تفسير القمي

هویة الکتاب

تفسير القمي

نويسنده: القمي، علي بن ابراهیم

مقدمه نویس و مصحح: الجزایري، طیب

مصحح و مقدمه نویس: الجزایري، طیب

تصحيح و تنظيم:الجزایري، طیب

تعداد جلد: 2

زبان: العربية

ناشر: منشورات مکتبة الهدي - مطبعة النجف 1387 ه

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

مقدمات التحقيق

اشارة

هو من اقدم التفاسير الّتى كشفت القناع عن الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السّلام

ص: 3

النسخة الممتازة بدقة النظر في صحتها متنا و باضافات مفيدة تعليقا فجاءت بحمد اللّه احسنها صورة و اكملها مادة و متداركة لمافات من النسخ القديمة و الحديثة و ذلك اجابة الى رغبة الطالبين، و حفاظا لتراث الماضين و اللّه الموفق و خير معين

الرموز

«م» اشارة الى نسخة مكتبة آية اللّه الحكيم

«ك» اشارة الى نسخة مكتبة آية اللّه كاشف الغطاء

«ط» اشارة الى نسخة مطبوعة في ايران سنة 1313 ه

«خ» او «خ ل» اشارة الى «نسخة بدل»

ق: لقاموس اللغة

«ج. ز» مخفف «الجزائريّ» المحشى

ص: 4

مقدمة آقا بزرك الطهرانيّ

هذا ما سمح به سماحة العلامة المجاهد حجّة الإسلام الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ دام ظله العالي، في هذا الكتاب.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد لوليه و الصلاة و السلام على سيدنا و مولانا ابي القاسم محمّد نبيه و علي الاثنى عشر المعصومين اوصياء نبيه (و بعد) فقد عرض علي العالم الفاضل الكامل ثقة الإسلام السيّد طيب الجزائريّ حفظه اللّه تعالى و زاد في توفيقاته بعض الملازم من كتاب (تفسير القمّيّ) الذي قصد نشره ثالثا و طلب منى تقريظه و الادلاء برأيي في الاعتماد إليه، و لقد سررت بنشره و اعتذرت إليه من اطراء الكتاب و ابداء رائي فيه لعجزي و الضعف المستولى علي و رعشة اليد التي صارت العائق عن كثير الأعمال، إلاّ انه رعاه اللّه لم يقنع بذلك و ألح في الطلب فعز علي ان ألح في الامتناع فاكتفيت بهذا القدر الذي لم تسمح الحال باكثر منه فعلى كل من يريد الاطلاع التام على مزايا الكتاب ان يراجع كتابنا (الذريعة الى تصانيف الشيعة) ج 4 ص 302 ليجد تفصيل ما كتبناه و خلاصة ما عرفناه عن هذا الاثر النفيس و السفر الخالد المأثور عن الامامين الهمامين ابي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السّلام من طريق ابي الجارود و ابي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام

ص: 5

من طريق عليّ بن إبراهيم القمّيّ رضوان اللّه عليهم و ارجو للسيّد حفظ اللّه تعالى و لامثاله من أهل العلم النابهين مزيد التوفيق لنشر آثار الأئمة الاطهار عليهم السلام و احياء مآثر السلف الصالح، كتبه بانامله المرتعشة في مكتبته العامّة في النجف الأشرف في السبت غرة ربيع المولود (1387) .

الفانى آقا بزرك الطهرانيّ

عفي عنه

ص: 6

المقدّمة من حجّة الإسلام العلامة السيّد طيب الموسوي الجزائريّ دام ظله

اشارة

من حجّة الإسلام العلامة السيّد طيب الموسوي الجزائريّ دام ظله

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

لفت نظر

نحمدك يا ربّ علي ما منحتنا من قوة فكرية جوالة في الاذهان، و فتحت مغالقها بمفاتح القرآن الذي هو أكبر آياته و تبيان، و أحسن دليل و برهان، و نصلي و نسلم على من انزله عليه فجاء به أحسن الأديان، الذي ازدهر على الارجاء و الاركان، و اشتهر في الآفاق و الازمان، و علي آله الذين جعل قولهم و فعلهم مفسر القرآن، فلولاهم لم يكن الفرقان بين ما شان و ما زان، و لا بين الطاعة و العدوان، بهم عبد الرحمن و منهم يئس الشيطان (اما بعد) فاني منذ اليوم الذي بدأت المطالعة في تفاسير القرآن التي وردت عن أهل بيت العصمة صلوات اللّه عليهم أجمعين، كنت معجبا بتفسير القمّيّ و مشتاقا إليه لاجل الاسرار المودعة فيه و احتياج التفاسير الكثيرة إليه، و تقدم مؤلّفه زمانا و شرفا، فكان ينمو هذا الشوق في بالي شيئا فشيئا الى ان صادفت الكتاب في النجف فابتهجت لحسن الحظ و الشرف، و لكن ما تمّ سروري به إذ أخذ مكانه اسف، لانى وجدت كثيرا من عبارات هذه النسخة ملحونة، و بالاغلاط و السقطات مشحونة، بحيث لم تخل الاستفادة منها من التعب، و كانت مع هذه الحالة اغلى من الذهب، فاشرت بعض من اثق به من الاحباب ان يدخر له الاجر بطبع هذا الكتاب و لما كان الرأي قريبا الى الصواب قبله و لبانى، و رحّب بي علي هذا و حيّاني، و كلفني بتصحيحه و ان اكتب شيئا مقدّمة للكتاب

ص: 7

ليكون تبصرة لاولي الالباب فقبلت مسؤله فتوكلا على اللّه و مستمدا به و هو حسبي و إليه انيب.

صاحب التفسير:

هو الثقة الجليل أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّيّ، قال النجاشيّ (علي ما حكاه صاحب التنقيح) «ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب سمع فاكثر» و مثله في الخلاصة وعده في القسم الأوّل منها، و عنونه ابن داود في الباب الأوّل و وثقه في الوجيزة و البلغة، و عن إعلام الورى انه من اجل رواة أصحابنا، كان في عصر الامام العسكريّ عليه السّلام و عاش الى سنة 307- و قد أكثر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني رحمه اللّه الرواية عنه في الكافي-

و ممّا يدلّ علي جلالته ان الأدعية و الاعمال الشائعة في مسجد السهلة المتداولة المتلقاة بالقبول المذكورة في المزار الكبير و غيره ممّا ينتهي سندها إليه لا غير رضوان اللّه عليه اما مؤلّفاته غير هذا التفسير فهي(1) كتاب الناسخ و المنسوخ (2) كتاب قرب الإسناد (3) كتاب الشرائع. (4) كتاب الحيض. (5) كتاب التوحيد و الشرك. (6) كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام. (7) كتاب المغازي. (8) كتاب الأنبياء. (9) كتاب المشذر. (10) كتاب المناقب. (11) كتاب اختيار القرآن (1).

و أكثر ما يرويه عليّ بن إبراهيم فعن ابيه إبراهيم بن هاشم كما هو دأبه في هذا التفسير و غيره من كتبه فيجدر بنا الإشارة الى ترجمته مختصرا.

ترجمة إبراهيم بن هاشم القمّيّ:

لا يخفى على أرباب النهى ما ورد من الثناء على القميين و ما هي مرتبتهم

ص: 8


1- تنقيح المقال 260/2.

باعتبار خدمتهم للدين المبين فعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ (ره) ان الامام الصادق الناطق بالحق يقول قم بلدنا و بلد شيعتنا مطهرة مقدسة قبلت ولايتنا اهل البيت لا يريدهم أحد بسوء إلاّ عجلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم فاذا فعلوا ذلك سلط اللّه عليهم جبابرة سوء، اما انهم انصار قائمنا و رعاة حقنا، ثم رفع رأسه الى السماء و قال اللّهمّ اعصمهم من كل فتنة و نجهم من هلكة (1).

ففضل أهل قم لا ينكر لانه ابهر من الشمس و أشهر من القمر و كيف لا يكون كذلك و قد خرج منها جهابذة العلوم الجعفرية و عباقرة البحور الباقرية كابي جرير و زكريا بن إدريس و زكريا بن آدم و عيسي بن عبد اللّه إلاّ ان منهم من نال حظه أزيد و أكثر كابراهيم ابي علي هذا فانه شيخ القميين و وجههم، فضله علي القميين باعتبار تقدمه في رواية الكوفيين، قد حكى الشيخ و النجاشيّ و غيرهما من الاصحاب انه اول من نشر أحاديث الكوفيين بقم قال السيّد الداماد في محكي الرواشح ان مدحهم إيّاه بانه اول من نشر أحاديث الكوفيين بقم كلمة جامعة (و كل الصيد في جنب القرا) و قال أيضا الصحيح و الصريح عندي ان الطريق من جهته صحيح فامره اجلّ و حاله أعظم من ان يتعدل و يتوثق بمعدل و موثق غيره بل غيره يتعدل و يتوثق بتعديله و توثيقه اياه، كيف و أعاظم أشياخنا الفخام كرئيس المحدثين و الصدوق و المفيد و شيخ الطائفة و نظرائهم و من في طبقتهم و درجتهم و رتبتهم من الاقدمين و الاحدثين شأنهم اجل و خطبهم أكبر من ان يظن باحد منهم قد احتاج الى تنصيص ناص و توثيق موثق و هو شيخ الشيوخ و قطب الاشياخ و وتد الاوتاد و سند الاسناد فهو أحق و أجدر بان يستغنى عن ذلك (انتهى) .

ص: 9


1- الكنى و الألقاب 76/3

و قال في الفهرست «إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمّيّ اصله من الكوفة و انتقل الى قم و أصحابنا يقولون انه اول من نشر حديث الكوفيين بقم و ذكروا انه لقي الرضا عليه السّلام. و الذي اعرف من كتبه كتاب النوادر و كتاب القضاء لأمير المؤمنين عليه السّلام» .

و قال في التنقيح ما لفظه: انه شيخ من مشائخ الاجازة فقيه، محدث من اعيان الطائفة و كبرائهم و اعاظمهم و انه كثير الرواية سديد النقل قد روى عنه ثقات الاصحاب و اجلاؤهم و قد اعتنوا بحديثه و أكثروا النقل عنه كما لا يخفى علي من راجع الكتب الأربعة للمشائخ الثلاثة رضي اللّه عنهم فانها مشحونة بالنقل عنه اصولا و فروعا (انتهى) .

و لاجل كونه راويا في أكثر رواياته عن محمّد بن أبي عمير لا بأس في تحرير نبذة من ترجمته.

نبذة من ترجمة محمّد بن أبي عمير:

كلمات الرجاليين حوله

قال في التنقيخ محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزديّ أبو احمد الذي اجمع الاصحاب علي تصحيح ما يصحّ عنه وعد مراسيله مسانيد، عاصر مولانا الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السلام.

و قال النجاشيّ انه من موالى المهلب بن أبي صفرة و قيل مولى بني أميّة و الأول اصح، بغدادي الأصل و المقام لقي ابا الحسن موسى و سمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال يا أبا محمّد و روى عن الرضا عليه السّلام، جليل القدر، عظيم المنزلة فينا و عند المخالفين، ذكره الجاحظ يحكي عنه في كتبه و قد ذكره في المفاخرة بين العدنانية و القحطانية و قال في البيان و التبيين حدّثني إبراهيم بن داحية عن ابن أبي عمير و كان وجها من وجوه الرافضة و كان حبس في أيّام الرشيد فقيل ليلي القضاء و قيل انه ولى بعد ذلك و قيل ليدل مواضع الشيعة و أصحاب موسى بن

ص: 10

جعفر عليه السّلام، و روي انه ضرب اسواطا بلغت منه مائة فكاد ان يقر لعظيم الالم فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن و هو يقول اتق اللّه يا محمّد بن أبي عمير ففرج اللّه عنه، و روي انه حبسه المأمون حتّى ولاه قضاء بعض البلاد (انتهى) .

و عن الفهرست محمّد بن أبي عمير يكنى أبا محمّد من مولى الازد و اسم ابى عمير زياد رحمه اللّه، و كان من أوثق الناس عند الخاصّة و العامّة و انسكهم نسكا و اعبدهم و أورعهم و قد ذكره الجاحظ في كتابه في فخر قحطان علي عدنان بهذه الصفة التي وصفناه و ذكر انه كان اوحد أهل زمانه في الأشياء كلها ادرك من الأئمة عليهم السلام ثلاثة ابا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام و لم يرو عنه، و روى عن ابي الحسن الرضا و الجواد عليهما السلام، و روي عنه أحمد بن محمّد عيسى انه كتب مائة رجل من رجال ابي عبد اللّه الصادق عليه السّلام و له مصنّفات كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة و تسعين كتابا (انتهى) و عن الكشّيّ في عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب ابي إبراهيم و ابي الحسن الرضا عليهما السلام: اجتمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء و تصديقهم و اقروا لهم بالفقه و العلم و هم ستة نفر آخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب ابي عبد اللّه عليه السّلام منهم يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيى بياع السابري و محمّد بن أبي عمير و عبد اللّه بن المغيرة و الحسن بن المحبوب و أحمد بن محمّد ابى نصر.

و كان من خصائص ابن أبي عمير انه لم يرو عن العامّة ابدا مع رواياتهم عنه فلذا كانت مروياته خالصة محضة غير مشوبة برواياتهم كما يظهر من سؤال شاذان بن الخليل النيسابوريّ إيّاه فقال له انك قد لقيت مشائخ العامّة فكيف لم تسمع منهم?فقال قد سمعت منهم غير أنّي رأيت كثيرا من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة و علم الخاصّة فاختلط عليهم حتّى كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة

ص: 11

و حديث الخاصّة عن العامّة فكرهت ان يختلط علي فتركت ذلك و اقبلت على هذا (1).

عبادته:

(قال الفضل بن شاذان) دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه و يقول له انت رجل عليك عيال و تحتاج ان تكسب عليهم و ما آمن من ان تذهب عيناك لطول سجودك (قال) فلما أكثر عليه قال أكثرت علي ويحك لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما يرفع رأسه إلاّ عند الزوال (و سمعته يقول) اخذ يوما شيخي بيدي و ذهب بي الي ابن أبي عمير فصعدنا إليه في غرفة و حوله مشائخ له يعظمونه و يبجلونه فقلت لابي من هذا?فقال هذا ابن أبي عمير قلت الرجل الصالح العابد?قال: نعم (2).

سخاؤه:

اما سخاؤه فقد بلغ الى مرتبة لم يكن في ذلك العصر من يفضل عليه في هذه المنقبة العليا غير مواليه الكرام عليهم السلام الذين اقتدى بقدوتهم و اقتبس من جذوتهم فانه يذكر في جوده و كرمه و ايثاره على نفسه ما يجمد في قباله بحر متلاطم و ينسى دونه جود حاتم.

روى الشيخ و الصدوق رضوان اللّه عليهما ان محمّد بن أبي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله و افتقر و كان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم و حمل المال الى بابه فخرج إليه محمّد بن أبي عمير فقال ما هذا?قال هذا مالك الذي علي، قال ورثته?قال لا، قال وهب

ص: 12


1- التنقيح 62/2
2- التنقيح 62 باب محمد

لك?قال لا بل هو من ثمن ضيعة بعتها، قال ما هو?فقال بعت داري التي اسكنها لاقضي ديني فقال محمّد بن أبي عمير حدّثني ذريح المحاربى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين) ارفعها فلا حاجة لي فيها و انى و اللّه لمحتاج في وقتي هذا الى درهم و لا يدخل في ملكي من هذا درهم واحد (1).

جهاده:

اما جهاده في سبيل الحق و احتمال الشدائد له فهو حسب ما روي عن الكشّيّ انه قال وجدت بخط أبي عبد اللّه الشاذاني سمعت أبا محمّد الفضل بن شاذان يقول سعي بمحمّد بن أبي عمير (و اسم ابي عمير زياد) الى السلطان انه يعرف اسامي الشيعة بالعراق فامره السلطان ان يسميهم فامتنع فجرد و علق بين القفازين فضرب مائة سوط (قال الفضل سمعت ابن أبي عمير) لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط ابلغ الضرب الالم إلي فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمّد بن يونس يقول يا محمّد بن أبي عمير اذكر موقفك بين يدي اللّه تعالى فتقويت بقوله و صبرت و لم اخبر و الحمد للّه (2).

و روي انه تولى ضربه السندي بن شاهك امام هارون الرشيد فادى مائة و واحدا و عشرين الف درهم حتّى خلى عنه و كان ربّ خمسمائة الف درهم (3).

و يظهر من سير التاريخ و الحديث انه رحمه اللّه قاسى من الجهد و البلاء في عصري الهارون و المأمون فان المأمون حبسه في سجنه أربع سنين و كان ذلك بعد وفاة الرضا عليه السّلام و اختلفت الأقوال في ذهاب كتبه فقيل ان أخته دفنتها حال

ص: 13


1- التنقيح 421/1.
2- 62 باب محمد
3- التنقيح 63 باب محمد

استتاره في السجن خوفا عليه كما ذكره جدي الامجد السيّد الجزائريّ رحمه اللّه في شرحه على التهذيب (1)و قيل تركها في غرفة فسال عليها المطر فلما اطلق من حبسه حدثهم من حفظه و كان يحفظ ما يبلغ من أربعين جلدا فسماه نوادر فلذلك توجد أحاديثه منقطعة الأسانيد الا ان الاصحاب سكنوا إليها و عاملوها معاملة الصحاح ثقة به.

مؤلّفاته:

انه صنف كتبا كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة و تسعين كتابا منها كتاب النوادر، كتاب الاستطاعة و الافعال و الرد على أهل القدر و الجبر، كتاب المبدأ، كتاب الإمامة، كتاب المنعة، كتاب المغازي، كتاب الكفر و الايمان، كتاب البداء، كتاب الإحتجاج في الإمامة، كتاب الحجّ، كتاب فضائل الحجّ، كتاب الملاحم، كتاب يوم و ليلة، كتاب الصلاة، كتاب مناسك الحجّ، كتاب الصيام، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المعارف، كتاب التوحيد، كتاب النكاح، كتاب الرضاع.

توفي رحمه اللّه سنة 217 (2).

الثناء على التفسير:

لا ريب في ان هذا التفسير الذي بين ايدينا من اقدم التفاسير التي وصلت الينا و لو لا هذا لما كان متنا متينا في هذا الفن و لما سكن إليه جهابذة الزمن، فكم من تفسير قيم مقتبس من اخباره و لم تره إلاّ منورا بانواره كالصافي و المجمع و البرهان، إلاّ ان هذا الأصل لم يكن متيسرا في زماننا هذا لانه لم يطبع منه في الأخير إلاّ نسختان، طبعتا في ايران احديهما طبعت سنة 1313 و ثانيتهما التي

ص: 14


1- النسخة موجودة عندي بخطي.
2- التنقيح 62 باب محمد

عندي طبعت سنة 1315 مع تفسير الإمام العسكريّ على هامشه و كلتا النسختين مع كثرة الخطأ و الاشتباهات فيهما كانتا نادرتين جدا حتّى لم نجدهما في أكثر مكتبات النجف الأشرف حتّى مكتبة أمير المؤمنين عليه السّلام التي اسسها العلامة المجاهد الأميني مد ظله مع اتساعها و طول باعها في حيازة الكتب القيمة كانت فاقدة لها فاحتيج الى طباعته لئلا يندرس هذا الاثر الاثري و التأليف الزهري فشمرت الباع لرفع القناع عن هذه المؤلّفة المألوفة ليرى محياها كل من احبها و حياها فانها تحفة عصرية و نخبة اثرية لأنّها مشتملة على خصائص شتّى قلما تجدها في غيرها فمنها:

(1) ان هذا التفسير أصل أصول للتفاسير الكثيرة كما تقدم.

(2) ان رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط و الاسناد و لهذا قال في الذريعة: انه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.

(3) مؤلّفه كان في زمن الامام العسكريّ عليه السّلام.

(4) ابوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابيا للامام الرضا عليه السلام.

(5) ان فيه علما جما من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى اعداؤهم لاخراجها من القرآن الكريم.

(6) انه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماما إلاّ بمعونة ارشاد أهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن.

بقي شيء:

و هو ان الراوي الأول الذي املا عليه عليّ بن إبراهيم القمّيّ هذا التفسير على ما يتضمنه بعض نسخ هذا التفسير (كما في نسختي) هو أبو الفضل العباس ابن محمّد بن قاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه السّلام، تلميذ عليّ بن إبراهيم،

ص: 15

و هذا الشخص و ان لم يوجد له ذكر في الأصول الرجالية كما ذكره صاحب الذريعة إلاّ ان ما يدلّ على علو شأنه و سمو مكانه كونه من أولاد الامام موسى ابن جعفر عليه السّلام و منتهيا إليه بثلاث وسائط فقط، و قد ذكره غير واحد من كتب الأنساب كبحر الأنساب و المجدي و عمدة الطالب، و ممّا يرفع غبار الريب عن اعتبار الراوي ركون الاصحاب الى هذا الكتاب و عملهم به بلا ارتياب فلو كان فيه ضعف لما ركنوا إليه، و لذا قال الحرّ العامليّ رحمه اللّه في الوسائل. و هو من الذين اخذوا من هذا الكتاب ما لفظه.

«و لم اقتصر فيه على كتب الحديث الأربعة و ان كانت أشهر ممّا سواها بين العلماء، لوجود كتب كثيرة معتمدة من مؤلّفات الثقات الاجلاء، و كلها متواترة النسبة الى مؤلّفيها، لا يختلف العلماء و لا يشك الفضلاء فيها» (الوسائل 1/5)

و قد عرضت هذا الكتاب قبل نشره على الشيخ الكبير و المجاهد الشهير سماحة العلامة آقا بزرك الطهرانيّ (صاحب الذريعة) دام ظله فابدى سروره على طبعه و دعا لي على هذا المجهود و كتب التقريظ عليه مع ضعف حاله و ارتعاش يده الشريفة، حيث عبر عن هذا الكتاب ب «الاثر النفيس و السفر الخالد المأثور عن الامامين عليهما السلام» .

و لا ريب في انه عريف هذا الفن و غطريف من غطارفة الزمن فقليله في مقام الاطراء كثير.

و بالجملة انه تفسير رباني، و تنوير شعشعاني، عميق المعاني، قوي المبانى عجيب في طوره، بعيد في غوره، لا يخرج مثله إلاّ من العالم عليه السّلام و لا يعقله إلاّ العالمون، و لم آل جهدا في تصحيحه و تنظيفة من الأغلاط المشحونة فيه فاعتمدت في تصحيحه على أربع نسخ منه:

ص: 16

(الأولى) نسخة مطبوعة 1315 هج على هامشها تفسير الإمام العسكريّ عليه السّلام، و هي التي كانت عندي.

(الثانية) نسخة مطبوعة 1313 هج و جعلت رمزها في هذا الكتاب (ط) .

(الثالثة) نسخة خطية من مكتبة آية اللّه الحكيم مد ظله و جعلت رمزها (م) .

(الرابعة) نسخة خطية نادرة من مكتبة الشيخ كاشف الغطاء طلب ثراه، و جعلت رمزها (ك) و اسأل اللّه ان يوفقنا لذلك فان بلغت فيه مناي فهو شفائى، و ان بقي شيء منها فانى معتذر الى مولاي فانه ذو الصفح الجسيم و المن القديم و ما توفيقي إلاّ باللّه العلي العظيم.

تنبيه يتعلق بهذا التفسير

لا بدّ لقارئ هذا التفسير من الالتفات الى امر بدونه يصعب فهم المراد بل ربما ينفتح للعنود و المستضعف باب اللجاج و العناد، فيورد على هذا التفسير و ما شاكله بان كثيرا من مطالبه بعيد عن ظاهر اللفظ و قريب الى التأويلات التي يستنكف العقل منها-مثلا-اي ربط للآيات النازلة في اقوام بائدة كقوم عاد و ثمود باعداء أهل البيت عليهم السّلام حيث فسرت بانها نزلت فيهم و نحو ذلك.

و جوابه يتوقف على بيان امور:

(الأول) انه قد ظهر من الأدلة الباهرة و الاخبار المتضافرة من الفريقين ان ذوات محمّد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين هي علة ايجاد هذا الكون كما يظهر من الحديث المعروف «لولاك لما خلقت الافلاك» المشهور بين الفريقين و حديث «اول ما خلق اللّه نوري» المؤيد بقوله تعالى «قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين» فهذه الآية تدلّ على ان محمّدا صلّى اللّه عليه و آله اول الكل وجودا

ص: 17

و ان كان خاتم الرسل زمانا و عليّ بن أبي طالب اما نفسه كما تدلّ على آية المباهلة او قسيم نوره كما يدلّ عليه قوله صلّى اللّه عليه و آله «انا و علي من نور واحد» و أولاده المعصومون كلهم مظاهر جماله و كماله صلّى اللّه عليه و آله كما قال صلّى اللّه عليه و آله: فيهم «اولنا محمّد و اوسطنا محمّد و آخرنا محمّد و كلنا محمد» و تدلّ على هذا المقصد روايات كثيرة من السنة من شاء فليراجع معارج النبوّة و مدارج النبوّة و ينابيع المودة و نحو ذلك.

و كذا وردت روايات كثيرة معتبرة أيضا كحديث الكساء المتسالم عليه بين العلماء الأعلام و المعمول به بين الخواص و العوام و فيه: «و عزتي و جلالي اني ما خلقت سماءا مبنية و لا ارضا مدحية و لا قمرا منيرا و لا شمسا مضيئا. . . إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء» .

و في اكمال الدين و العيون و العلل عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام انه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما خلق اللّه خلقا أفضل مني و لا اكرم عليه مني، فقلت يا رسول اللّه فانت أفضل او جبرئيل?فقال يا علي ان اللّه فضل انبيائه المرسلين علي ملائكته المقربين و فضلني علي جميع النبيين و المرسلين و الفضل من بعدي لك يا علي و للائمة من بعدك و ان الملائكة لخدامنا و خدام محبينا، يا علي! الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا علي! لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم الى معرفة ربّنا و تسبيحه و تقديسه لان اول ما خلق اللّه خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده و بتمجيده ثمّ خلق الملائكة فلما شاهدوا ارواحنا نورا واحدا استعظموا امرنا فسبحنا لتعلم الملائكة، فسبحت الملائكة بتسبيحنا.

(الثاني) لما ثبت ان ذواتهم المقدّسة هي اول الخلق و غرض الحق فبدليل العقل يجب علي اللّه تعالى لطفا ان يعرفهم جميع خلقه و يعرض محبتهم علي جميع

ص: 18

عباده و إلاّ ليلزم الانفكاك بين الغاية و المغي فهم غرض الخلق و غرض خلقهم ذات الحق و ان شئت فقل ان اللّه لم يخلق الخلق إلاّ للعبادة و لا يعبد إلاّ بعد المعرفة و هي إنّما تحصل بقبول الايمان باللّه كما هو، و هو موقوف علي الإقرار بالرسول المخبر عن اللّه، و هو موقوف على الإقرار بالامام المخبر عن الرسول فعلى اللّه ان يرشد إليه و يدلّ عليه فلا بعد ان ينزل القرآن فيهم و لهم.

(الثالث) ان اللّه تعالى كان عالما باعمال امة نبيه صلّى اللّه عليه و آله بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله بانهم يلعبون بالدين و يهتكون بنو اميس حماته في كل حين، كما ظهر من شنائع بني أميّة و بني العباس و قد نبأ به النبيّ الصادق كما في صحيحي البخاري و مسلم فقال صلّى اللّه عليه و آله: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا يا رسول اللّه اليهود و النصارى?

قال فمن? (1)و كما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالي «لتركبن طبقا عن طبق» اي لتسلكن سبل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء، و في هذا المعنى روايات كثيرة من الفريقين فحينئذ لم يؤمن منهم ان لا يبقوا اسامي الأئمة او فضائلهم في القرآن فلذا لم يكن بد إلاّ ان يبينها اللّه تعالي بالكناية و الاستعارة كما هو دأب القرآن و أسلوبه في أكثر آياته فان له ظاهرا يتعلق بشيء و باطنا بشيء آخر، روى العيّاشيّ و غيره عن جابر قال سألت ابا جعفر عليه السّلام عن شيء من تفسير القرآن فاجابني، ثمّ سألت ثانيا فاجابني بجواب آخر، فقلت جعلت فداك كنت اجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم! فقال لي يا جابر ان للقرآن بطنا و للبطن بطنا و ظهرا و للظهر ظهرا، يا جابر و ليس شيء ابعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآية لتكون اولها في

ص: 19


1- صحيح البخاريّ 4/176

شيء و آخرها في شيء و هو كلام متصل ينصرف على وجوه» .

و عن الغزالي في احياء العلوم و الحافظ ابي نعيم في حلية الأولياء عن ابن مسعود قال: ان القرآن نزل علي سبعة احرف ما منها حرف إلاّ و له ظهر و بطن و ان عليّ بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر و الباطن و المراد من بطن القرآن تأويله كما قال: و لا يعلم تأويله إلاّ اللّه و الراسخون في العلم.

و مثال ذلك آية الشجرة حيث قال: ألم تر كيف ضرب اللّه مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة-الى قوله-مالها من قرار (1)فالمراد من «الشجرة الطيبة» شجرة محمّد و آله صلوات اللّه عليهم و المراد من «الشجرة الخبيثة» و «الشجرة الملعونة» في سورة بني إسرائيل هم بنو أميّة (2)فهذا تأويله فمن الذي له علم بهذا التأويل بمجرد اللفظ غير الذين انزل القرآن في بيتهم و هم أهل البيت سلام اللّه عليهم الملقبون في القرآن ب «الراسخون في العلم» مرة و ب «الذين اوتوا العلم» مرة اخرى، فانهم العرفاء بوجوه القرآن و معانيه و العلماء بناسخه و منسوخه، محكمه و متشابهه، عامه و خاصه، مطلقه و مقيده، مجمله و مبينه، كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيما نزلت و اين نزلت و على من نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا ناطقا (3).

فانقدح من ذلك كله انه إذا ورد منهم معنى آية من الآيات القرآنية في مقام التأويل و التعبير عن بطن القرآن فلا مجال لانكاره او استغرا به و ان كان خلافا للظاهر و هل هبط الروح الأمين بالقرآن إلاّ في بيتهم، و هل استنارت آياته إلا من زيتهم، فهم أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مهبط الوحي و التنزيل و منبت

ص: 20


1- إبراهيم 24.
2- الطبريّ 3/4
3- تاريخ الخلفاء ص 142.

التفسير و التأويل كما قال أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام قدام جمهور من الناس حين خروجه من المدينة «نحن أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة» (1)

فالقرآن ظاهره انيق و باطنه عميق و ان ظاهره و ان كان مخصوصا بفرد خاص او زمان خاصّ لكن باطنه ينطبق علي كل من كان اهلا له الي يوم القيامة و من هنا قال أبو جعفر عليه السّلام: ان القرآن نزل أثلاثا: ثلث فينا و في احبائنا و ثلث في اعدائنا و عدو من كان قبلنا و ثلث سنة و مثل، و لو ان الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات اولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، و لكن القرآن يجرى على آخره ما دامت السماوات و الأرض (2).

و من هنا علم سر ذكر الأمم السابقة كآل فرعون و نمرود، و امة موسى و هود، و قصص النصارى و اليهود، و تكرير اعمالهم القبيحة و اطوارهم الشنيعة مع ان اللّه تعالى ستار العيوب و غفار الذنوب فلا حكمة في نشر فضائحهم و ذكر شنائعهم بعد ما حقت عليهم كلمة العقاب و تمت فيهم مواعيد العذاب، فليس المقصود منه إلاّ اعتبار المعتبرين و تنبيه من لحقهم من الفاسقين الذين شابهوهم بسوء اعمالهم و لهذا عبر عن بعضهم في لسان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيهود هذه الأمة و مجوسها.

فانكشف ممّا ذكرنا ان كل ما ورد في القرآن من المدح كناية و صراحة فهو راجع الى محمّد و آله الطاهرين، و كل ما ورد فيه من القدح كذلك فهو لاعدائهم أجمعين السابقين منهم و اللاحقين و يحمل عليه جميع الآيات من هذا القبيل و ان كان خلافا للظاهر لان أسلوب البيان و حفظه عن النقصان يقتضي الكناية و هي ابلغ من التصريح و الطف، فلا مشاحة فيها بعد ورود دليل قاطع من العقلت.

ص: 21


1- ناسخ التواريخ 6/119.
2- تفسير فرات.

و النقل، و لا ينكره إلاّ من كان دأبه علي المكابرة و الدجل، و اللّه ولي التوفيق يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.

تحريف القرآن:

بقى شيء يهمنا ذكره و هو ان هذا التفسير كغيره من التفاسير القديمة يشتمل علي روايات مفادها ان المصحف الذي بين ايدينا لم يسلم من التحريف و التغيير

و جوابه انه لم ينفرد المصنّف (ر ح) بذكرها بل وافقه فيه غيره من المحدثين المتقدمين و المتأخرين عامة و خاصّة اما العامّة فقد صنفوا فيه كتبا كالسجستانيّ حيث صنف «كتاب المصاحف» و الشعرانى حيث قال:

و لو لا ما يسبق للقلوب الضعيفة و وضع الحكمة في غير أهلها لبينت جميع ما سقط من مصحف عثمان (1).

و الآلوسي حيث اعترف بعد سرد الاخبار التي تدلّ علي التحريف قائلا:

و الروايات في هذا الباب أكثر من ان تحصى (2).

و قال فخر الدين الرازيّ في تفسيره:

نقل في الكتب القديمة ان ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن و كان ينكر كون المعوذتين من القرآن (3).

و نقل السيوطي عن ابن عبّاس و ابن مسعود انه كان يحك المعوذتين من المصحف و يقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، انهما ليستا من كتاب اللّه، انما امر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ان يتعوذ بهما، و كان ابن مسعود لا يقرأ بهما (4).

ص: 22


1- الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت و الجواهر ص 143.
2- روح المعاني 1/24
3- مفاتيح الغيب 1/169.
4- الدّر المنثور 6/416.

و قال الصبحي الصالحي:

«اما القراءات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم و نحوها نحو أوصى و وصى، و تجري تحتها و من تحتها، و سيقولون اللّه و للّه، و ما عملت ايديهم و ما عملته فكتابته على نحو قراءته و كل ذلك وجد في مصحف الامام (1)» و هذا اعتراف منه بان مصحف الامام مشتمل على زيادة لوضوح ان هذه القراءات كلها لم تنزل من اللّه تعالى لان الافصح و الابلغ في المقام واحدة منها، و كلام الخالق لا يكون إلاّ بالافصح و الابلغ، فإذا وجد كل ذلك في مصحف الامام فيحصل لنا العلم و لو اجمالا بزيادة ما ليس من اللّه في القرآن.

و كذلك ذهب كثير منهم الى عدم كون البسملة من القرآن، و من هنا لا يقرؤنها في الصلاة، قال السيّد الخوئي دام ظله في البيان: «فالبسملة مثلا مما تسالم المسلمون على ان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرأها قبل كل سورة غير التوبة، و قد وقع الخلاف في كونها من القرآن بل ذهبت المالكية الى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة» (2).

اما الخاصّة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الإجماع عليه، اما النقيصة فان ذهب جماعة من العلماء الإماميّة الى عدمها أيضا و انكروها غاية الإنكار كالصدوق و السيّد مرتضى و ابي علي الطبرسيّ في «مجمع البيان» و الشيخ الطوسيّ في «التبيان» و لكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء و المحدثين المتقدمين منهم و المتأخرين القول بالنقيصة كالكليني و البرقي، و العيّاشيّ و النعمانيّ، و فرات بن إبراهيم، و أحمد بن أبي طالب الطبرسيّ صاحب الاحتجاج و المجلسيّ، و السيّد الجزائريّ، و الحرّ العامليّ، و العلامة الفتوني، و السيّد البحرانيّ

ص: 23


1- مباحث في علوم القرآن ص 98.
2- البيان ص 138

و قد تمسكوا في اثبات مذهبهم بالآيات و الروايات التي لا يمكن الاغماض عنها.

و الذي يهون الخطب ان التحريف اللازم على قولهم يسير جدا مخصوص بآيات الولاية فهو غير مغير للاحكام و لا للمفهوم الجامع الذي هو روح القرآن، فهو ليس بتحريف في الحقيقة فلا ينال لغير الشيعة ان يشنع عليهم من هذه الجهة.

و تفصيل ذلك ان غيرهم الذي يمكن ان يورد عليهم فهو اما من جمهور المسلمين او أهل الكتاب كالنصارى و اليهود و كلاهما لا يقدر ان علي ذلك اما جمهور المسلمين فلكون كتبهم مملوءة من الاخبار الدالة على التحريف الذي هو ازيد بمراتب من التحريف المستفاد من روايات الإماميّة، إذ هو عند اولئك بمعنى النقيصة و الزيادة و في سائر مواضيع القرآن حتّى قد روي عن عمر انه قال:(1) لا يقولن احدكم قد اخذت القرآن كله و ما يدريه ما كله?قد ذهب منه قرآن كثير، و لكن ليقل قد اخذت منه ما ظهر (1).(2) و عنه أيضا كنا نقرأ الولد للفراش و للعاهر الحجر فيما فقدنا من كتاب اللّه (2).(3) و أيضا روي عنه: فكان فيما انزل عليه آية الرجم فرجم و رجمنا بعده (3).(4) و عن ابي موسى الأشعريّ: انا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول و الشدة بالبراءة فانسيتها، غير أنّي قد حفظت منها: لو كان لابن آدم و أديان من المال لابتغى و اديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم الا تراب (4)و مثله كثير ممّا يظهر منه ذهاب كثير من القرآن عندهم من آيات الأحكام و السور

ص: 24


1- الاتقان 2/40.
2- الدّر المنثور 1/106.
3- سنن ابن ماجة ص 141.
4- صحيح مسلم 3/100

كسورتي الخلع و الحفد (1)و اين هذا من القول بان الساقط منه آيات تتعلق بالولاية فقط مع بقاء جميع آيات الاحكام.

و هذا هو السر في ان الأئمة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين امروا بالتشبث بالقرآن الكريم و امروا بارجاع الأحاديث المشكوكة علي القرآن و الأخذ بما وافقه ورد ما خالفه و إنّما هو نص واضح على ان التحريف و التغيير لم يقع فيها و ما وقع منه يسيرا فانما هو بالنسبة الى الآيات الراجعة الى آل بيت النبيّ صلوات اللّه عليهم مع بقاء كثيرة منها على حالها لم تحرف مع كفايتها في مقام استعلام فضائلهم مع احتمال كون الساقط من قبيل الشرح لا المتن كما ذهب إليه الكاشانى

اما أهل الكتاب فانهم أيضا لا يقدرون علي الايراد المذكور لوروده على انفسهم حقيقة لذهاب التوراة و الإنجيل من البين كما يشهد به مطالعة هذين الكتابين، و قد اعترف علماؤهم اجمع بحدوث الاناجيل الأربعة بعد وفاة عيسى حتى سموها New. Testament اعني «العهد الجديد» .

و هذه الاناجيل عبارة عن:1-انجيل متى.2-انجيل مرقس.

انجيل لوقا.4-انجيل يوحنا، و ليس واحد منها من كلام عيسى و لا حواريه بل انها نسبت الى متى و لوقا لتحصيل الاشتهار و جلب رغبة الناس إليها، و قد جرت هذه الاناجيل في الناس دهرا طويلا تقرأ مسودة فحدثت فيها التغييرات و الإضافات حينا بعد حين و اضيفت فيها الاساطير التي كان بناء أكثرها علي المبالغة و انها كانت علي السنة ضعفة العقول في ذلك الزمان حتّى حسبت بعد

ص: 25


1- روح المعاني 1/24.

مدة حقائق تاريخية و حوادث واقعية. قد صرّح بذلك كله علماؤهم المعروفون في كتبهم (1).

و قال القسيس المعروف ارنست وليام Earnest William ان مرقس اقدم الاناجيل كما سنذكره في الباب الثامن كتب حين انتشرت النصرانية في الارجاء، و كانت الفترة بين صلب عيسى و كتابته أربعين سنة او ازيد(2).

و هذا بخلاف القرآن الحكيم فانه كان مكتوبا مدونا في زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله عند أمير المؤمنين عليه السّلام على قول او كان مكتوبا متفرقا على الواح و عسب و الفه الخلفاء على قول آخر مع اجماع الفريقين على ان ما بين الدفتين كله من اللّه تعالى فهو باق علي اعجازه منزه عن الدخل في حقيقته و مجازه لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، متحدّ علي اعلانه القويم القديم.

«قل لئن اجتمعت الانس و الجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا» .

طيب الموسوي الجزائريّ النجف الأشرف 8 رجب المرجب سنة 1386

ص: 26


1- و هذه اساميهم مع اسامى كتبهم: (1) The Rise Of Christanity By Earnest William. (2) History Of Syria By Philip. K. Hitti. (3) The Life Of Juses By Earnest. (2) the Rise Of Christanity p.84
2- و هذه اساميهم مع اسامى كتبهم: (1) The Rise Of Christanity By Earnest William. (2) History Of Syria By Philip. K. Hitti. (3) The Life Of Juses By Earnest. (2) the Rise Of Christanity p.84

مقدمة المصنف

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد-الذي لا من شيء خلق (1)ما كون بل بقدرته، بان بها من الأشياء و بانت الأشياء منه-فليست له صفة تنال و لا حد يضرب فيه الأمثال-كل دون صفاته تحبير (2)اللغات، و ضل هنالك تصاريف الصفات و حار في أداني ملكوته عميقات مذاهب التفكير، و انقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، و حال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب-و تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول، فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم-و لا يناله غوص الفطن-و تعالى الذي ليس لنعته حد محدود، و لا وقت ممدود و لا أجل معدود، فسبحان الذي ليس له أول مبتدإ و لا غاية منتهى، سبحانه كما هو وصف نفسه و الواصفون لا يبلغون نعته، حد الأشياء كلها بعلمه عند خلقه-و أبانها إبانة لها من شبهها بما لم يحلل فيها-فيقال هو فيها كائن و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن، و لم يخل منها فيقال له أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه و أتقنها صنعه و أحصاها حفظه-فلم يعزب عنه خفيات هبوب الهواء و لا غامض سرائر مكنون ظلم الدجى، و لا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى و على كل شيء منها حافظ و رقيب-و بكل شيء منها محيط هو الله الواحد الأحد رب العالمين-و الحمد لله الذي جعل العمل في الدنيا و الجزاء في الآخرة-و جعل لكل شيء قدرا و لكل قدر أجلا-و لكل أجل كتابا يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ-وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتٰابِ و الحمد لله الذي جعل الحمد شكرا و الشكر طاعة-و التكبير جلالة و تعظيما

ص: 1


1- . أي لم يخلق الكون من شيء إنما خلقه بقدرته بدون شيء فلفظ «قدرته» مجرور من بواسطة العطف على «شيء» . ج-ز.
2- . حبر الكلام أي حسنه و زينه. ج-ز.

فلا إله إلا هو إخلاصا نشهد به فإنه قال عز و جل « سَتُكْتَبُ شَهٰادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ » و قال « إِلاّٰ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ » تشهد به بلجة (1)صدورنا و عارفة قلوبنا-قد شيط به (2)لحومنا و دماؤنا-و أشعارنا و أبشارنا و أسماعنا و أبصارنا-و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ص-أرسله بكتاب قد فصله و أحكمه و أعزه و حفظه بعلمه و أوضحه بنوره و أيده بسلطانه-و أحكمه من أن يميل سهوا و يأتيه الباطل من بين يديه-و من خلفه تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، لا تفنى عجائبه من قال به صدق و من عمل به أحيز-و من خاصم به فلج و من قال به نصر-و من قام به هُدِيَ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ و من تركه من الجبابرة قصمه الله-و من ابتغى العلم من غيره أضله الله و هو حبل الله المتين-فيه بيان ما كان قبلكم و الحكم فيما بينكم و خبر معادكم-أنزله الله بعلمه و أشهد الملائكة بتصديقه فقال « لٰكِنِ اَللّٰهُ يَشْهَدُ بِمٰا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ-وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً » فجعله نورا يهدي التي هي أقوم فقال « اِتَّبِعُوا مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ-وَ لاٰ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيٰاءَ قَلِيلاً مٰا تَذَكَّرُونَ » ففي اتباع ما جاء من الله عز و جل الفوز العظيم-و في تركه الخطأ المبين-فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا و الآخرة، و القرآن آمر و زاجر حد فيه الحدود-و سن فيه السنن و ضرب فيه الأمثال-و شرع فيه الدين و غدا من سببه حجة على خلقه-أخذ عليهم ميثاقهم و ارتهن لهم أنفسهم-لينبئ لهم ما يأتون و ما يبتغون لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ-وَ يَحْيىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اَللّٰهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ

وَ قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ-إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بَعَثَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً ص بِالْهُدَى وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ اَلْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَ أَنْتُمْ أُمِّيُّونَ عَنِ اَلْكِتَابِ-وَ مَنْ أَنْزَلَهُ وَ عَنِ اَلرَّسُولِ وَ مَنْ أَرْسَلَهُ، أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ طُولِ هَجْعَةٍ (3)مِنَ اَلْأُمَمِ-وَ اِنْبِسَاطٍ مِنَ

ص: 2


1- . بلج صدره أي انشرح.
2- . شيط أي نضج.
3- . اَلْهَجْعَةُ اَلنَّوْمُ.

اَلْجَهْلِ وَ اِعْتِرَاضٍ مِنَ اَلْفِتْنَةِ-وَ اِنْتِقَاصٍ مِنَ اَلْبَرَمِ وَ عَمًى عَنِ اَلْحَقِّ-وَ اِنْتِشَارٍ مِنَ اَلْخَوْفِ وَ اِعْتِسَافٍ مِنَ اَلْجَوْرِ-وَ اِمْتِحَاقٍ مِنَ اَلدِّينِ وَ تلظي [تَلَظٍّ] مِنَ اَلْحُرُوبِ-وَ عَلَى حِينِ اِصْفِرَارٍ مِنْ رِيَاضِ جَنَّاتِ اَلدُّنْيَا-وَ يُبُوسٍ مِنْ أَغْصَانِهَا وَ اِنْتِشَارٍ مِنْ وَرَقِهَا-وَ يَأْسٍ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَ اِغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، فَقَدْ دَرَسَتْ أَعْلاَمُ اَلْهُدَى وَ ظَهَرَتْ أَعْلاَمُ اَلرَّدَى وَ اَلدُّنْيَا مُتَهَجِّمَةٌ (1)فِي وُجُوهِ أَهْلِهَا-متكفهرة [مُكْفَهِرَّةٌ] مُدْبِرَةٌ غَيْرُ مُقْبِلَةٍ ثَمَرَتُهَا اَلْفِتْنَةُ وَ طَعَامُهَا اَلْجِيفَةُ وَ شِعَارُهَا اَلْخَوْفُ-وَ دِثَارُهَا اَلسَّيْفُ قَدْ مَزَّقَهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ-فَقَدْ أَعْمَتْ عُيُونُ أَهْلِهَا وَ أَظْلَمَتْ عَلَيْهِمْ أَيَّامُهَا-قَدْ قَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ وَ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ-وَ دَفَنُوا فِي اَلتُّرَابِ اَلْمَوْءُودَةَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوْلاَدِهِمْ-يَجْتَازُ دُونَهُمْ طِيبُ اَلْعَيْشِ وَ رَفَاهَتُهُ، خُوطٌ (2)لاَ يَرْجُونَ مِنَ اَللَّهِ ثَوَاباً وَ لاَ يَخَافُونَ اَللَّهَ عِقَاباً-حَيُّهُمْ أَعْمَى نَجَسٌ مَيِّتُهُمْ فِي اَلنَّارِ مُبْلِسٌ-فَجَاءَهُمُ اَلنَّبِيُّ ص بِنُسْخَةِ مَا فِي اَلصُّحُفِ اَلْأُولَى-وَ تَصْدِيقِ اَلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلِ اَلْحَلاَلِ وَ بَيَانِ اَلْحَرَامِ-وَ ذَلِكَ اَلْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ فَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ، أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضَى وَ عِلْمَ مَا يَأْتِي إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَ حُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ وَ بَيَانَ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مختلفون [تَخْتَلِفُونَ] فَلَوْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ لَأَخْبَرْتُكُمْ عَنْهُ لِأَنِّي أَعْلَمُكُمْ. » .

وَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فِي حِجَّةِ اَلْوَدَاعِ فِي مَسْجِدِ اَلْخَيْفِ «إِنِّي فَرَطُكُمْ (3)وَ إِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ اَلْحَوْضَ ، حَوْضٌ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ اَلْبَصْرَةِ وَ صَنْعَاءَ ، فِيهِ قُدْحَانٌ مِنْ فِضَّةٍ عَدَدَ اَلنُّجُومِ أَلاَ وَ إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنِ اَلثَّقَلَيْنِ-قَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ مَا اَلثَّقَلاَنِ قَالَ كِتَابُ اَللَّهِ اَلثَّقَلُ اَلْأَكْبَرُ طَرَفٌ بِيَدِ اَللَّهِ وَ طَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ-فَتَمَسَّكُوا بِهِ لَنْ تَضِلُّوا وَ لَنْ تَزِلُّوا-وَ اَلثَّقَلُ اَلْأَصْغَرُ عِتْرَتِي وَ أَهْلُ بَيْتِي فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ-أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا

ص: 3


1- . اَلْهَجْمَةُ أَوَّلُ مَا يَهْجُمُ مِنْ ظَلاَمِ اَللَّيْلِ وَ اَلْمُرَادُ هُنَا مُطْلَقُ اَلظُّلْمَةِ وَ كَذَا مُكْفَهِرَّةٌ، وَ فِي ط مُتَجَهِّمَةٌ أَيْ عَابِسَةٌ ج-ز.
2- . اَلْخُوطُ اَلْغُصْنُ اَلنَّاعِمُ أَوْ كُلُّ قَضِيبٍ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا غَيْرَ ذَوِي حَنَكٍ وَ تَدْبِيرٍ.
3- . اَلْفَرَطُ اَلْمُتَقَدِّمُ وَ اَلْمَعْنَى إِنِّي أَتَقَدَّمُكُمْ إِلَى اَلْحَوْضِ. ج-ز.

حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ-وَ لاَ أَقُولُ كَهَاتَيْنِ-وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَ اَلْوُسْطَى-فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ» . فالقرآن عظيم قدره جليل خطره بين ذكره-من تمسك به هدي و من تولى عنه ضل و زل-فأفضل ما عمل به القرآن لقول الله عز و جل لنبيه ص « وَ نَزَّلْنٰا عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْءٍ-وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرىٰ لِلْمُسْلِمِينَ » و قال « وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ » ففرض الله عز و جل على نبيه ص أن يبين للناس ما في القرآن من الأحكام و القوانين-و الفرائض و السنن-و فرض على الناس التفقه و التعليم-و العمل بما فيه حتى لا يسع أحدا جهله و لا يعذر في تركه-و نحن ذاكرون و مخبرون بما ينتهي إلينا و رواه مشايخنا و ثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم-و أوجب ولايتهم و لا يقبل عمل إلا بهم-و هم الذين وصفهم الله تبارك و تعالى-و فرض سؤالهم و الأخذ منهم فقال « فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ » فعلمهم عن رسول الله و هم الذين قال في كتابه و خاطبهم في قوله تعالى « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِرْكَعُوا وَ اُسْجُدُوا وَ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ-وَ اِفْعَلُوا اَلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ- وَ جٰاهِدُوا فِي اَللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ هُوَ اِجْتَبٰاكُمْ-وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ-مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هٰذٰا ( القرآن ) لِيَكُونَ اَلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ-وَ تَكُونُوا أنتم يا معشر الأئمة شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ » فرسول الله ص شهيد عليهم و هم شهداء على الناس فالعلم عندهم و القرآن معهم-و دين الله عز و جل الذي ارتضاه لأنبيائه-و ملائكته و رسله منهم يقتبس

وَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع «أَلاَ إِنَّ اَلْعِلْمَ اَلَّذِي هَبَطَ بِهِ آدَمُ ع مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ-وَ جَمِيعَ مَا فُضِّلَتْ بِهِ اَلنَّبِيُّونَ إِلَى خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ عِنْدِي-وَ عِنْدَ عِتْرَةِ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ بَلْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ.

وَ قَالَ أَيْضاً أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فِي خُطْبَتِهِ «وَ لَقَدْ عَلِمَ اَلْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ص أَنَّهُ قَالَ إِنِّي وَ أَهْلَ بَيْتِي مُطَهَّرُونَ فَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا-وَ لاَ تَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَتَزِلُّوا-وَ لاَ تُخَالِفُوهُمْ فَتَجْهَلُوا-وَ لاَ تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ

ص: 4

هُمْ أَعْلَمُ اَلنَّاسِ كِبَاراً وَ أَحْلَمُ اَلنَّاسِ صِغَاراً-فَاتَّبِعُوا اَلْحَقَّ وَ أَهْلَهُ حَيْثُ كَانَ. ففي الذي ذكرنا من عظيم خطر القرآن و علم الأئمة ع كفاية لمن شرح الله صدره و نور قلبه و هداه لإيمانه-و من عليه بدينه و بالله نستعين و عليه نتوكل-و هو حسبنا وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ » (قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي ) فالقرآن منه ناسخ، و منه منسوخ، و منه محكم، و منه متشابه، و منه عام، و منه خاص، و منه تقديم، و منه تأخير، و منه منقطع، و منه معطوف، و منه حرف مكان حرف، و منه على خلاف ما أنزل الله (1)، و منه ما لفظه عام و معناه خاص، و منه ما لفظه خاص و معناه عام، و منه آيات بعضها في سورة و تمامها في سورة أخرى و منه ما تأويله في تنزيله، و منه ما تأويله مع تنزيله، و منه ما تأويله قبل تنزيله، و منه ما تأويله بعد تنزيله، و منه رخصة إطلاق بعد الحظر، و منه رخصة صاحبها فيها بالخيار-إن شاء فعل و إن شاء ترك، و منه رخصة ظاهرها خلاف باطنها-يعمل بظاهرها و لا يدان بباطنها، و منه ما على لفظ الخبر و معناه حكاية عن قوم، و منه آيات نصفها منسوخة و نصفها متروكة على حالها، و منه مخاطبة لقوم و معناه لقوم آخرين، و منه مخاطبة للنبي ص و المعنى أمته، و منه ما لفظه مفرد و معناه جمع، و منه ما لا يعرف تحريمه إلا بتحليله، و منه رد على الملحدين ، و منه رد على الزنادقة ، و منه رد على الثنوية و منه رد على الجهمية ، و منه رد على الدهرية ، و منه رد على عبدة النيران ، و منه رد على عبدة الأوثان ، و منه رد على المعتزلة ، و منه رد على القدرية ، و منه رد على المجبرة ، و منه رد على من أنكر من المسلمين الثواب و العقاب-بعد الموت يوم القيامة ، و منه رد على من أنكر المعراج و الإسراء ، و منه رد على من أنكر الميثاق

ص: 5


1- . مراده رحمه الله منه الآيات التي حذفت منها ألفاظ على الظاهر كالآيات التي نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام مثل قوله تعالى يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (في علي عليه السلام) و سيأتي تفصيل القول في ذلك عند محله. ج-ز.

في الذر، و منه رد على من أنكر خلق الجنة و النار ، و منه رد على من أنكر المتعة و الرجعة، و منه رد على من وصف الله عز و جل، و منه مخاطبة الله عز و جل لأمير المؤمنين و الأئمة ع و ما ذكره الله من فضائلهم و فيه خروج القائم و أخبار الرجعة و ما وعد الله تبارك و تعالى الأئمة ع من النصرة-و الانتقام من أعدائهم، و فيه شرائع الإسلام و أخبار الأنبياء ع-و مولدهم و مبعثهم و شريعتهم و هلاك أمتهم، و فيه ما نزل بمغازي النبي ص و فيه ترهيب و فيه ترغيب، و فيه أمثال، و فيه أخبار و قصص، و نحن ذاكرون جميع ما ذكرنا-إن شاء الله في أول الكتاب مع خبرها-ليستدل بها على غيرها و علم ما في الكتاب-و بالله التوفيق و الاستعانة-و عليه نتوكل و به نستعين و نستجير-و الصلاة على محمد و آله الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

فأما الناسخ و المنسوخ-فإن عدة النساء كانت في الجاهلية إذا مات الرجل تعتد امرأته سنة-فلما بعث رسول الله ص لم ينقلهم عن ذلك و تركهم على عاداتهم-و أنزل الله تعالى بذلك قرآنا فقال « وَ اَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوٰاجِهِمْ مَتٰاعاً إِلَى اَلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرٰاجٍ » (1)فكانت العدة حولا فلما قوي الإسلام أنزل الله « اَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً-يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً » (2)فنسخت قوله « مَتٰاعاً إِلَى اَلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرٰاجٍ » و مثله أن المرأة كانت في الجاهلية إذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت-و الرجل يؤذى فأنزل الله في ذلك « وَ اَللاّٰتِي يَأْتِينَ اَلْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ-فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي اَلْبُيُوتِ-حَتّٰى يَتَوَفّٰاهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللّٰهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (3)»

ص: 6


1- . البقرة 240.
2- . البقرة 234.
3- . النساء 14.

و في الرجل « وَ اَلَّذٰانِ يَأْتِيٰانِهٰا مِنْكُمْ فَآذُوهُمٰا-فَإِنْ تٰابٰا وَ أَصْلَحٰا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمٰا-إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ تَوّٰاباً رَحِيماً (1)» فلما قوي الإسلام أنزل الله « اَلزّٰانِيَةُ وَ اَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ (2)» فنسخت تلك و مثله كثير-نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى و أما المحكم فمثل قوله تعالى « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاٰةِ-فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى اَلْمَرٰافِقِ-وَ اِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ (3)» و مثله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَ اَلدَّمُ وَ لَحْمُ اَلْخِنْزِيرِ (4)» و منه قوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ (5)» الآية إلى آخرها فهذه كله محكم-قد استغنى بتنزيله عن تأويله و مثله كثير.

و أما المتشابه فما ذكرنا مما لفظه واحد و معناه مختلف-فمنه الفتنة التي ذكرها الله تعالى في القرآن فمنها عذاب و هو قوله « يَوْمَ هُمْ عَلَى اَلنّٰارِ يُفْتَنُونَ (6)» أي يعذبون-و قوله « اَلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ (7)» و هي الكفر-و منه الحب و هو قوله « إِنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ (8)» يعني بها الحب-و منه اختبار و هو قوله « الم أَ حَسِبَ اَلنّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا-أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ (9)» أي لا يختبرون-و مثله كثير نذكره في مواضعه-و منه الحق و هو على وجوه كثيرة و منه الضلال و هو على وجوه كثيرة-فهذا من المتشابه الذي لفظه واحد و معناه مختلف.

و أما ما لفظه عام و معناه خاص فمثل قوله تعالى « يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ اَلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ-وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ (10)» فلفظه عام و معناه خاص لأنه فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصهم بها-و قوله « وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (11)»

ص: 7


1- . النساء 15.
2- . النور 2.
3- . المائدة 7.
4- . المائدة 173.
5- . النساء 22.
6- . الذاريات 13.
7- . البقرة 191.
8- . الأنفال 28.
9- . العنكبوت 2.
10- . البقرة 122.
11- النمل 23.

يعني بلقيس فلفظه عام و معناه خاص-لأنها لم تؤت أشياء كثيرة منها الذكر و اللحية و قوله « رِيحٌ فِيهٰا عَذٰابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهٰا (1)» لفظه عام و معناه خاص-لأنها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها.

و أما ما لفظه خاص و معناه عام فقوله « مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي اَلْأَرْضِ-فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ اَلنّٰاسَ جَمِيعاً (2)» فلفظ الآية خاص في بني إسرائيل و معناها عام في الناس كلهم.

و أما التقديم و التأخير-فإن آية عدة النساء الناسخة مقدمة على المنسوخة لأن في التأليف قد قدمت آية «عدة النساء أربعة أشهر و عشرا (3)» على آية «عدة سنة كاملة (4)» و كان يجب أولا أن تقرأ المنسوخة-التي نزلت قبل ثم الناسخة التي نزلت بعده-و قوله « أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتٰابُ مُوسىٰ إِمٰاماً وَ رَحْمَةً » (5)

فَقَالَ اَلصَّادِقُ ع إِنَّمَا نَزَلَ « أَ فَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ-وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ إِمَاماً وَ رَحْمَةً-وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى . » و قوله « وَ قٰالُوا مٰا هِيَ إِلاّٰ حَيٰاتُنَا اَلدُّنْيٰا نَمُوتُ وَ نَحْيٰا (6)» و إنما هو يحيي و يميت-لأن الدهرية لم يقروا بالبعث بعد الموت-و إنما قالوا «نحيا و نموت» فقدموا حرفا على حرف-و قوله « يٰا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اُسْجُدِي وَ اِرْكَعِي (7)» أيضا هو « اركعي و اسجدي » و قوله « فَلَعَلَّكَ بٰاخِعٌ نَفْسَكَ عَلىٰ آثٰارِهِمْ-إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهٰذَا اَلْحَدِيثِ أَسَفاً (8)» و إنما

ص: 8


1- . الأحقاف 25.
2- . المائدة 35.
3- . اَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً البقرة 234.
4- . وَ اَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوٰاجِهِمْ مَتٰاعاً إِلَى اَلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرٰاجٍ البقرة 240.
5- . هود 17.
6- . الجاثية 23.
7- . آل عمران 43.
8- . بخع نفسه كاد أن يهلكها من غضب أو غم.

هو « فلعلك باخع نفسك على آثارهم أسفا-إن لم يؤمنوا بهذا الحديث » و مثله كثير.

و أما المنقطع المعطوف فهي آيات نزلت في خبر-ثم انقطعت قبل تمامها-و جاءت آيات غيرها-ثم عطف بعد ذلك على الخبر الأول مثل قوله عز و جل « وَ إِبْرٰاهِيمَ إِذْ قٰالَ لِقَوْمِهِ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ وَ اِتَّقُوهُ-ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- إِنَّمٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ أَوْثٰاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً-إِنَّ اَلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ لاٰ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً-فَابْتَغُوا عِنْدَ اَللّٰهِ اَلرِّزْقَ وَ اُعْبُدُوهُ وَ اُشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » ثم انقطع خبر إبراهيم فقال مخاطبة لأمة محمد « وَ إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ-وَ مٰا عَلَى اَلرَّسُولِ إِلاَّ اَلْبَلاٰغُ اَلْمُبِينُ- أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اَللّٰهُ اَلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ-إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى اَللّٰهِ يَسِيرٌ » إلى قوله « أُولٰئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ » ثم عطف بعد هذه الآيات على قصة إبراهيم فقال « فَمٰا كٰانَ جَوٰابَ قَوْمِهِ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ-فَأَنْجٰاهُ اَللّٰهُ مِنَ اَلنّٰارِ (1)» و مثله في قصة لقمان قوله « وَ إِذْ قٰالَ لُقْمٰانُ لاِبْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يٰا بُنَيَّ-لاٰ تُشْرِكْ بِاللّٰهِ إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » ثم انقطعت وصية لقمان لابنه فقال « وَ وَصَّيْنَا اَلْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلىٰ وَهْنٍ » إلى قوله « فَأُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » ثم عطف على خبر لقمان فقال « يٰا بُنَيَّ إِنَّهٰا إِنْ تَكُ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ-فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ أَوْ فِي اَلْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا. . . إلخ (2)» و مثله كثير.

و أما ما هو حرف مكان حرف فقوله « لِئَلاّٰ يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ (3)» يعني و لا للذين ظلموا منهم و قوله « يٰا مُوسىٰ لاٰ تَخَفْ إِنِّي لاٰ يَخٰافُ لَدَيَّ اَلْمُرْسَلُونَ إِلاّٰ مَنْ ظَلَمَ (4)» يعني و لا من ظلم-و قوله « مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّٰ خَطَأً (5)» يعني و لا خطأ-و قوله

ص: 9


1- . العنكبوت 24.
2- . لقمان 16.
3- . البقرة 150.
4- . النمل 10.
5- . النساء 91.

« لاٰ يَزٰالُ بُنْيٰانُهُمُ اَلَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ-إِلاّٰ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ (1)» يعني حتى تنقطع قلوبهم-و مثله كثير.

و أما ما هو كان على خلاف ما أنزل الله فهو قوله « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ-تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ (2)»

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع لِقَارِئِ هَذِهِ اَلْآيَةِ « خَيْرُ أُمَّةٍ » يَقْتُلُونَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع فَقِيلَ لَهُ وَ كَيْفَ نَزَلَتْ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ فَقَالَ إِنَّمَا نَزَلَتْ « كُنْتُمْ خَيْرَ أَئِمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ » أَ لاَ تَرَى مَدْحَ اَللَّهِ لَهُمْ فِي آخِرِ اَلْآيَةِ « تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ » .

وَ مِثْلُهُ آيَةٌ قُرِئَتْ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع « اَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا-وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اِجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً (3)» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع لَقَدْ سَأَلُوا اَللَّهَ عَظِيماً أَنْ يَجْعَلَهُ لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً-فَقِيلَ لَهُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ كَيْفَ نَزَلَتْ فَقَالَ إِنَّمَا نَزَلَتْ « اَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا-وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اِجْعَلْ لَنَا مِنَ اَلْمُتَّقِينَ إِمَاماً » وَ قَوْلُهُ « لَهُ مُعَقِّبٰاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اَللّٰهِ (4)» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ كَيْفَ يُحْفَظُ اَلشَّيْءُ مِنْ أَمْرِ اَللَّهِ وَ كَيْفَ يَكُونُ اَلْمُعَقِّبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ-فَقِيلَ لَهُ وَ كَيْفَ ذَلِكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ فَقَالَ إِنَّمَا نَزَلَتْ « لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ خَلْفِهِ وَ رَقِيبٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ-يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اَللَّهِ » .

و مثله كثير.

و أما ما هو محرف منه فهو قوله « لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه و الملائكة يشهدون (5)» و قوله « يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي فإن لم تفعل فما بلغت رسالته (6)» و قوله

ص: 10


1- . التوبة 111.
2- . آل عمران 110.
3- . اَلْفُرْقَانُ 74.
4- . اَلرَّعْدُ 10.
5- . النساء 166.
6- . المائده 70.

« إن الذين كفروا و ظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم (1)» و قوله « و سيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم أي منقلب ينقلبون (2)» و قوله « و لو ترى الذين ظلموا آل محمد حقهم في غمرات الموت (3)» و مثله كثير نذكره في مواضعه.

و أما ما لفظه جمع و معناه واحد و هو جار في الناس-فقوله « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَخُونُوا اَللّٰهَ وَ اَلرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَمٰانٰاتِكُمْ (4)» نزلت في أبي لبابة بن عبد الله بن المنذر خاصة-و قوله « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ (5)» نزلت في حاطب بن أبي بلتعة و قوله « اَلَّذِينَ قٰالَ لَهُمُ اَلنّٰاسُ إِنَّ اَلنّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ (6)» نزلت في نعيم بن مسعود الأشجعي و قوله « وَ مِنْهُمُ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ (7)» نزلت في عبد الله بن نفيل خاصة-و مثله كثير نذكره في مواضعه.

و أما ما لفظه واحد و معناه جمع فقوله « وَ جٰاءَ رَبُّكَ وَ اَلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (8)» فاسم الملك واحد و معناه جمع-و قوله « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اَللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ-وَ اَلشَّمْسُ وَ اَلْقَمَرُ وَ اَلنُّجُومُ وَ اَلْجِبٰالُ وَ اَلشَّجَرُ (9)» فلفظ الشجر واحد و معناه جمع.

و أما ما لفظه ماض و هو مستقبل فقوله « وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ-إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اَللّٰهُ وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دٰاخِرِينَ (10)» و قوله

ص: 11


1- . النساء 167.
2- . الشعراء 227.
3- . الآية الموجودة في المصحف هكذا «وَ لَوْ تَرىٰ إِذِ اَلظّٰالِمُونَ فِي غَمَرٰاتِ اَلْمَوْتِ» الأنعام 93.
4- . الأنفال 27.
5- . الممتحنة 1.
6- . آل عمران 173.
7- . التوبة 62.
8- . الفجر 22.
9- . الحج 18.
10- . النمل 87.

« وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ-إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اَللّٰهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرىٰ فَإِذٰا هُمْ قِيٰامٌ يَنْظُرُونَ- وَ أَشْرَقَتِ اَلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهٰا-وَ وُضِعَ اَلْكِتٰابُ وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ اَلشُّهَدٰاءِ-وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لاٰ يُظْلَمُونَ- وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمٰا يَفْعَلُونَ (1)» إلى آخر الآية فهذا كله ما لم يكن بعد-و في لفظ الآية أنه قد كان و مثله كثير.

و أما الآيات التي هي في سورة و تمامها في سورة أخرى-فقوله في سورة البقرة في قصة بني إسرائيل حين عبر بهم موسى البحر و أغرق الله فِرْعَوْنَ و أصحابه و أنزل موسى ببني إسرائيل فأنزل الله عليهم المن و السلوى-فقالوا لموسى « لَنْ نَصْبِرَ عَلىٰ طَعٰامٍ وٰاحِدٍ-فَادْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنٰا مِمّٰا تُنْبِتُ اَلْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهٰا-وَ قِثّٰائِهٰا وَ فُومِهٰا وَ عَدَسِهٰا وَ بَصَلِهٰا فقال لهم موسى « أَ تَسْتَبْدِلُونَ اَلَّذِي هُوَ أَدْنىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اِهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مٰا سَأَلْتُمْ (2)فقالوا له يٰا مُوسىٰ » إِنَّ فِيهٰا قَوْماً جَبّٰارِينَ-وَ إِنّٰا لَنْ نَدْخُلَهٰا حَتّٰى يَخْرُجُوا مِنْهٰا-فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا فَإِنّٰا دٰاخِلُونَ (3)» فنصف الآية في سورة البقرة و نصفها في سورة المائدة و قوله « اِكْتَتَبَهٰا فَهِيَ تُمْلىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً (4)» فرد الله عليهم « وَ مٰا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتٰابٍ-وَ لاٰ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتٰابَ اَلْمُبْطِلُونَ (5)» فنصف الآية في سورة الفرقان و نصفها في سورة القصص و العنكبوت و مثله كثير نذكره في مواضعه.

و أما الآية التي نصفها منسوخة و نصفها متروكة على حالها-فقوله « وَ لاٰ تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ (6)» و ذلك أن المسلمين كانوا ينكحون أهل الكتاب من اليهود و النصارى و ينكحونهم فأنزل الله

ص: 12


1- . الزمر 68.
2- . البقرة 61.
3- . المائدة 24.
4- . الفرقان 5.
5- . العنكبوت 48.
6- . البقرة 221.

« وَ لاٰ تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ-وَ لاٰ تُنْكِحُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَتّٰى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ » فنهى الله أن ينكح المسلم المشركة أو ينكح المشرك المسلمة ثم نسخ قوله « وَ لاٰ تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ » بقوله في سورة المائدة « وَ طَعٰامُ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ-وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ-وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ-إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ » فنسخت هذه الآية قوله « وَ لاٰ تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ » و ترك قوله « وَ لاٰ تُنْكِحُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَتّٰى يُؤْمِنُوا » لم ينسخ لأنه لا يحل للمسلم أن ينكح المشركة و يحل له أن يتزوج المشركة من اليهود و النصارى ، و قوله « وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ-وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ اَلْأَنْفَ بِالْأَنْفِ-وَ اَلْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ اَلسِّنَّ بِالسِّنِّ وَ اَلْجُرُوحَ قِصٰاصٌ (1)» ثم نسخت هذه الآية بقوله « كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِصٰاصُ فِي اَلْقَتْلىٰ اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ-وَ اَلْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ اَلْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ (2)» فنسخت قوله « اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ إلى قوله اَلسِّنَّ بِالسِّنِّ » و لم ينسخ قوله « اَلْجُرُوحَ قِصٰاصٌ » فنصف الآية منسوخة و نصفها متروكة.

و أما ما تأويله في تنزيله-فكل آية نزلت في حلال أو حرام-مما لا يحتاج فيها إلى تأويل مثل قوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ-وَ أَخَوٰاتُكُمْ وَ عَمّٰاتُكُمْ وَ خٰالاٰتُكُمْ (3)» و قوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَ اَلدَّمُ وَ لَحْمُ اَلْخِنْزِيرِ (4)» و مثله كثير مما تأويله في تنزيله-و هو من المحكم الذي ذكرناه.

و أما ما تأويله مع تنزيله فمثل قوله « أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (5)» فلم يستغن الناس بتنزيل الآية-حتى فسر لهم الرسول من أولو

ص: 13


1- . المائدة 48.
2- . البقرة 178.
3- . النساء 22.
4- . المائدة 173.
5- . النساء 58.

الأمر-و قوله « اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ (1)» فلم تستغن الناس الذين سمعوا هذا من النبي بتنزيل الآية-حتى عرفهم النبي ص من الصادقون-و قوله « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيٰامُ-كَمٰا كُتِبَ عَلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ » فلم يستغن الناس حتى أخبرهم النبي (ص) كم يصومون-و قوله « أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ آتُوا اَلزَّكٰاةَ » فلم تستغن الناس بهذا حتى أخبرهم النبي كم يصلون و كم يصومون و كم يزكون.

و أما ما تأويله قبل تنزيله-فالأمور التي حدثت في عصر النبي ص مما لم يكن عند النبي فيها حكم مثل الظهار-فإن العرب في الجاهلية كانوا إذا ظاهر الرجل من امرأته-حرمت عليه إلى الأبد-فلما هاجر رسول الله إلى المدينة ظاهر رجل من امرأته يقال له أوس بن الصامت فجاءت امرأته إلى رسول الله ص فأخبرته بذلك-فانتظر النبي ص الحكم من الله-فأنزل الله تبارك و تعالى « اَلَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسٰائِهِمْ مٰا هُنَّ أُمَّهٰاتِهِمْ-إِنْ أُمَّهٰاتُهُمْ إِلاَّ اَللاّٰئِي وَلَدْنَهُمْ (2)» و مثله ما نزل في اللعان و غيره مما لم يكن عند النبي ص فيه حكم-حتى نزل عليه القرآن به من عند الله عز و جل-فكان التأويل قد تقدم التنزيل.

و أما ما تأويله بعد تنزيله-فالأمور التي حدثت في عصر النبي ص و بعده من غصب آل محمد حقهم-و ما وعدهم الله به من النصر على أعدائهم-و ما أخبر الله به من أخبار القائم و خروجه-و أخبار الرجعة و الساعة في قوله «وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ اَلذِّكْرِ-أَنَّ اَلْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ اَلصّٰالِحُونَ (3)» و قوله « وَعَدَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ-لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ-وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضىٰ لَهُمْ-وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً (4)» نزلت في القائم من آل محمد ص و قوله

ص: 14


1- . التوبة 120.
2- . المجادلة 2.
3- . الأنبياء 105.
4- . النور 55.

« وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ-وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ (1)» و مثله كثير مما تأويله بعد تنزيله. و أما ما هو متفق اللفظ و مختلف المعنى فقوله « وَ سْئَلِ اَلْقَرْيَةَ اَلَّتِي كُنّٰا فِيهٰا وَ اَلْعِيرَ اَلَّتِي أَقْبَلْنٰا فِيهٰا (2)» يعني أهل القرية و أهل العير-و قوله « وَ تِلْكَ اَلْقُرىٰ أَهْلَكْنٰاهُمْ لَمّٰا ظَلَمُوا » يعني أهل القرى، و مثله كثير نذكره.

و أما الرخصة التي هي بعد العزيمة-فإن الله تبارك و تعالى فرض الوضوء و الغسل بالماء فقال « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاٰةِ-فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى اَلْمَرٰافِقِ-وَ اِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ-وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا » ثم رخص لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب فقال « وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ اَلْغٰائِطِ-أَوْ لاٰمَسْتُمُ اَلنِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً-فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ (3)» و مثله « حٰافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوٰاتِ وَ اَلصَّلاٰةِ اَلْوُسْطىٰ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ (4)» ثم رخص فقال « فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالاً أَوْ رُكْبٰاناً » و قوله « فَاذْكُرُوا اَللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ »

فَقَالَ اَلْعَالِمُ ع اَلصَّحِيحُ يُصَلِّي قَائِماً وَ اَلْمَرِيضُ يُصَلِّي جَالِساً-فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمُضْطَجِعاً يُومِئُ إِيمَاءً- فهذه رخصة بعد العزيمة.

و أما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار-إن شاء أخذ و إن شاء ترك-فإن الله عز و جل رخص أن يعاقب الرجل الرجل على فعله به-فقال « وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اَللّٰهِ (5)» فهذا بالخيار إن شاء عاقب و إن شاء عفا و أما الرخصة التي ظاهرها خلاف باطنها-يعمل بظاهرها و لا يدان بباطنها

ص: 15


1- . القصص 5.
2- . يوسف 82.
3- . المائدة 6.
4- . البقرة 237.
5- . الشورى 40.

فإن الله تبارك و تعالى نهى أن يتخذ المؤمن الكافر وليا-فقال « لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ-وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّٰهِ فِي شَيْءٍ (1)» ثم رخص عند التقية أن يصلي بصلاته و يصوم بصيامه-و يعمل بعمله في ظاهره و أن يدين الله في باطنه بخلاف ذلك-فقال « إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً (2)» فهذا تفسير الرخص و معنى

قَوْلِ اَلصَّادِقِ ع إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَزَائِمِهِ.

و أما ما لفظه خبر و معناه حكاية فقوله « وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاٰثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ اِزْدَادُوا تِسْعاً (3)» و هذا حكاية عنهم-و الدليل على أنه حكاية ما رد الله عليهم بقوله « قُلِ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ » و قوله يحكي قول قريش « مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اَللّٰهِ زُلْفىٰ (4)» فهو على لفظ الخبر و معناه حكاية و مثله كثير نذكره في مواضعه.

و أما ما هو مخاطبة للنبي ص و المعنى لأمته-فقوله « يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (5)» و المخاطبة للنبي ص و المعنى لأمته-و قوله « لاٰ تَجْعَلْ مَعَ اَللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ فَتُلْقىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (6)» و مثله كثير مما خاطب الله به نبيه ص و المعنى لأمته

وَ هُوَ قَوْلُ اَلصَّادِقِ ع إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ ص بِإِيَّاكَ أَعْنِي وَ اِسْمَعِي يَا جَارَةُ.

و أما ما هو مخاطبة لقوم و معناه لقوم آخرين-فقوله « وَ قَضَيْنٰا إِلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ فِي اَلْكِتٰابِ-لَتُفْسِدُنَّ (أنتم يا معشر أمة محمد ) فِي اَلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (7)» فالمخاطبة لبني إسرائيل و المعنى لأمة محمد ص .

ص: 16


1- . آل عمران 28.
2- . آل عمران 28.
3- . الكهف 25.
4- . الزمر 3.
5- . الطلاق 1.
6- . الإسراء 18.
7- . الإسراء 4.

و أما الرد على الزنادقة فقوله « وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي اَلْخَلْقِ أَ فَلاٰ يَعْقِلُونَ (1)» و ذلك أن الزنادقة زعمت أن الإنسان إنما يتولد بدوران الفلك-فإذا وقعت النطفة في الرحم تلقتها الأشكال و الغذاء-و مر عليه الليل و النهار و يكبر لذلك فقال الله تبارك و تعالى ردا عليهم « وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي اَلْخَلْقِ أَ فَلاٰ يَعْقِلُونَ » يعني من يكبر و يعمر يرجع إلى حد الطفولية-و يأخذ في النقصان و النكس-فلو كان هذا كما زعموا لوجب أن يزيد الإنسان أبدا-ما دامت الأشكال قائمة و الليل و النهار يدوران عليه-فلما بطل هذا و كان من تدبير الله عز و جل-أخذ في النقصان عند منتهى عمره.

و أما الرد على الثنوية فقوله « مَا اِتَّخَذَ اَللّٰهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مٰا كٰانَ مَعَهُ مِنْ إِلٰهٍ-إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِمٰا خَلَقَ (2)» قال لو كان إلهان لطلب كل واحد منهما العلو-و إذا شاء واحد أن يخلق إنسانا شاء الآخر أن يخالفه-فيخلق بهيمة فتكون الخلق منهما على مشيتهما-و اختلف إرادتهما بخلق إنسان و بهيمة في حالة واحدة-و هذا من أعظم المحال غير موجود-و إذا بطل هذا و لم يكن بينهما اختلاف-بطل الاثنان و كان واحدا فهذا التدبير و اتصاله و قوام بعضه ببعض بالأهواء-و الإرادات و المشيات تدل على صانع واحد-و هو قوله عز و علا مَا اِتَّخَذَ اَللّٰهُ مِنْ وَلَدٍ-وَ مٰا كٰانَ مَعَهُ مِنْ إِلٰهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِمٰا خَلَقَ-وَ لَعَلاٰ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ و قوله « لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اَللّٰهُ لَفَسَدَتٰا (3)» .

و أما الرد على عبدة الأوثان فقوله

ص: 17


1- . يس 68.
2- . المؤمنون 92.
3- . الأنبياء 22.

« إِنَّ اَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ عِبٰادٌ أَمْثٰالُكُمْ-فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ- أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهٰا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهٰا-أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهٰا أَمْ لَهُمْ آذٰانٌ يَسْمَعُونَ بِهٰا-قُلِ اُدْعُوا شُرَكٰاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاٰ تُنْظِرُونِ (1)» و قوله يحكي قول إبراهيم ع « أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مٰا لاٰ يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَ لاٰ يَضُرُّكُمْ- أُفٍّ لَكُمْ وَ لِمٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ أَ فَلاٰ تَعْقِلُونَ (2)» و قوله « قُلِ اُدْعُوا اَلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ-فَلاٰ يَمْلِكُونَ كَشْفَ اَلضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لاٰ تَحْوِيلاً (3)» و قوله « أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لاٰ يَخْلُقُ أَ فَلاٰ تَذَكَّرُونَ (4)» و مثله كثير مما هو رد على الزنادقة و عبدة الأوثان .

و أما ما هو رد على الدهرية زعموا أن الدهر لم يزل و لا يزال أبدا-و ليس له مدبر و لا صانع و أنكروا البعث. . . . و النشور-فحكى الله عز و جل قولهم فقال « وَ قٰالُوا مٰا هِيَ إِلاّٰ حَيٰاتُنَا اَلدُّنْيٰا نَمُوتُ وَ نَحْيٰا و إنما قالوا نحيا و نموت وَ مٰا يُهْلِكُنٰا إِلاَّ اَلدَّهْرُ وَ مٰا لَهُمْ بِذٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّٰ يَظُنُّونَ (5)» .

فرد الله عليهم فقال عز و جل « يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ اَلْبَعْثِ-فَإِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ-ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ-وَ نُقِرُّ فِي اَلْأَرْحٰامِ مٰا نَشٰاءُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى-ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ-وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّٰى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلىٰ أَرْذَلِ اَلْعُمُرِ-لِكَيْلاٰ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً (6)» ثم ضرب للبعث و النشور مثلا فقال « وَ تَرَى اَلْأَرْضَ هٰامِدَةً أي يابسة-ميتة فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا اَلْمٰاءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ-وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أي حسن ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ اَلْمَوْتىٰ-وَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اَلسّٰاعَةَ آتِيَةٌ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا-وَ أَنَّ اَللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ (7)» و قوله

ص: 18


1- . الأعراف 194.
2- . الأنبياء 67.
3- . الإسراء 56.
4- . النحل 17.
5- . الجاثية 23.
6- . الحج 5.
7- . الحج 7.

« اَللّٰهُ اَلَّذِي يُرْسِلُ اَلرِّيٰاحَ فَتُثِيرُ سَحٰاباً-فَيَبْسُطُهُ فِي اَلسَّمٰاءِ كَيْفَ يَشٰاءُ-وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى اَلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاٰلِهِ-فَإِذٰا أَصٰابَ بِهِ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ إِذٰا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ- وَ إِنْ كٰانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ- فَانْظُرْ إِلىٰ آثٰارِ رَحْمَتِ اَللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا-إِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ اَلْمَوْتىٰ (1)» و قوله « أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى اَلسَّمٰاءِ فَوْقَهُمْ-كَيْفَ بَنَيْنٰاهٰا وَ زَيَّنّٰاهٰا وَ مٰا لَهٰا مِنْ فُرُوجٍ- وَ اَلْأَرْضَ مَدَدْنٰاهٰا وَ أَلْقَيْنٰا فِيهٰا رَوٰاسِيَ-وَ أَنْبَتْنٰا فِيهٰا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ إلى قوله وَ أَحْيَيْنٰا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذٰلِكَ اَلْخُرُوجُ (2)» و قوله « وَ ضَرَبَ لَنٰا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قٰالَ مَنْ يُحْيِ اَلْعِظٰامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ- قُلْ يُحْيِيهَا اَلَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (3)» و مثله كثير مما هو رد على الدهرية .

