الربا و البنك الاسلامى

اشارة

سرشناسه : مکارم شیرازی ناصر، - 1305 عنوان و نام پديدآور : الربا و البنک الاسلامی بحوث فقهیه / سماحه مکارم شیرازی اعداد و تنظیم ابوالقاسم علیان نژادی القسم الثقافی فی لمدرسه الامام امیرالمومنین ع مشخصات نشر : قم مدرسه الامام علی بن ابی طالب ع ، 1422ق = 1380. مشخصات ظاهری : ص 189 شابک : 964-6632-21-1 4800ریال يادداشت : عربی يادداشت : عنوان اصلی ربا و بانکداری اسلامی یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس موضوع : بهره و ربا (فقه موضوع : بانک و بانکداری (اسلام موضوع : اسلام و اقتصاد شناسه افزوده : علیان نژادی ابوالقاسم 1343 - ، گردآورنده شناسه افزوده : مدرسه الامام علی بن ابی طالب ع رده بندی کنگره : BP190/6 /م 7ر2043 1380 رده بندی دیویی : 297/372 شماره کتابشناسی ملی : م 80-3343

تمهيد:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إنّ العلماء و المحقّقين بمثابة الشّمس السّاطعة يفيضون على الأنام دوماً أنوار علومهم، و ضياء معارفهم، و لا يعيقهم عن أداء مسئوليتهم في تعليم الناس و تربيتهم حواجز الزمان، و لا حواجب المكان «1»، و قد استوت لديهم في مسار خدمة الدين المبين و تبليغ أحكام الرسالة الختمية أوقات العسر و اليسر، و أيام التحصيل و التعطيل، بل لا فرق بين هذه الأيام إلّا في نوع العمل المستمر و الدءوب الذي لا يعرف تريثاً في سفر، أو استراحة في عطلة «2»، و حتى السجن لم يسجّل عائقاً عن مواصلة نشاطهم، أو مانعاً لهم الربا و البنك الاسلامى، ص: 4

عن إدامة فيضهم و الاستقامة في سبيلهم.

و من جملة هؤلاء العلماء العظام و المراجع الكرام هو المرجع الكبير سماحة آية الله العظمى المكارم الشيرازي- دام عزّه- الذي

ما فتئ ناشطاً في هذا السبيل لا يمنعه مانع عن التحقيق، و التدريس و التأليف، و تذاكر العلم، و الإجابة على الأسئلة الشرعية و الشبهات العلمية، و حلّ مشاكل الشباب، و الطلبة و. إلى درجة إلى نشاطه العلمي حتى في الأسفار الدينية و أيام النفي و التبعيد من قبل الحكومات الظالمة كان مثاراً للإعجاب و التقدير.

و من جملة البركات المترتبة على سفر سماحته إلى مدينة مشهد المقدسة- و الذي يتم كل عام في أشهر العطلة الصيفية- مجلس البحث الخارج للفقه لسماحته إلى جنب المرقد الرّضوي المقدّس لثامن الأئمة الأطهار الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في مسجد (گوهرشاد)، حيث يتعرض سماحة الأستاذ المسائل الفقهية المستحدثة في هذا الدرس، و يحضره جمّ غفير من طلّاب و فضلاء الحوزة العلمية في مدينة مشهد الرّضوي المقدسة، بالرّغم من عناء السنة الدراسية و مشاق التحصيل العلمي في السنة الفائتة إلّا أنّهم يهجمون باشتياق بالغ و شغف كبير للاغتراف من منهل العلم و المعرفة، و يتجمعون حول سماحته كالفراش حول السراج المضي ينهلون من معين شرابه و يستقون من رحيق نواله.

الكتاب الحاضر حصيلة سلسلة دروس و أبحاث تفضل بها سماحة الأستاذ حول أحكام الرِّبا في القروض و معاملات البنوك في صيف عام 1376 ه- ش، في مدينة مشهد المقدسة.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 5

و قد وفقني الله تبارك و تعالى للمشاركة في هذه الدروس و تدوينها، و من ثم تنظيمها و إخراج بعض المصادر التي لم تذكر أحياناً و إضافة بعض التوضيحات و تقديمها لسماحته «1».

و بما أنّ الحاجة ماسّة و الطلب شديد لنشر هذا الكتاب، لذا فقد أمرني سماحته بتهيئة هذه المباحث و ترتيبها بالشكل المطلوب و نشرها.

ربنا

تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم.

قم- الحوزة العلمية المقدسة أبو القاسم عليان نژادي شوّال المكرّم 1419 ه

(1)- أدلّة حرمة الرِّبا في الإسلام

اشارة

يعتبر تحريم الرِّبا من الأحكام الإسلامية المهمّة و التي لها صدى واسع في الآيات و الرّوايات الشريفة، و الكثير من الفقهاء العظام عند ما يبحثون هذه المسألة يكتفون في إثبات حرمة الرِّبا بالأدلّة الثلاثة (القرآن، و الحديث، و الإجماع) في حين أنّ تحريم الرِّبا يمكن إثباته دون شكّ بدليل عقلي أيضاً (كما سيأتي بيانه). فعلى هذا تكون الأدلّة على تحريم الرِّبا و بيان أهميّة و خطر هذا الذنب العظيم أربعة، (القرآن، و السنّة، و الإجماع، و العقل).

الدّليل الأوّل: الآيات القرآنيّة

اشارة

هناك سبع آيات قرآنيّة على الأقل تثبت تحريم الرِّبا:

1- نقرأ في سورة البقرة الآية (275):

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

الربا و البنك الاسلامى، ص: 8

هذه الآية الكريمة تشبّه في البداية حال المرابين يوم القيامة بالمجانين، أو الأشخاص الذين أُصيبوا بالصرع بحيث لا يمتلكون القدرة عند ورودهم عرصات المحشر على استعادة توازنهم و المحافظة على تعادلهم، فتراهم يترنحون في مشيتهم كالسكارى، و يتقدمون خطوة و يقعون بعدها، و هكذا. و هذا التمثيل لحالهم في عرصات القيامة يحكي عن تجسّم الأعمال في ذلك الموقف، فالأشخاص الذين يخلّون في الدنيا بالتوازن الاقتصادي في المجتمع عن طريق الرِّبا يُبعثون و يُحشرون على هيئة السّكارى و المجانين، فلا تستقيم حركاتهم و لا تتزن أبدانهم و لا تثبت على الصراط أقدامهم، ممّا يلفت إليهم أنظار القاصي و الداني من أهل المحشر. هذا الجزاء الأليم يعتبر أحد الأدلّة على حرمة الرِّبا، ثم يضيف القرآن الكريم: إنّ هذه العقوبة المخزية نتيجة أنّهم كانوا يقولون (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) في حين أنّهم يعلمون أنّ الأمر ليس كذلك، لأنّ المعاملات المشروعة تسير جنباً إلى جنب مع مصلحة المجتمع و الإنسان، و إذا عادت بالفائدة و الربح على البائع أو المشتري، فإنّها تعود كذلك على المجتمع أيضاً، و ترفع احتياجات أفراده، في حين أنّ المرابين (كحشرة البعوض) التي تمتص دماء الناس و تعيش على حساب خيرهم و صلاحهم، فالمعاملات الرّبويّة تبعث على تراكم الثروات العظيمة لدى عدّة معدودة

دون تقديم خدمة إلى المجتمع، و بهذا الدّليل كان البيع حلالا شرعاً و الرِّبا حراماً كذلك (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا).

بعض المفسّرين احتمل أنّ الجملة الآنفة الذكر من كلام المرابين على الربا و البنك الاسلامى، ص: 9

سبيل اعتراض، فيكون المراد من هذه الجملة (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) إنّ المرابين قالوا: لما ذا أحلّ الله البيع و حرّم الرِّبا في حين أنّهما داخلان تحت مقولة واحدة؟ و لكنّ هذا التفسير بعيد، و لا يتلاءم مع سياق الآية الشريفة، و كيف كان، فإنّ هذه العبارة دليل آخر على تحريم الرِّبا.

ثمّ يضيف القرآن الكريم: أنّ كلّ من يسمع هذه الموعظة الإلهيّة و ينتهي عن ممارسة الرِّبا و يتوب إلى الله فإنّه غير محاسب على ما سلف من أعماله (لأنّ القانون لا يرجع في عمليّة التطبيق إلى الوراء)، و في نفس الوقت أنّ أمره متروك إلى الله تعالى بأن يشمله بعفوه و رحمته (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) و هذه العبارة دليل ثالث أيضاً على تحريم الرِّبا.

و في ختام الآية الشريفة يصرّح القرآن الكريم بأنّ من يستمر بعد هذا البيان الإلهي في عمليّة الرِّبا فإنّه من أهل النار خالداً فيها (وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) و هذا التعبير أيضاً دليل رابع مؤكّد على حرمة الرِّبا، و على هذا الأساس فإنّ الآية الشريفة هذه مع ما فيها من العبارات المختلفة حرّمت الرِّبا في أربع أشكال أدبيّة، و لم تبق أدنى شك و ترديد لذلك. (سؤال:) و هنا يُطرح سؤال و هو: إنّ الخلود (أي الخلود في النار) يختصّ بمن يفارق هذه الدنيا عارياً من

الإيمان، أمّا المؤمنون الذين يرتكبون الكبائر من الربا و البنك الاسلامى، ص: 10

الذنوب فإنّهم غير مخلّدين في النار، فعند ما يلاقون جزاءهم يوم القيامة، و يذوقون طعم العقوبات الأخرويّة على تلك الذنوب، و يتخلّصون من أدران الآثام و رسوبات المعاصي تصبح لديهم اللياقة و القابلية على دخول الجنّة، و سوف يشملهم العفو الإلهي و يتخلّصون من العذاب. إذاً، فلما ذا ذكرت الآية الشريفة الخلود في النار للمرابين؟

(الجواب:) يمكن الإجابة على هذا السؤال بطريقين:

الأوّل: أنّ أثم الرِّبا يكون عظيماً و شديداً إلى درجة أنّ المرابي يخرج من الدنيا و هو عديم الإيمان بالله تعالى، و ليس في قلبه ذرّة من الاعتقاد بالغيب، كما ورد ذلك في قتل النفس البريئة، فإنّ القرآن الكريم أوعد القاتل بالخلود في جهنّم أيضاً (وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها.) «1».

و الآخر: أنّ هذا الخلود لا يعني الدوام و الأبديّة بالمعنى المتعارف، بل يعني أنّه يقبح في النار لمدّة طويلة جدّاً (و يمكن أن يكون المعنى الثاني معنىً مجازياً وارداً مع قرينة، أو أنّه أحد المعاني الحقيقيّة لمفردة الخلود) و على هذا الأساس يبيّن القرآن الكريم أنّ المرابين الذين يغادرون هذه الدنيا في حال كونهم مؤمنين سيكون جزاؤهم عسيراً، و سيمكثون مدة مديدة في نار جهنّم.

2- يقول القرآن في سورة البقرة الآية (276):

(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ).

هذه الآية تؤكد على أنّ الله تعالى يمحق الرِّبا و يمسخ بركته و يبطل نفعه و يساعد المستضعفين و الفقراء و المحتاجين و ينمي الإنفاق في سبيل الله و يزيده و يبارك عليه.

(يمحق) من مادّة (مَحَقَ) بمعنى النقصان أو الهلاك، و لذا يطلق على آخر الشهر (المِحاق)، لأنّ الهلال يكون في

هذا الوقت ضعيفاً جدّاً إلى درجة أنّه يختفي عن الأنظار.

هناك بحث في أوساط كبار المفسّرين حول هذه الآية الشريفة بالنسبة إلى المقصود من محق الرِّبا، و هل إنّ المراد به هو فناء العوائد الحاصلة من الرِّبا في هذه الدنيا، أو أنّه إشارة إلى عدم فائدتها في الآخرة و إن تمّ إنفاقها في سبيل الله و صرفت في موارد الخيرات ظاهراً؟ كلا المعنيين يمكن أن يكون صحيحاً، لأنّ التجربة أثبتت أنّ الأموال الحاصلة من الرِّبا ليس لها ثبات و دوام، و لا بركة فيها، و أنّ مصير المرابين سوف يكون تعيساً، و عاقبتهم مزرية و سيئة للغاية في الحياة الدنيا.

أمّا مصيرهم في الآخرة فواضح، فعلى فرض أنّ تلك الأموال أنفقت في سبيل الله فإنّها لا تكون مثمرة، و لا تعود عليهم بالخير و البركة في حياتهم الأخرويّة، لأنّ الله تبارك و تعالى لا يتقبّل إلّا الأموال الطاهرة و الحلال، كما بيّنه المبدأ القرآني (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) «1».

إنّ أدنى معطيات الرِّبا هي أنّه يدفع بصاحبه إلى هوّة الفقر و المسكنة،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 12

و يخلخل أواصر الروابط الاجتماعية، و يقود المجتمع نحو الفساد و الانحطاط، لأنّ مردودة التخريبي لا يقتصر على الفرد المرابي فحسب، بل يسري شرره إلى سائر أفراد المجتمع، و سوف يحترق المرابون أنفسهم بنار الفقر التي أوقدوها للآخرين، و يحرقون معهم زبائنهم و من يتعامل معهم، و من العسير في الواقع العملي أن يعيش أفراد المجتمع المنحط و المتردّي في أودية الرذيلة سعداء.

و كيف كان، فإنّ صدر الآية الشريفة هو بمثابة تقريع و تهديد للمرابين، و آخرها- يعني عبارة (وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)- فيه إشارة واضحة و دلالة

بيّنة على حرمة الرِّبا، لأنّ في هذا المقطع من الآية الكريمة ينسب القرآن الكريم الكفر للمرابين، و كذلك ينسب إليهم سمة (الأثيم) التي تؤكد معنى الكفر.

3 و 4- في الآيات- 278- و- 279- من سورة البقرة

نلاحظ مسألة تحريم الرِّبا بوضوح أشدّ و أكثر، فأوّلا يتوجه القرآن الكريم في حديثه إلى جميع المؤمنين، و يؤكد لهم الأمر الإلهي في النهي عن الرِّبا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

و الجدير بالذكر أنّ الآية الكريمة تخاطب المؤمنين في بدايتها، و كذلك في آخر الآية تشير إلى أنّ ترك الرِّبا يعدّ من علائم الإيمان بعد الأمر بجملة (ذَرُوا)، و الأمر يدلّ على الوجوب و خاصّة، بعد إلحاقها بعبارة (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

هذه الآية نزلت في وقت كان الرِّبا قد حطّ بجرانه و خيّم بظلامة على الربا و البنك الاسلامى، ص: 13

الناس في مكة و المدينة، و لذا جاء أمر القرآن الكريم بشجب القروض الرّبويّة على جميع الصعد و المراتب، و أمر المسلمين بالتوقف عن الاستمرار في هذه المعاملات الماليّة.

ثمّ يضيف القرآن الكريم بلحن شديد، و تهديد جدّي (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا- أي إن لم تتركوا الرِّبا و تطيعوا الله و رسوله- فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ).

قد يظن البعض أنّ مفهوم هذه العبارة أنّكم سوف تعلنون الحرب على الله و رسوله، في حين أنّ جملة (فَأْذَنُوا) مع ملاحظة المفهوم اللغوي منها يكون المراد بها أنّ الله و رسوله سوف يعلنون الحرب عليكم، فيكون معناها و مفهومها هو: أنّ الرسول الكريم في ذلك الزمان سيكون مأموراً باستعمال القوّة العسكرية في حالة ما إذا لم يكفّ المرابون عن عملهم هذا.

إجمالا، لا نجد تعبيراً في آيات القرآن الكريم أشدّ من هذا التعبير بالنسبة إلى

أيٍّ من الذنوب و الآثام المتصورة، و هذا يشير إلى شدّة خطر الرِّبا في المنظور الإسلامي و فداحة ضرره. و في نهاية الآية الشريفة يضيف القرآن الكريم مراعياً الحق و العدالة بقوله (وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ).

و قد جاء في شأن نزول الآيات المذكورة أعلاه أنّ خالد بن الوليد قال لرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): إنّ أبي كان يتعامل مع قبيلة ثقيف بالرِّبا، و قد غادر الدنيا و لم يستوف حقّه منهم، و قد أوصى أن أستلم بقية الأموال التي في ذمة قبيلة ثقيف منهم، فهل يجوز لي هذا العمل؟ فنزلت الآيات أعلاه و هي تنهى عن استلام بقية الأرباح المستحصلة من الرِّبا في أيدي الناس، و في رواية أخرى الربا و البنك الاسلامى، ص: 14

أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قال بعد نزول هذه الآية

(أ لا كلُّ ربا من ربا الجاهلية موضوع، و أوّل ربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطلب)

- و من هنا يُعلم أنّ العباس كان من المرابين في الجاهلية. و نخلص أنّ المعاملات الرّبويّة كانت متفشّية بين الناس قبل نزول هذه الآيات الكريمة، ثمّ تمّ تحريم الرِّبا بشكل جدّي و مؤكد بعد نزول هذه الآيات، و كذلك تهديد المرابين باستعمال القوّة العسكرية ضدّهم، و أنّه ليس لهم الحق سوى في استرجاع رءوس أموالهم من الناس لا أكثر.

و آخِر ملاحظة حول هذه الآية الشريفة هي عبارة (لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ) التي تعتبر شعاراً مهماً و قانوناً إسلاميّاً عامّاً، فمع أنّ موردها هو الرِّبا و المرابين، إلّا أنّ هذا الأصل القرآني له دلالة على أنّه، لا ينبغي لأحد

أن يظلم الآخرين، أو أن يقع مظلوماً من قبلهم. و بعبارة أُخرى: لا تَظلم، و لا تخضع للظلم، فإنّ كِلا الأمرين يعتبر رذيلة و إثم و مخالفة، فلو أنّ المسلمين في جميع أقطار العالم التزموا بهذا الشعار المهم في كلّ بلد إسلامي، و طبّقوه على الصعيد الاجتماعي، فسوف لا يقعون في حبائل و شراك الصهاينة المغرورين، و القساة المعتدين الذين لا يعترفون بشي ء من المقدسات، و لا يحترمون شيئاً من القيم و لا يفهمون سوى منطق القوّة، و سوف لا يقعون ضحيّة الاستعمار و الدّول الكبرى التي تستأثر بخيراتهم و تنهب ثرواتهم «1».

5 و 6 [من سورة آل عمران

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) «1».

هاتان الآيتان- على خلاف الآيات السابقة- ناظرتان إلى قسم خاص من الرِّبا، و هو الرِّبا المضاعف، يعني أنّ الآية الشريفة حرّمت الرِّبا المضاعف، لا كلّ أقسام الرِّبا، و لا يعني أنّ بقيّة الأقسام تكون مباحة و جائزة، بل إنّها ساكتة عن بيان حكمها. و بالنسبة إلى تفسير الرِّبا على شكل (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) هناك بحث بين المفسّرين، و فيه عدّة أقوال:

1- قول المشهور، و الذي أخذ به كثير من المفسّرين، و هو أنّ المدين عند ما لا يستطيع تسديد دينه للمرابي في الموعد المحدّد، فإنّه يقوم بتأخير الدَيْن إلى مدّة أخرى، و لكن مع إضافة قسط من الربح و الفائدة على رأس المال فقط، مثلا إذا كان بذمته مائة ألف درهم لمدّة سنة واحدة على أن يسدّد عند تمام السنة مائة و عشرين ألف درهم لصاحب المال، فلو أنّ المدين لم يتمكن من الوفاء بدينه، فإنّ الدائن يقوم بتمديد المدّة إلى سنة أخرى

بعد أن يضيف عليه عشرين ألف درهم آخر كربح لأصل المال، و يشبه إلى حدٍّ كبير ما تقوم به بعض المؤسسات من إضافة مقدار من المال بعنوان غرامة التأخير و التي ليست لها مشروعيّة إطلاقاً.

2- التفسير الأقرب إلى مدلول الآية الشّريفة، أنّ كل من رأس المال و الفائدة المترتبة عليه في حالة تأخّر التسديد إلى السنة اللاحقة يكونان الربا و البنك الاسلامى، ص: 16

بمثابة قرض جديد، و يأخذ المرابي أرباح كلا القرضين، فلو لم يستطع المقترض الوفاء بدينه في المدّة المعلومة مع الربح (أي مائة و عشرين ألف درهم في المثال المذكور) فإنّ المالك يعطيه فرصة أخرى لتسديد المائة و عشرين ألف درهم مع فائدتها، فيتضاعف رأس المال و الفائدة أيضاً، فيجب على المدين في السنة القادمة- مضافاً إلى تسديد رأس المال المقرّر و الربح المذكور في السنة الأولى- أن يسدد للمرابي أرباح مائة و عشرين درهم لهذه السنة أيضاً. و هذا الاحتمال يتلاءم أكثر مع عبارة (أَضْعافاً مُضاعَفَةً)، و هذا النوع من الرِّبا أقبح أنواع الرِّبا، لأنّه سوف يؤدي إلى زيادة فقر المدين- و تراكم الثروات لدى الأغنياء المرابين، و تزداد الفاصلة يوماً بعد آخر بينهما- و ذلك لتراكم الفوائد و مجموع القروض على المدين في مدّة ليست بالطويلة لتصل إلى أضعاف ما كانت عليه في السابق، فتكون سبباً في انهيار معيشته، و تدمير حياته «1». و الذي نقف عليه من التاريخ و الرّوايات هو أن هذا النوع من الرّبا، يعني أكل الرّبا أضعافاً مضاعفة كان متداولًا في عصر الجاهلية.

3- الاحتمال الثالث في عبارة (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) أن تكون قيداً توضيحيّاً للمراد، لأنّ جميع أنواع الرِّبا تشمل على هذا القيد، فكلّ ربا يستلزم تضاعف و

تراكم الأموال أضعافاً مضاعفة و إن كان على شكل الربا و البنك الاسلامى، ص: 17

إقراض أشخاص متعدّدين واحداً بعد الآخر بصورة متتالية.

و النتيجة، أنّه إذا كان الاحتمال الأوّل أو الثاني صحيحاً، فإنّ الآية الشريفة تدلّ على حرمة نوع خاص من الرِّبا، و ليس لها نظر للأنواع الأخرى، و لكن على الاحتمال الثالث فإنّ الآية الشريفة مطلقة و تشمل جميع أفراد و أنواع الرِّبا، و على كل حال فهذه الآية الشريفة تدلّ على حرمة الرِّبا، لأنّ النهي ظاهر في الحرمة، خاصةً و أنّ ذيل الآية الشريفة فيه تصريح على إطلاق سمة الكفر على المرابين «1».

7- يقول تعالى في سورة النساء [في آيات 161 و 160]

: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) «2».

و نفهم من هذه الآية الشريفة أنّ اليهود كانوا يرتكبون أربعة أنواع من الأعمال الذميمة و المنكرة و التي أدّت إلى تحريم بعض الطيبات عليهم، و هي «3»:

الربا و البنك الاسلامى، ص: 18

1- الظلم و العدوان على أنفسهم و الآخرين.

2- إنّهم يمنعون الخير و المعروف كثيراً.

3- التعامل الربوي.

4- الكسب الغير المشروع، مثل التطفيف بالميزان، و الغش و الغبن في المعاملة، و بيع الخمر، و القمار، و أمثال ذلك، فقد ورد التعبير عن جميع هذه المفردات، بأكل المال بالباطل. فهذه الآية الشريفة تدلّ أيضاً على أنّ الرِّبا كان حراماً على اليهود، و الجدير بالذكر أنّه على الرغم من التحريف الكثير الذي طرأ على التوراة، فإنّ تحريم الرِّبا لا يزال مذكوراً فيها في موضعين، 1- سِفْرِ لاويان، الفصل- 25، 2- سفر الخروج، الفصل- 22.

سؤال: أنّ الآية الشريفة بالرغم من

أنّها صريحة في أنّ الرِّبا كان محرّماً على اليهود، و لكن كيف يمكن استفادة تحريم الرِّبا منها على المسلمين؟

الجواب: أنّ بعض العلماء و الفقهاء «1» تمسّكوا في هذه المسألة و ما شابهها بقاعدة (استصحاب الشرائع السابقة)، و لكنّ حجيّة مثل هذا النوع من الاستصحاب لا تخلو من مناقشة، و نحن لا نعتقد بحجيّته، لأنّ الأصل الاسمي في الاستصحاب هو قاعدة (لا تنقض اليقين بالشك، بل انقضه بيقين الربا و البنك الاسلامى، ص: 19

آخر)، و هذه القاعدة لا تجري هنا، لأنّ الشريعة عند ما تنسخ فإنّ جميع قوانينها و أحكامها سوف تنسخ كذلك، لا أنّ أصل الشريعة يقع في دائرة النسخ باستثناء بعض أحكامها. و لذا كان المسلمون في الصدر الأوّل للإسلام ينتظرون الوحي الإلهي في كلّ مسألة من المسائل «1»، و لم يتمسكوا بأحكام الشرائع الماضية «2»، بالرغم من وجود مماثلها في تلك الأديان و الشرائع. و لكن يمكن إثبات هذه الأحكام للمسلمين عن طريق آخر أيضاً، و هو أنّ الله تبارك و تعالى قد أورد مثل هذا الحكم في القرآن الكريم أيضاً، على أساس الموافقة له، فلو لم يكن هذا الحكم شاملا للمسلمين، لوجب أن يتطرق إلى نفيه في هذه الآية الشريفة، فعلى هذا يكون ذكر هذا النوع من الأحكام في القرآن- من دون إشارة إلى نفيه و نسخه- إمضاءً له بالنسبة إلى المسلمين في الواقع. و نخلص من مجموع الآيات الشريفة المذكورة أعلاه إلى أنّ الآيات الدالّة على تحريم الرِّبا في القرآن الكريم كثيرة (سبع آيات على الأقل)،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 20

و القرآن الكريم أكّد على تحريم كلّ نوع من أنواع الرِّبا بشدّة إلى الحدّ الذي اعتبره كفراً بالله تعالى، و أعلن

من جهة أخرى الحرب على المرابين، و قرّر أنّ المرابي يستحق الخلود في النار، مضافاً إلى أنّه سيلاقي جزاءه و عقوبته في الدنيا أيضاً.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 21

(2) الرِّبا في الرّوايات الإسلاميّة

اشارة

الدّليل الثاني على حرمة الرِّبا هو الرّوايات الكثيرة و المتواترة الواردة في المصادر الحديثيّة المختلفة، و هذه الرّوايات إلى درجة من الكثرة و الكم أنّها قد تصل إلى حد التواتر «1»، و نلاحظ في هذه الأحاديث الشريفة عبارات شديدة جدّاً و مثيرة بالنسبة إلى هذا اللون من المعاملات الاقتصاديّة الظالمة و غير الإنسانيّة، بحيث لا نجد نظيراً لها بالنسبة إلى غيره من الذنوب و الآثام! و هنا نستعرض خمس طوائف من هذه الرّوايات، و كلّ طائفة تشمل على أحاديث متعددة في هذا المجال:

الطائفة الأولى: ما ورد فيها مقايسة و مقارنة بين الرِّبا و الأعمال القبيحة المنافية للعفّة

و اعتبرت الرِّبا من أشدها قبحاً و سوءاً.

منها ما جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، في قوله للإمام علي (عليه السلام)

«يا علي درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية».

بل إنّ هناك عبارات أشد و أخطر من هذا التعبير في سائر الرّوايات الشريفة من هذه الطائفة و التي لا مجال لاستعراضها جميعاً «1». هذا التعبير ورد في الرّوايات الأخرى على شكل أعداد و أرقام مختلفة، ففي بعض الرّوايات أنّ الرِّبا يعادل ثلاث و ثلاثين «2» زنية، و في روايات أخرى يعادل ثلاثين مرّة «3»، و في بعضها يعادل عشرين «4»، و في آخر يعادل مرّة واحدة «5» و هكذا. و كما هو معلوم أنّ الإسلام يمنع بشدّة هذا العمل المنافي للعفّة، و يوعد عليه أشدّ العقاب، فكيف بما يفوقه قبحاً و سوءً؟ و بهذه الصورة تعلن الشريعة المقدّسة عن مدى شناعة الرِّبا و فداحة خطرة بهذه العبارات الشديدة، و يعتبر هذا من أكثر الأدلّة صراحةً على تحريم الرِّبا.

و هنا يعترضنا هذا السؤال: ما السبب في اختلاف الأعداد و الأرقام الربا و البنك الاسلامى، ص:

23

في هذه الرّوايات الكريمة بالنسبة إلى معادل الرِّبا من الأعمال المنافية للعفّة؟ و يمكن أن يقال في الجواب: إنّ الرِّبا يختلف باختلاف الموارد، فجميع أنواع الرِّبا قبيحة و مذمومة و ظالمة، و لكنّ بعضها أقبح من البعض الآخر، و ما نراه من تفاوت الأعداد يعود إلى تفاوت أنواع الرِّبا، مثلا الرِّبا من النوع الأضعاف المضاعفة- الذي مرّ شرحه سابقاً- يختلف عن الرِّبا المتعارف، و يكون أقبح و أسوء من غيره. و أخذ الرِّبا من إنسان ضعيف و فقير قد اقترض مبلغاً من المال لعلاج ولده المريض، يختلف عن أخذ الفائدة الرّبويّة من الأفراد العاديّين الذين لا يمرّون بمثل هذه الظروف الحرجة، و لذا كان الأوّل أشدّ ظلماً و قبحاً من الآخر.

و كذلك المعاملات الرّبويّة الظّالمة التي تؤخذ من الشعوب المستضعفة لحساب الدول المستكبرة- قد تجرّ إلى تدمير اقتصاد البلدان الضعيفة- يختلف عن أخذ الفائدة من شخص واحد، فالرِّبا ظلم شنيع، و عمل قبيح و مذموم في جميع أفراده و مصاديقه، و لكن مع حفظ سلسلة المراتب المختلفة في أفراده الكثيرة.

أمّا لما ذا وردت مقارنة الرِّبا في هذه الرّوايات الشريفة مع الأعمال المنافية للعفّة، و اعتبر الرِّبا أقبح منها و أسوأ؟ قد يكون السّبب في ذلك أنّ الرِّبا هو أحد العوامل الأساسيّة في تعميق الفقر و إيجاد التفاوت الطبقي في المجتمع، و زيادة الهوة و الفاصلة بين الأثرياء و عامّة الناس.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 24

و نظراً إلى أنّ الفقر و سوء الأحوال الاقتصادية يؤدي إلى عزوف الشباب عن تشكيل الأسرة و بالتالي جرّهم إلى مهاوي الرّذيلة، فهو أحد الأسباب في شيوع الفحشاء. فإذا تمّ القضاء على الفقر، فهذا يعني القضاء على أحد الأسباب المهمّة في

انتشار الرذيلة و إشاعة الفحشاء على الأقل، و تطهير المجتمع من الفساد الأخلاقي، و بما أنّ هؤلاء المرابين يسعون إلى توكيد مقدمات الفقر، و تجذيرها في المجتمع، فهم شركاء في انحراف المجتمع و انحطاطه، و عملهم هذا يعادل عدّة موارد من الموارد المنافية للعفّة و الأخلاق في المجتمع. و على كلّ حال، فإنّ هذه الرّوايات الشّريفة تؤكّد بصراحة بالغة و وضوح تام على حرمة الرِّبا، و تجعله مرادفاً لأكبر الذنوب و الآثام في الإسلام، (إلى حدّ الزنا بالمحارم و أكثر) و بالنظر إلى سعة و شمول هذه الرّوايات و لحنها الشّديد، فلو لم يكن دليل على حرمة الرِّبا سوى هذه الطّائفة من الرّوايات، لكان ذلك كافياً لإثبات المطلوب.

الطّائفة الثّانية: الرّوايات الشّريفة التي تلعن المرابي و جميع الأفراد

الذين يرتبطون به بنوع آخر.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 25

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام)

«لعن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، الرِّبا و آكله و بائعه و مشتريه و كاتبه و شاهديه»

«1» فهذه الرّواية تشير إلى أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) لعن الرِّبا و خمس طوائف مشتركة معه:

1- الشخص الذي يحلّ ضيفاً على المرابي، و يأكل من طعامه الذي اشتراه من الأموال الرّبويّة عن علم و اطلاع.

2- المرابي.

3- المؤدّي و المعطي للرّبا.

4- المحاسب للربا.

5- الشهود لعقد الرِّبا.

ففي كلّ مورد يكون عمل معيّن موضوعاً للعنة الله تعالى بهذه السعة و الشمول «2»، فإنّ ذلك يعتبر دليلا على شدّة حرمة ذلك العمل و شناعته الربا و البنك الاسلامى، ص: 26

و قبحه الكبير.

و خلاصة الكلام: أنّ هذه الطّائفة من الرّوايات تدلّ أيضاً على حرمة الرِّبا و سائر العمليّات الرّبويّة.

الطّائفة الثّالثة: الرّوايات الشّريفة التي تصرّح بأنّ الرِّبا من أخبث و أسوء أنواع المعاملات و المكاسب:

1- قال الإمام الباقر (عليه السلام)

«أخبث المكاسب كسب الرِّبا»

«1». فطبقاً لهذه الرّوايات الشريفة يكون الرِّبا أقبح ثمرةً، و أشنع عاقبة من بيع الخمر، و القمار، و الفحشاء.

2- و نقرأ في حديث آخر قوله (عليه السلام): «و من ألفاظ رسول الله (صلى الله عليه و آله) الموجزة التي لم يسبق إليها

شرّ المكاسب كسب الرِّبا

» «2». و المحصّل من هذه الطائفة من الرّوايات أيضاً دلالتها الواضحة على حرمة الرِّبا، حرمة شديدةً و مؤكدة.

الطّائفة الرّابعة: الرّوايات التي تدلّ على هلاك المرابين في الدنيا:

قال الإمام الصادق (عليه السلام)

«إذا أراد الله بقوم هلاكاً ظهر فيهم الرِّبا»

«1». و معنى هذه الرّواية أنّ للربا عقوبة دنيوية أيضاً، و ينتهي بهلاك المرابين، و هذا المعنى ورد أيضاً في رواية أخرى كذلك «2».

