الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة

اشارة

سرشناسه : ابن قتیبه ، عبدالله بن مسلم ، ق 276 - 213

عنوان و نام پديدآور : الاختلاف فی اللفظ و الرد علی الجهمیه و المشبهه / تالیف ابی محمد عبدالله بن مسلم بن قتیبه الکاتب الدنیوری

مشخصات نشر : بیروت : دارالکتب العلمیه ، م 1985 = . ق 1405 = . 1364.

مشخصات ظاهری : ص 63

یادداشت : کتابنامه بصورت زیرنویس

یادداشت : عربی

موضوع : جهمیه ، دفاعیه ها و ردیه ها

رده بندی کنگره : ‫ BP203/6 ‫ /‮الف 17‮الف 3 1364

شماره کتابشناسی ملی : م 81-20648

نظرة في الكتاب

نظرة في الكتاب

كتاب «الاختلاف في اللفظ» و الرد على الجهمية و المشبهة مما خبأه الدهر عن أعين كثير من المشغوفين بآثار الأقدمين من زمن بعيد، و قد انتظم الآن بتوفيق الله في سلك المطبوعات فأصبح بمتناول كرام القراء. و هو من أواخر مؤلفات الامام أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الفارسي الكاتب المشهور، يهم المتأدب و من يعنى بتاريخ تطورات العلوم كما يهم المتكلم و الفقيه و المحدث.

فالمتأدب يجد ابن قتيبة لا يأنف في كتابه هذا ان يعيد بعض جمل سبق تدوينها في كتاب آخر له بنصها و فصلها فيستنتج من ذلك انه كان في غاية من التروي في تخير الفاظ يعرب بها عن معان لم يتعجل في تنسيقها بمراعاة أدق الملاحظات في التأثير على السامع، و بعد هذا التأنق يعز عليه ان يعدل عن هذه القوالب المتخيرة اذا لزمت افادة تلك المعاني المفرغة فيها ثاني مرة بخلاف الجاحظ و غيره من اصحاب الأقلام السيالة في عهده.

و من يعنى بتاريخ العلوم يغتبط به كحلقة مفقودة من حلقات سلسلة وثائق التتبع القهقرى يظفر بها الباحث فيجد فيها ما ينير كثيرا من النواحي المظلمة في وجوه تعرف ارتباط تلك الحلقات بعضها ببعض و ما يكشف

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 6

النقاب عن كثير مما يستعصي وجه التعليل فيه من غرائب شؤن تتعلق بتاريخ العلوم.

ما يلفت نظر المتكلم إليه من خطة الكتاب- تراجع المصنف عما كان عليه من الانحراف عن أبي حنيفة و سبب هذا و ذالك

[ما يلفت نظر المتكلم إليه من خطة الكتاب- تراجع المصنف عما كان عليه من الانحراف عن أبي حنيفة و سبب هذا و ذالك ]

و أما المتكلم الذي يرى ابن قتيبة هجاما و لوجا فيما لا يحسنه كراميا مشبها بالنظر الى كتابه «تأويل مختلف الحديث» و سائر مؤلفاته المستفيضة منه ناصبيا غير متثبت في نقل ما شجر بين الصحابة منحرفا عن أهل بيت النبوة رضي الله عنهم نظرا الى كتاب الامامة و السياسة المعزو إليه من قديم الدهر الى غير ذلك مما هو مثبوت في كتب خاصة يلفيه قد رجع الى الصواب في كثير من تلك المسائل و لطف لهجته في جملة منها بالقياس الى سابق مصنفاته مرتدعا برادع الزمن حيث شاهد في عصره من التطورات الشائنة ما يحمله على هذا الاعتدال فيحكم فيه بالنظر الى خواتم أعماله.

و أما الفقيه فيعتبر بما يذكره المصنف في هذا الكتاب في شأن الرأي و امام أهل الرأي بأسلوب يؤذن بارتجاعه عن التجاهل بمقادير اهل الفقه في الدين منزجرا عما استرسل فيه من المسايرة لسذج الرواة كما فعل في تأويل مختلف الحديث الذي كان ألفه بايعاز منهم و ضمنه ما يعز علينا ان يصدر من مثله من النيل من ائمة الرأي و فقهاء الملة و التخبط في علم أصول الدين بما هو حجة عليه مسجلة مدى الدهر و شية مشوهة لوجه حسناته كما

هو مبسوط في (رفع الريبة عن تخبطات ابن قتيبة) في تأويل مختلف الحديث عفا الله عما سلف.

و لا علينا ان نلم هنا بسبب تحامله على ابي حنيفة سابقا قبل رجوعه الى الاعتدال و هو تشبع بيئته بالانحراف عنه وقتئذ بسبب تولي بعض القضاة المتفقهين على طريقة أبي حنيفة من متكلمي المعتزلة اختبار المحدثين في المعتقد في المحنة المشهورة التي قام بها المأمون و من بعده فحملوا وزر ابن أبي دؤاد على غير وازره فقيه الملة ابي حنيفة الذي فتق الله الفقه الاسلامي على لسانه

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 7

و ألسنة اصحابه و جرى تدوين فقه المذاهب المتبوعة على نبراس تأصيله و تفريعه كما يشهد بذلك تاريخ الفقه الاسلامي على ان ابن راهويه شيخ ابن قتيبة في الفقه لم يخل من تأثير عليه كما تأثر هو من تلك البيئة المنحرفة التي حل بها بعد ان تفقه بمرو على مذهب اهل الرأي عند عبد الله بن المبارك و اصحابه و بعد ان جمع ما يوافق رأى ابي حنيفة من الأحاديث المخرجة في كتب ابن المبارك ليسأل عنها شيوخ ابن المبارك من الاحياء المعمرين في رحلته الى العراق و الحجاز فبلغت ثلثمائة حديث- كما في كتاب الورع رواية ابي بكر المروزي- و هذا عدد ليس بيسير في مسائل ينفرد بها ابو حنيفة و يستدل عليها بهذا المقدار من الأحاديث في كتب احد اصحابه- و هو ابن المبارك الذي تواطأت القلوب مع الألسن من الفريقين على إجلال منزلته في العلم

و الورع- خلا ما في بقية كتب أصحابه. مع ان جملة أحاديث الاحكام حوالي خمسمائة حديث على ما يقولون، و ما كان ابن راهويه اذ ذاك يظن ان يجترئ أحد على رد قول ابي حنيفة و لما حل بالبصرة في رحلته جلس الى عبد الرحمن بن مهدي و لازمه و كان شديد الحب لابن المبارك فأنشد ابن راهويه مرثية ابن المبارك لأبي تميلة على طلب ابن مهدي و هو يصغي إليه و يبكي و لما بلغ ابن راهويه الى قول أبي تميلة:

و برأي النّعمان كنت بصيرا حين تبغي مقايس النّعمان

فاجأه بقوله اسكت قد أفسدت القصيدة .. ما نعرف لابن المبارك زلة بأرض العراق الا روايته عن أبي حنيفة «قول ما أجدره ان يكون من تأكيد المدح بما يشبه الذم في نفس الأمر» و لوددت انه لم يرو عنه و اني كنت افتدي ذلك بعظم مالي فاندهش ابن راهويه من هذه المفاجأة، و حيث دامت صلته به و استمر بقاؤه في بيئة منحرفة حصل فيه الانحراف شيئا فشيئا حتى أصبحت طريقته في الفقه اشبه شي ء بالظاهرية بل هي تمهيد لها فسبحان

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 8

مقلب القلوب، و ما كان انحراف ابن مهدي عن هوى بل عن طيبة قلب و انما وقع فيما وقع بتأثير شيخه سفيان الثوري الذي مات بداره بالبصرة بعد ان تخبأ

عنده عدة سنوات لما هرب من المنصور حين طلبه للقضاء فورث ابن مهدي من هذا الضيف الكريم الانحراف عن النعمان مع ان كلام الثوري فيه من قبيل النيل ممن لا تنال منزلته كما يقع بين المتعاصرين على أن الثوري من أكثر فقهاء الأمصار موافقة لرأي ابي حنيفة في المسائل الخلافية كما يظهر من استقراء اقوال الائمة في الخلافيات بوجه لا يدفع، و مع ذلك كله كان ابن مهدي كثير التشدد و كثير التراجع حتى في الأحاديث و رجالها ردا و قبولا سامحهم الله و رضي عنهم. و سبب تراجع ابن قتيبة الى نوع من الاعتدال في هذا هو تيقنه من سوء مغبة المسايرة للتطور و التدهور المشهودين في اواخر عهده.

ما يجده المحدث فيه مما يجلو سر ما في كتب الجرح و التعديل من المغالاة في الكلام على كثير من أعلام العلماء

[ما يجده المحدث فيه مما يجلو سر ما في كتب الجرح و التعديل من المغالاة في الكلام على كثير من أعلام العلماء]

و أما المحدث و من يعنى بعلوم الحديث و الرجال فيظفر فيه بما يجلو سر ما يجده في كثير من كتب الجرح و التعديل من الغلو في الكلام على كثير من أعلام العلماء على استمرار نقل الخالف عن سالفه ذلك الغلو كأسراب طير تتابع مع ان من وقاه الله من الهوى و درس سير هؤلاء الاعلام حق الدرس يجد احوالهم و سير هم على خلاف تلك الكلمات الطائشة فيدعو ذلك الى التبصر في التعويل على امثال هذه الكلمات المتناقلة و التثبت فيها و صون النفس من الهلاك مع الهالكين و من الله التوفيق و التسديد.

