سرشناسه : پوراميني، محمدامين، 1341 -
عنوان و نام پديدآور : بقيع الغرقد في دراسه شامله/محمدامين الاميني.
مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1386.
مشخصات ظاهري : 433 ص.
شابك : 27000 ريال 978-964-540-045-1
وضعيت فهرست نويسي : فيپا
يادداشت : عربي.
يادداشت : كتابنامه: ص. 387 - 411؛ همچنين به صورت زيرنويس.
موضوع : زيارتگاه هاي اسلامي -- عربستان سعودي -- مدينه.
موضوع : بقيع.
رده بندي كنگره : BP262/7/پ9ب7
رده بندي ديويي : 297/7635
شماره كتابشناسي ملي : 1051960
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.
إنّ من الطبيعي أن تعتز كلّ أمة بميراثها الحضاري وتبجّله، وأن تحتفظ ببقايا الآثار والمدن المقدسة؛ لكي تصان من الاندراس، خاصة إذا تعلق ذلك بالجانب العقائدي والديني.
وان بقيع الغرقد هو من تلك الأماكن التي تربط التاريخ بالعقيدة، والتراث بالهوية، وقد اهتمّ المسلمون على مدى الأعصار به، فزاروه، وبنوا على قبور كبارهم القباب، واحتفظوا بها بوصفها رمزاً للعلم والجهاد والتضحية، كيف لا ونحن نجد فيه قبور الأئمة من أهل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وغيرهم من الصحابة الكرام، والأولياء و الشهداء العظام.
ان البناء على القبور أصبح معتاداً، وقد تلقى المسلمون بكلّ حفاوة هذه الظاهرة الشرعية في كلّ بلادهم، ولم يردع عنها أيّ رادع من الكتاب والسنة.
قال اللَّه تبارك وتعالى في قصة أصحاب الكهف: «قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ
ص: 6
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً» (1)
، قالها الموحدون، بدليل أنهم أرادوا اتخاذ ذلك المكان موضعاً للعبادة، حكاه اللَّه عنهم ولم يردع عنه، ولم يرم فاعله بالشرك والبدعة!.
إنّ هذه الآثار والقباب تكريم لرموز العلم والتُّقى والتضحية في سبيل الدين، وحفظها هو حفظ النبي صلى الله عليه و آله، واحترامها احترامه، وتعدّ من مصاديق تعظيم شعائراللَّه، «ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» (2).
هذا اضافة إلى الآثار الوضعية الروحية لتلك الأماكن، فالمكان الذي تشرف بقدم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يختلف عن غيره، كيف لا وقد قال سبحانه وتعالى: «فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ» (3)
، وقال في قضية يوسف:
«اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً» (4)
، وقال:
«فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً» (5).
ومن المأساة حسبان البعض رأيهم المخالف لهذه الحقيقة القرآنية عين الصواب، وفرض ما يحسبونه هو الصحيح على عامة المسلمين، ورمي غيرهم بارتكاب البدعة والشرك، وعدم اللجوء إلى الحوار العلمي البنّاء، وعدم الإلتفات إلى الرأي الآخر جملة وتفصيلًا، ومنها ما ارتكبوه- بتفردهم واستبدادهم في الرأي- من هدم قباب الأئمة و الأولياء، بحجج واهية، قاصرة الدلالة والسند.
فتارة تراهم يتهمون المسلمين بأنهم يعبدون الأحجار! للَّه أبوهم! هذا كلام راجع إلى عدو رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وطريده مروان بن الحكم، ثمّ تابعه سائر الطغاة
ص: 7
والمنحرفون عن الصراط، كالحجاج بن يوسف وغيره، مما يدلّ على الأحقاد الدفينة.
فقد روي أنه: «أقبل مروان يوماً فوجد رجلًا واضعاً وجهه على القبر- أي قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله- فقال: أتدري ما تصنع؟! فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال:
نعم، جئت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولم آت الحجر، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله».
رواه أحمد (1)، وصححه الحاكم والذهبي (2).
وهذا هو الحجاج بن يوسف الثقفي سفاك دماء المسلمين، قال لجمع من أهل الكوفة يريدون زيارة قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد ورمة بالية، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك؟! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله؟! (3).
فالويل لمن يحسب أبا أيوب الأنصاري- ذلك الصحابي الجليل- مشركاً، ومروان بن الحكم- الذي طرده رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ولعنه- والحجاج موحداً!.
فظهر أنّ هذا هو منطق الأمويين وكلام أتباعهم، لا مذهب السلف الصالح، وظهر أن قائل هذه المقالة السخيفة: «عصاي هذه خير من محمد؛ لأنه ينتفع بها في قتل الحية والعقرب ونحوها، ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع، وإنّما هو طارش» (4)، يتبع مقالة مروان والحجاج وسائر الأمويين الذين بسطوا العنف والتكفير في
ص: 8
أوساط المسلمين، وأخذوا في اعتقالهم وحبسهم وتعذيبهم وقتلهم على التهمة والمظنة، فالأحرى أن يُتَّبع مذهب السلف الصالح مثل أبي أيوب الأنصاري، لا مذهب السلف الطالح مثل مروان والحجاج!.
إن من مذهب السلف الصالح التوجه إلى اللَّه والتضرع إليه عند قبور أوليائه، وهذا لايخرجهم عن دائرة التوحيد إطلاقاً، لأنهم لايحسبونهم في عرض اللَّه، لا «بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ* لَايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» (1)
، لكنهم أرشد اللَّه الناس إليهم، وبالتوسل بهم، حيثما قال: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لوجدوا اللَّه تواباً رحيماً» (2)، ولا يوجد هناك فرق بين حياة النبي صلى الله عليه و آله ومماته، إذ موته لا يعني مفارقته هذا المنصب، وهذا هو ما فهمه السلف الصالح.
روى المسعودي في تاريخه: في سنة ثلاث وخمسين هلك زياد بن أبيه .. وقد كان كتب إلى معاوية أنه قد ضبط العراق بيمينه، وشماله فارغة، فجمع له الحجاز مع العراقين، واتصلت ولايته بأهل المدينة، فاجتمع الصغير والكبير بمسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وضجوا إلى اللَّه، ولاذوا بقبر النبي صلى الله عليه و آله ثلاثة أيام (3).
فهل يمكن رمي هؤلاء الذين لاذوا بقبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وضجوا إلى اللَّه عند مضجع رسوله بالشرك وارتكاب البدعة؟ أليسوا هم- وفيهم كثير من الصحابة- من السلف الصالح؟
كما أن التبرك بقبورهم له جذور أصيلة من فعل العترة الهادية وسيرة المسلمين وعلى رأسهم الصحابة، ومن أدلة ذلك:
ص: 9
ما روي حول تبرك فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وبضعته، حيث إنّهاتبركت بتراب قبر أبيها، كما جاء في الخبر عن علي عليه السلام: «لما رمس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جاءت فاطمة، فوقفت على قبره، وأخذت قبضة من تراب القبر، فوضعته على عينيها، وبكت وأنشأت تقول:
ماذا على من شمّ تربة أحمد أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها صبّت على الأيام عدن لياليا (1)
ما ذكرناه حول تبرك أبي أيوب الأنصاري بقبر النبي الأعظم صلى الله عليه و آله، الذي صححه الحاكم والذهبي، وقال السبكي فيه: فإن صحّ هذا الإسناد لم يكره مسّ جدار القبر (2).
ما روي حول تبرك بلال بقبر الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله، حيثما جاء إلى قبره الشريف فجعل يبكي عنده، ويمرّغ عليه (3).
ما روي أن عبد اللَّه بن عمر كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف، وأنّ بلالًا وضع خده عليه (4).
ما ذكر عن التابعي ابن المنكدر من أنه كان يجلس مع أصحابه، وكان يصيبه الصمات (5)، فكان يقوم كما هو يضع خدّه على قبر النبي صلى الله عليه و آله ثمّ يرجع، فعوتب في ذلك فقال: انه ليصيبني خطره، فاذا وجدت ذلك استشفيت بقبر النبي صلى الله عليه و آله، وعن الذهبي:
ص: 10
استعنت بقبر النبي (1).
وقد أفتى الامام أحمد بن حنبل بجواز التبرك والتمسح بآثار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من قبره ومنبره رجاء ثواب اللَّه (2).
كما أن المسلمين كانوا يتبركون بآثار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمنبره، وأخذ تراب قبره، والاحتفاظ بشَعره.
كما أنهم كانوا يتبركون في حياته بأخذ شعره، والتبرك بما بقي من ماء وضوئه.
كلّ هذا يدل على أن التبرك بآثار رسول اللَّه كان أمراً ارتكازياً لدى عامة المسلمين، من دون فرق بين حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومماته.
كما أن زيارة قبور الأولياء، والصلاة والدعاء والتضرع إلى اللَّه والبكاء عندها مما لا أشكال فيه، وعليه سيرة المسلمين، وهو من دأب الصالحين.
روى الحاكم النيسابوري: ان فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و آله كانت تزور قبر عمها حمزة كلّ جمعة، فتصلي وتبكي عنده (3)، ثم قال: هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات، وقد استقصيت في الحث على زيارة القبور تحرياً للمشاركة في الترغيب، وليعلم الشحيح بذنبه أنها سنة مسنونة (4)، وقال في موضع آخر حول الحديث: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (5).
فهذا هو ابن حجر يقول في شأن ابن خزيمة في زيارته لقبر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، راوياً عن أبي بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى قوله:
ص: 11
خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا وهم إذ ذاك متوافدون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس، قال: فرأيت من تعظيمه- يعني ابن خزيمة- لتلك البقعة، وتواضعه لها، وتضرعه عندها ما تحيّرنا (1).
وهذا هو ابن حبان يقول في شأنه عليه السلام: وقبره بسناباذ خارج النوقان، مشهور يزار، بجنب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات اللَّه على جده وعليه ودعوت اللَّه إزالتها إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شي ء جرّبته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا اللَّه على محبة المصطفى وأهل بيته، صلى اللَّه عليه وعليهم أجمعين (2).
وروي عن أبي علي الخلال- شيخ الحنابلة- أنه قال: ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهّل اللَّه تعالى ما أحبّ (3).
كما أن الإمام الشافعي حينما كان ببغداد كان يجي ء إلى قبر أبي حنيفة، يزوره فيسلم عليه، ثمّ يتوسل إلى اللَّه تعالى به في قضاء حاجاته، روى الخطيب عن علي ابن ميمون عن الشافعي قوله: إني لأتبرك بأبي حنيفة، وأجى ء إلى قبره في كلّ يوم يعني زائراً، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين، وجئت إلى قبره، وسألت اللَّه تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى (4).
كما أن المسلمين بمصر لازالوا يهتمون بزيارة مشهد الإمام الحسين عليه السلام.
ص: 12
فهل يمكن رمي كلّ هؤلاء- وفيهم كبار المسلمين وفقهاؤهم وعلمائهم- بالشرك وارتكاب البدعة؟
وكذلك الأمرفي شأن الإعتناءبقبور الأولياء، و لزوم المحافظة عليها، واصلاحها، وترميمها، كما جاء في الخبر: «كانت فاطمة تأتي قبر حمزة ترمه وتصلحه» (1).
وأما بناء القباب على قبور الأولياء فليس من مظاهر الشرك كما يزعمه البعض، وإلا فلا بدّ من رمي معظم المسلمين بالشرك!.
هذا هو الذهبي يذكر في ترجة العباس عم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: وعلى قبره اليوم قبة عظيمة من بناء خلفاء آل العباس (2).
وقال أيضاً: وله قبة عظيمة شاهقة على قبره بالبقيع (3).
وكذا الأمر في حق غيره مثل مالك ونافع وحليمة السعدية وغيرهم.
وعن السمهودي في المشهد المعروف بالنفس الزكية، قال: وهذا المشهد شرقي جبل سلع، وعليه بناء كبير بالحجارة السود (4).
فظهر أنه على مرّ القرون كان البقيع معظماً لدى كافة المسلمين، الذين أشادوا القبب على قبور الأئمة والصحابة والأولياء، احتراماً وتكريماً للذين صنعوا التاريخ ومجد الاسلام.
إن هدم قبور أولياء اللَّه بالبقيع وتدميرها ناشى ء عن عدم الفهم واعوجاجه، كما صرح به الإمام الخميني (5) رضوان اللَّه تعالى عليه.
ص: 13
فبناء عليه لابدّ أن يصحّح البعض فهمه الخاطى ء، وإن أصرّ على خطأه فليس له فرض رأيه على سائر المسلمين، فإنّ كلّ مذهب من مذاهب المسلمين له رأيه وفهمه واجتهاده واستنباطه، ويمكن فتح الحوار العلمي بشكل بنّاء وهادئ في المجالات العلمية، بلا تكفير ولا سباب، وأما فرض الرأي على الآخرين فقد مضى دوره، وانتهى أجله، وهو مما يأباه العقل السليم.
وكيفما كان، فالبقيع هو هوية المسلمين، ومن أهم مواضع تراثنا الإسلامي، فلابدّ لجميع المسلمين الغيارى أن يعرفوا حقه، ويهتموا بإعادة بنائه، حيث إنه منار لهدى البشرية، وملاذ للتربية الانسانية.
ولقد حاولنا في هذا البحث الوجيز الكشف عن بعض زوايا الموضوع، حشرنا اللَّه والقارى ء الكريم مع أئمة البقيع عليهم السلام، ووفقنا لاتّباعهم، ومواصلة مسيرتهم الحافلة بالعز والكرامة، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
28/ صفر المظفر/ 1428 من الهجرة النبوية
يوم وفاة الرسول الأعظم محمد المصطفى صلى الله عليه و آله
وسبطه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
قم المقدسة- محمد أمين الأميني
ص: 14
ص: 15
قال الجوهري: إن البقيع موضع فيه أُرُوم الشجر من ضروب شتّى، وبه سمّي بقيع الغرقد، وهي مقبرة بالمدينة (1).
وقال الفيروز آبادي نحوه في القاموس (2).
وقال ابن فارس بن زكريا (المتوفى سنة 395): بقع البقعة من الأرض، والجميع بقاع، والبقيع المكان المتسع، قال قوم: لايكون بقيعاً إلا وفيه شجر، وبقيع الغرقد، وكان ذاشجر، ثم ذهب الشجر فبقي الإسم (3).
وقال نحوه في لسان العرب (4) وتاج العروس (5).
وفي النهاية لابن الأثير- بعد ذكر ما مرّ- قال: ولا يسمى بقيعاً إلا وفيه شجر
ص: 16
أو أصولها (1).
وأمّا الغرقد، فهو على ما قاله الخليل: شجر كان ينبت هناك، فبقي الاسم ملازماً للموضع، وذهب الشجر (2).
وذكر نحوه الفيومي في المصباح (3).
وفي القاموس: الغرقد شجر عظام، أو هي العوسج إذا عظم، وبها سمّوا بقيع الغرقد مقبرة المدينة، لأنه كان منبتها (4).
وفي لسان العرب وتاج العروس: أنه شجر له شوك، فذهب وبقي الاسم لازماً للموضع (5).
وعن الأصمعي: قطعت غرقدات، فدفن فيها عثمان بن مظعون، فسمي المكان بقيع الغرقد لهذا السبب (6).
وفي مواهب الجليل: بقيع الغرقد: الذي فيه مقبرة المدينة، بباء بغير خلاف، وسمي بذلك لشجرات غرقد هو العوسج كانت فيه (7).
وجاء في دائرة المعارف الاسلامية: بقيع الغرقد: وهذا الإسم يدلّ على أرض كانت مغطاة بنوع من شجر التوت مرتفع (8).
وقالوا: وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة، (والكفت في اللغة: الضمّ)، لأنه
ص: 17
مقبرة تضمّ الموتى (1)، قال الحموي: الكفتة: اسم لبقيع الغرقد، وهي مقبرة أهل المدينة، سميت بذلك؛ لأنها تكفت الموتى، أي تحفظهم وتحرزهم (2).
اطلاقات البقيع
ثمّ إن كلمة البقيع استعملت بلحاظ معناها اللغوي في موارد شتى، نشير إلى بعضها:
الف) بقيع الخيل (سوق المدينة)
ذكر الحموي عن النصر: بقيع الخيل موضع بالمدينة عند دار زيد بن ثابت، دفن به عامة قتلى أحد، قال نصر: وأظنه بقيع الغرقد (3).
وروى ابن شبة باسناده عن عائشة في حديث: كان يقال لسوق المدينة بقيع الخيل (4).
وعن القمي- في قضية حكم سعد بن معاذ على بني قريظة بقتل رجالهم-:
أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بأخدود، فحفرت بالبقيع، وقال آخرون: إنه صلى الله عليه و آله حفر لهم خنادق في سوق المدينة، فضرب أعناقهم فيها (5).
ص: 18
وعن سعد بن أبي وقاص: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يجهّز أو كان يعرض جيشاً ببقيع الخيل، فاطلع العباس بن عبد المطلب، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «هذا العباس، عمّ نبيكم، أجود قريش كفّاً، وأحناه عليها» (1).
وعن الصعب بن جثامة: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حمى البقيع، وقال: «لا حمى إلا للَّه و لرسوله» (2).
وروي عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه و آله حمى البقيع للخيل (3)، فقلت له: لخيله؟ قال:
لا، لخيل المسلمين (4).
و في طبقات المحدثين عن ابن عمر، قال: إنّ النبي صلى الله عليه و آله حمى البقيع لخيل المسلمين (5).
وروى الخطيب عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه و آله حمى البقيع، وليس بالبقيع نخيلة (6).
وقال فهيم محمود شلتوت في هامش كتاب تاريخ المدينة المنورة: البقيع.. هو الذي حمى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهو على عشرين فرسخاً من المدينة، وبقيع الغرقد مقبرة المدينة (7).
ص: 19
وعن عمر: من زافت عليه دراهمه فليخرج بها إلى البقيع، فليشتر بها سحق الثياب (1).
وروى البيهقي: أنّ النبي صلى الله عليه و آله خرج إلى البقيع، فرأى رجلًا، فساوم به، ثمّ تركه فاشتراه رجل فأعتقه، ثمّ أتى به النبي صلى الله عليه و آله فقال: إني اشتريت هذا فأعتقته، فماترى فيه، قال: «أخوك ومولاك..».. (2).
وروي: أنّ النبي صلى الله عليه و آله خرج إلى البقيع، فرأى رجلًا يباع.. (3).
وروى ابن حجر عن عبد بن عبيد بن مراوح عن أبيه، قال: نزل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله البقيع والناس يخافون الغارة بعضهم على بعض، فنادى مناديه: اللَّه أكبر، فقال:
لقد كبّرت كبيرا، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فارتعدت وقلت: لهؤلاء نبأ، فقال:
أشهد أنّ محمداً رسول اللَّه، فقلت: بعث نبيّ، فقال: حيّ على الصلاة، فقلت: نزلت فريضة، واعتمدت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فسألته عن الإسلام فأسلمت، وعلمني الوضوء والصلاة، وصلى فصليت معه، وحمى البقيع، واستعملني عليه (4).
وروى الهيثمي: كنا عند النبي صلى الله عليه و آله ببقيع الخيل فأقبل العباس.. (5).
وعن ابن سعد: ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومأة فرس ترعى بالبقيع (6).
ص: 20
وذكر الشيخ الطوسي بإسناده عن حذيفة بن اليمان قال: لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلى الله عليه و آله، قدم جعفر والنبي عليه السلام بأرض خيبر، فأتاه بالفرع من الغالية والقطيفة، فقال النبي صلى الله عليه و آله: «لأدفعنّ هذه القطيفة إلى رجل يحبّ اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله» فمدّ أصحاب النبي صلى الله عليه و آله أعناقهم إليها، فقال النبي صلى الله عليه و آله:
أين علي؟ فوثب عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه، فدعا عليا عليه السلام، فلمّا جاء قال له النبي صلى الله عليه و آله: يا علي، خذ القطيفة اليك، فأخذها علي عليه السلام، وأمهل حتّى قدم المدينة، فانطلق إلى البقيع وهو سوق المدينة، فأمر صائغاً ففصل القطيفة سلكا سلكا، فباع الذهب وكان ألف مثقال، ففرقه علي عليه السلام في فقراء المهاجرين والأنصار.. (1).
وروى النسائي باسناده عن قيس بن أبي عرزة قال: كنا نبيع بالبقيع، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكنا نسمى السماسرة (2).. (3).
وروى باسناده عن ابن عمر: كنت أبيع الأبل بالبقيع، فأبيع الدنانير وآخذ الدراهم (4).
ص: 21
قال الشوكاني: قوله: بالبقيع، قال الحافظ: بالباء الموحدة، كما وقعت عند البيهقي في بقيع الغرقد، قال النووي: ولم يكن إذ ذاك قد كثرت فيه القبور (1).
وعن ابن عمر أيضاً: كنا نبيع الأبعرة بالبقيع بالدنانير، ونأخذ عوضها الدراهم، وبالدراهم، ونأخذ عوضها الدنانير، فسألنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: «لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شي ء» (2).
وفي مسند أحمد: أنّ امرأة قالت: يا رسول اللَّه، ان كان في نفسي ان اجمعك ومن معك على طعام، فأرسلت إلى البقيع فلم أجد شاة تباع، وكان عامر بن أبي وقاص ابتاع شاة امس من البقيع، فأرسلت إليه ان ابتغي لي شاة في البقيع فلم توجد.. (3).
وروى الدارقطني عن رجل من الأنصار قال: خرجت مع أبي وأنا غلام مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله،.. قالت: فبعثت إلى أخي عامر بن أبي وقاص وقد اشترى شاة من البقيع.. (4).
وروى الحاكم النيسابوري عن عمر بن سعيد عن عمر قال: خرج
ص: 22
رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى البقيع، فرأى طعاما يباع في غرائر (1)، فادخل يده فأخرج شيئاً كرهه، فقال: «من غشّنا فليس منا» (2).
وروى نحوه أحمد في مسنده عن أبي بردة بن دينار (3)، والهيثمي عن أبي موسى (4)، بتفاوت يسير.
وروى الدارمي: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى البقيع فقال: «يا معشر التجار، حتى إذا اشرأبوا، قال: التجار يحشرون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى اللَّه وبرّ وصد» (5).
وروى الطبري عن أبي قلابة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا أهل البقيع! فسمعوا صوته، ثمّ قال: يا أهل البقيع! فاشرأبوا ينظرون حتى عرفوا أنه صوته، ثمّ قال: يا أهل البقيع، لا يفترقنّ بيّعان إلا عن رضا» (6).
وعن أبي هريرة: أنّ رجلًا يقال له أبو حميد أتى النبي صلى الله عليه و آله بإناء فيه لبن من البقيع نهاراً، فقال له النبي صلى الله عليه و آله: «ألا خمرته ولو أن تعرض عليه بعود» (7).
وفي الخبر عن بلال أنه قال:.. حتى إذا صلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني، فناديت وقلت: من كان يطلب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ديناً
ص: 23
فليحضر، فما زلت أبيع واقضي واعرض واقضي، حتى لم يبق على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دين في الأرض.. (1).
وروى عبد الرزاق عن ابن سيرين، قال: نهى عمر بن الخطاب عن الوَرِق بالوَرِق إلا مثلًا بمثل، فقال له عبد الرحمن بن عوف أو الزبير: إنها تزيف علينا الأوراق، فنعطي الخبيث ونأخذ الطيب، فقال: لا تفعلوا، ولكن انطلق إلى البقيع، فبع ثوبك بورِق أو عَرَض، فإذا قبضته وكان لك بيعه فاهضم ما شئت، وخذ ورقاً إن شئت. (2)
وفي الخبر: الحق المرأة، فإنها على دكان العلاف بالبقيع تنتظرك، فأخذت الدراهم، وكنت إذا قال لي شيئاً لا أراجعه، فأتيت البقيع، فإذا المرأة على دكان.. (3).
وفي رواية: ان عمر سمع رجلًا يقرأ «الأنصار» بالواو في آية «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ» الآية (4)، فقال: من أقرأك؟ قال:
أُبيّ (5)، فدعاه فقال: اقرأنيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وانك تبيع القرظ بالبقيع.. (6)، وكان هو دهراً يبيع الخيط والقرظة بالبقيع (7).
ص: 24
وعن أبي يعلى وابن مردويه أنه قرأ: «وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلًا» (1)
من تاب فإنّ اللَّه كان غفورا رحيما، فذكر لعمر، فأتاه فسأله عنها، فقال:
أخذتها من في رسول اللَّه، وليس لك عمل إلا الصفق بالبقيع (2).
ثمّ هل المراد من البقيع في هذه الأخبار هو بقيع الخيل، أو بقيع الغرقد؟ هناك احتمالان:
أما الأول، فلمناسبة الحكم والموضوع، ومال إليه فهيم محمود شلتوت (3)، فيظهر ما وقع من الخبط في حاشية النسائي في ذيل الخبر.
وأما الثاني، فلأجل أنّ المستفاد من بعض الأخبار حصول البيع والشراء ببقيع الغرقد أيضاً، وذلك ليس بمرفوض، إذ لا مانع من ذلك، خصوصاً قبل أن يصبح مقبرة عامة للناس، وحتى بعد ذلك، ومما يدل على ذلك: ما رواه الفضل بن شاذان في الخبر:.. قلت: أين أنت عن الزبير؟، فقال: اللعقة واللَّه إذا لظل يضارب على الصاع والمدّ ببقيع الغرقد.. (4).
وروى ابن أبي الحديد قول عمر في شأن الزبير: إنه شكس لقس، ويلاطم في البقيع في صاع من برّ (5).
وفي رواية قال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب: وإنك يومئذ تبيع القرص ببقيع
ص: 25
الفرقد، فقال: صدقت، حفظتم ونسينا، وتفرغتم وشغلنا، وشهدتم وغبنا (1).
وفي الآحاد والمثاني:.. قال: فأنشدك باللَّه تعالى هل تعلم أن الميرة انقطعت عن أهل المدينة حتى جاع الناس، فخرجت إلى بقيع الغرقد، فوجدت خمس عشرة راحلة عليها طعام، فاشتريتها.. (2).
وقال المباركفوري: قوله (بالبقيع) بالموحدة، والمراد به بقيع الغرقد، فإنهم كانوا يقيمون السوق فيه قبل أن يتخذ مقبرة (3).
ثمّ لا يخفى أنه كان بالمدينة في الجاهلية وبعدها عدة أسواق، منها سوق بزبالة بالناحية التي تدعى يثرب، وسوق بالجسر في بني قينقاع، وسوق بالصفاصف والعصبة غربي مسجد قباء، وسوق في زقاق ابن حبين يقال له: المزاحم، وسوق يقال لها: البطحاء (4).
وروى الهيثمي رواية وفيه بقيع الجبل (5)، والظاهر أنه تصحيف، والصحيح بقيع الخيل.
قال الحموي: هو بالمدينة، فيه دور ومنازل (6).
ص: 26
وعن أبي سعيد الخدري: انّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صلى الأضحى ببقيع الزبير.. (1).
قال ابن شبة: استقطع الزبير النبي صلى الله عليه و آله البقيع فقطعه، فهو بقيع الزبير، ففيه من الدور دار عروة بن الزبير.. (2).
وروى الكليني: ثمّ تسأل عن بني عمرو بن مبذول، وهو ببقيع الزبير (3).
وعن أبي مالك قال: كان قوم يجلسون في بقيع الزبير، فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة، ولا يقومون، فنزلت: «إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (4)» (5)
.وعن السمهودي: أقطع له أرضاً يجاور منازل بني غنم، وشرقي منازل بني رزيق، يقال لها: بقيع الزبير، قال ابن شبة: ففيه من الدور للزبير: دار عروة بن الزبير، وهي التي فيها المجزرة، ثمّ خلفها في شرقيها دار المنذر بن الزبير، إلى زقاق عروة.. وفيه دار مصعب بن الزبير.. وفيه دار آل عكاشة بن مصعب بن الزبير، وفيه دار آل عبد اللَّه بن الزبير، فالبقيع كان واسعاً جداً، حتى بنيت فيه هذه المنازل كلها (6).
وقال ابن سعد: أقطع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعبيدة بن الحارث والطفيل وأخويه موضع خطبتهم اليوم بالمدينة، في ما بين بقيع الزبير وبين بني مازن (7).
ص: 27
وعن عبداللَّه بن عمر قال: كان عمر يأتى مجزرة الزبير بن العوام بالبقيع، ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها، فيأتي معه الدرة، فاذا رأى رجلًا اشترى لحماً يومين متتابعين ضربه بالدرة وقال: ألا طويت بطنك يومين (1).
والظاهر كونه بقيع الزبير الذي استقطعه من النبي صلى الله عليه و آله كما مر، ويحتمل كونه في بقيع الخيل، لتناسب الحكم والموضوع!.
وقال الخطيب: و دار طلحة بن عبد الرحمن بالمدينة، إلى جنب بقيع الزبير (2).
وذكر ابن عساكر جلوس محمد بن المنذر ببقيع الزبير (3).
وأورد المزي كون دار عمر بن مصعب بن الزبير فيه (4).
ص: 28
الأرض، وبقيع الجبجب: بالمدينة، أو هو بالخاء أوله (1).. الخبخبة: شجر، عن السهيلي، ومنه: بقيع الخبخبة بالمدينة، لأنه كان منبتها، أو هو بجيمين (2).
ورووا قضية للمقداد بن الأسود في بقيع الخبخبة، ورجوعه في ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (3).
نعم يظهر من الطبقات (4) و المستدرك (5) ان بقيع الخبخبة هو نفس بقيع الغرقد، إذ رويا عن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها، فكان قد جاء نواحي المدينة وأطرافها، قال: ثم قال:
«أمرت بهذا الموضع»، وكان يقال بقيع الخبخبة، وكان أكثر نباته الغرقد.. (6).
وروى الصالحي أنه بنى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مسجده سبعين في ستين ذراعاً أو ما يزيد، ولبن لبنة من بقيع الخبخبة، وجعله جداراً، وجعل سواريه خشباً شقة شقة، وجعل وسطه رحبة.. (7).
ص: 29
قال الحموي: ومصلى النبي صلى الله عليه و آله الذي كان يصلي فيه الأعياد، في غربي المدينة، داخل الباب، وبقيع الغرقد خارج المدينة من شرقيها (1).
في الصحيح عن معاوية بن عمار قال: سألته عن صلاة العيدين، إلى أن قال:
«وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يخرج إلى البقيع، فيصلي بالناس (2).
وروى ابن عساكر عن عتبة بن عبد اللَّه بن عمرو، عن أبيه، عن جده: كنت عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في يوم عيد، فقال: «ادعوا لي سيد الأنصار، فدعوا أبي بن كعب، فقال: يا أبي بن كعب، إئت بقيع المصلى فأمر بكنسه، ثمّ أمر الناس فليخرجوا.. (3).
وروى البيهقي عن البراء بن عازب، قال: خرج إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم أضحى إلى البقيع، فقام فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: «إنّ أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثمّ نرجع فننحر..» (4).
وروى عبد الرزاق عنه: لما كان يوم الأضحى أتى النبي صلى الله عليه و آله البقيع، فنُوِّل قوساً فخطب عليها (5).
ص: 30
وروى عبد الرزاق أنّ النبي صلى الله عليه و آله صلّى على أم كلثوم أخت سودة بنت زمعة، وتوفيت بمكة، فصلى عليها بالبقيع بقيع المصلى.. (1).
وروى الكليني بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: أتى العباس أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا علي، إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في بقيع المصلّى، وأن يؤمّهم رجل منهم، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى الناس فقال: «يا ايها الناس، إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إمام حيّاً وميتاً، وقال: إنّي أدفن في البقعة التى أُقبض فيها..» (2).
قال الحطاب الرعيني: بقيع بُطحان: هو بضمّ الموحدة، وسكون الطاء المهملة، بعدها حاء مهملة، قال في المشارق: هكذا يرويه المحققون، وكذا سمعناه من المشايخ، وهو الذي يحكي أهل اللغة فيه فتح الموحدة وكسر الطاء، وكذا قيده اللقاني في البارع وأبو حاتم والبكري في المعجم، وقال البكري: لا يجوز غيره، وهو واد في المدينة (3).
وروى البخاري عن أبي موسى قال: كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولًا في بقيع بطحان، والنبي صلى الله عليه و آله بالمدينة (4).
وروى ابن سعد:.. إذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالمدينة، وهم نازلون في بقيع بطحان.. (5)
ص: 31
وقال ابن حجر في رواية مالك بلفظ: فخرج بهم إلى المصلى، والمراد بالبقيع بقيع بطحان، أو يكون المراد بالمصلى موضعاً معدّداً للجنائز ببقيع الغرقد، غير مصلى العيدين، والأول أظهر، وقد تقدّم في العيدين أنّ المصلى كان ببطحان (1).
قالوا: كان أبو أمامة أسعد بن زرارة، أول من جمع بالناس الجمعة بالمدينة، (قبل مقدم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (2))، في هزم من حرة بني بياضة، في بقيع الخضمات، وهم أربعون رجلًا (3).
قال ابن حريم: قلت لوطاً: أكان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه و آله؟ قال: نعم (4).
قال العلامة الحلي: في (حرة) بني بياضة في بقيع يقال له: بقيع الخصمات.. ثمّ قال: قال الخطائي: (حرة) بني بياضة قرية على ميل من المدينة (5).
وروي عن الجمهور أنّ مصعب بن عمير جمع في بقيع الخصمات، والبقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة، فإذا انصب الماء (نبت) الكلاء (6).
أقول: ما ذكره من المعنى، يناسب أن يكون النقيع لا البقيع، ولذلك ذكر عدة
ص: 32
من أرباب السير أنه نقيع الخضمات (1)، لا بقيع الخضمات.
قال العظيم آبادي: وروي عن ابن الأثير في النهاية أنّ النقيع موضع قريب من المدينة، كان يستنقع فيه الماء، أي يجتمع، وقال الخطابي في المعالم: النقيع بطن الوادي من الأرض، يستنقع فيه الماء مدة، وإذا نضب الماء، أي غار في الأرض أنبت الكلأ، ومنه حديث عمر: أنه حمى النقيع لخيل المسلمين، وقد يصحف أصحاب الحديث، فيروونه البقيع بالباء، موضع القبور بالمدينة.. انتهى، يقال للنقيع: نقيع الخضمات، موضع بنواحي المدينة، كذا في النهاية.. وهي كانت في حرة بني بياضة، في المكان الذي يجتمع فيه الماء، واسم ذلك المكان نقيع الخضمات، وتلك القرية هي على ميل من المدينة، كذا في غاية المقصود (2).
وقالوا: النقيع موضع يباع فيه الغنم.. بشرق المدينة، وقال في التهذيب: هو في صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلًا من المدينة، قال الخطابي: أخطأ من قال بالموحدة (3).
وجاء في اصلاح غلط المحدثين: حديث عمر أنه حمى غرز النقيع بالنون، وليس البقيع الذي هو مدفن الموتى بالمدينة (4).
وهو موضوع بحثنا في هذا الكتاب.
ص: 33
فالحاصل من هذه الروايات والآثار: أنّ اطلاق كلمة البقيع لاينحصر في بقيع الغرقد، والإستعمالات المختلفة ناظرة إلى معناه اللغوي، وكانت شائعة، نعم بعد صيروة البقيع مقبرة المدينة، وبعد دفن الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين وعلى رأسهم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، أصبح عَلَماً، بحيث ينصرف إليه الذهن، دون الإحتياج إلى نصب قرينة، وهي ناشئة عن كثرة الإستعمال.
ص: 34
كتب الأستاذ عبد القدوس الأنصاري: البقيع هو مقبرة المدينة الوحيدة منذ عصر الرسالة إلى اليوم، دفن فيه ما يقرب من عشرة آلاف صحابي وصحابية..
والبقيع عبارة عن بقعه مستطيلة بشرقي المدينة خارج سورها قريبة من باب الجمعة، وطولها 150 متراً في عرض 100 متراً (1)، وهو مسور من جميع النواحي..، وأخيراً فقد زادت مساحة البقيع كثيراً عما كانت عليه في العهود السابقة (2).
وجاء في التاريخ الأمين: تقع روضة مقبرة البقيع في قلب ووسط المدينة المنورة، وهي مجاورة لحرم النبي صلى الله عليه و آله، وتقع في الجهة الشرقية لمسجد النبي صلى الله عليه و آله، حيث إن الخارج من باب جبرائيل من حرم النبي صلى الله عليه و آله من أبوابه الشرقية، تكون
ص: 35
مقبرة البقيع مقابلًا له. ولقد جعل للبقيع ثلاثة أبواب: فالباب الأول يقع في شرقه، والثاني في الجهة الشمالية، والثالث في غربه، وهي البوابة الرئيسية فيه، وهي التي تكون دائماً مفتوحة، ويتمّ من خلالها إدخال جنائز الموتى ودخول الوافدين لزيارة قبور أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله وأصحابه المنتجبين (1).
وجاء في بقيع الغرقد: كان بقيع الغرقد خارج المدينة المنورة ومساكنها، في الجهة الشرقية للمسجد النبوي الشريف، تحيط به مزارع من الشمال والجنوب والشرق، أما من الغرب فكان يفصلها عن المسجد النبوي الشريف مساكن ودور ومدارس حارة الأغوات، وحالياً بعد تنفيذ المشروع لتوسعة وعمارة المسجد النبوي الشريف، أصبح البقيع من الجهة الغربية ملاصقاً لساحات المسجد لا يفصلها أيّ مبانٍ أو منشآت.. إنّ بقيع الغرقد كان عبارة عن فضاء لا يتجاوز ثمانين متراً طولًا وثمانين متراً عرضاً، وفي شماله الغربي يقع بقيع العمات.. وكانت مساحته حوالي 3500 متر مربع، وقد ضمّ هذا البقيع إلى البقيع الكبير عام 1373 ه، وكذلك ضمّ الزقاق الفاصل بينهما، والذي كان يسمى زقاق العمات، ومساحته حوالي 824 متراً مربعاً (2)، ويقع شرق بقيع الغرقد حشّ كوكب، وهو بستان بظاهر المدينة خارج البقيع (3)، وقد كان البقيع الكبير وبقيع العمات وحش كوكب وما بينهم من طرق وأزقة لا تتجاوز مساحتها مجتمعة مائة وخمسين طولًا ومائة متر عرضاً، أي ما يعادل 15000 م 2 (4).
ص: 36
أقول: الظاهر أنّ بقيع العمات كان ضمن البقيع من الأساس، ولكن الموانع والزقاق أوجدت بعد ذلك، وهو أمر طبيعي، فما حصل في عام 1373 هو ازالة الموانع، لا ضم مكان إلى مكان آخر، وهذا بخلاف حشّ كوكب الذي صرّح ابن الأثير (1) وغيره بكونه خارج البقيع.
وكتب العلامة السيد جعفر بحرالعلوم عن علماء السير والتواريخ: أن أكثر أصحاب النبي دفنوا في البقيع، وذكر القاضي عياض في المدارك: أن المدفونين من أصحاب النبي هناك عشرة آلاف، ولكن الغالب منهم مخفي الآثار عيناً وجهة (2).
وكتب الأستاذ فهيم محمود شلتوت: قال المطري: إن أكثر الصحابة (رض) ممن توفّى في حياة النبي وبعد وفاته مدفونون بالبقيع، وكذلك سادات أهل بيت النبي وسادات التابعين.. وقال المجد: لاشك أن مقبرة البقيع محشوة بالجماء الغفير من سادات الأمة (3). ونقل ما روي عن عياض في المدارك عن مالك.
روى ابن سعد والحاكم النيسابوري باسناده عن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها (4)، فكان قد جاء نواحي المدينة وأطرافها، قال: ثم قال: «أمرت بهذا الموضع»، وكان يقال: بقيع الخبخبة، وكان أكثر نباته الغرقد،.. فكان أول من قبر هناك عثمان بن مظعون،
ص: 37
فوضع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حجراً عند رأسه وقال: «هذا قبر فرطنا»، وكان إذا مات المهاجر بعده قيل: يا رسول اللَّه، أين ندفنه؟ فيقول: «عند فرطنا عثمان بن مظعون» (1).
وروى ابن شبة باسناده عن قدامة بن موسى قال: كان البقيع غرقداً، فلما هلك عثمان بن مظعون دفن بالبقيع، وقطع الغرقد عنه، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للموضع الذي دفن فيه عثمان: «هذه الرّوحاء»،- وذلك كلّ ما حاذت الطريق من دار محمد بن زيد إلى زاوية دار عقيل اليمانية الشرقية- ثم قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: «هذه الرّوحاء للناحية الأخرى»، فذلك كلّ ما حازت الطريق من دار محمد بن زيد إلى اقصى البقيع (2).
وقع الخلاف في تعيين أول من دفن بالبقيع، والمستفاد من بعض الأخبار: أنه عثمان بن مظعون (3)، كما مرّ آنفاً.
وروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: «أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون، ثمّ اتبعه إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله» (4).
وعن عبد اللَّه بن عامر: أول من دفن بالبقيع من المسلمين عثمان بن مظعون، فأمر به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فدفن عند موضع الكبا اليوم عند دار محمد ابن الحنفية، قال:
ص: 38
قال محمد بن عمر: والكبا الكناسة (1).
وقال ابن قتيبة: أول من مات من المسلمين بالمدينة عثمان بن مظعون، بعد بدر، وقبل أُحُد، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «هذا سلفكم، فادفنوا إليه موتاكم»، فدفن في البقيع (2).
وروى ابن أبي شيبة عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: لما مات عثمان بن مظعون دفنه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالبقيع أول من دفن فيه، ثمّ قال لرجل عنده: «إذهب إلى تلك الصخرة فائتني بها، حتى أضعها عند قبره حتى أعرفه بها، فمن مات من أهلنا دفنّاه عنده» (3).
أقول: المستفاد منه هو لزوم حفظ الآثار، والاهتمام بزيارة قبور الصلحاء، ولا داعي للجمود بوضع حجرة فحسب، اذ الحجرة للعلامة فقط، والمهم هو المعرفة بأي نحو كانت، وعلى هذا كانت سيرة المتشرعة ولا زالت، ومما يؤيد ذلك:
ما رواه ابن سعد في الطبقات عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حازم قال: رأيت قبر عثمان بن مظعون وعنده شي ء مرتفع، يعني كأنّه علم (4).
