مسائل مهمه حول رویت الهلال

اشارة

سرشناسه : مکارم شیرازی، ناصر، 1305 - عنوان و نام پديدآور : مسائل مهمه حول رویت الهلال/مکارم الشیرازی. مشخصات نشر : قم: مدرسه الامام علی بن ابی طالب (ع 1426ق. = 1384. مشخصات ظاهری : 24 ص 11×21 س م. شابک : 1000 ریال 964-8139-60-1 يادداشت : عربی. يادداشت : پشت جلد به انگلیسی: Makarem shirazi. Some important poits about new moon seeing. یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس. موضوع : ماه -- رویت (فقه). شناسه افزوده : مدرسه الامام علی بن ابی طالب (ع). رده بندی کنگره : BP188/13 /‮م 7م5 1384 رده بندی دیویی : 297/354 شماره کتابشناسی ملی : 1082505

تمهيد:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مسائل مهمّة حول رؤية الهلال لقد طلب مني بعض الأخوة من طلّاب العلوم الدينية إبداء رأيي في المسائل المتعلقة برؤية الهلال مع بيان دليل مختصر.

و هذا الكراس يمثل استجابة لطلب هؤلاء الأعزاء و امتثالا للوظيفة الشرعية في هذه الظروف الخاصّة، و يتعلق البحث بأصل مسألة (رؤية الهلال) ثمّ نتعرض لمسألة (رؤية الهلال بالتلسكوب)، ثمّ مسألة (اتحاد الأفق).

و لكن قبل الشروع في البحث نشير إلى مسألة أهم من ذلك و هي الاختلاف المؤسف الذي حدث في السنوات مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 4

الأخيرة في مسألة «رؤية هلال شوّال» حيث بدّل أجواء العيد الجميلة إلى مرارة.

ففي يوم يصلي البعض صلاة العيد و يقولون «أسألك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ...» و غدا يصلي البعض الآخر صلاة العيد في تلك المدينة و في نفس ذلك المسجد و يدعون أيضا بهذا الدعاء، و لا يعلم أن المقصود من كلمة «المسلمين» في هذا الدعاء من هم؟

و يتحرك البعض على مستوى زيارة الأخوان و تبريك العيد لهم في حين أنّ البعض يصومون هذا اليوم و يدعون

بهذا الدعاء «يا علي يا عظيم ... و هذا شهر عظمته و كرمته .... و هو شهر رمضان ...» و أحيانا يقع مثل هذا الاختلاف في اسرة واحدة، في حين أنّ الإسلام دين التوحيد في جميع المجالات و لا موجب لكلّ هذه الاختلافات رغم اختلاف الفتاوى.

و يخشى الكثير من الناس أنّ الحالة ستتفاقم على هذا المنوال في الأعوام الآتية، و بالتالي تثار إشكالات و علامات استفهام حول تعاليم الإسلام و أحكام الشريعة لدى بعض البسطاء من الناس.

إنّ المشكلة الأصلية هنا أنّنا نواجه في مسألة رؤية

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 5

الهلال، التي هي من «الموضوعات»، كما نواجه مسألة فقهية و حكما من أحكام الشرع، في حين أنّنا نعلم أنّ الناس و إن كان الواجب عليهم في المسائل و الأحكام الفقهية إمّا أن يكونوا مجتهدين، أو يقلدون مجتهدا معينا، و لكنهم في الموضوعات (من قبيل رؤية الهلال) فإنّ كلّ شخص يمكنه العمل بعلمه و اطمئنانه.

و توضيح ذلك: أنّ وجوب صيام شهر رمضان المبارك يعدّ من ضروريات الإسلام و محكمات القرآن و لا أحد يشك في ذلك، و بما أنّ أصل وجوب الصوم من ضروريات الدين فالتقليد في هذه المسألة لا معنى له طبعا، و لكن في مورد الأحكام، الجزئيات، الشروط و الموانع للصوم يجب على المكلّف إمّا أن يكون مجتهدا، أو يتبع المجتهدين في هذه المسائل.

