الجمرات فی الماضی و الحاضر

اشارة

سرشناسه : مکارم شیرازی ناصر، 1305 عنوان و نام پديدآور : الجمرات فی الماضی و الحاضر/ مولف ناصر مکارم شیرازی وضعيت ويراست : [ویراست ]2 مشخصات نشر : قم : مدرسه امام علی بن ابیطالب (ع ، 1425ه.ق = 1383. مشخصات ظاهری : 80 ص شابک : 964-6632-95-55000 ریال : يادداشت : عربی یادداشت : کتابنامه ص [75] - 78؛ همچنین به صورت زیرنویس موضوع : رمی جمرات موضوع : حج شناسه افزوده : مدرسه الامام علی بن ابی طالب (ع رده بندی کنگره : BP188/8 /م75ج8 1383 رده بندی دیویی : 297/357 شماره کتابشناسی ملی : م 83-28681

[المدخل

الجمرات بين الماضى والحاضر

نُشر في السابق بحثٌ مختصرٌ تحتَ عنوان «رمي الجمرات في بحث جديد» يُبيّنُ هذه المسألةِ بصورة جزئيّة، أمّا هذا الذي بيْنَ يديك فهو «شرح كامل» لهذه المسألة.

خلاصة البحث

لا شك فى ان رمي الجمرات من مناسك الحجّ المهمّة، والمعروف بين كثير من الفقهاء المعاصرين أيدهم الله أنّ الجمرات هي الأعمدة الثلاثة أو الشواخص التي يرميها الحجاج بالحصى في أيام خاصة، لكن كلّما رجعنا إلى الوراء فان هذه الفكرة تبدو على ما نرى قليلة الأهميّة وقليل القائل وليس لها نصيب من الصحة، حتى نطمئن بأنّ تلك الأعمدة هي علامات لمحلّ الجمرات، وأنّ الجمرات هي نفس محلّ اجتماع الحصى والذي يجب أن يكون الرمي إليه، نعم وحينما نعود إلى الماضي فقلّما نجد كلاماً عن الأعمدة، بل الحديث يتركّز حول «مجتمع الحصى».

وقد جاء في هذه المجموعة أقوال وآراء نحو خمسين من فقهاء السنة والشيعة، وقد صرّح بعضهم وأشار آخرون إلى التصديق بكون الأعمدة

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 4

علامة ودلالة، وأنّ الجمرة هي مجتمع الحصى، والتي تبدو اليوم بصورة حوض في أطراف الأعمدة.

وصرّحت أيضاً طائفة كبيرة من أرباب اللغة بهذه الحقيقة في بيانهم لمعنى الجمرة، وسنأتي لاحقاً على عين عباراتهم في مطاوي البحث، كما سنأتي على قرائن واضحة تدلّ على هذه الحقيقة تتمثّل في كلمات المؤرخين وآثار الأسفار والرحلات.

على أنّنا لم نجد تعريفاً محدّداً للجمرة في أيّة واحدة من الرّوايات الكثيرة الواردة في أحكامها المثبتة في كتب الرواية، ولكن إلى جانب تلك الرّوايات وأطرافها هناك إشارات واضحة أقنعت العلماء الماضين (رحمهم الله) بالتفسير الذي قدمناه.

وممّا يجدر ذكره أنّه جاء في أهمّ وأوسع كتاب تاريخي صنّف حول مكّة المكرّمة وبيت الله- وسنذكر عين عبارته في آخر البحث- مايلي:

«... بوسط

كلّ جمرة من الجمرات الثلاث علامة كالعامود المرتفع نحو قامة، مبنيّة بالحجارة، إشارة إلى موضع الرمي، وهذه العلامات على الجمرات لم تكن في صدر الإسلام، وإنّما احدثت فيما بعد» «1».

ونحن مطمئنون بأنّ مطالعة هذا المقال ستفتح آفاقاً جديدة في وجه المحقّقين بأنّ الجمرة ليس إلّا مجتمع الحصى، وليس على الناس أن يتحمّلوا مشقّة التهديف على الأعمدة ورميها، وليطمئنوا بأنّها مجرّد علامات وشواخص على المحلّ ليس إلّا.

تمهيد ضرورة التحقيق حول الجمرات

إنّ رمي الجمرات يعتبر واحداً من أهمّ مشكلات الحجاج، سيّما في عيد الأضحى حيث يندفعون لرمي جمرة العقبة، وفي أكثر السنين تحدث خسائر كبيرة بالأرواح، ويُقتَل الكثيرون في أطراف الجمرات، أو يجرحوا، وغالباً تتعرّض رؤوسهم أو وجوههم أو عيونهم لصدمات وأضرار بالغة.

وعلى رغم التدابير المتخذة للحدّ من هذه الأضرار كايجاد طبقة ثانية للجمرات إلّا أنّ هذه المشكلة لا تزال قائمة تنتظر الحلّ.

إنّ أكثر تلك الخسائر والأضرار ناجمة عن التصوّر العام الذي توحي به فتاوى جماعة من الأعلام المعاصرين القاضية بوجوب إصابة الأعمدة الخاصة، في الوقت الذي لا يتوفّر دليل قاطع وواضح على هذه المسألة، بل قام الدليل على خلاف ذلك، وهو يشير بوضوح إلى كفاية رمي الأحجار باتجاه الجمرة ووقوعها في تلك الدائرة المسمّاة بمجتمع الحصى، وفي الواقع أنّ محلّ الجمرة هو مجتمع الحصى وليس الأعمدة المبنيّة كعلامة وشاخص على ذلك المحلّ.

إنّ هذه المقالة كُتِبت لأجل توضيح الأدلّة العلميّة على هذه المسألة

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 6

ووضعها بين يدي علماء الإسلام، ليتبيّن أنّ تلك الأعمدة لم تكن في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) ولا في زمان الأئمّة (عليهم السلام)، وإذا وجدت فلمجرّد رؤية محلّ الجمرة وحتى لا يفقد الحاجّ محلّ الرمي، كما ينصب أحياناً مصباح أو سراج لأولئك الذين

يرمون بحكم الضرورة ليلا.

من هنا نطلب من أرباب التحقيق أن لا يصدروا أحكاماً مسبقة حول هذا المقال قبل أن يطالعوا الكتاب بدقّة، وفقكم الله لمرضاته.

ما هي الجمرة؟

اشارة

إنّ وجوب رمي الجمرات باعتباره أحد مناسك الحجّ يُعدّ من مسلمات وضروريات الإسلام، وذلك محل اتفاق جميع علماء الإسلام، ولكنّ المسألة المهمة في باب رمي الجمرات هي أن نعرف ماهي الجمرة التي يتوجب رمي الحجر باتجاهها؟ هل هي الأعمدة التي يرمونها اليوم؟ أو قطعة الأرض الواقعة في أطراف تلك الأعمدة؟ أو أو كلاهما؟ وبعبارة اخرى هل يجزي رمي الحجر باتجاه أحد الموضعين؟

بعض الفقهاء إختار السكوت عن شرح هذا المطلب ومرّ به مرور الكرام، وبعضهم عبّر عن ذلك بوضوح مشيراً إلى أنّ الجمرة هي الأرض التي في أطراف الأعمدة والتي يجتمع فيها الحصى عند الرمي.

وفي مراجع اللغة وروايات أهل البيت (عليهم السلام) هناك إشارات أيضاً تتضمّن هذا الأمر، بل إنّ القرائن تشير إلى عدم وجود تلك الأعمدة في عصر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والفقهاء وائمة أهل البيت (عليهم السلام) وإذا وجد ثمّة عمود أو بناء في عصر بعضهم فلا يعدو كونه علامةً أو شاخصاً لكي لا يفقد الحاج موضع الرمي، والحجيج إنّما يرمون الأحجار في تلك البقعة فتتراكم وتجتمع، ومن الجمرات الماضى والحاضر، ص: 8

هنا قيل لها «جمرة»، أي مجتمع الحصى. ولأجل إدراك هذه الحقيقة جعلنا هذا البحث يدور على أربعة محاور:

الأوّل: كلمات أرباب اللغة في توضيح مفهوم الجمرة.

الثاني: نقل كلمات كبار فقهاء السنة والشيعة.

الثالث: ما يستفاد من الروايات والأخبار الاسلامية.

الرابع: الجواب عن الأسئلة المختلفة ومناقشة النقود.

1 تفسير الجمرة في كتب اللغة

اشارة

يستفاد من خلال النصوص اللغوية المشهورة وجود أربعة معان لكلمة الجمرة، وهي كالآتي:

1- الجمرة في الأصل بمعنى الاجتماع مطلقاً، أو اجتماع القبيلة الواحدة، وسمّيت الجمرات بهذا الاسم لكونها محلا لاجتماع الحصى.

2- الجمرة بمعنى الأحجار الصغار، وسمّيت بهذا الاسم لأنّها من صغار الحصى.

3- الجمرة من (الجِمار) وهو بمعنى

الابتعاد بسرعة، لأنّ آدم (عليه السلام) حينما وجد ابليس في هذا المكان رماه بالحصى فابتعد الشيطان بسرعة.

4- الجمرة بمعنى قطعة ملتهبة من النار (وفي ذلك إشارة إلى الشرر المتصاعد من شعلة النار وكأنّها حصىً صغار).

والملاحظ أنّ المعاني الثلاثة الاولى تتناسب مع تسمية الجمرات، لكنّنا نرى أنّ أغلب علماء اللغة اعتمدوا المعنى الأوّل معتبرين الجمرات محل اجتماع صغار الحصى.

أقوال اللغويين

نعرض القارى ء الكريم هنا بعضاً من أقوال اللغويين ذات العلاقة بالمعنى الفقهي، والجدير بالذكر أنّه ليس في أقوالهم كلام عن الأعمدة المذكورة بل الكلام يدور حول محلّ اجتماع صغار الحصى.

1- الفيومي، المتوفّى سنة 770 ه-، يقول في «المصباح المنير»:

«كلّ شي ء جمعته فقد جمّرته، ومنه الجمرة: وهي مجتمع الحصى بمنى، فكلّ كُومة من الحصى جمرة، والجمع جمرات». والكُومة هنا: كلّ ما اجتمع وارتفع من تراب أو حجارة أو قمح أو نحو ذلك، وهذا التعبير يفيد في توضيح بعض العبارات، لذا أرجو التركيز عليه.

2- المرحوم الطريحي، المتوفّى سنة 1807 ه-، يقول في «مجمع البحرين»:

«والجمرات: مجتمع الحصى بمنى، فكلّ كُومة من الحصى جمرة، والجمع جمرات، وجمرات منى ثلاث».

وهنا يفسّر الجمرات بمعنى محل اجتماع صغار الحصى.

3- ابن منظور، المتوفّى سنة 711 ه-، يقول في «لسان العرب»:

«والجمرة: اجتماع القبيلة الواحدة ... ومن هذا قيل لمواضع الجِمار التي تُرمى بمنى جمرات؛ لأنّ كلّ مجمع حصى منها جمرة، وهي ثلاث جمرات».

4- ابن الأثير الجزري، المتوفّى سنة 606 ه-، يقول في «النهاية»:

«الجِمار: هي الأحجار الصغار، ومنه سمّيت جمار الحج للحصى التي يرمى بها، وأمّا موضع الجمار بمنى فسمّي جمرة لأنّها ترمي بالجِمار، وقيل: لأنّها مجمع الحصى، التي يرمى بها» «1».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 11

وعبارة (موضع الجمار) أي محل اجتماع الحصى تنطبق بوضوح على الأرض، وليس

ثمة كلام عن الأعمدة.

5- الزَّبيدي، المتوفى سنة 1205 ه-، قال في «تاج العروس في شرح القاموس»:

«وجِمار المناسك وجمراتها: الحصيات التي يرمي بها في مكة ... وموضع الجِمار بمنى، مسمّى جمرة لأنّها ترمى بالجِمار، وقيل: لأنّها مجمع الحصى».

مرة اخرى يأتي تعبير (موضع الجمار) أو محل اجتماع الحصى ليكون شاهداً على المدّعى.

6- وجاء في «معجم ألفاظ الفقه الجعفري»: «الجمرة: الحصاة الصغيرة، كُومة من الحصى، مجتمع الحصى» «1».

7- وجاء في «القاموس الفقهي»:

«الجِمار: الحجارة الصغيرة، الجمرة: واحدة الجمر، وهي القطعة الملتهبة من النار، والحصاة الصغيرة، وواحدة الجمرات التي ترمى في منى، وهي ثلاث ... وهي مجتمع الحصى في مني» «2».

8- وفي «دائرة المعارف الاسلامية»:

«الجمرة في الأصل الحصاة، وهي تطلق خاصّة على أكوام الحجارة في وادي منى التي تتجمع من الجِمار، يرمي بها الحجيج في عودتهم من الوقوف بعرفة» «3».

يستفاد من مجموع الأقوال والمطالب المتقدّمة ومن تعبيرات طائفة

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 12

اخرى من أعلام اللغة أنّه قيل للجمرات هذا الاسم لكونها موضع اجتماع الحصى، أو لكونها كُومة من الجمار، وهكذا نرى أنّ علماء اللغة لم يذكروا الجمرة بمعنى الأعمدة، بل اعتبروها بمعنى الأرض التي يجتمع فيها الجِمار، وبعبارة اخرى أنّها مجتمع الحصى.

الأقوال المتقدّمة تشير أيضاً إلى عدم بناء تلك الأعمدة في عصر أغلب أولئك اللغويين، وإذا كان ثمة بناء فهو مجرّد شاخص وعلامة، علاوة على ذلك فإنّ علّة تسمية الجمرات وجذرها اللغوي يطرحان مسألة اجتماع الحصى بقوّة.

ليس للجمرة حقيقة شرعيّة

وهذه النكتة جديرة بالذكر، فمن اليقين أنّ الجمرات ليست من الألفاظ ذات الحقيقة الشرعيّة أو المتشرعة، وبناءً على ذلك يجب الرجوع الى كتب اللغة لغرض فهم معناها، واطلاقها على المواضع الثلاثة من قبيل إطلاق الكلّ على الفرد، وبالتدريج أصبح هذا المصطلح علماً لتلك

الأماكن.