قال البخاري في تاريخه: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون رحمة اللَّه عليه، وأول من أتبعه إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و آله (5).
وقال ابن الأثير في شأنه: وهو أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين، مات سنة اثنتين من الهجرة، قيل: توفي بعد اثنين وعشرين شهراً بعد شهوده بدراً، وهو
ص: 39
أول من دفن بالبقيع (1).
وعن تحفة العالم: وجهة قبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و آله في بقعة قريبة من البقيع، وفيها قبر عثمان بن مظعون من أكابر الصحابة، وهو أول من دفن في البقيع (2).
هذا، ولكن المستفاد من بعض النصوص أن أول من دفن فيه هو أسعد بن زرارة.
روى ابن حبان: مات أسعد بن زرارة والمسجد يبنى، أخذته الشهقة، ودفن بالبقيع، وهو أول من دفن بالبقيع من المسلمين، فكان رسول النبي صلى الله عليه و آله نازلًا على أبي أيوب حتى فرغ من المسجد، وبني له مسكن، فانتقل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (3).
وروى ابن سعد عن عبد الجبار بن عمارة، قال: أول من دفن بالبقيع أسعد بن زرارة، قال محمد بن عمر: هذا قول الأنصار، والمهاجرون يقولون: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون (4).
وروى الحاكم باسناده عن عبداللَّه بن أبي بكر قال: أول من دفن بالبقيع أسعد ابن زرارة (5).
وروي عن البغوي في شأن أسعد بن زرارة: بلغني أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة، وأنه أول ميت صلى عليه النبي صلى الله عليه و آله (6).
وقال ابن إدريس: أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي العقبي، رأس
ص: 40
النقباء، أول مدفون بالبقيع، مات في حياة الرسول صلى الله عليه و آله (1).
وروى ابن شبة عن الواقدي باسناده عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: أول ميت بالمدينة من الأنصار أسعد بن زرارة أبوأمامة، ودفنه بالبقيع.. (2).
ويمكن دفع التعارض بأن يقال: أول من دفن بالبقيع من المهاجرين عثمان بن مظعون، ومن الأنصار أسعد بن زرارة، ويدل على ذلك مضافاً إلى خبر محمد بن عبد الرحمن- الذي يكون شاهداً للجمع- ما روي من أن أسعد بن زرارة مات قبل ان يفرغ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من بناء المسجد، ودفن بالبقيع (3)، بينما المروي في زمان موت عثمان بن مظعون كونه في ذى الحجة من السنة الثانية من الهجرة (4).
أو أن يقال: إن أسعد بن زرارة دفن في البقيع قبل أن يجعل مقبرة عامة للصحابة، وأما عثمان بن مظعون فقد دفن فيه حينما جعل مقبرة لهم، لأن النبي صلى الله عليه و آله كان يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها (5)، كما مرّ، وبدفن عثمان بن مظعون بدأت حياة البقيع رسمياً، ويؤيده ما روي أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «هذا سلفكم، فادفنوا إليه موتاكم» (6).
وكيف ما كان، فقبرهما في الرّوحاء التي في وسط البقيع، فقد روى ابن شبة عن أبي عنسان: لم ازل اسمع انّ قبر عثمان بن مظعون وأسعد بن زرارة بالروحاء من
ص: 41
البقيع، والروحاء المقبرة التي وسط البقيع يحيط بها طرق مطرقة وسط البقيع (1).
وأما ما قيل من أنّ أبا امامة الباهلي هو أول من دفن بالبقيع (2)، فالظاهر وقع الغلط والتحريف بزيادة كلمة الباهلي، وكون أبي امامة هو نفس أسعد بن زرارة، اذ أبو امامة الباهلي هو صدى بن عجلان (3)، وقال يحيى: اسم أبي امامة 8 نصار، 2 الأنصاري أسعد بن زرارة (4)، ومع الاصرار على ما ذكره الحموي نقول: وقع الخلاف في موضع دفنه فيه أو في قرية من قرى حمص (5)، فهو قول شاذ، وكذا الأمر في كلثوم بن الهدم (6) الذي قيل في حقه: إنه أول من دفن بالبقيع، وأما أبو السائب الذي قالوا في حقه ذلك (7)، فهو نفس عثمان بن مظعون.
هذا، ولكن الموجود في بعض المصادر: أن بعض الأنبياء قد دفنوا بالبقيع، وهذا يدل على أن دفن بعض الموتى بالبقيع كان حاصلًا قبل زمان النبي صلى الله عليه و آله، حيث إن المجلسي روى عن نسخة قديمة من مؤلفات أصحابنا هذه الفقرة من الدعاء:
«السلام على البقيع وما ضمّ البقيع من الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين» (8)، ولكننا لا يمكننا المساعدة عليه، لعدم معرفتنا بالمصدر، وإن كان ذلك أمراً ممكناً في حد ذاته، حيث إنّ دفن عدة من الناس في مكان قبل صيرورته مقبرة لعامة الناس غير بعيد عقلًا، ولكنه لاعلم لنا بذلك.
ص: 42
ثمّ أنه قد رغب الناس في دفن موتاهم بالبقيع بعد دفن إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهو ما صرّح به خبر أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه: انّه لمّا توفّي إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، أمر أن يدفن عند عثمان بن مظعون، فرغب الناس في البقيع، وقطعوا الشجر، واختارت كلّ قبيلة ناحية، فمن هناك عرفت كلّ قبيلة مقابرها (1)، وأصبح البقيع الغرقد مدفن أهل المدينة (2).
ومن هنا يعلم عدم صحة القول بوقفية أرض البقيع، اذ الوقف فرع الملكية، وهي منتفية، فبناء على ذلك فهي باقية على الإباحة الأصلية، فدعوى تسبيل البقيع مرفوضة بالشواهد المتقنة التاريخية والروائية عند كافة المسلمين، أضف إلى ذلك أن أهل البيت عليهم السلام دفنوا في بيت عقيل، فما بادرت به شرذمة من الناس من هدم القبة فهو تصرف عدواني في ملك الغير.
ثم أنهم وصفوا أرض البقيع بكونها رخوة (3) سبخة (4)، ولازال الأمر كذلك.
لا ريب أنّ للمكان أثراً خاصاً، وله ميزات وخصوصيات تميزه عن ما سواه.
إن بقيع الغرقد اكتسب فضيلة خاصة، وذلك ببركة قدوم النبي الأعظم وسائر المعصومين إليه، ودفن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وسائر الأولياء والصلحاء والشهداء والمؤمنين، اذ شرف المكان بالمكين، ونذكر بعض الأخبار في ذلك:
روى الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه باسناده عن أبي حجر الأسلمي عن
ص: 43
رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «.. ومن مات في أحد الحرمين مكة أو المدينة لم يعرض إلى الحساب، ومات مهاجراً إلى اللَّه، وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر» (1).
روي عن تفسير أبي الفتوح الرازي عن النبي صلى الله عليه و آله قال: «إنّ اللَّه عزوجلّ يأمر يوم القيامة أن يأخذوا بأطراف الحجون (2) والبقيع، فيطرحان في الجنة» (3).
وروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «إذا حشرالناس يوم القيامة، بعث في أهل البقيع» (4).
وروي عنه صلى الله عليه و آله: «أسمع الصيحة، فأخرج إلى البقيع، فأحشر معهم» (5).
وعن أم قيس أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خرج بها في سكك المدينة حتى انتهى إلى البقيع الغرقد، فقال: «يا أم قيس! قلت: لبيك وسعديك يا رسول اللَّه، قال: أترين هذه المقبرة؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال: يبعث منها سبعون ألفاً يوم القيامة بصورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب» (6).
قد اهتم المسلمون على طول الأزمنة بزيارة البقيع، وحث علماؤهم على الترغيب بزيارته.
واهم دليل على ذلك هو فعل الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله، وبه تثبت السنة، فانه كان
ص: 44
يخرج إلى البقيع ويقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون» (1)، وبعد دفن المعصومين عليهم السلام به ازداد الاستحباب.
وقد أفتى الكبار من الفقهاء باستحباب زيارة أئمة البقيع عليهم السلام استحباباً مؤكداً (2).
وكذلك استحباب زيارة إبراهيم ابن رسول اللَّه وعبد اللَّه بن جعفر وفاطمة بنت أسد وجميع من بالبقيع من الصحابة والتابعين، والشهداء والصالحين.
وممن أفتى بذلك: القاضى ابن براج (3)، والفاضل الآبي (4)، والمحقق الحلي (5)، ويحيى بن سعيد (6)، والعلامة الحلي (7)، وابن فهد الحلي (8)، وابن طي الفقعاني (9)، والشهيدالأول (10)، والسبزواري (11)، والمحقق الكركي (12)، والحرالعاملي (13)،
ص: 45
والنراقي (1)، وصاحب الجواهر (2)، والسيد الحكيم (3)، والسيد الكلبايكاني (4)، والشيخ الطبسي (5)، والشيخ محمد أمين زين الدين (6)، مع العلم بأن استحباب ذلك أمر بديهي وضروري من المذهب، ولذلك يقول صاحب الجواهر: وكذلك تستحب زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع إجماعاً، أو ضرورة من المذهب أو الدين، مضافاً إلى النصوص المتواترة (7)، كما أن السيد الخوانساري يقول: استحباب زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع، فهو من ضروريات المذهب، مضافاً إلى النصوص المتواترة (8).
وقال أبو محمد عبد الكريم بن عطاء اللَّه المالكي المتوفى 612 في مناسكه: إذا كمل لك حجك وعمرتك على الوجه المشروع، لم يبق بعد ذلك إلا إتيان مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، للسلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والدعاء عنده، والسلام على صاحبيه، والوصول إلى البقيع، وزيارة ما فيه من قبور الصحابة والتابعين.. (9).
ص: 46
وقال محمد بن الشربيني: ويسنّ زيارة البقيع (1)، وبه قال البهوتي (2)، وغيره (3).
وقال البكري الدمياطي: ويسن زيارة البقيع في كلّ يوم (4).
وعن الفاكهي: يستحب بعد زيارته عليه السلام أن يخرج (الزائر) إلى البقيع كلّ يوم ويوم الجمعة آكد (5).
وقال النووي: يستحب أن يخرج كلّ يوم إلى البقيع، خصوصاً يوم الجمعة،..
ويزور القبور الطاهرة في البقيع، كقبر إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وعثمان، و العباس، والحسن بن علي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وغيرهم رضى اللَّه عنهم، ويختم بقبر صفية عمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورضي عنها (6).
وعن احياء العلوم: يستحب أن يخرج كلّ يوم إلى البقيع، وكذا قال النووي والفاخوري، وزاد الأخير: ويخص يوم الجمعة.. (7).
وقال الصالحي الشامي: يستحب الخروج كلّ يوم إلى البقيع، بعد السلام على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، خصوصاً يوم الجمعة (8).
ص: 47
وعن ابن الحاج: ينوي (الزائر) امتثال السنّة في كونه عليه الصلاة والسلام كان يزور أهل البقيع الغرقد، وهذا نص في الزيارة، فدل على أنها قربة بنفسها مستحبة، معمول بها في الدين، ظاهرة بركتها عند السلف والخلف (1).
وقال الصالحي الشامي حول زيارة قبر الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: وليست زيارته إلا لتعظيمه والتبرك به، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه عند قبره بحضرة الملائكة الحافين به، وذلك من الدعاء المشروع له، والزيارة قد تكون لمجرد تذكر الآخرة، وهو مستحب لحديث: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة (2)»، وقد تكون للدعاء لأهل القبور، كما ثبت في زيارة أهل البقيع، وقد تكون للتبرك بأهلها إذا كانوا من أهل الصلاح (3).
ملخص القول: استحباب زيارة البقيع ثابت بالأدلة الثابتة والعناوين التالية:
1. فعل الرسول الأعظم وسائر المعصومين عليهم السلام.
2. استحباب زيارة قبور الأئمة المعصومين عليهم السلام والتبرك بها.
3. استحباب زيارة قبور سائر المؤمنين.
عبر ابن جبير الرحالة في القرن السادس الهجري بالبقيع، فيصف المقبرة وصفاً خلاصته: إن بقيع الغرقد واقع شرقي المدينة، تخرج إليه على باب يعرف بباب البقيع، وأول ما تلقى عن يسارك عند خروجك من باب المذكور مشهد صفية
ص: 48
عمة النبي صلى الله عليه و آله، وهي أم الزبير بن العوام، وأمام هذه التربة قبر مالك بن أنس الإمام المدني وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء، وأمامه قبر السلالة الطاهرة إبراهيم ابن النبي وعليه قبة بيضاء، وعلى اليمين تربة ابن لعمر بن الخطاب اسمه عبد الرحمن الأوسط، وهو المعروف بأبي شحمة، وهو الذي جلده أبوه الحد فمرض ومات، وبأزائه قبر عقيل بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن جعفر الطيار، وبأزائهم روضة فيها أزواج النبي صلى الله عليه و آله، وبأزائها روضة صغيرة فيها ثلاثة من أولادالنبي صلى الله عليه و آله، وتليها روضة العباس بن عبد المطلب، والحسن بن علي، وهي قبة مرتفعة في الهواء على مقربة من باب البقيع المذكور، وعن يمين الخارج منه، ورأس الحسن إلى رجلي العباس، وقبراهما مرتفعان عن الأرض، متسعان مغشيان بألواح ملصقة أبدع إلصاق، مرصعة بصفائح الصفر، ومكوكبة بمساميره على أبدع صفة وأجمل منظر، وعلى هذا الشكل قبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و آله، ويلي هذه البقعة العباسية بيت ينسب لفاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ويعرف ب «بيت الحزن».. (1).
ويمرّ ابن بطوطة بعد ابن جبير بما يقرب من 150 سنة، فيصف البقيع وصفاً مطابقاً لوصف ابن جبير في تحديد هذه المشاهد والقبب والأضرحة (2).
مقبرة البقيع كانت متألقة بقبابها ومشاهدها المقدسة، والتي لا يمتلك من يراها سوى الحديث عنها، يمرّ عليها ابن جبير فيصف قبري الامام الحسن والعباس بن عبد المطلب فيها فيقول:
«وقبراهما مرتفعان عن الأرض، متسعان مغشيان بألواح ملصقة أبدع
ص: 49
الصاق، مرصعة بصفائح الصفر، ومكوكبة بمساميره على أبدع صفة وأجمل منظر» (1).
ويصف ابن بطوطة قبة الامام الحسن عليه السلام فيقول: «هي قبة ذاهبة في الهواء، بديعة الاحكام (2).
وعن السمهودي: «وعليهم قبة شامخة في الهواء»، قال ابن النجار: «وهي كبيرة عالية قديمة البناء، وعليها بابان يفتح أحدهما في كلّ يوم» (3).
ويقول الرحالة ريتشارد بورتون: «وقبل أن نترك البقيع وقفنا وقفتنا الحادية عشرة عند القبة العباسية (4) أو قبة العباس عمّ النبي، وهي أكبر وأجمل جميع القبب الأخرى.. وتوجد في القسم الشرقي قبور الحسن بن علي سبط 6 نبي، 2 النبي، والإمام زين العابدين بن الحسين، وابنه محمد الباقر، ثمّ ابنه الإمام جعفر الصادق، وهؤلاء جميعاً من نسل النبي، وقد دفنوا في نفس المرقد الذي دفن فيه العباس» (5).
إلى أن دمر التيار السلفي الوهابي المتحجر قبور آل البيت وكبار الشخصيات الاسلامية بالبقيع، وذلك في الثامن من شهر شوال المكرم عام 1344 ه، وهؤلاء قد تجاهلوا أو لم يعتنوا بمشاعر ملايين المسلمين في أنحاء العالم، وفرضوا رأيهم ونفّذوه قهراً وقسراً، وبقوة الحديد والنار، مع العلم أنهم يحرصون على المحافظة على لباس بعض الملوك وأثاث منزله وسيارته وسيوفه واسلحته، وحتى سريره الخاص وأدواته الخاصة، وأنفقوا 12 مليون ريال سعودي لصيانة قلعة في
ص: 50
الدرعية (1)، مع أنهم قاموا بتخريب كثير من الآثار والمعالم التاريخية الاسلامية التى تعتبر هوية المسلمين، بحجة الدفاع عن التوحيد ومحاربة مظاهر الشرك والبدع!.
لقد بادروا بإزالة وهدم كثير من المعالم والآثار الاسلامية التي نعتبرها تاريخاً وهوية لجميع المسلمين على مدى العصور، مثل:
- بيت الإمام زين العابدين عليه السلام.
- بيت (2) الامام الصادق عليه السلام.
- بيت الأحزان.
- مشربة أم إبراهيم.
- قبر اسماعيل بن جعفر الصادق.
- قبر النفس الزكية (3).
- قبر عبد اللَّه والد الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله.
- مسجد فاطمة (4).
- مولد النبي.
- بيت خديجة ومولد فاطمة.
- قبة ابن عباس بالطائف.
- قبة حواء بجدة.
- قباب عبد المطلب وأبي طالب، وأم المؤمنين خديجة.
ص: 51
- قباب عبد اللَّه وآمنة أبوي النبي، وأزواجه، وعثمان بن عفان، ومالك امام دار الهجرة.
- قبة حمزة وشهداء أحد (1).
- أثر مبرك ناقة النبي صلى الله عليه و آله.
كما أنهم هدموا:
- قبور الشهداء في وادي بدر.
- مكان العريش التاريخي الذي نصب للنبي صلى الله عليه و آله (2).
- مسجد السيدة فاطمة بنت الحسين (3).
- بيت الأرقم بن الأرقم (4).
- ودار أبي أيوب الأنصاري (5).
- وأخيراً قاموا بهدم: مسجد الفضيخ (6).
- وقبر علي بن جعفر الصادق العريضي بالعُريض.
ومما نخاف عليه غداً إزالة جبل الرماة بأحد، وهدم مسجد البيعة في منى.
وجاء في دائرة المعارف الاسلامية: بمرور الزمن أصبح مما يشرف المرء أن يرقد رقدته الأخيرة في هذه البقعة بين آل محمد والأئمة والأولياء، وأقام أحفاد
ص: 52
أكابر من دفن في هذه المقبرة شواهد وقباباً على قبور ذويهم، مثل قبة الحسن بن علي التي يقول ابن... (1): انهابلغت من الارتفاع مبلغاً كبيراً، وزار بورخارت Burckhardt هذا المكان بعد غزوة الوهابيين، فوجد أنه أصبح أتعس المقابر حالًا في المشرق (2).
وقال السيد حسن الأمين: «لم يتعرض البقيع للأذى، ولرفات هؤلاء (المدفونين به) بالإنتقاص والإمتهان إلا في عهد الوهابيين، وبقي البقيع على حاله هذه تقريباً مع ملاحظة تعميره بين مدة وأخرى.. إلى أن جاءت نكبة الوهابيين في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، فدمروا المشاهد، وأهانوا الموتى والشهداء والصالحين، وتعرضوا لبقية المسلمين بالتكفير والحرب والقتال بما لم يفعله مسلم ولا كافر في التاريخ من قبل» (3).
ولقد انتج هذا التيار فكرة التكفير والإرهاب العالمي، وشوهوا سمعة الاسلام وصيت المسلمين، حتى ابتلوا بهم أنفسهم أيضاً، ولازالوا يسيئون معاملة المسلمين في مواسم الحج والعمرة.
ثمّ ان المسلمين استنكروا عملهم الفجيع في تخريب قباب أئمة البقيع (4)، وكتبوا في ذلك، ومنهم ما جاء في كتب ورسائل أرسلت من قبل المسلمين في قفقاز، وآذربيجان، وأزبكستان، وتركمنستان، وقزاقستان، وتاتارستان، وياشقيرستان، وقزاقان، وأتباع دول ايران، والعراق وتركيا، وأفغانستان،
ص: 53
والصين، ومغولستان، والهند (1).
وكتب عبد اللَّه بن حسن باشا: القارعة، وما أدراك ما القارعة؟ يوم انخلعت بفاجعة البقيع قلوب المؤمنين، واقشعرّت لها جلود العالمين، وارتعشت بها فرائض الإسلام، وطاشت لها عقول الأنام، قارعة يا لها من قارعة عصفت في بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فنسفت ضراح الإمامة، وطمست ضرائح القدس والكرامة، ونقضت محكمة التنزيل، ومطاف جبرائيل وميكائيل (2).
وأنشد المرجع الديني آية اللَّه السيد صدر الدين الصدر قدس سره:
لعمري إنّ فاجعة البقيع يشيب لهولها فود الرضيع
وسوف تكون فاتحة الرزايا إذا لم نصحُ من هذا الهجوع
فهل من مسلم للَّه يرعى حقوق نبيّه الهادي الشفيع (3)
وعلى الصعيد السياسي اتخذت الحكومة الايرانية والمجلس الوطني آنذاك موقفاً من تخريب البقيع (4).
كما أن كبار العلماء والفقهاء- كالسيد أبي الحسن الإصفهاني، والشيخ محمد الخالصي، وخاصة الشهيد السيد حسن المدرس، وسائر علماء النجف الأشرف اتخذوا مواقفاً حاسماً (5)، وكان للسيد المدرس باعتباره عالماً فقيهاً شجاعاً بصيراً ووكيلًا في المجلس الوطني الايراني الدور الهام، حيث إنّه اتخذ المواقف الصريحة على الصعيد السياسي والشعبي (6).
ص: 54
ونقل جدنا الفقيه الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي: أنه حينما كان شيخنا الأستاذ الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي يلقي درسه أُخبر بمأساة هدم قبور أئمة البقيع، فبكى، ثم أغلق سوق مدينة قم المقدسة، وشارك الناس في مسيرة استنكارية، إلا أن البعض استغلوا ذلك، وفسروه بما تشتهيه أنفسهم.
وشارك في مؤتمر العالم الاسلامي- الذى انعقد في كراتشي- الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، ومفتي فلسطين السيد أمين الحسيني، والسيد محمد تقي الطالقاني مندوب الإمام البروجردي، وتكلموا مع السعود بن عبد العزيز بلزوم إعادة اعمار قبور أئمة البقيع، ويقال ان الوثائق موجودة (1).
ونقل لي العلامة الحجة السيد جواد الطالقاني أن السيد البروجردي أرسل مندوبه السيد محمد تقي الطالقاني (آل أحمد) إلى المدينة المنورة، وكان الهدف هو متابعة الأمر لإعادة مراقد البقيع.
ومن الفقهاء والعلماء الذين تابعوا الموضوع واهتموا في ذلك: المرجع الديني السيد حسين الطباطبائي القمي (2)، والمرجع الديني السيد محسن الطباطبائي الحكيم (3)، والإمام السيد روح اللَّه الموسوي الخميني (4)، والسيد هبة الدين الشهرستاني (5)، والشيخ حسن السعيد (6)، والسيد حسن الشيرازي (7).
وأرسل الإمام الخميني- حينما كان منفيّاً بالعراق- كتاباً إلى حكام السعودية
ص: 55
يتضمن لزوم اعادة بناء قبور أولياء اللَّه بالبقيع (1).
وأفتى الفقهاء المعاصرين بلزوم بذل الجهد لإعادة بناء مراقد أئمة البقيع عليهم السلام.
وبادر بعض العلماء بتأليف الكتب في ذلك، ومنهم: السيد عبد الرزاق الموسوي آل مقرم، المولود سنة 1312 ه، له: كتاب «ثامن شوال»، يبحث فيه عن الحوادث التي وقعت في ذلك اليوم من سنة 1344 ه من هدم القبور في البقيع، بأمر ابن بليهد، والرد على فتواه، وتاريخ الوهابية وفضائعهم (2).
أقول: ولنعم ما قال الشاعر:
قل للذي أفتى بهدم قبورهم أن سوف تصلى في القيامة نارا
أعلمتَ أيّ مراقد هدمتها هي للملائك لا تزال مزارا (3)
ولابدّ للمسلمين أن يستمروا في استنكارهم لهذا العمل الفجيع، ويهتموا بإعادة بناء مشاهد أئمتهم بأحسن ما يكون.
لقد اهتم العلماء والباحثون، بتأليف الكتب والمقالات حول البقيع، ونذكر في ما يلي بعض ما ظفرنا به من الكتب:
1. الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، المتوفى سنة 381 ه، له: «كتاب المدينة وزيارة قبر النبي والأئمة عليهم السلام» (4).
ص: 56
2. أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن أمين الأقشهري، المولود عام 665 ه، والمتوفى 731 ه، له: «الروضة» أو «روضة الفردوس (1)» في أسماء من دفن بالبقيع (2).
3. مؤلف من علماء القرن الحادي عشر، له: «الروضة المستطابة في من دفن في البقيع من الصحابة»، مخطوط (3).
4. السيد عبد الرزاق الموسوي آل مقرم، المولود سنة 1312 ه، له كتاب «ثامن شوال» (4).
5. بشير حسين المدرس الهندي له: «نوحه انهدام بقيع» باللغة الأردوية (5).
6. محمد صالح بن أحمد آل طعان، المتوفى سنة 1333 ه، له: «الدر النصيع في زيارة النبي وأئمة البقيع»، مخطوط (6).
7. أحمد بن اسماعيل بن زين العابدين المدني، شهاب الدين البرزنجي،
ص: 57
المتوفى سنة 1337 ه، له: «النظم البديع في مناقب أهل البقيع» (1).
8. السيد أبوتراب الخوانساري، المتوفى سنة 1346 ه، له: «رسالة في هدم المشاهد» (2).
9. أبو الحسن بن محمد الدولت آبادي المرندي النجفي، المتوفى عام 1349 أو 1352 ه في الري، له: «صواعق محرقه» باللغة الفارسية، وفيه: دور الوهابية في تخريب العتبات المقدسة، و «فجائع الدهور في انهدام القبور»، باللغة الفارسية أيضاً، عرض لوقائع الوهابيين في هتك حرمة الحرمين الشريفين بمكة والمدينة، وهدم قبور شهداء بدر وأحد وأصحاب النبي صلى الله عليه و آله، وبيت الأحزان لفاطمة الزهراء عليها السلام خلل السنين: 1218، 1221، 1344 ه (3).
10. الشيخ محمدجواد البلاغي، ولدسنة 1285 ه، وتوفي سنة 1352 ه في النجف الأشرف، ودفن فيها، له: «رسالة في رد الفتوى بهدم قبور أئمة البقيع»، مطبوعة (4).
11. السيد ميرزا هادي الخراساني الحائري، ولد سنة 1297 ه بكربلاء المقدسة، ومات ودفن بها سنة 1368 ه، له: «دعوة الحق إلى أئمة الخلق»، كتبه بمناسبة هدم قبور أئمة المسلمين في البقيع، في مجلدين، طبع المجلد الأول منه
ص: 58
في بغداد (1).
12. الشيخ حسن الصالحي الحائري بن الشيخ علي نقي بن الشيخ حسن بن محمد صالح البرغاني الحائري، المتوفى سنة 1401، له: «فضائل البقيع»، مخطوط (2).
13. السيد ابن الحسن بن مهدي حسين النجفي، ولد سنة 1347 ه في مدينة لكنهو، له «جنة البقيع»، باللغة الأورديّة، طبع في لاهور (3).
14. السيد محمد الحسيني الشيرازي، المولود سنة 1347 ه بالنجف الأشرف، المتوفى عام 1422 ه بقم المقدسة، له: «البقيع الغرقد».
15. السيد عبد الحسين السيد حبيب الحيدري الموسوي، له: «قبور أئمة البقيع قبل تهديمها»، وصف لها من شاهد عيان كان قد زارها قبل ثلاثمائة عام.
16. الشيخ حسن رضا غديري، له: «تاريخ جنة البقيع»، باللغة الأردوية.
17. الشيخ جلال معاش، له: «فاجعة البقيع».
18. المهندس يوسف الهاجري، له: «البقيع».
19. المهندس حاتم عمر طه، والدكتور محمد أنور البكري، ألفا كتاب: «بقيع الغرقد»، ولكنه على مذاق الوهابيين!.
20. مصطفى بن محمد بن عبد اللَّه الرافعي، له: «عنوان النجابة في معرفة من مات بالمدينة المنورة من الصحابة» (4).
21. احمدمحمدفارس، له: «المقصد الرفيع من زيارة البقيع»، طبع بسوريا، حلب.
ص: 59
22. الشيخ محمد صادق النجمي، له: «تاريخ حرم أئمه بقيع»، باللغة الفارسية.
23. الشيخ علي الكاظمي، له: «چرا به زيارت بقيع ميرويم؟»، باللغة الفارسية (1).
24. محمد علي مجاهدي، له: «مجموعه شعر بقيع» (2)، باللغة الفارسية.
25. جمع من الكتاب، ألفوا: «بقيع خاموش پرفرياد»، باللغة الفارسية.
أثّر البقيع وأحداثه في الفقه، وهناك بعض الفروع الفقهية، مذكورة في الكتب الفقهية والروائية، قام بذكرها الفقهاء وعلماء المذاهب الإسلامية، وأوردوها في كتبهم، وبعضها مرتبطة بالبقيع، وبعضها غير مرتبطة به، لا بأس بالإشارة إليها، وإن كان في بعضها نظر وتأمل:
1. استحباب دفن الأقارب بعضهم إلى بعض.
قال العلامة الحلي: لو جمع الأقارب في الدفن حسن، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله لما دفن عثمان بن مظعون قال: «ادفن إليه من مات من أهله»، ولأنه أسهل لزيارتهم، وأكثر للترحم عليه (3).
قال الشهيد الأول: يستحب جمع الأقارب في مقبرة، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله لما دفن عثمان بن مظعون قال: «ادفن إليه من مات من أهله»، ولأنه أسهل لزيارتهم (4).
وبه قال النراقي (5).
ص: 60
2. الدفن بمقبرة المسلمين أفضل من الدفن في البيوت.
قال العلامة الحلي: الدفن في مقبرة المسلمين أفضل من الدفن في البيوت، لأنه أقلّ ضرراً على الأحياء من ورثته، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم تزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى، واختاره النبي صلى اللَّه عليه وآله لأصحابه، وكان يدفنهم بالبقيع (1).
وبه قال الشهيد الأول (2)، والنراقي (مستنداً لأمر الرضا عليه السلام بحفر قبر يونس بن يعقوب- حين مات في المدينة- بالبقيع) (3).
3. حد حفر القبر في الدفن، مع لحاظ كون أرض البقيع رخوة وسبخة (4).
4. جواز الصلاة على الجنائز وسط القبور (5).
5. استحباب زيارة القبور في عشية الخميس.
قال صاحب الجواهر: ويتأكد استحباب الزيارة (6) تأسياً بفعل فاطمة عليها السلام أيضاً، وفي خصوص العشية منه تأسياً بالنبي صلى الله عليه و آله، فإنه كان يخرج في ملاء من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المؤمنين، فيقول: «السلام عليكم يا أهل الديار ثلاثاً» (7).
ص: 61
6. استحباب زيارة القبور، والدعاء عندها قائماً، كما كان فعله صلى الله عليه و آله في الخروج إلى البقيع (1).
7. حكم حرث البقيع، وأخذ ترابه للبناء.
جاء في مواهب الجليل: ولابن عات: سأل بعضهم: أيجوز حرث البقيع بعد أربعين سنة دون دفن فيه، وأخذ ترابه للبناء؟ قال: الحبس لا يجوز أن يتملك (2).
8. النهي عن بيع شجر البقيع (3).
9. استحباب رشّ الماء على القبر.
جاء في الخبر أنّ الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أمر أن يرش قبر يونس بن يعقوب المؤمنين أربعين شهراً أو يوماً (4). والترديد من الراوي (5).
قال المجلسي: ما تضمنه من استمرار الرش على إحدى المدتين خلاف المشهور، ولم أر قائلًا به، ولا بأس بالعمل به في أقل المدتين (6).
10. صلاة الغائب، أو الصلاة على الميت من بُعد (7)، في قضية الصلاة على النجاشي بالبقيع.
أقول: الظاهر ان ما روي من صلاة النبي صلى الله عليه و آله على النجاشي كان بمعنى الدعاء له، لا الصلاة المعهودة التي تقام على الميت، وهناك احتمالات أخرى نذكرها في فصل «النبي صلى الله عليه و آله والبقيع»، مبحث: «الصلاة على النجاشي»، فراجع.
ص: 62
11. الصدقة واللقطة (1).
12. الإحتجام في حالة الصيام (2).
13. النهي عن التكني بأبي القاسم لمن كان اسمه محمداً (3).
14. حكم أكل الإرنب (4).
ص: 63
كان النبي صلى الله عليه و آله يأتي قبور البقيع والشهداء للدعاء والإستغفار لهم (1)، روي أنه صلى اللَّه عليه وآله رفع اليدين في دعائه لأهل البقيع (2).
روى الحاكم عن أبي مويهبة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: طرقني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذات ليلة، فقال: «يا أبا مويهبة، انطلق استغفر، فإني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، فانطلقت معه، فلما بلغ البقيع قال: السلام عليكم يا أهل البقيع، ليهن لكم ما أصبحتم فيه، لو تعلمون ما أنجاكم اللَّه منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، ثمّ قال: يا أبا مويهبة، إنّ اللَّه خيّرني أن يؤتيني خزائن الأرض والخلد فيها ثمّ الجنة، وبين لقاء ربي عزوجل، فقلت: بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن هذه الأرض والخلد فيها ثمّ الجنة، قال: كلا يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي عزوجل». ثمّ استغفر لأهل البقيع، ثمّ انصرف، فلما أصبح بداه شكواه الذي
ص: 64
قبض فيه صلى الله عليه و آله (1).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم (2).
وجاء في تاريخ دمشق عن أبي مويهبة عنه صلى الله عليه و آله: «إني أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع (3)»، فخرجت معه حتى أتينا البقيع، فرفع يديه، فاستغفر لهم طويلا (4).
وروى الهيثمي نحوه، وفيه أنه صلى الله عليه و آله قال: «السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، لو تدرون ما نجاكم اللَّه منه، أقبلت الفتن» (5).
وروى ابن كثير عن أحمد عن أبي مويهبة في ذهابه مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الليل إلى البقيع، قال: فوقف عليه السلام فدعا لهم واستغفر لهم، ثمّ قال: «ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه بعض الناس، أتت الفتن كقطع الليل، يركب بعضها بعضا، الآخرة أشدّ من الأولى، فيهنكم ما أنتم فيه» (6).
وروى ابن أبي شيبة عن أبي مويهبة قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يخرج إلى
ص: 65
البقيع، فيصلي عليهم، أو يسلّم عليهم (1).
وفي رواية: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يصلي على أهل البقيع، فصلى عليهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاث مرات، فلما كانت الثالثة قال: «يا أبا مويهبة..» (2).
وعن عائشة: ان النبي صلى الله عليه و آله خرج في الليل إلى البقيع للدعاء لأهل البقيع والإستغفار لهم، قالت: أتى البقيع فقام فأطال القيام، ثمّ رفع يديه ثلاث مرات، ثمّ انحرف، قال: «إنّ جبرئيل عليه السلام أتاني فقال: إنّ ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع وتستغفر لهم» (3).
وفي مسند اسحاق ابن راهويه عنها انه صلى الله عليه و آله قال: «أمرت أن آتي أهل البقيع، فأسلّم عليهم (4)، وأدعو لهم» (5).
وفي خبر: «إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم» (6).
وروى أحمد عنها أنها قالت: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره، لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع، ثمّ رفع يديه، ثمّ انصرف، فرجعت إليّ بريرة فأخبرتني، فلما أصبحت سألته، فقلت:
يا رسول اللَّه، أين خرجت الليلة؟ قال: «بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم» (7).
ص: 66
وفي نقل السيوطي عنها: فاخذتني غيرة شديدة، ظننت أنه يأتي بعض صويحباتي، فخرجت أتبعه، فأدركته بالبقيع بقيع الغرقد يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والشهداء.. (1).
وجاء في خبر النسائي أنها قالت: قلت: كيف أقول يا رسول اللَّه؟ قال:
«قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم اللَّه المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون» (2).
وروى الطبراني باسناده عن بشير بن الخصاصية قال: أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلحقته بالبقيع، فسمعته يقول: «السلام على أهل الديار من المؤمنين، فانقطع بهضب (3)، فقال لي: يقصف قدمك (4)، قلت: يا رسول اللَّه، طالت عزوبتي، ونأيت عن دار قومي، فقال: يا بشير، ألا تحمد اللَّه الذي أخذ بناصيتك للإسلام من بين ربيعة، قوم يرون أن لولاهم لائتفكت (5) الأرض بمن عليها (6)».
وروي عنه قال: أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فدعاني إلى الإسلام، ثمّ قال: ما اسمك؟
قلت: نذير، قال: بل أنت بشير، فأنزلني في الصفة، فكان إذا أتته هدية أشركنا فيها، وإذا أتته صدقة صرفها إلينا، قال: فخرج ذات ليلة فتبعته إلى البقيع، فقال:
«السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا بكم لاحقون، وإنّا للَّه وَإنّا إلَيْهِ راجِعُونْ، لقد
ص: 67
أصبتم خيراً بجيلًا (1)، وسبقتم شراً طويلًا»، ثمّ التفت إليّ فقال: من هذا؟ فقلت:
بشير، فقال: أما ترضى أن أخذاللَّه سمعك وقلبك وبصرك إلى الإسلام، من بين ربيعة الفرس الذين يقولون لولاهم لائتفكت الأرض بأهلها؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: ما جاء بك؟ قلت: خفت أن تنكب أو تصيبك هامة من هوام الأرض (2).
وروى الطبراني عن أبي هريرة قال: مرّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بمقبرة قيل بالبقيع، فقال: «السلام على أهل الديار من بها من المسلمين، دار قوم ميتين، وإنا في آثارهم- أو قال في آثاركم- للاحقون (3)».
روى صفوان الجمال عن الصادق عليه السلام: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يخرج في ملاء من الناس من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المدنيين» (4).
قال صاحب الجواهر: ويتأكد استحباب الزيارة (5) تأسياً بفعل فاطمة عليها السلام أيضاً، وفي خصوص العشية منه تأسياً بالنبي صلى الله عليه و آله، فإنه كان يخرج في ملاء من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المؤمنين، فيقول: «السلام عليكم يا أهل الديار ثلاثاً» (6).
ص: 68
روى ابن ماجة عن عائشة قالت: فقدته (تعني النبي صلى الله عليه و آله) فإذا هو بالبقيع، فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم» (1).
وروى أحمد عنهاقالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يخرج إذاكانت ليلة عائشة، إذا ذهب ثلث الليل إلى البقيع، فيقول: «السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، فإنا وإياكم وما توعدون غداًمؤجلون- قال أبوعامر: تؤجلون- و إنا إن شاءاللَّه بكم لاحقون» (2).
روى البيهقي عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كلّما كانت ليلتها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، اللهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد» (3).
عن خالد بن عوسجة: كنت أدعوه ليلة إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب،
ص: 69
فمرّ جعفر بن محمد عليه السلام يريد العريض، فقال: «أعن أثر وقفت ههنا؟ هذا موقف نبي اللَّه صلى الله عليه و آله بالليل إذ جاء يستغفر لأهل البقيع» (1).
أقول: يستفاد من الخبر أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يقف في الموضع الذي صار مقبرة آل بيته عليهم السلام بالبقيع، إذ أنهم دفنوا في دار عقيل، كما يأتي.
روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنه قال: «كنت نائما ليلة النصف من شعبان، فأتاني جبرئيل عليه السلام، قال: يا محمد، أتنام في هذه الليلة؟ فقلت: يا جبرئيل، وما هذه الليلة؟ قال: هي ليلة النصف من شعبان، قم يا محمد، فأقامني، ثمّ ذهب بي إلى البقيع، ثمّ قال لي: ارفع رأسك، فإنّ هذه الليلة تفتح أبواب السماء، فيفتح فيها أبواب الرحمة، وباب الرضوان، وباب المغفرة، وباب الفضل، وباب التوبة، وباب النعمة، وباب الجود، وباب الإحسان، يعتق اللَّه فيها بعدد شعور النعم» (2).
وروى ابن ماجة عن عائشة: فقدت النبي صلى الله عليه و آله ذات ليلة، فخرجت أطلبه، فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، فقال: «يا عائشة، أكنت تخافين أن يحيف اللَّه عليك ورسوله؟ قالت: قد قلت: وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: انّ اللَّه تعالى ينزل النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب» (3).
أقول: المراد من النزول هو نزول رحمته الخاصة في تلك الليلة المباركة، ورفع
ص: 70
رأس النبي إلى السماء يدل على أنه كان في حالة الدعاء والمناجاة مع ربه.
وفي خبر آخر عنها أيضاً عن النبي صلى الله عليه و آله: «.. بل أتاني جبرئيل عليه السلام، فقال: هذه الليلة ليلة النصف من شعبان، وللَّه فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب، لاينظر اللَّه فيها إلى مشرك، ولا إلى مشاحن، ولا إلى قاطع رحم، ولا إلى مسبل، ولا إلى عاق لوالديه، ولا إلى مدمن خمر..» (1).
وذكر الزمخشري في كتاب الفائق: أنّ أم سلمة تبعت النبي صلى الله عليه و آله فوجدته قد قصد البقيع، ثمّ رجعت، وعاد فوجدها فيها أثر السرعة في عودها (2).
روى الذهبي عن عائشة، قالت: أتاني حبيبي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليلة النصف من شعبان، فأوى إلى فراشه، ثمّ قام فأفاض عليه الماء، ثمّ خرج مسرعاً، فخرجت في أثره، فإذا هو ساجد بالبقيع، وهو يقول: «سجد لك خيالي وسوادي» (3).
وروى ابن عساكر أنه خرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى بقيع الغرقد، فبينا هو ساجد قال وهو يقول في سجوده: «أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جلّ ثناؤك، لا أبلغ الثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، فنزل عليه جبريل عليه السلام في ربع الليل، فقال: يا محمد، ارفع رأسك إلى السماء، فرفع رأسه، فإذا أبواب الرحمة مفتوحة، على كلّ باب ملك ينادي: طوبى لمن تعبّد في هذه الليلة، وعلى الباب الآخر ملك ينادي: طوبى لمن
ص: 71
سجد في هذه الليلة، وعلى الباب الثالث ملك ينادي: طوبى لمن ركع في هذه الليلة.. (1).