أمّا مسألة أنّ هذا اليوم هو من شهر رمضان أم لا؟ فإنّ ذلك من الموضوعات التي يمكن لكلّ إنسان أن يتحرك على مستوى العلم بها و تشخيص هوية هذا اليوم و العمل بالحكم المترتب عليه، و بعبارة اخرى أنّ كلّ مكلّف ثبت لديه أنّ هذا اليوم هو اليوم الأوّل من شهر

رمضان فإنّه يجب عليه صومه، و إذا ثبت أنّه عيد فعليه أن يفطر.

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 6

و بالرغم من أنّ الناس و بسبب اعتمادهم على مراجع الدين يتوجهون في هذه الموضوعات المهمّة أيضا إلى هؤلاء المراجع ليحصل لهم الاطمئنان في تشخيص الموضوع، و لكن لا يجب على مراجع الدين من الوجهة الشرعية ابداء نظرهم في هذا الموضوع و يمكنهم تفويض ذلك إلى الناس أنفسهم و القول بأنّ هذه المسألة من الموضوعات فعليكم التحقيق و الفحص ثمّ العمل.

و من جهة اخرى فإنّ الناس لو تحركوا في أمر التحقيق في هذه المسألة التي تتمتع ببعد عام و اجتماعي من موقع الاستقلال و الانفراد فسنواجه اختلافات كثيرة بسبب تعدد منابع التحقيق في هذا الموضوع، و ذلك يخالف روح الإسلام و لا ينسجم مع أجواء التعاليم القرآنية.

كما أنّ رجوع الناس إلى مراجع الدين بشكل منفرد و كلّ على حدّ يثير هذه المشكلة أيضا لأنه من الممكن أن يرجع بعض الشهود في مدينة معيّنة إلى مرجع ديني فيشهدون عنده برؤية الهلال، بينما يقوم البعض الآخر بالشهادة لدى مرجع آخر على خلاف ذلك، أو أنّ الشهود الذين شهدوا لدى المرجع الأوّل ليسوا مورد الاعتماد و الاطمئنان للمرجع الثاني، أو أنّ الشهود هؤلاء لم يوفقوا

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 7

في الحضور لدى مرجع آخر و أداء الشهادة نفسها.

كلّ هذه الأمور أدّت إلى ثبوت هلال الشهر عند أحد المراجع و عدم ثبوته عند مرجع آخر، و بذلك نشأ الاختلاف المؤسف و المثير للقلق بين الناس و أدّى أيضا إلى تهميش و اختزال عظمة العيد و الشهر المبارك و الشعائر المتعلقة بهما حتّى انسحب الحال هذا إلى داخل الأسر الدينية أيضا.

شورى رؤية الهلال:

هنا يوجد طريق واضح بإمكانه حلّ هذه الاختلافات و على الأقل أن يتحرك أهل البلد الواحد في طريق واحد و مسير معيّن و بذلك يتمّ الاحتفاظ بعظمة و جلالة الشعائر الدينية في هذا الشهر المبارك، و هو تشكيل شورى لمسألة رؤية الهلال من الخبراء في هذا الفن و نوّاب مراجع الدين حيث يتمّ جمع الأخبار و المعلومات الواصلة حول رؤية الهلال من جميع الأطراف، سواء بطريقة الشهود المباشر أو بطريق الاتصال بالخبراء في علم النجوم الّذين تؤخذ نظراتهم بعنوان مؤيد فيتم جمع هذه المعلومات و الفتوى على وفقها برأي واحد.

قد يقال: إذا لم يحصل لأعضاء الشورى نظر واحد (سواء

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 8

بسبب جرح و تعديل الشهود أو بسبب آخر) فما العمل؟

الجواب: إنّ المعيار في هذا الحال هو رأي الأكثرية، لأنّ أغلب الناس يحصل لديهم اطمئنان أكثر بهذه الصورة و يكون ذلك (أقرب إلى الواقع)، و بما أنّ البحث، كما تقدّم، هو بحث في تشخيص الموضوع لا تشخيص الحكم، فلا نواجه مشكلة في هذا المورد.

