى في كتابه المجيد: «و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا، و من كفر فان اللّه غني عن العالمين».

و روى الشيخ الكليني- بطريق معتبر- عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من مات و لم يحج حجة الإسلام، و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق معه الحج، أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 6

و هناك روايات كثيرة تدل على وجوب الحج و الاهتمام به لم نتعرض لها طلبا للاختصار. و في ما ذكرناه من الآية الكريمة و الرواية كفاية للمراد.

و اعلم ان الحج الواجب على المكلف- في أصل الشرع- انما هو لمرة واحدة، و يسمى ذلك ب (حجة الإسلام).

(مسألة 1): وجوب الحج بعد تحقق شرائطه فوري (1) فتجب المبادرة اليه في سنة

الاستطاعة و ان تركه فيها عصيانا، أو لعذر وجب في السنة الثانية و هكذا. و لا يبعد أن يكون التأخير من دون عذر من الكبائر.

(مسألة 2): اذا حصلت الاستطاعة و توقف الاتيان بالحج على مقدمات و تهيئة الوسائل، وجبت المبادرة الى تحصيلها، و لو تعددت الرفقة، فان وثق بالادراك مع التأخير جاز له ذلك، و الا وجب الخروج من دون تأخير (2).

(مسألة 3): اذا امكنه الخروج مع الرفقة الأولى و لم يخرج معهم لوثوقه بالادراك مع التأخير و لكن اتفق انه لم يتمكن من المسير، أو أنه لم يدرك الحج بسبب التأخير استقر عليه الحج (3)، و ان كان معذورا في تأخيره.

(1) هذا شريطة أن لا يكون المستطيع واثقا و مطمئنا من نفسه صحيا و ماليا، بالتمكن من الاتيان به في السنة القادمة، و الّا فهو مبني على الاحتياط، على تفصيل ذكرناه في المسألة (1) من (فصل في وجوب الحج) الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) فراجع.

(2) على الأحوط وجوبا، اذا كان مطمئنا و متأكدا من نفسه بالتمكن منه في العام القادم اذا أخر، و الّا وجب عليه الخروج فورا.

(3) في الاستقرار اشكال بل منع، لأن المعيار في استقرار الحج على ذمة

[شرائط وجوب حجة الإسلام

اشارة

شرائط وجوب حجة الإسلام

[الشرط الأول: البلوغ

اشارة

الشرط الأول: البلوغ.

فلا يجب على غير البالغ، و ان كان مراهقا، و لو حج الصبي لم يجزئه عن حجة الإسلام، و ان كان حجه صحيحا على الأظهر.

[مسألة 4: اذا خرج الصبي الى الحج فبلغ قبل ان يحرم من الميقات، و كان مستطيعا]

(مسألة 4): اذا خرج الصبي الى الحج فبلغ قبل ان يحرم من الميقات، و كان مستطيعا، فلا اشكال في ان حجه حجة الإسلام، و اذا احرم فبلغ بعد احرامه لم يجز له إتمام حجه ندبا، و لا عدوله إلى حجة الإسلام، بل يجب عليه الرجوع الى احد المواقيت، و الاحرام منه لحجة الإسلام، فان لم يتمكن من الرجوع اليه ففي محل احرامه تفصيل (1) يأتي إن شاء اللّه تعالى في حكم من تجاوز الميقات جهلا أو نسيانا و لم يتمكن من الرجوع اليه في المسألة 169.

المكلف في سنة الاستطاعة انما هو بتفويته لها عن تقصير و اهمال، و أما إذا كان عن عذر فلا موجب للاستقرار أصلا، على ما بيناه في المسألة (1) من (فصل في وجوب الحج) الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(1) الظاهر ان التفصيل الذي سوف نتكلم فيه ينطبق على الصبي أيضا، لأن مورد ذلك التفصيل و إن كان الانسان البالغ المكلف بالاحرام من الميقات، فانه اذا ترك الاحرام منه ناسيا أو جاهلا الى أن دخل الحرم ثم انتبه بالحال، فحينئذ ان تمكن من الرجوع الى الميقات و الاحرام منه وجب عليه ذلك، و إن لم يرجع عامدا و ملتفتا بطل عمله و إن لم يتمكن من الرجوع اليه، فوقتئذ ان تمكن من الخروج عن الحرم وجب عليه الخروج و الابتعاد منه الى المقدار الذي يمكنه و الاحرام من هناك، و الّا فأحرم من مكانه، الّا أن الروايات التي تنص على

[مسألة 5: اذا حج ندبا معتقدا بانه غير بالغ فبان بعد اداء الحج انه كان بالغا]

(مسألة 5): اذا حج ندبا معتقدا بانه غير بالغ فبان بعد اداء الحج انه كان بالغا اجزأه عن حجة الإسلام (1).

[مسألة 6: يستحب للصبي المميز ان يحج، و لا يشترط في صحته اذن الولي

(مسألة 6): يستحب للصبي المميز ان يحج، و لا يشترط في صحته اذن الولي (2).

[مسألة 7: يستحب للولي ان يحرم بالصبي غير المميز]

(مسألة 7): يستحب للولي ان يحرم بالصبي غير المميز، ذكرا كان أم انثى. و ذلك بان يلبسه ثوبي الاحرام و يأمره بالتلبية و يلقنه اياها، ان كان قابلا للتلقين، و الا لبّي عنه، و يجنّبه عما يجب على المحرم الاجتناب عنه (3)، و يجوز أن يؤخر تجريده عن الثياب إلى فخ، إذا كان سائرا من ذلك الطريق، و يأمره بالاتيان بكل ما يتمكن منه من افعال الحج، و ينوب عنه فيما لا يتمكن، و يطوف به و يسعى به بين الصفا و المروة، و يقف به في عرفات و المشعر، و يأمره بالرمي ان قدر عليه، و الا رمى عنه، و كذلك صلاة الطواف و يحلق رأسه، و كذلك بقية الأعمال.

ذلك تشمل الصبي أيضا، لأن موضوع هذه الروايات العاجز عن الرجوع الى الميقات مع ثبوت المقتضى للرجوع فيه.

(1) في الاجزاء اشكال، بل منع، و الأقوى عدم الاجزاء، و قد ذكرنا وجهه في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) في المسألة (9) من (فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام).

(2) اذ لا دليل على أن صحته مشروطة باذن الولي بعد ما كانت الروايات الدالة على مشروعية الحج من الصبي و استحبابه مطلقة، و مقتضى اطلاقها أن حجه صحيح و إن لم يكن مأذونا من قبل الولي.

(3) في وجوب ذلك اشكال، بل منع، لما سيأتي في باب محرمات الاحرام، من أن ما يكون حرمته تكليفية محضة لا يكون محرما على الصبي

[مسألة 8: نفقة حج الصبي في ما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي

(مسألة 8): نفقة حج الصبي في ما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي (1). نعم إذا كان حفظ الصبي متوقفا على السفر به، أو كان السفر مصلحة له، جاز الانفاق عليه من ماله.

[مسألة 9: ثمن هدي الصبي على الولي

(مسألة 9): ثمن هدي الصبي على الولي (2)، و كذلك كفارة صيده، و أما الكفارات التي تجب عند الاتيان بموجبها عمدا فالظاهر انها لا تجب بفعل الصبي لا على الولي و لا في مال الصبي.

[الشرط الثاني: العقل

الشرط الثاني: العقل.

فلا يجب الحج على المجنون (3) و ان كان ادواريا. نعم، إذا أفاق المجنون في اشهر الحج و كان مستطيعا و متمكنا من الاتيان بأعمال الحج وجب عليه، و إن كان مجنونا في بقية الأوقات.

[الشرط الثالث: الحرية]

اشارة

الشرط الثالث: الحرية.

المحرم بسبب احرامه، لأن البلوغ شرط للتكليف. نعم، ان ما تكون حرمته وضعية لا تكليفية فلا مانع من ثبوتها على الصبي المحرم، كحرمة العقد على المحرم في حال الاحرام، فان البلوغ لا يكون شرطا في حرمته، و ستعرف تفصيل ذلك في ضمن البحوث الآتية.

(1) في اطلاقه اشكال بل منع، فان السفر اذا كان مصلحة للصبي جاز للولي أن ينفق تمام نفقات حجه من ماله و إن كان زائدا على نفقة الحضر، و إن لم يكن مصلحة له لم يجز.

(2) في اطلاقه اشكال، لأنه ان كانت في السفر مصلحة للصبي، فللولي حسب ولايته أن يأخذ ثمن هديه من ماله، بل و إن لم تكن فيه مصلحة له شريطة ان لا تكون فيه مفسدة، اذ يكفى في ولايته عليه عدم وجود مفسدة فيه.

(3) هذا لا لحديث رفع القلم، فانه ضعيف سندا، و لا للإجماع المدعى على اعتبار العقل، لما ذكرناه غير مرة من أنه لا طريق لنا الى احراز الاجماع في

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 10

فلا يجب الحج على المملوك و ان كان مستطيعا و مأذونا من قبل المولى، و لو حج باذن مولاه صح و لكن لا يجزيه عن حجة الإسلام، فتجب عليه الاعادة (1) اذا كان واجدا للشرائط بعد العتق.

[مسألة 10: اذا أتى المملوك المأذون من قبل مولاه في الحج بما يوجب الكفارة]

(مسألة 10): اذا أتى المملوك المأذون من قبل مولاه في الحج بما يوجب الكفارة فكفارته على مولاه في غير الصيد، و على نفسه فيه.

[مسألة 11: اذا حج المملوك باذن مولاه و انعتق قبل ادراك المشعر اجزأه عن حجة الإسلام

(مسألة 11): اذا حج المملوك باذن مولاه و انعتق قبل ادراك المشعر اجزأه عن حجة الإسلام، بل الظاهر كفاية اداركه الوقوف بعرفات (2) معتقا، و ان لم يدرك المشعر، و يعتبر في الاجزاء الاستطاعة حين الانعتاق، فان لم يكن مستطيعا لم يجزئ حجه عن حجة الإسلام. و لا فرق في الحكم بالاجزاء بين اقسام الحج من الافراد و القران و التمتع اذا كان المأتي به مطابقا لوظيفته الواجبة.

[مسألة 12: اذا انعتق العبد قبل المشعر في حج التمتع فهديه عليه

(مسألة 12): اذا انعتق العبد قبل المشعر في حج التمتع فهديه عليه، و ان لم يتمكن فعليه ان يصوم بدل الهدي على ما يأتي، و ان لم ينعتق فمولاه بالخيار، فان شاء ذبح عنه، و ان شاء امره بالصوم.

المسألة، بل من جهة أن المجنون في نفسه غير قابل لتوجيه الخطاب التكليفي اليه.

(1) للروايات التي تنص على ذلك، و قد تكلمنا حول هذه الروايات مفصلا في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) في (فصل شرائط وجوب حجة الإسلام).

(2) الأمر كما افاده قدّس سرّه و ينص عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار:

«اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» «1». و تمام الكلام في المسألة (9)

[الشرط الرابع: الاستطاعة]

اشارة

الشرط الرابع: الاستطاعة.

[و يعتبر فيها امور]
اشارة

و يعتبر فيها امور:

[الأول: السعة في الوقت

الاول: السعة في الوقت، و معنى ذلك وجود القدر الكافي من الوقت للذهاب الى مكة و القيام بالأعمال الواجبة هناك، و عليه فلا يجب الحج إذا كان حصول المال في وقت لا يسع للذهاب و القيام بالأعمال الواجبة فيها، أو أنه يسع ذلك و لكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة، و في مثل ذلك يجب عليه التحفظ على المال إلى السنة القادمة، فان بقيت الاستطاعة اليها وجب الحج فيها، و إلا لم يجب.

[الثاني: الأمن و السلامة]
اشارة

الثاني: الأمن و السلامة (1)، و ذلك بان لا يكون خطرا على النفس أو المال أو العرض ذهابا و ايابا و عند القيام بالأعمال، كما ان الحج لا يجب مباشرة على مستطيع لا يتمكن من قطع المسافة لهرم أو مرض أو لعذر اخر و لكن تجب عليه الاستنابة على ما سيجي ء تفصيله.

[مسألة 13: اذا كان للحج طريقان احدهما مأمون و الآخر غير مأمون لم يسقط وجوب الحج

(مسألة 13): اذا كان للحج طريقان احدهما مأمون و الآخر غير مأمون لم يسقط وجوب الحج، بل وجب الذهاب من الطريق المأمون، و ان كان أبعد.

من (فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) فراجع.

(1) المستفاد من الآية الشريفة و الروايات الواردة في تفسيرها أن الاستطاعة تتكون من العناصر التالية:

الأول: الامكانية المالية.

الثاني: الأمن و السلامة في الطريق على نفسه و عرضه و ماله ذهابا و ايابا، و عند ممارسة اعمال الحج.

[مسألة 14: اذا كان له في بلده مال معتد به و كان ذهابه إلى الحج مستلزما لتلفه لم يجب عليه الحج

(مسألة 14): اذا كان له في بلده مال معتد به و كان ذهابه إلى الحج مستلزما لتلفه لم يجب عليه الحج (1)، و كذلك إذا كان هناك ما يمنعه عن الذهاب شرعا (2)، كما إذا استلزم حجه ترك واجب اهم من الحج، كانقاذ غريق أو حريق، أو توقف حجه على ارتكاب محرم كان الاجتناب عنه اهم من الحج.

الثالث: وجود ما به الكفاية، أي التمكن بعد انفاق ما لديه على سفر الحج و الرجوع الى بلده، من استيناف وضعه المعاشي الطبيعي و بدون الوقوع في حرج، فاذا توفرت هذه العناصر الثلاثة في وقت متسع عند شخص، فقد وجبت عليه حجة الإسلام، سواء أ كان هناك واجب آخر مضاد له أم لا، غاية الأمر اذا كان هناك واجب آخر يقع التزاحم بينهما، فيرجع حينئذ الى مرجحاته، و قد يكون وجوب الحج أهم منه فيقدم عليه، و قد يكون الأمر بالعكس. و تمام الكلام في ذلك في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى) في الأمر الثالث من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام).

(1) لما عرفت من أن من عناصر الاستطاعة الأمن و السلامة على ماله اذا سافر الى الحج،

و أما إذا اختل من سفره الى الحج الأمن على ماله، فلا يكون مستطيعا، هذا.

اضافة الى أنه لا مانع من تطبيق قاعدة لا ضرر في المقام، لأن طبيعة عملية الحج و إن كانت ضررية، و لا يمكن تطبيق هذه القاعدة عليها إذا كانت تستلزم في وقت أو آخر انفاق المال في طريق انجاز هذه العملية اكثر من الأجرة الاعتيادية، الا أنها اذا كانت تستلزم في مورد اتفاقا تلف مال معتد به الذي لا صلة له بما ينفق عليها، فلا مانع من تطبيق قاعدة لا ضرر عليه.

(2) فيه ان قياس عدم وجوب الحج في هذه الأمثلة بعدم وجوبه في المثال الأول قياس مع الفارق، فان عدم وجوبه في المثال الأول انما هو من جهة

[مسألة 15: اذا حج مع استلزام حجه ترك واجب اهم أو ارتكاب محرم كذلك فهو]

(مسألة 15): اذا حج مع استلزام حجه ترك واجب اهم أو ارتكاب محرم كذلك فهو و ان كان عاصيا من جهة ترك الواجب أو فعل الحرام إلا أن الظاهر أنه يجزي عن حجة الإسلام (1) إذا كان واجدا لسائر الشرائط و لا فرق في ذلك بين من كان الحج مستقرا عليه و من كان اول سنة استطاعته.

[مسألة 16: إذا كان في الطريق عدو لا يمكن دفعه إلا ببذل مال معتد به

( (مسألة 16): إذا كان في الطريق عدو لا يمكن دفعه إلا ببذل مال معتد به، لم يجب بذله و يسقط وجوب الحج (2).

عدم ثبوت المقتضى له كعدم توفر الاستطاعة بتمام عناصرها، أو من جهة حديث لا ضرر. فبالنتيجة ان وجوب الحج فيه غير مجعول في الشريعة المقدسة، و أما في هذه الأمثلة فوجوب الحج ثابت في الشريعة، غاية الأمر انه مزاحم مع وجوب أهم في مرحلة الامتثال، فمن أجل ذلك لا يكون بفعلى، على أساس ما ذكرناه في علم الأصول من أن التزاحم اذا كان بين الواجب الأهم و الواجب المهم كان وجوب المهم مقيدا لبا و واقعا بعدم الاشتغال بالأهم، و من هنا اذا ترك المكلف الاشتغال بالأهم كان وجوب المهم فعليا، بناء على ما هو الصحيح من القول بالترتب، و عليه فاذا أتى بالمهم صح، أو فقل انه على القول بالترتب في تلك الأمثلة يكون المرفوع اطلاق وجوب الحج لا أصله، يعني وجوبه في حال الاشتغال بالأهم لا مطلقا.

(1) هذا مبنى على القول بامكان الترتب كما هو الصحيح.

(2) مر ان من عناصر الاستطاعة الأمن و السلامة على ماله، و مع وجود عدو له في الطريق بحيث لا يمكن دفعه الا ببذل مال معتد به، فلا أمن له فيه على ماله، فاذا لم يكن له أمن

لم يكن مستطيعا حتى يجب عليه الحج، أو فقل ان العدو الذي يفرض عليه من المال فهو من اللصوص و قطاع الطريق، فلا أمن، و مع قطع النظر عن هذا فلا يكون بذل المال له لفتح الطريق الى الحج مانعا عن

[مسألة 17: لو انحصر الطريق بالبحر لم يسقط وجوب الحج

(مسألة 17): لو انحصر الطريق بالبحر لم يسقط وجوب الحج، إلا مع خوف الغرق أو المرض، و لو حج مع الخوف صح حجه على الأظهر (1).

وجوبه ما لم يكن حرجيا، اذ مجرد كونه ضرريا لا يمنع عن وجوبه، لما تقدم من أنه لا يمكن تطبيق حديث لا ضرر على عملية الحج، فان هذه العملية قد تتطلب انفاق مال في سبيل انجازها اكثر من الأجرة الاعتيادية، فاذا فرض أن الحج في سنة يتطلب بسبب أو آخر انفاق مبالغ اكثر من الأجرة المتعارفة، كما إذا كان هناك في الطريق من يفرض عليه ضريبة مالية معتدة بها، أو ان الطريق المألوف الأقرب الى مكة محفوف بالمخاطر و غير مأمون، و الطريق الأطول الذي يتوفر فيه الأمن و السلامة يتطلب بذل مبالغ اكثر و مئونة زائدة، و في هذه الحالة هل يحتمل ان الحج في هذه السنة غير واجب على من لديه الامكانية المالية لدفع الضرائب، أو بذل مؤنة السفر من الطريق الأطول المأمون، و جواز تأخيره الى أن ترفع الضرائب على السفر أو المخاطر عن الطريق المألوف؟

و الجواب: انه غير محتمل ضرورة أن وجوب الحج مرتبط بالاستطاعة، و المفروض أن من لديه الامكانية المالية و القدرة على السفر من الطريق الأطول المأمون أو دفع الضرائب فهو مستطيع فيجب عليه الحج.

(1) في الصحة اشكال، و لا يبعد بطلانه، لما مر من أن الأمن و السلامة (العنصر الثاني) من

عناصر الاستطاعة، و بدون توفره لشخص فلا استطاعة له لكي يجب عليه الحج، و إذا أصرّ في هذه الحالة على أن يحج فحج لم يكن حجه حجة الإسلام.

و النكتة في ذلك هو أن من يسافر بحرا الى الحج فبطبيعة الحال كان يحرم في البحر، لفرض أن جدة ليست ميقاتا، و أما كونها محاذية للميقات فهو غير معلوم، فاذن يكون احرامه في حالة لا أمن فيها، فلا يكون احراما لحج

[الثالث: الزاد و الراحلة]
اشارة

الثالث: الزاد و الراحلة (1)، و معنى الزاد هو وجود ما يتقوت به في الطريق من المأكول و المشروب و سائر ما يحتاج إليه في سفره، أو وجود مقدار من المال (النقود و غيرها) يصرفه في سبيل ذلك ذهابا و ايابا، و معنى الراحلة هو وجود وسيلة يتمكن بها من قطع المسافة ذهابا و ايابا، و يلزم في الزاد و الراحلة ان يكونا مما يليق بحال المكلف.

التمتع من حجة الإسلام، و عليه فتكون عمرته متعة باطلة، لأنها بلا احرام، و سوف يأتي في محله ان الاتيان بعمرة التمتع تاركا لا حرامها و إن كان عن نسيان أو جهل غير صحيح. نعم اذا لم يحرم في البحر، و وصل الى جدة، و ذهب الى أحد المواقيت و أحرم منه، صح و لا شي ء عليه، و كذلك اذا احرم من جدة بنذر اذا لم يكن بامكانه الذهاب الى الميقات.

و من هنا يظهر ان الطريق اذا كان غير مأمون لشخص بسبب او آخر الى الميقات فحسب، و أما منه الى مكة فمأمون له، ففي مثل ذلك لا يجب عليه الحج لأنه غير مستطيع، باعتبار أن العنصر الثاني منها و هو الأمن و السلامة مفقود في حقه، الّا أنه مع

ذلك اذا أصر على السفر من ذلك الطريق غير المأمون، و سافر منه و وصل الى الميقات سالما أصبح مستطيعا فيه، فاذا أحرم منه لعمرة التمتع صح، و كان حجه حجة الإسلام.

نعم، اذا كان الطريق الى مكة غير مأمون لم يصح احرامه من الميقات أيضا لعمرة التمتع من حجة الإسلام، و أما إذا وصل الى مكة في هذه الحالة فعليه أن يحرم من الموضع الذي ارتفع عنه الخوف و أصبح آمنا.

(1) فيه ان وجود الراحلة ليس دخيلا في الاستطاعة مطلقا بل عند الحاجة اليه، و قد ذكرنا في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) أن المتفاهم العرفي من الروايات المشتملة على الراحلة هو عدم موضوعيتها، و أخذها في الروايات

[مسألة 18: لا يختص اشتراط وجود الراحلة بصورة الحاجة اليها]

(مسألة 18): لا يختص اشتراط وجود الراحلة بصورة الحاجة اليها (1). بل يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة اليها، كما إذا كان قادرا على المشي من دون مشقة و لم يكن منافيا لشرفه.

[مسألة 19: العبرة في الزاد و الراحلة بوجودهما فعلا]

(مسألة 19): العبرة في الزاد و الراحلة بوجودهما فعلا، فلا يجب على من كان قادرا على تحصيلهما بالاكتساب و نحوه، و لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب و البعيد.

[مسألة 20: الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج انما هي الاستطاعة من مكانه لا من بلده

(مسألة 20): الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج انما هي الاستطاعة من مكانه (2) لا من بلده، فاذا ذهب المكلف إلى المدينة مثلا للتجارة أو لغيرها و كان له هناك ما يمكن ان يحج به من الزاد و الراحلة أو ثمنهما وجب عليه الحج، و ان لم يكن مستطيعا من بلده.

[مسألة 21: اذا كان للمكلف ملك و لم يوجد من يشتريه بثمن المثل و توقف الحج على بيعه باقل منه بمقدار معتد به لم يجب البيع

(مسألة 21): اذا كان للمكلف ملك و لم يوجد من يشتريه بثمن المثل و توقف الحج على بيعه باقل منه بمقدار معتد به لم يجب البيع (3)، و اما اذا ارتفعت الاسعار فكانت أجرة المركوب مثلا في سنة الاستطاعة أكثر منها في السنة الآتية لم يجز التأخير.

في مقابل الزاد انما هو للحاجة اليها إما لحمل الزاد، أو للركوب، و الّا فلا موضوعية لها.

(1) بل يختص بها على الأظهر كما مر.

(2) الأمر كما افاده قدّس سرّه لأن وجوب الحج مرتبط بالاستطاعة، فاذا كان الانسان مستطيعا ذهابا و ايابا و عند ممارسة اعمال الحج وجب، سواء أ كانت هذه الاستطاعة من بلده أو بلد اقامته، لأن الآية الشريفة و الروايات جميعا تنص على وجوب الحج على من استطاع اليه سبيلا و إن كانت من بلد اقامته.

(3) في اطلاقه اشكال، بل منع، لأن الخسارة في البيع اذا كانت بدرجة كان

[مسألة 22: انما يعتبر وجود نفقة الاياب في وجوب الحج فيما اذا اراد المكلف العود إلى وطنه

(مسألة 22): انما يعتبر وجود نفقة الاياب في وجوب الحج فيما اذا اراد المكلف العود إلى وطنه. و اما اذا لم يرد العود و اراد السكنى في بلد آخر غير وطنه، فلا بد من وجود النفقة إلى ذلك البلد، و لا يعتبر وجود مقدار العود إلى وطنه.

نعم، إذا كان البلد الذي يريد السكنى فيه أبعد من وطنه لم يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود إلى وطنه.

[الرابع: الرجوع إلى الكفاية]

الرابع: الرجوع إلى الكفاية، و هو التمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه و عائلته بعد الرجوع.

و بعبارة واضحة: يلزم ان يكون المكلف على حالة لا يخشى معها في نفسه و عائلته من العوز و الفقر بسبب صرف ما عنده من المال في سبيل الحج (1)، و عليه فلا يجب على من يملك مقدارا من المال يفي بمصارف الحج و كان ذلك وسيلة لإعاشته و اعاشة عائلته، مع العلم بانه لا يتمكن من الاعاشة عن طريق آخر يناسب شأنه، فبذلك يظهر أنه لا يجب بيع ما يحتاج اليه في ضروريات معاشه من امواله فلا يجب بيع دار سكناه اللائقة بحاله و ثياب تجمله و اثاث بيته، و لا آلات الصنائع التي يحتاج اليها في معاشه، و نحو ذلك مثل الكتب بالنسبة إلى تحملها حرجيا لم يجب البيع، و الّا وجب للذهاب الى الحج، و قد مر أنه لا يمكن التمسك بحديث لا ضرر في المقام، فاذا كان الحج متوقفا على البيع بخسارة لم يكن تحملها حرجيا وجب، و لا يجوز تأخيره الى سنة أخرى.

نعم، اذا كان الشخص واثقا و مطمئنا بتمكنه من الحج في السنة القادمة صحيا و ماليا، فعندئذ لا يبعد

عدم وجوب البيع.

(1) سبق ان المعيار في وجود ما به الكفاية انما هو بتمكن الحاج بعد

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 18

أهل العلم مما لا بد منه في سبيل تحصيله، و على الجملة كل ما يحتاج اليه الانسان في حياته و كان صرفه في سبيل الحج موجبا للعسر و الحرج لم يجب بيعه.

نعم، لو زادت الأموال المذكورة عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج، بل من كان عنده دار قيمتها الف دينار- مثلا- و يمكنه بيعها و شراء دار اخرى باقل منها من دون عسر و حرج لزمه ذلك إذا كان الزائد وافيا بمصارف الحج ذهابا و ايابا و بنفقة عياله.

[مسائل في الاستطاعة]
[مسألة 23: اذا كان عنده مال لا يجب بيعه في سبيل الحج لحاجته اليه

(مسألة 23): اذا كان عنده مال لا يجب بيعه في سبيل الحج لحاجته اليه، ثم استغنى عنه وجب عليه بيعه لأداء فريضة الحج- مثلا- إذا كان للمرأة حلي تحتاج اليه و لا بد لها منه ثم استغنت عنه لكبرها او لأمر آخر، وجب عليها بيعه لأداء فريضة الحج.

[مسألة 24: اذا كانت له دار مملوكة و كانت هناك دار اخرى يمكنه السكنى فيها من دون حرج عليه

(مسألة 24): اذا كانت له دار مملوكة و كانت هناك دار اخرى يمكنه السكنى فيها من دون حرج عليه كما اذا كانت موقوفة تنطبق عليه، وجب عليه بيع الدار المملوكة إذا كانت وافية بمصارف الحج، و لو بضميمة ما عنده من المال، و يجري ذلك في الكتب العلمية و غيرها مما يحتاج اليه في حياته.

[مسألة 25: اذا كان عنده مقدار من المال يفي بمصارف الحج و كان بحاجة الى الزواج او شراء دار لسكناه او غير ذلك مما يحتاج اليه

(مسألة 25): اذا كان عنده مقدار من المال يفي بمصارف الحج و كان بحاجة الى الزواج او شراء دار لسكناه او غير ذلك مما يحتاج اليه فان كان صرف ذلك المال في الحج موجبا لوقوعه في الحرج لم يجب عليه الحج، و إلا وجب عليه.

[مسألة 26: اذا كان ما يملكه دينا على ذمة شخص و كان الدين حالا وجبت عليه المطالبة]

(مسألة 26): اذا كان ما يملكه دينا على ذمة شخص و كان الدين حالا وجبت عليه المطالبة فان كان المدين مماطلا وجب اجباره على

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 19

الأداء، و ان توقف تحصيله على الرجوع الى المحاكم العرفية لزم ذلك (1)، كما تجب المطالبة فيما إذا كان الدين مؤجلا و لكن المدين يؤديه لو طالبه، و أما إذا كان المدين معسرا او مماطلا و لا يمكن اجباره أو كان الاجبار مستلزما للحرج، أو كان الدين مؤجلا و المدين لا يسمح باداء ذلك قبل الأجل ففي جميع ذلك ان امكنه بيع الدين بما يفي بمصارف الحج و لو بضميمة ما عنده من المال و لم يكن في ذلك ضرر و لا حرج وجب البيع و إلا لم يجب.

[مسألة 27: كل ذي حرفة كالحدّاد و البنّاء و النجّار و غيرهم ممن يفي كسبهم بنفقتهم و نفقة عوائلهم يجب عليهم الحج

(مسألة 27): كل ذي حرفة كالحدّاد و البنّاء و النجّار و غيرهم ممن يفي كسبهم بنفقتهم و نفقة عوائلهم يجب عليهم الحج إذا حصل لهم مقدار من المال بارث أو غيره و كان وافيا بالزاد و الراحلة و نفقة العيال مدة الذهاب و الاياب.

الرجوع من سفر الحج و انفاق ما لديه من استعادة وضعه المعاشي الطبيعي، بدون الوقوع في حرج و ضيق، فاذا كان الحاج واثقا و مطمئنا بذلك فهو مستطيع، يجب عليه الحج، و الّا لم تثبت استطاعته.

(1) فانه اذا كان قادرا على تحصيل الدين من المدين الوافي بتمام نفقات سفر الحج اللائقة بحاله كان مستطيعا، حيث ان الإمكانية المالية للإنفاق على سفر الحج متحققة عنده، اذ لا يقصد بها وجود نقود عنده فعلا، بل يقصد بها وجود مال تفي قيمته بنفقات الحج، و لا فرق بين أن يكون ذلك المال من الأعيان الخارجية كالدار

أو البستان أو غيرهما، أو من الديون الثابتة في ذمة غيره، فاذا كان ذلك المال تحت تصرفه و سلطانه و لو بالواسطة، كفى ذلك في وجوب الحج عليه، و هذا يفترق عما اذا كان الانسان قادرا على اقتراض مال تفي قيمته بنفقات سفر الحج، لأنه قبل الاقتراض لم تكن لديه الامكانية المالية و انما

[مسألة 28: من كان يرتزق من الوجوه الشرعية كالخمس و الزكاة و غيرهما و كانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقة]

(مسألة 28): من كان يرتزق من الوجوه الشرعية كالخمس و الزكاة و غيرهما و كانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقة لا يبعد وجوب الحج عليه فيما اذا ملك مقدارا من المال يفي بذهابه و إيابه و نفقة عائلته. و كذلك من قام احد بالانفاق عليه طيلة حياته، و كذلك كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده (1) من جهة المعيشه ان صرف ما عنده في سبيل الحج.

أوجدها بالاقتراض، فمن أجل ذلك لا يجب، و هذا بخلاف ما إذا كان المال من الأعيان الخارجية، أو الديون في الذمة يتوقف نقدها فعلا لكي يصرف في نفقات الحج على مقدمة خارجية، كالبيع أو الرجوع الى المحاكم الشرعية أو العرفية، و لكن تحصيل تلك المقدمة ليست من تحصيل الاستطاعة، بل استطاعته تفرض عليه تحصيلها.

(1) هذا لا بمعنى أن وجود ما به الكفاية غير معتبر في وجوب الحج، بل بمعنى انه يختلف باختلاف حالات افراد المستطيع في الخارج، فان المراد من وجود ما به الكفاية- كما عرفت- هو تمكن الحاج بعد الانفاق على سفر الحج من استيناف وضعه المعاشي الاعتيادي بدون الوقوع في حرج و ضيق، فمن يعيش على الوجوه الشرعية يتمكن بعد انفاق ما لديه من المال على سفر الحج من استعادة وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في محذور، و لا

يتوقف ذلك على وجود مال معتد به عنده بعد الرجوع من الحج، و كذلك الحال فيمن كانت نفقته طيلة حياته مضمونة كالزوجة- مثلا- أو ممن لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده كالسائل بالكف، فانه تكفى في وجوب الحج عليه الامكانية المالية عنده لنفقات الحج ذهابا و ايابا و عند ممارسة الأعمال فحسب، باعتبار أن وجود ما به الكفاية عنده مضمون.

[مسألة 29: لا يعتبر في الاستطاعة الملكية اللازمة بل تكفي الملكية المتزلزلة أيضا]

(مسألة 29): لا يعتبر في الاستطاعة الملكية اللازمة بل تكفي الملكية المتزلزلة أيضا (1). فلو صالحه شخص ما يفي بمصارف الحج و جعل لنفسه الخيار الى مدة معينة وجب عليه الحج، و كذلك الحال في موارد الهبة الجائزة.

[مسألة 30: لا يجب على المستطيع ان يحج من ماله

(مسألة 30): لا يجب على المستطيع ان يحج من ماله، فلو حج متسكعا أو من مال شخص آخر اجزأه. نعم، إذا كان ثوب طوافه أو ثمن هديه مغصوبا لم يجزئه ذلك (2).

[مسألة 31: لا يجب على المكلف تحصيل الاستطاعة بالاكتساب أو غيره

(مسألة 31): لا يجب على المكلف تحصيل الاستطاعة بالاكتساب أو غيره، فلو وهبه احد مالا يستطيع به لو قبله، لم يلزمه القبول (3)، (1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لما مر من أن العنصر الأول من الاستطاعة الامكانية المالية، و من الواضح أنه لا يؤخذ في مفهومها الملك فضلا عن كون الملك لازما، و من هنا كما ان الامكانية الماليه لنفقات الحج تحصل بالملكية اللازمة، كذلك تحصل بالملكية الجائزة، بل بالاباحة أيضا.

(2) فيه ان هذا انما يتم في الهدي فحسب، فانه اذا كان بعينه مغصوبا، أو اشتراه بثمن شخصي مغصوب كان في الحقيقة تاركا للهدي عن عمد و اختيار، و يترتب على ذلك بطلان طوافه و حجه، و لا يتم ذلك في الطواف، فان غصبية الساتر فيه لا تضر بصحته، حيث إن الحرام لا يكون مصداقا للواجب، لأن الحرام ذات القيد يعنى الساتر، و هو خارج عن الواجب، فلا ينطبق عليه، و التقيد به و إن كان داخلا فيه، و لكن بما أنه أمر معنوي لا وجود له في الخارج، فلا يتصف بالحرمة، فلذلك لا مانع من الحكم بصحة الطواف و إن اعتبر الطائف آثما.

(3) هذا باعتبار أن حصول الامكانية المالية عنده يتوقف على قبوله الهبة، و هو غير واجب عليه، لأنه من تحصيل الاستطاعة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 22

و كذلك لو طلب منه ان يؤجر نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعا و لو كانت الخدمة لائقة بشأنه. نعم، لو آجر نفسه

للخدمة في طريق الحج و استطاع بذلك، وجب عليه الحج.

[مسألة 32: اذا آجر نفسه للنيابة عن الغير في الحج و استطاع بمال الاجارة]

(مسألة 32): اذا آجر نفسه للنيابة عن الغير في الحج و استطاع بمال الاجارة، قدم الحج النيابي اذا كان مقيدا بالسنة الحالية فان بقيت الاستطاعة الى السنة القادمة وجب عليه الحج و الا فلا (1) و إن لم يكن الحج النيابي مقيدا بالنسبة الفعلية قدم الحج عن نفسه.

[مسألة 33: اذا اقترض مقدارا من المال يفي بمصارف الحج و كان قادرا على وفائه بعد ذلك وجب عليه الحج

(مسألة 33): اذا اقترض مقدارا من المال يفي بمصارف الحج و كان قادرا على وفائه بعد ذلك وجب عليه الحج.

[مسألة 34: اذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج و كان عليه دين و لم يكن صرف ذلك في الحج منافيا لأداء ذلك الدين وجب عليه الحج

(مسألة 34): اذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج و كان عليه دين و لم يكن صرف ذلك في الحج منافيا لأداء ذلك الدين وجب عليه الحج، و إلا فلا، و لا فرق في الدين بين أن يكون حالا أو مؤجلا و بين ان يكون سابقا على حصول ذلك المال أو بعد حصوله.

[مسألة 35: اذا كان عليه خمس او زكاة و كان عنده مقدار من المال و لكن لا يفي بمصارف الحج لو ادّاهما]

(مسألة 35): اذا كان عليه خمس او زكاة و كان عنده مقدار من المال و لكن لا يفي بمصارف الحج لو ادّاهما وجب عليه اداؤهما، و لم يجب عليه الحج، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الخمس و الزكاة في عين المال او يكونا في ذمته (2).

نعم، لو وهبه للحج فحسب وجب عليه القبول، لإطلاق روايات البذل.

(1) هذا باعتبار ان وجوب أداء الدين أهم من وجوب الحج فيقدم عليه في مقام التزاحم، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الدين حالا أو مؤجلا، كان قبل حصول هذا المال عنده أم بعده، لأن المعيار انما هو بالتنافي و التزاحم بينهما في مقام الامتثال و العمل.

(2) هذا و لكن فرق بين الأمرين من ناحية أخرى، و هي أن الخمس او

[مسألة 36: اذا وجب عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة او غيرهما من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها]

(مسألة 36): اذا وجب عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة او غيرهما من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها و لم يجز له تأخيره لأجل السفر إلى الحج، و لو كان ثياب طوافه و ثمن هديه من المال الذي قد تعلق به الحق لم يصح حجه (1).

[مسألة 37: اذا كان عنده مقدار من المال و لكنه لا يعلم بوفائه بنفقات الحج

(مسألة 37): اذا كان عنده مقدار من المال و لكنه لا يعلم بوفائه بنفقات الحج، لم يجب عليه الحج و لا يجب عليه الفحص، و ان كان الفحص أحوط.

[مسألة 38: اذا كان له مال غائب يفي بنفقات الحج منفردا أو منضما الى المال الموجود عنده

(مسألة 38): اذا كان له مال غائب يفي بنفقات الحج منفردا أو منضما الى المال الموجود عنده، فان لم يكن متمكنا من التصرف في ذلك المال و لو بتوكيل من يبيعه هناك، لم يجب عليه الحج و إلا وجب.

[مسألة 39: اذا كان عنده ما يفي بمصارف الحج وجب عليه الحج

(مسألة 39): اذا كان عنده ما يفي بمصارف الحج وجب عليه الحج و لم يجز له التصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة و لا يمكنه التدارك، و لا فرق في ذلك بين تصرفه بعد التمكن من المسير و تصرفه فيه قبله، بل الظاهر عدم جواز التصرف فيه قبل اشهر الحج أيضا.

الزكاة اذا كان متعلقا بعين المال فلا استطاعة في البين، فيكون عدم وجوب الحج حينئذ انما هو من جهة عدم تحقق موضوعه في الخارج، و هو الاستطاعة، و اذا كان متعلقا في الذمة فالاستطاعة ثابتة، غاية الأمر يقع التزاحم حينئذ بين وجوب أداء ما في الذمة، و وجوب الحج، و بما أن وجوب أداء الدين أهم من وجوب الحج فيقدم عليه.

(1) في اطلاقه اشكال، بل منع، لأن الهدي إذا كان بعينه متعلقا للحق الشرعي من الخمس أو الزكاة كان المكلف حينئذ تاركا له متعمدا، و عليه فيبطل طوافه، فبالنتيجة حجّه، و إن اشترى الهدي بثمن كان متعلقا للحق الشرعي، فان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 24

نعم، اذا تصرف فيه ببيع أو هبة أو عتق أو غير ذلك حكم بصحة التصرف و ان كان آثما بتفويته الاستطاعة (1).

اشتراه بشخص ثمن متعلق له لا بثمن في الذمة كان تاركا للهدي أيضا، و إن اشتراه في الذمة و أدى ثمنه من ذلك المال المتعلق للخمس أو الزكاة صح، و لكن يعتبر المشتري آثما و ضامنا للحق الشرعي الذي

أتلفه.

(1) السبب فيه ان المستفاد من الآية الشريفة و الروايات المفسرة لها أن وجوب الحج يتحقق بتحقق الاستطاعة مشروطا بشرط متأخر زمانا، و هو مجي ء يوم عرفة، فان يوم عرفة و إن كان من شروط الواجب و هو الحج و قيوده، الّا أنا ذكرنا في علم الأصول أن قيد الواجب اذا كان غير اختياري فلا بد أن يكون قيدا للوجوب أيضا، اذ لو كان الوجوب مطلقا لزم كونه محركا للمكلف فعلا نحو الاتيان بالواجب المقيد بقيد غير اختياري، و هو تكليف بالمحال، و على هذا الأساس فيوم عرفة كما أنه قيد للواجب في المقام و هو الحج، كذلك قيد للوجوب بنحو الشرط المتأخر في مرحلة الاعتبار و الجعل، و لاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادي و الملاكات، و حينئذ فتحقق الاستطاعة كما يكون كاشفا عن تحقق وجوب الحج مشروطا بشرط متأخر، كذلك يكون كاشفا عن اتصافه بالملاك التام في ظرفه، فمن أجل ذلك لا يجوز تفويت الاستطاعة و إن كانت قبل أشهر الحج، لأن تفويتها تفويت للملاك التام الملزم في وقته، و هو غير جائز، و عندئذ فيجب على المكلف التحفظ على ذلك الملاك التام في ظرفه بالتحفظ على استطاعته و عدم تفويتها.

و بكلمة: ان كل ما أخذه الشارع في لسان الدليل في مرحلة الاعتبار قيدا للحكم فهو قيد لاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادي أيضا، على أساس أن الملاك هو حقيقة الحكم و روحه، و هو الداعي للاعتبار و الجعل بغرض الحفاظ عليه لاستيفائه و عدم تفويته، و لو لا الملاك فلا قيمة للاعتبار بما هو

[مسألة 40: الظاهر انه لا يعتبر في الزاد و الراحلة ملكيتهما]

(مسألة 40): الظاهر انه لا يعتبر في الزاد و الراحلة ملكيتهما (1)، فلو كان عنده مال يجوز له

التصرف فيه وجب عليه الحج إذا كان وافيا بنفقات الحج مع وجدان سائر الشروط.

[مسألة 41: كما يعتبر في وجوب الحج وجود الزاد و الراحلة حدوثا كذلك يعتبر بقاء إلى إتمام الأعمال

(مسألة 41): كما يعتبر في وجوب الحج وجود الزاد و الراحلة حدوثا كذلك يعتبر بقاء إلى إتمام الأعمال، بل الى العود الى وطنه، فان تلف المال في بلده أو في اثناء الطريق لم يجب عليه الحج و كشف ذلك عن عدم الاستطاعة من اول الأمر، و مثل ذلك ما إذا حدث عليه دين قهري (2)، كما اذا أتلف مال غيره خطأ و لم يمكنه اداء بدله اذا صرف ما عنده في سبيل الحج.

اعتبار، و على ذلك فبما أن الاستطاعة قد أخذت في لسان الدليل شرعا، فهي كما تكون قيدا لوجوب الحج في مرحلة الاعتبار، كذلك تكون قيدا لاتصافه بالملاك في مرحلة المبادي، فاذا تحققت كانت كاشفة عن فعلية اتصافه بالملاك و تماميته في ظرفه، كما كانت كاشفة عن وجوبه فعلا، فلذلك يجب على المستطيع الحفاظ على ذلك الملاك التام في موعده بالحفاظ على استطاعته، و عدم جواز تفويته بتفويت استطاعته.

(1) مر أن الامكانية المالية التي هي العنصر الأول من الاستطاعة كما تحصل بالملك، كذلك تحصل بالاباحة، فالملكية غير دخيلة في تكوين هذه الامكانية.

(2) فيه ان قياس ذلك بتلف المال في بلده، أو في أثناء الطريق قياس مع الفارق، لأن تلف المال كاشف عن عدم استطاعته من الأول، و هذا بخلاف اتلافه مال غيره، و اشتغال ذمته ببدله، فانه لا يكون مانعا عن استطاعته، غاية الأمر يقع التزاحم بين وجوب أداء بدل التالف و وجوب الحج، و حيث ان الأول اهم من وجوب الحج فيقدم عليه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 26

نعم، الاتلاف العمدي لا يسقط وجوب الحج بل يبقى الحج في

ذمته مستقرا فيجب عليه اداؤه و لو متسكعا، هذا كله في تلف الزاد و الراحلة، و اما تلف ما به الكفاية من ماله في بلده، فهو لا يكشف عن عدم الاستطاعة (1) من اول الأمر بل يجتزئ حينئذ بحجه، و لا يجب عليه الحج بعد ذلك.

[مسألة 42: اذا كان عنده ما يفي بمصارف الحج لكنه معتقد بعدمه

(مسألة 42): اذا كان عنده ما يفي بمصارف الحج لكنه معتقد بعدمه، او كان غافلا عنه، أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه غفلة عذر لم يجب عليه الحج، و اما إذا كان شاكا فيه (2)، أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه غفلة ناشئة عن التقصير ثم علم أو تذكر بعد ان تلف المال فلم يتمكن من الحج فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده.

[مسألة 43: كما تتحقق الاستطاعة بوجدان الزاد و الراحلة تتحقق بالبذل

(مسألة 43): كما تتحقق الاستطاعة بوجدان الزاد و الراحلة تتحقق بالبذل، و لا يفرق في ذلك بين ان يكون الباذل واحدا أو متعددا، و إذا عرض عليه الحج و التزم بزاده و راحلته و نفقة عياله (3) وجب عليه الحج، (1) في عدم الكشف اشكال، بل منع، لأن المكلف اذا لم يتمكن من استيناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج و ضيق اذا انفق ما لديه من المال في نفقات سفر الحج لم يكن مكلفا بحجة الإسلام في الواقع، و عليه فما أتى به من الحج لا يكون مصداقا لحجة الإسلام لكي يحكم بصحته، و تفصيل ذلك في المسألة (29) من (فصل شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى).

(2) هذا شريطة أن لا يكون معذورا فيه، و أما اذا كان معذورا فلا موجب لاستقرار الحج عليه.

(3) فيه ان نفقة العيال ليست دخيلة في الاستطاعة، لما قد عرفت من أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 27

و كذلك لو اعطي مالا ليصرفه في الحج و كان وافيا بمصارف ذهابه و ايابه و عياله. و لا فرق في ذلك بين الاباحة و التمليك، و لا بين بذل العين

و ثمنها.

[مسألة 44: لو اوصي له بمال ليحج به وجب الحج عليه بعد موت الموصي إذا كان المال وافيا بمصارف الحج و نفقة عياله

(مسألة 44): لو اوصي له بمال ليحج به وجب الحج عليه بعد موت الموصي إذا كان المال وافيا بمصارف الحج و نفقة عياله، و كذلك لو وقف شخص لمن يحج او نذر، أو اوصى بذلك و بذل له المتولي أو الناذر أو الوصي وجب عليه الحج.

الاستطاعة تتكون من العناصر الثلاثة:

1- الامكانية المالية لنفقات الحج.

2- الأمن و السلامة على نفسه و ماله و عرضه.

3- وجود ما به الكفاية، فاذا توفرت هذه العناصر الثلاثة لدى شخص رجلا كان أم امرأة، وجب الحج عليه، و أما نفقة العيال في فترة أعمال الحج، فان كان يقصد بها نفقة الزوجة فهي بما أنها دين على الزوج فيقع التزاحم بين وجوب أداء الدين و وجوب الحج، و حيث ان الأول أهم من الثاني فيقدم عليه، و إن كان يقصد بها نفقة الأبوين و الأولاد، فهي بما أنها ليست بدين على المعيل، بل تكون مجرد تكليف، فحينئذ كونه أهم من وجوب الحج غير معلوم لو لم يكن العكس معلوما الّا أن يؤدي ترك الانفاق عليهم في فترة الحج الى مخاطر أخرى، كوقوعهم في مفسدة جسيمة أو مشرفة على الهلاك، و أما إذا لم يؤد الى ذلك فالظاهر تقديم وجوب الحج على وجوب الانفاق عليهم، غاية الأمر ان ترك الانفاق عليهم في تلك الفترة يؤدي إلى وقوعهم في ضيق، و هذا ليس بمحذور يمنع عن وجوب الحج عليه.

فالنتيجة: ان المبذول له إن كان متمكنا من الانفاق على عائلته في فترة الحج وجب عليه قبول البذل، و الذهاب الى الحج، و إن لم يكن متمكنا منه، فان

[مسألة 45: لا يجب الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة البذلية]

(مسألة 45): لا يجب الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة البذلية (1).

نعم، لو كان له مال لا يفي

بمصارف الحج و بذل له ما يتم ذلك وجب عليه القبول و لكن يعتبر حينئذ الرجوع إلى الكفاية.

[مسألة 46: إذا اعطي ما لا هبة على ان يحج وجب عليه القبول

(مسألة 46): إذا اعطي ما لا هبة على ان يحج وجب عليه القبول، و اما لو خيّره الواهب بين الحج و عدمه (2)، او انه وهبه مالا من دون ذكر الحج لا تعيينا و لا تخييرا لم يجب عليه القبول.

[مسألة 47: لا يمنع الدين من الاستطاعة البذلية]

(مسألة 47): لا يمنع الدين من الاستطاعة البذلية. نعم إذا كان الدين حالا و كان الدائن مطالبا و المدين متمكنا من أدائه إن لم يحج لم يجب عليه الحج.

كانت عائلته متمثلة في زوجته لم يجب عليه القبول، و إن كانت متمثلة في الأبوين و الأولاد وجب القبول إذا لم تترتب على ترك الانفاق عليهم محاذير أخرى غير وقوعهم في الضيق في الجملة.

(1) هذا شريطة أن لا يكون سفر الحج مؤثرا في وضعه المعاشي بعد الرجوع من الحج، و في هذه الحالة اذا بذل له ما يحج به وجب عليه استجابته، و أما إذا أثر سفره في وضعه المعاشي، كما اذا كان موظفا عند الحكومة و له راتب يمكنه من السفر الى الحج بالاستطاعة البذلية، و لكن اذا لم يحصل على اجازة لو سافر و الحال هذه يفقد عمله و راتبه كموظف، و بعد ذلك يقع في ضيق و حرج باعتبار أنه لا يتمكن بعد الرجوع من الحج و فصله عن الوظيفة من استيناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج و ضيق، و في هذه الحالة اذا بذل اليه ما يحج به لم تجب عليه استجابته.

(2) لأن الروايات التي تنص على وجوب قبول ما يعرض عليه من الحج، أو ما يحج به لا تشمل هذه الصورة، على أساس أنها ظاهرة في عرض الحج

[مسألة 48: اذا بذل مال لجماعة ليحج احدهم

(مسألة 48): اذا بذل مال لجماعة ليحج احدهم فان سبق احدهم بقبض المال المبذول سقط التكليف عن الآخرين و لو ترك الجميع مع تمكن كل واحد منهم من القبض استقر الحج على جميعهم (1).

[مسألة 49: لا يجب بالبذل إلا الحج الذي هو وظيفة المبذول له على تقدير استطاعته

(مسألة 49): لا يجب بالبذل إلا الحج الذي هو وظيفة المبذول له على تقدير استطاعته (2)، فلو كانت وظيفته حج التمتع فبذل له حج القران أو الافراد لم يجب عليه القبول و بالعكس و كذلك الحال لو بذل لمن حج حجة الإسلام و اما من استقرت عليه حجة الإسلام و صار معسرا فبذل له وجب عليه ذلك (3) و كذلك من وجب عليه الحج لنذر او شبهه و لم يتمكن منه.

عليه، أو ما يحج به بعينه، لا الأعم منه و من غيره، كما في المقام.

(1) في الاستقرار اشكال، و لا يبعد عدمه، لأن روايات البذل ظاهرة في عرض الحج، أو ما يحج به على شخص معين، و لا تشمل ما اذا عرض الحج على الجامع بين شخصين أو اشخاص على تفصيل ذكرناه في المسألة (43) من (فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) هذا ظاهر، فان كل من تكون وظيفته حج التمتع اذا استطاع مالا، فهو وظيفته اذا استطاع بذلا، و كل من تكون وظيفته حج الافراد اذا استطاع مالا، فهو وظيفته اذا استطاع بذلا.

(3) هذا لا من جهة أن روايات البذل تشمل المقام، لأنها لا تشمل ذلك، لاختصاص موردها بما اذا وجب الحج عليه بالاستطاعة البذلية، بأن يكون حدوث الوجوب عليه مستندا اليها، و أما إذا كان الحج واجبا على شخص بالاستطاعة المالية في فترة زمنية سابقة، و لكن من جهة الاهمال و التسامح

فيه

[مسألة 50: لو بذل له مال ليحج به فتلف المال اثناء الطريق سقط الوجوب

(مسألة 50): لو بذل له مال ليحج به فتلف المال اثناء الطريق سقط الوجوب. نعم لو كان متمكنا من الاستمرار في السفر من ماله وجب عليه الحج و اجزأه عن حجة الإسلام، إلا ان الوجوب حينئذ مشروط بالرجوع إلى الكفاية (1).

[مسألة 51: لا يعتبر في وجوب الحج البذل نقدا]

(مسألة 51): لا يعتبر في وجوب الحج البذل نقدا فلو وكله على ان يقترض عنه و يحج به و اقترض وجب (2) عليه.

[مسألة 52: الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل فلو لم يبذله و بذل بقية المصارف لم يجب الحج على المبذول له

(مسألة 52): الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل فلو لم يبذله و بذل بقية المصارف لم يجب الحج على المبذول له الا اذا كان متمكنا من شرائه من ماله.

سنة بعد أخرى فقد فاتت الاستطاعة عنه، و استقر الحج عليه، فهو أجنبي عن مورد هذه الروايات، و حيث ان العقل يحكم بالخروج عن عهدة هذا الوجوب بالسعي الى الحج بأي وسيلة متاحة له، و حينئذ فاذا بذل اليه مال ليحج به وجب عليه القبول بحكم العقل، اذا لم تكن لديه وسيلة أخرى للخروج عن عهدة هذا التكليف، و من هنا تجب عليه الاستجابة للهبة و إن لم تكن للحج، و بذلك يظهر حال ما بعده.

(1) تقدم ان وجوب قبول البذل أيضا مشروط بوجود ما به الكفاية، بمعنى تمكنه بعد الرجوع من الحج من استعادة وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج و ضيق، و أما إذا لم يكن لديه ما به الكفاية بهذا المعنى فلا يجب عليه القبول.

(2) هذا واضح، و انما الكلام في أن الاقتراض الموجب للاستطاعة و الامكانية المالية، فهل هو واجب عليه أو لا؟ و الجواب: انه غير واجب لأنه من تحصيل الاستطاعة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 31

نعم، إذا كان صرف ثمن الهدي فيه موجبا لوقوعه في الحرج لم يجب عليه القبول، و أما الكفارات فالظاهر انها واجبة على المبذول له (1) دون الباذل.

[مسألة 53: الحج البذلي يجزئ عن حجة الإسلام و لا يجب عليه الحج ثانيا اذا استطاع بعد ذلك

(مسألة 53): الحج البذلي يجزئ عن حجة الإسلام و لا يجب عليه الحج ثانيا اذا استطاع بعد ذلك.

[مسألة 54: يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الاحرام أو بعده

(مسألة 54): يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الاحرام أو بعده، لكن إذا رجع بعد الدخول في الاحرام وجب على المبذول له إتمام الحج إذا كان مستطيعا فعلا و على الباذل ضمان ما صرفه للإتمام (2)، و اذا رجع الباذل في اثناء الطريق وجبت عليه نفقة العود.

(1) لأن الكفارة من آثار ما يمارسه المحرم من محرمات الاحرام، و حيث ان تلك المحرمات خارجة عن الحج، و ليست من واجباته لا جزءا و لا قيدا، فلا يكون الباذل متعهدا بالانفاق على الكفارات المترتبة على ارتكابها، لأنه إنما اذن له بالحج، و لم يأذن بارتكاب محرمات الإحرام لكي يقال: إن الاذن بشي ء إذن بلوازمه.

(2) في الضمان اشكال بل منع، لأن ما صرفه المبذول له من المال الى حين عدول الباذل عن بذله يحسب على الباذل، باعتبار أن ذلك الصرف كان باذنه و أمره، و أما ضمان الباذل لما صرفه المبذول له في اتمام الحج فهو بلا مبرر، و لا يمكن تطبيق قاعدة أن الإذن بشي ء اذن بلوازمه على المقام، لأن الإذن بالاحرام انما يكون اذنا بالاتمام اذا لم يعدل عن اذنه بعد الإحرام، أو قلنا بعدم جواز عدوله عن اذنه بعده، و كلا الأمرين خلف الفرض، و على هذا فاذا عدل عن اذنه بعد الاحرام فمعناه انه لم يأذن بالاتمام بما بذله من المال، و عليه فلا يسوغ للمبذول له أن يتم الحج بمال الباذل، كما انه اذا اتم بمال نفسه لم يحق له

[مسألة 55: اذا اعطي من الزكاة من سهم سبيل اللّه على ان يصرفها في الحج و كان فيه مصلحة عامة]

(مسألة 55): اذا اعطي من الزكاة من سهم سبيل اللّه على ان يصرفها في الحج و كان فيه مصلحة عامة (1) وجب عليه ذلك و ان اعطي من سهم السادة أو

من الزكاة من سهم الفقراء و اشترط عليه ان يصرفه في سبيل الحج لم يصح الشرط (2) فلا يجب عليه الحج.

[مسألة 56: اذا بذل له مال فحج به ثم انكشف انه كان مغصوبا لم يجزئه عن حجة الإسلام

(مسألة 56): اذا بذل له مال فحج به ثم انكشف انه كان مغصوبا لم يجزئه عن حجة الإسلام (3) المطالبة عن الباذل ببدله، اذ لا مبرر لضمانه بعد ما لم يكن الاتمام باذنه و أمره.

و بكلمة: لو قلنا بعدم جواز رجوع الباذل عن بذله بعد الإحرام فمعناه أن المبذول له مأمور بالاتمام، كما أنه كان مأمورا بالاحرام، لمكان استقرار استطاعته البذلية بعد الاحرام، و إن قلنا بجواز رجوعه عن بذله بعد الإحرام كما هو المفروض، فمعناه أنه لا يجوز للمبذول له التصرف في المال المبذول بعد العدول، بل يجب عليه أن يرد ما بقى منه عنده الى الباذل، و أما اتمام الحج، فان كان المبذول له متمكنا منه وجب عليه ذلك، و الّا فلا.

(1) هذا مبني على أنه يعتبر في صرف سهم سبيل اللّه في مورد أن تكون فيه مصلحة عامة، و لكن ذكرنا أن عنوان سبيل اللّه يصدق على كل عمل قربي و إن لم تكن فيه مصلحة عامة، و على هذا فلا مانع من صرف هذا السهم في الحج باعتبار أنه عمل قربي و إن لم يكن فيه مصلحة عامّة.

(2) هذا من جهة أن ولاية المالك على الخمس و الزكاة لم تثبت الّا من زاوية خاصة، و هي ولايته على التقسيم، و تعيين الخمس او الزكاة في حصة خاصة و دفعها الى الحاكم الشرعي او إلى المستحق باذن منه أو بدون اذن على الخلاف في المسألة، و لا ولاية له على تعيين المصرف له و إلزام المستحق بالصرف فيه، و قد فصلنا

الحديث من هذه الناحية في بابي الخمس و الزكاة.

(3) في اطلاقه اشكال، و لا يبعد الإجزاء اذا كان المبذول له غافلا عن كون

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 33

و للمالك ان يرجع الى الباذل أو الى المبذول له، لكنه اذا رجع الى المبذول له رجع هو الى الباذل ان كان جاهلا بالحال و إلا فليس له الرجوع.

[مسألة 57: إذا حج لنفسه او عن غيره تبرعا او باجارة لم يكفه عن حجة الإسلام

(مسألة 57): إذا حج لنفسه او عن غيره تبرعا او باجارة لم يكفه عن حجة الإسلام (1) فيجب عليه الحج اذا استطاع بعد ذلك.

[مسألة 58: إذا اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا قاصدا امتثال الأمر الفعلي ثم بان أنه كان مستطيعا]

(مسألة 58): إذا اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا قاصدا امتثال الأمر الفعلي ثم بان أنه كان مستطيعا أجزأه ذلك (2)، و لا يجب عليه الحج ثانيا.

المال المبذول مغصوبا أو جاهلا به مركبا، اذ على ذلك بما أن تصرف المبذول له في المال المبذول في الانفاق على سفر الحج جائز واقعا، فهو مستطيع، لما مر من أنه لا يعتبر في الامكانية المالية التي هي العنصر الأول من الاستطاعة أن تكون بالملك، بل يكفي أن تكون بإباحة التصرف و جوازه، فاذا كان لدى شخص مال يفي بنفقات سفر الحج، و كان مجازا في التصرف فيه واقعا فهو مستطيع، اي عنده الامكانية المالية للإنفاق على سفر الحج، و من الواضح ان من كانت عنده هذه الامكانية المالية يجب عليه الحج، و لكن مع ذلك اذا انتبه بالحال و تمكن من الاعادة فالاحتياط بها لا يترك.

(1) اما الأول فبما أن حجه لنفسه كان متسكعا، فهو لا يجزي عن حجة الإسلام التي هي عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع، و لا يكون مصداقا لها، و أما الثاني، و هو حجّه عن غيره تبرعا أو باجارة، فالمعروف و المشهور بين الأصحاب عدم اجزائه عن حجة الإسلام، و لكنه لا يخلو عن اشكال، و مع هذا فالاحتياط بالاتيان بحجة الإسلام اذا استطاع لا يترك. و قد تعرضنا لتفصيل ذلك في المسألة (56) من (فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) فراجع.

(2) في الاجزاء اشكال، بل منع، لما مر من أن المعتبر في

صحة حجة

[مسألة 59: لا يشترط اذن الرجوع للزوجة في الحج اذا كانت مستطيعة]

(مسألة 59): لا يشترط اذن الرجوع للزوجة في الحج اذا كانت مستطيعة، كما لا يجوز للزوج منع زوجته عن الحج الواجب عليها. نعم، يجوز له منعها من الخروج في اول الوقت مع سعة الوقت، و المطلقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العدة.

[مسألة 60: لا يشترط في وجوب الحج على المرأة وجود المحرم لها إذا كانت مأمونة على نفسها]

(مسألة 60): لا يشترط في وجوب الحج على المرأة وجود المحرم لها إذا كانت مأمونة على نفسها و مع عدم الأمن لزمها استصحاب محرم لها و لو بأجرة إذا تمكنت من ذلك، و إلا لم يجب الحج عليها.

الإسلام أن يحج باسمها الخاص المميز لها شرعا، سواء أ كانت تمتعا أم انفرادا، و أما إذا حج الانسان باسم الحج المستحب استحبابا عاما، فلا يكون مصداقا لحجة الإسلام، لأنه مباين لها عنوانا. و مجرد الاتيان به بداعي أمره الفعلي و لكن بتخيل أنه أمر استحبابي لا يجدي في المقام، لأن التخلف في الداعي او الاشتباه في التطبيق لا يتصور في المقام، باعتبار أن الحج الاستحبابي مباين لحجة الإسلام، و لا ينطبق أحدهما على الآخر في الخارج لكي يتصور الاشتباه في التطبيق بينهما، أو التخلف في الداعي، فاذا صلى المكلف بعد الفجر ركعتين باسم نافلة الصبح بداعي الأمر الاستحبابي القربى، ثم تبين أنه صلى نافلة الصبح لم تقع مصداقا لفريضة الصبح، من باب الاشتباه في التطبيق، لأن فريضة الصبح مباينة لنافلته، و لا تنطبق إحداهما على الأخرى في الخارج، حتى يتصور بينهما الاشتباه في التطبيق، أو التخلف في الداعي، لأن كل الصلوات التي لها اسم خاص مميز لها شرعا، فاذا أراد أن يصلي إحداها، فعليه أن يقصد ذلك الاسم الخاص لها، سواء أ كانت فريدة في نوعها و لم تكن لها شريكة في العدد و الكم

كصلاة المغرب و صلاة الجمعة، أو كانت هناك صلاة أخرى مماثلة لها كصلاة الفجر التي تماثلها تماما نافلة الفجر، فان هذا القصد واجب بنفسه سواء أ كان

[مسألة 61: إذا نذر ان يزور الحسين عليه السّلام في كل يوم عرفة- مثلا و استطاع بعد ذلك

(مسألة 61): إذا نذر ان يزور الحسين عليه السّلام في كل يوم عرفة- مثلا- و استطاع بعد ذلك وجب عليه الحج و انحلّ نذره (1)، و كذلك كل نذر يزاحم الحج.

يحصل الاشتباه بدون هذا القصد أو لا. و على هذا الأساس فاذا صلى صلاة ركعتين فان قصد بها الاسم الخاص لها كفريضة الصبح وقعت مصداقا لها و صحت، و إن قصد بها نافلة الصبح وقعت مصداقا لها، و إن لم يقصد بها الأول و لا الثاني، لم تنطبق عليها فريضة الصبح و لا نافلته، و حينئذ فان قصد بها استحبابها العام بداعي القربة الى اللّه تعالى، باعتبار أن الصلاة ركعتين مستحبة استحبابا عاما في الشريعة المقدسة، وقعت مستحبة، و الّا بطلت. و من هنا فصحة صلاة الصبح منوطة بأن يصليها باسمها الخاص المميز لها شرعا، و الّا لم تقع مصداقا لها، و كذلك الحال في حجة الإسلام.

فالنتيجة ان الاشتباه في التطبيق أو التخلف في الداعي لا يتصور فيما إذا كان المأتي به مباينا للمأمور به خارجا و لم يمكن انطباقه عليه، فانه انما يتصور اذا امكن انطباقه عليه.

(1) فيه اشكال، بل منع، لأن ملاك تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر ليس من جهة أن وجوب الحج يؤدي الى مرجوحية متعلق النذر، فاذا صار مرجوحا انحل بانحلال موضوعه، و ذلك لأن وجوبه لا يوجب انقلاب متعلقه و جعله مرجوحا بعد ما كان راجحا، لأن متعلقه انما يصير مرجوحا اذا كان مصداقا لترك الحج، و المفروض أنه ليس مصداقا

له، بل هو ملازم لتركه، و من الواضح أن قبح أحد المتلازمين لا يسري الى الملازم الآخر، فاذن يبقى متعلق النذر راجحا في نفسه و إن كان ملازما لترك واجب، هذا. اضافة الى أن ترك الواجب كترك الحج ليس بقبيح ذاتا، و انما يكون قبيحا بالعرض و المجاز، مثلا زيارة الحسين عليه السّلام يوم عرفة راجحة في نفسها، فاذا نذرها

[مسألة 62: يجب على المستطيع الحج بنفسه إذا كان متمكنا من ذلك

(مسألة 62): يجب على المستطيع الحج بنفسه إذا كان متمكنا من ذلك، و لا يجزئ عنه حج غيره تبرعا او باجارة.

[مسألة 63: اذا استقر عليه الحج و لم يتمكن من الحج بنفسه لمرض أو حصر أو هرم

(مسألة 63): اذا استقر عليه الحج و لم يتمكن من الحج بنفسه لمرض أو حصر أو هرم، أو كان ذلك حرجا عليه و لم يرج تمكنه من الحج بعد ذلك من دون حرج وجبت عليه الاستنابة، و كذلك من كان موسرا و لم يتمكن من المباشرة، أو كانت حرجية و وجوب الاستنابة كوجوب الحج فوري.

شخص انعقد، سواء أ كان مستطيعا، أم استطاع بعد ذلك، باعتبار أن صحة النذر منوطة بكون متعلقه راجحا في نفسه، فاذن ليس ملاك التقديم أن وجوب الحج رافع لرجحانه.

فلنا دعويان:

الدعوى الأولى: ان ملاك تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر ليس كون وجوب الحج رافعا لرجحان متعلقه.

الدعوى الثانية: ان ملاك تقديمه عليه أمر آخر.

أما الدعوى الأولى: فقد عرفتها.

و أما الدعوى الثانية: فلأن وجوب الوفاء بالنذر أو العهد أو الشرط في نفسه لا يصلح أن يزاحم وجوب الحج، و ذلك لأن المستفاد من أدلة وجوب الوفاء به التي جاء بهذا اللسان «ان شرط اللّه قبل شرطكم» أن وجوبه مقيد بعدم وجود شرط اللّه و حكمه في المرتبة السابقة، و مع وجوده فيها فلا وجوب له، و نتيجة ذلك ان وجود حكم اللّه كوجوب الحج- مثلا- في المرتبة السابقة مانع عن وجوب الوفاء به و رافع له بارتفاع موضوعه، و هو تقيده بعدم وجود حكم اللّه في المرتبة المتقدمة، و مع وجوده في تلك المرتبة يرتفع موضوعه،

[مسألة 64: اذا حج النائب عمن لم يتمكن من المباشرة فمات المنوب عنه مع بقاء العذر]

(مسألة 64): اذا حج النائب عمن لم يتمكن من المباشرة فمات المنوب عنه مع بقاء العذر اجزأه حج النائب و ان كان الحج مستقرا عليه، و اما إذا اتفق ارتفاع العذر قبل الموت فالأحوط ان يحج هو بنفسه عند التمكن (1) و اذا كان قد ارتفع

العذر بعد ان احرم النائب وجب على المنوب عنه الحج مباشرة و لا يجب على النائب اتمام عمله.

[مسألة 65: إذا لم يتمكن المعذور من الاستنابة سقط الوجوب

(مسألة 65): إذا لم يتمكن المعذور من الاستنابة سقط الوجوب، و لكن يجب القضاء عنه بعد موته ان كان الحج مستقرا عليه، و إلا لم يجب، و لو امكنه الاستنابة و لم يستنب حتى مات وجب القضاء عنه.

[مسألة 66: اذا وجبت الاستنابة و لم يستنب و لكن تبرع متبرع عنه لم يجزئه ذلك

(مسألة 66): اذا وجبت الاستنابة و لم يستنب و لكن تبرع متبرع عنه لم يجزئه ذلك (2)، و وجبت عليه الاستنابة.

[مسألة 67: يكفي في الاستنابة: الاستنابة من الميقات

(مسألة 67): يكفي في الاستنابة: الاستنابة من الميقات، و لا تجب الاستنابة من البلد (3).

و بارتفاعه يرتفع الحكم قهرا، و مزيد التفصيل في ذلك، في المسألة (32) من (فصل: شرائط وجوب حجة الإسلام) الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(1) بل الأقوى ذلك، لأن ارتفاع العذر عنه و استعادة قوته و نشاطه بالتمكن من القيام المباشر بالحج كاشف عن أن النيابة غير مشروعة في حقه.

(2) في عدم الاجزاء اشكال، و لا يبعد الاجزاء و قد فصلنا الحديث عن ذلك في المسألة (6) من (فصل: في النيابة) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(3) هذا اذا لم يكن الميت قد اوصى بالحج عنه، و أما إذا كان قد أوصى بذلك بدون التقييد بكونه من الميقات، فيجب على الوصي أو الوارث أن يحج عنه من البلد مباشرة أو استنابة، و إن شئت تفصيل ذلك فراجع الجزء الثامن من

[مسألة 68: من استقر عليه الحج اذا مات بعد الاحرام في الحرم اجزأه عن حجة الإسلام

(مسألة 68): من استقر عليه الحج اذا مات بعد الاحرام في الحرم اجزأه عن حجة الإسلام، سواء في ذلك حج التمتع و القران و الافراد، و اذا كان موته في اثناء عمرة التمتع اجزأ عن حجه أيضا و لا يجب القضاء عنه، و ان مات قبل ذلك وجب القضاء حتى اذا كان موته بعد الاحرام و قبل دخول الحرم أو بعد الدخول في الحرم بدون احرام و الظاهر اختصاص الحكم بحجة الإسلام فلا يجري في الحج الواجب بالنذر أو الافساد، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضا، فلا يحكم بالاجزاء في شي ء من ذلك، و من مات بعد الاحرام مع عدم استقرار الحج عليه فان كان موته بعد دخوله الحرم فلا اشكال في اجزائه عن حجة الإسلام و أما إذا

كان قبل ذلك فالظاهر وجوب القضاء عنه (1) أيضا.

كتابنا (تعاليق مبسوطة) في المسألة (88) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام).

(1) في الوجوب اشكال بل منع، لأن موته في سنة الاستطاعة كاشف عن عدم وجوب الحج عليه من الأول، حيث إن مقتضى القاعدة عدم الوجوب حتى اذا كان موته في اثناء العمرة، بل اثناء الحج. و أما الروايات الواردة في المسألة التي تنص على أن من خرج حاجا و مات في الطريق، فان كان بعد الاحرام و دخول الحرم اجزأ عنه حجة الإسلام، و إن كان قبل الإحرام فليقض عنه وليه حجة الإسلام، فلا إطلاق لها، لأنها في مقام بيان حكم من مات في الطريق الى الحج، أما كونه في سنة الاستطاعة أو بعد استقرار الحج عليه فلا نظر لها من هذه الناحية، فاذن يكون القدر المتيقن منها من استقر عليه الحج، بل في نفس هذه الروايات قرائن على أن موردها من استقر عليه الحج.

(منها) قوله عليه السّلام: «أجزأ عنه حجة الإسلام»»

، فانه يدل على أن ذمته

[مسألة 69: إذا اسلم الكافر المستطيع وجب عليه الحج

(مسألة 69): إذا اسلم الكافر المستطيع وجب عليه الحج (1)، و أما لو زالت استطاعته ثم اسلم لم يجب عليه.

[مسألة 70: المرتد يجب عليه الحج لكن لا يصح منه حال ارتداده

(مسألة 70): المرتد يجب عليه الحج لكن لا يصح منه حال ارتداده (2)، فان تاب صح منه و ان كان مرتدا فطريا على الأقوى.

مشغولة بحجة الإسلام، و الّا فلا موضوع للاجزاء، فان معنى الإجزاء هو سقوط الحجة عن ذمته، و الفرض أنه لا شي ء في ذمته حتى يسقط.

و (منها) قوله عليه السّلام: «فليقض عنه وليه حجة الإسلام» «1»، فانه يدل على اشتغال ذمته بحجة الإسلام، و الّا فلا معنى للقضاء عنها، لأن معنى القضاء هو أن ما يقضى عوض و بديل عما فات عنه، و المفروض انه لم يفت منه شي ء حتى يكون ذلك بديلا عنه.

و (منها) قوله عليه السّلام في صحيحة بريد العجلي: «جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام» «2»، فانه يدل بوضوح على ثبوت حجة الإسلام في ذمته، و الّا فلا معنى لصرف الأموال المذكورة فيها، بل هي للورثة، فالنتيجة ان في هذه الروايات قرائن تدل على اختصاص موردها بمن استقر عليه حجة الإسلام، و لا تعم غيره.

(1) بل وجب عليه مطلقا بناء على ما قويناه من أن الكفار مكلفون بالفروع.

(2) لكن لا يبعد الصحة، بناء على ما ذكرناه من المناقشة في شرطية الإسلام في صحة العبادة، و قد حققنا ذلك بصورة موسعة في (فصل: في شرائط صحة الصوم) في الجزء الخامس من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

[مسألة 71: اذا حج المخالف ثم استبصر لا تجب عليه اعادة الحج اذا كان ما أتى به صحيحا في مذهبه

(مسألة 71): اذا حج المخالف ثم استبصر لا تجب عليه اعادة الحج اذا كان ما أتى به صحيحا في مذهبه (1) و ان لم يكن صحيحا في مذهبنا.

[مسألة 72: اذا وجب الحج، و اهمل المكلف في ادائه حتى زالت الاستطاعة وجب الاتيان به باي وجه تمكن

(مسألة 72): اذا وجب الحج، و اهمل المكلف في ادائه حتى زالت الاستطاعة وجب الاتيان به باي وجه تمكن و لو متسكعا، ما لم يبلغ حد العسر و الحرج و إذا مات وجب القضاء من تركته، و يصح التبرع عنه بعد موته من دون اجرة.

(1) بل الأمر كذلك اذا كان صحيحا في مذهبنا أيضا، و إن كان باطلا في مذهبه على تفصيل ذكرناه في المسألة (5) من (فصل: في صلاة القضاء) في الجزء الرابع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

[الوصية بالحج

اشارة

الوصية بالحج

[مسألة 73: تجب الوصية على من كانت عليه حجة الإسلام و قرب منه الموت

(مسألة 73): تجب الوصية (1) على من كانت عليه حجة الإسلام و قرب منه الموت، فان مات تقضى من اصل تركته، و ان لم يوص بذلك (2)، و كذلك ان اوصى بها و لم يقيدها بالثلث، و ان قيدها بالثلث فان و في الثلث بها وجب اخراجها منه، و تقدم على سائر الوصايا، و ان لم يف الثلث بها لزم تتميمه من الاصل.

(1) عقلا شريطة أن يعلم الموصي أو يحتمل أنه لو لم يوص بحجة الإسلام لفاتت منه و لم يقم أحد بالقضاء عنه نيابة أو تبرعا، و أما إذا كان عالما أو واثقا بأن وارثه يقوم بالاستنابة للحج عنه فلا تكون واجبة.

(2) للروايات التي تنص على أن حجة الإسلام تخرج من صلب التركة، سواء أ كان الميت قد أوصى بها أم لا، و قد ورد في بعض الروايات أنها بمنزلة الدين الواجب، بل انها تتقدم عليه في مقام المزاحمة و عدم وفاء التركة للجميع، و نتيجة ذلك ان التركة ان اتسعت لنفقات حجة الإسلام أخرجت منها جميعا و إن لم يوص بها، و إن لم تتسع لها و لو للحد الأدنى من نفقاتها كانت التركة للورثة، و إن أوصى بها، و لا يجب صرفها في مصلحة الميت من وجوه البر و الاحسان، لأن المانع من انتقالها الى الورثة هو الحج بها عن الميت نيابة، فاذا لم يمكن ذلك لقلتها و عدم كفايتها حتى للحد الأدنى من نفقاته، فلا مانع من انتقالها اليهم. نعم اذا كان الميت قد أوصى باخراج حجة الإسلام من ثلثه، و تبرع متبرع بالحج عنه نيابة لم يجز للورثة اهمال الوصية رأسا، بل وجب صرف مقدار نفقة الحج من

الثلث في وجوه البر و الإحسان. و السبب فيه ان المستفاد

[مسألة 74: من مات و عليه حجة الإسلام و كان له عند شخص وديعة]

(مسألة 74): من مات و عليه حجة الإسلام و كان له عند شخص وديعة، و احتمل ان الورثة لا يؤدونها (1) ان ردّ المال اليهم وجب عليه ان يحجّ بها عنه.

من الروايات ان لكل انسان حقا في ثلث ماله بعد موته اذا أوصى به، و عليه فاذا أوصى به ظل في ملكه، فان عين له جهة خاصة وجب على الوصي صرفه فيها، و إن تعذر بسبب أو آخر وجب صرفه في الأقرب اليها فالأقرب، و إن لم يعين له جهة كذلك فالتعيين حينئذ بيد الوصي مع مراعاة الأهم فالأهم، و هذا بخلاف الوصية بحجة الإسلام و تنفيذها من التركة، فانها دين على الميت فيجب على الورثة اخراجها من الأصل، ثم تقسيم الباقي بينهم ميراثا، و الوصية بها تأكيد من هذه الناحية، و عليه فاذا لم يمكن ذلك لعدم وفاء التركة بها، أو برئت ذمة الميت عنها بتبرع متبرع سقطت الوصية بها بسقوط موضوعها لأن الوصية انما هي بحجة الإسلام، و هي إمّا انه لا يمكن الاتيان بها لعدم وفاء التركة بنفقاتها، أو أنها قد سقطت عن ذمة الميت، فعلى كلا التقديرين لا موضوع للوصية، و من هنا لا يحتمل أن ترجع التركة غير الوافية بنفقات الحج الى الورثة في الفرض الأول، كما أنه لا يحتمل استثناء مقدار نفقاتها من التركة لمصلحتهم في الفرض الثاني.

و بكلمة: ان الوصية بحجة الإسلام تختلف عن الوصية بالثلث، فان الوصية بالثلث متعلقة بثلث تركته مباشرة على أساس أن الشارع جعل هذا الحق للميت، و الوصية بحجة الإسلام متعلقة بنفس الحجة مباشرة لا بالمال كذلك، على أساس أن الشارع جعل

نفقاتها من الأصل، و عليه فاذا برئت ذمة الميت عنها انتفت الوصية بانتفاء موضوعها، كما أن حكم الشارع باخراج نفقاتها من الأصل ينتفي بانتفاء موضوعه.

(1) الأصل فيه صحيحة بريد العجلي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل استودعني مالا و هلك، و ليس لولده شي ء، و لم يحج حجة الإسلام، قال:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 43

فاذا زاد المال من أجرة الحج ردّ الزائد إلى الورثة، و لا فرق بين ان يحج الودعي بنفسه، أو يستأجر شخصا آخر. و يلحق بالوديعة كل مال للميت عند شخص بعارية أو اجارة أو غصب او دين او غير ذلك.

حج عنه، و ما فضل أعطهم» «1» و المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ان الرجل الذي في حيازته المال إن كان واثقا بأنه ان أدى المال الى ورثته فهم يقومون بالحج عنه مباشرة، أو بالاستنابة وجب عليه أن يرده اليهم، لأن الصحيحة منصرفة عن هذه الصورة عرفا، و لا تشملها، و إن كان واثقا و مطمئنا بأنه إن أدى المال اليهم أكلوه و لم ينفقوا منه على الحج عن الميت لم يجز أن يرده اليهم، اذ لا ولاية لهم على المال في هذه الصورة، و إن كان شاكا في ذلك و لم يكن واثقا بأنه اذا رد المال اليهم أنهم أكلوه و لم ينفقوا منه على الحج عن الميت، أو أنهم ينفقوا منه عليه، ففي هذه الصورة هل يجب عليه أن يرد المال الى ورثته أو الى الحاكم الشرعي، أو أنه يقوم بنفسه بالتصرف فيه على الحج عنه مباشرة، أو بالنيابة؟

و الجواب: ان مقتضى الصحيحة الوجه الأخير، اذ تخصيصها بخصوص الصورة الثانية بحاجة الى

قرينة، فاذن تشمل الصحيحة تلك الصورة أيضا باطلاقها، و تدل على أن ولاية التصرف فيها للرجل الذي في حيازته المال، ثم هل يجب عليه الاستئذان من الورثة أو من الحاكم الشرعي، أو من كليهما معا؟

و الجواب انه لا يجب عليه الاستئذان، لا من الورثة، و لا من الحاكم الشرعي، فان مقتضى اطلاق الصحيحة أنه يقوم بنفسه بالتصرف فيه على الحج بدون الاستئذان من أحد، و إن كان ذلك أولى و أجدر.

فالنتيجة ان مقتضى اطلاق الصحيحة هو أن الشارع منح ولاية التصرف

[مسألة 75: من مات و عليه حجة الإسلام و كان عليه دين و خمس و زكاة و قصرت التركة]

(مسألة 75): من مات و عليه حجة الإسلام و كان عليه دين و خمس و زكاة و قصرت التركة، فان كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا بعينه لزم تقديمهما (1)

في الصورتين الأخيرتين للرجل الذي يكون المال في حيازته، و عليه فكما لا مبرر لرد المال الى الورثة، لا مبرر للاستئذان منهم أيضا.

ثم ان مورد الصحيحة و إن كان العين الخارجية المودعة عند رجل، الّا أنه لا خصوصية لها عرفا، فيشمل الحكم ما إذا كان المال في ذمة رجل، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى، ان مورد الصحيحة ما إذا كانت تركة الميت منحصرة بالمال المودع، و عندئذ فللسائل أن يسأل: ان الحكم هل يختص بمورد الصحيحة فقط، أو يعم ما إذا كانت له تركة غيره أيضا؟

و الجواب: ان الحكم لا يختص بمورد الصحيحة، لأن هذا التخصيص انما هو في مورد سؤال السائل، لا في جواب الإمام عليه السّلام، هذا. اضافة الى أن العرف لا يرى خصوصية لكون تركة الميت منحصرة بالمال المذكور، أو كانت له تركة أخرى، فان المعيار في جواز التصرف من الرجل الذي في حيازته المال، أو في ذمته على

الحج عن الميت انما هو بعدم وثوقه بأنه اذا ردّ المال الى الورثة فهم لم يأكلوه و انفقوا منه على الحج عن الميت.

(1) في التعبير بالتقديم نوع من التسامح، حيث إن الموهم منه ان وجوب اخراج الخمس أو الزكاة من اعيان التركة مزاحم مع وجوب الحج منها، و بما أن الأول أهم من الثاني فيقدم عليه، مع أن الأمر ليس كذلك، لأن الخمس أو الزكاة اذا كان متعلقا بنفس أعيان التركة، فبما أن هذا المقدار من الأعيان كان ملكا للغير فحينئذ لا يبقى موضوع لوجوب الحج، لأن التركة بعد اخراج مال الغير منها لا تفي بنفقات سفر الحج، و المفروض ان الحج انما يخرج من تركة الميت، و مال

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 45

و ان كانا في الذمة يتقدم الحج عليهما، كما يتقدم على الدين (1).

[مسألة 76: من مات و عليه حجة الإسلام لم يجز لورثته التصرف في تركته قبل استئجار الحج

(مسألة 76): من مات و عليه حجة الإسلام لم يجز لورثته التصرف في تركته قبل استئجار الحج سواء كان مصرف الحج مستغرقا للتركة أم لم يكن مستغرقا على الأحوط (2). نعم اذا كانت التركة واسعة جدا، و التزم الوارث بادائه جاز له التصرف في التركة، كما هو الحال في الدين.

الغير كالخمس او الزكاة او غيرهما ليس من تركته، و كيفما كان فالمقصود واضح، و التسامح انما هو في التعبير.

(1) الأصل فيه صحيحة معاوية، قال: «قلت له رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة، و عليه حجة الإسلام، و ترك ثلاثمائة درهم، فأوصى بحجة الإسلام، و أن يقضى عنه دين الزكاة، قال: يحج عنه من أقرب ما يكون، و تخرج البقية من الزكاة» «1»، و مثلها صحيحته الأخرى، و موردها و إن كان تقديم الحج على الزكاة

إلّا ان العرف بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية لا يرى خصوصية للزكاة الّا باعتبار أنها دين في الذمة، و لهذا عبر عنها في السؤال بالدين، و نتيجة ذلك ان ذمة الميت اذا كانت مشغولة بحجة الإسلام و بالدين معا، و لم تكن تركته وافية بكليهما كذلك وجب تقديم حجة الإسلام على الدين مقتصرا على حجة الإسلام بأقل أجور، و لا فرق في الدين بين أن يكون شرعيا أو عرفيا.

(2) لكن الأظهر جواز التصرف في التركة اذا كانت زائدة على نفقات الحج أو الدين شريطة التزام الوارث بتهيئة الحجة النيابية المطلوبة، و عدم خوف فوتها، و تدل عليه موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليه السّلام، قال:

«سألته عن رجل يموت و يترك عيالا، و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: إن

[مسألة 77: من مات و عليه حجة الإسلام و لم تكن تركته وافية بمصارفها وجب صرفها في الدين أو الخمس أو الزكاة]

(مسألة 77): من مات و عليه حجة الإسلام و لم تكن تركته وافية بمصارفها وجب صرفها في الدين أو الخمس أو الزكاة ان كان عليه شي ء من ذلك و إلا فهي للورثة (1)، و لا يجب عليهم تتميمها من مالهم لاستيجار الحج.

كان يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه، فلا ينفق، و إن لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» «1»، فانها تنص على جواز التصرف في التركة اذا كانت زائدة شريطة التزام الورثة بتهيئة الحجة النيابية المطلوبة عن الميت و لا فرق في ذلك بين أن تكون التركة واسعة جدا، أو لا، فان المعيار في جواز التصرف فيها انما هو بزيادتها على الدين. هذا اضافة الى ان مقدار نفقة الحج أو الدين يظل في ملك الميت، و لا ينتقل الى الورثة، و حيث إن نسبة هذا المقدار الى مجموع

التركة نسبة الكلي في المعين لا الاشاعة، فيكون جواز تصرف الورثة في التركة اذا كانت زائدة على القاعدة شريطة ان لا يؤدي تصرفهم فيها الى تفويت الحج أو الدين، و الّا لم يجز، هذا. و تمام الكلام في المسألة (84) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(1) باعتبار أن وجوب الحج عن الميت نيابة، بما أنه مرتبط بوفاء التركة بنفقاته، فاذا لم تتسع للحد الأدنى من نفقاته فبطبيعة الحال سقط وجوب الحج و كانت التركة حينئذ للورثة، فان المانع عن انتقالها اليهم انما هو وجوب الحج عن الميت، فاذا سقط فلا مانع من الانتقال ما لم يوجد دين أو وصية، و لا يجب على الورثة تكميل النفقة من مالهم الخاص و إن كان الأولى و الأجدر لهم التكميل، كما لا يجب عليهم بذل تمام النفقة للحج عن الميت اذا لم تكن له

[مسألة 78: من مات و عليه حجة الإسلام لا يجب الاستيجار عنه من البلد]

(مسألة 78): من مات و عليه حجة الإسلام لا يجب الاستيجار عنه من البلد، بل يكفي الاستيجار عنه من الميقات (1)، بل من أقرب المواقيت الى مكة ان امكن و الا فمن الأقرب فالأقرب، و الأحوط الأولى الاستيجار من البلد إذا وسع المال، لكن الزائد عن اجرة الميقات لا يحسب على الصغار من الورثة.

[مسألة 79: من مات و عليه حجة الإسلام تجب المبادرة إلى الاستيجار عنه في سنة موته

(مسألة 79): من مات و عليه حجة الإسلام تجب المبادرة إلى الاستيجار عنه في سنة موته، فلو لم يمكن الاستيجار في تلك السنة من الميقات لزم الاستيجار من البلد، و يخرج بدل الايجار من الأصل (2)، و لا يجوز التأخير إلى السنة القادمة، و لو مع العلم بامكان الاستيجار فيها من الميقات.

تركة اطلاقا، و لا فرق في ذلك بين ما اذا أوصى بأن يحج عنه، أو لم يوص بذلك.

(1) هذا اذا لم يكن الميت قد اوصى بأن يحج عنه من تركته، فانه في هذه الحالة لا يستحق الّا حجة ميقاتية التي تكون أقل كلفة و نفقة من الحجة البلدية، باعتبار أنها لا تكلف النائب السفر الّا من الميقات، و أما الحجة البلدية فهي تكلف النائب السفر من البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه، و أما إذا كان الميت قد أوصى بأن يحج عنه من تركته فيكون الموصى به الحجة البلدية، و تخرج من نفقاتها من التركة جميعا، و تفصيل ذلك ذكرناه في المسألة (88) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) أما في صورة الوصية فقد مر أن الموصى به الحجة البلدية، و تخرج نفقاتها جميعا من الأصل، و أما في صورة عدم الوصية فيكون الواجب الحجة الميقاتية، و لكن اذا تعذر الاستيجار

للحج عن الميت من الميقات وجب على

[مسألة 80: من مات و عليه حجة الإسلام إذا لم يوجد من يستأجر عنه إلا باكثر من اجرة المثل يجب الاستيجار عنه

(مسألة 80): من مات و عليه حجة الإسلام إذا لم يوجد من يستأجر عنه إلا باكثر من اجرة المثل يجب الاستيجار عنه، و يخرج من الأصل، و لا يجوز التأخير إلى السنة القادمة توفيرا على الورثة و ان كان فيهم الصغار.

الورثة الاستيجار للحج عنه من البلد، و ذلك لأن احتمال تأخير الحجة الى السنين القادمة الى أن يتمكن من الاستيجار من الميقات يكون بلا مبرر، اذ لازم ذلك عدم وجوب الاستيجار للحج عنه اذا فرض عدم التمكن من الاستيجار عن الميقات بسبب من الأسباب أو في ظرف من الظروف غير الاعتيادية، و هذا غير محتمل، كما ان من غير المحتمل أن يكون انفاق الزائد على الأجور الميقاتية من الثلث، فان نتيجة ذلك تعطيل الحجة الى ان يتمكن الورثة من الاستيجار عن الميقات اذا لم يكن للميت ثلث، كما إذا لم يوص به.

و بكلمة: ان ذمة الميت اذا كانت مشغولة بحجة الإسلام كان له الحق شرعا في التركة بمقدار نفقاتها، و حينئذ فان أمكن الايجار من الميقات كفى ذلك، و تبرأ ذمته بحج الأجير منه، و لا يجب الايجار من البلد، بل لو آجر منه و الحال هذه يدفع الزائد من الثلث اذا كان له ثلث، و الّا فالمستأجر ضامن له، و أما اذا لم يمكن الايجار من الميقات بسبب او آخر، فلا يكون ذلك مبررا للتأجيل، بل يجب على الوارث الايجار من البلد، و دفع الأجرة جميعا من التركة، لأن حق الميت في تركته الذي جعله الشارع لا يكون متمثلا في كمية خاصة من المال المحددة التي لا تزيد و لا تنقص، بل هو بمقدار ما يحج به

عنه لتفريغ ذمته، و هذا يختلف زيادة و نقيصة باختلاف الأوقات و الظروف، و الحالات الطارئة، و عليه فان امكن الايجار من الميقات كان حقه متمثلا في أجرة الحجة الميقاتية، و لا حق له في الزائد، و إن لم يمكن الايجار من الميقات وجب الايجار من البلد، و حينئذ يكون حقه متمثلا في اجور الحجة البلدية، و لا يجوز التأجيل تبريرا ذلك بعدم امكان الايجار من الميقات، و من هذا القبيل ما اذا اقترح الأجير اجرة

[مسألة 81: من مات و اقرّ بعض ورثته بأن عليه حجة الإسلام، و أنكره الآخرون

(مسألة 81): من مات و اقرّ بعض ورثته بان عليه حجة الإسلام، و أنكره الآخرون فالظاهر انه يجب على المقرّ الاستيجار للحج و لو بدفع تمام مصرف الحج من حصته (1)، غاية الأمر أن له اقامة الدعوى على المنكرين و مطالبتهم بحصته من بقية التركة و يجرى هذا الحكم في الاقرار بالدين أيضا. نعم، اذا لم يف تمام حصته بمصرف الحج لم يجب عليه الاستيجار بتتميمه من ماله الشخصى.

[مسألة 82: من مات و عليه حجة الإسلام و تبرع متبرع عنه بالحج

(مسألة 82): من مات و عليه حجة الإسلام و تبرع متبرع عنه بالحج لم يجب على الورثة الاستيجار عنه بل يرجع بدل الاستيجار إلى الورثة (2). نعم، إذا اوصى الميت باخراج حجة الإسلام من ثلثه لم يرجع بدله الى الورثة، بل يصرف في وجوه الخير أو يتصدق به عنه.

اكبر من الاجرة الاعتيادية التي هي المقررة عادة و لم يوجد من يقبل باجرة اعتيادية، فان الواجب حينئذ تلبية اقتراحه، و دفع الاجرة الاكبر جميعا من التركة، و لا يجوز أن يجعل ذلك مبررا للتأجيل. فالنتيجة ان الشارع جعل للميت حقا في تركته بمقدار ما يوجب براءة ذمته عن الحجة، و هذا المقدار طبعا يختلف باختلاف الظروف و الأوقات و الأشخاص.

(1) في وجوب ذلك اشكال، بل منع، اذ ليس على المقر أن يسدّد كل نفقات الحج من حصته الخاصة به لان الواجب عليه أن يسدّد ما يخصّ حصته، فاذا كانت نفقة الحج بقدر ربع التركة، فليس عليه الّا أن يدفع ربع ما عنده من التركة، و حينئذ فان اتفق وجود متبرع بسائر النفقة أدى المقر ربع ما عنده و الّا تصرف في كامل حصته، و لا شي ء عليه، و تفصيل ذلك بيّناه في المسألة (85) من (فصل: في

شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) هذا من جهة أن المانع عن انتقال مقدار نفقة الحج الى الورثة، و بقاؤه

[مسألة 83: من مات و عليه حجة الإسلام و أوصى بالاستيجار من البلد وجب ذلك

(مسألة 83): من مات و عليه حجة الإسلام و اوصى بالاستيجار من البلد وجب ذلك، و لكن الزائد على اجرة الميقات يخرج من الثلث (1)، و لو اوصى بالحج و لم يعين شيئا اكتفى بالاستيجار من الميقات، إلا اذا كانت هناك قرينة على ارادة الاستيجار من البلد، كما إذا عين مقدارا يناسب الحج البلدي.

[مسألة 84 اذا اوصى بالحج البلدي، و لكن الوصي او الوارث استأجر من الميقات بطلت الاجارة]

(مسألة 84): اذا اوصى بالحج البلدي، و لكن الوصي او الوارث استأجر من الميقات بطلت الاجارة (2)، ان كانت الاجارة من مال الميت، و لكن ذمة الميت تفرغ من الحج بعمل الأجير.

في ملك الميت انما هو اشتغال ذمة الميت بحجة الإسلام، و توقفها على المال، و أما اذا برئت ذمته عنها بتبرع متبرع بالحج عنه، فلا مقتضي لبقاء مقدار نفقته في ملك الميت، بل ينتقل الى ملك الورثة، لأن المقتضي للانتقال موجود، و لا مانع منه، و هذا بخلاف الثلث، فانه يظل ثابتا في ملك الميت و إن تعذر صرفه في الجهة التي عيّنها الموصي، و ذلك لأن المتفاهم العرفي من الوصية بالثلث تعدد المطلوب، بمعنى أنها تدل عرفا على أن غرض الموصي صرفه فيما يصل نفعه اليه مع مراعاة الأهم فالأهم، فاذا تعذر صرفه في الجهة التي عينها وجب صرفه في الجهة الأخرى دونها من جهات البر و الاحسان.

(1) بل من الأصل، لما مر من أن الميت اذا كان قد أوصى بالحج بدون تقييده من الميقات كان الظاهر من ذلك أن الموصى به الحجة البلدية، و تخرج نفقاتها جميعا من التركة، و تفصيل ذلك في المسألة (88) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) هذا مبني على أن معنى الوصية بالحجة البلدية الوصية

بالاجارة على المقدمات و الأعمال معا، فعندئذ إذا أوقع الوارث او الوصي الاجارة على

[مسألة 85: إذا أوصى بالحج البلدي من غير بلده

(مسألة 85): اذا اوصى بالحج البلدي من غير بلده، كما إذا اوصى ان يستأجر من النجف- مثلا- وجب العمل بها و يخرج الزائد عن اجرة الميقاتية من الثلث (1).

[مسألة 86: إذا أوصى بالاستيجار عنه لحجة الإسلام و عيّن الأجرة لزم العمل بها]

(مسألة 86): إذا اوصى بالاستيجار عنه لحجة الإسلام و عيّن الاجرة لزم العمل بها، و تخرج من الأصل ان لم تزد على اجرة المثل، و إلا كان الزائد من الثلث (2).

الأعمال فقط بدون ضم المقدمات اليها بطلت، لان الاجارة التي وقعت على نفس أعمال الحج ليست موردا للوصية، و ما هو مورد لها و هو الاجارة على الأعمال مع مقدماتها لم تقع عليه، و أما إذا كان معنى الوصية بها الوصية بالاجارة على نفس أعمال الحج و واجباته مشروطة بكونها من البلد، فحينئذ اذا أوقع الوصي أو الوارث الاجارة على الحجة الميقاتية صحت الاجارة، و لكنه خالف الوصية و اعتبر آثما.

(1) بل من الأصل، لما مر من أن للميت في زمن حياته حقا في أن يعين أجرة حجه بعد موته في مال معين و استيجار شخص خاص للحج عنه، و كذلك له تعيين بلد الايجار، و اذا عين وجب على الوصي تنفيذه من الأصل شريطة أن يكون له في ذلك غرض عقلائي، كما اذا كان الحج من تلك البلدة أو من ذلك الشخص أكثر ثوابا و أدق تطبيقا، لا أنه مجرد اضرار بالورثة. نعم اذا عين الأجرة في مال معين، فان لم يف بنفقات الحج، وجب تكميله من التركة، و إن زاد عن الأجرة الاعتيادية يحسب الزائد من الثلث على أساس أن الأجرة الاعتيادية تكفي لنفقات الحج.

نعم، إذا اتفق في مورد لم يوجد من يقبل بها، و طالب باجرة اكبر وجب دفع الكل من الأصل، و

لا مبرر للتأجيل كما مر.

(2) ظهر وجه ذلك مما مر، من ان الميت اذا كان قد عين مالا معينا لأجور

[مسألة 87: إذا أوصى بالحج بمال معين و علم الوصي أن المال الموصى به فيه الخمس أو الزكاة]

(مسألة 87): اذا اوصى بالحج بمال معين و علم الوصي ان المال الموصى به فيه الخمس أو الزكاة وجب عليه اخراجه اولا، و صرف الباقي في سبيل الحج، فان لم يف الباقي بمصارفه لزم تتميمه من اصل التركة، ان كان الموصى به حجة الإسلام، و إلا صرف الباقي في وجوه البر (1).

[مسألة 88: إذا وجب الاستيجار للحج عن الميت بوصية أو بغير وصية، و أهمل من يجب عليه الاستيجار فتلف المال

(مسألة 88): اذا وجب الاستيجار للحج عن الميت بوصية أو بغير وصية، و اهمل من يجب عليه الاستيجار فتلف المال ضمنه (2)، و يجب عليه الاستيجار من ماله.

الحج، فان كان ذلك المال اكثر من الأجرة الاعتيادية اخرج مقدار الأجرة الاعتيادية من الأصل، و اعتبر الزائد من ثلث الباقي، و إن كان بمقدار الأجرة الاعتيادية أخرج الكل من التركة رأسا.

نعم قد لا يوجد من يقبل بالأجرة الاعتيادية حتى بأعلى درجاتها، ففي مثل هذه الحالة لا يعتبر الزائد من الثلث، بل يعتبر من الأصل كالأجرة الاعتيادية، و لكنها حالة استثنائية قد تتفق كما عرفت، نظير ما اذا اقترح الأجير اجرة اكبر من الأجرة الاعتيادية في وقت لا يوجد من يقبل باجرة اعتيادية، فانه لا بد من تلبية اقتراحه، و عدم المبرر للتأجيل، هذا كله من جهة أنه لا بد من تأدية حق الميت، و عدم جواز تأجيله سنة بعد أخرى.

(1) ظهر حكم هذه المسألة مما ذكرناه في المسألة (82) من أنه اذا تعذر صرف الثلث في الجهة التي عينها الموصي، وجب صرفه في الجهة الأخرى من وجوه البر و الاحسان.

(2) هذا من جهة أن تلف المال بما أنه مستند الى إهماله و تقصيره فيكون ضامنا، فاذن يجب عليه أن يستأجر شخصا للحج عن الميت من ماله عوضا عن المال التالف.

[مسألة 89: إذا علم استقرار الحج على الميت، و شك في ادائه وجب القضاء عنه

(مسألة 89): إذا علم استقرار الحج على الميت، و شك في ادائه وجب القضاء عنه (1)، و يخرج من اصل المال.

[مسألة 90: لا تبرأ ذمة الميت بمجرد الاستيجار]

(مسألة 90): لا تبرأ ذمة الميت بمجرد الاستيجار (2) فلو علم ان الأجير لم يحج لعذر أو بدونه وجب الاستيجار ثانيا، و يخرج من الأصل و ان امكن استرداد الاجرة من الأجير تعين ذلك، اذا كانت الاجرة مال الميت.

[مسألة 91: إذا تعدد الأجراء فالأحوط استيجار أقلهم أجرة]

(مسألة 91): اذا تعدد الأجراء فالأحوط استيجار اقلهم اجرة، إذا كانت الاجارة بمال الميت، و إن كان الأظهر جواز استيجار المناسب لحال الميت من حيث الفضل و الشرف، فيجوز استيجاره بالأزيد (3).

(1) هذا من جهة ان موضوع وجوب القضاء مركب من أمرين:

أحدهما: استقرار الحج في ذمة الميت.

و الآخر: عدم الاتيان به.

و الاول محرز بالوجدان، و الثاني بالاستصحاب، و بضم الوجدان الى الاستصحاب يتم الموضوع، و يترتب عليه حكمه، و هو وجوب القضاء.

(2) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن مقتضى عقد الايجار ان المستأجر يملك العمل في ذمة الأجير، و الأجير يملك الأجرة في ذمة المستأجر، و أما فراغ ذمة الميت فهو مترتب على قيام الأجير بالعمل في الخارج و اتيانه فيه.

(3) بل يجوز مطلقا حتى اذا كان الأجير أفضل من الميت شأنا و مقاما و علما، و مع ذلك يجوز استيجاره للحج عنه باجرة مناسبة لحال الأجير و مقامه، و إن كانت تلك الأجرة اكبر مما يتطلب شأن الميت و مقامه، و لا يجب استيجار شخص مناسب لشأن الميت و مقامه بأجرة مناسبة.

و النكتة في ذلك أن الأجرة الاعتيادية على درجات تبعا لنوعية الأجير، و هي تخرج من تركة الميت من أعلاها الى أدناها، و حينئذ فيجوز الأخذ بأعلى

[مسألة 92: العبرة في وجوب الاستيجار من البلد أو الميقات بتقليد الوارث أو اجتهاده، لا بتقليد الميت او اجتهاده

(مسألة 92): العبرة في وجوب الاستيجار من البلد او الميقات بتقليد الوارث أو اجتهاده، لا بتقليد الميت او اجتهاده (1) فلو كان الميت يعتقد وجوب الحج البلدي و الوارث يعتقد جواز الاستيجار من الميقات لم يلزم على الوارث الاستيجار من البلد.

[مسألة 93: إذا كانت على الميت حجة الإسلام و لم تكن له تركة لم يجب الاستيجار عنه على الوارث

(مسألة 93): إذا كانت على الميت حجة الإسلام و لم تكن له تركة لم يجب الاستيجار عنه على الوارث. نعم، يستحب ذلك على الولي.

تلك الدرجات و إن كانت اكبر مما تتطلبه شئون الميت و مكانته، كما يجوز الأخذ بادناها و إن كانت أقل مما تتطلبه مكانة الميت و مقامه.

فالنتيجة: انه لا يجب استيجار من يكون بدرجة الميت شأنا و مقاما باجرة مناسبة.

و قد تسأل: ان الوصي اذا استأجر من كان دون الميت مقاما و شأنا بأدنى درجة من الأجرة الاعتيادية، فهل يرجع ما به التفاوت بين أعلى درجة من الأجرة الاعتيادية، و بين أدناها الى الورثة، أو يصرف في وجوه البر و الاحسان؟

و الجواب: انه يرجع الى الورثة لوجود المقتضي للرجوع، و عدم المانع منه، لأن المانع انما هو اشتغال ذمة الميت بالحجة، فاذا فرغت ذمته عنها بالاستيجار بادنى درجة من الأجرة الاعتيادية فلا مانع من رجوع الزائد اليهم.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه الّا في مورد واحد و هو ما اذا كان نظر الميت موافقا للاحتياط و نظر الوارث مخالفا له، و كان مبنيا على الأصل العملي المؤمّن كأصالة البراءة، دون الدليل الاجتهادي، فان في مثل ذلك بما أن الوارث يحتمل مطابقة نظر الميت للواقع، و لم يقم عنده ما يكشف عن بطلانه، فمن أجل ذلك فالأحوط و الأجدر به وجوبا أن يعمل على طبق نظر الميت، هذا بالنسبة إلى الوارث. و أما

الوصي فان كان نظره مطابقا لنظر الموصي اجتهادا أو تقليدا فهو

[مسألة 94: إذا أوصى بالحج فإن علم أن الموصى به هو حجة الإسلام أخرج من أصل التركة]

(مسألة 94): اذا اوصى بالحج فان علم ان الموصى به هو حجة الإسلام اخرج من اصل التركة إلا فيما اذا عين اخراجه من الثلث، و أما إذا علم ان الموصى به غير حجة الإسلام، او شك في ذلك فهو يخرج من الثلث (1).

[مسألة 95: اذا اوصى بالحج، و عين شخصا معينا لزم العمل بالوصية]

(مسألة 95): اذا اوصى بالحج، و عين شخصا معينا لزم العمل بالوصية، فان لم يقبل إلا بازيد من اجرة المثل اخرج الزائد من الثلث (2)، فان لم يمكن ذلك أيضا استؤجر غيره باجرة المثل.

المطلوب، و إن كان مخالفا له، فان كان نظره مطابقا للاحتياط دون نظر الموصي كان عليه أن يعمل على طبق نظره، و إن كان نظر الموصي مطابقا للاحتياط دون نظره، فعليه أن يعمل على طبق نظر الموصي تطبيقا للعمل بالوصية، و تمام الكلام هنا في المسألة (101) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه و ذلك لأن الوارث أو الوصي اذا شك في أن الموصى به هل هو حجة الإسلام أو غيرها كان مرد هذا الشك الى الشك في أن الوصية قد تعلقت بها أو بغيرها، و في مثل ذلك لا مانع من الرجوع الى أصالة عدم تعلقها بها، و بذلك ينفى موضوع وجوب الخروج من الأصل و هو تعلق الوصية بها، فلذلك يخرج من الثلث لا من أصل المال.

(2) هذا لما مر من أن حق الميت شرعا في التركة إنما يمثل مقدار نفقات سفر الحج الاعتيادية من أعلى درجاتها الى أدناها، الّا في حالات استثنائية كما عرفت، و على هذا فاذا لم يقبل الأجير الّا بأجرة اكبر من الأجرة الاعتيادية بأعلى تلك الدرجات، فالزائد يخرج من

ثلث الباقي شريطة أن يوجد هناك من يقبل بالاجرة الاعتيادية، و أما إذا لم يوجد و طالب الأجير بأجور أكبر من الاعتيادية

[مسألة 96: اذا اوصى بالحج، و عين اجرة لا يرغب فيها احد]

(مسألة 96): اذا اوصى بالحج، و عين اجرة لا يرغب فيها احد، فان كان الموصى به حجة الإسلام لزم تتميمها من اصل التركة، و ان كان الموصى به غيرها بطلت الوصية، و تصرف الأجرة في وجوه البر (1).

[مسألة 97: اذا باع داره بمبلغ- مثلا- و اشترط على المشتري ان يصرفه في الحج عنه بعد موته كان الثمن من التركة]

(مسألة 97): اذا باع داره بمبلغ- مثلا- و اشترط على المشتري ان يصرفه في الحج عنه بعد موته كان الثمن من التركة (2)، فان كان الحج حجة الإسلام لزم الشرط و وجب صرفه في اجرة الحج، ان لم يزد على أجرة المثل و إلا فالزائد يخرج من الثلث، و ان كان الحج غير حجة الإسلام لزم الشرط أيضا، و يخرج تمامه من الثلث و ان لم يف الثلث لم يلزم الشرط في المقدار الزائد.

باعلاها، فلا يخرج الزائد من الثلث لعدم الموجب للتأجيل الى سنة أخرى.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه و ذلك، لما عرفت من أن الوصية بالثلث تدل على أن غرض الميت منها بقاؤه في ملكه و صرفه في الأهم فالأهم مما يصل نفعه اليه، و على هذا فالأجرة التي عينها الموصي للحج بما أنه لا يرغب فيها أحد، و لا يقبل الحج بها فالوصية بالنسبة إليه باطلة، و حينئذ فلا بد من صرفها في الجهة الأخرى مع مراعاة الأقرب فالأقرب، على أساس ما ذكرناه من دلالة الوصية على تعدد المطلوب، يعنى الأهم فالأهم، و الأقرب فالأقرب.

(2) في اطلاقه اشكال، بل منع، لأن الشرط في المسألة بما انه يتضمن الوصية بصرف ثمن الدار في الحج عنه بعد موته، فيكون المشروط بهذا الشرط الوصية بالحج، و عليه فان كان الحج الموصى به حجة الإسلام أخرج الثمن من التركة، فان و في بنفقات الحج فهو المطلوب، و إن

لم يف بها فان كانت له تركة اخرى وجب تكميله منها، و الّا كان الثمن للورثة، باعتبار أن هذه الوصية وصية بحجة الإسلام مباشرة، و لا ترجع الى الوصية بالثلث.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 57

.......... و إن كان الحج الموصى به حجة أخرى، فان كان ثمن الدار بمقدار ثلث ماله فالوصية نافذة، و يجب على الوصي صرفه في الحج الموصى به، و إن كان زائدا على الثلث فالزائد يرجع الى الورثة، و عندئذ فان كان الباقي وافيا بنفقات سفر الحج وجب صرفه فيها، و الا صرف في وجوه البر و الاحسان، و من هنا يظهر حال ما إذا كانت تركته منحصرة به، فان وصيته وقتئذ نافذة في ثلث الثمن فقط، فان و في ثلثه بالحج فهو، و الّا يصرف في جهات الخير، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى اذا فرض ان المشترى امتنع عن تنفيذ الوصية، فحينئذ ان كان الحج الموصى به حجة الإسلام، و كانت للميت تركة أخرى غيره أيضا، أو إذا لم تكن له تركة أخرى غيره، و لكن ثمن الدار لا يزيد على الأجرة الاعتيادية للحج، ثبت خيار تخلف الشرط للميت فحسب، و هل ينتقل هذا الخيار الى ورثته أو الى الحاكم الشرعي؟

و الجواب: انه ينتقل الى الحاكم الشرعي دون الورثة، فانهم لا ينتفعون به، لأن نسبتهم اليه كنسبة الأجانب، فالخيار انما ينتقل الى الورثة تبعا لانتقال الحق أو المال اليهم لا مطلقا، و المفروض في المقام ان المال لم ينتقل اليهم، بل ظل في ملك الميت، و إذا فسخت المعاملة انتقل الثمن من ملكه الى ملك المشتري بدل انتقال الدار من ملكه الى ملك الميت.

فالنتيجة ان الخيار بما أنه ينتقل

الى الحاكم الشرعي فله أن يطالب المشتري حينئذ بتنفيذ الوصية، فان امتنع فسخ المعاملة، فاذا فسخها انتقلت الدار من ملك المشتري الى ملك الميت، كما انتقل الثمن من ملكه الى ملك المشتري و للحاكم الشرعي ان يصرف الدار عندئذ في الحج عنه، فان زادت عن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 58

.......... نفقاته اعتبر الزائد من ثلث الباقي، اذا كانت له تركة أخرى، و يصرف في وجوه البر و الاحسان. و كذلك اذا لم تكن له تركة أخرى، على اساس ان الدار بما أنها صارت ملكا للميت من جديد بعد خروجها عن ملكه في زمن حياته، فلا دليل على أن كل ما يملكه الميت بعد موته ينتقل الى ورثته فيما عدا مسألة الدية، و يشهد على ذلك بعض الروايات أيضا.

و أما إذا كانت التركة منحصرة بالثمن، و كان زائدا عن الأجرة المتعارفة، فحينئذ بما أن الزائد يرجع الى الورثة فاذا امتنع المشتري عن تسليمه اليهم ثبت لهم الخيار أيضا، فها هنا خياران:

أحدهما: ثابت للميت من جهة تخلف الشرط.

و الآخر: للورثة من جهة امتناع المشتري عن تسليم الزائد، و في هذه الصورة أيضا لا ينتقل خيار الميت الى الورثة، بل الى الحاكم الشرعي بنفس الملاك المتقدم، و أما إذا كان الحج الموصى به حجة أخرى فان لم يكن الثمن أزيد من الثلث ثبت الخيار للميت فقط، بملاك تخلف الشرط، و ينتقل الى الحاكم الشرعي بنفس ما تقدم من الملاك، و إن كان الثمن ازيد من الثلث فبما أن الزائد يرجع إلى الورثة، ثبت الخيار لهم أيضا بملاك امتناع المشتري عن تسليم الزائد اليهم، فعندئذ يكون هناك خياران:

أحدهما: ثابت للميت من جهة تخلف الشرط.

و الآخر: للورثة من

جهة امتناع المشتري عن التسليم و خيار الميت لا ينتقل الى الورثة بنفس ما تقدم من الملاك، فمن أجل ذلك يقوم الحاكم الشرعي مقام الميت من باب الولاية- كما عرفت-.

[مسألة 98: اذا صالحه داره- مثلا- على أن يحج عنه- بعد موته صح و لزم

(مسألة 98): اذا صالحه داره- مثلا- على أن يحج عنه- بعد موته- صح و لزم، و خرجت الدار عن ملك المصالح الشارط، و لا تحسب من التركة، و ان كان الحج ندبيا، و لا يشملها حكم الوصية، و كذلك الحال اذا ملكه داره بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج عنه بعد موته، فجميع ذلك صحيح لازم، و ان كان العمل المشروط عليه ندبيا، و لا يكون للوارث حينئذ حق في الدار، و لو تخلف المشروط عليه عن العمل بالشرط لم ينتقل الخيار الى الوارث، و ليس له اسقاط هذا الخيار الذي هو حق للميت و انما يثبت الخيار للحاكم الشرعي (1) و بعد فسخه يصرف المال فيما شرط على المفسوخ عليه فان زاد شي ء صرف في وجوه الخير.

(1) هذا مبني على أن مفاد شرط الفعل ليس هو إنشاء تمليكه للمشروط له، بل مفاده الزام المشروط عليه بالعمل بالشرط تكليفا، و على هذا فليس الشرط ملكا و لا حقا حتى يكون من التركة و ينتقل الى الورثة، و حينئذ فاذا امتنع المشروط عليه عن العمل بالشرط ثبت للميت خيار تخلف الشرط، و ينتقل هذا الخيار الى الحاكم الشرعي بمعنى أنه يقوم مقامه في اعماله ولاية، لا الى الورثة لأنهم لا ينتفعون به كالأجنبي، و قد مر أن الخيار انما ينتقل اليهم تبعا لانتقال الملك او الحق لا مطلقا، و أما بناء على أن مفاده إنشاء تمليك الفعل المشروط للمشروط له، كما هو غير بعيد

فينتقل الخيار حينئذ الى الورثة تبعا لانتقال الشرط اليهم.

بيان ذلك: انه يمكن ان يقال ان المنشأ في شرط الفعل في الحقيقة هو المعنى الحرفي، يعني النسبة المدلول عليه بكلمة (اللام) في قولك عند الاشتراط في عقد «ان تخيط لي ثوبي» أو «لك عليّ خياطة الثوب» و حيث ان النسبة الخارجية بين الشرط و المشروط له في الخارج غير قابلة للإنشاء، فلا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 60

.......... محالة يكون المنشأ هو النسبة الاعتبارية بينهما المتمثلة في ملكية الشرط للمشروط له، و على ضوء هذا الأساس ان المشروط له يملك الشرط على المشروط عليه من حين إنشائه في ضمن العقد، غاية الأمر ان ظرف تسليمه اليه كان بعد موته، و حينئذ يكون من التركة، و اذا كان منها انتقل الى الورثة شريطة توفر أمرين فيه معا:

أحدهما: ان لا يكون الحج المشروط به حجة الإسلام.

و الآخر: أن لا تكون التركة منحصرة بهذا الشرط، و حينئذ فان كان الميت قد أوصى بالثلث و لم يعين مصرفا خاصا له و أوكل تعيين مصرفه بنظر الوصي أو الوارث، فله أن يعين الثلث في الشرط مالا و مصرفا اذا لم تكن قيمته أزيد من الثلث و عندئذ فان قام المشروط عليه بالوفاء بالشرط بأن يحج عنه نيابة فقد أدى المشروط عليه ما عليه من العمل المشروط، و نفذ الوصي الوصية، فيكون حج المشروط عليه مصداقا للعمل بالوصية و للوفاء بالشرط معا، و إن امتنع المشروط عليه من الوفاء بالشرط ثبت للورثة خيار تخلف الشرط، و كان لهم حينئذ أن يقوموا بفسخ المعاملة، فاذا فسخوها انتقلت الدار في المثال اليهم، فاذا انتقلت فلهم اخراج الثلث منها، أو من سائر التركة، و أما

إذا لم تكن له وصية بالثلث فلا حق له، لا في سائر تركته في الخارج، و لا في هذا الشرط.

و دعوى: أن هذا الشرط منه وصية فيكون نافذا في ثلثه.

مدفوعة: بان هذا الشرط لا يصلح أن يكون وصية، لأن الوصية يكون متعلقها المال أو الحق في الخارج في المرتبة السابقة، بقطع النظر عنها، و هذا الشرط مدلوله إنشاء ملكية الفعل للمشروط له، لا أنه متعلق بالمال و الملك في المرتبة السابقة و بقطع النظر عنه حتى يصدق عليه عنوان الوصية.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 61

.......... و إن شئت قلت: ان الوصية متوقفة على وجود مال للميت في الخارج في المرتبة المتقدمة حتى تتعلق بثلثه فيه، و أما في المقام فبما أن مدلول الشرط إنشاء ملكية الفعل كالحج- مثلا- و اعتبارها للمشروط له، فلا يكون متعلقا بالمال و الملك له، لكي يكون وصية.

فالنتيجة ان المشروط له لا يكون مالكا للفعل في المرتبة السابقة و بقطع النظر عن هذا الشرط لكي ينطبق عليه عنوان الوصية، و إنما يملكه بنفس هذا الشرط، فاذن كيف يمكن أن يكون هذا الشرط وصية؟ هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان الشرط كالحج في ذمة المشروط عليه في المقام و إن انتقل الى الورثة الّا أنهم لا ينتفعون به مباشرة، و حينئذ فاما أن يرضوا بقيام المشروط عليه بالحج عن الميت نيابة احسانا منهم له، و اما أن يبرءوا ذمته عنه مجانا، أو مع العوض. نعم اذا امتنع المشروط عليه من القيام بالعمل ثبت لهم خيار تخلف الشرط، و عندئذ كان لهم فسخ المعاملة و أخذ المال منه، و أما اذا كان الحج المشروط به حجة الإسلام و كانت التركة منحصرة

بهذا الشرط، فلا ينتقل الى الورثة، و ظل في ملك الميت الى أن يقوم المشروط عليه بالعمل به، و في هذه الصورة إذا امتنع المشروط عليه من الوفاء بالشرط ثبت الخيار للميت، و ينتقل منه الى الحاكم الشرعي لا للورثة، لما مر من أنهم لا ينتفعون به أصلا، و قد عرفت ان الخيار انما ينتقل اليهم تبعا لانتقال التركة لا مطلقا، فاذن للحاكم الشرعي أن يطلب من المشروط عليه الوفاء بالشرط، فان أصر على الامتناع فسخ العقد و أخذ المال منه، و يصرفه في نفقات الحجة الميقاتية عن الميت، فان زاد يرجع الزائد الى الورثة، و إن نقص و لم يتسع للحد الأدنى من نفقات الحج سقط الحج و كان المال كله للورثة.

[مسألة 99: لو مات الوصي و لم يعلم انه استأجر للحج- قبل موته

(مسألة 99): لو مات الوصي و لم يعلم انه استأجر للحج- قبل موته- وجب الاستيجار من التركة (1)، فيما اذا كان الموصى به حجة الإسلام، و من الثلث اذا كان غيرها. و اذا كان المال قد قبضه الوصي- و كان موجودا- اخذ، و ان احتمل ان الوصي قد استأجر من مال نفسه و تملك ذلك بدلا عما اعطاه، و ان لم يكن المال موجودا فلا ضمان على الوصي، لاحتمال تلفه عنده بلا تفريط.

[مسألة 100: اذا تلف المال في يد الوصي بلا تفريط لم يضمنه

(مسألة 100): اذا تلف المال في يد الوصي بلا تفريط لم يضمنه و وجب الاستيجار من بقية التركة، اذا كان الموصى به حجة الإسلام، و من بقية الثلث ان كان غيرها فان كانت البقية موزعة على الورثة استرجع منهم بدل الايجار بالنسبة، و كذلك الحال ان استؤجر احد للحج و مات قبل الاتيان بالعمل، و لم يكن له تركة، أو لم يمكن الأخذ من تركته.

[مسألة 101: اذا تلف المال في يد الوصي قبل الاستيجار، و لم يعلم ان التلف كان عن تفريط لم يجز تغريم الوصي

(مسألة 101): اذا تلف المال في يد الوصي قبل الاستيجار، و لم يعلم ان التلف كان عن تفريط لم يجز تغريم الوصي (2).

[مسألة 102: اذا اوصى بمقدار من المال لغير حجة الإسلام

(مسألة 102): اذا اوصى بمقدار من المال لغير حجة الإسلام، و احتمل انه زائد على ثلثه لم يجز صرف جميعه (3).

(1) هذا اذا لم يؤد ظهور حاله الى الوثوق و الاطمينان بأنه عمل بالوصية و استأجر للحج عن الميت، و الّا لم يجب الاستيجار عنه، و به يظهر حال ما بعده.

(2) لأن موضوع التغريم تلف المال عن تقصير و اهمال منه، و هو غير محرز.

(3) لأن موضوع جواز التصرف فيه حيث إنه صحة الوصية، و هي غير محرزة بالنسبة الى الجميع، فانه إن كان زائدا على الثلث لم تصح الوصية بالزائد عليه، و الّا صحت، و بما أنا لا ندري انه زائد على الثلث أو لا، فبطبيعة الحال لا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 63

.......... ندري أن الوصية بالجميع صحيحة أو غير صحيحة، فاذن لا يكون موضوع جواز التصرف في الجميع فيه محرزا، فاذا لم يكن محرزا لم يجز، و لا يمكن التمسك بأصالة الصحة في المقام، لأن التمسك بها في كل مورد مرتبط بتوفر أركانها فيه، منها قابلية المحل و أهلية الفاعل، و بما أن قابلية المحل في المقام غير محرزة من جهة الشك في أن المحل قابل لتعلق الوصية به، أو لا، فلا يمكن التمسك بها.

[فصل في النيابة]

اشارة

فصل في النيابة

[مسألة 103: يعتبر في النائب امور]

(مسألة 103): يعتبر في النائب امور:

الاول: البلوغ، فلا يجزي حج الصبي من غيره في حجة الإسلام و غيرها من الحج الواجب، و ان كان الصبي مميزا (1).

نعم، لا يبعد صحة نيابته في الحج المندوب باذن الولي.

الثاني: العقل، فلا تجزي استنابة المجنون، سواء في ذلك ما إذا كان جنونه مطبقا، أم كان ادواريا إذا كان العمل في دور جنونه، و اما السفيه فلا بأس باستنابته.

الثالث: الايمان فلا عبرة بنيابة غير المؤمن، و ان اتى بالعمل على طبق مذهبنا.

الرابع: ان لا يكون النائب مشغول الذمة بحج واجب عليه في عام النيابة. اذا تنجز الوجوب عليه و لا بأس باستنابته فيما إذا كان جاهلا بالوجوب أو غافلا عنه و هذا الشرط شرط في صحة الاجارة (2) لا في صحة حج النائب، فلو حج- و الحالة هذه- برئت ذمة المنوب عنه، و لكنه لا يستحق الاجرة المسماة، بل يستحق أجرة المثل.

(1) لأن سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غيره عنه نيابة بحاجة الى دليل و لا دليل الّا فيما اذا كان النائب بالغا، و اما اذا لم يكن بالغا فلا دليل على الكفاية، و إن كانت عبادته في نفسها مشروعة.

(2) هذا لا من جهة أن الاجارة لو صحت لزم وجوب حجين متضادين:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 65

.......... أحدهما: عن نفسه.

و الآخر: عن غيره نيابة، و هو تكليف بالمحال، بل من جهة أخرى.

فلنا دعويان: الأولى: ان بطلان الاجارة ليس من جهة أن صحتها تستلزم الأمر بالضدين.

الثانية: ان بطلانها من جهة عدم قدرة الأجير على الوفاء بها في ظرفه.

اما الدعوى الأولى: فلأن مقتضى صحة الاجارة هو وجوب الحجة الايجارية على الأجير فقط، دون وجوب حجتين متضادتين عليه

فعلا، و لكن بما أنه مكلف بالحجة عن نفسه أيضا فيلزم حينئذ وقوع التزاحم بينهما في مرحلة الامتثال، فلا بد اذن من الرجوع الى مرجحات بابه، فان كانت احداهما أهم من الأخرى كان وجوب المهم لا محالة مقيدا لبا و واقعا بعدم الاشتغال بالأهم دون العكس، فلهذا يحكم العقل بوجوب الاتيان به تعيينا، و لكن المكلف اذا أتى بالمهم و خالف الأهم و عصاه فلا مانع من الحكم بصحته على القول بالترتب- كما هو الصحيح- و إن كانتا متساويتين كان وجوب كل منهما مقيدا لبا و واقعا بعدم الاشتغال بالأخرى، و على القول بالترتب يصح الاتيان بكل واحدة منهما عند ترك الأخرى. فالنتيجة انه لو لم يكن هناك مانع آخر من صحة الاجارة لم يكن وقوع التزاحم بين وجوب الحج بالاجارة و وجوبه بالأصالة مانعا عن صحتها.

و أما الدّعوى الثانية: فلأن الأجير اذا كان عالما بوجوب حجة الإسلام عليه أصالة و ملتفتا اليه فلا يمكن الحكم حينئذ بصحة اجارته للحج عن غيره، لأن صحة الاجارة مرتبطة بقدرة الأجير على التسليم و الوفاء بها في ظرفه، و حيث انه مأمور فعلا بحجة الإسلام عن نفسه و وجوب صرف قدرته في

[مسألة 104: يعتبر في فراغ ذمة المنوب عنه احراز عمل النائب، و الاتيان به صحيحا]

(مسألة 104): يعتبر في فراغ ذمة المنوب عنه احراز عمل النائب، و الاتيان به صحيحا، فلا بد من معرفته باعمال الحج و احكامه، و ان كان ذلك بارشاد غيره عند كل عمل، كما لا بد من الوثوق به، و ان لم يكن عادلا.

[مسألة 105: لا بأس بنيابة المملوك عن الحر. إذا كان باذن مولاه

(مسألة 105): لا بأس بنيابة المملوك عن الحر. إذا كان باذن مولاه (1).

امتثالها، فبطبيعة الحال يكون عاجزا عن العمل بالاجارة و الوفاء بها، على أساس أن القدرة الواحدة لا تتسع للضدين معا، فاذا كان ملزما بصرفها في الأهم كان عاجزا عن المهم، فاذن تكون الاجارة عليه باطلة.

و قد تسأل أنه اذا صار أجيرا في هذه الحالة، و حج نيابة عن الميت أو الحي العاجز، فهل يصح؟

و الجواب: ان الاجارة باطلة كما عرفت، و أما الحج فهو صحيح على القول بالترتب، و تبرأ به ذمة الميت أو الحي العاجز، و حينئذ فهل يستحق الأجرة؟

و الجواب: اما الأجرة المسماة فلا يستحقها لمكان بطلان الاجارة، و أما اجرة المثل و هي الاجرة المتعارفة التي يتقاضاها الأجراء للقيام بمثل هذا العمل عادة، فلا يبعد استحقاقها، على أساس أن الاجارة و إن كانت باطلة، الّا أن الحج كان بأمر المستأجر، اذ من غير المحتمل عادة أن يكون أمره به مقيدا بصحة الاجارة. نعم لو كانت هناك قرائن خارجية على أن أمر المستأجر بالحج كان مقيدا بصحة الاجارة، و لم يكن مطلقا، أو لم يعلم بالحال، لم يستحق أجرة المثل أيضا.

(1) اذ لا دليل على اعتبار الحرية في النائب.

نعم، اذا كان النائب عبدا فلا بد من أن تكون استنابته باذن مولاه، و الّا لم تصح.

[مسألة 106: لا بأس بالنيابة عن الصبي المميز]

(مسألة 106): لا بأس بالنيابة عن الصبي المميز (1)، كما لا بأس بالنيابة عن المجنون، بل يجب الاستيجار عنه اذا استقر عليه الحج في حال افاقته و مات مجنونا.

[مسألة 107: لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه

(مسألة 107): لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه، فتصح نيابة الرجل عن المرأة، و بالعكس.

[مسألة 108: لا بأس باستنابة الصرورة عن الصرورة و غير الصرورة]

(مسألة 108): لا بأس باستنابة الصرورة عن الصرورة و غير الصرورة، سواء كان النائب أو المنوب عنه رجلا أو امرأة. نعم، يكره استنابة الصرورة، و لا سيما إذا كان النائب امرأة و المنوب عنه رجلا، و يستثنى من ذلك ما إذا كان المنوب عنه رجلا حيا، و لم يتمكن من حجة الإسلام، فان الأحوط فيه لزوما استنابة الرجل الصرورة (2).

(1) لأن الروايات التي تنص على استحباب النيابة عن غيره في الحج أو غيره من العبادات تشمل باطلاقها الصبي المميز، و المجنون أيضا.

(2) لكن الأقوى عدم اعتبار الصرورة فيه، لأن عمدة الدليل على اعتبارها صحيحة الحلبي: «إن كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه فيه، فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» «1»، بدعوى أنها تدل على أن النائب عن الرجل الحي العاجز عن القيام المباشر بالحج لا بد أن يكون صرورة بمقتضى ظهور القيد في الاحتراز.

و الجواب: ان الصحيحة لا تدل على اعتبار الصرورة في النائب عن الرجل الحي العاجز حتى على القول بأن القضية الوصفية تدل على المفهوم اما بملاك ظهور القيد في الاحتراز او من جهة أخرى، و ذلك لأن من يقول بدلالة هذه القضية على المفهوم انما يقول في الوصف الذي يذكر معه موصوفه، فانه

[مسألة 109: يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر]

(مسألة 109): يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر، فلو مات الكافر مستطيعا، و كان الوارث مسلما لم يجب عليه استيجار الحج عنه (1). و الناصب كالكافر، إلا انه يجوز لولده المؤمن ان ينوب عنه في الحج.

[مسألة 110: لا بأس بالنيابة عن الحي في الحج المندوب تبرعا كان أو باجارة]

(مسألة 110): لا بأس بالنيابة عن الحي في الحج المندوب تبرعا كان أو باجارة، و كذلك في الحج الواجب إذا كان معذورا عن الاتيان بالعمل مباشرة على ما تقدم و لا تجوز النيابة عن الحي في غير ذلك. و اما النيابة عن الميت فهي جائزة مطلقا، سواء كانت باجارة، أو تبرع و سواء كان الحج واجبا أو مندوبا.

محل الكلام بين الأصوليين نفيا و اثباتا، و اما الوصف الذي لا يذكر مع موصوفه فهو خارج عن محل الكلام، لأن حاله حال اللقب، بل هو من افراده، و الفرض أن اللقب لا يدل الّا على انتفاء شخص الحكم المجعول في القضية بانتفاء موضوعه، و هذا ليس من المفهوم في شي ء، و حيث إن وصف الصرورة في الصحيحة لم يذكر مع موصوفه، فلا يدل على المفهوم كاللقب، فاذن لا مانع من التمسك باطلاقات أدلة النيابة، و مقتضاها عدم الفرق بين أن يكون النائب عن الرجل الحي العاجز صرورة أو غير صرورة، و تفصيل ذلك مذكور في الحالة الرابعة من المسألة (72) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(1) هذا بناء على القول بأن الكفار غير مكلفين بالفروع واضح، اذ حينئذ لا موضوع للنيابة عنهم، و أما بناء على القول بأنهم مكلفون بالفروع كما استظهرناه، فعندئذ و إن كانت ذمتهم مشغولة بالعبادات منها الحج، الّا ان صحة النيابة عنهم بحاجة الى دليل،

و لا دليل عليها، لأن أدلة النيابة لا اطلاق لها حتى

[مسألة 111: يعتبر في صحة النيابة تعيين المنوب عنه بوجه من وجوه التعيين

(مسألة 111): يعتبر في صحة النيابة تعيين المنوب عنه بوجه من وجوه التعيين (1)، و لا يشترط ذكر اسمه، كما يعتبر فيها قصد النيابة.

[مسألة 112: كما تصح النيابة بالتبرع و بالاجارة تصح بالجعالة و بالشرط في ضمن العقد و نحو ذلك

(مسألة 112): كما تصح النيابة بالتبرع و بالاجارة تصح بالجعالة و بالشرط في ضمن العقد و نحو ذلك.

[مسألة 113: من كان معذورا في ترك بعض الاعمال، أو في عدم الاتيان به على الوجه الكامل

(مسألة 113): من كان معذورا في ترك بعض الاعمال، أو في عدم الاتيان به على الوجه الكامل لا يجوز استيجاره (2)، بل لو تبرع المعذور و ناب عن غيره يشكل الاكتفاء بعمله. نعم، إذا كان معذورا في ارتكاب ما يحرم على المحرم كمن اضطر إلى التظليل فلا بأس باستيجاره و استنابته و لا بأس لمن دخل مكة بعمرة مفردة أن ينوب عن غيره لحج التمتع مع العلم أنه لا يستطيع الاحرام الا من ادنى الحل، كما لا بأس بنيابة النساء أو غيرهن ممن تجوز لهم الافاضة من المزدلفة قبل طلوع الفجر، و الرمي ليلا للحج عن الرجل أو المرأة.

تشمل النيابة عنهم، و لا يوجد دليل آخر على ذلك فالنتيجة ان الروايات التي تنص على مشروعية النيابة منصرفة عرفا عن النيابة عن الكفار.

(1) اذ لا شبهة في اعتبار قصد النيابة في صحة عمل النائب، فلو حج بدون أن يقصد النيابة عن غيره لم يصح، لا عن نفسه و لا عن غيره، كما أنه يعتبر في صحته أن يقصد النيابة عن غيره معينا في الخارج و لو بعنوان اجمالي كعنوان من قصده المستأجر، أو من اعطى الأجرة له على عمله، أو غير ذلك، فاذا حج النائب و قصد النيابة عن غيره بدون تعيينه لم يقع منه.

(2) هذا هو الصحيح و ذلك لأن ذمة الميت اذا كانت مشغولة بالواجب بكامل اجزائه و شروطه لم يصح استيجار من لا يقدر على الواجب كذلك لمرض أو هرم أو غيره، لأن ما هو مورد للإجارة لا يكون مطابقا لما في ذمة

تعاليق مبسوطة على

مناسك الحج، ص: 70

.......... المنوب عنه، فاذا لم يكن مطابقا لم تصح الاجارة، لأنها بلا مورد، فاذا كان بامكان الوصي أو الوارث استيجار من يكون قادرا على القيام بكل واجبات الحج و شروطه، لم يجز استيجار من لا يكون قادرا على القيام به كذلك.

و بكلمة: ان نيابة من لا يكون قادرا على الحج بكل واجباته و قيوده بسبب أو آخر عن غيره في الحج الواجب غير كافية، و لذلك فاذا بادر و تبرع عن غيره فلا يكتفى بذلك، لأن الملاك في كلا الموردين واحد، و هو عدم انطباق ما في ذمة المنوب عنه على ما أتى به من العمل الناقص. و من هنا يظهر الفرق بين استيجار من لا يقدر على الواجب بتمام واجباته و قيوده من الأول، و بين من طرأ عليه العجز عنه في الاثناء، فعلى الأولى يكون استيجاره باطلا، و على الثاني يكون صحيحا، و لا يكشف طرو العجز عليه عن بطلانه من الأول.

و النكتة في ذلك ان من يكون عاجزا من الأول، فاذا استؤجر للحج عن الميت فبطبيعة الحال استؤجر للحج الناقص عنه دون التام لعدم قدرته عليه، و من الواضح ان هذا الاستيجار باطل جزما، لأن ما هو مورد للإجارة لا يطابق مع ما هو ثابت في ذمة الميت، فان الثابت في ذمته الحج التام، و ما هو مورد للإجارة الحج الناقص، فاذن ما يكون في الذمة لا يكون موردا للإجارة، و ما يكون موردا للإجارة لا يكون ثابتا في الذمة، فلذلك تبطل الاجارة و لا مورد لها.

و أما من يكون قادرا على العمل التام من الأول، فاذا استؤجر فلا محالة كان استيجاره على العمل التام الموافق لما في ذمة

المنوب عنه، و عليه فما هو ثابت في الذمة يكون موردا للإجارة و بالعكس. ثم اذا طرأ عليه عجز في الاثناء بسبب من الأسباب كالمرض أو الحيض أو عائق آخر، فمقتضى القاعدة و إن كان بطلان الاجارة، لأن ذلك كاشف عن عدم قدرته على الوفاء بها في ظرفه من

[مسألة 114: اذا مات النائب قبل أن يحرم لم تبرأ ذمة المنوب عنه، فتجب الاستنابة عنه ثانية في ما تجب الاستنابة فيه

(مسألة 114): اذا مات النائب قبل أن يحرم لم تبرأ ذمة المنوب عنه، فتجب الاستنابة عنه ثانية في ما تجب الاستنابة فيه، و ان مات بعد الاحرام اجزأ عنه و ان كان موته قبل دخول الحرم على الأظهر (1)، و لا فرق في ذلك بين حجة الإسلام و غيرها، و لا بين أن تكون النيابة بأجرة أو بتبرع.

[مسألة 115: اذا مات الأجير بعد الاحرام استحق تمام الأجرة إذا كان اجيرا على تفريغ ذمة الميت

(مسألة 115): اذا مات الأجير بعد الاحرام استحق تمام الأجرة إذا كان اجيرا على تفريغ ذمة الميت، و اما إذا كان اجيرا على الاتيان بالاعمال استحق الاجرة بنسبة ما اتى به، و ان مات قبل الاحرام لم يستحق شيئا.

نعم، إذا كانت المقدمات داخلة في الاجارة استحق من الأجرة بقدر ما أتى به منها.

الأول، الّا أن الروايات التي تنص على تعيين وظيفة العاجز في الأثناء تشمل باطلاقها الأجير أيضا، و تدل على أن وظيفته اذا طرأ عليه عجز في أثناء العمل الاستعانة بالغير، أو الاستنابة كالأصيل، و مقتضى هذه الروايات صحة عمل الأجير بما هو أجير، و نتيجة ذلك صحة الاجارة.

و الحاصل: ان الفرق بين العاجز من الأول و العاجز في الاثناء انما هو النص.

و بكلمة: انه اذا طرأ على الأجير عجز عن الطواف مباشرة لمرض أو نحوه، فعليه أن يطوف بالاستعانة بغيره و لو محمولا، و إن عجز عن ذلك أيضا فعليه أن يستنيب شخصا لكي يطوف عنه.

فالنتيجة ان ما يدل على تعيين الوظيفة لمن طرأ عليه عجز في الاثناء يدل على صحة عمله من الأول، و عدم بطلانه، و اذا كان اجيرا يدل على أنه لا يكون عاجزا عن اتمام العمل التام شرعا حتى تكون الاجارة باطلة، و هذا بخلاف ما إذا كان عاجزا من الأول،

فانه لم يكن مشمولا للنص و مقتضى القاعدة فيه البطلان.

(1) للنص، و بذلك يفترق النائب عن الأصيل، فان النائب اذا مات في

[مسألة 116: اذا استأجر للحج البلدي، و لم يعين الطريق، كان الأجير مخيرا في ذلك

(مسألة 116): اذا استأجر للحج البلدي، و لم يعين الطريق، كان الأجير مخيرا في ذلك، و إذا عين طريقا لم يجز العدول منه إلى غيره (1)، فان عدل و اتى بالأعمال، فان كان اعتبار الطريق في الاجارة على نحو الشرطية (2) دون الجزئية استحق الأجير تمام الاجرة، و كان للمستأجر خيار الفسخ، فان فسخ يرجع إلى اجرة المثل و ان كان اعتباره على نحو الجزئية كان للمستأجر الفسخ أيضا، فان لم يفسخ استحق من الأجرة المسماة بمقدار عمله، و يسقط بمقدار مخالفته.

الطريق، فان كان بعد الإحرام أجزأ، و إن كان قبل دخول الحرم، و هذا بخلاف الأصيل، فانه اذا مات في الطريق فان كان بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ، و الّا لم يجزأ و إن كان بعد الاحرام.

(1) هذا إذا علم بأن تعيين الطريق منه انما يكون من باب الموضوعية اما بملاك أن الحج من هذا الطريق أكثر ثوابا و أجرا، كما اذا عين الحج من طريق النجف الاشرف- مثلا- او من طريق المدينة المنورة ذهابا و ايابا، أو بملاك انه يرى أن الحج من هذا الطريق أكثر أمنا و سلامة، أو غير ذلك، و أما إذا علم بأن تعيين الطريق منه انما يكون بملاك أنه الطريق المتعارف بدون أن تكون فيه خصوصية بنظره، فيجوز له العدول منه الى طريق آخر، و أما إذا شك في ذلك فأيضا لا مانع من العدول بمقتضى أصالة البراءة عن وجوب الذهاب الى الحج من هذا الطريق.

(2) هذا يتصور على نحوين:

أحدهما: ان يكون متعلق الاجارة حصة

خاصة من الحج و هي الحج المقيد من طريق خاص معين، أو بلدة معينة.

و الآخر: أن يكون طبيعي الحج و تعيين الطريق انما هو بالشرط الخارجي.

[مسألة 117: اذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة]

(مسألة 117): اذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة لم تصح اجارته عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضا، و تصح الاجارتان مع اختلاف السنتين، أو مع عدم تقيد احدى الاجارتين او كلتيهما بالمباشرة.

اما على الأول: فاذا خالف الأجير و حج من طريق آخر لم يف بالاجارة أصلا، لأن ما أتى به من حصة للحج ليس متعلقا للإجارة، و ما تعلقت به الاجارة و هو حصة أخرى من الحج لم يأت به، و أما ما في ذمة المنوب عنه فهو يسقط من جهة أنه ينطبق على ما أتى به الأجير في الخارج على أساس أن ما في ذمته طبيعي الحج بدون تقييده بخصوصية أخرى، فان التقييد إنما أخذ في متعلق الاجارة من قبل المستأجر، فانه جعل متعلقها حصة خاصة من الحج، و هي الحج من طريق المدينة المنورة- مثلا- لا طبيعي الحج، و على هذا فاذا حج الأجير من طريق آخر كجدة أو الطائف لم يف بالاجارة أصلا، لأن ما أتى به حصة اخرى من الحج مباينة للحصة المستأجر عليها، فلا يمكن تطبيقها عليها، و حينئذ فهل تبطل الاجارة، أو انه يثبت الخيار للمستأجر من جهة أن الأجير لم يف بالاجارة، و لم يعمل بها مع تمكنه منه؟

و الصحيح الوجه الثاني، اذ لا موجب للبطلان في المقام اصلا، لأن الأجير على الفرض قادر على الوفاء بها بكامل واجباتها، و لكنه ترك العمل بها باختياره عامدا و ملتفتا، و مع هذا لا مبرر لبطلانها، فان المبرر

له أحد أمرين:

الاول: ضيق الوقت، و عدم تمكن الأجير من الوفاء بها فيه.

و الآخر: عجزه عن الوفاء بها، و شي ء منهما في المقام غير موجود، فاذن لا مناص من الالتزام بصحة الاجارة و ثبوت الخيار للمستأجر، و على هذا فان فسخ المستأجر الاجارة طالب الأجير برد الأجرة اليه، و إن لم يفسخ طالبه بقيمة العمل المستأجر عليه، باعتبار أنه أتلفه.

[مسألة 118: اذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لم يجز له التأخير و لا التقديم

(مسألة 118): اذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لم يجز له التأخير و لا التقديم. و لكنه لو قدّم أو أخّر برئت ذمة المنوب عنه، و لا يستحق الأجرة إذا كان التقديم أو التأخير بغير رضى المستأجر (1).

[مسألة 119: اذا صدّ الأجير، أو احصر فلم يتمكن من الاتيان بالأعمال كان حكمه حكم الحاج عن نفسه

(مسألة 119): اذا صدّ الأجير، أو احصر فلم يتمكن من الاتيان بالأعمال كان حكمه حكم الحاج عن نفسه، و يأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى، و انفسخت الاجارة إذا كانت مقيدة بتلك السنة، و يبقى الحج في ذمته إذا لم تكن مقيدة بها.

ثم إن الأجير في هذه الصورة لا يستحق الأجرة المسماة، و لا أجرة المثل.

اما الأولى، فلأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه، لأن ما أتى به من الحج حصة مباينة لحصة مورد الاجارة، و أما الثانية فلأن ما أتى به لما لم يكن باذن المستأجر و أمره لم يستحق الأجرة التي يطالبها الأجير للقيام بمثل هذا العمل عادة، و هذا التصور و ان كان بعيدا عن الارتكاز الذهني الا انه امر ممكن.

و أما على الثاني: و هو ما إذا كان متعلق الاجارة طبيعي الحج، و لكن اشترط على أن يأتي به من الطريق الفلاني، ففي مثل ذلك اذا حج الأجير من طريق آخر فقد خالف الشرط فحسب، و يثبت خيار تخلف الشرط للمستأجر، و أما بالنسبة إلى عقد الاجارة، فقد و في به و أتى بالعمل المستأجر عليه بكامل واجباته، و هو طبيعي الحج، فمن أجل ذلك يستحق تمام الاجرة المسماة، فاذن ليس في هذا الفرض الّا عدم عمل الأجير بالشرط الخارجي، و هو كما لا يوجب بطلان الاجارة كذلك لا يوجب تقسيط الأجرة، و انما يوجب ثبوت الخيار للمستأجر.