الاختلاف في اللفظ و الرد

علي الجهمية و المشبهة، ص: 9

مبدأ كتاب «الاختلاف في اللفظ» و افتتان الناس في عهد ابن قتيبة بأهواء مردية

[مبدأ كتاب «الاختلاف في اللفظ» و افتتان الناس في عهد ابن قتيبة بأهواء مردية]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مرتضي الحمد لنفسه و جاعله فاتحة وحيه و منتهى شكره و كفاء نعمته و دعوى اهل جنته عند إفضائهم الى كرامته البر بخلقه العواد على المذنبين بعفوه. الذي لا يخيب راجيه و لا يرد داعيه و لا ينسى ذاكريه و لا يقطع حبل عصمته ممن تمسك بعروته احمده بجميع محامده على جميع نعمه و ندعوه ان يشعرنا خشيته و يشرّب قلوبنا مراقبته عند كل لفظ و عقد و كل قبض و بسط و أن يجعل كلامنا له و دلالتنا عليه و إرشادنا إليه و يؤم بنا سمت الحق و قصد السبيل و أن يبلغ نبينا المصطفى صلى الله عليه و سلم منا أفضل صلاة و أنماها و أزكاها و أقضاها لما فرض من حقه و اوجب من ذكره صلى الله و ملائكته المقربون عليه و على آله الطيبين و على جميع النبيين و المرسلين و نعوذ بالله من نزغ الشيطان و مصائده و لطيف خدعه و مكائده فقد صدق على هذه الأمة ظنه و أجلب عليهم بخيله و رجله و قعد لهم رصدا بكل مرصد و نصب لهم شركا بكل ريع و طفق لغوايتهم بكل شبهة فأصبح الناس إلا قليلا ممن عصم الله مفتونين و فيما يوبقهم خائضين و عن سبيل نجاتهم ناكبين و لما وضعه الله عنهم متكلفين و عما كلفهم معرضين ان دعوا أنفوا و إن وعظوا هزأوا و ان سئلوا تعسفوا و إن سألوا أعنتوا قد فرقوا الدين و صاروا شيعا فهم يتنابزون

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 10

بالألقاب و يتسابون بالكفر و يتعاضدون بالنحل و يتناصرون على الهوى «1» و عاد الاسلام غريبا كما بدا فماذا يعجب من سلة السيف و شمول الخوف و نقص الأموال و الأنفس و هل يتوقع بعد تزيدنا في الغواية الا التزيد في البلاء حتى يحكم الله بما شاء بيننا و هو خير الحاكمين و كان طالب العلم فيما مضى يسمع ليعلم و يعلم ليعمل و يتفقه في دين الله لينتفع و ينفع «2» فقد صار طالب العلم الآن يسمع ليجمع و يجمع ليذكر و يحفظ ليغالب و يفخر و كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع و المستعمل من الواضح و فيما ينوب الناس فينفع الله به القائل و السامع فقد صار أكثر التناظر فيما دقّ و خفي و فيما لا يقع و فيما قد انقرض من حكم الكتابة و حكم اللعان و رجم المحصن و صار الغرض فيه إخراج لطيفة و غوصا على غريبة وردا على متقدم فهذا يرد على أبي حنيفة و هذا يرد على مالك و آخر يرد على الشافعي «3» بزخرف من القول

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 11

و لطيف من الحيل كأنه لا يعلم انه إذا رد على الأول صوابا عند الله بتمويهه فقد تقلد المآثم عن العاملين به دهر الداهرين

«1» و هذا يطعن بالرأي على ماض من السلف و هو يرى و بالابتداع في دين الله على آخر و هو يبتدع «2» و كان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر و في تفضيل احد هما على الآخر و في الوساوس و الخطرات و مجاهدة النفس و قمع الهوى فقد صار المتناظرون يتناظرون في الاستطاعة و التولد و الطفرة و الجزء و العرض و الجوهر فهم دائبون يخبطون في العشوات قد تشعبت بهم الطرق و قادهم الهوى بزمام الردى.

رغبة الأئمة الصادقة في أن لو كان ناب عنهم آخرون في الافتاء- سد الظاهرية على أنفسهم باب الاجتهاد و الرأي بمتابعتهم بدعة النظام في نفي القياس الفقهي

[رغبة الأئمة الصادقة في أن لو كان ناب عنهم آخرون في الافتاء- سد الظاهرية على أنفسهم باب الاجتهاد و الرأي بمتابعتهم بدعة النظام في نفي القياس الفقهي ]

و كان آخر ما وقع من الاختلاف أمرا خص بأصحاب الحديث الذين لم يزالوا بالسنة ظاهرين و بالاتباع قاهرين يداجون بكل بلد و لا يداجون و يستتر منهم بالنحل و لا يستترون و يصدعون بحقهم الناس و لا يستغشون لا يرتفع

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 12

بالعلم إلا من رفعوا و لا يتضع فيه إلا من وضعوا و لا تسير الركبان إلا بذكر من ذكروا الى ان كادهم الشيطان بمسألة لم يجعلها الله تعالى أصلا في الدين و لا فرعا في جهلها سعة و في العلم بها فضيلة فنمى شرها و عظم شأنها حتى فرقت جماعتهم و شتتت كلمتهم و وهنت امرهم و أشمتت حاسديهم و كفت عدوهم مؤنتهم بألسنتهم و على أيديهم فهو دائب يضحك منهم و يستهزئ

بهم حين رأى بعضهم يكفر بعضا «1» و بعضهم يلعن بعضا و رآهم مختلفين و هم كالمتفقين و متباينين و هم كالمجتمعين و رأى نفسه قد صار لهم سلما بعد ان كان حربا.

و لما رأيت إعراض اهل النظر عن الكلام في هذا الشأن منذ وقع

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 13

و تركهم تلقيه بالدواء حين بدا و بكشف القناع عنه حين نجم الى أن استحكم أساسه و بسق رأسه و جرى على اعتياد الخطأ فيه الكهل و نشأ عليه الطفل و عسر على المداوين ان يخرجوا من القلوب ما قد استحكم بالألف و نبت على شراه «1» اللحم لم أر لنفسي عذرا في ترك ما أوجبه الله عليّ بما وهب من فضل المعرفة في أمر استفحل بأن قصر مقصر فتكلفت بمبلغ علمي و مقدار طاقتي ما رجوت ان يقضي بعض الحق عني لعل الله ينفع به فانه بما شاء نفع. و ليس على من اراد الله بقوله ان يسأله الناس بل عليه التبصير و على الله التيسير.

و سيوافق قولي هذا من الناس ثلاثة رجلا منقادا سمع قوما يقولون فقال كما قالوا فهو لا يرعوي و لا يرجع لأنه لم يعتقد الأمر بنظر فيرجع عنه بنظر، و رجلا تطمح به عزة الرئاسة و طاعة الاخوان و حب الشهرة فليس يرد عزته و لا يثني عنانه الا الذي خلقه ان شاء لأن في رجوعه إقراره بالغلط و اعترافه بالجهل و تأبى عليه الانفة و في ذلك أيضا تشتت جمع

و انقطاع نظام و اختلاف إخوان عقدتهم له النحلة، و النفوس لا تطيب بذلك الا من عصمه الله و نجاه، و رجلا مسترشدا يريد الله بعمله لا تأخذه فيه لومة لائم و لا تدخله من مفارق وحشة و لا تلفته عن الحق أنفة فالى هذا بالقول قصدنا و إياه أردنا.

و لم أر صوابا أن يكون الكتاب محررا بذكر هذا الباب خاصة دون غيره فقدمت القول فيه بذكر بعض ما تأولته الجهمية «2» في الكتاب و الحديث- و إن

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 14

قل- لنحمد الله تعالى على النعمة و نعلم ان الحق مستغن عن الحيلة، و لم أعد في اكثر الرد عليهم طريق اللغة. فأما الكلام فليس من شأننا و لا أرى اكثر من هلك إلا به و بحمل الدين على ما يوجبه القياس ألا ترى ان اهل القدر حين نظروا في قدر الله الذي هو سره بآرائهم و حملوه على مقاييسهم أرتهم انفسهم قياسا على ما جعل في تركيب المخلوق من معرفة العدل من الخلق على الخلق، أن يجعلوا ذلك حكما بين الله و بين العبد فقالوا بالتخلية و الاهمال و جعلوا العباد فاعلين لما لا يشاء و قادرين على ما لا يريد كأنهم لم يسمعوا باجماع الناس على «ما يشاء الله كان و ما لا يشاء لا يكون» و قالوا كيف يضل و يعذب و يريد و يكره و يحول و يكلف؟ و هل قصر فاعل هذا عن أفحش الظلم و نسوا ما يلزمهم

في اختلاف الحكمين و ان من ملك البعض ليس كمن ملك الكل و أن الخلق كله لله يميت و يحيي و يفقر و يغني و يصح و يسقم و يبتدئ بالنعم من شاء و يصطفي للرسالة من شاء و يؤيده بالتوفيق و يملأ قلبه بالنور و يعصمه من الذنوب و يجعل من بين يديه و من خلفه رصدا من الملائكة و انه لو لم يرد المعصية «1» لما هيأهم هيئة المعصية و لما ركب فيهم آلة الشهوة، كما طبع الملائكة، و لا سلط عليهم عدو هم ثم أمر هم بالاحتراس، و أنى للضعيف الاحتراس ممن حرست منه السماوات بالنجوم، و منع من الاستماع بالرجوع و جعل له السبيل الى القلوب من حيث لا يرى فهو يجري مجرى الدم و يوسوس و يخنس و لا يعصمه الله، و لا خلق الله آدم للأرض و أسكنه الجنة و حرم عليه الشجرة و قد علم انه سيغر فيغتر و يستزل فيزل حتى يخرجه منها الى حيث جعل له فيه مستقرا و متاعا الى حين و لما اطرد لهم القول على ما أصلوا و رأوه حسن الظاهر قريبا من النفوس يروق

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 15

السامعين و يستميل قلوب الغافلين نظروا في كتاب الله فوجدوه ينقض ما قاسوا و يبطل ما أسسوا فطلبوا له التأويلات المستكرهة و المخارج البعيدة و جعلوه عويصا و الغازا و ان كانوا لم يقدروا من تلك الحيل على ما يصح في النظر و لا في

اللغة كقولهم في يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ينسبهم الى الضلال وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «1» ينسبهم الى الهداية و ما في نسبتهم الى ذلك؟ حتى يعيد و يبدي و لو اراد النسبة لقال يضللهم كما يقال يخونهم و يفسقهم و يظلمهم اي ينسبهم الى ذلك. و قالوا في قوله عز و جل وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ «2» أي ما كان لها أن تؤمن الا بعلم الله و علموا ما يلزمهم ان جعلوا الاذن هاهنا المشيئة و الاطلاق و ذهبوا الى قول القائل «اذنتك بالأمر» اي اعلمتك و هذا من تأويلهم لا يصح في نظر و لا في لغة أما النظر فانه لم يقل أحد من الناس ان شيئا يحدث في الأرض لا يعلمه الله فيقول وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ «3» و إنما اختلفوا في الاذن الذي هو المشيئة و الاطلاق فقال المثبتون لم يشأ الله ان يؤمن جميع الناس و لو شاء لآمنوا فليس لنفس ان تؤمن حتى يشاء الله ذلك و يطلقه. و قال أهل القدر: قد شاء الله هذا لكل نفس و أطلقه فلها أن تؤمن إن شاءت و في صدر هذا الكلام دليل على ما قال أهل الاثبات لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يحب إيمان قريش فأنزل الله عليه وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ثم قال على إثر ذلك وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يريد بمشيئته و إطلاقه. فأول الكلام دليل على آخره و الناس مجمعون لا يختلفون على ان القائل اذا قال لو

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 16

شئت لأتيتك انه لم يشأ اتيانه و لو شئت لحججت انه لم يشأ الحج و لو شئت لتزوجت انه لم يشأ التزوج فكذلك يلزم في لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ انه لم يشأ ذلك و مثله أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً «1» و وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها «2» فان قال أراد لو شاء لآمنوا اجبارا و لكنه لم يشأ ان يجبرهم على ذلك قيل له لم يشأه على حال فاجعله بأي وجه شئت «3» و قيل و الله يفعل بعباده ما هو أصلح لهم في كل حال عند هم فأي الأمرين كان أصلح لهم؟ أن يجبرهم على الايمان فيؤمنوا أو يخليهم و شأنهم فيكفروا؟! فهذا النظر، و أما اللغة فانه لا يجوز فيها أن يجعل الاذن العلم لأنه الأذن، ألا ترى ان قائلا لو قال لك قد آذنتك بخروج الأمير ايذانا أي أعلمتك خروجه إعلاما ان جوابك كأن يقول له قد أذنت لقولك أذنا أي سمعته فعلمته و الإيذان المأخوذ من الأذن انما هو ايقاع الخبر في الاذن و الأذن استماعه و علمه قال عدي بن زيد:

أيّها القلب تعلّل بددن إنّ همّي في سماع و أذن

و منه أذان الصلاة إنما هو إسماع الناس ذكرها حتى يعلموا و قول الله عز و جل وَ

أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ «4» أي اسماع و إعلام و الاذن في الشي ء أن تشاءه و تطلقه تقول «أذنت له في الخروج إذنا» هذا ما ليس به خفاء على من نظر في اللغة و فهمها.