و قد يثار سؤال آخر، و هو أنّ مراجع الدين أحيانا يختلفون في فتواهم بالنسبة إلى الأحكام المتعلقة برؤية الهلال حيث سيترتب على ذلك تأثيرات خاصّة على هذه المسألة.

و نعتقد أنّ هذه المسألة لا تولد مشكلة مهمّة أيضا، و قد وجدنا طريق الحلّ لذلك رغم أنّ بيانه لا يسعه هذا المختصر.

و على اىّ حال يمكن اعتبار نظر الأكثرية كمعيار لرؤية الهلال شرعا فيما إذا تحرّوا الدقّة الكاملة و بالتالي يصحّ الاعتماد على رأي الأكثرية و العمل به لحصول الاطمينان به.

و بديهي أنّ الرسول الاعظم و اوصيائه عليهم السّلام لا يرضون لاتباعهم التوغل في دوامة الاختلاف و التفرقة في هذا

الأمر

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 9

المهمّ حتّى يمتد هذا الاختلاف إلى كلّ مدينة و كلّ اسرة و يؤدّي إلى توهين قوتهم و قدرتهم أمام الأعداء.

عند ما يسمح أئمّة أهل البيت عليهم السّلام من أجل حفظ شوكة المسلمين و وحدتهم أن يشترك أتباعهم في صلاة الجماعة لأهل السنّة رغم وجود اختلافات في الكثير من فروع الصلاة، فكيف يرضون بحدوث الفرقة بين أتباعهم في مسألة رؤية الهلال؟ و بالخصوص في هذا الزمان الذي تتنقل فيه الأخبار بسرعة من نقطة إلى نقطة أخرى في العالم.

و من العجائب أنّه بسبب عدم وجود شورى مركزية تأخذ على عاتقها مهمّة رؤية الهلال، و كذلك الاعتماد على شهود ليسوا من أهل الخبرة فإنّ الناس كانوا لسنوات مديدة يصومون الشهر المبارك (29) يوما و من النادر أن يتذكر الشخص أنّه صام شهر رمضان ثلاثين يوما!! و هذا من الناحية العلمية امر غير ممكن و لا يعلم من هو المسؤول عن ذلك؟

نأمل أن يفكر المسؤولون في المؤسسات الدينية باطروحة «شورى رؤية الهلال» و يكشفوا عن التعقيدات و الإشكاليات التي تلابس هذا الطرح المهمّ.

هل تكفي رؤية الهلال بالمراصد و التلسكوب؟

اشارة

المشهور بين مراجع الدين أنّ رؤية الهلال يجب أن تكون بالعين المجرّدة، و لكن بعض الفقهاء المعاصرين ذهبوا إلى كفاية مشاهدة الهلال بالتلسكوب.

و مع تحري الدقّة في الأدلّة الشرعية يتبيّن أنّ الرأي الثاني، مع احترامنا لجميع آراء المجتهدين، لا يوافق الأدلّة و القواعد الفقهية، لأنّه:

أوّلا: إنّ المعيار الوارد في الروايات المتواترة لثبوت الهلال هو «الرؤية»،

اشارة

و من ذلك ما ورد في الباب الثالث من أبواب شهر رمضان المبارك في وسائل الشيعة ما يقارب 28 رواية حيث تتفق غالبا على هذا المضمون و هو «إذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فافطر» أو «صمّ للرؤية و افطر للرؤية».

و نقرأ في الأبواب اللاحقة أيضا روايات في هذا المجال، و عند ما تتحدث الروايات عن «الرؤية» فتنصرف إلى الرؤية المتعارفة، و هي الرؤية بالعين المجرّدة و غير المسلحة، لأنّ الفقهاء يرون انصراف الاطلاقات في جميع أبواب الفقه للأفراد المتعارفة لا الافراد النادرة جدّا مثلا:

1- في باب الوضوء،

حيث ذهبوا إلى أنّ حدّ الوجه مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 11

الذي يجب غسله هو ما دارت عليه الابهام و الوسطى عرضا و من منبت الشعر إلى الذقن طولا.