من هنا إذا كنا نعتبر قول اللغوي صحيحاً طبقاً لسيرة العقلاء في مورد أهل الخبرة بالخصوص، فحيثما يوجد مطلب متداول بين اولئك يمتلك الشهرة، فهو بشهادتهم ثابت، وهو الحقّ لأنّنا في كتاب «أنوار الاصول» أثبتنا حجية القول اللغوي في مثل هذه الموارد، وتجري عملية أيضاً سيرة العقلاء، وفي غير هذه الصورة فان تلك الشهادات تُعدّ مؤيداً جيداً لإثبات المقصود.

2 شهادة فقهاء وعلماء الإسلام

اشارة

في هذا المحور المهم ننقل أقوال أكثر من جم غفير من علماء الإسلام المعروفين عن أكثر من خمسين مصدراً معتبراً، وهي تشير إلى أنّ الجمرات هي بقعة الأرض التي يجتمع فيها الحصى، وليست هي الأعمدة المنصوبة التي يرميها الحجيج اليوم. يعني يجب رمي الجمار إلى تلك البقعة التي جعلوها اليوم على شكل حوض، لا ألى غيرها.

وبعبارة اخرى وكما سبقت الاشارة إليه: أنّ علماء الإسلام أجمعوا على أنّ رمي الجمرات هو من واجبات الحج، ولكن الكلام في موضع الجمرات، يعني المحل الذي يُرمى بالحجر «1».

ولا بدّ أن نوضّح في هذا المقام أنّ تعبيرات علماء الإسلام بخصوص هذه المسألة مختلفة، ويمكن تقسيمهم وفقاً لأقوالهم إلى خمس مجاميع:

المجموعة الاولى: وهم الذين صرحوا بأنّ الجمرات هي بقعة الأرض التي الجمرات الماضى والحاضر، ص: 14

يجب رمي الحصى إليها.

المجموعة الثانية: هؤلاء ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث صرّحوا بأنّ الأعمدة هي مجرّد شاخص أو علامة، وأنّ الرمي إليها ليس كافياً ولا مجزياً، بل يجب أن يكون الرمي إلى موضع اجتماع الحصى، كما تعرّض بعضهم إلى تعيين مساحة ذلك الموضع بالذراع.

المجموعة الثالثة: وهم الذين قالوا إنّ الجمرات هي مجتمع الحصى.

المجموعة الرابعة: الذين لم يقولوا بهذا الأمر صراحة، ولكن عبراتهم تشير بالدلالة الالتزامية إلى كون الجمرات هي محلّ اجتماع الحصى، كقولهم: يستطيع الحاج أن

يقف على طرف الجمرات ويرمي إلى الطرف الآخر، فاذا كانت الجمرة هي نفس الأرض فإنّه من الممكن الوقوف في طرف ورمي الطرف الآخر، أمّا إذا كان المراد الأعمدة فإن العاقل لا يصدّق أنّ أحداً يصعد على العمود كي يقف على طرف منه ويرمي الطرف الآخر.

وكاستخدام بعضهم لتعبير (في الجمرة) أي رمي الحجر في داخل الجمرة أو (على الجمرة) أي رميه فوقها، وأمثال هذه الأقوال التي تشير بوضوح إلى بقعة الأرض.

المجموعة الخامسة: وهم قلّة معدودة قالوا بالتحيير، أي بجواز رمي الحجر إلى أطراف الأعمدة، أو إلى نفس الأعمدة.

بعد هذه المقدمة نورد أقوال هذه المجاميع الخمس آملين من الله تعالى التوفيق والهداية.

المجموعة الاولى وهم الذين عبّروا عن الجمرة بكونها أرضاً أو مرمى

، وقالوا: إنّ الرمي إلى تلك البقعة من الأرض مجز دون أدنى ذكر للأعمدة في كلامهم، ومن هؤلاء:

1- أبو الصلاح الحلبي (قدس سره) يقول في «الكافي»:

«فان رمى حصاة فوقعت في محمل أو على ظهر (بعير) «1» ثمّ سقطت على الأرض أجزأت، وإلّا فعليه أن يرمي عوضاً عنها» «2».

2- السيد أبو المكارم ابن زهرة (قدس سره) يقول في كتاب «الغنية»:

«وإذا رمى حصاة فوقعت في محمل أو على ظهر بعير، ثم سقطت على الأرض أجزأت ... كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه» «3».

ويلاحظ أنّ ابن زهرة يدّعي الإجماع على كفاية هذا النوع من الرمي.

3- العلّامة الحلّي (قدس سره) يقول في كتاب «المنتهى»:

«إذا رمى بحصاة فوقعت على الأرض، ثم مرّت على سَنَتها، أو أصابت شيئاً صلباً كالمحمل وشبهه، ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه، لأنّ وقوعها في المرمى بفعله ورميه» «4».

وهذا القول يشير إلى أنّ محلّ الرمي إذا كان منحدراً فوقعت الحصاة قريبة منه وتدحرجت ثم وقعت في المرمى، فإنه مجز، وهو دليل على أنّه الجمرات الماضى

والحاضر، ص: 16

ليس هناك ذكر للعمود بعنوان المرمى، بل المرمى هو عين محل اجتماع الحصى.

4- جاء في كتاب «فقه الرضا (عليه السلام)»:

«فإن رميت ووقعت في محل وانحدرت منه إلى الأرض أجزأ عنك» «1»، وفي ذيله عن بعض النسخ: إنّ كتاب (فقه الرضا (عليه السلام)) هو مجموعة من الروايات والأخبار، أو هو كتاب الروايات، والعبارة التي ذكرناها من هذا الكتاب شاهد واضح على مدّعانا، وهو أنّ الجمرة ليست عموداً بل هي بقعة من الأرض.

على أنّه توجد قرائن كثيرة في كتاب (فقه الرضا (عليه السلام)) تشير إلى أنّه كتاب فقهي يتعلق ببعض أجلاء الأصحاب، ومهما يكن الأمر فانّ ما فيه شاهد على ماذكرناه وهو المقصود.

5- يقول العلّامة الحلّي (قدس سره) في كتاب «التذكرة»:

«ولو رمى بحصاة فوقعت على الأرض ثمّ مرّت على سَنَتها، أو أصابت شيئاً صلباً كالمحمل وشبهه، ثم وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه، لأن وقوعها في المرمى بفعله ورميه ... وأمّا لو وقعت الحصاة على ثوب إنسان فنفضها فوقعت في المرمى فانه لا يجزئه» «2».

يلاحظ أنّ العبارات المختلفة في القول أعلاه بعضها صريحة مثل: (وقعت على الأرض) وبعضها فيها ظهور للمدّعى مثل: (وقعت في المرمى)

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 17

وهي تؤكّد بأنّ محلّ الرمي بقعة الأرض، وليس هناك ذكر لإصابة الأعمدة كما هو ملاحظ.

6- شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (قدس سره) يقول في كتابه القيّم «المبسوط»:

«فإذا وقعت على مكان أعلى من الجمرة وتدحرجت إليها أجزأه» «1».

7- شهاب الدين أحمد بن إدريس، أحد من كبار فقهاء السنة، يقول:

«فإن رمى بحصاة ... وقعت دون الجمرة وتدحرجت إليها أجزأ» «2».

المجموعة الثانية وهم الذين صرحوا بأنّ الأعمدة المبنيّة التي في الجمرات هي شواخص أو علامات

للدلالة على محلّ الرمي، حتى أنّ بعضهم قال: إنّ الرمي على الشاخص لايجزي، ويشترط أن يكون الرمي إلى مجتمع

الحصى. ومن هؤلاء:

8- العلّامة المحقّق الكبير بحر العلوم. قال في رسالة له في باب الحج والعمرة سماها «تحفةالكرام»: «قال ابن جماعة «3»: قال الشافعيّة: إنّ الرمى مجتمع الحصى عند بناء الشاخص هناك لا ما سال من الحصى ولا بالنباء

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 18

الشاخص، فانّه بُني علامة على موضع الرمي» «1».

9- ابن عابدين، المتوفّى سنة 1232 ه-، وهو من علماء السنة، يقول:

«وفي اللباب: ولو وقعت على الشاخص- أي أطراف المِيل الذي هو علامة للجمرة- أجزأه» «2».

عن الممكن أن يكون قوله بهذه الفتوى مستمدّاً من أنّه يقصد بالشاخص هو القسم الأسفل من المِيل أو العمود، وهو جزء من الجمرة، وإنّ كان قد بيّن قصده من الشاخص بكونه أطراف الميل، ولكن على كلّ حال فيه دليل على أنّ المِيل أو العمود هو علامة للجمرة وليس هو الجمرة.

10- يقول الإمام أحمد المرتضى المتوفّى سنة 840 ه-:

«لا يشترط أن يصيب الجمرة لأن المقصود اصابة المرمى، وهو موضع الجمرة، فإن قصد إصابة البناء فقيل: لا يجزي؛ لأنّه لم يقصد المرمى، والمرمى هو القرار لا البناء المنصوب، وقيل: يجزى؛ لأن حكم الهواء حكم القرار» «3».

هذا القول فيه أيضاً دلالة على أنّ الاعتقاد السائد في المحل الأصلي للرمي هو بقعة الأرض، ومنتهى الأمر أنّ بعضهم اعتبر فضاء تلك البقعة في حكمها، وبعضهم لا يعتبر ذلك.

11- ويقول محبّ الدين الطبري. المتوفى سنة 494 ه-:

«لم يذكروا في المرمى حدّاً معلوماً، غير أنّ كلّ جمرة عليها عَلَمٌ، فينبغي أن الجمرات الماضى والحاضر، ص: 19

يرمي تحته على الأرض، ولا يبعد عنه احتياطاً، وحدَّهُ بعض المتأخرين بثلاثة أذرع من سائر الجوانب إلّا في جمرة العقبة فليس لها إلّا وجه واحد» «1».

إنّ تعيين محل الجمرات بثلاثة أذرع من سائر

الجوانب، يصرّح بصوت مسموع أنّ محلّ الرمي هو بقعة الأرض لا غير، كما أنّ الأعلام التي ذكرها محبّ الدين الطبري في القرن الخامس، قد نصبت في محلّ الجمرات كي لا يفقد الحجيج محلّ الجمرة فيرموا مكاناً آخر، لأنّه لم تكن منى في ذلك الزمان سوى صحراء، فتعيين محل الجمرة فيها يحتاج إلى علامات.

وقد نُقل أنّ الحجيج كانوا أحياناً يفقدون محلّ الرمي فيرمون مكاناً غيره اشتباهاً، وقيل: إنّه في زمان المتوكّل العبّاسي غيّر بعض الناس غير المطّلعين مكان الجمرة، فكانوا يرمون في غير محلّ الرمي، من هنا فإنّ إسحاق بن سلمة الصائغ المؤول عن أُمور الحج والكعبة في زمان المتوكّل بنى حائطاً لتعيين محلّ الرمي «2». وسنورد هذا الكلام بعين ألفاظه.

12- ويقول ابن جبير الأندلسي المتوفى سنة 614 ه- في وصف جمرة العقبة:

«... وهي أول منى المتوجه من مكة، وعن يسار المار إليها، وهي على قارعة الطريق مرتفعة؛ للمتراكم بها من حصى الجمرات ... وبها عَلَم منصوب شبه أعلام الجمرات الماضى والحاضر، ص: 20

الحرم التي ذكرناها».

ويقول في مورد الجمرة الوسطى والاولى:

«وبعد هذه الجمرة العقبيّة موضع الجمرة الوسطى، ولها أيضاً عَلَم منصوب، وبينهما قدر الغلّوة، ثمّ بعدها يلقى الجمرة الاولى ومسافتها منها كمسافة الاخرى» «1».

الغَلْوة: مقدار رمية سهم، وتقدّر بثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة. وهذه العبارة صريحة بأنّ الأعمدة هي علامات للجمرة، ولا تخفى صراحتها على أحد.

13- ويقول الباجي من علماء أهل السنة:

«الجمرة: اسم لموضع الرمي، قال ابن فرحون في شرحه على ابن الحاجب: وليس المراد بالجمرة البناء القائم، وذلك البناء قائم وسط الجمرة علامة على موضعها، والجمرة اسم للجميع؛ انتهى» «2».

14- ويقول محمد بن الشربيني المتوفّى سنة 977 ه-:

«ويشترط أيضاً قصد الجمرة بالرمي، فلو رمى الى غيرها،

كأن رمى في الهواء فوقع في المرمى، لم يكفِ، وقضية كلامهم أنّه لو رمى إلى العَلَم المنصوب في الجمرة أو الحائط الذي بجمرة العقبة، كما يفعله كثير من الناس، فأصابه به ثم وقع في المرمى، لا يجزى ء» «3».

وهذه العبارة جديرة بالاهتمام لأنّه علاوة على اعتباره العمود المنصوب الجمرات الماضى والحاضر، ص: 21

في الجمرة علامة على موضعها وليس هو الموضع، ورمي الحجر إلى تلك العلامة ليس كافياً ولا مجزياً، فإنّه صرّح بأن هذا هو مفهوم كلام وفتاوى الفقهاء.

15- البهوتي من علماء أهل السنة، يقول في كتابه (كشاف القناع):

«إنّ المرمى مجتمع الحصى، كما قال الشافعي، لانفس الشاخص ولا مسيله» «1».

المجموعة الثالثة و هم الذين يذهبون إلى أنّ الجمرة هي مجتمع الحصى

، ومنهم:

16- جاء في حواشي الشرواني:

«قوله: الجمرة مجتمع الحصى، حدَّه الجمّال الطبري بأنّه ما كان بينه وبين أهل الجمرة ثلاثة أذرع فقط، وهذا التحديد من تفقّهه وكأنه قرب به مجتمع الحصى غير السائل، والمشاهدة تؤيده فإنّ مجتمعه غالباً لا ينقص عن ذلك.

تنبيه: لو فرش في جميع المرمى أحجاراً فأثبتت، كفى الرمي عليها، كما هو ظاهر؛ لأن المرمى وإن كان هو الأرض إلّا أنّ الأحجار المثبتة فيه صارت تعدّ منه ويعدّ الرمي عليها رمياً على تلك الأرض» «2».

وهذا التعبير يشير إلى أنّ سعة الجمرة نحو ثلاثة أذرع من مركز الدائرة، من كلّ أطرافها، أي إنّ قطرها نحو متر ونصف، ومساحة الحوض الحالي الجمرات الماضى والحاضر، ص: 22

تقارب هذا المقدار.

17- الشافعي، وهو واحد من الأئمة الأربعة لأهل السنة، يقول:

«إنّ الجمرة مجتمع الحصى» «1».