و قد يبرز لنا سؤال و هو: لما ذا إذا أراد الله هلاك قوم أشاع بينهم الرِّبا حتّى ينتهي إلى دمارهم و هلاكهم؟

الجواب على هذا السؤال واضح، فإنّ إرادة الله تبارك و تعالى لا تكون عفوية و بدون دليل، فلا بدّ أن يرتكب هؤلاء الأقوام من الذنوب و الآثام الشديدة بحيث تكون سبباً في أنّ الإرادة الإلهية تتعلق بإهلاكهم و تدميرهم، و هكذا ينتشر الرِّبا في شرايين المجتمع الاقتصادية، و ينخر في مفاصل بنيتهم الاجتماعية حتى يقضي عليهم.

و هناك ملاحظة جديرة بالتأمل و هي أنّه ليس من الضروري أن يكون هلاك الأقوام الحاضرة دائماً مثل هلاك الأقوام الماضية التي عوقبت بالزلزلة و الصاعقة و الرياح الصرصر، كقوم لوط و عاد و ثمود، بل قد يكون إهلاك أمّة من الأمم يتخذ أشكالا أخرى، كأن يكون بسبب الأمراض العسيرة العلاج و المزمنة كالايدز، و كذلك الاعتياد بالمخدرات، و أنواع الأمراض النفسيّة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 28

التي تشغل فضاءً كبيراً في أوساط المجال

الصحّي، و قسطاً وافراً من أسرّة المستشفيات في الدول الغربيّة الماديّة، فهذه كلّها يمكن أن تكون أسباباً لهلاك الأمم و الأقوام المذنبة و الآثمة. و على كلّ حال فهذه الطائفة من الرّوايات تدلّ أيضاً على حرمة الرِّبا الشديدة.

الطّائفة الخامسة: الرّوايات التي أنذرت المرابين بالنار و العذاب يوم القيامة

، قال الإمام علي (عليه السلام)

«خمسة أشياء تقع بخمسة أشياء، و لا بدّ لتلك الخمسة من النار: من اتّجر بغير علم فلا بدّ له من أكل الرِّبا، و لا بدّ لآكل الرِّبا من النار».

فهنا يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّ عاقبة خمسة أشياء هي النار بسبب خمسة أشياء:

أحدها: الكسب و التجارة بدون اطلاع على الأحكام الفقهية، حيث ينتهي بالمعاملات الاقتصادية إلى هاوية الرِّبا، ثمّ إنّ المرابي، أي آكل الرِّبا، يكون مصيره إلى النار حتماً «1»، و من الواضح من هذه الرّوايات أيضاً هو تحريم هذا العمل الشنيع.

و خلاصة الكلام: أنّ هذه المجموعة من الرّوايات المتشكّلة من خمس الربا و البنك الاسلامى، ص: 29

طوائف مختلفة- و قد ذكرنا رواية واحدة لكل طائفة منها كنموذج- تدلّ بصورة قاطعة و صريحة على حرمة الرِّبا و التعامل به، و لا تنحصر الرّوايات الواردة بما ذكرنا، بل يمكن لزيادة الاطلاع الرجوع إلى المصادر المذكورة في الحاشية «1».

الدّليل الثالث: إجماع فقهاء الإسلام

إنّ تحريم الرِّبا يعتبر من المسلّمات في نظر علماء الشّيعة، بل جميع علماء الإسلام «2»، و لم يكتفوا بالذهاب إلى تحريمه فحسب، بل صرّحوا بارتداد منكره، حيث تعتبر حرمة الرِّبا فرداً أو مصداقاً لضروريات الدين الإسلامي، فعلى هذا إذا تعامل الإنسان بالرِّبا مع العلم بضرورة هذا الحكم في الدين و أنكره، و لم يلتزم بأنّه حرام في الشريعة، فإنّه يخرج من زمرة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 30

المسلمين «1». و نقرأ في الحديث الشريف «بلغ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أنّه كان يأكل الرِّبا و يسمّيه اللّباء فقال: لأن أمكنني الله منه لأضربنّ عنقه»

، و اللّباء يعني أوّل اللبن الذي يرضعه الطفل من أمّه، فيكون مادّة حياته «2». و على أيّ حال،

فإنّ الإجماع و اتفاق جميع علماء الإسلام قائم على حرمة الرِّبا، بل إنّ هذا الحكم من ضروريات الدين.

الدّليل الرّابع: دليل العقل:

و هو الدّليل الذي قلّما ذكر في هذا المورد «3»، و لكن بما أنّ الرِّبا من المصاديق البارزة للظلم- و سيأتي شرح هذا الموضوع في بحث حكمة تحريم الرِّبا- بل إنّ الرِّبا من أفحش أنواع الظلم و أشدّه، و حرمة الظلم من المستقلّات العقلية، فعلى هذا يكون الرِّبا قبيحاً عقلا و حراماً. مضافاً إلى أنّ الرِّبا مصدر لمفاسد كثيرة و التي يستقلّ العقل بقبحها أيضاً، و بذلك يكون الرِّبا حراماً عقلا من هذه الجهة أيضاً، فمن ينكر أنّ الكثير من الأفراد قد تحطمت معيشتهم على صخرة الرِّبا، بل إنّ بعض المجتمعات الربا و البنك الاسلامى، ص: 31

أيضاً لم تسلم من شرره و سمومه، فوقعت ضحية القروض الربوبية، و فقدت كلّ ما تملك بسببه، حتى إنّ الكثير من بلدان عالمنا الثالث في عصرنا الحاضر قد وقعت أسيرة في حبائل المرابين العالميّين، و أمسى كلّ شي ء لديهم من اقتصاد غيره في خطر محدق.

و النتيجة لما تقدّم من الأبحاث أنّ الرِّبا حرام بالأدلّة الأربعة:

1- القرآن الكريم.

2- روايات المعصومين (عليهم السلام).

3- إجماع علماء الإسلام.

4- دليل العقل. (3)

الحكمة من تحريم الرِّبا

اشارة

لما ذا حرّم الله تبارك و تعالى الرِّبا؟ و لما ذا شدّد الإسلام في ذمّه و تقبيحه؟ و لما ذا ورد كلّ هذه الآيات و الرّوايات في شجبه و النهي عنه؟

هذا هو ما نريد معرفته، و يصبوا الجميع إلى فهم الجواب عن هذه الاستفهامات. و قبل الدخول في هذا البحث و الإجابة على الأسئلة أعلاه، نجد أنّه من اللازم بعنوان المقدّمة إن نبحث بشكل مختصر عن العلل و الغايات في الأحكام الشرعيّة.

هل إنّ البحث في علل الأحكام جائز؟

يقول البعض: ينبغي لنا بعد تنجز الحكم الشرعي من الله الحكيم و دخوله في دائرة التكليف الفعلي إن نقبله دون تأمّل، و دون السؤال عن سببه و الغاية منه، فلا ينبغي للمخلوقين تجاوز محدودية صلاحيتهم، و البحث في علل الأحكام مضافاً إلى أنّ المصالح الكامنة في الأحكام الشرعية غالباً ما تكون الربا و البنك الاسلامى، ص: 33

مغمورة و سريّة و خافية علينا.

و الصحيح أنّنا نعتقد بأنّ العلل الحقيقيّة لبعض الأحكام الشرعيّة قد تكون خافية علينا. و يكون من العسير دركها و فهمها، و لكن في كثير من الأحيان و الموارد يمكننا التوصل إلى إدراك المصالح و المفاسد لملاكات الأحكام الشرعيّة، فيجوز لنا تحصيل هذه المعلومات و نيل هذه الغاية بدليلين:

1- إنّنا نجد أنّ القرآن الكريم و الرّوايات الإسلامية قد بحثت هذا الموضوع كرّات عديدة، و أعطتنا الضوء الأخضر للبحث في هذا الوسط العلمي، و الخوض في جذور المسائل الشرعية للتوصل إلى إدراك الحكمة و الغاية من الأحكام الشرعيّة.

القرآن الكريم بحث في الغاية من الصلاة و الزكاة و الحج «1» و. و في أحاديث المعصومين (عليهم السلام) نجد هذا الموضوع قد بحث بصورة موسّعة، حتى إنّ بعض علماء الشّيعة العظام ألّف كتاباً أو كتباً

مستقلّة في هذا المجال «2»،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 34

و نخلص بذلك إلى أنّ طرح مثل هذه المباحث في الكتاب و السنّة و بهذا الوسع دليل على جواز البحث و التفكّر في هذا الموضوع، و إلّا لم يكن القرآن الكريم ليطرح هذا الموضوع، و لم تكن الرّوايات الإسلامية لتبحث في هذا المجال.

2- كما أنّ قول المعصومين (عليهم السلام) و فعلهم حجّة لنا، فكذلك تقريرهم (عليهم السلام) يعتبر أيضاً حجّة، و نجد في التاريخ الكثير من صحابة الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) أو أصحاب الأئمة الأطهار (عليهم السلام) سألوا هؤلاء المعصومين عن علل الأحكام، فكانوا (عليهم السلام) يجيبونهم بأجوبة مقنعة و واضحة، و هذا المعنى إمضاءٌ عملي من جانب المعصومين (عليهم السلام) بالنسبة إلى هذا النمط من التساؤل و التفكير، و إلّا لكان المفروض منعه و الردع عنه بشكل من الإشكال.

النتيجة، و طبقاً للدليلين أعلاه نستطيع إجمالا أن نبحث حول مصالح و مفاسد الأحكام و نطّلع على غاياتها، و هذا المعنى مجاز قطعاً، إلّا أنّ هذا المعنى لا يبيح لنا الإعراض عن الأحكام التي لم ندرك غاياتها، و إهمال ما لم نفهم مغزاه و نكتشف علّته.

فائدة البحث عن الغاية و علل الأحكام

رأينا أنّ البحث في علل الأحكام من الأمور المشروعة و المباحة للمكلفين، و بما أننا نعلم أنّ الله تعالى حكيم و لا يقرّ حكماً من الأحكام دون غاية و حكمة، فليست أحكامه عبثاً، بل إنّ جميع الشرائع المقدّسة و القوانين السماويّة مرسومة طبقاً لملاكات خاصة و وفقاً للمصالح و المفاسد في الربا و البنك الاسلامى، ص: 35

موضوعاتها، إذاً فما الداعي إلى البحث في علل الأحكام و أن نفهم الحكمة في كلّ حكم منها؟ أ لا يمكن

الاكتفاء بهذا المقدار الإجمالي من علمنا بأنّ جميع الأحكام الشرعيّة لا تخلو من حكمة مقرّرة دون الدخول في التفاصيل؟

و في مقام الجواب على هذا السؤال نقول: إنّ (العلم التفصيلي) بالحكمة و الغاية في علل الأحكام ذو فائدة لا تتحقق بالاقتصار على العلم الإجمالي المشار إليه، لأنّ الإنسان إذا علم بالمصالح و المنافع الكامنة في أحد الواجبات، أو أحاط بالمفسدة لحرام من المحرّمات، فسوف يقوى فيه الدافع و الباعث بشكل حتمي على أداء ذلك التكليف، أو ترك ذلك الحرام، كما أنّ المريض الذي اطّلع على خواص الأدوية المعطاة له بشكل تفصيلي، و أدرك بعقله الإضرار و المفاسد المترتبة على المحذورات و الممنوعات، فلا ريب أنّ الداعي لتناول تلك الأدوية المرّة و اجتناب الأطعمة الضارّة سيضحى أقوى بكثير، و من الواضح أنّ أحد الأسباب في طرح هذه المباحث في كلمات النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و الأئمة المعصومين- سلام الله عليهم أجمعين- هو هذه المسألة بالذات.

و النتيجة:

أوّلا- أنّنا يحق لنا البحث عن علل الأحكام و استقصاء الغاية منها.

و ثانياً- أنّ هذا البحث ليس بحثاً علمياً صرفاً، بل إنّ له فائدة عينيّة و عمليّة لعموم المكلّفين.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 36

و مع هذه المقدمة القصيرة حول الحكمة من الأحكام الشرعيّة نصل إلى البحث في (علل تحريم الرِّبا). و

يستفاد من الآيات القرآنية و روايات المعصومين (عليهم السلام) و معطيات التحليل العقلي حول هذا الموضوع [نقاط مهمّة]

اشارة

، أنّ تحريم هذا العمل الشنيع يتضمن على الأقل خمس نقاط مهمّة تمثّل محاور أساسيّة في بيان الغرض و الحكمة من تحريم الرِّبا.

الأوّل: أنّ الرِّبا أكلٌ للمال بالباطل

و توضيح ذلك: أنّ المستفاد من القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة أنّ الرِّبا يعتبر أكلا للمال بالباطل، و بلا شك أنّ أكل المال بالباطل حرام، فلذا كان الرِّبا حراماً أيضاً. و معنى أكل المال بالباطل هو أنّ الإنسان يكتسب مالا بدون دليل عقلي و منطقي، و بعبارة أخرى: أنّ أكل المال بالباطل هو الكسب بدون توجيه مشروع.

(القمار)، أكل للمال بالباطل، لأنّه يمثّل ربحاً من دون دليل منطقي معقول و مشروع، و كذلك (بيع الخمر)، و الأرباح الحاصلة منه، حيث تعتبر أكلا للمال بالباطل، لأنّ المشروعية في أيّة معاملة أو عمل من الأعمال تبتني على أن يكون ذلك العمل مفيداً للفرد أو المجتمع، و ليس كذلك بيع الخمر، فإنه لا يعود بالنفع لفرد من الأفراد أو لمجتمع، بل إنّه عمل مفسد و مضرّ بالغير و باعث على إفساد و تدمير المجتمع، و هذه الإشكالية في الربا و البنك الاسلامى، ص: 37

تصوير المشروعية تعتبر أصلا كليّا في جميع أبواب المعاملات الإسلامية، و من الآية الشّريفة في سورة النساء (160- 161) الواردة في ذم اليهود يمكن الاستفادة أن أكل الرّبا هو، أكل المال بالباطل، لإن اللّه تعالى قرن الرّبا في هذه الآية الشريفة مع أكل المال بالباطل و قال عزّ و جلّ (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) «1». فعلى هذا، يكون الرِّبا نوعاً من أكل المال بالباطل،

و يعتبر ربحاً غير مشروع، و تراكماً لثروات المرابين من جهة، و تفريغاً لجيوب المعوزين، و امتصاصاً لأموالهم من جهة أخرى.

(سؤال و جواب:) إنّ بعض المعاملات المشروعة في الإسلام مثل: المضاربة، قد تكون ربحاً مشابهاً للربا، أي لا يقوم عليها دليل عقلي، لأنّ صاحب المال لا يبذل أدنى جهد في سبيل تحصيل الربح، بل ينتفع من رأس ماله فقط، فحاله حال المرابي الذي لا يبذل جهداً في كسبه و تراكم أرباحه. و يتضح الجواب على هذا السؤال من خلال بيان نكتة فارقة، و هي أنّ رأس المال في المضاربة الذي يستثمر في نشاطات اقتصادية مشروعة بهدف تحصيل الربح و النماء إذا تمّ استغلاله و استثماره في المعاملات التجارية وفقاً لعقد المضاربة أفرز حينئذ فرقاً واضحاً بينه و بين الرِّبا، لأن المضاربة عمل معقول و منطقي يصبّ في خدمة المجتمع، في حين أنّ الرِّبا لا

الربا و البنك الاسلامى، ص: 38

توجد فيه آية ثمرة اجتماعية، أو أنّ إضراره و آثاره السلبية أكثر من إيجابياته، و إثمه أكثر من نفعه كما مرّت الإشارة إليه. هذا أوّلا.

و ثانياً: أنّ المضاربة يحتمل فيها الربح و الخسارة معاً، يعني أنّ صاحب رأس المال و العامل شريكان في الربح و الخسارة معاً، في حين أنّ احتمال الخسارة و الضرر بالنسبة لصاحب المال في العقود الرّبويّة منتف تماماً، حيث تكون الخسارة على عاتق العامل و المقرض فقط، فعلى هذا لا يصحّ قياس الرِّبا على المضاربة و أمثالها، كالمشاركة في الأعمال التجارية و الإنتاجيّة و الصناعيّة و الزراعية، فلا تعتبر هذه النشاطات الاقتصادية المفيدة و النافعة أكلا للمال بالباطل مطلقاً.

الدّليل الآخر على أنّ الرِّبا أكل للمال بالباطل هو الرّواية التي يرويها محمّد بن سنان

«1» عن الإمام علي بن موسى الرضا- عليه آلاف التحية و الثناء- فقد ورد أنّ الرضا (عليه السلام) قال:

«و علّة تحريم الرِّبا لما نهى الله عزّ و جلّ عنه و لما فيه من فساد الأموال لأنّ الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً و ثمن الآخر باطلا، فبيع الرِّبا و شراؤه وكسٌ على كل حال الربا و البنك الاسلامى، ص: 39

على المشتري و على البائع، فحرّم الله عزّ و جلّ على العباد الرِّبا لعلّة فساد الأموال، كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده حتى يؤنس منه رشد، فلهذه العلّة حرّم الله عزّ و جلّ الرِّبا.»

«1». و ينتج من ذلك و طبقاً للآية الشريفة و هذه الرّواية أنّ الرِّبا نوع من أكل المال بالباطل، و قد ورد تحريمه لهذا السبب.

ثانياً: تهميش النشاطات الاقتصادية المثمرة.

إنّ توجه الناس نحو استثمار أموالهم في العقود الرّبويّة يؤدي إلى أن يترك الناس المعاملات التجارية المشروعة و المفيدة لصعوبتها، و لما يكتنفها من مشاكل و تعقيدات و مشقّات، و يقتصرون في نشاطاتهم الاقتصادية على تلك المعاملات الفاسدة ذات الربح الوفير و التعب القليل، و في هذا المجال هناك روايات متعدّدة تحذّر من هذه العاقبة بالذات، فعن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن علّة تحريم الرِّبا، فقال (عليه السلام)

«إنّه لو كان الرِّبا حلالا لترك النّاس التّجارات و ما يحتاجون إليه، و حرّم الله الرِّبا لتنفر النّاس من الحرام إلى الحلال و إلى التّجارات من البيع و الشّراء فيبقى ذلك بينهم في القرض»

«2». و بعبارة أخرى: أنّ المرابين يمثلون النخبة التي تعيش على إتعاب الربا و البنك الاسلامى، ص: 40

الآخرين في المجتمع الإنساني، فيكون

حالهم حال بعض الحشرات التي تعيش على امتصاص دم الحيوانات الأخرى دون أن تبذل جهداً في تحصيل قوتها، و عمل المرابي هذا يكون مصداقاً للرواية المشهورة عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) حيث قال (ملعون من ألقى كلّه على النّاس)

«1». المصارف و البنوك الرّبويّة في عالم اليوم كذلك، حيث تعدّ بؤرة لجذب الأرباح الكاذبة، فتتراكم ثرواتها يوماً بعد آخر في مقابل ازدياد فقر الفقراء و بؤس المساكين في المجتمع.

الثّالث: الرِّبا هو المصداق البارز للظّلم.

اشارة

لقد تقدّم في الآية- 279- من سورة البقرة (لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ)، فالقرآن الكريم يضع الرِّبا في دائرة الظلم، فلا ينبغي للمسلم أن يظلم الآخرين في أخذه الفائدة على القرض، و كذلك إذا أعطيتم قرضاً لأحد الأشخاص و أبى المقترض من تسديد دينه لكم، فإنّكم في هذه الحالة مظلومين، و قد ظلمكم المدين بامتناعه عن إعادة رأس المال لكم، فكما لا ينبغي لكم ظلم الآخرين بأخذ الفائدة على القروض، فكذلك لا يجدر بالآخرين ظلم الدائن و صاحب المال بالامتناع من تسديد القرض أو التسويف و المماطلة.

فالآية الشريفة المذكورة أعلاه تعتبر الرِّبا أحد مفردات الظلم، و لا يحتاج قبح الظلم إلى بيان، لأنّه من المستقلّات العقلية كما في اصطلاح الربا و البنك الاسلامى، ص: 41

الفقهاء و الأصوليين- و قد تقدّم في رواية محمّد بن سنان عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال (و لما في ذلك من الفساد و الظلم)

«1». فقد أكّد (عليه السلام) هذا المعنى للربا، و أنّه منشأ الفساد و الظلم، فيكون حراماً لذلك.

لما ذا يكون الرّبا نوعاً من الظّلم؟

إنّ جميع الأشخاص الّذين يشتركون في معاملات اقتصاديّة و تجاريّة في المجتمع من أصحاب المصانع و المزارع و التّجارات و معامل تربية الدواجن و المواشي و الخدمات و غيرها نلاحظ فيها أنّهم يشتركون جميعاً في الرّبح و الخسارة معاً، باستثناء المرابين الذين يغنمون الرّبح الخالص فقط، دون أن يكون لهم عمل مفيد و مثمر، و هذا نوع من الظّلم، و أسلوب للكسب دون تعب و مشقّة، و لذا ورد التّعبير المتعارف عن الرِّبا بأنّه (كنزٌ بلا تعب). و لهذا السبب كانت المعاملات الرّبويّة أحد العوامل في تقوية و ترسيخ النّظام الطّبقي في المجتمع، لأنّ أفراداً معدودين يمتلكون كلّ شي ء

بسبب الرِّبا، بينما تقبع الأكثرية الساحقة في فقر مدقع، و تتخبط في دوامة الحرمان.

إنّ هذه الفاصلة الطّبقيّة- و كما يؤكد ذلك الخبراء في عالم اليوم- تزداد و تشدّد يوماً بعد آخر، و كلّما تقدّم بنا الزمان اتّسعت الفاصلة و الهوّة بين الأثرياء و الفقراء، حتى بلغ بالشعوب في بعض بلدان العالم الثالث أحياناً،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 42

أنّها تدفع جميع ما تستطيع إنتاجه ثمناً لتسديد الفوائد و الأرباح الرّبويّة للدول الثريّة، و لا يخفى ما في هذه المأساة من الإضرار و الإخطار العظيمة لهذه الشعوب، و من الواضح أنّ هذا العالم و هكذا مجتمع يزداد فيه الغني غنى و ثراءً، و الفقير فقراً و مسكنةً إنما يبني أركانه و دعائمه على الظلم و الجور، و قد قرأت قبل فترة إحصائيات مثيرة و عجيبة حول هذا الموضوع، فالإحصائيات تؤكد على أنّ (80) من ثروات الدنيا في أيدي (20) من شعوب العالم، و (20) من ثروات الدنيا فقط تحت اختيار (80) من سائر الناس، يعني إذا افترضنا أنّ عدد أفراد البشر في العالم مائة نفر، و نفترض أنّ ثروات الدّنيا مائة دينار، فإنّ عشرين نفراً يمتلكون ثمانين ديناراً منها، و عشرين ديناراً فقط في أيدي ثمانين نفر!! و من المؤكد أنّ أحد الأسباب المهمة في تحقق و ازدياد هذه الفاصلة الطبقيّة هو الرِّبا، و علينا أن نشكر الله تعالى أنّ مجتمعنا الإسلامي و ببركة الإسلام و الثورة الإسلامية يمرّ في حالة تحوّل عن هذه الظاهرة الخطرة، بالرغم من أنّه لا تزال تفصلنا عن الوصول إلى الأهداف المنشودة بون و فاصلة.

رابعاً: تجميد الإحساسات و العواطف الإنسانية.

اشارة

إنّ أحد معطيات و عوائد الرِّبا هو أنّه يؤدّي إلى أضعاف العواطف الإنسانية بين أفراد البشر، و

هذه المسألة وردت في الرّوايات الكريمة بصورة مؤكدة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 43

1- عن سماعة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) «إنّي قد رأيت الله تعالى قد ذكر الرِّبا في غير آية و كرّره؟ قال (عليه السلام): أ و تدري لم ذلك؟ قلت لا، قال: لئلّا يمتنع النّاس من اصطناع المعروف»

«1». 2- قال الصّادق (عليه السلام)

«إنّما حرّم الله عزّ و جلّ الرِّبا لكي لا يمتنع النّاس من اصطناع المعروف»

«2». و هناك روايات أخرى تقرب من هذا المضمون. «3»

ما هو المراد من اصطناع المعروف؟

المراد هو القرض الحسن «4» الذي يعتبر من أوضح و أجلى مظاهر العواطف الإنسانية، و أسمي أشكال التفاعل الاجتماعي في المجتمع البشري، بل إنّه أفضل من الصدقة أيضاً، و لذا جاء في الرّوايات الشريفة أنّ الصدقة فيها عشرة حسنات و القرض فيه ثمانية عشرة «5».

الربا و البنك الاسلامى، ص: 44

و لعلّ الحكمة في ذلك أنّ القرض الحسن له جانبان في هذه العمليّة الاجتماعية، فهو من جهة يقضي حاجة المحتاج فيشترك من هذه الجهة مع الصدقة، و من جهة أخرى يحفظ ماء الوجه للأفراد المحتاجين، و أصحاب الشرف و علو الهمّة، حيث لا يتقبّلون الصدقة، فيكون القرض باعثاً على قضاء حاجتهم مع حفظ ماء وجههم، و أمّا بالنسبة إلى تخصيص هذا العدد و هذا الرقم من الحسنات و الثواب، فإنّ الصدقة تكون بعشرة أضعاف و ذلك للمبدإ القرآني القائل بأنّ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) «1» و بما أنّ القرض له جانبان من الفائدة و النفع (رفع الاحتياج، و حفظ ماء الوجه) فلذا استحقّ عشرين حسنة، و لكن بما أنّ رأس المال سوف يعود إلى المقرض و صاحب المال، فسوف ينقص منه حسنتان، و لذا أصبح

ناتج القرض (18) حسنة، و الصدقة بعشر حسنات، لأنّ الصدقة ليس فيها أكثر من عمل خيري واحد (فتأمل).

فتحصّل من ذلك أنّ الحكمة و الغاية الرابعة في تحريم الرِّبا أنّ أكل الرِّبا يميت في الإنسان العواطف النبيلة و مكارم الأخلاق. (4)

التّرابط الوثيق بين الأخلاق و المعاملات الاقتصادية
اشارة

هناك اختلاف كبير بين المذاهب الاقتصادية المادية و الإلهيّة في هذه المسألة، ففي المذاهب المادية لا نجد هناك أي ارتباط بين هذين المقولتين- أي الأخلاق و الاقتصاد- فلا تأثير للأخلاق في المعاملات الاقتصادية، و لذا كان الاقتصاد في المذاهب الماديّة جافّاً تماماً، و فاقداً للروح الإنسانية، لأنّ المعيار في هذا النمط من التفكير هو الربح الأكثر في جهد أقل، و من أي طريق كان، فكلّما كان الربح أوفر، و العمل و الجهد المبذول أقل، ارتفع المؤشر البياني لصالح العملية الاقتصادية هذه، و عدّ ذلك من علامات النجاح و التوفيق، و لا ارتباط للقيم الأخلاقية بهذا القانون الاقتصادي، و لذا تعدّ الكثير من الأساليب الملتوية للكسب، و النشاطات الاقتصادية المنحرفة من تهريب المخدرات، و إنتاج الأسلحة الفتاكة و ذات الدمار الشامل كالقنابل الذرية، و حتى النخاسة و بيع الرقيق من القنوات المشروعة و السائغة في اقتصاد هاتيك البلدان ما دامت تضمن للعاملين عليها الربح الوفير، و المردود المادي الكثير. لأنّ هذه المذاهب لا تعترف بشي ء اسمه الربا و البنك الاسلامى، ص: 46

العواطف الإنسانية في الاقتصاد، أو المثل الأخلاقية في السلوكية التجارية و طريقة تحصيل الربح المادّي، و لذا نجد أنّ أكثر الناس تحضّراً و تمدّناً في هذه المجتمعات الماديّة هم أرباب الثروات من أصحاب مصانع الأسلحة، و تجّار الرقيق، و مهربي المخدرات و أمثال ذلك، لا الأفراد الذين يعيشون بعواطف إنسانيّة و قيم أخلاقيّة في تفاعلهم

الاقتصادي مع الآخرين.

و أمّا في المذاهب الإلهيّة و الأديان السماويّة فإنّ المسألة تختلف تماماً، يعني أنّ الأخلاق و الاقتصاد مندكّان معاً في جميع النّشاطات و المعاملات و أنواع التفاعل البشري، و لا يمكن فصلهما عن بعضهما، و الدّليل على ذلك يتضح بأدنى تأمل و تفكر في أحكام الشريعة المقدسة من الواجبات و المستحبات و المكروهات في أبواب المعاملات.

فقد جاء في الرّواية الشريفة التي يذكرها العلّامة الكبير، و الفقيه الأصولي المقتدر، المرحوم الشّيخ الأنصاري «رضوان الله تعالى عليه»، في بداية كتابه القيّم (المكاسب) نقلا عن كتاب تحف العقول «1» و الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام)

«. فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد، و قوامهم به في أمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون من جهة ملكهم، و يجوز لهم الاستعمال له من جميع جهات المنافع التي لا يقيمهم غيرها، و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه، و شراؤه، و إمساكه، و استعماله و هبته، و عاريته.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 47

و أمّا وجوه الحرام: من البيع و الشراء، فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله، و شربه، أو كسبه، أو نكاحه، أو ملكه، أو إمساكه، أو هبته، أو عاريته، أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد.»

«1». إنّ المعيار الأصل في صحة و بطلان المعاملات و أنواع التجارات هو مسألة أخلاقيّة مهمة، و هي مقدار النفع و الضرر لعامّة الناس و أفراد المجتمع، و ليس النفع و الضرر المتعلق بذات الشخص صاحب المعاملة (و نلاحظ في ذلك الفرق و

البون الشاسع بين هذا النمط في التكسّب و ذاك).

و الخلاصة، أنّ الاقتصاد في المذاهب الأخلاقية ينضوي تحت مظلّة الأخلاق، أمّا في المذاهب المادية فإنّه أجنبي عن القيم الإنسانية، و لهذا السبب فإنّ الكثير من المعاملات و النشاطات الاقتصادية الهادفة لتحقيق عوائد مادية بحتة تكون بشكل عام مضادة للقيم الأخلاقية، و تبعث على إرباك السوق، و خلق المتاعب و المشاكل للشرفاء من الكسبة و عامة الناس، فتسفك بها الدماء و يزداد الفقير فقراً و. فتكون محرّمة في مقياس الشريعة المقدّسة،

و لنضرب لذلك أمثلة لتوضيح المطلب:
1- المعاملات المحرّمة:

و تشمل الغش، و الغبن، و التدليس في المعاملات، و إعانة الظالمين في ظلمهم، و لذا تكون محرّمة، و السبب في حرمة هذا اللون من المعاملات هو

الربا و البنك الاسلامى، ص: 48

أنّها مباينة و منافية للأخلاق، ففي النماذج الأولى تتجلى منافاة الأخلاق فيها أنّ البائع لا يهتم بحقوق المشتري، و الأخلاق تدعو الفرد إلى مراعاة المشتري و عدم خداعه، و في المثال الأخير تدعوه لعدم مدّ يد العون إلى الظالمين، و الاشتراك في ظلم المستضعفين.

2- المعاملات الواجبة:

نحن نجد أنّ الفقه الإسلامي يوجب الفعاليّات الاقتصادية التي يتوقف عليها نظام المجتمع وجوباً كفائياً، فلو حدث أن كانت لبعض الأفراد القلائل خبرة و قدرة على إنجاح تلك المشاريع الاقتصادية، و اقتصر الأمر عليهم في إيجاد بعض المهن الضرورية للمجتمع فتكون واجبة عينيّة عليهم.

و هنا نلاحظ أنّ القيمة الأخلاقية مشهودة في هذه المسألة، بأنّ أخذ المعيار لوجوب تلك المعاملات و المهن و الصنائع في إطار تحقيق النفع العام، و تمتين أركان المجتمع و تقوية دعائمه، حتى لو لم يكن لها مردود مادي و نفع شخصي وافر لصاحبها، و حتى لو كانت أعمالا شاقّة و متعبة.

3- المعاملات المستحبّة:

و قد جاء في الفقه الإسلامي أنّ: «إقالة النادم مستحب»، يعني إذا باع شخص بضاعة لآخر، و أسقط جميع خيارات هذه المعاملة، ثمّ إنّ المشتري ندم و أراد فسخ المعاملة، فهنا يستحب للبائع إقالته، و قبول فسخ المعاملة بالرغم من أنّ له الحقّ في الامتناع من ذلك، و قد جاء في الرّوايات عن الإمام الربا و البنك الاسلامى، ص: 49

الصادق (عليه السلام) أنه قال «أيّما مسلم أقال مسلماً بيع ندامة أقالَه الله عزّ و جلّ عثرته يوم القيامة»

«1».

4- المعاملات المكروهة:

و هناك بعض المعاملات التي لا ينبغي للمسلم التورّط فيها، فمثلا لا ينبغي للمسلم أن يدخل في معاملة أخيه المسلم و يساومه على الثمن، يعني أن يتدخل في معاملة بين اثنين و يتنافس في شراء البضاعة بأعلى ممّا أرادها المشتري الأوّل ما دامت المعاملة لم تزل طيّ التنفيذ، و لم تصبح قطعيّة و جزميّة بعد. فمن المؤكد أنّ هذه المسائل الأخلاقية المذكورة أعلاه في المعاملات الاقتصادية، ليس لها محل من الإعراب في الاقتصاد المادّي إطلاقاً، بل ليس لها معنىً و مفهوم في هذه المدرسة الأرضية، و لهذا السبب فإنّ المؤمنين و المعتقدين بالقيم السماويّة لا يستطيعون مجارات الماديّين في اقتصادهم، لأنّه يفتقد الحصيلة الأخلاقية. ثمّ إنّ مصلحة المجتمع تتوقف على أن تكون القيم الأخلاقية سارية في تفريعات المسائل الاقتصادية، و في امتداداتها الدنيويّة، لأنّها تصبّ في النهاية في مصلحة المجتمع بصورة عامّة، و هذا المعنى تجده ملحوظاً و مشهوداً في الأحاديث الشريفة، مثلا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الربا و البنك الاسلامى، ص: 50

علي (عليه السلام) أنّه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري «يا جابر قوام الدنيا بأربع. و جواد لا يبخل بمعروفه و فقير لا

يبيع آخرته بدنياه. و إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه»

«1». فمن البديهي أنّ الأثرياء إذا لم يلحظوا القيم الأخلاقية و الدوافع المعنويّة، و لم يهتموا باحتياج المحتاجين و المعوزين، و إعسار الفقراء و المساكين، فإنّ هذا الأمر سوف يؤدّي إلى تشديد العداوة و توكيد الأحقاد، و سوف يتربص البؤساء و من اشتدّ عليه العوز للانتقام و تلافي سنوات القحط التي مرّوا بها، كما كان هذا هو السبب في الثورة الشيوعيّة في روسيا. و نقرأ في حديث آخر

«حصّنوا أموالكم بالزكاة»

«2»، لأنّه لو لم تدفع الزكاة و تصرف في مواردها، فإنّ نار الفقر سوف تلتهم الفقير، و تحيل حياته إلى جحيم، و قد تسري آثارها السلبيّة إلى دينه و إيمانه فيبيعها بدنياه.

