سرشناسه : قطب راوندی، سعید بن هبةالله، -573ق.101844
مرکز نگهدارنده نسخه : سازمان اسناد و كتابخانه ملي ايران
شماره بازیابی نسخه : 5-3677
شماره هاي شناسايي دیگر : 3677ع
1078-440
عنوان و نام پديدآور : الخرایج و الجرایح[نسخه خطی]/ قطب الدین سعیدبن هبه الله راوندی
وضعیت استنساخ : محمدباقر کاتب اصفهانی، قرن 11ق.
مشخصات ظاهري : 213 برگ، 25سطر: 180x90؛ قطع: 250x150
يادداشت کلی : زبان: عربی
آغاز ، انجام ، انجامه : آغاز: "بسمله، اللهم صل علی محمد و آل محمد و اعن و وفق و حسبنا الله و نعم الوکیل، اما بعد حمدالله الذی هدانا الی منهاج الدلیل و الصلوه علی محمد و آل الذین سلکوا بنا سواء السبیل"
انجام: "و قال الصادق(عليه السلام) اذا قام قائم آل محمد(صلی الله عليه وآله وسلم) یبنی فی ظهر الکوفه مسجداله الف باب. تم کتاب ..."
يادداشت مشخصات ظاهری : نوع و درجه خط: نسخ خوش
نوع کاغذ: اصفهانی نخودی
تزئینات متن: عناوین و سرفصلها به شنگرف، بالای برخی از کلمات و عبارات با شنگرف خطکشی شده
نوع و تز ئینات جلد: میشن زرشکی، جداول حاشیه ای با روکش کاغذی زیتونی و بوته های ریسه ای به زر، لولادار، مقوایی، اندرون میشن زیتونی، جداول حاشیه ای به زر
خصوصيات نسخه موجود : حواشی اوراق: نسخه حاشیه نویسی مختصر دارد و به سال 1067ق. مقابله و تصحیح شده
یاداشت تملک و سجع مهر : شکل و سجع مهر:در برگ اول یادداشت هبه ممهور به مهر بیضوی "لااله الاالله الملک الحق المبین عبده محمدتقی، 1216" و مهر "الواثق بالله الغنی عبده محمدعلی"، در دو برگ پایان مهر بیضوی اخیر و مهر "عبدالحسین"
توضیحات نسخه : نسخه بررسی شده .
منابع اثر، نمايه ها، چکيده ها : الذریعه 145:7؛ مرعشی 175:3
معرفی نسخه : مولف، معجزات معصومین علیهم السلام را در 20 باب کتاب جمع آوری نمود و چون معجزاتی که از آن بزرگواران خارج و صادر شده تاییدی است بر صدق ادعای آنها و نتیجه آن کسب صداقت گفتار برای آنهاست، بنابراین کتاب را "الخرایج والجرایح" نام گذارد. [جرح الرجل: اکتسب] باب 1- در معجزات رسول الله(صلی الله عليه وآله وسلم)، باب 2 تا 13 - در معجزات دوازده امام علیهم السلام، باب 14 - در معجزات و اعلام معصومین باب 15 - در دلایل بر امامت دوازده امام، باب 16 - در نوادر معجزات نبی و ائمه، باب 17 - در موازات معجزات نبی و اوصیای وی با معجزات انبیاآ پیشین، باب 18 - در ام المعجزات: قرآن مجید، باب 19 - در تفاوت بین حیل و معجزات، باب 20 - در علامات و مراتب خارق العادات آنها و ذکر اخلاق و سیره نبی(صلی الله عليه وآله وسلم)
موضوع : احادیث شیعه
Hadith (Shiites) -- Texts
چهارده معصوم -- معجزات
*Fourteen Innocents of Shiite -- Miracles
شناسه افزوده : کاتب اصفهانی، محمدباقر، قرن11ق.، کاتب
دسترسی و محل الکترونیکی : آدرس الکترونیکی منبع
ص:1
بسم اللّه الرحمن الرحیم
الحمدللّه الذي بر وی وجود نظام حقائق الكون و نوامیس الحياة المحكمة، وجوب وجوده وسعة علمه وقدرته اللامتناهية، كما تروی آیات ذكره الحکیم نزراً من أنباء الغيب، و بعضاً من أحاديث معجزات أنبيائه ورسله الالهية.
وأكمل صلواته على أمين وحيه ، وخاتم سفرائه، محمد رسول اللّه، وعلى آله المصطفين الذين أورثهم اللّه کتاب و حيه، وجعلهم مجاري أمره ، ومجالی آیاته ومعجزاته، فبعثوا الفقهاء امناء على حفظ أحاديث معجزات رسول الله والأئمة الاثني عشر من آله و روایتها
وبعد : فمن الذين حفظوا عنهم عليهم السلام مواریث النبوة في صحائفهم وكتبهم شيخنا الأقدم مؤلف هذا الكتاب «قطب الدين الراوندی، قدس سره» .
فانه أودع في سفره القيم هذا كتاب «الخرائج والجرائح» لمعاً من الأحاديث في معجزات النبي والأئمة عليهم السلام وأعلامهم ودلائلهم (تسنناً ) بما قال جل وعلا : « نحن نفص عليك أحسن القصص بما أوحينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين ».
وليكون هذا بصائر للناس، و لیستیقن الذين اوتوا العلم بما يتفكرون في آياته، وليؤمنوا بالغيب: «بالله وملائكته ووحيه وكتبه ورسله و يوم لقائه»، و ليعلم الذين سعوا في آيات الله معاجزين أنه ما كان الله ليعجزه شيء في السماوات ولا في الارض .
هنا لابد من الاشارة الى معنى الاعجاز، فهو مطلقاً : اتیان شیء و ایجاد ما يعجز عنه غير فاعله، كما أشار اليه تعالى في قوله : « ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبا باً ولو اجتمعوا له» و «قل لئن اجتمعت الجن والانس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً».
فعلی هذا كان الاعجاز المطلق خاصاً بالله القادر الذي بيده ملكوت كل شيء وهو بكل خلق عليم ، وعن كل سبب غنی، لا يعجزه شيء مما في السماوات والأرض، وليس كمثله شيء فان له الخلق و الامر، يقول - أو بأذن لصفیه ورسوله أن يقول لشي: «كن. فیکون».
علما بأنه ليس من الاعجاز اتیان شیء بأسبابه الطبيعية العادية أو الرياضية حين تتكامل الصنعة في شتى العلوم المعاصرة أو المستقبلة ، فان التقدم في اكتشاف نواميس الطبيعة وحل رموزها التي فطرها الله تعالى ، وقدر فيها أقواتها ، أو استخدام القوى والاسباب في الصنائع البديعة، ليس في حقيقته اعجاز اً، بل فضلا لمكتشفة أو صانعه من بين أقرانه.
ص: 1
من يقوم بالاعجاز (باذن اللّه) ؟
لقد صرح القرآن الكريم بأسماء بعض من اصطفاهم الله و أيدهم ووهبهم الأذن على القيام بأعمال اعجازية، وقد اقتضت الحكمة الالهية أن يخص كل واحد من رسله وأوصيائه في مختلف العصور بآ یات باهرة، ومعجزات ظاهرة .
ألا ترى في القرآن الكريم أحوال هؤلاء الانبياء والمرسلين والاوصیاء : نوح، هود صالح ، ابراهيم ، موسی، عیسی ، داود ، سليمان : الى خاتم الانبیاء، كلهم كانوا يبلغون رسالات الله، و يتلون آیاته من أنباء الغيب والوحي، وهم الادلاء على مرضاة الله، وجاءوا بآيات بينات ومعجزات في كل عصر بما شاء الله و أذن لهم ، دليلا على صدقهم.
والمعجزات كثيرة منها: ما في آيات ابراهيم عليه السلام، بصیر ورة النار برداً وسلاماً له ، واحياء الطيور على يده.
وفي آيات موسی علیه السلام اذ قال الله تعالى له : ألق ما في يدك (عصاك ) فاذا هي حية تسعى ، تلقف ما كانوا يأفكون ، وما سحروا به أعين الناس .
وفي تسع آيات بينات له منها : سيلان الدم(1) من غير أن يصيب حيواناً ذا نفس سائلة.
وفي آيات عیسی علیه السلام باحياء الموتى من القبور البالية ، وصيرورة الطين طيراً كما خلق الله «آدم» من تراب .
وفي آية داود عليه السلام بالانة الحديد له من غير أن تذيبه نار .
وفي تسخیر قوی الجن والانس والطير في ملك سليمان عليه السلام، و سیره على عرشه ومن حوله بما كان غدوها شهر، ورواحها شهر، وعلمه بمنطق الطیر .
و في اتيان و زیره «آصف» عرش ملكة سبأ من قبل أن يرتد اليه طرفه بلا أي جهاز .
هذه و أمثالها معجزات الانبياء، و آيات الله تصديقاً لرسالتهم عن رب العالمين الذي يقول لشيء: «كن. فیکون» .
ص: 2
فبما أن الله الذي خلق خلقه (ليعرف ويعبد و بجزی) بدأ خلق الانسان من طين، ثم جعل نسله من ماء مهين(1) فجعله نسباً وصهراً ، ثم هداهم برسله و كتبه ، و وعدهم حياة طيبة في النشأة الأخرة : بأن يحيي جميع موتاهم ، فيخرجون من الاجداث ، كأنهم جراد منتشر فلا أنساب بينهم يومئذ ، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم بجمع الله فيه الاولين والآخرين (والنبين) الى ميقات يوم معلوم ، قال الله عز وجل :
«يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَکسِبُونَ » وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ، وهو خلقكم أول مرة، وهذا يوم عظيم يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون:
اما في جنات النعيم تجري من تحتها الانهار خالدين فيها، نعم الثواب وحسنت مرتفقاً . واما في در كات الجحيم، طعامهم من زقوم، وشرابهم من غسلين ، وساءت مستقراً.
وبما أن تلك الحقائق التي وعدها الله في النشأة الاخرة بعد هذه النشأة الحاضرة المتفانية معارف من غيب الوجود الذي لا ينال با لعقل الذي لايدرك الا كلياً دون الوجود الخارجي ، ولا بعلم التلازم بين الشيء وأثره، کآیات تدل على وجود الباریء، أو النار و الاحراق، دليلا لميا أو انياً ، ولا با لحس الذي لايدرك الا الموجود الحاضر الملموس .
بل علمه خاص بعالم الغيب الذي لا يظهر على غيبه أحداً الا لمن ارتضی من رسول فيوحي اليه من أنبائه .
وبما أن العقول قد بهرت وعجزت عن كنه معرفة الله كما قال تعالى : «و لايحيطون بشیء من علمه الا بما شاء» وقال عز وجل في الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ، وهم عن الاخرة هم غافلون : «ما قدروا الله حق قدره اذ قالوا: ما أنزل الله على بشر من شیء» .
وقالوا: ان هي الاحياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعو ثين، وما يهلكنا الا الدهر.
وقال الكافرون:هذا شيء عجيب: ءاذا متنا وکنا تراباً وعظاماً ءانا لمبعوثون خلقاً جديداً؟
وقال : من يحيى العظام وهي رميم ؟!(2)
وبما أن هذه رسالة الهية ، ودعوة دينية غيبية، غير مستغنية عن آية باهرة، ومعجزة قاطعة ، وحجة با لغة ، ليهلك من هلك عن بينة، و لئلا يكون الناس على الله حجة بعدالرسل.
و بالجملة فلاجل هذا كله فالرسالة الالهية و الامامة مفتقرة الى الايات و المعجزات
ص: 3
كما قيل للانبياء في مختلف العصور : « فأت بآية ان كنت من الصادقین».