ثمّ صرّحوا بأنّ المدار في هذا التحديد هو الأفراد المتعارفة من حيث طول الأصابع و محل إنبات الشعر و أمثال ذلك، و يجب على الأشخاص غير المتعارفين العمل طبقا للأفراد العاديين.

2- في باب مقدار الكر

حيث ورد تعيينه بالأشبار، فقالوا بأنّ المعيار هو الشبر المتعارف، و ما خرج عن المتعارف فليس بمعيار للكرّ في نظر الفقهاء.

3- في باب تعيين المسافة الشرعية

لقصر الصلاة و افطار الصيام حيث ورد تعيينها في الفقه بالقدم، و المعيار هو بالاقدام المتعارف.

4- في باب الصلاة و الصوم في المناطق القطبية،

أو القريبة من القطب حيث تكون الأيام و الليالي قصيرة جدّا و غير متعارفة، فقد يكون اليوم عدّة شهور و كذا الليل فإن الكثير من الفقهاء يرون لزوم رجوع سكان هذه المناطق إلى مقدار اليوم و الليلة في المناطق المتعارفة في تعيين الوقت للصلاة و الصيام.

5- في مسألة حدّ الترخص

(رؤية جدران المدينة، أو

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 12

سماع اذانها حيث صرّحوا بأنّ المعيار هو الرؤية بالعين المتوسطة (لا الحادة و لا الضعيفة) و الأذن المتوسطة و الأذان المتعارف، و أمّا ما خرج عن الحدّ المتوسط و المتعارف فليس بمعيار لهذه المسألة «1»، و قد ذهب إلى ذلك كبار الفقهاء المعاصرين.

6- بالنسبة إلى المنكرات التي يجب فيها حدّ الجلد (السوط)

حيث قالوا بأنّ السوط هنا هو السوط المتعارف، فيجب اجتناب السياط الثقيلة و غير المتعارفة، و كذلك السياط الضعيفة و القليلة التأثير.

7- في أبواب النجاسات

ذكروا أنّه إذا زالت عين النجاسة ظاهرا (كالدم مثلا) و لكن بقي لونه أو رائحته فهو طاهر، و الحال أنّنا إذا نظرنا إلى المحل بالميكرسكوب فإنّنا سنرى ذرات صغيرة من الدم حتما (لأنّ اللون و الرائحة يقترنان عادة بأجزاء المادة) و لكن بما أنّ هذه المشاهدة خارجة عن المتعارف فإنّها لا تكون مناطا للأحكام الشرعية.

8- إذا استهلكت النجاسة في ماء الكر (كما في مثال الدم)

فقد ذهب جميع الفقهاء إلى الطهارة، مع أننا لو نظرنا

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 13

بالميكرسكوب أو المجهر لرأينا ذرات من الدم في ذلك الماء.

مضافا إلى هذه «الموارد الثمانية» فهناك موارد اخرى في جميع أبواب الفقه نرى فيها أنّ كلام الشارع أو لسان الآية أو الرواية مطلق، و قد ذهب الفقهاء إلى انصرافه إلى «الفرد المتعارف».

و من المعلوم فيما نحن فيه أنّ المعيار في رؤية الهلال الواردة في الروايات المتواترة هي الرؤية المتعارفة، أي بالعين المجرّدة، و أمّا العين المسلحة فخارجة عن المتعارف و غير مقبولة.

و نحن لا يمكننا أن نتوجه في جميع أبواب الفقه بالنسبة إلى مطلقات الأدلّة إلى الفرد المتعارف، و لكن بالنسبة إلى رؤية الهلال نجعل المعيار و الملاك هو الفرد غير المتعارف.