روى ابن حجر عن محمد بن هيصم عن أبيه عن جده: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أشرف على وسط البقيع، فصلى فيه (2).
وروى ابن ماجة عن يزيد بن ثابت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه و آله، فلما ورد البقيع فإذا هو بقبر جديد، فسأل عنه، فقالوا: فلانة، قال: فعرفها، وقال: «ألا آذنتموني بها؟ قالوا: كنت قائلًا صائماً، فكرهنا أن نؤذيك، قال: فلا تفعلوا، لا أعرفنّ ما مات منكم ميت، ما كنت بين أظهركم، إلا آذنتموني به، فإنّ صلاتي عليه له رحمة»، ثمّ أتى القبر، فصففنا خلفه، فكبّر عليه أربعا (3).
وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: اشتكت امرأة بالعوالي مسكينة، فكان النبي صلى الله عليه و آله يسألهم عنها، وقال: «إن ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها»، فتوفيت، فجاؤا بها إلى المدينة بعد العتمة، فوجدوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد نام، فكرهوا أن يوقظوه، فصلوا عليها ودفنوها ببقيع الغرقد، فلما أصبح رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جاؤا فسألهم عنها، فقالوا: قد دفنت يا رسول اللَّه، وقد جئناك فوجدناك نائماً،
ص: 72
فكرهنا أن نوقظك، قال: فانطلقوا، فانطلق يمشي ومشوا معه حتى أروه قبرها، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وصفوا وراءه، فصلى عليها.. (1).
وروى عبد الرزاق عن القاسم بن محمد قال: مرّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالبقيع، فإذا هو بقبر رطب، فسأل عنه، فقالوا: يا رسول اللَّه، هذه السويداء التي كانت في بني غنم، ماتت فدفنت ليلًا، قال: فصلى عليها (2).
وروى عبد الرزاق أيضاً عن محمد بن زهير: أنّ النبي صلى الله عليه و آله رأى بالبقيع عبداً أسود يحمل ميّتاً، فقال لمن يحمله: «ما هذا؟ قالوا: عبد لفلان، قال: فما هو؟ قالوا:
أخبث الناس وأسرقه وآبقه وأحزبه (3)، في أشياء من الشرّ يذكرونها منه، فقال:
عليّ بسيده، فسأله عنه، فذكر نحواً مما ذكر، فقال النبي صلى الله عليه و آله: هل كان يصلي؟ قالوا:
نعم، قال: ويشهد أن لا إله الا اللَّه وأنّي رسول اللَّه؟ قالوا: نعم، قال: والذي نفسي بيده إن كادت الملائكة تحول بيني وبينه آنفا»، فدعا حدّاداً، فنزع حديده، ثمّ أمر به فغسّل، ثمّ كفّنه من عنده، ثمّ صلّى عليه (4).
روى المتقي الهندي عن ابن عباس قال: قحط الناس على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد، معتماً بعمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين يديه، والأخرى بين منكبيه، متكئاً قوساً عربية، فاستقبل القبلة، فكبروه (5) وصلّى
ص: 73
بأصحابه ركعتين، جهر فيهما بالقراءة، قرأ في الأولى «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ»، والثانية «وَ الضُّحى ، ثمّ قلب رداءه لتنقلب السَّنة، ثمّ حمد اللَّه عزوجل وأثنى عليه، ثمّ رفع يديه، فقال:
«اللهمّ ضاحت بلادنا، واغبرّت أرضنا، وهامت دوابنا، اللهمّ منزل البركات من أماكنها، وناشر الرحمة من معادنها بالغيث المغيث، أنت المستغفر للآثام، فنستغفرك للجامات من ذنوبنا، ونتوب إليك من عظيم خطايانا، اللهمّ أرسل السماء علينا مدراراً واكفاً مغزوراً، من تحت عرشك، من حيث ينفعنا، غيثاً مغيثاً دارعاً رايعاً ممرعاً طبقاً غدقاً وخصباً، تسرع لنا به النبات، وتكثر به البركات، وتقبل به الخيرات، اللهمّ إنك قلت في كتابك: «وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ» (1)
، اللهمّ فلا حياة لشي ء خلق من الماء إلا بالماء، اللهمّ وقد قنط الناس، أو من قنط منهم، وساء ظنهم، وهامت بهائمهم، وعجت عجيج الثكلى على أولادها، إذ حبست عنا قطر السماء، فدقت لذلك عظمها، وذهب لحمها، وذاب شحمها، اللهمّ ارحم البهائم الحائمة، والأنعام السائمة، والأطفال الصائمة، اللهمّ ارحم المشايخ الركّع، والأطفال الرضّع، اللهمّ زدنا قوة إلى قوتنا، ولا تردّنا محرومين، انك سميع الدعاء، برحمتك يا أرحم الراحمين».
فما فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتى جادت السماء، حتى أهم كلّ رجل منهم كيف ينصرف إلى منزله، فعاشت البهائم، وأخصبت الأرض، وعاش الناس، كلّ ذلك ببركة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (2).
وروى الزمخشري ان الناس قحطوا على عهده صلى الله عليه و آله، فخرج إلى بقيع الغرقد،
ص: 74
فصلى بأصحابه ركعتين، جهر فيهما بالقراءة، ثمّ قلّب رداءه، ثمّ رفع يديه، فقال:
«اللهمّ ضاحت بلادنا، واغبرّت أرضنا، وهامت دوابنا، اللهمّ ارحم بهائمنا الحائمة، والأنعام السائمة، والأطفال المحثلة».. (1).
روى البخاري عن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه و آله أنه خرج من جوف الليل يدعو بالبقيع، ومعه أبو رافع (2).
وقال الصالحي في ذكر الأماكن التي يستجاب بها الدعاء، في الأماكن التي دعا بها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ويقال: إنه يستجاب بها عند الإسطوانة المخلّقة، وعند المنبر، وفي زاوية دار عقيل بالبقيع، وبمسجد الفتح (3).
فيظهر من ذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يدعو قرب مقبرة آل البيت عليهم السلام، إذ أنهم- صلوات اللَّه عليهم- دفنوا في دار عقيل، كما يأتي.
روى القمي عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «إذا أراد اللَّه أن يبعث الخلق، أمطر السماء على الأرض أربعين صباحاً، فاجتمعت الأوصال، ونبتت اللحوم، وقال: أتى جبرئيل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فأخذه فأخرجه إلى البقيع:
فانتهى به إلى قبر، فصوّت بصاحبه، فقال: قم بإذن اللَّه، فخرج منه رجل أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول: الحمد للَّه واللَّه أكبر، فقال
ص: 75
جبرئيل: عد بإذن اللَّه، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم بإذن اللَّه، فخرج منه رجل مسودّ الوجه وهو يقول: يا حسرتاه، يا ثبوراه! ثمّ قال له جبرئيل: عد إلى ما كنت بإذن اللَّه، فقال: يا محمد! هكذا يحشرون يوم القيامة، والمؤمنون يقولون هذا القول، وهؤلاء يقولون ماترى» (1).
روى أحمد وأبو يعلى عن ابن عباس: ان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مشى مع الذين وجههم لقتل كعب بن الأشرف إلى بقيع الغرقد، ثمّ وجههم وقال: «انطلقوا على اسم اللَّه، اللهمّ أعنهم» (2).
قال الشوكاني: وفي هذا الحديث الترغيب في تشييع الغازي وإعانته على بعض ما يحتاج إلى القيام بمؤنته (3)، لأنّ الجهاد من أفضل العبادات، والمشاركة في مقدماته من أفضل المشاركات (4).
وروى المجلسي: فأتى أصحابه وأخبرهم، فأخذوا السلاح وساروا إليه،
ص: 76
وتبعهم النبي صلى الله عليه و آله إلى بقيع الغرقد، ودعا لهم.. (1).
وروى الشيباني:.. ثمّ أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عشاء فأخبروه، فمشى معهم حتى أتى البقيع، ثمّ وجههم وقال: «امضوا على ذكر اللَّه وعونه»، ثمّ دعا لهم، وذلك في ليلة مقمرة مثل النهار، فمضوا.. (2).
روى الطبراني وأبو نعيم الإصفهاني في قضية فحص سلمان الفارسي عن علامات خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه و آله، إلى أن قال: ثمّ جئت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ببقيع الغرقد، قد اتبع جنازة رجل من الأنصار وهو جالس، فسلمت عليه، ثمّ استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله استدرت عرف أني أستثبت من شي ء وصف لي، فألقى ردائه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبّله (3).
روي عن أنس بن مالك أنه قال: خرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نتماشى حتى
ص: 77
انتهينا إلى بقيع الغرقد، فإذا نحن بسدرة عارية لا نبات عليها، فجلس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تحتها، فأورقت الشجرة وأثمرت واستظلت على رسول اللَّه، فتبسم وقال لي: يا أنس، أدع لي علياً، فعدوت حتى انتهيت إلى منزل فاطمة عليها السلام، فإذا بعليّ يتناول شيئاً من الطعام، فقلت له: أجب رسول اللَّه، فقال: لخير أدعى؟
فقلت: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فجعل عليّ يمشي ويهرول على أطراف أنامله، حتى تمثل بين يديّ رسول اللَّه، فجذبه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأجلسه إلى جنبه، فرأيتهما يتحدثان ويضحكان، ورأيت وجه علي قد استنار، فإذا أنا بجام من ذهب مرصع باليواقيت والجواهر واللجام أربعة أركان: على الركن الأول مكتوب: لا إله إلااللَّه، محمد رسول اللَّه، وعلى الركن الثاني: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه، علي بن أبي طالب ولي اللَّه، وسيفه على الناكثين والقاسطين والمارقين، وعلى الركن الثالث: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه، أيّدته بعلي بن أبي طالب، وعلى الركن الرابع: نجا المعتقدون لدين اللَّه الموالون لأهل بيت رسول اللَّه، وإذا في الجام رطب وعنب، ولم يكن أوان الرطب ولا أوان العنب، فجعل رسول اللَّه يأكل ويطعم علياً حتى إذا شبعا ارتفع الجام (1).
وفي الخبر:.. يا أبا الحسن، إنّ قوماً من منافقي أمتي ما قنعوا بآية النجم حتى قالوا: لو شاء محمد لأمر الشمس أن تنادي باسم علي وتقول: هذا ربكم فاعبدوه، فانك يا علي في غد بعد صلاة الفجر تخرج معي إلى بقيع الغرقد عند طلوع الشمس.. (2).
ص: 78
روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: لما انتهوا إلى قبر سعد، نزل فيه أربعة نفر: الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، وسلمة بن سلامة بن وقش، ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله واقف على قدميه، فلما وضع في قبره تغيّر وجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وسبّح ثلاثاً فسبّح المسلمون ثلاثاً، حتّى ارتجّ البقيع، ثمّ كبّر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاثاً وكبّر أصحابه ثلاثاً، حتّى حتى ارتج البقيع بتكبيره، فسئل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ذلك، فقيل: يا رسول اللَّه، رأينا بوجهك تغيراً، وسبحت ثلاثاً؟ قال: تضايق على صاحبكم قبره، وضمّ ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد منها، ثمّ فرّج اللَّه عنه (1).
روي: أنّ سبب ذلك كان سوء خلقه مع أهله في بيته، جاء في الخبر: «ان سعداً أصابته ضمة (في قبره)، لأنه كان في خلقه مع أهله سوء» (2)، رحمنا اللَّه من ضغطة القبر.
روى الصالحي أنه بنى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مسجده سبعين في ستين ذراعاً أو ما يزيد، ولبن لبنة من بقيع الخبخبة، وجعله جداراً، وجعل سواريه خشباً شقة شقة، وجعل وسطه رحبة.. (3).
ص: 79
إن قلنا: انّ بقيع الخبخبة هو بقيع الغرقد- كما يظهر ذلك من الطبقات (1) و المستدرك (2)، وذكرناه في أول الكتاب-، فيدخل في البحث.
روي عن عائشة أنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لجبريل: «إني أحبّ أن أراك في صورتك، فقال: أو تحبّ ذاك؟ فقلت: نعم، فواعده جبريل في بقيع الغرقد لمكان كذا وكذا من الليل.. (3).
روى المتقي الهندي عن الديلمي عن أبي أمامة: أنّ النبي صلى الله عليه و آله خرج إلى البقيع، فتبعه أصحابه، فوقف وأمرهم أن يتقدموا، ثمّ مشى خلفهم، فسئل عن ذلك، فقال: «إني سمعت خفق نعالكم، فأشفقت أن يقع في نفسي شي ء من الكبر»، قال:
سنده ضعيف (4).
أقول: النبي صلى الله عليه و آله أعلى وأعظم من أن يقع في نفسة ذرة من الكبر، فما روي ضعيف السند والمضمون، وعلى فرض الصحة يحمل على التعليم.
ص: 80
الصلاة على النجاشي (1)
روى ابن ماجة عن أبي هريرة: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «إنّ النجاشي قد مات»، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأصحابه إلى البقيع، فصفنا خلفه، وتقدم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، النجاشي قد مات، 2 فكبّر أربع تكبيرات (2).
وفي رواية أبي داود الطيالسي عنه: كنا عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: «إنّ أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه»، فنهض ونهضنا، حتى انتهى إلى البقيع، فتقدم وصففنا خلفه.. (3).
وفي الحديث: ان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نعى للناس (وهو بالمدينة) النجاشي (صاحب الحبشة) في اليوم الذي مات فيه، (قال: «انّ أخاً قد مات») وفي رواية: «مات اليوم عبد للَّه صالح بغير أرضكم، فقوموا فصلوا عليه، قال: من هو؟ قال: النجاشي، وقال: استغفروا لأخيكم»، قال: فخرج بهم إلى المصلّى، وفي رواية: البقيع.. (4).
وعن مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: «وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ» (5)
اختلفوا في نزولها، فقيل: نزلت في النجاشي ملك الحبشة، واسمه أصحمة، وهو بالعربية عطية، وذلك أنه لما مات نعاه جبرائيل لرسول اللَّه في اليوم الذي مات فيه، فقال رسول اللَّه: «اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، قالوا: ومن؟ قال:
النجاشي. فخرج رسول اللَّه إلى البقيع، وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة،
ص: 81
فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني حبشي لم يره قطّ وليس على دينه، فأنزل.. (1).
أقول: المقصود من الصلاة هنا إحدى هذه الاحتمالات:
الاول: المراد من الصلاة هو معناها اللغوي، أي الدعاء، قال الشيخ الطوسي في الخلاف: لا تجوز الصلاة على الغائب بالنية، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي:
يجوز ذلك، دليلنا: ان ثبوت ذلك يحتاج إلى دليل شرعي وليس في الشرع ما يدلّ عليه، وأما صلاة النبي صلى الله عليه و آله على النجاشي فإنّما دعاء له، والدعاء يسمى صلاة (2).
الثاني: أن يقال: إن الأرض طويت له حتى صار كأنه بين يديه (3).
الثالث: أن يقال: كشف له من المدينة، كما مرّ عن الطبرسي، وروى القطب الراوندي عن جابر وغيره: أن النبي صلى الله عليه و آله أتاه جبرئيل وأخبره بوفاة النجاشي، ثمّ خرج من المدينة إلى الصحراء (4)، ورفع اللَّه الحجاب بينه وبين جنازته، فصلى عليه، ودعا له، واستغفر له، وقال للمؤمنين: «صلوا عليه»، فقال منافقون:
نصلي على علج بنجران؟ فنزلت الآية (5)، والصفات التي في الآية هي
ص: 82
صفات النجاشي (1).
وروى نحوه الواحدي (2) وابن شهراشوب (3).
ولكن ما ذكرناه أولًا هو الأولى، وذلك لورود خبر محمد بن مسلم أوزرارة أنه قال: «الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء، قال: قلت: فالنجاشي لم يصل عليه النبي صلى الله عليه و آله؟ فقال: لا، إنّما دعا له» (4)، وهذا الحديث حسن (5) أو صحيح (6) عند معظم الفقهاء، إلا أن السيد الخوئي يرى ضعفه (7).
روى المجلسي عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «صلى النبي صلى الله عليه و آله ذات ليلة، ثمّ توجه إلى البقيع، فدعا أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، فقال: امضوا حتى تأتوا أصحاب الكهف، وتقرؤهم منى السلام، وتقدّم أنت يا أبا بكر، فإنك أسنّ القوم، ثمّ أنت يا عمر، ثمّ أنت يا عثمان، فإن أجابوا واحداً منكم وإلا تقدّم أنت يا علي، كن آخرهم، ثمّ أمر الريح فحملتهم حتى وضعتهم على باب الكهف، فتقدم أبو بكر فسلّم، فلم يردوا عليه فتنحّى، فتقدم عمر فسلّم، فلم يردوا عليه، وتقدم عثمان وسلّم، فلم يردوا عليه، وتقدم عليّ وقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، أهل
ص: 83
الكهف الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى، وربط على قلوبهم، أنا رسول رسول اللَّه ورحمة اللَّه إليكم، فقالوا: مرحباً برسول اللَّه وبرسوله، وعليك السلام يا وصي رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، قال: فكيف علمتم أني وصي النبي؟ فقالوا: إنه ضرب على آذاننا ألا نكلّم إلا نبيّاً أو وصي نبي، فكيف ترك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ وكيف حشمه؟ وكيف حاله؟.. وبالغوا في السؤال، وقالوا: خبّر أصحابك هؤلاء أنّا لا نكلّم إلا نبيّاً أو وصيّ نبي، فقال لهم: أسمعتم ما يقولون؟ قالوا: نعم، قال:
فاشهدوا» (1).
روى في الدرجات الرفيعة عن أنس بن مالك، قال: أتى أبو ذر يوماً إلى مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة، قالوا: وما رأيت البارحة؟ قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ببابه، فخرج ليلًا وأخذبيدعلي بن أبي طالب عليه السلام، وخرجنا إلى البقيع، فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة، فعدل إلى قبر أبيه، فصلى عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشقّ، وإذا بعبد اللَّه جالس وهو يقول: أنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنّ محمداً عبده ورسوله، فقال له: من وليّك يا أبة؟ فقال:
وما الولي يا بني؟ فقال: هو هذا علي، فقال: إنّ علياً وليي، قال: فارجع إلى روضتك، ثمّ عدل إلى قبر أمه آمنة، فصنع كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشقّ، فإذا هي تقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه، فقال لها: من وليك يا أماه؟ فقالت: وما الولاية يا بني؟ قال: هو هذا علي بن أبي طالب، فقالت: إنّ علياً وليي، فقال: ارجعي إلى حضرتك وروضتك. فكذبوه ولببوه، وقالوا: يا
ص: 84
رسول اللَّه، كذب عليك اليوم! فقال: وما كان من ذلك؟ قالوا: إنّ جندب حكى عنك كيت وكيت، فقال النبي صلى الله عليه و آله: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر». قال عبد السلام بن محمد: فعرضت هذا الخبر على الجهني محمد بن عبد الأعلى، فقال: علمت أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال: «أتاني جبرئيل، فقال: إنّ اللَّه عزوجل حرّم النار على ظهر أنزلك، وبطن حملك، وثدي أرضعك، وحجر كفّلك» (1).
روي عن أبي سعيد الخدري: أنّ النبي صلى الله عليه و آله مرّ بالبقيع، فأتى بإناء غير مخمر، فقال: «ألا خمرته ولو بعود تقعده عليه» (2).
وعن جابر بن عبد اللَّه، قال: جاء أبو حميد الأنصاري بإناء من لبن نهاراً إلى النبي صلى الله عليه و آله وهو بالبقيع، فقال النبي صلى الله عليه و آله: «ألا خمرته، ولو أن تعرض عليه عوداً» (3).
روى الطبراني باسناده عن ثابت بن زيد الخولاني: أنه قدم المدينة، فلقي ابن عباس، فسأله عن الخمر، فقال: سأخبرك عن الخمر، إني كنت عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في المسجد، فبينما هو محتب حل حبوته، ثمّ قال: «من كان عنده من الخمر شي ء فليؤذني به»، فجعل الناس يأتونه فيقول أحدهم: عندي راوية خمر، ويقول الآخر: عندي راوية، ويقول الآخر: عندي زقاق، وما شاء اللَّه أن يكون عنده،
ص: 85
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله «اجمعوه ببقيع كذا وكذا»، ثمّ آذنوني، ففعلوا، ثمّ آذنوه.. (1).
أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله برجم ماعز بن مالك الذي أتى بالفاحشة وأقرّ بذلك عنده مراراً.
روي عن أبي سعيد الخدري في قصة ماعز أنه قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله برجمه، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، فما أوثقناه ولا حفرنا له، ورميناه بالعظام والمدر والخزف، ثمّ اشتدّ واشتددنا له حتى أتى الحرة فانتصب لنا، فرميناه بجلاميد الحرة، حتى سكت (2).
روى أبو داود والنسائي وابن ماجة بأسانيدهم عن شداد بن أوس: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رجل بالبقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» (3).
ص: 86
روي عن حمزة بن أسيد قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في جنازة رجل من الأنصار بالبقيع، فإذا الذئب مفترشاً ذراعيه على الطريق، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
«هذا جاء يستفرض، فافرضوا له، قالوا: ترى رأيك يا رسول اللَّه، قال: من كلّ سائمة شاة في كلّ عام»، قالوا: كثير، قال: فأشار إلى الذئب أن خالسهم، فانطلق الذئب، رواه البيهقي (1).
قالت عائشة: رجع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من البقيع، فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وا رأساه! فقال: «بل أنا وا رأساه»، قالت: ثمّ قال: «وما ضرّك لو متّ قبل فقمت عليك وكفّنتك وصليت عليك ودفنتك».. (2).
قال ابن أبى الحديد: وقد روي من قصة وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أنه عرضت له الشكاة التي عرضت، في أواخر صفر من سنة إحدى عشرة للهجرة، فجهز جيش
ص: 87
أسامة بن زيد، فأمرهم بالمسير إلى البلقاء، حيث أصيب زيد وجعفر عليهما السلام من الروم، وخرج في تلك الليلة إلى البقيع، وقال: «إني قد أمرت بالإستغفار عليهم، فقال عليه السلام: السلام عليكم يا أهل القبور، ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها، ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلًا، ثمّ قال لأصحابه: انّ جبريل كان يعارضني القرآن في كلّ عام مرّة، وقد عارضني به العام مرّتين، فلا أراه إلا لحضور أجلي (1).
وروى الطبرسي: أنه يوم الأحد لليال بقين من صفر أخذ بيد علي عليه السلام، وتبعه جماعة من أصحابه، وتوجه إلى البقيع، ثمّ نقل نحو ما ذكره ابن أبي الحديد، ثمّ قال: «يا علي، إنّي خيّرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة فاخترت لقاء ربي والجنة، فإذا أنا متّ فغسّلني، واستر عورتي، فانه لا يراها أحد إلا أكمه، ثمّ عاد إلى منزله، فمكث ثلاثة أيام موعوكاً..» (2).
روى الفرات الكوفي عن أبي ذرالغفاري قال: كنت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو بالبقيع الغرقد، فقال: «والذي نفسي بيده، انّ فيكم رجلًا يقاتل الناس على تأويل القرآن، كما قاتلت المشركين على تنزيله، وهم في ذلك يشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وما يؤمن أكثرهم باللَّه إلا وهم مشركون، فيكبر قتلهم على الناس، حتى يطعنوا على ولي اللَّه، ويسخطوا عمله كما سخط موسى من أمر السفينة وقتل الغلام وإقامة
ص: 88
الجدار، وكان خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار للَّه رضا، وسخط ذلك موسى» (1).
ورواه الخوارزمي (2) والمتقي الهندي عن الديلمي (3).
روي عن أبان بن عثمان قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «بيننا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ذات يوم بالبقيع، فأتاه عليّ فسلّم عليه، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: اجلس، فأجلسه عن يمينه، ثمّ جاء جعفر بن أبي طالب، فسأل عن رسول اللَّه، فقيل: هو بالبقيع، فأتاه فسلّم عليه، فأجلسه عن يساره، ثمّ جاء العباس، فسأل عنه، فقيل: هو بالبقيع، فأتاه فسلّم عليه، وأجلسه أمامه، ثمّ التفت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام، فقال: ألا أبشرك، ألا أخبرك يا علي؟ قال: بلى يا رسول اللَّه، فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً، وخبّرني أنّ القائم الذي يخرج في آخر الزمان، يملأ الأرض عدلًا، كما ملئت ظلماً وجوراً من ذريتك، من ولد الحسين عليه السلام، فقال علي عليه السلام: يا رسول اللَّه، ما أصابنا خير قطّ من اللَّه إلا على يديك..» (4).
روى الشيخ منتجب الدين بإسناده عن الحسن بن الحسن عن أبيه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في بقيع الغرقد، إذ مرّ به 1 فر بن أبى طالب، 2 جعفر بن
ص: 89
أبي طالب ذو الجناحين، فقال النبي صلى الله عليه و آله: صلّ جناح أخيك، ثم تقدم النبيّ فصليا خلفه، فلما انفتل النبي صلى الله عليه و آله من صلاته أقبل بوجهه عليهما، ثمّ قال: يا جعفر، هذا جبرئيل يخبرني عن الديان عزّوجل أنه قد جعل لك جناحين منسوجين في الجنان، ويسيرك ربك يوم خميس، قال: فقال علي: فداك أبي وأمي يا رسول اللَّه، هذا لجعفر أخي، فما لي عند ربي عزّوجل؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله: بخ بخ يا علي، انّ اللَّه خلق خلقاً يستغفرون لك إلى أن تقوم الساعة، قال: فقال علي عليه السلام: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، وما ذلك الخلق؟ قال: المؤمنون الذين يقولون: «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ» (1)
، فهل سبقك أحد بالإيمان؟ يا علي، إذا كان يوم القيامة ابتدرت إليك اثنا عشر ألف ملك من الملائكة، فيختطفونك اختطافاً حتى تقوم بين يدي ربي عزوجل، فيقول الربّ جل جلاله: سل يا علي، (فقد) آليت على نفسي أن أقضي لك اليوم ألف حاجة، قال: فأبدأ بذريتي وأهل بيتي يا رسول اللَّه؟ قال النبي صلى الله عليه و آله: إنهم لا يحتاجون اليك يومئذ، ولكن ابدأ بمحبيك- أو أحبائك- وأشياعك. وساق الكلام إلى أن قال: واللَّه، لو أنّ الرجل صام النهار وقام الليل وحمل على الجياد في سبيل اللَّه، ثمّ لقي اللَّه مبغضاً لك ولأهل بيتك، لكبّه اللَّه على منخريه في النار» (2).
وروى الحاكم الحسكاني عن سلمة بن الأكوع قال: بينما النبي ببقيع الغرقد وعلي معه، فحضرت الصلاة، فمرّ به جعفر، فقال النبي صلى الله عليه و آله: «يا جعفر، صلّ جناح أخيك، فصلى النبيّ بعليّ وجعفر، فلما انفتل من صلاته قال: يا جعفر، هذا جبرئيل يخبرني عن رب العالمين أنه صيّر لك جناحين أخضرين مفصصين بالزبرجد والياقوت، تغدو وتروح حيث تشاء، قال علي: فقلت: يا رسول اللَّه، هذا لجعفر،
ص: 90
فما لي؟ قال النبي صلى الله عليه و آله: يا علي، أو ما علمت أنّ اللَّه عزوجل خلق خلقاً من أمتي، يستغفرون لك إلى يوم القيامة؟ قال علي: ومن هم يا رسول اللَّه؟ قال: قول اللَّه عزّوجل في كتابه المنزل عليّ: «وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» (1)
، فهل سبقك إلى الإيمان أحد يا علي؟ (2).
روى الكليني باسناده عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقف على قبر رقية، فرفع رأسه إلى السماء، فدمعت عيناه، وقال للناس: «إني ذكرت هذه وما لقيت، فرققت لها، واستوهبها من ضمة القبر، قال:
فقال: اللهم هب لي رقية من ضمة القبر، فوهبها اللَّه له» (3).
روى الكليني باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام أنه قال:
«خرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في جنازة سعد (4)، وقد شيّعه سبعون ألف ملك، فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله رأسه إلى السماء، ثمّ قال: مثل سعد يضمّ؟ قال: قلت: جعلت فداك، إنا نحدّث أنه كان يستخف بالبول، فقال: معاذ اللَّه، إنّما كان من زعارة في خلقه على أهله؛ قال: فقالت أمّ سعد: هنيئاً لك يا سعد، قال: فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا أم
ص: 91
سعد، لا تحتمي على اللَّه» (1).
روى ابن عساكر: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذكر فتنة فقربها، قال: فأتيته بالبقيع، وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فقلت يا رسول اللَّه، بلغني أنك ذكرت فتنة، قال: «نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان، دينهما واحد، وصلاتهما واحدة، وحجهما واحد! قال: قال أبو بكر: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال: اللَّه أكبر، قال عمر: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال: الحمد للَّه، قال عثمان: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، وبك يبتلون! قال عليّ: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، تقود الخيل بأزمته» (2).
روى صفوان الجمال عن الصادق عليه السلام: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يخرج في ملاء من الناس من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المدنيين، فيقول ثلاثاً: السلام عليكم أهل الديار، وثلاثاً: رحمكم اللَّه، ثمّ يلتفت إلى أصحابه ويقول: هؤلاء خير منكم، فيقولون: يا رسول اللَّه، ولم؟ آمنوا وآمنّا، وجاهدوا وجاهدنا! فيقول: إنّ هؤلاء آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، ومضوا على ذلك، وأنا لهم على ذلك شهيد، وأنتم تبقون بعدي، ولا أدري ما تحدثون بعدي» (3).
ص: 92
وروى عبد الرزاق عن ابن جريح قال: حدثت أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان ينطلق بطوائف من أصحابه إلى دفنى بقيع الفرقد، فيقول: «السلام عليكم يا أهل القبور، لو تعلمون مما نجاكم اللَّه مما هو كائن بعدكم، ثمّ يلتفت إلى أصحابه، وفيهم يومئذ الأفاضل، فيقول: أنتم خير أم هؤلاء؟ فيقولون: نرجو أن لا يكونوا خيراً منّا، هاجرنا كما هاجروا، ولم يأكلوا من أجورهم شيئاً، وإنكم تأكلون من أجوركم، فإنّ هؤلاء قد مضوا، وقد شهدت لهم، وإني لا أدري ما تحدثون بعدي» (1).
روى الحاكم عن أم قيس: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خرج بها في سكك المدينة حتى انتهى إلى البقيع الغرقد، فقال: «يا أم قيس! قلت: لبيك وسعديك يا رسول اللَّه، قال: أترين هذه المقبرة؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال: يبعث منها سبعون ألفاً يوم القيامة بصورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب» (2).
روي أحمد عن أبي السليل قال: وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع، فقال:
حدثني أبي أو عمي: أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالبقيع وهو يقول: «من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة»، قال: فحللت من عمامتي لوثاً أو لوثين وأنا أريد أن أتصدق بهما، فأدركني ما يدرك ابن آدم، فعقدت على عمامتي، فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلًا أشدّ منه سواداً ولا أصغر منه ولا أذمّ ببعير ساقه لم أر بالبقيع ناقة
ص: 93
أحسن منها، فقال: يا رسول اللَّه، أصدقة؟ قال: نعم، قال: دونك هذه الناقة، قال:
فلمزه رجل فقال: هذا يتصدق بهذه، فواللَّه لهي خير منه، قال: فسمعها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: كذبت، بل هو خير منك (1).
روى الترمذي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي عليه السلام قال: «كنا في جنازة في البقيع فأتى النبي صلى الله عليه و آله فجلس وجلسنا معه، ومعه (عود) ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال: ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها، فقال القوم:
يا رسول اللَّه، أفلا نتّكل على كتابنا، فمن كان من أهل السعادة، فهو يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء، فإنه يعمل للشقاء؟ قال: بل اعملوا، فكلّ ميسّر، أما من كان من أهل السعادة فإنه ميسر لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ميسر لعمل الشقاء، ثمّ قرأ: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى » (2)
، ثمّ قال: هذا حديث حسن صحيح (3).
ص: 94
وروى الزمخشري: جاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالبقيع، ومعه مخصرة (1) له، فجلس ونكت بها في الأرض، ثمّ رفع رأسه وقال: «ما من منفوسة إلا وقد كتب مكانها في الجنة والنار» (2).
روى الحاكم عن أنس بن مالك، قال: بينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وبلال يمشيان بالبقيع، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «يا بلال، هل تسمع ما أسمع؟ قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أسمعه، قال: ألا تسمع أهل القبور يعذبون» (3).
ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ (4).
وفي خبر أبي رافع قال: خرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وانتهيت إلى بقيع الغرقد، فالتفت إليّ فقال: «هل تسمع الذي أسمع؟ فقلت: بأبي وأمي، لا يا رسول اللَّه، قال: هذا فلان بن فلان يعذب في قبره، في شملة اغتلها يوم خيبر» (5).
روى الطبراني في ضمن خبر: فلما مرّ- رسول اللَّه صلى الله عليه و آله- ببقيع الغرقد إذا بقبرين
ص: 95
قد دفنوا فيهما رجلين، فوقف النبي صلى الله عليه و آله فقال: «من دفنتم ههنا اليوم؟ قالوا: يا نبي اللَّه، فلان. قال: إنهما ليعذبان الآن، ويفتنان في قبريهما، قالوا: يا رسول اللَّه، وما ذاك؟ قال: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما أحدهما فكان لا يتنزه من البول» (1).
وروى الطبري عن أبي أمامة، قال: أتى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بقيع الغرقد، فوقف على قبرين ثريين، فقال: «أدفنتم هنا فلاناً وفلانة، أو قال: فلاناً وفلاناً، فقالوا:
نعم يا رسول اللَّه، فقال: قد أقعد فلان الآن يضرب، ثمّ قال: والذي نفسي بيده، لقد ضرب ضربة ما بقي منه عضو إلا انقطع، ولقد تطاير قبره ناراً، ولقد صرخ صرخة سمعتها مع الخلائق إلا الثقلين من الجنّ والإنس، ولولا تمريج قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع، ثمّ قال: الآن يضرب هذا، الآن يضرب هذا، ثمّ قال: والذي نفسي بيده، لقد ضرب ضربة ما بقى منه عظم إلا انقطع، ولقد تطايرها سعيد قبره ناراً، ولقد صرخ صرخة سمعها الخلائق إلا الثقلين من الجن والإنس، ولولا تمريج في قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع، قالوا: يا رسول اللَّه، ما ذنبهما؟ قال: أما فلان فإنه كان لايستبرى ء من البول، وأما فلان أو فلانة فإنه كان يأكل لحوم الناس» (2).
وروى البيهقي عن عبد اللَّه بن حنطب: أنه بلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مرّ يسير على بغلة له بيضاء في المقابر ببقيع الغرقد، فحادت به بغلته حيدة، فوثب إليها الرجال من المسلمين ليأخذوا بلجامها، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «دعوها، فإنها سمعت عذاب سعد بن زرارة يعذب في قبره، وكان رجلًا منافقاً» (3).
ص: 96
روى ابن أبي شيبة وغيره: أنه كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالبقيع، فنادى رجل آخر:
يا أبا القاسم! فالتفت إليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال: إني لم أعنك يا رسول اللَّه! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي» (1).
روي عن أبي رافع قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه و آله البقيع، فسمعته يقول: «لا دريت ولا أفلحت، فقلت: بأبي وأمي، ما لي لا أدري ولا أفلح؟! قال: ليس لك، قلت:
بأبي وأمي، ليس معك غيري، قال: سمعت صاحب هذا القبر يسأل (عني)، فقال:
لا أدري، فقلت: لا دريت ولا أفلحت» (2).
وعن الطبراني عن أبي رافع: انّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله خرج بالليل يدعو بالبقيع، ومعه أبو رافع، فدعا بما شاء اللَّه أن يدعو، ثمّ انصرف مقبلًا، فمرّ على قبر، فقال:
«أف أف أف! فقال له أبو رافع: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، ما معك غيري، فمنّي أففت؟! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: لا، ولكنّي أففت من صاحب هذا القبر الذي سئل عنّي فشكّ فيّ» (3).
ص: 97
روى الهيثمي عن علي أمير المؤمنين عليه السلام قال: كنت قاعداً عند النبي صلى الله عليه و آله عند البقيع، يعني بقيع الغرقد، في يوم مطر، فمرّت امرأة على حمار ومعها مكار، فمرّت في وهدة من الأرض فسقطت، فأعرض عنها بوجهه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنّها متسرولة، فقال: «اللهمّ اغفر للمتسرولات من أمتي (1)، يا أيها الناس! اتخذوا السراويلات، فإنها من أستر ثيابكم، وحصّنوا به نساءكم إذا خرجن» (2).
روى البخاري عن أبي ذر، قال: انطلق النبي صلى الله عليه و آله نحو البقيع، وانطلقت أتلوه، فالتفت فرآني، فقال: «يا أبا ذر، فقلت: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك وأنا فداؤك، فقال: إنّ المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا في حقّ، قلت: اللَّه ورسوله أعلم، فقال هكذا ثلاثاً، ثمّ عرض لنا أحد، فقال: يا أبا ذر، فقلت: لبيك رسول اللَّه وسعديك، وأنا فداؤك، قال: ما يسرّني أنّ أحداً لآل محمد ذهباً فيمسي عندهم دينار أو قال مثقال، ثمّ عرض لنا واد، فاستنتل (3)، فظننت أنّ له حاجة، فجلست على شفير، وأبطأ عليّ، قال: فخشيت عليه، ثمّ سمعته كأنه يناجي رجلًا، ثمّ خرج وحده، فقلت يا رسول اللَّه، من الرجل الذي تناجي، فقال: أو سمعته؟ قلت: نعم، قال: فإنه جبريل، أتاني فبشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك باللَّه شيئاً دخل الجنة..» (4).
ص: 98
روى المتقي الهندي عن أبي رافع قال: خرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من بيته، وبيته يومئذ المسجد، حتى أتينا البقيع، فعطس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فمكث طويلًا، فقلت له: بأبي وأمي، قلتَ شيئاً لم أفهمه، فقال: «نعم، أتاني من ربي أو أخبرني جبريل، قال: إذا عطست فقل: الحمد للَّه ككرمه، والحمد للَّه كعزّ جلاله، قال: فإنّ الرب تبارك وتعالى يقول: صدق عبدي، صدق عبدي، مغفوراً له» (1).
روى الزيلعي قضية راجعة إلى ابن مسعود، وجاء فيها: يا ابن مسعود، إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يجدك عشاءاً، فارجع إلى مضجعك، فرجعت إلى المسجد، فجمعت حصباء المسجد فتوسدته، والتففت بثوبي، فلم ألبث إلا قليلًا، حتى جاءت الجارية فقالت: أجب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فاتبعتها حتى بلغت مقامي، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وفي يده عسيب نخل، فعرض به على صدري، فقال: «انطلق أنت معي حيث انطلقت»، قال: فانطلقنا حتى أتينا بقيع الغرقد، فخطّ بعصاه خطة، ثمّ قال: «اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك»، ثمّ انطلق يمشي وأنا أنظر إليه، حتى إذا كان من حيث لا أراه، ثارت مثل العجاجة السوداء، ففزعت وقلت في نفسي: هذه هوازن مكروا برسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليقتلوه، فهممت أن أسعى إلى البيوت فاستغيث الناس، فذكرت أنّ رسول اللَّه أوصاني أن لا أبرح، وسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يفزعهم بعصاه، ويقول: اجلسوا، فجلسوا، حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثمّ ثاروا وذهبوا.. (2).
ص: 99
روى أبو يعلى والهيثمي عن أبي هريرة، قال: مرّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالبقيع على امرأة جاثمة على قبر تبكي، فقال لها: «يا أمة اللَّه، اتقي اللَّه واصبري، فقالت: يا عبد اللَّه، إني أنا الحرى الثكلى، فقال: يا أمة اللَّه اتقي اللَّه واصبري، فقالت: يا عبد اللَّه، لو كنت مصاباً عذرتني، فقال: يا أمة اللَّه، اتقي اللَّه واصبري، فقالت: يا عبد اللَّه، قد أسمعت فانصرف عنّي، قال: فمضى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فاتبعه رجل من أصحابه، فوقف على المرأة، فقال لها: ما قال لك الرجل الذاهب؟ قالت: قال لي كذا وكذا، قال: فهل تعرفينه؟ قالت: لا، قال: ذاك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: فوثبت مسرعة وهي تقول: أنا أصبر، أنا أصبر يا رسول اللَّه، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: الصبر عند الصدمة الأولى، الصبر عند الصدمة الأولى» (1).
روى الحاكم عن أبي رافع قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل، فيتحدث عندهم حتى ينحدر للمغرب، قال أبو رافع: فبينما النبي صلى الله عليه و آله يسرع إلى المغرب مررنا بالبقيع، فقال: «أف لك أف لك، قال: فكبر ذلك في ذرعي، فاستأجرت (2) وظننت أنه يريدني، فقال: مالك، امش، فقلت:
أحدثت حدثا؟ قال: ما ذاك؟ قلت: أففت بي، قال: لا، ولكن هذا فلان بعثته ساعياً على بني فلان، فغل نمرة، فدُرِّع الآن مثلها من نار» (3).
ص: 100
وفي خبر آخر: صاحب هذه الحفرة استعملته على بني فلان، فخان بردة، فأريتها عليه تلتهب (1).
روى الحاكم باسناده عن حنظلة بن علي السدوسي يقول: سمعت أبا هريرة يقول بهذا البقيع: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر» (2).
روي عن ابن عباس قال: مرّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ببقيع الغرقد ورجل يسوم سيفاً، فقال النبي صلى الله عليه و آله: «لا تغالوا في الحديد، فإنها مأمورة»، ومرّ برجل يسوم بشاة، فقال: «لا تغالوا في اللبن، فإنه رزق» (3).
جاء في طبقات المحدثين عن أبي هريرة: مرّ النبي صلى الله عليه و آله ببقعة من المناصع والبقيع، فقال: «نعم، هذا موضع الحمام، فاتخذ حماماً» (4).