ومنه قال تعالى: (وسنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) .
وقال: فانظر الى آثار رحمة الله : (الماء) كيف يحيى الارض بعد موتها ان ذلك لمحي الموتی.
أقول : صفوة الايات الباهرات في بيان هذا الغيب «المعاد الجسماني في النشأة الأخرة » أن الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما من الشمس و القمر و...
أرسل الرياح ، ثم أنزل من السماء ماءأ، فأحيا به الارض بعد موتها ، باخراج زرعها ونباتها وشجرها ، فأخرج منها حبأ وفواكه مختلفاً ألوانها ، متشابهاً وغير متشابه.
فانظر كيف يقلب الله الحب نباتاً خضراً ، لا ترى فيه حباً ، ثم يخرج منه حباً متراكماً مثله فهو قادر على أن يعيد الموتى مرة اخرى من الارض أحياءاً، و يجمعهم ليوم الجمع لاريب فيه.
وأنت ترى اليوم نظير ذلك في أكمل الصناعات البديعة كالاجهزة الكامبيوترية والتلفزيونية كيف يصور في محطاتها المركزية شيء مرئی و مسموع، ثم يحول الى قوى و أمواج لاتری ولاتسمع، ثم يحول ثانياً، فيعود کصورته الاولى جريأ على استخدام القوى المقدرة في طبا ئعها .
وبالجملة : هذان المثلان الطبيعي والصناعي لا يخرقان نوامیس الطبيعة بما فيها من القوى والأسباب، بل هما آيتان، و اعجاز من الخالق لدفع استعجاب هؤلاء الذين يقولون: ءاذا متنا وکنا تراباً وعظاماً، ءانا لمبعوثون خلقاً جديداً؟! أو آباؤنا الاولون ؟! أو من قال: من يحيى العظام وهي رميم ؟!
بلی! في النشأة الأخرة خلق جدید بمثل الخلق الأول
«قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ...
أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن « يخلق مثلهم»(1) بلي، وهو الخلاق العليم، وما خلقكم ولا بعثكم الا کنفس واحدة (وقال :) فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون، انه لحق مثلما أنكم تنطقون، انما قولنا لشيء اذا أردناه أن نقول له كن فيكون .
ص: 4
التعريف بالمؤلف 4
موطنه 4
اسرته 4
أولاده وأحفاده 5
مكانته العلمية والاجتماعية 5
أساتذته ومشايخه 6
وفاته ومدینه 7
آثاره 8
کتاب الخرائج والجرائح 8
الوجه في تسمية الكتاب 11
أهمية الكتاب ، والاعتماد عليه 11
منتخب الخرائح 11
ترجمة الخرائج والجرائح 12
التعريف بنسخ الكتاب 12
منهج التحقين 13
تقدير وعرفان 14
ص: 5
هو فقيه الشيعة و حامي الشريعة ، الثقة الخبير ، العالم الكبير ، الشاعر المتكلّم البصير المعلّم ، المحدّث المفسّر، العلامة المتبحّر، شیخ الشيوخ أبو الحسين « سعيد بن عبدالله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن » المشهور ب
«قطب الدين الراوندی»
لقّب ب « الراوندي » نسبة إلى « راوند » و هو اسم أطلق على ثلاثة مواضع ، هي:
- بليدة بقرب کاشان ، ومازالت تعرف إلى الآن بهذا الاسم.
- ناحية بظاهر نيسابور .
- مدينة قديمة بالموصل، بناها راوند الأكبر بن بیوراسف الضحّاك .
قيل أصلها « راهاوند » أي الخير المضاعف .(1)
قال شيخنا البهائي : الظاهر أنّه منسوب إلى راوند ، قرية من قری کاشان .(2)
وقال الميرزا الأفندي: يمكن أن يكون القطب - هذا - من ناحية نيسابور أيضاً.(3)
كان رضوان الله عليه ينتمي إلى أسرة علمية كبيرة ، لها مقام اجتماعي جايل و منزلة علميّة مرموقة ، بيد أنّها لم تكتسب تلك الشهرة التي تليق بها إلا بعد نبوغ القطب الراوندي ، حيث لم تسلّط الأضواء على اصول هذه الاسرة سوى وجيزة إجمالية أفادنا بها الميرزا عبدالله الأفندي :
« كان والده وجدّه أيضاً من العلماء» .(4)
ص: 6
خلفه - قدس سره- أولاد علماء فضلاء فقهاء أتقياء ، أثنى عليهم أصحابنا في كتب تراجمهم و أطروهم بالعلم والفضل والتقى ، وهم :
1 - الشيخ عماد الدين أبو الفرج علي بن سعيد الراوندي .
يروي عن والده ، وعن السيّد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي الحسني الراوندي صاحب النوادر .
ويروي عنه ولده - سبط المؤلف - الشيخ الفاضل العالم برهان الدين أبو الفضائل محمد بن علي بن سعيد الراوندي(1) والشيخ محمد بن جعفر بن نما .
والشيخ أبوالسعادات أسعد بن عبدالقاهر الاصفهاني .
والشيخ نصير الدين أبوطالب عبد الله بن حمزة الطوسي.
والسيّد حيدر بن محمد الحسيني صاحب غررالدرر .(2)
2- الشيخ العالم الصالح الشهيد نصير الدين أبو عبد الله الحسين بن سعيد الراوندي.(3)
3- الشيخ الفقيه الثقة العدل ظهير الدين أبو الفضل محمّد بن سعيد الراوندي .(4)
أجمع العلماء وأرباب معاجم التراجم على جلالة قدره وتبرّزه في العلوم العقليّة والنقليّة، لم يمر بذكره أحد من الرواة عنه أو المترجمين له إلا و يستصحب ذکره
ص: 7
بعبارات تدلّ على عظمته وسمو مكانته، و كانت هذه المكانة و الجلالة ملازمة له أينماحلّ و نزل.
وكان موضع احترام و تقدير كافّة الطبقات و الأوساط العلميّة و الاجتماعيّة .
وكان قد۟س سرّه بالاضافة إلى مقامه العلمي الرفيع على جانب كبير من الأدب والشعر، وشعره جيّد، مستعذب الألفاظ ، راقي المعاني ، يغلب عليه طابع مدح أهل البيت، وتبیین فضائلهم ، ورثائهم .
عدّه العلامة الاميني في شعراء الغدير(1)، وذكر نماذج من شعره .
هذا ما يختص بمكانته - رضوان الله عليه - في حياته، أمّا بعدها فله المكانة الكبرى بما أثرى به العالم الاسلامي من المؤلّفات الضخمة القيّمة الكثيرة التي تكلّ الألسن عن وصفها، ويقصر البيان عن مدحها و تعريفها، وأصبحت مراجع ها مّاًمن المراجع المعتمد عليها في مختلف المجالات العلميّة .
ولا يفوتنا دوره البارز في نشر العلوم في ربوع العالم الاسلامي ، حيث تتلمذ على يديه نوابغ و أفذاذ من علماء الكلام والحديث والفقه والتفسير وغيرها، نذكر منهم :
الشيخ رشيد الدين محمّد علي السروي المازندراني المعروف به « ابن شهر اشوب» صاحب الكتاب القيّم «مناقب آل أبي طالب».
وقد أطلنا البحث حول مكانته قد۟ س سرّه، وهو بحث يستأهل أكثر من هذه السطور.
تلقّى الشيخ قطب الدين الراوندي قد۟س سرّه علومه عند أساطين العلم ، و كبار العلماء في عصره .
وروي عن شيوخ الرواية والحديث من وجوه علماء الخاصّة والعامّة في عصره .
ولسنا بصدد سرد أسمائهم، و الحصر التام لعددهم، أو الإحاطة بكلّ من يمتّ إليه بصلة علميّة. .
ص: 8
بل نقتبس منها بعض الأسماء اللامعة، و نحيلك إلى فهرس مشايخه في آخر الكتاب.
فنذكر منهم الشيخ الثقة الفقيه المفسّر أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفسير القيّم «مجمع البیان» و کتاب « إعلام الوری » وغيرهما من روائع المؤلّفات و أعلاها .
ومنهم الشيخ الثقة العالم الجليل المعمّر، الواسع الرواية عماد الدين محمّد ابن أبي القاسم علي بن محمّد الطبري، صاحب كتاب «بشارة المصطفى لشيعة المرتضی».
ومن مشا یخه رضوان الله عليه من علماء العامّة :
الشيخ العالم المحدّث شهردار بن الحافظ شیرویه بن شهردار الديلمي صاحب الكتاب الشهير «مسند الفردوس» .
قال العلامة الشيخ المجلسي : وجدت بخط الشيخ الزاهد العالم شمس الدين محمد جد شيخنا البهائي قدّس الله روحهما نقلا من خط الشهيد روح الله روحه: توفّي الشيخ الامام السعيد أبو الحسين قطب الملّة والدين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي رحمه الله ضحوة يوم الأربعاء الرابع عشر من شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.(1).
أو في ثالث عشر شو ال، كما في لسان الميزان: 48/3 .
و مزاره الشامخ في الصحن الكبير في حضرة السيّدة فاطمة المعصومة علیها السلام.(2)
ص: 9
لعلّ خير ما يصور منزلة القطب الراوندي هو دراسة آثاره الكثيرة التي خلّفها و بیان قيمتها مقارنة بمثيلاتها ، و مدى اهتمام العلماء و الباحثين و الدارسين بها في العصور التالية ، و المساهمة الفعّالة و الجادّة التّي قدّمتها للعالم الاسلامي في مختلف عصوره .
على أن۟ مهارته - قد۟س سرّه - و براعته تظهران في أحسن الوجوه إشراقاً، وأكثرها تألّماً عند دراستنا له محدثاً يعني بهذا الفن۟.
فقد مهر في علم الحديث و صنّف فيه الكتب الكثيرة ، الخرائج و الجرائح والدعوات والقصص و... كما برع في غيره من العلوم، وألّف فيها. سرد من ترجم له من أصحاب المعاجم الرجاليّة قائمة الأسماء مؤلّفاته ، نيّفت على الستّين .
ومن أشهر هذه الكتب وأكبرها :
وهو هذا السفر الجليل العظيم الذي نقدّمه اليوم للقرّاء، وهو يعدّ من أعظم كتب المعجزات و دلائل نبوّة نبيّنا صلی الله علیه و آله و سلّم وإمامة الأئمة علیهم السلام التي انتهت إلينا من تراث علمائنا الأقدمين، ترتیباً و تنقيحاً، و توثيقاً و إحكاماً، وإحاطة وشمولا ، فهو ينبیء عن سعة اطّلاع مؤلّفه - قد۟س سرّه - على كلّ ماسبقه من تأليف في موضوعه ، و دراية تامّة بمعجزاتهم ، وماقيل في حقّهم صلی الله علیه و آله و سلّم. ويتميّز عن غيره من الكتب التّي الّفت في بابه أنّه استطاع التوفيق بين المعجزات والدلائل والمسائل الكلاميّة الواردة عليها .
ولم يقتصر على نوع معيّن من المعجزات بل تنوّعت فشملت مختلف أشكالها .
وكان للقطب الراوندي أسلوبه المتميّز في صياغة روايات كتابه هذا ، وأسلوب عرضها، الأمر الذي دفعه في أغلب الأحيان إلى اختصار المادّة الروائيّة المرويّة باسهاب في مؤلّفات من سبقه باسلوبه الخاص، ولم ير في ذلك ضيراً، طالما قد توخّى
ص: 10
الدقّة والامانة في نقل أهداف الرواية ، لاسيّما تلك التي لا تنقص من قيمتها إعادة الصياغة، كحذف مقدّمات الحديث. وباقي الأحداث الهامشيّة الخارجة عن تبیان المعجزات و الدلائل ، و اختصار أسماء الرواة ونحو ذلك.