و نخلص من ذلك إلى أنّ القيم الأخلاقية و المعنويّة مقرونة بالمسائل الاقتصادية إلى حدٍّ أنّها لا تقبل التفكيك بتاتاً، بخلاف المذاهب الاقتصادية الماديّة التي لا تتأثر المسائل الاقتصادية بالمعاني الأخلاقية و المثل الإنسانية، و من هنا يتضح معنى و مغزى تأكيد الإسلام على حرمة الرِّبا بتلك الربا و البنك الاسلامى، ص: 51

العبارات الشديدة و المذهلة في الآيات و الرّوايات الشريفة، و نعي من ذلك أنّ الإسلام يريد إحاطة المسائل الاقتصاديّة بإطار من المعنويّات، و أن يجعلها في بوتقة العواطف الإنسانيّة و الأخلاقية، فإنّ الرِّبا و المعاملات الرّبويّة تهدم أصول الأخلاق، و تجتث جذور العواطف الإنسانية، و تعرقل جميع أعمال الخير في البشريّة.

الخامس: الرِّبا يتنافى مع الحكمة من وجود الأموال.

لأنّ الرِّبا سيكون باعثاً على تحوير الغاية من وجود الأموال، و تحريف شكلها الأصلي من ثمن إلى بضاعة و أجناس، حيث إنّ المال و الثروة في الأصل عبارة عن كونها ثمناً لا مثمناً، فهي وسيطة في المعاملات، و وسيلة لتحصيل البضاعة،

لا أنّها بضاعة بنفسها، إلّا أنّ الرِّبا يجعل المال بضاعة، و بذلك يخسر المجتمع أسلوبه الطبيعي في تعامله الاقتصادي.

و توضيح ذلك: أنّ المعاملات الاقتصادية في التاريخ الغابر كانت تجري بين الناس بدون توسط الأموال، بل كانت على شكل استبدال بضاعة بأخرى، و هذا الأسلوب لا زال قائماً في القبائل البدويّة أيضاً، و حتّى إنّه يجري أيضاً بين الدول أحياناً في المعاملات الضخمة و التبادل التجاري الواسع بأن تبيع دولة نفطها في مقابل المنتجات الصناعيّة و الزراعيّة للدولة المقابلة، و لكنّ الإنسان وجد من الصعوبة بمكان الاستمرار على هذا الأسلوب من التعامل التجاري لعدّة ملاحظات:

أوّلا: أنّ الأجناس و البضائع لا تقبل أحياناً التبديل إلى بضاعة أخرى،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 52

مثلا لو كان لديّ مقداراً من القمح، و أريد أن أشتري لأهلي حذاءً مثلا، فقد لا يكون بائع الأحذية بحاجة إلى القمح، و لذلك لا أستطيع أن أُبادله الحذاء بما لديّ من القمح، فأضطر إلى تبديل هذا القمح ببضاعة يحتاجها بائع الأحذية، ثمّ أقوم بعد ذلك بالتعامل معه، و لذا كان هذا الأسلوب من التعامل الاقتصادي لا يخلو من عسر بالغ و صعوبة كبيره.

الثّاني: أنّ حمل الأجناس و البضائع بعنوان أنّها ثمن لشراء أجناس أُخرى، لا يخلو من مشكلة و خاصّة في السفر، فكم يستطيع الفرد حمل مقدار ما يحتاج في السفر من القمح لمصروفاته و نفقاته الأخرى؟

الثالث: أنّ المشكلة الكبيرة التي تواجه الفرد تكمن في المعاملات الواسعة و الكبيرة، حيث تتولد مشاكل و صعوبات في تنفيذ هذه المعاملات بين العاملين و أرباب العمل، أو بين الدول و الشركات الكبرى من قبيل مشكلات الخزن و الحفظ و العمل و النقل و أمثال ذلك بما لا يخفى

على أحد.

و بهذا الدّليل و الأدلة الأخرى أدرك الإنسان أنّه لا يستطيع أن يتجاوز هذه العقبات إلّا إذا أوجد له آلية ميسورة و حلقة رابطة بين هذه المعاملات، يعني أنّه فهم أنّه يحتاج إلى شي ء يقبل التبديل إلى جميع الأجناس، و يكون من حيث الحجم و الوزن بحيث يتمّ حمله و نقله بيسر و سهولة، و لذا انتخب لهذه الغاية الذهب و الفضّة، لأنّ هذين الفلزين مقبولان لدى الجميع، و بذلك تمّ التغلّب على الكثير من المشكلات في هذا المجال.

فتمّ انتخاب الذهب كبديل و ثمن في المعاملات التجاريّة الكبيرة، و الفضّة للصغيرة منها و انتشر استعمال الذهب و الفضّة في مختلف البلدان الربا و البنك الاسلامى، ص: 53

و المجتمعات، و تمّ بعد ذلك اختراع المسكوكات الذهبيّة و الفضيّة من الدنانير و الدراهم، فكانت بمثابة الاحتياطي لقدرة الدول و رصيدها القوي، و حلّت مكان الأجناس البديلة، فكانت بعنوان حلقة الوصل بين جميع البضائع و الأجناس المتبادلة بين الناس و سمّيت بالأموال.

مع التقدّم العلمي و التطور في المجالات المختلفة للحضارة البشريّة، توصل الإنسان إلى أنّ الذهب و الفضّة لا يمكنها أن يكونا حلقة اتصال مناسبة، فبالرغم من أنّهما استطاعا أن يعينا الإنسان في حلِّ الكثير من مشكلات التعامل الاقتصادي و التجاري، إلّا أنّه بقيت عدّة مشاكل لا تقبل الحل في هذا السبيل، و خاصّة مسألة الحمل و النقل و الانتقال في المعاملات التجارية الكبيرة و الثقيلة، و مواجهة مشكلات السرقة، و خاصّة في الأسفار البعيدة التي يحتاج الإنسان فيها إلى حمل مقدار كبير من الذهب و الفضّة، مضافاً إلى أنّ كميّة الذهب و الفضّة في الدنيا محدودة، و لا تستطيع أن تلبّي احتياجات الإنسان في هذا المجال.

فهذه

المشكلات أدّت إلى أن يتجّه الإنسان صوب الأوراق النقدية، و استبدال الذهب و الفضّة بأموال ورقيّة من هذا القبيل، و بالرغم من أنّ الأموال و النقود الورقيّة لا تخلو من مشكلات جديدة، و منها التضخم النقدي (فالتضخم يكون في الكثير من الحالات وليد الأموال النقدية الورقيّة، لأنّ قيمة الذهب و الفضّة ترتفع مع ارتفاع سائر الأجناس) و لكن بما أنّها لا تكتنف مشكلات الذهب و الفضّة، و تتوفر فيها مرونة تبادلية عالية، فلذا حلّت محلها في المعاملات الاقتصادية المختلفة.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 54

و نخرج من هذا البحث بنتيجة أنّ الأموال (و خاصة الأموال و النقود الورقيّة) وسيلة من وسائل تبديل البضائع و الأجناس إلى غيرها، و حلقة من حلقات الربط الاقتصادي، لا أنها تكون بنفسها بضاعة، فهي في اصطلاح الفقهاء عبارة عن ثمن لا مثمن، و بتعبير آخر أنّها حوالة، و بعبارة رابعة أنّها أمر اعتباري تستمد قدرتها و اعتبارها من قدرة الدولة التي تدعمها (مع أنّ التصور الرائج و السائد في الأوساط أنّ احتياطي الذهب و الفضّة الموجود في خزانة الدولة و غيره من الأموال و الثروات هي الرصيد للعملة الورقيّة).

فإذا تمّ تبديل النقود الورقية إلى بضاعة من خلال العقود الرّبويّة، و تمّ تحصيل الربح بهذا الأسلوب، فستكون العملية على خلاف الحكمة الأوليّة لوجود الأموال و النقود الورقيّة و السكك، و بعبارة أخرى، أنّه أكل للمال بالباطل، و بهذا الطريق يمكن إدغام هذه الحكمة في الغاية الأولى لتحريم الرِّبا، (فتأمّل).

هذه هي الغايات و العلل الخمس لتحريم الرِّبا الواردة في الآيات و الرّوايات غالباً. (5)

ربا المعاوضة و ربا القرض

اشارة

يتشعب الرِّبا في الفقه الإسلامي إلى شعبتين:

1- الرِّبا في البيع، و يسمّى ب- (ربا المعاوضة) و يبحث في كتاب

البيع «1».

2- القروض الرّبويّة، و التي تسمّى ب- (ربا القرض)، و يبحث في باب القرض في الفقه «2».

[ربا المعاوضة]

شروط تحقّق الرّبا المعاوضة:

الأوّل: أن يكون من جنس المكيل أو الموزون لا المعدود، يعني مثل اللبن الذي يباع و يشترى بالمكيال (اللتر) أو يباع و يشترى بالوزن مثل القمح، حيث يباع و يشتري بالكيلو، و على هذا لا يأتي حكم الرّبا، في الأشياء المعدودة مثل اللباس و الوسائل المنزليّة.

ثانياً: أن لا يكون الجنسان متفقان في الوزن، بل يكون وزن أحدهما أكثر

الربا و البنك الاسلامى، ص: 56

من الآخر، كأن يكون الأوّل كيلو غراماً من القمح، فيستبدله بكيلوين من القمح، حتى لو كان الأوّل من النوع المرغوب، و الثاني من الجنس الردي ء.

ثالثاً: أن يكون طرفي المعاملة من جنس واحد، كأن يكون القمح في مقابل القمح.

فإذا تمّت هذه الشروط الثلاثة في معاملة من المعاملات فيتحقق فيها ربا المعاوضة، و إذا افتقد شرط واحد من هذه الشروط، فحينئذ لا يتحقق الرِّبا فيها.

هل إنّ ربا المعاوضة مختص بالبيع؟

هناك بحث بين العلماء و الفقهاء في أنّ ربا المعاوضة هل يجري في غير البيع أم لا؟ مثلا إذا صالح على كيلو غراماً واحداً من الحنطة مع أكثر منه، فهل يعتبر ذلك من الرِّبا المحرّم؟ أو أن يستبدل أحد الأجناس بآخر مع توفر الشروط الثلاثة لربا المعاوضة بعنوان الهبة المعوّضة، فهل يتحقق الرِّبا في هذه الصورة أيضاً؟ و هكذا في سائر العقود و المعاملات التي لا تعتبر من البيع.

المرحوم صاحب الجواهر «رضوان الله تعالى عليه» له بحث مفصّل في هذا المجال- كسائر الفقهاء «1»- و يقول: «إنّ المشهور بين الفقهاء هو أنّ هذا

الربا و البنك الاسلامى، ص: 57

النوع من الرِّبا لا يختص بالبيع، بل يشمل كل معاوضة و معاملة» و نحن نعتقد أيضاً بأنّه عام و شامل لكل معاوضة و ليس هنا مجال للبحث في ذلك.

ربا القرض:

اشارة

و هذا القسم من الرِّبا ليست له الشرائط السابقة المذكورة في ربا المعاوضة، فلا يختلف الأمر فيه في ربا القرض بين المكيل و الموزون و المعدود، يعني أنّ جنس القرض سواءً كان مكيلا أو موزوناً أو معدوداً، فلا يؤثّر في تحقق الرِّبا، حيث إنّ الركن الأساس فيه هو إضافة مقدار زائد على القرض كشرط في الوفاء، بأن يقرض الشخص بضاعةً أو مالا إلى شخص آخر، و يشترط عليه عند الوفاء بالدين أن يضيف عليه زيادة، سواءً كان هذا الشي ء الإضافي من ذلك الجنس، أو من جنس آخر، أو حتى خدمة من الخدمات لقاء هذا القرض.

شدّة الخطر في القرض الربوي:

و نلاحظ أنّ من خلال ما ذكرنا من القسمين للربا، أنّ القرض الربوي يكتنف أهميّةً أكبر، لأنّه محل الحاجة و الابتلاء الشديد في عالم الأمس و اليوم، في حين أنّ ربا المعاوضة ليست بتلك الأهميّة و الابتلاء بين الربا و البنك الاسلامى، ص: 58

الناس «1»، و لهذا السبب فإنّ تحريم الرِّبا الوارد في أغلب الآيات و الرّوايات الشريفة ناظر إلى هذا القسم من الرِّبا. مثلا، الآية الشّريفة التي تقول (وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ) ناظرة إلى القرض الربوي، و كذلك الآية الشريفة (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ) ناظرة إلى الرِّبا من هذا القسم أيضاً، لأنّ الرِّبا هنا وقع في مقابل (الصدقات)، و يناسب ذلك أن يكون الرِّبا فيها هو ربا القرض، و هكذا في غيره من الآيات الأخرى.

و مضافاً إلى ذلك أنّ القروض الرّبويّة كانت شائعة في زمان نزول هذه الآيات الشريفة، و الآية الأولى التي أشرنا إليها سابقاً، نزلت في خصوص عمّ النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) «2»

و في خصوص القروض الرّبويّة، حيث فسخت هذه الآية جميع القروض الرّبويّة في السابقة و أبطلتها.

الرّوايات الشريفة الواردة في هذا الباب أيضاً ناظرة إلى هذا القسم من الرِّبا، الغايات الخمس المذكورة لتحريمه، لا تنطبق إلّا على هذا اللون من الرِّبا.

فالحكمة من أكل المال بالباطل، و كذلك الظلم في المعاملات الرّبويّة، يتجلّى في القروض الرّبويّة، أمّا في ربا المعاوضة، فلا معنى للظلم، لأنّ الشخص المرابي هنا في ربا المعاوضة يتفاعل اقتصادياً مع بضاعته، و يعمل الربا و البنك الاسلامى، ص: 59

على الاكتساب، و له نشاط اقتصادي ملموس، بخلاف القروض الرّبويّة. و هكذا ما أشير إليه في الغرض الثالث من تحريم الرِّبا، و هو تعطيل أعمال الخير و إماتة العواطف الإنسانيّة الخيّرة، فهو إشارة إلى القروض الرّبويّة في مقابل القرض الحسن، الذي ليس فيه شرط الفائدة، و كذلك ما تقدّم من الغرض الآخر في تحريم الرِّبا، و أنّه يؤدّي إلى تعطيل النشاطات التجاريّة النافعة، و الفعاليّات الاقتصادية المفيدة، فهو أيضاً ناظر إلى الرِّبا في القروض، و ليس في ربا المعاوضة، لأنّ ربا المعاوضة يستلزم فعاليّات و نشاطات اقتصاديّة.

و أخيراً، فإنّ الخامس من الحكمة في تحريم الرِّبا، مترتّبة على الرِّبا في القرض أيضاً، و هذا النوع من الرِّبا هو الذي يتنافى مع الغاية من اختراع المال و النقود، و خاصّةً النقود الورقيّة، و يخرج هذه الأموال عن كونها واسطة لشراء البضائع و الأجناس، و يجعل منها بضاعةً أخرى مقابل البضائع المختلفة، و هذه الحكمة لا تجري في ربا المعاوضة، لأنّه يعتبر أساساً معاملة جنس مع جنس، و استبدال بضاعة ببضاعة أخرى.

و الخلاصة، أنّ أكثر الآيات و الرّوايات الشريفة في هذا الباب، ناظرة إلى الرِّبا في القروض، كما أنّ

الغايات الخمس الواردة في فلسفة تحريم الرِّبا أيضاً ناظرة إلى هذا اللون من الرِّبا، و لذا كان لهذا القسم من الرِّبا أهميته الخاصّة و خطره الجسيم.

(سؤال:) إذا كانت جميع غايات تحريم الرِّبا ناظرة إلى القروض الرّبويّة، و تخلو المعاوضات الرّبويّة من هذه المفاسد، فلم أصبح ربا المعاوضة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 60

حراماً، لا سيّما في بعض الموارد التي تفتقد إلى المبررات المنطقية لتحريمها، مثل معاوضة العنب بالكشمش، حيث قيل إنّهما جنس واحد، و لا ينبغي زيادة أحدهما على الآخر؟ مثلا، ثلاثة كيلو غرامات من العنب، لا بدّ أن تكون حين المعاوضة في مقابل ثلاثة كيلو غرامات من الكشمش، لا أكثر، و إلّا فالمعاملة ربوية و محرّمة.

(الجواب:) هناك احتمال في أن تكون النكتة في تحريم ربا المعاوضة هذا أن يستخدم كقنطرة لربا القرض، فعند ما تكون القروض الرّبويّة محرّمة فقد تستخدم المعاوضات الرّبويّة كحيلة للفرار من الرِّبا، بأن يكون الرِّبا في إطار البيع و المعاملة، كأن يبيع الإنسان طنّاً من الحنطة نقداً في مقابل طنّاً و مائة كيلو نسيئةً، فهذه المعاوضة و المعاملة هي بيع في ظاهرها، و لكنّها في الواقع تدخل في إطار القروض الرّبويّة، و لهذا السبب منعت الشريعة المقدسة من استغلال هذا السبيل للاستفادات الممنوعة. و حرّم الإسلام المعاملات الرّبويّة في الأجناس بشرط الفائدة و الإضافة.

أجل، فلا يبعد أن يكون لهذا الاحتمال دخل في إبطاله و تحريمه. و كيف كان، فإنّ تحريم ربا القرض يحوز أهميّة بالغة، و لهذا سنبحث هذا القسم من الرِّبا في هذا البحث، و من أجل تنظيم البحث، فإنّ البنود الخمسة المذكورة في كتاب تحرير الوسيلة (و تعتبر من أهم مسائل الرِّبا في القروض) ستكون مورد بحثنا و دراستنا

هذه (من المسألة- 9- إلى- 13-) و الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه، قد أورد المسائل المهمّة في القروض الرّبويّة في إحدى عشر مسألة، بعد أن ذكر ما تقدّم من البحث، و أهمّ هذه الربا و البنك الاسلامى، ص: 61

المسائل خمس:

(المسألة الأولى:) في هذه المسألة تمّ بحث أصل تحريم القروض الرّبويّة و شرائطها حيث قال (قدس سره): «لا يجوز شرط الزّيادة، بأن يقرض مالا على أن يؤدي المقترض أزيد مما اقترضه، سواء اشترطاه صريحاً، أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنياً عليه، و هذا هو الرِّبا القرضي المحرّم الذي ورد التشديد عليه. و لا فرق في الزّيادة بين أن تكون عينة كعشرة دراهم باثني عشر، أو عملا كخياطة ثوب له، أو منفعة أو انتفاعاً «1» كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤديها صحيحة، و كذا لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربوياً بأن كان من المكيل و الموزون و غيره، بأن كان معدوداً كالجوز و البيض» «2».

كلمات الفقهاء حول الأصل في حرمة القروض الرّبويّة:

إنّ جميع علماء الشّيعة و أهل السنّة متفقون على تحريم القروض الرّبويّة:

1- صرّح ابن قدّامة- الذي يعتبر من كبار فقهاء أهل السنّة- في كتاب.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 62

المغني أنّ جميع الفقهاء أجمعوا على أنّ الرِّبا في القرض حرام «1».

2- يقول العلّامة الحلّي رضوان الله تعالى عليه: في كتاب التذكرة: «يشترط في القرض أن لا يجرّ المنفعة بالقرض، لأنّ النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) نهى عنه، فلا يجوز أن يقرض بشرط أن يردّ الصحيح عن المكسّر، و لا الجيد عن الردي ء، و لا زيادة القدر في الربوي، و كذا في غيره عندنا» «2».

3- يقول صاحب الجواهر: «و على

كل حال، فشرط القرض الاقتصار على ذكر ردّ العوض فقط، على معنى أنّه لو شرط النفع حرم الشّرط بلا خلاف فيه، بل الإجماع منّا بقسميه عليه، بل ربّما قيل إنّه إجماع المسلمين لأنّه ربا» «3».

و الخلاصة، أنّ جميع علماء الإسلام أعم من الشّيعة و أهل السنّة، اتّفقوا و أجمعوا على أنّ الرِّبا في القرض حرام، بالرغم من اختلافهم في بعض الشرائط و الخصوصيات لهذه المسألة، إلّا أنّ أساس التحريم لا شكّ و لا ريب فيه. (6)

دلائل تحريم الرِّبا في القروض

اشارة

ذكروا أربعة أدلّة على حرمة الرِّبا في القرض:

الدّليل الأوّل: إطلاق آيات الرِّبا.
اشارة

لقد ورد استعمال مفردة (الرِّبا) في الآيات القرآنية كثيراً، و لا بدّ أن نعرف المعنى و المراد من هذه المفردة من منظور علماء أهل اللغة، حتى تتضح أبعاد المسألة في ضوء دائرة إطلاق آيات الرِّبا، و المراد منها بالتحديد.

كلمات اللغويّين حول معنى الرِّبا

1- يذكر الراغب في كتابه: (مفردات القرآن) «1» للربا في اللغة معنيين و هما: 1- الزّيادة 2- العلو، فيقول:

«و منه ربا، إذا زاد و علا، قال تعالى (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ)* و الرِّبا: الزّيادة على رأس المال لكن خصّ في الشرع بالزّيادة على الربا و البنك الاسلامى، ص: 64

وجه دون وجه، و باعتبار الزّيادة قال تعالى (وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ)» «1».

و بعض أُدباء العرب أدخل معنى (النمو و الرشد) جزءً من معنى الرِّبا، فعلى هذا يكون الرِّبا مرادفاً للنمو و الزّيادة و الرشد، و هذا المعنى الثالث يتلاءم و يتناغم مع الآية المذكورة أعلاه، و لهذا يقال أيضاً: (التربية) لهذه الجهة، أي أنّها تربي الإنسان و تنمية، فيحصل الإنسان بواسطتها على النمو و الرشد. ثم يضيف هذا العالم الشهير: الرِّبا هو كلّ زيادة في رأس المال، و لكن في عرف الشرع يطلق على الزّيادة بنحو خاص. و الخلاصة أنّه ذكر للربا معنيين: 1- الزّيادة 2- العلو و النمو.

2- قال صاحب مقاييس اللغة: الرِّبا ورد بصورتين (الرِّبا) و (رباء)، و المراد من كليهما معنىً واحداً، و هو الزّيادة و النّموّ و العلو.

و بهذا تحصّل لدينا ثلاث مفاهيم في معنى الرِّبا.

3- يقول مؤلف «لسان العرب»- و الذي يعتبر من كتب اللغة الشاملة و الواسعة-: الرِّبا بمعنى الزّيادة و النمو.

4- و أخيراً يقول صاحب «التحقيق في كلمات

القرآن الكريم»: (و التحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الانفتاح مع زيادة، بمعنى أن ينفتح شي ء في ذاته، ثمّ يتحصّل له فضل و زيادة).

الربا و البنك الاسلامى، ص: 65

من مجموع ما ذكر أعلاه، نخلص إلى نتيجة و هي: أنّ الرِّبا في لغة العرب له ثلاث معاني:- 1- الزّيادة- 2- العلو- 3- النمو.

و في اصطلاح الشرع يراد به الزّيادة في المعاملات أو القروض بشرائط خاصّة. و على هذا الأساس، فإنّ آيات الرِّبا في القرآن المجيد، تشمل الرِّبا القرضي، أو ربا المعاوضة، أو كليهما، سواءً قصد بالفائدة و الزّيادة ما كان فعلا أو صفة أو منفعةً أو علميّة أو منافع أخرى، و لو لم يكن هناك دليل على حرمة الأقسام الخمسة المذكورة للربا و الواردة في كتاب تحرير الوسيلة، غير الآيات الشريفة، فإنّ إطلاق الآيات المذكورة كافياً لإثبات المدّعى، لأنّ كلمة الرِّبا بمعناها الواسع شاملة لكل قسم من الأقسام الخمسة للزيادة الرّبويّة «1».

الدّليل الثاني: روايات جرّ المنفعة.

لقد وردت أحاديث متعددة في المتون الشرعية الروائية للشيعة و أهل السنّة، مبنيّة على أنّ كل شكل من أشكال الفائدة على القرض حرام، و ورد التعبير عن ذلك ب- (جرّ المنفعة)، و هذه الرّوايات مطلقة أيضاً، و تشمل كل الربا و البنك الاسلامى، ص: 66

نوع من أنواع المنفعة، و منها:

1- يقول يعقوب بن شعيب أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)

«سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً أو يقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً قال: لا يصلح إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً فلا يصلح»

«1». و نلاحظ أنّ عبارة (يجرّ شيئاً) مطلقة، و تشمل على أيّ نوع من أنواع المنفعة.

(سؤال:) هل إنّ عبارة (لا يصلح) الواردة في جواب الإمام

(عليه السلام) تدلّ على الحرمة؟

(الجواب:) هذه الجملة لا تدلّ في ظاهرها على الحرمة الذاتية، و لهذا فلو كان الاستدلال منحصراً في هذه الرّواية، فإنّ استفادة الحرمة منها مشكل، و لكن بضمّ بقية الرّوايات في هذا الباب، يمكن استفادة الحرمة من هذه الجملة المذكورة في هذه الرّواية.

2- جاء في كتاب (دعائم الإسلام) عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال «كلّ قرض جرّ منفعةً فهو ربا»

«2». و هذه الرّواية مطلقة أيضاً و تشمل كلّ أنواع الزّيادة و المنفعة، سواء كانت من الأجناس أو من المنافع أو من غير ذلك.

3- و كذلك يروي دعائم الإسلام عن الإمام الصادق (عليه السلام)

«أنّه سئل عن الربا و البنك الاسلامى، ص: 67

الرجل يسلم في بيع عشرين ديناراً على أن يقرض صاحبه عشرة أو ما أشبه ذلك قال: لا يصلح ذلك لأنّه قرض يجرّ منفعة»

«1». و هذه الرّواية تشبه الرّواية الأولى، و شاملة لكل منفعة على القرض.

4- و جاء في حديث آخر عن فضالة بن عبيد الصحابي الجليل عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قال (كل قرض جرّ منفعة فهو وجه من وجوه الرِّبا)

«2». و هذه الرّواية مطلقة أيضاً، و شاملة لكلّ القروض التي فيها نفع و زيادة، هي من الرِّبا المحرّم.

النّتيجة: أن هذه الروايات المتعددة، و المتضافرة «3» حسب الاصطلاح تدل على أن القرض لا ينبغي أن يكون له أي نفع و ربح للمقرض، و كل منفعة و ربح بأية صورة و شكل فهي ربا.

و في مقابل هذه الرّوايات المذكورة هناك روايات أخرى تذهب إلى عدم الربا و البنك الاسلامى، ص: 68

المحذور في كون القرض يعود بالفائدة و الربح على المقرض، فعلى هذا يكون الربح في القرض لا

إشكال فيه، و منها:

1- يقول محمّد بن مسلم- هو أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) و الأجلّاء-

سألته عن الرجل يستقرض من الرّجل قرضاً و يعطيه الرهن إمّا خادماً و إمّا آنيةً و إمّا ثياباً فيحتاج إلى شي ء من منفعته فيستأذن فيه فيأذن له؟ قال (عليه السلام): «إذا طابت نفسه فلا بأس» قلت: إنّ من عندنا يرون أنّ كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو فاسد. فقال (عليه السلام): «أ و ليس خير القرض ما جرّ منفعةً»

«1». هذه الرّواية كما نلاحظ منها أنّها صريحة في أنّ أفضل القروض ما كان فيه ربح و منفعةً.

2- و جاء في حديث آخر عن محمّد بن عبدة أنّه قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القرض يجرّ المنفعة. فقال (عليه السلام): «خير القرض الذي يجرّ المنفعة»

«2». 3- و نقرأ في حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال «خير القرض ما جرّ منفعةً»

«3». 4- و ورد أيضاً في حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال:

الربا و البنك الاسلامى، ص: 69

«خير القرض ما جرّ المنفعة»

«1». و هذه الطّائفة من الرّوايات تدلّ على جواز أخذ الرّبح على القرض. و لكنّ الطريق إلى إزاحة التعارض بين هاتين الطائفتين من الرّوايات واضح، و قد قرأنا في علم الأصول أنّه إذا تعارضت طائفتان من الرّوايات فينبغي أوّلا الجمع الدلالي بينهما «2»، إذا كان الجمع في المعنى و الدلالة ممكناً، و إلّا فلا بدّ من البحث عن المرجّحات و القرائن و الامتيازات، فلو لم يكن هناك مرجّح في أحدها، أو كانت هاتان الطائفتان متساوية من حيث المرجّحات، ففي المرحلة الثالثة تصل النوبة إلى التخيير، يعني اختيار أحدهما.

و الأحاديث الشريفة المذكورة أعلاه تقبل الجمع تماماً، كما

أشار إلى ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) «3». لأنّ الطائفة الثانية ناظرة إلى أنّ المقرض لا يشترط الربح على المقترض، بل إنّ المقترض يعطيه شيئاً بكامل اختياره بعنوان الهديّة، مضافاً إلى رأس ماله، و هذه الهديّة لا تكون مقدّرة بقدر محدود و معين، فتكون حلالا حتّى لو كان يعلم مسبقاً أنّه سوف تهدى إليه هديّة، و لكنّه لا يشترط على المقترض ذلك، و لا يرى لنفسه حقّاً فيها،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 70

فتكون الهديّة المضافة إلى القرض حلالا، و أمّا الطائفة الأولى فناظرة إلى أنّ المقرض يشترط على المقترض من أوّل الأمر الربح و الفائدة، فيكون من الرِّبا الحرام. و هذا الجمع بين هاتين الطائفتين منطقي و مقبول، و له شاهد من الرّوايات أيضاً و التي تدلّ على التفصيل المذكور، و هذه الرّوايات هي التي سوف نوردها كدليل ثالث على المدّعى، حيث إنّ كلا الأمرين في هذه المسألة قد ذكر و طرح في رواية واحدة، فبذلك تكون شاهداً على هذا الجمع المذكور.

و على فرض أنّنا لن نقبل هذا الجمع الدلالي، فإنّه سوف تصل النوبة إلى المرجّحات، و لا شك في أنّ الطائفة الأولى أرجح من الأخرى، لأنّها هي المشهورة بين الفقهاء و المطابقة لفتاواهم، و الشهرة الفتوائية من أسباب الترجيح بين الرّوايات.

مضافاً إلى أنّ الطائفة الأولى مطابقة لإطلاق الآيات الواردة في حرمة الرِّبا، و كما نعلم أنّ التناغم و الانسجام و التوافق مع الآيات القرآنية يعدّ أحد أسباب الترجيح بين الرّوايات، (فتأمل). (7)

منع الشّرط في القرض مطلقاً الدّليل الثّالث:
اشارة

الدّليل الثّالث على حرمة الرِّبا، هي الرّوايات التي تدلّ على المنع من بعض الشرائط في القرض، و هذه الرّوايات تشمل جميع الأنواع الخمسة الواردة في عبارة تحرير الوسيلة للإمام الراحل (قدس سره)

للربا.

و هذه الرّوايات عبارة عن:

1- محمّد بن قيس عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنّه قال «من أقرض رجلا ورقاً فلا يشترط إلّا مثلها فإن جوزي أجود منها، فليقبل و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقة»

«1». إنّ جملة (لا يشترط إلّا مثلها) توضّح لنا هذه الحقيقة، و هي عدم جواز أيّ شرط إضافي على القرض، و على المقرض أن يأخذ مقدار القرض فقط من المقترض لا أكثر، حتى إنّه لا ينبغي له الاستفادة من مركبه أو الاستعارة منه لبعض وسائل المعيشة بعنوان شرط في القرض يذكره حين تسليمه الربا و البنك الاسلامى، ص: 72

القرض.

و الجدير بالذكر، أنّ الوارد في هذا الحديث الشريف من المثالين المذكورين، لا يخصص موضوع القاعدة و شمول الحديث و عمومه، فهذا الحديث الشريف ينفي كلّ شرط إضافي من هذا القبيل.

2- جاء في الحديث الشريف في كتاب دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال «من أقرض قرضاً ورقاً لا يشترط إلّا مثلها فإن قضي أجود منها فليقبل»

«1» فهذه الرّواية و الرّوايات السابقة، لها مفهوم واحد، غاية الأمر أنّ هذه من أمير المؤمنين (عليه السلام)، و تلك من الإمام الباقر (عليه السلام).

3- و جاء في رواية أخرى عن خالد بن الحجّاج، عن أحد المعصومين (عليهم السلام)، أنّه قال سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً قضانيها مائة وزْناً. قال (عليه السلام): «لا بأس ما لم يشترط. و قال: جاء الرِّبا من قبل الشروط إنّما يفسده الشروط»

«2». و في هذه الرّواية الشريفة نلاحظ أيضاً أنّ مفردة (الشروط) مطلقة، فتشمل كلّ شرط يجرّ المنفعة و الربح إلى صاحب المال، بل إنّ هذه الرّواية و

الروايتين السابقتين من هذه الطائفة من الرّوايات أكثر صراحةً و إطلاقاً و شمولا من روايات الطائفة السابقة، و كيف كان فهناك روايات أخرى أيضاً

الربا و البنك الاسلامى، ص: 73

في هذا المجال، نصرف عنها عنان الكلام اختصاراً و حذراً من الإطالة.

الشّرائط الأخرى: و قد يشترط المقرض شروطاً أخرى على المقترض
اشارة

، فينبغي ملاحظتها و وضعها على طاولة البحث و دراستها بدّقة مثلا:

1- أن يشترط المقرض على المقترض أن يصرف هذا المال في مصارف معينة و محدّدة، مثلا أن ينفقه في الزواج، أو شراء بيت، أو لنفقات التحصيل الدراسي، أو العلاج، أو الخيرات، أو الأعمال العامّة المنفعة و. فهل إنّ هذا النوع من الشرائط مشروع، و لا يشكل محذور الرِّبا في هذا القرض؟

2- أن لا يشترط المقرض شرطاً إضافيّاً و ربحاً لمصلحته الشخصية، إلّا أنّه يشترط ربحاً لشخص ثالث، مثلا أن يشترط على أخذ هذا القرض أن يعطي المقترض مبلغاً من المال لأخ المقرض، أو إلى الفقير الفلاني و يقول: إنّي أعطيك هذا القرض بشرط أن تعطي جارك الفقير مبلغاً معيناً من المال.