ثانيا: ذهب البعض إلى أنّ المعيار في بداية الشهر هو «تولد الشهر في الواقع»

و أنّ الرؤية و المشاهدة لها جانب «طريقي» لا «موضوعي». و على هذا الأساس إذا علم الإنسان من خلال جهاز غير متعارف بوجود الهلال و تولده، كفى ذلك.

و في الجواب نقول:

إنّ ظاهر الروايات يقرر أنّ قابلية رؤية الهلال بالعين المجرّدة لها جهة موضوعية (و اكرر أن قابلية الرؤية بالعين المجرّدة) لأنّه:

إذا كان المعيار هو بداية الشهر من جهة واقعية، فسنواجه مشكلة مهمّة لا يمكن قبولها، و هي أنّ بداية الشهر كثيرا يكون قبل إمكان رؤية الهلال بالعين المجرّدة، و بعبارة اخرى أنّ هناك الكثير من الموارد التي يظهر فيها الهلال في السماء و لكن لا يراه أحد بالعين المجرّدة إلّا أنّ رؤيته ممكنة في الليلة اللاحقة.

و عليه لا بدّ من الاذعان إلى أنّ الهلال في كثير من الأحيان يظهر واقعا في ليلة سابقة، غاية الأمر بما أنّ أحدا من الناس لم يره بالعين المجردة فإنّ الليلة الثانية ستكون ليلة أوّل الشهر.

صحيح أنّ هؤلاء الناس سيكونون معذورين بسبب عدم رؤيتهم للهلال و عدم علمهم بأوّل الشهر و لكن هل يمكن القول بأن المسلمين منذ بداية البعثة و إلى الآن كانوا يقعون في هذا الاشتباه و الخطأ مرارا عديدة و بالتالي سيحرمون من إدراك فضيلة ليالي القدر و يصومون يوم العيد لأنّهم لم يخترعوا جهاز التلسكوب فيصلون صلاة

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 15

العيد في اليوم اللاحق (لأنّ الهلال كان موجودا في الليلة السابقة و لكن الناس لم يروه بالعين المجرّدة).

و حتّى الأشخاص الذين يرون كفاية رؤية الهلال بالتلسكوب يجب عليهم الاذعان إلى هذه الحقيقة، و هي أنّهم في السنوات الفائتة و كذلك مقلديهم كانوا يرون الليلة الثانية لشهر رمضان هي الليلة الاولى و أنّ عيد الفطر يقع في

اليوم الثاني من شوّال لأنّهم لم يكونوا يستخدمون سابقا التلسكوب، و إلّا فسوف يعلمون أنّ اليوم الأوّل من الشهر هو اليوم السابق و أنّهم لم يدركوا ليالي القدر كما هي في الواقع هل يلتزمون بهذا الامر؟!

إنّ كلّ هذه الامور تشهد بأنّ الملاك الحقيقي لمعرفة الشهر ليس هو وجود الهلال واقعا بل إنّ المعيار قابليته للرؤية بالعين المجرّدة.

و لقد قلنا في علم الاصول أنّ «الامارة» أو «الطريق الشرعي» لا يقع فيه الخطأ كثيرا، و أنّ الناس سيحرمون من درك واقع الأمر لو وقع فيها خطاء كثير، ففي موارد تكون الامارة كثيرة الخطأ عن الواقع ينبغي القول أنّ الامارة لها موضوعية لا طريقية (فتدبّر).

إنّه من غير المعقول أن يقال بحرمان النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 16

و سائر المعصومين عليهم السّلام و جميع المسلمين في السابق من إدراك فضيلة العيد و ليالي القدر، بل على العكس نحن نعتقد بأن استخدام التلسكوب في رؤية الهلال يؤدّي إلى أنّ الناس سيحرمون من نيل فضيلة أوّل الشهر و آخره، لأنّ المعيار الواقعي هو رؤية الهلال بالعين المجرّدة.