أمّا أسلوبه الأدبي في عرض أحداث الرواية ، فقد تميّز بالطراوة و الحبك وام يعن بتزويق الألفاط الذي يتجلّى فيه العناية بالاسلوب على حساب دقّة المعاني ودلالة الكلمات .
أضف أنّ معرفته القويّة باللغة العربيّة - نحوها ، وصرفها- أكسبته التمتّع بهذا الاسلوب الرصين البليغ الخالي من اللحن .
ومن المزايا التي تميّز بها هذا الكتاب القيّم عن غيره هو إيراده :
الملحقات الخمسة في آخر الباب الخامس عشر بقوله :
«وقد كنت جعت «خمس مختصرات» تتعلّق بهذا الفنّ من العلوم، فأضفتها إلى هذا الكتاب أيضاً بالخطبة التي في أول كل واحد منها» و هي :
1- کتاب نوادر المعجزات(1) : وهو الباب السادس عشر، قال في خطبته :
«إنّ هذه أحاديث هائلة، مهولة ، فانّها من المشكلات التي تتهافت فيها العقول ،لكونها من المعضلات، وقد كان الشيخ الصدوق سعد بن عبد الله بن أبي خاف الأشعري ذكرها في كتاب البصائر ، وأوردها الشيخ الثقة محمّد بن الحسن الصفّار في كتاب بصائر الدرجات ، و كلاهما لم يكن غالياً ولاقالياً» .
ويستفاد من كلامه رحمه الله امور: منها أنّه انتخب أحاديث كتابه هذا من كتابي بصائر درجات الأشعري و الصفّار ، و أنّها أحاديث ذات خصوصيّة تميّزها عن مثيلاتها بكونها من المعضلات ، وقد علّل ذلك - بعد سطور - بأن روی : «حديث آل
ص: 11
محمد صعب مستصعب ...».
ويستفاد أيضاً أن كتابه هذا روائي بحت، لذا لم يضمنّه أي بحث كلامي .
2- کتاب الموازاة بين معجزات نبينا صلى الله عليه و آله ومعجزات الانبياء ويشكّل هذا الكتاب الباب السابع عشر من كتابنا الخرائج والجرائح.
ولاأظن أنّنا بحاجة ماسّة إلى تعريف موضوعه الذي ينطق به اسمه. ورغم أن اسم الكتاب صريح في موضوعه فقد أبان المؤلّف عنه و عن منهجه في مقدّمته ، فقال : «قد ذكرنا من معجزاته صلی الله علیه و آله و سلّم ومعجزات أو صيائه علیهم السلام الّتي رواها الرواة المعروفون بالأمانة مايربي على أعلام الرسل الماضين عند الموازاة والموازنة .
ونذكر هاهنا شيئاً يفتقر إليه في هذا المعنى» .
3- کتاب ام المعجزات، وهو القرآن المجيد، وقد شغل تمام الباب الثامن عشر ضمّنه وجوه إعجاز القرآن، وأكثر فيه من ذكر و افتراض الشبهات والردّ عليها بكلام يسير محکم موجز خال من الاغلاق و الابهام والغموض و التعقيد.
4- كتاب الفرق بين الحيل والمعجزات ، و هو الباب التاسع عشر ، قال في دیباجته: «إنّي أذكر ما ينكشف فيه الفصل بين الحيل والمعجزات، و تظهر به الشعوذة والمخاريق ، وحقيقة الدلالات والعلامات لكلّ ذي رأي صائب و نظر ثاقب ... ».
وهو - فيما أعلم - كتاب لم يسبقه أحد إلى تناوله بالبحث و التأليف ، و ضمّنه - کسابقه - سلاسة الألفاظ ودقّة التعبير ، والقدرة على الاقناع .
5- کتاب علامات ومراتب نبينا صلی الله علیه و آله و سلّم أوصيائه علیهم السلام و هو الباب العشرون قال في ديباجته : « إنّ علامات النبي صلی الله علیه و آله و سلّم والأئمة علیهم السلام من أهل بيته في الكتب المتقدّمة كثيرة ، وأنا أشير في هذا المختصر إلى جمل منها خطيرة ، وأضيف إليها من الرؤيا الدالّة على مراتبهم مايليق بها».
فهذا الكتاب كما ينبیء عنه مؤلّفه هو في ذكر البشارات بنبيّنا صلی الله علیه و آله و سلّم وأوصيائه علیهم السلام و علاماتهم ، ثمّ تطرق إلى ذكر العلامات السارّة الدالّة على صاحب الزمان وأردفها بذكر العلامات الحزينة الدالّة عليه (عجّل الله تعالی فرجه الشريف) .
ص: 12
بيّن لنا المؤلّف قدّس سرّه الوجه في تسميته كتابه هذا بالخرائج والجرائح بأوجز عبارة وأدقّ معنی فقال: «وسمّيته ب «الخرائج والجرائح»لأنّ معجزاتهم التي (خرجت) على أيديهم مصحّحة لدعاويهم ، لأنّها (تكسب) المدّعي - ومن ظهرت على يده - صدق قوله».(1)
أقول: جرح و اجترح: اكتسب ، وجمعها جرائح .
قال تعالى : «وهو الذي يتوفّاکم بالليل و يعلم ماجرحتم بالنهار »(2) أي كسبتم .
وقال : «أم حسب الّذين اجترحوا السيّئات»(3)أي اكتسبوا.
الخرائج والجرائح عين من عيون كتب تراث أهل البيت علیهم السلام وهو الأصل والمأخذ لكثير من الروايات والأحاديث التي أودعها أصحاب المؤلّفات في مؤلّفاتهم بعده لدى تناولهم معجزات النبي صلی الله علیه و آله و سلّم و الأئمة علیهم السلام و دلائلهم بالجمع و التأليف .
فممّن اعتمد عليه من علمائنا:
الأربليّ في«کشف الغمّة»، والشيخ زين الدين النباطي في «الصراط المستقيم»والشيخ الحر العاملي في «و سائل الشيعة» و «اثبات الهداة» .
والشيخ المجلسي في «بحار الانوار» والشيخ عبد الله البحراني في «عوالم العلوم»و السيّد هاشم البحراني في «تفسير البرهان» و «غاية المرام» و«مدينة المعاجز» .
ومن علماء العامة : ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول المهمّة»(4)و القندوزي في «ينابيع المودّة»(5) و غيرهم ممّن يطول المقام بذكرهم واستقصائهم .
لدي بحثنا عن تاريخ ونسخ الخرائج و الجرائح وقعت بين أيدينا نسخ خطّيّة
ص: 13
و مطبوعتان حجريّتان اختزلت فيها أحاديث الكتاب بنسبة كبيرة فعلى سبيل المثال: الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علیه السلام (ص 171- 235) تضمّن «78» حديثاً ، بينما في النسخ المشار إليها«17» حديثاً فقط.
والباب التاسع في معجزات الامام الرضا علیه السلام (ص337- 371) احتوى على «29» حديثاً و في النسخ السابقة الذكر «12» حديثاً فقط.
وطال هذا الاختزال والاختصار باقي أبواب الكتاب، ممّا اضطر۟نا إلى صرف النظر عن الاشارة إلى الأحاديث المختزلة في تعليقاتنا على الكتاب .
فهذه النسخ هي «منتخب الخرائج والجرائح» إن صح۟ التعبير .
قام العلامة الشيخ محمّد شريف الخادم بترجمة كتاب «الخرائج والجرائح» إلى اللغة الفارسيّة، وسمّاه «كفاية المؤمنين في معجزات الأئمة المعصومين علیهم السلام» ورتبّه على أربعة عشر باباً، وقد وشّحه باسم السلطان إبراهيم قطب شاہ بن السلطان علي قطب شاہ الذي ملك ثلاث وثلاثين سنة، ومات في سنة 988 عن عمر ناهز الاحدي والخمسين سنة.(1).
إعتمدنا في تحقيقنا لهذا الكتاب على ثلاث نسخ خطّيّة هي:
النسخة الاولى : مصوّرة عن النسخة المحفوظة في المكتبة الشخصيّة للعلامة الشيخ محي الدين المامقاني ، حفيد آية الله الشيخ عبدالله المامقاني، العالم الرجالي المعروف صاحب کتاب «تنقیح المقال في أحوال الرجال ».
وهي أتقن النسخ وأصحّها وأنمّها، كتبها - بخطّ النسخ - السيّد كمال الدین حسن بن محمّد بن عماد الحسيني الاسترابادي ، في الخامس عشر شهر جمادى الثانية سنة 958 ه. ق . وتقع في «554» صفحة .
ص: 14
وكانت هذه النسخة النفيسة هي الأصل المعتمد عليه في تحقيقنا، ورمزنا لها : ب «م» .
النسخة الثانية : وهي المحفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله العظمی شهاب الدين المرعشي النجفي - دامت برکاته - تحت الرقم «983». كتبت بخطّ النسخ في سنة « 1092» وتقع في «296 » ورقة ، واحتوت كسابقتها تمام الکتاب ورمزنا لها ب «ه-».
النسخة الثالثة : وهي المحفوظة في خزانة مخطوطات آية الله الحاج السيّد مصطفى الحسيني الصفائي الخوانساري ، واحتوت « منتخب الخرائج والجرائح » وسقطت من آخرها الأبواب الخمسة الأخيرة ، ورمزنا لها : ب « س ».
و اعتمدنا في تحقيق الأبواب الثلاثة الأخيرة على نسختين عرفناهما في ص 969.
الاولى : المطبوعة الحجريّة في سنة 1301 ه، ق، ضمن مجموعة تضمّنت ثلاثة كتب هي: الأربعون حديثاً للعلاّمة الشيخ المجلسي - صاحب بحار الانوار - والخرائج والجرائح ، و كفاية الأثر للخزاز القمّي.
الثانية : المطبوعة الحجريّة في بومباي في سنة 1301 ه-. ق. وهذه المطبوعة والتي قبلها هي « منتخب الخرائج والجرائح » .
بعد استنساخ الكتاب ومقابلته مع نسخه و مصادره و البحار ، اتّبعنا - كما هو دأبنا - طريقة التلفيق بين النسخ والبحار والمصادر ، لاثبات متن صحیح سليم للكتاب مشيرين في الهامش إلى الاختلافات اللفظيّة الضروريّة.
ومن ثم أشرنا في نهاية كل حديث إلى مصادره واتّحاداته بصورة مفصّلة .
كما وقمنا بشرح بعض الألفاظ اللغويّة الصعبة نسبيّاً شرحاً مبسّطاً موجزاً ، مع إثبات ترجمة لبعض الأعلام الواردة في أسانید و متون الروايات ، خاصّة تلك التي
ص: 15
صحّفت وحرّفت، معتمدين في ذلك على أمّهات كتب تراجم الرجال .
و كذا الحال بالنسبة لأسماء القبائل والأقوام والفرق والأماكن والبقاع .
علما أنّ كلّ ما بين المعقوفين [ ] بدون إشارة فيو ممّا لم يكن في نسخة «م»وإنّما أثبتناه من سائر النسخ، أو من أحدها .
ووضعنا الاختلافات اللفظيّة الطويلة نسبيّاً، أو التي تبهم الاشارة إليها في الهامش بين قوسين ( ).
وحصرنا النصوص الواردة في المتن بين قوسي التنصيص الصغيرين « » .