و أما الرد على من أنكر الثواب و العقاب (4)فقوله « يَوْمَ يَأْتِ لاٰ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّٰ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ- فَأَمَّا اَلَّذِينَ شَقُوا فَفِي اَلنّٰارِ لَهُمْ فِيهٰا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خٰالِدِينَ فِيهٰا مٰا دٰامَتِ اَلسَّمٰاوٰاتُ وَ اَلْأَرْضُ (5)» و أما قوله مٰا دٰامَتِ اَلسَّمٰاوٰاتُ وَ اَلْأَرْضُ إنما هو في الدنيا-فإذا قامت القيامة تبدل السماوات و الأرض-و قوله اَلنّٰارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا (6)» فالغدو و العشي إنما يكون في الدنيا في دار المشركين و أما في القيامة فلا يكون غدوا و لا عشيا قوله « لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهٰا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا (7)» يعني في جنان الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين-فأما في جنات الخلد فلا يكون غدوا و لا عشيا-و قوله مِنْ وَرٰائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (8)»

فَقَالَ اَلصَّادِقُ ع اَلْبَرْزَخُ اَلْقَبْرُ وَ فِيهِ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ بَيْنَ اَلدُّنْيَا

ص: 19


1- . الروم 50.
2- . ق 11.
3- . يس 79.
4- . المراد من الثواب و العقاب ما هو في دار الدنيا المسمى بالبرزخ كما هو ظاهر من تقريب الاستدلال بالآيات الآتية.
5- . هود 107.
6- . المؤمن 46.
7- . مريم 62.
8- . المؤمنون 101.

وَ اَلْآخِرَةِ. و الدليل على ذلك أيضا

قَوْلُ اَلْعَالِمِ ع وَ اَللَّهِ مَا نَخَافُ عَلَيْكُمْ إِلاَّ اَلْبَرْزَخَ. و قوله عز و جل « وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتاً-بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ- فَرِحِينَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ-وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ (1)»

قَالَ اَلصَّادِقُ ع يَسْتَبْشِرُونَ وَ اَللَّهِ فِي اَلْجَنَّةِ بِمَنْ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي اَلدُّنْيَا. و مثله كثير مما هو رد على من أنكر عذاب القبر.

و أما الرد على من أنكر المعراج و الإسراء فقوله « وَ هُوَ بِالْأُفُقِ اَلْأَعْلىٰ ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى- فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ (2)» و قوله « وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا (3)» و قوله « فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكَ (4)» يعني الأنبياء ع و إنما رآهم في السماء لما أسري به.

و أما الرد على من أنكر الرؤية فقوله « مٰا كَذَبَ اَلْفُؤٰادُ مٰا رَأىٰ أَ فَتُمٰارُونَهُ عَلىٰ مٰا يَرىٰ- وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرىٰ عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهىٰ عِنْدَهٰا جَنَّةُ اَلْمَأْوىٰ (5)»

قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا ع قَالَ: قَالَ يَا أَحْمَدُ مَا اَلْخِلاَفُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ أَصْحَابِ هِشَامِ بْنِ اَلْحَكَمِ فِي اَلتَّوْحِيدِ-فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قُلْنَا نَحْنُ بِالصُّورَةِ-لِلْحَدِيثِ اَلَّذِي رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ-وَ قَالَ هِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ بِالنَّفْيِ لِلْجِسْمِ-فَقَالَ يَا أَحْمَدُ إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ-وَ بَلَغَ عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهَى خُرِقَ لَهُ فِي اَلْحُجُبِ مِثْلُ سَمٍّ لِإِبْرَةٍ-فَرَأَى مِنْ نُورِ اَلْعَظَمَةِ مَا شَاءَ اَللَّهُ أَنْ يَرَى-وَ أَرَدْتُمْ أَنْتُمُ اَلتَّشْبِيهَ دَعْ هَذَا يَا أَحْمَدُ لاَ يَنْفَتِحُ عَلَيْكَ هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ .

ص: 20


1- . آل عمران 170.
2- . النجم 9.
3- . الزخرف 45.
4- . يونس 94.
5- . النجم 15.

و أما الرد على من أنكر خلق الجنة و النار فقوله « عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهىٰ عِنْدَهٰا جَنَّةُ اَلْمَأْوىٰ » و سدرة المنتهى في السماء السابعة و جنة المأوى عندها

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْراً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ-يُرَى دَاخِلُهَا مِنْ خَارِجِهَا وَ خَارِجُهَا مِنْ دَاخِلِهَا مِنْ ضِيَائِهَا-وَ فِيهَا بَيْتَانِ مِنْ دُرٍّ وَ زَبَرْجَدٍ-فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ لِمَنْ هَذَا اَلْقَصْرُ-فَقَالَ هَذَا لِمَنْ أَطَابَ اَلْكَلاَمَ وَ أَدَامَ اَلصِّيَامَ-وَ أَطْعَمَ اَلطَّعَامَ وَ تَهَجَّدَ بِاللَّيْلِ وَ اَلنَّاسُ نِيَامٌ-فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ فِي أُمَّتِكَ مَنْ يُطِيقُ هَذَا-فَقَالَ اُدْنُ مِنِّي يَا عَلِيُّ فَدَنَا مِنْهُ-فَقَالَ أَ تَدْرِي مَا إِطَابَةُ اَلْكَلاَمِ قَالَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ-قَالَ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اَللَّهِ وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ-وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ اَللَّهُ أَكْبَرُ أَ تَدْرِي مَا إِدَامَةُ اَلصِّيَامِ-قَالَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ-قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَ لَمْ يُفْطِرْ مِنْهُ يَوْماً-وَ تَدْرِي مَا إِطْعَامُ اَلطَّعَامِ-قَالَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ-قَالَ مَنْ طَلَبَ لِعِيَالِهِ مَا يَكُفُّ بِهِ وُجُوهَهُمْ عَنِ اَلنَّاسِ-وَ تَدْرِي مَا اَلتَّهَجُّدُ بِاللَّيْلِ وَ اَلنَّاسُ نِيَامٌ-قَالَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ-قَالَ مَنْ لَمْ يَنَمْ حَتَّى يُصَلِّيَ اَلْعِشَاءَ اَلْآخِرَةَ-وَ يَعْنِي بِالنَّاسُ نِيَامٌ اَلْيَهُودُ وَ اَلنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يَنَامُونَ مَا بَيْنَهَا .

وَ بِهَذَا اَلْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا قَيْعَانَ (1)تفق [يَقَقٍ] -وَ رَأَيْتُ فِيهَا مَلاَئِكَةً يَبْنُونَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَ لَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ-وَ رُبَّمَا أَمْسَكُوا فَقُلْتُ لَهُمْ مَا لَكُمْ رُبَّمَا بَنَيْتُمْ وَ رُبَّمَا أَمْسَكْتُمْ-فَقَالُوا حَتَّى تَجِيئَنَا اَلنَّفَقَةُ-فَقُلْتُ وَ مَا نَفَقَتُكُمْ فَقَالُوا قَوْلُ اَلْمُؤْمِنِ فِي اَلدُّنْيَا سُبْحَانَ اَللَّهِ وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ اَللَّهُ أَكْبَرُ فَإِذَا قَالَ بَنَيْنَا وَ إِذَا أَمْسَكَ أَمْسَكْنَا.

وَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ-أَخَذَ بِيَدِي جَبْرَئِيلُ فَأَدْخَلَنِي اَلْجَنَّةَ فَأَجْلَسَنِي عَلَى

ص: 21


1- . اَلْقِيعَانُ جَمْعُ قَاعَةٍ وَ هِيَ أَرْضٌ سَهْلَةٌ لاَ عِوَجَ فِيهَا وَ «تَفِقُ» أَيْ تُعَادِلُ وَ اَلْمَقْصُودُ اَلْعَرَصَاتُ اَلْمُتَسَاوِيَةُ اَلْمُتَعَادِلَةُ وَ فى ط «يَقِقٌ» كَكَتِفٍ أَيْ شَدِيدُ اَلْبَيَاضِ ج-ز.

دُرْنُوكٍ (1)مِنْ دَرَانِيكِ اَلْجَنَّةِ فَنَاوَلَنِي سَفَرْجَلَةً فَانْفَلَقَتْ نِصْفَيْنِ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْنِهِمَا حَوْرَاءُ فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيَّ فَقَالَتْ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَحْمَدُ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَقُلْتُ وَ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ مَنْ أَنْتِ-فَقَالَتْ أَنَا اَلرَّاضِيَةُ اَلْمَرْضِيَّةُ خَلَقَنِي اَلْجَبَّارُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ-أَسْفَلِي مِنَ اَلْمِسْكِ وَ وَسَطِي مِنَ اَلْعَنْبَرِ-وَ أَعْلاَيَ مِنَ اَلْكَافُورِ وَ عُجِنْتُ بِمَاءِ اَلْحَيَوَانِ-ثُمَّ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ لِي كُونِي-فَكُنْتُ (2)لِأَخِيكَ وَ وَصِيِّكَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ص .

قَالَ وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ص يُكْثِرُ تَقْبِيلَ فَاطِمَةَ ع فَغَضِبَتْ مِنْ ذَلِكَ عَائِشَةُ وَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ (ص) إِنَّكَ تُكْثِرُ تَقْبِيلَ فَاطِمَةَ ع فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (ص) يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ دَخَلْتُ اَلْجَنَّةَ فَأَدْنَانِي جَبْرَائِيلُ ع مِنْ شَجَرَةِ طُوبَى وَ نَاوَلَنِي مِنْ ثِمَارِهَا فَأَكَلْتُهُ-فَلَمَّا هَبَطْتُ إِلَى اَلْأَرْضِ حَوَّلَ اَللَّهُ ذَلِكَ مَاءً فِي ظَهْرِي-فَوَاقَعْتُ خَدِيجَةَ فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ فَمَا قَبَّلْتُهَا إِلاَّ وَجَدْتُ رَائِحَةَ شَجَرَةِ طُوبَى مِنْهَا . و مثل ذلك كثير مما هو رد على من أنكر المعراج و خلق الجنة و النار .

و أما الرد على المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع-و نحن مجبرون يحدث الله لنا الفعل عند الفعل-و إنما الأفعال هي منسوبة إلى الناس-على المجاز لا على الحقيقة و تأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عز و جل-لم يعرفوا معناها مثل قوله « وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ » و قوله « فَمَنْ يُرِدِ اَللّٰهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاٰمِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » و غير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها-و فيما قالوه إبطال للثواب و العقاب-و إذا قالوا ذلك ثم أقروا بالثواب و العقاب-نسبوا الله إلى الجور و أنه يعذب العبد على غير اكتساب و فعل-تعالى الله عن ذلك

ص: 22


1- . بِضَمِّ اَلدَّالِ وَ كَسْرِهَا نَوْعٌ مِنَ اَلْبُسُطِ لَهُ خَمَلٌ.
2- . هَكَذَا مَوْجُودٌ فِي اَلْعِبَارَةِ لَكِنَّ اَلاِحْتِمَالَ أَنَّ اَلسَّاقِطَ مِنْهَا هُوَ قَوْلُ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ «لِمَنْ أَنْتِ قَالَتْ» . ج-ز.

علوا كبيرا-أن يعاقب أحدا على غير فعله و بغير حجة واضحة عليه-و القرآن كله رد عليهم قال الله تبارك و تعالى « لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا-لَهٰا مٰا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهٰا مَا اِكْتَسَبَتْ (1)» فقوله عز و جل لها و عليها هو على الحقيقة لفعلها-و قوله « فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ- وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (2)» و قوله « كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (3)» و قوله « ذٰلِكَ بِمٰا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ (4)» و قوله « وَ أَمّٰا ثَمُودُ فَهَدَيْنٰاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا اَلْعَمىٰ عَلَى اَلْهُدىٰ (5)» و قوله « إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ اَلسَّبِيلَ » يعني بينا له طريق الخير و طريق الشر « إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً » قوله « وَ عٰاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسٰاكِنِهِمْ-وَ زَيَّنَ لَهُمُ اَلشَّيْطٰانُ أَعْمٰالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ اَلسَّبِيلِ-وَ كٰانُوا مُسْتَبْصِرِينَ- وَ قٰارُونَ وَ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ لَقَدْ جٰاءَهُمْ مُوسىٰ بِالْبَيِّنٰاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ مٰا كٰانُوا سٰابِقِينَ- فَكُلاًّ أَخَذْنٰا بِذَنْبِهِ لم يقل لفعلنا فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنٰا عَلَيْهِ حٰاصِباً-وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ اَلصَّيْحَةُ-وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنٰا بِهِ اَلْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنٰا-وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لٰكِنْ كٰانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (6)» و مثله كثير نذكره-و نذكر ما احتجت به المجبرة من القرآن الذي لم يعرفوا معناه و تفسيره في مواضعه إن شاء الله.

و أما الرد على المعتزلة فإن الرد من القرآن عليهم كثير-و ذلك أن المعتزلة قالوا نحن نخلق أفعالنا-و ليس لله فيها صنع و لا مشية و لا إرادة-و يكون ما شاء إبليس و لا يكون ما شاء الله-و احتجوا أنهم خالقون لقول الله عز و جل فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ فقالوا في الخلق خالقون غير الله-فلم يعرفوا معنى الخلق و على كم

ص: 23


1- . البقرة 286.
2- . الزلزال 8.
3- . المدثر 38.
4- . آل عمران 182 و الأنفال 52.
5- . حم السجدة 17.
6- . العنكبوت 40.

وجه هو

فَسُئِلَ اَلصَّادِقُ ع أَ فَوَّضَ اَللَّهُ إِلَى اَلْعِبَادِ أَمْراً فَقَالَ اَللَّهُ أَجَلُّ وَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ فَأَجْبَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ اَللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى فِعْلٍ ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهِ-فَقِيلَ لَهُ فَهَلْ بَيْنَ هَاتَيْنِ اَلْمَنْزِلَتَيْنِ مَنْزِلَةٌ قَالَ نَعَمْ-فَقِيلَ مَا هِيَ فَقَالَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ مَا بَيْنَ اَلسَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ .

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: سُئِلَ هَلْ بَيْنَ اَلْجَبْرِ وَ اَلْقَدَرِ مَنْزِلَةٌ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَمَا هِيَ قَالَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اَللَّهِ-قَالَ هَكَذَا خَرَجَ إِلَيْنَا .

قَالَ وَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ قَالَ اَلرِّضَا ع يَا يُونُسُ لاَ تَقُلْ بِقَوْلِ اَلْقَدَرِيَّةِ فَإِنَّ اَلْقَدَرِيَّةَ لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَ لاَ بِقَوْلِ أَهْلِ اَلنَّارِ وَ لاَ بِقَوْلِ إِبْلِيسَ فَإِنَّ أَهْلَ اَلْجَنَّةِ قَالُوا اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ اَلَّذِي هَدٰانٰا لِهٰذٰا-وَ مٰا كُنّٰا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لاٰ أَنْ هَدٰانَا اَللّٰهُ وَ لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ اَلنَّارِ فَإِنَّ أَهْلَ اَلنَّارِ قَالُوا رَبَّنٰا غَلَبَتْ عَلَيْنٰا شِقْوَتُنٰا وَ قَالَ إِبْلِيسَ رَبِّ بِمٰا أَغْوَيْتَنِي فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي وَ اَللَّهِ مَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ-وَ لَكِنِّي أَقُولُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مَا شَاءَ اَللَّهُ وَ قَضَى وَ قَدَّرَ-فَقَالَ لَيْسَ هَكَذَا يَا يُونُسُ وَ لَكِنْ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مَا شَاءَ اَللَّهُ-وَ أَرَادَ وَ قَدَّرَ وَ قَضَى أَ تَدْرِي مَا اَلْمَشِيَّةُ يَا يُونُسُ قُلْتُ لاَ قَالَ هُوَ اَلذِّكْرُ اَلْأَوَّلُ-أَ تَدْرِي مَا اَلْإِرَادَةُ قُلْتُ لاَ قَالَ اَلْعَزِيمَةُ عَلَى مَا شَاءَ اَللَّهُ-وَ تَدْرِي مَا اَلتَّقْدِيرُ قُلْتُ لاَ-قَالَ هُوَ وَضْعُ اَلْحُدُودِ مِنَ اَلْآجَالِ وَ اَلْأَرْزَاقِ وَ اَلْبَقَاءِ وَ اَلْفَنَاءِ-وَ تَدْرِي مَا اَلْقَضَاءُ قُلْتُ لاَ قَالَ هُوَ إِقَامَةُ اَلْعَيْنِ وَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مَا شَاءَ اَللَّهُ فِي اَلذِّكْرِ اَلْأَوَّلِ .

و أما الرد على من أنكر الرجعة فقوله « وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً (1)»

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: مَا يَقُولُ اَلنَّاسُ فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً قُلْتُ يَقُولُونَ إِنَّهَا فِي اَلْقِيَامَةِ-قَالَ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ فِي اَلرَّجْعَةِ أَ يَحْشُرُ اَللَّهُ فِي اَلْقِيَامَةِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً وَ يَدَعُ اَلْبَاقِينَ-إِنَّمَا آيَةُ اَلْقِيَامَةِ قَوْلُهُ « وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً » وَ قَوْلُهُ

ص: 24


1- . النمل 83.

« وَ حَرٰامٌ عَلىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَنَّهُمْ لاٰ يَرْجِعُونَ (1)» فَقَالَ اَلصَّادِقُ ع كُلُّ قَرْيَةٍ أَهْلَكَ اَللَّهُ أَهْلَهَا بِالْعَذَابِ-وَ مَحَضُوا (2)اَلْكُفْرَ مَحْضاً لاَ يَرْجِعُونَ فِي اَلرَّجْعَةِ-وَ أَمَّا فِي اَلْقِيَامَةِ فَيَرْجِعُونَ-أَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَهْلِكُوا بِالْعَذَابِ (وَ مَحَضُوا اَلْإِيمَانَ مَحْضاً أَوْ) وَ مَحَضُوا اَلْكُفْرَ مَحْضاً يَرْجِعُونَ .

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ وَ إِذْ أَخَذَ اَللّٰهُ مِيثٰاقَ اَلنَّبِيِّينَ لَمٰا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتٰابٍ وَ حِكْمَةٍ-ثُمَّ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمٰا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ (3)قَالَ مَا بَعَثَ اَللَّهُ نَبِيّاً مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى عِيسَى ع إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى اَلدُّنْيَا فَيَنْصُرَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ هُوَ قَوْلُهُ « لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ » يَعْنِي رَسُولَ اَللَّهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يَعْنِي أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ . و مثله كثير-و ما وعد الله تبارك و تعالى الأئمة ع من الرجعة و النصرة-فقال « وَعَدَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ (يا معشر الأئمة ) وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ-كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ-وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضىٰ لَهُمْ-وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً-يَعْبُدُونَنِي لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً » فهذا مما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا-و قوله « وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ-وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ » فهذا كله مما يكون في الرجعة

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ اَلنَّضْرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شِمْرٍ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) جَابِرٌ فَقَالَ رَحِمَ اَللَّهُ جَابِراً لَقَدْ بَلَغَ مِنْ عِلْمِهِ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَ هَذِهِ اَلْآيَةِ إِنَّ اَلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ » يَعْنِي اَلرَّجْعَةَ . و مثله كثير نذكره في مواضعه.

و أما الرد على من وصف الله عز و جل-فقوله « وَ أَنَّ إِلىٰ رَبِّكَ اَلْمُنْتَهىٰ (4)»

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (ع) قَالَ: إِذَا اِنْتَهَى

ص: 25


1- . اَلْأَنْبِيَاءُ 95.
2- . مَحَضَ فُلاَنٌ اَلْوُدَّ: أَيْ أَخْلَصَهُ.
3- . آلُ عِمْرَانَ 81.
4- . النجم 42.

اَلْكَلاَمُ إِلَى اَللَّهِ فَأَمْسِكُوا-وَ تَكَلَّمُوا فِيمَا دُونَ اَلْعَرْشِ وَ لاَ تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ اَلْعَرْشِ ، فَإِنَّ قَوْماً تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ اَلْعَرْشِ فَتَاهَتْ عُقُولُهُمْ حَتَّى إِنَّ اَلرَّجُلَ كَانَ يُنَادَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ-فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ وَ يُنَادَى مِنْ خَلْفِهِ فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.

وَ قَوْلُهُ (ع) إِنَّهُ مَنْ تَعَاطَى مَأْثَمَةً هَلَكَ-فَلاَ يُوصَفُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلاَّ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عَزَّ وَ جَلَّ. و من قول أمير المؤمنين ع في خطبته و كلامه في نفي الصفة (1)» .

و أما الترغيب فمثل قوله « وَ مِنَ اَللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ-عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً » و قوله تعالى « هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ تِجٰارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ بِأَمْوٰالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ-ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ- يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ » و مثل قوله تعالى « مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهٰا و قوله مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا » و قوله « مَنْ عَمِلَ صٰالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثىٰ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ-فَأُولٰئِكَ يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهٰا بِغَيْرِ حِسٰابٍ » .

و أما الترهيب فمثل قوله تعالى « يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ اَلسّٰاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ » و قوله « يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ-وَ اِخْشَوْا يَوْماً لاٰ يَجْزِي وٰالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لاٰ مَوْلُودٌ هُوَ جٰازٍ عَنْ وٰالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اَللّٰهِ حَقٌّ-فَلاٰ تَغُرَّنَّكُمُ اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا وَ لاٰ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ اَلْغَرُورُ » و مثله كثير في القرآن نذكره في مواضعه.

و أما القصص فهو ما أخبر الله تعالى نبيه ص من أخبار الأنبياء و قصصهم في قوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ و قوله نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اَلْقَصَصِ

ص: 26


1- . كمال الإخلاص نفي الصفات عنه فمن وصفه فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه و من ثناه فقد جزأه و من جزأه فقد جهله و من جهله فقد أشار إليه و من أشار إليه فقد حده و من حده فقد عده (نهج البلاغة) . ج-ز.

و قوله لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ-مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنٰا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ، و مثله كثير و نحن نذكر ذلك كله في مواضعه-إن شاء الله تعالى و إنما ذكرنا من الأبواب التي اختصرناها من الكتاب-آية واحدة ليستدل بها على غيرها-و يعرف معنى ما ذكرناه مما في الكتاب من العلم-و في ذلك الذي ذكرناه كفاية لمن شَرَحَ اَللّٰهُ صَدْرَهُ و قلبه لِلْإِسْلاٰمِ و من عليه بدينه الذي ارتضاه لملائكته و أنبيائه و رسله-و بالله نستعين و عليه نتوكل و نسأله العصمة و التوفيق-و العون على ما يقربنا منه و يزلفنا لديه-و استفتح الله الفتاح العليم الذي من استمسك بحبله و لجأ إلى سلطانه و عمل بطاعته و انتهى عن معصيته-و لزم دين أوليائه و خلفائه نجا بحوله و قوته-و أسأله عز و جل أن يصلي على خيرته من خلقه محمد و آله الأخيار و الأبرار. أقول تفسير بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

حَدَّثَنِي (1)أَبُو اَلْفَضْلِ اَلْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اَللَّهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (ع) قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ وَ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ وَ اِبْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نُصَيْرٍ (2)عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ اَلْحَلَبِيِّ وَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ العدم [اَلْهِدْمِ] (3)» عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ سِنَانٍ وَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ وَ عَنْ

ص: 27


1- . حَدَّثَنَا ط.
2- . نَصْرٍ ط.
3- . الهرم ج-ز.

صَفْوَانَ وَ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ وَ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ وَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ وَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (ع) قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَنَانٍ وَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ اَلْقَدَّاحِ وَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ اَلْعَامِرِيِّ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (ع) تَفْسِيرُ ( بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ ) قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلرَّاشِدِيِّ وَ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ وَ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ عِمْرَانَ اَلْحَلَبِيِّ وَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ فرار [مَرَّارٍ] وَ أَبِي طَالِبٍ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلصَّلْتِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ فَقَالَ اَلْبَاءُ بَهَاءُ اَللَّهِ وَ اَلسِّينُ سَنَاءُ اَللَّهِ-وَ اَلْمِيمُ مُلْكُ اَللَّهِ وَ اَللَّهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ وَ اَلرَّحْمَنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَ اَلرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً .

وَ عَنِ اِبْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع « بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ » أَحَقُّ مَا أُجْهِرَ بِهِ-وَ هِيَ اَلْآيَةُ اَلَّتِي قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِذٰا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي اَلْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلىٰ أَدْبٰارِهِمْ نُفُوراً .

1- سورة الفاتحة مكية

و هي سبع آيات 7 (1)

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ قَالَ اَلشُّكْرُ لِلَّهِ-فِي قَوْلِهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ قَالَ خَلَقَ اَلْمَخْلُوقِينَ اَلرَّحْمٰنِ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ اَلرَّحِيمِ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ قَالَ يَوْمِ اَلْحِسَابِ وَ اَلدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَ قٰالُوا يٰا وَيْلَنٰا هذا يَوْمُ اَلدِّينِ يَعْنِي يَوْمَ اَلْحِسَابِ ( إِيّاكَ نَعْبُدُ ) مُخَاطَبَةُ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ( وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) مِثْلُهُ ( اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ ) قَالَ اَلطَّرِيقَ وَ مَعْرِفَةَ اَلْإِمَامِ.

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ قَالَ هُوَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع وَ مَعْرِفَتُهُ-وَ اَلدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ

ص: 28


1- . و في ط مدنية و كلاهما صحيح لأنها نزلت مرتين. ج-ز.

قَوْلُهُ وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ اَلْكِتٰابِ لَدَيْنٰا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (1)وَ هُوَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فِي أُمِّ اَلْكِتَابِ.

وَ فِي قَوْلِهِ اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ [اَلْقَسْمِ]بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ [حَفْصِ]بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: وَصَفَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع اَلصِّرَاطَ فَقَالَ أَلْفُ سَنَةٍ صُعُودٌ وَ أَلْفُ سَنَةٍ هُبُوطٌ وَ أَلْفُ سَنَةٍ حُدَالٌ (2).

وَ عَنْهُ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ اَلصِّرَاطِ فَقَالَ هُوَ أَدَقُّ مِنَ اَلشَّعْرِ وَ أَحَدُّ مِنَ اَلسَّيْفِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلَ اَلْبَرْقِ-وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلَ عَدْوِ اَلْفَرَسِ-وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مَاشِياً وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ حَبْواً (3)وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقاً-فَتَأْخُذُ اَلنَّارُ مِنْهُ شَيْئاً وَ تَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئاً .

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنَّهُ قَرَأَ اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ اَلضَّالِّينَ (4)قَالَ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اَلنُّصَّابُ وَ اَلضَّالِّينَ اَلْيَهُودُ وَ اَلنَّصَارَى .

وَ عَنْهُ عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ غَيْرِ اَلضَّالِّينَ قَالَ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اَلنُّصَّابُ وَ اَلضَّالِّينَ اَلشُّكَّاكُ وَ اَلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اَلْإِمَامَ.

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحُسَيْنِ [اَلْحَسَنِ]بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (ع) قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ أَنَّ أَنِيناً لَمَّا بَعَثَ اَللَّهُ نَبِيَّهُ ص عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ حِينَ أُنْزِلَتْ أُمُّ اَلْكِتَابِ .

ص: 29


1- . اَلزُّخْرُفُ 4.
2- . اَلْحُدَالُ بِضَمِّ اَلْحَاءِ كُلُّ شَيْءٍ أَمْلَسَ.
3- . حَبَى اَلصَّبِيُّ حَبْواً زَحَفَ عَلَى يَدَيْهِ وَ بَطْنِهِ.
4- . وَ فِي ط «غَيْرِ اَلضَّالِّينَ» ج-ز.

2-سورة البقرة

و هي مائتان و ست و ثمانون آية 286

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ الم ذٰلِكَ اَلْكِتٰابُ لاٰ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ

قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يُونُسَ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: اَلْكِتٰابُ عَلِيٌّ (ع) لاَ شَكَّ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ قَالَ بَيَانٌ لِشِيعَتِنَا قَوْلُهُ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ قَالَ مِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ يُنْبِئُونَ-وَ مِمَّا عَلَّمْنَاهُمْ مِنَ اَلْقُرْآنِ يَتْلُونَ-وَ قَالَ الم هُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اِسْمِ اَللَّهِ اَلْأَعْظَمِ-اَلْمُتَقَطِّعِ فِي اَلْقُرْآنِ اَلَّذِي خُوطِبَ بِهِ اَلنَّبِيُّ ص وَ اَلْإِمَامُ-فَإِذَا دَعَا بِهِ أُجِيبَ. و الهداية في كتاب الله على وجوه أربعة-فمنها ما هو للبيان للذين يؤمنون بالغيب-قال يصدقون بالبعث و النشور و الوعد و الوعيد-و الإيمان في كتاب الله على أربعة أوجه-فمنه إقرار باللسان قد سماه الله إيمانا-و منه تصديق بالقلب و منه الأداء و منه التأييد.

(الأول) الإيمان الذي هو إقرار باللسان-و قد سماه الله تبارك و تعالى إيمانا و نادى أهله به-لقوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ-فَانْفِرُوا ثُبٰاتٍ أَوِ اِنْفِرُوا جَمِيعاً وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ-فَإِنْ أَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قٰالَ-قَدْ أَنْعَمَ اَللّٰهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً- وَ لَئِنْ أَصٰابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اَللّٰهِ-لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ-يٰا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (1)

قَالَ اَلصَّادِقُ ع لَوْ أَنَّ هَذِهِ اَلْكَلِمَةَ قَالَهَا أَهْلُ اَلْمَشْرِقِ وَ أَهْلُ اَلْمَغْرِبِ-لَكَانُوا بِهَا خَارِجِينِ مِنَ اَلْإِيمَانِ-وَ لَكِنْ قَدْ سَمَّاهُمُ اَللَّهُ مُؤْمِنِينَ

ص: 30


1- . النساء 70.

بِإِقْرَارِهِمْ-وَ قَوْلُهُ « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ » فَقَدْ سَمَّاهُمُ اَللَّهُ مُؤْمِنِينَ بِإِقْرَارِهِمْ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ صَدِّقُوا.

(الثاني) الإيمان الذي هو التصديق بالقلب-فقوله « اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كٰانُوا يَتَّقُونَ- لَهُمُ اَلْبُشْرىٰ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا وَ فِي اَلْآخِرَةِ (1)» يعني صدقوا-و قوله «و قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً » أي لا نصدقك-و قوله « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا » أي يا أيها الذين أقروا صدقوا-فالإيمان الحق هو التصديق و للتصديق شروط لا يتم التصديق إلا بها-و قوله « لَيْسَ اَلْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ-وَ لٰكِنَّ اَلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ اَلْمَلاٰئِكَةِ وَ اَلْكِتٰابِ وَ اَلنَّبِيِّينَ-وَ آتَى اَلْمٰالَ عَلىٰ حُبِّهِ ذَوِي اَلْقُرْبىٰ وَ اَلْيَتٰامىٰ وَ اَلْمَسٰاكِينَ-وَ اِبْنَ اَلسَّبِيلِ وَ اَلسّٰائِلِينَ وَ فِي اَلرِّقٰابِ وَ أَقٰامَ اَلصَّلاٰةَ-وَ آتَى اَلزَّكٰاةَ وَ اَلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذٰا عٰاهَدُوا-وَ اَلصّٰابِرِينَ فِي اَلْبَأْسٰاءِ وَ اَلضَّرّٰاءِ وَ حِينَ اَلْبَأْسِ-أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُتَّقُونَ (2)» فمن أقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدق.

(الثالث) الإيمان الذي هو الأداء-فهو

قَوْلُهُ لَمَّا حَوَّلَ اَللَّهُ قِبْلَةَ رَسُولِهِ إِلَى اَلْكَعْبَةِ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ يَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَوَاتُنَا إِلَى بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ بَطَلَتْ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى « وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُضِيعَ إِيمٰانَكُمْ » . فسمى الصلاة إيمانا.

(الرابع) من الإيمان و هو التأييد-الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الإيمان-فقال « لاٰ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ-يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ أَوْ إِخْوٰانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ-أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ اَلْإِيمٰانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (3)» و الدليل على ذلك

قَوْلُهُ ص «لاَ يَزْنِي اَلزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ-وَ لاَ يَسْرِقُ اَلسَّارِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ-يُفَارِقُهُ رُوحُ اَلْإِيمَانِ مَا دَامَ عَلَى بَطْنِهَا-فَإِذَا

ص: 31


1- . يونس 64.
2- . البقرة 177.
3- . المجادلة 22.

قَامَ عَادَ إِلَيْهِ» قِيلَ وَ مَا اَلَّذِي يُفَارِقُهُ قَالَ «اَلَّذِي يَدَعُهُ [يَرْعَدُ]فِي قَلْبِهِ-ثُمَّ قَالَ ع «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاَّ وَ لَهُ أُذُنَانِ-عَلَى أَحَدِهِمَا مَلَكٌ مُرْشِدٌ وَ عَلَى اَلْآخَرِ شَيْطَانٌ مَغْتَرٌّ (1)هَذَا يَأْمُرُهُ وَ هَذَا يَزْجُرُهُ . » و من الإيمان ما قد ذكره الله في القرآن [خبيث و طيب]حيث قال « مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيَذَرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلىٰ مٰا أَنْتُمْ عَلَيْهِ-حَتّٰى يَمِيزَ اَلْخَبِيثَ مِنَ اَلطَّيِّبِ » و منهم من يكون مؤمنا مصدقا و لكنه يلبس إيمانه بظلم-و هو قوله « اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمٰانَهُمْ بِظُلْمٍ-أُولٰئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ » فمن كان مؤمنا ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها-فقد لبس إيمانه بظلم-فلا ينفعه الإيمان حتى يتوب إلى الله من الظلم-الذي لبس إيمانه حتى يخلص لله-فهذه وجوه الإيمان في كتاب الله .

قوله وَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ-وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ قال بما أنزل من القرآن إليك-و ما أنزل على الأنبياء قبلك من الكتب.

قوله إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ-أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ فإنه

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي عُمَرَ اَلزُّبَيْدِيِّ [اَلزُّبَيْرِيِّ] عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ:

اَلْكُفْرُ فِي كِتَابِ اَللَّهِ عَلَى خَمْسَةِ وُجُوهٍ-فَمِنْهُ كُفْرٌ بِجُحُودٍ وَ هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ-جُحُودٌ بِعِلْمٍ وَ جُحُودٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ-فَأَمَّا اَلَّذِينَ جَحَدُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ-فَهُمُ اَلَّذِينَ حَكَاهُ اَللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ وَ قٰالُوا مٰا هِيَ إِلاّٰ حَيٰاتُنَا اَلدُّنْيٰا نَمُوتُ وَ نَحْيٰا-وَ مٰا يُهْلِكُنٰا إِلاَّ اَلدَّهْرُ-وَ مٰا لَهُمْ بِذٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّٰ يَظُنُّونَ وَ قَوْلِهِ « إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ-أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ » فَهَؤُلاَءِ كَفَرُوا وَ جَحَدُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ-وَ أَمَّا اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ جَحَدُوا بِعِلْمٍ-فَهُمُ اَلَّذِينَ قَالَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ كٰانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى اَلَّذِينَ كَفَرُوا-فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَهَؤُلاَءِ كَفَرُوا وَ جَحَدُوا بِعِلْمٍ.

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: هَذِهِ

ص: 32


1- . اِغْتَرَّهُ أَيْ طَلَبَ غَفْلَتَهُ ج-ز.

اَلْآيَةُ نَزَلَتْ فِي اَلْيَهُودِ وَ اَلنَّصَارَى . يقول الله تبارك و تعالى « اَلَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ اَلْكِتٰابَ يعني التوراة و الإنجيل يَعْرِفُونَهُ يعني رسول الله ص كَمٰا يَعْرِفُونَ أَبْنٰاءَهُمْ (1)» لأن الله عز و جل قد أنزل عليهم-في التوراة و الزبور و الإنجيل صفة محمد ص و صفة أصحابه و مبعثه و هجرته-و هو قوله « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ اَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى اَلْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ تَرٰاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً-يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اَللّٰهِ وَ رِضْوٰاناً-سِيمٰاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ اَلسُّجُودِ-ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي اَلْإِنْجِيلِ (2)» هذه صفة رسول الله ص و أصحابه في التوراة و الإنجيل فلما بعثه الله عرفه أهل الكتاب كما قال جل جلاله « فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ » فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجيء النبي أيها العرب هذا أوان نبي يخرج بمكة و يكون هجرته بالمدينة و هو آخر الأنبياء و أفضلهم-في عينيه حمرة و بين كتفيه خاتم النبوة يلبس الشملة-و يجتزي بالكسرة و التميرات و يركب الحمار عرية (3)و هو الضحوك القتال يضع سيفه على عاتقه-و لا يبالي بمن لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر-و ليقتلنكم الله به يا معشر العرب قتل عاد ، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه و كفروا به-كما قال الله « وَ كٰانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى اَلَّذِينَ كَفَرُوا-فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ » و منه كفر البراءة و هو قوله « ثُمَّ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ » أي يتبرأ بعضكم من بعض، و منه كفر الشرك لما أمر الله-و هو قوله « وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ » أي ترك الحج و هو مستطيع فقد كفر، و منه كفر النعم و هو قوله « لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ-وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّمٰا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ » -أي و من لم يشكر-نعمة الله فقد كفر-فهذه وجوه الكفر في كتاب الله .

ص: 33


1- . البقرة 146.
2- . الفتح 29.
3- . أي بلا سرج.

قَوْلُهُ وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ-وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ أَظْهَرُوا لِرَسُولِ اَللَّهِ اَلْإِسْلاَمَ وَ كَانُوا إِذَا رَأَوُا اَلْكُفَّارَ قَالُوا «إِنَّا مَعَكُمْ» وَ إِذَا لَقُوا اَلْمُؤْمِنِينَ قَالُوا نَحْنُ مُؤْمِنُونَ-وَ كَانُوا يَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ « إِنّٰا مَعَكُمْ إِنَّمٰا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ » فَرَدَّ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ « اَللّٰهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيٰانِهِمْ يَعْمَهُونَ » .

و الاستهزاء من الله هو العذاب « وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيٰانِهِمْ يَعْمَهُونَ » أي يدعهم.

قوله أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ اِشْتَرَوُا اَلضَّلاٰلَةَ بِالْهُدىٰ و الضلالة هنا الحيرة و الهدى هو البيان-و اختاروا الحيرة و الضلالة على الهدى و البيان-فضرب الله فيهم مثلا-فقال مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً-فَلَمّٰا أَضٰاءَتْ مٰا حَوْلَهُ ذَهَبَ اَللّٰهُ بِنُورِهِمْ-وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُمٰاتٍ لاٰ يُبْصِرُونَ قوله صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ و الصم الذي لا يسمع و البكم الذي يولد من أمه أعمى-و العمى الذي يكون بصيرا ثم يعمى-قوله أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ اَلسَّمٰاءِ أي كمطر من السماء-و هو مثل الكفار قوله يَخْطَفُ أَبْصٰارَهُمْ أي يعمي

قوله إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّٰا نَزَّلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا أي في شك-قوله فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ اُدْعُوا شُهَدٰاءَكُمْ يعني الذين عبدوهم و أطاعوهم مِنْ دُونِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ

قوله كُلَّمٰا رُزِقُوا مِنْهٰا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً-قٰالُوا هٰذَا اَلَّذِي رُزِقْنٰا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشٰابِهاً قال يؤتون من فاكهة واحدة على ألوان متشابهة-قوله وَ لَهُمْ فِيهٰا أَزْوٰاجٌ مُطَهَّرَةٌ أي لا يحضن و لا يحدثن.

و أما قوله إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مٰا بَعُوضَةً فَمٰا فَوْقَهٰا-فَأَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ-وَ أَمَّا اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مٰا ذٰا أَرٰادَ اَللّٰهُ بِهٰذٰا مَثَلاً-يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً فإنه

قَالَ اَلصَّادِقُ ع إِنَّ هَذَا اَلْقَوْلَ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ-رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُضِلُّ اَلْعِبَادَ-ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ عَلَى ضَلاَلَتِهِمْ-فَقَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مٰا بَعُوضَةً فَمٰا فَوْقَهٰا .

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ

ص: 34

عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع إِنَّ هَذَا اَلْمَثَلَ ضَرَبَهُ اَللَّهُ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فَالْبَعُوضَةُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع وَ مَا فَوْقَهَا رَسُولُ اَللَّهِ ص . و الدليل على ذلك قوله « فَأَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ » يعني أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله ص الميثاق عليهم له « وَ أَمَّا اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مٰا ذٰا أَرٰادَ اَللّٰهُ بِهٰذٰا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً » فرد الله عليهم-فقال « وَ مٰا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ اَلْفٰاسِقِينَ- اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اَللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ في علي وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اَللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » يعني من صلة أمير المؤمنين ع و الأئمة ع « وَ يُفْسِدُونَ فِي اَلْأَرْضِ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْخٰاسِرُونَ »

قوله كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ أي نطفة ميتة و علقة و أجرى فيكم الروح فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بعد ثُمَّ يُحْيِيكُمْ في القيامة ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ و الحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة، فمن الحياة ابتداء خلق الإنسان-في قوله « فَإِذٰا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي » فهي الروح المخلوق خلقه الله و أجرى في الإنسان « فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِينَ » .

و الوجه الثاني من الحياة يعني به إنبات الأرض-و هو قوله يُحْيِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا و الأرض الميتة التي لا نبات لها فإحياؤها بنباتها.

و وجه آخر من الحياة و هو دخول الجنة و هو قوله « اِسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ » يعني الخلود في الجنة و الدليل على ذلك قوله « وَ إِنَّ اَلدّٰارَ اَلْآخِرَةَ لَهِيَ اَلْحَيَوٰانُ » .

و أما قوله وَ إِذْ قُلْنٰا لِلْمَلاٰئِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّٰ إِبْلِيسَ أَبىٰ وَ اِسْتَكْبَرَ وَ كٰانَ مِنَ اَلْكٰافِرِينَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: سُئِلَ عَمَّا نَدَبَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ إِلَيْهِ أَ دَخَلَ فِيهِ اَلضَّلاَلَةُ قَالَ نَعَمْ وَ اَلْكَافِرُونَ دَخَلُوا فِيهِ-لِأَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَمَرَ اَلْمَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ فَدَخَلَ فِي أَمْرِهِ اَلْمَلاَئِكَةُ وَ إِبْلِيسُ فَإِنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ فِي اَلسَّمَاءِ يَعْبُدُ اَللَّهَ-وَ كَانَتْ.

ص: 35

اَلْمَلاَئِكَةُ تَظُنُّ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ-فَلَمَّا أَمَرَ اَللَّهُ اَلْمَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ ع أَخْرَجَ مَا كَانَ فِي قَلْبِ إِبْلِيسَ مِنَ اَلْحَسَدِ-فَعَلِمَ اَلْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمْ-فَقِيلَ لَهُ (ع) فَكَيْفَ وَقَعَ اَلْأَمْرُ عَلَى إِبْلِيسَ وَ إِنَّمَا أَمَرَ اَللَّهُ اَلْمَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ فَقَالَ كَانَ إِبْلِيسُ مِنْهُمْ بِالْوَلاَءِ (1)وَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اَلْمَلاَئِكَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ اَللَّهَ خَلَقَ خَلْقاً قَبْلَ آدَمَ وَ كَانَ إِبْلِيسُ مِنْهُمْ-حَاكِماً فِي اَلْأَرْضِ فَعَتَوْا وَ أَفْسَدُوا وَ سَفَكُوا اَلدِّمَاءَ-فَبَعَثَ اَللَّهُ اَلْمَلاَئِكَةَ فَقَتَلُوهُمْ-وَ أَسَرُوا إِبْلِيسَ وَ رَفَعُوهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَ كَانَ مَعَ اَلْمَلاَئِكَةِ-يَعْبُدُ اَللَّهَ إِلَى أَنْ خَلَقَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى آدَمَ ع .

فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ [أَبِي]مِقْدَامٍ عَنْ ثَابِتٍ اَلْحَذَّاءِ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ ع عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقاً بِيَدِهِ-وَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اَلْجِنِّ وَ اَلنَّسْنَاسِ فِي اَلْأَرْضِ-سَبْعَةَ آلاَفِ سَنَةٍ-وَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ خَلْقُ آدَمَ كَشَطَ (2)عَنْ أَطْبَاقِ اَلسَّمَاوَاتِ-قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ اُنْظُرُوا إِلَى أَهْلِ اَلْأَرْضِ-مِنْ خَلْقِي مِنَ اَلْجِنِّ وَ اَلنَّسْنَاسِ-فَلَمَّا رَأَوْا مَا يَعْمَلُونَ فِيهَا مِنَ اَلْمَعَاصِي وَ سَفْكِ اَلدِّمَاءِ-وَ اَلْفَسَادِ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ-وَ غَضِبُوا وَ تَأَسَّفُوا عَلَى أَهْلِ اَلْأَرْضِ وَ لَمْ يَمْلِكُوا غَضَبَهُمْ-قَالُوا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ-اَلْقَادِرُ اَلْجَبَّارُ اَلْقَاهِرُ اَلْعَظِيمُ اَلشَّأْنِ-وَ هَذَا خَلْقُكَ اَلضَّعِيفُ اَلذَّلِيلُ يَتَقَلَّبُونَ فِي قَبْضَتِكَ-وَ يَعِيشُونَ بِرِزْقِكَ وَ يَتَمَتَّعُونَ بِعَافِيَتِكَ-وَ هُمْ يَعْصُونَكَ بِمِثْلِ هَذِهِ اَلذُّنُوبِ اَلْعِظَامِ-لاَ تَأْسَفُ عَلَيْهِمْ وَ لاَ تَغْضَبُ وَ لاَ تَنْتَقِمُ لِنَفْسِكَ-لِمَا تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَ تَرَى وَ قَدْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَ أَكْبَرْنَاهُ فِيكَ قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ قَالَ إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً يَكُونُ حُجَّةً لِي فِي اَلْأَرْضِ عَلَى خَلْقِي-فَقَالَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ سُبْحَانَكَ أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا

ص: 36


1- . يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ اَلْمَلاَئِكَةَ.
2- . أَيْ كَشَفَ.

كَمَا أَفْسَدَ بَنُو اَلْجَانِّ وَ يَسْفِكُونَ اَلدِّمَاءَ كَمَا سَفَكَ بَنُو اَلْجَانِّ-وَ يَتَحَاسَدُونَ وَ يَتَبَاغَضُونَ فَاجْعَلْ ذَلِكَ اَلْخَلِيفَةَ مِنَّا-فَإِنَّا لاَ نَتَحَاسَدُ وَ لاَ نَتَبَاغَضُ وَ لاَ نَسْفِكُ اَلدِّمَاءَ-وَ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ-قَالَ جَلَّ وَ عَزَّ إِنِّي أَعْلَمُ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلُقَ خَلْقاً بِيَدِي-وَ أَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءَ وَ مُرْسَلِينَ-وَ عِبَاداً صَالِحِينَ أَئِمَّةً مُهْتَدِينَ-وَ أَجْعَلَهُمْ خُلَفَاءَ عَلَى خَلْقِي فِي أَرْضِي يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِي-وَ يُنْذِرُونَهُمْ مِنْ عَذَابِي وَ يَهْدُونَهُمْ إِلَى طَاعَتِي-وَ يَسْلُكُونَ بِهِمْ طَرِيقَ سَبِيلِي وَ أَجْعَلَهُمْ لِي حُجَّةً عَلَيْهِمْ-وَ أَبِيدَ اَلنَّسْنَاسَ مِنْ أَرْضِي وَ أُطَهِّرَهَا مِنْهُمْ-وَ أَنْقُلَ مَرَدَةَ اَلْجِنِّ اَلْعُصَاةَ مِنْ بَرِيَّتِي وَ خَلْقِي وَ خِيَرَتِي-وَ أُسْكِنَهُمْ فِي اَلْهَوَاءِ فِي أَقْطَارِ اَلْأَرْضِ فَلاَ يُجَاوِرُونَ نَسْلَ خَلْقِي-وَ أَجْعَلَ بَيْنَ اَلْجِنِّ وَ بَيْنَ خَلْقِي حِجَاباً-فَلاَ يَرَى نَسْلُ خَلْقِي اَلْجِنَّ وَ لاَ يُجَالِسُونَهُمْ وَ لاَ يُخَالِطُونَهُمْ-فَمَنْ عَصَانِي مِنْ نَسْلِ خَلْقِي اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْتُهُمْ-وَ أَسْكَنْتُهُمْ مَسَاكِنَ اَلْعُصَاةِ-أَوْرَدْتُهُمْ مَوَارِدَهُمْ وَ لاَ أُبَالِي قَالَ فَقَالَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ يَا رَبَّنَا اِفْعَلْ مَا شِئْتَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ قَالَ فَبَاعَدَهُمُ اَللَّهُ مِنَ اَلْعَرْشِ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ، قَالَ فَلاَذُوا بِالْعَرْشِ وَ أَشَارُوا بِالْأَصَابِعِ-فَنَظَرَ اَلرَّبُّ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمْ وَ نَزَلَتِ اَلرَّحْمَةُ-فَوَضَعَ لَهُمُ اَلْبَيْتَ اَلْمَعْمُورَ فَقَالَ طُوفُوا بِهِ وَ دَعُوا اَلْعَرْشَ فَإِنَّهُ لِي رِضًى فَطَافُوا بِهِ-وَ هُوَ اَلْبَيْتُ اَلَّذِي يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ-لاَ يَعُودُونَ أَبَداً-فَوَضَعَ اَللَّهُ اَلْبَيْتَ اَلْمَعْمُورَ تَوْبَةً لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ-وَ وَضَعَ اَلْكَعْبَةَ تَوْبَةً لِأَهْلِ اَلْأَرْضِ-فَقَالَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى « إِنِّي خٰالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصٰالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ- فَإِذٰا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِينَ » قَالَ وَ كَانَ ذَلِكَ مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى فِي آدَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ-وَ اِحْتِجَاجاً مِنْهُ عَلَيْهِمْ (قَالَ) فَاغْتَرَفَ رَبُّنَا عَزَّ وَ جَلَّ غُرْفَةً بِيَمِينِهِ-مِنَ اَلْمَاءِ اَلْعَذْبِ اَلْفُرَاتِ-وَ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ فَصَلْصَلَهَا فِي كَفِّهِ حَتَّى جَمَدَتْ-فَقَالَ لَهَا مِنْكِ أَخْلُقُ اَلنَّبِيِّينَ وَ اَلْمُرْسَلِينَ وَ عِبَادِيَ اَلصَّالِحِينَ وَ اَلْأَئِمَّةَ اَلْمُهْتَدِينَ وَ اَلدُّعَاةَ إِلَى اَلْجَنَّةِ وَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَ لاَ أُبَالِي وَ لاَ أُسْأَلُ عَمَّا

ص: 37

أَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ ، ثُمَّ اِغْتَرَفَ غُرْفَةً أُخْرَى مِنَ اَلْمَاءِ اَلْمَالِحِ اَلْأُجَاجِ (1)فَصَلْصَلَهَا فِي كَفِّهِ فَجَمَدَتْ-ثُمَّ قَالَ لَهَا مِنْكِ أَخْلُقُ اَلْجَبَّارِينَ وَ اَلْفَرَاعِنَةَ وَ اَلْعُتَاةَ-وَ إِخْوَانَ اَلشَّيَاطِينِ وَ اَلدُّعَاةَ إِلَى اَلنَّارِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَ أَشْيَاعَهُمْ-وَ لاَ أُبَالِي وَ لاَ أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ قَالَ وَ شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ اَلْبَدَاءُ (2)وَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي أَصْحَابِ اَلْيَمِينِ-ثُمَّ أَخْلَطَ

ص: 38


1- . لاَ يُقَالُ إِنَّ هَذَا اَلْخَبَرَ مُؤَيَّدٌ لِلْمُجَبِّرَةِ اَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ اِخْتِيَارِ اَلْعِبَادِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِسَرِيرَةِ اَلْعِبَادِ قَبْلَ خَلْقِهِمْ وَ خَبِيرٌ بِمَصِيرِهِمْ إِلَى اَلْحُسْنِ أَوِ اَلْقُبْحِ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا اَلْعِلْمِ دَخْلٌ فِي أَفْعَالِهِمْ لِأَنَّ اَلْعِلْمَ بِالشَّيْءِ لاَ يَكُونُ مُؤَثِّراً فِيهِ، بَلِ اَلْمُؤَثِّرُ فِي اَلْأَفْعَالِ إِرَادَةُ اَلْفَاعِلِ، فَلَمَّا عَلِمَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَنَّ فَرِيقاً مِنَ اَلْعِبَادِ يَفْعَلُونَ اَلْخَيْرَ وَ اَلْحَسَنَاتِ، وَ آخَرِينَ يَرْتَكِبُونَ اَلْفَوَاحِشَ وَ اَلْمُنْكَرَاتِ جَعَلَ فِي طِينَةِ اَلْأَوَّلِينَ اَلْمَاءَ اَلْعَذْبَ، إِنْعَاماً عَلَيْهِمْ وَ إِكْرَاماً لَهُمْ لِيَكُونَ أَوْفَقَ لَهُمْ فِي مَقَامِ اَلطَّاعَةِ وَ أَسْهَلَ فِي اَلاِنْقِيَادِ، وَ لَيْسَ هَذَا عَلَى حَدِّ اَلْإِلْجَاءِ وَ لاَ سَبَباً لِمَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ اَلْأَعْمَالِ اَلْحَسَنَةِ بَلْ إِنَّهُ مِنَ اَلْمُوَفَّقَاتِ-وَ كَذَلِكَ جَعَلَ فِي طِينَةِ اَلْأَشْرَارِ اَلْمَاءَ اَلْمَالِحَ اَلْأُجَاجَ تَخْفِيضاً وَ تَحْقِيراً لَهُمْ وَ لَيْسَ فِيهِ إِلْزَامٌ وَ إِلْجَاءٌ عَلَى فِعْلِ اَلْقَبِيحِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِإِرَادَتِهِمْ كَمَا ذُكِرَ وَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ «وَ شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ اَلْبَدَاءُ» فَانْدَفَعَ مِنْ هَذَا مَا يَرِدُ عَلَى اَلْأَخْبَارِ اَلْوَارِدَةِ مِنْ هَذَا اَلْقَبِيلِ كَأَخْبَارِ اَلطِّينَةِ، وَ أَخْبَارِ اَلسَّعَادَةِ وَ اَلشَّقَاوَةِ فِي بُطُونِ اَلْأُمَّهَاتِ-
2- . قَالَ جَدِّي اَلسَّيِّدُ اَلْجَزَائِرِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ فِي زَهْرِ اَلرَّبِيعِ فِي مَعْنَى اَلْبَدَاءِ إِنَّهُ «تَكَثَّرَتِ اَلْأَحَادِيثُ مِنَ اَلْفَرِيقَيْنِ فِي اَلْبَدَاءِ» مِثْلَ «مَا عَظَّمَ اَللَّهُ بِمِثْلِ اَلْبَدَاءِ» وَ قَوْلِهِ «مَا بَعَثَ اَللَّهُ نَبِيّاً حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِالْبَدَاءِ» أَيْ يُقِرَّ لَهُ بِقَضَاءٍ مُجَدَّدٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِحَسَبِ مَصَالِحِ اَلْعِبَادِ لَمْ يَكُنْ ظَاهِراً عِنْدَهُمْ، وَ كَانَ اَلْإِقْرَارُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى اَلْيَهُودِ حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّهُ تَعَالَى فَرَغَ مِنَ اَلْأَمْرِ، يَقُولُونَ إِنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ فِي اَلْأَزَلِ بِمُقْتَضَيَاتِ اَلْأَشْيَاءِ فَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى مُقْتَضَى عِلْمِهِ. (بَقِيَّةُ اَلْحَاشِيَةِ عَلَى اَلصَّفْحَةِ اَلْآتِيَةِ) وَ قَالَ شَيْخُنَا اَلطُّوسِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ فِي اَلْعُدَّةِ: وَ أَمَّا اَلْبَدَاءُ فَحَقِيقَتُهُ فِي اَللُّغَةِ اَلظُّهُورُ، كَمَا يُقَالُ «بَدَا لَنَا سُورُ اَلْمَدِينَةِ» وَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي اَلْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلاً، فَإِذَا أُضِيفَتْ هَذِهِ اَللَّفْظَةُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى فَمِنْهُ مَا يَجُوزُ إِطْلاَقُهُ عَلَيْهِ وَ مِنْهُ مَا لاَ يَجُوزُ، فَالْأَوَّلُ هُوَ مَا أَفَادَ اَلنَّسْخَ بِعَيْنِهِ وَ يَكُونُ إِطْلاَقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ اَلتَّوَسُّعِ، وَ عَلَى هَذَا يُحْمَلُ جَمِيعُ مَا وَرَدَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنَ اَلْأَخْبَارِ اَلْمُتَضَمِّنَةِ لِإِضَافَةِ اَلْبَدَاءِ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى دُونَ مَا لاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ اَلْعِلْمِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَ يَكُونَ وَجْهُ إِطْلاَقِ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَعَالَى اَلتَّشْبِيهَ هُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى اَلنَّسْخِ يَظْهَرُ بِهِ لِلْمُكَلَّفِينَ مَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِراً وَ يَحْصُلُ لَهُمُ اَلْعِلْمُ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلاً وَ أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ «اَلْبَدَاءِ» . قَالَ وَ ذَكَرَ سَيِّدُنَا اَلْمُرْتَضَى وَجْهاً آخَرَ فِي ذَلِكَ وَ هُوَ: أَنَّهُ قَالَ يُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ بَدَا لِلَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنَ اَلْأَمْرِ مَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِراً لَهُ، وَ بَدَا لَهُ مِنَ اَلنَّهْيِ مَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِراً لَهُ، لِأَنَّ قَبْلَ وُجُودِ اَلْأَمْرِ وَ اَلنَّهْيِ لاَ يَكُونَانِ ظَاهِرَيْنِ مُدْرَكَيْنِ وَ إِنَّمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَأْمُرُ وَ يَنْهَى فِي اَلْمُسْتَقْبَلِ، فَأَمَّا كَوْنُهُ آمِراً وَ نَاهِياً فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَهُ إِلاَّ إِذَا وَجَدَ اَلْأَمْرَ وَ اَلنَّهْيَ وَ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى أَحَدِ اَلْوَجْهَيْنِ اَلْمَذْكُورَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى، وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ اَلْمُجٰاهِدِينَ مِنْكُمْ » بِأَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى أَنَّ اَلْمُرَادَ بِهِ حَتَّى نَعْلَمَ جِهَادَكُمْ مَوْجُوداً، لِأَنَّ قَبْلَ وُجُودِ اَلْجِهَادِ لاَ يُعْلَمُ اَلْجِهَادُ مَوْجُوداً وَ إِنَّمَا يُعْلَمُ كَذَلِكَ بَعْدَ حُصُولِهِ فَكَذَلِكَ اَلْقَوْلُ فِي اَلْبَدَاءِ (اِنْتَهَى) . وَ يَظْهَرُ مِمَّا أَفَادَهُ اَلشَّيْخُ رَحِمَهُ اَللَّهُ عَدَمُ اَلْفَرْقِ بَيْنَ اَلْبَدَاءِ وَ اَلنَّسْخِ وَ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي مَقَامِ اَلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ اَلْأَوَّلَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُصُولِ اَلْمَنُوطَةِ بِالاِعْتِقَادِ اَلَّتِي لاَ دَخْلَ لَهُ فِي اَلْعَمَلِ، وَ اَلثَّانِي مَخْصُوصٌ بِالْفُرُوعِ وَ اَلشَّرَائِعِ اَلْمُتَعَلِّقَةِ بِأَعْمَالِ اَلْمُكَلَّفِينَ، وَ هَذَا اَلْفَرْقُ غَيْرُ خَفِيٍّ عَلَى كُلِّ حَفِيٍّ وَ أَحْسَنُ مَا يُمْكِنُ اَلتَّمْثِيلُ بِهِ فِي مَعْنَى اَلْبَدَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى « وَ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ ثَلاٰثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنٰاهٰا بِعَشْرٍ (اَلْأَعْرَافَ 142) فَوَاعَدَ اَللَّهُ مُوسَى لِإِعْطَاءِ اَلتَّوْرَاةِ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ غَيَّرَ اَلْوَعْدَ اَلْمَذْكُورَ عَلَى اَلظَّاهِرِ بِإِضَافَةِ عَشْرِ لَيَالٍ، وَ لَمْ يَكُنْ هَذَا اَلتَّغْيِيرُ لِأَجْلِ سُنُوحِ مَصْلَحَةٍ جَدِيدَةٍ كَانَتْ خَفِيَّةً عَنْهُ سَابِقاً بَلِ اَلْمَعْنَى أَنَّ اَلْمِيعَادَ اَلْمُقَرَّرَ عِنْدَ اَللَّهِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَكِنَّهُ بَيَّنَ أَوَّلاً بِأَنَّهُ ثَلاَثُونَ لِحِكْمَةِ اِمْتِحَانِ إِيمَانِ تَابِعِي مُوسَى، فَمِنْهُمْ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَ هَذَا اَلاِمْتِحَانِ، وَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ عَنْ رِبْقَةِ اَلْإِيمَانِ، وَ تَعَبَّدَ بِالْعِجْلِ وَ اَلْأَوْثَانِ، وَ بَعْدَ مَا اِنْتَهَى هَذَا اَلاِبْتِلاَءُ أَتَمَّ اَلْمِيعَادَ بِإِضَافَةِ عَشْرِ لَيَالٍ، وَ اَلدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اَلْمِيعَادَ اَلْمُقَرَّرَ عِنْدَ اَللَّهِ كَانَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لاَ غَيْرُ قَوْلُهُ تَعَالَى « وَ إِذْ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اِتَّخَذْتُمُ اَلْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظٰالِمُونَ . اَلْبَقَرَةَ 51» قَالَ اَلْبَلاَغِيُّ «أَرْبَعِينَ لَيْلَةً بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ اَلْعَدَدَيْنِ، اَلْوَعْدِ اَلْأَوَّلِ-وَ هُوَ ثَلاَثُونَ لَيْلَةً-وَ اَلثَّانِي، وَ هُوَ إِتْمَامُهَا بِعَشْرٍ كَمَا فِي سُورَةِ اَلْأَعْرَافِ» . فَعَلَى هَذَا لاَ يَرِدُ عَلَى اَلْبَدَاءِ مِنْ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِجَهْلِهِ تَعَالَى عَنْ عَوَاقِبِ اَلْأُمُورِ أَوْ مُوجِبٌ لِلتَّغَيُّرِ فِي عِلْمِهِ، أَوْ نُقْصَانِهِ، لِأَنَّ اَلتَّغَيُّرَ فِي اَلْمَعْلُومِ دُونَ اَلْعَالِمِ، وَ إِنْ سُلِّمَ فَهُوَ اِعْتِبَارِيٌّ غَيْرُ قَادِحٍ فِي وُجُوبِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ « كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ . اَلرَّحْمَنَ 29» . وَ مِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَيْضاً دَفْعُ اَلْإِشْكَالِ اَلْوَارِدِ عَلَى اَلْحَدِيثِ اَلْمَشْهُورِ عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي وُلْدِهِ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ وَفَاتِهِ، وَ هُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «مَا بَدَا لِلَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ» وَ قَدْ بُيِّنَ لَهُ مَعَانٍ لاَ يَسَعُنِي ذِكْرُهَا فَنَقْتَصِرُ عَلَى مَا خَطَرَ فِي خَاطِرِي وَ هُوَ أَنَّهُ: لَمَّا كَانَ اَلْغَرَضُ اَلْمُهِمُّ مِنْ خِلْقَةِ اَلْكَوْنِ خِلْقَةَ اَلْإِنْسَانِ، وَ اَلْمُهِمُّ فِي خَلْقِهِمْ بَعْثَ اَلْأَنْبِيَاءِ، وَ اَلْمُهِمُّ فِي بَعْثِهِمْ نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، وَ اَلْمُهِمُّ فِي بَقَاءِ شَرِيعَتِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إِمَامَةَ اِثْنَيْ عَشَرَ أَئِمَّةً، فَكَانَتِ اَلنَّتِيجَةُ أَنَّ هَذِهِ اَلْإِمَامَةَ مَدَارُ اَلْكَوْنِ، فَكَانَ اَلاِبْتِلاَءُ فِيهَا مِنْ أَهَمِّ اَلاِبْتِلاَءَاتِ، فَكَانَ ظُهُورُ اَلْبَدَاءِ فِيهَا مِنْ أَعْظَمِ اَلْبَدَوَاتِ اَلَّتِي اِمْتَحَنَ اَللَّهُ بِهَا قُلُوبَ اَلْعِبَادِ-وَ اَللَّهُ اَلْعَالِمُ-ج-ز.

اَلْمَاءَيْنِ جَمِيعاً فِي كَفِّهِ فَصَلْصَلَهُمَا-ثُمَّ كَفَّهُمَا قُدَّامَ عَرْشِهِ وَ هُمَا سُلاَلَةٌ مِنْ طِينٍ-ثُمَّ أَمَّرَ اَللَّهُ

ص: 39

اَلْمَلاَئِكَةَ اَلْأَرْبَعَةَ اَلشَّمَالَ وَ اَلْجَنُوبَ وَ اَلصَّبَا وَ اَلدَّبُورَ أَنْ يَجُولُوا عَلَى هَذِهِ اَلسُّلاَلَةِ مِنَ اَلطِّينِ

ص: 40

فَأَمْرَءُوهَا (1)وَ أَنْشَئُوهَا ثُمَّ أنزوها [أَبْرَوْهَا] (2)وَ جَزُّوهَا وَ فَصَلُوهَا (3)وَ أَجْرَوْا فِيهَا اَلطَّبَائِعَ اَلْأَرْبَعَةَ-اَلرِّيحَ وَ اَلدَّمَ وَ اَلْمِرَّةَ وَ اَلْبَلْغَمَ-فَجَالَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ عَلَيْهَا-وَ هِيَ اَلشَّمَالُ وَ اَلْجَنُوبُ وَ اَلصَّبَا وَ اَلدَّبُورُ وَ أَجْرَوْا فِيهَا اَلطَّبَائِعَ اَلْأَرْبَعَةَ، اَلرِّيحُ فِي اَلطَّبَائِعِ اَلْأَرْبَعَةِ مِنَ اَلْبَدَنِ مِنْ نَاحِيَةِ اَلشَّمَالِ وَ اَلْبَلْغَمُ فِي اَلطَّبَائِعِ اَلْأَرْبَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ اَلصَّبَا وَ اَلْمِرَّةُ فِي اَلطَّبَائِعِ اَلْأَرْبَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ اَلدَّبُورِ وَ اَلدَّمُ فِي اَلطَّبَائِعِ اَلْأَرْبَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ اَلْجَنُوبِ ، قَالَ فَاسْتَقَلَّتِ اَلنَّسَمَةُ وَ كَمَلَ اَلْبَدَنُ-فَلَزِمَهُ مِنْ نَاحِيَةِ اَلرِّيحِ حُبُّ اَلنِّسَاءِ وَ طُولُ اَلْأَمَلِ وَ اَلْحِرْصُ، وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِيَةِ اَلْبَلْغَمِ حُبُّ اَلطَّعَامِ وَ اَلشَّرَابِ-وَ اَلْبِرُّ وَ اَلْحِلْمُ وَ اَلرِّفْقُ، وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِيَةِ اَلْمِرَّةِ اَلْحُبُّ وَ اَلْغَضَبُ وَ اَلسَّفَهُ وَ اَلشَّيْطَنَةُ-وَ اَلتَّجَبُّرُ وَ اَلتَّمَرُّدُ وَ اَلْعَجَلَةُ، وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِيَةِ اَلدَّمِ حُبُّ اَلْفَسَادِ وَ اَللَّذَّاتِ وَ رُكُوبُ اَلْمَحَارِمِ وَ اَلشَّهَوَاتِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَجَدْنَاهُ هَذَا فِي كِتَابِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع .

،

فَخَلَقَ اَللَّهُ آدَمَ فَبَقِيَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مُصَوَّراً-فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ إِبْلِيسُ اَللَّعِينُ فَيَقُولُ لِأَمْرِ مَا خُلِقْتَ فَقَالَ اَلْعَالِمُ ع فَقَالَ إِبْلِيسُ لَئِنْ أَمَرَنِي اَللَّهُ بِالسُّجُودِ لِهَذَا لَأَعْصِيَنَّهُ، قَالَ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ فَلَمَّا بَلَغَتِ اَلرُّوحُ إِلَى دِمَاغِهِ-عَطَسَ عَطْسَةً جَلَسَ مِنْهَا فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ-فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُكَ اَللَّهُ قَالَ اَلصَّادِقُ ع فَسَبَقَتْ لَهُ مِنَ اَللَّهِ اَلرَّحْمَةُ . ثم قال الله تبارك و تعالى لِلْمَلاٰئِكَةِ-اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا له-فأخرج إبليس ما كان في قلبه من

ص: 41


1- . أَيْ هَذَّبُوهَا وَ طَيَّبُوهَا.
2- . أَنَزَ اَلشَّيْءُ تَصَلَّبَ وَ تَشَدَّدَ.
3- . وَ رُوِيَ «فَأَبْدَءُوهَا وَ أَنْشَئُوهَا ثُمَّ أَبْرَءُوهَا وَ تَجَزَّوْهَا» وَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْفَقُ. ج-ز.

الحسد فأبى أن يسجد-فقال الله عز و جل « مٰا مَنَعَكَ أَلاّٰ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ-قٰالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ »

قَالَ اَلصَّادِقُ ع فَأَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ وَ اِسْتَكْبَرَ وَ اَلاِسْتِكْبَارُ هُوَ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اَللَّهُ بِهَا-قَالَ فَقَالَ إِبْلِيسُ يَا رَبِّ اُعْفُنِي مِنَ اَلسُّجُودِ لِآدَمَ ع وَ أَنَا أَعْبُدُكَ عِبَادَةً لَمْ يَعْبُدْكَهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ-قَالَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لاَ حَاجَةَ لِي إِلَى عِبَادَتِكَ-إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُعْبَدَ مِنْ حَيْثُ أُرِيدُ لاَ مِنْ حَيْثُ تُرِيدُ-فَأَبَى أَنْ يَسْجُدَ فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى « فَاخْرُجْ مِنْهٰا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلىٰ يَوْمِ اَلدِّينِ » فَقَالَ إِبْلِيسُ يَا رَبِّ كَيْفَ وَ أَنْتَ اَلْعَدْلُ اَلَّذِي لاَ تَجُورُ-فَثَوَابُ عَمَلِي بَطَلَ قَالَ لاَ-وَ لَكِنِ اِسْأَلْ مِنْ أَمْرِ اَلدُّنْيَا مَا شِئْتَ ثَوَاباً لِعَمَلِكَ فَأَعْطَيْتُكَ-فَأَوَّلُ مَا سَأَلَ اَلْبَقَاءَ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ-فَقَالَ اَللَّهُ قَدْ أَعْطَيْتُكَ قَالَ سَلِّطْنِي عَلَى وُلْدِ آدَمَ قَالَ قَدْ سَلَّطْتُكَ-قَالَ أَجْرِنِي مِنْهُمْ مَجْرَى اَلدَّمِ فِي اَلْعُرُوقِ قَالَ قَدْ أَجْرَيْتُكَ-قَالَ وَ لاَ يَلِدُ لَهُمْ وَلَدٌ إِلاَّ وَ يَلِدُ لِي اِثْنَانِ قَالَ وَ أَرَاهُمْ وَ لاَ يَرَوْنِي-وَ أَتَصَوَّرُ لَهُمْ فِي كُلِّ صُورَةٍ شِئْتُ فَقَالَ قَدْ أَعْطَيْتُكَ-قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي-قَالَ قَدْ جَعَلْتُ لَكَ فِي صُدُورِهِمْ أَوْطَاناً قَالَ رَبِّ حَسْبِي-فَقَالَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ « فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّٰ عِبٰادَكَ مِنْهُمُ اَلْمُخْلَصِينَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَ عَنْ شَمٰائِلِهِمْ-وَ لاٰ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شٰاكِرِينَ » .

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: لَمَّا أَعْطَى اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِبْلِيسَ مَا أَعْطَاهُ مِنَ اَلْقُوَّةِ-قَالَ آدَمُ يَا رَبِّ سَلَّطْتَهُ عَلَى وُلْدِي-وَ أَجْرَيْتَهُ مَجْرَى اَلدَّمِ فِي اَلْعُرُوقِ وَ أَعْطَيْتَهُ مَا أَعْطَيْتَهُ-فَمَا لِي وَ لِوُلْدِي فَقَالَ لَكَ وَ لِوُلْدِكَ اَلسَّيِّئَةُ بِوَاحِدَةٍ وَ اَلْحَسَنَةُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا-قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ اَلتَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ إِلَى حِينِ يَبْلُغُ اَلنَّفْسُ اَلْحُلْقُومَ-فَقَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ أَغْفِرُ وَ لاَ أُبَالِي قَالَ حَسْبِي-قَالَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ-بِمَا ذَا اِسْتَوْجَبَ إِبْلِيسُ مِنَ اَللَّهِ أَنْ أَعْطَاهُ مَا أَعْطَاهُ فَقَالَ بِشَيْءٍ كَانَ مِنْهُ شَكَرَهُ اَللَّهُ عَلَيْهِ-قُلْتُ وَ مَا كَانَ مِنْهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ-قَالَ رَكْعَتَيْنِ رَكَعَهُمَا فِي اَلسَّمَاءِ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ سَنَةٍ .

ص: 42

و أما قوله وَ قُلْنٰا يٰا آدَمُ اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ اَلْجَنَّةَ وَ كُلاٰ مِنْهٰا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمٰا-وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ اَلشَّجَرَةَ فَتَكُونٰا مِنَ اَلظّٰالِمِينَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ اَلصَّادِقُ ع عَنْ جَنَّةِ آدَمَ أَ مِنْ جِنَانِ اَلدُّنْيَا كَانَتْ أَمْ مِنْ جِنَانِ اَلْآخِرَةِ-فَقَالَ كَانَتْ مِنْ جِنَانِ اَلدُّنْيَا تَطْلُعُ فِيهَا اَلشَّمْسُ وَ اَلْقَمَرُ-وَ لَوْ كَانَتْ مِنْ جِنَانِ اَلْآخِرَةِ مَا أُخْرِجَ مِنْهَا أَبَداً آدَمُ وَ لَمْ يَدْخُلْهَا إِبْلِيسُ .

قَالَ: أَسْكَنَهُ اَللَّهُ اَلْجَنَّةَ وَ أَتَى جَهَالَةً إِلَى اَلشَّجَرَةِ فَأَخْرَجَهُ-لِأَنَّهُ خَلَقَ خِلْقَةً لاَ تَبْقَى إِلاَّ بِالْأَمْرِ وَ اَلنَّهْيِ-وَ اَللِّبَاسِ وَ اَلْأَكْنَانِ (1)وَ اَلنِّكَاحِ-وَ لاَ يُدْرِكُ مَا يَنْفَعُهُ مِمَّا يَضُرُّهُ إِلاَّ بِالتَّوْقِيفِ-فَجَاءَهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ إِنَّكُمَا إِنْ أَكَلْتُمَا مِنْ هَذِهِ اَلشَّجَرَةِ اَلَّتِي نَهَاكُمَا اَللَّهُ عَنْهَا صِرْتُمَا مَلَكَيْنِ-وَ بَقِيتُمَا فِي اَلْجَنَّةِ أَبَداً-وَ إِنْ لَمْ تَأْكُلاَ مِنْهَا أَخْرَجَكُمَا اَللَّهُ مِنَ اَلْجَنَّةِ وَ حَلَفَ لَهُمَا أَنَّهُ لَهُمَا نَاصِحٌ-كَمَا قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ « مٰا نَهٰاكُمٰا رَبُّكُمٰا عَنْ هٰذِهِ اَلشَّجَرَةِ-إِلاّٰ أَنْ تَكُونٰا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونٰا مِنَ اَلْخٰالِدِينَ- وَ قٰاسَمَهُمٰا إِنِّي لَكُمٰا لَمِنَ اَلنّٰاصِحِينَ » فَقَبِلَ آدَمُ قَوْلَهُ فَأَكَلاَ مِنَ اَلشَّجَرَةِ-فَكَانَ كَمَا حَكَى اَللَّهُ « بَدَتْ لَهُمٰا سَوْآتُهُمٰا » وَ سَقَطَ عَنْهُمَا مَا أَلْبَسَهُمَا اَللَّهُ مِنْ لِبَاسِ اَلْجَنَّةِ وَ أَقْبَلاَ يَسْتَتِرَانِ بِوَرَقِ اَلْجَنَّةِ « وَ نٰادٰاهُمٰا رَبُّهُمٰا أَ لَمْ أَنْهَكُمٰا عَنْ تِلْكُمَا اَلشَّجَرَةِ-وَ أَقُلْ لَكُمٰا إِنَّ اَلشَّيْطٰانَ لَكُمٰا عَدُوٌّ مُبِينٌ » فَقَالاَ كَمَا حَكَى اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْهُمَا « رَبَّنٰا ظَلَمْنٰا أَنْفُسَنٰا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنٰا وَ تَرْحَمْنٰا-لَنَكُونَنَّ مِنَ اَلْخٰاسِرِينَ » فَقَالَ اَللَّهُ لَهُمَا اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ-وَ لَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتٰاعٌ إِلىٰ حِينٍ قَالَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ ، قَوْلُهُ فَأَزَلَّهُمَا اَلشَّيْطٰانُ عَنْهٰا فَأَخْرَجَهُمٰا مِمّٰا كٰانٰا فِيهِ-وَ قُلْنَا اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ-وَ لَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتٰاعٌ إِلىٰ حِينٍ فَهَبَطَ آدَمُ عَلَى اَلصَّفَا وَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ اَلصَّفَا لِأَنَّ صَفْوَةَ اَللَّهِ نَزَلَ عَلَيْهَا وَ نَزَلَتْ حَوَّاءُ عَلَى اَلْمَرْوَةِ وَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ اَلْمَرْوَةُ لِأَنَّ اَلْمَرْأَةَ نَزَلَتْ عَلَيْهَا-فَبَقِيَ آدَمُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً سَاجِداً يَبْكِي عَلَى اَلْجَنَّةِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ يَا آدَمُ أَ لَمْ يَخْلُقْكَ اَللَّهُ

ص: 43


1- . اَلْأَكْنَانُ جَمْعُ كِنٍّ وَ هُوَ مَا كَنَّ مِنَ اَلْحَرِّ وَ اَلْبَرْدِ.

بِيَدِهِ وَ نَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ-وَ أَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ قَالَ بَلَى-قَالَ وَ أَمَرَكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنَ اَلشَّجَرَةِ فَلِمَ عَصَيْتَهُ قَالَ يَا جَبْرَئِيلُ إِنَّ إِبْلِيسَ حَلَفَ لِي بِاللَّهِ إِنَّهُ لِي نَاصِحٌ-وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ خَلْقاً يَخْلُقُهُ اَللَّهُ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِباً.

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ مُوسَى ع سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ آدَمَ ع فَجَمَعَ-فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا أَبَهْ أَ لَمْ يَخْلُقْكَ اَللَّهُ بِيَدِهِ-وَ نَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَ أَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ-وَ أَمَرَكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنَ اَلشَّجَرَةِ فَلِمَ عَصَيْتَهُ فَقَالَ يَا مُوسَى بِكَمْ وَجَدْتَ خَطِيئَتِي قَبْلَ خَلْقِي فِي اَلتَّوْرَاةِ قَالَ بِثَلاَثِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ خُلِقَ آدَمُ قَالَ فَهُوَ ذَاكَ-قَالَ اَلصَّادِقُ ع فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ع .

و أما قوله فَتَلَقّٰى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ فَتٰابَ عَلَيْهِ-إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ آدَمَ ع بَقِيَ عَلَى اَلصَّفَا أَرْبَعِينَ صَبَاحاً سَاجِداً-يَبْكِي عَلَى اَلْجَنَّةِ وَ عَلَى خُرُوجِهِ مِنَ اَلْجَنَّةِ مِنْ جِوَارِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ-فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ يَا آدَمُ مَا لَكَ تَبْكِي فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ مَا لِي لاَ أَبْكِي وَ قَدْ أَخْرَجَنِي اَللَّهُ مِنَ اَلْجَنَّةِ مِنْ جِوَارِهِ-وَ أَهْبَطَنِي إِلَى اَلدُّنْيَا فَقَالَ يَا آدَمُ تُبْ إِلَيْهِ قَالَ وَ كَيْفَ أَتُوبُ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِ قُبَّةً مِنْ نُورٍ فِيهِ مَوْضِعُ اَلْبَيْتِ فَسَطَعَ نُورُهَا فِي جِبَالِ مَكَّةَ فَهُوَ اَلْحَرَمُ فَأَمَرَ اَللَّهُ جَبْرَئِيلَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ اَلْأَعْلاَمَ-قَالَ قُمْ يَا آدَمُ فَخَرَجَ بِهِ يَوْمَ اَلتَّرْوِيَةِ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَ يُحْرِمَ-وَ أُخْرِجَ مِنَ اَلْجَنَّةِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ ذِي اَلْقَعْدَةِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ اَلثَّامِنِ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ أَخْرَجَهُ جَبْرَئِيلُ ع إِلَى مِنًى فَبَاتَ بِهَا-فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْرَجَهُ إِلَى عَرَفَاتٍ وَ قَدْ كَانَ عَلَّمَهُ حِينَ أَخْرَجَهُ مِنْ مَكَّةَ اَلْإِحْرَامَ وَ عَلَّمَهُ اَلتَّلْبِيَةَ-فَلَمَّا زَالَتِ اَلشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ قَطَعَ اَلتَّلْبِيَةَ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَمَّا صَلَّى اَلْعَصْرَ أَوْقَفَهُ بِعَرَفَاتٍ وَ عَلَّمَهُ اَلْكَلِمَاتِ اَلَّتِي تَلَقَّاهَا مِنْ رَبِّهِ-وَ هِيَ «سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ وَ بِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ-عَمِلْتُ سُوءاً وَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ اِعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي-فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ-سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ وَ بِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ-عَمِلْتُ سُوءاً

ص: 44

وَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ اِعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي-فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ خَيْرُ اَلْغَافِرِينَ-سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ وَ بِحَمْدِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ-عَمِلْتُ سُوءاً وَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ اِعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي-فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ » فَبَقِيَ إِلَى أَنْ غَابَتِ اَلشَّمْسُ رَافِعاً يَدَيْهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ-يَتَضَرَّعُ وَ يَبْكِي إِلَى اَللَّهِ فَلَمَّا غَابَتِ اَلشَّمْسُ رَدَّهُ إِلَى اَلْمَشْعَرِ فَبَاتَ بِهَا-فَلَمَّا أَصْبَحَ قَامَ عَلَى اَلْمَشْعَرِ اَلْحَرَامِ فَدَعَا اَللَّهَ تَعَالَى بِكَلِمَاتٍ وَ تَابَ إِلَيْهِ ثُمَّ أَفْضَى إِلَى مِنًى وَ أَمَرَهُ جَبْرَئِيلُ أَنْ يَحْلِقَ اَلشَّعْرَ اَلَّذِي عَلَيْهِ فَحَلَقَهُ-ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى مَكَّةَ فَأَتَى بِهِ عِنْدَ اَلْجَمْرَةِ اَلْأُولَى فَعَرَضَ لَهُ إِبْلِيسُ عِنْدَهَا فَقَالَ يَا آدَمُ أَيْنَ تُرِيدُ فَأَمَرَهُ جَبْرَئِيلُ أَنْ يَرْمِيَهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَرَمَى-وَ أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً فَفَعَلَ ثُمَّ ذَهَبَ-فَعَرَضَ لَهُ إِبْلِيسُ عِنْدَ اَلْجَمْرَةِ اَلثَّانِيَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ-فَرَمَى وَ كَبَّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً-ثُمَّ ذَهَبَ فَعَرَضَ لَهُ إِبْلِيسُ عِنْدَ اَلْجَمْرَةِ اَلثَّالِثَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً-فَذَهَبَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اَللَّهُ-وَ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُ بَعْدَ هَذَا اَلْيَوْمِ أَبَداً، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْحَرَامِ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَطُوفَ بِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَفَعَلَ-فَقَالَ لَهُ إِنَّ اَللَّهَ قَدْ قَبِلَ تَوْبَتَكَ وَ حَلَّتْ لَكَ زَوْجَتُكَ-قَالَ فَلَمَّا قَضَى آدَمُ حَجَّهُ لَقِيَتْهُ اَلْمَلاَئِكَةُ بِالْأَبْطَحِ فَقَالُوا يَا آدَمُ بُرَّ حَجُّكَ أَمَا إِنَّا قَدْ حَجَجْنَا قَبْلَكَ هَذَا اَلْبَيْتَ بِأَلْفَيْ عَامٍ.