18- ويقول الشافعي أيضاً في موضع آخر:

«فإن رمى بحصاة فأصابت انساناً أو محملا ثمّ استَنّت حتى أصابت موضع الحصى من الجمرة، أجزأت عنه» «2».

19- ويقول مالك، وهو من أئمة أهل السنة أيضاً: «وإن وقعت في موضع حصى

الجمرة، وإن لم تبلغ الرأس، أجزأ» «3».

وواضح أنه يقصد بالرأس رأس مجتمع الحصى أوقِمّة المخروط المتكوّن من كُومة الحصى، ففي موضع الجمرة يتراكم الحصى على شكل مخروط، ومالك هنا يؤكد أنّه ليس من اللازم إصابة رأس المخروط، بل إنّ إصابة أي نقطة منه تجزي.

20- ويقول الشافعي أيضاً بناءً على نقل «سنن البيهقي» وهو يشير إلى جمع الحصى:

«ومن حيث أخذ أجزأه، إلّا أني أكره من المسجد ... ومن الجمرة، لأنّه حصى غير متقبّل» «4».

وهذا التعبير يتضمّن معنى أنّ الجمرة هي مجتمع الحصى.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 23

21- محيي الدين النووي، من فقهاء اهل السنة المعرفين، يقول في كتابه «المجموع»:

«والمراد من الجمرة مجتمع الحصى في موضعه المعروف، وهو الذي كان في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولو نحّى الحصى من موضعه الشرعي ورمى إلى نفس الأرض أجزأ؛ لأنّه رمى في موضع الرمي، هذا الذي ذكرته هو المشهور وهو الصواب» «1».

وفي هذا المقطع تصريح كامل وواضح باعتبار الجمرة قطعة الأرض، ويدّعي في ذلك الشهرة، وكونه المعمول به في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتأمّلوا المسألة بدقّة.

22- ابن حجر العسقلاني، في كتاب «فتح الباري» يقول:

«والجمرة اسم لمجتمع الحصى، سمّيت بذلك لاجتماع الناس بها» «2».

وهذا الكلام صريح بكون الجمرة هي محل اجتماع الحصى.

23- ويقول الإمام أحمد المرتضى، وهو من علماء أهل السنة:

«جمرة العقبة وهو مستدبر للكعبة من بطن الوادي- يشير بذلك إلى هيئة الرامي لجمرة العقبة- وموضعها ما تحت البناء وحوليه، وهو موضع الحصى، ولهذا قال في الروضة: ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة، فلو وقف طرفها ورمى الطرف الآخر جاز» «3».

المجموعة الرابعة و هؤلاء لم يرد عنهم أي تصريح بهذا الأمر على وفق ما تقدّم

، وهم ثلاث مجاميع:

الف: الذين قالوا: «لاتقف على الجمرة» أو «لو وقف في طرف الجمرة

ورمى إلى الطرف الآخر جاز» وسواهما من العبارات التي تتضمن أنّ الجمرة هي قطعة الأرض الدائرة بحيث يمكن الوقوف على طرف منها ورمي الطرف الآخر، وإلّا فإنّ الوقوف على طرف العلامة ورمي طرفها الآخر، أمرٌ لا معنى له ولا يصدّقه عاقل كما ذكرنا سابقاً، ومن الفقهاء القائلين بهذه المسألة ضمن هذه المجموعة:

24- يحيى بن سعيد الحلي (قدس سره)، قال في كتاب «الجامع للشرائع»:

«واجعل الجِمار على يمينك، ولا تقف على الجمرة» «1».

فهل يمكن الوقوف على الجمرة حتى ينهى عنه؟ نعم، يمكن ذلك إذا عرفنا أنّ الجمرة هي محل اجتماع الحصى، لأنّ مساحتها نحو ثلاثة أمتار في ثلاثة، ويمكن للشخص أن يقف على طرفها. ولا يصدق ذلك إن كان المراد به الأعمدة.

25- محيى الدين النووي، وهو من فقها، العامة، يقول في «روضة الطالبين»:

«ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة، فلو وقف في الطرف ورمى إلى الطرف الآخر جاز» «2».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 25

ومن العجيب أنّ البعض أجاب عن مثل هذه العبارة بالقول: إنّه في ذلك الزمان كان البعض يصعد على العَلامة ويقف على طرف منها ويرمي الطرف الآخر، ومن البديهي أنّ هكذا احتمال لا يصدر عن الباحث والمحقّق، وهو أشبه بالهزل والمزاح، وسيأتي لاحقاً أن رفعت باشا ذكر في رحلته أنّ البعض يقوم بهذا العمل الخطير من باب المزاح.

26- ويقول عبدالكريم الرافعي في كتاب «فتح العزيز»:

«ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة، بل لو وقف في طرف منها ورمى إلى ظرف جاز» «1».

27- وقال النووي أيضاً في «المجموع»:

«قال أصحابنا: ولا يشترط وقوف الرامي خارج المرمى، بل لو وقف في طرفه ورمى إلى طرفه الآخر، أو وسطه، أجزأه، لوجود الرمي، والله أعلم» «2».

ب- وهم الذين لم يذكروا تعبير الأرض صراحة، بل

نصّوا على تعبير «في الجمرة» أو «على الجمرة» وهو يتضمن كون الجمرة هي بقعة الأرض التي يكفي رمي الحصاة فيها أو عليها، ومنه يتضح أنّه إذا كان الواجب رمي العلامات فليس من المناسب التعبير بحرف الجمر «في» أو «على»، ومن هؤلاء:

28- يقول العلّامة الحلي في «التذكرة»:

«وأمّا الرمي فإن أمكن الصبي من وضع الحصى في كفّه ورميها في الجمرة

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 26

من يده فعل، وإن عجز الصبي من ذلك أحضره الجِمار ورمى الوليّ عنه» «1».

29- ويقول الشيخ الصدوق في كتابه «من لا يحضره الفقيه»:

«ويجوز أن تكبّر مع كلّ حصاة ترميها تكبيرةً، فإن سقطت منك حصاة في الجمرة أو في طريقك فخذ مكانها من تحت رجليك ولا تأخذ من حصى الجِمار الذي قد رُمي بها» «2».

صحيح أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) يذكر أنّه إذا سقطت منك حصاة في الجمرة فلا يجزي، ولكن ذلك بسبب عدم النيّة والاختيار، والمهم أنّ التعبير بالسقوط في الجمرة دليل على أنّ الجمرة هي بقعة الأرض ومحل اجتماع الحصى.

30- ويقول المحقق السبزواري في كتاب «الذخيرة»:

«ولو وقعت على حصاة فطفرت الثانية فوقعت في المرمى يجزي، كما قطع به المصنّف، ومثله لو رمى إلى غير المرمى فوقعت في المرمى» «3».

31- عبد الكريم الرافعي، المتوفى سنة 623 ه-، وهو من فقهاء أهل السنة، يقول في هذا الإطار:

«ولو انصدمت الحصاة المرمية بالأرض خارج الجمرة، أو بمحلّ في الطريق، أو عنق بعير، أو ثوب إنسان، ثم ارتدت ووقعت في المرمى، اعتدّ بها؛ لحصولها في المرمى بفعله من غير معاونة أحد» «4».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 27

32- ونقلنا سابقاً عن محمد ابن الشر بيني أنّه يقول:

«ويشترط أيضاً قصد الجمرة بالرمي، فلو رمى إلى غيرها، كأن رمى في الهواء فوقع

في المرمى لم يكف» «1».

وجدير بالذكر أنّه يصرح في كتابه بعد هذه العبارة بأنّه لو رمى إلى العَلَم المنصوب في الجمرة فأصابه ثم وقع في المرمى فلا يجزي؛ لأنّه لن ينوي إصابة المرمى.

33- وكتب الإمام سحنون إلى سعيد التنوخي في كتاب «المدونة الكبرى»:

«سألت الإمام عبد الرحمن بن القاسم عن فتاوى الإمام مالك حول رمي الحجار، فقلت: فإن رمى حصاة فوقعت قرب الجمرة؟ قال: إن وقعت في موضع حصى الجمرة، وإن لم تبلغ الرأس، أجرأه. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: هذا قوله» «2».

قوله: «وإن لم تبلغ الرأس» إشارة إلى تراكم الحصى بعضه فوق بعضى حتى يكون على شكل مخروطي، فبعضهم يرمي قمّة المخروط، وهنا يذكر سحنون أنّه ليس من الواجب رمي تلك القمة، ويجزي الرمي في أطراف مجتمع الحصى، وهذا الكلام يفسّر عبارات أُخرى سوف نذكرها، لذا يرجى التركيز عليه.

34- وقال عبدالله بن قدامة في «المغني»:

«وإن وقعت على موضع صلب في غير المرمى، ثم تدحرجت على المرمى،

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 28

أو على ثوب إنسان، ثم طارت فوقعت في المرمى، أجزأته، لأن حصوله بفعله» «1».

ويلاحظ في هذا المقطع تعبيرين؛ وهما «في المرمى» و (على المرمى» وكلاهما بمعنىً واحد.

35- ويقول عبد الله بن قدامة في «المغنى» أيضاً:

«ولا يجزئه الرمي إلّا أن يقع الحصى في المرمى، فإن وقع دونه لم يجزئه» «2».

ويقيناً أنّه لو كان يريد العمود أو الشاخص لقال: إلّا أن يصيب العمود، ولا يمكن القول: يقع في العمود.

36- ويقول محيي الدين النوري في «المجموع»:

«إذا رمى الحصاة السابعة، ثم رمى صيداً قبل وقوع الحصاة في الجمرة، قال الدارمي: قال ابن المرزبان: يلزمه الجزاء؛ لأنه رماه قبل التعلّل، فإنه لا يحصل التعلل إلّا بوقوع الحصاة في الجمرة» «3».

37- ويقول

البهوتي، المتوفى سنة 1051 ه- في «كشّاف القناع»:

«ويشترط علمه بحصولها، أي السبع حصيات في المرمى في جمرة العقبة وفي سائر الجمرات؛ لأن الأصل بقاء الرمي في ذمته» «4».

38- وجاء في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»:

«الحنابلة قالوا: ولو رمى حصاة ووقعت خارج المرمى ثم تدحرجت حتى سقطت فيه أجزأته، وكذا إن رماها فوقعت على ثوب إنسان فسقطت في المرمى» «5».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 29

وهنا جاءت كلمة (التدحرج) مرة واحدة، و (السقوط في المرمى) مرتين، وهو دليل واضح على المُدّعى.

39- وجاء في كتاب «الموسوعة الفقهيّة» المطبوع في الكويت، باب رمي الحجار:

«ويشترط حصول الجِمار في المرمى عند جمهور الفقهاء (المالكيّة والشافعيّة والحنابلة) وإن لم يبق فيه، ولا يشترط ذلك عند الحنفية، فلو وقع على ظهر رجل أو جمل أو وقعت بنفسها بقرب الجمرة أجزأ وإلّا لم يجزى ء» «1».

40- العلّامة (قدس سره) في «القواعد» يقول:

«لو وقعت على شي ء وانحدرت على الجمرة صحّ» «2».

قوله: «انحدرت على الجمرة» يشير إلى أنّ الجمرة هي بقعة الأرض التي يرميها الحجيج بالحصى، والكلام هنا يشمل جميع الجمرات وليس خصوص جمرة العقبة.

41- ويقول ابن فهد الحلي في «المحرّر»:

«لو وقعت على شي ء ثمّ انحدرت منه الى الجمرة، أجزأت أيضاً» «3».

وهذا أيضاً يشمل جميع الجمرات.

42- ويقول المحقّق الحلي في «شرائع الإسلام»:

«فالواجب فيه النيّة والعدد ... وإصابة الجمرة بها بما يفعله، فلو وقعت على شي ء وانحدرت على الجمرة جاز ...» «4».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 30

43- ويؤكّد ذلك الشهيد الثاني في «مسالك الأفهام» حيث يقول في باب الجمرات:

«فلو وقعت على شي ء وانحدرت على الجمرة جاز» «1».

44- وورد ذلك عن المحقّق الثاني في «جامع المقاصد» حيث يقول:

«لو وقعت على شي ء وانحدرت على الجمرة صحّ، ولو تمّمتها حركة غيره لم يجز»

«2».

45- وكذلك عن صاحب «الرياض» (قدس سره) حيث يقول: «لو وقعت على شي ء وانحدرت على الجمرة فإنّها تجزي» «3».

وبيّن خلال حديثه أنّ مراده من (شي ء) بدن إنسان أو جمل. وكلّ ما ذكرناه هو شاهد على المقصود.

ج: الذين قالوا: إذا رمى الحجر إلى الجمرة فوقع فيها، ثم تدحرج فخرج منها. فلا يضرّ، يعني أن بقاء الحجر داخل الجمرة ليس شرطاً، وواضح أنّه لو كان المراد رمي الشاخص أو العلامة فإنّ ذلك لا معنى له أصلا، ومن الذين قالوا بهذا:

46- زكريا بن محمد الأنصاري، المتوفّى سنة 926 ه-، في كتاب «فتح الوهّاب» يقول في معرض كلامه عن شروط الرمي:

«وتحقّق إصابته بالحجر، وإن لم يبق فيه، كأن تدحرج وخرج منه، فلو شكّ في إصابته لم يحسب» «4».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 31

47- ويقول الإمام أحمد المرتضى في «شرح الأزهار»:

«لايشترط بقاء الحصى في المرمى، فلو وقعت فيه ثمّ تدحرجت عنه لم يضرّ» «1».

48- ويقول محيي الدين النووي في «المجموع»:

«قال أصحابنا: ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى، فلو رماه فوقع في المرمى ثم تدحرج منه وخرج عنه أجزأه، لأنه وجد الرمي إلى المرمى وحصوله فيه» «2».

المجموعة الخامسة و تشمل بعض متأخري الفقهاء الذين قالوا بكفاية الرمي إلى الشاخص أو إلى محل اجتماع الحصى

، وبعبارة اخرى أنّه يستفاد التخيير من كلامهم، ومحصلة كلامهم كفاية الرمي إلى مجتمع الحصى، ومن القائلين بهذه المسألة:

49- الشهيد الاوّل (قدس سره) في كتاب «الدروس» يقول:

«والجمرة اسم لموضع الرمي، وهو البناء أو موضعه ممّا يجتمع من الحصى، وقيل: هي مجتمع الحصى لا السائل منه، وصرّح علي بن بابويه بأنّه الأرض» «3».

