على مفترق طريقين

اشارة

عنوان و نام پديدآور : علی مفترق طریقین/مکارم الشیرازی مشخصات نشر : قم: مدرسه الامام علی بن ابی طالب(ع)، 1429ق.=1387ش. مشخصات ظاهری : 184ص. وضعیت فهرست نویسی : در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت) يادداشت : الطبعه الثانی شماره کتابشناسی ملی : 1514086

إشارة

ينقسم الوهابيون في هذا العصر إلى قسمين:

1- الوهابيون المتعصبون الذين يتهمون جميع المسلمين في العالم سواهم بالكفر والشرك ويفتون باستباحة دمائهم وأموالهم، ومن أبرز خصائص هذه الطائفة، الجمود الفكري والتعامل مع الآخر من موقع الخشونة والخصومة، والتهرب من الحوار المنطقي والعقلي، وقد ارتكبوا في أفغانستان والعراق والباكستان وحتى في موطنهم الأصلي «العربية السعودية» من المجازر وأشكال العنف والقسوة بحيث إنّ جميع العالم يعيش الكراهية لهم وقد رسموا للإسلام صورة مشوهة يستغرق تطهير أفكار البشرية من آثارها سنوات مديدة.

وقد وصل هؤلاء في هذا العصر إلى طريق مسدود وهم على مقربة من نهاية العمر و سيتركون الساحة قريباً.

2- الوهابيون المعتدلون المثقفون من أهل المنطق والحوار الذين يحترمون أفكار وعقائد سائر المفكّرين ويجلسون على طاولة الحوار البنّاء مع سائر المسلمين.

هؤلاء لا يفتون بقتل غيرهم ولا يرون المسلمين من المذاهب على مفترق طريقين، ص: 6

الاخرى كفاراً ومشركين، ولا يحكمون بإباحة أموالهم وأعراضهم، ونشاهد امتداد هؤلاء في الأوساط الثقافية أكثر ويزداد أتباعهم يوماً بعد آخر.

وهذه الظاهرة تمثل طليعة مباركة للعالم الإسلامي حيث انتشرت آثارهم وكتبهم في الحجاز في الآونة الأخيرة وظهرت أفكارهم على صفحات الجرائد والصحف ومن خلال المقابلات التلفزيونية.

أمّا تفصيل هذا الموضوع فستجدونه في هذا الكتاب.

قم- ناصر مكارم الشيرازي تشرين الثاني 1974 م

الفصل الأوّل عوامل السقوط

هل تقترب الوهابية من نهاية عمرها؟

صدر لي كتاب قبل عشر سنوات من سقوط الاتحاد السوفيتي «1» بعنوان «نهاية عمر الماركسية» «2»

، وقد أكّدت في هذا الكتاب ومن خلال القرائن والشواهد الموجودة، على نهاية عمر الماركسية قريباً وأنّ التيار الشيوعي في طريقه إلى الافول، وقلت في مقدمة هذا الكتاب:

«إنني أعتقد بهذه الحقيقة التي قد تبدو صعبة ومرّة لدى البعض، وكذلك عجيبة لدى البعض الآخر، وهي أنّ الماركسية تقترب من نهاية عمرها وتقف

على منزلق الافول والزوال، وأقول بصراحة إنّ الماركسية في نظر المفسّرين الأحرار تعتبر مذهباً فكرياً يتعلق بالماضي ولابدّ من وضعها في متحف التاريخ.

إنّ الماركسية قد جرّبت مختلف الطرق ومع ذلك فشلت في الوفاء بوعودها للمجتمع البشري، فهذه المدرسة لا تعد اليوم مدرسة فكرية حيّة من منظور منطقي وفلسفي وبقيت أحلام «ماركس» و «انجلس» «ولينين» في كثير من الموارد بدون «تعبير» أو تبيّن خطأُها في واقع على مفترق طريقين، ص: 10

الممارسة والتجربة.

إنّ الماركسية عبارة عن فكر لا يستطيع مواكبة العصر وقد تجلّت المثالية والطوباوية لهذا الفكر بصورة مشهودة.

إنّ الماركسية تنحدر في طريقها إلى العزلة التامة والتمزّق لعشرات الفرق المتناثرة في جميع بلدان العالم بحيث لا نجد في «ماركسية الرفيق ماو» شبهاً «لماركسية أنور خوجه» أو «فيدل كاسترو» وقس على هذا ...» «1».

أجل، فقد انهار الاتحاد السوفيتي كما كان المتوقع له، وكان مصيره، مع كل ادّعاءات الماركسية من البشارة بزوال الرأسمالية وسيطرة الشيوعية على جميع أرجاء العالم، أن وضع في متحف التاريخ.

إنّ هذا التوقع لمصير الماركسية ليس من قبيل «علم الغيب» و «لا الكهانة» بل ينطلق من فهم الطبيعة الماركسية. والآن نعيش في هذا العصر الشواهد والقرائن الكثيرة على نهاية «عمر الوهابية المفرطة» إذ يفقد هذا المذهب أتباعه وحماته بسرعة ويتوجّه نحو متحف التاريخ، ونرى معالم هذا الانهيار واضحة وجليّة في هذه الحركة، فهناك عوامل في داخل اصول «الوهابية المفرطة» لا تدعو لدوامها ولا تقبل باستمرار حياتها خاصة في عالمنا المعاصر.

هذه العوامل عبارة عن:

1- القسوة والخشونة المفرطة.

2- فرض العقيدة.

على مفترق طريقين، ص: 11

3- التعصب الشديد والمفرط.

4- عدم معرفة القيم والثقافة المعاصرة.

5- الجمود والتصدى لكل ظاهرة جديدة.

6- ضعف المنطق والاستنباط الخاطى ء لستة مفردات قرآنية.

وستجد تفاصيل هذه الامور في

الابحاث اللاحقة.

على مفترق طريقين، ص: 13

1- القسوة والخشونة المفرطة

اشارة

إنّ استخدام العنف والقسوة المفرطة عند الوهابيين المتشددين لا يخفى على أحد، فظاهرة القتل الفجيع التي يرتكبها الوهابيون بحق المسلمين «لا الكفار الحربيين» طيلة تاريخ هذا المذهب، موحشة ورهيبة جدّاً.

إنّ الجميع يتذكر سيل الدم الذي سفك من الشيعة في مدينة كربلاء ونهب أموالهم وتدمير هذه المدينة المقدّسة. «1»

والأعجب من ذلك، المجزرة الرهيبة التي ارتكبها هؤلاء في مدينة الطائف بحق المسلمين من أهل السنة.

وتشير هذه الأرقام إلى أنّ العنف والقسوة يدخلان في صميم تعاليم الوهابية، وسبب ذلك استنباطهم الخاطى ء من مفردة الكفر والإيمان، والتوحيد والشرك، حيث يتهمون أي مسلم بالشرك بسهولة ويهرعون بعد ذلك لاستباحة دماء وأموال المسلمين كما سيأتي بيانه إن شاء اللَّه.

على مفترق طريقين، ص: 14

إنّ إمام هذه الطائفة- وطبقاً للوثائق القطعية التي سنشير إليها لاحقاً- يعتقد بأنّ المسلمين في عصره أشدّ كفراً من المشركين في زمان الجاهلية، وبهذا النمط من التفسير يتضح جليّاً المصيبة التي ستنزل بالمسلمين، حيث يكفينا إلقاء نظرة على مجريات الأحداث في عصرنا الحاضر دون الحاجة إلى مراجعة التاريخ، إنّ من جملة الثمار المرّة لشجرة العنف هذه تمثلت في هذا الزمان بحركة «الطالبان» و «جيش الصحابة» وبعض التشكيلات الاخرى، كالقاعدة، ورأينا الصورة القبيحة التي رسمها هؤلاء عن الإسلام في أذهان البشرية، وكيف أنّهم وجهوا بذلك ضربة شديدة للإسلام الذي تحرك ليمتد إلى مختلف أرجاء المعمورة.

واللازم في البداية ان نعترف قليلًا على حركة الطالبان.

حركة الطالبان

لقد تأسست هذه الحركة عام 1994 م بواسطة ملا محمد عمر في مدينة «قندهار» الواقعة إلى الجنوب من أفغانستان، وقد امتدت سيطرتها منذ عام 1996 الى عام 2001 لتشمل معظم بلاد أفغانستان.

بدأت حركة الطالبان بصورة ضعيفة في بداية أمرها منذ سنة 1979 إلى 1985 حيث كانت أفغانستان

تحت سيطرة القوات الروسية وكانت تعيش الحرب والفوضى ممّا مهّد ذلك الأرضية لخلق حركة الطالبان.

على مفترق طريقين، ص: 15

وفي عام 1980 م احتلت الجيوش السوفيتية أفغانستان وبدأت القوى الإسلامية في أفغانستان بالتصدي للقوات المحتلة بدعم أمريكي، ولهذا لم يستمر الاحتلال الروسي لأفغانستان طويلًا.

وبعد انسحاب القوات السوفيتية من بعض المدن مثل ازبك وتاجيك في عام 1989 م وجدت مجموعات مسلحة صغيرة الفرصة لنيل امتيازات سياسية في ذلك الوقت، وفي تلك الأيّام برزت قوّات الطالبان بعنوان حركة إسلامية جديدة.

لقد عزم أفراد هذه الحركة، وهم من أصل «بشتو» على مدّ نفوذهم وسيطرتهم إلى جميع أنحاء البلاد وتسخير الحكومة المركزية في كابل العاصمة، وفي هذه المدّة كانت أمريكا تمدّهم بالسلاح والقوة العسكرية.

وفي بداية تشكيل هذه الحركة انظم لها آلاف الشباب الذين كانوا يعيشون في مخيمات اللاجئين وأكثرهم من اليتامى وبدون قيّم.

لقد طرح الطالبان أنفسهم على أساس أنّهم «جيش الصلح» وبذلك ضمنوا لهم تأييداً شعبياً واسعاً من جماعة البشتو الذين تعبوا من حالة الفوضى والحرب المستمرة في بلادهم، في حين أنّ الكثير من أفراد حركة الطالبان كانوا قد درسوا في مدارس الوهابيين المتشددين في باكستان.

وقد بدأ الطالبان حربهم عام 1994 إلى 1995 م في المنطقة الجنوبية والغربية من أفغانستان وقندهار وسيطروا على هرات وسائر المدن المجاورة، وفي عام 1995 م وصلوا إلى أطراف كابل، ولكن على مفترق طريقين، ص: 16

القوات الحكومية تمكنت من دحرهم في ذلك العام، ولكنّ الطالبان استمروا في السعي لاحتلال كابل إلى أن تمكنوا من ذلك في عام 1996 م وسيطروا على العاصمة تماماً، وكانت نتيجة هذه المعارك وقوع خمسين ألف قتيل! وقد استطاع «برهان الدين رباني» و «قُلب الدين حكمت يار» الهرب إلى شمال البلاد، وقام

الطالبان بعد احتلالهم العاصمة كابل بإعدام «محمد نجيب اللَّه» رئيس الحكومة السابقة الموالية للاتحاد السوفيتي.

وفي هذه الفترة قام الطالبان بتطبيق قوانينهم القاسية وأحكامهم المذهبية التي تستمد مقوماتها من المذهب الوهابي المتشدد.

وقد أسس ملا محمد عمر الذي يعتبر أعلى عضو في حركة الطالبان، شورى مكوّنة من أعضاء الحركة في أعلى المراتب، ولكنّ القانون النهائي يجب أن يصدر بإمضاء «ملا محمد» ليقع موقع التنفيذ.

وقد كان الطالبان يبثون نداءاتهم وقوانينهم من راديو كابل وكذلك بواسطة مكبّرات الصوت المثبتة على الشاحنات، وقاموا بتعطيل دور السينما والمسرح وإجبار الرجال على إقامة الصلوات في المساجد من خلال القوة والجلد بالسياط وعطلوا مدارس البنات ومنعوا عمل النساء خارج البيت. وكانت نتيجة ذلك عزل أكثر الموظفين في المستشفيات في حين أنّ الكثير من النساء في أفغانستان كنّ قد فقدن أزواجهنّ في الحروب الدامية وعجزن بذلك عن تأمين نفقات المعيشة.

وقام الطالبان بإنزال العقوبات القاسية بالمجرمين بدون تشكيل على مفترق طريقين، ص: 17

محكمة وذبحهم كالخراف، وليس مهماً لديهم من يقتلون، شيعي أو سنّي، إنّهم يذبحون كل مخالف لهم.

وبذلك وجد «اسامة بن لادن» مكاناً آمناً في أحضان الطالبان، لأنّه قدّم مساعدات كبيرة في عقد الثمانينات لصالح أفغانستان وضد الاتحاد السوفيتي، وفي نهاية الحرب المذكورة تأسست منظمة «القاعدة» وبذلت جهوداً كبيرة في تقوية ودعم حركة الطالبان حيث كان أفرادها يقاتلون مع الطالبان جنباً إلى جنب ضد قوى الائتلاف في شمال أفغانستان.

وقد أدرك الأمريكيون أنّ «ابن لادن» رجل ارهابي ونابغة من خلال هجومه عام 1998 على سفارة أمريكا في كينيا وتنزانيا وكانت حصيلة ذلك الهجوم قتل 250 أو 190 شخصاً وأكثر من 1400 جريح.

ويقول الأمريكيون: إنّ الهجوم الارهابي التي تعرضت له أمريكا في 11 أيلول كان بتوسط ابن

لادن، وبديهي أن تطلبه أمريكا من الطالبان ولكن زعيم الطالبان رفض هذا العرض رفضاً قاطعاً لأنّه كان بنفسه يدور في فلك «ابن لادن»، وكان يعتقد أنّ مصالحه في بقاء ابن لادن إلى جانبه.

وفي شهر اكتوبر بدأت أمريكا هجومها ضد الارهاب وخصصت قسماً من هذا الهجوم لحركة الطالبان والقاعدة، وقد رافقتها بريطانيا في هذا الهجوم، وفي هذا الوقت تحركت قوى الإئتلاف في الشمال لتوجه ضربتها ضد الطالبان بدعم من القوات الامريكية واستطاعوا

على مفترق طريقين، ص: 18

أخيراً العودة إلى كابل والاستيلاء على ا لمدن المهمّة في أفغانستان وطرد طالبان منها وبالتالي فقدت حركة الطالبان القدرة على المقاومة تماماً وسلَّمت مدينة «هرات» إلى القوات الغازية في ذلك العام نفسه.

عندما وصل الطالبان إلى أوج القدرة والسلطة كانوا يستمدون العون من باكستان والسعودية وأمريكا، ولكنّ هذا الدعم العسكري والمادي قد توقف بعد حين.

وعلى أساس تخمينات المطّلعين فإنّ حركة الطالبان في عام 1995 و 1996 كانت بحاجة إلى (70) مليون دولار سنوياً لضمان استمرار نشاط الحركة وحيويتها. وقد كتبت صحيفة هندية «التحليل الاستراتيجي» أنّ القسم الأكبر من هذه الميزانية كان يصل إلى حركة الطالبان من المملكة العربية السعودية. وتقول صحيفة «نيوز ويت» في إحدى تحليلاتها عن هذا الموضوع: إنّ الرياض تعد أهم منبع مالي لحركة الطالبان.

وقد التقى «الملا محمد عمر» زعيم حركة الطالبان في إحدى سفراته إلى السعودية بالمسؤولين الكبار في هذا البلد وعقد معهم عدّة مباحثات وحصل على معونة بمبلغ 10 ملايين دولار لضمان نشاط حركته وإدامة عمليات العنف والارهاب التي تعزم القيام بها هذه الحركة، ولكن كما تقدمت الإشارة إليه فإنّ هذه الدول أعرضت بعد حين عن حركة الطالبان وألقت بحكومة الطالبان في مزبلة التاريخ.

على أيّة حال، فبسبب عمليات

العنف المتتالية واللامحدودة لأفراد هذه الحركة، وقف العالم منهم موقف المتفرج عندما قامت على مفترق طريقين، ص: 19

أمريكا التي تمثل قاعدة العنف والارهاب في العالم، بالهجوم على أفغانستان، بل إن دول العالم ساهمت في اسقاطهم، وبالرغم من المشاكل والصعوبات التي واجهها الشعب الأفغاني من الاستعمار الأمريكي الجديد، إلّاأنّ الشعب الأفغاني رجّح القوات الأمريكية على الطالبان، لأنّ الافغانيين يرون أنّ عنف وقسوة الطالبان أشنع وأشد من عنف الأمريكيين وقسوتهم.

وكما تقدم أنّ الطالبان منعوا البنات والنساء من التحصيل العلمي وحاربوا مظاهر الحياة الجديدة مهما كانت مفيدة ونافعة باعتبار أنّها «بدعة».

ومن جهة، كان الطالبان يتعاملون مع الشباب الذين يحلقون لُحاهم من موقع التوبيخ وأحياناً يزجون بهم في السجون، إلّاأنّهم، من جهة اخرى، سمحوا بزراعة المخدرات بشكل واسع وساهموا بشكل فعّال بتصديرها إلى خارح أفغانستان، وفي نفس الوقت أفتوا بحرمة تدخين التبغ!! والسبب هو عائدات المواد المخدرة الضخمة على البلاد بحيث كانوا يشترون الأسلحة من هذه العائدات المالية لقتال اخوتهم في الدين، ولا أحد يفهم جيداً كيفية الجمع بين هذه الامور المتناقضة عملياً، فالتدخين حرام، وإعفاء اللحية واجب، وفي نفس الوقت يجوز زراعة وتهريب المواد المخدرة والمحرمة كالهروئين والترياق!! «1»

على مفترق طريقين، ص: 20

والآن نلقي نظرة على جيش الصحابة.

جيش الصحابة

لقد عاش الشيعة وأهل السنة في شِبه القارة الهندية قروناً متمادية جنباً إلى جنب، على أساس الاخوة الإسلامية، إلى أن جاء الوهابيون المتعصبون وشرعوا بالتعرض للشيعة بالقتل والتنكيل، وسمّوا أنفسهم «جيش الصحابة» حيث قاموا باغتيالات وأشكال فجيعة من القتل في صفوف هذه الطائفة من المسلمين وأخذوا يقتلون الرجال والنساء والأطفال بشكل عام، ومن جهة اخرى قام بعض الشيعة أيضاً ومن موقع ردّة الفعل بالانتقام لقتلاهم. وهكذا سادت أجواء الرعب والفوضى

في ذلك المحيط الآمن، إن ظهور جيش الصحابة وكيفية نشاطاته جاءت على لسان وكالات الأنباء العالمية كالتالي:

إنّ هذ الجيش يدّعي أنّه من أتباع نبي الإسلام والدين الإسلامي، ولهذا السبب أطلقوا على أنفسهم «جيش الصحابة» وهم جماعة من المتعصبين والمتشددين ويمثلون فرقة من فرق أهل السنّة.

تأسست هذه الفرقة في بداية 1980 بواسطة رجل سنّي يدعى «مولانا حق نواز جهان گويي» واتفق ذلك في بدايات الثورة الإسلامية في ايران، والغرض من تأسيسها تحجيم تأثير الثورة الإسلامية الايرانية على الشعب الباكستاني.

إنّ أحد الأهداف المهمّة لهذه الجماعة هو التصدي لمواكب العزاء

على مفترق طريقين، ص: 21

في ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام. وقد طلبت مجلة «الخلافة الراشدة» مرات عديدة طيلة سنوات صدورها من الحكومة الباكستانية، الحدّ من هذه المظاهر الدينية وازالة جميع الحسينيات والمراكز الشيعية ومنع إقامة مراسم العزاء للإمام الحسين عليه السلام في جميع المدارس والجامعات. ومن الطبيعي أنّ الحكومة الباكستانية لم تستجب لهذه المطالب.

ومن الأهداف الاخرى لهذه الجماعة محاربة حركة شيعية باسم «تحريك جعفري» التي تأسست في باكستان في عام 1979. وأحد الأسباب الرئيسية لتشكيل جيش الصحابة هو مناهضة الخطر الشيعي وبدافع الخوف من نمو قدرة الشيعة السياسية والمذهبية والعسكرية في المنطقة، وعلى أساس الاحصاءات التي أعلنها «پرويز مشرَّف» فإنّ عدد القتلى بلغ في عام واحد 44 نفراً من الطرفين خلال المواجهات المسلحة بين هاتين الحركتين.

ومضافاً إلى هجمات فرقة «جيش الصحابة» العدوانية على الشيعة في باكستان فإنّ الايرانيين المقيمين في باكستان لم يسلموا من تحرشاتهم وعدوانهم بذريعة أنّ هؤلاء الايرانيين مدعومون من قبل الحكومة الشيعية في ايران فلابدّ من اجتثاثهم وإزالتهم!!

ويهدف جيش الصحابة إلى الاعلان عن (باكستان سنّية تماماً) حيث توجد قلاع عسكرية محصنة لهذه الفرقة في أكثر

المناطق الجنوبية في الباكستان، وكذلك في المنطقة المركزية والمزدحمة «بنجاب» وعلى حدود كراچي، ويبلغ عدد المكاتب الفعّالة لهذه على مفترق طريقين، ص: 22

الجماعة «500» مكتبٍ، ويوجد في كل قسم من محافظة «بنجاب» فرع لهذه الجماعة التي يبلغ عددها 100 ألف نفر ولديهم نشاطات في بلدان ودول اخرى مثل الامارات والعربية المتحدة، والمملكة السعودية، وبنكلادش، وكندا، و ... وإنّ الكثير من المدارس والحوزات العلمية في ولاية بنجاب تدار بواسطة هذه الجماعة، والأخبار الواصلة تؤكد أنّ الكثير من المدارس الدينية السنية في خارج الباكستان تدار تحت اشراف معلمين من قوات «جيش الصحابة»، حيث يتمّ تدريب الأفراد على مهمّة اغتيال المخالفين.

وقد اغتيل «مولانا جهان گويى» عام 1990 م وكان قد اشترك في ذلك العام نفسه في انتخابات الشورى الوطنية بيدَ أنّه لم يكسب هذه الانتخابات لصالحه، ولكنّه كان يتمتع بشعبية واسعة بين أفراد هذه الجماعة. وقد استلم «مولانا أعظم طارق» مسؤولية قيادة هذه الجماعة بعده.

وقد كان «جيش الصحابة» مؤيداً ومحمياً من قبل حركة الطالبان وبدوره أعلن «أعظم طارق» عن حمايته السافرة لزعيم حركة الطالبان وكان يؤيد بشدّة قوانينهم التعسفية مثل تحريم التلفزيون، وقد كان أعظم طارق في البداية يدافع عن «لشكر جهان گويى» ولكنّه بعد ذلك وفي عام 2003 م أنكر علاقته ب «لشكر جهان گويى» وادّعى أنّ بعض أعضاء جيش الصحابة يخالفون المنهج المسالم لإجراء وتطبيق القوانين الإسلامية، ولذا أسّسوا «لشكر جهان گويى» واهتمّ أعظم طارق بقيادة (103) عمليات لاغتيال رموز الشيعة وشخصياتهم.

على مفترق طريقين، ص: 23

أمّا المصدر المالي المُموِّل لهذه الجماعة فإنّه يتمثل بأثرياء السعودية ودول الخليج من أهل السنّة المتشددين، وأحياناً يحصلون على المعونات من الفرق المتشددة في الداخل مثل «جماعت اسلامى» و «جماعت علماى

اسلام» وسائر الفرق والحركات الموالية الاخرى، وفي عام 2001 م قررت حكومة الباكستان التصدي للجماعات المتشددة، ولكنّ جيش الصحابة استمر في نشاطه المخرّب بعد خمسة أشهر من هذا القرار، ومن هنا تحرك «پرويز مشرف» في 12 جانويه عام 2002 لمنع نشاط جيش الصحابة وأعلن عن ذلك رسمياً، ثم هاجمت القوات الباكستانية هذه الجماعة وألقوا القبض على الكثير من أفرادها.

بعد هذه الحادثة استمر أعظم طارق في نشاطاته تحت عنوان جديد وباسم «ملت اسلاميه» وحصل على مبالغ طائلة من أتباعه في الخارج. وفي 15 نوفمبر عام 2003 م أعلنت الحكومة الباكستانية عن منع نشاط هذه الجماعة أيضاً وألقت القبض على أعضائها الأصليين وأوصدت حساباتهم المصرفية وهاجمت مواقع اجتماعاتهم في البيوت والمساجد وسائر الأماكن الاخرى، وقد ألقت الحكومة الباكستانية أيضاً القبض على 600 شخص كانوا يعملون في نشاطات اخرى لصالح هذ الجماعه وتحت أسماء مستعارة، وحكمت عليهم بدفع مائة ألف روبيه كضمان.

في بداية شهر أكتوبر 2001 تمّ القاء القبض على «أعظم طارق» ولا يزال قابعاً في السجن وقد اشترك في انتخابات العاشر من اكتوبر

على مفترق طريقين، ص: 24

وفاز في هذه الانتخابات وصار عضواً في مجلس الولاية في بنجاب وبالتالي اطلق سراحه في 30 اكتوبر، وقد شرع بعد عدّة أشهر من اطلاق سراحه بالعمل على تأييد الحكومة المنتخبة ل «ظفر اللَّه خان جمالي» ومع ذلك استمر في نشاطه الارهابي ضد الشيعة.

وفي عام 2003 م اغتيل أعظم طارق، وانتشرت قوات الأمن بعد اغتياله في المنطقة، وفي اليوم التالي اشترك طلّاب مدرسته في مراسم تشييع جنازته بصخب وهياج ومرّوا بجنازته مقابل بناء المجلس في إسلام اباد وصلّوا على الجنازة هناك، ثم هاجم هؤلاء الطلّاب المحلات التجارية والمطاعم و دور السينما وأضرموا

فيها النيران ودمروا الكثير من الأماكن «1».

على أيّة حال فقد اقترن اسم «جيش الصحابة» بالعنف والخشونة والقتل الهمجي حتى قتل المصلّين في المساجد المنتشرة في جميع مناطق الباكستان، و اخبارها انتشرت فى كثير من الجرائد العالمية و المحليّة.

الارهاب والعنف في العراق

لقد أظهر الوهابيون المتعصبون في السنوات الأخيرة وجهاً آخر لإرهابهم وممارساتهم للعنف في العراق واستطاعوا قتل الأبرياء من على مفترق طريقين، ص: 25

النساء والرجال والعجزة والشباب من أتباع السنّة والشيعة والأكراد وصبغوا الأرض بدمائهم وتناثرت أبدان هؤلاء الأبرياء في الشوارع والأزقة.

ولم يقتصر العجب والذهول من هذه الممارسات على المسلمين فحسب، بل جميع الشعوب في العالم غرقت في دوامة الفزع من هذه الجرائم حيث تساءلوا: هل أنّ هؤلاء عطاشى لدماء البشر؟! وما الهدف الذي يبتغيه هؤلاء من هذا القتل العشوائي؟ وما هو الدين الذي يعتنقه هؤلاء؟

إنّ البعض يصر على نسبة هذه الممارسات لبقايا حزب البعث فى العراق، ولكنّ هذا اشتباه كبير حيث استفاد هؤلاء القتلة في كثير من المجازر، من الاسلوب الانتحاري، ونعلم أنّ البعثيين لا يستخدمون هذه الطريقة اطلاقاً، فهي طريقة الوهابيين المتعصبين فقط الذين يرون أنفسهم مسلمين، وبقية الناس مشركين يجوز قتلهم وسفك دمائهم.

العنف في موطن الوهابية

والأعجب من ذلك أنّ هؤلاء الوهابيين المتعصبين لم يرحموا الناس حتى الوهابيين من موطنهم أيضاً حيث امتدت قسوتهم إلى تلك المناطق أيضاً وذلك من خلال الانفجارات العديدة التي هزّت الرياض وجدّة وبعض المناطق الاخرى وقتلت المواطنين الأبرياء في على مفترق طريقين، ص: 26

هذه المدن ايضاً.

وقد بلغت قسوة هؤلاء أنّ خطباء صلاة الجمعة أعلنوا في مراسم الحج عام 1425 ه ق في اجتماع حاشد من المصلين والحجاج براءتهم من هذه الجماعة وشجبهم لممارساتهم الارهابية الدامية ورفعوا أصواتهم بشعار «لا للتكفير ولا للارهاب» وقد وصل الأمر إلى حدّ أنّ حكومة السعودية اضطرت لتشكيل مؤتمر كبير حول «الارهاب» ودعت الكثير من الشخصيات المهمّة من دول العالم لغرض تنظيم برامج لدرء خطر الارهاب والتصدي له.