(1) الأمر كما افاده قدّس

سرّه لأن متعلق الاجارة حصة خاصة من الحج و هي الحج في سنة معينة، و عليه فاذا حج الأجير في سنة أخرى فبما أنه لم يأت بما هو متعلق الاجارة فلا يستحق الاجرة المسماة، و كذلك أجرة المثل حيث ان ما أتى به لم يكن باذن المستأجر و أمره فلا يستحقها أيضا.

[مسألة 120: اذا اتى النائب بما يوجب الكفارة فهي من ماله

(مسألة 120): اذا اتى النائب بما يوجب الكفارة فهي من ماله، سواء كانت النيابة باجارة أو بتبرع.

[مسألة 121: اذا استأجره للحج باجرة معينة فقصرت الأجرة عن مصارفه لم يجب على المستأجر تتميمها]

(مسألة 121): اذا استأجره للحج باجرة معينة فقصرت الأجرة عن مصارفه لم يجب على المستأجر تتميمها كما انها إذا زادت عنها لم يكن له استرداد الزائد.

[مسألة 122: اذا استأجره للحج الواجب أو المندوب فافسد الأجير حجه بالجماع قبل المشعر]

(مسألة 122): اذا استأجره للحج الواجب أو المندوب فافسد الأجير حجه بالجماع قبل المشعر وجب عليه اتمامه و أجزأ المنوب عنه (1)،

و عليه الحج من قابل و كفارة بدنة و الظاهر انه يستحق الأجرة، و ان لم يحج من قابل لعذر أو غير عذر، و تجري الأحكام المذكورة في المتبرع أيضا غير انه لا يستحق الأجرة.

[مسألة 123: الأجير و ان كان يملك الأجرة بالعقد، و لكن لا يجب تسليمها اليه

(مسألة 123): الأجير و ان كان يملك الأجرة بالعقد، و لكن لا يجب تسليمها اليه إلا بعد العمل اذا لم يشترط التعجيل، و لكن الظاهر جواز مطالبة الأجير للحج الأجرة قبل العمل، و ذلك من جهة القرينة على اشتراط ذلك، فان الغالب ان الأجير لا يتمكن من الذهاب الى الحج، أو الاتيان بالاعمال قبل اخذ الأجرة.

[مسألة 124: إذا آجر نفسه للحج فليس له أن يستأجر غيره إلا مع اذن المستأجر]

(مسألة 124): إذا آجر نفسه للحج فليس له أن يستأجر غيره إلا مع اذن المستأجر (2).

(1) هذا من جهة أن الحجة الأولى هي الحجة الواجبة، و الثانية عقوبة، فلذلك يستحق تمام الأجرة المسماة و ان ترك الحجة في السنة الثانية و لم يأت بها.

(2) لأن الحج في ذمته في السنة الحالية بما أنه مملوك للمستأجر الأول بمقتضى عقد الاجارة الواقعة بينهما، فلا يجوز له التصرف فيه الّا باذنه.

[مسألة 125: اذا استأجر شخصا لحج التمتع مع سعة الوقت

(مسألة 125): اذا استأجر شخصا لحج التمتع مع سعة الوقت، و اتفق ان الوقت قد ضاق فعدل الاجير عن عمرة التمتع الى حج الافراد و أتى بعمرة مفردة بعده برئت ذمة المنوب عنه (1)، لكن الأجير لا يستحق الأجرة إذا كانت الاجارة على نفس الأعمال.

نعم، إذا كانت الاجارة على تفريغ ذمة الميت استحقها.

(1) في البراءة اشكال، و لا يبعد عدمها، لأن الاجارة إن كانت في ضيق الوقت فهي باطلة، لأن صحتها مشروطة بقدرة الأجير على الوفاء بها، و لا قدرة له على الوفاء في ضيق الوقت، و أما إذا كانت في سعة الوقت ثم اتفق ضيقه، فحينئذ تارة يكون الضيق مستندا الى اهمال الأجير و تسامحه في الوفاء بالاجارة، و أخرى لا يكون مستندا الى اهماله و تسامحه.

أما على الأول: فلا موجب لبطلان الاجارة، لأن الأجير حيث كان متمكنا من الوفاء بها و لكنه أخره تسامحا و اهمالا الى أن ضاق الوقت و عجز عنه، فلا مبرر لبطلانها، و حينئذ فيثبت الخيار للمستأجر و له أن يفسخ الاجارة و يطالب الأجير باسترداد الأجرة، و له ان لا يفسخها و يطالبه بقيمة العمل المستأجر عليه.

و أما على الثاني: فمقتضى القاعدة بطلان الاجارة، لأن صحتها مشروطة بقدرة الأجير على

الوفاء بها في ظرفها، و المفروض انه عاجز عن ذلك، و لا يكون عجزه مستندا الى اختياره حتى لا يكون مانعا عن صحتها، هذا.

و ذهب جماعة الى أن وظيفة العاجز في هذه الحالة تنقلب من التمتع الى الافراد. بيان ذلك يتطلب التكلم في عدة مقامات:

الأول: ان ما ذهب اليه جماعة من انقلاب الحج من التمتع الى الافراد في هذه الحالة، هل هو صحيح أو لا؟

الثاني: على تقدير القول بالانقلاب فيها، فهل تظل الاجارة صحيحة أو تبطل؟

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 77

.......... الثالث: ان اتيان النائب بحج الافراد ثم بالعمرة المفردة هل يجزي عن المنوب عنه أو لا؟

الرابع: ان النائب هل يستحق الاجرة على الحج المنقلب اليه؟

أما المقام الأوّل: فالظاهر ان الروايات الواردة في مسألة الانقلاب بمختلف السنتها لا اطلاق لها بالنسبة الى كون المتمتع متمتعا عن نفسه أو متمتعا عن غيره نيابة باجارة او تبرع، فان جملة منها في مقام بيان تحديد وقت عمرة التمتع، و أن الوظيفة متى تكون العمرة، و متى ينتهي وقتها، و لا نظر لها الى كون المتمتع متمتعا عن نفسه أو عن غيره نيابة، فاذن بطبيعة الحال يكون القدر المتيقن منها هو الأول، و جملة أخرى منها في مقام بيان وظيفة من وصل الى مكة في وقت متأخر لا يتمكن الّا من ادراك الناس في المشعر الحرام، أو مع الوقوف الاضطراري في عرفة، و لا نظر لها أيضا الى أنه جاء للحج عن نفسه أو عن غيره نيابة أو تبرعا، فلذلك يكون المتيقن منها الأول دون الأعم.

فالنتيجة ان روايات المسألة انما تكون في مقام البيان من جهات أخرى و مجملة من هذه الجهة، فالقدر المتيقن منها المتمتع عن نفسه.

و

أما المقام الثاني: فالظاهر بطلان الاجارة، لأن موردها كان حج التمتع، و الفرض أن الأجير عاجز عنه، و أما حج الافراد الذي يكون وظيفة الأجير فعلا بالانقلاب فهو ليس مورد الاجارة، و حكم الشارع بانقلاب التمتع الى الافراد ليس بمعنى تبديل مورد الاجارة من التمتع اليه شرعا، بل بمعنى أن وظيفة المحرم لعمرة التمتع بما هو محرم اذا ضاق وقتها فعليه أن يأتي بالحج مفردا بدون النظر الى كون احرامه للعمرة من قبل نفسه أو من قبل غيره نيابة، فالانقلاب انما يكون وظيفة المحرم العاجز عن التمتع بما هو محرم، لا بما هو نائب أو أصيل، فاذن يكون حج الافراد في طول حج التمتع، فما دام المكلف

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 78

.......... متمكنا من التمتع فلا يصل الدور اليه، و اذا عجز عنه جاء دوره.

و بكلمة: ان الشارع جعل حج الافراد بديلا عن التمتع و في طوله و أوجب على من تعذر عليه حج التمتع بتعذر عمرته حج الافراد، حيث إن البعيد الذي تكون وظيفته حج التمتع، فما دام متمكنا من الاتيان بعمرة التمتع فلا يصل الدور الى حج الافراد، و اذا تعذر عليه الجمع بين العمرة و الحج متعة، انتقلت وظيفته الى الافراد، على أساس أن المبدل اذا تعذر وصل دور البدل، و على هذا فاذا كانت الاجارة على المبدل كحج التمتع فاذا تعذر على النائب بتعذر عمرته فوظيفته و ان انتقلت الى الافراد، الّا أن هذا الانتقال لا بملاك أنه نائب، بل بملاك أنه محرم، و على هذا فلا يجب عليه أن يأتي بحج الافراد بقصد أنه نائب عن الميت الفلاني، حيث إنه لا يكون نائبا عنه فيه، و انما يكون

نائبا عنه في حج التمتع، فاذن يكون حج الافراد وظيفته بما أنه محرم، لا بما أنه نائب.

فالنتيجة انه لا يمكن الحكم بصحة هذه الاجارة.

و أما المقام الثالث: فقد ظهر مما مر أن حج الافراد لا يجزي عن المنوب عنه، لما عرفت من أن انتقال وظيفته من التمتع الى الافراد ليس بملاك أنه نائب عنه، بل بملاك انه محرم سواء أ كان لنفسه أم كان لغيره، و لهذا لا يجب عليه الاتيان بالافراد بقصد النيابة، بل يأتي بعنوان أنه وظيفته بما هو محرم. فالنتيجة ان الحكم بالاجزاء عن المنوب عنه لا يخلو عن اشكال بل منع.

و اما المقام الرابع: فقد ظهر مما ذكرناه انه لا يستحق شيئا من الاجرة المسماة، باعتبار أن ذمة المنوب عنه قد ظلت مشغولة، و لا أجرة المثل، لأن الاتيان بحج الافراد لا يكون باذن المستأجر و أمره.

و بكلمة: ان الاجارة لو كانت على الاعمال و المقدمات معا فعندئذ توزع الأجرة على الجميع و يستحق الأجير منها ما يوازي المقدمات فحسب، و أما اذا

[مسألة 126: لا بأس بنيابة شخص عن جماعة في الحج المندوب

(مسألة 126): لا بأس بنيابة شخص عن جماعة في الحج المندوب، و اما الواجب فلا يجوز فيه نيابة الواحد عن اثنين و ما زاد، إلا اذا كان وجوبه عليهما او عليهم على نحو الشركة (1)، كما إذا نذر شخصان أن يشترك كل منهما مع الآخر في الاستيجار في الحج، فحينئذ يجوز لهما أن يستأجر شخصا واحدا للنيابة عنهما.

[مسألة 127: لا بأس بنيابة جماعة في عام واحد عن شخص واحد ميت، أو حي، تبرعا أو بالاجارة]

(مسألة 127): لا بأس بنيابة جماعة في عام واحد عن شخص واحد ميت، أو حي، تبرعا أو بالاجارة، فيما إذا كان الحج مندوبا، و كذلك في الحج الواجب، فيما إذا كان متعددا، كما إذا كان على الميت أو الحي حجان واجبان بنذر- مثلا- او كان احدهما حجة الإسلام و كان الآخر واجبا بالنذر، فيجوز- حينئذ- استيجار شخصين أحدهما لواجب و الآخر لآخر و كذلك يجوز استيجار شخصين عن واحد احدهما للحج الواجب و الآخر للمندوب بل لا يبعد استيجار شخصين لواجب واحد، كحجة الإسلام من باب الاحتياط (2)، لاحتمال نقصان حج احدهما.

[مسألة 128: الطواف مستحب في نفسه، فتجوز النيابة فيه عن الميت

(مسألة 128): الطواف مستحب في نفسه، فتجوز النيابة فيه عن الميت، و كذا عن الحي اذا كان غائبا عن مكة أو حاضرا فيها و لم يتمكن من الطواف مباشرة.

كانت على الأعمال فقط فلا يستحق شيئا منها. نعم ما يصرفه لحد الآن من الاجرة لا يكون ضامنا له، باعتبار أنه باذنه و أمره.

(1) فيه ان ذلك ليس من استنابة واحد للاثنين بما هما اثنان في الحقيقة لأنها غير معقولة، بل هو من استنابة واحد للاثنين بما هما شخص واحد حكما، لوضوح أن الحج اذا كان واجبا على كل واحد من شخصين مستقلا احتاج كل منهما الى نائب مستقل، و لا تتصور كفاية نائب واحد عن الجميع.

(2) بأن ينوب جماعة لحجة الإسلام عن شخص واحد، فيحج كل واحد

[مسألة 129: لا بأس للنائب بعد فراغه من اعمال الحج النيابي أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه، أو عن غيره

(مسألة 129): لا بأس للنائب بعد فراغه من اعمال الحج النيابي أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه، أو عن غيره، كما لا بأس ان يطوف عن نفسه او عن غيره.

منهم نيابة عنه، سواء أ كان قصد بعضهم مختلفا عن قصد البعض الآخر، كما اذا قصد أحدهم النيابة في حج مندوب و قصد الآخر النيابة في حج واجب، أو قصدوا جميعا حجا واحدا كما اذا قصدوا جميعا النيابة عنه في حجة الإسلام احتياطا، على أساس أن كل واحد منهم يحتمل بطلان عمل الآخرين و كونه ناقصا.

[الحج المندوب

اشارة

الحج المندوب

[مسألة 130: يستحب لمن يمكنه الحج ان يحج و ان لم يكن مستطيعا]

(مسألة 130): يستحب لمن يمكنه الحج ان يحج و ان لم يكن مستطيعا، أو انه أتى بحجة الإسلام، و يستحب تكراره في كل سنة لمن يتمكن من ذلك.

[مسألة 131: يستحب نية العود على الحج حين الخروج من مكة]

(مسألة 131): يستحب نية العود على الحج حين الخروج من مكة.

[مسألة 132: يستحب احجاج من لا استطاعة له، كما يستحب الاستقراض للحج اذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك

(مسألة 132): يستحب احجاج من لا استطاعة له، كما يستحب الاستقراض للحج اذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك، و يستحب كثرة الانفاق في الحج.

[مسألة 133: يستحب اعطاء الزكاة، لمن لا يستطيع الحج ليحج بها]

(مسألة 133): يستحب اعطاء الزكاة، لمن لا يستطيع الحج ليحج بها.

[مسألة 134: يشترط في حج المرأة اذن الزوج

(مسألة 134): يشترط في حج المرأة اذن الزوج، اذا كان الحج مندوبا، و كذلك المعتدة بالعدة الرجعية و لا يعتبر ذلك في البائنة و في عدة الوفاة.

[اقسام العمرة]

اشارة

اقسام العمرة

[مسألة 135: العمرة كالحج، فقد تكون واجبة و قد تكون مندوبة، و قد تكون مفردة، و قد تكون متمتعا بها]

(مسألة 135): العمرة كالحج (1)، فقد تكون واجبة و قد تكون مندوبة، و قد تكون مفردة، و قد تكون متمتعا بها.

(1) العمرة تشبه الحج في الجهات التالية:

الأولى: كما أن الحج ينقسم الى الواجب و المستحب تارة، و الى التمتع و الافراد تارة أخرى، كذلك العمرة تنقسم تارة الى العمرة الواجبة و المستحبة، و أخرى الى المتعة و المفردة.

[مسألة 136: تجب العمرة كالحج على كل مستطيع واجد للشرائط، و وجوبها كوجوب الحج فوري

(مسألة 136): تجب العمرة كالحج على كل مستطيع واجد للشرائط، و وجوبها كوجوب الحج فوري (1)، فمن استطاع لها- و لو لم يستطع للحج- وجبت عليه.

نعم، الظاهر عدم وجوبها على من كانت وظيفته حج التمتع (2)، و لم يكن مستطيعا، و لكنه استطاع لها، و عليه فلا تجب على الأجير للحج بعد فراغه من عمل النيابة، و ان كان مستطيعا من الاتيان بالعمرة المفردة لكن الاتيان بها أحوط و أما من أتى بحج التمتع فلا يجب عليه الاتيان بالعمرة المفردة جزما.

الثانية: ان العمرة تشبه الحج في جملة من واجباتها من الاحرام و الطواف و صلاته و السعي بين الصفا و المروة، و تفترق في جملة أخرى منها، و هي التي يمارسها الحاج في خارج مكة كالوقوف بالموقفين و اعمال منى، بينما تقتصر واجبات العمرة في داخل مكة ما عدا الإحرام.

الثالثة: ان العمرة تشبه الحج في انه مستحب عموما باستثناء الحجة الاولى للمستطيع، فانها واجبة باسم حجة الإسلام، سواء أ كانت متعة أم كان افرادا أم قرانا، و العمرة مستحبة عموما باستثناء العمرة الأولى للمستطيع، فانها واجبة عليه شريطة أن يكون موطنه و مسكنه دون ستة عشر فرسخا الى المسجد الحرام.

(1) على الأحوط وجوبا، اذا كان المكلف واثقا و مطمئنا بعدم فوتها لو أخرها.

(2) هو من يبعد مسكنه

و موطنه عن المسجد الحرام ستة عشر فرسخا، اى ما يقارب ثمانية و ثمانين كيلومترا، فان وظيفته المفروضة عليه في الإسلام أن يعتمر و يحج بادئا بالعمرة و خاتما بالحج و تسمى الحجة التي تبدأ بالعمرة

[مسألة 137: يستحب الاتيان بالعمرة المفردة مكررا]

(مسألة 137): يستحب الاتيان بالعمرة المفردة مكررا، و الأولى الاتيان بها في كل شهر، و الأظهر جواز الاتيان بعمرة في شهر و ان كان في آخره و بعمرة اخرى في شهر آخر (1) و ان كان في أوله و لا يجوز الاتيان بعمرتين في شهر واحد فيما اذا كانت العمرتان عن نفس المعتمر أو عن شخص آخر و ان كان لا بأس بالاتيان بالثانية رجاء و لا يعتبر هذا فيما اذا كانت احدى العمرتين عن نفسه و الاخرى عن غيره، او كانت كلتاهما عن شخصين غيره، كما لا يعتبر هذا بين العمرة المفردة و عمرة التمتع فمن اعتمر عمرة مفردة جاز له الاتيان بعمرة التمتع بعدها و لو كانت في نفس الشهر. و كذلك الحال في الاتيان بالعمرة المفردة بعد الفراغ من اعمال الحج، و لا يجوز الاتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع و الحج.

و تنتهي بالحج بحجة التمتع من حجة الإسلام، و تعتبر العمرة الجزء الأول من حجة التمتع.

(1) هذا هو الصحيح، لأن النتيجة المستفادة من الروايات بعد ضم بعضها الى بعضها الآخر هي ان العمرة المفردة مشروعة في كل شهر هلالي مرة واحدة، و لا تكون مشروعة اكثر من مرة، فيسوغ لكل شخص رجلا كان أم امرأة ان يعتمر بعمرة مفردة في الشهر الهلالي مرة واحدة بلا فرق بين أن يكون في العشرة الأولى أو الثانية، أو الثالثة، و من هنا اذا أتى بعمرة مفردة في آخر

شهر جاز له الاتيان بعمرة أخرى في أول شهر آخر بحيث لا يكون الفصل بينهما باكثر من يوم أو أقلّ، و استثني من ذلك موردان:

أحدهما: الظاهر من روايات الباب ان اعتبار الفصل بين عمرتين بشهر إنما هو بين عمرتين مفردتين، و أما إذا كانت احداهما مفردة و الأخرى متعة فلا يعتبر هذا الفصل بينهما، و لا مانع من الاتيان بهما في شهر واحد، كما إذا اعتمر

[مسألة 138: كما تجب العمرة المفردة بالاستطاعة كذلك تجب بالنذر، أو الحلف

(مسألة 138): كما تجب العمرة المفردة بالاستطاعة كذلك تجب بالنذر، أو الحلف، أو العهد أو غير ذلك.

[مسألة 139: تشترك العمرة المفردة مع عمرة التمتع في اعمالها]

(مسألة 139): تشترك العمرة المفردة مع عمرة التمتع في اعمالها، و سيأتي بيان ذلك، و تفترق عنها في أمور (1):

1- ان العمرة المفردة يجب لها طواف النساء و لا يجب ذلك لعمرة التمتع.

2- ان عمرة التمتع لا تقع إلا في أشهر الحج و هي شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، و تصح العمرة المفردة في جميع الشهور، و أفضلها شهر رجب و بعده شهر رمضان.

3- ينحصر الخروج عن الاحرام في عمرة التمتع بالتقصير فقط، و لكن الخروج عن الاحرام في العمرة المفردة قد يكون بالتقصير و قد يكون بالحلق.

في شهر ذي القعدة أو أول ذي الحجة بعمرة مفردة ثم اعتمر في نفس ذلك الشهر بعمرة تمتع.

و الآخر: ان المستفاد من الروايات ان اعتبار هذا الفصل انما هو بين عمرتين مفردتين لشخص واحد، و لا يعتبر اذا كانت احداهما لشخص و الأخرى لآخر، و على هذا لا مانع من أن يأتي شخص واحد بعمرة مفردة لنفسه في شهر، و بعمرة مفردة أخرى عن شخص آخر نيابة أو تبرعا في نفس ذلك الشهر، و بعمرة مفردة ثالثة عن ثالث كذلك، و هكذا.

(1) الفوارق بين العمرتين في الأمور التالية:

الأول: ان العمرة المفردة تشتمل على طواف آخر حول البيت يسمى بطواف النساء، و هذا الطواف و إن كان واجبا مستقلا، و ليس من واجبات العمرة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 85

4- يجب ان تقع عمرة التمتع و الحج في سنة واحدة على ما يأتي، و ليس كذلك في العمرة المفردة فمن وجب عليه حج الافراد و العمرة المفردة جاز له أن

يأتي بالحج في سنة، و العمرة في سنة أخرى.

المفردة في الحقيقة، الّا انه لا بد من الاتيان به بعد الفراغ منها، و لذلك يعتبر آخر أعمال العمرة و هذا بخلاف عمرة التمتع فانها لا تشتمل عليه و لا يجب فيها الّا طواف واحد.

الثاني: ان خروج المكلف عن احرام العمرة المفردة بأحد أمرين: إما بالتقصير، أو الحلق، بينما يكون الخروج عن احرام عمرة التمتع انما هو بالتقصير فحسب، و لا يجوز فيها الحلق.

الثالث: ان الاحرام لعمرة التمتع لا يصح الّا من أحد المواقيت الخمسة، أو النقطة المحاذية لها، بينما يسوغ الاحرام للعمرة المفردة من أدنى الحل اذا لم يكن مارا على أحد تلك المواقيت، و أدنى الحل هو آخر منطقة متصلة بمنطقة الحرم المحيطة بمكة التي لا يجوز لحاج أن يدخل فيها الّا محرما.

الرابع: ان موضع عمرة التمتع من الناحية الزمانية أشهر الحج، و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، بينما يكون موضع العمرة المفردة من الناحية الزمانية جميع الشهور طول السنة أفضلها شهر رجب.

الخامس: ان عمرة التمتع جزء من حج التمتع و لا يجوز الاتيان بها بصورة مستقلة عن الحج، و لهذا يجب أن تقع عمرة التمتع و الحج في سنة واحدة مع تقديم العمرة على الحج، لأنهما جزءان مترابطان، و هذا بخلاف العمرة المفردة فانها تصح في جميع الشهور طوال السنة، و لذلك لا مانع من أن تقع العمرة المفرده في سنة و حج الافراد في سنة أخرى، لأنهما واجبان مستقلان.

السادس: ان من كانت وظيفته حج التمتع فلا تكتمل استطاعته الّا أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 86

5- ان من جامع في العمرة المفردة، عالما عامدا قبل الفراغ من السعي فسدت

عمرته بلا اشكال (1) و وجبت عليه الاعادة بان يبقى في مكة إلى الشهر القادم فيعيدها فيه، و اما من جامع في عمرة التمتع ففي فساد عمرته اشكال، و الأظهر عدم الفساد كما يأتي.

[مسألة 140: يجوز الاحرام للعمرة المفردة من نفس المواقيت التي يحرم منها لعمرة التمتع

(مسألة 140): يجوز الاحرام للعمرة المفردة من نفس المواقيت التي يحرم منها لعمرة التمتع- و يأتي بيانها- و إذا كان المكلف في مكة و اراد الاتيان بالعمرة المفردة جاز له ان يخرج من الحرم و يحرم، و لا يجب عليه الرجوع إلى المواقيت و الاحرام منها، و الأولى أن يكون احرامه من الحديبية أو الجعرانة، أو التنعيم.

[مسألة 141: تجب العمرة المفردة لمن اراد أن يدخل مكة]

(مسألة 141): تجب العمرة المفردة لمن اراد أن يدخل مكة، فانه لا يجوز الدخول فيها إلا محرما و يستثنى من ذلك من يتكرر منه الدخول و الخروج كالحطاب و الحشاش و نحوهما (2)، و كذلك من خرج من مكة بعد اتمامه اعمال الحج أو بعد العمرة المفردة فانه يجوز له العود اليها، من دون احرام قبل مضي الشهر الذي ادى نسكه فيه، و يأتي حكم الخارج من مكة بعد عمرة التمتع و قبل الحج.

تتوفر بتمام عناصرها الثلاثة بالنسبة إلى كلا جزأيه معا هما عمرة التمتع و حج التمتع، فمن كان مستطيعا لأحدهما دون الآخر فلا يجب عليه شي ء منهما، و أما من كان عليه حج الافراد فيكفى لوجوب كل من الحج و العمرة استطاعته، فاذا استطاع للعمرة وجب الاعتمار، و اذا استطاع للحج وجب الحج، و اذا استطاع للاثنين وجب الاثنان مقدما للحج على العمرة المفردة على الأحوط.

(1) في الفساد اشكال، و لا تبعد الصحة، و ستعرف وجه ذلك في المسألة (223) الآتية.

(2) في التخصيص اشكال، و لا يبعد عموم الحكم لكل من يخرج من

[مسألة 142: من أتى بعمرة مفردة في اشهر الحج و بقي اتفاقا في مكة إلى اوان الحج جاز له أن يجعلها عمرة التمتع

(مسألة 142): من أتى بعمرة مفردة في اشهر الحج و بقي اتفاقا في مكة إلى اوان الحج جاز له أن يجعلها عمرة التمتع (1) و يأتي بالحج، و لا فرق في ذلك بين الحج الواجب و المندوب.

مكة و يدخل فيها من أجل حاجة البلد، أو حاجة شخصية كالمعلم أو الممرض لمريض خاص متعلق به، أو الطالب الجامعي أو غير ذلك، لأن الوارد في لسان الرواية و إن كان عنوان الحطابة و المجتلبة، الّا أن المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ان المعيار انما هو بتكرر الخروج من مكة

و الدخول فيها من أجل حاجة تتطلب ذلك، و إن كانت شخصية و لا يرى العرف خصوصية لعنوان الحطابة و المجتلبة الّا من جهة ان ذلك الشغل يتطلب تكرر الخروج منها و الدخول فيها، فاذن لا يفهم من اذن النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله لهما بالدخول حلالا الا كون شغلهما يقتضي ذلك، فيكون الاذن منه صلّى اللّه عليه و آله نوع امتنان لهما، و عليه فلا يختص بمورده.

(1) انقلاب العمرة المفردة إلى عمرة التمتع مرتبط بتوفر أمور:

الأول: ان يكون المعتمر للعمرة المفردة بانيا على الرجوع الى بلدته بعد الفراغ من العمرة، و أما اذا كان بانيا على الحج بعدها فلا تنقلب، و لا بد له حينئذ من الاتيان بعمرة التمتع.

الثاني: ان يكون عدوله من الرجوع إلى بلدته بعد الاتيان بالعمرة و الانتهاء منها، و اما اذا كان في اثناء العمرة فلا يكفي في الانقلاب.

الثالث: ان يكون بناؤه على البقاء في مكة بنية الحج، و أما اذا كان بغرض آخر فلا ينقلب، و يجوز له الخروج من مكة حتى في يوم التروية. نعم لا فرق بين أن يكون بناؤه على البقاء في مكة بقصد الحج في موسمه من الأول، أو يكون لسبب آخر فيبقى فيها الى ذي الحجة، أو الى يوم التروية، ثم بنى على

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 88

.......... الحج، و أما إذا لم يبن عليه اصلا، فلا ينقلب. فاذا توفرت هذه الأمور الثلاثة انقلبت العمرة المفردة متعة، و الّا فلا، و تمام الكلام في ذلك في (فصل: في صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

[اقسام الحج

اشارة

اقسام الحج

[مسائل في أقسام الحج

[مسألة 143: أقسام الحج ثلاثة: تمتع، و افراد، و قران

(مسألة 143): أقسام الحج ثلاثة: تمتع، و افراد، و قران، و الأول فرض من كان البعد بين اهله و مكة أكثر من ستة عشر فرسخا، و الآخران فرض من كان اهله حاضري المسجد الحرام، بان يكون البعد بين أهله و مكة أقل من ستة عشر فرسخا.

[مسألة 144: لا بأس للبعيد ان يحج حج الافراد أو القران ندبا]

(مسألة 144): لا بأس للبعيد ان يحج حج الافراد أو القران ندبا، كما لا بأس للحاضر أن يحج حج التمتع ندبا، و لا يجوز ذلك في الفريضة، فلا يجزي حج التمتع عمن وظيفته الافراد أو القران، و كذلك العكس.

نعم، قد تنقلب وظيفة المتمتع الى الافراد، كما يأتي.

[مسألة 145: اذا أقام البعيد في مكة، فان كانت إقامته بعد استطاعته و وجوب الحج عليه

(مسألة 145): اذا أقام البعيد في مكة، فان كانت إقامته بعد استطاعته و وجوب الحج عليه وجب عليه حج التمتع (1)، و اما إذا كانت استطاعته (1) في الوجوب اشكال، بل منع، لأن الميزان في الانقلاب إنما هو ببقاء المقيم في مكة الى أن دخل في السنة الثالثة، فاذا دخل فيها انقلبت وظيفته من التمتع الى الافراد تبعا لانقلاب موضوعه، بمعنى ان الشارع جعل المقيم في مكة الى سنتين بمنزلة أهلها، و تترتب عليه آثاره، و لا فرق في ذلك بين أن يكون استطاعته بعد الدخول في الثالثة أو قبل الدخول فيها، بل الأمر كذلك و إن كانت استطاعته في بلدته، فان الموضوع اذا انقلب، انقلب الحكم لا محالة، و على هذا فبما ان الموضوع في المقام قد انقلب بحكم الشارع بعد سنتين، حيث ان المقيم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 90

بعد اقامته في مكة وجب عليه حج الافراد او القران بعد الدخول في السنة الثالثة، و أما إذا استطاع- قبل ذلك- وجب عليه حج التمتع (1).

و المجاور في مكة بعدهما و الدخول في الثالثة أصبح من أهلها تنزيلا، فبطبيعة الحال انقلب الحكم أيضا، فانه قبل الدخول في الثالثة كان الواجب عليه حج التمتع من جهة استطاعته، و توفر الامكانية المالية لديه باعتبار أنه قبل الدخول فيها لم يكن من أهل مكة، و أما بعد الدخول فيها

و صيرورته من أهلها انقلب وجوب التمتع الى وجوب الافراد تبعا لانقلاب الموضوع، اذ لا يعقل أن يكون الشخص من أهل مكة و مع ذلك يكون الواجب عليه حج التمتع، فانه خلف فرض كونه من أهل مكة، و مجرد أن استطاعته كانت قبل ذلك لا يقتضى عدم الانقلاب في الحكم رغم الانقلاب في الموضوع، لأن استطاعته إنما تقتضي وجوب حج التمتع عليه ما دام لم يصر من أهله مكة، و أما إذا صار من أهلها و لو تنزيلا فهي تقتضي وجوب حج الافراد عليه.

و بكلمة: ان وجوب حج التمتع ينتفي عن المجاور بانتفاء موضوعه و هو البعيد بعد دخوله في السنة الثالثة، و يحدث عليه وجوب حج الإفراد من جهة تحقق موضوعه فيه و هو القريب.

(1) بل وجب عليه حج الافراد و ذلك لأن موضوع وجوب حج التمتع من لم يكن من أهل مكة، و موضوع وجوب حج الافراد من كان من أهلها، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة سواء أ كان حج التمتع أم كان حج الافراد، و على هذا فمن قصد الاقامة في مكة و ظل فيها الى أن دخل في السنة الثالثة انقلبت وظيفته من التمتع الى الإفراد تبعا لانقلاب الموضوع، و من الواضح ان الموضوع اذا انقلب، انقلب الحكم، و لا يعقل بقاء

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 91

.......... الحكم الأول مع انتفاء موضوعه، لأن ذلك خلف فرض كونه موضوعا له، و لا فرق في ذلك بين أن يكون استطاعته بعد سنتين أو قبلهما، حتى اذا كانت في بلدته، لأنها قبل سنتين تتطلب وجوب حج التمتع عليه ما دام لم ينقلب الى موضوع آخر، و بعدهما

تتطلب وجوب حج الافراد دون الأول، لأنه ينتفي بانتفاء موضوعه، و تدل على انقلاب الموضوع روايات الباب.

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة: «من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له» «1»، فانه واضح الدلالة على أن من أقام بمكة سنتين أصبح من أهلها، فاذا اصبح من أهلها ترتب عليه حكمه و هو وجوب حج الافراد و انتفى عنه حكمه الأول و هو وجوب حج التمتع بانتفاء موضوعه، اذ كونه محكوما بوجوب حج التمتع بحاجة الى دليل يدل على أن أهل مكة في بعض الحالات محكوم بحج التمتع، و لا دليل على ذلك حتى نقيد اطلاق ما دل على أن وظيفة أهل مكة حج الافراد بغير هذه الحالة.

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة عمر بن يزيد: «المجاور بمكة يتمتع بالعمرة الى الحج الى سنتين، فاذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له أن يتمتع» «2»، فانه يدل بوضوح على انقلاب الموضوع بعد سنتين، و مجرد أن استطاعته كانت قبل ذلك لا يقتضي بقاء وجوب حج التمتع عليه حتى بعد سنتين، لان مقتضى اطلاقه انه لا متعة له بعدهما و ان كانت استطاعته قبل ذلك، هذا اضافة الى انه خلف فرض انقلاب موضوعه الى موضوع آخر، و على هذا فالاستطاعة القبلية تقتضي وجوب حج التمتع عليه الى سنتين، و اذا دخلت عليه الثالثة تقتضي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 92

هذا إذا كانت اقامته بقصد المجاورة، و أما إذا كانت بقصد التوطن فوظيفته حج الافراد أو القران من اول الامر اذا كانت استطاعته بعد ذلك، و أما إذا كانت قبل قصد التوطن في مكة فوظيفته حج التمتع (1)، و كذلك الحال فيمن

قصد التوطن في غير مكة من الاماكن التي يكون البعد بينها و بين المسجد الحرام أقلّ من ستة عشر فرسخ.

[مسألة 146: إذا اقام في مكة، و كانت استطاعته في بلده، أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه الى حج الافراد أو القران

(مسألة 146): إذا اقام في مكة، و كانت استطاعته في بلده، أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه الى حج الافراد أو القران فالاظهر جواز احرامه من ادنى الحل و ان كان الأحوط أن يخرج إلى أحد المواقيت و الاحرام منها لعمرة التمتع، بل الأحوط أن يخرج الى ميقات اهل بلده.

وجوب حج الافراد عليه لأن الأول ينتفي بانتفاء موضوعه، و تفصيل ذلك بشكل موسع في المسألة (3) من (فصل: في اقسام الحج) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(1) بل حج الافراد كما مر، و به يظهر حال المسألة الآتية.

[حج التمتع

اشارة

حج التمتع

[مسألة 147: يتألف هذا الحج من عبادتين تسمى اولاهما بالعمرة، و الثانية بالحج

(مسألة 147): يتألف هذا الحج من عبادتين تسمى اولاهما بالعمرة، و الثانية بالحج، و قد يطلق حج التمتع على الجزء الثاني منهما، و يجب الاتيان بالعمرة فيه قبل الحج (1).

[مسألة 148: تجب في عمرة التمتع خمسة امور]

(مسألة 148): تجب في عمرة التمتع خمسة امور:

الامر الاول: الاحرام من احد المواقيت، و ستعرف تفصيلها.

الامر الثاني: الطواف حول البيت.

الامر الثالث: صلاة الطواف.

الامر الرابع: السعي بين الصفا و المروة.

الامر الخامس: التقصير، و هو أخذ شي ء من الشعر أو الاظفار، فاذا أتى المكلف بهذه الأعمال الخمسة خرج من إحرامه، و حلت له الامور التي كانت قد حرمت عليه بسبب الاحرام.

(1) حيث ان حج التمتع بكلا جزأيه عبادة، فلا يقع صحيحا ما لم يتوفر فيه أمور:

الأول: نية القربة بأمل أن يقبل اللّه تعالى منه.

الثاني: قصد الاخلاص و نعني به عدم الرياء.

الثالث: قصد الاسم الخاص المميز له شرعا، فاذا أحرم فلا بد أن يكون احرامه بقصد القربة و الاخلاص و قصد اسمه الخاص، بمعنى ان الاحرام ان كان للعمرة لحجة التمتع من حجة الإسلام نوى ذلك، و ان كان نائبا ذكر اسم المنوب

[مسألة 149: يجب على المكلف أن يتهيأ لأداء وظائف الحج فيما إذا قرب منه اليوم التاسع من ذي الحجة الحرام

(مسألة 149): يجب على المكلف أن يتهيأ لأداء وظائف الحج فيما إذا قرب منه اليوم التاسع من ذي الحجة الحرام، و واجبات الحج ثلاثة عشر و هي كما يلى:

1- الاحرام من مكة، على تفصيل يأتي.

2- الوقوف في عرفات بعد مضي ساعة من ظهر اليوم التاسع، أو من نفس الظهر من ذي الحجة الحرام إلى المغرب، و تقع عرفات على بعد أربعة فراسخ من مكة.

3- الوقوف في المزدلفة يوم العيد الأضحى من الفجر الى طلوع الشمس، و تقع المزدلفة بين عرفات و مكة ...

4- رمي جمرة العقبة في منى يوم العيد، و منى على بعد فرسخ واحد من مكة تقريبا.

5- النحر أو الذبح في منى يوم العيد.

6- الحلق أو أخذ شي ء من الشعر أو الظفر في منى، و بذلك يحل له ما حرم عليه من جهة

الاحرام ما عدا النساء و الطيب، بل الصيد على الأحوط.

7- طواف الزيارة بعد الرجوع إلى مكة.

8- صلاة الطواف.

9- السعي بين الصفا و المروة، و بذلك يحل الطيب أيضا.

10- طواف النساء.

11- صلاة طواف النساء، و بذلك تحل النساء أيضا.

عنه، و إن كان الحج مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام و هكذا، و لا بد ان تكون هذه الأمور الثلاثة مقارنة للعمل بكامل اجزائه، بمعنى أنها لا تتأخر عن أول جزء من اجزاء العمل العبادي.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 95

12- المبيت في منى ليلة الحادي عشر، و ليلة الثاني عشر بل ليلة الثالث عشر في بعض الصور كما سيأتي.

13- رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، بل في اليوم الثالث عشر أيضا، فيما اذا بات المكلف هناك على الأحوط.

[مسألة 150: يشترط في حج التمتع أمور]

(مسألة 150): يشترط في حج التمتع أمور:

1- النية (1) بان يقصد الاتيان بحج التمتع بعنوانه، فلو نوى غيره أو تردد في نيته لم يصح حجه.

2- ان يكون مجموع العمرة و الحج في اشهر الحج (2)، فلو اتى بجزء من العمرة قبل دخول شوال لم تصح العمرة.

3- ان يكون الحج و العمرة في سنة واحدة (3)، فلو أتى العمرة و أخر الحج إلى السنة القادمة لم يصح التمتع و لا فرق في ذلك بين أن يقيم في مكة الى السنة القادمة و ان يرجع إلى أهله ثم يعود اليها، كما لا فرق بين ان يحلّ من احرامه بالتقصير و ان يبقى محرما إلى السنة القادمة.

(1) شروط حج التمتع بتمام عناصرها الثلاثة من نية القربة، و الاخلاص، و قصد اسمه الخاص المميز له شرعا، فاذا نوى حج التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى كفى، و

إن كان مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام، و إن كان منذورا بدّل كلمة حجة الإسلام بالحجة المنذورة و هكذا.

(2) و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فان هذه الشهور الخاصة موضع عمرة التمتع من الناحية الزمانية، و أما موضع حج التمتع من الناحية الزمانية فهو يبدأ بعد دخول شهر ذي الحجة.

(3) للنصوص الدالة على ذلك، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين جميع

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 96

4- أن يكون احرام حجه من نفس مكة مع الاختيار و افضل مواضعه المقام أو الحجر (1)، و إذا لم يمكنه الاحرام من نفس مكة أحرم من أي موضع تمكن منه.

5- ان يؤدي مجموع عمرته و حجه شخص واحد عن شخص واحد (2)، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن ميت اوحي أحدهما لعمرته و الآخر لحجه لم يصح ذلك، و كذلك لو حج شخص و جعل عمرته عن واحد و حجه عن آخر لم يصح.

الفروض المشار اليها في المتن.

(1) في الأفضلية اشكال بل منع، و قد تعرضنا حكم المسألة بكامل جهاته في الامر الرابع من (فصل: في صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) لأن عمرة التمتع و حج التمتع عمل واحد مركب من جزءين مترابطين ثبوتا و سقوطا، و على هذا فلا يمكن أن ينوي المكلف كلا منهما بنية مستقلة، بل لا بد أن تكون نية كل واحد منهما في ضمن نية المجموع، كما هو الحال في كل واجب مركب، و الّا لزم كون كل واحد منهما واجبا مستقلا، و هذا خلف فرض كون المجموع واجبا واحدا، فمن اجل ذلك لا يمكن أن يستنيب شخصا لعمرة التمتع و آخر

لحج التمتع، فان هذه الاستنابة لا يمكن أن تكون صحيحة، لأن العمرة بصورة مستقلة غير مشروعة، و كذلك حج التمتع، فاذن لا محالة تكون الاجارة عليهما باطلة، فان ما هو مشروع- و هو كون كل منهما جزء الواجب- لم تقع عليه الاجارة، و ما وقعت الاجارة عليه و هو كون كل منهما واجبا مستقلا لم يكن مشروعا، و تفصيل الكلام في ذلك في الأمر الخامس من (فصل: في صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

[مسألة 151: إذا فرغ المكلف من اعمال عمرة التمتع وجب عليه الاتيان باعمال الحج

(مسألة 151): إذا فرغ المكلف من اعمال عمرة التمتع وجب عليه الاتيان باعمال الحج، و لا يجوز له الخروج من مكة لغير الحج (1)، الا ان يكون خروجه لحاجة و لم يخف فوات اعمال الحج، فيجب- و الحالة هذه- أن يحرم للحج من مكة، و يخرج لحاجته، ثم يلزمه ان يرجع الى مكة بذلك الاحرام و يذهب منها الى عرفات، و اذا لم يتمكن من الرجوع الى مكة ذهب الى عرفات من مكانه و كذلك لا يجوز لمن اتى بعمرة التمتع ان يترك الحج اختيارا و لو كان الحج استحبابيا.

نعم، إذا لم يتمكن من الحج فالأحوط ان يجعلها عمرة مفردة و يأتي بطواف النساء.

ثم هناك شرط سادس و هو ان حجة التمتع ترتبط صحتها بوقوع عمرة التمتع قبلها و بصورة صحيحة، كما ان عمرة التمتع ترتبط صحتها بوقوع حجة التمتع بعدها و بصورة صحيحة.

(1) في اطلاقه اشكال بل منع، و الأقوى جواز الخروج الى المناطق القريبة من مكة كجدة و الطائف و نحوهما مع الوثوق و الاطمئنان بالرجوع اليها و ادراك الحج، بل لا يبعد جواز الخروج منها الى الأماكن البعيدة شريطة أن يكون واثقا

و متأكدا بالرجوع الى مكة و ادراك الحج، و لا فرق فيه بين أن يكون الخروج من أجل ضرورة أو لا، فان المعيار انما هو بالوثوق و الاطمئنان بالتمكن من الرجوع الى مكة و ادراك الحج، كما أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون خروجه من مكة محرما أو محلا، و إن كان الأولى و الأجدر أن يكون محرما باحرام الحج، و تفصيل ذلك في المسألة (3) من (فصل: في صورة الحج و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

[مسألة 152: كما لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة بعد تمام عمرته كذلك لا يجوز له الخروج منها في اثناء العمرة]

(مسألة 152): كما لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة بعد تمام عمرته كذلك لا يجوز له الخروج منها في اثناء العمرة (1)، فلو علم المكلف قبل دخوله مكة باحتياجه الى الخروج منها، كما هو شأن الحملدارية فله أن يحرم- أولا- بالعمرة المفردة لدخول مكة فيقضي اعمالها، ثم يخرج لقضاء حوائجه، و يحرم ثانيا لعمرة التمتع، و لا يعتبر في صحته مضي شهر من عمرته الاولى كما مرّ.

[مسألة 153: المحرّم من الخروج عن مكة بعد الفراغ من اعمال العمرة أو اثنائها انما هو الخروج عنها الى محل آخر]

(مسألة 153): المحرّم من الخروج عن مكة بعد الفراغ من اعمال العمرة أو اثنائها انما هو الخروج عنها الى محل آخر، و لا بأس بالخروج الى اطرافها و توابعها، و عليه فلا بأس للحاج أن يكون منزله خارج البلد فيرجع الى منزله اثناء العمرة، أو بعد الفراغ منها.

[مسألة 154: إذا خرج من مكة بعد الفراغ من اعمال العمرة من دون احرام، و تجاوز المواقيت

(مسألة 154): إذا خرج من مكة بعد الفراغ من اعمال العمرة من دون احرام، و تجاوز المواقيت ففيه صورتان:

(1) في عدم الجواز اشكال بل منع، و الأظهر جواز الخروج من مكة اثناء عمرة التمتع اذا كان واثقا و مطمئنا بالتمكن من الرجوع الى مكة و اتمام العمرة و ادراك الحج، كما اذا احرم المكلف لعمرة التمتع و جاء الى مكة ثم خرج منها الى بلدة أخرى، فاذا رجع منها الى مكة أتم عمرته و أحرم للحج، أو اذا خرج منها بعد السعي بين الصفا و المروة، و قبل التقصير، فان كل ذلك لا مانع منه شريطة الوثوق و الاطمئنان بالرجوع اليها و اتمام العمرة و ادراك الحج، بل لا مانع من جواز ذلك و إن قلنا بعدم جواز الخروج بعد اتمام العمرة، باعتبار أن الروايات الناهية عن الخروج مختصة بالخروج بعد العمرة، و لا تشمل الخروج في اثنائها.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 99

الاولى: ان يكون رجوعه قبل مضي شهر عمرته ففي هذه الصورة يلزمه الرجوع إلى مكة بدون احرام (1)، فيحرم منها للحج، و يخرج الى عرفات.

الثانية: ان يكون رجوعه بعد مضي شهر عمرته ففي هذه الصورة تلزمه اعادة العمرة.

[مسألة 155: من كانت وظيفته حج التمتع لم يجز له العدول الى غيره من افراد او قران

(مسألة 155): من كانت وظيفته حج التمتع لم يجز له العدول الى غيره من افراد او قران، و يستثنى من ذلك من دخل في عمرة التمتع، ثم ضاق وقته فلم يتمكن من اتمامها و إدراك الحج، فانه ينقل نيته الى حج الافراد و يأتي بالعمرة المفردة بعد الحج، و حدّ الضيق المسوّغ لذلك خوف فوات الركن من الوقوف الاختياري في عرفات (2).

[مسألة 156: اذا علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة]

(مسألة 156): اذا علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة، و ادراك الحج قبل أن يدخل في العمرة لم يجز له العدول من الاول (3)، بل وجب عليه تأخير الحج إلى السنة القادمة.

(1) هذا للنصوص الخاصة التي تنص على ذلك، و كذلك الحال في الصورة الثانية. و تمام الكلام في هاتين الصورتين في المسألة (2) من (فصل:

صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) هذا القول هو الصحيح، و في مقابله اقوال اخرى، و قد فصلنا الحديث في هذه الاقوال و في الروايات الواردة فيها و علاج مشكلة التنافي و التعارض بينها في المسألة (3) من (فصل: في صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(3) لأن روايات الباب جميعا متفقة على أن من احرم لعمرة التمتع و دخل مكة و ضاق وقتها و خاف فوت الموقف تنقلب وظيفته من التمتع الى

[مسألة 157: اذا احرم لعمرة التمتع في سعة الوقت، و أخّر الطواف و السعي متعمدا الى زمان لا يمكن الاتيان فيه بهما و إدراك الحج

(مسألة 157): اذا احرم لعمرة التمتع في سعة الوقت، و أخّر الطواف و السعي متعمدا الى زمان لا يمكن الاتيان فيه بهما و إدراك الحج، بطلت عمرته (1)، و لا يجوز له العدول الى الافراد على الأظهر، لكن الأحوط ان يعدل اليه و يتمها بقصد الأعم من حج الافراد و العمرة المفردة.

الافراد، و لا تشمل من علم بضيق الوقت قبل الدخول في الاحرام، و لا تدل على أن وظيفته الانقلاب على تفصيل ذكرناه في المسألة (3) من (فصل: في صورة الحج و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(1) هذا لا من جهة أنها واقعة في خارج وقتها، بل من جهة أنه اذا أتى بها فقد فات عنه الموقف، و بما أن

فوته كان مستندا الى اهماله و تقصيره، فلا محالة يوجب بطلان الحج، و مع بطلانه بطلت العمرة، لما مر من أن صحتها مرتبطة بصحة الحج بعدها. و أما ان المقام غير مشمول لروايات العدول و الانقلاب، فلأن مورد تلك الروايات ما اذا لم يكن ضيق الوقت مستندا الى اهمال المكلف و تقصيره، و بما أن ضيق الوقت في المقام مستند الى اختياره فلا تشمله الروايات، فاذن يكون المرجع فيه مقتضى القاعدة، و هو بطلان الاحرام و اعادة الحج من قابل.

[حج الافراد]

اشارة

حج الافراد مرّ عليك أن حج التمتع يتألف من جزءين، هما: عمرة التمتع و الحج، و الجزء الأوّل منه متصل بالثاني، و العمرة تتقدم على الحج.

أما حج الأفراد فهو عمل مستقل في نفسه واجب- كما علمت- على من يكون الفاصل بين منزله و بين المسجد الحرام أقل من ستة عشر فرسخا و فيما اذا تمكن مثل هذا المكلف من العمرة المفردة وجبت عليه بنحو الاستقلال أيضا.

و عليه فاذا تمكن من أحدهما دون الآخر وجب عليه ما يتمكن منه خاصة، و إذا تمكن من أحدهما في زمان و من الآخر في زمان آخر وجب عليه القيام بما تقتضيه وظيفته في كل وقت، و إذا تمكن منهما في وقت واحد وجب عليه- حينئذ- الاتيان بهما و المشهور بين الفقهاء في هذه الصورة وجوب تقديم الحج على العمرة المفردة و هو الأحوط.

[مسألة 158: يشترك حج الافراد مع حج التمتع في جميع أعماله، و يفترق عنه في امور]

(مسألة 158): يشترك حج الافراد مع حج التمتع في جميع أعماله، و يفترق عنه في امور (1):

أولا: يعتبر اتصال العمرة بالحج في حج التمتع و وقوعهما في سنة واحدة- كما مر- و لا يعتبر ذلك في حج الافراد.

(1) الفوارق بين الحجّتين:

الاول: ان صحة حج التمتع ترتبط بوقوع العمرة قبله، و بصورة صحيحة، بمعنى انهما مترابطان ثبوتا و سقوطا، صحة و فسادا، بينما لا ترتبط صحة حج

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 102

ثانيا: يجب النحر أو الذبح في حج التمتع- كما مر- و لا يعتبر شي ء من ذلك في حج الافراد.

ثالثا: لا يجوز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين في حج التمتع مع الاختيار، و يجوز ذلك في حج الافراد.

رابعا: ان احرام حج التمتع يكون بمكة، و أما الاحرام في حج الافراد فهو من أحد المواقيت

الآتية.

خامسا: يجب تقديم عمرة التمتع (1) على حجه، و لا يعتبر ذلك في حج الافراد.

الافراد بوقوع العمرة المفردة قبله و بصورة صحيحة، و لعل هذا هو المقصود من اتصال العمرة بالحج في حج التمتع في المتن.

الثاني: يعتبر في حج التمتع الذبح أو النحر، بينما لا يعتبر ذلك في حج الافراد. نعم اذا صحب المؤدّي لحج الافراد هديا معه وقت الاحرام و يسوقه في حجه، وجب عليه أن يضحّي بذلك الهدي يوم العيد و يسمى الحج حينئذ بحج القران، باعتبار أن الحاج يقرن معه الهدي.

الثالث: لا يجوز تقديم الطواف و السعي على الوقوفين في حج التمتع مع الاختيار، بينما يجوز ذلك في حج الافراد.

الرابع: ان موضع احرام حج التمتع يكون بمكة، و يقصد بمكة هنا البلدة على امتدادها، فالأحياء الجديدة التي تشكل الامتداد الحديث لمكة و تعتبر جزءا منها عرفا يجوز الاحرام فيها، و لا يجوز الاحرام في بلدة أو قرية أخرى لها عنوانها المتميز و إن اتصلت بمكة عن طريق توسع العمران، و أما موضع احرام حج الافراد فهو من أحد المواقيت الخمسة.

(1) فيه ان هذا ليس مائزا خامسا بينهما، لأنه داخل في المائز الأول.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 103

سادسا: لا يجوز بعد احرام حج التمتع الطواف المندوب على الأحوط (1) الوجوبي، و يجوز ذلك في حج الافراد.

[مسألة 159: اذا احرم لحج الأفراد ندبا جاز له أن يعدل إلى عمرة التمتع إلا فيما إذا لبّى بعد السعي

(مسألة 159): اذا احرم لحج الأفراد ندبا جاز له أن يعدل إلى عمرة التمتع إلا فيما إذا لبّى بعد السعي، فليس له العدول- حينئذ- إلى التمتع (2).

[مسألة 160: إذا أحرم لحج الأفراد، و دخل مكة جاز له ان يطوف بالبيت ندبا]

(مسألة 160): إذا أحرم لحج الأفراد، و دخل مكة جاز له ان يطوف بالبيت ندبا، و لكن يجب عليه التلبية (3)، بعد الفراغ من صلاة الطواف على الأحوط.

(1) لكن الأظهر جوازه، فان ما دل على عدم الجواز محكوم بما دل على الجواز، و سيأتي بيانه في احرام الحج.

(2) للنصوص الخاصة الدالة على جواز العدول الى عمرة التمتع اذا لم يلبّ، و أما اذا لبى بعد السعي و قبل التقصير فلا يجوز له العدول.

(3) في الوجوب اشكال، و لا يبعد عدمه، لأن الأصل فيه معتبرة معاوية ابن عمار قال: «سألته عن المفرد للحج، هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟

قال: نعم، ما شاء، و يجدد التلبية بعد الركعتين، و القارن بتلك المنزلة، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية» «1» و لكن دلالة هذه المعتبرة على وجوب التلبية لا تخلو عن اشكال، فان الظاهر منها عرفا بمناسبه الحكم و الموضوع الارتكازية استحبابها، لأنها لا تدل على ان الطواف المندوب بعد طواف الفريضة مبطل للإحرام، و الّا لدلّت على بطلان الطواف أيضا، مع أنها لا تدل عليه، فاذن لا بد من حمل الأمر بالتلبية على الاستحباب، اذ احتمال أنها واجبة تعبدا غير محتمل عرفا.

نعم، لا بأس بالاحتياط.

[حج القران

اشارة

حج القران

[مسألة 161: يتحد هذا العمل مع حج الافراد في جميع الجهات، غير ان المكلف يصحب معه الهدي وقت الاحرام

(مسألة 161): يتحد هذا العمل مع حج الافراد في جميع الجهات، غير ان المكلف يصحب معه الهدي وقت الاحرام، و بذلك يجب الهدي عليه و الاحرام في هذا القسم من الحج، كما يكون بالتلبية يكون بالاشعار أو بالتقليد، و إذا أحرم لحج القران لم يجز له العدول الى حج التمتع.

[البحث في واجبات عمرة التمتع

[الأول من واجبات عمرة التمتع الإحرام

[مواقيت الاحرام
اشارة

مواقيت الاحرام هناك اماكن خصصتها الشريعة الاسلامية المطهرة للإحرام منها و يجب ان يكون الاحرام من تلك الاماكن و يسمى كل منها ميقاتا، و هي عشرة:

[1- مسجد الشجرة]
اشارة

1- مسجد الشجرة (1)، و يقع قريبا من المدينة المنورة و هو ميقات أهل المدينة، و كل من أراد الحج عن طريق المدينة، و يجوز الاحرام من خارج المسجد محاذيا له من اليسار أو اليمين، و الأحوط الاحرام من نفس المسجد مع الامكان.

[مسألة 162: لا يجوز تأخير الاحرام من مسجد الشجرة الى الجحفة إلا لضرورة]

(مسألة 162): لا يجوز تأخير الاحرام من مسجد الشجرة الى الجحفة إلا لضرورة من مرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع.

(1) الظاهر من الروايات ان سعة الميقات في هذه المنطقة طولا من المسجد الى البيداء بمسافة ميل، و أما عرضا فلا تكون محددة شرعا، و لكن لا تترتب على ذلك ثمرة عملية أيضا، فان الاحرام عن يمين المسجد و يساره يجوز على كلا التقديرين سواء أ كان قريبا من المسجد أم كان بعيدا عنه، و نتيجة ذلك أنه يجوز الإحرام من أي جزء من تلك المسافة طولا و إن كان الاحرام من البيداء افضل و أولى، و كذلك عرضا أي يمين هذه المسافة الطويلة أو يسارها قريبا كان أم بعيدا. و يبعد ذي الحليفة عن مكة حوالي أربعمائة و اربعة و ستين كيلومترا على ما يقال.

[2- وادي العقيق
اشارة

2- وادي العقيق، و هو ميقات اهل العراق و نجد، و كل من مرّ عليه من غيرهم، و هذا الميقات له أجزاء ثلاثة (1): (المسلخ) و هو اسم لأوله و (الغمرة) و هو اسم لوسطه، و (ذات عرق) و هو اسم لآخره، و الأحوط الأولى أن يحرم المكلف قبل أن يصل ذات عرق، فيما إذا لم تمنعه عن ذلك تقية أو مرض.

[مسألة 163: يجوز الاحرام في حال التقية قبل ذات عرق سرا من غير نزع الثياب إلى ذات عرق

(مسألة 163): يجوز الاحرام في حال التقية قبل ذات عرق سرا من غير نزع الثياب إلى ذات عرق، فاذا وصل ذات عرق نزع ثيابه و لبس ثوبي الاحرام هناك.

(1) في تعيينها و ترتيبها اشكال، بل منع، و الصحيح أنها متمثلة في الاجزاء التالية:

أولها: بريد البعث.

و أوسطها: المسلخ.

و آخرها: بريد أوطاس.

و أما الغمرة و ذات العرق فهما داخلان في هذه المسافة و يجوز الاحرام منهما.

فالنتيجة: ان المستفاد من مجموع روايات الباب بضم بعضها الى بعض أن العقيق الذي هو ميقات لأهل العراق محدد من حيث المبدأ ببريد البعث و المنتهى ببريد أوطاس و المسلخ بينهما، و أما غمرة فهل هي نهاية العقيق و تنتهى بانتهاء بريد أوطاس، أو أن نهايته بريد أوطاس بعد غمرة، فلا يمكن استفادة ذلك من الروايات، فاذن تطبيق ذلك خارجا يتطلب الرجوع الى أهل الخبرة من المنطقة و السؤال عنهم. و تفصيله في (الثاني) من (فصل: في المواقيت) الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

[3- الجحفة]

3- الجحفة (1)، و هي ميقات أهل الشام و مصر و المغرب و كل من يمر عليها من غيرهم اذا لم يحرم من الميقات السابق عليها.

[4- يلملم

4- يلملم، و هو ميقات أهل اليمن (2)، و كل من يمرّ من ذلك الطريق، و يلملم اسم لجبل.

[5- قرن المنازل

5- قرن المنازل، و هو ميقات أهل الطائف (3)، و كل من يمرّ من ذلك الطريق و لا يختص بالمسجد فأي مكان يصدق عليه انه من قرن المنازل جاز له الاحرام منه، فان لم يتمكن من احراز ذلك فله ان يتخلص بالاحرام قبلا بالنذر كما هو جائز اختيارا.

[6- مكة]

6- مكة (4)، و هي ميقات حج التمتع.

(1) و هي قرية كانت معمورة سابقا و خربت و تبعد عن مكة بمائتين و عشرين كيلومترا تقريبا على ما يقال.

(2) قيل: انه جبل من جبال تهامة، و قيل: انه واد، و على كل تقدير يجوز الاحرام منه، أو من النقطة المحاذية له.

(3) قيل: انه قرية تقع في جبل مشرف على عرفات و يبعد عن مكة المكرمة تسعين كيلومترا تقريبا، و قيل: انه اسم للوادي كله، و على كلا التقديرين يجوز الاحرام للسائرين من الطائف الى مكة برا من نقطة في الطريق العام محاذية لقرية في الجبل، و قد شيد على تلك النقطة مسجد، و هذه النقطة اما ميقات أو محاذية له.

(4) و الأحوط وجوبا الاحرام من مكة القديمة في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

و لكن الأظهر جواز الاحرام لحج التمتع من مكة من أي موضع شاء، و نقصد بمكة هنا البلدة على امتدادها، فالأحياء الجديدة التي تشكل الامتداد الحديث لمكة و تعتبر جزء منها عرفا يجوز الاحرام فيها.

[7- المنزل الذي يسكنه المكلف

7- المنزل الذي يسكنه المكلف، و هو ميقات من كان منزله دون الميقات إلى مكة، فانه يجوز له الاحرام من منزله، و لا يلزم عليه الرجوع إلى المواقيت.

[8- الجعرانة]

8- الجعرانة: و هي ميقات أهل مكة لحج القران و الافراد، و في حكمهم من جاور مكة بعد السنتين فانه بمنزلة أهلها، و أما قبل ذلك فحكمه كما تقدم في المسألة (146).

[9- محاذاة مسجد الشجرة]

9- محاذاة مسجد الشجرة (1)، فانّ من أقام بالمدينة شهرا أو نحوه نعم، لا يجوز الاحرام من بلدة أو قرية أخرى لها عنوانها المتميز و إن اتصلت بمكة عن طريق توسع العمران كمنى مثلا فانها بلدة مستقلة لها عنوانها المتميز و إن اتصلت بمكة، فيبقى كل منهما بلدا خاصا، و لا يكون المجموع بلدا واحدا. نعم، قد يكون اتصال البلد الكبير بالصغير يؤدي الى اندماج الصغير و انصهاره فيه عرفا، بحيث لا يبقى عنوانه الخاص اجتماعيا، و يعتبر الكل بلدا واحدا عرفا، فعندئذ يصبح البلد الصغير جزءا من البلد الكبير، فيكون كأحد احيائه.

و يدل على جواز الإحرام من مكة على امتدادها اطلاق روايات الباب و عدم قرينة على تقييده بالاحرام من مكة القديمة، و اما الروايات التي تنص على وجوب قطع التلبية في العمرة المفردة عند مشاهدة بيوت مكة القديمة لا تدل على تقييد اطلاق تلك الروايات، اذ لا ظهور فيها في أن جميع أحكام مكة أحكام لمكة القديمة، بل إنها في مقابل الروايات التي تدل على وجوب قطع التلبية في عمرة التمتع عند دخول الحرم.

(1) بل الأظهر صحة الاحرام من محاذاة كل المواقيت الخمسة، لأن مورد النص و إن كان محاذاة مسجد الشجرة، الّا أن المتفاهم العرفي منه عدم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 109

و هو يريد الحج، ثم بدا له ان يخرج في غير طريق المدينة، فاذا سار ستة اميال كان محاذيا للمسجد، و يحرم من محل المحاذاة، و في

التعدي عن محاذاة مسجد الشجرة إلى محاذاة غيره من المواقيت بل عن خصوص المورد المذكور اشكال، بل الظاهر عدم التعدي إذا كان الفصل كثيرا.

[10- أدنى الحلّ

10- أدنى الحلّ و هو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الافراد، بل لكل عمرة مفردة لمن كان بمكة و أراد الاتيان بها، و الأفضل أن يكون من الحديبية، أو الجعرانة، أو التنعيم.

خصوصية لها، فاذن كما يصح الإحرام من أحد المواقيت الخمسة كذلك يصح من المكان المحاذي لأحدها، و تتحقق المحاذاة بأن يصلى المسافر الى نقطة لو اتجه فيها الى مكة المكرمة لكان الميقات واقعا في طرف يمينه أو يساره، و لا فرق بين أن تكون المحاذاة من نقطة بعيدة بدرجة لا تضر بصدق المحاذاة عرفا، أو من نقطة قريبة جدا، كما اذا أحرم من نقطة في طرف يمين المسجد أو يساره.

و بكلمة: ان مورد النص و إن كان صحة الاحرام من محاذاة الشجرة، الّا أن المتفاهم العرفي منه بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن المحاذاة تمام الموضوع للحكم، و لا دخل لعنوان الشجرة الّا باعتبار أنها ميقات، و قد جاء النص بهذا اللسان، في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء» «1» فان المتفاهم منه عرفا أن من يخرج من غير طريق أهل المدينة فعليه أن يحرم من مسير ستة أميال، باعتبار أنه النقطة المحاذية للشجرة، و لا يرى العرف موضوعية للشجرة، و مثله صحيحته الأخرى «2».

[أحكام المواقيت
اشارة

أحكام المواقيت

[مسألة 164: لا يجوز الاحرام قبل الميقات و لا يكفي المرور عليه محرما]

(مسألة 164): لا يجوز الاحرام قبل الميقات و لا يكفي المرور عليه محرما، بل لا بد من الاحرام من نفس الميقات، و يستثنى من ذلك موردان:

1- أن ينذر الاحرام قبل الميقات، فانه يصح و لا يلزمه التجديد في الميقات (1)، و لا المرور عليه، بل يجوز له الذهاب إلى مكة من طريق لا يمر بشي ء من المواقيت و لا فرق في ذلك بين الحج الواجب و المندوب و العمرة المفردة. نعم إذا كان إحرامه للحج فلا بد من أن يكون إحرامه في اشهر الحج، كما تقدم.

2- إذا قصد العمرة المفردة في رجب، و خشي عدم إدراكها- إذا أخر الاحرام إلى الميقات- جاز له الاحرام قبل الميقات (2)، و تحسب له عمرة رجب و إن أتى ببقية الأعمال في شعبان، و لا فرق في ذلك بين العمرة الواجبة و المندوبة.

[مسألة 165: يجب على المكلف اليقين بوصوله الى الميقات و الاحرام منه

(مسألة 165): يجب على المكلف اليقين بوصوله الى الميقات و الاحرام منه، أو يكون ذلك عن اطمئنان أو حجة شرعية، و لا يجوز له الاحرام عند الشك في الوصول الى الميقات.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه و قد فصلنا الكلام فيه في (فصل: في احكام المواقيت) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) للنص الخاص، و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين العمرة الواجبة و المندوبة.

[مسألة 166: لو نذر الاحرام قبل الميقات و خالف و أحرم من الميقات لم يبطل إحرامه

(مسألة 166): لو نذر الاحرام قبل الميقات و خالف و أحرم من الميقات لم يبطل إحرامه، و وجبت عليه كفارة مخالفة النذر، إذا كان متعمدا.

[مسألة 167: كما لا يجوز تقديم الاحرام على الميقات لا يجوز تأخيره عنه

(مسألة 167): كما لا يجوز تقديم الاحرام على الميقات لا يجوز تأخيره عنه، فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة، أن يتجاوز الميقات اختيارا إلا محرما، حتى إذا كان أمامه ميقات آخر، فلو تجاوزه وجب العود اليه مع الامكان (1).

نعم إذا لم يكن المسافر قاصدا لما ذكر لكن لما وصل حدود الحرم أراد أن يأتي بعمرة مفردة جاز له الاحرام من ادنى الحل.

[مسألة 168: إذا ترك المكلف الاحرام من الميقات عن علم و عمد حتى تجاوزه

(مسألة 168): إذا ترك المكلف الاحرام من الميقات عن علم و عمد حتى تجاوزه، ففي المسألة صور:

الاولى: أن يتمكن من الرجوع إلى الميقات، ففي هذه الصورة يجب عليه الرجوع و الاحرام منه سواء أ كان رجوعه من داخل الحرم أو كان من خارجه، فان أتى بذلك صح عمله من دون اشكال (2).

(1) هذا شريطة أن لا يجتاز عن الميقات الأمامي، و أما اذا اجتاز منه ثم ندم أو انتبه بالحال، فلا يبعد عدم وجوب الرجوع الى الميقات الأول، و كفاية الرجوع الى الميقات الأمامي و الإحرام منه، و ذلك لإطلاق صحيحة الحلبي «1»، فانها تشمل باطلاقها العالم العامد أيضا، و توضيح ذلك في المسألة (3) من (فصل: في أحكام المواقيت) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) الأمر كما افاده قدّس سرّه.

نعم، اذا لم يرجع الى الميقات و الحال هذه مع تمكنه من الرجوع عامدا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 112

الثانية: أن يكون المكلف في الحرم، و لم يمكنه الرجوع إلى الميقات، لكن أمكنه الرجوع إلى خارج الحرم، ففي هذه الصورة يجب عليه الرجوع إلى خارج الحرم (1) و الاحرام من هناك.

الثالثة: أن يكون في الحرم و لم يمكنه الرجوع إلى الميقات أو إلى خارج الحرم و لو من

جهة خوفه فوات الحج و في هذه الصورة يلزمه الاحرام من مكانه.

الرابعة: أن يكون خارج الحرم، و لم يمكنه الرجوع إلى الميقات، و في هذه الصورة يلزمه الاحرام من مكانه أيضا (2).

و قد حكم جمع من الفقهاء بفساد العمرة في الصور الثلاث الأخيره، و لكن الصحة فيها لا تخلو من وجه و إن ارتكب المكلف محرما بترك الاحرام من الميقات، لكن الأحوط مع ذلك اعادة الحج عند التمكن منها و أما إذا لم يأت المكلف بوظيفته في هذه الصور الثلاث و أتى بالعمرة فلا شك في فساد حجه.

[مسألة 169: إذا ترك الاحرام عن نسيان أو إغماء أو ما شاكل ذلك، أو تركه عن جهل بالحكم أو جهل بالميقات فللمسألة كسابقتها صور أربع

(مسألة 169): إذا ترك الاحرام عن نسيان أو إغماء أو ما شاكل ذلك، أو تركه عن جهل بالحكم أو جهل بالميقات فللمسألة كسابقتها صور أربع:

الصورة الاولى: أن يتمكن من الرجوع إلى الميقات فيجب عليه الرجوع و الاحرام من هناك (3).

و ملتفتا بطل عمله، و عليه اعادته في السنة القادمة.

(1) لا يبعد وجوب الابتعاد عن الحرم بالمقدار الذي يمكنه، و الاحرام من هناك.

(2) بل الأحوط و الأولى به الابتعاد من مكانه بالمقدار الذي يمكنه.

(3) و الّا بطل عمله.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 113

الصورة الثانية: أن يكون في الحرم، و لم يمكنه الرجوع إلى الميقات لكن امكنه الرجوع إلى خارج الحرم و عليه حينئذ الرجوع إلى الخارج و الاحرام منه، و الاولى في هذه الصورة الابتعاد عن الحرم بالمقدار الممكن (1) ثم الاحرام من هناك.

الصورة الثالثة: أن يكون في الحرم و لم يمكنه الرجوع إلى الخارج، و عليه في هذه الصورة أن يحرم من مكانه، و إن كان قد دخل مكة.

الصورة الرابعة: أن يكون خارج الحرم و لم يمكنه الرجوع إلى الميقات، و عليه في هذه الصورة أن

يحرم من محله (2).

و في جميع هذه الصور الأربع يحكم بصحة عمل المكلف إذا قام بما ذكرناه من الوظائف، و في حكم تارك الاحرام من أحرم قبل الميقات أو بعده و لو كان عن جهل او نسيان.

[مسألة 170: إذا تركت الحائض الاحرام من الميقات لجهلها بالحكم إلى أن دخلت الحرم

(مسألة 170): إذا تركت الحائض الاحرام من الميقات لجهلها بالحكم إلى أن دخلت الحرم فعليها كغيرها الرجوع إلى الخارج و الاحرام منه إذا لم تتمكن من الرجوع إلى الميقات، بل الأحوط لها في هذه الصورة أن تبتعد عن الحرم بالمقدار الممكن (3)، ثم تحرم على أن لا يكون ذلك مستلزما لفوات الحج، و فيما إذا لم يمكنها انجاز ذلك فهي و غيرها على حد سواء.

(1) بل لا يبعد وجوب ذلك كما مر.

(2) الأحوط الأولى الابتعاد من مكانه بالمقدار الذي يمكنه.

(3) لا يبعد وجوب ذلك، لأن صحيحة معاوية «1» لا تقصر عن الدلالة عليه، و موردها و إن كان الحائض الّا أن العرف لا يرى خصوصية فيها جزما.

[مسألة 171: إذا فسدت العمرة وجبت اعادتها مع التمكن

(مسألة 171): إذا فسدت العمرة وجبت اعادتها مع التمكن، و مع عدم الاعادة و لو من جهة ضيق الوقت يفسد حجه. و عليه الاعادة في سنة اخرى.

[مسألة 172: قال جمع من الفقهاء بصحة العمرة فيما إذا أتى المكلف بها من دون احرام لجهل أو نسيان

(مسألة 172): قال جمع من الفقهاء بصحة العمرة فيما إذا أتى المكلف بها من دون احرام لجهل أو نسيان و لكن هذا القول لا يخلو من اشكال و الأحوط في هذه الصورة الاعادة (1) على النحو الذي ذكرناه فيما إذا تمكن منها و هذا الاحتياط لا يترك البتة.

[مسألة 173: قد تقدم ان النائي يجب عليه الاحرام لعمرته من احد المواقيت الخمسة الاولى

(مسألة 173): قد تقدم ان النائي يجب عليه الاحرام لعمرته من احد المواقيت الخمسة الاولى، فان كان طريقه منها فلا اشكال، و ان كان طريقه لا يمر بها كما هو الحال في زماننا هذا، حيث ان الحجاج يردون جدة ابتداء، و هي ليست من المواقيت فلا يجزي الاحرام منها حتى إذا كانت محاذية لأحد المواقيت (2) على ما عرفت فضلا عن أن محاذاتها غير ثابتة، (1) بل هو الأظهر، لأن مقتضى القاعدة البطلان، و الصحة بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها ما عدا مرسلة جميل «1» الواردة في الناسي و الجاهل، و لكن لا يمكن الاعتماد عليها.

(2) في عدم الاجزاء اشكال، و لا يبعد الاجزاء لو كانت محاذية لأحد المواقيت، الّا أن محاذاتها غير ثابتة، و لهذا لا يصح للحاج أن يحرم منها مع تمكنه من الذهاب الى أحد المواقيت و الإحرام منه، و على هذا فمن يعلم أنه اذا وصل الى جدة لا يتمكن من الذهاب الى أحد المواقيت، فهل يجب عليه أن يحرم من مطار بلده بالنذر أو في منتصف الطريق في الطائرة؟

و الجواب: لا يبعد وجوبه على اساس أن الاحرام من جدة بالنذر انما هو

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 115

بل المطمأن به عدمها فاللازم على الحاج حينئذ ان يمضي إلى احد المواقيت مع الامكان، او ينذر الاحرام من بلده أو من الطريق

قبل الوصول إلى جدة بمقدار معتد به، و لو في الطائرة فيحرم من محل نذره و يمكن لمن ورد جدة بغير احرام ان يمضي الى- رابغ- الذي هو في طريق المدينة المنورة و يحرم منه بنذر باعتبار انه قبل الجحفة التي هي احد المواقيت، وظيفة المضطر، و مع التمكن من الإحرام في الميقات أو قبله بالنذر، فلا يصل الدور الى الاحرام من جدة بالنذر، و من هنا يظهر أنه لا يجوز لمن كان في المدينة أن يذهب الى جدة جوا أو برا محلا بنية أن يحرم منها بالنذر، فان من كان يتمكن من الاحرام من الميقات كمسجد الشجرة مثلا، لا يجوز له الإحرام من جدة بالنذر.

و بكلمة: ان الاحرام من جدة بالنذر انما هو وظيفة المضطر، فاذا وصل الحاج الى جده جوا و لم يحرم بالنذر من مطار بلده أو في منتصف الطريق و هو في الطائرة إما غفلة أو باعتقاد أنه بعد الوصول الى جدة متمكن من الذهاب الى أحد المواقيت كالجحفة- مثلا- و الاحرام منه، أو بتخيل ان الاحرام من جدة جائز، ثم انه بعد الوصول انتبه بالحال من أن الاحرام منها غير جائز لمن كان متمكنا من الاحرام في أحد المواقيت أو قبله بالنذر، و لكن حيث انه فعلا لا يتمكن من الاحرام من أحد المواقيت، فعليه أن ينذر الاحرام منها فيحرم و يصح لأنها ان كانت قبل الميقات صح من جهة النذر، و إن كانت محاذيه له في الواقع صح من جهة المحاذاة، و ان كانت بعده صح من جهة أنه لا يتمكن من الذهاب إلى الميقات.

و قد تسأل ان من كان يعلم بأنه اذا وصل الى جدة فليس بامكانه الذهاب

الى أحد المواقيت و الاحرام منه، و مع ذلك ترك الاحرام قبل الميقات بالنذر

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 116

و إذا لم يمكن المضي إلى احد المواقيت، و لم يحرم قبل ذلك بنذر لزمه الاحرام من جدة بالنذر، ثم يجدد احرامه خارج الحرم قبل دخوله فيه (1).

عامدا و ملتفتا و سافر الى جدة جوا، فهل يصح احرامه بالنذر منها؟

و الجواب: ان مقتضى القاعدة عدم الصحة لأنه تارك للإحرام من الميقات عامدا و عالما، و كذلك قبله بالنذر، و اضطراره في الحال الى الاحرام من جدة، فبما أنه ناشئ من سوء اختياره فلا أثر له، و لا يكون مبررا للإحرام منها، و لكن مقتضى اطلاق النص كصحيحة الحلبي أن الصحة في هذه الحالة أيضا غير بعيدة.

و قد تسأل ان من يكون واثقا و مطمئنا بتمكنه بعد الوصول الى جدة من الذهاب الى أحد المواقيت و الاحرام منه، و حينئذ فاذا أحرم من مطار بلده بالنذر أو في منتصف الطريق و هو في الطائرة قبل الميقات و إن صح باعتبار أن عزم المكلف على التظليل حينما يحرم لا يضر بصحة احرامه، و لكن هل يعتبر مقصرا أو آثما؟

و الجواب: ان المحرم ان كان امرأة فلا شي ء عليه، و إن كان رجلا كما هو مورد الكلام، فان كان بعد الإحرام متمكنا من ترك التظليل، و مع ذلك يستظل بركوبه الطائرة او بسقف السيارة أو بمظلة، اعتبر مقصرا و آثما، و إن لم يتمكن بعده من تركه و اضطر اليه لم يعتبر مقصرا و آثما، لأن التظليل قبل الاحرام لا يكون محرما عليه لا ملاكا و لا حكما، و بعده قد اضطر اليه، و هذا الاضطرار و إن كان

باختياره الّا انه ليس اضطرارا الى ارتكاب ما هو محرم و مبغوض عليه قبله، فالنتيجة انه يجوز للمسافر من طريق جدة أن ينذر الاحرام من مطار بلده أو في منتصف الطريق، و هو في الطائرة فيحرم مع أنه واثق بتمكنه بعد الوصول الى جدة من الذهاب الى أحد المواقيت و الاحرام منه.

(1) فيه انه لا مبرر لهذا التجديد، فان أدنى الحل ليس من أحد المواقيت

[مسألة 174: تقدم ان المتمتع يجب عليه ان يحرم لحجه من مكة]

(مسألة 174): تقدم ان المتمتع يجب عليه ان يحرم لحجه من مكة، فلو احرم من غيرها عالما عامدا لم يصح احرامه، و ان دخل مكة محرما، بل وجب عليه الاستيناف من مكة مع الامكان و إلا بطل حجه.

[مسألة 175: إذا نسي المتمتع الاحرام للحج بمكة وجب عليه العود مع الامكان

(مسألة 175): إذا نسي المتمتع الاحرام للحج بمكة وجب عليه العود مع الامكان، و إلا احرم في مكانه و لو كان في عرفات و صح حجه، و كذلك الجاهل بالحكم (1).

[مسألة 176: لو نسي إحرام الحج و لم يذكر حتى أتى بجميع اعماله صح حجه

(مسألة 176): لو نسي إحرام الحج و لم يذكر حتى أتى بجميع اعماله صح حجه، و كذلك الجاهل.

لعمرة التمتع. نعم، ذكر جماعة من الفقهاء ان أدنى الحل من أحد المواقيت لعمرة التمتع، و ذلك لمن لم يمر بأحد المواقيت الأصلية و لا ما يحاذيها، و هو لا يخلو عن اشكال حتى مع تعقل هذا الفرض، فانه لو تحقق و وصل الى ادنى الحل فعليه أن يرجع الى أحد المواقيت و الاحرام منه ان أمكن و الّا فمن خارج الحرم، و الأحوط و الأجدر به الابتعاد عنه بما يمكنه و الاحرام من هناك، فالنتيجة انه لا دليل على انه من أحد مواقيت عمرة التمتع. فالصحيح أنه ميقات لحج الافراد و القران و للعمرة المفردة لمن كان في مكة و أراد الاتيان بالعمرة، او جاء من البلاد النائية كالمدينة المنورة من أجل أمر آخر، ثم بنى على الاتيان بها، فانه لا يجب عليه أن يرجع إلى أحد المواقيت و الإحرام منه، بل يحرم من أدنى الحل.

(1) للنصّ، و كذلك في المسألة الآتية.

[كيفية الاحرام
اشارة

كيفية الاحرام واجبات الاحرام ثلاثة امور:

[الأمر الأول: النية]
اشارة

الامر الاول: النية، و معنى النية، ان يقصد الاتيان بما يجب عليه في الحج أو العمرة متقربا به الى اللّه تعالى. و فيما إذا لم يعلم المكلف به تفصيلا وجب عليه قصد الاتيان به إجمالا، و اللازم عليه حينئذ الأخذ بما يجب عليه شيئا فشيئا من الرسائل العملية. او ممن يثق به من المعلمين فلو أحرم من غير قصد بطل احرامه، و يعتبر في النية أمور (1):

1- القربة، كغير الاحرام من العبادات.

2- ان تكون مقارنة للشروع فيه.

3- تعيين ان الاحرام للعمرة أو للحج، و أن الحج تمتع أو قران أو افراد، و انه لنفسه أو لغيره و أنه حجة الإسلام، او الحج النذرى؛ او الواجب بالافساد أو الندبي فلو نوى الاحرام من غير تعيين بطل احرامه.

(1) الصحيح في المقام أن يقال: ان النيّة التي تعتبر في العبادة تصنف الى أصناف ثلاثة:

الأول: نية القربة.

الثاني: نية الاخلاص.

الثالث: قصد الاسم الخاص المميز لها شرعا. و هذه الأمور الثلاثة لا بد أن تكون مقارنة للعبادة من أول جزئها الى آخرها، و صورتها- مثلا- أن يقول: احرم لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى، و اذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و اذا كان الحج منذورا بدّل كلمة (حجة الإسلام) ب (الحجة

[مسألة 177: لا يعتبر في صحة النية التلفظ و لا الاخطار بالبال

(مسألة 177): لا يعتبر في صحة النية التلفظ و لا الاخطار بالبال، بل يكفي الداعي كما في غير الاحرام من العبادات.

[مسألة 178: لا يعتبر في صحة الاحرام العزم على ترك محرماته حدوثا و بقاء الا الجماع و الاستمناء]

(مسألة 178): لا يعتبر في صحة الاحرام العزم على ترك محرماته حدوثا و بقاء الا الجماع و الاستمناء (1)، فلو عزم من أول الاحرام في الحج، على ان يجامع زوجته أو يستمني قبل الوقوف بالمزدلفة، او تردّد في ذلك بطل احرامه على وجه، و أما لو عزم على الترك من أول الامر و لم يستمرّ عزمه، بان نوى بعد تحقق الاحرام الاتيان بشي ء منهما لم يبطل احرامه.

[الامر الثاني: التلبية]
اشارة

الامر الثاني: التلبية، و صورتها ان يقول: «لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» (2)،

المنذورة)، و إذا كان مندوبا بدّل كلمة (حجة الإسلام) ب (الحجة المندوبة) و هكذا. فالنتيجة: انه اذا احرم فلا بد أن يكون احرامه لعبادة باسمها الخاص المميز لها شرعا، لعمرة التمتع أو المفردة او حج التمتع أو الافراد من حجة الإسلام أو الحج المندوب أو المنذور و هكذا، فاذا أحرم و لم يقصد احرامه لشي ء منها بطل.

(1) في الاستثناء اشكال بل منع، و الأظهر عدم بطلان الحج بهما أيضا، و ستعرف وجه ذلك في ضمن البحوث الآتية، و على هذا فكما لا يعتبر في صحته العزم على عدم ارتكاب سائر المحرمات كذلك لا يعتبر فيها العزم على تركهما أيضا، بل لا يضر العزم على ارتكاب المحرمات و ممارستها حتى الجماع و الاستمناء، على أساس أن محرمات الاحرام خارجة عن الحج و العمرة، و ليست من واجباتهما لا جزء و لا قيدا، و تفصيل ذلك في المسألة (5) من (فصل: في كيفية الاحرام) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) هذه الصورة التي تتضمن أربع صيغ من التلبية هي مقتضى الجمع

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 120

و الأحوط الأولى اضافة هذه الجملة: «إنّ

الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك»، و يجوز اضافة «لك» الى الملك، بان يقول: «و الملك لك لا شريك لك لبيك».

[مسألة 179: على المكلف ان يتعلم الفاظ التلبية و يحسن اداءها بصورة صحيحة]

(مسألة 179): على المكلف ان يتعلم الفاظ التلبية و يحسن اداءها بصورة صحيحة كتكبيرة الاحرام في الصلاة و لو كان ذلك من جهة تلقينه هذه الكلمات من قبل شخص آخر، فاذا لم يتعلم تلك الألفاظ، و لم يتيسر له التلقين يجب عليه التلفظ بها بالمقدار الميسور، و الأحوط في هذه الصورة الجمع بين الاتيان بالمقدار الذي يتمكن منه، و الاتيان بترجمتها، و الاستنابة لذلك.

[مسألة 180: الأخرس يشير الى التلبية بإصبعه، مع تحريك لسانه

(مسألة 180): الأخرس يشير الى التلبية بإصبعه، مع تحريك لسانه، و الأولى ان يجمع بينها و بين الاستنابة.

[مسألة 181: الصبي غير المميز يلبى عنه

(مسألة 181): الصبي غير المميز يلبى عنه (1).

[مسألة 182: لا ينعقد إحرام حج التمتع، و احرام عمرته، و احرام حج الافراد، و إحرام العمرة المفردة إلا بالتلبية]

(مسألة 182): لا ينعقد إحرام حج التمتع، و احرام عمرته، و احرام حج الافراد، و إحرام العمرة المفردة إلا بالتلبية، و أما حج القران فكما يتحقق إحرامه بالتلبية يتحقق بالاشعار أو التقليد و الاشعار مختص بالبدن (2)، و التقليد مشترك بين البدن و غيرها من أنواع الهدي،

بين الروايات الواردة في تحديد صيغها المعتبرة في انعقاد الاحرام كما و كيفا، و تفصيل ذلك في المسألة (6) من (فصل: في أحكام المواقيت) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(1) للنص الدال على أن الصبي اذا لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به، و يصلّى عنه، و يسعى به بين الصفا و المروة، و هكذا.

(2) في الاختصاص اشكال، ذكرنا وجهه في المسألة (15) من (فصل:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 121

و الأولى الجمع بين الاشعار و التقليد في البدن، و الأحوط التلبية على القارن، و ان كان عقد إحرامه بالاشعار أو التقليد. ثم ان الاشعار هو شق السنام الأيمن بأن يقوم المحرم من الجانب الأيسر من الهدي و يشق سنامه (1) من الجانب الأيمن، و يلطخ صفحته بدمه، و التقليد هو ان يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى فيها (2).

[مسألة 183: لا يشترط الطهارة عن الحدث الأصغر و الأكبر في صحة الاحرام

(مسألة 183): لا يشترط الطهارة عن الحدث الأصغر و الأكبر في صحة الاحرام، فيصح الاحرام من المحدث بالأصغر أو الأكبر، كالمجنب و الحائض و النفساء و غيرهم.

[مسألة 184: التلبية بمنزلة تكبيرة الاحرام في الصلاة]

(مسألة 184): التلبية بمنزلة تكبيرة الاحرام في الصلاة، فلا يتحقق الاحرام إلا بها، أو بالاشعار أو التقليد لخصوص القارن، فلو نوى الاحرام و لبس الثوبين و فعل شيئا من المحرمات قبل تحقق الاحرام لم يأثم و ليس عليه كفارة.

[مسألة 185: الأفضل لمن حج عن طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء]

(مسألة 185): الأفضل لمن حج عن طريق المدينة تأخير التلبية (3) إلى البيداء، و لمن حج عن طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلا، و لمن في مقدمات الاحرام) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة) فراجع.

(1) هذه الكيفية و إن كانت مشهورة بين الأصحاب، الّا انها لا تخلو عن اشكال بل منع، على تفصيل ذكرناه في المسألة (15) من (فصل: في مقدمات الإحرام) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(2) هذا و إن كان مشهورا الّا أن مقتضى الجمع بين الروايات كفاية تعليق مطلق شي ء يكون علامة لكونها هديا، و تفصيل الكلام في المسألة (15) من (فصل مقدمات الاحرام) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).

(3) تقدم ان الروايات الآمرة بتأخير التلبية الى البيداء بمسافة ميل تدل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 122

حج من مكة تأخيرها إلى الرقطاء، و لكن الأحوط التعجيل بها مطلقا و يؤخر الجهر بها إلى المواضع المذكورة (1)، و البيداء بين مكة و المدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة، و الرقطاء موضع يسمى مدعى دون الردم.

[مسألة 186: يجب لمن اعتمر عمرة التمتع قطع التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكة القديمة]

(مسألة 186): يجب لمن اعتمر عمرة التمتع قطع التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكة القديمة و لمن اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم (2) إذا جاء من خارج الحرم، و عند مشاهدة الكعبة (3) ان كان قد خرج من مكة لإحرامها، و لمن حج بأي نوع من أنواع الحج قطعها عند الزوال من يوم عرفة.

[مسألة 187: اذا شك بعد لبس الثوبين، و قبل التجاوز من الميقات في انه قد أتى بالتلبية أم لا]

(مسألة 187): اذا شك بعد لبس الثوبين، و قبل التجاوز من الميقات في انه قد أتى بالتلبية أم لا بنى على عدم الاتيان، و إذا شك بعد الاتيان بالتلبية انه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحة.

[الامر الثالث: لبس الثوبين بعد التجرد عما يجب على المحرم اجتنابه
اشارة

الامر الثالث: لبس الثوبين بعد التجرد عما يجب على المحرم اجتنابه، يتزر باحدهما و يرتدي بالآخر و يستثنى من ذلك الصبيان، فيجوز تأخير تجريدهم الى فخ (4)، كما تقدم.

على اتساع رقعة الميقات و أنه طولا بين المسجد و البيداء بمسافة ميل.

(1) فيه ان حمل الروايات الآمرة بتأخير التلبية على تاخير الجهر بها خلاف الظاهر جدا، و بحاجة الى قرينة، و لا قرينة على ذلك لا في نفس هذه الروايات و لا من الخارج.

(2) على الأحوط وجوبا اذا كان جائيا من الخارج.

(3) بل عند مشاهده بيوت مكة القديمة على الأحوط وجوبا.

(4) ذكرنا في مبحث المواقيت ان الظاهر هو تأخير احرامهم الى فخ، لا أن إحرامهم من الميقات و لكن يؤخر تجريد ثيابهم الى فخ.

[مسألة 188: لبس الثوبين للمحرم واجب تعبدي و ليس شرطا في تحقق الاحرام على الأظهر]

(مسألة 188): لبس الثوبين للمحرم واجب تعبدي و ليس شرطا في تحقق الاحرام على الأظهر، و الأحوط ان يكون لبسهما على الطريق المألوف (1).

[مسألة 189: يعتبر في الازار ان يكون ساترا من السرّة إلى الركبة]

(مسألة 189): يعتبر في الازار ان يكون ساترا من السرّة إلى الركبة، كما يعتبر في الرداء ان يكون ساترا للمنكبين، و الأحوط كون اللبس قبل النية و التلبية، فلو قدّمهما عليه اعادهما بعده (2).

[مسألة 190: لو أحرم في قميص جاهلا أو ناسيا نزعه و صح احرامه

(مسألة 190): لو أحرم في قميص جاهلا أو ناسيا نزعه و صح احرامه، بل الأظهر صحة احرامه حتى فيما إذا احرم فيه عالما عامدا (3)، و اما اذا لبسه بعد الاحرام فلا اشكال في صحة احرامه، و لكن يلزم عليه شقه و اخراجه من تحت.

[مسألة 191: لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الاحرام و بعده

(مسألة 191): لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الاحرام و بعده للتحفظ من البرد أو الحر أو لغير ذلك.

(1) لا بأس بتركه، اذ لا يعتبر في لبسهما كيفية خاصة.

(2) على الأحوط الأولى.

(3) الأمر كما افاده قدّس سرّه، لما مر من أن حقيقة الإحرام متمثلة في التلبية، فاذا لبى المكلف أصبح محرما و حرمت عليه اشياء معينة، منها لبس ملابسه الاعتيادية.

و أما لبس ثوبى الاحرام فهو واجب تعبدا و ليس من واجبات الإحرام و لا من شروط صحته، فاذا لبى و هو في ملابسه الاعتيادية اصبح محرما، و حرمت عليه تلك الأشياء، غاية الأمر انه ترك واجبا في هذه الحالة و هو لبسه ثوبي الاحرام، و ارتكب محرما و هو كونه في ملابسه الاعتيادية، و لا يضر شي ء منهما في صحة احرامه.

[مسألة 192: يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلي

(مسألة 192): يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلي، فيلزم أن لا يكونا من الحرير الخالص، و لا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و لا من المذهّب (1)، و يلزم طهارتهما كذلك. نعم، لا بأس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها في الصلاة.

[مسألة 193: يلزم في الازار أن يكون ساترا للبشرة، غير حاك عنها]

(مسألة 193): يلزم في الازار أن يكون ساترا للبشرة، غير حاك عنها (2)، و الأحوط اعتبار ذلك، في الرداء أيضا.

[مسألة 194: الأحوط في الثوبين ان يكونا من المنسوج

(مسألة 194): الأحوط في الثوبين ان يكونا من المنسوج، و لا يكونا من قبيل الجلد و الملبد (3).

[مسألة 195: يختص وجوب لبس الإزار و الرداء بالرجال دون النساء]

(مسألة 195): يختص وجوب لبس الإزار و الرداء بالرجال دون النساء فيجوز لهن ان يحرمن في البستهن العادية على ان تكون واجدة للشرائط المتقدمة.

(1) على الأحوط في الجميع، اذ لا دليل عليه الّا قوله عليه السّلام في صحيحة حريز: «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» «1»، و هو لا يدل على أن كل ثوب لا تصح الصلاة فيه لا يصح الإحرام فيه، لأنه ساكت عن حكم هذه الصورة، فيرجع فيها الى مقتضى القاعدة، و مقتضاها جواز الاحرام فيه كالثوب من غير المأكول و الحرير و المذهّب، هذا بقطع النظر عن كون لبسهما محرما على الرجال.

فالنتيجة ان لبس الحرير و الذهب و إن كان محرما على الرجال الّا أنه ليس من محرمات الاحرام. نعم، يعتبر فيها الطهارة من الخبث.

(2) على الأحوط.

(3) على الأحوط الأولى، اذ لا دليل على أن الثوبين لا بد أن يكونا من المنسوج الّا دعوى عدم صدق الثوب على ما اذا كان من الجلد أو الملبد، و لكن

[مسألة 196: ان حرمة لبس الحرير و ان كانت تختص بالرجال و لا يحرم لبسه على النساء]

(مسألة 196): ان حرمة لبس الحرير و ان كانت تختص بالرجال و لا يحرم لبسه على النساء إلا أنه لا يجوز للمرأة ان يكون ثوباها من الحرير و الأحوط ان لا تلبس شيئا من الحرير الخالص في جميع أحوال الاحرام (1).

[مسألة 197: إذا تنجس أحد الثوبين، أو كلاهما بعد التلبس بالاحرام

(مسألة 197): إذا تنجس أحد الثوبين، أو كلاهما بعد التلبس بالاحرام، فالأحوط المبادرة إلى التبديل أو التطهير.

[مسألة 198: لا تجب الاستدامة في لباس الاحرام فلا بأس بالقائه عن متنه لضرورة أو غير ضرورة]

(مسألة 198): لا تجب الاستدامة في لباس الاحرام فلا بأس بالقائه عن متنه لضرورة أو غير ضرورة، كما لا بأس بتبديله على أن يكون البدل واجدا للشرائط.

لا أساس لهذه الدعوى، اذ لا شبهة في الصدق.

(1) بل على الأظهر، و تدل عليه صحيحة عيص بن القاسم، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين» «1». و لكن لا بد من تقييد الحرير بالحرير الخالص، بقرينة ما ورد في جملة من الروايات من أن الحرير اذا كان خالصا لم يجز للمرأة المحرمة لبسه، و الّا فلا مانع منه.

[تروك الاحرام
اشارة

تروك الاحرام قلنا في ما سبق: ان الاحرام يتحقق بالتلبية أو الأشعار أو التقليد، و لا ينعقد الاحرام بدونها (1) و ان حصلت منه نية الاحرام فاذا احرم المكلف حرمت عليه أمور و هي خمسة و عشرون كما يلي:

(1) الصيد البري

(2) مجامعة النساء

(3) تقبيل النساء

(4) لمس المرأة

(5) النظر إلى المرأة

(6) الاستمناء

(7) عقد النكاح

(8) استعمال الطيب

(9) لبس المخيط للرجال

(10) التكحل

(11) النظر في المرآة

(12) لبس الخف و الجورب للرجال

(13) الكذب و السبّ

(14) المجادلة

(15) قتل القمل و نحوه من الحشرات التي تكون على جسد الانسان

(16) التزيين

(17) الأدهان

(18) إزالة الشعر من البدن

(19) ستر الرأس للرجال و هكذا الارتماس في الماء حتّى على النساء

(20) ستر الوجه للنساء

(21) التظليل للرجال

(22) إخراج الدم من البدن

(23) التقليم

(24) قلع السن

(25) حمل السلاح.

(1) تقدم أن الحاج اذا أحرم للعمرة أو للحج حرمت عليه اشياء عديدة معينة، و هي تصنف الى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول مشترك بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة، و هو كما يلى:

1-

صيد الحيوان البري في الحل و الحرم.

2- الاستمتاع الجنسي.

3- استعمال الطيب.

4- الزينة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 127

.......... 5- الاستمناء.

6- النظر الى صورته و هندامه في المرآة.

7- عقد النكاح.

8- اخراج الدم من البدن.

9- الفسوق.

10- الجدال.

11- قتل هوام الجسد.

12- التدهين.

13- تقليم الأظفار.

14- ازالة الشعر من البدن.

15- الارتماس.

16- حمل السلاح.

17- قلع اشجار الحرم.

الصنف الثاني مختص بالرجال و هو كما يلي:

1- لبس الثياب الاعتيادية.

2- لبس الحذاء الساتر لتمام ظهر القدم، أو الجورب.

3- ستر الرأس.

4- التظليل بظل يتحرك بحركة المحرم، كسقف السيارة، أو الباخرة، أو الطائرة، أو مظلّة يحملها بيده و يستظل بها حال سيره، و أما الظل اذا كان ثابتا فلا مانع من الجلوس تحته أو السير فيه، كالسير تحت الجسور أو في النفق.

الصنف الثالث مختص بالنساء، و هو كما يلي:

1- ستر الوجه.

[1- الصّيد البرّي
اشارة

1- الصّيد البرّي

[مسائل
[مسألة 199: لا يجوز للمحرم سواء كان في الحل أو الحرم صيد الحيوان البرّي أو قتله

(مسألة 199): لا يجوز للمحرم (1) سواء كان في الحل أو الحرم صيد الحيوان البرّي أو قتله سواء كان محلل الأكل أم لم يكن كما لا يجوز له قتل الحيوان البرّي (2) و إن تأهل بعد صيده. و لا يجوز صيد الحرم مطلقا و إن كان الصائد محلا.

2- لبس القفازين.

3- لبس الحرير الخالص.

4- لبس الذهب للزينة.

(1) يدل على ذلك الكتاب و السنة، اما الكتاب فقوله تعالى: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً «1» و أما السنة فعدة روايات:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تستحلن شيئا من الصيد و انت حرام، و لا أنت حلال في الحرم، و لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشير اليه فيستحل من أجلك، فان فيه فداء لمن تعمده» «2».

(2) هذا من دون فرق بين أن يكون الحيوان محلل الأكل أو محرم الأكل، و تدل عليه الآية الشريفة، و هي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «3»، فانها باطلاقها تشمل الحيوان المحلل الأكل و المحرم، و الروايات:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي المتقدمة: «لا تستحلن شيئا من الصيد

[مسألة 200: كما يحرم على المحرم صيد الحيوان البري تحرم عليه الاعانة على صيده

(مسألة 200): كما يحرم على المحرم صيد الحيوان البري تحرم عليه الاعانة على صيده. و لو بالاشارة، و لا فرق في حرمة الإعانة بين أن يكون الصائد محرما أو محلا (1).

[مسألة 201: لا يجوز للمحرم إمساك الصيد البرّى و الاحتفاظ به

(مسألة 201): لا يجوز للمحرم إمساك الصيد البرّى و الاحتفاظ به، و إن كان اصطياده له قبل احرامه (2) و لا يجوز له أكل لحم الصيد، و إن كان الصائد محلا (3). و يحرم الصيد الذي ذبحه المحرم على المحل أيضا (4)، و أنت حرام و لا أنت حلال في الحرم» «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال في قوله عزّ و جلّ: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ، قال: حشرت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمرة الحديبية الوحوش حتى نالتها ايديهم و رماحهم» «2».

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «اذا فرض على نفسه الحج ثم أتم التلبية فقد حرم عليه الصيد و غيره- الحديث» «3»، فانها تدل على حرمة الصيد و إن كان محرم الأكل.

(1) يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي الآنفة الذكر: «لا تدلن عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر اليه فيستحل من أجلك، فان فيه فداء لمن تعمده» «4».

(2) لإطلاق صحيحة الحلبي المشار اليها في المسألة السابقة.

(3) لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تأكل شيئا من الصيد و أنت محرم و إن صاده حلال» «5».

(4) في الحرمة اشكال بل منع، و ذلك لأن عمدة الدليل على الحرمة موثقة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 130

.......... اسحاق بن عمار عن جعفر عليه السّلام: «ان

عليّا عليه السّلام كان يقول: اذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم، و اذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم» «1»، فانها صريحة في أن الصيد الذي ذبحه المحرم ميتة فلا يجوز أكله لا للمحرم و لا للمحل، و في مقابلها عدة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي قال: «المحرم اذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد على مسكين» «2»، فانها صريحة في أن الصيد الذي قتله المحرم حلال للمحل، لأن قوله عليه السّلام فيها: «و يتصدق بالصيد على مسكين» يدل على ذلك.

و منها: صحيحة منصور بن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال، قال: فليأكل منه الحلال، و ليس عليه شي ء، و انما الفداء على المحرم» «3»، فانها ناصة في أن صيد المحرم حلال للمحل.

و منها: صحيحته الأخرى قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أصاب صيدا و هو محرم آكل منه و انا حلال؟ قال: انا كنت فاعلا، قلت له: فرجل أصاب مالا حراما، فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك اللّه إن ذلك عليه» «4».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فانه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد- الحديث» «5»، و هذه الصحيحة بما أنها تدل بمنطوقها على حرمة صيد المحرم في الحرم على المحل و المحرم، و بمفهومها على عدم حرمته في الحل على

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 131

و كذلك ما ذبحه المحل في الحرم (1)،

المحل، تصلح

أن تقيد اطلاق سائر الروايات بما إذا كان الصيد في الحل، فاذن يقع التعارض بينها و بين الموثقة، لا من جهة انقلاب النسبة من العموم المطلق الى التباين، لأنا لا نقول بالانقلاب- كما ذكرناه في علم الأصول- بل من جهة أن هذه الروايات غير قابلة للتقييد بها.

أما أولا: فلأن لازم هذا التقييد ان الصيد اذا كان في الحل لم يجز أكله للمحل، و اذا كان في الحرم جاز، و هذا باطل جزما.

و ثانيا: ان لازمه أن لا يبقى لها مورد أصلا، و تصبح لاغية، و هذا كما ترى، فمن أجل ذلك يقع التعارض بينهما، و بما أنه لا ترجيح في البين فتسقطان معا، فيرجع إلى العام الفوقي، و مقتضاه أنه حلال له.

و دعوى: أن الروايات مطلقة من جهة أن موته مستند الى ذبح المحرم، أو الى نفس الرمي و الصيد، و الموثقة خاصة بذبحه، فاذن لا بد من تقديم الموثقة عليها تطبيقا لحمل المطلق على المقيد.

مدفوعة: بأنه لا يحتمل أن تكون للذبح خصوصية، فان المعيار انما هو بتذكية المحرم، سواء أ كانت بالذبح أم كانت بالصيد و الرمي، و احتمال أن تذكية المحرم للصيد إن كانت بالذبح كان ميتة، و إن كانت بالرمي كان حلالا، غير محتمل جزما.

فالنتيجة: أن التعارض بينهما مستقر، و يسرى الى دليل حجيتهما، فلذلك تسقطان معا و يرجع الى العام الفوقي، و مقتضاه الحلية، و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر به الاجتناب عنه.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه، فانه مقتضى ذيل الموثقة المتقدمة، و قد تسأل عن أن الموثقة تنص على أنه ميتة، و هل تجري عليه أحكام الميتة من النجاسة، و عدم جواز الصلاة فيه؟

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج،

ص: 132

و الجراد ملحق بالحيوان البرّي (1)، فيحرم صيده و إمساكه و أكله.

[مسألة 202: الحكم المذكور انما يختص بالحيوان البرّي

(مسألة 202): الحكم المذكور انما يختص بالحيوان البرّي، و أما صيد البحر كالسمك فلا بأس به (2)

و الجواب: أن الظاهر منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو أنها في مقام تنزيله منزلة الميتة، لا أنه ميتة واقعا، و من الواضح أن القدر المتيقن منه تنزيله منزلتها في حرمة أكله، دون ترتيب سائر آثار الميتة عليه.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه، فان الجراد على نوعين:

أحدهما: بحري يعيش في البحر، و لا اشكال في جواز صيده.

و الآخر: بري يعيش في البر دون البحر، و لا يجوز صيده، لأنه مضافا الى الآية الشريفة المتقدمة، يكون موردا لمجموعة من الروايات التي تنص على عدم جواز صيده.

(2) تدل عليه الآية الشريفة، و هي قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ «1» و مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:

و السمك لا بأس بأكله طرية و مالحة و يتزود، قال اللّه تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ- الحديث» «2»، فان مورد الصحيحة و إن كان السمك إلّا أن من الواضح أنه لا خصوصية له عرفا الّا باعتبار كونه من الحيوان البحري لا من جهة أنه سمك، و يدل عليه الاستشهاد بالآية الشريفة، و مثلها صحيحة حريز»

.و على هذا فالروايات التي تدل على حرمة الصيد مطلقا كصحيحة الحلبي المتقدمة و غيرها لا بد من تقييد اطلاقها بغير الصيد البحري.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 133

.......... و مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنه لا دليل على حلية صيد الحيوان البحري،

فمع هذا يجوز صيده، و ذلك لأن الأدلة من الآية الشريفة و الروايات التي تدل على حرمة صيد الحيوان البري تدل على عدم حرمة صيد الحيوان البحري في الجملة بمقتضى مفهوم الوصف، على أساس ما ذكرناه في علم الأصول من أن الوصف المذكور مع موصوفه في القضية يدل على المفهوم بنحو السالبة الجزئية، إذ لو كان الصيد البحري محرما كصيد البر و لو بفرد آخر من الحرمة و بجعل مستقل، لكان التقييد بالبري بلا فائدة و لغوا فاذن لا محالة يدل القيد على انتفاء الحكم بانتفائه في الجملة أي و لو عن بعض حالات الانتفاء، و على هذا الأساس فالآية الشريفة و الروايات تدلان على انتفاء الحرمة عن صيد البحر في الجملة، و بما أنه لا متيقن فيه لكي يتعين انتفاء الحرمة فيه و في الزائد يرجع الى اطلاق بعض الروايات الذي يكون مقتضاه الحرمة، فيعلم اجمالا بتقييد اطلاقه بغير صيد البحر في الجملة بدون تعيين، و هذا العلم الإجمالي مانع من التمسك باطلاقه عند الشك، فاذن يكون المرجع في حال الشك الأصل العملي، و هو اصالة البراءة عن حرمة صيد البحر، فالنتيجة في نهاية الشوط اختصاص حرمة الصيد بالحيوان البري دون البحري.

هاهنا مسألتان: الأولى: قد تسأل عن أن بعض الحيوان الذي يعيش في الماء و في البر معا كبعض الطيور، فهل حكمه حكم الحيوان البري أو البحري؟

و الجواب: أن مقتضى القاعدة أن حكمه حكم الحيوان البحري، و ذلك لأن الآية الشريفة و الروايات تدلان على حرمة صيد الحيوان البري، و بما أنه مجمع لكلا العنوانين فلا يكون مشمولا لهما، اذ لا يصدق عليه أنه حيوان بري، بل هو بري و بحري معا، هذا، و

لكن موثقة معاوية بن عمار تدل على أن حكمه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 134

.......... حكم الحيوان البري، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الجراد من البحر، و قال: كلّ شي ء أصله في البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الجزاء كما قال اللّه عزّ و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً الآية» «1»، بتقريب أنها تدل على ضابط كلي و هو أن كل حيوان يعيش في البحر فقط يجوز صيده، و كل حيوان يعيش في البر و البحر فلا يجوز قتله.

و أما قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر، و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر» «2» فلا يكون منافيا للموثقة، لأنه لا يدل على أن الحيوان الذي يعيش في البحر و البر يجوز صيده، بل مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام: «كل طير يكون في الآجام يبيض في البر و يفرخ في البر فهو من صيد البر»، و إن كان يعيش في البحر أيضا.

الثانية: قد تسأل أنه اذا اشتبه حيوان بين البري و البحري بالشبهة الموضوعية، فهل يحرم على المحرم صيده أو لا؟

و الجواب: أنه لا يحرم، و ذلك لأن موضوع عدم جواز الصيد هو الحيوان البري، و موضوع جوازه هو الحيوان البحري- كما في الآية

الشريفة- و كلا الموضوعين معنون بعنوان وجودي، فاذا شك في مصداقه لم يجز التمسك بالآية الكريمة، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فاذن يكون المرجع الأصل العملي، و هو أصالة البراءة عن حرمة صيده.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 135

و المراد بصيد البحر ما يعيش فيه فقط، و اما ما يعيش في البر و البحر كليهما فملحق بالبري، و لا بأس بصيد ما يشك في كونه بريا على الاظهر، و كذلك لا بأس بذبح الحيوانات الأهلية، كالدجاج و الغنم و البقر و الإبل، و الدجاج الحبشي و ان توحشت (1)، كما لا بأس بذبح ما يشك في كونه اهليا (2).

و أما استصحاب عدم كونه بحريا، فمضافا الى أنه معارض باستصحاب عدم كونه بريا لا أثر له، لأنه لا يثبت أنه بري الّا على نحو مثبت.

(1) ذلك لأن الوارد في لسان الروايات عنوان الإبل و البقر و الغنم و الدجاج، و يجوز للمحرم ذبح هذه الحيوانات و هو محرم، فاذن يكون المعيار انما هو بصدق هذه العناوين، و من الواضح أنها تصدق عليها و إن توحشت. نعم لو كان الوارد في لسان الروايات عنوان الحيوان الأهلي فالعبرة حينئذ إنما هي بصدق هذا العنوان، و بما أنه لا يصدق عليها في حالة توحشها فلا يترتب عليها حكمه في هذه الحالة.

(2) في عدم البأس اشكال بل منع، و ذلك لما مر من أن الوارد في لسان الروايات العناوين الخاصة كعنوان الإبل و البقر و الغنم و الدجاج دون عنوان الحيوان الاهلي، و ما ورد في بعض الروايات كقوله عليه السّلام في صحيحة حريز:

«المحرم يذبح ما حل للحلال في الحرم أن يذبحه و هو في الحل و الحرم

جميعا» «1»، فانه عنوان مشير الى الحيوانات المذكورة، على أساس أنه لا يحل للمحل في الحرم الّا ذبحها فحسب، و على هذا فتلك الروايات تكون مقيدة لإطلاق صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: ثم اتق قتل الدواب كلها الّا الأفعى و العقرب و الفأرة- الحديث» «2» بغير تلك الأصناف، فاذن يكون موضوع حرمة القتل الدواب التي لا تكون ابلا و لا بقرا و لا شاة و لا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 136

.......... دجاجا، و عليه فاذا شك في حيوان أنه غنم أو ذئب مثلا، فلا مانع من استصحاب عدم كونه غنما بنحو الاستصحاب في العدم الأزلي، و به يحرز أنه دابة و ليس بغنم، و الأول محرز بالوجدان و الثاني بالاستصحاب، و بضمه الى الوجدان يتحقق موضوع العام، فاذن لا مانع من التمسك به لإثبات عدم جواز ذبحه و قتله.

و دعوى: أن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم كونه ذئبا.

مدفوعة: بأنه لا يجري الّا على نحو مثبت، هذا و نذكر فيما يلي مسألتين:

الأولى: قد تسأل أن قتل البغال و الحمير و الفرس و ذبحها هل يجوز أم لا، اذا دعت الحاجة اليه؟

و الجواب: انه لا يجوز لأنه مقتضى اطلاق صحيحة معاوية المتقدمة، و أما مورد الروايات السابقة فهو عنوان الإبل و البقر و الغنم و الدجاج فحسب دون غيرها، و قوله عليه السّلام في بعض الروايات: «و ما أحل للحلال أن يذبحه في الحرم و هو محرم في الحل و الحرم» «1»، فقد مرّ أنه مشير الى هذه الحيوانات دون الأعم منها، و يؤكد ذلك أن الغاية من جواز ذبح تلك الأصناف للمحل و المحرم انما هو الاستفادة

من لحومها، و ذلك يقتضى الاختصاص بها.

الثانية: قد تسأل عن أن حرمة صيد الحيوان البري هل هي مختصة بالحيوان المحلل أكله، أو تعم المحرم أيضا، فيه وجهان:

و الجواب: أنها تعم المحرم أيضا، و ذلك لإطلاق جملة من الروايات:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: «ثم اتق قتل الدواب كلها» «2»، فانه يعم المأكول و غيره.

و منها: غيرها، و الآيات كقوله تعالى:

[مسألة 203: فراخ هذه الأقسام الثلاثة من الحيوانات البرية و البحرية، و الأهليه

(مسألة 203): فراخ هذه الأقسام الثلاثة من الحيوانات البرية و البحرية، و الأهليه (1)، و بيضها تابعة للأصول في حكمها.

وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً «1» و قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ «2» فانها مطلقة و باطلاقها تشمل الصيد المحلل أكله و المحرم.

و دعوى: أنه لا اطلاق لهما للصيد المحرم أكله، أما الآية الأولى فبقرينة أنها تقيد حرمة الصيد بحال الإحرام، فلو كان الصيد محرم الأكل لم يكن فرق بين حال الاحرام و حال الاحلال، لأن أكله محرم ذاتا.

و أما الثانية فبقرينة جعل الجزاء على قتل الصيد، بتقريب أن ما لا جزاء عليه فلا يكون قتله محرما، و بما أنه لا جزاء على قتل صيد محرم الأكل فلا مانع من قتله.

مدفوعة: أما في الآية الأولى، فلأن المراد من الصيد فيها هو الاصطياد لا الأكل منه، أو لا أقل من الاجمال و عدم الدلالة على الأعم. و أما في الآية الثانية، فلأن الجزاء منصوص في قتل كثير من الحيوان غير المأكول كالأرنب و غيره، هذا اضافة الى أنه لا ملازمة بين عدم الجزاء و جواز القتل، فالنتيجة: أنه لا بأس باطلاق الآيتين

الشريفتين.

(1) الأمر في الحيوان البحرى كالسمك و الأهلي كالدجاج كما أفاده قدّس سرّه و أما في الحيوان البري الذي يكون صيده محرما على المحرم فهل بيضه و فرخه أيضا كذلك؟ فيه اشكال، و إن كان المعروف و المشهور بين الأصحاب الحرمة، بل ادعي عليه الاجماع و التسالم، و لكن اتمامه بالدليل مشكل. نعم قد يستدل على الحرمة بالأولوية، فان ما دل من الروايات على ثبوت الكفارة في كسر

[مسألة 204: لا يجوز للمحرم قتل السباع إلا فيما إذا خيف منها على النفس

(مسألة 204): لا يجوز للمحرم قتل السباع إلا فيما إذا خيف منها على النفس (1)، و كذلك إذا آذت حمام الحرم (2). و لا كفارة في قتل السباع حتى الأسد على الأظهر (3) بلا فرق بين ما جاز قتلها و ما لم يجز.

البيض و قتل الفرخ يدل على حرمتهما بالأولوية.

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في قيمة الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيضة ربع درهم» «1».

و الجواب: أن الأولوية ممنوعة، و لا ملازمة بين ثبوت الكفارة على شي ء و بين حرمته و لا دليل عليها، فالنتيجة أن المسألة مبنية على الاحتياط.

(1) فيه أنه لا وجه لتقييد ذلك بالسباع، بل كل حيوان يخاف المحرم منه على نفسه جاز له قتله، سواء أ كان من السباع أم كان من غيره، و تدل على ذلك صحيحة عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام: «قال:

يقتل المحرم كل ما خشيه على نفسه» «2».

و رواية حريز: «قال: كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع و الحيات و غيرها فليقتله- الحديث» «3» و أما اذا لم يخف منه على نفسه فلا يجوز له قتله،

لإطلاق صحيحة معاوية المتقدمة، الّا ما استثنى.

(2) للنص الخاص و هو صحيحة معاوية بن عمار: «أنه أتى أبو عبد اللّه فقيل له: إن سبعا من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شي ء من حمام الحرم الّا ضربه، فقال: فانصبوا له و اقتلوه فانه قد الحد» «4» فان هذا التعليل يدل على أن قتلها انما يجوز اذا أذى لا مطلقا.

(3) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن الكفارة بحاجة الى دليل و لا دليل عليها،

[مسألة 205: يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى و الأسود الغدر و كل حية سوء و العقرب و الفأرة]

(مسألة 205): يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى و الأسود الغدر و كل حية سوء و العقرب و الفأرة (1)، و لا كفارة في قتل شي ء من ذلك.

و دعوى الاجماع لا قيمة لها، لما مر غير مرة من أنه لا طريق لنا الى اثباته صغرى و كبرى.

و أما رواية ابي سعيد المكاري قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل قتل أسدا في الحرم، قال: عليه كبش يذبحه» «1». فمضافا الى ضعفها سندا، ان موردها خارج عن محل الكلام، لأن موردها قتل الأسد في الحرم، و محل الكلام انما هو قتله في حال الاحرام و إن كان خارج الحرم.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه الّا في الحية، فانه لا يسوغ للمحرم قتلها الّا إذا أرادته، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «ثم اتق قتل الدواب كلها إلّا الأفعى و العقرب و الفأرة، فأما الفأرة فانها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت، و أما العقرب فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مد يده الى الحجر فلسعته فقال لعنك اللّه لا برا تدعينه و لا فاجرا، و

الحية ان ارادتك فاقتلها، و إن لم تردك فلا تردها و الأسود الغدر فاقتله على كل حال، و ارم الغراب و الحداة رميا على ظهر بعيرك» «2».

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يقتل في الحرم و الاحرام الافعى و الأسود الغدر و كل حية سوء و العقرب و الفأرة و هي الفويسقة و يرجم الغراب و الحداة رجما- الحديث» «3»، فان مقتضى اطلاقها أنه يجوز للمحرم قتل هذه الحيوانات مطلقا.

و أما تقييد الحية في الصحيحة الأولى بما اذا أرادته، فالظاهر أن المراد

[مسألة 206: لا بأس للمحرم ان يرمي الغراب و الحدأة]

(مسألة 206): لا بأس للمحرم ان يرمي الغراب و الحدأة (1)، و لا كفارة لو اصابهما الرمي و قتلهما.

منها غير الحية السوء و الأفعى و الأسود الغدر، فانها تريد الانسان على كل حال.

و أما قوله عليه السّلام في ذيل صحيحة حسين بن ابي العلاء: «أقتل كل واحد منهن يريدك» «1»، فلا يكون مقيدا لإطلاق صدرها.

أما بالنسبة الى الفأرة و العقرب فلتصريح الإمام عليه السّلام بقتلهما مطلقا، و أما الأسود الغدر و الأفعى و الحية السوء فانها تريد الانسان طبعا، و حينئذ فلا تنافي بين صدرها و ذيلها، فان الظاهر من صدرها أنه في مقام أنه يجوز للمحرم رجلا كان أو امرأة قتل الحيوان الضار، و ذيلها في مقام بيان دفع الضرر عن نفسه.

(1) هذا هو الظاهر، فان الوارد في صحيحة معاوية المتقدمة و إن كان رمي المحرم الغراب و الحداة رميا و هو على ظهر بعيره، الّا أنه لا يحتمل عرفا أن تكون لذلك خصوصية، فاذن العبرة إنما هي باطلاق صحيحة الحلبي الآنفة الذكر.

و أما ما ورد في معتبرة حنان بن سدير «2» من تقييد الغراب بالأبقع، فمن

المحتمل قويا أن يكون هذا التقييد بلحاظ خصوصية فيه، و هي كونه شريرا، لا بلحاظ اختصاص الحكم به، و لا أقلّ من الاجمال، فاذن لا مقيد لإطلاق الروايات المتقدمة، كما أنه لا خصوصية للرمي عرفا، فان ذكره إنما هو باعتبار أن قتلهما غالبا انما يكون به لا من أجل أن فيه خصوصية، و لا كفارة على قتلهما لعدم الدليل.

[كفارات الصيد]
اشارة

كفارات الصيد

[مسألة 207: في قتل النعامة بدنة، و في قتل بقرة الوحش بقرة]

(مسألة 207): في قتل النعامة بدنة، و في قتل بقرة الوحش بقرة، و في قتل حمار الوحش بدنة أو بقرة (1)

(1) في التخيير بينهما اشكال بل منع. نعم، قد يستدل على التخيير بالبيان التالي، و هو أن هناك طائفتين من الروايات:

احداهما: تنص على أن في قتل حمار الوحش بقرة، كصحيحة حريز و نحوها.

و الأخرى: تنص على أن في قتله بدنة، و مقتضى اطلاق الأولى تعين البقرة، و مقتضى اطلاق الثانية تعين البدنة، فيسقط الاطلاقان من جهة المعارضة، و يبقى وجوب كل من البقرة و البدنة في الجملة، أي بنحو القضية المهملة، و نتيجة ذلك التخيير.

و الجواب: أن بقاء وجوب كل منهما في الجملة بعد سقوط الاطلاق عنهما بالتعارض بحاجة الى دليل، و لا دليل عليه.

قد يقال كما قيل: إن الأمر في المقام بما أنه يدور بين رفع اليد عن وجوب أحدهما بالمرة، أو رفع اليد عن اطلاق كل منهما فحسب مع الحفاظ على أصل الوجوب في الكل، فيتعين الثاني.

و الجواب: ان ذلك ليس من الجمع العرفي بين الدليلين على أساس أنه مرتبط إمّا بحكومة أحدهما على الآخر، أو بأخصيته، أو أظهريته، او نصوصيته، و شي ء من ذلك غير موجود في المقام، فاذن يكون هذا الجمع من الجمع التبرعي، و لا قيمة له.

و دعوى: أن ذلك إما مبني على أن التعارض لما كان بين اطلاق كل من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 142

.......... الطائفتين، فالساقط انما هو اطلاق كل منهما دون أصل الوجوب، لعدم الموجب له، أو مبني على أن دلالة كل منهما على أصل الوجوب بما أنها دلالة لفظية وضعية، و على تعينه دلالة اطلاقية بقرينة الحكمة، فتصلح الدلالة الوضعية لكل منها

أن تكون قرينة على رفع اليد عن الدلالة الاطلاقية للأخرى بملاك الأظهرية، و على كلا التقديرين فالنتيجة في نهاية المطاف التخيير بينهما.

مدفوعة: بأن ذلك مبني على أن تكون الدلالة الأولى لكل منهما دلالة تصديقية مستقلة بلحاظ الارادة الجدية، و مشمولة لدليل الحجية كذلك حتى تكون صالحة للقرينية أو المرجعية، فان أحد الدليلين المنفصلين انما يتقدم على الدليل الآخر بالجمع العرفي اذا كان مدلوله متعينا للقرينة في العرف العام بملاك الأخصية أو الأظهرية أو النصوصية، فانه حينئذ يكون كلا الدليلين المذكورين مشمولا لدليل الحجية من دون أن يسري التعارض اليه، و في المقام بما أن الدلالة الأولى في كل منهما ليست بدلالة مستقلة ناصة أو أظهر، بل هي دلالة ضمنية، اي في ضمن الدلالة الاطلاقية لهما، و هي الدلالة النهائية، فلا تكون مشمولة لدليل الحجية مستقلا، و انما تكون مشمولة له بتبع شموله للدلالة الاطلاقية، و حيث إنه لا يشمل الدلالة الاطلاقية من جهة المعارضة، فلا يشمل الدلالة الأولى أيضا، فاذن كيف يمكن أن تكون قرينة أو مرجعا؟

و بكلمة: أنه لا شبهة في أن لكل من الطائفتين ظهورا تصديقيا واحدا بلحاظ الارادة الجدية لا ظهوران تصديقيان مستقلان، أحدهما في المعنى الوضعي، و الآخر في المعنى الاطلاقي، لكي لا يسقط الظهور الأول بسقوط الظهور الثاني بالتعارض، فالنتيجة أنه لا دليل على التخيير في المسألة، سواء أ كان بمعنى وجوب الجامع، أم كان بمعنى اشتراط وجوب كل منهما بعدم الاتيان بالأخرى.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 143

و في قتل الظبي و الأرنب شاة، و كذلك في الثعلب على الأحوط (1).

و دعوى: أنه لا مانع من شمول دليل الحجية لكلتا الطائفتين معا على أساس أن حجية السند حجية مستقلة

غير مربوطة بحجية الدلالة، و على هذا فمقتضى اطلاق دليل الحجية ثبوت القضيتين، شرعا، إحداهما أن في قتل حمار الوحش ناقة، و الأخرى أن في قتله بقرة، و حيث إنه لا يمكن الأخذ باطلاق كلتا القضيتين معا، كما أنه لا يمكن طرح كلتيهما كذلك، فلا بد من التصرف فيهما بتقييد كل منهما بعدم الأخرى، و تكون النتيجة حينئذ التخيير.

مدفوعة: بأن حجية السند و الدلالة مجعولة بجعل واحد بنحو الارتباط، و لا يمكن شمول دليل الحجية للسند مستقلا بدون أن يكون ناظرا الى دلالته و مفاده و الّا لكان لغوا و جزافا، فمن أجل ذلك لا يمكن أن يكون دليل حجية السند غير ناظر الى دلالته و مفاده.

نعم، اذا ابتليت دلالته في مورد بالمعارض أو مانع آخر بنحو لا يمكن شمول دليل الحجية لها، فلا يمكن شموله للسند أيضا. مثلا بناء العقلاء على العمل باخبار الثقة عن وجوب شي ء أو حرمة آخر نتيجة متحصلة من مجموع سنده و دلالته، فان معنى صدوره سندا أن مضمونه الذي يكون الخبر ظاهرا فيه و حاكيا عن ثبوته في الواقع باخبار الثقة عنه قد صدر عنه شرعا، فمن أجل ذلك لا يمكن أن يكون دليل حجية السند غير ناظر الى دلالته و ظهوره، لأن مرده الى أنه غير ناظر الى سنده أيضا، اذ معنى صدوره سندا- كما عرفت- أنه بما له من المضمون الذي يحكي عن ثبوته في الواقع و ظاهر فيه قد صدر، فاذن كيف يمكن التفكيك بين الأمرين؟ و تمام الكلام في علم الأصول.

(1) لا بأس بتركه و إن كان الأولى و الأجدر، باعتبار أنه لا دليل عليه غير بعض الروايات الضعيفة و دعوى الشهرة و الاجماع في

المسألة، و لكن قد ذكرنا غير مرة أنه لا يمكن الاعتماد على الاجماع في المسألة.

[مسألة 208: من اصاب شيئا من الصيد فان كان فداؤه بدنة و لم يجدها فعليه اطعام ستين مسكينا]

(مسألة 208): من اصاب شيئا من الصيد فان كان فداؤه بدنة و لم يجدها فعليه اطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مدّ (1)،

(1) هذا شريطة أن تكون قيمة الناقة وافية، و الّا فلا يجب عليه الّا بمقدار قيمة الناقة فحسب. و تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في محرم قتل نعامة قال: «عليه بدنة، فان لم يجد فاطعام ستين مسكينا فان كانت قيمة البدنة اكثر من اطعام ستين مسكينا لم يزد على اطعام ستين مسكينا و إن كانت قيمة البدنة أقل من اطعام ستين مسكينا لم يكن عليه الا قيمة البدنة» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن قوله تعالى:

أو عدل ذلك صياما، قال: عدل الهدي ما بلغ يتصدق به، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما» «2».

و هذه المجموعة تصلح أن تكون قرينة على تقييد اطلاق الروايات التي تدل على أن بدل البدنة التصدق باطعام ستين مسكينا بدون التقييد بأن قيمتها تكفى لذلك أو لا.

منها: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل محرم أصاب نعامة، ما عليه؟ قال: عليه بدنة، فان لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما، قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة ما عليه؟ قال: عليه بقرة، فان لم يجد فليتصدق على ثلاثين مسكينا، فان لم يجد فليصم تسعة أيام. قال: و سألته عن محرم أصاب ظبيا ما عليه؟

قال: عليه شاة، فان لم يجد فليتصدق على عشرة مساكين، فان لم يجد فليصم ثلاثة أيام» «3»، و هذه الصحيحة تدل على أن من لم يجد بدنة فعليه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 145

فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما (1)، و إن كان فداؤه بقرة و لم يجدها فليطعم ثلاثين مسكينا، فان لم يقدر صام تسعة أيام، و ان كان فداؤه شاة و لم يجدها فليطعم عشرة مساكين، فان لم يقدر صام ثلاثة ايام.

التصدق على ستين مسكينا، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن تكون قيمة البدنة وافية بذلك- كما هو الغالب- أو لا، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، باعتبار أنها ناصة في أن وجوب التصدق على ستين مسكينا انما هو في فرض وفاء قيمة البدنة بذلك، فاذن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

(1) في بدلية ذلك عن الإطعام إشكال، و لا يبعد أن يكون بدله صيام شهرين، و ذلك لأن الروايات الواردة في المسألة تصنف الى ثلاثة أصناف.

الصنف الأول: ما يدل على أن بدل الاطعام صيام ثمانية عشر يوما، و هو مجموعة من الروايات.

منها: صحيحة علي بن جعفر المتقدمة «1».

و منها: معتبرة ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن محرم أصاب نعامة، قال: عليه بدنة- الى أن قال: فليصم ثمانية عشر يوما» «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل، فان لم يجد ما يشتري به بدنة فاراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا، فان لم يقدر على

ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام- الحديث» «3».

الصنف الثاني: ما يدل على أن بديل الإطعام أن يصوم الصائد لكل نصف صاع يوما، و هو متمثل في صحيحة ابي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 146

.......... «اذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما» «1» و هذه الصحيحة ظاهرة في وجوب صيام شهر، بقرينة جعل صوم كل يوم بديلا عن اطعام كل مسكين نصف صاع و هو مدان.

الصنف الثالث: ما يدل على ان بديله صيام شهرين، و هو متمثل في قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم: «فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما» «2».

و بعد ذلك نقول إن لكل من هذه الاصناف الثلاثة دلالة ايجابية و دلالة سلبية، و الأولى بالنص و الثانية بالاطلاق، فان الصنف الأول يدل على وجوب صوم ثمانية عشر يوما بالنص، و على عدم وجوب الصوم الزائد بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و الصنف الثاني يدل على وجوب صوم ثلاثين يوما بالنص، و على نفي الزائد بالاطلاق، و الصنف الثالث يدل على وجوب صوم شهرين بالنص، و على هذا فالصنف الثالث بدلالته الايجابية يصلح أن يكون قرينة على رفع اليد عن الدلالة الاطلاقية لكل من الصنفين الأولين تطبيقا لحمل الظاهر على الأظهر، و نتيجة ذلك أن بديل اطعام ستين مسكينا انما هو صوم شهرين، و من هنا يظهر أن ما في تقرير بحث

السيد الاستاذ قدّس سرّه في المسألة من تقديم الصنف الأول على سائر الأصناف معللا بأنه ناص في اجزاء صوم ثمانية عشر يوما، و الباقي ظاهر في الوجوب، و حينئذ فلا بد من تقديمه على الباقى بملاك تقديم النص على الظاهر لا يتم، لوضوح أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 147

.......... دلالته على اجزاء ذلك و عدم وجوب الزائد انما هي بالاطلاق الناشي من السكوت في مقام البيان لا بالنص.

و بكلمة: انه يدل على وجوب صيام ثمانية عشر يوما بالنص، و على عدم اعتبار الزائد بالاطلاق، و بما أن دلالة الصنف الثالث على وجوب الزائد يكون بالوضع فتقدم على الاطلاق.

ثم أن في المسألة رواية أخرى و هي رواية داود الرقى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء، قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما» «1» فانها تدل على أن بدل البدنة سبع شياه، فعندئذ تكون معارضة للروايات المتقدمة التي تدل على أن بديل البدنة اطعام المساكين، و لكن الظاهر بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية العرفية أنه لا خصوصية لسبع شياه الّا من جهة أنها تعدل قيمة البدنة، و المفروض أن الواجب عند تعذر البدنة دفع قيمتها الى المساكين، فمن أجل ذلك لا معارضة بينها و بين تلك الروايات، هذا اضافة الى أنها ضعيفة سندا.

قد تسأل عن أن هذه الكفارة هل هي مخيرة او مرتبة؟

و الجواب: لا يبعد كونها مرتبة، فان الآية الشريفة و هي قوله تعالى:

وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ- الى ان قال تعالى- هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً

«2» ظاهرة في التخيير بسبب ظهور كلمة (أو) فيه، و اكثر روايات الباب ظاهرة في الترتيب على أساس ظهور كلمة (فاء) فيه.

[مسألة 209: إذا قتل المحرم حمامة و نحوها في خارج الحرم فعليه شاة]

(مسألة 209): إذا قتل المحرم حمامة و نحوها في خارج الحرم فعليه شاة، و في فرخها حمل أو جدي (1)

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام المتقدمة: «فان لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما» «1».

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة: «فان لم يجد فاطعام ستين مسكينا ... الخ» «2»، و مثلهما صحيحة ابي بصير و صحيحة ابى عبيدة و غيرهما.

و هذه الروايات لا تصلح أن تعارض الآية الشريفة، فتسقط. و لكن هناك رواية أخرى ظاهرة في أنها في مقام بيان المراد من الآية الشريفة و مفسرة لها، و هي صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن قوله تعالى: أو عدل ذلك صياما، قال: عدل الهدي ما بلغ يتصدق به، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما» «3» بتقريب أن الظاهر منها كون كلمة (أو) في الآية الشريفة انما هي لبيان عدل الكفارة، لا في مقام بيان التخيير بين خصالها.

(1) هذا اذا تحرك الفرخ، و ذلك لأن الروايات الدالة على أن فيه حملا و إن كانت مطلقة من هذه الناحية كصحيحة حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المحرم اذا أصاب حمامة ففيها شاة، و إن قتل فراخه ففيه حمل، و إن وطئ البيض فعليه درهم» «4» و غيرها، الّا أن صحيحة سليمان بن خالد، قال: «قلنا لأبي عبد اللّه عليه

السّلام: رجل اغلق بابه على طائر، فقال: إن كان اغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة، و ان عليه لكل طائر شاة، و لكل فرخ حملا، و إن لم يكن يحرك فدرهم، و للبيض نصف درهم»»

تصلح أن تكون مقيدة لإطلاقها بما اذا تحرك الفرخ.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 149

و في كسر بيضها درهم على الأحوط (1)، و إذا قتلها المحل في الحرم فعليه درهم، و في فرخها نصف درهم و في بيضها ربعه (2)،

(1) بل على الأظهر لأن صحيحة سليمان «1» و إن دلّت على أن في البيض نصف درهم، الّا أن دلالتها على نفي الزائد على النصف انما هي بالاطلاق الناشئ من سكوت المولى في مقام البيان، على أساس ظهور حال المتكلم في أن ما لا يقوله لا يريده، و حيث أن دلالة سائر الروايات على اعتبار الزائد إنما هي بالظهور العرفي على أساس ظهور حال المتكلم في أن ما يقوله يريده، و هذه الدلالة بما أنها أقوى و أظهر من الدلالة الأولى فتتقدم عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و لا يمكن حمل الروايات التي تنص على أن في البيض درهم على البيض الذي فيه فرخ، و حمل الصحيحة التي تنص على أن فيه نصف درهم على البيض الذي لا يكون فيه فرخ، و ذلك لأن مقتضى نفس هذه الصحيحة أن في البيض الذي يكون فيه فرخ درهما و نصف، باعتبار أن الدرهم في الفرخ الذي لم يتحرك و النصف في كسر البيض، فمن أجل ذلك لا يمكن أن تكون هذه الصحيحة قرينة على ذلك الحمل.

و أما صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «سألته عن رجل كسر

بيض حمام و في البيض فراخ قد تحرك، قال: عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة و يتصدق بلحومها إن كان محرما، و إن كان الفرخ لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم» «2» فاما ان تحمل على الاستحباب بقرينة الروايات التي تنص على أن في الفرخ حمل، أو أن الشاة من جهة كسر البيض و قتل الفرخ بعد التحرك معا.

(2) تدل على ذلك مجموعة من النصوص:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 150

و إذا قتلها المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين (1) و كذلك في قتل الفرخ و كسر البيض (2)، و حكم البيض اذا تحرك فيه الفرخ حكم الفرخ (3).

[مسألة 210): في قتل القطاة و الحجل و الدرّاج و نظيرها حمل قد فطم

(مسألة 210): في قتل القطاة (4)

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في قيمة الحمامة درهم، و في الفرخ نصف درهم، و في البيض ربع درهم» «1»، بعد حمل اطلاقها على المحل بقرينة ما دل من الروايات على أن على المحرم في قتل الحمامة شاة، و في فرخها حمل، و في بيضها درهم، و اما أن على المحل في قتل الحمامة درهم و في فرخها نصف درهم فانه منصوص في عدة روايات.

نعم أن في بيضها ربع درهم مستفاد من اطلاق النصوص دون النص الخاص.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه، للنصوص الخاصة التي تدل عليه:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة و ثمن الحمامة درهم، أو شبهه يتصدق به، أو يطعمه حمام مكة، فان قتلها في الحرم و ليس بمحرم فعليه ثمنها» «2».

(2) على الأحوط الأولى، لعدم دليل على أن في

قتل الأول و كسر الثاني في الحرم كفارتين، و مجرد أن في قتل الحمامة في الحرم كفارتين لا يدل على أن في قتل فرخها و كسر بيضها فيه أيضا كفارتين، فان ذلك بحاجة الى دليل.

(3) بل فيه كفارتان إحداهما في قتل الفرخ، و الأخرى في كسر البيض- كما تقدم-.

(4) تدل عليه صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «وجدنا في كتاب علي عليه السّلام في القطاة اذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن و أكل من الشجرة» «3».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 151

و الحجل و الدرّاج و نظيرها حمل قد فطم (1) من اللبن و أكل من الشجر، و في العصفور و القبّرة و الصعوة مد من الطعام على المشهور و الأحوط فيها حمل فطيم (2)، و في قتل جرادة واحدة تمرة (3)، و في اكثر من واحدة كف من الطعام، و في الكثير شاة (4).

(1) على الأحوط، فان الرواية الواردة فيها و هي رواية سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «في كتاب أمير المؤمنين عليه السّلام: من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم» «1» ضعيفة من ناحية السند، فلا يمكن الاعتماد عليها و اطلاقها بالقطاة بحاجة الى قرينة.

(2) لا بأس بتركه، فان رواية سليمان بن خالد المتقدمة لو تمت سندا و قلنا بشمول قوله عليه السّلام: «أو نظيرهن» «2» تلك الطيور و إن كانت أصغر حجما من الطيور في موردها، لكانت كفارتها شاة لا حملا، لأن الظاهر من الدم فيها هو دم الشاة، و إرادة الحمل منه بحاجة الى قرينة.

(3) تدل عليه عدة روايات:

منها: صحيحة معاوية عن ابي عبد اللّه عليه

السّلام قال: «ليس للمحرم أن يأكل جرادا و لا يقتله، قال: قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة و هو محرم، قال: تمرة خير من جرادة» «3».

و منها: صحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في محرم قتل جرادة، قال:

يطعم تمرة، و تمرة خير من جرادة» «4».

(4) تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن محرم قتل جرادا، قال: كف من طعام، و إن كان اكثر فعليه دم شاة» «5».

[مسألة 211: في قتل اليربوع و القنفذ و الضب و ما أشبهها جدي

(مسألة 211): في قتل اليربوع و القنفذ و الضب و ما أشبهها جدي (1)، و في قتل العظاية كف من الطعام (2).

[مسألة 212: في قتل الزنبور متعمدا اطعام شي ء من الطعام

(مسألة 212): في قتل الزنبور متعمدا اطعام شي ء من الطعام، و اذا كان القتل دفعا لإيذائه فلا شي ء عليه (3).

[مسألة 213: يجب على المحرم ان ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد]

(مسألة 213): يجب على المحرم ان ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد، فان لم يتمكن فلا بأس بقتلها (4).

(1) للنص و هو صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في اليربوع و القنفذ و الضب اذا اصابه المحرم فعليه جدي، و الجدي خير منه، و انما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد» «1» و التعليل فيها بقوله عليه السّلام: «و انما جعل ... الخ» يدل على أن الحكم لا يختص بالحيوانات في موردها، بل يعم نظائرها أيضا.

(2) ينص عليه صحيح معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

محرم قتل عظاية، قال: كف من طعام» «2».

(3) للنص و هو صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن محرم قتل زنبورا، قال: إن كان خطاء فليس عليه شي ء، قلت: لا بل متعمدا، قال: يطعم شيئا من طعام، قلت: إن ارادني، قال: إن ارادك فاقتله» «3».

(4) تدل عليه صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «على المحرم أن يتنكب الجراد اذا كان على طريقه، فان لم يجد بدا فقتل فلا بأس- فلا شي ء عليه» «4».

[مسألة 214: لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد فعلى كل واحد منهم كفارة مستقلة]

(مسألة 214): لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد فعلى كل واحد منهم كفارة مستقلة (1).

[مسألة 215: كفارة اكل الصيد ككفارة الصيد نفسه

(مسألة 215): كفارة اكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو صاده المحرم و أكله فعليه كفارتان (2).

(1) للنصوص الكثيرة الدالة على ذلك، و سوف نشير اليها في المسألة الآتية.

(2) تدل عليه مجموعة من الروايات، و هي على طوائف:

الأولى: تنص على أن كفارة الأكل كفارة الحيوان المصيد.

الثانية: تنص على أن كفارة الأكل شاة، بدون فرق بين أن تكون كفارة الحيوان المصيد أيضا شاة أو لا.

الثالثة: تنص على أن كفارة الأكل قيمته.

أما الطائفة الأولى فهي متمثلة في عدة روايات:

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «عن قوم اشتروا ظبيا فأكلوا منه جميعا و هم حرم ما عليهم، قال: على كل من أكل منهم فداء صيد كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملا» «1» فانها تدل على أمرين:

أحدهما: أن اكل الصيد موجب للكفارة.

و الآخر: أن كفارته نفس كفارة الصيد.

و منها: موثقة يونس بن يعقوب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المضطر الى الميتة و هو يجد الصيد، قال: يأكل الصيد، قلت: إن اللّه عز و جل قد أحل له الميتة اذا اضطر اليها و لم يحل له الصيد، قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة، قلت: من مالى، قال: هو مالك و لأن عليك فداؤه- الحديث» «2» بتقريب أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 154

.......... قوله عليه السّلام: «و عليك فداؤه» ظاهر في أن على الأكل نفس فداء الصيد و إن كان مضطرا، و مثلها صحيحة منصور بن حازم «1».

و أما الطائفة الثانية فهي متمثلة في عدة نصوص:

منها: صحيحة زرارة بن أعين، قال:

«سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «من نتف ابطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة» «2».

و منها: معتبرة ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن قوم محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه، فقالت رفيقة لهم اجعلوا لي فيه بدرهم فجعلوا لها، فقال: على كل انسان منهم شاة» «3» و تقريب الاستدلال بها أن جعل الكفارة على كل واحد منهم قرينة على أنهم جميعا أكلوا منه باعتبار أنه لا كفارة على الشراء فقط. و منها غيرهما.

و أما الطائفة الثالثة:

فمنها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا اجتمع قوم على صيد و هم محرمون في صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته» «4».

و منها: صحيحته الاخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و أي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فان على كل انسان منهم قيمته، فان اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك» «5» و منها غيرهما.

و هذه الطائفة تنص على أن كفارة الصيد و كفارة أكله كلتيهما قيمة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 155

.......... الحيوان المصيد، و لكن لا يمكن الأخذ بها من ناحية كفارة الصيد، لأنها معارضة بالروايات الكثيرة التي تنص على أن كفارة الصيد مختلفة كما و كيفا باختلاف الحيوان المصيد، و محل الصيد من الحل و الحرم، و هذه الروايات تبلغ من الكثرة حد التواتر الإجمالي، فمن أجل ذلك لا تصلح هذه الطائفة أن تعارض تلك الروايات من

هذه الناحية باعتبار أنها داخلة في الأخبار المخالفة للسنة.

ثم ان الطائفة الثالثة من ناحية كفارة الأكل معارضة مع الطائفة الأولى، فان الأولى تدل على أن كفارة أكل الحيوان المصيد نفس كفارة صيده، و هذه الطائفة تدل على أن كفارة الأكل قيمته، يعنى ثمنه، و حينئذ فان قلنا بأن المراد من القيمة عرفا بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ما يماثله، و لا موضوعية لعنوان القيمة، فلا تنافي بين الطائفتين، و لكن ذلك بعيد جدا، لأن الظاهر من العنوان المأخوذ في موضوع الحكم في لسان الدليل أنه دخيل في الموضوع، و حمله على أنه معرف بدون كونه دخيلا بحاجة الى قرينة، و لا قرينة في المقام، و على هذا فالمعارضة بينهما مستقرة، كما أن الطائفة الثانية معارضة مع كل من الطائفتين، أما مع الطائفة الأولى، فلأن عنوان فداء الصيد المأخوذ في لسانها مجرد معرف لآحاد أفراد الفداء كالناقة و البقرة و الشاة و غير ذلك، و على هذا فتقع المعارضة بينهما في كفارة الحيوان المصيد اذا لم تكن كفارته شاة، كما اذا كانت ناقة أو بقرة أو حملا أو غير ذلك، فان هذه الطائفة تدل باطلاقها على أن كفارة أكله نفس كفارة صيده، فان كانت ناقة فناقة، و إن كانت بقرة فبقرة و هكذا، و الطائفة الثانية تدل باطلاقها على أن كفارة أكله شاة و إن كان الحيوان المصيد ناقة أو بقرة أو غير ذلك. و من هنا يظهر أنه لا وجه لحمل الطائفة الثانية على خصوص ما اذا كانت كفارة الحيوان شاة كالحمام و الظبي و غيرهما بقرينة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 156

.......... الطائفة الأولى، و ذلك لأن الطائفة الأولى لا تصلح أن تكون قرينة

على هذا الحمل على أساس الجمع العرفي، لأن ملاك قرينية الجمع العرفي من الأخصية أو الأنصية أو الأظهرية غير موجود فيها، فالنتيجة ان التعارض بينهما ثابت. و أما مع الطائفة الثالثة فلأنها تدل على أن كفارة أكل الحيوان المصيد قيمته، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين انواعه و اقسامه، و هذه الطائفة تدل على أن كفارة أكله شاة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين انواعه أيضا، فيكون التعارض بينهما بالتباين.