ممّا يزيد في قيمة هذا الكتاب الرائد النفيس، ويعلي مكانته بين الكتب هو إصداره بهذه الحلّة الزاهية الرائعة ، والطبعة المحقّقة النافعة التي تسر۟ كل۟ محب۟ وموال لأهل بيت العصمة و الطهارة علیهم السلام وقد يسّر الله لمؤازرتي و شد۟ عضدي في إنجازه وتحقيقه ثلّة من الذوات المخلصة العاملة في « مؤسّسة الامام المهدي » عجّل الله فرجه الشريف ، سيّما الأفاضل :
نجم عبد البدري ، شاکر شبع ، أمجد عبدالملك الساعاتي ، فارس حسون،أبو حيدر المسجدي ، السيّد فلاح الشريفي .
فلهم الشكر والثواب ، و كان الله شاكراً عليماً .
السيّد محمّد باقر نجل المرتضى الموحّد الأبطحي الاصفهاني
مؤسسة الامام المهدی علیه السلام
قم المقدسة
ص: 16
الصورة
ص: 17
الصورة
ص: 18
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمد الله الّذي هدانا إلى منهاج الدليل و الصلاة على محمّد و آله الّذين سلكوا بنا سواء السّبيل فان۟ قومأ(1) من الّذين أقروا بظاهرهم بالنبوات، جحدوا في الامامة(2) کون المعجزات، فضاهوا الفلاسفة و البراهمة(3) الجاحدين في النبوة الأعلام الباهرات فدعاواهم جميعاً باطلة فاضحة ، إذ الأدلّة على صحّة جميع ذلك واضحة .
وقد أخبرنا جماعة ثقات منهم : الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي۟ بن المحسن الحلبي ، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي ، عن أحمد بن عبدون، عن علي بن محمّد
ابن الزّبير القرشي ، عن أحمد بن الحسين بن عبدالملك الأزدي(4) ، عن الحسن بن محبوب ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن موسی بن جعفر أنّه قال :
أعظم الناس ذنباً ، و أكثرهم إثماً على لسان محمّد : الطاعن(5) على [ عالم ] آل محمّد والمكذّب ناطقهم، و الجاحد معجزاتهم(6) .
ص: 19
على أنّ من أنكر المعجزات لعلي و أولاده الأحد عشر مع إثباته للنبي فانّه جاهل بالقرآن.
وقد أخبرنا الله سبحانه عن آصف بن برخيا وصي سليمان وعن ما أتی به من المعجز من عرش ملكة اليمن، و كان سليمان يومئذ ببیت المقدس فقال وصيّه:
«أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك»(1) و ارتداد الطرف مالا يتوهّم فيه ذهاب زمان ولا قطع مسافة ، و كان بين بيت المقدس و الموضع الذي فيه عرشها باليمن مسيرة خمسمائة فرسخ ذاهياً و خمسمائة راجعاً ، فأتاه به وصيّه من هذه المسافة قبل ارتداد الطرف ، فلو فعله سليمان أكان معجزاً [ل] فلمّا أراد أن يدل أهل زمانه على وصيّه و من يقوم مقامه بعده، قام به وصيّه [باذن الله] وهذا أقوى من النص .
وهذا كما ذكر الله في معجزات الأنبياء: من طوفان نوح وسفينته و ناقة صالح وفصيلها وشر بهم و شر بها
ونار إبراهيم، و أضيافه، وإحياء الله تعالى الطيور الأربعة الّتي ذبحها و فرقها على الجبال ، ثمّ كانت (تأتيه سعياً)(2) و تسخير الله الريح لسليمان و إلانة الحديد لأبيه(3) وتعليمه منطق الطير والنمل وعصا موسی و انقلابها حيّة ، و اليد البيضاء من غير سوء ، و آياته المذكورة في القرآن(4) من الطوفان و الجراد والقمّل والضفادع والدم و الرجز ونتوق الجبل فوقهم، و انفلاق البحر لقومه، والمن والسّلوى [و التيه] و العيون الجارية من الحجرئ والغمام المظل و نحو ذلك .
ص: 20
وما أخبر الله به عن عيسى من كلامه في المهد ، وإحياء الموتى، وإبراء الاكمه والابرص، و جعل الله الطين طيرأ، وما شاكل ذلك.
وكذلك ما أخبر الله تعالی به عن محمّد من شقّ القمر، و الاسراء إلى بيت المقدس ، والمعراج ، وما نقله عنه المسلمون من الآيات والدلائل و المعجزات كلّ ذلك قد شوهد، وعليه الاجماع .
وكذلك ما رواه الشيعة الاماميّة خاصّة في معجزات أئمّتهم المعصومين صحيح، لاجماعهم عليه ، و إجماعهم حجّة، لانّ فيهم(1) حجّة.
وقد جمعت بعون الله سبحانه من ذلك جماية لا تكاد توجد مجموعة في كتاب [واحد] ليستأنس بها الناظر ون، و ينتفع بها المؤمنون وسميته ب « كتاب الخرائج و الجرائح »
لانّ معجزاتهم الّتي خرجت على أيديهم مصحّحة لدعاويهم، لانّها تكسب المدّعي - ومن ظهرت على يده - صدق قوله.
والمعجز في العرف : ما له حظّ في الدلالة على صدق من ظهر على يده .
وجعلته على عشرين باباً :
[منها ثلاثة عشر باباً في معجزات النبي محمد صلی الله علیه و آله و سلم والاثني عشر اماماً ]:
الباب الأوّل : في معجزات رسول الله محمّد صلی الله علیه و آله و سلم .
الباب الثاني : في معجزات أمير المؤمنين علي علیه السلام.
الباب الثالث : في معجزات الحسن بن علي علیه السلام.
الباب الرابع: في معجزات الحسين بن علي علیه السلام.
الباب الخامس : في معجزات الامام علي بن الحسین زین العابدين علیه السلام.
الباب السادس : في معجزات الامام محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام.
ص: 21
الباب السابع : في معجزات الامام جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام.
الباب الثامن: في معجزات الامام موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام.
الباب التاسع : في معجزات الامام عليّ بن موسی الرضا علیه السلام.
الباب العاشر : في معجزات الامام محمّد بن عليّ التقي علیه السلام.
الباب الحادي عشر : في معجزات الامام عليّ بن محمّد النقي علیه السلام.
الباب الثاني عشر : في معجزات الامام الحسن بن عليّ الزكيّ العسكري علیه السلام.
الباب الثالث عشر : في معجزات صاحب الزمان مهدي آل محمّد علیه السلام.
[و السبعة الاخرى] :(1)
الباب الرابع عشر: في أعلام النبيّ والأئمّة علیهم السلام :
ويشتمل على أربعة عشر فصلا لكلّ واحد منها فصلا.
الباب الخامس عشر: في الدلائل على إمامة الاثني عشر
من الآيات الباهرات لهم .
الباب السادس عشر: في نوادر المعجزات لهم.
الباب السابع عشر: في موازاة معجزات نبيّنا صلی الله علیه وآله وسلم و أوصيائه علیهم السلام معجزات الأنبياء المتقدمين علیهم السلام.
الباب الثامن عشر: في أم المعجزات (وهي المعجز الباقي الّذي هو)(2) القرآن المجيد
الباب التاسع عشر: في الفرق بين الحيل وبين المعجزات والفصل بين المكر والاعجاز
الباب العشرون : في العلامات و المراتب الخارقة للعادات لهم
ص: 22
روي عن الصادق علیه السلام أنه قال :
لمّا ولد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عظمت قريش في العرب، وسمّوا أهل الله.
وكان إبليس يخرق السماوات السبع، فلمّا ولدعيسی علیه السلام حجب عن ثلاث سماوات وكان يخرق أربع سماوات، فلمّا ولدرسول الله [في] عام الفيل في [شهر] ربيع الأوّل حين طلع(1) الفجر ، حجب عن السبع كلها، و رميت الشياطين بالنجوم للمرجوم.
ثمّ توفي أبوه بالمدينة عند أخواله و هو ابن شهرين ، و دفعه عبدالمطلب إلى الحارث بن عبدالعزّی بن رفاعة السعدي(2) ، وهو زوج حليمة الّتي أرضعته، وهي بنت أبي ذؤيب الشاعر(3) ، وماتت أمّه وهو ابن أربع سنين ، ومات عبدالمطلب وله نحو من ثمان سنين، و كفّله أبو طالب [عمّه].
ص: 23
إعلم أنّ معجزاته عليه و آله السلام على أقسام :
منها ما انتشر نقله وثبت وجوده عامّا في كلّ زمان و مكان حين ظهوره کا لقرآن الّذي بين أيدينا ، نتلوه ونسمعه و نكتبه ونحفظه ، لا يمكن [لأحد] جحده ، إنّه هو الّذي أتى به نبيّنا [محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم ]، و إنّما دخلت الشبهة على قوم لم ينكشف لهم وجه إعجازه ، وقد كشفنا ذلك ببيان قريب في كتاب مفرد .
والقسم الثاني على أقسام : منها : مارواه المسلمون وأجمعوا على نقله ، و كان اختصاصهم بنقله ، لأنهم كانوا هم المشاهدين لذلك(1) وظهرت بين أيديهم في سفر كانوا هم المصاحبين له، أو في حضر لم يحضره غيرهم ، فلذلك انفردوا بنفلها وهم الجماعة الكثيرة الّتي لا يجوز على مثلها نقل الكذب بما لا أصل له .
والثاني من هذه الاقسام ، ما شاهده بعض المسلمين فنقلوه إلى حضرة جماعتهم و كان المعصوم وراءه ، فلم يوجد منهم إنكار لذلك ، فاستدلّ بتركهم النكير عليهم على صدقهم، لأنهم على كثرتهم لا يجوز عليهم السكوت على باطل، ومنكر يسمعونه فلاینکر ونه ، ولا منع ، كما لا يجوز أن ينقلوا كذباً و لا رغبة و لارهبة هناك تحملهم على النقل و التصديق .
ومنها: ماظهر في وقته صلوات الله عليه قبل مبعثه تأسيساً لأمره .
ومنها : ما ظهر على أيدي سراياه في البلدان البعيدة، إبانة أصدقهم في ادّعائهم بنبوّته، لأنهم ممّن لا تظهر منهم(2) المعجزات، إذ لم يكونوا من أوصيائه، فيعلم بذلك تصديقه في دعواهم له .
ومنها: ما وجدت في كتب الانبياء قبله من تصديقه ووصفه بصفاته، وإظهار علاماته
ص: 24
والدلالة على وقته ومكانه و ولادته، وأحوال آبائه وأمّهاته .
ومن معجزاته أيضاً: أخلاقه و معاملاته وسيرته و أحواله الخارقة للعادة .
ومن معجزاته أيضاً : شرائعه الّتي لا تزداد على طول البحث عنها ، والنطق فيها إلاّ حسناً و ترتیباً و إتقاناً وصحة، واتساقاً و لطفاً .
ونذكر أولا:
معجزاته الموجزة الّتي ظهرت عليه في حياته، وتلك على أنحاء و مراتب :
فمنها : ما ظهرت عليه قبل مبعثه المتأنيس والتمهيد والتأسيس.
ومنها: ما ظهرت عليه بعد مبعثه لاقامة الحجّة بها على الخلق.
ومنها: ماظهر من دعواته المستجابة .
ومنها : ما ظهر من إخباره عن الغائبات فوجد كلّها صدقاً .
ومنها: ما أخبر به ثم ظهر بعد وفاته صلی الله علیه و آله و سلّم.
1- فمن معجزاته خبر منتشر في مؤمن العرب و کافرها، يتقاولون فيه الأشعار ويتفاوضونه في الديار : أمر سراقة بن مالك بن جعشم، قد تبعه متوجهاً إلى المدينة ملتمساً غرّته ليحظى به عند قريش ، فأمهله الله حتى أيقن أنه قدظفر ببغيته ، لايمتری لقوّ ته، خسف الله به الأرض فساخت قوائم فرسه وهو بمو ضع صلب كأنه ظهر صفوان فعلم أن الذي أصابه أمر سماوي، فناداه : يا محمد.