3- أن يجعل صاحب المال إقراضه مشروطاً، بأن يضع المقترض مبلغاً من المال في حساب صاحب المال المصرفي، و بعد مرور مدّة معينة يقرضه ضعفي المبلغ الذي وضعه في حسابه المصرفي، مثلما نجده من بعض البنوك حيث تدفع مليوني تومان، بعنوان القرض بشرط أن يضع المقترض في ذلك البنك مليون تومان أوّلا، و بعد مرور سنة كاملة، يدفع البنك المقدار المذكور من القرض لهذا الشخص.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 74

4- أن يشترط المقرض لدى دفعه القرض افتتاح حساب مصرفي للمقترض، كما هو المعمول في صناديق القرض الحسن، فإنّها تشترط غالباً لإعطاء القرض، بأن يفتح المقترض لديها حساباً خاصّاً و بمبلغ معين.

5- أن يكون دفع

القرض الحسن مشروطاً بأداء حق الزحمة و أجرة العاملين في البنوك أو صناديق القرض من قبل المقترض. فهل إنّ هذه الشروط- و التي ذكرنا منها خمسة نماذج،- مباحة، و لا تكون من مصاديق الرِّبا؟

أحكام الشّرائط الخمسة:
اشارة

إنّ مقتضى الإطلاق في روايات (الشروط) هو أنّ كلّ شرط يقرّر أثناء إعطاء القرض يكون حراماً و ممنوعاً، فهل أنّ دائرة (الشروط) في هذه الرّوايات الشريفة لها إطلاق واسع، بحيث تشمل هذه الأنواع من الشرائط أيضاً؟

و من أجل إيضاح المطلب نضع هذه الشرائط الخمسة على طاولة البحث و الدراسة.

حكم الشّرط الأوّل: و هو أن يشترط المقرض في أن يكون مصرف القرض معيناً و محدّدا

، فالظاهر من الرّوايات الشريفة (إنّما يفسده الشروط) لا تشمل هذا القسم من الشّرط، لأنّ الظاهر من كلمة (الشروط) هو الشّرط الذي يجرّ منفعةً و ربحاً

الربا و البنك الاسلامى، ص: 75

للمقرض، و لهذا السبب يجيز الفقهاء العظام شرط المنفعة للمقترض، بأن يقول المقرض للمقترض: خذ هذا المليون و لك عليّ بعد إعادته و تسديده، أن أعطيك كذا من المال كجائزة و هدية. فعلى هذا يكون إطلاق كلمة (الشروط) الممنوعة منصرف عن شموله لمثل هذا الشّرط، و خاصّة إذا كان الفرد الغالب و المصداق البارز و المتداول في ذلك الزمان و في كلّ زمان، أن يكون الشّرط ما يصبّ في منفعة المقرض الشخصيّة. مضافاً إلى أنّنا لو شككنا في شمول إطلاق كلمة (الشروط) إلى هذا المورد المذكور، فإنّ الأصل عدم الإطلاق.

و الخلاصة، أنّ هذا الشّرط جائز، و لا إشكال فيه.

(سؤال:) هل إنّ الالتزام بهذا الشّرط واجب على المقترض؟ يعني أنّه يجب عليه أن يصرف مال القرض بالمصارف المشروطة و المعينة عند الاقتراض، أو أنّ له الحقّ في تجاوز هذا الشّرط المذكور، فينفق المال المذكور في أيّ مصرف أراد.

(الجواب:) نعم، إنّ العمل بهذا الشّرط لازم، لأنّه شرط مشروع ورد ضمن العقد اللازم، و هو مشمول لقاعدة

(المسلمون عند شروطهم)

«1» و على فرض أنّ عقد القرض غير لازم، فمع ذلك ينبغي عليه العمل بهذا الشّرط قبل الربا و البنك الاسلامى،

ص: 76

فسخ العقد (فتأمل). و على هذا لا يجوز صرف المبالغ المأخوذة من البنوك بعنوان القرض. و المشروط مصارفها و التي يعين البنك مصارفها، و يحدّد موارد إنفاقها، و لا يجوز صرفها في مصارف أخرى.

و ممّا تقدّم يتضح أنّ من الخطأ عدم ملاحظة هذه الشروط الواردة في عقد القرض، بذريعة أنّ عقد القرض ليس لازماً، و أنّ المقترض له التصرّف كيف ما أراد في أموال القرض، و يصرفها في مصارف أخرى، لأنّه:

أوّلا: نحن نعتقد أنّ القرض من العقود اللازمة. «1» و ثانياً: على فرض أنّ عقد القرض غير لازم، و قلنا بأنّه من العقود الجائزة، فإنّ العمل بشرائط هذا العقد يكون لازم الاتباع و الإجراء ما دام العقد جارياً و لم يفسخ المقترض العقد.

و الخلاصة، أنّ تنفيذ الشّرط المشروع الوارد ضمن العقد، لازم.

حكم الشّرط الثّاني:: و هو أن يشترط الدائن منفعة و ربحاً لشخص ثالث

، فإطلاق كلمة (الشروط) منصرف أيضاً عن هذا النوع من الشّرط، لأنّ هذا الشّرط لا يدخل تحت عنوان جلب المنفعة أو جرّ المصلحة، لأنّ جرّ المنفعة ناظر إلى المنفعة التي تصبّ في جيب صاحب المال، خاصّةً أنّ الفرد الغالب في زمان صدور الرّوايات لمصطلح (جرّ المنفعة) هو المنفعة و الربح لصاحب المال.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 77

نعم إذا كان الشخص الثالث مثلا من المتعلّقين و المنسوبين إلى المقرض، ففي هذه الصورة يكون في هذا الشّرط إشكال، لأنّ هذا الشّرط في الواقع يجرّ منفعة للمقرض بشكل من الإشكال.

(سؤال:) في صورة ما إذا لم يكن الشخص الثالث من المنسوبين لصاحب المال، و لم يكن شرط النفع لذلك الشخص يجرّ منفعة ماليّة للمقرض، إلّا أنّه يعود عليه بالمنفعة المعنوية، فهل يجوز اشتراط مثل هذا الشّرط من جهة أن أحاديث (جرّ المنفعة) مطلقة و تشمل المنافع

الماديّة و المعنوية.

(الجواب:) الظاهر من المنفعة في الجملة المذكورة في الأحاديث الشريفة، هي المنفعة الماديّة فحسب، فعلى هذا لا إشكال في ترتب المنفعة المعنوية، لأنّ المرابين غالباً يهدفون إلى المنافع المادية لا المعنوية، و الفرد الغالب و المصداق البارز لإطلاق هذه الجملة هو المنفعة المادية، فتكون الأحاديث ناظرة إلى هذا القسم من المنفعة.

و النتيجة: أنّ هذا الشّرط يجوز في ما إذا لم يكن الفرد الثالث من المنسوبين إلى المقرض، و لم يعد عليه بنفع مادي.

حكم الشّرط الثالث: بأن يشترط فيه الدائن على المدين أن يضع في حسابه المصرفي مبلغاً من المال في حساب الدائن

ثم بعد مدّة يقوم الدائن بإقراض ضعفي المبلغ المودع للشخص المدين، و في البداية يمكن أن يحتمل أنّ هذا الشّرط يدخل ضمن الشروط الممنوعة للقرض، فتشمله الحرمة المطلقة، و لكن يتضح بعد التأمّل و الدقّة أنّ هذا الشّرط له صورتان الربا و البنك الاسلامى، ص: 78

الأولى: أن يكون المقصود و غرض الدائن هو جلب المنفعة و المتاجرة بالمبلغ المودع في حسابه، ففي هذه الصورة يكون حراماً قطعاً.

الثانية: أن يكون الغرض من هذا الشّرط هو ترشيد و تنمية صندوق القرض الحسن لكي يتمكن الصندوق من تقديم خدماته الإنسانية في إقراض أفراد المجتمع أكثر، ففي الواقع أنّ هذا الشّرط يصبّ في منفعة الشخص الثالث، و لا إشكال في ذلك.

الشّرط الرابع: هو أن يشترط على المقرض افتتاح مصرفي للمقترض

، فلو لم يفتح له حساباً فلا قرض له، و هذا الشّرط كالشّرط السابق له صورتان: فيحرم في الصورة الأولى، و يجوز في الصورة الثانية. «1»

حكم الشّرط الخامس: و يكون الشّرط بصورة دفع حق الزّحمة للعاملين في الصّندوق أو البنك

، بمعنى أنّ البنك أو صندوق القرض الحسن يحتاج إلى مصارف و نفقات لتغطية أُجور العاملين و الموظّفين الوسائل اللازمة، من قلم و دفتر و كامبيوتر و إجازة البناء و الهاتف و نفقات الماء و الكهرباء و إلغاز و غير ذلك من الأمور التي لها ارتباط بحصول المقترض المبلغ المعيّن في القرض، و من هذه الجهة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 79

فإنّ مقداراً من هذه النفقات و المخارج تؤخذ من المقترض، و تسمّى في العرف المتداول بحقّ الزحمة «1». و هذا القسم من الشرائط إذا روعيت فيه العدالة و كان بمقدار النفقات المذكورة لا أكثر، فإنّه يخرج عن دائرة عنوان (جرّ المنفعة) لذلك الصندوق أو تلك المؤسّسة أو المصرف، و لا تشمله إطلاقات أدلّة حرمة الرِّبا، و بعبارة أخرى: أنّ هذه المعاملة تتضمن معاملتين في الواقع:

الأوّل: معاملة القرض الحسن، و هو غير مشروط بأي شرط.

الثاني: معاملة دفع أجرة الخدمات و النفقات التي تتحملها تلك التشكيلات الإداريّة في جانب المقرض، و على هذا الأساس فإنّ الشّرط الخامس يقع صحيحاً أيضاً بلا إشكال، و طبعاً تقدّم أن هذا الشّرط لا بدّ أن يصرف واقعاً لتغطية نفقات هذه الإدارة و تأمين مخارجها المالية، لا أن يكون غطاءً و قناعاً لمعاملات المرابين و تحصيل الأرباح الباهظة من هذا الطريق، فإنّ التغيير في الاسم لا يحلّ أيّة مشكلة شرعيّة و أخلاقية و إسلامية، بل هو خداع و تلاعب بالألفاظ و حيلة لا أكثر. (8)

أحاديث تحريم الرِّبا الدّليل الرّابع:
اشارة

على حرمة ربا القرض بجميع أقسامه الخمسة الواردة في متن كتاب تحرير الوسيلة للإمام الراحل، هو الأحاديث الخاصّة الواردة في هذا المجال، و التي تتناول كلّ واحد منها قسم من أقسام القروض الرّبويّة، و تحرّمها. و هذه

الرّوايات متعدّدة أيضاً و متضافرة كذلك، و لذا نجد أنفسنا مستغنين عن البحث في سندها، و نكتفي لذكر حرمة كلّ قسم من الأقسام، برواية واحدة رعايةً للاختصار:

1- تحريم القروض الرّبويّة التي تشمل على زيادة عينيّة:

(مثل أن يعطي مائة ألف تومان قرض، ليأخذ بعد عدّة أشهر مائة و عشرين ألف تومان).

يروي عبد الله بن جعفر في الحديث الشريف الوارد في كتاب- قرب الإسناد- عن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنّه قال سألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر؟

الربا و البنك الاسلامى، ص: 81

قال (عليه السلام): «هذا الرِّبا المحض»

«1». و بالرغم من أنّ سند كتاب- قرب الإسناد- محلّ بحث و جدل بين الفقهاء، لذا لا يمكن الاعتماد على الرّواية الواردة فقط في هذا الكتاب، و لكن بما أنّ في هذا المورد روايات متعدّدة، و قد وقعت مورد قبول و عمل الأصحاب، فمن هذه الجهة لا نجد مشكلا من حيث السند، و أمّا من حيث الدلالة فالأمر واضح من خلال تصريح الإمام (عليه السلام) بأنّه ربا محض.

2- أن تكون للقروض الرّبويّة زيادة وصفيّة

، مثل أن يعطي مائة كيلو غراماً من الحنطة الرديئة كقرض، ليحصل بعد مدّة على مائة كيلو غراماً أُخرى من الحنطة المرغوبة و الجيدة، كتسديد لذلك القرض، و هذا أيضاً من الرِّبا المحرّم، ففي الحديث الشريف الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال «إذا أقرضت الدراهم ثمّ جاءك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط»

«2». فهذه الرّواية تدلّ على أنّ هناك زيادة وصفيّة في مال القرض، غاية الأمر أنّه لا إشكال في ذلك من حيث عدم وجود اشتراط مسبق في هذه المعاملة، و معنى ذلك أنّه لو كان هناك اشتراط في هذا الأمر في الزّيادة الوصفيّة، لكان ذلك من الرِّبا الحرام.

3 و 4- تحريم القروض الرّبويّة التي فيها زيادة في المنفعة، أو الانتفاع

كشرط ضمن العقد، (مثلا أن يقرضه مالا على أن ينتفع من بيته إلى مدّة معينة، أو أن يعطيه شيئاً بعنوان العارية، ليستفيد منه). و قد جاء تحريم كلا النوعين من الزّيادة المذكورة، في رواية محمّد بن قيس عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال «من أقرض رجلا ورقاً «1» فلا يشترط إلّا مثلها فإن جوزي أجود منها فليقبل و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقة»

«2». فلو اشترط أن يأخذ من المقترض مركباً ليستفيد منه، فهو زيادة في المنفعة، و لو شرط أن يعيره شيئاً فهو زيادة في الانتفاع، و كلا هذين القسمين من الرِّبا المحرّم.

5- تحريم القروض الرّبويّة التي فيها شرط من زيادة عمل من الأعمال

، كأن يقرضه المال، و يشترط عليه أن يخيط له ثوباً أو يصلح له سيارته.

و قد ورد تحريم هذا النوع من الرِّبا، في رواية جميل بن درّاج عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال قلت له: أصلحك الله إنّا نخالط نفراً من أهل السواد «3» فنقرضهم القرض و يصرفون إلينا غلّاتهم فنبيعها له بأجر

الربا و البنك الاسلامى، ص: 83

و لنا في ذلك منفعة؟ فقال (عليه السلام): «لا بأس»

«1». و هو إشارة إلى أنّ هذا العمل جائز و لا إشكال فيه، لأنّه لم يشترط ذلك مسبقاً، فإذا كان بيع الغلّات مشروطاً ورد بعنوان الشّرط في عقد القرض، فإنه من الرِّبا المحرّم و هذا من قبيل شرط الفعل. و لكن بما أنّ هذه المسألة لم ترد بصورة الشّرط، و لذا قال الإمام (عليه السلام): «لا بأس».

و الجدير بالذكر أنّ الوارد في ذيل هذه الرّواية الشريفة أنّ الراوي قال: و لا أعلمه إلّا قال: و لو لا ما يصرفون إلينا من غلّاتهم لم نقرضهم، قال (عليه

السلام): «لا بأس». فهذه الجملة تدلّ على أن الداعي هو الزيادة الفعلية، لا أنّه صرّح بهذا الشّرط للمقترض، و إلّا فهو ربا و حرام.

التفاوت بين الشّرط و الداعي:

النكتة المهمّة هنا و التي ينبغي الالتفات إليها، هو التفاوت بين الشّرط و الداعي على العمل، فالشّرط عبارة عن كونه جزءً من العقد و المعاملة، إمّا أن يكون صريحاً عند العقد، أو يكون ضمنياً بحيث يقع العقد مبنياً عليه، و ذلك إذا اشترط قبل العقد و أوقعا العقد على ذلك الأساس، و على أيّ حال الربا و البنك الاسلامى، ص: 84

تكون جزءً من العقد. أمّا الداعي و الدافع النفسي إلى هذا العقد فلا يكون جزء العقد- لا صريحاً و لا ضمنياً- فلا يكون للدائن حقاً فيه، و لكنّه يكون هو الباعث إلى تحقق هذه المعاملة، فالمعاملة لا تتضمن شرطاً صريحاً في متنها، و لا شرطاً مسبقاً، بحيث يكون العقد مبنيّاً عليه.

و خلاصة ما مرّ من البحث، أنّ القروض الرّبويّة حرام في كلّ من الصور الخمسة، من الشروط المذكورة في الفائدة العينيّة و الوصفيّة، و العمليّة، و الانتفاعيّة، و المنفعتيّة، بالأدلّة الأربعة المتقدمة.

و يتبقى بحثان مهمّان:

1- ما هو المراد من الشّرط المضمر، و غير المضمر؟

و هذا نوعان من الشّرط يتوفّران في جميع المعاملات من البيع، و الإجارة، و النكاح، و الصلح، و القرض، و غير ذلك، فتارة يكون الشّرط مذكوراً في متن العقد و المعاملة «1» و يدعى هذا النوع من الشّرط (الشّرط الصريح)، و تارةً أخرى يكون الشّرط قبل وقوع العقد، بأن تبحث الشروط قبل إجراء المعاملة و يتمّ الاتفاق عليها، ثمّ تجري صيغة العقد بدون ذكر هذه الشروط، و لكنّها ناظرة إلى تلك الشروط، و هذا النوع من الشّرط الذي يبتني عليه العقد، يسمّى (الشّرط المضمر)، و السبب في عدم ذكر هذا الشّرط في متن العقد، هو أحد أمرين:

الربا و البنك الاسلامى، ص: 85

1- أن يكون عدم ذكره في العقد لأنّه قد تمّ الاتفاق عليه

مسبقاً، و لذا لا يجد المتعاقدان حاجةً إلى ذكره مرّة أخرى في العقد.

2- أن يكون شرطيّة هذا الشّرط واضحة و جليّة تماماً، و لذا لا يحتاج إلى ذكرها في العقد لوضوحها، مثل سلامة جنس المبيع، فلا أحد يشترط هذا الشّرط، لأنّه من البديهيات، أو سلامة الجنس في مورد الإجارة مثلا، فلا أحد يشترط أن يكون مورد الإجارة سالماً، لأنّه من البديهي أن يكون كذلك، أو مثلا شرط البكارة في البنت عند الزواج، لأنّ البكارة للبنت في عرف المسلمين من الشرائط الواضحة، و لذا لو اتّضح بعد ذلك أنّ البنت غير باكرة، فالزوج له حقّ الفسخ لعقد النكاح، و لا أحد يعترض على ذلك، و أنّ هذا الشّرط لم يذكر في متن العقد.

النتيجة: أنّ الشروط المذكورة في العقود على نحوين:

1- الشّرط الصّريح.

2- الشّرط المضمر الذي يبتني عليه العقد.

و بالنسبة إلى الرِّبا، فإنّ كلّ شرط إضافي في القرض بأيّ شرط من هذين الشّرطين، حرام و ممنوع.

2- القروض الرّبويّة جارية في جميع الأجناس الثلاثة:

ربا المعاوضة الذي يكون في الأجناس الموزونة و المكيلة لا يجري في المعدودات، و لهذا لا إشكال في بيع أربعة رءوس من الغنم، بثلاثة رءوس لأنّ الغنم من المعدود، و لكنّ الرِّبا القرضي لا يختلف بين هذه الأجناس الربا و البنك الاسلامى، ص: 86

الثلاثة، و يجري فيها جميعاً «1».

و المثال الواضح على جريانه في المعدود في عصرنا الحاضر هو الأوراق النقدية، حيث يجري فيها الرِّبا القرضي، فلو أقرضه مقداراً من الأوراق النقدية، و اشترط عليه أن يسدّدها أكثر منها، فهو حرام و ربا.

الأدلة على تعميم الرِّبا القرضي لجميع الأشياء:

1- أنّ المشهور بين الفقهاء أنّه لا تفاوت بين أقسام الرِّبا القرضي في الحرمة، حيث يشمل الأجناس الثلاثة جميعاً، بل إنّ الظاهر أنّ هذه المسألة مجمع عليها و مورد اتفاق الفقهاء.

2- إطلاق الآيات و الرّوايات الشريفة التي وردت فيها كلمة (الرِّبا) مطلقة.

3- عموم روايات (جرّ المنفعة) حيث تشمل المعدودات أيضاً، كما تشمل الأجناس الأخرى.

4- عمومات عدم جواز الشّرط في الرِّبا القرضي، حيث تشمل المعدودات أيضاً، كما مرّ شرحه في الرّوايات المتقدمة.

و الخلاصة، أنّ الأدلّة الأربعة، تدلّ أنّه لا تفاوت في القروض الرّبويّة بين المكيل و الموزون و المعدود.

(سؤال:) هناك أحاديث كثيرة في تحريم الرِّبا في معاملات الدرهم و الدينار، فهل يمكن الاستناد في تحريم الرِّبا القرضي في المعدودات على الربا و البنك الاسلامى، ص: 87

هذه الرّوايات؟

(الجواب:) بالرغم من أنّ الأموال النقديّة الورقيّة في عصرنا الحاضر من جملة المعدودات، و لكنّ الدرهم و الدينار الواردان في الأحاديث المذكورة وردت بعنوان الموزون، فكانت تحسب على أساس الوزن، لا العدد، و في جميع المعاملات التي كانت تجري في السابق، كان الدرهم و الدينار من الأشياء الموزونة، و لهذا السبب نقول إنّ الدرهم يساوي- 12- حمّصة

و أكثر بقليل، و إنّ الدينار الواحد يساوي- 18- حمّصة، و الشاهد على أنّ الدرهم و الدينار من الموزون، هو أنّ الفقهاء يقولون: إذا باع الدرهم بالدينار يجب عليه أن يضيف شيئاً عليه، بأن يكون شيئاً مضافاً إلى الدينار في مقابله، في حين أنّ الدرهم و الدينار إذا كانا من المعدودات لا يحتاج إلى ضمّ ضميمة، و على هذا الأساس نرى أنّ الدرهم و الدينار من الموزونات، لا المعدودات. (9)

حكم القرض بشرط الإجارة و الإجارة بشرط القرض

اشارة

و هنا نتوجّه إلى مسألة أخرى ذكرها الإمام الراحل (قدس سره) في إدامة بحث الرِّبا، فقد ورد في عبارة تحرير الوسيلة: «لو أقرضه و شرط أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته أو يأجره بأقلّ من أجرته، كان داخلا في شرط الزّيادة، نعم لو باع المقترض من المقرض مالًا بأقلّ من قيمته، و شرط عليه أن يقرضه مبلغاً معيّناً، لا بأس به» «1».

و توضيح المسألة أعلاه، أنّ هذه المسألة بالرغم من أنّها ليست مسألة جديدة و مستحدثة، و لكنّها وقعت في هذه الأيام مورد ابتلاء عموم الناس، و خاصّة المؤجرين و المستأجرين غالباً، و لهذه المسألة فرعان:

1- القرض المشروط، سواءً كان مشروطاً بالإجارة بمبلغ أقل، أو مشروطاً ببيع الجنس بمبلغ أقل من قيمته السوقية، أو يتضمن العقد شرائط أخرى ورد بعضها في كلمات الفقهاء «2».

الربا و البنك الاسلامى، ص: 89

و هذا النوع من القرض حرام، لأنّه يشتمل على شرط إضافي، الذي تقدّمت حرمته مطلقاً.

2- الإجارة أو البيع المشروط، كأن يؤجر منزله بعشرة آلاف درهم شهريّاً و لمدّة سنة كاملة، بشرط أن يقوم المستأجر بإقراض المؤجر مليون درهم لمدّة سنة كاملة، و ببيعه جنساً بقيمة خمسمائة درهم، في حين أنّ قيمته السوقيّة عشرة آلاف درهم، بشرط

أن يقوم المشتري بإقراض البائع مائة ألف درهم لمدّة سنة كاملة. و لا إشكال في الصورة الثانية هذه، لأنّها ليست داخلة في عموم إطلاقات الرِّبا، و لا بأس بالشّرط و الاشتراط في البيع و الإجارة.

و الخلاصة، أنّ الفرع الأوّل يعني القرض بشرط البيع أو الإجارة فيه إشكال، و الفرع الثاني، أي الإجارة و البيع بشرط القرض لا إشكال فيه، بالرغم من أنّهما لا يختلفان حسب الظاهر من حيث النتيجة، و لكن بما أنّهما يختلفان في صورة العقد، و نحن في باب المعاملات نجد أنّ كيفية العقد و المعاملة لها دخل كبير في مشروعية المعاملة و ترتب الأثر عليها، لهذا يكون الأول حراماً، و الثاني جائزاً.

و لذا اتفق الفقهاء على أنّه لو قالت المرأة: زوجتك نفسي بالعقد الدائم على المقدار الفلاني من المهر، و قبل الرجل، فإنّ العقد سيكون نافذاً، أمّا لو قالت: استأجرتك على المبلغ الفلاني فهو حرام و باطل قطعاً لأنه «إنّما يحلّل الربا و البنك الاسلامى، ص: 90

الكلام و يحرّم الكلام».

«1»

آراء الفقهاء:
اشارة

بالرغم من أنّ هذا البحث ليس فيه جنبة معقّدة خاصة، و لكنّه في نفس الوقت محلّ بحث و نقاش بين الفقهاء إلى الحدّ الذي أورد صاحب الجواهر (قدس سره) «2»، أنّ المرحوم العلّامة الحلي في كتاب المختلف، في هذا المجال أورد لجواز الفرع الثاني خمسة و عشرين دليلا و يستفاد من كثرة الأدلّة أنّ هذه المسألة محلّ اختلاف شديد بين الفقهاء، و في كلّ من الفرعين هناك مخالفين، رغم أنّ عددهم قليل في كلا الفرعين. و كيف كان، فإنّ جميع الفقهاء أفتوا بتحريم القرض بشرط البيع و التجارة، سوى العلّامة بحر العلوم «رضوان الله تعالى عليه».

أمّا الدّليل الذي استدلّ به السّيد بحر

العلوم (قدس سره) على ذلك، أنّه ذهب إلى أنّ الرِّبا يجري فقط في الزّيادة العينيّة، فعلى هذا إذا كان القرض مشروطاً بالزّيادة غير العينيّة، فلا يحرم، و المسألة مورد بحثنا هذا من هذا القبيل، لأنّ شرط البيع أو الإجارة أقلّ من القيمة لا تعتبر من الزّيادة العينيّة، إذاً فلا إشكال فيها، و لكن كما تقدّم في المسألة السابقة أنّه لا تفاوت و لا اختلاف الربا و البنك الاسلامى، ص: 91

بين الزّيادة العينيّة و بقيّة أقسام الزّيادة، فكلّ أنواع الربح و الزّيادة إذا اشترطت في القرض تكون حراماً بأيّ شكل كانت و بأيّ صورة.

و قد اتّضح الدّليل على حرمتها من الأبحاث السابقة، لأنّه و طبقاً لصريح الرّوايات و ظاهر الآيات القرآنية أنّ كلّ زيادة و ربح في القرض لا شرعية له، سواء كانت الزّيادة عينية أو فعلية، أو وصفية، أو انتفاعية، أو منفعتيّة، و هذه المسألة تقدّم إثباتها بالأدلّة الأربعة فيما سبق.

فعلى هذا، فإنّ إطلاق كلمة الرِّبا الوارد في الآيات و الرّوايات يشمل هذا النوع من الربح و المنفعة، مضافاً إلى أنّ روايات (جرّ المنفعة) فيها إطلاق أيضاً، و المسألة هذه مشمولة لهذه الإطلاقات، و كذلك الرّوايات التي ورد التعبير فيها بتحريم كلّ (شرط) في القرض، تشمل موردنا هذا أيضاً، و كذلك الرّوايات الخاصّة التي سبق أن أوردناها في هذا المجال، و لذا فإنّ القرض بشرط البيع أو الإجارة الأقل من القيمة حرام.

أمّا الفرع الثاني- يعني عكس المسألة المذكورة أعلاه، (الإجارة بشرط القرض)- يقول المرحوم صاحب الجواهر (قدس سره) في مورد الفرع الثاني نقلا عن العلّامة في المختلف: اتفاق علماء الإمامية السابقون بالجواز، فإنّهم قالوا لا بأس أن يبتاع الإنسان من غيره متاعاً أو حيواناً أو

غير ذلك بالنقد و النسيئة، و يشترط أن يسلفه البائع شيئاً في مبيع أو يقرض شيئاً معلوماً إلى أجل) «1».

و لكن يستفاد من بعض كلمات الفقهاء، أنّ هذه المسألة لها مخالف أيضاً، و منهم المرحوم المحقّق الحلي صاحب كتاب الشرائع، حيث تطرّق إلى ذكر

الربا و البنك الاسلامى، ص: 92

هذه المسألة و بعبارة (فيها تردّد) «1».

دليل القائلين بجواز هذا العقد:

الدّليل على جواز البيع أو الإجارة بشرط القرض، هو قصور أدلّة تحريم الرِّبا عن ذلك، يعني أنّ عمومات و إطلاقات أدلّة تحريم الرِّبا لا تشمل هذه المسألة، مضافاً إلى أنّ عمومات و إطلاقات أدلّة جواز البيع و الإجارة تشمل هذه المسألة و تحكم بصحتها. و لكنّ بعض الفقهاء- و هم أقليّة- ذهبوا إلى بطلانها، و أوردوا لذلك دليلين:

1- التلازم بين هاتين المسألتين (تحريم القرض بشرط الإجارة، و الإجارة بشرط القرض) يعني أنّ كلا المسألتين متماثلتان و لا تفاوت بينهما إطلاقاً، فلذا يكون حكمهما واحداً، فكما أنّ المعاملة في الصورة الأولى تقع حراماً، فكذلك في الصورة الثانية، و مجرّد اختلاف الاسم و التغيير في الشكل لا يؤثر في تبدّل الماهيّة و حقيقة المعاملة. و لكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّ هذا المعنى نوع من القياس في الأحكام الفقهيّة، و نحن الشّيعة لا نعتقد بالقياس، و لا نقول به، لأنّنا إذا حكمنا في هذه المسألة بهذا الحكم و بالاستناد إلى هذا الدّليل، فإنّ باب القياس سيكون الربا و البنك الاسلامى، ص: 93

مفتوحاً على مصراعيه في جميع أبواب الفقه، و سوف تكون الكثير من المسائل حلالا بهذا المعنى، لأنّنا نجد أمثال هذه المسألة في أبواب الفقه كثيراً، مثلا في كتاب النكاح و الزواج، يقول الفقهاء: أنّه لو قرئت صيغة الزواج بلفظ (النكاح)

فإنه صحيح و نافذ، و لكن إذا قرئت بلفظ (الإجارة) فإنه سيقع باطلا، في حين أنّ النتيجة بحسب الظاهر واحدة، و لكن بما أنّهما يختلفان في الشكل و الظاهر، فإنّ حكمهما يتفاوت و يختلف. كما سوف يأتي أيضاً في المسألة اللاحقة بأنّ نتيجة الهديّة و الشّرط واحد، إلّا أنّ حكمهما يختلف.

2- الدّليل الثّاني الذي أوردوه على تحريم البيع أو الإجارة بشرط القرض، هو رواية يعقوب بن شعيب عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال «سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً و يقرض صاحب السَّلَم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً قال: لا يصلح إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً فلا يصلح»

«1». و حاصل معنى هذه الرّواية أنّ البيع بشرط القرض لا يجوز.

و في الجواب على هذا الدّليل يجب مراعاة نكتتين:

الأولى: أنّ جملة (لا يصلح) ليست صريحة في الحرمة، بل إنّها ظاهرة في كراهة مثل هذه المعاملة (كما هو المعروف بين الأصحاب)، و سوف يأتي في المسألة اللاحقة أنّ أخذ الإضافة على القرض من أي نوع كانت مكروه للمقترض حتى و إن لم يكن هناك شرط مسبق و أعطيت إليه على سبيل الربا و البنك الاسلامى، ص: 94

الهديّة و بصورة الهبة.

و ثانياً: أنّ البيع المشروط بالقرض في هذه الرّواية لم يرد تحريمه، بل ورد في ذيل الحديث أنّ القرض بشرط البيع يعتبر منفعةً و ربحاً، و لهذا السبب قال: إذا جرّ القرض إلى منفعة و ربح لصاحب المال فإنّه لا يصلح.

و من هذه العبارة يُعلم أنّ القرض هو المشروط بالبيع، مضافاً إلى أنّ مشهور الفقهاء هو الإعراض عن هذه الرّواية و عدم الفتوى بها، و نعلم أنّ إعراض المشهور من الفقهاء عن العمل بإحدى الرّوايات

يوجب سقوطها و عدم حجّيتها.

و النتيجة: أنّ القرض بشرط البيع أو الإجارة حرام، و لكنّ البيع و الإجارة بشرط القرض جائز و حلال. (10)

جواز أخذ الفائدة بدون شرط مسبق

اشارة

البحث في المسألة الثالثة في أنّ دفع الرّبح من قبل المقترض بدون شرط قبلي هل يقع جائزاً، أم لا؟

يقول الإمام الراحل (قدس سره) في تحرير الوسيلة: «إنّما تحرم الزّيادة مع الشّرط، و أمّا بدونه فلا بأس، بل تستحب للمقترض، حيث أنّه من حسن القضاء، و خير الناس أحسنهم قضاءً «1»، بل يجوز ذلك إعطاءً و أخذاً لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن الربا و البنك الاسلامى، ص: 96

القضاء فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء و يكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لو لا ذلك لم يقرضه «1» نعم يكره أخذه للمقرض خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك، بل يستحب أنّه إذا أعطاه شيئاً بعنوان الهدية و نحوها يحسبه عوض طلبه بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره» «2».

آراء و كلمات الفقهاء:
اشارة

1- يقول المرحوم العلّامة الحلي (قدس سره) في كتاب (تذكرة الفقهاء): لو دفع إليه أزيد فإن شرط ذلك كان حراماً إجماعاً. و إن دفع الأزيد من المقدار عن طيبة نفس منه بالتبرع، يعني بدون شرط قبلي، كان حلالا إجماعاً، بل كان أفضل للمقترض. «1» 2- يقول صاحب الجواهر (قدس سره) «نعم لو تبرّع المقترض بالزّيادة في العين أو الصفة جازت، بل لا أجد خلافاً بيننا». «2» 3- و لابن قدامة (الفقيه المعروف عند أهل السنّة) كلام في كتاب المغني في هذا المجال و مضمونه أنّه، (كلّما لم يكن في عقد القرض شرط خاص و لكن أضاف المقترض عليه مقداراً من الزّيادة في الأوصاف أو المقدار مع رضائه الطرفين فلا إشكال في ذلك، بل هو أفضل، ثمّ نقل قول أحد عشر نفر من فقهاء أهل السنّة المعروفين

هذا القول و الفتوى و عدّ من المخالفين لهذا القول أفراداً قلائل أيضاً).