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 17

و قالوا في قوله عز و جل فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً «1» فجعلوا الإرادة في الهداية و الاضلال للعبد لا لله و ركبوا في ذلك أفحش غلط و أحول كلام، و الإرادة لا تجوز أن تكون للعبد و قد وليها اسم الله و هو مرفوع باجماع القراء و لو كان احد منهم نصب الله لكان أقرب من المعنى الذي أراده و إن كان لا يجوز أيضا لأنه يضم في الكلام «من» فيكون معناه من يريد من الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ثم يحذف «من» و ينصب الله لما نزع حرف الصلة كما يقال «من يسرق القوم ما لهم يقطع» اي يسرق من القوم ما لهم و هذا ليس يجوز الا مع حروف معدودة محكية عن العرب و لا نحمل عليها غيرها و نقيسه عليها.

و قالوا في قوله تعالى وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ «2» دفعنا و ألقينا و احتج من احتج منهم بقول المثقب العبدي حكاية عن ناقته:

تقول إذا ذرأت لها وضيني

أ هذا دينه أبدا و ديني

و هذا جهل باللغة و تصحيف و انما هو درأت بالدال غير المعجمة و الله يقول وَ لَقَدْ ذَرَأْنا بالذال و أحسبهم سمعوا بقول العرب «أذرته الدابة عن ظهرها» اي ألقته فتوهموا أن ذرأنا من ذلك، ذرأنا في تقدير فعلنا غير مهموز و لو أريد ذلك المعنى لكان «و لقد أذرينا لجهنم» و سمعوا بقولهم ذرته الريح و بقول الله فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ «3» أي تنسفه و تلقيه فتوهموه منه و لو أريد ذلك لكان و لقد ذرونا لجهنم و ليس يجوز ان يكون ذرأنا في هذا الموضع الا خلقنا كما قال ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ «4» و قال يَذْرَؤُكُمْ

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 18

فِيهِ «1» أي يخلقكم في الرحم و منه قيل ذرية الرجل لولده و انما هو خلق الله و قالوا في قوله إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ «2» أراد ان هو إلا اختيارك تضل به من تشاء يعني الفاسقين و تهدي من تشاء يعني المؤمنين و احتجوا بقوله وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ «3» و الفاسقون هاهنا الكافرون لأنه قال في صدر الآية وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا «4» و كيف يضل الضال و يهدي المهتدي فان قالوا يريد الكافر ضلالة و المؤمن هداية اكذبهم في هذا الموضع معنى الآية لأن فتنة القوم بالعجل انه كان فضة و

حليا فتحول جسدا له خوار فارتدوا عن الاسلام و عبدوه و لم يكن مع موسى بني اسرائيل كافر و لو كانوا كفارا ما غضب و لا ألقي الألواح فانما وقع الاضلال هاهنا بمسلمين. و أما قوله عز و جل وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ فانه نزل في قوم من اليهود سمعوا قوله عز و جل مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ «5» و قوله إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ «6» فقالوا ما هذه الأمثال التي لا تليق بالله فأنزل الله عز و جل إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها. من الذباب و العنكبوت فقالوا ما أراد بمثل ينكره الناس فيضل به كثيرا منهم فقال الله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ «7» يعني اليهود خاصة لأنهم ضلوا بالمثل

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 19

و أنكروه و لم ينكره غير هم.

و قد يأتي الحرف و ظاهره العموم و معناه الخصوص كقول موسى عليه السلام «و أنا أول المؤمنين» و قول النبي صلى الله عليه و سلم «و أنا اوّل المسلمين» لم يريدا كل المؤمنين و كل المسلمين في جميع الأزمنة بل مؤمني زمن موسى و مسلمي

زمن نبينا عليهما السلام و كذلك قوله تعالى في بني اسرائيل فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ لم يفضلهم على محمد صلى الله عليه و سلم و لا أممهم على أمته و انما أراد عالمي ازمنتهم.

و شي ء لم نزل نسمعه منهم على قديم الأيام قد ارتضوه لأنفسهم و دونوه في كتبهم و أجمع عليه عالمهم و جاهلهم و كهلهم و حدثهم في تأويل قول الله عز و جل أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ «1».

و قوله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ «2» و قوله خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «3» و أشباه هذا انه حكم عليهم فاذا نحن تدبرنا هذا التأويل و قابلنا به التنزيل لم نجد هذا المتأول حمل كتاب الله على مثل هذه التأويلات الا لاقامة مذهبه. و حاول بعضهم إبدال بعض حروفه بغيرها فقرأ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ «4» بالسين غير المعجمة و النصب و قرأ جميع ما في القرآن من المخلصين بكسر اللام و إن كان قرأ بذلك بعض القراء يريد ان يجعل الاخلاص لهم و لا يكون لله في ذلك صنع فكيف يصنع بقوله إِنَّا

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 20

أَخْلَصْناهُمْ

بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «1» و قرأ وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً «2» بكسر إنما الأولى و فتح الثانية يريد لا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم فحرف المعنى عن جهته و نقله عن سننه و جعل الاملاء للكفار من الله انما هو لخير يريده بهم. و قد حمل بعضهم نفسه على أن قرأ لِيَزْدادُوا إِيماناً و ألحقها في بعض المصاحف طمعا في أن تبقى على الدهر و يجعلها الناس وجها «3» و كيف له ما قدّر: و الله يقول الى جنبها وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ «4».

إفراط قوم من مثبتي القدر في معاكستهم و وقوعهم في الجبر المحض كتفريط هؤلاء في النفي

[إفراط قوم من مثبتي القدر في معاكستهم و وقوعهم في الجبر المحض كتفريط هؤلاء في النفي ]

و لما رأى قوم من اهل الاثبات إفراط هؤلاء في القدر و كثر بينهم التنازع حملهم البغض لهم و اللجاج على ان قابلوا غلو هم بغلو و عارضوا إفراطهم بافراط فقالوا بمذهب جهم في الجبر المحض و جعلوا العبد المأمور المنهي المكلف لا يستطيع من الخير و الشر شيئا على الحقيقة و لا يفعل شيئا على الصحة «5» و ذهبوا الى ان كل فعل ينسب إليه فانما ينسب إليه على المجاز كما يقال في الموات مال الحائط و إنما يراد أميل و ذهب البرد و انما ذهب به و كلا الفريقين غالط و عن سواء الحق حائد، و لو كان الأمر على ما قالوا لم يكن

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية

و المشبهة، ص: 21

القدر سرا و لم يكن الناظر فيه كالناظر في شعاع الشمس ففيم اختصمت الملائكة و فيم ألح عزير في السؤال حتى محي من ديوان النبوة «1» و فيم احتج آدم و موسى «2» و انما صار سرا لأنك ترى قادرا و هو عاجز و مؤيدا و هو ممنوع و ترى حازما محروما و عاجزا مرزوقا و شجاعا مخذولا و جبانا منصورا و عاقلا لا يستشار في الأمور و لا يستعمل و ساقطا متهافتا لا يعطل و عالمين متقاربين في العلم و النظر في الدين خصمين و هما مختلفان فهذا يقول بالاهمال المحض و ذاك يقول بالاجبار المحض و هذا حروري و ذاك رافضي و ترى اعداء الله

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 22

يدالون اولياءه حتى يقتلوهم كل قتلة و يمزقوهم كل ممزق و ترى الناس اصنافا في التفضيل فمنهم قوم ابتدأهم الله بالنعم و أسكنهم ريف الأرض و أكرمهم و أخدمهم و حسن وجوههم و بيض ألوانهم و سقاهم العذب النقاخ و رزقهم من الطيبات و أطعمهم من كل الثمرات و وفر عليهم العقول و الافهام و فتق ألسنتهم بالحكمة و ألبابهم بالعلم و بعث فيهم بالقرب منهم الرسل كأهل هذا الاقليم الذي أسكنناه الله بفضله، و منهم قوم انزلهم أطراف الأرض و جدوبة البلاد و أذلهم و أعراهم و شوه خلقهم و سود ألوانهم و سقاهم الملح الاجاج و جعل اقواتهم الحشرات و النبات و سلبهم العقول و باعدهم من مبعث الرسل و

منتهى الدعوة فهم كالانعام بل هم اضل سبيلا ثم جعلهم لجهنم حصيبا و لسعيرها وقودا كالزنج و صنوف كثيرة من السودان و أصناف من الأعاجم و يأجوج و مأجوج فهل لهؤلاء ان يحتجوا على الله بما منح غيرهم و منعهم؟! لا، لعمر الله ما لأحد عليه حجة و لا قبله حق و لا فيما خلق شرك بل له الحجة البالغة و هو الفعال لما يريد.

وجه كون القدر سرا- بيان بديع و حقائق ملموسة تقضي بالاعتراف بالقدر في الكون- عدل القول في القدر و مبلغ العلم البشري في ذلك

[وجه كون القدر سرا- بيان بديع و حقائق ملموسة تقضي بالاعتراف بالقدر في الكون- عدل القول في القدر و مبلغ العلم البشري في ذلك ]

و عدل القول في القدر ان تعلم ان الله عدل لا يجور كيف خلق و كيف قدر و كيف أعطى و كيف منع و أنه لا يخرج من قدرته شي ء و لا يكون في ملكوته من السموات و الأرض الا ما أراد و انه لا دين لأحد؟؟؟ و لا حق لأحد قبله فان أعطى فبفضل و ان منع فبعدل و ان العباد يستطيعون و يعملون و يجزون بما يكسبون و ان لله لطيفة يبتدئ بها من أراد و يتفضل بها على من أحب يوقعها في القلوب فيعود بها الى طاعته و يمنعها من حقت عليه كلمته.

فهذه جملة ما ينتهي إليه علم ابن آدم من قدر الله عز و جل و ما سوى ذلك مخزون عنه.