فأجابه آخذاً بالفضل علیه و رحمة لعباد الله، وقد قال له : أدع ربك يطلق فرسي وذمة الله علي أن لاأدلّ عليك، بل أدفع عنك .
فدعا له ، فوثب جواده كأنّه أفلت من أنشوطة(1) . و كان رجلا داهية ، وعلم بما
ص: 25
رأى أن سيكون له نبأ، فقال له: أكتب لي أماناً. و لو عقل لتنبّه فأسلم .(1).
2- ومنها : ما انتشر خبره أنّ أبا جهل اشتری من رجل طاريء(2) من العرب علیمكّة إبلا ، فبخسه حقه و ثمنه، فأتى نادي قريش فذكّرهم حرمة البيت ، فأحالوه على محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم استهزاءاً به لقلة منعته(3) عندهم ، فأتی محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم فمضى معه ، ودقّ على أبي جهل الباب ، فخرج متخوّف القلب، وقال أهلا يا أبا القاسم - قول الذليل -.
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : أعط هذا الرجل حقه. فأعطاه في الحال ، فعيّره قومه ، فقال : رأيت ما لم تروا، رأيت فالجاً(4) لو أبيت لابتلعني . فعلموا أنّه صدق بما أخبرهم، لبغضه له .(5)
3- و منها : أنّ أبا جهل دلب غرّته، فلما رآه ساجدأ أخذ صخرة ليطرحها عليه فألصقها الله بكفه ، فلما عرف أن لانجاة إلاّ بمحمّد صلی الله علیه و آله و سلّم سأله أن يدعو ربّه.فدعا الله ، فأطلق يده ، وطرح صخرته .(6).
4- و منها : أنّه بهرت عقولهم لما أخبرهم من إسراء الله بنه من مكة إلى المسجد الأقصى بالشام . فبات معهم أول الليل ، ثم اخترق الشام ، فبلغ من بيت المقدس سدرة المنتهى ، ورجع من ليلته .
و أنكره المشركون فامتحنوه بوسع طاقتهم، فخبّرهم عنه عياناً بمجيء عير هم و بالبعير الذي يتقدّم، عليه غرارتان.
وأمر البعير أعجب العلامات لأنه أخبرهم قبل مجيئهم ، ولو كان يخبرهم عن
ص: 26
غير اللّه لم يدر، لعلّه أن يتقدّم بعير آخر، فيجيء الأمر بخلاف ما أخبر(1) .
5- و منها : ما هو مشهور أنّه خرج في متوجّهه إلى المدينة، فآوى إلى غار بقرب مكة يعتوره ، ويأوي إليه الرعاء ، قلّ ما يخلو من جماعة نازلين يستريحون فيه فأقام به علیه السلام ثلاثاً لايطوره(2) بشرّ وخرج القوم في أثره، فصدّ هم الله عنه بأن بعث عنكبوتاً فنسجت عليه ، فآيسهم من الطلب فيه ، فانصرفوا، وهو نصب أعينهم .(3).
6- و منها : أنّه مرّ بامرأة يقال لها «أمّ معبد» لها شرف في قومها ، نزل بها فاعتذرت بأنّه ما عندها إلاعنز لم تر لها قطرة لبن منذ سنة [ للجدب ](4) فمسح ضرعهاوروّ اهم من لبنها، و أبقى لهم لبنها وخيراً كثيراً، ثم أسلم أهلها لذلك .(5).
7- و منها : أنه أتى إمرأة من العرب يقال لها «أمّ شريك» فاجتهدت في قرائه وإكرامه، فأخرجت عكّة لها فيها بقایا سمن، فالتمست فيها فلم تجد شيئاً فأخذها وحرّكها بيده فامتلات سمناً عذباً، وهي تعالجها قبل ذلك لا يخرج منها شيء، فأروت القوم منها وأبقت فضلا عندها كافياً ، وبقّى لها النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم شرفاً يتوارثه الأعقاب، وأمر أن لا يسدّ رأس العكة .(6).
8- و منها : أنّه مرّ بشجرة(7) غليظة الشوك، متقنة الفروع ثابتة الأصل، فدعاها فأقبلت تخدّ الأرض إليه طوعاً ، ثم أذن لها فرجعت إلى مكانها .
ص: 27
فأيّ آية أبين و أوضح من موات يقبل مطيعاً لأمره مقبلا و مدبراً.(1)
9 - و منها : أنّه في غزوة الطائف مرّ في كثير طلح ، فمشي وهو وسن(2) من النوم فاعترضته سدرة، فانفرجت السدرة نصفين، فمرّ بين نصفيها، و بقيت السدرة منفردة على ساقين إلى زماننا هذا . و هي معروفة بذلك البلد ، مشهورة يعظمها أهله وغيرهم ممن عرف شأنها لأجله . وتسمّى «سدرة النبيّ».
وإذا انتجع الأعراب الغيث عضدوا منه(3) ما أمكنهم، وعلّقوه على إبلهم و أغنامهم ويقلعون شجر هذا الوادي ولا ينالون هذه السدرة ( بقطع ولاشيء من المكروه )(4) معرفة بشأنها وتعظيماً لحالها ، فصارت له آية بينة وحجة باقية هناك .(5).
10- و منها : أنّه كان في مسجده جذع، كان إذا خطب فتعب(6) أسند إليه ظهره فلمّا اتّخذ له منبر حنّ الجذع ، فدعاه، فأقبل يخدّ الأرض ، و الناس حوله ينظرون إليه ، فالتزمه و كلّمه فسكن [ثم] قال له : عد إلى مكانك. وهم يسمعون. فمرّ حتّى صار في مكانه، فازداد المؤمنون يقيناً و في دينهم بصیر تو [ كان] هنالك المنافقون و قد نقلوه و لكن الهوى يميت القلوب .(7)
11- و منها : أنّه انتهى إلى نخلتين و بينهما فجوة من الأرض فقال لهما: انضمّا
ص: 28
- وأصحابه حضور- فأقبلتا تخدّ ان الأرض حتّى انضمّتا.(1)
فأيّ حجّة أوضح ؟ و أيّ عبرة أبين من هذه ؟ فأيّ شبهة تدخل هاهنا ؟!
12- و منها : أنّ رجلا كان في غنمه يرعاها فأغفلها سويعة من نهاره ، فأخذالذئب منها شاة ، فجعل يتلهّف و يتعجّب ، فطرح الذئب الشاة و كلّمه بكلام فصيح: أنتم أعجب، هذا محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم يدعو إلى الحقّ ببطن مكة وأنتم عنه لاهون فأبصر الرجل رشده ، وأقبل حتّى أسلم ، وحدّث القوم بقصّته و [كان] أولاده يفتخرون على العرب بذلك ، فيقول أحدهم: أنا ابن مكلّم الذئب .(2).
13- و منها : أنّه أتي بشاة مسمومة أهدتها له إمرأة يهودية ومعه أصحابه، فوضع يده ثم قال : إرفعوا أيديكم فانّها تخبرني أنّها مسمومة .(3)
ولو كان ذلك لعلّة الارتياب باليهودية ما قبلها بدئاً ، ولا جمع لها أصحابه ، ولا استجاز تركهم أكلها .
14- و منها : أنّ أصحابه يوم الأحزاب صاروا بمعرض العطب لفناء الأزواد فهيّأ رجل قوت رجل أورجلين - لا أكثر من ذلك - ودعا النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فانقلب القوم وهم الوف معه ، فدخل، فقال :
غطّوا إناء كم فغطّوه ، ثمّ دعا و برّك عليه فأكلوا جميعاً وشبعوا، والطعام بهيئته .(4).
ص: 29
15- و منها : أنّهم شكوا إليه في غزوة تبوك نفاد أزوادهم ، فدعا بزاد لهم فلم يوجد إلاّ بضع عشرة تمرة ، فطرحت بين يديه فمسّها بيده ودعاربه ، ثم صاح بالناس فانحفلوا(1) وقال: كلوا بسم الله. فأكل القوم فصاروا كأشبع ما كانوا ، وملاوا مزاودهم وأوعيتهم ، والتمرات بحالها كبھيئتها يرونها عياناً ، لاشبهة فيه .(2)
16- و منها : أنّه ورد في غزاته هذه على ماء قليل لايبل حلق واحد من القوم وهم عطاش ، فشكوا ذلك إليه، فأخذ سهماً من كنانته فأمر بغرزه في أسفل الركي-فاذا غرزوا - ففار الماء إلى أعلى الركي فارتو وا للمقام و استقوا الضعن ، وهم ثلاثون ألفاً ورجال من المنافقین حضور متحیّرین .(3)
17- و منها : أنّهم كانوا معه في سفر فشكوا إليه أن لا ماء معهم ، وأنّهم بسبيل هلاك ، فقال «كلاّ إنّ معي ربّي عليه توكلّي ، وإليه مفزعي » ثم دعا بر کوة فيها ماء فطلب فلم يوجد إلافضلة في الركوة، وما كانت تروي رجلا، فوضع كفّه فيه، فنبع الماء من بين أصابعه يجري، وصيح في الناس، فسقوا، و أسقوا، فشربوا حتى نهلوا و علّوا وهم ألوف، وهو يقول: إشهدوا أني رسول الله حقاً .(4)
18- ومنها : أنّ قوماً شكوا إليه ملوحة مائهم ، فأشرف على بئرهم ، وتفل فيها و كانت مع ملوحتها غائرة، فانفجرت بالماء العذب، فها هي يتوارثها أهلها يعدّونها
ص: 30
أعظم مكارمهم .(1).
و كان ممّا أكدّ الله صدقه أن قوم مسيلمة لمّا بلغهم ذلك سألوه مثلها، فأتي بئراً فتفل فيها، فعاد ماؤها ملحاً أجاجاً كبول الحمار، فهي بحالها إلى اليوم معروفة الأهلوالمكان .(2).
19- ومنها: أنّ إمراة أتته بصبي لها ترجو برکته بأن يمسّه ويدعو له و كان برأسه عاهة فرحمها، و الرحمة صفته صلی الله علیه و آله و سلّم فمسح يده على رأسه فاستوى شعره، و بریء داؤه. فبلغ ذلك أهل اليمامة، فأتوا مسيلمة بصبي لامرأة فمسح رأسه، فصلع، وبقي نسله إلى يومنا هذا صلعاً .(3).
20- ومنها: أنّ قوماً من عبد القيس أتوه بغنم لهم فسألوه أن يجعل لهم علامة يعرفونها بها، فغمز بيده في أصول آذانها، فابيضّت، فهي إلى اليوم معروفة النسل .(4)
21-ومنها : أن أهل المدينة مطر وا مطراً عظيماً، فخافوا الغرق، فشكوا إليه فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : اللهّم حوالينا، ولا علينا. فانجابت السحاب عن المدينة على هيئة الا كليل لا تمطر في المدينة و تمطر حواليها ، فعاین مؤمنهم وكافرهم أمراً لم يعاينوا مثله .(5)
ص: 31
22- ومنها: أنّ قوماً من العرب اجتمعوا عند صنم لهم ففاجأهم صوت من جوفه ويناديهم بكلام فصيح: [ أتاكم محمّد بدعوكم إلى الحقّ ].
فانجفلوا مسرعين(1) وذلك حين بعث علیه السلام، فأسلم أكثر من حضر .(2).