و النتيجة هي أنّ المتفق عليه بين علماء الشّيعة، هو جواز دفع الزّيادة من قبل المقترض بدون شرط مسبق، و بالنسبة إلى فقهاء أهل السنّة، فإنّ الأكثرية توافقنا في هذا الحكم و الفتوى، سوى عدد ضئيل من مخالفينا.

أدلّة المسألة:
اشارة

إنّ العمدة في الأدلّة على هذه الفتوى هو الرّوايات المتعددة في هذا

الربا و البنك الاسلامى، ص: 98

الباب، الواردة في الباب- 19- من أبواب الدين و القرض في كتاب وسائل الشّيعة- و هذا الباب فيه- 19- رواية و أكثرها تدلّ على هذه المسألة مورد بحثنا. و كذلك فإنّ أكثر روايات الباب- 12- من أبواب الصرف، التي تتضمن- 11- رواية تدلّ على المقصود، و من مجموع- 30- رواية واردة في هذين البابين «1»، فإنّ أكثرها تدلّ على ما ذهبنا إليه في هذه المسألة، و بما أنّ مضامين هذه الرّوايات مختلف، فإنّه بالإمكان تقسيمها إلى أربعة طوائف «2»

الطّائفة الأولى: الرّوايات التي تقول: (خير القرض ما يجرّ نفعاً)

، و الذي سبق شرحه و بيانه «3»، حيث نكتفي هنا برواية واحدة في هذا المجال: عن محمّد بن عبدة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القرض يجرّ المنفعة. فقال (عليه السلام): «خير القرض الذي يجرّ المنفعة».

«4»

الربا و البنك الاسلامى، ص: 99

و سبق أن رأينا في الأبحاث السابقة أنّ هذه الرّوايات لا تتنافى مع الرّوايات التي تقول بحرمة جرّ المنفعة في القرض، لأنّ تلك الرّوايات ناظرة إلى اشتراط النفع و الفائدة في القرض، و هذه الرّوايات واردة في موارد عدم الشّرط في عقد القرض، و أنّ الشخص المقترض يضيف عند تسديد دينه مقداراً من المال باختياره، و عن طوع و رغبة.

الطّائفة الثّانية: الرّوايات التي تدلّ على الجواز بالمعنى العام

«1»، و هذه الرّوايات كثيرة مثل الرّوايات التالية:

1- إسحاق بن عمار عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال سألته عن الرّجل يكون له مع رجل مال قرضاً فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه. قال (عليه السلام): «لا بأس بذلك ما لم يكن شرطاً»

«2». 2- محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً و يعطيه الرهن إمّا خادماً و إمّا آنيةً و إمّا ثياباً فيحتاج إلى شي ء من منفعته فيستأذن فيه فيأذن له.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 100

قال (عليه السلام): «إذا طابت نفسه فلا بأس».

«1» 3- أبو بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال قلت له: الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر فيقولون له أقرضنا دنانير فإنّا نجد من يبيع لنا غيرك و لكنّا نخصّك بأحمالنا من أجل أنّك تقرضنا. فقال (عليه السلام): «لا بأس به».

«2» 4- محمّد بن عيسى عن الإمام الباقر

(عليه السلام) أنّه قال «من أقرض رجلا ورقاً فلا يشترط إلّا مثلها فإن جوزي أجود منها فليقبل».

«3» 5- جميل بن درّاج عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال قلت له أصلحك الله إنّا نخالط نفراً من أهل السواد فنقرضهم القرض و يصرفون إلينا غلّاتهم فنبيعها لهم بأجر و لنا في ذلك منفعة. فقال (عليه السلام): «لا بأس».

«4» عن إسحاق بن عمّار قال: قلت للإمام الكاظم (عليه السلام) الرجل يكون له عند الرجل المال قرضاً فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منفعة فيميله الرجل الشي ء بعد الشي ء كراهيّة أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة أ يحلّ ذلك؟ قال (عليه السلام): «لا بأس إذا لم يكن يشترط».

«5».

الربا و البنك الاسلامى، ص: 101

7- أورد الحلبي و هو أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) عنه (عليه السلام) أنّه قال «إذا أقرضت الدراهم ثمّ جاءك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط».

«1» 8- خالد بن الحجّاج قال سألت الإمام (عليه السلام) الرجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً قضانيها مائة وزناً؟ قال: لا بأس ما لم يشترط. و قال (عليه السلام): «جاء الرِّبا من قبل الشروط إنّما يفسده الشروط».

«2» 9- الحلبي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال سألته عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثمّ يعطي سوداً وزناً و قد عرف أنّها أثقل ممّا أخذ و تطيب به نفسه أن يجعل له فضلها. فقال (عليه السلام): «لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط».

«3» 10- قال أبو الربيع سألت الإمام الصادق (عليه السلام): عن الرجل أقرض رجلا دراهم فيردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه و قد علم المستقرض و القارض أنّه إنّما أقرضه

ليعطيه أجود منها. قال (عليه السلام): «لا بأس إذا طابت نفس المستقرض».

«4» النتيجة المتحصّلة من روايات الطّائفة الثّانية هذه أنّها تدلّ على جواز الزّيادة إذا كانت بدون شرط مسبق، و طبعاً هذا الجواز بالمعنى الأعم و الذي الربا و البنك الاسلامى، ص: 102

ينسجم مع غير الحرمة من بقيّة الأحكام الخمسة.

الطّائفة الثّالثة: الرّوايات الواردة في النهي عن إعطاء الزّيادة حتى بدون شرط مسبق

، مثل الرّوايات التالية:

1- الهذيل بن حيّان قال قلت للإمام الباقر (عليه السلام): إنّي دفعت إلى أخي جعفر مالا، فهو يعطيني ما أنفق و أحج منه و أتصدّق و قد سألت من قبلنا فذكروا أنّ ذلك فاسد لا يحلّ، و أنا أحبّ أن أنتهي إلى قولك. فقال (عليه السلام) لي: «أ كان يصلك قبل أن تدفع إليه مالك؟ قلت نعم: قال خذ منه ما يعطيك فكل منه و اشرب و حجّ و تصدّق، فإذا قدمت العراق فقل جعفر بن محمّد أفتاني بهذا».

«1» 2- يعقوب بن شعيب عن الإمام الصّادق (عليه السلام) قال سألته عن رجل يأتي خريفه و خليطه فيستقرض منه الدّنانير فيقرضه و لو لا أن يخالطه و يعارفه و يصيب عليه لم يقرضه. فقال (عليه السلام): «إن كان معروفاً بينهما فلا بأس، و إن كان إنّما يقرضه من أجل أنّه يصيب عليه فلا يصلح».

«2» و مفهوم الرّواية، أنّه إذا كان القرض مشروطاً بالهديّة فلا يجوز، و لكن بدونها لا مانع منه.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 103

3- إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (الإمام الكاظم (عليه السلام)) قال سألته عن رجل يرهن العبد أو الثوب أو الحُليّ أو المتاع من متاع البيت فيقول صاحب الرهن للمرتهن: أنت في حلٍّ من لبس هذا الثوب، فألبس الثوب و أنتفع بالمتاع و أستخدم الخادم؟ قال (عليه السلام):

«هو له حلال إذا أحلّه و ما أحبّ له أن يفعل».

«1» و هذه الرّواية تدلّ أيضاً على كراهة ذلك، فتكون محصّلة هذه الطائفة من الرّوايات أنّها تنهى عن الزّيادة، و يحمل هذا النهي بقرينة الرّوايات الأخرى على الكراهة.

الطّائفة الرّابعة: الرّوايات التي تقول: «أحسب هدية المقترض من جملة مال القرض»

، و في هذه الطائفة لا نجد سوى رواية واحدة، و هي رواية غياث بن إبراهيم و هي: محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال إنّ رجلا أتى عليّاً (عليه السلام) فقال: أنّ لي على رجل دين فأهدى إلىّ هدية. قال (عليه السلام): «احسبه من دينك عليه».

«2» و هذه الرّواية من حيث السند معتبرة «3»، و مفهومها واضح أيضاً، و أفتى الربا و البنك الاسلامى، ص: 104

بهذه الرّواية في تحرير الوسيلة، و ذهب إلى استحباب هذا العمل.

الجمع بين روايات الطّوائف الأربعة

من الواضح أنّ هناك شيئاً من عدم التلاؤم و الاختلاف بين هذه الطوائف الأربع من الرّوايات، لأنّه ورد في بعضها جواز الزّيادة و الهدية من قبل المقترض، و ورد في بعضها الآخر النهي عن ذلك، و في بعضها الآخر أنّه مستحب و في بعضها أنّه حرام أو مكروه.

و لنا طريقان للجمع بين هذه الرّوايات:

1- الرّوايات التي ترى استحباب الهديّة و الزّيادة، ناظرة إلى عمل المقترض، فعلى هذا يستحب للمقترض أن يعطي هديّة إلى صاحب المال، أمّا روايات الناهية عن ذلك، فتحمل على عمل المقرض، يعني أنّ صاحب المال لا ينبغي له أخذ هذه الهديّة، و هناك شاهد في متن هذه الرّوايات على هذا الجمع. و لكن هذه الطريقة من الجمع يعترضها مشكل، و هو أنّ الرّوايات (خير القرض) ظاهرة في استحباب هذا العمل في الأخذ و العطاء، فعلى هذا لا يتلاءم هذا الجمع المذكور مع هذه الطائفة من الرّوايات (فتأمّل).

الربا و البنك الاسلامى، ص: 105

2- الرّوايات الناهية ناظرة إلى بداية العمل، بأن ينوي أخذ الهديّة و الزّيادة و الفائدة

منذ البداية، بالرّغم من أنّه لم يرد هذا المعنى في متن العقد، أمّا الرّوايات التي ترى استحباب أخذ و إعطاء الهديّة، فهي ناظرة إلى ما إذا لم يكن نية المقرض أخذ الزيادة من بداية الأمر. «1» (11)

جواز أخذ الفائدة لمصلحة- المقترض-

اشارة

و هنا نصل إلى مسألة أخرى من المسائل المتعلّقة في هذا الباب (المسألة الرابعة)، و البحث فيها عن الفائدة للمقترض لا للمقرض (فتأمّل جيّداً).

جاء في كتاب تحرير الوسيلة للإمام الراحل (قدس سره): «إنّما يحرم شرط الزّيادة للمقرض على المقترض، فلا بأس بشرطها للمقترض كما لو أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي ثمانية، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤديها مكسورة، فما تداول بين التجّار من أخذ الزّيادة و إعطائها في الحوائل المسمّى عندهم بصرف البرات و يطلقون عليه على المحكي بيع الحوالة و شرائها إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم و أخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقل منه فلا بأس به، و إن كان بإعطاء الأقل و أخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلا في الرِّبا». «1» و خلاصة هذه المسألة أنّ حرمة شرط الزّيادة في القروض الرّبويّة منحصرةٌ في أن تكون الزّيادة في مصلحة المقرض و صاحب المال لا المقترض، فعلى هذا إذا أقرض شخصاً عشرة آلاف درهماً مثلا، و شرط

الربا و البنك الاسلامى، ص: 107

عليه أن يسدّد تسعة آلاف درهم عند الحول، فلا إشكال في ذلك، و لا يحسب من الرِّبا، و كذلك لو شرط جنساً بأوصاف أقل قيمةً ممّا كان.

ثمّ إنّ الإمام الراحل يستنتج جواز الحوالات البنكيّة المتعارفة، كأن يدفع إلى البنك عشرة آلاف درهم، على أن يستلم في بلد آخر تسعة آلاف و تسعمائة درهماً، بأن ينقص منه عشرة آلاف درهم لحساب البنك، نعم لو دفع

مبلغاً أقل إلى البنك أو إلى أحد التجّار على أساس الحوالة، بأن يدفع أكثر من ذلك في اللاحق، فهو ربا و حرام، أمّا ما ورد من كلمات الفقهاء و أدلتهم على هذه المسألة فسوف نستعرضها بالتفصيل:

كلمات الفقهاء
اشارة

فأولا: نستعرض كلمات الفقهاء في هذا المورد.

إنّ كلمات و آراء الفقهاء في مسألة اشتراط النفع على القرض واضحة و بيّنة، و هذه المسألة و هي عدم حرمة النفع للمصلحة المقترض من المسائل المسلّمة بين الفقهاء، و لا نجد لها مخالفاً معروفاً.

1- يقول صاحب الجواهر (قدس سره): «و لو كان الشّرط نفعاً للمستقرض دون المقرض، كما إذا اشترط إعطاء الغلّة عوض الصحاح، أو اشترط عليه أن يقرضه شيئاً آخر و نحو ذلك، جاز بلا خلاف و لا إشكال. نعم، احتمل في الدروس المنع في الثاني مع فرض النفع له، كما إذا كان زمان نهب أو غرق.

و فيه: أنّ مثله غير قادح، لا أقلّ من الشك في اندراج مثله تحت أدلّة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 108

المنع، و الله أعلم». «1» و خلاصة هذا الكلام هو أنّ وضع الشّرط بنفع المقترض لا إشكال فيه، سواءً كان بصورة مبلغ أقلّ، أو جنس أردأ، أو يشترط عليه أن يعطيه قرضاً آخر.

بعض الفقهاء كالمرحوم الشهيد في- كتاب الدروس- قال: لا يجوز هذا العمل في بعض الشرائط، مثلا إذا كان في زمان اشتدّ فيه الهرج و المرج و عدم الأمان، فيعطيه مائة ألف درهم، و يقول له: أقرضك هذا المبلغ، على أن تردّه عليّ بعد هدوء الزوبعة و استتاب الأمور تسعين ألف درهم، في حين أنّ هذا العمل في الحقيقة يصبّ في مصلحة المقرض، لأنّه قام في تلك الأوضاع المضطربة بحفظ أمواله، بالرغم من أنّه تنازل

عن مبلغ ضئيل منها، إلّا أنّه انتفع بذلك القرض. و لكنّ صاحب الجواهر بعد نقل هذا الكلام، قال: «بأنّ مثل هذه الأمور لا تمنع من صحة القرض هذا، و لا يعتبر من الرِّبا» و الحق معه، لأنّ صاحب المال استطاع بهذا العمل أن يحفظ أمواله من التلف، لا أنّه انتفع و ربح مبلغاً إضافياً.

2- يقول ابن قدامة الفقيه السنّي المعروف في- كتاب المغني-: «و إن شرط في القرض أن يوفّيه أنقص ممّا أقرضه و كان ذلك ممّا يجري فيه الرِّبا، لم يجز لإفضائه إلى فوات المماثلة فيما هي شرط فيه، و إن كان في غيره لم يجز أيضاً، و هو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، و في الوجه الآخر يجوز،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 109

لأنّ القرض جعل للرفق بالمستقرض، و شرط النقصان لا يخرجه عن موضوعه، بخلاف الزّيادة.

و لنا: أنّ القرض يقتضي المثل، فشرط النقصان يخالف مقتضاه، فلم يجز كشرط الزّيادة» «1».

و يستفاد من هذا الكلام أنّه هناك نظريتان بين علماء أهل السنّة:

الأولى: أنّ هذا القرض غير صحيح و غير مشروع، لأنّ طرفي القرض يجب أن يكونا متساويين، و ليسا هنا كذلك.

الثانية: أنّ هذا القرض هو من أجل مساعدة المستقرض، و شرط النقصان لا يضرّه بحال، بل يصبّ في دائرة مصلحته.

و النتيجة أنّه لا مخالف بين فقهائنا بين هذه الفتوى، سوى الشهيد الأول في الدروس، و لكن لم يوافق عليه سائر الفقهاء، لأنّ هذا الشّرط لا يجرّ المنفعة لصاحب المال، و أمّا بين فقهاء أهل السنّة فهناك نظريتان كما تقدم.

دليل القائلين بالجواز

يوجد هنا دليلان على أنّ شرط النقصان في القرض لا إشكال فيه:

1- قصور أدلّة الرِّبا بالنسبة لشمولها إلى هذه المسألة، لأنّ أدلّة الرِّبا تحرّم القرض الذي

يعود بالمنفعة على المقرض و صاحب المال، و هنا ليس الأمر كذلك، و هكذا بالنسبة إلى آيات القرآن المجيد الناظرة إلى تحريم الرِّبا، فهي ناظرة إلى أخذ الزّيادة، و كذلك روايات (تحريم الشروط) منصرفة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 110

إلى هذا اللون من الزّيادة.

و خلاصة المطلب، أنّ أدلّة تحريم الرِّبا الأعم من الآيات و الرّوايات و الإجماع لا تشمل شرط النقصان، بل إنّ جميعها ناظر إلى شرط الزّيادة. و على هذا الأساس يكون هذا القرض مشمولا لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و

(المؤمنون عند شروطهم)

و ليس فيه أي إشكال شرعي.

2- الرّواية الواردة في آخر باب من أبواب (الدين و القرض) في كتاب الوسائل، و التي ورد فيها: محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبان عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)

في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمّى، فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني من الذي لي كذا و كذا و أضع لك بقيته، أو يقول: أنقدني بعضاً و أهديك في الأجل فيما بقي. فقال (عليه السلام): «لا أرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً».

«1» أمّا سند هذه الرّواية فهو سند جيّد، لأنّ الشّيخ الصّدوق و أبان و محمّد بن مسلم الواردين في سند هذه الرّواية، هم من مشاهير الشّيعة، و سند الصّدوق إلى أبان صحيح أيضاً إذا كان المراد به أبان بن عثمان «2». و هذه الرّواية مع أنّها لا تشابه ما نحن فيه من البحث، لأنّ موضوعنا هو ما إذا كان الشّرط بنفع المقترض في ابتداء عقد القرض، و في هذه الرّواية ليس كذلك، بل إنّ صاحب المال يتنازل عن شي ء من ماله بعد انتهاء عقد القرض، و لكن بمعونة

الربا و البنك الاسلامى،

ص: 111

إلغاء الخصوصية يمكن ذلك قطعاً، يعني يمكن أن يقال: إنّه لا فرق في الشّرط بين أن يكون أول العقد، و بين أن يكون بعد تمام العقد، فيما إذا كان الشّرط يصبّ في مصلحة المقترض.

و النتيجة المتحصلة من هذين الدّليلين هو أنّه لا إشكال في الشّرط إذا كان بنفع المقترض.

سؤال هام:

إن شرط الربح في الرِّبا لمصلحة صاحب المال له دوافع معلومة و أهداف بيّنة، و لكن إذا شرط صاحب المال النفع للمستقرض، كأن يقول له أعطيك مائة درهم قرضاً إلى المدّة الفلانية، على أن تعيده لي ثمانين درهماً بعد تمام المدّة، فما الأمر الذي يصلح أن يكون دافعاً لصاحب المال على ذلك؟

و في الجواب على هذا السؤال: نقول: إنّ هذا العمل يمكن أن تكون له دوافع متعددّة، منها:

1- الدافع المعنوي، حيث يكون أحد البواعث المهمّة لمثل هذه القروض، مثلا أن يرى صديقه قد تورط في مشكلة و يحتاج إلى مائة ألف درهم للتخلص منها، و لكنّه و غير مستعد لاستقراض هذا المبلغ الكبير من المال، لأنّه يشك في إمكانية وفائه لهذا الدين، فهنا يقول له صاحب المال: خذ هذا القرض، ثمّ سدد مقداراً أقل حتى يمكنك الوفاء بالدين، و هذا في الواقع نوع من الإنفاق في سبيل الله.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 112

2- يمكن أن يكون الدافع هو حفظ المال و المنع من الضرر، كما في الأمثلة التي ذكرها الشهيد الأوّل في- كتاب الدروس- و نقلها عنه صاحب الجواهر، كأن تداهم البلد موجة من الاضطراب السياسي، و التزلزل الاجتماعي فلا يتمكن صاحب المال و الثروة من الاحتفاظ بأمواله و رأس ماله، فيعطيها إلى من هو أقدر منه على حفظها، بعنوان القرض، بشرط أن يعيدها إليه

بعد مدّة مع التنازل عن مبلغ من المال لصالح الشخص الثاني، هذا المعنى يجري أيضاً في أوقات الحروب، و عند إصابة البلد بالزلازل، و السيول، و الكوارث الطبيعية، حيث لا يستطيع أصحاب الأموال و الثروات الاحتفاظ بثرواتهم، فتكون هذه القروض بتلك الدوافع الماديّة منطقيّة و معقولة.

3- أن يكون الباعث على مثل هذا القرض النقل و الانتقال للثروة، (كما في المثال الوارد في متن تحرير الوسيلة)، كأن يريد أن ينقل أمواله من بلد إلى آخر، أو من مدينة إلى أخرى، فلو أنّه صحب معه أمواله لتعرّض إلى الأخطار أو المشاكل، و لذا فإنّه يقرضها لأحد التجّار على أن يسدّده بأقل منها في البلد الآخر، و بهذا الترتيب تنحل مشكلة حمل الأموال و نقلها من مكان إلى آخر، أو أن يتم هذا الأمر بواسطة البنوك و المصارف الموجودة.

4- أن يكون الباعث على هذا العمل هو امتلاك السند و الوثيقة، مثلا إذا أراد أن يضع مبلغاً كبيراً من المال و ثروة طائلة عند شخص، بعنوان أمانة و خاف أن ينكر عليه ذلك الشخص أمانته و يتنكّر له، فلذا يستخدم هذا الأسلوب و يضعها أمانة عنده بواسطة البنك، و يستلم منه سنداً بذلك،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 113

فبالرغم من أنّ البنك يخصم منه مبلغاً و يسلّم إلى ذلك الشخص مبلغاً أقل من الوديعة، إلّا أنّ صاحب المال مطمئن الفكر و مرتاح البال على أمواله و ثروته، لأنّه يمتلك سنداً في يده يقرّ له بهذا المال، فلذلك لا مانع من أن يقوم الإنسان بإقراض شخص آخر ذلك المبلغ، بشرط أن يأخذ منه أقل عند السداد.

ماهية و حقيقة (البروات).

هل إنّ البرات نوعٌ من القرض الحسن للتاجر أو البنك؟ كما ورد في متن تحرير

الوسيلة، أو أنّ البرات نوع من (الحوالة) التوأم مع الأجرة و نفقات الحمل و النقل؟

لا يبعد أن يقال: إنّ البرات ليست قرضاً، بل إنّها حوالة ترادف نفقات انتقال رأس المال، كما هو الحال في عرف السوق و البنوك في هذا العصر، حيث إنّهم لا يعتبرونها من القروض، بل هي نوع من الحوالة و الأجرة على انتقال الأموال، حين أنّ الوارد في تحرير الوسيلة، أنّها نوع من القرض الحسن سؤال: إذا كان البرات نوعٌ من الحوالة مرادفة لنفقات الحمل و النقل، فإنّ معنى ذلك أنّ المال سيكون لدى البنك بعنوان أمانة يوصله إلى الشخص الفلاني، و يخصم منه مبلغاً معيناً بعنوان الأجرة، في حين أنّنا نعلم أنّ البنك لا يعطي عين ذلك المال إلى الشخص المحال عليه، بل يقوم بتبديله و إعطائه من مال آخر.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 114

الجواب: نعم إنّه أمانة، و لكن هذه الأمانة ترافق الوكالة في التبديل، كأن يقول للبنك: إنّني أودع عندك هذا المال على أن توصله للشخص الفلاني، و أنت وكيلي في تبديل هذا المال و تحويله إلى الشخص المذكور و تبديله بمال آخر.

و الخلاصة: أنّ البرات هو نوع من الحوالة حسب الظاهر، و ليس قرضاً مشروطاً بالنقصان. (12)

هل إنّ القرض الرّبوي حرام، أم باطل؟

اشارة

و الآن تصل النوبة إلى المسألة الخامسة و هي: هل إنّ شرط الفائدة و الزّيادة في القرض يبطل عقد القرض من الأساس، أو إنّه شرط باطل، و يبقى أصل القرض سليماً؟ لقد جاء في تحرير الوسيلة: «القرض المشروط بالزّيادة صحيحٌ، لكن الشّرط باطل و حرامٌ، فيجوز الاقتراض ممّن لا يقرض إلّا بالزّيادة كالبنك و غيره مع عدم قبول الشّرط على نحو الجد و قبول القرض فقط، و لا يحرم إظهار قبول

الشّرط من دون جد و قصد حقيقي به، فيصحّ القرض و يبطل الشّرط من دون ارتكاب الحرام» «1».

و طبقاً لهذا البيان، فإنّ شّرط الرِّبا هو الذي يقع باطلا فقط، أمّا أصل القرض فصحيح، و في الواقع فإنّ في هذه المسألة أمرين:

الأوّل: أنّ صاحب المال في القرض الرّبوي يرتكب حراماً و إثماً، فهل إنّ الزّيادة و الربح هو الحرام و الباطل فقط، و لا شي ء في ذمة المقترض من ذلك، أو إنّ فساد هذا الشّرط يسري إلى أصل القرض، و يؤدي إلى بطلان الربا و البنك الاسلامى، ص: 116

القرض أيضاً؟ و بعبارة أخرى أنّ مثل هذا القرض الربوي له حرمة تكليفية، و حرمة وضعيّة أيضاً، يعني أنّه لا يستطيع الاستفادة من هذا القرض، و لا يحدث في هذه الصورة نقل و انتقال للمال من شخص إلى آخر.

و الأمر الآخر: أنّنا لو قلنا بأنّ الرّبح هو الحرام فقط، لا أصل القرض، فإنّ المقترض في القرض الربوي لا يوافق بصورة جدية على الشّرط قلباً، و إن وافقه عليه حسب الظاهر، ففي هذه الصورة يكون القرض صحيحاً و مشروعاً، و لكنّ الشّرط يقع باطلا، و بإمكانه أن لا يدفع مقدار الزّيادة، و لا إثم عليه حينئذ، فليست هناك حرمة تكليفية و لا وضعية.

و بعبارة أُخرى: أنّه بهذه الوسيلة تكون لديه حيلة شرعيّة للفرار من الرِّبا، و هي وسيلة سهلة و مريحة، فهو عند ما يستلم القرض الربوي، ينوي الاقتراض بصورة جديّة على أصل المال لا على الربح، ثمّ إنّه بإمكانه أن لا يدفع مقدار الربح إلّا أن يجبر على ذلك، فلو أجبر حينئذ فلا بأس عليه.

أمّا البحث الأوّل: فإنّ المشهور و المعروف بين الفقهاء من قديم الأيّام و لحدّ

الآن، أنّ شرط الربح يؤدي إلى بطلان أصل القرض أيضاً، و كما في الاصطلاح: أنّ الشّرط الفاسد مفسد هنا أيضاً، بالرغم من أنّ الإمام في تحرير الوسيلة لم يقبل هذا الرأي.

كلمات الفقهاء في هذا المجال:

1- قال في الرياض «1»: «إنّ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف- بل الربا و البنك الاسلامى، ص: 117

في المسالك و عن السرائر الإجماع عليه- فساد القرض مع شرط النفع، فلا يجوز التصرف فيه و لو بالقبض، و معه و مع العلم يكون مضموناً عليه كالبيع الفاسد للقاعدة المشهورة: «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» خلافاً لابن حمزة فجعله أمانة» «1».

و مضمون هذا الكلام هو أنّ ظاهر كلمات الفقهاء عموماً أنّ القرض الربوي باطل، يعني أنّه لا يستطيع الاستفادة من أصل القرض أيضاً، بل إنّ الوارد في كتاب- المسالك و السرائر- هو ادّعاء الإجماع، و اتفاق العلماء، إلّا ما كان من الفقيه المعروف- ابن حمزة- حيث نقل مخالفته لذلك. و الجدير بالذكر أنّ ابن حمزة لم يخالف المشهور في أصل فساد القرض، بل إنّه بعد القول بفساد القرض، قال: هل إنّ المقترض ضامن لأصل المال أم لا؟ فإنّه في هذه المسألة يخالف المشهور. (فتأمّل).

2- قال صاحب الجواهر (رضي الله عنه)، بعد نقل أصل المسألة و القول بأن الشرط الفاسد مفسد، و بعد نقل الإجماع من بعض الفقهاء: «فما عن ابن حمزة من أنّه أمانة، ضعيف و أضعف منه توقف المحدّث البحراني في ذلك مدّعياً أنّه ليس في شي ء من نصوصنا ما يدلّ على فساد العقد بذلك، بل أقصاها النهي عن الربا و البنك الاسلامى، ص: 118

الاشتراط، و الخبر النبوي ليس من طرقنا» «1».

3- أمّا في الأوساط الفقهيّة لدى أهل السنّة، فقد نقل عن الشافعي

أنّه قال: «إذاجرّ نفعاً للمقرض يكون فاسداً و مفسداً» يعني أنّ الشّرط إذا جرّ نفعاً لصاحب المال، فمضافاً إلى بطلانه و فساده، يؤدي إلى فساد أصل العقد أيضاً. «2» و النّتيجة هي أنّ المشهور من علماء الشّيعة ذهبوا إلى أنّ الشّرط الربوي مفسد لعقد القرض، ما خلا القلّة من الفقهاء، مثل صاحب الحدائق «3».

و لعلّ ظاهر فتاوى أهل السنّة كذلك أيضاً.

الأدلة على بطلان القرض الربوي:
اشارة

يمكن الاستدلال على فساد و بطلان القرض الربوي بدليلين:

1- القاعدة العقلائية، (العقود تابعة للقصود)

و التي أمضاها الشارع، و توضيح ذلك أنّ الشخص المقرض للقروض الرّبويّة، شرط الزّيادة الرّبويّة في عقد القرض، و هذا العقد و هذه المعاملة إمّا أن تكون بأجمعها و بشرطها و شروطها صحيحة، أو تكون باطلة كذلك، و من الواضح أنّها ليست كلها صحيحة، لأنّها مشروطة بالزّيادة الرّبويّة المحرّمة، فلا بدّ من القول إنّ هذه المعاملة باطلة بأجمعها، فيقع الشّرط باطلا و حراماً، و كذلك يبطل معه أصل الربا و البنك الاسلامى، ص: 119

العقد أيضاً.

و أمّا القول بالتفصيل بين أصل العقد و الربح، بمعنى أن يكون الربح باطلا فحسب و يسلم أصل العقد، فلا محلّ له من الإعراب هنا، لأنّ قصد المقرض في هذه الصورة و هو القرض المشروط بالرِّبا لم يقع، و ما وقع- و هو القرض بدون الشّرط- لم يقصده صاحب المال و لم يقبل به «1»، في حين أنّ كلّ العقود تابعة للقصود، و نيّة طرفي المعاملة، فطبقاً لهذه القاعدة العقلائيّة يقع الشّرط باطلا و حراماً، و كذلك يبطل معه أصل القرض.

(سؤال:) إنّ المشهور و المعروف بين العلماء و الفقهاء في باب الشّرط الفاسد، هو أنّ الشّرط الفاسد لا يؤدي إلى فساد المعاملة، فلما ذا قلتم أنّ هذا الشّرط مفسد للمعاملة و موجب لبطلانها؟

(الجواب:) نعم، نحن أيضاً نقول إنّ الشّرط الفاسد لا يؤدّي إلى فساد العقد و المعاملة، مثلا إذا تمّ عقد البيع و اشترط المشتري في ضمن العقد على البائع أن يعطيه مقداراً من الخمر، فهنا يقع هذا الشّرط فاسداً و باطلا، و لكنّه لا يؤدي إلى بطلان أصل المعاملة و العقد، بل يقع البيع صحيحاً، دون الشّرط الذي يقع باطلا. و

لكنّ الشّرط الفاسد في بحثنا هذا يختلف عن المثال المذكور في البيع الربا و البنك الاسلامى، ص: 120

اختلافاً مهمّاً، و هو أنّ العلّة في قولنا: إنّ الشّرط الفاسد غير مفسد للعقد هو قاعدة: تعدد المطلوب، حيث اجتمع هنا إنشاءان في عقد واحد، فما كان من إنشاء للشرط يقع باطلا، و لكنّ إنشاء أصل العقد لا إشكال فيه، و يترتب عليه آثاره من انتقال الملكيّة.

و توضيح ذلك: أنّ العقود التي شرط فيها شرطٌ باطلٌ كالخمر، يوجد فيها مدلولان و أمران، أحدهما: أصل المعاملة، و الآخر: كأس الخمر، و العقد لا يؤثر في ترتب الأثر على الشّرط الباطل المذكور، و لكنّه يؤثر في صحة أصل المعاملة، لأنّ هنا يتعدد المطلوب و المراد، بحيث يمكن القول بالتفكيك بينهما، و من هذه الجهة فإنّ خيار تخلف الشّرط يبقى محفوظاً للبائع.

و في الأمثلة الأخرى مثل بيع الخمر مع الخل، أو بيع ما يملكه مع مال الغير- و كما يصطلح عليه: بيع ما يُملك و ما لا يُملك «1»- و بيع ما يَملك و ما لا يَملك. «2» فيكون هذا المطلب كما ذكرنا، يعني من قبيل تعدّد المطلوب و المراد، فلذا يقع البيع صحيحاً بالنسبة إلى ما يملك- أي الخل، و في الوقت الربا و البنك الاسلامى، ص: 121

نفسه لا تسري الصحة و المشروعية إلى (ما لا يملك)- و هو الخمر، و كذلك البيع يكون صحيحاً في ماله، و باطلا في مال الغير.

و الخلاصة، أنّ الموارد المذكورة أعلاه تتضمن رغبة المشتري في أن يملك كلا الأمرين، في حين أن أحدهما مشروع، و الآخر غير مشروع، فالمعاملة صحيحة و نافذة بالنسبة إلى ما يكون مشروعاً، و باطلة بالنسبة إلى غير المشروع. و

هكذا الكلام بالنسبة إلى الشّرط الفاسد، فإذا لم نقل بأنّ الشّرط الفاسد غير مفسد للعقد فإنما هو من جهة دخوله تحت قاعدة تعدّد المطلوب، و لكنّ هذا الكلام لا يجري في مسألة القرض الربوي، فلا معنى هنا للقول بتعدد المطلوب، يعني أنّ المقرض ليس له مرادان و مطلوبان و هما:

1- أصل القرض قربةً إلى الله تعالى.