فالنتيجة ان هذه الطوائف الثلاث من الروايات قد سقطت من جهة معارضة بعضها مع بعضها الآخر، و حينئذ يكون المرجع في المقام الأصل العملي و هو أصالة البراءة عن وجوب الكفارة، دون التخيير بينها، لما ذكرناه غير مرة من أنه لا دليل على التخيير في امثال المقام، لأنه إما أن يكون مبنيا على أن اطلاق كل منها يسقط بالتعارض و يكون المرجع حينئذ دلالة كل منها بنحو القضية المهملة، أو يكون مبنيا على أن دلالة كل منها بنحو القضية المهملة تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن اطلاق الأخرى تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر. و لكن قد تقدم في كفارة الصيد في المسألة (207) أن كلا من الأمرين غير تام، و سيأتي بيانه في ضمن المسائل الآتية أيضا. نعم، لو علم اجمالا بالعلم الوجداني بثبوت احدى هذه الكفارات الثلاث و لو من جهة العلم بصدور بعض هذه الطوائف عن المعصومين عليهم السّلام لكانت النتيجة وقتئذ التخيير.

فتحصل ان القول بالتخيير لا أساس له، و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر وجوبا على المحرم اذا أكل من الصيد أن يكفر بكفارته رجلا كان أو امرأة.

و أما صحيحة أبان بن تغلب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن قوم حجاج

[مسألة 216: من كان معه صيد و دخل الحرم يجب عليه إرساله

(مسألة 216): من كان معه صيد و دخل الحرم يجب عليه إرساله (1)،

محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها و أكلوها، فقال: عليهم مكان كل فرخ أصابوه و أكلوه بدنة يشتركون فيهن فيشترون على عدد الفراخ و عدد الرجال، قلت: فان منهم من لا يقدر على شي ء قال: يقوّم بحساب ما يصيبه من البدن، و يصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما» «1»، فالظاهر منها بمناسبة الحكم و الموضوع أنها في مقام بيان كفارة الأكل فقط و لو بقرينة أن كفارة قتل الفرخ معلوم و أما اذا منعنا عن هذا الظهور و قلنا بأنها ظاهرة في أن كفارة القتل و الأكل معا الناقة، فمع ذلك تكون الرواية مخالفة للطوائف الثلاث، فتسقط من جهة المعارضة و مع الاغماض عن ذلك فلا بد من الاقتصار على موردها و لا يمكن التعدي عنه.

(1) لأن الحرم مأمن حتى للحيوانات، فلا يجوز لأحد إمساكها و حبسها فيه، و عليه أن يطلق سراحها اذا مسكها، و تدل على ذلك الآية الشريفة و هي قوله تعالى: (وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) «2»، بضميمة الروايات المفسرة لها.

منها: صحيحة معاوية بن عمار: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم، فقال: لا يمسّ لأن اللّه عز و جل يقول: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» «3».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن ظبى دخل الحرم، قال: لا يؤخذ و لا يمس، ان اللّه تعالى يقول: و من دخله كان آمنا» «4».

ثم إن مقتضى اطلاق الدليل عدم الفرق بين المحرم و غير المحرم في الحكم حيث ان هذا الحكم حكم الحرم.

تعاليق مبسوطة

على مناسك الحج، ص: 158

فان لم يرسله حتى مات لزمه الفداء (1) بل الحكم كذلك بعد إحرامه (2)، و إن لم يدخل الحرم على الأحوط.

[مسألة 217: لا فرق في وجوب الكفارة في قتل الصيد و أكله بين العمد و السهو و الجهل

(مسألة 217): لا فرق في وجوب الكفارة في قتل الصيد و أكله بين العمد و السهو و الجهل (3).

[مسألة 218: تتكرر الكفارة بتكرر الصيد جهلا أو نسيانا أو خطأ]

(مسألة 218): تتكرر الكفارة بتكرر الصيد جهلا أو نسيانا أو خطأ (4)،

(1) تدل عليه موثقة بكير بن اعين قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل أصاب ظبيا فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم، فقال: إن كان حين أدخله خلى سبيله فلا شي ء عليه، و إن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء» «1».

(2) فيه: ان الامر و إن كان كذلك بالنسبة إلى حرمة امساكه، لما تقدم من أنه لا يجوز للمحرم امساك الصيد و الاحتفاظ به، الّا ان الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الكفارة اذا مات عنده قبل أن يدخل الحرم، إذ لا دليل عليها و إن كانت مشهورة.

(3) للنصوص الخاصة، و بها تفترق كفارة الصيد عن سائر الكفارات، فان سائر الكفارات لا تثبت في صورة الجهل و الخطأ و السهو الّا في بعض الموارد على تفصيل يأتي في محلها إن شاء اللّه تعالى.

(4) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن الروايات الواردة في المسألة على طائفتين:

إحداهما تدل على تكرر الكفارة بتكرر الصيد، و الأخرى تدل على عدم تكررها بتكرره.

أما الطائفة الأولى:

فمنها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم يصيب الصيد، قال: عليه الكفارة في كل ما أصاب» «2» فانها تدل على وجوب

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 159

.......... الكفارة و ثبوتها في كل فرد من أفراد الاصابة.

و منها: صحيحته الأخرى قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام محرم أصاب صيدا، قال: عليه الكفارة، قلت: فان هو عاد، قال: عليه كلما عاد كفارة» «1» و مقتضى اطلاقهما تكرر الكفارة بتكرر الصيد،

سواء أ كان عامدا و ملتفتا أم كان جاهلا أو ناسيا.

و أما الطائفة الثانية:

فمنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المحرم اذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد على مسكين، فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه و ينتقم اللّه منه، و النقمة في الآخرة» «2».

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في محرم أصاب صيدا، قال: عليه الكفارة، قلت: فإن أصاب آخر، قال: اذا أصاب آخر فليس عليه كفارة و هو ممن قال اللّه عز و جل: وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» «3».

ثم إن الظاهر من الطائفة الثانية هو اختصاصها بما اذا كانت الاعادة عن عمد و التفات بقرينة ما يترتب عليه من العقوبة و الانتقام، و لا تعم ما اذا كانت عن جهل يعذر فيه، أو نسيان أو خطأ، و على هذا الأساس فلا معارضة بين الطائفتين، فانه يحمل الطائفة الأولى على الطائفة الثانية تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

فالنتيجة: ان تكرر الصيد إن كان عامدا و عالما بالحكم لم يوجب تكرر الكفارة عليه، و انما يوجب العقوبة و الانتقام في الآخرة، و إن كان خطأ أو نسيانا أو عن جهل يعذر فيه أوجب تكررها، و من هنا يظهر أن المناط في وجوب

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 160

و كذلك في العمد إذا كان الصيد من المحل في الحرم (1)، أو من المحرم مع تعدد الاحرام (2)، و أما إذا تكرر الصيد عمدا من المحرم في إحرام واحد لم تتعدد الكفارة.

الكفارة مرة ثانية و عدم وجوبها انما هو بكون اعادة الصيد عمدية أو لا، فعلى الأول لا توجب الكفارة و انما توجب

الاثم و على الثاني توجبها. و أما في الصيد الأول فلا فرق فيه بين أن يكون عمديا أو غير عمدي، فانه يوجب الكفارة على كل تقدير.

(1) الأمر كذلك، لأن مورد الروايات المتقدمة التي تنص على أن الاعادة اذا كانت عمدية لم توجب الكفارة مرة ثانية هو المحرم، و لا يعم المحل، فاذن تعدد الكفارة عليه بتعدد سببها يكون على القاعدة فلا يحتاج الى دليل.

(2) هذا هو الصحيح، لأن صحيحتي الحلبي المتقدمتين ظاهرتان بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية في تكرر الصيد في احرام واحد بقرينة جعل الكفارة في الصيد الأول و العقوبة في الصيد الثاني، و هذا بنفسه يدل على أن ذلك في احرام واحد، و أما إذا كان في احرامين:

أحدهما: في احرام العمرة.

و الآخر: في احرام الحج، فلا يكون مبرر لجعل كفارة الصيد في الأول دم حيوان، و في الثاني عقوبة أخروية التي هي أشد بمراتب من الكفارة المالية.

هذا اضافة إلى أنا لو سلمنا أن الصحيحتين المذكورتين مجملتان فالقدر المتيقن منهما ما إذا كان تكرر الصيد في احرام واحد، و أما إذا كان في احرامين فالمرجع هو عموم صحيحتي معاوية بن عمار المتقدمتين، لأن المقام حينئذ داخل في كبرى اجمال المخصص المنفصل، و تؤكد ذلك أن الظاهر من ضمير (عاد) في الآية الشريفة و صحيحتي الحلبي هو رجوعه الى شخص المحرم الذي أصاب الصيد الأول، لا الى طبيعي المحرم.

[2- مجامعة النساء]
اشارة

2- مجامعة النساء

[مسألة 219: يحرم على المحرم الجماع اثناء عمرة التمتع، و اثناء العمرة المفردة، و اثناء الحج

(مسألة 219): يحرم على المحرم الجماع اثناء عمرة التمتع، و اثناء العمرة المفردة، و اثناء الحج، و بعده قبل الاتيان بصلاة طواف النساء (1).

[مسألة 220: إذا جامع المتمتع اثناء عمرته قبلا أو دبرا عالما عامدا]

(مسألة 220): إذا جامع المتمتع اثناء عمرته قبلا أو دبرا عالما عامدا، فان كان بعد الفراغ من السعي لم تفسد عمرته (2)، و وجبت عليه الكفارة، و هي على الأحوط جزور، و مع العجز عنه بقرة، و مع العجز عنها شاة (3)، (1) تدل على حرمة الاستمتاع بالمرأة جماعا اثناء مناسك الحج الآية الشريفة و الروايات، اما الآية فهي قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ) «1» فانها تنص على حرمة الرفث في الحج و تعم جميع أقسام الحج و عمرة التمتع أيضا، باعتبار أنها جزء الحج، و لا تعم العمرة المفردة على أساس أن أشهر الحج التي هي عبارة عن شوال و ذي القعدة و ذي الحجة تختص بالحج و عمرة التمتع، و أما العمرة المفردة فلا تكون مؤقتة بوقت معين، بل يجوز الاتيان بها في كل شهر طول السنة. و أما الروايات فسوف نشير اليها ضمن المسائل القادمة.

(2) للروايات التي تنص على ذلك و سوف نشير اليها فيما بعد.

(3) بل الأحوط التخيير بينها دون الترتيب، لأن الترتيب و إن كان مشهورا الّا أن استفادته من الروايات لا يمكن.

بيان ذلك: ان الروايات الواردة في المسألة تصنف الى ثلاثة أصناف:

الأول: صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 162

.......... وقع على امرأته قبل أن يقصر، قال: ينحر جزورا و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه- الحديث»»

و مثلها

صحيحته الأخرى «2».

الثاني: موثقة ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت: متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر، فقال: عليه دم شاة» «3».

الثالث: صحيحة الحلبي: «انه سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت و بالصفا و المروة و قد تمتع ثم عجل فقبل امرأته قبل أن يقصر من رأسه، قال:

عليه دم يهريقه، و إن جامع فعليه جزور أو بقرة» «4».

و على هذا فمقتضى اطلاق الرواية الأولى تعين الجزور، و مقتضى الرواية الثالثة التخيير بين الجزور و بين البقرة، و حيث أن الرواية الأولى تدل على تعيين الجزور بالاطلاق الناشي من السكوت في مقام البيان، و هذه الرواية تدل على التخيير بينها و بين البقرة بالنص، فنرفع اليد عن اطلاق تلك بنص هذه تطبيقا لحمل الظاهر على النص.

ثم إن هذه الرواية، أي الرواية الأخيرة معارضة بالرواية الثانية، فان الرواية الثانية تدل بالاطلاق على أن كفارة الاستمتاع بالمرأة جماعا شاة تعيينا، و هذه الرواية تدل بالاطلاق على أن كفارته الجامع بين الجزور و البقر تعيينا، فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة، و حينئذ يكون المرجع الأصل العملي و هو أصالة البراءة عن وجوب الكفارة.

و دعوى: أن الساقط بالتعارض انما هو اطلاق كل من الروايتين لا أصل دلالتهما بنحو القضية المهملة.

مدفوعة: بما تقدم في المسألة (207) فراجع.

و مع هذا فالأحوط و الأجدر به وجوبا أن يكفر مخيرا بين جزور أو بقرة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 163

و إن كان قبل الفراغ من السعي فكفارته كما تقدم، و لا تفسد عمرته أيضا على الأظهر (1)، و الأحوط اعادتها قبل الحج مع الامكان، و إلا اعاد حجه في العام القابل.

[مسألة 221: إذا جامع المحرم للحج امرأته قبلا أو دبرا عالما عامدا قبل الوقوف بالمزدلفة]

(مسألة 221): إذا جامع

المحرم للحج امرأته قبلا أو دبرا عالما عامدا قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت عليه الكفارة و الاتمام و اعادة الحج من عام قابل سواء كان الحج فرضا أو نفلا (2)

أو شاة، و كذلك الحال اذا كان الجماع قبل الفراغ من السعي بين الصفا و المروة، أو قبل الفراغ من صلاة الطواف، و الجامع أن يكون اثناء العمرة بأن يكون بعد الاحرام، سواء أ كان قبل التقصير أم كان قبل السعي أو الطواف أو صلاته، و ذلك لأن المتفاهم العرفي من الروايات المتقدمة بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن الكفارة انما هي على استمتاع المحرم بالمرأة جماعا اثناء العمرة، و لا يرى العرف خصوصية لكون العمل المذكور قبل الفراغ من الطواف أو بعده أو قبل السعي أو في اثنائه، لأن التقييد بما قبل التقصير في الروايات انما هو بلحاظ أنه كان في حال الاحرام و لم يخرج منه بعد من دون خصوصية له.

(1) هذا هو الصحيح، و تدل على الصحة الروايات المتقدمة على أساس ما ذكرناه من أن العرف لا يفهم خصوصية لممارسة المحرم الاستمتاع بالمرأة جماعا قبل التقصير، هذا اضافة الى أن البطلان بحاجة الى دليل و لا دليل عليه ما عدا كونه مشهورا.

(2) هذا هو الصحيح، بيان ذلك يتطلب التكلم في المسألة عن جهات:

الأولى: وجوب اتمام الحج على كل من الرجل و المرأة.

الثانية: وجوب الاعادة عليهما في السنة القادمة.

الثالثة: وجوب التفريق بينهما.

الرابعة: وجوب الكفارة عليهما.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 164

و كذلك المرأة إذا كانت محرمة و عالمة بالحال و مطاوعة له على الجماع و لو كانت المرأة مكرهة على الجماع لم يفسد حجها، و تجب على الزوج المكره كفارتان، و لا شي ء على المرأة

و كفارة الجماع بدنة مع اليسر، و مع العجز عنها شاة و يجب التفريق بين الرجل و المرأة في حجتهما، و في المعادة إذا لم يكن معهما ثالث إلى أن يرجعا إلى نفس المحل الذي وقع فيه الجماع، و إذا كان الجماع بعد تجاوزه من منى الى عرفات لزم استمرار الفصل بينهما من ذلك المحل إلى وقت النحر بمنى، و الأحوط استمرار الفصل إلى الفراغ من تمام أعمال الحج.

أما الجهة الأولى: فتدل عليها جملة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن لم يكن جاهلا فإن عليه أن يسوق بدنة، و يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و عليه الحج من قابل» «1».

و منها: صحيحة زرارة قال: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة، قال: جاهلين أو عالمين، قلت: أجبني عن الوجهين معا، قال: الى أن قال: إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، و عليهما بدنة، و عليهما الحج من قابل، و اذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما، و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت: فأيّ الحجتين لهما، قال: الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما عقوبة» «2» و منها غيرهما.

و هذه الروايات تدل على أمور:

الأول: وجوب اتمام الحج.

الثاني: وجوب التفريق بينهما.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 165

.......... الثالث: وجوب الحج من قابل.

الرابع: إن الحجة الأولى هي الحجة الواجبة، و الحجة الثانية عقوبة.

و اما الجهة الثانية: فتدل عليها روايات كثيرة.

منها: الصحيحتان المتقدمتان.

و

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل» «1».

و أما الجهة الثالثة: فتنص عليها أيضا عدة روايات.

منها: الصحيحتان المتقدمتان و منها غيرهما.

و اما الجهة الرابعة: فتدل عليها مجموعة كبيرة من الروايات:

منها: الصحيحتان السابقتان.

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة علي بن جعفر: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها» «2».

و منها: صحيحة أبي بصير أنه سأل الصادق عليه السّلام: «عن رجل واقع امرأته و هو محرم، قال: عليه جزور- الحديث» «3»، و منها غيرها.

و لتوضيح هذه المسألة نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي عددا من المسائل:

الأولى: انه لا فرق فيما ذكرنا من الأحكام بين الرجل و المرأة، فكما يجب اتمام الحج على الرجل، فكذلك على المرأة و كذلك الحال في وجوب الحج من قابل، و في الكفارة.

الثانية: قد تسأل أن وجوب التفريق بينهما هل هو مختص بما إذا كان الجماع قبل الوقوف بالمشعر، أو يعم ما اذا كان بعده أيضا؟

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 166

.......... و الجواب: انه يختص بما اذا كان قبل الوقوف بالمشعر، فان روايات الباب و إن لم تصرح به الّا أن فيها ما يدل على ذلك، بقرينة أنه جعل في كثير من تلك الروايات الوصول الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا غاية للتفريق، و قد ورد في جملة منها: «يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» «1»، فان هذا التقييد يدل على أن العمل المذكور كان في الطريق الى الحج بعد الاحرام.

و في معتبرة محمد بن مسلم: «و يفرق بينه و بين أهله

حتى يقضيا المناسك، و حتى يعود الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، فقلت: أ رأيت إن اراد أن يرجعا في غير ذلك الطريق، قال: فليجتمعا اذا قضيا المناسك» «2» فانه يدل على أن ما حدث بينهما كان في الطريق الى الحج، و على الجملة فهذه الروايات لو لم تكن ظاهرة في أن وجوب التفريق بين الرجل و المرأة انما هو اذا كان العمل الحادث بينهما قبل الوقوف بالمزدلفة فلا شبهة في عدم ظهورها في الاطلاق، و حينئذ تكون مجملة، و القدر المتيقن منها أن يكون قبل المزدلفة.

و تؤكد ذلك روايات أخرى:

منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع وقع على أهله، و لم يزر، قال: ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجه إن كان عالما و إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء، قال: عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء- الحديث» «3» بتقريب أنها تشمل باطلاقها ما إذا واقع أهله بعد الوقوف بالمشعر،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 167

.......... كما أنها تدل باطلاقها الناشي من السكوت في مقام البيان على عدم وجوب التفريق، و حينئذ نرفع اليد عن اطلاقها بقرينة الروايات المتقدمة و نحملها على ما اذا كان العمل المذكور بعد الوقوف بالمزدلفة.

و منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل واقع أهله حين ضحّى قبل أن يزور البيت قال: يهريق دما» «1» فانها ظاهرة في أنه واقع أهله يوم النحر، و تدل باطلاقها على عدم وجوب التفريق بينهما.

فالنتيجة: ان وجوب التفريق مختص بما

اذا كان الجماع قبل الوقوف بالمشعر لا مطلقا.

الثالثة: قد تسأل عن أن وجوب اعادة الحج في السنة القادمة هل هو من أحكام خصوص ممارسة المحرم الجماع بالمرأة قبل الوقوف بالمزدلفة، أو من أحكام ممارسته ذلك العمل مطلقا ما دام هو في الإحرام؟

و الجواب: انه من خصوص أحكام ممارسته العمل قبل الوقوف بها، و تدل على ذلك جملة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع وقع على أهله و لم يزر، قال: ينحر جزورا و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما، و إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال: عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء- الحديث» «2».

و منها: صحيحة عيص بن القاسم «3» المتقدمة، فان الظاهر منهما أن وقوعه على امرأته كان يوم النحر و بعد الوقوف بالمشعر، و قبل أن يزور البيت.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 168

.......... و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة، أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل» «1» بتقريب أن مقتضى مفهومها انتفاء وجوب الحج عنه في العام القابل بانتفاء شرطه، و هو استمتاع الرجل بامرأته جماعا دون المزدلفة، و نتيجة ذلك أنه إذا وقع عليها بعد الوقوف بها فعليه الكفارة فقط دون اعادة الحج من قابل. هذا اضافة الى أن الروايات التي تدل على التفريق بينهما من مكان الحادث في الحجة الأولى و المعادة ظاهرة في اختصاص وجوب الحج من قابل بما إذا كان الحادث قبل

الوقوف بالمزدلفة، أو لا أقل من اجمالها، و القدر المتيقن الاختصاص.

الرابعة: ان مقتضى اطلاق الروايات عدم الفرق بين أن تكون الحجة الأولى حجة الإسلام أو غيرها كالحج الواجب بالنذر أو الاجارة أو نحوها، بل تعم الحج المستحب أيضا على أساس أن موضوع الحكم في الروايات المحرم بدون فرق بين أن يكون احرامه لحجة الإسلام أو الحجة المنذورة أو المستأجرة أو المستحبة.

الخامسة: أن الحجة الأولى صحيحة و الثانية عقوبة، و تنص على ذلك صحيحة زرارة المتقدمة «2»، و أما صحيحة سليمان بن خالد قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في حديث: و الرفث فساد الحج» «3» فلا تصلح أن تعارض صحيحة زرارة التي هي ناصة في الصحة، و عليه فلا بد من حمل الفساد فيها على الفساد العنائي و لو بلحاظ أنه يوجب اعادة الحج من قابل.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 169

.......... السادسة: أنه لا فرق في ثبوت الكفارة بين أن يكون الجماع قبل الوقوف بالمزدلفة أو بعده، لإطلاق جملة من الروايات و نص صحيحتي معاوية و عيص المتقدمتين.

السابعة: أن المرأة اذا كانت مكرهة الى انتهاء العمل فلا كفارة عليها، و على الرجل كفارتان، و تدل عليها مجموعة من الروايات:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة سليمان بن خالد: «و إن كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء» «1».

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «و إن كان استكرهها فعليه بدنتان- الحديث» «2».

الثامنة: أن المقصود من التفريق بينهما أنهما لا يكونان مجتمعين في مكان واحد بدون أن يكون معهما ثالث، و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم يقع على

أهله، فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله» «3»، و تؤيد ذلك مرفوعة أبان بن عثمان الى ابي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا:

«المحرم اذا وقع على أهله يفرق بينهما» «4» يعني بذلك لا يخلوان و أن يكون معهما ثالث.

التاسعة: قد تسأل أنه إذا لم يتمكن من الناقة فهل عليه شاة أو بقرة؟

و الجواب: أن عليه شاة لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام في حديث قال: «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، و إن لم يجد فشاة- الحديث» «5»

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 170

.......... و لا دليل على أن بديل البدنة بقرة ثم شاة. نعم قد يستدل على ذلك برواية خالد بياع القلانس قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أتى أهله و عليه طواف النساء، قال: عليه بدنة، ثم جاءه آخر فقال: عليك بقرة، ثم جاءه آخر فقال: عليك شاة، فقلت بعد ما قاموا: أصلحك اللّه كيف قلت عليه بدنة، فقال: أنت موسر و عليك بدنة، و على الوسط بقرة، و على الفقير شاة» «1».

و الجواب: أن الرواية ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها، و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها معتبرة، الّا أنها لا تدل على الترتيب، بل تدل على أن البدنة على الموسر و البقرة على المتوسط و الشاة على الفقير.

فالنتيجة: انه لا دليل على أن البقرة بديلة عن البدنة.

العاشرة: أنه لا دليل على التفصيل بين الموسر و المتوسط و الفقير، لأن الدليل عليه منحصر برواية القلانسي المتقدمة، و قد مر انها ضعيفة سندا.

الحادية عشرة: ان وجوب الكفارة و وجوب الحج من قابل و التفريق

بينهما جميعا مختصة بالعامد و الملتفت، و أما الجاهل بالحكم و الناسي فلا شي ء عليهما، كما نصت على ذلك مجموعة من الروايات المتقدمة.

الثانية عشرة: الظاهر أنه لا فرق في استمتاع المحرم بالمرأة جماعا بين أن يكون بامرأته أو بامرأة اجنبية، فان مورد الروايات و إن كان الاول، الّا أن العرف لا يفهم خصوصية منه.

الثالثة عشرة: قد تسأل عن أن غاية الافتراق هل هي يوم النفر، أو بلوغ الهدي مكانه أو قضاء المناسك و العود الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا؟

وجوه، و منشأ هذه الوجوه اختلاف الروايات في المسألة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 171

.......... و هي تصنف الى ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: تنص على أن الغاية منه بلوغ الهدي محلّه.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم يقع على أهله، فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محله» «1».

الطائفة الثانية: تنص على أن الغاية منه قضاء النسك و الوصول الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا.

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة: «حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا- الحديث» «2».

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة سليمان بن خالد: «و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك، و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» «3».

الطائفة الثالثة: تنص على أن الغاية منه النفر من منى.

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي: «و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا» «4».

ثم إن مقتضى الطائفة الأولى أن الغاية تتحقق ببلوغ الهدي محلّه، فاذا بلغ جاز اجتماعهما، سواء أ كانا

واصلين الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا أم لا، و مقتضى الطائفة الثانية أنها تتحقق بتحقق أمرين: أحدهما قضاء المناسك للحج، و الآخر الوصول الى مكان العمل شريطة أن يرجعا من ذلك الطريق، و الّا كفى قضاء المناسك. و مقتضى الطائفة الثالثة أنها تتحقق بتحقق أمرين: أحدهما

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 172

.......... النفر من منى، و الآخر العود الى المكان الذي مارسا فيه العمل.

ثم إن الظاهر أنه لا تنافي بين الطائفة الأخيرة و الثانية، فان المراد من المناسك إما خصوص مناسك الحج من رمي جمرة العقبة و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير و زيارة البيت، أو الأعم منها و من رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر. أما على الثاني فهما متفقتان في تحقق الغاية باعتبار أن إتمام مناسك منى انما هو بالنفر بعد زوال يوم الثاني عشر، و أما على الأول فالطائفة الثانية و إن كانت تنفى اعتبار عنصر آخر في تحقق الغاية غير اتمام المناسك و الوصول الى مكان العمل، الّا أن ذلك لما كان بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان لم تصلح أن تعارض الطائفة الأخيرة، فانها تنص على أن الغاية انما تتحقق بالنفر و الوصول الى المكان المذكور، و لا يكفي مجرد اتمام المناسك، فاذن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها تطبيقا لحمل الظاهر على النص أو الأظهر.

و أما الطائفة الأولى فهي تدل على أن الغاية انما تتحقق ببلوغ الهدي، و بالاطلاق تنفى اعتبار عنصر زائد عليه، و بما أن الطائفة الثانية و الأخيرة تنصان على اعتبار عنصر زائد فلا بد من رفع اليد عن اطلاقها.

فالنتيجة: ان غاية الافتراق بين الرجل و

المرأة في الحجة الأولى و المعادة انما تتحقق بالنفر و الوصول الى مكان العمل، و هذا بدون فرق بين أن يكون مكان العمل قبل الوصول الى منى، اي حينما كانا يذهبان الى عرفات من مكة او من الميقات، كما اذا كان حجهما حج الإفراد أو القران، أو بعد الوصول اليه.

الرابعة عشرة: قد تسأل عن أن هذه الأحكام هل تجري على المولى و أمته اذا استمتع بها جماعا بعد الاحرام و قبل الوقوف بالمشعر؟

[مسألة 222: إذا جامع المحرم امرأته عالما عامدا بعد الوقوف بالمزدلفة]

(مسألة 222): إذا جامع المحرم امرأته عالما عامدا بعد الوقوف بالمزدلفة، فان كان ذلك قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة على النحو المتقدم و لكن لا تجب عليه الاعادة (1) و كذلك اذا كان جماعه قبل الشوط الخامس من طواف النساء، و أما إذا كان بعده فلا كفارة عليه أيضا (2).

و الجواب: الظاهر أنها تجري عليهما أيضا على أساس أن ترتب تلك الأحكام على الرجل و المرأة مرتبط بتوفر أمرين:

أحدهما: ان يكون ذلك العمل بعد الإحرام.

و الآخر: أن يكون قبل الوقوف بالمشعر، فإذا توفر الأمران ترتب عليهما تلك الأحكام، كانت المرأة المحرمة زوجة للرجل المحرم، أو أمة له، أو اجنبية، اذ لا يفهم العرف خصوصية لمورد الروايات.

(1) لما مرّ في المسألة السابقة من أن وجوب الاعادة و كذلك وجوب التفريق مختص بما إذا كان العمل قبل المشعر لا بعده.

(2) لصحيحة حمران بن اعين عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه، فخاف أن يبدره، فخرج إلى منزله، فنفض ثم غشى جاريته، قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقى عليه من طوافه، و يستغفر اللّه

و لا يعود، و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشى فقد أفسد حجه، و عليه بدنة، و يغتسل ثم يعود فيطوف اسبوعا» «1» فانها تدل بوضوح على حكم المسألة بكلا شقيها، و أما قوله عليه السّلام: «فقد أفسد حجه» فالظاهر أن المراد من الافساد افساد الطواف لا افساد الحج لان افساد طواف النساء لا يستلزم افساد الحج.

[مسألة 223: من جامع امرأته عالما عامدا في العمرة المفردة وجبت عليه الكفارة]

(مسألة 223): من جامع امرأته عالما عامدا في العمرة المفردة وجبت عليه الكفارة على النحو المتقدم و لا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السعي و اما إذا كان قبله بطلت عمرته أيضا (1)، (1) في البطلان اشكال، و لا يبعد عدمه، لأن النصوص التي استدل بها على البطلان لا تخلو عن اشكال بل منع، و هي كما يلي:

منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة، فغشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه و سعيه، قال: عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه أن يقيم الى الشهر الآخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة» «1» فانها و إن كانت في نفسها ظاهرة في فساد العمرة، الا أن هناك قرينة مانعة عن الأخذ بهذا الظهور، و هي أمره عليه السّلام الرجل المعتمر أن يقيم الى الشهر الآخر، ثم يخرج الى بعض المواقيت و يحرم لعمرة جديدة، و هذا يدل على صحة هذه العمرة، اذ لو كانت فاسدة جاز له الاتيان بعمرة أخرى في نفس ذلك الشهر، لأن العمرة الفاسدة وجودها كالعدم، فلا تمنع عن الاتيان بعمرة أخرى في شهرها على أساس أن المراد من قوله عليه السّلام: «لكل شهر عمرة» هو العمرة الصحيحة المأمور بها

دون الأعم منها و من الفاسدة، و على هذا فالأمر بالاقامة في مكة الى شهر آخر و الاتيان بالعمرة فيه يدل على أمرين:

أحدهما: صحة العمرة الأولى.

و الآخر: أن وجوب الاتيان بالعمرة الجديدة انما هو من باب العقوبة، كما هو الحال في الحج، و يؤكد إن ذلك من باب العقوبة هو أمره عليه السّلام بالخروج الى بعض المواقيت، مع أن من كان في مكة و أراد الاتيان بالعمرة يخرج الى أدنى الحل و يحرم منه. فاذن لا بد من حمل الفساد فيها على الفساد عناية، بمعنى أن العمرة التي أتى المعتمر بالنساء في اثنائها ليست كالعمرة التي لم يأت بها في

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 175

.......... الأثر، فيكون اطلاق الفساد عليها كإطلاق الفساد على الحج في رواياته.

و منها: صحيحة مسمع عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يعتمر عمرة مفردة، ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة، ثم يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: قد افسد عمرته، و عليه بدنة، و عليه أن يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج الى الوقت الذي وقته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهله فيحرم منه و يعتمر» «1».

و الجواب عنها هو الجواب عن الصحيحة الأولى. فالنتيجة أنه لا يبعد صحة العمرة الأولى و أما الثانية فالظاهر أنها عقوبة. هذا كله اذا كان الجماع قبل السعي.

و أما إذا كان بعده فالظاهر انه لا يوجب بطلان العمرة و إن قلنا به في الفرض الأول، لعدم الدليل، و الروايات على تقدير تمامية دلالتها على البطلان مختصة بالفرض الأول، و لا تشمل الفرض الثاني.

و أما الكفارة فالظاهر أنها ثابتة، لإطلاق مجموعة من الروايات

الدالة على ثبوت الكفارة بالجماع قبل طواف النساء، فانها تشمل باطلاقها العمرة المفردة أيضا.

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألت أبي جعفر بن محمد عليه السّلام عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمدا ما عليه؟ قال: يطوف و عليه بدنة» «2» فانها باطلاقها تعم العمرة المفردة أيضا.

و منها: صحيحة حمران بن أعين»

المتقدمة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 176

و وجبت عليه أن يقيم بمكة إلى شهر آخر ثم يخرج إلى أحد المواقيت، و يحرم منه للعمرة المعادة، و الأحوط اتمام العمرة الفاسدة أيضا (1).

[مسألة 224: من احلّ من احرامه إذا جامع زوجته المحرمة وجبت الكفارة على زوجته

(مسألة 224): من احلّ من احرامه إذا جامع زوجته المحرمة وجبت الكفارة على زوجته، و على الرجل ان يغرمها و الكفارة بدنة (2).

[مسألة 225: إذا جامع المحرم امرأته جهلا أو نسيانا صحت عمرته و حجه

(مسألة 225): إذا جامع المحرم امرأته جهلا أو نسيانا صحت عمرته و حجه، و لا تجب عليه الكفارة (3)، (1) لا دليل عليه، و إن كان أولى و أجدر.

(2) لصحيحة ابي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أحل من احرامه و لا تحل امرأته فوقع عليها، قال: عليها بدنة يغرمها زوجها» «1» ثم إن مورد الصحيحة الرجل المحرم الذي خرج عن احرامه و صار محلا، و هل يمكن التعدي منه الى مطلق المحل و إن لم يكن مسبوقا بالاحرام؟

و الجواب: لا يبعد التعدي، فان مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي أن ثبوت الحكم له بما أنه محل لا بما أنه صار محلا بعد الاحرام.

و بكلمة: ان المحل في مقابل المحرم، فاذا ثبت حكم له ثبت على أساس أنه محل سواء أ كان مسبوقا بالاحرام أم لا، فلا قيمة لسبقه به.

و دعوى: ان الحكم بما أنه يكون على خلاف القاعدة، فلا بد من الاقتصار على مورده و عدم جواز التعدي منه الى سائر الموارد.

مدفوعة: بأن الحكم و إن كان على خلاف القاعدة، الّا أن العرف لا يحتمل خصوصية لمورده، و لا يرى أن ثبوته له بما أنه مسبوق بالاحرام لا بما أنه من افراد المحل.

فالنتيجة: ان الأظهر عدم اختصاص الحكم بمورد الرواية.

(3) للروايات الكثيرة التي تنص على ذلك، و قد تقدم بعضها.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 177

و هذا الحكم يجري في بقية المحرمات (1) الآتية التي توجب الكفارة، بمعنى أن ارتكاب أيّ عمل على المحرم لا يوجب الكفارة، إذا

كان صدوره منه ناشئا عن جهل أو نسيان و يستثنى من ذلك موارد:

1- ما اذا نسي الطواف في الحج و واقع أهله، أو نسي شيئا من السعي في عمرة التمتع و جامع أهله أو قلّم أظفاره بزعم أنه محل فأحلّ لاعتقاده الفراغ من السعي، و ما إذا أتى أهله بعد السعي و قبل التقصير جاهلا بالحكم.

2- من أمرّ يده على رأسه أو لحيته عبثا فسقطت شعرة أو شعرتان.

3- ما إذا دهن عن جهل، و يأتي جميع ذلك في محالها.

(1) لقوله عليه السّلام في صحيحة عبد الصمد: «أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شي ء عليه» «1» و قد استثني من هذه القاعدة موردان:

الأول: نسيان المكلف الطواف في الحج، أو بعض اشواط السعي في عمرة التمتع فأحل و واقع أهله فان عليه الكفارة، و كذلك الحال اذا أتى أهله بعد السعي في عمرة التمتع و قبل التقصير جاهلا بالحكم.

الثاني: ما اذا أمرّ يده على رأسه أو لحيته عبثا فسقطت شعرة أو شعرتان أو اكثر بدون قصد و غافلا عن ذلك، فان عليه الكفارة.

[3- تقبيل النساء]
اشارة

3- تقبيل النساء

[مسألة 226: لا يجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة]

(مسألة 226): لا يجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة، فلو قبلها و خرج منه المني فعليه كفارة بدنه أو جزور (1)، و كذلك إذا لم يخرج منه المني على الأحوط (2)،

(1) لصحيحة مسمع أبي سيار قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ان قبل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و إن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور، و يستغفر اللّه، و من مسّ امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و إن مس امرأته او لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه» «1» فانها تدل على أن المحرم اذا قبل امرأته بدون شهوة فعليه دم شاة، و إن كان بشهوة و أمنى فعليه جزور.

و في مقابلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته- الى أن قال-: قلت: المحرم يضع يده بشهوة قال: يهريق دم شاة، قلت: فان قبل قال: هذا أشد ينحر بدنة» «2»، و لكن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بقرينة الصحيحة الأولى التي تدل بمقتضى مفهومها على أن المحرم اذا قبل امرأته و إن كان بشهوة اذا لم يؤد الى الامناء فعليه دم شاة لا جزور.

(2) بل الأولى و الأجدر كما يظهر وجهه مما مر.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 179

و أما إذا لم يكن التقبيل عن شهوة فكفارته شاة (1).

[مسألة 227: إذا قبّل الرجل بعد طواف النساء امرأته المحرمة]

(مسألة 227): إذا قبّل الرجل بعد طواف النساء امرأته المحرمة فالأحوط ان يكفر بدم شاة (2).

(1) لقوله عليه السّلام في صحيحة مسمع

المتقدمة: «و إن قبل امرأته بغير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة».

(2) بل هو الأقوى، و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «سألته عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده» «1».

و دعوى: ان الحرام انما هو تقبيل الرجل المحرم امرأته، و أما إذا خرج عن الاحرام و أحل فلا مانع له من التقبيل و إن كان بشهوة و عليه فلا موجب للكفارة.

مدفوعة: بأن ذلك اجتهاد في مقابل النص، فان الصحيحة واضحة الدلالة على ثبوت الكفارة عليه.

[4- مس النساء]
اشارة

4- مس النساء

[مسألة 228: لا يجوز للمحرم أن يمسّ زوجته عن شهوة]

(مسألة 228): لا يجوز للمحرم أن يمسّ زوجته عن شهوة، فان فعل ذلك لزمه كفارة شاة (1)، فإذا لم يكن المسّ عن شهوة فلا شي ء عليه (2).

(1) للنصوص الخاصة:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة مسمع المتقدمة: «و من مسّ امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة».

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته- الى أن قال: قلت: المحرم يضع يده بشهوة، قال:

يهريق دم شاة- الحديث» «1»، و منها غيرهما.

و لكن لا بد من تقييد اطلاقهما بعدم الامناء، و الا فعليه بدنة بمقتضى صحيحة معاوية الآتية.

(2) لقوله عليه السّلام في صحيحة مسمع: «و إن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه» «2».

[5- النظر إلى المرأة و ملاعبتها]
اشارة

5- النظر إلى المرأة و ملاعبتها

[مسألة 229: إذا لاعب المحرم امرأته حتى يمني لزمته كفارة بدنة]

(مسألة 229): إذا لاعب المحرم امرأته حتى يمني لزمته كفارة بدنة (1)، و إذا نظر إلى امرأة اجنبية عن شهوة أو غير شهوة فامنى وجبت عليه الكفارة، و هي بدنة أو جزور على الموسر، و بقرة على المتوسط و شاة على الفقير (2)،

(1) لصحيحة ابن الحجاج قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام: عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان، ما ذا عليهما؟ قال: عليهما جميعا الكفارة، مثل ما على الذي يجامع» «1» فانها واضحة الدلالة على أن كفارته ناقة.

(2) لنص موثقة ابي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل محرم نظر الى ساق امرأته فأمنى، فقال: إن كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان وسطا فعليه بقرة، و إن كان فقيرا فعليه شاة- الحديث» «2».

و أما صحيحة زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل محرم نظر الى غير أهله، فانزل قال: عليه جزور أو بقرة، فان لم يجد فشاة» «3» فهي ظاهرة في التخيير بين الجزور و البقرة، و الترتيب بينهما و بين الشاة مطلقا، اي سواء أ كان موسرا أم كان متوسطا أم فقيرا، و لكن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بقرينة نص الموثقة تطبيقا لحمل الظاهر على النص، و بذلك يظهر حال صحيحة معاوية بن عمار: «في محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال: عليه دم، لأنه نظر الى غير ما يحل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 182

و إما إذا نظر اليها و لو عن شهوة و لم يمن فهو، و إن كان مرتكبا لمحرم إلا أنه لا كفارة

عليه (1).

[مسألة 230: إذا نظر المحرم إلى زوجته عن شهوة فامنى وجبت عليه الكفارة]

(مسألة 230): إذا نظر المحرم إلى زوجته عن شهوة فامنى وجبت عليه الكفارة (2)،

له، و إن لم يكن انزل، فليتق اللّه و لا يعد و ليس عليه شي ء» «1» فان مقتضى اطلاقها أن عليه دم و إن كان موسرا أو وسطا، و لكن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بقرينة الموثقة المتقدمة، و حملها على أن عليه دم جزور اذا كان موسرا، و دم بقرة اذا كان متوسطا، و دم شاة اذا كان فقيرا.

(1) لنص صحيحة معاوية المتقدمة، هذا اضافة الى أن وجوب الكفارة بحاجة الى دليل، و لا دليل عليه فيما عدا صورة الامناء. ثم إن الظاهر من الصحيحة أن الكفارة مترتبة على النظر المحرم المؤدي الى الامناء، لا على مطلق النظر بقرينة التعليل فيها.

(2) في الوجوب اشكال، و لا يبعد عدمه، لأن صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى، أو امذى و هو محرم، قال: لا شي ء عليه، و لكن ليغتسل و يستغفر ربه، و إن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء عليه، و إن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم، و قال في المحرم ينظر الى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل، قال: عليه بدنة» «2»، و إن دلت على ثبوت الكفارة في النظر المركز بشهوه المؤدي الى الإمناء، و كذلك قوله عليه السّلام في صحيحة ابي سيار: «يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة- الى أن قال: و من مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى

فعليه جزور، و من مس امرأته او لازمها من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 183

.......... غير شهوة فلا شي ء عليه» «1» الّا أنها محكومة بموثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى، قال: ليس عليه شي ء» «2» على أساس أن الموثقة ناصة في نفي الكفارة، و على هذا فلا بد من رفع اليد عن ظهور صحيحتي معاوية و ابي سيار في ثبوت الكفارة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

و دعوى: سقوط الموثقة عن الحجية من جهة اعراض الأصحاب عنها و عدم عملهم بها.

مدفوعة: لما ذكرناه في علم الأصول من المناقشة في اعراض الأصحاب عن رواية معتبرة نظريا و تطبيقيا، فمن أجل ذلك لا قيمة لاعراضهم عنها.

و قد يقال- كما قيل-: ان الرواية محمولة على التقية من جهة أنها موافقة للقول المشهور بين العامة.

و الجواب: أن مجرد كون الرواية موافقة لمذهب العامة لا يدل على أنها صدرت تقية اذا لم يكن لها معارض، و المفروض أنها لا معارض لها، فان صحيحتي معاوية و أبي سيار لا تصلحان أن تعارضا الموثقة باعتبار امكان الجمع العرفي بينهما.

فالنتيجة ان مقتضى القاعدة نظريا عدم ثبوت الكفارة، و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر به وجوبا أن يكفر بدم ناقة أو جمل. نعم، لا شبهة في أنه محرم عليه، فان الاستمتاع بالمرأة محرم على الرجل المحرم جماعا و تقبيلا و لمسا بشهوة و نظرا مركزا مؤديا الى الإمناء، و لا يحرم عليه المس بدون شهوة، و لا النظر الى زوجته بدون امناء و إن كان بشهوة، و يحرم على المرأة المحرمة ما

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 184

و هي بدنة أو

جزور و أما إذا نظر اليها بشهوة و لم يمن، أو نظر اليها بغير شهوة فامنى فلا كفارة عليه (1).

يناظر ذلك. و هل نظره الى زوجته المؤدي إلى الإمناء اذا لم يكن بدافع الشهوة حرام أو لا؟ لا تبعد حرمته بقرينة الأمر بالاستغفار في صدر صحيحة معاوية «1».

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه. أما في صورة النظر الى امرأته بشهوة بدون الإمناء، فلا دليل عليها، بل تقييد وجوب الكفارة بالامناء في صحيحة ابي سيار «2» المتقدمة يدل على عدمها في الجملة، و صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة، اطرحي ثوبك و نظر الى فرجها، قال: لا شي ء عليه اذا لم يكن غير النظر» «3»، تدل على أن النظر الى امرأته بشهوة بدون الإمناء لا يوجب الكفارة، فان أمر الرجل امرأته او جاريته بنزع ثوبها و النظر الى فرجها لا محالة يكون من أجل الالتذاذ به و اشباع شهوته. ثم إن الظاهر منها جواز نظر الرجل الى امرأته بشهوة، شريطة أن لا يؤدي الى الإمناء.

فالنتيجة: انه لا دليل على حرمة مجرد نظر المحرم الى امرأته بشهوة، بل مقتضى اطلاق صحيحة محمد الحلبي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم ينظر الى امرأته و هي محرمة، قال: لا بأس» «4» جوازه، فانها تشمل باطلاقها ما اذا نظر إليهن بشهوة، و لا دليل على تقييده بما اذا لم يكن نظره إليهن كذلك، و به يختلف النظر عن المس، فانه لا يجوز للمحرم أن يمس زوجته بشهوة و إن لم يؤد الى الإمناء.

و أما

صورة النظر اليها بدون شهوة المؤدي الى الامناء، فلأن صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة تدل على عدم الكفارة عليه بمقتضى صدرها، و تدل

[مسألة 231: يجوز استمتاع المحرم من زوجته في غير ما ذكر على الأظهر]

(مسألة 231): يجوز استمتاع المحرم من زوجته في غير ما ذكر على الأظهر (1)، إلا أن الأحوط ترك الاستمتاع منها مطلقا.

عليه أيضا صحيحة الحلبي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم يضع يده على امرأته، قال: لا بأس، قلت: فينزّلها من المحمل و يضمها اليه، قال: لا بأس، قلت:

فانه أراد أن ينزلها من المحمل فلما ضمّها اليه ادركته الشهوة، قال: ليس عليه شي ء الّا أن يكون طلب ذلك» «1»، فانها تدل بمقتضى ذيلها ان ادراك الشهوة قهرا اثناء العمل السائغ لا يوجب شيئا اذا لم يكن من الأول طالبا لها، بل يمكن ان يقال إنه اذا ادركته الشهوة في الاثناء قهرا و ظل عليها اختيارا الى أن أمنى فلا كفارة عليه، و ذلك لأن الكفارة بحاجة إلى دليل، و لا دليل عليها، لاختصاص الروايات بما اذا كان مسّها و حملها من الأول من أجل الشهوة. نعم اذا ادركته الشهوة و ظل عليها اختيارا فلا يبعد أن يكون ذلك محرما عليه.

(1) هذا هو الصحيح، لما مر من أن الروايات تدل على حرمة استمتاع المحرم بامرأته باستمتاعات معينة كالملاعبة معها المؤدية الى الامناء، و تقبيلها و إن كان بدون شهوة، و لمسها بشهوة، و النظر اليها مركزا المؤدي إلى الامناء، و أما مطلق الاستمتاع و الالتذاذ بها، فلا دليل على حرمته كالالتذاذ بصوتها أو نحو ذلك.

[6- الاستمناء]
اشارة

6- الاستمناء

[مسألة 232: إذا عبث المحرم بذكره فأمنى فحكمه حكم الجماع

(مسألة 232): إذا عبث المحرم بذكره فأمنى فحكمه حكم الجماع، و عليه فلو وقع ذلك في احرام الحج قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت الكفارة، و لزم إتمامه و اعادته في العام القادم (1)، كما انه لو فعل ذلك في عمرته المفردة قبل الفراغ من السعي بطلت عمرته (2) و لزمه الاتمام و الاعادة على ما تقدم، و كفارة الاستمناء كفارة الجماع.

(1) في الاعادة اشكال بل منع، لعدم الدليل، فان صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمني من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليها؟ قال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع» «1» فانها لا تدل على اكثر من ثبوت الكفارة عليه. نعم، رواية اسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السّلام قال: «قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى، قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل» «2» تدل على ذلك، الّا أنها ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها لأن فيه صبّاح و هو مردد بين الثقة و غيره، و لا قرينة على أنه الثقة.

(2) في البطلان اشكال بل منع، فانه على تقدير تسليم بطلان العمرة المفردة بالجماع قبل السعي فلا دليل عليه في المقام، فان صحيحة عبد الرحمن لا تدل الّا على الكفارة دون البطلان، و رواية اسحاق بن عمار «3» موردها الحج، مضافا إلى أنها ضعيفة سندا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 187

و لو استمنى بغير ذلك كالنظر و الخيال، و ما شاكل ذلك فامنى لزمته الكفارة (1)، و لا تجب اعادة حجه

و لا تفسد عمرته على الأظهر، و ان كان الأولى رعاية الاحتياط.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه فان الاستمناء بهذه الأمور و إن لم يكن مورد النص، الّا أن الظاهر منه عدم خصوصية له، حيث ان الكفارة فيه مترتبة على الامناء، و لا موضوعية عرفا لسببه، فانه سواء أ كان ملاعبة المحرم مع زوجته بطلب الإمناء، أم كان التفكر و التخيل للعمل الجنسي بدافع الامناء، أم غير ذلك، فلا خصوصية لمورد النص.

[7- عقد النكاح
اشارة

7- عقد النكاح

[مسألة 233: يحرم على المحرم التزويج لنفسه، أو لغيره

(مسألة 233): يحرم على المحرم التزويج لنفسه، أو لغيره، سواء أ كان ذلك الغير محرما أم كان محلا، و سواء أ كان التزويج تزويج دوام أم كان تزويج انقطاع، و يفسد العقد في جميع هذه الصور (1).

(1) تدل على ذلك مجموعة من النصوص:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ليس للمحرم أن يتزوج و لا يزوج، فان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: ليس ينبغي للمحرم أن يتزوج و لا يزوج محلا» «2»، و منها غيرهما.

هاهنا مسائل: الأولى: قد تسأل عن أن روايات الباب التي تنص على بطلان نكاح المحرم، فهل تدل على حرمته تكليفا أيضا أو لا؟

و الجواب: أنها لا تدل على حرمته كذلك، فان الظاهر منها الارشاد الى بطلان النكاح دون حرمته.

و بكلمة: أنه ليس لها ظهوران: أحدهما ظهورها في الإرشاد الى الحكم الوضعي، و الآخر ظهورها في الحكم التكليفي.

و دعوى: أن صحيحة عبد اللّه بن سنان بمقتضى صدرها تدل على الحكم التكليفي بقرينة أن قوله عليه السّلام: «فان تزوج أو زوج ...» «3» تفريع على صدرها، فلو كان المراد منه الحكم الوضعي لكان ذلك تفريعا على نفسه، فاذن لا بد من حمل الصدر على الحكم التكليفي.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 189

.......... مدفوعة: بأن قوله عليه السّلام: «فان تزوج» تعليل للنهي عن النكاح في الصدر، فيدل على أن علة النهي عنه بطلانه من المحرم في حالة الاحرام.

فالنتيجة: أنه ليس في شي ء من هذه الروايات ما يصلح أن يكون دليلا على حرمته تكليفا.

الثانية: قد تسأل عن أن وكيل المحرم اذا زوج

امرأة من غيره محلا كان أو محرما، فهل يبطل زواجه اذا كان التزويج في حال احرام الموكل؟

و الجواب: أنه يبطل باعتبار أن فعل الوكيل فعل الموكل و مستند اليه حقيقة، و لا فرق في ذلك بين أن يكون وكيلا من قبله قبل الإحرام أو بعده.

الثالثة: قد تسأل عن أن المحرم اذا تزوج بامرأة و هو محرم، فهل تحرم عليه مؤبدا؟

و الجواب: أنها تحرم عليه مؤبدا اذا تزوج بها عن عمد و علم بالحكم الشرعي، و تنص عليه صحيحة أديم بياع الهروي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الملاعنة اذا لاعنها زوجها لم تحل له ابدا الى أن قال: «و المحرم اذا تزوج و هو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له ابدا» «1»، و في مقابلها روايتان:

احداهما: معتبرة أديم الحر الخزاعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ان المحرم اذا تزوج و هو محرم فرق بينهما و لا يتعاودان ابدا» «2»، فان مقتضى اطلاقها أن المرأة محرمة عليه مؤبدا بدون فرق بين ان يكون عالما بالحكم أو جاهلا به، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بصورة ما إذا كان المحرم عالما بالحكم بمقتضى صحيحة بياع الهروي، فانها تدل بمنطوقها على حرمتها عليه مؤبدا اذا

[مسألة 234: لو عقد المحرم أو عقد المحلّ للمحرم امرأة و دخل الزوج بها و كان العاقد و الزوج عالمين بتحريم العقد في هذا الحال

(مسألة 234): لو عقد المحرم أو عقد المحلّ للمحرم امرأة و دخل الزوج بها و كان العاقد و الزوج عالمين بتحريم العقد في هذا الحال فعلى كل منهما كفارة بدنة (1)، و كذلك على المرأة ان كانت عالمة بالحال.

[مسألة 235: المشهور حرمة حضور المحرم مجلس العقد و الشهادة عليه

(مسألة 235): المشهور حرمة حضور المحرم مجلس العقد و الشهادة عليه، و هو الأحوط (2)،

كان عالما بالحكم، و بمفهومها على عدم حرمتها عليه كذلك اذا كان جاهلا به.

و الثانية: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحل، قضى أن يخلي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل، فاذا أحل خطبها إن شاء و إن شاء أهلها زوجوه، و إن شاءوا لم يزوجوه» «1» فانها تدل على عدم حرمتها عليه مؤبدا، و إن كان عالما بالحكم، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بنفس تلك الصحيحة بغير صورة العلم بالحكم حرفا بحرف.

فالنتيجة: أن المحرم اذا تزوج بامرأة و هو محرم، فان كان عالما بالحكم حرمت عليه مؤبدا، و إن كان جاهلا به لم تحرم.

(1) تدل على ذلك موثقة سماعة بن مهران عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما و هو يعلم أنه لا يحل له، قلت: فان فعل فدخل بها المحرم، قال: إن كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة، و على المرأة إن كانت محرمة بدنة، و إن لم تكن محرمة فلا شي ء عليها الّا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها محرم، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة» «2» و به يظهر حال ما بعده.

(2) لا بأس

بتركه لعدم دليل عليه غير كونه مشهورا بين الأصحاب.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 191

و ذهب بعضهم إلى حرمة أداء الشهادة على العقد السابق أيضا، و لكن دليله غير ظاهر (1).

[مسألة 236: الأحوط ان لا يتعرض المحرم لخطبة النساء]

(مسألة 236): الأحوط ان لا يتعرض المحرم لخطبة النساء (2).

نعم، لا بأس بالرجوع إلى المطلقة الرجعية، و بشراء الاماء، و ان كان شراؤها بقصد الاستمتاع، و الأحوط أن لا يقصد بشرائه الاستمتاع حال الاحرام، و الأظهر جواز تحليل أمته، و كذا قبوله التحليل.

(1) بل لا دليل عليه ما عدا مرسلتين، هذا اضافة الى أن المراد من الشهود فيهما الحضور في مجلس العقد لا أداء الشهادة.

فالنتيجة انه لا مانع من أداء الشهادة، بل قد يكون واجبا لدفع ظلم، أو احقاق حق، أو غير ذلك.

(2) لكن الأظهر جواز ذلك، لعدم الدليل، كما يجوز له الرجوع الى المطلقة الرجعية أثناء العدة و شراء الإماء، لأن ما هو المحرم و هو التزويج في حال الاحرام لا يصدق على شي ء منهما.

[8- استعمال الطيب
اشارة

8- استعمال الطيب

[مسألة 237: يحرم على المحرم استعمال الزعفران و العود و المسك و الورس و العنبر بالشّم و الدلك و الأكل

(مسألة 237): يحرم على المحرم استعمال الزعفران و العود و المسك و الورس و العنبر بالشّم و الدلك و الأكل، و كذلك لبس ما يكون عليه أثر منها، و الأحوط الاجتناب عن كل طيب (1).

(1) بل هو الأظهر، بيان ذلك: ان روايات المسألة على طائفتين:

الطائفة الأولى: تدل على حرمة استعمال مطلق الطيب بكل الوان الاستعمال من الدلك و الأكل و اللمس و الشم.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تمس شيئا من الطيب، و لا من الدهن في احرامك، و اتق الطيب في طعامك و امسك على انفك من الرائحة الطيبة، و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة، فانه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة» «1»، و مثلها صحيحته الأخرى «2».

و منها: رواية حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه من الطعام»»

و منها غيرها.

الطائفة الثانية: تدل على حرمة أنواع خاصة من الطيب على المحرم.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إنما يحرم عليك من الطيب أربعة اشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران، غير أنه يكره للمحرم الادهان الطيبة الريح» «4» فانها تنص على أن ما يحرم على المحرم استعماله من الطيب متمثل في هذه الانواع الأربعة، و بمفهوم الحصر على عدم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 193

.......... حرمة استعمال غيرها من انواع الطيب و الرياحين. نعم انها تدل بحكم ذيلها على كراهة استعمال الأدهان الطيبة الريح على أساس أن المراد من قوله

عليه السّلام:

«غير أنه يكره ...» الكراهة المصطلحة في مقابل الحرمة بقرينة قوله عليه السّلام: «انما يحرم عليك ...» لا الجامع بينهما، كما هو معناه العرفي و اللغوي.

و منها: صحيحة ابن ابي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود» «1»، فانها تشتمل على العود بدل الورس، بينما الصحيحة الأولى تشتمل على الورس بدل العود، فهما مختلفتان من هذه الناحية. و لكن يمكن الجمع الدلالي العرفي بينهما، فان الصحيحة الأولى تدل نصا على حرمة استعمال الورس حال الإحرام، و بحكم مفهومها تدل على عدم حرمة استعمال العود، و الصحيحة الثانية تدل نصا على حرمة استعمال العود، و بالاطلاق الناشي من السكوت في مقام البيان على عدم حرمة استعمال الورس، و حينئذ يكون نص كل منهما قرينة على رفع اليد عن اطلاق الأخرى تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص. و نتيجة ذلك أن ما يحرم على المحرم من الطيب خمسة أنواع منه، و هي المسك و العنبر و الزعفران و الورس و العود، لا مطلق الطيب.

ثم إنه قد يقال- كما قيل- إن الطائفة الثانية حاكمة على الطائفة الأولى و مفسرة للمراد من الطيب المحرم استعماله على المحرم و انحصاره في هذه الخمسة، و على هذا فيحمل النهي عن استعمال مطلق الطيب في الطائفة الأولى على الكراهة.

و لكن يمكن المناقشة فيه، اذ لا يبعد عرفا أن يكون اقتصار تلك الطائفة على الأنواع الخمسة المذكورة من الطيب على أساس أنها من أظهر انواعه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 194

.......... المتداولة بين الناس من دون أن تكون لها خصوصية، لأن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن حرمة استعمال

تلك الأنواع على المحرم في حال الاحرام انما هي بملاك رائحتها الطيبة و الالتذاذ بها، اذ لا يحتمل عرفا ان استعمال الزعفران بما هو زعفران محرم على المحرم، بكل الوان الاستعمال و إن كان عديم الرائحة نهائيا، و كذلك الحال في سائر الأنواع المذكورة، فاذن بطبيعة الحال تكون حرمة استعماله على المحرم من جهة التذاذه برائحته الطيبة من دون أن تكون لإضافتها اليه بنظر العرف موضوعية، و على هذا فلا تنافي بين الطائفتين.

ثم ان هذه المناسبة الارتكازية تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور مفهوم صحيحة معاوية في نفي الحرمة عن غيرها من أقسام الطيب و كل ما له رائحة طيبة.

فالنتيجة: ان المستفاد من مجموع روايات الباب على ضوء المناسبة المذكورة، ان المحرم ليس كالفرد العادي بأن يتزين و يتطيب و يلتذ بما شاء بل عليه أن يجتنب عن كل الوان التزين و التطيب في هذه الحالة، و هي حالة الاحرام و الاستجابة لدعوته تعالى. و بذلك يظهر أن قوله عليه السّلام في ذيل هذه الصحيحة:

«غير انه يكره للمحرم الادهان الطيبة الريح» «1» غير ظاهر في الكراهة المصطلحة، هذا اضافة إلى أنه لا شبهة في حرمة التدهين على المحرم رجلا كان او امرأة و إن لم تكن فيه رائحة طيبة.

و يؤكد حرمة استعمال مطلق الطيب قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار في الطائفة الأولى «فانه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة» «2»، لأنه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 195

.......... ظاهر في موضوعية الالتذاذ بريح طيبة بدون خصوصية لأنواع الريح الطيبة و أقسامها.

و الحاصل: أن وجوب اجتناب المحرم عن استعمال كل نوع من أنواع الطيب و اقسامه لو لم يكن

اقوى فلا شبهة في أنه أحوط. و لمزيد من التعرف بحال المسألة نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي عددا من الأمور.

الأول: انه قد ورد في مجموعة من الروايات النهي عن مس الريحان:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تمس ريحانا و انت محرم، و لا شيئا فيه زعفران، و لا تطعم طعاما فيه زعفران» «1»، و مثلها صحيحته الأخرى «2». و منها غيرها.

فان هذه الروايات واضحة الدلالة على حرمة استعمال الريحان على المحرم، و الريحان اسم خاص لنبت معروف في مقابل النعناع، و هو المتبادر منه لدى الاطلاق، الّا أن المراد منه في روايات المقام بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية مطلق النبت ذو الرائحة الطيبة، اذ احتمال ان يكون لخصوص رائحة الريحان موضوعية في المقام، غير محتمل عرفا، و على ذلك فمقتضى هاتين الصحيحتين بضميمة مناسبة الحكم و الموضوع ان الممنوع على المحرم استعمال الرياحين اي النباتات ذو الرائحة الطيبة، و لكن لا بد من رفع اليد عن ظهورهما في الحرمة، و حملهما على الكراهة بقرينة روايتين اخريين:

احداهما: موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يأكل الأترج؟ قال: نعم، قلت: له رائحة طيبة، قال: الأترج طعام ليس هو من الطيب» «3»، فانها تدل على ضابط كلي و هو أن كل ما كان من الطعام جاز

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 196

.......... للمحرم استعماله و إن كان ذا رائحة طيبة.

و الثانية: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس أن تشم الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيح و اشباهه و أنت محرم» «1» فانها تدل على جواز

شم النبات الذي له رائحة طيبة للمحرم، فان قوله عليه السّلام: «و اشباهه» يشمل كل ما كان منها ذو ريح طيبة. نعم ما كان يتخذ منها مادة للطيب كالورد و الياسمين و غيرها، فالأحوط و الأجدر به الاجتناب عنه، و إن كان عدم الوجوب لا يخلو عن قوة.

فالنتيجة: انه يجوز للمحرم رجلا كان او امرأة استعمال الرياحين- النباتات ذوات الروائح الطيبة- و إن كان الاحتياط فيما يتخذ منها مادة للطيب في محله.

الثاني: قد تسأل عن أن امساك الأنف عن الرائحة الطيبة هل هو واجب أو لا؟

و الجواب: انه غير واجب، فان مقتضى اطلاق الموثقة المذكورة عدم وجوب الامساك على أساس أن الترخيص في الأكل عرفا ترخيص في الشم.

و أما قوله عليه السّلام في الصحيحة المذكورة و أشباهه يدل على جواز شم كل ما كان من النبات ذو ريح طيبة. نعم ورد في روايتين عن علي بن مهزيار الأمر بالامساك عن شم رائحة التفاح و النبق و الاترج حين أكلها، و لكن لا يمكن الاعتماد عليهما، لأن احداهما مرسلة، و الأخرى عن ابن ابي عمير لا عن الامام عليه السّلام.

فالنتيجة: انه لا دليل على وجوب الامساك عن الرائحة الطيبة لأنواع الفاكهة و بعض اقسام النبات.

[مسألة 238: لا بأس بأكل الفواكه الطيبة الرائحة كالتفاح و السفرجل

(مسألة 238): لا بأس بأكل الفواكه الطيبة الرائحة كالتفاح و السفرجل، و لكن يمسك عن شمها حين الاكل على الأحوط (1).

و أما قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: «و امسك على انفك من الرائحة الطيبة» «1»، فلا يمكن الأخذ باطلاقه، بل لا بد من تقييده بخصوص رائحة الطيب بمقتضى الموثقة و الصحيحة المتقدمتين اللتين تدلان على جواز شم المحرم رجلا كان أم امرأة رائحة الرياحين و الفواكه.

و اما

قوله عليه السّلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «لا تمس ريحانا و انت محرم» «2»، فقد مر أن المراد من الريحان فيها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو مطلق النبت ذي الريح الطيبة، لا خصوص الريحان في مقابل النعناع.

الثالث: قد تسأل عن أن الامساك على الأنف عن الرائحة النتنة هل هو حرام؟

و الجواب: انه حرام، و تدل على حرمته عدة من النصوص:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «لا تمس شيئا من الطيب في احرامك، و امسك على أنفك من الرائحة الطيبة، و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة- الحديث» «3».

و منها: صحيحة الحلبي و محمد بن مسلم جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة، و لا يمسك على انفه من الريح الخبيثة» «4» و منها غيرهما.

(1) لا بأس بتركه كما مر وجهه و إن كان أولى و أجدر.

[مسألة 239: لا يجب على المحرم أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة حال سعيه بين الصفا و المروة]

(مسألة 239): لا يجب على المحرم أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة حال سعيه بين الصفا و المروة (1)، إذا كان هناك من يبيع العطور، و لكن الأحوط لزوما (2) ان يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة في غير هذا الحال و لا بأس بشم خلوق الكعبة و هو نوع خاص من العطر (3).

(1) للنص الخاص و هو صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين و لا يمسك على أنفه» «1».

(2) مر أنه غير لازم و إن كان أولى.

(3) للروايات الخاصة:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خلوق الكعبة يصيب

ثوب المحرم، قال: لا بأس و لا يغسله فانه طهور» «2».

و منها: صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة، قال: لا يضره، و لا يغسله» «3» و منها غيرهما.

بقي هنا أمران:

الأوّل: انه اذا استعمل المحرم الطيب في الأكل جهلا، فهل عليه كفارة دم شاة، باعتبار أن الجهل لا ينافي التعمد، و المفروض أن المذكور في الصحيحة من أكل زعفرانا متعمدا فعليه دم، و ليس المذكور من أكل زعفرانا متعمدا عالما بالحكم، حتى لا يعم الجاهل؟

و الجواب: أنه لا كفارة عليه اذا كان جهله بالحكم مركبا، فانه في حكم الناسي، و أما اذا كان بسيطا، فان كان معذورا فيه لم يكن مشمولا لقوله عليه السّلام: «من

[مسألة 240: اذا استعمل المحرم متعمدا شيئا من الروائح الطيبة فعليه كفارة شاة على المشهور]

(مسألة 240): اذا استعمل المحرم متعمدا شيئا من الروائح الطيبة فعليه كفارة شاة على المشهور، و لكن في ثبوت الكفارة في غير الأكل اشكال، و ان كان الأحوط التكفير.

[مسألة 241: يحرم على المحرم ان يمسك على أنفه من الروائح الكريهة]

(مسألة 241): يحرم على المحرم ان يمسك على أنفه من الروائح الكريهة (1).

نعم لا بأس بالاسراع في المشي للتخلص من ذلك.

أكل زعفرانا متعمدا» «1» فان الظاهر من التعمد فيه التقصير، و بما أنه لا تقصير له فيه، فلا عقوبة عليه و لا كفارة، و أما إذا لم يكن معذورا فهو مشمول له، و عليه الكفارة. و أما استعماله في غير الأكل من الوان الاستعمال فلا دليل على وجوب الكفارة فيه، و إن كان عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي.

الثاني: ان الصحيحة معارضة بصحيحة معاوية بن عمار: «في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه» «2» بتقريب أنها تدل على أمرين:

أحدهما: وجوب الكفارة في استعمال الطيب في غير الأكل.

و الآخر: ثبوت الكفارة في حال الجهل.

و الجواب: ان الصحيحة اجنبية عن محل الكلام، لأن موردها التدهين، و هو محرم آخر من محرمات الإحرام غير الطيب، فاذن تكون الكفارة عليه لا على استعمال الطيب بقرينة ان دهن البنفسج ليس من الطيب. و بذلك يظهر حال الأمر الثاني و هو أن ثبوت الكفارة في حال الجهل انما هو على التدهين، لا على استعمال الطيب.

(1) تقدم أن الأمر كما أفاده قدّس سرّه.

[9- لبس المخيط للرجال
اشارة

9- لبس المخيط للرجال

[مسألة 242: يحرم على المحرم أن يلبس القميص و القباء و السروال و الثوب المزرور مع شد أزراره و الدرع

(مسألة 242): يحرم على المحرم أن يلبس القميص و القباء و السروال و الثوب المزرور مع شد أزراره و الدرع و هو كل ثوب يمكن ان تدخل فيه اليدان، و الأحوط الاجتناب عن كل ثوب مخيط (1)،

(1) لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، و ذلك لأنه لم يرد في لسان شي ء من روايات الباب النهي عن لبس ثوب بعنوان أنه مخيط، و انما الوارد في لسانها النهي عن لبس المحرم الأثواب الاعتيادية الخاصة:

1- القميص: و هو الثوب الذي يسلك في عنق الانسان، و كل ثوب يسلك في العنق يسمى قميصا.

2- الدرع: و هو الثوب الذي له يدان، أو فتحتان على نحو يتيح للإنسان أن يدخل يديه فيهما، و كل ثوب يكون كذلك يسمى بالدرع، و هو محرم على المحرم و إن لم يسلك في العنق.

3- العباءة: فان لبسها بالصورة الاعتيادية محرم على المحرم و إن لم يدخل يديه في يدي العباءة.

4- السروال: و هو الثوب الذي تستر به العورة من الملابس الاعتيادية.

5- الثوب المزرور: و هو الثوب الذي فيه أزرار يعقد بعضها ببعض، فانّ لبسه محرم على المحرم حتى لو لم تكن له يدان، و لم يسلك في العنق، و ليس موضوع الحرمة وجود الأزرار فيه، بل استعمال تلك الأزرار بعقد بعضها بالبعض الآخر، و لبس هذه الأنواع الخمسة من الأثواب محرم على المحرم سواء كان صنعها من طريق الخياطة أم من طريق آخر. و أما اذا كان هناك ثوب

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 201

.......... مخيط على غير هذه الأنحاء الخمسة فيجوز للمحرم أن يلبسه على الأظهر.

و بعد ذلك نذكر فيما يلي عددا من روايات المسألة.

منها:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تلبس ثوبا له أزرار و انت محرم الّا أن تنكسه- الحديث» «1» فانها تنص على حرمة لبس ثوب له أزرار.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا لبست قميصا و أنت محرم فشقه و أخرجه من تحت قدميك» «2» فانها تنص على حرمة لبس القميص.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا اضطر المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء» «3».

و منها: معتبرة مثنى الخياط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اضطر الى ثوب و هو محرم و ليس معه الا قباء فلينكسه و ليجعل اعلاه أسفله و يلبسه» «4» فانهما تدلان على أنه لا يجوز للمحرم أن يلبس القباء الّا في حال الاضطرار منكوسا، كما أن الصحيحة الأولى تدل على أنها لا يجوز للمحرم ان يدخل يديه في يدي القباء.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «لا تلبس سراويل الّا أن لا يكون لك ازار» «5» فانها تدل على أنه لا يجوز للمحرم لبس السراويل الّا في حال الاضطرار و عدم الازار له.

و منها: صحيحة زرارة عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عما يكره للمحرم أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 202

.......... يلبسه، فقال: يلبس كل ثوب الّا ثوبا يتدرعه» «1» و منها غيرها.

و المستفاد من هذه الروايات أن ما يحرم على المحرم في حال الاحرام لبس الأنحاء الخمسة من الأثواب المذكورة: القميص و الثوب المزرور و السراويل و العباءة و الدرع، و هذا

بدون فرق بين كون هذه الأثواب مصنوعة من طريق الخياطة أو لا. و على هذا الأساس فاذا كان هناك ثوب مخيط لا يصدق عليه شي ء من الأثواب المذكورة فلا مانع للرجل المحرم من ان يلبسه، و يدل على الجواز مضافا إلى انه لا دليل على المنع، قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:

«يلبس كل ثوب الّا ثوبا يتدرعه» فانه بعد تقييد عمومه بغير تلك الأثواب الاعتيادية، يدل على جواز لبس غيرها و إن كان مخيطا.

و دعوى: أن هذه الأثواب المأخوذة في لسان الروايات انما أخذت بنحو المعرفية الصرفة الى الأثواب المصنوعة من طريق الخياطة.

مدفوعة: بأن الظاهر منها الموضوعية، و حملها على المعرفية الصرفة بحاجة الى قرينة، و لا قرينة على ذلك لا في نفس هذه الروايات، و لا من الخارج. و من هنا يجوز للمحرم أن يلبس الطيلسان، فانه لو لم تكن روايات خاصة تدل على جواز لبسه كفى فيه عدم الدليل على الحرمة، و الروايات كما يلي:

منها: صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور، فقال: نعم، و في كتاب علي عليه السّلام: لا تلبس طيلسانا حتى ينزع ازراره، فحدثني أبي أنه انما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه» «2».

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثل ذلك: «و قال: انما كره

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 203

بل الأحوط الاجتناب عن كل ثوب يكون مشابها للمخيط (1)، كالملبد الذي تستعمله الرعاة، و يستثنى من ذلك (الهميان) و هو ما يوضع فيه النقود للاحتفاظ بها و يشدّ على الظهر أو البطن، فإن لبسه جائز و ان كان من المخيط، و كذلك لا بأس

بالتحزم بالحزام المخيط الذي يستعمله المبتلى بالفتق لمنع نزول الامعاء في الأنثيين و يجوز للمحرم أن يغطي بدنه ما عدا الرأس باللحاف و نحوه من المخيط حالة الاضطجاع للنوم و غيره.

[مسألة 243: الأحوط ان لا يعقد الإزار في عنقه

(مسألة 243): الأحوط ان لا يعقد الإزار في عنقه (2)، ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل، و أما الفقيه فلا بأس أن يلبسه» «1».

فانهما تنصان على جواز لبسه و الممنوع عليه انما هو شد أزراره.

ثم إنه لا فرق في حرمة لبس المحرم الثياب و هو محرم بين لبسها حال الاحرام، أو يكون لابسا لها و ظل عليها الى أن يحرم. و ورد في بعض الروايات أنه اذا كان لابسا للثوب قبل الاحرام فعليه أن ينزعه من رأسه و لا يشقه و إن لبسه بعد الإحرام فعليه أن يشقه و يخرجه مما يلي رجليه، فانه يدل على حرمة لبسه بقاء كحرمة لبسه حدوثا.

(1) بل الأظهر الجواز شريطة أن لا يصدق عليه شي ء من الأثواب المذكورة.

(2) بل هو الأقوى للروايتين، احداهما صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «المحرم لا يصلح له أن يعقد ازاره على رقبته، و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده» «2» فانها واضحة الدلالة على عدم جواز ذلك. و الأخرى صحيحة سعيد الأعرج: «انه سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعقد ازاره في

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 204

بل لا يعقده مطلقا، و لو بعضه ببعض، و لا يغرزه بإبرة و نحوها (1)، و الأحوط ان لا يعقد الرداء أيضا (2)، و لا بأس بغرزه بالأبرة و أمثالها.

[مسألة 244: يجوز للنساء لبس المخيط مطلقا عدا القفازين

(مسألة 244): يجوز للنساء لبس المخيط مطلقا عدا القفازين (3) و هو لباس خاص يلبس لليدين.

عنقه، قال: لا» «1» و أما عقده في غير العنق فالظاهر أنه لا مانع منه.

(1) على الأحوط الأولى لعدم الدليل عليه، فان الرواية الناهية عنه ضعيفة من جهة السند.

(2) لكن الأظهر جوازه لفقد

دليل على المنع و إن كان الاحتياط أولى.

(3) لمجموعة من الروايات:

منها: صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها، و تلبس الحرير و الخز و الديباج، فقال: نعم، لا بأس به، و تلبس الخلخالين و المسك» «2».

و منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين- الحديث» «3».

ثم إن هذه الصحيحة تنافي الصحيحة الأولى في الحرير، فان الأولى تنص على جواز لبسه، و الثانية على عدم جوازه، و لكن موثقة سماعة: «انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرمة تلبس الحرير فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خلط فيه، و أما الخز و العلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه و هي محرمة، و إن مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس- الحديث» «4»، تصلح أن تكون قرينة على الجمع بينهما باعتبار أن نسبتها الى كل واحدة منهما نسبة المقيد الى المطلق فتقيد اطلاق الأولى بالحرير غير الخالص، و اطلاق الثانية

[مسألة 245: إذا لبس المحرم متعمدا شيئا مما حرم لبسه عليه فكفارته شاة]

(مسألة 245): إذا لبس المحرم متعمدا شيئا مما حرم لبسه عليه فكفارته شاة (1)،

بالحرير الخالص، فالنتيجة أنه لا يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس الحرير الخالص، و لا القفازين و هي محرمة. و أما لبس الذهب للمرأة في حال الإحرام كالحلي و الخلخال و المسكة و القرطان و غير ذلك، فالظاهر أنه لا مانع منه شريطة أن لا يكون بقصد الزينة، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المحرمة تلبس الحلي كله الّا حليا

مشهورا للزينة» «1» فانها تدل بوضوح على انه يجوز لها أن تلبس الذهب الّا للزينة.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أ تنزعه اذا أحرمت، أو تتركه على حاله؟ قال: تحرم فيه، و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها»»

فانها تدل على أن لبسها بقصد الزينة و الإظهار للرجال محرم، لا في نفسه.

(1) تنص عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة زرارة بن أعين قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف ابطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة» «3» فانها واضحة الدلالة على أن من لبس ما لا يجوز لبسه عامدا و ملتفتا فعليه دم شاة. و منها غيرها «4».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 206

و الأحوط لزوم الكفارة عليه، و لو كان لبسه للاضطرار (1).

(1) في الاحتياط اشكال بل منع، و الأظهر عدم لزوم الكفارة عليه، كما هو الحال في موارد الجهل و النسيان، و ذلك لعدم الدليل، لأن الاجماع المدعى في المسألة على الكفارة فلا يمكن اثباته لا صغرى و لا كبرى، كما ذكرناه غير مرة.

و أما صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المحرم اذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها، قال: عليه لكل صنف منها فداء» «1» فلأن

موردها الحاجة الى لبس ضروب من الثياب لا الاضطرار اليه و الحاجة عرفا و عقلا غير الاضطرار، و لا سيّما في مورد الصحيحة بقرينة فرضها الحاجة الى ضروب من الثياب و اصنافها، اذ فرض أنه مضطر الى ضروب متعددة منها بعيد جدا. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها مطلقة و تشمل باطلاقها الحاجة التي تبلغ حد الاضطرار، الّا أنه لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بحديث الرفع، فان مفاده رفع أثر العمل المضطر اليه.

فالنتيجة: انه لا دليل على ثبوت الكفارة في حالة الاضطرار، و إن كان الاحتياط أولى و أجدر.

[10- الاكتحال
اشارة

10- الاكتحال

[مسألة 246: الاكتحال على صور]

(مسألة 246): الاكتحال على صور (1):

1- أن يكون بكحل أسود، مع قصد الزينة و هذا حرام على المحرم قطعا، و تلزمه كفارة شاة على الأحوط الأولى.

2- أن يكون بكحل أسود، مع عدم قصد الزينة.

3- أن يكون بكحل غير أسود مع قصد الزينة، و الأحوط الاجتناب في هاتين الصورتين، كما ان الاحوط الأولى التكفير فيهما.

4- الاكتحال بكحل غير أسود، و لا يقصد به الزينة و لا بأس به، و لا كفارة عليه بلا اشكال.

(1) اعلم أن الاكتحال على صور:

الصورة الأولى: يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة أن يكتحل بالكحل الأسود، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود الّا من علة» «1» فان مقتضى اطلاقها ان اكتحال المحرم بالأسود محرم و إن لم يقصد به الزينة، الّا اذا كانت هناك علة تتطلب الاكتحال به كالمرض أو نحوه.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الكحل للمحرم، فقال: أما بالسواد فلا، و لكن بالصبر و الحضض» «2»، فان مقتضى اطلاقها انه محرم عليه، قصد به الزينة أم لا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 208

.......... و منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، ان السواد زينة» «1» فانها في مقام بيان ان الاكتحال بالسواد زينة، على أساس أن استعماله بين الناس بما انه كان غالبا للزينة، فيعد زينة في العرف العام و ان لم يكن مقصودا، فاذا كان زينة عرفا فالزينة محرم على المحرم.

و منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن المرأة تكتحل و هي محرمة، قال: لا تكتحل، قلت: بسواد ليس فيه طيب، قال: فكرهه من أجل أنه زينة، و قال: اذا اضطرّت اليه فلتكتحل» «2» بتقريب أن المراد من الكراهة فيها الحرمة بقرينة أنها مسبوقة بالنهي عن الاكتحال، و ملحوقة باستثناء حالة الاضطرار.

الصورة الثانية: يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة أن يكتحل بالكحل غير الأسود، الّا اذا كان بقصد الزينة، أو عد زينة في العرف العام، و تدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس أن يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فاما للزينة فلا» «3»، بتقريب أن مقتضى اطلاقها أنه يجوز للمحرم أن يكتحل بالكحل مطلقا، أي سواء أ كان بالأسود أم كان بغيره، شريطة أن لا يقصد به الزينة، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بغير الكحل الأسود بمقتضى الروايات المتقدمة، و نتيجة ذلك أنه يجوز للمحرم أن يكتحل بالكحل غير الأسود الّا للزينة.

و أما صحيحة زرارة عنه عليه السّلام: «قال: تكتحل المرأة بالكحل كله الّا الكحل الأسود للزينة» «4»، فلا يمكن الأخذ باطلاقها.

أما بالنسبة إلى الكحل الأسود، فلأن الظاهر من تقييد عدم جواز استعماله

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 209

.......... للمحرم بالزينة أنه من باب الغالب، حيث ان المتعارف و لا سيّما بين النساء كان استعماله للزينة، فاذن لا يدل تقييده بها على جواز استعماله اذا لم يكن للزينة، او لا أقل من الاجمال و عدم المفهوم له، و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن له مفهوما الّا أنا ذكرنا في علم الأصول أن مفهومه قضية مهملة، فلا يصلح أن يعارض صحيحتي الحلبي و

حريز اللتين تنصان على أنه محرم عليه معللا بأنه زينة، و الزينة محرمة على المحرم، و اما بالنسبة الى الكحل غير الأسود فالصحيحة معارضة بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة بالعموم من وجه، فان صحيحة معاوية تدل على حرمة اكتحال المحرم إذا كان للزينة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون بالكحل الأسود أو غيره، و هذه الصحيحة تدل على جواز الاكتحال بالكحل غير الأسود مطلقا، أي بلا فرق بين أن يكون بقصد الزينة أو لا، و مورد الالتقاء بينهما ما إذا كان الاكتحال بالكحل غير الأسود بقصد الزينة، فان الصحيحة الأولى تنص على عدم جوازه، و الثانية تنص على جوازه، فاذن مقتضى القاعدة سقوط اطلاق كلتيهما في مورد المعارضة و الرجوع الى الأصل العملي. نعم بناء على القول بانقلاب النسبة تصبح صحيحة معاوية أخص من الصحيحة المذكورة من جهة أن اطلاقها مقيد بالروايات التي تنص على أن الاكتحال بالكحل الأسود محرم و إن لم يكن بقصد الزينة، و عليه فتنقلب النسبة من عموم من وجه الى عموم مطلق، و لكن ذكرنا في علم الأصول أن القول بانقلاب النسبة غير تام، و عليه فالنسبة بين الصحيحتين تبقى على حالها، و هي العموم من وجه هذا. و لكنا نعلم من روايات هذه المسألة بضميمة روايات مسألة حرمة نظر المحرم الى المرآة للزينة، و مسألة حرمة لبس المرأة الذهب و الخلخال و المسكة بقصد الزينة، أن حرمة الزينة على المحرم رجلا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 210

.......... كان أم امرأة أمر مفروغ عنه، سواء أ كانت الزينة باللباس أم كانت بالنظر الى المرآة أم بالاكتحال أم بغير ذلك، فمن أجل هذا لا بد من رفع اليد عن

عموم الصحيحة و حملها على ما اذا لم يكن بقصد الزينة.

و اما معتبرة الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سأله رجل ضرير و أنا حاضر، فقال: اكتحل اذا احرمت، قال: لا، و لم تكتحل؟ قال: اني ضرير البصر، و اذا أنا اكتحلت نفعني و إن لم اكتحل ضرّني، قال: فاكتحل- الحديث» «1» فيرفع اليد عن اطلاقها بتقييده بالكحل الأسود أو للزينة.

الصورة الثالثة: يجوز للمحرم رجلا كان أو امرأة أن يكتحل بالكحل و إن كان أسود من أجل علة كالتداوي به أو غيره، و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: معتبرة الكاهلي الآنفة الذكر.

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية المتقدمة «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود الّا من علة» «2».

و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران» «3».

الصورة الرابعة: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة أن يكتحل بكحل فيه طيب، و تنص على ذلك أيضا عدة من الروايات.

منها: صحيحتا معاوية بن عمار و عبد اللّه بن سنان المتقدمتان، و منها غيرهما «4».

و الحاصل أنه نتجت من مجموع هذه الروايات أمور:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 211

.......... الأول: لا يجوز للمحرم أن يكتحل بالكحل الأسود و هو محرم و إن لم يقصد به الزينة، بدون فرق فيه بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة.

الثاني: يجوز له أن يكتحل بالكحل غير الأسود الا اذا كان للزينة أو كان في العرف العام زينة.

الثالث: لا يجوز أن يكتحل بكحل فيه طيب.

الرابع: يجوز أن يكتحل لعلة و إن كان بالأسود، كالتداوي به أو غيره.

[11- النظر في المرآة]
اشارة

11- النظر في المرآة

[مسألة 247: يحرم على المحرم النظر في المرآة للزينة]

(مسألة 247): يحرم على المحرم النظر في المرآة للزينة (1)، و كفارته شاة على الأحوط الأولى.

و أما إذا كان النظر فيها لغرض آخر غير الزينة كنظر السائق فيها لرؤية ما خلفه من السيارات، فلا بأس به، و يستحب لمن نظر فيها للزينة تجديد التلبية، أما لبس النظارة فلا بأس به للرجل أو المرأة اذا لم يكن للزينة، و الأولى الاجتناب عنه، و هذا الحكم لا يجري في سائر الاجسام الشفافة فلا بأس بالنظر إلى الماء الصافي أو الاجسام الصيقلية الأخرى.

(1) لا يبعد عدم جواز نظر المحرم رجلا كان أم امرأة في المرآة اذا عد في العرف العام زينة و إن لم يقصد به الزينة، كما إذا كان نظره فيها بدافع اصلاح هندامه و وضعه الطبيعي بدون أن يكون قاصدا به التزين، و يستفاد ذلك من مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تنظر في المرآة و أنت محرم، فانه من الزينة» «1» بتقريب أن المتبادر من النظر فيها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو النظر فيها لإصلاح هندامه و وضعه الطبيعي سواء أ كان قاصدا به الزينة أم لا، فان ذلك يعد في العرف العام زينة، و الزينة محرمة على المحرم.

و منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تنظر في المرآة و أنت

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 213

.......... محرم لأنه من الزينة» «1»، بتقريب أن المتبادر من النهي عن النظر هو النهي عن النظر المتعارف بين الناس في المرآة، و من الواضح ان استعمالها إما أن يكون بدافع التزيين، أو بدافع اصلاح وضعه الطبيعي من ناحية اللباس

و غيره، بدون أن يكون قاصدا به الزينة، و لا يحرم اذا كان بدافع آخر كنظر السائق في المرآة الى المسافرين بداعي التأكد من عدم تخلف بعضهم عن السيارة أو وضعهم فيها، أو بداعي تعرفه على ما خلفه من السيارات، أو التأكد من عدم وجود حاجب على البشرة المانع من الوضوء أو الغسل.

فالنتيجة: ان المستفاد عرفا من الروايتين أن نظر المحرم في المرآة حرام إذا كان بقصد الزينة و إن لم يكن بقصده فهو حرام اذا عدّ في العرف العام زينة، و الّا فلا.

بقي هنا أمور:

الأوّل: قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا ينظر المحرم في المرآة لزينة، فان نظر فليلب» «2»، ان المحرم اذا نظر في المرآة فعليه أن يعيد التلبية، و ظاهر الأمر بالاعادة ارشاد الى فساد الاحرام، هذا و لكن لا بد من رفع اليد عن ظهوره في ذلك، و حمله على الاستحباب بقرينة أن عدم نظر المحرم في المرآة ليس قيدا للإحرام حتى يكون وجوده مانعا عنه، على أساس أن محرمات الاحرام محرمات مستقلة، و لا يكون عدمها قيدا للحج أو العمرة، و لعل حكمة أمر المحرم بالتلبية اذا نظر في المرآة أنه نوع تنبيه له لكي ينصرف عن محرمات الاحرام و يلبي ما هو واجب عليه.

الثاني: لا يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة لبس النظارات اذا لم يكن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 214

.......... بقصد الزينة و لا يعد في العرف العام زينة، فاذن لا مانع من لبسها بغرض الوقاية من الشمس أو الهواء الترابية أو غير ذلك، أو بدافع طبي.

الثالث: يجوز للمحرم أن ينظر في الأجسام الشفافة التي ينطبع

فيها وجه الناظر كالماء الصافي أو غيره.

الرابع: قد تسأل أن على المحرم اذا نظر في المرآة كفارة؟

و الجواب: انه لا كفارة عليه لعدم الدليل.

[12- لبس الخف و الجورب
اشارة

12- لبس الخف و الجورب

[مسألة 248: يحرم على الرجل المحرم لبس الخف و الجورب

(مسألة 248): يحرم على الرجل المحرم لبس الخف و الجورب (1)، و كفارة ذلك شاة على الأحوط (2) و لا بأس بلبسهما للنساء، و الأحوط الاجتناب عن لبس كل ما يستر تمام ظهر القدم و اذا لم يتيسر للمحرم نعل أو شبهه ودعت الضرورة الى لبس الخف فالأحوط الأولى خرقه من المقدم،

(1) تدل عليه جملة من النصوص.

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: و اي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين اذا اضطر الى ذلك، و الجوربين يلبسهما اذا اضطر الى لبسهما» «1» فانها واضحة الدلالة على انه لا يجوز للمحرم لبس الجورب و الخف في حال الاختيار، و منها غيرها.

ثم إن هذا الحكم يختص بالرجل المحرم، و لا يعم المرأة المحرمة، لما مر من أنه يجوز لها أن تلبس ما شاءت من الثياب ما عدا الحرير الخالص و القفازين و الذهب للزينة.

(2) لكن الأظهر عدم وجوبها.

و دعوى: ان قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة: «أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه- الى أن قال: و من فعله متعمدا فعليه دم شاة» «2» يدل على وجوب الكفارة عليه.

مدفوعة: بعدم صدق الثوب عليهما حتى يصدق على لبسهما لبس

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 216

و لا بأس بستر تمام ظهر القدم (1) من دون لبس.

الثوب، و لكن مع هذا إذا لبس الجورب أو الخف عامدا و ملتفتا فالأولى و الأجدر به أن يكفر بدم شاة.

(1) فيه أن الأظهر عدم وجوب الاجتناب عنه لعدم الدليل، و اختصاص النص بالجورب و الخف، و التعدي بحاجة الى قرينة، و لا قرينة عليه، لا فيه و لا

من الخارج، و لا نعلم أن ملاك المنع عن لبس الجورب و الخف انما هو سترهما تمام ظهر القدم حتى يمكن التعدي الى كل ما يكون ساترا له و إن لم يكن جوربا و لا خفا، و مع هذا فالأحوط و الأجدر به الاجتناب عنه.

[13- الكذب و السب
اشارة

13- الكذب و السب

[مسألة 249: الكذب و السب محرّمان في جميع الأحوال

(مسألة 249): الكذب و السب محرّمان في جميع الأحوال، لكن حرمتهما مؤكدة حال الاحرام و المراد من الفسوق في قوله تعالى: (فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج) هو الكذب و السب (1)، اما التفاخر و هو اظهار الفخر من حيث الحسب أو النسب، فهو على قسمين:

الاول: أن يكون ذلك لإثبات فضيلة لنفسه مع استلزام الحطّ من شأن الآخرين و هذا محرم في نفسه.

الثاني: أن يكون ذلك لإثبات فضيلة لنفسه من دون أن يستلزم اهانة الغير، و حطا من كرامته، و هذا لا بأس به، و لا يحرم لا على المحرم و لا على غيره.

(1) تدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه، و ذكر اللّه، و قلة الكلام الّا بخير، فان تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه الّا من خير، كما قال اللّه عزّ و جل، فان اللّه تعالى يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب و السباب، و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه» «1» بتقريب أنها فسرت الفسوق بالكذب و السباب، و في مقابلها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال: الرفث: جماع النساء، و الفسوق

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 218

.......... الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه- الحديث» «1» فانها فسرت الفسوق بالكذب و المفاخرة،

و حينئذ فان قلنا أن المفاخرة لون من ألوان السباب فلا تنافي بين الروايتين، و إن قلنا أن المفاخرة أعم من السباب فانها قد تشمل على الحط من الطرف المقابل و انتقاص قدره، كما اذا كان الشخص في مقام اثبات الفضائل لنفسه و سلبها عن الطرف المقابل المؤدي الى انتقاص قدره، و النيل من كرامته، أو في مقابل سلب الصفات الرذيلة عن نفسه و اثباتها للطرف المقابل، و قد لا تشتمل على الحط من كرامة الطرف المقابل، كما إذا كان في مقام اثبات الفضائل لنفسه من دون سلبها عن الطرف الآخر، أو سلب الرذائل عن نفسه بدون الإشارة الى ثبوتها في خصمه، و الظاهر بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن المراد من المفاخرة المعنى الأول، فانه فسق، و يناسب تفسير الفسوق في الآية الشريفة به دون المعنى الثاني، اذ المفاخرة بهذا المعنى اذا لم تكن مشتملة على الكذب لم تكن محرمة، و عليه فلا يناسب تفسير الفسوق به، لأنه ليس بفسق بذلك المعنى.

و دعوى: أن المراد من الفسوق في الآية الكريمة الفسوق بلحاظ حال الاحرام لا مطلقا.

مدفوعة: بأن الظاهر منها الفسوق في نفسها و بقطع النظر عن احرام المحرم، غاية الأمر أن الادانة و العقوبة عليها في حال الاحرام أشد، فالنتيجة ان هذه الدعوى ساقطة و غير محتملة عرفا.

ثم إن من مارس الفسوق في الحج عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، فهل عليه كفارة؟

و الجواب: انه لا كفارة عليه، و ذلك لأن صحيحة سليمان بن خالد قال:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 219

.......... «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول في حديث: في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحج» «1» و إن دلت

على ثبوت الكفارة، الّا أنها معارضة عدم ثبوتها بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «قلت: أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال: لم يجعل اللّه له حدا، يستغفر اللّه و يلبي» «2»، فانها دلت على عدم جعل الكفارة عليه. فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة، فالمرجع هو أصالة البراءة عن وجوبها.

و دعوى: أن من المحتمل أن يكون المراد من الحد هو الحد الشرعي كحد الزنا و السرقة و ما شاكل ذلك لا الكفارة.

مدفوعة: بأن هذا الاحتمال غير محتمل في المقام، لأن السؤال فيها عن ثبوت الكفارة عليه، و جواب الإمام عليه السّلام بعدم جعل حد له ظاهر في نفيها، لأن المراد من الحد في المقام هو الكفارة، و يشهد عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية ابن عمار: «حد الجدال دم يهريقه» «3» و كيف كان، فلا شبهة في ذلك.

[14- الجدال
اشارة

14- الجدال

[مسألة 250: لا يجوز للمحرم الجدال

(مسألة 250): لا يجوز للمحرم الجدال، و هو قول «لا و اللّه، و بلى و اللّه (1)

(1) هذا، لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة ان يستعمل الحلف بهاتين الصيغتين في مقام الخصومة و المخالفة، و هل تختص حرمة الحلف بهما على المحرم بموارد المخاصمة، أو تعم كل مورد و إن لم تكن فيه مخاصمة و لا مخالفة ما عدا المقابلة بالكلام، كما لو سأله احد: هل طفت بالبيت؟ فقال: لا و اللّه، فان كان كاذبا في حلفه فهو جدال في المرتبة الأولى، و عليه كفارته، و إن كان صادقا فيه فانه جدال شريطة أن يكرره ثلاث مرات ولاء و الظاهر هو الثاني و ذلك لأمرين:

أحدهما: أنه قد فسر الجدال في الروايات بهاتين الصيغتين، لا بالمخاصمة المشتملة عليها.

منها: صحيحتي معاوية بن عمار و علي بن جعفر المتقدمتين، فاذن ليس المراد من الجدال في الآية الشريفة معناه اللغوي و العرفي، بل المراد منه ما فسّر في الروايات.

و الآخر انه قد رتب في عدة من الروايات الجدال على الحلف، دون الحلف الواقع في المخاصمة.

منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث:

و الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه، و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل، فعليه دم يهريقه، و يتصدق به، و اذا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 221

و الأحوط ترك الحلف حتى بغير هذه الالفاظ (1).

[مسألة 251: يستثنى من حرمة الجدال أمران

(مسألة 251): يستثنى من حرمة الجدال أمران:

حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، و عليه دم يهريقه و يتصدق به. و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري، و بلى لعمري، قال: ليس

هذا من الجدال، و انما الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه» «1».

و منها: صحيحته الأخرى قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان في مقام ولاء و هو محرم فقد جادل، و عليه حد الجدال دم يهريقه و يتصدق به» «2».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الجدال في الحج، فقال: من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم، فقيل له: الذي يجادل و هو صادق، قال: عليه شاة، و الكاذب عليه بقرة» «3» و منها غيرها «4».

فالنتيجة: ان المستفاد من هذه الروايات أن الجدال في الآية الشريفة عبارة عن قول الرجل: لا و اللّه، و بلى و اللّه، و بما أن هذا القول يستعمل في مقام الاخبار و التصديق بثبوت شي ء، أو عدم ثبوته، فلا محالة يكون في مقام المقابلة مع آخر بالكلام، سواء أ كانت بنحو المخاصمة أم لا.

و بكلمة: ان الظاهر منها كون المحرم اذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد، أو بيمين واحدة كاذبة، فانه مجادل كان في مقام المخاصمة أم لا.

(1) الأولى ذلك، اذ لا دليل على أن الحلف بغير تلك الألفاظ من محرمات الإحرام، لأن الظاهر من الروايات الواردة في تفسير الجدال في الآية الشريفة بقول الرجل: لا و اللّه، و بلى و اللّه هو الموضوعية لهذا القول، و حمله على أنه مأخوذ بنحو الطريقية و المعرفية الصرفة بحاجة الى قرينة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 222

الاول: أن يكون ذلك لضرورة تقتضيه من احقاق حق أو ابطال باطل (1).

(1) لأن الضرورة اذا تطلبت الحلف لإثبات حق أو ابطال باطل جاز، بل ان

صحيحة ابي بصير قال: «سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه و اللّه لا تعمله، فيقول: و اللّه لأعملنه، فيخالفه مرارا، يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا، انما اراد بهذا اكرام أخيه، انما كان ذلك ما كان فيه معصية» «1»، تدل على جواز الحلف لإكرام اخيه و احترامه، فضلا عما اذا كان لإحقاق حق أو ابطال باطل.

فالنتيجة: ان المستثنى من حرمة الحلف على المحرم في حال الإحرام موردان:

أحدهما: أن يكون لإثبات حق أو ابطال باطل، او بدافع حفظ نفس مؤمن.

و الآخر: ان يكون لإكرام مؤمن و احترامه، و أما في غير هذين الموردين فهو محرم و معصية للّه تعالى، و فيه كفارة عليه، و بذلك يظهر حال ما بعده.

قد تسأل عن أن الجدال في الآية الشريفة التي فسر في الروايات بصيغة خاصة من القسم، فهل يعتبر أن تكون تلك الصيغة بجملة خبرية، أو لا؟

و الجواب: يعتبر أن تكون بجملة خبرية بقرينة تقسيم القسم بالصيغة المذكورة في الروايات تارة بالقسم الصادق، و اخرى بالكاذب، هذا اضافة الى أنه إن اريد بالقسم الانشائي إنشاء مفهوم القسم بالحمل الأولي، فلا أثر له، اذ لا يحتمل أن يكون تلفظ المحرم بصيغة لا و اللّه بقصد إنشاء مفهوم القسم في عالم الاعتبار و الذهن حراما، و إن اريد به الالتزام بالمقسوم عليه في الخارج تركا أو فعلا، فهو قسم بالحمل الشائع، و اخبار و ليس بانشاء.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 223

الثاني: أن لا يقصد بذلك الحلف بل يقصد به أمرا آخر كإظهار المحبة و التعظيم كقول القائل: لا و اللّه لا تفعل ذلك.

[مسألة 252: لا كفارة على المجادل فيما اذا كان صادقا في قوله و لكنه يستغفر ربّه

(مسألة 252): لا كفارة على المجادل فيما اذا كان صادقا في قوله و

لكنه يستغفر ربّه، هذا فيما اذا لم يتجاوز حلفه المرة الثانية، و إلا كان عليه كفارة شاة. و أما إذا كان الجدال عن كذب فعليه كفارة شاة للمرة الاولى، و شاة اخرى للمرة الثانية و بقرة للمرة الثالثة (1).

و قد تسأل: عن أن المعتبر في تحقق الجدال شرعا هل هو تحقق الصيغتين معا، أو كفاية تحقق واحدة منها؟

و الجواب: كفاية تحقق واحدة منها، لأن ذلك هو الظاهر من الروايات الواردة في تفسيره بدون الإشارة في شي ء منها أنه لا يتحقق الّا بتحقق كلتا الصيغتين معا، هذا اضافة الى أن اجتماعهما في مورد واحد غير ممكن، باعتبار أن مدلول احداهما تصديق بثبوت شي ء، و مدلول الأخرى تصديق بنفي شي ء آخر.

و قد تسأل: أن كلمة (لا) في إحدى الصيغتين، و كلمة (بلى) في الأخرى هل هما معتبرتان في ترتيب الأثر عليهما و كونهما مصداقا للجدال في الآية الشريفة؟

و الجواب: أنهما معتبرتان فيه، لظهور الروايات المفسرة له في ذلك.

(1) هذا هو المستفاد من روايات الباب، لأن المحرم رجلا كان أم امرأة إذا جادل و هو محرم فان كان صادقا في جداله بقوله لا و اللّه أو بلى و اللّه، فلا شي ء عليه في المرة الأولى، و لا في الثانية، و أما في الثالثة فعليه دم شاة، و تدل عليه جملة من الروايات.

منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 224

.......... و الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه. و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل و عليه دم يهريقه، و يتصدق به، و اذا

حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به- الحديث» «1»، فانها تدل بمقتضى مفهوم الشرط أنه اذا جادل أقل من ثلاث مرات فان كان صادقا في جداله فلا شي ء عليه، و نقيد به اطلاق صحيحة سليمان بن خالد، قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: في الجدال شاة- الحديث» «2» و إن كان كاذبا في جداله فعليه دم شاة في المرة الأولى و الثانية، أما في المرة الأولى فقد نصت عليه صحيحة معاوية المتقدمة.

و أما في المرة الثانية فمن أجل أن العرف لا يفهم خصوصية للمرة الأولى، هذا اضافة إلى أن تعدد الكفارة بتعدد سببها يكون على القاعدة، و مع الاغماض عن ذلك انه يكفي لإثبات تعددها اطلاق صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة، لأن اطلاقها بالنسبة إلى اليمين الكاذبة يظل ثابتا، و في المرة الثالثة بقرة، و تنص عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الجدال في الحج، فقال: من زاد على مرتين قد وقع عليه الدم، فقيل له: الذي يجادل و هو صادق، قال: عليه شاة، و الكاذب عليه بقرة» «3» و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «قلت: فمن ابتلي بالجدال ما عليه؟ قال: إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه، و على المخطئ بقرة»»

و المراد من المخطئ و المصيب بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية الكاذب و الصادق، و بهما نقيد اطلاق صحيحة سليمان بن خالد التي تدل على أن كفارته شاة بما دون ثلاث مرات، اذا كان كاذبا في جداله.

[15- قتل هوامّ الجسد]
اشارة

15- قتل هوامّ الجسد

[مسألة 253: لا يجوز للمحرم قتل القمل و لا القاؤه من جسده

(مسألة 253): لا يجوز للمحرم قتل القمل (1) و لا القاؤه من جسده (2) و لا بأس بنقله من مكان الى مكان آخر و إذا قتله فالأحوط التكفير عنه بكف من الطعام (3) للفقير،

(1) للنصوص، منها: موثقة زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: هل يحك المحرم رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة- الحديث» «1» فانها ظاهرة في عدم جواز قتل دابة الرأس و هي القمل.

و منها: معتبرة ابي الجارود قال: «سأل رجل ابا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم، قال: بئس ما صنع، قال: فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها» «2» فانها ظاهرة في حرمة قتلها.

(2) تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال:

المحرم يلقي عنه الدواب كلها الّا القملة فانها من جسده، و إن اراد أن يحول قملة من مكان الى مكان فلا يضره» «3».

(3) لكن الأظهر أنه لا كفارة فيه، و تنص عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في محرم قتل قملة، قال: لا شي ء عليه في القمل، و لا ينبغي أن يتعمد قتلها» «4» و مثلها صحيحته الأخرى «5».

و منها: معتبرة أبي الجارود المتقدمة.

نعم، ورد في عدة من الروايات الأمر باعطاء كف من الطعام اذا القى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 226

اما البق و البرغوث و امثالهما فالأحوط عدم قتلهما (1) إذا لم يكن هناك ضرر يتوجه منهما على المحرم، و اما دفعهما فالأظهر جوازه و ان كان الترك أحوط.

المحرم القملة عن جسده، و موردها القاء القملة من

الجسد دون قتلها، و التعدي عن موردها الى مورد القتل بحاجة الى دليل و لا دليل عليه، و على تقدير وجود الدليل، فالروايات المتقدمة تصلح أن تكون قرينة على حمل الأمر بالكفارة بالنسبة إلى قتلها على الاستحباب، تطبيقا لحمل الظاهر على النص.

(1) فيه ان الأظهر جوازه، لعدم دليل على عدم الجواز، و قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «اتق قتل الدواب كلها» «1»، منصرف عرفا عنهما، و يؤيد ذلك ما ورد في بعض الروايات الضعيفة من جواز قتلهما.

فالنتيجة أن حرمة القتل بحاجة إلى دليل، و لا دليل عليه، و إن كان الاحتياط أولى و أجدر، و أما القاؤهما من الجسد فلا اشكال في جوازه، و تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

[16- التزين
اشارة

16- التزين

[مسألة 254: يحرم على المحرم التختم بقصد الزينة]

(مسألة 254): يحرم على المحرم التختم بقصد الزينة (1)، و لا بأس بذلك بقصد الاستحباب، بل يحرم عليه التزين مطلقا، و كفارته شاة على الأحوط الأولى.

[مسألة 255: يحرم على المحرم استعمال الحناء فيما إذا عد زينة خارجا]

(مسألة 255): يحرم على المحرم استعمال الحناء فيما إذا عد زينة خارجا (2)، و ان لم يقصد به التزين. نعم، لا بأس به إذا لم يكن زينة، كما إذا كان لعلاج و نحوه.

(1) فيه انه لا دليل على حرمته اذا لم يعد في العرف العام زينة، لأن الدليل عليه منحصر برواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزينة» «1» و هذه الرواية و إن كانت واضحة الدلالة، الّا أنها ضعيفة من ناحية السند، لأن في سندها صالح بن السندي، و هو لم يثبت توثيقه، و على هذا فان كان زينة في العرف العام لم يجز للمحرم رجلا كان أم امرأة أن يلبسه، و الّا فلا بأس به، و لا أثر لقصده الزينة اذا لم يكن زينة عرفا.

(2) مر أن المستفاد من الروايات أن ما عدّ من الزينة في العرف العام فهو محرم على المحرم رجلا كان أم امرأة و إن لم يقصد به التزين، كما اذا استعمل الحناء بطريقة خاصة في أنامل أرجله و ايديه بنحو يعد في العرف العام زينة، و أما إذا لم يعد كذلك، أو لم يستعمل بشكل يجلب نظر الناس اليه بعنوان أنه زينة، فلا مانع منه. و قد نصت على ذلك صحيحة عبد اللّه بن سنان عن

[مسألة 256: يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة]

(مسألة 256): يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة (1)، و يستثنى من ذلك ما كانت تعتاد لبسه قبل احرامها و لكنها لا تظهره لزوجها، و لا لغيره من الرجال.

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحناء، فقال: ان المحرم ليمسه و يداوي به بعيره و ما هو بطيب،

و ما به بأس» «1» فالنتيجة ان المعيار في حرمة استعماله على المحرم انما هي بكونه زينة في العرف العام، و الّا فلا بأس باستعماله، و لا قيمة للقصد المجرد.

(1) فيه أن المحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي و اظهاره للرجال في مركبها و مسيرها مطلقا حتّى لمحارمها كزوجها و غيره لا مطلق لبسه.

و بكلمة: ان لبسه و إن كان زينة في نفسها، الّا أنه لا يكون محرما على المرأة المحرمة إلّا اذا كان بفرض اظهاره للرجال. نعم إذا كان الحلي حليا مشهورا للزينة، حرم عليها أن تلبسه، و تدل على ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطاس من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها، أ تنزعه اذا أحرمت أو تتركه على حاله، قال: تحرم فيه و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها» «2» و تؤكد ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المحرمة تلبس الحلي كله الّا حليا مشهورا للزينة» «3».

و أما صحيحة الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله إلّا القرط المشهور و القلادة المشهورة» «4»، فلا بد من رفع اليد عن اطلاقها في عقد المستثنى منه، و حملها على ما اذا لم يكن لبسها الحلي أو غيره

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 229

.......... بغرض الاشهار و اظهاره للرجال، كما أنه لا بد من تقييد اطلاقها فيه بغير الحلي المشهور للزينة بنص صحيحة محمد بن مسلم.

فالنتيجة ان لبس الحلي أو

ما شاكله محرم عليها اذا كان بغرض الاشهار و الاظهار للرجال، سواء أ كانت معتادة في لبسها قبل الاحرام أم لا، و الّا فلا يكون محرما شريطة أن لا يكون مشهورا للزينة، كما أنه لا فرق في ذلك بين أقسام الحلي و أنواعه.

[17- الادّهان
اشارة

17- الادّهان

[مسألة 257: لا يجوز للمحرم الادهان، و لو كان بما ليست فيه رائحة طيبة]

(مسألة 257): لا يجوز للمحرم الادهان، و لو كان بما ليست فيه رائحة طيبة (1)، و يستثنى من ذلك ما كان لضرورة أو علاج.

(1) للنصوص، منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فاذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحل» «1» فانها ناصة في عدم جواز التدهين للمحرم بعد الإحرام رجلا كان أم امرأة.

و أما صحيحة محمد بن مسلم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام و بعده، و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى» «2» فهي على تقدير تسليم اطلاقها لما بعد الإحرام فلا بد من تقييده بصحيحة الحلبي المتقدمة.

نعم، يجوز التدهين للتداوي، و تنص عليه جملة من الروايات.

منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا خرج بالمحرم الخراج او الدمّل فليبطّه و ليداوه بسمن أو زيت» «3».

قد تسأل عن أنه هل يجوز التدهين قبل الإحرام بنحو يبقى أثره بعد الإحرام؟

و الجواب: أن مقتضى صحيحة الحلبي الجواز، فان قوله عليه السّلام في

[مسألة 258: كفارة الادهان شاة إذا كان عن علم و عمد]

(مسألة 258): كفارة الادهان شاة إذا كان عن علم و عمد، و إذا كان عن جهل فاطعام فقير على الأحوط في كليهما (1).

الصحيحة: «و ادهن بما شئت حين تريد أن تحرم»، يدل بوضوح على أن بقاء أثره بعد الإحرام لا قيمة له، على أساس أن أثر التدهين لا يزول بمرور فترة زمنية قليلة، و لا سيما اذا كان في الشعر، و لا يكون

مثل بقاء أثر الطيب، فانه يجب على المحرم ازالته كما تقدم.

و أما قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم «و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى» فلا بد من حمله على الكراهة المصطلحة، إما من باب أنها المتيقنة منه اذا لم تكن قرينة على الحرمة، أو أن صحيحة الحلبي قرينة على ذلك، فالنتيجة أن بقاء أثر التدهين في بدن المحرم مكروه، لا أنه حرام.

(1) لكن الأظهر العدم، اذ لا دليل عليها، و ما ذكر من الوجوه ضعيفة و لا قيمة لها، و أما رواية معاوية بن عمار: «في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه» «1»، فهي و إن كانت تامة دلالة، الّا أنه لم ينسب الرواية إلى الإمام عليه السّلام، فمن أجل ذلك لا تكون حجة لاحتمال أنها اجتهاد منه.

فالنتيجة: ان الأظهر عدم وجوب الكفارة في كلتا الحالتين، و إن كان الاحتياط أولى و أجدر.

[18- ازالة الشعر عن البدن
اشارة

18- ازالة الشعر عن البدن

[مسألة 259: لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره، المحرم أو المحل

(مسألة 259): لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره، المحرم أو المحل (1)، و تستثنى من ذلك حالات أربع (2):

1- أن يتكاثر القمل على جسد المحرم و يتأذى بذلك.

2- أن تدعو ضرورة الى ازالته. كما إذا اوجبت كثرة الشعر صداعا أو نحو ذلك.

3- أن يكون الشعر نابتا في أجفان العين و يتألم المحرم بذلك.

4- أن ينفصل الشعر من الجسد من غير قصد حين الوضوء أو الاغتسال.

(1) تدل على الأول مجموعة من النصوص:

منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟

قال: لا، الّا أن لا يجد بدا فليحتجم، و لا يحلق مكان المحاجم» «1».

و منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال: «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر» «2».

و تدل على حرمة الثاني صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: لا يأخذ المحرم من شعر الحلال» «3».

(2) أما في الحالة الأولى و الثانية و الثالثة، فلقوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «4»، فان

[مسألة 260: اذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة فكفارته شاة]

(مسألة 260): اذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة فكفارته شاة (1)،

مورده و إن كان المحصور في الحج او العمرة، الّا أن الحكم لا يختص به، بل هو حكم للمضطر الى ازالة الشعر، و تشهد على عموم الحكم لمطلق المضطر صحيحتا زرارة و حريز الواردتان في تفسير الآية الشريفة، و تدلان على أن كفارة المضطر هو الجامع بين الصيام و الصدقة و النسك، و مقتضى اطلاقهما عدم الفرق بين كون المضطر محصورا أو غير محصور. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن

الآية الشريفة مختصة بالمحصور، الّا أنه يكفي في رفع حرمة ازالة الشعر عن المحرم في الحالات الثلاث قاعدة لا حرج.

و أما في الحالة الرابعة فتدل على جواز الازالة معتبرة هيثم بن عروة التميمي قال: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان، فقال: ليس بشي ء، ما جعل عليكم في الدين من حرج» «1».

(1) لصحيحة زرارة قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف ابطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة» «2» فان الظاهر من التعبير عن الكفارة بالدم في الروايات انه دم شاة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون مضطرا أو مختارا، و لكن مقتضى صحيحتي حريز و زرارة الواردتين في تفسير الآية الشريفة و هي قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «3» ان كفارة المضطر الجامع بين دم شاة و صوم ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان، فيكون مخيرا بين أحد هذه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 234

و اذا حلقه لضرورة فكفارته شاة، أو صوم ثلاثة أيام، أو اطعام ستة مساكين، لكل واحد مدّان من الطعام. و اذا نتف المحرم شعره النابت تحت ابطيه فكفارته شاة، و كذا اذا نتف احد ابطيه على الأحوط (1)

الخصال الثلاث، فاذن نقيد اطلاق الصحيحة الأولى بهما.

فالنتيجة: أن من حلق رأسه و هو محرم، فان كان عامدا و عالما فكفارته دم شاة، و إن كان مضطرا فكفارته الجامع بين دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو

صدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدّان على نحو التخيير.

(1) بل على الأظهر، و تنص عليه صحيحة زرارة، قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «من نتف ابطه أو قلم ظفره، أو حلق رأسه ناسيا او جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة» «1». و مثلها صحيحته الأخرى «2»، فان مقتضاهما أن المحرم رجلا كان أم امرأة، اذا نتف أحد إبطيه أو كليهما معا عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي فعليه دم شاة، على أساس أن الابط اسم جنس يصدق على القليل و الكثير و الواحد و الاثنين.

و في مقابلها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا نتف الرجل ابطيه بعد الإحرام فعليه دم» «3»، فانها تنص بمنطوقها على وجوب الكفارة بدم شاة اذا نتف المحرم ابطيه معا، و بمفهومها على نفي وجوبها اذا لم ينتف ابطيه كذلك و إن نتف أحدهما، و على هذا فيقع التعارض بين اطلاق مفهومها و اطلاق الصحيحتين المتقدمتين بالعموم من وجه، فان مورد الافتراق من جانب اطلاق المفهوم، صورة عدم نتف المحرم شيئا من ابطيه، و مورد الافتراق من جانب اطلاق الصحيحتين صورة نتفه لكلا ابطيه معا، و مورد الاجتماع و الالتقاء بينهما صورة ما اذا نتف أحد ابطيه دون الآخر، فان مقتضى اطلاق المفهوم عدم ثبوت

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 235

.......... الكفارة فيه، و مقتضى اطلاق الصحيحتين ثبوتها، و حيث أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيسقطان معا من جهة المعارضة، و يكون المرجع حينئذ الأصل العملي، و هو أصالة البراءة عن وجوب الكفارة في نتف ابط واحد، هذا و لكن الذي يسهل الخطب أن ذكر الإبط بالتثنية في

صحيحة حريز انما هو في رواية الشيخ رحمه اللّه، و أما الصدوق رحمه اللّه فقد رواها بنفس السند عن حريز الابط بالافراد، فاذن لا نعلم أن حريز سمع من الإمام عليه السّلام الابط بالتثنية أو بالافراد، فالنتيجة ان كلمة الابط بالتثنية لم يثبت كونها من الإمام عليه السّلام و على هذا فلا معارض للصحيحتين المتقدمتين.

ثم إن هنا رواية أخرى، و هي رواية عبد اللّه بن جبلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في محرم نتف ابطه، قال: يطعم ثلاثة مساكين» «1» تدل على أن في نتف ابط واحد إطعام ثلاثة مساكين، فاذن تكون هذه الرواية معارضة للصحيحتين المذكورتين، لأن مقتضى اطلاقها أن كفارته وجوب اطعام ثلاثة مساكين تعيينا، و مقتضى اطلاق الصحيحتين أن كفارته دم شاة كذلك، فاذن يسقطان معا من جهة المعارضة، و يكون مقتضى الأصل العملي عدم وجوب شي ء منهما.

و اما ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن كلا منهما لما كانت ناصة في الوجوب بنحو القضية المهملة، و ظاهرة في الوجوب التعييني بالاطلاق، كان نص كل منهما قرينة على رفع اليد عن اطلاق الأخرى، فالنتيجة هي التخيير بين وجوب دم شاة، و بين اطعام ثلاثة مساكين، و بما أن الأمر دائر بين التعيين و التخيير، فالأحوط التعيين، فلا يمكن المساعدة عليه، لما ذكرناه في علم الأصول من أن أحد الدليلين المنفصلين المتنافيين، انما يتقدم على الآخر

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 236

.......... بالجمع الدلالي العرفي اذا كان مدلوله متعينا للقرينية بلحاظ الإرادة الجدية في العرف العام بملاك الأخصية أو الأظهرية أو النصوصية، و في المقام ليست دلالة الصحيحتين على أصل وجوب الشاة بنحو القضية المهملة. و دلالة رواية عبد اللّه ابن جبلة

على أصل وجوب اطعام ثلاثة مساكين كذلك بدلالة مستقلة ناصة بالنسبة الى دلالة الدليل المعارض حتى تكون قرينة عليه، و موردا للجمع العرفي تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، بل هي دلالة ضمنية مندكة في الدلالة المستقلة لكل منهما بلحاظ الارادة الجدية، و في المقام بما أن ظهور كل من الدليلين منعقد في المدلول الذي لا يصلح للقرينية فبطبيعة الحال يقع التعارض بينهما، فيسقطان معا، و يرجع الى الأصل العملي، و لا مجال لما ذكره قدّس سرّه من الجمع العرفي.

و بكلمة: ان ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من امكان الجمع الدلالي العرفي بين الروايتين هما صحيحتا زرارة و رواية ابن جبلة في المقام، مبني على عدم سراية التعارض بينهما الى دليل الحجية، و حينئذ فلا مانع من شموله لكلتا الروايتين معا، و نتيجة ذلك أن يجعل نص كل منهما قرينة على رفع اليد عن اطلاق الأخرى تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص. و لكن هذا المبنى غير صحيح، و ذلك لان كلا من الروايتين باطلاقهما و نصهما معا و بنحو مستقل غير مشمول لإطلاق دليل الحجية حتى يكون نص كل منهما قرينة على هدم اطلاق الأخرى، على أساس ان نص كل منهما ليس دلالة تصديقية مستقلة بلحاظ الارادة الجدية في دليل كذلك لكي يكون مشمولا له، بل هي في ضمن الدلالة الاطلاقية لكل منهما. و من الواضح أن الجمع العرفي بين الدليلين المنفصلين المتنافيين انما هو بملاك القرينية المتمثلة في أخصية أحدهما أو الأظهرية، أو

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 237

.......... النصوصية، و القرينية متفرعة على تعيين مفاد الدليل الصالح لها في المرتبة السابقة لكي يكون مفسرا للمراد الجدي من الدليل الآخر، و المفروض

في المقام أن مفاد كل من الروايتين متعين عرفا في الاطلاق لا فيه و في النص معا، ضرورة أنه ليس لكل منهما مفادين مستقلين بلحاظ الارادة الجدية، أحدهما الاطلاق، و الآخر النص، فان لازم ذلك أن يكون كل منهما دليلين مستقلين، و هو خلف فرض كونه دليلا واحدا، بل حتى اذا كانت احداهما مجملة، بأن يكون مفادها مرددا بين المطلق و المقيد، و القدر المتيقن هو المقيد و الأخرى مطلقة، لأن الرواية المجملة لا تصلح أن تكون قرينة على الرواية المطلقة و موجبة لتقييدها بالقدر المتيقن، لم عرفت من أن قرينية أحد الدليلين المنفصلين على الدليل الآخر متمثلة في اظهريته، او نصوصيته، أو أخصيته بالنسبة الى الآخر مستقلا لا مطلقا، و على هذا فلا يمكن أن تكون نصوصيّة كل من الروايتين مشمولة لدليل الحجية الّا في ضمن شموله للمدلول الاطلاقي لكل منهما لا مستقلا، و من المعلوم أنه لا أثر لهذا الشمول، لأنه يسقط بسقوطه عن المدلول الاطلاقي لهما بسبب التعارض.

فالنتيجة: أنه لا يمكن شمول اطلاق دليل الحجية لكلتا الروايتين المتعارضتين معا، فاذن لا محالة يسقط و يرجع حينئذ الى أصالة البراءة.

و دعوى: ان مفاد دليل حجية الرواية سندا هو التعبد بأصل الصدور من دون أن يكون ناظرا الى مفادها و مدلولها، فيكون دوره تحقيق الصغرى لدليل حجية الظهور تعبدا، من دون أن تكون حجية السند مرتبطة بحجية الظهور، بل تكون مستقلة و غير مشروطة بها، و على هذا الأساس فلا مانع من شمول دليل الحجية لكلتا الروايتين معا، و بذلك تثبت قضيتان:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 238

.......... إحداهما: أن كفارة نتف شعر الابط الواحد شاة.

و الأخرى: أن كفارته اطعام ثلاثة مساكين، و حيث

انه لا يمكن الأخذ باطلاق كلتا القضيتين معا، كما أنه لا يمكن طرحهما كذلك نهائيا لفرض العلم بصدورهما تعبدا، و هو كالعلم بصدورهما وجدانا، فلا مناص حينئذ من الالتزام بتقييد وجوب كل منهما بعدم الاتيان بالآخر.

فالنتيجة: هي التخيير، لا بمعنى وجوب الجامع بينهما، بل بمعنى وجوبين مشروطين، فان ذلك هو المتيقن منهما.

مدفوعة: اما أولا، فلما ذكرناه في علم الأصول من أن حجية السند و الدلالة مجعولة بجعل واحد بنحو الارتباط، لأن جعل الحجية للسند مستقلة بدون النظر الى دلالته و مفاده لغو و جزاف، فاذا ورد في دليل: لا بأس ببيع العذرة، و ورد في دليل آخر: ثمن العذرة سحت، ففي مثل ذلك لا يمكن شمول دليل الحجية لسند كل من الدليلين المنفصلين، فانه انما يشمل اذا كان الجمع الدلالي العرفي بينهما ممكنا بملاك القرينية من الأظهرية أو الأخصية، أو النصوصية، و أما إذا لم يمكن ذلك بملاك القرينية، باعتبار أن مفاد أحدهما عرفا لا يصلح لها كما في هذين الدليلين، فلا يمكن شموله للسند وحده، لما مر من المحذور المذكور.

و دعوى: أنه لا يلزم محذور اللغوية من شموله للسند وحده على أساس أنه قرينة على الجمع بينهما، و التأويل برفع اليد عن ظهور كل منهما و حمله على خلاف الظاهر.

مدفوعة: بأن شموله للسند يتوقف على ان الجمع العرفي بينهما ممكن بملاك القرينية في المرتبة السابقة، و هو حجة في العرف العام، فمن أجل ذلك يشمله السند أيضا، و لا يسري التعارض اليه، هذا اضافة الى أن هذا الجمع ليس

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 239

.......... بجمع عرفي، بل هو عقلي من أجل دفع اللغوية عن كلام المولى، و من الواضح أن حكم العقل

بهذا الجمع متفرع على الشمول، فلا يمكن أن يكون مصححا له، و مانعا عن سراية التعارض اليه، هذا أولا.

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن حجية السند مستقلة و غير مربوطة بحجية الدلالة و الظهور، الّا أن هذا الجمع بين الدليلين المتعارضين ليس بملاك القرينية و الجمع الدلالي العرفي، بل بملاك العلم بصدورهما تعبدا، فانه منشأ لحكم العقل بذلك الجمع من أجل دفع اللغوية، بأن يرفع اليد عن الاطلاق في كلتا الروايتين المذكورتين في المقام، و يؤخذ بالقدر المتيقن منهما، و نتيجة ذلك هي التخيير، كما هو الحال فيما إذا كان كلا الدليلين قطعي الصدور و الجهة، فانه لا بد من التصرف و التأويل فيهما بعد ما لا يمكن الأخذ بظهورهما معا عرفا، فان القطع بالصدور و الجهة قرينة عقلا على هذا التصرف من أجل دفع اللغوية، و الأخذ بالمتيقن منهما اذا كان لهما متيقن، و كذلك الأمر اذا كان أحدهما معلوم الصدور وجدانا أو تعبدا، فانه لا بد من الأخذ به، و نتيجة ذلك هي التخيير، و إن كان أحدهما المعين معلوم الصدور وجدانا دون الآخر، فان كانت نسبته الى الدليل الآخر نسبة العام و الخاص، أو الظاهر و الأظهر، أو العكس، أمكن الجمع العرفي بينهما، و لا تصل النوبة الى المعارضة و سرايتها الى دليل الحجية، و إن كانت نسبته اليه نسبة المعارضة، سقط الدليل الآخر عن الحجية من جهة أنه مخالف للسنة.

الى هنا قد تبين أن ما افاده السيد الاستاذ قدّس سرّه من الحكم بالتخيير في المقام و غيره بجعل نص كل من الدليلين قرينة على رفع اليد عن اطلاق الدليل الآخر حتى تكون النتيجة التخيير، فلا يمكن المساعدة عليه

أصلا، هذه نبذة مما ذكرناه في علم الأصول، و التفصيل هناك.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 240

.......... و ثالثا: أن ما افاده قدّس سرّه لا يتم في المقام و إن سلمنا تماميّته في غير المقام، و ذلك لأن رواية ابن جبلة ضعيفة سندا، فانه لم يوثق، و مجرد وروده في رجال التفسير و كامل الزيارات لا يكفي.

فالنتيجة: في نهاية المطاف أن في نتف الشعر النابت في الابط الواحد دم شاة، و كذلك في الابطين، فان ذلك هو مقتضى اطلاق الصحيحتين لزرارة المتقدمتين، على أساس أن الإبط المذكور فيهما اسم جنس يصدق على القليل و الكثير.

نذكر فيما يلي أمرين:

الأول: قد تسأل أن الكفارة هل هي على نتف المحرم رجلا كان أم امرأة تمام الشعر النابت في الابط، و حلق تمام الشعر النابت في الرأس، أو يكفي في ثبوتها نتف البعض، أو حلق البعض؟

و الجواب: أنه لا يكفى نتف البعض او حلقه، لأن المتبادر عرفا من صحيحتي زرارة المتقدمتين هو نتف تمام الشعر النابت في الإبط، أو حلق تمام شعر الرأس، باعتبار أن الموضوع للكفارة هو نتف الإبط و حلق الرأس، و هو لا يصدق الّا على نتف تمام الشعر النابت فيه، كما انه لا يصدق الّا على حلق تمام شعر الرأس.

فالنتيجة: أنه لا كفارة على نتف بعض الشعر النابت فيه، أو حلق بعض شعر الرأس.

الثاني: قد تسأل هل أن للنتف و الحلق خصوصية بحيث لو حلق الشعر النابت في الابط فلا كفارة فيه، كما أنه لو نتف شعر رأسه بدل الحلق فلا كفارة عليه، أو أنه لا خصوصية لهما؟

و الجواب: انه لا خصوصية لهما، فان المتفاهم العرفي من الصحيحتين

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 241

و

إذا نتف شيئا من شعر لحيته و غيرها فعليه ان يطعم مسكينا بكف من الطعام (1) و لا كفارة في حلق المحرم رأس غيره محرما كان أم محلا.

[مسألة 261: لا بأس بحك المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه و ما لم يدمه

(مسألة 261): لا بأس بحك المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه و ما لم يدمه. و كذلك البدن و اذا امرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثا فسقطت شعرة أو شعرتان فليتصدق بكف من طعام (2) المذكورتين أن المحرّم على المحرم انما هو ازالة الشعر سواء أ كانت بالنتف، أم كانت بالحلق، غاية الأمر أن ازالة الشعر النابت في الابط قد يكون بالنتف، و قد يكون بالحلق، و اما ازالة شعر الرأس فهي إنما تكون بالحلق، فالنتيجة انه لا خصوصية لهما عرفا.

(1) لصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده» «1».

(2) لعدة من الروايات:

منها: صحيحة منصور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم اذا مس لحيته فوقع منها شعرة، قال: يطعم كفا من طعام، أو كفين» «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان، قال: يطعم شيئا» «3».

و في مقابلها رواية مفضل بن عمر، قال: «دخل النباجي على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علي شي ء» «4»، فانها ناصة في عدم وجوب الكفارة، و تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور تلك الروايات في وجوبها و حملها على

الاستحباب تطبيقا لقاعدة حمل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 242

و اما اذا كان في الوضوء و نحوه فلا شي ء عليه (1).

الظاهر على النص، و لكن الاشكال انما هو في سند هذه الرواية من جهة وجود مفضل بن عمر فيه، و هو لم يثبت توثيقه.

(1) لمعتبرة هيثم بن عروة التميمي «1» المتقدمة.

[19- ستر الرأس للرجال
اشارة

19- ستر الرأس للرجال

[مسألة 262: لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه، و لو جزء منه

(مسألة 262): لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه، و لو جزء منه (1) (1) في اطلاقه اشكال بل منع، لأن الظاهر من روايات الباب هو أن المنهي عنه تغطية تمام الرأس، و هي لا تصدق على تغطية بعضه، و هي كما يلي:

منها: صحيحة حريز قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم غطى رأسه ناسيا، قال: يلقي القناع عن رأسه و يلبي و لا شي ء عليه»»

.و منها: صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي وجهه من الذباب، قال: نعم، و لا يخمّر رأسه، و المرأة لا بأس أن تغطي وجهها كله» «2».

نعم، قد يستدل على عدم جواز ستر بعض الرأس بصحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال: ترى أن استتر بطرف ثوبي؟ فقال: لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك» «3» بتقريب أن اصابة طرف من الثوب الرأس تشمل ما اذا أصاب بعضه.

و الجواب: ان المراد من الاستتار بطرف من الثوب هو الاستظلال به، بقرينة أنه يتأذى من حرارة الشمس، و لذا سأل الإمام عليه السّلام عن الاستظلال بطرف منه، و أجاب عليه السّلام بالجواز شريطة أن لا يصيب الثوب رأسه، فاذن تدل الصحيحة على أنه يجوز للمحرم أن يستظل به من الشمس شريطة أن لا يصيب رأسه، أي لا يستره، لأن المقصود من النهي عن الاصابة هو النهي عن الستر، و حينئذ فلو لم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 244

بأي ساتر كان، حتى مثل الطين بل و بحمل شي ء على الرأس

على الأحوط (1). نعم، لا بأس بستره بحبل القربة، و كذلك تعصيبه بمنديل و نحوه من جهة الصداع و كذلك لا يجوز ستر الأذنين (2).

يكن ظاهرا في أن النهي انما هو عن ستر تمام الرأس، فلا يكون ظاهرا في الأعم، هذا اضافة الى أن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الناحية، فالمرجع هو سائر الروايات.

فالنتيجة: أن الظاهر من الروايات أن المحرّم على الرجل المحرم ستر تمام الرأس، و لا يستفاد منها حرمة ستر بعض اجزائه لا بساتر خارجي و لا باليد أو نحوها.

(1) لكن الأظهر الجواز، لأن حمل شي ء على رأسه، كحمل الطبق أو الكتاب أو ما شاكل ذلك لا يوجب ستر تمام الرأس، بل و لا معظمه، و من هذا القبيل ستر بعض الرأس بحبل القربة، فانه لا مانع منه. و تؤيد ذلك رواية محمد ابن مسلم: «انه سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه اذا استسقى، فقال: نعم» «1».

و يستثنى من حرمة ستر الرأس ستره من جهة الصداع فيه، لصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع» «2».

(2) لصحيحة عبد الرحمن، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه، يغطيهما، قال: لا» «3».

بقي هنا شي ء و هو أن الرجل المحرم اذا نام فهل يجوز له أن يغطي رأسه في هذه الحالة و هو محرم؟ فيه وجهان: المعروف و المشهور عدم جوازه، و لكن

[مسألة 263: يجوز ستر الرأس بشي ء من البدن كاليد، و الاولى تركه

(مسألة 263): يجوز ستر الرأس بشي ء من البدن كاليد، و الاولى تركه.

[مسألة 264: لا يجوز للمحرم الارتماس في الماء]

(مسألة 264): لا يجوز للمحرم الارتماس في الماء (1)، الأظهر الجواز، لصحيحة زرارة عن أحدهما عليه السّلام في المحرم: «قال: له أن يغطي رأسه و وجهه اذا أراد أن ينام» «1»، و في مقابلها صحيحته الأخرى عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «قلت: المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطي وجهه، قال:

نعم، و لا يخمر رأسه- الحديث» «2».

قد يقال- كما قيل-: بأنها معارضة للأولى فتسقطان من جهة المعارضة، فالمرجع هو العام الفوقي، و مقتضاه حرمة الستر.

و الجواب: ان الصحيحة الثانية لا تصلح أن تعارض الأولى، و ذلك لأن الأولى ناصة في الجواز، و هي ظاهرة في الحرمة، فمقتضى القاعدة هو حمل الظاهر على النص، فالنتيجة أن ستر الرأس مكروه في حال النوم، لا أنه محرم.

(1). للروايات التي تنص على حرمة الارتماس في الماء على المحرم رجلا كان أم امرأة.

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: لا تمس الريحان و انت محرم- الى أن قال: و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك» «3».

و منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و لا يرتمس المحرم في الماء، و لا الصائم» «4»، و مثلها صحيحة يعقوب بن شعيب «5».

ثم إن الظاهر من هذه الروايات أن الارتماس بعنوانه محرّم على المحرم،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 246

و كذلك في غير الماء على الأحوط (1) و الظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة.

[مسألة 265: اذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط]

(مسألة 265): اذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط (2) و الظاهر عدم وجوب الكفارة في موارد جواز الستر و الاضطرار.

لا بعنوان أنه مصداق لستر الرأس، باعتبار أن الوارد

في روايات ستر الرأس حرمة تغطيته بغطاء، و تخميره بخمار، و من الواضح ان هذا العنوان لا يصدق على غمس الرأس في الماء، فلذلك لا تختص حرمة الارتماس في الماء بالرجل المحرم، بل تعم المرأة المحرمة أيضا، لأن الظاهر من الروايات أنها من أحكام الاحرام كمس الريحان و الطيب، كما أن حرمته في نهار شهر رمضان من احكام الصوم، بدون فرق بين الرجل الصائم و المرأة الصائمة.

(1) لكن الأظهر الجواز، لعدم الدليل على المنع، و إن كان الأولى و الأجدر تركه.

(2) لكن لا يبعد عدم وجوبها، اذ لا دليل عليها الّا دعوى الاجماع و هي غير ثابتة.

[20- ستر الوجه النساء]
اشارة

20- ستر الوجه النساء

[مسألة 266: لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك

(مسألة 266): لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك. و الأحوط أن لا تستر وجهها بأي ساتر كان (1).

(1) بل على الأظهر، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة أبي نصر عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «مر أبو جعفر عليه السّلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة، فأماط المروحة بنفسه عن وجهها» «1» بتقريب أن المروحة بما أنها ليست من نوع الساتر الاعتيادي كالبرقع و النقاب و غيرهما من الأثواب العادية، فتدل الصحيحة على انه لا يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بأي ساتر و إن كان غير اعتيادي كالمروحة و الطين و ما شاكلهما.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و اسفري و أرخي ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك- الحديث» «2» بتقريب أن تعليل حرمة النقاب عليها بأنه مانع عن تغير لونها، يدل على أنه لا خصوصية للنقاب الّا باعتبار كونه مانعا عن ذلك، فاذن تدل الصحيحة على أن كل ساتر يكون حافظا على لونها و مانعا عن تغيره فهو محرم على المحرمة و إن كان غير اعتيادي.

و منها: صحيحة عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «قال: المحرمة لا تتنقب، لأن احرام المرأة في وجهها، و احرام الرجل في رأسه» «3»، بتقريب أن تعليل حرمة النقاب عليها بأن احرامها في وجهها يدل على أنه لا خصوصية للنقاب الّا كونه من أظهر افراد الساتر، فاذن يكون المحرم عليها ستر وجهها بأيّ

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 248

كما ان

الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضا (1).

ساتر و إن كان غير اعتيادي.

فالنتيجة: ان المستفاد من هذه الروايات أنه لا موضوعية للنقاب أو ما يشبهه.

(1) لكن الأظهر الجواز، لأن المتفاهم العرفي من الروايات الناهية عن ستر المرأة المحرمة وجهها بالنقاب أو البرقع أو ساتر آخر هو ستر تمام وجهها، لا الأعم منه و من البعض، و من هنا اذا نهى المولى عبده عن ستر وجهه في الوقت الفلاني بالنقاب أو غيره، كان المتفاهم منه عرفا هو النهي عن ستر تمام وجهه دون الأعم، و لكن مع هذا فالاحتياط في محله. ثم إن هنا طائفة أخرى من الروايات التي تنص على أنه يجوز للمرأة المحرمة أن تسدل ثوبها على وجهها الى الذقن، و اذا كانت راكبة فإلى النحر.

منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث كره النقاب يعني للمرأة المحرمة، و قال: تستدل الثوب على وجهها، قلت: حد ذلك الى أين؟ قال: الى طرف الأنف قدر ما تبصر» «1» فانها تنص على جواز ستر بعض الوجه.

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمه، فقال: أحرمي و اسفري و ارخى ثوبك من فوق رأسك، فانك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال رجل: الى أين ترخيه، قال: تغطي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها، قال: نعم» «2»، فانها تدل على أنه يسوغ لها أن تغطي وجهها بثوبها الى فمها.

و منها: صحيحة حريز قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المحرمة تسدل الثوب على وجهها الى الذّقن» «3»..

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 249

.......... و منها: صحيحة زرارة عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام: «إن المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها» «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها الى النحر اذا كانت راكبة» «2»، فإنها تقيد اطلاق بعض الروايات المتقدمة بمنطوقها، و بعضها الآخر بمفهومها.

أما الأول: فلأنها تقيد اطلاق صحيحة حريز الدالة على عدم جواز اسدال الثوب الى ما دون الذقن بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، بما اذا لم تكن المرأة المحرمة راكبة، و اما اذا كانت راكبة فيجوز لها اسدال ثوبها الى النحر، كما أن صحيحة حريز من جهة أنها ناصة في جواز اسدال ثوبها الى الذقن قرينة على رفع اليد عن اطلاق صحيحتي عيص و الحلبي تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

و اما الثاني: فلأنها تقيد اطلاق صحيحة زرارة بما اذا كانت المرأة المحرمة راكبة، و إلّا لم يجز لها اسدال ثوبها الى نحرها.

ثم إن المراد من هذه الطائفة بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، و بقرينة التفصيل بين كون المرأة المحرمة راكبة أو غير راكبة أنها في مقام بيان أنه يجوز للمرأة أن تتحجب من الأجنبي بأن تسدل ما على رأسها من الخمار أو غيره من ثيابها و ملابسها الى ما يحاذي ذقنها اذا لم تكن راكبة، و الى نحرها اذا كانت راكبة و إن مس وجهها مباشرة، و لا يمكن ان يستفاد منها جواز ذلك لها مطلقا حتى فيما اذا لم يكن هناك أجنبي.

فالنتيجة أنه لا تنافي بين هذه الطائفة و الطائفة المتقدمة التي تدل على أنه لا يجوز للمرأة المحرمه أن تستر وجهها بأي ساتر و إن كان غير اعتيادي.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 250

نعم، يجوز

لها أن تغطي وجهها حال النوم و لا بأس بستر بعض وجهها (1) مقدمة لستر الرأس في الصلاة و الأحوط رفعه عند الفراغ منها (2).

[مسألة 267: للمرأة المحرمة أن تتحجب من الاجنبي

(مسألة 267): للمرأة المحرمة أن تتحجب من الاجنبي (3) بأن تنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفها أو ذقنها. و الأحوط أن تجعل القسم النازل بعيدا عن الوجه (4) بواسطة اليد أو غيرها.

[مسألة 268: كفارة ستر الوجه شاة على الأحوط]

(مسألة 268): كفارة ستر الوجه شاة على الأحوط (5).

(1) بل الى الذقن إذا لم تكن المرأة راكبة، و الى النحر اذا كانت راكبة، شريطة أن يكون باسدال ثوبها من فوق رأسها، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات.

(2) لا بأس بتركه، لما مر من أنه لا دليل على حرمة ستر بعض الوجه عليها.

(3) اذ لا فرق في وجوب الحجاب عليها من الأجنبي بين حال الاحرام و غيرها.

(4) لا بأس بتركه، فان الروايات مطلقة من هذه الناحية، و مقتضى اطلاقها أنه يجوز لها أن تنزل ما على رأسها من الخمار أو الثياب الى ما يحاذي الذقن أو النحر اذا كانت راكبة و إن مس وجهها مباشرة.

(5) فيه ان الأظهر عدم وجوب الكفارة في ستر الوجه لعدم الدليل.

[21- التظليل للرجال
اشارة

21- التظليل للرجال

[مسألة 269: لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال مسيره بمظلة أو غيرها]

(مسألة 269): لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال مسيره بمظلة أو غيرها و لو كان بسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة و نحوها (1)

(1) لا شبهة في حرمة التظليل على الرجل المحرم، و انما الكلام في أن المحرّم عليه هل هو التظليل من الشمس فقط بظل يتحرك بحركة المحرم كسقف الطائرة أو السيارة أو الباخرة في حال حركتها، فان السقف و الراكب يتحركان معا، أو يحمل مظلة و يستظل بها حال سيره، أو الأعم منها و من المطر و البرد القارص، أو مطلق التظليل و التستر بظل، و إن لم يكن هناك شمس، كما إذا كان في الليل، و لا مطر و لا برد، كما إذا كان الجو صافيا و معتدلا؟ وجوه: الأقوى هو الوجه الثالث.

بيان ذلك: ان الروايات الواردة في المسألة تكون على ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: الروايات التي تنص على حرمة التظليل من الشمس:

منها: صحيحة عبد اللّه بن المغيرة، قال: «قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام:

أظلّل و انا محرم، قال: لا، قلت: أ فأظلّل و اكفر، قال: لا، قلت: فان مرضت، قال:

ظلّل و كفر، ثم قال: أما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الّا غابت ذنوبه معها» «1» فانها واضحة الدلالة على ان المحرّم على الرجل المحرم هو التظليل من الشمس، و الاستشهاد بقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله انما هو لبيان حكمة حرمة التظليل منها.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 252

.......... الرجل المحرم و كان اذا اصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر

منها، فقال: هو أعلم بنفسه، اذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل منها» «1».

و منها: صحيحة اسماعيل ابن عبد الخالق قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا الّا أن يكون شيخا كبيرا، أو قال: ذا علة» «2».

و منها: صحيحة عبد اللّه بن المغيرة قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم، فقال: اضح لمن احرمت له، قلت: اني محرور و إن الحر يشتد علي، فقال: أما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المحرمين» «3».

الطائفة الثانية: الروايات التي تنص على عدم جواز ركوب المحرم القبة و الكنيسة.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يركب القبة، فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة، قال: نعم» «4».

و منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب في القبة، قال: ما يعجبني الّا أن يكون مريضا، قلت: فالنساء، قال: نعم» «5».

و منها: صحيحة هشام بن سالم قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب في الكنيسة، فقال: لا و هو للنساء جائز» «6».

و هذه الطائفة تدل على حرمة التظليل و التستر بظل و ان لم تكن هناك شمس و لا مطر و لا برد، كما اذا كان السفر في الليل و في الجو الصافي و الهواء الساكن، و أما البرد الناشئ من حركة الطائرة أو السيارة فالظاهر أنه غير مشمول للروايات التي تنص على التظليل و التستر منه بظل، فان الظاهر منها حرمة التستر

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 253

.......... من البرد القارص في نفسه و بقطع النظر عن حركة المركبة.

الطائفة الثالثة: الروايات التي تنص على حرمة التظليل و التستر

بظل من البرد القارص و المطر:

منها: معتبرة عثمان بن عيسى الكلابي قال: «قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام:

ان علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد، و يريد أن يحرم، فقال: ان كان كما زعم فليظلل، و أما انت فاضح لمن أحرمت له» «1».

و منها: صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: قال:

«سألته عن المحرم يظلل على نفسه، فقال: أمن علة؟ فقلت: يؤذيه حرّ الشمس و هو محرم، فقال: هي علة يظلّل و يفدي» «2» بتقريب أنها تدل على عدم جواز التظليل و التستر للمحرم بظل و ساتر الّا من علة، فاذا كانت هناك علة جاز التظليل به من أجلها مع الفداء، و عليه فالمستفاد من الصحيحة ضابط كلي و هو عدم جواز التظليل الّا من علة، و الايذاء من حر الشمس بما أنه علة فيجوز التظليل من أجلها بدون خصوصية لها الّا كونها من احدى صغرياتها، و حينئذ فتعم الصحيحة الايذاء من المطر أو البرد على أساس أنه علة.

و منها: صحيحة ابراهيم بن ابي محمود قال: «قلت للرضا عليه السّلام: المحرم يظلل على محمله و يفدي اذا كانت الشمس و المطر يضران به، قال: نعم، قلت:

كم الفداء؟ قال: شاة» «3».

و منها: صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: «سأله رجل عن الظلال للمحرم من اذى مطر أو شمس و أنا اسمع، فأمره أن يفدي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 254

.......... شاة، و يذبحها بمنى» «1»، و مثلها صحيحته الأخرى «2».