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: كَانَ عُمُرُ آدَمَ ع مِنْ يَوْمَ خَلَقَهُ اَللَّهُ إِلَى يَوْمَ قَبَضَهُ تِسْعَمِائَةٍ وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ دُفِنَ بِمَكَّةَ وَ نَفَخَ فِيهِ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ بَعْدَ اَلزَّوَالِ-ثُمَّ بَرَأَ زَوْجَتَهُ مِنْ أَسْفَلِ أَضْلاَعِهِ وَ أَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ-فَمَا اِسْتَقَرَّ فِيهَا إِلاَّ سِتَّ سَاعَاتٍ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ حَتَّى عَصَى اَللَّهَ-وَ أَخْرَجَهُمَا مِنَ اَلْجَنَّةِ بَعْدَ غُرُوبِ اَلشَّمْسِ وَ مَا بَاتَ فِيهَا.

و أما قوله عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا قال أسماء الجبال و البحار و الأودية و النبات و الحيوان-ثم قال الله عز و جل للملائكة أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ فقالوا كما حكى الله سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا-إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ فقال الله يٰا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمٰائِهِمْ فَلَمّٰا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمٰائِهِمْ فقال الله

ص: 45

أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ-وَ أَعْلَمُ مٰا تُبْدُونَ وَ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فجعل آدم ع حجة عليهم،

و أما قوله يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ اَلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ-وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيّٰايَ فَارْهَبُونِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ لَهُ رَجُلٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ-إِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ « اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » وَ إِنَّا نَدْعُو فَلاَ يُسْتَجَابُ لَنَا، قَالَ لِأَنَّكُمْ لاَ تَفُونَ اَللَّهَ بِعَهْدِهِ وَ إِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ « أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ » وَ اَللَّهِ لَوْ وَفَيْتُمْ لِلَّهِ لَوَفَى اَللَّهُ لَكُمْ .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ أَ تَأْمُرُونَ اَلنّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ قَالَ نَزَلَتْ فِي اَلْقُصَّاصِ وَ اَلْخُطَّابِ وَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع وَ عَلَى كُلِّ مِنْبَرٍ مِنْهُمْ خَطِيبٌ مِصْقَعٌ-يَكْذِبُ عَلَى اَللَّهِ وَ عَلَى رَسُولِهِ وَ عَلَى كِتَابِهِ ، . و قال الكميت في ذلك.

مصيب على الأعواد يوم ركوبها *** لما قال فيها مخطئ حين ينزل

و لغيره في هذا المعنى.

و غير تقي يأمر الناس بالتقى *** طبيب يداوي الناس و هو عليل.

و قوله جل ذكره وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ اَلصَّلاٰةِ قال الصبر الصوم وَ إِنَّهٰا لَكَبِيرَةٌ إِلاّٰ عَلَى اَلْخٰاشِعِينَ يعني الصلاة-و قوله اَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاٰقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ قال الظن في الكتاب على وجهين-فمنه ظن يقين و منه ظن شك-ففي هذا الموضع الظن يقين-و إنما الشك قوله تعالى « إِنْ نَظُنُّ إِلاّٰ ظَنًّا-وَ مٰا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ » و قوله « وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ اَلسَّوْءِ » و أما قوله يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ اَلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ-وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ قال لفظ العالمين عام و معناه خاص-و إنما فضلهم على عالمي زمانهم-بأشياء خصهم بها مثل المن و السلوى-و الحجر الذي انفجر مِنْهُ اِثْنَتٰا عَشْرَةَ عَيْناً و قوله وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً-وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ

وَ هُوَ قَوْلُهُ (ع) وَ اَللَّهِ لَوْ أَنَّ كُلَّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ أَوْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ-شَفَعُوا فِي نَاصِبٍ مَا شُفِّعُوا.

ص: 46

وَ إِذْ نَجَّيْنٰاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ اَلْعَذٰابِ-يُذَبِّحُونَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِسٰاءَكُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُونَ-يُولَدُ فِينَا رَجُلٌ يَكُونُ هَلاَكُ فِرْعَوْنَ وَ أَصْحَابِهِ عَلَى يَدِهِ-كَانَ يَقْتُلُ أَوْلاَدَهُمُ اَلذُّكُورَ وَ يَدَعُ اَلْإِنَاثَ، وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ إِذْ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً اَلْآيَةَ فَإِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى مُوسَى (ع) أَنِّي أُنْزِلُ عَلَيْكُمُ اَلتَّوْرَاةَ وَ فِيهَا اَلْأَحْكَامُ اَلَّتِي يُحْتَاجُ إِلَيْهَا إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْماً-وَ هُوَ ذُو اَلْقَعْدَةِ وَ عَشَرَةٌ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ فَقَالَ مُوسَى (ع) لِأَصْحَابِهِ-إِنَّ اَللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يَنْزِلَ عَلَيَّ اَلتَّوْرَاةَ وَ اَلْأَلْوَاحَ إِلَى ثَلاَثِينَ يَوْماً-فَأَمَرَهُ اَللَّهُ أَنْ لاَ يَقُولَ لَهُمْ إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْماً-فَتَضِيقَ صُدُورُهُمْ وَ نَكْتُبُ خَبَرَهُ فِي سُورَةِ طه وَ قَوْلُهُ وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ يٰا قَوْمِ-إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخٰاذِكُمُ اَلْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلىٰ بٰارِئِكُمْ-فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فَإِنَّ مُوسَى (ع) لَمَّا خَرَجَ إِلَى اَلْمِيقَاتِ-وَ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَ قَدْ عَبَدُوا اَلْعِجْلَ-قَالَ لَهُمْ « يٰا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ » فَقَالُوا وَ كَيْفَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا-فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى اُغْدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إِلَى بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ وَ مَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ حَدِيدَةٌ أَوْ سَيْفٌ-فَإِذَا صَعِدْتُ أَنَا مِنْبَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكُونُوا أَنْتُمْ مُتَلَثِّمِينَ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ صَاحِبَهُ-فَاقْتُلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً-فَاجْتَمَعُوا سَبْعِينَ أَلْفَ رَجُلٍ-مِمَّنْ كَانُوا عَبَدُوا اَلْعِجْلَ إِلَى بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ فَلَمَّا صَلَّى بِهِمْ مُوسَى (ع) وَ صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ-أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضاً-حَتَّى نَزَلَ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ قُلْ لَهُمْ يَا مُوسَى اِرْفَعُوا اَلْقَتْلَ فَقَدْ تَابَ اَللَّهُ عَلَيْكُمْ-فَقُتِلَ عَشَرَةُ آلاَفٍ-وَ أَنْزَلَ اَللَّهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بٰارِئِكُمْ فَتٰابَ عَلَيْكُمْ-إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ وَ قَوْلُهُ وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً اَلْآيَةَ-فَهُمُ اَلسَّبْعُونَ اَلَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى لِيَسْمَعُوا كَلاَمَ اَللَّهِ-فَلَمَّا سَمِعُوا اَلْكَلاَمَ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ يَا مُوسَى حَتَّى نَرَى اَللَّهَ جَهْرَةً-فَبَعَثَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ صَاعِقَةً فَاحْتَرَقُوا-ثُمَّ أَحْيَاهُمُ اَللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ. و بَعَثَهُمْ أَنْبِيَاءَ-فهذا دليل على الرجعة في أمة محمد ص

فَإِنَّهُ قَالَ ص لَمْ يَكُنْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ شَيْءٌ إِلاَّ وَ فِي أُمَّتِي مِثْلُهُ.

وَ قَوْلُهُ وَ ظَلَّلْنٰا عَلَيْكُمُ اَلْغَمٰامَ وَ أَنْزَلْنٰا عَلَيْكُمُ اَلْمَنَّ وَ اَلسَّلْوىٰ

ص: 47

اَلْآيَةَ) فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا عَبَرَ بِهِمْ مُوسَى اَلْبَحْرَ-نَزَلُوا فِي مَفَازَةٍ فَقَالُوا يَا مُوسَى أَهْلَكْتَنَا وَ قَتَلْتَنَا وَ أَخْرَجْتَنَا مِنَ اَلْعُمْرَانِ إِلَى مَفَازَةٍ-لاَ ظِلَّ وَ لاَ شَجَرَ وَ لاَ مَاءَ-وَ كَانَتْ تَجِيءُ بِالنَّهَارِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُمْ مِنَ اَلشَّمْسِ-وَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ اَلْمَنُّ فَيَقَعُ عَلَى اَلنَّبَاتِ وَ اَلشَّجَرِ وَ اَلْحَجَرِ فَيَأْكُلُونَهُ-وَ بِالْعَشِيِّ يَأْتِيهِمْ طَائِرٌ مَشْوِيٌّ فَيَقَعُ عَلَى مَوَائِدِهِمْ-فَإِذَا أَكَلُوا وَ شَبِعُوا طَارَ-وَ كَانَ مَعَ مُوسَى حَجَرٌ يَضَعُهُ فِي وَسَطِ اَلْعَسْكَرِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ-فَيَنْفَجِرُ مِنْهُ اِثْنَتٰا عَشْرَةَ عَيْناً كَمَا حَكَى اَللَّهُ-فَيَذْهَبُ كُلُّ سِبْطٍ فِي رَحْلِهِ وَ كَانُوا اِثْنَيْ عَشَرَ سِبْطاً-فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ اَلْأَمَدُ قَالُوا يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلىٰ طَعٰامٍ وٰاحِدٍ-فَادْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنٰا مِمّٰا تُنْبِتُ اَلْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهٰا-وَ قِثّٰائِهٰا وَ فُومِهٰا وَ عَدَسِهٰا وَ بَصَلِهٰا وَ اَلْفُومُ اَلْحِنْطَةُ-فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى أَ تَسْتَبْدِلُونَ اَلَّذِي هُوَ أَدْنىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ-اِهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مٰا سَأَلْتُمْ فَقَالُوا « يٰا مُوسىٰ إِنَّ فِيهٰا قَوْماً جَبّٰارِينَ-وَ إِنّٰا لَنْ نَدْخُلَهٰا حَتّٰى يَخْرُجُوا مِنْهٰا-فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا فَإِنّٰا دٰاخِلُونَ » .

فنصف الآية في سورة البقرة و تمامها و جوابها لموسى في المائدة و قوله وَ قُولُوا حِطَّةٌ أي حط عنا ذنوبنا فبدلوا ذلك-و قالوا «حنطة» و قال الله فَبَدَّلَ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ اَلَّذِي قِيلَ لَهُمْ-فَأَنْزَلْنٰا عَلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمد حقهم (1)رِجْزاً مِنَ اَلسَّمٰاءِ بِمٰا كٰانُوا يَفْسُقُونَ و قوله إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَلَّذِينَ هٰادُوا وَ اَلنَّصٰارىٰ وَ اَلصّٰابِئِينَ قال الصابئون قوم لا مجوس لا يهود و لا نصارى و لا مسلمين و هم يعبدون الكواكب و النجوم

وَ قَوْلُهُ وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِيثٰاقَكُمْ وَ رَفَعْنٰا فَوْقَكُمُ اَلطُّورَ خُذُوا مٰا آتَيْنٰاكُمْ بِقُوَّةٍ

ص: 48


1- . و تفسير هذه الكلمة كما في تفسير الإمام العسكري ع أنه قيل لهم بالانقياد لولاية اللّٰه و لولاية محمد صلى اللّٰه عليه و آله و علي ع و آلهما الطيبين و أنهم لما لم ينقادوا و ظلموا حق محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و آله أنزل الرجز عليهم من السماء. ج-ز.

فَإِنَّ مُوسَى ع لَمَّا رَجَعَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ مَعَهُ اَلتَّوْرَاةُ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ فَرَفَعَ اَللَّهُ جَبَلَ طُورِ سِينَا عَلَيْهِمْ-وَ قَالَ لَهُمْ مُوسَى لَئِنْ لَمْ تَقْبَلُوا لَيَقَعَنَّ اَلْجَبَلُ عَلَيْكُمْ وَ لَيَقْتُلَنَّكُمْ-فَنَكَسُوا رُءُوسَهُمْ فَقَالُوا نَقْبَلُهُ.

و أما قوله وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ-إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً الآية)

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِمْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنْ خِيَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ عُلَمَائِهِمْ-خَطَبَ اِمْرَأَةً مِنْهُمْ فَأَنْعَمَتْ لَهُ (1)وَ خَطَبَهَا اِبْنُ عَمٍّ لِذَلِكَ اَلرَّجُلِ-وَ كَانَ فَاسِقاً رَدِيّاً فَلَمْ يُنْعِمُوا لَهُ-فَحَسَدَ اِبْنَ عَمِّهِ اَلَّذِي أَنْعَمُوا لَهُ-فَقَعَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ غِيلَةً-ثُمَّ حَمَلَهُ إِلَى مُوسَى ع فَقَالَ يَا نَبِيَّ اَللَّهِ هَذَا اِبْنُ عَمِّي قَدْ قُتِلَ-قَالَ مُوسَى مَنْ قَتَلَهُ قَالَ لاَ أَدْرِي-وَ كَانَ اَلْقَتْلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَظِيماً جِدّاً فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا مَا تَرَى يَا نَبِيَّ اَللَّهِ وَ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ لَهُ بَقَرَةٌ وَ كَانَ لَهُ اِبْنٌ بَارٌّ-وَ كَانَ عِنْدَ اِبْنِهِ سِلْعَةٌ فَجَاءَ قَوْمٌ يَطْلُبُونَ سِلْعَتَهُ-وَ كَانَ مِفْتَاحُ بَيْتِهِ تَحْتَ رَأْسِ أَبِيهِ وَ كَانَ نَائِماً-وَ كَرِهَ اِبْنُهُ أَنْ يُنَبِّهَهُ وَ يُنْغِضَ عَلَيْهِ نَوْمَهُ-فَانْصَرَفَ اَلْقَوْمُ وَ لَمْ يَشْتَرُوا سِلْعَتَهُ-فَلَمَّا اِنْتَبَهَ أَبُوهُ قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ مَا ذَا صَنَعْتَ فِي سِلْعَتِكَ قَالَ هِيَ قَائِمَةٌ لَمْ أَبِعْهَا لِأَنَّ اَلْمِفْتَاحَ كَانَ تَحْتَ رَأْسِكَ-فَكَرِهْتُ أَنْ أُنَبِّهَكَ وَ أُنْغِضَ عَلَيْكَ نَوْمَكَ-قَالَ لَهُ أَبُوهُ قَدْ جَعَلْتُ هَذِهِ اَلْبَقَرَةَ لَكَ-عِوَضاً عَمَّا فَاتَكَ مِنْ رِبْحِ سِلْعَتِكَ-وَ شَكَرَ اَللَّهُ لاِبْنِهِ مَا فَعَلَ بِأَبِيهِ-وَ أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَذْبَحُوا تِلْكَ اَلْبَقَرَةَ بِعَيْنِهَا-فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا إِلَى مُوسَى وَ بَكَوْا وَ ضَجُّوا-قَالَ لَهُمْ مُوسَى إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً فَتَعَجَّبُوا فَقَالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً نَأْتِيكَ بِقَتِيلٍ فَتَقُولُ اِذْبَحُوا بَقَرَةً-فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَخْطَئُوا فَقَالُوا اُدْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنٰا مٰا هِيَ-قٰالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهٰا بَقَرَةٌ لاٰ فٰارِضٌ وَ لاٰ بِكْرٌ

ص: 49


1- . أَنْعَمَ لَهُ أَيْ قَالَ لَهُ «نَعَمْ» ج-ز.

وَ اَلْفَارِضُ اَلَّتِي قَدْ ضَرَبَهَا اَلْفَحْلُ وَ لَمْ تَحْمِلْ-وَ اَلْبِكْرُ اَلَّتِي لَمْ يَضْرِبْهَا اَلْفَحْلُ قٰالُوا اُدْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنٰا مٰا لَوْنُهٰا-قٰالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهٰا بَقَرَةٌ صَفْرٰاءُ-فٰاقِعٌ لَوْنُهٰا أَيْ شَدِيدَةُ اَلصُّفْرَةِ تَسُرُّ اَلنّٰاظِرِينَ- قٰالُوا اُدْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنٰا مٰا هِيَ-إِنَّ اَلْبَقَرَ تَشٰابَهَ عَلَيْنٰا وَ إِنّٰا إِنْ شٰاءَ اَللّٰهُ لَمُهْتَدُونَ- قٰالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهٰا بَقَرَةٌ لاٰ ذَلُولٌ تُثِيرُ اَلْأَرْضَ أَيْ لَمْ تَذَلَّلْ وَ لاٰ تَسْقِي اَلْحَرْثَ أَيْ لاَ تَسْقِي اَلزَّرْعَ مُسَلَّمَةٌ لاٰ شِيَةَ فِيهٰا أَيْ لاَ نُقَطَ فِيهَا إِلاَّ اَلصُّفْرَةَ قٰالُوا اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهٰا وَ مٰا كٰادُوا يَفْعَلُونَ هِيَ بَقَرَةُ فُلاَنٍ فَذَهَبُوا لِيَشْتَرُوهَا-فَقَالَ لاَ أَبِيعُهَا إِلاَّ بِمِلْءِ جِلْدِهَا ذَهَباً-فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ-فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى لاَ بُدَّ لَكُمْ مِنْ ذَبْحِهَا بِعَيْنِهَا بِمِلْءِ جِلْدِهَا ذَهَباً فَذَبَحُوهَا-ثُمَّ قَالُوا مَا تَأْمُرُنَا يَا نَبِيَّ اَللَّهِ-فَأَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ قُلْ لَهُمْ اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا وَ قُولُوا مَنْ قَتَلَكَ فَأَخَذُوا اَلذَّنَبَ فَضَرَبُوهُ بِهِ-وَ قَالُوا مَنْ قَتَلَكَ يَا فُلاَنُ-فَقَالَ فُلاَنٌ اِبْنُ فُلاَنٍ اِبْنُ عَمِّيَ اَلَّذِي جَاءَ بِهِ-وَ هُوَ قَوْلُهُ فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا-كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ-وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .

ص: 50

و قوله وَ قٰالُوا لَنْ تَمَسَّنَا اَلنّٰارُ إِلاّٰ أَيّٰاماً مَعْدُودَةً

قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَنْ تَمَسَّنَا اَلنَّارُ وَ لَنْ نُعَذَّبَ إِلاَّ اَلْأَيَّامَ اَلْمَعْدُودَاتِ اَلَّتِي عَبَدْنَا فِيهَا اَلْعِجْلَ-فَرَدَّ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ-فَقَالَ وَ قٰالُوا لَنْ تَمَسَّنَا اَلنّٰارُ إِلاّٰ أَيّٰاماً مَعْدُودَةً قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اَللّٰهِ عَهْداً-فَلَنْ يُخْلِفَ اَللّٰهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اَللّٰهِ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ . و قوله وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً نزلت في اليهود ثم نسخت بقوله « فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » .

و أما قوله وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِيثٰاقَكُمْ لاٰ تَسْفِكُونَ دِمٰاءَكُمْ-وَ لاٰ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ الآية

وَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَبِي ذَرٍّ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ (1)وَ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ عُثْمَانُ بِنَفْيِ أَبِي ذَرٍّ إِلَى اَلرَّبَذَةِ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ وَ كَانَ عَلِيلاً مُتَوَكِّئاً عَلَى عَصَاهُ-وَ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ-قَدْ حُمِلَتْ إِلَيْهِ مِنْ بَعْضِ اَلنَّوَاحِي-وَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَ يَطْمَعُونَ أَنْ يَقْسِمَهَا فِيهِمْ-فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ مَا هَذَا اَلْمَالُ-فَقَالَ عُثْمَانُ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ حُمِلَتْ إِلَيَّ مِنْ بَعْضِ اَلنَّوَاحِي-أُرِيدُ أَضُمُّ إِلَيْهَا مِثْلَهَا ثُمَّ أَرَى فِيهَا رَأْيِي-فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ «يَا عُثْمَانُ أَيُّمَا أَكْثَرُ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ» فَقَالَ عُثْمَانُ بَلْ «مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ» قَالَ أَ مَا تَذْكُرُ أَنَا وَ أَنْتَ وَ قَدْ دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص عَشِيّاً-فَرَأَيْنَاهُ كَئِيباً حَزِيناً فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ (2)يَرُدَّ عَلَيْنَا اَلسَّلاَمَ-فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْنَاهُ فَرَأَيْنَاهُ ضَاحِكاً مُسْتَبْشِراً-فَقُلْنَا لَهُ

ص: 51


1- . إِنَّ قَضِيَّةَ عُثْمَانَ وَ أَبِي ذَرٍّ نَالَتْ مِنَ اَلشِّيَاعِ وَ اَلظُّهُورِ مَا لاَ يَكَادُ يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ مَسَاسٌ بِالتَّارِيخِ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُرَاجِعْ: مُرُوجَ اَلذَّهَبِ 1 438، أَنْسَابَ اَلْبَلاذِرِيِّ 5 53، تَارِيخَ اَلْيَعْقُوبِيِّ 2 148، طَبَقَاتِ اِبْنِ سَعْدٍ 4 168 صَحِيحَ اَلْبُخَارِيِّ كِتَابَ اَلزَّكَاةِ، عُمْدَةَ اَلْقَارِيِّ 4 291، شَرْحَ نَهْجِ اَلْبَلاَغَةِ (مُحَمَّدُ عَبْدُهُ)2 17، كِتَابَ أَبُو ذَرٍّ اَلْغِفَارِيُّ لِعَبْدِ اَلْحَمِيدِ جَوْدَةَ اَلسَّحَّارِ ص 144.
2- . لَعَلَّ هَذِهِ اَلْوَاقِعَةَ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ اَلتَّحِيَّةِ. ج-ز.

بِآبَائِنَا وَ أُمَّهَاتِنَا دَخَلْنَا إِلَيْكَ اَلْبَارِحَةَ-فَرَأَيْنَاكَ كَئِيباً حَزِيناً ثُمَّ عُدْنَا إِلَيْكَ اَلْيَوْمَ-فَرَأَيْنَاكَ فَرِحاً مُسْتَبْشِراً-فَقَالَ نَعَمْ كَانَ قَدْ بَقِيَ عِنْدِي مِنْ فَيْءِ اَلْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ-لَمْ أَكُنْ قَسَمْتُهَا وَ خِفْتُ أَنْ يُدْرِكَنِي اَلْمَوْتُ وَ هِيَ عِنْدِي-وَ قَدْ قَسَمْتُهَا اَلْيَوْمَ وَ اِسْتَرَحْتُ مِنْهَا فَنَظَرَ عُثْمَانُ إِلَى كَعْبِ اَلْأَحْبَارِ وَ قَالَ لَهُ-يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ اَلْمَفْرُوضَةَ-هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئاً فَقَالَ لاَ وَ لَوِ اِتَّخَذَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَ لَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ-فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ كَعْبٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا اِبْنَ اَلْيَهُودِيَّةِ اَلْكَافِرَةِ-مَا أَنْتَ وَ اَلنَّظَرَ فِي أَحْكَامِ اَلْمُسْلِمِينَ قَوْلُ اَللَّهِ أَصْدَقُ مِنْ قَوْلِكَ حَيْثُ قَالَ « اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ وَ لاٰ يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ-فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ-هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ » فَقَالَ عُثْمَانُ «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ وَ ذَهَبَ عَقْلُكَ-وَ لَوْ لاَ صُحْبَتُكَ لِرَسُولِ اَللَّهِ لَقَتَلْتُكَ» فَقَالَ «كَذَبْتَ يَا عُثْمَانُ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اَللَّهِ ص فَقَالَ لاَ يَفْتِنُونَكَ يَا أَبَا ذَرٍّ وَ لاَ يَقْتُلُونَكَ وَ أَمَّا عَقْلِي فَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ مَا أَحْفَظُهُ-حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص فِيكَ وَ فِي قَوْمِكَ» فَقَالَ وَ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص فِيَّ وَ فِي قَوْمِي قَالَ سَمِعْتُ يَقُولُ إِذَا بَلَغَ آلُ أَبِي اَلْعَاصِ ثلاثون [ثَلاَثِينَ] رَجُلاً-صَيَّرُوا مَالَ اَللَّهِ دُوَلاً وَ كِتَابَ اَللَّهِ دَغَلاً-وَ عِبَادَهُ خَوَلاً وَ اَلْفَاسِقِينَ حِزْباً وَ اَلصَّالِحِينَ حَرْباً» فَقَالَ عُثْمَانُ «يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ! هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ فَقَالُوا لاَ مَا سَمِعْنَا هَذَا مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ » فَقَالَ عُثْمَانُ اُدْعُ عَلِيّاً فَجَاءَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : يَا أَبَا اَلْحَسَنِ اُنْظُرْ مَا يَقُولُ هَذَا اَلشَّيْخُ اَلْكَذَّابُ» فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ مَهْ يَا عُثْمَانُ لاَ تَقُلْ كَذَّابٌ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ص يَقُولُ «مَا أَظَلَّتِ اَلْخَضْرَاءُ وَ لاَ أَقَلَّتِ اَلْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ (اَللَّهْجَةُ اَللِّسَانُ) أَصْدَقُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ » فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ ص صَدَقَ أَبُو ذَرٍّ وَ قَدْ سَمِعْنَا هَذَا مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَبَكَى أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ ذَلِكَ-فَقَالَ وَيْلَكُمْ كُلُّكُمْ قَدْ مَدَّ عُنُقَهُ

ص: 52

إِلَى هَذَا اَلْمَالِ-ظَنَنْتُمْ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ مَنْ خَيْرُكُمْ-فَقَالُوا مَنْ خَيْرُنَا فَقَالَ أَنَا-فَقَالُوا أَنْتَ تَقُولُ إِنَّكَ خَيْرُنَا قَالَ نَعَمْ-خَلَّفْتُ حَبِيبِي رَسُولَ اَللَّهِ ص فِي هَذِهِ اَلْجُبَّةِ-وَ هُوَ عَنِّي رَاضٍ-وَ أَنْتُمْ قَدْ أَحْدَثْتُمْ أَحْدَاثاً كَثِيرَةً-وَ اَللَّهُ سَائِلُكُمْ عَنْ ذَلِكَ وَ لاَ يَسْأَلُنِي-فَقَالَ عُثْمَانُ يَا أَبَا ذَرٍّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ رَسُولِ اَللَّهِ ص إِلاَّ مَا أَخْبَرْتَنِي عَنْ شَيْءٍ أَسْأَلُكَ عَنْهُ-فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَ اَللَّهِ-لَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اَللَّهِ ص أَيْضاً لَأَخْبَرْتُكَ-فَقَالَ أَيُّ اَلْبِلاَدِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا فَقَالَ مَكَّةُ حَرَمُ اَللَّهِ وَ حَرَمُ رَسُولِ اَللَّهِ أَعْبُدُ اَللَّهَ فِيهَا حَتَّى يَأْتِيَنِي اَلْمَوْتُ-فَقَالَ لاَ وَ لاَ كَرَامَةَ لَكَ-قَالَ اَلْمَدِينَةُ حَرَمُ رَسُولِ اَللَّهِ ص قَالَ لاَ وَ لاَ كَرَامَةَ لَكَ فَسَكَتَ أَبُو ذَرٍّ فَقَالَ عُثْمَانُ أَيُّ اَلْبِلاَدِ أَبْغَضُ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا-قَالَ اَلرَّبَذَةُ اَلَّتِي كُنْتُ فِيهَا عَلَى غَيْرِ دِينِ اَلْإِسْلاَمِ فَقَالَ عُثْمَانُ سِرْ إِلَيْهَا فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ قَدْ سَأَلْتَنِي فَصَدَقْتُكَ-وَ أَنَا أَسْأَلُكَ فَاصْدُقْنِي قَالَ نَعَمْ-قَالَ أَخْبِرْنِي لَوْ بَعَثْتَنِي فِي بَعْثٍ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَى اَلْمُشْرِكِينَ فَأَسَرُونِي فَقَالُوا لاَ نَفْدِيهِ إِلاَّ بِثُلُثِ مَا تَمْلِكُ-قَالَ كُنْتُ أَفْدِيكَ قَالَ فَإِنْ قَالُوا لاَ نَفْدِيهِ إِلاَّ بِنِصْفِ مَا تَمْلِكُ-قَالَ كُنْتُ أَفْدِيكَ قَالَ فَإِنْ قَالُوا لاَ نَفْدِيهِ إِلاَّ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُ قَالَ كُنْتُ أَفْدِيكَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ اَللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ حَبِيبِي رَسُولُ اَللَّهِ ص يَوْماً «يَا أَبَا ذَرٍّ وَ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا قِيلَ لَكَ-أَيُّ اَلْبِلاَدِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا-فَتَقُولُ مَكَّةُ حَرَمُ اَللَّهِ وَ حَرَمُ رَسُولِهِ أَعْبُدُ اَللَّهَ فِيهَا حَتَّى يَأْتِيَنِي اَلْمَوْتُ-فَيُقَالُ لَكَ لاَ وَ لاَ كَرَامَةَ لَكَ-فَتَقُولُ فَالْمَدِينَةُ حَرَمُ رَسُولِ اَللَّهِ فَيُقَالُ لَكَ لاَ وَ لاَ كَرَامَةَ لَكَ-ثُمَّ يُقَالُ لَكَ فَأَيُّ اَلْبِلاَدِ أَبْغَضُ إِلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِيهَا-فَتَقُولُ اَلرَّبَذَةُ اَلَّتِي كُنْتُ فِيهَا عَلَى غَيْرِ دِينِ اَلْإِسْلاَمِ فَيُقَالُ لَكَ سِرْ إِلَيْهَا» فَقُلْتُ وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ-فَقَالَ «إِي وَ اَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَكَائِنٌ» فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَ فَلاَ أَضَعُ سَيْفِي هَذَا عَلَى عَاتِقِي-فَأَضْرِبُ بِهِ قُدُماً قُدُماً قَالَ لاَ اِسْمَعْ وَ اُسْكُتْ وَ لَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ-وَ قَدْ أَنْزَلَ اَللَّهُ فِيكَ وَ فِي عُثْمَانَ آيَةً-فَقُلْتُ وَ مَا هِيَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَقَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى

ص: 53

« وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِيثٰاقَكُمْ لاٰ تَسْفِكُونَ دِمٰاءَكُمْ-وَ لاٰ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ- ثُمَّ أَنْتُمْ هٰؤُلاٰءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ-وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيٰارِهِمْ-تَظٰاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوٰانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسٰارىٰ تُفٰادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرٰاجُهُمْ-أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ اَلْكِتٰابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ-فَمٰا جَزٰاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنْكُمْ-إِلاّٰ خِزْيٌ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا وَ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ يُرَدُّونَ إِلىٰ أَشَدِّ اَلْعَذٰابِ وَ مَا اَللّٰهُ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ . » .

و أما قوله وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ اَلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ أحبوا العجل حتى عبدوه ثم قالوا نحن أولياء الله-فقال الله عز و جل إن كنتم أولياء الله كما تقولون فَتَمَنَّوُا اَلْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ لأن

فِي اَلتَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ-أَنَّ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ يَتَمَنَّوْنَ اَلْمَوْتَ وَ لاَ يُرْهِبُونَهُ.

وَ قَوْلُهُ قُلْ مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اَللّٰهِ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي اَلْيَهُودِ اَلَّذِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اَللَّهِ ص إِنَّ لَنَا فِي اَلْمَلاَئِكَةِ أَصْدِقَاءَ وَ أَعْدَاءً-فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مَنْ صَدِيقُكُمْ وَ مَنْ عَدُوُّكُمْ فَقَالُوا جَبْرَئِيلُ عَدُوُّنَا لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْعَذَابِ-وَ لَوْ كَانَ اَلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ مِيكَائِيلَ لَآمَنَّا بِكَ-فَإِنَّ مِيكَائِيلَ صَدِيقُنَا وَ جَبْرَئِيلُ مَلَكُ اَلْفَضَاضَةِ وَ اَلْعَذَابِ-وَ مِيكَائِيلُ مَلَكُ اَلرَّحْمَةِ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ قُلْ مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اَللّٰهِ-مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ- مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِلّٰهِ وَ مَلاٰئِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكٰالَ فَإِنَّ اَللّٰهَ عَدُوٌّ لِلْكٰافِرِينَ .

و قوله ( وَ اِتَّبَعُوا مٰا تَتْلُوا اَلشَّيٰاطِينُ عَلىٰ مُلْكِ سُلَيْمٰانَ وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ اَلشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا-يُعَلِّمُونَ اَلنّٰاسَ اَلسِّحْرَ-وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ وَ مٰا يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰى يَقُولاٰ إِنَّمٰا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاٰ تَكْفُرْ-فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ إلى قوله كٰانُوا يَعْلَمُونَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ أَمَرَ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ-فَبَنَوْا لَهُ بَيْتاً مِنْ قَوَارِيرَ-قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصَاهُ يَنْظُرُ إِلَى اَلشَّيَاطِينِ كَيْفَ يَعْمَلُونَ

ص: 54

وَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ-إِذْ حَانَتْ مِنْهُ اِلْتِفَاتَةٌ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مَعَهُ فِي اَلْقُبَّةِ، فَفَزِعَ مِنْهُ وَ قَالَ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا اَلَّذِي لاَ أَقْبَلُ اَلرُّشَى وَ لاَ أَهَابُ اَلْمُلُوكَ، أَنَا مَلَكُ اَلْمَوْتِ ، فَقَبَضَهُ وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَصَاهُ-فَمَكَثُوا سَنَةً يَبْنُونَ وَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ-وَ يُدَانُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ حَتَّى بَعَثَ اَللَّهُ اَلْأَرَضَةَ-فَأَكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ وَ هِيَ اَلْعَصَا فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ اَلْإِنْسُ أَنْ لَوْ كَانَ اَلْجِنُّ يَعْلَمُونَ اَلْغَيْبَ-مَا لَبِثُوا سَنَةً فِي اَلْعَذَابِ اَلْمُهِينِ فَالْجِنُّ تَشْكُرُ اَلْأَرَضَةَ بِمَا عَمِلَتْ بِعَصَا سُلَيْمَانَ قَالَ فَلاَ تَكَادُ تَرَاهَا فِي مَكَانٍ إِلاَّ وُجِدَ عِنْدَهَا مَاءٌ وَ طِينٌ-فَلَمَّا هَلَكَ سُلَيْمَانُ وَضَعَ إِبْلِيسُ اَلسِّحْرَ وَ كَتَبَهُ فِي كِتَابٍ-ثُمَّ طَوَاهُ وَ كَتَبَ عَلَى ظَهْرِهِ «هَذَا مَا وَضَعَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِرِ كُنُوزِ اَلْعِلْمِ-مَنْ أَرَادَ كَذَا وَ كَذَا فَلْيَفْعَلْ كَذَا وَ كَذَا» ثُمَّ دَفَنَهُ تَحْتَ اَلسَّرِيرِ ثُمَّ اِسْتَثَارَهُ لَهُمْ فَقَرَأَهُ-فَقَالَ اَلْكَافِرُونَ مَا كَانَ سُلَيْمَانُ ع يَغْلِبُنَا إِلاَّ بِهَذَا-وَ قَالَ اَلْمُؤْمِنُونَ بَلْ هُوَ عَبْدُ اَللَّهِ وَ نَبِيُّهُ-فَقَالَ اَللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ « وَ اِتَّبَعُوا مٰا تَتْلُوا اَلشَّيٰاطِينُ عَلىٰ مُلْكِ سُلَيْمٰانَ وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ اَلشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا-يُعَلِّمُونَ اَلنّٰاسَ اَلسِّحْرَ-وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى اَلْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ » إِلَى قَوْلِهِ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ اَلْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ-وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ .

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلَهُ عَطَاءٌ وَ نَحْنُ بِمَكَّةَ عَنْ هَارُوتَ وَ مَارُوتَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إِنَّ اَلْمَلاَئِكَةَ-كَانُوا يَنْزِلُونَ مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ يَحْفَظُونَ أَوْسَاطَ أَهْلِ اَلْأَرْضِ مِنْ وُلْدِ آدَمَ وَ اَلْجِنِّ-وَ يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ وَ يَعْرُجُونَ بِهَا إِلَى اَلسَّمَاءِ-قَالَ فَضَجَّ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ مِنْ مَعَاصِي أَهْلِ اَلْأَرْضِ-فَتَآمَرُوا (1)فِيمَا بَيْنَهُمْ مِمَّا يَسْمَعُونَ-وَ يَرَوْنَ مِنِ اِفْتِرَائِهِمُ اَلْكَذِبَ عَلَى اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى-وَ جُرْأَتِهِمْ عَلَيْهِ وَ نَزَّهُوا اَللَّهَ مِمَّا يَقُولُ فِيهِ خَلْقُهُ وَ يَصِفُونَ-فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ «يَا رَبَّنَا مَا تَغْضَبُ

ص: 55


1- . أَيْ تَشَاوَرُوا وَ تَكَلَّمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ. ج-ز.

مِمَّا يَعْمَلُ خَلْقُكَ فِي أَرْضِكَ-وَ مِمَّا يَصِفُونَ فِيكَ اَلْكَذِبَ وَ يَقُولُونَ اَلزُّورَ-وَ يَرْتَكِبُونَ اَلْمَعَاصِيَ وَ قَدْ نَهَيْتَهُمْ عَنْهَا-ثُمَّ أَنْتَ تَحْلُمُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِي قَبْضَتِكَ وَ قُدْرَتِكَ وَ خِلاَلِ عَافِيَتِكَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَأَحَبَّ اَللَّهُ أَنْ يُرِيَ اَلْمَلاَئِكَةَ اَلْقُدْرَةَ-وَ نَافِذَ أَمْرِهِ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ وَ يُعَرِّفَ اَلْمَلاَئِكَةَ مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ-وَ مِمَّا عَدَلَهُ عَنْهُمْ مِنْ صُنْعِ خَلْقِهِ-وَ مَا طَبَعَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ اَلطَّاعَةِ وَ عَصَمَهُمْ مِنَ اَلذُّنُوبِ، قَالَ فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَى اَلْمَلاَئِكَةِ أَنِ اِنْتَخِبُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ-حَتَّى أُهْبِطَهُمَا إِلَى اَلْأَرْضِ-ثُمَّ أَجْعَلَ فِيهِمَا مِنْ طَبَائِعِ اَلمَطْعَمِ-وَ اَلْمَشْرَبِ وَ اَلشَّهْوَةِ وَ اَلْحِرْصِ وَ اَلْأَمَلِ-مِثْلَ مَا جَعَلْتُهُ فِي وُلْدِ آدَمَ ثُمَّ أَخْتَبِرَهُمَا فِي اَلطَّاعَةِ لِي، فَنَدَبُوا إِلَى ذَلِكَ هَارُوتَ وَ مَارُوتَ وَ كَانَا مِنْ أَشَدِّ اَلْمَلاَئِكَةِ قَوْلاً فِي اَلْعَيْبِ لِوُلْدِ آدَمَ وَ اِسْتِيثَارِ غَضَبِ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِمَا أَنِ اِهْبِطَا إِلَى اَلْأَرْضِ-فَقَدْ جَعَلْتُ فِيكُمَا-مِنْ طَبَائِعِ اَلطَّعَامِ وَ اَلشَّرَابِ وَ اَلشَّهْوَةِ وَ اَلْحِرْصِ وَ اَلْأَمَلِ-مِثْلَ مَا جَعَلْتُهُ فِي وُلْدِ آدَمَ، قَالَ ثُمَّ أَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِمَا اُنْظُرَا أَنْ لاَ تُشْرِكَا بِي شَيْئاً-وَ لاَ تَقْتُلاَ اَلنَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَ اَللّٰهُ وَ لاَ تَزْنِيَا وَ لاَ تَشْرَبَا اَلْخَمْرَ-قَالَ ثُمَّ كَشَطَ عَنِ اَلسَّمَاوَاتِ اَلسَّبْعِ لِيُرِيَهُمَا قُدْرَتَهُ-ثُمَّ أَهْبَطَهُمَا إِلَى اَلْأَرْضِ فِي صُورَةِ اَلْبَشَرِ وَ لِبَاسِهِمْ-فَهَبَطَا نَاحِيَةَ بَابِلَ فَوَقَعَ لَهُمَا بِنَاءٌ مُشْرِقٌ فَأَقْبَلاَ نَحْوَهُ-فَإِذَا بِحَضْرَتِهِ اِمْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءُ-مُتَزَيِّنَةٌ عَطِرَةٌ مُقْبِلَةٌ مُسْفِرَةٌ نَحْوَهُمَا، قَالَ فَلَمَّا نَظَرَا إِلَيْهَا وَ نَاطَقَاهَا وَ تَأَمَّلاَهَا-وَقَعَتْ فِي قُلُوبِهِمَا مَوْقِعاً شَدِيداً لِمَوْقِعِ اَلشَّهْوَةِ-اَلَّتِي جُعِلَتْ فِيهِمَا-فَرَجَعَا إِلَيْهَا رُجُوعَ فِتْنَةٍ وَ خِذْلاَنٍ وَ رَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهِمَا فَقَالَتْ لَهُمَا إِنَّ لِي دِيناً أَدِينُ بِهِ-وَ لَيْسَ أَقْدِرُ فِي دِينِي عَلَى أَنْ أُجِيبَكُمَا إِلَى مَا تُرِيدَانِ إِلاَّ أَنْ تَدْخُلاَ فِي دِينِيَ اَلَّذِي أَدِينُ بِهِ فَقَالاَ لَهَا وَ مَا دِينُكِ، قَالَتْ لِي إِلَهٌ مَنْ عَبَدَهُ وَ سَجَدَ لَهُ-كَانَ لِيَ اَلسَّبِيلُ إِلَى أَنْ أُجِيبَهُ إِلَى كُلِّ مَا سَأَلَنِي، فَقَالاَ لَهَا وَ مَا إِلَهُكِ قَالَتْ إِلَهِي هَذَا اَلصَّنَمُ-قَالَ فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ-فَقَالَ هَاتَانِ خَصْلَتَانِ مِمَّا نَهَانَا عَنْهُمَا اَلشِّرْكُ وَ اَلزِّنَا-لِأَنَّا إِنْ سَجَدْنَا لِهَذَا اَلصَّنَمِ وَ عَبَدْنَاهُ أَشْرَكْنَا بِاللَّهِ-وَ إِنَّمَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ لِنَصِلَ إِلَى اَلزِّنَا-وَ هُوَ ذَا نَحْنُ نَطْلُبُ اَلزِّنَا وَ لَيْسَ نَخْطَأُ إِلاَّ بِالشِّرْكِ-فَائْتَمَرَا بَيْنَهُمَا

ص: 56

فَغَلَبَتْهُمَا اَلشَّهْوَةُ اَلَّتِي جُعِلَتْ فِيهِمَا، فَقَالاَ لَهَا فَإِنَّا نَجِيبُكِ مَا سَأَلْتِ-فَقَالَتْ فَدُونَكُمَا فَاشْرَبَا هَذَا اَلْخَمْرَ-فَإِنَّهُ قُرْبَانٌ لَكُمَا عِنْدَهُ بِهِ تَصِلاَنِ إِلَى مَا تُرِيدَانِ، فَائْتَمَرَا بَيْنَهُمَا فَقَالاَ هَذِهِ ثَلاَثُ خِصَالٍ مِمَّا نَهَانَا رَبُّنَا عَنْهَا-اَلشِّرْكُ وَ اَلزِّنَا وَ شُرْبُ اَلْخَمْرِ-وَ إِنَّمَا نَدْخُلُ فِي شُرْبِ اَلْخَمْرِ وَ اَلشِّرْكِ حَتَّى نَصِلَ إِلَى اَلزِّنَا-فَائْتَمَرَا بَيْنَهُمَا، فَقَالاَ مَا أَعْظَمَ اَلْبَلِيَّةَ بِكِ قَدْ أَجَبْنَاكِ إِلَى مَا سَأَلْتِ، قَالَتْ فَدُونَكُمَا فَاشْرَبَا مِنْ هَذَا اَلْخَمْرِ-وَ اُعْبُدَا هَذَا اَلصَّنَمَ وَ اُسْجُدَا لَهُ، فَشَرِبَا اَلْخَمْرَ وَ عَبَدَا اَلصَّنَمَ ثُمَّ رَاوَدَاهَا مِنْ نَفْسِهَا-فَلَمَّا تَهَيَّأَتْ لَهُمَا وَ تَهَيَّئَا لَهَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا سَائِلٌ يَسْأَلُ، فَلَمَّا رَآهُمَا وَ رَأَيَاهُ ذَعِرَا مِنْهُ-فَقَالَ لَهُمَا إِنَّكُمَا لاَمْرَءَانِ ذَعِرَانِ-فَدَخَلْتُمَا بِهَذِهِ اَلْمَرْأَةِ اَلْعَطِرَةِ اَلْحَسْنَاءِ، إِنَّكُمَا لَرَجُلاَ سَوْءٍ وَ خَرَجَ عَنْهُمَا فَقَالَتْ لَهُمَا لاَ-وَ إِلَهِي لاَ تَصِلاَنِ اَلْآنَ إِلَيَّ-وَ قَدِ اِطَّلَعَ هَذَا اَلرَّجُلُ عَلَى حَالِكُمَا وَ عَرَفَ مَكَانَكُمَا-وَ يَخْرُجُ اَلْآنَ وَ يُخْبِرُ بِخَبَرِكُمَا-وَ لَكِنْ بَادِرَا إِلَى هَذَا اَلرَّجُلِ فَاقْتُلاَهُ-قَبْلَ أَنْ يَفْضَحَكُمَا وَ يَفْضَحَنِي-ثُمَّ دُونَكُمَا فَاقْضِيَا حَاجَتَكُمَا وَ أَنْتُمَا مُطْمَئِنَّانِ آمِنَانِ، قَالَ فَقَامَا إِلَى اَلرَّجُلِ فَأَدْرَكَاهُ فَقَتَلاَهُ-ثُمَّ رَجَعَا إِلَيْهَا فَلَمْ يَرَيَاهَا وَ بَدَتْ لَهُمٰا سَوْآتُهُمٰا وَ نُزِعَ عَنْهُمَا رِيَاشُهُمَا وَ أسقط [أُسْقِطَا] فِي أَيْدِيهِمَا، قَالَ فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِمَا-إِنَّمَا أَهْبَطْتُكُمَا إِلَى اَلْأَرْضِ مَعَ خَلْقِي سَاعَةً مِنَ اَلنَّهَارِ-فَعَصَيْتُمَانِي بِأَرْبَعٍ مِنْ مَعَاصِيَ كُلُّهَا قَدْ نَهَيْتُكُمَا عَنْهَا-فَلَمْ تُرَاقِبَانِي فَلَمْ تَسْتَحْيَا مِنِّي-وَ قَدْ كُنْتُمَا أَشَدَّ مَنْ نَقَمَ عَلَى أَهْلِ اَلْأَرْضِ لِلْمَعَاصِي-وَ استجز [اِسْتَجَرَّ] أَسَفِي وَ غَضَبِي عَلَيْهِمْ، وَ لِمَا جَعَلْتُ فِيكُمَا مِنْ طَبْعِ خَلْقِي وَ عصمني [عِصْمَتِي] إِيَّاكُمَا مِنَ اَلْمَعَاصِي-فَكَيْفَ رَأَيْتُمَا مَوْضِعَ خِذْلاَنِي فِيكُمَا، اِخْتَارَا عَذَابَ اَلدُّنْيَا أَوْ عَذَابَ اَلْآخِرَةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَتَمَتَّعُ مِنْ شَهَوَاتِهَا فِي اَلدُّنْيَا-إِذْ صِرْنَا إِلَيْهَا إِلَى أَنْ نَصِيرَ إِلَى عَذَابِ اَلْآخِرَةِ، فَقَالَ اَلْآخَرُ إِنَّ عَذَابَ اَلدُّنْيَا لَهُ مُدَّةٌ وَ اِنْقِطَاعٌ-وَ عَذَابَ اَلْآخِرَةِ قَائِمٌ لاَ اِنْقِضَاءَ لَهُ-فَلَسْنَا نَخْتَارُ عَذَابَ اَلْآخِرَةِ اَلدَّائِمَ اَلشَّدِيدَ-عَلَى عَذَابِ اَلدُّنْيَا اَلْمُنْقَطِعِ اَلْفَانِي-قَالَ فَاخْتَارَا عَذَابَ اَلدُّنْيَا-وَ كَانَا يُعَلِّمَانِ اَلنَّاسَ اَلسِّحْرَ فِي أَرْضِ بَابِلَ ثُمَّ لَمَّا

ص: 57

عَلَّمَا اَلنَّاسَ اَلسِّحْرَ رُفِعَا مِنَ اَلْأَرْضِ إِلَى اَلْهَوَاءِ-فَهُمَا مُعَذَّبَانِ مُنَكَّسَانِ مُعَلَّقَانِ فِي اَلْهَوَاءِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ (1) .

و أما قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَقُولُوا رٰاعِنٰا وَ قُولُوا اُنْظُرْنٰا أي لا تقولوا تخليطا (2)و قولوا أفهمنا-و قوله مٰا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهٰا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهٰا أَوْ مِثْلِهٰا فقوله ننسها أي نتركها و نترك حكمها-فسمى الترك بالنسيان في هذه الآية-و قوله « أَوْ مِثْلِهٰا » فهي زيادة إنما نزل « نأت بخير مثلها »

وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسٰاجِدَ اَللّٰهِ-أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ وَ سَعىٰ فِي خَرٰابِهٰا فَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ حِينَ مَنَعُوا رَسُولَ اَللَّهِ ص دُخُولَ مَكَّةَ .

ص: 58


1- . لا يخفى أن هذه الرواية و إن كان ظاهرها مما ينكره العقل و النقل لكونه قادحا في قداسة الملائكة الذين لا يعصون اللّٰه طرفة عين لأنهم عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ، و أنه قد ورد في الباب أخبار رادة لها كالخبر المروي في تفسير الإمام العسكري عليه السلام، إلا أن التأمل الدقيق يعطي عدم منافاتها للعقل-لأن عصيان الملائكة مستحيل مع كونهم كذلك-أما بعد أن أعطاهما اللّٰه تعالى ما للبشر من القوى الشهوية و الإحساسات النفسانية-كما يظهر من الرواية-فظاهره صيرورتهما بشراً أو مثل البشر في فقدان العصمة و إمكان المعصية، و إشكال الفلاسفة بعدم إمكان انقلاب الماهيات مدفوع، بعموم قدرة اللّٰه تعالى، و المعاجز الصادرة عن المعصومين عليه السلام شاهدة على ذلك-لكنه قد ورد في تفسير الإمام العسكري عليه السلام ما يرد هذا الخبر فحينئذ يؤخذ بالأوضح متناً و الأوثق سنداً و يعمل بالمرجحات كما هو المناط في باب اختلاف الروايتين و لما لم يكن ثمة ثمرة عملية لم نطل الكلام في تنقيح المقام ج-ز.
2- . خلط في الكلام أي هذى.

فإنها نزلت في صلاة النافلة-فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر-و أما الفرائض-فقوله « وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ » يعني الفرائض لا تصليها إلا إلى القبلة

و أما قوله وَ إِذِ اِبْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ-قٰالَ إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قال هو ما ابتلاه الله (1)مما أراه في نومه بذبح ولده-فأتمها إبراهيم ع و عزم عليها و سلم-فلما عزم و عمل بما أمره الله قال الله تعالى « إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً» قٰالَ إبراهيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ لا يكون بعهدي إمام ظالم-ثم أنزل عليه الحنيفية و هي الطهارة-و هي عشرة أشياء خمسة في الرأس و خمسة في البدن-فأما التي في الرأس فأخذ الشارب و إعفاء اللحى-و طم الشعر و السواك و الخلال-و أما التي في البدن فحلق الشعر من البدن و الختان-و قلم الأظفار و الغسل من الجنابة و الطهور بالماء-فهذه خمسة في البدن و هو الحنيفية الطهارة-التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ إلى يوم القيامة و هو قوله « وَ اِتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً » و أما قوله وَ إِذْ جَعَلْنَا اَلْبَيْتَ مَثٰابَةً لِلنّٰاسِ وَ أَمْناً فالمثابة العود إليه-و قوله طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ اَلْعٰاكِفِينَ وَ اَلرُّكَّعِ اَلسُّجُودِ

قَالَ اَلصَّادِقُ ع يَعْنِي نَحَّى عَنِ اَلْمُشْرِكِينَ وَ قَالَ لَمَّا بَنَى إِبْرَاهِيمُ اَلْبَيْتَ وَ حَجَّ اَلنَّاسُ-شَكَتِ اَلْكَعْبَةُ إِلَى اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى-مَا تَلْقَى مِنْ أَيْدِي اَلْمُشْرِكِينَ وَ أَنْفَاسِهِمْ-فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهَا قِرِّي كَعْبَةُ فَإِنِّي أَبْعَثُ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ قَوْماً-يَتَنَظَّفُونَ بِقُضْبَانِ اَلشَّجَرِ وَ يَتَخَلَّلُونَ. و قوله وَ اُرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ اَلثَّمَرٰاتِ-مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ

ص: 59


1- . و فِي تَفْسِيرِ اَلْإِمَامِ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَرْوِيّاً عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّ اَلْمُرَادَ مِنْ تِلْكَ اَلْكَلِمَاتِ، اَلْكَلِمَاتُ اَلَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنْ رَبِّهِ فَتٰابَ عَلَيْهِ وَ هِيَ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ إِلاَّ تُبْتَ عَلَيَّ» -قِيلَ لَهُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ فَمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ «فَأَتَمَّهُنَّ» قَالَ» يَعْنِي فَأَتَمَّهُنَّ إِلَى اَلْقَائِمِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ (الرواية) ج-ز.

فإنه دعا إبراهيم ربه أن يرزق من آمن به-فقال الله يا إبراهيم وَ مَنْ كَفَرَ أيضا أرزقه فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلىٰ عَذٰابِ اَلنّٰارِ وَ بِئْسَ اَلْمَصِيرُ و أما قوله وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰاهِيمُ اَلْقَوٰاعِدَ مِنَ اَلْبَيْتِ وَ إِسْمٰاعِيلُ الآية)

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ع كَانَ نَازِلاً فِي بَادِيَةِ اَلشَّامِ فَلَمَّا وُلِدَ لَهُ مِنْ هَاجَرَ إِسْمَاعِيلُ اِغْتَمَّتْ سَارَةُ مِنْ ذَلِكَ غَمّاً شَدِيداً-لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ-كَانَتْ تُؤْذِي إِبْرَاهِيمَ فِي هَاجَرَ وَ تَغُمُّهُ فَشَكَا إِبْرَاهِيمُ ذَلِكَ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ-فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّمَا مَثَلُ اَلْمَرْأَةِ مَثَلُ اَلضِّلْعِ اَلْعَوْجَاءِ-إِنْ تَرَكْتَهَا اِسْتَمْتَعْتَهَا وَ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا-ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُخْرِجَ إِسْمَاعِيلَ وَ أُمَّهُ (فَقَالَ يَا رَبِّ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ قَالَ إِلَى حَرَمِي وَ أَمْنِي وَ أَوَّلِ بُقْعَةٍ خَلَقْتُهَا مِنَ اَلْأَرْضِ وَ هِيَ مَكَّةُ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِ جَبْرَائِيلَ بِالْبُرَاقِ (1)فَحَمَلَ هَاجَرَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ لاَ يَمُرُّ بِمَوْضِعٍ حَسَنٍ فِيهِ شَجَرٌ وَ نَخْلٌ وَ زَرْعٌ-إِلاَّ قَالَ يَا جَبْرَئِيلُ إِلَى هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا فَيَقُولُ لاَ اِمْضِ، اِمْضِ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِ اَلْبَيْتِ وَ قَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ (ع) عَاهَدَ سَارَةَ أَنْ لاَ يَنْزِلَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا نَزَلُوا فِي ذَلِكَ اَلْمَكَانِ كَانَ فِيهِ شَجَرَةٌ-فَأَلْقَتْ هَاجَرُ عَلَى ذَلِكَ اَلشَّجَرِ كِسَاءً وَ كَانَ مَعَهَا-فَاسْتَظَلُّوا تَحْتَهُ-فَلَمَّا سَرَّحَهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَ وَضَعَهُمْ-وَ أَرَادَ اَلاِنْصِرَافَ مِنْهُمْ إِلَى سَارَةَ قَالَتْ لَهُ هَاجَرُ يَا إِبْرَاهِيمُ لِمَ تَدَعُنَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ وَ لاَ مَاءٌ وَ لاَ زَرْعٌ-فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ اَللَّهُ اَلَّذِي أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَكُمْ فِي هَذَا اَلْمَكَانِ حَاضِرٌ عَلَيْكُمْ-ثُمَّ اِنْصَرَفَ عَنْهُمْ-فَلَمَّا بَلَغَ كَدَاءَ وَ هُوَ جَبَلٌ بِذِي طُوًى اِلْتَفَتَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي-بِوٰادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ اَلْمُحَرَّمِ-رَبَّنٰا لِيُقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ اَلنّٰاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ-وَ اُرْزُقْهُمْ مِنَ اَلثَّمَرٰاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ

ص: 60


1- . لَمْ تَكُنِ اَلْعِبَارَةُ بَيْنَ اَلْقَوْسَيْنِ فِي نُسْخَةِ تَفْسِيرِ اَلْقُمِّيِّ اَلْمَوْجُودَةِ عِنْدِي إِنَّمَا نَقَلْتُهَا عَلَى مَا حَكَاهَا عَنْهُ اَلْبَحْرَانِيُّ فِي اَلْبُرْهَانِ ج-ز.

ثُمَّ مَضَى وَ بَقِيَتْ هَاجَرُ فَلَمَّا اِرْتَفَعَ اَلنَّهَارُ عَطَشَ إِسْمَاعِيلُ وَ طَلَبَ اَلْمَاءَ-فَقَامَتْ هَاجَرُ فِي اَلْوَادِي فِي مَوْضِعِ اَلْمَسْعَى وَ نَادَتْ هَلْ فِي اَلْوَادِي مِنْ أَنِيسٍ، فَغَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ فَصَعِدَتْ عَلَى اَلصَّفَا وَ لَمَعَ لَهَا اَلسَّرَابُ فِي اَلْوَادِي-وَ ظَنَّتْ أَنَّهُ مَاءٌ فَنَزَلَتْ فِي بَطْنِ اَلْوَادِي-وَ سَعَتْ فَلَمَّا بَلَغَتِ اَلْمَسْعَى غَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ ثُمَّ لَمَعَ لَهَا اَلسَّرَابُ فِي نَاحِيَةِ اَلصَّفَا فَهَبَطَتْ إِلَى اَلْوَادِي تَطْلُبُ اَلْمَاءَ-فَلَمَّا غَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ عَادَتْ حَتَّى بَلَغَتِ اَلصَّفَا فَنَظَرَتْ حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ-فَلَمَّا كَانَ فِي اَلشَّوْطِ اَلسَّابِعِ وَ هِيَ عَلَى اَلْمَرْوَةِ نَظَرَتْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَ قَدْ ظَهَرَ اَلْمَاءُ مِنْ تَحْتِ رِجْلِهِ-فَعَادَتْ حَتَّى جَمَعَتْ حَوْلَهُ رَمْلاً فَإِنَّهُ كَانَ سَائِلاً-فَزَمَّتْهُ بِمَا جَعَلَتْهُ حَوْلَهُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ «زَمْزَمَ» وَ كَانَتْ جُرْهُمُ نَازِلَةً بِذِي اَلْمَجَازِ وَ عَرَفَاتٍ فَلَمَّا ظَهَرَ اَلْمَاءُ بِمَكَّةَ عَكَفَتِ اَلطَّيْرُ وَ اَلْوَحْشُ عَلَى اَلْمَاءِ-فَنَظَرَتْ جُرْهُمُ إِلَى تَعَكُّفِ اَلطَّيْرِ عَلَى ذَلِكَ اَلْمَكَانِ-فَاتَّبَعُوهَا حَتَّى نَظَرُوا إِلَى اِمْرَأَةٍ وَ صَبِيٍّ فِي ذَلِكَ اَلْمَوْضِعِ-قَدِ اِسْتَظَلُّوا بِشَجَرَةٍ وَ قَدْ ظَهَرَ اَلْمَاءُ لَهُمَا-فَقَالُوا لِهَاجَرَ مَنْ أَنْتِ وَ مَا شَأْنُكِ وَ شَأْنُ هَذَا اَلصَّبِيِّ فَقَالَتْ أَنَا أُمُّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اَلرَّحْمَنِ وَ هَذَا اِبْنُهُ أَمَرَهُ اَللَّهُ أَنْ يُنْزِلَنَا هَاهُنَا-فَقَالُوا لَهَا أَيُّهَا اَلْمُبَارَكَةُ-أَ فَتَأْذَنِي لَنَا أَنْ نَكُونَ بِالْقُرْبِ مِنْكُمَا فَقَالَتْ حَتَّى يَأْتِيَ إِبْرَاهِيمُ فَلَمَّا زَارَهُمْ إِبْرَاهِيمُ (ع) يَوْمَ اَلثَّالِثِ-فَقَالَتْ هَاجَرُ يَا خَلِيلَ اَللَّهِ إِنَّ هَاهُنَا قَوْماً مِنْ جُرْهُمَ يَسْأَلُونَكَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُمْ-حَتَّى يَكُونُوا بِالْقُرْبِ مِنَّا أَ فَتَأْذَنُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ-فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ نَعَمْ فَأَذِنْتُ-فَنَزَلُوا بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ وَ ضَرَبُوا خِيَامَهُمْ-فَأَنِسَتْ هَاجَرُ وَ إِسْمَاعِيلُ بِهِمْ-فَلَمَّا زَارَهُمْ إِبْرَاهِيمُ فِي اَلْمَرَّةِ اَلثَّالِثَةِ-نَظَرَ إِلَى كَثْرَةِ اَلنَّاسِ حَوْلَهُمْ فَسُرَّ بِهِمْ سُرُوراً شَدِيداً-فَلَمَّا تَرَعْرَعَ إِسْمَاعِيلُ ع وَ كَانَتْ جُرْهُمُ قَدْ وَهَبُوا لِإِسْمَاعِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً وَ شَاتَيْنِ-فَكَانَتْ هَاجَرُ وَ إِسْمَاعِيلُ يَعِيشَانِ بِهَا.

فَلَمَّا بَلَغَ إِسْمَاعِيلُ مَبْلَغَ اَلرِّجَالِ-أَمَرَ اَللَّهُ إِبْرَاهِيمَ (ع) أَنْ يَبْنِيَ اَلْبَيْتَ فَقَالَ يَا رَبِّ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ-قَالَ فِي اَلْبُقْعَةِ اَلَّتِي أَنْزَلْتُ عَلَى آدَمَ اَلْقُبَّةَ-فَأَضَاءَ لَهَا اَلْحَرَمُ فَلَمْ تَزَلِ اَلْقُبَّةُ اَلَّتِي أَنْزَلَهَا اَللَّهُ عَلَى آدَمَ قَائِمَةً-حَتَّى كَانَ أَيَّامُ اَلطُّوفَانِ أَيَّامُ نُوحٍ ع

ص: 61

فَلَمَّا غَرِقَتِ اَلدُّنْيَا رَفَعَ اَللَّهُ تِلْكَ اَلْقُبَّةَ-وَ غَرِقَتِ اَلدُّنْيَا إِلاَّ مَوْضِعَ اَلْبَيْتِ فَسُمِّيَتِ اَلْبَيْتُ اَلْعَتِيقَ لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ اَلْغَرَقِ-فَلَمَّا أَمَرَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِبْرَاهِيمَ ع أَنْ يَبْنِيَ اَلْبَيْتَ وَ لَمْ يَدْرِ فِي أَيِّ مَكَانٍ يَبْنِيهِ-فَبَعَثَ اَللَّهُ جَبْرَئِيلَ ع فَخَطَّ لَهُ مَوْضِعَ اَلْبَيْتِ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِ اَلْقَوَاعِدَ مِنَ اَلْجَنَّةِ وَ كَانَ اَلْحَجَرُ اَلَّذِي أَنْزَلَهُ اَللَّهُ عَلَى آدَمَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنَ اَلثَّلْجِ فَلَمَّا لَمَسَتْهُ أَيْدِي اَلْكُفَّارِ اِسْوَدَّ، فَبَنَى إِبْرَاهِيمُ اَلْبَيْتَ وَ نَقَلَ إِسْمَاعِيلُ اَلْحَجَرَ مِنْ ذِي طُوًى فَرَفَعَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ ثُمَّ دَلَّهُ عَلَى مَوْضِعِ اَلْحَجَرِ فَاسْتَخْرَجَهُ إِبْرَاهِيمُ ع وَ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ اَلَّذِي هُوَ فِيهِ اَلْأَوَّلَ-وَ جَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ بَابٌ إِلَى اَلْمَشْرِقِ وَ بَابٌ إِلَى اَلْمَغْرِبِ-وَ اَلْبَابُ اَلَّذِي إِلَى اَلْمَغْرِبِ يُسَمَّى اَلْمُسْتَجَارَ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ اَلشَّجَرَ وَ اَلْإِذْخِرَ-وَ عَلَّقَتْ هَاجَرُ عَلَى بَابِهِ كِسَاءً كَانَ مَعَهَا وَ كَانُوا يُكَنُّونَ تَحْتَهُ.

فَلَمَّا بَنَاهُ وَ فَرَغَ مِنْهُ حَجَّ إِبْرَاهِيمُ (ع) وَ إِسْمَاعِيلُ وَ نَزَلَ عَلَيْهِمَا جَبْرَئِيلُ ع يَوْمَ اَلتَّرْوِيَةِ لِثَمَانٍ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيمُ قُمْ فَارْتَوِ مِنَ اَلْمَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى وَ عَرَفَاتٍ مَاءٌ-فَسُمِّيَتِ اَلتَّرْوِيَةَ لِذَلِكَ-ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى مِنًى فَبَاتَ بِهَا فَفَعَلَ بِهِ مَا فَعَلَ بِآدَمَ ع فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ اَلْبَيْتِ « رَبِّ اِجْعَلْ هٰذٰا بَلَداً آمِناً وَ اُرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ اَلثَّمَرٰاتِ-مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ » قَالَ مِنْ ثَمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ أَيْ حَبِّبْهُمْ إِلَى اَلنَّاسِ-لِيَنْتَابُوا (1)إِلَيْهِمْ وَ يَعُودُوا إِلَيْهِمْ.

و أما قوله رَبَّنٰا وَ اِبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيٰاتِكَ-وَ يُعَلِّمُهُمُ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ-إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ فإنه يعني من ولد إسماعيل ع فلذلك

قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص « أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ع . » و قوله فَإِنَّمٰا هُمْ فِي شِقٰاقٍ يعني في كفر-قوله صِبْغَةَ اَللّٰهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اَللّٰهِ صِبْغَةً يعني به الإسلام .

ص: 62


1- . اِنْتَابَهُمْ اِنْتِيَاباً أَيْ أَتَاهُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قاموس.

لأنه نزل أولا « قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اَلسَّمٰاءِ » ثم نزل « سَيَقُولُ اَلسُّفَهٰاءُ مِنَ اَلنّٰاسِ-مٰا وَلاّٰهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ اَلَّتِي كٰانُوا عَلَيْهٰا » و ذلك

أَنَّ اَلْيَهُودَ كَانُوا يُعَيِّرُونَ بِرَسُولِ اَللَّهِ وَ يَقُولُونَ أَنْتَ تَابِعٌ لَنَا تُصَلِّي إِلَى قِبْلَتِنَا-فَاغْتَمَّ مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ اَللَّهِ ص غَمّاً شَدِيداً-وَ خَرَجَ فِي جَوْفِ اَللَّيْلِ يَنْظُرُ فِي آفَاقِ اَلسَّمَاءِ-يَنْتَظِرُ بِأَمْرِ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَ حَضَرَتْ صَلاَةُ اَلظُّهْرِ كَانَ فِي مَسْجِدِ بَنِي سَالِمٍ قَدْ صَلَّى بِهِمُ اَلظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع فَأَخَذَ بِعَضُدَيْهِ فَحَوَّلَهُ إِلَى اَلْكَعْبَةِ ، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِ « قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اَلسَّمٰاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا-فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ » فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى اَلْكَعْبَةِ فَقَالَتِ اَلْيَهُودُ وَ اَلسُّفَهَاءُ مٰا وَلاّٰهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ اَلَّتِي كٰانُوا عَلَيْهٰا ، وَ تَحَوَّلَتِ اَلْقِبْلَةُ إِلَى اَلْكَعْبَةِ بَعْدَ مَا صَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ ص بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً-إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْمُقَدَّسِ وَ بَعْدَ مُهَاجَرَتِهِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ صَلَّى إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْمُقَدَّسِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حَوَّلَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ اَلْقِبْلَةَ إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْحَرَامِ . ثم قال الله عز و جل وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ-لِئَلاّٰ يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ يعني و لا الذين ظلموا منهم و «إلا» في موضع «و لا» و ليست هي استثناء-و أما قوله وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً يعني أئمة وسطا أي عدلا و واسطة بين الرسول و الناس-و الدليل على أن هذا مخاطبة للأئمة ع قوله في سورة الحج « لِيَكُونَ اَلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ » يا معشر الأئمة « وَ تَكُونُوا أنتم شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ » و إنما نزلت « و كذلك جعلناكم أئمة وسطا (1).

ص: 63


1- . و قد فصلنا القول في مثل هذه الكلمات في مقدمتنا، فعلى القارئ الكريم مراجعتها ج-ز» .

فَإِنَّ قُرَيْشاً كَانَتْ وَضَعَتْ أَصْنَامَهُمْ بَيْنَ اَلصَّفَا وَ اَلْمَرْوَةِ وَ كَانُوا يَتَمَسَّحُونَ بِهَا إِذَا سَعَوْا-فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اَللَّهِ ص مَا كَانَ فِي غَزَاةِ اَلْحُدَيْبِيَةِ وَ صَدِّهِ عَنِ اَلْبَيْتِ وَ شَرَطُوا لَهُ أَنْ يُخَلُّوا لَهُ اَلْبَيْتَ فِي عَامٍ قَابِلٍ-حَتَّى يَقْضِيَ عُمْرَتَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَخْرُجَ عَنْهَا-فَلَمَّا كَانَ عُمْرَةُ اَلْقَضَاءِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ اَلْهِجْرَةِ دَخَلَ مَكَّةَ وَ قَالَ لِقُرَيْشٍ اِرْفَعُوا أَصْنَامَكُمْ مِنْ بَيْنِ اَلصَّفَا وَ اَلْمَرْوَةِ حَتَّى أَسْعَى، فَرَفَعُوهَا فَسَعَى رَسُولُ اَللَّهِ ص بَيْنَ اَلصَّفَا وَ اَلْمَرْوَةِ وَ قَدْ رُفِعَتِ اَلْأَصْنَامُ، وَ بَقِيَ رَجُلٌ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ ص لَمْ يَطُفْ-فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مِنَ اَلطَّوَافِ-رَدَّتْ قُرَيْشٌ اَلْأَصْنَامَ بَيْنَ اَلصَّفَا وَ اَلْمَرْوَةِ فَجَاءَ اَلرَّجُلُ اَلَّذِي لَمْ يَسْعَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ قَدْ رَدَّتْ قُرَيْشٌ اَلْأَصْنَامَ بَيْنَ اَلصَّفَا وَ اَلْمَرْوَةِ وَ لَمْ أَسْعَ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ « إِنَّ اَلصَّفٰا وَ اَلْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اَللّٰهِ-فَمَنْ حَجَّ اَلْبَيْتَ أَوِ اِعْتَمَرَ فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا » وَ اَلْأَصْنَامُ فِيهِمَا-وَ قَوْلُهُ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاّٰعِنُونَ قَالَ كُلُّ مَنْ قَدْ لَعَنَهُ اَللَّهُ مِنَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ يَلْعَنُهُمْ . ،

ص: 64

فهي ناسخة لقوله اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ (1)

و قوله وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي اَلْأَلْبٰابِ قال يعني لو لا القصاص لقتل بعضكم بعضا-و قوله كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً-اَلْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَ اَلْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى اَلْمُتَّقِينَ فإنما هي منسوخة-بقوله « يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ » و قوله فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى اَلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ-إِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يعني بذلك بعد الوصية ثم رخص-فقال فَمَنْ خٰافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً-فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ

قَالَ اَلصَّادِقُ ع إِذَا أَوْصَى اَلرَّجُلُ بِوَصِيَّةٍ-فَلاَ يَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُغَيِّرَ وَصِيَّتَهُ يُوصِيهَا، بَلْ يَمْضِيهَا عَلَى مَا أَوْصَى، إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اَللَّهُ فَيَعْصِيَ فِي اَلْوَصِيَّةِ وَ يَظْلِمَ-فَالْمُوصَى إِلَيْهِ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى اَلْحَقِّ مِثْلُ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ وَرَثَةٌ-فَيَجْعَلُ اَلْمَالَ كُلَّهُ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَ يَحْرِمُ بَعْضاً-فَالْوَصِيُّ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى اَلْحَقِّ-وَ هُوَ قَوْلُهُ « جَنَفاً أَوْ إِثْماً » فَالْجَنَفُ اَلْمَيْلُ إِلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعْضٍ-وَ اَلْإِثْمُ أَنْ يَأْمُرَ بِعِمَارَةِ بُيُوتِ اَلنِّيرَانِ وَ اِتِّخَاذِ اَلْمُسْكِرِ-فَيَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ لاَ يَعْمَلَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

ص: 65


1- . النفس بالنفس بالعين و الأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص (المائدة 45) و لعل المراد من النسخ في المقام أن الآية «اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ» تدل على حتمية القصاص و الآية «اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ» تدل على رخصته بقوله « فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ . . . إلخ» . ج-ز.

قَالَ: وَ سُئِلَ اَلصَّادِقُ ع عَنْ شَهْرُ رَمَضٰانَ اَلَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ اَلْقُرْآنُ كَيْفَ كَانَ، وَ إِنَّمَا أُنْزِلَ اَلْقُرْآنُ فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً فَقَالَ إِنَّهُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْمَعْمُورِ ، ثُمَّ نَزَلَ مِنَ اَلْبَيْتِ اَلْمَعْمُورِ إِلَى اَلنَّبِيِّ ص فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً . وَ قَوْلُهُ وَ عَلَى اَلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ قال من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح-فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر-فعليه أن يقضي و يتصدق عن كل يوم بمد من الطعام ،

و قوله أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ اَلصِّيٰامِ اَلرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ-هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ-عَلِمَ اَللّٰهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتٰانُونَ أَنْفُسَكُمْ-فَتٰابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفٰا عَنْكُمْ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي رَفَعَهُ قَالَ قَالَ اَلصَّادِقُ ع كَانَ اَلنِّكَاحُ وَ اَلْأَكْلُ مُحَرَّمَانِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ بَعْدَ اَلنَّوْمِ يَعْنِي كُلَّ مَنْ صَلَّى اَلْعِشَاءَ وَ نَامَ وَ لَمْ يُفْطِرْ-ثُمَّ اِنْتَبَهَ حُرِّمَ عَلَيْهِ اَلْإِفْطَارُ-وَ كَانَ اَلنِّكَاحُ حَرَاماً فِي اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ ص يُقَالُ لَهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ اَلْأَنْصَارِيُّ أَخُو عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ اَلَّذِي كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ص وَكَّلَهُ بِفَمِ اَلشِّعْبِ يَوْمَ أُحُدٍ فِي خَمْسِينَ مِنَ اَلرُّمَاةِ-فَفَارَقَهُ أَصْحَابُهُ وَ بَقِيَ فِي اِثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً-فَقُتِلَ عَلَى بَابِ اَلشِّعْبِ، وَ كَانَ أَخُوهُ هَذَا خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ شَيْخاً كَبِيراً ضَعِيفاً-وَ كَانَ صَائِماً مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ ص فِي اَلْخَنْدَقِ فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ حِينَ أَمْسَى فَقَالَ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ-فَقَالُوا لاَ نَمْ حَتَّى نَصْنَعَ لَكَ طَعَاماً-فَأَبْطَأَتْ أَهْلُهُ بِالطَّعَامِ-فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ فَلَمَّا اِنْتَبَهَ قَالَ لِأَهْلِهِ-قَدْ حَرَّمَ اَللَّهُ عَلَيَّ اَلْأَكْلَ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ-فَلَمَّا أَصْبَحَ حَضَرَ حَفْرَ اَلْخَنْدَقِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَرَآهُ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَرَقَّ لَهُ، وَ كَانَ قَوْمٌ مِنَ اَلشَّبَابِ يَنْكِحُونَ بِاللَّيْلِ سِرّاً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ « أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ اَلصِّيٰامِ اَلرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ-هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ-عَلِمَ اَللّٰهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتٰانُونَ أَنْفُسَكُمْ-فَتٰابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفٰا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ-وَ اِبْتَغُوا مٰا كَتَبَ اَللّٰهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اِشْرَبُوا-حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اَلْخَيْطُ اَلْأَبْيَضُ مِنَ اَلْخَيْطِ اَلْأَسْوَدِ مِنَ اَلْفَجْرِ-ثُمَّ أَتِمُّوا اَلصِّيٰامَ إِلَى اَللَّيْلِ » وَ أَحَلَّ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اَلنِّكَاحَ بِاللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَ اَلْأَكْلَ بَعْدَ اَلنَّوْمِ إِلَى طُلُوعِ اَلْفَجْرِ-لِقَوْلِهِ

ص: 66

« حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اَلْخَيْطُ اَلْأَبْيَضُ مِنَ اَلْخَيْطِ اَلْأَسْوَدِ مِنَ اَلْفَجْرِ » قَالَ هُوَ بَيَاضُ اَلنَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اَللَّيْلِ . و قوله وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ-أُجِيبُ دَعْوَةَ اَلدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَشْغَلُ نَفْسِي بِالدُّعَاءِ لِإِخْوَانِي وَ لِأَهْلِ اَلْوَلاَيَةِ فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ دُعَاءَ غَائِبٍ لِغَائِبٍ-وَ مَنْ دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنَاتِ وَ لِأَهْلِ مَوَدَّتِنَا-رَدَّ اَللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ حَسَنَةً-ثُمَّ قَالَ إِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ اَلصَّلَوَاتِ فِي أَفْضَلِ اَلسَّاعَاتِ، عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَدْبَارِ اَلصَّلاَةِ ثُمَّ دَعَا لِي وَ لِمَنْ حَضَرَهُ .

و قوله وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ-وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى اَلْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ اَلنّٰاسِ بِالْإِثْمِ

قَالَ اَلْعَالِمُ ع قَدْ عَلِمَ اَللَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ حُكَّاماً يَحْكُمُونَ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ-فَنَهَى أَنْ يُتَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ-فَإِنَّهُمْ لاَ يَحْكُمُونَ بِالْحَقِّ فَتَبْطُلُ اَلْأَمْوَالُ.

ص: 67

و من اعتمر في غير هذه الأشهر-ثم نوى أن يقيم إلى الحج أو لم ينو-فليس هو ممن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ لأنه لم يدخل مكة في أشهر الحج فسمى هذه أشهر الحج فقال الله تبارك و تعالى « اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ » و شهر رمضان معروف، و أما المواقيت المبهمة التي إذا حدث الأمر-وجب فيها انتظار تلك الأشهر-فعدة النساء في الطلاق، و المتوفى عنها زوجها، فإذا طلقها زوجها فإن كانت تحيض تعتد الأقراء التي قال الله عز و جل، و إن كانت لا تحيض تعتد بثلاثة أشهر بيض لا دم فيها، و عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا، و عدة المطلقة الحبلى أن تضع ما في بطنها-و عدة الإيلاء أربعة أشهر، و كذلك في الديون إلى الأجل الذي يكون بينهم [و شهرين متتابعين في الظهار]و صيام شهرين متتابعين في كفارة قتل الخطإ-و عشرة أيام للصوم في الحج لمن لم يجد الهدي، و صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب، فهذه المواقيت المعروفة و المبهمة-التي ذكرها الله عز و جل في كتابه « يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ اَلْحَجِّ » .

و أما قوله لَيْسَ اَلْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهٰا-وَ لٰكِنَّ اَلْبِرَّ مَنِ اِتَّقىٰ وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا قال نزلت في أمير المؤمنين ع

لِقَوْلِ رَسُولِ اَللَّهِ ص «أَنَا مَدِينَةُ اَلْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ ع بَابُهَا-وَ لاَ تَدْخُلُوا اَلْمَدِينَةَ إِلاَّ مِنْ بَابِهَا. » .

و قوله وَ أَتِمُّوا اَلْحَجَّ وَ اَلْعُمْرَةَ لِلّٰهِ-فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ-وَ لاٰ تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ اَلْهَدْيُ مَحِلَّهُ-فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فإنه إذا عقد الرجل الإحرام-بالتمتع بالعمرة إلى الحج و أحرم-ثم أصابته غلة في طريقه قبل أن يبلغ إلى مكة و لا يستطيع أن يمضي، فإنه يقيم في مكانه الذي حوصر فيه-و يبعث من عنده هديا إن كان غنيا فبدنة-و إن كان بين ذلك فبقرة و إن كان فقيرا فشاة، لا بد منها و لا يزال مقيما على إحرامه، و إن كان في رأسه وجع أو قروح-حلق شعره و أحل و لبس ثيابه و يفدي-فأما أن يصوم ستة أيام-أو يتصدق على عشرة مساكين-أو نسك و هو الدم يعني ذبح شاة، فمن تمتع بالعمرة إلى الحج-فعليه أن يشترط عند الإحرام-فيقول

ص: 68

«اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج-على كتابك و سنة نبيك فإن عاقني عائق أو حبسني حابس فحلني حيث حبستني-بقدرتك التي قدرت علي» ثم يلبي من الميقات الذي وقته رسول الله ص فيلبي و يقول «لبيك اللهم لبيك-لبيك لا شريك لك لبيك-إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك-حجة [بحجة]بعمرة تمامها و بلاغها عليك- .

فإذا دخل مكة و نظر إلى أبيات مكة قطع التلبية و طاف بالبيت سبعة أشواط، و صلى عند مقام إبراهيم ركعتين-و سعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط ثم يحل-و يتمتع بالثياب و النساء و الطيب-و يقيم على الحج إلى يوم التروية فإذا كان يوم التروية أحرم عند زوال الشمس من عند المقام بالحج-ثم خرج ملبيا إلى منى فلا يزال ملبيا إلى يوم عرفة عند زوال الشمس، فإذا زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية-و يقف بعرفات في الدعاء و التكبير و التهليل و التحميد، فإذا غابت الشمس رجع إلى المزدلفة فبات بها-فإذا أصبح قام بالمشعر الحرام و دعا و هلل الله و سبحه و كبره-ثم ازدلف منها إلى منى و رمى الجمار و ذبح و حلق، إن كان غنيا فعليه بدنة و إن كان بين ذلك فعليه بقرة-و إن كان فقيرا فعليه شاة، فمن لم يجد ذلك فعليه أن يصوم ثلاثة أيام بمكة فإذا رجع إلى منزله صام سبعة أيام فتقوم هذه الأيام العشرة مقام الهدي الذي كان عليه-و هو قوله فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلاٰثَةِ أَيّٰامٍ فِي اَلْحَجِّ-وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ و ذلك لمن ليس هو مقيم بمكة و لا من أهل مكة ، أما أهل مكة و من كان حول مكة على ثمانية و أربعين ميلا فليست لهم متعة و إنما يفردون الحج-لقوله ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ و أما قوله فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ اَلْحَجَّ-فَلاٰ رَفَثَ وَ لاٰ فُسُوقَ وَ لاٰ جِدٰالَ فِي اَلْحَجِّ فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب، و الجدال الخصومة، و هي قول «لا و الله و بلى و الله»

ص: 69

كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم فيقولون لا و أبيك لا و أبي و أمر الله أن يقولوا لا و الله و بلى و الله-و قوله فَمِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنٰا آتِنٰا فِي اَلدُّنْيٰا وَ مٰا لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ خَلاٰقٍ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ اَلْمَوْقِفِ-فَقَالَ أَ تَرَى يُجِيبُ اَللَّهُ هَذَا اَلْخَلْقَ كُلَّهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع مَا وَقَفَ بِهَذَا اَلْمَوْقِفِ أَحَدٌ مِنَ اَلنَّاسِ مُؤْمِنٌ وَ لاَ كَافِرٌ-إِلاَّ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ فِي مَغْفِرَتِهِمْ عَلَى ثَلاَثِ مَنَازِلَ، مُؤْمِنٌ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأَخَّرَ-وَ أَعْتَقَهُ مِنَ اَلنَّارِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ « وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنٰا آتِنٰا فِي اَلدُّنْيٰا حَسَنَةً-وَ فِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنٰا عَذٰابَ اَلنّٰارِ » وَ مُؤْمِنٌ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ-وَ قِيلَ لَهُ أَحْسِنْ فِيمَا بَقِيَ-فَذَلِكَ قَوْلُهُ « فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ-وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اِتَّقىٰ (1)اَلْكَبَائِرَ وَ أَمَّا اَلْعَامَّةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ-وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اِتَّقىٰ اَلصَّيْدَ، أَ فَتَرَى أَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى حَرَّمَ اَلصَّيْدَ بَعْدَ مَا أَحَلَّهُ-لِقَوْلِهِ « وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا » وَ فِي تَفْسِيرِ اَلْعَامَّةِ مَعْنَاهُ فَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاتَّقُوا اَلصَّيْدَ، وَ كَافِرٌ (2)وَقَفَ هَذَا اَلْمَوْقِفَ يُرِيدُ زِينَةَ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا-غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ مِنْ ذَنْبِهِ مَا تَقَدَّمَ إِنْ تَابَ مِنَ اَلشِّرْكِ-وَ إِنْ لَمْ يَتُبْ وَافَاهُ اَللَّهُ أَجْرَهُ فِي اَلدُّنْيَا-وَ لَمْ يَحْرِمْهُ ثَوَابَ هَذَا

ص: 70


1- . أَيْ تَعَجَّلَ فِي اَلذَّهَابِ إِلَى وَطَنِهِ-عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ إِنَّ اَلْعَبْدَ اَلْمُؤْمِنَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَاجّاً لاَ يَخْطُو خُطْوَةً وَ لاَ تَخْطُو بِهِ رَاحِلَتُهُ إِلاَّ كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ وَ مُحِيَ عَنْهُ سَيِّئَةٌ، وَ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ فَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَلَوْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ عَدَدَ اَلثَّرَى رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَ لَهُ اِسْتَأْنِفِ اَلْعَمَلَ يَقُولُ اَللَّهُ «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ» (الآية) -البرهان.
2- . عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ «مُؤْمِنٌ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ» . ج-ز.