2- الحصول على الربح لتحقيق مآربه الشيطانية، بل إنّ هدفه واحد لا أكثر و هو أخذ الرِّبا و الفائدة على القرض، فلو لم يكن ربح في البين، فلا أحد من المرابين يجد من نفسه تعاطفاً مع الناس و ميلا إلى إقراضهم في سبيل الله، و هذا هو أفضل شاهد على عدم تعدد المطلوب في هذه المسألة، بل هناك وحدة المطلوب، و بعبارة أخرى: أنّ الركن الأساس و الهدف الأصل في القرض الربوي هو الرِّبا، لا القرض لوحدة، و لذا فإنّ الرِّبا إذا وقع باطلا و فاسداً، فإنّه يبطل معه أصل القرض أيضاً. و لهذا السبب فإنّ أغلب العلماء الذين بحثوا في تلك المسألة و ذهبوا إلى أنّ الشّرط الفاسد لا يفسد العقد، ذهبوا إلى أنّ فساد الشّرط يفسد العقد في الربا و البنك الاسلامى، ص: 122

مسألة القروض الرّبويّة. و يشير صاحب الجواهر (قدس سره) إلى الاختلاف بين مسألتين بدون توضيح و بيان لذلك، حيث يقول: «نعم يبنى فساد العقد على المسألة السابقة و هي اقتضاء فساد الشّرط، و قد عرفت الخلاف و إن كان ظاهرهم هنا عدم كون البطلان هنا مبنياً على ذلك» «1».

و النتيجة أنّه طبقاً لمقتضى القاعدة العقلائية التي تقول (العقود تابعة للقصود) فإنّ شرط الزّيادة في القرض يوجب بطلان أصل القرض أيضاً، و هذه المسألة تختلف عن

مسألة الشّرط الفاسد، تفاوتاً أساسيّاً.

كل منفعة في القرض ربا

الدّليل الثاني على بطلان العقد و الشّرط معاً هو الرّوايات التي تصرّح بأنّ كلّ قرض جرّ منفعةً فهو فاسد و حرام، و هذه الرّوايات ذكرت في المصادر (الخاصّة) و (العامّة)، و يستفاد من مجموعها أنّ القرض يجب أن يكون بصورة مشروعة و إسلاميّة و خالياً من كلّ إضافة و زيادة، سواء كانت من جنس القرض و غيره، و كذلك كلّ شرط في القرض فيه نفعٌ و ربحٌ للمقرض فهو ممنوع و حرام. و حتى مسألة التضخم و ارتفاع و انخفاض القدرة الشرائيّة لا يمكنها أن تكون مؤثّرة في تصحيح هذه المعاملة. «2»

الربا و البنك الاسلامى، ص: 123

و هذه الرّوايات كما يلي:

1- الحديث النبوي الذي استدلّ به الكثير من الفقهاء على ذلك، و الواردة عن أحد الأصحاب و يدعى فضالة بن عبيد قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال «كلّ قرض جرّ منفعةً فهو وجهٌ من وجوه الرِّبا»

«1». و ظاهر هذه الرّواية أنّ مجموع القرض و الشّرط الربوي حرام لا الشرط و الزيادة فقط. و بعبارة أخرى كلّ القرض باطل لا أن الرّبح باطل فقط مع صحة أصل القرض.

2- و نقرأ في حديث آخر عن يعقوب بن شعيب عن الإمام الصادق (عليه السلام)

«سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً. قال (عليه السلام): «لا يصلح، إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً فلا يصلح»

«2». ففي هذا الحديث الشريف وقعت المعاملة بأجمعها من القرض و الشّرط محلُّ رفض و عدم قبول، لا الربح فقط، لأنّ ظاهر الكلام أنّ فاعل (يصلح) هو «كلّ قرض ربوي». و طبعاً إذا كانت جملة (لا

يصلح) تعني التحريم، فإنّ معنى الرّواية هو أنّ القرض الذي شرطت فيه الزّيادة الرّبويّة يقع حراماً، و إذا كانت بمعنى الكراهة يكون المراد من الرّواية هو أنّ أخذ الزّيادة بالنسبة إلى المقترض في الربا و البنك الاسلامى، ص: 124

المعاملة التي لم يشترط فيها شرطاً ربويّاً على المقترض، بل أعطى تلك الزّيادة لصاحب المال عن طوع و رغبة مكروه، (و في هذه الصورة الثانية لا ترتبط هذه الرّواية بما نحن فيه، إلّا أن يستفاد من مفهوم الرّواية).

3- جاء في كتاب- دعائم الإسلام- عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه سئل عن الرجل يسلم في بيع عشرين ديناراً على أن يقرض صاحبه عشرة (دنانير) أو ما أشبه ذلك. قال (عليه السلام)

«لا يصلح ذلك لأنّه قرضٌ يجرّ منفعةً»

«1». و مضمون هذه الرّواية هو نفس تلك الرّواية السابقة التي تقول كلّ قرض يجرّ منفعةً فهو حرام و ممنوع، و لا ينحصر الأمر في الشّرط فقط، (هذا إذا كان المقصود من جملة لا يصلح هو الحرمة).

4- و كذلك ورد في ذلك الكتاب عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال «كلّ قرض جرّ منفعةً فهو ربا»

«2». ففي هذه الرّواية لا يقول الإمام الباقر (عليه السلام) إنّ ربح هذه المعاملة هو حرام فقط، بل يقول إنّ كلّ قرض ربوي حرام.

و النتيجة: أنّ مقتضى هذه الرّوايات هو أنّ كلّ قرض ربوي فاسدٌ و باطلٌ، فلا يحدث أيّ نقل و انتقال للملكيّة، و لهذا السبب يجب على المقترض أن يرجع المال لصاحبه فوراً، و إلّا فهو ضامنٌ.

و لو فرضنا أنّ الرّوايات أعلاه لا تدلّ دلالةً صريحة على المراد، إلّا أنّها

الربا و البنك الاسلامى، ص: 125

يمكن أن تكون مؤيّدة للدليل الأوّل على الأقل. و نقول لصاحب

الحدائق الذي لم يقبل هذه الرّوايات «1»: إنّك لو لم تقبل بهذه الرّوايات، فلا بدّ من قبول (الإجماع)، لأنّ الإجماع مع عدم قبول الرّوايات، لا يكون إجماعاً مدركيّاً، و لذا فهو حجّة. «2» و المحصّل من هذين الدّليلين المذكورين، هو أنّ شرط الزّيادة في القرض لا يبطل الزّيادة فحسب، بل يؤدي إلى فساد أصل القرض أيضاً.

طريق التخلّص من الرِّبا

البحث الثّاني: على فرض قبولنا أنّ فساد الشّرط لا يسري إلى أصل العقد و لا يبطله، فهل يستطيع المقترض أن يأخذ أصل المال من دون قبوله بصورة جدّيّة للشرط، بل يقبله بصورة ظاهرية فقط، ثمّ يسدّد لصاحب المال أصل القرض دون الزّيادة، و بذلك ستنحلّ المشكلة في هذا النوع من المعاملات؟ فهل إنّ قبول الشّرط الربوي بصورة ظاهرية، لا يؤدي إلى الربا و البنك الاسلامى، ص: 126

ارتكاب الحرمة التكليفية؟ جاء في كتاب تحرير الوسيلة: أنّ المقترض يمكنه ذلك، و ليس فيه ارتكاباً لمحرّم، لأنّه لم يقصد الزّيادة الرّبويّة بصورة جدّيّة، بل قصدها بشكل ظاهري، فلا يدخل هذا المورد ضمن دائرة التحريم. و لكنّ هذا الكلام لا يخلو من تأمّل من جهتين:

الأولى: أنّ المقرض لو أعطى المال بشرط الزّيادة الرّبويّة، و قبل به المقرض من دون قبول الشّرط، فإنّ المعاملة لا تنعقد أساساً، لأنّ الفقهاء ذكروا في بحث المعاملات أنّ الإيجاب و القبول يجب أن يكونا مترتبين على موضوع واحد، حتّى يحصل التأثير للعقد «1». و من ذلك ورد قولهم: (تطابق الإيجاب و القبول)، و بعبارة أوضح: أنّ كلا الطرفين يجب عليهما إمضاء هذا السند بالكامل. مثلا، لو فرضنا أنّ البائع في عقد البيع قال: بعت بيتي بالمبلغ الفلاني نقداً، و قال المشتري: قبلت بالمبلغ المذكور و لكن نسيئةً، فلا

تقع هذه المعاملة صحيحة و نافذة، لأنّه لم يحصل اتفاق بين الطرفين على المنظور الذهني للعقد. و حتّى في الموارد التي يكون فيها الشّرط الفاسد غير مؤثّر في العقد، فإنّ هذا اللون من الإيجاب و القبول في العقد لا يقع نافذاً، مثلا: إذا قالت الزوجة في عقد النكاح: إنّني أقبل الزواج منك بشرط أن يكون اختيار الطلاق بيدي، و يقول الزوج: قبلت بدون هذا الشّرط المذكور، فإنّ عقد

الربا و البنك الاسلامى، ص: 127

النكاح يقع باطلا، فالزوج يجب عليه أن يقبل النكاح بذلك الشّرط حتّى يكون الإيجاب و القبول مؤثرين في إنفاذ العقد و صحته، و لكن بما أنّ الشرع المقدّس رفض الاعتراف بهذا الشّرط و ذهب إلى بطلانه، فلذا نقول: إنّ الشّرط الفاسد لا يفسد العقد «1»، و لكن على كلّ حال يجب أن يتوارد الإيجاب و القبول على موضوع واحد. و بكلمة، أنّ عقد القرض الربوي هذا لم يتوارد فيه الإيجاب و القبول على أمر واحد، بل على أمرين، فإنّ المقرض أوقع إيجابه بشرط الربح و الزّيادة، و قبله المقترض بدون شرط الزّيادة، فلذا لا يقع العقد نافذاً. إذاً فلا شكّ في ضرورة وقوع العقد- أي الإيجاب و القبول- على أمر واحد، و ليس كذلك فيما نحن فيه لأنّ المقرض أعطى ماله بشرط الزّيادة و قصد ذلك، أمّا المقترض فكان قصده الجدّي وارداً على أصل المال لا الشّرط.

2- الإشكال الثاني هو أنّ إظهار هذا المطلب يعني قبول المقترض للشرط الربوي بشكل صوري لا بشكل جدّي و بدون اعتقاد قلبي بذلك يعتبر نوعاً من التدليس، حيث أنّه يقول لصاحب المال: إنّني قبلت قرضك لي مع الزّيادة، و لكن بعد أن يستلم القرض، يقول لم يكن

لي قصد جدّي بالنسبة إلى الزّيادة، ألا يكون ذلك نوع من التدليس و الحيلة؟ حيث إنّه أخذ المال من مالكه بشكل من أشكال الحيلة و الخداع. فعلى هذا يكون أخذ المال بهذه الصورة حراماً، و تكون النتيجة أنّ الفرار من الرِّبا بهذه الوسيلة يفتقد إلى المشروعية. (13)

أطروحة البنك- اللاربوي-

اشارة

تقدم في الأبحاث السابقة خمس مسائل مهمّة تعتبر العمدة في مسائل تحريم الرِّبا مع أدلّتها المذكورة، و نستعرض في هذا الفصل مسألة البنوك و المصارف في عصرنا الحاضر، و إشكاليات النشاط الاقتصادي في هذه المراكز المالية المهمّة.

الغرض من تشكيل البنوك

تعتبر البنوك و المعاملات البنكيّة من الثوابت الضرورية في اقتصاد البلدان في عصرنا الحاضر، و من الخطأ بمكان أن يتصور أحد أنّه بالإمكان حذف البنوك و الاستغناء عن دورها الاستراتيجي في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية للشعوب و المجتمعات البشرية، لأنّه لو لا وجود البنك لأمست إدارة عجلت الاقتصاد في الحواضر المعاصرة ضرباً من المحال، و لتوقفت جميع المشاريع الاقتصادية و واجهنا مشكلات كبيرة في هذا المجال. فعلى هذا لا يصح، بل لا يمكن حذف البنوك من الحياة الاقتصادية، و علينا مسئولية إصلاحها و أسلمتها حيث لا ملازمة بينهما، بل هما أمران الربا و البنك الاسلامى، ص: 129

منفصلان.

خدمات البنوك اللاربوية
اشارة

يستطيع البنك السليم من الربا و الذي يقوم على أُسُس صحيحة و مشروعة تقديم خدمات كبيرة إلى أفراد المجتمع، و يكون باعثاً على تحريك عجلة النشاطات الاقتصادية الصغيرة و الكبيرة في المجتمع، هنا سبعة ألوان من الخدمات المهمّة التي يستطيع البنك تحقيقها و تقديمها إلى الناس. «1»

1- مكانية البنك لحفظ أموال الناس:

كان الناس في الأزمنة الغابرة مضطرين إلى حفظ رءوس أموالهم في البيوت، و هذا الأمر لا يعدّ عسيراً على من يملك رأس مال صغير و قليل، و لكنّ من يمتلك ثروة متوسطة أو كبيرة سيعاني من مشكلة حقيقة في الحفاظ عليها، و قد يؤدي به الأمر إلى السقوط في دوامة القلق المزمن على ثروته، و لهذا يضطر أحياناً بدفن رأس ماله و ثروته هذه في أعماق التراب، و تارةً يقوم بدسّها في جدار سميك، أو بإخفائها في سقف البيت و غير ذلك، و الخلاصة أنّه يعيش في خوف دائم و اضطراب مزمن من أجل الحفاظ على ثروته و الاطمئنان على سلامتها، و لا ينتهي الأمر بالخوف على المال الربا و البنك الاسلامى، ص: 130

فحسب، بل إنّه يخاف على نفسه أيضاً، لأنّه يعرّض نفسه أحياناً إلى الخطر من أجل الدفاع عن أمواله. و من هنا أخذ الإنسان يفكر في حلّ لهذه المشكلة، بأن يقوم جميع الأفراد الأثرياء بجمع ثرواتهم و أموالهم في مكان واحد، ليتسنّى لهم المحافظة عليها بشكل أفضل و أقوى، و هذا المكان هو (البنك) الذي يتمّ المحافظة عليه بوسائل مختلفة من قبيل الحرس، و الصناديق الحديدية لحفظ الأموال، و التجهيزات الإلكترونية للإنذار المبكر و غير ذلك، و بهذا سوف يطمئن أصحاب الأموال على سلامة ثرواتهم، و لو لم يكن لتشكيل البنك غايةً سوى هذه الفائدة الكبيرة

لكفى في الحكمة من إيجاد البنوك.

2- البنك آلة مطمئنة لنقل الأموال:

إحدى الغايات لتأسيس البنوك هو النقل السريع و المطمئن للأموال، لتنفيذ العقود التجارية و المعاملات السوقيّة، فلو لم يكن هناك بنك لنقل الأموال لواجهنا مشاكل كبيرة في المعاملات التجارية بصورة عامّة، فلو فرضنا أنّه باع منزلا بمبلغ ثلاثين مليون ديناراً لأحد الأشخاص، و أراد حساب المبلغ المذكور و نقله إلى ملكيّة البائع، فهنا سيواجه مشكلة حقيقيّة في ذلك، فإنّ حساب هذا المبلغ الضخم من الأموال قد يستغرق الساعات أو الأيّام، و لكن مع وجود البنوك تيسّرت هذه العمليّة بصورة سريعة و مطمئنة، فإنّ المشتري الذي لديه حساب مصرفي في البنك، سيقوم حينئذ بكتابة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 131

صك بمبلغ ثلاثين مليون دينار، و هكذا تتمّ المعاملة بهذه السهولة، و يتقبّل البائع هذا الصك و يضيفه إلى حسابه الخاص، و تتمّ عمليّة النقل و الانتقال بدقيقة واحدة و بيسر و سهولة، دون أن يكون هناك خطر و ضررٌ و تحمّل نفقات إضافيّة، و من دون أن يقوم أحدٌ بتعداد النقود الورقيّة، أو يتحمّل نقل الأموال من هنا إلى هناك. فلو لا وجود البنوك في دائرة الحياة الاقتصاديّة في عالمنا اليوم لتوقفت عجلة الاقتصاد واقعاً، أو أنّها ستواجه مشكلات كبيرة، و هذا الغرض و الغاية تكفي لوحدها أيضاً لتشكيل و تأسيس البنوك.

(سؤال:) إنّ ما ذكرتم من السببين أو الأسباب و الغايات من تشكيل البنوك يفيد ضرورة تشكيل البنوك للأثرياء و المتموّلين من الناس، و لكنّ ما فائدة البنوك بالنّسبة لعامة النّاس؟

(الجواب:) أوّلا: أنّ الثروات الكبيرة لا تنحصر بملكيّة الأثرياء فقط، بل إنّ بيت مال المسلمين و ثروات الدّولة و الأموال المتعلّقة بملكية المجتمع أيضاً تدخل في دائرة خدمات البنك هذه، فإنّ

البنوك تقوم بحفظ أموال بيت المال، و الثروات، و رءوس الأموال للمؤسسات المرتبطة بالدّولة و الوجوه الشرعيّة و. و كذلك المعاملات المرتبطة بها.

ثانياً: أنّ وجود البنوك يؤثّر تأثيراً إيجابياً و مفيداً في حفظ الثروات الصغيرة و المتوسطة لعامّة الناس، و مساعدتهم كذلك في تنفيذ المعاملات الربا و البنك الاسلامى، ص: 132

من هذا القبيل.

3- البنك وسيلة جيّدة لنقل الأموال بين المدن و البلدان:

لو أردنا نقل رءوس الأموال من مدينة إلى مدينة، أو من بلد إلى بلد، أو من قارّة إلى قارّة أخرى، ففي حالة عدم وجود نظام البنوك فسوف تتجلّى المشكلة في عقود المعاملات و المبادلات المبرمة بين المدن و البلدان. أمّا في الزمان السابق حيث لم تكن هناك بنوك و مصارف لأداء هذه المهمّة كانت مشكلات التّبادل التّجاري و صعوبات الحياة الاقتصاديّة تتجلّى في السّرقات، و قطع الطرق على القوافل، و الغارات و حوادث القتل الكثيرة، و الفجائع التي تكتنف عمليّة نقل الأجناس و البضائع و الثروات في الطرق التّجاريّة، مضافاً إلى أنواع الاضطراب النّفسي و القلق و التّوجّس الذي يتزامن مع عمليّة نقل الأموال و الثّروات. و في عصرنا الحاضر، فإنّ البنوك تقوم بهذا الدّور المهم باتصال هاتفي بسيط و بدون أي نقل و انتقال للأموال و الثروات، فأضخم العمليّات التّجاريّة من شرق العالم و غربه تنجز في لحظات من دون تراكمات سلبيّة على الصعيد الاقتصادي و النّفسي للأفراد، و تتمّ الفعاليّات الاقتصاديّة بسرعة و سهولة و اطمئنان كبير.

4- البنوك محل جمع الثّروات و رءوس الأموال الرّاكدة:

إنّ كلّ فرد من أفراد المجتمع يمتلك مقداراً من رأس المال القليل أو المتوسط أو الكثير، و هذه الثّروات المتناثرة تكون في الغالب راكدة و مجمّدة دون الاستفادة منها و من قدرتها على تحريك عجلة الاقتصاد، مضافاً الى أنّ التّجار و أرباب الصنائع يقومون عادةً بتجميد حصّة من رءوس أموالهم عند الحاجة و الضرورة كاحتياط و رصيد مطمئن لرفدهم بالنّقد في ساعة المحنة و الحوادث غير المتوقعة. و كيف كان فإنّ هذه الأموال المتفرقة في أيدي الناس تشكل مبلغاً باهظاً و ثروةً تبلغ المليارات، و لكنّها معطّلة و مجمّدة و غير مستثمرة في خدمة المجتمع. و

عند ما يقوم البنك بجمع هذه الأموال المتفرقة و المشتتة و الراكدة في مكان مركزيٍّ واحد، فإنّه سيخلق منها قوّةً عظيمة و قدرةً خلّاقة في سبيل الاستفادة منها بالطرق السليمة، و سينتج عنها خدمات جدا عظيمة و مثاليّة للمجتمع البشري. فعلى هذا الأساس، فإنّ تجميع الأموال و الثّروات الراكدة و المشتتة و تبديلها و تحويلها إلى رأس مال عظيم ينتفع به في شتّى مجالات الحياة، هو أحد الخدمات الكبيرة و السّليمة للبنوك. و لو دققنا النّظر في هذه المسألة أكثر لتوصلنا إلى نكات جديدة في هذا المجال، حيث إنّ المالك الأصلي لأموال و ثروات النّاس في الواقع هو البنك، لأنّ النّاس يتعاملون دائماً مع الصّكوك المصرفيّة، حيث يضعون أموالهم الربا و البنك الاسلامى، ص: 134

النّقديّة في البنوك، فيستطيع البنك من خلال ذلك أن يعمل على ترشيد هذه الأموال و استغلالها و استثمارها في المشاريع النّافعة و الإيجابية. و لا بدّ لمديريّة البنوك من معرفة المقدار الذي تضعه كاحتياطي من أموال النّاس، و المقدار الذي توظفه في النّشاطات الاقتصاديّة، مثلا تجعل عشرين بالمائة منها كاحتياطي البنك، و تستثمر ثمانين بالمائة منها في مختلف النّشاطات الاقتصاديّة كاستثمارات مربحة، و لو أنّ البنوك قامت باستثمار هذه الأموال و الثّروات العظيمة في خدمة المجتمع و لم تلحظ مصالحها و منافعها الشخصيّة و ذلك عن طريق تخطيط علميّ دقيق يصبّ نتائجه في النّاس، لكان ذلك إحدى الخدمات الكبيرة جدّاً في سبيل تأمين منافع النّاس عموماً.

5- النّشاطات الاقتصاديّة مع رءوس أموال الآخرين

قد نجد في المجتمع الكثير من الأشخاص الذين يمتلكون رءوس أموال (قليلة أو كثيرة) و لكن ليست لهم القدرة على استثمارها و الاستفادة منها، و ذلك لأحد الأسباب:

1- عدم القدرة النّفسية على إدارة المشاريع و

الاستثمارات الاقتصاديّة.

2- الكهولة و كبر السّن و الضعف الجسماني.

3- المرض و عدم التّمتع بالسلامة البدنيّة و الصحة الكاملة.

4- صغر السّن و عدم النّضج الفكري و الرشد العقلي، كاليتامى الذين الربا و البنك الاسلامى، ص: 135

ورثوا ثروات آبائهم، و أمثال ذلك.

فهنا يستطيع البنك اللاربوي أن يؤدي خدمة جليلة لمثل هؤلاء الأفراد، بأن يستلم أموالهم و ثرواتهم و يتاجر بها على شكل عقود مضاربة أو غيرها من العقود الإسلاميّة، فيأخذ قسطاً من الأرباح المترتبة على هذه المعاملات لصالحه، و يعطى الباقي من الأرباح لأصحاب هذه الأموال، و بهذا سوف تخرج رءوس الأموال من ركودها، و توفّر لأصحاب هذه الثّروات رافداً مالياً يحلّ مشكلتهم، و من جهة أخرى سوف يتمّ التّغلب على ظاهرة تحلّل هذه الأموال، و ضعف قدرتها السوقيّة. و من الواضح أنّ كلّ واحدة من هذه الخدمات و الغايات المهمّة، تصلح أن تكون سبباً كافياً في إنشاء البنوك و حمايتها.

6- إعطاء التّسهيلات الماليّة المصرفيّة لأرباب الأعمال:

هناك بعض الأشخاص على عكس ما ورد في المسألة أعلاه، يعني أنّ هؤلاء الأشخاص لهم القدرة و التدبير اللازم و النّشاطات الاقتصاديّة في مجال الإنتاج و التوليد الاقتصادي و التّجارة، و لديهم التّخصّص العلمي في مجالات التّجارة و الزّراعة و الصّناعة من دون أن يكون لديهم الرّصيد المالي لاستثماره في مثل هذه الفعاليّات و النّشاطات الاقتصاديّة، فهنا يقدّم البنك التّسهيلات الماليّة اللازمة كاعتبارات لمثل هؤلاء الأفراد، و يكون باعثاً على تحقيق أرباح للودائع الماليّة و ترشيد الحركة الاقتصاديّة في مجالات الربا و البنك الاسلامى، ص: 136

مختلفة، و كذلك تعود بالربح على البنك من جهة، و هؤلاء المستثمرين من جهة أخرى. و هذا الأسلوب من النّشاط الاقتصادي يصبّ في خدمة المجتمع من أوجه عديدة، و يثري الحركة

الاقتصاديّة، و يوجد فرص العمل للأفراد العاطلين، بشرط أن يكون تحرّكاً مدروساً و مستوعباً للمعادلات الاقتصاديّة، و يسير وفق برنامج منظم و دقيق، و تخطيط منسجم في هذا السبيل.

7- السّياسة الماليّة للدّولة:

و أخيراً، فإنّ سابع الأغراض من الأغراض المهمّة لتشكيل البنوك، هو مسألة تخطيط و رسم السّياسة الماليّة للدّولة، و السّيطرة على التضخم المالي و معالجة القفزات الاقتصاديّة عند الضرورة، فمن الواضح أنّ وجود الفائض النّقدي في أيدي النّاس يؤدي إلى بروز عوارض التضخم الاقتصادي «1»، لأنّ وفرة الأموال توجب زيادة القدرة الشّرائية للأفراد، و حينئذ يزداد الطلب و تتنوّع الحاجات للأجناس و البضائع المختلفة، فينهار التعادل بين العرض و الطلب، فيؤدي ذلك إلى غلاء الأسعار و ارتفاع القيمة، و يؤدي ذلك بدوره إلى الإضرار بمختلف الفئات الاجتماعيّة، و خاصّةً الفئة المستضعفة

الربا و البنك الاسلامى، ص: 137

و المحرومة في المجتمع، هذا من جهة. و من جهة أخرى، فإنّ نقصات الأموال و فتور السيولة النّقديّة لدى النّاس يؤدي إلى الإضرار بمجمل الإنتاج الاقتصادي و عرقلة تقديم الخدمات لأفراد المجتمع، لأنّ الطلب سوف يتناقص، و في مقابل ذلك يزداد العرض، لتوفر الأجناس و الخدمات الفائضة على الطلب الفعلي، و هذا الأمر يؤدي إلى انخفاض القيمة، و يرخص الأسعار أكثر من اللازم، و يترتب على ذلك إلحاق الضّرر بالمنتجين و الشرائع المولّدة و المنتجة في المجتمع، ممّا يبعث على انتكاس الأشخاص المنتجين اقتصادياً و الإعلان عن إفلاسهم.

و هنا لا بدّ من وجود مؤسسة تأخذ على عاتقها إيجاد حالة من التعادل و المحافظة على التّوازن الاقتصادي في المجتمع، و هذا هو معنى أنّ البنوك تسهم في اتخاذ السياسة الماليّة و الاقتصاديّة للدّولة، فعند ما تزداد النّقود و الأموال من أيدي النّاس،

يقوم البنك باتّباع سياسة خاصّة لجذب هذه الأموال، و امتصاص الفائض منها، و عند ما تتناقص الثّروة و رءوس الأموال عند الأفراد، يقوم البنك بتزريق المال في شرايين و روافد المجتمع الاقتصاديّة، و هي الأسواق التّجارية و هكذا يستطيع البنك أن يلعب دوراً مهمّاً في حفظ منافع المشتري من جهة، و حفظ رءوس أموال المنتجين من جهة أخرى.

و الخلاصة: أنّ فلسفة تشكيل البنوك متعدّدة، و قد ذكرنا سبعة موارد منها بالتّفصيل المتقدّم، و كلّ واحد منها يمكن أن يكون سبباً كافياً لتشكيل البنك.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 138

(سؤال هام:) هل إنّ الغايات السبع لتشكيل البنوك المذكورة مشروعة أساساً؟ أ ليس هناك بعض الموارد تخالف أحكام الشّرع و دساتيره؟

(الجواب:) لو دققنا النّظر في كلّ واحد منها من هذه الموارد السبعة، و أعدنا النّظر فيها مرّة أخرى، لأمكن الحكم بإمكانيّة رعاية الأحكام الإسلاميّة في كلّ منها، فالغايات المذكورة لا تتنافى مع الأحكام الإسلاميّة ذاتاً، و حينئذ لا إشكال في تأسيس و تشكيل البنوك الإسلاميّة مع مراعاة الأهداف المتقدّمة و الشرائط التي سوف تأتي لاحقاً، مضافاً إلى عدم مخالفته للشّريعة المقدّسة، حيث يكون مصداقاً للآية الشريفة (وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى «1». و على هذا الأساس، فإنّ من يقول إنّ المؤسس الأول للبنوك هم الغربيون، و إنها من إفرازات الحضارة الغربيّة، و إنّها تقوم على أساس غير مشروع، يكون قد أخطأ في رأيه لأنّ هؤلاء يرون بأنّ البنك يستخدم في استعباد النّاس و الشّعوب بواسطة المستعمرين و المترفين، و لهذا فإنّ البنوك في حد ذاتها تفتقد إلى الشّرعيّة اللازمة. و لكنّ الجواب على هذا المدّعى واضحٌ جدّاً، لأنّه بالرغم من أنّ الاستفادة غير المشروعة من البنوك المتداولة

و السائدة في عالمنا اليوم لا شك في حرمتها، إلّا أنّ ذلك لا يلزم أن يكون أصل تشكيل البنوك و حقيقتها

الربا و البنك الاسلامى، ص: 139

غير مشروعة و فاسدة. و على سبيل المثال: فإنّ الطائرة وسيلة نافعة و مريحة للمسافرين و زوّار بيت الله الحرام، فإنّها تنقل الحجّاج و المسافرين في أقصر مدّة ممكنة و بطريقة مريحة إلى أرض الوحي، في حين أنّ السّفر في قديم الأزمان لم يكن يخلو من المشقّة الشّديدة، و الصعوبات الكبيرة، و الأخطار المحيطة بمثل هذه الأسفار، فلو أنّ البعض أخذ يسئ الاستفادة من هذه الوسيلة المفيدة و النّافعة، و يحولها إلى آلة حربيّة قتّالة و قاذفة قنابل تدمّر المدن على رءوس أهلها، و تهدم المدارس و المستشفيات و المكتبات و المساجد و المعابد و تقتل الأبرياء، فهذا لا يكون دليلا على بطلان هذا الاختراع من الأساس، و لا أحد يقول: إنّ الطائرة بسبب هذه المعطيات السلبية تفتقد إلى المشروعيّة. فعلى هذا، لا يكون الاستفادة السلبيّة من البنوك و تبديلها في عالمنا اليوم إلى وسيلة لاستثمار الشعوب و استغلالها، سبباً في استحالة ماهيّة البنوك و صيرورتها غير شرعيّة.

و خلاصة الكلام، أنّه لو تمّت الاستفادة من البنوك و الانتفاع بها بالشّكل الصحيح، و أضحت البنوك سليمة و إسلامية، فإنّها ستكون من ضروريّات المجتمع البشري في العصر الحاضر، و مصداق قوله تعالى (وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى . أجل، إذا لم يكن البنك إسلاميّاً، و لم يقم على أسس اقتصاديّة سليمة، فإنّه سيغدو خطراً جدّاً، و يشكل أحد المعضلات الاقتصاديّة و الاجتماعيّة،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 140

و سبباً لبروز المصائب في المجتمعات البشريّة الحديثة، كما نرى ذلك في البنوك الرّبويّة التي

تستثمر أموالها في بعض دول العالم الثّالث، حيث تمتص جميع خيرات و ثروات هذه الشّعوب على أساس أنّها أرباح ربويّة تصبّ في خزانة البنوك الرّبويّة للدّول الكبرى، و من الواضح أنّ هكذا بنوك ربويّة هي مصداق أولئك المرابين الذين (يأكلون الرِّبا أضعافاً مضاعفة) الواردة في الآية الكريمة، بل إنّ المرابين العاديين يحصلون على الأرباح الرّبويّة بواسطة أموالهم الشّخصيّة، أمّا البنوك الرّبويّة فإنّها تمتص خيرات النّاس بواسطة أمواهم و ثرواتهم، لأنّ أغلب ثروات البنوك و رءوس الأموال المتراكمة فيها هي بمثابة و دائع لأصحابها من أفراد المجتمع، بل تارةً لا تكون للبنك ثروة و مال سوى المبنى، و أحد بركات الثّورة الإسلاميّة هو أنّها خطت خطوات من أجل إصلاح هذه البنوك الرّبويّة، و التي سوف يأتي بيان ذلك لاحقاً. و بالرغم من أنّنا تفصلنا فاصلة كبيرة عن تحقيق و إجراء البنك الإسلامي الكامل، و نحتاج في ذلك إلى وقت و مجال متّسع، فإنّ النّظارة الدّقيقة و الجدّيّة و المتواصلة من قبل المسئولين ضروريّة، و هم بحاجة إلى تعليم أكثر و سعي متواصل في هذا السّبيل، و على أيّ حال فإنّ خطوات إيجابيّة قد تحققت فعلا. (14)

خدمات البنوك- من وجهة نظر الفقه الإسلامي

رأينا في الأبحاث المتقدّمة كيف يعرض (البنك السّالم) خدماته إلى أفراد المجتمع، و كذلك الغاية من تشكيله لإدارة الاقتصاد في المجتمع البشري، و لكن الآن نريد أن نستعرض خدمات البنوك الفعليّة، و أنّ أيّاً منها يعتبر من الخدمات المشروعة، و أيّاً منها ممنوعة؟ و بعبارة أخرى، أنّه تمّ في الفصول السابقة البحث عن هيكليّة البنك الإسلامي، و إشكاليّة التّفاعل الاقتصادي بين البنك و امتداداته في المجتمع، أمّا في هذا الفصل فيقع البحث عن البنوك الفعليّة السّائدة في العالم.