23- و منها : أنّه لاقى(3) أعداءه يوم بدر و هم ألف و هو في عصابة كثلث أعدائه ، فلمّا التحمت الحرب أخذ قبضة من تراب - و القوم متفرّقون في نواحي عسکره - فرمی به وجوههم فلم يبق منهم رجل إلا امتلات منه عيناه ، و إن كانت الريح العاصف يومها إلى الليل لتقصف(4) بأعاصير التراب لايصيب أحداً مثله.(5).
وقد نطق به القرآن ، وصدّق به المؤمنون ، وشاهد الكفّار ما نالهم منه [وحدّثوا به ] و ليس في قوى أحد من العالمين أن يرمي قوماً بينه و بينهم مائتا ذراع و أكثر وهم كثير متفرّقون ، طرفاهم متباعدان ، والتراب ملء كفه فعلم أنّ فاعل ذلك هو الله تعالی .(6).
24- و منها : أنّه كان في سفرين من أسفاره قبل البعثة معروفين مذكورين عند عشيرته ، وغيرهم ، لا يدفعون حديثهما ، ولا ينكرون ذکر هما فكانت سحابة أظلّت عليه حين يمشي، تدور معه حيثما دار، وتزول حيث زال، یر اها رفقاؤه ومعاشروه .(7).
25- و منها : أنّ ناقته افتقدت فأرجف المنافقون ، فقالوا: يخبرنا بأسرار السماء ولا يدري أين ناقته . فسمع صلی الله علیه و آله و سلّم ذلك فقال :إنّي وإن أخبركم بلطائف السماء(8) لكنّي لاأعلم من ذلك إلاّ ما علّمني اللّه فلما وسوس إليهم الشيطان بذلك دلّهم على حالها ، و وصف لهم الشجرة التي
ص: 32
هي متعلّقة بها ، فأتوها فوجدوها على ماوصف قد تعلّق خطامها بشجرة أشار إليها .(1).
26- و منها : أنّ القمر قد انشقّ وهو بمكة أوّل مبعثه ، يراه أهل الأرض طرّاً فتلا به عليهم قر آناً ، فما أنكروا عليه ذلك ، و كان ما أخبر هم به من الأمر الذي لا يخفى أثره ، ولا يندرس ذكره .
وقول بعض الناس : «لم يروه ولم يره إلا واحد» خطأ ، بل شهرته أغنت عن نقله على أنّه لم يره إلاّ واحد كان أعجب .
وروى ذلك خمسة نفر:
ابن مسعود وابن عبّاس، و ابن جبير، و ابن مطعم عن أبيه، وحذيفة وغيرهم(2).(3).
27- ومنها: أنّ من كان بحضرته من المنافقين كانوا لا يكونون في شيء من ذكره إلاّ أطلعه الله عليه وبيّنه فيخبرهم به، حتى كان بعضهم يقول لصاحبه: أسكت و كفّ فوالله لو لم يكن عندنا إلاّ الحجارة لأخبرته حجارة البطحاء . ولم يكن ذلك منه ولا منهم مرّة، بل يكثر ذلك من أن يحصي عدده حتى يظّن ظانّ أنّ ذلك كان بالظن و بالتخمين، كيف وهو يخبرهم بما قالوا على ما لفظوا، ويخبرهم عمّا في ضمائرهم فكلمّا ضو عفت عليهم الآیات ازدادوا عمي لعنادهم .(4).
28- ومنها: أنّ سلمان أتاه فأخبره أنّه قد كاتب مو اليه على كذا وكذا ودية - وهي صغار النخل - كلّها تعلق، و كان العلوق أمراً غير مضمون عند العاملين على ما جرت به عادتهم لولا ماعلم من تأييد الله لنبيّه، فأمر سلمان بضمان ذلك لهم فجمعها لهم .
ص: 33
ثم قام علیه السلام فغرسها بيده ، فما سقطت منها واحدة، و بقيت علماً معجزاً یستشفي بثمر تھا(1) و ترجی بر کاتها و أعطاه تبرة(2) من ذهب كبيضة الدّيك .
فقال : اذهب بها و أوف بها أصحابك الديون .
فقال - متعجباً مستقلا لها- : أين تقع هذه ممّا عليّ؟ فأدارها على لسانه ثم أعطاها إيّاه - إنما هي قد كانت في هيئتها الاولى ووزنها لاتفي بربع حقّهم -فذهب بها وأوفى القوم منها حقوقهم .(3)
29- ومنها: أنّ الاخبار تواترت و اعترف بها الكافر والمؤمن بخاتم النبّوة الّذي بين كتفيه عليه شعرات متراكمة، تقدمت بها الأنبياء قبل مولده بالزمن الطويل فوافق ذلك ما أخبروا عنه في صفته .(4).
30- و منها : أنّ أحد أصحابه(5) أصيب باحدى عينيه في إحدى مغازيه، فسالت حتى وقعت على خدّه ، فأتاه مستغيثاً به.
ص: 34
فأخذها، فردّها مكانها، و كانت أحسن عينيه منظراً، وأحدّهما بصراً .(1).
31- و منها : أنّه أتی يهود النضير مع جماعة من أصحابه فاندس(2) له رجل منهم ولم يخبر أحداً ، ولم يؤامر(3) بشراً إلاّ ما أضمره عليه ، و هو يريد أن يطرح عليه صخرة ، و كان قاعداً في ظلّ اطم(4) من آطامهم ، فنذرته صلی الله علیه و آله و سلّم نذارة اللّه .
فقام راجعاً إلى المدينة، وأنبأ القوم بما أراد صاحبهم ، فسألوه فصدقهم وصدّقوه و بعث الله على الّذي أراد كيده أمسّ الخلق به رحماً، فقتله.
فنفله رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم بماله كلّه .(5)
32- و منها: أنّ ابن «ملاعب الأسنة»(6) كان ببطنه استسقاء(7) فبعث إليه يستشفيه
ص: 35
فأخذ صلی الله علیه و آله و سلّم بيده جثوة(1) من الأرض، فتفل عليها ثم أعطاها رسوله . فأخذها متعجبّاً يرى أنّه قد هزأ به، فأتاه بها وإذا هو بشفا هلاك، فشربها فاطلق من مرضه وغسل عنه داؤه .(2).
33- و منها : أنّ امرأة من اليهود عملت له سحراً، وظنّت أنّه ينفد فيه کيدها والسحر باطل محال ، إلاّ أنّ الله دلّه عليه ، فبعث من استخر جه ، و كان على الصفة التي ذكرها ، وعلى عدد العقد التي عقد فيها ، و وصف ما لو عاينه معاین لغفل عن بعض ذلك .(3).
34- و منها : أنّه كان على جبل حرّاء فتحرّك الجبل ، فقال له النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم :اسكن فما عليك إلا نبي أووصي . و كان معه علىّ ، [فسكن] .(4).
35- و منها : أنّه انصرف ليلة من العشاء فاضاءت له برقة، فنظر إلى قتادة بن النعمان(5) ، فعرفه ، و كانت ليلة مطيرة، فقال: يا نبيّ الله أحببت أن أصلّي معك .
فأعطاه عرجوناً(6) ، و قال : خذ هذا فانّه سيضيء لك أمامك عشراً ، فاذا أتيت بيتك فانّ الشيطان قد خلفك، فانظر إلى الزاوية على يسارك حين تدخل، فأعله بسيفك .
ص: 36
فدخلت، فنظرت حيث قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم . فاذا أنا بسواد، فلموته بسیفي.
فقال : أهلي : ماذا تصنع ؟.
وفيه معجزتان : أحادهما اضاءة العرجون بلانار جعلت في رأسه.
والثانية : خبره عن الجنّي على ما كان .(1).
26- و منها : أنّ جارية كان يقال لها «زائدة»(2) كثيراً [ما] كانت تأتي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم . فأنته ليلة وقالت : عجنت عجيناً لأهلي ، فخرجت أحتطب ، فرأیت فارساً لم أر أحسن منه ، فقال [لي] : كيف محمّد ؟ قلت : بخير، ينذر النّاس بأيام(3) الله .
فقال: إذا أتيت محمّداً فأقرئيه السلام وقولي [له]: إنّ رضوان خازن الجنّة يقول:
إنّ الله قسّم الجنّة لامتّك أثلاثاً : فثلث يدخلون الجنّة بغير حساب ، و ثلث يحاسبون حساباً يسيراً ، وثلث تشفع لهم فتشفّع فيهم .
قالت : فمضى ، فأخذت الحطب أحمله، فثقل عليّ ، فالتفت و نظر إلىّ وقال : ثقل عليك حطبك ؟ فقلت : نعم . فأخذ قضيباً أحمر كان في يده فغمز الحطب ثم نظر فاذا هو بصد خرة ناتئة(4) فقال : أيّتها الصخرة احملي الحطب معها .
فقالت : يا رسول الله فانّي رأيتها تدكدك(5) حنّی رجعت، فألقت الحطب
ص: 37
و انصرفت .(1).
37- و منها : أنّه أتاه رجل من جهينة يتقطّع من الجذام، فشكا إليه فأخذ قدحاً من الماء فتفل فيه ، ثم قال : امسح به جسدك .ففعل، فبرأ حتى لايوجد منه شيء.(2)
38- و منها : مارواه أبو سعيد الخدري: إنّ عمير الطائي كان يرعي بالحرّة غنماً له إذ جاء ذئب إلى شاة من غنمه ، فانتهزها(3)، فحال بين الذئب و الشاة أذ أقعی(4) الذئب على ذنبه ، فقال ألا تتّقي الله، تحول بيني و بين رزق ساقه الله إليّ. فقال الراعي: العجب من الذئب يكلّمني .
فقال الذئب : أعجب من هذا رسول الله بين الحرّ تين يحدّث النّاس بأنباء ماقد سبق .
فأخذ الراعي الشاة فأتي بها المدينة، ثمّ أتى النبيّ فأخبره، فخرج النبي إلى الناس فقال الراعي: قم فحدّثهم . فقام فحدّثهم . فقال النبيّ : صدق الراعي .(5)
ص: 38
39- ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم كان في سفر ، إذ جاء بعير فضرب الأرض بجرانه(1) ثم بکی حتّی ابتلّ ما حوله من دموعه ، فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : هل تدرون مايقول ؟ إنّه يزعم أنّ صاحبه يريد نحره غداً . فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم لصاحبه :
تبيعه ؟ قال : مالي مال أحبّ إليّ منه . فاستوصی به خيراً.(2).
40- ومنها : أنّ ثوراً أخذ ليذبح [ فتكلّم ] فقال : رجل يصيح ، لأمر نجيح بلسان فصيح، بأعلى مكتة « لاإله إلا الله » ، فخلى عنه .(3).
41- ومنها : ما روت أمّ سلمة رضي الله عنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم كان يمشي في الصحراء فناداه مناد: يارسول الله فاذا هي ظبية [موثقة ] قال: ما حاجتك ؟ قالت: هذا الأعرابي صادني ولي خشفان(4) في ذلك الجبل، فاطلقني حتى أذهب وأرضعهما فأرجع قال: وتفعلين ؟ قالت: نعم [فان لم أفعل عذّبني الله عذاب العشار].(5).
فأطلقها فذهبت [فأرضعت خشفيها](6) ثم رجعت فأوثقها، فأتاه الأعرابي ، فأخبره النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بحالها، فأطلقها، فعدت تقول : أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله .(7)
42 - ومنها : أنّ رجلا جاء إلى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فقال : إنّي قدمت من سفر لي فبينا بنيّة خماسيّة تدرج حولي في صبغها و حليها ، أخذت بيدها فانطلقت إلى وادي كذا و طرحتها فيه . فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : انطلق معي فأرني الوادي . فانطلق مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى الوادي فقال لأبيها(8) : ما اسمها ؟ قال : فلانة . فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : أجيبي(9) یا فلانة
ص: 39
باذن اللّه . فخرجت الصبيّة تقول : لبيّك يا رسول اللّه وسعديك .