ربّما يتصور البعض بأنّ استخدام التلسكوب بإمكانه إزالة الاختلافات بين المسلمين في هذه المسألة، في حين أن هذا العمل ليس له أثر في ذلك إطلاقا، لأنّ قدرة التلسكوبات متفاوتة تماما، و كذلك بالنسبة إلى المناطق التي يتمّ فيها نصب التلسكوب أو من حيث وجود الغبار و البخار في الافق، و عليه فيمكن أن يشاهد الهلال بواسطة بعض التلسكوبات و المراصد، و لا يرى بالبعض الآخر و بالتالي سيبقى الاختلاف بين المسلمين و تتسع دائرة الفرقة.

هل يشترط وحدة الافق؟

اشارة

إذا رؤي الهلال في منطقة من العالم، فهل يكفي ذلك لإثبات الرؤية

في سائر المناطق الاخرى؟

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 17

إنّ المشهور بين فقهاء الامامية هو اشتراط وحدة الافق.

و قد صرّح المحقّق اليزدي قدّس سرّه في العروة الوثقى إلى القول بأنّه «يشترط تقارب البلاد أو وحدة الافق» و قد وافق عليه أكثر المحشين و شرّاح العروة.

و لكن ذهب بعض الأكابر من القدماء و المعاصرين إلى عدم لزوم هذا الشرط، و أن رؤية الهلال في منطقة معيّنة من العالم تكفي لثبوت الهلال بالنسبة إلى المناطق الاخرى (بشرط أن تشترك هذه المناطق في مقدار من الليل على الأقل).

و الفقيه المعاصر الذي ذهب إلى هذه الفتوى هو آية اللّه سيدنا الاستاذ الخوئي قدّس سرّه، ثمّ تبعه على ذلك جمع من تلامذته الأفاضل.

و أهم دليل يمكن أن يقال في تأييد هذا الرأي أمران:

الأمر الأول: إنّ طلوع الهلال (و خروجه من تحت الشعاع) ظاهرة سماوية ترتبط بالتقابل الموجود بين الشمس و القمر،

اشارة

و كلّما خرج الوجه المقابل لنا من القمر من دائرة الظلمة و برز إلى الشمس فإنّ هذا بداية شهر جديد، و لا يختلف الحال هذا بين المناطق المختلفة على الأرض، أي أنّ هذه ظاهرة سماوية لا أرضية.

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 18

و جاء في تقريرات دروسه قدّس سرّه:

«تكوّن الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلا للرؤية و لو في الجملة و هذا كما ترى أمر واقعي وجداني لا يختلف فيه بلد عن بلد و لا صقع عن صقع لأنّه كما عرفت نسبة بين القمر و الشمس لا بينه و بين الأرض فلا تأثير لاختلاف بقاعها في حدوث هذه الظاهرة الكونيّة في جوّ الفضاء» «1».

و لكن هذا الكلام ينسجم مع القول بأنّ الأرض مسطحة لا كروية،

في حين أنّ كروية الأرض في هذا العصر تعدّ من الامور المحسوسة، و إذا كان العلماء في سابق الزمان يثبتون كروية الأرض بأدلة نظرية فإنّ الأقمار الصناعية في هذا العصر قد التقطت صورا عن جميع مناطق الأرض و كذلك شاهد رجال الفضاء الأرض كروية، فهذا الموضوع أمر محسوس تماما.

و بعبارة اخرى: إنّ تكوّن و تولد الهلال يرتبط بثلاثة أشياء: القمر، الشمس، الأرض، لأنّ تكوّن الهلال عبارة عن مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 19

خط دقيق من القسم النوراني من القمر المواجه لأهل الأرض، و من المعلوم أنّ هذا القسم النوراني يراه بعض سكّان الكرة الأرضية الذين يقعون بمحاذاة هذا القسم، أسرع من غيرهم، و هذا الموضوع يمكننا إثباته بتجربة حسيّة، فعند ما نحضر ثلاثة كرات، أحدها نوراني من قبيل المصباح مثلا، و هناك كرتان ليس فيهما نور، فسوف نرى بكلّ وضوح أنّه إذا وضعنا الكرة الاولى الظلمانية في مقابل الكرة النورانية ما عدا خيط نوراني دقيق إلى

جهة الكرة الثالثة، فالأشخاص الذين يقفون بإزاء النقطة النورانية، فإنّهم سوف يرونها كخيط نوراني و أمّا الذين لا يقفون بإزاء هذه النقطة فإنّهم لا يرونها.