تعمق بعض أهل النظر في نفي التشبيه إلى أن بلغوا إلى حد نفي المصادر مع ورود الصفات

[تعمق بعض أهل النظر في نفي التشبيه إلى أن بلغوا إلى حد نفي المصادر مع ورود الصفات ]

و تعمق آخرون في النظر و زعموا انهم يريدون تصحيح التوحيد بنفي التشبيه عن الخالق فأبطلوا الصفات مثل الحلم و القدرة و الجلال و العفو و اشباه ذلك فقالوا نقول هو الحليم و لا نقول بحلم و هو القادر و لا نقول بقدرة و هو

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 23

العالم و لا نقول بعلم كأنهم لم يسمعوا اجماع الناس على ان يقولوا «اسألك عفوك» و ان يقولوا «يعفو بحلم و

يعاقب بقدرة» و القدير هو ذو القدرة و العافي هو ذو العفو و الجليل هو ذو الجلال و العليم هو ذو العلم فان زعموا ان هذا مجاز قيل لهم ما تقولون في قول القائل غفر الله لك و عفا عنك و حلم الله عنك أ مجاز هو أم حقيقة؟ فإن قالوا هو مجاز فالله لا يغفر لأحد و لا يعفو عن احد و لا يحلم عن احد على الحقيقة و لن يركبوا هذه و ان قالوا هو حقيقة فقد وجب في المصدر «1» ما وجب في الصدر لأنا نقول غفر الله مغفرة و عفا عفوا و حلم حلما فمن المحال ان يكون واحد حقيقة و الآخر مجازا و قال الله إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ «2» و أجمع الناس على ان الحول و القوة لله و الحول الحيلة و قالوا في سَمِيعٌ بَصِيرٌ هما سواء ليس في سميع من المعنى إلا ما في بصير و لا فيهما الا معنى عليم و قد سمع الله قول اليهود إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ «3» حين قالوه و علمه قبل ان يقولوه فهل يجوز لأحد ان يقول ان الله سمعه قبل ان يقولوه و كذلك قول المجادلة في زوجها قد سمع الله جدالها و سمع محاورتها للنبي صلى الله عليه و سلم حين جادلته و حاورته و علمه قبل ان تجادل و تحاور به فهل لأحد ان يقول ان الله قد سمعه قبل ان يكون «4»

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص:

24

و اذا لم يجز ذلك فقد علم ان في سميع معنى غير معنى عليم و الله يقول إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَ أَرى «1».

و قالوا في كلام الله انه مخلوق لأن الله تعالى قال إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا «2» و الجعل بمعنى الخلق و لأنه قال ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ «3» و كل محدث مخلوق و ان معنى (كلم الله) اوجد كلاما و كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً «4» أوجد كلاما سمعه فخرجوا بهذا التأويل من اللغة

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 25

و من المعقول لأن معنى تكلم الله اتى بالكلام من عنده «1» و ترحم الله أتى بالرحمة من عنده كما يقال تخشع فلان أتى بالخشوع من نفسه و تشجع اتى بالشجاعة من نفسه و تبتل اتى بالبتل من نفسه و تحلم أتى بالحلم من نفسه و لو كان المراد أوجد كلاما لم يجز أن يقال تكلم و كان الواجب ان يقال: أكلم كما يقال أقبح الرجل أتى بالقباحة و أطاب أتى بالطيب و أخس أتى بالخساسة، و ان يقال أكلم الله موسى إكلاما كما يقال اقبر الله الميت أي جعل له قبرا او أرعى الله الماشية جعلها ترعى في أشباه لهذا كثيرة لا تخفى على اهل اللغة.

و العرب تسمي الكلام لسانا لأنه عن اللسان يكون؛ قال الشاعر و هو أمية بن أبي الصلت:

و اسمع كلام الله كيف شكوله

فاعجب و يلسنك الذي تستنشد

أراد اسمع كلام الله ثم قال و يلسنك اي يكلمك الذي تستنشده اي كأنه يكلمك «2» و قال الله عز و جل حكاية عن ابراهيم وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ «3» و قال الشاعر «اني اتتني لسان لا أسر بها» اي اخبرت. و أما استشهاد هم بالجعل على خلق القرآن في قول الله إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا فان الجعل يكون بمعنيين احد هما خلق و الآخر غير خلق فأما الموضع الذي يكون فيه خلقا فاذا رأيته متعديا الى مفعول واحد لا يجاوزه كقول الله خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ «4» فهذا

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 26

بمعنى خلق و كذلك وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها «1» اي خلق منها و أما الموضع الذي يكون فيه غير الخلق فاذا رأيته متعديا الى مفعولين كقوله وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا «2» اي صيرتم و كقوله فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها «3» و كقول القائل «جعل فلان امر امرأته في يدها» فان هم وجدوا في القرآن كله جعل متعدية الى القرآن وحده ليقضوا عليه بالخلق فنحن نتابعهم و كذلك المحدث ليس هو في موضع بمعنى مخلوق فان أنكروا ذلك فليقولوا في قول الله لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً «4» انه يخلق و كذلك قوله لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً «5» اي يحدث لهم القرآن ذكرا و المعنى يجدد عند

هم ما لم يكن «6» و كذلك قوله ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ «7» أي ذكر حدث عند هم لم يكن قبل ذلك و فعلوا في كتاب الله اكثر مما فعل الأولون في تحريف التأويل عن جهته فقالوا في قول الله وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «8» ان اليد هاهنا النعمة «9» و ما ننكر ان اليد قد تتصرف على ثلاثة وجوه من التأويل احدها النعمة و الآخر القوة من الله

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 27

أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ «1» يريد اولي القوة في دين الله و البصائر و منه يقول الناس ما لي بهذا الأمر يد يعنون ما لي به طاقة و الوجه الثالث اليد بعينها و لكنه لا يجوز ان يكون اراد في هذا الموضع النعمة لأنه قال وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «2» و النعم لا تغل و قال غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ معارضة بمثل ما قالوا و لا يجوز أن يكون اراد غلت نعمهم ثم قال بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «3» و لا يجوز ان يريد نعمتاه مبسوطتان و كان مما احتجوا به للنعمة قوله غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ «4» لو اراد اليد بعينها لم يكن في الأرض يهودي غير مغلول اليد فما اعجب هذا الجهل و التعسف في القول بغير علم «5» أ لم يسمعوا بقول الله تعالى قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ «6» و بقوله قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ «7» و قوله لُعِنُوا بِما قالُوا «8» و اللعن الطرد فهل قتل الله

الناس جميعا و هل قتل قوما و طرد آخرين و لم يسمعوا بقول العرب قاتله الله ما ابطشه و أخزاه الله ما أشعره و بقول النبي صلى الله عليه و سلم لرجل «تربت يداه» اي افتقر و لم يفتقر و لامرأة «عقرى حلقى» «9» و لم يعقرها الله و لا اصاب حلقها

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 28

بوجع فان قال لنا ما اليدان هاهنا قلنا له هما اليدان اللتان تعرف الناس كذلك، قال ابن عباس في هذه الآية «اليدان اليدان» و قال النبي صلى الله عليه و سلم «كلتا يديه يمين» فهل يجوز لأحد ان يجعل اليدين هاهنا نعمة او نعمتين و قال لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ «1» فنحن نقول كما قال الله تعالى و كما قال رسوله و لا نتجاهل و لا يحملنا ما نحن فيه من نفي التشبيه على ان ننكر ما وصف به نفسه و لكنا لا نقول كيف اليدان و ان سئلنا نقتصر على جملة ما قال و نمسك عما لم يقل، و تأويل الآية ان اليهود قالت يد الله مغلولة اي ممسكة عن العطاء فضرب الغل في اليد مثلا لأنه يقبض اليد عن ان تمتد و تنبسط كما تقبض يد البخيل فقال الله تعالى غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ اي قبضت عن العطاء و الانفاق في الخير و البر وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ بالعطاء يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ «2» و مثله قوله إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ «3» اي

قبضنا ايديهم عن الانفاق في سبيل الله بموانع كالاغلال. و ما قول النبي صلى الله عليه و سلم «كلتا يديه يمين» فانه اراد معنى التمام و الكمال لأن كل شي ء فمياسره تنقص عن ميامنه في القوة و البطش و التمام و كانت العرب تحب التيامن و تكره التياسر لما في اليمين من التمام و في اليسار من النقص و لذلك قيل اليمن و الشؤم فاليمن في اليد اليمنى و الشؤم في اليد الشؤمى و هي اليسرى و قالوا فلان ميمون من اليمين

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 29

و مشؤوم من الشؤمى و هي الشمال و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الابل «ان أدبرت أدبرت و ان أقبلت ادبرت و لا يأتي نفعها من جانبها الاشأم» يعني الأيسر و يمكن أيضا ان يريد العطاء باليدين جميعا لأن اليمنى هي المعطية فاذا كانت اليدان يمينين كان العطاء بهما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم «يمين الله سخاء لا يغيضها شي ء الليل و النهار» اي تصب العطاء و لا ينقصها ذلك و الى هذا المعنى ذهب المرار حيث يقول:

و إنّ على الاوانة من عقيل فتى كلتا اليدين له يمين

قولهم في وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي و مناقشة المؤلف معهم

[قولهم في وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي و مناقشة المؤلف معهم ]

و قالوا في قوله تعالى وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي «1» ان الروح

هو الامر أي امرت ان يكون.

و احتجوا بقول سلمان و أبي الدرداء انا نقوم فنكبر بروح الله اي بكلامه. و الروح كما ذكروا قد يكون كلام الله في بعض المواضع نحو قوله يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ «2» و كقوله عز و جل وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا «3» و الروح أيضا روح الأجسام الذي يقبضه الله عند الممات، و الروح أيضا ملك عظيم من ملائكة الله قال الله تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا «4» و الروح الرحمة قال الله تعالى وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «5» أي برحمة كذلك قال المفسرون و قال الله تعالى فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ «6» فمن قرأ بالضم اراد فرحمة و رزق و يقال فبقاء و رزق و الروح النفخ سمى روحا لأنه ريح يخرج عن الروح و أي شي ء جعلت الروح من هذه التأويلات؟ فان نفخت لا يحتمل الا معنى واحدا قال ذو

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 30

الرمة و ذكر نارا قدحها:

و قلت له ارفعها إليك و أحيها بروحك و اقتته لها قيتة قدرا

يقول احي النار بنفخك «1» فنحن نؤمن بالنفخ و بالروح و لا نقول كيف ذلك لأن الواجب علينا ان ننتهي في صفات الله الى حيث انتهى في صفته او حيث انتهى رسوله صلى الله عليه و سلم و

لا نزيل اللفظ عما تعرفه العرب و تضعه عليه و نمسك عما سوى ذلك.