ولكن من هم الارهابيون؟ إنّهم هم الوهابيون المتعصبون الذين يتهمون

الآخرين بالكفر ويبيحون سفك دمائهم، إنّ حكومة السعودية أرادت بهذا العمل إعلان البراءة من هؤلاء من جهة، وتدبير خطة للتخلص من شرّهم من جهة اخرى.

على أيّة حال فقد أدّت هذه الممارسات السلبية «مع الأسف» إلى تلويث سمعة الإسلام في أذهان الكثير من الناس في العالم، واقترن اسم الإسلام بالارهاب وصار ذريعة بيد أعداء الإسلام لبث الدعايات في الكثير من الدول على أساس أنّ المسلمين «جماعة من القتلة!».

وبالطبع فإنّ دعايات الأمريكيين وخاصة الصهاينة ساهمت كثيراً في تقوية هذا المفهوم السلبي عن الإسلام، في حين أنّ الإسلام دين المحبّة والصلح والعدالة وسيبقى كذلك.

على مفترق طريقين، ص: 27

الجميع يعلم أنّ القرآن الكريم يتضمن 114 سورة تبدأ كلها «ما عدا واحدة» بعبارة «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» حيث تشير إلى رحمة اللَّه العامة والخاصة، وأمّا تلك السورة الواحدة التي لم تذكر فيها البسملة فكانت لإعلان الحرب على المشركين الذين نقضوا عهد الصلح مع المسلمين.

إنّ القرآن الكريم يقرر بصراحة مخاطباً النبي الأكرم صلى الله عليه و آله: «وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» «1».

وقد رود في الروايات الإسلامية: «هل الدين إلّاالحب» «2»

، فهذا الدين قد بني على أساس الحب للَّه وللرسول والصالحين ولجميع الناس، وهذا الدين القائم على المحبة قد أصابته يد التشويه من خلال الممارسات القاسيه لفرقة الوهابية إلى درجة أنّ أعداء الإسلام استثمروا ذلك كذريعة لتوجيه أقوى ضرباتهم لهذا الدين.

جذور العنف في تعاليم علماء الوهابية

في البداية نستعرض تاريخ موجز عن حياة وسيرة قادة الوهابية وعلمائهم من خلال ما كتبه عنهم المؤرخون في بلاد المشرق والمغرب.

المشهور أنّ «محمد بن عبدالوهّاب» زعيم المذهب الوهابي، ولد

على مفترق طريقين، ص: 28

عام 1115 ه ق في مدينة صغيرة من مدن الحجاز «العُيينة» وتوفي في عام 1207 ه

ق كان والده من القضاة الحنابلة وكان يعلّم ابنه في طفولته. يقول صاحب كتاب «ازالة الشبهات»: لقد كان محمد بن عبدالوهاب محبّاً للمطالعة منذ الطفولة حيث قرأ كتب «ابن تيمية» و «ابن القيم ا لجوزي» من علماء القرن الثامن الهجري، وشكّلت هذه التعاليم أساساً لأفكاره واطروحاته.

وقد ذكر كثيرون أنّ والده أدرك الانحراف الفكري لدى ابنه الشاب وكان قلقاً من مستقبله ويحذره باستمرار من عاقبة هذه الأفكار.

سافر محمد بن عبدالوهاب عدّة أسفار وبقي فترة في مكة والمدينة ثم رحل إلى البصرة وتوجه من هناك إلى ايران وبقي في إصفهان يدرس عند عالم يدعى ميرزا جان الاصفهاني ثم توجه إلى قم وبقي هناك مدّة قليلة وبعدها سافر إلى تركيا العثمانية والشام ومصر ثم عاد إلى شبه الجزيرة العربية «نجد» وأعلن عن عقائده وأفكاره.

في البداية واجه مخالفة شديدة من قبل جماعة وطرد من مدينة «حريملة» فتوجه إلى مدينة «عيينة» واطّلع أمير الاحساء والقطيف «سليمان بن محمد» على خطر افكاره على الامّة الاسلاميه فأمر حاكم العُيينة «عثمان» بقتله، ولكن عثمان لم يرغب في تلويث يده بقتله، فأمر باخراجه من المدينة، وأخيراً لجأ عبدالوهاب إلى مدينة «الدرعية» حيث كان يحكمها رجل من قبيلة غنزة يدعى «محمد بن على مفترق طريقين، ص: 29

سعود» فالتقى محمد بن عبدالوهاب بهذا الرجل وعرض عليه أفكاره ووعده أن يعينه للسيطرة على جميع منطقة «نجد». فشعر «محمد بن سعود» جد ملوك السعودية أنّ بإمكانه الاستعانة بمحمد بن عبدالوهاب لتوسعة منطقته، وخاصة عندما شاهد الشباب النشيطين الذين كانوا يحيطونه ويأتمرون بأمره فبإمكانهم أن يكونوا قوة ضاربة لتحقيق أهدافه وطموحاته.

وهكذا وعد ابن سعود بمساعدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدفاع عنه بشرطين: أولًا: أن لا يقيم الشيخ أيّة علاقة

ورابطة مع غيره، والآخر، أن يستمر في قبض الخراج السنوي من أهالي مدينة الدرعية، فقبل الشيخ بالشرط الأول ولكنّه رفض الثاني بشكل تلويحي وقال: إنني أرجو أن تصيب فتوحات وغنائم كثيرة أكثر من خراج الدرعية.

ولا ينبغي الغفلة عن أنّ الغنائم التي كان ينتظرها الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي بالدرجة الاولى من أموال المسلمين بالحجاز ومكة والمدينة ثم سائر البلدان الإسلامية من الذين لم يعلنوا عن اتّباعهم له واعتناقهم لمذهبه، لأنّه، كما تقدمت الإشارة إليه، أنّ عبدالوهاب يرى جميع المسلمين سوى فرقته، من المشركين ويفتي باباحة دمهم وأموالهم. وقد هاجم أتباع محمد بن عبدالوهاب مدن الحجاز وارتكب مجازر فضيعة لغرض إشاعة مذهب الوهابية كما في الفتوحات وأشكال الغزو، وحاز و اعلى ثروات طائلة.

وبعد وفاة محمد بن عبدالوهاب استمر ملوك السعودية في دعم على مفترق طريقين، ص: 30

هذه الحركة وعملوا على توسعة بلادهم وسيطروا على منطقة نجد والحجاز.

ومن جملة الممارسات الفظيعة جدّاً في تاريخ الوهابية، حتى أنّ المؤرخين الوهابيين اعترفوا بها، المقتلة والمجزرة الرهيبة التي ارتكبها هؤلاء في مدينة الطائف «1»، والأفجع من ذلك المجزرة التي ارتكبوها في حق أهالي العراق وكربلاء.

وقد هاجم الوهابيون في تاريخ 1216 ه ق «أي بعد عشر سنوات من وفاة محمد بن عبدالوهاب» مدينة كربلاء عدّة مرّات لغرض نيل الغنائم وفتح البلدان تحت عنوان نشر التوحيد «التوحيد الذي يزعمونه» وكذلك هجموا على مدينة النجف، وبالنسبة إلى حادثة كربلاء فقد استغل الوهابيون فرصة زيارة أهالي كربلاء إلى مرقد الإمام علي عليه السلام في النجف الأشرف وباغتوا هذه المدينة بهجوم عنيف واستطاعوا تخريب السور المحيط بالمدينة والنفوذ إلى داخلها وقتل آلاف من أهالي كربلاء من النساء والأطفال في شوارع المدينة وأسواقها، وبعد ذلك حملوا

ما استطاعوا حمله من أموال الناس ونهبوا ممتلكاتهم ثم هجموا على ضريح الإمام الحسين عليه السلام الذي كان يحوي نفائس كثيرة وتمكنوا من تخريبه وسرقة محتوياته من الجواهر والنفائس بأجمعها.

على مفترق طريقين، ص: 31

وقد ذكر البعض أنّ عدد القتلى بلغ 150 ألف شخص، ويقال إنّ الدم قد سال في شوارع وأزقة كربلاء كالجداول، والملفت للنظر أنّهم يرون أنّ هذا العمل «جهاد في سبيل اللَّه» وحركة من أجل نشر راية التوحيد!!

لقد ذكر هذه الواقعة الكثير من المؤرخين الشرقيين والغربيين وحتى المؤرخين الوهابيين ويمكنكم مراجعة كتب التاريخ للمملكة العربية السعودية بعناوين «المجد في تاريخ النجد» و «تاريخ العربية السعودية» للمؤرخ المستشرق «ناسي ليف» و «مفتاح الكرامة» للسيد جواد العاملي وكتب اخرى «1».

نعود إلى موضوع جذور العنف في المذهب الوهّابي.

على أيّة حال فقد ألّف محمد بن عبدالوهاب عدّة كتب قليلة بيّن فيها عقائده وأفكاره بصراحة وشفافية.

كان هذا الشيخ قليل المعرفة بالعلوم الإسلامية ولم يدرس اطلاقاً في الحوزات العلمية المهمة في العالم الإسلامي ولم يحضر لدى كبار العلماء في عصره كثيراً، ولهذا نرى أخطاء فاحشة في أفكاره وتصرفاته، ومع الأسف أنّه كان مصراً على هذه الأفكار الخاطئة و غير المستقيمة.

على مفترق طريقين، ص: 32

إنّ أحد كتب عبدالوهاب هو «كشف الشبهات»، وقد ألّف هذا الكتاب الصغير، كما يبدو من اسمه، لغرض الاجابة على الإشكالات التي أوردها علماء البلاد و «أغلبهم من أهل السنّة» على أفكاره «1».

ويكفينا لمعرفة جذور العنف في عقائد الوهابيين مطالعة هذا الكتاب ودراسة محتوياته ..

1- إنّ المؤلف استوحى فهماً خاطئاً عن «التوحيد» و «الشرك»، وكما سيأتي في البحوث اللاحقة أنّه يتهم جميع من يطلب من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الشفاعة عند اللَّه، بالشرك والكفر

«في حين أنّ مفهوم الشفاعة موافق لصريح الآيات والروايات» ويفتي بإباحة دمهم ومالهم وعرضهم «2».

وبديهي أنّ جميع المسلمين من الشيعة والسنّة «سوى الوهابيين» يطلبون من النبي الأكرم صلى الله عليه و آله الشفاعة عند اللَّه تعالى، وعلى هذا الأساس فانّ هؤلاء المسلمين كفرة في نظر الوهابيين ويباح دمهم وأموالهم ونساؤهم.

2- الأنكى من ذلك أنّه يقول بصراحة «إعلم أنّ شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:

الأول: إنّ الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء

على مفترق طريقين، ص: 33

والأوثان مع اللَّه إلّافي الرخاء، وأمّا فى الشدّة فيخلصون للَّه الدعاء كما قال تعالى: «فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» «1».

الثاني: إنّ الأولين يدعون مع اللَّه اناساً مقرّبين عند اللَّه ... وأهل زماننا يدعون اناساً من أفسق الناس «2».

«والظاهر انّ مراده من قوله اخيراً «افسق الناس» بعض زعماء الصوفية».

وطبيعي أن يكون هذا الاستنتاج الخاطى ء حصيلة سلسلة من المغالطات الفكرية التي سوف نستعرضها في آخر فصل من هذا الكتاب، وهنا نهدف إلى الكشف عن جذور العنف لدى الوهابيين تجاه نفوس المسلمين وأموالهم وأعراضهم.

3- النموذج الآخر على العنف في الفكر الوهابي أنّهم يطلقون على مخالفيهم، وهم من كبار علماء أهل السنّة أثناء الحوار معهم، ألقاباً وقحة وموهنة، على سبيل المثال:

يقول في أحد الموارد: أيّها المشرك «3».

وفي مورد آخر: أعداء اللَّه «4».

وفي مورد ثالث: للمشركين شبهة اخرى «5».

على مفترق طريقين، ص: 34

وفي مورد آخر: هؤلاء المشركون الجهال «1».

وفي مورد آخر: أعداء التوحيد «2».

ويقول في مكان آخر: إنّ أحد الأشخاص من العوام والاميين يغلب ألفاً من العلماء المشركين «أي المسلمين الذين يعتقدون بالشفاعة» «3».

وكما تقدمت الإشارة إليه أنّ إمام هذا المذهب لم يكن يتمتع إلّا بحصيلة علمية ضئيلة من المعارف

الإسلامية، ويبدو أنّه قد امتلكه الغضب من اجابات علماء عصره الكبار، ولهذا اقترن خطابه بأشكال من الكلمات الموهنة واتهامات الشرك والكفر والجهل للطرف المقابل، في حين أنّ القرآن الكريم يقرر بصراحة: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...» «4».

ضوء أخضر للعنف

يستفاد ممّا تقدم آنفاً، السبب الذي يقف وراء التعامل الخشن للطالبان و القاعدة وسائر الوهابيين المتعصبين وسهولة إراقتهم لدماء المسلمين في مناطق مختلفة من العالم واستباحة أموالهم.

إنّ الطالبان في أفغانستان قتلوا الكثير من المسلمين «من الشيعة

على مفترق طريقين، ص: 35

وأهل السنّة» وهذا ما نراه في القتل العشوائي في باكستان والعراق وأغلبهم من المسلمين من قِبل أفراد القاعدة والوهابيين المتعصبين.

فما سبب تحوُّل هؤلاء الأفراد إلى مجرمين قساة من الدرجة الاولى؟ إنّ السبب يعود إلى مقولة: إنّ غير الوهابيين مشركون ويستباح دمهم وأموالهم، فلا ينتهي العجب أنّ ضحايا هؤلاء المتعصبين أغلبهم من المسلمين وأنّ جميع الأموال التي نهبوها هي من أموال المسلمين.

العنف يوَّجه ضربة قاصمة للإسلام

لم توجه ضربة للإسلام طيلة التاريخ الإسلامي كالضربة التي وجهها هؤلاء الوهابيون المتعصبون للإسلام، فالإسلام الذي طرح نفسه دين الرأفة والرحمة وأوصى بأن يبتدى ء المسلم في كل عمل بكلمة: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، حيث تبيّن في مضمونها الرحمة الإلهية العامة والخاصة.

والإسلام الذي يقول: «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ...» «1»

. سواءً أسلم أو لم يسلم.

والإسلام الذي يقول: «... فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ» «2».

على مفترق طريقين، ص: 36

والإسلام الذي يقول: «هل الدين إلّاالمحبّة» «1».

أجل، فهذا الإسلام بمثل هذه اللطافة والمحبّة والجمال أظهره هؤلاء المتشدون حتى أنّ الصديق والعدو يشعر في قرارة نفسه بالامتعاض والكراهية لهذا الدين.

إنّ جاذبية الإسلام كانت قد بلغت في عصرنا هذا حدّاً ليدخل الناس في دين اللَّه أفواجاً مصداقاً لقوله تعالى: «... يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً» «2»

، ولكنّ تصرفات هؤلاء المتعصبين أوصدت الطريق مع الأسف أمام امتداد الإسلام في المجتمعات البشرية ووجهت ضربة مؤلمة للإسلام والمسلمين.

اللّهم اهدهم سواء السبيل.

التضاد العجيب

العجيب أنّ حكومتهم، التي تقوم على أساس مبادى ء هذا المذهب، تربطها روابط سياسية واقتصادية وثقافية حميمة مع جميع دول العالم «من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية» بدون الاهتمام بهذه المبادى ء، أي أنّهم أصدقاء لجميع المشركين في العالم!!

والأعجب من ذلك أنّهم جعلوا من مكة والمدينة مركزاً ومجمعاً لأجمل الفنادق لاستقبال المشركين من المسلمين الذين يفدون إلى على مفترق طريقين، ص: 37

الحجاز كل عام للحج والعمرة ويستقبلون أهل الشرك أحسن استقبال، وقد صار هؤلاء المشركون يمثّلون مصدراً مالياً عظيماً لهم.

في حين أنّ القرآن الكريم يوصي المسلمين بعدم فسح المجال للمشركين للدخول إلى المسجد الحرام: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ

الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» «1».

ونتساءل: لماذا يصبح المشركون في هذا المورد موحدين ويتمّ استقبالهم بمنتهى اللين والمحبّة بعنوان أنّهم «ضيوف الرحمن!» ويخلون بيوتهم لهؤلاء الحجاج ويضعونها تحت تصرفهم مع كل ترحيب؟

نعلن بصراحة

إنني بصفتي أحد خدمة العلوم الإسلامية اعلن بصوت صارخ وبصراحة أنّ الإسلام الذي تبناه ورسم معالمه هؤلاء الوهابيون المتشددون ليس هو الإسلام الواقعي، بل قراءة شخصية من قِبل أفراد لا يتمتعون إلّابحظّ قليل من العلوم الإسلامية وأنّ الأغلبية الساحقة من علماء الإسلام يخالفون هذا المذهب.

وسوف نميط اللثام في الفصل الأخير من هذا الكتاب عن الأخطاء الفاحشة لهذا المذهب بشكل مستدل ومن خلال الآيات القرآنية الصريحة والروايات الإسلامية ليعلم المعتدلون من أتباع هذا المذهب على مفترق طريقين، ص: 38

والذين يتحركون في ثقافتهم وعقيدتهم من موقع الدليل والمنطق ماهية الصراط المستقيم للإسلام وأنّه لا يتمثل بتعاليم هذا المذهب العنيف.

وإنني أتقدم لعلماء الإسلام بكل احترام وأطلب منهم أن يوحدوا كلمتهم ويقولوا بصوت واحد: إنّ هذه الجماعة التي ترى جميع المسلمين سواها، مشركين، ولهذا السبب يُفتي باستباحة أموالهم ودمائهم، لا تمثّل الإسلام الصحيح، وبديهي أنّ مثل هذا المذهب والمنهج ليس له مكان في العالم المعاصر ويعيش في منزلقات الافول ويقترب من آخر الخط، وينبغي علينا تقديم الإسلام الذي هو دين المحبّة والرأفة، إلى العالم بصورته الحقيقية ليجد طريقه إلى قلوب الناس ويستمر في تقدمه وتسخيره لقلوب وأفكار البشرية.

والأعجب من الجميع أنّ التشدد الذي يتخذه أفراد هذه الجماعة ديناً لهم قد طال الحكومة التي أوجدوها بأنفسهم «حكومة آل سعود» حيث قاموا بسلسلة من الاغتيالات والقتل الفجيع في المملكة العربية السعودية إلى درجة أنّ الحكومة السعودية

بدورها اعترفت بخطر هؤلاء على المواطنين وتحركت للحد من نشاطهم وشرعت باعادة النظر في علوم المدارس الدينية للوهابية وعزلت أئمّة المساجد المتشددين، وهذا بدوره يمثل دليلًا آخر على اقتراب الوهابية المتشددة من نهاية العمر، حيث لم يبق لديهم مكان مناسب حتى في مركزهم الأصلي و بقي المعتدلون منهم.

على مفترق طريقين، ص: 39

2- فرض العقيدة

اشارة

إنّ من الاصول والمبادى ء المسلَّمة في الإسلام أنّ التعامل بين الفرق الإسلامية يجب أن يقوم على أساس منطقي ومن موقع المحبة، وحتى بالنسبة لغير المسلم فقد ورد الأمر الإلهي بذلك أيضاً:

«ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» «1».

وكذلك يقول تعالى: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» «2».

إنّ الإسلام لا يسمح اطلاقاً بمخاطبة المخالفين على أساس أنّهم «المشركون الجهلة» و «أعداء اللَّه» و «أعداء التوحيد» وأمثال ذلك، كما مرّ فى كلمات هؤلاء وهكذا يتصور هؤلاء أنّهم يمثلون محور الإسلام ويرجمون الآخرين بحجر الكفر والشرك كما نرى هذا

على مفترق طريقين، ص: 40

المعنى بكثرة في كتابات هذه الفرقة.

إنّ المسلمين يشتركون في اصول دينهم وعقائدهم، ويتفق علماء الإسلام أيضاً في كثير من اصول مسائلهم الفقهية رغم وجود بعض الاراء المختلفة لديهم في بعض الفروع وشرح بعض الاصول.

ولا ينبغي أن يؤدّي هذا الاختلاف في الرؤى والقراءات إلى النزاع والخصام وسفك الدماء، بل ينبغي تقريب وجهات النظر من خلال الاستدلال المنطقي والحوار السليم بين المذاهب الإسلامية.

إلّا أنّ الوهابيين المتعصبين «السلفيين» يقفون في الجهة المتقابلة تماماً لمنطق العقل والعدل الإسلامي، حيث يعتقدون بلزوم فرض عقيدتهم في

مسألة «الشرك والتوحيد» على الآخرين حتى لو كان بأدوات التهديد بالقتل وسفك الدماء ونهب الأموال كما يلاحظ هذا المعنى بوضوح في كتابات مؤسس هذا المذهب، وقد سبقت الإشارة إليه.

عندما نقول لعلمائهم: إذا كنتم من العلماء فنحن أيضاً من العلماء وقد درسنا وكتبنا من الكتب أكثر منكم. وإذا كنتم مجتهدين فنحن بدورنا مجتهدون أيضاً، إنّ الأزهر الشريف والحوزات الدينية في دمشق والاردن والعراق و ايران و سائر البلاد الإسلامية تحوي الكثير من المجتهدين، فما المسوغ لإجبار الآخرين على اعتناق عقيدتكم وقبول أفكاركم «في باب الشرك والتوحيد» بغض النظر عن كوننا نقطع ببطلانها؟ يقولون: الحق هو ما رأيناه ونعتقد به والإسلام لا يقول غير ذلك!!

على مفترق طريقين، ص: 41

عندما نقول لهم: ما هو امتيازكم على سائر علماء الإسلام بحيث تريدون فرض عقيدتكم عليهم وسوق الآخرين بسياطكم؟ فلا نسمع جواباً منطقياً منهم.

إنّ هؤلاء يتصورون أنّهم قد بلغوا ذروة العلم والايمان وبقي الآخرون في وادي الجهل والضلالة، وهذا المعنى غير مقبول في عالمنا المعاصر ولا مكان له بين المسلمين.

ولهذا السبب قلنا إنّ هذه الفرقة تقترب من نهاية مطافها.

ذِكرى مُرَّة

ولا أنسى أنني عندما تشرفت في السنوات الاولى بزيارة بيت اللَّه الحرام رأيت في المدينة ظاهرة عجيبة جعلتني أغرق في دوامة الفكر. رأيت جماعة تدعى الآمرون بالمعروف، وهم من الوهابيين المتعصبين ومن أصحاب اللحى الطويلة يقفون حول مرقد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وفي يد كل واحد منهم سوطاً وكانوا يضربون به كل من قصد تقبيل الضريح المقدّس ويقولون له: «هذا حديد، وهذا خشب وهذا شرك!».

إنّ هؤلاء غفلوا عن الحقيقة، وهي أنّ أي عاقل لا يقبل الحديد والخشب من أجل أنّه حديد وخشب، بل التقبيل يمثل حركة رمزية لإظهار

العشق وابراز الحبّ لصاحب هذا القبر، كما أنّ جميع المسلمين والوهابيين أنفسهم يقبلون غلاف القرآن الكريم. فهل أنّ على مفترق طريقين، ص: 42

اظهار العشق والمحبّة للقرآن والنبي الأكرم صلى الله عليه و آله يعتبر شركاً؟ لا يوجد أي عاقل وصاحب منطق ومنصف يتفق مع هذه العقيدة.

إنّ الناس في مختلف المجتمعات البشرية يقبّلون عَلَم بلدهم ويحترمونه، فهل أنّ قصدهم من ذلك اظهار العلاقة العاطفية لقطعة تافهة من القماش التي ربّما كانت قسماً من قطعة صار هذا القسم عَلَماً للوطن وصار القسم الآخر سروالًا لشخص آخر؟ من البديهي أنّ هدفهم من ذلك اظهار احترامهم واعتزازهم باستقلال بلدهم ويعتبرون ذلك مصداقاً لحبّ اوطانهم «1».

فهل يعدّ احترام الإنسان لوطنه وأرضه من الشرك؟

ومن الملفت للنظر أنّ جميع الوهابيين يحترمون الحجر الأسود ويقبّلونه وعندما نقول لهم: هذا حجر لا يضر ولا ينفع ولا يتعلق مصيرنا به، يقولون: إنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله كان يقبله «2» ونحن نستن بسنّته ونتبع طريقته.

فنقول: هل أنّ مقصودكم أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله قد أذن لكم بالشرك وأنّ هذا المورد من الشرك مستثنى من الشرك الحرام، أو أنّ التقبيل لا يدلّ على الشرك؟

هنا يختارون السكوت ولا يجيبون بشي ء.

على مفترق طريقين، ص: 43

ومضافاً إلى ذلك نقول لهم: ما عرفت آنفاً إنّكم تقبّلون «غلاف القرآن» وترون ذلك مباحاً، فما قيمة قطعة من الجلد والورق السميك ليحظى بتقبيلكم له؟ يقولون: إنّ غرضنا اظهار المحبّة والاحترام للقرآن.

نقول لهم: أليس هذا من الشرك؟

يقولون: إنّ صحابة النبي كانوا يقبلون القرآن «1».

فنقول: هل أذن لكم رسول اللَّه بالشرك، وحرمة الشرك غير قابله للتخصيص حيث تقول الآية: «إِنَّ اللَّهَ لَايَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ

يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً» «2».

وبديهي أنّ بطلان الشرك يعد حكماً عقلياً قطعياً، وحكم العقل غير قابل للتخصيص.

وهنا أيضاً لا نسمع جواباً منهم.

وخلاصة الكلام أنّ هؤلاء قد غرقوا في دوامة من التناقضات والمتضادات وهم يعلمون بذلك وكأنّهم لا يريدون الاقرار والاذعان.

مسئولية أولياء الحرمين الشريفين

من المعلوم أنّ الأماكن المشرفة وخاصة بيت اللَّه الحرام و مسجد

على مفترق طريقين، ص: 44

النبى صلى الله عليه و آله تتعلق بجميع المسلمين في العالم:

يقول تعالى: «جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْىَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ» «1».

إنّ جميع المسلمين متساوون في حق الانتفاع ببيت اللَّه الحرام «سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ...» «2»

، وعلى هذا الأساس فإنّ أولياء الكعبة يجب عليهم توفير الأمن والنظم والوسائل اللازمة لزوار بيت اللَّه، لا أن يجعلوا من هذا المكان الشريف مركزاً لدعوة الناس إلى مذهبهم وفرض عقيدتهم على الآخرين.

لا يحق لهؤلاء تحميل قراءتهم الخاصة المخالفة لاجتهاد علماء الإسلام في سائر البلاد الإسلامية في مسائل العقائد، على الآخرين، فحتى في بدء بزوغ شمس الاسلام لم تكن وظيفة أولياء الكعبة أكثر من ذلك كما يشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ...» «3».

وعليه فلو كانت لدى علماء هذا البلد الإسلامي رؤية خاصة وقراءة معينة في مسألة التوحيد فلا يحق لهم تحميل هذه الرؤيه على الآخرين. ولا سيما أنّ الآخرين لديهم علماء ومفكرون كثيرون يرون بطلان هذه الرؤية.

على مفترق طريقين، ص: 45

وعلى سبيل المثال مسألة طلب الشفاعة من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فهذه الفرقة ترى كفر من يعتقد بهذه المفردة، ولكن الآخرين يرونها عين

التوحيد.

أو أنّهم يرون أمراً معيناً «بدعة» بينما يراه علماء آخرون «سنّة».

إنّ الوهابيين، وأي فرقة اخرى، لا يحق لهم فرض أفكارهم وعقائدهم الخاصة للدين على الآخرين لان المجتهد حرّ في آرائه.

ونؤكّد هنا أنّ عليهم الاهتمام بالنظم وتحقيق الأمن والرفاه في هذه الأماكن المقدّسة لا أن يجعلوا منها منابر للدعوة إلى مذهبهم.

واللطيف أنّ ملك المملكة العربية السعودية يصف نفسه بأنّه «خادم الحرمين الشريفين» لا «حاكم الحرمين الشريفين»، إذن فلماذا يرى بعض علماء الوهابية السلفيون أنفسهم «حاكمين على الحرمين الشريفين» رغم أنّهم يعتقدون بوجوب اطاعة ولاة الأمر؟

نعم لا شك في أنه يجب منع ما أجمع على حرمته علماء الإسلام جميعاً.

وخلاصة الكلام أنّ تحميل فكرة معينة أو فرض عقيدة خاصة من قبل جماعة صغيرة وليست بالمستوى المطلوب من الناحية العلمية على أكثرية المسلمين لا يتوافق مع أي منطق سليم، ولكنّ السلفيين المتعصبين يستخدمون أشنع الأساليب في عملية فرض عقيدتهم على الآخرين، وهذا ما يؤسف له حقاً.