روي عن عطا، قال: سألتني عائشة عن عسقلان، قلت: ما تسأليني عن
ص: 101
عسقلان؟ قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عندي في ليلتي، فلما كان بعض الليل قام فخرج إلى البقيع، فأدركتني الغيرة، فخرجت في أثره، فقال: «يا عائشة، أما إنه ليس بين المشرق والمغرب أكرم على اللَّه من الذي رأيت إلا أن تكون مقبرة 4 قلان، 2 عسقلان، قلت: وما مقبرة عسقلان، قال: رباط للمسلمين قديم، يبعث اللَّه منها يوم القيامة سبعين ألف شهيد، لكلّ شهيد شفاعة لأهل بيته» (1).
أقول: ذكره ابن حبان في المجروحين، وابن الجوزي في الموضوعات، وقال الأخير: هذا حديث لا يصحّ عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (2).
ص: 102
روي عن ابن عباس أنه قال: أخذ بيدي الإمام علي ليلة مقمرة، فخرج بي إلى البقيع بعد العشاء، وقال: اقرأ يا عبد اللَّه، فقرأت: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»، فتكلم لي في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر (1).
وقال: يشرح لنا علي عليه السلام نقطة الباء من «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ليلة، فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ (2).
روى ابن شبة عن عبد اللَّه بن الزبير قال: بينا أنا وأبي نهوي نحو البقيع، إذا
ص: 103
منادٍ ينادي أبي من ورائه: يا أبا عبد اللَّه، فنظرت فإذا عليّ، فتشربت له- يعنى تحرفت له- فقال أبي: إنه أبو الحسن، لا أمّ لك! فجاء عليّ فقال: «ألاترى ما يلقى عثمان؟» (1).
روى شاذان بن جبرئيل القمي عن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام: «إذا كان غد وقت طلوع الشمس سر إلى جبانة البقيع، وقف على نشز من الأرض، فإذا بزغت الشمس سلّم عليها، فإنّ اللَّه تعالى أمرها أن تجيبك بما فيك، فلمّا كان من الغد خرج أمير المؤمنين عليه السلام ومعه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار، حتى أتى البقيع، ووقف على نشز من الأرض، فلما طلعت الشمس قال عليه السلام: السلام عليك يا خلق اللَّه الجديد المطيع له، فسمع دويّ من السماء وجواب قائل يقول: السلام عليك يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن، يا من هو بكلّ شي ء عليم، فسمع الإثنان الأول والثاني والمهاجرين والأنصار كلام الشمس فصعقوا، ثمّ أفاقوا بعد ساعة، وقد انصرف أمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك المكان، فقاموا وأتوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مع الجماعة، فقالوا: يا رسول اللَّه، إنا نقول: إنّ علياً بشر مثلنا، والشمس تخاطبه بما يخاطب به الباري نفسه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله: فما سمعتموه؟ قالوا سمعنا الشمس تقول: السلام عليك يا أول. قال: قالت الصدق، هو أول من آمن بي، فقالوا: سمعناها تقول: يا آخر، فقال: قالت الصدق، هو آخر الناس عهداً بي، يغسلني ويكفنني ويدخلني قبري، فقالوا: سمعناها تقول: يا ظاهر، فقال: قالت الصدق، هو الذي أظهر علمي، فقالوا: سمعناها تقول: يا باطن، فقال: قالت الصدق، هو الذي بطن سري كله، فقالوا: سمعناها تقول: يا
ص: 104
من هو بكلّ شي ء عليم، فقال: قالت الصدق، هو أعلم بالحلال والحرام والسنن والفرائض، وما يشاكل على ذلك»، فقاموا وقالوا: أوقعنا محمد في طخياء، وخرجوا من باب المسجد. فقال في ذلك أبو محمد العوني (رض):
إمامي كليم الشمس راجع نورها فهل لكليم الشمس في القوم من مثل (1)
عمل أمير المؤمنين بوصية فاطمة الزهراء (من دفنها سرّاً وليلًا من دون إعلامه أحداً)، وروي أنه عليه السلام عمّى على قبرها ورشّ أربعين قبراً في البقيع.. (2).
وفي الخبر: فعمل أمير المؤمنين بوصيتها، ولم يعلم أحداً بها، فأصنع في البقيع ليلة دفنت فاطمة عليها السلام أربعون قبراً جدداً (3).
وفي خبر الطبري: وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جدداً، وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبراً، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور، فضج الناس ولام بعضهم بعضاً، وقالوا: لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتاً واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها، ولا تعرفوا قبرها. ثمّ قال ولاة الأمر منهم: هاتم من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها، ونزور قبرها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه، فخرج مغضباً قد احمرّت عيناه، ودرت أوداجه، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كلّ كريهة، وهو متوك على سيفه ذي الفقار، حتى ورد
ص: 105
البقيع، فسار إلى الناس النذير وقالوا: هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم باللَّه لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعنّ السيف على غابر الآخر.. (1).
روي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قيل له: ما لك تركت مجاورة قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وجاورت المقابر- يعني البقيع- فقال: «وجدتهم جيران صدق، يكفون السيئة، ويذكرون الآخرة» (2).
جاء في الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام في قضية مهمة: «اخرجوا الليلة البقيع، فستجدون من علي عجباً»، قال حذيفة بن اليمان: فاجتمع الناس من العصر في البقيع، إلى أن هدأ الليل، ثمّ خرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام ومعه ذوالفقار (3)، وقال لهم: اتبعوني، فاتبعوه، فإذا بنارين متفرقة قليلة وكثيرة، فدخل في النار القليلة، قال حذيفة: فسمعنا زمجرة كزمجرة الرعد، فقلبها على النار الكثيرة، ودخل فيها.. (4).
روى ابن ميثم البحراني عن الحسين بن عبد الرحمن التمار، قال: انصرفت عن
ص: 106
مجلس بعض الفقهاء، فمررت بسليم الشاذكوني (1)، فقال لي: من أين أقبلت؟
فقلت: من مجلس فلان العالم، قال: فما قوله؟ قلت: شي ء من كرامات عليّ، قال:
واللَّه لأحدثنّك بعظيمة سمعتها من قرشي عن قرشي عن قرشي، قال: رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطاب، فضجّ أهل المدينة من ذلك، فخرج عمر ومعه أهل المدينة إلى المصلى يدعون اللَّه تعالى لتسكن تلك الرجفة، فما زالت تزيد في كلّ يوم إلى أن تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة، فقال عمر: انطلقوا بنا إلى أبي الحسن علي بن أبي طالب، فمضوا إليه ودخلوا عليه، فأخبروه الخبر، فقال: عليّ بمائة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فاختار عليه السلام من المائة عشرة، فجعلهم أمامه، وخرج بهم، ولم يبق بالمدينة بنت عاتق إلا خرجت إلى البقيع، حتى إذا توسطه ضرب الأرض برجله، وقال: ما لك؟ ما لك؟ ما لك؟ ثلاثاً، فسكنت الرجفة، فقال عليه السلام: صدق حبيبي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ولقد أنبأني بهذا الخبر، وبهذا اليوم، وباجتماع الناس له (2).
وفي تأويل الآيات: رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطاب، فضجّ أهل المدينة من ذلك، فخرج عمر وأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يدعون لتسكن الرجفة، فما زالت تزيد إلى أن تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة، وعزم أهلها على الخروج عنها، فعند ذلك قال عمر: عليّ بأبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام، فحضر فقال: يا أبا الحسن، ألاترى إلى قبور البقيع ورجفها، حتى تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، وقد همّ أهلها بالرحلة عنها، فقال علي عليه السلام: عليّ بمائة رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله البدريين، فاختار من المائة عشرة، فجعلهم خلفه، وجعل التسعين
ص: 107
من ورائهم، ولم يبق بالمدينة سوى هؤلاء إلا حضر، حتى لم يبق بالمدينة ثيب ولا عاتق إلا خرجت، ثمّ دعا بأبي ذر وسلمان والمقداد وعمار، فقال لهم: كونوا بين يدي حتى توسط البقيع، والناس محدقون به، فضرب الأرض برجله، ثمّ قال: ما لك- ثلاثاً- فسكنت، فقال: صدق اللَّه وصدق رسوله صلى الله عليه و آله، فقد أنبأني بهذا الخبر وهذا اليوم وهذه الساعة، وباجتماع الناس له، إنّ اللَّه عزوجل يقول في كتابه: «إِذا زُلْزِلَتِ اْلأَرْضُ زِلْزالَها* وَ أَخْرَجَتِ اْلأَرْضُ أَثْقالَها* وَ قالَ اْلإِنْسانُ ما لَها» (1)
، أما لو كانت هي هي لقالت ما لها وأخرجت إليّ أثقالها. ثم انصرف وانصرف الناس معه، وقد سكنت الرجفة. (2)
روى الشيخ الكليني باسناده عن عيسى شلقان، قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «إن أمير المؤمنين عليه السلام له خؤولة في بني مخزوم، وإنّ شاباً منهم أتاه فقال: يا خالي، إنّ أخي مات، وقد حزنت عليه حزناً شديداً، قال: فقال له: تشتهي أن تراه؟ قال: بلى، قال: فأرني قبره، قال: فخرج ومعه بردة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله متّزراً بها، فلما انتهى إلى القبر تلملمت (3) شفتاه، ثمّ ركضه برجله، فخرج من قبره وهو يقول (4) بلسان الفرس، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ألم تمت وأنت رجل من العرب؟! فقال: بلى، ولكنّا متنا على سنة فلان وفلان، فانقلبت ألسنتنا» (5).
ص: 108
وقال ابن جبر: وقال الحميري رحمه اللَّه:
فقال له قوم إن عيسى بن مريم بزعمك يحيي كلّ ميت و مقبر
فما ذا الذي أعطيت قال محمّد لمثل الذي أعطيه إن شئت فانظر
إلى مثل ما أعطي فقالوا لكفرهم ألا أرنا ما قلت غير معذر
فقال رسول اللَّه قم لوصيه فقام وقد ما كان غير مقصر
ورداه بالمستجاب واللَّه خصّه وقال اتبعوه بالدعاء المبرّر
فلمّا أتى ظهر البقيع دعا به فرجت قبور بالورى لم تبعثر
فقالوا له يا وارث العلم اعفنا ومن علينا بالرضى منك واغفر (1)
خبر الصخرة التي كانت في البقيع؛ فأمر أمير المؤمنين الحسن عليهما السلام أن يأتي إليها، ويضرب عليها قضيب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ليخرج مائة حمراء فيعطيها الأعرأبي، لإنجاز عدة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ففعل ما أمر به، فطلع من الصخرة ناقة بزمامها، فجذب مائة ناقة، ثمّ انضمت الصخرة (2).
قال الشيخ الصدوق بعد ذكر زيارة أئمة البقيع عليهم السلام: ثمّ صلّ ثمان ركعات (3) في
ص: 109
المسجد الذي هناك، وتقرأ فيها ما أحببت، وتسلّم في كلّ ركعتين. ويقال: إنه مكان صلّت فيه فاطمة عليها السلام (1).
روى الكليني باسناده عن أحدهما عليهما السلام: «لما ماتت رقية ابنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ألحقي بسلفنا الصالح 1 مان بن مظعون، 2 عثمان بن مظعون وأصحابه، قال: وفاطمة عليها السلام على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر، ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتلقاه بثوبه قائماً يدعو، قال: إني لأعرف ضعفها، وسألت اللَّه عزّوجل أن يجيرها من ضمة القبر» (2).
بعد الأحداث المأساوية التي جرت في حق فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه، وشكواها إلى سيد المظلومين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بقولها: «.. ما أقل مكثي بينهم، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فواللَّه لا أسكت ليلًا ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله»، فقال لها علي عليه السلام: «افعلي يا بنت رسول اللَّه ما بدا لك»، ثمّ إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين عليهما السلام أمامها، وخرجت إلى البقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقها بين يديه إلى منزلها (3).
ص: 110
يقول ابن جبير الرحالة في القرن السادس: ويلي هذه البقعة العباسية بيت ينسب لفاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ويعرف ب «بيت الحزن»، يقال: إنه البيت الذي آوت إليه، والتزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلى الله عليه و آله (1).
والجدير أن نسمي هذا البيت ببيت أسرار فاطمة، وكان هذا البيت معموراً إلى زمن استيلاء الوهابيين على الحجاز، فقاموا بهدمه، وهدم سائر الآثار، لقصور فهمهم، واعوجاج نهجهم.
يقول الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله: وهنا نلفت أولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحي الزهراء عن البلد في نياحتها على أبيهاصلى اللَّه عليه وآله، وخروجها بولديها في لمة من نسائها إلى البقيع، يندبن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في ظل أراكة كانت هناك، فلما قطعت بنى لها علي بيتاً في البقيع كانت تأوي إليه للنياحة، يدعى بيت الأحزان، وكان هذا البيت يزار في كلّ خلف من هذه الأمة، كما تزار المشاهد المقدسة، حتى هدم في هذه الأيام.. وهدم المقدسات في البقيع، عملًا بما يقتضيه مذهبه الوهابي، وذلك سنة 1344 للهجرة، وكنا سنة 1339 تشرفنا بزيارة هذا البيت (بيت الأحزان)، إذ منّ اللَّه علينا في تلك السنة بحج بيته وزيارة نبيه ومشاهد أهل بيته الطيبين الطاهرين في البقيع.. إلى أن قال:
هدموا بيت الأحزان الذي بناه الإمام علي لسيدة النساء فاطمة الزهراء لتبكي على أبيها (2).
وقال صاحب الذريعة: ولكن انهدم بيت الأحزان في بقيع الغرقد، لمجاورته مراقد أئمة الشيعة، وذلك لأجل أنه قد يؤخذ الجار بجرم الجار! (3).
ص: 111
وجاء في البقيع الغرقد: وكانت خارج القبة (1)- بفاصلة قليلة- قبة مبنية على بيت الأحزان، حيث كانت الزهراء عليها السلام تخرج إلى ذلك المكان وتبكي على أبيها (2).
وقالوا في موضع دفن بعض: دفن في البقيع تحت الميزاب، خلف الحائط الذي فيه أئمة البقيع عليهم السلام، مقابل بيت الأحزان، بيت الزهراء عليها السلام (3).
ذكر ابن كثير عن اسحاق بن إبراهيم، قال: بلغني أنّ الحسين زار مقابر الشهداء بالبقيع، فقال:
ناديت سكان القبور فأسكتوا وأجابني عن صمتهم ترب الحصا
قالت: أتدري ما فعلت بساكني؟ مزقت لحمهم وخرقت الكسا
وحشوت أعينهم تراباً بعد ما كانت تأذى باليسير من القذا
أما العظام فإنّني مزّقتها حتى تباينت المفاصل والشوا
قطعت ذا زاد من هذا كذا فتركتها رمماً يطوف بها البلا (4)
روى الطبرسي: أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع لعثمان، وقال: يا ابن أخي، أخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره، فصاح
ص: 112
بأعلى صوته: يا أهل القبور! الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم.
فقال الحسين بن علي عليه السلام: قبّح اللَّه شيبتك، وقبّح وجهك، ثمّ نتر يده وتركه، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة لهلك (1).
روي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أنه قال: رأيت فتى أحسن من الشمس الطالعة ببقيع الفرقدين قبرين قبر الحسن وعلي بن الحسين، والباقر يبكي بكاءً لم أسمع أشجى منه، فقلت: يا صبي! ما الذي أفردك بالخلوة في المقابر؟ فقال:
إنّ الصبي صبيّ العقل لا صغر أزرى بذي العقل فينا (2) ولا كبر
فقلت: أراك اللَّه حدثاً تأتي بمثل هذا الكلام، فقال: «إنّ اللَّه إذا أودع عبداً حكمة لم يزدره الحكماء (3) لصغر سنّه، وكان عليه من اللَّه نوره والمهابة»، فقلت:
بأبي (ما (4)) سمعت كلاماً أرصن من كلامك، لا شك انك من أهل بيت حكمة، فمن أنت؟ قال: من شقاوة أهل الدنيا قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء، أنا محمد بن علي بن الحسين، وهذا قبر أبي.
فأيّ أنس آنس من قربه وأيّ وحشة لاتكون مع فقده (5)
ص: 113
ورواه ابن عساكر باسناده عن قيس بن نعمان عنه عليه السلام، بتفاوت وزيادة (1).
روى الكليني باسناده عن عمرو بن أبي المقدام، قال: مررت مع أبي جعفر عليه السلام بالبقيع، فقال عليه السلام: «اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته، واسكن إليه من رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك، وألحقه بمن كان يتولاه» (2).
ورواه الشيخ الطوسي، ثم قال: ثمّ قرأ: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» سبع مرات (3).
روى ابن حمزة الطوسي عن أبي عيينة، قال: إنّ رجلًا جاء إلى أبي جعفر صلوات اللَّه عليه، وقال: أنا رجل من أهل الشام لم أزل- واللَّه- أتولاكم أهل البيت، وأبرأ من عدوكم، وإنّ أبي- لا رحمه اللَّه- كان يتولى بني أمية ويفضلهم عليكم، وكنت أبغضه على ذلك، وقد كان له مال كثير، ولم يكن له ولد غيري، وكان مسكنه بالرملة، وكان له بيت يخلو فيه بنفسه، فلما مات طلبت ماله في كلّ موضع، فلم أظفر به، ولست أشك أنه دفنه في موضع وأخفاه عني، لا رضي اللَّه عنه.
ص: 114
فقال أبو جعفر صلوات اللَّه عليه: أفتحب أن تراه وتسأله أين موضع ماله؟
فقال له: أجل، فإني فقير محتاج.
فكتب له أبو جعفر صلوات اللَّه عليه كتاباً بيده الكريمة في رق أبيض، ثمّ ختمه بخاتمه، وقال: إذهب بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع، حتى تتوسطه، ثمّ تنادي: يا ذرجان، فإنه سيأتيك رجل معتم، فادفع إليه الكتاب، وقل له: أنا رسول محمد بن علي بن الحسين بن زين العابدين- صلوات اللَّه عليه- واسأله عما بدا لك.
قال: فأخذ الرجل الكتاب وانطلق، فلما كان من الغد أتيت أبا جعفر صلوات اللَّه عليه متعمداً لأنظر ما كان حال الرجل، فإذا هو على باب أبي جعفر ينتظر حتى أذن له، فدخلنا عليه، فقال له الرجل: اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته، وعند من يضع علمه، قد انطلقت بكتابك الليلة، حتى توسطت البقيع، فناديت: يا ذرجان، فأتاني رجل معتمّ، فقال: أنا ذرجان، فما حاجتك؟ فقلت: أنا رسول محمد بن علي بن الحسين صلوات اللَّه عليهم إليك، وهذا كتابه، فقال: مرحباً برسول حجة اللَّه على خلقه، وأخذ الكتاب وقرأه، وقال: أتحبّ أن ترى أباك؟
قلت: نعم، قال: فلا تبرح من موضعك حتى آتيك به، فإنه بضنجان، فانطلق، فلم يلبث إلا قليلًا حتى أتاني برجل أسود، في عنقه حبل أسود، فقال لي: هذا أبوك، ولكنّ غيّره اللهب، ودخل الجحيم، وجرع الحميم والعذاب الأليم، فقلت: أنت أبي؟ قال: نعم، قلت: ما غيّرك صورتك؟ قال: انى كنت أتولّى بني أمية وأفضّلهم على أهل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فعذّبني اللَّه على ذلك، وإنك تتولى أهل بيت النبي، وكنت أبغضك على ذلك، وحرمتك مالي وزويته عنك، وأنا اليوم على ذلك من النادمين، فانطلق إلى بيتي، واحتفر تحت الزيتونة، وخذ المال وهو مائة ألف وخمسون ألفاً، فادفع إلى محمد بن علي صلوات اللَّه عليه خمسين ألفاً، ولك الباقي، قال: فإني منطلق حتى آتي بالمال.
ص: 115
قال أبو عيينة: فلما حال الحول قلت لأبي جعفر صلوات اللَّه عليه: ما فعل الرجل؟ قال: قد جاءنا بالخمسين ألفاً، فقضيت منها ديناً كان عليّ، وابتعت منها أرضاً، ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي، أما إنّ ذلك سينفع الميت النادم على ما فرط من حبنا، وضيّع من حقنا، بما أدخل عليّ من الرفق والسرور (1).
روى الشيخ الطوسي عن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال:
سألته عن المغيرة وهو بالبقيع، ومعه رجل ممن يقول: إنّ الأرواح تتناسخ، فكرهت أن أسأله، وكرهت أن أمشي فيتعلق بي، فرجعت إلى أبي ولم أمض، فقال: يا بني! لقد أسرعت؟
فقلت: يا أبة، إني رأيت المغيرة مع فلان.
فقال أبي: لعن اللَّه المغيرة، قد حلفت أن لا يدخل عليّ أبداً.
وذكرت أنّ رجلًا من أصحابه تكلم عندي ببعض الكلام، فقال هو:
أشهد اللَّه أنّ الذي حدثك لمن الكاذبين، وأشهد اللَّه أنّ المغيرة عند اللَّه لمن المدحضين. ثمّ ذكر صاحبهم الذي بالمدينة، فقال: واللَّه ما رآه أبي، وقال: واللَّه ما صاحبكم بمهدي ولا بمهتدي، وذكرت لهم أنّ فيهم غلماناً أحداثاً، لو سمعوا كلامك لرجوت أن يرجعوا، قال: ثمّ قال: ألا يأتوني فأخبرهم؟ (2).
ص: 116
أقول: قال النمازي: المغيرة بن سعيد، هو غير سعيد، خبيث ملعون غير سديد، كان يكذب على مولانا الباقر عليه السلام، فلعنه مولانا الصادق عليه السلام، وأذاقه اللَّه حرّ الحديد، وبذلك كله نطقت الروايات المستفيضة التي تزيد عن عشرة رواها الكشي وغيره. (1)
روى محمد بن علي الصوفي: استأذن إبراهيم الجمّال رضي اللَّه عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه، فحجّ علي بن يقطين في تلك السنة، فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر عليه السلام فحجبه، فرآه ثاني يومه، فقال علي بن يقطين: يا سيدي، ما ذنبي؟
فقال: حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال، وقد أبي اللَّه أن يشكر سعيك، أو يغفر لك إبراهيم الجمّال.
فقلت: سيدي ومولاي، من لي بابراهيم الجمال في هذا الوقت، وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟
فقال: إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك، واركب نجيباً هناك مسرجاً.
قال: فوافى البقيع، وركب النجيب، ولم يلبث أنْ أَناخهُ على باب إبراهيم الجمال بالكوفة، فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين.
فقال إبراهيم الجمال من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟!
ص: 117
فقال علي بن يقطين: يا هذا، إنّ أمري عظيم، وآلى عليه أن يأذن له.
فلما دخل قال: يا إبراهيم، إنّ المولى عليه السلام أبى أن يَقْبلني أو تغفر لي.
فقال: يغفر اللَّه لك.
فآلى عليّ بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خدّه، فامتنع إبراهيم من ذلك، فآلى عليه ثانياً ففعل، فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول: اللهم اشهد، فانصرف وركب النجيب، وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة، فأذن له ودخل عليه فقبله (1).
روي عن العياشي: مات يونس بن يعقوب بالمدينة، فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه، وأمر مواليه وموالي أبيه وجدّه أن يحضروا جنازته، وقال لهم: هذا مولى لأبي عبد اللَّه عليه السلام وكان يسكن العراق، وقال لهم: احفروا له في البقيع، فإن قال لكم أهل المدينة: إنه عراقي ولا ندفنه في البقيع، فقولوا لهم: هذا مولى لأبي عبد اللَّه وكان يسكن العراق، فإن منعتمونا أن ندفنه في البقيع منعناكم أن تدفنوا مواليكم في البقيع، فدفن في البقيع، ووجه أبو الحسن علي ابن موسى إلى زميله محمد بن الحباب وكان رجلًا من أهل الكوفة، فقال: صلّ عليه أنت (2).
ص: 118
وعن محمد بن الوليد: رآني صاحب المقبرة وأنا عند القبر بعد ذلك، فقال لي:
من هذا الرجل، صاحب هذا القبر؟ فإنّ أبا الحسن علي بن موسى عليهما السلام أوصاني به، وأمرني أن أرشّ قبره أربعين شهراً أو أربعين يوماً (1).
ص: 119
الصحابة والبقيع
1. سلمان الفارسي والبقيع
تقبيل خاتم النبوة بالبقيع
روى الطبراني وأبو نعيم الإصفهاني في قضية فحص سلمان الفارسي عن علامات خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه و آله، إلى أن قال: ثمّ جئت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ببقيع الغرقد، قد اتبع جنازة رجل من الأنصار وهو جالس، فسلمت عليه، ثمّ استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله استدرت عرف أني أستثبت من شي ء وصف لي، فألقى ردائه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبّله (1).
روي أنه لما مرضت فاطمة عليها السلام مرضها الذي ماتت فيه، أتاها أبو بكر وعمر
ص: 120
عائدين، واستأذنا عليها، فأبت أن تأذن لهما، فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى اللَّه عهداً ألا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة يترضاها، فبات ليلة في البقيع ما أظله شي ء، ثمّ انّ عمر أتى عليا عليه السلام، قال له: انّ أبا بكر شيخ رقيق القلب، وقد كان مع رسول اللَّه في الغار، وله صحبة، وقد أتيناها غير هذه المرة مراراً، نريد الإذن.. (1).
أقول: بالصيف ضيعت اللبن، كما في المثل (2).
قال ابن كثير: الفجاءة اسمه إياس بن عبد اللَّه بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف من بني سليم، قاله ابن اسحاق، وقد كان الصدّيق حرق الفجاءة بالبقيع في المدينة، وكان سببه: أنه قدم عليه فزعم أنه أسلم، وسأل منه أن يجهز معه جيشاً يقاتل به أهل الردّة، فجهز معه جيشاً، فلما سار جعل لا يمرّ بمسلم ولا مرتد إلا قتله وأخذ ماله، فلما سمع الصديق بعث وراءه جيشاً فردّه، فلما أمكنه بعث به إلى البقيع، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار، فحرقه وهو مقموط (3).
وفي تاريخ اليعقوبي: أنه قال لأبي بكر: يا خليفة رسول اللَّه! اني قد أسلمت، فأعطاه أبو بكر سلاحاً، فخرج من عنده، فبلغه أنه يقطع الطريق، فكتب إلى طريفة بن حاجزة: انّ عدو اللَّه ابن الفجاءة خرج من عندي، فبلغني أنه قطع
ص: 121
الطريق، وأخاف السبيل، فسر إليه حتى تأخذه، وتقدم طريفة، فسار إليه، فقتل قوماً من أصحابه، ثمّ لقيه فقال: اني مسلم، وأنه مكذوب عليّ، فقال طريفة: فإن كنت صادقاً فاستأسر حتى تأتي أبا بكر فتخبره! فاستأسر، فلما قدم به على أبي بكر أخرجه إلى البقيع فحرقه بالنار، وحرق أيضاً رجلًا من بني أسد يقال له شجاع بن ورقاء.. (1).
أقول: إذا كان جزاؤه القتل فلا داعي للحرق، فكان بإمكانه أن يقتله من دون أن يحرقه، فكم حصلت المآسي وبرزت مظاهر العنف مما شوّه سمعة الاسلام والمسلمين، قيل: ان أبا بكر ندم على فعله وقال في مرض موته: أما إني لا آسي على شي ء إلا على ثلاث فعلتهنّ، وددت أني لم أفعلهنّ.. فوددت إني لم أكن كشفت بيت فاطمة، وتركته وإن أغلق عليّ الحرب،.. وددت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن أحرقه، وقتلته سريحاً أو أطلقته نجيحاً.. (2).
روى اليعقوبي عن ابن عباس: طرقني عمر بن الخطاب بعد هدأة من الليل، فقال: اخرج بنا نحرس نواحي المدينة! فخرج وعلى عنقه درّته حافياً، حتى أتى بقيع الغرقد، فاستلقى على ظهره، وجعل يضرب أخمص قدميه بيده، وتأوه صعداً، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما أخرجك إلى هذا الأمر؟ قال: أمر اللَّه يا ابن عباس،
ص: 122
قلت: إن شئت أخبرتك بما في نفسك، قال: غص يا غواص، إن كنت لتقول فتحسن.
قال: ذكرت هذا الأمر بعينه وإلى من تصيّره.
قال: صدقت!
قال: قلت له: أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف؟
فقال: ذاك رجل ممسك، وهذا الأمر لا يصلح إلا لمعط في غير سرف ومانع في غير إقتار.
قال: فقلت: سعد بن أبي وقاص؟
قال: مؤمن ضعيف.
قال: فقلت: طلحة بن عبد اللَّه؟
قال: ذاك رجل يناول للشرف والمديح، يعطي ماله حتى يصل إلى مال غيره، وفيه بأو وكبر.
قال: فقلت: فالزبير بن العوام، فهو فارس الإسلام؟
قال: ذاك يوم إنسان ويوم شيطان، وعفة نفس، إن كان ليكادح على المكيلة من بكرة إلى الظهر حتى يفوته الصلاة.
قال: فقلت: عثمان بن عفان؟
قال: إن ولي حمل ابن أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس، وأعطاهم مال اللَّه، ولئن ولي ليفعلنّ واللَّه، ولئن فعل لتسيرنّ العرب إليه حتى تقتله في بيته.
ثمّ سكت. قال: فقال: امضها يا ابن عباس! أترى صاحبكم (1) لها موضعاً؟
قال: فقلت: وأين يتبعّد من ذلك، مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه؟
ص: 123
قال: هو واللَّه كما ذكرت، ولو وليهم تحملهم على منهج الطريق، فأخذ المحجة الواضحة، إلا أنّ فيه خصالًا: الدعابة في المجلس، واستبداد الرأي، والتبكيت للناس، مع حداثة السن!
قال: قلت: يا أمير المؤمنين! هلا استحدثتم سنّه يوم الخندق إذ خرج عمرو ابن عبد ود، وقد كعم عنه الأبطال، وتأخرت عنه الأشياخ، ويوم بدر إذ كان يقطّ الأقران قطّاً، ولا سبقتموه بالإسلام، إذ كان جعلته السعب (1) وقريش يستوفيكم؟
فقال: إليك يا ابن عباس! أتريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعليّ بأبي بكر يوم دخلا عليه؟!
قال: فكرهت أن أغضبه فسكتّ.
فقال: واللَّه يا ابن عباس إنّ علياً ابن عمك لأحقّ الناس بها، ولكنّ قريشاً لا تحتمله، ولئن وليهم ليأخذنّهم بمرّ الحق لا يجدون عنده رخصة، ولئن فعل لينكثنّ بيعته، ثمّ ليتحاربنّ (2).
وروى ابن أبي الحديد عن ابن عباس، قال: مرّ عمر بعليّ وأنا معه بفناء داره، فسلّم عليه، فقال له علي: أين تريد؟
قال: البقيع.
قال: أفلا تصل صاحبك ويقوم معك؟
قال: بلى.
فقال لي عليّ: قم معه.
فقمت فمشيت إلى جانبه، فشبك أصابعه في أصابعي، ومشينا قليلًا، حتى إذا
ص: 124
خلفنا البقيع قال لي: يا ابن عباس! أما واللَّه انّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، إلا أنا خفناه على اثنين.
قال ابن عباس: فجاء بكلام لم أجد بدّاً من مسألته عنه، فقلت: ما هما يا أمير المؤمنين؟
قال: خفناه على حداثة سنه، وحبّه بني عبد المطلب (1)!.
أقول: يلزمه اقراره بأنّ علياً كان أولى الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وأما اعتذاره فمردود بما جاء في كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعتاب بن أسيد: «ليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر» (2)، وقول علي عليه السلام: «ولقد كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نقتل آبائنا وأبنائنا وإخواننا وأعمانا، ما يزيد ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضيّاً على اللقم، وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدو» (3).
رجفة قبور البقيع في عهد عمر (4)
ذكرناها في بحث الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والبقيع، فلا نعيد.
روى ابن أبي الحديد: خرج عمر مع رهط من أصحابه ماشين إلى بقيع الغرقد، فقال لأصحابه: ليتمنّينّ كلّ واحد منّا أمنيته، فكل واحد تمنى شيئاً،
ص: 125
وانتهت الأمنية إلى عمر، فقال: وددت أنّ لي رجلًا مثل عمير بن سعد، أستعين به على أمور المسلمين (1).
أقول: كان عمير بن سعد والي عمر بن الخطاب على حمص، وقتل يوم القادسية سنة عشرة، وهو إبن أربع وستين سنة (2)، وقالوا: إنه كان من محبي معاوية بن أبي سفيان (3).
روى ابن أبي الدنيا عن محمد بن جبير أنّ عمر بن الخطاب مرّ ببقيع الغرقد، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، أخبار ما عندنا أنّ نساءكم قد تزوّجن، ودوركم قد سكنت، وأموالكم قد فارقت.. (4).
أقول: ولكن المتقي الهندي روى عن أبي محمد الحسن بن محمد الخلال في كتاب النادمين، عن علي قال: دخلت مع علي الجبان، فسمعته يقول: «السلام عليكم يا ندامى! أما الدور فقد سكنت، وأما الأموال فقد اقتسمت، وأما النساء فقد نكحت، هذا خبر ما عندنا، هاتوا خبر ما عندكم. ثمّ التفت فقال: لو أذن لهم في الكلام لتكلموا فقالوا: «وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى (5)»» (6).
ص: 126
ورواه غيره مثل ابن حبان (1) وابن عساكر (2) وابن أبي الحديد (3) وصاحب الجوهرة (4)، وسائر علماء الامامية (5) عن علي عليه السلام بتفاوت يسير.
روى ابن ماجة عن عمر بن الخطاب: أنه قام يوم الجمعة خطيباً أو خطب يوم الجمعة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: يا أيها الناس! إنكم تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا الثوم وهذا البصل، ولقد كنت أرى الرجل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوجد ريحه منه، فيؤخذ بيده حتى يخرج إلى البقيع (6).
أقول: لا ريب أن للبصل والثوم آثاراً وخواصَ كثيرة مذكورة في الكتب
ص: 127
الروائية والطبية، فاطلاق كلمة الخبيث عليهما ليس في محله، نعم لابدّ من مراعاة أحوال المجتمع واجتناب ايذاء الناس، إلا أن الخليفة كان شديداً في تعامله، غليظاً في تعاطيه، ومما يؤيد ذلك ما رواه الطبراني عن الأسود بن سريع قال: كنت أنشده- يعني النبي صلى الله عليه و آله- ولا أعرف أصحابه، حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع، فقيل لي: أسكت أسكت، فقلت: واثكلاه! من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه و آله؟ فقيل: إنه عمر بن الخطاب! فعرفت واللَّه بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع (1).
روى عبد الرزاق عن سعيد بن أبي العاص قال: رصدت عمر ليلة، فخرج إلى البقيع، فصلى ثمّ رفع يديه، فقال: اللهمّ كبرت سنّي، وضعفت قوّتي، وخشيت الإنتشار من رعيتي، فاقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم، فما يزال يقولها حتى أصبح (2).
روي عن عبد الأعلى بن عبد اللَّه أنه قال: كنت بالبقيع وعمر، فجاء المطلب ابن حنطب، فذهبت أوسع له، فجلس حجرة. (3)
روى ابن سعد: أن عمر دعا ابنه فقال: يا بني، إني قد أرسلت إلى عائشة
ص: 128
أستأذنها أن أدفن مع أخوي فأذنت لي، وأنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السلطان، فإذا أنا متّ فاغسلني وكفّنّي ثمّ احملني حتى تقف على باب عائشة، فتقول: هذا عمر يستأذن يقول الخ (1)، فإن أذنت لي فادفني معهما، وإلا فادفني بالبقيع، قال ابن عمر: فلما مات أبي حملناه حتى وقفنا به على باب عائشة، فاستأذنها في الدخول، فقالت: ادخل بسلام! (2).
وروى الحاكم النيسابوري: أنّ عمر بن الخطاب لما طعن قال لعبد اللَّه: اذهب إلى عائشة، فاقرأ عليها منّي السلام وقل: إنّ عمر يقول لك: إن كان لا يضرك ولا يضيق عليك، فإنّي أحبّ أن أدفن مع صاحبي، وإن كان ذلك يضرك ويضيق عليك فلعمري لقد دفن في هذا البقيع من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأمهات المؤمنين من هو خير من عمر، فجاءها الرسول فقالت: إنّ ذلك لا يضرّني ولا يضيق عليّ (3)، قال: فادفنوني معهما (4).
1. لقد ضاق عليها الأمر بعدئذ، اذ روي أنها اتخذت الجلباب بعد دفن الخليفة في بيتها! روى أبو يعلى والهيثمي أنها قالت: فلما دفن عمر أخذت الجلباب فتجلببت به، قال: فقيل لها: ما لك وللجلباب؟ قالت: كان هذا زوجي، وهذا أبي، فلما دفن عمر تجلببت!، أضف على ذلك أن الموجود في صدر الخبر أن عمر قال:
إذا أنا متّ فاحملوني إلى باب بيت عائشة، فقولوا لها: هذا عمر بن الخطاب! يقرئك
ص: 129
السلام، ويقول: أدخل أو أخرج، قال: فسكتت ساعة! ثمّ قالت: أدخلوه (1).
2. البيت راجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وبعد وفاته ينتقل المال إلى الورثة، فبطبيعة الحال الزوجة ترث من المال بقدر الُّثمن، هذا إذا كانت واحدة، وإلا يقسم بين الزوجات، ومع العلم بأنّ النبي صلى الله عليه و آله مات وله تسع أزواج، فسهم عائشة من البيت لا يكون إلا سهماً من اثنين وسبعين حصة! وفي ذلك قال الصحابي الجليل ابن عباس لعائشة- في قضية منعها لدفن سبط الرسول وثمرة البتول الإمام الحسن بن علي عليه السلام بالحجرة النبوية-: «واسوأتاه! يوماً على بغل، ويوماً على جمل، تريدين أن تطفئي نور اللَّه، وتقاتلين أولياء اللَّه..» (2) (3).
روى ابن حبان في قضية مقتل عمر: وخرج أبو لؤلؤة على وجه يريد البقيع، وطعن في طريقه اثني عشر رجلًا، فخرج خلفه عبيد اللَّه بن عمر، فرأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة وكان نصرانياً وهم يتناجون بالبقيع، فسقط منهم خنجر له رأسان ونصابه في وسطه، فقتل عبيد اللَّه أبا لؤلؤة (4) والهرمزان وجفينة ثلاثتهم،
ص: 130
فجرى بين سعد بن أبي وقاص وبين عبيد اللَّه في شأن جفينة ملاحاة، وكذلك بين علي بن أبي طالب وبينه في شأن الهرمزان (1)، حتى قال علي بن أبي طالب: «إن وليت هذا الأمر شيئاً قتلت عبيد اللَّه (2) بالهرمزان» (3).
روي عن عمدة القاري: أمر عثمان بقبور كانت عند المسجد، أن تحوّل إلى البقيع، وقال: توسّعوا في مسجدكم (4).
روى الذهبي وابن عساكر وغيرهما في قضية لص سارق، إلى أن قال: فقال ابن الزبير: أمروني عليكم، فأمرناه، فانطلقنا به إلى البقيع فقتلناه (5).
ص: 131
وروى أحمد عن ابن دارة مولى عثمان، قال: أنا لبالبقيع مع أبي هريرة، إذ سمعناه يقول: أنا أعلم الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه و آله يوم القيامة، قال: فتداك الناس عليه فقالوا: ايه يرحمك اللَّه، قال: يقول: اللهمّ اغفر لكلّ عبدمسلم لقيك، يؤمن بي ولايشرك بك(1)
.
روى الحاكم النيسابوري بسنده إلى ابن أبي الزناد عن أبيه، قال: كنت جالساً مع عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب بالبقيع، فاطلع علينا بجنازة، فأقبل علينا ابن جعفر، فتعجب من ابطاء مشيهم بها، فقال: عجباً لما تغير من حال الناس، واللَّه ان كان الا الجمز، وإن كان الرجل ليلاحي الرجل فيقول: يا عبد اللَّه، اتق اللَّه لكأنّه قد جمز بك، متعجباً لإبطاء مشيهم (2).
ص: 132
مشاهد مشاهير البقيع
حينما يبادر الزائر بزيارة البقيع، يجد قبوراً لا تزال ظاهرة، لقد اهتم المسلمون بزيارتها اهتماماً بالغاً، وهي عبارة عن قبور:
أئمة المسلمين من آل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله
وهم:
1- الإمام الحسن بن علي عليه السلام.
2- الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام.
3- الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام.
4- الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
ونوافيك بالبحث عنهم موجزاً، في الفصل الآتي، في مبحث «أئمة البقيع» (1).
ص: 133
قال العلامة الحلي: ثمّ تزور العباس وتودعه بالمنقول (1).
هي أم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ذكر العلامة المجلسي زيارة لها (2)، وعن السمهودي: أنّ قبرها حفر في موضع المسجد الذي يقال له اليوم قبر فاطمة (3).
قال العلامة السيد جعفر مرتضى: دفنت رحمها اللَّه تعالى في البقيع، ودفن الحسن عليه السلام عندها، كما نصّ عليه المفيد وغيره، ولكن أبا الفرج يقول: إنها دفنت في الروحاء مقابل حمام أبي قطيفة، ولم نفهم المبرر لدفنها هناك لو صحّ ذلك، والحسنان عليهما السلام أعرف بقبر جدتهم من غيرهم (4).
ص: 134
3- أم كلثوم (1).
أقول: وقع الخلاف في أنه هل كانت رقية و أم كلثوم وكذا زينب (2) بنات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، أم هنّ ربائبه؟ الذي عليه بعض أهل التحقيق- تبعاً لبعض القدماء- هو الثاني (3).
قال أبوالقاسم الكوفي (المتوفى سنة 352): إن رقية وزينب زوجتي عثمان لم تكونا ابنتي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ولا ولد خديجة زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وإنّما دخلت الشبهة على العوام فيهما لقلة معرفتهم بالأنساب وفهمم بالأسباب (4).