خدمات البنوك الفعليّة في العصر الحاضر

اشارة

تؤدي البنوك في عصرنا الحاضر ست خدمات مهمّة:

الأولى: الحساب الجاري:

اشارة

و هو الخدمة الواسعة النّطاق للبنوك، و في الواقع تعتبر هذه الخدمة هي المنبع لزيادة الرّصيد المالي في البنوك، يعني أنّ الربا و البنك الاسلامى، ص: 142

النّاس يضعون أموالهم في البنك، بشرط أنّ لهم اختيار سحب مبالغ منها في أيّ وقت أرادوا، و بدون أيّ قيد و شرط، و هذا النّوع من الحساب لا يأخذ البنك ربحاً و لا يعطي ربحاً. و الغاية من هذا النّوع من الحسابات هو:

أولا: إيجاد المكان المطمئن لحفظ أموال الناس و رءوس أموالهم.

ثانياً: الاستفادة منها في عمليّات نقل الملكيّة، فتسهل بذلك النّشاطات الاقتصاديّة، لأنّها تتمّ في غاية السهولة و اليسر و بدون نقل أوراق نقديّة من مكان إلى آخر، حيث تتمّ أكبر المعاملات التّجاريّة بواسطة الصّكوك المصرفيّة. و لا شك في أنّ أصل هذا العمل مشروع، و لا نرى في ذلك مخالفة للشرع المقدس أو منافاة لبعض الثّوابت الوجدانيّة. و بعبارة أخرى، أنّ الحساب الجاري يعتبر من أفضل خدمات البنوك شرعيّةً.

ماهيّة الحساب الجاري

أمّا ما هي حقيقة الحساب الجاري و ماهيّته؟ فقلّما بحث هذا الأمر- مع أنّه بحث مهمّ- و على ضوء التحقيقات الفقهيّة يمكن أن يقال: إنّ هناك ثلاث احتمالات في هذا المجال:

الأوّل: أنّ ماهيّة الحساب الجاري هي ماهيّة القرض، يعني أنّه نوع من أنواع القرض من قبل أصحاب الأموال للبنوك، و ليس فيه مدّة معينة،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 143

و يصطلح عليه (الدّيْن المطالب) مثلا أن تقرض شخصاً مائة ألف درهم، و تشترط عليه أنّك متى ما أردت هذا المال و بأيّ مقدار منه، فلك الحق في أن تطالبه بذلك، و يجب عليه تسديده في الوقت الذي تريد، و طبقاً لهذا الاحتمال يكون الحساب الجاري نوعاً من القرض بدون مدّة

معلومة.

(سؤال:) إنّ طلب القرض يكون دائماً من قبل المقترض، لا صاحب المال، و هنا نجد على العكس من ذلك، فلا يعتبر ذلك قرضاً.

(الجواب:) صحيح أنّ الغالب في القروض هو أن يكون الطلب من المقترض، و لكنّ هذه المسألة ليست عامّة و كليّة، بل أحياناً طلب الإقراض من ناحية المقترض أيضاً، كما مرّ بنا في المسألة الخامسة من مسائل الرِّبا، يعني أن يكون يمرّ صاحب المال بظروف حرجة يخشى فيها على ماله من التّلف، و لا يكون قادراً على حفظ ماله، فيقوم بإقراض الغير للاطمئنان على ماله و حفظه، و على هذا الأساس لا تشكل هذه المسألة مشكلة في هذا المجال، و لكنّ العرف العام، و إدراك النّاس لمفهوم القرض قد لا ينطبق تماماً على هذا المورد، بل يقال عنه إنّه أودع ماله في البنك في الحساب الجاري، فهذا العمل بالرغم من أنّه يشبه القرض (لأنّ القرض هو المال الذي يعطى إلى الآخر يتصرّف فيه ثمّ يستردّ صاحب المال نظير ذلك المقدار) و البنك يقوم بهذا العمل أيضاً، و لكن المترسخ في أذهان عموم النّاس أنّ الحساب الجاري هو أمانة و وديعة لدى البنك دون اعتباره قرضاً.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 144

الثّاني: أنّ الحساب الجاري في الواقع وديعة و أمانة من قبل النّاس لدى البنوك، يعني أنّ صاحب الحساب يضع أمواله بعنوان أمانة لدى البنك، و له أن يأخذ أيّ مقدار منها متى شاء، غاية الأمر أنّه يأذن في التّصرف للبنك في هذه الأموال و تبديلها، و على هذا الأساس تكون ماهيّة الحساب الجاري في حقيقتها هي ماهيّة الأمانة و الوديعة المقارنة مع الوكالة في التّغيير و التّبديل، (فتأمّل).

هذه النّظريّة أقرب إلى تصوّر العرف العام لمفهوم

الحساب الجاري، فإنّهم يرونه كالأمانة لدى البنك. و لكن يطرح هنا سؤال هو: هل إنّ موضوع هذه الأمانة هو شخص المال الموجود في الخارج، أو إنّها تكون في الذمّة؟ فلو كان موضوعها هو المال الخارجي، فيجب على البنك أن يكون له احتياطي بمقدار الودائع المصرفيّة للنّاس، لأنّ متعلق الوكالة هو التّغيير و التّبديل، و مفهومها أنّ البنك يستطيع أن يتصرّف في الودائع و يستبدلها بمثلها، و يضع مبالغ مماثلة لها في صندوقه في حين أنّ البنوك الفعليّة لا تسلك هذا السبيل، و لا ترى نفسها ملزمة بأن تدّخر احتياطيّاً مساوياً للودائع فيها. و على هذا الأساس، لا يمكن أن يقال إنّ موضوع هذه الأمانة هو الشي ء الخارجي، بل إنّها أمانة في الذّمة، سواء كانت ذمّة شخصيّة (إذا كان مالك البنك شخصاً أو أشخاصاً معينين)، أو ذمّة حقوقية (في صورة أن يكون مالك البنك شخصية حقوقية) و في هذه الصّورة تضحى الأمانة نوعاً من أنواع الربا و البنك الاسلامى، ص: 145

القرض، و ليست وديعة حقيقيّة، لأنّ عين المال غير موجود لدى البنك، و لا عوضه، في حين أنّ الوديعة يجب أن يكون لها وجوداً خارجيّاً، و بهذا التّرتيب نواجه مشكلة في الفرضيّة الثّانية.

الثّالث: أن تكون ماهيّة الحساب الجاري، هي ماهيّة الوديعة، لكن لا الوديعة في عين المال، بل الوديعة (في قيمة المال) يعني أنّ الشّخص عند ما يودع مائة ألف درهم مثلا عند البنك، فإنّه لا يودع عين هذا المال بعنوان أمانة و وديعة، حتى يكون البنك ملزماً بحفظ و ادّخار معادل هذا المال لديه، بل إنّه يودع قيمته لدى البنك، و في هذه الصّورة لا يواجه البنك مشكلة شرعيّة، فيما إذا لم يدّخر بمقدار مطالبات

النّاس. و لكنّ الإنصاف أنّ هذا الاحتمال هو عين الاحتمال السّابق (الفرضيّة الثّانية)، غاية الأمر مع اختلاف الألفاظ و الصّورة، لأنّ القيمة لمال معين لا بدّ أن يكون لها وجود في الخارج أو في الذمّة، و في فرض المسألة لا وجود خارجي للملكيّة إذاً لا بدّ أن تكون في الذمّة و في هذه الصّورة تعتبر نوع من القرض، لأنّ كلّ مال نعطيه إلى آخر و يكون لنا الحق في ما يعادل هذا المال في ذمته فهو قرض، فعلى هذا يكون الاحتمال الثالث ضعيفاً، و لم يأتِ بجديد. و إذا أردنا استجلاء النتيجة من هذه الاحتمالات الثّلاثة، أمكن القول بأنّ الاحتمال الثّاني أقرب الاحتمالات لمعنى الحساب الجاري، و هو أنّ ماهيّة الحساب الجاري بمثابة الوديعة و الأمانة مع توكيل البنك في التّغيير و التّبديل و التّصرّف، و طبعاً هذا المعنى يماثل القرض في النّتائج، و لكنّ المهم أنّنا إذا قبلنا كل من الاحتمالات الثّلاثة المذكورة للحساب الجاري،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 146

فإنّ هذا العمل يكون في عرف العقلاء عملا منطقيّاً و لا إشكال فيه شرعاً. «1»

الثّانية من خدمات البنك: القروض (البحتة):

إنّ القروض بالشكل الإسلامي و بدون فائدة ربويّة غير متدوالة في البنوك السّائدة في عالم اليوم حسب الظاهر، لأنّ جميع القروض لا تخلو من اشتراط الفائدة و الرّبح، أمّا القرض الحسن «2» الذي لا يتضمن شرط الفائدة فهو أمر أخلاقي تماماً، و لا محلّ له من الإعراب في المعاملات البنكيّة في العصر الحاضر، و لكنّ البنك الإسلامي يتميز بهذه الخدمة الجليلة حيث الربا و البنك الاسلامى، ص: 147

يخصّص البنك مبالغ معينة من الأموال المودعة لديه في هذا المجال و تحت ضوابط معينة، و يقوم بإقراضها إلى المتقاضين.

و هذه الخدمة من

البنوك الإسلاميّة مضافاً إلى مشروعيتها، فهي مفيدة و ضروريّة و تعتبر إحياءً و ترشيداً لسنّة إسلاميّة كبيرة تظافرت الآيات «1» و الرّوايات «2» الشّريفة على الإشادة بها.

أمّا على أرض الواقع فممّا يؤسف له أنّ البنوك الإسلاميّة لم تأخذ هذه المسألة بصورة جديّة، و لم توليها أهميّة كبيرة، و ذلك أنّ المبالغ المخصّصة حاليّاً لهذا الأمر المهم و النافع في البنوك الإسلاميّة تمثل نسبة مئويّة ضئيلة جدّاً، في حين أنّ العدالة و الإنصاف توجبان تخصص مبالغ أكبر لهذا الأمر، لأنّ العمدة في رءوس الأموال في هذه البنوك متعلقة بآحاد النّاس و ينبغي إعطاء المعوزين و المستضعفين قروضاً هذه الأموال دون فائدة من قبل هذه البنوك، لكي يتميّز البنك الإسلامي عن غيره، و تظهر فضيلة البنك الإسلامي و جدارته في خدمة المستضعفين، و لكن مع الأسف نلاحظ أنّ هذه البنوك تشيد بأمر القرض الحسن ظاهراً و على الربا و البنك الاسلامى، ص: 148

الصّعيد النّظري، و لكن عملا لا نجد أثراً و خبراً عن ذلك، لذا ينبغي على البنوك الإسلاميّة مراجعة تصوّراتهم و إعادة ترتيباتهم الماليّة و إصلاحها لتتسع لهذا المجال الحيوي.

و لا بأس طبعاً في أن يقوم البنك بأخذ مبالغ مختصرة على هذه القروض لتغطية نفقات البنك و أجور العاملين و القائمين على هذه النّشاطات الاقتصاديّة، و لا بدّ من تقسيمها على جميع المقترضين بالنّسبة، بحيث لا يدفع البنك شيئاً إضافيّاً على نفقاته اللّازمة لهذا العمل. و لو شرطت أجرة العمل هذه في أصل عقد القرض فلا إشكال في ذلك، لأنّ أجرة العمل لا تعتبر نفعاً و ربحاً للبنوك بل تمثل أجرة الأجير و نفقات المحاسبين و أمثال ذلك، فتكون نوعاً من أنواع عقود الإجارة، و في

الواقع أنّ المقترض يقوم بعقد معاملة القرض مع البنك من جهة، و كذلك يقوم بعقد معاملة أخرى و هي عقد الإجارة على الخدمات المربوطة لهذا الأمر. و على هذا الأساس فإنّ مال الإجارة بالمعنى الواقعي للكلمة لا إشكال فيه مطلقاً، و لكن مع الأسف أنّنا نجد أنّ الكثير من موارد مال الأجرة هذا، يكون بمثابة غطاء و قناع للرّبا، و الدّليل على ذلك أنّ المبالغ المأخوذة كأجرة للعاملين تزيد كثيراً على النّفقات الواقعيّة للموظفين و بقيّة خدمات البنك المتعلقة بالقروض. النتيجة أنّ المسلك الثّاني للبنوك الإسلاميّة على صعيد خدمة المجتمع، هو تقديم القروض اللاربويّة، مضافاً إلى مشروعيّة هذا السّبيل، فإنّه يعدّ من المستحبات الأكيدة بشرط أن لا تكون أمراً تشريفيّاً و ظاهريّاً، بل يراعى الربا و البنك الاسلامى، ص: 149

فيها جانب الأجرة الواقعيّة أيضاً، فلا تكون أكثر من نفقات البنك الحقيقيّة في هذا السّبيل.

الثّالثة: حسابات التّوفير

اشارة

بالنّسبة إلى حقيقة و ماهيّة حسابات التّوفير تأتي الاحتمالات المذكورة في ماهيّة الحساب الجاري، و كما تقدّم أنّ هذا النّوع من الحسابات يعتبر نوعاً من الأمانة و الوديعة الشبيهة للقرض، و لذا فإنّنا لا نبحث هذه المسألة من هذه الجهة دفعاً للتكرار، و على القارئ الكريم مراجعة البحث السّابق في هذا المجال.

فلسفة حسابات التّوفير

إنّ الفلسفة و الغاية من هذا النّوع من الحسابات هو إخراج رءوس الأموال الرّاكدة عن حالتها الجامدة و الاستفادة منها بصورة صحيحة، مثلا لو أراد شخص شراء دار، و لكنّه لا يستطيع ذلك بما لديه من المال، و من جهة أخرى لو بقي هذا المال في يده لأنفقه في جهات أخرى، أو أنّه يكون معطّلا و مجمّداً، و لهذا السّبب فإنّه يقوم بوضعه في البنك، حيث ينمو و يزداد عليه تدريجيّاً إلى أن يبلغ المقدار المتوقع و المطلوب، فهنا مضافاً إلى أنّ هذا الأموال قد خرجت من حالتها الرّاكدة و المعطّلة حيث قام البنك باستثمارها

الربا و البنك الاسلامى، ص: 150

و تفعيلها، فإنّ صاحب المال استفاد أيضاً من ذلك استفادة مشروعة، فعلى هذا الأساس تكون هذه الحسابات بمثابة نوع من الأمانة المشفوعة بالوكالة في التّبديل و التّصرّف، و تتفق مع القرض في النّتائج.

الحكم الشّرعي لحسابات التّوفير و جوائزها

إنّ حساب التّوفير لدى البنوك هو عمل مشروع، و لا إشكال فيه، و النّقطة المبهمة فيه هو الهدايا و الجوائز التي يخصّصها البنك لأصحاب هذه الحسابات على أساس القرعة، و نأمل أن تكون الجوائز و كذلك عمليّة الاقتراع لها جنبة واقعيّة و جديّة إن شاء الله (و ليست شكليّة و تبليغيّة) و هذه المسألة تعود لما ذكرناه مسبقاً في مباحث الرِّبا، يعني أنّ هذه الهدايا و الجوائز إذا كانت كشرط ضمن عقد حساب التّوفير فإنّه يعتبر من الرِّبا، أمّا إذا لم يشترط ذلك، بل يكون بمثابة الدّاعي و الباعث و المشوّق على افتتاح هذا النّوع من الحسابات، فلا إشكال في ذلك. «1» و بكلمة أخرى: أنّ صاحب المال في حسابات التّوفير عند ما يفتح له حساباً خاصّاً من هذا القبيل، و لم يتوقع

من البنك شيئاً، و لم يفرض لنفسه حقاً على البنك، و كان الهدف من هذا العمل هو مجرّد توفير هذه الأموال و حفظها لدى البنك، و لكنّه يعلم أنّ البنك يقوم في كلّ عام بعمليّة اقتراع لجميع أسماء المشتركين في هذه الحسابات، لإعطاء بعض الهدايا و الجوائز، فيحتمل أن تتعلق أحد هذه الجوائز به فليس فيه أي إشكال شرعي.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 151

بل إنّ البنوك يمكنها أيضاً تخصيص مبالغ قليلة أو كثيرة لجميع أصحاب هذا النّوع حسابات التّوفير و دفعها لهم من دون الاشتراط المسبق في ضمن العقد، بحيث تكون هذه المبالغ المعطاة من قبل البنك تطوّعاً.

الرابعة: نقل و انتقال رءوس الأموال و الحوالات

الحوالة و البرات هي أحد العقود الشّرعيّة و لا حرمة ذاتيّة فيها، لأنّ الحوالة في الواقع نوعٌ من القرض، و لا إشكال في أخذ مقدار من الرّبح على هذه المعاملات، لأنّ هذا الرّبح يكون في نفع المقترض أولا (و هو البنك في الصّورة)، و قد تقدّم أنّ الرّبح و الزّيادة إذا كانت تصبّ في منفعة المقترض، فلا إشكال فيها، و لا تعتبر من الرِّبا، لأنّ الرِّبا الحرام هو ما يكون النّفع فيه للمقرض، و صاحب المال لا المقرض.

و ثانياً: أنّ الزّيادة التي يأخذها البنك في سبيل تحويل المبالغ و عمليّة نقل رءوس الأموال إنّما هي نوعٌ من الأجرة على هذه الأعمال، يعني أنّنا نعطي للبنك مبلغاً من المال بعنوان الأجرة لأداء هذه الأعمال، و لهذا فلا تواجه إشكالا شرعيّاً أيضاً.

و طبعاً، أنّ تصورنا لهذا النّوع من الحوالات و تصور كتاب تحرير الوسيلة لهذه المسألة تختلف عن هذا المعنى، و قد تقدّم بحثه مفصّلا فيما سبق، و على أيّ حال فإنّ المبالغ التي يأخذها البنك بعنوان الأجرة على

الحوالات الدّاخليّة و الخارجيّة مشروعة و حلال شرعاً. (15)

[الخامسة] ودائع النّاس لدى البنوك

اشارة

إنّ أهم الأبحاث في مجال خدمات البنوك من الوجهة الشّرعيّة، هي هذه المسألة، و هي الخدمة الخامسة للبنوك، و كما مرّ علينا أنّ بعض الأفراد يمتلكون ثروات و رءوس أموال، و لكنّهم يفتقدون القدرة على استخدامها في أمور الإنتاج و التّجارة، فهنا يقوم البنك الإسلامي باستلام رءوس الأموال هذه و توظيفها وفقاً لعقود شرعيّة في نشاطات اقتصاديّة منتجة في الصّناعة و الزّراعة و التّجارة و تربية الدّواجن و المواشي، ثمّ يقوم بتقسيم الأرباح و العوائد من هذه النّشاطات الاقتصاديّة، و يعطي حصّة منها إلى أصحاب رءوس الأموال هذه. و هنا يتميّز البنك الإسلامي أيضاً عن البنوك الرّبويّة، فالبنوك غير الإسلاميّة تستلم أموال النّاس و تضع لها ربحاً ربويّاً معيّناً، تدفع إلى أصحاب هذه الأموال، و من جهة أخرى يقوم البنك بإقراض هذه الأموال لآخرين على شكل قروض ربويّة بربح و فائدة أكثر، و هذا العمل من الرِّبا المحرّم تماماً، و يعتبر من أنواع الرِّبا المضاعف، و التي تكون حرمته مضاعفة أيضاً.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 153

و لكنّ البنوك الإسلاميّة تستخدم هذه الأموال طبق عقود شرعيّة في الإنتاج، و تقسّم الأرباح المتحصّلة منها وفقاً للاتفاق المسبق بينهما و بين أصحاب هذه الأموال، و في الحقيقة أنّ هذه البنوك في هذه الحالة تقدّم ثلاثة خدمات:

1- ما يحققه البنك من خدمة لأصحاب رءوس الأموال هذه، حيث يستفيدون من الأرباح المقرّرة.

2- إنّ البنوك أيضاً تستفيد من هذه المعاملات المربحة من خلال حصتها من الرّبح.

3- إنّ رءوس الأموال لا تبقى معطّلة و مجمّدة في أيدي النّاس، و ما يترتب على ذلك من التّضخم و الفساد الاقتصادي.

و إجمالا تكون حركة البنوك هذه

باتجاه تفعيل الدّينامية الاقتصاديّة في المجتمع، و تبعث على انتعاش السّوق و حلحلة الوضع الاقتصادي بشرط، الدّقة في العمل، و مراعاة الموازين في مثل هذه النّشاطات.

مشكلتان في مواجهة المضاربة المصرفية

إنّ هذه الخدمة من البنوك الإسلاميّة- كما تبين أعلاه- هي خدمة مشروعة أيضاً، بل إنّها إذا وقعت بالشّكل الصّحيح، فإنّها تكون مصداقاً بارزاً للآية الشّريفة (وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى ، و هو المبدأ الإسلامي الهام في البناء الأخلاقي للمجتمع الإسلامي. و لكن نواجه في إجراء و تنفيذ العقود الإسلاميّة كالمضاربة مثلا،

الربا و البنك الاسلامى، ص: 154

مشكلتين مهمّتين:

1- إنّ الرّبح المخصّص في معاملات المضاربة للبنوك هو تخصيص نسبة مئويّة لأصل المال، مثلا يقال إنّ الودائع الماليّة لدى البنك إذا كانت قصيرة المدّة، فإنّ الزّيادة عليها ستكون 10، و المتوسطة: 12، و الطويلة المدّة: 15، في حين أنّ صياغة الرّبح في المضاربة شرعاً يجب أن يكون على شكل حصّة معينة من مجموع الرّبح، مثلا 50 من الأرباح المستحصلة من النّشاطات الإنتاجيّة أو التّجاريّة.

2- إنّ صاحب رأس المال في المضاربة (و الذي يدعى في المضاربة بالمالك) يشترك مع المستثمر- و هو الطّرف الآخر في المضاربة، أي الطرف المنتج- في نسبة الرّبح و الخسارة، فيشتركان في الفائدة و الضّرر، في حين أنّ الأمر في المعاملات التي يجريها البنك مع المستثمرين لا يكون بهذا الشكل، حيث يختص المقرض- و هو البنك و المودع- بالرّبح فقط، و يشترك مع البنك بالأرباح دون أن يشترك بنسبة معينة من الرّبح في جميع الحالات، بينما ينفرد العميل بالخسارة، و هذا المعنى خلاف ما يلحظ في عقد المضاربة.

و قد تطرح مشكلة ثالثة، و هي أنّ بعض الفقهاء ذهب إلى أنّ المضاربة خاصّة بالأعمال التّجاريّة فقط، و لكن

هذه المشكلة غير واردة هنا، لأنّنا أساساً لا نرى هذا التّخصيص صحيحاً.

حلّ المشكلتين:

أمّا بالنّسبة للمشكلة الأولى، فالطّريق إلى حلّها و إزاحتها هو أنّ المودع و صاحب المال يوكل البنك وكالتين، الأولى: أنّ البنك يكون وكيلا مطلقاً في تشغيل رءوس الأموال هذه، و التّصرف بها في أيّ نوع من الأعمال و النّشاطات الإنتاجيّة و الاقتصاديّة، و له الاختيار في التّصرف بأيّ مقدار و سهم معقول و منطقي من هذه الودائع.

الثانية: أن يعطي وكالة أخرى للبنك يتصالح من خلالها في سهمه الخاص به من الرّبح بمبلغ معين، فما يعطى له شهريّاً أو كلّ ثلاثة أشهر على الودائع الماليّة، يكون على الحساب حيث يتمّ محاسبتها بعد ذلك، أي بعد حصول الرّبح في عمليّات استثمار رءوس الأموال، و مع هاتين الوكالتين تنحل المشكلة الأولى، يعني تعيين الرّبح بمقدار معين من النّسبة المئويّة.

و أمّا بالنّسبة إلى المشكلة الثانية، فصحيحٌ أنّ المودع لا بدّ و أن يكون شريكاً في الضّرر و الخسارة مع شريكه، و هو البنك، و عليه أن يتحمل جزءً من الضّرر فيما لو تضررت المشاريع التي قام بها البنك، و لكنّ هذا المعنى يكون له واقعيّة فيما إذا تحمل البنك ضرراً واقعاً، في حين أنّ البنوك ترى أنّها لا تتعرض للخسارة و الضّرر عادةً، لأنّ النّشاطات الاقتصاديّة لا تنحصر بمورد واحد أو موردين حتّى يرد احتمال الخسارة في أحدهما أو كليهما، بل إنّ نشاطاته متتعدّة و كثيرة فعلى فرض أنّه تعرض للضّرر في مورد أو موارد محدودة، فإنّ الموارد الأخرى تتكفّل بجبران هذه الخسارة فتكون مجموع النّشاطات الاقتصاديّة المربحة، هذا أولا.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 156

ثانياً: يستطيع البنك أن يتعهد أخلاقيّاً (و ليس بصورة إلزام شرعي) بالضّمان لرءوس

الأموال المودّعة لديه، و جبران الضّرر الوارد عليها، و بهذا التّرتيب ينتفي موضوع اشتراك المودع، في الضّرر و الخسارة. يعني أنّ البنك يقول لصاحب المال: إنّنا شركاء في الرّبح و الخسارة في جميع العمليّات الاقتصاديّة، و لكن كن مطمئناً بأنّ الضّرر هذا ليس له جانب عملي، فلا تخسر عملا.

و خلاصة الكلام: أنّه لو قام البنك بتشغيل رءوس الأموال على شكل استثمارات و عقود شرعيّة و إسلاميّة، فمضافاً إلى أنّ ثروات النّاس و رءوس أموالهم سوف تستثمر بطريقة صحيحة و مشروعة، فيستفيدون منها و ينتفعون بها حيث يتم تفعيلها و إخراجها عن حدّ العطالة، و كذلك يتخلص البنك من الرِّبا، و ينتفع برءوس الأموال هذه منافع و يحصل على فوائد مشروعة، و كذلك يتصاعد مستوي التّوليد الصّناعي و الإنتاج الزّراعي و الحيواني في البلاد، و من جهة أخرى ستكون استثمارات البنك هذه باعثة على إيجاد فرص العمل و ابتكار مشاغل جديدة للعاطلين و القوى العاملة في البلاد.

(سؤال:) من أين لنا العلم بأنّ البنوك ستلتزم بالعقود الشّرعيّة و تعمل بها؟ و ما هي وظيفتنا في هذه المسألة؟

(الجواب:) إذا كانت البنوك تكتفي بكتابة العقود الشّرعيّة على الورق و تهدف إلى الربا و البنك الاسلامى، ص: 157

نيل المشروعيّة للنّشاطات الاقتصاديّة بألفاظ فقط، فإنّها سوف تتعرض إلى خطر الانغماس في الرِّبا و التّورط في العمليّات الرّبويّة، و تسقط في مهاوي الإضرار النّاجمة عن ذلك، و لكنّنا لو شككنا في أنّ البنوك سوف تعمل على وفق المعاملات الشّرعيّة و العقود الإسلاميّة أم لا، فلا بدّ من حملها على الصّحة ظاهراً و شرعاً، و القول بأنّ البنوك في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تعمل بوظائفها الشّرعيّة الإسلاميّة إن شاء الله، و في ذلك الصّورة

لا يعتبر ذلك مشكلة حقيقة لعملاء البنك و زبائنه، فلو لم يكن الأمر كذلك بأن كانت هناك مخالفات شرعيّة في النّشاطات الاقتصاديّة التي يجريها البنك، فهو المسئول عنها لا غير. و من أجل ذلك كان من الضّروري تعليم المسئولين و المتصدّين للعمليّات البنكيّة و إرشادهم إلى ذلك، فلو كان هناك مقرّرات في تنفيذ و إجراء هذه العمليّات و النّشاطات الاقتصاديّة بصورة شرعيّة فالمفروض:

أوّلا: اطلاع مسئولي البنوك عليها و إرشادهم إلى كيفيّة التّصرف السّليم في عمليّة استثمار عمليّة رءوس الأموال هذه بصورة صحيحة و مشروعة.

و ثانياً: لا بدّ من إرشاد عملاء البنك و زبائنه من المودعين و المستثمرين عليها، و اطّلاعهم على كيفيّة سير هذه العمليّات و العقود، كما أنّ الاطلاع على الجوانب الأخرى من جوانب التّفاعل الاجتماعي و الاقتصادي للأفراد و علمهم بمجريات الأمور يحلّ كثيراً من المشكلات، و ينقذ النّاس من التّورط في المحرّمات، و الوقوع في شراك المخالفات الشّرعيّة و فخاخ المحظورات القانونيّة، و على سبيل المثال فإنّه لو تمّ اطّلاع مكاتب الربا و البنك الاسلامى، ص: 158

المعاملات و التي تتكفّل إجارة البيوت أو بيع الأملاك و المستغلات و أنواع العقار، و لو تمّ اطّلاعهم و إرشادهم إلى الأحكام الشّرعيّة التي تكتنف هذه العمليّات من أحكام الإجارة و البيع و الرّهن بشكل مبسّط، لتمّ حل الكثير من المشاكل التي يتعرّضون لها، و عدم وقوعهم في المحرّمات و الذّنوب الكبيرة و ما يترتب على الجهل بها من إخطار التّورط في الرِّبا، و هكذا لو تمّ إرشاد الكسبة و أصحاب المحلّات التّجاريّة و غيرهم على هذه الأحكام الشّرعيّة، فسوف يتم إنقاذهم من التّورط في الرِّبا في كسبهم و معاملاتهم، فينبغي لكلّ المسئولين عن الأصناف، أن

يهتمّوا بهذا الأمر، و يأخذوا مسألة العلم و تعليم الأحكام الشّرعيّة بجديّة و اهتمام بالغ.

السّادس: التّسهيلات البنكيّة

رأينا في الأبحاث السّابقة أنّ هناك أفراداً في المجتمع يمتلكون القدرة الكافية في إدارة الأمور الاقتصاديّة على مختلف المستويات و الموارد، و لكنّهم يفتقدون إلى رأس المال (على عكس الفرض السّابق و هم الأفراد المتموّلين الذين يفتقدون إلى المديريّة و التّدبير اللازم) هنا يقوم البنك بإسلاف هؤلاء الأفراد مبالغ من رءوس الأموال و يعقد معهم عقودا شرعيّة، نظير المضاربة و الجعالة و المشاركة و الإجارة بشرط التّمليك و غيرها، و بهذه الوسيلة يستطيع البنك الحدّ من هدر الطّاقات البشريّة و تعطيل هذه القدرات الإنسانيّة، و تشغيلها في ما ينفع النّاس.

الربا و البنك الاسلامى، ص: 159

هنا لا نواجه أيّة مشكلة شرعيّة في هذا المجال، إذا قام البنك بواجبه و تمّ تنفيذ العقود و المعاملات بصورة شرعيّة، يعني أنّ البنك و المستثمرين يقومون بالاستفادة من رءوس الأموال هذه في مسير الإنتاج و الاستفادة منها وفقاً للعقود الممضاة بينهم، و يقوم البنك بالاشتراك معهم في هذا السّبيل. و لكن مع الأسف نجد أنّ الكثير من النّاس لا يلتزمون بمفاد العقود و لا يستعملون رءوس الأموال التي استلموها من البنك على وجهها الصّحيح و مسارها السّليم، و تكون نتيجة ذلك أن تبقى العقود و المعاملات هذه لها جنبة صوريّة و شكليّة فحسب، فتكون القروض هذه في النّتيجة و قروضاً ربويّة، و بدلا من أن تبعث على سعادة النّاس و تنمية اقتصادهم، تمسي سبباً في الإضرار بهم و تدمير معيشتهم. و على هذا الأساس، فإنّه لو عمل هؤلاء الأفراد بمضمون العقود و المعاملات التي أجروها مع البنك، فإنّ هذه الخدمة من البنوك لا تواجه إشكالا

شرعيّاً.

و في الختام نسأل الله سبحانه و تعالى أن يوفق مسئولي البنوك الإسلاميّة و المستثمرين لرءوس الأموال هذه على العمل بالعقود الشّرعيّة و جميع الأحكام الإسلاميّة كيما يتم تنفيذ و إجراء العقود و المعاملات الشّرعيّة في البنوك بصورة كاملة، و نتخلص جميعاً من آثام الرِّبا و عواقبه المشئومة.

و هنا لا بدّ من توجه الإخوة الرّوحانيين و المبلغين الأعزاء و إدراكهم لضرورة تبين هذه المسائل، و إرشاد النّاس لهذه الأحكام الشّرعيّة، و أن لا

الربا و البنك الاسلامى، ص: 160

يتركوا هذه السّنة الحسنة و لا ينسوا تذكير النّاس بها من خلال المنابر و المساجد، لأنّ هذه الأعمال مهما كانت صغيرة و بسيطة، فإنّها تؤثر بصورة كبيرة على ثقافة النّاس و إنقاذهم من مشكلات عديدة و كبيرة، إلى الحد الذي بإمكانها أن تزلزل دعائم المجتمع و الأسرة، و ليس هنا مجال لشرح ذلك.

المشكلة الكبيرة للبنوك

بالرغم من أنّ البنوك في بلدنا الإسلامي اتخذت طابعاً شرعيّاً و إسلاميّاً حسب الظاهر، و لكنّنا كلّما أمعنا النّظر في هذا الأمر، وجدنا أنّنا تفصلنا فاصلة كبيرة في أسلمه البنوك، مع أنّه ليس من السّليم إنكار ما تحقق من خطوات مفيدة و إيجابيّة في هذا السّبيل، و من أجل أسلمه البنوك بصورة كاملة و شرعيّة، لا بدّ من الالتفات إلى عدّة أمور دقيقة:

1- لا بدّ من تشغيل أموال النّاس و استثمار رءوس الأموال المودعة في البنك في الأعمال الإنتاجيّة و النّشاطات التّوليدية، سواء كانت صناعيّة أو زراعيّة أو حيوانيّة أو تجاريّة، و هذه الأمور لا بدّ أن يكون لها واقعٌ خارجيٌّ فلا يصح الاكتفاء بها في عالم الخيال و كتابتها صفحات الورق.

2- أن يقوم البنك بإعطاء التّسهيلات البنكيّة و الإشراف الكامل على المستثمرين الذين استلموا

رءوس الأموال هذه من البنك، بأن يستثمروها في النّشاطات المفيدة و البنّاءة، و تشغيلها في مفاد العقود الموقّعة مع البنك، و لا يصح مطلقاً أن يكتفي البنك بأخذ الأرباح من طرق شرعيّة، و تكون الربا و البنك الاسلامى، ص: 161

الأرباح من طريقها حلال.