أغلظ صور تحميل العقيدة

لقد كتب الوهابيون المتشددون في الآونة الأخيرة كتباً في الردّ

على مفترق طريقين، ص: 46

على بعض المذاهب الإسلامية (اتباع اهل البيت) ونشروها بين الحجاج، وليت أنّ هذه الكتب والكراسات كانت مكتوبة باسلوب بعيدة عن الاخلاق الاسلاميّة، حيث نرى أنّها قد كتبت بألفاظ ركيكة وكلمات غير مسؤولة، وتتضمن الكثير من أشكال الكذب والتهمة ورمي الآخرين بالشرك والكفر.

هذا ولو أنّ أحداً كتب في ردّهم جواباً منطقياً وبأسلوب لطيف فمن المحال أن يسمحوا له بنشر نسخة واحدة منه.

هل هذا هو المفهوم من الآية الشريفة: «فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ...» «1»؟

من الواضح أنّ مثل هذا المذهب الذي يعيش رؤية ظلامية وثقافة ماضوية ليس له مكان في العالم المعاصر فسوف يجد مكانه سريعاً في متحف التاريخ!

ولا سيما

أنّنا نعيش في عصر انتشرت فيه ثقافة احترام الرأي الآخر، والعلماء والمفكّرون يتعاملون مع عقائد الآخرين من موقع التقدير والاحترام، وهذا المعنى يمثل أحد أسباب وعوامل انزواء وسقوط هذا المذهب، لأنّ أي مسلم لا يجد في نفسه استعداداً لقبول هذه التهمة «مشرك» و «كافر» التي يطلقها عليه من يدّعون أنّهم أولياء بيت اللَّه و على جميع المسلمين الّا اتباع مذهبهم.

إنّ الحرم النبوي وقبور البقيع بدورها تتعلق بجميع المسلمين على مفترق طريقين، ص: 47

ووظيفة أولياء هذه الأماكن المشرفة اقرار النظم والأمن وتوفير الإمكانات اللازمة للزائرين ومنع ما هو حرام بإجماع المسلمين لا أكثر.

فالواجب على هؤلاء أن يحترموا عقائد جميع المسلمين ويتجنبوا توجيه الاهانة لمقدساتهم ولا يتطاولوا على الآخرين بما لا يرضي اللَّه تعالى ولا خلق اللَّه وليس له عاقبة محمودة.

إنّ حرم الأمن الإلهي يجب أن يكون آمناً من كل ناحية، فهل من الأمن أن يُتهم المسلمون من غير الوهابيين بالشرك بمجرّد أن يتحركوا خطوة على خلاف عقائد الوهابيين؟

ولا أنسى أنني التقيت في الأسفار السابقة لبيت اللَّه الحرام بمجموعة من المسلمين من بلدان مختلفة حيث أرادوا تقبيل منبر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ولكن منعتهم الشرطة بشدّة من ذلك.

وقد تقدم أحدهم وكان حسب الظاهر من هيئة المسلمين بالآمرين بالمعروف وقال هذه العبارة بصراحة: «واللَّه يجوز قتال هؤلاء بالسيف!».

فما الفرق بين تقبيل غلاف القرآن والمنبر الذي استخدم سنوات مديدة محلًا للوعظ والارشاد والتعليم من قِبل نبي الإسلام؟ لماذا تصدرون حكم القتل على هؤلاء ولا تصدرون هذا الحكم لأتباعكم.

أنتم ترون أنّ هذا العمل «بدعة»، ولكنّهم يرونه «سنّة».

الآن نفهم لماذا يسمح الطالبان والقاعدة وهم من الوهابيين المتشددين، لأنفسهم أن يقوموا بعملية التفجير في النجف «قبل على مفترق طريقين،

ص: 48

سنتين» الذي راح ضحيته 150 نفر من الناس الأبرياء وحوالي 300 مجروح ومن بينهم الأطفال والنساء والشيوخ، كل هذه تمثل ثمرة مرّة ونتيجة أليمة لذلك النمط من التفكير الذي شوه سمعة الإسلام في العالم وبث الرعب والهلع في نفوس الناس حتى في مركزهم الأصلي وهو المملكة العربية السعودية.

هل تتمكن هذه الأفكار وهذه الأساليب من البقاء والديمومة أمداً طويلًا؟ لا واللَّه!

الوهابيون المعتدلون المثقفون

أخيراً شاهدنا حركة من قِبل حكومة المملكة السعودية وكذلك من قِبل المفكرين والمثقفين من شعبهم باتجاه الاعتدال واعادة قراءة المفاهيم والأفكار السابقة.

هذه الحركة الجديدة تقدمت خطوات إلى الأمام إلى حد أنّها بعثت الأمل في احلال الحوار والنقاش البنّاء بين المذاهب الإسلامية المختلفة، محل النزاع والخصومة واتهام الآخرين بالشرك والكفر.

ورغم أنّ هذه الظاهرة لم تأخذ مسارها الطبيعي لتتحول إلى ظاهرة عامة، إلّاأنّه شوهدت موارد عديدة تدلّ على نجاح هذه الظاهرة الميمونة وتفتح أزهار هذه الشجرة المباركة.

هناك أخبار عن إقامة حوارات بين بعض علماء الشيعة في الحجاز مع بعض علماء الوهابية المعتدلين، وقد تمّ نشر هذا الحوار في أجهزة الإعلام، وهذا هو ما يراه الوهابيون المتعصبون بدعة وكفراً

على مفترق طريقين، ص: 49

ويمتلكهم الغضب والانفعال من نجاح هذه الظاهرة، وكأنّهم يرون الإسلام في طريقه إلى الزوال والاندثار، والحال أنّ هذه السنّة الحسنة التي يعبّر عنها القرآن الكريم «الجدال بالتي هي أحسن» وأضحت شاملة ومتداولة، فإنّ الإسلام سيتخلص من ايدي هؤلاء القساة وأرباب العنف وستنفتح صفحة جديدة من عظمة الإسلام في العالم وسيحل المنطق والعقلانية والحوار الاخوي محل التكفير والاتهام وسفك الدماء ونهب الأموال وسيتحرك الإسلام في المملكة العربية السعودية في مسيره الأصلي.

وهناك جماعة من الكتّاب المعتدلين في ذلك البلد الإسلامي يساهمون في ترشيد هذه الظاهرة بأقلامهم وأدبياتهم

البنّاءة، وعلى سبيل المثال نرى أخيراً عالماً يدعى، «السيد محمد بن علوي» قد كتب قبل سنين «1» كتاباً بعنوان «مفاهيم يجب أن تصحح» هذا الكتاب يعد من الكتب الجيدة في هذا النطاق و سنتطرق إليه في خاتمة هذا الكتاب «2».

على مفترق طريقين، ص: 51

مشخصات كتاب

نام كتاب:على مُفتَرقِ طّريقين نام مؤلف:آية الله العظمى مكارم شيرازى موضوع:آثار اعتقادى زبان:عربى تعداد جلد:1

3- التعصب الشديد والمفرط

إنّ «التعصب» يطلق في عرفنا السائد على «حالة من الالتزام الشديد بالمعتقد» سواءً كان هذا الأمر يتعلق بالمبدأ والمعاد أو بمسألة أخلاقية أو بنوع من الآداب وتقاليد لقوم أو قبيلة، بل يشمل الدفاع عن شخص معين أيضاً.

ويستفاد من كلمات أمير المؤمنين على بن ابيطالب عليه السلام في نهج البلاغة في الخطبة القاصعة أنّ مفهوم التعصب في الماضي يقترب من مفهومه في العصر الحاضر ولكنّ الإمام عليه السلام ذكر معنيين للتعصب، التعصب الممدوح والإيجابي، والتعصب المذموم والسلبي.

أمّا بالنسبة إلى التعصب السلبي فمصداقه البارز تعصب ابليس حيث منعه من السجود لآدم، ويرى الإمام علي عليه السلام أنّ إبليس إمام المتعصبين ويقول: «فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمتَعَصِّبِينَ، وَ سَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ ...» «1»، وبالنسبة للتعصب الممدوح يقول: «فَإِنْ كانَ لَابُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ على مفترق طريقين، ص: 52

تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ، وَ مَحَامِدِ الْأَفْعَالِ ...» «1».

إنّ التعصب المذموم يقترن عادة بجمود الفكر وضيق الافق والحكم المسبق وغير المنطقي في المسائل ويؤدّي بالتالي، لا سيما في عصرنا الحاضر، إلى التخلف وتكريس الكراهية والخصومة بين الأفراد.

ومن معالم هذا النوع من التعصب المواقف الحادة والخشنة للشخص وأحياناً تكون مع سفك الدماء ونهب الأموال وتحقير الغير واستخدام الكلمات الموهنة والجارحة.

إنّ هؤلاء المتعصبين لا يقيمون وزناً لأفكار الآخرين ولا يجدون في أنفسهم رغبة في استماع أدلة المخالفين ويعيشون مع التكبر والغرور والأنانية المزمنة.

وجميع ما تقدم آنفاً من سمات التعصب نجدها في كلمات «الوهابيين المتشددين» وسلوكياتهم، وفي بعض كتب أئمتهم، مع الأسف، حيث تقدم ذكر بعض النماذج منها والتي يفتون فيها بإباحة دماء المسلمين وأموالهم ويتهمونهم بالشرك جميعاً الّا من تبعهم.

إنّ الشخص الذي

يخاطب العلماء والمفكرين من الطرف المخالف ب «الجهال» وبقوله «أيّها المشرك» ويعتبر كل من لا يقبل كلامه كافراً مهدور الدم، كيف يكون مستعداً للحوار الهادي ء والنقاش المنطقي ويكون مصداقاً لقوله تعالى «وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»؟

على مفترق طريقين، ص: 53

إنّ القرآن الكريم يرى في المتعصبين الذين لا يجدون في أنفسهم رغبة بالاستماع إلى الطرف المقابل أنّهم اناس غير صالحين، حيث تقول الآيات الشريفة: «... فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» «1».

ومفهوم هذه الآية أنّ الأشخاص الذين يتحركون في الجهة المخالفة لهذا لمنهج ليسوا من اولي الألباب!

وينطلق القرآن الكريم في توبيخ وذم الأشخاص الذين يضعون أصابعهم في آذانهم لكي لا يسمعوا كلام الأنبياء ويستعرض لنا شكوى نوح عليه السلام من قومه حيث قال: «وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً» «2».

كان أي نقد علمي لعقائد الوهابية في السابق ممنوعاً في أجواء مكة والمدينة وفي جميع أنحاء الحجاز، ولم يكن الوهابيون المتشددون ليسمحوا بطرح ونشر أي نقد علمي حتى لو كان مقترناً بالتقدير والاحترام وكانوا يمنعون دخول أي كتاب حتى من البلاد الإسلامية مثل مصر و من الازهر «ومع الأسف فإنّ هذه الظاهرة موجودة لحد الآن» وإذا شوهدت موارد خلاف هذا الأصل فهي موارد استثنائية ونادرة.

وبديهي أنّ هؤلاء، مع استمرار هذا الوضع، لا يمكنهم الخروج من على مفترق طريقين، ص: 54

حالة الجمود والتحجر ولا يمكنهم الإستفادة من أشكال النقد المنطقي الذي يبعث على حركة الفكر.

والملاحظة الملفتة للنظر هنا أنّ مكتبات مخالفيهم مثل الشيعة مليئة من كتب هولاء و لا يخافون من مثل هذه الكتب على مذهبهم في حين أنّه قلّما توجد كتب

الشيعة في مكتبات العربية السعودية «وأحياناً لا يوجد ولا كتاب واحد» كيف الحال بالكتب التي تتعرض بالوهابية، فلماذا يخاف هؤلاء إلى هذه الدرجة من النقد؟! إنّ وجدان القارى ء المحترم سيجيب عن هذا السؤال، إنّ مثل هذه الظاهره تنشأ من التعصبات غير المقبولة في أي زمان فكيف بعصرنا الحاضر، ولهذا ينبغي على حماة هذه التعصبات أن يجمعوا متاعهم ويلتحقوا بمتحف التاريخ.

إنّ الشبّان من الوهابيين لهم الحق في أن يسألوا من أكابرهم هذا السؤال وهو: لماذا لا يوجد لديهم كتب سائر المذاهب الإسلامية وخاصة الكتب التي تنتقد الوهابية نقداً علمياً ومنطقياً؟

ولكن كما سبقت الإشارة إلى أنّ هذه التعقيدات والتعصبات الجافة قلّما تجد طريقها إلى الجماعة المعتدلة والمثقفة من الوهابيين حيث أعلنوا استعدادهم للحوار المنطقي الهادف مع الآخرين، وهذه ظاهرة مباركة.

على مفترق طريقين، ص: 55

4- عدم معرفة القيم والثقافة المعاصرة

اتلاف أثمن الآثار التاريخية للإسلام

من النادر أن يوجد بلد كالحجاز يحوي آثاراً تاريخية ثمينة متعلقة بالقرون الاولى لتاريخ الإسلام، لأنّ هذه المنطقة بالذات تعتبر موطن الإسلام الأول حيث توجد معالم قادة الإسلام وآثار التاريخ الإسلامي في كل مكان من هذه المنطقة.

هذه الآثار من قبيل مراقد وقبور الشخصيات الإسلامية الاولى، وأماكن ولاداتهم وآثار الصحابة والتابعين و محل دراستهم، وآثار أئمّة أهل البيت عليهم السلام وعلماء وفقهاء الإسلام وحتى آثار السلاطين ومراكز حكوماتهم، وكذلك الآثار الفنية والمعمارية وغير ذلك، ولكن المتعصبين من الفرقة الوهابية تحركوا على مستوى إزالة كل هذه الآثار الثمينة بحجة أنّها آثار الشرك، فلم يبق من هذه الآثار الثمينة سوى القليل، وينبغي على المسلمين أن يبكوا دماً على زوال هذه الآثار القيّمة.

وفي هذا العصر يعلم الجميع أنّ كل امّة تعتمد لإثبات أصالتها

على مفترق طريقين، ص: 56

على تاريخها وعلى الآثار المهمّة الباقية من ماضيها وتعد ذلك شاهداً

على أصالتها، ومن هنا اهتمت هذه الامم بحفظ آثارها التاريخية بدقّة.

ولكنّ هذه الفرقة القاطنة في هذه الأراضي المقدّسة لم تبق أثراً من آثار الإسلام التاريخية إلّاوعملت على تخريبها أجمع، تلك الآثار التي لا يمكن تقييمها اطلاقاً من حيث أهميتها وعظمتها.

المثال البارز لذلك «مقبرة البقيع»، فهذه المقبرة تعدّ أهم مقبرة في الإسلام حيث تتضمن قسماً مهماً من تاريخ الإسلام وتعتبر كتاباً ضخماً وناطقاً لتاريخنا نحن المسلمون.

وتحوي هذه المقبرة قبور زوجات الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وأبنائه وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، والفقهاء والعلماء المسلمين الكبار، الصحابة المكرمين، والشهداء المحترمين، وقادة جيش الإسلام وغير ذلك، ويقال إنّ هذه المقبرة تحوي أكثر من عشرة آلاف صحابي قد دفن فيها، وبكلمة: إنّ قسماً عظيماً من تاريخ الإسلام يقبع في البقيع.

ولكننا عندما ندخل البقيع الآن لا نرى سوى خربة يشمئز منها الناظر ولا يوجد فيها أي مَعْلَم من معالم التاريخ الإسلامي بحيث يعيش الإنسان عندها حالة البكاء والتأسف على الحالة المزرية.

إنّ هؤلاء المتعصبين قد عملوا مع كل الأسف على إزالة معالم التاريخ الإسلامي الثمينة بذريعة واهية، وهي «مكافحة الشرك!» وبذلك أصابت العالم الإسلامي خسارة عظمى لا يمكن جبرانها اطلاقاً.

على مفترق طريقين، ص: 57

وهكذا نرى أنّ الإنسان المتعصب كيف يغدو مصدراً للخطر وكيف يتلف رأس مال تاريخه وامّته بكل سهولة، هذا الرأسمال الثمين يتعلق بجميع المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل.

وجود قبر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله

إنّ الزائر لمكة والمدينة يعلم جيداً أنّه على رغم تخريب مقبرة البقيع وقبور شهداء احد وغيرها فإنّ الضريح المقدّس والقبة الملكوتية على قبر النبي صلى الله عليه و آله ما زالا قائمين، حيث يزوره المسلمون من جميع أقطار العالم، وهذه الحالة تثير في أذهان جميع الزائرين سؤالًا مهماً: لماذا

لم تتحرك هذه الفئة لهدم قبر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله؟

الواقع أنّ هؤلاء رأوا أنفسهم أحقر من أن يرتكبوا مثل هذه الجريمة ويثيروا جميع العالم الإسلامي ضدهم، أجل، الوهابيون المتعصبون لم يتمكنوا من تخريب مرقد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وقبته الخضراء ولم يستطيعوا التحرش بضريحه المقدّس.

عندما يُسألون: كيف عملتم على تخريب جميع المراقد المشرفة والاضرحة على قبور أئمّة البقيع عليهم السلام وشهداء احد ولكن ضريح النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وقبته الخضراء ما زالت باقية؟ وماذا يعني هذا التناقض الفاضح في مقام العمل والممارسة؟

إذا كانت هذه المشاهد من معالم الشرك والوثنية، فلماذا أبقيتم هذا «المشهد الكبير» إلى جانب المسجد النبوي العظيم، وإن لم يكن كذلك على مفترق طريقين، ص: 58

فلماذا عملتم على تخريب سائر المراقد المشرفة؟

لا يستطيع هؤلاء الاجابة عن هذا السؤال قطعاً.

وفي أحد أسفاري السابقة إلى الحج التقيت مرّة بإمام المدينة وكان رجلًا فاضلًا ومنصفاً وسألته هذا السؤال. فسعى بذكره لقصة تاريخية أن يصرفني عن هذا السؤال المحرج فتحدث لي عن قصة تتعلق بزمن «ناصر الدولة» حيث جاء يهوديان وحاولا التحرش بالقبر الشريف من خلال ايجاد نفق من البيوت المجاورة يتصل بالقبر الشريف، فرأى «ناصر الدولة» في منامه أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله يقول له:

خلصني من هذين الرجلين! فلما تكررت هذه الرؤيا لعدّة ليالٍ غرق في الحيرة وأدرك أنّ حادثة ستقع في المدينة، فجاء إلى المدينة وجمع أهالي هذه المدينة وتطلع في وجوههم حتى شاهد الرجلين اللذين شاهدهما في منامه وأمر باعتقالهما وأنزل فيهما عقاباً شديداً وبذلك تمّ القضاء على المؤامرة.

ثم إنّ ناصر الدولة أمر بحفر أطراف القبر الشريف وملأه بالحديد المنصهر وصنع منه

جداراً فولادياً حتى لا يتجرأ أحد في المستقبل أن يرتكب مثل هذا العمل.

ومن الواضح أنّ هذا الكلام لا يعدّ جواباً مقنعاً على السؤال المذكور، لأنّ هذا المعنى ربّما يبرر البناء في الطبقات السفلى من القبر ولكن يبقى السؤال عن القبة والضريح الشريف بدون جواب، ولكنّ مقتضى الأدب في رعاية مشاعر الطرف الآخر الذي ربّما يقع في موقف حرج ويشعر بالخجل لفقدانه الجواب المناسب، منعني من على مفترق طريقين، ص: 59

ادامة البحث والنقاش.

وأخيراً سمعنا أنّ أحد الوهابيين المتعصبين قال: سنقوم بتخريب القبة والضريح للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله في المستقبل، وبالطبع فإنّ هذا الكلام وإن كان متناسباً مع المبادى ء الفكرية لهؤلاء المتعصبين، ولكنّهم لا يمتلكون قطعاً مثل هذه الجرأة أمام أنظار المسلمين في العالم وخاصة مع ظهور تيار جديد معتدل في المذهب الوهابي، وبالتالي فسوف لن تقع هذه الحادثة اطلاقاً ولا يتجرأ أحد على ارتكاب هذا العمل.

والعجيب أنّ هذا الكلام نسب أيضاً إلى زعيم الفرقة الوهابية «محمد بن عبدالوهاب» ولكنّه كذّب هذه النسبة في بعض أحاديثه، رغم أنّ «الحسن بن فرحان المالكي» ذكر في كتابه «داعية وليس نبياً»، كما ستطلع عليه في خاتمة هذا الكتاب أيضاً، أنّ كلمات الشيخ محمد تشير إلى هذا المعنى وأنّه إذا ملك القدرة فإنّه سيقوم بتخريب القبة والضريح المقدّس للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله.

5- الجمود والتصدي لكل ظاهرة جديدة

اشارة

إنّ تحرُّك مؤسس المذهب الوهابي ينطلق للتصدي لكل بدعة، وهذا الأمر من الجهة المبدئية لا تنكره سائر الفرق الإسلامية، لأنّ جميع الفرق والمذاهب ترفض البدع في الدين بشكل عام «1».

ولكنّ هذا الرجل ارتكب خطأً فاحشاً في تفسير معنى البدعة ولهذا تحرك لمواجهة كل شي ء جديد.

والآن لنقف على معنى البدعة وما هو المقصود منها؟

هل أنّ كل ظاهرة جديدة وكل ابداع جديد يعدُّ بدعة؟ ولذلك يجب التصدي لجميع مظاهر التمدن البشري واتخاذ موقف سلبي منها، «كما نجد هذا المعنى في كلمات الأوائل من أتباع الوهابيه»، ومن هنا فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الدراجة الهوائية مركب الشيطان وكانوا يجتنبون رُكوب على مفترق طريقين، ص: 62

الدراجة، وقد هجموا على أسلاك الهاتف في قصر الملك السعودي الذي يوصله بمركز الجيش وقطعوه ارباً ارباً!!

قبل سنوات كانت أجهزة التصوير محرمة في السعودية ومنعت السلطات من بيعها وشرائها في أسواق مكة والمدينة، كما شاهدناه فى سفر الحج قبل سنين ولم يأذن ملا عمر الوهابي ورئيس الطالبان أن يلتقطوا له صورة واحدة اطلاقاً وكذلك منع من تعيين النساء والبنات حتى في المدارس الخاصة بهنّ، ولحدّ الآن نجد أنّ قيادة السيارة محرمة على النساء عندهم حتى مع الحجاب الكامل، أمّا الاحتفال بميلاد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وأمثال ذلك فإنّه بدعة وحرام لديهم، ولم يكتفوا بعدم إقامة الاحتفال بذكرى ميلاد النبي الأكرم فحسب صلى الله عليه و آله بل تحركوا لتوبيخ جميع المسلمين من السنّة والشيعة الذين يحتفلون بذكرى المولد النبوي ويرونه أمراً عقلائياً وإنسانياً «1».

وبديهي أنّ مفهوم «البدعة» يختلف في معناه لدى الفقهاء الكبار وعلماء الاصول.

«البدعة» لها مفهوم خاص، وهو أن يضع الشخص ما ليس من الدين في الدين، ويعمل هذا العمل من موقع أنّه أمر شرعي وعمل ديني ولهذا قالوا في تعريف البدعة: «البِدْعَةُ إِدْخالُ ما لَيسَ مِنَ الدِّينِ فِي الدِّينِ» «2».

على مفترق طريقين، ص: 63

ومعلوم أنّه لا يوجد إنسان يستخدم الاختراعات الجديدة كالدراجة، والهاتف، أجهزة التصوير، الكامبيوتر وأمثالها، على أساس أنّها أمر ديني واجب أو مستحب بل يستخدمها كأمر عرفي مثل سائر أنواع

الأطعمة والملابس وأشكال البناء المتغيّرة بتغير الزمان والثقافة حيث ترتدي حلّة جديدة في كل عصر.

وبعبارة اخرى إنّ بعض الأعمال التي نقوم بها هي «أعمال عرفية» لا ترتبط بالشرع المقدّس من قبيل الأمثلة المذكورة آنفاً: التنوع في الملبس، المركب، الأطعمة، الآداب والرسوم ووسائل المعيشة والبيت وغير ذلك.

إنّ «البدعة» بمعنى التجديد المفيد في هذه الامور يعدّ عملًا جيداً وعلامة على التقدم الحضاري للمجتمع البشري، وعلى هذا الأساس لا تكون الدراجة مركب الشيطان ولا جهاز التصوير عين الشيطان، ولا جهاز الهاتف مفسدة للدين، ولا إقامة مراسم الاحتفال لتخليد ذكرى رموز الدين، والتي تعدّ أمراً عرفياً، معصية وإثماً. فهذا يشيد إقامة احتفال بمناسبة ولادة أحد أفراد الاسرة وأحياناً يقام الاحتفال بصورة جماعية لعالم ديني كبير، وأعلى منه إقامة احتفال بمناسبة الميلاد النبوي الشريف وسائر أئمّة الدين.

على مفترق طريقين، ص: 64

إننا لا نمتلك أي دليل على حرمة مثل هذه الأعمال سوى سوء فهم من معنى البدعة وعدم التعرف على مفهومها الفقهي وعدم الاحاطة بمعرفة الامور العرفية و تمييزها عن التكاليف الشرعية.

ولو تركنا البحث عن القُبب والأضرحة على قبور أولياء الدين حيث يتعلق بموضوع خاص آخر، وبحثنا عن مسألة القبور العادية في العربية السعودية حيث نرى أبشع المظاهر وأقبح السلوكيات تجاه الموتى، فنرى أمامنا صحراء قاحلة ومليئة بالصخور والأشواك حتى أنّك لا تجد حجراً صافياً على أي قبر من القبور، في حين أنّ بناء القبر بشكل بسيط يعدّ أمراً عرفياً متداولًا بين جميع الشعوب والأقوام البشرية وقامت عليه سيرة العقلاء في العالم حيث يهتمون باظهار قبور موتاهم بما يناسب شأنهم واحترامهم، وأحياناً يغرسون الشجر والأزهار والنباتات المختلفة في المقبرة لتبعث البهجة والانبساط لدى أهل الميت.

ونراهم أيضاً يعظّمون قبور الشعراء وكبار العلم

والأدب فيهم ويبنون على قبورهم ما يناسب شأنهم كل بحسب حاله.

فهذا السلوك، عند العقلاء هو عمل إنساني وعرفي وليس من البدعة ولا من الشرك وعبادة الأوثان بل أداء فروض الاحترام والأدب الإنساني، في حين أنّ البدعة المحرمة هي إضافة شي ء لتعاليم الدين ليس منها.

في هذا الزمان نرى الاحتفال بمناسبة مرور مائة عام على وفاة الشاعر الفلاني أو المخترع الفلاني يعدّ أمراً متداولًا في أجواء

على مفترق طريقين، ص: 65

المجتمع البشري، وهذا العمل يثيرالشوق والرغبة في نفوس الشبّان تجاه العلم والأدب ويؤدي إلى مزيد من التمدن والتطور الحضاري والعلمي، فهل يقول عاقل إنّ هذا الأمر بدعة أو شرك أو إضافة للدين بما ليس فيه؟

والحال أننا لو قمنا بتكريم أولياء الدين بهذه الصورة وأقمنا لهم هذه المجالس، فإنّ ذلك يتسبب في اهتمام عامة الناس بتعاليمهم وأفكارهم ويعمل على توثيق وشدّ العلاقة بين الناس وأولياء الدين، فأين هذا العمل من البدعة أو الشرك؟ إنّه أمر عرفي ومقبول لدى العقلاء.

والجدير بالذكر وجود بعض المستجدات العرفية أحياناً عند الوهابيين انفسهم إلى جانب الامور الدينية من دون أن تختلط بالمسائل الشرعية أو تكون بدعة محرمة، على سبيل المثال نرى حالياً في المسجد الحرام ومسجد النبي منارات عظيمة كثيرة لم تكن قطعاً في زمان النبي الأكرم صلى الله عليه و آله، أو نرى محراب النبي وهو زاخر بالنقوش الجميلة والكثير من أيات القرآن الكريم «ويقول البعض جميع القرآن الكريم منقوشة بخط جميل على جدران المسجد النبوي» وحتى اسم النبي صلى الله عليه و آله وجميع أئمّة أهل البيت عليهم السلام وبعض عظماء الإسلام مرسومة على واجهة أحد جدران المسجد النبوي في باحته.

في حين أنّ كل هذه الامور لم تكن موجودة في زمان النبي

صلى الله عليه و آله.