وقال: صحّ لنا فيهما ما روى مشايخنا من أهل العلم عن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، وذلك ان الرواية صحت عندنا عنهم انه كانت لخديجة بنت خويلد من أمها أخت يقال لها هالة، قد تزوجها رجل من بني مخزوم، فولدت بنتاً اسمها هالة، ثم خلف عليها بعد أبي هالة رجل من بني تميم يقال له أبو هند، فأولدها إبناً كان يسمى هنداً بن أبي هند وابنتين، فكانتا هاتان الإبنتان منسوبتين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله زينب ورقية من إمرأة أخرى قد ماتت، ومات أبو هند وقد بلغ ابنه مبالغ الرجال، والإبنتان طفلتان، وكان في حدثان تزويج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بخديجة بنت خويلد، وكانت هالة أخت خديجة فقيرة، وكانت خديجة من الأغنياء الموصوفين بكثرة المال، فأما هند بن أبي هند فإنه لحق بقومه وعشيرته بالبادية، وبقيت الطفلتين عند أمهما هالة أخت خديجة، فضمت خديجة أختها هالة مع
ص: 135
الطفلتين إليها وكفلت جميعهم، وكانت هالة أخت خديجة هي الرسول بين خديجة وبين رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حالة التزويج، فلما تزوج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بخديجة ماتت هالة بعد ذلك بمدة يسيرة، وخلفت الطفلتين زينب ورقية في حجر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وحجر خديجة، فربّياهما، وكان من سنة العرب في الجاهلية من يربّي يتيماً ينسب ذلك اليتيم إليه.. فكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في نسب ابنتي أبي هند على ما وصفناه من سنة العرب في الجاهلية، فدرج نسبهما عند العامة كذلك (1).
وقال الكراجكي (المتوفى 449): وقد اختلف الأقوال فيهما (2)، فمن قائل إنهما ربيبتاه، وانهما ابنتا خديجة من سواه (3)، ومن قائل انهما ابنتا أخت خديجة من أمها، وان خديجة ربّتهما لما ماتت أختها في حياتها، وقد قال: انّ اسم ابيهما هالة، ومن قائل انهما ابنتا النبي صلى الله عليه و آله (4).
وقال ابن شهراشوب: ذكر في كتابي الأنوار والبدع أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة (5).
ونقل عن الشيخ آل ياسين قوله: وأما زينب ورقية وأم كلثوم وقد اشتهر بكونهن بنات محمد صلى الله عليه و آله، فهن بنات خديجة رضي اللَّه عنها من زوجتها الأولين، ولم يؤيد التحقيق التاريخي المتعمق بنوتهنّ لمحمد صلى الله عليه و آله (6).
ولكن السيد جعفر مرتضى لم يقبل ذلك، وقال: إن التحقيق يدل على انهن
ص: 136
ربيبات للنبي صلى الله عليه و آله ولخديجة، ولسن بناته ولا بناتها (1).
ثمّ إن الظاهر أنّ زوجتي عثمان كانتا رقية وام كلثوم، لا زينب- التي كانت زوجة أبي العاص (2)-، كما روي عن الصادق عليه السلام: «وتزوج عثمان بن عفان أم كلثوم، فماتت ولم يدخل بها، فلما ساروا إلى بدر زوجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله رقية» (3)، وقريب منه ما في خبر قرب الاسناد (4)، وهو المصرح في كلام ابن سعد (5) وابن حجر (6) وغيرهما.
فيظهر من ذلك وجه التأمل في ما نقل من تزوّج عثمان بزينب، كما ذكرناه عن أبي القاسم الكوفي (7)، و كذا ما ذكره الشيخ المفيد (8)، كمانبه على ذلك المحقق التستري (9).
ص: 137
- ريحانة بنت زيد (1)
- زينب بنت جحش (2)
- زينب بنت خزيمة(3)
- صفية بنت حيي (4)
- عائشة بنت أبي بكر (5)
- مارية القبطية (6)
ذكر أرباب السير والتفسير أن صفية بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دفنت بالبقيع (7).
ص: 138
وهو أخ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كان أكبر منه بعشرين سنة، وكان عالماً بأنساب العرب.
هو ابن الشهيد جعفر بن أبي طالب المعروف بجعفر الطيار، وكان زوجاً لزينب الكبرى سلام اللَّه عليها بنت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام اللَّه عليه.
قال الشهيدالأول: و يزور قبر إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعبد اللَّه بن جعفر .. (1).
هي فاطمة الكلابية، زوجة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأم قمر بني هاشم أبي الفضل العباس بن علي عليه السلام.
وهو مالك بن أنس، الفقيه المدني، أحد رؤساء المذاهب الأربعة، صاحب كتاب «الموطأ».
وقع الخلاف في هويته، فهو إما نافع القاري ء الشهير، أو غيره، قال السخاوي: إما نافع القاري، أو نافع مولى لابن عمر (2).
ص: 139
امه مارية القبطية، مات صغيراً، وحزن عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كثيراً.
وهم الذين استشهدوا في غزوة أحد، ونقلوا إلى المدينة، فدفنوا في البقيع.
وهم الذين استشهدوا في زمن سلطة يزيد بن معاوية، عليه اللعنة، في سنة 62 من الهجرة النبوية.
يقول الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره: لا شي ء أوضح وأشهر من كفر يزيد، لعنه اللَّه (1).
هي مرضعة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ووالدته بالرضاعة.
من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله
رغم دفن عشرات الآلاف من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين والشهداء والمؤمنين وسائر المسلمين في بقيع الغرقد، إلا أنّ المعروف منها قليل
ص: 140
جداً، وهذا مما يوجب الأسف الشديد، مع العلم بأنّ النبي صلى الله عليه و آله وضع حجراً على قبر عثمان بن مظعون مما يرشدنا إلى الاهتمام بحفظ قبور الصلحاء والأولياء، ومما يزيد الأسف هو هدم الآثار في ظل إستيلاء التيار الوهابي.
ومع ذلك، فإنّ الزائر يجد في البقيع قبوراً معلومة لأهل المدينة جيلًا بعد جيل وللمحققين بالتواتر، مثل قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقبور بنات النبي صلى الله عليه و آله، وزوجاته، وعمه، وعماته، وابنه، وغيرهم، نذكر تحديدها.
وفي ما يلي نذكر القبور على الترتيب على أساس الدخول إلى البقيع من الباب الغربي المقابل للمسجد النبوي الشريف في الوقت الحاضر:
أمام المدخل الرئيسي باتجاه الجنوب، على يمين الواقف قبوربنات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وفيه القبور الآتية:
الف) الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
ب) الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.
ج) الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام.
د) الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
ه) فاطمة بنت أسد الهاشمية، أم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
و) العباس بن عبد المطلب (1) عم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
أمام المدخل الرئيسي للبقيع وعلى بعد منه بحوالي 30 متراً، ولا يفصلها عن
ص: 141
المدخل إلا الساحة الرئيسية له، نجد قبور بنات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
شمال قبور بنات النبي صلى الله عليه و آله، على يسار الواقف أمام قبور البنات، وعلى بعد حوالي ثمانية أمتار، نجد قبور زوجات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
على بعد نحو خمسة أمتار شمال قبور زوجات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله نجد قبري عقيل وابن أخيه عبد اللَّه بن جعفر.
في الشرق من قبر عقيل بن أبي طالب وعلى نحو عشرة أمتار عند التقاء الممرات الإسمنتية الحديثة يوجد قبران:
الأول: للإمام مالك بن أنس، امام المالكية من المذاهب الأربعة.
الثاني: لنافع، وهو إما شيخ القراء المعروف، أو غيره.
على بعد 20 متراً من قبر مالك، باتجاه الشرق، نجد قبره الشريف.
والظاهر: أنّ موضع قبر عثمان بن مظعون يكون قريباً منه، وذلك لقول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في تعيين موضع دفن ابنه إبراهيم: «ألحقوه بالسلف الصالح».
على بعد نحو 75 متراً من قبر إبراهيم بن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، نجد مدفن شهداء
ص: 142
أحد ووقعة الحرة، وهم الذين استشهدوا أيام سلطة يزيد بن معاوية عليه اللعنة، وهو حالياً على شكل مستطيل من الحجر، بارتفاع لا يتجاوز المتر الواحد عن سطح الأرض، ومن المعلوم أنه يتضمن بعض أجساد الشهداء رضوان اللَّه عليهم، وأنهم دفنوا في المكان وحواليه، وذلك لكثرتهم.
اسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب، توفي سنة 133 في حياة أبيه الصادق عليه السلام بعشرين سنة، كذا في عمدة الطالب، عن أبي القاسم بن جذاع نسابة المصريين (1).
قال السيد الأمين: قبره الآن خارج البقيع، بينهما الطريق بجانب سور المدينة المنورة، ولعلّه كان داخلًا فيه قبل جعل هذا الطريق، وهو مشيد معظم عليه قبة عظيمة، هدمها الوهابيون في هذا العصر، بعد استيلائهم على الحجاز (2).
وقال الشيخ المدني: وكان يقع (قبر اسماعيل بن جعفر) في الوسط بين الحرم النبوي والبقيع، وأنا شاهدت هذا القبر قبل طمسه وهدمه (3).
وقالوا: كان القبر خارج البقيع في الجهة الغربية الجنوبية، ويفصله عن البقيع شارع بعرض 15 متراً، وكان محاطاً بسور مرتفع بنحو 3 أمتار، وكان مبنى الشرشورة وهو مبنى مصلحة الموتى يقع شرقي هذا القبر، وقد نقل الجسد في التوسعة التي تمت قبل التوسعة الأخيرة، وأدخل داخل سور البقيع الحالي (4).
ص: 143
أقول: قد سمعنا من الأفواه أنه دفن شرق شهداء الحرة، ولكن الوهابيين أزالوا العلامة والأثر، كما هو دأبهم.
قيل: ان قبرها شمال شرق قبر عثمان بن عفان، أي شمال شرق حش كوكب، والمعروف أنه شمال قبر عثمان.
على بعد أربعين متراً من مدخل البقيع الرئيسي إلى الشمال على يسار الداخل، ملاصقاً لسور البقيع نجد القبور الآتية:
الف) قبر صفية بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
ب) قبر عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
ج) قبر أم البنين فاطمة الكلابية، زوجة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقبره في الجهة الشرقية الشمالية، كان على قارعة الطريق المؤدي إلى الحرة الشرقية.
على بعد حوالي خمسين متراً شمال قبر عثمان بن عفان، يوجد قبر الصحابي الجليل سعد بن معاذ.
ص: 144
دفن بحش كوكب، الذي كان خارجاً عن البقيع، ولكن أدخله معاوية فيه، وحالياً يقع قبره على بعد 135 متراً من قبور شهداء الحرة، في الجهة الشرقية الشمالية (1).
قال ابن كثير: وقد اعتنى معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان، ورفع الجدار بينه وبين البقيع، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله، حتى اتصلت بمقابر المسلمين (2).
قال ابن أبي الحديد: فخرج به نفر يسير من أهله وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يعرف بحش كوكب، كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلما صار هناك رجم سريره، وهموا بطرحه، فأرسل علي عليه السلام يعزم عليهم ليكفوا عنه، فكفوا، فانطلقوا به حتى دفنوه في حش كوكب.. وزاد الطبري: ان معاوية لما ظهر على الناس أمر بذلك الحائط، فهدم حتى أفضى به إلى البقيع، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره، حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين (3).
ص: 145
هو الحسن بن علي بن أبي طالب، الإمام الزكي، سيد شباب أهل الجنة، أبو محمد (1)، سبط الرسول، وريحانة البتول، وحجة اللَّه على أرضه.
ولد عليه السلام بالمدينة في النصف (2) من شهر رمضان سنة اثنتين (أو ثلاث (3)) من الهجرة، وقبض مسموماً بالمدينة في صفر سنة تسع وأربعين من الهجرة، فكان سنه عليه السلام يومئذ سبعاً وأربعين سنة، وأمه سيدة نساء العالمين، فاطمة بنت محمد، خاتم النبيين، صلى الله عليه و آله الطاهرين، وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلى الله عليه و آله (4)، عند جدته
ص: 146
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (1)، لقبه: الوزير، والتقي، والقائم، والطيب، والحجة، والسيد، والسبط، والولي (2).
قال الذهبي: الحسن بن علي بن أبي طالب.. الإمام، السيد، ريحانة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسبطه وسيد شباب أهل الجنة، أبو محمد القرشي الهاشمي المدني الشهيد .. وكان يشبه جدّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قاله أبو جحيفة (3).
قال ابن عنبة: وجاءت به فاطمة إلى النبي صلى الله عليه و آله يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة كان جبرئيل عليه السلام نزل بها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فسماه حسناً، وعقّ عنه كبشاً (4).
وروي عن الجعديات لفضيل بن مرزوق، عن عدّي بن ثابت، عن البراء، قال النبي صلى الله عليه و آله للحسن: «اللهمّ إنّي أحبه فأحبّه، وأحب من يحبّه»، صححه الترمذي (5).
ص: 147
وروي عنه صلى الله عليه و آله أنه قال: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»، صححّه الترمذي (1).
وقال النبي صلى الله عليه و آله في حقه وحق أخيه: «من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني: الحسن والحسين» (2).
وقال صلى الله عليه و آله: «اللهم اني أحبهما فأحبهما» (3).
وقال النووي: مناقبه كثيرة مشهورة في الصحيحين وغيرهما (4).
وقال ابن حجر العسقلاني: فضائله لا تحصى، وقد ذكرنا منها شطراً في الروضة الندية (5).
روى الكليني باسناده عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «لما حضر الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة قال للحسين عليه السلام: يا أخي، إنّي أوصيك بوصية فاحفظها، إذا أنا مّت فهيئني، ثمّ وجّهني إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله لأُحدث به عهداً، ثمّ اصرفني إلى امّي عليها السلام، ثمّ ردّني فادفّني بالبقيع..» (6).
وقال المفيد: روى عبداللَّه بن إبراهيم، عن زياد المخارقي قال: لما حضرت الحسن الوفاة استدعى الحسين بن علي عليهما السلام فقال: يا أخي، إنّي مفارقك ولاحق بربّي جلّ وعز، وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست، وانّي لعارف بمن سقاني السمّ، ومن أين دُهيت، وأنا اخاصمه إلى اللَّه تعالى، فبحقي عليك أن
ص: 148
تكلّمت بشى ء، وانتظر ما يحدث اللَّه عز ذكره فيّ، فاذا قبضت فغمّضني وغسّلني وكفّنّي واحملني على سريري الى قبرجدّي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لأجدّد به عهداً، ثمّ ردّني الى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد رحمه الله فادفّني هناك، وستعلم يا ابن أُم أنّ القوم يظنّون أنكم تريدون دفني عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فيُجْلبون في منعكم عن ذلك، وباللَّه أُقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم..» (1).
فظهر أن الإمام الحسن عليه السلام دفن بالبقيع تنفيذاً لوصيته(2)
، لعلمه عليه السلام بالأحداث المؤلمة (3)، وما تظهره الأحقاد الدفينة (4) والأنفس الشريرة، وبه يظهر ضعف ما نقله ابن كثير (5) وغيره (6) من أنه عليه السلام عهد إلى أخيه الحسين عليه السلام أن يدفن مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ جرى ماجرى.
نعم، جاء في منتخب الأنوار لمحمد بن همام الكاتب الإسكافي: ولما حضرته الوفاة دعا أخاه الحسين بن علي عليهما السلام، وقال له: يا أخي، إذا أنا متّ، وأخذت في أمري، وصيّرتني على السرير، فأنشدك اللَّه بحقّ جدي رسول اللَّه (7) وأمي فاطمة، إذا صرت إلى قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فإن تركوك فادفنّي معه، وإن منعوك فباللَّه عليك
ص: 149
يا أخي، وبحقّ جدي وأمي إن كلّمت أحداً، وارددني فادفنّي بالبقيع (1).
ولكن ما ذكره الشيخ المفيد هو المعتمَد.
ثم قال المفيد: فلمّا مضى عليه السلام لسبيله غسّله الحسين عليه السلام وكفّنه وحمله على سريره، ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول اللَّه صلّى اللَّه صلى الله عليه و آله، فتجمعوا له ولبسوا السلاح، فلما توجّه به الحسين بن علي عليهما السلام إلى قبر جدّه رسول اللَّه عليه وآله ليجدّد به عهداً أقبلوا إليهم في جمعهم..- إلى ان قال:- وكادت الفتنة (2)
ص: 150
تقع بين بني هاشم وبني أميّة (1) (2)، فبادر إبن عباس إلى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت، فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، لكنّا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته، ثمّ نردّه إلى جدته فاطمة عليها السلام، فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان وصىّ بدفنه مع النبي صلّي اللَّه عليه وآله لعلمت أنّك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك.. وقال الحسين عليه السلام: «واللَّه لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدّماء، وأن لا أهريق في أمره محجمة دم، لعلمتم كيف تأخذ سيوف اللَّه منكم مأخذها، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا».
ومضوا بالحسن عليه السلام فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف، رضي اللَّه عنها واسكنها جنات النعيم (3).
وذكر ابن فتال النيسابوري (4) والطبرسي نحوه بتفاوت يسير (5).
وقال أبو هريرة يوم دفن الحسن بن علي عليه السلام: قاتل اللَّه مروان، قال: واللَّه ما
ص: 151
كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقد دفن عثمان بالبقيع!، فقلت: يا مروان! اتق اللَّه، ولا تقل لعلي إلا خيراً، فأشهد لقد سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول يوم خيبر: «لأعطينّ الراية رجلًا يحبه اللَّه ورسوله، ليس بفرار (1)»، وأشهد لسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول في حسن: «اللهم اني أحبه فأحبه، وأحب من يحبّه» (2).
ولا يخفى أنّ مروان بن الحكم كان وقتئذٍ أمير المدينة (3)، أو أنه كان معزولًا، وإنّما فعل ما فعل ابتغاء مرضاة معاوية (4)، وطلباً للرئاسة (5).
ومات الامام الحسن المجتبى عليه السلام شهيداً، إذ أنّه قد سمّ بدسيسة معاوية، تمهيداً لسلطة ابنه يزيد.
قال أبو علي محمد بن همام الإسكافي: استشهد عليه السلام في سنة خمسين من الهجرة، بعد مضيّ عشر سنين من ملك معاوية، وكان سبب وفاته شربة وجهها معاوية على يد امرأته جعدة بنت الأشعث- لعنه اللَّه- وأقطعها على ذلك ضيعة نقية وعشرة آلاف، وروي: أنه سقي برادة الذهب، حتى قاء كبده، وقال: «سقيت السمّ مرتين، وهذه الثالثة»، ودفن بالمدينة في البقيع (6).
ص: 152
وقال ابن حبان: الحسن بن علي بن أبي طالب..، ابن فاطمة الزهراء، كان أشبه الناس برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كنيته أبو محمد، سمّ حتى نزل كبده (1).
وروى ابن عساكر عن أبي سليمان بن زبر، قال: مات الحسن بن علي يعني سنة تسع وأربعين، وكان قد سقي السم، فوضع كبده.. (2).
وقال ابن شهراشوب: وكان بذل معاوية لجعدة بنت محمد الأشعث الكندي، وهي ابنة أم فروة، أخت أبي بكر بن أبي قحافة، عشرة آلاف دينار، وإقطاع عشرة ضياع من سقى سوراء وسواد الكوفة، على أن تسمّ الحسن (3).
جاء في كشف الغمة: لما اراد معاوية أخذ البيعة ليزيد، دسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس- وكانت زوجة الحسن بن علي عليهما السلام- من حملها على سمّه، وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، فأرسل إليها مأة الف درهم، فسقته جعدة السمّ (4)، وبقي عليه السلام أربعين يوماً مريضاً، ومضى لسبيله في صفر سنة خمسين من الهجرة، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة، وتولّى أخوه ووصيه الحسين عليهما السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد.. بالبقيع (5).
ص: 153
وفي الخبر: ثم القائم من بعده- أي أمير المؤمنين علي عليه السلام- ابنه الحسن سيد الشباب وزين الفتيان، يقتل مسموماً، يدفن بأرض طيبة، في الموضع المعروف بالبقيع (1).
وذكر الحاكم النيسابوري بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك قال: شهدنا الحسن ابن علي يوم مات ودفنّاه بالبقيع، ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على رأس انسان (2).
قال نعيم بن حماد: فلم يشهده أحد من بني أمية إلا خالد بن الوليد بن عقبة، فإنه ناشدهم اللَّه وقرابته فخلّوا عنه (3).
وروى الذهبي عن مساور السعدي قال: رأيت أبا هريرة قائماً على مسجد رسول اللَّه صلّى عليه وسلّم يوم مات الحسن يبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس! مات اليوم حبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فابكوا (4).
وروي عن مساور مولى بني سعد بن بكر، قال: وقد اجتمع الناس لجنازته، حتّى ما كان البقيع يسع أحداً من الزّحام (5).
وقد بكاه الرجال والنساء سبعاً، واستمرّ نساء بني هاشم ينحن عليه شهراً، وحدت نساء بني هاشم عليه سنة (6).
ص: 154
وجاء في الخبر: «.. وأما الحسن، فانه ابني وولدي، ومنّي، وقرة عيني، وضياء قلبي، وثمرة فؤادي، وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة اللَّه تعالى على الأئمة، أمره أمري، وقوله قولي، فمن تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني نظرت إليه فذكرت ما يجري عليه من الذّل بعدي، فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد بموته، ويبكيه كلّ شي ء حتى الطير في جوّ السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عيناه يوم تعمى الأعين، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام..» (1).
جاء في كامل الزيارة باسناده عن عمر بن يزيد بياع السابري، رفعه، قال:
كان محمد بن علي ابن الحنفية يأتي قبر الحسن بن علي عليهما السلام فيقول: السلام عليك يا بقية المؤمنين، وابن أول المسلمين، وكيف لا تكون كذلك وأنت سليل الهدى، وحليف التقوى، وخامس أهل الكساء، غذتك يد الرحمة، وربيت في حجر الإسلام، ورضعت من ثدي الإيمان، فطبت حيّاً، وطبت ميّتاً، غير أن الأنفس غير طيبة بفراقك، ولا شاكة في حياتك، يرحمك اللَّه. ثمّ التفت إلى الحسين عليه السلام فقال: يا أبا عبد اللَّه الحسين، فعلى أبي محمد السلام (2).
ولنختم الكلام بماجاء في إحدى الزيارات الجامعة: «السلام على الإمام المعصوم، والسبط المظلوم، والمضطهد المسموم، بدر النجوم، والمودّع بالبقيع، ذي الشرف الرفيع، السيد الزكي والمهذّب التقي، أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام» (3).
ص: 155
هو الإمام علي بن الحسين، لقبه الزكي وزين العابدين وذو الثفنات والأمين (1)، رابع الأئمة عند الشيعة الإمامية، وحجة اللَّه على أرضه، ولد في الخامس من شعبان (2) سنة ثمان وثلاثين من الهجرة (3)، و أمه شاه زنان (4) بنت شيرويه بن كسرى أبرويز (5)، وقيل: شاه زنان بنت يزدجرد بن كسرى (6)، ويقال:
كان اسمها شهربانو بنت يزدجرد (7)، وقيل: أم ولد اسمها غزالةالة، 2 (8)، ويقال: بل كان اسمها برة بنت النوشجان (9)، وقبض بالمدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم (10) سنةخمس وتسعين (11)، وقيل: أربع وتسعين (12)، وله يومئذسبع وخمسون سنة (13)، وولد له ثمان بنين ولم يكن له انثى (14)، وكان إمامته أربعاً وثلاثين سنة (15)،
ص: 156
وقبره ببقيع المدينة (1).
قال الذهبي: علي بن الحسين ابن الإمام علي بن أبى طالب.. السيد الإمام زين العابدين الهاشمي العلوي المدني.. (2)
ونُقل عن ابن تيمية- مع تعصبه وعناده- أنه قال: علي بن الحسين زين العابدين، وقرة عين الإسلام، لكثرة ما اشتهر عنه من عبادة وزهد وورع وتسامح وعلوّ أخلاق (3).
وقال الزهري: ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أحداً أفقه منه (4).
وقال: ما رأيت قريشاً أفضل من علي بن الحسين (5).
وروى أن رجلًا قال لابن المسيب: ما رأيت أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا، قال: ما رأيت أورع منه (6).
وروى إبن سعد عن عبد اللَّه بن أبي سليمان قال: كان علي بن الحسين.. إذا قام
ص: 157
إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له ما لك؟ فقال: ماتدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟! (1)
وروى المفيد عن زرارة بن أعين قال: سمع سائل في جوف الليل وهو يقول:
أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة، فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه: ذاك عليّ بن الحسين عليه السلام (2).
وذكر الذهبي عن مالك: أحرم علي بن الحسين، فلما أراد ان يلبّي قالها، فأغمي عليه، وسقط من ناقته فهشم.. وكان يسمى زين العابدين لعبادته (3).
وعن سفيان بن عيينة: حجّ عليّ بن الحسين بن أبي طالب، فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبّي، فقيل: ما لك لا تلبّي؟ قال: «أخشى أن أقول لبيك، فيقول لي: لا لبّيك،..» فلمّا لبّى غشى عليه وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجّه (4).
ثمّ أن الإمام عليه السلام مات شهيداً، سمّه الوليد بن عبد الملك بن مروان (5)، وتوفي عليه السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين للهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة، ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام (6).
ص: 158
وقد أخبروا بموضع دفنه قبل ذلك بسنين، حيث إنّه جاء في الخبر: «يدفن في أرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع» (1).
ذكر ابن سعد وسبط ابن الجوزى: انه توفي سنة أربع وتسعين، وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء (2)، لكثرة من مات منهم فيها (3)، وكان عليّ سيد الفقهاء، مات أولها (4).
وروى عن حسين بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، قال: مات أبي، علي بن حسين سنة أربع وتسعين، وصلينا عليه بالبقيع (5).
وجاء في الخبر أيضا: «ثمّ يكون القائم من بعده (6) ابنه علي سيد العابدين، وسراج المؤمنين، يموت موتاً، يدفن بالبقيع من أرض طيبة» (7).
هو الإمام محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب، باقر علم الدين، وعلم الأولين والآخرين (8)، وإمام المتقين، كنيته أبوجعفر، خامس الأئمة عند الشيعة الإمامية، وحجة اللَّه في أرضه، ولد بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة، وأمه أم
ص: 159
عبد اللَّه (1) فاطمة (2) بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، فهو أول هاشمي ولد من هاشميين علوي من علويين (3)، أي: أنه أول من جمع ولادة الحسن والحسين (4)، لقبه باقر العلم والشاكر والهادي (5)، وكان واسع العلم، وافر الحلم (6)، وقبض بالمدينة في ذي الحجة ويقال: في شهر ربيع الأول ويقال: في شهر ربيع الآخر- والأول أشهر- (7)، سنة أربع عشرة ومائة، وكان سنه يومئذ سبعاً وخمسين سنة، وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلى الله عليه و آله (8).
وفي الخبر: «ثمّ يكون الإمام القائم بعده (9) المحمود فعاله محمد، باقر العلم ومعدنه وناشره ومفسره، يموت موتاً، يدفن بالبقيع من أرض طيبة» (10).
ص: 160
قال الذهبي: هو السيد الإمام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي العلوي الفاطمي المدني.. وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلًا للخلافة، وهو أحد الأئمة الأثنى عشر الذين تبجّلهم الشيعة الأمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين.. وشهر أبو جعفر بالباقر من بقر العلم أي شقّه، فعرف أصله وخفيّه.. (1)
قال قطب الدين الراوندي: وأما محمد بن علي عليهما السلام، فلم يظهر من أحد بعد آبائه عليهم السلام من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون العلم ما ظهر منه، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء الفقهاء، وصار في الفضل علماً يضرب به الأمثال (2).
قال الزبيدي: وإنّما لقب به لتبحره في العلم وتوسعه، وفي اللسان: لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه (3).
ثمّ قال: قلت: وقد ورد في بعض الآثار عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري: أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال له: «يوشك أن تبقي حتى تلقى ولداً لي من الحسين، يقال له محمد، يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فاقرئه مني السلام»، خرجه أئمة النسب (4).
قال ابن حجر: وسمي بالباقر لأنه تبقر في العلم، أي توسع فيه (5).
وروى الشيخ المفيد عن جابر قال: قلت لأبي جعفر بن علي الباقر عليهما السلام: حدّثتني بحديث فأسنده لي، فقال: «حدّثني أبي، عن جدّي، عن
ص: 161
رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، عن جبرئيل عليه السلام، عن اللَّه عزوجل، وكلّ ما أحدّثك بهذا الإسناد» (1)، وروى نحوه الراوندي بتفاوت يسير (2).
وعن مسند أبى حنيفة، قال الراوي: ما سألت جابر الجعفي قطّ مسألة إلا أتى فيها بحديث، وكان جابر الجعفي إذا روى عنه قال: حدثني وصيّ الأوصياء ووارث علم الأنبياء (3).
وعن أبي نعيم في الحلية (انه عليه السلام) الحاضر الذاكر الخاشع الصابر (4).
وقالوا: لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهما السلام من العلوم ما ظهر منه من التفسير والكلام والفتيا والأحكام والحلال والحرام، قال محمد بن مسلم:
سألته عن ثلاثين ألف حديث، وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، فمن الصحابة نحو جابر بن عبداللَّه الأنصاري، ومن التابعين نحو جابر بن يزيد الجعفي وكيسان السختاني صاحب الصوفية، ومن الفقهاء نحو ابن المبارك والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك والشافعي وزياد ابن المنذر النهدي (5).
وعن حلية الأولياء: قال عبد اللَّه بن عطاء المكي: ما رأينا العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر عليه السلام يعني الباقر، ولقد رأيت الحكم بن عينية مع جلالته وسنّه عنده كأنّه صبّي بين يدي معلم يتعلّم منه (6).
وعن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «إنك ستدرك رجلًا منّي
ص: 162
اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقراً..» (1).
وقال ابن عنبة في شأنه: وافر الحلم، وجلالة قدره أشهر من أن ينبه عليها (2).
روى الشيخ الكليني باسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول:
«إنّ رجلًا كان على أميال من المدينة، فرأى في منامه فقيل له: انطلق! فصلّ على أبي جعفر عليه السلام، فإنّ الملائكة تغسّله في البقيع، فجاء الرجل فوجد أباجعفر قد توفّي عليه السلام» (3).
قبض عليه السلام في سنة أربع عشرة ومائة.. وقبره بالبقيع من مدينة الرسول عليه وآله السلام (4).
ومات الامام عليه السلام مسموماً شهيداً كأبيه (5)، قال أبو جعفر ابن بابويه: سمّه إبراهيم بن الوليد بن يزيد (6).
وفي الكافي: انه دفن عليه السلام في القبر الذي دفن فيه أبوه علي بن الحسين عليه السلام (7).
4- الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام (8)
هو الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الصادق،
ص: 163
الإمام، العادل، الصابر والفاضل والطاهر (1)، كنيته أبو عبد اللَّه، ولد بالمدينة يوم الإثنين سابع عشر من الربيع الأول (2) سنة ثلاث وثمانين من الهجرة، وقبض بالمدينة في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة، وله يومئذ خمس وستون سنة، وأمه أم فروة فاطمة (3) بنت القاسم بن محمد النجيب بن أبي بكر، وقبره بالبقيع (4) أيضاً مع أبيه وجده وعمه الحسن عليهم السلام أجمعين (5)، وقد جاء في الأخبار: أنهم انزلوا على جدتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضوان اللَّه عليها (6).
وجاء في الخبر: «يكون بعده (7) الإمام جعفر، وهو الصادق بالحكمة ناطق، مظهر كلّ معجزة، وسراج الأمة، يموت موتاً بأرض طيبة، موضع قبره بالبقيع» (8).
نعم، إنه حجّة اللَّه في أرضه، ومهما قيل في شأنه يبقى اللسان قاصراً عن الإحاطة بكلّ أبعاد شخصيّته، ولنعم ما قال ابن داود الحلّي: «جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن أبي طالب عليه السلام... الإمام أبو عبد اللَّه الصادق عليه السلام، لا تتّسع
ص: 164
الصحف ذكر مناقبه، وعلوّ مناقبه، فالأدب يقتضي الوقوف دونها» (1).
إلّا أنّه لا بأس بذكر أقوال بعض العلماء، خاصّة مع اختلاف نهج بعضهم، وإقرارهم بالواقع:
قال زيد بن عليّ بن الحسين (استشهد سنة 120): «في كلّ زمان رجل منّا أهل البيت، يحتجّ اللَّه به على خلقه، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمّد، لا يضلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه» (2).
وقال ابن أبي ليلى (م 148)- حينما قال له نوح بن درّاج: أكنتَ تاركاً قولًا قلتَه، أو قضاءاً قضيتَه لقول أحد؟! قال-: «لا، إلّارجل واحد، قلت: من هو؟
قال: جعفر بن محمد» (3).
وقال أبو حنيفة (م 150): «ما رأيتُ أحداً أفقه من جعفر بن محمّد عليه السلام» (4).
روى الذهبي عن حسن بن زياد قال: سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت؟ قال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ، فقال: يا أبا حنيفة، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيىّ ء له من مسائلك
ص: 165
الصعاب، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني (1) لأبي جعفر، فسلّمت وأذن لي فجلست، ثم التفت إلى جعفر فقال: يا أبا عبداللَّه، تعرف هذا؟ قال: نعم، هذا أبو حنيفة، ثم اتبعها: قد أتانا، ثمّ قال: يا أبا حنيفة، هات من مسائلك نسأل أبا عبداللَّه، فابتدأت أسأله، فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا، وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة، ثم قال أبو حنيفة: أ ليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس (2).
وروي عنه أنّه قال: «لولا السَنَتانِ لهلك النعمان» (3).
وقال سفيان الثوري (م 161) في حقّه: «اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته» (4).
وقال مالك بن أنس (م 179): «ما رأت عين، ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادةً وورعاً» (5).
وقال: «اختلفتُ إليه زماناً فما كنتُ أراه إلّاعلى ثلاث خصال: إمّا مصلٍّ، وإمّا صائم، وإمّا يقرأ القرآن، وما رأيته يحدّث إلّاعلى طهارة» (6).
ص: 166
وعن جابر بن حيّان (1) (م 200 (2)): «وحقّ سيّدي لولا أنّ هذه الكتب باسم سيّدي صلوات اللَّه عليه لما وصلت إلى حرف من ذلك إلى الأبد» (3).
وقال عمرو بن أبي المقدام: «كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين» (4).
وأمّا محمّد بن إدريس الشافعي (5) (م 204) فقد قال إسحاق بن راهويه:
قلت للشافعي: كيف جعفر بن محمّد عندك؟ فقال: ثقة. في مناظرة جرت بينهما (6).
وأمّا أبو حاتم الرازي (م 277) فقد روى ابن أبي حاتم عن أبيه: «جعفر بن محمّد ثقة لا يسأل عن مثله» (7).
ص: 167
وقال الجاحظ (م 250 أو 255): «جعفر بن محمد الذي ملأ الدنياعلمه وفقهه» (1).
وأمّا أبو زرعة (م 264 أو 281 (2)) فقد قال عبد الرحمن: «سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر عن أبيه، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه، والعلاء عن أبيه، أيّما أصحّ؟ قال: لا يقرن جعفر إلى هؤلاء، يريد جعفر أرفع من هؤلاء في كلّ معنى» (3).
وقال ابن الواضح الكاتب العبّاسي المعروف باليعقوبي (المتوفّى بعد سنة 292): «.. أبو عبد اللَّه جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب.. وكان أفضل الناس وأعلمهم بدين اللَّه، وكان من أهل العلم الّذين سمعوا منه، إذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالم» (4).
وقال أبو حاتم محمد بن حبان (م 354): «جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب رضوان اللَّه عليهم، كنيته أبو عبد اللَّه، يروي عن أبيه، وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلًا..» (5).
وقال ابن عدي (م 365): «ولجعفر أحاديث ونسخ، وهو من ثقات الناس، كما قال يحيى بن معين» (6).
وعن الحاكم النيسابوري (م 405): «وأصحّ طريق يروى في الدنيا أسانيد
ص: 168
أهل البيت عليهم السلام جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ، إذا كان الراوي عن جعفر ثقة» (1).
وعن عبداللَّه بن أسعد بن عليّ اليافعي اليماني نزيل الحرمين الشريفين في تاريخه: «كان جعفرالصادق رضى الله عنه واسع العلم، وافر الحلم، و له من الفضائل والمآثر مالا يُحصى» (2).
وقال أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري (م 412): «جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة» (3).
وقال الشيخ المفيد (م 413): وكان له عليه السلام من الدلائل الواضحة في إمامته ما بهرت القلوب، وأخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات (4).
وقال أبو نعيم الإصفهاني (م 430): «.. الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد اللَّه جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى عن الرئاسة والجموع!» (5).
وعن حلية أبي نعيم: ان جعفر الصادق حدّث عنه من الأئمة والأعلام: مالك ابن انس وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وابن جريح وعبداللَّه بن عمرو وروح ابن القاسم وسفيان بن عيينة وسليمان بن بلال واسماعيل بن جعفر وحاتم بن
ص: 169
اسماعيل وعبد العزيز بن المختار ووهب بن خالد وإبراهيم بن طهمان في آخرين، قال: واخرج عنه مسلم في صحيحه محتجاً بحديثه، وقال غيره: وروى عنه: مالك والشافعي والحسن بن صالح، وأبو أيوب السجستاني وعمرو بن دينار واحمد بن حنبل (1).
وقال المقدسي المعروف بابن القيسراني الشيباني (م 507): «جعفر بن محمّد الصادق.. كان من سادات أهل البيت» (2).
وقال الشهرستاني (م 548): «.. جعفر بن محمّد الصادق. هو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تامّ عن الشهوات» (3).
وقال السمعاني (م 562): «الصادق.. هذه اللفظة لقب لجعفر الصادق، لصدقه في مقاله» (4).
وقال ابن شهرآشوب (م 588): «ينقل عنه من العلوم ما لا ينقل عن أحد، وقد جمع اصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات، وكانوا أربعة آلاف رجل، (بيان ذلك): أن ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لأبي عبداللَّه عليه السلام عددهم فيه» (5).
وقال ابن الجوزي (م 597): «جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب، أبو عبد اللَّه، جعفر الصادق.. كان عالماً زاهداً عابداً» (6).
ص: 170
وقال كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي (م 652): «هو من عظماء أهل البيت وساداتهم عليهم السلام، ذو علوم جمّة، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبّع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر بالآخرة، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا، والاقتداء بهداه يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذرّية الرسالة، نقل عنه الحديث، واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم، مثل يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريح، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيّوب السجستاني، وغيرهم رضي اللَّه عنهم، وعدّوا أخذهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها، وفضيلةً اكتسبوها. وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدد الحاصر، ويحار في أنواعها فهمُ اليقظ الباصر، حتّى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تُضاف إليه، وتروى عنه، وقد قيل: إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه السلام، وإنّ في هذه لمنقبة سنيّة، ودرجة في مقام الفضائل عليه، وهذه نبذة يسيرة ممّا نقل عنه» (1).
وقال ابن خلّكان (م 681): «أبو عبد اللَّه جعفر الصادق، ابن محمّد الباقر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليهم أجمعين، أحد الأئمّة الاثني عشر على مذهب الإماميّة، كان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر، وله كلام في صناعة الكلام والزجر والفأل،
ص: 171
وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي قد ألّف كتابا يشتمل على ألف ورقة يشير فيه إلى رسائل أبي جعفر الصادق، وهي خمسمائة رسالة» (1).
وقال الذهبي (م 748): «جعفر بن محمّد، ابن عليّ، بن الشهيد أبي عبد اللَّه ريحانة النبيّ صلى الله عليه و آله وسبطه ومحبوبه الحسين بن أمير المؤمنين، أبي الحسن عليّ بن أبي طالب.. الإمام الصادق، شيخ بني هاشم، أبو عبد اللَّه، القرشي، الهاشميّ، العلويّ، النبويّ، أحد الأعلام (2)، شيخ المدينة (3)، كان كبير الشأن» (4).
وقال: «جعفر الصادق.. كبير الشأن، من أئمّة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور (5)!» (6).
وقال: «جعفر الصادق.. الإمام العلم، أبو عبد اللَّه الهاشمي العلوي الحسيني المدني .. ومناقب جعفركثيرة، و كان يصلح للخلافة، لسؤدده و فضله و علمه وشرفه ..» (7).
وقال: «جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين الهاشمي أبو عبد اللَّه، أحد الأئمّة الأعلام، برٌّ، صادق، كبير الشأن» (8).
وقال: «جعفر بن محمّد بن علي، ابن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب،
ص: 172
الهاشمي، الإمام، أبو عبد اللَّه العلوي، المدني، الصادق. أحد السادة الأعلام» (1).
وقال السيّد تاج الدين ابن محمّد بن حمزة بن زهرة الحسيني نقيب حلب (كان حيّاً سنة 753):.. «وأمّا جدّهم الصادق عليه السلام فهو أبو عبد اللَّه، الإمام المعظّم جعفر، صاحب الخارقات الظاهرة، والآيات الباهرة، المخبر بالمغيّبات الكائنة..» (2).
وقال صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي (م 764): «جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب رضي اللَّه عنهم، هو المعروف بالصادق، الإمام العَلَم المدنيّ... وله مناقب كثيرة، وكان أهلًا للخلافة، لسؤدده وعلمه وشرفه.. لقّب بالصادق لصدقه في مقاله» (3).
وقال اليافعي (م 768): «الإمام الجليل، سلالة النبوّة، ومعدن الفتوّة، أبو عبد اللَّه جعفر بن محمّد بن أبي جعفر محمّد الباقر بن زين العابدين عليّ بن الحسين الهاشميّ العلويّ.. وأكرم بذلك وما جمع من الأشراف الكرام أولي المناقب، وإنّما لُقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة، يتضمّن رسائله، وهي خمسمائة رسالة» (4).
وقال محمّد خواجة پارسا البخاري (م 822): «اتّفقوا على جلالة الصادق عليه السلام وسيادته».