و قالوا في قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «2» أي منتظرة و العرب تقول نظرتك و انتظرتك بمعنى واحد و منه قول الله انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ «3» اي انتظرونا و قال الحطيئة:

و قد نظرتكم إيناء صادرة للخمس طال بها حوزي و تنساسي «4»

أي انتظرتكم و ما ننكر ان نظرت قد يكون بمعنى انتظرت و ان الناظر

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 31

قد يكون بمعنى المنتظر غير انه يقال انا لك ناظر أي انا لك منتظر و لا يقال انا أليك ناظر أي أليك منتظر الا ان يريد نظر العين و الله يقول وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ و لم يقل لربها ناظرة فيحتمل ما تأولوا فاما دفعهم نظر العين بقول الله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ «1» و بقول موسى عليه السلام رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي «2» فانه أراد لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ في الدنيا و اراد لَنْ تَرانِي في الدنيا لأنه تعالى احتجب عن جميع خلقه في الدنيا و تجلى لهم يوم الحساب و يوم الجزاء و القصاص فيرونه كما يرى القمر في ليلة البدر لا يختلفون فيه كما لا يختلفون في القمر و لم يقع التشبيه بكما على حالات القمر من

التدوير و المسير و الحدود و غير ذلك «3» و انما وقع التشبيه بها في ان ادراكه يوم القيامة كادراكنا القمر ليلة البدر لا يختلف في ذلك كما لا يختلف في هذا و العرب تضرب بالقمر المثل في الشهرة و الظهور و قال ذو الرمة:

فقد بهرت فما تخفى على أحد إلا على أحد لا يعرف القمرا

و يقولون هذا أبين من الشمس و من فلق الصبح و اشهر من القمر و حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم قاض على الكتاب و مفسر له و الخبر في الرؤية ليس من الأخبار التي يدفعها الا جاهل او معاند ظالم لتتابع الروايات به من الجهات الكثيرة عن الثقات فلما قال الله عز و جل لا

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 32

تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم «ترون الله يوم القيامة» لم يخف على ذي نظر أنه في وقت دون وقت. و في قول موسى عليه السلام أيضا «رب ارني انظر أليك» ابين الدلالة بأنه يرى في القيامة و لو كان الله لا يرى في حال من الأحوال و لا يجوز عليه النظر لكان موسى قد خفي عليه من صفة الله ما علموه و من قال ان الله يدرك بالبصر يوم القيامة فقد حده عند هم و من كان الله عنده محدودا

فقد شبهه بالمخلوقين و من شبهه عند هم بالخلق فقد كفر «1» فما نقول في موسى فيما بين ان نبأه الله عز و جل و كلمه من الشجرة الى الوقت الذي قال فيه أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أ نقضي عليه بأنه كان مشبها لله محددا لا لعمر الله ما يجوز ان يجهل موسى من الله مثل هذا لو كان على تقدير هم و لكن موسى علم ان الله يرى يوم القيامة فسأل الله ان يجعل له في الدنيا ما أجله لانبيائه و اوليائه يوم القيامة فقال لَنْ تَرانِي يعني في الدنيا وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي «2» أعلمه ان الجبل لا يقوم لتجليه حتى يصير دكا و ان الجبال اذا ضعفت عن احتمال ذلك فابن آدم احرى ان يكون أضعف الى ان يعطيه الله يوم القيامة ما يقوى به على النظر و يكشف عن نظره الغطاء الذي كان في الدنيا فيصير بعد الكلال حديدا و التجلي هو الظهور و منه يقال جلوت المرآة و السيف إذا أظهرتهما من الصدأ و جلوت العروس إذا أبرزتها.

و قالوا في قوله تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ «3» اي

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 33

تعلم ما عندي و لا أعلم ما عندك كما قال وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ و كما يقول القائل «عندي علم ذاك» و هذا كما ذهبوا إليه في احتمال التأويل على بعد و الله أعلم بما أراده و لكن «عند»

تدل على قرب «1» و هم يزعمون ان الله تعالى لا يكون الى شي ء أقرب منه الى شي ء آخر و انه على العرش استوى في الحقيقة مثله في الأرض و العجب لقوم لا يؤمنون إلا بما يصح في المعقول ثم خرجوا من كل معقول بقولهم ان الله في كل مكان بغير مماسة و لا مباينة و بغير موافقة و لا مفارقة «2» و قد قال أمية يذكر قرب موسى عليه السلام من الله حين كلمه:

و هو أقرب الأنام إلى الله كقرب المداد للمنوال «3»

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 34

يقول و هو كقرب مداد الثوب من الخشبة التي ينسج الثوب عليها و الله يقول وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا «1» النجي في معنى المناجي و هو من كلمك من قرب كما يقال جليس مجالس و أكيل مؤاكل و كذلك كليم الله بمعنى مكالم الله و خليل الله بمعنى مخال الله قال الله عز و جل خَلَصُوا نَجِيًّا «2» و قال ابو زبيد يذكر رجلا ساور الأسد:

و ثار عليه إعصار و هيجا نجيّا ليس بينهما جليس

يريد ان كل واحد قرب من الآخر.

اقتصار المصنف على معنى السرير من معاني العرش و استشهاده بشعر أمية أيضا و الكلام فيه

[اقتصار المصنف على معنى السرير من معاني العرش و استشهاده بشعر أمية أيضا و

الكلام فيه ]

و طلبوا للعرش معنى غير السرير و العلماء باللغة لا يعرفون للعرش معنى الا السرير و ما عرش من السقوف و أشباهها «3» و قال أمية بن أبي الصلت:

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 35

مجّدوا الله و هو للمجد أهل ربّنا في السّماء أمسى كبيرا

بالبناء الأعلى الذي سبق النا س و سوّى فوق السماء سريرا

شرجعا لا يناله بصر العي ن ترى دونه الملائك صورا «1»

معنى الكرسي- و قول بعض الجهمية في تأويل خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ

[معنى الكرسي- و قول بعض الجهمية في تأويل خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ]

و طلبوا للكرسي غير ما نعلم و جاؤوا بشطر بيت لا يعرف ما هو و لا يدرى من قائله «و لا يكرسئ علم الله مخلوق» «2» و الكرسي غير مهموز باجماع الناس جميعا و يكرسئ مهموز.

و قالوا في قول الله عز و جل خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ «3» اي من طين و جاؤوا ببيت لا يعرف و لا يدري من قاله «و الحب ينبت بين الماء

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 36

و العجل» لما اشتبه عليهم قوله خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ تمحلوا له هذه الحيلة و هذه من المقدم و المؤخر أراد خلق العجل من الانسان «1» و مثله كثير.

و نزهوا الله فيما زعموا عن أن يكون خليلا لمخلوق لأن الخلة الصداقة فقالوا في قوله تعالى وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا اتخذه فقيرا إليه و جعلوه من الخلة بنصب الخاء و احتجوا بقول زهير:

و إن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي و لا حرم

أي فقير فقبحا لهذه العقول و هذا النظر أما سمعوا و ويحهم باجماع الناس جميعا على ان الخلة بضم الخاء لابراهيم و على ان موسى كليم الله و ابراهيم خليل الله و عيسى روح الله فان كان معنى خليل الله الفقير الى الله فأي فضيلة لابراهيم في هذا القول اذ كان الناس جميعا فقراء الى الله و العجب لهم كيف لم يقولوا في قول الناس موسى كليم الله انه جريح الله من الكلم او من معنى آخر ما منعهم من ذلك الا أن الله يقول إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي «2» فضاق عليهم الاحتيال و ما أشبه هذا بقولهم في وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى «3» اي بشم من أكل الشجرة، و ذهبوا الى قول العرب غوى الفصيل اذا اتخم و هذا غوى يغوى و ذلك غوى يغوي بكسر الواو غيا و لو وجدوا في وَ عَصى آدَمُ مثل هذا التأويل أيضا

لقالوه.

و قالوا في قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «4» انه استولى و ليس

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 37

يعرف في اللغة استويت على الدار أي استوليت عليها و إنما استوى في هذا المكان: استقر «1» كما قال الله تعالى فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ «2» اي استقررت و قد يقول الرجل لصاحبه إذا رآه مستوفزا «استو» يريد «استقر». و أما قوله ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ «3» فانه اراد عمد لها و قصد فكل من كان في شي ء ثم تركه لفراغ او غير فراغ و عمد لغيره فقد استوى إليه فهذا مذهب القوم في تأويل الكتاب بآرائهم و على ما أصلوا من قولهم.

الكلام على حديث «إن قلب المؤمن بين إصبعين ..»

[الكلام على حديث «إن قلب المؤمن بين إصبعين ..»]

و أما حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فانهم اعترضوه بالنظر فما كان له وجه في النظر من هذه الجهة صدقوا به و ما لم يكن له مخرج ردوه و استشنعوه و كذبوا ناقليه و لم يلتفتوا الى صحيح من الحديث و لا سقيم فآمنوا بمثل قول النبي صلى الله عليه و سلم «إن قلب المؤمن بين اصبعين من

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 38

أصابع الرحمن» «1» لأنه عندهم يحتمل المخرج في اللغة و قالوا الاصبع النعمة يذهبون الى قول الراعي:

ضعيف العصا بادي العروق ترى له عليها إذا ما أمحل النّاس إصبعا

أي ترى له اثرا حسنا و كقول الطفيل يصف فحل ابل:

كميت كبكر النّاب أحيا بنابه مقاليتها و استحملتهنّ إصبع

يقول لما ضرب في الابل هذا الفحل عاشت اولادها و كانت قبل ذلك مقاليت لا يعيش لها ولد و قوله «و استحملتهن اصبع» اي ظهر عليهن اثر حسن من المرعى. و العرب تقول «ما احسن اصبع فلان على ماله» و من تدبر هذا التأويل وجده لا يشاكل ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث لأنه قال في دعائه «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فقالت له إحدى ازواجه: او تخاف يا رسول الله على نفسك فقال «ان قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الله» فلو كان قلب المؤمن بين نعمتين من نعم الله لكان القلب محفوظا بتينك النعمتين فلأي شي ء دعا بالتثبيت و لم احتج على المرأة التي قالت له «أ تخاف على نفسك» يؤكد قولها و كان ينبغي ان لا يخاف اذ كان القلب محروسا بنعمتين. و أنكروا الحديث

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 39

الآخر «يحمل الأرض على اصبع و كذا على اصبع و كذا على اصبع «1»» لأن

الاصبع هاهنا لا يجوز ان تكون النعمة.

بحث مهم في الألفاظ التي تطلق على الخلق بمعان معروفة بينهم

[بحث مهم في الألفاظ التي تطلق على الخلق بمعان معروفة بينهم ]

و قالوا في الضحك هو مثل قول العرب «ضحكت الأرض بالنبات» اذا طلع فيها ضروب الزهر، و ضحكت الطلعة اذا انفتق كافورها عن بياضها، و ضحك المزن اذا لمع فيه البرق و ليس من هذه شي ء الا و للضحك فيه معنى حدث فان كان الضحك الذي فروا منه فيه تشبيه بالانسان فان في هذا تشبيها بهذه المعاني «2».

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 40

عارضة الإفراط في نفي لوازم الجسمية بالإفراط في القول بالتشبيه المحض و الاقطار و الحدود

[معارضة الإفراط في نفي لوازم الجسمية بالإفراط في القول بالتشبيه المحض و الاقطار و الحدود]

و لما رأى قوم من الناس افراط هؤلاء في النفي عارضوهم بالافراط في التمثيل فقالوا بالتشبيه المحض و بالاقطار و الحدود و حملوا الألفاظ الجائية في الحديث على ظاهرها و قالوا بالكيفية فيها و حملوا من مستشنع الحديث عرق الخيل و حديث عرفات «1» و أشباه هذا من الموضوع ما رأوا ان الاقرار به من السنة و في انكاره الريبة و كلا الفريقين غالط و قد جعل الله التوسط منزلة العدل و نهى عن الغلو فيما دون صفاته من أمر ديننا فضلا عن صفاته و وضع عنا ان نفكر فيه كيف كان و كيف قدر و كيف خلق و لم يكلفنا ما لم يجعله في تركيبنا و وسعنا.