50- الفاضل الأصفهاني (قدس سره) في «كشف اللثام» يقول في تفسير الجمرة:

«وهي المِيل المبني، أو موضعه» «4».

إنّ النقطة المهمّة التي جاءت في كلام الشهيد الثاني تتركّز في قوله: «أو

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 32

موضعه وماحوله

...» يعني أنّ أحد معاني الجمرة هو موضع البناء أو محل الشاخص وما يحيطه. وهو يشبه الحوض الحالي بدقّة، وهذا الكلام نستفاد منه كثيراً في بحث الانتقادات لذا يرجى التركيز عليه.

51- ويقول بكري الدمياطي من علماء الشافعيّة في كتاب «إعانة الطالبين»:

«لزم أن يكون قاصداً المرمى، فلو قصد غيره لم يكف، وإن وقع فيه؛ كرميه نحوحيّة في الجمرة، ورمية العَلَم المنصوب في الجمرة عند ابن حجر، قال: نعم لو رمى إليه بقصد الوقوع في المرمى وقد علمه فوقع فيه، اتّجه الإجزاء لأن قصده غير صارف حينئذ، قال عبد الرؤوف: والأوجه أنه لا يكفي وكون قصد العلم حينئذ غير صارف ممنوع؛ لأنّه تشريك بين ما يجزى ء وما لايجزى ء أصلا.

وفي (الايعاب): أنه يغتفر للعامي ذلك، واعتمد إجزاء رمي العلم إذا وقع في المرمى، قال: لأن العامة لا يقصدون بذلك إلّا فعل الواجب، والمرمى هو المحل المبني فيه العلم، ثلاثة أذرع من جميع جوانبه إلّا جمرة العقبة فليس لها إلّا جهة واحدة» «1».

52- ويقول ابن عابدين، وهو من علماء الحنفية، في «حاشية رد المحتار»:

«وفي (اللباب): ولو وقعت على الشاخص؛ أي أطراف الميل الذي هو علامة للجمرة، أجزأه، ولو وقعت على قبة الشاخص ولم تنزل عنه فإنّه لا يجزيه للبعد» «2».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 33

53- ورد في مجلة «البحوث الفقهية المعاصرة» العدد 49 سنة 1421 ه- مقال بعنوان (الجمرات) وهو يشير إلى أنّ الفقهاء المعاصرين في الحجاز يعتبرون مجتمع الحصى هو موضع الجمرات، واختلافهم يتركّز في أرضية العَلَم أو الشاخص هل يمكن اعتبارها جزءاً من المرمى أم لا، فصرّح البعض بنفي ذلك، وقال: إنّ محلّ الشاخص ليس جزءاً من المرمى، فلا يصح الرمي إلى مكانه لو أزيل، بل يجب الرمي

إلى أطرافه، ويعتقد البعض أنّ محلّه جزء من المرمى، فاذا ازيل يمكن الرمي إليه أو إلى أطرافه.

ومن جملة المقال يلاحظ أنّ الكلّ يسلّمون بأن المرمى هو أطراف الشاخص، ولكن الاختلاف في اعتبار مكان الشاخص جزءاً من المرمى أم لا؟ وهو اختلاف في الرأي، وهاك بعض ما جاء في المقال المشار إليه آنفاً بنصه عن مجلة (البحوث الفقهية المعاصرة):

«أمّا العلم الشاخص في وسط الجمرات، فقد اختلف الفقهاء في احتسابه جزءاً من المرمى، أو خارجاً عنه، نظراً لاختلافهم في وجوده على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ويترتب على هذا خلاف فقهي في صحّة رمي مكان الشاخص لو ازيل، وفي بقاء حصى الجمار عليه بشقوق جداره في حالة وجوده أو على قمته. فمن يذهب إلى وجود الشاخص على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعدّ مكانه جزءاً من المرمى في حالين بقائه أو زواله، يصحّ الرمي إلى مكانها، وما بقي من الجمار بين شقوق الجدار.

ومن يرى استحداثه بعد عهد النبوّة يرى أنّه- أي الشاخص- لا يعدّ من المرمى، فلا يصحّ الرمي إلى مكانها بعد زوالها، أو بقاء حصى الجمار عليه، أو بين شقوق جدارها.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 34

فمن ثَمّ يطرح الفقهاء عند هذا الموضع السؤال التالي: هل أرض العلم (الشاخص) من أصل المرمى بحيث يجزى ء الرمي إلى محلّه لو أزيل، أو لا؟ خلاف.

ذهب ابن حجر إلى أنّها ليست من المرمى، فلا يجزى ء الرمي إليها لو ازيل العَلَم، وقال العلّامة ابراهيم الباجوري تبعاً لابن قاسم: هي منه، ويجزي الرمي إليه لو ازيل، وأما ذات العلم المبني فليس بمرمى، فلا يكفي الرمي إلى العلم المنصوب في الجمرة.

وعند العلّامة محمد الرملي: يجزى ء الرمي إلى العَلَم إذا وقع في المرمى،

قال: لأنّ العامة لا يقصدون بذلك إلّا فعل الواجب.

وتتعدّد اجتهادات العلماء في عدّ مكان الشاخص لو أُزيل من الجمرة أم لا، وهل يصح الرمي إليه؟

تعرض لهذا الموضوع أيضاً العلّامة الشيخ محمود الشكري بن السيد اسماعيل حافظ كُتب الحرم المكي قائلا:

«واختلف في أرض الشاخص، قيل: إنّها مجتمع الحصى، وقيل: لا، والأوّل هو الأرجح والأقوى، وعلى كلا القولين يجوز الرمي إليه لو أُزيل الشاخص؛ لأنّها من المرمى الحقيقي على القول الأول، ومن المرمى الحكمي على القول الثاني».

وممّا تقدّم نستخلص النتائج التالية:

1- إذا لم نقطع بوجود هذه الأعمدة في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) بناءً على قول بعض المؤرخين، فعلى الأقلّ يجب القول إنّ وجودها في ذلك الزمان مشكوك.

2- يتّفق كلّ علماء أهل السنة على أنّ المرمى هو مجتمع الحصى، وإنّما

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 35

يقع الاختلاف في أرضية الأعمدة وهل هي جزء من المرمى أم لا؟ وهل أنّ الرمي إليها يجزي أم لا؟ فبعضهم اعتبرها جزءاً منه، وبعضهم لا يعتبرها كذلك، بل يقول بأنّ الدائرة المحيطة هي محلّ الرمي.

3- إذا قصد العمود أو الشاخص فأصابه، فوقع في المرمى، فإنّ بعض الفقهاء قال: لا يجزي، لأنّه قصد الشاخص لا المرمى، وبعضهم قال: يجزي، بقصد القربة- على وجه الاجمال- لأداء الواجب، فهو قد رمى الحصاة إلى العلامة فأصابها، فوقعت في المرمى، وهو المحل الواقعي للرمي، وهذا القصد الاجمالي يجزي.

54- وفي مجلة «البلد الأمين» «1» الصادرة في المملكة العربية السعودية أيضاً، يوجد مقال حول جمرة العقبة بقلم «الشريف محمد بن مساعد الحسين»، كتب فيه توضيحاً عن الحيطان التي على الجمار، وصرّح بأوّل من ذكر إحداثها هناك، مبيناً أنّ المرمى هو مساحة الحوض، وضبطه ثلاثة أذرع من جميع جوانبه، وفيما يلي

نصّ عبارته:

«البسام ذكر في كتابه (توضيح الأحكام في بلوغ المرام ج 3) إنّ أوّل من ذكر إحداث هذه الحيطان (الأحواض) على الجمار هو الشيخ علي بن سالم الحضرمي في نسكه المسمّى (دليل الطريق لحجاج بيت الله العتيق) فقد قال في ص 87: المرمى: المحل المبني فيه العلم، وضبطه ثلاثة أذرع من جميع جوانبه، وقد حوّط على هذا المقدار بجدار قصير، فالمرمى يكون داخله».

وهذا الكلام يشير بوضوح إلى أنّ المرمى هو الدائرة بشعاع ثلاثة أذرع الجمرات الماضى والحاضر، ص: 36

(أو بقطر ثلاثة أمتار)، وأنّ العمود هو علم أو دلالة.

55- في نهاية البحث نورد كلام الفقيه الكبير صاحب الجواهر- أعلى الله مقامه الشريف- بعنوان حسن الختام، وهو (رحمه الله) معدود في جملة الفقهاء المحقّقين، وقد بحث موضوع الجمرة بشكل مفصل نسبياً، وكلامه في آخر البحث يشير إلى أنّه يعتبر الرمي في محلّ الجمرات كافياً.

قال (قدس سره): «ثم المراد من الجمرة البناء المخصوص، أو موضعه إن لم يكن، كما ي (كشف اللثام)، وسمّي بذلك لرميه بالحجار الصغار المسمّاة بالجِمار، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصاة عندها ...

وفي (الدروس) أنّها اسم لموضع الرمي، وهو البناء، أو موضعه، مما يجتمع من الحصى، وقيل: هي مجتمع الحصى لا السائل منه، وصرّح علي بن بابويه بأنّه الأرض، ولا يخفى عليك ما فيه من الاجمال.

وفي (المدارك) بعد حكاية ذلك عنها، قال: وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده؛ لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة، ولعدم تيقّن العهدة من الخروج بدونه، أمّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه.

وإليه يرجع ما سمعته من (الدروس) و (كشف اللثام) إلّا أنّه لا تقييد في الأول بالزوال، ولعلّه الوجه لاستبعاد توقّف الصدق عليه» «1».

ومن كلام صاحب

الجواهر الغني المحتوى نستفيد نقطتين:

الأولى: إنّه يميل إلى أنّ إصابة العمود والارض كلاهما مجزيان، وهذا موافق لمرادنا، وهو كفاية الرمي إلى الحوض الذي في أطراف الأعمدة.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 37

الثانية: يُعلَم ممّا نقله عن صاحب المدارك، حول إصابة الأعمدة، أنّه تمسّك بدليلين، الأوّل: أهل الاشتغال والاحتياط المعبّر عنهما بعدم تيقّن العهدة من الخروج بدونه، والثاني: أنّ المعروف في زمانه من لفظ الجمرة هو العمود أو البناء.

ويبدو أنّ كلا الدليلين غير مقنعين؛ لأنّ وجود الأعمدة في زمانه ليس دليلا على وجودها في زمان المعصومين (عليهم السلام) ولو بعنوان علامة أو شاخص. كما أنّ قاعدة الاحتياط توجب هنا رمي الأعمدة ووقوع الحجر في المرمى (مجتمع الحصى) فلو رمى إلى العمود ووقع الحجر خارج المرمى فانه لا يكفي، وهذا يؤدّي إلى مشكلة كبيرة للحجيج تتمثّل بمراعاة إصابة المحلّين.

ومضافاً إلى ذلك أنّ الرجوع إلى أصل الاحتياط إنّما يصحّ حينما لا يتوفّر لدينا دليل على وجوب الرمي إلى مجتمع الحصى، مع أنّ لدينا الأدلّة الكافية على ذلك؛ لأنّ الشواهد تصرّح أو تشير بوضوح إلى عدم وجود تلك الأعمدة في العصور السابقة، وليس هناك سوى المرمى أو الموضع الذي يجتمع عليه الحصى، ولو وجدت الأعمدة فإنّها مجرّد علامات أو شواخص تدلّ على محلّ الجمرة ليس إلّا، وقد أقمنا الأدلّة العديدة الكافية لإثبات هذا الأمر.

النتيجة

من خلال التدقيق في الأقوال الكثيرة التي نقلناها عن محققي الفقه الإسلامي، سواء من الشيعة إو أهل السنة، ضمن خمس مجاميع، وعن نحو

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 38

خمسين مصدراً من المصادر المعتبرة- ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّه ليس ثمة اختلاف بين الفرق الإسلامية حول مواضيع الحج- يثبت لدينا إمّا عدم وجود الأعمدة في القرون الماضية، أو أنّها موجودة

ولكن بعنوان شاخص أو علامة تدلّ على المكان الواقعي للرمي.

3 الجمرات في الروايات الإسلامية

اشارة

بالرغم من أنّ موضوع الجمرة لم يرد بصراحة في الرّوايات الإسلامية ولكن هناك إشارات في هذه الرّوايات إلى أنّ (الجمرات) يراد بها محل اجتماع الحصى.

وتوضيح ذلك: أنّ روايات رمي الجمرات الواردة في كتاب «وسائل» وردت في مكانين:

الأوّل: في أبواب (رمي جمرة العقبة) حيث أورد صاحب الوسائل روايات كثيرة في باب أحكام الجمرات ضمن 17 باباً، ولكن لم يرد في أيٍّ منها تفسير وتوضيح حول موقع الجمرة وأنّ المراد بالجمرة هو (العمود) أو (محل اجتماع الحصى).

الثاني: أورد بعد أبواب الذبح والتقصير أحاديث كثيرة أيضاً تحت عنوان (أبواب العود إلى منى ورمي الجمار) ضمن سبعة أبواب حيث تتحدث هذه الرّوايات عن رمي الجمرات الثلاثة بعنوان (أعمال اليوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجّة) وهنا أيضاً لا نشاهد في هذه الروايات أيّ كلام حول توضيح المراد من الجمرات.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 40

ولكن مع التدقيق والتحقيق في مجموع هذه الأبواب الأربعة والعشرين يمكننا أن نستوحي من روايات عديدة إشارات عميقة مؤيدة للنظرية أعلاها حيث تدلّ على أن الجمرة هي (محل اجتماع الحصى).

وكنموذج نلفت النظر إلى هذه الروايات:

1- ورد في حديث معتبر عن معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:

«فَإن رَمَيْتَ بِحَصَاة فَوَقَعَتْ فِي مَحْمِل فَأعِدْ مَكَانَهَا وَإنْ أَصَابَتْ إنْسَاناً أوْ جَمَلًا ثُمّ وَقَعَتْ عَلَى الْجِمَارِ أجْزَأكَ» «1».

فنرى أنّ التعبير بقوله (وقعت على الجمار) يدلّ على أنّ الجمرة هي قطعة الأرض المليئة بالحصى والجمار تقع عليها.

وننلاحظ أيضاً أنّ الكثير من أرباب اللغة فسّروا (الجمار) بمعنى الحصى والأحجار الصغيرة ومن ذلك:

يقول ابن الأثير في «النهاية»:

«الجمار هي الأحجار الصغار».