فهل تعدّ هذه الامور بدعة وحراماً؟ إذا كان كذلك فلماذا سمح على مفترق طريقين، ص: 66

الوهابيون المتسلطون على تلك الأماكن المشرفة ببقائها ولم يتحركوا لازالتها وتخريبها؟ وإن لم يكن كذلك فلماذا يعترضون على موارد مشابهة بحجة أنّها بدعة؟

من الواضح أنّه لا نجد احداً ممن ساهموا في ابداع هذه الامور قصد أنّ هذا العمل من الدين، بل الغرض مراعاة بعض الامور العرفية التي تنبع من الذوق السليم للإنسان.

إنّ الأشخاص الذين يعيشون الجمود الفكري ويعترضون على هذه الآداب الاجتماعية للمسلمين وغير المسلمين ليس لهم موطى ء قدم في العالم المعاصر ولابد أن يجدوا طريقهم إلى متحف التاريخ، إلّا بأن يتحرك المتعدلون منهم لإصلاح هذا الخلل وجبران هذا الانحراف الكبير.

واكرر أنّ البدعة الممنوعة والمحرمة شي ء آخر، وهي أن أقوم بعمل معين على أساس أنّه من تعاليم الدين في حين أنّه لم يرد في النصوص الدينية العامة والخاصة شي ء من ذلك.

مثلًا أن نضيف شيئاً على الصلاة أو الصوم أو مناسك الحج وأمثال ذلك، أو نقول إنّ الشرع قد أمرنا أن نقيم احتفالًا في الليلة الفلانية بمناسبة ميلاد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله.

ومع الأسف فإنّ جمود هذه الجماعة وقلّة اطّلاعها على علوم الإسلام أدّى إلى اختلاط هذين الأمرين: الابداعات العرفية، والبدع الشرعية و نتج ما نتج.

تضاد آخر

من المتضادات العجيبة لهذه الجماعة أنّ ذلك الشخص الذي كان يرى في الدراجة «مركب الشيطان» ويحسبها بدعة، يركب اليوم سيارات أمريكية ويابانية حديثة من الطراز الأخير، ولا أحد يعترض عليه في هذا الشأن.

هؤلاء الذين كانوا يرون في أسلاك الهاتف في قصر الملك السعودي أنّه بدعة، وقد تحركوا لتقطيع هذه الأسلاك، نراهم اليوم جميعاً حتى الباعة المتجولين في الشوارع يمسكون

بأيديهم الهاتف «الجوّال»!

ألا يدلّ هذا الانعطاف الكبير في 180 على أنّ مثل هذه الأفكار في طريقها إلى السقوط والزوال؟ والملفت أنّ حكومتهم تسير في خط التنمية الصناعية من دون الالتفات إلى هذه الأفكار الماضوية وتعمل على تحديث المملكة بشكل كامل.

أسباب فشل ابن تيمية!

إنّ أهل الخبرة يعلمون أنّ إمام المذهب الوهابي، كما يعترف هو، اقتبس أفكاره من «ابن تيمية»، الذي كتب عن الشرك، والتوحيد، والشفاعة، وأمثال ذلك في كتبه، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لم يتمكن ابن تيمية من اشاعة أفكاره في دمشق «مركز ظهوره ونشاطه» وتم دفع هذا الخطر من بلاد الشام، ولكن تلميذه «محمد بن عبدالوهاب» نجح في ذلك، لماذا؟

على مفترق طريقين، ص: 68

من المناسب أن نشير في البداية إلى لمحة من تاريخ ابن تيمية.

ولد «أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحنبلي» عام 661 وتوفي 728 ه ق، في مدينة «حران» من مدن الشام، ثم تركها في مرحلة الطفولة مع اسرته وتوجه إلى «دمشق» بسبب جور المغول.

ولمّا كان ابن تيمية حنبلي المذهب فإنّه تحرك على مستوى الدعوة إلى مذهب الحنابلة وكان يرى كالحنابلة أنّ علم الكلام باطل وأنّ المتكلّمين هم أهل البدع، وفي مسألة صفات اللَّه كان كالحنابلة يقول: إنّ المؤمن يجب أن يقبل كل ما ذكر في النصوص من ألفاظ الصفات الإلهية بدون تفسير، وبشكل عام كان يرفض المسلك العقلاني في العقائد. فمضافاًإلى دفاعه عن مسلك أهل الحديث في العقائد فإنّه أضاف لها عقائد جديدة لم يسبقه إليها أحد.

وعلى سبيل المثال كان يرى أنّ السفر بقصد زيارة قبر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله والتبرك والتوسل بأهل البيت عليهم السلام من الشرك، وحتى أنّه أنكر فضائل أهل البيت الموجودة في صحاح أهل السنّة بل حتى في

مسند إمامهم «أحمد بن حنبل» وسعى كخلفاء بني امية من تقليل شأن الإمام علي عليه السلام وذريته الطاهرين عليهم السلام.

ولم يقبل علماء أهل السنة دعوة ابن تيمية سوى بعض طلابه مثل «ابن القيم» وكتبوا كتباً عديدة في ردّه وردوا بدعه.

ومن جملتهم «الذهبي» الذي كان معاصراً له وقد كتب له رسالة في توبيخه وطلب منه الاذعان للأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله.

على مفترق طريقين، ص: 69

يقول «الذهبي» مخاطباً ابنَ تيمية: «وقد بلغت السبعين من العمر وحان أجلك لتغادر هذا العالم، ألم يحن الوقت للتوبة والإنابة».

وفي مصر أيضاً قام قاضي القضاة للمذاهب الأربعة لأهل السنّة برد آراء ابن تيمية واتهمه باختلاق البدع.

ولكن في القرن الثاني عشر ظهر محمد بن عبدالوهاب وتولى الدفاع عن أفكار ابن تيمية وعقائده لا سيما عقائده الجديدة.

ومضافاً إلى ما تقدم فإنّ ابن تيمية كان يعتقد بعقائد خاصة اخرى، ففي عام 698 ه ق اشترك في سجال اعتقادي مع مخالفه وطرح جملة من عقائده في هذه المناظرة، منها:

1- أنّه بإمكانه إقامة الحدود الشرعية بنفسه.

2- حلق شعر الأطفال.

3- الإعلان عن مناهضة المخالفين لعقائده.

4- نهى الناس عن العمل بالنذر.

5- إمكان الرؤية الحسية للَّه تعالى!

6- بالنسبة للخوارج كان يرى «أنّ الخوارج مع مروقهم من الدين فهم أصدق الناس!»، ومن جملة أعماله الإيجابية أنّه قال 702 ه ق بلزوم التصدي للمغول ومناهضتهم.

وينقل العلّامة الأميني بعد نقله لكلام ابن تيمية في ردّ حديث الدار عندما نزلت: «وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقرَبينَ ...»، حيث يرى ابن تيمية أنّ سند هذا الحديث غير صحيح، وقال الأميني: «ولا عجب أن يصدر هذا الكلام منه لشدّة تعصبه وانكاره للضروريات وتكفيره المسلمين على مفترق طريقين، ص: 70

وخاصة انكاره ما يتعلق بفضائل أهل

البيت عليهم السلام» «1».

ويضيف في مكان آخر: «لذلك عاد غرضاً لنبال الجرح من فطاحل علماء أهل السنّة منذ ظهرت مخاريقه وإلى هذا اليوم وحسبك قول الشوكاني في البدر الطالع ج 2، ص 260: صرّح محمد البخاري الحنفي المتوفّى 841 بتبديعه ثمَّ تكفيره ثم صار يصرّح في مجلسه: إنّ من أطلق القول على ابن تيمية: إنّه شيخ الإسلام، فهو بهذا الاطلاق كافر» «2».

ومن المناصرين الاشداء لابن تيمية «ابن كثير» مؤلف كتاب «البداية والنهاية» (المتوفّى 744 ه ق) حيث نراه يدافع عن ابن تيمية في شتى الموارد من كتابه ويمدحه في كل مناسبة.

ومن العلماء المعاصرين لابن تيمية والذين أيّدوا أفكاره وبذلك صاروا مكروهين من أقوامهم ومجتمعهم، المحدّث المشهور «أبو الحجاج المزي» صاحب كتاب «تهذيب الكمال» (المتوفّى 742 ه ق).

ومن طلّاب ابن تيمية أيضاً «أحمد بن محمد المري لبلي» وهو حنبلي المذهب أيضاً، ويقول ابن حجر إنّه كان مخالفاً لابن تيمية في البداية ولكنّه بعد لقائه به صار من أصدقائه وطلّابه وقد كتب مصنفات عديدة في تأييده والدفاع عن أفكاره، وذلك في كتاب «ردّ مسألة السفر للزيارة»، وأخيراً أمر القاضي المالكي «اخنايى» باحضاره وحكم عليه بالجلد إلى أن أدمى بدنه ثم أركبه بغلة

على مفترق طريقين، ص: 71

مستديراً إلى الوراء وطاف به أسواق المدينة للإمعان في تحقيره.

ولا شك أنّ أكثر مدافع وناصر لابن تيمية هو تلميذه «ابن القيم الجوزية» حيث كان يؤيد جميع أقواله وعقائده وتبعه في جميع أفكاره وقد سعى لنشر عقائد ابن تيمية في زمان حياته وبعد موته وقد سجن بسبب ذلك عدّة مرات وضرب بالسياط وأركبوه على جمل وطافوا به المدينة ثم سجنوه مع ابن تيمية في قلعة «دمشق» «1».

نعود الآن إلى أصل الموضوع، وهو: لماذا

لم يوفّق ابن تيمية لنشر مذهبه السلفي في الشام، ولكنّ «محمد بن عبدالوهاب» نحج في ذلك في منطقة «نجد» ثم وسع دائرته لتشمل جميع مناطق الجزيرة العربية حتى أنّ هذه العقائد سمّيت في التاريخ باسمه «مذهب الوهابية»؟

إنّ السبب في ذلك أمران:

الأول: إنّ الشام كانت تعدّ مركزاً من مراكز العلوم الإسلامية في ذلك العصر وكانت تستضيف علماء كبار وحوزات علمية كثيرة حيث سعى هؤلاء للتصدي لأفكار ابن تيمية وكشف اللثام عن انحرافاته وأخطائه، ورغم أنّه وجد بعض الأنصار هناك، إلّاأنّه فشل في مدّ نفوذه في تلك المنطقة من خلال مقارعته بالأدلة المنطقية، في حين أنّ منطقة «نجد» كانت في ذلك الزمان فقيرة جدّاً من هذه الجهة، فلم على مفترق طريقين، ص: 72

تواجه شبهات زعيم هذه الفرقة مقاومة قوية، ولذلك امتدت بين العوام كالنار في الهشيم.

وفي طيلة التاريخ نرى أنّ كل منطقة عاشت تحت مظلة العلماء الواعين فإنّها صارت مصونة من آفات الانحراف والزيف.

والآخر: أنّ قبائل «نجد» في ذلك الزمان كانت تعيش صراعات عنيفة على السلطة، وقد استفاد محمد بن عبدالوهاب، وفقاً للتواريخ الموجودة، من هذه الحالة وعقد معاهدة مع آل سعود على تبني أفكاره من جهتهم وعليه أن يضع أتباعه تحت اختيارهم في عمليات الفتح والاستيلاء على المناطق الاخرى، في حين أنّ دمشق والشامات لم تكن تعيش هذه الظروف، ولا أنّ ابن تيمية كان يفكر بهذه الامور.

6- ضعف المنطق والاستنباط الخاطى ء لستة مفردات قرآنية

اشارة

إنّ هذا المذهب يدور على استنباط خاطىٍ في مسألة التوحيد والشرك.

يقول «محمد بن عبدالوهاب» في رسالة «كشف الشبهات» في هذا المجال ما خلاصته:

1- إنّ التوحيد الذي دعا إليه الإسلام هو توحيد العبادة، لأنّ العرب المشركين كانوا يعتقدون بتوحيد الخالق ويعترفون بوجود اللَّه الذي خلق جميع الكائنات: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ

خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ» «1».

ويقول: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ» «2».

على مفترق طريقين، ص: 74

ونظراً إلى أنّ هذه الآيات الكريمة تقرر أنّ عرب المشركين كانوا يعترفون أنّ خالق العالم ورازق العباد ومدير الكون هو اللَّه تعالى، إذن فيما كان شركهم؟ إنّ انحرافهم عن خط التوحيد يتمثل في التوحيد في العبادة، أي أنّهم كانوا يعبدون الأصنام وبعض الصالحين، وبعبارة اخرى أنّ العرب المشركين لم ينكروا توحيد الخالق والرازق ولم يشركوا في ربوبية ربّ العالمين، بل أشركوا في عبادة اللَّه، فقد دعاهم الإسلام إلى حصر العبادة باللَّه تعالى.

2- إنّ مفهوم «الشرك» يعني أنّ الإنسان يسأل غير اللَّه تعالى ويطلب منه حلّ مشكلاته ويلتجأ إليه (كأن يقول يارسول اللَّه ويا علي» والقرآن الكريم يقول: «فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» «1».

3- إذا طلب الإنسان الشفاعة من نبي الإسلام أو أحد أولياء الدين أو الصالحين فقد أشرك باللَّه تعالى، وماله ودمه مباح للموحدين، لأنّه مشرك وكل مشرك مهدور الدم ومستباح المال والنساء!

والقرآن الكريم يقول: «قُلْ للَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» «2».

4- مضافاً إلى ذلك فإنّ العرب المشركين عندما واجهوا الاعتراض على عبادتهم للأوثان قالوا: «مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ...» «3».

على مفترق طريقين، ص: 75

وعلى هذا الأساس فإنّ عبادتهم للأصنام لم تكن بسبب خالقيتهم ورازقيتهم، بل لطلب شفاعة منهم عند اللَّه، إذن فكل شخص يطلب الشفاعة من غير اللَّه فحاله حال العرب المشركين ويستباح ماله ودمه.

هذه عصارة كلامه في مسألة التوحيد والشرك.

نقد ودراسة

اشارة

الواقع إنّ عمدة ما يستند إليه

«الوهابيون» في كتبهم المختلفة في بحث التوحيد والشرك هي الآيات المتقدمة آنفاً حيث نجدها في جميع كتاباتهم، في حين أنّهم يمرون على غيرها من الآيات الكريمة القرآنية مرور عشواء، ويتغافلون عن مدلولها، فهم يتحركون في فهمهم للقرآن من موقع الانتقاء بشكل كامل.

وضمناً، ولغرض اجهاض محاولات علماء الإسلام الذين يستندون بآيات قرآنية اخرى لكشف زيف هذه الفرقة وبطلان مدعياتها، قالوا: إنّ جميع الآيات الاخرى المخالفة للآيات السابقة والتي يستدل بها العلماء المسلمون في مسألة «التوحيد والشرك» من الآيات المتشابهة «1». بينما الآيات التي يستدل بها الوهابيون لصالح مدعياتهم من محكمات القرآن!!

على مفترق طريقين، ص: 76

وعند إلقاء نظرة دقيقة في مطاوي هذا الموضوع يتجلّى لنا الاستنباط الخاطى ء لأنصار الوهابية من ناحية سواء الفهم لِ «ست مفردات قرآنية» وبالتالي حكموا على جميع المسلمين سواهم بالشرك والكفر واتهموهم بالمروق من الدين.

ومع الأسف فإنّ العالم الإسلامي دفع ثمناً غالياً بسبب هذا الفهم الخاطى ء لهذه المفردات القرآنية الست، وما أكثر الدماء المقدّسة التي سفكت في بلاد الإسلام، وما أكثر الأموال والثروات التي نهبت؟

واستمر الحال بالمسلمين إلى هذا اليوم حيث نرى نماذج من هذه الحوادث المؤسفة في مناطق متعددة من العالم الإسلامي كما رأينا في حكومة الطالبان في أفغانستان وفي تفجيرات جيش الصحابة في مساجد الشيعة في باكستان أو حوادث القتل والانفجارات المروعة في العراق في صفوف الشيعة وأهل السنّة، في كل يوم وحتى في العربية السعودية في مدينة «الرياض» و «الخبر» و غيرهما!

لماذا لا يقبل هؤلاء بالجلوس على مائدة الحوار المشترك مع علماء الإسلام من الأزهر، والشام، وقم، والنجف، ويبحثون معهم هذه المسائل بحثاً منطقياً، لتتضح الحقيقة للناس.

لماذا نرى أنّ بحوثهم تعتمد أُسلوباً تهاجمياً وتبدأ اجابتهم بجملة «أيّها المشرك الجاهل»، وهم

ينطلقون في تعاملهم مع الطرف الآخر بأنّه مهدور الدم ومشرك وجاهل ثم بعد ذلك يدخلون معه في جدال ونقاش؟!

لماذا نرى هؤلاء غير مستعدين لإجراء مباحثات أخوية مع سائر المسلمين وتماهياً مع قول القرآن الكريم: «... فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ على مفترق طريقين، ص: 77

يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ...» «1».

فلو أنّهم تحركوا في تعاملهم مع الآخرين من هذا الموقع فسوف لم تصل الحالة إلى ما وصلت إليه من سفك دماء المسلمين ونهب ثرواتهم وتسلط الأعداء عليهم، ولم تجد حفنة من الصهاينة مجالًا للتلاعب بمصير المسلمين. فما الجواب الذي سيجيبون اللَّه تعالى به غداً يوم القيامة عند الميزان والحساب؟!

على أيّة حال فهذه المفردات المحورية الست عبارة عن:

1- الشرك والمشرك (في القرآن الكريم).

2- الإله في لا إله إلّااللَّه (في القرآن الكريم).

3- العبادة «في القرآن الكريم».

4- الشفاعة «في القرآن الكريم».

5- الدعاء «في القرآن الكريم».

6- البدعة «في القرآن الكريم والسنّة الشريفة».

أ) مفهوم «الشرك» في القرآن

إنّ أول كلمة وقع الوهابيون في قراءة خاطئة لها وبالتالي أفتوا بإباحة دماء الكثير من المسلمين وأموالهم وأعراضهم، هي كلمة «الشرك» و «المشرك».

على مفترق طريقين، ص: 78

«الشرك»: في اللغة بمعنى الشركة في شي ء. «الشريك» هو المتساوي في نمط واحد.

وجاء في لسان العرب في معنى الاشراك: «أشرك باللَّه: جعل له شريكاً في ملكه» وقال في معنى الشرك: «والشرك أن يجعل للَّه شريكاً في ربوبيته». وعلى هذا الأساس فإنّ الشرك يعني أن يجعل للَّه شريكاً في الحاكمية والربوبية.

يقول الراغب الاصفهاني في «مفرداته»: «وشرك الإنسان في الدين ضربان: أحدهما، الشرك العظيم، وهو اثبات شريك للَّه تعالى، يقال أشرك فلان باللَّه، وذلك أعظم كفر ويؤدّي إلى الحرمان من الجنّة، قال تعالى «مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» «1».

والثاني: الشرك الصغير، وهو مراعاة

غير اللَّه معه في بعض الامور وهو الرياء والنفاق المشار إليه بقوله: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» «2».

وعلى هذا الأساس فحقيقة الشرك العظيم هو ما تقدم من إثبات شريك للَّه تعالى في الخالقية والمالكية والربوبية والعبادة.

ولكن إذا قلنا إنّ المسيح كان يشافي المرضى بإذن اللَّه أو يحيي الموتى بإذن اللَّه و كان يخبر عن الغيب وبواسطة العلم الذي اكتسبه من اللَّه تعالى أو يكشف عن بعض الأسرار الخفية، باذن اللَّه فلا يعتبر ذلك من الشرك ولا يكون هذا الكلام مجانباً للصواب.

على مفترق طريقين، ص: 79

ألم يحدثنا القرآن الكريم عن هذه الحقيقة على لسان المسيح ويقول: «وَأُبْرِءُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ» «1».

وعليه فلو طلبنا من النبي الأكرم صلى الله عليه و آله أو بعض عباد اللَّه الصالحين من أولياء الدين كأئمة أهل البيت عليهم السلام مثل هذه الامور وبهذه الصورة «أي بإذن اللَّه» فلا يعدّ هذا من الشرك، بل هو عين التوحيد، لأننا لم نجعل هؤلاء الأولياء في مستوىً واحد وفي عرض واحد مع اللَّه تعالى، في التأثير بل نعتقد بأنّهم عباده المخلصون في طاعته.

والعجيب كيف أنّ علماء الوهابية فهموا من هذه المفردة «الشرك» الواضحة في معناها مثل هذا الاستنباط الخاطى ء وادّعوا أنّ كل طلب من عباد اللَّه الصالحين الذين لا يفعلون أمراً إلّابإذنه، من الشرك، فهذا المعنى مخالف لصريح القرآن.

ولنفرض أنّ شخصاً يمتلك غلاماً مطيعاً لأوامر سيّده ولا يتصرف بشي ء إلّابإذنه، فلو أنّ شخصاً طلب منه أن يسأل سيّده ويطلب منه عملًا معيناً فهل أنّه بمسألته هذه قد جعل الغلام شريكاً في عرض واحد لمولاه، أو أنّ

ذلك يقع في مسير الخدمة للمولى و الطلب منه؟

هل يعتقد عاقل منصف بأنّ هذا العمل يعتبر من الشرك؟

إنّ جميع هذه الأخطاء في الفهم الديني من النصوص ناتجة عن انتقائهم للآيات القرآنية وعدم رؤيتهم الشمولية لجميع الآيات في على مفترق طريقين، ص: 80

عرض واحد واستنباط المدلول الصحيح لها، وإنّما حكّموا مسبوقاتهم الفكرية وحملوا بعض الآيات الشريفة لتنسجم مع هذه الرؤية الخاطئة وتركوا الباقي و رفضوها رفضاً تامّاً.

ب) مفهوم «الإله»

لقد تصوّر شيخ الإسلام الوهابي أنّ كلمة «إله» تأتي بمعنى «المعبود» فقط، وعليه فإنّ جملة «لا إله إلّااللَّه» التي تعتبر شعار نبي الإسلام صلى الله عليه و آله وجميع المسلمين في العالم، ناظرة لمسألة «التوحيد في العبادة» فقط، أي أنّه لا معبود إلّااللَّه تعالى، وعليه فإنّ هذه الجملة غير ناظرة إلى نفي الشرك في الخالقية والرازقية والربوبية وأمثالها، لأنّ المشركين في الجاهلية كانوا يقرّون بالتوحيد في الخالقية والرازقية والربوبية، وانحرافهم الوحيد كان عدم التوحيد في العبادة لأنّهم كانوا يعبدون غير اللَّه تعالى.

توضيح ذلك

إنّ المشركين في الجاهلية، وخلافاً لتصوّر الوهابيين، لم يتورطوا فقط في وادي الشرك في العبادة، وبتعيبر آخر، إن كلمة «إله» لم تستعمل دائماً بمعنى «المعبود»، بل جاءت أحياناً بمعنى «الخالق»، يقول القرآن الكريم: «أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ* لَوْ كَانَ على مفترق طريقين، ص: 81

فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّااللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ» «1».

فنرى في هذه الآيات الشريفة بوضوح أنّ «آلهة» جمع «إله» جاءت بمعنى «الخالق» لأنّ الحديث في الآية الشريفة يدور حول «التوحيد في الخالقية» لا «التوحيد في العبادة».

ونقرأ في آية اخرى هذا المعنى بوضوح أكثر حيث تقول: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» «2».

هذه الآيات الكريمة تنفي وجود خالق آخر غير اللَّه تعالى «وجاء بلفظ إله» و تقول لو كان هناك إله آخر غيره لانهدم نظم العالم وفسد انسجام الكون. فهذه الآية تبيّن عقيدة العرب المشركين في مسألة تعدد الخالق وتقول: «فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ».

وعلى هذا الأساس فإنّ حصر دعوة الإسلام للتوحيد في العبادة وعدم الالتفات

إلى الأقسام الاخرى من التوحيد، يمثّل خطأً كبيراً في فهم الآيات القرآنية التي تقرر هذا المعنى بصراحة بالغة.

إنّ جميع الشواهد تشير إلى أنّ الوهابيين أهملوا كثيراً من الآيات القرآنية المخالفة لاستنباطهم من مسألة التوحيد والشرك وغفلوا أو

على مفترق طريقين، ص: 82

تغافلوا عنها تماماً، والحال أنّ الكثير منهم من حفظة القرآن الكريم حسب الظاهر، ولكن مع الأسف يستندون دائماً إلى بعض الآيات الموافقة لآرائهم الباطلة، لأنّ حفظ القرآن لا يعني بالضرورة فهم معنى القرآن!

ويستفاد أيضاً من آيات اخرى أنّ بعض المشركين كانوا يعتقدون في نظرتهم للأوثان غير مسألة العبادة والخالقية، حيث يعتقدون بربوبية الأصنام، أي تأثيرها في مصير الإنسان، بمعنى تأثيرها على مصيرهم، وكانوا يتصورون بشكل خرافي أنّ الأصنام تغضب على أعدائها ومخالفيها وتعمل على تدميرهم والإضرار بهم وفي نفس الوقت يد العون إلى عابديها وتعمل على اسعادهم، وعلى سبيل المثال يحدثنا القرآن الكريم عن المشركين من قوم هود حيث كانوا يقولون:

«إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِى ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» «1».

وهكذا نرى أنّ المشركين كانوا ينسبون الغضب لآلهتهم وأنّها قد تلحق الضرر بالناس أو تنفعهم وتزيد من بركتهم، وهذا يعني أنّ المشركين كانوا يتصورون أنّ الأصنام تتدخل في تعيين مصيرهم وهو نوع من القول بربوبيتها، وهناك شعر معروف قاله الشاعر الجاهلي في ذم طائفة «بني حنيفة» حيث صنعوا لهم صنماً من التمر! ولكنّهم أكلوه في عام القحط! ويقول:

أكلت حنيفة ربّها عام التقحم والمجاعة لم يحذروا من ربّهم سوء العواقب والتباعة «2»

على مفترق طريقين، ص: 83

إنّ كلمة «ربّ» اطلقت في هذا البيت على الصنم، وقد حذّر الشاعر هؤلاء الآكلين سوء العاقبة ونتائج غضب الآلهة هذه.

ويقول شاعر آخر في هذا الصدد:

«أربّ

يبول الثعلبان برأسه ... آلا ذلّ من بالت عليه الثعالب».

وهكذا نرى في تاريخ عبادة الأوثان اطلاق كلمة «ربّ» و «أرباب» على الأصنام ممّا يعكس اعتقادهم بأنّ تدبير امور العالم بيد هذه الأصنام!!

ومن هنا يحدثنا القرآن عن قول يوسف عندما دعا رفيقيه في السجن إلى التوحيد: «يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ» «1»

. انظر الى كلمة ارباب هنا.

والشاهد الآخر أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يدعو المشركين من أهل الكتاب إلى التوحيد فيما يصرّح به القرآن الكريم: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» «2».

وكما ترى فإنّ عبارة «أرباب» تشير بوضوح إلى أنّ هؤلاء المخاطبين من أهل الكتاب قد تورطوا في شرك الربوبية.

ونقرأ في آية اخرى من هذه السورة نفسها: «وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» «3».

على مفترق طريقين، ص: 84

ولا نبتعد كثيراً عن الموضوع فالقرآن الكريم يصرّح بهذه الحقيقة بالنسبة لعبدة الأوثان ويقول: «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ» «1».

وهذا يعني أنّهم مصابون بالشرك في الربوبية باعتقادهم تأثير الأوثان في مصيرهم وأنّها تملك قدرة خارقة للعادة.

ونقرأ في قصة إبراهيم عليه السلام عندما تماهى مع عبدة الأوثان فقال في بداية الأمر مشيراً إلى النجم والقمر والشمس بقوله «هذا رَبّي» «2»

.ليثبت بطلان عقيدتهم بها في نهاية المطاف.

إنّ اهتمام إبراهيم عليه السلام بمقولة الربوبية تعكس بوضوح أنّ المشركين في «بابل» كانوا يتصورون أنّ القمر والشمس والنجوم مؤثرة في مسيرة حياتهم، وكذلك الحال في كلام إبراهيم أمام نمرود و

قوله «رَبِّي الَّذِي يُحْيِى وَيُمِيتُ».

النتيجة: إنّ كلمة «إله» لا تعني فقط «المعبود»، بل تأتي أحياناً «الخالق» وأحياناً اخرى «الرب»، وإنّ المشركين لم يقتصروا في شركهم على عنصر «العبادة» بل كانوا مشركين في مسألة «الخالقية» و «الربوبية» و ايضاً.

وعلى هذا الأساس فعندما يحدثنا القرآن الكريم عن اعتراف المشركين بوجود اللَّه ويقول بإنّه لو سألتهم عمن خلق السموات على مفترق طريقين، ص: 85

والأرض ليقولن اللَّه، فمقصوده مدبّر السموات والأرض، لعدم وجود التناقض بين الآيات القرآنية.