الاختلاف في اللفظ و الرد علي

الجهمية و المشبهة، ص: 41

عدل القول في الأخبار الواردة في الصفات

[عدل القول في الأخبار الواردة في الصفات ]

و عدل القول في هذه الأخبار ان نؤمن بما صح منها بنقل الثقات لها فنؤمن بالرؤية و التجلي و انه يعجب و ينزل الى السماء و انه على العرش استوى و بالنفس و اليدين من غير ان نقول في ذلك بكيفية او بحد او ان نقيس على ما جاء ما لم يأت فنرجو ان نكون في ذلك القول و العقد على سبيل النجاة غدا ان شاء الله تعالى «1».

و قد رأيت هؤلاء أيضا حين رأوا غلو الرافضة في حب عليّ و تقديمه على من قدمه رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته عليه و ادعاءهم له شركة النبي صلى الله عليه و سلم في نبوّته و علم الغيب للائمة من ولده و تلك الأقاويل و الأمور السرية التي جمعت الى الكذب و الكفر افراط الجهل و الغباوة و رأوا شتمهم خيار السلف و بغضهم و تبرأهم منهم قابلوا ذلك أيضا بالغلو في تأخير علي كرم الله وجهه و بخسه حقه و لحنوا في القول و ان لم يصرحوا الى ظلمه و اعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق و نسبوه الى الممالأة على قتل عثمان رضي الله عنه و اخرجوه بجهلهم من ائمة الهدى الى جملة ائمة الفتن و لم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه و اوجبوها ليزيد بن معاوية لاجماع الناس عليه و اتهموا من ذكره بغير خير. و تحامى كثير من المحدثين ان يحدثوا بفضائله كرم الله وجهه او يظهروا ما يجب له «2» و كل تلك الأحاديث

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 42

لها مخارج صحاح و جعلوا ابنه الحسين عليه السلام خارجيا شاقا لعصا المسلمين حلال الدم لقول النبي صلى الله عليه و سلم «من خرج على امتي و هم جميع فاقتلوه كائنا من كان» و سووا بينه في الفضل و بين اهل الشورى لأن عمر لو تبين له فضله لقدمه عليهم و لم يجعل الأمر شورى بينهم و أهملوا من ذكره او روى حديثا من فضائله حتى تحامى كثير من المحدثين ان يتحدثوا بها و عنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص و معاوية كأنهم لا يريدونهما بذلك و انما يريدونه فان قال قائل «اخو رسول الله صلى الله عليه و سلم علي و ابو سبطيه الحسن و الحسين و اصحاب الكساء عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين» تمعرت الوجوه و تنكرت العيون و طرّت حسائك الصدور و ان ذكر ذاكر قول النبي صلى الله عليه و سلم «من كنت مولاه فعلي مولاه» و «انت مني بمنزلة هارون من موسى» و اشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث المخارج لينتقصوه و يبخسوه حقه بغضا منهم للرافضة و الزاما لعلي عليه السلام بسببهم ما لا يلزمه و هذا هو الجهل بعينه، و السلامة لك ان لا تهلك بمحبته و لا تهلك ببغضته و ان لا تحتمل ضغنا عليه بجناية غيره فان فعلت فأنت جاهل مفرط في بغضه، و ان تعرف له مكانة من رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتربية و الأخوة و الصهر و الصبر في مجاهدة اعدائه و بذل مهجته في الحروب بين

يديه مع مكانه في العلم و الدين و البأس و الفضل من غير أن تتجاوز به الموضع الذي وضعه به خيار السلف لما تسمعه من كثير من فضائله فهم كانوا أعلم به و بغيره و لأن ما أجمعوا عليه هو العيان الذي لا يشك فيه، و الأحاديث المنقولة قد يدخلها تحريف و شوب و لو كان اكرامك لرسول الله صلى الله عليه و سلم هو الذي دعاك الى محبة من نازع عليا و حاربه و لعنه اذ صحب رسول الله

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 43

صلى الله عليه و سلم و خدمه و كنت قد سلكت في ذلك سبيل المستسلم لأنت بذلك في علي عليه السلام اولى لسابقته و فضله و خاصيته و قرابته و الدناوة التي جعلها الله بينه و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم عند المباهلة حين قال تعالى فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ فدعا حسنا و حسينا وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ فدعا فاطمة عليها السلام وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ «1» فدعا عليا عليه السلام. و من أراد الله تبصيره بصره و من أراد به غير ذلك حيره.

انتهاء القول إلى الغرض من هذا الكتاب من إختلاف أهل الحديث في اللفظ بالقرآن

[انتهاء القول إلى الغرض من هذا الكتاب من إختلاف أهل الحديث في اللفظ بالقرآن ]

ثم انتهى بنا القول الى ذكر غرضنا من هذا الكتاب و غايتنا من اختلاف اهل الحديث في اللفظ بالقرآن و تشانئهم و اكفار بعضهم بعضا و ليس ما اختلفوا فيه مما يقطع الالفة و لا مما يوجب الوحشة لأنهم

مجمعون على اصل واحد و هو «القرآن كلام الله غير مخلوق» في كل موضع و بكل جهة و على كل حال «2» و انما اختلفوا في فرع لم يفهموه لغموضه و لطف معناه فتعلق كل فريق

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 44

منهم بشعبة منه و لم يكن معهم آلة التمييز و لا فحص النظارين و لا علم أهل اللغة فاذا فكر احدهم في القراءة وجدها قد تكون قرآنا لأن السامع يسمع القراءة و سامع القراءة سامع القرآن و قال الله عز و جل فَاسْتَمِعُوا لَهُ و قال حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ و وجدوا العرب تسمي القراءة قرآنا قال الشاعر في عثمان بن عفان رضي الله عنه:

ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به يقطّع الليل تسبيحا و قرآنا

أي تسبيحا و قراءة و قال ابو عبيد يقال قرأت قراءة و قرآنا بمعنى واحد فجعلهما مصدرين لقرأت و قال الله تعالى وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً «1» اي قراءة الفجر فيعتقد من هذه الجهات ان القراءة هي القرآن غير مخلوق و يفكر آخر في القراءة فيجدها عملا لأن الثواب يقع على عمل لا على ان قرآنا في الأرض (؟) و يجد الناس يقولون قرأت اليوم كذا و كذا سورة و قرأت في تقدير فعلت كما تقول ضربت و أكلت و شربت و تجدهم يقولون

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 45

قراءة فلان احسن من قراءة فلان انما يريدون اداء فلان للقرآن احسن من اداء فلان و قراءة فلان اصوب من قراءة فلان و إنما يراد في جميع هذا العمل لأنه لا يكون قرآن احسن من قرآن فيعتقد من هذه الجهة أن القراءة عمل و انها غير القرآن و ان من قال «القراءة غير مخلوقة» فقد قال ان اعمال العباد غير مخلوقة فلما وقعت هذه الحيرة و نزلت هذه البلية فزع الناس الى علمائهم و ذوي رأيهم فاختلفوا عليهم فقال فريق منهم: القراءة فعل محض و هي مخلوقة كسائر افعال العباد و القرآن غيرها، و شبهوها و القرآن بالضرب و المضروب و الاكل و المأكول فاتبعهم على ذلك فريق. و قالت فرقة هي القرآن بعينه و من قال ان القراءة مخلوقة فقد قال بخلق القرآن و اتبعهم قوم و قالت فرقة «1» هذه بدعة لم يتكلم الناس فيها و لم يتكلفوها و لا تعاطوها. و اختلفت عن أبي عبد الله احمد بن محمد بن حنبل الروايات و رأينا كل فريق منهم يدعيه و يحكي عنه قولا فاذا كثر الاختلاف في شي ء و وقع التهاتر في الشهادات به ارجأناه مثل ان ألغيناه «2». و من عجيب ما حكي عنه مما لا يشك أنه كذب

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص:

46

عليه اذ كان موفقا بحمد الله رشيدا انه قال «من زعم ان القراءة مخلوقة فهو جهمي و الجهمي كافر و من زعم انها غير مخلوقة فهو مبتدع و كل بدعة ضلال»

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 47

فكيف يتوهم على أبي عبد الله مثل هذا القول و انت تعلم ان الحق لا يخلو من ان يكون في احد الامرين و اذا لم يخل من ذلك صار الحق في كفر أو ضلال.

و لم ار في هذه الفرق اقل عذرا ممن امر بالسكوت و التجاهل بعد هذه الفتنة و انما يجوز ان يؤمر بهذا قبل تفاقم الأمر و وقوع الشحناء و ليس في غرائز الناس احتمال الامساك عن امر في الدين قد انتشر هذا الانتشار و ظهر هذا الظهور و لو امسك عقلاؤهم ما أمسك جهلاؤهم و لو امسكت الألسنة ما امسكت القلوب و قد كان لهؤلاء أسوة فيمن تقدمهم من العلماء حين تكلم جهم و أبو حنيفة «1» في القرآن و لم يكن دار بين الناس قبل ذلك و لا عرف و لا

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 48

كان مما تكلم الناس فيه فلما فزع الناس على علمائهم لم يقولوا هذه بدعة لم

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 49

يتكلم الناس فيها و لم يتكلفوها و لكنهم أزالوا الشك باليقين و جلوا الحيرة

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 50

و كشفوا الغمة و اجمع رأيهم على انه غير مخلوق فافتوهم بذلك و أدلوا بالحجج و البراهين و ناظروا و قاسوا و استنبطوا الشواهد من كتاب الله عز و جل كقوله أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ «1» و قوله إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي «2». و أما قولهم: هذه بدعة لم يتكلم الناس فيها فلا تتكلفوها فانما يفزع الناس الى العالم في البدعة لا فيما جرت به السنة و تكلم فيه الاوائل و لو كان هذا مما تكلم الناس فيه لاستغنى عنهم. الكلام لا يعارض بالسكوت و الشك لا يداوى بالوقوف و البدعة لا تدفع بالسنة و إنما يقوى الباطل ان تبصره و تمسك عنه. و ان كان الوقوف في اللفظ بالقرآن حتى لا يقال فيه مخلوق او غير مخلوق هو الصواب فما حجتنا على الواقفة في القرآن و لم جعلناهم شكاكا و جعلناهم ضلالا و اكفرهم بعض اهل السنة و اكفر من شك في كفرهم هل الأمر في ذلك و في هذا الا واحد فان قيل ان الثوري و ابن

الاختلاف في اللفظ و الرد علي

الجهمية و المشبهة، ص: 51

عيينة و ابن المبارك و أشباههم لم يقفوا قلنا لكل زمان رجال فأنت ثوري زماننا و ابن عيينتنا فقل كما قالوا لنسمع و لنتبع على ان اولئك قالوا و بينوا من أين قالوا و نحن راضون منك بأن تقول و معقول ان نقول لك من أين قلت، و كل من ادعى شيئا او انتحل نحلة فهو يزعم ان الحق فيما ادعى و فيما انتحل خلا الواقف الشاك فانه يقر على نفسه بالخطإ لأنه يعلم ان الحق في أحد الأمرين اللذين وقف بينهما و انه ليس على واحد منهما و قد بلي بالفريقين المستبصر المسترشد و بإعناتهم و محنتهم و اغلاظهم لمن خالفهم و اكفاره و إكفار من شك في كفره فانه ربما ورد الشيخ المصر فقعد للحديث و هو من الأدب غفل و من التمييز ليس له من معاني العلم الا تقادم سنه و انه قد سمع ابن عيينة و أبا معاوية و يزيد «ابن هارون» و أشباههم فيبدأونه قبل الكتاب بالمحنة فالويل له ان تلعثم او تمكث أو سعل أو تنحنح قبل أن يعطيهم ما يريدون فيحمله الخوف من قدحهم فيه و إسقاطهم له على ان يعطيهم الرضا فيتكلم بغير علم و يقول بغير فهم فيتباعد من الله في المجلس الذي أمل ان يتقرب فيه منه.