ويقول الفيومي في «المصباح المنير»:

«والجمار هي الحجارة».

وكذلك يقول ابن منظور في

«لسان العرب»:

«الجمرات والجمار الحصيات التي ترمى بها في مكّة».

وعليه فإن وقوع الحصى على الجمار يعني وقوعها على الحصى الكثيرة

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 41

المتجمعة، وهذا المعنى وطبقاً للرواية المذكورة آنفاً يكفي لأداء وظيفة رمي الجمرات.

إذن فالعبارة المذكورة تدلّ بصورة جيّدة على المقصود.

ومضافاً إلى ذلك فإنّ الحجر الّذي يصيب بدن الإنسان أو يصيب بعيراً فإنه حين العودة لا تكون له تلك القوة بحيث يصيب العمود (إذا كان هناك عمود في البين) فغاية ما هناك انه سوف يقع على مجمع الحصى.

2- في حديث البزنطي (أحمد بن محمّد ابن أبي نصر) عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول:

«وَاجْعَلْهُنَّ عَلَى يَمِينِكَ كُلَّهُنَّ وَلا تَرْمِ عَلَى الْجَمْرَةِ» «1».

وهذا الحديث يدلُّ أيضاً على أنّ الجمرة هي مجمع الحصى لأنّ البعض يقف على طرف منها ويرمي نحو الطرف الآخر، ويرى بعض علماء العامة أنّ في ذلك كفاية، ولكننا نرى الحرمة أو الكراهة في ذلك، والإمام (عليه السلام) هنا ينهى عن هذا العمل، ومن البديهي أن أيُّ عاقل عندما يرمي الجمرة لا يقف على العمود.

ورأينا في كلمات فقهاء العامّة في البحث السابق أيضاً هذا المعنى حيث يقول البعض: «لايجوز الوقوف على الجمرة» (فتدبّر).

3- وجاء في كتاب «فقه الرضا (عليه السلام)»:

«وَإنْ رَمَيْتَ وَوَقَعَتْ في مَحْمِل وَانْحَدَرتْ مِنْهُ إلَى الأرْضِ أجْزَأتْ عَنْكَ» «2».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 42

4- وفي نسخة اخرى من هذا الكتاب أيضاً:

«إنْ أصَابَ إنْسَاناً أوْ جَمَلًا ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَى الأرْضِ أجْزَأهُ» «1».

ومن الواضح أن المراد من هذه العبارة أن تتدحرج الحصى وتقع على الأرض محل الرمي، وعليه فإنّ إشكال المرحوم صاحب الجواهر الذي يقول:

«إنّ هذا الحديث مبهم لأنّ كلمة (الأرض) مطلقة» لا يكون وجيهاً وليس هناك ابهام في الحديث الشريف، والمراد

من وقوع الحصى على الأرض هو وقوعها على الجمرة (مجتمع الحصى).

5- وينقل «البيهقي» المحدّث المعروف لدى أهل السنّة في حديث مفصل:

«إن جبرئيل كان يعرض مناسك الحجّ على إبراهيم ومن ذلك أنّه قال (ثمّ انتهى إلى جمرة العقبة فعرض له يعني الشيطان فرماه بسبع حصيات حتّى ذهب» «2».

ومن الواضح أن المراد ب- (الجمرة) هنا هو مجمع الحصى التي تتراكم بشكل طبيعي هناك لا أن المراد أنّ هناك عموداً في زمان النبيّ إبراهيم في ذلك المحل كان موجوداً قبل وقوع هذه الحادثة (إلّا أن يكون هناك كلام مقدر ولكنه خلاف ظاهر الكلام).

6- ونقرأ في حديث آخر في هذا الكتاب:

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 43

يقول «ابن أبي نعيم ابن أبي نعم»: سألت من أبي سعيد (الخدري) حول رمي الجمرات فقال:

«ما تقبّل منه رُفع ولولا ذلك كان أطول من ثبير!» «1».

ويستفاد من هذا الحديث جيداً أن المراد من الجمرات هو مجمع الحصى الّتي تتجمع وتزداد كلّ يوم بسبب قذف الحصى ورمي الجمرات.

7- وينقل «الأزرقي» في كتاب «أخبار مكّة» كما سيأتي حديثاً عن عطاء حيث يقول:

«سألت ابن عباس فقلت: يابن عباس، أين توسطت الجمرة فرميت بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، فوالله ما وجدت له مسّاً؟

فقال ابن عباس: .. والله مت تقبّل عزّوجلّ من امرء حجّه إلّا رفع حصاه» «2».

فهل أنّ الذهاب وسط الجمرة والرمي إلى الإمام والخلف واليمين والشمال يمكن أن يكون له وجه صحيح بغير ما قلنا؟

وهنا توجد روايتان يمكن أن يقال إنّهما تشيران إلى وجود عمود للجمرات:

1- «عَنْ أبِي غَسَّانَ حُمَيْدِ بْنِ مَسْعُود، قَالَ: سَألْتُ أبَا عَبْدِالله (عليه السلام) عَنْ رَمْيِ الْجِمَارِ عَلَى غَيْرِ طَهُور، قَالَ: الْجِمَارُ عِنْدَنَا مِثْلُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حِيطَانٌ إنْ طُفْتَ بَيْنَهُمَا عَلَى

غَيْرِ طَهُور، لَمْ يَضُرَّكَ وَالطُّهْرُ أحَبُّ إلَيَّ فَلا تَدَعْهُ وَأنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ» «3».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 44

فقد تصور بعض الفقهاء المتأخّرين من كلمة حيطان (جمع حائط) أن ذلك يدلّ على وجود حائط في ذلك المكان وذلك الحائط يحتمل أن يكون هو أعمدة الجمرات.

ولكن هذا الاستدلال قابل للمناقشة من عدّة وجوه:

أوّلًا: إنّ سند هذا الحديث ضعيف لأنّ حميد ابن مسعود من المجاهيل، وعليه فمثل هذا الحديث هو خبر واحد ضعيف ولا يمكنه اثبات شي ء في حين أنّ الروايات السابقة متظافرة، مضافاً إلى وجود الأحاديث الصحيحة والمعتبرة بينها.

ثانياً: من حيث الدلالة فإنّ هذه الرواية إن لم تدلّ على خلاف المطلوب فإنّها لا تدلّ وفق المطلوب، لأنّه:

1- كلمة (حيطان) جمع (حائط) بمعنى الجدار الذي يحيط بالشي ء، وهذه الكلمة مأخوذة من مادة (حوط) و (احاطه) و (احاط) ولذلك يقال للبستان المحصور بحصار حوله أنّه (حائط).

ويقول ابن منظور في «لسان العرب»:

«والحائط: الجدار لِانَّهُ يحوط ما فيه، والجمع حيطان».

والملفت للنظر أنّ المعنى الأصلي لكلمة (حَوطَ) تأتي بمعنى الحفظ والمحافظة للشي ء ولذلك تطلق على الجدار الذي يحيط بالشي ء لأنّه يحفظه، والفرق بين (الجدار) و (الحائط) هو أنّ الحائط في الأصل هو ما يحوط حول الشي ء ولكن (الجدار) يطلق على أي جدار كان.

وعلى هذا الأساس فلا معنى لأن يقال للعمود الذي يشبه أعمدة الجمارات الفعلية انه حائط، ولو كان هناك (حائط) فإنّه لا يعدو كونه شبيهاً

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 45

بحائط الحوض الحالي للجمرات الذي يحيط ببقعة الأرض المعينة للرمي ولا يتعلق بالعمود (فتدبر).

2- إن تشبيه ب- (الصفا والمروة) يعطي هنا معنىً خاصاً، لأن الصفا والمروة عبارة عن جبلين أحدهما صغير والآخر أكبر منه قليلًا وليس هناك جدار، مضافاً إلى أن وجود الحائط لا

يرتبط بمسألة الوضوء بحيث يقول (عليه السلام): إنّ (الصفا والمروة، والجمرات) حيطان ولا تحتاج إلى وضوء.

إنّ تصورنا عن هذه الرواية أنّ المراد هو أنّ الصفا والمروة تعتبر أرضاً ومنطقة عادية وليست كالمسجد، وهكذا حال الجمرات أيضاً، فليس لهذه الأماكن حكم الكعبة والمسجد الحرام حيث يجب فيها الوضوء للإتيان بالطواف أو يستحبُّ الوضوء للدخول إليها.

وعليه فإنّ هذه الرواية لا تدلُّ إطلاقاً على وجود الأعمدة في الجمرات بل من المحتمل أن تدلُّ على خلاف ذلك أيضاً.

2- ونقرأ في حديث آخر عن عبدالأعلى عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:

«قَالَ: قُلتُ لُهُ: رَجلٌ رَمى الجَمرَة بِستِ حَصيات فَوَقَعَتْ وَاحدةٌ فِي الحَصى؟ قَالَ: يُعيدُها إن ش- اءَ مِنْ س- اعَتِهِ وَإن ش- اءَ مِنَ الغَدِ إذا أرادَ الرّمي» «1».

يقول أحد الفضلاء: إنّ هذا الحديث يدلُّ على عدم كفاية وقوع الحصى على مجمع الحصى في حين أنّ الرأي المختار يذهب إلى أن الجمرة هي (مجمع الحصى).

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 46

ونقول في الجواب: إنّه يستفاد من عبارات الفقهاء أنّ (الجمرة هي مجتمع الحصى لا السائل منه) أي ليس المراد منها الحصى المتناثرة في أطراف مجتمع الحصى، ولعلّ مراد الرواية أعلاه وقوع الجمرة على الحصى المتناثرة لا في مجمع الحصى، وقطعاً يجب الإعادة حينئذ فلذلك يقول (في الحصى) ولم يقل في (مجتمع الحصى) مضافاً إلى أنّ هذا الحديث ضعيف السند أيضاً وضعيف الدلالة كذلك، حيث وقع في ألسنة (سهل ابن زياد) الذي وقع مورد إشكال الرجاليين، ومن حيث الدلالة فإنّ في ذيل الحديث المذكور عبارة لم يعمل بها الفقهاء، أي لم يقل أحد منهم بتأخير رمي حجر واحد إلى الغد.

نتيجة البحث الروائي

بالرغم من أننا لا نلاحظ في أية رواية من الروايات المذكورة آنفاً

بل في جميع الروايات الواردة في باب رمي الجمرات، كلام صريح عن موضوع (الجمرة) ولكن يمكن تحصيل الاطمئنان من خلال العبارات الموجودة في هذه الروايات أن المراد من (الجمرات) ليس سوى محل اجتماع الحصى في تلك القطعة من الأرض المعيّنة، وعلى فرض وجود عمود فيها فإنه ليس أكثر من علامة على محل الرمي.

وبعبارة اخرى أنّ العمود لا يطلق عليه اسم الجمرة في منى حتّى يجب رميه بالجمار، بل يجب على الحجاج رمي الجمرات باتجاه المحل الموجود هناك والذي يكون على شكل حوض بني حول مكان الجمرات، ولكن الجمرات الماضى والحاضر، ص: 47

بالتدريج وبمرور الزمان اتخذ الناس العمود المذكور هدفاً لرمي الجمرة بدلًا من المحل الحقيقي بالرمي، ويحتمل قوياً أنّ هذه المسألة قد حدثت في العصور المتأخرة وأصبحت عرفاً متداولًا بين المسلمين، لأننا لا نجد كلاماً عن ذلك في كلمات القدماء ولا ينبغي أن نتعجب من ذلك.

4 الاجابة على المناقشات والأسئلة حول المسألة

اشارة

بعد أن تمّ نشر هذه الفتوى مع استعراض الأدلة على صحتها واجهت هذه الفتوى استقبالًا كبيراً من قبل أهل النظر وخبراء الحوزة العلمية وغيرهم ممّا لا نجد فرصة للتعرض إلى تفاصيل هذا الموقف المشرف، ولكننا إذ نتوجه بالشكر الجزيل للجميع فإننا في هذا البحث نستعرض بعض الأسئلة والشبهات المذكورة في هذا الصدد ونجيب عنها.

ومن أجل تكميل هذا البحث فقد ذكر الاخوة الأعزاء هذه الشبهات والأسئلة تحت عنوان

(نظرات المنتقدين):

1- التمسّك بالاحتياط:

بعد أن ينقل صاحب المدارك كلام الشهيد (قدس سره) في «الدروس» في وجود معنيين للجمرة يقول:

«إنّها اسم لموضع الرمي وهو البناء أو موضعه».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 50

يقول صاحب المدارك:

«وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده لأنه المعروف الآن من لفظ الجمرة ولعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه» «1».

وهذا في الواقع أهم دليل يمكن إقامته على لزوم إصابة العمود المبني في الجمرة.

الجواب: إنّ صاحب المدارك من الفقهاء المتأخرين القليلين الذين يرون لزوم إصابة الحجر للعمود، وقد ذكر لذلك دليلين وكلٌّ منهما قابل للمناقشة:

أمّا الدليل الأوّل: حيث يقول: «لأنّه المعروف الآن» هو إنّ معنى الجمرة هو العمود والبناء في محل الجمرات، ونحن نقول أيضاً أننا في زماننا الحاضر المعروف هو هذا المعنى أيضاً، ولكن كلُّ ذلك لا يدلّ إطلاقاً على وجوب رمي الأعمدة، لأنّ كون الشي ء معروفاً في هذا العصر لا يدلّ على أنّه كان معروفاً في زمن الرسول والأئمّة المعصومين (عليهم السلام).

ولا سيّما مع وجود تلكم الشواهد والقرائن الكثيرة الواردة في كلمات أعاظم الفقهاء المتقدمين على صاحب المدارك والتي تدلُّ على أنّ الجمرة هي (مجتمع الحصى) لا البناء.

إلّا أن يقال بمقولة (الاستصحاب القهقهري) بأن نستصحب الحال إلى ما قبله حيث سنشير لاحقاً إلى أن الاستصحاب القهقهري غير حجّة من

الأساس، مضافاً إلى أنّ محل البحث لا يرتبط بالاستصحاب القهقهري.

أمّا الدليل الثاني: أي استدلاله باصالة الاشتغال، فهو أيضاً مخدوش،

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 51

لأنّ الاحتياط يوجب الرمي لكلا الموضعين، أي أن يرمي بالحجر على العمود بحيث يقع على محل اجتماع الحصى.