وقال ابن عنبة (م 828): «جعفر الصادق عليه السلام له عمود الشرف، ومناقبه متواترة بين الأنام، مشهورة بين الخاصّ والعامّ، وقصده المنصور الدوانيقي
ص: 173
بالقتل مراراً..» (1).
وقال ابن صبّاغ المالكي (م 855): «.. وهو الإمام السادس.. كان جعفر الصادق عليه السلام من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم بالإمامة من بعده، برز على جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً، وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الرُّكبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه في الحديث.. أمّا مناقبه فتكاد تفوت من عدّ الحاسب، ويحير في أنواعها فهم اليقظ الكاتب» (2).
وقال البسطامي (م 858): «جعفر بن محمّد، ازدحم على بابه العلماء، واقتبس من مشكاة أنواره الأصفياء، وكان يتكلّم بغوامض الأسرار وعلوم الحقيقة وهو ابن سبع سنين» (3).
وقال ابن التغري (م 874): وفيها (سنة 148) توفّي جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنهم، الإمام السيّد أبو عبد اللَّه، الهاشميّ، العلويّ، الحسينيّ، المدنيّ، يقال: مولده سنة ثمانين من الهجرة، وهو من الطبقة الخامسة من تابعي أهل المدينة، وكان يلقّب بالصابر، والفاضل، والطاهر. وأشهر ألقابه الصادق..» (4).
وقال محمّد سراج الدين الرفاعي المخزومي الواسطي (م 885): «.. وكانت مدّة إمامته أربعاً وثلاثين سنة، وقد نقل الناس عنه على اختلاف مذاهبهم
ص: 174
ودياناتهم من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، وقد جمع أسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف رجل.. استشهد وليّ اللَّه الصادق ومضى إلى رضوان اللَّه تعالى وكرامته، توفّى يوم الاثنين النصف من رجب، ويقال: توفي في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة، ودفن بالبقيع مع أبيه وجدّه.. وقيل:
قتله المنصور الدوانيقي بالسمّ» (1).
وقال السخاوي (م 902): «جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، الإمام العَلَم أبو عبد اللَّه، الهاشمي، العلوي، الحسيني، المدني، سبط القاسم بن محمد بن أبي بكر.. وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلًا وجوداً، يصلح للخلافة لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه، ومناقبه كثيرة تحتمل كراريس..» (2).
وقال الجزري (م 923): «جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد اللَّه الصادق المدنيّ، أحد الأعلام، حدّث عن أبيه وجدّه وأبي أمّه القاسم بن محمّد وعروة، وعنه خلق لا يُحصون، فمنهم إبنا موسى وشعبة والسفيانان..» (3).
وقال ابن الحجر الهيثمي (م 974): «جعفر الصادق.. نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروي عنه الأئمّة الأكابر» (4).
ص: 175
وقال علي القاري (م 1014): «جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب، الهاشمي، المدني، المعروف بالصادق، أمّه أم فروة بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر.. متّفق على إمامته وجلالته» (1).
وقال أحمد بن يوسف القرماني (م 1019): «كان- أي الإمام الصادق عليه السلام- بين إخوته خليفة أبيه ووصيّه، نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره، كان رأساً في الحديث» (2).
وقال المناوي (م 1031): «وكانت له كرامات كثيرة، ومكاشفات شهيرة..» (3).
وقال شهاب الدين الخفاجي (م 1069): «.. اتّفقوا على إمامته، وجلالته، وسيادته..» (4).
وقال ابن عماد الحنبلي (م 1089): «.. الإمام، سلالة النبوّة، أبو عبد اللَّه جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين، الهاشمي العلوي..
وكان سيّد بني هاشم في زمنه، عاش ثمانياً وستّين سنة وأشهراً.. وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً في ألف ورقة يتضمّن رسائله، وهي خمسمائة رسالة» (5).
وقال الشبراوي (م 1172): «السادس من الأئمّة جعفر الصادق، ذوالمناقب الكثيرة، والفضائل الشهيرة، روى عنه الحديث أئمّة كثيرون.. وغرر فضائله
ص: 176
وشرفه على جبهات الأيّام كامله، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهله..» (1).
وقال السيّد عبّاس المكّي (م 1180): «الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أحد الأئمّة الاثني عشر، كان من سادات أهل البيت، لقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من نار على علم، كيف لا وهو ابن سيّد الأمم» (2).
وقال الصبان (م 1206): «وأمّا جعفر الصادق فكان إماماً نبيلًا.. وكان مجاب الدعوة، إذا سأل اللَّه شيئاً لا يتمّ قوله إلّاوهو بين يديه» (3).
وقال محمّد أمين السويدي (م 1246): «جعفر الصادق كان من بين أخوته خليفة أبيه، ووصيّه، نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره، وكان إماماً في الحديث.. ومناقبه كثيرة» (4).
وقال الشيخ مصطفى رشدي بن الشيخ إسماعيل الدمشقي المتوفّى بعد 1309:
«الإمام جعفر الصادق عليه السلام كان فارس ميدان العلوم، غوّاص بَحْرَي المنطوق والمفهوم، نقل عنه أكثر الناس على اختلاف مذاهبهم من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في سائر الأقطار والبلدان، وقد جمع أسماء من يروي عنه فكانوا أربعة آلاف رجل» (5).
وقال الشيخ الأزهري محمّد أبو زهرة: «ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم في أمر كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق وعلمه» (6).
ص: 177
وجاء في الموسوعة العربيّة المعاصرة- لمجموعة من العلماء والباحثين العرب-: «جعفر الصادق (699- 765) سادس أئمّة الشيعة الإماميّة، ولد بالمدينة، وعاش زمناً طويلًا في العراق، عاصر الدولة الأمويّة والعبّاسيّة، ولكنّه سلم من اضطهادهما! (1).. كان عالماً حكيماً زاهداً متبحّراً في علوم الدين.. وكان أستاذاً لجابر ابن حيّان» (2).
وقال سعد القاضي: «الإمام جعفر الصادق رضى الله عنه، إنّه واحد من عظماء الرجال، وعظماء الرجال كالشموع تحترق لتضي ء الطريق للبشريّة في صراعاتها مع الحياة، لتحدّد معالم الطريق للمسترشدين، إنّه واحد من الذين قدّموا لأمّته عصارة أفكاره وخلاصة علمه، فكان كالنحلة التي تمتصّ الأزهار المختلفة لتقدّم للناس العسل الذي فيه شفاء، إنّه الإمام الذي أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، إنّه الإمام الذي إذا نظرت إليه علمت أنّه من سلالة الأنبياء، إنّه الإمام المجاب الدعوة، فإذا سأل اللَّه شيئاً لا يتمّ قوله إلّاوهو بين يديه، إنّه الإمام الذي يطالب الناس أن يفكّروا ليعرفوا اللَّه، أن يعرفوا اللَّه بعقولهم ليستقرّ إيمانهم على أساس وطيد.. وأنشأ في الحياة الفكرية تيّاراً جديداً خصباً أعلى فيه العقل والنظر والتّأمّل والعلم.. لقد رحل إمام الشيعة وشيخ أهل السنّة بعد أن ترك ثروةً من الفقه والعلم والتأمّلات، وجمع المعارف كلّها، وعلوم الدنيا والدين، إنّه معلّم الفقهاء: الإمام جعفر الصادق» (3).
وقال: «وقالوا عن الإمام جعفر الصادق وعن مجلسه العلمي: حياة الرجال
ص: 178
لا تقاس بالسنين، ولكن تقاس بما قدّموه للبشريّة من خير ونفع.. ومن هذه الدروس الأوليّة في مجلس الإمام جعفر الصادق تعلّم الناس أن يسعوا لعمارة الدنيا بالعمل للرزق ومجانبة التواكل والبطانة» (1).
وكتب الباحث الأستاذ برهان البخاري الدمشقي: «إنّ أهمّ ما تميّز به القرن الثاني للهجرة هو نشوء المذاهب الفقهيّة، حيث ظهرت مجموعة من الفقهاء أبرزهم حسب تسلسل تاريخ الوفاة: جعفر الصادق (80- 148)، أبو حنيفة (80- 150)، الأوزاعي (88- 157)، الليث بن سعد (94- 179)، مالك (93- 179)، الشافعي (150- 204)، أحمد بن حنبل (164- 241)، لقد أسّس كلّ واحد من هؤلاء الفقهاء السبعة مذهباً خاصّاً به، واستمرّت هذه المذاهب حتّى يومنا هذا، عدا مذهبَي الأوزاعي والليث بن سعد، ومن بين هؤلاء الفقهاء السبعة برز الإمام الصادق عليه السلام علامة فارقة من حيث الترتيب الزمني، وتأثيره على الذين جاؤوا بعده، والأهمّ من ذلك تفرّده كسليل لآل بيت النبوّة وفقيههم المتميّز، وليس لهذا الحين أن يفي ولو بجزء بسيط من مناقب الصادق، فلقد وضعت فيه مؤلّفات عديدة، وشهد له العدوّ قبل الصديق، يكفي أنّ أبا جعفر المنصور الذي بطش بالطالبيّين بطشة لم يجاره بها أحد كان يجلّه ويهابه، ويحسب له ألف حساب (2). إنّ أهمّ ما تميّز به الصادق في نظري هو عمق النظرة وشموليّتها.. كانت غيرته على الدين واضحة، ووقوفه ضدّ الوضّاعين والغلاة معروفة، ومجابهته للتطرّف أثبتها أكثر من موقف.. ولا أدلّ على مكانة الصادق عند بقيّة المذاهب وعند السنّة بخاصّة من عدد المصادر التي ترجمت له أو أوردت طرفاً من أخباره والتي بلغت (64) أربعة وستّين مصدراً سنّياً حسب إحصاءاتنا، ولقد تلمذ على يديه عدد من
ص: 179
كبار العلماء، على رأسهم الإمامان أبو حنيفة ومالك، وتورد المصادر مدى إعجاب أبي حنيفة بالصادق..» (1).
وقال: «إنّ الصادق يمكن أن يشكّل أحد أهمّ نقاط الارتكاز بالنسبة لأيّ تقارب إسلامي- إسلامي، فمن الثّابت أنّه يشكّل نقطة التقاء لا خلاف عليها بالنسبة لجميع المذاهب والفِرَق التي نشأت بعد وفاته، أمّا فيما يخصّ مكانته الفقهيّة فيكفي القول أنّ الأحاديث المسندة إليه وحده حسب إحصاءاتنا تشكّل 64% من التراث الإمامي الاثني عشري.. وإذا كنّا أوجدنا أسسا للحوار مع بقيّة الديانات أفلا نستطيع أن نوجد أسساً لحوار جادّ وفعّال بين المذاهب داخل الدين الواحد؟
أم أنّ هذا الأمر ما زال ضمن حدود منطقة التابو؟!» (2) (3).
والامام الصادق عليه السلام أيضاً مات مسموماً (4) شهيداً، كسائر الأئمة عليهم السلام، ذكر ابن شهراشوب عن أبي جعفر القمي انه سمّه المنصور، ودفن- عليه السلام- بالبقيع. (5)
ورثاه أبو هريرة العجلي الذي عدّ في شعراء أهل البيت، فانه رثى مولانا الإمام الصادق عليه السلام لما حمل عليه السلام على سريره وأخرج إلى البقيع ليدفن بقوله:
أقول وقد راحوا به يحملونه على كاهل من حامليه وعاتق
أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق
غداة حثى الحاثون فوق ضريحه تراباً واولى كان فوق المفارق
ص: 180
أيا صادق ابن الصادقين الية (1) بآبائك الأطهار حلفة صادق
لحقا بكم ذوالعرش قسم في الورى فقال تعالى اللَّه ربّ المشارق
نجوم هي اثنا عشرة كن سبقاًإلى اللَّه في علم من اللَّه سابق (2)
قال السمعاني: والأمة كلها تزور قبره بالبقيع من المدينة (3).
ملاحظات:
ملاحظات نذكرها تتميماً للفائدة:
الأولى: هل دفنت فاطمة الزهراء عليها السلام في البقيع أم لا؟ ما هي الأقوال؟
اختلفت الأقوال والآراء حول موضع قبر سيدة نساء العالمين، الصديقة الشهيدة، فاطمة الزهراء، بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهي ناشئة عن وصيتها بالدّفن ليلًا، وذلك لأسباب معروفة؛ اذ هي المجهولة قبراً، والمدفونة سراً، والمغصوبة جهراً.
قال ابن أبي الحديد: إن دفنها ليلًا في الصحة أظهر من الشمس، وأن منكر ذلك كالدافع للمشاهدات، ولم يجعل دفنها ليلًا بمجرده هو الحجة ليقال: لقد دفن فلان وفلان ليلًا، بل يقع الإحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالتواتر (4).
وقال صاحب المدارك: إنّ سبب خفاء قبرها عليها السلام ما رواه المخالف والمؤالف من
ص: 181
أنها عليها السلام أوصت إلى أمير المؤمنين عليه السلام أن يدفنها ليلًا، لئلا يصلي عليها من آذاها ومنعها ميراثها من أبيها صلوات اللَّه عليه، مع أنّ العامة رووا في صحاحهم عن النبي صلى الله عليه و آله قال: «إنّما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها، ويغضبني ما أغضبها (1)» (2).
إنّ المأساة أعظم من قضية مطالبتها بإرثها فحسب، وإن كانت هي جزء من ظلامتها، ولكن الأعظم هو موقفها الرسالي للدفاع عن أمر الولاية وإثبات ظلم ظالميها إلى أبد الدهر، كما يظهر ذلك في احتجاجها على مخالفيها، فتكون المسألة أكبر من مطالبتها بحقها الشخصي.
وكيف ماكان، فالأقوال في موضع دفنها عليها السلام ثلاثة:
روى ابن شبة اخباراً دالة على الدفن بالبقيع، منها ما رواه عن محمد بن علي ابن عمر: أنه كان يقول: قبر فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زاوية دار عقيل اليمانية الشارعة في البقيع (3).
وروى الطبري:.. سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ قال: دفناها ليلًا بعد هدأة، قلت: فمن صلّى عليها؟ قال: علي بن أبي طالب عليه السلام، قال ابن عمر: وسألت
ص: 182
عبد الرحمن بن أبي الموالي، قلت: إنّ الناس يقولون: إنّ قبر فاطمة عند المسجد الذي يصلون إليه على جنائزهم بالبقيع، فقال: واللَّه ما ذلك إلى مسجد رقية، يعني امرأة عمرته، وما دفنت فاطمة عليها السلام إلا في زاوية دار عقيل، مما يلي دار الجحشيين مستقبل خوخة بني نبيه من بني عبد الدار بالبقيع، وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع (1).
وعن عبد اللَّه بن حسن قال: وجدت المغيرة بن عبد الرحمن واقفاً ينتظرني بالبقيع نصف النهار في حرّ شديد، فقلت: ما يوقفك يا أبا هاشم هاهنا؟ قال:
انتظرتك، بلغني أن فاطمة دفنت في هذا البيت في (زاوية) دار عقيل مما يلي دار الجحشيين، فأحب أن تبتاعه لي بما بلغ أدفن فيها، فقال عبد اللَّه: واللَّه لأفعلنّه، قال: فجهد بالعقيليين، فأبوا. قال عبد اللَّه بن جعفر: وما رأيت أحداً يشك أنّ قبرها في ذلك الموضع (2).
وقال أبو علي محمد بن همام الكاتب الإسكافي: وتوفيت عليها السلام ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً، فدفنها بالبقيع ليلًا، وعفي قبرها، ولم يحضرها غير أمير المؤمنين والحسن والحسين والعباس بن عبد المطلب، ويقال: (دفنت) إلى جانب صدر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وخبر البقيع أصحّ وأثبت، فلمّا أصبح الناس قال بعضهم لبعض: يا قوم، تموت فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولا نحضرها؟ فخرج الناس إلى البقيع يطلبون قبرها، وأظهر اللَّه في الموضع سبعين قبراً، لم يدروا قبرها من القبور، فرجعوا (3).
قال الشيخ المفيد في المزار: تقف على قبرها بالبقيع، وهو القبر الذي فيه
ص: 183
ولدها الحسن عليه السلام، وتقول: السلام عليك يا ممتحنة.. (1).
وقال ابن ادريس: روي أنهامدفونة بالبقيع، ويعرف ببقيع الفرقد (2).
وقال المسعودي: وتولّى غسلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ودفنها ليلًا بالبقيع، وقيل غيره، ولم يؤذن بها أبوبكر، وكانت مهاجرة له منذ طالبته بإرثها من أبيها صلى الله عليه و آله من فدك وغيرها، وما كان بينهما من النزاع في ذلك، إلى أن ماتت. (3)
وفي رواية: لما دفنها أمير المؤمنين عليه السلام، وعفى على موضع قبرها بيده، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقال: «السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك، والبائنة في الثرى ببقيعك (4) ..» (5).
وقال الشبراوي: وتولّى غسلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى اللَّه عنه ودفنها ليلًا بالبقيع، وقيل غيره (6).
وعن المناقب: توفيت عليها السلام ليلة الأحد لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة، ومشهدها بالبقيع، وقالوا: انها دفنت في بيتها، وقالوا: قبرها بين قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومنبره (7).
وفي كشف الغمة: فغسلوها وكفّنوها وحنّطوها وصلّوا عليها ليلًا ودفنوها بالبقيع، وماتت بعد العصر.. (قال الأربلى) قلت: الظاهر المشهور مما نقله الناس
ص: 184
وارباب التواريخ والسير انها عليها السلام دفنت بالبقيع (1).
وقال ابن كثير: عاشت بعد النبي صلى الله عليه و آله ستة أشهر، ودفنت ليلًا، ويقال: إنها لم تضحك في مدة بقائها بعده عليه السلام، وأنها كانت تذوب من حزنها عليه وشوقها إليه..
ودفنت بالبقيع (2).
وفي عيون المعجزات: وروي أن فاطمة عليها السلام توفيت ولها ثماني عشرة سنة وشهران، وأقامت بعد النبي صلى الله عليه و آله خمسة وسبعين يوماً، وروي أربعين يوماً، وتولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين عليه السلام، وأخرجها ومعه الحسن والحسين عليهما السلام في الليل، وصلّوا عليها، ولم يعلم بها أحد، ودفنها في البقيع، وجدّد أربعين قبراً، فاشتكل على الناس قبرها، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا: إنّ نبيّنا صلى الله عليه و آله خلّف بنتاً ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها، ولا نعرف قبرها فنزورها.. (3).
وعن مصباح الأنوار عن أبي جعفر عليه السلام قال: دفن أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت محمد صلوات اللَّه عليه بالبقيع، ورشّ ماء حول تلك القبور لئلا يعرف القبر.. (4).
وعن المسعودي:.. وعلى قبورهم (5) في هذا الموضع من البقيع رخامة مكتوب عليها: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، الحمد للَّه مبيد الأمم، ومحيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سيدة نساء العالمين، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، رضي اللَّه عنهم. (6)
ص: 185
وفي اثبات الوصية: ودفن (اي الأمام الحسن المجتبى عليه السلام) بالبقيع، مع سيدة النساء أمّه فاطمة في قبر واحد (1).
وعن بعض كتب المناقب القديمة:.. فلما أرادوا ان يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع: إليّ اليّ، فقد رفع تربتها منّي، فنظروا فإذا هي بقبر محفور، فحملوا السرير إليها فدفنوها.. (2).
وروى ابن حمزة عن علي بن أسباط، قال: ذهبت إلى الرضا عليه السلام في يوم عرفة، فقال لي: اسرج لي حماري، فاسرجت له حماره، ثمّ خرج من المدينة إلى البقيع يزور فاطمة عليها السلام، فزار وزرت معه.. (3).
ويظهر من صاحب الحدائق اختيار ذلك، حيث إنه بعد ذكر هذا الخبر: «فلما قضت نحبها وهم في جوف الليل أخذ علي عليه السلام في جهازها من ساعته، واشعل النار في جريد النخل، ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلًا»، قال:..
ويفهم من هذين الخبرين أنّ قبرها عليها السلام ليس في البيت كما هو أحد الأقوال، بل ربما أشعرت بكونه في البقيع، كما قيل أيضاً (4).
ورجحه أيضاً البكري الدمياطي (5)، وأحمد بن عبد اللَّه الطبري (6) والسيد محمد بن علوي المالكي (7)».
قال المرندي: وفي مناقب ابن شهراشوب أن مضجع فاطمة في البقيع، يعني
ص: 186
بيت الأحزان (1).
هذا، ولكن لا يمكن الإعتماد على شي ء منها، ويأتي نفي هذا الإحتمال عن أهل البيت الذين هم أدرى بما في البيت، وأما ما روي عن الباقر عليه السلام فمبتلى بالإرسال، فلايتم الإحتجاج به.
قال الشيخ الطوسي: وأما من قال: إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب (2).
نجد بعض الأخبار تلمح أو تدل على دفنها عليها السلام بالروضة الشريفة، وإليك بعضها:
منها: ما روي في مرسلة ابن أبي عمير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة»، لأنّ قبرها روضة من رياض الجنة، وإليه ترعة من ترع الجنة» (3).
ومنها: ما رواه الطبري عن محمد بن همام أنّ عليّاً عليه السلام اخرجها عليها السلام إلى البقيع، وصلّى عليها، ودفنها بالروضة، وعمى موضع قبرها (4).
ويظهر من الشيخ الطوسي في المبسوط أنه مال إلى ذلك، حيث قال:
ويستحب أن يصلى ما بين القبر والمنبر ركعتين، فإنّ فيه روضة من رياض الجنة (5)، وقد روي: أنّ فاطمة عليها السلام مدفونة هناك، وقد روي: أنها مدفونة في بيتها،
ص: 187
وقد روي: أنها مدفونة بالبقيع، وهذا بعيد، والروايتان الأوليان أشبه وأقرب إلى الصواب، وينبغي أن يزور فاطمة عليها السلام من عند الروضة (1).
وقال أيضاً في المصباح: والذي عليه أكثر أصحابنا: أنّ زيارتها من عند الروضة، ومن زارها في هذه الثلاث المواضع كان أفضل (2).
وقال العلامة الحلي في الإرشاد: ويستحب زيارة النبي صلى الله عليه و آله مؤكداً، وزيارة فاطمة عليها السلام من الروضة (3). وبه قال السبزواري أيضاً (4).
ويظهر من يحيى بن سعيد الحلي أيضاً: اختيار موضع دفنها بالروضة (5).
هذا، ولكن الشهيد الثاني لم يرتض ذلك، وجعله أبعد الإحتمالات (6).
وقيل: إنّ في الأخبار أيضاً ما يدل بظاهره على أنّ مابين الروضة إلى البقيع من رياض الجنة (7)،
أقول: لم نعثر عليه، ومن المعلوم أنه متبرك بأقدام النبي وعترته عليهم السلام.
قال الصدوق رحمه الله: اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام، فمنهم من روى: أنها دفنت في البقيع، ومنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله إنّما قال: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض
ص: 188
الجنة»، لأنّ قبرها بين القبر والمنبر، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد، وهذا هو الصحيح عندي (1).
وقال الشيخ الطوسي رحمه الله: وقد اختلف اصحابنا في موضع قبرها، فقال بعضهم: إنها دفنت بالبقيع، وقال بعضهم: دفنت بالروضة، وقال بعضهم: إنها دفنت في بيتها، فلما زاد بنو امية لعنهم اللَّه في المسجد صارت من جملة المسجد، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين، والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعاً، فإنّه لايضره ذلك، ويحوز به أجراً عظيماً، وأما من قال إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب (2).
وقال ابن ادريس: .. وقد روي: أنها مدفونة في بيتها، وهو الأظهر في الروايات (3).
وقال صاحب المدارك: والأصح أنها دفنت في بيتها (4).
وقال السيد ابن طاووس: وتزار.. عند حجرة النبي عليه السلام لمن حضر هناك..
وقد ذكر جامع كتاب المسائل واجوبتها من الأئمة عليهم السلام فيها ماسئل عنه مولانا علي ابن محمد الهادي عليه السلام، فقال فيه ما هذا لفظه: أبوالحسن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إليه: إني رأيت أن تخبرني عن بيت أمّك فاطمة عليها السلام، أهي في طيبة (اي المدينة)، أو كما يقول الناس في البقيع؟ فكتب: «هي مع جدّي صلوات اللَّه عليه وآله» (5)، قلت أنا: وهذا النصّ كاف في أنها عليها السلام مع النبي صلى الله عليه و آله (6).
ص: 189
وقال: والظاهر أن ضريحها المقدس في بيتها المكمل بالآيات والمعجزات، لأنها أوصت أن تدفن ليلًا، ولا يصلي عليها من كانت مهاجرة لهم إلى حين الممات، وقد ذكر حديث دفنها وستره عن الصحابة البخاري ومسلم في ما شهدا أنه من صحيح الروايات، ولو كان قد أخرجت جنازتها الطاهرة إلى بقيع الغرقد أو بين الروضة والمنبر في المسجد ما كان يخفي آثار الحفر والعمارة عمن كان قد أراد كشف ذلك بأدنى اشارة، فاستمرار ستر حال ضريحها الكريم يدل على أنها ما أخرجت من بيتها أو حجرة والدها الرؤوف الرحيم، ويقتضي أن يكون دفنها في البيت الموصوف بالتعظيم.. وقد فضح اللَّه جل جلاله بدفنها ليلًا على وجه المساترة عيوب من أحوجها إلى ذلك الغضب الموافق لغضب جبار الجبابرة، وغضب أبيها صلوات اللَّه عليه صاحب المقامات الباهرة، إذ كان سخطها سخطه ورضاها رضاه، وقد نقل العلماء: أنّ أباها عليه السلام قال: «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها»..
ولقد انقطعت اعذار المتعذرين وحيلة المحتالين بدفنها ليلًا، ودعواهم أنّ أهل بيت النبي صلوات اللَّه عليه وعلى عترته الطاهرين كانوا موافقين لمن تقدم عليهم من المتقدمين.. (1).
وروى الحميرى عن البزنطي قال: سألت الرضا عليه السلام عن فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ايّ مكان دفنت؟ فقال: سأل رجل جعفراً عن هذه المسألة وعيسى ابن موسى حاضر، فقال له عيسى: دفنت في البقيع! فقال الرجل: ما تقول؟ فقال:
قد قال لك! فقلت له: أصلحك اللَّه، ما أنا وعيسى بن موسى؟ أخبرني عن آبائك، فقال: «دفنت في بيتها» (2).
ص: 190
وروى مضمونه الصدوق في العيون بعدة طرق عن البزنطي عنه عليه السلام (1)، وإليه مال في المعاني (2).
أقول: الظاهر أن المراد من عيسى بن موسى هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن العباس، الذي كان ولي العهد، ثمّ تحيل عليه المنصور فأخّره (3).
وعن السمهودي في وفاء الوفا عن جعفر الصادق عن ابيه عليهما السلام: «ان علياً دفن فاطمة عليها السلام ليلًا في منزلها الذي دخل في المسجد، فقبرها عند باب المسجد، المواجه دار أسماء بنت حسين بن عبد اللَّه (في وقته)، وهو الباب الذي كان في شامي باب النساء في المشرق (4).
وروى ابن شبة عدة روايات تدل على كون موضع قبرها في بيتها (5).
وقال السيد محسن الأمين: واختلف في موضع دفنها، فقيل دفنت في بيتها، وهو الأصح الذي يقتضيه الإعتبار (6).
وذكر الشيخ الميرزا أبوالحسن الشعراني وجهاً عقلياً في توجيه ذلك، حيث
ص: 191
قال: قوله «دفنت في بيتها» هو الأظهر في العقل أيضاً، لأنّ الدفن في البيت كان معهوداً متداولًا،.. وكان دفنها في بيتها صلوات اللَّه عليها أوفق بهذا الغرض، وأما الدفن في الروضة وهو من المسجد فغير معقول في ذلك العصر وبعده، وأما البقيع فلم يكن حاجة إليه، ولم يكن يوافق غرض الإخفاء، ولم يرد إلا في بعض روايات ضعيفة لا اعتماد عليها (1).
الحاصل: أن بعض العلماء لم يرجح أحد الأقوال الثلاثة (2)، وقال باستحباب زيارتها في المواضع الثلاثة، ومنهم ابن حمزة الطوسي (3)، والشهيد الأول (4)، وابن طي الفقعاني (5)، والمحقق الكركي (6)، والنراقي (7)، وصاحب الجواهر (8)، والطبسي (9).
وبعضهم نفى القول بدفنها بالبقيع، وقال باستحباب زيارتها في الموضعين، أي الروضة والبيت، كالشيخ الطوسي في التهذيب (10)، و استبعد ذلك أيضاً الشيخ الطوسي
ص: 192
في النهاية والمبسوط، والعلامة الحلي في التحرير والمنتهى، وابن ادريس وسعيد (1).
وقال الطبرسي: والأصح والأقرب أنها مدفونة في الروضة أو في بيتها، فمن استعمل الاحتياط إذا أراد زيارتها وزارها في المواضع الثلاثة كان أولى وأصوب، واللَّه أعلم (2)، وقال نحوه في اعلام الورى أيضاً (3).
ويظهر من بعضهم القول بدفنها بالبقيع، كالإسكافي (4) والمفيد (5).
وبعضهم مال إلى دفنها بالروضة الشريفة، كالشيخ الطوسي (6)، ونسبها إلى أكثر الأصحاب (7) والمحقق (8) الحلي (9)، والعلامة الحلي في الإرشاد (10)، ويحيى ابن سعيد (11)، وابن فهد الحلي (12)، والسبزواري (13)، بينما استبعد الشهيد الثاني ذلك،
ص: 193
وجعله أبعد الإحتمالات (1)، ووافقه الطبسي (2).
وبعضهم قال أو رجح القول بدفنها في بيتها، كالكليني (3)، والشيخ الصدوق (4)، وابن ادريس (5)، والمحقق الأردبيلي (6)، وصاحب المدارك (7)، والمحدث البحراني (8)، وصاحب الرياض (9)، والسيد الأمين (10)، والسيد الحكيم (11)، وهو المختار.
ومع ذلك، فإستتار قبرها علامة مظلوميتها، وأصبحت وسيلة لإثارة العقول، ولعله يستمر ذلك إلى يوم القيامة.
ولنختم القول بما أنشده الشيخ كاظم الأزري:
ولأيّ الأمور تدفن سرّا بضعة المصطفى ويعفى ثراها (12)
ص: 194
روى ابن عساكر عن شريك أنّ الحسن بن علي حمله بعد صلح معاوية والحسن، فدفنه بالمدينة، ويقال: حمله فدفنه بالثوبة، ويقال: دفن بالبقيع مع فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (1).
و روى الخطيب البغدادي مضمونه عن الفضل بن دكين (2).
أقول: هذا قول شاذ لا يعتنى به، والمشهور البالغ حد التواتر أن موضع قبره الشريف هو بالغري في النجف الأشرف، كما زاره أحفاده مثل الإمام جعفر الصادق عليه السلام في ذلك المكان، وأهل البيت أدرى بما في البيت، وقد أفرد السيد أبو المظفر غياث الدين عبد الكريم بن أبي الفضائل أحمد بن موسى بن طاووس الحلي المتوفى سنة 692 رسالة مستقلة باسم «فرحة الغري بصرحة الغري» (3) في ذلك، وقد أصبح مزاره وضريحه الشريف رمزاً للتضحية والجهاد، على مدى العصور والأزمان، وذلك «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» (4)
قال ابن سعد: قالوا: وكان عمروبن سعيد من رجال قريش، وكان يزيدبن معاوية قد ولاه المدينة، فقتل الحسين وهو على المدينة، فبعث إليه برأس الحسين، فكفنه
ص: 195
ودفنه بالبقيع إلى جنب قبر أمه فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم (1).
وحكي عن صاحب المناقب انه قال: وذكر الإمام أبو العلاء الحافظ بإسناده عن مشايخه أنّ يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين عليه السلام بعث (به) إلى المدينة، فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم، وضمّ إليهم عدة من موالي أبي سفيان، ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من أهله معهم وجهّزهم بكلّ شى ء، ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها، وبعث برأس الحسين عليه السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاص، وهو إذ ذاك عامله على المدينة، فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به الّي، ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها السلام (2).
هذا هو أحد الأقوال في المسألة، وهناك أقوال أخر وهي: الدفن في الشام، مصر، أو النجف، أو أنه أُلحق بجسده الشريف بكربلاء، كما هو المشهور. (3) قال العلامة المجلسى رحمه الله:.. والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده، ردّه علي بن الحسين عليهما السلام، وقد وردت أخبار كثيرة في انه مدفون عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام (4).
أقول: المشهور والمعول عليه هو إلحاق الرأس الشريف بالجسد الطاهر بكربلاء المقدسة، كما قاله السيد المرتضى وغيره (5)، وهو المختار، ولقد قمنا بتحقيقه
ص: 196
في كتاب «الأيام الشامية» (1)، فراجع.
قال الرضا عليه السلام: «إنّ لكلّ إمام عهداً في أعناق شيعته وأوليائه، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كانوا شفعاءه يوم القيامة» (2).
وقيل للصادق عليه السلام: ما حكم من زار أحدكم؟ قال: «يكون كمن زار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» (3).
وعن الصادق عليه السلام: «من زار إماماً مفترض الطاعة كان له ثواب حجة مبرورة» (4).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «أتمّوا برسول اللَّه صلى الله عليه و آله حجكم إذا خرجتم إلى بيت اللَّه، فإنّ تركه جفاء، وبذلك أمرتم، وأتموا بالقبور التي ألزمكم اللَّه عزوجلّ زيارتها وحقها، واطلبوا الرزق عندها» (5).
وروي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام أنه قال: «من زار جعفراً وأباه لم يشتك عينه، ولم يصبه سقم، ولم يمت مبتلى (6)».
ص: 197
وعن الصادق عليه السلام: «من زار إماماً من الأئمة وصلى عنده أربع ركعات كتبت له حجة وعمرة» (1).
وعن الباقر عليه السلام: «ابدؤا بمكة واختموا بنا» (2).
وعن الباقر عليه السلام: «إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثمّ يأتونا فيخبرونا بولايتهم، ويعرضوا علينا نصرهم» (3).
وعن الصادق عليه السلام: «إذا حج أحدكم فليختم حجّه بزيارتنا، لأنّ ذلك من تمام الحج» (4).
روى المفيد عن الصادق عليه السلام، عن آبائه أنهم قالوا: بينا الحسن عليه السلام ذات يوم في حجر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذ رفع رأسه فقال: يا أبت، ما لمن زارك بعد موتك؟ قال: «يا بني، من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنة، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنة، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنة» (5).
وروي: أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال للحسن عليه السلام: «من زارك بعد موتك، أو زار أباك، أو زار أخاك، فله الجنة» (6).
وروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أنه قال للحسن عليه السلام: «من زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك حياً أو ميتاً، أو زار أخاك حياً أو ميتاً، أو زارك حياً أو ميتاً، كان حقّاً عليّ استنقذه يوم القيامة» (7).
ص: 198
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله: «من زار الحسن في بقيعه ثبت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام» (1).
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: «من زارني غُفِرَتْ له ذنوبه، ولم يمت فقيراً» (2).
وفي الخبر: «فمن بكاه لم تعم عيناه يوم تعمى الأعين، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ..» (3).
وروى البختري عن الصادق عن أبيه عليهما السلام: «أن الحسين بن علي عليهما السلام كان يزور قبر الحسن بن علي عليهما السلام في كلّ عشية جمعة» (4).
قال العلامة الحلي: وفي زيارتهم فضل كثير (5).
ص: 199
3. أن يصلي ثمان ركعات، لكلّ امام ركعتان (1).
قال الشيخ الصدوق: فإذا أتيت قبور الأئمة عليهم السلام بالبقيع فاجعلها بين يديك ثمّ قل:
«السلام عليكم يا أئمة الهدى، السلام عليكم يا أهل التقوى، السلام عليكم يا حجج اللَّه على أهل الدنيا، السلام عليكم أيها القوامون في البرية بالقسط، السلام عليكم يا أهل الصفوة، السلام عليكم يا أهل النجوى، أشهد أنكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات اللَّه عزوجل، وكذبتم وأسي ء لكم فغفرتم، وأشهد أنكم الأئمة الراشدون، وأنّ طاعتكم مفروضة، وأنّ قولكم الصدق، وأنكم دعوتم فلم تجابوا، وأمرتم فلم تطاعوا، وأنكم دعائم الدين، وأركان الأرض، لم تزالوا بعين اللَّه، ينسخكم في أصلاب المطهرين، وينقلكم في أرحام المطهرات، لم تدنّسكم الجاهلية الجهلاء، ولم تشرك فيكم فتن الأهواء، طبتم وطابت منبتكم، أنتم الذين منّ بكم علينا ديّان الدين، فجعلكم في بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلواتنا عليكم رحمة لنا، وكفارة لذنوبنا، إذا اختاركم لنا، وطيّب خلقنا بما منّ علينا من ولايتكم، وكنّا عنده بفضلكم معترفين، وبتصديقنا إياكم مقرّين، وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقرّ بما جنى، ورجا بمقامه الخلاص، وأن يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من النار، فكونوا لي شفعاء، فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا، واتخذوا آيات اللَّه هزوا، واستكبروا عنها، يا من هو قائم لا يلهو، ومحيط بكلّ شي ء، لك المنّ بما وفقتني وعرّفتني بما ائتمنتني عليه، إذ صدّ
ص: 200
عنه عبادك، وجهلوا معرفتهم، واستحقوا بحقهم، ومالوا إلى سواهم، فكانت المنة منك علي مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به، فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي مكتوباً، فلا تحرمني ما رجوت، ولا تخيبني في ما دعوت»، وادع لنفسك بما أحببت (1).
وذكر الشيخ المفيد زيارة مختصرة لهم، وقال: تغتسل وتقف على قبورهم، وتقول:
«السلام عليكم يا خزان علم اللَّه، وحفظة سره، وتراجمة وحيه، أتيتكم يا بني رسول اللَّه (زائراً) عارفاً بحقكم، مستبصراً بشأنكم، معادياً لأعدائكم، موالياً لأوليائكم، بأبي أنتم وأمي، صلى اللَّه على أجسادكم وأرواحكم ورحمة اللَّه وبركاته، اللهم إنّي أتولّى آخرهم كما توليت أولهم، وأبرأ إلى اللَّه من كلّ وليجة دونهم، آمنت باللَّه، وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى وكلّ ندّ يدعى من دون اللَّه، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل زيارتي لهم مقبولة، ودعائي بهم مستجاباً، يا أرحم الراحمين».
ثمّ انكبّ على القبور فقبّلها، وضع خدّك عليها، وتحوّل من مكانك، فصلّ ست ركعات، وإن جعلت زيارتك هذه للأئمة الأربعة فصلّ ثماني ركعات إن شاء اللَّه (2).
وذكر الشيخ المفيد زيارة مختصرة للإمام الحسن المجتبى عليه السلام، قال: تغتسل
ص: 201
لزيارته عليه السلام، وتلبس أطهر ثيابك، وتقف على قبره، وتقول:
«السلام عليك يا ابن رسول اللَّه، السلام عليك يا بقية المؤمنين، وابن أول المسلمين، أشهد أنك سبيل الهدى، وحليف التقوى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك يد الرحمة، وتربيت في حجر الإسلام، ورضعت من ثدي الإيمان، فطبت حياً وميتاً، صلى اللَّه عليك، أشهد أنك أديت صادقاً، ومضيت على يقين، لم تؤثر عمى على هدى، ولم تمل من حق إلى باطل، لعن اللَّه من ظلمك، ولعن اللَّه من خذلك، ولعن اللَّه من قتلك، أنا إلى اللَّه منهم براء».
ثم قبّل القبر، وضع خديك عليه، وتحوّل إلى عند الرأس، فقل:
«السلام عليك يا وصي أمير المؤمنين، أتيتك زائراً، عارفاً بحقك، موالياً لأوليائك، معادياً لأعدائك، فاشفع لي عند ربك»، وصلّ ركعين لزيارته (1).
فإذا أردت الإنصراف فقف على قبورهم وقل:
«السلام عليكم أئمة الهدى ورحمة اللَّه وبركاته، أستودعكم اللَّه، وأقرأ عليكم السلام، آمنّا باللَّه وبالرسول، وبما جئتم به، ودللتم عليه، اللهم فاكتبنا مع الشاهدين».
ثمّ ادع اللَّه كثيراً، واسأله أن لا يجعله آخر العهد من زيارتهم، إن شاء اللَّه (2).
وزاد ابن البراج والمشهدي: «اللهم لا تجعله آخر العهد مني لزيارتهم، وارزقنيها أبداً ما أحييتني، فإذا توفيتني فاحشرني معهم وفي زمرتهم، أستودعكم اللَّه وأقرأ عليكم السلام» (3).
ص: 202
وقال الشيخ المفيد في وداع زيارة الإمام الحسن عليه السلام: فإذا أردت الإنصراف فقف على القبر- كما وقفت في أول الزيارة- وقل:
«السلام عليك يا مولاي ورحمة اللَّه وبركاته، أستودعك اللَّه وأسترعيك، وأقرأ عليك السلام، آمنّا باللَّه وبالرسول، وبما جئت به، ودللت عليه، اللهمّ اكتبنا مع الشاهدين».
ثم ادع اللَّه أن لا يجعله آخر العهد منك، وادع بما أحببت إن شاء اللَّه (1).
ص: 203
نلفت القاري ء الكريم إلى نظرة قصيرة إلى بعض من دفن في البقيع، من الصحابة والتابعين، والشهداء والصالحين، وسائر الناس والمؤمنين، مع اعلامنا بأمرين:
الأول: ان البقيع اليوم قد توسع عما كان هو عليه سابقاً، و أُلحق به كثير، كحش كوكب وغيرها التى كانت خارجة عنه، انّ ما نذكره يشمل ما يطلق عليه اسم البقيع حالياً.
الثاني: ان ما نذكره من اسماء المدفونين فيه، هو ما عثرنا عليه خلال تصفّحنا الكتب التاريخية والرّوائية والتراجم (1)، مع غمض العين عن انتمائاتهم المذهبية، وميولهم السياسية، ونوردها على حسب حروف المعجم (2).