وبعد هذا هل يجوز لزعماء الوهابية بمقتضى قراءتهم الواهية لهذه الآيات القرآنية وخاصة لمفهوم كلمة «إله»، أن يفتوا بإباحة دماءالمسلمين وأموالهم؟ والحقيقة: ما أتفه قيمة المسلمين ودماؤهم وأموالهم لدى هذه الجماعة!!

ج) مفهوم «العبادة»

إنّ كلمة «العبادة» هي ثالث مفردة قرآنية أساء الوهابيون فهمها وقالوا بصراحة: إذا توجه المسلم إلى الصالحين يطلب منهم الشفاعة عند اللَّه فهو مصداق الآيات الشريفة التي تقول: «أَلَا للَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَايَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ» «1».

ولكن هؤلاء لم يلتفتوا إلى هذه الحقيقة القرآنية، وهي أنّ المشركين لم يكن خطأُهم في طلب الشفاعة من الصالحين بل لكونهم يعبدون هذه الأوثان طلباً للشفاعة، ويسجدون لها من أجل ذلك (كما يتبيّن هذا المعنى من مفهوم الآية الشريفة أعلاه وجملة «ما نعبدهم» فالمشكلة هي العبادة لا طلب الشفاعة فتأملوا).

على مفترق طريقين، ص: 86

عندما نزور رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ونقول: يارسول اللَّه اشفع لنا في الدنيا والآخرة، فهل يعني هذا عبادتنا له؟ وهل نلقي بأنفسنا على الأرض ونسجد لرسول اللَّه؟

ما هي علاقة طلب الشفاعة بالعبادة؟ إنّ كل شخص من

العرف أو أهل اللغة يعلم بأنّه لو حضر شخص عند المسيح وأحضر معه طفله الأعمى وقال للمسيح: أنت تدعي أنّك تشفي الأكمه والأبرص بإذن اللَّه «وَأُبْرِءُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ»، لذلك فإني أسألك أن تشافي ولدي بإذن اللَّه، فأين هذا من واقع العبادة للَّه؟!

إنّ القرآن الكريم نفسه قد أذن بمثل هذه السلوكيات والممارسات.

إنّ «العبادة» تعني في اللغة والعرف أن يبلغ الشخص نهاية الخضوع للطرف المقابل من قبيل الركوع والسجود له، وأمّا طلب الحاجة من الآخر فلا يرتبط بهذا الموضوع اطلاقاً، يقول الراغب في مفرداته: «العُبُوديَّةُ إِظهارُ التُذَلُّلِ وَالعِبادَةُ أَبْلَغُ مِنْها لأَنَّها غايَةُ التُذَلُّلِ» «1».

وجاء في لسان العرب مادة «عبد»: «أَصْلُ العُبُودِيَّةِ الخُضُوعُ وَالتَذَلُّلُ».

والملفت للنظر أنّ زعماء المذهب الوهابي يؤكدون على عبارة «لِيُقَرِّبُونا إِلى اللَّهِ زُلفى ، ولكنّهم يغضون الطرف عن جملة «ما

على مفترق طريقين، ص: 87

نَعْبُدُهُم إلَّا ...»، إذن فالإشكال في عمل المشركين يكمن في عبادتهم غير اللَّه لا في «طلب الشفاعة للتقرب إلى اللَّه»، حتى إذا كان طلب الشفاعة هذا بإذن اللَّه «فتدبر».

أجل، فعندما يبحث الإنسان في مسألة معينة بالاستناد إلى مسبوقاته الخاطئة فسوف يرى ما يوافق مقصوده جيداً ولا يرى أبداً ما يخالف رأيه، وأحياناً يتعامل معه من موقع التساهل والاهمال، ثم يفتي بقتل ملايين الأبرياء من المسلمين على أساس أنّهم مشركون ويستبيح دماءهم وأموالهم وأعراضهم!!

وسيأتي تفصيل الكلام عن حقيقة الشفاعة والدعاء لاحقاً «إن شاء اللَّه».

د) مفهوم «الشفاعة»
اشارة

ورابع مفردة قرآنية فسّرها أفراد هذه الطائفة تفسيراً خاطئاً هي كلمة «الشفاعة»، وكما تقدم أنّ هؤلاء أصدروا حكماً بكفر جميع من يطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه و آله أو أئمّة أهل البيت عليهم السلام وغيرهم من الصالحين، واتّهموهم بالشرك كما تقدم كلامهم في ذلك.

إنّ هؤلاء تحركوا في

هذا الخط بشدّة وأفرطوا في اتهام المسلمين بالشرك كما رأينا فيما كتبه زعيمهم في كتاب «كشف الشبهات» حيث قرر اتهامه المسلمين بالشرك بدليلين وصرّح أنّهم أشدّ وأشنع من المشركين في زمان الجاهلية، رغم أنّ المشركين في الجاهلية لم على مفترق طريقين، ص: 88

يكونوا يعتقدون بالمعاد ولا يصلّون ولا يؤدون فريضة من فرائض الإسلام. ومضافاً إلى ذلك كانوا يتهمون نبي الإسلام صلى الله عليه و آله بإنّه ساحر وأنّ القرآن كتاب سحر وحاولوا قتل النبي، ومع ذلك يقول إمام الوهابية إنّ هؤلاء المشركين أفضل من المشركين في عصرنا «وهم يعتقدون بكل ما جاء في الرسالة السماوية ويتعبدون بجميع تعاليم الإسلام وآدابه ولا ذنب لهم سوى طلبهم الشفاعة من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ويصرّح بأنّ شرك اولئك المشركين في زمن الجاهلية» أيسر وأخف من شرك هؤلاء! لماذا؟

لأنّ اولئك المشركين كانوا يعبدون الأوثان في حال الرخاء والدعة، ولكنّهم يتركون عبادتها في حال الشدّة ويتوجهون إلى اللَّه تعالى ويدعونه مخلصين كما في حال الابتلاء بخطر الغرق في البحر.

ما أشدّ عدم الانصاف لدى من يقول إنّ الأفراد المتدينين والملتزمين بجميع تعاليم الإسلام وأحكامه والذين يجتنبون جميع الذنوب وأشكال المعصية ويدفعون زكاتهم وواجباتهم المالية بشكل كامل ثم يأتون من مكان بعيد لزيارة بيت اللَّه الحرام مع كونهم من حفظة القرآن وعلماء في المعارف الإسلامية إلّاأنّهم أسوأ من المشركين القتلة وسفاكي الدماء وشاربي الخمر والملوثين بأنواع الذنوب والمعاصي والذين لا يقبلون بشي ء من الرسالة السماوية، لسبب بسيط وهو أنّ الطائفة الاولى تطلب الشفاعة من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أو من غيره من الأولياء، فهم مشركون وتباح دماؤهم وأموالهم!!

ألا يعدّ مثل هذا الكلام بعيداً عن المنطق في

أجواء عالمنا

على مفترق طريقين، ص: 89

المعاصر؟

وعليه ألا نقبل أنّ عمر هذا المذهب وهذه الأفكار الماضوية في طريقها إلى الزوال وأنّ محلها الطبيعي هو متحف التاريخ؟

والآن لنأخذ أصل مسألة «الشفاعة» لنرى المشكلة التي تقترن بهذه المسألة في دائرة التوحيد بحيث أدت إلى خلق هذا التنافر واتهام الكثير من المسلمين بالكفر والشرك وأنتجت كل هذه المأساة.

هل أنّ شيخ الإسلام اكتشف حقيقة جديدة في هذه المسألة بقيت خافية على علماء الإسلام طيلة التاريخ الإسلامي؟

الحقيقة أنّ أصل مسألة الشفاعة ورد ضمن آيات كثيرة في القرآن المجيد ويعد من مسلمات الفكر الإسلامي باجماع علماء الإسلام وحتى أنّ الوهابيين لا ينكرون أصل الشفاعة بل يعترفون بها بصراحة.

الحقيقة الاخرى التي تعد من المسلمات أيضاً هي عدم إمكان شفاعة الشفعاء بدون إذن اللَّه تعالى، لأنّه ورد هذا الموضوع بصراحة في أكثر من خمس آيات قرآنية، منها ما ورد في آية الكرسي حيث تقول: «مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ...» «1».

ويقرر مبدأ التوحيد الأفعالي أنّ كل شي ء في العالم لا يتحقق إلّا بإذن اللَّه ولا شرك باللَّه تعالى من هذه الجهة، فلو كانت هناك شفاعة فهي بإذن اللَّه وأمره، وبما أنّ اللَّه تعالى حكيم على الاطلاق، فإنّ إذنه على مفترق طريقين، ص: 90

للشفاعة يقوم على أساس الحكمة فلا يأذن بشفاعة الأشخاص الذين يفتقدون لياقة الشفاعة من حيث تلوثهم بالمعاصي وسلوكهم في خط الانحراف بحيث دمروا جميع الجسور خلفهم «فتدبر».

إلى هنا لا خلاف في هذه المسألة، إذن فأين يكمن الاختلاف؟

إنّ الاختلاف فيما بيننا وبينهم أنّ علماء الإسلام غير «الوهابيين» يرون أنّ طلب المسلم من النبي شيئاً بمقتضى المقام الكريم الذي منحه اللَّه تعالى له «أي مقام الشفاعة» لا يعدُّ عملًا مجانباً للصواب وليس

فقط لا يتنافى مع التوحيد، بل يدعم ويكرس التوحيد أيضاً، ولكنّ الوهابيين يقولون إنّك لو طلبت الشفاعة من رسول اللَّه فأنت كافر ومشرك ومباح الدم والمال، فهل أنّ الشفاعة باطلة؟ كلّا، حيث يتفق جميع علماء الإسلام على صحتها وجوازها.

وهل أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليس له مقام الشفاعة؟ الجميع يجيبون بالايجاب.

إذن فأين تكمن المشكلة؟ يقولون إنّ النبي يتمتع بمقام الشفاعة ولكن لا ينبغي أن تطلب الشفاعة منه وإلّا ستكون كافراً، لأنّ القرآن يقرر هذه الحقيقة، وهي أنّ الجاهليين كانوا يبررون عبادتهم للأصنام لتشفع لهم عند اللَّه، فعملكم سيكون مثل عمل اولئك المشركين.

نقول: إنّ المشركين كانوا يعبدون الأصنام ونحن لا نعبد اطلاقاً النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، وأمّا طلب الشفاعة منهم فلا يرتبط من قريب ولا بعيد بالعبادة.

ويقولون: إنّ الحق ما نقوله فقط.

على مفترق طريقين، ص: 91

فنقول: إنّ القرآن الكريم نفسه أمر المذنبين بالذهاب إلى النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وطلب الاستغفار و «الشفاعة» منه عند اللَّه تعالى ليغفر لهم:

«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً» «1».

وأوضح من ذلك ما ورد في قصة يعقوب عليه السلام وأولاده حيث اعترفوا بذنبهم فيما يتعلق بيوسف عليه السلام وطلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم و «يشفع» لهم عند اللَّه تعالى «قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ* قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» «2».

فلم ينكر عليهم يعقوب طلبهم الوساطة والشفاعة عند اللَّه تعالى، بل أمضى ذلك وأيّده.

فهل أنّ نبي اللَّه يعقوب عليه السلام إتّهم أولاده بالشرك والكفر بسبب ذلك؟

التبرير الواهي

والنكتة الملفتة للنظر أنّ

الوهابيين المتعصبين وبسبب جهلهم وعدم قدرتهم على الجواب عندما يصلون إلى هذا الموضوع يغيّرون مسار الكلام ويقولون: إنّ الآيتين أعلاه تتعلقان بزمن حياة النبي صلى الله عليه و آله ولكن بعد الموت لا يقدر النبي صلى الله عليه و آله على شي ء من هذه الامور.

وعليه فإنّ طلب الشفاعة من نبي الإسلام صلى الله عليه و آله بعد وفاته ليس على مفترق طريقين، ص: 92

بنافع.

هنا لاحظوا بدقّة أنّ مسألة الشرك والكفر تخلي مكانها لمسألة «عدم النفع» حيث يقولون إنّ الإنسان لو طلب الشفاعة من الأنبياء في حياتهم لا يكون ذلك من الشرك أو الكفر، ولكن بعد وفاتهم سيكون هذا الطلب لغواً وغير مثمر. وهذا في الحقيقة بمعنى النكوص على جميع الادّعاءات السابقة، «فتدبر».

ونقول في هذا الصدد: إنّ هذا الطلب ليس من الكفر ولا من اللغو، لأنّ أي مسلم لا يسمح لنفسه أن يعتقد بأنّ مقام نبي الإسلام صلى الله عليه و آله أقل شأناً من الشهيد العادي في بدر واحد، حيث يقول تعالى عن هؤلاء الشهداء: «... أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» «1».

فأي جفاء لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله أشنع من هذا الكلام!!

ولعل فهمهم الخاطي ء ناشي ء من قوله تعالى مخاطباً نبيّه الكريم:

«إِنَّكَ لَاتُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» «2».

والحال أنّ هذه الآية الشريفة ناظرة إلى الأشخاص العاديين لا إلى النبي صلى الله عليه و آله والأولياء الطاهرين.

ينبغي أن نسأل من هؤلاء: إذن لماذا تسلمون على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في صلاتكم وتقولون: «السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، هل يعقل السلام على من لا يدرك شيئاً (ونعوذ باللَّه)؟ هل أنّ قوله تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا

الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ على مفترق طريقين، ص: 93

وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» «1»

، تتعلق في حياة النبي صلى الله عليه و آله خاصة أم بعد وفاته أيضاً؟ ونسأل: على من يرسل اللَّه تعالى والملائكة والمؤمنون الصلوات والرحمة؟ هل يعقل أن تكون الصلاة على من لا يدرك شيئاً «نعوذ باللَّه».

ولماذا نصبتم لافتة فوق الضريح المقدّس إلى جانب الرأس وكتبتم فيها: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ» «2».

لماذا لا تسمحون لأحد أن يرفع صوته هناك (إلى جانب قبر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله)؟ فإذا كنتم تعتقدون بأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد وفاته لا يفهم شيئاً «العياذ باللَّه» فلماذا لا نرفع اصواتنا عند قبره صلى الله عليه و آله.

ألا تقترب هذه الأفكار والعقائد من نهاية الخط؟

عليكم بالانصاف في الاجابة:

ه) مفهوم «الدعاء في القرآن»
اشارة

ومن جملة المفاهيم الدينية التي وقع الوهابيون في فهمها في خطأ شنيع وحكموا بسبب هذا الفهم الخاطى ء بكفر الكثير من المسلمين، مفهوم «الدعاء» في القرآن. حيث يعتقدون بأنّ كل شخص يدعو

على مفترق طريقين، ص: 94

النبي أو أحد أولياء اللَّه والصالحين من عباده فهو مشرك وكافر ويستباح دمه وماله.

وقد ذكر «الصنعاني» وهو من أنصار عقائد محمد بن عبدالوهاب في كتابه «تنزيه الاعتقاد» كلاماً في بيان عقيدتهم في الدعاء وقال: إنّ اللَّه تعالى أطلق على الدعاء كلمة العبادة وقال: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» «1».

فعلى هذا الأساس لو دعا شخص النبي صلى الله عليه و آله أو ولي صالح لأمر من الامور أو قال: اشفع لي عند اللَّه في قضاء حاجتي، أو قال: اطلب قضاء

حاجتي بواسطتك من اللَّه تعالى، وأمثال ذلك، أو قال: اقضي عني ديني أو شافي مرضي، وأمثال ذلك، وبما أنّ الدعاء عبادة، بل مخ العبادة، فإنّ هذا الشخص قد عبد غير اللَّه وهو مشرك، لأنّ «التوحيد» لا يكتمل إلّاأن يعتقد الإنسان بأنّ اللَّه تعالى هو الخالق والرازق فقط ولا يعترف بغيره خالقاً ورازقاً ولا يعبد غيره حتى بعض العبادة» «2».

هذه الكلمات والعبارات تتكرر في الكثير من كتبهم وأدبياتهم.

وهكذا يستند هؤلاء في اتّهامهم الآخرين بالكفر والشرك على هذه الآية المذكورة في كلام الصنعاني، وكذلك بآيات اخرى من قبيل:

1- «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» «3».

على مفترق طريقين، ص: 95

2- «لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَايَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَىْ ءٍ» «1».

3- «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ...» «2».

حيث يفهمون من هذه الآيات الشريفة ما فهمه الصنعاني أيضاً، يعني لا يحق لأحد أن يقول: «يا رسول اللَّه اشفع لي عند اللَّه» وإلّا فهو كافر ومهدور الدم!

وعلى هذا الأساس فإنّ أحد العوامل المهمة التي سببت حالة العنف لدى هذه الجماعة بحيث قتلوا الآلاف المؤلفة من الناس الأبرياء ونهبوا أموالهم واستباحوا أعراضهم هو الفهم الخاطى ء لمعنى «الدعاء في القرآن الكريم».

والآن نعود إلى الآيات الشريفة ونستفهم منها معنى «الدعاء في القرآن الكريم» ليتضح أنّ الدعاء لغير اللَّه أحياناً يتناسب مع الكفر واخرى مع الإيمان، ولكنّ هؤلاء المتعصبين وبسبب قلّة اطّلاعهم والترسبات الذهنية لديهم وقعوا في هذا الفهم الخاطى ء والقراءة الزائفة والخطرة للمفاهيم القرآنية.

«واتفق لنا أنّ ثبت بالتجربة أنّ بعض الأفراد في حوزاتنا العلمية تحصل لديهم أحياناً ميول وهابية (وإن كان نادراً جداً) حيث نرى هؤلاء يعيشون مشكلة في فهم الدروس الحوزوية وقلّة المعلومات على مفترق طريقين، ص:

96

وسطحية التفكير».

على أيّة حال فإنّ مفردة «الدعاء» وردت بمعانٍ مختلفة في القرآن الكريم:

1- «الدعاء» بمعنى العبادة كقوله تعالى في الآية 18 من سورة الجن: «... فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»، حيث وردت العبارة «مع اللَّه» وتشير إلى أنّ المراد عبادة غير اللَّه والاعتقاد بالشريك للَّه تعالى، والشاهد على هذا المعنى، الآية 20 من هذه السورة: «قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً».

إنّ أي مسلم يعلم أنّ الدعاء بهذا المعنى مختص باللَّه تعالى، فلا أحد يصل إلى مرتبة الالوهية غيره وليس هناك شك وترديد في هذه المسألة.

2- «الدعاء» بمعنى دعوة الآخرين بالاتجاه لأمر معيّن من قبيل ما ورد في قوله تعالى على لسان النبي نوح عليه السلام: «قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَاراً* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً» «1».

وبديهي أنّ دعوة هؤلاء القوم هي في الحقيقة دعوة للإيمان وهذا النوع من الدعاء عين الإيمان وامتثال هذا الأمر واجب على الأنبياء.

وهكذا ما ورد بالنسبة لنبي الإسلام صلى الله عليه و آله حيث يقول تعالى مخاطباً إيّاه: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ...» «2».

3- «الدعاء» بمعنى طلب الحاجة، فأحياناً يكون طلب الحاجة

على مفترق طريقين، ص: 97

من طرق طبيعية مثل: «... وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ...» «1».

فعندما يتمّ دعوة بعض الناس لأداء الشهادة فلا ينبغي لهم الامتناع. وهذا الدعاء في هذا المورد دعوة في الامور العادية، ومعلوم أنّ من يدعو الشهداء لا يكون كافراً بل يؤدّي وظيفته الشرعية، وأحياناً يكون طلب الحاجة من الطرق غير الطبيعية، أي طريق المعجزة وهذا بدوره على قسمين:

أحياناً طلب الحاجة مع اعتقاده باستقلال الطرف الآخر «غير اللَّه» في التأثير، وأحياناً اخرى يطلب الحاجة من شخصية كبيرة بأن يطلب

من اللَّه تعالى قضاء حاجاتنا.

القسم الأول عبارة عن نوع من الشرك، لأنّه يعتقد باستقلالية المدعو في التأثير، فجميع الأسباب والمسببات العادية لا تؤثر شيئاً إلّا بإذن اللَّه تعالى.

يقول القرآن الكريم في هذا المجال: «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا» «2».

أي أنّ هؤلاء غير قادرين على حلّ مشاكلكم وغير قادرين على ايجاد أي تغيير في حياتكم.

ولا يوجد أي إنسان مؤمن ومطّلع يعتقد بمثل هذه العقيدة بالنسبة

على مفترق طريقين، ص: 98

للأنبياء والأولياء.

أمّا القسم الثاني وهو توحيد الإنسان الكامل، بمعنى أنّ الإنسان عندما يجعل بينه وبين الذات المقدّسة واسطة وشفيعاً ويرى في نفس الوقت أنّ اللَّه تعالى هو مسبب الأسباب وأنّ جميع الأمور في قبضته وبمشيئته ولكنّه يتقرب إليه من خلال التوسل بأوليائه ويطلب منه الحاجة بواسطتهم فهذا عين التوحيد والإيمان بالمشيئة الإلهيّة المطلقة.

ويحدثنا القرآن الكريم عن بني اسرائيل عندما جاءوا إلى موسى عليه السلام وطلبوا منه أطعمة متنوعة «غير المنّ والسلوى» ويقول:

«وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا ...» «1».

ولم يعترض موسى عليه السلام عليهم أنّكم لماذا دعوتموني وطلبتم منّي أن أسأل اللَّه ذلك ولم تطلبوا ذلك مباشرة من اللَّه تعالى وأنّ هذا العمل كفر وشرك، بل نرى أنّ موسى استجاب لهم طلبهم وسأل اللَّه تعالى ذلك: «لَكُمْ ما سَأَلتُمْ»، ولكنّه قال لهم معترضاً إنّكم تركتم الطعام الجيد وطلبتم الأطعمة الدانية.

النتيجة

يستفاد ممّا تقدم من البحث أنّ هذه الجماعة من الوهابيين بدلًا من مراجعتهم للموارد المختلفة في معنى «الدعاء» في القرآن والتدبر

على مفترق طريقين، ص: 99

في مجموع التعاليم الواردة في هذه المسألة، اكتفوا بقراءة بعض الآيات وقنعوا بمدلولها

و تركوا ما سواها من الآيات وبالتالي حكموا على أكثرية المسلمين بالشرك والكفر، والأنكى من ذلك أنّهم تحركوا في اتهامهم وحكمهم هذا على مستوى الممارسة والعمل وقتلوا الكثير من المسلمين المخلصين وسفكوا دماءهم ونهبوا أموالهم كما تقدمت الإشارة إليه.

و) البدعة في الكتاب والسنّة

والسادس من المفردات القرآنية التي أساءت هذه الفئة من الوهابيين المتعصبين فهمها، مفردة «البدعة».

ويحدثنا القرآن الكريم في مورد ذمّ الرهبانية في الآية 27 من سورة الحديد حيث يقول: «وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ...».

إذا قلنا إنّ هذا الاستثناء في الآية، استثناء متصل كما هو ظاهر الآية فيكون مفهوم الآية هو ما يظهر من سياقها، أي أنّ المسيحيين أبدعوا نوعاً من الرهبانية وترك الدنيا لم يكتبه اللَّه تعالى عليهم ولم يرد في التعاليم السماوية، وفي نفس الوقت لم يرعوها حق رعايتها، كما سيأتي تفصيل هذا المعنى لاحقاً.

وإذا قلنا إنّ الاستثناء في الآية منقطع، فمفهوم الآية هو أننا لم نأمرهم بالرهبانية «بل هي بدعة ابتدعوها» وقد أوصيناهم «بِابْتِغاءِ

على مفترق طريقين، ص: 100

مَرضاةِ اللَّهِ». ولكنهّم لم يرعوا هذه التوصية.

على أيّة حال هذه الآية الشريفة تذم هذه البدعة، وهي البدعة التي يقول عنها المؤرخون بدأت بعد عدّة قرون من حياة المسيح عليه السلام وبسبب حوادث تاريخية مؤسفة أدّت إلى هزيمة المسيحيين ولجوء أفراد منهم إلى الجبال والوديان حيث اختاروا العزلة والانزواء وتدريجياً ظهرت الرهبانية على شكل ظاهرة دينية، وفي البداية لجأ بعض الرجال من الزاهدين والتاركين للدنيا إلى أماكن يطلق عليها «الدير» ثم التحق بهم بعض النسوة التاركات للدنيا واخترن الحياة في «الدير» وهنّ «الراهبات».

ومن جملة التقاليد الخاطئة التي اقترنت بالرهبانية وشاعت بين الرهبان والراهبات، مسألة «ترك الزواج» بشكل مطلق وهو أمر

يخالف السنّة الإلهية والطبيعة للبشرية وصار منبعاً للكثير من المفاسد وأشكال الانحراف.

ويتحدث المؤرخ المشهور «ول ديورانت» في تاريخه المشهور «قصة الحضارة» في بحث مفصّل حول الرهبان وسلوكياتهم، وضمن اعترافه بانضمام الراهبات إلى صومعات الرهبنة في القرن الرابع الميلادي شرعت ظاهرة الرهبانية في الازدهار والنمو حتى وصلت إلى الذروة في القرن العاشر للميلاد «1».

ورغم أنّ الرهبان والراهبات قدّموا خدمات اجتماعية متنوعة

على مفترق طريقين، ص: 101

طيلة تاريخهم، ولكنّ المفاسد الاجتماعية والأخلاقية الناشئة من هذه الظاهرة كانت أكثر، والأفضل أن نصرف النظر عن تفاصيل هذه الامور المذكورة في كتب المؤرخين المسيحيين.

أجل، فمن الطبيعي أن تكون عاقبة البدع بهذه الصورة غالباً.

على أيّة حال، فمضافاً للآية المذكورة، هناك روايات كثيرة في ذم البدعة وردت في المصادر الإسلامية، ومنها الحديث النبوي المعروف «كُلُّ بِدعَةٍ ضَلالَة»، المذكور في مصادر روائية كثيرة منها «مسند أحمد» و «مستدرك الصحيحين» و «سنن البيهقي» و «المعجم الأوسط للطبراني» و «سنن ابن ماجه» «1».

وهكذا عندما رأى الوهابيون المتعصبون هذه الأحاديث تحركوا في البداية، بدون التدبر في معنى «البدعة»، على مستوى مخالفة كل ظاهرة جديدة حتى أنّهم أطلقوا على الدراجة «مركب الشيطان» وخالفوا بشدّة نصب خطوط الهاتف، ولكنّ لمّا شاهدوا معالم التطور الحضاري السريع في العالم أذعنوا لظاهرة التمدن الغربي، وليس فقط قبلوا بالأمر الواقع بل غرقوا في ظواهر التمدن هذه، فعندما نتوجه في هذه الأيّام إلى العربية السعودية نرى السيارات الفخمة من آخر طراز، ووسائل التهوية الحديثة، وأفضل وأرقى وسائل الراحة في المنازل على مفترق طريقين، ص: 102

وحتى أنواع الأجهزة والأطعمة الغربية قد ملأت الأسواق الحديثة في كل مكان حيث يستفيد منها الكبير والصغير والعالم والجاهل.

وفي هذا المجال نراهم قد تركوا المخالفة مع هذه «البدع» ولكنّهم ظلوا

متمسكين بمخالفة البدع التي لها صبغة مذهبية من قبيل: البناء على القبور، مراسيم احياء الذكرى السنوية لميلاد النبي وأولياء الدين، ومراسيم إقامة العزاء على الشهداء وأمثال ذلك، فكل من تحرك في هذا الخط ومارس هذه الشعائر وصَموه بالمبتدع واعتبروه مستحقاً لجميع أشكال اللوم والتوبيخ.

ولكننا نتساءل: ما هي البدعة في حقيقتها، ومتى تكون حراماً؟

ورغم أننا أشرنا سابقاً إلى هذا الموضوع ولكن لا بأس من توضيح أكثر لهذه المسألة:

«البدعة» في اللغة، كما تقدمت الإشارة إليه، بمعنى كل تجديد في الامور، خيراً كان أو شرّاً، وهي في اصطلاح الفقهاء: «إدخال ما ليس من الدين في الدين».

أجل، فكل شي ء لم يكن من الدين إذا دخل في الدين واعتبر حكماً إلهياً فهو بدعة.

والبدعة تكون على نحوين: أن يكون الواجب حراماً والحرام واجباً، أو يكون الممنوع مباحاً أو المباح ممنوعاً.

مثلًا، نقول إنّ النظام المصرفي في هذا العصر يقوم على عمليات ربوية ولا يمكن اجتنابه، وعليه لابدّ من قبوله، أو نقول إنّ الحجاب على مفترق طريقين، ص: 103

كان يتعلق بزمان كانت المجتمعات البشرية غير متمدنة، ولكن اليوم لا مانع من كشف الحجاب، ونبرر ذلك بأشكال من التبريرات التي تفضي إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال، فكل هذه الموارد من المصاديق البارزة للبدعة.