اَلْمَوْقِفِ-وَ هُوَ قَوْلُهُ « مَنْ كٰانَ يُرِيدُ اَلْحَيٰاةَ اَلدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا-نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمٰالَهُمْ فِيهٰا وَ هُمْ فِيهٰا لاٰ يُبْخَسُونَ- أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ إِلاَّ اَلنّٰارُ وَ حَبِطَ مٰا صَنَعُوا فِيهٰا وَ بٰاطِلٌ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ » وَ قَوْلُهُ وَ اُذْكُرُوا اَللّٰهَ فِي أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ قَالَ أَيَّامُ اَلتَّشْرِيقِ اَلثَّلاَثَةُ، وَ اَلْأَيَّامُ اَلْمَعْلُومَاتُ اَلْعَشَرَةُ مِنْ ذِي اَلْحِجَّةِ . ، و قوله وَ يُهْلِكَ اَلْحَرْثَ وَ اَلنَّسْلَ قال الحرث في هذا الموضع الدين، و النسل الناس، و نزلت في فلان و يقال في معاوية

و قوله وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ قال ذلك أمير المؤمنين ع و معنى يشري نفسه أي يبذل-و قوله اُدْخُلُوا فِي اَلسِّلْمِ كَافَّةً قال في ولاية أمير المؤمنين ع و قوله كٰانَ اَلنّٰاسُ أُمَّةً وٰاحِدَةً قال قبل نوح على مذهب واحد فاختلفوا فَبَعَثَ اَللّٰهُ اَلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ-لِيَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّٰاسِ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ و قوله كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِتٰالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ نزلت بالمدينة و نسخت آية « كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » التي نزلت بمكة .

و أما قوله يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلشَّهْرِ اَلْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ-قُلْ قِتٰالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ-وَ كُفْرٌ بِهِ-وَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ وَ إِخْرٰاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اَللّٰهِ وَ اَلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ فإنه كان سبب نزولها

أَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى اَلْمَدِينَةِ بَعَثَ اَلسَّرَايَا إِلَى اَلطُّرُقَاتِ اَلَّتِي تَدْخُلُ مَكَّةَ تَتَعَرَّضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ ، حَتَّى بَعَثَ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ جَحْشٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى نَخْلَةَ، وَ هِيَ بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ لِيَأْخُذُوا عِيرَ قُرَيْشٍ حِينَ أَقْبَلَتْ مِنَ اَلطَّائِفِ عَلَيْهَا اَلزَّبِيبُ وَ اَلْأُدُمُ وَ اَلطَّعَامُ، فَوَافَوْهَا وَ قَدْ نَزَلَتِ اَلْعِيرُ-وَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحَضْرَمِيُّ وَ كَانَ حَلِيفاً لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، فَلَمَّا نَظَرَ اَلْحَضْرَمِيُّ إِلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَ أَصْحَابِهِ-فَزِعُوا وَ تَهَيَّئُوا لِلْحَرْبِ وَ قَالُوا هَؤُلاَءِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ، فَأَمَرَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَحْشٍ أَصْحَابَهُ-أَنْ يَنْزِلُوا وَ يَحْلِقُوا رُءُوسَهُمْ، فَنَزَلُوا فَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ-فَقَالَ اِبْنُ اَلْحَضْرَمِيِّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ عُبَّادٌ لَيْسَ عَلَيْنَا مِنْهُمْ بَأْسٌ، فَلَمَّا

ص: 71

اِطْمَأَنُّوا وَ وَضَعُوا اَلسِّلاَحَ-حَمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَقَتَلَ اِبْنَ اَلْحَضْرَمِيِّ وَ أَفْلَتَ أَصْحَابَهُ وَ أَخَذُوا اَلْعِيرَ بِمَا فِيهَا-وَ سَاقُوهَا إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ مِنَ اَلْأَشْهُرِ اَلْحُرُمِ ، فَعَزَلُوا اَلْعِيرَ وَ مَا كَانَ عَلَيْهَا وَ لَمْ يَنَالُوا مِنْهَا شَيْئاً، فَكَتَبَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص أَنَّكَ اِسْتَحْلَلْتَ اَلشَّهْرَ اَلْحَرَامَ وَ سَفَكْتَ فِيهِ اَلدَّمَ-وَ أَخَذْتَ اَلْمَالَ وَ كَثُرَ اَلْقَوْلُ فِي هَذَا، وَ جَاءَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَ يَحِلُّ اَلْقَتْلُ فِي اَلشَّهْرِ اَلْحَرَامِ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ « يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلشَّهْرِ اَلْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ-قُلْ قِتٰالٌ فِيهِ كَبِيرٌ . . . إلخ» قَالَ اَلْقِتَالُ فِي اَلشَّهْرِ اَلْحَرَامِ عَظِيمٌ-وَ لَكِنِ اَلَّذِي فَعَلَتْ قُرَيْشٌ بِكَ يَا مُحَمَّدُ ص مِنَ اَلصَّدِّ عَنِ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ وَ اَلْكُفْرِ بِاللَّهِ وَ إِخْرَاجِكَ مِنْهَا هُوَ أَكْبَرُ عِنْدَ اَللَّهِ وَ اَلْفِتْنَةُ يَعْنِي اَلْكُفْرَ بِاللَّهِ أَكْبَرُ مِنَ اَلْقَتْلِ ثُمَّ أُنْزِلَتْ « اَلشَّهْرُ اَلْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ اَلْحَرٰامِ وَ اَلْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ-فَمَنِ اِعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ » (1) .

و قوله وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ قُلِ اَلْعَفْوَ قال لا إقتار و لا إسراف (2).

و قوله يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلاٰحٌ لَهُمْ خَيْرٌ-وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَتْ « إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً-إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً » أَخْرَجَ كُلُّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ-وَ سَأَلُوا رَسُولَ اَللَّهِ ص فِي إِخْرَاجِهِمْ، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ تَعَالَى « وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْيَتٰامىٰ . . . إلخ. »

وَ قَالَ اَلصَّادِقُ ع لاَ بَأْسَ أَنْ تَخْلِطَ طَعَامَكَ بِطَعَامِ اَلْيَتِيمِ-فَإِنَّ اَلصَّغِيرَ يُوشِكُ أَنْ يَأْكُلَ اَلْكَبِيرُ مَعَهُ-وَ أَمَّا اَلْكِسْوَةُ وَ غَيْرُهُ فَيُحْسَبُ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ-كَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. ،

ص: 72


1- . و الحال أنها قبل « يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلشَّهْرِ اَلْحَرٰامِ . . . إلخ» .
2- . إنما ترك المؤلف تفسير آية: يسألونك عن الخمر و الميسر، لأنه سيأتى في ذيل قوله تعالى: إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَ اَلْمَيْسِرُ إلخ في سورة المائدة ص 180 فراجع-ج-ز.

فقوله « وَ لاٰ تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ » منسوخ-بقوله « وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ » و قوله « وَ لاٰ تُنْكِحُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَتّٰى يُؤْمِنُوا » على حالة لم ينسخ-و قوله وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً-فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسٰاءَ فِي اَلْمَحِيضِ-وَ لاٰ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ يعني النساء لا تأتوهن في الفرج حتى يغتسلن فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ أي اغتسلن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اَللّٰهُ و قوله نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ أي متى شئتم-و تأولت العامة في قوله « أَنّٰى شِئْتُمْ » أي حيث شئتم في القبل و الدبر،

وَ قَالَ اَلصَّادِقُ ع « أَنّٰى شِئْتُمْ » أَيْ مَتَى شِئْتُمْ فِي اَلْفَرْجِ. و الدليل على قوله في الفرج قوله تعالى « نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ » فالحرث الزرع في الفرج في موضع الولد،

وَ قَالَ اَلصَّادِقُ ع مَنْ أَتَى اِمْرَأَتَهُ فِي اَلْفَرْجِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ حَيْضِهَا-فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ وَ عَلَيْهِ رُبُعُ حَدِّ اَلزَّانِي خَمْسٌ وَ عِشْرُونَ جَلْدَةً، وَ إِنْ أَتَاهَا فِي آخِرِ أَيَّامِ حَيْضِهَا-فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ-وَ يُضْرَبَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ جَلْدَةً وَ نصف [نِصْفاً] (1).

و قوله وَ لاٰ تَجْعَلُوا اَللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ-أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ اَلنّٰاسِ قال هو قول الرجل في كل حالة لا و الله و بلى و الله و أما قوله لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ-فَإِنْ فٰاؤُ فَإِنَّ اَللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ- وَ إِنْ عَزَمُوا اَلطَّلاٰقَ فَإِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: اَلْإِيلاَءُ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ اَلرَّجُلُ عَلَى اِمْرَأَتِهِ أَلاَّ يُجَامِعَهَا فَإِنْ صَبَرَتْ عَلَيْهِ فَلَهَا أَنْ تَصْبِرَ، فَإِنْ رَفَعَتْهُ إِلَى اَلْإِمَامِ أَنْظَرَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ-ثُمَّ يَقُولُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى اَلْمُنَاكَحَةِ وَ إِمَّا أَنْ تُطَلِّقَ وَ إِلاَّ حَبَسْتُكَ أَبَداً.

وَ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ بَنَى حَظِيرَةً مِنْ قَصَبٍ-وَ جَعَلَ فِيهَا رجل [رَجُلاً] آلَى مِنِ اِمْرَأَتِهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ-وَ قَالَ لَهُ إِمَّا

ص: 73


1- . بأن يوخذ نصف السوط باليد و يضرب به ج-ز.

[أَنْ] تَرْجِعَ إِلَى اَلْمُنَاكَحَةِ أَوْ أَنْ تُطَلِّقَ-وَ إِلاَّ أَحْرَقْتُ عَلَيْكَ اَلْحَظِيرَةَ . ، و قوله وَ اَلْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاٰثَةَ قُرُوءٍ قال و المطلقة تعتد ثلاثة قروء إن كانت تحيض قوله وَ لاٰ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اَللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ-إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ قال لا يحل للمرأة أن تكتم حملها أو حيضها أو طهرها-و قد فرض الله على النساء ثلاثة أشياء الطهر و الحيض و الحبل-و قوله وَ لِلرِّجٰالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ قال حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال.

و قوله اَلطَّلاٰقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ-أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ قال في الثالثة (1)و هو طلاق السنة،

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ [مَرَّارٍ] عَنْ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ طَلاَقِ اَلسُّنَّةِ-قَالَ هُوَ أَنْ يُطَلِّقَ اَلرَّجُلُ اَلْمَرْأَةَ عَلَى طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ-بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ-ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَعْتَدَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ-فَإِذَا مَضَتْ ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ، وَ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَ كَانَ زَوْجُهَا خَاطِباً مِنَ اَلْخُطَّابِ-إِنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْهُ وَ إِنْ شَاءَتْ لَمْ تَفْعَلْ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ جَدِيدٍ كَانَتْ عِنْدَهُ بِثِنْتَيْنِ بَاقِيَتَيْنِ-وَ مَضَتْ بِوَاحِدَةٍ، فَإِنْ هُوَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى طُهْرٍ بِشُهُودٍ-ثُمَّ رَاجَعَهَا وَ وَاقَعَهَا ثُمَّ اِنْتَظَرَ بِهَا حَتَّى إِذَا حَاضَتْ وَ طَهُرَتْ-طَلَّقَهَا طَلْقَةً أُخْرَى بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ-ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ أَقْرَاؤُهَا اَلثَّلاَثَةُ، فَإِذَا مَضَتْ أَقْرَاؤُهَا اَلثَّلاَثَةُ قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا-فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثِنْتَيْنِ وَ قَدْ مَلَكَتْ أَمْرَهَا وَ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ-وَ كَانَ زَوْجُهَا خَاطِباً مِنَ اَلْخُطَّابِ-فَإِنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْهُ وَ إِنْ شَاءَتْ لَمْ تَفْعَلْ، وَ إِنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجاً جَدِيداً بِمَهْرٍ جَدِيدٍ-كَانَتْ عِنْدَهُ بِوَاحِدَةٍ بَاقِيَةٍ وَ قَدْ مَضَتْ ثِنْتَانِ-فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلاَقاً-لاَ تَحِلُّ لَهُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ تَرَكَهَا-حَتَّى إِذَا حَاضَتْ وَ طَهُرَتْ أَشْهَدَ عَلَى طَلاَقِهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، وَ لاَ تَحِلُّ لَهُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ .

ص: 74


1- . أي في التطليقة الثالثة تسرح بإحسان ج-ز.

فَأَمَّا طَلاَقُ اَلرَّجْعَةِ، فَإِنَّهُ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ وَ تَطْهُرَ-ثُمَّ يُطَلِّقُهَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَ يُوَاقِعُهَا ثُمَّ يَنْتَظِرُ بِهَا اَلطُّهْرَ، فَإِنْ حَاضَتْ وَ طَهُرَتْ أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ عَلَى تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى-ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَ يُوَاقِعُهَا ثُمَّ يَنْتَظِرُ بِهَا اَلطُّهْرَ-فَإِنْ حَاضَتْ وَ طَهُرَتْ أَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ عَلَى اَلتَّطْلِيقَةِ اَلثَّالِثَةِ-كُلُّ تَطْلِيقَةٍ عَلَى طُهْرٍ بِمُرَاجَعَةٍ، وَ لاَ تَحِلُّ لَهُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ وَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلاَثَةَ أَقْرُؤٍ-مِنْ يَوْمَ طَلَّقَهَا اَلتَّطْلِيقَةَ اَلثَّالِثَةَ لِدَنَسِ اَلنِّكَاحِ، وَ هُمَا يَتَوَارَثَانِ مَا دَامَتْ فِي اَلْعِدَّةِ-فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى طُهْرٍ بِشُهُودٍ-ثُمَّ اِنْتَظَرَ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ وَ تَطْهُرَ-ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا-لَمْ يَكُنْ طَلاَقُهُ اَلثَّانِي طَلاَقاً جَائِزاً، لِأَنَّهُ طَلَّقَ طَالِقاً-لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً مِنْ زَوْجِهَا-كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ مِلْكِهِ حَتَّى يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا رَاجَعَهَا صَارَتْ فِي مِلْكِهِ مَا لَمْ يُطَلِّقِ اَلتَّطْلِيقَةَ اَلثَّالِثَةَ-فَإِذَا طَلَّقَهَا اَلتَّطْلِيقَةَ اَلثَّالِثَةَ فَقَدْ خَرَجَ مِلْكُ اَلرَّجْعَةِ مِنْ يَدِهِ-فَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى طُهْرٍ بِشُهُودٍ ثُمَّ رَاجَعَهَا-وَ اِنْتَظَرَ بِهَا اَلطُّهْرَ مِنْ غَيْرِ مُوَاقَعَةٍ-فَحَاضَتْ وَ طَهُرَتْ وَ هِيَ عِنْدَهُ-ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُدَنِّسَهَا بِمُوَاقَعَةٍ بَعْدَ اَلرَّجْعَةِ-لَمْ يَكُنْ طَلاَقُهُ لَهَا طَلاَقاً-لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا اَلتَّطْلِيقَةَ اَلثَّانِيَةَ فِي طُهْرِ اَلْأُولَى، وَ لاَ يُنْقَضُ اَلطُّهْرُ إِلاَّ بِمُوَاقَعَةٍ بَعْدَ اَلرَّجْعَةِ-وَ كَذَلِكَ لاَ تَكُونُ اَلتَّطْلِيقَةُ اَلثَّالِثَةُ-إِلاَّ بِمُرَاجَعَةٍ وَ مُوَاقَعَةٍ بَعْدَ اَلرَّجْعَةِ-ثُمَّ حَيْضٍ وَ طُهْرٍ بَعْدَ اَلْحَيْضِ ثُمَّ طَلاَقٍ بِشُهُودٍ-حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ تَطْلِيقَةٍ طُهْرٌ مِنْ تَدْنِيسِ مُوَاقَعَةٍ بِشُهُودٍ .

قوله وَ لاٰ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً-إِلاّٰ أَنْ يَخٰافٰا أَلاّٰ يُقِيمٰا حُدُودَ اَللّٰهِ-فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ يُقِيمٰا حُدُودَ اَللّٰهِ-فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اَللّٰهِ فإن هذه الآية نزلت في الخلع،

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: اَلْخُلْعُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ أَنْ تَقُولَ اَلْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا-لاَ أُبِرُّ لَكَ قَسَماً وَ لَأَخْرُجَنَّ بِغَيْرِ إِذْنِكَ-وَ لَأُوطِيَنَّ فِرَاشَكَ غَيْرَكَ وَ لاَ أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ تَقُولَ لاَ أُطِيعُ لَكَ أَمْراً أَوْ تُطَلِّقَنِي، فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا جَمِيعَ مَا أَعْطَاهَا-وَ كُلَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِمَّا تُعْطِيهِ مِنْ مَالِهَا-فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ طَلَّقَهَا

ص: 75

عَلَى طُهْرٍ بِشُهُودٍ-فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ، وَ هُوَ خَاطِبٌ مِنَ اَلْخُطَّابِ-فَإِنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْهُ وَ إِنْ شَاءَتْ لَمْ تَفْعَلْ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى اِثْنَتَيْنِ بَاقِيَتَيْنِ، وَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهَا كَمَا اِشْتَرَطَ صَاحِبُ اَلْمُبَارَاةِ-إِنِ اِرْتَجَعْتِ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَيْتِنِي-فَأَنَا أَمْلَكُ بِبُضْعِكِ، وَ قَالَ لاَ خُلْعَ وَ لاَ مُبَارَاةَ وَ لاَ تَخْيِيرَ-إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَ اَلْمُخْتَلِعَةُ إِذَا تَزَوَّجَتْ زَوْجاً آخَرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا-تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، وَ قَالَ لاَ رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ عَلَى اَلْمُخْتَلِعَةِ وَ لاَ اَلْمُبَارَاةِ-إِلاَّ أَنْ يَبْدُوَ لِلْمَرْأَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا. و قوله فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلاٰ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ يعني الطلاق الثالث، و قوله فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا في الطلاق الأول و الثاني.

و قوله إِذٰا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ-فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ-وَ لاٰ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً لِتَعْتَدُوا قال إذا طلقها لا يجوز له أن يراجعها إن لم يردها فيضر بها-و هو قوله وَ لاٰ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً أي لا تحبسوهن و أما قوله وَ إِذٰا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ-فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاٰ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوٰاجَهُنَّ إِذٰا تَرٰاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (1)يعني إذا رضيت المرأة بالتزويج الحلال و قوله وَ اَلْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ-لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ اَلرَّضٰاعَةَ-وَ عَلَى اَلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ يعني إذا مات الرجل و ترك ولدا رضيعا-لا ينبغي للوارث أن يضر بنفقة المولود-بل ينبغي له أن يحزي عليه بالمعروف (2)و قوله لاٰ تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَ لاٰ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي اَلصَّبَّاحِ اَلْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: لاَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ

ص: 76


1- . عضل المرأة عن الزواج أي منعها.
2- . حز على كرم فلان أي زاد. ج-ز.

جِمَاعِ اَلْمَرْأَةِ-فَيُضَارَّ بِهَا إِذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ مُرْضَعٌ، وَ يَقُولَ لَهَا لاَ أَقْرَبُكِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكِ اَلْحَبَلَ فَتَقْتُلِينَ وَلَدِي-وَ كَذَا اَلْمَرْأَةُ لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عَنِ اَلرَّجُلِ، فَتَقُولَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَحْبَلَ فَأَقْتُلَ وَلَدِي-فَهَذِهِ اَلْمُضَارَّةُ فِي اَلْجِمَاعِ عَلَى اَلرَّجُلِ وَ اَلْمَرْأَةِ. و قوله وَ عَلَى اَلْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ لا تضار المرأة التي لها ولد و قد توفي زوجها-فلا يحل للوارث أن يضار أم الولد في النفقة-فيضيق عليها-و قوله فَإِنْ أَرٰادٰا فِصٰالاً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْهُمٰا وَ تَشٰاوُرٍ-فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا يعني إذا اصطلحت الأم و الوارث-فيقول خذي الولد و اذهبي به حيث شئت.

ص: 77

كما قال الله عز و جل عَلَى اَلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى اَلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ فالموسع يمتع بالأمة و الدراهم و الثوب على قدر سعته-و المقتر يمتع بالخمار و ما يقدر عليه، و إن تزوج بها-و قد سمى لها الصداق و لم يدخل بها فعليه نصف المهر قوله إِلاّٰ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكٰاحِ و هو الولي و الأب و لا يعفوان إلا بأمرها-و هو قوله وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ-وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلاّٰ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اَلنِّكٰاحِ و تتزوج من ساعتها و لا عدة عليها و العدة على اثنين و عشرين وجها-فالمطلقة تعتد ثلاثة أقرؤ، و القرء هو اجتماع الدم في الرحم، و العدة الثانية إذا لم تحض فثلاثة أشهر بيض-و إذا كانت تحيض في الشهر الأقل أو الأكثر و طلقت-ثم حاضت قبل أن يأتي لها ثلاثة أشهر حيضة واحدة-فلا تبين من زوجها إلا بالحيض، و إن مضى ثلاثة أشهر لها و لم تحض-فإنها تبين بالأشهر البيض، فإن حاضت قبل أن يمضي لها ثلاثة أشهر فإنها تبين بالدم، و المطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة-فلا تبين حتى تطهر من الدم الثالث، و المطلقة الحامل لا تبين حتى تضع ما في بطنها-فإن طلقها اليوم و وضعت في الغد فقد بانت، و المتوفى عنها زوجها و هي الحامل تعتد بأبعد الأجلين-فإن وضعت قبل أن يمضي لها أربعة أشهر و عشرا-فلتتم أربعة أشهر و عشرا-فإن مضى لها أربعة أشهر و عشرا فلم تضع فعدتها أن تضع، و المطلقة و زوجها غائب عنها تعتد من يوم طلقها-إذا شهد عندها شاهدان عدلان-أنه طلقها في يوم معروف تعتد من ذلك اليوم-فإن لم يشهد عندها أحد و لم تعلم أي يوم طلقها-تعتد من يوم يبلغها، و المتوفى عنها زوجها و هو غائب تعتد من يوم يبلغها، و التي لم يدخل بها زوجها ثم طلقها فلا عدة عليها، فإن مات عنها و لم يدخل بها تعتد أربعة أشهر و عشرا.

و العدة على الرجال أيضا-إن كان له أربعة نسوة و طلق إحداهن-لم يحل

ص: 78

له أن يتزوج حتى تعتد التي طلقها، فإذا أراد أن يتزوج أخت امرأته-لم تحل له حتى يطلق امرأته-و تعتد ثم يتزوج أختها، و المتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت، و المطلقة التي ليس للزوج عليها رجعة-تعتد حيث شاءت و لا تبيت عن بيتها، و التي للزوج عليها رجعة لا تعتد إلا في بيت زوجها-و تراه و يراها ما دامت في العدة، و عدة الأمة إذا كانت تحت الحر شهران و خمسة أيام.

و عدة المتعة خمسة و أربعون يوما-و عدة السبي استبراء الرحم، فهذه وجوه العدة.

و أما المرأة التي لا تحل لزوجها أبدا-فهي التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين-و تتزوج زوجا غيره فيطلقها و يتزوج بها الأول-الذي كان طلقها ثلاث تطليقات-ثم يطلقها أيضا ثلاث تطليقات للعدة [على طهر من غير جماع بشهادة عدلين] فتتزوج زوجا آخر ثم يطلقها فيتزوجها الأول-الذي قد طلقها ست تطليقات على طهر-و تزوجت زوجين غير زوجها الأول-ثم يطلقها هذا زوجها الأول-ثلاث تطليقات على طهر واحد من غير جماع بشهادة عدلين، فهذه التي لا تحل لزوجها الأول أبدا-لأنه قد طلقها تسع تطليقات و تزوج بها تسع مرات، و تزوجت ثلاثة أزواج فلا تحل للزوج الأول أبدا، و من طلق امرأته من غير أن تحيض أو كانت في دم الحيض-أو نفساء من قبل أن تطهر فطلاقه باطل.

و قوله حٰافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوٰاتِ وَ اَلصَّلاٰةِ اَلْوُسْطىٰ-وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنَّهُ قَرَأَ « حٰافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوٰاتِ-وَ اَلصَّلاٰةِ اَلْوُسْطىٰ صَلاَةِ اَلْعَصْرِ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ . » فقوله « قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ » قال إقبال الرجل على صلاته و محافظته-حتى لا يلهيه و لا يشغله عنها شيء و قوله فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالاً أَوْ رُكْبٰاناً فهي رخصة بعد العزيمة للخائف أن يصلي راكبا و راجلا، و صلاة الخوف على ثلاثة وجوه-قال الله تبارك

ص: 79

و تعالى « وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلاٰةَ-فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ-فَإِذٰا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرٰائِكُمْ-وَ لْتَأْتِ طٰائِفَةٌ أُخْرىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ-وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ » فهذا وجه.

و الوجه الثاني من صلاة الخوف-فهو الذي يخاف اللصوص و السباع في السفر-فإنه يتوجه إلى القبلة و يفتتح الصلاة-و يمر على وجه الأرض الذي هو فيه-فإذا فرغ من القراءة و أراد أن يركع و يسجد-ولى وجهه إلى القبلة إن قدر عليه-و إن لم يقدر عليه ركع و سجد حيث ما توجه-و إن كان راكبا أومأ برأسه.

و صلاة المجادلة [المجاهدة]و هي المضاربة في الحرب-إذا لم يقدر أن ينزل، يصلي و يكبر و لكل ركعة تكبيرة و يصلي و هو راكب

فَإِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ع صَلَّى وَ أَصْحَابَهُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِصِفِّينَ عَلَى ظُهُورِ اَلدَّوَابِّ-لِكُلِّ رَكْعَةٍ تَكْبِيرَةٌ وَ صَلَّى وَ هُوَ رَاكِبٌ حَيْثُ مَا تَوَجَّهُوا .

و منها صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه، فوجه منها هو أن الرجل يكون في مفازة-و لا يعرف القبلة يصلي إلى أربعة جوانب، و الوجه الثاني، من فاتته الصلاة و لم يعرف أي صلاة هي-فإنه يجب أن يصلي ثلاث ركعات و أربع ركعات و ركعتين-فإن كانت المغرب فقد قضاها، و إن فاتته العتمة (1)فقد قضاها-و إن كانت الفجر فقد قضاها-و إن كانت الظهر و العصر-فقد قامت الأربعة مقامها، و من كان عليه ثوبان فأصاب أحدهما بول أو قذر أو جنابة-و لم يدر أي الثوبين أصاب القذر، فإنه يصلي في هذا و في هذا فإذا وجد الماء غسلهما جميعا.

ص: 80


1- . العتمة محركة صلاة العشاء-مجمع.

فخرج منهم خلق كثير كما حكى الله هربا من الطاعون-فصاروا إلى مفازة فماتوا في ليلة واحدة كلهم، فبقوا حتى كانت عظامهم يمر بهم المار-فينحيها برجله عن الطريق-ثم أحياهم الله و ردهم إلى منازلهم-فبقوا دهرا طويلا ثم ماتوا و دفنوا.

و قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسىٰ إِذْ قٰالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ اِبْعَثْ لَنٰا مَلِكاً-نُقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ إلى قوله وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ بِالظّٰالِمِينَ

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى اَلْحَلَبِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى ع عَمِلُوا اَلْمَعَاصِيَ-وَ غَيَّرُوا دِينَ اَللَّهِ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ يَأْمُرُهُمْ وَ يَنْهَاهُمْ فَلَمْ يُطِيعُوهُ، وَ رُوِيَ أَنَّهُ أَرْمِيَا اَلنَّبِيُّ، فَسَلَّطَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ جَالُوتَ ، وَ هُوَ مِنَ اَلْقِبْطِ فَأَذَلَّهُمْ وَ قَتَلَ رِجَالَهُمْ-وَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ وَ اِسْتَعْبَدَ نِسَاءَهُمْ، فَفَزِعُوا إِلَى نَبِيِّهِمْ وَ قَالُوا-سَلِ اَللَّهَ أَنْ يَبْعَثَ لَنٰا مَلِكاً نُقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ ، وَ كَانَتِ اَلنُّبُوَّةُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتٍ وَ اَلْمُلْكُ وَ اَلسُّلْطَانُ فِي بَيْتٍ آخَرَ-لَمْ يَجْمَعِ اَللَّهُ لَهُمُ اَلْمُلْكَ وَ اَلنُّبُوَّةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ذَلِكَ قَالُوا « اِبْعَثْ لَنٰا مَلِكاً . . . إلخ» وَ قَوْلُهُ وَ قٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طٰالُوتَ مَلِكاً فَغَضَبُوا مِنْ ذَلِكَ وَ قٰالُوا أَنّٰى يَكُونُ لَهُ اَلْمُلْكُ عَلَيْنٰا-وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ اَلْمٰالِ وَ كَانَتِ اَلنُّبُوَّةُ فِي وُلْدِ لاَوَى وَ اَلْمُلْكُ فِي وُلْدِ يُوسُفَ ، وَ كَانَ طَالُوتُ مِنْ وُلْدِ بِنْيَامِينَ أَخِي يُوسُفَ لِأُمِّهِ-لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْتِ اَلنُّبُوَّةِ وَ لاَ مِنْ بَيْتِ اَلْمَمْلِكَةِ، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ-وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ-وَ اَللّٰهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ اَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ وَ كَانَ أَعْظَمَهُمْ جِسْماً وَ كَانَ شُجَاعاً قَوِيّاً-وَ كَانَ أَعْلَمَهُمْ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيراً فَعَابُوهُ بِالْفَقْرِ-فَقَالُوا لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ اَلْمٰالِ ، فَ قٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ اَلتّٰابُوتُ-فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّٰا تَرَكَ آلُ مُوسىٰ وَ آلُ هٰارُونَ تَحْمِلُهُ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ كَانَ اَلتَّابُوتُ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَى مُوسَى فَوَضَعَتْهُ فِيهِ أُمُّهُ وَ أَلْقَتْهُ فِي اَلْيَمِّ، فَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُعَظَّماً

ص: 81

يَتَبَرَّكُونَ، بِهِ-فَلَمَّا حَضَرَ مُوسَى اَلْوَفَاةُ وَضَعَ فِيهِ اَلْأَلْوَاحَ وَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ آيَاتِ اَلنُّبُوَّةِ وَ أَوْدَعَهُ يُوشَعَ وَصِيَّهُ، فَلَمْ يَزَلِ اَلتَّابُوتُ بَيْنَهُمْ حَتَّى اِسْتَخَفُّوا بِهِ-وَ كَانَ اَلصِّبْيَانُ يَلْعَبُونَ بِهِ فِي اَلطُّرُقَاتِ-فَلَمْ يَزَلْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي عِزٍّ وَ شَرَفٍ مَا دَامَ اَلتَّابُوتُ عِنْدَهُمْ فَلَمَّا عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَ اِسْتَخَفُّوا بِالتَّابُوتِ رَفَعَهُ اَللَّهُ عَنْهُمْ-فَلَمَّا سَأَلُوا اَلنَّبِيَّ بَعَثَ اَللَّهُ طَالُوتَ عَلَيْهِمْ يُقَاتِلُ مَعَهُمْ-رَدَّ اَللَّهُ عَلَيْهِمُ اَلتَّابُوتَ-وَ قَوْلُهُ « فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ » فَإِنَّ اَلتَّابُوتَ كَانَ يُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ اَلْعَدُوِّ وَ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ-فَيَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ اَلْإِنْسَانِ.

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ اَلرِّضَا ع أَنَّهُ قَالَ:

اَلسَّكِينَةُ رِيحٌ مِنَ اَلْجَنَّةِ لَهَا وَجْهٌ كَوَجْهِ اَلْإِنْسَانِ.

فَكَانَ إِذَا وُضِعَ اَلتَّابُوتُ بَيْنَ يَدَيِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اَلْكُفَّارِ-فَإِنْ تَقَدَّمَ اَلتَّابُوتُ لاَ يَرْجِعُ رَجُلٌ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَغْلِبَ، وَ مَنْ رَجَعَ عَنِ اَلتَّابُوتِ كَفَرَ وَ قَتَلَهُ اَلْإِمَامُ.

فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِمْ-أَنَّ جَالُوتَ يَقْتُلُهُ مَنْ يَسْتَوِي عَلَيْهِ دِرْعُ مُوسَى ع وَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ لاَوَى بْنِ يَعْقُوبَ ع اِسْمُهُ دَاوُدُ بْنُ آسِي ، وَ كَانَ آسِي رَاعِياً وَ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ بَنِينَ أَصْغَرُهُمْ دَاوُدُ ، فَلَمَّا بَعَثَ طَالُوتَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ جَمَعَهُمْ لِحَرْبِ جَالُوتَ بَعَثَ إِلَى آسِي أَنْ أَحْضِرْ وُلْدَكَ، فَلَمَّا حَضَرُوا دَعَا وَاحِداً وَاحِداً مِنْ وُلْدِهِ فَأَلْبَسَهُ دِرْعَ مُوسَى ع ، مِنْهُمْ مَنْ طَالَتْ عَلَيْهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ قَصُرَتْ عَنْهُ فَقَالَ لِآسِي هَلْ خَلَّفْتَ مِنْ وُلْدِكَ أَحَداً قَالَ نَعَمْ أَصْغَرَهُمْ تَرَكْتُهُ فِي اَلْغَنَمِ يَرْعَاهَا فَبَعَثَ إِلَيْهِ اِبْنَهُ فَجَاءَ بِهِ-فَلَمَّا دُعِيَ أَقْبَلَ وَ مَعَهُ مِقْلاَعٌ (1)قَالَ فَنَادَتْهُ ثَلاَثُ صَخَرَاتٍ فِي طَرِيقِهِ-فَقَالَتْ يَا دَاوُدُ خُذْنَا فَأَخَذَهَا فِي مِخْلاَتِهِ-وَ كَانَ شَدِيدَ اَلْبَطْشِ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ شُجَاعاً، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى طَالُوتَ أَلْبَسَهُ دِرْعَ مُوسَى فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِ، فَ فَصَلَ طٰالُوتُ بِالْجُنُودِ

ص: 82


1- . مِقْلاَعٌ كَمِضْرَابٍ آلَةٌ يُرْمَى بِهَا اَلْأَحْجَارُ إِلَى اَلصَّيْدِ وَ نَحْوِهِ.

وَ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّ اَللّٰهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ) فِي هَذِهِ اَلْمَفَازَةِ (1)فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنْ حِزْبِ اَللَّهِ، وَ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ حِزْبِ اَللَّهِ إِلاّٰ مَنِ اِغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ، فَلَمَّا وَرَدُوا اَلنَّهَرَ-أَطْلَقَ اَللَّهُ لَهُمْ أَنْ يَغْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاّٰ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَالَّذِينَ شَرِبُوا مِنْهُ كَانُوا سِتِّينَ أَلْفاً-وَ هَذَا اِمْتِحَانٌ اُمْتُحِنُوا بِهِ كَمَا قَالَ اَللَّهُ.

وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: اَلْقَلِيلُ اَلَّذِينَ لَمْ يَشْرَبُوا وَ لَمْ يَغْتَرِفُوا-ثَلاَثُ مِائَةٍ وَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً.

فَلَمَّا جَاوَزُوا اَلنَّهَرَ وَ نَظَرُوا إِلَى جُنُودِ جَالُوتَ قَالَ اَلَّذِينَ شَرِبُوا مِنْهُ لاٰ طٰاقَةَ لَنَا اَلْيَوْمَ بِجٰالُوتَ وَ جُنُودِهِ وَ قَالَ اَلَّذِينَ لَمْ يَشْرَبُوا رَبَّنٰا أَفْرِغْ عَلَيْنٰا صَبْراً وَ ثَبِّتْ أَقْدٰامَنٰا-وَ اُنْصُرْنٰا عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكٰافِرِينَ فَجَاءَ دَاوُدُ ع حَتَّى وَقَفَ بِحِذَاءِ جَالُوتَ ، وَ كَانَ جَالُوتُ عَلَى اَلْفِيلِ وَ عَلَى رَأْسِهِ اَلتَّاجُ-وَ فِي جَبْهَتِهِ يَاقُوتٌ يَلْمَعُ نُورُهُ وَ جُنُودُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ دَاوُدُ مِنْ تِلْكَ اَلْأَحْجَارِ حَجَراً-فَرَمَى بِهِ فِي مَيْمَنَةِ جَالُوتَ ، فَمَرَّ فِي اَلْهَوَاءِ وَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا وَ أَخَذَ حَجَراً آخَرَ-فَرَمَى بِهِ فِي مَيْسَرَةِ جَالُوتَ فَوَقَعَ عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا وَ رَمَى جَالُوتُ بِحَجَرٍ ثَالِثٍ فَصَكَّ اَلْيَاقُوتَةَ فِي جَبْهَتِهِ-وَ وَصَلَ إِلَى دِمَاغِهِ وَ وَقَعَ إِلَى اَلْأَرْضِ مَيِّتاً فَهُوَ قَوْلُهُ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اَللّٰهِ وَ قَتَلَ دٰاوُدُ جٰالُوتَ وَ آتٰاهُ اَللّٰهُ اَلْمُلْكَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ لَوْ لاٰ دَفْعُ اَللّٰهِ اَلنّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ-لَفَسَدَتِ اَلْأَرْضُ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ .

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع إِنَّ اَللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ يُصَلِّي مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لاَ يُصَلِّي مِنْ شِيعَتِنَا ، وَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ اَلصَّلاَةِ لَهَلَكُوا، وَ إِنَّ اَللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ يُزَكِّي مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لاَ يُزَكِّي مِنْ شِيعَتِنَا وَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ اَلزَّكَاةِ لَهَلَكُوا، وَ إِنَّ اَللَّهَ لَيَدْفَعُ بِمَنْ

ص: 83


1- . اَلْمَفَازَةُ كَمَغَارَةٍ اَلْفَلاَةُ لاَ مَاءَ فِيهَا. قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوَّزَ أَيْ مَاتَ لِأَنَّ اَلْمَفَازَةَ مَظِنَّةٌ لِلْمَوْتِ، وَ قِيلَ سُمِّيَتْ مَفَازَةً لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا وَ قَطَعَهَا فَازَ. ج-ز.

يَحُجُّ مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لاَ يَحُجُّ مِنْ شِيعَتِنَا وَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ اَلْحَجِّ لَهَلَكُوا، وَ هُوَ قَوْلُ اَللَّهِ « وَ لَوْ لاٰ دَفْعُ اَللّٰهِ اَلنّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ . . . إلخ. »

و أما قوله تِلْكَ اَلرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ-مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجٰاتٍ-وَ آتَيْنٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اَلْبَيِّنٰاتِ وَ أَيَّدْنٰاهُ بِرُوحِ اَلْقُدُسِ الآية

فَإِنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع يَوْمَ اَلْجَمَلِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ عَلَى مَا تُقَاتِلُ أَصْحَابَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ فَقَالَ عَلِيٌّ آيَةٌ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَبَاحَتْ لِي قِتَالَهُمْ، فَقَالَ وَ مَا هِيَ قَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى تِلْكَ اَلرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ-مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجٰاتٍ-وَ آتَيْنٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اَلْبَيِّنٰاتِ وَ أَيَّدْنٰاهُ بِرُوحِ اَلْقُدُسِ وَ لَوْ شٰاءَ اَللّٰهُ مَا اِقْتَتَلَ اَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ-مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَتْهُمُ اَلْبَيِّنٰاتُ-وَ لٰكِنِ اِخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ-وَ لَوْ شٰاءَ اَللّٰهُ مَا اِقْتَتَلُوا وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يُرِيدُ » فَقَالَ اَلرَّجُلُ كَفَرَ وَ اَللَّهِ اَلْقَوْمُ . و قوله يَوْمٌ لاٰ بَيْعٌ فِيهِ وَ لاٰ خُلَّةٌ وَ لاٰ شَفٰاعَةٌ أي صداقة.

و أما آية الكرسي

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَرَأَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا ع :

[الم] (1) اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ-لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ-لَهُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا تَحْتَ اَلثَّرَى-عَالِمُ اَلْغَيْبِ وَ اَلشَّهَادَةِ اَلرَّحْمَنُ اَلرَّحِيمُ مَنْ ذَا اَلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّٰ بِإِذْنِهِ-يَعْلَمُ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مٰا خَلْفَهُمْ . قَالَ « مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ » فَأُمُورُ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ مَا كَانَ « وَ مٰا خَلْفَهُمْ » أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، قوله « إِلاّٰ بِمٰا شٰاءَ » أَيْ بِمَا يُوحِي إِلَيْهِمْ وَ لاٰ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا أَيْ لاَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ حِفْظُ مَا فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي اَلْأَرْضِ وَ قَوْلُهُ لاٰ إِكْرٰاهَ فِي اَلدِّينِ أَيْ لاَ يُكْرَهُ أَحَدٌ عَلَى دِينِهِ-إِلاَّ بَعْدَ أَنْ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ اَلرُّشْدُ مِنَ اَلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّٰاغُوتِ وَ هُمُ اَلَّذِينَ غَصَبُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ فَقَدِ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ اَلْوُثْقىٰ يَعْنِي اَلْوَلاَيَةَ

ص: 84


1- . لَيْسَ فِي ط الم-ج-ز.

لاَ اِنْفِصٰامَ لَهٰا أَيْ حَبْلٌ لاَ اِنْقِطَاعَ لَهُ-يَعْنِي أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْأَئِمَّةَ بَعْدَهُ ع اَللّٰهُ وَلِيُّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هُمُ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوا آلَ مُحَمَّدٍ ع يُخْرِجُهُمْ مِنَ اَلظُّلُمٰاتِ إِلَى اَلنُّورِ-وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ اَلطّٰاغُوتُ هُمُ اَلظَّالِمُونَ آلَ مُحَمَّدٍ وَ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوا مَنْ غَصَبَهُمْ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ اَلنُّورِ إِلَى اَلظُّلُمٰاتِ-أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ وَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ كَذَا نَزَلَتْ،

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ سَأَلْتُهُ أَيُّمَا أَوْسَعُ اَلْكُرْسِيُّ أَوِ اَلسَّمَاوَاتُ وَ اَلْأَرْضُ قَالَ لاَ بَلِ اَلْكُرْسِيُّ وَسِعَ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضَ-وَ كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَ اَللَّهُ فِي اَلْكُرْسِيِّ .

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ اَلْهَيْثَمِ عَنْ سَعْدِ بْنِ ظَرِيفٍ عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ أَنَّ عَلِيّاً ع سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ » قَالَ اَلسَّمَاوَاتُ وَ اَلْأَرْضُ-وَ مَا فِيهِمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي جَوْفِ اَلْكُرْسِيِّ-وَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَمْلاَكٍ يَحْمِلُونَهُ بِإِذْنِ اَللَّهِ-(فَأَمَّا اَلْمَلَكُ اَلْأَوَّلُ) فَفِي صُورَةِ اَلْآدَمِيِّينَ-وَ هِيَ أَكْرَمُ اَلصُّوَرِ عَلَى اَللَّهِ وَ هُوَ يَدْعُو اَللَّهَ وَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ-وَ يَطْلُبُ اَلشَّفَاعَةَ وَ اَلرِّزْقَ لِبَنِي آدَمَ (وَ اَلْمَلَكُ اَلثَّانِي) فِي صُورَةِ اَلثَّوْرِ وَ هُوَ سَيِّدُ اَلْبَهَائِمِ-وَ هُوَ يَطْلُبُ إِلَى اَللَّهِ وَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ-وَ يَطْلُبُ اَلشَّفَاعَةَ وَ اَلرِّزْقَ لِجَمِيعِ اَلْبَهَائِمِ (وَ اَلْمَلَكُ اَلثَّالِثُ) فِي صُورَةِ اَلنَّسْرِ وَ هُوَ سَيِّدُ اَلطَّيْرِ وَ هُوَ يَطْلُبُ إِلَى اَللَّهِ وَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ-وَ يَطْلُبُ اَلشَّفَاعَةَ وَ اَلرِّزْقَ لِجَمِيعِ اَلطَّيْرِ (وَ اَلْمَلَكُ اَلرَّابِعُ) فِي صُورَةِ اَلْأَسَدِ وَ هُوَ سَيِّدُ اَلسِّبَاعِ-وَ هُوَ يَرْغَبُ إِلَى اَللَّهِ-وَ يَطْلُبُ اَلشَّفَاعَةَ وَ اَلرِّزْقَ لِجَمِيعِ اَلسِّبَاعِ، وَ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ اَلصُّوَرِ أَحْسَنُ مِنَ اَلثَّوْرِ-وَ لاَ أَشَدُّ اِنْتِصَاباً مِنْهُ-حَتَّى اِتَّخَذَ اَلْمَلَأُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اَلْعِجْلَ إِلَهاً، فَلَمَّا عَكَفُوا عَلَيْهِ وَ عَبَدُوهُ مِنْ دُونِ اَللَّهِ-خَفَضَ اَلْمَلَكُ اَلَّذِي فِي صُورَةِ اَلثَّوْرِ رَأْسَهُ-اِسْتِحْيَاءً مِنَ اَللَّهِ أَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اَللَّهِ شَيْءٌ يُشْبِهُهُ-وَ تَخَوَّفَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ اَلْعَذَابُ، ثُمَّ قَالَ ع إِنَّ اَلشَّجَرَ لَمْ يَزَلْ حَصِيداً كُلَّهُ-حَتَّى دُعِيَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ أَعَزَّ اَلرَّحْمَنُ-وَ جَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فَكَادَتِ

ص: 85

اَلسَّمٰاوٰاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ-وَ تَنْشَقُّ اَلْأَرْضُ وَ تَخِرُّ اَلْجِبٰالُ هَدًّا ، (1)فَعِنْدَ ذَلِكَ اِقْشَعَرَّ اَلشَّجَرُ-وَ صَارَ لَهُ شَوْكٌ حِذَارَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ اَلْعَذَابُ، فَمَا بَالُ قَوْمٍ غَيَّرُوا سُنَّةَ رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ عَدَلُوا عَنْ وَصِيَّتِهِ فِي حَقِّ عَلِيٍّ وَ اَلْأَئِمَّةِ ع وَ لاَ يَخَافُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ اَلْعَذَابُ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ اَلْآيَةَ « اَلَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اَللّٰهِ كُفْراً-وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دٰارَ اَلْبَوٰارِ » ثُمَّ قَالَ نَحْنُ وَ اَللَّهِ نِعْمَةُ اَللَّهِ-اَلَّتِي أَنْعَمَ اَللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَ بِنَا فَازَ مَنْ فَازَ .

و قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِي حَاجَّ إِبْرٰاهِيمَ فِي رَبِّهِ-أَنْ آتٰاهُ اَللّٰهُ اَلْمُلْكَ-إِذْ قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ رَبِّيَ اَلَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ-قٰالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ-قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ فَإِنَّ اَللّٰهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ اَلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهٰا مِنَ اَلْمَغْرِبِ فإنه لما ألقى نمرود إبراهيم ع في النار و جعلها الله عليه بردا و سلاما-قال نمرود يا إبراهيم من ربك قال رَبِّيَ اَلَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ ، قال نمرود أنا أحيي و أميت-فقال له إبراهيم كيف تحيي و تميت، قال إلي برجلين ممن قد وجب عليهما القتل-فأطلق عن واحد و قتل واحدا فأكون قد أحييت و أمت، فقال إبراهيم إن كنت صادقا فأحي الذي قتلته-ثم قال دع هذا فإن ربي يأتيني بالشمس من المشرق-فأت بها من المغرب-فكان كما قال الله عز و جل « فَبُهِتَ اَلَّذِي كَفَرَ » أي انقطع و ذلك أنه علم أن الشمس أقدم منه.

و أما قوله أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلىٰ قَرْيَةٍ وَ هِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا-قٰالَ أَنّٰى يُحْيِي هٰذِهِ اَللّٰهُ بَعْدَ مَوْتِهٰا

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى اَلْحَلَبِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: لَمَّا عَمِلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ اَلْمَعَاصِيَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ-فَأَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يُذِلُّهُمْ وَ يَقْتُلُهُمْ-فَأَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَرْمِيَا يَا أَرْمِيَا مَا بَلَدٌ اِنْتَخَبْتُهُ مِنْ بَيْنِ اَلْبُلْدَانِ-وَ غَرَسْتُ فِيهِ مِنْ كَرَائِمِ اَلشَّجَرِ فَأَخْلَفَ فَأَنْبَتَ خُرْنُوباً (2)فَأَخْبَرَ أَرْمِيَا أَخْيَارَ عُلَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا لَهُ رَاجِعْ

ص: 86


1- . هَدَّ اَلْبِنَاءَ أَيْ ضَعْضَعَهُ وَ هَدَمَهُ.
2- . اَلْخُرْنُوبُ بِالضَّمِّ وَ اَلْفَتْحِ شَجَرَةٌ بَرِّيَّةٌ ذَاتَ شَوْكٍ وَ حَمْلٍ كَالتُّفَّاحِ لَكِنَّهُ بَشِعٌ ق.

رَبَّكَ لِيُخْبِرَنَا مَا مَعْنَى هَذَا اَلْمَثَلِ) فَصَامَ أَرْمِيَا سَبْعاً، فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ يَا أَرْمِيَا أَمَّا اَلْبَلَدُ فَبَيْتُ اَلْمَقْدِسِ وَ أَمَّا مَا أَنْبَتَ فِيهَا فَبَنُو إِسْرَائِيلَ اَلَّذِينَ أَسْكَنْتُهُمْ فِيهَا-فَعَمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَ غَيَّرُوا دِينِي وَ بَدَّلُوا نِعْمَتِي كُفْراً، فَبِي حَلَفْتُ لَأَمْتَحِنَنَّهُمْ بِفِتْنَةٍ يَظَلُّ اَلْحَكِيمُ فِيهَا حَيْرَانَ-وَ لَأُسَلِّطَنَّ عَلَيْهِمْ شَرَّ عِبَادِي وِلاَدَةً وَ شَرَّهُمْ طَعَاماً-فَلَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْجَبْرِيَّةِ فَيَقْتُلُ مُقَاتِلِيهِمْ وَ يَسْبِي حَرِيمَهُمْ-وَ يُخَرِّبُ دِيَارَهُمُ اَلَّتِي يَغْتَرُّونَ بِهَا وَ يُلْقِي حَجَرَهُمُ اَلَّذِي يَفْتَخِرُونَ بِهِ عَلَى اَلنَّاسِ فِي اَلْمَزَابِلِ مِائَةَ سَنَةً، فَأَخْبَرَ أَرْمِيَا أَحْبَارَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا لَهُ رَاجِعْ رَبَّكَ-فَقُلْ لَهُ مَا ذَنْبُ اَلْفُقَرَاءِ وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلضُّعَفَاءِ، فَصَامَ أَرْمِيَا سَبْعاً ثُمَّ أَكَلَ أَكْلَةً فَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ-ثُمَّ صَامَ سَبْعاً وَ أَكَلَ أَكْلَةً وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ-ثُمَّ صَامَ سَبْعاً فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ-يَا أَرْمِيَا لَتَكُفَّنَّ عَنْ هَذَا أَوْ لَأَرُدَّنَّ وَجْهَكَ فِي قَفَاكَ، قَالَ ثُمَّ أَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ-قُلْ لَهُمْ لِأَنَّكُمْ رَأَيْتُمُ اَلْمُنْكَرَ فَلَمْ تُنْكِرُوهُ، فَقَالَ أَرْمِيَا رَبِّ أَعْلِمْنِي مَنْ هُوَ-حَتَّى آتِيَهُ وَ آخُذَ لِنَفْسِي وَ أَهْلِ بَيْتِي مِنْهُ أَمَاناً-قَالَ اِئْتِ مَوْضِعَ كَذَا وَ كَذَا فَانْظُرْ إِلَى غُلاَمٍ أَشَدِّهِمْ زَمَاناً-وَ أَخْبَثِهِمْ وِلاَدَةً وَ أَضْعَفِهِمْ جِسْماً وَ شَرِّهِمْ غِذَاءً فَهُوَ ذَلِكَ، فَأَتَى أَرْمِيَا ذَلِكَ اَلْبَلَدَ فَإِذَا هُوَ غُلاَمٌ فِي خَانٍ زَمِنٍ (1)مُلْقًى عَلَى مَزْبَلَةٍ وَسْطَ اَلْخَانِ-وَ إِذَا لَهُ أُمٌّ تزني [تُزَبِّي] بِالْكِسَرِ وَ تَفُتُّ اَلْكِسَرَ فِي اَلْقَصْعَةِ وَ تَحْلُبُ عَلَيْهِ خِنْزِيرَةً لَهَا ثُمَّ تُدْنِيهِ مِنْ ذَاكَ اَلْغُلاَمِ فَيَأْكُلُهُ، فَقَالَ أَرْمِيَا إِنْ كَانَ فِي اَلدُّنْيَا اَلَّذِي وَضَعَهُ اَللَّهُ فَهُوَ هَذَا، فَدَنَى مِنْهُ فَقَالَ لَهُ مَا اِسْمُكَ فَقَالَ بُخْتَ نَصَّرُ (2)، فَعَرَفَهُ أَنَّهُ هُوَ فَعَالَجَهُ حَتَّى بَرَأَ ثُمَّ قَالَ لَهُ تَعْرِفُنِي قَالَ لاَ أَنْتَ رَجُلٌ صَالِحٌ، قَالَ أَنَا أَرْمِيَا نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَخْبَرَنِي اَللَّهُ أَنَّهُ سَيُسَلِّطُكَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَتَقْتُلُ رِجَالَهُمْ وَ تَفْعَلُ بِهِمْ كَذَا وَ كَذَا، قَالَ فَتَاهَ فِي نَفْسِهِ فِي ذَاكَ اَلْوَقْتِ-ثُمَّ قَالَ أَرْمِيَا اُكْتُبْ لِي كِتَاباً بِأَمَانٍ مِنْكَ فَكَتَبَ لَهُ كِتَاباً، وَ كَانَ يَخْرُجُ فِي اَلْجَبَلِ وَ يَحْتَطِبُ وَ يُدْخِلُهُ اَلْمَدِينَةَ وَ يَبِيعُهُ.

ص: 87


1- . أَيْ مَخْرُوبَةٍ.
2- . بُخْتَ نَصَّرُ بِضَمِّ اَلْبَاءِ وَ تَشْدِيدِ اَلصَّادِ أَصْلُهُ بُوخَتُ وَ مَعْنَاهُ اِبْنٌ وَ نَصَّرُ اِسْمُ صَنَمٍ لِأَنَّهُ كَانَ وُجِدَ مُلْقًى عِنْدَهُ فَنُسِبَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ أَبٌ ق وَ مجمع ج. ز.

فَدَعَا إِلَى حَرْبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَجَابُوهُ-وَ كَانَ مَسْكَنُهُمْ فِي بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ وَ أَقْبَلَ بُخْتَ نَصَّرُ نَحْوَ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ وَ اِجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْمِيَا إِقْبَالُهُ نَحْوَ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ اِسْتَقْبَلَهُ عَلَى حِمَارٍ لَهُ وَ مَعَهُ اَلْأَمَانُ اَلَّذِي كَتَبَ لَهُ بُخْتَ نَصَّرُ -فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ أَرْمِيَا مِنْ كَثْرَةِ جُنُودِهِ وَ أَصْحَابِهِ، فَصَيَّرَ اَلْأَمَانَ عَلَى قَصَبَةٍ وَ رَفَعَهَا، فَقَالَ مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا أَرْمِيَا اَلنَّبِيُّ اَلَّذِي بَشَّرْتُكَ-بِأَنَّكَ سَيُسَلِّطُكَ اَللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ هَذَا أَمَانُكَ لِي، قَالَ أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَمَّنْتُكَ-وَ أَمَّا أَهْلُ بَيْتِكَ فَإِنِّي أَرْمِي مِنْ هَاهُنَا إِلَى بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ فَإِنْ وَصَلَتْ رَمْيَتِي إِلَى بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ فَلاَ أَمَانَ لَهُمْ عِنْدِي-وَ إِنْ لَمْ تَصِلْ فَهُمْ آمِنُونَ، وَ اِنْتَزَعَ قَوْسَهُ وَ رَمَى نَحْوَ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ فَحَمَلَتِ اَلرِّيحُ اَلنُّشَّابَةَ حَتَّى عَلَّقَتْهَا فِي بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ ، فَقَالَ لاَ أَمَانَ لَهُمْ عِنْدِي، فَلَمَّا وَافَى نَظَرَ إِلَى جَبَلٍ مِنْ تُرَابٍ وَسَطَ اَلْمَدِينَةِ وَ إِذَا دَمٌ يَغْلِي وَسْطَهُ كُلَّمَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ اَلتُّرَابُ خَرَجَ وَ هُوَ يَغْلِي-فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا هَذَا دَمُ نَبِيٍّ كَانَ لِلَّهِ-فَقَتَلَهُ مُلُوكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ دَمُهُ يَغْلِي-وَ كُلَّمَا أَلْقَيْنَا عَلَيْهِ اَلتُّرَابَ خَرَجَ يَغْلِي، فَقَالَ بُخْتَ نَصَّرُ لَأَقْتُلَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبَداً-حَتَّى يَسْكُنَ هَذَا اَلدَّمُ-وَ كَانَ ذَلِكَ اَلدَّمُ دَمَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا ع وَ كَانَ فِي زَمَانِهِ مَلِكٌ جَبَّارٌ يَزْنِي بِنِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ كَانَ يَمُرُّ بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا فَقَالَ لَهُ يَحْيَى اِتَّقِ اَللَّهَ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ، لاَ يَحِلُّ لَكَ هَذَا-فَقَالَتْ لَهُ اِمْرَأَةٌ مِنَ اَللَّوَاتِي كَانَ يَزْنِي بِهِنَّ حِينَ سَكِرَ «أَيُّهَا اَلْمَلِكُ اُقْتُلْ هَذَا» فَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِهِ فَأَتَوْا بِرَأْسِ يَحْيَى ع فِي طَشْتٍ وَ كَانَ اَلرَّأْسُ يُكَلِّمُهُ وَ يَقُولُ لَهُ-يَا هَذَا اِتَّقِ اَللَّهَ لاَ يَحِلُّ لَكَ هَذَا، ثُمَّ غَلَى اَلدَّمُ فِي طَشْتٍ حَتَّى فَاضَ إِلَى اَلْأَرْضِ-فَخَرَجَ يَغْلِي وَ لاَ يَسْكُنُ، وَ كَانَ بَيْنَ قَتْلِ يَحْيَى وَ بَيْنَ خُرُوجِ بُخْتَ نَصَّرَ مِائَةُ سَنَةٍ، وَ لَمْ يَزَلْ بُخْتَ نَصَّرُ يَقْتُلُهُمْ وَ كَانَ يَدْخُلُ قَرْيَةً قَرْيَةً فَيَقْتُلُ اَلرِّجَالَ وَ اَلنِّسَاءَ وَ اَلصِّبْيَانَ وَ كُلَّ حَيَوَانٍ-وَ اَلدَّمُ يَغْلِي وَ لاَ يَسْكُنُ حَتَّى أَفْنَاهُمْ فَقَالَ أَ بَقِيَ أَحَدٌ فِي هَذِهِ اَلْبِلاَدِ قَالُوا عَجُوزٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا-فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَضَرَبَ عُنُقَهَا عَلَى اَلدَّمِ فَسَكَنَ، وَ كَانَتْ آخَرَ مَنْ بَقِيَ، ثُمَّ أَتَى بَابِلَ فَبَنَى بِهَا

ص: 88

مَدِينَةً وَ أَقَامَ وَ حَفَرَ بِئْراً-فَأَلْقَى فِيهَا دَانِيَالَ وَ أَلْقَى مَعَهُ اَللَّبْوَةَ (1)فَجَعَلَتِ اَللَّبْوَةُ تَأْكُلُ مِنْ طِينِ اَلْبِئْرِ وَ يَشْرَبُ دَانِيَالُ لَبَنَهَا-فَلَبِثَ بِذَلِكَ زَمَاناً، فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَى اَلنَّبِيِّ اَلَّذِي كَانَ بِبَيْتِ اَلْمَقْدِسِ أَنِ اِذْهَبْ بِهَذَا اَلطَّعَامِ وَ اَلشَّرَابِ إِلَى دَانِيَالَ وَ أَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ، قَالَ وَ أَيْنَ دَانِيَالُ يَا رَبِّ قَالَ فِي بِئْرٍ بِبَابِلَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا-قَالَ فَأَتَاهُ فَاطَّلَعَ فِي اَلْبِئْرِ-فَقَالَ يَا دَانِيَالُ ، فَقَالَ لَبَّيْكَ صَوْتٌ غَرِيبٌ-قَالَ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ-وَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِالطَّعَامِ وَ اَلشَّرَابِ فَأَدْلاَهُ إِلَيْهِ-فَقَالَ دَانِيَالُ «اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لاَ يُخَيِّبُ مَنْ دَعَاهُ-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لاَ يَنْسَى مَنْ ذَكَرَهُ-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لاَ يُخَيِّبُ مَنْ دَعَاهُ-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي مَنْ وَثِقَ بِهِ لَمْ يَكِلْهُ إِلَى غَيْرِهِ-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي يَجْزِي بِالْإِحْسَانِ إِحْسَاناً-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي يَجْزِي بِالصَّبْرِ نَجَاةً-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي يَكْشِفُ حُزْنَنَا [ضُرَّنَا]عِنْدَ كُرْبَتِنَا-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي هُوَ ثِقَتُنَا حِينَ تَنْقَطِعُ اَلْحِيَلُ مِنَّا-اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي هُوَ رَجَاؤُنَا حِينَ سَاءَ ظَنُّنَا بِأَعْمَالِنَا» .

قَالَ فأوري [فَأُرِيَ] بُخْتَ نَصَّرُ فِي نَوْمِهِ كَأَنَّ رَأْسَهُ مِنْ حَدِيدٍ-وَ رِجْلَيْهِ مِنْ نُحَاسٍ وَ صَدْرَهُ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ فَدَعَا اَلْمُنَجِّمِينَ فَقَالَ لَهُمْ مَا رَأَيْتُ قَالُوا مَا نَدْرِي وَ لَكِنْ قُصَّ عَلَيْنَا مَا رَأَيْتَ فَقَالَ وَ أَنَا أَجْرِي عَلَيْكُمُ اَلْأَرْزَاقَ مُنْذُ كَذَا وَ كَذَا-وَ لاَ تَدْرُونَ مَا رَأَيْتُ فِي اَلْمَنَامِ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا، قَالَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، إِنْ كَانَ عِنْدَ أَحَدٍ شَيْءٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ اَلْجُبِّ-فَإِنَّ اَللَّبْوَةَ لَمْ تَعْرِضْ لَهُ وَ هِيَ تَأْكُلُ اَلطِّينَ وَ تُرْضِعُهُ فَبَعَثَ إِلَى دَانِيَالَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ فِي اَلْمَنَامِ قَالَ رَأَيْتَ كَأَنَّ رَأْسَكَ مِنْ حَدِيدٍ وَ رِجْلَيْكَ مِنْ نُحَاسٍ وَ صَدْرَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ فَمَا ذَاكَ قَالَ قَدْ ذَهَبَ مُلْكُكَ-وَ أَنْتَ مَقْتُولٌ إِلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقْتُلُكَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَارِسَ ، قَالَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ عَلَيَّ سَبْعَ مَدَائِنَ، عَلَى بَابِ كُلِّ مَدِينَةٍ حَرَسٌ وَ مَا رَضِيتُ بِذَلِكَ-حَتَّى وَضَعْتُ بَطَّةً

ص: 89


1- . اَللَّبْوَةُ أُنْثَى اَلْأَسَدِ. ج-ز.

مِنْ نُحَاسٍ عَلَى بَابِ كُلِّ مَدِينَةٍ-لاَ يَدْخُلُ غَرِيبٌ إِلاَّ صَاحَتْ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْخَذَ-قَالَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ اَلْأَمْرَ كَمَا قُلْتُ لَكَ-قَالَ فَبَثَّ اَلْخَيْلَ وَ قَالَ لاَ تَلْقَوْنَ أَحَداً مِنَ اَلْخَلْقِ-إِلاَّ قَتَلْتُمُوهُ كَائِناً مَنْ كَانَ وَ كَانَ دَانِيَالُ جَالِساً عِنْدَهُ، وَ قَالَ لاَ تُفَارِقُنِي هَذِهِ اَلثَّلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ مَضَتْ قَتَلْتُكَ، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلثَّالِثُ مُمْسِياً أَخَذَهُ اَلْغَمُّ-فَخَرَجَ فَتَلَقَّاهُ غُلاَمٌ كَانَ يَخْدُمُ اِبْناً لَهُ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ سَيْفَهُ وَ قَالَ لَهُ يَا غُلاَمُ لاَ تَلْقَى أَحَداً مِنَ اَلْخَلْقِ إِلاَّ وَ قَتَلْتَهُ-وَ إِنْ لَقِيتَنِي أَنَا فَاقْتُلْنِي، فَأَخَذَ اَلْغُلاَمُ سَيْفَهُ فَضَرَبَ بِهِ بُخْتَ نَصَّرَ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ.

فَخَرَجَ أَرْمِيَا عَلَى حِمَارِهِ-وَ مَعَهُ تِينٌ قَدْ تَزَوَّدَهُ وَ شَيْءٌ مِنْ عَصِيرٍ-فَنَظَرَ إِلَى سِبَاعِ اَلْبَرِّ وَ سِبَاعِ اَلْبَحْرِ-وَ سِبَاعِ اَلْجَوِّ تَأْكُلُ تِلْكَ اَلْجِيَفَ-فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ سَاعَةً-ثُمَّ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اَللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا-وَ قَدْ أَكَلَتْهُمُ اَلسِّبَاعُ، فَأَمَاتَهُ اَللَّهُ مَكَانَهُ-وَ هُوَ قَوْلُ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى « أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلىٰ قَرْيَةٍ وَ هِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا-قٰالَ أَنّٰى يُحْيِي هٰذِهِ اَللّٰهُ بَعْدَ مَوْتِهٰا-فَأَمٰاتَهُ اَللّٰهُ مِائَةَ عٰامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ » أَيْ أَحْيَاهُ-فَلَمَّا رَحِمَ اَللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ أَهْلَكَ بُخْتَ نَصَّرَ رَدَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى اَلدُّنْيَا، وَ كَانَ عُزَيْرٌ لَمَّا سَلَّطَ اَللَّهُ بُخْتَ نَصَّرَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هَرَبَ وَ دَخَلَ فِي عَيْنٍ وَ غَابَ فِيهَا وَ بَقِيَ أَرْمِيَا مَيِّتاً مِائَةَ سَنَةٍ-ثُمَّ أَحْيَاهُ اَللَّهُ تَعَالَى-فَأَوَّلُ مَا أَحْيَا مِنْهُ عَيْنَيْهِ فِي مِثْلِ غِرْقِئِ (1)اَلْبَيْضِ فَنَظَرَ فَأَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ كَمْ لَبِثْتَ قٰالَ لَبِثْتُ يَوْماً ثُمَّ نَظَرَ إِلَى اَلشَّمْسِ وَ قَدِ اِرْتَفَعَتْ فَقَالَ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عٰامٍ-فَانْظُرْ إِلىٰ طَعٰامِكَ وَ شَرٰابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ أَيْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَ اُنْظُرْ إِلىٰ حِمٰارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّٰاسِ-وَ اُنْظُرْ إِلَى اَلْعِظٰامِ كَيْفَ نُنْشِزُهٰا ثُمَّ نَكْسُوهٰا لَحْماً فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى اَلْعِظَامِ اَلْبَالِيَةِ اَلْمُتَفَطِّرَةِ تُجْمَعُ إِلَيْهِ-وَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي قَدْ أَكَلَتْهُ اَلسِّبَاعُ-يَتَأَلَّفُ إِلَى اَلْعِظَامِ مِنْ هَاهُنَا وَ هَاهُنَا

ص: 90


1- . بِكَسْرِ اَلْغَيْنِ بَيَاضُ اَلْبَيْضِ. ج-ز.

وَ يَلْتَزِقُ بِهَا حَتَّى قَامَ وَ قَامَ حِمَارُهُ-فَقَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

و أما قوله وَ إِذْ قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ-قٰالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قٰالَ بَلىٰ وَ لٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي-قٰالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ اَلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ-ثُمَّ اِجْعَلْ عَلىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً-وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنَّ إِبْرَاهِيمَ ع نَظَرَ إِلَى جِيفَةٍ عَلَى سَاحِلِ اَلْبَحْرِ-تَأْكُلُهُ سِبَاعُ اَلْبَرِّ وَ سِبَاعُ اَلْبَحْرِ-ثُمَّ تَحْمِلُ اَلسِّبَاعُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَيَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً-فَتَعَجَّبَ إِبْرَاهِيمُ ع «فَقَالَ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ . . . إلخ» فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ ع اَلطَّاوُسَ وَ اَلدِّيكَ وَ اَلْحَمَامَ وَ اَلْغُرَابَ-فَقَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ « فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ » أَيْ قَطِّعْهُنَّ-ثُمَّ اِخْلِطْ لَحْمَهُنَّ وَ فَرِّقْهُنَّ عَلَى عَشَرَةِ جِبَالٍ-ثُمَّ خُذْ مَنَاقِيرَهُنَّ وَ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ، فَفَعَلَ إِبْرَاهِيمُ ذَلِكَ وَ فَرَّقَهُنَّ عَلَى عَشَرَةِ جِبَالٍ-ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَقَالَ أَجِبْنَنِي بِإِذْنِ اَللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَتْ تَجَمَّعُ وَ يَتَأَلَّفُ لَحْمُ كُلِّ وَاحِدٍ وَ عَظْمُهُ إِلَى رَأْسِهِ-وَ طَارَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ أَنَّ اَللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

و قوله اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ-ثُمَّ لاٰ يُتْبِعُونَ مٰا أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لاٰ أَذىً الآية

فَإِنَّهُ قَالَ اَلصَّادِقُ ع قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مَنْ أَسْدَى إِلَى مُؤْمِنٍ مَعْرُوفاً ثُمَّ آذَاهُ بِالْكَلاَمِ-أَوْ مَنَّ عَلَيْهِ فَقَدْ أَبْطَلَ اَللَّهُ صَدَقَتَهُ-ثُمَّ ضَرَبَ اَللَّهُ فِيهِ مَثَلاً فَقَالَ كَالَّذِي يُنْفِقُ مٰالَهُ رِئٰاءَ اَلنّٰاسِ-وَ لاٰ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ-فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوٰانٍ عَلَيْهِ تُرٰابٌ فَأَصٰابَهُ وٰابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً-لاٰ يَقْدِرُونَ عَلىٰ شَيْءٍ مِمّٰا كَسَبُوا-وَ اَللّٰهُ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْكٰافِرِينَ وَ قَالَ مَنْ أَكْثَرَ مَنَّهُ وَ أَذَاهُ لِمَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ-بَطَلَتْ صَدَقَتُهُ كَمَا يَبْطُلُ اَلتُّرَابُ اَلَّذِي يَكُونُ عَلَى صَفْوَانٍ. ، و الصفوان الصخرة الكبيرة التي تكون على مفازة-فيجيء المطر فيغسل التراب عنها و يذهب به، فضرب الله هذا المثل لمن اصطنع معروفا-ثم أتبعه بالمن و الأذى،

وَ قَالَ اَلصَّادِقُ ع مَا شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ

ص: 91

رَجُلٍ سَلَفَ مِنِّي إِلَيْهِ يَدٌ أَتْبَعْتُهُ أُخْتَهَا-وَ أَحْسَنْتُ بِهَا لَهُ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْعَ اَلْأَوَاخِرِ يَقْطَعُ لِسَانَ شُكْرِ اَلْأَوَائِلِ. ، ثم ضرب مثل المؤمنين مَثَلُ اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ-وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ-كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصٰابَهٰا وٰابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهٰا ضِعْفَيْنِ-فَإِنْ لَمْ يُصِبْهٰا وٰابِلٌ فَطَلٌّ وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قال «مثلهم كَمَثَلِ جَنَّةٍ » أي بستان في موضع مرتفع « أَصٰابَهٰا وٰابِلٌ » أي مطر « فَآتَتْ أُكُلَهٰا ضِعْفَيْنِ » أي يتضاعف ثمرها كما يتضاعف أجر من أنفق ماله « اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ » و الطل ما يقع بالليل على الشجر و النبات،

وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع وَ اَللّٰهُ يُضٰاعِفُ لِمَنْ يَشٰاءُ لِمَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ اِبْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اَللَّهِ، قَالَ فَمَنْ أَنْفَقَ مَالَهُ اِبْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اَللَّهِ-ثُمَّ اِمْتَنَّ عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ كَانَ-كَمَا قَالَ اَللَّهُ أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنٰابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ-لَهُ فِيهٰا مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ وَ أَصٰابَهُ اَلْكِبَرُ-وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفٰاءُ فَأَصٰابَهٰا إِعْصٰارٌ فِيهِ نٰارٌ فَاحْتَرَقَتْ قَالَ اَلْإِعْصَارُ اَلرِّيَاحُ، فَمَنِ اِمْتَنَّ عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ-كَمَنْ كَانَ لَهُ جَنَّةٌ كَثِيرَةُ اَلثِّمَارِ-وَ هُوَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ لَهُ أَوْلاَدٌ صِغَارٌ ضُعَفَاءُ فَتَجِيءُ رِيحٌ أَوْ نَارٌ فَتُحْرِقُ مَالَهُ كُلَّهُ.

وَ أَمَّا قَوْلُهُ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ-وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ-وَ لاٰ تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا-أَنَّ قَوْماً كَانُوا إِذَا صَرَمُوا اَلنَّخْلَ-عَمَدُوا إِلَى أَرْذَلِ تُمُورِهِمْ فَيَتَصَدَّقُونَ بِهَا، فَنَهَاهُمُ اَللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ « وَ لاٰ تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ » أَيْ أَنْتُمْ لَوْ دُفِعَ ذَلِكَ إِلَيْكُمْ لَمْ تَأْخُذُوهُ.

ص: 92

و بعد ذلك غير الزكاة إن دفعته سرا فهو أفضل-و قوله ( لِلْفُقَرٰاءِ اَلَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ-لاٰ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي اَلْأَرْضِ-يَحْسَبُهُمُ اَلْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ اَلتَّعَفُّفِ-تَعْرِفُهُمْ بِسِيمٰاهُمْ لاٰ يَسْئَلُونَ اَلنّٰاسَ إِلْحٰافاً فهم الذين لا يسألون الناس إلحافا-من الراضين و المتجملين في الدين-الذين لا يسألون الناس إلحافا-و لا يقدرون أن يضربوا في الأرض ف يَحْسَبُهُمُ اَلْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ اَلتَّعَفُّفِ عن السؤال.

و قوله اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ اَلرِّبٰا لاٰ يَقُومُونَ-إِلاّٰ كَمٰا يَقُومُ اَلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ اَلشَّيْطٰانُ مِنَ اَلْمَسِّ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ رَأَيْتُ قَوْماً يُرِيدُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقُومَ فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَقُومَ مِنْ عِظَمِ بَطْنِهِ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ اَلرِّبٰا لاٰ يَقُومُونَ-إِلاّٰ كَمٰا يَقُومُ اَلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ اَلشَّيْطٰانُ مِنَ اَلْمَسِّ . ،

و قوله يَمْحَقُ اَللّٰهُ اَلرِّبٰا وَ يُرْبِي اَلصَّدَقٰاتِ

قَالَ: قِيلَ لِلصَّادِقِ ع قَدْ نَرَى اَلرَّجُلَ يُرْبِي وَ مَالُهُ يَكْثُرُ-فَقَالَ يَمْحَقُ اَللَّهُ دِينَهُ وَ إِنْ كَانَ مَالُهُ يَكْثُرُ .

وَ قَوْلُهُ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ-وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ اَلرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اَللَّهُ تَعَالَى « اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ اَلرِّبٰا إلخ» فَقَامَ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ رِبَا أَبِي فِي ثَقِيفٍ وَ قَدْ أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ بِأَخْذِهِ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ اَلرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ- فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ قَالَ مَنْ أَخَذَ اَلرِّبَا وَجَبَ عَلَيْهِ اَلْقَتْلُ-وَ كُلُّ مَنْ أَرْبَى وَجَبَ عَلَيْهِ اَلْقَتْلُ، .

وَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: دِرْهَمٌ مِنْ رِبًا أَعْظَمُ عِنْدَ اَللَّهِ-مِنْ سَبْعِينَ زَنْيَةً بِذَاتِ مَحْرَمٍ فِي بَيْتِ اَللَّهِ اَلْحَرَامِ ، قَالَ إِنَّ

ص: 93

لِلرِّبَا سَبْعِينَ جُزْءاً-أَيْسَرُهُ أَنْ يَنْكِحَ اَلرَّجُلُ أُمَّهُ فِي بَيْتِ اَللَّهِ اَلْحَرَامِ .

.

و أما قوله وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلسَّكُونِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ مُغِيرَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ جُذْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ اَلْمُسَيَّبِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ص يَقُولُ مَا مِنْ غَرِيمٍ ذَهَبَ بِغَرِيمِهِ إِلَى وَالٍ مِنْ وُلاَةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اِسْتَبَانَ لِلْوَالِي عُسْرَتُهُ-إِلاَّ بَرِئَ هَذَا اَلْمُعْسِرُ مِنْ دَيْنِهِ وَ صَارَ دَيْنُهُ عَلَى وَالِي اَلْمُسْلِمِينَ فِيمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ اَلْمُسْلِمِينَ ، قَالَ ع وَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ-أَخَذَهُ وَ لَمْ يُنْفِقْهُ فِي إِسْرَافٍ أَوْ فِي مَعْصِيَةٍ-فَعَسَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ-فَعَلَى مَنْ لَهُ اَلْمَالُ أَنْ يُنْظِرَهُ-حَتَّى يَرْزُقَهُ اَللَّهُ فَيَقْضِيَهُ. ، و إن كان الإمام العادل قائما-فعليه أن يقضي عنه دينه

لِقَوْلِ رَسُولِ اَللَّهِ ص مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ-وَ مَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضِيَاعاً فَعَلَى اَلْإِمَامِ مَا ضَمِنَهُ اَلرَّسُولُ ، وَ إِنْ كَانَ صَاحِبُ اَلْمَالِ مُوسِراً تَصَدَّقَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ-لِقَوْلِهِ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . و أما قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-إِذٰا تَدٰايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ

فَقَدْ رُوِيَ فِي اَلْخَبَرِ أَنَّ فِي سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ خَمْسَ مِائَةِ حُكْمٍ. و في هذه الآية خمسة عشر حكما-و هو قوله « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-إِذٰا تَدٰايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ-وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كٰاتِبٌ بِالْعَدْلِ-وَ لاٰ يَأْبَ كٰاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمٰا عَلَّمَهُ اَللّٰهُ » ثلاثة أحكام « فَلْيَكْتُبْ » أربعة أحكام « وَ لْيُمْلِلِ اَلَّذِي عَلَيْهِ اَلْحَقُّ » خمسة أحكام و هو إقراره إذا أملأ « وَ لْيَتَّقِ اَللّٰهَ رَبَّهُ-وَ لاٰ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً و لا يخونه» ستة أحكام « فَإِنْ كٰانَ اَلَّذِي عَلَيْهِ اَلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً-أَوْ لاٰ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ » أي لا يحسن أن يمل « فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ » يعني ولي المال سبعة أحكام اِسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ ثمانية أحكام « فَإِنْ لَمْ يَكُونٰا رَجُلَيْنِ-فَرَجُلٌ وَ اِمْرَأَتٰانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ اَلشُّهَدٰاءِ-أَنْ تَضِلَّ إِحْدٰاهُمٰا فَتُذَكِّرَ إِحْدٰاهُمَا اَلْأُخْرىٰ » يعني إن تنسى إحداهما فتذكر أخرى تسعة أحكام « وَ لاٰ يَأْبَ اَلشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا » عشرة أحكام « وَ لاٰ تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلىٰ أَجَلِهِ » أي لا تضجروا

ص: 94

أن تكتبوه صغير السن أو كبيرا أحد عشر حكما « ذٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اَللّٰهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهٰادَةِ-وَ أَدْنىٰ أَلاّٰ تَرْتٰابُوا » أي لا تشكوا « إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً حٰاضِرَةً تُدِيرُونَهٰا بَيْنَكُمْ-فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَلاّٰ تَكْتُبُوهٰا » اثنا عشر حكما « وَ أَشْهِدُوا إِذٰا تَبٰايَعْتُمْ » ثلاثة عشر حكما « وَ لاٰ يُضَارَّ كٰاتِبٌ وَ لاٰ شَهِيدٌ » أربعة عشر حكما « وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ » خمسة عشر حكما « وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اَللّٰهُ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »

و قوله وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلىٰ سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كٰاتِباً-فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أي يأخذ منه رهنا فإن أمنه و لم يأخذ منه رهنا « وَ لْيَتَّقِ اَللّٰهَ رَبَّهُ » الذي أخذ المال-و قوله « وَ لاٰ تَكْتُمُوا اَلشَّهٰادَةَ » معطوف على قوله « وَ اِسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ » .

و أما قوله آمَنَ اَلرَّسُولُ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنَّ هَذِهِ اَلْآيَةَ مُشَافَهَةُ اَللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ص لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ-قَالَ اَلنَّبِيُّ ص اِنْتَهَيْتُ إِلَى مَحَلِّ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهَى وَ إِذَا بِوَرَقَةٍ مِنْهَا تُظِلُّ أُمَّةً مِنَ اَلْأُمَمِ-فَكُنْتُ مِنْ رَبِّي كَقَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ كَمَا حَكَى اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ-فَنَادَانِي رَبِّي تَبَارَكَ وَ تَعَالَى « آمَنَ اَلرَّسُولُ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » فَقُلْتُ أَنَا مُجِيبٌ عَنِّي وَ عَنْ أُمَّتِي وَ اَلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ مَلاٰئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لاٰ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ-وَ قٰالُوا سَمِعْنٰا وَ أَطَعْنٰا غُفْرٰانَكَ رَبَّنٰا وَ إِلَيْكَ اَلْمَصِيرُ فَقَالَ اَللَّهُ لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا-لَهٰا مٰا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهٰا مَا اِكْتَسَبَتْ فَقُلْتُ رَبَّنٰا لاٰ تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا وَ قَالَ اَللَّهُ لاَ أُؤَاخِذُكَ، فَقُلْتُ رَبَّنٰا وَ لاٰ تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً-كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا فَقَالَ اَللَّهُ لاَ أَحْمِلُكَ، فَقُلْتُ رَبَّنٰا وَ لاٰ تُحَمِّلْنٰا مٰا لاٰ طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ-وَ اُعْفُ عَنّٰا وَ اِغْفِرْ لَنٰا وَ اِرْحَمْنٰا أَنْتَ مَوْلاٰنٰا فَانْصُرْنٰا عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكٰافِرِينَ فَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ لَكَ وَ لِأُمَّتِكَ، فَقَالَ اَلصَّادِقُ ع مَا وَفَدَ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى أَحَدٌ أَكْرَمُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص حَيْثُ سَأَلَ لِأُمَّتِهِ هَذِهِ اَلْخِصَالَ.