الإشكال الآخر هو ما أورده صاحب الجواهر عليه وهو اشكال مقبول في نظرنا حيث قال:

«لا يمكن القول بأنّ لفظ الجمرة وضع للعمود عندما كان موجوداً وللأرض التي تحته عندما لم يكن موجوداً» «1» (لأنّه لم يسبق أن يكون الاسم تابعاً لوجود الشي ء وعدمه).

ولهذا السبب فإنّ صاحب الجواهر (قدس سره) يقول بالتخيير بين رمي العمود ورمي ما حوله.

2- التمسّك بالاستصحاب القهقهري

فقد كتب أحد فضلاء الحوزة يقول:

ما المانع من الالتزام بالاستصحاب القهقهري في مورد الجمرة حيث يرى بعض العلماء صحّة وحجيّة مثل هذا الاستصحاب وبالتالي يمكن القول بأنّ المفهوم من الجمرات في عصرنا الحاضر هو هذه الأعمدة المبنية في محل اجتماع الحصى، ولو رجعنا إلى الوراء امكن القول بحكم الاستصحاب بأن المراد من الجمرات في زمن النبيّ والمعصومين هو هذا المعنى أيضاً.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 52

الجواب: إنّ هذا الاستدلال عجيب من هذا الفاضل، لأنه:

أوّلًا: لا يوجد دليل على حجيّة الاستصحاب القهقهري إطلاقاً، ولا يمكن لأدلة الاستصحاب إثبات هذا النوع من الاستصحاب، ومن النادر أن نجد المحقّقين يهتمون أو يعتبرون بهذا الاستصحاب لأن قوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» ناظرٌ إلى اليقين السابق، والشك اللاحق لا اليقين اللاحق والشك السابق.

ثانياً: إنّ الاستصحاب إنّما يصدق في مورد يكون لدينا شك فيه، ونحن على يقين من أنّ الجمرة لا تعني البناء، والدليل على ذلك ما ذكرناه من كلمات أرباب اللغة وأقوال الفقهاء من الخاصّة والعامّة وكذلك الرّوايات الواردة في هذا المجال، وعليه

فإنّ أركان الاستصحاب غير موجودة ولا معنى لجريان الاستصحاب هنا.

ولكن يمكن القول بالتمسّك بدلًا من الاستصحاب القهقهري باصالة (عدم النقل) الذي هو أصل عقلائي حيث يمكن القول بأنّ ما نفهمه في العصر الحاضر بمعنى الجمرة هو العمود، ونشك في المعنى الموضوع لها في السابق هل أنّه كان هذا المعنى أو نقل إلى معنى جديد، فالأصل هو عدم تبدل المعنى، أي أن يكون المراد هو هذا المعنى.

ولذلك نرى أنّ الألفاظ القديمة المستعملة في الوثائق والأسناد الرسمية للموقوفات وغيرها تحمل على ما يفهم منها في العصر الحاضر.

ولكن ما ينبغي الالتفات إليه هو أنّ التمسّك بمثل هذه الاصول والقواعد يتعلق بموارد الشك فقط في حين أننا مع شهادة اللغويين وعلماء الشيعة وأهل السنّة ودلالة الرّوايات لا يبقى لدينا شك في أنّ المراد من الجمرة هو

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 53

(مجتمع الحصى) فلا محل حينئذ لاجراء الأصل (حتّى لو كان أصلًا لفظياً).

3- التمسّك بروايات جمرة العقبة

وقد ذهب البعض إلى أنّ هناك عدّة روايات تقول: «فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها» «1».

والتعبير بكلمة (وجه) دليل على وجود عمود هناك في موقع الجمرة.

الجواب: يتّضح الجواب على هذا الدليل بملاحظة هذه الحقيقة، وكذلك يتّضح الجواب أيضاً على الأسئلة والإشكالات الاخرى في مورد جمرة العقبة، وهي:

إن جمرة العقبة تقع في منحدر شديد، وأحد طرفيه أعلى والثاني أسفل منه بحيث إنّه ورد التعبير في بعض الروايات عن هذا المكان ب- (الوادي).

وقد جاء في الروايات الشريفة أنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان يقف إلى أسفل الوادي ويرمي الجمرة وقد نهى عن الوقوف عند طرفها الأعلى، بل يستفاد أيضاً من الرّوايات الشريفة أنه قد بني هناك جداراً لكيلا يتوجه الناس إلى الطرف الأعلى ثمّ بني بعد

ذلك مسجداً هناك لكي يوصد الطريق على من يريد الذهاب إلى أعلى ذلك المحل (ولعلّ الحكمة في ذلك أنّه لو وقف بعض الناس إلى الجهة العليا والبعض الآخر عند الجهة السفلى ورموا الجمرة فيحتمل أن تصيب بعض الأحجار الأشخاص الواقفين في الطرف الأسفل).

وعلى أية حال فإنّ الشخص الذي يقف إلى الجهة السفلى تكون الجمرة

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 54

(أي محل اجتماع الحصى) في مقابله، ومن هنا كان التعبير بكلمة (وجه)، وكذلك فإنّ التعبير بقوله (من أعلاها) مفهومه أنّهم يصعدون إلى أعلى المحل ويرمون الجمرة من هناك.

ومن هنا تتضح نكتة اخرى قد يتعجب منها البعض، وهي أن المرحوم العلّامة الحلّي ذكر في «المنتهى»:

«عن الجمهور ان عمر جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها» «1».

حيث كان تعجبهم انه لابدّ من وجود عمود هناك وأنّ عمر صعد إلى أعلى العمود وأخذ يرمي أسفله في حين أن معنى الحديث هو أنّه: «نظراً إلى أن أسفل الجمرة (إلى جانب الوادي) كان الزحام شديداً، فلذلك توجه عمر إلى أعلى ذلك المكان وأخذ يرمي الجمرة منه، أي يرمي بالأحجار على مركز اجتماع الحصى في حين أنّ الحكم الشرعي يقتضي أن يقف إلى الأسفل ويواجه الجمرة من هناك».

وأمّا ما يتصور البعض أنّ مفهومها هو أن عمر وقف على العمود وأخذ يرمي بالأحجار من هناك فإنّه وبقليل من التأمل والدقة يتبين لنا أن أي عاقل لا يرتكب مثل هذا العمل.

لأنه على فرض أن الزحام كان شديداً حول الجمرة (وفرضنا أن الجمرة هي العمود) وكان الناس يرمون ذلك العمود باستمرار وحينما يتوجه شخص إلى ذلك العمود ويريد أن يصعد عليه ويرمي سبع حصيات هناك ثمّ ينزل ويعود إلى مكانه، فمن المعلوم أن مثل هذا الشخص

سيتعرض لاصابات الجمرات الماضى والحاضر، ص: 55

وجروح كثيرة في بدنه، فأي عاقل ياترى يسمح لنفسه بارتكاب مثل هذا العمل الخطير؟

وبديهي أن الواقعة لم تكن كذلك، بل ان عمر ولأجل أن يتخلص من شدّة الزحام توجه إلى أعلى المكان وأخذ يرمي أحجاره من هناك على الجمرة، أي مجتمع الحصى حيث يكون مثل هذا العمل مريح ويسير جداً.

4- التمسّك ببعض القرائن

وقد كتب أحد العلماء الأفاضل في رسالته إلينا يقول: «لقد قرأت ما كتبه سماحتكم حول موضوع رمي الجمرات، فجزاك الله عن الإسلام والفقهاء خير الجزاء، ولكن هناك عدّة امور مبهمة بالنسبة لي:

ألف: ورد في بعض الرّوايات عن «جمرة العقبى» التعبير ب- «العظمى» ومثل هذا التعبير يمكن أن يكون بسبب ضخامة حجم العمود الموجود في ذلك المحل.

الجواب: إنّ الجمرة سوى كانت بمعنى العمود أو محل اجتماع الحصى (كما هو الحقّ) يصدق عليه الكبير والصغير، لانّه كلّما كانت قطعة الأرض المخصصة لرمي الجمار أكبر فإنّه يصدق عليها كلمة (عظمى) وفيما لو كانت أصغر فيصدق عليها (صغرى).

وعلى هذا الأساس فالتعبير ب- (العظمى) الوارد في بعض الرّوايات لا يؤثر في تغيير المسألة محل البحث، فالأرض قد تكون كبيرة وصغيرة، والبيت كبيراً وصغيراً، والجادة قد تكون كبرى وصغرى، ومثل هذه الجمرات الماضى والحاضر، ص: 56

التعبيرات موجودة بكثرة في العرف.

وعندما نلاحظ موارد استعمال كلمة (عظيم) في القرآن الكريم فسوف نرى أنّ هذه المفردة تطلق على كلّ ما من شأنه أن يكون كبيراً في نوعه أو عظيماً وواسعاً.

ب: ورد في بعض الروايات: «ثمّ ائت جمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها» «1».

وهذا التعبير يمكن أن يكون اشارة إلى العمود الذي ورد النهي عن رميه من أعلاه.

الجواب: وهذا التفسير للرواية غير

صحيح أيضاً، لأنه لو كان المقصود بيان هذه الحقيقة، وهي أنّه لا ينبغي الرمي من الأعلى بل يجب الرمي على الجمرة من الجهة المقابلة للشخص فإنّ كلمة (من) لا يكون استعمالها صحيحاً هنا بل يجب القول (فارم وجهها ولا ترم أعلاها) لأنّ (رمى) فعل متعدي ويتعدى بدون (من) فيقال (رميت الجمرة) ولا يقال أبداً (رميت من الجمرة).

والنتيجة هي أنّ كلمة (من) تشير إلى المحل الذي يقف عنده الشخص لرمي الجمرة، وكما تقدّم أنّ الجمرة تقع في وسط منحدر، وقد ورد الأمر بالرمي من الجهة السفلى لا من جهتها العليا، أي لا ينبغي الاستدارة على الجمرة والذهاب إلى أعلى المحل، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يرمي الجمرة من الأسفل.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 57

ج: هناك تغييرات حدثت في شعائر الحجّ وكانت مورد اهتمام جميع المؤرّخين الإسلاميين لحساسية الموضوع بالنسبة إلى جميع المسلمين، ولذلك فمن البعيد عدم وجود عمود في السابق في ذلك المحل وقد بني في العصور اللاحقة ولم يذكر ذلك في كتب المؤرّخين.

الجواب: لقد ثبت من خلال قرائن عديدة أنّ الأعمدة لم تنصب هناك بحيث تكون بمثابة تغيير في مناسك الحجّ وشعائره بل هي بمثابة العلامة فقط، وقد رأينا في سفراتنا السابقة للحجّ أنّهم كانوا يضعون مصباحاً في ذلك المكان كعلامة لمن يريد الرمي في الليل.

وفي هذا الوقت أيضاً هناك علائم ولوحات متعددة لتعيين حدود عرفات، منى، المشعر، وهذه العلامات لا تثير أية حساسية لدى الأشخاص لأنّها ليست سوى علائم لتلك المناطق.

د: إنّ رمي الأحجار بصورة (خذف) «1» يعتبر من جملة المستحبات التي يفتي بها أكثر الفقهاء المحترمين، والرمي بهذه الصورة يتناسب مع وجود المكان المرتفع لا المكان المساوي مع الأرض.

الجواب: إنّ هذا

الحكم المستحب ليس فقط لا دلالة له على وجود العمود من حيث كونه يجتمع مع حالة وجود العمود ومع كون الجمرة بمعنى مجتمع الحصى أيضاً، بل إنّ رمي الأحجار بهذه الصورة ينسجم مع عدم وجود العمود أكثر، لأنّ اصابة العمود بهذه الصورة ومن مسافة 10 أو 15 ذراع كما

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 58

ورد في الرواية يكون عسيراً في أغلب الأحوال أو غير ممكن، ولكن الرمي بهذه الصورة باتجاه الحوض ومحل اجتماع الحصى يكون ممكناً في الغالب.

والخلاصة فإنّ هذا الدليل المذكور إن لم يدل على خلاف مطلوب المستشكل فإنّه لا يدلّ على مقصوده أيضاً.

5- إذا كان المراد من الجمرة هو الأرض فهي الأرض أسفل العمود

وقد ذكر أحد علماء الحوزة العلمية في رسالته يقول: نحن نقبل أن (الجمرة) وطبقاً للمدارك الموجودة هي قطعة الأرض التي ينتصب في وسطها العمود، ولكن المقدار المتيقن هو أنّ المراد منها هي الأرض اسفل العمود، وبما أنّه في الحال الحاضر لا يمكننا التوصل إلى تلك الأرض أسفل العمود فنحن مضطرون إلى رمي العمود، ولو فرض تحطم الأعمدة يوماً ما، فسوف نرمي بالأحجار على الأرض اسفل العمود.

الجواب: إنّ هذا الاحتمال أيضاً غير مقبول لأنّه:

أوّلًا: يستفاد من بعض الرّوايات وكلمات الفقهاء التي تقدّمت سابقاً أنّ بعض الحجاج كانوا يقفون في السابق على أحد أطراف الجمرة ويرمون بالحصى إلى الطرف الآخر (بالرغم من ورود النهي عن ذلك بعنوان الحرمة أو الكراهة).

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 59

ونقرأ في حديث البزنطي: «ولا ترم على الجمرة» «1».

وقد أجاز بعض علماء أهل السنّة هذا العمل مثل محي الدين النووي في «روضة الطالبين» حيث يقول:

«ولا يشترط كون الرامي خارج الجمرة فلو وقف في الطرف ورمى إلى الطرف الآخر جاز» «2».

وهذا التعبير الذي يقول فيه أنّ الشخص يقف على طرف من الجمرة ويرمي

على الطرف الآخر لا يراد به قطعاً الدائرة التي قطرها متر واحد، بل الظاهر منه أنّ محل الرمي قطره عدّة أمتار (كالأحواض الموجودة الآن حول الأعمدة) حيث يقف بعض الأشخاص على طرف منها ويرمي الطرف الآخر.

مضافاً إلى ذلك فإنّ بعض الفقهاء قد عيّن الحدّ بذلك بحيث لا يصدق على الأرض تحت الأعمدة:

فقد جاء في كتاب «حواشي الشيرواني»:

«الجمرة مجتمع الحصى حَدَّه الجمال الطبري بأنّه ما كان بينه وبين أصل الجمرة ثلاثة أذرع فقط وهذا التحديد من تفقّهه وكأنّه قرب به مجتمع الحصى غير السائل، والمشاهدة تؤيّده فإنّ مجتمعه غالباً لا ينقص عن ذلك» «3».