قال : إنّ أبويك قد أسلما(1) ، فان أحببت أردّك عليهما .
قالت : لا حاجة لي فيهما ، وجدت الله خيراً لي منهما .(2)
43- ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم كان في أصحابه إذ جاء أعرابي و معه ضبّ [قد] صاده ، و جعله في كمّه ، قال : من هذا ؟ قالوا : [ هذا] النبيّ .
فقال : و الّلات والعزّى ما أحد أبغض إلي منك ، و لولا أن يسمّيني قومي عجولا، لعجّلت عليك، فقتلناك .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : ما حملك على ما قلت ؟ آمن [بي].(3) قال : لا أؤمن أويؤمن بك هذا الضبّ . فطرحه . فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : یا ضب .
فأجابه الضب بلسان عربي يسمعه القوم : لبّيك وسعديك ، يازين من وافي القيامة .
قال : من تعبد ؟ قال : الّذي في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي البحر سبيله ، وفي الجنّة رحمته ، وفي النار عنّابه .
قال : فمن أنا يا ضبّ ؟ قال :
رسول ربّ العالمين ، وخاتم النبيّين ، قد أفلح من صدّقك ، وخاب من كذّبك .
قال الأعرابي : لا أتبع أثراً بعد عين ، لقد جئتك وما على وجه الأرض أحد أبغض إليّ منك ، فانّك الآن أحب إلي من نفسي، و والدي(4) أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّك رسول الله . فرجع إلى قومه - و كان من بني سليم - فأخبرهم بالقضيّة
ص: 40
و آمن ألف إنسان منهم .(1)
44- ومنها : ما روى أنس قال: خرجت مع النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم إلى السوق ومعي عشرة دراهم، وأراد صلی الله علیه و آله و سلّم أن يشتري عباءة ، فرأى جارية تبكي، وتقول: سقط منّي درهمان [في زحام السوق] ولا أجسر أن أرجع إلى مولاي.
فقال [لي] صلی الله علیه و آله و سلّم : أعطها در همین. فأعطيتها ، فلمّا اشتري عباءة ، بعشرة دراهم فوقفت [علی](2) ما بقي [معي]، فاذا هي عشرة كاملة .(3).
45- وروى أنس : أن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم دخل حائطاً للانصار وفيه غنم فسجدت له فقال أبو بكر: نحن أحقّ بالسجود لك من هذه الغنم .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : إنّه لا ينبغي(4) أن يسجد أحد لأحد، ولو كان ينبغي أن يسجد أحد لأحد(5) لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها .(6)
46- ومنها : أنّ عبد الله بن أبي أو في قال : بينما نحن قعود عند النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم إذ أتاه آت فقال : ناضح(7) آل فلان قدند(8)
ص: 41
عليهم. فنهض ونهضنا معه فقلنا : لاتقربه فانّا نخافه عليك .
فدنا من البعير ، فلما رآه سجد له ، ثمّ وضع يده على رأس البعير فتال : هات الشكال(1) . فوضعه في رأسه ، وأوصاهم به خيراً .(2).
47- ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بعث بر جل يقال له: «سفينة»(3) بكتاب إلى معاذ(4) و هو باليمن ، فلمّا صار في بعض الطريق إذا هو بأسد رابض في الطريق ، فخاف أن يجوز، فقال: أيّها الأسد إنّي رسول رسول الله إلى معاذ ، وهذا كتابه إليه.
ص: 42
فهرول قدّ امه غلوة(1) ثمّ تنحّى عن الطريق .
فلمّا رجع بجواب الكتاب، فاذا بالسبع في الطريق ففعل مثل ذلك ، فلمّا قدم على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم أخبره بذلك ، فقال : ما تدري ما قال في المرّة الأولى ؟
قال : كيف رسول الله ؟ وفي الثانية قال : إقرأ رسول الله السلام .(2)
48- ومنها : أنّ أعرابياً بدويّاً يمانيّاً أتى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم على ناقة حمراء، فلمّاقضي تحيّته قالوا : إنّ الناقة التي تحت الأعرابي سرقة . قال : ألكم بيّنة ؟ قالوا : نعم قال : يا علي خذ حق الله من الأعرابي إن قامت عليه البيّنة - فأطرق الأعرابي ساعة - ثمّ قال : قم يا أعرابي لأمر الله ، وإلاّ فأدل بحجّتك . فقالت الناقة :
والذي بعثك (بالحقّ نبيّاً ، یا رسول الله)(3) إنّ هذا ما سرقني ولا ملكني أحد سواه فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : يا أعرابي ما الّذي أنطقها بعذرك ؟ وما الذي قلت؟ قال : قلت : اللّهم إنّك لست بربّ استحدثناك ، ولا معك إله أعانك على خلقنا ولامعك ربّ فیشر كك في ربو بيّتك . أنت ربّنا كما تقول، وفوق ما يقول القائلون أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد ، وأن تبرئني ببراءتي فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : والذي بعثني بالحقّ [نبيّاً] لقد رأيت الملائكة يبتدرون[أفواه] الأزقّة يكتبون مقالتك ، ألا من نزل به مثل ما نزل بك فليقل مثل مقالتك ، وليكثر
ص: 43
الصلاة عليّ [فينقذه الله تعالی] .(1)
49- ومنها : أنّه لمّا فتح خیبر أصابه من سهمه حمار أسود ، فكلّم النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم الحمار وكلمّه الحمار ، فقال ما اسمك ؟ فقال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدّي ستين حماراً ، کلّها لم يركبه إلاّ نبيّ ، ولم يبق من نسل جدّي غيري، ولامن الأنبياء غيرك، قد كنت أتوقّعك لتركبني، و كنت ليهودي يجيع بطني، و يضرب ظهري. فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : سمّيتك يعفور ، تشتهي الاناث ؟ قال : لا. وكان مركبه إلى أن مضى ، فجاء بعد موته إلى بئر لأبي الهيثم ابن التيهان(2) فتردّى فيها - فصار قبره - جزعاً عليه صلی الله علیه و آله و سلّم .(3).
50- ومنها : أنّ سلمة بن الأكوع(4) أصابه ضربة في يوم خيبر، فأتى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم
ص: 44
فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكاها حتّى الممات .
وأصاب عين قتادة بن النعمان ضربة أخرجتها ، فردّها النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم إلى موضعها فكانت أحسن عينيه .(1).
51- ومنها : أنّ جبرئيل أتاه فر آہ حزيناً ، فقال : مالك ؟ قال : فعل بي الكفّار كذا و كذا . قال جبرئيل : فتحب أن اريك آية ؟ قال : نعم .
فنظر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى شجرة من وراء الوادي .
فقال : ادع تلك الشجرة. فدعاها النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فجاءت حتى قامت بين يديه .
قال : مرها فلترجع . فرجعت ، فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : حسبي .(2).
52- ومنها : أنّه كان صلی الله علیه و آله و سلّم في سفر فأقيل أعرابي إلى رسول الله ، فقال صلی الله علیه و آله و سلّم :هل أدلّك إلى خير ؟ قال : ما هو ؟ قال : تشهد أن لا إله إلاّ الله ، و أنّ محمّداً عبده و رسوله .
قال الأعرابي : هل من شاهد ؟ قال : هذه الشجرة . فدعاها النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فأقبلتتخدّ الأرض ، فقامت بين يديه فاستشهدها ، فشهدت كما قال ، ورجعت إلى منبتها .
ورجع الأعرابي إلى قومه و قد أسلم، فقال: إن يتّبعوني أتيتك بهم ، وإلاّ رجعت إليك و كنت معك .(3)
ص: 45
53- ومنها : أنّ أعرابيّاً جاء إلى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فقال: هل لك من آية فيما تدعو إليه؟ قال : نعم ، إنت تلك الشجرة فقل لها « يدعوك رسول الله ».
فمالت عن يمينها ويسارها و بين يديها فقطعت عروقها، ثم جاءت تخدّ الأرض حتّی وقفت بين يدي رسول اللّه.
قال : فمرها حتى ترجع إلى منزلها ، فأمرها ، فرجعت إلى منبتها .
فقال الأعرابيّ : إئذن لي أسجد لك. قال : لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . قال : فاذن لي أن أقبّل يديك . فأذن له .(1)
54- ومنها : أنّه قال لأعرابيّ : إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة فتجيء إليّ تشهد أنّي رسول الله ؟ قال : نعم . فدعا العذق ، فنزل من النخلة حتى سقط على الأرض ، فجعل ينقز(2) حتّى أتى النبيّ ، ثمّ قال له : ارجع. فرجع إلى مكانه ، فقال : أشهد أنّك رسول الله.(3).
55- ومنها : أن یعلی بن سیّابة(4) قال : كنت مع رسول الله في مسير
ص: 46
فأراد أن يقضي حاجته ، فأمر وديّتين(1) فانضمّت أحدهما بالاخرى إلى أن فرغ ثم أمرهما ، فرجعتها كما كانتا .(2).
56- و منها : أنّ شاباً من الأنصار كان له أمّ عجوز عمياء ، و كان مريضاً فعاده رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم. فمات ، فقالت: اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي هاجرت، إليك وإلى نبيّك رجاء أن تعينني على كلّ شدّة، فلا تحملن علي هذه المصيبة .
قال أنس : فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه، فطعم وطعمنا(3) .(4).
57- ومنها: أنّ أسامة بن زيد قال : خرجنا مع النبيّ صلّی اللّه علیه و آله و سلّم في حجّته الّتي حجّها، حتّى إذا كنّا ببطن الروحاء نظرنا إلى امرأة تحمل صبيّأ ، فقالت : يا رسول الله هذا ابني ما أفاق من خناق(5) منذ ولدته إلى يومه هذا.
ص: 47
فأخذه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلّم و تفل في فيه ، فإذا الصبيّ قد برأ.
فقال رسول الله لی : إنطلق، انظر هل ترى من حسّ؟(1)
قلت : إنّ الوادي ما فيه مو ضع يغطّي عن الناس .
فقال : إنطلق إلى النخلات ، و قل : إنّ رسول الله يأمركنّ أن تدنين لمخرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم، و قل للحجارة مثل ذلك. فوالذي بعثه بالحق نبيّاً لقد قلت لهنّ ذلك وقد رأيت النخلات تقاربن و الحجارة يتقربن، فلمّاقضي حاجته رأيتهن بعدن إلى مواضعهن.(2)
58- و منها : أن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم قال: إنّي لأعرف حجراً بمكّة كان يسلّم علي.(3)
59- و عن أمير المؤمنين علیه السلام: كنت مع رسول صلی الله علیه و آله و سلّم فخرج في بعض نواحيها ، فما بقي شجر ولاحجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله .(4)
60- وعن جابر : لم يمرّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنّه قد سلكه(5) من طيب عرفه ، ولم يمرّ بحجر ولاشجر إلا سجد له .(6).