وأحياناً نقرر بعض الامور التي لم ترد في التعاليم الدينية وليس لها أصل في الكتاب والسنّة أنّها جزء من الدين، مثلًا إقامة مراسم العزاء على الأموات في اليوم الثالث والسابع ويوم الأربعين من يوم الوفاة على أساس أنّ ذلك جزء من تعاليم الإسلام وهي في الحقيقة امور عرفية، أو نعتقد بأنّ الفرح وإقامة الاحتفالات في الأعياد الإسلامية واجب شرعي وأمثال ذلك.

وببيان أفضل، إنّ ظواهر التجديد على ثلاثة أقسام:

1- التجديد في الامور العرفية

تماماً والتي لا ترتبط بالمسائل الشرعية من قبيل التجديد في امور الصناعة والاختراعات والامور الطبيعية التي لم تكن في زمان وعصر نبي الإسلام صلى الله عليه و آله وسائر أولياء الدين المعصومين، لأنّ قافلة العلوم والاختراعات لا تعرف التوقف والسكون، فمثل هذه البدع تعتبر من البدع المفيدة والبنّاءة، لأنّ جميع العقلاء في العالم يرحبون بكل ظاهرة مفيدة بدون تعصب ومن أي قوم ومجتمع بشري.

2- التجديد في الامور العرفية حول الموضوعات الشرعية بدون نسبتها إلى الشرع، مثل بناء المساجد بكيفية خاصة، بناء المنائر، المحاريب، الفسيفساء والكاشي المعرّق، الزخرفة في الخط،

على مفترق طريقين، ص: 104

الاستفادة من المكروفون ومكبّرات الصوت لبث الاذان ومئات الموارد من هذا القبيل.

ومعلوم أنّ هذه الامور لم تكن في عصر نبي الإسلام صلى الله عليه و آله فهل يقول أحد أنّ هذه الامور من البدعة وأنّها حرام؟ في حين أنّ جميع المسلمين يستخدمونها وحتى العربية السعودية ومراكز الوهابية ومسجد النبي زاخرة بهذه المظاهر الجديدة،

وهكذا بالنسبة للتغييرات الكثيره التي حدثت في المسجد الحرام والتي لا تشبه ما كان في عصر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله. وأهم من ذلك بناء الطبقة الثانية في الصفا والمروة لسعي الحجاج، وكذلك التغيير الكبير في الجمرات ونقل محل الهدي إلى خارج منى وأمثال ذلك.

هذه التغييرات وأشكال التجديد امور عرفية تسير بموازاة الشريعة لغرض تسهيل أعمال الحج أو رفع المشاكل والاخطار التي يواجهها الحجاج ولم يعتقد أحد بأنّ هذه الامور من جملة الأحكام الشرعية أو أنّها بدعة في الدين.

وهكذا الحال في تشكيل مجالس مسابقة قراءة القرآن، وانتخاب أفضل قارى ء وحافظ ومفسّر للقرآن الكريم.

ومعلوم أنّ أية واحدة من هذه المظاهر لم تكن في عصر النبي الأكرم صلى الله عليه و

آله بل حدثت في هذا العصر لغرض تقديم تسهيلات ولدعم المقاصد الدينية ولا أحد يقول إنّها من الدين.

ومن هذا القبيل احترام الموتى من خلال مجالس الترحيم وفي مقاطع زمنية خاصة.

على مفترق طريقين، ص: 105

وأيضاً تشكيل المؤتمرات والاجتماعات الدينية لتكريم أولياء الدين وتخليد ذكراهم.

احتفالات في ذكرى ولادات أولياء الدين.

مجالس الترحيم والتكريم في ذكرى استشهادهم أو وفاتهم.

وأمور اخرى من هذا القبيل تفضي إلى تقوية دعائم الإسلام في نفوس المؤمنين وتورث العزة للمسلمين وتميط حجب الغفلة والجهل عنهم وتؤدي إلى زيادة معرفتهم بدينهم.

لقد جرّبنا في أجوائنا الاجتماعية مرات عديدة أنّ إقامة مثل هذه النشاطات العرفية في دائرة الامورالدينية توقظ في الناس مكامن الشعور بالالتزام الديني وتوجب مزيداً من المعرفة بتعاليم الدين وخاصة بالنسبة للشبّان حيث تثير فيهم الاهتمام بالمعارف القرآنية والإسلامية، وبديهي أنّ تعطيل هذه البرامج الدينية يفضي إلى خسارة كبيرة للمسلمين.

على أيّة حال فهذه امور عرفية لا يتوهم أي مسلم أنّ اللَّه تعالى أو رسوله الكريم صلى الله عليه و آله قد أمر بها. وبعبارة اخرى أنّ هذه الامور التي هي ليست من الدين لا تعتبر من الدين.

وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبارها بدعة: «وأنّ كُلُّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ»، وبالتالي التصدي لها ومحاربتها.

3- وهناك نوع آخر من البدعة هي البدعة الحرام التي أشرنا إليها سابقاً، وهي الجرأة على حريم الدين ووضع قانون مخالف للقوانين الدينية أو زيادة قانون عليها أو حذف قانون منها بدون مسوغ شرعي على مفترق طريقين، ص: 106

ولا دليل عليه من النصوص الشريفة.

ولكن المتعصبين الوهابيين وبسبب قلّة معلوماتهم في دائرة الفقه الإسلامي وعلم الاصول لم يتمكنوا من التمييز بين هذه الأنواع الثلاثة في البدعة وتورطوا في منزلقات الوهم والخطأ وأخذوا يتهمون اخوتهم المسلمين بالبدعة، وبالتالي

اتهموهم بالشرك والمروق من الدين.

ننهي هذا البحث بكلام للعالم الفقيه «محمد بن علوي المالكي» وهو من العلماء الكبار و المدرسين المعروفين في المسجد الحرام.

فقد ذكر في كتابه «مفاهيم يجب أن تصحح» في بحث البدعة تحت عنوان «البدعة الحسنة والسيئة» كلاماً خلاصته ما يلي:

إنّ بعض الجهّال المتعصبين الذين يعيشون ضيق الافق نسبوا أنفسهم بدون مسوغ، للسلف الصالح وأخذوا بمخالفة كل أمر جديد واختراع مفيد بعنوان أنّه بدعة وكل بدعة ضلالة، دون أنّ يميزوا بين البدع والامور الجديدة، ودون أن يعرفوا البدعة الحسنة والسيئة، إنّ التمييز بينهما يفرضه العقل السليم والفكر الصائب وقد أقرّه بعض كبار علماء الاصول مثل «النووي» و «السيوطي» و «ابن حجر» و «ابن حزم».

وعندما نضم الأحاديث النبوية بعضها إلى بعض ونتحرك على مستوى تفسيرها وفهم المراد منها فسنصل إلى هذه النتيجة بالذات.

ومن جملة الأحاديث ما ورد من أنّ «كلّ بدعة ضلالة» الناظر إلى البدع السئية التي لا تدخل تحت أي أصل من اصول الشريعة.

على مفترق طريقين، ص: 107

ثم يضيف: إنّ البدعة بمعناها اللغوي «تعني التجديد» ليست حراماً، وأمّا الحرام والضلالة فهي البدعة بمعناها الشرعي، وهي إضافة ما ليس من الدين بحيث يتخذ لنفسه صبغة دينية وشرعية ويؤخذ على أساس أنّه أمر شرعي منسوب لصاحب الشريعة ويعمل به المسلم من هذا الموقع.

وأمّا البدعة الدنيوية وهي أنواع الابداعات المتعلقة بامور الدنيا فليست حراماً أبداً.

وعليه فإنّ تقسيم البدعة إلى: حسنة وسيئة، ناظر إل المعنى اللغوي، وأمّا البدعة الشرعية فليس لها إلّانوع واحد، وهو البدعة الحرام، فإذا أدرك المخالفون لهذا التقسيم مفهوم «المقسم» فسوف لا يخالفونه اطلاقاً ويعلمون أنّ النزاع لفظي في هذه الموارد.

أجل، فإنّ من بين البدع الدنيوية اموراً مفيدة جدّاً لابدّ من قبولها والترحيب بها،

وهناك امور أيضاً ليس فيها سوى الشر والفساد «1» (إشارة لبعض أشكال التحلل الاجتماعي والانحطاط الخلقي).

على مفترق طريقين، ص: 109

الفصل الثاني

1- النداء المنطلق من مكّة المكرمة

السيد محمد بن علوي ونقده الواضح

لقد وعدنا لقارى ء الكريم فيما سبق أن نستعرض بعض ما ورد في كتاب «السيد محمد بن علوي» العجيب.

إنّ السيد محمد بن علوي عالم شجاع عاش في مكّة وقد حاز على كرسي التدريس فيها، وهو مورد احترام علماء مكّة الكبار ورجال الحكومة في السعودية، وقد توفي في الأعوام الأخيرة وعاشت المنطقة أجواء الحزن والتأثر الشديد لفقده.

وكان يلقب نفسه «خادم العلم الشريف بالبلد الحرام»، وكان «مالكياً» ومن ذرية فاطمة الزهراء عليها السلام ويلقب نفسه «بالحسني».

وكانت دائرة درسه في المسجد الحرام من أوسع وأكثر حلقات الدروس عدداً وخلّف تصانيف كثيرة في العلوم الإسلامية، وكان العلوي مخالفاً جدّاً للوهابيين المتعصبين حيث كتب أخيراً كتابه «مفاهيم يجب أن تصحّح» في نقد أفكار وعقائد هذه الجماعة.

وقد شرع في هذا الكتاب بنقد علمي ومؤدب «كما يظهر من على مفترق طريقين، ص: 112

عنوان الكتاب» لأهم الدعائم الفكرية لهذه الجماعة المتعصبة مستنداً في جميع مقولاته على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة الواردة في المصادر المعتبرة لأهل السنّة، وكذلك اعتمد على كتب ومصادر لا يستطيع الوهابيون المتشددون انكارها.

وقد استطاع العلوي في هذا الكتاب استعراض سلسلة من المفاهيم والتصورات الخاطئة التي تدور أذهان هذه الجماعة حولها بحيث أدّت بهم إلى اتهام الكثير من المسلمين بالكفر واستباحة نفوسهم وأموالهم وسببت في اهتزاز عامل التوحد بين المسلمين، وقد نجح المؤلف في بيان ضرورة إصلاح هذ المفاهيم وأدّى دوره بأحسن وجه.

هذا الكتاب ولعدّة وجوه ليس له نظير:

1- إنّ هذا الكتاب طبع عشر مرات في مدّة عشر سنوات، بل في إحدى السنوات طبع أربع مرات واستقبل استقبالًا واسعاً في أكثر

البلدان الإسلامية حتى في العربية السعودية.

2- إنّ الكثير من علماء اهل السنة الكبار في مصر، المغرب، السودان، البحرين، الباكستان، الامارات، كتبوا تقريظاً لهذا الكتاب وأثنوا على آراء «بن علوي» وشجاعته وقد ذكرت هذه التقاريظ في 70 صفحة من بداية الكتاب وتمثل 23 تقريظاً ممّا يحكي عن نوع من الإجماع على صحة ما ورد في مواضيع هذا الكتاب بحيث إنّ هذه التقاريظ تمثل لوحدها كراساً شيقاً.

3- بالرغم من أنّ هذا الكتاب قد طبع في دبي، ورغم وجود

على مفترق طريقين، ص: 113

المراقبة الشديدة من قبل السلفيين المتعصبين على سوق الكتاب في العربية السعودية وعدم سماحهم بنشر أي كتاب يتضمن نقداً لأفكارهم وآرائهم، إلّاأنّ هذا الكتاب متوفر في سوق مكّة وقد حصلنا على نسخة منه هناك.

وهذا يشير إلى أنّ الشريحة الجديدة للوهابيين «كما تقدم سابقاً» تخالف أفكار السلفييين المتعصبين وترى ضرورة اعادة النظر في هذه الأفكار والرؤى.

نماذج من تقاريظ الكتاب

ونكتفي هنا بذكر ثلاثة نماذج وبشكل مختصر في تأييد وتمجيد هذا الكتاب من قبل علماء معروفين في العالم الإسلامي ليتبين جيداً حقيقة الموقف الذي يقفه العالم الإسلامي بوجه هذه الجماعة المتعصبة من الوهابيين:

1- يقول «الدكتور عبدالفتاح بركة» الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، ضمن تقريظه لهذا الكتاب:

«وهذا الكتاب النفيس (إشارة لكتاب ابن علوي) جهد كبير من عالم مدقق محقق يعمل به على جمع كلمة المسلمين ومحو آثار العصبية عند الاختلاف في المسائل الفرعية والاجتهادية خاصة فيما يتعلق بتنابذ بعض طوائف المسلمين فيما بينهم بالكفر أو بالشرك وما يتعلق ببعض الفرق الإسلامية كالأشاعرة والسلفية الحديثة وباستعمال المجاز العقلي وضرورة ملاحظته عند تطبيق المقاييس على مفترق طريقين، ص: 114

على ما يكون به الكفر والإيمان، وكذلك بالنسبة لمعنى الشفاعة وقبر الرسول صلى الله عليه

و آله وغير ذلك من الموضوعات الحساسة.

ونأمل أن يكون هذا الكتاب القيم عاملًا مهماً لرص الصفوف ورفع الاختلافات بين المسلمين» «1».

2- ويقول «الشيخ أحمد العوض» رئيس مجلس الافتاء الشرعي في «السودان» في تقريظه لهذا الكتاب:

«أمّا بعد: فقد تهيأت لي الفرصة- الحمد اللَّه ربّ العالمين- للإطلاع على الكتاب الذي ألفه العالم المحقق والشريف السيد/ محمد بن علوي المالكي المكي الحسني- خادم العلم بالحرمين الشريفين- والذي سماه «مفاهيم يجب أن تصحّح»، تعلقت هذه المفاهيم بأمور ثلاثة ضمنها مؤلفه في أبواب ثلاثة:

اشتمل الباب الأول على المباحث المتعلقة بالعقيدة حيث بيّن بالأدلة والبراهين في هذا الباب فساد مقاييس التكفير والتضليل اليوم.

وفي الباب الثاني بيّن كذلك الأحاديث النبوية المشتملة على خصائص النبي صلى الله عليه و آله وحقيقة النبوة وحقيقة البشرية، ومفهوم التبرك بالنبي صلى الله عليه و آله وبآثاره، وجاء فيه بالأدلة والبراهين القاطعة الواردة عن الصحابة من بعدهم من علماء الامة الأجلاء.

وتعرض في الباب الثالث لمباحث تكلّم فيها عن الحياة البرزخية، ومشروعية الزيارة النبوية، وما يتعلق بها من الآثار والمشاهد

على مفترق طريقين، ص: 115

والمناسبات الدينية، وغير ذلك ممّا له تعلق بهذا المقام، فحقق ودقق وأصلح الأفهام «1».

3- ويقول «عبدالسلام جبران» رئيس المجمع العلمي الاقليمي في مراكش وباتفاق أعضاء ذلك المجلس في تقريظه الجامع لهذا الكتاب:

«ولما عرض هذا الكتاب على أنظار العلماء العارفين تلقوه بالقبول والثناء على مؤلفه الذي أدّى عنهم واجباً في عنقهم تجاه اللَّه ورسوله صلى الله عليه و آله والامة بل ربّما عقمت أقلام كثيرين عن ميلاد هذا الكتاب، ولهذا فإنّ أعضاء المجلس العلمي بمراكش وبإشراف الرئيس بعد الاطلاع على هذا المؤلِّف وقراءة بعض فصوله والتأمل فيها، يوافق مؤلِّفه الموافقة التامة عليه، شاكرين له مجهوده الكبير

ومباركين صنيعه الجميل» «2».

مضافاً إلى كل هذه التقاريض فقد أورد كبار ادباء العرب أبياتاً جميلة وعميقة المضمون في تمجيد هذا الكتاب، ونكتفي هنا بذكر ثلاثة أبيات منها، وهذه الأبيات أنشدها «الشيخ محمد سالم عدود» الرئيس الأسبق لمحكمة موريتانيا العليا وعضو المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في مكّة المكرمة:

على مفترق طريقين، ص: 116

صحّت مفاهيم كان الناس قد هاموا فيها وزايلها لبس وإبهامُ بحث دقيق عميق لا يقوم له خبط وخلط وتدليس وإبهامُ أبدى به العلوي المالكي لنا ما لم تنله من الحذّاق أفهامُ «1»

محتوى الكتاب

أشرنا إلى محتويات الكتاب من خلال بعض ما ذكره العلماء في تقريظ هذا الكتاب أنّه يتناول نقد أفكار الوهابيين المتشددين في ثلاثة محاور ويبيّن ضعفها وزيفها على أساس الآيات والروايات الشريفة:

المحور الأول

مباحث في العقيدة، وفيها بيان فساد مقاييس التكفير والتضليل، حيث يقول بصراحة: «يخطى ء كثير من الناس (ومقصوده السلفيون المتعصبون) أصلحهم اللَّه في فهم حقيقة الأسباب التي تخرج صاحبها

على مفترق طريقين، ص: 117

عن دائرة الإسلام وتوجب عليه الحكم بالكفر، فتراهم يسارعون إلى الحكم على المسلم لمجرّد المخالفة حتى لم يبق من المسلمين على وجه الأرض إلّاالقليل ...».

ويعتقد المؤلف إنّ هذا المذهب لا يرى هذا الافراط والشدّة في عملية الاتهام والحكم على الآخرين، ثم يورد الحديث النبوي المعروف: «سُبابُ المُسلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»، ويشدد النكير على من يسبّ المسلمين ويدعو لحربهم وينطلق في بيان حدود الإيمان والكفر من خلال الأدلة القوية ويثبت خطأ السلفيين المتعصبين.

والملفت للنظر أنّه يستخدم أحياناً عبارات حادّة في مقابل المخالفين بيدَ أنّه لا يجانب الأدب في محاجّتهم ومناقشتهم.

وعلى سبيل المثال ينقل عن المخالفين في مورد خوارق العادات أنّهم يقولون:

«إنّ الناس يطلبون من الأنبياء والصالحين الميّتين ما لا يقدر عليه إلّا اللَّه وذلك الطلب شرك».

وجوابه: إنّ هذا سوء فهم لما عليه المسلمون من قديم الدهر وحديثه فإنّ الناس إنّما يطلبون منهم أن يتسببوا عند ربّهم في قضاء ما طلبوه من اللَّه عزّوجلّ بأن يخلقه سبحانه بسبب تشفعهم ودعائهم كما صحَّ ذلك في الضرير وغيره ممن جاء طالباً مستغيثاً متوسلًا به إلى اللَّه، وقد أجابهم إلى طلبهم وجبر خواطرهم وحقق مرادهم بإذن اللَّه ولم يقل لواحد منهم: أشركت.

وهكذا كل من طلب منه من خوارق العادات كشفاء الداء العضال على مفترق طريقين، ص: 118

بلا دواء

وانزال المطر من السماء حين الحاجة إليه ولا سحاب، وقلب الأعيان ونبع الماء من الأصابع وتكثير الطعام وغير ذلك ... ثم قال مضيفاً: «أفيكون هؤلاء أعلم بالتوحيد بما يخرج عن التوحيد من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأصحابه، هذا ما لا يتصوره جاهل فضلًا عن عالم» «1».

وهكذا نرى أنّ عباراته في مقابل المخالفين زاخرة بالأدب والابتعاد عن العبارات الموهنة والجارحة في مقابل ما نجده لديهم من عبارات التكفير والتفسيق والاهانة للمخالفين.

المحور الثاني

مباحث نبوية، وفيها خصائص النبي صلى الله عليه و آله وحقيقة النبوة وفقاً للآيات والروايات الشريفة، ويستعرض في هذا الباب بيان مفهوم التبرك بآثار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأنّها لا ترتبط بالشرك من قريب أو بعيد، ثم ذكر موارد كثيرة من الروايات في أقوال العلماء في جواز التبرك بتقبيل يد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله والتبرك بالآنية التي شرب منها النبي الأكرم صلى الله عليه و آله، والتبرك ببيت النبي، والتبرك بمنبره وقبره الشريف، والتبرك بآثار الصالحين والأنبياء الأقدمين، كل ذلك من المدارك المعتبرة والمذكورة في كتب أهل السنّة المعروفة بحيث لا تدع مجالًا

على مفترق طريقين، ص: 119

للشك والترديد في هذا الأمر، وأورد أسماء كثير من الصحابة الذين كانوا يتبركون بآثار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ويتعجب المؤلف مع وجود هذه الروايات والمدارك المعتبرة كيف أنّ جماعة تحركوا من موقع انكار هذا الموضوع من دون وعي وعلم بل من موقع «الجهل» أو «اضلال العوام» «1».

المحور الثالث

وفيه يستعرض مباحث مختلفة عن الحياة البرزخية ومشروعية الزيارة النبوية والدعاء عند قبر النبي والتبرك بآثاره حيث ينقل كلمات الكثير من العلماء الأعاظم فيما يتعلق بهذا الموضوع.

وفي الختام يشير المؤلف إلى نقطة شيقة أثارت حفيظة المتعصبين من الوهابيين بشدّة وهي ما يتعلق بمولد النبي الأكرم صلى الله عليه و آله، وذكرى الهجرة النبوية، وذكرى البعثة ونزول القرآن، وانتصار المسلمين في غزوة بدر «أول غزوة للنبي»، وليلة النصف من شعبان وأمثال ذلك.

ونعلم أنّ هؤلاء المتعصبين يعتقدون أنّ جميع هذه الامور بدعة، ولهذا تحركوا على مستوى منع هذه الشعائر والاحتفالات بشدّة.

وينطلق ابن علوي في جوابه المنطقي لهؤلاء بقوله: إنّ الاجتماع لأجل المولد النبوي الشريف ما

هو إلّاأمر عادي وليس من العبادة

على مفترق طريقين، ص: 120

في شي ء ولذلك لا يرتبط بمسألة البدعة وعدمها، والحاصل أنّ الاجتماع لأجل مولد النبوي أمر عادي ولكنّه من العادات الخيرة والصالحة التي تشمل على منافع تعود على الناس بفضل وفير لأنّها مطلوبة شرعاً بأفرادها.

ويقول أخيراً: وإنّ هذه الاجتماعات هي وسيلة كبرى للدعوة إلى اللَّه وهي فرصة ذهبية ينبغي أن لا تفوت، ومن لم يستفد لدينه فهو محروم من خيرات المولد الشريف «1».

ملاحظة مهمة

إن غرضنا من بيان هذه الخلاصة الموجزة لهذا الكتاب القيم لا تعني أنّ المؤلف المحترم لهذا الكتاب، ابن علوي المالكي المكي لم يجانب الصواب في كتابه هذا، فهو وإن كان عالماً كبيراً، إلّاأنّه بشر غير معصوم من السهووالنسيان، وغرضنا هو أنّ أساس كلامه الذي يقوم على الدليل والمنطق ويقترن بالشجاعة الكافية ويتمتع برؤية واقعية للُامور ويحظى بتأييد شريحة كبيرة جدّاً من علماء الإسلام في مختلف البلدان الإسلامية وحتى العربية السعودية.

وهذا يشير إلى أنّ المتعصبين الوهابيين وصلوا إلى آخر الخط بحيث إنّ العالم الإسلامي استقبل مثل هذا الكتاب الزاخر بنقد أفكار هذه الجماعة المتعصبة، كل هذا الاستقبال.

على مفترق طريقين، ص: 121

بيدَ أنّ ابن علوي في مقابل هذه الخدمة الكبيرة للعالم الإسلامي واجه أشكال الاتهام بالتكفير حتى من قبل الوهابيين المعتدلين حيث ألفوا كتباً ضده واستخدموا فيها كلمات لا مسؤولة وأصدروا عليه حكمهم بالكفر من قبيل كتاب: «حوار مع المالكي» و «الردّ على المالكي في ضلالاته ومنكراته».

ولكن في المقابل نرى أنّ العالم الإسلامي لم يرحب بهذه الكتب المضادة بل في نظر مجموعة من علماء جامعة الأزهر في مصر أنّ هذه الكتب تخدم الصهاينة وتوجه ضربة إلى وحدة العالم الإسلامي، وبقي ابن علوي يتمتع باحترام خاص بين

الناس في العربية السعودية حتى أنّه اشترك في تشييع جنازته عشرات الآلاف من المسلمين وأرسل المسؤولون في المملكة العربية السعودية رسائل التسلية والتعزية لُاسرته مرات عديدة.

كل هذه تمثّل جواباً قاطعاً عن ممارسات الوهابيين المتعصبين في استخدامهم لحربة التكفير والتفسيق القديمة.

والملفت للنظر أنّ قاضي مكة أعلن الشكوى ضده ودعاه إلى المحكمة وحتى أنّهم استدعوه إلى محكمة الرياض ووقف يدافع عن كتابه لعدّة ساعات حيث قال أخيراً: «هذا هو اجتهادي وأنتم لستم سوى مجتهدين أيضاً وأنا مجتهد كذلك ولا يحق أن يفرض مجتهد رأيه على مجتهد آخر ...».

وهكذا تمّت تبرئته أخيراً.

على مفترق طريقين، ص: 123

الوهابيون الجدد

اشارة

وفي ختام هذه المقالة نرى من اللازم بيان أمرين:

أ) الشريحة الجديدة للوهابيين

إنّ الفئة التي تتحرك في منزلق الزوال هي الجماعة من الوهابيين المتشددين الذين تزخر أفكارهم بآراء خطرة بحيث يستبيحون أموال ونفوس وأعراض جميع المسلمين سوى انفسهم، على أساس أنّهم من المشركين، فكيف بغير المسلمين!! ولكننا نشهد بروز شريحة معتدلة من هذه الجماعة، ويمثل الجيل المثقف وطلّاب الجامعات أكثر أفراد هذه الشريحة حتى أنّ من بينهم بعض أساتذة الجامعات والعلماء الكبار، هؤلاء يتمتعون بخصوصيات وسمات معينة، منها:

1- إنّهم لا يتهمون سائرالمسلمين بالشرك وينكرون سفك دمائهم ويتعاملون مع عقائد الآخرين من موقع الاحترام ولا يتهمونهم بالكفر والبدعة.

2- إنّهم يفتحون صدورهم للحوار المنطقي والتفاعل الثقافي على مفترق طريقين، ص: 124

المشترك بين المذاهب الإسلامية ويستمعون لكلام وآراء الطرف المقابل ويطالعون كتب المذاهب الاخرى.

3- إنّهم لا يعتبرون المظاهر الجديدة والايجابية في الحياة المعاصرة التي لم يقم على حرمتها دليل من الكتاب والسنّة، أنّها بدعة ولا يخالفون إقامة المجالس لتكريم عظماء الإسلام، ويدركون الفرق بين الآداب والتقاليد العرفية وبين الأحكام الشرعية.

4- يسمحون للنساء في تحصيل العلم والاشتراك في النشاطات الاجتماعية المفيدة مع حفظ الحجاب الإسلامي وعنصر العفة.

5- وبكلمة، أنّهم ضمن إعادة النظر في النظريات الخشنة التي تدعو إلى استخدام العنف، فإنّهم مستعدون للتعامل مع سائر الفرق الإسلامية في العالم من موقع التعاون المشترك وتكريس الغضب والخصومة باتجاه من يحارب الإسلام ويعمل على إلغائه والاضرار بالمسلمين، ونرى أنّ هذه الجماعة أخذت تحل محل السلفيين المتشدّدين حيث نرى امتداد نفوذ هذه الجماعة المعتدلة بين الناس في المجالات العلمية والثقافية وخاصة في أيّام الحج والعمرة بشكل جلي، وقد أصدروا أخيراً عدّة كتب في هذا المجال.

ونعتقد أنّ زوال تلك الجماعة المتشدّدة وظهور هذه الجماعة المعتدلة بإمكانه

أن يساهم في رسم صياغة جديدة لمعالم الإسلام في العالم وبالتالي يساهم في جبران ما خلفه اولئك المتعصبون من آثار سلبية على التعاليم الدينية الإسلامية بسبب آرائهم الخشنة وعقائدهم الخطيرة، وسنرى إن شاء اللَّه مقدمات ظهور قوله تعالى:

على مفترق طريقين، ص: 125

«... يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً» «1»

، في عالمنا المعاصر، ويعود الإسلام يحتل مكانة رفيعة بين الأديان في المجتمع البشري.