وذكر الشهيد الثاني (قدس سره) في «شرح اللمعة» أنّه:

«وهي البناء المخصوص أو موضعه وما حوله ممّا يجتمع من الحصى، كذا عرّفها المصنّف في الدروس» «4».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 60

وهذا التعبير سواء كان من الشهيد الأوّل أو من الشهيد الثاني، يدلّ على أنّ الجمرة ليست الأرض اسفل الأعمدة بل تشمل المنطقة المحيطة باطرافها أيضاً.

ثانياً: على فرض أنّ محل الرمي هو تلك القطعة من الأرض التي تقع أسفل الأعمدة، فهل أنّ وجود الأعمدة على تلك القطعة من الأرض دليل على لزوم انتخاب المكان الأقرب لذلك العمود؟ هل أنّ الأقرب تعني المنطقة المجاورة واللاصقة لذلك المكان أو العمود الذي يقع أعلى منها مترين أو ثلاثة أمتار؟

من المعلوم أنّ الأقرب هي الأراضي المحيطة به وكلّما توجه الشخص في أداء الرمي إلى الطبقة العليا فإن عمله يكون مشكلًا أكثر لأن الأعمدة الموجودة في الطبقة العليا بعيدة جدّاً عن الأرض الواقعة تحتها.

ثالثاً: إنّ رمي الأعمدة في الحال الحاضر مشكل جدّاً في حين أنّ مساحة ذلك المكان 10 أمتار مربعة تقريباً «1» فلو فرضنا أنّ جميع الحجيج أرادوا رمي مكان

بسعة متر مربع واحد فكيف يكون حالهم؟

إنّ مثل هذا العمل كان مشكلًا في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ورد في رواية أنّ ما يقارب من مائة ألف نفر اشتركوا في حجّة الوداع، وكان كلّ واحد منهم يرمي 21 حجر نحو جمرة العقبة و 14 حجر نحو الجمرات الاخرى، فكيف يمكن رمي هذا المقدار الهائل من الأحجار باتجاه قطعة صغيرة بسعة متر واحد من الأرض؟

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 61

والنتيجة التي لا ينبغي الشك فيها هي أنّ محل الرمي (المرمى) اوسع من الأرض اسفل الأعمدة، أي مكان الأحواض الموجودة فعلًا هناك.

6- التمسّك بأقوال بعض الفقهاء:

وقد جاء في بعض كلمات الفقهاء: «لا يرمي رأس الجمرة الاولى» «1».

وجاء في بعض العبارات أيضاً: «يرمي ساقها» «2».

ألا يتناسب التعبير بكلمة (رأس) و (ساق) مع وجود الأعمدة؟

الجواب: إنّ هذا التعبير يتناسب أيضاً بأن يكون المراد (مجتمع الحصى)، لأنّ الحصى الكثيرة عند اجتماعها تكون على شكل مخروط، ومن الطبيعي أن يكون لهذا المخروط (رأس) و (ساق) فأعلى المخروط بمثابة (الرأس) وأسفله بمثابة (الساق).

7- التمسّك ببعض كتب التاريخ وأقوال المؤرّخين:
اشارة

وقد تحدّث معي أحد علماء الحوزة وقال وهو يشير إلى أقدم تواريخ مكّة: حيث يذكر في هذا الكتاب أنه نزل مطر كثير في مكّة ومنى في أحد سنوات القرن الثالث للهجرة، وحمل معه (جمرة العقبة) ثمّ إنّهم أعادوا الجمرة إلى مكانها.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 62

فلابدّ أن يكون هناك عمود قد جرفه السيل من هناك ثمّ إنّ الناس أعادوه إلى مكانه وأقاموه فيه.

أبو الوليد الأزرقي أحد مؤرّخي القرن الثالث ذكر في كتاب «أخبار مكّة» الّذي يعتبر من أقدم كتب التاريخ يقول:

«إنّ امطار الخريف قد كثرت وتواتر بمكّة ومنى في هذا العام (عام 240) فهدمت منازل كثيرة وإنّ السيل هدم من دار الامارة بمنى وما فيها ... وهدم العقبة المعروفة بجمرة العقبة ... واحكم (إسحاق والي مكّة) العقبة وجدرانها واصلح الطريق التي سلكها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من منى إلى الشعب ... وكانت هذه الطريق قد عفت ودرست فكانت الجمرة زايلة عن موضعها أزالها جهّال الناس برميهم الحصى وغفل عنها حتّى ازيحت عن موضعها شيئاً يسيراً منها من فوقها فردّها إلى موضعها الذي لم تنزل عليه وبنى من ورائه جداراً أعلاه عليها ومسجداً متّصلًا بذلك الجدار لئلّا يصل إليها من يريد الرمي من أعلاها وإنّما السنّة لمن أراد الرمي أن يقف من

تحتها من بطن الوادي» «1».

الجواب: عندما نراجع المصدر الأصلي لهذه العبارة، أي كتاب أخبار مكّة للأزرقي سوف نرى أن الموضوع شي ء آخر، ولكن البعض لعلّه أراد أن يقول إنّ السيل قد نزل في مكّة ومنى وأخذ معه الجمرة وقد أعادها والي مكّة إلى محلها الأصلي (وعليه فلابدّ من القول من وجود عمود هناك قد جرفه السيل معه ثمّ اعيد إلى مكانه).

في حين أننا عندما نراجع ذلك الكتاب نرى أن بين قصة حدوث السيل الجمرات الماضى والحاضر، ص: 63

في مكّة ومنى وبين مسألة تغيير مكان الجمرة هناك ثلاثة صفحات ونصف فاصلة بينها، إنّ مؤلف كتاب أخبار مكّة بعد أن يذكر قصة السيل المذكور يتطرق إلى مسائل اخرى ويذكر حادثة محو مسير رسول الله (صلى الله عليه وآله) باتجاه الجمرة على أثر مرور الزمان ثمّ يستعرض انتقال الجمرة من مكانها بسبب عمل الجُهّال.

والملفت للنظر أن تغيير محل الجمرة (وبمقدار قليل) كان بسبب عمل بعض الجُهّال في رميهم للجمرة.

ونلاحظ أيضاً أنّ المؤلف لذلك الكتاب يقول: «كانت الجمرة زايلة عن موضعها ازالها جُهّال الناس برميهم الحصى».

وبديهي أنّ العمود الحجري لا يمكن أن يتحرّك وينتقل من مكانه بسبب رمي الجُهّال للحصى، بل إنّ الجمرة هنا بمعنى (مجتمع الحصى) الذي تغير مكانه بسبب غفلة الناس في عملية الرمي (فتدبر).

ومع ملاحظة أن كتاب تاريخ مكّة للأزرقي يعد من أقدم الكتب في تاريخ مكّة حيث تم تأليفه في النصف الأوّل من القرن الثالث للهجرة، أي في زمن المعصومين (عليهم السلام) فإنّه يعتبر دليل واضحاً على هذا المدّعى وأنّه لم يكن هناك عمود في ذلك الزمان والجمرة كانت تعني (مجتمع الحصى) فقط حيث تغير موضعها برمي الجُهّال بدون دقة.

أمّا الجدار الذي بني خلفها وثمّ

بني مسجد فوق ذلك المكان فهو بسبب أن عملية الرمي ينبغي أن تتم من الطرف الأسفل للوادي (بعنوان مستحب لا واجب) لا أن يتم الرمي من أعلى المنخفض كما تقدّم سابقاً.

والملاحظة الاخرى الملفتة للنظر أنّ المؤلف المذكور أي (الأزرقي)

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 64

يذكر في كتابه هذا «أخبار مكّة» حديثاً عن ابن عبّاس الصحابي المعروف حيث يقول:

«قال عطاء سألت ابن عبّاس فقلت: يابن عبّاس إنّي توسّطتُ الجمرة فرميت بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فوالله ما وجدت له مسّاً، فقال ابن عباس: والله ما تقبّل الله عزّوجلّ من امرى ء حجّه إلّا رفع حصاه» «1».

وأعجب من ذلك أنّ أنواع البلايا التي وردت على عبارات كتاب «مرآة الحرمين» لمؤلفه «رفعت باشا» حيث تم اقتطاع صدرها وذيلها مع الأسف.

وتوضيح ذلك أن مؤلف الكتاب (رفعت باشا) كان يعيش في القرن الرابع عشر وفي ذلك الزمان كان هناك عمود في محل الجمرات وكان الناس يرمون ذلك العمود وقلنا أنّه من الخطأ اعتبار هذه العلامة هي المقصود بالرمي، حيث يقول هذا المؤلف في هذا الصدد:

«وبعض الناس لا يكتفي بالحصيات الصغيرة بل يأتي بأحجار كبيرة ويرمي بها الجمرة، العمود القائم، بل لا يرتاح له بال إلّا إذا هدم جزءً من البناء ومنهم من يقف على البناء ويرمي! ومنهم من يلصق به جسده ويرمي!» «2».

فلو تصورنا واضفنا إلى هذا المقطع من الكلام صدره وذيله المحذوفين لاختلف المعنى كلياً.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 65

أمّا صدر العبارة فهكذا: «ومن فكاهات الحجاج عند رمي الجمرات السبع ان بعضهم ... ومنهم من يقف على البناء».

ونقرأ في ذيل العبارة المتقدّمة أنه: «قال المحبّ الطبري: وليس للرمي حدّ معلوم غير أن كلّ جمرة عليها علم وهو عمود معلّق هناك

فيرمى تحته وحوله ولا يبعد عنه احتياطاً وحَدَّه بعض المتأخرين بثلاثة أذرع من سائر الجوانب إلّا في الجمرة العقبة فليس لها إلّا وجه واحد لأنّها تحت الجبل» «1».

ويستفاد من هذه العبارة بوضوح عدّة مطالب:

1- أنّ الأعمدة ليست هي الجمرة بل علامة عليها.

2- أنّ محل الرمي هو أسفل الأعمدة وأطرافها، يستفاد من هذه العبارة أنّه لم يكن هناك عمود حجري سابقاً بل كان هناك عمود معلق بحيث يمكنهم الرمي أسفله (وهو بمعنى مركز الحوض).

3- ذهب البعض إلى أنّ الحوض حول العمود بمقدار ثلاثة أذرع لكلّ طرف (كلّ ذراع نصف متر تقريباً) بحيث يكون قطر الحوض ثلاثة أمتار في المجموع (سوى جمرة العقبة التي تقع إلى جوار التلّ حيث ترمى من طرف واحد، أي أنّها على شكل نصف دائرة قطرها ثلاثة أمتار وشعاعها متر ونصف).

4- يستفاد من هذه العبارة عدم وجود العمود إلى زمان محبّ الدين الجمرات الماضى والحاضر، ص: 66

الطبري من علماء القرن الخامس، بل كان هناك عمود معلّق بعنوان علامة على الجمرة وكان الحجّاج يرمون أسفل هذه العلامة.

بل ورد في بعض الكتب المعروفة بتاريخ مكّة المكتوبة في العصور المتأخرة أنّ هذه الأعمدة هي علامة على محل الجمرة، والجمرة هي قطعة الأرض الواقعة فيما حولها حيث صارت في زماننا الحاضر عبارة عن حوض يتجمع فيه الحصى:

وقد ذكر محمّد الياس الغني في كتاب «تاريخ مكّة المكرمة قديماً وحديثاً» أنّه:

«الأعمدة الموجودة وسط الأحواض الثلاث علامة للمكان الذي ظهر به الشيطان ورماه إبراهيم، أمّا الأحواض التي حول الأعمدة فإنّها احدثت بعد سنة 1292 ه- لتخفيف زحمة الناس وتوسيع دائرة الرمي وجمع الحصى في مكان واحد» «1».

ويقول بعد ذلك في حديثه عن جمرة العقبة:

«لمّا أزيل الجبل بقى الحوض نصف دائرة

لمكان الرمي سابقاً».

ويستفاد من هذه العبارة أن الحوض الذي على شكل نصف دائرة هو محل الرمي السابق.

الأعمدة علامة لا محل الرمي

وليس بالقليل الأشخاص الذين صرّحوا بأن هذه الأعمدة هي علامة لمحل الرمي لا أنها هي محل الرمي، ومن هؤلاء:

1- ينقل (العلّامة بحر العلوم (قدس سره)) عن (ابن جماعة) الشافعي يقول:

«إن محل الرمي هو مجتمع الحصى الذي يقع قرب البناء الشاخص» «1».

2- يقول ابن عابدين من علماء القرن الثالث عشر: جاء في كتاب اللباب أنّه: «الميل الذي هو علامة للجمرة» «2».

3- ويقول (الإمام أحمد المرتضى) من علماء القرن التاسع أنّ:

«الرمي هو القرار لا البناء المنصوب» «3».

4- ويقول (ابن جُبَير الأندلسي) في وصف جمرة العقبة:

«جمرة العقبة تقع في أول منى وقد ارتفع مكانها بسبب ما يتجمع فيها من حصى الجمرات، وهناك علم وعلامة نصبت لهذا الغرض» «4».

5- وينقل (الباجي) طبقاً لما ورد في كتاب «مواهب الجليل» نقلًا عن (ابن فرحون):

«وليس المراد بالجمرة البناء القائم وذلك البناء قائم وسط الجمرة علامة على موضعها والجمرة اسم للجميع انتهى» «5».

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 68

ومع الأسف فإنّه قد اتخذت العلامة بمرور الزمان أصلًا ومحلًا للرمي في حين أن محل الرمي كان هو مجتمع الحصى الذي تعرض للنسيان.

وطبعاً في مثل هذه الوقائع تحدث بشكل طبيعي في دائرة العلوم والمعارف ولا تقلل من شأن الأعاظم من العلماء، ولكن على الآخرين اصلاح الخلل وجبرانه لينالوا ثوابهم عند الله تعالى.

8- التمسّك بالروايات

وقد استدل بعض المخالفين برواية «حميد بن مسعود» «1» ورواية «عبدالأعلى» «2» عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث تقدّم سابقاً في البحث الروائي تفصيل الكلام فيه واتضح مضافاً إلى ضعف سند هاتين الروايتين أنّهما لا تصلحان كدليل على وجود العمود بعنوان محل الجمرة.