ص: 95

3- سورة آل عمران مدنية

و هي مائتا آية 200

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ- الم اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ:

سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الم اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْحَيُّ اَلْقَيُّومُ- نَزَّلَ عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ-وَ أَنْزَلَ اَلتَّوْرٰاةَ وَ اَلْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ، هُدىً لِلنّٰاسِ وَ أَنْزَلَ اَلْفُرْقٰانَ قَالَ اَلْفُرْقَانُ هُوَ كُلُّ أَمْرٍ مُحْكَمٍ-وَ اَلْكِتَابُ هُوَ جُمْلَةُ اَلْقُرْآنِ اَلَّذِي يُصَدِّقُهُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ اَلْأَنْبِيَاءِ . هُوَ اَلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي اَلْأَرْحٰامِ كَيْفَ يَشٰاءُ يعني ذكرا أو أنثى و أسود و أبيض-و أحمر و صحيحا و سقيما، و قوله هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ مِنْهُ آيٰاتٌ مُحْكَمٰاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتٰابِ وَ أُخَرُ مُتَشٰابِهٰاتٌ فأما المحكم من القرآن فهو ما تأويله في تنزيله-مثل قوله تعالى « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى اَلْمَرٰافِقِ-وَ اِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ » و مثل قوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ-وَ أَخَوٰاتُكُمْ وَ عَمّٰاتُكُمْ وَ خٰالاٰتُكُمْ » إلى آخر الآية-و مثله كثير محكم مما تأويله في تنزيله.

و أما المتشابه-فما كان في القرآن مما لفظه واحد و معانيه مختلفة-مما ذكرنا من الكفر الذي هو على خمسة أوجه-و الإيمان على أربعة وجوه-و مثل الفتنة و الضلال الذي هو على وجوه-و تفسير كل آية نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى و أما قوله فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أي شك-و قوله وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص أَفْضَلُ اَلرَّاسِخِينَ فِي اَلْعِلْمِ-قَدْ عَلِمَ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ اَلتَّنْزِيلِ وَ اَلتَّأْوِيلِ-وَ مَا كَانَ اَللَّهُ

ص: 96

لِيُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأْوِيلَهُ-وَ أَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ كُلَّهُ، قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ-إِنَّ أَبَا اَلْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ فِيكُمْ قَوْلاً عَظِيماً، قَالَ وَ مَا كَانَ يَقُولُ قُلْتُ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اَلْحَلاَلِ وَ اَلْحَرَامِ وَ اَلْقُرْآنِ قَالَ عِلْمُ اَلْحَلاَلِ وَ اَلْحَرَامِ وَ اَلْقُرْآنِ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ اَلْعِلْمِ اَلَّذِي يَحْدُثُ فِي اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهَارِ .

و قوله رَبَّنٰا لاٰ تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا أي لا نشك و قوله أُولٰئِكَ هُمْ وَقُودُ اَلنّٰارِ يعني حطب النار كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ أي فعل آل فِرْعَوْنَ .

وَ قَوْلُهُ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ-وَ تُحْشَرُونَ إِلىٰ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ اَلْمِهٰادُ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ بَدْرٍ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مِنْ بَدْرٍ أَتَى بَنِي قَيْنُقَاعَ وَ هُوَ يُنَادِيهِمْ وَ كَانَ بِهَا سُوقٌ يُسَمَّى سُوقُ اَلنَّبَطِ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ اَلْيَهُودِ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ وَ هُمْ أَكْثَرُ عَدَداً وَ سِلاَحاً وَ كُرَاعاً مِنْكُمْ-فَادْخُلُوا فِي اَلْإِسْلاَمِ ، فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ أَ إِنَّكَ تَحْسَبُ حَرْبَنَا مِثْلَ حَرْبِ قَوْمِكَ وَ اَللَّهِ لَوْ لَقِيتَنَا لَلَقِيتَ رِجَالاً، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ-وَ تُحْشَرُونَ إِلىٰ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ اَلْمِهٰادُ- قَدْ كٰانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتٰا-فِئَةٌ تُقٰاتِلُ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ يَعْنِي فِئَةَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ فِئَةَ اَلْكُفَّارِ وَ أُخْرىٰ كٰافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ اَلْعَيْنِ أَيْ كَانُوا مِثْلَيِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اَللّٰهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشٰاءُ يَعْنِي رَسُولَ اَللَّهِ ص يَوْمَ بَدْرٍ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي اَلْأَبْصٰارِ .

ص: 97

وَ اَلْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحٰارِ ثم أخبر أن هؤلاء هم اَلصّٰابِرِينَ وَ اَلصّٰادِقِينَ وَ اَلْقٰانِتِينَ-وَ اَلْمُنْفِقِينَ وَ اَلْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحٰارِ و هم الدعاءون و أما قوله وَ أَزْوٰاجٌ مُطَهَّرَةٌ قال في الجنة لا يحضن و لا يحدثن.

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عُمَرَ [عُمَيْرِ]بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلثَّقَفِيِّ قَالَ: أَخْرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اَلْمَلِكِ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ زَيْنِ اَلْعَابِدِينَ ع مِنَ اَلْمَدِينَةِ إِلَى اَلشَّامِ ، وَ كَانَ يُنْزِلُهُ مَعَهُ-فَكَانَ يَقْعُدُ مَعَ اَلنَّاسِ فِي مَجَالِسِهِمْ فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ-وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ-إِذْ نَظَرَ إِلَى اَلنَّصَارَى يَدْخُلُونَ فِي جَبَلٍ هُنَاكَ، فَقَالَ مَا لِهَؤُلاَءِ اَلْقَوْمِ أَ لَهُمْ عِيدٌ اَلْيَوْمَ قَالُوا لاَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ لَكِنَّهُمْ يَأْتُونَ عَالِماً لَهُمْ فِي هَذَا اَلْجَبَلِ-فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي مِثْلِ هَذَا اَلْيَوْمِ-فَيُخْرِجُونَهُ وَ يَسْأَلُونَهُ عَمَّا يُرِيدُونَ-وَ عَمَّا يَكُونُ فِي عَامِهِمْ-قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ لَهُ عِلْمٌ فَقَالُوا هُوَ مِنْ أَعْلَمِ اَلنَّاسِ-قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ اَلْحَوَارِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى ع ، قَالَ لَهُمْ نَذْهَبُ إِلَيْهِ، فَقَالُوا ذَاكَ إِلَيْكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ ، قَالَ فَقَنَّعَ أَبُو جَعْفَرٍ رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ-وَ مَضَى هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فَاخْتَلَطُوا بِالنَّاسِ حَتَّى أَتَوُا اَلْجَبَلَ، قَالَ فَقَعَدَ أَبُو جَعْفَرٍ وَسَطَ اَلنَّصَارَى هُوَ وَ أَصْحَابُهُ، فَأَخْرَجَ اَلنَّصَارَى بِسَاطاً ثُمَّ وَضَعُوا اَلْوَسَائِدَ-ثُمَّ دَخَلُوا فَأَخْرَجُوهُ ثُمَّ رَبَطُوا عَيْنَيْهِ-فَقَلَّبَ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا عَيْنَا أَفْعًى، ثُمَّ قَصَدَ أَبَا جَعْفَرٍ ع فَقَالَ أَ مِنَّا أَنْتَ أَمْ مِنَ اَلْأُمَّةِ اَلْمَرْحُومَةِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مِنَ اَلْأُمَّةِ اَلْمَرْحُومَةِ، قَالَ فَمِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنْتَ أَمْ مِنْ جُهَّالِهِمْ قَالَ لَسْتُ مِنْ جُهَّالِهِمْ، قَالَ اَلنَّصْرَانِيُّ أَسْأَلُكَ أَوْ تَسْأَلُنِي فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع سَلْنِي، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ اَلنَّصَارَى رَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَقُولُ اِسْأَلْنِي-إِنَّ هَذَا لَعَالِمٌ بِالْمَسَائِلِ ثُمَّ قَالَ يَا عَبْدَ اَللَّهِ-أَخْبِرْنِي عَنْ سَاعَةٍ مَا هِيَ مِنَ اَللَّيْلِ وَ لاَ هِيَ مِنَ اَلنَّهَارِ أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مَا بَيْنَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ اَلشَّمْسِ، قَالَ اَلنَّصْرَانِيُّ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سَاعَاتِ اَللَّيْلِ وَ لاَ مِنْ سَاعَاتِ اَلنَّهَارِ-فَمِنْ أَيِّ اَلسَّاعَاتِ هِيَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع مِنْ سَاعَاتِ اَلْجَنَّةِ وَ فِيهَا

ص: 98

تُفِيقُ مَرْضَى، فَقَالَ اَلنَّصْرَانِيُّ أَصَبْتَ فَأَسْأَلُكَ أَوْ تَسْأَلُنِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع سَلْنِي، قَالَ يَا مَعْشَرَ اَلنَّصَارَى إِنَّ هَذَا لَمَلِيءٌ بِالْمَسَائِلِ-أَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ كَيْفَ صَارُوا يَأْكُلُونَ وَ لاَ يَتَغَوَّطُونَ أَعْطِنِي مِثْلَهُ فِي اَلدُّنْيَا، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هَذَا هُوَ اَلْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ-يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُ أُمُّهُ وَ لاَ يَتَغَوَّطُ، قَالَ اَلنَّصْرَانِيُّ أَصَبْتَ أَ لَمْ تَقُلْ مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ مَا أَنَا مِنْ جُهَّالِهِمْ، قَالَ اَلنَّصْرَانِيُّ فَأَسْأَلُكَ أَوْ تَسْأَلُنِي-قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع سَلْنِي-قَالَ يَا مَعْشَرَ اَلنَّصَارَى لَأَسْأَلَنَّهُ مَسْأَلَةً يَرْتَطِمُ فِيهَا-كَمَا يَرْتَطِمُ اَلْحِمَارُ فِي اَلْوَحْلِ، فَقَالَ لَهُ سَلْ-قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ دَنَا مِنِ اِمْرَأَتِهِ-فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِابْنَيْنِ حَمَلَتْهُمَا جَمِيعاً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ-وَ وَضَعَتْهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ-وَ مَاتَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ-وَ دُفِنَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ-عَاشَ أَحَدُهُمَا خَمْسِينَ وَ مِائَةَ سَنَةٍ-وَ عَاشَ اَلْآخَرُ خَمْسِينَ سَنَةً مَنْ هُمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع هُمَا عُزَيْرٌ وَ عَزْرَةُ كَانَتْ حَمَلَتْ أُمُّهُمَا عَلَى مَا وَصَفْتَ، وَ وَضَعَتْهُمَا عَلَى مَا وَصَفْتَ، وَ عَاشَ عَزْرَةُ وَ عُزَيْرٌ ثَلاَثِينَ سَنَةً-ثُمَّ أَمَاتَ اَللَّهُ عُزَيْراً مِائَةَ سَنَةٍ وَ بَقِيَ عَزْرَةُ يَحْيَا-ثُمَّ بَعَثَ اَللَّهُ عُزَيْراً فَعَاشَ مَعَ عَزْرَةَ عِشْرِينَ سَنَةً-وَ مَاتَا جَمِيعاً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَدُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، قَالَ اَلنَّصْرَانِيُّ يَا مَعْشَرَ اَلنَّصَارَى مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ أَعْلَمَ مِنْ هَذَا اَلرَّجُلِ لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ حَرْفٍ وَ هَذَا بِالشَّامِ رُدُّونِي إِلَى كَهْفِي-فَرَدُّوهُ إِلَى كَهْفِهِ وَ رَجَعَ اَلنَّصَارَى مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ ع .

و قوله شَهِدَ اَللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ-وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا اَلْعِلْمِ قٰائِماً بِالْقِسْطِ قال قائما بالقسط معطوف على قوله شَهِدَ اَللّٰهُ و القسط العدل إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللّٰهِ اَلْإِسْلاٰمُ قال التسليم لله و لأوليائه و هو التصديق، و قد سمى الله الإيمان تصديقا

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ فَضَّلَ اَلْإِيمَانَ عَلَى اَلْإِسْلاَمِ بِدَرَجَةٍ-كَمَا فَضَّلَ اَلْكَعْبَةَ عَلَى اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ بِدَرَجَةٍ.

قَالَ وَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى اَلْبَغْدَادِيُّ رَفَعَ اَلْحَدِيثَ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْسُبَنَّ

ص: 99

اَلْإِسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي-وَ لاَ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ بَعْدِي اَلْإِسْلاَمُ هُوَ اَلتَّسْلِيمُ، وَ اَلتَّسْلِيمُ هُوَ اَلْيَقِينُ، وَ اَلْيَقِينُ هُوَ اَلتَّصْدِيقُ، فَالتَّصْدِيقُ هُوَ اَلْإِقْرَارُ، وَ اَلْإِقْرَارُ هُوَ اَلْأَدَاءُ، وَ اَلْأَدَاءُ هُوَ اَلْعَمَلُ-وَ اَلْمُؤْمِنُ مَنْ أَخَذَ دِينَهُ عَنْ رَبِّهِ-إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ يُعْرَفُ إِيمَانُهُ فِي عَمَلِهِ-وَ إِنَّ اَلْكَافِرَ يُعْرَفُ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِهِ، يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ دِينَكُمْ دِينَكُمْ-فَإِنَّ اَلسَّيِّئَةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ اَلْحَسَنَةِ فِي غَيْرِهِ، وَ إِنَّ اَلسَّيِّئَةَ فِيهِ تُغْفَرُ، وَ إِنَّ اَلْحَسَنَةَ فِي غَيْرِهِ لاَ تُقْبَلُ.

و قوله لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّٰهِ فِي شَيْءٍ-إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً فإن هذه الآية رخصة ظاهرها خلاف باطنها-يدان بظاهرها و لا يدان بباطنها إلا عند التقية، إن التقية رخصة للمؤمن-أن يراه أن يدين بدينالكافر-فيصلي بصلاته و يصوم بصيامه إذا اتقاه في الظاهر-و في الباطن يدين الله بخلاف ذلك، و قوله قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ-فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ الآية) فحب الله للعباد رحمة منه لهم و حب العباد لله طاعتهم له (1).

و قوله إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ فلفظ الآية عام و معناه خاص-و إنما فضلهم على عالمي زمانهم

وَ قَالَ اَلْعَالِمُ ع نَزَلَ « وَ آلَ عِمْرَانَ وَ آلَ مُحَمَّدٍ عَلَى اَلْعَالَمِينَ » فَأَسْقَطُوا آلَ مُحَمَّدٍ مِنَ اَلْكِتَابِ .

ص: 100


1- . قال صادق آل محمد عليه السلام: ما أحب اللّٰه من عصاه ثم تمثل فقال: تعصي الإله و أنت تظهر حبه هذا محال في الفعال بديع لو كان حجك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع. ج-ز.

بذلك فحملت، فقالت رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً للمحراب، و كانوا إذا نذروا نذرا جعلوا ولدهم للمحراب فَلَمّٰا وَضَعَتْهٰا قٰالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهٰا أُنْثىٰ وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا وَضَعَتْ وَ لَيْسَ اَلذَّكَرُ كَالْأُنْثىٰ و أنت وعدتني ذكرا وَ إِنِّي سَمَّيْتُهٰا مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُهٰا بِكَ وَ ذُرِّيَّتَهٰا مِنَ اَلشَّيْطٰانِ اَلرَّجِيمِ فوهب الله لمريم عيسى ع

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: إِنْ قُلْنَا لَكُمْ فِي اَلرَّجُلِ مِنَّا قَوْلاً-فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ-فَلاَ تُنْكِرُوا ذَلِكَ-إِنَّ اَللَّهَ أَوْحَى إِلَى عِمْرَانَ أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً مُبَارَكاً يُبْرِئُ اَلْأَكْمَهَ وَ اَلْأَبْرَصَ-وَ يُحْيِي اَلْمَوْتَى بِإِذْنِي وَ جَاعِلُهُ رَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ اِمْرَأَتَهُ حَنَّةَ وَ هِيَ أُمُّ مَرْيَمَ فَلَمَّا حَمَلَتْ بِهَا كَانَ حَمْلُهَا عِنْدَ نَفْسِهَا غُلاَماً « فَلَمّٰا وَضَعَتْهٰا أُنْثَى قٰالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهٰا أُنْثىٰ . . . وَ لَيْسَ اَلذَّكَرُ كَالْأُنْثىٰ » لِأَنَّ اَلْبِنْتَ لاَ تَكُونُ رَسُولاً يَقُولُ اَللَّهُ « وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا وَضَعَتْ » فَلَمَّا وَهَبَ اَللَّهُ لِمَرْيَمَ عِيسَى ع كَانَ هُوَ اَلَّذِي بَشَّرَ اَللَّهُ بِهِ عِمْرَانَ وَ وَعَدَهُ إِيَّاهُ-فَإِذَا قُلْنَا لَكُمْ فِي اَلرَّجُلِ مِنَّا شَيْئاً-فَكَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ فَلاَ تُنْكِرُوا ذَلِكَ.

فلما بلغت مريم صارت في المحراب-و أرخت على نفسها سترا-و كان لا يراها أحد و كان يدخل عليها زكريا المحراب-فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء و فاكهة الشتاء في الصيف، فكان يقول لها أَنّٰى لَكِ هٰذٰا فتقول هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ، هُنٰالِكَ دَعٰا زَكَرِيّٰا رَبَّهُ-قٰالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ اَلدُّعٰاءِ- فَنٰادَتْهُ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ هُوَ قٰائِمٌ يُصَلِّي فِي اَلْمِحْرٰابِ-أَنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اَللّٰهِ-وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ اَلصّٰالِحِينَ الحصور الذي لا يأتي النساء قٰالَ رَبِّ أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ-وَ قَدْ بَلَغَنِيَ اَلْكِبَرُ وَ اِمْرَأَتِي عٰاقِرٌ و العاقر التي قد يئست من المحيض قٰالَ كَذٰلِكَ اَللّٰهُ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ قٰالَ زكريا رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً قٰالَ آيَتُكَ أَلاّٰ تُكَلِّمَ اَلنّٰاسَ ثَلاٰثَةَ أَيّٰامٍ إِلاّٰ رَمْزاً و ذلك أن زكريا ظن أن الذي بشره

ص: 101

هم الشياطين-فقال « رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً-قٰالَ آيَتُكَ أَلاّٰ تُكَلِّمَ اَلنّٰاسَ ثَلاٰثَةَ أَيّٰامٍ إِلاّٰ رَمْزاً » فخرس ثلاثة أيام، و قوله إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اِصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ اَلْعٰالَمِينَ قال اصطفاها مرتين، أما الأولى اصطفاها أي اختارها-و أما الثانية فإنها حملت من غير فحل-فاصطفاها بذلك على نساء العالمين-

و قوله يٰا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّكِ-وَ اُسْجُدِي وَ اِرْكَعِي مَعَ اَلرّٰاكِعِينَ و إنما هو اِرْكَعِي وَ اُسْجُدِي ثم قال الله لنبيه ص ذٰلِكَ مِنْ أَنْبٰاءِ اَلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ يا محمد وَ مٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ مٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ قال لما ولدت اختصم آل عمران فيها-فكلهم قالوا نحن نكفلها-فخرجوا و قارعوا بالسهام بينهم-فخرج سهم زكريا فتكفلها زكريا .

إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ أي ذا وجه و جاه و نكتب مولده و خبره في سورة مريم

و قوله أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ اَلطِّينِ كَهَيْئَةِ اَلطَّيْرِ أي أقدر و هو خلق تقدير،

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْهَمْدَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ اَلْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع فِي قَوْلِهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِمٰا تَأْكُلُونَ-وَ مٰا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ عِيسَى ع كَانَ يَقُولُ لِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اَللّٰهِ إِلَيْكُمْ وَ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ اَلطِّينِ كَهَيْئَةِ اَلطَّيْرِ-فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اَللّٰهِ-وَ أُبْرِئُ اَلْأَكْمَهَ وَ اَلْأَبْرَصَ ، اَلْأَكْمَهُ هُوَ اَلْأَعْمَى-قَالُوا مَا نَرَى اَلَّذِي تَصْنَعُ إِلاَّ سِحْراً-فَأَرِنَا آيَةً نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ-قَالَ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ « بِمٰا تَأْكُلُونَ وَ مٰا تَدَّخِرُونَ » يَقُولُ مَا أَكَلْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا-وَ مَا ذَخَرْتُمُ اَللَّيْلَ، تَعْلَمُونَ أَنِّي صَادِقٌ قَالُوا نَعَمْ فَكَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَكَلْتَ كَذَا وَ كَذَا-وَ شَرِبْتَ كَذَا وَ كَذَا وَ رَفَعْتَ كَذَا وَ كَذَا-فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ فَيُؤْمِنُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ فَيَكْفُرُ، وَ كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ آيَةٌ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ.

ص: 102

و قال علي بن إبراهيم في قوله وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ اَلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ و هو السبت و الشحوم و الطير-الذي حرمه الله على بني إسرائيل

قَالَ وَ رَوَى اِبْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فِي قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى فَلَمّٰا أَحَسَّ عِيسىٰ مِنْهُمُ اَلْكُفْرَ أَيْ لَمَّا سَمِعَ وَ رَأَى أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ، وَ اَلْحَوَاسُّ اَلْخَمْسُ اَلَّتِي قَدَّرَهَا اَللَّهُ فِي اَلنَّاسِ-اَلسَّمْعُ لِلصَّوْتِ، وَ اَلْبَصَرُ لِلْأَلْوَانِ وَ تَمْيِيزِهَا، وَ اَلشَّمُّ لِمَعْرِفَةِ اَلرَّوَائِحِ اَلطَّيِّبَةِ وَ اَلْخَبِيثَةِ، وَ اَلذَّوْقُ لِلطُّعُومِ وَ تَمْيِيزِهَا، وَ اَللَّمْسُ لِمَعْرِفَةِ اَلْحَارِّ وَ اَلْبَارِدِ وَ اَللِّينِ وَ اَلْخَشِنِ.

و أما قوله إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ-وَ رٰافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا-وَ جٰاعِلُ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ:

إِنَّ عِيسَى ع وَعَدَ أَصْحَابَهُ لَيْلَةً رَفَعَهُ اَللَّهُ إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ عِنْدَ اَلْمَسَاءِ وَ هُمْ اِثْنَا عَشَرَ رَجُلاً-فَأَدْخَلَهُمْ بَيْتاً ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَيْنٍ فِي زَاوِيَةِ اَلْبَيْتِ-وَ هُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ اَلْمَاءِ، فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنَّهُ رَافِعِي إِلَيْهِ اَلسَّاعَةَ-وَ مُطَهِّرِي مِنَ اَلْيَهُودِ فَأَيُّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَحِي-فَيُقْتَلُ وَ يُصْلَبُ وَ يَكُونُ مَعِي فِي دَرَجَتِي، فَقَالَ شَابٌّ مِنْهُمْ أَنَا يَا رُوحَ اَللَّهِ قَالَ فَأَنْتَ هُوَ ذَا-فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى ع أَمَا إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ يَكْفُرُ بِي قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ كَفْرَةً، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنَا هُوَ يَا نَبِيَّ اَللَّهِ فَقَالَ عِيسَى إِنْ تُحِسَّ بِذَلِكَ فِي نَفْسِكَ فَلْتَكُنْ هُوَ-ثُمَّ قَالَ لَهُمْ عِيسَى ع أَمَا إِنَّكُمْ سَتَفْتَرِقُونَ بَعْدِي عَلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ-فِرْقَتَيْنِ مُفْتَرِيَتَيْنِ عَلَى اَللَّهِ فِي اَلنَّارِ وَ فِرْقَةٍ تَتْبَعُ شَمْعُونَ صَادِقَةً عَلَى اَللَّهِ فِي اَلْجَنَّةِ ثُمَّ رَفَعَ اَللَّهُ عِيسَى إِلَيْهِ مِنْ زَاوِيَةِ اَلْبَيْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ اَلْيَهُودَ جَاءَتْ فِي طَلَبِ عِيسَى ع مِنْ لَيْلَتِهِمْ-فَأَخَذُوا اَلرَّجُلَ اَلَّذِي قَالَ لَهُ عِيسَى ع إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ يَكْفُرُ بِي-مِنْ قَبْلِ أَنْ يُصْبِحَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ كَفْرَةً-وَ أَخَذُوا اَلشَّابَّ اَلَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَحُ عِيسَى فَقُتِلَ وَ صُلِبَ وَ كَفَرَ اَلَّذِي قَالَ لَهُ عِيسَى ع تَكْفُرُ قَبْلَ أَنْ تُصْبِحَ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ كَفْرَةً.

ص: 103

و أما قوله إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اَللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إلى قوله فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنَّ نَصَارَى نَجْرَانَ لَمَّا وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ كَانَ سَيِّدُهُمْ اَلْأَهْتَمَ وَ اَلْعَاقِبَ وَ اَلسَّيِّدَ وَ حَضَرَتْ صَلاَتُهُمْ فَأَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ بِالنَّاقُوسِ وَ صَلَّوْا، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ ص هَذَا فِي مَسْجِدِكَ-فَقَالَ دَعُوهُمْ فَلَمَّا فَرَغُوا دَنَوْا مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالُوا إِلَى مَا تَدْعُونَ، فَقَالَ إِلَى شَهَادَةِ «أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنِّي رَسُولُ اَللَّهِ-وَ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ مَخْلُوقٌ يَأْكُلُ وَ يَشْرَبُ وَ يُحْدِثُ» قَالُوا فَمَنْ أَبُوهُ فَنَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ قُلْ لَهُمْ مَا تَقُولُونَ فِي آدَمَ ع أَ كَانَ عَبْداً مَخْلُوقاً يَأْكُلُ وَ يَشْرَبُ وَ يَنْكِحُ-فَسَأَلَهُمُ اَلنَّبِيُّ ص فَقَالُوا نَعَمْ، فَقَالَ فَمَنْ أَبُوهُ فَبُهِتُوا فَبَقُوا سَاكِتِينَ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اَللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ اَلْآيَةَ وَ أَمَّا قَوْلُهُ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلَى قَوْلِهِ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَبَاهِلُونِي فَإِنْ كُنْتُ صَادِقاً أُنْزِلَتِ اَللَّعْنَةُ عَلَيْكُمْ-وَ إِنْ كُنْتُ كَاذِباً نَزَلَتْ عَلَيَّ، فَقَالُوا أَنْصَفْتَ فَتَوَاعَدُوا لِلْمُبَاهَلَةِ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ-قَالَ رُؤَسَاؤُهُمْ اَلسَّيِّدُ وَ اَلْعَاقِبُ وَ اَلْأَهْتَمُ إِنْ بَاهَلَنَا بِقَوْمِهِ بَاهَلْنَاهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ-وَ إِنْ بَاهَلَنَا بِأَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّةً فَلاَ نُبَاهِلُهُ-فَإِنَّهُ لاَ يُقْدِمُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاَّ وَ هُوَ صَادِقٌ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ مَعَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ ص ، فَقَالَ اَلنَّصَارَى مَنْ هَؤُلاَءِ-فَقِيلَ لَهُمْ هَذَا اِبْنُ عَمِّهِ وَ وَصِيُّهُ-وَ خَتَنُهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ هَذِهِ بِنْتُهُ فَاطِمَةُ وَ هَذَانِ اِبْنَاهُ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ ع ، فَعَرَفُوا وَ قَالُوا لِرَسُولِ اَللَّهِ ص نُعْطِيكَ اَلرِّضَى فَاعْفُنَا مِنَ اَلْمُبَاهَلَةِ، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ ص عَلَى اَلْجِزْيَةِ وَ اِنْصَرَفُوا .

ص: 104

و قوله يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرٰاهِيمَ وَ مٰا أُنْزِلَتِ اَلتَّوْرٰاةُ وَ اَلْإِنْجِيلُ إِلاّٰ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلاٰ تَعْقِلُونَ ثم قال هٰا أَنْتُمْ هٰؤُلاٰءِ أي أنتم يا هؤلاء حٰاجَجْتُمْ فِيمٰا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يعني بما في التوراة و الإنجيل فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمٰا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يعني بما في صحف إبراهيم وَ اَللّٰهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ ثم قال مٰا كٰانَ إِبْرٰاهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لاٰ نَصْرٰانِيًّا وَ لٰكِنْ كٰانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ مٰا كٰانَ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ ثم وصف الله عز و جل من أولى الناس بإبراهيم يحتج به، فقال إِنَّ أَوْلَى اَلنّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ-وَ هٰذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللّٰهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنْتُمْ وَ اَللَّهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَقُلْتُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ نَعَمْ وَ اَللَّهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ثَلاَثاً-ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ وَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ-فَقَالَ يَا عُمَرُ إِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ « إِنَّ أَوْلَى اَلنّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ-وَ هٰذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللّٰهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ . »

و قوله يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لِمَ تَلْبِسُونَ اَلْحَقَّ بِالْبٰاطِلِ-وَ تَكْتُمُونَ اَلْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي تعلمون ما في التوراة من صفة رسول الله ص و تكتمونه-و قوله وَ قٰالَتْ طٰائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ اَلنَّهٰارِ-وَ اُكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قال نزلت في قوم من اليهود قالوا آمنا بالذي جاء به محمد بالغداة-و كفرنا به بالعشي

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص لَمَّا قَدِمَ اَلْمَدِينَةَ وَ هُوَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ أُعْجِبَ اَلْيَهُودُ مِنْ ذَلِكَ-فَلَمَّا صَرَفَهُ اَللَّهُ عَنْ بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ إِلَى اَلْبَيْتِ اَلْحَرَامِ وَجَدَتْ (1)وَ كَانَ صُرِفَ اَلْقِبْلَةَ صَلاَةَ اَلظُّهْرِ-فَقَالُوا صَلَّى مُحَمَّدٌ اَلْغَدَاةَ وَ اِسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا-فَآمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَجْهَ اَلنَّهَارِ-وَ اُكْفُرُوا آخِرَهُ، يَعْنُونَ اَلْقِبْلَةَ-حِينَ اِسْتَقْبَلَ رَسُولُ اَللَّهِ ص اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى قِبْلَتِنَا .

ص: 105


1- . وَجَدَتْ أَيْ حَزِنَتْ. ج-ز.

قال علي بن إبراهيم في قوله وَ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطٰارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ-وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينٰارٍ لاٰ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ-إِلاّٰ مٰا دُمْتَ عَلَيْهِ قٰائِماً-ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا لَيْسَ عَلَيْنٰا فِي اَلْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ فإن اليهود قالوا يحل لنا أن نأخذ مال الأميين-و الأمييون الذين ليس معهم كتاب، فرد الله عليهم-فقال وَ يَقُولُونَ عَلَى اَللّٰهِ اَلْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ و قوله إِنَّ اَلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اَللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً قال يتقربون إلى الناس بأنهم مسلمون-فيأخذون منهم و يخونونهم-و ما هم بمسلمين على الحقيقة و قوله وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتٰابِ-لِتَحْسَبُوهُ مِنَ اَلْكِتٰابِ وَ مٰا هُوَ مِنَ اَلْكِتٰابِ-وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ وَ مٰا هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ قال كان اليهود يقولون شيئا ليس في التوراة و يقولون هو في التوراة فكذبهم الله و قوله مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اَللّٰهُ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحُكْمَ وَ اَلنُّبُوَّةَ-ثُمَّ يَقُولَ لِلنّٰاسِ كُونُوا عِبٰاداً لِي مِنْ دُونِ اَللّٰهِ-وَ لٰكِنْ كُونُوا رَبّٰانِيِّينَ أي إن عيسى لم يقل للناس إني خلقتكم-فكونوا عبادا لي من دون الله-و لكن قال لهم كونوا ربانيين أي علماء و قوله وَ لاٰ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا اَلْمَلاٰئِكَةَ وَ اَلنَّبِيِّينَ أَرْبٰاباً قال كان قوم يعبدون الملائكة، و قوم من النصارى زعموا أن عيسى رب، و اليهود قالوا عزير ابن الله فقال، الله وَ لاٰ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا اَلْمَلاٰئِكَةَ وَ اَلنَّبِيِّينَ أَرْبٰاباً .

و أما قوله وَ إِذْ أَخَذَ اَللّٰهُ مِيثٰاقَ اَلنَّبِيِّينَ-لَمٰا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتٰابٍ وَ حِكْمَةٍ-ثُمَّ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمٰا مَعَكُمْ-لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ فإن الله أخذ ميثاق نبيه أي محمد ص على الأنبياء أن يؤمنوا به-و ينصروه و يخبروا أممهم بخبره،

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: مَا بَعَثَ اَللَّهُ نَبِيّاً مِنْ لَدُنْ آدَمَ فَهَلُمَّ جَرّاً-إِلاَّ وَ يَرْجِعُ إِلَى اَلدُّنْيَا وَ يَنْصُرُ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ع.

و هو قوله « لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ » يعني رسول الله ص « وَ لَتَنْصُرُنَّهُ » يعني أمير المؤمنين ع ثم قال لهم في الذر

ص: 106

أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي أي عهدي قٰالُوا أَقْرَرْنٰا قٰالَ الله للملائكة فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ اَلشّٰاهِدِينَ و هذه مع الآية التي في سورة الأحزاب في قوله « وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِنَ اَلنَّبِيِّينَ مِيثٰاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ الآية» و الآية التي في سورة الأعراف قوله « وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » قد كتبت هذه الثلاث آيات في ثلاث سور.

ثم قال عز و جل أَ فَغَيْرَ دِينِ اَللّٰهِ يَبْغُونَ قال أ غير هذا الذي قلت لكم أن تقروا بمحمد و وصيه وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً أي فرقا من السيف.

ثم أمر نبيه بالإقرار بالأنبياء و الرسل و الكتب-فقال قُلْ يا محمد آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَيْنٰا-وَ مٰا أُنْزِلَ عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ اَلْأَسْبٰاطِ وَ مٰا أُوتِيَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ وَ ما أوتي اَلنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ-لاٰ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ و قوله وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلاٰمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ فإنه محكم- ثم ذكر الله عز و جل-الذين ينقضون عهد الله في أمير المؤمنين و كفروا بعد رسول الله ص فقال كَيْفَ يَهْدِي اَللّٰهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمٰانِهِمْ-وَ شَهِدُوا أَنَّ اَلرَّسُولَ حَقٌّ وَ جٰاءَهُمُ اَلْبَيِّنٰاتُ-وَ اَللّٰهُ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظّٰالِمِينَ- أُولٰئِكَ جَزٰاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اَللّٰهِ-وَ اَلْمَلاٰئِكَةِ وَ اَلنّٰاسِ أَجْمَعِينَ- خٰالِدِينَ فِيهٰا لاٰ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ اَلْعَذٰابُ وَ لاٰ هُمْ يُنْظَرُونَ إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ مٰاتُوا وَ هُمْ كُفّٰارٌ-فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ اَلْأَرْضِ ذَهَباً-وَ لَوِ اِفْتَدىٰ بِهِ أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ-وَ مٰا لَهُمْ مِنْ نٰاصِرِينَ فهذه كلها في أعداء آل محمد ثم قال لَنْ تَنٰالُوا اَلْبِرَّ حَتّٰى تُنْفِقُوا مِمّٰا تُحِبُّونَ أي لن تنالوا الثواب حتى تردوا على آل محمد حقهم-من الخمس و الأنفال و الفيء.

ص: 107

نفسه لحم الجمل-فقال اليهود إن لحم الجمل محرم في التوراة ، فقال عز و جل لهم فَأْتُوا بِالتَّوْرٰاةِ فَاتْلُوهٰا إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه و لم يحرمه على الناس-و هذا حكاية عن اليهود و لفظه لفظ الخبر.

و قوله إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ قال معنى بكة إن الناس يبك (1)بعضهم بعضا في الزحام و قوله وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ اَلْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فِي اَلرَّجُلِ يَجْنِي اَلْجِنَايَةَ فِي غَيْرِ اَلْحَرَمِ ثُمَّ يَلْجَأُ إِلَى اَلْحَرَمِ قَالَ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ اَلْحَدُّ وَ لاَ يُكَلَّمُ وَ لاَ يُسْقَى وَ لاَ يُطْعَمُ وَ لاَ يُبَاعُ مِنْهُ، إِذَا فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ يُوشِكُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ اَلْحَدُّ-وَ إِذَا جَنَى فِي اَلْحَرَمِ جِنَايَةً أُقِيمَ عَلَيْهِ اَلْحَدُّ فِي اَلْحَرَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ لِلْحَرَمِ حُرْمَةً . ، و قوله وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ أي من ترك الحج و هو مستطيع فقد كفر، و الاستطاعة هي القوة و الزاد و الراحلة، و قوله اِتَّقُوا اَللّٰهَ حَقَّ تُقٰاتِهِ فإنه منسوخ بقوله « فَاتَّقُوا اَللّٰهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ » و قوله وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللّٰهِ جَمِيعاً قال التوحيد و الولاية

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ وَ لاٰ تَفَرَّقُوا قَالَ-إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَفْتَرِقُونَ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ وَ يَخْتَلِفُونَ فَنَهَاهُمْ عَنِ اَلتَّفَرُّقِ-كَمَا نَهَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ-فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى وَلاَيَةِ آلِ مُحَمَّدٍ ع وَ لاَ يَتَفَرَّقُوا.

و قال علي بن إبراهيم في قوله وَ اُذْكُرُوا نِعْمَتَ اَللّٰهِ عَلَيْكُمْ-إِذْ كُنْتُمْ أَعْدٰاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فإنها نزلت في الأوس و الخزرج كان الحرب بينهم مائة سنة لا يضعون السلاح بالليل و لا بالنهار-حتى ولد عليه الأولاد-فلما بعث الله نبيه أصلح بينهم فدخلوا في الإسلام و ذهبت العداوة من قلوبهم برسول الله ص و صاروا إخوانا،

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى اَلْخَيْرِ

ص: 108


1- . بكبك القوم أي ازدحموا. ج-ز.

فَهَذِهِ اَلْآيَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ ص وَ مَنْ تَابَعَهُمْ يَدْعُونَ إِلَى اَلْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ .

قال علي بن إبراهيم في قوله يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ إلى قوله فَفِي رَحْمَتِ اَللّٰهِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ هَيْثَمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ « يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ » قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص يَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى خَمْسِ رَايَاتٍ، فَرَايَةٌ مَعَ عِجْلِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ-فَأَسْأَلُهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَيْنِ مِنْ بَعْدِي-فَيَقُولُونَ أَمَّا اَلْأَكْبَرُ فَحَرَّفْنَاهُ وَ نَبَذْنَاهُ وَرَاءَ ظُهُورِنَا-وَ أَمَّا اَلْأَصْغَرُ فَعَادَيْنَاهُ وَ أَبْغَضْنَاهُ وَ ظَلَمْنَاهُ، فَأَقُولُ رِدُوا اَلنَّارَ ظِمَاءً مُظْمَئِينَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُكُمْ، ثُمَّ يَرِدُ عَلَيَّ رَايَةٌ مَعَ فِرْعَوْنِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ ، فَأَقُولُ لَهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَيْنِ مِنْ بَعْدِي-فَيَقُولُونَ أَمَّا اَلْأَكْبَرُ فَحَرَّفْنَاهُ وَ مَزَّقْنَاهُ وَ خَالَفْنَاهُ-وَ أَمَّا اَلْأَصْغَرُ فَعَادَيْنَاهُ وَ قَاتَلْنَاهُ، فَأَقُولُ رِدُوا اَلنَّارَ ظِمَاءً مُظْمَئِينَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُكُمْ، ثُمَّ تَرِدُ عَلَيَّ رَايَةٌ مَعَ سَامِرِيِّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ فَأَقُولُ لَهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَيْنِ مِنْ بَعْدِي-فَيَقُولُونَ أَمَّا اَلْأَكْبَرُ فَعَصَيْنَاهُ وَ تَرَكْنَاهُ-وَ أَمَّا اَلْأَصْغَرُ فَخَذَلْنَاهُ وَ ضَيَّعْنَاهُ-وَ صَنَعْنَا بِهِ كُلَّ قَبِيحٍ-فَأَقُولُ رِدُوا اَلنَّارَ ظِمَاءً مُظْمَئِينَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُكُمْ-ثُمَّ تَرِدُ عَلَيَّ رَايَةُ ذِي اَلثُّدَيَّةِ مَعَ أَوَّلِ اَلْخَوَارِجِ وَ آخِرِهِمْ-فَأَسْأَلُهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَيْنِ مِنْ بَعْدِي-فَيَقُولُونَ أَمَّا اَلْأَكْبَرُ فَفَرَّقْنَاهُ [فَمَزَّقْنَاهُ]وَ بَرِئْنَا مِنْهُ-وَ أَمَّا اَلْأَصْغَرُ فَقَاتَلْنَاهُ وَ قَتَلْنَاهُ، فَأَقُولُ رِدُوا اَلنَّارَ ظِمَاءً مُظْمَئِينَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُكُمْ، ثُمَّ تَرِدُ عَلَيَّ رَايَةٌ مَعَ إِمَامِ اَلْمُتَّقِينَ وَ سَيِّدِ اَلْوَصِيِّينَ-وَ قَائِدِ اَلْغُرِّ اَلْمُحَجَّلِينَ وَ وَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، فَأَقُولُ لَهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِالثَّقَلَيْنِ مِنْ بَعْدِي-فَيَقُولُونَ أَمَّا اَلْأَكْبَرُ فَاتَّبَعْنَاهُ وَ أَطَعْنَاهُ-وَ أَمَّا اَلْأَصْغَرُ فَأَحْبَبْنَاهُ وَ وَالَيْنَاهُ-وَ وَازَرْنَاهُ وَ نَصَرْنَاهُ-حَتَّى أُهْرِقَتْ فِيهِمْ دِمَاؤُنَا، فَأَقُولُ رِدُوا اَلْجَنَّةَ رِوَاءً مَرْوِيِّينَ مُبْيَضَّةً وُجُوهُكُمْ-ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اَللَّهِ ص

ص: 109

« يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ-فَأَمَّا اَلَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمٰانِكُمْ-فَذُوقُوا اَلْعَذٰابَ بِمٰا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ- وَ أَمَّا اَلَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ-فَفِي رَحْمَتِ اَللّٰهِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ .

قوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ سِنَانٍ قَالَ: قُرِئَتْ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ » فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع « خَيْرُ أُمَّةٍ » يَقْتُلُونَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ ع فَقَالَ اَلْقَارِئُ جُعِلْتُ فِدَاكَ كَيْفَ نَزَلَتْ قَالَ نَزَلَتْ « كُنْتُمْ خَيْرَ أَئِمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ » أَ لاَ تَرَى مَدْحَ اَللَّهِ لَهُمْ « تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ . » .

و قوله ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ اَلذِّلَّةُ أَيْنَ مٰا ثُقِفُوا-إِلاّٰ بِحَبْلٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ حَبْلٍ مِنَ اَلنّٰاسِ وَ بٰاؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اَللّٰهِ يعني بعهد من الله و عقد من رسول الله وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ اَلْمَسْكَنَةُ أي الجوع و قوله وَ مٰا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ أي لن تجحدوه ثم ضرب للكفار من أنفق ماله في غير طاعة الله مثلا-فقال مَثَلُ مٰا يُنْفِقُونَ فِي هٰذِهِ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا-كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهٰا صِرٌّ أي برد أَصٰابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ أي زرعهم وَ مٰا ظَلَمَهُمُ اَللّٰهُ وَ لٰكِنْ كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ و قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا بِطٰانَةً مِنْ دُونِكُمْ نزلت في اليهود و قوله لاٰ يَأْلُونَكُمْ خَبٰالاً أي عداوة و قوله عَضُّوا عَلَيْكُمُ اَلْأَنٰامِلَ مِنَ اَلْغَيْظِ قال أطراف الأصابع و قوله وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ اَلْمُؤْمِنِينَ مَقٰاعِدَ لِلْقِتٰالِ-وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ اَلْآيَةِ-أَنَّ قُرَيْشاً خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ تُرِيدُ حَرْبَ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَخَرَجَ يَبْغِي مَوْضِعاً لِلْقِتَالِ .

ص: 110

إِلَى مَكَّةَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لاَ تَدَعُوا اَلنِّسَاءَ تَبْكِي عَلَى قَتْلاَكُمْ-فَإِنَّ اَلْبُكَاءَ وَ اَلدَّمْعَةَ إِذَا خَرَجَتْ-أَذْهَبَتِ اَلْحُزْنَ وَ اَلْحُرْقَةَ وَ اَلْعَدَاوَةَ لِمُحَمَّدٍ وَ يَشْمَتُ بِنَا مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ، فَلَمَّا غَزَوْا رَسُولَ اَللَّهِ ص يَوْمَ أُحُدٍ أَذِنُوا لِنِسَائِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اَلْبُكَاءِ وَ اَلنَّوْحِ-فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَغْزُوا رَسُولَ اَللَّهِ ص إِلَى أُحُدٍ سَارُوا فِي حُلَفَائِهِمْ مِنْ كِنَانَةَ وَ غَيْرِهَا-فَجَمَعُوا اَلْجُمُوعَ وَ اَلسِّلاَحَ-وَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ فِي ثَلاَثَةِ آلاَفِ فَارِسٍ وَ أَلْفَيْ رَاجِلٍ-وَ أَخْرَجُوا مَعَهُمُ اَلنِّسَاءَ يُذَكِّرْنَهُمْ وَ يحثنهم [يَحْثُثْنَهُمْ] عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ أَخْرَجَ أَبُو سُفْيَانَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ وَ خَرَجَتْ مَعَهُمْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ اَلْحَارِثِيَّةُ .

فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اَللَّهِ ص ذَلِكَ جَمَعَ أَصْحَابَهُ-وَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اَللَّهَ قَدْ أَخْبَرَهُ أَنَّ قُرَيْشاً قَدْ تَجَمَّعَتْ تُرِيدُ اَلْمَدِينَةَ ، وَ حَثَّ أَصْحَابَهُ عَلَى اَلْجِهَادِ وَ اَلْخُرُوجِ، فَقَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ [سَلُولٍ] وَ قَوْمُهُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ لاَ تَخْرُجْ مِنَ اَلْمَدِينَةِ حَتَّى نُقَاتِلَ فِي أَزِقَّتِهَا، فَيُقَاتِلَ اَلرَّجُلُ اَلضَّعِيفُ وَ اَلْمَرْأَةُ وَ اَلْعَبْدُ وَ اَلْأَمَةُ-عَلَى أَفْوَاهِ اَلسِّكَكِ وَ عَلَى اَلسُّطُوحِ-فَمَا أَرَادَنَا قَوْمٌ قَطُّ فَظَفِرُوا بِنَا وَ نَحْنُ فِي حُصُونِنَا وَ دُورِنَا-وَ مَا خَرَجْنَا إِلَى أَعْدَائِنَا قَطُّ إِلاَّ كَانَ اَلظَّفَرُ لَهُمْ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَحِمَهُ اَللَّهُ وَ غَيْرُهُ مِنَ اَلْأَوْسِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا طَمَعَ فِينَا أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ وَ نَحْنُ مُشْرِكُونَ نَعْبُدُ اَلْأَصْنَامَ-فَكَيْفَ يَطْمَعُونَ فِينَا وَ أَنْتَ فِينَا لاَ، حَتَّى نَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَنُقَاتِلَهُمْ-فَمَنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِيداً وَ مَنْ نَجَا مِنَّا كَانَ قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ-فَقَبِلَ رَسُولُ اَللَّهِ قَوْلَهُ-وَ خَرَجَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَبْتَغُونَ مَوْضِعَ اَلْقِتَالِ-كَمَا قَالَ اَللَّهُ « وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ إِذْ هَمَّتْ طٰائِفَتٰانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاٰ » يَعْنِي عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَ أَصْحَابَهُ، فَضَرَبَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مُعَسْكَرَهُ مِمَّا يَلِي مِنْ طَرِيقِ اَلْعِرَاقِ وَ قَعَدَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَ قَوْمُهُ مِنَ اَلْخَزْرَجِ اِتَّبَعُوا رَأْيَهُ، وَ وَافَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أُحُدٍ وَ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ص عَدَّ أَصْحَابَهُ وَ كَانُوا سَبْعَمِائَةِ رجلا [رَجُلٍ] ، فَوَضَعَ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فِي خَمْسِينَ مِنَ اَلرُّمَاةِ عَلَى بَابِ اَلشِّعْبِ-وَ أَشْفَقَ أَنْ يَأْتِيَ كَمِينُهُمْ فِي ذَلِكَ اَلْمَكَانِ-فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لِعَبْدِ اَللَّهِ

ص: 111

بْنِ جُبَيْرٍ وَ أَصْحَابِهِ-إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ حَتَّى أَدْخَلْنَاهُمْ مَكَّةَ فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْ هَذَا اَلْمَكَانِ-وَ إِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ هَزَمُونَا حَتَّى أَدْخَلُونَا اَلْمَدِينَةَ فَلاَ تَبْرَحُوا وَ اِلْزَمُوا مَرَاكِزَكُمْ-وَ وَضَعَ أَبُو سُفْيَانَ خَالِدَ بْنَ اَلْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ كَمِيناً، وَ قَالَ لَهُمْ إِذَا رَأَيْتُمُونَا قَدِ اِخْتَلَطْنَا بِهِمْ-فَاخْرُجُوا عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا اَلشِّعْبِ حَتَّى تَكُونُوا مِنْ وَرَائِهِمْ- .

فَلَمَّا أَقْبَلَتِ اَلْخَيْلُ وَ اِصْطَفُّوا-وَ عَبَّأَ (1)رَسُولُ اَللَّهِ ص أَصْحَابَهُ-دَفَعَ اَلرَّايَةَ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ص فَحَمَلَتِ اَلْأَنْصَارُ عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ فَانْهَزَمُوا هَزِيمَةً قَبِيحَةً-وَ وَقَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ فِي سَوَادِهِمْ-وَ اِنْحَطَّ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ، فَلَقِيَ عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَاسْتَقْبَلُوهُمْ بِالسِّهَامِ فَرَجَعُوا-وَ نَظَرَ أَصْحَابُ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ يَنْهَبُونَ سَوَادَ اَلْقَوْمِ، قَالُوا لِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ تُقِيمُنَا هَاهُنَا وَ قَدْ غَنِمَ أَصْحَابُنَا وَ نَبْقَى نَحْنُ بِلاَ غَنِيمَةٍ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اَللَّهِ اِتَّقُوا اَللَّهَ-فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْنَا أَنْ لاَ نَبْرَحَ-فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَ أَقْبَلَ يَنْسَلُّ رَجُلٌ فَرَجُلٌ-حَتَّى أَخْلَوْا مِنْ مَرْكَزِهِمْ-وَ بَقِيَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ فِي اِثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً، وَ قَدْ كَانَتْ رَايَةُ قُرَيْشٍ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ اَلْعَدَوِيِّ مِنْ بَنِي عَبْدِ اَلدَّارِ فَبَرَزَ وَ نَادَى يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تُجَهِّزُونَّا بِأَسْيَافِكُمْ إِلَى اَلنَّارِ وَ نُجَهِّزُكُمْ بِأَسْيَافِنَا إِلَى اَلْجَنَّةِ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَلْحَقَ بِجَنَّتِهِ فَلْيَبْرُزْ إِلَيَّ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ:

يَا طَلْحُ إِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ *** لَنَا خُيُولٌ وَ لَكُمْ نُصُولٌ

فَاثْبُتْ لِنَنْظُرَ أَيُّنَا اَلْمَقْتُولُ *** وَ أَيُّنَا أَوْلَى بِمَا تَقُولُ

فَقَدْ أَتَاكَ اَلْأَسَدُ اَلصَّئُولُ *** بِصَارِمٍ لَيْسَ بِهِ فُلُولٌ

بِنُصْرَةِ اَلْقَاهِرِ وَ اَلرَّسُولِ .

فَقَالَ طَلْحَةُ مَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ قَالَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ

ص: 112


1- . عَبَّأَ اَلْجَيْشَ أَيْ رَتَّبَهُ فِي مَوَاضِعِهِ وَ هَيَّأَهُ لِلْقِتَالِ. ج-ز.

يَا قَضِيمُ (1)أَنَّهُ لاَ يَجْسُرُ عَلَيَّ أَحَدٌ غَيْرُكَ، فَشَدَّ عَلَيْهِ طَلْحَةُ فَضَرَبَهُ فَاتَّقَاهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع بِالْجُحْفَةِ (2)ثُمَّ ضَرَبَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع عَلَى فَخِذَيْهِ فَقَطَعَهُمَا جَمِيعاً-فَسَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَ سَقَطَتِ اَلرَّايَةُ، فَذَهَبَ عَلِيٌّ ع لِيُجْهِزَ (3)عَلَيْهِ فَحَلَّفَهُ بِالرَّحِمِ فَانْصَرَفَ عَنْهُ-فَقَالَ اَلْمُسْلِمُونَ أَ لاَ أَجْهَزْتَ عَلَيْهِ قَالَ قَدْ ضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً لاَ يَعِيشُ مِنْهَا أَبَداً، وَ أَخَذَ اَلرَّايَةَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ع وَ سَقَطَتِ اَلرَّايَةُ عَلَى اَلْأَرْضِ، فَأَخَذَهَا شَافِعُ [مُسَافِعُ]بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ع فَسَقَطَتِ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ-فَأَخَذَهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ع فَسَقَطَ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ-فَأَخَذَهَا اَلْحَارِثُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ع ، فَسَقَطَتِ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ، وَ أَخَذَهَا أَبُو عُذَيْرِ بْنُ عُثْمَانَ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ع وَ سَقَطَتِ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ بْنِ زُهَيْرٍ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ع وَ سَقَطَتِ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ، فَقَتَلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع اَلتَّاسِعَ مِنْ بَنِي عَبْدِ اَلدَّارِ ، وَ هُوَ أَرْطَاةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ مُبَارَزَةً-وَ سَقَطَتِ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ، فَأَخَذَهَا مَوْلاَهُمْ صَوَابٌ فَضَرَبَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع عَلَى يَمِينِهِ فَقَطَعَهَا-وَ سَقَطَتِ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ-فَأَخَذَهَا بِشِمَالِهِ فَضَرَبَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع عَلَى شِمَالِهِ فَقَطَعَهَا-وَ سَقَطَتِ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ، فَاحْتَضَنَهَا بِيَدَيْهِ اَلْمَقْطُوعَتَيْنِ-ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ اَلدَّارِ هَلْ أَعْذَرْتُ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ فَضَرَبَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع عَلَى رَأْسِهِ فَقَتَلَهُ، وَ سَقَطَتِ اَلرَّايَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ، فَأَخَذَتْهَا عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ اَلْحَارِثِيَّةُ فَقَبَضَتْهَا.

وَ اِنْحَطَّ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ عَلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ وَ قَدْ فَرَّ أَصْحَابُهُ وَ بَقِيَ فِي نَفَرٍ قَلِيلٍ فَقَتَلُوهُمْ عَلَى بَابِ اَلشِّعْبِ وَ اِسْتَعْقَبُوا اَلْمُسْلِمِينَ فَوَضَعُوا فِيهِمُ اَلسَّيْفَ، وَ نَظَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَزِيمَتِهَا إِلَى اَلرَّايَةِ قَدْ رُفِعَتْ-فَلاَذُوا بِهَا وَ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ يَقْتُلُهُمْ، فَانْهَزَمَ

ص: 113


1- . اَلْقَضِيمُ اَلْكَاسِرُ وَ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي عِبَارَةِ اَلْمُصَنِّفِ (رَحِمَهُ اَللَّهُ) .
2- . اَلتُّرْسُ.
3- . أَجْهَزَ عَلَى اَلْجَرِيحِ أَيْ أَسْرَعَ فِي قَتْلِهِ وَ أَتَمَّهُ. ج-ز.

أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ ص هَزِيمَةً قَبِيحَةً-وَ أَقْبَلُوا يَصْعَدُونَ فِي اَلْجِبَالِ وَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اَللَّهِ ص اَلْهَزِيمَةَ كَشَفَ اَلْبَيْضَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَ قَالَ: «إِنِّي أَنَا رَسُولُ اَللَّهِ إِلَى أَيْنَ تَفِرُّونَ عَنِ اَللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ » .

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى قَوْلِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لَمَّا بَارَزَهُ عَلِيٌّ ع يَا قَضِيمُ، قَالَ إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص كَانَ بِمَكَّةَ لَمْ يَجْسُرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِمَوْضِعِ أَبِي طَالِبٍ وَ أَغْرَوْا بِهِ اَلصِّبْيَانَ-وَ كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ ص يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ وَ اَلتُّرَابِ-فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ ع فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِذَا خَرَجْتَ فَأَخْرِجْنِي مَعَكَ-فَخَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ ص وَ مَعَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فَتَعَرَّضَ اَلصِّبْيَانُ لِرَسُولِ اَللَّهِ ص كَعَادَتِهِمْ-فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع وَ كَانَ يَقْضِمُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ وَ آنَافِهِمْ وَ آذَانِهِمْ-فَكَانُوا يَرْجِعُونَ بَاكِينَ إِلَى آبَائِهِمْ-وَ يَقُولُونَ قَضَمَنَا عَلِيٌّ قَضَمَنَا عَلِيٌّ فَسُمِّيَ لِذَلِكَ «اَلْقَضِيمَ» .

وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي وَاثِلَةَ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أُمَاشِي فُلاَناً إِذْ سَمِعْتُ مِنْهُ هَمْهَمَةً، فَقُلْتُ لَهُ مَهْ، مَا ذَا يَا فُلاَنُ قَالَ وَيْحَكَ أَ مَا تَرَى اَلْهِزْبَرَ (1)اَلْقَضِمَ بْنَ اَلْقَضِمِ، وَ اَلضَّارِبَ بِالْبُهَمِ، اَلشَّدِيدَ عَلَى مَنْ طَغَى وَ بَغَى، بِالسَّيْفَيْنِ وَ اَلرَّايَةِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقُلْتُ لَهُ يَا هَذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ اُدْنُ مِنِّي أُحَدِّثْكَ عَنْ شَجَاعَتِهِ وَ بُطُولَتِهِ، بَايَعْنَا اَلنَّبِيَّ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى أَنْ لاَ نَفِرَّ وَ مَنْ فَرَّ مِنَّا فَهُوَ ضَالٌّ-وَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا فَهُوَ شَهِيدٌ وَ اَلنَّبِيُّ زَعِيمُهُ، إِذْ حَمَلَ عَلَيْنَا مِائَةُ صِنْدِيدٍ-تَحْتَ كُلِّ صِنْدِيدٍ مِائَةُ رَجُلٍ أَوْ يَزِيدُونَ-فَأَزْعَجُونَا عَنْ طَحُونَتِنَا (2)

ص: 114


1- . اَلْهِزْبَرُ كَمِنْبَرٍ: اَلْأَسَدُ، اَلْقَضِمُ كَلَقِنٍ: اَلسَّيْفُ اَلْمُتَكَسِّرُ اَلْحَدِّ وَ لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ إِلاَّ مَعَ كَثْرَةِ اِسْتِعْمَالِهِ فِي اَلْحُرُوبِ، اَلْبُهَمُ كَصُرَدٍ: اَلشُّجَاعُ اَلْمُسْتَبْهِمُ عَلَى أَقْرَانِهِ.
2- . اَلطَّحُونُ وَ اَلطَّحَّانَةُ اَلْكَتِيبَةُ اَلْعَظِيمَةُ. ج-ز.

فَرَأَيْتُ عَلِيّاً كَاللَّيْثِ يَتَّقِي اَلذَّرَّ [اَلدُّرَّ]وَ إِذْ قَدْ حَمَلَ كَفّاً مِنْ حَصًى فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِنَا ثُمَّ قَالَ شَاهَتِ اَلْوُجُوهُ وَ قُطَّتْ (1)وَ بُطَّتْ وَ لُطَّتْ، إِلَى أَيْنَ تَفِرُّونَ، إِلَى اَلنَّارِ ، فَلَمْ نَرْجِعْ، ثُمَّ كَرَّ عَلَيْنَا اَلثَّانِيَةَ وَ بِيَدِهِ صَفِيحَةٌ يَقْطُرُ مِنْهَا اَلْمَوْتُ، فَقَالَ بَايَعْتُمْ ثُمَّ نَكَثْتُمْ، فَوَ اَللَّهِ لَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْقَتْلِ مِمَّنْ قُتِلَ، فَنَظَرْتُ إِلَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا سَلِيطَانِ (2)يَتَوَقَّدَانِ نَاراً، أَوْ كَالْقَدَحَيْنِ اَلْمَمْلُوَّيْنِ دَماً، فَمَا ظَنَنْتُ إِلاَّ وَ يَأْتِي عَلَيْنَا كُلِّنَا، فَبَادَرْتُ أَنَا إِلَيْهِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي-فَقُلْتُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ اَللَّهَ اَللَّهَ، فَإِنَّ اَلْعَرَبَ تَكِرُّ وَ تَفِرُّ وَ إِنَّ اَلْكَرَّةَ تَنْفِي اَلْفَرَّةَ، فَكَأَنَّهُ ع اِسْتَحْيَا فَوَلَّى بِوَجْهِهِ عَنِّي، فَمَا زِلْتُ أُسَكِّنُ رَوْعَةَ فُؤَادِي، فَوَ اَللَّهِ مَا خَرَجَ ذَلِكَ اَلرُّعْبُ مِنْ قَلْبِي حَتَّى اَلسَّاعَةِ» .

وَ لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ ص إِلاَّ أَبُو دُجَانَةَ اَلْأَنْصَارِيُّ ، وَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ وَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ، فَكُلَّمَا حَمَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص اِسْتَقْبَلَهُمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ فَيَدْفَعُهُمْ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ وَ يَقْتُلُهُمْ حَتَّى اِنْقَطَعَ سَيْفُهُ .

وَ بَقِيَتْ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ ص نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ اَلْمَازِنِيَّةُ ، وَ كَانَتْ تَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ ص فِي غَزَوَاتِهِ تُدَاوِي اَلْجَرْحَى، وَ كَانَ اِبْنُهَا مَعَهَا فَأَرَادَ أَنْ يَنْهَزِمَ وَ يَتَرَاجَعَ، فَحَمَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ-إِلَى أَيْنَ تَفِرُّ عَنِ اَللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ فَرَدَّتْهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ، فَأَخَذَتْ سَيْفَ اِبْنِهَا فَحَمَلَتْ عَلَى اَلرَّجُلِ-فَضَرَبَتْهُ عَلَى فَخِذِهِ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص بَارَكَ اَللَّهُ عَلَيْكِ يَا نَسِيبَةُ-وَ كَانَتْ تَقِي رَسُولَ اَللَّهِ ص بِصَدْرِهَا وَ ثَدْيَيْهَا وَ يَدَيْهَا-حَتَّى أَصَابَتْهَا جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَ حَمَلَ اِبْنُ قميتة [قَمِيئَةَ] [قمية] عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص -فَقَالَ أَرُونِي مُحَمَّداً لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ ، فَضَرَبَهُ عَلَى حَبْلِ

ص: 115


1- . كُلُّهَا مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ قُطِعَتْ وَ شُقَّتْ وَ ضُرِبَتْ.
2- . اَلسَّلِيطُ كَلَقِيطٍ اَلزَّيْتُ، وَ مِنْهُ خَبَرُ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَأَيْتُ عَلِيّاً وَ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ سِرَاجَا سَلِيطٍ (مجمع) ج-ز.

عَاتِقِهِ، وَ نَادَى قَتَلْتُ مُحَمَّداً وَ اَللاَّتِ وَ اَلْعُزَّى ، وَ نَظَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى رَجُلٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ قَدْ أَلْقَى تُرْسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَ هُوَ فِي اَلْهَزِيمَةِ، فَنَادَاهُ «يَا صَاحِبَ اَلتُّرْسِ أَلْقِ تُرْسَكَ وَ مُرَّ إِلَى اَلنَّارِ » فَرَمَى بِتُرْسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص يَا نَسِيبَةُ خُذِي اَلتُّرْسَ-فَأَخَذَتِ اَلتُّرْسَ وَ كَانَتْ تُقَاتِلُ اَلْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص «لَمَقَامُ نَسِيْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامِ فُلاَنٍ وَ فُلاَنٍ » .

فَلَمَّا اِنْقَطَعَ سَيْفُ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع جَاءَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ اَلرَّجُلَ يُقَاتِلُ بِالسِّلاَحِ وَ قَدِ اِنْقَطَعَ سَيْفِي-فَدَفَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اَللَّهِ ص سَيْفَهُ «ذَا اَلْفَقَارِ» فَقَالَ قَاتِلْ بِهَذَا، وَ لَمْ يَكُنْ يَحْمِلُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص أَحَدٌ-إِلاَّ يَسْتَقْبِلُهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ، فَإِذَا رَأَوْهُ رَجَعُوا فَانْحَازَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى نَاحِيَةِ أُحُدٍ ، فَوَقَفَ وَ كَانَ اَلْقِتَالُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَ قَدِ اِنْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَلَمْ يَزَلْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع يُقَاتِلُهُمْ حَتَّى أَصَابَهُ فِي وَجْهِهِ وَ رَأْسِهِ وَ صَدْرِهِ وَ بَطْنِهِ-وَ يَدَيْهِ وَ رِجْلَيْهِ تِسْعُونَ جِرَاحَةً فَتَحَامَوْهُ، وَ سَمِعُوا مُنَادِياً يُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ «لاَ سَيْفَ إِلاَّ ذُو اَلْفَقَارِ وَ لاَ فَتَى إِلاَّ عَلِيٌّ » فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ: «هَذِهِ وَ اَللَّهِ اَلْمُوَاسَاةُ يَا مُحَمَّدُ » فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص «لِأَنِّي مِنْهُ وَ هُوَ مِنِّي» وَ قَالَ جَبْرَئِيلُ «وَ أَنَا مِنْكُمَا» .

وَ كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فِي وَسْطِ اَلْعَسْكَرِ، فَكُلَّمَا اِنْهَزَمَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ رَفَعَتْ إِلَيْهِ مِيلاً وَ مُكْحُلَةً-وَ قَالَتْ إِنَّمَا أَنْتَ اِمْرَأَةٌ فَاكْتَحِلْ بِهَذَا، وَ كَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ يَحْمِلُ عَلَى اَلْقَوْمِ-فَإِذَا رَأَوْهُ اِنْهَزَمُوا وَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَاحِدٌ-وَ كَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ قَدْ أَعْطَتْ وَحْشِيّاً عَهْداً-لَئِنْ قَتَلْتَ مُحَمَّداً أَوْ عَلِيّاً أَوْ حَمْزَةَ لَأَعْطَيْتُكَ رِضَاكَ وَ كَانَ وَحْشِيٌّ عَبْداً لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حَبَشِيّاً، فَقَالَ وَحْشِيٌّ أَمَّا مُحَمَّدٌ فَلاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَ أَمَّا عَلِيٌّ فَرَأَيْتُهُ رَجُلاً حَذِراً-كَثِيرَ اَلاِلْتِفَاتِ فَلَمْ أَطْمَعْ فِيهِ-قَالَ فَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ فَرَأَيْتُهُ يَهُدُّ اَلنَّاسَ هَدّاً-فَمَرَّ بِي فَوَطِئَ عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ فَسَقَطَ، فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي فَهَزَزْتُهَا

ص: 116

وَ رَمَيْتُهُ فَوَقَعَتْ فِي خَاصِرَتِهِ-وَ خَرَجَتْ مِنْ مَثَانَتِهِ مُغَمَّسَةً بِالدَّمِ فَسَقَطَ فَأَتَيْتُهُ-فَشَقَقْتُ بَطْنَهُ وَ أَخَذْتُ كَبِدَهُ وَ أَتَيْتُ بِهَا إِلَى هِنْدٍ فَقُلْتُ لَهَا هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ ، فَأَخَذَتْهَا فِي فِيهَا فَلاَكَتْهَا فَجَعَلَهَا اَللَّهُ فِي فِيهَا مِثْلَ اَلدَّاغِصَةِ (1)فَلَفَظَتْهَا وَ رَمَتْ بِهَا-فَبَعَثَ اَللَّهُ مَلَكاً فَحَمَلَهَا وَ رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع يَأْبَى اَللَّهُ أَنْ يُدْخِلَ شَيْئاً مِنْ بَدَنِ حَمْزَةَ اَلنَّارَ ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ هِنْدٌ فَقَطَعَتْ مَذَاكِيرَهُ وَ قَطَعَتْ أُذُنَيْهِ-وَ جَعَلَتْهُمَا خُرْصَيْنِ (2)وَ شَدَّتْهُمَا فِي عُنُقِهَا، وَ قَطَعَتْ يَدَيْهِ وَ رِجْلَيْهِ .

وَ تَرَاجَعَتِ اَلنَّاسُ-فَصَارَتْ قُرَيْشٌ عَلَى اَلْجَبَلِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَ هُوَ عَلَى اَلْجَبَلِ «اُعْلُ هُبَلُ » فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع قُلْ لَهُ «اَللَّهُ أَعْلَى وَ أَجَلُّ» فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّهُ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيْنَا-فَقَالَ عَلِيٌّ ع بَلِ اَللَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْنَا-ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا عَلِيُّ أَسْأَلُكَ بِاللاَّتِ وَ اَلْعُزَّى هَلْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع لَعَنَكَ اَللَّهُ-وَ لَعَنَ اَللَّهُ اَللاَّتَ وَ اَلْعُزَّى مَعَكَ، وَ اَللَّهِ مَا قُتِلَ مُحَمَّدٌ ص وَ هُوَ يَسْمَعُ كَلاَمَكَ، فَقَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ، لَعَنَ اَللَّهُ اِبْنَ قَمِيئَةَ زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَ مُحَمَّداً .

وَ كَانَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ قَدْ تَأَخَّرَ إِسْلاَمُهُ-فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص فِي اَلْحَرْبِ-أَخَذَ سَيْفَهُ وَ تُرْسَهُ وَ أَقْبَلَ كَاللَّيْثِ اَلْعَادِي-يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ-وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ-ثُمَّ خَالَطَ اَلْقَوْمَ فَاسْتُشْهِدَ-فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَرَآهُ صَرِيعاً بَيْنَ اَلْقَتْلَى-فَقَالَ يَا عَمْرُو أَنْتَ عَلَى دِينِكَ اَلْأَوَّلِ فَقَالَ مَعَاذَ اَللَّهِ، وَ اَللَّهِ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ-وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ ص يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ عَمْرَو بْنَ قَيْسٍ قَدْ أَسْلَمَ فَهُوَ شَهِيدٌ فَقَالَ إِي وَ اَللَّهِ إِنَّهُ

ص: 117


1- . اَلدَّاغِصَةُ عَظْمٌ مُدَوَّرٌ فِي اَلرُّكْبَةِ. وَ فِي ط مِثْلَ اَلْفِضَّةِ وَ هُوَ بَعِيدٌ.
2- . اَلْخُرْصَانِ تَثْنِيَةُ اَلْخرص كفلس حَلْقَةُ اَلذَّهَبِ أَوِ اَلْفِضَّةِ أَوِ الخرص ككفل وَ هُوَ اَلْجِرَابُ. ج-ز.

شَهِيدٌ، مَا رَجُلٌ لَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ رَكْعَةً دَخَلَ اَلْجَنَّةَ غَيْرُهُ.

وَ كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رَجُلٌ مِنَ اَلْخَزْرَجِ ، قَدْ تَزَوَّجَ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ-اَلَّتِي كَانَ فِي صَبِيحَتِهَا حَرْبُ أُحُدٍ ، بِنْتَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَبِي سَلُولٍ وَ دَخَلَ بِهَا فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ، وَ اِسْتَأْذَنَ رَسُولَ اَللَّهِ ص أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ: إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذٰا كٰانُوا مَعَهُ عَلىٰ أَمْرٍ جٰامِعٍ-لَمْ يَذْهَبُوا حَتّٰى يَسْتَأْذِنُوهُ-إِنَّ اَلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ-أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ فَإِذَا اِسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ » فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ ص ، فَهَذِهِ اَلْآيَةُ فِي سُورَةِ اَلنُّورِ وَ أَخْبَارُ أُحُدٍ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اَلتَّأْلِيفَ عَلَى خِلاَفِ مَا أَنْزَلَهُ اَللَّهُ، فَدَخَلَ حَنْظَلَةُ بِأَهْلِهِ وَ وَاقَعَ عَلَيْهَا-فَأَصْبَحَ وَ خَرَجَ وَ هُوَ جُنُبٌ، فَحَضَرَ اَلْقِتَالَ-فبعث [فَبَعَثَتِ] اِمْرَأَتُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ لَمَّا أَرَادَ حَنْظَلَةُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهَا-وَ أَشْهَدَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وَاقَعَهَا-فَقِيلَ لَهَا لِمَ فَعَلْتِ ذَلِكِ قَالَتْ رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ فِي نَوْمِي-كَأَنَّ اَلسَّمَاءَ قَدِ اِنْفَرَجَتْ-فَوَقَعَ فِيهَا حَنْظَلَةُ ثُمَّ انظمت [اِنْضَمَّتْ] ، فَعَلِمْتُ أَنَّهَا اَلشَّهَادَةُ-فَكَرِهْتُ أَنْ لاَ أُشْهِدَ عَلَيْهِ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ.

فَلَمَّا حَضَرَ اَلْقِتَالَ نَظَرَ حَنْظَلَةُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ عَلَى فَرَسٍ-يَجُولُ بَيْنَ اَلْعَسْكَرَيْنِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ (1)فَاكْتَسَعَتِ اَلْفَرَسُ وَ سَقَطَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى اَلْأَرْضِ وَ صَاحَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَنَا أَبُو سُفْيَانَ وَ هَذَا حَنْظَلَةُ يُرِيدُ قَتْلِي-وَ عَدَا أَبُو سُفْيَانَ وَ مَرَّ حَنْظَلَةُ فِي طَلَبِهِ-فَعَرَضَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ فَطَعَنَهُ-فَمَشَى إِلَى اَلْمُشْرِكِ فِي طَعْنِهِ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، وَ سَقَطَ حَنْظَلَةُ إِلَى اَلْأَرْضِ بَيْنَ حَمْزَةَ وَ عَمْرِو بْنِ اَلْجَمُوحِ وَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ حِزَامٍ وَ جَمَاعَةٍ مِنَ اَلْأَنْصَارِ ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص رَأَيْتُ اَلْمَلاَئِكَةَ يُغَسِّلُونَ حَنْظَلَةَ بَيْنَ اَلسَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ-بِمَاءِ اَلْمُزْنِ فِي صَحَائِفَ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يُسَمَّى غَسِيلَ اَلْمَلاَئِكَةِ .

وَ رُوِيَ أَنَّ مُغِيرَةَ بْنَ اَلْعَاصِ كَانَ رَجُلاً أَعْسَرَ-فَحَمَلَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى أُحُدٍ ثَلاَثَةَ

ص: 118


1- . اَلْعُرْقُوبُ بِالضَّمِّ عِرْقٌ غَلِيظٌ فَوْقَ عَقِبِ اَلْإِنْسَانِ وَ مِنَ اَلدَّابَّةِ فِي رِجْلِهَا كَالرُّكْبَةِ فِي يَدِهَا.

أَحْجَارٍ، فَقَالَ بِهَذِهِ أَقْتُلُ مُحَمَّداً ، فَلَمَّا حَضَرَ اَلْقِتَالَ نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ بِيَدِهِ اَلسَّيْفُ فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ بِهِ رَسُولَ اَللَّهِ ص فَسَقَطَ اَلسَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَقَالَ قَتَلْتُهُ وَ اَللاَّتِ وَ اَلْعُزَّى فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع كَذَبَ لَعَنَهُ اَللَّهُ، فَرَمَاهُ بِحَجَرٍ آخَرَ فَأَصَابَ جَبْهَتَهُ-فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص اَللَّهُمَّ حَيِّرْهُ، فَلَمَّا اِنْكَشَفَ اَلنَّاسُ تَحَيَّرَ فَلَحِقَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَقَتَلَهُ، وَ سَلَّطَ اَللَّهُ عَلَى اِبْنِ قَمِيئَةَ اَلشَّجَرَ-فَكَانَ يَمُرُّ بِالشَّجَرَةِ-فَيَقَعُ وَسْطَهَا فَتَأْخُذُ مِنْ لَحْمِهِ-فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ اَلصَّرَرِ (1)وَ مَاتَ لَعَنَهُ اَللَّهُ-وَ رَجَعَ اَلْمُنْهَزِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ [اَللَّهِ] ص فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ :

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ وَ لَمّٰا يَعْلَمِ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ جٰاهَدُوا مِنْكُمْ يَعْنِي وَ لَمَّا يَرَى لِأَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ-قَدْ عَلِمَ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ يُجَاهِدُ وَ مَنْ لاَ يُجَاهِدُ-فَأَقَامَ اَلْعِلْمَ مَقَامَ اَلرُّؤْيَةِ-لِأَنَّهُ يُعَاقِبُ اَلنَّاسَ بِفِعْلِهِمْ لاَ بِعِلْمِهِ .

قوله: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ اَلْمَوْتَ-مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ-فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ: « وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ اَلْمَوْتَ-مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ اَلْآيَةَ» فَإِنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أَخْبَرَهُمُ اَللَّهُ-بِالَّذِي فَعَلَ بِشُهَدَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَ مَنَازِلِهِمْ مِنَ اَلْجَنَّةِ رَغِبُوا فِي ذَلِكَ-فَقَالُوا اَللَّهُمَّ أَرِنَا اَلْقِتَالَ نَسْتَشْهِدُ فِيهِ-فَأَرَاهُمُ اَللَّهُ إِيَّاهُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ فَلَمْ يَثْبُتُوا إِلاَّ مَنْ شَاءَ اَللَّهُ مِنْهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: « وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ اَلْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ . »

وَ أَمَّا قَوْلُهُ: وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ-أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص لَمَّا خَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ وَ عَهِدَ اَلْعَاهِدُ بِهِ عَلَى تِلْكَ اَلْحَالِ-فَجَعَلَ اَلرَّجُلُ يَقُولُ لِمَنْ لَقِيَهُ-إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص قَدْ قُتِلَ اَلنَّجَاءَ (2)فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى اَلْمَدِينَةِ أَنْزَلَ اَللَّهُ وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ إِلَى قَوْلِهِ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ يَقُولُ إِلَى اَلْكُفْرِ . و قوله: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قٰاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ

ص: 119


1- . اَلصَّرَرُ كَشَرَرٍ: اَلسُّنْبُلُ.
2- . اَلنَّجَاءُ كَعَلاَءٍ اَلْخَلاَصُ. ج-ز.

يقول كأين من نبي قبل محمد قاتل معه ربيون كثير-و الربيون الجموع الكثيرة-و الربوة الواحدة عشرة آلاف-يقول الله تبارك و تعالى: فَمٰا وَهَنُوا لِمٰا أَصٰابَهُمْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ من قبل نبيهم وَ مٰا ضَعُفُوا وَ مَا اِسْتَكٰانُوا وَ اَللّٰهُ يُحِبُّ اَلصّٰابِرِينَ- وَ مٰا كٰانَ قَوْلَهُمْ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا-رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنٰا ذُنُوبَنٰا وَ إِسْرٰافَنٰا فِي أَمْرِنٰا يعنون خطاياهم وَ ثَبِّتْ أَقْدٰامَنٰا وَ اُنْصُرْنٰا عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكٰافِرِينَ

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ:

يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا اَلَّذِينَ كَفَرُوا-يَرُدُّوكُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خٰاسِرِينَ يَعْنِي عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ حَيْثُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ ص ثُمَّ رَجَعَ يُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ-قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمُ اَلْهَزِيمَةِ-اِرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ عَنْ عَلِيٍّ ع بَلِ اَللّٰهُ مَوْلاٰكُمْ وَ هُوَ خَيْرُ اَلنّٰاصِرِينَ- سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا اَلرُّعْبَ يَعْنِي قُرَيْشَ بِمٰا أَشْرَكُوا بِاللّٰهِ . قوله: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اَللّٰهُ وَعْدَهُ يعني إن ينصركم الله عليهم إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ إذ تقتلونهم بإذن الله حَتّٰى إِذٰا فَشِلْتُمْ وَ تَنٰازَعْتُمْ فِي اَلْأَمْرِ-وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مٰا أَرٰاكُمْ مٰا تُحِبُّونَ، مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ اَلدُّنْيٰا يعني أصحاب عبد الله بن جبير الذين تركوا مركزهم و مروا للغنيمة، قوله وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ اَلْآخِرَةَ يعني عبد الله بن جبير و أصحابه الذين بقوا حتى قتلوا ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ أي يختبركم وَ لَقَدْ عَفٰا عَنْكُمْ وَ اَللّٰهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ ثم ذكر المنهزمين من أصحاب رسول الله ص ، فقال: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لاٰ تَلْوُونَ عَلىٰ أَحَدٍ-وَ اَلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ إلى قوله خَبِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ فَأَثٰابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ فَأَمَّا اَلْغَمُّ اَلْأَوَّلُ فَالْهَزِيمَةُ وَ اَلْقَتْلُ، وَ أَمَّا اَلْغَمُّ اَلْآخَرُ فَإِشْرَافُ خَالِدِ بْنِ اَلْوَلِيدِ عَلَيْهِمْ يَقُولُ لِكَيْلاٰ تَحْزَنُوا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ مِنَ اَلْغَنِيمَةِ وَ لاٰ مٰا أَصٰابَكُمْ يَعْنِي قَتْلَ إِخْوَانِهِمْ وَ اَللّٰهُ خَبِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ اَلْغَمِّ قَالَ يَعْنِي اَلْهَزِيمَةَ. ، و رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم .

قَالَ: وَ تَرَاجَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ ص اَلْمَجْرُوحُونَ وَ غَيْرُهُمْ، فَأَقْبَلُوا

ص: 120

يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَحَبَّ اَللَّهُ أَنْ يُعَرِّفَ رَسُولَهُ مَنِ اَلصَّادِقُ مِنْهُمْ وَ مَنِ اَلْكَاذِبُ، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِمُ اَلنُّعَاسَ فِي تِلْكَ اَلْحَالَةِ-حَتَّى كَانُوا يَسْقُطُونَ إِلَى اَلْأَرْضِ وَ كَانَ اَلْمُنَافِقُونَ اَلَّذِينَ يَكْذِبُونَ لاَ يَسْتَقِرُّونَ-قَدْ طَارَتْ عُقُولُهُمْ-وَ هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلاَمٍ لاَ يُفْهَمُ عَنْهُمْ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ نُعٰاساً يَغْشىٰ طٰائِفَةً مِنْكُمْ يَعْنِي اَلْمُؤْمِنِينَ وَ طٰائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ-يَظُنُّونَ بِاللّٰهِ غَيْرَ اَلْحَقِّ ظَنَّ اَلْجٰاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنٰا مِنَ اَلْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قَالَ اَللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ص : قُلْ إِنَّ اَلْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّٰهِ، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مٰا لاٰ يُبْدُونَ لَكَ-يَقُولُونَ لَوْ كٰانَ لَنٰا مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْءٌ مٰا قُتِلْنٰا هٰاهُنٰا يَقُولُونَ لَوْ كُنَّا فِي بُيُوتِنَا مَا أَصَابَنَا اَلْقَتْلُ، قَالَ اَللَّهُ: لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ-لَبَرَزَ اَلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ اَلْقَتْلُ إِلىٰ مَضٰاجِعِهِمْ-وَ لِيَبْتَلِيَ اَللّٰهُ مٰا فِي صُدُورِكُمْ-وَ لِيُمَحِّصَ مٰا فِي قُلُوبِكُمْ وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ بِذٰاتِ اَلصُّدُورِ فَأَخْبَرَ اَللَّهُ رَسُولَهُ مَا فِي قُلُوبِ اَلْقَوْمِ-وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُؤْمِناً وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُنَافِقاً كَاذِباً بِالنُّعَاسِ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِ « مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيَذَرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلىٰ مٰا أَنْتُمْ عَلَيْهِ-حَتّٰى يَمِيزَ اَلْخَبِيثَ مِنَ اَلطَّيِّبِ » يَعْنِي اَلْمُنَافِقَ اَلْكَاذِبَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِ اَلصَّادِقِ بِالنُّعَاسِ اَلَّذِي مَيَّزَ بَيْنَهُمْ . ، و قوله: إِنَّ اَلَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى اَلْجَمْعٰانِ-إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمُ اَلشَّيْطٰانُ أي خدعهم حتى طلبوا الغنيمة بِبَعْضِ مٰا كَسَبُوا قال بذنوبهم وَ لَقَدْ عَفَا اَللّٰهُ عَنْهُمْ ثم قال: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني عبد الله بن أبي و أصحابه الذين قعدوا عن الحرب وَ قٰالُوا لِإِخْوٰانِهِمْ إِذٰا ضَرَبُوا فِي اَلْأَرْضِ-أَوْ كٰانُوا غُزًّى لَوْ كٰانُوا عِنْدَنٰا مٰا مٰاتُوا وَ مٰا قُتِلُوا-لِيَجْعَلَ اَللّٰهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ-وَ اَللّٰهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اَللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ثم قال لنبيه :

فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اَللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْ-وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ اَلْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أي انهزموا و لم يقيموا معك-ثم قال تأديبا لرسوله فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شٰاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ-فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يُحِبُّ اَلْمُتَوَكِّلِينَ- إِنْ يَنْصُرْكُمُ اَللّٰهُ فَلاٰ غٰالِبَ لَكُمْ-وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا اَلَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ-وَ عَلَى اَللّٰهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اَلْمُؤْمِنُونَ

ص: 121

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ: مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ-وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمٰا غَلَّ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ وَ صَدَقَ اَللَّهُ لَمْ يَكُنِ اَللَّهُ لِيَجْعَلَ نَبِيّاً غَالاًّ (1)وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمٰا غَلَّ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ وَ مَنْ غَلَّ شَيْئاً رَآهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِي اَلنَّارِ ثُمَّ يُكَلَّفُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِ فَيُخْرِجَهُ مِنَ اَلنَّارِ ثُمَّ تُوَفّٰى كُلُّ نَفْسٍ مٰا كَسَبَتْ وَ هُمْ لاٰ يُظْلَمُونَ . و أما قوله لَقَدْ مَنَّ اَللّٰهُ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ-إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ فهذه الآية لآل محمد ص

وَ أَمَّا قَوْلُهُ أَ وَ لَمّٰا أَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ-قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهٰا قُلْتُمْ أَنّٰى هٰذٰا-قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ يَقُولُ بِمَعْصِيَتِكُمْ أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَكُمْ إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَ مٰا أَصٰابَكُمْ يَوْمَ اِلْتَقَى اَلْجَمْعٰانِ فَبِإِذْنِ اَللّٰهِ-وَ لِيَعْلَمَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ لِيَعْلَمَ اَلَّذِينَ نٰافَقُوا-وَ قِيلَ لَهُمْ تَعٰالَوْا قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَهُمْ ثَلاَثُ مِائَةِ مُنَافِقٍ رَجَعُوا مَعَ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَبِي سَلُولٍ فَقَالَ لَهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ أَنْشُدُكُمُ اَللَّهَ فِي نَبِيِّكُمْ وَ دِينِكُمْ وَ دِيَارِكُمْ-فَقَالُوا وَ اَللَّهِ لاَ يَكُونُ قِتَالٌ اَلْيَوْمَ-وَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ قِتَالٌ اِتَّبَعْنَاكُمْ-يَقُولُ اَللَّهُ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمٰانِ-يَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِهِمْ مٰا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ-وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا يَكْتُمُونَ . و في رواية علي بن إبراهيم قوله لَيْسَ لَكَ مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْءٌ-أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظٰالِمُونَ ،

وَ قَوْلُهُ « وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللّٰهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ » قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع مَا كَانُوا أَذِلَّةً وَ فِيهِمْ رَسُولُ اَللَّهِ ص وَ إِنَّمَا نَزَلَ « لَقَدْ نَصَرَكُمْ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ ضُعَفَاءُ . » .