إنّ جميع المسلمين في العالم يرحبون بظهور هذه الشريحة المعتدلة ويرون فيها عاملًا مهماً لتحكيم أواصر الاخوة الإسلامية وتقوية دعائم الوحدة بين المسلمين في مقابل الأعداء الذين يتحركون على مستوى تحقير المسلمين والتسلط عليهم.

والشاهد على ذلك ما نقرأه في تقاريظ جماعة كبيرة من علماء الإسلام في مختلف البلدان الإسلامية لكتاب «مفاهيم يجب أن تصحّح».

وعلى المسؤولين في العربية السعودية فتح الحدود المغلقة أمام الكتب الإسلامية وسائر المكتوبات الاخرى للمفكرين الإسلاميين في البلدان الإسلامية الاخرى وتهيئة الأرضية اللازمة لايجاد الحوار المشترك بين المذاهب الإسلامية وإقامة علاقات وثيقة بين علماء الإسلام في تلك البلدان حيث يساهم هذا الأمر بتقوية مركزهم ويعود بالنفع على جميع العالم الإسلامي.

ب) خطر الغلاة

بديهي أنّ أحد العوامل التي شدّدت من فاعلية الفكر الوهابي بين بعض المسلمين، ظاهرة إفراط الغلاة وهم بعض الجهلة القشريين على مفترق طريقين، ص: 126

الذين عظّموا أولياء الدين إلى مرتبة الغلو وذهبوا في شأنهم إلى حدّ الألوهية وجعلوا منهم شركاء للَّه تعالى.

هنا يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: «هَلَكَ فِيَّ رَجُلانِ: مُحِبٌّ غالٍ وَمُبْغِضٍ قالٍ» «1».

ولا شك أنّ خطر هذه الطائفة ليس بأقل من خطر الوهابيين المتعصبين، ولولا هؤلاء لما وجد الوهابيون ذريعة لافراطهم في أفكارهم وعقائدهم. ومن هنا ذهب الغلاة في عقائدهم وكلماتهم مذهباً لا ينسجم مع روح التوحيد الإسلامي ولم يرد

شيئاً منه في الكتاب والسنّة، من قبيل: خالق السماوات والأرضين، وأرحم الراحمين وأمثال ذلك من الصفات الخاصة باللَّه تعالى، فلا ينبغي اطلاق مثل هذه العناوين والصفات على أولياء اللَّه الذين ينكرون مثل هذه المعتقدات المغالية ولا يرضون بها وبالتالي فهي لا تنسجم مع تعاليم الإسلام.

إنّ إصرار بعض الجهلة على هذه الأفكار المنحرفة أدى إلى أن يذهب البعض باتجاه التفريط حيث يساوقون طائفة الغلاة في عنصر العصبيّة والقشرية، فقالوا إنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ليس من شأنه فعل أي شي ء بعد وفاته حتى الشفاعة والدعاء للمؤمنين (نعوذ باللَّه) وذهبوا إلى أنّ زيارة مرقده الشريف بدعة وحرام.

وهكذا الحال في الأشخاص الذين ابتعدوا عن اصول التوحيد

على مفترق طريقين، ص: 127

والمبادى ء السماوية بسبب اعتقادهم بالخرافات والأوهام من قبيل أنّ نعل الحصان يورث حسن الحظ، وجحوظ العين سبب لسوء الحظ والشؤم وأنّ الرقم 13 مشؤوم ويورث النحس، أو أنّ صوت الطائر الفلاني مبارك وميمون وصوت الطائر الآخر شؤم وأمثال ذلك بحيث غفلوا عن خالق هذه الامور وربوبيته لعالم الوجود.

إنّ الخوارج والنواصب تسببوا في وجود طائفة الغلاة، والغلاة بدورهم تسببوا في تفعيل حركة الخوارج وتقويتها.

ولهذا نرى أنّ وظيفة علماء الإسلام وخاصة في هذا الزمان والمسؤولية الملقاة على عاتقهم ثقيلة جدّاً، حيث ينبغي عليهم من جهة التصدي لأمر هداية الغلاة وإرشادهم إلى الصواب، ومن جهة اخرى يتحركون على مستوى الاجابة عن شبهات الوهابيين المتعصبين وسفسطتهم. وما أصعب حفظ التعادل في هذه الامور لدى العامة من الناس، بل حتى في صفوف العلماء حيث شوهد البعض من السائرين في خط العلماء حسب الظاهر أنّهم لم يتخلصوا من منزلقات الافراط والتفريط في الفكر الديني (أعاذَنَا اللَّهُ تَعالى عَنِ الإفراطِ وَالتَّفرِيطِ وَهَدانا إلىَ

الصِّراطِ المُستَقِيمِ).

على مفترق طريقين، ص: 129

2- نداء آخر من كاتب شجاع آخر

كتاب: داعية وليس نبيّا

وجاء دور كتاب «داعية وليس نبيّاً» حيث كتب تحت هذا العنوان «قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمّد عبدالوهاب في التكفير» وهو كتاب تمّ طبعه ونشره في الآونة الأخيرة وامتد خبره إلى مناطق واسعة من الحجاز وغيرها.

قبل كل شي ء ينبغي التعرف على خصوصيات هذا الكتاب ثم التعرف على محتواه:

1- مؤلف الكتاب هو الشيخ حسن بن فرحان المالكي من علماء أهل السنّة المعروفين في العربية السعودية ومن أتباع المذهب المالكي ومن الوهابيين المعتدلين كما يعترف هو بذلك.

المؤلف المذكور يجد في نفسه احتراماً لإمام الوهابية الشيخ محمّد بن عبدالوهاب، ولكنّه ينتقد كلامه بشدّة بخصوص تكفير المسلمين ويعتقد بعدم المنافاة بين هاتين المقولتين، ويقول بصراحة:

إنّي أحترم هذه الشخصية ولكنني في نفس الوقت ليس فقط أحسبه على مفترق طريقين، ص: 130

مخطئاً فحسب بل أجده كثير الخطأ.

2- إنّ المنهج النقدي الذي اتبعه في الكتاب المذكور هو منهج يتميز بالأدب والبيان المستدل، ولكنّه عندما يتعرض لنقد مقولات زعيم الوهابية لا يجد في نفسه أيّة شائبة من المداراة والتساهل بل لم يهتم للأخطار الكبيرة المحدقة به من قِبل الوهابيين المتعصبين «وكما يقول أنّهم غلاة الوهابية».

3- إنّ مؤلف هذا الكتاب يتمتع بإحاطة تامة بالمذاهب والمنابع الإسلامية لا سيما قدرته على استخدام كلمات الطرف المقابل في مواجهته، والملفت للنظر أنّه يخصص فصلًا من كتابه لبيان التناقضات في كلمات محمد بن عبدالوهاب.

4- ويعتقد هذا الكاتب أنّ الوهابيين المتعصبين الذين استباحوا دماء الناس وأموالهم وأعراضهم مبتلون بمرض التعصب والتقليد الأعمى، وهذا بذاته يمثل خطراً على الإسلام والمسلمين في المنطقة، ويتميز المؤلف بقدرته الفائقة على الكتابة والتأليف.

5- وقد ركّز المؤلف معظم نقده على كتاب «كشف الشبهات» وكتاب «التوحيد» لمحمد بن عبد الوهاب، حيث

يُعتبر هذان الكتابان من أهم كتبه، وقد اعتمد في مصادر هذا الكتاب على «الدرر السنية».

ومن نافلة القول أنّ كتاب «الدرر السنية» لمؤلفه «عبدالرحمن بن محمد بن القاسم الحنبلي» هو مجموعة من الكتب والرسائل لمحمد بن عبدالوهاب وجماعة من قادة الوهابية منذ عصر الشيخ إلى زماننا هذا. وقد توفي عام 1392 ه ق، وقد وضع ابن باز الفقيه الوهابي على مفترق طريقين، ص: 131

المعروف الذي توفي في السنوات الأخيرة، هذا الكتاب للتدريس مع كتب الدراسة اليومية للطلّاب، ويتكون هذا الكتاب من عشرة مجلدات ويعتبر مصدراً جيداً للاطلاع على أفكار الوهابيين.

6- ومن الطبيعي أنّ يواجه هذا العالم الشجاع وكاتب «داعية وليس نبيّاً» أشكال الضغوط والتهديدات من قِبل الوهابيين المتعصبين حيث أصدروا عليه حكمهم بتكفيره (كما حكموا بتكفير العالم الفقيد ابن علوي المالكي) ولا يعلم ماذا سيكون مصيره غداً، ولكنّه قدّم بتأليفه لهذا الكتاب خدمة كبيرة للإسلام والمسلمين وأثبت أنّ فتاوى التكفير وسفك الدماء ليست من الإسلام في شي ء بل هي وليدة الأفكار الزائفة والقراءات الباطلة لجماعة من الجاهلين بالعلوم والمعارف الإسلامية.

7- يقول مؤلّف هذا الكتاب في المقدّمة: «حقيقة لم أكن متحمساً لنشر هذه القراءة بعد أحداث سبتمبر مع أنّ القراءة كانت قبل تلك الأحداث بمدّة، لكنني رأيت الغلاة من أتباع الشيخ يتمادون بالتبرئة، ويعقدون المؤتمرات والندوات لتبرئة الشيخ رحمه اللَّه من أخطاء حقيقية كان من الانصاف أن يعترفوا بخطئه فيها» «1».

8- وقد شرع في كتابته لهذا الكتاب بأسلوب ظريف وقال: إنّ الشيخ محمد بن عبدالوهاب داعية واصلاحي وليس نبيّاً، وجعل المؤلف هذا المعنى عنواناً لكتابه المذكور.

على مفترق طريقين، ص: 132

ثم أضاف: إنّما الخلاف مع فئتين من الناس: مع من يكفّره ويفسقه أو يشكك في أهدافه، ومع من

يقوم بمراجعة انتاجه وتقييم منهجه وينزله منزلة الأنبياء المعصومين.

ثم يقول: إنّ كلا الفريقين مخطئان.

ثم بعد هذه المقدّمة يتحرك ابن فرحان المالكي لنقد أفكار وعقائد شيخ الوهابية.

9- ويقول المؤلف في قسم آخر من كتابه هذا تحت عنوان:

«الشيخ لم يكن وحده في العلم والدعوة»: «يظن بعض أتباع الشيخ أنّ الشيخ كان وحيد دهره في العلم، وأنّ البلاد الإسلامية ممّا لم يدخل في دعوته كانت بلاد شرك وكفر وأنّ علماء تلك البلاد جهلة لا يعرفون من الدين شيئاً» «1».

ثم يضيف: وللأسف أنّ هذا الأصل في تكفير المسلمين واعتبار ديارهم ديار كفر وأنّ علماءهم كفّار فقد وجدته في كلام الشيخ نفسه، كما سيأتي ....

ثم يقول: يجب أن يعرف طالب العلم أنّ الشيخ ومن تابعه لم يصيبوا في هذا.

ويستمر المؤلف بالقول: فقد شوهد في زمان الشيخ محمد ومن بعده من أتباعه من يَغلو في الشيخ غُلوّاً كبيراً ويتعصب لكل ما كتبه في رسائله وفتاواه، ممّا أدّى إلى ظهور أعمال العنف في مناطق على مفترق طريقين، ص: 133

مختلفة من العالم في الآونة الأخيرة وقد استندت جماعة من هؤلاء لتصحيح مسلكهم بأدلة الشيخ نفسها.

10- إنّ إحجام كل طلبة العلم في المملكة تقريباً عن بيان تلك الأخطاء رغم الحاجة الماسّة للمراجعة، يجعل المراجعة على القادر «فرض عين» وهو ما دفعني لكتابة هذا الكتاب.

ومن حق كل طالب علم وكل مواطن في المملكة أن يطرح ما يراه مخرجاً من دوامة العنف والتكفير ذاكراً الأسباب الحقيقية، مجتنباً سبُل الدعاية التي لا تضرّ إلّاالوطن وأهله على المدى الطويل وإن ظهرت لنا مصلحة قريبة.

فمن حقّنا أن نحمي ديننا ووطننا من التلوث بالتكفير الظالم أو الدماء «المعصومة».

وفي هذه الأيّام التي أكتب فيها هذه الخطوط لا يمرّ يوم إلّا ونسمع

أخباراً تتحدث عن مزيد من العنف والقتل وسفك الدماء في العراق حيث يذهب ضحيتها عشرات وأحياناً مئات الأبرياء كل يوم بواسطة السيارات المفخخة ومعظمها تتخذ طابعاً انتحارياً وتشير إلى أنّ الأشخاص الذين يقفون وراء هذه العمليات يعتقدون بكونهم مسلمين ويتهمون الجميع غيرهم بالكفر وإباحة دمائهم وأموالهم ..

هذه بدورها نتيجة وثمرة لتعليمات مذهب الشيخ التي تسربت من الحجاز إلى الاردن ومن الاردن إلى العراق.

والملفت للنظر أنّ مؤلف كتاب «داعية وليس نبياً» يذكر في هامش كتابه في هذا الفصل، نقطة مهمّة، وهي أنّ الغربيين وخاصة

على مفترق طريقين، ص: 134

الامريكيين هم الذين مهدوا الأرضية لظاهرة العنف بسياستهم المخربة العسكرية والاقتصادية وبذلهم المعونة لاسرائيل الغاصبة.

ويتحدّث في قسم آخر من كتابه متسائلًا عن سبب ظاهرة التكفير التي أدّت إلى مزيد من الفوضى حتى في داخل الممكلة العربية السعودية وعن مصدر هذه الظاهرة.

ويصل بالنتيجة إلى أنّ تعليمات الشيخ تمثل العامل الأساس في ظاهرة العنف هذه، ويقول: فهذه الفوضى التكفيرية هي نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه اللَّه الذي توسع في التكفير حتى وجدت كل طائفة في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها. بل حركة الاخوان وحركة الحرم وأصحاب التفجير في العليا والمحيا والحمراء والوشم ... الخ، الذين يسمهم الناس بالتكفير ليسوا غرباء عن الثقافة المحلية، بل لو قلنا إنّهم نتيجة لمنهج التكفير لما بعدنا. ومن شاء فليراجع مصادر هؤلاء وسيعرف هذا تماماً» «1».

على مفترق طريقين، ص: 135

موجز من كتاب «داعية وليس نبيّاً»

اشارة

بعد هذه المقدّمة نستعرض أصل الكتاب بشكل موجز.

إنّ مؤلف هذا الكتاب هو «حسن بن فرحان المالكي الوهابي» الذي تعرض في كتابه هذا لنقد كلمات وعقائد شيخ الوهابيين في مجال فتواه بتكفير المسلمين واتهامه لغير الوهابيين بالشرك والكفر وقد جعل كتابه

هذا في خمسة فصول:

الفصل الأول: يتعرّض فيه لنقد كتاب «كشف الشبهات» الذي يعدّ من أهم وأشهر كتب محمد بن عبدالوهاب، وينطلق في الفصل الثاني لنقد سائر كتب الشيخ في مسألة الشرك والتوحيد.

أمّا في «الفصل الثالث» فيستعرض المؤلف هذه المسألة المهمّة، وهي هل أنّ الشيخ عدل عن تكفير المسلمين أم لا؟ ويشير في هذا الفصل إلى قسم عظيم من تناقضات الشيخ ويتعرض لنقدها بصورة علمية.

وفي «الفصل الرابع» يبحث عن موضوع مهم آخر، وهو: هل أنّ أتباعه يتحركون في خط تكفير المسلمين من خلال التقليد الأعمى على مفترق طريقين، ص: 136

للشيخ وتصحيح أفكاره أو أنّهم عملوا على نقد نظرات الشيخ؟

وأخيراً يتعرض المؤلف في «الفصل الخامس» لنقد نظرات أعداء الشيخ ويميز بين المتشددين والمعتدلين ويضع نفسه في طائفة المعتدلين من الوهابيين.

واللطيف أنّه يقول في الخاتمة: ثم ليس في نهاية الأمر أيّة خطورة إذن أنّ خلاصة هذا البحث هو القول بأنّ «الشيخ رحمه اللَّه» أخطأ في التكفير.

والاعتراف بهذه المسألة عند أهل الانصاف أمر سهل ميسور إن كانت براهينه صحيحة، فلم ينهدم الدين بهذا، ولم تطلع الشمس من مغربها «1».

ونحن بدورنا نضيف: بل على العكس من ذلك فالنقد يبعث على مزيد من غربلة الفكر الديني ويؤدي إلى تقوية دعائم الفكر الديني وتطهيره من مظاهر العنف والوحشية، وعلى الأقل أنّ هذا النقد بإمكانه احلال الوهابيين المعتدلين محل الوهابيين المتعصبين.

وبهذا التوضيح نستعرض موجزاً لكل فصل من فصول الكتاب المذكور.

الفصل الأول: نقد (كشف الشبهات)
اشارة

بالرغم من أنّ كتاب كشف الشبهات، وهو من أشهر كتب الشيخ،

على مفترق طريقين، ص: 137

كتاب صغير جدّاً «في 70 صفحة تقريباً» فانّ ابن فرحان كتب في نقده 33 إشكالًا مهماً وانتقد كلمات زعيم الوهابية وخاصة في مسألة «التكفير»، وأظهر عجبه من كثرة الأخطاء

وكيف أنّ علماء الوهابية لم يلاحظوا هذه الاخطاء والاشتباهات في كلمات الشيخ ومروا عليها مرور الكرام.

ثم أضاف: إنّهم لو تعرضوا لذكر بعض هذه الأخطاء لما وجدت مبرراً لكتابة هذا الكتاب، ولكن ماذا أصنع تجاه سكوت الجميع؟

ولا بأس بأن نشير هنا إلى أول وآخر إشكال من هذه الإشكالات الثلاثة والثلاثين.

الغلو تجاه الصالحين

يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بداية كتابه «كشف الشبهات»: إنّ التوحيد هو إفراد اللَّه بالعبادة وهو دين الرسل الذين أرسلهم اللَّه تعالى إلى عباده، فأولهم نوح عليه السلام أرسله اللَّه إلى قومه لما غلو في الصالحين.

ويقول «ابن فرحان»: أقول: هذا الكلام أوله صحيح، لكنّ آخره فيه نظر وقصور شديد وتقعيد للتكفير.

فإنّ اللَّه تعالى أرسل نوحاً عليه السلام إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة اللَّه وترك الشرك، فقد كانوا يعبدون هذه الأصنام، وليس فعلهم مجرّد غلو في الصالحين، فهذه اللفظة واسعة وتحتمل، غالباً، الخطأ والبدعة عند اطلاقها، وقد يصل الغلو إلى الكفر وهو النادر، فتقبيل اليد قد يعتبر من على مفترق طريقين، ص: 138

الغلو، والتبرك بالصالحين قد يعتبر غلواً، ... ولكن هذا ونحوه يعدّ من الاخطاء أو البدع وليس شركاً، وقد يوجد عند عوامهم أو علمائهم غلو في الصالحين ولكن هذا لا يبرر لك تكفيرهم ولا قتالهم.

ويجب أن يعرف القاري ء الكريم أنني مع الشيخ رحمه اللَّه في انكار البدع والخرافات والاخطاء والممارسات التي يفعلها بعض المسلمين كالغلو في الصالحين ... ولكن إنكاري لهذه البدع والخرافات لا يجعلني أحكم على مرتكبها بالشرك والخروج من ملة الإسلام» «1».

والخلاصة، إنّ اتهام الناس بالشرك بل اتهامهم ب «الشرك الأكبر» وهو الشرك الذي يتسبب في استباحة الأموال والنفوس لا يمثل اتهاماً صغيراً تصحّ نسبته لأي شخص بمجرّد الاعتقاد ببعض الخرافات والممارسات الخاطئة التي

يفعلها بعض المسلمين تجاه أولياء الدين.

ويتعجب «ابن فرحان» من أنّ المخالفين للغلو من أتباع الشيخ تورطوا أنفسهم بالغلو اتجاه الشيخ محمد بن عبدالوهاب وذهبوا إلى تنزيهه من الخطأ، بل قال عنه أحدهم بأنّه «شيخ الوجود» «2» وهذا اللقب لا يصح اطلاقه حتى بالنسبة للنبي الأكرم صلى الله عليه و آله.

وفي الإشكال الأخير من هذه الإشكالات الثلاثة والثلاثين على كتاب الشيخ، يقول ابن فرحان: إنّ الشيخ يقول في الصفحة 70: لا

على مفترق طريقين، ص: 139

يستثنى من الكفر إلّاالمكره. «ويشير بهذا الكلام إلى الآية الشريفة:

«إلّا مَن اكره ...»، يقول ابن فرحان في جوابه: وهذا القصر فيه نظر، فإنّ المضطر والخائف والمتأول والجاهل، لا يجوز تكفيرهم، (في حين قبولهم لاصول الإسلام) فهؤلاء معذورون بمقتضى الآيات القرآنية والروايات الشريفة.

ثم يضيف: وهذه من عيوب منهج الشيخ، فهو يعتمد على آية واحدة أو حديث واحد، ويترك ما سواه، وهذا خلل علمي.

الفصل الثاني: بعض الإشكالات على آراء الشيخ
اشارة

ويستعرض المؤلف في «الفصل الثاني» من كتابه بعض الإشكالات على آراء الشيخ في كتابه «الدرر السنية» ويذكر أربعين مورداً من الأخطاء التي وقع فيها الشيخ في هذا الكتاب، منها: أنّه طبقاً لما ورد في كتاب «الدرر السنية» أنّ علماء نجد وقضاتها «1» لا يعرفون «لا إله إلّااللَّه» لا يفرقون بين دين محمد بن عبداللَّه صلى الله عليه و آله ودين «عمرو بن لحي» الذي وضعه للعرب «وهو عابد وثن معروف في الجاهلية». بل إنّهم يرون أنّ دين عمرو بن لحي أفضل وأصح من دين محمد!!

وبهذا يرى محمد بن عبدالوهاب تكفير جميع علماء وقضاة أهل على مفترق طريقين، ص: 140

نجد وشيوخهم وشيوخ شيوخهم، فكيف بالعوام. وهذا كلام باطل لا يقرّه منصف، ونسأل اللَّه أن يغفر للشيخ هذا «التكفير الصريح» لعلماء نجد

رحمهم اللَّه.

ومن جملة الموارد التي أمعن فيها هؤلاء في تكفيرهم لسائر المسلمين موردان هما:

1- تكفير الشيعة: حيث يذكر الشيخ أنّ من شك في كفرهم فهو كافر «1».

ويقول ابن فرحان: مع أنّ ابن تيمية على غلوه ونصبه إلّاأنّ له كلاماً صريحاً بأنّ هؤلاء «الشيعة» مبتدعة مسلمون وليسوا كفّاراً «2».

ونحن نضيف: إنّ ثمرة هذه الفتاوى غير الإنسانية وغير الإسلامية هو ما نراه من سفك دماء الشيعة «الذين شيّدوا دعائم التوحيد في الإسلام» ونهب أموالهم في مختلف المناطق واستمرار هذه الظاهرة لحد الآن.

2- يقول الشيخ: إنّ كل من سبّ صحابياً من أصحاب النبي الأكرم صلى الله عليه و آله فهو كافر، في حين أنّه (حسب تعبير ابن فرحان المالكي) غير صحيح، فقد كان معاوية يسبّ علياً رضى الله عنه كما ورد في صريح «صحيح مسلم» «3» (وبقي معاوية يسبّ الإمام علياً على المنابر

على مفترق طريقين، ص: 141

لعشرات السنين) ومع هذا أليس معاوية مسلماً «1».

النقطة الملفتة للنظر، أنّ هذا العالم السني المالكي يقول في كتابه هذا: ومع هذا كله نجد الشيخ رحمه اللَّه كثيراً ما تنصل من التكفير ويدفعه عن نفسه، ويقول: «وأمّا ما ذكر الاعداء عنّي أنّي اكفّر بالظن وبالموالاة أو اكفر الجاهل الذي لم تقم عليه حجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين اللَّه ورسوله» «2».

يقول المالكي: حتى مع هذا التنصل فهذه العبارة فيها تكفير ضمني لمن ينكر عليه التكفير، لأنّ من «أراد تنفير الناس عن دين اللَّه ورسوله فهو كافر» على منهج الشيخ لا منهج غيره، فالتكفير إن لم يختف في مثل هذه المواطن من ا لدفاع عن النفس من تهمة التكفير فمتى يختفي؟ «3»

تناقض في كلمات الشيخ

ويستعرض ابن فرحان بعد هذا الكلام التناقضات الصريحة

الاخرى في كلام شيخ الوهابيين، ويقول: لقد نسبوا إلى الشيخ اشتباهات وأخطاء كثيرة وقد دفعها عن نفسه، والحال أنّها موجودة

على مفترق طريقين، ص: 142

في فتاواه.

ثم يذكر خمسةً وعشرين مورداً من هذه الامور المنسوبة إليه مع ذكر المصدر لها، ومن جملة هذه الامور التي ينكرها الشيخ:

1- إنكاره أنّه يبطل كتب المذاهب الأربعة.

2- إنكاره أنّه يكفّر من توسل بالصالحين.

3- أنكر أنّه يقول لو قدر على قبة رسول اللَّه لهدمها، (كما صنعوا بقبور أئمة أهل البيت عليهم السلام وسائر الأولياء المدفونين في البقيع).

4- أنكر أنّه يحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه و آله.

5- أنكر أنّه يكفّر جميع الناس إلّامن اتّبعه.

في حين أنّ هذه الامور موجودة بصراحة أو بشكل ضمني في كلماته وكتبه، وهذا من التناقض العجيب.

الفصل الثالث: المسيرة تتواصل

ويقول حسن بن فرحان المالكي في الفصل الثالث من كتابه «داعية وليس نبيّاً»: وجاء تلاميذ الشيخ ومقلِّدوه رحمهم اللَّه وسامحهم ليواصلوا التكفير، فقالوا بتكفير من وافق أهل بلده في الظاهر وحكم بكفر الكثير من قبائل العرب وغير العرب وكفر الكثير من أتباع المذاهب الإسلامية وجماعة من علماء المسلمين على مفترق طريقين، ص: 143

المعروفين «1».

ومن ذلك:

1- التصريح بكفر أهل مكّة والمدينة (الذين لم يقبلوا بمذهب الوهابية في تلك الفترة). «2»

2- تكفير من دخل في الدعوة (أي المذهب الوهابي) وادعى أنّ آباءه ماتوا على الإسلام، يستتاب فان تاب وإلّا ضربت عنقه! وصار ماله فيئاً للمسلمين، وإن كان قد حج فعليه اعادة الحج لأنّ حجّه قبل انضمامه للدعوة كان أيّام شركه ومن شروط الحج الإسلام. «3»

3- تكفير الدولة العثمانية وأنّ من لم يكفّرها فهو كافر. «4»

4- تكفير الاشاعرة وأنّهم لا يعرفون معنى الشهادتين «5» وكذلك يرى تكفير المعتزلة. «6»

5- تكفير مانعي الزكاة وأنّهم خارجون

عن الإسلام. «7»

6- تكفير الذين يستخدمون الخدم الكفّار في بيوتهم ومكاتبهم وأشغالهم، ومع ذلك هم تاركون لكثير من الواجبات فاعلون لكثير من على مفترق طريقين، ص: 144

المحرمات، لا يعرفون من الشهادتين إلّاالألفاظ، فهم مثل هؤلاء كفّار مرتدون، ومن شك في ردّتهم عن الإسلام فهو لا يعرف الدين ولن يشم رائحة العلم النافع. «1»

وبعد أن يورد حسن بن فرحان 27 مورداً من الموارد التي أفتى أتباع الشيخ فيها بتكفير المسلمين يقول: «وبعد هذا الغلو الذي لم أجد له مثيلًا، يعيد كثير من العلماء والدعاة أسباب التكفير والعنف لسيد قطب، والمودودي، والاخوان المسلمين، وحزب التحرير! صحيح أنّ في هؤلاء غلواً في الجانب السياسي، لكن لا يبلغ غلو الوهابية في الجوانب كلها سياسية وعقيدة وفقهية وثقافية واجتماعية، والانصاف دين» «2».

ثم يضيف قائلًا: تأملوا العبارات السابقة، هل بقي شي ء لتنظيم القاعدة والتيارات الجهادية لم يقل به الوهابيون؟»»

.ويضيف ابن فرحان في ختام هذا البحث: إنّ من نتائج تشدد الشيخ في التكفير أنّ أتباعه لم يلبثوا من بعده إلّاسنوات قليلة حتى كفّر بعضهم بعضاً وسبى بعضهم نساء بعض «4» ولهذا أمثلة مشهورة، ذكر ابن فرحان نماذج منها «5».