هذا و لا يبعد أن يقال أن ذكر المطر و الشمس في هذه الروايات في كلام السائل يكون من باب المثال، و بلحاظ أن ايذاء المسافر

بهما في السفر اكثر من ايذائه بغيرهما، و الّا فلا خصوصية لهما، فان المعيار انما هو بالايذاء سواء أ كان بهما أم بغيرهما، كالبرد الشديد أو نحوه.

ثم إن مقتضى اطلاق هذه الطائفة عدم جواز التظليل للمحرم اذا لم تكن هناك أذية من ناحية المطر أو الشمس و لو من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

و على هذا فالطائفة الثانية تنص على أنه لا يجوز للرجل المحرم أن يركب القبة أو الكنيسة و هو محرم، و مقتضى اطلاقها أنه لا فرق بين أن يكون في الليل أو النهار.

و احتمال أن عدم جواز ركوبها انما هو من جهة الاستظلال بها من الشمس.

مدفوع باطلاقها، فانها على الرغم من كونها في مقام البيان، و مع ذلك يكون سكوتها عن هذا القيد قرينة على الاطلاق، على أساس ضابط عرفي عام، و هو أن كل ما لم يقله المتكلم لم يرده.

فالنتيجة: أنه لا شبهة في اطلاق هذه الروايات، و يؤكد هذا الاطلاق أن حركة قوافل الحجاج في الأزمنة السابقة في موسم الحج من جميع الأقطار الاسلامية لم تكن متقيدة بأن تكون في النهار، يعني بين طلوع الشمس و غروبه، ضرورة أنها كانت تختلف باختلاف الظروف و الموسم و المناخ، ففي بعض الأحوال كانت الحركة غالبا في النهار كما في الشتاء و البرد، و في بعض الظروف

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 255

.......... و المواسم كانت الحركة غالبا في الليل كما في الصيف الحار و لا سيما اذا كانت الحرارة في النهار شديدة و في بعض المواسم، كانت الحركة في مقدار من الليل و مقدار من النهار كما في الربيع و الجو المعتدل و عليه فلا يمكن انكار وقوع سيرهم في الليل نهائيا،

و مع هذا نهى الشارع الرجل المحرم عن ركوب القبة أو الكنيسة بدون الاشارة في طول التاريخ الزمني للحج في شي ء من رواياته الى أن نهيه عن ركوبها انما هو في النهار لا مطلقا، قرينة على أنه لا يجوز له أن يستظل بظل و يتستر بساتر متحرك مع حركته و إن لم يكن هناك شمس و لا مطر و لا برد، لأنه مقتضى اطلاقها، هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى أنه لا يحتمل عرفا أن يكون لعنوان القبة أو الكنيسة خصوصية ما عدا كونها ساترة، اذ مضافا الى أن العرف لا يرى موضوعية لعنوانها، أن التفصيل في رواياتها بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة، و بين الرجل السالم و المريض قرينة على أن حرمة ركوب الرجل المحرم السالم فيها انما هي من جهة أنه محرم، اذ ليس هناك جهة أخرى يحتمل أن تكون مانعة عن ركوبه فيها غير هذه الجهة.

و دعوى: أن قوله عليه السّلام في صحيحة عبد اللّه بن المغيرة من الطائفة الأولى للروايات: «ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الّا غابت ذنوبه معها» «1» بمثابة العلة للحكم، فيصلح أن يكون قرينة على تقييد اطلاق الطائفة الثانية.

مدفوعة: بأنه ليس علة له، بل هو بيان لما يترتب على ذلك من الآثار و الفوائد و الحكم، فلا يصلح أن يكون قرينة على تقييد اطلاقها، و لا على نفي تلك الفوائد عن غير موردها.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 256

.......... لحد الآن قد تبين أن ما نتج من هذه الطوائف الثلاث من الروايات أنه لا يجوز للرجل المحرم أن يستظل بظل فوق رأسه، و يتحرك بحركته مطلقا، اي سواء أ كانت هناك شمس أم مطر

أم ريح أم لا، كما اذا كان الجو صافيا و معتدلا و الهواء ساكنا، هذا بدون فرق بين أن تكون الحركة أفقية، كما في راكب السيارة و الطائرة و هي تتحرك، أو عمودية كالواقف في المصعد الكهربائي و هو يصعد أو ينزل.

و من هنا يظهر أن المراد من الضحى في الطائفة الأولى مطلق البروز في مقابل المستور بساتر، و ليس المراد منه خصوص البروز للشمس و إن كان موردها ذلك، الا أنه من باب التطبيق بملاك أنه من اظهر افراده، لا أنه معناه، لأن معناه لغة و عرفا هو البروز و الظهور، سواء أ كان للشمس أم كان لغيره.

و لمزيد من التعرف لحكم المسألة و احتمالاتها نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي أمورا:

الأول: لا يجوز للرجل المحرم أن يتظلل بظل، و يتستر بساتر متحرك بحركته في حالة سيره مطلقا، أي سواء أ كان هناك شمس أم مطر أم برد شديد أم لم يكن شي ء منها.

الثاني: لا فرق في حرمة ذلك على الرجل المحرم بين أن يكون في الليل أو النهار.

الثالث: أن المراد من التظليل مطلق التستر بساتر متحرك بحركته فوق رأسه، اذ مضافا الى أنه معناه لغة و عرفا، و أنه مقتضى اطلاق الطائفة الثانية و الثالثة، تشهد عليه جملة من الروايات الأخر أيضا:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 257

.......... يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض»»

فانها تدل على أن ما لا يجوز للمحرم أن يفعله هو ما يتستر بساتر و يستظل بظل متحرك بحركته.

و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان:

«قال: سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به، فقال: ترى أن استتر بطرف ثوبي، قال: لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك» «2»، فانها تنص على أن المرتكز في الذهن من التظليل في الروايات هو التستر بساتر، في مقابل البروز و الظهور، و تؤيد ذلك رواية المعلى بن خنيس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس أن يستر بعضه ببعض» «3».

فالنتيجة: ان المستفاد من هذه الروايات أيضا هو حرمة التظليل بظل ساتر و إن لم تكن هناك شمس و لا علة أخرى.

الرابع: قد يقال كما قيل: ان ما ورد في الروايات من الأمر بالاضحاء يدل على جواز التظليل في الليل بركوب السيارة أو الطيارة أو غيرها، على أساس أن الاضحاء معناه البروز و الظهور للشمس، و لا موضوع له في الليل.

و الجواب، أولا: ما مر من أن الاضحاء معناه لغة و عرفا مطلق البروز و الظهور، غاية الأمر أن البروز للشمس من أظهر مصاديقه و افراده، و من المعلوم أن ذلك لا يوجب انصرافه اليه.

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان الاضحاء معناه البروز للشمس فقط، الّا أن روايات المسألة لا تنحصر بروايات الاضحاء، بل هناك طائفتان أخريان من الروايات تدلان على أنه لا يجوز للرجل المحرم ان يستر نفسه بساتر و إن لم يكن هناك شمس.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 258

.......... احداهما: الروايات الناهية عن ركوب المحرم للقبة و الكنيسة، و قد تقدم أن مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ركوبه فيها في النهار أو الليل، و لا

قرينة على تقييد اطلاقها بالأول، لا من الداخل و لا من الخارج، و روايات الاضحاء لا تصلح أن تكون قرينة على ذلك، اذ ليس فيها ما يدل على نفي حرمة التظليل بظل اذا لم يكن هناك شمس، فان موردها حرمة التظليل بظل منها، و لا نظر لها الى أنه جائز اذا لم يكن هناك شمس، لأنها ساكتة من هذه الناحية نفيا و اثباتا.

و الأخرى: الروايات الناهية عن التظليل بظل و التستر بساتر متحرك بحركة المحرم من المطر أو البرد الشديد أو نحوه، و مقتضى هذه الروايات عدم جواز ركوب السيارة أو الطائرة للتظليل و التستر بساتر من المطر أو البرد غير الاعتيادي، ما لم يسبّب الاضرار و الايذاء له سواء أ كانت هناك شمس أم لا؟.

و دعوى: أن السيارة أو الطيارة كما أنها مظلة مانعة عن البرد الطبيعي غير الاعتيادي كذلك أنها مظلة مانعة عن البرد الشديد الناشئ من سرعة حركتها، فلا فرق بين الصورتين.

مدفوعة: بما مر من أن الظاهر من الروايات الناهية عن التظليل بظل من البرد الشديد هو البرد الطبيعي غير الاعتيادي، و لا نظر لها الى البرد الناشئ من سرعة حركتها في الأرض أو الجو أو البحر، و منصرفة عنه عرفا.

الخامس: قد تسأل ان السفينة في البحر هل تلحق بالمنزل لكي يجوز التظليل فيها بظل، أو أنها ملحقة بالسيارة و الطائرة؟

و الجواب: أنها ملحقة بالسيارة و الطيارة، فلا يجوز الركوب فيها، و قد مر أن المستفاد من الروايات حرمة التظليل على المحرم بظل يتحرك بحركته

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 259

.......... كسقف السيارة و الطائرة و الباخرة، فاذن لا وجه لإلحاقها بالمنزل.

السادس: قد تسأل هل يجوز للمحرم أن يتحرك تحت ظل

ثابت كظل الجسور و الانفاق و الجبال و الجدران و الاشجار و السحاب؟

و الجواب: يجوز له ذلك، لأن الظاهر من الروايات التي تدل على حرمة التظليل بظل أنه لا يجوز للمحرم أن يحدث ظلا و ساترا على نفسه باختياره و يتحرك بحركته كسقف السيارة أو الطائرة أو الباخرة أو يحمل بيده مظلة يستظل بها، و أما الظل الثابت في الطريق كظل الجسور و الأودية و القرى و الجبال و غيرها، فهو بما أنه غير مرتبط بالمحرم و لا يكون بصنعه، فلا مانع من أن يتحرك فيه مارا و عابرا، حيث لا يصدق عليه أنه ظلّل.

هذا اضافة الى أن التظليل بالظل الثابت لو كان ممنوعا لشاع و أصبح من الواضحات لكثرة الابتلاء به، فان من أحرم من مسجد الشجرة- مثلا- يمر من بين الجبال و الأودية و الاشجار و القرى.

و قد تسأل عن أن الظل الثابت اذا لم يكن في الطريق الاعتيادي، بل كان في جانب يمينه أو يساره، كما اذا كانت هناك جبال أو أشجار و أراد المحرم أن يستظل بظلها من الشمس، بأن ينحرف من الطريق اليه بهذا الدافع، و يتحرك تحته، فهل يجوز له ذلك أم لا؟

و الجواب: أنه لا يبعد جوازه، و ذلك لأن المتفاهم العرفي من الروايات الناهية عن التظليل بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو تظليل المحرم بظل يتحرك بحركته، كسقف السيارة أو الطائرة أو نحوه، و اما تظليله بظل ثابت فلا يكون مشمولا لها، و لكن مع هذا فالاحتياط في محله، و تؤكد ذلك صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام قال: «قال أبو حنيفة: ايش فرق ما بين

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 260

.......... ظلال المحرم و الخباء،

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان السنة لا تقاس» «1» بتقريب أنها تدل على الفرق بين التظليل بظل يتحرك بحركة المحرم و التظليل بظل ثابت كالخباء، فالأول غير جائز، و الثاني جائز.

السابع: قد تسأل عن أن حرمة التظليل و التستر على المحرم بساتر هل تختص بما يكون فوق رأسه كالمظلة و سقف القبة و السيارة و الطائرة و نحوها، أو تعم ما اذا كان جانبيا أيضا، كما اذا ركب سيارة يكون المكشوف هو الجزء الواقع فوق رأسه فقط، دون غيره من الاجزاء.

و الجواب: انها تختص بما يكون فوق رأس المحرم و لا تعم ما اذا كان جانبيا، و ذلك لأن المتفاهم العرفي من الروايات الناهية عن التظليل بظل، و الآمرة بالاضحاء بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو منع المحرم عن التظليل بظل فوق رأسه، بأن يكون رأسه مكشوفا و بارزا تحت السماء، و أما التظليل بالظل الجانبي مع كون رأسه مكشوفا فلا يكون مشمولا لتلك الروايات.

و بكلمة: ان روايات الباب لا تشمل تظليل المحرم الجانبي، و لا يوجد دليل آخر يدل على المنع عنه، فالنتيجة أن الأظهر جوازه.

الثامن: قد تسأل أن حرمة التظليل هل هي مختصة بالرجل المحرم اذا كان راكبا، أو أنها تعم غيره أيضا؟

و الجواب: أنها غير مختصة بالمحرم الراكب، لأنها من آثار احرامه، فاذا أحرم حرم التظليل عليه، بدون فرق بين حالاته ككونه راكبا أو ماشيا، و لذلك يكون الماخوذ في لسان الروايات عنوان المحرم، لا عنوان الراكب.

التاسع: أنه لا مانع من الاستظلال بظل في حال الوقوف كحالة القعود و النوم، لانصراف الروايات عن ذلك.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 261

و لا بأس بالسير في ظل جبل أو جدار أو شجر

و نحو ذلك من الاجسام الثابتة، كما لا بأس بالسير تحت السحاب المانعة من شروق الشمس، و لا فرق في حرمة التظليل بين الراكب و الراجل على الأحوط، و الأحوط بل الاظهر حرمة التظليل بما لا يكون فوق رأس المحرم بان يكون ما يتظلل به على أحد جوانبه. نعم، يجوز للمحرم ان يتستر من الشمس بيديه (1) و لا بأس بالاستظلال بظل المحمل حال المسير (2)، و كذلك لا بأس بالاحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة (3).

[مسألة 270: المراد من الاستظلال التستر من الشمس او البرد أو الحر أو المطر أو الريح و نحو ذلك

(مسألة 270): المراد من الاستظلال التستر من الشمس او البرد أو الحر أو المطر أو الريح و نحو ذلك، فاذا لم يكن شي ء من ذلك بحيث كان وجود المظلة كعدمها فلا بأس بها و لا فرق فيما ذكر بين الليل و النهار.

(1) لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» «1» فانها تنص على جواز الستر من حرّ الشمس باليد، و أما صحيحة سعيد الاعرج: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده، قال: لا الّا من علة» «2»، فهي و ان كانت ظاهرة في المنع عن التستر باليد، الّا أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها في عدم الجواز، و حملها على الكراهة بقرينة صحيحة معاوية، تطبيقا لحمل الظاهر على النص.

(2) لنص صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع: قال: «كتبت الى الرضا عليه السّلام: هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب عليه السّلام: نعم- الحديث» «3».

(3) هذا لا من أجل نص خاص فيه، بل

من جهة أنه من الظل الثابت، و قد

[مسألة 271: لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكة]

(مسألة 271): لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكة (1) و ان كان بعد لم يتخذ بيتا كما لا بأس به حال الذهاب و الاياب في المكان الذي ينزل فيه المحرم و كذلك فيما إذا نزل في الطريق للجلوس أو لملاقاة الاصدقاء أو لغير ذلك (2) و الأظهر جواز الاستظلال في هذه الموارد بمظلة و نحوه أيضا و ان كان الأحوط الاجتناب عنه.

[مسألة 272: لا بأس بالتظليل للنساء]

(مسألة 272): لا بأس بالتظليل للنساء (3)،

مر أنه لا مانع من المشي تحته، و الجلوس فيه، و الاحرام منه.

(1) مر أنه لا بأس من أن يتحرك المحرم و يمشي تحت الظل الثابت، كظل الجدران و السقوف و الجسور و الأشجار و نحوها، و على هذا فاذا وصل الحاج الى مكة فلا مانع من أن يمشي في اسواقها تحت ظل جدرانها و سقوفها و جسورها و أشجارها، بدون فرق بين أن يكون ذلك قبل اتخاذه بيتا أو بعده.

(2) لنفس ما تقدم من أنه لا مانع من التظليل بظل ثابت، هذا اضافة الى أن صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام، قال: «قال أبو حنيفة: أيش فرق ما بين ظلال المحرم و الخباء؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان السنة لا تقاس» «1»، تدل على جواز الاستظلال تحت الخباء، بل يظهر منها ان ما لا يجوز على المحرم هو الاستظلال بظل في حال السير لا مطلقا، و لذا سأل ابو حنيفة عن الفرق بينهما.

(3) لعدة روايات تنص على ذلك:

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يركب القبة، فقال: لا، فقلت: فالمرأة المحرمة؟ قال: نعم» «2».

و منها: صحيحة هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد اللّه

عليه السّلام عن المحرم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 263

و الاطفال (1) و كذلك للرجال عند الضرورة (2) و الخوف من الحر أو البرد.

يركب في الكنيسة، قال: لا، و هو للنساء جائز» «1».

و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بالظلال للنساء- الحديث» «2».

(1) لصحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون- الحديث» «3»، فانها تنص على أن الصبيان كالنساء، فيجوز لهم التظليل، هذا اضافة الى أن عدم حرمة محرمات الاحرام على الصبيان يكون على القاعدة، على أساس أن تلك الحرمات بما أنها محرمات مستقلة و لا تكون وجودها من موانع الحج و عدمها من واجباته، فيكون مقتضى حديث رفع القلم عن الصبي ان حرمتها مرفوعة عنه، فلا تكون ممارسة شي ء منها محرمة عليه الا ما كانت حرمته وضعية كعقد النكاح.

(2) لعدة من النصوص:

منها: صحيحة ابراهيم بن ابي محمود قال: «قلت للرضا عليه السّلام: المحرم يظلل على محمله و يفدي اذا كانت الشمس و المطر يضران به، قال: نعم، قلت:

كم الفداء؟ قال: شاة» «4» فان موردها و إن كان الشمس و المطر، الّا أن التظليل منهما باعتبار أنهما يضران، فاذن المعيار انما هو بالضرر سواء أ كان من ناحية الشمس، أم كان من ناحية المطر أو البرد.

و منها: صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال:

«سألته عن المحرم يظلل على نفسه، فقال: أمن علة؟ فقلت: يؤذيه حر الشمس و هو محرم، فقال: هي علة يظلل و يفدى» «5» فانها تدل على جواز التظليل بظل من علة سواء أ كانت العلة حر الشمس

أم كانت غيره، و عليه فالمعيار في جواز

[مسألة 273: كفارة التظليل شاة]

(مسألة 273): كفارة التظليل شاة (1)

التظليل إنما هو بوجود العلة التي تتطلب ذلك. و منها غيرهما.

(1) تنص عليه صحيحة ابي محمود المتقدمة، و صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و أنا أسمع، فأمره أن يفدي شاة و يذبحها بمنى» «1»، و صحيحته الأخرى قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال: أرى أن يفديه بشاة و يذبحها بمنى» «2»، و على هذا فالروايات التي تدل على اهراق الدم تارة و الكفارة أخرى محمولة عليها تطبيقا لحمل المجمل على المبين.

فالنتيجة: أنه لا شبهة في ان كفارة التظليل شاة.

بقى هنا شي ء و هو أن الظاهر من صحيحتي ابن بزيع وجوب ذبحها بمنى، و لكن في مقابلهما موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: الرجل يخرج من حجه و عليه شي ء يلزمه فيه دم، يجزيه أن يذبح اذا رجع الى اهله، فقال: نعم، و قال فيما اعلم يتصدق به» «3» فان مقتضى هذه الموثقة جواز الذبح في أي موضع شاء في احرام الحج، فاذن تكون النسبة بينهما عموما من وجه، فان الصحيحتين أعم من جهة أن يكون التظليل في احرام الحج أو العمرة، و الموثقة أعم من جهة أن يكون سبب الكفارة التظليل أو كان غيره، و مورد الالتقاء بينهما كفارة التظليل في احرام الحج، فمقتضى اطلاق الموثقة جواز ذبحها في بلدته بعد الرجوع اليها، و مقتضى اطلاق الصحيحتين وجوب ذبحها في منى، فيسقط كلا الاطلاقين من جهة المعارضة، فالمرجع حينئذ أصالة

البراءة عن الوجوب، فالنتيجة جواز ذبحها في بلده اذا رجع.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 265

و لا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار و الاضطرار (1) و إذا تكرر التظليل فالأحوط التكفير عن كل يوم و ان كان الأظهر كفاية كفارة واحدة في كل إحرام (2).

(1) لجملة من النصوص:

منها: معتبرة عبد اللّه بن المغيرة، قال: «قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام: أظلل و أنا محرم، قال: لا، قلت: أ فأظلل و اكفر؟ قال: لا، قلت: فان مرضت، قال: ظلل و كفر- الحديث» «1».

و منها: صحيحتا اسماعيل بن بزيع المتقدمتان «2».

و منها: صحيحة أبي محمود المتقدمة «3».

(2) ذلك لا من جهة ما ادعي من الاجماع و التسالم في المسألة، لما مرّ منا غير مرة من أن الاجماع انما يكون حجة و كاشفا عن ثبوت حكم المسألة في زمن المعصومين عليهم السّلام اذا توفر فيه أمران رئيسيان:

أحدهما: ثبوته بين القدماء من الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام في نهاية الشوط.

و الآخر: أن لا يكون في المسألة ما يصلح أن يكون مدركا لها، و كلا الأمرين غير متوفر في المقام كما هو الظاهر، بل من جهة أن موثقة ابي علي بن راشد قال: «قلت له عليه السّلام: جعلت فداك أنه يشتد عليّ كشف الظلال في الإحرام، لأني محرور يشتد علي حر الشمس، فقال: ظلل و أرق دما، فقلت له: دما أو دمين، قال: للعمرة، قلت: إنا نحرم بالعمرة و ندخل مكة فنحل و نحرم بالحج، قال: فأرق دمين» «4» فانها ناصة في أن للتظليل في احرام العمرة كفارة، و للتظليل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 266

.......... في احرام الحج كفارة، و لا تتعدد

الكفارة بتعدد التظليل في احرام واحد، بل ان ذلك مقتضى اطلاقات الروايات التي تنص على أن المحرم اذا اضطر الى التظليل فله أن يظلل و يكفر، بتقريب ان مقتضاها أنه مرخص في التظليل بظل في طول فترة احرامه، و عليه تكفير واحد باعتبار أن الأمر المتعلق بالتكفير ظاهر في أن متعلقه صرف وجوده المنطبق على وجود واحد في الخارج.

[22- اخراج الدم من البدن

22- اخراج الدم من البدن لا يجوز للمحرم اخراج الدم من جسده (1)

(1) لا بالحجامة و لا بالحك، أما بالحجامة فقد تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم، قال: لا، الّا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم» «1».

و منها: معتبرة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: لا يحتجم المحرم الّا أن يخاف على نفسه أن لا يستطيع الصلاة» «2»، و منها غيرهما.

و في مقابلها صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر» «3»، فانها ناصة في جواز الاحتجام، و لا تعارضها الروايات المتقدمة من هذه الناحية، و لكن بما أنها مطلقة و باطلاقها تشمل المضطر و المختار معا، فمن أجل ذلك تتقدم تلك الروايات عليها تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

و أما الحك فقد تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: باظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر» «4» فانها تدل على جواز حك المحرم رأسه شريطة عدم الإدماء و عدم قطع الشعر.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و بحك الجسد ما لم يدمه» «5»، و منها غيرهما.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 268

و ان كان ذلك بحك بل بالسواك على الأحوط، و لا بأس به مع الضرورة أو دفع الأذى، و كفارته شاة على الأحوط الأولى (1).

ثم إن مورد هذه الروايات و إن كان حك الرأس و البدن، الّا أن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع أنه لا موضوعية لحك الرأس و الجسد، و المعيار انما هو بالادماء، فإنه غير جائز و إن كان بغير الحك. نعم اذا اضطر الى الإدماء فلا بأس به، و تدل عليه موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه، قال: يحكه فان سال الدم فلا بأس» «1» بتقريب ان الظاهر منها انه اذا اضطر الى الحك جاز و إن أدى الى الإدماء.

و أما الإدماء بالاستياك، فالظاهر جوازه، و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يستاك، قال: نعم، قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: نعم، هو من السنة» «2» فانها ظاهرة في جواز الاستياك للمحرم عامدا و ملتفتا و ان أدمى معللة بأنه من السنة، و في مقابلها صحيحة الحلبي، قال:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستاك، قال: نعم، و لا يدمى» «3» فانها تدل على عدم جواز الاستياك الموجب للإدماء، و لكنها لا تصلح أن تعارض صحيحة معاوية، فانها ناصة في الجواز مع الإدماء، و هي ظاهرة في المنع، و حينئذ فيرفع اليد عن ظهورها بنص تلك الصحيحة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

(1) لعدم

الدليل، حيث لم يرد في شي ء من روايات الباب وجوب الكفارة عليه فضلا عن كونها شاة.

[23- التقليم
اشارة

23- التقليم لا يجوز للمحرم تقليم ظفره و لو بعضه إلا أن يتضرر المحرم ببقائه (1)، كما إذا انفصل بعض ظفره و تألم من بقاء الباقي فيجوز له حينئذ قطعه، و يكفر عن كل ظفر بقبضة من الطعام (2).

[مسألة 274: كفارة تقليم كل ظفر مدّ من الطعام

(مسألة 274): كفارة تقليم كل ظفر مدّ من الطعام (3)، (1) فيه ان المعيار في جواز التقليم انما هو بتأذي المحرم ببقائه، سواء أ تضرر به أم لا، و تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«سألته عن الرجل المحرم تطول اظفاره، قال: لا يقص شيئا منها إن استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصها (فليقلعها) و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام» «1» بتقريب أن الايذاء لا يكون مساوقا للضرر، و قد يؤدي اليه.

(2) تنص عليه صحيحة معاوية، المتقدمة آنفا.

(3) لصحيحة ابي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قص ظفرا من أظافيره و هو محرم، قال: عليه في كل ظفر قيمة مد من طعام حتى يبلغ عشرة، فان قلم اصابع يديه كلها فعليه دم شاة، فان قلم اظافير يديه و رجليه جميعا، فقال: إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، و إن كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان» «2» و لا تنافي بينها و بين صحيحة معاوية المتقدمة التي تنص على أن لتقليم كل ظفر قبضة من طعام، و ذلك لأن قص الأظافير في مورد صحيحة معاوية انما هو للاضطرار، فاذن تكون قرينة على أن تقليم الأظافير إن كان للاضطرار و دفع الأذى فلكل ظفر قبضة من طعام، و الّا فمد بمقتضى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 270

و كفارة تقليم أظافير اليد جميعها

في مجلس واحد شاة، و كذلك الرجل، و إذا كان تقليم أظافير اليد و أظافير الرجل في مجلس واحد فالكفارة أيضا شاة (1)، و إذا كان تقليم أظافير اليد في مجلس و تقليم أظافير الرجل في مجلس آخر فالكفارة شاتان.

صحيحة أبي بصير، و على هذا فتكون صحيحة معاوية مقيدة لإطلاقها بما اذا قلم اظافره متعمدا و بدون ضرورة، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان صحيحة زرارة بن أعين قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف إبطه، أو قلم ظفره، أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة» «1» تدل على أن في تقليم ظفر واحد شاة، باعتبار أن الجنس يصدق على الواحد و الكثير، و عليه فتكون منافية لصحيحة ابي بصير التي تنص على أن في تقليم كل ظفر مد من طعام، و في تقليم الجميع شاة، و حينئذ فلا بد من رفع اليد عن اطلاق صحيحة زرارة و حمله على تقليم كل اظافير يديه تطبيقا لحمل الظاهر على النص، و المطلق على المقيد.

(1) تدل على ذلك كله صحيحة ابي بصير المتقدمة، و صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا قلم المحرم اظفار يديه و رجليه في مكان واحد فعليه دم واحد، و إن كانتا متفرقتين فعليه دمان»»

، و به يظهر حال ما بعده.

و قد تسأل أن من قلم اظفاره جاهلا أو ناسيا فهل عليه شي ء؟

و الجواب: انه لا شي ء عليه، و تدل عليه جملة من الروايات:

منها: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان من فعل ذلك- يعني تقليم الاظفار- ناسيا أو ساهيا، أو جاهلا فلا شي ء عليه» «3».

و منها:

صحيحته الأخرى عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: من قلم اظافيره ناسيا

[مسألة 275: إذا قلم المحرم اظافيره فأدمى اعتمادا على فتوى من جوّزه وجبت الكفارة على المفتي على الأحوط]

(مسألة 275): إذا قلم المحرم اظافيره فأدمى اعتمادا على فتوى من جوّزه وجبت الكفارة على المفتي على الأحوط (1).

أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه- الحديث» «1».

و منها: صحيحته الثالثة «2» المتقدمة آنفا.

و في مقابلها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من اظافيره، قال: يتصدق بكف من الطعام، قلت: فاثنين، قال: كفّين، قلت: فثلاثة، قال: ثلاث اكف، كل ظفر كف حتى يصير خمسة، فاذا قلم خمسة فعليه دم واحد، خمسة كان أو عشرة أو ما كان» «3». و لكنها لا تصلح أن تعارض الصحاح المتقدمة، لأنها ظاهرة في وجوب الكفارة على الناسي، و تلك الصحاح ناصة في عدم وجوبها عليه، و حينئذ فلا بد من حملها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

فالنتيجة: هي استحباب التصدق بكف من الطعام لكل ظفر، هذا اضافة الى أن الكليني روى هذه الرواية عن حريز مرسلة، و الظاهر أن الرواية واحدة، فاذن لم يثبت كونها مرسلة أو مسندة، فمن أجل ذلك أيضا لا يمكن الاعتماد عليها.

(1) لكن الأظهر عدم الوجوب، اذ لا دليل عليه ما عدا روايتين:

الأولى: رواية اسحاق الصيرفي، قال: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: إن رجلا أحرم فقلّم اظفاره، فكانت له اصبع عليلة، فترك ظفرها لم يقصه، فافتاه رجل بعد ما أحرم فقصّه فادماه، فقال: على الذي افتى شاة» «4».

و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة و لكنها ضعيفة سندا، فان في سندها

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 272

.......... محمد بن البزاز أو الخزاز، و هو ممن لم يثبت توثيقه، و كذلك زكريا المؤمن، و لا يجدي

كونه من رجال كامل الزيارات.

الثانية: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن رجل نسى أن يقلم اظفاره عند احرامه، قال: يدعها، قلت: فان رجلا من اصحابنا افتاه بأن يقلم اظفاره و يعيد احرامه، ففعل، قال عليه السّلام: عليه دم يهريقه» «1»، فانها و إن كانت تامة سندا، الّا أنها ضعيفة دلالة، لأن دلالتها مبنية على أن الضمير في قوله عليه السّلام: «عليه دم يهريقه» يرجع الى المفتي، و هو غير ظاهر فيه، بل لا يبعد ظهوره في رجوعه الى من يقلم اظفاره، أو لا أقل من الاجمال.

فالنتيجة: ان كلتا الروايتين ساقطة، فلا يمكن الاستدلال بشي ء منهما.

[24- قلع الضرس
اشارة

24- قلع الضرس

[مسألة 276: ذهب جمع من الفقهاء الى حرمة قلع الضرس على المحرم و ان لم يخرج به الدم

(مسألة 276): ذهب جمع من الفقهاء الى حرمة قلع الضرس على المحرم و ان لم يخرج به الدم و أوجبوا له كفارة شاة، و لكن في دليله تأملا بل لا يبعد جوازه (1).

(1) بل هو الأظهر، لعدم الدليل على المنع غير رواية مرسلة عن رجل من أهل خراسان، «أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي ء محرم قلع ضرسه، فكتب عليه السّلام: يهريق دما» «1» و لكن بما أنها مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها، هذا اضافة إلى أن قلع الضرس بما أنه لا ينفك عادة عن الإدماء، فلا يسوغ للمحرم بملاك الإدماء، لا بملاك قلع الضرس، و لكن قد مر أنه لا كفارة على الإدماء أيضا.

[25- حمل السلاح
اشارة

25- حمل السلاح

[مسألة 277: لا يجوز للمحرم حمل السلاح كالسيف و الرمح و غيرهما مما يصدق عليه السلاح عرفا]

(مسألة 277): لا يجوز للمحرم حمل السلاح كالسيف و الرمح و غيرهما مما يصدق عليه السلاح عرفا. و ذهب بعض الفقهاء إلى عموم الحكم لآلات التحفظ أيضا كالدرع و المغفر و هذا القول أحوط (1).

(1) لكن الأظهر اختصاص الحكم بالسلاح، كالسيف و البندقية و نحوهما، و أما آلات القتال الوقائية كالدرع و المغفر و نحوهما، فلا مانع من حملها، بل لبسها على أساس ما تقدم من أن ما لا يجوز للرجل المحرم هو لبس الثياب الاعتيادية، كالقميص و السراويل و العباءة و الدرع و هو الثوب الذي له يدان أو فتحتان على نحو يتيح للابس أن يدخل يديه فيهما، و أما لبس غيرها فلا يكون محرما عليه، و حيث أنه لا يصدق على الدرع و المغفر و نحوهما من الآلات الوقائية للقتال شي ء من هذه الثياب، فلا مانع من لبسها.

و اما الروايات التي تدل على عدم جواز لبس السلاح، فهي لا تشمل تلك الآلات، لعدم صدق السلاح عليها، و هذه الروايات كما يلي:

منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان المحرم اذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفارة عليه» «1».

و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال: اذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح» «2».

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المحرم اذا خاف لبس السلاح» «3».

[مسألة 278: لا بأس بوجود السلاح عند المحرم اذا لم يكن حاملا له

(مسألة 278): لا بأس بوجود السلاح عند المحرم اذا لم يكن حاملا له و مع ذلك فالترك أحوط.

[مسألة 279: تختص حرمة حمل السلاح بحال الاختيار و لا بأس به عند الاضطرار]

(مسألة 279): تختص حرمة حمل السلاح بحال الاختيار و لا بأس به عند الاضطرار.

[مسألة 280: كفارة حمل السلاح شاة على الأحوط]

(مسألة 280): كفارة حمل السلاح شاة على الأحوط (1).

إلى هنا انتهت الامور التي تحرم على المحرم.

و هذه الروايات جميعا تنص بمنطوقها على أنه يجوز للمحرم أن يلبس السلاح اذا خاف عدوا أو سرقا، و بمفهومها تدل على عدم جوازه اذا لم يخف، كما اذا لبس لإظهار التشخص، أو بدافع آخر، فانه غير جائز للمحرم.

ثم إن من غير المحتمل عرفا أن تكون للبس خصوصية، بل المراد منه مطلق أخذ السلاح من أجل دفع العدو عن نفسه أو عرضه أو ماله، سواء أ كان بنحو اللبس أم كان بنحو الحمل بأخذه بيده، أو وضعه في جيبه أو نحو ذلك، و بذلك يظهر حال المسألتين الآتيتين.

(1) هذا اذا كان لبسه عامدا و ملتفتا و بدون ضرورة، و أما اذا كان لضرورة كالخوف من العدو، فلا كفارة، لنص قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي المتقدمة: «اذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفارة عليه» «1».

و دعوى: أنه يدل بمقتضى مفهومه على ثبوت الكفارة اذا لبس السلاح بدون خوف عامدا عالما.

مدفوعة: بأن مفهومه حرمة لبس السلاح اذا لم يخف العدو، و أما اذا لبس في هذه الحالة و ارتكب محرما عالما عامدا فهل عليه كفارة أو لا؟ فهو لا يدل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 276

.......... على ثبوتها بالمفهوم، فان مفهومه حرمة اللبس عند انتفاء الخوف، لا ثبوت الكفارة عند اللبس في هذه الحالة.

و دعوى: أن الصحيحة و إن لم تدل على ثبوت الكفارة بالمفهوم، الّا أنها تدل على ثبوتها بنكتة اخرى، و هي أن تفريع عدم الكفارة على اللبس في حالة الخوف من العدو، يدل

على ثبوتها في حالة عدم الخوف، بملاك دفع اللغوية، و الّا لكان هذا التفريع لغوا و بلا فائدة، لفرض أنها غير ثابتة في كلتا الحالتين، بدون فرق بينهما، فاذن يكون تفريع عدم ثبوتها على احداهما بلا مبرر، فمن أجل ذلك يشكّل هذا التفريع دلالة التزامية لها على ثبوتها في حالة عدم الخوف و الاضطرار اذا لبس متعمدا أو ملتفتا، غير بعيدة عرفا، و من هنا لو لم يكن ثبوت الكفارة في هذه الحالة أقوى، فلا أقل أنه احوط.

[الصيد في الحرم و قلع شجره و نبته
اشارة

الصيد في الحرم و قلع شجره و نبته و هناك ما تعم حرمته المحرم و المحل و هو امران:

أحدهما: الصيد في الحرم فانه يحرم على المحل و المحرم كما تقدم.

ثانيهما: قلع كل شي ء نبت في الحرم أو قطعه (1) من شجر و غيره و لا بأس بما يقطع عند المشي على النحو المتعارف (2)

(1) تدل عليه عدة من الروايات:

منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس اجمعين» «1» فانها تدل على الحرمة في الجملة، باعتبار أنها ليست في مقام البيان من جهة ان الحرام عليه كل فعل تعلق به حتى لمسه و مسحه و شمه، أو أن الحرام قلعه أو قطعه، فاذن يكون القدر المتيقن الثاني.

و منها: صحيحة زرارة، قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «حرم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلا خلاه أو يعضد شجره الّا الإذخر، أو يصاد طيره، و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها و يعضد شجرها الّا عودي الناضح» «2».

(2) لانصراف الروايات

عن ذلك، فان الظاهر منها ما اذا كان قطع اشجار الحرم و حشيشه عن قصد و اختيار، و أما اذا كان اتفاقيا عند المشي بنحو المعتاد فهو غير مشمول لها، هذا اضافة إلى أن ذلك لو كان حراما لشاع و اشتهر بين الأصحاب، لكثرة الابتلاء به في الأزمنة السابقة في الطرقات و الممشاة في

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 278

كما لا بأس بأن تترك الدواب في الحرم لتأكل من حشيشه (1) و يستثنى من حرمة القلع أو القطع موارد:

1- الإذخر و هو نبت معروف (2).

2- النخل و شجر الفاكهة (3).

3- الاعشاب التي تجعل علوفة للإبل (4).

اطراف مكة المكرمة و المدينة المنورة.

(1) لأن ذلك غير مشمول للروايات الدالة على حرمة القطع أو النزع، حيث انه لا يصدق على تعليف الحيوان.

(2) لجملة من الروايات:

منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الّا الإذخر» «1».

و منها: صحيحة زرارة المتقدمة قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: حرم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلا خلاه أو يعضد شجره الّا الإذخر- الحديث» «2».

(3) لصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: لا ينزع من شجر مكة شي ء الا النخل و شجر الفاكهة» «3».

(4) تنص عليه صحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام:

عن النبت الذي في أرض الحرم، أ ينزع؟ فقال: أما شي ء تأكله الابل فليس به بأس أن تنزعه» «4».

قد يقال- كما قيل-: بانها معارضة برواية عبد اللّه بن سنان، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم ينحر بعيره، أو يذبح شاته، قال: نعم، قلت له: أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 279

4- الاشجار أو الاعشاب التي تنمو في دار نفس الشخص أو في ملكه أو يكون الشخص هو الذي غرس ذلك الشجر أو زرع العشب (1).

و أما الشجرة التي كانت موجودة في الدار قبل تمكلها فحكمها حكم سائر الاشجار.

يحتش لدابته و بعيره، قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم، فاذا دخل الحرم فلا» «1» لأنها تدل على المنع من ذلك اذا دخل الحرم.

و الجواب- أولا: ان رواية عبد اللّه بن سنان ضعيفة سندا.

و ثانيا: انها لا تصلح أن تعارض صحيحة حمران، باعتبار أنها ناصة في الجواز، و هي ظاهرة في الحرمة، فتصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الحرمة، و حملها على الكراهة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

(1) تدل على ذلك مجموعة من النصوص:

منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الّا ما انبتّه انت و غرسته» «2» فانها تنص على جواز قطع ما غرسه من الاشجار و ما زرعه، و أما الشجرة التي في دار الانسان، فان كانت موجودة قبل تملكه الدار، فلا يجوز له قطعها أو قلعها، و إن كانت نبتت في داره و هي له جاز له قلعها، و تدل عليه صحيحة حماد بن عثمان قال:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم، فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار، أو يتخذ المضرب، فليس له أن يقلعها و إن كانت طريّة عليه فله قلعها» «3».

و تؤيد ذلك روايته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في

الشجرة يقلعها

[مسألة 281: الشجرة التي يكون أصلها في الحرم و فرعها في خارجه أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم

(مسألة 281): الشجرة التي يكون أصلها في الحرم و فرعها في خارجه أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم (1).

[مسألة 282: كفارة قلع الشجرة قيمة تلك الشجرة، و في القطع منها قيمة المقطوع

(مسألة 282): كفارة قلع الشجرة قيمة تلك الشجرة، و في القطع منها قيمة المقطوع (2)، و لا كفارة في قلع الاعشاب و قطعها.

الرجل من منزله في الحرم، فقال: إن بنى المنزل و الشجرة فيه، فليس له أن يقلعها، و إن كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها» «1».

(1) تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ، فقال حرم فرعها لمكان أصلها، قال:

قلت: فان اصلها في الحل و فرعها في الحرم، فقال: حرم أصلها لمكان فرعها» «2».

(2) لصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة، قال: عليه ثمنه يتصدق به، و لا ينزع من شجر مكة شيئا إلّا النخل و شجر الفواكه» «3» و مورد السؤال فيها و إن كان الأراك، الّا أنه يظهر من قوله عليه السّلام: «و لا ينزع من شجر مكة شيئا» عدم اختصاص الحكم به، حيث انه ناص بعموم الحكم لكل اشجار مكة إلّا ما استثنى، و لا خصوصية للأراك، فاذن تدل الصحيحة على ان كفارته ثمنه.

و قد تسأل عن أن الصحيحة هل تشمل قطع أغصان الشجر؟

و الجواب: ان شمولها لذلك لا يخلو عن اشكال، باعتبار أن الأراك اسم جنس و هو لا ينطبق الا على افراده الحقيقية في الخارج دون اغصانه و اجزائه، فمن أجل ذلك لا يبعد حسب الصناعة عدم وجوب الكفارة على قطع اغصان الشجر، و إن كان الأحوط و

الأجدر به وجوبا أن يتصدق بثمنه.

[اين تذبح الكفارة؟ و ما مصرفها]
اشارة

اين تذبح الكفارة؟ و ما مصرفها

[مسألة 283: إذا وجبت على المحرم كفارة لأجل الصيد في العمرة فمحل ذبحها مكة المكرمة]

(مسألة 283): إذا وجبت على المحرم كفارة لأجل الصيد في العمرة فمحل ذبحها مكة المكرمة، و إذا كان الصيد في احرام الحج فمحل ذبح الكفارة منى (1).

(1) تدل عليه جملة من الروايات:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من وجب عليه فداء صيد أصابه و هو محرم، فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، و إن كان معتمرا نحره بمكة قبال الكعبة» «1».

و منها: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: في المحرم اذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء، فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، فان كان في عمرة نحره بمكة- الحديث» «2» و منها غيرهما، هذا اضافة الى الآية الشريفة، و هي قوله تعالى: لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ «3».

و في مقابلها روايات عمدتها صحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: اذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد، قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما-

[مسألة 284: إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب غير الصيد]

(مسألة 284): إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب غير الصيد فالأظهر جواز تأخيرها إلى عودته من الحج (1)

الحديث» «1» بتقريب أنها تدل على أن موضع الذبح و مكانه موضع الاصباة، هذا و لكن الظاهر أنها لا تدل على أن موضع الإصابة هو مكان الذبح، بل تدل على أن وظيفته اذا لم يجد البدنة في موضع الاصابة قوّمها،

ثم صرف القيمة في الطعام، و أما اذا كان واجدا للبدنة فلا تدل على أن مكان ذبحها موضع الاصابة، أو فقل ان الرواية انما هي في مقام بيان وظيفة العاجز عن الفداء و هو البدنة، و ليست في مقام بيان مكان الذبح، و لا أقل من الاجمال.

(1) تدل عليه موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له:

الرجل يخرج من حجته شيئا يلزمه منه دم، يجزيه ان يذبحه اذا رجع الى أهله، فقال: نعم، و قال- فيما اعلم- يتصدق به» «2» فان مقتضى اطلاقها و إن كان جواز تأخير الذبح الى أن يرجع الى بلدته حتى اذا كان كفارة الصيد، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بغير كفارة الصيد بالنصوص المتقدمة.

نعم، في خصوص كفارة التظليل ورد الأمر بالذبح بمنى في روايتين.

الأولى: صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام، قال: «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس، و أنا اسمع، فأمره ان يفدي شاة، و يذبحها بمنى» «3».

الثانية: صحيحته الأخرى، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال: أرى أن يفديه بشاة، و يذبحها بمنى» «4»، فانهما ظاهرتان في وجوب الذبح بمنى، فاذن يقع التعارض بين اطلاقهما و اطلاق الموثقة المتقدمة بالعموم من وجه، فانهما أعم من ناحية كون الفداء في احرام

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 283

.......... العمرة المفردة أو الحج، و الموثقة أعم من ناحية كون الفداء للتظليل أو غيره، فيكون مورد الالتقاء بينهما عندئذ ما اذا كان الفداء للتظليل في احرام الحج، فان مقتضى اطلاق الموثقة أنه يجزي أن يذبحه في بلده اذا رجع،

و مقتضى اطلاقهما وجوب ذبحه في منى، و بما أنه لا ترجيح في البين، فيسقطان معا في مورد الالتقاء، و يرجع فيه الى أصالة البراءة عن وجوب الذبح في منى، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان صحيحة منصور بن حازم، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال: بمكة، الّا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها الى منى، و يجعلها بمكة أحب إليّ و أفضل» «1» تدل على أنه مخير في كفارة العمرة المفردة بين أن يجعلها بمكة و أن يجعلها في منى، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بغير كفارة الصيد بمقتضى الروايات المتقدمة.

و من ناحية ثالثة إن صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:

من ساق هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق، و من ساق هديا و هو معتمر نحر هديه في المنحر و هو بين الصفا و المروة، و هي بالحزورة، قال: و سألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟ قال: بمكة الّا أن يؤخرها الى الحج فتكون بمنى، و تعجيلها افضل و أحب إليّ»»

تدل بمقتضى صدرها على حكم من ساق الهدي في العمرة المفردة، و هو خارج عن محل الكلام، و بمقتضى ذيلها على حكم الكفارة في عمرة التمتع، و هو التخيير بين مكة و منى، و لكنها معارضة بموثقة اسحاق بن عمار المتقدمة، فان المراد من الحج في موردها أعم من العمرة، على أنه لا يحتمل عرفا جواز تأخير كفارة احرام الحج الى ان يرجع إلى بلده، دون عمرته، فاذن لا بد من تقديم الموثقة عليها باعتبار أن الصحيحة تدل على جواز

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 284

فيذبحها أين شاء،

و الافضل انجاز ذلك في حجه، و مصرفها الفقراء (1)، التأخير الى الحج، و أما دلالتها على عدم جواز تأخيرها الى أن يرجع الى أهله فانما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و هي لا تصلح أن تعارض دلالة الموثقة على جواز التأخير الى أن يرجع الى أهله، فانها دلالة مستندة الى اللفظ، و هي أقوى منها، و تتقدم عليها تطبيقا لحمل الظاهر على الأظهر.

فالنتيجة: ان الأظهر جواز تأخير الكفارة الى أن يرجع الحاج الى بلدته، بدون فرق بين كفارة احرام الحج، او عمرة التمتع، أو المفردة غير كفارة الصيد.

(1) تدل على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات:

منها: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال: عليه بدنة، فان لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما، قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة، ما عليه؟ قال: عليه بقرة، فان لم يجد فليتصدق على ثلاثين مسكينا، فان لم يجد فليصم تسعة أيام، قال: «و سألته عن محرم أصاب ظبيا، ما عليه؟ قال: عليه شاة، فان لم يجد فليتصدق على عشرة مساكين، فان لم يجد فليصم ثلاثة أيام» «1».

و منها: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في محرم قتل نعامة، قال: عليه بدنة، فان لم يجد فاطعام ستين مسكينا، فان كانت قيمة البدنة اكثر من اطعام ستين مسكينا لم يزد على اطعام ستين مسكينا، و إن كانت أقل من اطعام ستين مسكينا لم يكن عليه الا قيمة البدنة» «2» فانها تدل على أن مصرف البدنة الفقراء، و لذلك لا

يجب عليه في صورة عدم وجدانها اطعام اكثر من قيمتها.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 285

و لا بأس بالأكل منها قليلا (1)

و منها: صحيحة أبي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما» «1»، و منها غير ذلك.

ثم إن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية عدم خصوصية لموردها، و أن هذا الحكم حكم طبيعي الكفارة. و مثل هذه الروايات، الروايات الواردة في كفارة غير الصيد، حيث قد ورد في لسان جملة منها الأمر بالتصدق بالكفارة، و في بعضها التصريح بالتصدق بها على المساكين، و من الواضح أن الأمر بالتصدق ظاهر عرفا في أنه للفقراء.

(1) و تدل عليه جملة من الروايات:

منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: الرجل يخرج من حجته ما يجب عليه الدم و لا يهريقه حتى يرجع الى أهله، قال: يهريقه في أهله و يأكل منه الشي ء» «2».

و منها: معتبرة عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون» «3».

و منها: صحيحة جعفر بن بشير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن البدن التي تكون جزاء الايمان و النساء و لغيره يؤكل منها، قال: نعم يؤكل من كل البدن» «4».

و في مقابلها روايات تدل على عدم جواز الأكل:

منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فداء الصيد يأكل

تعاليق مبسوطة

على مناسك الحج، ص: 286

.......... من لحمه، فقال: يأكل من اضحيته و يتصدق بالفداء» «1».

و منها: صحيحة ابي بصير، قال: «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسر، فقال: إن كان مضمونا- و المضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء- فعليه فداؤه، قلت: أ يأكل منه؟ فقال: لا، انما هو للمساكين، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء، قلت: أ يأكل منه؟ قال: يأكل منه» «2».

و حيث إن الطائفة الأولى ناصة في جواز الأكل، و الطائفة الثانية ظاهرة في عدم الجواز، فلا بد من رفع اليد عن ظهورها في الحرمة، و حملها على الكراهة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

و دعوى: أن تعليل النهي عن الأكل في صحيحة ابي بصير بأنه للمساكين، ناص في عدم جواز الأكل منه، و حينئذ فتصلح أن تعارض الطائفة الأولى، و بما أنه لا ترجيح في البين و حينئذ فيرجع الى صحيحة الحلبي الظاهرة في عدم جواز الأكل.

و بكلمة: أن هاهنا ثلاث طوائف من الروايات:

الطائفة الأولى: ناصة في جواز الأكل.

الطائفة الثانية: ناصة في عدم جوازه.

و الطائفة الثالثة: ظاهرة في عدم الجواز، فالأوليان تسقطان من جهة المعارضة، فيصل الدور الى الثالثة ...

مدفوعة: فان قوله عليه السّلام: «إنما هو للمساكين» بيان لعلة النهي، و هي ان مصرفه الفقراء دون غيرهم، و هذا لا ينافي جواز أكل صاحب الفداء منه اذا قام دليل عليه، و المفروض أن الطائفة الأولى ناصة في جواز الأكل.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 287

مع الضمان (1) و دفع قيمته.

فالنتيجة: ان الأظهر جواز أكل صاحب الفداء منه و إن كان الأولى و الأجدر به تركه.

(1) في الضمان اشكال بل منع، و ذلك لعدم الدليل عليه غير رواية السكوني عن

جعفر عن أبيه، «قال: اذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شي ء عليه، و إن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل» «1» و هي ضعيفة سندا لأن في سندها بنان ابن محمد، و هو لم يثبت توثيقه غير وروده في اسناد كامل الزيارات، و قد ذكرنا غير مرة ان مجرد وروده في اسناده لا يكفي في توثيقه.

[الثاني من واجبات عمرة التمتع الطواف

[شرائط الطواف
اشارة

شرائط الطواف الطواف هو الواجب الثاني في عمرة التمتع و يفسد الحج بتركه عمدا سواء أ كان عالما بالحكم أم كان جاهلا به أو بالموضوع (1) و يتحقق الترك بالتأخير الى زمان لا يمكنه ادراك الركن من الوقوف بعرفات (2) ثم انه إذا بطلت العمرة بطل احرامه أيضا على الأظهر (3)، (1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن الطواف من أهم واجبات الحج و العمرة، فاذا تركه في العمرة فمقتضى القاعدة بطلانها و إن كان عن جهل، باعتبار أن العمرة المأمور بها لا تنطبق على الفرد الفاقد له، و كذلك الحال اذا تركه في الحج.

و أما الحكم بالصحة في باب الصلاة اذا كان المصلي تاركا للجزء او الشرط غير الركني عن جهل، فهو انما يكون من جهة الدليل الخاص، و هو حديث لا تعاد، و لا دليل في المقام، و تؤكّد ذلك صحيحة علي بن يقطين، قال:

«سألت ابا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج، و عليه بدنة» «1» فانها واضحة الدلالة على بطلان الحج بترك الطواف جهلا، و وجوب الكفارة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين طواف الحج و طواف العمرة.

(2) تقدم الكلام فيه موسعا في المسألة (3) من (فصل: صورة حج التمتع و شرائطه)

في الجزء التاسع من كتابنا تعاليق مبسوطة.

(3) بل لا شبهة في بطلانه على أساس ان الاحرام جزء من الحج أو العمرة، فاذا بطل الحج أو العمرة لم يعقل بقاء الاحرام صحيحا، و الّا لزم كونه واجبا مستقلا، و هذا خلف.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 289

و الأحوط الأولى حينئذ العدول إلى حج الافراد و على التقديرين تجب اعادة الحج في العام القابل و يعتبر في الطواف أمور:

[الأول: النية]

الأول: النية (1)، فيبطل الطواف إذا لم يقترن بقصد القربة (2).

[الثاني: الطهارة من الحدثين الاكبر و الاصغر]
اشارة

الثاني: الطهارة من الحدثين الاكبر و الاصغر (3) فلو طاف المحدث عمدا أو جهلا أو نسيانا لم يصح طوافه.

(1) قد اشرنا في ضمن البحوث السالفة أن النية شرط لكل عبادة، و حيث إن الطواف عبادة فالنية شرط فيه، و نقصد بها ان تتوفر فيها العناصر التالية:

الأول: قصد القربة، لأنه عبادة، و كل عبادة لا تصح بدون قصد القربة.

الثاني: قصد الاخلاص، يعني الاخلاص في النية بمعنى عدم الرياء، لأن الرياء في العبادة محرم و مبطل لها.

الثالث: قصد اسمه الخاص المميز له شرعا، بأن يأتي به باسم طواف عمرة التمتع من حجة الإسلام، و اذا كان حجا مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام، و اذا كانت العمرة مفردة اسقط كلمة عمرة التمتع، و اذا كان الحج حج قران أو افراد أسقط كلمة حجة التمتع، و اذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و أما اذا طاف حول البيت بدون أن ينوي كونه لعمرة أو حجة، فلا يقع لشي ء منها، و يكون لاغيا.

(2) نقصد بالاقتران أن لا تتأخر النية عن أول جزء من أجزاء الطواف، لا أن لا تتقدم عليه.

(3) تنص عليه مجموعة كثيرة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء الّا الطواف بالبيت، و الوضوء أفضل» «1».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 290

.......... طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور، قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و إن كان تطوعا توضأ و صلى ركعتين» «1».

و منها: صحيحة علي بن

جعفر عن أخيه ابي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب، فذكر و هو في الطواف، قال: يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه على غير وضوء، قال:

يقطع طوافه و لا يعتد به» «2» و منها غيرها، و مقتضى هذه الروايات أن الطهارة من الحدث شرط في صحة الطواف مطلقا حتى اذا كان الطائف جاهلا أو ناسيا، أما الأول فلإطلاق جملة منها، و أما الثاني فمضافا الى الاطلاق فقد نص بذلك في بعض تلك الروايات، هذا كله في الطواف الواجب.

و أما الطواف المندوب فلا تكون الطهارة شرطا في صحته، لعدة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة «3».

و منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل طاف تطوعا و صلى ركعتين و هو على غير وضوء، فقال: يعيد الركعتين، و لا يعيد الطواف» «4».

و منها: صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت له: رجل طاف على غير وضوء، فقال: إن كان تطوعا فليتوضأ و ليصل» «5».

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: اني اطوف طواف النافلة و أنا على غير وضوء، قال: توضأ و صلّ و إن كنت متعمدا» «6».

و نذكر فيما يلى مسألتين:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 291

.......... الأولى: قد تسأل أن هذه الروايات التي تنص على عدم اشتراط صحة الطواف المندوب بالطهارة من الحدث، هل تختص بالطواف المستقل، أو تعم ما اذا كان جزء الحج المندوب، أو العمرة المندوبة؟

و الجواب: انها تعم ما اذا كان جزء الحج او العمرة أيضا، اذ مضافا الى أن

ذلك مقتضى اطلاق تلك الروايات، أن ذلك هو مورد الصحيحة الثانية لعبيد بن زرارة المتقدمة.

الثانية: قد تسأل أن الطواف المندوب اذا صار واجبا بالعرض كالنذر أو العهد أو اليمين أو الاجارة أو غير ذلك، فهل يخرج عن موضوع هذه الروايات و يدخل في موضوع الروايات التي تنص على أن الطواف الواجب مشروط بالطهارة؟

و الجواب: انه لا يبعد أن يقال بعدم خروجه عن موضوع تلك الروايات، اذ مضافا الى امكان دعوى ان المتبادر من الطواف المتطوع هو المتطوع في اصل الشرع، فان النذر أو غيره لا يوجب خروجه عن التطوع فيه و جعله فريضة، و من هنا إذا نذر صلاة الليل، فانه لا يوجب خروجها عن النافلة الى الفريضة، لأن صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بقرينة جعلها التطوع في مقابل الفريضة تشهد على ان المراد من الطواف الواجب هو الطواف المفروض، في أصل الشرع، و لا يعم ما اذا كان مفروضا بالعرض كالنذر أو نحوه و كان في الأصل نافلة، هذا اضافة الى أن صحيحة عبيد المتقدمة التي تدل على أن طواف النافلة غير مشروط بالطهارة تشمل ما اذا كان منذورا أيضا، لأن النذر لا يوجب خروج المنذور عن عنوان النافلة.

فالنتيجة: ان الطواف إن كان فريضة في أصل الشرع كانت صحته

[مسألة 285: إذا أحدث المحرم اثناء طوافه فللمسألة صور]

(مسألة 285): إذا أحدث المحرم اثناء طوافه فللمسألة صور.

الاولى: أن يكون ذلك قبل بلوغه النصف، ففي هذه الصورة يبطل طوافه و تلزمه اعادته بعد الطهارة (1).

الثانية: أن يكون الحدث بعد اتمامه الشوط الرابع و من دون اختياره، ففي هذه الصورة يقطع طوافه، و يتطهر، و يتمه من حيث قطعه.

مشروطة بالطهارة، و إن كان نافلة لم تكن مشروطة بها و إن كان مفروضا بالعرض، و لكن

مع هذا فالأحوط و الأجدر أن يأتي به مع الطهارة من الحدثين الأكبر و الأصغر.

(1) في لزوم الاعادة اشكال بل منع، لعدم الدليل غير مرسلة جميل عن بعض اصحابنا عن أحدهما عليه السّلام: «في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه، قال: يخرج و يتوضأ، فان كان جاز النصف بنى على طوافه، و إن كان أقل من النصف أعاد الطواف» «1» و لكنها لا تصلح أن تكون دليلا، فاذن ليس في المسألة إلا الشهرة و دعوى عدم الخلاف، و من الواضح انه لا أثر لها. نعم قد يستدل على البطلان و وجوب الاعادة بأمرين:

أحدهما: ان مقتضى اعتبار الطهارة في الطواف بطلانه بصدور الحدث اثناءه، كما هو الحال في الصلاة.

و الجواب: أولا: ان ذلك لو تم لكان مقتضاه بطلان الطواف به، و إن كان صادرا في الشوط الأخير، مع أن بناء المشهور على الصحة و عدم البطلان اذا كان صدوره بعد تجاوز النصف.

و ثانيا: ان مقتضى ادلة اعتبار الطهارة فيه أنها معتبرة في اجزائه و واجباته الخاصة، و هي سبعة اشواط، دون الأكوان المتخللة بينها، على أساس أن حقيقة الطواف عبارة عن تلك الأشواط السبعة فحسب، و أما الأكوان المتخللة فهي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 293

الثالثة: أن يكون الحدث بعد النصف و قبل تمام الشوط الرابع، أو يكون بعد تمامه مع صدور الحدث عنه بالاختيار. و الأحوط في هذين الفرضين أن يتم طوافه بعد الطهارة من حيث قطع ثم يعيده، و يجزئ عن الاحتياط المذكور أن يأتي بعد الطهارة بطواف كامل يقصد به الاعم من التمام و الاتمام. و معنى ذلك: أن يقصد الاتيان بما تعلق بذمته، سواء أ كان هو مجموع

الطواف، أم هو الجزء المتمم للطواف الاول، و يكون الزائد لغوا.

خارجة عنها، و على هذا فما دل من الدليل على اعتبار الطهارة فيه لا يشمل تلك الأكوان.

فالنتيجة: ان الاتيان بالأشواط السبعة لا بد أن يكون مع الطهارة سواء أ كان بوضوء واحد، أم كان باكثر منه، و أما اعتبار الطهارة في الأكوان المتخللة بين اجزاء الصلاة و واجباتها فانما هو بدليل خاص، و الّا فمقتضى القاعدة عدم اعتبارها فيها أيضا، على أساس أنها خارجة عن حقيقة الصلاة، و لو لا دليل خاص في المسألة لكان مقتضى أدلة شرطية الطهارة للصلاة أنها شرط لها بما لها من اجزائها و واجباتها فحسب.

و الآخر: صحيحة حمران بن أعين عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده، فطاف منه خمسة اشواط، ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره، فخرج الى منزله فنقض، ثم غشي جاريته، قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه، و يستغفر اللّه و لا يعود، و ان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة اشواط، ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه، و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف اسبوعا» «1» فانها تنص على بطلان الطواف لصدور الحدث اثناءه اذا كان قبل تجاوز النصف، و موردها

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 294

.......... و إن كان طواف النساء، إلا أنه لا خصوصية له، لأن المتفاهم العرفي من الصحيحة أن ثبوت هذا الحكم انما هو باعتبار أنه محرم، بدون خصوصية أن ما صدر منه من الاستمتاع الجنسي بالمرأة جماعا، كان في طواف النساء، أم في طواف الحج.

و الجواب: ان مورد الصحيحة بما أنه الجماع مع

المرأة اثناء الطواف، فالتعدي عنه الى مطلق الحدث بحاجة الى دليل، باعتبار أن للجماع في باب الحج أحكاما خاصة، و لا تترتب تلك الأحكام على مطلق الحدث.

فالنتيجة: أنه لا دليل على المشهور، بل صحيحة محمد بن مسلم، قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت ثلاثة اشواط أو أقلّ من ذلك، ثم رأت دما، قال: تحفظ مكانها فاذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى» «1» تدل على خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب، بتقريب أن مفادها أمران:

أحدهما: عدم بطلان الطواف بحدوث الحيض اثناءه و إن كان قبل تجاوز النصف.

و الآخر: أن الفصل الزمني الطويل بين مبدأ الحيض و منتهاه لا يضر بصحته.

فالنتيجة: ان الأظهر عدم بطلان الطواف بصدور الحدث أثناءه و إن كان قبل تجاوز النصف، فاذا صدر فعليه أن يتوضأ و يكمل ما بقي من طوافه و إن كان الاستئناف من جديد أحوط و أجدر، بل الأحوط و الأولى أن يقصد به الأعم من التكميل و الاستئناف حسب ما هو المطلوب واقعا. هذا اذا لم تفت الموالاة، و الّا وجب الاستئناف على القاعدة بدون فرق بين أن يكون الحدث قبل الشوط الرابع أو بعده، حتى اذا كان صدور الحدث منه عامدا و اختيارا، لعدم الدليل على

[مسألة 286: إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في اثنائه

(مسألة 286): إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في اثنائه، فان علم ان الحالة السابقة كانت هي الطهارة، و كان الشك في صدور الحدث بعدها لم يعتن بالشك (1) و إلا وجبت عليه الطهارة و الطواف أو استينافه بعدها.

أن صدوره كذلك اثناء الطواف قاطع له، لما مر من أن ظاهر الأدلة شرطية الطهارة للطواف بما له من الأجزاء دون الأكوان المتخللة بينها، و أما

خروجه من المطاف من أجل الوضوء أو الغسل، فلا يضر ما دام لم تطل مدة الخروج الى المقدار الذي تختل به الموالاة، لعدم الدليل على أنه مانع عن صحته.

(1) لاستصحاب بقاء الطهارة، و حينئذ فان كان الشك في بقاء الطهارة بعد الفراغ من الطواف و قبل صلاته لم يجر استصحاب بقائها بالنسبة الى الطواف، لأن المرجع فيه قاعدة الفراغ شريطة احتمال الالتفات حين العمل، دون الاستصحاب.

و أما بالنسبة الى صلاته فالمرجع هو الاستصحاب، و إن كان الشك في بقائها قبل الطواف أو اثنائه جرى استصحاب بقائها، و يترتب عليه جواز الاتيان به أو اتمامه بدون حاجة الى الوضوء أو الغسل من جديد. و إن كانت الحالة السابقة الحدث، و حينئذ فان كان الشك في بقائه بعد الفراغ من الطواف و قبل صلاته لم يجر استصحاب بقائه بالنسبة الى الطواف، لنفس ما تقدم من الملاك.

و أما بالنسبة الى صلاته، فلا مانع منه، و إن كان الشك فيه قبل الطواف أو اثنائه وجب عليه الوضوء أو الغسل، و استيناف الطواف في الفرض الثاني من جديد، و الغاء ما أتى به من الأشواط.

و أما إذا كانت الحالة السابقة متبادلة، بأن تكون في زمن الطهارة، و في زمن آخر الحدث، و يشك في المتقدم و المتأخر منهما، ففي هذه الصورة لا مانع من جريان استصحاب بقاء كل منهما في نفسه للشك فيه، و لكن يسقط من جهة

[مسألة 287: إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك

(مسألة 287): إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك (1)، و إن كانت الاعادة أحوط و لكن تجب الطهارة لصلاة الطواف (2).

المعارضة بدون فرق في ذلك بين أن يكون تاريخ كليهما مجهولا، أو تاريخ أحدهما مجهولا و الآخر

معلوما، غاية الأمر ان المستصحب على الأول كلي في كليهما معا، و على الثاني كلي في المجهول و شخصي في المعلوم، و على كلا التقديرين فالاستصحابان متعارضان، فيسقطان معا، و حينئذ فان كان الشك قبل الشروع في الطواف وجب عليه الوضوء أو الغسل على أساس قاعدة الاشتغال، و إن كان الشك في الاثناء وجب عليه الوضوء أيضا و استيناف الطواف من جديد.

و دعوى: أنه لا مانع من الرجوع الى قاعدة الفراغ بالنسبة الى الأشواط السابقة، و أما بالنسبة الى الأشواط اللاحقة فالمرجع فيها قاعدة الاشتغال بعد سقوط الاستصحابين بالتعارض، فالنتيجة أنه يتوضأ و يتم الطواف، و لا حاجة الى استينافه من جديد.

مدفوعة: بأنه لا مجال للقاعدة في المقام، لأن المكلف فيه يعلم بأنه كان غافلا حين الاتيان بالأشواط المذكورة، ثم تذكر قبل اكمالها و علم بأنه كان متطهرا في زمان و محدثا في آخر، و لا يدري المتقدم و المتأخر منهما، و قد ذكرنا غير مرة أن المعتبر في جريانها احتمال الالتفات حين العمل، و الّا فلا موضوع لها.

(1) لقاعدة الفراغ شريطة احتمال أنه كان ملتفتا حين العمل الى ما يعتبر فيه من الشروط.

(2) لاستصحاب بقاء الحدث، لأن مقتضى قاعدة الفراغ التي هي قاعدة عقلائية، و تكون حجيتها على أساس نكتة أماريتها نوعا، و إن كان صحة

[مسألة 288: اذا لم يتمكن المكلف من الوضوء يتيمم و يأتي بالطواف

(مسألة 288): اذا لم يتمكن المكلف من الوضوء يتيمم و يأتي بالطواف، و إذا لم يتمكن من التيمم أيضا جرى عليه حكم من لم يتمكن من أصل الطواف، فاذا حصل له اليأس من التمكن لزمته الاستنابة للطواف (1) و الأحوط الأولى أن يأتي هو أيضا بالطواف من غير طهارة.

الطواف، الّا أنها لا تثبت لازمها و هو الغسل، لأنها

و إن كانت قاعدة عقلائية و تكون حجيتها على أساس نكتة أماريتها نوعا، و لكن بما أن لسانها ليس لسان الحكاية عن الواقع بما هو، بل لسان البناء العملي على صحة ما أتى به في ظرف الشك و التحير، فمن أجل ذلك لا تكون مثبتاتها حجة.

و بكلمة: ان نكتة جعل هذه القاعدة و البناء العملي عليها هي أمارية حال المكلف في ظرف الامتثال و الاطاعة، و لكن حيث أن هذه الأمارية أمارية حالية فلا تكشف اكثر من مدلولها المطابقي، و لا فرق في ذلك بين أن تكون الحالة السابقة الطهارة أو الحدث.

فالنتيجة: ان الطواف محكوم بالصحة بقاعدة الفراغ، و لكن عليه أن يغتسل لصلاته بمقتضى استصحاب بقاء الحدث. نعم اذا أحدث بالأصغر بعد الطواف و قبل صلاته فقد علم اجمالا إما ببطلان الطواف، أو وجوب الوضوء لصلاته، اذ لا يمكن الرجوع الى قاعدة الفراغ بالنسبة الى الطواف و استصحاب بقاء الجنابة بالنسبة الى صلاته، لاستلزام ذلك المخالفة القطعية العملية، للقطع حينئذ إما ببطلان طوافه إذا كان في الواقع جنبا، او بطلان صلاته اذا لم يكن في الواقع جنبا، حيث انه صلى بدون وضوء، و عليه فتسقط قاعدة الفراغ من جهة معارضتها مع الاستصحاب، فالمرجع هو قاعدة الاشتغال بالنسبة الى الطواف، و الوضوء بالنسبة إلى صلاته، و هذا يعني أن وظيفته في هذه الحالة الجمع بين اعادة الطواف مع الغسل، و الوضوء بعد ذلك لصلاته.

(1) لأن المكلف اذا لم يتمكن من الطهارة المائية فوظيفته الطهارة

[مسألة 289: يجب على الحائض و النفساء بعد انقضاء أيامهما و على المجنب الاغتسال للطواف

(مسألة 289): يجب على الحائض و النفساء بعد انقضاء أيامهما و على المجنب الاغتسال للطواف، و مع تعذر الاغتسال و اليأس من التمكن منه يجب الطواف مع التيمم، و الأحوط الأولى

حينئذ الاستنابة أيضا، و مع تعذر التيمم تتعين الاستنابة.

[مسألة 290: إذا حاضت المرأة في عمرة التمتع حال الاحرام أو بعده

(مسألة 290): إذا حاضت المرأة في عمرة التمتع (1) حال الاحرام أو بعده و قد وسع الوقت لأداء أعمالها صبرت الى أن تطهر فتغتسل و تأتي بأعمالها، و إن لم يسع الوقت فللمسألة صورتان:

الأولى: أن يكون حيضها عند إحرامها أو قبل أن تحرم، ففي هذه الصورة ينقلب حجها إلى الافراد و بعد الفراغ من الحج تجب عليها العمرة المفردة إذا تمكنت منها.

الثانية: ان يكون حيضها بعد الاحرام، ففي هذه الصورة تتخير بين الاتيان بحج الافراد كما في الصورة الأولى و بين أن تأتي بأعمال عمرة التمتع من دون طواف، فتسعى و تقصر ثم تحرم للحج و بعد ما ترجع إلى مكة بعد الفراغ من أعمال منى تقضي طواف العمرة قبل طواف الحج، الترابية، و اذا لم يتمكن منها أيضا فهو عاجز عن الطواف، و وظيفة العاجز الاستنابة فيه، أما أنه عاجز عنه فلإطلاق دليل شرطية الطهارة، فان مقتضاه أنها شرط له مطلقا حتى في حال العجز، فاذا عجز سقط الأمر عنه، و يصل الدور الى الاستنابة فيه دون الإطافة به، لأنها وظيفة العاجز عن الطواف، و المفروض أنه غير عاجز عنه، و انما هو عاجز عن تحصيل شرطه، و بذلك يظهر حكم المسألة الآتية.

(1) تقدم حكمها بتمام صورها موسعا في المسألة (4) من (فصل صورة حج التمتع على الاجمال).

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 299

و فيما إذا تيقنت ببقاء حيضها و عدم تمكنها من الطواف حتى بعد رجوعها من منى استنابت لطوافها، ثم أتت بالسعي بنفسها. ثم ان اليوم الذي يجب عليها الاستظهار فيه بحكم أيام الحيض فيجري عليه حكمها.

[مسألة 291: إذا حاضت المحرمة اثناء طوافها]

(مسألة 291): إذا حاضت المحرمة اثناء طوافها (1) فالمشهور على أن طروء الحيض إذا كان

قبل تمام اربعة اشواط بطل طوافها، و إذا كان بعده صح ما أتت به و وجب عليها اتمامه بعد الطهر و الاغتسال، و الأحوط في كلتا الصورتين أن تأتي بطواف كامل تنوي به الأعم من التمام و الاتمام. هذا فيما إذا وسع الوقت، و إلا سعت و قصرت و احرمت للحج و لزمها الاتيان بقضاء طوافها بعد الرجوع من منى و قبل طواف الحج على النحو الذي ذكرناه.

[مسألة 292: إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف و قبل الاتيان بصلاة الطواف صح طوافها]

(مسألة 292): إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف و قبل الاتيان بصلاة الطواف صح طوافها (2) و أتت بالصلاة بعد طهرها و اغتسالها،

(1) تقدم حكمها موسعا في المسألة (5) من الفصل المذكور فلا نعيد.

(2) هذا من جهة الروايات الخاصة و الا فمقتضى القاعدة البطلان اذ لا يجوز الفصل بين الطواف و صلاته بفترة طويلة عرفا و الروايات كما يلي:

منها: صحيحة زرارة، قال: «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين، فقال: ليس عليها اذا طهرت الا الركعتين، و قد قضت الطواف» «1».

و منها: صحيحة ابي الصباح الكناني، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل أن تصلي الركعتين، قال: اذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام ابراهيم و قد قضت طوافها» «2»، فانهما باطلاقهما تشملان طواف عمرة التمتع أيضا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 300

و إن ضاق الوقت سعت و قصرت و قضت الصلاة قبل طواف الحج (1).

[مسألة 293: إذا طافت المرأة وصلت ثم شعرت بالحيض و لم تدر انه كان قبل الطواف أو قبل الصلاة]

(مسألة 293): إذا طافت المرأة وصلت ثم شعرت بالحيض و لم تدر انه كان قبل الطواف أو قبل الصلاة أو في أثنائها أو أنه حدث بعد الصلاة بنت على صحة الطواف و الصلاة (2) و إذا علمت أن حدوثه كان قبل الصلاة و ضاق الوقت سعت و قصرت و أخرت الصلاة إلى أن تطهر و قد تمت عمرتها.

(1) على الأحوط، اذ لا دليل على وجوب الاتيان بالصلاة قبل طواف الحج، فان مورد الروايات انما هو تقديم طواف العمرة على طواف الحج، و لا يعم تقديم صلاة طواف العمرة على طواف الحج، و من تلك الروايات صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المرأة المتمتعة اذا قدمت مكة، ثم حاضت، تقيم ما بينها و بين التروية، فان طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت الى منى، فاذا قضت المناسك وزارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الّا فراش زوجها، فاذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها» «1»، و منها غيرها «2».

و على هذا فاذا فرض أن المرأة حاضت بعد طواف العمرة و قبل صلاته و ضاق الوقت و احرمت للحج و أخرت الصلاة الى ما بعد أعمال منى، فان هذه الروايات لا تدل على تقديمها على طواف الحج، لأن هذه الصورة خارجة عن موردها، و لا يوجد دليل آخر غيرها، و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر به وجوبا التقديم.

(2) هذا لا من جهة قاعدة الفراغ، لما ذكرناه من أن جريانها مرتبط بما اذا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 301

.......... احتمل المكلف أنه حين العمل كان ملتفتا الى ما يعتبر فيه دون مثل المقام، فإنها كانت غافلة عن حيضها حال العمل، و بعده شعرت به، و شكت في أنه حدث قبل العمل أو بعده أو اثناءه، و في هذه الحالة لا تجرى القاعدة، بل من جهة استصحاب عدم حدوثه حال العمل.

قد يقال- كما قيل- إن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم الطواف في واقع زمان يكون ذلك زمان عدم الحيض، و يترتب عليه نفي الحكم بنفي أحد جزئي الموضوع المركب.

و قد أجاب عن ذلك السيد الاستاذ

قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: انه لا يثبت وقوعه في زمان الحيض الّا بنحو مثبت، و بدونه لا اثر له.

و الآخر: أن الموضوع بما أنه مركب من جزءين، أحدهما وجود الطواف، و الآخر عدم الحدث كالحيض مثلا، و حينئذ فان كان المستصحب عدم وجود الطواف في نفسه بمفاد كان التامة فلا شك فيه حتى يستصحب عدمه، و إن كان المستصحب عدم وجوده المقيد بزمان الحادث الآخر و هو عدم الحيض في المقام، فيرده:

أولا: انه لا حالة سابقة للمقيد لكي يستصحب.

و ثانيا: ان وجوده المقيد بما هو مقيد ليس موضوعا للحكم حتى ينتفي بنفيه، فان الموضوع مركب لا مقيد.

و لكن كلا الوجهين غير تام، اما الوجه الأول؛ فلأن الغرض من هذا الاستصحاب ليس اثبات وقوع الطواف في زمان الحيض، لكي يقال إنه مثبت، بل الغرض منه نفي الموضوع المركب بنفي أحد جزأيه، و المفروض انه ينفى ذلك.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 302

.......... و أما الثاني: فلأن ما هو معلوم وجدانا صرف وجود الطواف، و أما وجود الحصة منه في واقع زمان لا طريق لنا الى الاشارة اليه الّا بعنوان زمان عدم الحيض بدون أن يكون ذلك العنوان مأخوذا في مصب التعبد الاستصحابي، فهو مشكوك فيه، فلا مانع من استصحاب عدم وجودها فيه، و حينئذ يكون المنفي نفس جزء الموضوع المركب، فينتفي الحكم بانتفائه، و على ضوء هذه النكتة يجري استصحاب بقاء أحد جزأيه الى واقع زمان الجزء الآخر، كاستصحاب بقاء الجزء الأول المقيد بكونه في زمان الجزء الآخر، لأن استصحاب بقاء الجزء الأول المقيد بكونه في زمان الجزء الآخر، لأن الاستصحاب فيه مضافا الى انه لا يجري في نفسه لعدم حالة سابقة له، أن الموضوع للحكم مركب

لا مقيد، بل المقصود اثبات الجزء الأول في واقع زمان يكون ذلك زمان الجزء الآخر، فالنتيجة أن ما ذكره قدّس سرّه من الحل لا يتم.

و الصحيح في حل هذا الاشكال أن يقال: إن موضوع الحكم صرف وجود المركب من ذاتي الجزءين في الخارج بدون أخذ أي عنوان زائد فيه، و على هذا الأساس يكون الموضوع في المقام صرف وجود الطواف و صرف عدم الحيض خارجا بدون تقييد أحدهما بالآخر، فاذا تحقق ذلك الموضوع في أي زمن من الأزمنة ترتب عليه حكمه، و حينئذ فلا يمكن نفي الحكم عن هذا الموضوع الّا بنفيه، و من الواضح أنه لا يمكن نفيه بنفي فرده بالاستصحاب الّا بنحو مثبت، فان المستصحب في المقام هو عدم وجود حصة من الطواف و هي الحصة في واقع زمان يكون ذلك زمان الحادث الآخر، و هو عدم الحيض من جهة الشك في وجودها فيه، و هي بما أنها فرد من طبيعي جزء الموضوع، فلا يمكن نفي الطبيعي بنفي فرده، فانه مثبت، فمن أجل ذلك لا يصلح أن يعارض

[مسألة 294: إذا دخلت المرأة مكة و كانت متمكنة من اعمال العمرة و لكنها أخرتها الى أن حاضت حتى ضاق الوقت مع العلم و العمد]

(مسألة 294): إذا دخلت المرأة مكة و كانت متمكنة من اعمال العمرة و لكنها أخرتها الى أن حاضت حتى ضاق الوقت مع العلم و العمد فالظاهر فساد عمرتها و الأحوط أن تعدل الى حج الافراد (1) و لا بد لها من اعادة الحج في السنة القادمة.

[مسألة 295: الطواف المندوب لا تعتبر فيه الطهارة]

(مسألة 295): الطواف المندوب لا تعتبر فيه الطهارة (2) فيصح بغير طهارة و لكن صلاته لا تصح الا عن طهارة.

استصحاب بقاء الجزء الأول و هو عدم الحيض في المقام الى واقع زمان يكون ذلك زمان الجزء الآخر و هو الطواف.

فالنتيجة: انه لا يترتب على استصحاب نفي الفرد نفي الطبيعي، بدون فرق في ذلك بين الأفراد الطولية و الأفراد العرضية، كما في القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي، فان الأثر الشرعي اذا كان مترتبا على الطبيعي الجامع فلا يمكن نفيه بضم استصحاب عدم تحقق الفرد الطويل الى عدم بقاء الفرد القصير وجدانا في الزمن الثاني الّا بنحو مثبت، هذا اضافة الى أن استصحاب عدم الطواف في واقع زمان يكون ذلك الزمان زمان الحيض من الاستصحاب في الفرد المردد و هو باطل لان واقع ذلك الزمان مردد بين زمان نعلم بعدم الطواف فيه و زمان نعلم بثبوته فيه على تفصيل ذكرناه في محله.

(1) تقدم الكلام فيها موسعا في المسألة (4) من (فصل صورة حج التمتع) فلا نعيد.

(2) و تنص عليه جملة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم: سألت أحدهما عليهما السّلام: «عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور؟ قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و إن كان تطوعا توضأ و صلى ركعتين» «1».

[مسألة 296: المعذور يكتفي بطهارته العذرية كالمجبور و المسلوس

(مسألة 296): المعذور يكتفي بطهارته العذرية كالمجبور (1) و المسلوس (2) اما المبطون فالأحوط ان يجمع مع التمكن بين الطواف بنفسه و الاستنابة (3)

و منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل طاف تطوعا و صلّى ركعتين و هو على غير وضوء، فقال: يعيد الركعتين، و لا يعيد الطواف» «1».

و منها: موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام، قال: «قلت له: رجل طاف على غير وضوء، فقال: إن كان تطوعا فليتوضأ و ليصل» «2».

و منها: موثقته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: اني اطوف طواف النافلة و أنا على غير وضوء، قال: توضأ و صل و إن كنت متعمدا» «3».

و هذه الروايات واضحة الدلالة على أن صحة الطواف المندوب غير مشروطة بالطهارة، فلو جاز دخول الجنب أو الحائض في المسجد لجاز أن يطوف تطوعا.

(1) فيه ما تقدم منا في المسألة (30) في الجزء الأول من تعاليق مبسوطة في (فصل أحكام الجبائر) من أن الوضوء الجبيري رافع للحدث كالوضوء التام، فاذا أتى به المكلف جاز له الاتيان بكل ما هو مشروط بالطهارة، كالصلاة و نحوها على تفصيل هناك.

(2) تقدم في (فصل: في حكم دائم الحدث) أن وضوء المسلوس و المبطون رافع للحدث، و لا ينتقض بما يخرج منهما قهرا ما لم يحدثا بحدث آخر من نوم أو نحوه على تفصيل هناك.

(3) لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، لأن الروايات التي تنص على أن المبطون يطاف عنه و يرمى عنه، فلا بد من حملها على العاجز عنهما، اذ لا يحتمل أن يكون مجرد البطن موجبا لذلك، و من هذه الروايات صحيحة معاوية

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 305

.......... ابن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إنه قال: المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: الكسير يحمل فيطاف به، و المبطون يرمي و يطاف عنه و يصلى عنه» «2».

و منها: صحيحة حبيب الخثعمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أمر رسول اللّه صلّى

اللّه عليه و آله أن يطاف عن المبطون و الكسير» «3».

و هذه الروايات و إن كانت مطلقة و لم تقيد الاستنابة بالعجز، الّا أن هناك قرائن على هذا التقييد.

الأولى: ما ذكرناه من أن وضوءه كوضوء المكلف العادي، فلا ينتقض بما يصدر منه قهرا ما لم يصدر منه حدث آخر، و من هنا يجوز له أن يأتي به بكل ما هو مشروط بالطهارة كالصلاة و الطواف و نحوهما، فاذا كان الأمر كذلك لم يجز له الاستنابة في طوافه و صلاته كالمكلف العادي.

الثانية: ان الرمي لا يكون مشروطا بها، فلو كان قادرا عليه بنفسه لم يجز له الاستنابة فيه، فاذن دلالة الروايات على الاستنابة فيه قرينة على أنه غير قادر عليه.

الثالثة: ان اشتراك المبطون مع الكسير في الحكم يؤكد أن المراد منه هو العاجز، كما ان المراد من الكسير ذلك.

فالنتيجة: ان هذه الروايات انما هي في مقام بيان وظيفة العاجز، سواء أ كان مبطونا أم مكسورا أم غير ذلك، فاذن يكون المبطون كالمسلوس و المجبور.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 306

و أما المستحاضة فالأحوط لها (1) ان تتوضأ لكل من الطواف و صلاته ان كانت الاستحاضة قليلة و ان تغتسل غسلا واحدا لهما و تتوضا لكل منهما ان كانت الاستحاضة متوسطة و أما الكثيرة فتغتسل لكل منهما من دون حاجة الى الوضوء ان لم تكن محدثة بالاصغر، و الا فالأحوط ضم الوضوء الى الغسل.

(1) بل هو غير بعيد، لأن الاستحاضة بما أنها حدث و هي مستمرة، فمقتضى القاعدة عدم تمكنها من الطواف، باعتبار أنه مشروط بالطهارة، و لكن صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المستحاضة أ يطأها زوجها؟

و هل تطوف بالبيت؟ ... الى أن قال: تصلي كل صلاتين بغسل واحد، و كل شي ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها، و لتطف بالبيت»»

تدل على أن كل ما يكون مسوغا للصلاة يكون مسوغا للطواف أيضا، و على هذا فان كانت استحاضتها صغرى، فوظيفتها أن تتوضأ لكل ما هو مشروط بالطهارة، و من ذلك الطواف و صلاته، و إن كانت وسطى، فوظيفتها أن تغتسل في كل يوم و ليلة مرة واحدة، و تتوضأ لكل ما هو مشروط بالطهارة، و على هذا فاذا أرادت الطواف فعليها أن تتوضأ وضوءا من أجل الطواف، و وضوءا من أجل صلاته، و لا يجب عليها الغسل من أجلهما.

و دعوى: وجوبه بتقريب أن كفاية غسل واحد في اليوم و الليلة إنما هي بالنسبة الى الفرائض اليومية، و أما اذا ارادت الاتيان بغيرهما مما هو مشروط بالطهارة، فعليها أن تغتسل مرة ثانية من أجل الاتيان به.

مدفوعة: بان الظاهر من الروايات أن عليها غسلا واحدا في أربع و عشرين ساعة، و بما أن وجوبه عليها في هذه الفتره الزمنية الطويلة لا يمكن أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 307

.......... يكون بلا مبرر و جزافا، فلا محالة يكون مبرره أنه رافع لحدثها الأكبر في هذه الفترة، و بعد الغسل اذا ارادت الاتيان بما هو مشروط بالطهارة فعليها أن تتوضأ و تأتي به سواء أ كان ذلك الصلاة أم كان غيرها كالطواف، فلا مقتضى حينئذ للغسل من أجل الطواف. و إن كانت كبرى فعليها أن تغتسل لكل من الطواف و صلاته، و كفاية غسل واحد للصلاتين المترتبتين كالظهرين و العشاءين لا تكون قرينة على كفاية ذلك للطواف و صلاته معا، لأن الكفاية للصلاتين قد ثبتت

بالنص، و الّا فمقتضى القاعدة عدم الكفاية، و لا نص في المقام، و حينئذ فمقتضى القاعدة فيه وجوب الغسل لكل منهما، و لا يمكن التعدي عن مورد النص الى غيره بدون قرينة، باعتبار أن الحكم في مورده يكون على خلاف القاعدة. و أما الصحيحة المذكورة فتدل على أن الطواف بحاجة الى الغسل كالصلاة، و لا تدل على أنه يكفي لصلاته أيضا.

فالنتيجة: ان وجوب الغسل لكل منها لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنه أحوط.

قد تسأل أن مقتضى قوله عليه السّلام في ذيل صحيحة نعيم الصحاف: «فان عليها أن تغتسل في كل يوم و ليلة ثلاث مرات، و تحتشى و تصلى و تغتسل للفجر، و تغتسل للظهر و العصر، و تغتسل للمغرب و العشاء الآخرة، قال: و كذلك تفعل المستحاضة، فانها اذا فعلت ذلك اذهب اللّه بالدم عنها» «1»، ان المستحاضة اذا فعلت ما يجب عليها أن تفعله من أجل الصلوات اليومية طهرت من حدث الدم.

و الجواب أولا: ان ذلك لو تم فانما يتم في الاستحاضة الكبرى، باعتبار أنها موردها.

[الثالث: من الامور المعتبرة في الطواف: الطهارة من الخبث
اشارة

الثالث: من الامور المعتبرة في الطواف:

الطهارة من الخبث (1)، فلا يصح الطواف مع نجاسة البدن أو اللباس، و النجاسة المعفو عنها في الصلاة كالدم الاقل من الدرهم لا تكون معفوا عنها في الطواف على الأحوط.

و ثانيا: ان قوله عليه السّلام: «أذهب اللّه بالدم عنها» مجمل مردد بين أنها طهرت مطلقا اذا فعلت ما هو وظيفتها من الأغسال، أو أنها طهرت للصلوات اليومية فحسب، فلا ظهور له في الأول، هذا اضافة الى أن الروايات التي تنص على الجمع بين الظهرين و العشاءين تارة بلسان الجمع، و أخرى بلسان تؤخر هذه و تقدم هذه، تدل على ان

اتيانها بما عليها من الأغسال لا يوجب كونها مطهرة مطلقا، و من هنا اذا لم تجمع المستحاضة بين الظهرين و العشاءين، وجبت عليها خمسة أغسال.

(1) على الأحوط، لأن الروايات التي استدل بها على اعتبار الطهارة من الخبث فيه بأجمعها ضعيفة سندا.

منها: رواية يونس بن يعقوب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رأيت في ثوبي شيئا من الدم و أنا أطوف، قال فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله، ثم عد فابن على طوافك» «1»، و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة، الّا أنها ضعيفة سندا، فان في طريق الصدوق الى يونس بن يعقوب حكم بن مسكين، و هو ممن لم يثبت توثيقه، و لا يجدي مجرد كونه من رجال كامل الزيارات.

و منها: روايته الأخرى، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف، قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه، ثم يخرج و يغسله، ثم يعود فيتم طوافه» «2» و هي أيضا ضعيفة سندا، فان في سندها محسن بن أحمد، و هو لم يثبت توثيقه.

[مسألة 297: لا بأس بدم القروح و الجروح فيما يشق الاجتناب عنه

(مسألة 297): لا بأس بدم القروح و الجروح فيما يشق الاجتناب عنه (1) و لا تجب ازالته عن الثوب و البدن في الطواف كما لا بأس بالمحمول المتنجس و كذلك نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه.

نعم مقتضى مرسلة ابن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله، فطاف في ثوبه، فقال: اجزأه الطواف، ثم ينزعه و يصلّي في ثوب طاهر» «1»، عدم مانعية النجاسة عن صحة الطواف، و لكن بما أنها مرسلة فلا يمكن الاعتماد

عليها.

و منها: رواية حبيب بن مظاهر، قال: «ابتدأت في طواف الفريضة، فطفت شوطا واحدا فاذا انسان قد أصاب أنفى فادماه، فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام، فقال: بئس ما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت- الحديث» «2» و هذه الرواية أيضا لا يمكن الاعتماد عليها، إما من أجل أنها مرسلة اذا كان المراد من حبيب بن مظاهر هو الذي كان من أصحاب الحسين عليه السّلام في واقعة الطف و استشهد فيه كما طبق عليه صاحب الوسائل قدّس سرّه، لأن حماد بن عثمان الذي هو من أصحاب الصادق عليه السّلام لا يمكن أن يروي عنه بلا واسطة و إن كان غيره فهو مجهول.

فالنتيجة: ان اعتبار الطهارة من الخبث في صحة الطواف مبني على الاحتياط، و إن كان عدم الاعتبار لا يخلو عن قوة.

(1) بل مطلقا، لما مر من أنه لا دليل على اعتبار طهارة البدن و الثوب في صحة الطواف، و على تقدير اعتبارها في صحته، فالأظهر عدم الفرق بين دم القروح و الجروح، و بين غيره من النجاسة، لأن دليل العفو عنه مختص بالصلاة، و لا يشمل الطواف، و يؤيد ذلك اطلاق رواية يونس بن يعقوب المتقدمة و غيرها.

[مسألة 298: اذا لم يعلم بنجاسة بدنه أو ثيابه ثم علم بها بعد الفراغ من الطواف صح طوافه

(مسألة 298): اذا لم يعلم بنجاسة بدنه أو ثيابه ثم علم بها بعد الفراغ من الطواف صح طوافه، فلا حاجة إلى اعادته، و كذلك تصح صلاة الطواف إذا لم يعلم بالنجاسة إلى ان فرغ منها (1).

[مسألة 299: إذا نسي نجاسة بدنه أو ثيابه ثم تذكرها بعد طوافه صح طوافه على الأظهر]

(مسألة 299): إذا نسي نجاسة بدنه أو ثيابه ثم تذكرها بعد طوافه صح طوافه على الأظهر (2)، و ان كانت اعادته احوط، و اذا تذكرها بعد صلاة الطواف اعادها (3).

(1) اما الطواف فقد مر أنه لا دليل على أن النجاسة مانعة عنه حتى في صورة العلم بها فضلا عن الجهل.

و اما الصلاة فلأن النجاسة و إن كانت مانعة عنها، الّا أن مقتضى اطلاق حديث لا تعاد ان مانعيتها علمية لا واقعية، هذا اضافة الى الروايات الخاصة التي تنص على الفرق بين العلم بها و الجهل.

(2) مر الاشكال بل المنع في أصل مانعية النجاسة عن الطواف، و على تقدير تسليم أنها مانعة، فمقتضى حديث الرفع عدمها في حالة النسيان.

(3) على الأحوط، لما ذكرناه في بحث الفقه من أن الروايات التي تنص على وجوب اعادة الصلاة إذا صلاها في ثوب أو بدن نجس ناسيا النجاسة، معارضة بالرواية التي تنص على الصحة و عدم وجوب الاعادة، و بعد سقوطهما بالتعارض يرجع الى أصالة البراءة عن جزئية المنسي أو شرطيته.

و دعوى: أن الروايات الدالة على الاعادة روايات معروفة و مشهورة، و ما دل على عدم الاعادة رواية شاذة فلا تصلح أن تعارضها.

مدفوعة: بان شهرتها لم تبلغ الى حد التواتر، و بدون ذلك فلا أثر لها.

فالنتيجة: ان مقتضى القاعدة نظريا عدم وجوب الاعادة، و لكن مع هذا فالاحتياط لا يترك.

[مسألة 300: إذا لم يعلم بنجاسة بدنه او ثيابه، و علم بها أثناء الطواف أو طرأت النجاسة عليه قبل فراغه من الطواف

(مسألة 300): إذا لم يعلم بنجاسة بدنه او ثيابه، و علم بها أثناء الطواف أو طرأت النجاسة عليه قبل فراغه من الطواف فان كان معه ثوب طاهر مكانه طرح الثوب النجس و أتم طوافه في ثوب طاهر و ان لم يكن معه ثوب طاهر فان كان ذلك بعد إتمام الشوط

الرابع من الطواف قطع طوافه و لزمه الاتيان بما بقي منه بعد ازالة النجاسة و ان كان العلم بالنجاسة أو طروها عليه قبل اكمال الشوط الرابع قطع طوافه و أزال النجاسة و يأتي بطواف كامل بقصد الاعم من التمام و الاتمام على الأحوط (1).

[الرابع: الختان للرجال
اشارة

الرابع: الختان للرجال، و الأحوط بل الأظهر اعتباره في الصبي المميز أيضا إذا أحرم بنفسه. و أما إذا كان الصبي غير مميز أو كان احرامه من وليّه فاعتبار الختان في طوافه غير ظاهر و ان كان الاعتبار أحوط (2).

[مسألة 301: إذا طاف المحرم غير مختون بالغا كان أو صبيا مميزا فلا يجتزى بطوافه

(مسألة 301): إذا طاف المحرم غير مختون بالغا كان أو صبيا مميزا فلا يجتزى بطوافه فان لم يعده مختونا فهو كتارك الطواف يجري فيه ماله من الأحكام الآتية.

(1) يظهر حكم هذه المسألة مما تقدم، و مع الاغماض عما ذكرناه، و تسليم أن النجاسة مانعة عن الطواف، فلا وجه للتفصيل بين أن يكون طرو النجاسة بعد الشوط الرابع أو قبله، و قد تقدم ان الأظهر عدم بطلان الطواف بصدور الحدث اثناءه، بدون فرق بين أن يكون قبل تجاوز النصف أو بعده.

(2) لا بأس بتركه، لأن الروايات التي تنص على اعتبار الختان في صحة الطواف لا تشمل الصبي غير المميز، لأن مورد اكثرها الرجل، و في بعضها التفصيل بينه و بين المرأة.

نعم هنا رواية واحدة لا يكون موردها الرجل، و هي صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: الاغلف لا يطوف بالبيت، و لا بأس أن تطوف

[مسألة 302: إذا استطاع المكلف و هو غير مختون

(مسألة 302): إذا استطاع المكلف و هو غير مختون فان امكنه الختان و الحج في سنة الاستطاعة وجب ذلك، و إلا أخر الحج إلى السنة القادمة (1) فان لم يمكنه الختان أصلا لضرر أو حرج أو نحو ذلك فاللازم عليه الحج، لكن الأحوط ان يطوف بنفسه في عمرته و حجه و يستنيب أيضا من يطوف عنه (2) و يصلي هو صلاة الطواف بعد طواف النائب.

[الخامس: ستر العورة حال الطواف على الأحوط]

الخامس: ستر العورة حال الطواف على الأحوط (3)

المرأة» «1» فانها و إن كانت تشمل الصبي أيضا باعتبار أن الاغلف يعم البالغ و غيره، الّا أن نهيه عن الطواف بالبيت بنفسه يدل على اختصاصها بمن يكون مأمورا به مباشرة، و بما أن الصبي غير المميز لا يكون مأمورا بالطواف مباشرة، فلا يكون مشمولا لها.

فالنتيجة: ان المستفاد من الروايات أن الختان شرط في صحة الطواف للبالغ و الصبي المميز، و بذلك يظهر حال المسألة الآتية.

(1) و تدل عليه معتبرة حنان بن سدير، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن نصراني أسلم و حضر الحج، و لم يكن اختتن، أ يحج قبل أن يختتن؟ قال: لا، و لكن يبدأ بالسنة» «2»، هذا اضافة الى أن ذلك مقتضى القاعدة حيث أنه لا يتمكن من الحج في هذه السنة لعدم تمكنه من الختان فيها الذي هو من شروط صحته.

(2) هذا هو الأقوى، و ذلك لأن احتمال سقوط الحج عنه غير محتمل، كما أن احتمال سقوط شرطية الختان خلاف اطلاق دليله، فاذن لا محالة تكون وظيفته الاستنابة، باعتبار أنه عاجز عن الطواف، و مع ذلك فالأولى و الأجدر به أن يطوف بنفسه أيضا.

(3) هذا، و لكن الأقوى عدم اعتباره، لعدم الدليل عليه.

تعاليق مبسوطة على مناسك

الحج، ص: 313

و يعتبر في الساتر الاباحة. و الأحوط اعتبار جميع شرائط لباس المصلي فيه (1).

نعم قد يستدل على ذلك تارة بالنبوي المعروف: «الطواف بالبيت صلاة» و أخرى بالروايات الناهية عن الطواف عريانا، و لكن لا يمكن الاستدلال بشي ء منهما. اما النبوي، فهو غير ثابت من طرقنا، فلذلك لا يمكن الاعتماد عليه و أما الروايات الناهية فهي بأجمعها ضعيفة من ناحية السند، فلا يمكن الاعتماد على شي ء منها، هذا اضافة الى أن اعتبار الستر في صحة الطواف شي ء، و النهي عن الطواف عريانا شي ء آخر، اذ قد يكون الشخص مكشوف العورة و مع ذلك لا يصدق عليه أنه عريان، كما اذا كان عليه لباس قصير أو فيه ثقب يظهر منه عورته، و قد يكون مستور العورة و مع ذلك يصدق عليه أنه عريان، كما اذا ستر عورته بيده أو بطين أو حشيش أو خرقة.

فالنتيجة: أن هذه الروايات ضعيفة سندا و دلالة.

(1) لا بأس بتركه، لما مر من أنه لا دليل على أن الطائف اذا كان مكشوف العورة بطل طوافه، أو فقل أن كون ستر العورة شرطا في صحة الطواف بحاجة الى دليل و لا دليل عليه.

و أما مع الاغماض عن ذلك، و تسليم ان الستر شرط فيه، فهل يعتبر أن يكون مباحا؟ الأظهر عدم اعتبار الاباحة فيه، لما ذكرناه في الستر الصلاتي من أن الأقوى عدم اعتبار شرطية اباحته في صحة الصلاة، فلو كان مغصوبا لم تمنع غصبيته عن صحتها، باعتبار أن الستر قيد للصلاة، و هو خارج عنها، و ليس من واجباتها، و التقيّد به داخل فيها، و عليه فاذا تعلق به النهي فقد تعلق بذات القيد دون التقيد به، لأنه أمر معنوي لا

واقع موضوعي له لكي يتعلق به النهي، و من الواضح أن تعلق النهي بذات القيد لا يمنع عن الانطباق، على أساس أن الحرام لا يكون متحدا مع الواجب خارجا، و هذا البيان ينطبق على المقام حرفيا، و من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 314

.......... هنا يظهر الحال فيما اذا كان غير الساتر مغصوبا، فانه على تقدير تسليم أن غصبيّة الساتر مانعة عن الصحة، فلا تمنع غصبية غيره عنها، باعتبار أن غير الساتر لا يكون قيدا للواجب.

[واجبات الطواف
اشارة

واجبات الطواف تعتبر في الطواف أمور سبعة:

الاول: الابتداء من الحجر الأسود (1)، و الأحوط الأولى أن يمرّ بجميع بدنه على جميع الحجر و يكفي في الاحتياط أن يقف دون الحجر بقليل فينوي الطواف من الموضع الذي تتحقق فيه المحاذاة واقعا على أن تكون الزيادة من باب المقدمة العلمية.

الثاني: الانتهاء في كل شوط بالحجر الأسود و يحتاط في الشوط الأخير بتجاوزه عن الحجر بقليل على أن تكون الزيادة من باب المقدمة العلمية.

الثالث: جعل الكعبة على يساره في جميع أحوال الطواف، فاذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل الاركان أو لغيره أو ألجأه الزحام الى استقبال الكعبة أو استدبارها أو جعلها على اليمين فذلك المقدار لا يعد من الطواف (2) و الظاهر أن العبرة في جعل الكعبة على اليسار بالصدق العرفي (1) بأن يقف الى جانب الحجر، محاذيا له، قريبا منه، أو بعيدا عنه، مراعيا أن تكون الكعبة الشريفة الى جانبه الأيسر، ثم ينوي طواف العمرة أو الحج، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود الى الحجر الأسود» «1».

(2) فان الواجب

هو أن يطوف حول الكعبة سبع مرات يراعى في تمام

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 316

كما يظهر ذلك من طواف النبي صلّى اللّه عليه و آله راكبا، و الاولى المداقة في ذلك و لا سيما عند فتحي حجر اسماعيل و عند الاركان.

الرابع: إدخال حجر اسماعيل في المطاف بمعنى أن يطوف حول الحجر من دون أن يدخل فيه (1).

الخامس: خروج الطائف عن الكعبة و عن الصفة التي في أطرافها المسماة بشاذروان (2).

السادس: ان يطوف بالبيت سبع مرات (3)

أحوال الطواف ان تكون الكعبة الشريفة في جانبه الأيسر مبتدئا في كل مرة بالحجر و منتهيا في كل مرة اليه، فاذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل الأركان، أو لغيره، أو الجأه الزحام الى استقبال الكعبة، أو استدبارها، أو جعلها على اليمين، فذلك المقدار الذي خطى مستقبل الكعبة لا يعد من الطواف، فيعيد من حيث انحرف، و لا يقصد بوضع الكعبة على اليسار أن ينحرف الطائف كتفه الأيسر عند مروره بالأركان، لكي يكون محاذيا لبناء الكعبة، فان هذه التدقيقات غير واجبة جزما لأن المقصود من جعل الكعبة على يساره تحديد و جهة سير الطائف كما هو ظاهر.

(1) تدل عليه جملة من الروايات، و منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

(2) لا وجود له في زماننا هذا حتى نتكلم عن حكمه. نعم لو كان موجودا و شك في أنه من البيت فالأحوط وجوبا أن يكون الطواف من خارجه.

(3) تنص عليه طوائف من الروايات التي تبلغ مجموعها من الكثرة حد التواتر اجمالا.

منها: الروايات البيانية الواردة في كيفية الحج و واجباته.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 317

متواليات عرفا (1) و لا يجزي الأقل من السبع، و يبطل الطواف بالزيادة على السبع عمدا كما سيأتي.

[مسألة 303: اعتبر المشهور في الطواف أن يكون بين الكعبة و مقام ابراهيم عليه السّلام

(مسألة 303): اعتبر المشهور في الطواف أن يكون بين الكعبة و مقام ابراهيم عليه السّلام و يقدّر هذا الفاصل بستة و عشرين ذراعا و نصف ذراع، و بما ان حجر اسماعيل داخل في المطاف فمحل الطواف من الحجر لا يتجاوز ستة أذرع و نصف ذراع و لكن الظاهر كفاية الطواف في الزائد على هذا المقدار أيضا (2) و لا سيما لمن لا يقدر على الطواف في الحد المذكور أو انه حرج عليه و رعاية الاحتياط مع التمكن أولى.

و منها: الروايات الواردة في الشك في عدد الأشواط.

و منها: الروايات الآمرة بوجوب الاعادة اذا زاد شوطا على سبعة أشواط.

و منها: الروايات الواردة في القران بين اسبوعين، و منها غيرها. فمن أجل ذلك يكون الطواف حول البيت سبع مرات أمرا مفروغا عنه و متسالما عليه.

(1) هذا هو المتفاهم العرفي من الروايات التي تنص على أن الطواف مركب من سبعة أشواط، و هو عمل واحد مركب، و من الواضح أن وحدته بنظر العرف متقومة بالتوالي بين اجزائه و واجباته.

فالنتيجة: ان مقتضى القاعدة اعتبار التوالي بين اشواط الطواف. نعم هناك مستثنيات من مقتضى هذه القاعدة بدليل خاص.

منها: ما اذا حاضت المرأة في اثناء الطواف، فانها تقطع طوافها، و تأتي بالباقي بعد الظهر، و منها غير ذلك مما يأتي في ضمن البحوث القادمة.

(2) هذا هو الصحيح، فان ما هو المشهور بين الأصحاب من وجوب كون الطواف بين الكعبة و المقام مراعيا تلك المسافة في جميع اطراف البيت، لا دليل عليه الّا رواية محمد بن مسلم، قال: «سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 318

.......... خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت، قال: كان الناس على عهد

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و انتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت، فكان الحد موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، و الحد قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلها، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لأنه طاف في غير حدّ و لا طواف له» «1» و هذه الرواية و إن كانت واضحة الدلالة، الّا أنها ضعيفة سندا، فان في سندها ياسين الضرير، و هو ممن لم يثبت توثيقه، فمن أجل ذلك لا يمكن الاعتماد عليها في تقييد اطلاقات الروايات التي تدل على أن وظيفة المكلف الطواف حول البيت بدون أن تحدد المطاف بمسافة معينة و محددة، و مقتضى اطلاق تلك الروايات أن المعيار انما هو بصدق الطواف حول البيت عرفا، و من المعلوم أنه يصدق و إن كان من خلف المقام.

[الخروج عن المطاف الى الداخل أو الخارج
اشارة

الخروج عن المطاف الى الداخل أو الخارج

[مسألة 304: إذا خرج الطائف عن المطاف فدخل الكعبة بطل طوافه و لزمته الاعادة]

(مسألة 304): إذا خرج الطائف عن المطاف فدخل الكعبة بطل طوافه و لزمته الاعادة (1)، و الاولى إتمام الطواف ثم إعادته إذا كان الخروج بعد تجاوز النصف.

(1) تدل على ذلك جملة من الروايات:

منها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن كان يطوف بالبيت، فيعرض له دخول الكعبة، فدخلها، قال: يستقبل طوافه» «1».

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة اشواط، ثم وجد من البيت خلوه فدخله، كيف يصنع؟ قال: يعيد طوافه، و خالف السنة» «2»، و منها غيرهما، و مقتضى اطلاق هذه الروايات أن الدخول في البيت يوجب بطلان الطواف، و وجوب استينافه من الأول، كما أن مقتضى اطلاق الصحيحة الأولى عدم الفرق بين أن يكون الدخول قبل تجاوز النصف أو بعده.

و أما في الصحيحة الثانية و إن فرض الدخول فيه قبل تجاوز النصف، الّا أن ذلك لما كان في كلام السائل لا في كلام الإمام عليه السّلام فلا يدل على الاختصاص، بل المتفاهم العرفي منها عدم الفرق بين أن يكون الدخول قبل تجاوز النصف أو بعده، و مع التنزل عن ذلك فالصحيحة ساكتة عن حكم الدخول بعد التجاوز من النصف، فالمرجع فيه حينئذ هو اطلاق الصحيحة الأولى، و عليه فما هو

[مسألة 305: إذا تجاوز عن مطافه إلى الشاذروان بطل طوافه

(مسألة 305): إذا تجاوز عن مطافه إلى «الشاذروان» بطل طوافه (1) بالنسبة إلى المقدار الخارج عن المطاف و الاحوط اتمام الطواف بعد تدارك ذلك المقدار ثم اعادته و الأحوط ان لا يمد يده على طوافه من جانب «الشاذروان» إلى جدار الكعبة لاستلام الاركان أو غيره (2).

[مسألة 306: إذا دخل الطائف حجر اسماعيل بطل الشوط الذي وقع ذلك فيه فلا بد من اعادته

(مسألة 306): إذا دخل الطائف حجر اسماعيل بطل الشوط الذي وقع ذلك فيه فلا بد من اعادته (3)، و الأولى اعادة الطواف بعد إتمامه،

المشهور بين الأصحاب من التفصيل بين ما اذا كان الدخول في البيت بعد تجاوز النصف، و ما اذا كان قبله، فعلى الأول صحيح، و على الثاني باطل، لا أصل له.

(1) هذا اذا كان واثقا بأن الشاذروان من البيت، و أما اذا كان شاكا في أنه من البيت أو لا، فالحكم بالبطلان يكون مبنيا على الاحتياط.

ثم إن الظاهر بطلان الشوط الذي طاف فوق الشاذروان دون بقية الأشواط، اذ لا دليل على بطلان البقية، و الروايات التي تنص على بطلان الطواف بدخول الكعبة لا تشمل المقام، فاذن يجب اعادة ذلك الشوط فحسب.

(2) لا بأس بتركه، لأن الواجب الطواف حول البيت، و هو لا يمنع عن صدق ذلك عرفا.

(3) تدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت: رجل طاف بالبيت، فاختصر شوطا واحدا في الحجر، قال: يعيد ذلك الشوط» «1».

و منها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يطوف بالبيت فيختصر في الحجر، قال: يقضي ما اختصر من طوافه» «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اختصر في الحجر الطواف، فليعد طوافه من الحجر الأسود الى الحجر الأسود» «3».

ثم انه لا معارضة بين

الصحيحتين الأوليين و الصحيحة الثالثة، فان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 321

هذا مع بقاء الموالاة، و أما مع عدمها فالطواف محكوم بالبطلان و ان كان ذلك عن جهل أو نسيان (1)، و في حكم دخول الحجر التسلق على حائطه على الأحوط (2)، بل الأحوط أن لا يضع الطائف يده على حائط الحجر أيضا.

[مسألة 307: إذا خرج الطائف من المطاف الى الخارج قبل تجاوزه النصف من دون عذر]

(مسألة 307): إذا خرج الطائف من المطاف الى الخارج قبل تجاوزه النصف من دون عذر فان فاتته الموالاة العرفية بطل طوافه و لزمته اعادته، و ان لم تفت الموالاة أو كان خروجه بعد تجاوز النصف فالأحوط إتمام الطواف ثم اعادته (3).

مقتضى الأوليين أن كل شوط اذا اختصر الطائف في الحجر فلا بد من اعادته، و ظاهر الصحيحة الثالثة أنه أتى بجميع الأشواط في الحجر، فمن أجل ذلك تجب عليه اعادة الجميع.

و إن شئت قلت: ان الصحيحة تنص على وجوب اعادة ما أتى به في الحجر من الطواف، فان كان تمام الاشواط فعليه اعادة التمام، و إن كان بعضها فعليه اعادة ذلك البعض.

(1) لإطلاق الروايات.

(2) لا بأس بتركه، لأن التسلق لا يكون دخولا في الحجر، و الممنوع انما هو دخول الطائف فيه.

(3) بل الأظهر اعادة الطواف من جديد اذا فاتت الموالاة، و إن كان الخروج بعد تجاوز النصف، و ذلك لأن الطواف كالصلاة عمل واحد عرفا، غاية الأمر أن الصلاة مركبة من الأقوال و الافعال، و الطواف مركب من سبعة اشواط حول البيت، فكما ان الموالاة معتبرة بين أجزاء الصلاة و واجباتها، فكذلك بين اشواط الطواف، لأن وحدة العمل المركب عرفا متقومة بها، و على هذا فاذا خرج

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 322

.......... الطائف عن المطاف بدون عذر مسوغ عامدا

و ملتفتا، فتارة يقع الكلام فيه بالنظر الى مقتضى القاعدة، و أخرى بالنظر الى مقتضى الروايات.

اما الكلام في الأول: فان كانت فترة الخروج يسيره بنحو لا تضر بالموالاة، فيرجع و يبني على ما تقدم منه من الأشواط، و لا شي ء عليه، على أساس أن المعتبر في صحة الطواف مضافا الى شروطه العامة و الطهارة من الحدث الموالاة العرفية بين اجزائه، فاذا فرض أن فترة الخروج بمقدار لا تفوت به الموالاة عرفا، فلا موجب للبطلان، و لا فرق في ذلك بين ان يكون الخروج من المطاف قبل الشوط الرابع أو بعده، كما أنه لا فرق فيه بين الطواف الواجب و المندوب و إن طالت مدة الخروج الى المقدار الذي تفوت معه الموالاة بطل الطواف، و لا فرق في ذلك أيضا بين أن يكون الخروج قبل الشوط الرابع أو بعده، كما أنه لا فرق فيه بين الطواف الواجب و المندوب، بل الأمر كذلك اذا خرج من المطاف من أجل عذر كالوضوء أو الغسل أو التطهير من الخبث، فان فترة الخروج إن طالت الى مدة تفوت معها الموالاة بطل الطواف، و الّا فلا موجب لبطلانه بدون فرق بين الطواف الواجب و المندوب، و بين أن يكون خروجه قبل انتهاء الشوط الرابع أو بعده.

و اما الكلام في الثاني: فعمدة الروايات في المسألة صحيحة أبان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل طاف شوطا أو شوطين، ثم خرج مع رجل في حاجته، قال: إن كان طواف نافلة بنى عليه، و إن كان طواف فريضة لم يبن» «1» و هذه الصحيحة تنص على أن خروج الطائف من المطاف بدون عذر شرعي إن كان في الطواف الواجب كان مبطلا

له، و إن كان في المندوب لم يبطل، و مقتضى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 323

.......... اطلاقها عدم الفرق بين أن تكون فترة الخروج بمقدار تفوت به الموالاة و بين أن لا تكون بهذا المقدار، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن مورد السؤال في الصحيحة و إن كان خروج الطائف من المطاف بعد شوط أو شوطين، الّا أن المتفاهم العرفي من جواب الإمام عليه السّلام عدم خصوصية لذلك، بقرينة أن تركيز الإمام عليه السّلام في مقام الجواب على الفرق بين الطواف الواجب و المندوب، لا على كون الخروج قبل اكمال الشوط الرابع، يدل على أن المانع عن صحة الطواف انما هو الخروج اثناء الطواف بدون عذر، سواء أ كان قبل اكمال الشوط الرابع، أم كان بعده.

و بكلمة: أن خروج الطائف عن المطاف بعد اكمال شوط او شوطين انما هو وارد في موضوع سؤال السائل دون جواب الإمام عليه السّلام فانه ناظر الى الفرق بين الطواف الواجب و المندوب، و احتمال اختصاص هذا الفرق بمورد السؤال فحسب بعيد جدا عن المرتكز العرفي.

فالنتيجة: ان المتفاهم منه عرفا أن الطواف إن كان فريضة فالخروج اثناؤه مبطل، و إن كان بعد اكمال الشوط الرابع، و إن كان نافلة لم يكن مبطلا.

و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن لمورد السؤال في الصحيحة خصوصيّة، الّا أن لازم ذلك هو التفصيل بين خروج الطائف عن المطاف بعد شوط أو شوطين، و خروجه عنه بعد ثلاثة اشواط، لا التفصيل بين خروجه عنه قبل اكمال الشوط الرابع و بعده- كما هو المشهور بين الأصحاب-.

و دعوى: أنه لا خصوصية لخروجه بعد شوط أو شوطين الّا بلحاظ أنه قبل الشوط الرابع.

مدفوعة: بأنه اذا

لم تكن للخروج بعد شوط أو شوطين خصوصية لدى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 324

.......... العرف، لم تكن له خصوصية بعد اكمال الشوط الرابع أيضا، اذ مقتضى القاعدة انه لا فرق بين أن يكون الخروج بعد شوط أو شوطين، أو يكون بعد الشوط الرابع، على أساس أن الخروج في الجميع يكون اثناء الطواف، كما هو الحال في غيره من الواجبات، كالصلاة و نحوها، اذ لا فرق في بطلان الصلاة بين أن يقطعها المصلي بعد تكبيرة الإحرام، أو بعد الركوع، أو بعد الركعة الثالثة.

و في مقابل هذه الصحيحة طائفتان من الروايات:

الأولى: متمثلة في رواية صفوان الجمال، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل يأتي أخاه و هو في الطواف، فقال: يخرج معه في حاجته، ثم يرجع و يبني على طوافه» «1» فانها تدل على أن خروج الطائف من المطاف من أجل الحاجة لا يكون مبطلا للطواف، فاذن تكون منافية للصحيحة المتقدمة.

و الجواب أولا: ان رواية صفوان ضعيفة سندا، لأن في طريق الصدوق اليه موسى بن عمرو هو ممن لم يثبت توثيقه، و مجرد أنه من رجال كامل الزيارات لا يجدي.

و ثانيا: مع تسليم كونها تامة سندا، الّا أنها لا تصلح أن تعارض الصحيحة باعتبار أنها أخص منها، و تتقدم عليها تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

فالنتيجة: تقييد مورد رواية صفوان بالطواف المندوب. و قد يجمع بينهما بحمل الصحيحة على ما اذا كان الخروج قبل تجاوز النصف، و رواية صفوان على ما اذا كان بعده.

و لكن يرد عليه: أن هذا الجمع ليس بجمع عرفي، لأن الجمع العرفي بين الدليلين مرتبط بأخصية أحدهما أو أظهريته، أو نصوصيته، و شي ء منها غير

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 325

..........

موجود في المقام، فاذن يكون هذا الجمع جمعا تبرعيا فلا يكون حجة.

و هاهنا روايات اخرى تنص على جواز قطع الطواف و الخروج من المطاف اختيارا لحاجة، ثم اذا رجع بنى على ما أتى به، و لكنها بأجمعها ضعيفة سندا أيضا، فلا يمكن الاعتماد عليها.

فالنتيجة: ان الطائف اذا خرج من المطاف عامدا و ملتفتا و بدون عذر شرعي، فالأظهر بطلان طوافه و إن كان خروجه بعد الشوط الرابع، و عليه أن يستأنف طوافا جديدا. نعم إذا كان خروجه عن المطاف بعد الشوط الرابع فالأحوط استحبابا أن يقصد به الأعم من التكميل و الاستئناف حسب ما هو المطلوب منه واقعا.

الثانية: صحيحة حمران بن أعين عن ابي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده، فطاف منه خمسة أشواط، ثم غمزه بطنه، فخاف أن يبدره، فخرج الى منزله، فنقض ثم غشي جاريته، قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه، و يستغفر اللّه و لا يعود، و إن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط، ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه، و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف اسبوعا» «1» بتقريب أنها تدل على التفصيل بين ما اذا كان خروج الطائف من المطاف قبل الشوط الرابع، و ما اذا كان بعده، فعلى الأول يبطل طوافه، و عليه أن يستأنف طوافا جديدا، و على الثاني لا يبطل فعليه أن يكمل ما بقي من طوافه.

و الجواب: ان موردها الجماع، و له أحكام خاصة في باب الحج، لا تترتب تلك الأحكام على غيره من الأحداث كالحيض و النفاس و الحدث

[مسألة 308: اذا أحدث اثناء طوافه جاز له أن يخرج و يتطهر ثم يرجع و يتم طوافه

(مسألة 308): اذا أحدث اثناء طوافه جاز له

أن يخرج و يتطهر ثم يرجع و يتم طوافه على ما تقدم (1)

الأصغر، بل و الاستمناء، فمن أجل ذلك لا يمكن التعدي عن موردها الى سائر الموارد، هذا اضافة الى أن مورد الصحيحة لا ينطبق على ما هو المعروف بين الأصحاب، من أن الطائف اذا أحدث اثناء الطواف، فان كان قبل بلوغ النصف بطل طوافه، و عليه أن يتوضأ و يستأنف طوافا جديدا، و إن كان بعده توضأ و أكمل ما بقي من طوافه، و ذلك لأن الصحيحة تفصل بين ما اذا كان الجماع بعد الشوط الخامس، و ما اذا كان بعد الشوط الثالث، فعلى الأول لا يبطل الطواف به، و عليه أن يغتسل و يكمل ما بقي عليه من الشوطين، و على الثاني يبطل الطواف به، و عليه أن يستأنف طوافا جديدا بعد الغسل، و اما اذا كان الجماع بعد تجاوز النصف، كما اذا كان بعد الشوط الرابع و قبل الخامس فالصحيحة ساكتة عن حكمه. لحد الآن قد تبين أن من خرج من المطاف عامدا و عالما و بدون عذر شرعي بطل طوافه، سواء أطالت فترة خروجه الى حد تفوت به الموالاة أم لا، و سواء أ كان ذلك بعد اكمال الشوط الرابع أم كان قبله.

(1) تقدم ان صدور الحدث أثناء الطواف لا يوجب بطلانه و إن كان قبل الشوط الرابع اذا كانت مدة الخروج للتوضؤ يسيرة بنحو لا تضر بالموالاة، و اما اذا كانت كثيرة بنحو تفوت بها الموالاة، فالأظهر بطلانه و إن كان الحدث بعد الشوط الرابع، و قد مر أنه لا دليل على ما هو المشهور من التفصيل ما عدا مرسلة جميل عن بعض اصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام: «في الرجل

يحدث في طواف الفريضة، و قد طاف بعضه، قال: يخرج و يتوضأ، فان كان جاز النصف بنى على طوافه، و إن كان أقل من النصف أعاد الطواف» «1» و هي مما لا يمكن الاعتماد

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 327

و كذلك الخروج لإزالة النجاسة من بدنه أو ثيابه (1) و لو حاضت المرأه اثناء طوافها وجب عليها قطعه و الخروج من المسجد الحرام فورا، و قد مرّ حكم طواف هؤلاء في شرائط الطواف.

[مسألة 309: إذا التجأ الطائف الى قطع طوافه و خروجه عن المطاف لصداع أو وجع في البطن أو نحو ذلك

(مسألة 309): إذا التجأ الطائف الى قطع طوافه و خروجه عن المطاف لصداع أو وجع في البطن أو نحو ذلك فان كان ذلك قبل اتمامه الشوط الرابع بطل طوافه و لزمته اعادته و إن كان بعده فالأحوط أن يستنيب للمقدار الباقي (2) و يحتاط بالاتمام و الاعادة بعد زوال العذر.

عليها من جهة ارسالها، و على هذا فالمعيار في بطلان الطواف في المسألة انما هو بالاخلال بالموالاة، فان طالت فترة الخروج من أجل الوضوء الى أن تفوت بها الموالاة بطل، و الّا صح، بدون فرق في ذلك بين أن يكون صدور الحدث منه قبل الشوط الرابع أو بعده، و إن كان الأحوط استحبابا أن يكمل الطواف أولا، ثم يأتي بطواف كامل من جديد، على تفصيل تقدم في المسألة (285) من شرائط الطواف.

(1) تقدم في الشرط الثالث للطواف أن الروايات التي تدل على شرطية طهارة البدن و الثوب في صحة الطواف بأجمعها ضعيفة من ناحية السند، و من هنا تكون شرطيتها مبنية على الاحتياط، و على هذا فاذا خرج من المطاف لتطهير ثوبه أو بدنه من النجاسة، فان طالت مدة التطهير الى أن تختل بها الموالاة بطل طوافه، و عليه أن يستأنف الطواف من

جديد، و الّا فيأتي بما بقى عليه من الأشواط بل الأحوط وجوبا أن يستأنف بطواف كامل من جديد، هذا بدون فرق بين ان يكون خروجه قبل الشوط الرابع أو بعده.

(2) بل الأظهر البطلان بدون فرق بين أن يكون قبل تجاوز النصف أو بعده، لأن عمدة الدليل على ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

[مسألة 310: يجوز للطائف أن يخرج من المطاف لعيادة مريض أو لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد اخوانه المؤمنين

(مسألة 310): يجوز للطائف أن يخرج من المطاف لعيادة مريض أو لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد اخوانه المؤمنين و لكن تلزمه الاعادة اذا كان الطواف فريضة و كان ما أتى به شوطا أو شوطين (1)، و أما اذا كان خروجه بعد ثلاثة أشواط فالأحوط أن يأتي بعد رجوعه بطواف كامل يقصد به الأعم من التمام و الاتمام.

اذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة اشواط، ثم اشتكى، أعاد الطواف، يعني الفريضة» «1» فانها على ما في الوسائل و إن كانت مشتملة على كلمة (ثلاثة) الّا أن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، أنه لا موضوعية لها، و أخذها في موضوع الحكم في لسان الدليل انما هو بعنوان المعرفية الصرفة، للإشارة الى أن خروجه من المطاف انما يكون اثناء الطواف، و على هذا فالصحيحة تدل على أن خروج الطائف من المطاف لأجل طرو مرض مفاجئ كالصداع في الرأس، او الوجع في البطن، أو نحو ذلك يوجب الغاء ما أتى به، و يستأنف طوافا جديدا، و إن كان ذلك بعد اكمال الشوط الرابع، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن تطول مدة الخروج الى أن تفوت بها الموالاة، و بين أن لا تطول كذلك، هذا اضافة الى أن كلمة (ثلاثة) غير موجودة في رواية الكافي، فان الموجود فيها (اشواطا) فاذن لم

يثبت صدور هذه الكلمة من الامام عليه السّلام، و على هذا فالرواية لا تدل على هذا التفصيل، و مع ذلك فالأحوط استحبابا اذا كان الخروج بعد اكمال الشوط الرابع، أن يأتي بطواف كامل يقصد به التكميل و الاستيناف حسب ما هو المطلوب منه واقعا.

(1) فيه أنه لا وجه لهذا التقييد، لما مر من أنه لا خصوصية للخروج من المطاف بعد شوط أو شوطين من أجل حاجة، كعيادة مريض، أو قضاء حاجة،

[مسألة 311: يجوز الجلوس اثناء الطواف للاستراحة]

(مسألة 311): يجوز الجلوس اثناء الطواف للاستراحة (1) و لكن لا بد أن يكون مقداره بحيث لا تفوت به الموالاة، العرفية، فان زاد على ذلك بطل طوافه و لزمه الاستيناف (2).

بل المعيار انما هو بكون الطواف فريضة أو نافلة، فان كان فريضة بطل بالخروج على الأظهر، و إن كان بعد اكمال الشوط الرابع، و إن لم تفت به الموالاة.

(1) تدل عليه صحيحة علي بن رئاب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل يعيى في الطواف، أله أن يستريح؟ قال: نعم، يستريح ثم يقوم، فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها، و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه» «1».

(2) لما مر من أن وحدة الطواف المركب من سبعة اشواط حول البيت متقومة بالموالاة بينها فاذا فاتت الموالاة بطل الطواف.

[النقصان في الطواف
اشارة

النقصان في الطواف

[مسألة 312: اذا نقص من طوافه عمدا]

(مسألة 312): اذا نقص من طوافه عمدا (1) فان فاتت الموالاة بطل طوافه و إلا جاز له الاتمام ما لم يخرج من المطاف، و قد تقدم حكم الخروج من المطاف متعمدا.

[مسألة 313: إذا نقص من طوافه سهوا فان تذكره قبل فوات الموالاة و لم يخرج بعد من المطاف

(مسألة 313): إذا نقص من طوافه سهوا فان تذكره قبل فوات الموالاة و لم يخرج بعد من المطاف (2)

(1) لذلك صورتان:

الأولى: ان يكون ذلك عامدا و عالما و لا يزال هو في المطاف، و حينئذ فما دام لم تمض عليه فترة زمنية طويلة تفوت بها الموالاة عرفا جاز له أن يكمل ما نقص من طوافه، و يكتفى بذلك، و اذا مضت عليه فترة كذلك بطل ما أتى به من الأشواط، من جهة عدم امكان تكميله بالاتيان بما نقص، فمن أجل ذلك يجب عليه الاتيان بطواف جديد.

الثانية: أن يكون ذلك عامدا و ملتفتا أيضا، و لكن مع فرض خروجه من المطاف، و حينئذ يبطل طوافه، لما مر من أن خروج الطائف من المطاف عامدا و ملتفتا موجب لبطلانه، و على هذا فيجب عليه أن يستأنف الطواف من جديد و لا يكتفي بتكميل ما أتى به.

(2) لا إشكال في صحة الطواف في هذه الصورة، و هي ما اذا صدر النقصان منه سهوا، و تذكر ذلك قبل خروجه من المطاف، و بعد فترة قصيرة من الزمن التي لا تضر بالموالاة، و حينئذ فيأتي بالباقى، و يصح طوافه، بل قد مر أنه اذا صدر منه النقصان عمدا، و هو لا يزال في المطاف، فما دام لم تمض عليه فترة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 331

أتى بالباقى و صح طوافه. و أما إذا كان تذكره بعد فوات الموالاة أو بعد خروجه من المطاف فان كان المنسي شوطا واحدا أتى

به و صح طوافه أيضا و ان لم يتمكن من الاتيان به بنفسه و لو لأجل أن تذكره كان بعد إيابه إلى بلده، استناب غيره (1)، و إن كان المنسي اكثر من شوط واحد و أقل من أربعة رجع و أتم ما نقص و الأولى إعادة الطواف بعد الاتمام، و ان كان المنسي أربعة أو أكثر فالأحوط الاتمام (2) ثم الاعادة.

تفوت بها الموالاة عرفا، جاز له أن يكمل ما نقص.

(1) تدل عليه صحيحة الحسن بن عطية، قال: «سألته سليمان بن خالد و أنا معه، عن رجل طاف بالبيت ستة اشواط، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و كيف طاف ستة اشواط؟ قال: استقبل الحجر، و قال: اللّه اكبر و عقد واحدا، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

يطوف شوطا، فقال سليمان؛ فانه فاته ذلك حتى أتى أهله، قال: يأمر من يطوف عنه» «1» فانها تتضمن أمرين:

الأول: ان الطواف لا يبطل بالنقص السهوي و إن فاتت الموالاة.

الثاني: وجوب الاتيان بالناقص مباشرة اذا أمكن، و الّا فعليه الاستنابة.

(2) بل هو الأقوى، لإطلاق موثقة اسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل طاف بالبيت، ثم خرج الى الصفا فطاف بين الصفا و المروة، فبينما هو يطوف اذ ذكر انه قد ترك بعض طوافه بالبيت، قال: يرجع الى البيت، فيتم طوافه، ثم يرجع الى الصفا و المروة فيتم ما بقي» «2»، فانه يعم ما اذا كان المنسي أربعة أشواط أو أكثر، لصدق البعض عليه، بل المستفاد من الموثقة عرفا بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، ان النسيان لا يوجب البطلان و إن كان التذكر بعد فوت الموالاة، فان مقتضى اطلاق الموثقة و نص الصحيحة سقوط شرطية الموالاة في

حال النسيان.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 332

.......... و لمزيد التعرف على ما تقدم نذكر فيما يلي صورا:

الصورة الأولى: ان الطائف اذا خرج من المطاف عامدا و عالما، سواء أ كان لحاجة عرفية أم لا، بطل طوافه بمقتضى صحيحة أبان بن تغلب المتقدمة، و إن كان خروجه بعد اكمال الشوط الرابع على الأظهر، و حينئذ فيجب عليه أن يأتي بطواف جديد، و لا يكفي بتكميل ما أتى به، و لا فرق في ذلك بين أن تكون فترة الخروج طويلة الى مقدار تفوت به الموالاة عرفا، و بين أن لا تكون كذلك.

الصورة الثانية: اذا خرج عن المطاف متعمدا لقضاء حاجة مؤمن، أو لطرو مرض مفاجئ كالصداع، أو وجع البطن، أو غير ذلك، بطل طوافه بمقتضى صحيحة الحلبي المتقدمة، هذا بدون فرق بين أن يكون الخروج قبل اكمال الشوط الرابع أو بعده على الأظهر، و كانت فترة الخروج قصيرة أو طويلة تفوت بها الموالاة عرفا، و إن كان الأحوط استحبابا أن يأتي بطواف جديد يقصد بها التكميل و الاستيناف حسب ما هو المطلوب واقعا اذا كان خروجه بعد الشوط الرابع.

الصورة الثالثة: اذ اخرج من المطاف نسيانا و باعتقاد أنه اكمل الطواف، و تذكر بعد فترة يسيرة، لا تضر بالموالاة، أو فترة طويلة تضربها، كفاه أن يرجع و يتم طوافه بتكميله سبعة أشواط، و لا يجب عليه استئناف طواف جديد، هذا بدون فرق بين أن يكون بعد اكمال الشوط الرابع، أو قبله و تدل عليه عدة من الروايات منها صحيحة الحسن بن عطية، و موثقة اسحاق بن عمار المتقدمتين و منها غيرهما.

الصورة الرابعة: اذا طرأ حيض أو حدث آخر من الطائف اثناء الطواف، لم يوجب بطلانه على أساس

أن الطهارة من الحدث شرط لأجزائه لا للأكوان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 333

.......... المتخللة بينها، و لا دليل على أن صدور الحدث منه في الاثناء مبطل، و إن كان قبل اكمال الشوط الرابع.

و أما اذا خرج من المطاف، فان كان الحدث حيضا لم يوجب بطلان الطواف و إن طالت مدة الخروج الى زمان انقطاع الحيض، فان للحائض حينئذ أن تغتسل و ترجع الى المطاف، و تكمل ما أتت به من الأشواط، و لا فرق في ذلك بين أن يكون حدوث الحيض قبل الشوط الرابع، أو بعده، و تنص عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، و إن كان غير الحيض كالبول أو الغائط أو الريح، فان طالت مدة الخروج من أجل الوضوء الى أن تفوت بها الموالاة، بطل ما أتى به من الأشواط و إن كان بعد اكمال الشوط الرابع، و عليه استئنافه من جديد، و ان لم تطل مدته الى هذا المقدار كفى أن يكمل ما أتى به و إن كان قبل الشوط الرابع، و ذلك لعدم الدليل على أن الخروج من المطاف من أجل الوضوء مبطل و إن لم تضر بالموالاة.

الصورة الخامسة: اذا غمز بطنه، و خاف أن يبدره، فخرج من المطاف الى منزله، لم يكن خروجه هذا موجبا لبطلان طوافه و استينافه عليه من جديد، بدون فرق فيه بين أن يكون خروجه قبل اكمال الشوط الرابع أو بعده، و تنص عليه صحيحة حمران بن أعين المتقدمة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن تطول مدة الخروج الى ان تفوت بها الموالاة، و بين أن لا تطول كذلك. نعم اذا جامع امرأته اثناء الخروج، فان كان بعد الشوط الخامس لم يوجب بطلان

ما أتى به من الأشواط، بل عليه حينئذ أن يكمل ما أتى به، و إن كان بعد الشوط الثالث بطل، و عليه أن يستأنف طوافا جديدا.

الصورة السادسة: اذا رأى الطائف نجاسة في بدنه، أو ملابسه، و خرج

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 334

.......... من أجل تطهيرها، فالأحوط و الأجدر به وجوبا اذا طهّر و رجع أن يستأنف طوافا جديدا، يقصد به الأعم من التكميل و الاستئناف، حسب ما هو المطلوب منه في الواقع، و ذلك لأن شرطية الطهارة من الخبث في صحة الطواف لما كانت مبنية على الاحتياط، فعندئذ إن كانت في الواقع شرطا لا بأس بخروجه من أجل تحصيل هذا الشرط، ثم الرجوع و البناء على ما أتى به، و تنص عليه رواية يونس المتقدمة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن تكون مدة الخروج للتطهير طويلة الى أن تفوت بها الموالاة، و بين أن لا تكون كذلك، كما أن مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون الخروج بعد اكمال الشوط الرابع أو قبله، و أما اذا لم تكن في الواقع شرطا، فيكون الخروج من أجله مبطلا، لأنه داخل في الخروج العمدي بدون عذر شرعي.

الصورة السابعة: يجوز للطائف الجلوس اثناء الطواف للاستراحة، و لا يضر ذلك بطوافه، شريطة أن لا تطول مدة الاستراحة الى أن تفوت بها الموالاة، و تدل عليه صحيحة علي بن رئاب المتقدمة، بل لا مانع من جلوسه أثناء الطواف عامدا من دون أن يكون للاستراحة، و لا يضر بطوافه اذا لم تفت به الموالاة.

الصورة الثامنة: قد تسأل ان الطائف في خروجه عن المطاف عامدا في الطواف الفريضة هل يعتبر آثما؟

و الجواب: انه لا يعتبر آثما اذ لا دليل على

حرمة ابطال الطواف و الغائه.

الصورة التاسعة: ان الطائف اذا خرج من المطاف، و دخل الكعبة بطل طوافه رأسا، و عليه استئنافه من جديد، و اذا دخل في حجر اسماعيل بطل ذلك الشوط فحسب، دون غيره، و عليه اعادته فقط، كل ذلك للنص الخاص كما تقدم.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 335

.......... الصورة العاشرة: إذا نقص من طوافه عامدا و ملتفتا، و هو لا يزال في المطاف، فما دام لم تمض عليه فترة طويلة تفوت بها الموالاة عرفا، كان له أن يكمل ما نقص، و يكتفي بذلك، و اذا مضت عليه فترة طويلة تفوت معها الموالاة، بطل طوافه، و عليه أن يستأنف طوافا جديدا.

الصورة الحادية عشر: إذا كان الطواف مستحبا، جاز للطائف أن يقطعه و يخرج من المطاف عامدا و ملتفتا لحاجة من الحاجات، ثم يرجع و يبني على ما أتى به، فيكمله و يصح طوافه، و لا شي ء عليه للنص، على ما تقدم.

الصورة الثانية عشر: يعتبر في الطواف أن يكون بخطوات الطائف المختارة، فلو حملته كثرة الزحام حملا على نحو ترتفع رجلاه من الأرض، و اتفق ذلك في مسافة من المطاف، لم يكف، لأنه في تلك المسافة محمول على الزحام، و يطاف به، لا أنه يطوف بنفسه، و المفروض أن وظيفته الطواف بخطواته مباشرة، و على هذا فاذا اتفق له ذلك وجب عليه أن يلغي تلك المسافة التي انتقل فيها محمولا لا مشيا على الأقدام، و يعود الى المكان الذي حملته كثرة الزحام، و يواصل طوافه منه، و إذا تعذر عليه الرجوع كذلك، أمكنه أن يسير نحوه بدون أن يقصد الطواف الى أن يصل الى ذلك المكان، فينوي الطواف، كما يمكنه أن يخرج من المطاف

رأسا، و يستأنف طوافا جديدا.

[الزيادة في الطواف
اشارة

الزيادة في الطواف للزيادة في الطواف خمس صور:

الاولى: ان لا يقصد الطائف جزئية الزائد للطواف الذي بيده أو لطواف آخر، ففي هذه الصورة لا يبطل الطواف بالزيادة (1).

الثانية: أن يقصد حين شروعه في الطواف أو في أثنائه الاتيان بالزائد على أن يكون جزءا من طوافه الذي بيده و لا اشكال في بطلان طوافه حينئذ و لزوم اعادته (2).

(1) فيه أنه لا زيادة في هذه الصورة حتى تكون مبطلة، لأنها متقومة بأن يأتي بالزائد بقصد كونه من واجبات المزيد فيه و اجزائه، فاذا أتى بالشوط الثامن بقصد كونه من واجبات الطواف و اجزائه فهذا زيادة فيه و مبطلة له، و الّا فلا موضوع لها.

(2) تدل عليه صحيحة أبي بصير، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط المفروض، قال: يعيد حتى يثبته» «1» و معتبرة عبد اللّه بن محمد عن أبي الحسن عليه السّلام: «قال: الطواف المفروض اذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها، فعليك الاعادة، و كذلك السعي» «2»، فالمستفاد منهما أن الزيادة في الطواف مبطلة بدون فرق بين أن تكون زيادة شوط أو أقل أو أكثر، فان مورد الرواية الأولى و إن كانت زيادة شوط، الّا أن العرف لا يفهم منها خصوصية، هذا اضافة الى أن الرواية الثانية مطلقة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كون الزيادة بمقدار شوط أو أقل.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 337

الثالثة: أن يأتي بالزائد على أن يكون جزءا من طوافه الذي فرغ منه بمعنى أن يكون قصد الجزئية بعد فراغه من الطواف، و الأظهر في هذه الصورة أيضا البطلان (1).

الرابعة: أن يقصد جزئية الزائد لطواف آخر

و يتم الطواف الثانى، و الزيادة في هذه الصورة و إن لم تكن متحققة حقيقة إلا أن الأحوط بل الأظهر فيها البطلان (2) و ذلك من جهة القران بين الطوافين في الفريضة.

(1) هذا هو الصحيح، حيث ان الطواف مركب من سبعة أشواط، فاذا قصد الطائف أن يجعله اكثر من ذلك بطل طوافه، سواء أ كان قاصدا ذلك من البداية بأن يطوف قاصدا أن يجعله اكثر من سبعة اشواط، أو تجدد له القصد في الأثناء، ثم انه لا فرق في بطلان الطواف بالزيادة بين العالم و الجاهل بالحكم، لإطلاق النص.

(2) بيان ذلك: ان الروايات الواردة في المسألة على ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: تدل على عدم جواز القران في الطواف و بطلانه به:

منها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: «سأل رجل أبا الحسن عليه السّلام: عن الرجل يطوف الأسباع جميعا فيقرن، فقال: لا، الّا اسبوع و ركعتان، و انما قرن ابو الحسن عليه السّلام لأنه كان يطوف مع محمد بن ابراهيم لحال التقية» «1» و مثلها روايته الأخرى «2».

و هذه الطائفة ظاهرة في الإرشاد الى مانعية القران، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين الطواف الواجب و المستحب.

الطائفة الثانية: تنص على كراهة القران:

منها: صحيحة عمر بن يزيد، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: انما يكره

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 338

.......... القران في الفريضة، فأما النافلة فلا، و اللّه ما به بأس» «1».

و منها: صحيحة زرارة، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «انما يكره أن يجمع الرجل بين الاسبوعين و الطوافين في الفريضة، و أما في النافلة فلا بأس» «2».

و منها: موثقة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «انه كان

يكره أن ينصرف في الطواف الّا على وتر من طوافه» «3».

و هذه الطائفة و إن كانت ناصة في الكراهة، الّا أنها لا تدل على الحرمة،

لأن الظاهر من كلمة (كراهة) عرفا هو المعنى الجامع بين الحرمة و الكراهة المصطلحة، لا خصوص الحرمة، و لا أقل من الاجمال، فدعوى ظهورها في خصوص الحرمة لا شاهد عليها من العرف العام.

الطائفة الثالثة: تدل على جواز القران:

منها: صحيحة زرارة، قال: «ربما طفت مع ابي جعفر عليه السّلام و هو ممسك بيدي الطوافين و الثلاثة، ثم ينصرف و يصلى الركعات ستا» «4».

و منها: صحيحة علي بن جعفر عن ابي الحسن موسى عليه السّلام: «قال: يضم اسبوعين و ثلاثة، ثم يصلي لها، و لا يصلى عن أكثر من ذلك» «5» و منها غيرهما.

و بعد ذلك نقول ان المراد من الكراهة في الطائفة الثانية بقرينة استثناء طواف النافلة عنها بقوله عليه السّلام: «فلا بأس- و ما به بأس» هو حرمة القران في الفريضة، و البأس به فيها، و حيث ان نسبة الطائفة الثانية الى الطائفة الأولى و الثالثة نسبة المقيد الى المطلق، فتقيد اطلاق الطائفة الأولى بطواف الفريضة، و اطلاق الطائفة الثالثة بطواف النافلة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 339

الخامسة: أن يقصد جزئية الزائد لطواف آخر و لا يتم الطواف الثاني من باب الاتفاق فلا زيادة و لا قران إلا انه قد يبطل الطواف فيها لعدم تأتي قصد القربة و ذلك فيما إذا قصد المكلف الزيادة عند ابتدائه بالطواف أو في اثنائه مع علمه بحرمة القران و بطلان الطواف به فانه لا يتحقق قصد القربة حينئذ (1) و ان لم يتحقق القران خارجا من باب الاتفاق.

[مسألة 314: إذا زاد في طوافه سهوا فان كان الزائد أقل من شوط قطعه و صح طوافه

(مسألة 314): إذا زاد في طوافه سهوا

فان كان الزائد أقل من شوط قطعه و صح طوافه. و ان كان شوطا واحدا أو أكثر فالأحوط أن يتم الزائد و يجعله طوافا كاملا (2) بقصد القربة المطلقة.

فالنتيجة: ان مانعية القران في الفريضة لو لم تكن اقوى فلا شبهة في أنها أحوط.

(1) فانه اذا بنى على القران من الأول فقد علم بعدم الأمر به، و معه لا يتمكن من قصد القربة و إن تبدل عزمه على عدم القران بعد الفراغ منه، و هذا بخلاف ما اذا نوى القران بعد الفراغ من الطواف الأول، و أتى بشوط واحد أو اكثر بقصد الطواف الآخر، ثم بنى على العدم، فانه لا موجب لفساد الأول، لا من جهة القران لعدم تحققه، و لا من جهة الزيادة لفرض أنه لم يأت به بقصد كونه جزءا من طوافه الأول، بل أتى به بقصد كونه جزءا من طواف آخر.

(2) بل على الأقوى فيه و فيما اذا أتى شوطا آخر بدون أن يقصد ضمه الى طوافه الأول، بل كعمل مستقل، بيان ذلك يتطلب النظر الى روايات المسألة، و هي على طوائف:

الطائفة الأولى: و هي متمثلة في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا، ثم ليصل ركعتين»»

فانها تنص على أن الطائف

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 340

.......... اذا دخل في الشوط الثامن وجب عليه أن يتم أربعة عشر شوطا، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق في وجوب الاتمام عليه بين أن اكمل الشوط الثامن و فرغ منه، أو لم يكمله.

الطائفة الثانية: الروايات التي تنص على أن من سها و طاف ثمانية اشواط فعليه أن

يكمل أربعة عشر شوطا.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: ان في كتاب علي عليه السّلام اذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة، فاستيقن ثمانية، أضاف اليها ستا، و كذلك اذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف اليها ستا» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عن أحدهما عليهما السّلام قال: «قلت له: رجل طاف بالبيت فاستيقن أنه طاف ثمانية أشواط، قال: يضيف اليها ستة، و كذلك اذا استيقن انه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف اليها ستة» «2» و منها غيرهما.

و هذه الطائفة تدل على أنه اذا زاد شواطا واحدا سهوا فعليه أن يضيف اليه ستا.

الطائفة الثالثة: تدل على أنه اذا طاف ثمانية اشواط أضاف اليها ستة:

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية اشواط، قال: يضيف اليها ستة» «3».