و إن كان ممن يعقد على مخالفتهم سام نفسه إظهار ما يحبون ليكتبوا عنه و إن رأوا حدثا مسترشدا او كهلا متعلما سألوه فان قال لهم: انا أطلب حقيقة هذا الأمر و اسأل عنه و لم يصح لي شي ء بعد- و انما صدقهم عن نفسه و اعتذر بعذره الله يعلم صدقه و هم يعلمون انه

لم يكلفه اذا لم يعلم الا ان يسأل و يبحث ليعلم- كذبوه و آذوه و قالوا «خبيث فاهجروه و لا تقاعدوه» «1» أ فترى لو كان ما هم عليه من اعتقادهم هذا الأمر أصل التوحيد الذي لا يجوز للناس ان يجهلوه و قد سمعوه من رسول الله صلى الله عليه و سلم مشافهة كان يجب ان يبلغ فيه هذه الغاية فكيف و هم لو سئلوا من اين قلتم ما رجعوا

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 52

في ذلك الى وثيقة من حديث يأثرونه او قول إمام من العلماء يحسن تقليد مثله او قياس يطردونه و إنما هو رأي رواه و قد يخطئ الراوي و ظن ظنوه و أجهل الناس من جعل ظنه لله دينا.

و عدل القول فيما اختلفوا فيه من القراءة و اللفظ بالقرآن ان القراءة لفظ واحد يشتمل على معنيين احدهما عمل و الآخر قرآن الا ان العمل لا يتميز من القرآن كما يتميز الأكل من المأكول فيكون المأكول الممضوغ و المبلوع و يكون الأكل المضغ و البلع و القرآن لا يقوم بنفسه وحده كما يقوم المأكول بنفسه وحده و إنما يقوم بواحدة من أربع كتابة او قراءة او حفظ او استماع «1» فهو بالعمل

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 53

في الكتابة قائم و العمل خط و هو مخلوق

و المكتوب قرآن و هو غير مخلوق، و هو بالعمل في القراءة قائم و العمل تحريك اللسان و اللهوات بالقرآن و هو مخلوق و المقروء قرآن و هو غير مخلوق و هو بحفظ القلب قائم في القلب و الحفظ عمل و هو مخلوق و المحفوظ قرآن و هو غير مخلوق و هو بالاستماع قائم في السمع و الاستماع عمل و هو مخلوق و المسموع قرآن غير مخلوق و مثل هذا و ان كان لا مثل للقرآن الا انه تقريب منا لما ذكرناه الى فهمك مثل لون الانسان لا يقوم الا بجسمه و لا نقدر ان نقر اللون في و همك حتى يكون متميزا من الجسم و كذلك القدرة لا نقدر ان نفردها عن الجسم و كذلك الاستطاعة و الحركة كل واحدة منهما لا تفرد و انما تقوم بالجسم و الجارحة و لا تنفرد عنهما كذلك القرآن يقوم بتلك الخلال الأربع التي ذكرناها و لا يستطيع احد ان يتوهمه منفردا عنها فاذا قلت قرأت او تلوت أو لفظت دل قولك على فعل و قرآن كل واحد منهما قائم بالآخر غير متميز منه لأن الصوت و تحريك اللسان لا يكون قراءة حتى يحمله الصوت و اللسان و ليس سائر الأفعال و المفعولات هكذا ألا ترى انك تقول شتمت و سببت و قذفت فيدل قولك على فعل و مشتوم و مسبوب و مقذوف الا ان كل واحد قائم بنفسه متميز من الآخر فلهذا قلنا ان القراءة شيئان و كذلك التلاوة و اللفظ و قلنا الشتم شي ء واحد. فان قال قائل ما تقول في القراءة قلت قرآن متصل بعمل فان قال أ مخلوق هو أم غير مخلوق؟ قلت له

سألت عن كلمة واحدة تحتها معنيان احدهما مخلوق و هو العمل و الآخر غير مخلوق و هو القرآن. فان قال فما شبه هذا قلنا رجلان نظرا الى جمرة حمراء فقال احدهما هي جسم و قال الآخر هي نار و تجادلا في ذلك و شرق الأمر بينهما حتى حلف كل واحد بالطلاق على ما قال ثم صار الى الفقيه فقالا انا اختلفنا في جمرة فقال احدنا هي جسم و قال الآخر هي نار و تمارينا في ذلك حتى حلف كل واحد منا بالطلاق على ما ادعى فقال الفقيه لكل واحد منهما صدقت

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 54

و لكن ذكرت شيئا ذا معنيين بأحد معنييه فالجمرة مثل للقراءة لأنها اسم واحد يجمع معنيين الجسم و النار كما ان القراءة تجمع معنيين العمل و القرآن و لو كان احد المختلفين قال هي جسم و نار قد جمع لها الصنفين كما ان من قال القراءة عمل و قرآن قد جمع لها الصنفين و كذلك لو اختلف اثنان في نجم فقال احدهما هو نار و قال الآخر هو نور كانا جميعا صادقين لأن النجم اسم ذو معنيين نار و نور و كذلك لو اختلف اثنان في اكل انسان فقال احدهما هو مضغ و قال الآخر هو بلع كانا جميعا صادقين لأن اكل الانسان اسم ذو معنيين مضغ و بلع و كذلك لو اختلفا في القتل فقال احدهما هو جرح و قال الاخر هو موت لأن القتل اسم ذو معنيين عمل و

موت.

و قد بقيت بعد ما بينت لطيفة قد يغلط في مثلها و هي أن السامع اذا سمع قائلا يقول قراءتي للقرآن و لفظي بالقرآن- قراءة القرآن مفردة عن القرآن و اللفظ منفرد عن القرآن- توهم ان كل واحد منهما غير ممازج للقرآن و ليس كذلك و انما قوله للقرآن بالقرآن تمييز للقرآن من غيره لأن القارئ قد يقرأ غير القرآن و هذا من أغمض ما مر و أدقه فتأمله و تدبره حتى تفهمه و سأزيده إيضاحا: كأن رجلا يسمى محمدا قرأ فسمعه رجل يقال له زيد فقال لأخ له يقال له عبد الله ما أحسن قراءة محمد فقال عبد الله ماذا قرأ فيقول زيد القرآن و كذلك لو قال ما أحسن لفظ محمد فقال عبد الله و بماذا لفظ فيقول له زيد بالقرآن فالقرآن هاهنا انما هو تمييز و تبيين و كل واحد من القرآن و اللفظ يجمع معنيين عملا و قرآنا.

ادعاء قوم من منتحلي السنة أن الإيمان غير مخلوق

[ادعاء قوم من منتحلي السنة أن الإيمان غير مخلوق ]

و ذهب قوم من منتحلي السنة الى ان الايمان غير مخلوق خوفا من ان يلزمهم ان يقولوا لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ مخلوق «1» اذ كانت رأس الايمان فركبوها

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 55

شنعا و جعلوا افاعيل العباد غير مخلوقة صفات لله عز و جل فيا سبحان الله ما أعجب هذا و أعجب قائليه و لقد ألف الناس «غير مخلوق» و أنسوا به حتى انه ليخيل إليّ ان رجلا لو ادعى ان العرش غير مخلوق «1»

و ان الكرسي غير مخلوق لوجد على ذلك أشياعا ينتحلون السنة فماذا جرّ جهم لا رحمه الله على متّبعيه بنحلته و على مخالفيه ببغضته «2».

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 56

زعم قوم أن روح الإنسان غير مخلوق

[زعم قوم أن روح الإنسان غير مخلوق ]

و قد بلغني ان قوما يذهبون الى ان روح الانسان غير مخلوقة و انهم يستدلون على ذلك بقول الله في آدم وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي «1» و هذا هو النصرانية و القول باللاهوت و الناسوت قال النابغة الجعدي:

من نطفة قدّرها مقدّرها يخلق منها الانسان و النّسما

و النسم الأرواح، و اجمع الناس على ان الله فالق الحبة و بارئ النسمة أي خالق الروح. و الايمان مخلوق لأنه لفظ باللسان و عقد بالقلب و استعمال

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 57

للجوارح و كل هذه أفعال للعباد ثم كل هذه غرائز ركبها الله في العباد و سماها الرسول صلى الله عليه و سلم ايمانا.

مناظرة المصنف مع بعض الجهمية

[مناظرة المصنف مع بعض الجهمية]

قال ابو محمد و قد كان بعض الجهمية سألني مرة عن تكلم الناس في الحرف و الحرفين- و لذلك اصل في الكتاب- أ مخلوق هو أم غير مخلوق فقلت هو مخلوق ما لم يقصد به الى تلاوة القرآن فقال لي فاذن القرآن يصير كلاما بنيتك و الكلام يصير قرآنا بنيتك قلت له ان القول القليل قد يتغير بالنية و القصد و انا أقر لك بذلك. ثم قلت له اما تعلم ان لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ رأس الايمان و كلمة التوحيد قال بلى قلت فما تقول في ملحد قال «لا إله» يريد

النفي ماذا تكون كلمته؟ فقال كفرا قلت فاذن شطر كلمة التوحيد قد صار كفرا بالنية ثم قلت له ما تقول في مؤمن أراد ان يقول «لا إله الا الله» فقال «لا إله» ثم انقطع نفسه و سها ما كان قوله؟ قال ايمانا بحاله قلت له فاذن ما كان هناك كفرا بالنية قد صار هاهنا ايمانا بالنية. و قلت له ما تقول انت في القرآن قال مخلوق قلت و في أفعال العباد قال غير مخلوق «1» قلت ما تقول في قول الله وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ «2» ما هو قال آية قلت فهي عندك أ مخلوقة أم غير مخلوقة قال مخلوقة قلت فان دعبل بن علي الشاعر جعلها بيتا في شعر له طويل فقال:

و يخزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنينا

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 58

فما هي في شعر دعبل قال قول لدعبل قلت مخلوق أم غير مخلوق قال بل غير مخلوق قلت فأراه صار فعلا بالنية و خلقا بالنية فما الذي أنكرته من قولنا هذا؟.