ص: 204
وإليك أيها القاري ء الكريم ذلك:
لم يكن لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولد من غير خديجة إلا إبراهيم من مارية (1) القبطية (2)، ولد في ذي الحجة (3) بعالية في قبيلة مازن في مشربة أم إبراهيم (4) بالمدينة سنة ثمان من الهجرة، ومات بها وله سنة وستة أشهر وبعض أيام (5)، وقبره بالبقيع (6).
روي عن علي عليه السلام قال: «لما مات إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمرني فغسلته، وكفّنه 6 ول اللَّه، 2 رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وحنطه، وقال لي: احمله يا علي، فحملته حتى جئت به إلى البقيع فصلى عليه، ثمّ أتى القبر فقال لي: انزل يا علي، فنزلت ودلاه عليّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فلمّا رآه منصبّاً بكى، فبكى المسلمون لبكائه، حتى ارتفعت أصوات الرجال على أصوات النساء، فنهاهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أشدّ النهي، وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك لمصابون، وإنا عليك لمحزونون» (7).
وروى أحمد بن عبد اللَّه الطبري: أخذ النبي صلى الله عليه و آله بيد عبد الرحمن بن عوف فأتى
ص: 205
النخل، فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه، وهو يجود بنفسه، فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فوضعه في حجره، ثمّ ذرفت (1) عيناه، ثمّ قال: «يا إبراهيم، إنا لا نغني عنك من اللَّه شيئاً»، ثمّ ذرفت عيناه، ثمّ قال: «يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق ووعد صدق، وأنّ آخرنا سيلحق بأولنا، لحزنّا عليك حزناً هو أشدّ من هذا، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكى العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب» (2).
وقال ابن سعد: توفي إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لستةعشر شهراً، فقال النبي صلى الله عليه و آله:
«ادفنوه في البقيع، فإنّ له مرضعاً في الجنة (3)»، وقال الواقدي: مات إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر، وهو ابن ثمانية عشرشهراً (4)، في بني مازن بن النجار، في دار أم برزة بنت المنذر، ودفن بالبقيع (5)، وعن محمد بن مؤمل المخزومي أنه كان ابن ستة عشر شهراً وثمانية أيام (6).
وفي الطبقات: حمل من بيت أمّ بردة على سرير صغير، وصلى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالبقيع، فقيل له: يا رسول اللَّه، أين ندفنه؟ قال: «عند فرطنا (7) عثمان
ص: 206
ابن مظعون» (1).
وروى ابن عساكر: أنه مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر ودفن بالبقيع (2).
وروى ابن سعد عن محمد بن عمر بن علي قال: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون، ثمّ أتبعه إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (3)، ثمّ أشار بيده يخبرني أنّ قبر إبراهيم إذا انتهيت إلى البقيع فجزت أقصى دار عن يسارك تحت الكبا الذي خلف الدار (4).
وروي: أنه رش على قبره بالبقيع الماء، وقال: «الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون» (5).
وكسفت الشمس يوم موته، فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم، فخطب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال في خطبته: «انّ الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه عزوجل، لا ينكسفان لموت أحد ولالحياته (6)، فإذار أيتموها فعليكم بالدعاء حتى تكشف» (7).
وعن تحفة العالم: وجهة قبر إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و آله في بقعة قريبة من البقيع، وفيها قبر عثمان بن مظعون من أكابر الصحابة، وهو أول من دفن في البقيع (8).
ص: 207
هو الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري الشافعي، من فقهاء الشافعية، نزيل المدينة المنورة، قيل ان كتبه تنيف عن ثمانين، ولد في شوال سنة خمس وعشرين وألف بشهران (من أعمال شهرزور) بجبال الكرد، وتوفي سنة إحدى ومائة وألف، ودفن بالبقيع (1).
قال العلوي في المجدي: ولد موسى بن عبد اللَّه بن موسى الجون ابن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكان موسى سيداً، وروى الحديث، ويكنى أبا عمرو. قال ابن معية النسابة الحسني: قتل سنة ست وخمسين ومائتين..
وإبراهيم بن موسى قبره بالبقيع، مات في حبس المهتدي، وانقرض (2).
وقال أبو الفرج الاصفهاني: وإبراهيم بن موسى بن عبد اللَّه بن موسى بن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، حبسه محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور عامل المهتدي على المدينة، ودفن في البقيع (3).
قال الزركلي: عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة اللَّه الجهني، أبو محمد، نجم الدين، المعروف بابن البارزي، قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها!، ولد بها، وتوفي في طريقه إلى الحج بقرب المدينة، فحمل إليها، ودفن بالبقيع، قال ابن تغري
ص: 208
بردي: صنّف في كثير من العلوم، وقال ابن شاكر: درّس وأفتى (1).
وفي موسوعة طبقات الفقهاء: انه كان فقيهاً، أصولياً، أديباً، شاعراً (2).
شرف الدين أبو عبد اللَّه محمد بن محمد الحراني المعروف بابن النجيح الفقيه الناسك المتوفى 723 ه، توفي في وادي بني سالم، فحمل إلى المدينة، فغسل وصلى عليه في الروضة، ودفن بالبقيع (3)، وقال ابن كثير: دفن بالبقيع شرقي قبر عقيل، فغبطه الناس في هذه الموتة وهذا القبر (4)، وكان من أكبر خدام و خواص أصحاب ابن تيمية (5).
اسمه محمد بن أبي بكر، كنيته أبو الفضل، ولد سنة 803، واشتغل بالحديث والفقه، ومات مقتولًا بالعوالي خارج المدينة سنة 843، ودفن في البقيع (6).
قال ابن كثير: قاضي القضاة ابن مسلم شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الصالحي الحنبلي، ولد سنة ستين وستمائة،
ص: 209
ومات أبوه- وكان من الصالحين- سنة ثمان وستين، فنشأ يتيماً فقيراً لا مال له، ثمّ اشتغل وحصل وسمع الكثير وانتصب للافادة و الإشتغال، فطار ذكره، فلما مات التقي سليمان سنة خمس عشرة ولي قضاء الحنابلة، فباشره أتمّ مباشرة، وخرجت له تخاريج كثيرة، فلما كانت هذه السنة خرج للحج، فمرض في الطريق، فورد المدينة النبوية على ساكنها رسول اللَّه أفضل الصلاة والسلام، يوم الإثنين، الثالث والعشرين من ذي القعدة، فزار قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وصلى في مسجده، وكان بالأشواق إلى ذلك، وكان قد تمنى ذلك لما مات ابن نجيح، فمات في عشية ذلك اليوم، يوم الثلاثاء، وصلى عليه في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالروضة، ودفن بالبقيع، إلى جانب قبر شرف الدين بن نجيح، الذي كان قد غبطه بموته هناك سنة حجّ هو وهو قبل هذه الحجة، شرقيّ قبر عقيل (1).
اسمه عبد مناف، وكان الأرقم من السابقين إلى الاسلام، واستخفى الرسول في بيته بأصل الصفا بمكة (2)، حتى كملوا أربعين رجلًا، شهد بدراً وما بعدها، آخى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بينه وبين عبد اللَّه بن أنيس (3)، توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين، وهو ابن خمس وثمانين سنة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص (4)، ودفن بالبقيع (5)،
ص: 210
وذكر أبو نعيم أنه توفي يوم مات أبو بكر (1).
قالوا: كان الشيخ أبوالقاسم شيخ الإسلام من الأفاضل والعلماء، دفن في جهة الباب المقابلة لرأس الأئمة عليهم السلام بالبقيع (2).
قال الحموي: المشهور أنّ قبره بالبقيع (3).
اسمه سعد بن مالك بن سنان، اشتهر بكنيته، له ولأبيه صحبة، استصغر بأحد، ثمّ شهد ما بعدها، وكان من الحفاظ المكثرين، مات سنة أربع وسبعين، ودفن بالبقيع (4).
وقال الشيخ الطوسي: توفي أبو سعيد في يوم الجمعة، سنة أربع وسبعين، ودفن بالبقيع، وهو ابن أربع وتسعين (5)، وجاء في الدرجات الرفيعة: أبو سعيد الخدري، وكان مستقيماً، نزع ثلاثة أيام، فغسله أهله، ثمّ حملوه إلى مصلاه فمات، وتوفي بالمدينة سنة إحدى أو أربع أو خمس وستين، وقيل: أربع وسبعين، ودفن
ص: 211
بالبقيع، والخدري بضمّ الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة منسوب إلى خدره، واسمه الأبجر بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم وبعدها راء مهملة، وهو ابن عوف بن الحارث بن الخزرج، وقيل: خدره أم الأبجر، والأول أشهر، وهم بطن من الأنصار (1).
وفي شرح مسند أبي حنيفة: كان من الحفاظ المكثرين، والعلماء المعتبرين.. (2). وفي موضع آخر: كان من الحفاظ المكثرين، والعلماء والفضلاء والعقلاء (3).
وروى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: قال لي أبي: يا بني، إني قد كبرت سنّي، وحان مني، خذ بيدي، فاتّكأ عليّ حتى جاء البقيع مكاناً لا يدفن فيه، فقال: إذا هلكت فادفنّي هاهنا، ولا تضربن عليّ فسطاطاً، ولا تمشين معي بنار، ولا تبك عليّ باكية، ولا تؤذننّ أحداً، وليكن مشيك بي خبباً. فجعل الناس يأتوني فيقولون: متى نخرج به؟ فأكره أن أخبرهم وقد نهاني، فقلت: إذا فرغت من جهازه، فخرجت به صدر يوم الجمعة، فوجدت البقيع قد ملى ء عليّ ناساً (4).
هو صخر بن حرب بن عبد شمس، من رؤوس الكفر وأعمدة النفاق، وهو صاحب هذه المقالة السخيفة لبني أمية- والتي تدل بكلّ وضوح على استمرار
ص: 212
كفره-: «تلقفوها (1) تلقف الكرة، والذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة» (2).
قال الضحاك: مات وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وولد قبل الفيل بعشر سنين، وتوفي سنة ثنتين وثلاثين بالمدينة، ودفن بالبقيع، وقالوا: سنة إحدى وثلاثين، وكان رجلًا ربعة دحداحاً عظيم الهامة أعمى، أصيب بإحدى عينيه يوم الطائف.. (3).
وذكر ابن عساكر عن أبي عبد اللَّه مندة قال: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أبو سفيان الأموي القرشي، توفي سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان بن عفان، ودفن بالبقيع، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وقيل: ابن ثلاث وتسعين، وصلى عليه عثمان بن عفان (4).
هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، قال ابن قتيبة: كان أخا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الرضاعة، أرضعته حليمة بلبنها أياماً، وكان يألف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فلما بُعث عاداه وهجاه، ثمّ أسلم عام الفتح، وشهد يوم حنين.. وكانت وفاته سنة عشرين، ودفن بالبقيع، ولم يبق له عقب (5).
ص: 213
وقال ابن سعد: ومات أبو سفيان بالمدينة بعد أخيه نوفل بن الحارث (1) بأربعة أشهر إلا ثلاث عشرة ليلة، ويقال: بل مات سنة عشرين، وصلى عليه عمر بن الخطاب، وقبره في ركن دار عقيل بن أبي طالب بالبقيع، وهو الذي ولي حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام، ثمّ قال عند ذلك: اللهمّ لا أبقى بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولا بعد أخي، واتبعني اياهما، فلم تغب الشمس من يومه ذلك حتى توفي (2).
وجاء في الدرجات الرفيعة: مات أبو سفيان بن الحرث بالمدينة، بعد أن استخلف عمر بستة أشهر، ويقال: بل مات سنة عشرين، وقيل: توفي سنة ستة عشر، ودفن بالبقيع، قاله: ابن قتيبة، وقال أبو عمرو: دفن في دار عقيل، وكان هو الذي حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام (3).
وقال المحدث القمي: كان أبو سفيان ممن ثبت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولم يفرّ، ولم تفارق يده لجام بغلة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتى انصرف الناس، وكان أحد السبعة الذين يشبهون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ومات في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين، وصلى عليه عمر، ودفن بالبقيع، وقيل: دفن في دار عقيل بن أبي طالب، وكان هو الذي حفر قبره بنفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام (4).
قال الحموي: القاضي أبو القاسم الحسن بن عبد اللَّه بن محمد بن عمرو..
التنوخي المعري الحنفي العاجي، ولد لثمان وعشرين ليلة خلت من شهر ربيع
ص: 214
الأول سنة 349، وحدّث وروي عنه، وحجّ في سنة 419 على طريق دمشق، فمات بوادي مر لعشرين ليلة خلت من ذي القعدة من السنة، وحمل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و آله، ودفن بالبقيع، وله مصنفات ووصايا وأشعار (1).
ترجمه ابن عساكر باسم المحسن بن عبد اللَّه بن محمد بن عمرو.. أبو القاسم التنوخي المعري الحنفي القاضي (2).
قال ابن حجر: اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو ثلاثين قولًا.. ذكر له خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً! (3)، وهو أكثر الصحابة حديثاً.. مات في المدينة سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ودفن بالبقيع (4). وقيل: مات بالعقيق، وصلى عليه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان (5).
وقال ابن سعد: لما مات أبو هريرة كان ولد عثمان يحملون سريره حتى بلغوا البقيع، حفظاً بما كان من رأيه في عثمان (6).
وقال النووي: وكان أبو هريرة ينزل المدينة بذي الحليفة، وله بها دار، مات بالمدينة سنة تسع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ودفن بالبقيع (7).
ص: 215
وقال الشيخ محمود أبو رية: مات أبو هريرة سنة 59 ه عن ثمانين سنة بقصره بالعقيق، وحمل إلى المدينة، ودفن بالبقيع (1).
وقال الحموي: وفي لحف جبل طبرية قبر يقولون: انه قبر أبي هريرة، وله قبر بالبقيع، وبالعقيق، وبطبرية (2).
الشيخ أحمد بن زين الدين بن إبراهيم بن صفر بن إبراهيم بن داغر الأحسائي، تنسب إليه الطائفة الشيخية والكشفية، ولد بالأحساء في رجب 1166 ه، وتوفي في 22 من ذي القعدة سنة 1241 ه بمنزل هدية قريباً من المدينة المنورة، وحمل إلى المدينة، ودفن بالبقيع (3).
قال الشيخ الطهراني: كان من أجلاء العلماء، ودفن بالبقيع سنة 1326 (4).
قال الزركلي: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي، شهاب الدين، الشهير بالبناء، عالم بالقراآت، من فضلاء النقشبنديين، ولد ونشأ بدمياط، وأخذ
ص: 216
من علماء القاهرة والحجاز واليمن، وأقام بدمياط، وتوفي بالمدينة حاجاً سنة 1117 ه، ودفن في البقيع (1).
قال عمر رضا كحالة: أحمد بن محمد بن يونس الدجاني البدري الحسيني الأنصاري المدني اليمني المالكي، الشهير بالقشاشي، صفي الدين، صوفي مشارك في أنواع من العلوم، ولد بالمدينة في 12 ربيع الأول، وتوفي بها آخر سنة 1071 ه، ودفن بالبقيع، من مؤلفاته الكثيرة: حاشية على الشفاء، حاشية على المواهب اللدنية، شرح الحكم العطائية، حاشية على الإنسان الكامل للجيلي، بستان العارفين، السمط المجيد في تلقين الذكر لأهل التوحيد، وله شعر (2).
وقال يوسف اليان سركيس: له مؤلفات كثيرة، الموجود منها نحو خمسين مؤلفاً، وكانت وفاته آخر سنة 1071، ودفن بالبقيع، شرقي قبة السيدة حليمة السعدية (3).
قال عمر رضا كحالة: أحمد مغلباي (1070- 1134 ه) أحمد بن أبي الغيث الشهير بمغلباي الحنفي، متكلّم، أديب، خطيب، ولد بالمدينة، ونشأ بها، وأمّ بالمسجد النبوي، ودرس وخطب به، وتوفي بها، ودفن بالبقيع، من تصانيفه: نظم عقيدة السنوسي الصغرى وشرحها (4).
ص: 217
قالوا في شأنه: أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء ليلة العقبة، وأول من بايع النبي صلى الله عليه و آله ليلتئذ، وقد شهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، وكان نقيب بني النجار، وهو أول من صلى الجمعة بالمدينة (1).
قال ابن سعد: لما توفي أسعد بن زرارة حضر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غسله وكفنه في ثلاثة أثواب، منها برد، وصلى عليه، ورئي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يمشي أمام الجنازة، ودفنه بالبقيع (2).
روى الحاكم باسناده عن عبداللَّه بن أبي بكر قال: أول من دفن بالبقيع أسعد ابن زرارة (3).
وقال ابن حبان: ومات أسعد بن زرارة والمسجد يبنى، أخذته الشهقة، ودفن بالبقيع، وهو أول من دفن بالبقيع من المسلمين (4).
وقالوا: مات قبل بدر سنة إحدى من الهجرة في شوال (5)، وكان موته بمرض يقال له الذبحة (6).
وفي كنز العمال: مات أسعد بن زرارة على رأس تسعة أشهر من الهجرة، قال البغوي: بلغني أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة، وأول ميت صلى عليه النبي صلى الله عليه و آله، وأول من دفن بالبقيع، وذلك قبل بدر (7).
ص: 218
قال الصالحي: مات أسعد بن زرارة والمسجد يبنى، وقال ابن الجوزي في الثانية: فكان أول من مات من المسلمين، ودفن بالبقيع، وكان أحد النقباء الاثني عشر (1)، وقيل: أنه جمع لأسعد بن زرارة الأولين: فهو أول من صلي على جنازته، وهو أول من دفن بالبقيع (2).
لقد بسطنا الكلام في شأنه في أول الكتاب، في بحث «أول من دفن بالبقيع» (3)، فراجع.
ويكنى أبامحمد، وأمه فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، ويعرف باسماعيل الأعرج، وكان أكبر ولد أبيه (4)، وكان أبو عليه السلام شديد المحبة له والبر به والاشفاق عليه، وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعده، إذ كان أكبر اخوته سناً، ولميل أبيه إليه واكرامه له (5)، (ولما كان عليه من الجمال والكمال الصوري والمعنوي (6))، مات في حياة أبيه بالعريض، وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة، حتى دفن بالبقيع (7)، توفي سنة ثلاث
ص: 219
وثلاثين ومائة، قبل وفاة الصادق عليه السلام بعشرين سنة، كذا قال أبوالقاسم بن خداع نسابة المصريين (1)، وروي: أن أبا عبد اللَّه عليه السلام جزع عليه جزعاً شديداً، وحزن عليه حزناً عظيماً، وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء (2)، وكان يأمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مراراً كثيرة، ويكشف عن وجهه، وينظر إليه، يريد عليه السلام إزالة الشبهة عن الذين ظنوا خلافته له من بعده، وتحقيق أمر وفاته عندهم (3).
وفي المجدي: اسماعيل بن جعفر الصادق عليهما السلام، مات في حياة أبيه، وقبره بالبقيع، وكان أبوه يحبه حباً شديداً، وفيه روت الشيعة خبر البداء (4)..، وفي رواية أبي الغنائم الحسيني عن أبي القاسم ابن خداع نسابة المصريين: إنّ اسماعيل بن جعفر أكبر ولد أبيه، مات بالعريض، ودفن بالبقيع سنة ثمان وثلاثين ومائة، قبل وفاة أبيه بعشر سنة (5).
وعلق عليه السيد محسن الأمين بقوله: قبره الآن خارج البقيع، بينهما الطريق بجانب سور المدينة المنورة، ولعلّه كان داخلًا فيه قبل جعل هذا الطريق، وهو مشيد معظم عليه قبة عظيمة، هدمها الوهابيون في هذا العصر، بعد استيلائهم على الحجاز (6).
وقال السيد جعفر آل بحر العلوم: وقبر اسماعيل ليس في البقيع نفسه، بل هو في الطرف الغربيّ من قبة العباس في خارج البقيع، وتلك البقعة ركن سور المدينة
ص: 220
من جهة القبلة والمشرق وبابه من داخل المدينة، وبناء تلك البقعة قبل بناء السور، فاتصل السور به، وهو من بناء بعض الفاطميين من ملوك مصر (1).
قال الصالحي الشامي: ويختم الزائر إذا رجع بمشهد اسماعيل بن جعفر الصادق، لأنه صار داخل سور المدينة، ومشاهد البقيع كلها خارج السور (2).
ولقد سمعنا أنه كان قبره خارج البقيع، فلما أرادوا انشاء شارع أبي ذر أرادوا تحويل القبر، فشوهد جسده الشريف باقياً سالماً طرياً، ثمّ نقلوه إلى البقيع، ودفن قرب قبور شهداء حرة شرقها.
أسيد بن حضير بن سماك الأشهلي (3) من سادات الأنصار، وكان نقيباً (4) ممن شهد العقبتين (5) وبدراً (6) وجوامع المشاهد، كنيته: أبو يحيى، وقد قيل: أبو عتيق، ويقال: أبو حضير (7)، وكان أبوه رئيس الأوس يوم بعاث، وكان قبل الهجرة بست سنين، وكان يقال له حضير الكتائب، يقال: انه أسلم على يدي مصعب بن عمير،
ص: 221
ولما هاجر الناس آخى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بينه و بين زيد بن أبي حارثة (1)، مات في شعبان (2) في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن بالبقيع (3)، قالوا: وحمله عمر بين أعواد السرير حتى وضعه بالبقيع، وصلى عليه (4).
قال المباركفوري: أم سلمة بفتح السين وكسر اللام، واسمها هند بنت أبي أمية، واسم أبي أمية سهيل، ويقال له: زاد الراكب، كانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد، فهاجر بها إلى أرض الحبشة الهجرتين، فولدت له هناك زينب، وولدت له بعد ذلك سلمة وعمر ودرة، ومات أبو سلمة في جمادي الأخرى سنة 4 أربع من الهجرة، فتزوج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أم سلمة في ليال بقين من شوال سنة أربع، وتوفيت سنة 59 تسع وخمسين.. قال أبو نعيم: وصلى عليها سعيد بن زيد (5)، وهو غلط (6)، والصحيح أبو هريرة، وقبرت بالبقيع، وهي ابنة أربع وثمانين سنة، كذا في
ص: 222
تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير للحافظ ابن الجوزي (1).
روت رضوان اللَّه عليها 328 حديثاً، وعاشت 84 سنة، ودفنت بالبقيع (2).
قال محمد بن حبيب البغدادي: ماتت رضي اللَّه عنها في سنة إحدى وستين، وصلى عليها أبو هريرة، وكان الوالي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ودفنها بالبقيع (3).
أقول: وهو المعول في تاريخ وفاتها، وذلك لتضافر الأخبار الواردة في قضايا مقتل الإمام الحسين عليه السلام، حيث إنها وقفت مواقف مشهودة ومؤثرة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام سنة 61 من الهجرة (4)، وقالوا: إنها توفيت سنة 62 (5)، وما قيل من صلاة أبي هريرة عليها فغير صحيح، لانه مات سنة 59 (6)، أي قبل وفاتها بسنتين، كما مرّ.
روى محمد بن سعد عن عبد اللَّه بن حنظلة بن الراهب، قال: شهدنا أم عثمان ابن عفان يوم ماتت، فدفناها بالبقيع، فرجع وقد صلى الناس في المسجد، فصلى عثمان وحده في المسجد، وصليت إلى جانبه، قال: فسمعته وهو ساجد يقول: اللهمّ ارحم أمي، أو اللهمّ اغفر لأمي، وذلك في خلافته (7).
ص: 223
قال السيد محمد بن علوي المالكي:
ثمّ تزوج (1) بعدها (2) أختها وهي أم كلثوم، وماتت عنده أيضاً، وقبرها في البقيع معلوم (3).
أقول: وفيه:
1. وقع الخلاف في أن زواجه من رقية هل كان بعد وفاة أم كلثوم (4)، أم قبلها (5)، والمروي: أنّ عثمان بن عفان تزوج أم كلثوم ولم يدخل بها حتى هلكت، وزوجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مكانها رقية (6)، وتحقيقه في محله.
2. الذي يراه بعض أهل السير والتحقيق أنها وأختها رقية وكذلك زينب كُنّ ربائب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وأمّهن هالة أخت خديجة، أصبحن يتامى قبل زواج خديجة، وكنّ في بيتها، ثمّ نقلن إلى بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد زواجها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (7)، وذكرنا تفصيل ذلك في بحث: «مشاهد مشاهير البقيع» (8)، فراجع.
ص: 224
قال ابن عساكر بموتها في المدينة ودفنها في البقيع (1).
أقول: ذكرها عند ذكر زيد بن عمر، والتحقيق: أنّ أصل تزويج أم كلثوم بنت علي من عمر هو موضع خلاف، قال الشيخ المفيد: إنّ الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر غير ثابت، وطريقه من الزبير بن بكّار، ولم يكن موثوقاً به في النقل، وكان متّهماً في ما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام، وغير مأمون في ما يدّعيه على بني هاشم (2).
قال ابن كثير: الشيخ الصالح العابد الناسك أيمن أمين الدين أيمن بن محمد، وكان يذكر أنّ اسمه محمد بن محمد إلى سبعة عشر نفساً كلهم اسمه محمد، وقد جاور بالمدينة مدة سنين، إلى أن توفى ليلة الخميس ثامن ربيع الأول، ودفن بالبقيع، وصلّي عليه بدمشق صلاة الغائب (3).
روي عن الواقدي- في قضية غزوة أحد-: ثمّ إن الناس أو عامتهم حملوا قتلاهم إلى المدينة، فدفن بالبقيع منهم عدة، عند دار زيد بن ثابت، ودفن بعضهم ببني سلمة.. (4).
ص: 225
وأراد بعض المسلمين أن يدفن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالبقيع عند شهداء أحد (1).
وروى ابن عساكر عن اسحاق بن إبراهيم م، 2، قال: بلغني أنّ الحسين بن علي أتى مقابر الشهداء بالبقيع، فطاف بها.. (2).
أقول: لعل المراد من البقيع هو بقيع الخيل لا بقيع الغرقد، لأنّ عامة شهداء أحد دفنوا هناك، ذكر الحموي عن النصر: بقيع الخيل موضع بالمدينة عند دار زيد ابن ثابت، دفن به عامة قتلى أحد، قال نصر: وأظنه بقيع الغرقد (3).
ومن المحتمل أن يقال: إن المقصود من مقابر الشهداء بالبقيع هو قبور بعض شهداء أحد المدفونين ببقيع الغرقد.
كان جليلًا رئيساً فاضلًا ورعاً، يلي صدقات أمير المؤمنين عليه السلام في وقته، وحضر مع عمه الحسين صلوات اللَّه عليه يوم الطف ونصره، ووقع عليه جراحات، فانتزعه أسماء بن خارجة وبه رمق.. ويقال: انه أسر وكان به جراح قد شفي منه،.. قبض الحسن المثنى وله خمس وثلاثون سنة (4)، وتوفي سنة تسع وتسعين، وقيل سبع وتسعين (5)، ودفن بالبقيع (6).
وروى ابن عساكر قال: لما مات الحسن بن الحسن بن علي اعتكفت فاطمة
ص: 226
بنت حسين بن علي على قبره سنة، وكانت امرأته، ضربت على قبره فسطاطاً، فكانت فيه، فلما مضت السنة قلعوا الفسطاط ودخلت المدينة، فسمعوا صوتاً من جانب البقيع: هل وجدوا ما فقدوا؟ فسمعوا صوتاً من الجانب الآخر: بل يئسوا فانقلبوا (1).
أقول: فيه تأمل، رواه ابن عساكر بسنده عن ابن خالد بن سلمة القرشي، وهو مجهول.
السيد ميرزا حسن بن اسماعيل بن عبد الغفور السبزواري، ولد في سبزوار سنة 1255، وقتل بيد عرب حرب بين مكة والمدينة، وهو متوجه لزيارة المدينة المنورة، ليلة 4 من المحرم سنة 1332، ونقل إلى البقيع، فدفن هناك (2)، ذكره صاحب شهداء الفضيلة واصفاً له بأنه علم من أعلام الدين، وعبقري من عباقرة الأمة، حاز علماً جما، وورعاً موصوفاً، وزهادة مأثورة عن سلفه الأطهار، (3)..، له صدقات جارية ينتفع بها أهل سبزوار، هاجر إلى النجف الأشرف لطلب العلم، وأقام فيها عشرين عاماً، وقرأ فيها مدة قليلة على الشيخ مرتضى الأنصاري، وأكثر قراءته على السيد حسين الكوه كمري المعروف بالترك وغيره (4).
ص: 227
الشيخ حسن بن ملا محمد صالح البرغاني، توفي سنة 1281، ودفن قرب قبور آل البيت عليهم السلام بالبقيع (1).
قال الشيخ الطوسي: الحسين بن علي بن الحسين، عمّ أبي عبد اللَّه عليه السلام، تابعي مدني، مات سنة سبع وخمسين ومائة، دفن بالبقيع، يكنى أبا عبد اللَّه، وله أربع وسبعون سنة (2).
قال الشيخ المفيد: انه كان فاضلًا ورعاً، روى حديثاً كثيراً عن أبيه علي بن الحسين، وعمته فاطمة بنت الحسين، وأخيه أبي جعفر عليه السلام (3).
وقال أبو نصر البخاري: وأبو عبد اللَّه الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، أمه أم ولد تدعى سعادة (4).. توفي الحسين الأصغر سنة سبع وخمسين ومائة، وله سبع وخمسون سنة، ودفن بالبقيع، وإنّما قيل له: الحسين الأصغر؛ لأنّ له أخاً أكبر منه، يسمى الحسين بن علي، لم يعقب (5).
وعن عمدة الطالب: توفي سنة سبغ وخمسين ومائة، وله سبع وخمسون سنة، ودفن بالبقيع، وعقبه عالم كثير بالحجاز والعراق والشام وبلاد العجم والمغرب (6).
ص: 228
وقال السيد الأمين: أبو عبد اللَّه الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، توفي سنة 157، وقيل 159، وقيل 158، وله 57 سنة، أو 76، ودفن بالبقيع، أمه أم ولد اسمها ساعدة أو سعادة، ولقب بالأصغر تمييزاً له عن أخيه الحسين الأكبر الذي مات عقيماً (1).
وقال السيد الخوئي: ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب السجاد عليه السلام، وقال:
ابنه روى عن أبيه، وعده في أصحاب الباقر عليه السلام قائلًا: تابعي أخوه، وفي أصحاب الصادق عليه السلام قائلًا: تابعي أخوه، وفي أصحاب الصادق عليه السلام قائلًا: عمّ أبي عبد اللَّه عليه السلام، تابعي مدني، مات سنة 157، ودفن بالبقيع.. (2).
قال الحرّ العاملي: السيد حسين بن علي بن الحسن بن علي بن شدقم الحسيني المدني، فاضل عالم جليل محدث شاعر أديب، له كتاب الجواهر النظامية من حديث خير البرية، ألّفه لأجل نظام شاه سلطان حيدر آباد، يروي عن الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي، وعن الشيخ العلامة نعمة اللَّه بن أحمد ابن خاتون العاملي، جميعاً عن الشهيد الثاني (3).
ولد بالمدينة المنورة سنة 942، وبها نشأ، ورحل إلى الهند، وتوفي بالدكن من بلادها في 14 صفر سنة 999 عن 57 سنة، ودفن هناك، ثمّ نقله ولده الأصغر حسين بوصية منه إلى المدينة المنورة، فدفنه بالبقيع (4).
ص: 229
ونقل أنه قبر مع زوجته في البقيع (1).
قال السيد الأمين: السيد حسين بن إبراهيم بن حسين المعروف بسياه پوش الحسيني الموسوي البهبهاني نزيل كربلاء، ولد في بهبهان سنة 1300، وقتل سنة 1300 آئباً من الحج، في موضع يسمى بئر الدرويش، على مرحلة من المدينة المنورة،.. ضربه بعض اللصوص من الأعراب على رأسه، فقضى عليه، ونقل إلى المدينة المنورة، ودفن بجوار أئمة البقيع (2).
وقال عمر رضا كحالة: حسين البهبهاني (1215- 1300 ه)، حسين بن إبراهيم بن حسين بن زين العابدين.. الحسيني الموسوي البهبهاني، نزيل كربلاء، فقيه، أصولي، ولد ببهبهان ونشأ بها، ونزل كربلاء، فدرس وأخذ عنه جماعة من الفضلاء، وقتل ببئر درويش على مرحلة من المدينة، فنقل إليها ودفن بالبقيع، له تصانيف في الفقه والأصول، تلفت في واقعة حمزة بك، في آخر العهد التركي (3).
ونقل عن كتاب شهداء الفضيلة: أنه كان أحد أئمة كربلاء الموثوق بهم، ومبرزي علمائها.. حضر درس الشيخ الأنصاري (4).
قال العسكري: حفصة ابنة الخليفة عمر بن الخطاب، وأمها زينب بنت
ص: 230
مظعون، ولدت قبل مبعث النبي بخمس سنوات، وتزوجها خنيس بن حذافة، وهاجرت معه إلى المدينة، فمات عنها بعد رجوع النبي من غزوة بدر، ثمّ تزوجها النبي صلى الله عليه و آله، وتوفيت في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية، وصلى عليها مروان، ودفنت بالبقيع (1).
وروى ابن سعد عن مولاة لآل عمر قالت: رأيت نعشاً على سرير حفصة، وصلى عليها مروان في موضع الجنائز، وتبعها مروان إلى البقيع، وجلس حتى فرغ من دفنها (2).
قال المحدث القمي: جعفر بن الحسن بن عبد الكريم الشافعي، مفتي السادة الشافعية بالمدينة المنورة، كان إماماً وخطيباً ومدرساً بالمسجد النبوي، له مؤلفات، أحدها مولد النبي صلى الله عليه و آله المعروف بمولد البرزنجي، وجالية الكدر بأسماء أصحاب سيد الملائك والبشر، وهي منظومة جمع فيها أسماء أهل بدر وأحد، توفي سنة 1177، ودفن بالبقيع (3).
كان من الأجواد المبالغين في الإنفاق، أبقى آثاراً منها: أنه أجرى الماء إلى عرفات من مكان بعيد، وبنى سور المدينة..، قبض عليه قطب الدين مودود بن أتابك سنة 558 ه، بعد أن ولي الأمر، وسجنه في قلعة الموصل، إلى أن توفي
ص: 231
سجيناً، ونقل إلى المدينة، فدفن في رباط كان قد بناه لنفسه في البقيع (1).
قال ابن كثير: يوم الجمعة آخر شهر ربيع الآخر، أنزل الأمير جوبان وولده من قلعة المدينة النبوية وهما ميتان مصبران في توابيتهما، فصلى عليهما بالمسجد النبوي، ثمّ دفنا بالبقيع عن مرسوم السلطان، وكان مراد جوبان أن يدفن في مدرسته، فلم يمكن من ذلك (2).
وذكر السيد الأمين عن بعض التواريخ الفارسية المخطوطة أن جوبان كان متصفاً بمحامد الأخلاق ومحاسن الأوصاف، وعمّر عمارات في طريق مصر والشام وبادية مكة المعظمة، وعمل خيرات كثيرة، وأجرى الماء في مكة المعظمة، وعمل من الخيرات ما لم يعمله غيره، وكان قتله في هراة سنة 738، ودفن في البقيع (3).
روى ابن سعد عن عبد اللَّه بن أبي بكر قال: لما هاجر خنيس بن حذافة من مكة إلى المدينة نزل على رفاعة بن عبد المنذر، قالوا: وآخى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين خنيس بن حذافة وأبي عبس بن جبر، وشهد خنيس بدراً، ومات على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجر النبي صلى الله عليه و آله إلى المدينة، وصلى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ودفنه بالبقيع إلى جانب قبر عثمان بن مظعون (4).
ص: 232
قال علي بن محمد العلوي: ولد عبد اللَّه بن موسى الجون بن عبد اللَّه بن الحسن ابن الحسن عليه السلام، قال ابن أخي طاهر الحسيني والسماكي النسابة العمري وغيرهما:
كان عبد اللَّه يكنى أبا محمد، ويعرف بالبصري، وأمه طليحة، وله شعر، وروى الحديث، خرج على وجهه إلى البادية ومات بها، له من البنات: فاطمة وعاتكة وأم سلمة، ومن الرجال: داود بن عبد اللَّه، مات في الحبس، ودفن بالبقيع (1).
روى عبد الرزاق بسنده عن سالم: أنّ ابن عمر قال يوم وضعت جنازة رافع ابن خديج ببقيع الغرقد، يريدون أن يصلوا عليها بعد الصبح، قبل أن تطلع الشمس، فصاح بالناس ابن عمر ألا تتقون اللَّه!.. (2).
ص: 233
روى ابن عساكر عن الزبير: لما ماتت رقية بنت عمر بن الخطاب عند إبراهيم ابن نعيم بن عبد اللَّه، فدفنت بالبقيع.. (1).
قال القرطبي: ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة من بني النضير، سباها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأعتقها، وتزوجها في سنة ست، وماتت مرجعه من حجة الوداع، فدفنها بالبقيع (2).
قال الزركلي: زمرد خاتون، صفوة الملوك، بنت الأمير جاولي، حازمة عالمة دمشقية، هي أخت الملك دقاق صاحب دمشق، لأمه، وزوجة تاج الملوك بوري وأم ولديه إسماعيل (شمس الملوك) ومحمود، روت الحديث، واستنسخت الكتب، وحفظت القرآن، وبنت بدمشق المدرسة الخاتونية البرانية، وهي الآن من الدوارس، ورأت ولدها شمس الملوك إسماعيل قد تمادى في غيه وكثر فساده وتواطأ مع الفرنج على بلاد المسلمين، فأمرت غلمانها أن يقتلوه، فقتلوه سنة 529 ه، وأجلست أخاه شهاب الدين أبا القاسم محمود بن بوري مكانه، ثمّ قتل هذا سنة 533 ه وتقلبت بها الأحوال، فتوجهت إلى بغداد، ثمّ إلى مكة،
ص: 234
وجاورت بالمدينة، وقل ما بيدها، فكانت تغربل القمح والشعير، وتطحن، وتتقوت بأجرة ذلك، إلى أن توفيت سنة 557 ه، ودفنت بالبقيع (1).
توفي زيد بالبطحاء، على ستة أميال من المدينة، سنة 120 ه، وحمل إلى البقيع، وكان قد ولي الصدقات في زمن الوليد بن عبد الملك (2).
روى ابن سعد عن عبد اللَّه بن أبي عبيدة، قال: ردفت أبي يوم مات زيد بن حسن، ومات ببطحاء ابن أزهر على أميال من المدينة، فحمل إلى المدينة، فلما أوفينا على رأس الثنية بين المنارتين طلع بزيد بن حسن في قبة على بعير ميتاً، وعبد اللَّه بن حسن بن حسن يمشي أمامه، قد حزم وسطه بردائه، ليس على ظهره شي ء، فقال لي أبي: يا بني! أنزل، فأمسك بالركاب، فواللَّه لئن ركبت وعبد اللَّه يمشي لا تبلني عنده بالة أبداً، فركبت الحمار، ونزل أبي يمشي، فما زال يمشي حتى أدخل بزيد داره ببني حديلة، فغسل، ثمّ أخرج به على السرير إلى البقيع (3).
ذكر ابن عساكر موته بالمدينة ودفنه بالبقيع (4).
روى ابن سعد والبيهقي وابن عساكر عن محمد بن أبي حرملة: ان زينب بنت
ص: 235
أم سلمة توفيت وطارق أمير المدينة، فأتى بجنازتها بعد صلاة الصبح، فوضعت بالبقيع.. (1).
جاء في حديث مسلم عن عائشة: أنّ بعض أزواج النبي صلى الله عليه و آله قلن له: أيّنا أسرع بك لحوقاً؟ قال: أسرعكنّ لحوقاً بي أطولكنّ يداً، فكان أسرعهنّ لحوقاً به زينب بنت جحش.. توفيت سنة عشرين، وفيها فتحت مصر، وقيل: إحدى وعشرين، وقد بلغت ثلاثاً وخمسين سنة، ودفنت بالبقيع (2).
روى ابن سعد عن ابن كعب: أنّ زينب أوصت أن لا تتبع بنار، وحفر لها بالبقيع عند دار عقيل، في ما بين دار عقيل ودار ابن الحنفية، ونقل اللبن من السمينة، فوضع عند القبر، وكان يوماً صائفاً (3).
وروى أن عمر أمر بفسطاط، فضرب بالبقيع على قبرها، لشدة الحرّ يومئذ، فكان أول فسطاط ضرب على قبر بالبقيع (4).
وروي أنها قالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بن الخطاب بعد هذا، فماتت، وصلى عليها عمر بن الخطاب، ودخل قبرها أسامة بن زيد، ومحمد بن عبد اللَّه بن جحش، وعبد اللَّه بن أبي أحمد بن جحش، قيل: هي أول امرأة صنع لها النعش،
ص: 236
ودفنت بالبقيع (1).
جاء في عيون الأثر: زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد اللَّه بن عمرو بن عبد مناف بن هلال.. كانت تدعى أم المساكين، لرأفتها بهم، كانت عند الطفيل بن الحارث، فطلقها فتزوجها أخوه عبيدة، فقتل يوم بدر شهيداً.. فخلف عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في شهر رمضان على رأس أحد وثلاثين شهراً من الهجرة، ومكثت عنده ثمانية أشهر، وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهراً من الهجرة، وصلى عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ودفنها بالبقيع، وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها (2).
وفي الطبقات عن محمد بن قدامة عن أبيه قالا: خطب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين، فجعلت أمرها إليه، فتزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأشهد وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشّاً (3).. (4).
وعن البلاذري: أقامت عند النبي صلى الله عليه و آله ثمانية أشهر، تزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث، وماتت في آخر ربيع الأول سنة أربع، ودفنها في البقيع (5).
ص: 237
قال السيد محمد بن علوي المالكي الحسني: هي أكبر بنات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وقد ولدت قبل بعثته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع، وكان اسلامها وهجرتها قبل اسلامه وهجرته، وتوفيت في أول عام ثمانية من هجرة المصطفى، ودفنت في جنة البقيع، وقبرها هناك لا يخفى (1).