منها: صحيحة رفاعة: «قال: كان علي عليه السّلام يقول: إذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر- الحديث» «4».

و منها: صحيحة أبي أيوب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل طاف بالبيت ثمانية اشواط طواف الفريضة، قال: فليضم اليها ستا- الحديث» «5».

و هذه الطائفة مطلقة، و باطلاقها تشمل الزيادة العمدية و السهوية معا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 341

.......... الطائفة الرابعة: الروايات التي تحكي عن فعل علي عليه السّلام.

منها: صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ان عليا عليه السّلام طاف ثمانية اشواط، فزاد ستة، ثم ركع اربع ركعات» «1».

و منها: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: ان عليا عليه السّلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بنى على واحد، و أضاف اليه ستا، ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم خرج

الى الصفا و المروة، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول» «2»، فانهما تدلان على وجوب الاتمام اذا زاد شوطا كاملا.

ثم انه لا بد من حملها على أنه عليه السّلام طاف شوطا آخر عامدا و ملتفتا كعمل مستقل على أساس أن الحمل على السهو، أو الأعم منه و من العمد مناف لعصمته عليه السّلام، فاذن تدل هذه الطائفة على أنه عليه السّلام أضاف شوطا آخر بدون أن يقصد ضمه الى طوافه الأول و كونه جزءا منه، بل كعمل مستقل، فلا يضر بصحته، و إذا اضاف شوطا آخر كذلك وجب أن يكمله أربعة عشر شوطا.

الطائفة الخامسة: متمثلة في صحيحة أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال: يعيد حتى يثبته» «3»، فانها تدل على بطلان الطواف بزيادة شوط، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون الزيادة عمدية أو سهوية، و بين أن يقصد ضم الزائد الى طوافه الأول أو لا.

الطائفة السادسة: متمثلة في صحيحة عبد اللّه بن محمد عن ابي الحسن عليه السّلام: «قال: الطواف المفروض اذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة، اذا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 342

.......... زدت عليها فعليك الاعادة، و كذلك السعي» «1»، و هذه الصحيحة ظاهرة في الزيادة العمدية بقرينة جعل الزيادة فيه كالزيادة في الصلاة، و حيث إنّ الزيادة المبطلة للصلاة هي التي يقصد المصلي ضمها الى صلاته، و كونها جزءا منها، فبطبيعة الحال تكون الزيادة المبطلة للطواف أيضا كذلك. نعم قد ورد في النص أن زيادة السجدة فيها مبطلة مطلقا و إن لم يقصد كونها جزءا لها، و قد الحق الركوع بها أيضا،

و لكن لا يمكن التعدي عن مورده الى سائر اجزاء الصلاة فضلا عن الطواف.

و بعد ذلك نقول: ان الطائفة الأخيرة تصلح أن تكون مقيدة لإطلاق الطائفة الثالثة بما اذا لم يقصد الطائف ضم الشوط الزائد الى طوافه الأول و كونه جزءا منه، سواء أتى به كعمل مستقل، أم كان متوهما أنه لم يأت بسبعة أشواط فطاف شوطا آخر، ثم ظهر أنه أتى بثمانية أشواط، فان ذلك لا يبطل طوافه الأول، فاذن تختص الطائفة الثالثة بما اذا أتى بشوط آخر عامدا كعمل مستقل، أو ساهيا، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان الطائفة الثانية تصلح أن تكون مقيدة للطائفة الخامسة بما اذا لم يطف بالبيت ثمانية أشواط سهوا، و الّا فعليه اكمال الزائد اسبوعا آخر لا الاعادة، كما أن الطائفة الرابعة تقيد اطلاق الطائفة الخامسة بما اذا لم يأت بالشوط الزائد كعمل مستقل، و الّا فلا موجب للبطلان و وجوب الاعادة.

و على ضوء هذا ترتفع المعارضة بين الطائفة الثالثة و الطائفة الخامسة نهائيا، لأن الطائفة الثالثة تدل على أن من طاف ثمانية أشواط فعليه أن يتم اربعة عشر شوطا، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ذلك عمديا أو سهويا، كما أنه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 343

.......... على الأول لا فرق بين أن يكون اتيانه بقصد ضمه الى طوافه المتقدم و كونه جزءا له، أو بقصد كونه عملا مستقلا. و الطائفة الخامسة تدل على أن من طاف ثمانية اشواط فعليه الاعادة، و مقتضى اطلاقها وجوب الاعادة في تمام هذه الصور، و بعد تقييد اطلاق كل منهما بالطائفة الأولى و الثانية و الرابعة، يختص مورد الطائفة الثالثة بما اذا اتى بالشوط الزائد كعمل مستقل

أو سهوا، و يختص مورد الطائفة الثالثة بما اذا اتى بالشوط الزائد كعمل مستقل أو سهوا، و يختص مورد الطائفة الخامسة بما اذا اتى به بقصد ضمه الى طوافه الأول و كونه جزءا له، فاذن يكون مورد كل منهما بلحاظ الارادة الجدية غير مورد الأخرى كذلك.

و من ناحية ثالثة أن الطائفة الثانية تقيد اطلاق الطائفة الأولى بما اذا أكمل الشوط الثامن.

فالنتيجة: ان من أكمل شوطا آخر فعليه أن يضيف اليه ستة أشواط، دون من لم يكمل. و لمزيد من التعرف لحكم المسألة تطبيقيا نذكر فيما يلي أمورا:

الأول: ان من طاف سبعة أشواط، و زاد شوطا آخر، فان كان سهوا، أو كان كعمل مستقل غير مربوط بطوافه الأول، فعليه أن يضيف ستة أشواط أخرى اليه، و إن كان بقصد ضمه الى طوافه المتقدم و جعله جزءا له بطل طوافه الأول، و عليه استئناف الطواف الكامل من جديد.

الثاني: ان وجوب الاتمام و الاضافة انما هو فيما اذا أكمل الشوط الزائد، و أما اذا لم يكمل بأن كان في اثنائه، فله أن يقطعه و يخرج من المطاف.

الثالث: ان ظاهر هذه الروايات هو وجوب الاتمام و الاضافة.

و دعوى: أن الأمر بالاضافة و الاتمام بما أنه ورد في مقام توهم الحظر فلا يدل على أكثر من المشروعية و جوازها، و عدم بطلان الطواف الأول.

مدفوعة: بان المقام ليس من موارد توهم الحظر، لوضوح أنه لا يختلج في البال الحظر و المنع عن الاتمام و الاضافة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 344

.......... و دعوى: أن المقام انما هو من موارد توهم الحظر من جهة محذور القران بين الطوافين.

مدفوعة: بأن القران أمر قصدي، بأن يقصده الطائف من البداية، أو بعد الفراغ من الطواف

الأول، و المفروض في المقام أنه لا يكون قاصدا للقران، لا من البداية، و لا بعد الفراغ منه، لأنه أتى بشوط آخر إما سهوا، أو كعمل مستقل، فاذا أتى به سهوا أو كعمل مستقل تحقق موضوع وجوب الاتمام و الاضافة شرعا، و اين هذا من القران الممنوع من قبل الشرع، و يؤكد ما ذكرناه من أن مقتضى الجمع العرفي بين الطائفة الأولى و الطائفة الثانية ان الاتمام انما يجب اذا تم الشوط الزائد، و أما اذا دخل فيه و لم يتم بعد فلا يجب عليه الإتمام و الاضافة، بل له أن يقطعه و يخرج من المطاف.

و تؤيد ذلك رواية ابي كهمس، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط، قال: ان ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه، و قد اجزأ عنه، و إن لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا، و ليصل أربع ركعات» «1»، فانها ناصة في المطلوب، و لكن بما أنها ضعيفة سندا فلا يمكن الاستدلال بها.

فالنتيجة: ان وجوب الاضافة لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنه أحوط.

الرابع: ان الواجب هل هو الطواف الأول، أو الثاني، أو كلاهما؟ و لا يبعد الأخير، لأن الأول واجب ذاتا، و احتمال أن وجوبه مشروط بعدم الاتيان بشوط آخر سهوا أو كعمل مستقل غير محتمل، لعدم الدليل عليه، و هذه الروايات لا تدل على ذلك، و أما الثاني فلأن الواجب انما هو تكميله بمقتضى الروايات المتقدمة لا من البداية، و أما ما قيل من أن قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة: «إن عليا عليه السّلام طاف طواف الفريضة ثمانية، فترك سبعة و بنى على واحد

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص:

345

.......... و أضاف اليه ستا- الحديث» «1». يدل على أن الواجب هو الثاني دون الأول، بدعوى أن معنى قوله عليه السّلام: «فترك سبعة» يعني رفع اليد عنها و ألغاها، و بنى على الاتيان بطواف جديد، فلا يمكن المساعدة عليه، فان الظاهر أنه عليه السّلام أراد فصل الشوط الواحد عن السبعة في مقابل ضمه اليه، و هذا يعني أنه جعل السبعة مستقلة، و بنى على شوط واحد منفصلا عنها و يكمله باضافة ستة اشواط اليه، و يؤكد أن معنى ترك السبعة ليس الغاءها قوله عليه السّلام في ذيل الصحيحة: «فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول»، فانه ناص في أن كلا الطوافين صحيح، و الّا فلا مقتضى لأن يصلي بعد السعي ركعتين، و على هذا فلو كانت الصحيحة ظاهرة في الالغاء، فلا بد من رفع اليد عن ظهورها في ذلك بقرينة ذيلها.

الخامس: ان المكلف مخير بين الاتيان بأربع ركعات بعد الطوافين، او ركعتين بعدهما و ركعتين أخريين بعد السعي، و ذلك لنص صحيحة زرارة المتقدمة.

[الشك في عدد الأشواط]
اشارة

الشك في عدد الأشواط

[مسألة 315: اذا شك في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف و التجاوز من محله لم يعتن بالشك

(مسألة 315): اذا شك في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف و التجاوز من محله لم يعتن بالشك (1)، كما إذا كان شكه بعد دخوله في صلاة الطواف.

[مسألة 316: إذا تيقن بالسبعة و شك في الزائد]

(مسألة 316): إذا تيقن بالسبعة و شك في الزائد كما إذا احتمل أن يكون الشوط الأخير هو الثامن لم يعتن بالشك و صح طوافه (2) إلا أن يكون شكه هذا قبل تمام الشوط الأخير فان الأظهر حينئذ بطلان الطواف. (1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لما ذكرناه في محله من أن قاعدتي الفراغ و التجاوز قاعدتان عقلائيتان، فلا تختصان بواجب دون واجب آخر، و على هذا فاذا شك في صحة الطواف بعد الفراغ منه بنى على صحته تطبيقا لقاعدة الفراغ شريطة احتمال أنه كان ملتفتا و متذكرا حين العمل الى ما يعتبر فيه، و الّا لم تجر، و لا يعتبر في جريانها الدخول في الغير، و أما اذا شك في عدد الأشواط بمفاد كان التامة، فان كان بعد الدخول في صلاته فتجري قاعدة التجاوز، و الّا فلا.

(2) حيث ان جريانها منوط بالدخول في غيره المترتب عليه و تدل عليه صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية، فقال: اما السبعة فقد استيقن، و إنما وقع و همه على الثامن، فليصل ركعتين» «1»، فانها ظاهرة في أنه أكمل الأشواط جميعا، و شك بعد اكمالها في أنها سبعة أو أكثر، مع عدم احتمال النقصان فيها، و تدل على أن طوافه صحيح، و لا يعتنى بشكه و إن لم يدخل بعد

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 347

و الأحوط إتمامه رجاء و إعادته (1).

في ركعتي الطواف، بل و

إن لم يخرج بعد عن المطاف.

(1) فيه ان الاحتياط و إن كان استحبابيا، الّا أنه لا مبرر له، و ذلك لأن الروايات الكثيرة تنص على البطلان و وجوب الإعادة:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل لم يدر أ ستّة طاف أو سبعة، قال: يستقبل» «1».

و منها: صحيحة منصور بن حازم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني طفت فلم أدر أ ستّة طفت أم سبعة، فطفت طوافا آخر، فقال عليه السّلام: هلا استأنفت، قلت:

طفت و ذهبت، قال: ليس عليك شي ء» «2».

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل لم يدر ستة طاف أو سبعة، قال: يستقبل» «3».

و منها: صحيحة منصور بن حازم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل طاف طواف الفريضة، فلم يدر ستة طاف أم سبعة، قال: فليعد طوافه، قلت:

ففاته، قال: ما أرى عليه شيئا، و الاعادة أحب إلي و أفضل» «4».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة، فلم يدر ستّة طاف أم سبعة، قال: يستقبل، قلت: ففاته ذلك، قال: ليس عليه شي ء» «5».

و منها: صحيحة حنان بن سدير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل طاف فاوهم، قال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اي الطوافين كان، طواف نافلة أم طواف فريضة؟ قال: إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه، و ليستأنف، و إن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 348

.......... انه طاف، فليبن على الثلاثة، فانه يجوز له» «1». ثم

ان هذه الروايات تتضمن أمورا:

الأول: ان يكون حافظا لعدد أشواط الطواف بكاملها، و لو شك فيه بطل طوافه، بدون فرق بين أن يشك في أنها ستة أو سبعة أو أقل و هذا المعنى هو المستفاد من مجموع روايات الباب.

الثاني: ان الشك في أنها ستة أو سبعة انما يكون مبطلا بمقتضى الروايات المتقدمة اذا لم يفت محل تداركه، و أما اذا فات، كما اذا كان الطائف جاهلا بأن وظيفته الاعادة عند الشك في أنها ستة أو سبعة، و ترك الاعادة الى أن مضى شهر ذي الحجة، ثم علم بالحكم فلا شي ء عليه، و يصح حجه بنص صحيحتي منصور و معاوية المتقدمتين.

و دعوى: بطلان الحج بترك الطواف عامدا سواء أ كان عالما بالحكم أم كان جاهلا به، و المفروض ان الطائف في المقام ترك الطواف متعمدا الى أن فات محله، و نتيجة ذلك بطلان حجه.

مدفوعة: بأن الحج و إن كان يبطل بترك الطواف متعمدا و إن كان التارك جاهلا بالحكم، الّا أن مورد الروايات الدالة على ذلك هو ترك الطواف، و لا يشمل المقام، و هو ما اذا طاف و لكنه لا يدري أنه طاف سبعة اشواط أو ستة، و الروايات المتقدمة الان و إن دلت على بطلان الطواف بذلك و وجوب الاعادة، الّا أن ذلك انما هو اذا لم يفت وقت تداركه، و الّا فهو محكوم بالصحة، لنص الصحيحتين المذكورتين.

الثالث: ان الشك اذا كان في عدد اشواط الطواف المندوب بنى على الأقل، و يكمل و لا شي ء عليه، مثلا اذا شك في أنها ستة أو سبعة بنى على الستة،

[مسألة 317: اذا شك في عدد الأشواط]

(مسألة 317): اذا شك في عدد الأشواط كما إذا شك بين السادس و السابع أو بين الخامس

و السادس و كذلك الأعداد السابقة حكم ببطلان طوافه (1) و كذلك إذا شك في الزيادة و النقصان معا كما اذا شك في أن شوطه الاخير هو السادس أو الثامن (2).

و يضم اليها شوطا آخر، و يصح طوافه، و يكفى في ضبط عدد الأشواط أن يكون الطائف واثقا بعددها و لو اتكالا على رفيقه الذي يشاركه في الطواف، و من هنا يظهر أنه لا بد من تقييد اطلاق صحيحة رفاعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في رجل لا يدري ستّة طاف أو سبعة، قال: يبنى على يقينه» «1» بالروايات المتقدمة التي تنص على الفرق بين الطواف الواجب و الطواف المندوب، و حملها على الطواف المندوب، باعتبار أن الشاك فيه مأمور بالبناء على الأقل.

(1) للروايات المتقدمة.

(2) هذا هو صورة الشك في الزيادة و النقيصة، و الظاهر بطلان الطواف به، و تدل عليه صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام» عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة، فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية؟ فقال: اما السبعة فقد استيقن، و انما وقع وهمه على الثامن، فليصل ركعتين» «2» بتقريب أن كلمة (إنما) بلحاظ أنها من أداة الحصر فتدل على انتفاء الحكم المحصور عن غير الموضوع المحصور به، و حيث ان الموضوع المحصور به في الصحيحة هو الشك في الثامن مع التيقن في السابع، فيكون الحصر بنفسه قرينة على أن المحصور طبيعي الحكم لا شخص حكم ذلك الموضوع بالخصوص، و الّا فلا معنى لحصره حينئذ، لأن حكم كل موضوع مختص به، بدون حاجة الى مئونة زائدة، فاذن تدل الصحيحة بمقتضى اداة الحصر على أن المحصور طبيعي الحكم،

[مسألة 318: إذا شك بين السادس و السابع و بنى على السادس جهلا منه بالحكم و أتم طوافه لزمه الاستيناف

(مسألة 318): إذا شك بين السادس و السابع

و بنى على السادس جهلا منه بالحكم و أتم طوافه لزمه الاستيناف و ان استمر جهله إلى ان فاته زمان التدارك لم تبعد صحة طوافه (1).

[مسألة 319: يجوز للطائف أن يتكل على احصاء صاحبه في حفظ عدد أشواطه إذا كان صاحبه على يقين من عددها]

(مسألة 319): يجوز للطائف أن يتكل على احصاء صاحبه في حفظ عدد أشواطه إذا كان صاحبه على يقين من عددها (2).

[مسألة 320: إذا شك في الطواف المندوب يبني على الأقل و صح طوافه

(مسألة 320): إذا شك في الطواف المندوب يبني على الأقل و صح طوافه (3).

و مقتضى ذلك نفى الطبيعي بانتفاء المحصور به، و نتيجة ذلك بطلان الطواف و عدم صحته اذا كان الشك في السابع و السادس و الثامن، و كذلك في غير هذه الحالة من الحالات الأخرى للشك، و تؤيد ذلك رواية أبي بصير، قال: «قلت له:

رجل طاف بالبيت طواف الفريضة، فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية؟ قال:

يعيد طوافه حتى يحفظ- الحديث» «1».

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه و قد مر تفصيل ذلك في المسألة (316).

(2) هذا شريطة أن يحصل له الوثوق و الاطمئنان بصحة احصاء صاحبه الذي يشاركه في الطواف، و مطابقته للواقع، و الّا فلا يصح الاتكال عليه، اذ لا يحتمل أن يكون لإحصائه موضوعية.

و أما صحيحة سعيد الأعرج، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف أ يكتفي الرجل باحصاء صاحبه؟ فقال: نعم» «2» فلا اطلاق لها، لأن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ان الاكتفاء به انما هو على اساس حصول الوثوق و الاطمئنان بصحة احصائه، اذ من غير المحتمل أن يكتفي به و يتكل عليه تعبدا، بدون أن يحصل له الوثوق و الاطمئنان بعددها.

(3) لعدة من الروايات المعتبرة، و قد تقدمت الاشارة الى بعضها.

[مسألة 321: إذا ترك الطواف في عمرة التمتع عمدا مع العلم بالحكم أو مع الجهل به و لم يتمكن من التدارك قبل الوقوف بعرفات

(مسألة 321): إذا ترك الطواف في عمرة التمتع عمدا مع العلم بالحكم أو مع الجهل به و لم يتمكن من التدارك قبل الوقوف بعرفات بطلت عمرته و عليه إعادة الحج من قابل و قد مرّ أن الأظهر بطلان إحرامه أيضا (1) لكن الأحوط أن يعدل إلى حج الافراد و يتمه بقصد الأعم من الحج و العمرة المفردة و إذا ترك الطواف

في الحج متعمدا و لم يمكنه التدارك بطل حجه و لزمته الاعادة من قابل و إذا كان ذلك من جهة الجهل بالحكم لزمته كفارة بدنة أيضا (2).

[مسألة 322: إذا ترك الطواف نسيانا وجب تداركه بعد التذكر]

(مسألة 322): إذا ترك الطواف نسيانا وجب تداركه بعد التذكر فان تذكره بعد فوات محله قضاه و صح حجه، و الأحوط إعادة السعي بعد قضاء الطواف (3). و إذا تذكره في وقت لا يتمكن من القضاء أيضا كما إذا تذكره بعد رجوعه إلى بلده وجبت عليه الاستنابة و الاحوط أن يأتي النائب بالسعي أيضا بعد الطواف.

(1) بل هو الظاهر، و لا منشأ للاحتياط بالعدول الى حج الافراد، و قد تقدم أن بطلان الواجب بترك جزئه متعمدا يكون على القاعدة، باعتبار أنه لا ينطبق على الفرد المأتي به الفاقد له، بدون فرق بين أن يكون فاقدا عن عمد و التفات، أو عن جهل، و تدل على البطلان أيضا في صورة الجهل صحيحة علي بن يقطين المتقدمة «1»، فانها باطلاقها تعم طواف العمرة أيضا، اذ لا يكون فيها ما يدل على اختصاصها بطواف الحج فحسب.

(2) لدلالة صحيحة علي بن يقطين على ذلك.

(3) لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، و ذلك لأن روايات الباب تنص على وجوب اتمام الطواف متى تذكر، إما بنفسه و مباشرة، و اما بالاستنابة، بدون

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 352

.......... أن يكون فيها ما يشعر باعادة السعي فضلا عن الظهور و الدلالة، و نذكر فيما يلي عددا من هذه الروايات:

منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة، فبينما هو يطوف اذ ذكر أنه ترك من طوافه بالبيت، قال:

يرجع الى البيت، فيتم طوافه، ثم يرجع الى الصفا و المروة، فيتم ما بقى، قلت: فانه بدأ بالصفا و المروة قبل أن يبدأ بالبيت، فقال: يأتى البيت فيطوف به، ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة، قلت: فما فرق بين هذين؟

قال: لأن هذا قد دخل في شي ء من الطواف، و هذا لم يدخل في شي ء منه» «1» فانها تدل على وجوب اتمام الطواف اذا تذكر اثناء السعي، ثم يتم السعي، و لا تدل على وجوب استئناف السعي من جديد، بل تنص على عدم وجوبه في هذه الحالة، و انما يجب استينافه في حالة أخرى، و هي ما بدأ بالصفا و المروة قبل أن يبدأ بالبيت.

و منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه، قال: «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده، و واقع النساء، كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي إن كان تركه في حج بعث به في حج، و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، و وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه» «2» فانها تدل على عدم بطلان الحج بترك الطواف نسيانا حتى بعد فوت وقت التدارك، كما اذا تذكر بعد مضي شهر ذي الحجة، و حينئذ فوظيفته إما أن يقوم بنفسه للإتيان به مباشرة، أو يوكل من يطوف عنه و ما تركه من طوافه.

و منها: صحيحة هشام بن سالم، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عمن نسي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 353

.......... زيارة البيت حتى رجع الى أهله، فقال: لا يضره اذا كان قد قضى مناسكه» «1» فانها تنص على صحة الحج و عدم بطلانه بنسيان الطواف، و إن تذكر بعد مضى شهر ذي الحجة

و رجوعه الى أهله.

و دعوى: ان المراد من زيارة البيت في الصحيحة هو طواف النساء دون طواف الحج، و عليه فلا تدل الصحيحة على عدم بطلان الحج بنسيان طوافه، لأن عدم بطلانه بنسيان طواف النساء يكون على القاعدة، باعتبار أنه واجب مستقل، و ليس من واجبات الحج.

مدفوعة: بأن الظاهر من زيارة البيت هو طواف الحج، لأنه المعهود منها، دون طواف النساء، فان ارادته منها بحاجة الى عناية زائدة.

فالنتيجة: ان هذه الروايات لا تدل على اعادة السعي بعد قضاء الطواف و لمزيد من التعرف على حكم المسألة نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي أمورا:

الأول: ان نسيان الطواف لا يوجب بطلانه، بدون فرق بين طواف العمرة و طواف الحج.

الثاني: ان المنسي اذا كان طواف العمرة، فان تذكر في وقت يتمكن من الاتيان به في ذلك الوقت، بدون أن يفوت منه الوقوف بعرفات، وجب عليه ذلك، و الّا فعليه أن يقضيه بعد اعمال منى، و اذا كان طواف الحج، فان تذكر قبل الخروج من مكة وجب الاتيان به، و أما اذا تذكر بعد الرجوع الى بلدته، فهل يجوز له الاستنابة مع تمكنه من القيام به بنفسه و مباشرة فيه وجهان: و لا يبعد الأول، و ذلك لإطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة، فان مقتضاه جواز الاستنابة و إن كان متمكنا منه بنحو المباشرة، اذ لو كان جواز الاستنابة مشروطا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 354

.......... بالعجز لم تسكت الصحيحة عنه، مع كونها في مقام البيان، فالسكوت قرينة على الاطلاق و عدم الاشتراط.

و بكلمة: ان مقتضى القاعدة و إن كان هو الاشتراط، الّا أن ذلك فيما اذا لم يكن نص على الخلاف، و بما أن النص على الخلاف في

المقام موجود، و هو اطلاق الصحيحة، فلا بد من رفع اليد عن مقتضى القاعدة، و تقييد اطلاقها بغير المقام، و مع هذا فالاحتياط اجدر.

الثالث: ان على الناسي للطواف اذا استمتع بأهله جماعا هديا، و حينئذ فاذا تذكر، فان كان تذكره في بلده و كان المنسي طواف الحج، بعث بهديه الى منى و يذبح فيه، و إن كان طواف العمرة بعث بهديه الى مكة و يذبح فيها، و اذا تذكر و كان في مكة المكرمة، فان كان المنسي طواف الحج بعث به الى منى، و إن كان طواف العمرة ذبحه في مكة، و مورد الصحيحة و إن كان الفرض الأول، الّا أن من الواضح أنه لا خصوصية له، فان الكفارة مستندة الى ان النساء لم تحل له بعد.

الرابع: انه اذا تذكر و كان في مكة، فان كان بعد شهر ذي الحجة، فهل عليه أن يحرم للطواف المنسي؟

و الجواب: انه لا يجب عليه الاحرام من أجله، لعدم الموجب له حيث إنه ظل على احرامه بالنسبة إلى النساء و الطيب، و حينئذ فاذا طاف حل له الطيب، و اذا طاف بعده طواف النساء حل له النساء، و أما اذا تذكر و هو في بلده فحينئذ إن استناب شخصا لأن يطوف عنه فعلى النائب أن يحرم، و ان كانت استنابته في شهر ذي الحجة، اذ لا يجوز له أن يدخل مكة بدون احرام، و إن قام بالطواف نفسه، فحينئذ إن كان رجوعه في شهر ذي الحجة لم يجب عليه الاحرام من جديد، باعتبار أن لكل شهر عمرة، و المفروض أنه لم يمض شهر عن احرامه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 355

.......... الأول، و لا يوجد دليل على أن

قضاء الطواف المنسي بحاجة الى احرام جديد، و إن كان رجوعه بعد شهر ذي الحجة وجب عليه الاحرام، لا من أجل الطواف، بل من أجل أنه لا يجوز له الدخول في مكة في شهر آخر بدون إحرام.

و دعوى: أنه محرم، و لم يخرج بعد عن الإحرام، فلا معنى لإحرامه ثانيا، لأنه تحصيل للحاصل.

مدفوعة: بأنه خرج عن الاحرام بالانتهاء من النسك و الفراغ منها، و انما بقي عليه بعض أحكامه، كحرمة الطيب و النساء أو فقل انه بقى على احرامه نسبيا لا مطلقا، و عليه فلا مانع من احرامه ثانيا لعمرة مفردة، غاية الأمر أنه لا تترتب عليه حرمة الطيب و النساء فحسب، و أما سائر المحرمات فهي مترتبة عليه بل تترتب عليه حرمتهما أيضا نسبيا.

الخامس: انه اذا دخل في مكة في آخر يوم ذي الحجة، و لكنه لا يتمكن من الاتيان بالطواف الّا في أول شهر محرم، فهل يجب عليه أن يحرم حين دخوله في مكة؟

و الجواب: انه لا يجب، لأنه دخل في نفس الشهر الذي احرم فيه لا في شهر آخر، و المعيار في وجوب الإحرام و عدم وجوبه انما هو بزمان الدخول في مكة، لا بزمان العمل.

السادس: انه ليس لقضاء الطواف المنسي وقت محدد، لعدم الدليل على ذلك، كما أنه لا دليل على أنه لا بد من الاتيان به في السنة القادمة في أيام الحج، بل له الاتيان به في أي وقت أراد و شاء في طول السنة.

السابع: ان المنسي اذا كان بعض الطواف دون الكل، وجب تدارك ذلك البعض، سواء أ كان بالأصالة أو بالاستنابة، و سواء أ كان تذكره في مكة أم في بلده،

[مسألة 323: إذا نسي الطواف حتى رجع إلى بلده و واقع أهله لزمه بعث هدي إلى منى

(مسألة 323): إذا نسي الطواف حتى رجع

إلى بلده و واقع أهله لزمه بعث هدي إلى منى إن كان المنسي طواف الحج و إلى مكة ان كان المنسي طواف العمرة و يكفي في الهدي أن يكون شاة (1).

[مسألة 324: إذا نسي الطواف و تذكره في زمان يمكنه القضاء قضاه باحرامه الاول

(مسألة 324): إذا نسي الطواف و تذكره في زمان يمكنه القضاء قضاه باحرامه الاول من دون حاجة الى تجديد الاحرام.

نعم، إذا كان قد خرج من مكة و مضى عليه شهر أو أكثر لزمه الاحرام لدخول مكة كما مرّ (2).

[مسألة 325: لا يحل لناسي الطواف ما كان حله متوقفا عليه حتى يقضيه بنفسه أو بنائبه

(مسألة 325): لا يحل لناسي الطواف ما كان حله متوقفا عليه حتى يقضيه بنفسه أو بنائبه (3).

و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة: «و وكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه» «1».

(1) هذا باعتبار أن الوارد في لسان الروايات المعتبرة الهدي، و هو يعم الشاة، و محل ذبحها منى إن كان المنسي طواف الحج، و مكة إن كان طواف العمرة، كما مر في المسألة المتقدمة.

(2) مر تفصيل ذلك في المسألة (322).

(3) هذا لإطلاق ما دل على حرمة الطيب على المحرم قبل أن يطوف حول البيت، و هذا لا ينافي وجوب الإحرام عليه من جديد اذا رجع الى مكة من أجل قضاء الطواف بعد شهر، باعتبار أنه صار محلا بعد الذبح و الحلق او التقصير في منى، و انما يبقى عليه حرمة الطيب فقط، لأن حليته مرتبطة بالطواف، و على هذا فاذا نسي طواف الحج و رجع الى بلده، ثم تذكر فحينئذ إن جاء الى مكة من أجل قضاء الطواف، فان كان بعد شهر وجب عليه الإحرام

[مسألة 326: إذا لم يتمكن من الطواف بنفسه لمرض أو كسر و أشباه ذلك لزمته الاستعانة بالغير في طوافه

(مسألة 326): إذا لم يتمكن من الطواف بنفسه لمرض أو كسر و أشباه ذلك لزمته الاستعانة بالغير في طوافه و لو بأن يطوف راكبا على متن رجل آخر، و إذا لم يتمكن من ذلك أيضا وجبت عليه الاستنابة فيطاف عنه (1) لدخول مكة كما تقدم، و إن كان في شهر ذي الحجة لم يجب عليه الإحرام كما مر، و كذلك الحال في طواف النساء إذا نسى.

(1) تدل على هذا الترتيب عدة روايات:

منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف به» «1»، فان

هذا التفصيل يدل على الفرق بين الرمي و الطواف، باعتبار أن المريض اذا لم يقدر على الرمي رمي عنه، و أما بالنسبة الى الطواف إذا لم يقدر عليه بخطواته المختاره فيطاف به راكبا أو محمولا على متن انسان، و اذا لم يقدر على ذلك أيضا فعليه الاستنابة.

و منها: صحيحة صفوان بن يحيى، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت، و لا بين الصفا و المروة، قال:

يطاف به محمولا يخط الارض برجليه حتى تمس الأرض قدميه في الطواف، ثم يوقف به في اصل الصفا و المروة اذا كان معتلا» «2».

و منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يطاف به و يرمى عنه، قال: فقال: نعم، اذا كان لا يستطيع» «3».

و منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: سألت ابا الحسن موسى عليه السّلام: «عن المريض يطاف عنه بالكعبة، قال: لا، و لكن يطاف به» «4»، و مثلها موثقته الأخرى»

.تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 358

.......... و منها: صحيحة الربيع بن خيثم قال: «شهدت ابا عبد اللّه عليه السّلام و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد المرض، فكان كلّما بلغ الركن اليماني امرهم فوضعوه بالأرض، فاخرج يده من كوّة المحمل حتى يجرها على الأرض، ثم يقول: ارفعوني، فلما فعل ذلك مرارا في كل شوط، قلت له: جعلت فداك يا بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان هذا يشق عليك، فقال: اني سمعت اللّه عز و جل يقول: ليشهدوا منافع لهم، فقلت: منافع الدنيا أو منافع الآخرة، فقال: الكل» «1» و هذه الروايات تدل على أنه ما دام

يمكن ان يطاف بالمريض فلا يصل الدور الى أن يطاف عنه، فاذن لا يصل الدور الى الاستنابة الّا اذا تعذرت المرتبة الثانية أيضا.

فالنتيجة: ان المستفاد من الروايات أن الواجب على الطائف أولا الطواف حول البيت بخطواته المختارة مباشرة، و إن لم يتمكن من ذلك فبالاستعانة بالغير و لو محمولا، و إن لم يتمكن من ذلك أيضا فبالاستنابة.

و اما صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: الصبيان يطاف بهم و يرمى عنهم، قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا كانت المرأة مريضة لا تعقل يطاف بها أو يطاف عنها» «2» فلا تدل على التخيير، لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية، بل هي في مقام بيان أن وظيفتها في هذه الحالة إما الاستعانة بالغير في طوافها، او الاستنابة فيه، أما أنها التخيير أو تقديم الأولى على الثانية فليست ناظرة الى ذلك.

و مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنها ظاهرة في التخيير بينهما، و لكن لا بد من رفع اليد عن ظهورها فيه بالروايات المتقدمة، و لا سيما موثقتي اسحاق

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 359

و كذلك الحال بالنسبة إلى صلاة الطواف فيأتي المكلف بها مع التمكن و يستنيب لها مع عدمه (1)، و قد تقدم حكم الحائض و النفساء في شرائط الطواف.

ابن عمار المتقدمتين، فانهما ناصتان على عدم كفاية الاستنابة مع التمكن من الطواف بالاستعانة بالغير.

و اما الروايات التي تدل على جواز الاستنابة مطلقا، كصحيحة حريز بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه، و يطاف به» «1» و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

أنه قال: «المبطون و الكسير يطاف عنهما و يرمى عنهما» «2» و غيرهما، فلا بد من تقييد اطلاقها بالروايات المتقدمة، و حملها على المريض الذي لا يمكن أن يطاف به.

(1) هذا باعتبار أن الصلاة ليست كالطواف، فان المكلف اذا لم يقدر على الطواف مباشرة فوظيفته أن يطوف محمولا على متن انسان، و اذا لم يقدر على ذلك أيضا فوظيفته الاستنابة، و اما الصلاة فان تمكن منها مباشرة فهو، و الّا فعليه الاستنابة، و لا يتصور فيها مرتبة اخرى قبل مرتبة الاستنابة.

[الثالث من واجبات عمرة التمتع صلاة الطواف

اشارة

صلاة الطواف و هي الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع و هي ركعتان يؤتى بهما عقيب الطواف (1) و صورتها كصلاة الفجر و لكنه مخير في قراءتها بين الجهر و الاخفات، و يجب الاتيان بها قريبا من مقام إبراهيم «ع» و الأحوط بل الأظهر لزوم الاتيان بها خلف المقام، فان لم يتمكن فيصلي في أي مكان من المسجد مراعيا الأقرب فالأقرب إلى المقام على الأحوط هذا في طواف الفريضة، أما في الطواف المستحب فيجوز الاتيان بصلاته في أي موضع من المسجد اختيارا.

(1) يقع الكلام هنا في أمور:

الأول: في أصل وجوب صلاة الطواف شرعا.

الثاني: في وجوب الاتيان بها بعد الطواف.

الثالث: في وجوب الاتيان بها خلف المقام.

الرابع: في تعيين وظيفة من لم يتمكن من الاتيان بها خلف المقام.

اما الأمر الأول: و هو وجوب صلاة الطواف، فلا اشكال فيه، و تدل عليه الروايات المتعددة بمختلف الألسنة، و هي لا يبعد أن تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا، فمن أجل ذلك لا شبهة في أصل وجوبها، و لا كلام فيه، كما أن مقتضى تلك الروايات هو أن المكلف مخير في القراءة فيها بين الجهر و الاخفات، اذ تعيين

كل منهما بحاجة الى قرينة، و لا قرينة فيها على تعيين أحدهما.

و أما الأمر الثاني: فتنص عليه الروايات الكثيرة:

منها: الروايات البيانية.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 361

.......... و منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس، قال: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان، فليصلهما قبل المغرب» «1».

و منها: معتبرة رفاعة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر، أ يصلى الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال: نعم، أما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا بني عبد المطلب، لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر، فتمنعوهم من الطواف» «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم، فصلّ ركعتين- إلى أن قال-: و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخّرها ساعة تطوف و تفرغ فصلهما» «3».

و منها: صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن ركعتي طواف الفريضة، قال: لا تؤخرها ساعة اذا طفت فصل» «4» و منها غيرها.

و أما الأمر الثالث: فتنص عليه عدة روايات:

منها: صحيحة ابراهيم بن ابي محمود، قال: «قلت للرضا عليه السّلام: أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، حيث هو الساعة، أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: حيث هو الساعة» «5».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم

عليه السّلام فصل ركعتين، و اجعله إماما، و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد- قل هو اللّه أحد- و في الثانية- قل يا أيها الكافرون- ثم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 362

.......... تشهد، و احمد اللّه واثن عليه، و صل على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و اسأله أن يتقبل منك- الحديث» «1».

و منها: صحيحة ابي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللّه تعالى: (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) حتى ارتحل، قال: إن كان ارتحل فإني لا أشق عليه، و لا آمره أن يرجع، و لكن يصلي حيث يذكر» «2» بتقريب أنها ظاهرة في أن وظيفة المكلف هي الصلاة خلف المقام، و لكنه اذا نسيها حتى ارتحل من مكة يصلي حيث ذكر.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة، قال: فليصلهما حيث ذكر، و إن ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما» «3»، بتقريب أنها تدل على أن الوظيفة هي الصلاة خلف المقام اذا نسي و ارتحل من مكة، فحينئذ يصلي متى تذكر.

و هنا روايات أخرى تدل على وجوب الصلاة عند المقام أو فيه:

منها: صحيحة عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل طاف طواف الفريضة، و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثم طاف طواف النساء، فلم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح، يصلي أربع ركعات؟ قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا» «4».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما

عليهما السّلام قال: «سئل عن رجل طاف طواف الفريضة، و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 363

.......... طاف طواف النساء، و لم يصل لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح، قال: يرجع الى المقام فيصلى ركعتين» «1».

و منها: صحيحة ابي الصباح الكناني، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام في طواف الحج و العمرة، فقال:

إن كان في البلد صلّى ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام، فإن اللّه عز و جل يقول:

وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع» «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم فصل ركعتين- الحديث» «3» و منها غيرها.

و غير خفي أن الصحاح الأولى من الروايات الأخيرة الآمرة بالصلاة عند المقام، فلا اطلاق لها من هذه الناحية، لأنها في مقام بيان حكم موضوع آخر و هو الناسي للصلاة، لا في مقام بيان موضعها، و على تقدير تسليم أنها مطلقة فلا بد من رفع اليد عن اطلاقها بالروايات المتقدمة الدالة على ايقاعها خلف المقام. و من هنا يظهر حال الصحيحة الأخيرة منها، فإنها و إن كانت مطلقة من هذه الناحية، الا أنه لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بتلك الروايات.

و أما الأمر الرابع: و هو ما اذا لم يتمكن من الصلاة خلف المقام، فالأظهر ان وظيفته الاتيان بها في أي موضع من مواضع المسجد شاء، و إن كان الأحوط و الأجدر به مراعاة الأقرب الى المقام فالأقرب، فههنا أمران:

الأول: عدم سقوط

صلاة الطواف بسقوط شرطها و هو خلف المقام.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 364

.......... الثاني: جواز الاتيان بها في هذه الحالة في أي موضع من مواضع المسجد شاء، و لا يلزم أن يكون في طرف يمين المقام أو يساره.

أما الأمر الأول: فالروايات الواردة في نسيان صلاته الى أن ارتحل من مكة، ثم تذكر، الآمرة بالاتيان بها حيث ما يذكر، ناصة في عدم سقوطها بسقوط شرطها، بل يظهر منها أن عدم سقوطها بعدم التمكن من الاتيان بها خلف المقام أمر مفروغ عنه.

فالنتيجة: ان الروايات الدالة على أن من ترك صلاة الطواف نسيانا أو جهلا، فان تمكن بعد التذكر أو العلم من الرجوع الى المسجد و الصلاة خلف المقام وجب ذلك، و اذا تعذر العود أو فيه مشقة صلاها في مكانه.

و تؤكد ذلك صحيحة الحسين بن عثمان، قال: «رأيت ابا الحسن موسى عليه السّلام يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد» «1» فان مقتضاها عدم اعتبار وقوع الصلاة خلف المقام، و بما أنها في مقام الحكاية عن فعل الإمام عليه السّلام فلا اطلاق لها لكي تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة الظاهرة في شرطية وقوعها خلف المقام، هذا اضافة الى أنها لو سقطت عن العاجز عن ايقاعها خلف المقام لشاع ذلك بين الأصحاب و اشتهر، مع أنه لا قائل به من المسلمين عامة.

و أما الأمر الثاني: فلأن الشرط انما هو ايقاعها خلف المقام، و اذا لم يتمكن منه فلا دليل على وجوب ايقاعها في يمينه أو يساره مع مراعاة الأقرب فالأقرب، و لو شك فيه فالمرجع اصالة البراءة، و حينئذ فيجوز له أن يصليها في أي موضع من مواضع المسجد شاء، و مع هذا فالأولى

و الأجدر به مراعاة

[مسألة 327: من ترك صلاة الطواف عالما عامدا بطل حجه

(مسألة 327): من ترك صلاة الطواف عالما عامدا بطل حجه لاستلزامه فساد السعي المترتب عليها (1).

الأقرب فالأقرب الى المقام، هذا كله في طواف الفريضة، و أما الطواف المندوب فيجوز ايقاع صلاته في أي نقطة من المسجد شاء، و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت اسبوعا، و صلّى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء، كتب اللّه له ستة آلاف حسنة- الحديث» «1».

و منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال:

«سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر، فيصلي الركعتين خارجا من المسجد، قال:

يصلي بمكة لا يخرج منها، الّا أن ينسى فيصلي اذا رجع في المسجد- اي ساعة أحب- ركعتي ذلك الطواف» «2» و لكن لا بد من تقييد اطلاقهما بالطواف المندوب بسبب الروايات التي تنص على اشتراط صلاة الطواف الفريضة بايقاعها خلف المقام.

(1) بل فساد الطواف أيضا، و تقريب ذلك: ان الروايات البيانية الواردة في بيان واجبات العمرة و الحج تنص على أن صلاة الطواف واجبة، سواء أ كانت من واجبات نفس العمرة و الحج أم كانت من واجبات اجزائهما، كالطواف، و على كلا التقديرين فبطلان الطواف بتركها عالما عامدا يكون على القاعدة، على أساس أن صحة الطواف مشروطة بوجود الصلاة بعدها بملاك ارتباطية اجزاء الحج و العمرة.

و بكلمة: ان صلاة الطواف ليست بواجبة مستقلة اثناء العمرة و الحج، بل هي جزء منهما، إما بالمباشرة أو الواسطة، و حيث ان اجزاء الواجب الواحد

[مسألة 328: تجب المبادرة الى الصلاة بعد الطواف

(مسألة 328): تجب المبادرة الى الصلاة بعد الطواف بمعنى أن لا يفصل بين الطواف و الصلاة عرفا (1).

ارتباطية، فبطبيعة الحال صحة كل جزء

من اجزائه مشروطة بوجود الجزء الآخر، بدون فرق فيه بين الجزء السابق و اللاحق، و هذا يعني كما أن صحة الجزء السابق مشروطة بوجود الجزء اللاحق، كذلك العكس. و من هنا يظهر أن مرد الوجوه الثلاثة التي ذكرها السيد الاستاذ قدّس سرّه لإثبات فساد السعي الى وجه واحد، و هو ما عرفت، و الاختلاف بينها إنما هو في التعبير لا في المضمون و المؤدى، لأن مرجع الكل الى معنى واحد.

(1) يظهر ذلك من جملة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس، قال: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان، فليصلهما قبل المغرب» «1».

و منها: صحيحة رفاعة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر، أ يصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه، فقال: نعم، أما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف» «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم، فصل ركعتين، الى ان قال: و هاتان الركعتان هما الفريضة، ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات شئت، عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخرها ساعة تطوف و تفرغ فصلهما» «3».

و منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن ركعتي طواف الفريضة، قال: لا تؤخرها ساعة اذا طفت فصل» «4»، و منها غيرها،

[مسألة 329: إذا نسي صلاة الطواف و ذكرها بعد السعي أتى بها]

(مسألة 329): إذا نسي صلاة الطواف و ذكرها بعد السعي أتى بها (1) فان تلك

الروايات ظاهرة في عدم جواز تأخير الصلاة عن الطواف عرفا، و في مقابلها صحيحة علي بن يقطين، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر، و هو في وقت الصلاة أ يصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة، قال: لا» «1»، فانها تدل على جواز التأخير و عدم وجوب المبادرة الى صلاة الطواف، فاذن تصلح ان تعارض الروايات المتقدمة.

و الجواب: ان الصحيحة ناظرة الى عدم وقوع صلاة الطواف في وقت الغداة و العصر، و لا نظر لها الى جواز تأخيرها عامدا و ملتفتا و بدون أي سبب، و عليه فلا تصلح أن تعارض تلك الروايات الظاهرة في عدم جواز التأخير، هذا اضافة الى أنها محكومة بصحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة و فرغ من طوافه حين غربت الشمس، قال:

وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب» «2»، باعتبار أنها ناصة في جواز الاتيان بها في وقت الفريضة، و لا سيّما بناء على ما قويناه، من أن وقت صلاة المغرب يدخل بغروب قرص الشمس عن الأفق كاملا، و حينئذ فتصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور صحيحة علي بن يقطين، و حملها على الكراهة تطبيقا لحمل الظاهر على النص، أو لا أقلّ من حمل المطلق على المقيد، حيث ان صحيحة محمد بن مسلم خاصة بطواف الفريضة، و صحيحة علي بن يقطين عامة لطواف الفريضة و النافلة.

و مع الإغماض عن ذلك و تسليم التعارض بينهما فتسقطان معا من جهة المعارضة، و يرجع حينئذ الى الروايات المطلقة، فان مقتضى اطلاقها جواز الاتيان بها في وقت الفريضة.

(1) تدل عليه جملة من الروايات:

تعاليق

مبسوطة على مناسك الحج، ص: 368

و لا تجب إعادة السعي بعدها و إن كانت الاعادة أحوط، و إذا ذكرها في اثنا السعي قطعه و أتى بالصلاة في المقام ثم رجع و أتم السعي حيثما قطع (1) منها: موثقة عبيد بن زرارة قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف طواف الفريضة، و لم يصل الركعتين حتى ذكر و هو بالأبطح يصلي أربعا، قال:

يرجع فيصلي عند المقام أربعا» «1» و مثلها موثقته الأخرى «2».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة، ثم طاف طواف النساء، و لم يصل لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح، قال: يرجع الى المقام فيصلي ركعتين» «3» فان هذه الروايات واضحة الدلالة على وجوب الرجوع الى المقام، و الصلاة عنده اذا تذكر في الطريق الى منى و قبل الوصول اليه، ثم ان الظاهر منها عرفا أنه لا موضوعية للأبطح فان المعيار في وجوب الرجوع الى المقام انما هو بالتذكر في مكان قريب لا تكون فيه مشقة أو حرج عادة.

(1) تنص عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في رجل طاف طواف الفريضة، و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم ذكر، قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين، ثم يعود الى مكانه» «4».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى أن يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة اشواط، أو أقل من ذلك، قال: ينصرف حتى

يصلي الركعتين، ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه» «5».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 369

و إذا ذكرها بعد خروجه من مكة لزمه الرجوع و الاتيان بها في محلها (2) (2) في اطلاقه اشكال، بل منع، و الصحيح هو التفصيل بين ما اذا خرج عن مكة مسافة قليلة، و ما اذا خرج منها مسافة كثيرة، فعلى الأول انه مخير بين أن يرجع الى مكة و يصليهما خلف المقام، و بين أن يأمر غيره ليصليهما عنه، و تدل عليه صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة، قال: إن كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلّهما، أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه» «1» بتقريب أنها واضحة الدلالة على تخيير من خرج من مكة بمسافة قليلة ناسيا صلاة الطواف بين الرجوع بنفسه الى مكة و الصلاة عند المقام و بين الاستنابة، و في مقابلها روايات أخرى.

منها: صحيحة ابي الصباح الكناني، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام في طواف الحج و العمرة، فقال: إن كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام، فان اللّه عز و جل يقول:

وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع»»

.و منها: صحيحة أبي بصير، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتى طواف الفريضة خلف المقام، و قد قال اللّه تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى حتى ارتحل، قال: إن كان ارتحل فانى لا أشق عليه، و لا آمره أن يرجع، و لكن يصلي حيث يذكر» «3».

و

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام، فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال: فليصلّهما حيث ذكر، و إن ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما» «4».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 370

فان لم يتمكن من الرجوع أتى بها في أي موضع ذكرها فيه (1).

نعم، إذا تمكن من الرجوع الى الحرم رجع إليه و أتى بالصلاة فيه على الأحوط الأولى و حكم التارك لصلاة الطواف جهلا حكم الناسي و لا فرق في الجاهل بين القاصر و المقصر.

و لكن لا بد من تقييد اطلاق هذه الروايات بالرواية الأولى تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

فالنتيجة: أن من نسي صلاة الطواف و خرج عن مكة، فان كان بمسافة قليلة فعليه أن يرجع بنفسه أو يستنيب، و لا يجوز له أن يصلي في مكانه، و ان كان بمسافة كثيرة أو بعد رجوعه الى بلده يصلي حيث يذكر.

(1) مر أن الاتيان بها في موضع ذكرها لا يكون مقيدا بعدم التمكن من الرجوع، بل يجوز ذلك مع التمكن منه أيضا، اذا كان بعيدا عن مكة او كان في بلده، كما هو مقتضى الجمع بين الصحيحة الأولى و الصحاح الأخرى.

بقيت هنا مسألة: و هي ان من نسي صلاة طواف العمرة و أحرم للحج و ذهب الى عرفات، و وصل في الطريق الى منى، ثم تذكر، فهل يجب عليه الرجوع الى مكة و الصلاة خلف المقام أو الاستنابة أو لا؟ فيه وجهان: و لا يبعد الوجه الأول، و ذلك لأن صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه سأله عن رجل نسي أن يصلي الركعتين

ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم حتى أتى منى، قال: يصليهما بمنى» «1» تدل على أن وظيفته الاتيان بهما في منى و عدم الرجوع الى مكة، و صحيحة أحمد بن عمر الحلال قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة، فلم يذكر حتى أتى منى، قال:

يرجع الى مقام ابراهيم فيصليهما» «2»، تدل على أن وظيفته الرجوع و الصلاة خلف المقام، فاذن يقع التعارض بينهما، و بما أنه لا ترجيح في البين لإحداهما

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 371

.......... على الأخرى، فتسقطان معا من جهة المعارضة، و يرجع حينئذ الى اطلاق صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة الدالة على أن من نسي صلاة الطواف و خرج من مكة بمسافة قليلة فعليه أن يرجع إما بنفسه أو بنائبه، و حيث ان المسافة بين مكة و منى مسافة قليلة عرفا، فاذا خرج من مكة و وصل الى منى صدق عرفا أنه خرج منها بمسافة قليلة، و عليه حينئذ أن يرجع بنفسه، أو يستنيب.

و دعوى: أن صحيحة أحمد بن عمر قد قيد اطلاقها بما اذا لم يكن في الرجوع مشقة و عسر بقرينة قوله عليه السّلام في صحيحة أبي بصير المتقدمة «فاني لا أشق عليه و لا آمره أن يرجع» «1» فانه يدل على عدم وجوب الرجوع اذا كان فيه مشقة و عسر، و حينئذ فتنقلب النسبة بين صحيحة أحمد و صحيحة عمر بن يزيد من التباين الى عموم مطلق.

مدفوعة: بأن المراد من المشقة في قوله عليه السّلام: «لا اشق عليه» هو المشقة النوعية، حيث إن في التكليف بالرجوع الى مكة ثانيا للصلاة خلف المقام مشقة نوعية، و هي التي تدعو المولى الى عدم الأمر

به مطلقا، فان المتفاهم العرفي منه ذلك، دون المشقة الشخصية التي لا تتحمل عادة، اذ أن ذلك لا ينسجم مع اطلاق قوله عليه السّلام: «و لا آمره أن يرجع ...» لوضوح أنه ليس في الرجوع دائما مشقة، فاذن عدم الأمر به مطلقا قرينة على أن المراد من المشقة المشقة النوعية، باعتبار أن في التكليف بالرجوع الى المقام و الصلاة خلفه مشقة نوعا، و حيث لا تكون في الرجوع إلى المقام من المسافة القليلة كمنى مشقة عادة و نوعا، فلا يكون لصحيحة أحمد اطلاق من هذه الناحية حتى تقيد اطلاقها بصحيحة ابي بصير.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 372

.......... و ثانيا: قد مر أن اطلاق صحيحة أبي بصير قد قيد بصحيحة عمر بن يزيد المتقدمة الدالة على أنه اذا تذكر بعد الخروج من مكة بمسافة قليلة فعليه أن يرجع، أو يأمر من يصلي عنه، و لا يجوز له أن يصلي في مكانه، فاذن يختص موردها بمن خرج من مكة مسافة كثيرة، أو رجع الى بلده ثم تذكر، فان وظيفته أن يصلي في مكان ذكرها فيه دون الرجوع أو الاستنابة، و على هذا فالصحيحة لا تصلح أن تكون مقيدة لإطلاق صحيحة أحمد بن عمر، لعدم اشتراكهما في المورد، لأن مورد صحيحة احمد من خرج من مكة الى منى، و هو مسافة قليلة، فوظيفته الرجوع إن أمكن، و الّا فالاستنابة، و مورد صحيحة ابي بصير من خرج منها الى مسافة كثيرة، أو وصل الى بلده ثم تذكر، فان وظيفته الصلاة في موضعه.

فالنتيجة: أنه لا يمكن أن تكون صحيحة أبي بصير مقيدة لإطلاق صحيحة أحمد.

و ثالثا: مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن مورد صحيحة أحمد لا يكون مشمولا

لإطلاق صحيحة عمر بن يزيد الأولى، بدعوى أن المسافة بين مكة و منى ليست بقليلة حتى تكون مشمولة له، الّا أنه مع ذلك لا يمكن تقييد اطلاق صحيحة أحمد بصحيحة أبي بصير، بل العكس هو المتعين، باعتبار ان نسبة الأولى الى الثانية نسبة المقيد الى المطلق، لأن موردها خاص، و هو ارتحال الحاج من مكة الى منى، فانها تدل على أن من نسى صلاة الطواف و ارتحل من مكة الى منى ثم تذكر، وجب عليه أن يرجع الى مكة من أجل الصلاة، و أما مورد الصحيحة الثانية فهو أعم من أن يكون ارتحاله من مكة الى منى، أو الى بلده أو بلد آخر، و تدل على عدم وجوب الرجوع اليها ثانيا للإتيان بالصلاة خلف المقام، بل يكفي الاتيان بها في أي موضع ذكرها فيه، فاذن لا بد من رفع اليد عن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 373

.......... اطلاقها بقرينه الصحيحة الأولى تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد، هذا بلا فرق بين أن يكون المراد من المشقة في صحيحة أبي بصير المشقة النوعية أو الشخصية.

و رابعا: مع الاغماض عن كل ذلك، فقد ذكرنا في علم الأصول أن كبرى انقلاب النسبة غير تامة، فانه على تقدير تسليم تقييد اطلاق صحيحة أحمد بصحيحة أبي بصير، فهو لا يوجب انقلاب النسبة بينها و بين صحيحة عمر بن يزيد الأخيرة، بل هي باقية على حالها و هي التباين، فتسقطان معا حينئذ من جهة المعارضة، و يرجع في موردها الى اطلاق صحيحة أخرى لعمر بن يزيد المتقدمة.

ثم إنه قد تسأل أن صحيحة عمر بن يزيد الأولى هل هي ظاهرة في التخيير بين الرجوع الى مكة للإتيان بصلاة الطواف بنفسه و

مباشرة، و بين الاستنابة فيها مع فرض التمكن من الرجوع اليها بنفسه، أو لا بد من حمل الاستنابة فيها على صورة عدم التمكن من الرجوع اليها كذلك.

و الجواب: إنها ظاهرة في التخيير على أساس ظهور كلمة (أو) فيه، و حملها على الترتيب خلاف الظاهر، و بحاجة الى قرينة، و لا قرينة عليه لا في نفس الصحيحة و لا من الخارج، أو فقل: إن تقييد وجوب الاستنابة فيها بعدم التمكن من الرجوع بنفسه بحاجة الى قرينة، و لا قرينة على ذلك فيها.

فالنتيجة: أنه لا شبهة في ظهورها في التخيير، و تؤكد ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي أن يصلي الركعتين، قال: يصلى عنه» «1».

و صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من نسي أن يصلي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 374

.......... ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة، فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليه، أو رجل من المسلمين» «1» فان مقتضى اطلاقهما جواز أن يصلى عنه و إن كان متمكنا منه، غاية الأمر ان اطلاقهما مقيد بمفهوم صحيحة عمر بن يزيد الذي ينص على أن من ارتحل من مكة بمسافة كثيرة فلا تكون وظيفته التخيير و حملها على الخروج من مكة بمسافة قليلة، و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر به وجوبا أن يرجع بنفسه الى مكة للإتيان بالصلاة خلف المقام إن أمكن، و الّا فعليه الاستنابة.

و نتيجة ما ذكرناه حول المسألة أمور:

الأول: انه لا فرق فيما ذكرناه بين صلاة طواف الحج، و صلاة طواف العمرة.

الثاني: ان الناسي لصلاة الطواف اذا خرج من مكة و طوى مسافة قليلة، ثم تذكر فعليه أن

يرجع و يأتي بها مباشرة، أو يستنيب من يقوم بالاتيان بها عنه، و الأحوط وجوبا أن تكون الاستنابة في حالة عجزه عن التمكن من القيام بها.

الثالث: ان هاهنا قاعدتين:

الأولى: ان من خرج من مكة و مشى مسافة قريبة فحكمه ما مر.

الثانية: ان من خرج منها و مشى مسافة طويلة، أو وصل الى بلده، ثم تذكر فوظيفته أن يصلي في مكانه، و لا يجب عليه الرجوع و لا الاستنابة.

الرابع: ان من خرج من مكة ناسيا ركعتي الطواف، و وصل الى منى، ثم تذكر، فهل هو داخل في القاعدة الأولى و من عناصرها، أو أنه داخل في الثانية؟

الظاهر أنه داخل في الأولى، لأن قوله عليه السّلام في صحيحة عمر بن يزيد: «ان كان قد مضى قليلا» يصدق على من ارتحل من مكة و مضى الى منى، باعتبار أنه قليل

[مسألة 330: إذا نسي صلاة الطواف حتى مات وجب على الوليّ قضاؤها]

(مسألة 330): إذا نسي صلاة الطواف حتى مات وجب على الوليّ قضاؤها (1).

بالنسبة الى الحاج الجائي من البلاد النائية.

الخامس: ان صحيحة أحمد بن عمر معارضة بصحيحة عمر بن يزيد فتسقطان من جهة المعارضة، و المرجع حينئذ هو اطلاق صحيحة أخرى لعمر ابن يزيد، و مع الاغماض عنه فالمرجع في المسألة أصالة الاشتغال، باعتبار أن ذمته مشغولة بالصلاة، و لا يعلم بالبراءة عنها الّا اذا رجع و صلّى خلف المقام بنفسه أو بنائبه تطبيقا لقاعدة أن الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية.

السادس: انه لا يمكن تقييد اطلاق صحيحة احمد بصحيحة ابي بصير، و على تقدير التقييد فلا تنقلب النسبة بينها و بين صحيحة عمر بن يزيد من التباين الى عموم مطلق، على أساس ما حققناه في الأصول من عدم صحة كبرى انقلاب النسبة.

(1) لصحيحة ابن البختري عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام: «في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه- الحديث» «1» فانها باطلاقها تعم صلاة الطواف أيضا. هذا كله في الناسي.

و اما الجاهل بأصل الحكم أو بالخصوصيات المعتبرة في صحتها، كما اذا صلى في غير مقام ابراهيم عليه السّلام، أو صلّى في النجس، فهل حكمه حكم الناسي؟

الظاهر أن حكمه حكم الناسي و إن كان مقصرا، و ذلك لإطلاق صحيحة جميل ابن دراج عن أحدهما عليهما السّلام: «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم بمنزلة الناسي» «2» فانها باطلاقها تشمل الجاهل المقصر أيضا.

فالنتيجة: ان الطواف يمتاز عن صلاته، فان تركه اذا كان عن جهل أوجب البطلان- كما تقدم- دون ترك صلاته كذلك، هذا اضافة الى عموم حديث لا

[مسألة 331: إذا كان في قراءة المصلي لحن فان لم يكن متمكنا من تصحيحها فلا إشكال في اجتزائه بما يتمكن منه في صلاة الطواف و غيرها]

(مسألة 331): إذا كان في قراءة المصلي لحن فان لم يكن متمكنا من تصحيحها فلا إشكال في اجتزائه بما يتمكن منه في صلاة الطواف و غيرها و أما إذا تمكن من التصحيح لزمه ذلك فان أهمل حتى ضاق الوقت عن تصحيحها فالأحوط أن يأتي بصلاة الطواف حسب امكانه و أن يصليها جماعة (1) و يستنيب لها أيضا.

[مسألة 332: إذا كان جاهلا باللحن في قراءته و كان معذورا في جهله صحت صلاته

(مسألة 332): إذا كان جاهلا باللحن في قراءته و كان معذورا في جهله (2) صحت صلاته و لا حاجة إلى الاعادة حتى إذا علم بذلك بعد الصلاة، و أما إذا لم يكن معذورا فاللازم عليه إعادتها بعد التصحيح (3) و يجري عليه حكم تارك صلاة الطواف نسيانا.

تعاد، لما ذكرناه في محله من أنه يعم الناسي و الجاهل و إن كان مقصرا، شريطة أن يكون مركبا، و أما اذا كان بسيطا و كان مقصرا فلا يشمله الحديث.

(1) هذا هو المتعين، و ذلك لان قراءته إن كانت صحيحة تخيّر بين أن يصليها فرادى و أن يصليها جماعة، و أما اذا لم تكن صحيحة و تسامح في تصحيحها و تساهل إلى أن ضاق الوقت فحينئذ يتعين عليه أن يصليها جماعة إذا أمكن، و إلّا فعليه أن يصلي فرادى، و الأحوط أن يستنيب من يصلي عنه أيضا. نعم اذا لم يكن متمكنا من تصحيحها، كما إذا كان في قراءته لحن ذاتا لم يجب عليه أن يصليها جماعة، بل يكفي أن يصليها فرادى.

(2) بل و إن لم يكن معذورا شريطة أن يكون جهله مركبا، لما ذكرناه في (فصل الصلاة في النجس) في مبحث الطهارة أن حديث لا تعاد يعم الجاهل المركب و إن كان مقصرا. نعم، لا يعم الجاهل البسيط اذا كان مقصرا،

على تفصيل تقدم هناك.

(3) هذا اذا كان جهله بسيطا، و أما اذا كان مركبا فلا تجب عليه الاعادة كما مر.

[الرابع من واجبات عمرة التمتع السعي

اشارة

السعي و هو الرابع من واجبات عمرة التمتع و هو أيضا من الأركان، فلو تركه عمدا بطل حجة سواء في ذلك العلم بالحكم و الجهل به (1)، و يعتبر فيه قصد القربة، و لا يعتبر فيه ستر العورة و لا الطهارة من الحدث أو الخبث و الأولى رعاية الطهارة فيه (2).

(1) لأن بطلان الحج بترك السعي يكون على القاعدة، باعتبار أن المأمور به حينئذ لا ينطبق على الفرد المأتي به في الخارج الفاقد له، هذا بدون فرق بين أن يكون تركه عامدا و ملتفتا أو جاهلا أو ناسيا، لأن الصحة بحاجة الى دليل، و قد دل الدليل على أن تركه نسيانا لا يوجب البطلان، فاذا تذكر وجب عليه قضاؤه بنفسه و مباشرة إن أمكن، و الّا فبنائبه، و أما اذا تركه متعمدا و إن كان جاهلا بالحكم، فلا دليل على الصحة، بل مضافا الى أن بطلانه مقتضى القاعدة، تدل عليه أيضا مجموعة من الروايات.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل ترك السعي متعمدا قال: «عليه الحج من قابل» «1» و منها صحيحته الثانية «2»، و الثالثة «3».

(2) الأمر كما افاده قدّس سرّه، أما الطهارة الخبثية فلا يوجد أي دليل على اعتبارها، و أما الطهارة الحدثية، فقد دلت على عدم اعتبارها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال لا بأس أن تقضى المناسك كلها على غير وضوء الّا الطواف، فان فيه صلاة، و الوضوء أفضل على كل حال» «4» و لكن بازائها

[مسائل
[مسألة 333: محل السعي إنما هو بعد الطواف و صلاته

(مسألة 333): محل السعي إنما هو بعد الطواف و صلاته (1)، فلو قدّمه على الطواف أو على صلاته وجبت عليه الاعادة بعدهما و قد

تقدم حكم من نسي الطواف و تذكره بعد سعيه.

روايات أخرى تدل على اعتبار الطهارة فيه.

منها: موثقة ابن فضال، قال: «قال أبو الحسن عليه السّلام: لا تطوف و لا تسعى الّا بوضوء» «1».

و منها: صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه، قال: «سألته عن الرجل يصلح أن يقضى شيئا من المناسك و هو على غير وضوء، قال: لا يصلح الّا على وضوء» «2».

و منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض، قال: لا، ان اللّه يقول: إن الصفا و المروة من شعائر اللّه» «3».

و لكن هذه الروايات لا تصلح أن تعارض صحيحة معاوية، لأنها ناصة في عدم اعتبار الطهارة فيه، و تلك الروايات ظاهرة في اعتبارها، فاذن لا بد من رفع اليد عن ظهورها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، هذا اضافة الى أن صحيحة الحلبي لا تدل على اعتبارها فيه، فانها تدل على أن الحيض مانع، و لا ملازمة بين الأمرين، على أنه لا بد من حملها على الأفضل بقرينة الروايات الدالة على ترخيص الحائض في السعي و هي حائض.

(1) هذا مما لا شبهة فيه، اذ مضافا الى أن سيرة المسلمين قد جرت على ذلك من لدن عصر النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله الى زماننا هذا فقد نصت عليه الروايات الكثيرة، منها الروايات البيانية الواردة في تفصيل واجبات الحج و العمرة كما

[مسألة 334: يعتبر في السعى النية بأن يأتي به عن العمرة إن كان في العمرة و عن الحج إن كان في الحج

(مسألة 334): يعتبر في السعى النية بأن يأتي به عن العمرة إن كان في العمرة و عن الحج إن كان في الحج قاصدا به القربة إلى اللّه تعالى (1).

و كيفا و ترتيبا، و منها الروايات الواردة فيمن قدم

السعي على الطواف، كصحيحة منصور بن حازم، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا و المروة، قال: يرجع فيطوف بالبيت، ثم يستأنف السعي، قلت: ان ذلك قد فاته، قال: عليه دم، ألا ترى أنك اذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك» «1».

و صحيحته الأخرى، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت، قال: يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا و المروة، فيطوف بينهما» «2» و موثقة اسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل طاف بالكعبة، ثم خرج فطاف بين الصفا و المروة، فبينما هو يطوف اذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت، قال: يرجع الى البيت فيتم طوافه، ثم يرجع الى الصفا و المروة، فيتم ما بقى، قلت: فانه بدأ بالصفا و المروة قبل أن يبدأ بالبيت، فقال:

يأتى البيت فيطوف به، ثم يستأنف طوافه بين الصفا و المروة، قلت: فما فرق بين هذين، قال: لأن هذا قد دخل في شي ء من الطواف، و هذا لم يدخل في شي ء منه» «3». فان هذه الروايات واضحة الدلالة على اعتبار الترتيب بين السعي و الطواف، و أن محل الأول بعد الثاني، فلو قدمه عليه لأخل بالترتيب، و لا ينطبق عليه السعي المأمور به، و الرواية الأخيرة و هي الموثقة تدل على أن من بدأ بالسعي قبل الطواف حول البيت بطل سعيه، و وجب عليه استئنافه بعد الطواف، و أما من بدأ به في اثناء الطواف، ثم تذكر ما تركه منه، فلا يبطل بل عليه أن يقطع سعيه و يرجع و يكمل ما تركه

من طوافه، ثم يأتي و يكمل ما بقي من سعيه.

(1) هذا باعتبار أنه من الأجزاء الرئيسية للحج و العمرة، و قد تقدم أن كل

[مسألة 335: يبدأ بالسعي من أول جزء من الصفا]

(مسألة 335): يبدأ بالسعي من أول جزء من الصفا (1) ثم يذهب بعد ذلك إلى المروة و هذا يعد شوطا واحدا ثم يبدأ من المروة راجعا الى الصفا الى أن يصل اليه فيكون الاياب شوطا آخر، و هكذا يصنع الى أن يختم السعي بالشوط السابع في المروة، و الأحوط لزوما اعتبار الموالاة (2) بأن لا يكون فصل معتد به بين الاشواط.

عبادة متقومة بالنية، و نقصد بها أن تتوفر فيها العناصر التالية:

الأول: نية القربة.

الثاني: نية الخلوص، و نقصد بها عدم الرياء.

الثالث: قصد الاسم الخاص المميز لها شرعا.

و هذه العناصر الثلاثة كما أنه لا بد من توفرها في العبادات المستقلة كالصلاة و الصيام و الحج و غيرها، كذلك لا بد من توفرها في اجزائها العبادية كالسعي و نحوه، فان صحته مرتبطة بتوفر تلك العناصر فيه، و هذا يعني أن من أتى به فعليه أن ينوي مضافا الى القربة و الخلوص كونه من عمرة التمتع، أو الحج، أو العمرة المفردة، كما هو الحال في الطواف و صلاته و غيرهما من أجزاء الحج و العمرة.

(1) صورته على النحو التالي: ينوي المكلف السعي بين الصفا و المروة متقربا الى اللّه تعالى و مخلصا لعمرة التمتع من حجة الإسلام، بادئا من الصفا و منتهيا الى المروة، ثم يعود من المروة الى الصفا، ثم من الصفا الى المروه و هكذا حتى يسير بينهما سبع مرات ذاهبا من الصفا الى المروة أربع مرات و من المروة الى الصفا ثلاث مرات، و يسمى كل مرة شوطا، و يكون ختامه عند

المروة.

(2) بل هو الأظهر، و لا يحتاج اعتبارها فيه الى دليل خارجي، بل يكفي كونه عملا واحدا مركبا من سبعة اشواط، و من الواضح أن وحدة ذلك العمل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 381

.......... عرفا متقومة بالموالاة بين هذه الأشواط.

و بكلمة: ان المتبادر في الأذهان من الروايات البيانية و غيرها اعتبار الموالاة بين اجزائه المعينة المحددة، كما هو الحال في الطواف.

و أما الروايات الدالة على جواز الجلوس أثناء السعي:

فمنها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة، أ يستريح؟ قال: نعم، إن شاء جلس على الصفا و المروة و بينهما فليجلس» «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار في حديث: «انه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

يجلس على الصفا و المروة، قال: نعم» «2»، فلا تدل على عدم اعتبارها بين الأشواط، لأن الجلوس بقدر الاستراحة لا يضر بالموالاة بينها عرفا.

و أما ما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: لا يجلس بين الصفا و المروة الّا من جهد» «3». من النهي عن الجلوس بينهما، فهو محمول على الكراهة بقرينة الروايات المتقدمة الناصة في جواز الجلوس بينهما.

فالنتيجة: ان الأظهر اعتبار الموالاة فيه عرفا، و اما الجلوس اثناؤه على الصفا و المروة، أو بينهما فهو لا يضر بالموالاة العرفية.

و أما الروايات الواردة فيمن نقص سهوا من طوافه و تذكر اثناء السعى، و من نسي صلاته و تذكر بعد الشروع في السعي الدالة على أنه يقطع سعيه و يرجع و يتم طوافه، أو يصلي ثم يأتي فيكمل سعيه، فلا تصلح أن تكون قرينة على عدم اعتبار الموالاة فيه مطلقا، فانه مضافا إلى

امكان المناقشة في أن هذا

[مسألة 336: لو بدأ بالمروة قبل الصفا فان كان في شوطه الأول الغاه و شرع من الصفا]

(مسألة 336): لو بدأ بالمروة قبل الصفا فان كان في شوطه الأول الغاه و شرع من الصفا و ان كان بعده ألغى ما بيده و استأنف السعي من الأول (1).

[مسألة 337: لا يعتبر في السعي المشي راجلا فيجوز السعي راكبا على حيوان أو على متن انسان أو غير ذلك

(مسألة 337): لا يعتبر في السعي المشي راجلا فيجوز السعي راكبا على حيوان أو على متن انسان أو غير ذلك، و لكن يلزم على المكلف أن يكون ابتداء سعيه من الصفا و اختتامه بالمروة.

المقدار من الفصل الزمني بين اشواطه لا يضر بالموالاة العرفية، لا يمكن التعدي عن موردها الى سائر الموارد و الحكم بجواز القطع مطلقا و إن كان عن عمد و اختيار و بفترة زمنية مخلة بالموالاة، و كذلك ما دل على جواز قطعه اذا دخل وقت الفريضة، فانه مضافا الى أن مقدار وقت أداء الفريضة لا يضر بالموالاة العرفية، كما هو الحال في الطواف لا يمكن التعدي عن مورده الى سائر الموارد.

لحد الآن قد تبين أن الأظهر كون الاخلال بالموالاة العرفية عامدا و ملتفتا و بدون عذر شرعي مبطل الا ما قام الدليل على عدم البطلان.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لدلالة مجموعة من الروايات على ذلك:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى، و يبدأ بالصفا قبل المروة» «1»، فانها ظاهرة في الغاء ما أتى به من الأشواط، و البدء بالصفا قبل المروة.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا» «2»، و مثلهما صحيحته الثالثة «3».

و في مقابلها روايتان قد يتوهم انهما تدلان على أن الملغى هو الشوط الأول فحسب دون الثاني و الثالث:

تعاليق مبسوطة

على مناسك الحج، ص: 383

.......... إحداهما: رواية علي بن ابي حمزة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء» «1»، بتقريب أن المكلف حين الوضوء اذا بدأ بغسل يده اليسرى ثم اليمنى كان الملغى هو غسل اليسرى فحسب دون اليمنى، لعدم الموجب لإلغائه.

و الأخرى: رواية علي الصائغ، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله» «2»، فانها كالأولى في الدلالة و الظهور، و لكن بما أن الروايتين ضعيفتان سندا، فلا تصلحان للمعارضة مع الطائفة الاولى، أما الرواية الأولى فمن جهة ان في سندها علي بن أبي حمزة، و هو ممن لم يثبت توثيقه، و أما الثانية فلأن في سندها اسماعيل بن مرار، و هو كذلك، و مجرد كونه من رجال كامل الزيارات لا يكفي.

و مع الاغماض عن سندهما فلا دلالة لهما، لأن الظاهر منهما ان التشبيه بلحاظ عدم الاكتفاء بغسل الشمال قبل اليمين، و أنه ملغى، بلا نظر لهما الى حكم غسل اليمين، و هذا يعني انهما تدلان على أن من بدأ بغسل يساره أولا، ثم يمينه فعليه أن يلغى الأول فقط دون الثاني، اذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون مدلولهما الغاء كليهما، و استئناف الوضوء من الأول، و حيث إنهما لا تدلان على ذلك فيرجع الى مقتضى القاعدة، و من الطبيعي ان مقتضى القاعدة عدم وجود مبرر لإلغاء غسل اليمين.

فالنتيجة: أن هاتين الروايتين ساقطتان سندا

و دلالة.

[مسألة 338: يعتبر في السعي أن يكون ذهابه و ايابه فيما بين الصفا و المروة من الطريق المتعارف

(مسألة 338): يعتبر في السعي أن يكون ذهابه و ايابه فيما بين الصفا و المروة من الطريق المتعارف فلا يجزئ الذهاب أو الاياب من المسجد الحرام أو أيّ طريق آخر.

نعم، لا يعتبر أن يكون ذهابه و إيابه بالخط المستقيم (1).

[مسألة 339: يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها]

(مسألة 339): يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه فلو استدبر المروة عند الذهاب إليها أو استدبر الصفا عند الاياب من المروة لم يجزئه ذلك (2)، و لا بأس بالالتفات الى اليمين او اليسار أو الخلف عند الذهاب أو الاياب.

[مسألة 340: يجوز الجلوس على الصفا أو المروة أو فيما بينهما للاستراحة]

(مسألة 340): يجوز الجلوس على الصفا أو المروة أو فيما بينهما للاستراحة، و إن كان الأحوط ترك الجلوس فيما بينهما (3).

(1) هذا هو الظاهر و المتفاهم العرفي من الآية الكريمة و الروايات، لأن المعيار في ذلك انما هو بصدق السعي بين الصفا و المروة عرفا، فاذا صدق كفى و إن لم يكن بالخط المستقيم، حيث إن الواجب على المكلف السير بين الصفا و المروة بادئا من الصفا مستقبلا المروة، ثم يعود من المروة مستقبلا الصفا، و هكذا. و إن لم يكن بالخط المستقيم، فان المعتبر في السعي من كل منهما الى الآخر أن يكون مستقبلا في مقابل أن يكون مستدبرا، أو يمينا، أو يسارا.

(2) لأن المتفاهم العرفي من الآية الشريفة و الروايات أن المأمور به السعي المتعارف بين الصفا و المروة مستقبلا من كل منهما الآخر عرفا، و لا يجوز السعي من كل منهما مستدبرا الآخر، أو يمينا أو شمالا. نعم لا بأس بأن يلتفت الساعي اثناء السعي يمينا و يسارا، لأنه لا يضر بالاستقبال العرفي.

(3) فيه أن الاحتياط و إن كان استحبابيا، الّا أنه لا منشأ له، لنص قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي: «نعم إن شاء جلس على الصفا و المروة و بينهما

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 385

.......... فليجلس» «1» في الجواز، و قد تقدم في المسألة (335) أن النهي في صحيحة عبد الرحمن

بن أبي عبد اللّه «2» عن الجلوس بينهما إلّا من جهد محمول على الكراهة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص. ثم ان الظاهر من الآية الشريفة و الروايات أن الواجب هو السعي بين الصفا و المروة، و أما الصعود الى الجبل فهو غير واجب، و لا يوجد دليل عليه.

[احكام السعي
اشارة

احكام السعي تقدم أن السعي من أركان الحج فلو تركه عمدا عالما بالحكم أو جاهلا به أو بالموضوع الى زمان لا يمكنه التدارك قبل الوقوف بعرفات بطل حجه و لزمته الاعادة من قابل و الأظهر أنه يبطل إحرامه أيضا (1) و إن كان الأحوط الاولى العدول الى الافراد و إتمامه بقصد الاعم منه و من العمرة المفردة.

[مسألة 341: لو ترك السعي نسيانا أتى به حيث ما ذكره، و ان كان تذكره بعد فراغه من أعمال الحج

(مسألة 341): لو ترك السعي نسيانا أتى به حيث ما ذكره، و ان كان تذكره بعد فراغه من أعمال الحج فان لم يتمكن منه مباشرة أو كان فيه حرج و مشقة لزمته الاستنابة و يصح حجه في كلتا الصورتين (2).

(1) بل هو الظاهر لأن الإحرام جزء من الحج و العمرة، و لا يعقل بطلان الحج أو العمرة مع عدم بطلان الإحرام، لأنه خلف فرض كونه جزءا منه. و به يظهر حال ما بعده.

(2) تدل على الصحة مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: رجل نسي السعي بين الصفا و المروة، قال: يعيد السعي، قلت: فانه خرج، قال: يرجع فيعيد السعي، ان هذا ليس كرمي الجمار، ان الرمي سنة، و السعي بين الصفا و المروة فريضة- الحديث» «1».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 387

.......... نسي أن يطوف بين الصفا و المروة، قال: يطاف عنه» «1»، بتقريب أن الظاهر منهما ان السعي واجب على الناس بعد تذكره بوجوب مستقل، لا بملاك أنه جزء من الحج أو العمرة، باعتبار أن مقتضى اطلاقهما وجوبه عليه و إن كان بعد مضي شهر ذي الحجة، فاذن وجوبه بعد خروج الوقت لا

محالة يكون وجوبا جديدا، لأن وجوبه الأول وجوب ضمني قد سقط عنه بسقوط موضوعه و هو الوقت، و هذا الوجوب الجديد الذي هو بديل للوجوب الأول لا يمكن أن يكون وجوبا ضمنيا، لفرض أنه واجب بعد خروج الوقت، فاذن لا محالة يكون مقتضى اطلاقهما أن وجوبه بعد الوقت وجوب مولوي مستقل و من هنا لو تركه عامدا و ملتفتا لم يضر بعمله.

و بكلمة: أن الأمر بالاعادة إن كان في الوقت فهو إرشاد الى بقاء الأمر الأول و عدم سقوطه، و إن كان خارج الوقت فهو أمر مولوي مستقل لأن الأمر الأول قد سقط بسقوط وقته، و لا مانع من أن يراد من الأمر بالاعادة في صحيحة معاوية المتقدمة الأعم من الأمر المولوي و الأمر الارشادي، بمعنى أنه ان كان في الوقت فهو ارشادي، و إن كان في خارج الوقت فهو مولوي. هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى، ان اطلاق الصحيحة الأولى قد قيد بالتمكن من الاعادة، و عدم كونها حرجية، و اطلاق الصحيحة الثانية قد قيد بجواز قيام الناسي بنفسه بعد التذكر بعملية الاعادة، إذ لا يحتمل أن تكون الاستنابة واجبة عليه تعيينا، فههنا حالتان:

الحالة الأولى: ان الناسي اذا لم يتمكن بعد التذكر من القيام المباشر بعملية الاعادة، فما هو وظيفته؟

الثانية: انه اذا تمكن من ذلك بدون الوقوع في حرج و مشقة،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 388

.......... فهل يكفي أن يستنيب؟

أما في الحالة الأولى فوظيفته الاستنابة بمقتضى الصحيحة الثانية و عدم معارضتها بالصحيحة الأولى، لما مر من أن اطلاقها قد قيد بغير هذه الحالة.

و اما في الحالة الثانية فقد يقال بوقوع التعارض فيها بين اطلاق الأولى و اطلاق الثانية، فان مقتضى اطلاق الأولى وجوب

الاعادة عليه تعيينا، و مقتضى اطلاق الثانية أنه مخير بين قيامه بها مباشرة و بين الاستنابة.

و قد أجيب عن ذلك، بأن النسبة بين الصحيحة الأولى و الثانية تنقلب من التباين الى عموم مطلق بعد تقييد اطلاق الأولى بالتمكن من الاعادة و عدم كونها حرجية، و حينئذ فتصلح الأولى أن تكون مقيدة لإطلاق الثانية بعدم تمكنه من الاعادة.

فالنتيجة: أن من تمكن منها مباشرة فلا يصل الدور الى الاستنابة.

و لكن هذا الجواب غير صحيح، لأنه مبني على تمامية كبرى انقلاب النسبة، و قد ذكرنا في علم الأصول أن هذه الكبرى غير تامة، فاذن تظل النسبة بينهما ثابتة و لا تنقلب.

و الصحيح في الجواب أن يقال، أولا؛ انه لا ظهور عرفا للصحيحة الثانية في الاطلاق، فان قوله عليه السّلام فيها: «يطاف عنه ...» مجمل، فلا ظهور له في صحة السعي عنه مطلقا حتى في فرض تمكنه من القيام به مباشرة، اذ كما يحتمل ذلك يحتمل اختصاصها بحالة عدم التمكن، فلا دلالة له على الاطلاق حتى تصلح أن تكون معارضة لإطلاق الصحيحة الأولى.

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنها مطلقة، فعندئذ تقع المعارضة بينهما، و بما أنه لا ترجيح لإحداهما على الأخرى فتسقطان معا من جهة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 389

.......... المعارضة، فالمرجع حينئذ أصالة عدم مشروعية الاستنابة في حالة التمكن، و هذا يعني عدم سقوط الواجب عن ذمته بفعل غيره.

و لمزيد من التوضيح و التعرف على حكم المسألة نذكر فيما يلي عددا من الحالات:

الأولى: ان من ترك السعي نسيانا في عمرة التمتع، و تذكر بعد التقصير، و قبل أن يحرم للحج وجب عليه الاتيان به، و لا تجب عليه اعادة التقصير و إن كانت أولى.

الثانية:

نفس الصورة الأولى، و لكن كان تذكره بعد الاحرام للحج، و حينئذ فإن تمكن من السعي و ادراك الموقف وجب عليه ذلك، و الّا فيستنيب، و إن لم يتمكن من الاستنابة أيضا، فعليه أن يقضيه بعد أعمال الحج.

و قد تسأل: أن في الفرض الأول، و هو فرض تمكنه من السعي و ادراك الموقف، فهل يكشف ذلك عن بطلان احرامه للحج أو لا؟

و الجواب: أنه يكشف عن بطلانه، على أساس أنه لا يصح احرام الحج قبل الفراغ من أعمال العمرة، و بما أن تذكره كان في وقت يتمكن من اتمام العمرة بدون أن يوجب تفويت الموقف فيكون كاشفا عن ان احرامه كان قبل اكمال العمرة فيبطل.

الثالثة: ما اذا تذكر في اثناء اعمال الحج أو بعد الانتهاء منها، و قبل خروجه من مكة وجب عليه أن يقضيه، و أما عمرته فهي محكومة بالصحة كما تقدم.

الرابعة: ما اذا تذكر بعد خروجه من مكة، أو بعد رجوعه الى بلده، فانه يجب عليه الرجوع إن امكن، و الّا فيستنيب.

[مسألة 342: من لم يتمكن من السعي بنفسه و لو بحمله على متن إنسان أو حيوان و نحو ذلك

(مسألة 342): من لم يتمكن من السعي بنفسه و لو بحمله على متن إنسان أو حيوان و نحو ذلك، استناب غيره فيسعى عنه و يصح حجه (1).

الخامسة: ما اذا ترك السعي نسيانا في الحج، فان تذكر قبل أن يخرج من مكة وجب عليه الاتيان به، و ان تذكر بعد أن يخرج من مكة وجب عليه أن يرجع الى مكة، و يأتي بالسعي ان أمكن، و الّا فيستنيب.

السادسة: ان الأمر بالاعادة إن كان في الوقت فهو ارشاد الى أنه جزء من الحج أو العمرة، غاية الأمر ان الموالاة بينه و بين سائر الأجزاء و الواجبات في حالة النسيان غير معتبرة، و إن

كان في خارج الوقت فهو أمر مولوي مستقل، و هذا يعني أن السعي حينئذ واجب مستقل، لا انه جزء الواجب لفرض أن الواجب موقت بوقت معين، و ينتهي بانتهاء ذلك الوقت، فلا يعقل بقاؤه بعد خروج الوقت، و الّا لزم الخلف. هذا اضافة الى أنه لو كان جزء الواجب فلازمه بطلانه لدى تركه عامدا و ملتفتا، مع أن ظاهر الروايات هو الصحة.

السابعة: ان وجوب الاستنابة في السعي عنه إنما هو في فرض عدم تمكنه من القيام به مباشرة، و أما مع التمكن منه فلا يصل الدور الى النيابة.

(1) هذا على أساس أن السعي ذات مراتب طولية:

الأولى: أن يسعى المكلف بنفسه و بخطواته المختارة، و بدون الاتكال على غيره.

الثانية: أن يسعى مع الاتكال على غيره، كما اذا سعى محمولا على متن انسان.

الثالثة: ان يستنيب في السعي عنه، و هذه المراتب لما كانت طولية فلا يصل الدور الى المرتبة الثانية الّا بعد العجز عن الأولى و هكذا، فان ذلك مما تقتضيه القاعدة، و لا يحتاج الى دليل خاص في المسألة، لأن المكلف ما دام متمكنا من القيام بالعمل مباشرة و لو بالاتكال على غيره، فلا يصل الدور الى

[مسألة 343: الأحوط أن لا يؤخر السعي عن الطواف و صلاته بمقدار يعتد به من غير ضرورة]

(مسألة 343): الأحوط أن لا يؤخر السعي عن الطواف و صلاته بمقدار يعتد به من غير ضرورة كشدة الحر أو التعب و إن كان الأقوى جواز تأخيره الى الليل (1).

الاستنابة، باعتبار أن سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غيره بحاجة الى دليل، و الّا فمقتضى الأصل عدم السقوط، هذا اضافة الى أن الروايات الدالة على وجوب الطواف بتمام مراتبه الطولية يشمل باطلاقها السعي بين الصفا و المروة أيضا، باعتبار أنه طواف حقيقة، و قد أطلق عليه الطواف في الآية

الشريفة و الروايات. هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن صحيحة صفوان بن يحيى، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت، و لا بين الصفا و المروة، قال: يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى تمس الأرض قدميه في الطواف، ثم يوقف به في أصل الصفا و المروة اذا كان معتلا»»

ناصة في ذلك.

فالنتيجة: ان السعي كالطواف حول البيت في وجوبه على المكلف بكل مراتبه الطولية ترتيبا.

(1) هذا هو الصحيح، تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يقدم مكة و قد اشتد عليه الحر، فيطوف بالكعبة، و يؤخر السعي الى أن يبرد، فقال: لا باس به، و ربما فعلته، و قال: و ربما رأيته يؤخر السعي الى الليل» «2» بتقريب أن مقتضى اطلاقها جواز التأخير من جهة شدة الحر مطلقا، و إن لم يكن تحملها حرجيا، و من الواضح أن شدة الحر اذا كانت كذلك فهي من الدواعي للتأخير، لا من مسوغاته شرعا، و نتيجة ذلك

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 392

نعم، لا يجوز تأخيره الى الغد في حال الاختيار (1).

[مسألة 344: حكم الزيادة في السعى حكم الزيادة في الطواف فيبطل السعي إذا كانت الزيادة عن علم و عمد]

(مسألة 344): حكم الزيادة في السعى حكم الزيادة في الطواف فيبطل السعي إذا كانت الزيادة عن علم و عمد (2) على ما تقدم في الطواف. نعم إذا كان جاهلا بالحكم فالأظهر عدم بطلان السعي بالزيادة و ان كانت الاعادة أحوط.

جواز تأخيره الى الليل مطلقا، و إن لم يكن هناك عذر شرعي.

و صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف بالبيت فأعيى، أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟ قال: نعم» «1»،

بتقريب أن مقتضى اطلاقها جواز التأخير من جهة التعب مطلقا، و إن لم يكن تحمله حرجيا، و نتيجة ذلك عدم اعتبار الموالاة بين الطواف و صلاته، و بين السعي، فالحاصل ان جواز تأخير السعي في الصحيحتين و إن كان معلقا على شدة الحر و التعب، الّا أن مقتضى اطلاقهما جوازه، و إن لم يكن تحملهما حرجيا، و لازم ذلك جواز تأخيره الى الليل بدون أي عذر شرعي.

(1) للنص الخاص، و هو صحيحة العلاء بن رزين، قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيى، أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة الى غد؟ قال: لا» «2»، فانها تدل على عدم جواز التأخير الى الغد بوضوح.

(2) تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إن طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة اشواط فليسع على واحد و ليطرح ثمانية، و إن طاف بين الصفا و المروة ثمانية اشواط فليطرحها و ليستأنف السعي- الحديث» «3» فانها واضحة الدلالة على أن الزيادة مبطلة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 393

.......... و منها: صحيحة عبد اللّه بن محمد عن ابي الحسن عليه السّلام: «قال: الطواف المفروض اذا زدت عليه مثل الصلاة، فاذا زدت عليها فعليك الاعادة، و كذا السعي» «1»، فانها تدل بوضوح على بطلان السعي بالزيادة فيه كالصلاة المفروضة.

ثم ان الصحيحة الأولى مطلقة، و تعم باطلاقها العالم و الجاهل معا، و أما الصحيحة الثانية فهي ظاهرة في الاختصاص بالزيادة عن علم و عمد، بقرينة جعل الزيادة فيه كالزيادة في الصلاة، و بما ان الزيادة المبطلة للصلاة هي الزيادة فيها عامدا و ملتفتا، فتكون الزيادة المبطلة للسعي أيضا كذلك.

و أما الصحيحة الأولى فلا

بد من تقييد اطلاقها بالروايات التالية:

منها: صحيحة هشام بن سالم، قال: «سعيت بين الصفا و المروة أنا و عبيد اللّه بن راشد، فقلت له: تحفظ علي، فجعل يعد ذاهبا و جائيا شوطا واحدا فبلغ مثل ذلك فقلت له: كيف تعد؟ قال: ذاهبا و جائيا شوطا واحدا، فاتممنا أربعة عشر شوطا، فذكرنا لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: قد زادوا على ما عليهم و ليس عليهم شي ء» «2».

و منها: صحيحة جميل بن دراج، قال: «حججنا و نحن صرورة فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطا، فسألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك، فقال: لا بأس سبعة لك و سبعة تطرح» «3».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار: «قال: من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية و اعتد بسبعة- الحديث» «4» فان هذه الروايات تصلح ان تكون مقيدة لإطلاق الصحيحة الأولى، بتقريب انها تدل على ان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 394

.......... الزيادة في السعي لا تكون مبطلة، و مورد هذه الروايات و إن كانت الزيادة فيه بسبعة اشواط أو اكثر الا أن المتفاهم العرفي منها ان الزيادة بما هي زياده، لا تكون مبطلة سواء أ كانت قليلة أم كانت كثيرة اذا كان الساعي جاهلا بالحكم، لأن المعيار انما هو بصرف وجود الزيادة فانه ان كان عن عمد كان مبطلا و الا فلا و لا عبرة بالكثرة.

و بكلمة: ان محتملات هذه الروايات متمثلة في أمرين:

احدهما: ان السبعة الأولى باطلة و الثانية صحيحة و هذا يعني ان المكلف اذا زاد على السبعة بطلت السبعة دون الزائد و اذا اكمل الزائد الى السبعة صح.

و الآخر: ان السبعة الأولى صحيحة و الثانية ملغية و

هذا يعني أن المكلف اذا زاد على السبعة فالزائد ملغي و بعد ذلك نقول ان الأظهر من هذين المحتملين المحتمل الأخير اذ مضافا الى امكان دعوى ان ذلك هو المتفاهم العرفي من تلك الروايات يشهد عليه قوله عليه السّلام في صحيحة هشام بن سالم «قد زادوا على ما عليهم و ليس عليهم شي ء» فان المتبادر منه ان الزائد لا يضر بما عليهم و انه ملغي و يؤكد ذلك أيضا قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الآتية: «ان كان خطأ اطرح واحدا و اعتدّ بسبعة» «1» باعتبار أن الجاهل المركب و الجاهل البسيط المعذور ملحق بالخاطئ من هذه الناحية كما أن الجاهل البسيط المقصر ملحق بالعامد الملتفت.

كما انه لا بد من تقييد اطلاقها بصحيحة الحجاج أيضا بصورة ما اذا كانت الزيادة عمدية.

فالنتيجة: ان الزيادة في السعي اذا كانت عن عمد و التفات الى الحكم الشرعي كانت مبطلة، و أما اذا كانت عن جهل فلا تكون مبطلة.

[مسألة 345: إذا زاد في سعيه خطأ صح سعيه

(مسألة 345): إذا زاد في سعيه خطأ صح سعيه (1) و لكن الزائد إذا كان شوطا كاملا يستحب له أن يضيف اليه ستة أشواط (2) ليكون سعيا كاملا غير سعيه الاول فيكون انتهاؤه الى الصفا و لا بأس بالاتمام رجاء إذا كان الزائد أكثر من شوط واحد.

(1) و تنص عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي ابراهيم عليه السّلام:

«في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية اشواط، ما عليه؟ فقال: إن كان خطأ اطرح واحدا و اعتد بسبعة» «1».

فانها تنص بالمنطوق على عدم بطلان الطواف بالزيادة خطأ، و بالمفهوم على بطلان الطواف بها اذا كانت متعمدا.

(2) تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام

في حديث الطواف: «قال: و كذا اذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف اليها ستا» «2» و مثلها صحيحته الأخرى «3».

ثم انهما تدلان على أمرين:

أحدهما: عدم بطلان الطواف بالزيادة السهوية.

و الآخر: ان الزيادة اذا كانت شوطا واحدا أضاف اليه ستا حتى يصير المجموع طوافا كاملا، و بما أن الطواف الأول صحيح فالثاني لا محالة يكون مستحبا، هذا مما لا اشكال فيه، و انما الاشكال في أن الزيادة اذا كانت اكثر من شوط واحد فهل يستحب تكميله طوافا كاملا أو لا؟

فيه وجهان: و لا يبعد الوجه الأول، لأن المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أنه لا خصوصية لكون الزائد شوطا واحدا و لا موضوعية له عرفا.

[مسألة 346: إذا نقص من أشواط السعي عامدا عالما بالحكم أو جاهلا به و لم يمكنه تداركه الى زمان الوقوف بعرفات

(مسألة 346): إذا نقص من أشواط السعي عامدا عالما بالحكم أو جاهلا به و لم يمكنه تداركه الى زمان الوقوف بعرفات فسد حجه و لزمته الاعادة من قابل، و الظاهر بطلان إحرامه (1) أيضا،

و إن كان الاولى العدول الى حج الافراد و إتمامه بنية الاعم من الحج و العمرة المفردة. و أما إذا كان النقص نسيانا فان كان بعد الشوط الرابع (2) وجب عليه تدارك الباقي حيث ما تذكر و لو كان ذلك بعد الفراغ من أعمال الحج، و تجب عليه الاستنابة لذلك إذا لم يتمكن بنفسه من التدارك أو تعسّر عليه ذلك و لو لأجل أن تذكره كان بعد رجوعه الى بلده، و الأحوط حينئذ أن يأتي النائب بسعي كامل ينوي به فراغ ذمة المنوب عنه بالاتمام أو بالتمام.

و أما إذا كان نسيانه قبل تمام الشوط الرابع فالأحوط أن يأتي بسعي كامل يقصد به الاعم من التمام و الاتمام، و مع التعسر يستنيب لذلك.

و دعوى: أن السعي بما

أنه لا يكون مستحبا في نفسه فلا بد من الاقتصار على موردهما، و التعدي بحاجة الى قرينة.

مدفوعة: بأن الأمر و إن كان كذلك، الّا أنه لا مانع من الالتزام باستحباب التكميل مطلقا، حتى فيما اذا كان الزائد اكثر من شوط واحد، و القرينة على هذا التعدي هو ظهورهما عرفا في عدم خصوصية لموردهما.

(1) بل لا شبهة فيه، لفرض انه جزء الحج و العمرة، فاذا بطل الحج و العمرة لم يبق مجال لبقاء الاحرام، و الّا لزم الخلف، و قد تقدم أن بطلان الحج أو العمرة بترك السعي عامدا و ملتفتا يكون على القاعدة، هذا، مضافا الى النصوص الدالة على ذلك.

(2) فيه أنه لا وجه لهذا التقييد، حيث لم يرد ذلك في شي ء من روايات الباب، و هي على طائفتين:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 397

.......... الطائفة الأولى: يكون موردها نسيان أصل السعي، و تنص على وجوب اعادته حيث يذكر و إن كان بعد الخروج من مكة.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: رجل نسي السعي بين الصفا و المروة، قال: يعيد السعي، قلت: فاته ذلك حتى خرج، قال: يرجع فيعيد السعي، ان هذا ليس كرمي الجمار، ان الرمي سنة و السعي بين الصفا و المروة فريضة- الحديث» «1».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة، قال: يطاف عنه» «2».

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن رجل كانت معه امرأة فقدمت مكة و هي لا تصلي، فلم تطهر الى يوم التروية، فطهرت و طافت بالبيت و لم تسع بين

الصفا و المروة حتى شخصت الى عرفات، هل تعتد بذلك الطوف أو تعيد قبل الصفا و المروة، قال: تعتدّ بذلك الطواف الأول و تبني عليه» «3» فان هذه الروايات تنص على وجوب الاتيان بالسعي متى تذكر، و لا تدل على وجوب اعادة الحج أو العمرة.

الطائفة الثانية: يكون موردها نسيان شوط واحد، و تدل على وجوب الاتيان بذلك الشوط فقط متى تذكر.

منها: صحيحة سعيد بن يسار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل متمتع سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط، ثم رجع الى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه و قلم أظافره و أحل، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط، فقال لي يحفظ انه قد

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 398

.......... سعى ستة أشواط، فان كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد و ليتم شوطا و ليرق دما، فقلت: دم ما ذا؟ قال: بقرة، قال: و ان لم يكن حفظ أنه قد سعى ستة، فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة» «1».

و هذه الصحيحة تدل على أمرين:

أحدهما: أن المنسيّ ان كان شوطا واحدا وجب الإتيان به فقط حيثما تذكر.

و الآخر: انه اذا لم يكن حافظا عدد المنسي و لم يعلم أنه سعى ستة أشواط أو أقل بطل سعيه، و لزمته اعادته.

و قد تسأل: عن ان المنسي اذا كان اكثر من شوط، و كان حافظا للعدد، فهل يمكن التعدي عن موردها اليه؟ فيه وجهان:

و الجواب: انه لا يبعد التعدي، لأن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية انه لا خصوصية لكون المنسي شوطا واحدا، و على هذا فلا فرق بين أن يكون النسيان بعد تجاوز النصف أو

قبله.

و بكلمة: أنه لا دليل على هذا التفصيل، فانه إن قلنا بالتعدي عن مورد هذه الصحيحة الى سائر الموارد، فلا فرق حينئذ بين أن يكون النسيان قبل التجاوز أو بعده، و إن لم نقل بالتعدي فايضا لا فرق بينهما.

و دعوى: أن الفارق بينهما الاجماع فانه قد ادعي على الصحة اذا كان النسيان بعد التجاوز عن النصف، و لا اجماع فيما اذا كان النسيان قبل التجاوز عنه.

مدفوعة: بما ذكرناه غير مرة من أنه لا يمكن الاعتماد على الاجماع الا

[مسألة 347: إذا نقص شيئا من السعي في عمرة التمتع نسيانا فاحل لاعتقاده الفراغ من السعي

(مسألة 347): إذا نقص شيئا من السعي في عمرة التمتع نسيانا فاحل لاعتقاده الفراغ من السعي فالأحوط بل الاظهر لزوم التكفير عن ذلك ببقرة (1)، و يلزمه إتمام السعي على النحو الذي ذكرناه.

بشروط، و هي غير متوفرة كما أشرنا اليه في غير مورد.

(1) هذا هو الصحيح، و تدل عليه صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، و تؤيد ذلك رواية ابن مسكان «1». و هل يمكن التعدي عن موردها الى سائر الموارد كقص الشعر أو نحوه؟ فيه وجهان: و لا يبعد الوجه الأول، لأن المتفاهم العرفي من الصحيحة أنه لا خصوصية لموردها الا بلحاظ كونه وسيلة للإحلال، و على هذا فلا فرق بينه و بين قص الشعر او نحوه، باعتبار أن كل ذلك وسيلة له.

و بكلمة: ان المنظور فيها ليس تقليم الاظفار بعنوانه و اسمه، أي بنحو الموضوعية بل بعنوان أنه وسيلة و موضوع للإحلال. و من الواضح أن هذه الجهة مشتركة بينه و بين قص الشعر أو نحوه.

و دعوى: أنه لا كفارة في موارد الخطأ في غير الصيد، فاذن لا يمكن الأخذ بمضمون هذه الصحيحة التي تنص على ثبوت الكفارة في موارد الاشتباه و الخطأ.

مدفوعة: بأن مقتضى الاطلاقات

و إن كان كذلك، الّا أن هذه الصحيحة تكون مقيدة لها بغير موردها تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

فالنتيجة: أنه لا مانع من ثبوت الكفارة في موردها، و أما العمل الجنسي و هو الجماع في المقام خطأ فلا دليل على ترتب الكفارة عليه، الّا رواية عبد اللّه ابن مسكان، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستة أشواط و هو يظن أنها سبعة، فذكر بعد ما أحل، و واقع النساء أنه انما طاف ستة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 400

.......... أشواط، قال: عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطا آخر» «1» و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة، الّا أنها ضعيفة سندا، فان في سندها محمد بن سنان و هو لم يثبت توثيقه.

نعم، لو قلم اظفاره أو قص شعره غافلا عن كونه محرما باحرام الحج أو العمرة لم يكن مشمولا لإطلاق الصحيحة، و عليه فلا كفارة فيه.

[الشك في السعي
اشارة

الشك في السعي لا اعتبار بالشك في عدد اشواط السعي بعد التقصير (1) و ذهب جمع من الفقهاء الى عدم الاعتناء بالشك بعد انصرافه من السعي و ان كان الشك قبل التقصير، و لكن الأظهر لزوم الاعتناء به حينئذ.

(1) هذا شريطة احتمال أنه كان حين العمل أذكر بشروط الواجب و واجباته من حين الشك، و الّا فلا تجري، لما ذكرناه في علم الأصول من أن قاعدتي التجاوز و الفراغ من القواعد العقلائية التي تكون حجيتها مبنية على نكتة أماريتها و كاشفيتها عن الواقع، و على هذا فاذا علم المكلف انه كان غافلا حين العمل لم تتوفر فيها هذه النكتة فلا تجري.

و دعوى: أن مقتضى صحيحة سعيد بن يسار بطلان السعي في

هذه الصورة، على أساس أن صحته فيها منوطة بكون الساعي حافظا للعدد، بأن لا يكون شاكا فيه، و الّا لكان السعي باطلا من جهة الشك، و بما أن الساعي في المقام شاك فيه فمقتضى الصحيحة بطلانه.

مدفوعة: بأن مورد الصحيحة ما اذا تذكر الساعي بالنقص في السعي و علم به، و في هذه الحالة اذا كان حافظا للعدد صح سعيه و وجب عليه الاتيان بالمنسي من السقوط و ان لم يكن حافظا له بطل سعيه، فاذن لا يكون المقام مشمولا لصحيحة سعيد، باعتبار أن الشك في المقام لا يكون مقرونا بالعلم بالنقص من ناحية، و يكون بعد التجاوز عن محل السعي من ناحية أخرى، و أما الشك في مورد الصحيحة فيكون مقرونا بالعلم بالنقص من جهة، و قبل اتمام السعي من جهة أخرى، اذ بعد التذكر يكشف عن أن اعتقاده بالفراغ كان خياليا

[مسألة 348: اذا شك و هو على المروة في أن شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع

(مسألة 348): اذا شك و هو على المروة في أن شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع فلا اعتبار بشكه و يصح سعيه (1)، و غير مطابق للواقع، و على هذا فلا مانع من التمسك بقاعدة التجاوز في المقام.

هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى: اذا شك في عدد الأشواط بعد الانصراف من السعي و الخروج من المسعى، و كان قبل التقصير، فهل يمكن الحكم بعدم الاعتناء به، تطبيقا للقاعدة؟

و الجواب: انه لا يمكن الحكم بعدم الاعتناء به، و ذلك لما ذكرناه في محله من أن موضوع القاعدة التجاوز عن محل الشي ء المشكوك وجوده، و المفروض أنه لم يتجاوز عن محل السعي بعد، لأن محله قبل التقصير، فاذا شك فيه قبله كان الشك في محله و وظيفته الاعتناء به.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه،

و تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي ابراهيم عليه السّلام: «في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط ما عليه؟

فقال: ان كان خطأ اطرح واحدا و اعتد بسبعة» «1» بتقريب أنها تنص على أن الزيادة اذا كانت خطأ لم تضر، كما أن المتفاهم العرفي منها عدم الفرق بين كون الزيادة شوطا واحدا أو أكثر، اذ لا يرى العرف خصوصية لكونها شوطا واحدا، فاذا كان اليقين بالزيادة سهوا أو خطأ لا يضر، كان الشك في الزيادة كذلك بالأولوية القطعية، و على هذا فاذا شك في أنه سعى سبعة أو ثمانية خطأ، فالسبعة متيقنة، و الشك انما هو في الثمانية، و لا يعتد به، و يمكن الاستدلال على عدم اعتباره أيضا بصحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية، فقال: اما السبعة فقد

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 403

و إذا كان هذا الشك اثناء الشوط بطل سعيه و وجب عليه الاستئناف (1).

[مسألة 349: حكم الشك في عدد الأشواط من السعي حكم الشك في عدد الأشواط من الطواف

(مسألة 349): حكم الشك في عدد الأشواط من السعي حكم الشك في عدد الأشواط من الطواف فاذا شك في عددها بطل سعيه (2).

استيقن، و انما وقع وهمه على الثامن، فليصل ركعتين» «1» بدعوى أن موردها و إن كان طواف البيت، الّا أن التعليل الوارد فيها يقتضي عموم الحكم للسعي أيضا، لأن المستفاد منها عرفا أن ملاك عدم جواز الاعتناء بالشك في الزائد انما هو تيقن الاتيان بالشوط السابع، اي بالمأمور به بكامل واجباته، و هذا الملاك متوفر في المقام.

و بكلمة: ان المتفاهم العرفي من الصحيحة بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أنه لا خصوصية لموردها، فالمعيار في عدم الاعتناء

بالشك في الشوط الثامن انما هو بتيقن الاتيان بالشوط السابع بدون فرق بين أن يكون ذلك في الطواف حول البيت، أو الطواف بين الصفا و المروة.

(1) لصحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، فانها تدل على أن الساعي اذا لم يكن حافظا عدد الأشواط فسعيه باطل، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون الشك في الزيادة و النقيصة، أو في النقيصة فقط.

(2) مر أن السعي يبطل بالشك في عدد اشواطه بين الصفا و المروة، كالشك في عدد أشواط الطواف حول البيت.

بقى هنا شي ء و هو انه قد يتوهم أن صحة السعي مشروطة باباحة لباس الساعي، و مركبه اذا سعى راكبا، بدعوى أن السعي في اللباس المغصوب أو المركب المغصوب مبغوض، فلا يمكن التقرب به.

و الجواب: ان الواجب- و هو السعي بين الصفا و المروة- لا يكون متحدا مع الحرام، لأن الواجب عبارة عن السعي بينهما، و طي المسافة مبتدئا من أول

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 404

.......... جزء من الصفا متجها نحو المروة، فاذا وصل الى المروة اعتبر ذلك شوطا. ثم يبدأ من المروة متجها نحو الصفا و هكذا الى أن يصنع سبعة أشواط، يكون ختام سعيه بالمروة. و الحرام عبارة عن لبس الثوب المغصوب، أو ركوب الدابة المغصوبة، و هما فعلان موجودان في الخارج و لا يرتبط أحدهما بالآخر، و لا تسري حرمة الحرام الى الواجب، فاذن كما لا يكون الحرام جزءا من الواجب، كذلك لا يكون الواجب مشروطا بعدمه.

فالنتيجة: ان السعي او الطواف، بما أنه من مقولة الأين، و الحرام و هو اللبس أو الركوب من مقولة الوضع فلا يمكن اتحاد أحدهما مع الآخر، فاذن لا أساس لهذا التوهم. و من هنا يظهر

حال الستر أيضا، فان غصبيته لا تضر بصحة السعي، حيث إنه غير معتبر فيها، بل لو قلنا باعتباره كما هو معتبر في الطواف فأيضا لا يمنع من صحة السعي، لما تقدم في باب الطواف من أن الواجب لا ينطبق على الحرام و هو ذات القيد، فانه خارج عنه و التقيد بعدمه داخل فيه، و هو أمر معنوي لا وجود له في الخارج على تفصيل تقدم هناك.

[الخامس من واجبات عمرة التمتع التقصير]

اشارة

التقصير و هو الواجب الخامس في عمرة التمتع، و معناه أخذ شي ء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه و يعتبر فيه قصد القربة و لا يكفي النتف عن التقصير (1).

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن الوارد في لسان الروايات كلمة الأخذ و التقصير و التقليم دون النتف.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا فرغت من سعيك و انت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم من اظفارك و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم- الحديث» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث السعي: «قال ثم قصر من رأسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم اظفارك و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم و أحرمت منه» «2».

و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول:

طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة، و يقصر من شعره، فاذا فعل ذلك فقد أحل» «3».

و منها: صحيحة عمر

بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: «ثمّ ائت منزلك فقصر من شعرك و حل لك كل شي ء» «4».

[مسألة 350: يتعين التقصير في إحلال عمرة التمتع

(مسألة 350): يتعين التقصير في إحلال عمرة التمتع، و لا يجزئ عنه حلق الرأس (1)،

و هذه الروايات تدل على أن الواجب أحد تلك الأمور من الأخذ أو التقصير أو التقليم، و من الواضح أن النتف لا يكون مصداقا لشي ء منها.

و دعوى: أن الغرض من التقصير و الأخذ هو إزالة الشعر، و لا خصوصية لهما، فاذن يجزي النتف أيضا.

مدفوعة: بأن هذه الدعوى بحاجة الى قرينة تدل على ذلك، و لا قرينة لا في نفس تلك الروايات و لا من الخارج، فاذن لا يمكن رفع اليد عن ظهور الروايات في الموضوعية و حملها على الطريقية الصرفة.

فالنتيجة: ان هذه الروايات تدل باطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان على أن ما يحل به المحرم منحصر بفعل أحد هذه الأمور الثلاثة.

(1) لجملة من النصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدّته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير، و إن انت لم تفعل فمخير لك التقصير، و الحلق في الحج أفضل و ليس في المتعة الّا التقصير» «1»، فانها ناصة في أن وظيفة المتمتع التقصير و إن كان ملبدا أو معقوصا، على أساس أن قوله عليه السّلام: «في الحج» ظاهر في أنه قيد للجميع لا لخصوص الجملة الأخيرة، كما هو واضح.

و منها: صحيحة جميل بن دراج: ا «انه سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: ان كان جاهلا فليس عليه شي ء، و ان تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما

فليس عليه شي ء، و إن تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 407

.......... الشعر للحج فان عليه دما يهريقه» «1» فانها تدل على عدم جواز الحلق للمتمتع بعد ثلاثين يوما من أول شهور الحج عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و مقتضى اطلاقها عدم جواز ذلك له حتى بعد اعمال العمرة و الفراغ منها، و حتى اذا لبدّ شعره أو عقصه، و اذا فعل ذلك و الحال هذه عامدا و عالما فعليه دم.

فالنتيجة: ان وظيفة المتمتع التقصير دون الحلق.

قد يقال- كما قيل- ان هذه الروايات معارضة بروايات أخرى تدل باطلاقها على أن وظيفة المتمتع معقوصا أو ملبدا الحلق دون التقصير.

منها: صحيحة هشام بن سالم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق» «2» فانها تدل على وجوب الحلق على المعتمر اذا كان ملبدا أو معقوصا، و باطلاقها تشمل المتمتع أيضا.

و منها: صحيحة سالم بن الفضيل، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: دخلنا بعمرة نقصر أو نحلق، فقال: احلق، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ترحم على المحلقين ثلاث مرات، و على المقصرين مرة واحدة» «3»، فانها باطلاقها تشمل عمرة التمتع أيضا.

و منها: صحيحة عيص، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عقص شعر رأسه و هو متمتع، ثم قدم مكة فقضى نسكه و حل عقاص رأسه فقصر و ادهن و احل؟ قال: عليه دم شاة» «4».

و الجواب: ان هذه الروايات لا تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة، أما صحيحة هشام فلا يبعد أن يكون المراد من العمرة فيها العمرة المفردة فقط،

تعاليق مبسوطة على

مناسك الحج، ص: 408

.......... دون الأعم منها و من عمرة التمتع، و ذلك بقرينة جعلها في مقابل الحج، و على تقدير تسليم أنها مطلقة، فمن الواضح ان اطلاقها لا يصلح أن يعارض دلالة صحيحة معاوية المتقدمة، و هي قوله عليه السّلام: «ليس في المتعة الّا التقصير» فانه باعتبار كونه مسبوقا فيها ببيان أن وظيفة المعقوص أو الملبد في الحج تعين الحلق، و وظيفة غيره فيه التخيير بينه و بين التقصير، فتكون هذه المسبوقية قرينة على أن وظيفة المتمتع في كلتا الحالتين التقصير، و بذلك تصبح دلالة صحيحة معاوية أقوى و أظهر من الدلالة الاطلاقية لصحيحة هشام، و حينئذ فلا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و أما صحيحة سالم فالظاهر أن موردها العمرة المفردة دون الأعم منها و من عمرة التمتع بقرينة تخيير المعتمر فيها بين الحلق و التقصير و ان كان الحلق أفضل، مع أن وظيفة المتمتع في عمرة التمتع هي التقصير فقط لا غيره، كما أنه لا بد من حملها على غير المعقوص و الملبد، بقرينة ان المعتمر بالعمرة المفردة اذا كان شعره معقوصا أو ملبدا كانت وظيفته الحلق فحسب، لا التخيير بينه و بين التقصير.

و أما صحيحة عيص فهي مجملة، باعتبار أن قوله عليه السّلام: «فقضى نسكه» لا يكون ظاهرا في أن المراد من النسك فيه خصوص نسك العمرة، اذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون المراد منه جميع النسك الواجبة عليه من الوقوفين و اعمال منى، و على هذا الاحتمال فالصحيحة خارجة عن محل الكلام.

فالنتيجة: في نهاية المطاف أن وظيفة المتمتع التقصير و إن كان شعره معقوصا أو ملبدا، و لا يجزي الحلق، بل عليه كفارة اذا

كان عامدا و ملتفتا.

و هناك صحيحة اخرى لمعاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي للصرورة أن يحلق و إن كان قد حج فإن شاء قصر و إن شاء حلق، فاذا لبدّ شعره

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 409

بل يحرم الحلق عليه و إذا حلق لزمه التكفير عنه بشاة إذا كان عالما عامدا بل مطلقا على الأحوط (1).

أو عقصه، فان عليه الحلق و ليس له التقصير» «1».

و ذكر السيد الاستاذ قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه ان هذه الصحيحة صريحة في أن الحلق على الملبد و المعقوص انما هو في الحج، و بها نرفع اليد عن اطلاق صحيحة هشام و تقييده بالعمرة المفردة.

و فيه ان الصحيحة لا تدل على أن وجوب الحلق منحصر بالملبد و المعقوص في الحج فقط دون غيره، لا بالنص و لا بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، اما بالنص فظاهر حيث لم تكن فيها أداة حصر لكي تنص بسببها على حصر الحلق بالملبد و المعقوص في الحج فقط، و أما بالاطلاق فلأن الصحيحة انما هي في مقام بيان وظيفة الحاج فقط، و تدل على تعيّن الحلق عليه اذا كان ملبدا أو معقوصا، و لا نظر لها الى وظيفة المعتمر بعمرة التمتع اذا كان ملبدا أو معقوصا و أنها الحلق أو التقصير، و ساكتة عنها، و عليه فكيف تكون مقيدة لإطلاق صحيحة هشام. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها مطلقة، و لكن بما أن اطلاقها ناشئ عن السكوت في مقام البيان فلا تصلح أن تعارض صحيحة هشام، باعتبار أن اطلاقها لفظي و اطلاق هذه الصحيحة سكوتي، و قد ذكرنا في غير مورد ان الاطلاق السكوتي لا

يمكن أن يعارض الاطلاق اللفظي.

(1) في الاحتياط اشكال بل منع، و الأقوى أنه لا كفارة على من حلق رأسه جاهلا بالحكم و لا شي ء عليه، و انما الكفارة على من حلق رأسه عامدا و ملتفتا.

و تنص على هذا التفصيل صحيحة جميل بن دراج «2» المتقدمة. و أما رواية ابي

[مسألة 351: إذا جامع بعد السعي و قبل التقصير جاهلا بالحكم فعليه كفارة بدنة على الأحوط]

(مسألة 351): إذا جامع بعد السعي و قبل التقصير جاهلا بالحكم فعليه كفارة بدنة على الأحوط (1).

بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه، قال:

عليه دم يهريقه- الحديث»»

فهي و إن كانت تدل على وجوب الكفارة في صورة الخطأ، إلّا أنها ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها.

(1) بل على الأظهر، و تدل عليه صحيحة الحلبي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصر، قال: عليك بدنة، قال: قلت: إني لمّا أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها باسنانها. فقال: رحمها اللّه كانت أفقه منك، عليك بدنة و ليس عليها شي ء» «2» بتقريب أنها ظاهرة في أن الحلبي كان جاهلا بالمسألة، و قوله عليه السّلام في ذيلها: «رحمها اللّه كانت أفقه منك» صريح في ذلك، و على هذا فلا مانع من الالتزام بالكفارة على الجاهل في مورد الصحيحة.

نعم، قد يقال: ان صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع وقع على أهله و لم يزر، قال: ينحر جزورا، و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال:

عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شي ء- الحديث» «3» تنص على نفي الكفارة عن الجاهل، و حيث إنها ناصة في ذلك، و صحيحة الحلبي ظاهرة في ثبوتها عليه، فلا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، هذا.

و لكن ذلك مبني على كون الصحيحة مشتملة على جملة «لم يقصر» و اشتمالها عليها غير معلوم، باعتبار أن الكليني روى هذه الرواية بنفس السند

[مسألة 352: يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي، فلو فعله عالما عامدا لزمته الكفارة]

(مسألة 352): يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي، فلو فعله عالما عامدا لزمته الكفارة (1).

[مسألة 353: لا تجب المبادرة الى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أيّ محل شاء]

(مسألة 353): لا تجب المبادرة الى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أيّ محل شاء (2) سواء كان في المسعى أو في منزله أو غيرهما.

و المتن في موردين، رواها في أحدهما مشتملة على جملة «لم يقصر» و في الآخر مشتملة على جملة «لم يزر» و كذلك الشيخ رحمه اللّه.

و بما أن الظاهر كون الرواية رواية واحدة بقرينة اتحاد السند و المتن، فاذن لا نعلم أن الصادر من الامام عليه السّلام هل هو نسخة «لم يقصر» أو نسخة «لم يزر» فلو كان الثابت النسخة الأولى لكانت الصحيحة حاكمة على صحيحة الحلبي، و لو كان الثابت النسخة الثانية فالرواية أجنبية عن محل الكلام، فان موردها حينئذ طواف الحج، و حيث إن شيئا من النسختين غير ثابت، فلا يمكن الاستدلال بها لا هنا و لا هناك.

فالنتيجة: انه لا مانع من الالتزام بصحيحة الحلبي في موردها.

و دعوى: أن المشهور قد أعرضوا عنها، فيكون اعراضهم قرينة على سقوطها عن الحجية.

مدفوعة: بما ذكرناه غير مرة من أنه لا أثر لاعراض المشهور عن الرواية المعتبرة، و إنه لا يوجب سقوطها عن الاعتبار و خروجها عن دليل الحجية، على تفصيل قدمناه في علم الأصول.

(1) هذا لا لدليل خاص في المسألة، بل من جهة الروايات العامة التي تدل على أن من قلم ظفره و نتف ابطه، و حلق رأسه، فان كان ناسيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان عامدا و ملتفتا فعليه دم شاة، و قد تقدم الكلام فيها في باب الكفارات.

(2) لعدم دليل يدل على وجوب المبادرة اليه، لأن ما يجب على المعتمر

[مسألة 354: إذا ترك التقصير عمدا فأحرم للحج بطلت عمرته

(مسألة 354): إذا ترك التقصير عمدا فأحرم للحج بطلت عمرته و الظاهر أن حجه ينقلب الى الافراد (1)

بعمرة

التمتع هو أن يفرغ من أعمالها و واجباتها في وقت يتمكن من احرام الحج، و ادراك الموقف، و لا يكون لها وقت محدد زمنا.

(1) هذا لموثقة ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المتمتع اذا طاف و سعى ثم لبّى بالحج قبل أن يقصر، فليس له أن يقصر و ليس له متعة» «1» فانها تدل على بطلان عمرته بذلك، و لا يكون حجّه حينئذ حج متعة، و حيث إن ظاهر الموثقة انه ظل على احرامه بقرينة منعه عن التقصير فبطبيعة الحال ينقلب الى الافراد.

و بكلمة: ان ظاهر الموثقة انه اذا لبّى للحج قبل التقصير انعقد احرامه، و بما أن حجه ليس بمتعة فلا محالة يكون افرادا، و هذا يكشف عن أن احرامه انقلب عن احرام حج التمتع الى احرام حج الافراد، ثم ان مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ذلك صادرا منه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي أو جاهلا به.

فالنتيجة: ان قوله عليه السّلام: «و ليس له متعة» ناص في بطلان عمرته، و أن حجه هذا ليس بحج تمتع، كما أن قوله عليه السّلام: «فليس له أن يقصر» ناص في صحة احرامه و أنه منعقد، فاذن لا مناص من القول بانقلابه الى احرام حج الافراد و ان نوى احرام حج التمتع، و تؤيد ذلك رواية العلاء بن الفضيل، قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر، قال: بطلت متعته هي حجة مبتولة» «2» هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن مقتضى اطلاق الموثقة انه اذا لبى بالحج انعقد احرامه و انقلبت وظيفته من التمتع الى الإفراد، و ليس له التقصير حينئذ مطلقا،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص:

413

فيأتي بعمرة مفردة بعده و الأحوط اعادة الحج في السنة القادمة (1).

[مسألة 355: إذا ترك التقصير نسيانا فأحرم للحج صحت عمرته

(مسألة 355): إذا ترك التقصير نسيانا فأحرم للحج صحت عمرته (2) و إن كان الوقت واسعا لوضوح أنه لا فرق في ذلك بين سعة الوقت و ضيقه، لأن الاحرام اذا بطل قبل التقصير قصر فورا، و احرم من جديد، و من المعلوم أن ذلك لا يتوقف على وقت، اذ يمكن أن يصنع ذلك اثناء السير في الطريق الى عرفات، فاذن يكون اطلاق الموثقة من هذه الناحية محكما.

و من ناحية ثالثة هل يكفي حج الافراد عن التمتع، أو أنه يجب عليه الاتيان به في العام القادم؟

و الجواب: انه يكفي عن التمتع باعتبار أن ذمته انقلبت حينئذ من التمتع الى الإفراد و تشتغل به، فاذا أتاه و بعد بالعمرة المفردة برئت منه أيضا، و عندئذ فلا مقتضى للإتيان بالتمتع في السنة القادمة.

(1) في الاحتياط اشكال بل منع، لما مر من أن مقتضى موثقة ابي بصير المتقدمة انقلاب وظيفته من التمتع الى الإفراد، و بعد الانقلاب و الاتيان به و بعمرة مفردة بعده فلا مقتضى للاحتياط و لا شي ء عليه.

(2) الأمر كما افاده قدّس سرّه و تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل أهل بالعمرة و نسي أن يقصر حتى دخل في الحج، قال: يستغفر اللّه و لا شي ء عليه و قد تمت عمرته» «1»، و مقتضى هذه الصحيحة ان عمرته تامة و لا شي ء عليه غير الاستغفار.

و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج، قال: يستغفر اللّه عز و جل» «2»، فان

ظاهرها أيضا صحة العمرة و لا شي ء عليه غير الاستغفار.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 414

.......... عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، فدخل مكة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحل، و نسي أن يقصر حتى خرج الى عرفات، قال: لا بأس به، يبني على العمرة و طوافها و طواف الحج على أثره» «1»، فانها ظاهرة في صحة العمرة أيضا، و مقتضى اطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان عدم وجوب شي ء عليه كالتقصير أو غيره.

فالنتيجة: ان الصحيحتين الأخيرتين ظاهرتان في صحة عمرته و تماميتها و عدم وجوب شي ء عليه، و صحيحة معاوية المتقدمة ناصة في ذلك، و في مقابلها موثقة اسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج، فقال: عليه دم يهريقه» «2»، فانها تدل بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان على تمامية العمرة، و تدل بالنص على وجوب الكفارة عليه، و هي دم شاة، و على هذا فان لوحظ نسبة هذه الموثقة الى صحيحة عبد اللّه بن سنان و صحيحة الحجاج المتقدمتين فهي تتقدم عليهما، لأن دلالتها على وجوب الكفارة دلالة لفظية، و دلالتهما على عدم وجوبها بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و قد ذكرنا غير مرة أن هذه الدلالة من أضعف مراتب الدلالات، و تتقدم عليها سائر أصنافها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و إن لوحظ نسبتها الى صحيحة معاوية المتقدمة، و حينئذ فان كان المراد من الشي ء في قوله عليه السّلام في ذيل الصحيحة: «و لا شي ء عليه» أعم من التقصير و الكفارة، فتصلح

الموثقة أن تكون مقيدة لإطلاقه بخصوص التقصير، تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيّد، و إن كان المراد منه خصوص الكفارة فالامر بالعكس، فان الصحيحة ناصة في نفي الكفارة، و الموثقة ظاهرة في ثبوتها، فلا بد من رفع اليد عن ظهورها بنص الصحيحة من باب تطبيق حمل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 415

و الأحوط التكفير عن ذلك بشاة (1).

[مسألة 356: إذا قصر المحرم في عمرة التمتع حلّ له جميع ما كان يحرم عليه من جهة احرامه ما عدا الحلق

(مسألة 356): إذا قصر المحرم في عمرة التمتع حلّ له جميع ما كان يحرم عليه من جهة احرامه ما عدا الحلق، أما الحلق ففيه تفصيل و هو أن المكلف إذا أتى بعمرة التمتع في شهر شوال جاز له الحلق الى مضي ثلاثين يوما من يوم عيد الفطر و أما بعده فالأحوط أن لا يحلق (2)، الظاهر على النص. ثم ان الصحيحة هل هي ظاهرة في أن المراد من الشي ء خصوص الكفارة، أو الأعم منها و من التقصير؟

و الجواب: انه لا يبعد أن يكون المراد منه الأعم من التقصير، و عليه فثبوت الكفارة في المقام لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنه أحوط.

(1) بل لا يبعد ذلك، و يظهر وجهه مما تقدم.

(2) بل على الأظهر، و ذلك لظهور جملة من الروايات في عدم الجواز:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث السعي:

«قال: ثم قصر من رأسك من جوانبه، و لحيتك، و خذ من شاربك، و قلم اظفارك، و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم و أحرمت منه» «1» بتقريب أن الأمر بالبقاء للحج يدل على عدم جواز الحلق الى أن يجي ء وقته، و الّا فلا مبرر له.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام: «قال: اذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك، و خذ من شاربك، و قلم من اظفارك، و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم- الحديث» «2».

و منها: صحيحة جميل بن دراج قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن تعمد ذلك في أول

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 416

و إذا حلق فالأحوط التكفير عنه بشاة إذا كان عن علم و عمد (1).

شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و إن تعمد ذلك بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه» «1»، فانها تدل باطلاقها على عدم جواز الحلق حتى بعد أعمال العمرة و قبل موعد الحج و إن أصبح محلا من احرام العمرة، حيث ان عدم جواز الحلق ليس من آثار احرامها، بل هو من آثار الحج، فان من أراده فعليه أن يوفر شعره بعد مضي ثلاثين يوما من أول شهور الحج الى بعد اعمال منى سواء أ كان محرما أم لا.

فالنتيجة: ان من يقوم باعمال العمرة و أتى بها و قصر خرج عن الإحرام، و أحل له كل شي ء يحل منه المحرم الا الحلق، حيث لم يجز ذلك له الى اليوم العاشر من ذي الحجة.

و دعوى: ان هذه الروايات ساقطة عن الحجية باعراض الأصحاب عنها.

مدفوعة: بما ذكرناه غير مرة من أنه لا قيمة لاعراضهم عن الرواية، و لا يوجب سقوطها عن الحجية و خروجها عن دليل الاعتبار، فانه انما يوجب ذلك عند توفر أمرين فيه:

أحدهما: أن يكون ذلك من قدماء

الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر اصحاب الأئمة عليه السّلام في نهاية المطاف.

و الآخر: أن لا يكون في المسألة ما يحتمل كونه مدركا لهم أو لمعظمهم، فاذا توفر هذان الأمران فيه كان ذلك كاشفا عن وجود خلل فيها من زمان الأئمة عليهم السّلام و وصوله إلينا يدا بيد. و قد ذكرنا في محله انه لا طريق لنا الى احراز توفر كلا الأمرين معا.

(1) بل هو الأقوى لدلالة صحيحة جميل بن دراج المتقدمة عليه، و عدم

[مسألة 357: لا يجب طواف النساء في عمرة التمتع

(مسألة 357): لا يجب طواف النساء في عمرة التمتع (1) و لا بأس بالاتيان به رجاء، و قد نقل شيخنا الشهيد قدّس سرّه وجوبه عن بعض العلماء.

وجود معارض لها، أو حاكم عليها، فاذن لا مبرر لرفع اليد عن ظهورها في وجوب الكفارة.

(1) هذا مما لا اشكال فيه، و تنص عليه صحيحة صفوان بن يحيى، قال:

«سأله ابو حرث عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج فطاف و سعى و قصر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، انما طواف النساء بعد الرجوع من منى» «1».

و في مقابلها رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام: «قال: اذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت، و صلى ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر، فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء، لأن عليه لتحلّة النساء طوافا و صلاة» «2» بدعوى أنها تدل على وجوب طواف النساء في عمرة التمتع.

و الجواب: إن الرواية ضعيفة سندا، لأن في سندها سليمان بن حفص المروزي، و هو ممن لم يثبت توثيقه، و مجرد انه وارد في اسناد كامل الزيارات لا يكفي و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها

تامة سندا، فاذن يقع التعارض بينها و بين صحيحة صفوان بن يحيى، فتسقطان معا من جهة المعارضة، فالمرجع يكون حينئذ أصالة البراءة عن وجوبه، هذا اضافة الى أن طواف النساء لو كان واجبا في عمرة التمتع لشاع بين أصحاب الأئمة عليهم السّلام لمكان الابتلاء به في كل سنة، مع أنه لا قائل به منهم عدا ما نسب الشهيد قدّس سرّه الوجوب الى فرد مجهول.

فالنتيجة: انه لا شبهة في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع.

نتيجة ما ذكرناه حول التقصير في عمرة التمتع أمور:

الأول: ان التقصير في عمرة التمتع متمثل في أحد أمور:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 418

.......... 1- الأخذ من الشارب.

2- تقليم الاظفار.

3- التقصير من شعر الرأس أو اللحية، و لا يكفى النتف، و لا يجوز له الحلق حتى اذا كان ملبدا أو معقوصا، فلو فعل ذلك متعمدا فعليه كفارة دم.

الثاني: ان المتمتع بعمرة التمتع، اذا أتى أهله قبل التقصير فعليه كفارة بدنة حتى إذا كان جاهلا بالحكم على الأظهر، و أما اذا قلم ظفره، أو نتف ابطه، أو حلق رأسه، فان كان ناسيا، أو جاهلا، فلا شي ء عليه، و إن كان متعمدا فعليه دم شاة.

الثالث: ان المتمتع اذا لبى بالحج قبل التقصير بطلت عمرته، و انقلب حجه من التمتع الى الافراد من دون فرق فيه بين أن يكون جاهلا بالحكم أو عالما به.

و قد تسأل: أنه اذا أتى بحج الافراد، فهل هو يجزى عن حج التمتع؟

و الجواب: انه يجزئ على الأظهر شريطة أن يأتي بعده بعمرة مفردة، و أما إذا نسى أن يقصر و أهل بالحج فالظاهر أن عمرته تامة، و لكن لا يبعد ثبوت كفارة دم عليه. و هل يلحق الجاهل المركب

بالناسي؟ لا يبعد الالحاق.

الرابع: ان على المتمتع بالعمرة الى الحج أن يوفر شعره بعد مضي ثلاثين يوما من أول شهور الحج، و لا يجوز له أن يحلق الى اليوم العاشر من ذي الحجة.

[واجبات الحج ثلاثة عشر]

[1- احرام الحجّ

اشارة

احرام الحجّ تقدم في الصفحة (المسألة 149) أن واجبات الحج ثلاثة عشر ذكرناها مجملة، و إليك تفصيلها:

الاول: الاحرام، و أفضل اوقاته يوم التروية، و يجوز التقديم عليه بثلاثة أيام (1)، و لا سيما بالنسبة الى الشيخ الكبير و المريض إذا خافا من الزحام، فيحرمان و يخرجان قبل خروج الناس، و تقدم جواز الخروج من مكة محرما بالحج لضرورة بعد الفراغ من العمرة في أيّ وقت كان.

(1) لموثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا او مريضا يخاف ضغاط الناس و زحامهم، يحرم بالحج و يخرج إلى منى قبل يوم التروية، قال: نعم، قلت: يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح بذلك المكان، قال: لا، قلت: يعجل بيوم، قال: نعم، قلت:

بيومين، قال: نعم، قلت: ثلاثة، قال: نعم، قلت: اكثر من ذلك، قال: لا» «1» فانها تنص على جواز تقديم احرام الحج ثلاثة أيام مطلقا للصحيح و المريض و الشيخ الكبير و غيره، و لا يجوز اكثر من ذلك، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى قد ذكرنا مفصلا في المسألة (3) من (فصل صورة حج التمتع) أنه ليس للعمرة وقت محدد زمني من ناحية المنتهى، و المعيار فيه انما هو بخوف فوت الركن من الوقوف بعرفات، فاذا خاف فوته من القيام بالاتيان بالعمرة لم يجز، و حينئذ فتنتقل وظيفته من التمتع الى الافراد، و قد ذكرنا هناك ان ذلك هو مقتضى الجمع بين روايات المسألة بمختلف

السنتها، فلاحظ.

[مسألة 358: كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصير لا يجوز للحاج أن يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام اعمال الحج

(مسألة 358): كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصير لا يجوز للحاج أن يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام اعمال الحج (1)، نعم، لا مانع منه بعد إتمام النسك قبل طواف النساء.

(1) هذا هو المعروف و المشهور بين الأصحاب، و قد استدل على ذلك بوجوه:

الأول: الاجماع. و فيه ما تقدم منا غير مرة من أنه لا يمكن الاعتماد عليه.

الثاني: ان الروايات الواردة في باب الإحرام ظاهرة في احرام المحل، و منصرفة اليه، سواء أ كان للحج أم للعمرة، متعة كانت أم منفردة، باعتبار أن الأمر بالاحرام ظاهر عرفا في احداثه، و أما اذا كان الشخص محرما فلا يصدق عليه انه أحرم، يعنى أحدث الإحرام.

و الجواب: ان الروايات و إن كانت ظاهرة في احداث الإحرام، الّا أن المحرم للحج إذا احرم للعمرة المفردة صدق أنه أحدث الإحرام لها، على أساس أن الإحرام أول جزء من كل من الحج و العمرة مستقلا، و على هذا فاذا احرم للحج، ثم احرم للعمرة صدق أنه أحدث احرام العمرة كإحرام الحج.

و بكلمة: ان الاحرام لو لم يكن جزء من الحج و العمرة، بأن يكون مقدمة لهما، فعندئذ لا معنى للإحرام ثانيا من أجل العمرة، لفرض أن ما هو مقدمة لهما قد تحقق، و تحصيله مرة ثانية لا معنى له، لأنه تحصيل للحاصل.

و إن شئت قلت: إن جزء الحج حصة خاصة من الإحرام، و هي الإحرام بقصد حج التمتع، و من المعلوم أنه مباين للإحرام بقصد العمرة المفردة أو عمرة التمتع، على أساس أن قصد اسم العبادة المميز لها شرعا من مقدماتها، فاذا أحرم قاصدا به احرام حج التمتع، ثم أحرم قاصدا به احرام العمرة المفردة- مثلا- كان الثاني

مباينا للأول، فاذن كيف لا يصدق عليه احداث الإحرام من جديد.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 421

.......... و عليه فلا مانع لمن كان محرما باحرام الحج أن يحرم للعمرة المفردة أيضا، لأنهما حصتان متباينتان، و لا مانع من ايجاد احداهما بعد الأخرى، هذا نظير ما لو قلنا بجواز ادخال صلاة في صلاة أخرى، فان تكبيرة الاحرام في الصلاة الأولى لا تمنع عن تكبيرة الاحرام في الصلاة الثانية.

و دعوى: ان اثر الاحرام حرمة اشياء معينة محدودة، و المفروض أنها قد حرمت بالاحرام الأول، فاذن لا أثر للإحرام الثاني.

مدفوعة: بأن حقيقة الاحرام عبارة عن التلبية، فاذا لبّى لعمرة مفردة تحقق احرامها، و إن لم تترتب عليه آثاره لسبب أو آخر، هذا اضافة الى أنه لا مانع من حرمتها عليه من جهتين.

الثالث: ان ذلك لو كان مشروعا و سائغا لوقع في الخارج مرة أو اكثر، مع أنه لا عين له و لا أثر.

و الجواب: ان عدم وقوعه في الخارج لا يكون دليلا على عدم مشروعيته، لأن عدم وقوعه فيه إنما هو باعتبار أنه على خلاف المتعارف و المرتكز في الأذهان، مع أنه لا مبرر له، لأن المكلف بدل ما يأتي بالعمرة أثناء الحج يأتي بها بعد الفراغ منه.

الرابع: ان الروايات الناهية عن الخروج من مكة بعد عمرة التمتع تدل على عدم مشروعية العمرة المفردة له، باعتبار أنها تتوقف على الخروج من مكة و لو الى أدنى الحل، و هو غير جائز.

و الجواب، أولا: ما ذكرناه في المسألة (2) من (فصل في صورة حج التمتع على الاجمال) من أن المستفاد من الروايات الناهية عن الخروج عن مكة بعد اعمال عمرة التمتع هو عدم جواز الخروج منها اذا خاف فوت

الحج لا مطلقا، على تفصيل تقدم هناك.

[مسألة 359: يتضيق وقت الاحرام فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة]

(مسألة 359): يتضيق وقت الاحرام فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة (1).

[مسألة 360: يتحد احرام الحج و احرام العمرة في كيفيته و واجباته و محرماته

(مسألة 360): يتحد احرام الحج و احرام العمرة في كيفيته و واجباته و محرماته، و الاختلاف بينهما إنما هو في النية فقط (2).

و ثانيا: ان مورد الروايات عدم جواز الخروج بعد اعمال العمرة، و محل الكلام هنا الخروج من أجل الاتيان بالعمرة المفردة اثناء أعمال الحج، و هو غير مشمول لها، و من هنا لا دليل على انقلابها متعة، بل انها إما أن تكون باطلة أو صحيحة مفردة. نعم لا يجوز الفصل بين عمرة التمتع و بين الحج بعمرة مفردة، لما مر من أن عمرة التمتع لا بد أن تكون موصولة بالحج، و لا يجوز الفصل بينهما بعمرة مفردة. و ينص عليه قوله عليه السّلام في صحيحة حماد بن عيسى: «و إن دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت: فأي الاحرامين و المتعتين، متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته- الحديث» «1» بتقريب أن قوله عليه السّلام: «و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته» بمثابة التعليل و الاشارة الى أن عمرة التمتع لا بد أن تكون متصلة بالحج، و الحاصل ان العمرة المفردة لا تكون مشروعة بعد عمرة التمتع و قبل الحج، و لكن لا دليل على أنها غير مشروعة اثناء واجبات الحج.

فالنتيجة: انه لا يتم شي ء من هذه الوجوه، و عليه فصحة العمرة المفردة خلال اعمال الحج غير بعيدة.

(1) فيه ان المعيار في ضيق الوقت إنما هو بخوف فوت الركن من الوقوف، كما تقدم ذلك موسعا ضمن المسألة (3) من (فصل صورة حج التمتع على الاجمال).

(2) فان الاحرام بما أنه جزء

من العمرة و الحج، فلا بد حين الاتيان به أن

[مسألة 361: للمكلف أن يحرم للحج من مكة من أي موضع شاء]

(مسألة 361): للمكلف أن يحرم للحج من مكة من أي موضع شاء و لكن الاحوط (1) وجوبا أن يحرم من مكة القديمة،

ينوي أنه من واجبات الحج أو العمرة، فاذا كان للعمرة فينوي الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى، و إذا كان للحج فينوي الإحرام لحجة الإسلام كذلك، و أما صورته نفس صورة الإحرام لعمرة التمتع.

(1) في الاحتياط اشكال بل منع، و إن كان الأولى و الأجدر، و ذلك لأن صحيحة حريث الصيرفي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: من أين اهل بالحج، فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة، و إن شئت من الطريق» «1» تنص على أنه ليس لإحرام الحج موضع معين، بل الحاج مخير بين أن يحرم من منزله، أو من المسجد، أو من الطريق.

و دعوى: أن رحله في ذلك الزمان لما كان في مكة القديمة، فلا محالة يكون المتيقن هو الإحرام منها.

مدفوعة أولا: بأن المراد من مكة القديمة و هو مكة في زمن الرسول الاكرم صلّى اللّه عليه و آله، و أما في زمن الأئمة الأطهار عليهم السّلام فقد توسعت و أحدث فيها ما لم يكن في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و على هذا فمقتضى اطلاق قوله عليه السّلام: «من رحلك» يعم ما اذا كان رحله في احياء جديدة بعد زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله هذا اضافه الى أنها تنص على جواز الإحرام من الطريق، و هو يعم الطريق في خارج مكة، و على ذلك فلا خصوصية لمكة القديمة.

و دعوى: ان صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد

اللّه عليه السّلام: اذا دخلت مكة و انت متمتع، فنظرت الى بيوت مكة، فاقطع التلبية، و حد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن، فاقطع التلبية، و عليك بالتكبير و التهليل و التحميد و الثناء على اللّه بما

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 424

و يستحب له الاحرام من المسجد الحرام (1) في مقام ابراهيم أو حجر اسماعيل (2).

[مسألة 362: من ترك الاحرام نسيانا، أو جهلا منه بالحكم الى أن خرج من مكة، ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع الى مكة]

(مسألة 362): من ترك الاحرام نسيانا، أو جهلا منه بالحكم الى أن خرج من مكة، ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع الى مكة، و لو من عرفات و الاحرام منها (3)،

استطعت» «1» تدل على أن الأحكام مترتبة على مكة القديمة.

مدفوعة: بأن الصحيحة في مقام بيان وجوب قطع التلبية في احرام عمرة التمتع، و تدل على أن وظيفة المحرم في احرامه أن يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة القديمة، في مقابل المحرم باحرام العمرة المفردة، فانه إن كان جائيا من الخارج يقطعها عند دخول الحرم، و إن خرج من مكة الى أدنى الحل يحرم منه ثم يرجع الى مكة فعليه أن يقطع التلبية عند مشاهدة الكعبة، و أما المحرم باحرام الحج فهو يقطعها عند زوال الشمس من يوم عرفة.

فالنتيجة: ان الصحيحة اجنبية عن الدلالة على أن احرام الحج لا بد أن يكون من مكة القديمة، اذ لا يكون فيها ما يشعر على ذلك، فما ظنك بالدلالة، لأنها مسوقة لتحديد حدود مكة القديمة بلحاظ أن وجوب قطع التلبية في احرام عمرة التمتع مرتبط بذلك فحسب لإتمام أحكام مكة، اذ لا شاهد فيها على ذلك. لحد الآن قد تبين ان الأظهر جواز الاحرام من أيّ موضع من مواضع مكة

شاء، بدون فرق بين المحلات القديمة و الحديثة و احيائها الجديدة.

(1) هذا على المشهور، و قد تقدم في الأمر الرابع من (فصل صورة حج التمتع على الاجمال) انه لا دليل على أن الاحرام منه أفضل من الاحرام من سائر المواضع.

(2) تقدم في نفس الفصل ان افضلية الاحرام فيه أيضا غير ثابتة.

(3) هذا هو مقتضى القاعدة، لأن المكلف اذا كان متمكنا من الاحرام عن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 425

فان لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه و كذلك لو تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات و ان تمكن من العود الى مكة و الاحرام منها (1)

الميقات، و هو في مكة المكرمة، وجب عليه ذلك و إن كان بالرجوع من عرفات، و لا يحتاج هذا الى دليل خاص، فان اطلاقات أدلة وجوب الاحرام من الميقات كافية لمن يتمكن منه.

(1) هذا هو الصحيح و ان تذكر و هو بعرفات، و ذلك لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي الاحرام في الحج، فذكر و هو بعرفات، ما حاله؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله فقد تم احرامه- الحديث» «1»، فانها تدل باطلاقها على عدم وجوب العود الى مكة، و الاحرام منها، ثم الرجوع الى عرفات و ادراك الموقف فيها و إن كان متمكنا من ذلك، و الّا لكان على الإمام عليه السّلام تقييد حكمه بتمامية الاحرام بما اذا لم يتمكن من العود.