منتهى الاختلاف في اللفظ

[منتهى الاختلاف في اللفظ]

هذا منتهى الاختلاف في اللفظ بالقرآن و هو بلاغ لمن خضع للحق و تلقاه بقلب سليم و من استكبر و جمحت به الحمية فيستغني الله الحق عنه و الله غني حميد.

تم بحمد الله و عونه و صلى الله

على محمد و على آل محمد و رضي الله عن اصحاب رسول الله اجمعين. و قد وافق الفراغ منه نهار الجمعة رابع شعبان سنة اثنتين و ثلاثين و سبعمائة.

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 59

الفهرس العام لمباحث الكتاب

الفهرس العام لمباحث الكتاب

5 نظرة في الكتاب- وجوه أهميته عند المتأدب، و الباحث في تاريخ العلوم.

6 ما يلفت نظر المتكلم إليه من خطة الكتاب- تراجع المصنف عما كان عليه من الانحراف عن أبي حنيفة و سبب هذا و ذالك.

7 تلقى ابن قتيبة الفقه عن ابن راهويه، و مبلغ تأثير شيخه عليه، كيف أصبح ابن راهوية ممهدا للمذهب الظاهري- صلته بابن مهدي صاحب الثورى.

8 ما يجده المحدث فيه مما يجلو سر ما في كتب الجرح و التعديل من المغالاة في الكلام على كثير من أعلام العلماء.

9 مبدأ كتاب «الاختلاف في اللفظ» و افتتان الناس في عهد ابن قتيبة بأهواء مردية.

10 تصوير حالة المسلمين في عهده من التناصر على الهوى و التنابز بالألقاب، المقارنة بين حالة أهل العلم فيما مضى و بين الحالة في زمنه زمن انتكاس العلم و ذيوع الكذب في الروايات و شيوع الأهواء- تدوين الفقه الإسلامي قبل هذا الزمن من ينابيعه الصافية و عظيم فضل الله في ذلك.

ظور بوادر المتوسمين في الرد على أبي حنيفة و مالك و الشافعي بزخرف من القول- وجه اقتصار المصنف على هؤلاء الثلاثة- سر ظهور سلطان علومهم في أمصار المسلمين- ارتكاز بعض المشاغبين في التطاول عليهم على ردود مردودة ما استدت لها سواعدهم و لا هي

من مبتكرات أحلامهم بخلاف ما يتظاهرون به- تقلدهم بذلك المآثم.

11 رغبة الأئمة الصادقة في أن لو كان ناب عنهم آخرون في الافتاء- سد الظاهرية على أنفسهم باب الاجتهاد و الرأي بمتابعتهم بدعة النظام في نفي القياس الفقهي.

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 60

12 حادث اختلاف بخص أهل الحديث- و كيف تسبب ذلك لتشتت كلمتهم و استرسالهم في الإكفار- و هو الباعث لتأليف هذا الكتاب- دليل صدق الانتماء إلى الحديث لين الجانب و كرم الطبع دون القسوة و الجفاء- مصدق قول المصنف من الروايات المدونة في عصره- عدم تمشي تأويل الإكفار بالكفر دون الكفر في مواضع تراموا به فيها.

13 عدم مبالاة المصنف بمن تعود التقليد الجامد و بمن غرته عزة الرئاسة و صرفته عن الاستسلام للصواب- توجيه خطابه لمن لا تلفته عن الحق أنفة- عدم تصويبه أن يكون الكتاب مقصورا على البحث الباعث للتأليف- تمهيده بالرد على الجهمية في تأولاتهم في الكتاب و السنة.

13 زعم الجهمية في العبد التخلية و الاهمال و تقولاتهم في مشيئة الله سبحانه.

14 تأولاتهم في آيات شمول المشيئة و الرد عليهم.

15 التعلل بمشيئة الله في اجتراح السيئات شأن المشركين و من على سبيلهم.

16 تقولاتهم في آيات الهداية و الإضلال.

20 إفراط قوم من مثبتي القدر في معاكستهم و وقوعهم في الجبر المحض كتفريط هؤلاء في النفي.

21 قول إسرائيلي في محو اسم عزيز من ديوان النبوة و تفنيد ذلك.

22 اتفاق كلمتي الخطيب البغدادي و ابن حزم الأندلسي على أن احتجاج آدم و موسى عليهما السلام ليس

من إثبات القدر في شي ء.

22 وجه كون القدر سرا- بيان بديع و حقائق ملموسة تقضي بالاعتراف بالقدر في الكون- عدل القول في القدر و مبلغ العلم البشري في ذلك.

22 تعمق بعض أهل النظر في نفي التشبيه إلى أن بلغوا إلى حد نفي المصادر مع ورود الصفات.

23 الكلام في صفة السمع و البصر- آراء الطوائف في الصفات.

24 إبطال تمسك الجهمية بآيات في خلق القرآن.

26 إبطال تأويلهم اليد بالنعمة في (يد الله مغلولة) و بيان أنه مجاز عن الإمساك.

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 61

29 قولهم في وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي و مناقشة المؤلف معهم.

31 عدم التفات المؤلف إلى كون الإسناد مجازيا و إلى احتمال كون الآية من قبيل الاستعارة التمثيلية. تأويل الجهمية لآيات الرؤية و رد ابن قتيبة عليهم.

32 معنى التشبيه في «كما ترون القمر» و كون العرب تضرب المثل بالقمر في الشهرة و الظهور.

33 نفي الرؤية بدعوى استلزامها للجسمية المستحيلة مذهب المعتزلة. و إثبات الرؤية مع لوازمها في الشاهد مذهب الحشوية. و إثبات الرؤية مع نفي تلك اللوازم قول أهل الحق.

33 دعوى المنف أن «عند» تدل على القرب موهما القرب المكاني و الرد عليه.

34 بطلان توهم القرب الحسي في جانبه تعالى. و تنزهه عن الحلول بالأمكنة و الأزمنة.

33 استدلال المصنف بشعر أمية بن أبي الصلت في إثبات القرب المكاني لموسى عليه السلام في مناجاته بالطور و استبشاع ذلك- و من هو هذا الشاعر الذي يستند ابن قتيبة على أشعاره في الصفات.

34 اقتصار المصنف على معنى السرير

من معاني العرش و استشهاده بشعر أمية أيضا و الكلام فيه.

35 معنى الكرسي- و قول بعض الجهمية في تأويل خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ.

36 حمل ابن قتيبة الاستواء على الاستقرار مع أنه تشبيه قح مردود رواية و دارية و قبح هذا التأويل و لطف الاستعارة التمثيلية في الآية ..

37 الكلام على حديث «إن قلب المؤمن بين إصبعين ..» و بيان أن ادعاء كون الإصبع هنا حقيقة يوازن زعم ابن الفاعوس الحنبلي الحجري أن الحجر الأسود يمين الله حقيقة و هو سبب تلقيبه بالحجري.

39 بحث مهم في الألفاظ التي تطلق على الخلق بمعان معروفة بينهم و يرد في

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 62

الشرع إطلاقها على الله سبحانه- معنى امرار أحاديث الصفات على ظواهرها جواز إطلاق اللفظ إذا ورد من الشارع بطريق الشهرة و الظهور دون الشذوذ و الانفراد في طبقة من الطبقات ثم التفويض أو التأويل على الطريقتين المعروفتين لأهل السنة.

40 معارضة الإفراط في نفي لوازم الجسمية بالإفراط في القول بالتشبيه المحض و الاقطار و الحدود و عدهم الإقرار بمستشنع الأخبار من السنة و أن في إنكاره الريبة و عدة نماذج من سخافاتهم.

41 عدل القول في الأخبار الواردة في الصفات.

41 بيان بديع في كيفية تسرب أهواء الخوارج إلى معتقد أهل الحديث في عصره.

42 انحراف المتوكل عن علي كرم الله وجهه و تقريبه للمنحرفيه.

43 انتهاء القول إلى الغرض من هذا الكتاب من إختلاف أهل الحديث في اللفظ بالقرآن و تشاءنهم و كيفية اختلافهم في الفرع مع اتفاقهم في الأصل-

سبر محتمل كلام المنف و المناقشة معه- إطلاقات القرآن.

44 افتراق أهل الحديث إلى ثلاث فرق في القراءة و اللفظ.

45 إختلاف الروايات عن الإمام أحمد في ذلك- بيان سر ما فيها من الاضطراب ببسط- عدم تدوينه يشئا في الكلام و الفقه. زمن تركه رواية الحديث.

47 احتمال الإمساك عن أمر في الدين قد انتشر هذا الانتشار ليس في غرائز الناس. بدعة جهم في القرآن و تاريخ حدوث هذه البدعة و صلة جعد بتلك المسألة.

48 شأن أبي حنيفة في المسألة و إذاعتهم عنه القول بالخلق و حكاية استتابته- تفنيد المزاعم في ذلك و فضح الدسائس تحت نور الروايات الصحيحة و التاريخ الصحيح.

50 كيفية ملازمته لشيخه حماد ملازمة متوارثة.

51 فضح فريتهم على عيسى بن أبان.

الاختلاف في اللفظ و الرد علي الجهمية و المشبهة، ص: 63

52 مبلغ توتر أعصاب الرواة- معاملتهم مع شيوخ الرواية الذين يحلون بديارهم و بدؤهم بالمحنة في المسألة قبل كل شي ء و جرحهم الناشئ عن ذلك.

53 عدل القول فيما اختلفوا فيه- مناقشة مهمة مع المؤلف في قوله إنما يقوم القرآن بواحدة من أربع كتابة أو قراءة أو حفظ أو استماع و إن في كل منها أمرين أحدهما غير مخلوق و الآخر مخلوق.

54 ادعاء قوم من منتحلي السنة أن الإيمان غير مخلوق و منشأ ذلك- غاية ما يتمحل لذلك من التأويل.

55 ألفة أهل عصر المصنف للفظ «غير مخلوق» حتى يخيل إليه أن رجلا لو ادعى أن العرش غير مخلوق .. لوجد على ذلك أشياعا ينتحلون السنة- ما جرجهم على متبعيه بنحلته و على

مخالفيه ببغضته من مستبشع الأهواء.

56 زعم قوم أن روح الإنسان غير مخلوق- ذيوع بدعة «الصوتية» بعد عهد المؤلف- رد أخبار الصوت و تعليلها بعلل قادحة- القائلون بقدم الحرف و الصوت و مبلغ سخف آرائهم في نظر إمام الحرمين و الباقلاني و حال الموفق المقدسي في المسألة مع كبر محله في الفقه الحنبلي.

57 مناظرة المصنف مع بعض الجهمية.

58 منتهى الاختلاف في اللفظ.

59 فهرس الكتاب.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.