في مقابل هذه الامور المظلمة في تاريخ هذه الطائفة، يشير المؤلف إلى نقطة قوّة في ختام هذا الفصل، ويقول: إنّ الشيخ عبداللَّه على مفترق طريقين، ص: 145

بن «الشيخ محمد بن عبدالوهاب» (مؤسس الوهابية) يرى بعد سقوط الدرعية «أحد مدن الحجاز» والذي رحل إلى مصر وتخلص من تلك الأجواء المغلقة والملوثة بالتعصب المقيت وسلك في خط الاعتدال يرى أنّ الذي عليه المحققون من أهل العلم هو عدم تكفير أهل البدع كالخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة لأنّ التكفير لا يكون إلّا بانكار ما عُلِمَ بالدين بالضرورة أو

ارتكاب شي ءٍ مجمع على كفر من ارتكبه» «1» «2» (لا بمجرّد البدعة).

الفصل الرابع: كلمات معارضي الشيخ
اشارة

ويتعرض مؤلف الكتاب في «الفصل الرابع» إلى كلمات خصوم الشيخ ومعارضيه من الذين أفتى الشيخ وجميع الوهابيين بتكفيرهم ثم تحرك على مستوى الدفاع عنهم وقال: إنّ هذه الفتاوى بالتكفير لا اعتبار لها، بل يجب الاعتراف بخطئهم بخصوص مسألة التكفير هذه.

ويذكر ابن فرحان في هذا الفصل 22 عالماً من علماء أهل السنّة المعروفين وأغلبهم من علماء أهالي نجد ومكة وبعضهم من علماء دمشق والعراق وتونس ومراكش والذين خالفوا الشيخ في أفكاره وآرائه وقد كتب بعضهم كتباً في ردّه وابطال أفكاره «3».

على مفترق طريقين، ص: 146

ومن هنا يتبين أنّ أكثر معارضيه هم أهالي تلك المنطقة أو من معارفه وأقربائه!

أهم الاتهامات الموجّهة لزعماء الوهابية

ويذكر ابن فرحان في ذيل البحث السابق أهم الإشكالات التي أوردها علماء أهل السنّة المعروفين على الشيخ، وتتلخص في أربعة امور:

1- تكفير المسلمين.

2- ادّعاء النبوة (بلسان الحال لا بلسان القال).

3- القول بالتشبيه والتجسيد للذات المقدّسة.

4- انكار كرامات الأولياء.

ثم يقول: إنّ الأهم من هذه الإشكالات، هي مسألة التكفير ثم مسألة القتال المبني على التكفير، فهاتان تهمتان على الاسلام و المسلمين واضحتان لمن أراد الانصاف.

ثم ينقل ابن فرحان عن «الشيخ أحمد زيني دحلان»، العالم والكاتب المعروف في كتابه «دعوى المناوئين»، قوله عن الوهابيين:

«لا يعتقدون موحداً إلّامن تبعهم فيما يقولون» «1».

وينقل كذلك عن عالم مشهور آخر وهو «الزهاوي»، لو سأل سائل عمّا تمذهبت به ما هو؟ وعن غايته ما هي؟ فقلنا في جواب كلا

على مفترق طريقين، ص: 147

السؤالين: هو تكفير المسلمين، لكان جواباً على اختصاره تعريفاً كافياً على مذهبه» «1».

ويسعى المؤلف «حسن بن فرحان» لتبرئة الشيخ من الاتهامات الثلاثة الاخرى ولكنّه يقبل بالاتهام الأول ويؤكده، وهذا الاتهام ليس اتهاماً بسيطاً وهيناً، فالقرآن الكريم يؤكد بصراحة تامة على عدم جواز اتهام المسلمين

حتى من يتظاهر بالإسلام (مادام لم ينكر ضرورات الإسلام) ويقول: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...» «2».

فهل يبقى مع تصريح هذه الآية الشريفة مورد لتكفير المسلمين في مسألة التوحيد والشرك لاسيما مع وجود الملابسات في هذه المسألة؟

ويقول تعالى في آية اخرى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً» «3».

فهذه الآية الشريفة بسياقها الشديد تبعث الرجفة في قلب كل إنسان مؤمن حيث تهدد بغضب اللَّه تعالى ولعنته وخلود الشخص الدائم في نار جهنم، ولا نرى في تهديدات القرآن الكريم عبارة أشدّ صراحة وقوة بالنسبة لسائر الذنوب الكبيرة كما هو في مورد قتل النفس.

على مفترق طريقين، ص: 148

إنّ التأكيد على الخلود في العذاب الإلهي الذي يختص بالكفّار والمعاندين للحق، يشير إلى أنّ القاتل حتى لو كان مسلماً فإنّه يخرج من هذه الدنيا فاقداً للإيمان ليتحقق في حقّه الوعيد بالخلود في نار جهنّم.

والآن تصور كيف يكون حال من يقتل مؤمناً مصلياً وصائماً وملتزماً بجميع الآداب والأخلاق الإسلامية، بذريعة واهية، ويستولي على زوجته وينهب أمواله، ولا يقتصر الأمر على مؤمن واحد بل مئات وآلاف المؤمنين الأبرياء من النساء والرجال والأطفال والشيوخ والشبّان، ويسمي ذلك، دين التوحيد المحمدي ويرى أنّه من أهل النجاة (نعوذ باللَّه العظيم).

في حين أنّ مثل هذا الشخص هو مصداق الآية الشريفة: «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَايَهْتَدُونَ» «1».

من حسن الحظ أنّ الكثير من أتباع هذا المذهب تنبهوا أخيراً إلى خطئهم وأذعنوا لهذه الحقيقة وهي أنّ تكفير المسلمين يعدّ ذنباً عظيماً حتى لو كان من أهل البدع في نظرهم، ونرجو أن تكون هذه البادرة طليعة مباركة لتهذيب معالم

الدين الإسلامي من مظاهر الارهاب والعنف واظهار الجانب الإنساني والأخلاقي في الإسلام إن شاء اللَّه، حيث نرى نماذج من اليقظة والعودة إلى الصواب في الكتابين المذكورين «مفاهيم يجب أن تصحّح» و «داعية وليس نبيّاً».

على مفترق طريقين، ص: 149

وفي الختام نجد من المناسب جدّاً استعراض الإعلان المهم لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وهم من الوهابيين المعتدلين.

وقد طبع هذا الإعلان في صحف كثيرة، ولكننا ننقله عن كتاب «معجم طبقات المتكلّمين».

آخر الكلام بيان مِن هيئة كبار العلماء في السعودية

بيان مِن هيئة كبار العلماء

الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أمّا بعد:

فقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف ابتداء من تاريخ 2/ 4/ 1419 ه، ما يجرى في كثير من البلاد الاسلامية وغيرها من التكفير والتفجير، وما ينشأ عنه من سفك الدماء، وتخريب المنشآت، ونظراً الى خطورة هذا الامر، وما يترتّب عليه من إزهاق أرواح بريئة، وإتلاف أموال معصومة، وإخافة للناس، وزعزعة لأمنهم واستقرارهم، فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضِّح فيه حكم ذلك نصحاً للَّه ولعباده، وابراء للذمة، وإزالة للبس في المفاهيم لدى مَن اشتبه عليه الأمر في ذلك، فنقول و باللَّه التوفيق:

اولًا: التكفير حكم شرعي، مردّه الى اللَّه ورسوله، فكما أنّ التحليل والتحريم والإيجاب، إلى اللَّه ورسوله، فكذلك التكفير، وليس كلّ ما وصف بالكفر من قول أو فعل، يكون كفراً أكبر، مخرجاً عن الملّة.

على مفترق طريقين، ص: 154

و لما كان مَرَدّ حكم التكفير إلى اللَّه ورسوله لم يَجُز أن نُكَفِّر إلّا من دلّ الكتاب والسنَّة على كفره دلالة واضحة، فلا يكفى في ذلك مجرّد الشبهة والظن، لما يترتّب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تُدْرأ بالشبهات، مع أن ما يترتّب عليها أقلّ ممّا يترتّب على

التكفير، فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات؛ ولذلك حذر النبى من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال: «أيّما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، ان كان كما قال وإلّا رجعت عليه». وقد يَرِد في الكتاب والسنّة ما يُفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، ولا يكفر من اتصف به، لوجود مانع يمنع من كفره، وهذا الحكم كغيره من الاحكام التي لا تتمّ إلّابوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها كما في الإرث، سببه القرابة- مثلًا- وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين، وهكذا الكفر يُكره عليه المؤمن فلا يكفر به. وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما فلا يكفر بها لعدم القصد، كما في قصّة الذي قال:

«اللهم أنت عبدي وأنا ربك» أخطأ من شدّة الفرح.

والتسرُّع في التكفير يترتّب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال، ومنع التوارث، وفسخ النكاح، وغيرها ممّا يترتّب على الردة، فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة.

وجملة القول: إنّ التسرع في التكفير له خطره العظيم؛ لقول اللَّه عزّ وجلّ: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْىَ على مفترق طريقين، ص: 155

بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» «1».

ثانياً: ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصّة والعامّة، وتفجير المساكن والمركبات، و تخريب المنشآت، فهذه الأعمال وأمثالها محرّمة شرعاً بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامّة التي لا غنى

للناس في حياتهم عنها.

و قد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانهم وحرم انتهاكها، وشدّد في ذلك وكان من آخر ما بلغ به النبى أمّته فقال في خطبة حجّة الوداع: «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا».

ثم قال: «ألا هل بلغت؟ اللّهم فاشهد». متّفق عليه.

وقال: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله و عرضه».

وقال عليه الصلاة و السلام: «اتّقوا الظلم فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة».

وقد توعّد اللَّه سبحانه من قتل نفساً معصومة بأشدّ الوعيد، فقال سبحانه في حقّ المؤمن: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً

على مفترق طريقين، ص: 156

فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً» «1».

وقال سبحانه في حقّ الكافر الذى له ذمّة، في حكم قتل الخطأ:

«إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ» «2».

فاذا كان الكافر الذى له أمان إذا قتل خطأ، فعليه الدية والكفارة، فكيف إذا قتل عمداً، فان الجريمة تكون أعظم، والإثم يكون أكبر.

وقد صحّ عن رسول اللَّه أنّه قال:

«من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنّة».

ثالثاً: إنّ المجلس اذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب اللَّه وسنّة رسوله وخطورة اطلاق ذلك، لما يترتّب عليه من شرور وآثام، فإنّه يعلن للعالم أنّ الإسلام برى ء من هذا المعتقد الخاطئ، وأن ما يجرى فى بعض البلدان من سفك الدماء البريئة، وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامّة والخاصّة، وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي، والإسلام بري ء منه، وهكذا كلّ مسلم يؤمن باللَّه واليوم الآخر برى ء منه، وإنّما هو تصرّف من صاحب فكر منحرف، وعقيدة ضالّة، فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بهدى الإسلام،

المعتصمين بالكتاب والسنّة، المستمسكين بحبل اللَّه المتين، وإنّما هو محض على مفترق طريقين، ص: 157

إفساد وإجرام تأباه الشريعة و الفطرة؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه، محذّرة من مصاحبة أهله ...

رئيس المجلس عبدالعزيز بن عبداللَّه بن باز

صالح بن محمد اللحيدان عبدالله بن عبدالرحمن البسام عبداللَّه بن سليمان بن تقنيع عبدالعزيز بن عبداللَّه بن محمد آل الشيخ محمد بن صالح العثيمين ناصر بن حمد الراشد

د. عبداللَّه بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ محمد بن عبداللَّه السبيل محمد بن سليمان البدر عبدالرحمن بن حمزة المزروقى راشد بن صالح بن خنين د. عبداللَّه بن عبدالمحسن التركي عبداللَّه بن عبدالرحمن الغديان د. عبدالوهاب بن ابراهيم أبوسليمان محمد بن ابراهيم بن جبير محمد بن زياد آل سليمان د. صالح بن فوزان الفوزان د. صالح بن عبدالرحمن الأطرم حسن بن جعفر العتمى د. بكر بن عبداللَّه ابوزيد

تحليل موجز عن البيان المذكور

هذا البيان، الذي أقرّه أعلى مرجع مذهبي للوهابية في العربية السعودية «عبدالعزيز بن عبداللَّه بن باز» وعشرون نفراً من العلماء من الطراز الأول وقبل وفاة هذا العالم الوهابي المعروف بقليل، يتضمن على مفترق طريقين، ص: 158

نقاطاً مهمّة نشير إلى بعضها:

1- رغم أنّ من المناسب أن ينشر مثل هذا البيان قبل الحوادث الدامية التي ذهبت ضحيتها النفوس البريئة وهتك الأعراض ونهب الأموال، ولكن مع الأخذ بنظر الاعتبار دفع الضرر حسن في كل حال فإنّ هذا البيان يستحق كل تقدير وشكر ويمثّل في مقابل الجماعات الارهابية التي تدعي الامتثال لأوامر الشرع، حجة قوية جدّاً حيث اتضح لجميع المسلمين أنّ هؤلاء الذين يشير إليهم هذا البيان لا يتحركون من موقع اتباع التعاليم الإسلامية ولا يسيرون في خط التوحيد والقيم السماوية بل من موقع اتباع الأهواء والشهوات، وبكلمة: إنّ

الإسلام برى ء من أعمال هؤلاء.

2- إنّ هذا البيان فتح الباب عملًا لنقد أفكار وعقائد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بحيث إنّ الوهابيين أنفسهم بإمكانهم نقد أفكاره مع احترامهم له وبالتالي ينضوون تدريجياً تحت لواء الوهابيين المعتدلين الذين يقيمون علاقات جيدة مع سائر المسلمين في العالم.

3- إنّ هذا البيان، ومن خلال سياق عباراته ومضمون كلماته، يعلن لجميع الوهابيين المتعصبين أنّ مرحلة تكفير المسلمين قد ولت ولا ينبغي بعد الآن اتهام أي شخص بالكفر لمجرّد عدم موافقته لأفكارهم واستباحة دمه وماله وعرضه، فمثل هذا العمل يمكنه أنّ يؤدي إلى كفر العامل به.

4- إنّ هذا البيان قدّم خدمة كبيرة للعالم الإسلامي وعمل على على مفترق طريقين، ص: 159

إصلاح الصورة الموحشة التي رسمها هؤلاء الارهابيين عن الإسلام أمام العالم أجمع وبيّن أنّ المسلم الواقعي برى ء من هذه الأعمال، وإن كانت إزالة جميع الآثار السلبية لهذه الأعمال الارهابية تحتاج لسنوات مديدة وليس من اليسير نسيانها وخاصة أنّها أعطت ذريعة قوية لأرباب الكنيسة والصهانية ليظهروا الإسلام للعالم بصورة مشوهة ومخيفة، نعوذ باللَّه من جهل الجاهلين ونسأل اللَّه تعالى الهداية والنجاة للجميع من مكائد الشيطان.

على مفترق طريقين، ص: 161

توصية أخوية لعلماء الحجاز

هنا نتقدم بتوصية أخوية لجميع علماء المذهب الوهابي الذين سلكوا في خط الاعتدال والانصاف بضرورة استغلال الفرصة في أجواء هذه الظروف التاريخية لإعادة النظر في اصول المذهب الوهابي، وبذلك يساهمون في ردم الهوة العظيمة التي حدثت بينهم وبين سائر المسلمين في العالم وسد الثغرة التي يستغلها الأعداء للنفوذ إلى واقع المسلمين والفكر الإسلامي.

نحن نوصي هؤلاء الاخوة من موقع المحبّة والمودة بما يلي:

1- أن يقوموا بشجب اتهام المسلمين بالشرك والكفر بسبب بعض المسائل الاجتهادية، ويضعوا نصب أعينهم الدستور القرآني الشريف:

«وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ

لَسْتَ مُؤْمِناً ...» «1»

. ويوصوا جميع أتباعهم بذلك.

2- أن يستنكروا كل مظاهر العنف والارهاب الديني كالاغتيالات على مفترق طريقين، ص: 162

والتفجيرات الوحشية في العراق والباكستان وأفغانستان والعربية السعودية.

هذا العنف هو الذي أدّى مضافاً إلى عمليات التخريب الواسعة وسفك دماء المسلمين الأبرياء من النساء والرجال والأطفال من السنّة والشيعة، إلى تشويه سمعة الإسلام في سائر نقاط العالم بحيث أضحت مظاهر العنف والارهاب أدوات جيدة بيد الأعداء يستغلونها ضد الإسلام والمسلمين وبذلك يتمّ اجهاض جميع الاتعاب والطاقات التي بذلها علماء الإسلام والمبلغون والكتّاب في سبيل نشر الإسلام ورفع راية القرآن، أجل فجميع هذه المظاهر الارهابية هي مصداق إهلاك الحرث والنسل الوارد في القرآن الكريم.

3- أن يفتحوا الحوار المنطقي والتبادل الثقافي والأخوي بين المذاهب الذي يقوم على أساس الاحترام المتقابل بعيداً عن كل أشكال الاهانة والاتهام بالشرك والجهل، ويجلسوا مع سائر علماء الإسلام على طاولة واحدة لبحث المسائل الاختلافية، ويكونوا مصداق «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ...» «1».

4- أن يفتحوا الأبواب الفكرية والجغرافية أمام الكتب العلمية والمنطقية للمذاهب الإسلامية الاخرى، ولا يتوهموا وجود خطر من هذا الانفتاح الفكري، بل عليهم أن يتحركوا على مستوى التبادل العلمي والثقافي مع الحوزات العلمية في سائر البلدان الإسلامية.

على مفترق طريقين، ص: 163

5- العمل على ازالة جدار سوء الظن وعدم الاعتماد المتقابل بينهم وبين سائر المسلمين في العالم وأن يفتحوا المجال للطلّاب لتبادل المعارف بين الحوزات العلمية، ويعلنوا عن استعدادهم للمشاركة في المؤتمرات الدينية التي تقام في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي لبحث قضايا إسلامية مختلفة.

6- تحذير أتباعهم من مرض الدوغماتية والجزمية، بمعنى رؤية اجتهاداتهم في الاصول والفروع أنّها تمثل الإسلام الحقيقي، وأمّا غيرها فهي كفر وبدعة وضلالة، والاصغاء للخطاب القرآني في

قوله تعالى: «وَمَا أُوتِيتُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» «1».

عندما نوفق للعمل بهذه الاصول الستة ونتحرك على مستوى تحقيقها في أرض الواقع والممارسة، نأمل حينئذٍ بتقوية دعائم الوحدة في صفوف المسلمين، وبالتالي يتحقق للمسلمين جميعاً الاعتصام بحبل اللَّه تعالى، و «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ...» «2».

وسنبقى بهذا الأمل، واللَّه المستعان.

نهاية الكتاب محرّم الحرام 1427 ه ق ناصر مكارم الشيرازي على مفترق طريقين، ص: 165

فهرسة الآيات

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ 39، 96

ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ 94

إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ، 156

إلّا مَن اكره 139

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ... 162

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ... 95

إِنَّ اللَّهَ لَايَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ 43

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 92

إِنَّكَ لَاتُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ 92

إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي 82

أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... 44

أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 92

أَلَا للَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ 85

بِابْتِغاءِ مَرضاةِ اللَّهِ 99

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ 44

رَبِّي الَّذِي يُحْيِى وَيُمِيتُ 84

سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ... 44

على مفترق طريقين، ص: 166

فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ 35

فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ 33

فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ... 46

فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ ... 53

فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ 81

فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً 74، 96

فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّااللَّهُ لَفَسَدَتَا 81

قَالَ رَبِّ إِنِّي

دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَاراً* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً 96

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ* قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ 91

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا 97

قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً 96

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ 155

قُلْ للَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 74

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ 73

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ 83

لَكُمْ ما سَأَلتُمْ 98

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَىْ ءٍ 95

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ... 163

لِيُقَرِّبُونا إِلى اللَّهِ زُلفى 86

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ 81

مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ... 74، 86

مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ 89

مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ 78

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ 84

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ 98

على مفترق طريقين، ص: 167

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ... 35

وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ... 53

وَأُبْرِءُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ 86

وَأُبْرِءُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا ... 79

وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً 94

وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقرَبينَ ... 69

وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 52

وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ 99

وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَايَهْتَدُونَ 148

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ

السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ 73

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ 39

وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ... 161

وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... 34

وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا 147

وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا 96

وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ 83

وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ 91

وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ 27

وَمَا أُوتِيتُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 163

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ 78

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ 147

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ 156

هذا رَبّي 84

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوا 93

يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ على مفترق طريقين، ص: 168

خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ 83

يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً 36، 125

يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ 77

فهرسة الروايات

فَإِنْ كانَ لَابُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ، وَ مَحَامِدِ الْأَفْعَالِ 52

فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمتَعَصِّبِينَ، وَ سَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ 51

كُلُّ بِدعَةٍ ضَلالَة 101، 105، 106

هل الدين إلّاالحب 27

هل الدين إلّاالمحبّة 36

هَلَكَ فِيَّ رَجُلانِ: مُحِبٌّ غالٍ وَمُبْغِضٍ قالٍ 126

فهرسة الاشخاص و القبايل

آل سعود 38، 72

إبراهيم عليه السلام 84

ابليس 51

ابن القيم 68، 71

ابن القيم الجوزي 28

ابن باز 130

ابن تيمية 28، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 140

ابن حجر 70، 106

ابن حزم 106

ابن سعود 29

ابن فرحان المالكي 132، 140

ابن كثير 70

ابن لادن 17

اخنايى 70

اسامة بن لادن 17

الاخوان المسلمين 144

الإمام الحسين عليه السلام 21، 30

الإمام علي عليه السلام 30، 42، 51، 61، 68، 140

الجزيرة العربية 71

الحنابلة 28، 43، 68

الخوارج 69، 127

الدكتور عبدالفتاح بركة 113

الذهبي 68، 69

الراغب الاصفهاني 78

الزهاوي 30، 146

السيد محمد بن علوي 49، 111

السيوطي 106

الشوكاني 70

الشيخ أحمد العوض 114

الشيخ أحمد زيني دحلان 146

الشيخ محمد سالم عدود 115

الشيطان 61، 63، 67، 101،

على مفترق طريقين، ص: 172

148، 159

الصنعاني 94، 95

الصوفية 33

الطائف 30

الطالبان 14، 15، 16، 17، 18، 19، 22، 34، 47، 62، 76

العلّامة الأميني 69

القاعدة 17، 34، 35، 47

المسيح 78، 79، 86، 100

المغول 68

الملا محمد عمر 18

المودودي 144

النووي 106

أبي الحديد 61، 140

أحمد بن حنبل 68

أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحنبلي 68

برهان الدين رباني 16

بن علوي 112

بني اسرائيل 98

بني امية 68

بني حنيفة 82

پرويز مشرَّف 21، 23

تحريك جعفري 21

جماعت اسلامى 23

جماعت علماى اسلام 23

جيش الصحابة 14، 20، 21، 22، 23، 24، 76

حزب التحرير 144

حسن بن جعفر العتمى 157

د. بكر بن عبداللَّه ابوزيد 157

د. صالح بن عبدالرحمن الأطرم، 157

د. صالح بن فوزان الفوزان 157

د. عبداللَّه بن عبدالمحسن التركي 157

د. عبداللَّه بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ 157

د. عبدالوهاب بن ابراهيم أبوسليمان 157

راشد بن صالح بن خنين

157

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله 140

سعد بن أبي وقاص 140

سليمان بن محمد 28

شيخ الإسلام 70، 80، 89

صالح بن محمد اللحيدان 157

على مفترق طريقين، ص: 173

ظفر اللَّه خان جمالي 24

عبدالرحمن بن حمزة المزروقى 157

عبدالسلام جبران 115

عبدالعزيز بن عبداللَّه بن باز 157

عبدالعزيز بن عبداللَّه بن محمد آل الشيخ 157

عبداللَّه بن سليمان بن تقنيع 157

عبدالله بن عبدالرحمن البسام 157

عبداللَّه بن عبدالرحمن الغديان 157

عثمان 28، 43

عمرو بن لحي 139

فيدل كاسترو 10

قُلب الدين حكمت يار 16

لابن الأثير 140

لسيد قطب 144

للسيد جواد العاملي 31

لماركسية أنور خوجه 10

ماركسية الرفيق ماو 10

محمد البخاري الحنفي 70

محمد بن ابراهيم بن جبير 157

محمد بن زياد آل سليمان 157

محمد بن سعود 28، 29

محمد بن سليمان البدر 157

محمد بن صالح العثيمين 157

محمد بن عبداللَّه السبيل 157

محمد بن عبدالوهاب 27، 28، 29، 30، 31، 59، 67، 69، 71، 72، 73، 94، 129، 130، 131، 134، 135، 137، 138، 139، 145، 158

محمد بن علوي المالكي 49، 106، 114

محمد نجيب اللَّه 16

معاوية 140، 141

ملا محمد 16

ملا محمد عمر 14

ملت اسلاميه 23

موسى عليه السلام 98

مولانا أعظم طارق 22

مولانا جهان گويى 22

ميرزا جان الاصفهاني 28

ناسي ليف 31

ناصر الدولة 58

ناصر بن حمد الراشد 157

على مفترق طريقين، ص: 174

نوح عليه السلام 53، 96، 137

ويل ديورانت 100

يعقوب عليه السلام 91

يوسف 45، 78، 83، 91

على مفترق طريقين، ص: 175

فهرسة الأماكن

إصفهان 28

الاحساء 28

الاردن 40، 133

الأزهر 40، 53، 76، 121

الامارات 22، 112

الباكستان 5، 21، 22، 23، 24، 112، 162

البحرين 112

البصرة 28

البقيع 46، 56، 57، 142

الجزيرة العربية 28

الدرعية 28، 29، 145

الرياض 18، 25، 76، 121

السودان 112، 114

الشام 28، 67، 68، 71، 76

الطائف 13

العراق 5، 24، 25، 30، 35، 40، 76، 133، 145، 162

القطيف 28

النجف 30، 47، 76

ايران 20،

21، 28، 40

أفغانستان 5، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 34، 76، 162

أمريكا 15، 17، 18، 19

بابل 84

بنجاب 21، 22، 24

بنكلادش 22

بيت اللَّه الحرام 41، 43، 88

حران 68

حريملة 28

دبي 112

دمشق 40، 67، 68، 71، 72، 145

عيينة 28

على مفترق طريقين، ص: 176

قم 28، 76، 127

قندهار 14، 15

كراچي 21

كندا 22

مراكش 115، 145

مصر 28، 31، 53، 69، 112، 121، 145

مكة 28، 29، 36، 49، 53، 62، 111، 113، 115، 121، 143، 145

موريتانيا 115

نجد 28، 29، 71، 72

هرات 15، 18

على مفترق طريقين، ص: 177

فهرسة المصادر

1- القرآن الكريم.

2- نهج البلاغة.

3- الإذاعات العالمية المعروفة.

4- الإسلام في القرن العشرين.

5- البحر الرائق لابن نجيم المنصري.

6- الخصال للشيخ الصدوق.

7- الدرر السنية.

8- الذريعة.

9- الصحيح من السيرة.

10- العقد الفريد.

11- الغدير.

12- الفجر الصادق- جميل الصدقى الزهاوى.

13- الكافى.

14- الكامل لابن الأثير.

15- المحاسن.

16- تاريخ الطبري.

17- تاريخ المملكة السعودية.

على مفترق طريقين، ص: 178

18- تاريخ الوهابيين- مرحوم فقيهي.

19- تاريخ نجد- آلوسي.

20- جزيرة العرب في القرن العشرين.

21- دائرة المعارف الكويتية.

22- دائرة المعارف ENCARTA.

23- داعية و ليس نبيّاً.

24- سفينة البحار.

25- سنن ابن ماجة.

26- سنن البيهقي.

27- سير إعلام النبلاء.

28- شجرة طوبى للشيخ محمد مهدى الحائرى.

29- شرح كشف الشبهات للعثيمين.

30- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

31- عنوان المجد فى تاريخ نجد.

32- غنائم الأيّام.

33- فتاوى اللجنة الدائمة البحوث العلميّة و الإفتاء.

34- فيض القدير للمناوي.

35- قصة الحضارة، ويل دورانت.

36- كشف الارتياب- سيد محسن الامين.

37- مجلة مكتب الإسلام الفصلية.

38- مذهب الوهابية.

39- مستدرك.

40- مسند أحمد.

على مفترق طريقين، ص: 179

41- معجم الطبراني.

42- معرفة الفرق و المذاهب الإسلامية.

43- مفاهيم يجب أن تصحّح.

44- مفردات الراغب.

45- ميزان الحكمة.

46- نهاية عمر الماركسية.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.