و دعوى: أن الرواية ناظرة الى زمان صدورها، و في ذلك الزمان اذا كان الحاج في عرفات و تذكر أنه نسى الإحرام لم يتمكن

من العود الى مكة و الاحرام منها ثم الرجوع الى عرفات و ادراك الموقف فيها.

مدفوعة: (أما أولا) فلأن الامام عليه السّلام في مقام بيان الحكم الكلي العام بدون خصوصية لزمن صدوره، فلو كان هذا الحكم مختصا بغير المتمكن لكان على الامام عليه السّلام أن ينصب قرينة على ذلك، و مجرد أنه غير متمكن من الرجوع الى مكة و الإحرام منها و ادراك الموقف في زمن صدورها لا يصلح أن يكون قرينة على اختصاص الحكم بغير المتمكن مطلقا حتى في زماننا هذا، فان اطلاق الحكم فيها و عدم تقييده بغير المتمكن، مع أنه في مقام البيان يدل على اطلاقه، و أنه اذا تذكر و هو بعرفات لم يجب عليه الرجوع و إن تمكن منه.

و ثانيا: انه قد يتمكن في ذلك الزمن أيضا من العود الى مكة و الاحرام و لو

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 426

و لو لم يتذكر و لم يعلم بالحكم الى أن فرغ من الحج صح حجه (1).

منها، ثم الرجوع الى عرفات لإدراك الموقف، كما اذا كانت عنده دابة سريعة السير، أو ناقة أو فرس كذلك، و لا سيّما بناء على ما قويناه من جواز الاحرام من مكة مطلقا، فانه حينئذ اذا عاد من عرفات أحرم من أول نقطة منها الى عرفات و هي أقرب اليها من المسجد بثلث المسافة أو أكثر. و من هنا يظهر حكم ما اذا تذكر بعد الموقف، كما اذا تذكر في المشعر أنه نسى الاحرام لم يجب عليه الرجوع و إن تمكن منه و ادراك الموقف في المشعر، و ذلك لعدم احتمال أن يكون للتذكر في عرفات خصوصية.

(1) تدل على ذلك صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام عن

أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله، فقد تم احرامه، فان جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه» «1».

بقي هنا أمران: أحدهما: ان مورد السؤال الأول في الصحيحة نسيان الإحرام و تذكره و هو بعرفات.

و الآخر: أن مورد السؤال الثاني فيها الجهل بالإحرام و العلم به بعد الفراغ من المناسك كلها، و الرجوع الى بلده.

و قد تسأل: هل يمكن التعدي عن مورد السؤال الأول الى الجهل بالاحرام؟

و الجواب: انه لا مانع منه أما أولا: فلأن الجهل المركب كالنسيان، فلا فرق بينهما الّا في المنشأ و السبب.

و ثانيا: ان قوله عليه السّلام: «اللهم على كتابك و سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله» ظاهر عرفا في

[مسألة 363: من ترك الاحرام عالما عامدا لزمه التدارك

(مسألة 363): من ترك الاحرام عالما عامدا لزمه التدارك فان لم يتمكن منه قبل الوقوف بعرفات فسد حجه و لزمته الاعادة من قابل (1).

كفايته عن الاحرام للمعذور، بلا خصوصية للنسيان، و على هذا فلا فرق بين الناسي و الجاهل، سواء أ كان جهله مركبا أم كان بسيطا، شريطة أن يكون معذورا فيه، و أما اذ لم يكن معذورا فيه، فهو تارك للإحرام متعمدا و بدون عذر، و عندئذ فلا يمكن الحكم بصحة حجّه.

و قد تسأل: هل يمكن التعدي عن مورد السؤال الثاني الى نسيان الاحرام و تذكره بعد أداء المناسك و الرجوع الى بلده؟

و الجواب: نعم، أما أولا، فلأن الظاهر من الجهل في الصحيحة الجهل المركب، و هو كالنسيان فلا فرق بينهما الّا في

المنشأ.

و ثانيا: على تقدير تسليم أن يكون المراد منه الأعم من الجهل البسيط، الّا أنه لا شبهة في أن المراد منه الجهل العذري، دون الأعم منه و من غير العذري، و على هذا فالمتفاهم العرفي منها أن تارك الإحرام اذا كان معذورا سواء أ كان من جهة الجهل بالحكم أم النسيان، و التفت اليه بعد قضاء المناسك كلها فلا شي ء عليه.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه حيث ان الفساد حينئذ يكون على القاعدة، على أساس أن المأمور به لا ينطبق على الفرد المأتي به في الخارج الفاقد للجزء أو الشرط، فان الحاج اذا ترك الاحرام عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و وقف في عرفات بطل وقوفه، لأن صحته مشروطة بكونه مسبوقا بالاحرام، و ملحوقا بسائر الاجزاء و المناسك. نعم هنا مسألة أخرى و هي أن من يكون معذورا من الوقوف بعرفات لسبب من الأسباب، فهل يجوز له أن يؤخر الاحرام عامدا و ملتفتا الى ليلة العيد و يحرم من هذه الليلة للوقوف بالمشعر، أو لا؟

و الجواب: يجوز له ذلك باعتبار أن الإحرام ليس موقتا بوقت معين، و أما

[مسألة 364: الأحوط أن لا يطوف المتمتع بعد احرام الحج قبل الخروج الى عرفات طوافا مندوبا]

(مسألة 364): الأحوط أن لا يطوف المتمتع بعد احرام الحج قبل الخروج الى عرفات طوافا مندوبا (1) فلو طاف جدّد التلبية بعد الطواف على الأحوط.

الاتيان به قبل الوقوف في عرفات فهو من جهة أن صحته مشروطة بكونه مسبوقا به، و أما من لم يتمكن من ذلك فلا دليل على وجوب الاتيان به قبل زوال يوم عرفة و لا موجب له، و انما يجب عليه الاتيان به في وقت يتمكن من ادراك الوقوف الاختياري في المشعر، حيث إن صحته كصحة الوقوف في عرفات مشروطة بأن يكون مسبوقا

بالاحرام، و الّا لم يصح. فالنتيجة ان الاحرام انما يجب فورا اذا خاف أن تأخيره يؤدي الى فوت الموقف عنه و الّا فلا.

(1) في الاحتياط اشكال، و لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، و ذلك لأن في المسألة طائفتين من الروايات:

الطائفة الأولى: الروايات التي تنص على أنه لا يجوز للمتمتع أن يطوف طوافا مندوبا بعد إحرام الحج.

منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألته عن رجل أتى المسجد الحرام و قد أزمع بالحج، أ يطوف بالبيت؟ قال: نعم، ما لم يحرم» «1» فانها ظاهرة في عدم الجواز اذا أحرم.

و منها: صحيحة حماد بن عيسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج الى أن قال: فلا يزال على احرامه، فان رجع الى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على احرامه- الحديث» «2» فان قوله عليه السّلام: «و لم يقرب البيت» كناية عن المنع من الطواف حوله.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 429

.......... فالنتيجة: أن مفاد هاتين الروايتين ارشاد الى مانعية الطواف المندوب عن صحة الحج.

الطائفة الثانية: الروايات التي تنص على الجواز.

منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن المتمتع اذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتى منى، فقال: نعم، من كان هكذا يعجّل، قال: و سألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة، ثم يرى البيت خاليا فيطوف به قبل أن يخرج، عليه شي ء؟ فقال: لا- الحديث» «1»، فانها ظاهرة في الجواز و عدم المانعية.

و منها: رواية عبد الحميد بن سعيد عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أحرم

يوم التروية من عند المقام بالحج، ثم طاف بالبيت بعد احرامه، و هو لا يرى أن ذلك لا ينبغي، أ ينقض طوافه بالبيت احرامه؟ فقال: لا، و لكن يمضى على احرامه» «2» فانها و إن دلت على صحة احرامه الّا أنها ضعيفة سندا، فان في سندها عبد الحميد بن سعيد، و هو ممن لم يثبت توثيقه، فاذن العمدة في هذه الطائفة الرواية الأولى، و حيث إنها ظاهرة في الإرشاد الى عدم مانعية الطواف عن الإحرام، و الطائفة الأولى ظاهرة في الإرشاد الى المانعية، فيقع التعارض بينهما، و بما أنه لا ترجيح في البين، فتسقطان معا، فيكون المرجع أصالة البراءة عن المانعية.

فالنتيجة: ان الأظهر جواز الطواف المندوب بعد احرام الحج، و ان كان الأولى و الأجدر به تركه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 430

.......... نتيجة البحث حول احرام الحج أمور:

الأول: ان المعروف و المشهور بين الأصحاب بطلان العمرة المفردة أثناء مناسك الحج، و لكنه لا يخلو عن اشكال، و لا يبعد الصحة لعدم دليل صالح في المسألة قابل للاعتماد عليه.

الثاني: ان موضع احرام الحج مكة، بدون فرق بين المحلات القديمة و الأحياء الجديدة ما دامت داخلة في حدود مكة، و لا خصوصية لمكة القديمة، و ما في صحيحة معاوية من تحديد مكة القديمة بمكة في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، انما هو بالنسبة الى موضع وجوب قطع التلبية، فانه في عمرة التمتع عند مشاهدة بيوت مكة القديمة، و في العمرة المفردة للنائي عند دخول الحرم، و لمن كان في مكة عند مشاهدة الكعبة، كما أن في الحج عند زوال الشمس من يوم عرفة، و لا نظر لها الى أن هذا التحديد بلحاظ أحكام مكة

القديمة.

و قد تسأل: عن ان الاحرام من المسجد هل هو أفضل من الاحرام عن سائر مواضع مكة؟

و الجواب: ان ذلك و إن كان مشهورا، و لكن لا دليل عليه. نعم الاتيان بركعتي الصلاة للإحرام في المسجد أفضل من الاتيان بهما في سائر المواضع.

الثالث: ان من نسي احرام الحج و ذهب الى عرفات و تذكر و هو فيها لم يجب عليه العود الى مكة و الإحرام منها، ثم الرجوع إليها ثانيا، و إن كان متمكنا من ذلك، و وظيفته حينئذ أن يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك، بدل الإحرام.

و قد تسأل: أن هذا الحكم هل يختص بالناسي، أو يشمل الجاهل المركب أيضا؟

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 431

.......... و الجواب: يشمل الجاهل المركب أيضا، بل لا يبعد شموله للجاهل البسيط اذا كان معذورا، و أما اذا جهل الإحرام و مضى الى عرفات و مارس اعمال الحج و واجباته الى أن فرغ منها و رجع الى بلده، ثم علم بالحكم، فلا شي ء عليه، و قد تم حجه، و يلحق به الناسي، بل الجاهل البسيط أيضا اذا كان معذورا.

الرابع: ان من لم يتمكن من ادراك الموقف بعرفات لسبب من الأسباب، فهل يجوز له أن يؤخر الإحرام الى ليلة يوم العيد؟

و الجواب: يجوز له ذلك، لأن وجوبه قبل الموقف بعرفات انما هو من أجل ادراك الموقف فيها، لا من جهة أنه موقت بوقت خاص، و مع انتفائه فلا مبرر لوجوبه فورا.

[2- الوقوف بعرفات

اشارة

الوقوف بعرفات الثاني من واجبات حج التمتع الوقوف بعرفات بقصد القربة و المراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكبا أو راجلا ساكنا أو متحركا (1).

(1) لا شبهة في أصل وجوب الوقوف بعرفات،

حيث إنه من أهم أركان الحج و واجباته، و الروايات الدالة على وجوبه من الروايات البيانية و غيرها تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا، فمن أجل ذلك لا حاجة للبحث عن أصل وجوبه.

نعم يقع البحث هنا في جهتين:

الأولى: ان الوقوف باسمه الخاص عبادة متقومة بالنية بتمام عناصرها الثلاثة:

(1) قصد القربة.

(2) قصد الاخلاص.

(3) قصد اسمه الخاص المميز له شرعا.

و أما اعتبار قصد القربة فيه فمضافا الى الارتكاز القطعي الكاشف عن ثبوته في زمن المعصومين عليهم السّلام الواصل إلينا طبقة بعد طبقة، يدل عليه قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ ... «1» بتقريب أن الأمر بالاتمام للّه ارشاد الى أنهما عبادة، فلا بد من الاتيان بهما بما لهما من الواجبات للّه تعالى، و بقصد التقرب اليه، و الاخلاص.

الثانية: ان المراد من الوقوف بعرفات التواجد فيها بدون فرق بين أن يكون قائما أو جالسا أو نائما أو راكبا، حيث لا يعتبر فيه خصوصية خاصة.

[مسألة 365: حدّ عرفات من بطن عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز]

(مسألة 365): حدّ عرفات من بطن عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز، و من المأزمين الى اقصى الموقف (1)، و هذه حدود عرفات و خارجة عن الموقف.

[مسألة 366: الظاهر أن الجبل موقف و لكن يكره الوقوف عليه

(مسألة 366): الظاهر أن الجبل موقف (2) و لكن يكره الوقوف عليه و يستحب الوقوف في السفح من مسيرة الجبل.

(1) تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:

و حد عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز و خلف الجبل موقف» «1».

و منها: صحيحة أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: حد عرفات من المأزمين الى أقصى الموقف» «2»، و مثلها صحيحة معاوية و أبي بصير معا «3»، و أما تطبيق تلك الحدود على الخارج و تعيينها فيه يكون بيد أهل الخبرة من البلد.

فالنتيجة: ان حدود عرفات من عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز، و من المأزمين الى أقصى الموقف، و هذه الحدود خارجة عن عرفة، و تدل على خروجها موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و اتق الاراك و نمرة و هي بطن عرنة و ثوية و ذا المجاز، فانه ليس من عرفة، فلا تقف فيه» «4».

و بكلمة: ان عرفات مساحة كبيرة من الأرض، و هي خارجة عن الحرم، و تتصل حدودها به، و يكون المأزمين منطقة فصل بينها و بين المشعر الحرام و حدودها خارجة عنها، فلا يجوز الوقوف فيها.

(2) بل لا اشكال فيه، لأن الموقف يمتد الى ما وراء الجبل و إن كان

[مسألة 367: يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار]

(مسألة 367): يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار (1) فلو نام أو غشي عليه هناك في جميع الوقت لم يتحقق منه الوقوف.

[مسألة 368: الأحوط للمختار أن يقف في عرفات من أول ظهر التاسع من ذي الحجة الى الغروب

(مسألة 368): الأحوط للمختار أن يقف في عرفات من أول ظهر التاسع من ذي الحجة الى الغروب، و الأظهر جواز تأخيره الى بعد الظهر بساعة تقريبا (2)، و الوقوف في تمام هذا الوقت و إن كان واجبا يأثم المكلف بتركه إلا أنه ليس من الأركان، بمعنى أن من ترك الوقوف في مقدار من هذا الوقت لا يفسد حجه. نعم، لو ترك الوقوف رأسا باختياره فسد حجه، فما هو الركن من الوقوف هو الوقوف في الجملة.

الوقوف في سفح الجبل و على الأرض أفضل من الوقوف عليه، و تدل على ذلك موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض، فقال: على الأرض» «1»، و حيث أنها ناصة في جواز الوقوف فوق الجبل اختيارا، غاية الأمر ان الوقوف على الأرض أفضل منه، فتصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور موثقة سماعة بن مهران في ان فوق الجبل موقف اضطراري فلا يجوز الوقوف فيه اختيارا.

(1) هذا واضح على أساس أنه عبادة، و العبادة متقومة بالقصد، كقصد القربة و الاخلاص و اسمها الخاص، فاذن لا محالة يكون الواجب حصة خاصة من الوقوف، و هي الحصة الاختيارية.

(2) تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم انزل اللّه عليه: وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ ... الى

أن قال: حتى انتهوا الى نمرة و هي بطن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 435

.......... عرنة بحيال الأراك فضربت قبته و ضرب الناس اخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم، ثم صلّى الظهر و العصر باذان واحد و اقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به- الحديث» «1» بتقريب أن الفراغ من صلاتي الظهرين و مقدماتهما و الوعظ و الارشاد لا يقل عن ساعة.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: فاذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة، و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فاذا زالت الشمس فاغتسل و صل الظهر و العصر بأذان واحد و اقامتين، فانما تعجل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فانه يوم دعاء و مسألة» «2».

فالنتيجة: أن تأخير الوقوف بعرفات عن الزوال بمقدار ساعة جائز بالاشتغال بصلاتي الظهرين و استماع الوعظ و الارشاد و نحو ذلك.

و أما التأخير عامدا و ملتفتا و بدون الاشتغال بالعبادات فهل هو جائز أو لا؟

و الجواب: انه لا يبعد جوازه، اذ لا دليل على وجوب الوقوف بعرفات من أول زوال يوم عرفة و هو اليوم التاسع من ذي الحجة، حيث إن الدليل في المسألة متمثل في الروايات المذكورة، و هي ساكتة عن حكم هذه الصورة.

و بكلمة: ان الواجب على الحاج من أول زوال يوم عرفة، هو قطع التلبية للروايات التي تنص عليه، و أما الوقوف و التواجد فيه فلا دليل عليه، و لو شك فيه فالمرجع أصالة البراءة.

تعاليق مبسوطة على مناسك

الحج، ص: 436

.......... و أما صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المتمتع له المتعة الى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر»»

فهي في مقام بيان أن حد عمرة التمتع الى زوال الشمس من يوم عرفة، و أما من الزوال فهو للحج، و لا نظر لها الى أن الوقوف واجب فيها من أول الزوال، بل تدل على العكس، لان من فرغ من العمرة عند الزوال ثم احرم للحج و مضى الى عرفات فلا محالة يصل فيها بعد زوال الشمس بفترة كساعة أو أقل أو أكثر، كما في العصور المتقدمة.

فالنتيجة: ان الأظهر عدم وجوب الوقوف عند الزوال من يوم عرفة، بل يجوز التأخير اختيارا الى ساعة بعده بدون الاشتغال بعبادة، هذا من ناحية المبدأ.

و أما من ناحية المنتهى فهو محدد بغروب الشمس و استتارها واقعا، و تدل عليه جملة من الروايات.

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أفاض بعد غروب الشمس» «2».

و منها: موثقة يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام متى الافاضة من عرفات؟ قال: اذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي» «3» فانها و إن دلت على أن الملاك في جواز الافاضة انما هو بذهاب الحمرة من الجانب الشرقي، و لكن الظاهر أن جعل ذلك حدا من جهة أنه أمارة قطعية على استتار القرص، هذا من ناحية.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 437

.......... و من ناحية أخرى ان الركن انما هو مسمى الوقوف فيها عرفا، فاذا تركه عامدا

و ملتفتا فسد حجه، و أما الزائد عليه فهو واجب مستقل، و لا يكون ركنا، و تركه عامدا و عالما لا يضر بالحج.

و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان متعمدا فعليه بدنة «1».

و منها: صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله» «2» و منها غيرها.

و مقتضى اطلاق هذه الروايات كفاية مسمى الوقوف فيها، و ترك الزائد لا يضر، نعم اذا كان متعمدا فعليه كفارة بدنة. لحد الآن قد تبين أمور:

الأول: ان زمان الوقوف و التواجد بعرفات من الناحية المبدئية ساعة بعد الزوال تقريبا.

الثاني: ان زمان الوقوف من ناحية المنتهى غروب الشمس و استتارها حقيقة.

الثالث: ان الركن هو الوقوف في فترة قصيرة خلال هذا الوقت.

الرابع: ان ترك الوقوف الزائد لا يضر بالحج و إن كان متعمدا. نعم اعتبر آثما على ذلك.

[مسألة 369: من لم يدرك الوقوف الاختياري (الوقوف في النهار) لنسيان أو لجهل يعذر فيه أو لغيرهما من الاعذار]

(مسألة 369): من لم يدرك الوقوف الاختياري (الوقوف في النهار) لنسيان أو لجهل يعذر فيه أو لغيرهما من الاعذار، لزمه الوقوف الاضطراري (الوقوف برهة من ليلة العيد) (1)

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه، و ذلك لمجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال في رجل ادرك الإمام و هو بجمع، فقال: إن ظن انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها و إن

ظن انه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه» «1» فانها تدل بوضوح على أن من لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفات، و تمكن من الوقوف الاضطراري فيها، وجب عليه ذلك، ثم يفيض منها الى المشعر و يقف فيه قبل طلوع الشمس، و إن لم يدرك ذلك أيضا فليقف بجمع و قد تم حجه.

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر فاذا شيخ كبير، فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما تقول في رجل ادرك الإمام بجمع؟ فقال له: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجه» «2» فانها تنص على أمرين:

أحدهما: ان من لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفات و تمكن من الوقوف الاضطراري بها وجب عليه ذلك، و لا يجوز له تركه عامدا و ملتفتا، فلو صنع ذلك فسد حجه.

و الآخر: ان من لم يدرك الوقوف بعرفات مطلقا حتى الاضطراري منه، و تمكن من الوقوف الاختياري بالمشعر وجب عليه ذلك و قد تم حجه و لا شي ء عليه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 439

و صح حجه، فان تركه متعمدا فسد حجه (1).

[مسألة 370: تحرم الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالما عامدا]

(مسألة 370): تحرم الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالما عامدا، لكنها لا تفسد الحج (2)،

و منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض

فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللّه تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، و قبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل» «1» فانها تدل على أمور:

الأول: ان من لم يتمكن إلّا من ادراك الوقوف الاضطراري بعرفات وجب عليه ذلك، و لا يجوز تركه عامدا و ملتفتا، و إلّا بطل حجه.

الثاني: ان من لم يتمكن من الوقوف الاضطراري بعرفة أيضا و لكنه متمكن من الوقوف الاختياري بالمشعر كفى ذلك و صح حجه و لا شي ء عليه.

الثالث: ان من لم يتمكن من الوقوف الاختياري في المشعر فقد فاته الحج و إن تمكن من الوقوف الاضطراري فيه، و حينئذ فتنقلب وظيفته الى عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل.

(1) مر أن الأمر كما افاده قدّس سرّه.

(2) الأمر كما افاده قدّس سرّه، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات.

منها: صحيحتا مسمع و ضريس المتقدمتان، و نتيجة هذا أن حرمة الافاضة تكليفية صرفة لا وضعية، بمعنى أن النهي عنها لا يكون ارشادا إلى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 440

.......... مانعيتها عن الوقوف، و بالتالي عن الحج. و اما وجوب الوقوف بعرفات بعد الزوال بساعة الى الغروب فهو واجب مستقل على أساس أن الوقوف في هذه الفترة ليس من اجزاء الحج و واجباته، بل هو واجب في هذه الحالة بوجوب مستقل ما عدا المسمى منه. و هاهنا مسألتان:

الأولى: قد تسأل عن أن الخروج من عرفات قبل الغروب لا بقصد الإفاضة هل

هو جائز أو لا؟

و الجواب: انه جائز، لأن المحرم انما هو الخروج من عرفات قبل الغروب بقصد الافاضة لا مطلقا، فانه لا دليل على حرمته كذلك. و أما اذا خرج بقصد الإفاضة ثم ندم و رجع قبل الغروب فهل عليه شي ء؟

و الجواب: انه لا شي ء عليه، و ذلك لأن الروايات الناهية عن الافاضة قبل الغروب عامدا و ملتفتا منصرفة عن ذلك، لأن الظاهر منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية النهي عن الافاضة الحقيقية لا عن الافاضة الخيالية.

و بكلمة: أن ظاهر روايات الباب التي تدل على حرمة الافاضة من عرفات قبل الغروب الافاضة واقعا، و هي التي لا رجعة فيها، و أما من أفاض منها ثم رجع اليها قبل الغروب فلا إفاضة حتى تكون مشمولة لها.

الثانية: قد تسأل عن أن حكم الناسي لحرمة الافاضة منها قبل الغروب، هل هو حكم الجاهل بها؟

و الجواب: ان حكمه حكم الجاهل، فان المذكور في الروايات و إن كان الجاهل دون الناسي إلّا أنه لا فرق بينهما في المقام لأمور:

الأول: أن موضوع الكفارة في صحيحة مسمع المتقدمة «1» حيث ان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 441

فاذا ندم و رجع إلى عرفات فلا شي ء عليه، و إلا كانت عليه كفارة بدنة ينحرها في منى (1)، فان لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما و الاحوط ان تكون متواليات (2). و يجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسيانا أو جهلا منه بالحكم فيجب عليه الرجوع بعد العلم أو التذكر فان لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الأحوط.

الافاضة منه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، فلا ينطبق على الافاضة نسيانا، و لا يوجد دليل آخر عليها.

الثاني: ان المتفاهم العرفي من الصحيحة

أنه لا موضوعية للجاهل إلّا باعتبار كونه معذورا في ذلك، و عليه فيكون مفادها عرفا أن من أفاض من عرفات قبل الغروب و كان معذورا فيها فلا كفارة عليه، سواء أ كان عذره جهلا أم نسيانا.

الثالث: ان مقتضى حديث الرفع نفي الكفارة عن الفعل المنسي.

(1) أما كون الكفارة بدنة فقد صرح بها في صحيحتي مسمع «1» و ضريس «2» المتقدمتين، و أما نحرها في منى فهو و إن لم يرد في شي ء من الروايات، و انما الوارد في صحيحة ضريس هو نحرها يوم النحر، و لكن مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي أن المراد هو نحرها في منى، بقرينة أن المراد من يوم النحر هو يوم العيد، و حيث إن الناس ينحرون الإبل و يذبحون الشياه في منى يوم العيد، فيكون المتفاهم العرفي من نحرها يوم النحر هو نحرها يوم العيد في منى أو لا أقلّ أنه المتيقن منها.

(2) و لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، و ذلك لأن الدليل عليه منحصر

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 442

.......... بصحيحة ضريس «1» المتقدمة، و هي لا تدل على التوالي، لأنها في مقام بيان أن من أفاض من عرفات قبل غروب الشمس عامدا و ملتفتا فعليه كفارة بدنة، فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما مخيرا بين أن يصوم بمكة أو في الطريق أو في أهله، و لا دلالة فيها على أنه يصوم بمكة أو في الطريق أو في الأهل متتابعا، بل لا اشعار فيها بذلك فضلا عن الدلالة.

و إن شئت قلت: ان الصحيحة انما هي في مقام بيان أمرين: (أحدهما) بدلية الصيام عن الجمل الذي أكمل السنة الخامسة. (و الآخر) الترخيص فيه في

الطريق، و هذا يعني أنه مخير بين أن يصوم في مكة أو في الطريق أو في بلدته، و لا نظر لها الى اعتبار أنه لا بد أن يكون ذلك بنحو التتابع و التوالي.

و دعوى: أن المولى اذا أمر بشي ء في أيام معينة كعشرة أو نحوها فهو ظاهر عرفا في اعتبار التوالي و التتابع فيه بين تلك الأيام، و ما نحن فيه من هذا القبيل.

مدفوعة: بأنه لا ظهور لها في ذلك ما لم تكن هناك قرينة حالية أو سياقية و إن كانت تلك القرينة مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، هذا. اضافة الى ما مر من أن الصحيحة ليست في مقام البيان من هذه الناحية. فالنتيجة أن الأظهر عدم اعتبار التتابع و التوالي في صيام تلك الأيام. و أما اذا افاض قبل الغروب من عرفات نسيانا أو جهلا بالحكم، فان تذكر أو علم بالحال في وقت كان لا يتمكن من الرجوع اليها قبل الغروب فلا شي ء عليه و إن كان يتمكن منه وجب، و حينئذ فإن لم يرجع اليها فهل تجب عليه كفارة أو لا؟

الظاهر عدم وجوبها، و ذلك لأن الكفارة منوطة بكون الافاضة قبل

[مسألة 371: إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة، و حكم على طبقه، و لم يثبت عند الشيعة]

(مسألة 371): إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة، و حكم على طبقه، و لم يثبت عند الشيعة ففيه صورتان:

الاولى: ما إذا احتملت مطابقة الحكم للواقع فعندئذ وجبت متابعتهم و الوقوف معهم و ترتيب جميع آثار ثبوت الهلال الراجعة إلى مناسك حجه من الوقوفين و اعمال منى يوم النحر و غيرها و يجزئ هذا في الحج على الأظهر. و من خالف ما تقتضيه التقية بتسويل نفسه أن الاحتياط في مخالفتهم ارتكب محرما و فسد وقوفه.

و الحاصل أنه تجب متابعة الحاكم السني تقية،

و يصح معها الحج و الاحتياط حينئذ غير مشروع، و لا سيما إذا كان فيه خوف تلف النفس و نحوه، كما قد يتفق ذلك في زماننا هذا.

الثانية: ما إذا فرض العلم بالخلاف، و ان اليوم الذي حكم القاضي بأنه يوم عرفة هو يوم التروية واقعا، ففي هذه الصورة لا يجزئ الوقوف معهم (1)، فان تمكن المكلف من العمل بالوظيفة و الحال هذه، و لو بان يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة دون أن يترتب عليه أي محذور (و لو كان المحذور مخالفته للتقية) عمل بوظيفته، و إلا بدّل حجه بالعمرة المفردة، و لا حجّ له، فان كانت استطاعته من السنة الحاضرة و لم تبق بعدها، سقط عنه الوجوب إلا اذا طرأت عليه الاستطاعة من جديد.

الغروب من عرفات متعمدا و بما أن الافاضة منها في مفروض الكلام ليست كذلك، فلا تكون مشمولة لها، و مجرد عدم الرجوع اليها قبل الغروب مع تمكنه من الرجوع لا يجعل تلك الافاضة افاضة عمدية.

(1) في عدم الاجزاء اشكال، و لا يبعد الاجزاء، تفصيل ذلك يقتضي التكلم في مرحلتين:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 444

.......... الأولى: في الروايات العامة للتقية و مدلولاتها.

الثانية: في صحة الوقوف معهم بعرفات مطلقا حتى في صورة العلم بالخلاف.

أمّا الكلام في المرحلة الأولى: فهل الروايات التي جاءت بهذا النص:

«التقية ديني و دين آبائي» «1»، و «من لا تقية له لا دين له» «2» و غيرهما «3» تدل على صحة العمل المتقى به أو لا؟

قد يقال- كما قيل- انها تدل على الصحة، بدعوى ان مفادها محبوبية العمل المتقى به بعنوان ثانوي و هو عنوان التقية، فاذا كان محبوبا كان الاتيان به صحيحا، هذا.

و التحقيق أنها لا تدل على الاجزاء،

و ذلك لأن الظاهر منها أن منشأ وجوب التقية انما هو المصلحة المترتبة على نفسها و هي حفظ النفس المحترمة، أو العرض، أو المال، أو غير ذلك، لا المصلحة المترتبة على العمل المتقى به.

و بكلمة: ان روايات التقية تدل على وجوب الصلاة مع التكتف، أو الوقوف معهم في عرفات و إن كان في يوم التروية، و لكن لا من أجل وجود مصلحة ملزمة في الصلاة مع التكتف، أو الوقوف معهم، بل من أجل الحفاظ على النفس أو العرض أو المال، بدون الدلالة على أن في العمل المتقى به كالصلاة أو الوقوف معهم مصلحة ملزمة في هذه الحالة. فالنتيجة أن هذه الروايات بما أنها لا تكشف عن محبوبية العمل المتقى به، و وجود مصلحة ملزمة فيه، فلا تدل على الاجزاء، اي صحة ذلك العمل، فاذن مقتضى القاعدة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 445

.......... عدم الاجزاء، و على هذا فلا يكون الوقوف معهم تقية مجزيا، لأنه من أجل مصلحة أخرى، و هي حفظ النفس المحترمة أو العرض أو المال، لا من أجل مصلحة فيه. فاذن الاجزاء بحاجة الى دليل خاص، كما في باب الصلاة و الوضوء، فان الأمر بالصلاة تقية أو مداراة مع التكتف يكشف عن محبوبيتها في هذه الحالة، و وجود ملاك فيها، فلذلك يجزي الاتيان بها، و كذلك الوضوء منكوسا، فان الأمر به يكشف عن أنه محبوب في حال التقية و مشتمل على الملاك، فمن أجل ذلك يجزي. أو فقل: ان في كل مورد تعلق الأمر بالعمل المتقى به باسمه الخاص من أجل التقية يكون كاشفا عن محبوبيته و وجود الملاك فيه، فالتقية حينئذ جهة تعليلية للأمر المتعلق بالعمل المتقى به لا تقييدية، و عندئذ

فلا مناص من القول بالاجزاء، و في كل مورد يتعلق الأمر بالتقية بعنوانها تكون التقية جهة تقييدية.

و دعوى: ان العمل المتقى به و إن لم يكن محبوبا في نفسه و بعنوان أوّلي، إلّا أنه محبوب بعنوان ثانوي كالتقية، و حينئذ فلا مانع من الحكم بالاجزاء.

مدفوعة: بأن التقية لا تدل على أن العمل المتقى به محبوب بعنوان ثانوي، بل تدل على أن ما هو محبوب وداع إلى الأمر بها حفظ النفس المحترمة أو العرض أو المال أو نحوه، و حيث إن ذلك يتوقف على العمل المتقى به فيكون العمل محبوبا بالعرض، بملاك كونه مقدمة للواجب، فاذا دعت التقية- مثلا- الى الصلاة بدون البسملة أو مع التكتف لم تدل على أن الصلاة الفاقدة للبسملة أو الواجدة للتكتف مشتملة على ملاك. و أدلة التقية العامة ظاهرة في أن المصلحة انما هي مترتبة على الاتقاء أو فقل ان المصلحة التي تدعو المولى الى الأمر بالتقية انما هي في حفظ النفس المحترمة أو العرض أو المال لا في العمل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 446

.......... المتقى به لأنه الواجب بالاصالة و العمل المتقى به مقدمة له و واجب بالعرض، و تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحتي محمد بن مسلم و ابي حمزة الثمالي: «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم» «1» فانه واضح الدلالة على أن التقية انما هي واجبة بملاك حقن الدماء، لا بملاك في العمل الخارجي، و هذا بخلاف ما اذا تعلق الأمر بالعمل بعنوانه الخاص من أجل التقية، فانه ظاهر في كشفه عن وجود ملاك فيه و محبوبيته.

و دعوى: أن ظهوره في ذلك ممنوع، اذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون تأكيدا

للأمر بالتقية، لا أنه ناشئ من وجود الملاك فيه.

مدفوعة: بأن الظاهر من الأمر المتعلق بالعمل المتقى به بعنوانه الخاص الأمر النفسي، و حمله على الأمر الغيري، أو على التأكيد خلاف الظاهر و بحاجة الى قرينة، و على هذا فيكون هنا ملاكان أحدهما مترتب على نفس التقية، و الآخر على العمل المتقى به.

و بعد ذلك نقول: ان الدليل على صحة الوقوف معهم تقية ليس هو الأدلة العامة لها، لما مرّ من أنها لا تدل على صحة العمل المتقى به، بل سيرة الأئمة الأطهار عليهم السّلام و تابعيهم الجارية على الوقوف معهم في تمام الحالات و الاوقات بدون استثناء في طول التاريخ الزمني لحياتهم، و من المعلوم أنه من غير المحتمل جزما أن لا يتفق شك في ثبوت الهلال، بل القطع بعدم الثبوت في طول هذا التاريخ الزمني الذي لا يقل عن ثلاثمائة سنة، على أساس أن مسألة ثبوت الهلال في طول تاريخ زمن الائمة الأطهار عليهم السّلام كانت بأيدي هؤلاء، من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 447

.......... قضاتهم و حكامهم، و من الواضح أن حكمهم بثبوت الهلال لم يكن مبنيا على الدقة، و تحقيق حال الشهود و مدى صدقهم و عدم خطأهم و اتفاقهم في موضع رؤية الهلال و صفاته كما و كيفا، و عدم توفر قرائن على كذبهم أو خطأهم، و من هذه القرائن انفراد اثنين بالشهادة على رؤية الهلال من بين جماعة كبيرة من المستهلين الذين لم يستطيعوا أن يروه مع صفاء الجو و نقاء الأفق و اتجاه الجميع الى نفس النقطة التي اتجه الشاهدان إليها في الأفق، و تقاربهم في القدرة البصرية، و هذا معنى قوله عليه السّلام: «اذا رآه واحد رآه

مائة» «1».

و منها: التنبوء العلمي المسبق بوقت خروج القمر من المحاق، فانه اذا حدد له وقت معين و شهد الشاهدان بالرؤية قبل ذلك الوقت كان التحديد العلمي المسبق عاملا سلبيا يضعف من قوة شهادتهما و هكذا، فالنتيجة ان حكمهم بذلك لما كان مبنيا على التساهل و التسامح و عدم الدقة و مراعاة ما يكون دخيلا في الموضوع، فمن أجل ذلك يقع الشك في صحة حكمهم، بل ربما يقطع بعدم الصحة. و مع هذا و ذاك لم يصدر من الأئمة الاطهار عليهم السّلام في طول هذا التاريخ الزمني الممتد ما يشير الى عدم كفاية الوقوف معهم في حالة الشك في ثبوت الهلال، أو القطع بعدم ثبوته، و من الطبيعي أن الوقوف معهم لو لم يكن مجزيا في هذه الحالة لأشار اليه في الروايات بمناسبة أو أخرى، قولا أو عملا، فعدم صدور شي ء منهم عليهم السّلام في طول هذا التاريخ لا ابتداء و لا جوابا، لا تصريحا و لا كناية، دليل على الاجزاء و الحكم بالصحة، كما أنه يظهر من عدم السؤال عن ذلك منهم عليهم السّلام في طول تاريخ حياتهم ان الاجزاء كان أمرا مرتكزا في الاذهان حتى في صورة القطع بالخلاف، و إلّا فبطبيعة الحال يقع السؤال عن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 448

.......... ذلك لدى الابتلاء بالمسألة لشدة الاهتمام بها، و لو ورد منهم عليهم السّلام شي ء حول المسألة في مورد واحد طول هذا التاريخ لاشتهر بين الأصحاب و شاع، على أساس انهم مهتمون بهذه الفريضة الكبرى التي هي فريضة إلهية اجتماعية ذات المغزى العظيم، و يمارس كل فرق المسلمين هذه الفريضة الإلهية بتمام شعائرها بنقلة جماعية موحدة زمانا و مكانا.

و بكلمة: أنه

كان بمقدور الأئمة عليهم السّلام في طول هذه المدة التنبيه و الإشارة بمناسبة أو أخرى الى عدم الاجزاء في حالة القطع بالخلاف على أساس اهتمامهم عليهم السّلام بعدم تفويت هذه الفريضة الإلهية الكبرى، و مع ذلك فعدم صدور التنبيه و الاشارة منهم عليهم السّلام الى ذلك مطلقا كاشف عن الاجزاء كذلك.

و النكتة فيه ان الحج فريضة اجتماعية في الإسلام، و يمتاز بذلك عن سائر الفرائض الإلهية و ذات المغزى الكبير روحيا و مدنيا، و اعتكاف جماعي، يعني نقلة جماعية الى بيوت اللّه، و يتجه اليها من كل اصناف المسلمين المكلفين بأداء هذه الفريضة، أو المتطوعين للتواجد في مكان واحد و زمان واحد و لممارسة شعائر موحدة. و من الواضح أن في ذلك مصلحة نوعية عامة، و هي توحيد صفوف المسلمين من كافة فرقهم، و نقلهم الجماعي من مكان الى مكان آخر في وقت واحد تحت شعار التوحيد، و من هنا قد اهتم الشارع بتوحيد صفوف المسلمين الذي تتبلور فيه أصالتهم و مكانتهم رغم اختلافهم في معتقداتهم، و قد حث في مجموعة من الروايات المعتبرة على التواجد في مساجدهم و الحضور في جماعاتهم و جنائزهم، و في بعضها أن الصلاة خلفهم كالصلاة خلف النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله. و من الطبيعي أن ذلك ليس إلّا من جهة ما يترتب عليه من المصالح العامة، كوحدة صفوفهم و أصالتهم و مكانتهم في مجتمعات العالم.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 449

.......... و لو كنا نحن و هذه الروايات لقلنا بصحة الاقتداء بهم مطلقا، و لكن قد نبّه الامام عليه السّلام على شروطها في مورد آخر. و في المقام لو كان لصحة الوقوف معهم بعرفات في حالة الشك

أو القطع بالخلاف شرط لنبّه عليه في طول هذه الظروف التاريخية لمكان الابتلاء بها، فعدم التنبيه عليه دليل على أنه لا شرط لها. أو فقل انه لما تترتب على الوقوف معهم بموقف موحد مصلحة عامة، و هي وحدة المسلمين بمختلف فرقهم في ممارسة شعائر اللّه الموحدة زمانا و مكانا، و تتبلور من خلال ذلك اصالتهم و مكانتهم و شخصيتهم الاسلامية المستقلة المستمدة من الكتاب و السنة في طول التاريخ، و اهتمام الإسلام بها، رجح الشارع جانب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، و تقديمها عليها في مقام المزاحمة، و حكم بالاجزاء من أجل هذه المصلحة العامة و إن أدى ذلك الى تفويت المصالح الخاصة.

الى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، و هي ان اهتمام الشارع بالحج كفريضة اجتماعية موحدة في شعائره من ناحية، و الأمر بالوقوف معهم قولا و عملا بدون استثناء حالة من ناحية أخرى، دليل على الاجزاء مطلقا.

و لمزيد من التعرف على ما ذكرناه نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي أمورا:

الأول: ان عرفات رقعة كبيرة من الأرض، و تكون خارج الحرم، و تبعد عن المسجد الحرام حوالي اثنين و عشرين كيلومترا، و حدودها متصلة بالحرم، و يفصل بينها و بين المشعر الحرام منطقة تسمى ب (المأزمين) و لها حدود، و قد جاء في الروايات المناطق الخاصة باسماء معروفة كحدود موقف عرفات، و هي (الثوية) و (بطن عرنة) و (النمرة) و (ذو المجاز) و جملة من هذه الأسماء لا تزال ثابتة و منعكسة في الخرائط، كمسجد نمرة، و جملة منها غير واضحة،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 450

.......... و لكن الموقف واضح في حدوده و علاماته المنصوبة في اطرافه، و لا يجوز الوقوف في

تلك الأماكن، و كذلك الأماكن المنصوبة عليها العلامات، بل لا بد أن يكون الوقوف في داخلها.

الثاني: ان الوقوف بعرفات واجب بعد الزوال بساعة الى الغروب، و لكن الركن منه الذي يبطل الحج بتركه متعمدا هو الوقوف في فترة قصيرة خلال هذا الوقت، و أما الزائد عليه فهو واجب، و لكن لا يبطل الحج بتركه كذلك.

و بكلمة: ان جزء الحج هو مسمى الوقوف عرفا خلال فترة ما بعد الزوال بساعة الى الغروب، و أما الزائد فهو و إن كان واجبا، إلّا أنه ليس جزء الحج، و لذا لا يبطل الحج بتركه عامدا و ملتفتا، و إن اعتبر آثما.

الثالث: اذا لم يتمكن الحاج من الوقوف بعرفات خلال هذا الوقت، وجب عليه الوقوف بها برهة من ليلة العيد المسمّى بالوقوف الاضطراري، و لا يسوغ له تركه عامدا و ملتفتا، و إلّا بطل حجه و إن ادرك الوقوف الاختياري في المشعر الحرام.

الرابع: ان من افاض من عرفات قبل الغروب، فان كان جاهلا بالحكم، أو ناسيا، فلا شي ء عليه، و إن كان متعمدا لم يضر بحجه، و لكنه اعتبر آثما، و عليه كفارة جمل قد اكمل الخامسة، و يلحق الجاهل البسيط بالعامد اذا كان مقصرا و غير معذور، و يلحق بالجاهل المركب اذا كان معذورا و غير مقصر.

و قد تسأل: عن أن موضع نحره، هل هو منى، أو يجوز نحره في أي مكان كان؟

و الجواب: انه منى على الأظهر.

الخامس: اذا لم يتيسر له الجمل، فتكون وظيفته أن يصوم بديلا عنه ثمانية عشر يوما.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 451

.......... و قد تسأل: عن أن التتابع هل هو معتبر في صوم هذه الايام؟

و الجواب: أنه غير معتبر.

السادس: اذا افاض الحاج من

عرفات قبل الغروب جاهلا بالحكم، أو ناسيا، ثم تذكر، أو علم بالحكم، فان تمكن من الرجوع اليها قبل الغروب وجب، و لكنه اذا لم يرجع عامدا و ملتفتا، فهل عليه كفارة بدنة؟ و الجواب انه اعتبر آثما، و لكن لا كفارة عليه.

السابع: ان صحة العمل المتقى به العبادي منوطة بوجود مصلحة ملزمة فيه حتى يكون محبوبا في نفسه، و مقربا، و لا يكفي في صحته ترتب مصلحة على نفس الاتقاء.

و بكلمة: ان التقية اذا كانت جهة تعليلية، و كان الأمر متعلقا بنفس العمل المتقى به بعنوانه الخاص و اسمه المخصوص، فلا مناص من الالتزام بالصحة، و اذا كانت جهة تقييدية و كان الأمر متعلقا بها من أجل ما يترتب عليها من المصلحة، فلا يمكن الحكم بالصحة.

الثامن: لا شبهة في أن مخالفة التقية مبغوضة، لأنها مخالفة للدين، فلا يمكن التقرب بالعمل الذي تتحقق به المخالفة، و عليه فالوقوف في يوم عرفة اذا كان مخالفا للتقية كان مبغوضا، فلا يمكن التقرب به.

التاسع: اذا افترض أنه لا تقية في البين، و كان بمقدور المكلف أن يقف بعرفات في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فهل يجب عليه ذلك و ترك المتابعة لهم؟ و الجواب لا يجب نظريا، و لا يبعد وجوب المتابعة حتى في هذه الحالة، حيث يظهر من طريقة الأئمة عليهم السّلام أنهم لا يرضون بشق وحدة المسلمين و تفريق صفوفهم، فان ضرر ذلك اكثر من نفعه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 452

.......... و بكلمة: ان الموقفين من أعظم شعائر اللّه و مظاهره الموحدة، حيث أنه قد اجتمع فيها مئات الألوف من المسلمين من كافة فرقهم، بل الملايين بشكل موحد، بدون تمييز بين الغني و الفقير، و

الداني و العالي، و العبد و المولى، و من الطبيعي أن الشارع لا يرضى بتفريق صفوف المسلمين في هذه العبادة الاجتماعية في الإسلام التي هي ذات مغزى كبير روحيا و مدنيا، و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر به وجوبا أن يجمع بين الوقوف معهم و الوقوف في يوم عرفة في صورة العلم بالخلاف، و إلّا فالأحوط الاعادة في السنة القادمة.

العاشر: قد يقال- كما قيل- ان معتبرة ابي الجارود، قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام انا شككنا سنة في عام من تلك الاعوام في الأضحى، فلما دخلت على ابي جعفر عليه السّلام و كان بعض اصحابنا يضحّى، فقال: الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحى يوم يضحّى الناس، و الصوم يوم يصوم الناس» «1» تدل على ما عرفت.

و الجواب: ان مورد الرواية التقية، و قد تقدم أنه لا شبهة في صحة الوقوف معهم حال التقية، بل الأظهر صحته حتى في صورة العلم بالخلاف، و انما الكلام في صحة الوقوف معهم مطلقا و إن لم تكن هناك تقية، و قد مر أنها غير بعيدة نظريا.

الحادي عشر: ان الأدلة العامة للتقية لا تدل على صحة العمل المتقى به كما تقدم، فاذن لا يمكن التمسك بها على صحة الوقوف معهم في حالتي الشك و العلم بالخلاف، بل الدليل على الصحة في هاتين الحالتين هو سيرة الأئمة الأطهار عليهم السّلام على تفصيل قد سبق.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 453

.......... الثاني عشر: قد يقال- كما قيل-: ان العامة لا يرون نفوذ حكم الحاكم في صورة القطع بالخلاف فاذا كان الشيعي قاطعا بالخلاف لم يكن حكمه بنظرهم نافذا في حقه، فلا يكون حينئذ عمله موضوعا للتقية.

و الجواب: أولا: ان العامة مختلفون

في ذلك فمنهم من يرى نفوذ حكمه حتى في هذه الصورة بل بعضهم يقولون بموضوعية حكم الحاكم.

و ثانيا: ان محل الكلام انما هو في ثبوت الهلال بحكم الحاكم، فاذا ثبت لهم بحكمه، فهل يجب على الشيعي متابعتهم في ذلك؟ و الجواب نعم يجب على تفصيل تقدم فإن دعواه القطع بالخطإ غير مسموعة.

الثالث عشر: ان الوقوف معهم صحيح في حالة الشك في الموقف، و ثبوت الهلال، و لا يجب عليه حينئذ الاحتياط و إن كان متمكنا منه، و أما في حالة العلم بالخلاف فقد ذكرنا أنه لا يبعد صحته أيضا. اذا كانت هناك تقية، و أما اذا لم تكن فالأحوط و الأجدر به وجوبا الجمع كما مر.

[3- الوقوف في المزدلفة]

اشارة

الوقوف في المزدلفة و هو الثالث من واجبات حج التمتع (1) و المزدلفة اسم لمكان يقال له المشعر الحرام و حد الموقف من المأزمين الى الحياض الى وادي محسّر (2) (1) للتسالم على ذلك بين جميع فرق المسلمين، و يدل عليه الكتاب و السنة:

اما الكتاب فقوله تعالى: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ «1».

و اما السنة فهي روايات كثيرة تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا، و تنص على وجوب الوقوف بالمشعر بمختلف الألسنة و البيان.

منها: الروايات البيانية، و منها غيرها، و سنشير إليها في ضمن المسائل القادمة.

(2) تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار: «قال: حد المشعر الحرام من المأزمين الى الحياض الى وادي محسر، و انما سميت المزدلفة لأنهم ازدلفوا اليها من عرفات» «2».

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة» «3».

و منها: صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: حد المزدلفة من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 455

و هذه كلها حدود المشعر و ليست بموقف الا عند الزحام و ضيق الوقت فيرتفعون الى المأزمين و يعتبر فيه قصد القربة (1).

وادي محسر الى المأزمين» «1» و منها غيرها «2». و هذه الروايات تحدد مكان الوقوف بالمشعر طولا من المأزمين الى وادي محسر، و أما عرضا فهي ساكتة عنه، و المرجع في تحديده الخبرة من أهل البلد هناك، ثم أن حدود المزدلفة خارجة عن الموقف إلّا عند الزحام و ضيق الوقت، و تنص عليه موثقة سماعة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا كثر الناس بجمع، و ضاقت عليهم، كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الى المأزمين» «3» و موثقته الأخرى، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا كثر الناس بمنى، و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون الى وادي محسر، قلت: فاذا كثروا بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال:

يرتفعون الى المأزمين، قلت: فاذا كانوا بالموقف و كثروا و ضاق عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون الى الجبل، وقف في مسيرة الجبل، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفات فجعل الناس يبتدرون اخفاف ناقته يقفون الى جانبها فنحّاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيها الناس انه ليس موضع اخفاف ناقتي بالموقف، و لكن هذا كله موقف، و أشار بيده الى الموقف، و قال:

هذا كله موقف، فتفرّق الناس و فعل مثل ذلك بالمزدلفة- الحديث» «4» فالنتيجة ان وادي محسّر موقف عند الاضطرار و ضيق الموقف بسبب الزحام أو غيره، كما أن الصعود على الجبل في عرفات موقف عند الضيق و الاضطرار.

(1) تقدم أن المعتبر في صحة

كل عبادة المسماة باسم خاص المميز لها

[مسائل
[مسألة 372: إذا أفاض الحاج من عرفات فالأحوط أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة]

(مسألة 372): إذا أفاض الحاج من عرفات فالأحوط أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة و ان كان لم يثبت وجوبها (1).

شرعا أمور:

الأول: نية القربة. الثاني: قصد الاخلاص في مقابل الرياء. الثالث: قصد اسمها الخاص.

و هذه الأمور الثلاثة لا بد أن تكون مقارنة لكل أجزاء العبادة، لا بمعنى أن لا تتقدم عليها، بل بمعنى أن لا تتأخر عن أول جزء من اجزائها، على تفصيل تقدم. و في المقام لا بد أن يكون الوقوف في المزدلفة بنية القربة و الاخلاص و قصد اسمه الخاص، بأن يقول: اقف بالمشعر الحرام من طلوع الفجر الى طلوع الشمس لحج التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى خالصا لوجهه الكريم، و اذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و اذا كان الحج مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه. نعم ذهب جماعة الى وجوب البيتوتة في المزدلفة، و استدلوا عليه بمجموعة من الروايات.

منها: الروايات البيانية الحاكية لفعل النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله كقوله عليه السّلام: «و أتى به المشعر الحرام فصلى به المغرب و العشاء الآخرة باذان واحد و اقامتين، ثم بات بها حتى اذا صلّى الصبح» «1».

و الجواب أن فعله صلّى اللّه عليه و آله لا يدل على اكثر من محبوبية ذلك شرعا و استحبابه، و لا يدل على الوجوب.

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة» «2» بتقريب أنها تنهى عن تجاوز الحياض ليلة العيد

[مسألة 373: يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد الى طلوع الشمس

(مسألة 373): يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد الى طلوع الشمس (1)، لكن الركن منه هو الوقوف في الجملة، فاذا وقف مقدارا ما بين

الطلوعين و لم يقف الباقي و لو متعمدا صح حجّه و ان ارتكب محرما.

و معنى ذلك وجوب المبيت فيها.

و الجواب انها لا تدل على أن النهي عن التجاوز عن الحياض انما هو لوجوب المبيت في المشعر، اذ كما يحتمل ذلك، يحتمل قويا أن يكون النهي عنه من أجل أن لا يفوت عنه الموقف، حيث إن خروجه عن المشعر و دخوله في منى قد يؤدي الى تفويت الموقف عنه، هذا. اضافة الى أنه لا يدل على وجوب كون الحاج متواجدا في الليل بالمزدلفة، و انما يدل على أن الخروج منه غير جائز إذا دخل فيه، و لا ملازمة بين الأمرين، اذا يمكن حينئذ أن يبيت الحاج في الطريق بين عرفة و المزدلفة.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اصبح على طهر بعد ما تصلّى الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث شئت- الحديث» «1» بدعوى أن وجوب الإصباح على طهر في المزدلفة يدل على أنه بات فيها.

و الجواب انه لم يفرض في الرواية كونه أصبح في المزدلفة و هو على طهر، فان المفروض فيها أنه أصبح على طهر، و هو يصدق على من دخل فيها وقت طلوع الفجر و هو على طهر.

فالنتيجة ان الصحيحة لا تدل على وجوب المبيت فيها، و انما تدل على كونه متواجدا فيها من الصبح، اي من طلوع الفجر، و حينئذ يجوز له أن يؤخر وصوله الى المزدلفة عامدا و ملتفتا الى طلوع الفجر، و لا شي ء عليه.

(1) لا شبهة في أصل وجوب الوقوف بين الطلوعين في المزدلفة و لا كلام

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 458

.......... فيه، و انما الكلام

في تحديد ذلك سعة و ضيقا، و مبدءا و منتهى.

اما بحسب المبدأ، فالظاهر من الروايات وجوب الوقوف و التواجد فيها من طلوع الفجر بعد صلاته الى طلوع الشمس. و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث شئت- الحديث» «1».

بتقريب أن مفادها وجوب الوقوف بعد صلاة الفجر. ثم ان ظاهرها اعتبار الطهارة في الوقوف، و لكن لا بد من حملها على الأفضلية بقرينة الروايات الدالة على عدم اعتبارها في مناسك الحج غير الطواف و صلاته. فالنتيجة ان الصحيحة تدل على وجوب كون الحاج متواجدا في المشعر حين طلوع الفجر، و يكفي في ذلك وصوله اليه في هذا الحين، و لا يلزم أن يكون من الليل.

و أما بحسب المنتهى فالمعروف و المشهور بين الأصحاب وجوب الوقوف فيه الى طلوع الشمس، و عدم جواز الافاضة منه قبل طلوعها، و قد استدلوا عليه بصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال: اصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر، فقف ... الى أن قال: افض حيث يشرق لك ثبير و ترى الإبل مواضع اخفافها» «2» بتقريب أن اشراق ثبير الذي هو جبل بمكة كناية عن طلوع الشمس. و لكن بازائها روايات أخرى تنص على جواز الافاضة قبل طلوع الشمس بقليل.

منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا إبراهيم عليه السّلام أي ساعة احب إليك أن أفيض من جمع، قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل، فهو أحب الساعات إلي، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس، قال: لا بأس» «3».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 459

..........

و منها: صحيحة معاوية بن حكيم، قال: «سألت ابا إبراهيم عليه السّلام أي ساعة احب إليك أن نفيض من جمع، فقال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ، قلت: فان مكثت حتى تطلع الشمس، قال: لا بأس» «1» فانهما تنصان على جواز الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، و عدم وجوب الوقوف و البقاء فيه الى أن تطلع الشمس.

و دعوى: أن الافاضة هي الشروع في التحرك نحو منى عن المشعر، و هو لا يلازم جواز الخروج منه قبل طلوع الشمس، باعتبار أن الشروع فيه إلى أن يصل منتهى المشعر يستلزم فترة من الوقت، و لا سيما اذا كان في الطريق زحام.

مدفوعة: أما اولا: فلأن معنى الافاضة عن شي ء هو الخروج منه، و ليس معناها الشروع فيه، و من هنا يكون معنى الافاضة من عرفات هو الخروج منها، فان كانت قبل الغروب لم تجز، و إلّا فلا مانع منها.

و ثانيا: على تقدير تسليم أن معناها الشروع في الخروج، فحينئذ إن كان الحاج في بداية خطوط المشعر، أو أواسط خطوطه فيمكن أن يقال ان فترة خروجه منه وقتئذ تطول وقتا ما الى طلوع الشمس، و أما اذا كان في نهاية خطوطه بنحو لا يتوقف خروجه منه إلّا على بضع خطوات فقط فلا تتم هذه الدعوى، فالنتيجة أنه لا وجه لهذه المناقشة، و حينئذ فلا تصلح صحيحة معاوية أن تعارض هاتين الصحيحتين، فانه مضافا الى امكان المناقشة في دلالة الصحيحة، بأن يكون المراد من اشراق الجبل اسفارها لا شعاع الشمس، بقرينة أن رؤية الإبل مواضع اخفافها لا تتوقف على طلوع الشمس، ان دلالتهما على جواز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل ناصة، و دلالة

صحيحة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 460

.......... معاوية على عدم جواز الخروج إلّا بعد الطلوع إنما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و عندئذ فلا بد من تقديمهما عليها تطبيقا لحمل الظاهر على النص.

لحد الآن قد تبين ان الأظهر جواز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، و تؤكد ذلك صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس»»

فانها تدل على المنع عن التجاوز عن وادي محسّر قبل طلوع الشمس، لا عن الدخول فيه، و معنى هذا أنه لا مانع من أن يخرج الحاج من المشعر قبل طلوع الشمس، و انما لا يجوز له أن يخرج من وادي محسّر قبل طلوعها.

الى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، و هي أن الواجب على الأظهر الوقوف في المشعر من طلوع الفجر يوم العيد- العاشر من ذي الحجة- الى قبيل طلوع الشمس بقليل، و لا يجب عليه البقاء فيه الى طلوعها، فاذا خرج منه قبل طلوعها، و دخل في وادي محسّر و طلعت الشمس عليه في الوادي و قبل خروجه منه كفى، و لا شي ء عليه.

بقي الكلام هنا في الوقوف الركني، و فيه قولان:

أحدهما: ان الركن هو الوقوف بين الطلوعين في الجملة.

و الآخر: ان الركن هو مسمى الوقوف من أول الليل الى طلوع الشمس.

و هذا القول هو المعروف و المشهور بين الأصحاب، و قد استدل على ذلك بصحيحة مسمع عن ابي إبراهيم عليه السّلام: «في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان افاض

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 461

.......... قبل طلوع

الفجر فعليه دم شاة» «1» بتقريب أنها تدل على عدم بطلان الحج بالافاضة من المشعر قبل طلوع الفجر، و إن كان عامدا و ملتفتا، و هذا ليس إلّا من جهة أنه أتى بالركن و هو مسمى الوقوف فيه من أول الليل الى طلوع الشمس.

و قد اجيب عن ذلك بأن الموضوع في القضيتين الشرطيتين في الصحيحة واحد، و هو الجاهل بالحكم، فانه إن افاض من المشعر بعد الفجر فلا شي ء عليه، و إن أفاض قبله فعليه كفارة، و لا نظر للشرطية الثانية الى حكم العالم به لا منطوقا و لا مفهوما.

و لكن للمناقشة في هذا الجواب مجال، فان الصحيحة ظاهرة في أن الموضوع في الشرطية الأولى الرجل الجاهل، باعتبار ظهور الضمير في قوله عليه السّلام: «إن كان جاهلا» في الرجوع اليه، و الموضوع في الشرطية الثانية الرجل المفيض بعين الملاك، و هو ظهور الضمير في قوله عليه السّلام: «و إن كان أفاض» في الرجوع اليه. و من الواضح ان الرجل المفيض يعم الجاهل و العالم معا، و لا وجه لتخصيصه بالأول، و على هذا فالصحيحة بما أنها ظاهرة في أن مورد الشرطية الأولى هو الافاضة بعد طلوع الفجر و قبل أن يفيض الناس، فهي تدل بمنطوقها على عدم ثبوت الكفارة على الجاهل بالحكم، و بمفهومها على ثبوتها على العالم به. و اما الشرطية الثانية فتدل بمنطوقها على أن من أفاض من المشعر قبل الفجر، فعليه كفارة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون جاهلا بالحكم أو عالما به، و بمفهومها على أن من أفاض منه بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس فلا كفارة عليه، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كونه جاهلا أو عالما.

و بما أن الشرطية الأولى تدل بمقتضى مفهومها على ثبوت الكفارة على العالم بالحكم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 462

.......... فتصلح أن تكون مقيدة لإطلاق مفهوم الشرطية الثانية تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

فالنتيجة أن من أفاض من المشعر قبل طلوع الفجر فعليه كفارة دم شاة، بدون فرق بين كونه عالما بالحكم أو جاهلا، و من أفاض بعد طلوع الفجر و قبل أن يفيض الناس، فان كان عالما فعليه الكفارة، و إلّا فلا شي ء عليه، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان الصحيحة تدل على أن ترك الوقوف بين الطلوعين عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لا يكون مبطلا للحج، و معنى هذا ان الركن هو مسمى الوقوف و التواجد في ليلة العيد. و تؤكد ذلك صحيحة علي بن رئاب أن الصادق عليه السّلام «قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى الى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة» «1» بتقريب أنها لا تدل على بطلان الحج بترك الوقوف بين الطلوعين، و انما تدل على أن من لم يقف مع الناس بجمع و أفاض قبل طلوع الفجر الى منى عامدا و ملتفتا فعليه كفارة بدنة، و تكون حينئذ منافية من هذه الناحية مع صحيحة مسمع المتقدمة، فانها تدل على أن من أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة، و بما أن صحيحة مسمع مطلقة من جهة كونه عالما بالحكم أو جاهلا به، و صحيحة ابن رئاب مقيدة بالعالم به، بقرينة الاستخفاف، فتصلح أن تكون مقيدة لإطلاقها، و نتيجة ذلك أن من أفاض قبل طلوع الفجر، فان كان جاهلا بالحكم فعليه دم شاة، و إن كان عالما به فعليه بدنة.

لحد

الآن قد تبين ان الأظهر عدم بطلان الحج بترك الوقوف بين

[مسألة 374: من ترك الوقوف فيما بين الفجر و طلوع الشمس رأسا فسد حجه

(مسألة 374): من ترك الوقوف فيما بين الفجر و طلوع الشمس رأسا فسد حجه (1) و يستثنى من ذلك النساء و الصبيان و الخائف و الضعفاء كالشيوخ و المرضى فيجوز لهم حينئذ الوقوف في المزدلفة ليلة العيد و الافاضة منها قبل طلوع الفجر الى منى (2).

الطلوعين في المشعر عامدا و ملتفتا، شريطة أن يكون متواجدا فيه بالليل و لو قليلا، كما هو مقتضى صحيحة مسمع المتقدمة. و على ذلك تحمل صحيحة علي بن رئاب.

(1) في فساد حجه اشكال، و الأظهر عدمه اذا مرّ بالمشعر ليلة العيد، و وقف فيه قليلا كما عرفتم.

و اما الروايات التي تنص على بطلان الحج بترك الوقوف بين الطلوعين، فبما أن موردها ترك الوقوف بالمشعر من أول ليلة العيد الى طلوع الشمس، فهي خارجة عن محل الكلام، فان محل الكلام انما هو فيمن وقف في المشعر مع الناس بالليل، ثم أفاض منه قبل طلوع الفجر عامدا و ملتفتا، فان الأظهر فيه صحة الحج و عدم بطلانه كما عرفتم.

(2) لجملة من النصوص.

منها: صحيحة سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك، معنا نساء فافيض بهن بليل، فقال: نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قلت: نعم، قال: أفض بهن بليل، و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثم افض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى، فيرمين الجمرة، فان لم يكن عليهن ذبح، فليأخذن من شعورهنّ و يقصّرن من اظفارهنّ، و يمضين الى مكة في وجوههنّ، و يطفن بالبيت، و يسعين بين الصفا و المروة، ثم يرجعن الى البيت، و يطفن اسبوعا، ثم

يرجعن الى منى، و قد فرغن من حجّهن، و قال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

[مسألة 375: من وقف في المزدلفة ليلة العيد و أفاض منها قبل طلوع الفجر جهلا منه بالحكم

(مسألة 375): من وقف في المزدلفة ليلة العيد و أفاض منها قبل طلوع الفجر جهلا منه بالحكم صح حجه على الأظهر (1)،

أرسل معهن أسامة» «1».

و منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلوا الغداة في منازلهم، فان خفن الحيض مضين الى مكة و وكلن من يضحي عنهن» «2».

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، و أن يرموا الجمرة بليل، فاذا ارادوا أن يزوروا البيت و كلوا من يذبح عنهن» «3». و هذه النصوص تدل على أنه يجوز للنساء و الصبيان و الضعفاء منهم الشيوخ و المرضى ترك الوقوف فيما بين الطلوعين اختيارا.

و اما الخائف، فقد ورد في مجموعة من الروايات أنه يفيض بالليل، و يرمي بالليل، و يضحى بالليل.

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل، و يضحي و يفيض بالليل» «4».

و منها: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل، و يضحي بالليل، و يفيض بالليل» «5» و منها غيرهما «6».

(1) بل مر أن الأظهر صحته حتى اذا أفاض من المشعر قبل طلوع الفجر

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 465

و عليه كفارة شاة (1).

[مسألة 376: من لم يتمكن من الوقوف الاختياري- الوقوف فيما بين الطلوعين- في المزدلفة لنسيان أو لعذر آخر]

(مسألة 376): من لم يتمكن من الوقوف الاختياري- الوقوف فيما بين الطلوعين- في المزدلفة لنسيان أو لعذر آخر أجزأه الوقوف

الاضطراري- الوقوف وقتا ما- بعد طلوع الشمس الى زوال يوم العيد، و لو تركه عمدا فسد حجه (2).

عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي.

(1) هذا في الجاهل بالحكم، و أما العالم به اذا أفاض قبل طلوع الفجر فالأظهر أن كفارته بدنة، كما مر في المسألة (373).

(2) هذا مقتضى مجموعة من النصوص المصرحة بأن الوقت الاضطراري للوقوف بالمشعر من أول طلوع الشمس الى الزوال، و تدل على أن من لم يتمكن من الوقوف الاختياري، و هو الوقوف بين الطلوعين وجب عليه الوقوف بين طلوع الشمس و زوالها.

منها: معتبرة يونس بن يعقوب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أفاض من عرفات، فمر بالمشعر، فلم يقف حتى انتهى الى منى فرمى الجمرة، و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع و يرمي الجمرة» «1» و منها غيرها.

[ادراك الوقوفين أو احدهما]

ادراك الوقوفين أو احدهما تقدم أن كلا من الوقوفين- الوقوف في عرفات و الوقوف في المزدلفة- ينقسم إلى قسمين: اختياري و اضطراري.

فاذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال، و إلا فله حالات:

الاولى: أن لا يدرك شيئا من الوقوفين، الاختياري منهما و الاضطراري أصلا، ففي هذه الصورة يبطل حجه و يجب عليه الاتيان بعمرة مفردة بنفس احرام الحج، و يجب عليه الحج في السنة القادمة (1) فيما إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقرا في ذمته.

الثانية: ان يدرك الوقوف الاختياري في عرفات و الاضطراري في المزدلفة.

(1) تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أدرك جمعا فقد ادرك الحج، قال: و قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: أيّما حاج سائق للهدي، أو

مفرد للحج، أو متمتع بالعمرة الى الحج قدم و قد فاته الحج، فليجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل» «1».

و منها: صحيحته الأخرى، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل جاء حاجا ففاته الحج، و لم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق، و لا عمرة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 467

.......... فيها، فاذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل، و عليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم» «1».

و منها: صحيحة حريز، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج فاته الموقفان جميعا فقال له الى طلوع الشمس من يوم النحر، فان طلعت الشمس يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال: يطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فان شاء أقام بمكة، و إن شاء أقام بمنى مع الناس، و إن شاء ذهب حيث شاء، ليس هو من الناس في شي ء» «2».

و منها: صحيحة ضريس بن أعين، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الى الحج فلم يبلغ مكة إلّا يوم النحر، قال: يقيم على احرامه، و يقطع التلبية حتى يدخل مكة، فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة، و يحلق رأسه و ينصرف الى أهله إن شاء، و قال: هذا لمن اشترط على ربه عند احرامه، فان لم يكن اشترط، فان عليه الحج من قابل» «3». ثم ان مقتضى اطلاق هذه الروايات وجوب الحج عليه من قابل، بدون فرق بين بقاء استطاعته اذا كان حجه في سنة الاستطاعة و عدم بقائها، و على الثاني لا فرق بين استقرار الحج عليه

و عدم استقراره، و لكن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها، و تقييده ببقاء الاستطاعة الى السنة القادمة اذا كان الحج في سنتها، و إلّا فلا موضوع لوجوب الحج عليه من قابل، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان مقتضى تلك الروايات انقلاب احرامه من احرام الحج الى احرام العمرة، باعتبار أن إحرام الحج كإحرام العمرة جزء منه، و مرتبط بسائر اجزائه، و على هذا فمقتضى القاعدة اذا بطل الحج بطل احرامه، فاذن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 468

الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات و الاختياري في المزدلفة ففي هاتين الصورتين يصح حجه بلا إشكال (1).

الحكم بصحة الإحرام الذي أتى به بقصد كونه احرام الحج و جزئه لا يمكن إلّا بالانقلاب.

(1) للنصوص الخاصة، (أما في الصورة الأولى) ففيها روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أفاض من عرفات الى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و إن كان قد وجد الناس قد افاضوا من جمع» «1» فانها واضحة الدلالة على أنه اذا أدرك الوقوف الاختياري بعرفة، و الاضطراري بالمشعر كفى. و مثلها صحيحته الأخرى «2».

و منها: معتبرة يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى، فرمى الجمرة، و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع الى المشعر فيقف به، ثم يرجع و يرمي الجمرة» «3» فانها ناصة في أنه اذا أدرك الوقوف الاختياري بعرفة، و الوقوف الاضطراري بالمشعر كفى في صحة الحج.

و أما في الصورة الثانية، ففيها روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال

في رجل أدرك الامام و هو بجمع، فقال إن ظن انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها، و ليقم بجمع، فقد تم حجه» «4» و مثلها صحيحته الأخرى «5».

و منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 469

الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات و المزدلفة، و الأظهر في هذه الصورة صحة حجه (1)، و إن كان الأحوط إعادته في السنة القادمة إذا بقيت شرائط الوجوب أو كان الحج مستقرا في ذمته.

الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورة يصح حجه أيضا (2).

ليلته، فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تمّ حجّه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، و قبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل» «1».

فالنتيجة ان هذه الروايات واضحة الدلالة على صحة الحج في كلتا الصورتين المفروضتين.

(1) هذا هو الصحيح، و تنص على ذلك صحيحة الحسن العطار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد افاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام، و ليلحق الناس بمنى، و لا شي ء عليه»

«2» و من هنا يظهر أنه لا وجه للقول بالفساد أصلا، فانه اجتهاد في مقابل النص، كما أنه لا منشأ للاحتياط باعادة الحج في السنة القادمة.

(2) تنص على ذلك الروايات المتقدمة كصحيحتي معاوية بن عمار و صحيحة الحلبي.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 470

السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط ففي هذه الصورة لا تبعد صحة الحج (1)، إلا أن الأحوط أن يأتي ببقية الأعمال قاصدا فراغ ذمته عما تعلق بها من العمرة المفردة، أو اتمام الحج، و أن يعيد الحج في السنة القادمة.

(1) في الصحة اشكال بل منع، و الأظهر فساده، و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته، فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإنّ اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تمّ حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، و قبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل» «1».

و منها: صحيحة حريز، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر، فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل» «2».

و منها: صحيحة محمد بن فضيل، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحد الذي اذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: اذا

أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة، و لا حج له، فان شاء أقام بمكة، و إن شاء رجع، و عليه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 471

.......... الحج من قابل» «1» و منها غيرها. و المتحصل من هذه الروايات أمران:

أحدهما: ان من أدرك الموقف الاختياري بالمشعر صح حجّه و إن لم يدرك الموقف بعرفات أصلا حتّى الاضطراري منه.

و الآخر: انه اذا لم يدرك الموقف الاختياري بالمشعر أيضا، تنقلب وظيفته الى عمرة مفردة و الحج من قابل، و لا يكفي في صحته ادراك الوقوف الاضطراري فيه، و هو الوقوف بعد طلوع الشمس الى الزوال من يوم العيد.

و في مقابلها روايات أخرى تنص على امتداد وقت الحج الى زوال يوم النحر.

منها: صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج- الحديث» «2».

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» «3».

و منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج» «4» و منها غيرها «5».

و هذه الروايات تدل على أمرين:

الأول: صحة حج من أدرك الوقوف الاضطراري بالمشعر، و هو الوقوف من طلوع الشمس إلى الزوال من يوم العيد بالنص، بنحو القضية المهملة المتيقنة.

الثاني: صحة حجه مطلقا و إن لم يكن مدركا الوقوف بعرفات حتى الاضطراري منه بالاطلاق، هذا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص:

472

.......... و ذكر السيد الاستاذ قدّس سرّه إن بين الطائفتين و إن كانت معارضة بالاطلاق، فان مقتضى اطلاق الطائفة الأولى أن وقت الوقوف بالمشعر ممتد الى طلوع الشمس من يوم العيد حتى للمعذور، و مقتضى اطلاق الطائفة الثانية أن وقته ممتد الى زوال الشمس من يوم العيد للمعذور و غيره، و لكن هناك طائفة ثالثة تنص على امتداد وقته الى الزوال من يوم النحر للمعذور فحسب.

منها: معتبرة عبد اللّه بن المغيرة: «قال: جاءنا رجل بمنى، فقال: إني لم ادرك الناس بالموقفين جميعا- إلى أن قال: فدخل إسحاق بن عمار على ابي الحسن عليه السّلام، فسأله عن ذلك، فقال: اذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج» «1».

و منها: صحيحة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به الى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلّى سبيله، كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف الى منى، فيرمي و يذبح و يحلق، و لا شي ء عليه- الحديث» «2». و هذه الطائفة تكون شاهدة جمع بينهما، بحمل الطائفة الأولى على أن وقت الحج ممتد الى طلوع الشمس من يوم النحر للمختار، و الطائفة الثانية على أن وقته ممتد الى الزوال للمعذور و غير المتمكن. و بذلك يرتفع التنافي بينهما، فالنتيجة ان من لم يتمكن من ادراك الموقف الاختياري بالمشعر، و تمكن من ادراك الموقف الاضطراري به، فاذا ادركه صح حجه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 473

.......... و لنا تعليق على هذا الجمع و حاصله:

ان مفاد الطائفة الأولى ناص في أن من فاته الموقف بعرفات

حتى الاضطراري منه، و لم يدرك إلّا الوقوف في المشعر فحسب، فان كان متواجدا فيه الى طلوع الشمس صح حجه، و إلّا فلا حج له، و عليه عمرة مفردة و الحج من قابل، و مفاد الطائفة الثانية أن من أدرك الموقف بالمشعر الحرام الى الزوال من يوم العيد فقد أدرك الحج، و لكنه مطلق من ناحية أنه أدرك الوقوف بعرفات أو لم يدركه، فاذن يكون مفادها من هذه الناحية مطلقا.

و بكلمة: ان التنافي بينهما ليس في دلالة الطائفة الأولى على امتداد وقت الوقوف الى طلوع الشمس حتى للمعذور، و دلالة الطائفة الثانية على امتداد وقته الى الزوال من يوم العيد للمعذور فحسب، لأن هذه الدلالة من تبعات الدلالة المطابقية لهما، و التنافي و التعارض بينهما انما هو في تلك الدلالة فان الأولى تنص على أن من فاته الموقف بعرفات حتى الاضطراري منه، و لم يدرك الوقوف في المشعر الحرام الى طلوع الشمس من يوم العيد، فلا حج له، و عليه العمرة المفردة، و الحج من قابل. و الثانية تنص على أن من أدرك الوقوف في المشعر الى الزوال من يوم العيد صح حجه، و لا شي ء عليه، فيكون مورد الالتقاء و الاجتماع بينهما من أدرك الوقوف في المشعر من طلوع الشمس من يوم العيد الى زوالها.

فان الطائفة الأولى تنص على أنه لا حج له، و تجب عليه العمرة و الحج من قابل، و الطائفة الثانية تنص على أن من أدرك ذلك فقد أدرك الحج، و لا شي ء عليه، و حيث إنها مطلقة من جهة أنه أدرك الموقف بعرفات أو لم يدرك، فلا تصلح أن تعارض الطائفة الأولى، على أساس ما ذكرناه في غير مورد من

أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 474

.......... الدلالة الاطلاقية الناشئة من السكوت في مقام البيان من أضعف مراتب الدلالات، فاذن لا بد من تقديم الطائفة الأولى عليها، تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد، و الظاهر على الأظهر، و نتيجة ذلك تقييد اطلاق الطائفة الثانية بما اذا كان مدركا الموقف بعرفات في الجملة و لو الوقوف الاضطراري فيها، و عليه فما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من المعارضة بين الطائفتين في غير محله.

و من هنا يظهر أن ما ذكره قدّس سرّه من الروايتين الأخيرتين بعنوان شاهدي جمع بينهما، و هما معتبرة عبد اللّه بن المغيرة، و صحيحة الفضل بن يونس، فهو طرف للمعارضة مع الطائفة الأولى، و يكون التعارض بينهما بالتناقض، فان الطائفة الأولى ناصة في عدم كفاية الوقوف بالمشعر الحرام بعد طلوع الشمس الى الزوال من يوم العيد، و هاتان الروايتان ناصتان في كفاية ذلك.

و على هذا فبما أن الطائفة الأولى موافقة لإطلاق الكتاب، و هو قوله تعالى: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ... الى قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ «1» فتتقدم عليها، فالنتيجة أن من لم يدرك الوقوف بعرفات اصلا حتى الاضطراري منه، و إنما ادرك الوقوف الاضطراري في المشعر الحرام فحسب، و هو الوقوف فيه بين طلوع الشمس الى الزوال من يوم العيد فلا حج له، و تنقلب وظيفته الى العمرة المفردة و الحج من قابل. نعم لو لم يكن للطائفة الأولى مرجح سقطت من جهة المعارضة، و المرجع حينئذ اطلاق الطائفة الثانية، حيث لا مقيد له عندئذ، و تؤكد ذلك صحيحة ضريس، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الى

الحج فلم يبلغ مكة إلّا يوم النحر، فقال: يقيم على احرامه، و يقطع التلبية حتى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 475

السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، و الأظهر في هذه الصورة بطلان الحج (1) فينقلب حجه إلى العمرة المفردة، و يستثنى من ذلك ما إذا وقف في المزدلفة ليلة العيد و افاض منها قبل الفجر جهلا منه بالحكم كما تقدم، و لكنه إن أمكنه الرجوع و لو إلى زوال الشمس من يوم العيد وجب ذلك، و إن لم يمكنه صحّ حجّه و عليه كفارة شاة.

يدخل مكة، فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة، و يحلق رأسه و ينصرف الى أهله إن شاء- الحديث» «1» بتقريب أنه اذا فرض وصوله الى مكة في الساعة الأولى من نهار يوم العيد، فهو متمكن من أن يقوم فورا بانجاز عمرة التمتع، ثم الإحرام للحج، و الذهاب الى المشعر الحرام، فانه بطبيعة الحال اذا صنع ذلك وصل اليه قبل الزوال، لأن انجاز مجموع ذلك ممكن للشخص العادي خلال فترة زمنية لا تزيد عن ثلاث ساعات، بل لو طالت اربع ساعات لكفى أيضا، كما اذا فرض أنه وصل الى مكة في الساعة السادسة صباحا، أو في أول السابعة، و مع هذا فسكوت الصحيحة عن ذلك، و الأمر بتبديل عمرة التمتع بالعمرة المفردة مطلقا، و بدون تفصيل دليل على أن إدراك الموقف الاضطراري في المشعر وحده لا يكفي في صحة الحج.

لحد الآن قد تبيّن أن من فاته الموقف بعرفات مطلقا، و لم يدرك في المشعر الحرام إلّا الوقوف الاضطراري فحسب، و هو من طلوع الشمس الى الزوال من يوم النحر، فالأظهر أن حجه باطل، و تنقلب وظيفته الى العمرة

المفردة، و عليه الحج من قابل شريطة بقاء استطاعته، أو كان الحج مستقرا في ذمته.

(1) في البطلان اشكال، و لا يبعد الصحة، لصحيحة معاوية بن عمار، قال:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 476

.......... «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مملوك اعتق يوم عرفة؟ قال: اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»»

فانها تنص على أن من أدرك أحد الموقفين إما بعرفات، أو بالمشعر الحرام، كفى في صحة حجه، و موردها و إن كان العبد المعتق، إلّا أن قوله عليه السّلام: «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» بمثابة ضابط كلي، حيث ان العرف يفهم منه بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن المناط في ادراك الحج انما هو بادراك احد الموقفين من دون خصوصية لمورده، كان العبد المعتق أم غيره.

و بكلمة: ان تطبيق قوله عليه السّلام: «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» على مورد الصحيحة من باب تطبيق الكبرى على الصغرى، هذا.

و قد يستدل على أنه لا يكفي في صحة الحج ادراك الموقف بعرفات فحسب بصحيحة محمد بن فضيل، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحد الذي اذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: اذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له، فان شاء أقام بمكة و إن شاء رجع، و عليه الحج من قابل» «2» بتقريب أن لها دلالتين: دلالة ايجابية، و دلالة سلبية.

أما الأولى: فهي دلالتها على أن من أدرك الموقف في المشعر قبل طلوع الشمس من يوم العيد فقد أدرك الحج، و مقتضى اطلاقها أنه مدرك للحج سواء أ

كان مدركا الموقف بعرفات أيضا أم لا، و لا مانع في البين من الأخذ باطلاقها من هذه الناحية.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 477

.......... و أما الثانية: فهي دلالتها على أن من لم يأت المشعر الحرام حتى تطلع الشمس من يوم العيد فلا حج له، و عليه عمرة مفردة و الحج من قابل، و مقتضى اطلاقها بطلان حجه في هذه الحالة سواء أ كان مدركا الموقف بعرفات أم لا.

و الجواب أن الصحيحة و ان دلت بدلالتها السلبية على عدم كفاية ادراك الموقف بعرفات وحده إلّا أن هذه الدلالة لما كانت بالاطلاق الناشئ من سكوت المولى في مقام البيان، و اقتصاره الحكم على من لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس، فلا تصلح أن تعارض اطلاق صحيحة معاوية المشار اليها آنفا، على أساس أن اطلاقها يكون لفظيا، و منشأه عدم تقييد الطبيعي الجامع بحصة خاصة، و من الواضح أن دلالة المطلق بهذا الاطلاق على سراية الحكم الى جميع أفراده أقوى من دلالة الاطلاق السكوتي، فانه في الحقيقة من التعارض بين الناطق و الساكت، و عليه فتتقدم صحيحة معاوية على صحيحة محمد بن فضيل تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر.

فالنتيجة ان مقتضى الصناعة أن من لم يدرك إلّا الموقف بعرفات فحسب صح حجه على الأظهر، و إن كان الأحوط و الأجدر به أن يأتي بعمرة مفردة بعد الفراغ من واجبات الحج، و بالحج في العام القادم إن أمكن.

و قد يستدل على ذلك برواية عبيد اللّه و عمران ابني الحلبيين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج» «1» على بطلان الحج بفوت المشعر الحرام، و إن ادرك الموقف الاختياري بعرفات.

و الجواب أولا: ان

الرواية ضعيفة سندا، فان في سندها القاسم بن عروة، و هو لم يثبت توثيقه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 478

.......... و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنها تامة سندا، إلّا أن دلالتها على بطلان الحج بفوت المشعر الحرام و عدم كفاية الوقوف بعرفات وحده انما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، فلا يصلح أن يعارض اطلاق صحيحة معاوية- كما مر-. أو فقل ان حال المتكلم العرفي ارتكازا اذا كان في مقام البيان يقتضي أن كل ما قاله أراده، و كل ما لم يقله لم يرده، و بما أن الدلالة في الأول مستندة الى اللفظ و إن كانت بالاطلاق و مقدمات الحكمة، و في الثاني الى السكوت و عدم البيان، فتتقدم الأولى على الثانية بملاك تقديم البيان على عدم البيان، و المقام من هذا القبيل.

بقي هنا شي ء: و هو ان من افاض من عرفات مع الناس الى المشعر الحرام، ثم مضى الى منى قبل طلوع الفجر، فان كان جاهلا بالمسألة صح حجه، و عليه كفارة شاة. نعم إذا علم بالحال و تمكن من الرجوع الى المشعر و ادراك الموقف الاضطراري فيه وجب، و تدل على الوجوب مضافا الى أنه مقتضى القاعدة صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة، و لم يبت بها حتى أتى منى، قال: أ لم ير الناس؟ أ لم يذكر منى حين دخلها؟ قلت: فانه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: ان ذلك قد فاته، قال: لا بأس» «1». و إن كان عالما بالمسألة فعليه كفارة بدنة، و أما حجه فلا يبعد صحته، و تنص على ذلك روايتان:

احداهما: صحيحة

مسمع عن ابي ابراهيم عليه السّلام المتقدمة، و قد مر الكلام في هذه الصحيحة موسعا في المسألة (373).

و الأخرى: صحيحة علي بن رئاب: «ان الصادق عليه السّلام قال: من أفاض مع

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 479

الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط، ففي هذه الصورة يبطل حجه (1) فيقلبه الى العمرة المفردة.

النّاس من عرفات، فلم يلبث معهم بجمع، و مضى الى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة» «1» فانها ظاهرة في أنه أفاض من عرفات مع الناس الى جمع، و مضى الى منى، و لم يتوقف معهم فيه مطلقا، و حملها على عدم التوقف و المكث معهم في فترة ما بين الطلوعين فحسب خلاف الظاهر، و على هذا فاذا أفاض الحاج من عرفات مع الناس، و مضى الى منى مارا بالمشعر، و بدون أي توقف فيه صح حجّه على الأظهر، و إن كان ذلك عن عمد و التفات بمقتضى هذه الصحيحة التي هي ظاهرة في أنه فعل ذلك عامدا و ملتفتا. و على هذا الأساس من أفاض من عرفات و مضى الى منى ليلا مارا بالمشعر الحرام، فان كان جاهلا بالحكم صح حجّه و عليه كفارة شاة، و إن كان عالما به فقد تقدم أنه لا يبعد صحة حجه، و لكن عليه كفارة بدنة، و أما اذا أفاض من عرفات مع الناس و مضى الى منى من طريق آخر لا يكون مارا بالمشعر، فان كان جاهلا بالحكم، فالأظهر صحة حجه لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية المتقدمة «من أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» و أما الكفارة فالظاهر عدم وجوبها، لأن دليلها قاصر عن شمول هذه الصورة، و إن كان عالما

بالحكم، أو جاهلا غير معذور بطل حجه، لأنه تارك للوقوف في المشعر متعمدا.

الى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، و هي ان الركن مسمى الكون و التواجد في المشعر من أول ليلة يوم العيد الى طلوع الشمس و إن كان بنحو المرور به، بدون أي توقف و مكث فيه.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه لعدم الدليل على الصحة في هذه الصورة،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 480

.......... و قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية: «اذا أدرك أحد الموقفين، فقد أدرك الحج» «1» منصرف الى خصوص الموقف الاختياري، دون الأعم منه و من الاضطراري.

نتيجة ما ذكرناه حول الموقف في المزدلفة أمور:

الأول: لا يجب على الحاج المبيت في المزدلفة، لأن الواجب عليه أن يكون متواجدا فيها من طلوع الفجر الى طلوع الشمس، و اما قبله فلا يجب، و حينئذ فيجوز له التأخير في الطريق الى حين طلوع الفجر. نعم اذا دخل فيها فلا يجوز له الخروج منها إلّا اذا كان واثقا بالرجوع اليها حين الفجر.

الثاني: ان حد الموقف في المزدلفة طولا من المأزمين الى وادي محسّر، و هما حدّان و ليسا من الموقف، إلّا عند الزحام و ضيق الوقت، و حينئذ فتمتد رقعة الموقف و تشمل المأزمين، و هي النقطة الواقعة بين المزدلفة و عرفات، و أما حده عرضا فلا يكون معلوما، و المرجع فيه الخبرة من أهل البلد هناك.

الثالث: أن الأظهر جواز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، بحيث لا يتجاوز من وادي محسّر و إلّا و قد طلعت الشمس عليه، و إن كان الأحوط و الأجدر أن لا يخرج قبل طلوع الشمس.

الرابع: ان الركن هو مسمّى الوقوف بالمشعر، يعني الوقوف بفترة قصيرة فيه

بين ليلة العيد الى طلوع الشمس، لا خصوص الوقوف بين الطلوعين، فلو وقف في المشعر ليلا، ثم خرج منه عامدا و ملتفتا قبل الفجر الى منى صح حجه على الأظهر، و لكن عليه كفارة بدنة، و إن فعل ذلك جاهلا فعليه دم شاة، بل لا يبعد كفاية المرور بالمشعر ليلا بدون أي توقف فيه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 481

.......... الخامس: يجوز للصبيان و النساء و الضعفاء أن يفيضوا بليل، و يرموا بليل، و يحلقوا أو يقصروا بليل، و لا يجوز لهم أن يضحوا بليل، و اما الخائف فيجوز له أن يمارس جميع أعمال منى بالليل.

السادس: ان من لم يدرك من الموقفين إلّا الموقف الاضطراري في المشعر الحرام، و هو من طلوع الشمس من يوم العيد الى الزوال، فالأظهر بطلان حجه، و وظيفته تنقلب حينئذ من حج التمتع لحجة الإسلام الى العمرة المفردة، و عليه الحج في السنة القادمة شريطة بقاء استطاعته، أو كان الحج مستقرا في ذمته.

السابع: ان من لم يدرك إلّا الموقف الاختياري بعرفات فحسب، من دون أن يدرك الموقف بالمشعر، لا الاختياري منه و لا الاضطراري صح حجه، و إن كان الأحوط و الأجدر به أن يأتي بعمرة مفردة بعد الفراغ من واجبات الحج، و بالحج في العام القادم.

[4- رمي جمرة العقبة]

اشارة

منى و واجباتها إذا أفاض المكلف من المزدلفة وجب عليه الرجوع الى منى، لأداء الأعمال الواجبة هناك، و هي- كما نذكرها تفصيلا- ثلاثة:

1- رمي جمرة العقبة الرابع من واجبات الحج: رمي جمرة العقبة (1)

(1) تدل على وجوبها مجموعة من الروايات، و يمكن تصنيفها الى طوائف:

الطائفة الأولى: متمثلة في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: خذ حصى الجمار، ثم ائت

الجمرة القصوى التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها، و لا ترمها من اعلاها- الحديث» «1» فانها ظاهرة في وجوب رمي جمرة العقبة من طرف وجهها.

الطائفة الثانية: متمثلة في مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك معنا نساء، فأفيض بهن بليل، الى أن قال عليه السّلام: و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثم افض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصّرن من اظفارهن- الحديث» «2» فانها تدل على أمرين:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 483

.......... أحدهما: أن من يجوز له أن يفيض من المشعر بليل، يجوز له أن يرمي جمرة العقبة بليل.

و الآخر: أن من لا يجوز له أن يفيض من المشعر بليل، فوظيفته أن يرمي الجمرة في يوم العيد.

و منها: صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين الى مكة، و وكلن من يضحي عنهن» «1» فانها تدل على أن اصل وجوب الرمي أمر مفروغ عنه، و الرواية انما هي في مقام بيان مسألة أخرى، و هي أن من يجوز له الافاضة من المشعر ليلا، فاذا افاض جاز له رمي الجمرة في الليل، و من لا يجوز له ذلك فوظيفته أن يرميها في نهار يوم العيد، و منها غيرها «2».

الطائفة الثالثة: الروايات البيانية، فانها تدل على أنه من اجزاء الحج و واجباته، منها قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار الطويلة: «و

أمرهم أن لا يرموا الجمرة- جمرة العقبة- حتى تطلع الشمس، فلما اضاء له النهار أفاض حتى انتهى الى منى فرمى جمرة العقبة- الحديث» «3».

الطائفة الرابعة: الروايات التي تنص على وجوب الاستنابة في الرمي عن المريض و الكسير و المبطون.

منها: صحيحة معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج جميعا عن أبي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 484

يوم النحر (1) و يعتبر فيه أمور:

1- نية القربة (2).

2- أن يكون الرمي بسبع حصيات و لا يجزئ الاقل من ذلك (3) عبد اللّه عليه السّلام: «قال: الكسير و المبطون يرمى عنهما، قال: و الصبيان يرمى عنهم» «1».

و منها: موثقة اسحاق بن عمار: «انه سأل ابا الحسن موسى عليه السّلام عن المريض ترمى عنه الجمار، قال: نعم يحمل الى الجمرة و يرمى عنه، قلت لا يطيق ذلك، قال: يترك في منزله و يرمى عنه» «2» و منها غيرهما «3». فانها تدل بوضوح على وجوب رمي جمرة العقبة، و إلّا فلا مقتضي لوجوب الاستنابة عنه عند العذر.

(1) تنص عليه الطائفة الثانية و الثالثة و غيرهما من الروايات.

(2) و قد تقدم ان المعتبر في صحة كل عبادة أمور: الأول: قصد القربة.

الثاني: قصد الاخلاص، و نعني به عدم الرياء. الثالث: أن يقصد الاسم الخاص لها، و اذا أراد أن يأتي برمي الجمرة يقول: أرمي جمرة العقبة في حج التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى. و اذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و اذا كان حجا مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام، و اذا كان منذورا ابدلها بكلمة الحجة المنذورة و هكذا.

(3) تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال:

«و

قال في رجل رمى الجمار فرمى الأولى بأربع و الأخيرتين بسبع سبع. قال:

يعود فيرمي الاولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الاولى بثلاث و رمى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 485

كما لا يجزئ رمي غيرها من الاجسام (1).

الاخيرتين بسبع سبع فليعد و ليرمهنّ جميعا بسبع سبع، و إن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، و إن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث» «1» فانها ناصة في عدم كفاية الأقل، و احتمال الفرق بين أن يكون رمي الجمرة العقبى في يوم النحر و أن يكون رميها مع الأولى و الوسطى في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، بأن يجزي الأقل في الأول دون الثاني، غير محتمل عرفا، و تدل على ذلك أيضا صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في رجل أخذ احدى و عشرون حصاة، فرمى بها فزادت واحدة، فلم يدر أيّهن نقص، قال: فليرجع و ليرم كل واحدة بحصاة، فان سقطت عن رجل حصاة فلم يدر أيّهن هي، فليأخذ من تحت قدميه حصاة و يرمي بها- الحديث» «2» و مثلها صحيحته الثالثة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث، و الثانية بسبع، و الثالثة بسبع، قال: يعيد يرميهن جميعا بسبع سبع، قلت: فان رمى الأولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث، و الثانية بسبع، و يرمي جمرة العقبة بسبع، قلت: فانه رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع، قال: يعيد فيرمي الأولى بثلاث، و الثانية بثلاث، و لا يعيد على الثالثة» «3» و غيرها من الروايات.

(1) هذا هو المستفاد

من الروايات الكثيرة في مختلف الموارد.

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال: و قال: لا ترم الجمار إلّا بالحصى» «4».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 486

3- أن يكون رمي الحصيات واحدة بعد واحدة فلا يجزئ رمي اثنتين أو أكثر مرة واحدة (1).

4- أن تصل الحصيات الى الجمرة (2).

5- أن يكون وصولها الى الجمرة بسبب الرمي فلا يجزئ وضعها عليها (3). و الظاهر جواز الاجتزاء بما إذا رمى فلاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم اصابت الجمرة، نعم، إذا كان ما لاقته الحصاة صلبا فطفرت منه فأصابت الجمرة لم يجزئ ذلك (4).

(1) هذا هو المتفاهم العرفي من الصحاح المتقدمة لمعاوية بن عمار، فان الظاهر عرفا من رمي الجمار فيها بسبع هو سبع مرات، و يؤكد ذلك قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية الثانية: «فزادت واحدة فلم يدر أيهن نقص» فانه يدل على أن الواجب هو رمي كل حصاة برمي مستقل، هذا. اضافة الى أن سيرة المسلمين أيضا قد جرت على ذلك، بل يمكن استفادته من الروايات التي تدل على استحباب التكبيرة عند كل رمي.

(2) لأن الغرض من وجوب رمي الجمرة بحصاة، هو وصول الحصاة اليها، لا مجرد الرمي و إن لم تصل هذا. اضافة الى أن قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها- الحديث» «1» يدل على ذلك.

(3) لأن مقتضى النصوص أن المأمور به وصول الحصاة الى الجمرة بالرمي، فلا تشمل وضعها عليها، لعدم كونه مصداقا له.

(4) لأن الظاهر من الروايات عرفا أن الواجب هو ايصال الحصاة الى الجمرة بالرمي

لا مطلقا، و أما اذا وصلت الى جسم آخر صلب و هو المرمى ثم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 487

6- أن يكون الرمي بين طلوع الشمس و غروبها (1) طفرت منه الى الجمرة فلا يكون مشمولا لها، كما اذا كان في مقابل الجمرة جسم صلب و هو يرمي ذلك الجسم بقصد أن الحصاة تطفر منه الى الجمرة، لأن الروايات منصرفة عن ذلك جزما. نعم اذا كان المرمى الجمرة، و هو قاصد الوصول اليها و لكن لاقت الحصاة في الطريق جسما آخر ثم وصلت اليها، فهي لا تضر و لا تمنع عن شمول الروايات له. و ينص عليه أيضا قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «و ان اصابت انسانا أو جملا، ثم وقعت على الجمار أجزاك» «1».

و دعوى: ان اطلاقه يشمل ما اذا اصابت انسانا أو جملا ثم طفرت منه و وقعت على الجمار.

مدفوعة: بأن الظاهر منه عرفا ان اصابتها للإنسان او الجمل في طريق وصولها الى الجمار لا تكون مانعة عن صدق وصولها اليها بالرمي.

(1) تنص عليه عدة من الروايات:

منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قلت له:

الى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار الى غروب الشمس» «2».

و منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ارم الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها» «3».

و منها: صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها» «4» و منها غيرها «5».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 488

و يجزئ للنساء و سائر من رخص لهم الافاضة من المشعر في الليل أن

يرموا بالليل (ليلة العيد) لكن يجب عليهم تأخير الذبح و النحر (1) (1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه و ذلك لأن الروايات التي تنص على ترخيص الضعفاء بالافاضة ليلا من المشعر الحرام، انما تنص على أنه يجوز لهم أن يرموا جمرة العقبة بالليل، و لا تنص على أنه يجوز لهم أن يذبحوا أو ينحروا بالليل، فاذن جواز ذلك بحاجة الى دليل، على اساس أن موضعه من الناحية الزمانية النهار، و الأحوط أن يكون في يوم العيد، و هو اليوم العاشر من ذي الحجة، و إن كان الأقوى جواز تأخيره.

قد يقال- كما قيل- ان صحيحة ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، و أن يرموا الجمرة بليل، فاذا أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهن» «1» تدل على أنه يجوز لهم الذبح بالليل، كما تجوز لهم الافاضة و الرمي، بدعوى أنها باطلاقها تشمل ما اذا أرادوا زيارة البيت في الليل فانهم حينئذ يوكلوا من يذبح عنهم، بنكتة أن موضع الطواف من الناحية التسلسلية يكون بعد الذبح أو النحر.

و الجواب: انها لا تدل على ذلك، لوضوح أن الذبح لو كان جائزا لهم في الليل لم تكن هناك حاجة الى توكيل من يذبح عنهم، فانهم اذا ارادوا أن يزوروا البيت ليلا فيقومون بانفسهم بالذبح أو النحر في الليل، كما يقومون كذلك برمي الجمرة فيه، ثم يزورون البيت. فالنتيجة أن أمر الإمام عليه السّلام بالتوكيل اذا أرادوا زيارة البيت ليلا، يدل على أنه لا يجوز لهم الذبح أو النحر في الليل.

و بكلمة: ان المستفاد من رواية التوكيل عرفا هو أن الضعفاء

اذا افاضوا من المشعر ليلا و رموا الجمرة ليلا و أرادوا زيارة البيت، فمعنى هذا أنهم لا يريدون البقاء في منى حتى يقوموا في يوم العيد باعمال ذلك اليوم، منها الذبح

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 489

الى يومه و الأحوط تأخير التقصير أيضا (1) و يأتون بعد ذلك اعمال الحج الا الخائف على نفسه من العدو فانه يذبح و يقصر ليلا (2) كما سيأتي.

أو النحر، فلذلك أمروا بتوكيل من يذبح عنهم في نهار العيد هذا. اضافة الى أن سكوت هذه الروايات عن الذبح لهم بالليل، و تصريح روايات الخائف بجوازه له بالليل شاهد على عدم جوازه لهم ليلا، هذا من ناحية، و من ناحية اخرى ان مقتضاها جواز التقصير أو الحلق لهم بالليل على اساس أن موضعه من الناحية التسلسلية قبل زيارة البيت.

(1) بل الأظهر جوازه بالليل، لصحيحة سعيد الأعرج المتقدمة «1».

و دعوى: أن قوله عليه السّلام فيها: «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن، و يقصرن من أظفارهن، و يمضين الى مكة» يدل بمقتضى مفهوم الشرط أنه اذا كان عليهن ذبح لم يجز لهن ذلك.

مدفوعة: بأن الظاهر منه عرفا انه اذا كان عليهن ذبح فليوكلن فيه أولا، ثم يقمن الى زيارة البيت، كما ورد نظير هذا في صحيحة ابي بصير المتقدمة، فان مفادها كما مر أنه لا يجوز لهن الذبح في الليل، فاذا كان عليهن ذبح و أردن زيارة البيت فعليهن أن يوكلن فيه حتى يقوم بالذبح عنهن في يوم العيد، ثم يقصرن و يمضين الى مكة ليلا لزيارة البيت، و من هنا قلنا أن هذه الصحيحة تدل على عدم جواز الذبح لهن في الليل، كما أن مقتضاها جواز التقصير لهن فيه

او لا أقلّ من الاجمال فالمرجع صحيحة ابي بصير.

(2) تنص عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل، و يضحي و يفيض بالليل» «2».

[مسألة 377: إذا شك في الاصابة و عدمها بنى على العدم

(مسألة 377): إذا شك في الاصابة و عدمها بنى على العدم إلا أن يدخل في واجب آخر مترتب عليه أو كان الشك بعد دخول الليل (1).

[مسألة 378: يعتبر في الحصيات أمران

(مسألة 378): يعتبر في الحصيات أمران:

1- أن تكون من الحرم (2) و الأفضل أخذها من المشعر.

و منها: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل، و يضحي بالليل، و يفيض بالليل» «1».

و منها غيرهما «2».

(1) لقاعدة التجاوز، و قد ذكرنا في علم الأصول أن هذه القاعدة بما أنها قاعدة عقلائية، و تكون حجيتها من باب الأمارية و الكاشفية، لا من باب التعبد الصرف، فلا تختص بباب دون باب. نعم اذا كان الشك في الإصابة قبل الدخول في واجب آخر مترتب عليه أو قبل الدخول في الليل، فلا بد من الاعتناء به و الاتيان بالمشكوك.

(2) تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال: و قال لا ترم الجمار إلّا بالحصى» «3».

و منها: صحيحة حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله، إلّا من المسجد الحرام و مسجد الخيف» «4».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار: «قال: خذ حصى الجمار من جمع، و إن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 491

2- أن تكون أبكارا على الأحوط (1) بمعنى أنها لم تكن مستعملة في الرمي قبل ذلك، و يستحب فيها أن تكون ملوّنة و منقطة و رخوة، و ان يكون حجمها بمقدار أنملة، و ان يكون الرامي

راجلا و على طهارة.

[مسألة 379: إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال

(مسألة 379): إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال (2)، فالأحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقا فان لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه و استناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه، و لا فرق في ذلك بين العالم و الجاهل و الناسي.

أخذته من رحلك بمنى اجزأك» «1» و لا يبعد دلالة هذه الصحيحة على أفضلية أخذها من المشعر.

(1) لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، على أساس أن الروايات الدالة على ذلك جميعا ضعيفة السند، فلا يمكن الاعتماد على شي ء منها.

(2) الظاهر أنه لا اشكال فيه، و ذلك لأن الجمرة الموجودة في زمن المعصومين عليهم السّلام لم تبق جزما، بل الجمرة الموجودة قبل سنين غير باقية، لأنها دفنت تحت الأرض، و بنيت عليها بناية حديثة بارتفاع عدة امتار باسم الجمرة، و على هذا فوظيفة الحجاج رميها تنفيذا لهذا الشعار الاسلامي الذي هو رمز للابتعاد من أخطر عدوه، و حيث إن الجمرة الموجودة في زمن المعصومين عليهم السّلام لم تحدد في الروايات لا طولا و لا عرضا لكي يقال بعدم كفاية رمي المقدار الزائد عليها، هذا. اضافة الى أنه لا موضوعية للجمرة السابقة و لا لموضعها الطبيعي من الناحية المكانية الذي كانت الجمرة فيه، لأنه مدفون تحت الأرض، و إلّا فلازمه سقوط هذا الحكم عن المسلمين، و هو كما ترى، فاذن وجوب رمي الجمرة الجديدة المبنية فوق ذلك الموضع عموديا ليس إلّا أنه رمز

[مسألة 380: إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا منه بالحكم لزمه التدارك إلى اليوم الثالث عشر]

(مسألة 380): إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا منه بالحكم لزمه التدارك إلى اليوم الثالث عشر (1)

و شعار للإسلام، و من هنا اذا فرض عدم بناء جمرة جديدة فيه، أو

فرض نصب شاخص مكانه من خشب أو حديد، فهل يحتمل أن لا يجب على الحجاج رمي ذلك الموضع او الشاخص؟ و الجواب: كلا، و يجب عليهم ذلك، و لا يحتمل سقوط هذا الحكم الاسلامي عنهم.

و تؤكد ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ان أوّل من رمى الجمار آدم عليه السّلام، و قال: أتى جبرئيل إبراهيم عليه السّلام فقال: إرم يا إبراهيم، فرمى جمرة العقبة، و ذلك أن الشيطان تمثل له عندها»»

بتقريب أن الظاهر منها أن تشريع رمي الجمرة في الحقيقة انما هو من أجل رجم الشيطان عندها بالحصى رمزيا، و أظهر منها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رمي الجمار لم جعلت؟ قال: لأن ابليس اللعين كان يتراءى لإبراهيم عليه السّلام في موضع الجمار فرجمه إبراهيم عليه السّلام فجرت السنة بذلك» «2» و مثلها روايته الأخرى «3»، و على هذا فالأظهر كفاية رمي الجمرة الحالية من اسفلها الى أعلاها، و إن كان الأولى و الأجدر رمي وسطها.

(1) قد استدل على ذلك بصحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي اذا اصبح مرتين مرة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس» «4» بدعوى أنها تشمل الناسي و الجاهل معا، بل تعم ما اذا كان تركه عن تساهل و تسامح، هذا. و لكن شمولها للجاهل لا يخلو

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 493

.......... عن اشكال،

بل منع، فان قوله: «فعرض له عارض فلم يرم- الحديث» ظاهر في عروض مانع عن الرمي كالنسيان أو نحوه، و لا يعم الجهل، لأنه اذا كان جاهلا بالحكم من الأول لم يصدق عليه أنه بعد وصوله الى منى عرض له عارض فلم يرم، كما أن شمولها للترك تسامحا و تساهلا لا يخلو عن اشكال، بل منع.

و لمزيد التوضيح للمسألة و تكميلها نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي صورا:

الأولى: قد تسأل عن أن حكم الجاهل بوجوب الرمي يوم العيد هل هو حكم الناسي في وجوب القضاء؟

الجواب: الظاهر أن حكم الجاهل حكم الناسي فيه، فان الصحيحة و إن لم تشمل الجاهل، إلّا أنه لا يحتمل عرفا بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن تركه اذا كان مستندا الى النسيان، أو الى مانع آخر موجب للقضاء، دون ما اذا كان مستندا الى الجهل، إذ احتمال ان القضاء واجب على الناسي دون الجاهل، و لا سيما اذا كان جهله بسيطا و كان مكلفا بالواقع غير محتمل. و تؤكد ذلك صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة، قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي، و الرجل كذلك» «1» بتقريب ان احتمال اختصاص هذا الحكم بالجمار و عدم شموله للجمرة العقبة بعيد جدا عن الارتكاز العرفي. و مثلها صحيحته الأخرى «2».

الثانية: قد تسأل عن حكم من ذبح يوم العيد، و حلق أو قصر و زار البيت،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 494

.......... و ترك رمي جمرة العقبة نسيانا أو جهلا بالحكم، فهل تجب عليه الاعادة؟

و الجواب: لا تجب عليه الاعادة، و تدل على ذلك جملة من

الروايات.

منها: صحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل زار البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول اللّه ذبحت قبل أن أرمي، و قال بعضهم: ذبحت قبل أن احلق، فلم يتركوا شيئا أخروه، و كان ينبغي أن يقدّموه، و لا شيئا قدّموه كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلا قال: لا حرج» «1».

و منها: صحيحة جميل بن دراج «2»، و منها غيرها «3»، بتقريب أن هذه الروايات ظاهره في أن تقديم ما ينبغي تأخيره، و تأخير ما ينبغي تقديمه في اعمال و مناسك منى لا يضر و إن كان عن جهل، بل عن علم و عمد، و ذلك لمكان وجود قرائن داخلية و خارجية:

الأولى: أن مجيئهم الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سؤالهم عن صحة ما صنعوا به يدل على أنهم لم يكونوا واثقين بصحة ما صنعوا به، و مترددين فيها، اذ لو كانوا واثقين بها لم يقوموا بعملية السؤال.

الثانية: ان في نفس صيغة السؤال في تلك الروايات اشارة الى أنهم كانوا ملتفتين الى مواضع هذه الأعمال من الناحية التسلسلية زمانا و مكانا و موضعا.

الثالثة: موثقة عمار الساباطي في حديث قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حلق قبل أن يذبح، قال: يذبح و يعيد الموسى، لأن اللّه تعالى يقول: لا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 495

.......... تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله» «1» بتقريب أن الأمر باعادة الموسى مع أنها ليست حلقا يدل على أن الحلق قد سقط عنه، و إلّا لأمر بالتقصير

بديلا عنه، بناء على ما استظهرناه من التخيير بينه و بين الحلق، و على تقدير تعين الحلق عليه فيؤخر الى أن ينبت الشعر على رأسه، ثم يحلق، حيث ان وقت الحلق يمتد الى آخر ذي الحجة، فإذا صبر الى اسبوعين أو أقل يتمكن بعد ذلك من الحلق، فعدم أمر الإمام عليه السّلام بالتأخير، و أمره باعادة الموسى رغم أنها ليست حلقا، فلا محالة يكون للمشاكلة و المشابهة، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الأمر بها وجوبيا أو استحبابيا، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان اطلاق الجواب فيها، و عدم التفصيل فيه، يشمل ما اذا كان الحلق قبل الذبح عامدا و ملتفتا.

و أما الآية الشريفة فانما هي في مقام بيان أن موضع الحلق بعد الذبح، و مقتضى ذلك و إن كان وجوب الترتيب بينهما تكليفا و وضعا، و لكن لا بد من رفع اليد عن هذا الاطلاق و تقييده بوجوب الترتيب بينهما تكليفا للقرائن المتقدمة، و ما يأتي.

الرابعة: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لا بأس، و ليس عليه شي ء، و لا يعودن» «2» فانها تدل بوضوح على عدم البأس بالحلق قبل الذبح، و لكن لا بد من حمله على عدم البأس الوضعي، لا الأعم منه و من التكليفي، و أما أن اطلاقها يشمل العالم بالحكم أيضا، فانه مضافا الى كونها في مقام البيان و لم تقيد الرجل الذي حلق رأسه قبل أن يضحي بالناسي أو الجاهل، فيكفي قوله عليه السّلام في ذيلها: «و لا يعودن»

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 496

.......... لأنه ظاهر عرفا في أن ما

فعله أولا كان عن عمد و التفات، اذ لو كان عن نسيان أو جهل مركب فلا معنى لنهيه عن العود، فيكون النهي عنه حينئذ قرينة على أن تقديم الحلق على الذبح كان عن عمد.

فالنتيجة لحد الآن قد تبين أن وجوب التسلسل بين أعمال منى إنّما يكون تكليفيا، دون الأعم منه و من الوضعي.

قد يقال- كما قيل- أن قوله عليه السّلام في صحيحة سعيد الأعرج: «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن، و يقصرن من اظفارهن، و يمضين الى مكة» «1» يدل على أن الترتيب بينها معتبر.

و الجواب: ان الصحيحة لا تدل على ذلك كما تقدم، و على تقدير دلالتها فلا بد من تقييد اطلاقها بوجوب الترتيب و التسلسل بينها تكليفا فحسب، لا وضعا أيضا، و على هذا فاذا ترك المكلف رمي جمرة العقبة عامدا و ملتفتا الى موضعها من الناحية التسلسلية، فان استمر على تركه بطل حجه، و أما اذا تداركه قبل أن يفوت وقته، فالأظهر عدم وجوب اعادة ما أتى به من الأعمال المترتبة على الرمي، و إن كانت الاعادة أحوط و أجدر.

نعم اذا طاف قبل رمي الجمرة عامدا، فالأظهر اعادته و إن كان جاهلا بالحكم، لأن المستثنى في صدر صحيحتي حمران و جميل هو الناسي، و يلحق به الجاهل المركب أيضا، اذ لا يحتمل أن تكون للناسي خصوصية إلّا من جهة أنه غير مكلف بالواقع، و المفروض أن الجاهل المركب يشترك معه من هذه الجهة، فاذن يكون الجاهل بالحكم الملتفت و إن كان معذورا و كذلك العالم به بما أنه غير مشمول لهما لا بحسب الصدر و لا الذيل، لاختصاص ذيلهما

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 497

.......... بأعمال و مناسك منى، فمقتضى

القاعدة الإعادة.

الثالثة: ان يتذكر أو يعلم بالحكم بعد يوم العيد، و في ليلة الحادي عشر، أو في نهاره و حينئذ فوظيفته أن يقضيه في اليوم الحادي عشر، و يفرق بين القضاء و الأداء في ذلك اليوم جاعلا القضاء صباحا و الأداء عند الزوال على الأحوط، و الأقوى كفاية الفصل بينهما بساعة و ذلك لأن صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة تدل على أن يفرق بين القضاء و الأداء جاعلا القضاء بكرة، و الأداء عند زوال الشمس بالنص، و على عدم كفاية الأقل من ذلك بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و لكن صحيحة معاوية بن عمار تدل على كفاية التفريق بينهما بساعة نصا، فاذن لا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة تقديم النصّ على الظاهر، و هل تجب حينئذ اعادة ما أتى به من اعمال الحج كالذبح و الحلق أو التقصير؟ و الجواب: لا تجب اعادتها. و أما الطواف فهل تجب اعادته؟

و الجواب: لا تجب اعادته شريطة أن يكون الجهل بالحكم مركبا، و إلّا وجبت كما مر.

الرابعة: أن يتذكر أو يعلم بالحكم بعد اليوم الحادي عشر، و قبل خروجه من مكة، و حينئذ فان كان في مكة وجب عليه الرجوع الى منى، و قضاء الرمي اذا كان في أيام التشريق، و أما اذا تذكر أو علم بعد أيام التشريق، و كان في مكة، فهل يجب عليه الرجوع الى منى من أجل رمي الجمار؟ المعروف و المشهور بين الأصحاب عدم وجوب الرجوع، و عليه القضاء في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه، لأن وقته يمتد الى أيام التشريق، و بانتهائها ينتهي. و استدلوا على ذلك برواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

من اغفل رمي الجمار أو بعضها حتى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 498

.......... تمضي أيام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فانه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق» «1» و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة إلّا أنها ضعيفة سندا، فان في سندها محمد بن عمر بن يزيد، و هو ممن لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، بل مقتضى اطلاق صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة؟

قال: فلترجع و لترم الجمار، كما كانت ترمي، و الرجل كذلك» «2» وجوب الرجوع الى منى من أجل الرمي ما دام في مكة و إن كان بعد أيام التشريق.

فالنتيجة أن الأظهر عدم تحديد وقت رمي الجمار بأيام التشريق، لأن المعيار فيه انما هو بتواجد الحاج في مكة، فان كان فيها و تذكر أو علم بالحكم وجب عليه أن يرجع الى منى، و يرمي و إن كان بعد أيام التشريق. نعم الأحوط و الأجدر به أن يبادر الى الرجوع و الرمي على نحو يحصل الرمي في أيام التشريق التي تمتد من اليوم الحادي عشر الى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.

الخامسة: ان يتذكر بالحال، أو علم بالحكم بعد خروجه من مكة و التوجه نحو بلده، فهل يجب عليه في هذه الحالة أن يرجع الى منى و يرمي؟

الجواب: لا يجب، و الأحوط و الأجدر به وجوبا أن يقضي في السنة القادمة مخيرا بين أن يذهب بنفسه أو يستنيب. و تدل على عدم وجوب الرجوع

صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرميها، قلت: فانه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 499

.......... يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسى أو جهل حتى فاته و خرج، قال:

ليس عليه أن يعيد» «1».

السادسة: ان المكلف اذا ترك رمي جمرة العقبة عامدا و ملتفتا الى الأحكام و تسلسل المناسك و وجوبه، فان استمر على تركه بطل حجه، و اذا تداركه قبل مضي وقته صح، و هل يجب عليه حينئذ أن يعيد ما أتى به من اعمال منى المترتبة على الرمي؟ لا يبعد عدم وجوب اعادتها و إن كانت الاعادة أحوط و أجدر كما مر.

السابعة: اذا طاف طواف الحج قبل رمي الجمرة عامدا و ملتفتا الى الحكم و موضع الطواف من الناحية التسلسلية، فحينئذ ان استمر على تركه بطل حجه، و اذا تداركه قبل مضي وقته صح، و حينئذ فهل يجب عليه أن يعيد الطواف؟

و الجواب: نعم تجب اعادته، لأن الصحة بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها في المقام، و مقتضى القاعدة بطلانه، باعتبار أنه أتى به في غير موضعه، فلا ينطبق عليه الطواف المأمور به، كما هو مقتضى صدر صحيحتي جميل و حمران المتقدمتين.

الثامنة: اذا أتى المكلف برمي جمرة العقبة، ثم زار البيت قبل أن يحلق، و حينئذ فان استمر على تركه بطل الحج، و اذا تداركه قبل مضي وقته صح. و لكن هل يجب عليه أن يعيد الطواف؟

و الجواب: نعم، لأن صحته بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها، و أما صحيحتا محمد بن حمران و جميل المتقدمتان فلا تدلان على الصحة إلّا في

صورة النسيان و الجهل المركب، لا مطلقا، كما مر. بل صحيحة محمد بن مسلم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 500

حسبما تذكر أو علم، فان علم أو تذكر في الليل لزمه الرمي في نهاره إذا لم يكن ممن قد رخص له الرمي في الليل- و سيجي ء ذلك في رمي الجمار- و لو علم أو تذكر بعد اليوم الثالث عشر فالأحوط أن يرجع إلى منى و يرمي (1) و يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه، و إذا علم أو تذكر بعد الخروج من مكة لم يجب عليه الرجوع بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط.

عن ابي جعفر عليه السّلام: «في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: ان كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أن ذلك لا ينبغي له، فان عليه دم شاة» «1» تدل على بطلان ما أتى به من الطواف قبل الحلق عامدا و عالما بالحكم، و وجوب الكفارة عليه.

أما وجوب الكفارة فقد نصت عليه الصحيحة، و أما بطلان الطواف، فلأن قوله عليه السّلام في الصحيحة: «و هو عالم أن ذلك لا ينبغي له» يدل على أن الطواف بما أنه في غير موضعه فلا يكون مأمورا به و مطلوبا للمولى، و حينئذ فلا يمكن الحكم بصحته.

و تدل على البطلان أيضا صحيحة علي بن يقطين، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتى زارت و طافت وسعت من الليل، ما حالها، و ما حال الرجل اذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به يقصّر، و يطوف بالحج، ثم يطوف للزيارة، ثم قد أحل من كل شي ء» «2» و لكن حينئذ لا

بد من تقييد اطلاقها بغير الناسي و الجاهل المركب.

(1) بل هو الأظهر شريطة أن يكون المكلف في مكة كما مر. و عليه فلا مبرر للاحتياط باعادة الرمي في السنة القادمة.

[مسألة 381: إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف

(مسألة 381): إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف، و إن كانت الاعادة أحوط، و أما إذا كان الترك مع العلم و العمد فالظاهر بطلان طوافه فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي (1).

(1) هذا هو الأظهر كما مر مفصلا.

[5- الذبح أو النحر في منى

اشارة

2- الذبح أو النحر في منى و هو الخامس من واجبات حج التمتع (1) و يعتبر فيه قصد القربة (2) (1) للكتاب و السنة المتواترة اجمالا، و ينصان على وجوب الهدي على المتمتع بالعمرة الى الحج، و هو أحد الأمور التالية: (1) الناقة، (2) البقرة، (3) الشاة. و هل يجب الهدي على أهل مكة اذا أرادوا الإتيان بحج التمتع على أساس أنه مشروع في حقهم؟ المعروف و المشهور بين الأصحاب وجوبه على المكي اذا تمتع و هو الصحيح، على أساس أن المستفاد من الآية الشريفة و الروايات أن الهدي من أحد عناصر حج التمتع و مناسكه، بدون فرق بين أن يكون الحج واجبا على المكلف بنفسه، كحج التمتع من حجة الإسلام، أو بالاستنابة، أو النذر أو نحوه، أو مستحبا عليه في مقابل حج الافراد، فان الهدي ليس من أحد اجزائه و واجباته. نعم اذا صحب من يريد حج الافراد هديا معه وقت الاحرام، بأن أحضر شاة- مثلا- و ساقها معه، وجب عليه أن يضحي به يوم العيد، و يسمّى الحج حينئذ بحج القران.

و بكلمة: ان الآية الشريفة تنص على أن حج التمتع وظيفة النائي، و هو من يبعد بلده عن مكة اكثر من ستة عشر فرسخا، و الهدي جزؤه بدون فرق بين أن يكون واجبا أو مستحبا، و من هنا لو كنا نحن

و الآية الشريفة لقلنا بعدم مشروعية حج التمتع لغير النائي، و لكن هناك روايات تدل على مشروعيته لغيره أيضا.

(2) قد تقدم أن كل عبادة يكون لها اسم خاص المميز لها شرعا يعتبر فيها أمور: (الأول) قصد القربة، (الثاني) الاخلاص، (الثالث) أن يقصد اسمها الخاص، بأن يقول: اذبح شاة- مثلا- لحج التمتع من حجة الإسلام، و اذا كان نائبا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 503

و الايقاع في النهار (1) نوى اسم المنوب عنه، و اذا كان مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام.

(1) لا اشكال في ذلك، و تدل عليه عدة طوائف من الروايات:

الأولى: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو البقر، و إلّا فاجعله كبشا سمينا فحلا- الحديث» «1» و قد مر أن رمي الجمرة لا بد أن يكون في النهار.

الثانية: الروايات التي تنص على أن يوم العيد هو يوم النحر و الذبح، و هي مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة اسماعيل بن همام، قال: «سمعت ابا الحسن الرضا عليه السّلام يقول: لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس- الحديث» «2».

الثالثة: الروايات التي تنص على أنه يجوز للخائف أن يفيض من الجمع بالليل، و يرمي بالليل، و يضحي بالليل، فان استثناء الخائف عن سائر الناس في تلك الأحكام معناه أنه لا يجوز لغيره ممارسة تلك الأعمال بالليل.

الرابعة: الروايات التي تنص على أن الأضحى بمنى أربعة أيام.

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى، فقال: ثلاثة أيام- الحديث» «3».

و منها: موثقة عمار الساباطي عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الأضحى بمنى، فقال: أربعة أيام، و عن الأضحى في سائر البلدان، فقال: ثلاثة أيام» «4».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 504

.......... و في مقابلها روايات أخرى تنص على أن الأضحى ثلاثة أيام بمنى، يوم النحر، و يومان بعده. و لكن تلك الروايات لا تصلح أن تعارض هذه الروايات، فانها تنص على أن اليوم الرابع من الأضحى، و تلك الروايات تنفي ذلك بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و حينئذ فلا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

فالنتيجة أن كلتا المجموعتين تدلّان على أن الذبح و النحر لا بد أن يكون في النهار من يوم العيد، بأن يأتي به فيه، و اذا لم يأت به عامدا و ملتفتا أو غير عامد و ملتفت، فالأحوط وجوبا الاتيان به خلال أيام التشريق، و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، و اذا لم يأت به في هذه الفترة عامدا أو غير عامد أيضا وجب الاتيان به خلال شهر ذي الحجة، و اذا لم يأت به كذلك الى أن مضى ذو الحجة فعليه الاتيان به في العام القادم. و تدل عليه صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة، و يأمر من يشتري له و يذبح عنه، و هو يجزي عنه، فان مضى ذو الحجة أخّر ذلك الى قابل من ذي الحجة» «1» فان الظاهر منها أن وقته يمتد الى آخر ذي الحجة، فإن مضى ففي السنة القادمة، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن الروايات المذكورة بكافة طوائفها و

اصنافها، هل تدل على أن الواجب أولا هو ايقاع الذبح أو النحر في يوم العيد، فان لم يتمكن من ذلك لسبب من الأسباب وجب ايقاعه في أيام التشريق و إن لم يتمكن منه أيضا لمانع، وجب ايقاعه خلال شهر ذي الحجة، و إلّا ففي العام القادم؟

و الجواب: انها لا تدل على وجوب الاتيان به بهذه الكيفية الخاصة، لأن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 505

و لا يجزيه الذبح أو النحر في الليل و ان كان جاهلا. نعم، يجوز للخائف الذبح و النحر في الليل و يجب الاتيان به بعد الرمي (1) و لكن لو قدّمه على الرمي جهلا أو نسيانا صح و لم يحتج إلى الاعادة (2) و يجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى (3)، المستفاد منها أن الواجب على المكلف ايقاع الذبح أو النحر في الفترة من يوم العيد الى آخر ذي الحجة، و أما أن ذلك لا بد أن يكون بنحو التسلسل، فهي لا تدل على ذلك، فاذن يكون وجوب الاتيان به كذلك مبنيا على الاحتياط.

و من ناحية ثالثة ان مقتضى اطلاق هذه الروايات عدم كفاية الذبح أو النحر في الليل لغير الخائف و إن كان عن جهل أو نسيان، لأن الكفاية بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها، بل ترخيص الخائف فيه بالليل دليل على أن غيره لا يكون مرخصا فيه.

(1) للنصوص منها الروايات البيانية، و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة، و منها غيرها.

(2) تقدم ذلك مفصلا.

(3) و هو أقرب امكنة ثلاثة (عرفات، المشعر، منى) الى مكة. و حدّها طولا من ناحية مكة العقبة، و من ناحية المشعر وادي محسّر، و أما عرضا فلا يكون لها حدود واضحة في

النصوص، و المرجع في تعيينها أهل الخبرة من ساكني البلد، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن الذبح أو النحر لا بد أن يكون بمنى، و تدل عليه عدة من الروايات، منها: الروايات البيانية.

و منها: موثقة زرعة قال: «سألته عن رجل احصر في الحج، قال: فليبعث بهديه اذا كان مع اصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله، و محله منى يوم النحر اذا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 506

و إن لم يمكن ذلك كما قيل انه كذلك في زماننا لأجل تغيير المذبح و جعله في وادي محسّر فان تمكن المكلف من التأخير و الذبح أو النحر في منى و لو كان ذلك إلى آخر ذي الحجة حلق أو قصر و احلّ بذلك و أخّر ذبحه أو نحره و ما يترتب عليهما من الطواف و الصلاة و السعي و إلا جاز له الذبح في المذبح الفعلي و يجزيه ذلك (1).

كان في الحج- الحديث» «1» فانها واضحة الدلالة على أن منى هو محل الهدي، و عليه فتكون قرينة على أن المراد من محل الهدي في قوله تعالى: لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «2» هو منى.

و منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره، فقال: ان كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه» «3».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: لا تجوز البدنة و البقرة إلّا عن واحد بمنى» «4» و منها غيرها.

فالنتيجة ان الروايات تدل على ذلك بمختلف اللسان و البيان، بل يظهر منها ان ذلك

أمر مفروغ عنه.

(1) يقع الكلام هنا في مسألتين:

الأولى: ان الحاج اذا لم يتمكن من الذبح أو النحر يوم العيد في منى، فهل يسوغ له أن يقوم بعملية الذبح أو النحر في خارج منى، أو يجب عليه تأخير الذبح الى آخر أيام التشريق، أو الى آخر شهر ذي الحجة اذا كان باقيا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 507

.......... في مكة في تلك الفترة؟

الثانية: أنه اذا أخر الهدي عن يوم العيد لسبب من الأسباب، فهل عليه أن يؤخر الحلق أو التقصير أيضا؟ أو أن له الحلق أو التقصير في يوم العيد؟

أما الكلام في المسألة الأولى: فقد يقال ان مقتضى اطلاقات الأدلة جواز القيام بعملية الذبح أو النحر يوم العيد في غير منى.

منها: صحيحة أبي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في قول اللّه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ قال: شاة» «1» فانها تدل على وجوب الهدي في حج التمتع بدون تعيين مكان خاص له.

و منها: صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام في المتمتع: «قال:

و عليه الهدي قلت: و ما الهدي، فقال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة. و آخره شاة» «2».

و منها: قوله تعالى: وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ «3».

و لكن في مقابلها روايات كثيرة تدل على تعين الذبح بمنى، منها الروايات البيانية، و منها موثقة زرعة و صحيحة منصور و محمد بن مسلم المتقدمة، فان هذه الروايات تدل على وجوب الهدي بمنى، و بما أن نسبتها الى تلك الأدلة نسبة الخاص الى العام، فتكون مقيدة لإطلاقها تطبيقا لقاعدة

حمل المطلق على المقيد.

فالنتيجة أن صحة الهدي مشروطة بكونه في منى، و مقتضى اطلاق هذه الروايات عدم كفاية الذبح أو النحر في غير منى و إن كان عن جهل أو نسيان.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 508

.......... نعم ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسى أن يذبح بمنى حتى زار البيت، فاشترى بمكة، ثم ذبح، قال: لا بأس، قد أجزأ عنه» «1» و مثلها صحيحته الأخرى «2»، فانهما ظاهرتان في أن الذبح في غير منى كمكة جهلا أو نسيانا مجزي.

و بكلمة: ان المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أنه لا خصوصية لنسيان الذبح بمنى، فالمعيار انما هو بجهل المكلف بتعين الذبح فيها، و عدم كفايته في غيرها، بدون فرق بين أن يكون جهل المكلف به مسبوقا بالعلم بوجوبه في منى، أو لا يكون مسبوقا به أصلا. و كذلك الحال اذا ذبح خارج منى معتقدا و متخيلا أنه منى، فانه كالجاهل و الغافل. و أما اذا كان شاكا في وجوب الذبح في منى فان كان من جهة الشبهة الحكمية، كما اذا شك في أصل وجوب الذبح في منى، وجب عليه الفحص، و إن لم يتمكن فعليه الاحتياط. و إن كان من جهة الشبهة الموضوعية، بأن يكون عالما بحدود منى، و لكن كان يشك في أن هذا المكان الذي أراد أن يذبح الهدي فيه هل هو داخل في حدود منى بسبب أمر خارجي، كما اذا كانت هناك ظلمة أو عمى، فالمرجع فيه أصالة الاشتغال، فان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية.

بقيت هنا حالة ثالثة: و هي ما أشرنا اليه آنفا من أن حدود منى طولا و إن كانت

معلومة و محددة من ناحية مكة بعقبة، و من ناحية المشعر بوادي محسّر الّا أن حدودها عرضا غير معينة، و على هذا فحيث ان الواجب هو المبيت او الحلق في واقع المكان المسمّى بمنى فاذا شك في نقطة أنها من منى اولا، كان مرجع هذا الشك الى الشك في سعة منى و ضيقه، و حينئذ فيكون الواجب المقيد

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 509

.......... بايقاعه فيه مرددا بين السعة و الضيق، بمعنى انا لا ندري أن الواجب مثلا، و هو خصوص المبيت في نقطة كان يقطع بكونها من منى، أو أنه يجوز في النقاط التي يشك في كونها منها، ففي مثل ذلك نعلم بعدم جواز المبيت في نقاط يعلم بأنها خارجة من منى، و إنما الكلام في أنه يجوز في نقاط يشك في كونها من منى أو لا بد من أن يكون في نقاط يعلم بأنها منها. و حيث إن مفهوم منى مجمل مردد بين السعة و الضيق، فالقدر المتيقن من الأدلة الدالة على وجوب المبيت في منى انما هو عدم جوازه في نقاط كان يعلم بأنها خارجة من منى، فتكون حينئذ مقيدة لإطلاق ما دل على جواز المبيت في كل نقطة و إن لم تكن من منى بغير هذه النقاط، و أما تقييده بالزائد عليها و هو النقاط المشكوك كونها من منى فلا، لأنها مجملة، فلا تكون حجة، و المرجع فيها عموم العام، و مقتضاه جواز المبيت فيها لأن المقام حينئذ يكون من موارد اجمال المخصص مفهوما.

و بكلمة: أن مقتضى القاعدة جواز المبيت أو الحلق أو الذبح في خارج منى، و لكن الأدلة الخاصة تدل على اشتراط وقوع هذه الاعمال و المناسك في واقع

مكان مسمى بمنى، و إلّا فلا تكون مجزية، و بما أن مفهوم كلمة (منى) مجمل مردد بين الأقل و الاكثر، فلا تكون تلك الأدلة حجة إلّا في المقدار المتيقن، و هو عدم جواز ايقاع تلك الأعمال في نقاط كان يعلم بأنها خارجة عن منى، و أما في الزائد عليه و هو النقاط التي كان يشك في أنها من منى أولا، فلا تكون حجة فيه لإجمالها، فاذن يكون المرجع فيه عموم القاعدة. أو فقل ان الأدلة المذكورة تدل على عدم جواز ايقاع تلك الاعمال في خارج منى، و وجوب ايقاعها فيه، و حيث إن مفهوم منى مجمل مردد بين السعة و الضيق فلا تدل هذه الأدلة إلّا على عدم جواز ايقاع الاعمال المذكورة في نقاط كان يعلم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 510

.......... بأنها ليست من منى، لأن القدر المتيقن هو خروج تلك النقاط عن عموم القاعدة و اطلاقها، و اما الزائد عليها و هو النقاط المشكوكة فلا دليل على خروجها عنه، لإجمال الدليل المخصص مفهوما. فالنتيجة أنه لا مانع من ايقاع هذه الواجبات في النقاط المشكوك كونها من منى.

و دعوى: ان المكلف اذا شك في نقطة أنها من منى أولا كانت الشبهة موضوعية و المرجع فيها قاعدة الاشتغال، لأنه كان يعلم باشتغال ذمته بايقاع تلك الواجبات في منى، و لا يمكن تحصيل اليقين بالفراغ إلّا بايقاعها في مكان يحرز أنه من منى، و أما اذا لم يحرز ذلك فلا يحرز الفراغ.

مدفوعة: بأنها مبنية على أن تكون حدود منى متعينة و محددة شرعا طولا و عرضا و حينئذ فاذا شك في نقطة أنها من منى أو لا كانت الشبهة موضوعية و يكون الشك في الامتثال

و لكن قد مرّ ان حدوده طولا و ان كانت متعينة شرعا الّا انها عرضا غير متعينة و محددة و على هذا فاذا شك في نقطة في عرض منى انها منه اولا كانت الشبهة مفهومية من جهة اجمال مفهوم منى و تردده بين السعة و الضيق على اساس ما عرفت من انه اسم لواقع المكان المسمى بمنى و هو مردد بين الاقل و الاكثر، فاذن بطبيعة الحال يكون ما دل على اعتبار ايقاع الحلق او الذبح او المبيت او غيره في منى مجملا، و دار امره بين الاقل و الاكثر، و عليه فيكون المقام من موارد اجمال المخصص مفهوما و ليس من الشبهة الموضوعية، و حيث انه لا يكون حجة إلّا في المقدار المتيقن و هو عدم جواز ايقاع تلك الواجبات في النقاط التي يكون المكلف واثقا و متأكدا بخروجها عن منى دون النقاط المشكوكة فيكون المرجع في النقاط المشكوكة، العام الفوقي ان كان و مقتضاه جواز ايقاعها فيها و إلّا فاصالة البراءة عن تعيّن ايقاع الواجبات

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 511

.......... المذكورة في خصوص النقاط التي يعلم بانها من منى، و نتيجة ذلك كفاية ايقاعها في النقاط المشكوكة.

بقي هنا شي ء: و هو أنه قد ورد في رواية معتبرة أنه اذا ضاقت منى بالناس اتسعت ارض منى شرعا، و شملت وادي محسر، و هي المنطقة التي تفصل منى عن المشعر الحرام، و عندئذ فهل يجوز الذبح في وادي محسّر كما يجوز المبيت فيها في هذه الحالة؟

و الجواب انه يجوز الذبح أو النحر فيها، فان معنى الرواية هو أن حكمها حكم منى في هذه الحالة فيجوز انجاز تمام واجبات منى فيها، لأن من يجوز

له أن يبيت فيها يجوز له أن يحلق رأسه أو يقصر فيها، و كذلك يجوز له أن يقوم بعملية الذبح أو النحر فيها في تلك الحالة.

و أما الكلام في المسألة الثانية: و هي ما اذا أخر الذبح عن يوم العيد لسبب من الاسباب فهل يجب عليه أن يؤخر الحلق او التقصير أيضا حفاظا على الموضع التسلسلي بينهما؟

و الجواب: انه لا يجب عليه ذلك، لما تقدم من أن وجوب التسلسل و الترتيب بينهما وجوب تكليفي فحسب، لا الأعم منه و من الشرطي، و هذا انما هو في يوم العيد فقط لا مطلقا، فاذا لم يتمكن من الذبح أو النحر في ذلك اليوم و أخره الى أيام التشريق، فلا دليل على وجوب تأخير الحلق او التقصير مراعاة للترتيب.

قد يقال- كما قيل-: ان رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك، و اغتسل، و قلم اظفارك، و خذ من شاربك» «1»

[أحكام الذبح
[مسألة 382: الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد]

(مسألة 382): الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد (1) و لكن إذا تركهما يوم العيد لنسيان أو لغيره من الأعذار أو لجهل بالحكم لزمه التدارك إلى آخر أيام التشريق و إن استمر العذر جاز تأخيره إلى آخر ذي الحجة فاذا تذكر أو علم بعد الطواف و تداركه لم تجب عليه اعادة الطواف و إن كانت الاعادة أحوط.

تدل على اعتبار الترتيب بينهما مطلقا، بدون تقييده بيوم العيد.

و الجواب أولا: ان الرواية ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها.

و ثانيا: إنها لا تدل على اعتبار الترتيب مطلقا حتى بالنسبة الى أيام التشريق، أو الى آخر شهر ذي الحجة، بل القدر المتيقن منها اعتباره في يوم العيد.

و ثالثا: انها معارضة بموثقة

عمار و صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمتين، فان مقتضى هذه الرواية اعتبار الترتيب بينهما مطلقا حتى في حال الجهل و النسيان، على أساس أن مدلولها الإرشاد الى شرطية ذلك، و مقتضى الروايتين المتقدمتين عدم اعتباره كذلك، اي حتى في حال الجهل و النسيان، فاذن تسقطان معا، و مقتضى الأصل عدم اعتباره. و من هنا يظهر حال رواية جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، و في العقيقة بالحلق قبل الذبح»»

فانها مضافا الى ضعفها سندا، يرد عليها ما أوردناه على الرواية الأولى.

فالنتيجة انه لا دليل على لزوم تأخير الحلق عن الذبح مطلقا حتى في أيام التشريق و ما بعدها، هذا. اضافة الى ان اثبات وجوب الحلق أو التقصير في يوم العيد، و عدم جواز تأخيره عنه بالدليل مشكل جدا، و لا يبعد جوازه عامدا و ملتفتا، و إن كان الأحوط و الأجدر أن يكون في يوم العيد.

(1) مر انه لا يبعد جواز تأخيره عن يوم العيد اختيارا، و ان كان الأحوط

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 513

و أما إذا تركه عالما عامدا فطاف فالظاهر بطلان طوافه و يجب عليه أن يعيده بعد تدارك الذبح (1).

[مسألة 383: لا يجزئ هدي واحد إلا عن شخص واحد]

(مسألة 383): لا يجزئ هدي واحد إلا عن شخص واحد (2).

و الأجدر أن يكون في يوم العيد.

(1) على الأحوط وجوبا- كما تقدم-.

(2) الأمر كما أفاده قدّس سرّه. و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: لا تجوز البدنة و البقرة إلّا عن واحد بمنى» «1» فانها صريحة في عدم كفاية الهدي الواحد إلّا عن شخص واحد.

و منها: صحيحة محمد الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام

عن النفر تجزيهم البقرة، قال: أما في الهدي فلا، و أما في الأضحى فنعم» «2» فانها تدل على التفصيل بين الهدي الواجب و المندوب، فعلى الأول لا يكفي إلّا عن واحد، و على الثاني يكفي عن اكثر من واحد.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: تجزي البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة، و لا تجزي بمنى إلّا عن واحد» «3» فانها صريحة في التفصيل بين الهدي الواجب و المستحب.

و في مقابلها روايات تدل على كفاية هدي واحد عن جماعة في حال الضرورة، أو اذا كانوا من أهل خوان واحد.

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد، و قد اجتمعوا في مسيرهم، و مضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ قال:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 514

.......... لا أحب ذلك إلّا من ضرورة» «1» فانها تدل على كفاية هدي واحد عن جماعة في حال الضرورة.

و منها: صحيحة حمران: «قال: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة بمائة دينار، فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك، فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: كم؟

قال: ما خف فهو أفضل، قال: فقلت: عن كم تجزي، فقال: عن سبعين» «2» فانها تدل على أنه لا يكفي هدي واحد عن جماعة إلّا في حال الضرورة.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: تجزي البقرة عن خمسة بمنى اذا كانوا أهل خوان واحد» «3» فانها تدل على الكفاية شريطة أن تكون الجماعة من أهل خوان واحد.

فإذن تكون النسبة بين هذه الروايات و الروايات الأولى عموما

من وجه، فان مورد الروايتين الأوليين خاص بالضرورة، و عام من جهة أن الهدي واجب أو مستحب، و مورد الروايات الأولى خاص بالهدي الواجب، و عام من جهة أنه كان في حال الضرورة أو لا، و مورد الرواية الثالثة خاص بأهل خوان واحد، و عام من جهة ان الهدي واجب أو مستحب، و عليه فيقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو الهدي الواجب في حال الضرورة أو لأهل خوان واحد، فان مقتضى اطلاق الطائفة الأولى أن الهدي الواحد لا يكفي عن جماعة مطلقا حتى في حال الضرورة أو كانوا من أهل خوان واحد، و مقتضى اطلاق الطائفة الثانية أنه يكفي في هذه الحالة، و لكن لا بد من تقديم الطائفة الأولى على الثانية من جهة أنها موافقة للكتاب، و هو قوله عز و جل:

[مسألة 384: يجب أن يكون الهدي من الابل أو البقر أو الغنم

(مسألة 384): يجب أن يكون الهدي من الابل أو البقر أو الغنم (1)، فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ «1» بتقريب أنه يدل على أن الهدي وظيفة كل متمتع بالعمرة الى الحج، فاذا لم يجد فوظيفته الصيام، لا الاشتراك في الهدي. و مع الاغماض عن ذلك، فالطائفتان تسقطان معا من جهة المعارضة في مورد الالتقاء و الاجتماع، و المرجع فيه اطلاق الروايات، و هي كما يلي:

منها: صحيحة زرارة بن اعين عن أبي جعفر عليه السّلام: «في المتمتع قال:

و عليه الهدي، قلت: و ما الهدي، فقال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و آخره شاة» «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يجزئ في المتعة شاة» «3» و منها

غيرهما. بتقريب أنها تدل على وجوب طبيعي الهدي على كل متمتع بالعمرة الى الحج، و مقتضى اطلاقها اجزاء هدي واحد عن شخص واحد لا اكثر حتى في حال الضرورة، و لا يمكن أن تكون هذه الروايات طرفا للمعارضة. مع الطائفة الثانية، لأنها تنص على اجزاء هدي واحد عن جماعة في حال الضرورة، و هذه الروايات تنفي ذلك بالاطلاق، فلا تصلح أن تكون طرفا للمعارضة، و لكن بما أنها قد سقطت من جهة المعارضة مع الطائفة الأولى، فعندئذ لا مانع من الرجوع الى اطلاق هذه الروايات.

فالنتيجة: ان الهدي الواجب لا يكفي إلّا عن واحد حتى في حال الضرورة، غاية الأمر اذا لم يتمكن من الهدي فعليه الصيام بديلا عنه.

(1) للكتاب و السنة. اما الكتاب: فقوله تعالى: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ، فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ «4»

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 516

و لا يجزئ من الابل إلا ما أكمل السنة الخامسة و دخل في السادسة، و لا من البقر و المعز إلا ما أكمل الثانية و دخل في الثالثة على الأحوط (1)، على أساس أن المراد من بهيمة الانعام هو الإبل و البقر و الغنم باتفاق أهل اللغة.

و اما السنة: فهي روايات كثيرة تدل على ذلك.

منها: صحيحة زرارة بن اعين عن أبي جعفر عليه السّلام: «في المتمتع، قال:

و عليه الهدي، قلت: و ما الهدي؟ قال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخفضه شاة» «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اذا رميت الجمرة فاشتر هديك ان كان من البدن أو من البقر، و إلّا فاجعله كبشا سمينا فحلا، فان لم

تجد فموجأ من الضأن- الحديث» «2» و منها غيرهما.

(1) الأظهر كفاية ما دخل في الثانية شريطة صدق اسم البقر و المعز عليه، و ذلك لأن أهل اللغة مختلفون في تفسير الثنية، فعن جماعة تفسيرها بما اكمل سنة و دخل في الثانية، و عن جماعة تفسيرها بما اكمل سنتين و دخل في الثالثة، و على هذا فبما انا نثق بأن الثنية الواردة في لسان الروايات لا تخلو عن أحد التفسيرين، فيدور الأمر حينئذ بين الأقل و الأكثر، و المرجع فيه أصالة البراءة عن الاكثر و إن كان الاحتياط أولى و أجدر. و من الروايات صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن علي عليه السّلام: «انه كان يقول: الثنية من الإبل و الثنية من البقر، و الثنية من المعز، و الجذعة من الضأن» «3» فانها تنص على أن الثنية من هذه

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 517

و لا يجزئ من الضأن إلا ما أكمل الشهر السابع و دخل في الثامن، و الأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة و دخل في الثانية و إذا تبين له بعد الذبح في الهدي انه لم يبلغ السن المعتبر فيه لم يجزئه ذلك و لزمته الاعادة، و يعتبر في الهدي أن يكون تام الأعضاء فلا يجزئ الأعور، و الأعرج، و المقطوع اذنه، و المكسور قرنه الداخل و نحو ذلك (1)، الانعام الثلاثة تكفي، ثم إنه لا خلاف لدى اللغويين في تفسيرها في الإبل، و الخلاف انما هو في تفسيرها في البقر و المعز كما مر. و كذلك في تفسير الجذعة، فعن جماعة تفسيرها بما أكمل سبعة أشهر و دخل في الثامن، و عن جماعة أخرى بما

أكمل سنة و دخل في الثانية، فاذن يدخل ذلك أيضا في كبرى دوران الأمر بين الأقل و الاكثر، و المرجع فيها أصالة البراءة عن الاكثر، هذا هو ثمرة الخلاف.