الشي ء الذي يمكن إدراكه بالحسّ لا يحتاج إلى توضيح أكثر، نعم إذا كانت الأرض مسطحة فإنّ المقولة المذكورة ستكون صحيحة، و لكن الأرض كروية قطعا.

الإشكال الآخر: على هذا الدليل أنّهم يقولون بأنّ جميع البلاد التي تشترك في جزء من الليل فإنها تشترك في رؤية الهلال في نقطة معيّنة و أن بداية الشهر لهم واحدة.

و مفهوم هذا الكلام أنّه إذا تكوّن الهلال مثلا في مكّة

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 20

عند غروب الشمس و شوهد فيها، فالمناطق التي تقع إلى جهة الشرق من هذا المكان و قد مرّت عليها عدّة ساعات من الليل إلى منتصفه أو إلى آخر الليل فإنّ ذلك يسبب تبدّل أوّل الشهر بالنسبة لهم، يعني أنّهم كانوا إلى منتصف الليل أو إلى آخر الليل يعتقدون أنّها الليلة الأخيرة من شهر رمضان لأنهم لم يروا الهلال في منطقتهم، و بالتالي فكانوا يقرءون أدعية الليلة الأخيرة من الشهر المبارك، و فجأة يعلن في منتصف الليل عن كون هذه الليلة هي ليلة أوّل شوّال، لأن الهلال قد شوهد عند غروب الشمس في مكّة في ساعات لا حقة فكان الى منتصف الليل الليلة الاخيرة شهر رمضان حقيقة ثمّ صار ليلة العيد حقيقة!.

و هذا أمر عجيب و غير قابل للقبول، لأنّ الهلال قبل عدّة ساعات (أي قبل غروب الشمس في مكّة كما هو مفروض البحث) لم يخرج من تحت الشعاع قطعا، و بعد خروجه كانت هذه الليلة هي ليلة أوّل الشهر، و هذا يعني أنّ شهر شوّال يبدأ في بعض المناطق من منتصف الليل

أو آخر الليل، بينما كان الناس في هذه المناطق ادركوا الليلة الأخيرة من شهر رمضان المبارك في بعض هذه الليلة.

قد يقال: إنّ ليلة أوّل الشهر كانت في وقت واحد

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 21

لجميع هذه المناطق، فهذا الكلام غير مقبول، لأنّه حسب الفرض أنّ الهلال خرج من تحت الشعاع بعد عدّة ساعات و لم يخرج لدى سكان هذه المناطق من تحت الشعاع إلّا بعد ساعات، فلم يكن خلال شهر شوّال طبعا، فما ذا يعني خروج و تولد الهلال في منطقة معيّنة إنّه هلال أول الشهر لجميع هذه المناطق؟ أي إنّ نصف الليل كان ملحقا بشهر رمضان و النصف الآخر من شهر شوّال. و بديهي أنّ المناطق التي تقع أبعد من ذلك بحيث لا تشترك مع هذه المنطقة في الليل (مثل كندا و أمريكا) فإنّ أوّل الشهر سيكون اليوم اللاحق قطعا، و هذا مشكل آخر.

الأمر الثاني: الذي يستدلّ به على عدم اختلاف الآفاق هو اطلاق الروايات،

اشارة

و خاصّة صحيحة هشام بن الحكم، حيث تشير إلى أنّ الهلال إذا شوهد في منطقة معيّنة كفى ذلك لإثبات الرؤية لجميع المناطق.

و هذه الرواية هي: «عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه (الامام الصادق عليه السّلام) أنّه قال في من صام تسعة و عشرين قال: إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما» «1».