روى الطبري عن عبد الحكيم بن عبد اللَّه بن أبي فروة قال: مات سالم بن عبداللَّه سنة 105، في عقب ذي الحجة، فصلى عليه هشام بن عبد الملك بالبقيع (2).
هو سعد بن مالك بن وهيب، قيل: إنه أسلم قديماً وهو ابن سبع عشرة سنة، كان سابع سبعة سبقوا إلى الإسلام (3)، شهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه و آله، وهو أول من رمى بسهم في الإسلام (4)، وهو الذي افتتح القادسية ونزل الكوفة وخطها خططاً لقبائل العرب، وابتنى بها داراً، ووليها لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، ثمّ عزل عنها ووليها بعده الوليد بن عقبة (5)، عينه عمر في الستة أصحاب الشورى، مات في
ص: 238
قصره بالعقيق قريباً من المدينة، فحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة (1)، ودفن بالبقيع سنة خمس وخمسين أيام معاوية (2)، وله سبع وسبعون سنة (3)، قال ابن كثير: وقد جاوز الثمانين على الصحيح (4).
أقول: هو والد اللعين عمر بن سعد، قاتل سبط رسول اللَّه، سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليه السلام.
قالوا: إنه كان من المنافقين، روى البيهقي ما يدل على عذاب قبره، فانه ذكر عن عن عبد اللَّه بن حنطب: أنه بلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مرّ يسير على بغلة له بيضاء في المقابر ببقيع الغرقد، فحادت به بغلته حيدة، فوثب إليها الرجال من المسلمين ليأخذوا بلجامها، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: دعوها، فإنها سمعت عذاب سعد بن زرارة يعذب في قبره، وكان رجلًا منافقاً (5).
روى ابن سعد: كان سعد بن معاذ رجلًا أبيض طوالًا جميلًا حسن الوجه
ص: 239
أعين حسن اللحية، فرمي يوم الخندق سنة خمس من الهجرة، فمات من رميته تلك، وهو يومئذ ابن سبع وثلاثين سنة، فصلى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ودفن بالبقيع (1).
وروى عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: لما انتهوا إلى قبر سعد نزل فيه أربعة نفر: الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، وسلمة بن سلامة بن وقش، ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله واقف على قدميه، فلما وضع في قبره تغيّر وجه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وسبّح ثلاثاً فسبّح المسلمون ثلاثاً، حتّى ارتجّ البقيع، ثمّ كبّر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاثاً وكبّر أصحابه ثلاثاً حتّى حتى ارتج البقيع بتكبيره، فسئل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ذلك، فقيل: يا رسول اللَّه، رأينا بوجهك تغيراً، وسبحت ثلاثاً؟ قال: تضايق على صاحبكم قبره، وضمّ ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد منها، ثمّ فرّج اللَّه عنه (2).
روي أنّ سبب ذلك كان سوء خلقه مع أهله في بيته (3)، رحمنا اللَّه من ضغطة القبر.
وروى ابن سعد عن أبي سعيد قال: كنت أنا ممن حفر لسعد قبره بالبقيع، فكان يفوح علينا من المسك كلما حفرنا قترة من تراب، حتى انتهينا إلى اللحد (4).
وروى عن محمد بن شرحبيل بن حسنة: انّ رجلًا أخذ قبضة من تراب قبر سعد يوم دفن، ففتحها بعد فإذا هي مسك (5).
ص: 240
وعن أبي سعيد الخدري قال: فطلع علينا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقد فرغنا من حفرته، ووضعنا اللبن والماء عند القبر، وحفرنا له عند دار عقيل اليوم، وطلع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله علينا، فوضعه عند قبره، ثمّ صلى عليه.. (1).
وفي نص: دفن إلى أس دار عقيل بن أبي طالب (2).
قال الذهبي: أبو سعد سعيد بن أبي سعيد كيسان الليثي مولاهم المدني..
حديثه في الكتب الستة، ويقال له المقبري لأنه كان يسكن بجوار مقبرة البقيع، توفي سنة 12 ه (3).
قيل انه شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه و آله غير بدر، فانه كان مع طلحة يطلبان خبر عير قريش، وضرب له النبي صلى الله عليه و آله بسهم، وكانت فاطمة أخت عمر تحته، وبسببها كان إسلام عمر، مات بالعقيق، فحمل إلى المدينة، ودفن بالبقيع سنة إحدى وخمسين، وله بضع وسبعون سنة (4).
جاء في تاريخ مدينة دمشق: مات سعيد بن العاص بن أمية في قصره بالعرصة
ص: 241
على ثلاثة أميال من المدينة، ودفن بالبقيع، وأوصى إلى ابنه عمرو الأشدق، وأمره أن يدفنه بالبقيع.. وأمر ابنه عمرا إذا دفنه أن يركب إلى معاوية فينعاه، يبيعه منزله بالعرصة، وكان منزلًا قد اتخذه سعيد، وغرس فيه النخل وزرع فيه، وبنى فيه قصراً معجباً،.. وقال: انّ منزلي هذا ليس من العقد، إنّما هو منزل نزهة، فبعه من معاوية، واقض عني ديني ومواعيدي، ولا تقبل من معاوية قضاء ديني، فتزودنيه إلى ربي.. (1).
وعن الزبير بن بكار: توفي سعيد بن العاص بقصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة، وحمل إلى البقيع في سنة تسع وخمسين (2)، وفي نقل آخر مات سنة 58 (3).
أقول: كان من الظلمة، وأعوانهم.
قال النمازي: أمها رباب بنت امرى ء القيس، وكان يحبها الحسين حبّاً شديداً.. وكانت عقيلة قريش، ولها السيرة الجميلة، وهي ذات الفضل والفضيلة والكرم الوافر والعقل الكامل والمكارم الزاخرة والمناقب الفاخرة.. ولها في وقعة الطف خمس عشرة سنة أو اثنتان وعشرون سنة، وكانت في كربلاء مزوجة بابن عمه عبد اللَّه بن الحسن المجتبى عليه السلام الشهيد بالطف، ثم تزوجت بمصعب بن الزبير..
توفيت في يوم الخميس الخامس من شهر ربيع الأول سنة 117، ولها ثمانون سنة
ص: 242
أو أقل (1).
وقالوا: توفيت سكينة بنت الحسين بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة، ووضعت جنازتها بالبقيع قبل الظهر.. فلما صلى الناس العشاء الآخرة أتى خالد فأمر شيبة بن نصاح المقري ء أن يصلي عليها، ففعل، ثمّ دفنت (2).
وصفه الشيخ عبد الحق الدهلوي ب: السيد العالم الكامل أوحد العلماء الأعلام، عالم المدينة، خير الأنام، نور الدين..، مات ضحى يوم لليلة بقيت من ذي القعدة عام إحدى عشر وتسع مائة، ودفن في البقيع عند قبر الإمام مالك (3).
روي عن الواقدي: أنه لما قتل بأحد عاش يوماً، فحمل إلى المدينة، فمات عند أم سلمة، ودفن بالبقيع، قال: ولم يدفن به ممن شهد أحداً غيره، وقال غيره:
ردوه إلى أحد، فدفن به (4).
قال السيد حسن الأمين: السيد شرف الموسوي بن عبد اللَّه، كان خطيباً
ص: 243
شاعراً أديباً، ولد في قرية التويثير بالأحساء سنة 1312 ه، وبها نشأ وترعرع، وتوفي سنة 1409 في قرية القارة بالأحساء، ونقل جثمانه إلى المدينة، حيث دفن في البقيع (1).
قال المباركفوري: صفية بنت حيي، بضمّ الحاء المهملة وفتح التحتية الأولى وتشديد الأخرى، ابن أخطب، من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران عليه السلام، كانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، قتل يوم خيبر في محرم سنة سبع، ووقعت في السبي، فاصطفاها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وقيل: وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي، فاشتراها منه بسبعة أرؤس، فأسلمت، فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها، ماتت سنة خمسين، ودفنت بالبقيع (2).
روى الحاكم عن آمنة بنت أبي قيس الغفارية قالت: أنا إحدى النساء اللاتي زففن صفية رضي اللَّه عنها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فسمعتها تقول: ما بلغت سبعة عشراً، وجهدي أن بلغت سبعة عشر سنة ليلة إذ دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال:
توفيت صفية سنة اثنتين وخمسين في زمن معاوية، وقبرت بالبقيع (3).
صفية بنت عبد المطلب القرشية الهاشمية، عمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وأخت حمزة
ص: 244
سيد الشهداء، أمها هالة بنت وهيب بن عبد مناف (1)، أم الزبير بن العوام، لم يختلف أحد في إسلامها (2)، وكانت أديبة عاقلة شاعرة فصيحة، وكان لعبد المطلب ست بنات كلهنّ من أهل الأدب والشعر والفصاحة (3).
روى الحاكم عن سعيد بن كثير قال: توفيت صفية بنت عبد المطلب أم الزبير ابن العوام سنة عشرين، وهي يوم توفيت بنت ثلاث وسبعين، وصلى عليها عمر ابن الخطاب، ودفنها بالبقيع (4).
وقال أحمد بن عبد اللَّه الطبري: صفية بنت عبد المطلب، أسلمت باتفاق، وشهدت الخندق، وقتلت رجلًا من اليهود (5)، وضرب لها النبي صلى الله عليه و آله بسهم، وروت حديثاً واحداً رواه عنها ابنها الزبير بن العوام، ذكر ذلك الدارقطني، أمها هالة بنت وهيب.. وكانت في الجاهلية تحت الحرث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، ثمّ هلك عنها فخلف عليها العوام بن خويلد أخو خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه و آله، فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة، وتوفيت بالمدينة في خلافة عمر سنة عشرين ولها ثلاث وسبعون، ودفنت بالبقيع بفناء دار المغيرة بن شعبة (6).
وجاء في نقل ابن عساكر: وكان للنبي صلى الله عليه و آله ست عمات، لم يسلم منهنّ
ص: 245
غير صفية (1).
أقول: هذا غير صحيح، إذ روى ابن سعد: أنه أسلمت عاتكة بنت عبد المطلب بمكة، وهاجرت إلى المدينة (2).
وروى أيضاً: أسلمت أروى بنت عبد المطلب بمكة، وهاجرت إلى المدينة (3).
قيل: إنهاماتت سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية، وقبرت بالبقيع (4).
قال ابن حبان: صهيب بن سنان بن مالك مولى عبد اللَّه بن جدعان التيمي، وقد قيل حليفه، وهو مولى عمر بن الخطاب (5)، مات في شوال سنة ثمان وثلاثين في خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام ودفن بالبقيع (6).
روى الحاكم عن عبد اللَّه بن نمير قال: صهيب يكنى أبا يحيى، وهو صهيب بن سنان النمري، من النمر بن قاسط، وكان أصابه سبي فوقع بأرض الروم، فقيل صهيب الروم، بلغ سبعين سنة، وكان يخضب بالحناء، مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين، ودفن بالبقيع (7).
ص: 246
وروى ابن سعد وابن قتيبة: توفي صهيب في شوال سنة ثمان وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة بالمدينة، ودفن بالبقيع (1).
وقال الضحاك: وكان أحمر، ليس بالطويل، يخضب بالحناء، مهاجري أولي بدري (2).
قال الذهبي: ظهير الدين الوزير العادل، ظهير الدين، أبو شجاع، محمد بن الحسين بن محمد الروذراوري، مولده بقلعة كنكور، من أعمال همذان، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.. وزر سبع سنين وسبعة أشهر، ثمّ عزل بأمر السلطان ملكشاه للخليفة لموجدة.. ثمّ حجّ بعد موت النظام والسلطان والخليفة، ونزل المدينة وتزهّد، فمات خادم، فأعطى الخدام ذهباً، حتى جعل موضع الخادم، فكان يكنس ويوقد، ولبس الخام، وحفظ القرآن هناك.. قال أبو الحسن الهمذاني: دفن بالبقيع في نصف جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة عن إحدى وخمسين سنة (3).
وقال الزركلي: أبو شجاع (437- 488 ه) محمد بن الحسين بن محمد بن عبد اللَّه، أبو شجاع الروذراوري، الملقب بظهير الدين، وزير، من العلماء، ولد بالأهواز، أو بقلعة كنكور (من أعمال همذان)، وولي الوزارة للمقتدى العباسي سنة 476 ه.، فعمرت العراق في عهده- كما يقول الذهبي-، وعزل سنة 484،
ص: 247
وحجّ سنة 487، فجاور بالمدينة إلى أن توفي، ودفن بالبقيع، حسنت سيرته في الوزارة، وكان وافر العقل، عالماً بالأدب، له شعر رقيق (1).
هي بنت أبي بكر عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان بن عامر.. أمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر، ولدت في السنة الرابعة بعد البعثة، وتزوجها الرسول صلى الله عليه و آله بعد وفاة زوجته الأولى خديجة.. وقبض النبي وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وقد أقامت مع النبي ثمانية أعوام وخمسة أشهر، ومكثت بعده في خلافة أبي بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان من المؤيدين للحكم القائم، ثمّ انحرفت عن عثمان، وترأست المعارضين، حتى إذا قتل قادت مناوئي ابن أبي طالب وخصومه إلى حربه حرب الجمل (2) في البصرة، وبعد أن غلبت في الحرب أعادها الإمام علي بن أبي طالب مكرمة إلى المدينة، حيث بقيت هناك حتى إذا قتل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وتربع معاوية على دست الحكم، وأخذ يروج نشر فضائل! آل أمية خاصة، وحزب عائشة ومعارضي ابن أبي طالب عامة، أصبح لها في هذا الدور شأن خطير.. كنيتها أم عبد اللَّه، تكنت باسم ابن اختها عبد اللَّه بن الزبير (3).
وجاء في الخبر: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال لها: «وما ضرّك لو متّ قبل فقمت عليك وكفّنتك وصليت عليك ودفنتك».. (4).
ص: 248
روى اسحاق بن راهويه: وقف علي على خباء عائشة يلومها على مسيرها، فقالت: يا ابن أبي طالب، ملكت فاسجح، فجهزها إلى المدينة، وأعطاها اثني عشر ألفاً (1).
ماتت ليلة الثلاثاء بعد صلاة الوتر، ودفنت من ليلتها بالبقيع لخمس عشرة ليلة خلت أو ليلة السابع عشر (2) من رمضان، سنة ثمان وخمسين (3)، أو سبع وخمسين للهجرة (4)، وعمرها أربع وستون سنة (5)، وصلى عليها أبو هريرة، وكان مروان غائباً، وكان أبو هريرة يخلفه (6) ودفنت بالبقيع (7).
روى الحاكم النيسابوري باسناده عن قيس بن أبي حازم، قال: قالت عائشة وكان تحدث نفسها أن تدفن في بيتها مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأبي بكر، فقالت: إني أحدثت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حدثاً، ادفنوني مع أزواجه، فدفنت بالبقيع. ثمّ قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (8).
وقالت لابن عباس: دعني بك يا ابن عباس.. فواللَّه لوددت اني كنت
ص: 249
نسياً منسياً (1).
أقول: تشير إلى تأثيرها في حرب الجمل (2)، كما صرح بذلك الذهبي عند قولها: «فإني أحدثت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله»، قال: قلت: تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل (3). كما أنه لا يخفى موقفها في قضية دفن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، كما لابد من التنبيه بأن البيت كان راجعاً إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ومن بعده إلى جميع الورثة، لا إلى زوجة واحدة.
وقالت لابن الزبير: إذا أنا متّ فادفنى موضع أخي بالبقيع، قال: وكان في بيتها موضع قبر، فقالت: لا أزكا به أبداً (4).
وروى البخاري والطبراني عنها: أنها أوصت عبد اللَّه بن الزبير فقالت: لا تدفني معهم، وادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكي به أبداً (5).
وقال ابن قتيبة: وبقيت إلى خلافة معاوية، وتوفيت سنة ثمان وخمسين، وقد قاربت السبعين، وقيل لها: ندفنك مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟، فقالت: إني قد أحدثتُ بعده، فادفنوني مع أخواتي، فدفنت بالبقيع، وأوصت إلى عبد اللَّه بن الزبير (6).
ص: 250
وروى الباعوني أنه قيل لها: تدفنين مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ قالت: لا، إني أحدثت بعده حدثاً، أدفنوني مع أخواتي بالبقيع، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال لها: «يا حميراء، كأنّي بك تنبحك كلاب الحوأب، ثمّ تقاتلين عليّاً وأنت ظالمة» (1).
قال الحموي:.. كنيسة مريم بدمشق، وبالجامع قبة بيت المال الغربية، يقال:
إنّ فيها قبر عائشة، والصحيح: أنّ قبرها بالبقيع (2).
وقال الذهبي: وقد قيل: إنها مدفونة بغربي جامع دمشق، وهذا غلط فاحش، لم تقدم إلى دمشق أصلًا، وإنّما هي مدفونة بالبقيع (3).
توفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من رجب، سنة اثنتين وثلاثين، في خلافة عثمان بن عفان، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، ودفن بالبقيع، في مقبرة بني هاشم (4).
وفي ذخائر العقبى: توفي في خلافة عثمان، قبل مقتله بسنتين بالمدينة، يوم الجمعة لاثنتي عشرة وقيل: لأربع عشرة، ولم يذكر صاحب الصفوة غيره، خلت من رجب، وقيل: من رمضان، سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وقيل: سبع وثمانين، أدرك منهما في الاسلام اثنتين وثلاثين سنة،
ص: 251
وصلى عليه عثمان، ودفن في البقيع (1).
قال الذهبي: وعلى قبره اليوم قبة عظيمة من بناء خلفاء آل العباس (2)، وقال في موضع آخر: وله قبة عظيمة شاهقة على قبره بالبقيع (3).
قال الزركلي: عبد الجليل برادة (1243- 1326 ه) شاعر من أهل المدينة المنورة، مغربي الأصل، توفي راجعاً من مكة إلى المدينة، ونقل إلى المدينة، فدفن في البقيع (4).
هو أبو عبس، عبد الرحمن بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري، مات سنة أربع وثلاثين، ودفن بالبقيع، كذا روي عن أبي حاتم (5).
روى ابن حبان: أنه شهد بدراً، مات وله سبعون سنة، ودفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان بن عفان، ودخل حفرته أبو بردة بن نيار وسلمة بن سلامة (6).
روى ابن سعد: مات أبو عبس في سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان بن
ص: 252
عفان، وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع، ونزل في قبره أبوبردة بن نيار وقتادة بن النعمان ومحمد بن مسلمة وسلمة بن سلامة بن وقش، وكلهم قد شهد بدراً، وكان أبو عبس يخضب بالحناء (1).
وقال المزي في شأنه: وهو معدود في كبار الصحابة من الأنصار (2).
روى الحاكم عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة قال: ولد عبد الرحمن بن عوف بعد الفيل بعشر سنين، ومات سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة، وكانت كنيته: أبو محمد، ودفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان (3)، ويقال: الزبير بن العوام (4)، وقيل: إنه أسلم قبل أن يدخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وثبت مع النبي صلى الله عليه و آله يوم أحد (5).
قال ابن كثير: إنه ترك مالًا جزيلًا، من ذلك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال، وترك ألف بعير ومائة فرس، وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع،
ص: 253
وكان نساءه أربعاً، فصولحت إحداهنّ من ربع الثمن بثمانين ألفاً! (1).
قال ابن حجر: عاش اثنتين وسبعين سنة، وقيل ثمانياً وسبعين، والأول أثبت، ودفن بالبقيع (2).
قال الشيخ الرازي: الشيخ ميرزا عبد الرسول المرزباني التبريزي، كان من خواص تلامذة السيد النجفي المرعشي، توفي في المدينة المنورة عام 1391 ه، ودفن في البقيع قرب مقبرة آل البيت عليهم السلام (3).
قال عمر رضا كحالة: عبد الغني الدهلوي (1235- 1296 ه) ابن أبي سعيد العمري، المجددي الدهلوي الهندي، ثمّ المدني، الحنفي، محدّث، ولد ببلدة دهلي، ونشأ بها، وقرأ على جماعة من العلماء، ثم هاجر إلى الحرمين الشريفين، وتوطن المدينة، وتوفي بها، ودفن بالبقيع، من تصانيفه: حاشية على سنن ابن ماجة سماها انجاح الحاجة.. (4)
عبد القادر بن عبد اللطيف بن محمد بن أحمد الحسني، محيي الدين، أبو صالح
ص: 254
الفاسي الأصل، المكي، ولد بمكة سنة 842 ه، وولي قضاء الحنابلة بها سنة 836 ه، ثمّ أضيف إليه قضاء المدينة سنة 865 ه، ودرّس الفقه وأفتى، وتوجه إلى المدينة الشريفة للزيارة على عادته، فأدركته المنية بها في شعبان سنة 898 ه، ودفن بالبقيع (1).
قال الزركلي: عبد القادر الشلبي (1295- 1369 ه) عبد القادر بن توفيق الشلبي: فاضل، انتهت إليه رياسة الأحناف بالمدينة المنورة، ولد ونشأ في طرابلس 4 شام، 2 الشام، وانتقل إلى المدينة سنة 1217 ه، فاشتغل بالتدريس، ثمّ عين بها رئيساً لجماعة التنقيب عن الآثار في أواخر زمن الترك، فمعتمداً للمعارف بعدهم، له: نظم حسن في «ديوان»، و ثبت سماه «الإجازات الفاخرة»، و «قصائد في المديح النبوي»، و «رسالة في حكم استعمال الأدوية الافرنجية على قواعد المذاهب الأربعة»، توفي بالمدينة، ودفن بالبقيع (2).
قال الزركلي: عبد القادر بن يوسف النقيب الحلبي، ويقال له: نقيب زاده، فقيه حنفي، ولد ونشأ بحلب، وسكن المدينة سنة 1060 ه وتوفي فيها، ودفن بالبقيع (3).
قال أبو الفرج الاصفهاني: وعبد اللَّه بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى
ص: 255
ابن عبد اللَّه بن الحسن، وأمه فاطمة بنت اسماعيل بن إبراهيم بن موسى، حبسه أبو الساج بالمدينة، فبقي بالحبس إلى ولاية محمد بن أحمد بن المنصور، ثمّ توفي في حبسه، فدفعه إلى أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد اللَّه بن داود بن الحسن، فدفنه بالبقيع (1).
وقال علي بن محمد العلوي: وأما عبد اللَّه فلم يعقب، قتله ابن أبي الساج، ومات في الحبس، ودفن بالبقيع (2).
روى الكليني باسناده عن زرارة، قال: رأيت ابناً لأبي عبد اللَّه عليه السلام في حياة أبي جعفر عليه السلام يقال له: عبد اللَّه، فطيم قد درج (3)، فقلت له: يا غلام، من ذا الذي إلى جنبك؟- لمولى لهم-، فقال: هذا مولاي، فقال له المولى- يمازحه-: لست لك بمولى، فقال: ذلك شرّ لك، فطعن في جنازة الغلام فمات، فأخرج في سفط إلى البقيع، فخرج أبو جعفر عليه السلام وعليه جبة خزّ صفراء وعمامة خزّ صفراء ومطرف خزّ أصفر، فانطلق يمشى إلى البقيع وهو معتمد عليّ، والناس يعزّونه على ابن ابنه..، ثمّ أمر به فدفن (4).
قال النمازي: عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب جليل القدر، عظيم الشأن، كان
ص: 256
آية في الحلم والجود والكرم، وهو من أصحاب رسول اللَّه وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم أجمعين، وقد شهد يوم صفين مع عمه أمير المؤمنين عليه السلام، وأمه أسماء بنت عميس، ولد بأرض الحبشة،.. وتوفى سنة 80 أو 84، وكان عمره تسعين سنة أو أزيد بقليل.. ودفن بالبقيع (1).
تزوج زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام، وأولاده عون ومحمد من شهداء الطف يوم عاشوراء، وزاد المامقاني والمجلسي ثالثاً عبد اللَّه أو عبيد اللَّه (2).
روى الطبري عنه أنه قال: «واللَّه لو شهدته (3) لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه، واللَّه إنّما لمما يسخى بنفسي عنهما ويهون عليّ المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه» (4).
ثمّ أقبل على جلسائه فقال: «الحمد للَّه، عزّ عليّ مصرع الحسين إن لا أكن آسيت حسيناً بيدي فقد آساه ولدي» (5).
قال ابن الأثير: وأخباره في جوده وحلمه وكرمه كثيرة لا تحصى (6).
قالوا: مات عبد اللَّه بالمدينة سنة ثمانين، وازدحم الناس على سريره (7)، وصلى عليه أبان بن عثمان بن عفان، ودفن بالبقيع (8).
وقد أوصى العلماء بزيارة قبره، قال الشهيد الأول: ويزور قبر إبراهيم ابن
ص: 257
رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعبد اللَّه بن جعفر.. (1).
قال ابن حبان: عبد اللَّه بن مسعود.. كنيته أبو عبد الرحمن، ممن شهد بدراً وسائرالمشاهد، وكان من فقهاء الصحابةسكن الكوفة مرة، كان يلي بيت المال بها (2).
وفي الكنى والألقاب عن الخطيب: كان- عبد اللَّه بن مسعود- أحد حفاظ القرآن، وكان أيضاً من فقهاء الصحابة، ذكره عمر بن الخطاب فقال: كنيف ملي ء علماً، وبعثه إلى أهل الكوفة، ليقريهم القرآن ويعلمهم الشرائع والأحكام، فبثّ عبد اللَّه فيهم علماً كثيراً، وفقّه منهم جمّاً غفيراً، ورد المدائن، ثمّ عاد إلى مدينة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأقام بها إلى حين وفاته، فمات بها سنة 32، ودفن بالبقيع (3).
قال الحاكم النيسابوري: أسلم عبد اللَّه بن مسعود قبل دخول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دار الأرقم، وشهد عند جميع أهل السير بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهاجر الهجرتين، وكان صاحب سر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وسواكه وسواده ونعله وطهوره، وكان رجلًا نحيفاً قصيراً شديد الأدمة، ومات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، فدفن بالبقيع، وكان يوم توفي في ما قيل ابن بضع وستين سنة (4).
ص: 258
وتولى أمر القضاء بالكوفة لعمر، وصدراً من خلافة عثمان، ثمّ صار في المدينة، فمات بها، ودفن بالبقيع (1).
قيل: إن النبي صلى الله عليه و آله آخى بينه وبين الزبير بن العوام (2).
وروى ابن أبي شيبة عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: ادفنوني في قبر عثمان بن مظعون (3).
وعن أبي نعيم: مات ابن مسعود بعد ثماني عشرة منذ مات النبي صلى الله عليه و آله (4).
وقال الضحاك في شأنه: عبد اللَّه بن مسعود.. مهاجر هجرتين، بدري، وهو من النقباء النجباء، توفي بالمدينة سنة ثنتين وثلاثين، وصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع، وهو ابن بضع وستين سنة.. (5).
ولكن روى الحاكم عن عبد اللَّه بن نمير قال: مات عبد اللَّه بن مسعود بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، حين قتل عثمان، وكان أوصى الزبير بن العوام (6)، فصلى عليه (7)، وقد قيل: إنّ عمار بن ياسر (8) صلى عليه، ودفن بالبقيع ليلًا، وهو ابن
ص: 259
بضع وستين سنة (1).
أقول: نقل أرباب السير: أنّ عثمان قتل سنة 35 (2)، بينما مات ابن مسعود في سنة 32 (3) كما مرّ، وبذلك يظهر التأمل في ما رواه الحاكم عن ابن نمير، ولكن لا ينافي ذلك أن يوصي ابن مسعود أن يصلى عليه مثل عمار بن ياسر (4) أو الزبير بن العوام (5)، بل بأن يوصي أن لا يصلي عليه عثمان، لعلمنا بما وقع بينه وبين عثمان، فعدم صلاة عثمان عليه ليس لموته حينئذ، بل لوصية ابن مسعود.
روى البلاذري: لما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه، أتاه عثمان عائداً، فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا أدعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغن عنه؟! قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على اللَّه، قال: استغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل اللَّه أن يأخذ لي منك بحقي، وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان، فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم، فلما علم غضب وقال: سبقتموني به؟ فقال له عمار بن ياسر: إنه أوصى أن لا تصلي عليه (6).
وروى ابن الأثير: وقيل: صلى عليه عمار بن ياسر، وقيل: صلى عليه الزبير، ودفنه ليلًا أوصى بذلك، وقيل لم يعلم عثمان بدفنه، فعاتب الزبير.. (7).
فظهر: أنه لا مجال لما نقله الطبري بقوله: فقال قائل صلى عليه عمار، وقال
ص: 260
قائل: صلى عليه عثمان (1).
ذكر ابن النجار: مات القاضي أبو الفرج عبد الوهاب بن هبة اللَّه بن السيبي مؤدب ولد الخليفة في يوم السبت ثالث المحرم سنة أربع وخمسمائة، عند عوده من الحج، قبل وصوله إلى المدينة بيوم واحد، وحمل إلى المدينة، ودفن بها بالبقيع (2).
قال الزركلي: عبد الهادي بن أحمد، أبو التقي الحسيني الصقلي، قاض من أهل فاس، تولى القضاء بها، وصنف كتاباً في أشياخه وبعض المشاهير، وتوفي سنة 1311 ه بالمدينة المنورة عائداً من الحج، ودفن في البقيع (3).
ص: 261
المغرب والعشاء (1).
قال ابن أبي الحديد: وروى الواقدي، قال: لما قتل عثمان تكلّموا في دفنه، فقال طلحة: يدفن بدير سلع، يعني مقابر اليهود، وذكر الطبري في تاريخه هذا، إلا أنه روى عن طلحة فقال: قال رجل: يدفن بدير سلع، فقال حكيم بن حزام: واللَّه لا يكون هذا أبداً وأحدٌ من ولد قصيّ حي، حتى كاد الشرّ يلتحم، فقال ابن عديس البلوى: أيها الشيخ، وما يضرك أين دفن؟ قال: لا يدفن الا ببقيع الغرقد، حيث دفن سلفه ورهطه، فخرج به حكيم بن حزام في اثني عشر رجلًا، منهم الزبير بن العوام، فمنعهم الناس عن البقيع، فدفنوه بحش كوكب (2).
وروى ابن كثير: قالوا: لا يدفن في البقيع، ولكن ادفنوه وراء الحائط، فدفنوه شرقي البقيع تحت نخلات هناك (3).
وعن الاصابة: انهم لما أرادوا دفن عثمان فانتهوا إلى البقيع، فمنعهم من دفنه جبلة بن عمرو، فانطلقوا إلى حش كوكب، فدفنوه فيه (4).
قال ابن حجر: استخلف في أول يوم من المحرم سنة أربع وعشرين، وقتل يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة الحرام سنة خمس وثلاثين، ودفن ليلة السبت بالبقيع، وعمره اثنتان وثمانون سنة، وقيل غير ذلك (5).
وعن الحموي: وقد اعتنى معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان، ورفع الجدار بينه وبين البقيع، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله (6).
ص: 262
أقول: ذكر تفاصيل ذلك خارج عن عهدة الكتاب، فعلى القارى ء الكريم الرجوع إلى المصادر (1).
88- عثمان بن مظعون (2)
عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب، يكنى أبا السائب، بدري مهاجري هجرتين، وأمه زينب بنت العنبس، مات في ذي الحجة، ودفن بالبقيع (3).
ثال محمد بن علي بن حمزة: أسلم قديماً، قال ابن اسحاق: أسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلًا، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى مع جماعة من المسلمين، فبلغهم وهم بالحبشة أن قريشاً أسلمت فعادوا، ثمّ هاجر عثمان إلى المدينة، وشهد بدراً، وكان من أشدّ الناس اجتهاداً في العبادة (4)، يصوم النهار ويقوم الليل ويجتنب الشهوات ويعتزل النساء، واستأذن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في التبتل والاختصاء فنهاه عن ذلك.. (5).
روى ابن أبي شيبة عن محمد بن عمرو بن علي عن علي بن أبي طالب عليه السلام:
ص: 263
«أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون، ثمّ اتبعه إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله» (1).
وقال ابن قتيبة: أول من مات من المسلمين بالمدينة عثمان بن مظعون، بعد بدر، وقبل أُحُد، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «هذا سلفكم، فادفنوا إليه موتاكم»، فدفن في البقيع (2).
قال الطريحي في شأنه: قرشيّ قديم الإسلام، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً، وكان رضي اللَّه عنه ممّن حرّم الخمر في الجاهلية (3)، وقال: أشرب ما يُضحك بي مَن دوني، قيل: هو أول من دفن بالبقيع، وأول من مات من المهاجرين بالمدينة (4).
وقال ابن حجر: وكان عثمان من السابقين إلى الإسلام.. وكانت (وفاته) في ذي الحجة سنة اثنتين من الهجرة، وهو أول من دفن بالبقيع (5)، وقال: وقبله النبي صلى الله عليه و آله وهو ميت (6).
وقال المباركفوري: هو أخ رضاعي لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال صاحب المشكاة:
هاجر الهجرتين.. وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة في شعبان، على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة، ولما دفن قال: «نعم السلف هو لنا»، ودفن بالبقيع، وكان عابداً مجتهداً من فضلاء الصحابة (7).
ص: 264
وقالوا انه مات في ذي الحجة سنة اثنتين من الهجرة (1)، وهو أول من دفن بالبقيع (2).
وروى ابن أبي شيبة عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: ادفنوني في قبر عثمان بن مظعون (3).
ولقد بسطنا الكلام في ذلك في بحث «أول من دفن بالبقيع» (4)، فراجع.
هو أخ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه اسلام، يكنّى أبا يزيد، وكان عالماً بأنساب العرب، فصيحاً، لطيف الطبع، حسن المجاورة، وأخواه الآخران جعفر الطيار وطالب.. روي عن ابن عباس أنه قال علي عليه السلام لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا رسول اللَّه، إنك لتحبّ عقيلًا؟ قال: «إي واللَّه، إني لأحبّه حبّين؛ حباً له، وحباً لحبّ أبي طالب له، وإنّ ولده لمقتول في محبة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلي عليه الملائكة المقربون»، ثمّ بكى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: «إلى اللَّه أشكو ما تلقى عترتي من بعدي» (5).
ومن أبنائه: مسلم بن عقيل سفير الامام الحسين إلى الكوفة والشهيد بها، وعبد اللَّه، ومحمد، وعبد الرحمن، وجعفر كلهم من شهداء الطف، وقال بعض: إن عدد الشهداء بالطف من آل عقيل هم ستة عشر، يشمل ذلك الأولاد والأحفاد (6).
ص: 265
جاء في الطبقات الكبرى: قالوا: ومات عقيل بن أبي طالب بعد ما عَمي، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وله عقب اليوم، وله دار بالبقيع.. (1).
وقال ابن كثير في شأن ابن النجيح: دفن بالبقيع شرقي قبر عقيل، فغبطه الناس في هذه الموتة وهذا القبر (2)، وقال نحوه في شأن ابن مسلم قاضي القضاة (3).
قال اسماعيل باشا: على بن أحمد أبو الحسن الحريشي (بضم الحاء المهملة وفتح الراء وسكون الياء المثناة) الفاسي داراً، الفقيه المالكي، توفي حاجاً بمكة، ودفن بالبقيع سنة 1145 خمس وأربعين ومائة وألف، له من التأليف: «شرح الشفاء للقاضي عياض»، «شرح منظومة ابن زكري» (4) في مصطلح الحديث (5).
قال النمازي: علي بن جعفربن محمد الصادق عليه السلام، من أصحاب أبيه وأخيه الكاظم والرضا والجواد والهادي صلوات اللَّه عليهم، جليل القدر، عظيم الشأن، ثقة بالإتفاق، له كتاب: «المناسك ولمسائل».. سكن العريض، فنسب ولده إليها.. وعمره أزيد من مائة وعشرين سنة (6).
قال ابن حجر: علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو الحسن
ص: 266
العلوي، أخو موسى، مقبول، من كبار العاشرة، مات سنة عشر ومأتين (1).
وقال: قال ابن ابن أخيه اسماعيل: مات سنة عشر ومأتين (2).
وجاء في هامش تهذيب التهذيب: هو الذي يقال له العريضي، سكن العريض قرية على ثلاثة أميال من المدينة، ومات بها، وعليه بها قبة عظيمة، عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام (3).
قال المحدث النوري: الحق أن قبره بالعريض، كما هو معروف عند أهل المدينة، وقد نزلنا عنده في بعض أسفارنا، وعليه قبة عالية (4).
أقول: لقد وفقنا اللَّه لزيارة قبره الشريف بالعريض قرب أُحُد مع عدة من العلماء، ولكن أيادي الوهابية قامت بهدم القبر أخيراً، بعد ما قامت بهدم قبته سابقاً، ولقد سمعنا من الأفواه: أنّ الجسد كان صحيحاً سالماً، ثمّ نقلوه إلى البقيع، ودفن عند قرب مقبرة أهل البيت عليهم السلام.
أمه الصهباء بنت زمعة بن ربيعة، وعمَّر عمر حتى بلغ خمساً وثمانين سنة، ومات ببقيع (5).
روى ابن سعد عنها: أنها قالت لبني أخ لها: أعطوني موضع قبري في حائط،
ص: 267
ولهم حائط يلي البقيع، فإني سمعت عائشة تقول: كسر عظم الميت ميتاً ككسره حياً (1).
روي عن الجعفي: أن اسمها فاطمة، وكنيتها أم فروة (2)، وقبرها بالبقيع (3)، وفي بعض الروايات أنّ فاطمة بنت أسد جدتهم معهم (4) في تربتهم (5).
وهي سلام اللَّه عليها أم الأئمة الإثنى عشر، وهي التي أولدت علياً في جوف الكعبة (6)، وكفاها فضلًا وفخراً.
قال الحاكم النيسابوري: قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه في جوف الكعبة (7).
وقال الزرندي الحنفي: قال الإمام أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت الهاشمي، روي أنه لما ضربها المخاض أدخلها أبو طالب الكعبة بعد العشاء، فولدت فيها علي بن أبي طالب (8).
ص: 268
قال الزركلي: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية: أول هاشمية ولدت خليفة، وهي أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإخوته، نشأت في الجاهلية بمكة، وتزوجت بأبي طالب.. فكان النبي صلى الله عليه و آله يزورها ويقيل في بيتها، ثمّ هاجرت مع أبنائها إلى المدينة، وماتت بها، فكفنها النبي صلى الله عليه و آله بقميصه، واضطجع في قبرها، وقال: لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها، وقبرها بالبقيع.. (1).
قال الشيخ الطهراني: فتح اللَّه بن النحاس الحلبي المدني، ترجمه في خلاصة الأثر وأعلام النبلاء، مات بالمدينة، ودفن بالبقيع، له: «ديوان ابن النحاس»، طبع ديوانه بمصر 1290 وبيروت 1313 مع اختلاف فيهما (2).
وقال يوسف اليان سركيس: ابن نحاس الحلبي (م 1052).. المدني الشاعر المشهور، قال المحبي في خلاصة الأثر: فرد وقته في رقة النظم والنثر وانسجام الألفاظ.. دخل دمشق مرات، وأقام بها مدة، ثمّ سافر إلى القاهرة، وهاجر إلى الحرمين، واستقر أخيراً بالمدينة، ودفن ببقيع الفرقد (3).
قيل: إنه أول من دفن في البقيع من المهاجرين (4)، ولكنه قول شاذ.
روي: أنه أول من توفي بعد مقدم النبي صلى الله عليه و آله المدينة من المسلمين- فيما ذكر-
ص: 269
صاحب منزله كلثوم بن الهدم، لم يلبث بعد مقدمه إلا يسيراً حتى مات، ثمّ توفي بعده أسعد بن زرارة (1).
إنّ مارية كانت أم ولد النبي صلى الله عليه و آله، أم إبراهيم (2)، وهي التي أهداها صاحب اسكندرية- وهو جريح بن مينا- في جملة تحف وهدايا لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقبل ذلك منه (3)، توفيت بالمدينة في المحرم سنة خمس عشرة (4)، أو ست عشرة (5) أو سبع عشرة من الهجرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب، ودفنت بالبقيع (6).
وعن ابن مندة: ماتت مارية بعد النبي صلى الله عليه و آله بخمس سنين (7).
كان مجاهداً في سبيل اللَّه، وسيفاً مسلولًا على أعداء اللَّه، وناصراً للَّه ولرسوله ووصيه، شهماً شجاعاً بصيراً رئيساً حليماً شاعراً فصيحاً، حضر دفن أبي ذر الغفاري بربذة، واشتد غضبه على من تخلف عن علي عليه السلام في حرب جمل، قتل كعب
ص: 270
ابن سور الأزدي يوم الجمل، وبعثه أمير المؤمنين عليه السلام والياً على الموصل ونصيبين ودارا وسنجار وآمد وهيت وعانات وغيرها (1).
هو مالك بن الحارث الأشتر النخعي (2)، الذي عده الفضل بن شاذان من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم (3).
قال العلامة الحلي: مالك الأشتر قدس اللَّه روحه ورضي اللَّه عنه جليل القدر، عظيم المنزلة، كان اختصاصه بعلي عليه السلام أظهر من أن يخفى، وتأسف أمير المؤمنين عليه السلام بموته، وقال: «لقد كان لي كما كنت لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله» (4).
وقال عليه السلام في حقه: «ليت فيكم مثله إثنان، بل ليت فيكم مثله واحد يرى في عدوي مثل رأيه» (5).
وقال الذهبي في حقه: أنه أحد الأشراف والأبطال.. وكان شهماً مطاعاً.. ذا فصاحة وبلاغة.. ولما رجع علي من موقعة صفين جهز الأشتر والياً على ديار مصر، فمات في الطريق مسموماً (6).
وقال أمير المؤمنين لما جاءه نعي الأشتر: «مالك! وما مالك! لو كان جبلًا لكان فنداً، لا يرتقيه الحافر، ولا يرقى عليه الطائر» (7).
وعن الطبري: لما بلغ معاوية ارسال علي عليه السلام الأشتر إلى مصر عظم ذلك عليه،
ص: 271
فبعث إلى رجل من أهل الخراج فسقاه السمّ فهلك، ولما بلغ معاوية موته خطب الناس فقال: كان لعلي يمينان: قطعت إحداهما يوم صفين وهو عمار، وقد قطعت الأخرى اليوم وهو مالك