(1) تدل على ذلك صحيحة علي بن جعفر: «انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء، فلا يعلم إلّا بعد شرائها، هل تجزي عنه؟ قال: نعم، إلّا أن يكون هديا واجبا فانه لا يجوز أن يكون ناقصا» «1» بتقريب أن مفادها اعتبار كون الهدي الواجب كاملا حتى من ناحية الصفات، و لا يجزي كونه ناقصا، و تطبيق ذلك في الرواية على النقص الصفتي كالعوراء قرينة على أنه يشمل المقام أيضا، و هو كون الهدي مكسور القرن من الداخل.

فالنتيجة ان المستفاد من الرواية اعتبار كون الهدي كاملا من ناحية الأجزاء و الصفات. و تدل على ذلك نصا صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في الأضحية يكسر قرنها، قال: ان كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي» «2»

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 518

و الأظهر عدم كفاية الخصي أيضا (1).

فانها تنص بمقتضى مفهومها على أن القرن الداخل اذا لم يكن صحيحا لم يجزي. و مثلها صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في المقطوع القرن أو المكسور القرن، اذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس، و إن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا» «1».

(1) بل هو الظاهر لدلالة جملة من الروايات على ذلك.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «إنه سئل عن الأضحية، فقال: أقرن فحل- الى أن قال-: و سألته أ يضحّى بالخصي؟ فقال:

لا» «2».

و منها: صحيحته الأخرى عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الاضحية بالخصي، فقال: لا»

«3».

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي، فلما ذبحه اذا هو خصي مجبوب، و لم يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي هل يجزيه أم يعيده؟ قال: لا يجزيه الا أن يكون لا قوة به عليه» «4».

و في مقابلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: النعجة من الضأن اذا كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن، و قال: الكبش السمين خير من الخصي و من الأنثى، و قال: سألته عن الخصي و الانثى فقال: الأنثى أحب إلي من الخصي» «5» بدعوى أنها ظاهرة في كفاية الخصي غاية الأمر ان النعجة اذا كانت سمينة أفضل منه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 519

و يعتبر فيه أن لا يكون مهزولا عرفا (1)، و الأحوط الأولى أن لا يكون مريضا و لا موجوءا و لا مرضوض الخصيتين و لا كبيرا لا مخّ له، و لا بأس بأن يكون مشقوق الاذن أو مثقوبها و ان كان الأحوط اعتبار سلامته منهما، و الأحوط الأولى أن لا يكون الهدي فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته.

و الجواب انها و إن دلت على الكفاية، إلّا أنها مطلقة تشمل الهدي الواجب و المستحب، فاذن لا بد من حملها على الهدي المستحب بقرينة الروايات المتقدمة، بملاك حمل المطلق على المقيد.

(1) تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث:

«قال: و ان اشترى اضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه» «1» بتقريب ان المتفاهم العرفي من هذه الرواية بمناسبة

الحكم و الموضوع الارتكازية أن من علم بأن الهدي سمين و اشتراه كذلك ثم بان أنه مهزول كفى، و من علم بانه مهزول و اشتراه كذلك ثم بان أنه سمين كفى أيضا، و أما من علم بأنه مهزول و اشتراه كذلك ثم بان أنه مهزول لم يكف، فالمراد من نية السمن و الهزل فيها هو العلم بهما، لأن النية من آثاره و لوازمه.

فالنتيجة ان المستفاد منها أن الشرط أعم من السمن الواقعي و العلمي.

و قريب منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و إن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فانها لا تجزي عنه» «2».

ثم انه اذا لم يتيسر الهدي الواجد لتمام الشروط أجزأ ما تيّسر منه، و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار في حديث قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اشتر فحلا

[مسألة 385: إذا اشترى هديا معتقدا سلامته فبان معيبا بعد نقد ثمنه

(مسألة 385): إذا اشترى هديا معتقدا سلامته فبان معيبا بعد نقد ثمنه فالظاهر جواز الاكتفاء به (1). سمينا للمتعة فان لم تجد فموجأ، فان لم تجد فمن فحولة المعز، فان لم تجد فنعجة، فان لم تجد فما استيسر من الهدي- الحديث» «1» بتقريب أن المتفاهم العرفي منها أن اعتبار هذه الشروط مختص بحال التمكن، و أما في حال العجز فيكفي الفاقد، لا أنه يسقط عنه و تنتقل وظيفته الى بدله، و هو الصوم، و تؤكد ذلك أيضا قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة: «لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوة به عليه» «2» و مثلها صحيحته الأخرى، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيا مجبوبا، فقال: إن كان صاحبه موسرا فليشتر

مكانه» «3» فانها تدل على أن الهدي اذا كان خصيا لم يكف في حال التمكن لا مطلقا، و على هذا فأدلة الشروط تكون مقيدة لإطلاق الآية الشريفة بحال التمكن منها لا مطلقا، و أما في حال العجز عنها فاطلاقها محكم.

(1) تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يشتري هديا فكان به عيب عور أو غيره، فقال: ان كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، و إن لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره- الحديث» «4» بتقريب ان المستفاد منها أن الهدي المعيوب لا يجزي إلّا ما نقد ثمنه.

و في مقابلها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «انه سأل عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها، هل تجزي عنه؟ قال: نعم إلّا أن يكون هديا واجبا، فانه لا يجوز ناقصا» «5» بدعوى أنها معارضة لصحيحة معاوية و كان التعارض بينهما بالعموم من وجه، فان الرواية

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 521

.......... الأولى خاصة من جهة نقد الثمن، و عامة من جهة أن المشتري كان يعلم بالعيب قبل نقد الثمن أو بعده، و الرواية الثانية خاصة من جهة أنه لا يعلم العيب إلّا بعد الشراء، و عامة من جهة أن علمه به كان بعد نقد الثمن أو قبله، فاذن يكون مورد الالتقاء و الاجتماع بينهما ما اذا علم بالعيب بعد الشراء و نقد الثمن، فان مقتضي الأولى أنه يجزي، و مقتضي الثانية أنه لا يجزي. و لكن صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اشترى هديا و لم يعلم أن به عيبا حتى نقد ثمنه، ثم علم فقد

تم» «1» بما أنها أخص من كل واحدة منهما، فتقيد اطلاق الأولى بما إذا علم بالعيب بعد الشراء و نقد الثمن، و اطلاق الثانية بما اذا علم به بعد الشراء و قبل نقد الثمن، و بذلك يرتفع التعارض بينهما من جهة اختصاص كل منهما حينئذ بمورد الافتراق.

و لو اغمضنا عن ذلك، و افترضنا ان صحيحة الحلبي غير موجودة في المسألة، فهل تكون هناك معارضة بينهما، أي بين صحيحة معاوية و صحيحة علي بن جعفر أو لا؟

و الجواب انه لا معارضة بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و ذلك لأمرين:

أحدهما: ان لسان صحيحة معاوية في مورد الالتقاء بمقتضى المتفاهم العرفي لسان استثناء و تقييد اذ يفهم منها أن الهدي المعيوب المشترى لا يجزي إلّا ما نقد ثمنه، فيكون هذا استثناء عن الحكم المطلق الذي هو مفاد صحيحة علي بن جعفر، و هو عدم اجزاء الهدي المعيوب المشترى، بقرينة أن نفي الحكم عن حصة خاصة و هي ما نقد ثمنه اذا لم يكن من المحتمل عادة

[مسألة 386: ما ذكرناه من شروط الهدي انما هو في فرض التمكن منه

(مسألة 386): ما ذكرناه من شروط الهدي انما هو في فرض التمكن منه، فان لم يتمكن من الواجد للشرائط اجزأ الفاقد و ما تيسر له من الهدي (1).

[مسألة 387: إذا ذبح الهدي بزعم أنه سمين فبان مهزولا]

(مسألة 387): إذا ذبح الهدي بزعم أنه سمين فبان مهزولا أجزأه و لم يحتج إلى الاعادة (2).

اختصاص الحكم المنفي بها، يكون له ظهور عرفي في أن نفيه عنها نفي استثنائي، فاذن تكون صحيحة معاوية حاكمة على صحيحة علي بن جعفر.

و بكلمة: ان لسان صحيحة معاوية عرفا بما أنه لسان التقييد لمفاد صحيحة علي بن جعفر في مورد الالتقاء دون العكس، فلا بد من تقديمها عليها فيه.

و الآخر انه لو قدمت صحيحة معاوية على صحيحة علي بن جعفر في مورد الالتقاء و الاجتماع لزم منه تقييد اطلاق موضوع الحكم بعد الاجزاء بما اذا علم بالعيب بعد الشراء و لم ينقد الثمن.

و أما لو قدمت صحيحة علي بن جعفر على صحيحة معاوية لزم من ذلك الغاء عنوان نقد الثمن عن الموضوعية رأسا، و تكون النتيجة حينئذ عدم اجزاء الهدي المعيوب اذا علم بالعيب بعد الشراء مطلقا و إن نقد ثمنه، و من المعلوم أن تقييد الاطلاق أخف مؤنة بنظر العرف من رفع اليد عن العنوان المأخوذ في موضوع الحكم.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه و قد تقدم وجهه آنفا.

(2) في تقييد عدم وجوب الاعادة بما اذا ظهر كونه مهزولا بعد الذبح اشكال، بل منع، و الأقوى عدم وجوبها و إن ظهر كونه مهزولا قبل الذبح، و ذلك لإطلاق الروايات.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث: «قال: و ان

[مسألة 388: إذا ذبح ثم شك في انه كان واجدا للشرائط حكم بصحته ان احتمل أنه كان محرزا للشرائط حين الذبح

(مسألة 388): إذا ذبح ثم شك في انه كان واجدا للشرائط حكم بصحته ان احتمل أنه كان محرزا للشرائط حين الذبح (1)، و منه ما إذا شك بعد الذبح انه كان بمنى أم كان في محل آخر (2).

اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت

مهزولة أجزأت عنه- الحديث» «1».

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه- الحديث» «2» و منها غيرهما «3».

و هذه الروايات باطلاقها تشمل ما اذا وجدها مهزولة بعد الشراء و قبل الذبح أو النحر، و لا وجه لتقييد اطلاقها بما اذا وجدها مهزولة بعد الذبح أو النحر، فانه بحاجة الى دليل، و لا تدل الروايات عليه.

(1) لقاعدة الفراغ، و هي قاعدة عقلائية عامة فلا تختص بباب دون باب، على تفصيل ذكرناه في علم الأصول.

(2) فان كانت الشبهة موضوعية بمعنى أنه يعلم حدود منى، و لكنه بعد الذبح شك في أن ما ذبحه كان فيه أو لا، ففي مثل ذلك اذا احتمل انه كان ملتفتا حين عملية الذبح الى عدم اجزائه خارج منى، جرت قاعدة الفراغ، و إلّا فلا. و إن كانت الشبهة مفهومية بأن لا يعلم حدود منى و يشك في أن مكان الذبح هل هو من منى أو لا، فقد تقدم أنه لا يبعد الاجزاء على أساس أن منى اسم لواقع المكان المسمى بمنى، فاذا تردد بين الأقل و الاكثر كان من دوران التكليف بينهما، و حينئذ فبما أن المخصص في المقام مجمل مفهوما فيقتصر في خروجه عن عموم العام على القدر المتيقن، و في الزائد يرجع اليه، و إلّا فإلى أصالة البراءة كما تقدم تفصيله.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 524

و أما إذا شك في أصل الذبح فان كان الشك بعد الحلق أو التقصير لم يعتن بشكه (1) و الا لزم الاتيان به اذا شك في هزال الهدي فذبحه امتثالا لأمر اللّه تبارك و تعالى و لو رجاء ثم ظهر سمنه

بعد الذبح أجزأه ذلك.

[مسألة 389: إذا اشترى هديا سليما فمرض بعد ما اشتراه أو اصابه كسر أو عيب أجزأه أن يذبحه

(مسألة 389): إذا اشترى هديا سليما فمرض بعد ما اشتراه أو اصابه كسر أو عيب أجزأه أن يذبحه و لا يلزمه ابداله (2).

(1) لقاعدة التجاوز شريطة احتمال انه كان ملتفتا في وقت العمل الى أن موضعه من ناحية تسلسل الواجبات قبل الحلق أو التقصير.

(2) تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أهدى هديا و هو سمين فأصابه مرض و انفقأت عينه فانكسر فبلغ المنحر و هو حي، قال: يذبحه و قد أجزأ عنه»»

بتقريب أن مفادها كفاية الهدي المعيوب و اجزائه، و عليه فالصحيحة من هذه الناحية تكون منافسة للروايات المتقدمة التي تنص على اعتبار السلامة في الهدي، و لكن لا بد من حمل هذه الصحيحة على موردها و هو ما اذا حدث فيه عيب لا مطلقا.

فالنتيجة حينئذ ان الهدي اذا كان معيوبا من الأول فهو مانع عن صحته سواء أ كان عالما به أم جاهلا، و اذا كان سالما ثم حدث فيه عيب فهو لا يضر.

ثم ان مورد الصحيحة هو ملك الهدي بالهبة.

و قد تسأل: عن أن الحكم بالاجزاء اذا حدث فيه عيب هل هو مختص بموردها، أو يعم الشراء أيضا؟

و الجواب: انه يعم الشراء أيضا، اذ لا يرى العرف خصوصية للملك بالهبة، و لا يحتمل أن يكون دخيلا في الحكم. هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى قد تقدم ان شرطية السمن في الهدي انما هي شرطية

[مسألة 390: لو اشترى هديا فضلّ اشترى مكانه هديا آخر]

(مسألة 390): لو اشترى هديا فضلّ اشترى مكانه هديا آخر، فان وجد الأول قبل ذبح الثاني ذبح الأول و هو بالخيار في الثاني إن شاء ذبحه و إن شاء لم يذبحه و هو كسائر امواله و الأحوط الأولى ذبحه

أيضا، و ان وجده بعد ذبحه الثاني ذبح الأول أيضا على الأحوط (1).

علمية لا واقعية فحسب، و هذا بخلاف شرطية السلامة عن سائر العيوب فانها واقعية، فلو اشترى حيوانا مكسور القرن من الداخل، أو مقطوع الأذن، ثم ظهر أنه كذلك لم يجزئ، و على هذا فلا يمكن التعدي عن مورد الصحيحة الى مطلق العيب، بل لا بد من الاقتصار على موردها، و هو العيب الحادث، و نتيجة ذلك ان العيب اذا حدث في الهدي بعد الشراء لم يكن مانعا من الاجزاء، و اذا كان من الأول فهو مانع، و مورد الروايات المتقدمة التي تنص على أن العيب مانع، هو العيب قبل الشراء، و لا تعم العيب الحادث بعد الشراء.

(1) بل على الأظهر، و ذلك لصحيحة أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه، قال: يشتري مكانه آخر، قلت: فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول، قال: ان كانا جميعا قائمين فليذبح الأول و ليبع الأخير، و إن شاء ذبحه، و إن كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه» «1» فانها تدل على أمرين: (أحدهما) انه اذا وجد الهدي الأول قبل ذبح الآخر وجب ذبح الأول، و في الثاني مخير بين أن يذبحه أيضا، و بين أن يبيعه من آخر، أو يبقيه عنده.

(و الآخر) انه اذا وجد الهدي الأول بعد ذبح الثاني ذبح الأول معه أيضا.

و أما صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري البدنة، ثم تضل قبل أن يشعرها و يقلدها، فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر، و يجد هديه، قال: إن لم يكن قد اشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها، و

إن شاء

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 526

.......... باعها، و إن كان اشعرها نحرها» «1» فهي تؤكد صحيحة أبي بصير باعتبار أنها تدل على عدم كفاية ذبح البدل أو نحره اذا وجد المبدل بعد ذلك و قبل انتهاء وقته، غاية الأمر ان موردها حج الأفراد، فانه لا يجب فيه الهدي، نعم اذا ساق الهدي معه و قام بالاشعار أو التقليد وجب، و يكون الحج حينئذ حج قران، و اذا ظل بعد الاشعار أو التقليد لم يكف بدله اذا وجد المبدل حتى بعد نحر البدل، و مورد صحيحة أبي بصير حج التمتع.

و اما الروايات الدالة على الكفاية اذا ماتت الأضحية بعد الشراء او سرقت (فمنها) صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى اضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها، قال: لا بأس، و إن ابدلها فهو أفضل، و إن لم يشتر فليس عليه شي ء» «2» فلا بد من تقييد اطلاقها بالأضحية المندوبة، بقرينة الروايات الدالة على عدم الاجزاء.

منها: صحيحتا أبي بصير و الحلبي المتقدمتان.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن رجل اشترى هديا لمتعته، فأتى به منزله، فربطه، ثم انحل فهلك، فهل يجزئه أو يعيد؟ قال: لا يجزئه إلّا أن يكون لا قوة به عليه» «3» فان هذه الصحاح تنص على عدم الاجزاء، و القدر المتيقن منها الهدي الواجب، و على هذا فتصلح أن تكون قرينة على حمل الروايات المتقدمة على الهدي المندوب تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و على تقدير وقوع المعارضة بينهما فتسقطان معا، فالمرجع يكون اطلاقات أدلة الهدي، و مقتضاها عدم سقوطه عن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج،

ص: 527

.......... ذمته إلّا بالذبح أو النحر. و أما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا عرّف بالهدي ثم ضل بعد ذلك فقد أجزأ» «1» فلا بد من حملها على الهدي المندوب بقرينة صحيحة الحلبي المتقدمة التي تنص على أن نحر البدل لا يجزي اذا أشعر المبدل، على أساس ظهورها في الهدي الواجب.

و تؤكد ما ذكرناه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث:

«قال: في الرجل يبعث بالهدي الواجب فهلك الهدي في الطريق قبل أن يبلغ، و ليس له سعة أن يهدي، فقال: اللّه سبحانه و تعالى أولى بالعذر، إلّا أن يكون يعلم انه اذا سأل أعطى» «2» فانها تدل على أنه لو كان متمكنا من الهدي ثانيا لم يكن معذورا.

فالنتيجة ان من عين الهدي في شاة أو ناقة ثم ضل، و بعد ذلك اشترى هديا آخر بدله، و قام بذبحه و نحره، ثم وجد المبدل، فالظاهر وجوب ذبح المبدل، فان البدل انما يكفي اذا تعذر المبدل في تمام وقته لا مطلقا.

بقي هنا شي ء و هو ان الحاج اذا اشترى شاة أو ناقة أو بقرة، و نوى أنها هدي، تعيّنت للهدي، و حينئذ فلا يجوز له العدول الى غيرها، بل مقتضى صحيحة ابي بصير و صحيحة الحلبي المتقدمتين أن الهدي اذا ضل، و لم يجده الى اليوم العاشر، و اشترى هديا آخر مكانه و ذبحه أو نحره، ثم وجد المبدل خلال أيام التشريق أو تمام شهر ذي الحجة وجب ذبح المبدل أو نحره أيضا، فان وجوب ذبح المبدل او نحره لم يسقط عن ذمته بذبح البدل أو نحره اذا تمكن بعده من المبدل خلال أيام التشريق، بل

الى آخر شهر ذي الحجة، أو اذا وجد غيره خلال هذه الفترة، و علم بأنها هدي وجب عليه ذبحه أو نحره، و هذا

[مسألة 391: لو وجد أحد هديا ضالا عرّفه إلى اليوم الثاني عشر]

(مسألة 391): لو وجد أحد هديا ضالا عرّفه إلى اليوم الثاني عشر، فان لم يوجد صاحبه ذبحه في عصر اليوم الثاني عشر عن صاحبه (1).

لا يحتاج الى دليل، بل يكون على القاعدة، لأن البدل انما يقوم مقام المبدل اذا تعذر في تمام الوقت لا في بعضه، كما هو الحال في سائر الموارد.

فالنتيجة ان الحاج اذا عين الهدي في أحد الأنعام الثلاثة تعيّن، و لم يجز له التصرف فيه بعد ذلك بما ينافي جعله هديا، نعم يجوز له التبديل بالأفضل لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «أنه قال له رجل اشترى شاة ثم أراد أن يشتري أسمن منها، قال: يشتريها فاذا اشتراها باع الأولى- الحديث» «1» فانها تنص على جواز التبديل بالأفضل، و موردها و إن كان التبديل بالأسمن، إلّا أن العرف لا يرى خصوصية له، بل يفهم منها جواز التبديل بمطلق الأفضل، كتبديل الشاة بأكبر منها أو بالناقة أو غيرها، و عليه فتكون الصحيحة قرينة على تقييد اطلاق الروايات المتقدمة التي تنص على أن من اشترى هديا تعيّن، و لا يجوز له التبديل.

فالنتيجة ان عدم جواز التبديل انما هو في فرض عدم كون البدل أفضل من المبدل لا مطلقا.

(1) لنص صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث قال:

«و قال: اذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث» «2».

ثم إن هذا الذبح لا بد أن يكون بمنى و إلّا لم يجزي عن صاحبه، و

تنص على ذلك صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يضل هديه، فيجده رجل آخر فينحره، فقال: إن كان نحره بمنى اجزأ عن صاحبه الذي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 529

.......... ضل عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجزئ عن صاحبه» «1».

ثم إن مقتضى صحيحة محمد بن مسلم أنه يجب على الرجل الواجد للهدي الضال أمران:

أحدهما: تعريفه يوم العيد و اليوم الثاني و الثالث.

و الآخر: أن يذبحه من قبل صاحبه عشية اليوم الثالث من العيد.

أما الأمر الأول، فلا اشكال في وجوبه عليه.

و اما الأمر الثاني، فهل له موضوعية؟ بمعنى أنه يدل على أن الاجزاء مشروط بأن يقوم بالذبح من قبل صاحبه، و إلّا لم يكن مجزيا، رغم أنه لا يوجب صحة استناد الذبح اليه حقيقة، لأن استناده اليه مرتبط إما بقيامه بنفسه و مباشرة بعملية الذبح، أو تسبيبا، و المفروض انتفاء كلا الأمرين في المقام، أو أنه لا موضوعية له من هذه الناحية، فان أمر المولى بذلك انما هو بمقتضى واقع الحال، لا أن له موضوعية و دخلا في الاجزاء، و على هذا فاذا ذبحه عن نفسه، أو لم ينو عن صاحبه اجزأ عنه، باعتبار أن الاجزاء تعبدي، و لا يكون على القاعدة.

فيه وجهان: و الظاهر هو الوجه الأول، لتعلق الأمر بالذبح المقيد، و هو يقتضي كونه المأمور به لا المطلق، هذا.

و أما وجوب التعريف فهل هو وجوب نفسي، أو شرطي أو مقدمي؟

الظاهر هو الأخير. أما الأول فلا موجب له أصلا، و لا يحتمل أن يكون وجوبه كوجوب الصلاة و الصيام و نحوهما وجوبا نفسيا ناشئا عن مصلحة ملزمة قائمة بنفسه، بل يكون وجوبه من أجل

غاية أخرى، كإيصال المال الى صاحبه و ردّه اليه، فانه متوقف على التعريف. و من هنا يظهر أنه ليس بشرطي أيضا، اذ لا

[مسألة 392: من لم يجد الهدي و تمكن من ثمنه أودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هديا و يذبحه عنه إلى آخر ذي الحجة]

(مسألة 392): من لم يجد الهدي و تمكن من ثمنه أودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هديا و يذبحه عنه إلى آخر ذي الحجة، فان مضى الشهر لا يذبحه الا في السنة القادمة (1).

يحتمل أن تكون صحة الذبح او النحر مشروطة بالتعريف، لأن ذلك بحاجة الى دليل، و لا دليل عليه، لا في نفس الروايات، و لا من الخارج.

(1) تنص على ذلك صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في متمتع يجد الثمن، و لا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة، و يأمر من يشتري له و يذبح عنه، و هو يجزئ عنه، فان مضى ذو الحجة، أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة» «1» و هذه الصحيحة تقيد اطلاق الآية الكريمة، و هي قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ «2» فان مقتضى اطلاقها ان من لم يجد الهدي فوظيفته الصيام، سواء أ كان واجدا لثمنه أم لا، فالنتيجة ان من لم يجد الهدي و لا ثمنه فعليه الصيام.

ثم إن من لم يجد الهدي و لا ثمنه فلا شبهة في أن وظيفته الصيام، للآية الشريفة و الروايات التي تنص على ذلك، و سوف نشير اليها في ضمن المسائل القادمة. و أما اذا فرضنا انه لم يصم ثلاثة أيام في مكة و وجد الهدي خلال أيام التشريق أو بعدها، فالظاهر أن وظيفته الهدي دون الصيام، لإطلاق الآية الشريفة، و هي قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ «3» فانه ظاهر في أن من لم يجد الهدي

في مجموع وقته، اي من يوم العيد الى آخر ذي الحجة، فوظيفته الصيام، و إلّا فوظيفته ذبح الهدي دون الصيام. نعم ان معتبرة أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فان ايام الذبح قد

[مسألة 393: إذا لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه صام بدلا عنه عشرة أيام

(مسألة 393): إذا لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه صام بدلا عنه عشرة أيام، ثلاثة في الحج (1) مضت» «1» تدل على أن وظيفته الصيام دون الهدي معللا بأن أيام الذبح قد مضت.

و لكن لا يمكن الأخذ بظاهر هذه الرواية لما عرفت من أن أيام الذبح قد امتدت الى آخر ذي الحجة لا الى أيام التشريق فقط، نعم لو كان المراد من مضي أيام الذبح فيها مضيها بالنسبة الى الحجاج انفسهم فلا بأس، على أساس أنهم غالبا يسافرون الى اوطانهم بعد أيام التشريق، فلا يبقون في مكة لكي يكونوا قادرين على الذبح في منى، و هل وظيفتهم حينئذ وضع ثمن الهدي عند شخص حتى يقوم بشراء الهدي به الى آخر ذي الحجة أو الصوم؟ و تمام الكلام في المقام يأتي في المسألة (395) إن شاء اللّه تعالى.

(1) للكتاب و السنة: اما الكتاب، فقوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «2».

و أما السنة فهي روايات كثيرة.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في

الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك، قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق؟

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 532

.......... قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله» «1» و منها غيرها.

و ينبغي التنبيه على أمرين:

أحدهما: ان من أراد أن يصوم الأيام الثلاثة في الطريق الى أهله، أو في الأهل اذا رجع، فهل يجوز له أن يترك صيام هذه الأيام في مكة عامدا و ملتفتا؟

و الجواب: انه لا يجوز، لأن الآية الشريفة بضميمة تفسير الحج فيها بذي الحجة و إن لم تدل على وجوب صيام تلك الأيام إلّا في ذي الحجة، و أما ان وجوبها في العشرة الأولى مقدم على وجوبها بعد أيام التشريق، فالآية ساكتة عن ذلك. إلّا أن في روايات الباب كفاية، لأن قوله عليه السّلام في تلك الروايات:

«يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، و إن فاته ذلك يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده» ظاهر في تعين وجوب صيام هذه الأيام الثلاثة عليه في العشرة الأولى، و إن فاته ذلك يصوم بعد أيام التشريق، و لا اشعار فيه فضلا عن الدلالة على أنه مخير بين صيام تلك الأيام الثلاثة في هذه العشرة، و صيامها بعد أيام التشريق.

فالنتيجة انه لا شبهة في ظهور الروايات المذكورة في أن وجوب صيام تلك الثلاثة بعد أيام التشريق في طول وجوب صيامها في العشرة الأولى لا في عرضها، و يؤكد ذلك ذيلها «فان لم يقم عليه جماله أ يصوم

في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله» بتقريب أنه نص في أن صيام الايام الثلاثة في البلد اذا رجع في عرض صيامها في الطريق، و أما صيامها في الطريق فهو في طول صيامها بعد أيام التشريق في مكة. و من هنا يظهر أن هذه الروايات لا تنافي الآية الشريفة، فان الروايات لا تدل على أن وقت الصوم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 533

في اليوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجة (1)

محدود بالعشرة الأولى لكي تكون منافية للآية الشريفة، بل تدل على أن وقته ممتد الى آخر ذي الحجة، غاية الأمر ان وجوبه بعد أيام التشريق يكون في طول وجوبه في العشرة الأولى، و كذلك وجوبه في الطريق أو البلد يكون في طول وجوبه بعد أيام التشريق في مكة شريطة أن يكون كل ذلك في ذي الحجة.

و الآخر: ان الروايات التي تدل على أنه اذا فات عن المكلف صوم الأيام الثلاثة في العشرة الأولى وجب عليه أن يصوم يوم الحصبة و يومين بعده ظاهرة في عدم جواز تأخيره الى نهاية ذي الحجة، و لكن لا بد من رفع اليد عن ظهورها في ذلك بقرينة صحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «انه قال: من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر، فلا بأس بذلك» «1» فانها ناصة في جواز التأخير، فاذن تحمل تلك الروايات على الاستحباب تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

(1) و هذا هو الظاهر، و تدل عليه صحيحتا حماد و معاوية المتقدمتان و غيرهما. و اما رواية زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال: من

لم يجد الهدي و أحب أن يصوم الثلاثة الأيام في اول العشر فلا بأس بذلك» «2» فهي ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها، لأن في سندها أبان الأزرق، و هو ممن لم يثبت توثيقه، و مجرد وروده في اسناد كامل الزيارات لا يجدي، كما ذكرناه غير مرة.

ثم ان الظاهر من الروايات التي تنص على وجوب صيام ثلاثة أيام في الحج اعتبار التوالي بينها.

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن صوم ثلاثة ايام في الحج و سبعة، أ يصومها متوالية، أو يفرق بينها؟ قال:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 534

و سبعة إذا رجع إلى بلده، و الأحوط أن تكون السبعة متوالية (1)، يصوم الثلاثة الأيام لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها، و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا» «1» فانها ظاهرة في اعتبار التوالي بينها، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون صيامها في العشرة الأولى من ذي الحجة، أو بعد أيام التشريق في مكة، أو في الطريق الى بلدته، أو في البلدة.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سأله عبّاد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي، قال: يصوم ثلاثة أيام، قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة، و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق» «2» فانها ناصة في اعتبار التوالي بينها.

(1) بل على الأظهر لصحيحة علي بن جعفر المتقدمة.

قد يقال- كما قيل- ان مقتضى رواية اسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام:

إني قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيام حتى فزعت في حاجة الى بغداد، قال: صمها ببغداد، قلت: أفرقها، قال: نعم» «3» عدم اعتبار التوالي فيها، و بما أنها ناصة في جواز التفريق، و الصحيحة ظاهرة في المنع عنه، فلا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

و الجواب: ان رواية اسحاق بن عمار و إن كانت تامة دلالة، إلّا أنها ضعيفة سندا، لأن في سندها محمد بن أسلم، و هو ممن لم يثبت توثيقه غير وروده في اسناد كامل الزيارات، و قد ذكرنا غير مرة أن مجرد وروده في اسناده لا يكفي في التوثيق.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 535

و يجوز أن تكون الثلاثة من أول ذي الحجة بعد التلبس بعمرة التمتع (1) و يعتبر فيها التوالي، فان لم يرجع إلى بلده و اقام بمكة فعليه أن يصبر حتى يرجع أصحابه إلى بلدهم أو يمضي شهر ثم يصوم بعد ذلك (2).

(1) لظهور قوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ «1» في أن الصيام وظيفة من تمتع بالعمرة الى الحج و على هذا فمن أراد صيام تلك الأيام الثلاثة من أول ذي الحجة، فلا بد أن تكون بعد تلبسه باحرام عمرة التمتع، كما لا يخفى.

(2) تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: إن كان له مقام بمكة، و أراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره الى أهله أو شهرا ثم صام بعده» «2».

و منها: صحيحة أبي بصير قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي

فصام ثلاثة أيام، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكة سنة، قال: فلينتظر منهل أهل بلده فاذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيّام» «3» فانها تدل بوضوح على أن من قصد أن يقيم بمكة و أراد أن يصوم سبعة أيام فيها، فعليه أن يصبر شهرا، أو بمقدار مسيره الى بلده اذا رجع ثم صام فان كان مقدار مسيره الى بلده أقل من شهر جاز له الصيام بعد مضى هذه الفترة، و لا يلزم عليه أن يصبر الى مقدار شهر، و إن كانت اكثر من شهر جاز له أن يصوم بعد مضي شهر، و لا يلزم عليه أن يصبر الى أن يمضي مقدار فترة مسيره الى بلده.

[مسألة 394: المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج إذا لم يتمكن من الصوم في اليوم السابع

(مسألة 394): المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج إذا لم يتمكن من الصوم في اليوم السابع صام الثامن و التاسع و يوما آخر بعد رجوعه من منى (1)،

(1) فيه اشكال، بل منع، و الأظهر عدم كفاية ذلك، و انتقال وظيفته الى صيام ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق، و تفصيل ذلك ان الروايات الواردة في المقام تصنف الى ثلاثة طوائف:

الطائفة الأولى: تنص على جواز التفريق بين صيام الأيام الثلاثة في حالة خاصة، و هي ما اذا فات من المكلف صوم اليوم السابع، فانه حينئذ يجوز له أن يصوم اليوم الثامن و التاسع و يوما آخر بعد أيام التشريق، و لا تدل على أنه اذا فات منه صوم اليومين صام اليوم الثالث و يومين بعد أيام التشريق، أو اذا فات منه صوم الجميع صام تمام الأيام الثلاثة بعدها.

الطائفة الثانية: تنص على وجوب التتابع و التوالي في صيام الأيام الثلاثة مطلقا سواء أ كان قبل

أيام التشريق أم كان بعدها.

الطائفة الثالثة: تدل على أن وظيفة المكلف صيام تمام الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق اذا فاتت منه قبلها سواء أ كان فوتها بفوت صوم اليوم السابع فقط، أم بفوت صوم يومين منها، أم صوم الجميع، فانها مطلقة من هذه الناحية.

و من ناحية اخرى انها تدل على اعتبار التتابع في صيام هذه الأيام الثلاثة قبل أيام التشريق، و لا تدل على اعتباره بعدها، فمن هذه الجهة تمتاز عن الطائفة الثانية.

الطائفة الرابعة: تدل على اعتبار التتابع بين صيام هذه الأيام الثلاثة على أساس أن النهي عن صوم كل من اليوم الثامن و اليوم التاسع اذا فات منه صوم اليوم السابع، ظاهر في أنه لا فائدة في صوم كل منهما لا منفردا و لا مجتمعا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 537

.......... اما الطائفة الأولى فهي متمثلة في روايتين:

احداهما: رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر» «1» فانها واضحة الدلالة على جواز التفريق، و عدم وجوب التتابع في صيام الثلاثة الأيام.

و الجواب: أن الرواية و إن كانت تامة دلالة، إلّا أنها ضعيفة سندا، فان في سندها مفضل بن صالح و هو لم يثبت توثيقه.

و الأخرى: رواية يحيى الأزرق عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي، فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال:

يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق» «2» فانها واضحة الدلالة على جواز التفريق و عدم وجوب التتابع، و انما الكلام في سندها، فان الواقع فيه يحيى الأزرق، و هو مردد بين يحيى بن حسان الأزرق، و يحيى

بن عبد الرحمن الأرزق، و الأول ضعيف، و الثاني ثقة، أو أنه رجل آخر غيرهما. و على كلا التقديرين فهو مردد بين الثقة و الضعيف و التعيين بحاجة الى قرينة بعد ما كان الجميع في طبقة واحدة.

و دعوى: ان يحيى بن عبد الرحمن الأزرق بما أنه معروف و له كتاب و روايات دون يحيى بن حسّان الأزرق، فينصرف اطلاق يحيى الأزرق اليه دون الآخر.

مدفوعة: بأن هذا الانصراف على تقدير تسليمه انما يوجب الظن فقط من باب الحاق الشي ء المشكوك بالأعم الأغلب، و لا قيمة للظن و لا أثر له.

و رواية صفوان عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق في غير هذا المورد غالبا لا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 538

.......... تكون قرينة على أن المراد منه في المقام أيضا عبد الرحمن الأزرق إلّا من باب أن الظن يلحق الشي ء بالأعم الأغلب.

و دعوى: أنه ليس ليحيى بن حسان الأزرق رواية في الكتب الأربعة، و هذا قرينة على أن المراد منه عبد الرحمن الأزرق لا حسان الأزرق.

مدفوعة: بأن عدم وجود رواية عنه في الكتب الأربعة مبني على أن يكون المراد من يحيى الأزرق في الرواية عبد الرحمن الأزرق لا حسان الأزرق، و الّا كانت هذه الرواية له في الكتب الأربعة، فيكون ذلك ظني و لا قيمة له. فاذن لا يمكن الوثوق بها من ناحية السند.

و أما مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنها تامة سندا فلا بد من تقديمها على الطائفة الثانية و الثالثة و الرابعة بملاك تقديم المقيد على المطلق كما لا يخفى.

و أما الطائفة الثانية: فهي متمثلة في روايتين أيضا:

الأولى: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

«سأله عباد البصري عن متمتع لم

يكن معه هدي، قال: يصوم ثلاثة أيام، قبل يوم التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة، و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق» «1» فانها تنص على اعتبار التتابع و التوالي في صيام الايام الثلاثة سواء أ كانت قبل أيام التشريق أو بعدها.

الثانية: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تصوم الثلاثة الأيام متفرقة» «2» فانها تدل على أن التتابع شرط في صحة صيام هذه الأيام

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 539

.......... الثلاثة، و التفرقة مانعة عنها، على أساس ظهور النهي في الإرشاد اليها.

و أما الطائفة الثالثة التي تدل على اعتبار التتابع قبل أيام التشريق لا بعدها متمثلة في عدة روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك، قال: يتسحر ليلة الحصبة، و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله» «1» بتقريب أنها تدل على اعتبار التتابع بين صيام الأيام الثلاثة قبل أيام التشريق مطلقا، أي سواء أ كان فوت ذلك بفوت صوم اليوم السابع فقط أم صوم اليومين أم الجميع، و لا تدل على اعتباره بعد أيام التشريق، لأن قوله عليه السّلام: «و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده» يشمل باطلاقه ما اذا كان صوم اليومين بعده متصلا

بصوم اليوم الأول أو منفصلا عنه.

و منها: صحيحة حماد بن عيسى، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ قال: قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيام فلينشئ يوم الحصبة و هي ليلة النفر» «2».

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «كنت قائما أصلي و أبو الحسن عليه السّلام قاعد قدامي و أنا لا أعلم فجاءه عباد البصري فسلّم ثم جلس فقال له: يا ابا الحسن، ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي، قال: يصوم الأيام

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 540

.......... التي قال اللّه تعالى قال: فجعلت سمعي اليهما فقال له عباد و أيّ أيام هي؟ فقال:

قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فان فاته ذلك، قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك- الحديث» «1».

و منها: صحيحة صفوان بن يحيى عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «قلت له: ذكر ابن السراج انه كتب إليك يسألك عن متمتع لم يكن له هدي فأجبته في كتابك يصوم ثلاثة أيام بمنى، فان فاته ذلك صام صبيحة الحصباء و يومين بعد ذلك، قال: و أما أيام منى فانها أيام أكل و شرب لا صيام فيها، و سبعة اذا رجع الى أهله» «2» بتقريب انها تدل على اعتبار التتابع بين صوم اليوم السابع و الثامن و التاسع، و لا تدل على اعتباره فيه بعد أيام التشريق، لما مر من أن قوله عليه السّلام:

«يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعده» لا يدل عليه.

ثم إن المراد من يوم الحصبة هل هو

اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، أو هو اليوم الرابع عشر، باعتبار أنه يوم نفر الحجاج من مكة الى أوطانهم؟ فيه وجهان: الأظهر هو الأخير كما سيأتي تفصيله عن قريب.

و أما الطائفة الرابعة: فهي متمثلة في مجموعة من الروايات، و هي الروايات الناهية عن صوم يوم التروية و يوم عرفة اذا فاته صوم اليوم السابع.

منها: صحيحة العيص بن القاسم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة، و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده»»

.و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سأله

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 541

.......... عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي؟ قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة- الحديث» «1» فانها ظاهرة في أنه اذا فات عن المكلف صوم اليوم السابع سواء أ كان عن عمد أم عن غير عمد فلا يجدي صوم يوم التروية و لا يوم عرفة، لا منفردا و لا مجتمعا، فمن أجل ذلك تنص على اعتبار التتابع بين صيام الأيام الثلاثة الأولى، و لا تدل على اعتباره فيه بعد أيام التشريق.

و بعد ذلك نقول: انه لا معارض للطائفة الثانية التي تنص على اعتبار التتابع في صيام الثلاثة الأيام بدون فرق بين أن تكون قبل أيام التشريق أو بعدها. نعم لو تمت الطائفة الأولى لكانت مقيدة لا طلاق الطائفة الثانية في حالة واحدة، و هي

ما اذا فات عن المكلف صوم اليوم السابع فقط، فانه يصوم اليوم الثامن و التاسع و يوما آخر بعد أيام التشريق و لكن قد تقدم ان في سندها اشكالا، فمن أجل ذلك لا يمكن الاعتماد عليها.

و أما الطائفة الثالثة: فمقتضى اطلاقها و إن كان عدم اعتبار التتابع في صيام الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق لأنها لا تصلح أن تعارض الطائفة الثانية، لأنها ناصة في اعتبار التتابع في صيامها قبل أيام التشريق و بعدها، فاذن لا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

فالنتيجة في نهاية الشوط انه لا مناص من الالتزام باعتبار التتابع و التوالي في صيام الأيام الثلاثة مطلقا، بدون فرق بين أن يكون قبل أيام التشريق كصوم اليوم السابع و الثامن و التاسع أو بعدها.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 542

و لو لم يتمكن في اليوم الثامن أيضا أخّر جميعها إلى ما بعد رجوعه من منى (1)، و الأحوط (2) أن يبادر إلى الصوم بعد رجوعه من منى، و لا يؤخّره من دون عذر،

(1) بل و إن تمكن من صوم اليوم الثامن لما مر من أنه اذا فات عن المكلف صوم اليوم السابع لم يجد صوم اليوم الثامن و لا اليوم التاسع لا منفردا و لا مجتمعا، لأن ما دل على كفايته من الرواية لا يخلو سنده عن اشكال، فمن أجل ذلك لا يمكن الاعتماد عليه، و حينئذ فوظيفته في هذه الحالة تأخير صيام الثلاثة الى ما بعد أيام التشريق على تفصيل تقدم.

(2) في الاحتياط اشكال، و الأظهر جواز التأخير اذ لا دليل على وجوب المبادرة اليه، و أما الروايات التي تدل على أنه اذا فاته صوم هذه الأيام الثلاثة يصوم

يوم الحصبة و يومين بعده و ان كانت ظاهرة في وجوب المبادرة و عدم جواز التأخير إلّا أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها في ذلك بقرينة صحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال: من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك» «1» فإنها ناصة في جواز التأخير الى العشرة الأخيرة من ذي الحجة، و عدم وجوب المبادرة اليه بعد أيام التشريق، ثم انه لا بد من حمل مورد الصحيحة على من له مقام بمكة، و أما من أراد الرجوع الى أهله فيجب عليه أن يسارع الى الصوم بعد أيام التشريق، شريطة أن يعلم بأنه اذا لم يسارع لم يقدر إلّا في الطريق أو في الأهل لما مر من ان صيام الايام الثلاثة في الطريق أو في الاهل في طول صيامها في مكة.

بقيت هنا مسألة: و هي ما اذا فات عن المكلف صوم هذه الأيام الثلاثة، فهل يجوز له أن يصوم أيام التشريق أو لا؟ المعروف و المشهور بين الاصحاب

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 543

.......... عدم جواز ذلك، و لكن قد يقال بالجواز، و استدل على ذلك بمجموعة من الروايات.

منها: موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام:

«كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق فان ذلك جائز له» «1» فانها واضحة الدلالة على جواز الصيام في أيام التشريق.

و منها: صحيحة حماد بن عيسى قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ

سَبْعَةٍ قال: قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيام فلينشئ يوم الحصبة و هي ليلة النفر» «2» بتقريب ان المراد منها اما ليلة الثاني عشر أو ليلة الثالث عشر.

و منها: صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة، و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما، و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده» «3» فانها تدل على جواز الصوم يوم النفر، و هو اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، و على كل التقديرين فهو من أيام التشريق، و كذلك المراد من ليلة الحصبة في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة «4».

و منها: صحيحة رفاعة بن موسى قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي، قال: يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قلت: فانه قدم يوم التروية، قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جمّاله، قال:

يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره، قلت:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 544

.......... يصوم و هو مسافر، قال: نعم، أ ليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جل:- فصيام ثلاثة أيام في الحج- يقول في ذي الحجة» «1».

فالنتيجة: ان هذه الروايات على صنفين:

أحدهما: متمثل في موثقة اسحاق بن عمار، و هو ناص في مشروعية صوم أيام التشريق.

و الآخر: متمثل في الروايات الظاهرة في مشروعية صوم اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر باعتبار ظهور يوم النفر فيه.

و أما الصنف الأول: فهو معارض

بصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «قلت له: ذكر ابن سراج انه كتب إليك يسألك عن متمتع لم يكن له هدي، فأجبته في كتابك: يصوم ثلاثة أيام بمنى، فان فاته ذلك صام صبيحة الحصباء و يومين بعد ذلك، قال: و أما أيام منى فانها أيام أكل و شرب و لا صيام فيها- الحديث» «2» و قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة: «يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك قال: فلا تقول كما قال عبد اللّه بن الحسن، قال: فأيش قال، قال: يصوم أيام التشريق، قال: ان جعفرا كان يقول: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بديلا ينادي أن هذه أيام أكل و شرب فلا يصومن أحد قال: يا ابا الحسن ان اللّه قال: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ، قال: كان جعفر يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحج» «3» فانهما ناصان في عدم مشروعية الصوم في أيام التشريق، و لا سيما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، فاذن يسقط هذا الصنف من جهة المعارضة، و يرجع الى الروايات الآمرة بصوم هذه الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق، باعتبار أن تلك الروايات ظاهرة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 545

.......... في عدم مشروعيته في تلك الأيام، و غير ناصة فيه، فمن أجل ذلك لا تصلح أن تكون طرفا للمعارضة مع الموثقة المتقدمة و لكن بعد سقوط الموثقة بالتعارض فهي تصلح أن تكون مرجعا. هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان من الواضح كون المراد من الحصبة في هاتين الصحيحتين هو اليوم الرابع عشر من ذي الحجة بعد مضي أيام التشريق، و اطلاق يوم النفر

عليه انما هو بلحاظ انه يوم نفر الحجاج غالبا الى اوطانهم، و لا سيما في الأزمنة السابقة، فاذن يكون تفسير الحصبة فيهما قرينة على تعيين المراد منها في الروايات المتقدمة من باب الأظهرية أو الأنصية، و على تقدير المنع عن ذلك فيسقطان معا من جهة المعارضة، فلا يكون شي ء من التفسيرين حجة، فاذن يكون المرجع في المسألة العام الفوقي، و هو الروايات المتقدمة.

و مع الاغماض عنها يكون المرجع فيه الأصل العملي، و هو أصالة عدم مشروعية الصيام في أيام التشريق. و من هنا يظهر حال الروايات التي تنص على أن وظيفته بعد فوت صوم الأيام الثلاثة صوم يوم الحصبة و يومين بعده، بدون أن تتعرض لبيان المراد من يوم الحصبة، فانها اما أن تكون محمولة على الصحيحتين المتقدمتين تطبيقا لحمل المجمل على المبين بناء على ما هو الصحيح من تقديمهما على الروايات المفسرة يوم الحصبة بيوم النفر، أو تكون مجملة، و لا تكون حجة في شي ء من التفسيرين، بناء على سقوط الصحيحتين بالتعارض. فالنتيجة أن الأظهر عدم مشروعية الصيام في أيام التشريق.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 546

.......... تكميل قد تسأل عن أنه هل يجوز أن يصوم اليوم الثالث عشر في مكة، كما اذا خرج من منى في اليوم الثاني عشر، و ذهب الى مكة؟

و الجواب: انه يجوز و لا مانع منه، و ذلك لأن الروايات التي تدل على أنه اذا فاتته صيام الأيام الثلاثة صام صبيحة يوم الحصبة و يومين بعده، المفسرة يوم الحصبة بيوم النفر، و إن كانت ظاهرة باطلاقها في جواز صوم يوم النفر في منى، إلّا انك عرفت أن هذه الروايات ساقطة، اما من جهة حكومة صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج

و صفوان عليها، أو من جهة المعارضة، فانهما واضحتا الدلالة على عدم مشروعية صيام أيام التشريق في منى، معللا بأن هذه الأيام أيام أكل و شرب لا صوم، و القدر المتيقن منها عدم مشروعية صيام هذه الأيام لمن يتواجد في منى لا مطلقا، و على تقدير الاطلاق فلا بد من تقييده بصحيحة معاوية ابن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن صيام أيام التشريق، فقال: أما بالأمصار فلا بأس به، و أما بمنى فلا» «1» و قريب منها صحيحته الأخرى، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن صيام أيام التشريق، فقال: انما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن صيامها بمنى، فأما بغيرها فلا بأس» «2».

و اما الروايات الدالة على أنه يصوم ثلاثة أيام بعد أيام التشريق، أو بعد انقضائها، كما في صحيحة الحجاج و رفاعة و ابن مسكان و غيرها، فهي و إن كانت مطلقة و تدل باطلاقها على عدم جواز الصوم في أيام التشريق و إن كان في مكة، إلّا أنه لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بصحيحتي معاوية المتقدمتين،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 547

و إذا لم يتمكن بعد الرجوع من منى صام في الطريق أو صامها في بلده أيضا (1) فالنتيجة في نهاية الشوط أنه لا يجوز الصيام في أيام التشريق في منى، و أما في غيره كمكة و نحوها فلا مانع منه.

(1) هذا هو الصحيح، و تدل عليه عدة من الروايات.

منها: صحيحة رفاعة بن موسى، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي، قال: يصوم قبل التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة، قلت: فانّه قدم يوم التروية، قال: يصوم

ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جمّاله، قال:

يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره، قلت:

يصوم و هو مسافر، قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا، انا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جل:- فصيام ثلاثة أيام في الحج- يقول في ذي الحجة» «1» فانها واضحة الدلالة على أنه يجوز أن يصوم هذه الأيام الثلاثة و هو مسافر.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك، قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق؟

قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله» «2».

و منها: صحيحته الأخرى، قال: «حدثني عبد صالح عليه السّلام، قال: سألته عن المتمتع ليس له اضحية، وفاته الصوم حتى يخرج، و ليس له مقام؟ قال: يصوم ثلاثة أيام في الطريق إن شاء، و إن شاء صام عشرة في أهله» «3» و قريب منها صحيحته الثالثة «4».

فان هذه الروايات واضحة الدلالة على أن من ليس بوسعه أن يقيم في

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 548

و لكن لا يجمع بين الثلاثة و السبعة (1)، مكة يصوم في الطريق أو في البلد.

و في مقابلها روايات تدل على عدم مشروعية صيام هذه الأيام في السفر.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: الصوم الثلاثة الأيام ان صامها فآخرها يوم عرفة، و إن لم يقدر على

ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله، و لا يصومها في السفر» «1».

و منها: صحيحة سليمان بن خالد، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام بمكة، و سبعة اذا رجع الى أهله، فإن لم يقم عليه اصحابه، و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام اذا رجع الى أهله» «2» فان سكوتها عن صيام هذه الأيام الثلاثة في الطريق رغم كونها في مقام البيان كاشف عن عدم مشروعيتها فيه، و منها غيرهما.

و لكن هذه الروايات لا تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة. أما صحيحة سليمان، فلأنها تدل على عدم مشروعية صيام هذه الأيام في السفر بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، فلا تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة التي هي ناصة في مشروعية صيام تلك الأيام في السفر. و أما صحيحة محمد بن مسلم فهي و إن كانت ظاهرة في عدم المشروعية، إلّا أنها أيضا لا تقاوم الروايات المتقدمة، باعتبار أنها ناصة في المشروعية، فاذن لا بد من تقديمها عليها بملاك الأنصية، فالنتيجة ان الصحيح مشروعية صيام هذه الأيام في السفر.

(1) هذا هو الظاهر، و تدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة، أ يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة أيام لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها و لا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 549

فان لم يصم الثلاثة حتى أهلّ هلال محرم سقط الصوم و تعين الهدي للسنة القادمة (1).

يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا» «1» بتقريب أن المكلف اذا فاته صوم هذه الأيام الثلاثة قبل يوم

العيد، و لم يصم بعد أيام التشريق لا في مكة، و لا في الطريق، و أراد أن يصوم في بلده، فعليه أن يصوم ثلاثة أيام متوالية، ثم بعد يوم أو يومين يصوم سبعة أيام كذلك، و لا يجوز الجمع بينهما، بأن يأتي بصوم عشرة أيام متتالية. نعم ورد في رواية علي بن الفضل الواسطي: «اذا قدم على أهله صام عشرة ايام متتابعات» «2» و لكن الرواية ضعيفة سندا، فان علي بن الفضل الواسطي لم يثبت توثيقه، فلا يمكن الاعتماد عليها.

و أما قوله عليه السّلام في صحيحة سليمان بن خالد: «فليصم عشرة أيام اذا رجع الى أهله» «3» فهو ناظر الى أصل وجوب صيام هذه الأيام العشرة في بلده إذا رجع، و أما أنه واجب متتابعا أو متفرقا، فلا نظر له من هذه الناحية أصلا. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم انه مطلق فلا بد من تقييد اطلاقه بصحيحة علي بن جعفر.

(1) هذا هو الأظهر، و تدل عليه صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم، فعليه دم شاة، و ليس له صوم، و يذبحه بمنى» «4».

قد يقال- كما قيل-: انه يجوز صوم هذه الأيام الثلاثة بعد انقضاء شهر ذي الحجة، و استدل على ذلك باطلاق جملة من الروايات.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 550

.......... منها: صحاح معاوية بن عمار المتقدمة آنفا.

و منها: صحيحة رفاعة بن موسى، فان مقتضى اطلاقها امتداد وقت صيام هذه الأيام الى ما بعد هلال شهر محرم، و لا يختص بذي الحجة.

و الجواب أولا: انه لا اطلاق لها من هذه الناحية، فانها في مقام بيان أن وظيفة من

لم يجد هديا أن يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، و إن فاته يصوم ثلاثة أيام بعد أيام التشريق في مكة، و إن لم يتمكن من ذلك بسبب او آخر فان شاء صام في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله، و لا نظر لها الى أن وقتها يمتد الى ما بعد انقضاء ذي الحجة.

و ثانيا: على تقدير تسليم أنها مطلقة، إلّا أن اطلاقها قد قيد بصحيحة منصور بن حازم التي تنص على عدم مشروعية الصوم بعد هلال محرم.

بقيت هنا صور:

الأولى: قد تسأل عن ان المكلف اذا نسي صوم هذه الأيام الثلاثة الى أن مضى شهر ذي الحجة، فهل تكون وظيفته الصيام في شهر محرم، أو الهدي في السنة القادمة؟

و الجواب: ان وظيفته الهدي في السنة القادمة، و ذلك لأن الواجب أولا على كل مكلف في حج التمتع من حجة الإسلام الهدي المتمثل في أحد الانعام الثلاثة، و موضع ذبحه منى، و وقته يمتد الى آخر ايام ذي الحجة، و حينئذ فاذا علم الحاج بعدم تيسر الهدي له في هذه الفترة الزمنية فوظيفته الصيام على الترتيب المتقدم بديلا عنه، و أما اذا لم يصم الى أن مضى ذي الحجة كاملا، و دخل هلال محرم انتهى وقت المبدل و البدل معا، و لا مقتضي حينئذ لوجوب الصيام عليه في شهر محرم، فانه اذا لم يأت بالمبدل أو البدل في شهر ذي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 551

.......... الحجة انتقلت وظيفته الى المبدل في السنة القادمة، حيث لا يحتمل أن يكون وقت البدل أوسع من وقت المبدل. بل صحيحة رفاعة و نحوها تنص على أن وقت صوم الأيام الثلاثة ذو الحجة، هذا.

اضافة

الى أن روايات المسألة كصحاح معاوية و سليمان بن خالد و غيرها لا اطلاق لها في أن وقته يمتد الى الشهور الآتية، لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية، بل هي في مقام بيان أن الحاج اذا لم يستطع المقام بمكة، فعليه إن شاء صامها في الطريق و إن شاء صامها في الأهل اذا رجع، و أما انه يصنع ذلك حتى بعد خروج الوقت فلا دلالة لها على ذلك.

و مع الاغماض عن هذا و تسليم أن لها اطلاقا، إلّا أنها لا تشمل هذه الصورة و هي صورة النسيان، لاختصاصها بمن لا يستطيع المقام بمكة.

نعم على هذا تقع المعارضة بين تلك الروايات و صحيحة منصور المتقدمة باعتبار أن مورد الروايات المذكورة مختص بمن لا يتمكن من البقاء في مكة بسبب من الاسباب، و عام بالنسبة الى خروج شهر ذي الحجة و عدم خروجه، و مورد صحيحة منصور مختص بخروج شهر ذي الحجة و دخول شهر محرم و عام بالنسبة الى من يتمكن من البقاء في مكة و من لا يتمكن، فاذن يقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو خروج شهر ذي الحجة بالنسبة الى من لا يتمكن من البقاء في مكة، فان مقتضى اطلاق تلك الروايات وجوب الصوم عليه، و مقتضى اطلاق الصحيحة وجوب دم شاة عليه يذبحه في منى دون الصوم فيسقطان معا، و يكون المرجع الآية الشريفة و الروايات.

الثانية: قد تسأل عن أن الحاج اذا ترك صيام هذه الأيام الثلاثة في تمام ذي الحجة عامدا و ملتفتا فلا شبهة في انه آثم، و حينئذ فهل يجب عليه الهدي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 552

.......... في السنة القادمة، أو الصوم

في الشهر الآتي؟

و الجواب: يجب عليه الهدي في السنة القادمة، لأن الصوم في الشهر الآتي بحاجة الى دليل، و ما دل على أن وقته ذو الحجة يدل على عدم وجوبه بعده، هذا. اضافة الى أن صحيحة منصور تشمل باطلاقها هذه الصورة.

الثالثة: قد تسأل عن ان المكلف اذا ترك صيام هذه الأيام الثلاثة الى نهاية ذي الحجة عن عذر كالمرض أو الحيض أو عدم صبر القافلة او غير ذلك، فهل يجب عليه أن يصوم تلك الأيام في شهر محرم، أو أن وظيفته الهدي في السنة القادمة؟

و الجواب: ان وظيفته الهدي في السنة القادمة، اما اولا: فلأن الروايات التي تنص على أن من لم يتمكن من صوم الأيام الثلاثة في مكة فعليه إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء صامها في البلد اذا رجع، فلا اطلاق لها بالنسبة الى حكم صوم تلك الايام بعد شهر ذي الحجة، لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية، و إنما هي في مقام بيان وظيفة من لم يتمكن من صيامها في مكة.

و أما ثانيا: فمع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها مطلقة من هذه الناحية، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بصحيحة رفاعة و غيرها مما يدل على أن وقت صيام تلك الأيام الثلاثة ذو الحجة، هذا. اضافة الى أن اطلاقها معارض باطلاق صحيحة منصور المتقدمة كما عرفت.

الرابعة: قد تسأل عن ان المكلف اذا صام ثلاثة أيام في الحج، فهل يجوز له أن يصوم سبعة أيام بعد ذي الحجة في بلده؟

و الجواب: يجوز له ذلك، لأنه مقتضى اطلاق الآية الشريفة و الروايات، بل الغالب في الأزمنة القديمة وصول الحجاج الى أوطانهم التي تبعد عن مكة

[مسألة 395: من لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه و صام ثلاثة أيام في الحج ثم تمكن منه

(مسألة 395): من

لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه و صام ثلاثة أيام في الحج ثم تمكن منه وجب عليه الهدي على الأحوط (1).

مئات الفراسخ بعد ذي الحجة.

الخامسة: قد تسأل عن ان المكلف اذا نسي صيام الأيام الثلاثة في مكة، و رجع الى بلده و تذكر في وقت يتمكن من الهدي فيه، فهل وظيفته حينئذ صيام تلك الأيام أو الهدي؟

و الجواب: ان وظيفته الهدي، فانه اذا تمكن منه في ذي الحجة، فلا يصل الدور الى الصيام، و تؤكد ذلك صحيحة عمران الحلبي، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسى أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع اذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: يبعث بدم» «1» بتقريب أنها تدل باطلاقها على أن وظيفته بعث الهدي و إن كان الحاج متمكنا من صوم الثلاثة في ذي الحجة.

السادسة: قد تسأل عن أن المكلف اذا صام الأيام الثلاثة في ذي الحجة، ثم مات في بلده اذا رجع و قبل أن يصوم السبعة، فهل يجب على وليه أن يقضي عنه بنفسه أو بالاستنابة؟

و الجواب: لا يجب على وليه أن يقضي عنه، لأنه بحاجة الى دليل، و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «انه سأله عن رجل تمتع بالعمرة و لم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد ما رجع الى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام، أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء» «2» تدل على عدم وجوبه عليه.

(1) بل على الأظهر، بيان ذلك: ان الكلام في هذه المسألة تارة يقع بحسب مقتضى القاعدة، و أخرى بحسب مقتضى النصوص.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 554

.......... أما

بحسب مقتضى القاعدة، فحيث ان الصوم بدل عن الهدي، فمقتضاها أن وجوبه منوط بعدم تمكنه من الهدي في تمام ذي الحجة على أساس أن وجوب البدل مشروط بالعجز عن المبدل في مجموع وقته، فاذا تمكن من الهدي فيه كان كاشفا عن أنه مأمور به من الأول، لا بالصوم اذ لا يصل الدور الى البدل مع التمكن من المبدل، و على هذا فاذا تمكن المكلف من الهدي حتى في العشرة الأخيرة من ذي الحجة، فإن كان بمقدوره من أن يذبح أو ينحر في منى مباشرة أو استنابة وجب عليه ذلك و إن كان بعد صيام الأيام الثلاثة.

و دعوى: ان قوله عليه السّلام في رواية أحمد بن عبد اللّه الكرخي: «يصبر الى يوم النحر، فان لم يصب فهو ممن لم يجد» «1» يدل على أن المعيار في وجوب الصوم و عدم وجوبه انما هو بوجدان الهدي و عدم وجدانه في يوم النحر، فان كان واجدا في ذلك اليوم فوظيفته الذبح أو النحر، و إن لم يكن واجدا فيه فوظيفته الصيام.

مدفوعة: اما أولا: فلأن الرواية ضعيفة بالارسال، فلا يمكن الاعتماد عليها.

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنها تامة سندا، إلّا أنها معارضة بالروايات التي تنص على أن وقت الهدي يمتد الى آخر ذي الحجة، و بما أن تلك الروايات موافقة لإطلاق الكتاب فلا بد من تقديمها عليها.

فالنتيجة ان مقتضى القاعدة وجوب الهدي عليه اذا وجده خلال شهر ذي الحجة و إن كان وجدانه بعد صيام ثلاثة أيام في مكة.

و أما بحسب مقتضى النصوص: فقد استدل على سقوط الهدي عن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 555

.......... المكلف اذا وجده بعد صيام الأيام الثلاثة بصحيحة أبي بصير

عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فان أيام الذبح قد مضت» «1» بدعوى أن المراد من يوم النفر فيها اليوم الرابع عشر بقرينة قوله عليه السّلام:

«فان أيام الذبح قد مضت» و المراد من أيام الذبح أيام التشريق و هي اليوم الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، و اطلاق يوم النفر عليه مع أن المعهود منه هو اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر انما هو باعتبار أن نفر الحجاج عن مكة الى أوطانهم غالبا يكون في ذلك اليوم، كما أن المراد من قوله عليه السّلام: «بل يصوم» هو استمرار الصوم في بلده بعد صيام ثلاثة أيام في مكة. و على هذا فالصحيحة تدل على أن المتمتع اذا لم يكن واجدا للهدي من الأول و صام ثلاثة أيام ثم وجد ثمن الهدي بعد أيام التشريق سقط عنه الهدي، و أن وظيفته الاتيان بصيام سبعة أيام في بلده.

و الجواب: ان هذه الصحيحة لا تصلح أن تعارض الروايات التي تدل على امتداد وقت الذبح الى نهاية ذي الحجة، و ذلك لأن لها دلالتين: دلالة ايجابية، و هي دلالتها على أن أيام التشريق هي أيام الذبح، و دلالة سلبية، و هي دلالتها على نفي أيام الذبح عن سائر أيام ذي الحجة، و الأولى بالنص، و الثانية بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و الصحيحة لا تعارض تلك الروايات في دلالتها الأولى لتوافقهما عليها، و أما في دلالتها الثانية فلا تصلح أن تعارضها على أساس أنها ناصة في امتداد وقت الذبح الى تمام شهر ذي الحجة،

فاذن لا بد من رفع اليد عنها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

[مسألة 396: إذا لم يتمكن من الهدي باستقلاله و تمكن من الشركة فيه مع الغير]

(مسألة 396): إذا لم يتمكن من الهدي باستقلاله و تمكن من الشركة فيه مع الغير فالأحوط الجمع بين الشركة في الهدي و الصوم على الترتيب المذكور (1).

و قد استدل على هذا القول برواية حماد بن عثمان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج، ثم أصاب هديا يوم خرج من منى، قال: أجزأه صيامه» «1» و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة، و تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن مقتضى القاعدة، إلّا أنها ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها، هذا. اضافة إلى أنها معارضة برواية عقبة بن خالد، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هديا، فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر، أ يشتري هديا فينحره، أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيام اذا رجع الى أهله؟ قال: يشتري هديا فينحره و يكون صيامه الذي صامه نافلة له» «2» فانها ناصة في أنه اذا تيسر للمكلف هدي بعد صيام الأيام الثلاثة كان كاشفا عن كون صيام تلك الأيام نافلة، و وظيفته الهدي، فاذن تصلح أن تعارض الرواية المتقدمة، و لكن بما أن كلتا الروايتين ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد على شي ء منهما.

(1) بل الأظهر الصوم، للروايات التي تنص على أن من لم يجد هديا فوظيفته صيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة اذا رجع الى أهله، فان مقتضى اطلاقها أن ذلك وظيفته و إن كان متمكنا من الشركة في الهدي مع غيره، و على ذلك فهذه الروايات تصلح أن تعارض صحيحة عبد

الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد، و قد اجتمعوا في مسيرهم، و مضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا

[مسألة 397: إذا اعطى الهدي أو ثمنه أحدا فوكّله في الذبح عنه ثم شك في أنه ذبحه أم لا]

(مسألة 397): إذا اعطى الهدي أو ثمنه أحدا فوكّله في الذبح عنه ثم شك في أنه ذبحه أم لا بنى على عدمه (1).

نعم، إذا كان ثقة و أخبره بذبحه اكتفى به.

[مسألة 398: ما ذكرناه من الشرائط في الهدي لا تعتبر فيما يذبح كفارة]

(مسألة 398): ما ذكرناه من الشرائط في الهدي لا تعتبر فيما يذبح كفارة، و ان كان الأحوط اعتبارها فيه (2).

بقرة؟ قال: لا أحب ذلك إلّا من ضرورة» «1» بتقريب أن الصحيحة مطلقة من جهة أن حجهم كان حجة الإسلام، أو مندوبا. ثم ان هذه المعارضة بينهما تكون بالعموم من وجه، فان مورد افتراق تلك الروايات من لم يتمكن من الهدي حتى بنحو الشركة، و مورد افتراق الصحيحة الحج المندوب، و مورد الالتقاء بينهما من تمكن من الشركة في الهدي مع غيره في حج التمتع من حجة الإسلام، فان مقتضى اطلاق الصحيحة أن وظيفته الشركة مع غيره، و مقتضى اطلاق تلك الروايات أن وظيفته في هذه الحالة الصيام، و حيث إن اطلاق هذه الروايات موافق لإطلاق الكتاب فلا بد من تقديم اطلاقها على اطلاق الصحيحة و ترجيحه عليه، أو يكون اطلاق الآية الشريفة و الروايات مرجعا بعد سقوطهما بالمعارضة.

(1) للاستصحاب، و لا يكون هناك أصل يقتضى أنه قام بالذبح نعم اذا كان ثقة، كان اخباره بالذبح حجة من باب حجية اخبار الثقة.

(2) لعدم الدليل، و مقتضى اطلاقات أدلة وجوب الكفارات عدم اعتبار شي ء فيه عدا صدق الاسم، فان كانت الكفارة شاة كفى ذبحها، و إن كانت خصية أو مهزولة أو مكسورة القرن من الداخل أو غيرها من العيوب.

[مسألة 399: الذبح الواجب هديا أو كفارة لا تعتبر المباشرة فيه

(مسألة 399): الذبح الواجب هديا أو كفارة لا تعتبر المباشرة فيه، بل يجوز ذلك بالاستنابة في حال الاختيار أيضا، و لا بد أن يكون الذابح مسلما و أن تكون النية مستمرة من صاحب الهدي إلى الذبح و لا يشترط نية الذابح و ان كانت أحوط و أولى (1)، كما لا بد من أن يكون الذابح مسلما.

(1) هذا هو

الصحيح و ذلك لأمور:

الأول: السيرة القطعية الجارية بين الحجاج على عدم مباشرة كل حاج الذبح أو النحر بنفسه، بل ان كثيرا منهم لا يعرفون الذبح، فلو كانت المباشرة واجبة لشاعت بين المسلمين، و لأشير الى اعتبارها في الروايات البيانية و غيرها، حيث ان اعتبار قيد المباشرة يكون على خلاف الارتكاز.

الثاني: انه قد ورد في عدة من الروايات الأمر بالتوكيل فيه، منها الروايات التي تنص على ترخيص النساء و الشيوخ و الضعفاء بالافاضة من المشعر ليلا، فانه قد ورد فيها الأمر بالتوكيل في الذبح اذا كان عليهن ذبح، و من الواضح ان العرف لا يفهم منها خصوصية لموردها، بل يفهم منها ان التوكيل فيه يكون على القاعدة، و لا يحتاج الى دليل خاص عدا كون العمل قابلا للتوكيل الذي هو معنى حرفي.

الثالث: ان المتفاهم العرفي من الروايات الآمرة بالذبح أو النحر الأعم من أن يكون بالمباشرة أو بالتسبيب كغيره من الافعال التي تصدر من الشخص تارة بالمباشرة و أخرى بالتسبيب، بل هو الغالب في الخارج. فالنتيجة انه لا شبهة في كفاية التوكيل في الذبح أو النحر.

و انما الكلام في نية القربة، و هل تكفي نية الذابح فحسب؟ أو أنه لا قيمة لها، على أساس أن العامل معنى حرفي و لا يكون مأمورا بالذبح، و انما قام به حسب أمر الآمر و طلبه، فيكون حاله من هذه الناحية كالعامل الذي يباشر بتأسيس المسجد أو المدرسة أو الحسينية حسب أمر الباني و المؤسس، و من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 559

.......... المعلوم أنه لا دخل لقصد العامل القربة من قبل الآمر في ذلك العمل القربي، فان الآمر إن قصد القربة فيه أثاب و إن لم يقصدها العامل،

و إلّا لم يثب و إن قصدها العامل. و النكتة في ذلك ان العامل معنى حرفي، و العمل منسوب الى الآمر دونه، فاذا كان منسوبا اليه حقيقة و كان قربيا فعليه أن يقصد القربة، بدون فرق بين أن يكون صادرا منه مباشرة أو بالوكالة، باعتبار أن العمل على كلا التقديرين مستند اليه واقعا، و على هذا فاذا كان الذابح في المقام وكيلا من قبل الآمر بالذبح عنه، و أداة لإنجاز ذلك وكالة فيكون الآمر هو الذابح حقيقة، و يجب عليه أن ينوي القربة عند التوكيل.

و بكلمة: ان الذبح أو النحر في منى حيث إنه عبادة كسائر أعمال الحج و مناسكه، فمن يكون مأمورا بالاتيان به مباشرة أو وكالة فعليه أن يقصد القربة و الاخلاص فيه دون الوكيل، فانه اجنبي عن العمل، و لا يكون مأمورا به.

و دعوى: ان الوكيل ينوي القربة فيه من قبل الآمر و وكالة عنه لا من قبل نفسه حتى يقال انه لا يكون مأمورا بالذبح.

مدفوعة: بأن نية القربة غير قابلة للتوكيل، و ما هو قابل له الفعل الخارجي كالذبح أو النحر أو بناء المسجد أو المدرسة أو نحو ذلك، و على هذا فمن يكون مأمورا بهذا الفعل العبادي فعليه أن ينوي القربة عند ممارسته العمل مباشرة أو بالوكالة. نعم ان النائب يختلف عن الوكيل من هذه الناحية، فان العمل الصادر عن النائب عمل له حقيقة، لا للمنوب عنه، غاية الأمر انه عند القيام بذلك العمل ينوي النيابة عنه، فاذا قام به بعنوان النيابة سقط العمل عن ذمة المنوب عنه، و من هنا تكون صحة النيابة في كل مورد بحاجة الى دليل، حيث ان سقوط العمل عن ذمة شخص بفعل آخر يكون

على خلاف القاعدة، و هذا بخلاف الوكالة، فان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 560

.......... صحتها في كل عمل قابل للتوكيل تكون على القاعدة فلا تحتاج الى دليل.

و بكلمة: ان النائب معنى اسمي مستقل في عمله، غاية الأمر أنه ينوي النيابة فيه عن غيره، فمن أجل ذلك اذا كان العمل قربيا وجب عليه أن ينوي القربة فيه، و هذا بخلاف الوكيل فانه معنى حرفي في العمل الصادر منه.

فالنتيجة: ان النيابة في كل مورد بحاجة الى دليل، سواء أ كانت من الحي أم الميت، و حيث لم يرد في روايات باب الذبح أو النحر الأمر بالنيابة كما ورد الأمر بها في باب الطواف و صلاته و السعي و الرمي، بل ورد فيه الأمر بالتوكيل، فلذلك يكون حال الوكيل في الذبح أو النحر حال العامل المأمور ببناء المساجد و المدارس و الجامعات، و على هذا الأساس لا يعتبر في الذابح أن يكون مؤمنا، بل يكفي أن يكون مسلما، و أما في النائب فيعتبر فيه أن يكون مؤمنا، و لا يكفي اسلامه وحده، بناء على أن الايمان معتبر في صحة العبادة. و من هنا لا تصح نيابة المخالف في باب الطواف و السعي و الرمي و ما شاكل ذلك، و لا مانع من توكيله في باب الذبح أو النحر.

[مصرف الهدي
اشارة

مصرف الهدي الأحوط أن يعطى ثلث الهدي الى الفقير (1) المؤمن (2) صدقة

(1) في التثليث اشكال، بل منع، فان الواجب على الحاج أن يطعم الفقير من ذبيحته، لقوله تعالى: وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ

بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ «1» فانه يدل على وجوب اطعام الفقير من الهدي بدون الدلالة على التحديد و تعيين مقدار الاطعام منه، و أما صحيحة سيف التمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: ان سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقى أبي فقال: إني سقت هديا، فكيف أصنع؟

فقال له أبي: أطعم اهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعتر ثلثا و أطعم المساكين ثلثا، فقلت: المساكين هم السؤّال؟ فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما ارسلت اليه من البضعة فما فوقها، و المعتر ينبغي له اكثر من ذلك، و هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك» «2» فلا تدل على تقسيم الهدي اثلاثا.

أما أولا: فلأنّ موردها الهدي في حج القران، و محل الكلام في هدي حج التمتع من حجة الإسلام.

و ثانيا: انه لا يجب على الحاج أن يطعم أهله ثلثا من هديه، لأن قوله عليه السّلام:

«أطعم أهلك ثلثا» لا يكون ظاهرا في الوجوب، بقرينة أنه يظهر من سؤال السائل أنه لا يجوز أن يصرف منه على نفسه و أهله، فيكون الأمر به واردا في مقام توهم الحظر، فلا يدل على الوجوب، فاذن لا دليل على وجوب التثليث.

(2) الأظهر عدم اعتبار الايمان في الفقير، اذ لا دليل عليه ما عدا دعوى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 562

.......... الاجماع على اعتباره، و لكن قد ذكرنا غير مرة أنه لا طريق لنا الى ثبوت الاجماع بين فقهائنا المتقدمين الذين يكون عصرهم متصلا بعصر اصحاب الائمة عليهم السّلام في نهاية المطاف، حيث لا قيمة للإجماع بين المتأخرين اذا لم يكن بين المتقدمين، هذا. اضافة الى احراز انه اجماع تعبدي لا يمكن، لعدم الطريق

الى ذلك، فاذن يكون المرجع فيه اطلاق الآية الشريفة، و مقتضاه عدم اعتباره، و تدل عليه أيضا صحيحة هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان علي بن الحسين عليه السّلام كان يطعم من ذبيحته الحرورية، قلت: و هو يعلم أنهم حروريّة، قال: نعم» «1» مع أنهم من الخوارج.

فالنتيجة أنه لا يشترط في الفقير الايمان، و لا في القانع و المعتر اذا كان في مقابل الفقير و إن كانت مراعاة الاحتياط أولى و أجدر، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان الوارد في الآية الشريفة اطعام البائس الفقير، و كذلك في الرواية، فيكون المأمور به عنوان الاطعام، و هو لا يصدق عرفا على تملك الحاج للثلث وكالة عنه، و على هذا فلا يكفي أن يأخذ الحاج الوكالة من فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ على تملك ثلثه ثم يتصرف فيه ما شاء، اذ لا يصدق عليه عنوان الاطعام الذي هو المأمور به في الكتاب و السنة، و كذلك الحال بالنسبة الى القانع و المعتر اذا كان المراد منهما غير الفقير.

قد تسأل عن أن ذلك اذا لم يكف، فما هو العلاج لهذه المسألة و حلها، و لا سيما في هذا العصر؟

و الجواب: ان الحاج اذا وجد فقيرا في منى و إن لم يكن مؤمنا وجب عليه أن يعطي حصته من الهدي، و إلّا سقط عنه، و لا يكون ضامنا أيضا، لأن الظاهر

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 563

و يعطى ثلثه الى المؤمنين هدية (1)، و أن يأكل من الثلث الباقي له (2).

من الآية الشريفة أن وجوب الإطعام تكليفي لا وضعي و إن كان الأولى و الأجدر به أن يدفع قيمة الثلث الى فقير.

(1) الاقوى

عدم وجوب ذلك، و على تقدير الوجوب فلا يشترط في المهدى اليه الايمان. فهاهنا مسألتان:

الأولى: انه لا دليل على وجوب اهداء الثلث الى المؤمنين إلّا دعوى دلالة الآية الشريفة على ذلك، بتقريب ان المراد من القانع و المعتر فيها الغني، في مقابل البائس الفقير.

و لكن هذه الدعوى لا أصل لها، لأن الآية الشريفة غير ظاهرة في تلك الدعوى، بل لا يبعد القول بأن المراد من القانع و المعتر في الآية الفقير، مع الفرق بين الفقير القانع و الفقير المعتر، لأن ذلك مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، و هو المشهور بين الأصحاب، أو لا أقل من اجمال الآية، فاذن لا دليل على وجوب تثليث الهدي و اهداء ثلث منه الى المؤمن.

الثانية: و مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أن الآية الشريفة ظاهرة في أن المراد من القانع و المعتر غير البائس الفقير، إلّا أنه لا دليل على اعتبار الايمان في المهدى اليه، لأن الآية الشريفة لا تدل على اعتبار الايمان فيهما، بل مقتضى اطلاقهما عدم اعتباره، و لا يوجد دليل آخر عليه أيضا.

فالنتيجة انه لا دليل على التثليث، و على تقدير وجوبه فلا دليل على اعتبار الايمان في المهدى اليه.

(2) الأظهر أنه لا يجب على الحاج أن يأكل شيئا من الهدي، و انما يرخص له في ذلك، و لكن ذهب جماعة الى وجوب ذلك، و قد قواه السيد الاستاذ قدّس سرّه، و استدل عليه بالكتاب و السنة، اما الكتاب فقوله عز و جل: فَكُلُوا مِنْها بدعوى أن الأمر بالأكل منها ظاهر في الوجوب، و لا موجب لحمله على

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 564

.......... الاستحباب، فانه بحاجة الى قرينة و لا قرينة عليه.

و الجواب:

ان الظاهر من الأمر بالأكل في الآية الشريفة أنه وارد في مقام توهم الحظر، حيث ان ما يذكرون اسم اللّه تعالى عليه من البهيمة في أيام معلومات، و هي أيام التشريق في منى، فقد يخطر في بال الحاج أنه لا يكون مرخصا في الأكل من ذبيحته كالفداء أو الكفارة أو غيرها، من جهة أن الهدي واجب مالي عليه كسائر الواجبات المالية، و من هنا يظهر الجواب عن صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم، كما قال اللّه: فكلوا منها و اطعموا القانع و المعتر- الحديث»»

فان حالها حال الآية الشريفة فلا تدل على الوجوب. و اما صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: انهما قالا: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة، فأمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فطبخت فأكل هو و علي و حسوا من المرق- الحديث» «2» فهي أيضا لا تدل على وجوب الأكل لأمرين:

أحدهما: أن من المحتمل قويا أن يكون أمره صلّى اللّه عليه و آله مرتبطا بشئونه الشخصية، لا أنه أمر صادر منه بصفة التشريع.

و الآخر: أنه في مقام رفع توهم الحظر، و لا أقل من احتمال ذلك. و بذلك يظهر حال الروايات البيانية.

فالنتيجة الأظهر انه لا يجب على الحاج أن يأكل من ذبيحته و إن كانت رعاية الاحتياط أولى و أجدر.

و من هنا يظهر ان تقسيم الهدي ثلاثيا أو ثنائيا غير واجب، و لا مانع حينئذ

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 565

.......... من اعطاء الهدي كله للفقراء و إن كان الأولى و الأجدر ان ينوي

اعطاء قسم منه لهم بعنوان الهدية، لما مر من أن المراد من القانع و المعتر في الآية الشريفة لو لم يكن الفقير فلا شبهة في أن المراد منهما الأعم منه و من الغني.

قد يقال- كما قيل-: ان صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: سقت في العمرة بدنة فاين أنحرها؟ قال: بمكة، قلت: أيّ شي ء اعطي منها؟ قال: كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث» «1» تدل على التثليث.

و الجواب: انه يظهر منها ان السائل يعلم بوجوب اعطاء مقدار من الذبيحة الى غيره، و لكن بما أنه لا يعلم ذلك المقدار بالتحديد، فمن أجل ذلك سأل الامام عليه السّلام عنه، و أجاب عليه السّلام: «كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث» و عليه فقوله عليه السّلام:

«كل ثلثا» يدل على أن ما يجوز لك من الذبيحة هو الثلث دون اكثر منه، و لا يدل على الوجوب، باعتبار أن السائل يعلم اجمالا بجواز تصرفه فيها في الجملة، و لكن لا يدري مقدار ما يسوغ له التصرف فيه، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان الصحيحة لا تدل على أن المهدى اليه لا بد أن يكون غنيا، لأنها ساكتة عن ذلك، و لا يكون المهدى اليه مذكورا فيها، و مجرد جعل الاهداء في مقابل الصدقة لا يدل على ذلك، لوضوح أن فقر شخص لا يكون مانعا عن صدق الإهداء، و يمكن ان يكون المراد من المهدى اليه في الصحيحة هو القانع و المعتر بقرينة قوله عليه السّلام في صحيحة سيف التمار المتقدمة «أطعم اهلك ثلثا و أطعم القانع و المعتر ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا- الحديث».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 566

و لا

يجب اعطاء ثلث الهدي الى الفقير نفسه (1)، بل يجوز الاعطاء إلى وكيله و ان كان الوكيل هو نفس من عليه الهدي، و يتصرف الوكيل فيه حسب اجازة موكله من الهبة أو البيع أو الاعراض أو غير ذلك، و يجوز اخراج لحم الهدي و الاضاحي من منى (2).

[مسألة 400: لا يعتبر الافراز في ثلث الصدقة و لا في ثلث الهديّة]

(مسألة 400): لا يعتبر الافراز (3) في ثلث الصدقة و لا في ثلث الهديّة، فلو تصدق بثلاثة المشاع و أهدى ثلاثة المشاع، و أكل منه شيئا أجزأه ذلك.

(1) في عدم الوجوب إشكال، و الأظهر الوجوب، لما مر من أن المأمور به في الكتاب و السنة انما هو عنوان الإطعام للبائس الفقير و القانع و المعتر، و هو لا ينطبق عرفا على إنشاء تمليك الحاج في منى لثلث الهدي وكالة لفقير غير موجود فيها و لا يحصل على شي ء من الهدي.

و بكلمة: ان الظاهر من الأمر باطعام الفقير من الذبيحة في الآية الكريمة و غيرها عرفا اعطاؤه من نفس الذبيحة خارجا، و حصوله على شي ء منها فعلا لا عينا و لا قيمة، و من المعلوم أنه لا يصدق على مجرد إنشاء تمليك الحاج ثلثها لفقير يبعد عن منى و لا يحصل على شي ء منها.

(2) تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن اخراج لحوم الأضاحي من منى، فقال: كنا نقول: لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس اليه، فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه» «1» و هذه الصحيحة حاكمة على جميع الروايات التي تنص على عدم جواز اخراج لحوم الأضاحي من منى، و مفسرة للمراد من تلك الروايات.

(3) قد تسأل أنه على تقدير وجوب التثليث، هل يجب الافراز؟

و الجواب: لا

يجب، لعدم الدليل.

[مسألة 401: يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرف فيما قبضه كيفما شاء]

(مسألة 401): يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرف فيما قبضه كيفما شاء، فلا بأس بتمليكه غير المؤمن أو غير المسلم.

[مسألة 402: اذا ذبح الهدي فسرق أو أخذه متغلب عليه قهرا قبل التصدق و الاهداء فلا ضمان على صاحب الهدي

(مسألة 402): اذا ذبح الهدي فسرق أو أخذه متغلب عليه قهرا قبل التصدق و الاهداء فلا ضمان على صاحب الهدي، نعم، لو أتلفه هو باختياره و لو باعطائه لغير أهله ضمن الثلثين على الأحوط (1).

(1) في الضمان اشكال، بل منع، لعدم الدليل عليه، لأن المستفاد من الآية الشريفة و الروايات عرفا، ان وجوب اطعام الفقير وجوب تكليفي محض، من دون كون الذبيحة متعلقة لحقه، نظير الفدية و الكفارة، فان وجوبها تكليفي صرف لا الأعم منه و من الوضعي، و على هذا فالحاج اذا كان متمكنا من اطعام الفقير من ذبيحته، و مع ذلك ترك اطعامه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لم يضمن، و انما اعتبر آثما و عاصيا.

و دعوى: أن كل مال له مصرف خاص اذا لم يصرفه فيه عامدا و ملتفتا فعليه ضمانه، نظير الأموال التي بذلت للمواكب الحسينية، فان تلك الأموال و إن كانت تخرج عن ملك أصحابها و لكن اذا لم تصرف في مصرفها الخاص من قبل من كانت بيده عامدا و ملتفتا الى أن تلفت، فعليه ضمانه بقاعدة اليد، و ما نحن فيه من هذا القبيل.

مدفوعة: بأن قياس المقام بالأموال المذكورة قياس مع الفارق.

اما أولا: فلأن تلك الاموال قد اصبحت ملكا للجهة الحسينية بعد خروجها عن ملك اصحابها.

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، فلا شبهة في أنها متعلقة لحق تلك الجهة، فاذن لا يتوقف ضمانها على قاعدة اليد، بل ضمانها من جهة اتلاف مال الغير أو حقه، و أما ثلث الهدي فلا يكون ملكا للفقير، و لا متعلقا لحقه،

بل هو ملك لصاحبه، غاية الأمر يجب عليه أن يطعم منه بمقدار ثلثه للفقير، و اذا لم يطعم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 568

.......... فقد عصى و أثم، لا أنه ضامن فالنتيجة ان قياس الهدي بتلك الأموال مع الفارق.

و لمزيد من التعرف على نتائج مسألة الهدي تطبيقيا نذكر أمورا:

الأول: ان موضع الذبح أو النحر من الناحية الزمانية النهار، فلا يجزي في الليل حتى من الجاهل و الناسي و الضعفاء و يستثنى من ذلك الخائف فقط.

الثاني: ان موضعه من الناحية المكانية منى، نعم اذا ذبح في غير منى نسيانا أو معتقدا جوازه فيه أو متخيلا بأن الموضع الذي يذبح فيه من منى، فالأظهر اجزاء ذبحه.

الثالث: ان موضعه من الناحية التسلسلية بعد رمي جمرة العقبة، و إن قدّمه على الرمي جاهلا او نسيانا صحّ، و لا تجب الاعادة بعد الاتيان بالرمي، بل لا يبعد الصحة حتى اذا كان التقديم عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي و إن اعتبر آثما و الاعادة حينئذ كانت احوط و أجدر.

الرابع: الأظهر أن وجوب تسلسل مناسك منى تكليفي، لا الأعم منه و من الوضعي، فلو قدم ما ينبغي تأخيره، أو أخر ما ينبغي تقديمه عامدا و ملتفتا و ان اعتبر آثما، و لكن لا تبعد صحته، و إن كانت الاعادة أحوط.

الخامس: اذا ضاقت منى بالناس، و تعذر الذبح فيها، جاز للحاج أن يذبح في وادي محسر، لأن رقعة منى حينئذ تتسع شرعا فتشمل الوادي، و إذا تعذر الذبح فيه أيضا لسبب من الأسباب، جاز له أن يذبح في مكة أو غيرها، هذا شريطة أن لا يتمكن من التأخير و الذبح في منى، و إلّا وجب.

السادس: اذا أخر الذبح عن يوم العيد

لسبب من الاسباب، لا يجب عليه تأخير الحلق أو التقصير، بل يجوز له أن يحلق أو يقصر في يوم العيد.

السابع: اذا شك في مكان أنه من منى، فان كانت الشبهة موضوعية وجب

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 569

.......... الاحتياط تطبيقا لقاعدة ان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، و إن كانت الشبهة مفهومية بأن يكون مفهوم منى مرددا بين السعة و الضيق، باعتبار أن حدود منى عرضا غير معلومة، و ان كانت طولا محددة، فاذا شك في نقطة عرضا أنها من منى أو لا، كان الشك يرجع الى الشك في التكليف بين الأقل و الأكثر، و ليس من الشك في الامتثال، و كان من موارد اجمال المخصص، فيكون المرجع فيه عموم العام إن كان، و إلّا فاصالة البراءة عن التقييد الزائد، و نتيجة ذلك جواز الذبح في نقاط يشك كونها من منى بالشبهة المفهومية.

الثامن: ان في حج التمتع من حجة الإسلام لا يكفي هدي واحد إلّا عن شخص واحد، و لا يجوز أن يشترك اثنان يقومان بهذا الحج بهدي واحد، نعم يجوز الاشتراك في المستحب.

التاسع: ان يكون الهدي تام الأعضاء، فلا يجزي الأعور و الأعرج و الخصي و المقطوع اذنه و المكسور قرنه من الداخل، و أن لا يكون مهزولا عرفا.

ثم ان شرطية سلامة الحيوان من العيوب غير الهزال واقعية، فلو كان الهدي معيوبا في الواقع، و ذبحه جاهلا بالعيب أو ناسيا لم يجز إلّا اذا كان عاجزا عن غيره، و أما شرطية السمن فهي علمية، فلو كان الهدي مهزولا في الواقع و ذبحه معتقدا بأنه سمين صح.

العاشر: اذا اشترى الهدي و كان به عيب عوراء أو غيره، فان نقد ثمنه صح، و إلّا فعليه

أن يرده.

الحادي عشر: ان اعتبار ان يكون الهدي واجدا للشروط، و عدم كفاية ما تيسر له انما هو في فرض تمكن المكلف من الواجد، و إلّا أجزأ الفاقد.

الثاني عشر: اذا ملك هديه بالهبة أو الشراء واجدا للشروط، ثم أصابه عيب لم يضر، و كفى ذبحه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 570

.......... الثالث عشر: اذا فقد الهدي أو سرق و لم يجده الى يوم النحر، و اشترى مكانه هديا آخر، ثم وجد الأول فان كان قبل ذبح الأخير، فعليه أن يذبح الأول، و في الثاني مخير بين أن يذبحه أو يبيعه، و إن كان بعد ذبحه فعليه أن يذبح الأول أيضا، على أساس أن الحاج اذا عين هديا من الانعام الثلاثة تعينت، و اشتغلت ذمته به، و لا يصل الدور حينئذ الى بدله، إلّا اذا تعذر المبدل في مجموع الوقت، اي من يوم العيد الى آخر ذي الحجة، و اذا وجده غيره وجب عليه التعريف أولا، فان لم يجد صاحبه ذبحه من قبل صاحبه في منى، فاذا فعل ذلك أجزأ.

الرابع عشر: اذا عين هديا في أحد الانعام الثلاثة تعين، و لا يجوز تبديله بغيره، إلّا اذا كان غيره أفضل، كما اذا كان سمينا او كان اكبر.

الخامس عشر: ان من لم يجد الهدي، و وجد ثمنه، فعليه أن يودع ثمنه عند بعض أهل مكة المؤتمن حتى يشتري له الهدي و يذبح عنه، فان لم يجد الى أن مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى العام القادم.

السادس عشر: إن من لم يتمكن من الهدي في تمام ذي الحجة، فوظيفته الصيام ثلاثة أيام في مكة و سبعة اذا رجع الى أهله، و أما اذا تيسر له الهدي خلال أيام التشريق

أو بعدها الى آخر ذي الحجة فوظيفته الهدي دون الصيام، لأن وجوب الصيام بما أنه بديل له فلا محالة يكون منوطا بتعذره في طول ذي الحجة، و إلّا فلا يصل دوره حتى اذا صام الأيام الثلاثة في مكة.

السابع عشر: يجوز تقديم صيام ثلاثة أيام من أول ذي الحجة، شريطة أن يكون ذلك بعد تلبّسه باحرام عمرة التمتع الى الحج.

الثامن عشر: يجب التتابع في صيام الأيام الثلاثة مطلقا و في تمام الحالات التالية:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 571

.......... 1- في اليوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجة.

2- بعد أيام التشريق.

3- في الطريق.

4- في البلد اذا رجع. و كذلك يعتبر التتابع في صيام السبعة أيضا، و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة.

التاسع عشر: ان من كان له مقام بمكة، و أراد أن يصوم السبعة، فعليه أن يصبر إما بقدر مسيره الى بلده، أو شهرا كاملا، و لا يجوز له أن يصوم قبل ذلك.

العشرون: إن من لم يصم ثلاثة أيام في مكة جاز له أن يصوم الأيام الثلاثة في الطريق الى بلده، أو في البلد اذا رجع.

الحادي و العشرون: ان من كان متمكنا من صيام الأيام الثلاثة المتمثلة في اليوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجة، لم يجز له التأخير عامدا و ملتفتا الى ما بعد أيام التشريق، كما انه اذا كان متمكنا من صومها بعد أيام التشريق في مكة لم يسع له أن يتركه فيها اختيارا و يصوم في الطريق أو في بلده اذا رجع.

الثاني و العشرون: لا يجوز الصيام في أيام التشريق و هى اليوم الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة لمن كان متواجدا في منى

لممارسة مناسك الحج.

و قد تسأل عن أنه هل يجوز لغير الحاج أن يصوم هذه الأيام الثلاثة من ذي الحجة؟

و الجواب: ان الجواز غير بعيد، و إن كان الأحوط و الأجدر به أن لا يصوم.

الثالث و العشرون: يجوز للحاج أن يوكل غيره في الذبح أو النحر، و لكن يجب عليه أن ينوي القربة فيه عند المباشرة، أو عند التوكيل، و لا تكفي نية القربة عن الوكيل، لأنه أجنبي عن العمل.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 572

.......... الرابع و العشرون: ان الوكيل في الذبح أو النحر اذا كان مسلما صح، و لا يعتبر فيه الايمان، و أما في النائب فيعتبر فيه الايمان، و لا يكفي مجرد اسلامه.

الخامس و العشرون: ان الوكيل ينوي العمل من قبل غيره بما هو معنى حرفي، فلذلك يكون العمل مستندا الى الآمر و الموكل حقيقة دونه، و النائب ينوي العمل نيابة عن غيره بما هو معنى اسمي فلهذا لا يستند العمل الى المنوب عنه.

السادس و العشرون: الأظهر عدم وجوب تثليث الهدي على الحاج، بأن يجعل ثلثه لنفسه، و ثلثه للمؤمن، و ثلثه للفقير، فان هذا و إن كان معروفا، و لكن لا يمكن اتمامه بدليل، و على هذا الأساس فلا يجب على الحاج أن يأكل من ذبيحته، و انما يرخص له في ذلك، و يجب عليه أن يطعم الفقراء منها اذا تمكن من ذلك، و لا يشترط في الفقير هنا الايمان، لعدم الدليل على اعتباره فيه، بل الدليل على عدم الاعتبار موجود.

السابع و العشرون: ان المأمور به في الآية الشريفة و غيرها اطعام الفقير في منى، و هو لا ينطبق عرفا على تقبل الحاج للثلث نيابة عن فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ

و لا يحصل على شي ء من الذبيحة اذ الاطعام لا يصدق على مجرد إنشاء التمليك.

الثامن و العشرون: ان وجوب اطعام الفقير على الحاج من ذبيحته في منى وجوب تكليفي دون الأعم منه و من الوضعي، فلو ترك اطعام الفقير منها عامدا و ملتفتا لم يضمن و إن اعتبر عاصيا.

[6- الحلق و التقصير]

اشارة

الحلق و التقصير و هو الواجب السادس من واجبات الحج (1)، و يعتبر فيه قصد القربة (2) و ايقاعه في النهار على الأحوط (3) (1) لا شبهة في أصل وجوب الحلق أو التقصير في منى، و تدل عليه الآية الكريمة، و هي قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ «1».

و أما الروايات التي تنص عليه فهي كثيرة تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا.

(2) قد تقدم أنه تجب النية في كل عبادة، و هي عبارة عن نية القربة و الاخلاص بمعنى عدم ضميمة الرياء، و قصد اسمها الخاص المميز لها شرعا، و صورتها في المقام: أحلق أو أقصر في حج التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى مخلصا لوجهه الكريم، و إن كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و إن كان الحج مندوبا أسقط كلمة حجة الإسلام.

(3) أي نهار العيد، و هذا و إن كان معروفا و مشهورا إلّا أن اثباته بدليل مشكل، و قد يستدل على ذلك بصحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له؟ قال كل شي ء إلّا النساء، و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء إلّا النساء و الطيب» «2» بدعوى أن حكمه

عليه السّلام بحلية كل شي ء له إلّا النساء و الطيب في يوم العيد بدون تعليق

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 574

من دون فرق بين العالم و الجاهل، و الأحوط تأخيره عن الذبح و الرمي (1)، الحكم بالحلية بالحلق فيه، يدل على وقوع الحلق في ذلك اليوم، و لكن للمناقشة فيه مجال، لأن من المحتمل قويا أن يكون حكمه عليه السّلام بحلية كل شي ء له في يوم العيد عدا الطيب و النساء مبنيا على ما جرت عليه عادة الحجاج و تقاليدهم من الاتيان بتمام اعمال منى و مناسكه يوم العيد، و لا يؤخرونها عامدا و ملتفتا إلّا اذا كان هناك مانع، فاذن لا يدل ذلك على وجوب ايقاع الحلق او التقصير يوم العيد، و عدم جواز تأخيره.

و بكلمة: انه يظهر من حال السائل ان سؤاله متجه الى أي شي ء يحل لمن أتى بمناسك منى من رمي جمرة العقبة و الذبح و الحلق يوم العيد، أجاب الامام عليه السّلام: «كل شي ء إلّا النساء و الطيب» اذا كان متمتعا، و من الواضح أنه لا اشعار فيه بأن اتيانه بالحلق انما هو لوجوبه عليه في هذا اليوم، و عدم جواز تأخيره عنه عامدا و عالما باعتبار أن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الناحية.

فالنتيجة ان مقتضى القاعدة جواز تأخير الحلق أو التقصير عن يوم العيد عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط، و من هنا يظهر أنه لو نسي الحلق في يوم العيد، أو لم يتمكن منه، أو كان جاهلا بالحكم و أخر الى آخر أيام التشريق و أتى به فيه كفى بلا اشكال.

(1) تقدم ان موضع الحلق أو التقصير من

ناحية تسلسل الاحكام متأخر عن موضع الذبح و الرمي تكليفا لا وضعا، فلو حلق أو قصر عامدا و ملتفتا قبل الذبح أو الرمي، فالأظهر صحته، و لا تجب عليه اعادته بعد الرمي أو الذبح و إن كانت الاعادة أحوط، حيث إنه لا دليل على أن موضعه متأخر عنهما وضعا أيضا، لأن السيرة الجارية بين الحجاج على التأخير لا تدل على أنه معتبر في صحته، اذ لا طريق لنا الى احراز أن هذه السيرة متصلة بزمن المعصومين عليهم السّلام و أنها وصلت

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 575

و لكن لو قدمه عليهما أو على الذبح نسيانا أو جهلا منه بالحكم أجزأه، و لم يحتج الى الاعادة (1).

[مسألة 403: لا يجوز الحلق للنساء]

(مسألة 403): لا يجوز الحلق للنساء بل يتعين عليهن التقصير (2).

إلينا من ذلك الزمان يدا بيد و طبقة بعد طبقة، لاحتمال أنها ناشئة من فتاوى الفقهاء، هذا. اضافة الى أن جريان السيرة على العمل كذلك لا تدل على اللزوم.

و أما صحيحة سعيد الأعرج فلا تدل على وجوب التأخير بالمفهوم، لما تقدم في المسألة (380) من أن دلالتها على المفهوم لا تخلو عن اشكال، هذا.

اضافة الى أن موثقة عمار الساباطي و صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمتين في المسألة المذكورة تدلان على الاجزاء و عدم وجوب الاعادة، و كذلك الحال بالنسبة الى الرمي، و ان كانت الاعادة في محله، و قد تقدم تفصيل ذلك في نفس المسألة.

(1) تقدم ذلك موسعا في المسألة (380).

(2) تنص عليه عدة روايات:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة سعيد الأعرج: «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن- الحديث» «1».

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة أبي بصير: «ثم ينطلق بهن

الى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن و ينطلقن الى مكة- الحديث» «2».

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ليس على النساء حلق، و عليهن التقصير- الحديث» «3» و مقتضى اطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين أن تكون المرأة صرورة أو غير صرورة، و كان شعرها ملبدا أو لا.

[مسألة 404: يتخير الرجل بين الحلق و التقصير و الحلق أفضل

(مسألة 404): يتخير الرجل بين الحلق و التقصير (1) و الحلق أفضل، و من لبد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمل، أو عقص شعر رأسه و عقده بعد جمعه و لفه، فالأحوط له اختيار الحلق، بل وجوبه هو الأظهر (2)، (1) هذا في غير الصرورة، و هو الرجل المسبوق بحجة واحدة أو اكثر، و سيأتي حكم الصرورة في آخر المسألة، و لا اشكال في أن حكم غير الصرورة التخيير، و تدل عليه مجموعة من النصوص كصحيحتي معاوية بن عمار و صحيحة الحلبي الآتية.

(2) بل هو الظاهر، و تدل عليه مجموعة من النصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي للصرورة أن يحلق و إن كان قد حج، فان شاء قصر، و إن شاء حلق، فاذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير» «1».

و منها: صحيحة هشام بن سالم، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق» «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير، و الحلق في

الحج أفضل، و ليس في المتعة إلّا التقصير» «3».

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: من لبد شعره أو عقصه فليس له أن يقصر و عليه الحلق، و من لم يلبّده تخير إن شاء قصر و إن شاء حلق، و الحلق أفضل» «4». و مقتضى اطلاق هذه الروايات ان وظيفة الملبد و المعقوص الحلق مطلقا و إن لم يكن صرورة، و لا يجزي التقصير منه و إن كان جاهلا بالحكم او ناسيا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 577

و من كان صرورة فالأحوط له أيضا اختيار الحلق، و ان كان تخييره بين الحلق و التقصير لا يخلو من قوة (1).

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه، و السبب فيه ان الروايات التي استدل بها على وجوب الحلق على الرجل الصرورة، و عدم كفاية التقصير له بين ما يكون ضعيفا سندا، و تاما دلالة، و ما يكون تاما سندا و ضعيفا دلالة.

اما الصنف الأول، فهو متمثل في مجموعة من الروايات:

منها: رواية ابي سعد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر، رجل لبّد، و رجل حج بدءا لم يحج قبلها، و رجل عقص رأسه» «1» فانها واضحة الدلالة على وجوب الحلق على الصرورة، و لكنها ضعيفة من ناحية السند، حيث إن فيه ابي سعد، كما في الوسائل، و هو مردد بين الثقة و الضعيف، و لا قرينة على الأول، و في التهذيب ابي سعد، و هو مجهول الحال، فالنتيجة ان الرواية ضعيفة فلا يمكن الاعتماد عليها.

و منها: رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: على الصرورة أن يحلق رأسه و لا يقصر، انما التقصير لمن

قد حج حجة الإسلام» «2» فان دلالتها تامة و لا اشكال فيها، و لكنها قاصرة سندا حيث إن فيه علي بن حمزة. و هو لم يثبت توثيقه.

و منها: رواية بكر بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ليس للصرورة أن يقصر، و عليه أن يحلق» «3» فانها تامة من حيث الدلالة، و لكنها ضعيفة من جهة السند، فان في سندها بكر بن خالد، و هو لم يثبت توثيقه.

و اما الصنف الثاني: فهو متمثل في روايتين:

الأولى: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي للصرورة أن يحلق، و إن كان قد حج، فان شاء قصر و إن شاء حلق، فاذا لبد شعره

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 578

.......... أو عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير» «1» فانها و إن كانت تامة سندا، إلّا أنها ضعيفة دلالة، و ذلك لأن كلمة (ينبغي) لا تدل في نفسها على الوجوب، فان غاية ما يمكن أن يقال إنها تدل على الجامع بينه و بين الاستحباب، و ارادة خصوص الوجوب منها بحاجة الى قرينة، و لا قرينة عليه في المقام، بل ان قوله عليه السّلام في ذيلها: «فاذا لبد شعره أو عقصه، فان عليه الحلق و ليس له التقصير» قرينة على عدم وجوبه على الصرورة.

و بكلمة: ان الصحيحة تكون في مقام بيان وظيفة الصرورة و غير الصرورة و الملبد و المعقوص، و دلالتها على وجوب الحلق على الصنف الثالث لو لم تكن قرينة على أنه غير واجب على الصنفين الأولين فلا أقل أنها تمنع عن ظهور كلمة (ينبغي) في الوجوب، على تقدير تسليم ظهورها فيه.

فالنتيجة ان الرواية لا تدل على أن وظيفة

الصرورة الحلق و عدم كفاية التقصير، نعم الحلق اولى و اجدر له.

الثانية: موثقة عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق، قال: ان كان قد حج قبلها فليجز شعره، و إن كان لم يحج فلا بد له من الحلق- الحديث» «2». و لكن لا يمكن الالتزام بمضمون هذه الموثقة، فان السائل قد فرض في السؤال ان الرجل لا يقدر على الحلق من جهة وجود القروح في رأسه، و معه لا يمكن وجوب الحلق عليه، لأنه تكليف بغير المقدور، فاذن كيف يأمره الإمام عليه السّلام بذلك، و عليه فلا بد من رد عملها الى أهله.

فالنتيجة انه لا يمكن اثبات وجوب الحلق على الرجل الصرورة تعيينا

[مسألة 405: من أراد الحلق و علم أن الحلاق يجرح رأسه فعليه أن يقصّر أوّلا ثم يحلق

(مسألة 405): من أراد الحلق و علم أن الحلاق يجرح رأسه فعليه أن يقصّر أوّلا ثم يحلق (1).

[مسألة 406: الخنثى المشكل يجب عليه التقصير]

(مسألة 406): الخنثى المشكل يجب عليه التقصير (2) إذا لم يكن ملبدا أو معقوصا و إلا جمع بين التقصير و الحلق و يقدّم التقصير على الحلق على الأحوط (3).

و عدم كفاية التقصير، فاذن يكون المرجع الروايات المطلقة التي تنص على التخيير بين الحلق و التقصير مع افضلية الحلق، بدون فرق بين الصرورة و غيرها.

منها: صحيحتا معاوية و الحلبي المتقدمتان، و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر به أن يحلق. هذا.

و أما الاستدلال بالآية الشريفة، و هي قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ «1» على أن الرجل الصرورة مخير بين الحلق و التقصير، فهو لا يخلو عن اشكال، لاحتمال أن مورد الآية الشريفة العمرة المفردة.

(1) هذا من جهة أن التقصير أحد فردي الواجب التخييري، فاذا تعذر تعين الآخر، و بما أن الحلق في مفروض المسألة يوجب ادماء الرأس فمن أجل ذلك تعذر عليه شرعا، و يتعين عليه حينئذ التقصير، فاذا قصر خرج عن الإحرام، و عندئذ يجوز له الحلق و إن كان موجبا للإدماء.

(2) للعلم اجمالا بأنه في الواقع اما امرأة أو رجل، فان كان الأول فوظيفته التقصير فحسب، و إن كان الثاني فوظيفته التخيير بينه و بين الحلق، و عندئذ فاذا قصر فقد علم بفراغ ذمته، سواء أ كان رجلا أم كان امرأة.

(3) الأظهر انه مخير في هذه الحالة في تقديم أي منهما شاء على الآخر، باعتبار أنه يعلم اجمالا إما بوجوب الحلق عليه ان كان في الواقع رجلا، او

[مسألة 407: اذا حلق المحرم أو قصّر حل له جميع ما حرم عليه الاحرام، ما عدا النساء و الطيب

(مسألة 407): اذا حلق المحرم أو قصّر حل له جميع ما حرم عليه الاحرام، ما عدا النساء و الطيب (1)

التقصير ان كان

امرأة، و هناك علم اجمالي آخر، و هو العلم بحرمة الحلق عليه ان كان في الواقع امرأة، و بوجوبه عليه ان كان رجلا، و بما أن ذلك من دوران الأمر بين المحذورين، فلا يكون العلم الإجمالي بينهما مؤثرا و مانعا عن التخيير.

فالنتيجة انه مخير بين أن يبدأ بالحلق أولا ثم بالتقصير، أو بالعكس، و لا علم له بالكفارة، و لا قيمة للشك فيها.

(1) تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة، فقد أحلّ من كل شي ء احرم منه إلّا النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا الصيد» «1».

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح فقال: ربما اخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقربوا النساء و الطيب» «2».

و منها: صحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له، قال: كل شي ء إلّا النساء، و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر، قال: كل شي ء إلّا النساء و الطيب» «3».

و منها: صحيحة جميل، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المتمتع ما يحل له اذا حلق رأسه، قال: كل شي ء إلّا النساء و الطيب- الحديث» «4» و منها غيرها.

و في مقابل هذه المجموعة مجموعتان أخريان من الروايات:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 581

.......... المجموعة الأولى: الروايات التي تدل على

أنه يحل من كل شي ء بعد رمي جمرة العقبة إلّا النساء.

منها: موثقة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «انه كان يقول: اذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شي ء حرم عليك إلّا النساء» «1».

و منها: معتبرة يونس بن يعقوب، قال: «قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام:

جعلت فداك رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة و لم يحلق، قال:

لا بأس» «2». و هذه المجموعة تدل على أن الحاج اذا رمى جمرة العقبة فقد حل له كل شي ء حرم عليه إلّا النساء، سواء ذبح و حلق أم لا، فاذن مقتضى اطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان ان الذبح و الحلق غير دخيلين في خروج الحاج عن الإحرام و تحليل ما يحرم عليه من المحرمات، و على ذلك فلا تصلح هذه المجموعة أن تعارض المجموعة الأولى، باعتبار أنها تدل بالدلالة اللفظية على أنهما دخيلان في ذلك، و قد مرت الاشارة في غير مورد أن الدلالة الاطلاقية الناشئة من السكوت في مقام البيان لا تصلح أن تعارض الدلالات اللفظية.

المجموعة الثانية: الروايات التي تنص على أن الحاج اذا حلق رأسه حل له كل شي ء حتى الطيب إلّا النساء.

منها: صحيحة سعيد بن يسار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع قلت: اذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء، قال: نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلّا النساء، ردّدها علي مرتين او ثلاثا، قال: و سألت أبا الحسن عليه السّلام عنها، قال: نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلّا النساء» «3».

و منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن

المتمتع

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 582

بل الصيد أيضا على الأحوط (1).

اذا حلق رأسه ما يحل له، فقال: كل شي ء إلّا النساء» «1».

و منها: معتبرة ابي ايوب الخزاز، قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمسك و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا» «2».

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: ولد لأبي الحسن عليه السّلام مولود بمنى فارسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران، و كنا قد حلقنا، قال عبد الرحمن فأكلت أنا و أبى الكاهلي و مرازم أن يأكلا منه، و قالا: لم نزر البيت، فسمع ابو الحسن عليه السّلام كلامنا فقال لمصادف و كان هو الرسول الذي جاءنا به، في أي شي ء كانوا يتكلمون، فقال: أكل عبد الرحمن و أبى الآخران، فقالا لم نزر بعد البيت، فقال: أصاب عبد الرحمن، ثم قال: أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه و أبى عبد اللّه أخي أن يأكل منه، فلما جاء أبي حرّشه علي فقال: يا أبه أن موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد، فقال أبي: هو أفقه منك أ ليس قد حلقتم رءوسكم» «3».

ثم ان هذه المجموعة تصلح أن تعارض المجموعة الأولى، فانها ناصة في حلية الطيب بعد الحلق و قبل أن يزور البيت، و المجموعة الأولى ناصة في حرمة الطيب بعد الحلق و قبل الطواف، فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة، فيرجع بعد التساقط الى العام الفوقي، و هو اطلاقات حرمة الطيب على المحرم، فانها تدل على انه اذا أحرم حرمت عليه اشياء معينة منها الطيب.

فالنتيجة: ان الطيب لا يحل له إلّا بعد الزيارة.

(1) بل

على الأظهر، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام من نفر في

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 583

.......... النفر الأول، متى يحل له الصيد؟ قال: إن زالت الشمس من اليوم الثالث» «1» فانها واضحة الدلالة على أنه يحل من ناحية الاحرام، فان حرمته من هذه الناحية محدودة الى زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، و أما حرمته من ناحية الحرم فلا تكون محدودة بوقت خاص، بل هو حرام عليه ما دام متواجدا في الحرم.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شي ء احرم منه إلّا النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا الصيد» «2» فانها ظاهرة في أن استثناء الصيد منها انما هو بلحاظ حرمته من ناحية الإحرام حيث إنها في مقام بيان ان حرمة الأشياء التي حرمت على المحرم بسبب الاحرام ترتفع منه تدريجا و تسلسلا حسب تسلسل مناسك الحج و واجباته، و لا يمكن أن يكون المراد من حرمة الصيد فيها حرمته الحرمي، فانها لا ترتبط بالإحرام، و لا بالمناسك التي توجب خروج المحرم عن الاحرام، بل هي مرتبطة بتواجده في الحرم، فما دام فيه فهو حرام عليه سواء طاف طواف النساء أم لا. ثم انه لا بد من تقييد اطلاقها بما قبل زوال الشمس من اليوم الثالث عشر بمقتضى صحيحته المتقدمة، باعتبار أن هذه الصحيحة تدل باطلاقها

على بقاء حرمة الصيد بعد طواف النساء، و إن كان بعد زوال الشمس من اليوم الثالث عشر.

قد يقال- كما قيل-: ان هذه الروايات معارضة للكتاب، و هو قوله تعالى:

وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا «3» فانه يدل على أن المحرم اذا صار محلا جاز له

[مسألة 408: إذا لم يقصّر و لم يحلق نسيانا أو جهلا منه بالحكم الى أن خرج من منى رجع و قصر أو حلق فيها]

(مسألة 408): إذا لم يقصّر و لم يحلق نسيانا أو جهلا منه بالحكم الى أن خرج من منى رجع و قصر أو حلق فيها (1)، الصيد، و المفروض أنه صار محلا بعد طواف النساء، و إن كان قبل زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، فاذن تدخل هذه الروايات في الروايات المخالفة للكتاب، فلا تكون حجة.

و الجواب: ان الآية الشريفة انما هي في مقام بيان الكبرى الكلية، و هي ان المحرم اذا صار محلا جاز له الاصطياد، و لا نظر لها الى تحقق الصغرى و أنه بما ذا صار محلا، و هذه الروايات بعد تقييد بعضها ببعضها الآخر تنص على أنه قد أحل منه بعد زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، فاذن لا تنافي بين هذه الروايات و بين الآية الشريفة، أو فقل ان الآية الكريمة في مقام بيان الكبرى بنحو القضية الشرطية، و الروايات في مقام بيان الصغرى لتلك الكبرى.

فالنتيجة انه لا مانع من الالتزام ببقاء حرمة الصيد التي جاءت من قبل الاحرام الى زوال الشمس من اليوم الثالث عشر.

و دعوى: أن الأصحاب بما أنهم قد اعرضوا عن هذه الرواية عملا فهي ساقطة عن الاعتبار.

مدفوعة: بما ذكرناه غير مرة من أن اعراض الأصحاب عن رواية معتبرة لا يكشف عن سقوطها عن الاعتبار و خروجها عن دليل الحجية.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه، أما الناسي فتدل عليه صحيحة الحلبي، قال: «سألت ابا عبد

اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى، قال: يرجع الى منى حتى يلقي شعره بها حلقا كان او تقصيرا»»

.ثم ان مورد الصحيحة و إن كان الناسي إلّا أن العرف لا يفهم خصوصية له، و ذلك لأن من خرج من منى ناسيا للحلق أو التقصير أو جاهلا به، ثم تذكر أو

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 585

فان تعذر الرجوع أو تعسّر عليه قصر أو حلق في مكانه (1) علم بالحال، و تمكن من الرجوع الى منى و الحلق او التقصير فيه وجب الرجوع اليها من أجل انجاز هذا الواجب، فان ذلك يكون على القاعدة، و لا يحتاج الى نص، و أما اذا خرج من منى تاركا للحلق أو التقصير عامدا و ملتفتا الى الأحكام الشرعية و تسلسل المناسك، فان استمر على تركه بطل حجه و إن طاف طواف الحج، و إن تداركه في وقته صح، و لا موجب للبطلان، و حينئذ فان طاف طواف الحج فهل عليه اعادته بعد تدارك الحلق أو التقصير؟ الأظهر وجوب الاعادة، اذ مضافا الى أن ذلك مقتضى اعتبار تسلسل المناسك إلّا فيما قام الدليل على الخلاف، ان صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: إن كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أن ذلك لا ينبغي له، فان عليه دم شاة» «1» تدل على ذلك، بتقريب أن قوله عليه السّلام: «ان ذلك لا ينبغي له» يدل على أنه عالم بأن ما فعله في غير موضعه و محله، و معنى هذا أنه لا يكون مصداقا للمأمور به، و تدل عليه أيضا

صحيحة علي بن يقطين، قال:

«سألت ابا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتى زارت البيت، فطافت وسعت من الليل، ما حالها و ما حال الرجل اذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به يقصر و يطوف بالحج، ثم يطوف للزيارة، ثم قد أحل من كل شي ء» «2» و مقتضى اطلاقها و إن كان البطلان مطلقا، إلّا أنه لا بد من تقييد اطلاقها بما اذا فعلت ذلك عامدا و عالما بالحكم، اذ لو فعلت ذلك نسيانا أو جهلا لم تجب الاعادة لنص صحيحتي جميل و حمران المتقدمتين.

(1) تدل عليه صحيحة مسمع، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 586

و بعث بشعر رأسه الى منى ان أمكنه ذلك (1).

[مسألة 409: إذا لم يقصّر و لم يحلق نسيانا أو جهلا فذكره، أو علم به بعد الفراغ من أعمال الحج و تداركه

(مسألة 409): إذا لم يقصّر و لم يحلق نسيانا أو جهلا فذكره، أو علم به بعد الفراغ من أعمال الحج و تداركه لم تجب عليه إعادة الطواف على الأظهر (2)، أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر، قال: يحلق في الطريق أو أين كان» «1» و مقتضى اطلاق هذه الصحيحة جواز الحلق في الطريق أو أي مكان آخر و إن كان متمكنا من العود الى منى و الحلق أو التقصير فيها، و لكن لا بد من تقييد هذا الاطلاق بما اذا لم يتمكن الحاج من العود اليها بصحيحة الحلبي المتقدمة.

(1) تدل عليه صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يحلق رأسه بمكة، قال: يرد الشعر الى منى» «2» بتقريب أنه لا يحتمل عرفا اختصاص وجوب الرد بمن حلق رأسه بمكة، فان مورد السؤال و إن كان ذلك، إلّا أن المتفاهم

العرفي من الجواب عدم الاختصاص به. و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان علي بن الحسين عليه السّلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى و يقول: كانوا يستحبون ذلك، قال: و كان ابو عبد اللّه عليه السّلام يكره أن يخرج الشعر من منى، و يقول: من أخرجه فعليه أن يرده» «3» بتقريب أن قوله عليه السّلام: «فعليه أن يرده» ظاهر في الوجوب.

(2) بل على الظاهر في الناسي و ذلك لأنه اذا كان تاركا للحلق نسيانا ثم تذكر فقد نصت على عدم وجوب اعادة الطواف صحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل زار البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلّا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 587

و إن كانت الاعادة أحوط، بل الأحوط اعادة السعي أيضا، و لا يترك الاحتياط باعادة الطواف مع الامكان فيما إذا كان تذكره أو علمه بالحكم قبل خروجه من مكة (1).

أن يكون ناسيا- الحديث» «1» و مثلها صحيحة جميل بن دراج «2».

و أما في الجاهل، فان كان جهله مركبا فالظاهر انه ملحق بالناسي، اذا لا يرى العرف خصوصية للنسيان إلّا من جهة أنه غير قابل للتكليف، و هذا الملاك موجود في الجاهل المركب أيضا، و مع هذا فالأحوط و الأولى أن يعيد الطواف بعد أعمال منى، و أما اذا كان بسيطا فالظاهر أن حكمه حكم العالم و إن كان معذورا، باعتبار أن الاجزاء بحاجة الى دليل، و إلّا فمقتضى القاعدة عدمه، و على هذا فلا بد من تقييد اطلاق صحيحة علي بن يقطين المتقدمة بغير صورتي النسيان و الجهل المركب.

(1) و الظاهر انه لا فرق فيه بين أن يكون تذكره

بالحال و التفاته اليها قبل خروجه من مكه أو بعده، لا طلاق النص.

[7، 8، 9- طواف الحج و صلاته و السّعي

اشارة

7- طواف الحج و صلاته و السّعي الواجب السابع و الثامن و التاسع من واجبات الحج: الطواف و صلاته و السعي، و كيفيتها و شرائطها هي نفس الكيفية و الشرائط التي ذكرناها في طواف العمرة و صلاته و سعيها (1).

[مسألة 410: يجب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير في حج التمتع

(مسألة 410): يجب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير في حج التمتع، فلو قدمه عالما عامدا وجبت إعادته بعد الحلق أو التقصير و لزمته كفارة شاة (2).

(1) باعتبار أن الطواف حقيقة واحدة، ابتداؤه من الحجر الاسود الموضوع في أحد أركان الكعبة الشريفة، بأن يكون الطائف محاذيا له، ثم يبدأ بالطواف، و الأولى أن يتأخر عنه قليلا، و يشرع في الطواف، لكي يكون متيقنا بأن جميع بدنه يمر على جميع الحجر ناويا أن يبدأ طوافه من النقطة التي تتحقق فيها المحاذاة بينه و بين الحجر، بدون فرق بين أن يكون في طواف العمرة أو طواف الحج إلّا في النية، فعلى الأول ينوي الطواف حول البيت سبعة اشواط لعمرة التمتع، و على الثاني ينوي الطواف حول البيت سبعة اشواط لحج التمتع من حجة الإسلام، و إن كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و إن كان الحج مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام. و صلاة طواف الحج كصلاة طواف العمرة ركعتان مخير في قراءتها بين الجهر و الاخفات، و لا فرق بينهما إلّا في النية، و كذلك الحال في السعي.

فالنتيجة ان ما هو معتبر في طواف العمرة و صلاته و السعي من الشروط كما و كيفا معتبر في طواف الحج و صلاته و السعي.

(2) الأمر كما أفاده قدّس سرّه و قد تقدم وجهه آنفا.

[مسألة 411: الأحوط عدم تأخير طواف الحج عن اليوم الحادي عشر]

(مسألة 411): الأحوط عدم تأخير طواف الحج عن اليوم الحادي عشر و ان كان جواز تأخيره إلى ما بعد أيام التشريق بل الى آخر ذي الحجة لا يخلو من قوة (1).

(1) هذا هو الصحيح، لأنه مقتضى الجمع العرفي بين الروايات، و هي على أصناف:

الصنف الأول: ما يدل على أنه يطوف يوم النحر، كصحيحة محمد بن

مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر» «1».

الصنف الثاني: ما يدل على تأخيره الى ليلة الحادي عشر، و هو متمثل في روايتين: (إحداهما) صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي للمتمتع أن يزور البيت يوم النحر، أو من ليلته، و لا يؤخر ذلك اليوم» «2» و (الأخرى) صحيحة منصور بن حازم، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت» «3» فانهما تدلان على عدم جواز التأخير عن ليلة الحادي عشر.

الصنف الثالث: ما يدل على جواز التاخير الى اليوم الحادي عشر، كصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر، أو من الغد، و لا يؤخر- الحديث» «4» و قريب منها صحيحته الأخرى فانها ناصة في جواز التأخير الى اليوم الحادي عشر، و ظاهرة في المنع عن التأخير عنه.

الصنف الرابع: ما يدل على جواز التأخير الى آخر أيام التشريق، و هو متمثل في روايتين:

احداهما: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 590

.......... أن تؤخر زيارة البيت الى يوم النفر انما يستحب تعجيل ذلك مخافة الاحداث و المعاريض» «1».

و الأخرى: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن زيارة البيت تؤخر الى اليوم الثالث؟ قال: تعجيلها أحب إلي، و ليس به بأس إن أخرها» «2».

فانهما تنصان على جواز تأخير زيارة البيت الى آخر أيام التشريق.

الصنف الخامس: ما يدل على جواز تأخيرها الى آخر ذي الحجة، و هو متمثل

في روايتين:

احداهما: صحيحة عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«سألته عن رجل نسى أن يزور البيت حتى أصبح، قال: لا بأس، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقرب النساء و الطيب» «3».

و الأخرى: صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس إن أخرت زيارة البيت الى أن يذهب أيام التشريق، إلّا انك لا تقرب النساء و لا الطيب» «4».

فانهما تنصان على جواز تأخير زيارة البيت الى ما بعد أيام التشريق.

و على هذا فالصنف الخامس يتقدم على الصنف الرابع باعتبار أن الصنف الخامس ناص في جواز تأخير زيارة البيت عن أيام التشريق، و الصنف الرابع بما أنه يدل على عدم جواز تأخيرها عن أيام التشريق بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، فلا يصلح أن يعارض الصنف الخامس، بل لا بد من تقديمه عليه تطبيقا لحمل الظاهر على النص.

[مسألة 412: لا يجوز في حج التمتع تقديم طواف الحج و صلاته و السعي على الوقوفين

(مسألة 412): لا يجوز في حج التمتع تقديم طواف الحج و صلاته و السعي على الوقوفين (1)، و أما الصنف الثالث فهو ناص في جواز تأخير زيارة البيت الى اليوم الحادي عشر، و ظاهر في المنع عن التأخير عنه، و أما الصنف الرابع فهو ناص في جواز التأخير الى آخر أيام التشريق، و هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، و على هذا فالصنف الرابع يصلح أن يكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الصنف الثالث في المنع عن التأخير عن اليوم الحادي عشر، و حمله على الكراهة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، و يجري هذا البيان بعينه بين الصنف الثالث و الصنف الثاني، كما أن الصنف الأول لا يصلح أن يعارض

الصنف الثاني، باعتبار أنه يدل على عدم جواز التأخير بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان.

فالنتيجة ان المتعين هو الأخذ بالصنف الخامس، و مقتضاه جواز تأخير زيارة البيت عن أيام التشريق، و مقتضى اطلاقه جوازه الى آخر ذي الحجة.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه، بيان ذلك:

ان في المسألة طائفتين من الروايات: الطائفة الأولى تنص على الجواز، و الثانية على المنع.

أمّا الطائفة الأولى: فهي عدة روايات:

منها: صحيحة ابن بكير و جميل جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه و سعيه في الحج، فقال: هما سيان قدمت أو أخرت» «1».

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يتمتع ثم يهل بالحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 592

.......... قبل خروجه الى منى، فقال: لا بأس» «1».

و منها: صحيحة علي بن يقطين، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الرجل المتمتع يهل بالحج، ثم يطوف و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه الى منى؟ قال: لا بأس به» «2».

و منها: صحيحة حفص بن البختري عن ابي الحسن عليه السّلام: «في تعجيل الطواف قبل الخروج الى منى، فقال هما سواء أخّر ذلك أو قدمه يعني للمتمتع» «3».

و أما الطائفة الثانية: فهي أيضا عدة روايات:

منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج الى منى» «4».

و منها: معتبرة اسماعيل بن عبد الخالق، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس أن يعجل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل

أن يخرج الى منى» «5».

و منها: موثقة اسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع اذا كان شيخا كبيرا او امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى؟

فقال: نعم من كان هكذا يعجل- الحديث» «6».

ثم ان الطائفة الأولى ناصة في جواز تقديم المتمتع الطواف و السعي في الحج على الوقوف بالموقفين، و لكنها مطلقة من ناحية كون المتمتع شيخا كبيرا، أو امرأة تخاف الحيض، أو مريضا او معلولا أو خائفا أو غيرها، و اما الطائفة الثانية فحيث إن لسانها لسان الاستثناء و الحكومة فهي ظاهرة في استثناء هؤلاء

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 593

.......... عن الحكم الثابت في الشريعة المقدسة المفروغ عنه ثبوته فيها، و هو عدم جواز تقديم الطواف و السعي على الموقفين، و إلّا لكان الاستثناء في هذه الطائفة لغوا، باعتبار أن المرتكز في الأذهان و المستفاد من الروايات بمختلف الألسنة في مختلف الأبواب تأخير الطواف و السعي عن الموقفين و أعمال منى، كرمي جمرة العقبة و الذبح و الحلق أو التقصير، و قد تقدم أنه ورد في بعض الروايات، اذا قدم الطواف على الحلق عامدا و ملتفتا الى أحكام التسلسل فعليه كفارة دم شاة و اعادة الطواف، و على هذا فيكون لسان هذه الطائفة لسان الحكومة و الامتنان، باعتبار أنها تدل على أن ترخيصهم في تقديم الطواف و السعي على الموقفين انما هو امتنان عليهم، و على هذا فدلالة هذه الطائفة على اختصاص الترخيص بهؤلاء و عدم ثبوته لغيرهم انما هي من جهة أنها بمدلولها ناظرة الى ثبوت الحكم لمطلق الحاج في الشريعة المقدسة، و خروج هؤلاء من ذلك الحكم المطلق انما يكون بلسان الاستثناء و النظر،

فاذن ليست دلالتها على ذلك على أساس ظهور القيد في الاحتراز، و لا من جهة ظهور الوصف في المفهوم.

اما الأول، فلأن القيد و إن كان ظاهرا في الاحتراز عرفا، و حمله على التأكيد خلاف الظاهر، إلّا أن ظهوره فيه معناه أن شخص الحكم المجعول في القضية انما هو مجعول لحصة خاصة من الموضوع، و هي الحصة المقيدة بهذا القيد لا للطبيعي، و من الواضح أن انتفاء القيد حينئذ في القضية انما يوجب انتفاء شخص الحكم فيها بانتفاء موضوعه، لا انتفاء طبيعته، و لا يدل عل انتفاء جعل فرد آخر من الحكم لحصة أخرى من الموضوع المماثل للفرد المجعول، فمن أجل ذلك لا يدل القيد على المفهوم بملاك ظهوره في الاحتراز.

و اما الثاني، فقد ذكرنا في علم الأصول أن الوصف و إن كان يدل على المفهوم بملاك اللغوية، إلّا أن ذلك الملاك لا يقتضي اكثر من دلالته

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 594

.......... على المفهوم في الجملة، أي بنحو السالبة الجزئية، لا بنحو السالبة الكلية، كما هو الحال في مفهوم الشرط، فاذن لا تدل هذه الطائفة على انتفاء الحكم بانتفاء الوصف عن تمام حالات الموضوع عند انتفاء الوصف عنه. و تفصيل ذلك في علم الأصول.

الى هنا قد وصلنا الى هذه النتيجة، و هي أنه لا شبهة في أن مدلول الطائفة الثانية اختصاص الترخيص في تقديم الطواف و السعي على الوقوفين و اعمال منى بهؤلاء الطوائف الخاصة، و عدم جوازه لغيرهم على أساس ظهورها في الاستثناء و الامتنان، و لكن مع ذلك لا يمكن تقييد اطلاق الطائفة الأولى بها.

أما أولا: فلما ذكرناه في علم الأصول من أن حمل الدليل المطلق على الدليل المقيد انما هو على

أساس ظهور القيد فيه عرفا في التأسيس، و إلّا فلا مبرر له، و على هذا فاذا كان الحكم في الدليل المطلق انحلاليا لم يكن الدليل المقيد ظاهرا في التأسيس، حيث يحتمل قويا أن يكون للتأكيد، على أساس أن المقيد يكون من أفضل الأفراد، فالنتيجة أنه لا ظهور لها في التأسيس حتى يكون قرينة على التقييد.

و ثانيا: ان ذلك يستلزم خروج أكثر افراد الحجاج من الطائفة الأولى، و تقييدها بالأفراد القليلة و هم هؤلاء الطوائف الخاصة، و هذا من تقييد المطلق بالفرد النادر، و هو ليس بعرفي.

و التحقيق في المقام أن يقال: ان للطائفة الثانية دلالتين:

إحداهما: دلالة ايجابيه، و هي دلالتها على أنه يجوز لهؤلاء الطوائف تقديم الطواف و السعي على الوقوف بالموقفين.

و الاخرى: دلالة سلبيه، و هي دلالتها على أنه لا يجوز ذلك لغيرهم، و على هذا فلا تكون هذه الطائفة منافية للطائفة الأولى في دلالتها

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 595

.......... الايجابية، و انما هي منافية لها في دلالتها السلبية، فاذن تكون الطائفة الأولى ظاهرة في أن عنوان المتمتع دخيل بنحو تمام الموضوع في الحكم، و الطائفة الثانية ظاهرة بدلالتها السلبية في أن العناوين المأخوذة فيها دخيلة في الحكم، و ليست بأجنبية عنه، و الظهور الأول ظهور اطلاقي ناشئ من مقدمات الحكمة، و الظهور الثاني ظهور عرفي ناشئ من أخذ عنوان في موضوع الحكم، و اذا وقع التعارض بين الظهورين قدم الثاني على الأول، لأن رفع اليد عن اطلاق موضوعية عنوان للحكم أخف مؤنة بنظر العرف من الغاء العنوان المأخوذ في موضوع الحكم رأسا، و ما نحن فيه داخل في هذه الكبرى، فانا لو قدمنا الطائفة الأولى على الطائفة الثانية لزم من ذلك الغاء

العناوين المأخوذة في موضوع الحكم عن الموضوعية رأسا، و أما اذا قدمنا الطائفة الثانية على الأولى لزم من ذلك رفع اليد عن اطلاق موضوعية عنوان للحكم و تقييده بقيد خاص، و من الواضح ان تقديم الطائفة الثانية على الأولى تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر عرفا متعين حينئذ.

و بكلمة: ان الأمر في المقام يدور بين تقييد عنوان المتمتع في الطائفة الأولى المأخوذ في موضوع الحكم، و هو جواز تقديم طواف الحج و سعيه على الموقفين بما اذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف من الحيض أو مريضا أو معلولا أو خائفا، و بين الغاء هذه العناوين عن الموضوعية للحكم نهائيا، و الأخذ باطلاق عنوان المتمتع، بدون فرق بين كونه معنونا بأحد هذه العناوين أو لا، و في مثل ذلك لا شبهة في أن المتعين بنظر العرف تعين التقييد دون الالغاء، لأنه بحاجة الى مؤنة زائدة.

فالنتيجة ان ما هو المشهور بين الأصحاب من عدم جواز تقديم الطواف و السعي على الموقفين في حج التمتع من حجة الإسلام إلّا اذا كان شيخا كبيرا أو

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 596

و يستثنى من ذلك الشيخ الكبير و المرأة التي تخاف الحيض و المريض فيجوز لهم تقديم الطواف و صلاته على الوقوفين و لكن عليهم أن يحرموا للحج ثمّ يطوفون (1) و الاتيان بالسعي في وقته (2)، و الأحوط تقديم السعي أيضا و إعادته في وقته و الأولى اعادة الطواف و الصلاة أيضا مع التمكن في أيام التشريق أو بعدها الى آخر ذي الحجة.

مريضا أو خائفا أو معلولا أو امرأة تخاف من الحيض هو الأظهر.

(1) تدل عليه الروايات المتقدمة، على أساس أن تلك الروايات انما هي في مقام بيان

تقديم بعض مناسك الحج الذي كان موضعه من الناحية التسلسلية متأخرا عن بعضها الآخر الذي كان موضعه من هذه الناحية متقدما، و من الواضح ان الاتيان بأجزاء الحج و واجباته سواء أ كان في مواضعها من ناحية التسلسل أم كان بتقديم بعضها و تأخير الآخر من هذه الناحية، فلا بد أن يكون بعد الإحرام له، لأن نسبته اليه كنسبة تكبيرة الإحرام الى الصلاة، فكما أن الصلاة تفتتح بها فكذلك الحج يفتتح به، فلو أتى بجزء من اجزائه قبل احرامه فهو ليس جزءا له، و لو قصد كونه جزءا له كان تشريعا، كما أنه لو أتى بجزء من الصلاة قبل تكبيرة الإحرام فهو ليس بجزء لها، و لو أتى باسم الجزء كان تشريعا، هذا. اضافة الى أن صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن يقطين تكفيان في المقام.

و بكلمة: ان طواف الحج و صلاته و السعي بين الصفا و المروة بما أنها من واجبات الحج، فلا بد أن تكون مسبوقة بالاحرام كسائر واجباته، و إلّا لم تكن من واجباته، و هذا خلف، غاية الأمر أن الواجب على من يجوز له تقديم هذه الواجبات على الوقوف بالموقفين الجامع بينها قبل الموقفين و بعدهما، و على من لا يجوز له هذا التقديم حصة خاصة منها و هي الحصة بعد الموقفين.

(2) فيه اشكال، بل منع، لما ذكرناه من أن مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين من الروايات هو تقديم الطائفة الثانية على الطائفة الأولى، و نتيجة ذلك

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 597

.......... هي رفع اليد عن اطلاق الطائفة الأولى، و تقييد موضوعها و هو عنوان المتمتع بالعناوين المأخوذة في موضوع الطائفة الثانية، و حيث إن الطائفة الأولى

تدل على تقديم الطواف و السعي معا على الوقوفين، و الطائفة الثانية تدل على تقديم الطواف فقط، و ساكتة عن السعي نفيا و اثباتا، فهي تتقدم عليها من هذه الناحية، لأنها ناصة بجواز تقديم السعي كالطواف على الوقوفين، و هذه ساكتة عن تقديم السعي.

فالنتيجة أنه يجوز للمتمتع اذا كان شيخا كبيرا أو مريضا أو خائفا أو معلولا أو امرأة تخاف من الحيض أن يقدم الطواف و السعي معا على الموقفين، و قد تقدم في باب السعي أنه لا يجوز تأخيره عن الطواف الى الغد، فمن أجل ذلك اذا جاز تقديم الطواف كما في المرأة التي تخاف من الحيض جاز لها تقديم السعي أيضا، فاذا قدمت الطواف فعليها تقديم السعي، لأن تأخيره عامدا و عالما عن الطواف غير جائز، و لا سيما الى ما بعد أعمال منى.

بقي هنا شي ء هو أنه قد تسأل عن ان المراد من المرأة التي تخاف من الحيض ما هو؟

و الجواب: ان المراد منها خوفها من حدوث الحيض في وقت يمنعها من الطواف بعد اعمال منى و مناسكها سواء أ كان حدوثه قبل يوم النحر أو فيه، أم كان بعده خلال أيام التشريق شريطة أن تعلم المرأة من حالها أنها لا تتمكن من الطواف يوم النحر، و أما إذا علمت بتمكنها منه في ذلك اليوم و تعلم أنها لا تحيض فيه فلا يجوز لها التقديم، فالمعيار انما هو بخوف المرأة من حدوث الحيض المانع من الطواف و عدم صبر القافلة الى أن تطهر، و أما اذا علمت بأن القافلة تبقى الى زمان انقطاع الدم عنها و الاغتسال عن الحيض و الطواف حول البيت و صلاته و السعي بين الصفا و المروة، فلا

يجوز لها حينئذ التقديم، كذلك

[مسألة 413: يجوز للخائف على نفسه من دخول مكة أن يقدم الطواف و صلاته و السعي على الوقوفين

(مسألة 413): يجوز للخائف على نفسه من دخول مكة أن يقدم الطواف و صلاته و السعي على الوقوفين بل لا بأس بتقديمه طواف النساء أيضا (1) فيمضي بعد أعمال منى الى حيث أراد.

اذا كان لها مقام في مكة الى آخر ذي الحجة، بناء على ما هو الصحيح من أن وقت الطواف و صلاته و السعي يمتد الى آخر ذي الحجة.

و بكلمة ان مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي أن المناط انما هو بخوف المرأة من الحيض المانع من طوافها حول البيت مباشرة لسبب من الأسباب، إما لعدم توقف القافلة و صبرها، أو لسبب آخر، و أما اذا تمكنت منه كذلك و لو في آخر ذي الحجة فالظاهر عدم جواز التقديم.

و أما طواف النساء الذي هو واجب مستقل، و ليس من واجبات الحج، و موضعه من الناحية التسلسلية بعد طواف الحج و السعي و ليس له موضع محدد من الناحية الزمانية، فلهذا يجوز الاتيان به طول السنة، فهل يجوز للشيخ الكبير أو المريض أو المرأة التي تخاف من الحيض أو الخائف تقديمه على الموقفين؟ الظاهر أنه يجوز، و تدل على ذلك صحيحة علي بن يقطين، قال:

«سمعت ابا الحسن الأول عليه السّلام يقول: لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه الى منى، و كذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف الى مكة أن يطوف و يودع البيت، ثم يمر كما هو من منى اذا كان خائفا» «1» بتقريب أن قياس الخائف بغيره في جواز التقديم قرينة على أنه يجوز ذلك لكل معذور، سواء أ كان شيخا أو مريضا أو معلولا أو امرأة تخاف الحيض

أو غير ذلك. و سيأتي تفصيله في طواف النساء بعونه تعالى.

(1) تقدم حكم هذه المسألة بتمام تفاصيلها آنفا.

[مسألة 414: من طرأ عليه العذر فلم يتمكن من الطواف

(مسألة 414): من طرأ عليه العذر فلم يتمكن من الطواف كالمرأة التي رأت الحيض أو النفاس و لم يتيسر لها المكث في مكة لتطوف بعد طهرها لزمته الاستنابة للطواف (1) ثم السعي بنفسه بعد طواف النائب.

[مسألة 415: إذا طاف المتمتع و صلّى و سعى حل له الطيب و بقي عليه من المحرمات النساء]

(مسألة 415): إذا طاف المتمتع و صلّى و سعى حل له الطيب و بقي عليه من المحرمات النساء بل الصيد أيضا على الأحوط (2).

(1) لأن الواجب على الحاج أن يطوف أولا بنفسه و مباشرة و إن لم يتمكن من ذلك يطوف بالاستعانة بالغير و لو محمولا، و إلّا فيستنيب من يطوف عنه، و المرأة الحائض بما أنها لا تتمكن من الطواف في المرتبة الأولى، و لا في المرتبة الثانية، فيجب عليها الاستنابة فيه.

(2) بل على الأظهر، لما تقدم من أن الصيد الاحرامي يظل محرما الى الزوال من اليوم الثالث عشر و إن طاف طواف الحج و سعى بين الصفا و المروة، بل طواف النساء أيضا.

و قد تسأل عن ان الطيب هل يحل له بطواف الحج و صلاته فحسب، فاذا أتى بهما حلّ له، أو يتوقف على ضم السعي بين الصفا و المروة أيضا.

و الجواب: انه يتوقف على ذلك أيضا، و تنص على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: اذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شي ء احرم منه إلّا النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شي ء احرم منه إلّا النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا الصيد» «1» بتقريب أنها ناصة في أن حلية الطيب مترتبة على الطواف و السعي معا. ثم

إن المراد من الطواف في الرواية هو مع صلاته، لأنه المتبادر منه، هذا. اضافة الى أن عدم جواز تقديم السعي على صلاته قرينة على أنه صلّى صلاته ثم سعى.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 600

و الظاهر جواز العقد له بعد طوافه و سعيه و لكن لا يجوز له شي ء من الاستمتاعات المتقدمة على الأحوط و ان كان الأظهر اختصاص التحريم بالجماع (1).

و قد تسأل عن ان استثناء النساء في هذه الصحيحة و غيرها هل يراد منه استثناء جميع ألوان الاستمتاع، نظرا و لمسا و تقبيلا و جماعا و غير ذلك، أو خصوص الجماع؟

قد يقال بالأول، و لكن لا يبعد الثاني بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، باعتبار أنه الأثر البارز و المطلوب من النساء، هذا. اضافة الى أن صحيحة الفضلاء الآتية قرينة على ذلك، حيث خص فيها الحلية المترتبة على طواف النساء بخصوص فراش زوجها، و هو كناية عن خصوص لون الاستمتاع بها جماعا، و لا يشمل سائر ألوان الاستمتاع بها.

و أما استثناء الصيد الظاهر في الاستثناء الحقيقي، و هو الاستثناء المتصل، فانما هو من أجل ما عرفت من أن حليته لا تتوقف على الطواف حتى طواف النساء، بل هي متوقفة على زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، فاذا زال حل له الصيد من ناحية الإحرام و إن بقت حرمته من ناحية الحرم ما دام فيه.

(1) تنص على ذلك صحيحة الفضلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المرأة المتمتعة اذا اقدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فان طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين الصفا و المروة،

ثم خرجت الى منى، فاذا قضت المناسك و زارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم إلّا فراش زوجها، فاذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها» «1» بتقريب أن

[مسألة 416: من كان يجوز له تقديم الطواف و السعي إذا قدمهما على الوقوفين لا يحل له الطيب

(مسألة 416): من كان يجوز له تقديم الطواف و السعي إذا قدمهما على الوقوفين لا يحل له الطيب حتى يأتي بمناسك منى من الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير (1).

الظاهر من حلية فراش زوجها حلية الجماع بها، فانه كناية عنه، و لا يشمل سائر ألوان الاستمتاعات الجنسية فضلا عن مثل العقد و الاشهاد.

نعم قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال: «سألته عن رجل قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي؟ قال:

عليه دم يهريقه من عنده» «1» ان الرجل المحل اذا قبّل امرأته المحرمة التي لم تحل لها الرجل فعليه كفارة دم، و لا مانع من الالتزام بها في موردها شريطة أن يكون التقبيل بشهوة كما هو ظاهر الحال بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية.

فالنتيجة في نهاية المطاف ان من طاف طواف الحج و لم يطف طواف النساء فقد أحل له كل شي ء ما عدا النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد أحل له النساء أيضا، نعم اذا قبّل امرأته بعد طواف النساء و هي لم تطف فعليه كفارة دم شريطة أن يكون بشهوة بمقتضى صحيحة معاوية، و لكن لا بد من الاقتصار على موردها، و لا يمكن التعدي عنه الى سائر الموارد.

(1) هذا هو الظاهر، لأن المستفاد من الروايات أن حلية الطيب مترتبة على مناسك الحج

من الطواف و صلاته و السعي بعد مناسك منى كرمي جمرة العقبة و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير حسب مواضعها التسلسلية، و لا تترتب على تلك المناسك اذا قدمت على الموقفين و اعمال منى لعذر، لأن الروايات التي تنص على ترتب حلية الطيب عليها لا تشمل هذه الصورة، حيث إن موردها ما اذا كان الطواف و صلاته و السعي بعد مناسك منى.

[10، 11- طواف النساء و صلاته

اشارة

طواف النساء الواجب العاشر و الحادي عشر من واجبات الحج طواف النساء و صلاته (1)، و هما و إن كانا من الواجبات إلا أنهما ليسا من نسك الحج، فتركهما و لو عمدا لا يوجب فساد الحج.