فَلَمَّا سَكَنَ اَلْقِتَالُ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِسَعْدِ بْنِ اَلرَّبِيعِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا أَطْلُبُهُ فَأَشَارَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى مَوْضِعٍ-فَقَالَ اُطْلُبْهُ هُنَاكَ فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُهُ فِي ذَلِكَ اَلْمَوْضِعِ-قَدْ شُرِّعَتْ حَوْلَهُ اِثْنَا عَشَرَ رُمْحاً، قَالَ فَأَتَيْتُ ذَلِكَ اَلْمَوْضِعَ فَإِذَا هُوَ صَرِيعٌ بَيْنَ اَلْقَتْلَى، فَقُلْتُ يَا سَعْدُ ، فَلَمْ يُجِبْنِي-ثُمَّ قُلْتُ يَا سَعْدُ فَلَمْ يُجِبْنِي-فَقُلْتُ يَا سَعْدُ إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص

ص: 122


1- . غَلَّ غُلُولاً خَانَ. ج-ز.

قَدْ سَأَلَ عَنْكَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَانْتَعَشَ كَمَا يَنْتَعِشُ اَلْفَرْخُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص لَحَيٌّ قُلْتُ إِي وَ اَللَّهِ إِنَّهُ لَحَيٌّ-وَ قَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى حَوْلَكَ اِثْنَيْ عَشَرَ رُمْحاً فَقَالَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ صَدَقَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لَقَدْ طُعِنْتُ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً كُلُّهَا-قَدْ جَأَفَتْنِي (1)أَبْلِغْ قَوْمِيَ اَلْأَنْصَارَ اَلسَّلاَمَ-وَ قُلْ لَهُمْ وَ اَللَّهِ مَا لَكُمْ عِنْدَ اَللَّهِ عُذْرٌ-أَنْ تَشُوكَ رَسُولَ اَللَّهِ شَوْكَةٌ وَ فِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، ثُمَّ تَنَفَّسَ فَخَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ دَمِ اَلْجَزُورِ-وَ قَدْ كَانَ اِخْتَفَى فِي جَوْفِهِ-وَ قَضَى نَحْبَهُ رَحِمَهُ اَللَّهُ-ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَحِمَ اَللَّهُ سَعْداً نَصَرَنَا حَيّاً وَ أَوْصَى بِنَا مَيِّتاً .

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِعَمِّي حَمْزَةَ ، فَقَالَ اَلْحَارِثُ بْنُ سُمَيَّةَ أَنَا أَعْرِفُ مَوْضِعَهُ-فَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ فَكَرِهَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ فَيُخْبِرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع يَا عَلِيُّ اُطْلُبْ عَمَّكَ فَجَاءَ عَلِيٌّ ع فَوَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ فَكَرِهَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اَللَّهِ ص حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ-فَلَمَّا رَأَى مَا فُعِلَ بِهِ بَكَى ثُمَّ قَالَ-وَ اَللَّهِ مَا وَقَفْتُ مَوْقِفاً قَطُّ أَغْيَظَ عَلَيَّ مِنْ هَذَا اَلْمَكَانِ-لَئِنْ أَمْكَنَنِي اَللَّهُ مِنْ قُرَيْشٍ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ « وَ إِنْ عٰاقَبْتُمْ فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ-وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّٰابِرِينَ » فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص بَلْ أَصْبِرُ، فَهَذِهِ اَلْآيَةُ فِي سُورَةِ اَلنَّحْلِ وَ كَانَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي هَذِهِ اَلسُّورَةِ-اَلَّتِي فِيهَا أَخْبَارُ أُحُدٍ ، فَأَلْقَى رَسُولُ اَللَّهِ ص عَلَى حَمْزَةَ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيْهِ-فَكَانَتْ إِذَا مَدَّهَا عَلَى رَأْسِهِ بَدَتْ رِجْلاَهُ-وَ إِذَا مَدَّهَا عَلَى رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَمَدَّهَا عَلَى رَأْسِهِ وَ أَلْقَى عَلَى رِجْلَيْهِ اَلْحَشِيشَ-وَ قَالَ لَوْ لاَ أَنِّي أَحْذَرُ نِسَاءَ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ لَتَرَكْتُهُ لِلْعَادِيَةِ وَ اَلسِّبَاعِ-حَتَّى يُحْشَرَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِ اَلسِّبَاعِ وَ اَلطَّيْرِ، وَ أَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِالْقَتْلَى-فَجُمِعُوا فَصَلَّى عَلَيْهِمْ وَ دَفَنَهُمْ فِي مَضَاجِعِهِمْ

ص: 123


1- . جَأَفَهُ أَيْ صَرَعَهُ. ج-ز.

وَ كَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً، قَالَ وَ صَاحَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اَللَّهُ بِالْمَدِينَةِ «قُتِلَ مُحَمَّدٌ » فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ نِسَاءِ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ إِلاَّ خَرَجْنَ، وَ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اَللَّهِ ص تَعْدُو عَلَى قَدَمَيْهَا-حَتَّى وَافَتْ رَسُولَ اَللَّهِ ص وَ قَعَدَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ-فَكَانَ إِذَا بَكَى رَسُولُ اَللَّهِ ص بَكَتْ لِبُكَائِهِ-وَ إِذَا اِنْتَحَبَ اِنْتَحَبَتْ، وَ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ مَوْعِدُنَا وَ مَوْعِدُكُمْ فِي عَامٍ قَابِلٍ فَتَقْبَلُ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع قُلْ نَعَمْ، وَ اِرْتَحَلَ رَسُولُ اَللَّهِ ص وَ دَخَلَ اَلْمَدِينَةَ وَ اِسْتَقْبَلَتْهُ اَلنِّسَاءُ يُوَلْوِلْنَ وَ يَبْكِينَ-فَاسْتَقْبَلَتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اَللَّهِ ص اِحْتَسِبِي فَقَالَتْ مَنْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ قَالَ أَخَاكِ قَالَتْ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ هَنِيئاً لَهُ اَلشَّهَادَةُ، ثُمَّ قَالَ لَهَا اِحْتَسِبِي قَالَتْ مَنْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ قَالَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ قَالَتْ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ هَنِيئاً لَهُ اَلشَّهَادَةُ، ثُمَّ قَالَ لَهَا اِحْتَسِبِي قَالَتْ مَنْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ قَالَ زَوْجَكِ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ ، قَالَتْ وَا حُزْنَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِنَّ لِلزَّوْجِ عِنْدَ اَلْمَرْأَةِ لَحَدّاً-مَا لِأَحَدٍ مِثْلُهُ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ قُلْتِ ذَلِكِ فِي زَوْجِكِ قَالَتْ ذَكَرْتُ يُتْمَ وُلْدِهِ.

قَالَ وَ تَآمَرَتْ قُرَيْشٌ عَلَى أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى اَلْمَدِينَةِ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مَنْ رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ اَلْقَوْمِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع أَنَا آتِيكَ بِخَبَرِهِمْ، قَالَ اِذْهَبْ فَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا اَلْخَيْلَ وَ جَنَبُوا اَلْإِبِلَ-فَهُمْ يُرِيدُونَ اَلْمَدِينَةَ وَ اَللَّهِ لَئِنْ أَرَادُوا اَلْمَدِينَةَ لاَ يَأْذَنُ اَللَّهُ فِيهِمْ، وَ إِنْ كَانُوا رَكِبُوا اَلْإِبِلَ وَ جَنَبُوا اَلْخَيْلَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مَكَّةَ ، فَمَضَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع عَلَى مَا بِهِ مِنَ اَلْأَلَمِ وَ اَلْجِرَاحَاتِ-حَتَّى كَانَ قَرِيباً مِنَ اَلْقَوْمِ-فَرَآهُمْ قَدْ رَكِبُوا اَلْإِبِلَ وَ جَنَبُوا اَلْخَيْلَ-فَرَجَعَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَخْبَرَهُ-فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص أَرَادُوا مَكَّةَ .

فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اَللَّهِ اَلْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اَللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْرُجَ فِي أَثَرِ اَلْقَوْمِ-وَ لاَ يَخْرُجْ مَعَكَ إِلاَّ مَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مُنَادِياً

ص: 124

يُنَادِي-يَا مَعْشَرَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ مَنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَلْيَخْرُجْ وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَلْيُقِمْ، فَأَقْبَلُوا يَضْمِدُونَ جِرَاحَاتِهِمْ وَ يُدَاوُونَهَا-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ « وَ لاٰ تَهِنُوا فِي اِبْتِغٰاءِ اَلْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ-فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمٰا تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اَللّٰهِ مٰا لاٰ يَرْجُونَ » وَ هَذِهِ اَلْآيَةُ فِي سُورَةِ اَلنِّسَاءِ وَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي هَذِهِ اَلسُّورَةِ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ اَلْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ-وَ تِلْكَ اَلْأَيّٰامُ نُدٰاوِلُهٰا بَيْنَ اَلنّٰاسِ-وَ لِيَعْلَمَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدٰاءَ فَخَرَجُوا عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ اَلْأَلَمِ وَ اَلْجِرَاحِ-فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِحَمْرَاءِ اَلْأَسَدِ وَ قُرَيْشٌ قَدْ نَزَلَتِ اَلرَّوْحَاءَ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَ اَلْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَ عَمْرُو بْنُ عَاصٍ وَ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ نَرْجِعُ فَنُغِيرُ عَلَى اَلْمَدِينَةِ فَقَدْ قَتَلْنَا سَرَاتَهُمْ وَ كَبْشَهُمْ يَعْنِي حَمْزَةَ فَوَافَاهُمْ رَجُلٌ خَرَجَ مِنَ اَلْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ اَلْخَبَرَ-فَقَالَ تَرَكْتُ مُحَمَّداً وَ أَصْحَابَهُ بِحَمْرَاءِ اَلْأَسَدِ يَطْلُبُونَكُمْ جِدَّ اَلطَّلَبِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ هَذَا اَلنَّكَدُ وَ اَلْبَغْيُ-قَدْ ظَفِرْنَا بِالْقَوْمِ وَ بَغَيْنَا-وَ اَللَّهِ مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ قَطُّ بَغَوْا، فَوَافَاهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ اَلْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ اَلْمَدِينَةَ لِأَمْتَارَ لِأَهْلِي طَعَاماً، قَالَ هَلْ لَكَ أَنْ تَمُرَّ بِحَمْرَاءِ اَلْأَسَدِ وَ تَلْقَى أَصْحَاَبَ مُحَمَّدٍ وَ تُعْلِمَهُمْ أَنَّ خُلَفَاءَنَا وَ مَوَالِيَنَا-قَدْ وَافَوْنَا مِنَ اَلْأَحَابِيشِ (1)حَتَّى يَرْجِعُوا عَنَّا وَ لَكَ عِنْدِي عَشَرَةُ قَلاَئِصَ (2)أَمْلَؤُهَا تَمْراً وَ زَبِيباً قَالَ نَعَمْ، فَوَافَى مِنْ غَدِ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ حَمْرَاءَ اَلْأَسَدِ ، فَقَالَ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ص أَيْنَ تُرِيدُونَ قَالُوا قُرَيْشَ ، قَالَ اِرْجِعُوا-فَإِنَّ قُرَيْشاً قَدْ أَجْنَحَتْ إِلَيْهِمْ خُلَفَاؤُهُمْ-وَ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ-وَ مَا أَظُنُّ إِلاَّ وَ أَوَائِلُ اَلْقَوْمِ قَدْ طَلَعُوا عَلَيْكُمُ اَلسَّاعَةَ، فَقَالُوا حَسْبُنَا اَللّٰهُ وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ وَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ اِرْجِعْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَرْهَبَ قُرَيْشاً ، وَ مَرُّوا

ص: 125


1- . اَلْأَحَابِيشُ جَمْعُ أُحْبُوشَةٍ كَأُحْدُوثَةٍ وَ هِيَ اَلْجَمَاعَةُ مِنَ اَلنَّاسِ لَيْسُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ.
2- . جَمْعُ قَلُوصٍ كَمَجُوسٍ وَ هِيَ اَلْإِبِلُ ج-ز.

لاَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ-وَ رَجَعَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ أَنْزَلَ اَللَّهُ اَلَّذِينَ اِسْتَجٰابُوا لِلّٰهِ وَ اَلرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مٰا أَصٰابَهُمُ اَلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ-وَ اِتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ اَلَّذِينَ قٰالَ لَهُمُ اَلنّٰاسُ يَعْنِي نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ فَهَذَا اَللَّفْظُ عَامٌّ وَ مَعْنَاهُ خَاصٌّ إِنَّ اَلنّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزٰادَهُمْ إِيمٰاناً-وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اَللّٰهُ وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اَللّٰهِ-وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ-وَ اِتَّبَعُوا رِضْوٰانَ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ فَلَمَّا دَخَلُوا اَلْمَدِينَةَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ ص مَا هَذَا اَلَّذِي أَصَابَنَا قَدْ كُنْتَ تَعِدُنَا اَلنَّصْرَ، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ أَ وَ لَمّٰا أَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ-قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهٰا قُلْتُمْ أَنّٰى هٰذٰا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ وَ ذَلِكَ لِأَنَّ يَوْمَ بَدْرٍ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ سَبْعُونَ-وَ أُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَ كَانَ اَلْحُكْمُ فِي اَلْأُسَارَى اَلْقَتْلَ، فَقَامَتِ اَلْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ هَبْهُمْ لَنَا وَ لاَ تَقْتُلْهُمْ حَتَّى نُفَادِيَهُمْ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَبَاحَ لَهُمُ-اَلْفِدَاءَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ هَؤُلاَءِ وَ يُطْلِقُوهُمْ، عَلَى أَنْ يُسْتَشْهَدَ مِنْهُمْ فِي عَامٍ قَابِلٍ-بِقَدْرِ مَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ اَلْفِدَاءَ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِهَذَا اَلشَّرْطِ، فَقَالُوا قَدْ رَضِينَا بِهِ-نَأْخُذُ اَلْعَامَ اَلْفِدَاءَ مِنْ هَؤُلاَءِ نَتَقَوَّى بِهِ-وَ يُقْتَلُ مِنَّا فِي عَامٍ قَابِلٍ-بِعَدَدِ مَا نَأْخُذُ مِنْهُمُ اَلْفِدَاءَ وَ نَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ ، فَأَخَذُوا مِنْهُمُ اَلْفِدَاءَ وَ أَطْلَقُوهُمْ، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ وَ هُوَ يَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ سَبْعُونَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذَا اَلَّذِي أَصَابَنَا-وَ قَدْ كُنْتَ تَعِدُنَا بِالنَّصْرِ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ « أَ وَ لَمّٰا أَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ-قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهٰا قُلْتُمْ أَنّٰى هٰذٰا-قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ » بِمَا اِشْتَرَطْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ-وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمٰا غَلَّ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ فَإِنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ فِي حَرْبِ بَدْرٍ ، وَ هِيَ مَعَ اَلْآيَاتِ اَلَّتِي فِي اَلْأَنْفَالِ فِي أَخْبَارِ بَدْرٍ ، وَ قَدْ كُتِبَتْ فِي هَذِهِ اَلسُّورَةِ مَعَ أَخْبَارِ أُحُدٍ ، وَ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ كَانَ فِي اَلْغَنِيمَةِ-اَلَّتِي أَصَابُوهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ فَفُقِدَتْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ ص مَا لَنَا لاَ نَرَى اَلْقَطِيفَةَ مَا أَظُنُّ إِلاَّ أَنَّ

ص: 126

رَسُولَ اَللَّهِ أَخَذَهَا، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ فِي ذَلِكَ، وَ مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ . . . إلخ. فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ فَقَالَ-إِنَّ فُلاَناً غَلَّ قَطِيفَةً فَأَخْبَأَهَا هُنَالِكَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِحَفْرِ ذَلِكَ اَلْمَوْضِعِ فَأَخْرَجَ اَلْقَطِيفَةَ .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ: وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتاً-بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ اَلْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ هُمْ وَ اَللَّهِ شِيعَتُنَا إِذَا دَخَلُوا اَلْجَنَّةَ وَ اِسْتَقْبَلُوا اَلْكَرَامَةَ مِنَ اَللَّهِ-اِسْتَبْشَرُوا بِمَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي اَلدُّنْيَا أَلاّٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ وَ هُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُبْطِلُ اَلثَّوَابَ وَ اَلْعِقَابَ بَعْدَ اَلْمَوْتِ.

و أما قوله وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ-هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ قال من بخل و لم ينفق ماله في طاعة الله-صار ذلك يوم القيامة طوقا من نار في عنقه-و هو قوله سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ و أما قوله: لَقَدْ سَمِعَ اَللّٰهُ قَوْلَ اَلَّذِينَ قٰالُوا-إِنَّ اَللّٰهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِيٰاءُ قال و الله ما رأوا الله تعالى-فيعلموا أنه فقير و لكنهم رأوا أولياء الله فقراء-فقالوا لو كان الله غنيا لأغنى أولياءه و أما قوله اَلَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اَللّٰهَ عَهِدَ إِلَيْنٰا-أَلاّٰ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّٰى يَأْتِيَنٰا بِقُرْبٰانٍ تَأْكُلُهُ اَلنّٰارُ فإن قوما من اليهود قالوا لرسول الله ص لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار-و كان عند بني إسرائيل طست كانوا يقربون القربان-فيضعونه في الطست فتجيء نار فتقع فيه فتحرقه، فقالوا لرسول الله ص لن نؤمن لك حتى تأتينا بقربان تأكله النار-كما كان لبني إسرائيل فقال الله قُلْ لهم يا محمد قَدْ جٰاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنٰاتِ-وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ فَإِنْ كَذَّبُوكَ-فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جٰاؤُ بِالْبَيِّنٰاتِ هِيَ اَلْآيَاتُ وَ اَلزُّبُرِ وَ هِيَ كُتُبُ اَلْأَنْبِيَاءِ بِالنُّبُوَّةِ وَ اَلْكِتٰابِ اَلْمُنِيرِ اَلْحَلاَلَ وَ اَلْحَرَامَ.

ص: 127

قال علي بن إبراهيم و أما قوله كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ اَلْمَوْتِ-وَ إِنَّمٰا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ اَلنّٰارِ وَ أُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ فَقَدْ فٰازَ أي نجا من النار وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ مَتٰاعُ اَلْغُرُورِ

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سُلَيْمَانَ اَلدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ يُدْعَى مُحَمَّدٌ ص فَيُكْسَى حُلَّةً وَرْدِيَّةً ثُمَّ يُقَامُ عَلَى يَمِينِ اَلْعَرْشِ ثُمَّ يُدْعَى بِإِبْرَاهِيمَ ع فَيُكْسَى حُلَّةً بَيْضَاءَ-فَيُقَامُ عَنْ يَسَارِ اَلْعَرْشِ ، ثُمَّ يُدْعَى بِعَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فَيُكْسَى حُلَّةً وَرْدِيَّةً فَيُقَامُ عَلَى يَمِينِ اَلنَّبِيِّ ص ثُمَّ يُدْعَى بِإِسْمَاعِيلَ فَيُكْسَى حُلَّةً بَيْضَاءَ-فَيُقَامُ عَلَى يَسَارِ إِبْرَاهِيمَ ، ثُمَّ يُدْعَى بِالْحَسَنِ ع فَيُكْسَى حُلَّةً وَرْدِيَّةً-فَيُقَامُ عَلَى يَمِينِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ثُمَّ يُدْعَى بِالْحُسَيْنِ ع فَيُكْسَى حُلَّةً وَرْدِيَّةً-فَيُقَامُ عَلَى يَمِينِ اَلْحَسَنِ ع ثُمَّ يُدْعَى بِالْأَئِمَّةِ فَيُكْسَوْنَ حُلَلاً وَرْدِيَّةً-وَ يُقَامُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ يُدْعَى بِالشِّيعَةِ فَيَقُومُونَ أَمَامَهُمْ-ثُمَّ يُدْعَى بِفَاطِمَةَ وَ نِسَائِهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهَا وَ شِيعَتِهَا فَيَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ اَلْعَرْشِ مِنْ قِبَلِ رَبِّ اَلْعِزَّةِ وَ اَلْأُفُقِ اَلْأَعْلَى نِعْمَ اَلْأَبُ أَبُوكَ يَا مُحَمَّدُ وَ هُوَ إِبْرَاهِيمُ وَ نِعْمَ اَلْأَخُ أَخُوكَ وَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَ نِعْمَ اَلسِّبْطَانِ سِبْطَاكَ وَ هُمَا اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ وَ نِعْمَ اَلْجَنِينُ جَنِينُكَ وَ هُوَ مُحَسِّنٌ وَ نِعْمَ اَلْأَئِمَّةُ اَلرَّاشِدُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ وَ هُمْ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ، وَ نِعْمَ اَلشِّيعَةُ شِيعَتُكَ أَلاَ إِنَّ مُحَمَّداً وَ وَصِيَّهُ وَ سِبْطَيْهِ-وَ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ هُمُ اَلْفَائِزُونَ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى اَلْجَنَّةِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: « فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ اَلنّٰارِ وَ أُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ فَقَدْ فٰازَ » .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ: وَ إِذْ أَخَذَ اَللّٰهُ مِيثٰاقَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ-لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّٰاسِ وَ لاٰ تَكْتُمُونَهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ اَللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ اَلَّذِينَ-أُوتُوا اَلْكِتَابَ فِي مُحَمَّدٍ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ إِذَا خَرَجَ وَ لاَ يَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرٰاءَ ظُهُورِهِمْ يَقُولُ نَبَذُوا عَهْدَ اَللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ اِشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مٰا يَشْتَرُونَ .

ص: 128

نَزَلَتْ فِي اَلْمُنَافِقِينَ-اَلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا عَلَى غَيْرِ فِعْلٍ.

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَوْلُهُ فَلاٰ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفٰازَةٍ مِنَ اَلْعَذٰابِ يَقُولُ بِبَعِيدٍ مِنَ اَلْعَذَابِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ .

قال علي بن إبراهيم في قوله اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اَللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ يعني الصحيح يصلي قائما و المريض يصلي جالسا وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ يعني مضطجعا يومئ إيماء إلى قوله مٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ أَنْصٰارٍ فهو محكم رَبَّنٰا إِنَّنٰا سَمِعْنٰا مُنٰادِياً يُنٰادِي لِلْإِيمٰانِ يعني رسول الله ينادي إلى الإيمان-إلى قوله إِنَّكَ لاٰ تُخْلِفُ اَلْمِيعٰادَ ثم ذكر أمير المؤمنين ع و أصحابه المؤمنين فقال فَالَّذِينَ هٰاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ يعني أمير المؤمنين و سلمان و أبا ذر حين أخرج وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قٰاتَلُوا وَ قُتِلُوا-لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئٰاتِهِمْ-وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ-ثَوٰاباً مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ عِنْدَهُ حُسْنُ اَلثَّوٰابِ ثم قال لنبيه لاٰ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فِي اَلْبِلاٰدِ- مَتٰاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ اَلْمِهٰادُ و أما قوله وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ-وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خٰاشِعِينَ لِلّٰهِ فهم قوم من اليهود و النصارى دخلوا في الإسلام ، منهم النجاشي و أصحابه، و أما قوله اِصْبِرُوا وَ صٰابِرُوا وَ رٰابِطُوا

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ [اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ] عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: اِصْبِرُوا عَلَى اَلْمَصَائِبِ وَ صٰابِرُوا عَلَى اَلْفَرَائِضِ وَ رٰابِطُوا عَلَى اَلْأَئِمَّةِ ع .

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ [اَلْحُسَيْنِ]بْنِ خَالِدٍ عَنِ اَلرِّضَا ع قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ اَلصَّابِرُونَ فَيَقُومُ فِئَامٌ (1)مِنَ اَلنَّاسِ ثُمَّ يُنَادِي أَيْنَ اَلْمُتَصَبِّرُونَ، فَيَقُومُ فِئَامٌ مِنَ اَلنَّاسِ، قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا اَلصَّابِرُونَ قَالَ عَلَى أَدَاءِ اَلْفَرَائِضِ وَ اَلْمُتَصَبِّرُونَ عَلَى اِجْتِنَابِ اَلْمَحَارِمِ .

ص: 129


1- . اَلْفِئَامُ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلنَّاسِ، لاَ وَاحِدَ لَهُ. ج-ز.

4- سورة النساء مدنية

و هي مائة و ست و سبعون آية 176

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ- يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمُ-اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ يعني آدم ع وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا يعني حواء برأها الله من أسفل أضلاعه وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالاً كَثِيراً وَ نِسٰاءً-وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ اَلَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ اَلْأَرْحٰامَ قال يساءلون يوم القيامة عن التقوى هل اتقيتم، و عن الأرحام هل وصلتموها، و قوله إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً أي كفيلا، و في رواية أبي الجارود الرقيب الحفيظ، قال علي بن إبراهيم في قوله وَ آتُوا اَلْيَتٰامىٰ أَمْوٰالَهُمْ وَ لاٰ تَتَبَدَّلُوا اَلْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ-وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَهُمْ إِلىٰ أَمْوٰالِكُمْ يعني لا تأكلوا مال اليتيم ظلما-فتسرفوا و تتبدلوا الخبيث بالطيب-و الطيب ما قال الله « وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ » وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَهُمْ إِلىٰ أَمْوٰالِكُمْ يعني مال اليتيم إِنَّهُ كٰانَ حُوباً كَبِيراً أي إثما عظيما-

ص: 130

ما يهبه لها من مهرها-إن ردته عليه فهو هنيء مريء،

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ وَ لاٰ تُؤْتُوا اَلسُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ فَالسُّفَهَاءُ اَلنِّسَاءُ وَ اَلْوَلَدُ، إِذَا عَلِمَ اَلرَّجُلُ أَنَّ اِمْرَأَتَهُ سَفِيهَةٌ مُفْسِدَةٌ-وَ وَلَدَهُ سَفِيهٌ مُفْسِدٌ-لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَلِّطَ وَاحِداً مِنْهُمَا عَلَى مَالِهِ-اَلَّذِي جَعَلَهُ اَللَّهُ لَهُ قِيٰاماً يَقُولُ مَعَاشاً-قَالَ وَ اُرْزُقُوهُمْ فِيهٰا وَ اُكْسُوهُمْ-وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً اَلْمَعْرُوفُ اَلْعُدَّةُ (1).

قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص شَارِبُ اَلْخَمْرِ لاَ تُصَدِّقُوهُ إِذَا حَدَّثَ-وَ لاَ تُزَوِّجُوهُ إِذَا خَطَبَ وَ لاَ تَعُودُوهُ إِذَا مَرِضَ-وَ لاَ تَحْضُرُوهُ إِذَا مَاتَ وَ لاَ تَأْتَمِنُوهُ عَلَى أَمَانَةٍ-فَمَنِ اِئْتَمَنَهُ عَلَى أَمَانَةٍ فَأَهْلَكَهَا فَلَيْسَ عَلَى اَللَّهِ أَنْ يُخْلِفَ عَلَيْهِ وَ لاَ أَنْ يَأْجُرَهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ اَللَّهَ يَقُولُ وَ لاٰ تُؤْتُوا اَلسُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ وَ أَيُّ سَفِيهٍ أَسْفَهُ مِنْ شَارِبِ اَلْخَمْرِ.

ص: 131


1- . العدة ما أعددته من مال و سلاح. ج. ز.

و قوله وَ إِذٰا حَضَرَ اَلْقِسْمَةَ أُولُوا اَلْقُرْبىٰ وَ اَلْيَتٰامىٰ وَ اَلْمَسٰاكِينُ-فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً منسوخ بقوله « يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ » و أما قوله وَ لْيَخْشَ اَلَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعٰافاً-خٰافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اَللّٰهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً فإن الله عز و جل يقول لا تظلموا اليتامى-فيصيب أولادكم مثل ما فعلتم باليتامى-و إن الله تبارك و تعالى يقول إذا ظلم الرجل اليتيم و كان مستحلا-لم يحفظ ولده و وكلهم إلى أبيهم، و إن كان صالحا حفظ ولده في صلاح أبيهم، و الدليل على ذلك قوله تبارك و تعالى « وَ أَمَّا اَلْجِدٰارُ فَكٰانَ لِغُلاٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي اَلْمَدِينَةِ-وَ كٰانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمٰا وَ كٰانَ أَبُوهُمٰا صٰالِحاً إلى قوله رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ » لأن الله لا يظلم اليتامى لفساد أبيهم-و لكن يكل الولد إلى أبيه-فإن كان صالحا حفظ ولده بصلاحه، و أما قوله إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً-إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً الآية

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ-رَأَيْتُ قَوْماً تُقْذَفُ فِي أَجْوَافِهِمُ اَلنَّارُ وَ تَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ هَؤُلاَءِ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً .

و قوله يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ-لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ قال إذا مات الرجل و ترك بنين و بنات-فللذكر مثل حظ الأنثيين-و قوله فَإِنْ كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اِثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثٰا مٰا تَرَكَ يعني إذا مات الرجل و ترك أبوين و ابنتين-فللأبوين السدسان و للابنتين الثلثان، فإن كانت البنت واحدة فلها النصف وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ ، و بقي سهم يقسم على خمسة أسهم-فما أصاب ثلاث أسهم فللبنت و ما أصاب اثنين فللأبوين، و قوله فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ اَلثُّلُثُ يعني إذا ترك أبوين فللأم الثلث و للأب الثلثان مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ أي لا تكون الوصية على المضارة يعني بولده-ثم قال للرجال

ص: 132

وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ فإذا ماتت المرأة فلزوجها النصف إذا لم يكن لها ولد-فإن كان لها ولد فلزوجها الربع-و للمرأة إذا مات زوجها و لم يكن له ولد فلها الربع-و إن كان له ولد فلها الثمن- و قوله: وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاٰلَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ-وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ فهذه كلالة الأم و هي الإخوة و الأخوات من الأم-فإن كانوا أكثر من ذلك فهم يأخذون الثلث، فيقتسمون فيما بينهم بالسوية-الذكر و الأنثى فيه سواء، فإن كان للميت إخوة و أخوات من قبل الأب و الأم-أو من قبل الأب وحده فلأمه السدس-و للأب خمسة أسداس، فإن الإخوة و الأخوات من قبل الأب-هم في عيال الأب و يلزمه مئونتهم-فهم يحجبون الأم عن الثلث و لا يرثون و قوله وَ اَللاّٰتِي يَأْتِينَ اَلْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ-فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ-فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي اَلْبُيُوتِ حَتّٰى يَتَوَفّٰاهُنَّ اَلْمَوْتُ-أَوْ يَجْعَلَ اَللّٰهُ لَهُنَّ سَبِيلاً فإنه في الجاهلية كان إذا زنى الرجل المرأة-كانت تحبس في بيت إلى أن تموت-ثم نسخ ذلك بقوله « اَلزّٰانِيَةُ وَ اَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ » و قوله إِنَّمَا اَلتَّوْبَةُ عَلَى اَللّٰهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسُّوءَ بِجَهٰالَةٍ-ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولٰئِكَ يَتُوبُ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ-وَ كٰانَ اَللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً فإنه محكم-قوله لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئٰاتِ-حَتّٰى إِذٰا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قٰالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: نَزَلَ فِي اَلْقُرْآنِ أَنَّ زعلون (1)تَابَ حَيْثُ لَمْ تَنْفَعْهُ اَلتَّوْبَةُ-وَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ-وَ قَوْلُهُ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-لاٰ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا اَلنِّسٰاءَ كَرْهاً-وَ لاٰ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مٰا آتَيْتُمُوهُنَّ قَالَ لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ إِذَا نَكَحَ اِمْرَأَةً-وَ لَمْ يُرِدْهَا وَ كَرِهَهَا أَنْ لاَ يُطَلِّقَهَا إِذَا لَمْ يُجْبَرْ [يَجُرْ]عَلَيْهَا. ، و يعضلها أي يحبسها-و يقول لها حتى تؤدي ما أخذت مني فنهى الله عن ذلك

ص: 133


1- . اِسْمُ مُشْرِكٍ. ج-ز.

إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ و هو ما وصفناه في الخلع-فإن قالت له ما تقول المختلعة-يجوز له أن يأخذ منها ما أعطاها و ما فضل. .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ (1)عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا اَلنِّسٰاءَ كَرْهاً فَإِنَّهُ كَانَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ فِي أَوَّلِ مَا أَسْلَمُوا مِنْ قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ إِذَا مَاتَ حَمِيمُ (2)اَلرَّجُلِ وَ لَهُ اِمْرَأَةٌ-أَلْقَى اَلرَّجُلُ ثَوْبَهُ عَلَيْهَا-فَوَرِثَ نِكَاحَهَا بِصَدَاقِ حَمِيمِهِ اَلَّذِي كَانَ أَصْدَقَهَا-فَكَانَ يَرِثُ نِكَاحَهَا كَمَا يَرِثُ مَالَهُ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو قَيْسِ بْنُ اَلْأَسْلَبِ [أَبُو قُبَيْسِ بْنُ اَلْأَسْلَتِ] أَلْقَى مُحْصَنُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ ثَوْبَهُ عَلَى اِمْرَأَةِ أَبِيهِ-وَ هِيَ كَبِيثَةُ [كَبِيشَةُ] بِنْتُ مُعَمَّرِ بْنِ مَعْبَدٍ فَوَرِثَ نِكَاحَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا لاَ يَدْخُلُ بِهَا وَ لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا-فَأَتَتْ رَسُولَ اَللَّهِ ص فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَاتَ أَبُو قَيْسِ بْنُ اَلْأَسْلَبِ فَوَرِثَ اِبْنُهُ مُحْصَنٌ نِكَاحِي فَلاَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَ لاَ يُنْفِقُ عَلَيَّ-وَ لاَ يُخَلِّي سَبِيلِي فَأَلْحَقَ بِأَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص اِرْجِعِي إِلَى بَيْتِكِ-فَإِنْ يُحْدِثِ اَللَّهُ فِي شَأْنِكِ شَيْئاً أَعْلَمْتُكِ بِهِ، فَنَزَلَ وَ لاٰ تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ-إِلاّٰ مٰا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ سٰاءَ سَبِيلاً فَلَحِقَتْ بِأَهْلِهَا، وَ كَانَتْ نِسَاءٌ فِي اَلْمَدِينَةِ قَدْ وُرِثَ نِكَاحُهُنَّ كَمَا وُرِثَ نِكَاحُ كَبِيثَةَ غَيْرَ أَنَّهُ وَرِثَهُنَّ عَنِ اَلْأَبْنَاءِ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا اَلنِّسٰاءَ كَرْهاً » . و قوله وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ-فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً-وَ يَجْعَلَ اَللّٰهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً يعني الرجل يكره أهله فإما أن يمسكها فيعطفه الله عليها-و إما أن يخلي سبيلها فيتزوجها غيره

ص: 134


1- . لاَ يَخْفَى أَنَّ اَلرِّوَايَاتِ اَلَّتِي صَدَرَتْ بِذِكْرِ أَبِي اَلْجَارُودِ، لَيْسَتْ مِنْ عِبَارَةِ تَفْسِيرِ اَلْقُمِّيِّ، بَلْ إِنَّهَا مُضَافَاتُ أَبِي اَلْفَضْلِ اَلْعَبَّاسِ تِلْمِيذِ اَلْمُصَنِّفِ اَلَّتِي أَضَافَهَا إِلَى أَصْلِ اَلتَّفْسِيرِ بِمُنَاسَبَةِ اَلْمَقَامِ.
2- . اَلْقَرِيبُ وَ اَلصَّدِيقُ. ج-ز.

فيرزقها الله الود و الولد-ففي ذلك قد جعل الله خيرا كثيرا-قال وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ-وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلاٰ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً-أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً و ذلك إذا كان الرجل هو الكاره للمرأة، فنهى الله أن يسيء إليها حتى تفتدي منه-يقول الله وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضىٰ بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ و الإفضاء المباشرة-يقول الله وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً و الميثاق الغليظ الذي اشترطه الله للنساء على الرجال فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ .

قال علي بن إبراهيم في قوله « وَ لاٰ تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ إِلاّٰ مٰا قَدْ سَلَفَ » فإن العرب كانوا ينكحون نساء آبائهم-فكان إذا كان للرجل أولاد كثيرة-و له أهل و لم تكن أمهم ادعى كل واحد فيها-فحرم الله مناكحتهم و له أهل ثم قال حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ-وَ عَمّٰاتُكُمْ وَ خٰالاٰتُكُمْ وَ بَنٰاتُ اَلْأَخِ وَ بَنٰاتُ اَلْأُخْتِ-وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اَللاّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ اَلرَّضٰاعَةِ-وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ الآية-فإن هذه المحرمات هي محرمة و ما فوقها إلى أقصاها-و كذلك البنت و الأخت، و أما التي هي محرمة بنفسها و بنتها حلال-فالعمة و الخالة هي محرمة بنفسها و بنتها حلال-و أمهات النساء أمها محرمة و بنتها حلال-إذا ماتت ابنتها الأولى التي هي امرأته أو طلقها-و أما قوله وَ رَبٰائِبُكُمُ اَللاّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ فالخوارج زعمت أن الرجل إذا كانت لأهله بنت-و لم يربها و لم تكن في حجره حلت له لقول الله «[و] اَللاّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ » قَالَ اَلصَّادِقُ ع لاَ تَحِلُّ لَهُ وَ حَلاٰئِلُ أَبْنٰائِكُمُ اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلاٰبِكُمْ يعني امرأة الولد ،

ص: 135

مسافحة-قوله فَمَنِ اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ

قَالَ اَلصَّادِقُ ع : « فَمَنِ اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى-فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً » قَالَ اَلصَّادِقُ ع فَهَذِهِ اَلْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى اَلْمُتْعَةِ. و قوله وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً-أَنْ يَنْكِحَ اَلْمُحْصَنٰاتِ اَلْمُؤْمِنٰاتِ-فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ اَلْمُؤْمِنٰاتِ قال و من لم يستطع أن ينكح الحرة فالإماء بإذن أصحابهن وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ-فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ-مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ قال غير خديعة و لا فسق و لا فجور-و قوله وَ لاٰ مُتَّخِذٰاتِ أَخْدٰانٍ أي لا يتخذها صديقة-و قوله فَإِذٰا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى اَلْمُحْصَنٰاتِ مِنَ اَلْعَذٰابِ يعني به العبيد و الإماء إذا زنيا ضربا نصف الحد، فمن عاد فمثل ذلك حتى يفعلوا ذلك ثماني مرات-ففي الثامنة يقتلون،

قَالَ اَلصَّادِقُ ع وَ إِنَّمَا صَارَ يُقْتَلُ فِي اَلثَّامِنَةِ-لِأَنَّ اَللَّهَ رَحِمَهُ أَنْ يَجْمَعَ عَلَيْهِ رِبْقَ اَلرِّقِّ وَ حَدَّ اَلْحُرِّ.

و قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ يعني الربا إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ يعني الشراء و البيع الحلال

وَ لاٰ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قَالَ كَانَ اَلرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ ص فِي اَلْغَزْوِ يَحْمِلُ عَلَى اَلْعَدُوِّ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَنَهَى اَللَّهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَسُولِ اَللَّهِ ص . و قوله إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ قال هي سبعة: الكفر و قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم و أكل الربا، و الفرار من الزحف، و التعرب بعد الهجرة، و كلما وعد الله في القرآن عليه النار فهو من الكبائر، ثم قال نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً و قوله وَ لاٰ تَتَمَنَّوْا مٰا فَضَّلَ اَللّٰهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلىٰ بَعْضٍ قال لا يجوز للرجل أن يتمنى امرأة رجل مسلم أو ماله-و لكن يسأل الله من فضله إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً .

ص: 136

قوله وَ لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مَوٰالِيَ-مِمّٰا تَرَكَ اَلْوٰالِدٰانِ وَ اَلْأَقْرَبُونَ-وَ اَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمٰانُكُمْ و كان المواريث في الجاهلية على الأخوة لا على الرحم-و كانوا يورثون الحليف-و الموالي الذين أعتقوهم ثم نزل بعد ذلك « وَ أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اَللّٰهِ نسخت هذه، و قوله اَلرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى اَلنِّسٰاءِ-بِمٰا فَضَّلَ اَللّٰهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وَ بِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِمْ يعني فرض الله على الرجال أن ينفقوا على النساء-ثم مدح الله النساء فقال: فَالصّٰالِحٰاتُ قٰانِتٰاتٌ-حٰافِظٰاتٌ لِلْغَيْبِ بِمٰا حَفِظَ اَللّٰهُ يعني تحفظ نفسها إذا غاب زوجها عنها،

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ « قٰانِتٰاتٌ » يَقُولُ مُطِيعَاتٌ-وَ قَوْلُهُ وَ اَللاّٰتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ-وَ اُهْجُرُوهُنَّ فِي اَلْمَضٰاجِعِ وَ اِضْرِبُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاٰ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً وَ ذَلِكَ إِنْ نَشَزَتِ اَلْمَرْأَةُ عَنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا-قَالَ زَوْجُهَا اِتَّقِي اَللَّهَ وَ اِرْجِعِي إِلَى فِرَاشِكِ فَهَذِهِ اَلْمَوْعِظَةُ، فَإِنْ أَطَاعَتْهُ فَسَبِيلٌ ذَلِكَ وَ إِلاَّ سَبَّهَا وَ هُوَ اَلْهَجْرُ-فَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى فِرَاشِهَا فَذَلِكَ وَ إِلاَّ ضَرَبَهَا ضَرْباً غَيْرَ مُبْرِحٍ-فَإِنْ أَطَاعَتْهُ وَ ضَاجَعَتْهُ يَقُولُ اَللَّهُ « فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاٰ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً » يَقُولُ لاَ تُكَلِّفُوهُنَّ اَلْحُبَّ-فَإِنَّمَا جَعَلَ اَلْمَوْعِظَةَ وَ اَلسَّبَّ وَ اَلضَّرْبَ لَهُنَّ فِي اَلْمَضْجَعِ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَلِيًّا كَبِيراً .

و قوله وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقٰاقَ بَيْنِهِمٰا-فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا فبما حكم به الحكمان فهو جائز يقول الله إِنْ يُرِيدٰا إِصْلاٰحاً يُوَفِّقِ اَللّٰهُ بَيْنَهُمٰا يعني الحكمين-فإذا كانا عدلين دخل حكم المرأة على المرأة-فيقول أخبريني ما في نفسك فإني لا أحب أن أقطع شيئا دونك، فإن كانت هي الناشزة قالت أعطوه من مالي ما شاء-و فرق بيني و بينه، و إن لم تكن ناشزة قالت-أنشدك الله أن لا تفرق بيني و بينه، و لكن استزد لي في النفقة فإنه مسيء-و يخلو حكم الرجل يجيء إلى الرجل-فيقول حدثني بما في نفسك-فإني لا أحب أن أقطع شيئا دونك، فإن كان هو الناشز قال خذ لي منها ما استطعت-و فرق بيني و بينها فلا حاجة لي فيها،

ص: 137

و إن لم يكن ناشزا-قال أنشدك الله أن لا تفرق بيني و بينها-فإنها أحب الناس إلي فأرضها من مالي بما شئت، ثم يلتقي الحكمان و قد علم كل واحد منهما-ما أفضى به إليه صاحبه-فأخذ كل واحد منهما على صاحبه عهد الله-و ميثاقه لتصدقني و لأصدقنك، و ذلك حين يريد الله أن يوفق بينهما-فإذا فعلا و حدث كل واحد منهما صاحبه-بما أفضى إليه عرفا من الناشز-فإن كانت المرأة هي الناشزة-قالا أنت عدوة الله الناشزة العاصية لزوجك-ليس لك عليه نفقة و لا كرامة لك-و هو أحق أن يبغضك أبدا حتى ترجعي إلى أمر الله، و إن كان الرجل هو الناشز-قالا له أنت عدو الله-و أنت العاصي لأمر الله-المبغض لأمر الله [لامرأتك]فعليك نفقتها و لا تدخل لها بيتا-و لا ترى لها وجها أبدا-حتى ترجع إلى أمر الله و كتابه-

قَالَ: وَ أَتَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع رَجُلٌ-وَ اِمْرَأَتُهُ عَلَى هَذِهِ اَلْحَالِ-فَبَعَثَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا وَ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ هَلْ تَدْرِيَانِ مَا تَحْكُمَانِ إِنْ شِئْتُمَا فَرَّقْتُمَا وَ إِنْ شِئْتُمَا جَمَعْتُمَا، فَقَالَ اَلزَّوْجُ لاَ أَرْضَى بِحُكْمِ فُرْقَةٍ وَ لاَ أُطَلِّقُهَا، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا وَ مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا، وَ إِنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ اَلْحَالِ اَلزَّوْجُ وَرِثَتْهُ، وَ إِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا-إِذَا رَضِيَتْ مِنْهُ بِحُكْمِ اَلْحَكَمَيْنِ وَ كَرِهَ اَلزَّوْجُ، فَإِنْ رَضِيَ اَلزَّوْجُ وَ كَرِهَتِ اَلْمَرْأَةُ أُنْزِلَتْ بِهَذِهِ اَلْمَنْزِلَةِ، إِنْ كَرِهَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَ إِنْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ-وَ إِنْ مَاتَتْ وَرِثَهَا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى حُكْمِ اَلْحَكَمَيْنِ- .

ص: 138

ذكر المنافقين فقال: وَ اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ رِئٰاءَ اَلنّٰاسِ-وَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لاٰ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ-وَ مَنْ يَكُنِ اَلشَّيْطٰانُ لَهُ قَرِيناً فَسٰاءَ قَرِيناً ثم قال: وَ مٰا ذٰا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ-وَ أَنْفَقُوا مِمّٰا رَزَقَهُمُ اَللّٰهُ وَ كٰانَ اَللّٰهُ بِهِمْ عَلِيماً قال أنفقوا في طاعة الله و قوله إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَظْلِمُ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ معطوفة على قوله « وَ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ وَ لاٰ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً » و قوله فَكَيْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يعني الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين وَ جِئْنٰا بِكَ يا محمد عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِيداً يعني على الأئمة ، فرسول الله ص شهيد على الأئمة و هم شهداء على الناس و قوله يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا اَلرَّسُولَ لَوْ تُسَوّٰى بِهِمُ اَلْأَرْضُ وَ لاٰ يَكْتُمُونَ اَللّٰهَ حَدِيثاً قال يتمنى الذين غصبوا أمير المؤمنين ع أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه-و أن لم يكتموا ما قاله رسول الله ص فيه و قوله:

يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-لاٰ تَقْرَبُوا اَلصَّلاٰةَ وَ أَنْتُمْ سُكٰارىٰ-حَتّٰى تَعْلَمُوا مٰا تَقُولُونَ قال من النوم وَ لاٰ جُنُباً إِلاّٰ عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا

فَإِنَّهُ سُئِلَ اَلصَّادِقُ ع عَنِ اَلْحَائِضِ وَ اَلْجُنُبِ-يَدْخُلاَنِ اَلْمَسْجِدَ أَمْ لاَ فَقَالَ اَلْحَائِضُ وَ اَلْجُنُبُ لاَ يَدْخُلاَنِ اَلْمَسْجِدَ إِلاَّ مُجْتَازَيْنِ-فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: « وَ لاٰ جُنُباً إِلاّٰ عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا » وَ يَضَعَانِ فِيهِ اَلشَّيْءَ وَ لاَ يَأْخُذَانِ مِنْهُ-فَقُلْتُ مَا بَالُهُمَا يَضَعَانِ فِيهِ وَ لاَ يَأْخُذَانِ مِنْهُ فَقَالَ لِأَنَّهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى وَضْعِ اَلشَّيْءِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ-وَ لاَ يَقْدِرَانِ عَلَى أَخْذِ مَا فِيهِ حَتَّى يَدْخُلاَ-فَأَوْجَبَ اَلْغُسْلَ وَ اَلْوُضُوءَ مِنَ اَلْجَنَابَةِ بِالْمَاءِ . ثم رخص لمن لم يجد الماء التيمم بالتراب-فقال وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ اَلْغٰائِطِ-أَوْ لاٰمَسْتُمُ اَلنِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً-فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ-إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَفُوًّا غَفُوراً و قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ اَلْكِتٰابِ-يَشْتَرُونَ اَلضَّلاٰلَةَ يعني ضلوا في أمير المؤمنين وَ يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا اَلسَّبِيلَ يعني أخرجوا الناس من ولاية أمير المؤمنين ، و هو

ص: 139

الصراط المستقيم-

قوله وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِأَعْدٰائِكُمْ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ وَلِيًّا، وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ نَصِيراً، مِنَ اَلَّذِينَ هٰادُوا يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ-وَ يَقُولُونَ سَمِعْنٰا وَ عَصَيْنٰا وَ اِسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ قال نزلت في اليهود ،

وَ قَوْلُهُ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ-وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ دَخَلَتِ اَلْكَبَائِرُ فِي اَلاِسْتِثْنَاءِ قَالَ نَعَمْ . ، و قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ-بَلِ اَللّٰهُ يُزَكِّي مَنْ يَشٰاءُ قال هم الذين سموا أنفسهم بالصديق و الفاروق و ذي النورين ، و قوله: وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً قال:

القشرة التي على النواة، ثم كنى عنهم فقال: اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اَللّٰهِ اَلْكَذِبَ و هم الذين غصبوا آل محمد حقهم، قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ اَلْكِتٰابِ-يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ اَلطّٰاغُوتِ-وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا-هٰؤُلاٰءِ أَهْدىٰ مِنَ اَلَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً قال نزلت في اليهود حين سألهم مشركو العرب ، فقالوا ديننا أفضل أم دين محمد قالوا بل دينكم أفضل، و قد روي فيه أيضا-أنها نزلت في الذين غصبوا آل محمد حقهم-و حسدوا منزلتهم، فقال الله تعالى أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ-وَ مَنْ يَلْعَنِ اَللّٰهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً، أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ اَلْمُلْكِ-فَإِذاً لاٰ يُؤْتُونَ اَلنّٰاسَ نَقِيراً يعني النقطة في ظهر النواة، ثم قال: أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنّٰاسَ يعني بالناس هاهنا أمير المؤمنين و الأئمة ع عَلىٰ مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ-وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً و هي الخلافة بعد النبوة، و هم الأئمة ع ،

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلِ عَنْ حَنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ:

قُلْتُ قَوْلُهُ « فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ اَلْكِتٰابَ » قَالَ: اَلنُّبُوَّةَ، قُلْتُ: وَ اَلْحِكْمَةَ قَالَ: اَلْفَهْمَ وَ اَلْقَضَاءَ-قُلْتُ وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً قَالَ: اَلطَّاعَةَ اَلْمَفْرُوضَةَ .

ص: 140

و هم سلمان و أبو ذر و المقداد و عمار رضي الله عنهم وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ و هم غاصبو آل محمد ص حقهم، و من تبعهم قال فيهم نزلت وَ كَفىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ثم ذكر عز و جل ما قد أعده-لهؤلاء الذين قد تقدم ذكرهم و غصبهم فقال: إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيٰاتِنٰا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نٰاراً قال الآيات أمير المؤمنين و الأئمة ع ،

وَ قَوْلُهُ كُلَّمٰا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنٰاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهٰا-لِيَذُوقُوا اَلْعَذٰابَ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَزِيزاً حَكِيماً فَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع كَيْفَ تُبَدَّلُ جُلُودَ غَيْرِهَا قَالَ أَ رَأَيْتَ لَوْ أَخَذْتَ لَبِنَةً فَكَسَرْتَهَا وَ صَيَّرْتَهَا تُرَاباً-ثُمَّ ضَرَبْتَهَا فِي اَلْقَالَبِ أَ هِيَ اَلَّتِي كَانَتْ، إِنَّمَا هِيَ ذَلِكَ . ، و حدث تفسيرا آخر و الأصل واحد- ثم ذكر المؤمنين المقرين بولاية آل محمد ع بقوله وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ-سَنُدْخِلُهُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ-خٰالِدِينَ فِيهٰا أَبَداً-لَهُمْ فِيهٰا أَزْوٰاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً ثم خاطب الأئمة ع ، فقال:

إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا قال فرض الله على الإمام أن يؤدي الأمانة-إلى الذي أمره الله من بعده-ثم فرض على الإمام أن يحكم بين الناس بالعدل-فقال وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ اَلنّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ثم فرض على الناس طاعتهم فقال: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ يعني أمير المؤمنين ع

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: نَزَلَتْ « فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَارْجِعُوهُ إِلَى اَللَّهِ-وَ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلَى أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ » .

و قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا-بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ-يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى اَلطّٰاغُوتِ-وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ فإنها نزلت في الزبير بن العوام فإنه نازع رجلا من اليهود في حديقة-فقال الزبير ترضى بابن شيبة اليهودي فقال اليهودي ترضى بمحمد فأنزل الله « أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا

ص: 141

. . . إلخ-و قوله وَ إِذٰا قِيلَ لَهُمْ-تَعٰالَوْا إِلىٰ مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ وَ إِلَى اَلرَّسُولِ رَأَيْتَ اَلْمُنٰافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً و هم أعداء آل محمد كلهم جرت فيهم هذه الآية و أما قوله فَكَيْفَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ-بِمٰا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جٰاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللّٰهِ-إِنْ أَرَدْنٰا إِلاّٰ إِحْسٰاناً وَ تَوْفِيقاً فهذا مما تأويله بعد تنزيله في القيامة-إذا بعثهم الله حلفوا لرسول الله إنما أردنا بما فعلنا من إزالة الخلافة عن موضعها-إلا إحسانا و توفيقا، و الدليل على أن ذلك في القيامة

مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالاَ اَلْمُصِيبَةُ هِيَ اَلْخَسْفُ وَ اَللَّهِ بِالْمُنَافِقِينَ عِنْدَ اَلْحَوْضِ . ، قول الله فَكَيْفَ إِذٰا أَصٰابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ-بِمٰا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جٰاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللّٰهِ-إِنْ أَرَدْنٰا إِلاّٰ إِحْسٰاناً وَ تَوْفِيقاً ثم قال الله أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ يَعْلَمُ اَللّٰهُ مٰا فِي قُلُوبِهِمْ يعني من العداوة لعلي في الدنيا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ-وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً أي أبلغهم في الحجة عليهم-و آخر أمرهم إلى يوم القيامة و قوله وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ لِيُطٰاعَ بِإِذْنِ اَللّٰهِ أي بأمر الله-و قوله وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اَللّٰهَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: « وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ يَا عَلِيُّ فَاسْتَغْفَرُوا اَللّٰهَ وَ اِسْتَغْفَرَ لَهُمُ اَلرَّسُولُ لَوَجَدُوا اَللّٰهَ تَوّٰاباً رَحِيماً » هَكَذَا نَزَلَتْ.

ثم قال فَلاٰ وَ رَبِّكَ لاٰ يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ يا علي فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ يعني فيما تعاهدوا-و تعاقدوا عليه من خلافك بينهم و غصبك ثُمَّ لاٰ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ عليهم يا محمد على لسانك من ولايته وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً لعلي ع ثم قال وَ لَوْ أَنّٰا كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ أَنِ اُقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إلى قوله وَ لَهَدَيْنٰاهُمْ صِرٰاطاً مُسْتَقِيماً فإنه محكم و أما قوله وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ اَلرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ اَلَّذِينَ أَنْعَمَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ-وَ اَلصِّدِّيقِينَ وَ اَلشُّهَدٰاءِ وَ اَلصّٰالِحِينَ-وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً قال اَلنَّبِيِّينَ رَسُولُ اَللَّهِ ص وَ اَلصِّدِّيقِينَ عَلِيٌّ ع وَ اَلشُّهَدٰاءِ اَلْحَسَنُ

ص: 142

وَ اَلْحُسَيْنُ ع ، وَ اَلصّٰالِحِينَ اَلْأَئِمَّةُ ، وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً . اَلْقَائِمُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ع ،

ص: 143

« كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ-وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ آتُوا اَلزَّكٰاةَ » فلما كتب عليهم القتال بالمدينة قٰالُوا رَبَّنٰا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا اَلْقِتٰالَ-لَوْ لاٰ أَخَّرْتَنٰا إِلىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فقال الله قُلْ لهم يا محمد مَتٰاعُ اَلدُّنْيٰا قَلِيلٌ وَ اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اِتَّقىٰ-وَ لاٰ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً الفتيل القشر الذي في النواة ثم قال: أَيْنَمٰا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ اَلْمَوْتُ-وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ يعني الظلمات الثلاث التي ذكرها-و هي المشيمة و الرحم و البطن-و قوله وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ-وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ-قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ يعني الحسنات و السيئات ثم قال في آخر الآية مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اَللّٰهِ-وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ و قد اشتبه هذا على عدة من العلماء فقالوا يقول الله وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هٰذِهِ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ-وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هٰذِهِ مِنْ عِنْدِكَ-قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ الحسنة و السيئة، ثم قال في آخر الآية « مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اَللّٰهِ-وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ، فكيف هذا و ما معنى القولين فالجواب في ذلك-أن معنى القولين جميعا عن الصادقين ع أنهم قالوا الحسنات في كتاب الله على وجهين-و السيئات على وجهين فمن الحسنات التي ذكرها الله، الصحة و السلامة و الأمن و السعة و الرزق-و قد سماها الله حسنات « وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ » يعني بالسيئة هاهنا المرض و الخوف و الجوع و الشدة « يَطَّيَّرُوا بِمُوسىٰ وَ مَنْ مَعَهُ » أي يتشاءموا به-و الوجه الثاني من الحسنات يعني به أفعال العباد و هو قوله « مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا » و مثله كثير و كذلك السيئات على وجهين-فمن السيئات الخوف و الجوع و الشدة-و هو ما ذكرناه في قوله « وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسىٰ وَ مَنْ مَعَهُ » و عقوبات الذنوب فقد سماها الله السيئات-و الوجه الثاني من السيئات-يعني بها أفعال العباد التي يعاقبون عليها-فهو قوله « وَ مَنْ جٰاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي اَلنّٰارِ » و قوله « مٰا أَصٰابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اَللّٰهِ-وَ مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ » يعني ما عملت

ص: 144

من ذنوب-فعوقبت عليها في الدنيا و الآخرة فمن نفسك بأفعالك-لأن السارق يقطع و الزاني يجلد و يرجم و القاتل يقتل-فقد سمى الله تعالى العلل و الخوف-و الشدة و عقوبات الذنوب كلها سيئات-فقال مٰا أَصٰابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ بأعمالك و قوله قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ يعني الصحة و العافية و السعة-و السيئات التي هي عقوبات الذنوب من عند الله-و قوله عز و جل يحكي قول المنافقين فقال وَ يَقُولُونَ طٰاعَةٌ فَإِذٰا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ-بَيَّتَ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ اَلَّذِي تَقُولُ-وَ اَللّٰهُ يَكْتُبُ مٰا يُبَيِّتُونَ أي يبدلون فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ وَكِيلاً و قوله وَ إِذٰا جٰاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ اَلْأَمْنِ أَوِ اَلْخَوْفِ أَذٰاعُوا بِهِ أي أخبروا به وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلىٰ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْهُمْ يعني أمير المؤمنين ع لَعَلِمَهُ اَلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أي الذين يعلمون منهم-و قوله وَ لَوْ لاٰ فَضْلُ اَللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ قال الفضل رسول الله ص و الرحمة أمير المؤمنين ع لاَتَّبَعْتُمُ اَلشَّيْطٰانَ إِلاّٰ قَلِيلاً و قوله مَنْ يَشْفَعْ شَفٰاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهٰا-وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفٰاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهٰا قال يكون كفيل ذلك الظلم الذي يظلم صاحب الشفاعة-و قوله وَ كٰانَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً أي مقتدرا و قوله وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا-إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً أو ردوها قال السلام و غيره من البر- و قوله اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ-لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ لاٰ رَيْبَ فِيهِ إلى قوله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً فإنه محكم،

وَ قَوْلُهُ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمٰا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوٰاءً-فَلاٰ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيٰاءَ حَتّٰى يُهٰاجِرُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ-فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَ اُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ-وَ لاٰ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَ لاٰ نَصِيراً فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَشْجَعَ وَ بَنِي ضَمْرَةَ وَ هُمَا قَبِيلَتَانِ-وَ كَانَ مِنْ خَبَرِهِمَا-أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى غَزَاةِ اَلْحُدَيْبِيَةِ [بَدْرٍ] مَرَّ قَرِيباً مِنْ بِلاَدِهِمْ-وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ص هَادَنَ

ص: 145

بَنِي ضَمْرَةَ وَ وَادَعَهُمْ (1)قَبْلَ ذَلِكَ- فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ ص يَا رَسُولَ اَللَّهِ هَذِهِ بَنُو ضَمْرَةَ قَرِيباً مِنَّا-وَ نَخَافُ أَنْ يُخَالِفُونَا إِلَى اَلْمَدِينَةِ أَوْ يُعِينُوا عَلَيْنَا قُرَيْشاً فَلَوْ بَدَأْنَا بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص كَلاَّ إِنَّهُمْ أَبَرُّ اَلْعَرَبِ بِالْوَالِدَيْنِ، وَ أَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ، وَ أَوْفَاهُمْ بِالْعَهْدِ، وَ كَانَ أَشْجَعُ بِلاَدُهُمْ قَرِيباً مِنْ بِلاَدِ بَنِي ضَمْرَةَ وَ هُمْ بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ وَ كَانَتْ أَشْجَعُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ بَنِي ضَمْرَةَ حِلْفٌ فِي اَلْمُرَاعَاةِ وَ اَلْأَمَانِ، فَأَجْدَبَتْ بِلاَدُ أَشْجَعَ وَ أَخْصَبَتْ بِلاَدُ بَنِي ضَمْرَةَ فَصَارَتْ أَشْجَعُ إِلَى بِلاَدِ بَنِي ضَمْرَةَ فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اَللَّهِ ص مَسِيرُهُمْ إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ تَهَيَّأَ لِلْمَصِيرِ إِلَى أَشْجَعَ فَيَغْزُوهُمْ لِلْمُوَادَعَةِ اَلَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ بَنِي ضَمْرَةَ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمٰا كَفَرُوا . . . إلخ ثُمَّ اِسْتَثْنَى بِأَشْجَعَ فَقَالَ إِلاَّ اَلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثٰاقٌ-أَوْ جٰاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقٰاتِلُوكُمْ-أَوْ يُقٰاتِلُوا قَوْمَهُمْ-وَ لَوْ شٰاءَ اَللّٰهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقٰاتَلُوكُمْ فَإِنِ اِعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ-وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ اَلسَّلَمَ-فَمٰا جَعَلَ اَللّٰهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً وَ كَانَتْ أَشْجَعُ مَحَالُّهَا اَلْبَيْضَاءَ وَ اَلْجَبَلَ وَ اَلْمُسْتَبَاحَ ، وَ قَدْ كَانُوا قَرُبُوا مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَهَابُوا لِقُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ يَغْزُوهُمْ وَ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ص قَدْ خَافَهُمْ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ أَطْرَافِهِ شَيْئاً-فَهَمَّ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَتْ أَشْجَعُ وَ رَئِيسُهَا مَسْعُودُ بْنُ رُجَيْلَةَ وَ هُمْ سَبْعُمِائَةٍ، فَنَزَلُوا شِعْبَ سَلْعٍ وَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ اَلْأَوَّلِ [اَلْآخَرِ]سَنَةَ سِتٍّ فَدَعَا رَسُولُ اَللَّهِ ص أُسَيْدَ بْنَ حُصَيْنٍ ، فَقَالَ لَهُ اِذْهَبْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِكَ-حَتَّى تَنْظُرَ مَا أَقْدَمَ أَشْجَعَ ، فَخَرَجَ أُسَيْدٌ وَ مَعَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ مَا أَقْدَمَكُمْ فَقَامَ إِلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ رُجَيْلَةَ وَ هُوَ رَئِيسُ أَشْجَعَ فَسَلَّمَ عَلَى أُسَيْدٍ وَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَ قَالُوا جِئْنَا لِنُوَادِعَ مُحَمَّداً فَرَجَعَ أُسَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَخْبَرَهُ-فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص

ص: 146


1- . أَيْ صَالَحَهُمْ.

خَافَ اَلْقَوْمُ أَنْ أَغْزُوَهُمْ-فَأَرَادُوا اَلصُّلْحَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ بِعَشَرَةِ أَجْمَالِ تَمْرٍ فَقَدَّمَهَا أَمَامَهُ، ثُمَّ قَالَ نِعْمَ اَلشَّيْءُ اَلْهَدِيَّةُ أَمَامَ اَلْحَاجَةِ، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ أَشْجَعَ مَا أَقْدَمَكُمْ قَالُوا قَرُبَتْ دَارُنَا مِنْكَ-وَ لَيْسَ فِي قَوْمِنَا أَقَلُّ عَدَداً مِنَّا-فَضِقْنَا بِحَرْبِكَ لِقُرْبِ دَارِنَا مِنْكَ، وَ ضِقْنَا بِحَرْبِ قَوْمِكَ لِقِلَّتِنَا فِيهِمْ، فَجِئْنَا لِنُوَادِعَكَ فَقَبِلَ اَلنَّبِيُّ ص ذَلِكَ مِنْهُمْ وَ وَادَعَهُمْ، فَأَقَامُوا يَوْمَهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بِلاَدِهِمْ-وَ فِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ إِلاَّ اَلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثٰاقٌ إِلَى قَوْلِهِ فَمٰا جَعَلَ اَللّٰهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً وَ قَوْلُهُ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ-وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمٰا رُدُّوا إِلَى اَلْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهٰا نَزَلَتْ فِي عُيَيْنَةَ بْنِ حُصَيْنٍ اَلْفَزَارِيِّ أَجْدَبَتْ بِلاَدُهُمْ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ وَادَعَهُ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ ، وَ لاَ يَتَعَرَّضَ لَهُ وَ كَانَ مُنَافِقاً مَلْعُوناً-وَ هُوَ اَلَّذِي سَمَّاهُ رَسُولُ اَللَّهِ ص اَلْأَحْمَقَ اَلْمُطَاعَ فِي قَوْمِهِ . ، ثم قال فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَ يُلْقُوا إِلَيْكُمُ اَلسَّلَمَ-وَ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَ اُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ-وَ أُولٰئِكُمْ جَعَلْنٰا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطٰاناً مُبِيناً .

ص: 147

وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً-فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا وَ غَضِبَ اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ-وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً قال من قتل مؤمنا على دينه (1)لم تقبل توبته، و من قتل نبيا أو وصي نبي فلا توبة له-لأنه لا يكون له مثله فيقاد به (2)، و قد يكون الرجل بين المشركين و اليهود و النصارى يقتل رجلا من المسلمين على أنه مسلم فإذا دخل في الإسلام محاه الله عنه

لِقَوْلِ رَسُولِ اَللَّهِ ص اَلْإِسْلاَمُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ. أي يمحو، لأن أعظم الذنوب عند الله هو الشرك بالله-فإذا قبلت توبته في الشرك قبلت فيما سواه-و أما قَوْلُ اَلصَّادِقِ ع لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ-فَإِنَّهُ عَنَى مَنْ قَتَلَ نَبِيّاً أَوْ وَصِيّاً فَلَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ-فإنه لا يقاد أحد بالأنبياء إلا الأنبياء-و بالأوصياء إلا الأوصياء-و الأنبياء و الأوصياء لا تقتل بعضهم بعضا-و غير النبي و الوصي لا يكون مثل النبي و الوصي-فيقاد به و قاتلهما لا يوفق للتوبة-

وَ قَوْلُهُ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَتَبَيَّنُوا-وَ لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقىٰ إِلَيْكُمُ اَلسَّلاٰمَ لَسْتَ مُؤْمِناً-تَبْتَغُونَ عَرَضَ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا فَإِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ وَ بَعَثَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي خَيْلٍ-إِلَى بَعْضِ قُرَى اَلْيَهُودِ فِي نَاحِيَةِ فَدَكٍ لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى اَلْإِسْلاَمِ ، وَ كَانَ رَجُلٌ مِنَ اَلْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ اَلْفَدَكِيُّ فِي بَعْضِ اَلْقُرَى-فَلَمَّا أَحَسَّ بِخَيْلِ رَسُولِ اَللَّهِ ص جَمَعَ أَهْلَهُ وَ مَالَهُ-وَ صَارَ فِي نَاحِيَةِ اَلْجَبَلِ-فَأَقْبَلَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ-وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ ص، فَمَرَّ بِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص أَخْبَرَ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ ص قَتَلْتَ رَجُلاً شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَ أَنِّي رَسُولُ اَللَّهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّمَا قَالَ تَعَوُّذاً مِنَ اَلْقَتْلِ-فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَلاَ شَقَقْتَ اَلْغِطَاءَ عَنْ قَلْبِهِ-وَ لاَ مَا قَالَ بِلِسَانِهِ قَبِلْتَ-وَ لاَ مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ

ص: 148


1- . أي لأجل دينه.
2- . من القود بالتحريك و هو القصاص ج.

عَلِمْتَ-فَحَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَقْتُلُ أَحَداً-شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ-وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ ص، فَتَخَلَّفَ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فِي حُرُوبِهِ-وَ أَنْزَلَ اَللَّهُ فِي ذَلِكَ « وَ لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقىٰ إِلَيْكُمُ اَلسَّلاٰمَ لَسْتَ مُؤْمِناً . . . إلخ» . ثم ذكر فضل المجاهدين على القاعدين فقال لاٰ يَسْتَوِي اَلْقٰاعِدُونَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي اَلضَّرَرِ يعني الزمن كما ليس على الأعمى حرج وَ اَلْمُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ إلى آخر الآية و قوله إِنَّ اَلَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ قال نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين ع و لم يقاتل معه-فقالت الملائكة لهم عند الموت فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اَلْأَرْضِ أي لم نعلم مع من الحق-فقال الله أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اَللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا أي دين الله و كتاب الله واسع فتنظروا فيه فَأُولٰئِكَ مَأْوٰاهُمْ جَهَنَّمُ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً ثم استثنى فقال إِلاَّ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلرِّجٰالِ وَ اَلنِّسٰاءِ وَ اَلْوِلْدٰانِ لاٰ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لاٰ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى [عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يُونُسَ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ اِبْنِ طَيَّارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع ]عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ اَلظَّبْيَانِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلْتُ عَنِ اَلْمُسْتَضْعَفِ-فَقَالَ هُوَ اَلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ حِيلَةَ اَلْكُفْرِ فَيَكْفُرَ-وَ لاَ يَهْتَدِي سَبِيلاً إِلَى اَلْإِيمَانِ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ-وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكْفُرَ فَهُمُ اَلصِّبْيَانُ، وَ مَنْ كَانَ مِنَ اَلرِّجَالِ وَ اَلنِّسَاءِ عَلَى مِثْلِ عُقُولِ اَلصِّبْيَانِ-مَنْ رُفِعَ عَنْهُ اَلْقَلَمُ . ،

و قوله وَ مَنْ يُهٰاجِرْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ-يَجِدْ فِي اَلْأَرْضِ مُرٰاغَماً كَثِيراً وَ سَعَةً أي يجد خيرا إذا جاهد مع الإمام-و قوله وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهٰاجِراً إِلَى اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ اَلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اَللّٰهِ قال إذا خرج إلى الإمام ثم مات قبل أن يبلغه-و قوله وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ-فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلاٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّوْفَلِيِّ عَنِ اَلسَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع سِتَّةٌ لاَ يُقَصِّرُونَ اَلصَّلاَةَ، اَلْجُبَاةُ اَلَّذِينَ يَدُورُونَ فِي جِبَايَتِهِمْ وَ اَلتَّاجِرُ اَلَّذِي يَدُورُ فِي تِجَارَتِهِ مِنْ سُوقٍ إِلَى سُوقٍ-وَ اَلْأَمِيرُ اَلَّذِي يَدُورُ فِي إِمَارَتِهِ

ص: 149

وَ اَلرَّاعِي اَلَّذِي يَطْلُبُ مَوَاقِعَ اَلْقَطْرِ وَ مَنْبِتَ اَلشَّجَرِ-وَ اَلرَّجُلُ يَخْرُجُ فِي طَلَبِ اَلصَّيْدِ يُرِيدُ لَهْواً لِلدُّنْيَا-وَ اَلْمُحَارِبُ اَلَّذِي يَقْطَعُ اَلطَّرِيقَ.

وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلاٰةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ اَلْآيَةَ-فَإِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى اَلْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ مَكَّةَ فَلَمَّا وَقَعَ اَلْخَبَرُ إِلَى قُرَيْشٍ بَعَثُوا خَالِدَ بْنَ اَلْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ كَمِيناً-لِيَسْتَقْبِلَ رَسُولَ اَللَّهِ ص عَلَى اَلْجِبَالِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اَلطَّرِيقِ وَ حَضَرَتْ صَلاَةُ اَلظُّهْرِ-فَأَذَّنَ بِلاَلٌ فَصَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ ص بِالنَّاسِ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ-وَ هُمْ فِي اَلصَّلاَةِ لَأَصَبْنَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَقْطَعُونَ صَلاَتَهُمْ-وَ لَكِنْ يَجِيءُ لَهُمُ اَلْآنَ صَلاَةٌ أُخْرَى هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ضِيَاءِ أَبْصَارِهِمْ-فَإِذَا دَخَلُوا فِيهَا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع بِصَلاَةِ اَلْخَوْفِ بِهَذِهِ اَلْآيَةِ وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ اَلصَّلاٰةَ . . . إلخ-فَفَرَّقَ رَسُولُ اَللَّهِ ص أَصْحَابَهُ فِرْقَتَيْنِ، فَوَقَفَ بَعْضُهُمْ تُجَاهَ اَلْعَدُوِّ وَ قَدْ أَخَذُوا سِلاَحَهُمْ وَ فِرْقَةٌ صَلَّوْا مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ ص قِيَاماً، وَ مَرُّوا فَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَصْحَابِهِمْ-وَ جَاءَ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا-فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اَللَّهِ ص اَلرَّكْعَةَ اَلثَّانِيَةَ، وَ لَهُمُ اَلْأُولَى وَ قَعَدَ وَ تَشَهَّدَ رَسُولُ اَللَّهِ ص وَ قَامُوا أَصْحَابُهُ وَ صَلَّوْا هُمُ اَلرَّكْعَةَ اَلثَّانِيَةَ وَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ .

و قوله فَإِذٰا قَضَيْتُمُ اَلصَّلاٰةَ فَاذْكُرُوا اَللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ قال الصحيح يصلي قائما و العليل يصلي جالسا-فمن لم يقدر فمضطجعا يومئ إيماء-و قوله إِنَّ اَلصَّلاٰةَ كٰانَتْ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً أي موجوبة و قوله وَ لاٰ تَهِنُوا فِي اِبْتِغٰاءِ اَلْقَوْمِ فإنه معطوف على قوله في سورة آل عمران « إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ اَلْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ »

وَ قَوْلُهُ إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ-لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اَللّٰهُ-وَ لاٰ تَكُنْ لِلْخٰائِنِينَ خَصِيماً فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا-أَنَّ قَوْماً مِنَ اَلْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي أبيزق [أُبَيْرِقٍ] إِخْوَةً ثَلاَثَةً كَانُوا مُنَافِقِينَ بُشَيْرٌ وَ بِشْرٌ وَ مُبَشِّرٌ ، فَنَقَبُوا عَلَى عَمِّ قَتَادَةَ بْنِ اَلنُّعْمَانِ وَ كَانَ قَتَادَةُ بَدْرِيّاً-وَ أَخْرَجُوا طَعَاماً كَانَ أَعَدَّهُ لِعِيَالِهِ وَ سَيْفاً

ص: 150

وَ دِرْعاً-فَشَكَا قَتَادَةُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ قَوْماً نَقَبُوا عَلَى عَمِّي-وَ أَخَذُوا طَعَاماً كَانَ أَعَدَّهُ لِعِيَالِهِ وَ دِرْعاً وَ سَيْفاً-وَ هُمْ أَهْلُ بَيْتِ سَوْءٍ، وَ كَانَ مَعَهُمْ فِي اَلرَّأْيِ-رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ سَهْلٍ فَقَالَ بَنُو أبيزق [أُبَيْرِقٍ] لِقَتَادَةَ هَذَا عَمَلُ لَبِيدِ بْنِ سَهْلٍ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ لَبِيداً فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ-فَقَالَ يَا بَنِي أبيزق [أُبَيْرِقٍ] أَ تَرْمُونَنِي بِالسَّرِقَةِ-وَ أَنْتُمْ أَوْلَى بِهِ مِنِّي-وَ أَنْتُمُ اَلْمُنَافِقُونَ تَهْجُونَ رَسُولَ اَللَّهِ ص وَ تَنْسُبُونَ إِلَى قُرَيْشٍ لَتُبَيِّنُنَّ ذَلِكَ-أَوْ لَأَمْلَأَنَّ سَيْفِي مِنْكُمْ-فَدَارَوْهُ فَقَالُوا لَهُ اِرْجِعْ يَرْحَمُكَ اَللَّهُ-فَإِنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَمَشَوْا بَنُو أبيزق [أُبَيْرِقٍ] إِلَى رَجُلٍ مِنْ رَهْطِهِمْ يُقَالُ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ عُرْوَةَ وَ كَانَ مِنْطِيقاً بَلِيغاً-فَمَشَى إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ اَلنُّعْمَانِ عَمَدَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا-أَهْلِ شَرَفٍ وَ نَسَبٍ وَ حَسَبٍ فَرَمَاهُمْ بِالسَّرِقَةِ-وَ اِتَّهَمَهُمْ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، فَاغْتَمَّ رَسُولُ اَللَّهِ ص لِذَلِكَ وَ جَاءَ إِلَيْهِ قَتَادَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِ شَرَفٍ وَ حَسَبٍ وَ نَسَبٍ فَرَمَيْتَهُمْ بِالسَّرِقَةِ فَعَاتَبَهُ عِتَاباً شَدِيداً-فَاغْتَمَّ قَتَادَةُ مِنْ ذَلِكَ وَ رَجَعَ إِلَى عَمِّهِ-وَ قَالَ يَا لَيْتَنِي مِتُّ وَ لَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ اَللَّهِ ص فَقَدْ كَلَّمَنِي بِمَا كَرِهْتُهُ، فَقَالَ عَمُّهُ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعَانُ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ فِي ذَلِكَ عَلَى نَبِيِّهِ ص إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ-لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اَللّٰهُ-وَ لاٰ تَكُنْ لِلْخٰائِنِينَ خَصِيماً- وَ اِسْتَغْفِرِ اَللّٰهَ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً- وَ لاٰ تُجٰادِلْ عَنِ اَلَّذِينَ يَخْتٰانُونَ أَنْفُسَهُمْ-إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُحِبُّ مَنْ كٰانَ خَوّٰاناً أَثِيماً- يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَلنّٰاسِ وَ لاٰ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَللّٰهِ-وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مٰا لاٰ يَرْضىٰ مِنَ اَلْقَوْلِ يَعْنِي اَلْفِعْلَ فَوَقَعَ اَلْقَوْلُ مَقَامَ اَلْفِعْلِ- .

ص: 151

فَقَدِ اِحْتَمَلَ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِنَّ أُنَاساً مِنْ رَهْطِ بَشِيرٍ اَلْأَدْنَيْنَ-قَالُوا اِنْطَلِقُوا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ قَالُوا نُكَلِّمُهُ فِي صَاحِبِنَا وَ نُعْذِرُهُ وَ إِنَّ صَاحِبَنَا بَرِيءٌ-فَلَمَّا أَنْزَلَ اَللَّهُ « يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَلنّٰاسِ-وَ لاٰ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اَللّٰهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِلَى قَوْلِهِ وَكِيلاً » فَأَقْبَلَتْ رَهْطُ بَشِيرٍ فَقَالَ يَا بَشِيرُ اِسْتَغْفِرِ اَللَّهَ وَ تُبْ إِلَيْهِ مِنَ اَلذَّنْبِ-فَقَالَ وَ اَلَّذِي أَحْلِفُ بِهِ مَا سَرَقَهَا إِلاَّ لَبِيدٌ فَنَزَلَتْ « وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً-فَقَدِ اِحْتَمَلَ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً » ثُمَّ إِنَّ بَشِيراً كَفَرَ وَ لَحِقَ بِمَكَّةَ وَ أَنْزَلَ اَللَّهُ فِي اَلنَّفَرِ اَلَّذِينَ أَعْذَرُوا بَشِيراً وَ أَتَوُا اَلنَّبِيَّ لِيُعْذِرُوهُ قَوْلُهُ وَ لَوْ لاٰ فَضْلُ اَللّٰهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ-لَهَمَّتْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ-وَ مٰا يُضِلُّونَ إِلاّٰ أَنْفُسَهُمْ وَ مٰا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ-وَ أَنْزَلَ اَللّٰهُ عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ-وَ عَلَّمَكَ مٰا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كٰانَ فَضْلُ اَللّٰهِ عَلَيْكَ عَظِيماً وَ نَزَلَتْ فِي بَشِيرٍ وَ هُوَ بِمَكَّةَ وَ مَنْ يُشٰاقِقِ اَلرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُ اَلْهُدىٰ-وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ اَلْمُؤْمِنِينَ-نُوَلِّهِ مٰا تَوَلّٰى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً .

و قال علي بن إبراهيم في قوله لاٰ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ و قال لا خير في كثير من كلام الناس و محاوراتهم إِلاّٰ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ-أَوْ إِصْلاٰحٍ بَيْنَ اَلنّٰاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ-فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ اَلتَّحَمُّلَ [اَلتَّمَحُّلَ] فِي اَلْقُرْآنِ ، قُلْتُ وَ مَا اَلتَّحَمُّلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ أَنْ يَكُونَ وَجْهُكَ أَعْرَضَ مِنْ وَجْهِ أَخِيكَ فَتَحَمَّلَ لَهُ-وَ هُوَ قَوْلُهُ « لاٰ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ . »

حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ رَفَعَهُ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ زَكَاةَ جَاهِكُمْ-كَمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ زَكَاةَ مَا مَلَكَتْ أَيْدِيكُمْ. ، و قوله مَنْ يُشٰاقِقِ اَلرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُ اَلْهُدىٰ أي يخالفه نُوَلِّهِ مٰا تَوَلّٰى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً و قوله إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّٰ إِنٰاثاً قال قالت قريش إن الملائكة هم بنات الله و

ص: 152

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّٰ إِنٰاثاً وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلاّٰ شَيْطٰاناً مَرِيداً قال كٰانُوا يَعْبُدُونَ اَلْجِنَّ و قوله لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبٰادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً يعني إبليس حيث قال: وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ-فَلَيُبَتِّكُنَّ آذٰانَ اَلْأَنْعٰامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ-فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اَللّٰهِ أي أمر الله و قوله لَيْسَ بِأَمٰانِيِّكُمْ وَ لاٰ أَمٰانِيِّ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ يعني ليس ما تتمنون أنتم-و لا أهل الكتاب أن لا تعذبوا بأفعالكم و قوله وَ لاٰ يُظْلَمُونَ نَقِيراً و هي النقطة التي في النواة و قوله وَ اِتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً قال هي الحنفية العشرة التي جاء بها إبراهيم التي لم تنسخ إلى يوم القيامة (1)و قوله وَ اِتَّخَذَ اَللّٰهُ إِبْرٰاهِيمَ خَلِيلاً

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعُودِ [مَسْعَدَةَ]بْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ع هُوَ أَوَّلُ مَنْ حُوِّلَ لَهُ اَلرَّمْلُ دَقِيقاً، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ صَدِيقاً لَهُ بِمِصْرَ فِي قَرْضِ طَعَامٍ، فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مَنْزِلِهِ فَكَرِهَ أَنْ يَرْجِعَ بِالْحِمَارِ خَالِياً-فَمَلَأَ جِرَابَهُ رَمْلاً، فَلَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَهُ خَلَّى بَيْنَ اَلْحِمَارِ وَ بَيْنَ سَارَةَ ، اِسْتِحْيَاءً مِنْهَا وَ دَخَلَ اَلْبَيْتَ وَ نَامَ، فَفَتَحَتْ سَارَةُ عَنْ دَقِيقٍ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ، فَخَبَزَتْ وَ قَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَاماً طَيِّباً، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا قَالَتْ مِنَ اَلدَّقِيقِ اَلَّذِي حَمَلْتَهُ مِنْ عِنْدَ خَلِيلِكَ اَلْمِصْرِيِّ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ أَمَا إِنَّهُ خَلِيلِي وَ لَيْسَ بِمِصْرِيٍّ، فَلِذَلِكَ أُعْطِيَ اَلْخَلَّةَ فَشَكَرَ اَللَّهَ وَ حَمِدَهُ وَ أَكَلَ.

و قوله وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي اَلنِّسٰاءِ قُلِ اَللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ-وَ مٰا يُتْلىٰ عَلَيْكُمْ فِي اَلْكِتٰابِ فِي يَتٰامَى اَلنِّسٰاءِ اَللاّٰتِي-لاٰ تُؤْتُونَهُنَّ مٰا كُتِبَ لَهُنَّ-وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ و أما قوله وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً-فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً وَ اَلصُّلْحُ خَيْرٌ قال إن خافت المرأة من زوجها أن يطلقها-و يعرض عنها فتقول له قد تركت لك كلما عليك-و لا أسألك نفقة فلا تطلقني و لا تعرض عني-فإني أكره شماتة الأعداء، فلا جناح عليه أن يقبل ذلك و لا يجري عليها شيئا،

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ

ص: 153


1- . و ياتى ذكرها فى ص 391 من هذا الكتاب. ج. ز.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ « وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي اَلنِّسٰاءِ » فَإِنَّ نَبِيَّ اَللَّهِ ص سُئِلَ عَنِ اَلنِّسَاءِ مَا لَهُنَّ مِنَ اَلْمِيرَاثِ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ اَلرُّبُعَ وَ اَلثُّمُنَ .

وَ قَوْلُهُ وَ مٰا يُتْلىٰ عَلَيْكُمْ فِي اَلْكِتٰابِ فِي يَتٰامَى اَلنِّسٰاءِ فَإِنَّ اَلرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي حَجْرِهِ يَتِيمَةٌ-فَتَكُونُ ذَمِيمَةً أَوْ سَاقِطَةً يَعْنِي حَمْقَاءَ-فَيَرْغَبُ اَلرَّجُلُ عَنْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَ لاَ يُعْطِيهَا مَالَهَا-فَيَنْكِحَهَا غَيْرُهُ مِنْ أَخْذِ مَالِهَا وَ يَمْنَعُهَا اَلنِّكَاحَ-وَ يَتَرَبَّصُ بِهَا اَلْمَوْتَ لِيَرِثَهَا فَنَهَى اَللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَ قَوْلُهُ وَ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلْوِلْدٰانِ فَإِنَّ أَهْلَ اَلْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لاَ يُوَرِّثُونَ اَلصَّبِيَّ اَلصَّغِيرَ-وَ لاَ اَلْجَارِيَةَ مِنْ مِيرَاثِ آبَائِهِمْ شَيْئاً-وَ كَانُوا لاَ يُعْطُونَ اَلْمِيرَاثَ إِلاَّ لِمَنْ يُقَاتِلُ وَ كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ حَسَناً، فَلَمَّا أَنْزَلَ اَللَّهُ فَرَائِضَ اَلْمَوَارِيثِ-وَجِدُوا مِنْ ذَلِكَ وَجْداً (1)شَدِيداً، فَقَالُوا اِنْطَلِقُوا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَنُذَكِّرَهُ ذَلِكَ لَعَلَّهُ يَدَعُهُ أَوْ يُغَيِّرُهُ فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ لِلْجَارِيَةِ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَبُوهَا وَ أَخُوهَا وَ يُعْطَى اَلصَّبِيُّ اَلصَّغِيرُ اَلْمِيرَاثَ-وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمَا يَرْكَبُ اَلْفَرَسَ-وَ لاَ يَحُوزُ اَلْغَنِيمَةَ وَ لاَ يُقَاتِلُ اَلْعَدُوَّ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتٰامىٰ بِالْقِسْطِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُفْسِدُونَ مَالَ اَلْيَتِيمِ-فَأَمَرَهُمْ اَللَّهُ أَنْ يُصْلِحُوا مَالَهُمْ- .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً نَزَلَتْ فِي اِبْنَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَانَتِ اِمْرَأَةَ رَافِعِ بْنِ جَرِيحٍ ، وَ كَانَتِ اِمْرَأَةً قَدْ دَخَلَتْ فِي اَلسِّنِّ-فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا اِمْرَأَةً شَابَّةً-كَانَتْ أَعْجَبَ إِلَيْهِ مِنِ اِبْنَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ، فَقَالَتْ لَهُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَ لاَ أَرَاكَ مُعْرِضاً عَنِّي مُؤْثِراً عَلَيَّ فَقَالَ رَافِعٌ هِيَ اِمْرَأَةٌ شَابَّةٌ وَ هِيَ أَعْجَبُ إِلَيَّ-فَإِنْ شِئْتِ أَقْرَرْتِ عَلَى أَنَّ لَهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً مِنِّي-وَ لَكِ يَوْمٌ وَاحِدٌ، فَأَبَتِ اِبْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنْ تَرْضَاهَا-فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَقَالَتْ لاَ وَ اَللَّهِ لاَ أَرْضَى أن [أَوْ] تُسَوِّيَ بَيْنِي وَ بَيْنَهَا-يَقُولُ اَللَّهُ وَ أُحْضِرَتِ اَلْأَنْفُسُ اَلشُّحَّ

ص: 154


1- . اَلْفَرَحُ وَ اَلْحُزْنُ وَ اَلْمُرَادُ مَعْنَى اَلْأَخِيرِ، فَهُوَ مِنْ لُغَاتِ اَلْأَضْدَادِ. ج-ز.

وَ اِبْنَةُ مُحَمَّدٍ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهَا بِنَصِيبِهَا وَ شَحَّتْ عَلَيْهِ، فَعَرَضَ عَلَيْهَا رَافِعٌ إِمَّا أَنْ تَرْضَى وَ إِمَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا اَلثَّالِثَةَ، فَشَحَّتْ عَلَى زَوْجِهَا وَ رَضِيَتْ-فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَا ذَكَرَ-فَقَالَ اَللَّهُ فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً-وَ اَلصُّلْحُ خَيْرٌ فَلَمَّا رَضِيَتْ وَ اِسْتَقَرَّتْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا-فَنَزَلَتْ وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ-وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ-فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ أَنْ تَأْتِيَ وَاحِدَةً وَ تَذَرَ اَلْأُخْرَى لاَ أَيِّمَ (1)وَ لاَ ذَاتَ بَعْلٍ . و هذه السنة فيما كان كذلك-إذا أقرت المرأة و رضيت على ما صالحها عليه زوجها-فلا جناح على الزوج و لا على المرأة-و إن هي أبت طلقها أو يساوي بينهما لا يسعه إلا ذلك- قال علي بن إبراهيم في قوله وَ أُحْضِرَتِ اَلْأَنْفُسُ اَلشُّحَّ قال أحضرت الشح فمنها ما اختارته-و منها ما لم تختره-و قوله وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ

إِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلٌ مِنَ اَلزَّنَادِقَةِ أَبَا جَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلَ فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ-فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً وَ قَالَ فِي آخِرِ اَلسُّورَةِ « وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ-وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلاٰ تَمِيلُوا كُلَّ اَلْمَيْلِ » فَبَيْنَ اَلْقَوْلَيْنِ فَرْقٌ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلُ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عِنْدِي جَوَابٌ-فَقَدِمْتُ اَلْمَدِينَةَ ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فَسَأَلْتُهُ عَنِ اَلْآيَتَيْنِ، فَقَالَ-أَمَّا قَوْلُهُ « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً » فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ اَلنَّفَقَةَ-وَ قَوْلُهُ « وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ اَلنِّسٰاءِ فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ اَلْمَوَدَّةَ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ اِمْرَأَتَيْنِ فِي اَلْمَوَدَّةِ، فَرَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ اَلْأَحْوَلُ إِلَى اَلرَّجُلِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ هَذَا حَمَلَتْهُ اَلْإِبِلُ مِنَ اَلْحِجَازِ .

ص: 155


1- . اَلْأَيِّمُ كَقَيِّمٍ اِمْرَأَةٌ لاَ بَعْلَ لَهَا. ج. ز.

إلى قوله فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيراً فإن الله أمر الناس أن يكونوا قوامين بالقسط-أي بالعدل و لو على أنفسهم-أو على والديهم أو على قراباتهم،

قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع إِنَّ عَلَى اَلْمُؤْمِنِ سَبْعَ حُقُوقِ، فَأَوْجَبُهَا أَنْ يَقُولَ اَلرَّجُلُ حَقّاً-وَ إِنْ كَانَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى وَالِدَيْهِ فَلاَ يَمِيلُ لَهُمْ عَنِ اَلْحَقِّ. ثم قال فَلاٰ تَتَّبِعُوا اَلْهَوىٰ أَنْ تَعْدِلُوا-وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا يعني عن الحق فَإِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيراً و قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ يعني أيها الذين أقروا صدقوا و قوله إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا-ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدٰادُوا كُفْراً قَالَ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ آمَنُوا بِرَسُولِ اَللَّهِ إِقْرَاراً لاَ تَصْدِيقاً ثُمَّ كَفَرُوا لَمَّا كَتَبُوا اَلْكِتَابَ فِيمَا بَيْنَهُمْ-أَنْ لاَ يَرُدُّوا اَلْأَمْرَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ أَبَداً-فَلَمَّا نَزَلَتِ اَلْوَلاَيَةُ-وَ أَخَذَ رَسُولُ اَللَّهِ ص اَلْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع آمَنُوا إِقْرَاراً لاَ تَصْدِيقاً، فَلَمَّا مَضَى رَسُولُ اَللَّهِ ص كَفَرُوا وَ اِزْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اَللّٰهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لاٰ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً يعني طَرِيقاً إِلاّٰ طَرِيقَ جَهَنَّمَ ، و قوله اَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ اَلْعِزَّةَ فَإِنَّ اَلْعِزَّةَ لِلّٰهِ جَمِيعاً يعني القوة، قال نزلت في بني أمية حيث خالفوا نبيهم-على أن لا يردوا الأمر في بني هاشم و قوله وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلْكِتٰابِ أَنْ إِذٰا سَمِعْتُمْ آيٰاتِ اَللّٰهِ يُكْفَرُ بِهٰا وَ يُسْتَهْزَأُ بِهٰا-فَلاٰ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ-حَتّٰى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ قال آيات الله هم الأئمة ع ،

وَ قَوْلُهُ اَلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اَللّٰهِ-قٰالُوا أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَ إِنْ كٰانَ لِلْكٰافِرِينَ نَصِيبٌ-قٰالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَ أَصْحَابِهِ اَلَّذِينَ قَعَدُوا عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص يَوْمَ أُحُدٍ ، فَكَانَ إِذَا ظَفِرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِالْكُفَّارِ قَالُوا لَهُ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ-وَ إِذَا ظَفِرَتِ اَلْكُفَّارُ قَالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ أَنْ نُعِينَكُمْ

ص: 156

وَ لَمْ نُعِنْ عَلَيْكُمْ (1)قَالَ اَللَّهُ فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ وَ لَنْ يَجْعَلَ اَللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً . و أما قوله إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ يُخٰادِعُونَ اَللّٰهَ وَ هُوَ خٰادِعُهُمْ قال الخديعة من الله العذاب-قوله إِذٰا قٰامُوا مع رسول الله ص إِلَى اَلصَّلاٰةِ قٰامُوا كُسٰالىٰ يُرٰاؤُنَ اَلنّٰاسَ أنهم مؤمنون وَ لاٰ يَذْكُرُونَ اَللّٰهَ إِلاّٰ قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ-لاٰ إِلىٰ هٰؤُلاٰءِ وَ لاٰ إِلىٰ هٰؤُلاٰءِ أي لم يكونوا من المؤمنين و لا من اليهود ثم قال إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ فِي اَلدَّرْكِ اَلْأَسْفَلِ مِنَ اَلنّٰارِ نزلت في عبد الله بن أبي و جرت في كل منافق و مشرك و قوله لاٰ يُحِبُّ اَللّٰهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّٰ مَنْ ظُلِمَ أي لا يحب أن يجهر الرجل بالظلم و السوء-و يظلم إلا من ظلم فقد أطلق له أن يعارضه بالظلم،

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا قَالَ: إِنْ جَاءَكَ رَجُلٌ-وَ قَالَ فِيكَ مَا لَيْسَ فِيكَ مِنَ اَلْخَيْرِ وَ اَلثَّنَاءِ وَ اَلْعَمَلِ اَلصَّالِحِ فَلاَ تَقْبَلْهُ مِنْهُ-وَ كَذِّبْهُ فَقَدْ ظَلَمَكَ. ، و قوله إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ-وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اَللّٰهِ وَ رُسُلِهِ-وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ قال هم الذين أقروا برسول الله ص و أنكروا أمير المؤمنين ع وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً- أُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰافِرُونَ حَقًّا .

ص: 157


1- . أَعَانَ عَلَيْهِ أَيْ ضَرَّهُ وَ فِي اَلدُّعَاءِ «رَبِّ أَعِنِّي وَ لاَ تُعِنْ عَلَيَّ» . ج. ز.

وَ مٰا قَتَلُوهُ وَ مٰا صَلَبُوهُ وَ لٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ و قوله وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ إِلاّٰ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ-وَ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً

فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص إِذَا رَجَعَ آمَنَ بِهِ اَلنَّاسُ كُلُّهُمْ.

قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: قَالَ لِيَ اَلْحَجَّاجُ بِأَنَّ آيَةً فِي كِتَابِ اَللَّهِ قَدْ أَعْيَتْنِي، فَقُلْتُ أَيُّهَا اَلْأَمِيرُ أَيَّةُ آيَةٍ هِيَ فَقَالَ قَوْلُهُ « وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ إِلاّٰ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ » وَ اَللَّهِ إِنِّي لَأَمُرُّ بِالْيَهُودِيِّ وَ اَلنَّصْرَانِيِّ فَيُضْرَبُ عُنُقُهُ ثُمَّ أَرْمُقُهُ بِعَيْنِي-فَمَا أَرَاهُ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ حَتَّى يَخْمُدَ، فَقُلْتُ أَصْلَحَ اَللَّهُ اَلْأَمِيرَ لَيْسَ عَلَى مَا تَأَوَّلْتَ، قَالَ كَيْفَ هُوَ قُلْتُ إِنَّ عِيسَى يَنْزِلُ قَبْلَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ إِلَى اَلدُّنْيَا-فَلاَ يَبْقَى أَهْلُ مِلَّةِ يَهُودِيٍّ وَ لاَ نَصْرَانِيٍّ إِلاَّ آمَنَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يُصَلِّي خَلْفَ اَلْمَهْدِيِّ ، قَالَ وَيْحَكَ أَنَّى لَكَ هَذَا وَ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهِ، فَقُلْتُ حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع ، فَقَالَ جِئْتَ بِهَا وَ اَللَّهِ مِنْ عَيْنٍ صَافِيَةٍ . ، و قوله فَبِظُلْمٍ مِنَ اَلَّذِينَ هٰادُوا حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ طَيِّبٰاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ-وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ كَثِيراً

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ [يعقود] قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ ع يَقُولُ مَنْ زَرَعَ حِنْطَةً فِي أَرْضٍ فَلَمْ يُزَكِّ فِي أَرْضِهِ-وَ زَرْعِهِ وَ خَرَجَ زَرْعُهُ كَثِيرَ اَلشَّعِيرِ-فَبِظُلْمِ عَمَلِهِ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ اَلْأَرْضِ-أَوْ بِظُلْمِ مُزَارِعِهِ وَ أَكَرَتِهِ لِأَنَّ اَللَّهَ يَقُولُ فَبِظُلْمٍ مِنَ اَلَّذِينَ هٰادُوا حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ طَيِّبٰاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ-وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ كَثِيراً هَكَذَا أَنْزَلَهَا اَللَّهُ فَاقْرَءُوهَا هَكَذَا-وَ مَا كَانَ اَللَّهُ لِيُحِلَّ شَيْئاً فِي كِتَابِهِ-ثُمَّ يُحَرِّمَهُ مِنْ بَعْدِ مَا أَحَلَّهُ-وَ لاَ أَنْ يُحَرِّمَ شَيْئاً ثُمَّ يُحِلَّهُ مِنْ بَعْدِ مَا حَرَّمَهُ، قُلْتُ وَ كَذَلِكَ أَيْضاً قَوْلُهُ وَ مِنَ اَلْبَقَرِ وَ اَلْغَنَمِ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمٰا قَالَ نَعَمْ، قُلْتُ فَقَوْلُهُ إِلاّٰ مٰا حَرَّمَ إِسْرٰائِيلُ عَلىٰ نَفْسِهِ ، قَالَ إِنَّ إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَكَلَ مِنْ لَحْمِ اَلْإِبِلِ-يَهِيجُ عَلَيْهِ وَجَعُ اَلْخَاصِرَةِ فَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لَحْمَ اَلْإِبِلِ-وَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْزِلَ اَلتَّوْرَاةُ ، فَلَمَّا أُنْزِلَتِ اَلتَّوْرَاةُ

ص: 158

لَمْ يُحَرِّمْهُ وَ لَمْ يَأْكُلْهُ . و قوله لٰكِنِ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ إلى قوله وَ كٰانَ اَللّٰهُ عَزِيزاً حَكِيماً فإنه محكم-

و قوله لٰكِنِ اَللّٰهُ يَشْهَدُ بِمٰا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ « لَكِنَّ اَللَّهَ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ فِي عَلِيٍّ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ اَلْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ-وَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً » وَ قَرَأَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا-وَ ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ-لَمْ يَكُنِ اَللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ-وَ لاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً-وَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى اَللَّهِ يَسِيراً .

و قوله فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ وَ لاٰ تَقُولُوا ثَلاٰثَةٌ فهم الذين قالوا بالله و بعيسى و مريم فقال الله اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اَللّٰهُ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ-سُبْحٰانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ-لَهُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي اَلْأَرْضِ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ وَكِيلاً و قوله لَنْ يَسْتَنْكِفَ اَلْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّٰهِ أي لا يأنف أن يكون عبدا لله وَ لاَ اَلْمَلاٰئِكَةُ اَلْمُقَرَّبُونَ-وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبٰادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ-فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً و قوله يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ قَدْ جٰاءَكُمْ بُرْهٰانٌ مِنْ رَبِّكُمْ-وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً فالنور إمامة أمير المؤمنين ع ، ثم قال فَأَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ اِعْتَصَمُوا بِهِ-فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ و هم الذين تمسكوا بولاية أمير المؤمنين و الأئمة ع ، و قوله يَسْتَفْتُونَكَ، قُلِ اَللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِي اَلْكَلاٰلَةِ-إِنِ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ-وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ-فَإِنْ كٰانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا اَلثُّلُثٰانِ مِمّٰا تَرَكَ-وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالاً وَ نِسٰاءً-فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِذَا مَاتَ اَلرَّجُلُ وَ لَهُ أُخْتٌ-تَأْخُذُ نِصْفَ مَا تَرَكَ مِنَ اَلْمِيرَاثِ. ، لَهَا نِصْفُ اَلْمَيرَاثِ بِالْآيَةِ-كَمَا تَأْخُذُ اَلْبِنْتُ لَوْ كَانَتْ، وَ اَلنِّصْفُ اَلْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهَا بِالرَّحِمِ-إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ أَقْرَبَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ اَلْأُخْتِ أَخٌ-أَخَذَ اَلْمِيرَاثَ كُلَّهُ بِالْآيَةِ لِقَوْلِ اَللَّهِ وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا

ص: 159

وَلَدٌ وَ إِنْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ أَخَذَتَا اَلثُّلُثَيْنِ بِالْآيَةِ-وَ اَلثُّلُثَ اَلْبَاقِي بِالرَّحِمِ وَ إِنْ كٰانُوا إِخْوَةً رِجٰالاً وَ نِسٰاءً-فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ وَ ذَلِكَ كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ أَبَوَانِ أَوْ زَوْجَةٌ.

5- سورة المائدة مدنية

و هي مائة و عشرون آية 120

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ- يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ-أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ اَلْأَنْعٰامِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَوْلُهُ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قَالَ بِالْعُهُودِ.

وَ أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْبَصْرِيِّ عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي ع فِي قَوْلِهِ:

يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص عَقَدَ عَلَيْهِمْ لِعَلِيٍّ بِالْخِلاَفَةِ-فِي عَشَرَةِ مَوَاطِنَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اَللَّهُ « يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اَلَّتِي عُقِدَتْ عَلَيْكُمْ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع . » و قال علي بن إبراهيم في قوله أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ اَلْأَنْعٰامِ قال الجنين في بطن أمه إذا أوبر و أشعر-فذكاته ذكاة أمه فذلك الذي عناه الله، و قوله أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ اَلْأَنْعٰامِ دليل على أن غير الأنعام محرم، و قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تُحِلُّوا شَعٰائِرَ اَللّٰهِ-وَ لاَ اَلشَّهْرَ اَلْحَرٰامَ وَ لاَ اَلْهَدْيَ وَ لاَ اَلْقَلاٰئِدَ-وَ لاَ آمِّينَ اَلْبَيْتَ اَلْحَرٰامَ فالشعائر الإحرام، و الطواف و الصلاة في مقام إبراهيم ، و السعي بين الصفا و المروة ، و مناسك الحج كلها من شعائر الله، و من الشعائر إذا ساق الرجل بدنة في الحج-ثم أشعرها أي قطع سنامها أو جللها أو قلدها-ليعلم الناس أنها هدي فلا تتعرض لها أحد، و إنما سميت الشعائر لتشعر الناس بها فيعرفونها، و قوله « وَ لاَ اَلشَّهْرَ اَلْحَرٰامَ » و هو ذو الحجة و هو من الأشهر الحرم ، و قوله « وَ لاَ اَلْهَدْيَ » و هو الذي يسوقه إذا أحرم

ص: 160

« وَ لاَ اَلْقَلاٰئِدَ » قال يقلدها النعل الذي قد صلى فيه-و قوله « وَ لاَ آمِّينَ اَلْبَيْتَ اَلْحَرٰامَ » قال الذين يحجون البيت الحرام و قوله وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا فأحل لهم الصيد بعد تحريمه إذا أحلوا، و قوله وَ لاٰ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ-أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ أَنْ تَعْتَدُوا أي لا يحملنكم عداوة قريش إن صدوك عن المسجد الحرام في غزوة الحديبية أن تعتدوا عليهم و تظلموهم-ثم نسخت هذه الآية بقوله « فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ » .

و أما قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ اَلْمَيْتَةُ وَ اَلدَّمُ-وَ لَحْمُ اَلْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اَللّٰهِ بِهِ وَ اَلْمُنْخَنِقَةُ وَ اَلْمَوْقُوذَةُ وَ اَلْمُتَرَدِّيَةُ وَ اَلنَّطِيحَةُ-وَ مٰا أَكَلَ اَلسَّبُعُ إِلاّٰ مٰا ذَكَّيْتُمْ وَ مٰا ذُبِحَ عَلَى اَلنُّصُبِ-وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلاٰمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ فالميتة و الدم و لحم الخنزير معروف، وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اَللّٰهِ بِهِ يعني به ما ذبح للأصنام، وَ اَلْمُنْخَنِقَةُ : فإن المجوس كانوا لا يأكلون الذبائح-و يأكلون الميتة، و كانوا يخنقون البقر و الغنم-فإذا ماتت أكلوها، وَ اَلْمَوْقُوذَةُ كانوا يشدون عينيها و أرجلها-و يضربونها حتى تموت، فإذا ماتت أكلوها، وَ اَلْمُتَرَدِّيَةُ : كانوا يشدون عينها و يلقونها من السطح، فإذا ماتت أكلوها، وَ اَلنَّطِيحَةُ : كانوا يتناطحون بالكباش-فإذا مات أحدهما أكلوه وَ مٰا أَكَلَ اَلسَّبُعُ إِلاّٰ مٰا ذَكَّيْتُمْ : فإنهم كانوا يأكلون ما يأكله الذئب-و الأسد و الدب فحرم الله ذلك، وَ مٰا ذُبِحَ عَلَى اَلنُّصُبِ : كانوا يذبحون لبيوت النيران، و قريش كانوا يعبدون الشجر و الصخر فيذبحون لها، وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلاٰمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ : قال كانوا يعمدون إلى الجزور-فيجزونه عشرة أجزاء-ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام-و يدفعونها إلى رجل، و السهام عشرة سبعة لها أنصباء و ثلاثة لا أنصباء لها، فالتي لها أنصباء، الفذ ، و التوأم ، و المسبل ، و النافس ، و الحلس [الحليس] ، و الرقيب ، و المعلى ، فالفذ له سهم و التوأم له سهمان-و المسبل له ثلاثة أسهم و النافس له أربعة أسهم-و الحلس له خمسة أسهم-و الرقيب له ستة أسهم-و المعلى

ص: 161

له سبعة أسهم، و التي لا أنصباء لها السفح و المنيح و الوغد ، و ثمن الجزور على من لم يخرج له الأنصباء شيئا، و هو القمار فحرمه الله عز و جل- و قوله اَلْيَوْمَ يَئِسَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال ذلك لما نزلت ولاية أمير المؤمنين ع و أما قوله اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ-وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ اَلْعَلاَءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: آخِرُ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اَللَّهُ اَلْوَلاَيَةُ-ثُمَّ لَمْ يُنْزِلْ بَعْدَهَا فَرِيضَةً-ثُمَّ أَنْزَلَ « اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » بِكُرَاعِ اَلْغَنَمِ (1)فَأَقَامَهَا رَسُولُ اَللَّهِ ص بِالْجُحْفَةِ فَلَمْ يُنْزِلْ بَعْدَهَا فَرِيضَةً . و أما قوله فَمَنِ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجٰانِفٍ لِإِثْمٍ فهو رخصة للمضطر-أن يأكل الميتة و الدم و لحم الخنزير، و المخمصة الجوع

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ غَيْرَ مُتَجٰانِفٍ لِإِثْمٍ ، قَالَ يَقُولُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ. ، و قال علي بن إبراهيم في قوله غَيْرَ مُتَجٰانِفٍ لِإِثْمٍ أي غير مائل في الإثم-فلا يأكل الميتة إذا اضطر إليها-إذا كان في سفر غير حق، و كذلك إن كان في قطع الطريق أو ظلم أو جور قوله يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ اَلطَّيِّبٰاتُ وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ اَلْجَوٰارِحِ-مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اَللّٰهُ و هو صيد الكلاب المعلمة خاصة-أحله الله إذا أدركته و قتلته-لقوله « فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ »

وَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ اَلْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ اَلْبُزَاةِ وَ اَلصُّقُورِ وَ اَلْفُهُودِ وَ اَلْكِلاَبِ، قَالَ لاَ تَأْكُلُوا إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ إِلاَّ اَلْكِلاَبَ، قُلْتُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَالَ كُلْ-فَإِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ اَلْجَوٰارِحِ-مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اَللّٰهُ-فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ، ثُمَّ قَالَ ع كُلُّ شَيْءٍ مِنَ اَلسِّبَاعِ-تُمْسِكُ اَلصَّيْدَ عَلَى نَفْسِهَا

ص: 162


1- . كُرَاعِ اَلْغَمِيمِ خ. ل.

إِلاَّ اَلْكِلاَبَ اَلْمُعَلَّمَةَ-فَإِنَّهَا تُمْسِكُ عَلَى صَاحِبِهَا-قَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ اَلْكَلْبَ اَلْمُعَلَّمَ-فَ اُذْكُرُوا اِسْمَ اَللّٰهِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ ذَكَاتُهُ وَ قَوْلُهُ أُحِلَّ لَكُمُ اَلطَّيِّبٰاتُ-وَ طَعٰامُ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ قَالَ عَنَى بِطَعَامِهِمُ اَلْحُبُوبَ وَ اَلْفَاكِهَةَ-غَيْرَ اَلذَّبَائِحِ اَلَّتِي يَذْبَحُونَهَا فَإِنَّهُمْ لاَ يَذْكُرُونَ اِسْمَ اَللَّهِ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ، ثُمَّ قَالَ وَ اَللَّهِ مَا اِسْتَحَلُّوا ذَبَائِحَكُمْ-فَكَيْفَ تَسْتَحِلُّونَ ذَبَائِحَهُمْ .

و قوله وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فقد أحل الله نكاح أهل الكتاب بعد تحريمه-في قوله في سورة البقرة وَ لاٰ تَنْكِحُوا اَلْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ و إنما يحل نكاح أهل الكتاب الذين يؤدون الجزية على ما يجب-فأما إذا كانوا في دار الشرك-و لم يؤدوا الجزية لم يحل مناكحتهم-و قوله وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ قال من آمن ثم أطاع أهل الشرك-فقد حبط عمله و كفر بالإيمان وَ هُوَ فِي اَلْآخِرَةِ مِنَ اَلْخٰاسِرِينَ و قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاٰةِ-فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى اَلْمَرٰافِقِ يعني من المرفق و هو محكم و قوله وَ اُذْكُرُوا نِعْمَةَ اَللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَ مِيثٰاقَهُ-اَلَّذِي وٰاثَقَكُمْ بِهِ قال لما أخذ رسول الله ص الميثاق عليهم بالولاية-قالوا سمعنا و أطعنا، ثم نقضوا ميثاقهم

ص: 163

و الدليل على ذلك أن الكلمة أمير المؤمنين ع قوله « وَ جَعَلَهٰا كَلِمَةً بٰاقِيَةً فِي عَقِبِهِ » يعني به الإمامة-و قوله وَ لاٰ تَزٰالُ تَطَّلِعُ عَلىٰ خٰائِنَةٍ مِنْهُمْ-إِلاّٰ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اِصْفَحْ قال منسوخة بقوله فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ، و قوله وَ مِنَ اَلَّذِينَ قٰالُوا إِنّٰا نَصٰارىٰ أَخَذْنٰا مِيثٰاقَهُمْ

قَالَ عَلِيٌّ ع إِنَّ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ مَخْلُوقٌ فَجَعَلُوهُ رَبّاً فَنَسُوا حَظًّا مِمّٰا ذُكِّرُوا بِهِ .

ص: 164

يَتِيهُونَ فِي اَلْأَرْضِ فلما أراد موسى أن يفارقهم فزعوا و قالوا-إن خرج موسى من بيننا نزل علينا العذاب-ففزعوا إليه و سألوه أن يقيم معهم-و يسأل الله أن يتوب عليهم، فأوحى الله إليه قد تبت عليهم على أن يدخلوا مصر و حرمتها عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي اَلْأَرْضِ عقوبة لقولهم فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقٰاتِلاٰ فدخلا كلهم في التيه البرقادون [الأقَارُونَ]فكانوا يقومون في أول الليل-و يأخذون في قراءة التوراة فإذا أصبحوا على باب مصر دارت بهم الأرض-فردتهم إلى مكانهم-و كان بينهم و بين مصر أربع فراسخ، فبقوا في ذلك أربعين سنة، فمات هارون و موسى في التيه و دخلها أبناؤهم و أبناء أبنائهم- و رُوِيَ أَنَّ اَلَّذِي حَفَرَ قَبْرَ مِوسَى مَلَكُ اَلْمَوْتِ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، وَ لِذَلِكَ لاَ تَعْرِفُ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَبْرَ مُوسَى ،

وَ سُئِلَ اَلنَّبِيُّ ص عَنْ قَبْرِهِ-فَقَالَ عِنْدَ اَلطَّرِيقِ اَلْأَعْظَمِ عِنْدَ اَلْكَثِيبِ اَلْأَحْمَرِ . ، قَالَ وَ كَانَ بَيْنَ مُوسَى وَ دَاوُدَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَ بَيْنَ دَاوُدَ وَ عِيسَى أَلْفٌ وَ مِائَةُ سَنَةٍ

و أما قوله وَ اُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ اِبْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ-إِذْ قَرَّبٰا قُرْبٰاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمٰا وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ اَلْآخَرِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ ع يُحَدِّثُ رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ-لَمَّا قَرَّبَ اِبْنَا آدَمَ اَلْقُرْبَانَ، قَرَّبَ أَحَدُهُمَا أَسْمَنَ كَبْشٍ كَانَ فِي ظانيته [ضَأْنِهِ] -وَ قَرَّبَ اَلْآخَرُ ضِغْثاً مِنْ سُنْبُلٍ، فَقُبِلَ مِنْ صَاحِبِ اَلْكَبْشِ وَ هُوَ هَابِيلُ وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ اَلْآخَرِ فَغَضِبَ قَابِيلُ فَقَالَ لِهَابِيلَ وَ اَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّكَ، فَ قٰالَ هَابِيلُ إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اَللّٰهُ مِنَ اَلْمُتَّقِينَ- لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي-مٰا أَنَا بِبٰاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ-إِنِّي أَخٰافُ اَللّٰهَ رَبَّ اَلْعٰالَمِينَ- إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ-فَتَكُونَ مِنْ أَصْحٰابِ اَلنّٰارِ وَ ذٰلِكَ جَزٰاءُ اَلظّٰالِمِينَ- فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَقْتُلُهُ حَتَّى جَاءَ إِبْلِيسُ فَعَلَّمَهُ، فَقَالَ ضَعْ رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ اِشْدَخْهُ، فَلَمَّا قَتَلَهُ لَمْ يَدْرِ

ص: 165

مَا يَصْنَعُ بِهِ-فَجَاءَ غُرَابَانِ فَأَقْبَلاَ يَتَضَارَبَانِ-حَتَّى قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ-ثُمَّ حَفَرَ اَلَّذِي بَقِيَ اَلْأَرْضَ بِمَخَالِبِهِ-وَ دَفَنَ فِيهَا صَاحِبَهُ، قَالَ قَابِيلُ يٰا وَيْلَتىٰ أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هٰذَا اَلْغُرٰابِ-فَأُوٰارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ اَلنّٰادِمِينَ فَحَفَرَ لَهُ حَفِيرَةً وَ دَفَنَهُ فِيهَا-فَصَارَتْ سُنَّةً يَدْفِنُونَ اَلْمَوْتَى-فَرَجَعَ قَابِيلُ إِلَى أَبِيهِ فَلَمْ يَرَ مَعَهُ هَابِيلَ ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَيْنَ تَرَكْتَ اِبْنِي قَالَ لَهُ قَابِيلُ أَرْسَلْتَنِي عَلَيْهِ رَاعِياً فَقَالَ آدَمُ اِنْطَلِقْ مَعِي إِلَى مَكَانِ اَلْقُرْبَانِ-وَ أَوْجَسَ قَلْبُ آدَمَ بِالَّذِي فَعَلَ قَابِيلُ ، فَلَمَّا بَلَغَ اَلْمَكَانَ اِسْتَبَانَ قَتْلُهُ، فَلَعَنَ آدَمُ اَلْأَرْضَ اَلَّتِي قَبِلَتْ دَمَ هَابِيلَ وَ أُمِرَ آدَمُ أَنْ يَلْعَنَ قَابِيلَ وَ نُودِيَ قَابِيلُ مِنَ اَلسَّمَاءِ لُعِنْتَ كَمَا قَتَلْتَ أَخَاكَ-وَ لِذَلِكَ لاَ تَشْرَبُ اَلْأَرْضُ اَلدَّمَ، فَانْصَرَفَ آدَمُ فَبَكَى عَلَى هَابِيلَ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَ لَيْلَةً-فَلَمَّا جَزِعَ عَلَيْهِ شَكَا ذَلِكَ إِلَى اَللَّهِ-فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً يَكُونُ خَلَفاً مِنْ هَابِيلَ ، فَوَلَدَتْ حَوَّاءُ غُلاَماً زَكِيّاً مُبَارَكاً، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلسَّابِعُ أَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا اَلْغُلاَمَ هِبَةٌ مِنِّي لَكَ-فَسَمِّهِ هِبَةَ اَللَّهِ ، فَسَمَّاهُ آدَمُ هِبَةَ اَللَّهِ .

قَالَ وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ [أَبِي]أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَهُ فِي اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ فَإِذَا طَاوُسٌ فِي جَانِبِ اَلْحَرَمِ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ-حَتَّى قَالَ أَ تَدْرِي أَيُّ يَوْمٍ قُتِلَ نِصْفُ اَلنَّاسِ، فَأَجَابَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَقَالَ أَوْ رُبُعُ اَلنَّاسِ يَا طَاوُسُ ، فَقَالَ أَوْ رُبُعُ اَلنَّاسِ، فَقَالَ أَ تَدْرِي مَا صُنِعَ بِالْقَاتِلِ-فَقُلْتُ إِنَّ هَذِهِ لَمَسْأَلَةٌ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ غَدَوْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَوَجَدْتُهُ قَدْ لَبِسَ ثِيَابَهُ-وَ هُوَ قَاعِدٌ عَلَى اَلْبَابِ-يَنْتَظِرُ اَلْغُلاَمَ أَنْ يُسْرِجَ لَهُ-فَاسْتَقْبَلَنِي بِالْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَهُ فَقَالَ، إِنَّ بِالْهِنْدِ أَوْ مِنْ وَرَاءِ اَلْهِنْدِ رَجُلاً-مَعْقُولاً بِرِجْلِهِ أَيْ وَاحِدَةٍ، لَبِسَ اَلْمِسْحَ (1)مُوَكَّلٌ بِهِ عَشَرَةُ نَفَرٍ-كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَخْرَجَ أَهْلُ اَلْقَرْيَةِ بَدَلَهُ-فَالنَّاسُ يَمُوتُونَ وَ اَلْعَشَرَةُ لاَ يَنْقُصُونَ-يَسْتَقْبِلُونَهُ بِوَجْهِ اَلشَّمْسِ حِينَ تَطْلُعُ-وَ يُدِيرُونَهُ مَعَهَا حِينَ تَغِيبُ-ثُمَّ يَصُبُّونَ عَلَيْهِ فِي اَلْبَرْدِ اَلْمَاءَ اَلْبَارِدَ

ص: 166


1- . اَلْمِسْحُ بِالْكَسْرِ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ جَمْعُهُ مُسُوحٍ. ج. ز.

وَ فِي اَلْحَرِّ اَلْمَاءَ اَلْحَارَّ، قَالَ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنَ اَلنَّاسِ-فَقَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اَللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَ نَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ-إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَحْمَقَ اَلنَّاسِ-وَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَعْقَلَ اَلنَّاسِ، إِنِّي لَقَائِمٌ هَاهُنَا مُنْذُ قَامَتِ اَلدُّنْيَا-مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ غَيْرُكَ مَنْ أَنْتَ، ثُمَّ قَالَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اِبْنُ آدَمَ (1) .

قال الله عز و جل مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي اَلْأَرْضِ-فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ اَلنّٰاسَ جَمِيعاً فلفظ الآية خاص في بني إسرائيل و معناه جار في الناس كلهم، و قوله وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا اَلنّٰاسَ جَمِيعاً قال من أنقذها من حرق أو غرق-أو هدم أو سبع أو كلفة-حتى يستغني أو أخرجه من فقر إلى غنى، و أفضل من ذلك أن أخرجه من ضلال إلى هدى، و قوله فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا اَلنّٰاسَ جَمِيعاً ، قال يكون مكانه كمن أحيا الناس جميعا-و أما قوله إِنَّمٰا جَزٰاءُ اَلَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا-أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاٰفٍ-أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: مَنْ حَارَبَ اَللَّهَ وَ أَخَذَ اَلْمَالَ وَ قَتَلَ-كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ وَ يُصْلَبَ-وَ مَنْ حَارَبَ وَ قَتَلَ وَ لَمْ يَأْخُذِ اَلْمَالَ

ص: 167


1- . إن هذا الخبر من غرائب الأخبار حيث لم يشاهد مثل هذا الشخص المعذب أي مكان، و لو كان لبان، فيمكن أن الإمام عليه السلام لم يكن مقصوده بيان اعتقاده بل ذكره حسب ما كان على ألسنة الناس في ذاك الزمان كما يدل عليه لفظة «يزعمون أنه ابن آدم» و على فرض كونه حاكياً عن اعتقاد نفسه يجوز أن تكون العشرة الموكلون على هذا الرجل من الأجنة المخفية عن أنظار عامة البشر فلذا لم يطلعوا عليه و علمه الإمام عليه السلام لأنه عالم بخبايا الأمور. ج. ز.

كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ وَ لاَ يُصْلَبَ، وَ مَنْ حَارَبَ فَأَخَذَ اَلْمَالَ وَ لَمْ يَقْتُلْ-كَانَ عَلَيْهِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ وَ رِجْلُهُ مِنْ خِلاَفٍ، وَ مَنْ حَارَبَ وَ لَمْ يَأْخُذِ اَلْمَالَ وَ لَمْ يَقْتُلْ-كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفَى. ، ثم استثنى عز و جل فقال « إِلاَّ اَلَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ » يعني يتوب من قبل أن يأخذهم الإمام، و قوله اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ اِبْتَغُوا إِلَيْهِ اَلْوَسِيلَةَ فقال تقربوا إليه بالإمام، و قوله إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مٰا فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً-وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ-مِنْ عَذٰابِ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ مٰا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ إلى قوله وَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فإنه محكم-

ص: 168

اَلنَّضِيرِ إِلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَ قَالُوا سَلْ مُحَمَّداً أَنْ لاَ يَنْقُضَ شَرْطَنَا فِي هَذَا اَلْحُكْمِ اَلَّذِي بَيْنَنَا وَ بَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي اَلْقَتْلِ، فَقَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ اِبْعَثُوا مَعِي رَجُلاً يَسْمَعُ كَلاَمِي وَ كَلاَمَهُ-فَإِنْ حَكَمَ لَكُمْ بِمَا تُرِيدُونَ وَ إِلاَّ فَلاَ تَرْضَوْا بِهِ، فَبَعَثُوا مَعَهُ رَجُلاً-فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمَ قُرَيْظَةَ وَ اَلنَّضِيرَ قَدْ كَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَاباً وَ عَهْداً وَثِيقاً تَرَاضَوْا بِهِ-وَ اَلْآنَ فِي قُدُومِكَ يُرِيدُونَ نَقْضَهُ-وَ قَدْ رَضُوا بِحُكْمِكَ فِيهِمْ-فَلاَ تَنْقُضْ عَلَيْهِمْ كِتَابَهُمْ وَ شَرْطَهُمْ، فَإِنَّ بَنِي اَلنَّضِيرِ لَهُمُ اَلْقُوَّةُ وَ اَلسِّلاَحُ وَ اَلْكُرَاعُ، وَ نَحْنُ نَخَافُ اَلْغَوَائِلَ وَ اَلدَّوَائِرَ، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ بِهَذِهِ اَلْآيَاتِ « يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ لاٰ يَحْزُنْكَ اَلَّذِينَ يُسٰارِعُونَ فِي اَلْكُفْرِ-مِنَ اَلَّذِينَ قٰالُوا آمَنّٰا بِأَفْوٰاهِهِمْ-وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ اَلَّذِينَ هٰادُوا » يَعْنِي اَلْيَهُودَ « سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّٰاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ-لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوٰاضِعِهِ » يَعْنِي عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَ بَنِي اَلنَّضِيرِ « يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هٰذٰا فَخُذُوهُ-وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا » يَعْنِي عَبْدَ اَللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ حَيْثُ قَالَ لِبَنِي اَلنَّضِيرِ إِنْ لَمْ يَحْكُمْ لَكُمْ بِمَا تُرِيدُونَ فَلاَ تَقْبَلُوا « وَ مَنْ يُرِدِ اَللّٰهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اَللّٰهِ شَيْئاً-أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اَللّٰهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ-لَهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا خِزْيٌ-وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ- سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ-فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً-وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ-إِنَّ اَللّٰهَ يُحِبُّ اَلْمُقْسِطِينَ إِلَى قَوْلِهِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ-فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْكٰافِرُونَ » . و قوله وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا يعني في التوراة أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ-وَ اَلْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ اَلْأُذُنَ بِالْأُذُنِ-وَ اَلسِّنَّ بِالسِّنِّ وَ اَلْجُرُوحَ قِصٰاصٌ فهي منسوخة بقوله كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِصٰاصُ فِي اَلْقَتْلىٰ-اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ اَلْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ اَلْأُنْثىٰ بِالْأُنْثىٰ و قوله وَ اَلْجُرُوحَ قِصٰاصٌ لم تنسخ-ثم قال فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ أي عفا فَهُوَ كَفّٰارَةٌ لَهُ و قوله لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً

ص: 169

قال لكل نبي شريعة و طريق وَ لٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مٰا آتٰاكُمْ أي يختبركم

ثم قال لنبيه فَتَرَى اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسٰارِعُونَ فِيهِمْ-يَقُولُونَ نَخْشىٰ أَنْ تُصِيبَنٰا دٰائِرَةٌ و هو قول عبد الله بن أبي لرسول الله ص لا تنقض حكم بني النضير فإنا نخاف الدوائر، فقال الله تعالى فَعَسَى اَللّٰهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ-أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ-فَيُصْبِحُوا عَلىٰ مٰا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نٰادِمِينَ و أما قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ-فَسَوْفَ يَأْتِي اَللّٰهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ-أَذِلَّةٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ يُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ قال هو مخاطبة لأصحاب رسول الله ص الذين غصبوا آل محمد حقهم-و ارتدوا عن دين الله « فَسَوْفَ يَأْتِي اَللّٰهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ » نزلت في القائم ع و أصحابه يُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ لاٰ يَخٰافُونَ لَوْمَةَ لاٰئِمٍ و أما قوله إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا-اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اَللَّهِ ص جَالِسٌ-وَ عِنْدَهُ قَوْمٌ مِنَ اَلْيَهُودِ فِيهِمْ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ ، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ اَلْآيَةُ فَخَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى اَلْمَسْجِدِ فَاسْتَقْبَلَهُ سَائِلٌ، فَقَالَ هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً-قَالَ نَعَمْ، ذَاكَ اَلْمُصَلِّي-فَجَاءَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع .

و قوله وَ إِذٰا جٰاؤُكُمْ قٰالُوا آمَنّٰا قال نزلت في عبد الله بن أبي لما أظهر الإسلام وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ قال و خَرَجُوا بِهِ من الإيمان و قوله وَ أَكْلِهِمُ اَلسُّحْتَ قال السحت هو بين الحلال و الحرام-و هو أن يؤاجر الرجل نفسه على حمل المسكر-و لحم الخنزير و اتخاذ الملاهي-فإجارته نفسه حلال-و من جهة ما يحمل و يعلم هو سحت-

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّوْفَلِيِّ عَنِ اَلسَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع مِنَ اَلسُّحْتِ ثَمَنُ اَلْمَيْتَةِ، وَ ثَمَنُ اَلْكَلْبِ، وَ مَهْرُ اَلْبَغِيِّ، وَ اَلرِّشْوَةُ فِي اَلْحُكْمِ، وَ أَجْرُ اَلْكَاهِنِ. ، و قوله

ص: 170

قٰالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّٰهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ-وَ لُعِنُوا بِمٰا قٰالُوا بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ قال قالوا قد فرغ الله من الأمر لا يحدث الله غير ما قد قدره في التقدير الأول، فرد الله عليهم فقال بَلْ يَدٰاهُ مَبْسُوطَتٰانِ-يُنْفِقُ كَيْفَ يَشٰاءُ أي يقدم و يؤخر-و يزيد و ينقص و له البداء و المشية، و قوله كُلَّمٰا أَوْقَدُوا نٰاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اَللّٰهُ قال كلما أراد جبار من الجبابرة هلاك آل محمد قصمه الله، و قوله وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقٰامُوا اَلتَّوْرٰاةَ وَ اَلْإِنْجِيلَ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ يعني اليهود و النصارى لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ قال من فوقهم المطر و من تحت أرجلهم النبات-و قوله مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ قال قوم من اليهود دخلوا في الإسلام فسماهم الله مقتصدة-

و قوله يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قال نزلت هذه الآية في علي وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ-وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ

قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ فِي مُنْصَرَفِ رَسُولِ اَللَّهِ ص مِنْ حِجَّةِ اَلْوَدَاعِ وَ حَجَّ رَسُولُ اَللَّهِ ص حِجَّةَ اَلْوَدَاعِ لِتَمَامِ عَشْرِ حِجَجٍ مِنْ مَقْدَمِهِ اَلْمَدِينَةَ فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ بِمِنًى أَنْ حَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

«أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِسْمَعُوا قَوْلِي وَ اِعْقِلُوهُ عَنِّي فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً قَالَ اَلنَّاسُ هَذَا اَلْيَوْمُ، قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ قَالَ اَلنَّاسُ هَذَا، قَالَ وَ أَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً قَالُوا بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ وَ أَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ-كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا-فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ-فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ أَيُّهَا اَلنَّاسُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَلاَ وَ كُلُّ مَأْثُرَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ كَانَتْ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، لَيْسَ أَحَدٌ أَكْرَمَ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِالتَّقْوَى، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَلاَ وَ كُلُّ رِبًا كَانَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَ أَوَّلُ مَوْضُوعٍ مِنْهُ رِبَا اَلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ ،

ص: 171

أَلاَ وَ كُلُّ دَمٍ كَانَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَ أَوَّلُ مَوْضُوعٍ دَمُ رَبِيعَةَ ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَلاَ وَ إِنَّ اَلشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ-وَ لَكِنَّهُ رَاضٍ بِمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ وَ إِنَّهُ إِذَا أُطِيعَ فَقَدْ عُبِدَ، أَلاَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَلْمُسْلِمَ أَخُو اَلْمُسْلِمِ حَقّاً، لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مُسْلِمٍ دَمُ اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ وَ مَالُهُ-إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ اَلنَّاسَ-حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ-فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَ حِسَابُهُمْ عَلَى اَللَّهِ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ أَيُّهَا اَلنَّاسُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِحْفَظُوا قَوْلِي تَنْتَفِعُوا بِهِ بَعْدِي-وَ اِفْهَمُوهُ تَنْعَشُوا-أَلاَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً-يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ عَلَى اَلدُّنْيَا، فَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ وَ لَتَفْعَلُنَّ-لَتَجِدُونِي فِي كَتِيبَةٍ بَيْنَ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ أَضْرِبُ وُجُوهَكُمْ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ اِلْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ-إِنْ شَاءَ اَللَّهُ أَوْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، ثُمَّ قَالَ أَلاَ وَ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ-إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اَللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ-أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ ، أَلاَ فَمَنِ اِعْتَصَمَ بِهِمَا فَقَدْ نَجَا-وَ مَنْ خَالَفَهُمَا فَقَدْ هَلَكَ-أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَلاَ وَ إِنَّهُ سَيَرِدُ عَلَيَّ اَلْحَوْضَ مِنْكُمْ رِجَالٌ فَيُدْفَعُونَ عَنِّي، فَأَقُولُ رَبِّ أَصْحَابِي، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُمْ أَحْدَثُوا بَعْدَكَ وَ غَيَّرُوا سُنَّتَكَ-فَأَقُولُ سُحْقاً سُحْقاً (1) .

ص: 172


1- . وَ فِي لَفْظِ صَحِيحِ اَلْبُخَارِيِّ: إِنَّ أُنَاساً مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ اَلشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي! فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، وَ فِي لَفْظِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ سُحْقاً سُحْقاً لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي، قَالَ اَلنَّوَوِيُّ فِي ذَيْلِ هَذِهِ اَلْأَحَادِيثِ (أَيْ أَحَادِيثِ اَلْحَوْضِ) : قَالَ اَلْقَاضِي عِيَاضٌ أَحَادِيثُ اَلْحَوْضِ صَحِيحَةٌ وَ اَلْإِيمَانُ بِهِ فَرْضٌ وَ اَلتَّصْدِيقُ بِهِ مِنَ اَلْإِيمَانِ، مُتَوَاتِرُ اَلنَّقْلِ رَوَاهُ خَلاَئِقُ مِنَ اَلصَّحَابَةِ رَاجِعْ صَحِيحَ اَلْبُخَارِيِّ ج 2 145-159 وَ ج 3 79 وَ ج 4 87(بَابَ اَلْحَوْضِ) وَ صَحِيحَ مُسْلِمٍ ج 2 249-252. ج. ز.

فَلَمَّا كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ اَلتَّشْرِيقِ أَنْزَلَ: اَللَّهُ إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اَللّٰهِ وَ اَلْفَتْحُ ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي-ثُمَّ نَادَى اَلصَّلاَةَ جَامِعَةً فِي مَسْجِدِ اَلْخَيْفِ فَاجْتَمَعَ اَلنَّاسُ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ-ثُمَّ قَالَ نَصَرَ اَللَّهُ اِمْرَأً، سَمِعَ مَقَالَتِي-فَوَعَاهَا وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ-قَلْبُ اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ أخلص [إِخْلاَصُ] اَلْعَمَلِ لِلَّهِ، وَ اَلنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ لزم [لُزُومُ] جَمَاعَتِهِمْ-فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ، اَلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَ هُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ.

أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ مَا اَلثَّقَلاَنِ قَالَ كِتَابُ اَللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اَللَّطِيفُ اَلْخَبِيرُ-أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ، وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ وَ لاَ أَقُولُ كَهَاتَيْنِ-وَ جَمَعَ سَبَّابَتِهِ وَ اَلْوُسْطَى، فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ، فَاجْتَمَعَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَالُوا-يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ يَجْعَلَ اَلْإِمَامَةَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ فَخَرَجَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنْهُمْ إِلَى مَكَّةَ وَ دَخَلُوا اَلْكَعْبَةَ وَ تَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا وَ كَتَبُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ كِتَاباً-إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ أَنْ لاَ يَرُدُّوا هَذَا اَلْأَمْرَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ أَبَداً-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ فِي ذَلِكَ « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّٰا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّٰا لاٰ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْوٰاهُمْ بَلىٰ-وَ رُسُلُنٰا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (1)» فَخَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ اَلْمَدِينَةَ حَتَّى نَزَلَ مَنْزِلاً يُقَالُ لَهُ غَدِيرُ خُمٍّ ، وَ قَدْ

ص: 173


1- . الزخرف 79.

عَلَّمَ اَلنَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ-وَ أَوْعَزَ إِلَيْهِمْ وَصِيَّتَهُ-إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ اَلْآيَةُ « يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ-وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ-وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ » فَقَامَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ-ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ هَلْ تَعْلَمُونَ مَنْ وَلِيُّكُمْ فَقَالُوا نَعَمْ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ ، ثُمَّ قَالَ أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ قَالُوا بَلَى، قَالَ اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثاً-كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ اَلْأَوَّلِ-وَ يَقُولُ اَلنَّاسُ كَذَلِكَ وَ يَقُولُ اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فَرَفَعَهَا حَتَّى بَدَا لِلنَّاسِ بَيَاضُ إِبْطَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ «أَلاَ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ-اَللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ-وَ اُنْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اُخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ-وَ أَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُ-ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ فَقَالَ-اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا مِنَ اَلشَّاهِدِينَ» فَاسْتَفْهَمَهُ عُمَرُ فَقَامَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ-فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ هَذَا مِنَ اَللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص نَعَمْ مِنَ اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِنَّهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ إِمَامُ اَلْمُتَّقِينَ وَ قَائِدُ اَلْغُرِّ اَلْمُحَجَّلِينَ، يُقْعِدُهُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى اَلصِّرَاطِ فَيُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهُ اَلْجَنَّةَ وَ أَعْدَاءَهُ اَلنَّارَ ، .

فَقَالَ أَصْحَابُهُ اَلَّذِينَ اِرْتَدُّوا بَعْدَهُ-قَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَسْجِدِ اَلْخَيْفِ مَا قَالَ-وَ قَالَ هَاهُنَا مَا قَالَ-وَ إِنْ رَجَعَ إِلَى اَلْمَدِينَةِ يَأْخُذُنَا بِالْبَيْعَةِ لَهُ فَاجْتَمَعُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفَراً-وَ تَآمَرُوا عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ قَعَدُوا فِي اَلْعَقَبَةِ ، وَ هِيَ عَقَبَةُ هَرْشَى [أَرْشَى] بَيْنَ اَلْجُحْفَةِ وَ اَلْأَبْوَاءِ ، فَقَعَدُوا سَبْعَةٌ عَنْ يَمِينِ اَلْعَقَبَةِ وَ سَبْعَةٌ عَنْ يَسَارِهَا لِيَنْفِرُوا نَاقَةَ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَلَمَّا جَنَّ اَللَّيْلُ-تَقَدَّمَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ اَلْعَسْكَرَ-فَأَقْبَلَ يَنْعُسُ عَلَى نَاقَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ اَلْعَقَبَةِ نَادَاهُ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ فُلاَناً وَ فُلاَناً [وَ فُلاَناً]قَدْ قَعَدُوا لَكَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَقَالَ مَنْ هَذَا خَلْفِي-فَقَالَ حُذَيْفَةُ اَلْيَمَانِيُّ أَنَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ حُذَيْفَةُ بْنُ اَلْيَمَانِ ، قَالَ سَمِعْتَ مَا سَمِعْتُ قَالَ بَلَى قَالَ فَاكْتُمْ، ثُمَّ دَنَا رَسُولُ اَللَّهِ ص مِنْهُمْ فَنَادَاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا نِدَاءَ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَرُّوا وَ دَخَلُوا فِي غُمَارِ اَلنَّاسِ-وَ قَدْ كَانُوا عَقَلُوا

ص: 174

رَوَاحِلَهُمْ فَتَرَكُوهَا-وَ لَحِقَ اَلنَّاسُ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص وَ طَلَبُوهُمْ-وَ اِنْتَهَى رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى رَوَاحِلِهِمْ فَعَرَفَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ تَحَالَفُوا فِي اَلْكَعْبَةِ إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ-أَلاَّ يَرُدُّوا هَذَا اَلْأَمْرَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ أَبَداً، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَحَلَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً-وَ لَمْ يُرِيدُوهُ وَ لَمْ يَكْتُمُوا شَيْئاً مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص ، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ « يَحْلِفُونَ بِاللّٰهِ مٰا قٰالُوا » أَنْ لاَ يَرُدُّوا هَذَا اَلْأَمْرَ فِي أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اَللَّهِ ص « وَ لَقَدْ قٰالُوا كَلِمَةَ اَلْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاٰمِهِمْ-وَ هَمُّوا بِمٰا لَمْ يَنٰالُوا » مِنْ قَتْلِ رَسُولِ اَللَّهِ ص « وَ مٰا نَقَمُوا إِلاّٰ أَنْ أَغْنٰاهُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ-فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ-وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اَللّٰهُ عَذٰاباً أَلِيماً-فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ-وَ مٰا لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لاٰ نَصِيرٍ (1)» فَرَجَعَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ بَقِيَ بِهَا محرم [اَلْمُحَرَّمَ] وَ اَلنِّصْفَ مِنْ صَفَرٍ لاَ يَشْتَكِي شَيْئاً-ثُمَّ اِبْتَدَأَ بِهِ اَلْوَجَعُ اَلَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اَللَّهِ ص .

فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ ص لَمَّا رَجَعَ مِنْ حِجَّةِ اَلْوَدَاعِ يَا اِبْنَ مَسْعُودٍ قَدْ قَرُبَ اَلْأَجَلُ وَ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي فَمَنْ لِذَلِكَ بَعْدِي فَأَقْبَلْتُ أَعُدُّ عَلَيْهِ رَجُلاً رَجُلاً، فَبَكَى رَسُولُ اَللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ-ثَكِلَتْكَ اَلثَّوَاكِلُ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِمَ لاَ تُقَدِّمُهُ عَلَى اَلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، يَا اِبْنَ مَسْعُودٍ إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ رُفِعَتْ لِهَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَعْلاَمٌ، فَأَوَّلُ اَلْأَعْلاَمِ لِوَائِيَ اَلْأَعْظَمُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ اَلنَّاسُ أَجْمَعِينَ تَحْتَ لِوَائِهِ-يُنَادِي مُنَادٍ هَذَا اَلْفَضْلُ يَا اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ . ثم نزل كتاب الله يخبر عن أصحاب رسول الله ص فقال وَ حَسِبُوا أَلاّٰ تَكُونَ فِتْنَةٌ أي لا يكون اختبار و لا يمتحنهم الله بأمير المؤمنين ع فَعَمُوا وَ صَمُّوا قال حيث كان رسول الله ص بين أظهرهم ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا حين قبض رسول الله ص و أقام أمير المؤمنين ع عليهم

ص: 175


1- . التوبة 74.

فعموا و صموا فيه حتى الساعة-ثم احتج عز و جل على النصارى في عيسى فقال:

مَا اَلْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ إِلاّٰ رَسُولٌ-قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ-وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كٰانٰا يَأْكُلاٰنِ اَلطَّعٰامَ يعني كانا يحدثان فكنى الله عن الحدث-و كل من أكل الطعام يحدث- ثم قال يٰا أَهْلَ اَلْكِتٰابِ لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ اَلْحَقِّ أي لا تقولوا إن عيسى هو الله و ابن الله،

وَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ ع عَنْ قَوْمٍ مِنَ اَلشِّيعَةِ يَدْخُلُونَ فِي أَعْمَالِ اَلسُّلْطَانِ وَ يَعْمَلُونَ لَهُمْ-وَ يُحِبُّونَهُمْ وَ يُوَالُونَهُمْ، قَالَ لَيْسَ هُمْ مِنَ اَلشِّيعَةِ وَ لَكِنَّهُمْ مِنْ أُولَئِكَ-ثُمَّ قَرَأَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع هَذِهِ اَلْآيَةَ لُعِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَلىٰ لِسٰانِ دٰاوُدَ وَ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ إِلَى قَوْلِهِ وَ لٰكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فٰاسِقُونَ قَالَ اَلْخَنَازِيرُ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَ اَلْقِرَدَةُ عَلَى لِسَانِ عِيسَى . و قوله « كٰانُوا لاٰ يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ-لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ » قال كانوا يأكلون لحم الخنزير-و يشربون الخمر و يأتون النساء أيام حيضهن، ثم احتج الله على المؤمنين الموالين للكفار « تَرىٰ كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا-لَبِئْسَ مٰا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ إلى قوله وَ لٰكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فٰاسِقُونَ » فنهى الله عز و جل أن يوالي المؤمن الكافر-إلا عند التقية

و أما

قَوْلُهُ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ اَلنّٰاسِ عَدٰاوَةً-لِلَّذِينَ آمَنُوا اَلْيَهُودَ وَ اَلَّذِينَ أَشْرَكُوا-وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا-اَلَّذِينَ قٰالُوا إِنّٰا نَصٰارىٰ فَإِنَّهُ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهَا-أَنَّهُ لَمَّا اِشْتَدَّتْ قُرَيْشٌ فِي أَذَى رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ أَصْحَابِهِ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ ص أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى اَلْحَبَشَةِ ، وَ أَمَرَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ، فَخَرَجَ جَعْفَرٌ وَ مَعَهُ سَبْعُونَ رَجُلاً مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ حَتَّى رَكِبُوا اَلْبَحْرَ، فَلَمَّا بَلَغَ قُرَيْشَ خُرُوجُهُمْ-بَعَثُوا عَمْرَو بْنَ اَلْعَاصِ وَ عُمَارَةَ بْنَ اَلْوَلِيدِ إِلَى اَلنَّجَاشِيِّ لِيَرُدُّوهُمْ إِلَيْهِمْ، وَ كَانَ عَمْرٌو وَ عُمَارَةُ مُتَعَادِيَيْنِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ كَيْفَ نَبْعَثُ رَجُلَيْنِ مُتَعَادِيَيْنِ-فَبَرِئَتْ بَنُو مَخْزُومٍ مِنْ جِنَايَةِ عُمَارَةَ وَ بَرِئَتْ بَنُو سَهْمٍ مِنْ جِنَايَةِ

ص: 176

عَمْرِو بْنِ اَلْعَاصِ ، فَخَرَجَ عُمَارَةُ وَ كَانَ حَسَنَ اَلْوَجْهِ شَابّاً مُتْرِفاً-فَأَخْرَجَ عَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ أَهْلَهُ مَعَهُ-فَلَمَّا رَكِبُوا اَلسَّفِينَةَ شَرِبُوا اَلْخَمْرَ-فَقَالَ عُمَارَةُ لِعَمْرِو بْنِ اَلْعَاصِ ، قُلْ لِأَهْلِكَ تُقَبِّلُنِي، فَقَالَ عَمْرٌو أَ يَجُوزُ هَذَا سُبْحَانَ اَللَّهِ فَسَكَتَ عُمَارَةُ فَلَمَّا اِنْتَشَى (1)عَمْرٌو وَ كَانَ عَلَى صَدْرِ اَلسَّفِينَةِ، دَفَعَهُ عُمَارَةُ وَ أَلْقَاهُ فِي اَلْبَحْرِ-فَتَشَبَّثَ عَمْرٌو بِصَدْرِ اَلسَّفِينَةِ-وَ أَدْرَكُوهُ فَأَخْرَجُوهُ، فَوَرَدُوا عَلَى اَلنَّجَاشِيِّ وَ قَدْ كَانُوا حَمَلُوا إِلَيْهِ هَدَايَا فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ-إِنَّ قَوْماً مِنَّا خَالَفُونَا فِي دِينِنَا وَ سَبُّوا آلِهَتَنَا-وَ صَارُوا إِلَيْكَ فَرُدَّهُمْ إِلَيْنَا، فَبَعَثَ اَلنَّجَاشِيُّ إِلَى جَعْفَرٍ فَجَاءُوا بِهِ-فَقَالَ يَا جَعْفَرُ مَا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فَقَالَ جَعْفَرٌ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ وَ مَا يَقُولُونَ قَالَ يَسْأَلُونَ أَنْ أَرُدَّكُمْ إِلَيْهِمْ، قَالَ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ سَلْهُمْ أَ عَبِيدٌ نَحْنُ لَهُمْ فَقَالَ عَمْرٌو لاَ بَلْ أَحْرَارٌ كِرَامٌ، قَالَ فَسَلْهُمْ أَ لَهُمْ عَلَيْنَا دُيُونٌ يُطَالِبُونَنَا بِهَا قَالَ لاَ مَا لَنَا عَلَيْكُمْ دُيُونٌ، قَالَ فَلَكُمْ فِي أَعْنَاقِنَا دِمَاءٌ تُطَالِبُونَنَا بِهَا قَالَ عَمْرٌو لاَ، قَالَ فَمَا تُرِيدُونَ مِنَّا آذَيْتُمُونَا فَخَرَجْنَا مِنْ بِلاَدِكُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ-خَالَفُونَا فِي دِينِنَا وَ سَبُّوا آلِهَتَنَا-وَ أَفْسَدُوا شَبَابَنَا وَ فَرَّقُوا جَمَاعَتَنَا-فَرُدَّهُمْ إِلَيْنَا لِنَجْمَعَ أَمْرَنَا، فَقَالَ جَعْفَرٌ نَعَمْ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ خَالَفْنَاهُمْ-بِأَنَّهُ بَعَثَ اَللَّهُ فِينَا نَبِيّاً أَمَرَ بِخَلْعِ اَلْأَنْدَادِ، وَ تَرْكِ اَلاِسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلاَمِ، وَ أَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَ اَلزَّكَاةِ، وَ حَرَّمَ اَلظُّلْمَ وَ اَلْجَوْرَ، وَ سَفْكَ اَلدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اَلزِّنَا وَ اَلرِّبَا وَ اَلْمَيْتَةِ وَ اَلدَّمِ، وَ أَمَرَنَا بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي اَلْقُرْبىٰ-وَ يَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلْبَغْيِ ، فَقَالَ اَلنَّجَاشِيُّ بِهَذَا بَعَثَ اَللَّهُ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ ع ، ثُمَّ قَالَ اَلنَّجَاشِيُّ يَا جَعْفَرُ هَلْ تَحْفَظُ مِمَّا أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَى نَبِيِّكَ شَيْئاً قَالَ نَعَمْ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ مَرْيَمَ فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ « وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ اَلنَّخْلَةِ تُسٰاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَ اِشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً » فَلَمَّا سَمِعَ اَلنَّجَاشِيُّ بِهَذَا بَكَى بُكَاءً شَدِيداً، وَ قَالَ هَذَا

ص: 177


1- . أَيْ سَكِرَ. مجمع-ج-ز.

وَ اَللَّهِ هُوَ اَلْحَقُّ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ-إِنَّ هَذَا مُخَالِفُنَا فَرُدَّهُ إِلَيْنَا، فَرَفَعَ اَلنَّجَاشِيُّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ عَمْرٍو ثُمَّ قَالَ اُسْكُتْ، وَ اَللَّهِ يَا هَذَا لَئِنْ ذَكَرْتَهُ بِسُوءٍ لَأَفْقِدَنَّكَ نَفْسَكَ، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ مِنْ عِنْدِهِ-وَ اَلدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَ هُوَ يَقُولُ-إِنْ كَانَ هَذَا كَمَا تَقُولُ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ فَإِنَّا لاَ نَتَعَرَّضُ لَهُ، وَ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ اَلنَّجَاشِيِّ وَصِيفَةٌ لَهُ تَذُبُّ عَنْهُ، فَنَظَرَتْ إِلَى عُمَارَةَ بْنِ اَلْوَلِيدِ وَ كَانَ فَتًى جَمِيلاً فَأَحَبَّتْهُ فَلَمَّا رَجَعَ عَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ إِلَى مَنْزِلِهِ، قَالَ لِعُمَارَةَ لَوْ رَاسَلْتَ جَارِيَةَ اَلْمَلِكِ، فَرَاسَلَهَا فَأَجَابَتْهُ، فَقَالَ عَمْرٌو قُلْ لَهَا تَبْعَثُ إِلَيْكَ مِنْ طِيبِ اَلْمَلِكِ شَيْئاً، فَقَالَ لَهَا فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَ عَمْرٌو مِنْ ذَلِكَ اَلطِّيبِ، وَ كَانَ اَلَّذِي فَعَلَ بِهِ عُمَارَةُ فِي قَلْبِهِ حِينَ أَلْقَاهُ فِي اَلْبَحْرِ فَأَدْخَلَ اَلطِّيبَ عَلَى اَلنَّجَاشِيِّ ، فَقَالَ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ-إِنَّ حُرْمَةَ اَلْمَلِكِ عِنْدَنَا وَ طَاعَتَهُ عَلَيْنَا وَ مَا يُكْرِمُنَا إِذَا دَخَلْنَا بِلاَدَهُ-وَ نَأْمَنُ فِيهِ أَنْ لاَ نَغُشَّهُ وَ لاَ نُرِيبَهُ-وَ إِنَّ صَاحِبِي هَذَا اَلَّذِي مَعِي قَدْ أَرْسَلَ إِلَى حُرْمَتِكَ-وَ خَدَعَهَا وَ بَعَثَتْ إِلَيْهِ مِنْ طِيبِكَ-ثُمَّ وَضَعَ اَلطِّيبَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَغَضِبَ اَلنَّجَاشِيُّ وَ هَمَّ بِقَتْلِ عُمَارَةَ ثُمَّ قَالَ لاَ يَجُوزُ قَتْلُهُ فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا بِلاَدِي فَأَمَانٌ لَهُمْ، فَدَعَا اَلنَّجَاشِيُّ اَلسَّحَرَةَ-فَقَالَ لَهُمُ اِعْمَلُوا بِهِ شَيْئاً أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنَ اَلْقَتْلِ، فَأَخَذُوهُ وَ نَفَخُوا فِي إِحْلِيلِهِ اَلزِّئْبَقَ-فَصَارَ مَعَ اَلْوَحْشِ يَغْدُو وَ يَرُوحُ، وَ كَانَ لاَ يَأْنَسُ بِالنَّاسِ-فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ-فَكَمَنُوا لَهُ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى وَرَدَ اَلْمَاءَ مَعَ اَلْوَحْشِ فَأَخَذُوهُ-فَمَا زَالَ يَضْطَرِبُ فِي أَيْدِيهِمْ وَ يَصِيحُ حَتَّى مَاتَ- وَ رَجَعَ عَمْرٌو إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ جعفر [جَعْفَراً] فِي أَرْضِ اَلْحَبَشَةِ فِي أَكْرَمِ كَرَامَةٍ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى هَادَنَ رَسُولُ اَللَّهِ ص قُرَيْشاً وَ صَالَحَهُمْ وَ فَتَحَ خَيْبَرَ فَوَافَى بِجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ-وَ وُلِدَ لِجَعْفَرٍ بِالْحَبَشَةِ مِنْ أَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَ وُلِدَ لِلنَّجَاشِيِّ اِبْنٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّداً ، وَ كَانَتْ أُمُّ حبيب [حَبِيبَةَ] بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ تَحْتَ عَبْدِ اَللَّهِ (1)

ص: 178


1- . وَ هِيَ أُمُّ حَبِيبَةَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، هَاجَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَحْشٍ إِلَى اَلْحَبَشَةِ ثُمَّ تَنَصَّرَ عَبْدُ اَللَّهِ هُنَالِكَ وَ مَاتَ عَلَى اَلنَّصْرَانِيَّةِ وَ ثَبَتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ عَلَى دِينِهَا اَلْإِسْلاَمِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اَللَّهِ ص (أعلام النساء) ج. ز.

فَكَتَبَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى اَلنَّجَاشِيِّ يَخْطُبُ أُمَّ حبيب [حَبِيبَةَ] ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا اَلنَّجَاشِيُّ فَخَطَبَهَا لِرَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَجَابَتْهُ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ وَ أَصْدَقَهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ-وَ سَاقَهَا عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص ، وَ بَعَثَ إِلَيْهَا بِثِيَابٍ وَ طِيبٍ كَثِيرٍ-وَ جَهَّزَهَا وَ بَعَثَهَا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص ، وَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِمَارِيَةَ اَلْقِبْطِيَّةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ، وَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِثِيَابٍ وَ طِيبٍ وَ فَرَسٍ، وَ بَعَثَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنَ اَلْقِسِّيسِينَ، فَقَالَ لَهُمْ اُنْظُرُوا إِلَى كَلاَمِهِ وَ إِلَى مَقْعَدِهِ وَ مَشْرَبِهِ وَ مُصَلاَّهُ-فَلَمَّا وَافَوُا اَلْمَدِينَةَ دَعَاهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى اَلْإِسْلاَمِ وَ قَرَأَ عَلَيْهِمُ اَلْقُرْآنَ « إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلىٰ وٰالِدَتِكَ إِلَى قَوْلِهِ فَقٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ سِحْرٌ مُبِينٌ » فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص بَكَوْا وَ آمَنُوا-وَ رَجَعُوا إِلَى اَلنَّجَاشِيِّ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَ رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ قَرَءُوا عَلَيْهِ مَا قَرَأَ عَلَيْهِمْ، فَبَكَى اَلنَّجَاشِيُّ وَ بَكَى اَلْقِسِّيسُونَ-وَ أَسْلَمَ اَلنَّجَاشِيُّ وَ لَمْ يُظْهِرْ لِلْحَبَشَةِ إِسْلاَمَهُ-وَ خَافَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ وَ خَرَجَ مِنْ بِلاَدِ اَلْحَبَشَةِ إِلَى اَلنَّبِيِّ ص فَلَمَّا عَبَرَ اَلْبَحْرَ تُوُفِّيَ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ اَلنّٰاسِ عَدٰاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اَلْيَهُودَ إِلَى قَوْلِهِ وَ ذٰلِكَ جَزٰاءُ اَلْمُحْسِنِينَ » وَ أَمَّا قَوْلُهُ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تُحَرِّمُوا طَيِّبٰاتِ مٰا أَحَلَّ اَللّٰهُ لَكُمْ .

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ فِي أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع وَ بِلاَلٍ وَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ، فَأَمَّا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ع فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَنَامَ بِاللَّيْلِ أَبَداً-وَ أَمَّا بِلاَلٌ فَإِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لاَ يُفْطِرَ بِالنَّهَارِ أَبَداً، وَ أَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَإِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لاَ يَنْكِحَ أَبَداً-فَدَخَلَتِ اِمْرَأَةُ عُثْمَانَ عَلَى عَائِشَةَ وَ كَانَتِ اِمْرَأَةً جَمِيلَةً، فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَا لِي أَرَاكِ مُعَطَّلَةً-فَقَالَتْ وَ لِمَنْ أَتَزَيَّنُ-فَوَ اَللَّهِ مَا قَارَبَنِي زَوْجِي مُنْذُ كَذَا وَ كَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ تَرَهَّبَ وَ لَبِسَ اَلْمُسُوحَ وَ زَهِدَ فِي اَلدُّنْيَا، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اَللَّهِ ص أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ

ص: 179

بِذَلِكَ، فَخَرَجَ فَنَادَى اَلصَّلاَةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ اَلنَّاسُ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ-مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمُ اَلطَّيِّبَاتِ-أَلاَ إِنِّي أَنَامُ بِاللَّيْلِ وَ أَنْكِحُ وَ أُفْطِرُ بِالنَّهَارِ-فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، فَقَامُوا هَؤُلاَءِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَقَدْ حَلَفْنَا عَلَى ذَلِكَ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ تَعَالَى لاٰ يُؤٰاخِذُكُمُ اَللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ-وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ اَلْأَيْمٰانَ-فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ-مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ-فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلاٰثَةِ أَيّٰامٍ-ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ اَلْآيَةَ .

ص: 180

لَيْلَةً مِنْ يَوْمَ شَرِبَهَا-فَإِنْ مَاتَ فِي تِلْكَ اَلْأَرْبَعِينَ لَيْلَةً مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ-سَقَاهُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مِنْ طِينَةِ خَبَالٍ (1)وَ سُمِّيَ اَلْمَسْجِدُ اَلَّذِي قَعَدَ فِيهِ رَسُولُ اَللَّهِ ص يَوْمَ أُكْفِئَتِ اَلْمَشْرَبَةُ مَسْجِدَ اَلْفَضِيخِ مِنْ يَوْمِئِذٍ، لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرُ شَيْءٍ أُكْفِئَ مِنَ اَلْأَشْرِبَةِ اَلْفَضِيخَ .

و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر، و أما الأنصاب فالأوثان التي كانوا يعبدونها المشركون ، و أما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها مشركو العرب في الجاهلية ، كل هذا بيعه و شراه و الانتفاع بشيء من هذا حرام من الله محرم، و هو رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ ، فقرن الله الخمر و الميسر مع الأوثان، و أما قوله أَطِيعُوا اَللّٰهَ-وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ اِحْذَرُوا يقول لا تعصوا و لا تركنوا إلى الشهوات من الخمر و الميسر فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ يقول عصيتم فَاعْلَمُوا أَنَّمٰا عَلىٰ رَسُولِنَا اَلْبَلاٰغُ اَلْمُبِينُ إذ قد بلغ و بين فانتهوا،

وَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِنَّهُ سَيَكُونُ قَوْمٌ يَبِيتُونَ-وَ هُمْ عَلَى شُرْبِ اَلْخَمْرِ وَ اَللَّهْوِ وَ اَلْغِنَاءِ-فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ مُسِخُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ-وَ أَصْبَحُوا قِرَدَةً وَ خَنَازِيرَ-وَ هُوَ قَوْلُهُ « وَ اِحْذَرُوا » أَنْ تَعْتَدُوا كَمَا اِعْتَدَى أَصْحَابُ اَلسَّبْتِ ، فَقَدْ كَانَ أَمْلَى لَهُمْ حَتَّى آثَرُوا (2)وَ قَالُوا إِنَّ اَلسَّبْتَ لَنَا حَلاَلٌ وَ إِنَّمَا كَانَ حُرِّمَ عَلَى أَوَّلِينَا-وَ كَانُوا يُعَاقَبُونَ عَلَى اِسْتِحْلاَلِهِمُ اَلسَّبْتَ ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ عَلَيْنَا حَرَامٌ-وَ مَا زِلْنَا بِخَيْرٍ مُنْذُ اِسْتَحْلَلْنَاهُ-وَ قَدْ كَثُرَتْ أَمْوَالُنَا وَ صَحَّتْ أَجْسَامُنَا، ثُمَّ أَخَذَهُمُ اَللَّهُ لَيْلاً وَ هُمْ غَافِلُونَ-فَهُوَ قَوْلُهُ « وَ اِحْذَرُوا » أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ مِثْلُ مَا حَلَّ بِمَنْ تَعَدَّى وَ عَصَى-فَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ اَلْخَمْرِ وَ اَلْمَيْسِرِ وَ اَلتَّشْدِيدُ فِي أَمْرِهِمَا-قَالَ اَلنَّاسُ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اَللَّهِ قُتِلَ أَصْحَابُنَا وَ هُمْ يَشْرَبُونَ اَلْخَمْرَ وَ قَدْ سَمَّاهُ اَللَّهُ رِجْساً-وَ جَعَلَهُ مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطَانِ وَ قَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ-أَ فَيَضُرُّ أَصْحَابَنَا ذَلِكَ

ص: 181


1- . وَ هُوَ اَلصَّدِيدُ يَخْرُجُ مِنْ فُرُوجِ اَلزُّنَاةِ.
2- . أَيْ عَزَمُوا عَلَى اَلْمَعْصِيَةِ. ج-ز.