3- يجب على المسئولين في البنوك من جهة، و كذلك المستثمرين و زبائن البنوك من جهة أخرى، تعلّمُ النّكات الشّرعيّة في إيداعهم الأموال، و كذلك في اقتراضهم من البنك، حيث إنّ ذلك يؤدي بلا شك إلى الانتعاش الاقتصادي و مشروعيّة الأموال إذا تمّ تنفيذ العقود الشّرعيّة بصورة دقيقة، و تجنّب الخداع و الغش أو التّظاهر بالشّرع في الأعمال التّجاريّة بأيّ شكل من الأشكال، حيث تكون النّتيجة أنّ البنوك ستغدو ربويّة من حيث لا يشعر المسئولون.

4- أنّ تغيير اسم (الرِّبا) إلى (الأجرة و المكافأة و الجائزة) و كذلك (العمليّات الرّبويّة و القرض الرّبوي) إلى مصطلح (المضاربة) لا يحلّ قطعاً مشكلة شرعيّة و لا عرفيّة، بل لا بدّ و أن تتحقق في ذلك روح المعاملات الشّرعيّة هذه، بأن يكون أخذ الأجرة أو الجعالة على نفقات البنك، واقعاً يقصد بها الأجرة و المكافأة و حقوق الموظّفين و القائمين على هذه البنوك و المؤسسات الماليّة، التي تؤدّي خدماتها الاقتصاديّة إلى النّاس، و لا بدّ أن يكون أخذ الرّبح من المستثمرين و المقرضين بمقدار النّفقات المتعلّقة بصناديق القرض السّائدة، كنفقات الدفاتر و السّجلّات و تكون بمقدارها لا أكثر. و المضاربة أيضاً تكون مضاربة واقعيّة، يعني أنّها تكون فعاليّات مثمرة اقتصاديّاً و منتجة، لا أنّها ربا في صورة المضاربة. المال الذي يؤخذ من المستثمرين بعنوان الأجرة و المكافأة و نفقات الربا و البنك الاسلامى، ص: 162

الموظّفين و المخارج الثّانويّة

للبنوك، إذا كان أكثر من النّفقات الواقعيّة يكون ربا و أموالًا غير مشروعة، و تغيير الاسم و العنوان لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً. و كذلك ينبغي للمؤسسات التي تعمل على أساس عنوان المضاربة، و تستفيد من هذا العنوان المقدّس في تحصيل الأرباح الرّبويّة أن يعلموا أنّ عملهم هذا حرام و غير مشروع، و لا فائدة في تغيير الاسم و العنوان في مشروعيّة أعمالهم هذه، التي تتم بحيل شرعيّة مختلفة.

5- مع العلم بأنّ المبالغ المعدة في خزينة البنوك هي من أموال النّاس و الودائع في الحسابات الجارية و أمثال ذلك، بينما يمثل رأس المال الحقيقي للبنك هو المبنى و بعض الأثاث و الوسائل، و التي لا تنقص شيئاً بمرور الزّمان، بل قد يزيد سعر المبنى عمّا كان عليه في الماضي، فلا بدّ من تخصيص مبالغ معتبرة من الثروات الموجودة في البنوك لمشاريع القرض الحسن بمعناه الواقعي (مع خصم أجرة العمل بصورة عادلة)، و بذلك يستطيع البنك دفع نفقات الزّواج للشّباب، و تهيئة المنزل و المسكن، و نفقات التّحصيل الدّراسي، و العلاج للطّبقات الفقيرة و المسحوقة، و التي لا تتمتّع بغطاء مالي و لا حماية من قبل مؤسسات الضّمان، و ما أحسن من أن تقوم البنوك بتخصيص مبالغ مهمّة و تضعها تحت اختيار المنظمات الماليّة على أساس القروض الحسنة، و يستفيد منها طلّاب الجامعات، لكي يتمّ من خلال ذلك إيجاد الحلول لبعض المشاكل الاقتصاديّة التي يعانون منها.

6- التّخطيط الدّقيق للقيام بالنّشاطات الاقتصاديّة من قبل البنوك الربا و البنك الاسلامى، ص: 163

لتقوية، و ترشيد الودائع الشّعبيّة، و تتخصّص البنوك بحلّ المشكلات الاقتصاديّة للمجتمع، و تكون فيها من الخبراء و تتجاوز النّواقص و السّلبيات من تناثر العمل و

تكرار المكرّرات و تمركز الثّروات في جهة، و تفريغها في جهات أخرى، و عدم النّظر الدّقيق في سلّم الأولويات.

7- بالنّسبة إلى مسألة الغرامة على تأخير التّسديد فهي المصداق البارز للرّبا المحرّم، و لا بدّ من التّفكير بجديّة في حل لهذه المشكلة، و طرق مشروعة أخرى تنسجم مع الفقه الإسلامي لحلّها.

و الخلاصة هو أنه لو ما لم يحدث تحول جذري و أساسي في البنوك في الدولة الإسلاميّة و فعّاليّاتها و نشاطاتها الاقتصاديّة فإنّها لا تعيش بروح إسلاميّة، فحتى لو سميت بنوك لا ربويّة، و بالتالي يترتب على ذلك الإضرار التي تلحق بالبنوك الرّبويّة، و تبتلي بالإخطار التي يبتلى بها عادةً تلك البنوك الرّبويّة السائدة. و نسأل الله سبحانه و تعالى أن يوفق جميع المسئولين على أن يخطوا كلّ يوم خطوات إيجابيّة و موفّقة، نحو أسلمه البنوك بشكل كامل، و من الله التّوفيق و هو المستعان.

بعض الاستفتاءات الجديدة حول مسائل البنوك و الرِّبا لسماحة آية اللّه العظمى المكارم الشّيرازي «مدّ ظله العالي»

سؤال: (1) ما هو حكم الودائع الطّويلة المدّة في البنوك

اشارة

، من دون أن يشترط صاحب المال شيئاً عليها؟

الجواب: إذا وضعت هذه الودائع طبقاً للعقود الشّرعيّة في البنوك

، أو أنّ لا يكون صاحب المال يتوقع شيئاً من ربح و زيادة من البنك، إلّا أنّ البنك يعطيه شيئاً عليها طوعاً و رغبةً، فلا إشكال فيها، و العلامة في تحقق الصّورة الثّانية هو أنّه لو لم يعطيه البنك شيئاً، فإنّه لا يطالبه بشي ء.

سؤال: (2) ما هو حكم وضع الأموال في البنوك في زماننا الفعلي

اشارة

، و الذي بحمد الله هو زمان حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة؟ فهل يمكن أخذ الفائدة التي تضعها البنوك للودائع المصرفيّة على حسابات التّوفير؟ و كذلك ما حكم الاقتراض من هذه البنوك، و إعطائها الزّيادة عند تسديد القرض؟

الجواب [لا إشكال في أخذ الأرباح على حسابات التّوفير التي يعطيها البنك بشكل طوعي :

لا إشكال في أخذ الأرباح على حسابات التّوفير التي يعطيها البنك بشكل طوعي و من دون شرط مسبق، إلّا أن تدخل ضمن العقد، أمّا الأرباح التي تكون للودائع الثّابتة أو القروض التي تؤخذ من البنوك، ففي صورة ما إذا كانت وفقاً للعقود الشّرعيّة المذكورة في قانون البنوك و معاملاته الاقتصاديّة، فلا مانع منها أيضاً، و في صورة الشّك يمكن الحمل على الصّحة، و لكن إذا تيقن الإنسان من أنّ البنك لا يعمل طبقاً للعقود الشّرعيّة المذكورة، فلا يجوز.

سؤال: (3) تقوم البنوك في الجمهوريّة الإسلاميّة، بعقد عقود شرعيّة

اشارة

بعناوين، مضاربة، مساقاة، مزارعة، شركة، جعالة، مع أصحاب الودائع و الزّبائن، و كذلك مع المستثمرين و تدفع كلّ شهر نسبة 14 أو أقل أو أكثر من مجموع الوديعة لأصحابها، و بعد انتهاء المدّة تقوم البنوك بتصفية الحساب مع الزّبائن و العملاء، و نظراً إلى أنّ الأفراد العاديّين و الزّبائن للبنوك ليس لهم اطلاعٌ كاف على القيود و الشّرائط المندرجة في ورقة العقود هذه، بل يكتفون بالإمضاء و يعلنون بذلك عن رضاهم بمجمل الشّروط المذكورة في ورقة العقد، فهل إنّ مجرد الإمضاء أو قبول جميع الشّرائط و القيود المذكورة بصورة شفويّة، مع عدم اطّلاعهم و علمهم على خصوصيّاتها و عناوينها الشّرعيّة، يؤدي إلى تحقق العقود المذكورة و مشروعيّتها، أو إنّ اللّازم تفهيم من قبل البنوك أو المتعاقدين على حقيقة هذه العقود؟ و في صورة عدم مشروعيّيها، فهل هناك طريق حل آخر في نظركم المبارك؟

الجواب: إذا أعطى وكالة مطلقة إلى البنوك أن تستثمر و تتصرف في الأموال

وفقاً للعقود الشّرعيّة، و تجعل له حصّة معيّنة من أرباحها، فلا إشكال في ذلك، و ليس من اللّازم الاطّلاع على جزئيّات الأُمور بعد إعطاء الوكالة المطلقة.

السّؤال: (4) لما كانت المصارف الإيرانية عاجزة أحياناً عن تسديد المطالبات الخارجية

اشارة

في حينها، فقد انتهجت طرق حل مختلفة منها: أن أحد البنوك تعاقد مع بعض البنوك الأجنبية على أن يقوم البنك الأجنبي بالدفع إلى البائع في ذلك البلد نيابة عن البنك الإيراني في موعد السداد، ثم يتقاضى المبلغ من البنك الإيراني بعد سنة و بإضافة 9 إلى المبلغ من البنك الإيراني و 6 من البائع كسعر لتأمين الدفع في الموعد. و جدير بالملاحظة أنه بعد حمل البضاعة من البائع و الذي يتم بعد حوالي ثلاثة أشهر من العقد عن طريق البنك الأجنبي و الإيراني، يقوم البنك الأجنبي بتسليم مال البائع و استلامه من البنك الإيراني يستلم بفائدة 9، و على هذا، فإن البنك الإيراني يستلم من المشتري في يوم العقد 100 من مبلغ المعاملة مضافاً إليه 9 التي تمثّل الفائدة التي يتقاضاها البنك الأجنبي حسب الاتفاق. كما يقوم البائع بإضافة 6 (و هي النسبة التي تمثّل أجرة البنك الأجنبي على تأمين الدفع في الموعد) إلى قيمة البضاعة و يتقاضاها من المستهلك. فإذا علمنا أن البائع لا يأخذ شيئاً إضافياً من المشتري، فهل تصحّ هذه المعاملة للمشتري؟

الجواب: إذا كنت مطلعاً على ماهية هذا العمل و رضيت به

، فلا إشكال، بمعنى أنّك تضع أموالك في البنك بعنوان القرض من دون شرط الزيادة، و يقوم البنك بشراء بضاعة لك على شكل نسيئة بأكثر من القيمة النقدية بشرط أنّك تدفع تأمين هذه المعاملة، ففي هذه الصورة تكون المعاملات المذكورة أعلاه صحيحة شرعاً، و لكن هذا العمل لا يكون مباحاً للبنك في المعاملات و العقود مع الطرف الخارجي أو الدول الأجنبية إلّا بأن تفرض مصالح المجتمع الإسلامي ذلك، و في غير هذه الصورة لا يجوز.

سؤال: (5) إذا وضع شخص أمواله في البنك بشكل وديعة قصيرة الأمد أو طويلة الأمد

اشارة

، و في كلّ شهر يستلم مبلغاً إضافياً من البنك بالنّسبة إلى مقدار أمواله، و طبقاً لشرائط خاصّة، فهل إنّ أخذ هذا المال الإضافي جائزٌ؟ و هل يتعلق به الخمس؟

الجواب: إذا تمّ العمل بها و استثمارها طبقاً للعقود الشّرعيّة

، فهو حلال و يتعلق به الخمس أيضاً، و يكفي في ذلك أن يقول المسئولون: (عملنا بهذه العقود الشّرعيّة) و لا يوجد دليلا على خلاف قولهم.

سؤال: (6) أحياناً تقوم البنوك لترغيب الزّبائن على إيداع أموالهم في هذه البنوك

اشارة

، أو افتتاح حساب لهم عندها تخصيص جوائز و هدايا تعطى إلى المودعين عن الربا و البنك الاسلامى، ص: 168

طريق القرعة، فمن خرجت القرعة باسمه يعطى له جائزة، فهل إنّ هذا العمل جائز، و هل يجوز له أخذ هذه الجائزة؟

الجواب: إذا كان هذا العمل يتم بصورة واقعيّة

، و ليست فيه خدعة للنّاس، فهو جائزٌ و حلال.

سؤال: (7) إذا اقترض شخص من البنك مبلغاً من المال

اشارة

، و كان عليه أن يؤدّي تسديد المبلغ على شكل أقساط طويلة، مع إضافةِ مقدار من المال بعنوان ربح للبنك، ثمّ إنّه بعد مدّة يقوم بإيداع مبلغاً من المال في هذا البنك، و يستلم منه الفائدة أيضا فهل يمكن جعل هذا العمل بعنوان التّقاص على ما دفعه إلى البنك من الأرباح؟

الجواب: إذا دفع في المعاملة الأولى ربحاً و زيادة على القرض بعنوان الرِّبا

، فإنّه قد ارتكب إثماً، و لكنّه يستطيع أن يستلم معادل ذلك المبلغ في المعاملة الثّانية من البنك، بنيّة التّقاص.

سؤال: (8) أنّ البنوك تقوم بوضع فائدة على القروض بعنوان الأُجرة و حقّ العمل

اشارة

، و تأخذه من المستثمر و المقرض، فلو أنّ الشّخص العادي و الكاسب في السّوق قام بهذا العمل و باع جنساً نسيئةً أو أقرض شخصاً و أخذ منه هذا المقدار بهذا العنوان، فهل إنّه يعتبر من الرِّبا؟

الجواب: المنظور و المراد من الأُجرة و حقّ الزحمة، هو ما يعطيه البنك

أو صناديق القرض الحسن للموظّفين في مقابل عملهم في حفظ الحسابات و تقديم الخدمات البنكيّة للنّاس، فيتعلق حق الزّحمة لهم على هذا الأساس، فإذا أخذ المقرض مالا إضافيّاً و فائدةً له شخصيّاً فإنّه يكون من الرِّبا المحرّم، فكذلك الأمر بالنّسبة إلى المعاملات في السّوق.

سؤال: (9) تقوم البنوك بتعيين فائدة مخصّصة للودائع القصيرة المدّة و طويلة الأمد

اشارة

، و لكن بالنّسبة إلى ودائع القرض الحسن لا يوجد إضافة ماديّة سوى الأجر المعنوي و الثّواب الأخروي، فمع الالتفات إلى هذا الأمر فما حكم الإيداع القصير الأمد و الطّويل الأمد في البنوك حيث لا تفقد هذه الأموال قيمتها بمرور الزّمان و يستفيد البنك من هذه الأموال بإقراض الآخرين؟

الجواب: إذا تمّت مراعاة العقود الشّرعيّة أو أعطى المودع وكالة مطلقة

إلى مسئولي البنك على أن يراعوا هذه العقود الشّرعيّة فهو حلال.

سؤال: (10) إذا أراد شخص الحصول على قرض قيمته خمسمائة ألف تومان مثلا

اشارة

فإنه يحتاج إلى معرِّف (أو كفيل) لديه نصف المبلغ المقترض لدى البنك، أي أن عليه أن يودع 250 ألف تومان في المصرف ضماناً للسداد، و لا يجري الإفراج عنها إلّا بعد أن يسدّد المدين آخر قسط من أقساط القرض إلى الربا و البنك الاسلامى، ص: 170

البنك فإذا لم يكن لدى الكفيل موجود نقدي في الصندوق، فهل يجوز له أن يقول للمقترض: اطلب ضعف ما تحتاجه من مال (مليون تومان مثلا) حتى يجري إيداع نصفها كضمان باسم الكفيل حتى يتسنى كفالته بها، فيستلم ضعف القرض، يأخذ نصفها (500000 تومان) المقترض، حتى إذا سدد آخر قسط من المبلغ بكامله (المليون تومان) عادت إليه الخمسمائة الأخرى دفعة واحدة. فهل إن عمل البنك هذا صحيح من الناحية الشرعية؟ و هل يتعلق الخمس بالخمسمائة ألف تومان التي يقبضها لدى تسديده القسط الأخير؟

الجواب: إذا لم يستغل صندوق (قرض الحسنة) أموال الناس في أعمال تجارية

فإن عمله صحيح في الحالتين، و في الحالة الثانية يتعلق الخمس بالنقود المودعة.

سؤال: (11) اتفقت مع أحد أقربائي على أن أستلم حوالة القرض الحسن من البنك باسمه

اشارة

، فاستلم المبلغ و سلّمه لي لكي أستعين به على قضاء حوائجي، و قمت أنا بتسديد أقساطه، و من أجل استلام القرض يجري أولا فتح حساب توفير تؤخذ منه الأجور، فإذا كان صاحب دفتر الحساب لم يدفع أجرة أو رأسمال من نفسه، و قد ربح هذا الدفتر جائزة قيمتها 450000 ريال، فإلى من تئول هذه الجائزة؟ و ما هي نسبة حصتي منها؟

الجواب:

الجائزة تخص صاحب دفتر التوفير.

سؤال: (12) يبلغ التّضخم الاقتصادي في تركيا 70 في السنة

اشارة

، و مع الأخذ بنظر الاعتبار هبوط قيمة الليرة التركية، و هذا التّضخم إذا وضع الشّخص مالا في إحدى البنوك الحكومية هناك بعنوان وديعة مؤقتة فأعطاه البنك 60 من الفائدة، فهل يجوز له أخذها نظراً إلى أنّها أقل من قيمة هبوط العملة؟ و إذا كانت الفائدة أكثر فما الحكم؟

الجواب: إذا البنك غير إسلامي فلا إشكال

، و لو كان إسلامياً، و كان التّضخم بشكل كبير إلى درجة أنّه يدخل في الحسابات اليومية المتعارفة للنّاس، فلا إشكال في أخذ التّفاوت بمقدار التّضخم.

سؤال: (13) ما هي حقيقة الأموال في نظركم؟

اشارة

(الحوالة، مال، أو.)

الجواب: كانت النّقود الورقيّة في بداية أمرها كالحوالة

، و لكن بعد تباعد الزّمن خرجت عن صورتها الأولى، و حتى مقدار الرّصيد الحاكي عنها قد غفل عنه، فأخذت صبغة المال الاعتباري لها، و الرّصيد لها في الحال الحاضر هو قدرة الحكومات و اعتبارها.

سؤال: (14) هل إنّ النّقود الورقية (الإسكناس) مثليّة، أو قيميّة؟

الجواب:

لا شك في أنّها مثليّة.

سؤال: (15) إذا كانت مثليّة، فهل يضمن تنزّل قيمتها؟

اشارة

و ما الحكم في صورة الهبوط الفاحش للقيمة؟ و ما الحكم في صورة الزّيادة؟

الجواب: الزّيادة و الهبوط الفاحشين موجبان للضّمان

أو بعبارة أصح، إذا كان الشخص مديناً لآخر بمبلغ معين، و بعد مضي 20- 30 سنة (في بيئتنا) أراد تسديد الدّين، فلا شك أنّ دفع ذلك المبلغ لا يعدّ وفاء للدّين، و يجب عليه تسديده بقيمة اليوم، أمّا لو لم يكن التغيير كبيراً، فلا يؤثر في السّداد، لأنّه يعتبر أداءً للدّين.

سؤال: (16) إذا اشترط الضّمان في الصّور المختلفة المذكورة أعلاه

اشارة

، فما الحكم؟

الجواب: لا يوجد مفهوم صحيح للضّمان في هذه الصّورة، إلّا بأن يضيف في القيمة

، و هو الرِّبا، هذا إذا لم يكن التّفاوت فاحشاً. أمّا مع التّفاوت الفاحش فلا حاجة للشّرط. و كما تقدّم أعلاه فإنّه يحاسب بقيمة اليوم.

سؤال: (17) في صورة ضمان تنزّل القيمة للأموال

اشارة

، فهل هناك فرق بين القرض و المهر و المضاربة و الخمس و سائر الدّيون؟

الجواب: مع الأخذ بنظر الاعتبار الشّرائط المذكورة سابقا

، فلا فرق بين أقسام الدّيون هذه.

سؤال: (18) هل هناك فرق بين ما إذا كان عامل التّضخم هو الدولة، أو كان العامل هو السّوق

اشارة

أو معادلات السّهام العاملية عند ما يكون التّضخم مسبباً لزيادة الطّلب، أو قلّة العرض أو زيادة الكلفة؟

الجواب: لا يوجب فرق

في الموارد المذكورة.

سؤال: (19) الرّجاء أن تعيّنوا لنا موارد الحليّة و الحرمة في الودائع البنكية

اشارة

القصيرة الأجل أو طويلة الأجل، مع العلم أنّه تمّ ذكر صيغة المعاملة في كرّاس البنك يقوم بإجراء عقود المعاملات بالوكالة عن صاحب المال و يعطيه مبلغاً معيناً من الرّبح لذلك؟

الجواب: يجوز ذلك فيما لو روعيت العقود الشّرعيّة

، أو أعطيت وكالة مطلقة لمسئولي البنك بمراعاة العقود الشّرعيّة.

سؤال: (20) تقوم البنوك المتعارفة في مورد الودائع الطويلة الأجل بكتابة صياغة معيّنة

اشارة

على ورقة تتضمن ما يلي الربا و البنك الاسلامى، ص: 174

(أنّ فلاناً وضع هذا المقدار من المال في البنك، و أعطى وكالة للبنك في استثماره في التّجارة غير الرّبويّة، و له مقدار من الرّبح ما يعيّنه البنك له)، و من خلال القرائن و الشّواهد يعلم أنّ للبنك عدّة معاملات تجارية غير ربويّة، فما حكم أخذ الفائدة المذكورة من البنك؟

الجواب: إذا تمّت مراعاة العقود الشّرعيّة أو أعطى لمسئولي البنك وكالة

لرعاية العقود المذكورة، فلا إشكال.

سؤال: (21) ما هي حقيقة الاعتبارات البنكية في نظر الإسلام؟

اشارة

فهل إنّ البنك يقوم بإثبات قيمة المال و اعتبارها باسم الأشخاص و يتمّ نقلها و التّصرّف بها، أو إنّ عين المال هو الذي يتمّ نقله و التّصرّف فيه، أو إنّ الصّور المختلفة للودائع و الاعتبارات البنكية من حساب جاري، ودائع ثابتة، مشاركات بنكية. و. سواء؟ و ما حكم الفوائد التي تدفع للمودعين على الحساب من تشغيل البنك لرءوس الأموال؟

الجواب: إنّ ماهيّة الودائع في الحساب الجاري هي ماهيّة القرض

، بشرط الأداء حين المطالبة، و ماهيّة الودائع الطويلة الأجل و القصيرة الأجل هي نوع من المضاربة، أو سائر العقود الشّرعيّة من هذا القبيل، أمّا دفع فائدة على الحساب هو نوع من القرض الذي يتم حسابه بعد ظهور الرّبح.

سؤال: (22) مع الالتفات إلى فتوى الإمام الخميني (قدس سره) في خصوص بطلان الحيل الرّبويّة

اشارة

فهل إنّ إيداع مقدار من المال في البنك بعنوان ودائع ثابتة، و الاستفادة من الفائدة المقررة من قبل البنك للمودع بعنوان على الحساب، جائز؟

الجواب: إذا تمت مراعاة العقود الشّرعيّة

أو أعطي للمسئولين في البنك وكالة مطلقة لرعاية العقود المذكورة، فلا بأس.

سؤال: (23) هل إنّ الفائدة البنكية تعتبر من الرِّبا؟

اشارة

و إذا كانت كذلك فمن أي أقسام الرِّبا تكون؟

الجواب: إذا تمّ العمل وفقاً للمقررات الموجودة في البنك

المبنية على رعاية الضوابط الشّرعيّة في المعاملات، أو قال مسئولو البنك «عملنا بها»، فلا إشكال.

سؤال: (24) تحت أي عنوان فقهي يمكن درج الجوائز البنكية؟

الجواب: هي نوع من الهبة بدون عوض

من أجل إيجاد الدّاعي إلى الإيداع.

سؤال: (25) ما حكم إيداع مبلغ معين من المال من أجل المشاركة في الاقتراع؟

اشارة

و لو

الربا و البنك الاسلامى، ص: 176

لم يشترط الفائدة، و لكن أودع المال بهذا الداعي فهل يتغيّر الحكم الشّرعي تبعاً لذلك؟ و أساساً هل هناك فرق بين الشّرط و الدّاعي؟

الجواب: إذا اشترط ففيه إشكال

، و لكن إذا كان ذلك داعياً له على الإيداع فلا بأس. و الفرق بينهما أنّ الشّخص في حالة الإيداع بدون شرط الفائدة لا يرى له حق المطالبة بالزّيادة من البنك.

سؤال: (26) السؤال عن المؤتمر الذي أقيم في قم المقدسة قبل عدّة أشهر بحث مسألة المال و الاقتصاد في الإسلام

اشارة

، و طُرحت فيه مقولة النّقود الورقية و النّقود ذات القيمة (الذهب و الفضة و غيرهما) و أنّ النّقود الورقية لها قيمة القدرة الشّرائية للأفراد، و لا تستطيع الدّولة من خلال خفض قيمة العملة الورقية أن تقلل من رأس المال لدى الأفراد، ثم خرجوا بنتائج مختلفة، منها:

1- بما أنّ الفائدة القليلة التي تعطيها البنوك الإسلامية للمودعين تؤدي إلى تعويض قليل عن الضرر النّاشئ من هبوط قيمة العملة بسبب سياسة الحكومة الماليّة، لذا فلا يعتبر من الرِّبا.

2- و بما أنّ هذه الفائدة تكون بمثابة تعويض عن تلك الخسارة النّاشئة من هبوط القيمة، لذا فلا يترتب عليها الخمس؟

الجواب: الجواب: أنّ هذه الأبحاث التي تبحث في المحافل الاقتصاديّة و الأوساط العلمية المختصة

لا يمكن أن تكون معياراً للحكم الشّرعي. لأنّ الربا و البنك الاسلامى، ص: 177

الأحكام الشّرعيّة تدور موضوعاتها حول محور الفهم العرفي لها، و بما أنّ الفرع الأول يستبطن وجود فائدة عرفاً، فهو ربا و حرام. و كذلك في الفرع الثّاني حيث يحسب عرفاً من الرّبح، فعليه الخمس.

سؤال: (27) النّظام البنكي في الجمهورية الإسلاميّة في إيران يقوم على أساس البنك اللّاربوي

اشارة

و العقود و المعاملات الشّرعيّة المجازة، فإذا استلم شخص مبلغاً من المال من البنك بأحد العناوين الشّرعيّة في العقود (المشاركة، المضاربة، الجعالة، بيع الأقساط، و.) في مقابل تضمين معتبر من قبيل رهن البيت و غيره، ثم صرفه في غير الوجه المقرر في عقده مع البنك، فهل يكون قد ارتكب إثماً، أو أنّ عمله هذا مباح؟ و ما هو حكم الأرباح التي حصل عليها من هذا الطريق؟ و على سبيل المثال: إذا تعاقد شخص مع البنك عقد الجعالة من أجل إجراء بعض التّعميرات لمسكنه، ثم صرف المال الذي أخذه من البنك في شراء أسهم لشركات أو استثمره كرأس مال في مكان آخر، أو اشترى به سيارة، أو أنفقه في تزويج ابنه و غير ذلك.

الجواب: لا يجوز صرف المبلغ في غير وجهه المقرر في متن العقد

، و في أرباحه إشكال.

سؤال: (28) ما حكم المعاملات الرّبويّة مع الكفّار و المصارف الإسلامية؟

الجواب [يجوز أخذ الرِّبا من الكفّار و المصارف غير الإسلامية]

يجوز أخذ الرِّبا من الكفّار و المصارف غير الإسلامية، أمّا إعطاؤهم الرِّبا فلا يجوز إلّا عند الضرورة بحيث يؤدي عدم الاقتراض منهم إلى العسر و الحرج أو ضعف المسلمين و إذلالهم في تلك البلدان.

سؤال: (29) هل يعتبر من الرِّبا

اشارة

، فائدة 13 التي تتقاضى المصارف لقاء القروض أو فائدة 10 التي تعطيها عن الودائع طويلة الأجل، و التي تشترط أول المعاملة؟

الجواب: إذا وضعت سياسات المصرف في ميدان العقود الشرعية

و طرق الخلاص من الرِّبا موضع التنفيذ، فلا بأس.

سؤال: (30) هل من الرِّبا احتساب سعر التضخم في الديون و المطالبات؟

الجواب: إذا اعتبرت تصفية التضخم في عصرنا بهذا الاتساع

و الشدّة التي خلقتها النقود الورقية قضية رسمية من وجهة النظر العرفية العامّة، فلا يكون ربا على افتراض المسألة (كما ينقل عن بعض البلدان الأجنبية أنها تحتسب للودائع المصرفية سعر التضخم إلى جانب الفائدة)، في هذه الحالة لا يكون احتساب سعر التضخم من الرِّبا، أمّا الفائدة الزائدة عليه فهي ربا. أما في بيئتنا و ما شابهها حيث لا يحتسب سعر التضخم بين الناس وفق العرف العام فهو ربا عموماً، لأنّ الذين يقرضون بعضهم البعض أموالا يطالبون بعد مضي الربا و البنك الاسلامى، ص: 179

بضعة شهور بأكثر من عين مالهم و لا يحتسب فرق التضخم، أمّا احتساب التضخم في المحافل العلمية فلا يكفي وحده لأن المدار على العرف العام، و لكننا نستثني حالة واحدة و هي حصول فرق كبير بسبب مرور ثلاثين سنة على القرض مثلا. لذا فإن الاحتياط الواجب في المهور القديمة للنساء أو المطالبات التي من هذا القبيل احتسابها بسعر اليوم أو المصالحة عليها على الأقل.

سؤال: (31) بما أنّ الدائن في صورة تأخير السّداد عن الموعد المقرر يتعرّض للضرر و الخسارة

اشارة

، لذا فالقانون الموجود يحمّل الطّرف المدين هذه الخسارة بنسبة 12 في العام بعنوان خسارة تأخير السّداد، و تقوم البنوك أيضاً بالعمل بهذا القانون، و مع الالتفات إلى الرقم المذكور في النّسبة المئوية في القانون المذكور:

أوّلا: هل تعتبر هذه الخسارة شرعاً من الرِّبا أم لا؟ و ما حكمها؟

ثانياً: مع الأخذ بنظر الاعتبار التّضخم المالي الموجود في البلد و هبوط قيمة العملة، فهل يصح لصاحب المال (المقرض) أن يطالب بتعويض هذه الخسارة حتى في صورة عدم التّأخير في أداء الدّين؟

الجواب

1-: تعويض خسارة التّأخير ليس له جنبة شرعيّة.

2-: إذا دامت الحالة مدّة طويلة (عدة سنوات مثلا) بحيث هبطت قيمة المال كثيراً، فالاحتياط الواجب المصالحة، أو دفع المال بقيمة اليوم.

سؤال: (32) مع العلم بأنّ هبوط قيمة العملة كان موجوداً في الخارج و حتى الآن

اشارة

، و قد ازداد حدّة الهبوط في الحال الحاضر، ففي صورة التأخير في السّداد و تحقق الضّرر، فهل يمكن للدائن مطالبة المدين بالخسارة شرعاً؟ و هل تعتبر عملية تعويض الخسارة هذه من الرِّبا؟

الجواب: تعويض خسارة التّأخير ربا و حرام

، و لكن إذا كانت الفاصلة الزّمنية كبيرة و التّضخم فاحشاً بحيث لا يعتبر دفع المبلغ المذكور أداءً للدّين عرفاً، وجب حسابه بقيمة اليوم، أو المصالحة.

سؤال: (33) أحد الأشخاص أخذ قرضاً ربويا

اشارة

، ثم إنّه أدّى أصل القرض. و لكن بقي عليه دفع جزء من الفائدة، فهل يجوز له الامتناع من دفعها؟ و هل يجوز له لجبران ما دفع من الفائدة لصاحب المال أن يأخذ من مال هذا المرابي بعنوان التّقاصّ؟

الجواب: إذا كانت للفائدة جنبة ربويّة (لا مضاربة)

، فدفع هذه الفائدة ليس لها جنبة شرعية.

سؤال: (34) هل إنّ كل زيادة في القرض تعتبر من الرِّبا؟

الجواب:

كالمسألة السّابقة.

سؤال: (35) هل هناك فرق بين الشّخصية الحقيقية و الحقوقية؟

الجواب:

الاحتياط الواجب هو عدم الفرق بينهما.

سؤال: (36) اشترى عقار بصورة المشاركة

اشارة

، ثم إنّ أحد الشّركاء قام بتأجير سهمه إلى شريكه بشرط التّمليك، بحيث يكون العقار بعد تسديد جميع الأقساط المقررة للإجارة ملكاً للمستأجر (و طبعاً مقدار الأقساط أكثر من المال الذي دفعه الشّريك للسّهم المذكور)، فهل يعتبر هذا العمل- السّائد أيضاً في البنوك، أو الشّركات، أو الأشخاص الحقوقيين، و أحياناً بعض الأشخاص الحقيقيين- حيلة شرعيّة للفرار من الرِّبا القرضي؟

الجواب: لا مانع من ذلك إذا كان القصد للإجارة بشرط التّمليك جديا

، و لكن إذا كانت له جنبة صوريّة و من أجل الفرار من الرِّبا، فلا يجوز.

سؤال: (37) ما هو الملاك في تشخيص الرِّبا في المجتمع المعاصر؟

اشارة

هل إنّ كل زيادة على رأس المال- و لو اسمياً- تعتبر من الرِّبا، أو تختص بالزّيادة على ماليّة رأس المال فقط؟

الجواب [إنّه يشمل كل زيادة على رأس المال

إنّه يشمل كل زيادة على رأس المال. إلّا في الموارد المذكورة أعلاه.

سؤال: (38) ما حكم أخذ الفائدة بواسطة الحيل الشّرعيّة؟

اشارة

و هل إنّ الحيل الشّرعيّة مع ضميمة بعض الأشياء الأخرى مباحة؟

الجواب: إذا كان المراد من الحيل الشّرعيّة هو أن تكون المعاملات صوريّة بدون قصد جدّي

، فمن المسلّم أنّها لا تؤثّر في الحكم الشّرعي للرّبا.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين الختام

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.