(1) فيه ان طواف النساء ليس من واجبات الحج و اجزائه، بل هو واجب مستقل و كذلك صلاته و أثره حلية النساء، و من هنا لو ترك عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لم يضر بالحج، و لكن لا تحل له النساء، و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لو لا ما منّ اللّه عز و جل على الناس من طواف النساء لرجع الرجل الى أهله ليس يحل له أهله» «1» بتقريب أنها ظاهرة في عدم ترتب بطلان الحج على ترك طواف النساء و إن كان عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي و انما يترتب عليه عدم حلية الاستمتاع بها جماعا.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: انما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام و سعي واحد بين الصفا و المروة و طواف

بالبيت بعد الحج- الحديث» «2» فان قوله عليه السّلام: «طواف بالبيت بعد الحج» يدل على أنه واجب مستقل، و ليس من واجبات الحج، و إلّا فلا يكون واجبا

[مسألة 417: كما يجب طواف النساء على الرجال يجب على النساء]

(مسألة 417): كما يجب طواف النساء على الرجال يجب على النساء (1)،

بعد الحج، و مثلها صحيحة معاوية بن عمار.

(1) تدل عليه النصوص الخاصة مضافا الى الروايات المطلقة.

منها: صحيحة الفضلاء المتقدمة في المسألة (415).

و منها: صحيحة علي بن يقطين قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف كلهم» «1».

و منها: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لو لا ما منّ اللّه به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم، و لا ينبغي لهم أن يمسوا نساءهم، يعني لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت اسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا و المروة، و ذلك على الرجال و النساء واجب» «2».

و قد تتساءل أن الاستمتاعات الجنسية هل تحرم بالإحرام على الصبي المميز؟

و الجواب: انها لا تحرم عليه، لأن حرمتها عليه لما كانت تكليفية فهي مرفوعة عنه شرعا. نعم لا فرق بين البالغ و الصبي في الأحكام الوضعية المترتبة على احرام المحرم، كبطلان عقده النكاح أو نحوه، باعتبار أن البلوغ لا يكون شرطا في ترتبها عليه، و على هذا فيبطل نكاح الصبي المميز في حال إحرامه، كما يبطل عقد نكاح البالغ في هذا الحال.

و قد يقال: ان الاستمتاعات الجنسية و إن لم تكن محرمة عليه فعلا، و لا أثر لترك طواف النساء بالنسبة اليه، إلّا أنه يؤثر في حرمتها عليه بعد البلوغ.

و الجواب: انه لا أثر له بعد البلوغ أيضا، لأن

حرمتها عليه بحاجة الى دليل،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 604

فلو تركه الرجل حرمت عليه النساء، و لو تركته المرأة حرم عليها الرجال و النائب في الحج عن الغير يأتي بطواف النساء عن المنوب عنه لا عن نفسه (1).

[مسألة 418: طواف النساء و صلاته كطواف الحج و صلاته في الكيفية و الشرائط]

(مسألة 418): طواف النساء و صلاته كطواف الحج و صلاته في الكيفية و الشرائط (2).

[مسألة 419: من لم يتمكن من طواف النساء باستقلاله لمرض أو غيره استعان بغيره فيطوف

(مسألة 419): من لم يتمكن من طواف النساء باستقلاله لمرض أو غيره استعان بغيره فيطوف و لو بأن يحمل على متن حيوان أو انسان، و إذا لم يتمكن منه أيضا لزمته الاستنابة عنه، و يجري هذا في صلاة الطواف أيضا (3).

و لا دليل عليه، و الروايات التي تنص على أن من طاف طواف النساء فقد حلّت له النساء و إلّا فلا، لا تشمل طواف النساء للصبي، و لا يوجد دليل آخر يدل على أن النساء تحرم عليه بعد البلوغ اذا كان تاركا للطواف قبل البلوغ.

(1) هذا واضح، لأن النائب مكلف بالاتيان بالعمل الواجب على المنوب عنه سواء أ كان حيا أم كان ميتا، و المفروض ان طواف النساء واجب على المنوب عنه كالحج، فكما أنه يأتي بالحج نيابة عنه، فكذلك يأتي بطواف النساء كذلك.

(2) لأن الروايات التي تنص على شروط الطواف، و ماله من الكمية و الكيفية الخاصة تشمل طواف النساء أيضا لأن العرف لا يرى خصوصية لطواف الزيارة و صلاته.

(3) تقدم أنه لا يجوز الانتقال من المرتبة الأولى الى المرتبة الأخرى إلّا بتعذر الأولى، سواء أ كان في الطواف أم صلاته، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى قد ذكرنا سابقا ان طواف النساء بما أنه واجب مستقل و ليس من واجبات الحج، فلا يكون موقتا بوقت خاص، و حينئذ فيجوز تأخيره

[مسألة 420: من ترك طواف النساء سواء أ كان متعمدا مع العلم بالحكم، أو الجهل به أو كان نسيانا]

(مسألة 420): من ترك طواف النساء سواء أ كان متعمدا مع العلم بالحكم، أو الجهل به أو كان نسيانا حرمت عليه النساء إلى أن يتداركه (1)، و مع تعذر المباشرة أو تعسرها جاز له الاستنابة (2) الى ما بعد انتهاء شهر ذي الحجة، و على هذا فاذا كان الحاج متمكنا من الاتيان بطواف

النساء مباشرة و لو بعد شهر ذي الحجة لم يجز له أن يطوف بالاستعانة بالغير، و لا بالاستنابة ان لم يمكن الاول.

و من هنا يظهر أن ما ذكره المحقق النائيني قدّس سرّه من أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة تكليفا، و اذا أخره اعتبر آثما، لا يمكن المساعدة عليه، اذ لا دليل على التفصيل فيه بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي، فانه إن كان من واجبات الحج لم يجز تأخيره عن ذي الحجة لا تكليفا و لا وضعا و إن كان واجبا مستقلا كما هو الصحيح جاز تأخيره، حيث انه حينئذ لا يكون موقتا بوقت خاص.

(1) هذا يعني أن حرمة النساء تظل باقية ما لم يأت الحاج بطوافها، فاذا أتى به حلّت له، و لا فرق في ذلك بين أن يكون تركه عامدا و عالما، أو جاهلا أو ناسيا، لإطلاق الدليل.

(2) لا اشكال في وجوب الاستنابة عند تعذر المباشرة به، و انما الكلام في جوازها مع التمكن منها. مقتضى القاعدة عدم الجواز، لأن المكلف ما دام متمكنا من العمل بوظيفته مباشرة، فلا تصل النوبة الى الاستنابة.

و أما النصوص فهي مختلفة، و مقتضى الجمع العرفي بينها عدم جواز الاستنابة مع التمكن منه مباشرة.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسى طواف النساء حتى يرجع الى أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 606

..........- الحديث» «1» فانها ظاهرة في وجوبه عليه مباشرة، و مقتضى اطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان عدم جواز الاستنابة فيه حتى اذا لم يكن متمكنا من الاتيان به بنفسه و مباشرة.

و منها: صحيحته الاخرى،

قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسى طواف النساء حتى يرجع الى أهله، قال: يرسل فيطاف عنه، فان توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه»»

فانها ظاهرة في جواز الاستنابة فيه حتى إذا كان متمكنا من الاتيان به بنفسه، اذ لا يحتمل أن يكون الواجب عليه الاستنابة تعيينا و عدم كفاية الاتيان به بنحو المباشرة، فاذن تقع المعارضة بينهما، فان الرواية الأولى ظاهرة في وجوب القيام بالطواف مباشرة، و عدم مشروعية الاستنابة فيه حتى في صورة عجزه عنه، و الرواية الثانية ظاهرة في جواز الاستنابة فيه و إن كان متمكنا منه مباشرة، فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة، و المرجع أصالة عدم مشروعية الاستنابة، نعم هنا رواية ثالثة لمعاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فان لم يقدر، قال: يأمر من يطوف عنه» «3» تحكم على كلتا الروايتين، فانها تقيد اطلاق الرواية الأولى بما اذا تمكن من المباشرة، و تقيد اطلاق الرواية الثانية بما اذا لم يتمكن من المباشرة، و إلّا وجب عليه أن يقوم به كذلك.

فالنتيجة أن من ترك طواف النساء و رجع الى بلده فإن تمكن من الرجوع الى مكة و القيام به مباشرة وجب، و إلّا فيستنيب.

ثم ان مورد هذه الروايات و إن كان الناسي، إلّا أن العرف لا يفهم منه خصوصية، حيث ان المعيار الكلي بنظرهم انما هو بترك الحاج طواف النساء راجعا الى بلده، سواء أ كان ناسيا له أم جاهلا، بل عامدا و ملتفتا، فان وظيفته

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 607

فاذا طاف النائب عنه حلت له النساء،

فاذا مات قبل تداركه فالأحوط أن يقضى من تركته (1).

حينئذ الاتيان به مباشرة إن كان متمكنا منه كذلك، و إلّا فالاستنابة بدون فرق في ذلك بين أن يكون تاركا له عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، أو جاهلا أو ناسيا.

فالنتيجة ان العرف لا يرى موضوعية للناسي بحيث لا تكون النيابة مشروعة لمن يكون تاركا له عامدا- كما قيل-، هذا. اضافة الى أن الروايات التي تنص على مشروعية النيابة في الطواف عند العجز عنه لا تقصر عن الدلالة على مشروعيتها في المقام، اذ لا يحتمل أن يكون للعجز عنه في خصوص مكة موضوعية.

(1) في وجوب القضاء على الولي اشكال، بل منع، و على تقدير وجوبه فلا يخرج من صلب تركته، فههنا مسألتان: الأولى في أصل وجوب القضاء على الولي. الثانية في خروجه من أصل التركة.

اما الكلام في المسألة الأولى، فقد ذهب جماعة الى وجوبه على الولي، و قد استدل على ذلك بقوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «فان توفى قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه» «1» و مثلها صحيحته الأخرى «2»، بتقريب أنه ظاهر في وجوبه على الولي.

و في مقابلها روايتان:

احداهما: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، و قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج، فان توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره» «3».

و الاخرى: صحيحته الاخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل

[مسألة 421: لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي

(مسألة 421): لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي، فان قدمه فإن كان عن علم و عمد لزمته اعادته بعد السعي، و

كذلك إن كان عن جهل أو نسيان على الأحوط (1).

نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله؟ قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره- الحديث» «1».

فانهما ظاهرتان في وجوب قضاء طواف النساء عن الميت على الولي، أو على غيره. و لكن من الواضح أنه لا يمكن الالتزام بوجوب قضائه على غيره، ضرورة أن ذلك مبني على أن يكون وجوبه كفائيا، و لا دليل عليه، بل هو مقطوع العدم، و على ذلك فلا بد من حمل الأمر بالقضاء فيهما على أنه ارشاد الى اشتغال ذمة الميت به، و عندئذ فيستحب للولي أن يقضى عنه أو يستنيب غيره من ثلثه اذا أوصى به، نعم اذا أوصى بالقضاء عنه وجب من الثلث لا من الأصل.

فالنتيجة أن هاتين الروايتين قرينة على رفع اليد عن ظهور الرواية الأولى في وجوب قضائه على الولي تطبيقا لحمل الظاهر على النص.

و أما الكلام في المسألة الثانية، فقد ذكرنا في غير مورد أن ما يخرج من أصل التركة هو الدين المالي سواء أ كان عرفيا أم شرعيا، كما اذا كان مديونا بالخمس أو الزكاة، و لا دليل على أن كل واجب مالي يخرج من الأصل ما عدا الحج، و طواف النساء و إن كان واجبا إلّا أنه لا دليل على إخراجه من أصل التركة.

(1) بل على الأظهر، لما مر من أن موضع طواف النساء من الناحية التسلسلية بعد اعمال الحج، كما نصت عليه عدة روايات، و قد تقدمت جملة منها، و على هذا فاذا أتى به اثناء أعمال الحج فقد أتى به في غير موضعه شرعا، و مقتضى القاعدة بطلانه، لعدم انطباق طواف النساء المأمور به

عليه، فاذن الصحة بحاجة الى دليل، و قد استدل عليها بطائفتين من الروايات:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 609

.......... الطائفة الأولى متمثلة في موثقة سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: لا يضره يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه» «1». و هذه الطائفة تدل على صحة طواف النساء قبل السعي و مقتضى اطلاقها أنه صحيح حتى اذا كان عامدا و عالما بالحال.

و الجواب: انها لا تدل على صحة طواف النساء، فانها انما تكون في مقام بيان أن الفصل بين طواف الحج و السعي بين الصفا و المروة بطواف النساء لا يضر، و اما ان طواف النساء صحيح أو غير صحيح، فهي غير ناظرة اليه أصلا، فاذن يكون المرجع فيه اطلاقات الروايات المتقدمة التي تنص على أن موضع طواف النساء بعد الحج، و مقتضاها أنه لما كان في غير موضعه لم يكن مصداقا للطواف المأمور به، فاذن اجزاؤه عنه بحاجة الى دليل.

الطائفة الثانية متمثلة في صحيحتي جميل و محمد بن حمران المتقدمتين اللتين تدلان على قاعدة كلية و هي صحة ما ينبغي تقديمه اذا أخر، و ما ينبغي تأخيره اذا قدم، و هذه القاعدة تنطبق على طواف النساء أيضا، فان موضعه شرعا و إن كان بعد مناسك الحج، و لكن اذا قدمه الحاج و أتى به اثناء المناسك صح تطبيقا لهذه القاعدة.

و الجواب: ان مورد تلك القاعدة مناسك الحج و واجباته في منى، و طواف النساء بما أنه واجب مستقل بعد الفراغ من الحج، و ليس من اجزائه، فلا يكون مشمولا لها،

و لا يمكن التعدي عن موردها اليه، لأن الحكم فيه لما كان على خلاف القاعدة، فلا بد من الاقتصار عليه، أو فقل ان تلك القاعدة مختصة باعمال

[مسألة 422: من قدم طواف النساء على الوقوفين لعذر لم تحل له النساء حتى يأتي بمناسك منى

(مسألة 422): من قدم طواف النساء على الوقوفين لعذر لم تحل له النساء حتى يأتي بمناسك منى (1) من الرمي و الذبح و الحلق.

[مسألة 423: إذا حاضت المرأة و لم تنتظر القافلة طهرها]

(مسألة 423): إذا حاضت المرأة و لم تنتظر القافلة طهرها، جاز لها ترك طواف النساء و الخروج مع القافلة (2)،

الحج في منى فقط، و لا تشمل الطواف أيضا إلّا فيما اذا كان تقديم الطواف في حال النسيان أو الجهل المركب كما تقدم سابقا في المسألة (350).

فالنتيجة أن الأظهر بطلان طواف النساء اذا قدم على السعي، سواء أ كان ذلك عامدا و ملتفتا، أم كان ناسيا أو جاهلا بالحكم.

(1) لأن النساء انما حرمت عليه بسبب احرامه، فاذا أحرم للحج حرمت عليه اشياء معينة منها النساء، و تدل عليه مجموعة من الروايات المتقدمة، و حاصلها: ان الحاج اذا رمى جمرة العقبة و ذبح أو نحر ثم حلق أو قصر فأحل من كل شي ء احرم منه إلّا الطيب و النساء و الصيد، و اذا زار البيت و طاف حوله و صلّى ركعتيه و سعى بين الصفا و المروة حل له الطيب، و اذا طاف طواف النساء حل له ما كان قد حرم عليه من النساء جماعا، و المستفاد من تلك الروايات أن طواف النساء انما يؤثر في حلية استمتاع المرأة جماعا اذا كان بعد الفراغ من أعمال الحج و خروج الحاج عن الاحرام، و أما اذا قدم طواف النساء على اعمال الحج، أو جاء به في اثنائها فلا أثر له فعلا.

أما اولا: فلأن هذا الفرض خارج عن مورد الروايات.

و ثانيا: انه لا موضوع لأثره فعلا، فان الحاج بعد في الإحرام، و لا يمكن أن يحل له في هذه الحالة استمتاع المرأة جماعا، أو جميع

ألوان استمتاعها بطواف النساء. نعم كان له أثر تعليقي، فاذا فرغ من اعمال الحج حلت له النساء بلا حاجة الى طواف آخر باسم طواف النساء.

(2) تدل عليه صحيحة ابي أيوب ابراهيم بن عثمان الخزاز، قال: «كنت

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 611

و الأحوط حينئذ أن تستنيب لطوافها و لصلاته (1)، و إذا كان حيضها بعد تجاوز النصف من طواف النساء جاز لها ترك الباقي و الخروج مع القافلة (2)، و الأحوط الاستنابة لبقية الطواف و لصلاته.

[مسألة 424: نسيان الصلاة في طواف النساء كنسيان الصلاة في طواف الحج

(مسألة 424): نسيان الصلاة في طواف النساء كنسيان الصلاة في طواف الحج و قد تقدم حكمه في المسألة (329).

[مسألة 425: إذا طاف المتمتع طواف النساء و صلّى صلاته حلت له النساء]

(مسألة 425): إذا طاف المتمتع طواف النساء و صلّى صلاته حلت له النساء، و إذا طافت المرأة و صلت صلاته حل لها الرجل، فتبقى حرمة الصيد الى الظهر من اليوم الثالث عشر على الأحوط (3)، و أما قلع الشجر و ما ينبت في الحرم و كذلك الصيد في الحرم أن حرمتهما تعم المحرم و المحل.

عند ابي عبد اللّه عليه السّلام اذ دخل عليه رجل فقال: اصلحك اللّه إن معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء، فأبى الجمّال أن يقيم عليها، قال: فاطرق و هو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن اصحابها و لا يقيم عليها جمّالها، تمضي فقد تم حجها» «1». بتقريب أنها ظاهرة في سقوط طواف النساء عنها في هذه الحالة.

و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر بها وجوبا أن تستنيب شخصا يطوف عنها.

(1) وجوبا فيها و في المسألة الآتية.

(2) تدل عليه صحيحة فضيل بن يسار عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: اذا طافت المرأة طواف النساء فطافت اكثر من النصف فحاضت، نفرت ان شاءت» «2» بتقريب أنها ظاهرة في ترك الباقي، و عدم وجوب الاستنابة فيه، و لكن مع هذا فالأحوط وجوبا الاستنابة.

(3) بل على الأظهر، و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة (415) فراجع.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 612

.......... نتيجة البحث حول طواف الحج و صلاته و السعي أمور:

الأول: ان موضع الطواف في حج التمتع من الناحية التسلسلية بعد مناسك منى و أعمالها، و أما اذا قدم الحاج الطواف على الحلق أو التقصير، فان كان عامدا و ملتفتا الى موضعه التسلسلي

وجبت اعادته بعد الحلق أو التقصير، و عليه كفارة دم شاة، و إن كان ناسيا أو جاهلا بالحكم ثم التفت الى الحال، حلق أو قصر و لا اعادة عليه و لا كفارة.

الثاني: الأقوى جواز تأخير طواف الحج الى آخر ذي الحجة، و هذا هو مقتضى الجمع بين الروايات المختلفة في المسألة.

الثالث: لا يجوز للحاج تقديم طواف حج التمتع و صلاته و السعي بين الصفا و المروة على الوقوف بالموقفين إلّا في احدى الحالات التالية: 1- الشيخوخة، 2- المرض، 3- العلة، 4- خوف حدوث الحيض، 5- الخوف من العدو.

الرابع: اذا جاز للحاج تقديم طواف الحج و صلاته و السعي بين الصفا و المروة على الوقوف بالموقفين، فاذا قدمها عليه فلا بد أن يكون بعد الاحرام للحج و هل تترتب عليه حلية الطيب؟

و الجواب: لا تترتب عليه، لأن مورد الروايات التي تنص على ترتب حلية الطيب على الإتيان بطواف الحج هو طوافه بعد مناسك منى لا قبلها، لأنه خارج عن مورد هذه الروايات، و لا يوجد دليل آخر على ذلك.

الخامس: ان من ترك الطواف عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، فان استمر على تركه الى أن انتهى شهر ذي الحجة بطل حجه، و كذلك من ترك الطواف جاهلا بالحكم، شريطة أن يكون جاهلا بسيطا، و أما اذا كان مركبا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 613

.......... فحكمه حكم الناسي، فانه يأتي به متى تذكر و إن كان بعد خروج ذي الحجة، و اذا كان قد سعى أعاد سعيه على الأحوط، و اذا تذكر في الطريق أو في بلده مع عدم تمكنه من الرجوع و الاتيان به مباشرة يستنيب شخصا يطوف عنه.

السادس: ان الرجل المحل اذا قبل امرأته التي

لم تطف طواف النساء بشهوة فعليه كفارة دم للنص، و لكن لا بد من الاقتصار على مورده، و عدم التعدي عنه الى الاستمتاعات الأخرى بشهوة.

السابع: ان طواف النساء واجب مستقل، و لا يرتبط بالحج لا جزءا و لا قيدا، و يكون موضعه من الناحية التسلسلية بعد اعمال الحج و مناسكه، و لا يبطل الحج بتركه و إن كان عامدا و ملتفتا و لا يكون موقتا بوقت خاص.

الثامن: ان طواف النساء واجب على المحرم رجلا كان أو امرأة، خصيا كان أو خنثى، نعم انه لا يجب على الصبي و إن كان مميزا، كما لا يحرم عليه بالاحرام جميع اشكال الاستمتاعات الجنسية و ألوانها و غيرها من محرمات الإحرام التي تكون حرمتها تكليفية محضة كالفسوق و الجدال و نحوهما، أجل ان الأحكام الوضعية المترتبة على الإحرام كبطلان عقد النكاح و الكفارة و نحوهما فهي مترتبة على إحرام الصبي المميز أيضا.

التاسع: ان من ترك طواف النساء الى أن رجع الى بلده سواء أ كان تاركا له عامدا و ملتفتا أم كان جاهلا أو ناسيا وجب عليه أن يرجع الى مكة و يأتي به مباشرة، و إن لم يتمكن من ذلك وجب عليه أن يستنيب شخصا يطوف عنه.

العاشر: اذا مات المحرم رجلا كان أو امرأة قبل الاتيان بطواف النساء لا يجب القضاء على وليّه.

الحادي عشر: اذا قدم الحاج طواف النساء على الوقوف بالموقفين فيما

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 614

.......... يجوز له هذا التقديم فلا تترتب عليه حلية النساء، لأنها انما تترتب عليه اذا أتى به في موضعه التسلسلي و هو بعد اعمال الحج.

الثاني عشر: اذا طاف الحاج طواف النساء اثناء مناسك الحج بطل و إن كان عن جهل

أو نسيان، لأن موضعه من ناحية التسلسل انما يكون بعد اعمال الحج و مناسكه، فاذا أتى به في غير موضعه لم يكن مصداقا للطواف المأمور به، فاذن صحته بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها.

قد يتساءل البعض: ان المرأة اذا حاضت، و لم تنتظر القافلة الى أن تطهر، فهل يجوز لها الخروج معها، و ترك طواف النساء، أو تستنيب؟

و الجواب: تستنيب على الأحوط وجوبا.

[12- المبيت في منى

اشارة

المبيت في منى الواجب الثاني عشر من واجبات الحج: المبيت بمنى (1) ليلة الحادي عشر و الثاني عشر، (1) فيه (ان المبيت و هو التواجد في منى) ليس من واجبات الحج لأمرين:

أحدهما: ان مقتضى الروايات التي تنص على أن موضع طواف النساء بعد واجبات الحج هو أن المبيت ليس من واجباته و أجزائه، لأن موضع طواف النساء التسلسلي ليس بعد المبيت فيها، إذ يجوز الاتيان به بعد طواف الحج و السعي مباشرة عامدا و عالما بالحال و قبل ليلة الحادي عشر و الثاني عشر، و هذا يدل على أنه ليس جزء الحج، و إلّا فالاتيان به بعد طواف الحج و السعي و قبل المبيت كان في أثناء الحج لا بعده، و قد مر أنه باطل اذا كان في أثناء الحج.

و الآخر: ان ترك المبيت و التواجد في منى عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لا يضر بالحج، و هذا دليل على أنه ليس من واجباته، اذ لو كان من واجباته لكان تركه عامدا و ملتفتا تركا للحج كذلك. و تدل عليه جملة من الروايات:

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح، قال: ان كان أتاها نهارا فبات فيها

حتى أصبح فعليه دم يهرقه» «1» فانها باطلاقها تشمل ما اذا ترك المبيت في منى عامدا و عالما بالحال.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 616

.......... و منها: صحيحة صفوان، قال: «قال ابو الحسن عليه السّلام: سألني بعضهم عن رجل بات ليالي منى بمكة، فقلت: لا أدري، فقلت له: جعلت فداك ما تقول فيها؟ فقال عليه السّلام: عليه دم شاة اذا بات، فقلت: ان كان انما حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه و سعيه و لم يكن لنوم و لا لذة، أ عليه مثل ما على هذا؟ قال: ما هذا بمنزلة هذا، و ما احب أن ينشق له الفجر إلّا و هو بمنى» «1» فانها باطلاقها تشمل العامد و الملتفت أيضا فالنتيجة أن هاتين الروايتين تدلان على عدم بطلان الحج بترك المبيت في منى عامدا و ملتفتا، و انما تدلان على وجوب الكفارة عليه.

و منها: رواية جعفر بن ناجية، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عمن بات ليالي منى بمكة، فقال: عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن» «2» فانها تدل على عدم بطلان الحج بترك المبيت في منى و إن كان عامدا و ملتفتا، و لكن بما أنها ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاستدلال بها، نعم لا بأس بالتأييد.

فالنتيجة ان الظاهر كون المبيت في منى خلال أيام التشريق واجب مستقل، لا أنه من واجبات الحج و اجزائه.

ثم إنه لا شبهة في أصل وجوب المبيت في منى بمعنى التواجد فيها في الليل، و لا يجب التواجد فيها في النهار إلّا بمقدار ما يتطلبه رمي الجمرات، على تفصيل يأتي في ضمن المسائل القادمة، و تنص على وجوبه روايات كثيرة:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد

اللّه عليه السّلام: «قال: اذا فرغت من طوافك للحج و طواف النساء فلا تبيت إلّا بمنى- الحديث» «3».

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى- الحديث» «4» و ستأتي الاشارة الى جملة منها خلال الأبحاث الآتية.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 617

و يعتبر فيه قصد القربة (1) فاذا خرج الحاج إلى مكة يوم العيد لأداء فريضة الطواف و السعي وجب عليه الرجوع ليبيت في منى، و من لم يجتنب الصيد في إحرامه فعليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضا (2)، (1) على الأحوط، اذ لا دليل على اعتباره فيه، و أما الآية الشريفة و هي قوله تعالى: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ «1» المفسرة بأيام التشريق، فلا تدل على أن التواجد في منى واجب عبادي، لأن مفادها الارشاد الى الاشتغال في تلك الأيام بمنى بذكر اللّه من التكبير و التسبيح و التهليل و الدعاء و قراءة القرآن و الصلاة، و لا نظر لها إلّا الى أن المبيت في منى واجب من دون الدلالة على أن ذلك عبادة، أو فقل ان الآية الشريفة آمرة بالاشتغال بذكر اللّه في تلك الايام، و لا تدل على أنه لا بد أن يكون ذلك بقصد القربة.

فالنتيجة ان اعتبار قصد القربة فيه مبني على الاحتياط.

(2) تدل عليه جملة من النصوص:

منها: صحيحة حماد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس، و هو قول اللّه عز و جل: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... لِمَنِ اتَّقى فقال:

اتقي الصيد» «2».

و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:

و من أصاب الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول» «3» و منها غيرهما «4»، فان هذه الروايات تنص على أن من لم يجتنب الصيد فعليه المبيت في منى ليلة الثالث عشر أيضا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 618

و كذلك من أتى النساء على الأحوط (1)، (1) لا بأس بتركه و إن كان أولى لعدم الدليل عليه ما عدا رواية محمد بن المستنير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أتى النساء في احرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول» «1» و هي ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد عليها، بدون فرق بين أن يكون الراوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام محمد بن المستنير أو سلام ابن المستنير، فان الأول مجهول، و الثاني و إن كان من رجال تفسير علي بن ابراهيم القمي، إلّا أنا ذكرنا في غير مورد أن مجرد كونه من رجال التفسير لا يكفي في توثيقه، و بذلك يظهر حال ما بعده.

فالنتيجة: ان من اتقى الصيد مخير بين أن ينفر بعد ظهر اليوم الثاني عشر، و بين أن يبيت ليلة الثالث عشر في منى، و ينفر في اليوم الثالث عشر، كما هو مقتضى الآية الشريفة: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ... «2».

بقى هنا أمر و هو أن المعتبر في النفر الأول أن يكون بعد زوال الشمس من اليوم الثاني عشر، و لا يجوز قبل الزوال.

و أما النفر الثاني و هو النفر في اليوم الثالث عشر فيجوز قبل الزوال، و تدل على ذلك

عدة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أردت أن تنفر في يومين، فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، و إن تأخرت الى آخر ايام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا عليك اي ساعة نفرت قبل الزوال أو بعده- الحديث» «3».

و منها: صحيحة أبي أيوب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّا نريد أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 619

و يجوز لغيرهما الافاضة من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر و لكن إذا بقي في منى الى أن دخل الليل وجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضا (1).

[مسألة 426: إذا تهيأ للخروج و تحرك من مكانه و لم يمكنه الخروج قبل الغروب للزحام و نحوه

(مسألة 426): إذا تهيأ للخروج و تحرك من مكانه و لم يمكنه الخروج قبل الغروب للزحام و نحوه فان أمكنه المبيت وجب ذلك، و إن لم يمكنه أو كان المبيت حرجيا جاز له الخروج، و عليه دم شاة على الأحوط (2).

[مسألة 427: من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها نهارا بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات

(مسألة 427): من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها نهارا بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات و لا يجب عليه المبيت في مجموع الليل، فيجوز له المكث في منى من أول الليل الى ما بعد منتصفه أو المكث فيها قبل منتصف الليل الى الفجر (3)، نتعجل السير، و كانت ليلة النفر حين سألته، فاي ساعة ننفر؟ فقال لي: اما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، و كانت ليلة النفر، فاما اليوم الثالث فاذا ابيضت الشمس فانفر على كتاب اللّه- الحديث» «1» و منها غيرهما.

(1) تنص عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس، فان أدركه المساء بات و لم ينفر» «2» و قريب منها صحيحة معاوية بن عمار «3».

(2) لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، لعدم دليل على وجوب الكفارة على من اضطر للخروج من منى، و سيأتي تفصيل ذلك في المسألة (429) الآتية.

(3) لا شبهة في عدم وجوب تواجد الحاج في منى تمام الليل، و انما الواجب عليه تواجده فيها نصف الليل، و لا فرق بين أن يكون في النصف الأول من الليل أو في النصف الثاني، و تنص عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تبت ليالي

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 620

و الأولى

لمن بات النصف الأول، ثم خرج أن لا يدخل مكة قبل طلوع الفجر (1).

التشريق إلّا بمنى، فان بت في غيرها فعليك دم، فان خرجت اول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى، إلّا أن يكون شغلك نسكك، أو قد خرجت من مكة، و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح في غيرها» «1».

و منها: صحيحة عيص بن القاسم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزيارة من منى، قال: إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلّا و هو بمنى، و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة» «2».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «انه قال: في الزيارة اذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلّا بمنى» «3».

و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال: اذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلّا بها» «4» و منها غيرها «5».

فالنتيجة ان هذه الروايات واضحة الدلالة على أن الحاج مخير بين تواجده في منى في النصف الأول من ليلة اليوم الحادي عشر و الثاني عشر لمن اتقى الصيد، و بين تواجده فيها في النصف الثاني منها، و من هنا يظهر أن ما نسب الى المشهور من وجوب البيتوتة في النصف الأول تعيينا لا دليل عليه، لما عرفت من أن هذه الروايات ناصة في عدم الفرق بين النصف الأول و الثاني.

(1) لا دليل عليه أصلا، بل مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية المتقدمة: «فلا يضرك أن تصبح في غيرها» جواز الدخول في مكة و الاصباح فيها، بل

هو مقتضى نص قوله عليه السّلام في صحيحة عيص المتقدمة: «فلا بأس أن ينفجر الصبح و هو بمكة». فاذن ما نسب الى جماعة من أن من خرج من منى بعد

[مسألة 428: يستثنى ممن يجب عليه المبيت بمنى عدّة طوائف

(مسألة 428): يستثنى ممن يجب عليه المبيت بمنى عدّة طوائف:

1- المعذور كالمريض و الممرّض و من خاف على نفسه أو ماله من المبيت بمنى (1).

2- من اشتغل بالعبادة في مكة تمام ليلته او تمام الباقي من ليلته اذا خرج من منى بعد دخول الليل، ما عدا الحوائج الضرورية كالأكل و الشرب و نحوهما.

3- من طاف بالبيت و بقي في عبادته ثم خرج من مكة و تجاوز عقبة المدنيين فيجوز له أن يبيت في الطريق دون أن يصل الى منى، و يجوز لهؤلاء التأخير في الرجوع إلى منى الى ادراك الرمي في النهار.

نصف الليل لا يجوز له أن يدخل في مكة قبل طلوع الفجر لا أصل له.

(1) ان المستثنى من الحجاج الذين يجب عليهم التواجد في منى مجموعة من الطوائف:

الطائفة الأولى: هم المعذورون، و هؤلاء على اصناف:

الأول: المريض الذي لا يقدر أن يظل في منى في نصف ليلة اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، أو يكون حرجيا عليه، فيجوز له أن يخرج من منى.

الثاني: الممرض الذي يكون وظيفته ممارسة تمريض المرضى، فانه اذا لم يقدر أن يترك المريض بمقدار نصف الليل في الليليتين المذكورتين، أو يكون تركه حرجيا عليه، جاز له الخروج من منى.

الثالث: الخائف على نفسه أو عرضه أو ماله، فيجوز له الخروج منها.

فالنتيجة ان عدم وجوب المبيت في منى على هؤلاء الأصناف الثلاثة إما أن يكون من جهة عدم تمكنهم من المبيت و التواجد فيها، أو يكون حرجيا أو ضرريا عليهم، و من هنا

لا يختص جواز الخروج منها بهؤلاء الأصناف، بل يجوز لكل من يكون بقاؤه فيها حرجيا عليه أو ضرريا.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 622

.......... الطائفة الثانية: من يكون شغله و نسكه العبادة في مكة الى طلوع الفجر، فانه إن كان متواجدا في مكة من أول الليل فله أن يشتغل بالعبادة فيها من حين تواجده فيها الى آخر الليل، ما عدا حوائجه الضرورية من المأكل و المشرب و غيرهما، و إن كان في منى و خرج منها بعد دخول الليل فله أن يشتغل بالعبادة بعد وصوله الى مكة الباقي من الليل، و تدل عليه مجموعة من النصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه و دعائه و السعي و الدعاء حتى طلع الفجر، فقال: ليس عليه شي ء، كان في طاعة اللّه عز و جل» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا فرغت من طوافك للحج و طواف النساء فلا تبت إلّا بمنى، إلّا أن يكون شغلك في نسكك، و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت في غير منى» «2».

و منها: صحيحته الثالثة «3» المتقدمة في المسألة (427).

فالنتيجة أن هذه الروايات تدل على أن من خرج من منى لزيارة البيت يجوز له أن يشتغل بالعبادة الى الفجر، و لا شي ء عليه، و اطلاقها يشمل من خرج من منى بعد دخول الليل، فانه بعد الوصول الى مكة اذا اشتغل بالطواف و الصلاة و نحوهما فيما بقى من الليل الى الصبح فلا شي ء عليه.

ثم ان المعيار في الاشتغال بالعبادة في مكة انما هو بالصدق العرفي، و لا ينافيه الأكل

أو الشرب بقدر المعتاد و نحوهما من الحوائج الضرورية.

الطائفة الثالثة: من طاف بالبيت و ظل في عبادته ثم خرج من مكة و تجاوز بيوتها فيجوز له أن يبيت في الطريق دون منى، بلا فرق فيه بين أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 623

.......... يكون متواجدا في مكة من أول الليل، أو جاء اليها من منى بعد دخول الليل قاصدا الطواف فيها ثم الرجوع الى منى، فانه على كلا التقديرين اذا طاف بالبيت و بقي في عبادته فيها ثم خرج من مكة قبل نصف الليل و أراد أن ينام في الطريق بعد أن جاز عقبة المدنيين فله ذلك، و لا شي ء عليه، و تنص عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن اسماعيل عن ابي الحسن عليه السّلام: «في الرجل يزور فينام دون منى، فقال: اذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام»»

فانها تنص على انه اذا زار البيت ثم خرج منه قاصدا الى منى فله أن ينام في الطريق اذا جاز عقبة المدنيين، بل مقتضى اطلاق الصحيحة أن له أن يخرج من مكة بعد الزيارة قاصدا المبيت خارج مكة دون منى.

و منها: صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم، و إن كان قد خرج منها فليس عليه شي ء و إن اصبح دون منى» «2».

و منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شي ء عليه» «3».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا

تبت ليالي أيّام التشريق إلّا بمنى، فان بت في غيرها فعليك دم، فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى، إلّا أن يكون شغلك نسكك، أو قد خرجت من مكة- الحديث» «4» فان قوله عليه السّلام: «أو قد خرجت من مكة» يدل على أنه اذا

[مسألة 429: من ترك المبيت بمنى فعليه كفارة شاة عن كل ليلة]

(مسألة 429): من ترك المبيت بمنى فعليه كفارة شاة عن كل ليلة (1)، خرج قبل نصف الليل من مكة كفى في عدم الكفارة عليه و إن بقي خارج مكة و لم يرجع الى منى حتى الفجر.

ثم ان الظاهر من الروايات أن عقبة المدنيين في ذاك الزمان كانت في خارج بيوت مكة، فاذا جازها جاز بيوت مكة، فاذن لا تنافي بين الروايات، هذا.

اضافة الى أن الرواية الأولى لو كانت مجملة من جهة أن الموقع التاريخي لعقبة المدنيين غير معلوم فعلا، إلّا أن الروايات الأخيرة واضحة الدلالة على أن من جاوز بيوت مكة و بات فلا شي ء عليه، كما أن المراد من بيوت مكة هو بيوتها في زمان صدور الروايات، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن هذه الروايات حاكمة على الروايات التي تدل على وجوب تواجد الحاج في منى نصف ليلة اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، و تدل على توسع رقعة منى شرعا الى خارج بيوت مكة القديمة، و كفاية البيتوتة فيه شريطة أن يكون جائيا من زيارة البيت و الاشتغال بالعبادة.

(1) تدل عليه جملة من الروايات:

منها: صحيحتا علي بن جعفر «1» و صفوان «2» المتقدمتان.

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: «فان بت في غيرها فعليك دم» «3».

و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من

زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم- الحديث» «4».

و هذه الروايات مطلقة و باطلاقها تشمل العالم بالحكم و الجاهل به و الناسي.

و في مقابلها روايتان تدلان على انه لا كفارة على ترك المبيت في منى،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 625

.......... احداهما: معتبرة سعد بن يسار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل، فقال: لا بأس» «1».

و الأخرى: صحيحة العيص بن القاسم، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى، قال: ليس عليه شي ء، و قد أساء» «2».

و الجواب اما عن الرواية الأولى، فلأن الظاهر من نفي البأس فيها نفي بطلان حجة بترك المبيت فيها، و ساكتة عن الكفارة نفيا و إثباتا، بقرينة أن هذا التعبير لا يناسب نفي الكفارة، فاذن لا تكون الرواية ظاهرة في نفي الكفارة، أو لا أقل من اجمالها، و عليه فلا تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة التي تنص على أن من ترك المبيت في منى فعليه كفارة.

و اما الرواية الثانية: فقد ذكر السيد الاستاذ قدّس سرّه أنها تدل على نفي الكفارة بالاطلاق بمعنى أن من ترك المبيت في منى فليس عليه شي ء من ألوان الكفارة، سواء أ كان دم شاة أم كان دم بقرة أم ناقة أو كفارة اطعام أو صوم أو قضاء المبيت فيها، فعندئذ تكون النسبة بينها و بين الروايات المتقدمة عموما مطلقا، و تكون تلك الروايات أخص منها باعتبار أن موردها خصوص كفارة دم شاة. فاذن لا بد من حمل هذه الرواية عليها تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

و لكن الظاهر أن الأمر ليس كذلك، لأن صحيحة العيص و إن كان مطلقة من

هذه الناحية، إلّا أنها خاصة من ناحية أخرى، و هي اختصاص موردها بالعامد فقط، بقرينة ظهور قوله عليه السّلام في ذيلها: «و قد أساء» في ذلك، اذ لو كان تاركا له ناسيا أو جاهلا بالحكم لم يكن مسيئا، و عليه فالنسبة بينهما عموم من وجه، لأن الروايات المتقدمة خاصة لاختصاص موردها بكفارة دم شاة، و عامة لعمومها للناسي و الجاهل، و الصحيحة خاصة لاختصاص موردها بالعامد، و عامة

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 626

.......... لعمومها الكفارة بكل الوانها، فاذن تقع المعارضة بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو من ترك المبيت في منى عامدا، فان مقتضى اطلاق تلك الروايات عليه كفارة دم شاة، و مقتضى اطلاق الصحيحة أنه لا شي ء عليه، و لكن بما أنه لا يمكن تقييد اطلاق تلك الروايات بالصحيحة بغير مورد الالتقاء و الاجتماع، حيث أن ذلك لازم ثبوت الكفارة على الناسي و الجاهل دون العامد، و هو لا يمكن، لأن تقييد اطلاقها بغير الناسي و الجاهل ممكن، بأن يختص موردها بالعامد فقط، و أما تقييد اطلاقها بغير العامد، بأن يختص موردها بالناسي و الجاهل فحسب فهو غير محتمل عرفا، اذ لا يحتمل ثبوت الكفارة على الناسي أو الجاهل اذا ترك المبيت في منى دون العامد، فاذن تكون هذه الروايات بمثابة النص في ثبوت الكفارة على العامد في مورد الاجتماع، فلا بد حينئذ من تقديمها على الصحيحة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، و حينئذ فيكون مفاد الصحيحة أنه لا شي ء عليه من الوان الكفارة غير دم شاة.

فالنتيجة أن الأظهر ثبوت الكفارة بدم شاة على من ترك المبيت و التواجد في منى و إن كان عن نسيان أو جهل. نعم ان

هذه الروايات معارضة في الجاهل المركب بصحيحة عبد الصمد، و في الناسي بحديث رفع النسيان.

أما في الأول، فلأن مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الصمد: «أيما رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» أنه لا كفارة عليه في المقام. و مقتضى اطلاق تلك الروايات أن عليه كفارة، و حينئذ فيقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو ما اذا ترك الحاج المبيت بمنى جاهلا بالحكم، فان مقتضى اطلاق الصحيحة أنه لا كفارة عليه، و مقتضى اطلاق هذه الروايات أن عليه كفارة، فاذن يسقط كلا الاطلاقين فيه من جهة المعارضة، و المرجع حينئذ أصالة البراءة عن وجوب الكفارة فيه.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 627

و الأحوط التكفير فيما إذا تركه نسيانا أو جهلا منه بالحكم أيضا، و الأحوط التكفير للمعذور من المبيت و لا كفارة على الطائفة الثانية و الثالثة ممن تقدم (1).

و أما في الثاني: فلأن مقتضى اطلاق حديث الرفع عدم وجوب شي ء على الناسي في المقام، و مقتضى اطلاق تلك الروايات وجوب الكفارة عليه، فيقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو ما اذا ترك الحاج المبيت في منى ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر نسيانا، فان مقتضى اطلاق حديث الرفع أنه لا شي ء عليه، و مقتضى اطلاق هذه الروايات أن عليه كفارة دم شاة، فيسقطان معا من جهة المعارضة، و يكون المرجع حينئذ أصالة البراءة عن وجوب الكفارة فيه.

فالنتيجة ان مقتضى الصناعة عدم وجوب الكفارة في المقام على الناسي و الجاهل المركب، و لكن مع هذا فالاحتياط لا يترك.

و قد تتساءل: هل أن الجاهل البسيط المعذور يلحق بالعامد، أو بالجاهل المركب؟

و الجواب: لا يبعد الحاقه بالثاني، لأن

شمول الصحيحة له غير بعيد، إما ملاكا و حكما، أو ملاكا فقط.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه. أما عدم الكفارة على الطائفة الثانية فلعدة نصوص:

منها: صحيحة صفوان المتقدمة.

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّه» «1» و مثلها صحيحته الأخرى «2»، فانها تنص بوضوح على عدم وجوب الكفارة عليهم.

و أما عدم وجوبها على الطائفة الثالثة، فلقوله عليه السّلام في صحيحة هشام بن

[مسألة 430: من أفاض من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجة لم يجب عليه المبيت بها]

(مسألة 430): من أفاض من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجة لم يجب عليه المبيت بها (1).

الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شي ء عليه» «1» و قوله عليه السّلام في صحيحة جميل بن دراج: «فان بات بمكة فعليه دم، و إن كان قد خرج منها فليس عليه شي ء و ان اصبح دون منى» «2».

و أما استثناء الرعاة فهو لم يرد في شي ء من روايات الباب، و حينئذ فان كان الراعي مضطرا الى النوم في غير منى من جهة التحفظ على أغنامه أو غير ذلك كان داخلا في المضطر و المعذور، و إلّا فيجب عليه المبيت نصف الليل في منى، و اذا ترك عامدا فعليه كفارة.

و أما استثناء السقاة، فهو و إن ورد في صحيحة مالك بن أعين عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان العباس استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يبيت بمكة ليالي منى، فاذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أجل سقاية الحاج» «3» إلّا أن ذلك حكم في قضية

شخصية لواقعة خاصة، فلا يدل على حكم المسألة مطلقا و ترخيص الرسول صلّى اللّه عليه و آله العباس للسقاية و إن كان لا محالة لمصلحة، إلّا أن ذلك لا يدل على أنه حكم كلي للسقاة بما هم سقاة، و لا أقل من الاجمال، فاذن لا دليل على استثناء الحاج من المبيت في منى بعنوان السقاة اذا لم تكن هناك ضرورة.

(1) لعدم كونه مشمولا للروايات التي تنص على وجوب المبيت في ليلة الثالث عشر، فان موردها من لم يخرج من منى بعد زوال اليوم الثاني عشر لسبب أو آخر، و ظل فيها الى أن غربت الشمس فحينئذ يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر، و أما من أفاض منها بعد الزوال ثم رجع فيها لسبب من الأسباب و ظل الى أن غربت عليه الشمس فلا يكون مشمولا لها.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 629

.......... نتيجة مسألة المبيت في منى أمور ...

الأول: ان المبيت في منى الذي هو عبارة عن التواجد فيها واجب مستقل، و لا يكون من واجبات الحج و اجزائه، و من هنا لا يكون تركه عامدا و ملتفتا مبطلا.

الثاني: ان اعتبار قصد القربة فيه مبني على الاحتياط، اذ لا دليل عليه.

الثالث: ان من اتقى الصيد رجلا كان او امرأة، فهو مخير بين أن ينفر من منى بعد زوال اليوم الثاني عشر، أو في اليوم الثالث عشر، و من لم يتق فعليه أن يبيت ليلة الثالث عشر. ثم ان النفر في اليوم الثاني عشر لا بد أن يكون بعد الزوال، و أما في اليوم الثالث عشر فيجوز قبل الزوال.

الرابع: يجب على الحاج رجلا كان أو امرأة أن يكون متواجدا في منى نصف الليل من اليوم الحادي

عشر و الثاني عشر، بدون فرق بين النصف الأول أو الثاني، و يستثنى من ذلك الحاج في الحالات التالية: 1- المريض، 2- الممرض، 3- الخائف، 4- من يكون شغله و نسكه العبادة في مكة الى حين الفجر، 5- من زار البيت و ظل في عبادته، ثم خرج من البيت و تجاوز بيوت مكة، فانه يجوز له أن يبيت في الطريق دون منى، و أما اذا بات في غير تلك الحالات دون منى فيعتبر آثما و عليه كفارة.

الخامس: ان من ترك المبيت في منى عامدا فعليه كفارة دم شاة، و من تركه ناسيا أو جاهلا مركبا فهل عليه كفارة أو لا؟

و الجواب: ان عليه كفارة على الأحوط، و أما الجاهل البسيط المعذور فهل هو ملحق بالعامد أو بالناسي و الجاهل المركب، فلا يبعد الحاقة بالثاني، و حينئذ

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 630

.......... فيكون وجوب الكفارة عليه مبنيا على الاحتياط.

السادس: انه لا كفارة على من اشتغل بالعبادة في مكة تمام الليل، فان الشارع جعل ذلك بديلا عن المبيت في منى، كما أنه لا كفارة على من زار البيت و ظل في عبادته ثم خرج من البيت و بات في الطريق بعد خروجه من بيوت مكة.

[13- رمي الجمار]

اشارة

رمي الجمار الثالث عشر من واجبات الحج (1) رمي الجمرات الثلاث: الأولى، و الوسطى، و جمرة العقبة، (1) الظاهر انه ليس من واجبات الحج و أجزائه لأمرين:

احدهما: ان الروايات المتقدمة التي تنص على أن طواف النساء بعد الحج تدل على أن رمي الجمار ليس من واجباته، على أساس أن موضع طواف النساء التسلسلي ليس بعد رمي الجمار، حيث يجوز للحاج أن يطوف طواف النساء بعد طواف الحج و صلاته و السعي

يوم النحر قبل مجي ء وقت وجوب رمي الجمار و هو اليوم الحادي عشر و الثاني عشر.

و الآخر: ان الحج لا يبطل بترك رمي الجمار عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و هذا لا ينسجم مع كونه من واجباته و اجزائه، فالنتيجة أن رمي الجمار واجب مستقل بعد الحج كطواف النساء و المبيت في منى.

ثم انه لا اشكال في وجوب رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر لأمرين:

الأول: السيرة القطعية من المسلمين الجارية على ذلك منذ عصر المعصومين عليهم السّلام.

الثاني: الروايات، منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة» «1» فانها تدل على وجوب رمي الجمار في اليومين المذكورين، فان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 632

و يجب الرمي في اليوم الحادي عشر، و الثاني عشر و إذا بات ليلة الثالث عشر في منى وجب الرمي في اليوم الثالث عشر أيضا على الأحوط (1)، و يعتبر في رمي الجمرات المباشرة، فلا تجوز الاستنابة اختيارا.

قوله عليه السّلام: «كل يوم» ناظر الى هذين اليومين، و لا يمكن أن يراد منه يوم النحر و اليوم الحادي عشر، و ذلك بقرينة قوله عليه السّلام: «قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة» فانه ناص في أن المراد من كل يوم غير ذلك اليوم. و لكن يستحب له أن يقول بما قال حين رمي جمرة العقبة.

و منها: صحيحة مسمع عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني، فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى، و يؤخر ما رمى بما رمى، فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة» «1»

بتقريب أن السؤال انما هو عن نسيان رمي الجمار في اليوم الثاني مقابل اليوم الأول، و من المعلوم أن المراد من اليوم الثاني اليوم الثاني عشر.

و منها: الروايات التي تنص على اعتبار الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداء من الأولى و انتهاء بجمرة العقبة، فلو خالف و رمى جمرة قبل أن يذهب الى سابقتها وجب الرجوع الى السابقة و اعادة رمي اللاحقة، بلا فرق في ذلك بين أن يكون عالما أو جاهلا أو ناسيا، فانها تنص على أن أصل وجوب رميها مفروغ عنه.

و منها: الروايات الدالة على وجوب قضاء الرمي في اليوم الثاني اذا نسى في اليوم الأول، و يفصل بين الأداء فيه و القضاء بساعة.

فالنتيجة انه لا شبهة في وجوب رمي الجمار في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر.

(1) الأظهر عدم الوجوب، اذ لا دليل عليه غير دعوى الاجماع في

[مسألة 431: يجب الابتداء برمي الجمرة الاولى، ثم الجمرة الوسطى، ثم جمرة العقبة]

(مسألة 431): يجب الابتداء برمي الجمرة الاولى، ثم الجمرة الوسطى، ثم جمرة العقبة، و لو خالف وجب الرجوع إلى ما يحصل به الترتيب (1)، المسألة، و قد ذكرنا غير مرة انه لا يمكن الاعتماد على الاجماع.

نعم ورد في بعض الروايات البيانية كصحيحة معاوية: انه صلّى اللّه عليه و آله بعد ما «زار البيت رجع الى منى فاقام بها حتى كان اليوم الثالث عشر من آخر أيام التشريق ثم رمى الجمار و نفر- الحديث» «1» إلّا انه لا يدل على وجوب الرمي، لأن الفعل مجمل و لا يدل على الوجوب ما لم تكن هناك قرينة عليه، و لا قرينة في المقام.

و أما قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «فلا عليك أي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده- الحديث» «2» فلا

يكون حجة، من جهة أن صاحب الوسائل قدّس سرّه روى هذه الرواية عن الكافي بدون كلمة (رميت) و ذلك يدل على اختلاف نسخة الكافي، هذا. اضافة الى أن هذه الكلمة لا تناسب معنى الرواية، بل توجب الاخلال به، فالنتيجة ان ثبوت هذه الكلمة غير معلومة، و حينئذ فلا دليل على الوجوب، و إن كانت رعاية الاحتياط أولى و أجدر.

(1) لا شبهة في اعتبار الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداء بالأولى و انتهاء بجمرة العقبة، و تدل على ذلك روايات كثيرة بمختلف الألسنة.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:

و ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها من بطن المسيل و قل كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه واثن عليه و صل على النبي و آله ثم تقدم قليلا فتدعو و تسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا، ثم افعل ذلك عند الثانية، و اصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعو اللّه كما دعوت، ثم

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 634

و لو كانت المخالفة عن جهل أو نسيان (1)، تمضي الى الثالثة و عليك السكينة و الوقار فارم و لا تقف عندها» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال: «قلت له:

الرجل يرمي الجمار منكوسة، قال: يعيدها على الوسطى و جمرة العقبة» «2» و منها غيرهما.

(1) تدل عليه صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني، فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى، و يؤخر ما رمى بما رمى، فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة» «3» فانها تنص على

أن الرمي اذا كان على خلاف الترتيب المعتبر بين الجمرات وجب أن يستأنف بما يحصل به الترتيب، و مورد الصحيحة و إن كان النسيان، إلّا أن العرف لا يفهم خصوصية له، بل لا يحتمل أن تكون الاعادة واجبة في صورة النسيان، و لا تكون واجبة في صورة العمد، و على هذا فلا فرق بين أن يكون البدء برمي جمرة العقبة في اليوم الثاني عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، أو جاهلا بالحال أو ناسيا، فانه على جميع التقادير يجب عليه أن يستأنف بما يحصل به الترتيب، و إن كان افتراض أنه صنع ذلك عامدا و ملتفتا بعيد جدا، و لكن لو فرض وقوعه في الخارج فلا اشكال في وجوب الاعادة من جديد، و لا يحتاج ذلك الى دليل في المسألة.

و دعوى: أن مقتضى صحيحتي جميل و حمران اللتين تدلان على صحة ما ينبغي تأخيره اذا قدم و بالعكس عدم وجوب اعادة ما يحصل به الترتيب في المقام.

مدفوعة: بما تقدم من اختصاص موردهما بواجبات الحج و اجزائه، و لا يعم ما كان خارجا عنها و لا يكون من واجباته كطواف النساء و المبيت في منى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 635

نعم، إذا نسي فرمى جمرة بعد أن رمى سابقتها أربع حصيات أجزأ إكمالها سبعا (1)، و لا يجب عليه اعادة رمي اللاحقة.

و رمي الجمار الثلاث، هذا. اضافة الى امكان تقييد اطلاقهما بالصحيحة المتقدمة، فان موردها و إن كان النسيان إلّا أنكم عرفتم أنه لا خصوصية له.

(1) تنص عليه عدة روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:

و قال في رجل رمى الجمار، فرمى الأولى بأربع، و الأخيرتين بسبع و

سبع، قال:

يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الأولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع سبع، فليعد و ليرمهن جميعا بسبع سبع، و إن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، و إن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع، قال: يعيد و يرميهن جميعا بسبع سبع، قلت: فان رمى الأولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع، قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و يرمي جمرة العقبة بسبع، قلت فانه رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع، قال يعيد فيرمي الأولى بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد على الثالثة» «2» و منها غيرهما.

فههنا أمران:

الأول: ان مقتضى القاعدة بطلان رمي الجمرة اللاحقة اذا ترك رمي سابقتها بسبع تماما، على أساس أنه مخل بالترتيب المعتبر بين الجمرات الثلاث في الرمي، لأن صحة رمي كل جمرة لاحقة سبعا مشروطة برمي جمرة سابقتها كذلك، فاذا لم يرم السابقة أو رمى ناقصا لم يتحقق الشرط.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 636

.......... الثاني: ان هذه الروايات تدل على أمرين:

أحدهما: أن من رمى الجمرة الأولى بثلاث و الوسطى و الأخيرة بسبع و سبع بطل الجميع، و وجبت عليه اعادة رمي الجمرات الثلاث سبعا من جديد، و اذا رمى الأولى بسبع و الوسطى بثلاث و الأخيرة بسبع صح الأولى و بطل الأخيرتين، و وجبت اعادتهما سبعا من جديد، و هكذا، و هذا الحكم يكون على طبق القاعدة كانت هناك رواية أم لا.

و الآخر: ان من رمى الأولى بأربع

و الوسطى و الأخيرة بسبع و سبع صح و لا شي ء عليه غير تكميل رمي الأولى، و كذلك اذا رمى الأولى بسبع و الوسطى بأربع و الأخيرة بسبع، و لا يجب عليه إلّا تكميل رمي الوسطى.

ثم ان هذا الحكم يكون على خلاف القاعدة من جهتين:

الأولى: أن مقتضى اعتبار الترتيب بين رمي اللاحقة سبعا و سابقتها كذلك البطلان.

الثانية: ان مقتضى اعتبار التتابع و الموالاة بين أجزاء رمي كل جمرة من الجمرات الثلاث، ان الاخلال به مبطل، و حيث ان الفصل بين اجزاء رمي الجمرة السابقة سبعا برمي الجمرة اللاحقة مخل بالتتابع بينها عرفا، فيكون مبطلا له، و لكن هذه الروايات تدل على اتساع رقعة الشرط و جعله الأعم من رمي السابقة بسبع أو أربع، فاذا رماها بأربع ثم رمى اللاحقة بسبع صح، و لا يجب عليه إلّا تكميل رمي السابقة، كما أنها تدل على اتساع رقعة شرطية التتابع في هذه الحالة، و هي ما اذا رمى السابقة بأربع ثم رمى اللاحقة بسبع فان الفصل بين اجزاء رمي السابقة برمي اللاحقة لا يضر به في تلك الحالة حكما، هذا من ناحية.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 637

.......... و من ناحية أخرى قد تسأل عن أن هذه الروايات هل تختص بالناسي أو تشمل الجاهل بل العالم أيضا؟ و الجواب: انها تشمل الجاهل، بل لا يبعد شمولها للعالم أيضا، و ذلك لإطلاق تلك الروايات و عدم قرينة على تقييد اطلاقها بصنف خاص، مع أنها في مقام البيان.

و دعوى: أن هذه الروايات انما هي في مقام بيان حكم من فعل ذلك و صدر منه هذا العمل في الخارج فلا اطلاق لها.

مدفوعة: بأنها و إن كانت في مقام بيان حكم من

صنع ذلك، إلّا أنها في مقام بيان حكمه بنحو القضية الحقيقية لا القضية الخارجية، حتى لا يكون لها اطلاق.

و بكلمة ان ظاهر هذه الروايات هو أنها مسوقة بنحو القضية الحقيقية دون الخارجية، فاذن لا مانع من التمسك باطلاقها على أساس أن سكوتها في هذه الحالة عن القرينة على التقييد دليل على اطلاقها، و مقتضاه عدم الفرق بين من صنع ذلك ناسيا أو جاهلا أو عالما و عامدا.

و دعوى: أن من كان عالما بالحكم و ملتفتا اليه بعيد جدا أن يصنع ذلك، بل لا يتفق مثل ذلك عادة في الخارج عن مثله، و هذا قرينة على عدم اطلاق الروايات له.

مدفوعة: بأن ندرة وجود بعض اصناف المطلق في الخارج، أو عدم وجوده فيه لا تمنع عن الاطلاق، اذ لا ربط بين المسألتين، لأن اطلاق المطلق مرتبط بتمامية مقدمات الحكمة في مرحلة الجعل و التشريع بنحو القضية الحقيقية، فاذا تمت المقدمات في هذه المرحلة تمّ الاطلاق بالنسبة الى جميع افراده من التحقيقية و التقديرية، و أما أن وجود بعض افراده في الخارج نادر، أو

[مسألة 432: ما ذكرناه من واجبات رمي جمرة العقبة يجري في رمي الجمرات الثلاث كلها]

(مسألة 432): ما ذكرناه من واجبات رمي جمرة العقبة يجري في رمي الجمرات الثلاث كلها (1).

[مسألة 433: يجب أن يكون رمي الجمرات في النهار]

(مسألة 433): يجب أن يكون رمي الجمرات في النهار (2) و يستثنى من ذلك العبد و الراعي و المديون الذي يخاف أن يقبض عليه و كل من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله.

لا وجود له فيه، فهو لا يضر باطلاقه في تلك المرحلة، و انما يمنع عن فعلية انطباقه على الخارج بالنسبة اليه.

نعم، الذي لا يمكن هو تقييد المطلق بالفرد النادر لأنه لغو، و أما شموله له فلا مانع منه.

فالنتيجة ان الأظهر شمول الروايات لمن رمى الجمرات الثلاث على خلاف الترتيب و التسلسل المعتبر بينها في الرمي عامدا و عالما بالحكم.

(1) ما ذكرناه من الشروط لرمي جمرة العقبة من النية، كقصد القربة و الاخلاص و قصد الاسم، و كون الرمي بسبع حصيات، و كونه على نحو التتابع، و ايصالها الى الجمرة بالرمي، و وقوعه بين طلوع الشمس و غروبها، و كون الحصيات من الحرم معتبر في رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر.

(2) للنصوص، منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قلت له: الى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار الى غروب الشمس» «1».

و منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إرم الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها» «2» و منها غيرهما «3».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 639

و يشمل ذلك الشيخ و النساء و الصبيان و الضعفاء الذين يخافون على انفسهم من كثرة الزحام، فيجوز لهؤلاء الرمي ليلة ذلك النهار (1)، و لكن لا يجوز لغير الخائف من المكث

أن ينفر ليلة الثانية عشر بعد الرمي حتى تزول الشمس عن يومه.

(1) تدل على ذلك عدة من الروايات:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل، و يضحي و يفيض بالليل» «1».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل و يضحي بالليل و يفيض بالليل» «2» فان الافاضة فيهما قرينة على أن المراد من الليل الذي يرمي فيه هو الليل السابق، يعني ليلة العيد.

و منها: صحيحة سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك معنا نساء فافيض بهن بليل، فقال: نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قلت: نعم، قال: أفض بهن بليل، و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة- الحديث» «3».

و منها: صحيحة أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل و أن يرموا الجمار بليل- الحديث» «4»، و منها صحيحته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل و أن يرموا الجمرة بليل» «5» و هذه الروايات واضحة الدلالة على أن المراد من الليل هو الليل السابق، لا الأعم منه و من الليل اللاحق، بقرينة الافاضة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 640

.......... بقي هنا أمور، الأول: ان مورد هذه الروايات الخائف على نفسه أو عرضه أو ماله،

و هل يمكن التعدي عن مورد هذه الروايات الى الشيوخ و النساء و الضعفاء الذين يخافون على انفسهم من كثرة الزحام؟ و الجواب: نعم يمكن التعدي، لأن ملاك الترخيص الخوف، و هو موجود في هؤلاء أيضا، هذا. اضافة الى أن الروايات التي تنص على ترخيص هؤلاء بالافاضة ليلا، و رمي جمرة العقبة ليلا تدل على جواز رمي الجمار ليلا أيضا، بعين الملاك، اذ لا يفهم العرف خصوصية لرمي جمرة العقبة ليلا إلّا خوف هؤلاء من الزحام في النهار.

الثاني: ان العبد و الراعي غير داخلين في هذه الروايات، لعدم انطباق العناوين المأخوذة فيها عليهما. نعم موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه كره رمي الجمار بالليل، و رخص للعبد و الراعي في رمي الجمار ليلا»»

تدل على ترخيصهما في رمي الجمار بالليل، و لا يبعد ظهوره في الليل السابق، باعتبار أن رمي الجمار في الليل اللاحق قضاء لا أداء. و ظاهر الموثقة أنها في مقام بيان وظيفتها الأولية لا الثانوية كالقضاء، و يؤكد ذلك أن التقديم مكروه لغيرهما، مع أنه لا معنى لكراهة القضاء، سواء أ كان في الليل أم في النهار.

الثالث: ان الحاج اذا لم يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق حتى ليلا بسبب من الأسباب كالخوف أو نحوه، فهل يسقط عنه وجوب رمي الجمار في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر، أو يجب عليه أن يرمي كلا اليومين في ليلة واحدة، أو يستنيب شخصا يرمي عنه؟ وجوه الأقرب الى القواعد الوجه الأخير، باعتبار أن النيابة فيه مشروعة للمعذور و غير المتمكن، و المفروض انه غير متمكن منه، فاذن وظيفته الثيابة، و أما سقوطه عنه رأسا فلا وجه له بعد تمكنه من الاستنابة،

و أما اتيانه رمي كلا اليومين في ليلة واحدة فهو بحاجة الى دليل،

[مسألة 434: من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثاني عشر]

(مسألة 434): من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثاني عشر، و من نسيه في الثاني عشر قضاه في اليوم الثالث عشر (1)، و لا دليل عليه، و أما قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: «لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل- الحديث» «1» فلا يكون ظاهرا في أن وظيفته رمي الجميع الى اليوم الثاني عشر في ليلة واحدة و هي ليلة النحر، بل الظاهر منه أن وظيفته رمي كل يوم في ليلته على أساس أنه خائف من خروجه في النهار، أو لا أقل من الاجمال.

فالنتيجة ان وظيفة من لم يتمكن من البقاء في منى ايام التشريق ليرمي الجمار فيها الاستنابة، و الأحوط و الأولى أن يجمع بينها و بين رمي جميع الأيام في ليلة واحدة.

(1) لعدة نصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال:

«قلت: الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة و إن كان من الغد» «2» فانها واضحة الدلالة على أنه اذا خالف الترتيب وجبت الاعادة و إن كانت في اليوم الثاني، و كذلك الحال اذا فاته أصل الرمي، فانه يجب عليه أن يأتي به في اليوم الثاني.

و منها: صحيحته الأخرى قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة؟ قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي، و الرجل كذلك» «3» فانها تدل باطلاقها على وجوب الاعادة في

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص:

642

.......... اليوم الثاني اذا علم المكلف بالحال فيه.

و منها: صحيحته الثالثة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت: رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرميها، يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت:

فاته ذلك و خرج، قال: ليس عليه شي ء- الحديث» «1» فانها تشمل باطلاقها ما اذا تذكر بالحال في اليوم الثاني.

و منها: صحيحته الرابعة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرميها، قلت: فانه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسي أو جهل حتى فاته و خرج، قال: ليس عليه أن يعيد» «2».

ثم أن وجوب القضاء عليه انما هو فيما اذا علم بالحال أو تذكر في أيام التشريق و قبل انتهائها، و أما اذا كان بعد الانتهاء منها، فان خرج من مكة فلا شي ء عليه، و إن كان في مكة ففي وجوب القضاء عليه اشكال، و إن كان الأحوط وجوبه. أما الأول فيدل عليه ذيل صحيحتي معاوية الأخيرتين، و أما الثاني فلأن مقتضى اطلاق الروايات المتقدمة ان من نفر من منى الى مكة ثم علم بالحال أو تذكر وجب عليه الرجوع الى منى للرمي و إن كان بعد أيام التشريق، إلّا أن ما في ذيل الصحيحتين المذكورتين و هو قول السائل: «قلت فانه نسي أو جهل حتى فاته و خرج» قال عليه السّلام: «ليس عليه أن يعيد» و في الأخرى: «ليس عليه شي ء» مانع عن الأخذ باطلاقها، فان المراد من قوله عليه السّلام: «فاته» هو فوت وقته بانتهاء أيام التشريق، و عليه فيحتمل أن يكون الفوت تمام الموضوع لحكمه عليه السّلام: «ليس عليه شي ء» و الخروج غير

دخيل فيه، و لعل ذكره انما هو باعتبار أن المكلف اذا

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 643

و الأحوط أن يفرّق بين الاداء و القضاء، و ان يقدّم القضاء على الأداء و أن يكون القضاء أوّل النهار و الأداء عند الزوال (1).

علم بفوت وقته بنى على الخروج، اذ لا حالة منتظرة له بعد ذلك. و يحتمل أن يكون الخروج دخيلا في الموضوع، فمن أجل ذلك لا تخلو المسألة عن اشكال، و لا يمكن الحكم بوجوب الرجوع الى منى للرمي اذا كان في مكة بعد أيام التشريق على مستوى الفتوى، و لكن لا مناص من الحكم بذلك على مستوى الاحتياط، و أما اذا خرج من مكة في آخر أيام التشريق، و هو اليوم الثالث عشر، و علم بالحال، أو تذكر في الطريق، فهل يجب عليه الرجوع الى منى للرمي اذا تمكن منه في نفس ذلك اليوم أو لا؟ ففيه اشكال، و الأحوط وجوبا الرجوع.

(1) الظاهر عدم تعين وجوب الأداء عند الزوال، لأن وقت الرمي ممتد من طلوع الشمس الى غروبها على ما نصت عليه مجموعة من الروايات، و أما صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض، فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي اذا أصبح مرتين، مرة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس» «1» فهي لا تصلح أن تعارض تلك الروايات، لأن تلك الروايات ناصة في امتداد وقت الرمي من طلوع الشمس الى غروبها، و الصحيحة ظاهرة في أن وقته عند الزوال، فاذن لا

بد من رفع اليد عن ظهورها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، و نتيجة ذلك أن التفريق بينهما بذلك غير واجب، نعم هو أولى و أجدر. و احتمال أن وقته ممتد بين الطلوع و الغروب بالنسبة الى من ليس عليه قضاء من اليوم السابق، و أما من عليه قضاء من ذلك اليوم، فلا يكون ممتدا بينهما، فانه غير

[مسألة 435: من نسي الرمي فذكره في مكة وجب عليه أن يرجع إلى منى و يرمي فيها]

(مسألة 435): من نسي الرمي فذكره في مكة وجب عليه أن يرجع إلى منى و يرمي فيها (1) و إذا كان يومين أو ثلاثة فالأحوط أن يفصل بين وظيفة يوم و يوم بعده بساعة (2)، محتمل جزما، و بحاجة الى دليل يدل على ذلك حتى يكون مقيدا لإطلاق الروايات، و أما الصحيحة المذكورة فقد عرفت أنها لا تصلح أن تقاوم الروايات المتقدمة الناصة في امتداد وقت الرمي من طلوع الشمس الى الغروب.

فالنتيجة ان الأظهر عدم وجوب التفريق بين القضاء و الأداء باكثر من ساعة.

نعم يستحب أن يرمي الجمار قضاء بكرة، و اداء عند الزوال.

(1) هذا اذا لم تنته أيام التشريق، و إلّا فقد عرفت في المسألة (434) أن وجوب الرجوع مبني على الاحتياط.

(2) بل على الأظهر، و تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت: رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمها و يفضل بين كل رميتين بساعة، قلت: فاته ذلك و خرج، قال: ليس عليه شي ء- الحديث» «1» و مثلها صحيحته الأخرى «2». و نتيجة ذلك أمران:

أحدهما: أن لا يكون الفصل بينهما بأقل من ساعة، و أما الأكثر منها فلا مانع منه.

و الآخر: أن ذلك لا يكون محددا بوقت معين، فإن المكلف في أي ساعة أراد الاتيان

بالقضاء يأتي بعده بساعة بالأداء، سواء أ كان ذلك قبل الزوال أم بعده، و أما اذا تذكر في مكة بعد أيام التشريق، فهل يجب عليه الرجوع الى منى لقضاء رمي الجمار؟ فقد مر أن الاحوط و الأجدر به وجوبا الرجوع، و كذلك اذا تذكر بعد الخروج من مكة في آخر يوم من أيام التشريق، مع تمكنه من الرجوع

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 645

و اذا ذكره بعد خروجه من مكة لم يجب عليه الرجوع بل يقضيه في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط (1).

[مسألة 436: المريض الذي لا يرجى برؤه الى المغرب يستنيب لرميه

(مسألة 436): المريض الذي لا يرجى برؤه الى المغرب يستنيب لرميه، و لو اتفق برؤه قبل غرب الشمس رمى بنفسه أيضا على الأحوط (2).

الى منى و الاتيان بالرمي.

(1) لا بأس بتركه، لما مر من أن مقتضى اطلاق ذيل صحيحتي معاوية بن عمار المتقدمتين عدم وجوب شي ء عليه اذا تذكر بعد خروجه من مكة وفات وقته حتى القضاء في السنة القادمة.

و اما رواية عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه وليه، فان لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه- الحديث» «1» فهي و ان كانت تامة دلالة، إلّا أنها ضعيفة سندا، فان في سندها محمد بن عمر بن يزيد، و هو لم يثبت توثيقه، فاذن لا دليل على وجوب القضاء في السنة القادمة.

(2) بل على الاقوى، على أساس ان الاستنابة انما هي مشروعة للمعذور من القيام به مباشرة في تمام الوقت، و أما اذا كان متمكنا منه و لو في آخر الوقت فلا يكون

معذورا لكي تكون الاستنابة مشروعة في حقّه، و لا فرق فيه بين أن يكون جازما ببقاء مرضه الى آخر الوقت، أو محتملا بقاؤه، فانه على كلا التقديرين اذا استناب شخصا للرمي عنه فرمى، ثم انكشف الخلاف و برئ من المرض و تمكن منه بنفسه و مباشرة قبل خروج الوقت لم يجز، أما على الأول فواضح، و أما على الثاني فلأن الأمر الظاهري لا يجزي عن الواقع.

[مسألة 437: لا يبطل الحج بترك الرمي و لو كان متعمدا]

(مسألة 437): لا يبطل الحج بترك الرمي و لو كان متعمدا (1)، (1) لما مر في أول هذا البحث من أن رمي الجمار لا يكون من واجبات الحج و اجزائه، بل هو واجب مستقل كطواف النساء و المبيت في منى، فمن أجل ذلك لا يكون تركه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي مبطلا للحج. و أما رواية عبد اللّه بن جبلة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال: من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء و عليه الحج من قابل» «1» و إن دلت على أنه جزء الحج، إلّا أنه لا يمكن الأخذ بها، لأنها ضعيفة سندا، فان في سندها يحيى بن المبارك و هو لم يثبت توثيقه، و مجرد وروده في اسناد تفسير علي بن ابراهيم لا يكفي، كما ذكرنا غير مرة، هذا. اضافة الى أنها معارضة للروايات الكثيرة التي تنص على أن من طاف طواف النساء تحل له النساء، فان مقتضى اطلاق هذه الروايات أن من طاف طواف النساء حلت له النساء و إن ترك رمي الجمرات عامدا و عالما بالحكم، و مقتضى اطلاق هذه الرواية أن من ترك رمي الجمرات متعمدا لم تحل له النساء و إن طاف طوافها، فاذن تكون المعارضة بينهما

بالاطلاق، و حيث ان تلك الروايات روايات كثيرة لا يبعد بلوغها من الكثرة حد التواتر الإجمالي، فتكون هذه الرواية حينئذ داخلة في الروايات المخالفة للسنة، فلا تكون حجة.

نعم بناء على ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن الاطلاق بما أنه ليس مدلولا للسنة، بل هو مدلول لمقدمات الحكمة فلا تكون الرواية مخالفة للسنة حتى تكون داخلة في الروايات المخالفة لها، و لكن قد ذكرنا في علم الأصول أن الاطلاق مدلول للكتاب و السنة دون مقدمات الحكمة، فانها جهة تعليلية و تفصيل الكلام هناك، هذا. اضافة الى أن ترك رمي الجمرات متعمدا لو كان مبطلا للحج كان مبطلا لطواف النساء أيضا، لأن معنى بطلان الحج بطلان احرامه أيضا، باعتبار أنه جزؤه، فاذا بطل احرامه فلا موضوع لحرمة النساء كغيرها من محرمات

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 647

و يجب قضاء الرمي بنفسه أو بنائبه في العام القابل على الأحوط (1).

الإحرام، فمن أجل ذلك أيضا لا يمكن الأخذ بهذه الرواية.

(1) مر الكلام فيه في المسألة (435).

نتيجة البحث عن رمي الجمرات الثلاث أمور

الأول: انه واجب مستقل، و لا يكون من واجبات الحج و اجزائه، و لذا لا يبطل الحج بتركه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و موضعه من الناحية الزمانية اليوم الحادي عشر و الثاني عشر.

الثاني: يعتبر الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداء من الجمرة الأولى و انتهاء بجمرة العقبة، فلو خالف و رمى جمرة قبل أن يذهب الى سابقتها وجب الرجوع الى السابقة و اعادة رمي اللاحقة، بلا فرق فيه بين العالم بالحكم و الجاهل به و الناسي، و اذا ظل الحاج الى ليلة الثالث عشر فالأظهر عدم وجوب الرمي عليه في اليوم الثالث عشر و إن كان الرمي

أولى و أجدر.

الثالث: إذا رمى الحاج الجمرة السابقة بثلاث، و رمى اللاحقة بسبع بطل و وجبت اعادة الكل من جديد، أما السابقة فهي على القاعدة على أساس أنه يعتبر أن تكون سبع رميات لكل جمرة، بنحو التتابع و التوالي، فاذا لم تكن كذلك كانت باطلة، و بما أن رميات الجمرة السابقة لم تكن كذلك فهي باطلة، و أما اللاحقة فلأجل الاخلال بالترتيب بين رميها و رمي السابقة، و أما اذا رمى السابقة بأربع و اللاحقة بسبع فيصح، و لم تجب الاعادة، و انما يجب عليه تكميل رمي السابقة و ذلك للنصوص الخاصة.

الرابع: يجب أن يكون رمي الجمرات الثلاث في النهار، و لا يجزي ايقاعها في الليل اختيارا و يستثنى من ذلك من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله، فيجوز له أن يرمي في الليلة السابقة على النهار، فيرمي مثلا في ليلة العيد

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 648

.......... بديلا عما يجب عليه في نهار العيد و في ليلة الحادي عشر بديلا عما يجب عليه الرمي في نهار الحادي عشر، و في ليلة الثاني عشر بديلا عن الرمي في نهاره، و تشمل هذه الرخصة النساء و الشيوخ و الضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام، فانه يجوز لهم الرمي في ليلة ذلك النهار بديلا عن الرمي فيه.

الخامس: ان الحاج اذا لم يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق لا ليلا و لا نهارا، فالأظهر أن وظيفته الاستنابة دون سقوط الرمي عنه، و لا وجوب رمي جميع الأيام في ليلة واحدة.

السادس: من نسي رمي الجمرات الثلاث، و خرج من منى الى مكة، فان تذكر بالحال و هو في مكة قبل انتهاء أيام التشريق وجب عليه

أن يرجع الى منى و يرمي الجمرات، و إن تذكر بالحال بعد انتهاء أيام التشريق وجب عليه أن يرجع الى منى للرمي على الأحوط، و إن خرج من مكة فان تذكر بالحال بعد أيام التشريق لم يجب عليه الرجوع، لأنه فات بفوت وقته، و هو أيام التشريق، و إن تذكر بها في آخر يوم من أيام التشريق وجب عليه الرجوع على الأحوط.

قد تتساءل: ان رمي الجمار اذا فات عنه، فهل يجب عليه قضاؤه في السنة القادمة أو لا؟

و الجواب: لا يجب ذلك، و إن كان اولى و أجدر.

السابع: الأظهر أن يفصل بين القضاء و الأداء بساعة، و أما الاتيان بالقضاء بكرة و الأداء عند الزوال فهو مستحب و ليس بواجب، على اساس ان ما دل على الاول بما انه ناص بكفاية الفصل بينهما بساعة فيصلح أن يكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الامر بالتفريق بينهما بالاتيان بالقضاء بكرة و بالاداء عند زوال الشمس في الوجوب و حمله على الاستحباب.

الثامن: ان وقت الرمي من طلوع الشمس الى غروبها.

[أحكام المصدود]

اشارة

أحكام المصدود

[مسألة 438: المصدود هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبسه باحرامهما]

(مسألة 438): المصدود هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبسه باحرامهما.

[مسألة 439: المصدود عن العمرة يذبح في مكانه و يتحلل به

(مسألة 439): المصدود عن العمرة يذبح في مكانه و يتحلل به (1) و الأحوط ضم التقصير أو الحلق اليه.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة من جهات:

الجهة الاولى في المراد من المصدود في مقابل المحصور.

الجهة الثانية في مقتضى القاعدة فيه و انها ما ذا تقتضي بعد الصد.

الجهة الثالثة في مقتضى الادلة من الكتاب و السنة و مدى دلالتها على حكم المسألة سعة و ضيقا.

اما الجهة الاولى فالمراد منه كما في الروايات الممنوع من الحج و العمرة بعد تلبسه بالاحرام، من قبل ظالم او عدو، لا مطلق الممنوع، و ان كان من اجل مرض.

و اما الجهة الثانية فلان مقتضى القاعدة سقوط الحج او العمرة عنه بالصد و العجز، و حينئذ فان كان الصد في سنة الاستطاعة لم يجب عليه الحج من قابل، إلّا اذا ظلت استطاعته، و ان كان الحج مستقرا في ذمته فعليه الحج في سنة اخرى.

و اما الجهة الثالثة فمن الكتاب.

قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ الآية «1». و الاستدلال به يتوقف على أن يكون المراد من الحصر في

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 650

.......... الآية مطلق المنع، سواء أ كان لمرض أم كان لمنع عدو أو ظالم. و الظاهر أن الأمر كذلك لقرينة داخلية و خارجية، اما الأولى فلأن معنى الحصر لغة و عرفا المنع، و لا يكون سبب المنع دخيلا في معناه الموضوع له، اذ من الواضح ان معناه طبيعي المنع لا حصة خاصة منه.

نعم، ان الفرق بين المحصور و المصدود انما هو بحسب الروايات على أثر الاختلاف بينهما في بعض الأحكام.

و اما القرينة الخارجية فلأن مورد الآية الشريفة هو صد المشركين لرسول اللّه عليه السّلام في عمرة الحديبية باتفاق المفسرين، و يشير الى ذلك في عدة من الروايات أيضا، منها قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع الى المدينة» «1».

فالنتيجة أنه لا شبهة في أن المراد من الحصر في الآية الشريفة مطلق المنع، فاذن الآية تدل على أن وظيفة الممنوع من اتمام الحج أو العمرة ما تيسر له من الهدي، و لكن في الروايات تفصيل بين وظيفة المصدود و وظيفة المحصور، و تدل على أن وظيفة الأول ذبح الهدي أو نحره في مكان الصد، و وظيفة الثاني بعث الهدي الى محلّه، و سوف يأتي الكلام فيه.

و أما السنة: فهي تتمثل في مجموعة من الروايات، و تدل على أن وظيفة المصدود وجوب الذبح أو النحر في محل الصد، و به يتحلل من كل شي ء حتى من النساء.

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال المصدود يذبح حيث صد و يرجع صاحبه فيأتي النساء، و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فاذا بلغ

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 651

.......... الهدي أحل هذا في مكانه، قلت: أ رأيت ان ردّوا دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء اذا بعث» «1».

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار «فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع الى المدينة» «2» و مقتضى هاتين الروايتين أن المصدود

يتحلل بالذبح أو النحر في محل الصد، و لا يتوقف ذلك على ضم الحلق أو التقصير اليه.

و لكن في مقابلها رواية تدل على أن التحلل يتوقف على أن يضم المصدود الحلق او التقصير الى الذبح أو النحر اذا ساق الهدي معه، و إلّا فوظيفته التخيير بين الحلق او التقصير، و لا يجب عليه الهدي، و هي رواية معتبرة رواها علي بن ابراهيم في تفسيره عن قصة صد المشركين النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله و اصحابه في عمرة الحديبية. و حاصل هذه الرواية أن المشركين لما منعوا الرسول صلّى اللّه عليه و آله من دخول مكة أمر صلّى اللّه عليه و آله أصحابه بنحر ما ساقوه معهم من الإبل و حلق رءوسهم حتى يتحلل بهما، كما انه صلّى اللّه عليه و آله نحر و حلق، و أما من لم يسق هديا معه فيكون مخيرا بين الحلق أو التقصير، و به يتحلل، و لا يجب عليه الهدي و إن كان متمكنا منه، و على هذا فهذه الرواية تقيد اطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة التي تنص على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما صدّه المشركون يوم الحديبية نحر ناقته و رجع الى المدينة، فان مقتضى ذلك أن الحلق غير واجب، و حيث ان دلالتها عليه ناشئة من السكوت في مقام البيان، فلا بد من رفع اليد عنها بهذه الرواية الناطقة بوجوب الحلق عليه تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على

[مسألة 440: المصدود عن الحج ان كان مصدودا عن الموقفين أو عن الموقف بالمشعر خاصة]

(مسألة 440): المصدود عن الحج ان كان مصدودا عن الموقفين أو عن الموقف بالمشعر خاصة فوظيفته ذبح الهدي في محل الصد و التحلل به عن احرامه، و الأحوط ضم الحلق أو التقصير اليه (1)

الأظهر، كما أنها تقيد إطلاق الآية الشريفة، فان مقتضى اطلاقها وجوب الهدي على المصدود، سواء أ كان مصدودا في الحج أم العمرة المفردة، و سواء أ ساق الهدي معه أم لا، و هذه الرواية تقيد اطلاق الآية في العمرة المفردة بما اذا ساق المعتمر الهدي معه، و إلّا لم يجب عليه الهدي. و لكن حيث ان مورد الرواية العمرة المفردة فلا يمكن التعدي عنه الى سائر الموارد كالحج، فانه بحاجة الى دليل و لا دليل عليه، و عليه فلا يمكن الحكم بأن المصدود في الحج يتحلل بالحلق أو التقصير اذا لم يسق هديا معه، بل عليه الهدي سواء أ ساق معه أم لا، و لا يتحلل إلّا بذبحه أو نحره، و مع هذا فالأحوط و الأجدر به وجوبا ضم الحلق أو التقصير اليه أيضا.

(1) ظهر مما مر أن هذا هو الصحيح، و تدل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة: «المصدود يذبح حيث صد و يرجع- الحديث» «1».

و دعوى: أنه لا يدل على وجوب الذبح عليه باعتبار أنه وارد في مقام توهم الحظر، اذ كما يحتمل أن تكون وظيفته التحلل بالذبح حيث صد، يعني قبل الوقوفين، يحتمل أن يظل على احرامه حتى يفوته الموقفان و تنقلب وظيفته من الحج الى العمرة المفردة و يتحلل بها.

مدفوعة: اما أولا: فلأن الظاهر من الصحيحة أنها في مقام بيان وظيفة المصدود تعيينا بقرينة اقتصارها عليها و سكوتها عن بديلها.

و ثانيا: ان الآية الشريفة بما أنها تشمل المصدود أيضا فتدل على أن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 653

بل الاحوط اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدي في العمرة المفردة (1).

وظيفته الهدي اذا صد، و لم يتمكن من اتمام

الحج أو العمرة، فيكون وجوب الهدي عند الصد عن الحج بديلا عن وجوب اتمامه، هذا. اضافة الى أن الانقلاب بحاجة الى دليل، و لا دليل عليه في المقام، لأن مورد الروايات التي تنص عليه هو من قدم مكة و قد فاته الموقفان كما في بعضها، و حينئذ فتنقلب وظيفته من حج التمتع الى عمرة مفردة، و في بعضها الآخر فاته الموقف بعرفات، و حينئذ فان ادرك المشعر الحرام فقد تم حجه، و إلّا فتنقلب وظيفته الى عمرة مفردة، و من الواضح ان مورد هذه الروايات التي تدل على الانقلاب ما اذا كان فوت الحج مستندا الى ضيق الوقت، و أما اذا كان مستندا الى سبب آخر كمنع ظالم أو عدو عن الحج دون ضيق الوقت فلا يكون مشمولا لها، و أما التعدي عن موردها اليه فهو بحاجة الى قرينة حيث ان الحكم يكون على خلاف القاعدة و لا قرينة في المقام لا من الداخل و لا من الخارج.

فالنتيجة ان وظيفة المصدود عن الحج الذبح، و الأحوط وجوبا ضم الحلق اليه أيضا، و أما في العمرة المفردة فان ساق الهدي معه فوظيفته الذبح و الحلق معا، و إن لم يسق هديا فهو مخير بين الحلق أو التقصير، و لا يجب عليه الذبح كما مر.

(1) بل على الأظهر كما تقدم.

و أما صحيحة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف فبعث به الى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف الى منى فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه، قلت: فإن

خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحج ان كان دخل متمتعا بالعمرة الى الحج فليطف بالبيت اسبوعا، ثم يسعى اسبوعا و يحلق رأسه، و يذبح شاة،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 654

و إن كان عن الطواف و السعي بعد الموقفين قبل اعمال منى أو بعدها فعندئذ ان لم يكن متمكنا من الاستنابة فوظيفته ذبح الهدي في محل الصد و ان كان متمكنا منها فالأحوط الجمع بين الوظيفتين ذبح الهدي في محله و الاستنابة (1).

فان كان مفردا للحج فليس عليه ذبح، و لا شي ء عليه» «1» فلا تدل على الانقلاب، لأن قوله عليه السّلام في ذيلها «فليطف بالبيت اسبوعا ... الخ» لا ينطبق على العمرة المفردة لأمرين:

أحدهما: ان المعتمر في العمرة المفردة مخير بين الحلق و التقصير، و لا يجب الحلق عليه تعيينا.

و الآخر: لا يجب الهدي عليه في العمرة المفردة، و يجب فيها طواف النساء، و به يتحلل منها لا بالهدي، مع أن ظاهر هذه الرواية أن تحلّله من النساء انما هو بالحلق و الذبح لا بطواف النساء، و على هذا فالرواية لا تدل على الانقلاب أصلا، و عندئذ فإما أن يرد علمها الى أهله، أو يلتزم به في موردها خاصة، و هو ما اذا خلى سبيل المصدود بعد اعمال منى و هو في مكة، فاذا كان كذلك وجب عليه الطواف و السعي و الحلق و الذبح و يتحلل بذلك.

(1) في الجمع اشكال، و الأظهر أن وظيفته الاستنابة في الطواف و صلاته، و السعي بين الصفا و المروة، لأن المكلف اذا لم يتمكن من هذه الأعمال مباشرة بسبب من الأسباب، فعليه أن يستنيب شخصا يقوم بها عنه، و المفروض أن من

كان متمكنا من الاتيان بها بالاستنابة لم تجر عليه أحكام المصدود، فإنها انما تجري عليه اذا لم يكن متمكنا منها لا بالمباشرة و لا بالاستنابة.

و دعوى: أن أدلة الاستنابة قاصرة عن شمول المقام لاختصاصها بما اذا كان المنوب عنه في مكة و عجز عن الطواف و السعي لمانع من الموانع، و أما من

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 655

.......... لم يكن في مكة كالممنوع من قبل ظالم أو عدو من الدخول فيها فلا يكون مشمولا لها، و ما نحن فيه من هذا القبيل.

مدفوعة: بأن مورد كثير من هذه الأدلة و إن كان العاجز عن الطواف لزحام أو مرض أو حيض متواجدا في مكة، إلّا أن بعضها الآخر مطلق، هذا. اضافة الى أن العرف لا يفهم خصوصية لتواجد المنوب عنه في مكة المكرمة، و لا يحتمل أن يكون حضوره فيها دخيلا في مشروعية النيابة.

فالنتيجة ان المعيار إنما هو بتمكن الشخص من الاستنابة للطواف و السعي عنه، و أما كونه حاضرا في مكة فلا دخل له في مشروعية النيابة، و من هنا اذا كان الحاج مريضا في منى، و لا يقدر على المجي ء الى مكة جاز له أن يستنيب شخصا يطوف عنه و يسعى و هو في منى، و لا يحتمل عدم جواز الاستنابة له إلّا بعد انتقاله الى مكة.

و بكلمة: ان مشروعية الاستنابة و إن كانت على خلاف القاعدة و بحاجة الى دليل، إلّا أن المستفاد عرفا من الدليل الدال على مشروعيتها عدم اختصاصها بمن يكون في مكة، فان مورده و إن كان ذلك إلّا أن العرف يفهم منه أن تمام الموضوع لها هو عجزه عن الطواف و السعي سواء أ كان فيها أم لا،

و بذلك يظهر حال ما بعده. نعم اذا صد في الطريق عن عمرة التمتع بعد تلبسه بالاحرام، أو في مكة بعد وصوله اليها، و قبل أن يبدأ بالاعمال، فان كان صده عن اعمال العمرة فحسب كما اذا خرج عن الصد و أطلق سراحه في موعد الحج و تمكن من ادراك الوقوف بالموقفين، لم تترتب عليه أحكام المصدود، بل تنقلب وظيفته من التمتع الى الافراد، لأن عمرة التمتع ليست واجبة مستقلة، بل هي جزء من حج التمتع، هذا اضافة الى أنه لا دليل على أن وظيفة المصدود عن عمرة التمتع فقط التحليل بالذبح أو النحر في مكانه، و أما قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة: «المصدود

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 656

و ان كان الاظهر جواز الاكتفاء بالذبح إن كان الصد صدا عن دخول مكة، و جواز الاكتفاء بالاستنابة ان كان الصد بعده و ان كان مصدودا عن مناسك منى خاصة (1) دون دخول مكة فوقتئذ ان كان متمكنا من الاستنابة فيستنيب للرمي و الذبح ثم يحلق أو يقصّر و يتحلل ثم يأتي ببقية المناسك، و ان لم يكن متمكنا من الاستنابة فالظاهر ان وظيفته في هذه الصورة ان يودع ثمن الهدي عند من يذبح عنه ثم يحلق أو يقصّر في مكانه فيرجع إلى مكة لأداء مناسكها فيتحلل بعد هذه كلها عن جميع ما يحرم عليه حتى النساء من دون حاجة الى شي ء آخر و صح حجه و عليه الرمي في السنة القادمة على الأحوط.

يذبح حيث صد- الحديث» «1» فهو ناظر الى الصد عن الحج بما فيه عمرة التمتع و حج الافراد و العمرة المفردة، و لا نظر له الى الصد عن عمرة التمتع فحسب مع

التمكن من الاتيان بالحج، و على هذا فان علم المصدود باطلاق سراحه و خروجه عن الصد في وقت يتمكن من ادراك الموقفين أو أحدهما، فالأظهر أن وظيفته تنقلب الى الافراد، و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر به أن يجمع بين استنابة شخص يقوم بالطواف عنه و صلاته و السعي بين الصفا و المروة، ثم هو يباشر التقصير، و بين أن ينوي احرام الحج بنية ما في الذمة، اي الأعم من حجة التمتع و حج الافراد، و بين أن يأتي بعد اعمال منى بطواف عمرة التمتع و صلاته و السعي قضاء بقصد الرجاء، ثم بطواف الحج، و إن لم يعلم بالحال و لكن أطلق سراحه اتفاقا في وقت يتمكن من ادراك الوقوف بالموقفين، فعندئذ انقلبت وظيفته الى حج الافراد، و إن كان صده عن الحج بما فيه عمرة التمتع كان مصدودا، و تترتب عليه أحكامه، و يدل على ذلك اطلاق صحيحة زرارة الآتية في المسألة (449).

(1) الظاهر أن الصد لا يتحقق بالنسبة الى اعمال منى و مناسكها، فانه إن

[مسألة 441: المصدود من الحج لا يسقط عنه الحج بالهدي المزبور]

(مسألة 441): المصدود من الحج لا يسقط عنه الحج بالهدي المزبور، بل يجب عليه الاتيان به في القابل اذا بقيت الاستطاعة أو كان الحج مستقرا في ذمته (1).

كان متمكنا من الاستنابة في الذبح و الرمي وجبت عليه الاستنابة، فإذا أتى النائب بهما قام المنوب عنه بالحلق أو التقصير في خارج منى، لأن وجوب الحلق في منى مشروط بالتمكن منه، و مع العجز يسقط، و حيث أنه لا يتمكن من الحلق في منى فوظيفته أن يحلق أو يقصر في غيرها كما في الروايات، و أما وجوب الرمي فهو أيضا مشروط بالتمكن، و مع العجز فلا وجوب.

و دعوى:

أن الطواف مترتب على رمي جمرة العقبة من الناحية التسلسلية، فاذا صد المكلف و منع من الرمي فلا يمكن الحكم بصحة الطواف، باعتبار أنه وقع في غير موضعه التسلسلي.

مدفوعة: بأن ترتب الطواف على الرمي من ناحية تسلسل الواجبات انما هو شرط في صحته في حال العلم و العمد، فاذا ترك المكلف الرمي عامدا و عالما بالحكم، و طاف بالبيت لم يصح طوافه، و أما في حال الجهل و النسيان و العجز فلا يكون شرطا، فاذا ترك الرمي جاهلا بالحكم او ناسيا أو من جهة منع مانع و طاف بالبيت صح طوافه، و لا يكون الترتيب بينهما في هذه الحالات شرطا في صحته، و اذا علم بالحال أو ارتفع المانع و رجع الى منى و رمى لم تجب عليه اعادة الطواف.

فالنتيجة انه لا يترتب احكام المصدود على الممنوع من مناسك منى و اعمالها خاصة.

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه اذ لا موجب لكون الصد مسقطا لوجوب الحج عن ذمة المصدود فان أدلة الصد بأجمعها ناظرة الى بيان ما يتحلل به المصدود، من

[مسألة 442: اذا صدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت و رمي الجمار فقد تم حجه و يستنيب للرمي ان امكنه في سنته

(مسألة 442): اذا صدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت و رمي الجمار فقد تم حجه و يستنيب للرمي ان امكنه في سنته، و إلا ففي القابل على الأحوط (1) و لا يجرى عليه حكم المصدود.

[مسألة 443: من تعذر عليه المضي في حجه لمانع من الموانع غير الصد و الحصر]

(مسألة 443): من تعذر عليه المضي في حجه لمانع من الموانع غير الصد و الحصر فالأحوط ان يتحلل في مكانه بالذبح (2).

دون كونها ناظرة الى سقوط وجوب الحج عنه بالصد اذا كان مستقرا في ذمته او اذا ظلت استطاعته الى السنة القادمة.

فالنتيجة انه لا شبهة في عدم سقوط وجوب الحج عن المصدود بالهدي، فانه يوجب تحلّله عن محرمات الاحرام، لا سقوط الحج عنه.

بقي هنا شي ء، و هو أن من نسي الطواف و رجع الى بلده، و تذكر بعد انتهاء ذي الحجة، يجب عليه الاتيان به مباشرة إن أمكن، و إلّا فبالاستنابة، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات، و الناتج منها أمور:

الأول: ان الحج لا يبطل بترك الطواف نسيانا حتى اذا استمر الى بعد الانتهاء من ذي الحجة.

الثاني: ان قضاءه واجب، و لا يلزم أن يكون في ذي الحجة في العام القادم.

الثالث: ان وجوب قضائه لا يمكن أن يكون وجوبا ضمنيا، لأن وجوبه الضمني قد سقط بوجوب الحج الاستقلالي بخروج وقته، و لا يعقل بقاؤه، فاذن لا محالة يكون واجبا مستقلا، و لا يمكن أن يكون من واجبات الحج و اجزائه، لاستلزامه الخلف.

(1) مر أن الأظهر عدم وجوب الاستنابة عليه للرمي في العام القادم.

(2) بل الأظهر بطلان احرامه، و لا موضوع حينئذ للتحليل، لما مر من أن المكلف اذا عجز عن اتمام الحج او العمرة، كان مقتضى القاعدة بطلانه، فاذا

[مسألة 444: لا فرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة]

(مسألة 444): لا فرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة و لو لم يتمكن منه ينتقل الأمر الى بدله و هو الصيام على الأحوط (1).

بطل بطل احرامه أيضا، على أساس أنه جزؤه، و صحة كل جزء من أجزاء الواجب المركب

مشروطة بالاتيان بالجزء الآخر واجدا للشروط، فاذا عجز عن الاتيان به بطل الجزء المأتيّ به، لانتفاء شرطه، و قد استثنى من هذه القاعدة المصدود و المحصور فقط بالنص كما تقدم، و لا دليل على استثناء غيرهما من المعذورين عن اتمام الحج أو العمرة.

(1) بل على الأظهر، و ذلك لأن هناك روايتين:

الأولى: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحصور و لم يسق الهدي، قال: ينسك و يرجع، قيل: فان لم يجد هديا، قال: يصوم» «1».

الثانية: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في المحصور و لم يسق الهدي، قال: يسنك و يرجع، فان لم يجد ثمن هدي صام» «2».

و مورد السؤال في هاتين الروايتين و إن كان المحصور، إلّا أن المتفاهم العرفي من جواب الامام عليه السّلام بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ثبوت الحكم لمطلق غير المتمكن من الهدي، سواء أ كان محصورا أم كان مصدودا، اذ لا يرى العرف خصوصية للمحصور في هذا الحكم.

و إن شئت قلت: ان المستفاد عرفا من قوله عليه السّلام: «فان لم يجد ثمن هدي صام» هو عموم الحكم، حيث يفهم منه ان تمام الموضوع لوجوب الصيام هو عدم وجدان الهدي، و لا يرى خصوصية لكون ذلك من محصور. و على هذا فالمصدود من الحج اذا لم يتيسر له الهدي، فالأظهر أن وظيفته الصيام، و أما المصدود في العمرة المفردة فقد تقدم أن معتبرة علي بن ابراهيم في تفسيره

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 660

.......... تنص على أنه اذا ساق الهدي معه فوظيفته أن يذبح أو ينحر و يحلق في مكانه، و إن لم يسق تخير بين الحلق و التقصير.

و هذه الرواية

مضافا الى ذلك تدل على أمرين آخرين:

أحدهما: عدم وجوب الهدي عليه و إن كان متمكنا منه اذا لم يسق معه.

و الآخر: عدم وجوب الصيام بديلا عن الهدي اذا لم يكن الهدي ميسورا له، هذا.

و لكن قد يقال- كما قيل-: ان دلالتها على الأمر الأول بما أنها بالاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة، و على الأمر الثاني بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، فلا تصلح أن تعارض الروايتين المذكورتين، على أساس أن دلالتهما على وجوب الهدي اذا كان المصدود متمكنا منه، و على وجوب الصيام بديلا عنه اذا كان عاجزا عنه، انما هي بالنص، و حينئذ فلا بد من تقديمهما عليها بملاك تقديم النص على الظاهر.

و الجواب: ان دلالة هاتين الروايتين على الحكمين المذكورين و إن كانت أظهر من دلالة الرواية إلّا أن مجرد ذلك لا يكفي في الحكم بتقديمهما عليها، بل لا بد من ملاحظة النسبة بينهما في المرتبة السابقة.

بيان ذلك: ان أظهرية أحد الدليلين أو أنصيته انما تكون قرينة عرفا على التصرف في الآخر تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر أو النص اذا كانت النسبة بينهما التباين أو العموم من وجه، و أما اذا كانت النسبة بينهما عموما مطلقا بأن يكون أحدهما خاصا و الآخر عاما فتكون القرينة عرفا حينئذ الأخصية، دون الأظهرية أو الأنصية، على أساس أن الأخصية انما هي في المرتبة السابقة عليها، فما دام أحد الدليلين واجدا لها فلا يصل الدور الى الاظهرية، و أما أنها في المرتبة السابقة فبلحاظ أن الأخصية من صفات مدلول اللفظ، و هذا بخلاف

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 661

.......... الأظهرية أو الأنصية فانها من صفات دلالة اللفظ، و من الواضح أن صفات المدلول اذا

كانت صالحة للقرينية بنظر العرف فلا تصل النوبة الى صفات الدلالة بملاك تأخرها عنها، و من هنا يتقدم الخاص على العام و إن كان العام أظهر بل أنص، لأن قرينية الخاص انما هي باعتبار أنه يبين ضيق دائرة دلالة العام بلحاظ الارادة الجدية، و مفسر للمراد الجدي النهائي منه، و هذا بخلاف الأظهرية، فان قرينيتها إنما هي بلحاظ ما في نفس الدلالة و الكشف، بدون النظر لها الى دائرة المدلول في المرتبة السابقة سعة أو ضيقا، و على هذا الأساس فبما أن الرواية المذكورة أخص من هاتين الروايتين لاختصاص الرواية بالمصدود في العمرة المفردة، و عموم الروايتين للمحصور و المصدود مطلقا، فاذن لا بد من تقديمها عليهما تطبيقا لقاعدة حمل العام على الخاص، و نتيجة ذلك أن وظيفة المصدود في العمرة المفردة اذا ساق الهدي معه الذبح و الحلق في مكانه، و اذا لم يسق التخيير بين الحلق و التقصير، و لا يجب عليه الهدي حينئذ و إن كان متمكنا منه، و لا الصيام بدلا عنه اذا لم يكن متمكنا منه، و وظيفة المصدود في الحج هي الذبح أو النحر، سواء أ ساق معه هديا أم لا، اذا كان متمكنا منه، و إلّا فوظيفته الصيام بديلا عن الهدي، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى قد تسأل عن أن المصدود في الحج هل يظل محرما الى أن يتمكن من الهدي، أو أنه يحل بمجرد الصدّ و المنع؟ فيه قولان: الأظهر القول الثاني: و تدل عليه صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: هو حل اذا حبسه، اشترط أو لم يشترط» «1» فان مقتضى اطلاقها أنه يحل بمجرد الحبس و المنع، سواء أ كان متمكنا

من الهدي أم لا، و لكن الآية الشريفة و كذلك

[مسألة 445: من أفسد حجه ثم صدّ هل يجري عليه حكم الصد أم لا]

(مسألة 445): من أفسد حجه ثم صدّ هل يجري عليه حكم الصد أم لا وجهان الظاهر هو الأول (1)، و لكن عليه كفارة الافساد زائدا على الهدي.

الروايات تصلح أن تكون مقيدة لإطلاقها بما اذا لم يتيسّر له الهدي، و أما اذا تيسر فوظيفته الهدي و لا يتحلل إلّا به.

فالنتيجة ان الآية الشريفة بما أنه لا نظر لها الى صورة عدم تيسر الهدي له فلا مانع من التمسك باطلاق الصحيحة في هذه الصورة و الحكم بأنه يحل فيها بمجرد الحبس و الصد، كما أنه لا بد من تقييد اطلاق هذه الصحيحة بغير المصدود في العمرة المفردة، لما مر من أنه اذا ساق هديا معه حل بنحره و الحلق، و إلّا حل بالتقصير او الحلق.

ثم إن هذه الصحيحة تشمل باطلاقها المصدود و المحصور معا.

(1) هذا بناء على ما قويناه من عدم فساد الحج بالجماع على ما نصت به صحيحة زرارة، من أن الحجة الأولى هي الحجة الواجبة، و الثانية عقوبة. و أما بناء على القول بفساده بالجماع فحينئذ و إن كان اتمامه واجبا، إلّا أنه لا بملاك أنه اتمام لحج واجب واقعا، بل بملاك أنه اتمام له عقوبة و صورة لا واقعا، و على هذا فالمصدود عنه لا يكون محرما، لأنه بفساد حجه خرج عن الإحرام، على أساس أن حجه اذا بطل بطل احرامه، و لا يعقل بقاؤه، و إلّا لزم خلف فرض كونه جزءا له، و من هنا اذا خالف و لم يتم الحج الفاسد عقوبة، فانه يعتبر آثما فقط، بدون أن يكون عليه شي ء من محرمات الإحرام.

و بكلمة: ان الأمر الأول المتعلق بالحج قد سقط

من جهة وجود المانع، و هو الجماع في اثنائه، و الأمر الثاني المتعلق باتمامه، اي بالإتيان بالأجزاء اللاحقة أمر عقابي، و هو أمر مستقل، و لا يمكن أن يكون ضمنيا، لفرض أن الأمر الضمني الذي كان متعلقا بها قد سقط بسقوط الأمر الاستقلالي، و عليه فبطبيعة الحال يكون وجوبها وجوبا مستقلا عقوبة، و لا يمكن أن يكون ذلك

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 663

.......... الوجوب كاشفا عن بقاء المصدود محرما، لاستحالة كونه باقيا عليه بعد افتراض بطلان حجه و فساده، و على ضوء هذا القول فلا يترتب على الممنوع من الاتيان بتلك الأجزاء بعد فساد الحج أحكام المصدود لأن ترتب تلك الأحكام مرتبط بكون المصدود يظل محرما، و إلّا فلا يكون مشمولا لأدلة الصد، هذا. اضافة الى أن موضوع أدلة الصد من الآية الشريفة و الروايات هو المصدود عن الحج أو العمرة، و المفروض أن الصد عن الاتيان بالأجزاء اللاحقة بعد فساد الحج ليس صدا عن الحج، بل هو صد عن شي ء آخر، و يكون واجبا عليه عقوبة.

فالنتيجة انه بناء على ما قويناه من عدم فساد الحج بالجماع، فالصد عن الاتيان بالأجزاء اللاحقة حينئذ صد عن اتمام الحج، و يترتب عليه أحكامه، و أما بناء على فساده فالصد عنه ليس صدا عن اتمام الحج لكي تترتب عليه أحكامه.

و قد تتساءل: ان الحاج إذا صد عن اتمام الحج عقوبة على هذا القول، فهل يجب عليه قضاء ذلك الحج في السنة القادمة؟

و الجواب: انه غير واجب، لأن وجوبه بحاجة إلى دليل، و لا دليل عليه، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى انه بناء على عدم فساد الحج بالجماع- كما هو الصحيح- اذا صد المكلف بعده عن

اتمام الحج، فان كان الحج حجة الإسلام و كان مستقرا في ذمته، أو ظلت استطاعته الى السنة القادمة وجبت عليه حجتان متتاليتان، الأولى حجة الإسلام، لفرض أنه منع عن اتمامها في السنة الأولى، فيجب عليه الاتيان بها في السنة القادمة. الثانية الحجة عقوبة، و هل يمكن انطباق الحجة عقوبة على حجة الإسلام، لكي يكفي الاتيان بحجة واحدة بعنوان حجة الإسلام أو لا؟ الظاهر عدم الانطباق، لأن الحجة عقوبة بما أنها

[مسألة 446: من ساق هديا معه ثم صدّ كفى ذبح ما ساقه و لا يجب عليه هدي آخر]

(مسألة 446): من ساق هديا معه ثم صدّ كفى ذبح ما ساقه و لا يجب عليه هدي آخر (1).

معنونة بعنوان خاص و اسم مخصوص فلا بد من الاتيان بها باسمها الخاص المميز لها شرعا، و لا تنطبق على حجة الإسلام.

و من ناحية ثالثة انه لا فرق بين أن يكون الحج حجة الإسلام أو الحج النيابي أو النذري أو المندوب، فانه اذا مارس الجماع بزوجته قبل الوقوف بالمشعر ثم صد، فان كان حجة الإسلام فقد ظهر حكمه، و إن كان الحج النيابي كشف ذلك عن بطلان النيابة، لأن صحتها مشروطة بالقدرة على العمل، و الصد كاشف عن عدم قدرته عليه في الواقع، و إن كان الحج النذري، فان كان نذره مقيدا بالسنة الخاصة، و صد عن اتمامه فيها، كشف ذلك عن بطلان نذره، لأن صحته مشروطة بالقدرة على الوفاء به، و اذا لم يقدر عليه بطل، و إن كان الحج الندبي، و صد عن اتمامه لم يجب تداركه في السنة القادمة. و في جميع الصور يجب عليه الاتيان بالحج في العام القادم عقوبة.

(1) الأمر كما افاده قدّس سرّه، و الوجه في ذلك ان المصدود يتحلل بالذبح أو النحر في مكان الصد بدون أن تكون الذبيحة معنونة

بعنوان خاص، و قد ورد في صحيحة زرارة «أن المصدود يذبح حيث صد»، و على هذا فاذا كان عليه هدي، كما اذا ساق المكلف معه ثم صد، كفى في تحلله و خروجه عن الإحرام ذبحه، اذ لا يجب عليه ارساله الى محله، و هو منى و ذبحه فيها، فان وجوب ذبحه هناك مشروط بتمكن المكلف من اتمام الحج، و أما اذا صد و منع منه من قبل ظالم أو عدو، فيكشف ذلك عن عدم وجوب الهدي عليه بعنوان هدي حج القران، و حينئذ فلا مانع من ذبحه في مكان الصد للتحلل به و الخروج من الإحرام.

و من هنا يظهر أنه لا يبعد أن يتحلل المصدود بذبح كفارة عليه في مكان الصد، حيث ان الواجب عليه الذبح بمقتضى قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 665

.......... «المصدود يذبح حيث صد» «1» و لا عبرة بعنوان الذبيحة، فانها سواء أ كانت هديا واجبا، أم مستحبا، أم كفارة، أو غيرها لا يضر بصدق الواجب و تحققه و هو الذبح، و العبرة انما هي بصدقه لا بصدق عنوان الذبيحة، و هذا بخلاف الهدي في باب الحج، فان المعيار فيه انما هو بصدق عنوان الهدي على الذبيحة، و لا يكفي مجرد الذبح بدون أن يقصد ذلك العنوان، فلو ذبح في منى شاة أو بقرة أو نحر ناقة بدون أن يكون بعنوان الهدي لم يجز، و لا تكون الذبيحة حينئذ مصداقا للذبيحة المأمور بها، فان المأمور به حصة خاصة منها، و هى المعنونة بعنوان الهدي لا مطلقا. و على هذا فاذا كانت عليه كفارة دم شاة مثلا، ككفارة التظليل أو غيرها، فاذا صد عن اتمام الحج و

اشترى شاة و ذبحها باسم الكفارة كفى عن كلا الواجبين، أما عن الكفارة فلصدقها على الذبيحة، و أما عن الواجب عليه حين صد فلصدق عنوان الذبح على ذبحها، و به يتحلل، و لا يتوقف تحلله على أمر زائد، هذا نظير ما اذا نذر صوم يوم الجمعة مثلا بدون أن يقيد بعنوان خاص، فانه ينطبق على كل صوم فيه، سواء أ كان واجبا كصوم شهر رمضان و صوم الكفارة، أم كان مستحبا. و كصوم الاعتكاف فانه ينطبق على كل صوم في الأيام الثلاثة واجبا كان أم مندوبا.

[أحكام المحصور]

اشارة

أحكام المحصور

[مسألة 447: المحصور هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمرض و نحوه بعد تلبسه بالاحرام

(مسألة 447): المحصور هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمرض و نحوه بعد تلبسه بالاحرام.

[مسألة 448: المحصور ان كان محصورا في عمرة مفردة]

(مسألة 448): المحصور ان كان محصورا في عمرة مفردة فوظيفته ان يبعث هديا و يواعد أصحابه أن يذبحوه أو ينحروه في وقت معين فاذا جاء الوقت تحلل في مكانه، و يجوز له خاصة أن يذبح أو ينحر في مكانه و يتحلل (1)

(1) الأمر كما أفاده قدّس سرّه، بيان ذلك: ان الروايات الواردة في المقام على طوائف:

الطائفة الأولى: الروايات التي تدل على أن وظيفة المحصور في الحج و العمرة بعث الهدي الى محله، فاذا بلغ محله قصر و أحل.

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: يواعد اصحابه ميعادا، فان كان في حج فمحلّ الهدي يوم النحر، و اذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، و ان كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول اصحابه مكة، و الساعة التي يعدهم فيها، فاذا كان تلك الساعة قصر و أحل- الحديث» «1».

و منها: موثقة زرعة، قال: «سألته عن رجل احصر في الحج، قال: فليبعث بهديه اذا كان مع اصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله، و محله منى يوم النحر اذا كان في الحج، و إن كان في عمرة نحر بمكة، فانما عليه أن يعدهم لذلك يوما،

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 667

.......... فاذا كان ذلك اليوم فقد و في و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّه تعالى» «1».

و منها: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: اذا احصر الرجل بعث بهديه- الحديث» «2» و منها غيرها. فان هذه الطائفة تنص على

أن وظيفة المحصور بعث الهدي الى محله في الحج و العمرة.

الطائفة الثانية: الروايات التي تنص على أنه يجوز للمحصور في العمرة المفردة أن يذبح في مكانه.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: ان الحسين بن علي عليه السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق، فبلغ عليا عليه السّلام ذلك و هو بالمدينة، فخرج في طلبه، فأدركه في السقيا و هو مريض بها، فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال: اشتكي رأسي، فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها، و حلق رأسه، و رده الى المدينة، فلما برئ من وجعه اعتمر، فقلت: أ رأيت حين برئ من وجعه أحل له النساء، فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت: فما بال النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث رجع الى المدينة حل له النساء، و لم يطف بالبيت، فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي صلّى اللّه عليه و آله كان مصدودا، و الحسين عليه السّلام محصورا» «3».

و منها: موثقة رفاعة بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى الى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي عليه السّلام: ابني و رب

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 668

.......... الكعبة افتحوا له الباب، و كانوا قد حموه الماء فاكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد» «1».

الطائفة الثالثة: الروايات التي تنص على أن وظيفة المحصور ذبح الهدي في مكانه مطلقا، أي سواء أ كان محصورا في الحج، أم في العمرة المفردة، أم التمتع.

منها: صحيحة معاوية ابن عمار

عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحصور و لم يسق الهدي، قال: ينسك و يرجع، قيل: فان لم يجد هديا، قال: يصوم» «2».

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في المحصور و لم يسق الهدي، قال: ينسك و يرجع، فان لم يجد ثمن هدي صام» «3».

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحته الثالثة: «و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فاراد الرجوع الى أهله رجع و نحر بدنة- الحديث» «4». و بعد ذلك نقول:

ان الطائفة الأولى تنص على أمرين:

أحدهما: وجوب بعث الهدي الى محلّه، و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون معه هدي أو لا.

و الآخر: التقصير في اليوم الموعود و هو اليوم الذي يواعد أصحابه أن يذبحوا الهدي في ذلك اليوم، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ذلك في الحج أو العمرة المفردة. و الطائفة الثالثة تنص على أن المحصور الذي لم يسق هديا معه يذبح في مكانه أو ينحر و يرجع، و مقتضى اطلاقها أيضا عدم الفرق بين أن يكون ذلك في الحج أو العمرة المفردة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 669

.......... ثم ان الطائفة الثالثة ساكتة عن وجوب التقصير عليه بعد الذبح أو النحر في مكانه، و تدل على أن المحصور الذي لم يسق هديا معه اذا ذبح في مكانه حلّ، و مقتضى اطلاقها أنه حل سواء أقصر أم لا، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها من هذه الناحية بالطائفة الأولى التي تنص على أنه لا يحل إلّا بالتقصير.

و بكلمة: ان مقتضى اطلاق الطائفة الثالثة الناشئ من السكوت في مقام البيان، أن المحصور يحل بالذبح أو النحر في مكانه و

إن لم يقصر، و لكن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها هذا بنص الطائفة الأولى على أنه لا يحل إلّا بالتقصير، و تقييده بما اذا قصر، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن الطائفة الأولى تدل باطلاقها على وجوب البعث و إن لم يسق الهدي معه، و لكن لا بد من رفع اليد عنه بنص الطائفة الثالثة على عدم وجوب البعث في هذه الصورة و كفاية الذبح أو النحر في مكانه.

و من ناحية ثالثة قد تسأل عن أن بين هاتين الطائفتين هل هو تعارض و تنافي أو لا؟

و الجواب: الظاهر انه لا تنافي بينهما، و ذلك لأن الطائفة الأخيرة لا تكون ظاهرة في أن وظيفة المحصور الذبح أو النحر في مكانه تعيينا و الرجوع الى بلده لكي تكون منافية للطائفة الأولى التي تدل على أن وظيفته ارسال الهدي الى محله و الذبح أو النحر فيه تعيينا، بل يكون مفادها كفاية ذلك، و عدم وجوب الإرسال، و ذلك لقرينتين:

الأولى: ان امر المحصور فيها بالذبح أو النحر في مكان الحصر و الرجوع الى بلده قد ورد في مقام توهم الحظر، فلا يدل على اكثر من كفاية ذلك، و عدم وجوب بعث الهدي الى محله، و تأخير التقصير فيه الى اليوم الموعود.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 670

.......... الثانية: ان قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية في هذه الطائفة: «ان كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فاراد الرجوع الى أهله رجع و نحر بدنة» ظاهر في أن هذا الحكم حكم امتناني ترخيصي لا الزامي، و على هذا فنرفع اليد عن اطلاق الطائفة الأولى في وجوب ارسال الهدي الى محله تعيينا بنص الطائفة الثالثة في جواز ذبح

المحصور أو نحره في مكان الحصر تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص. فالنتيجة ان المحصور مخير بين أن يذبح الهدي أو ينحره في مكانه، أو يبعث به الى محله، فان كان في الحج فمحله منى، و إن كان في العمرة فمكة، و لكن ذلك في غير المحصور الذي ساق الهدي معه، على أساس أن مورد الطائفة الثالثة بما أنه حصة خاصة من المحصور، و هي المحصور الذي لم يسق الهدي، فهي ساكتة عن حكم من ساق الهدي نفيا و اثباتا، فاذن لا مانع من الأخذ باطلاق الطائفة الأولى بالنسبة الى ذلك المحصور، فان الطائفة الثالثة لا تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عنه، و لا يوجد هناك مانع آخر، و على هذا فيكون الناتج من ذلك أن المحصور اذا ساق الهدي معه وجب عليه ارساله الى محله بدون فرق بين أن يكون في الحج أو العمرة، و إن لم يسق كان مخيرا بين الإرسال الى محله أو الذبح أو النحر في مكانه.

و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن الطائفة الثالثة ظاهرة في أن وظيفة المحصور الذي لم يسق الهدي معه الذبح أو النحر في مكان الحصر تعيينا، و عندئذ فبما أن نسبة الطائفة الثالثة الى الطائفة الأولى نسبة الخاص الى العام، باعتبار اختصاصها بالمحصور الذي لم يسق الهدي، و عموم الأولى لكلا القسمين معا، اي المحصور الذي ساق الهدي معه، و الذي لم يسق، فهي تصلح أن تكون مقيدة لإطلاقها بالمحصور الذي ساق الهدي.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 671

.......... فالنتيجة ان من ساق الهدي معه اذا أحصر وجب عليه أن يرسله الى محلّه، فاذا وصل اليه قصر فاحل من كل شي ء، و

من لم يسق اذا أحصر ذبح أو نحر في مكانه، و قصر و أحل.

و اما الطائفة الثانية فهي أخص من الطائفة الأولى، لأن موردها المحصور في العمرة المفردة، بدون فرق بين من ساق الهدي معه أو لم يسق، و مورد الطائفة الأولى المحصور في الحج و العمرة المفردة و التمتع جميعا، بدون فرق بين من ساق الهدي أو لم يسق، و على هذا فتصلح أن تكون مقيدة لإطلاق الطائفة الأولى بغير المحصور في العمرة المفردة، و حينئذ فعلى القول بكبرى انقلاب النسبة تنقلب النسبة بين الطائفتين الأولى و الثالثة من عموم مطلق الى عموم و خصوص من وجه، فان الطائفة الأولى تختص عندئذ بالمحصور في الحج و عمرة التمتع، و تعم من ساق الهدي معه و من لم يسق، و أما الطائفة الثالثة فهي تختص بالمحصور الذي لم يسق هديا، و تعم المحصور في الحج و العمرة المفردة و التمتع، و مورد الالتقاء و الاجتماع بينهما خصوص المحصور الذي لم يسق الهدي في الحج و عمرة التمتع، فان مقتضى الأولى بعث الهدي و ارساله الى محله، و مقتضى الثانية ذبح الهدي أو نحره في مكانه، و على هذا فان قلنا أن مفاد الطائفة الثالثة حكم الزامي و تدل باطلاقها على تعين ذلك، تقع المعارضة بينه و بين اطلاق الطائفة الأولى، فيسقطان معا، فالنتيجة هي التخيير. و إن قلنا ان مفادها حكم ترخيصي امتناني و تدل على كفاية ذلك- كما قويناه- فلا معارضة بينهما حينئذ، هذا كله على القول بكبرى انقلاب النسبة، و أما بناء على ما قويناه من القول بعدم صحة تلك الكبرى، فقد ظلت النسبة بينهما، و لا تنقلب بسبب تقييد اطلاق الطائفة الأولى

بالطائفة الثانية.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 672

و تحلل المحصور في العمرة المفردة انما هو من غير النساء، و اما منها فلا تحلل منها الا بعد اتيانه بعمرة مفردة بعد افاقته (1)، و ان كان المحصور محصورا في عمرة التمتع فحكمه ما تقدم الا انه يتحلل حتى من النساء (2)، و أما نسبة الطائفة الثانية الى الطائفة الثالثة و إن كانت نسبة الخاص الى العام، إلّا أنها لما كانت موافقة لها و كان الحكم في كلتيهما انحلاليا، فلا موجب لحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، و قد ذكرنا في علم الأصول أن النكتة العرفية الموجبة لحمل المطلق على المقيد، غير متوفرة في امثال المقام.

و تفصيل الكلام هناك.

بقي شي ء و هو ان الطائفة الثانية كالطائفة الثالثة ظاهرة في أن الذبح أو النحر في مكان الحصر و الحلق فيه ليس واجبا على المحصور تعيينا، بل الظاهر منها عدم الوجوب، فيجوز له ذلك كما يجوز له ارسال الهدي الى محله.

فالنتيجة ان المعتمر في العمرة المفردة اذا احصر بعد الاحرام تخير بين أن يرسل الهدي الى محلّه ثم يقصر أو يحلق في اليوم الموعود، و بين أن يذبح أو ينحر في مكان الحصر، ثم يحلق أو يقصر فيه.

(1) لقوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «و المحصور لا تحل له النساء» «1» و قوله عليه السّلام في صحيحته الاخرى في قصة عمرة الحسين عليه السّلام: «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة» «2».

(2) هذا هو الصحيح، بيان ذلك: أن هاهنا ثلاث اصناف من الروايات:

الصنف الأول: ما يدل على أن النساء لا تحل للمحصور، و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون

محصورا في العمرة المفردة أو حج التمتع، و هو متمثل في قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية المتقدمة: «و المحصور لا تحل له النساء».

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 673

.......... الصنف الثاني: ما يدل على أن النساء كغيرها من محرمات الاحرام تحل له بمجرد الحصر، و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون حصره في العمرة المفردة أو حج التمتع، و هو متمثل في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شي ء يكون حاله، و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء، قلت: من النساء و الثياب و الطيب، فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، و قال: أما بلغك قول ابي عبد اللّه عليه السّلام حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي»»

.الصنف الثالث: ما يكون موردها العمرة المفردة، و يدل على عدم حلية النساء للمحصور فيها إلّا بالاتيان بعمرة مفردة أخرى بعد أن خف مرضه، و أصبح قادرا على الاتيان بها مرة ثانية. و هو متمثل في قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الحاكية لعمرة الحسين بن علي عليه السّلام: «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، و يسعى بين الصفا و المروة» و على هذا فالصنفان الأولان من الروايات متعارضان بنحو التباين، حيث ان الصنف الأول منها يدل على عدم حلية النساء للمحصور مطلقا، أي سواء أ كان محصورا في الحج أو العمرة المفردة، و الصنف الثاني يدل على حليتها له مطلقا بمجرد الحصر، و أما الصنف الثالث فانه و إن كان أخص منهما مطلقا، إلّا أنه لما كان موافقا للأول فلا يصلح أن يكون مقيدا

لإطلاقه، لما ذكرناه في علم الأصول من أن المقيد و المطلق اذا كانا مثبتين و كان الحكم المجعول فيهما انحلاليا لم تتوفر فيهما نكتة حمل المطلق على المقيد عرفا، فاذن يبقى الصنف الأول مطلقا، و أما بالنسبة الى الصنف الثاني فبما أنه مخالف له في الايجاب و السلب، فهو يصلح أن يكون مقيدا لا طلاقه بغير مورده، و هو العمرة المفردة.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 674

.......... فالنتيجة أن حلية النساء للمحصور في العمرة المفردة تتوقف على الاتيان بعمرة أخرى بعد الافاقة، و أما في الحج فلا تتوقف على ذلك، و حينئذ فعلى القول بانقلاب النسبة تنقلب النسبة بين الصنفين الأولين من التباين الى عموم و خصوص مطلق، حيث يصبح الصنف الثاني بعد تقييده بغير العمرة المفردة أخص من الصنف الأول، و عندئذ يكون صالحا لتقييد اطلاقه بغير المحصور في الحج و عمرة التمتع، فاذن يكون الناتج من ذلك ان المحصور في العمرة المفردة لا تحل له النساء إلّا بعد الاتيان بعمرة أخرى و في الحج أو عمرة التمتع حلت له.

و أما على القول بعدم كبرى انقلاب النسبة- كما هو الصحيح- فيبقى التعارض بين الصنفين على حاله، و بما أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيسقطان معا من جهة التعارض، و حينئذ يرجع الى اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: «فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، و اذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه- الحديث» «1» فانه يقتضي باطلاقه تحلله به حتى من النساء، و كذلك قوله عليه السّلام: «فان كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة، و الساعة التي يعدهم فيها، فان كان تلك الساعة قصر و

أحل» «2» فان مقتضى اطلاقه أنه يحل حتى من النساء، غاية الأمر ان المحصور في العمرة المفردة قد خرج عن اطلاقه، فالنتيجة ان هذه الصحيحة لا تصلح أن تكون طرفا للمعارضة مع الصنفين الأولين، باعتبار أن دلالة الصحيحة على حلية النساء للمحصور بالتقصير بعد الذبح أو النحر بالاطلاق، و دلالة الصنف الأول على أن حليتها تتوقف على الاتيان بعمرة أخرى تكون بالنص، و كذلك دلالة الصنف

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 675

و ان كان المحصور محصورا في الحج فحكمه ما تقدم، و الأحوط انه لا يتحلل عن النساء (1) حتى يطوف و يسعى و يأتي بطواف النساء بعد ذلك في حج أو عمرة.

[مسألة 449: اذا احصر و بعث بهديه و بعد ذلك خفّ المرض

(مسألة 449): اذا احصر و بعث بهديه و بعد ذلك خفّ المرض فان ظن او احتمل ادراك الحج وجب عليه الالتحاق و حينئذ فان ادرك الموقفين أو الوقوف بالمشعر خاصة- حسب ما تقدم- فقد أدرك الحج، و إلا فان لم يذبح أو ينحر عنه انقلب حجه الى العمرة المفردة (2)، الثاني على عدم الحلية، و لكنها تصلح أن تكون مرجعا بعد سقوطهما بالتعارض.

(1) و فيه ما تقدم من أن المصدود عن عمرة التمتع فحسب دون الحج لا يترتب عليه أحكام المصدود و المحصور من هذه الناحية كالمصدود، بنفس ما ذكرناه من الملاك في المصدود، و لا فرق بينهما فيه أصلا.

(2) في اطلاقه اشكال بل منع، و الأظهر التفصيل فيه، فان المكلف اذا أحصر في الطريق بعد الاحرام و تأخر عن القافلة و بعث بهديه ثم وجد في نفسه خفة و تحسنا بحاله بحيث تمكن من البدء بالسفر، فحينئذ إن احتمل أو اعتقد انه اذا بدأ بالسفر يدرك الناس في الموقفين، أو

في أحدهما، وجب عليه ذلك، و عندئذ فان لم يصل الى مكة إلّا و قد فات عنه الموقفان معا، فان كان عدم وصوله من جهة مرضه فهو محصور، و تترتب عليه أحكامه، و لا نقصد بالمحصور إلّا من منعه مرض عن اتمام الحج أو العمرة، و إن كان عدم وصوله مستندا الى تقصيره و تسامحه في المشي كالبطؤ أو نحوه، لا مرضه لم تترتب عليه أحكام المحصور، على أساس أن فوت الحج أو العمرة حينئذ لم يكن مستندا إلى مرضه، بل الى مانع آخر، فلا يكون مشمولا لروايات الحصر، بل

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 676

.......... يكون مشمولا للروايات التي تنص على أن من قدم مكة و قد فات عنه الموقفان فعليه عمرة مفردة، يعني تنقلب وظيفته الى العمرة المفردة، و عليه الحج من قابل، و أما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: اذا احصر الرجل بعث بهديه، فاذا افاق و وجد في نفسه خفة فليمض ان ظن انه يدرك الناس، فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على احرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و لينحر هديه و لا شي ء عليه، و ان قدم مكة و قد نحر هديه فان عليه الحج من قابل و العمرة- الحديث» «1» فانها تدل على انه اذا افاق من مرضه و استعاد صحته، فان اعتقد انه يدرك الناس في الموقفين أو احدهما اذا واصل في سفره وجب عليه ذلك، و حينئذ فان ادرك الناس و لو في احدهما صح حجه و لا شي ء عليه، غاية الامر انه ان كان محرما للعمرة من حج التمتع انقلبت وظيفته الى حج الافراد، و ان لم يدرك الناس

حتى في احد الموقفين بان وصل الى مكة المكرمة و قد فات عنه الموقفان معا فلذلك صورتان:

الاولى: ان يستند عدم ادراكه الى مرضه في الطريق و عدم افاقته منه في وقت يتمكن من الادراك، و في هذه الصورة يترتب عليه احكام المحصور باعتبار ان فوت الحج أو العمرة مستند الى مرضه لا الى سبب آخر، و عندئذ فان كان قد نحر هديه في منى فوظيفته ان يحلق او يقصر فاذا فعل ذلك احل من كل شي ء حتى من النساء، بناء على ما قويناه من ان حلية النساء للمحصور في الحج لا تتوقف على الاتيان بعمرة مفردة، و انما تتوقف حليتها له في العمرة المفردة على الاتيان بها من جديد. و ان لم ينحر هديه فوظيفته ان يقوم بنحره فاذا نحر ثم حلق أو قصر احل من كل شي ء.

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 677

.......... و قد تتساءل عن ان مقتضى اطلاق الصحيحة ان وظيفته في الفرض الاول تنقلب من الحج الى العمرة المفردة فعلا لأن قوله عليه السّلام فيها «فان عليه الحج من قابل و العمرة» ظاهر في ان المراد من العمرة العمرة المفردة دون التمتع لأنها جزء الحج و لا وجه لذكرها في مقابله.

و الجواب اولا: ان قوله عليه السّلام: «عليه الحج من قابل و العمرة» لا يكون ظاهرا في ان المراد من العمرة فيه العمرة المفردة الآن، اذ كما يحتمل ذلك يحتمل ان يكون المراد منها العمرة المفردة في العام القادم، كما يحتمل ان يكون المراد منها عمرة التمتع، و ان كان بعيدا، فالنتيجة انه لا ظهور له في الانقلاب عرفا.

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، و تسليم ان الصحيحة ظاهرة في ذلك،

إلّا انه لا بد حينئذ من رفع اليد عن ظهورها الاطلاقي و حمله على الصورة الثانية الآتية بقرينة روايات المحصور التي هي ظاهرة في ان هذه الصورة بكلا فرضيه مشمولة لها.

الثانية: ان يستند عدم ادراكه الموقف الى تقصيره و تسامحه في السير و عدم اهتمامه بالوصول الى الحج، و في هذه الصورة لا يترتب عليه احكام المحصور، باعتبار ان فوت الحج فيها غير مستند الى مرضه فاذن لا محالة تنقلب وظيفته الى العمرة المفردة، و من هنا يظهر ان الصحيحة لا تدل على تمام هذه التفاصيل فان مفادها كما يلي لان قوله عليه السّلام فيها: «فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على احرامه» «1» اشارة الى أنه غير داخل في المحصور، على أساس أنه في هذه الصورة متمكن من الحج، فاذن بطبيعة الحال يظل محرما الى

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 678

.......... أن ينحر هديه و يحلق رأسه، فاذا فعل ذلك أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا الطيب و النساء، و قوله عليه السّلام: «و إن قدم مكة و قد نحر هديه فان عليه الحج من قابل و العمرة» «1» اشارة الى أنه اذا قدم مكة في نهار يوم العيد بعد نحر هديه فقد فات عنه الموقفان، و عليه الحج من قابل، و اما اذا قدم مكة في نهار يوم العيد قبل نحر هديه مع فوت الموقفين عنه فالصحيحة ساكتة عن حكمه.

بقي هنا أمور:

الأول: قد تسأل عن أنه اذا قدم مكة و قد نحر هديه، فهل يحل بذلك أو لا؟

و الجواب: ان فيه تفصيلا، فان تأخر قدومه مكة الى ما بعد نحر هديه إن كان مستندا الى مرضه فقد حل به

اذا ضم اليه الحلق أو التقصير، و أما اذا كان مستندا الى تقصيره و تساهله فلا يحل إلّا بالاتيان بعمرة مفردة، لأن وظيفته حينئذ تنقلب اليها بمقتضى النصوص.

الثاني: قيل ان الظاهر من العمرة في قوله عليه السّلام: «فان عليه الحج من قابل و العمرة» العمرة المفردة دون عمرة التمتع لأمرين:

الأول: ان عمرة التمتع جزء الحج فلا وجه لذكرها في مقابله.

الثاني: ان الظاهر من قوله عليه السّلام: «من قابل» قيد للحج دون العمرة، فلو كان المراد من العمرة عمرة التمتع لكان قيدا لكليهما معا، و هو خلاف الظاهر.

و لكن كلا الامرين لا يوجب ظهور الصحيحة عرفا في ان المراد من العمرة العمرة المفردة الآن.

الثالث: ان المراد من الظن في قوله عليه السّلام: «إن ظن انه يدرك الناس» إن كان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 679

و ان ذبح عنه تحلل من غير النساء و وجب عليه الاتيان بالطواف و صلاته و السعي و طواف النساء و صلاته للتحلل من النساء أيضا على الأحوط (1).

الوثوق و الاعتقاد كما هو غير بعيد، فعندئذ لا تدل على وجوب المضي الى مكة في صورة احتمال ادراك الناس في الموقف.

و دعوى: أن مقتضى القاعدة وجوب المضي، على أساس أن الشك فيه يرجع الى الشك في القدرة على الامتثال، و المرجع فيه قاعدة الاشتغال.

مدفوعة: بان الشك إن كان في امتثال التكليف المعلوم المنجز فالمرجع فيه قاعدة الاشتغال دون البراءة، بدون فرق بين أن يكون منشأ الشك فيه الشك في القدرة على الامتثال، أو شي ء آخر، لما ذكرناه في علم الأصول من أن أدلة البراءة لا تشمل في نفسها موارد الشك في بقاء التكليف بعد العلم بثبوته، لأن الظاهر منها أنها في مقام

الترخيص في موارد الشك في أصل ثبوت التكليف في الشرع، دون موارد الشك في بقائه بعد العلم بثبوته، و إن كان الشك في اصل ثبوت التكليف في الشرع فالمرجع فيه قاعدة البراءة دون قاعدة الاشتغال، بدون فرق بين أن يكون منشأ الشك فيه الشك في القدرة أو الشك في شي ء آخر، و على هذا فان كان وجوب الحج مستقرا في ذمته و ثابتا و كان يشك في قدرته على امتثاله، فالمرجع فيه قاعدة الاشتغال، و إن لم يكن مستقرا في ذمته و كان الشك فيه شكا في أصل ثبوته عليه، فالمرجع فيه قاعدة البراءة و إن كان منشأ الشك الشك في القدرة على الامتثال.

الرابع: ان هذه الصحيحة تدل باطلاقها على أن الممنوع من عمرة التمتع فحسب مع تمكنه من الحج لا تترتب عليه أحكام المحصور، لأنه اذا أفاق في وقت يتمكن من ادراك الحج، فوظيفته ذلك و إن كان محرما لعمرة التمتع من حجة الإسلام، و قد تقدم تفصيل ذلك.

(1) مر أن عدم ادراكه الموقف إن كان مستندا الى تقصيره و تسامحه

[مسألة 450: اذا احصر عن مناسك منى أو احصر من الطواف و السعي بعد الوقوفين فالحكم فيه

(مسألة 450): اذا احصر عن مناسك منى أو احصر من الطواف و السعي بعد الوقوفين فالحكم فيه كما تقدم في المصدود (1)، نعم، اذا كان الحصر من الطواف و السعي بعد دخول مكة فلا اشكال و لا خلاف في ان وظيفته الاستنابة.

[مسألة 451: اذا احصر الرجل فبعث بهديه ثم آذاه رأسه قبل ان يبلغ الهدي محله

(مسألة 451): اذا احصر الرجل فبعث بهديه ثم آذاه رأسه قبل ان يبلغ الهدي محله، جاز له أن يذبح شاة في محله أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان و يحلق (2).

انقلبت وظيفته من الحج الى العمرة المفردة، و لا يحل حينئذ بذبح هديه عنه في منى، و لا يترتب عليه أي أثر، و إنما يحل بالعمرة المفردة، و ان كان مستندا الى مرضه فقد حل بالذبح عنه، شريطة أن يضم اليه مباشرة الحلق أو التقصير، على تفصيل تقدم.

(1) قد تقدم في المسألة (444) ان أحكام المصدود لا تجري على من صد عن مناسك منى، و لا عن الطواف و السعي، و أما المريض الذي لا يقدر على الطواف و السعي بنفسه فيجب عليه أن يستنيب شخصا يطوف باستعانته و لو محمولا إن أمكن، و إلّا فيطوف عنه، فما دام متمكنا من ذلك فلا يكون محصورا عنهما، نعم اذا لم يتمكن من ذلك أيضا كان محصورا، و تترتب عليه أحكامه.

و أما بالنسبة الى مناسك منى فلا يتصور أن يكون الشخص محصورا عنها، أما بالنسبة الى الرمي فان كان المريض متمكنا منه بالاستنابة فهو، و إلّا سقط عنه، لأن وجوبه مشروط بالقدرة، و أما الذبح و الحلق، فان تمكن منهما في منى فهو، و إلّا ففي خارج منى.

(2) تدل على ذلك قوله تعالى: لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ

فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «1»

[مسألة 452: لا يسقط الحج عن المحصور بتحلله بالهدي فعليه الاتيان به في القابل إذا بقيت استطاعته أو كان مستقرا في ذمته

(مسألة 452): لا يسقط الحج عن المحصور (1) بتحلله بالهدي فعليه الاتيان به في القابل إذا بقيت استطاعته أو كان مستقرا في ذمته.

[مسألة 453: المحصور إذا لم يجد هديا و لا ثمنه صام عشرة أيام

اشارة

(مسألة 453): المحصور إذا لم يجد هديا و لا ثمنه صام عشرة أيام (2) على ما تقدم.

بضميمة الروايات التي فسرّت الصيام بصيام ثلاثة أيام، و الصدقة باطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان، و النسك بتضحية شاة.

(1) لعدم الموجب للسقوط، فان أدلة المحصور غير ناظرة الى هذه الناحية أصلا، و عليه فاذا كان المقتضي لوجوبه موجودا و هو بقاء استطاعته الى السنة القادمة، أو كان الحج مستقرا في ذمته، وجب عليه الحج في السنة القادمة.

(2) فان الوارد في النص عنوان الصوم، كما في صحيحتي معاوية بن عمار المتقدمتين «1» بدون تحديده بعشرة أيام، و لكن بما أن هذا الصوم بديل عن الهدي، فيكون الصوم البديل عنه عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج و سبعة اذا رجع الى بلده.

نتيجة البحث عن حكم المصدود تتمثل في الأمور التالية:

الأول: ان المصدود في المصطلح الفقهي هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمنع ظالم أو عدو في الطريق، و على هذا فان كان مصدودا في الحج فوظيفته أن يذبح في مكانه أو ينحر، و به يتحلل، و الأحوط وجوبا ضم الحلق أو التقصير اليه أيضا، و لا فرق في ذلك بين أن يسوق الهدي معه أو لا، و ان كان مصدودا في العمرة المفردة، فان ساق الهدي معه فوظيفته الجمع بين الذبح أو النحر و بين الحلق أو التقصير في مكانه، و به يتحلل، و إن لم يسق هديا فهو مخير

[مسألة 454: يستحب للمحرم عند عقد الاحرام أن يشترط على ربه تعالى أن يحلّه حيث حبسه و ان كان حلّه لا يتوقف على ذلك

(مسألة 454): يستحب للمحرم عند عقد الاحرام أن يشترط على ربه تعالى أن يحلّه حيث حبسه و ان كان حلّه لا يتوقف على ذلك، فانه يحلّ عند الحبس اشترط أم لم يشترط.

بين الحلق أو التقصير، و لا يجب عليه الهدي و إن كان متمكنا منه.

الثاني: ان المصدود يتحلل حتى من النساء اذا عمل بوظيفته، و قام بانجازها بدون فرق بين أن يكون مصدودا في الحج أو العمرة المفردة.

الثالث: قد تتساءل: ان من صد عن اتمام عمرة التمتع فحسب بعد احرامها، فهل تجري عليه أحكام المصدود رغم انه متمكن بعد خروجه من الصد من الحج و ادراك الوقوف بالموقفين أو أحدهما؟

و الجواب: لا تجري عليه أحكام المصدود، بل تنقلب وظيفته من حج التمتع الى الافراد، و لا فرق في ذلك بين أن يكون عالما بأن فترة صدّه محدودة الى انتهاء وقت العمرة، و يخرج بعده من الصد في وقت يتمكن من ادراك الوقوف بالموقفين أو أحدهما أو جاهلا بذلك.

الرابع: قد تسأل عن أن المصدود في الحج اذا لم يتمكن من الذبح في مكانه، فهل عليه

الصيام بديلا عنه؟

و الجواب: نعم.

و قد تسأل عن انه هل يحل في هذه الحالة بمجرد الصد و عدم التمكن من الذبح، أو يتوقف على شي ء آخر؟

و الجواب: انه يتوقف على الحلق أو التقصير على الأحوط وجوبا.

و قد تسأل عن أن المصدود في العمرة المفردة اذا لم يتمكن من الذبح في مكان الصد فهل يجب عليه الصيام بديلا عنه؟

و الجواب: لا يجب.

الخامس: ان الحاج اذا استمتع بامرأته جماعا قبل المشعر، ثم صد عن

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 683

.......... اتمام الحج، فبناء على القول بفساد الحج بالجماع لا يعتبر الحاج محرما، لأنه اذا فسد فسد احرامه، غاية الأمر انه مأمور بالاتمام عقوبة بأمر مستقل، لا بعنوان اتمام الحج، و حينئذ فلا تترتب عليه احكام المصدود.

و قد تسأل عن أنه اذا صد عن اتمام الحج عقوبة، فهل يجب عليه قضاء ذلك الحج في السنين القادمة؟

و الجواب: لا يجب عليه لأنه بحاجة الى دليل و لا دليل عليه، و أما بناء على ما هو الصحيح من عدم فساد الحج به و أنه حجة الإسلام و الثاني عقوبة، فيظل الحاج محرما و تترتب عليه أحكام المصدود عن اتمام الحج، و على هذا فاذا صد فعليه حجتان في السنين القادمة، الأولى حجة الإسلام، و الثانية الحجة عقوبة.

السادس: ان الهدي الواجب على المصدود لا يعتبر فيه اسم خاص و عنوان مخصوص، فيجزي مطلق الذبيحة و ان كانت كفارة لأن المعيار هنا انما هو بصدق عنوان الذبح، لأنه الواجب عليه بمقتضى قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:

«المصدود يذبح حيث صد» «1» و لا عبرة بعنوان الذبيحة.

السابع: من منعه مرض عن اتمام الحج أو العمرة و هو المحصور في الاصطلاح، فان ساق

الهدي معه وجب عليه بعثه الى محلّه، ثم انتظر الى اليوم الموعود فاذا بلغ ذلك اليوم حلق أو قصر فأحل، و إن لم يسق كان مخيرا بين البعث الى محله و الذبح أو النحر في مكانه ثم الحلق او التقصير فيه، هذا بلا فرق بين أن يكون محصورا في الحج أو في العمرة المفردة.

الثامن: ان المحصور في العمرة المفردة لا يحل له النساء إلّا بالاتيان

تعاليق مبسوطة على مناسك الحج، ص: 684

.......... بعمرة مفردة أخرى، و هذا بخلاف المحصور في الحج، فان حلية النساء له لا تتوقف على الاتيان بعمرة مفردة، بل تحل بما مر كغيرها من محرمات الإحرام.

التاسع: ان المحصور اذا أدرك خفة في نفسه و تحسنا في حاله بحيث وجد نفسه متمكنا من البدء بالسفر، و حينئذ فان احتمل أو اعتقد انه اذا بدأ بالسفر يدرك الناس بالموقفين، أو في أحدهما، وجب عليه ذلك اذا كان الحج مستقرا في ذمته، و إلّا لم يجب عليه إلّا اذا كان واثقا و معتقدا بذلك.

العاشر: ان الحصر أو الصد لا يوجب سقوط الحج عنه، إلّا اذا كان في السنة الأولى للاستطاعة و لم تبق الى السنة الآتية، و أما اذا ظلت الى السنة القادمة، أو كان الحج مستقرا في ذمته فيجب عليه الاتيان به فيما بعد.

«و الحمد للّه أولا و آخرا، على نعمه و آلائه، و الصّلاة على محمّد و آله.»

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.