شَيْئاً بَعْدَ مَا مَاتُوا فَأَنْزَلَ اَللَّهُ لَيْسَ عَلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ-جُنٰاحٌ فِيمٰا طَعِمُوا اَلْآيَةَ . فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر، و الجناح هو الإثم على من شربها بعد التحريم، قال علي بن إبراهيم في قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-لَيَبْلُوَنَّكُمُ اَللّٰهُ بِشَيْءٍ مِنَ اَلصَّيْدِ-تَنٰالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِمٰاحُكُمْ-لِيَعْلَمَ اَللّٰهُ مَنْ يَخٰافُهُ بِالْغَيْبِ قال نزلت في غزاة الحديبية قد جمع الله عليهم الصيد-فدخل بين رحائلهم ليبلونهم الله أي يختبرهم-و قوله لِيَعْلَمَ اَللّٰهُ مَنْ يَخٰافُهُ بِالْغَيْبِ قبل ذلك و لكنه عز و جل لا يعذب أحدا-إلا بحجة بعد إظهار الفعل و قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ-وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً-فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ فواجب لفظ الآية-أن الفداء يجب على من قتل الصيد متعمدا-و في المعنى و التفسير-يجب الجزاء على من قتل الصيد متعمدا أو خطأ.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ [اَلْحَسَنِ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ اَلنَّصِيبِيِّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اَلْمَأْمُونُ أَنْ يُزَوِّجَ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى ع اِبْنَتَهُ أُمَّ اَلْفَضْلِ اِجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ بَيْتِهِ اَلْأَدْنَيْنَ مِنْهُ-فَقَالُوا لَهُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ نَنْشُدُكَ اَللَّهَ-أَنْ لاَ تُخْرِجَ عَنَّا أَمْراً قَدْ مَلَكْنَاهُ وَ تَنْزِعَ عَنَّا عِزّاً قَدْ أَلْبَسَنَا اَللَّهُ-فَقَدْ عَرَفْتَ اَلْأَمْرَ اَلَّذِي بَيْنَنَا وَ بَيْنَ آلِ عَلِيٍّ قَدِيماً وَ حَدِيثاً، قَالَ اَلْمَأْمُونُ اُسْكُتُوا-فَوَ اَللَّهِ لاَ قَبِلْتُ مِنْ أَحَدِكُمْ فِي أَمْرِهِ، فَقَالُوا يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَ فَتُزَوِّجُ قُرَّةَ عَيْنِكَ صَبِيّاً-لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اَللَّهِ وَ لاَ يَعْرِفُ فَرِيضَةً وَ لاَ سُنَّةً-وَ لاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ، وَ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ سِنِينَ-أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَأَدَّبَ وَ يَقْرَأَ اَلْقُرْآنَ وَ يَعْرِفَ فَرْضاً مِنْ سُنَّتِهِ فَقَالَ لَهُمُ اَلْمَأْمُونُ وَ اَللَّهِ إِنَّهُ لَأَفْقَهُ مِنْكُمْ-وَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ وَ أَحْكَامِهِ-وَ أَقْرَأُ بِكِتَابِ اَللَّهِ وَ أَعْلَمُ بِمُحْكَمِهِ وَ مُتَشَابِهِهِ-وَ خَاصِّهِ وَ عَامِّهِ وَ نَاسِخِهِ وَ مَنْسُوخِهِ-وَ تَنْزِيلِهِ وَ تَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ-فَاسْأَلُوهُ فَإِنْ كَانَ اَلْأَمْرُ كَمَا قُلْتُمْ قَبِلْتُ مِنْكُمْ فِي أَمْرِهِ-وَ إِنْ كَانَ كَمَا قُلْتُ عَلِمْتُمْ أَنَّ اَلرَّجُلَ خَيْرٌ مِنْكُمْ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَ بَعَثُوا إِلَى

ص: 182

يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَ أَطْمَعُوهُ فِي هَدَايَا أَنْ يَحْتَالَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع بِمَسْأَلَةٍ-لاَ يَدْرِي كَيْفَ اَلْجَوَابُ فِيهَا عِنْدَ اَلْمَأْمُونِ إِذَا اِجْتَمَعُوا لِلتَّزْوِيجِ، فَلَمَّا حَضَرُوا وَ حَضَرَ أَبُو جَعْفَرٍ ع قَالُوا يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ هَذَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ إِنْ أَذِنْتَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ يَا يَحْيَى سَلْ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي اَلْفِقْهِ لِنَنْظُرَ كَيْفَ فِقْهُهُ، فَقَالَ يَحْيَى يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَصْلَحَكَ اَللَّهُ-مَا تَقُولُ فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْداً فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع قَتَلَهُ فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، عَالِماً أَوْ جَاهِلاً، عَمْداً أَوْ خَطَأً، عَبْداً أَوْ حُرّاً، صَغِيراً أَوْ كَبِيراً، مُبْدِياً أَوْ مُعِيداً، مِنْ ذَوَاتِ اَلطَّيْرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، مِنْ صِغَارِ اَلصَّيْدِ أَوْ مِنْ كِبَارِهَا، مُصِرّاً عَلَيْهَا أَوْ نَادِماً، بِاللَّيْلِ فِي وَكْرِهَا أَوْ بِالنَّهَارِ عِيَاناً، مُحْرِماً لِعُمْرَةٍ أَوْ لِلْحَجِّ قَالَ فَانْقَطَعَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ اِنْقِطَاعاً-لَمْ يَخْفَ عَلَى أَهْلِ اَلْمَجْلِسِ-وَ أَكْثَرِ اَلنَّاسِ تَعَجُّباً مِنْ جَوَابِهِ، وَ نَشَطَ اَلْمَأْمُونُ فَقَالَ نَخْطُبُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، فَقَالَ نَعَمْ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ إِقْرَاراً بِنِعْمَتِهِ-وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ إِخْلاَصاً لِعَظَمَتِهِ-وَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ-وَ قَدْ كَانَ مِنْ فَضْلِ اَللَّهِ عَلَى اَلْأَنَامِ-أَنْ أَغْنَاهُمْ بِالْحَلاَلِ عَنِ اَلْحَرَامِ-فَقَالَ وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ-وَ اَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ-إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ-وَ اَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ذَكَرَ أُمَّ اَلْفَضْلِ بِنْتَ عَبْدِ اَللَّهِ وَ بَذَلَ لَهَا مِنَ اَلصَّدَاقِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ-وَ قَدْ زَوَّجْتُكَ فَهَلْ قَبِلْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع نَعَمْ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ-قَدْ قَبِلْتُ هَذَا اَلتَّزْوِيجَ بِهَذَا اَلصَّدَاقِ-ثُمَّ أَوْلَمَ عَلَيْهِ اَلْمَأْمُونُ وَ جَاءَ اَلنَّاسُ عَلَى مَرَاتِبِهِمُ اَلْخَاصِّ وَ اَلْعَامِّ، قَالَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْنَا كَلاَماً-كَأَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ اَلْمَلاَّحِينَ فِي مُجَاوِبَاتِهِمْ-فَإِذَا نَحْنُ بِالْخَدَمِ يُجْرُونَ سَفِينَةً مِنْ فِضَّةٍ-وَ فِيهَا نَسَائِجُ إِبْرِيسَمَ مَكَانَ اَلْقُلُوسِ (1)مَمْلُوَّةً غَالِيَةً فَخَضَبُوا أَهْلَ اَلْخَاصِّ بِهَا-ثُمَّ مَرُّوا بِهَا إِلَى دَارِ اَلْعَامَّةِ فَطَيَّبُوهُمْ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ اَلنَّاسُ قَالَ اَلْمَأْمُونُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُبَيِّنَ لَنَا-مَا اَلَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ اَلْأَصْنَافِ-اَلَّتِي ذَكَرْتَ فِي قَتْلِ اَلصَّيْدِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع

ص: 183


1- . قلوص كغلوس جَمْعُ قَلْسٍ حَبَلٌ للسفينة ضَخْمٌ. ج. ز.

نَعَمْ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ-إِنَّ اَلْمُحْرِمَ إِذَا قَتَلَ صَيْداً فِي اَلْحِلِّ وَ اَلصَّيْدُ مِنْ ذَوَاتِ اَلطَّيْرِ مِنْ كِبَارِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَ إِذَا أَصَابَهُ فِي اَلْحَرَمِ فَعَلَيْهِ اَلْجَزَاءُ مُضَاعَفاً، وَ إِذَا قَتَلَ فَرْخاً فِي اَلْحِلِّ فَعَلَيْهِ جَمَلٌ قَدْ فُطِمَ-وَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْحَرَمِ ، وَ إِذَا قَتَلَهُ فِي اَلْحَرَمِ فَعَلَيْهِ اَلْجَمَلُ وَ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ فِي اَلْحَرَمِ ، وَ إِذَا كَانَ مِنَ اَلْوَحْشِ فَعَلَيْهِ فِي حِمَارِ اَلْوَحْشِ بَدَنَةٌ-وَ كَذَلِكَ فِي اَلنَّعَامَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَصِيَامُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَ إِنْ كَانَتْ بَقَرَةٌ فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ-فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ ثَلاَثِينَ مِسْكِيناً-فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَصُمْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَ إِنْ كَانَ ظَبْياً فَعَلَيْهِ شَاةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَ إِنْ كَانَ فِي اَلْحَرَمِ فَعَلَيْهِ اَلْجَزَاءُ مُضَاعَفاً هَدْياً بٰالِغَ اَلْكَعْبَةِ حَقّاً وَاجِباً عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَهُ، وَ إِنْ كَانَ فِي حَجٍّ بِمِنًى حَيْثُ يَنْحَرُ اَلنَّاسُ-فَإِنْ كَانَ فِي عُمْرَةٍ يَنْحَرُهُ بِمَكَّةَ وَ يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ حَتَّى يَكُونَ مُضَاعَفاً، وَ كَذَلِكَ إِذَا أَصَابَ أَرْنَباً فَعَلَيْهِ شَاةٌ-وَ إِذَا قَتَلَ اَلْحَمَامَةَ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ-أَوْ يَشْتَرِي بِهِ طَعَاماً لِحَمَامَةِ اَلْحَرَمِ ، وَ فِي اَلْفَرْخِ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَ فِي اَلْبَيْضَةِ رُبُعُ دِرْهَمٍ-وَ كُلَّمَا أَتَى بِهِ اَلْمُحْرِمُ بِجَهَالَةٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ-إِلاَّ اَلصَّيْدَ فَإِنَّ عَلَيْهِ اَلْفِدَاءَ بِجَهَالَةٍ كَانَ-أَوْ بِعِلْمٍ بِخَطَإٍ كَانَ أَوْ بِعَمْدٍ، وَ كُلَّمَا أَتَى بِهِ اَلْعَبْدُ فَكَفَّارَتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ-بِمِثْلِ مَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَ كُلَّمَا أَتَى بِهِ اَلصَّغِيرُ اَلَّذِي لَيْسَ بِبَالِغٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ عَادَ-فَهُوَ مِمَّنْ يَنْتَقِمُ اَللَّهُ مِنْهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَ اَلنَّقِمَةُ فِي اَلْآخِرَةِ، وَ إِنْ دَلَّ عَلَى اَلصَّيْدِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَقُتِلَ فَعَلَيْهِ اَلْفِدَاءُ، وَ اَلْمُصِرُّ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بَعْدَ اَلْفِدَاءِ عُقُوبَةٌ فِي اَلْآخِرَةِ، وَ اَلنَّادِمُ عَلَيْهِ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ اَلْفِدَاءِ وَ إِذَا أَصَابَ لَيْلاً فِي وَكْرِهَا خَطَأً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ-إِلاَّ أَنْ يَتَعَمَّدَهُ-فَإِنْ تَعَمَّدَ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَعَلَيْهِ اَلْفِدَاءُ، وَ اَلْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَنْحَرُ اَلْفِدَاءَ بِمِنًى حَيْثُ يَنْحَرُ اَلنَّاسُ-وَ اَلْمُحْرِمُ لِلْعُمْرَةِ يَنْحَرُ بِمَكَّةَ » .

فَأَمَرَ اَلْمَأْمُونُ أَنْ يُكْتَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع ثُمَّ دَعَا أَهْلَ بَيْتِهِ اَلَّذِينَ أَنْكَرُوا تَزْوِيجَهُ عَلَيْهِ-فَقَالَ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ يُجِيبُ بِمِثْلِ هَذَا اَلْجَوَابِ قَالُوا لاَ وَ اَللَّهِ وَ لاَ اَلْقَاضِي، ثُمَّ قَالَ وَيْحَكُمْ إِنَّ أَهْلَ هَذَا اَلْبَيْتِ خِلْوٌ مِنْكُمْ وَ مِنْ هَذَا اَلْخَلْقِ أَ وَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص بَايَعَ لِلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ وَ هُمَا صَبِيَّانِ غَيْرُ بَالِغَيْنِ وَ لَمْ يُبَايِعْ طِفْلاً غَيْرَهُمَا

ص: 184

أَ وَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ أَبَاهُ عَلِيّاً آمَنَ بِالنَّبِيِّ ص وَ هُوَ اِبْنُ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً-وَ قَبِلَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْهُ إِيمَانَهُ وَ لَمْ يَقْبَلْ مِنْ طِفْلٍ غَيْرِهِ، وَ لاَ دَعَا رَسُولُ اَللَّهِ ص طِفْلاً غَيْرَهُ إِلَى اَلْإِيمَانِ-أَ وَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّهَا ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ يَجْرِي لِآخِرِهِمْ مِثْلُ مَا يَجْرِي لِأَوَّلِهِمْ، فَقَالُوا صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ كُنْتَ أَنْتَ أَعْلَمَ بِهِ مِنَّا قَالَ ثُمَّ أَمَرَ اَلْمَأْمُونُ أَنْ يُنْثَرَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع ثَلاَثَةُ أَطْبَاقِ رِقَاعِ زَعْفَرَانٍ وَ مِسْكٍ مَعْجُونٍ بِمَاءِ اَلْوَرْدِ-وَ جَوْفُهَا رِقَاعٌ عَلَى طَبَقٍ رِقَاعُ عُمَالاَتٍ، وَ اَلثَّانِي ضِيَاعُ طُعْمَةٍ لِمَنْ أَخَذَهَا، وَ اَلثَّالِثُ فِيهِ بِدَرٌ-فَأَمَرَ أَنْ يُفَرَّقَ اَلطَّبَقُ اَلَّذِي عَلَيْهِ عُمَالاَتٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ خَاصَّةً، وَ اَلَّذِي عَلَيْهِ ضِيَاعُ طُعْمَةٍ عَلَى اَلْوُزَرَاءِ، وَ اَلَّذِي عَلَيْهِ اَلْبِدَرُ عَلَى اَلْقُوَّادِ، وَ لَمْ يَزَلْ مُكَرِّماً لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَيَّامَ حَيَاتِهِ-حَتَّى كَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى وُلْدِهِ (1) .

و أما قوله أَوْ كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ-أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ عَنْ سفين [سُفْيَانَ] بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ اَلزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ ع قَالَ: قَالَ يَوْماً يَا زُهْرِيُّ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ قُلْتُ مِنَ اَلْمَسْجِدِ قَالَ فِيمَ كُنْتُمْ، قُلْتُ تَذَاكَرْنَا أَمْرَ اَلصَّوْمِ-فَاجْتَمَعَ رَأْيِي وَ رَأْيُ أَصْحَابِي-أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ اَلصَّوْمِ شَيْءٌ وَاجِبٌ إِلاَّ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَقَالَ يَا زُهْرِيُّ لَيْسَ كَمَا قُلْتُمْ اَلصَّوْمُ عَلَى أَرْبَعِينَ وَجْهاً، فَعَشَرَةُ أَوْجُهٍ مِنْهَا وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ

ص: 185


1- . نعم إنه كان مكرماً له عليه السلام أيام حياته لكنه الذي قتل والده، الرضا عليه السلام لما اقتضت سياسته أن ينحيه عن طريق ملكه «و إن الملك عقيم» دسّ إليه السم فقتله و ممن ذكر كون المأمون قاتلا للإمام الرضا عليه السلام: المسعودي في مروج الذهب 9 33، ابن طقطقي في الفخرى ص 163، ابن الأثير في الكامل 6 111 الشبلنجي في نور الأنصار ص 144 و كذا في روضة الصفا 3 16 و شواهد النبوة ص 202 و مطالب السئول ص 288 و حبيب السير 2 51. ج-ز.

وَجْهاً صَاحِبُهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ-إِنْ شَاءَ صَامَ وَ إِنْ شَاءَ أَفْطَرَ، وَ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ مِنْهَا حَرَامٌ، وَ صَوْمُ اَلْإِذْنِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ، وَ صَوْمُ اَلتَّأْدِيبِ وَ صَوْمُ اَلْإِبَاحَةِ وَ صَوْمُ اَلسَّفَرِ وَ اَلْمَرَضِ، فَقُلْتُ فَسِّرْهُنَّ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَالَ أَمَّا اَلْوَاجِبُ فَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ-فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّداً، وَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي قَتْلِ اَلْخَطَإِ-لِمَنْ لَمْ يَجِدِ اَلْعِتْقَ وَاجِبٌ، قَالَ اَللَّهُ « وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ-وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ » وَ قَوْلُهُ « فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ » وَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ اَلظِّهَارِ-لِمَنْ لَمْ يَجِدِ اَلْعِتْقَ وَاجِبٌ-قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى « فَمَنْ لَمْ يَجِدْ-فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا » وَ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي كَفَّارَةِ اَلْيَمِينِ وَاجِبٌ-لِمَنْ لَمْ يَجِدِ اَلْإِطْعَامَ-قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى « فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلاٰثَةِ أَيّٰامٍ-ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ إِذٰا حَلَفْتُمْ » كُلُّ ذَلِكَ مُتَتَابِعٌ وَ لَيْسَ بِمُتَفَرِّقٍ، وَ صِيَامُ أَذَى حَلْقِ اَلرَّأْسِ وَاجِبٌ-قَالَ اَللَّهِ « أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ-فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ » فَصَاحِبُهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَ صَوْمُ دَمِ اَلْمُتْعَةِ وَاجِبٌ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ اَلْهَدْيَ-قَالَ اَللَّهُ: « فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ-فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلاٰثَةِ أَيّٰامٍ فِي اَلْحَجِّ-وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ » وَ صَوْمُ جَزَاءِ اَلصَّيْدِ وَاجِبٌ-قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى « وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ-يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ اَلْكَعْبَةِ أَوْ كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً » أَ وَ تَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً يَا زُهْرِيُّ قُلْتُ لاَ-قَالَ يُقَوَّمُ اَلصَّيْدُ قِيمَتَهُ ثُمَّ تنقض [تُفَضُّ] تِلْكَ اَلْقِيمَةُ عَلَى اَلْبُرِّ، ثُمَّ يُكَالُ ذَلِكَ اَلْبُرُّ أَصْوَاعاً-فَيَصُومُ لِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْماً، وَ صَوْمُ اَلنَّذْرِ وَاجِبٌ وَ صَوْمُ اَلاِعْتِكَافِ وَاجِبٌ، وَ أَمَّا اَلصَّوْمُ اَلْحَرَامُ-فَصَوْمُ يَوْمِ اَلْفِطْرِ وَ يَوْمِ اَلْأَضْحَى وَ ثَلاَثَةِ أَيَّامِ اَلتَّشْرِيقِ وَ صَوْمُ يَوْمِ اَلشَّكِّ أُمِرْنَا بِهِ وَ نُهِينَا عَنْهُ-أَنْ يَتَفَرَّدَ لِلرَّجُلِ بِصِيَامِهِ فِي اَلْيَوْمِ اَلَّذِي يَشُكُّ فِيهِ اَلنَّاسُ، قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَامَ مِنْ شَعْبَانَ شَيْئاً كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يَنْوِي لَيْلَةَ اَلشَّكِّ

ص: 186

أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَجْزَأَ عَنْهُ-وَ إِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَضُرَّهُ، فَقُلْتُ وَ كَيْفَ يُجْزِئُ صَوْمُ تَطَوُّعٍ مِنْ فَرِيضَةٍ فَقَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً-وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ شَهْرُ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ-لِأَنَّ اَلْفَرْضَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى اَلشَّهْرِ بِعَيْنِهِ، وَ صَوْمُ اَلْوِصَالِ حَرَامٌ، وَ صَوْمُ اَلصَّمْتِ حَرَامٌ وَ صَوْمُ نَذْرِ اَلْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ، وَ صَوْمُ اَلدَّهْرِ حَرَامٌ، وَ أَمَّا اَلصَّوْمُ اَلَّذِي صَاحِبُهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ: فَصَوْمُ يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ وَ اَلْخَمِيسِ وَ اَلْإِثْنَيْنِ ، وَ صَوْمُ أَيَّامِ اَلْبِيضِ ، وَ صَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كُلُّ ذَلِكَ صَاحِبُهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ-إِنْ شَاءَ صَامَ وَ إِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَ أَمَّا صَوْمُ اَلْإِذْنِ-فَإِنَّ اَلْمَرْأَةَ لاَ تَصُومُ تَطَوُّعاً إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَ اَلْعَبْدُ لاَ يَصُومُ تَطَوُّعاً إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَ اَلضَّيْفُ لاَ يَصُومُ تَطَوُّعاً إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مَنْ نَزَلَ عَلَى قَوْمٍ-فَلاَ يَصُومُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ-وَ أَمَّا صَوْمُ اَلتَّأْدِيبِ-فَالصَّبِيُّ يُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ إِذَا رَاهَقَ تَأْدِيباً وَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَ كَذَلِكَ مَنْ أَفْطَرَ أَوَّلَ اَلنَّهَارِ ثُمَّ عُوفِيَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ-أُمِرَ بِالْإِمْسَاكِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ تَأْدِيباً وَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَ كَذَلِكَ اَلْمُسَافِرُ إِذَا أَكَلَ مِنْ أَوَّلِ اَلنَّهَارِ ثُمَّ دَخَلَ مِصْرَهُ-أُمِرَ بِالْإِمْسَاكِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ تَأْدِيباً وَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، فَأَمَّا صَوْمُ اَلْإِبَاحَةِ-فَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِياً أَوْ تَقِيّاً-أَوْ قَاءَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ-فَقَدْ أَبَاحَ اَللَّهُ لَهُ ذَلِكَ وَ أَجْزَأَ عَنْهُ صَوْمُهُ وَ أَمَّا صَوْمُ اَلسَّفَرِ وَ اَلْمَرَضِ-فَإِنَّ اَلْعَامَّةَ اِخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ يَصُومُ وَ قَالَ قَوْمٌ إِنْ شَاءَ صَامَ وَ إِنْ شَاءَ أَفْطَرَ-وَ قَالَ قَوْمٌ لاَ يَصُومُ-وَ أَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ يُفْطِرُ فِي اَلْحَالَتَيْنِ جَمِيعاً-فَإِنْ صَامَ فِي اَلسَّفَرِ أَوْ فِي حَالِ اَلْمَرَضِ فَهُوَ عَاصٍ وَ عَلَيْهِ اَلْقَضَاءُ-وَ ذَلِكَ لِأَنَّ اَللَّهَ يَقُولُ: « فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ » .

ص: 187

هلكوا-و أما قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-لاٰ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيٰاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ مَاتَ اِبْنٌ لَهَا-فَأَقْبَلَتْ فَقَالَ لَهَا اَلثَّانِي غَطِّي قُرْطَكِ-فَإِنَّ قَرَابَتَكِ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص لاَ تَنْفَعُكِ شَيْئاً، فَقَالَتْ لَهُ هَلْ رَأَيْتَ لِي قُرْطاً يَا اِبْنَ اَللَّخْنَاءِ، ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ وَ بَكَتْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فَنَادَى اَلصَّلاَةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ اَلنَّاسُ فَقَالَ-مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ قَرَابَتِي لاَ تَنْفَعُ-لَوْ قَدْ قَرُبْتُ اَلْمَقَامَ اَلْمَحْمُودَ لَشَفَعْتُ فِي أَحْوَجِكُمْ، لاَ يَسْأَلُنِي اَلْيَوْمَ أَحَدٌ مِنْ أَبَوَاهُ إِلاَّ أَخْبَرْتُهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ مَنْ أَبِي-فَقَالَ أَبُوكَ غَيْرُ اَلَّذِي تُدْعَى لَهُ أَبُوكَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَقَالَ أَبُوكَ اَلَّذِي تُدْعَى لَهُ-ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مَا بَالُ اَلَّذِي يَزْعُمُ-أَنَّ قَرَابَتِي لاَ تَنْفَعُ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ أَبِيهِ-فَقَامَ إِلَيْهِ اَلثَّانِي فَقَالَ لَهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اَللَّهِ-وَ غَضَبِ رَسُولِهِ اُعْفُ عَنِّي عَفَا اَللَّهُ عَنْكَ-فَأَنْزَلَ اَللَّهُ تَعَالَى يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا-لاٰ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيٰاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهٰا كٰافِرِينَ . و أما قوله مٰا جَعَلَ اَللّٰهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لاٰ سٰائِبَةٍ-وَ لاٰ وَصِيلَةٍ وَ لاٰ حٰامٍ فإن البحيرة كانت إذا وضعت الشاة خمسة أبطن-ففي السادسة قالت العرب قد بحرت-فجعلوها للصنم-و لا تمنع ماء و لا مرعى، و الوصيلة إذا وضعت الشاة خمسة أبطن-ثم وضعت في السادسة جديا-و عناقا في بطن واحد جعلوا الأنثى للصنم، و قالوا وصلت أخاها و حرموا لحمها على النساء، و الحام كان إذا كان الفحل من الإبل جدا لجد-قالوا قد حمى ظهره فسموه حاما-فلا يركب و لا يمنع ماء و لا مرعى-و لا يحمل عليه شيء، فرد الله عليهم-فقال « مٰا جَعَلَ اَللّٰهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لاٰ سٰائِبَةٍ وَ لاٰ وَصِيلَةٍ وَ لاٰ حٰامٍ إلى قوله وَ أَكْثَرُهُمْ لاٰ يَعْقِلُونَ » و قوله يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ-لاٰ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ قال أصلحوا

ص: 188

أنفسكم-و لا تتبعوا عورات الناس و لا تذكروهم-فإنه لا يضركم ضلالتهم إذا كنتم أنتم صالحين-

ص: 189

فَآخَرٰانِ يَقُومٰانِ مَقٰامَهُمٰا يَعْنِي مِنْ أَوْلِيَاءِ اَلْمُدَّعِي مِنَ اَلَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ اَلْأَوْلَيٰانِ فَيُقْسِمٰانِ بِاللّٰهِ أَيْ يَحْلِفَانِ بِاللَّهِ لَشَهٰادَتُنٰا أَحَقُّ مِنْ شَهٰادَتِهِمٰا-وَ مَا اِعْتَدَيْنٰا إِنّٰا إِذاً لَمِنَ اَلظّٰالِمِينَ وَ إِنَّهُمَا قَدْ كَذَبَا فِيمَا حَلَفَا بِاللَّهِ ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهٰادَةِ عَلىٰ وَجْهِهٰا أَوْ يَخٰافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمٰانٌ بَعْدَ أَيْمٰانِهِمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص أَوْلِيَاءَ تَمِيمٍ اَلدَّارِمِيِّ أَنْ يَحْلِفُوا بِاللَّهِ عَلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ-فَأَخَذَ اَلْآنِيَةَ وَ اَلْقِلاَدَةَ-مِنِ اِبْنِ بِنْدِيٍّ وَ اِبْنِ أَبِي مَارِيَةَ وَ رَدَّهُمَا عَلَى أَوْلِيَاءِ تَمِيمٍ .

وَ أَمَّا قَوْلُهُ يَوْمَ يَجْمَعُ اَللّٰهُ اَلرُّسُلَ-فَيَقُولُ مٰا ذٰا أُجِبْتُمْ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ اَلْعَلاَءِ بْنِ اَلْعَلاَءِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ مَا ذَا أُجِبْتُمْ فِي أَوْصِيَائِكُمْ-يَسْأَلُ اَللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا بِمَا فَعَلُوا بَعْدَنَا بِهِمْ.

و قوله إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلىٰ وٰالِدَتِكَ -إلى قوله وَ اِشْهَدْ بِأَنَّنٰا مُسْلِمُونَ فإنه محكم، و أما قوله إِذْ قٰالَ اَلْحَوٰارِيُّونَ يٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنٰا مٰائِدَةً مِنَ اَلسَّمٰاءِ قال عيسى :

اِتَّقُوا اَللّٰهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قٰالُوا كما حكى الله نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهٰا وَ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُنٰا-وَ نَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنٰا وَ نَكُونَ عَلَيْهٰا مِنَ اَلشّٰاهِدِينَ فقال عيسى اَللّٰهُمَّ رَبَّنٰا أَنْزِلْ عَلَيْنٰا مٰائِدَةً مِنَ اَلسَّمٰاءِ-تَكُونُ لَنٰا عِيداً لِأَوَّلِنٰا وَ آخِرِنٰا وَ آيَةً مِنْكَ-وَ اُرْزُقْنٰا وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلرّٰازِقِينَ ف قٰالَ اَللّٰهُ احتجاجا عليهم إِنِّي مُنَزِّلُهٰا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ-فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذٰاباً لاٰ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ اَلْعٰالَمِينَ فكانت تنزل المائدة عليهم فيجتمعون عليها-و يأكلون حتى يشبعون ثم ترفع، فقال كبراؤهم و مترفوهم لا ندع سفلتنا يأكلون منها-فرفع الله المائدة و مسخوا قردة و خنازير، قوله:

وَ إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ-اِتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ فلفظ الآية ماض و معناه مستقبل و لم يقله بعد و سيقوله، و ذلك أن النصارى

ص: 190

زعموا أن عيسى قال لهم-اتخذوني و أمي إلهين من دون الله، فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى و بين عيسى ابن مريم فيقول له أ أنت قلت لهم ما يدعون عليك-اتخذوني و أمي إلهين، فيقول عيسى سُبْحٰانَكَ مٰا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مٰا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ-إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِي-وَ لاٰ أَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّٰمُ اَلْغُيُوبِ إلى قوله وَ أَنْتَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ و الدليل على أن عيسى لم يقل لهم ذلك قوله: هٰذٰا يَوْمُ يَنْفَعُ اَلصّٰادِقِينَ صِدْقُهُمْ .

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ عَنْ ضُرَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ هٰذٰا يَوْمُ يَنْفَعُ اَلصّٰادِقِينَ صِدْقُهُمْ قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ وَ حُشِرَ اَلنَّاسُ لِلْحِسَابِ-فَيَمُرُّونَ بِأَهْوَالِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ فَلاَ يَنْتَهُونَ إِلَى اَلْعَرْصَةِ حَتَّى يَجْهَدُوا جَهْداً شَدِيداً، قَالَ فَيَقِفُونَ بِفِنَاءِ اَلْعَرْصَةِ-وَ يُشْرِفُ اَلْجَبَّارُ عَلَيْهِمْ وَ هُوَ عَلَى عَرْشِهِ (1)فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى بِنِدَاءٍ يَسْمَعُ اَلْخَلاَئِقُ أَجْمَعُونَ-أَنْ يَهْتِفَ بِاسْمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلنَّبِيِّ اَلْقُرَشِيِّ اَلْعَرَبِيِّ، قَالَ فَيَتَقَدَّمُ حَتَّى يَقِفَ عَلَى يَمِينِ اَلْعَرْشِ ، قَالَ ثُمَّ يُدْعَى بِصَاحِبِكُمْ عَلِيٍّ ع ، فَيَتَقَدَّمُ حَتَّى يَقِفَ عَلَى يَسَارِ رَسُولِ اَللَّهِ ص ، ثُمَّ يُدْعَى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَيَقِفُونَ عَلَى يَسَارِ عَلِيٍّ ع ثُمَّ يُدْعَى بِنَبِيٍّ نَبِيٍّ وَ أُمَّتُهُ مَعَهُ-مِنْ أَوَّلِ اَلنَّبِيِّينَ إِلَى آخِرِهِمْ وَ أُمَّتُهُمْ مَعَهُمْ، فَيَقِفُونَ عَنْ يَسَارِ اَلْعَرْشِ ، قَالَ ثُمَّ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى لِلْمُسَاءَلَةِ اَلْقَلَمُ قَالَ فَيَتَقَدَّمُ، فَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اَللَّهِ فِي صُورَةِ اَلْآدَمِيِّينَ، فَيَقُولُ اَللَّهُ هَلْ سَطَرْتَ فِي اَللَّوْحِ مَا أَلْهَمْتُكَ وَ أَمَرْتُكَ بِهِ مِنَ اَلْوَحْيِ فَيَقُولُ اَلْقَلَمُ نَعَمْ-يَا رَبِّ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي قَدْ سَطَرْتُ فِي اَللَّوْحِ مَا أَمَرْتَنِي وَ أَلْهَمْتَنِي بِهِ مِنْ وَحْيِكَ فَيَقُولُ اَللَّهُ فَمَنْ يَشْهَدُ لَكَ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ-وَ هَلِ اِطَّلَعَ عَلَى مَكْنُونِ سَرِّكَ خَلْقٌ غَيْرُكَ، قَالَ فَيَقُولُ لَهُ اَللَّهُ أَفْلَحَتْ حُجَّتُكَ، قَالَ ثُمَّ يُدْعَى بِاللَّوْحِ فَيَتَقَدَّمُ فِي صُورَةِ اَلْآدَمِيِّينَ-حَتَّى يَقِفَ مَعَ اَلْقَلَمِ ، فَيَقُولُ لَهُ هَلْ سَطَرَ فِيكَ اَلْقَلَمُ مَا أَلْهَمْتُهُ وَ أَمَرْتُهُ بِهِ مِنْ وَحْيِي، فَيَقُولُ اَللَّوْحُ نَعَمْ يَا رَبِّ وَ بَلَّغْتُهُ إِسْرَافِيلَ ، فَيَتَقَدَّمُ مَعَ

ص: 191


1- . يَؤُلُ كَتَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ أَيْ اِسْتَوْلَى. ج. ز.

اَلْقَلَمِ وَ اَللَّوْحِ فِي صُورَةِ اَلْآدَمِيِّينَ، فَيَقُولُ اَللَّهُ هَلْ بَلَّغَكَ اَللَّوْحُ مَا سَطَرَ فِيهِ اَلْقَلَمُ مِنْ وَحْيِي فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ وَ بَلَّغْتُهُ جَبْرَئِيلَ فَيُدْعَى بِجَبْرَائِيلَ فَيَتَقَدَّمُ حَتَّى يَقِفَ مَعَ إِسْرَافِيلَ فَيَقُولُ اَللَّهُ هَلْ بَلَّغَكَ إِسْرَافِيلُ مَا بُلِّغَ-فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ وَ بَلَّغْتُهُ جَمِيعَ أَنْبِيَائِكَ-وَ أَنْفَذْتُ إِلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا اِنْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أَمْرِكَ-وَ أَدَّيْتُ رِسَالَتَكَ إِلَى نَبِيٍّ نَبِيٍّ وَ رَسُولٍ رَسُولٍ-وَ بَلَّغْتُهُمْ كُلَّ وَحْيِكَ وَ حِكْمَتِكَ وَ كُتُبِكَ-وَ إِنَّ آخِرَ مَنْ بَلَّغْتُهُ رِسَالاَتِكَ وَ وَحْيَكَ وَ حِكْمَتَكَ وَ عِلْمَكَ وَ كِتَابَكَ-وَ كَلاَمَكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْعَرَبِيُّ-اَلْقُرَشِيُّ اَلْحَرَمِيُّ حَبِيبُكَ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى مِنْ وُلْدِ آدَمَ لِلْمُسَاءَلَةِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ ع فَيُدْنِيهِ اَللَّهُ (1)حَتَّى لاَ يَكُونَ خَلْقٌ أَقْرَبَ إِلَى اَللَّهِ يَوْمَئِذٍ مِنْهُ، فَيَقُولُ اَللَّهُ يَا مُحَمَّدُ هَلْ بَلَّغَكَ جَبْرَئِيلُ مَا أَوْحَيْتُ إِلَيْكَ-وَ أَرْسَلْتُهُ بِهِ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِي وَ حِكْمَتِي وَ عِلْمِي-وَ هَلْ أَوْحَى ذَلِكَ إِلَيْكَ فَيَقُولُ رَسُولُ اَللَّهِ ص نَعَمْ يَا رَبِّ-قَدْ بَلَّغَنِي جَبْرَائِيلُ جَمِيعَ مَا أَوْحَيْتَهُ إِلَيْهِ-وَ أَرْسَلْتَهُ مِنْ كِتَابِكَ وَ حِكْمَتِكَ وَ عِلْمِكَ وَ أَوْحَاهُ إِلَيَّ، فَيَقُولُ اَللَّهُ لِمُحَمَّدٍ هَلْ بَلَّغْتَ أُمَّتَكَ-مَا بَلَّغَكَ جَبْرَئِيلُ مِنْ كِتَابِي وَ حِكْمَتِي وَ عِلْمِي فَيَقُولُ رَسُولُ اَللَّهِ ص نَعَمْ يَا رَبِّ-قَدْ بَلَّغْتُ أُمَّتِي مَا أَوْحَى إِلَيَّ مِنْ كِتَابِكَ وَ حِكْمَتِكَ وَ عِلْمِكَ وَ جَاهَدْتُ فِي سَبِيلِكَ، فَيَقُولُ اَللَّهُ لِمُحَمَّدٍ فَمَنْ يَشْهَدُ لَكَ بِذَلِكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ ص يَا رَبِّ-أَنْتَ اَلشَّاهِدُ لِي بِتَبْلِيغِ اَلرِّسَالَةِ-وَ مَلاَئِكَتُكَ وَ اَلْأَبْرَارُ مِنْ أُمَّتِي وَ كَفَى بِكَ شَهِيداً، فَيُدْعَى بِالْمَلاَئِكَةِ-فَيَشْهَدُونَ لِمُحَمَّدٍ بِتَبْلِيغِ اَلرِّسَالَةِ-ثُمَّ يُدْعَى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ فَيُسْأَلُونَ هَلْ بَلَّغَكُمْ مُحَمَّدٌ رِسَالَتِي وَ كِتَابِي-وَ حِكْمَتِي وَ عِلْمِي وَ عَلَّمَكُمْ ذَلِكَ فَيَشْهَدُونَ لِمُحَمَّدٍ بِتَبْلِيغِ اَلرِّسَالَةِ وَ اَلْحِكْمَةِ وَ اَلْعِلْمِ، فَيَقُولُ اَللَّهُ لِمُحَمَّدٍ فَهَلِ اِسْتَخْلَفْتَ فِي أُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ-مَنْ يَقُومُ فِيهِمْ بِحِكْمَتِي وَ عِلْمِي-وَ يُفَسِّرُ لَهُمْ كِتَابِي-وَ يُبَيِّنُ لَهُمْ

ص: 192


1- . اَلْمُرَادُ مِنْ هَذَا هُوَ اَلْقُرْبُ اَلْمَعْنَوِيُّ وَ إِلاَّ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ بَرِيءٌ عَنِ اَلْجِسْمِ وَ اَلْمَكَانِ وَ كَذَا اَلْمُرَادُ مِنْ إِشْرَافِهِ ظُهُورُ جَلاَلِهِ. ج. ز.

مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ حُجَّةً لِي-وَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ نَعَمْ يَا رَبِّ قَدْ خَلَّفْتُ فِيهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ خَيْرَ أُمَّتِي-وَ نَصَبْتُهُ لَهُمْ عَلَماً فِي حَيَاتِي وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ-وَ جَعَلْتُهُ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي-وَ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ اَلْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِي إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ ، فَيُدْعَى بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَيُقَالُ لَهُ هَلْ أَوْصَى إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ وَ اِسْتَخْلَفَكَ فِي أُمَّتِهِ وَ نَصَبَكَ عَلَماً لِأُمَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ-وَ هَلْ قُمْتَ فِيهِمْ مِنْ بَعْدِهِ مَقَامَهُ فَيَقُولُ لَهُ عَلِيٌّ نَعَمْ يَا رَبِّ-قَدْ أَوْصَى إِلَيَّ مُحَمَّدٌ وَ خَلَّفَنِي فِي أُمَّتِهِ-وَ نَصَبَنِي لَهُمْ عَلَماً فِي حَيَاتِهِ-فَلَمَّا قَبَضْتَ مُحَمَّداً إِلَيْكَ جَحَدَتْنِي أُمَّتُهُ-وَ مَكَرُوا بِي وَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كٰادُوا يَقْتُلُونَنِي وَ قَدَّمُوا قُدَّامِي مَنْ أَخَّرْتَ، وَ أَخَّرُوا مَنْ قَدَّمْتَ وَ لَمْ يَسْمَعُوا مِنِّي وَ لَمْ يُطِيعُوا أَمْرِي فَقَاتَلْتُهُمْ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى قَتَلُونِي، فَيُقَالُ لِعَلِيٍّ فَهَلْ خَلَّفْتَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ حُجَّةً-وَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ-يَدْعُو عِبَادِي إِلَى دِينِي وَ إِلَى سَبِيلِي فَيَقُولُ عَلِيٌّ نَعَمْ يَا رَبِّ-قَدْ خَلَّفْتُ فِيهِمُ اَلْحَسَنَ اِبْنِي-وَ اِبْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ، فَيُدْعَى بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَيُسْأَلُ عَمَّا سُئِلَ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع ، قَالَ ثُمَّ يُدْعَى بِإِمَامٍ إِمَامٍ وَ بِأَهْلِ عَالَمِهِ-فَيَحْتَجُّونَ بِحُجَّتِهِمْ-فَيَقْبَلُ اَللَّهُ عُذْرَهُمْ وَ يُجِيزُ حُجَّتَهُمْ-قَالَ ثُمَّ يَقُولُ اَللَّهُ هٰذٰا يَوْمُ يَنْفَعُ اَلصّٰادِقِينَ صِدْقُهُمْ قَالَ ثُمَّ اِنْقَطَعَ حَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ اَلسَّلاَمُ.

6- سورة الأنعام مكية

و هي مائة و خمس و ستون آية 165

بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ- اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ-وَ جَعَلَ اَلظُّلُمٰاتِ وَ اَلنُّورَ-ثُمَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا ع قَالَ: نَزَلَتِ اَلْأَنْعَامُ جُمْلَةً وَاحِدَةً-وَ يُشَيِّعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَهُمْ زَجَلٌ (1)بِالتَّسْبِيحِ وَ اَلتَّهْلِيلِ وَ اَلتَّكْبِيرِ-فَمَنْ قَرَأَهَا سَبَّحُوا لَهُ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ ، . و أما

ص: 193


1- . الزُّجْلَةُ بِالضَّمِّ صَوْتُ اَلنَّاسِ وَ يُفْتَحُ (ق) -ج-ز.

قوله هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ-ثُمَّ قَضىٰ أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلنَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ اَلْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: اَلْأَجَلُ اَلْمَقْضِيُّ هُوَ اَلْمَحْتُومُ اَلَّذِي قَضَاهُ اَللَّهُ وَ حَتَمَهُ-وَ اَلْمُسَمَّى هُوَ اَلَّذِي فِيهِ اَلْبَدَاءُ (1)يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ، وَ اَلْمَحْتُومُ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَ لاَ تَأْخِيرٌ.

وَ حَدَّثَنِي يَاسِرٌ عَنِ اَلرِّضَا ع قَالَ: مَا بَعَثَ اَللَّهُ نَبِيّاً إِلاَّ بِتَحْرِيمِ اَلْخَمْرِ-وَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالْبَدَاءِ أَنْ يَفْعَلَ اَللَّهُ مَا يَشَاءُ-وَ أَنْ يَكُونَ فِي تُرَاثِهِ اَلْكُنْدُرُ. و قوله وَ هُوَ اَللّٰهُ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ فِي اَلْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ وَ يَعْلَمُ مٰا تَكْسِبُونَ قال السر ما أسر في نفسه-و الجهر ما أظهره و الكتمان ما عرض بقلبه ثم نسيه-و قوله وَ مٰا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيٰاتِ رَبِّهِمْ-إِلاّٰ كٰانُوا عَنْهٰا مُعْرِضِينَ إلى قوله وَ أَنْشَأْنٰا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ- وَ لَوْ نَزَّلْنٰا عَلَيْكَ كِتٰاباً فِي قِرْطٰاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ-لَقٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ سِحْرٌ مُبِينٌ فإنه محكم ثم قال حكاية عن قريش وَ قٰالُوا لَوْ لاٰ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يعني رسول الله ص وَ لَوْ أَنْزَلْنٰا مَلَكاً لَقُضِيَ اَلْأَمْرُ ثُمَّ لاٰ يُنْظَرُونَ فأخبر عز و جل أن الآية إذا جاءت و الملك إذا نزل و لم يؤمنوا هلكوا، فاستعفى النبي ص من الآيات رأفة و رحمة على أمته-و أعطاه الله الشفاعة-ثم قال الله وَ لَوْ جَعَلْنٰاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنٰاهُ رَجُلاً وَ لَلَبَسْنٰا عَلَيْهِمْ مٰا يَلْبِسُونَ- وَ لَقَدِ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ-فَحٰاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مٰا كٰانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي نزل بهم العذاب ثم قال لهم قُلْ لهم يا محمد سِيرُوا فِي اَلْأَرْضِ ثُمَّ اُنْظُرُوا أي انظروا في القرآن و أخبار الأنبياء-فانظروا كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ اَلْمُكَذِّبِينَ ثم قال قُلْ لهم لِمَنْ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ ثم رد عليهم فقال قُلْ لهم لِلّٰهِ كَتَبَ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ-لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ يعني أوجب الرحمة على نفسه و قوله وَ لَهُ مٰا سَكَنَ فِي اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ يعني ما خلق

ص: 194


1- . رَاجِعْ حَاشِيَتَنَا اَلتَّفْصِيلِيَّةَ عَلَى اَلْبَدَاءِ ص 38 مِنْ هَذَا اَلْكِتَابِ ج. ز.

بالليل و النهار هو كله لله، ثم احتج عز و جل عليهم فقال قُلْ لهم أَ غَيْرَ اَللّٰهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فٰاطِرِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ أي مخترعها-و قوله وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لاٰ يُطْعَمُ إلى قوله وَ هُوَ اَلْقٰاهِرُ فَوْقَ عِبٰادِهِ-وَ هُوَ اَلْحَكِيمُ اَلْخَبِيرُ فإنه محكم،

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهٰادَةً-قُلِ اَللّٰهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ ذَلِكَ أَنَّ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ قَالُوا يَا مُحَمَّدُ مَا وَجَدَ اَللَّهُ رَسُولاً يُرْسِلُهُ غَيْرَكَ، مَا نَرَى أَحَداً يُصَدِّقُكَ بِالَّذِي تَقُولُ، وَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَا دَعَاهُمْ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ ، قَالُوا وَ لَقَدْ سَأَلْنَا عَنْكَ اَلْيَهُودَ وَ اَلنَّصَارَى وَ زَعَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ-فَتَأْتِينَا مَنْ يَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اَللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص « اَللّٰهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ » اَلْآيَةَ-قَالَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اَللّٰهِ آلِهَةً أُخْرىٰ ، يَقُولُ اَللَّهُ لِمُحَمَّدٍ فَإِنْ شَهِدُوا فَلاٰ تَشْهَدْ مَعَهُمْ ، قَالَ لاٰ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمٰا هُوَ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ-وَ إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّٰا تُشْرِكُونَ . و أما قوله اَلَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ اَلْكِتٰابَ-يَعْرِفُونَهُ كَمٰا يَعْرِفُونَ أَبْنٰاءَهُمُ الآية فإن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام هل تعرفون محمدا في كتابكم قال نعم و الله نعرفه بالنعت الذي نعت الله لنا-إذا رأيناه فيكم كما يعرف أحدنا ابنه-إذا رآه مع الغلمان-و الذي يحلف به ابن سلام لأنا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني، قال الله اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ و قال علي بن إبراهيم ثم قال قُلْ لهم يا محمد « أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهٰادَةً » يعني أي شيء أصدق قولا-ثم قال « قُلِ اَللّٰهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ-وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هٰذَا اَلْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ » قال من بلغ هو الإمام قال محمد ينذر-و إنا نقول كما أنذر به النبي ص و قوله وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ اِفْتَرىٰ عَلَى اَللّٰهِ كَذِباً-أَوْ كَذَّبَ بِآيٰاتِهِ إِنَّهُ لاٰ يُفْلِحُ اَلظّٰالِمُونَ فإنه محكم، و قوله وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً-ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكٰاؤُكُمُ-اَلَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ أي كذبهم إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا وَ اَللّٰهِ رَبِّنٰا مٰا كُنّٰا مُشْرِكِينَ و الدليل على أن الفتنة هاهنا الكذب-قوله اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ-وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَفْتَرُونَ

ص: 195

أي ضل عنهم كذبهم ثم ذكر قريشا فقال وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ-وَ جَعَلْنٰا عَلىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ يعني غطاء وَ فِي آذٰانِهِمْ وَقْراً أي صمما (1)وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاٰ يُؤْمِنُوا بِهٰا-حَتّٰى إِذٰا جٰاؤُكَ يُجٰادِلُونَكَ أي يخاصمونك يَقُولُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِيرُ اَلْأَوَّلِينَ أي أكاذيب الأولين، و قوله وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ قال بنو هاشم كانوا ينصرون رسول الله ص و يمنعون قريشا عنه وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ أي يباعدون عنه-و يساعدونه و لا يؤمنون، و قوله وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى اَلنّٰارِ فَقٰالُوا يٰا لَيْتَنٰا نُرَدُّ وَ لاٰ نُكَذِّبَ بِآيٰاتِ رَبِّنٰا-وَ نَكُونَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ قال نزلت في بني أمية ثم قال: بَلْ بَدٰا لَهُمْ مٰا كٰانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ قال من عداوة أمير المؤمنين ع وَ لَوْ رُدُّوا لَعٰادُوا لِمٰا نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكٰاذِبُونَ ثم حكى عز و جل قول الدهرية فقال وَ قٰالُوا إِنْ هِيَ إِلاّٰ حَيٰاتُنَا اَلدُّنْيٰا وَ مٰا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ فقال الله وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلىٰ رَبِّهِمْ قال قال حكاية عن قول من أنكر قيام الساعة فقال: قَدْ خَسِرَ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقٰاءِ اَللّٰهِ-حَتّٰى إِذٰا جٰاءَتْهُمُ اَلسّٰاعَةُ بَغْتَةً-قٰالُوا يٰا حَسْرَتَنٰا عَلىٰ مٰا فَرَّطْنٰا فِيهٰا-وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزٰارَهُمْ عَلىٰ ظُهُورِهِمْ-أَلاٰ سٰاءَ مٰا يَزِرُونَ يعني آثامهم-و قوله وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ-وَ لَلدّٰارُ اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلاٰ تَعْقِلُونَ محكم-

وَ قَوْلُهُ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ اَلَّذِي يَقُولُونَ-فَإِنَّهُمْ لاٰ يُكَذِّبُونَكَ-وَ لٰكِنَّ اَلظّٰالِمِينَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ يَجْحَدُونَ فَإِنَّهَا قُرِئَتْ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فَقَالَ بَلَى وَ اَللَّهِ لَقَدْ كَذَّبُوهُ أَشَدَّ اَلتَّكْذِيبِ-وَ إِنَّمَا نَزَلَ « لاَ يَأْتُونَكَ » أَيْ لاَ يَأْتُونَ بِحَقٍّ يُبْطِلُونَ حَقَّكَ .

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثِ [اَلْبَخْتَرِيِّ] قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع يَا حَفْصُ إِنَّ مَنْ صَبَرَ صَبَرَ قَلِيلاً-وَ إِنَّ مَنْ جَزِعَ جَزِعَ قَلِيلاً-ثُمَّ

ص: 196


1- . الصمم كغنم فقدان حاسة السمع. ج-ز.

قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ-فَإِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً وَ أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ وَ اَلرِّفْقِ-فَقَالَ « وَ اِصْبِرْ عَلىٰ مٰا يَقُولُونَ وَ اُهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً » (1)فَقَالَ « اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ اَلسَّيِّئَةَ فَإِذَا اَلَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدٰاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » (2)فَصَبَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص حَتَّى قَابَلُوهُ بِالْعَظَائِمِ-وَ رَمَوْهُ بِهَا فَضَاقَ صَدْرُهُ، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ « وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمٰا يَقُولُونَ » (3)ثُمَّ كَذَّبُوهُ وَ رَمَوْهُ فَحَزِنَ لِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ اَلَّذِي يَقُولُونَ-فَإِنَّهُمْ لاٰ يُكَذِّبُونَكَ-وَ لٰكِنَّ اَلظّٰالِمِينَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ يَجْحَدُونَ وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ-فَصَبَرُوا عَلىٰ مٰا كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتّٰى أَتٰاهُمْ نَصْرُنٰا فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ اَلصَّبْرَ ص فَقَعَدُوا-وَ ذَكَرُوا اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بِالسُّوءِ وَ كَذَّبُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص قَدْ صَبَرْتُ فِي نَفْسِي-وَ أَهْلِي وَ عِرْضِي وَ لاَ صَبْرَ لِي عَلَى ذِكْرِهِمْ إِلَهِي فَأَنْزَلَ اَللَّهُ « وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ-وَ مٰا بَيْنَهُمٰا فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ-وَ مٰا مَسَّنٰا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلىٰ مٰا يَقُولُونَ » (4)فَصَبَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، ثُمَّ بُشِّرَ فِي اَلْأَئِمَّةِ مِنْ عِتْرَتِهِ وَ وُصِفُوا بِالصَّبْرِ « وَ جَعَلْنٰا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا لَمّٰا صَبَرُوا وَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا يُوقِنُونَ » (5)فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ ع-اَلصَّبْرُ مِنَ اَلْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنْ اَلْبَدَنِ-فَشَكَرَ اَللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيْهِ « وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ اَلْحُسْنىٰ عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ بِمٰا صَبَرُوا-وَ دَمَّرْنٰا مٰا كٰانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ-وَ مٰا كٰانُوا يَعْرِشُونَ » (6)فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص آيَةُ بُشْرَى وَ اِنْتِقَامٍ، فَأَبَاحَ اَللَّهُ قَتْلَ اَلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وُجِدُوا فَقَتَلَهُمْ عَلَى يَدَيْ رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ أَحِبَّائِهِ-وَ عَجَّلَ اَللَّهُ لَهُ ثَوَابَ صَبْرِهِ مَعَ مَا اِدَّخَرَ لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ .

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ وَ إِنْ كٰانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرٰاضُهُمْ

ص: 197


1- . المزمل 10.
2- . حم السجدة 34.
3- . الحجر 97.
4- . ق 38.
5- . الم السجدة 24.
6- . الأعراف 137.

قَالَ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ص يُحِبُّ إِسْلاَمَ اَلْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ دَعَاهُ رَسُولُ اَللَّهِ ص أَنْ يُسْلِمَ-فَغَلَبَ عَلَيْهِ اَلشَّقَاءُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَنْزَلَ اَللَّهُ وَ إِنْ كٰانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرٰاضُهُمْ إِلَى قَوْلِهِ نَفَقاً فِي اَلْأَرْضِ يَقُولُ سَرَباً . فقال علي بن إبراهيم في قوله نَفَقاً فِي اَلْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي اَلسَّمٰاءِ قال إن قدرت أن تحفر الأرض و تصعد السماء-أي لا تقدر على ذلك، ثم قال: وَ لَوْ شٰاءَ اَللّٰهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى اَلْهُدىٰ أي جعلهم كلهم مؤمنين-و قوله فَلاٰ تَكُونَنَّ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ مخاطبة للنبي و المعنى للناس-ثم قال إِنَّمٰا يَسْتَجِيبُ اَلَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعني يعقلون و يصدقون وَ اَلْمَوْتىٰ يَبْعَثُهُمُ اَللّٰهُ أي يصدقون بأن الموتى يبعثهم الله وَ قٰالُوا لَوْ لاٰ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ أي هلا أنزل عليه آية، قال إِنَّ اَللّٰهَ قٰادِرٌ عَلىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً-وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ قال لا يعلمون أن الآية إذا جاءت-و لم يؤمنوا بها ليهلكوا

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ « إِنَّ اَللّٰهَ قٰادِرٌ عَلىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً » وَ سَيُرِيكُمْ فِي آخِرِ اَلزَّمَانِ آيَاتٍ، مِنْهَا دَابَّةٌ فِي اَلْأَرْضِ، وَ اَلدَّجَّالُ ، وَ نُزُولُ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ ع وَ طُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا. و قوله وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ-وَ لاٰ طٰائِرٍ يَطِيرُ بِجَنٰاحَيْهِ إِلاّٰ أُمَمٌ أَمْثٰالُكُمْ يعني خلق مثلكم، و قال كل شيء مما خلق خلق مثلكم مٰا فَرَّطْنٰا فِي اَلْكِتٰابِ مِنْ شَيْءٍ أي ما تركنا ثُمَّ إِلىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ و قوله وَ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا-صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي اَلظُّلُمٰاتِ يعني قد خفي عليهم ما تقوله مَنْ يَشَأِ اَللّٰهُ يُضْلِلْهُ أي يعذبه وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني يبين له و يوفقه حتى يهتدي إلى الطريق-

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ « اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا صُمٌّ وَ بُكْمٌ » يَقُولُ صُمٌّ عَنِ اَلْهُدَى وَ بُكْمٌ لاَ يَتَكَلَّمُونَ بِخَيْرٍ « فِي اَلظُّلُمٰاتِ » يَعْنِي

ص: 198

ظُلُمَاتِ اَلْكُفْرِ « مَنْ يَشَأِ اَللّٰهُ يُضْلِلْهُ-وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ » وَ هُوَ رَدٌّ عَلَى قَدَرِيَّةِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ، يَحْشُرُهُمُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مَعَ اَلصَّابِئِينَ وَ اَلنَّصَارَى وَ اَلْمَجُوسِ ، فَيَقُولُونَ « وَ اَللّٰهِ رَبِّنٰا مٰا كُنّٰا مُشْرِكِينَ » يَقُولُ اَللَّهُ « اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ-وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَفْتَرُونَ » (1)قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص أَلاَ إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مجوس [مَجُوساً] ، وَ مَجُوسُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ اَلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ قَدَرَ وَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اَلْمَشِيَّةَ وَ اَلْقُدْرَةَ إِلَيْهِمْ وَ لَهُمْ.

أَخْبَرَنَا اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ « وَ اَللّٰهِ رَبِّنٰا مٰا كُنّٰا مُشْرِكِينَ » بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ ع .

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلْكَرِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ « اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي اَلظُّلُمٰاتِ-مَنْ يَشَأِ اَللّٰهُ يُضْلِلْهُ-وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ » فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ نَزَلَتْ فِي اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَوْصِيَائِهِمْ، صُمٌّ وَ بُكْمٌ ، كَمَا قَالَ اَللَّهُ فِي اَلظُّلُمٰاتِ ، مَنْ كَانَ مِنْ وُلْدِ إِبْلِيسَ فَإِنَّهُ لاَ يُصَدِّقُ بِالْأَوْصِيَاءِ-وَ لاَ يُؤْمِنُ بِهِمْ أَبَداً وَ هُمُ اَلَّذِينَ أَضَلَّهُمُ اَللَّهُ، وَ مَنْ كَانَ مِنْ وُلْدِ آدَمَ آمَنَ بِالْأَوْصِيَاءِ-فَهُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

قَالَ وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فِي بَطْنِ اَلْقُرْآنِ أَنْ كَذَّبُوا بِالْأَوْصِيَاءِ كُلِّهِمْ. ، ثُمَّ قَالَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتٰاكُمْ عَذٰابُ اَللّٰهِ أَوْ أَتَتْكُمُ اَلسّٰاعَةُ-أَ غَيْرَ اَللّٰهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: بَلْ إِيّٰاهُ تَدْعُونَ-فَيَكْشِفُ مٰا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شٰاءَ-وَ تَنْسَوْنَ مٰا تُشْرِكُونَ قَالَ تَدْعُونَ اَللَّهَ إِذَا أَصَابَكُمْ ضُرٌّ-ثُمَّ إِذَا كَشَفَ عَنْكُمْ ذَلِكَ تَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ، أَيْ تَتْرُكُونَ اَلْأَصْنَامَ، و قوله عز و جل لنبيه ص وَ لَقَدْ أَرْسَلْنٰا إِلىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ-فَأَخَذْنٰاهُمْ بِالْبَأْسٰاءِ وَ اَلضَّرّٰاءِ .

ص: 199


1- . الأنعام 24.

لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ يعني كي يتضرعوا ثم قال فَلَوْ لاٰ إِذْ جٰاءَهُمْ بَأْسُنٰا تَضَرَّعُوا وَ لٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ-وَ زَيَّنَ لَهُمُ اَلشَّيْطٰانُ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا-و أغناهم عقوبة لفعلهم الردي-فلما فَرِحُوا بِمٰا أُوتُوا أَخَذْنٰاهُمْ بَغْتَةً فَإِذٰا هُمْ مُبْلِسُونَ أي آيسون-و ذلك قول الله تبارك و تعالى-في مناجاته لموسى ع ،

حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: كَانَتْ مُنَاجَاةُ اَللَّهِ لِمُوسَى ع يَا مُوسَى إِذَا رَأَيْتَ اَلْفَقْرَ مُقْبِلاً-فَقُلْ مَرْحَباً بِشِعَارِ اَلصَّالِحِينَ، وَ إِذَا رَأَيْتَ اَلْغِنَى مُقْبِلاً فَقُلْ ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، فَمَا فَتَحَ اَللَّهُ عَلَى أَحَدٍ هَذِهِ اَلدُّنْيَا-إِلاَّ بِذَنْبٍ لِيُنْسِيَهُ ذَلِكَ فَلاَ يَتُوبَ-فَيَكُونُ إِقْبَالُ اَلدُّنْيَا عَلَيْهِ عُقُوبَةً لِذُنُوبِهِ.

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اَلْكَرِيمِ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَمّٰا نَسُوا مٰا ذُكِّرُوا بِهِ-فَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ أَبْوٰابَ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ أَمَّا قَوْلُهُ « فَلَمّٰا نَسُوا مٰا ذُكِّرُوا بِهِ » يَعْنِي فَلَمَّا تَرَكُوا وَلاَيَةَ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع وَ قَدْ أُمِرُوا بِهِ « فَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ أَبْوٰابَ كُلِّ شَيْءٍ » يَعْنِي دَوْلَتَهُمْ فِي اَلدُّنْيَا وَ مَا بُسِطَ لَهُمْ فِيهَا-وَ أَمَّا قَوْلُهُ « حَتّٰى إِذٰا فَرِحُوا بِمٰا أُوتُوا-أَخَذْنٰاهُمْ بَغْتَةً فَإِذٰا هُمْ مُبْلِسُونَ » يَعْنِي بِذَلِكَ قِيَامَ اَلْقَائِمِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُلْطَانٌ قَطُّ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ بَغْتَةً فَنَزَلَتْ بِخَبَرِهِ هَذِهِ اَلْآيَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ ص .

و قوله فَقُطِعَ دٰابِرُ اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا-وَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ اَلْمِنْقَرِيِّ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ اَلْوَرِعِ-فَقَالَ اَلَّذِي يَتَوَرَّعُ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ وَ يَجْتَنِبُ اَلشُّبُهَاتِ-وَ إِذَا لَمْ يَتَّقِ اَلشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي اَلْحَرَامِ وَ هُوَ لاَ يَعْرِفُهُ وَ إِذَا رَأَى اَلْمُنْكَرَ وَ لَمْ يُنْكِرْهُ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ-فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اَللَّهُ اِخْتِيَاراً وَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اَللَّهُ فَقَدْ بَارَزَ اَللَّهَ بِالْعَدَاوَةِ-وَ مَنْ أَحَبَّ بَقَاءَ اَلظَّالِمِينَ-فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى

ص: 200

اَللَّهُ-إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى هَلاَكِ اَلظَّالِمِينَ-قَالَ « فَقُطِعَ دٰابِرُ اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا-وَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ » . و قوله قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اَللّٰهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصٰارَكُمْ-وَ خَتَمَ عَلىٰ قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلٰهٌ غَيْرُ اَللّٰهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ-اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ اَلْآيٰاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ قال قل لقريش إِنْ أَخَذَ اَللّٰهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصٰارَكُمْ-وَ خَتَمَ عَلىٰ قُلُوبِكُمْ من يرد ذلكم عليكم إلا الله و قوله « ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ » أي يكذبون،

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ « قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اَللّٰهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصٰارَكُمْ-وَ خَتَمَ عَلىٰ قُلُوبِكُمْ » يَقُولُ إِنْ أَخَذَ اَللَّهُ مِنْكُمُ اَلْهُدَى مَنْ إِلٰهٌ غَيْرُ اَللّٰهِ-يَأْتِيكُمْ بِهِ اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ اَلْآيٰاتِ-ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ يَقُولُ يَعْتَرِضُونَ.

وَ أَمَّا قَوْلُهُ قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتٰاكُمْ عَذٰابُ اَللّٰهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً-هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلظّٰالِمُونَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اَللَّهِ ص إِلَى اَلْمَدِينَةِ وَ أَصَابَ أَصْحَابَهُ اَلْجَهْدُ وَ اَلْعِلَلُ وَ اَلْمَرَضُ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتٰاكُمْ عَذٰابُ اَللّٰهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً-هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلظّٰالِمُونَ ، أَيْ إِنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ إِلاَّ اَلْجَهْدُ وَ اَلضَّرَرُ فِي اَلدُّنْيَا، فَأَمَّا اَلْعَذَابُ اَلْأَلِيمُ اَلَّذِي فِيهِ اَلْهَلاَكُ-فَلاَ يُصِيبُ إِلاَّ اَلْقَوْمَ اَلظَّالِمِينَ- .

ص: 201

ص: 202

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ اَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ-قُلْ لاٰ أَتَّبِعُ أَهْوٰاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً-وَ مٰا أَنَا مِنَ اَلْمُهْتَدِينَ، قُلْ إِنِّي عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ (1) أي بالبينة التي أنا عليها مٰا عِنْدِي مٰا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ يعني الآيات التي سألوها إِنِ اَلْحُكْمُ إِلاّٰ لِلّٰهِ يَقُصُّ اَلْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ اَلْفٰاصِلِينَ أي يفصل بين الحق و الباطل ثم قال قُلْ لهم لَوْ أَنَّ عِنْدِي مٰا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ-لَقُضِيَ اَلْأَمْرُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ يعني إذا جاءت الآية هلكتم-و انقضى ما بيني و بينكم-و قوله وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ اَلْغَيْبِ يعني عالم الغيب لاٰ يَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ-وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّٰ يَعْلَمُهٰا-وَ لاٰ حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ اَلْأَرْضِ-وَ لاٰ رَطْبٍ وَ لاٰ يٰابِسٍ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ قَالَ اَلْوَرَقَةُ اَلسِّقْطُ، وَ اَلْحَبَّةُ اَلْوَلَدُ، وَ ظُلُمَاتُ اَلْأَرْضِ اَلْأَرْحَامُ، وَ اَلرَّطْبُ مَا يَبْقَى وَ يَحْيَا، وَ اَلْيَابِسُ مَا تَغِيضُ اَلْأَرْحَامُ، وَ كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ و قوله وَ هُوَ اَلَّذِي يَتَوَفّٰاكُمْ بِاللَّيْلِ يعني بالنوم وَ يَعْلَمُ مٰا جَرَحْتُمْ بِالنَّهٰارِ يعني ما عملتم بالنهار-و قوله ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ يعني ما عملتم من الخير و الشر

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ لِيُقْضىٰ أَجَلٌ مُسَمًّى قَالَ هُوَ اَلْمَوْتُ. ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و أما قوله وَ هُوَ اَلْقٰاهِرُ فَوْقَ عِبٰادِهِ-وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً يعني الملائكة الذين يحفظونكم و يحفظون أعمالكم حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنٰا و هم الملائكة وَ هُمْ لاٰ يُفَرِّطُونَ أي لا يقصرون ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اَللّٰهِ مَوْلاٰهُمُ اَلْحَقِّ-أَلاٰ لَهُ اَلْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ اَلْحٰاسِبِينَ و قوله قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمٰاتِ اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ-تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إلى قوله ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ فإنه محكم و قوله قُلْ هُوَ اَلْقٰادِرُ عَلىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذٰاباً مِنْ فَوْقِكُمْ-أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً-وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فقوله « يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذٰاباً مِنْ فَوْقِكُمْ »

ص: 203


1- . مرجع به في الآية القرآن و المراد من البينة أيضاً القرآن، و تذكير الضمير بتأويل القرآن. ج. ز.

قال السلطان الجائر أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال السفلة و من لا خير فيه أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً قال العصبية وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال سوء الجوار،

وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِهِ « هُوَ اَلْقٰادِرُ عَلىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذٰاباً مِنْ فَوْقِكُمْ » هُوَ اَلدُّخَانُ وَ اَلصَّيْحَةُ « أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ » وَ هُوَ اَلْخَسْفُ « أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً » وَ هُوَ اِخْتِلاَفٌ فِي اَلدِّينِ وَ طَعْنُ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ « وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ » وَ هُوَ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً. ، و كل هذا في أهل القبلة كذا يقول الله اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ اَلْآيٰاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ- وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ و هم قريش و قوله لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ يقول لكل نبأ حقيقة وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ و أيضا قال اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ اَلْآيٰاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ يعني كي يفقهوا-و قوله وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ اَلْحَقُّ يعني القرآن كذبت به قريش قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ أي لكل خبر وقت و سوف تعلمون.

و قوله وَ إِذٰا رَأَيْتَ اَلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا-فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّٰى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ يعني الذين يكذبون بالقرآن و يستهزءون، ثم قال فإن أنساك الشيطان في ذلك الوقت عما أمرتك به فَلاٰ تَقْعُدْ بَعْدَ اَلذِّكْرىٰ مَعَ اَلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَبْدِ اَلْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ ص مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ فَلاَ يَجْلِسْ فِي مَجْلِسٍ يُسَبُّ فِيهِ إِمَامٌ-أَوْ يُغْتَابُ فِيهِ مُسْلِمٌ إِنَّ اَللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ « وَ إِذٰا رَأَيْتَ اَلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيٰاتِنٰا . . . إلخ. » و قوله وَ مٰا عَلَى اَلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسٰابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي ليس يؤخذ المتقون بحساب الذين لا يتقون وَ لٰكِنْ ذِكْرىٰ أي أذكر لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ كي يتقوا-ثم قال وَ ذَرِ اَلَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً-وَ غَرَّتْهُمُ اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا يعني الملاهي

ص: 204

وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ أي تسلم لَيْسَ لَهٰا مِنْ دُونِ اَللّٰهِ وَلِيٌّ وَ لاٰ شَفِيعٌ-وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاٰ يُؤْخَذْ مِنْهٰا يعني يوم القيامة لا يقبل منها فداء و لا صرف أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمٰا كَسَبُوا أي أسلموا بأعمالهم (1)لَهُمْ شَرٰابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذٰابٌ أَلِيمٌ-بِمٰا كٰانُوا يَكْفُرُونَ و قوله احتجاجا على عبدة الأوثان قُلْ لهم أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مٰا لاٰ يَنْفَعُنٰا وَ لاٰ يَضُرُّنٰا-وَ نُرَدُّ عَلىٰ أَعْقٰابِنٰا بَعْدَ إِذْ هَدٰانَا اَللّٰهُ و قوله كَالَّذِي اِسْتَهْوَتْهُ اَلشَّيٰاطِينُ أي خدعتهم فِي اَلْأَرْضِ فهو حَيْرٰانَ .

و قوله لَهُ أَصْحٰابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى اَلْهُدَى اِئْتِنٰا يعني ارجع إلينا و هو كناية عن إبليس فرد الله عليهم فقال قُلْ لهم يا محمد إِنَّ هُدَى اَللّٰهِ هُوَ اَلْهُدىٰ وَ أُمِرْنٰا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ اَلْعٰالَمِينَ و قوله وَ أَنْ أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ اِتَّقُوهُ-وَ هُوَ اَلَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ- وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ بِالْحَقِّ-وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ اَلْحَقُّ-وَ لَهُ اَلْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ-عٰالِمُ اَلْغَيْبِ وَ اَلشَّهٰادَةِ وَ هُوَ اَلْحَكِيمُ اَلْخَبِيرُ فإنه محكم.

ثم حكى عز و جل قول إبراهيم ع وَ إِذْ قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْنٰاماً آلِهَةً-إِنِّي أَرٰاكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ فإنه محكم و أما قوله وَ كَذٰلِكَ نُرِي إِبْرٰاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ضِرَارٍ [مَرَّارٍ] عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: كُشِطَ لَهُ عَنِ اَلْأَرْضِ وَ مَنْ عَلَيْهَا وَ عَنِ اَلسَّمَاءِ-وَ مَنْ فِيهَا وَ اَلْمَلَكِ اَلَّذِي يَحْمِلُهَا وَ اَلْعَرْشِ وَ مَنْ عَلَيْهِ، وَ فُعِلَ ذَلِكَ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص وَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع .

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ اَلْخَزَّازِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ

ص: 205


1- . أسلموا مبني للمفعول، و معنى أبسل نفسه للهلاك: أسلم نفسه للهلاك ج. ز.

أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ ع قَالَ: لَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ مَلَكُوتَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ اِلْتَفَتَ-فَرَأَى رَجُلاً يَزْنِي فَدَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ، ثُمَّ رَأَى آخَرَ فَدَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ-ثُمَّ رَأَى ثَالِثَةً فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا، فَأَوْحَى اَللَّهُ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّ دَعْوَتَكَ مُسْتَجَابَةٌ-فَلاَ تَدْعُ عَلَى عِبَادِي فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ لَمْ أَخْلُقْهُمْ، إِنِّي خَلَقْتُ خَلْقِي عَلَى ثَلاَثَةِ أَصْنَافٍ، صِنْفٌ يَعْبُدُونِّي وَ لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً فَأُثِيبُهُ، وَ صِنْفٌ يَعْبُدُونَ غَيْرِي فَلَيْسَ يَفُوتُنِي، وَ صِنْفٌ يَعْبُدُونَ غَيْرِي-فَأُخْرِجُ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَعْبُدُنِي. ، و أما قوله فَلَمّٰا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأىٰ كَوْكَباً قٰالَ هٰذٰا رَبِّي-فَلَمّٰا أَفَلَ أي غاب قٰالَ لاٰ أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ

فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَفْوَانَ عَنِ اِبْنِ مُسْكَانَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع إِنَّ آزَرَ (1)أَبَا إِبْرَاهِيمَ كَانَ مُنَجِّماً لِنُمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ فَقَالَ لَهُ إِنِّي أَرَى فِي حِسَابِ اَلنُّجُومِ أَنَّ هَذَا اَلزَّمَانَ يُحْدِثُ رَجُلاً-فَيَنْسَخُ هَذَا اَلدِّينَ وَ يَدْعُو إِلَى دِينٍ آخَرَ، فَقَالَ نُمْرُودُ فِي أَيِّ بِلاَدٍ يَكُونُ قَالَ فِي هَذِهِ اَلْبِلاَدِ، وَ كَانَ مَنْزِلُ نُمْرُودَ بكوني [بِكُوثَى] ربا [رُبَى] [كوثى ريا]

ص: 206


1- . لاَ يَخْفَى أَنَّهُ قَدِ اِخْتَلَفَ اَلْعُلَمَاءُ فِي وَالِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قَالَ اَلرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ «وَ إِذْ قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ» وَ ظَاهِرُ هَذِهِ اَلْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اِسْمَ وَالِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ هُوَ آزَرُ. وَ قَالَ اَلزَّجَّاجُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ اَلنَّسَّابِينَ أَنَّ اِسْمَهُ «تَارُخَ» وَ عَلَى هَذَا فَآزَرُ كَانَ عَمَّهُ وَ إِطْلاَقُ لَفْظِ اَلْأَبِ عَلَى اَلْعَمِّ فِي لُغَةِ اَلْعَرَبِ وَ اَلْقُرْآنِ شَائِعٌ وَ مِنْهُ اَلْحَدِيثُ اَلْمَعْرُوفُ «عَمُّ اَلرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» وَ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى حَاكِياً عَنْ أَوْلاَدِ يَعْقُوبَ ع إِنَّهُمْ قَالُوا: (نَعْبُدُ إِلٰهَكَ وَ إِلٰهَ آبٰائِكَ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ) وَ مِنَ اَلْمَعْلُومِ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ كَانَ عَمّاً لِيَعْقُوبُ، وَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: لَمْ نَزَلْ نَنْتَقِلُ مِنْ أَصْلاَبِ اَلطَّاهِرِينَ إِلَى أَرْحَامِ اَلطَّاهِرَاتِ، وَ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ، فَلاَ يَكُونُ أَحَدُ أَجْدَادِ اَلنَّبِيِّ وَ لَوْ بَعِيداً نَجَساً وَ هَذَا هُوَ مَعْقَدُ إِجْمَاعِ اَلطَّائِفَةِ اَلْمُحِقَّةِ فَتُحْمَلُ اَلرِّوَايَاتُ اَلْمُخَالَفَةُ لَهُ عَلَى اَلتَّقِيَّةِ. ج. ز.

فَقَالَ لَهُ نُمْرُودُ قَدْ خَرَجَ إِلَى اَلدُّنْيَا قَالَ آزَرُ لاَ، قَالَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ اَلرِّجَالِ وَ اَلنِّسَاءِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ اَلرِّجَالِ وَ اَلنِّسَاءِ، وَ حَمَلَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ ع وَ لَمْ تُبَيِّنْ حَمْلَهَا، فَلَمَّا حَانَ وِلاَدَتُهَا قَالَتْ يَا آزَرُ إِنِّي قَدِ اِعْتَلَلْتُ وَ أُرِيدُ أَنْ أَعْتَزِلَ عَنْكَ، وَ كَانَ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ-اَلْمَرْأَةُ إِذَا اِعْتَلَّتْ اِعْتَزَلَتْ عَنْ زَوْجِهَا، فَخَرَجَتْ وَ اِعْتَزَلَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَ اِعْتَزَلَتْ فِي غَارٍ، وَ وَضَعَتْ بِإِبْرَاهِيمَ ع فَهَيَّأَتْهُ وَ قَمَطَتْهُ، وَ رَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا وَ سَدَّتْ بَابَ اَلْغَارِ بِالْحِجَارَةِ، فَأَجْرَى اَللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ ع لَبَناً مِنْ إِبْهَامِهِ، وَ كَانَتْ أُمُّهُ تَأْتِيهِ وَ وَكَّلَ نُمْرُودُ بِكُلِّ اِمْرَأَةٍ حَامِلٍ-فَكَانَ يَذْبَحُ كُلَّ وَلَدٍ ذَكَرٍ، فَهَرَبَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ بِإِبْرَاهِيمَ مِنَ اَلذَّبْحِ، وَ كَانَ يَشِبُّ إِبْرَاهِيمُ فِي اَلْغَارِ يَوْماً-كَمَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي اَلشَّهْرِ، حَتَّى أَتَى لَهُ فِي اَلْغَارِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً-فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ زَارَتْهُ أُمُّهُ، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تُفَارِقَهُ تَشَبَّثَ بِهَا، فَقَالَ يَا أُمِّي أَخْرِجِينِي، فَقَالَتْ لَهُ يَا بُنَيَّ-إِنَّ اَلْمَلِكَ إِنْ عَلِمَ أَنَّكَ وُلِدْتَ فِي هَذَا اَلزَّمَانِ قَتَلَكَ، فَلَمَّا خَرَجَتْ أُمُّهُ وَ خَرَجَ مِنَ اَلْغَارِ-وَ قَدْ غَابَتِ اَلشَّمْسُ نَظَرَ إِلَى اَلزُّهَرَةِ فِي اَلسَّمَاءِ، فَ قٰالَ هٰذٰا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ-لَوْ كَانَ هَذَا رَبِّي مَا تَحَرَّكَ وَ لاَ بَرِحَ-ثُمَّ قَالَ لاٰ أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ اَلْآفِلُ اَلْغَائِبُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى اَلْمَشْرِقِ رَأَى وَ قَدْ طَلَعَ اَلْقَمَرُ، قٰالَ هٰذٰا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ وَ أَحْسَنُ-فَلَمَّا تَحَرَّكَ وَ زَالَ قَالَ: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلضّٰالِّينَ فَلَمَّا أَصْبَحَ وَ طَلَعَتِ اَلشَّمْسُ وَ رَأَى ضَوْءَهَا-وَ قَدْ أَضَاءَتِ اَلدُّنْيَا لِطُلُوعِهَا قٰالَ هٰذٰا رَبِّي-هٰذٰا أَكْبَرُ وَ أَحْسَنُ-فَلَمَّا تَحَرَّكَتْ وَ زَالَتْ كَشَفَ اَللَّهُ لَهُ عَنِ اَلسَّمَاوَاتِ-حَتَّى رَأَى اَلْعَرْشَ وَ مَنْ عَلَيْهِ-وَ أَرَاهُ اَللَّهُ مَلَكُوتَ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ-فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ يٰا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّٰا تُشْرِكُونَ- إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ حَنِيفاً-وَ مٰا أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ فَجَاءَ إِلَى أُمِّهِ وَ أَدْخَلَتْهُ دَارَهَا-وَ جَعَلَتْهُ بَيْنَ أَوْلاَدِهَا.

وَ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ هٰذٰا رَبِّي أَشْرَكَ فِي قَوْلِهِ هٰذٰا رَبِّي فَقَالَ لاَ مَنْ قَالَ هَذَا اَلْيَوْمَ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَ لَمْ يَكُنْ مِنْ إِبْرَاهِيمَ شِرْكٌ-وَ إِنَّمَا

ص: 207

كَانَ فِي طَلَبِ رَبِّهِ وَ هُوَ مِنْ غَيْرِهِ شِرْكٌ، فَلَمَّا دَخَلَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ بِإِبْرَاهِيمَ دَارَهَا نَظَرَ إِلَيْهِ آزَرُ فَقَالَ مَنْ هَذَا اَلَّذِي قَدْ بَقِيَ فِي سُلْطَانِ اَلْمَلِكِ-وَ اَلْمَلِكُ يَقْتُلُ أَوْلاَدَ اَلنَّاسِ فَقَالَتْ هَذَا اِبْنُكَ وَلَدْتُهُ فِي وَقْتِ كَذَا وَ كَذَا-وَ حِينَ اِعْتَزَلْتُ عَنْكَ، فَقَالَ وَيْحَكِ إِنْ عَلِمَ اَلْمَلِكُ بِهَذَا زَالَتْ مَنْزِلَتُنَا عِنْدَهُ-وَ كَانَ آزَرُ صَاحِبَ أَمْرِ نُمْرُودَ وَ وَزِيرَهُ-وَ كَانَ يَتَّخِذُ اَلْأَصْنَامَ لَهُ وَ لِلنَّاسِ-وَ يَدْفَعُهَا إِلَى وُلْدِهِ وَ يَبِيعُونَهَا، فَقَالَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ لِآزَرَ لاَ عَلَيْكَ إِنْ لَمْ يَشْعُرِ اَلْمَلِكُ بِهِ، بَقِيَ لَنَا وَلَدُنَا وَ إِنْ شَعِرَ بِهِ كَفَيْتُكَ اَلاِحْتِجَاجَ عَنْهُ وَ كَانَ آزَرُ كُلَّمَا نَظَرَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَحَبَّهُ حُبّاً شَدِيداً-وَ كَانَ يَدْفَعُ إِلَيْهِ اَلْأَصْنَامَ لِيَبِيعَهَا كَمَا يَبِيعُ إِخْوَتُهُ، فَكَانَ يُعَلِّقُ فِي أَعْنَاقِهَا اَلْخُيُوطَ-وَ يَجُرُّهَا عَلَى اَلْأَرْضِ وَ يَقُولُ مَنْ يَشْتَرِي مَا [لاَ]يَضُرُّهُ وَ لاَ يَنْفَعُهُ-وَ يُغْرِقُهَا فِي اَلْمَاءِ وَ اَلْحَمْأَةِ، وَ يَقُولُ لَهَا كُلِي وَ اِشْرَبِي وَ تَكَلَّمِي، فَذَكَرَ إِخْوَتُهُ ذَلِكَ لِأَبِيهِ فَنَهَاهُ فَلَمْ يَنْتَهِ-فَحَبَسَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَ لَمْ يَدَعْهُ يَخْرُجُ . وَ حٰاجَّهُ قَوْمُهُ فقال إبراهيم أَ تُحٰاجُّونِّي فِي اَللّٰهِ وَ قَدْ هَدٰانِ أي بين لي وَ لاٰ أَخٰافُ مٰا تُشْرِكُونَ بِهِ-إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ رَبِّي شَيْئاً-وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَ فَلاٰ تَتَذَكَّرُونَ ثم قال لهم وَ كَيْفَ أَخٰافُ مٰا أَشْرَكْتُمْ-وَ لاٰ تَخٰافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللّٰهِ-مٰا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطٰاناً-فَأَيُّ اَلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي أنا أحق بالأمن حيث أعبد الله-أو أنتم الذين تعبدون الأصنام-

ص: 208

أي اختبرناهم وَ هَدَيْنٰاهُمْ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ فإنه محكم

وَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ظَرِيفِ بْنِ نَاصِحٍ عَنْ عَبْدِ اَلصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ ع يَا أَبَا اَلْجَارُودِ مَا يَقُولُونَ فِي اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ قُلْتُ يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا أَنَّهُمَا اِبْنَا رَسُولِ اَللَّهِ ص قَالَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ اِحْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ قُلْتُ يَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ « وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ إِلَى قَوْلِهِ وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ » فَجَعَلَ عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ قَالُوا لَكُمْ قُلْتُ قَالُوا قَدْ يَكُونُ وَلَدُ اَلاِبْنَةِ مِنَ اَلْوَلَدِ-وَ لاَ يَكُونُ مِنَ اَلصُّلْبِ، قَالَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ اِحْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ قَالَ قُلْتُ اِحْتَجَجْنَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اَللَّهِ « فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ-وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ » قَالَ فَأَيَّ شَيْءٍ قَالُوا لَكُمْ قُلْتُ قَالُوا قَدْ يَكُونُ فِي كَلاَمِ اَلْعَرَبِ أَبْنَاءُ رَجُلٍ-وَ اَلْآخَرُ يَقُولُ أَبْنَاؤُنَا-قَالَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع وَ اَللَّهِ يَا أَبَا اَلْجَارُودِ لَأُعْطِ