ملاحظات

اشارة

إنّ القرائن الاخرى الواردة في كتب المؤرّخين والروايات الإسلامية تشير إلى أن الجمرات هي محل اجتماع الحصى لا الأعمدة، ومن ذلك:

1- رجم قبور الخونة في الجاهلية وصدر الإسلام

يستفاد من المصادر التاريخية المعروفة كتاريخ «مروج الذهب» للمسعودي و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير أنّ الناس كانوا في عصر الجاهلية يرمون قبور بعض الخونة والأشخاص المنفورين.

يقول المسعودي في «مروج الذهب»:

«سار أبرهة بأصحاب الفيل إلى مكة لإحزاب الكعبة، فعدل إلى الطائف، فبعثت معه ثقيف بأبي رغال ليدلّه على الطريق السهل إلى مكة، فهلك أبو رغال في الطريق بموضع يقال له المغمّس بين الطائف ومكة، فَرُجِم قبره بعد ذلك، والعرب تتمثل بذلك، وفي ذلك يقول جرير بن الخطفي في الفرزدق:

إذا مات الفرزدق فارجموه كما ترمون قبر أبي رغال وقيل: إنّ أبا رغال وجّهه صالح النبي (صلى الله عليه وآله) على صدقات الاموال، فخالف الجمرات الماضى والحاضر، ص: 70

أمره، وأساء السيرة، فوثب عليه ثقيف فقتله قتلة شنيعة لسوء سيرته في أهل الحرم، ... قال مسكين الدارمي:

أرجم قبره في كلّ عام كرجم الناس قبر أبي رغال «1»

ويحتمل أيضاً أنّ (أبا رغال) اسم لشخصين، أحداهما كان يعيش في زمان (ابرهة) والآخر في زمان حكومة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في المدينة، وكان كليهما من الخونة وكان الناس يرمون قبراهما بالحجارة.

ويقول (الطبري) في كتابه التاريخي المعروف بعدما ينقل قصة ابرهة وأبي رغال وبعد ذكر حادثة موته في محل باسم (المغمّس) يقول:

«فرجمت العرب قبره فهو القبر الذي يُرجم» «2».

وجاء في «سفينة البحار» في قصة أبي لهب:

أنّ جسد أبي لهب بقي بعد موته مدّة ثلاثة أيّام مطروحاً على الأرض حتّى انتن فجاء بعض الأشخاص فدفنوه في أعالي مكّة إلى جدار وقذفوا عليه الحجارة حتّى واروه، ولعلّ في كلام أميرالمؤمنين عن أبي

لهب إشارة إلى رمي الحجاج إليه بالحجارة عند مرورهم عليه.

ويستفاد من هذه العبارات أنّ العرب قبل الإسلام وبعده كانوا يرمون قبور الأشخاص المنفورين بالحجارة، والظاهر أنّ ذلك مقتبس من رمي الجمرات، ولم يرد في هذه التواريخ أنّهم كانوا يضعون عموداً على القبور

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 71

المذكورة ويرمونها، بل كانت على شكل مجموعة من الأحجار الصغيرة أو الحصى، ونظراً إلى وجود احتمال قوي بأنّ هذا الاسلوب مقتبس من (رمي الجمرات) فلو كان هناك عمود واقعاً في ذلك الزمان في محل الجمرات فإنّ من المناسب أن يقوم العرب تقليداً لذلك بنصب أعمدة على القبور المذكورة ويرمونها.

ومن هذه الملاحظة يفهم جيداً عدم وجود الأعمدة في تلك الاعصار، ويمكن أن يكون هذا المعنى مؤيداً للمطلوب.

2- جمع سبعين حصاة

وقد ورد في كثير من كلمات الأعاظم كالمحقّق الحلّي في «شرائع الإسلام» «1»، والعلّامة في «المنتهى» «2» أنهم ينبغي على الحجّاج جمع سبعين حصاة للرمي من داخل منطقة الحرم (سواءً كانت هي المشعر الحرام أو منى) ويرمون سبعة منها في اليوم الأوّل على جمرة العقبة، ويرمون في اليوم الثاني 21 حصاة للجمار الثلاثة كلّها، و 21 حصاة لليوم الثاني و 21 حصاة لليوم الثالث (فيما لو بقوا ثلاثة أيّام في منى) بحيث يكون المجموع سبعين حصاة صغيرة.

ولم يقل أحدٌ إلّا القليل بأنّ على الحجاج أن يحملوا معهم أكثر من هذا المقدار، وهذا يدلّ على أن رمي الجمرات كان سهل جدّاً بحيث يندر احتمال الجمرات الماضى والحاضر، ص: 72

عدم اصابة الهدف، فإذا قلنا بأنّ الجمرة هي مجتمع الحصى فسيكون رميها ميسوراً، ولكن إذا قلنا أن محل الرمي هو الأعمدة المنصوبة ويتم الرمي في ذلك الزحام الشديد فمن الواضح أنّ الحاج يحتاج إلى أكثر من هذا

المقدار من الحصى لأنّ احتمال عدم الإصابة كبير جدّاً، وهذه قرينة اخرى على المطلوب.

3- التصاوير القديمة الموجودة للأعمدة

وهناك قرينة اخرى لذلك، وهي الصور القديمة للأعمدة التي تشير إلى وجود مصابيح إلى جانب الأعمدة لتضي ء المحل في الليل لتسهيل عملية الرمي، فلو أنّ الرمي كان يستهدف الأعمدة فإنّ هذه المصابيح ستتعرض للكسر من اليوم الأوّل لأنّه كما رأينا أنّ الناس في رميهم لا يصيبون الهدف بدقة وقد يصيبوا المصباح المعلّق إلى جواره.

ويتّضح هذا البحث أيضاً بما ورد في كتاب «تاريخ مكّة» حيث يذكر في المجلد السادس من «التاريخ القويم لمكّة وبيت الله الكريم» لمؤلفه «محمّد طاهر الكردي المكّي»، الذي يعتبر من أهم الكتب في عصرنا الحاضر عن تاريخ مكّة وقد طبع تحت نظر المسؤولين الرسميين في الحجاز، فنقرأ فيه قوله:

«وبوسط كلّ جمرة من الجمرات الثلاث علامة كالعامود المرتفعة نحو قامة، مبنية بالحجارة، إشارة إلى موضع الرمي، وهذه العلامات على الجمرات لم تكن في صدر الإسلام وإنّما أحدثت فيما بعد» «1».

النتيجة

وبالامكان استعراض النتائج المترتبة على هذا البحث كما يلي:

1- إنّه مضافاً إلى عدم وجود دليل على لزوم إصابة الأحجار للأعمدة في الفقه الإسلامي (أعمّ من الفقه السنّي أو الشيعي) يتّضح أن كفاية رمي الأعمدة فيما لو لم تقع الأحجار في دائرة مجتمع الحصى، محل تأمل واشكال، كما صرّح بذلك بعض الفقهاء أيضاً.

ولكن من المسلم كفاية رمي الأحجار باتجاه الدائرة حول الأعمدة.

2- يتّضح ممّا تقدّم عدم لزوم أن يعرض الحجّاج أنفسهم للمشقة والخطر في حال رمي الأعمدة بل يمكنهم رمي سبعة أحجار صغيرة باتجاه الدائرة الواقعة حول الأعمدة ويعودون إلى مكانهم ويفتحون الطريق لسائر الحجّاج للرمي.

3- إذا نوى الرمي باتجاه الحوض ولكن اتفق أن أصاب الحجر العمود ثمّ سقط في الحوض، كفى ذلك، ولكن إذا أصاب الحجر العمود وبعد ذلك خرج عن محل الجمرة

ولم يسقط في الحوض لم يكن مجزئاً كما صرّح بذلك بعض الفقهاء في فتواه.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 74

4- إذا رمى من الطبقة العليا واصاب الحجر الأحواض الموجودة في الطبقة العليا كفى ذلك، لأنّ تلك الأحواض في الطبقة العليا جعلت على شكل مخروط بحيث تنتقل الأحجار منها إلى الأحواض في الطبقة السفلى.

5- يجدر بالمحقّقين الإسلاميين أن يبحثوا ويحققوا في هذه المسألة المهمّة، وفيما لو اتفق علماء الشيعة وأهل السنّة بعد إجراء التحقيقات اللازمة على هذه القضية فإنّ ذلك بإمكانه ان يحل مشكلة كبيرة من مشاكل الحجّ حيث تفضي غالباً وبسبب الزحام الشديد إلى تلف النفوس أو تعرض الكثير من حجّاج بيت الله الحرام إلى اصابات وجراحات بدنية، وسيكون عمل هؤلاء العلماء وتحركهم هذا مثمر ومرضياً لدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام)، والله العالم.

قم، الحوزة العلمية

رجب 1424 ه-- مكارم الشيرازي

فهرس المصادر

1- الامّ، للشافعي- ط 2- 1403 ه-- دار الفكر- بيروت.

2- أخبار مكة، للأزرقي.

3- إعانة الطالبين، لبكري الدمياطي- ط 1- 1418 ه-، دار الفكر- بيروت.

4- تاج العروس، للزبيدي.

5- تاريخ الطبري- مؤسسة الأعلمي- بيروت.

6- التاريخ القويم لمكّة وبيت الله الكريم، محمد طاهر الكردي المكي.

7- تاريخ مكة المكرمة قديماً وحديثاً، لمحمد الياس الغني.

8- تحفة الكرام، للعلامة بحر العلوم، نسخة مخطوطة في مكتبة المدرسة الفيضية.

9- تذكرة الفقهاء، للعلامة الحلي- 1414 ه-- مؤسسة آل البيت- قم.

10- الجامع للشرائع، ليحيى بن سعيد- 1405 ه-- مؤسسة سيد الشهداء (عليه السلام)- قم.

11- جامع المقاصد، للمحقق الثاني- ط 1- 1408 ه-- مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)- قم.

12- جواهر الكلام، للشيخ محمد حسن النجفي- ط 3- 1367 ش- دار الكتب الاسلامية.

13- حاشية رد المحتار، لابن عابدين- 1415 ه-- دار

الفكر- بيروت.

14- حواشي الشرواني- دار احياء التراث العربي- بيروت.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 76

15- دائرة المعارف الاسلامية- دار المعرفة- بيروت.

16- الدروس، للشهيد الأوّل- ط 1- 1412 ه-- مؤسسة النشر الاسلامي.

17- الذخيرة، لشهاب الدين احمد بن ادريس- ط 1- 1422 ه-، دار الكتب العلمية- بيروت.

18- ذخيرة المعاد، للمحقق السبزواري- مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)- الطبعة الحجرية.

19- رحلة ابن جبير الأندلسي- بيروت.

20- روضة الطالبين، للنووي- دار الكتب العلمية- بيروت.

21- رياض المسائل، ط 1- 1412 ه-- مؤسسة النشر الاسلامي.

22- سلسلة الينابيع الفقهية.

23- السنن الكبرى، للبيهقي- دار الفكر- بيروت.

24- شرائع الإسلام، للمحقق الحلي- ط 2- 1409 ه-- نشر استقلال- طهران.

25- شرح الازهار، للامام أحمد المرتضى- 1400 ه-- نشر غمضان- صنعاء.

26- شرح اللمعة، للشهيد الثاني- ط 1 ذات العشرة أجزاء- 1410 ه-- نشر داودي قم.

27- الغنية، لأبي المكارم ابن زهره- ط 1- 1417 ه-- نشر مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)- قم.

28- فتح الباري، لابن حجر- ط 4- دار المعرفة- بيروت.

29- فتح العزيز، لعبد الكريم الرافعي- دار الفكر- بيروت.

30- فتح الوهاب، لزكريا بن محمد الأنصاري- ط 1- 1418 ه-- دار

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 77

الكتب العلمية- بيروت.

31- الفقه على المذاهب الأربعة، لعبد الرحمن الجزيري- ط 7- 1406 ه-- دار احياء التراث العربي.

32- القادر الفقهي، للدكتور سعدي أبو حبيب.

33- قواعد الأحكام، للعلامة الحلي- ط 1- 1413 ه-- مؤسسة النشر الاسلامي- قم.

34- الكافي، لأبي الصلاح الحلبي- 1403 ه-- مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) أصفهان.

35- كشاف القناع، للبهوتي- ط 1- 1418 ه-- دار الكتب العلمية- بيروت.

36- كشف اللثام، للفاضل الإصفهاني- ط 1- 1416 ه-- مؤسسة النشر الاسلامي.

37- لسان العرب، لابن منظور.

38- المبسوط، للشيخ الطوسي- 1387 ه-- المكتبة المرتضوية- طهران.

39- مجمع البحرين، للطريحي.

40- المجموع، للنووي- دار الفكر-

بيروت.

41- المدونة الكبرى، مالك- نشر السعادة- مصر.

42- مرآة الحرمين، لابراهيم رفعت پاشا- القاهرة- دار الكتب المصرية- اخت المطبعة العلمية- طهران.

43- مروج الذهب، لابي الحسن المسعودي- ط 2- 1404 ه-- دار الهجرة- قم.

الجمرات الماضى والحاضر، ص: 78

44- مسالك الافهام، للشهيد الثاني- ط 1- 1413 ه-- مؤسسة المعارف الاسلامية- ثم.

45- المصباح المنير، للفيومي.

46- المصنف، لابن أبي شيبة- دار الفكر- بيروت.

47- معجم ألفاظ الفقه الجعفري، للدكتور احمد فتح الله- ط 1- 1415 ه-.

48- مجلة البحوث الفقهية المعاصرة- العدد 49- سنة 1421 ه-- الحجاز.

49- مدارك الاحكام، للسيد محمد العاملي- ط 1- 1410 ه-- مؤسسة آل البيت (عليه السلام)- قم.

50- المغني، لعبد الله بن قدامة- دار الكتب العربي- بيروت.

51- مغني المحتاج، للشربيني- 1377 ه-- دار إحياء التراث العربي.

52- مستدرك الوسائل، للمحدث النوري- ط 1- 1408 ه-- مؤسسة آل البيت (عليه السلام).

53- منتهى المطلب، للعلامة الحلي- الطبع القديم- 1333 ش- تبريز.

54- من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق- ط 2- 1404 ه-- جماعة المدرسين- قم.

55- مواهب الجليل، للحطاب الرعيني- ط 1- 1416 ه-- دار الكتب العلمية- بيروت.

56- الموسوعة الفقهية- الكويت- ط 2- 1409 ه-.

57- النهاية، لابن الأثير الجزري- 1364 ش- اسماعيليان- قم.

58- الوسائل، للحرّ العاملي- دار احياء التراث العربي- بيروت.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.