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 22

و قد استدلّ بها أصحاب هذه النظرية أنّ اطلاق الرواية يدلّ على أنّ الهلال إذا شوهد في أي مدينة من مدن العالم كفى ذلك لإثباته في المدن الأخرى، البعيدة منها و القريبة.

كما يدلّ على ذلك بعض الروايات الاخرى.

الجواب: هذا الكلام بدوره قابل للمناقشة،

لأنّ الاطلاق في هذه الروايات منصرف إلى البلاد التي ينتشر فيها خبر الهلال بصورة متعارفة لا البلاد البعيدة عنها بفاصلة عدّة أشهر و من النادر وصول خبر الهلال لها بسرعة.

و بعبارة اخرى أنّ هذه الروايات ناظرة إلى البلاد المتقاربة في الأفق بحيث يمكن وصول الخبر في ذلك الزمان في فترة اسبوع أو شهر واحد، و لكن البلاد المختلفة في الأفق قد يطول السفر إليها بوسائل ذلك الزمان لعدّة أشهر فلا يشملها اطلاق هذه الروايات، لأنه من النادر أن يتحرك إنسان بعد عدّة أشهر لإيصال خبر أوّل الشهر و الفحص و البحث في ثبوته أو عدم ثبوته.

و حتّى لو شككنا في الاطلاق (و تحقّق مقدمات الحكمة) فإنّ ذلك يساوق عدم الاطلاق (كما ورد هذا الموضوع في علم الاصول).

و على هذا الأساس لا يمكن إثبات وحدة الحكم للبلاد

مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 23

البعيدة بمثل هذه الروايات التي لا تدلّ على حجيّة الشهادة بالرؤية إلّا بالنسبة إلى البلاد القريبة.

و الملفت للنظر أنّ

بعض القدماء استند لإثبات هذا المدّعى بلزوم «وحدة ليالي القدر» و تعيين مقدرات الناس في هذه الليلة و كذلك فضيلتها، في حين أنّ القائلين بهذا الرأي يرون وحدة أوّل الشهر في المناطق المشتركة في بعض الليل فقط، أي إنّهم يقولون بأنّ المناطق الاخرى من الكرة الأرضية (مثل كندا و أمريكا الشمالية و الجنوبية) التي يكون فيها الجوّ نهارا أثناء رؤية الهلال في منطقة اخرى، و عليه ستكون لديهم ليلة قدر اخرى قطعا و سيكون أوّل الشهر في تلك المناطق مختلف عن أوّل الشهر في غيرها فلم تحصل وحدة ليالى القدر.

و الأعجب من ذلك قول من يرى أنّ البلدان الإسلامية واقعة في منطقة تشترك في مقدار من الليل، في حين أنّ البلدان البعيدة يعيش فيها ملايين من المسلمين، مضافا إلى أنّنا نعتقد بأنّ الإسلام و أحكام الشريعة الإسلامية سوف تستوعب جميع مناطق الكرة الأرضية، فما ذا سيكون تكليف الناس في ذلك الزمان؟

و خلاصة الكلام أنّه كما قرر مشهور فقهاءنا و ما قامت مسائل مهمة حول روية الهلال، ص: 24

عليه الأدلّة القوية هو أنّ اتّحاد الأفق شرط في رؤية الهلال، و هذا الأمر ناشئ من كروية الأرض، كما هو الحال في اختلاف الوقت في الليل و النهار في البلدان المختلفة. و إذا كان المقصود هو حفظ الوحدة بين المسلمين (مع وجود كروية الأرض) فإنّ مثل هذه الوحدة ممكنة في منطقة من المناطق لا في جميع العالم الإسلامي لأنّ المسلمين الذين يعيشون في النصف الآخر من الكرة الأرضية سيكون لهم عيد مستقل حتّى على قول من يرى «عدم لزوم وحدة الأفق».

(و بالطبع فإنّ تفصيل الكلام في هذه المسائل يحتاج إلى مجال أوسع)، و اللّه العالم بحقائق أحكامه.

و الحمد

للّه ربّ العالمين ذي الحجّة 1426

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.