ص: 48
61- و منها : ماروی عن أنس أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم كفّاً من الحصى فسبّحن في يده ثم صبّهنّ في ید علي، فسبّحن في يده حتّى سمعنا التسبيح في أيديهما، ثمّ صبّهنّ في أيدينا فما سبّحت في أيدينا .(1)
62- ومنها : أنّ عبد الله قال : إنّكم تعدّون الآيات عذاباً ، و إنّا كنّا نعدّها بركة على عهد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم لقد كنّا نأكل الطعام مع النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ونحن نسمع التسبيح من الطعام .(2)
63- ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قال : أتمّوا الرکوع و السجود، فوالله إنّي لأراكم من بعد ظهري إذا رکعتم وسجدتم.(3)
64- ومنها : ماروی أبو أسيد أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قل للعبّاس : يا أبا الفضل إلزم منزلك غداً أنت و بنوك ، فانّ لي فيكم حاجة . فصبّحهم و قال : تقاربوا ، فزحف بضهم إلى بعض حتّى إذا أمكنوا(4) اشتمل عليهم بملاءة، وقال : يا ربّ هذا عمّي و صنو أبي، وهؤلاء بنوعمّي أسترهم من النار كستري إيّاهم، فأمّنت(5) أسكفّة(6)
ص: 49
الباب وحوائط البيت : آمین آمین .(1)
65- ومنها : ماروی عن أمّ سلمة أنّ فاطمة علیها السلام جاءت إلى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم حاملة حسناً و حسیناً وفخاراً فيه حريرة(2) فقال : ادعي ابن عمّك . فأجلس أحدهما على فخذه اليمني، والاخر على فخذه اليسرى، وعليّاً وفاطمة أحدهما بين يديه ، والاخر خلفه ، فقال : اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً - ثلاث مرّات - وأنا عند عتبة الباب.
فقلت : وأنا منهم ؟ فقال : أنت إلى خير . و ما في البيت أحد غير هؤلاء و جبرئيل ثم أغدف(3) عليهم كساء خيبريّاً فجلّلهم به وهو معهم .
ثمّ أتاه جبرئیل بطبق فيه رمّان و عنب فأكل النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فسبّح ، ثمّ أكل الحسن والحسين علیهما السلام فتناولا، فسبّح العنب والرمّان في أيديهما ، ودخل علي علیه السلام فتناول منه فسبّح أيضاً، ثمّ دخل رجل من أصحابه وأراد أن يتناول.
فقال جبرئیل : إنّما يأكل من هذا نبيّ أو ولد نبيّ أو وصيّ نبيّ .(4)
ص: 50
66- ومنها : أنّ النبيّ صلی اللظه علیه و آله و سلّم لمّا قدم المدينة، وهي أوبأ أرض الله ، فقال : «اللّهمّ حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكّة، وصحّحها لنا ، و بارك لنا في صاعها و مدّها، وانقل حمّاها إلى الجحفة» .(1)
67- ومنها : أنّ أبا طالب مرض، فدخل عليه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال : يابن أخ أدع ربّك الّذي تعبده أن يعافيني .
فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : «اللّهمّ اشف عمّي». فقام فكأنّما أنشط من عقال .(2)
68- ومنها : أنّ عليّاً علیه السلام مرض وأخذ يقول : اللّهمّ إن كان أجلي قد حضر فأرحني ، وإن كان متأخّراً فارفعني، وإن كان للبلاء فصبّرني.
فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : «اللّهمّ اشفه، اللهمّ عافه » ثمّ قال : قم.
قال علي علیه السلام : فقمت، فما عاد ذلك الوجع إليّ بعد .(3)
69- ومنها : ما روى ابن عبّاس : أنّ امرأة جاءت بابن لها إلى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فقالت : ابني هذا به جنون يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيحثو(4) علينا.
فمسح صلی اللّه علیه و آله و سلّم صدره و دعا، فثعّ(5) ثعّة، فخرج من جوفه مثل جرو الأسود(6) فبرء.(7)
ص: 51
70- ومنها : أنّ عبد الله بن بريدة قال : سمعت أبي يقول :
إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله و سلّم تفل في رجل عمرو بن معاذ حين قطعت رجله، فبرء.(1)
71- ومنها : أنّ معاذ بن عفراء جاء إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يحمل يده، و كان قطعها أبو جهل، فبصق عليها النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فألصقها فلصقت .(2)
72- ومنها : أنّ نبيّ الله صلی الله علیه و آله و سلّم رأى رجلا يكفّ شعره إذا سجد ، قال : «اللّهم افتتح رأسه». قال : فتساقط شعره حتّى ما بقي في رأسه شيء .(3)
73- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم دعا لأنس لمّا قالت أمّه أمّ سليم : أدع له فهو خادمك.
فقال : اللّهمّ أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته.
فقال أنس : أخبرني بعض ولدي أنّه دفن من ولده أكثر من مائة .(4)
74- ومنها : أن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم أبصر رجلا يأكل بشماله ، فقال : كل بيمينك. فقال: لا أستطيع . فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : لا ، استطعت . قال :فما وصلت إلى فيه يمينه بعد،كلمّا رفع اللقمة إلى فيه ذهبت في شقّ آخر .(5)
75- ومنها : ما روى أبو نهيك الأزدي ، عن عمرو بن أخطب أنّه استسقی النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قال: فأتيته باناء فيه ماء، وفيه شعرة فرفعتها، ثم ناولته ، فقال: «اللّهم فجمّله» قال : فرأيته بعد ثلاث وتسعين سنة ما في رأسه و لحيته شعرة بيضاء .(6)
ص: 52
76- ومنها : أنّ ابن مسعود قال : كنّا مع النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم نصلّي في ظلّ الكعبة و ناس من قريش و أبو جهل نحروا جزوراً في ناحية مكّة ، فبعثوا فجاءوا بسلاها(1) فطرحوه بين كتفيه ، فجاءت فاطمة علیها السلام فطرحته عنه ، فلمّا انصرف قال : « اللّهم عليك بقريش ، بأبي جهل و بعتبة وشيبة و الوليد بن عتبة و أميّة بن خاف و بعقبة بن أبي معيط» . قال عبد الله : ولقد رأيتهم قتلى في قليب بدر .(2)
77- ومنها : أنّ النابغة الجعديّ أنشد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قوله :
بلغنا السماء عزّة و تكرّماً *** وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهراً
فقال : إلى أين يا أبا لیلی؟ قلت: إلى الجنّة. قال : « أحسنت لايفضض الله فاك » قال الرّاوي: فرأيته شيخاً له ثلاثون ومائة سنة ،و أسنانه مثل ورق الأقحوان نقاءاً وبياضاً وقد تهدّم جسمه إلا فاه.(3)
78- ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم خرج فعرضت له إمرأة مسلمة فقالت : يارسول الله إني امرأة و معي زوج لي في بيتي مثل المرأة.
فقال : أدعي زوجك . فدعته ، فقال لها: أتبغضينه ؟ قالت: نعم .
ص: 53
فدعا النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم لهما، و وضع جبهتها على جبهته فقال : « اللّهمّ ألّف بينهما وحبّب أحدهما إلى صاحبه »
ثمّ قالت المرأة بعد ذلك : ما طارف(1) ولا تالد ولا والد أحبّ إلىّ منه .
فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : اشهدي أنّي رسول الله(2)
79- ومنها : أنّ عمرو بن الحمق الخزاعي سقی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال : «اللّهمّ أمتعه بشبابه» فمر به ثمانون سنة لم تر له شعرة بيضاء .(3)
80- ومنها : أن عمران بن حصين قال: كنت عند النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم جالساً، إذ أقبلت فاطمة علیها السلام وقد تغيّر وجهها من الجوع، فقال [لها] : ادني. فدنت ، فرفع يده حتی وضعها على صدرها - وهي صغيرة - في موضع القلادة ثمّ قال: «اللّهمّ مشبع الجاعة ورافع الوضيعة، لاتجع فاطمة بنت محمّد» . قال :فرأيت الدم قد غلب على وجهها كما كانت الصفرة ، فقالت : ماجعت بعد ذلك .(4)
81- ومنها : أنّ أسماء بنت عمیس قالت: إنّ عليّاً علیه السلام قد بعثه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في حاجة في غزوة حنين، وقد صلّى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم العصر و لم يصلّها عليّ علیه السلام ، فلمّا رجع وضع رأسه في حجر عليّ علیه السلام وقد أوحي إليه فجلّله بثوبه، ولم يزل كذلك حتّی کادت الشمس تغيب ، ثمّ إنّه سري عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم .
فقال : أصلّيت يا عليّ ؟ فقال : لا. قال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : «اللّهمّ ردّ على علي الشمس».
ص: 54
فرجعت حتّى بلغت نصف المسجد. قالت أسماء : وذلك بالصّهباء .(1)
82- ومنها : أنّ عطا قال: كان في وسط رأس مولاي السائب بن یزید شعر أسود و بقيّة رأسه و لحيته بيضاء ، فقلت : ما رأيت مثل رأسك هذا أسود و هذا أبيض .
فقال : أفلا أخبرك ؟ قلت : بلى . قال :
إنّي كنت ألعب مع الصبيان ، فمر بي نبيّ الله صلی الله علیه و آله و سلّم فعرضت له و سلّمت عليه فقال: وعليك السّلام، من أنت؟ قلت: أنا السائب ابن اخت النمر.(2)فمسح رسول الله رأسي و قال: بارك الله فيك . فلا والله لا تبيض أبداً .(3)
83- ومنها : أنّ عليّاً علیه السلام قال : بعثني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى اليمن ، فقلت :
یا رسول الله بعثتني وأنا حديث السن لاعلم لي بالقضاء ! فقال: إنطلق فانّ الله سيهدي قلبك ، ويثبّت لسانك . قال علي علیه السلام : فما شككت في قضاء بين رجلين .(4)
ص: 55
84- ومنها : أنّ عليّاً قال : لما خرجنا إلى خيبر فاذا نحن بواد ملان ماء فقدّ رناه أربع عشر قامة ، فقال الناس: یا رسول الله العدوّ من ورائنا، و الوادي أمامناكما قال أصحاب موسی : «إنّا لمدركون ، قال کلاإن معي ربّي سيهدين»(1)
فنزل،صلی الله علیه و آله و سلّم ثمّ قال : « اللّهمّ إنّك جعلت لكلّ مرسل علامة، فأرنا قدرتك »فركب صلی الله علیه و آله و سلّم و عبرت الخيل والابل لاتتندّی حوافرهاو أخفافها، ففتحوه. ثمّ أعطي بعده في أصحابه حین عبورعمرو بن معديكرب المدائن والبحر بجيشه .(2).
85- و منها : ماروی جعيل(3) الاشجعي أنّه قال : غزوت مع رسول الله في بعض غزواته فقال : سر یا صاحب الفرس . فقلت: يا رسول الله عجفاء(4) ضعيفة .
فرفع مخفقة معه، فضربها ضرباً خفيفاً ، و قال : «اللّهمّ بارك له فيها »، قال: لقد رأيتني ما أمسك رأسها أن تقدّم الناس ، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفاً .(5).
86- و منها : أنّ جرهداً(6) أتى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و بین یدیه طبق، فأدلى جرهد بيده الشمال ليأكل، و كانت يده اليمني مصابة، فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : كل باليمين . قال : إنّها مصابة فنفث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عليها ، فمااشتكاها بعد .(7)
ص: 56
87- و منها : أنّ أبا هريرة قال: أتيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوماً بتمرات، فقلت: أدع الله لي بالبركة فيهنّ . فدعا ، ثمّ قال :
خذهنّ واجعلهنّ في المزود(1) وإذا أردت شيئاً فأدخل يدك فيه، ولاتنثره.
قال : فلقد حملت من ذلك التمر وسقاً(2) وكنّا نأكل منه و نطعم ، وكان لا يفارق حقوي(3) فارتكبت مأثماً فانقطع و ذهب.
و قيل : إنّه كتم الشهادة لعلي ثمّ تاب، فدعا له علي علیه السلام فصار كما كان ، فلمّا خرج إلى معاوية ذهب وانقطع .(4)
88- و منها : أنّ عثمان بن حنيف(5) قال : جاء رجل ضرير إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و شكا إليه ذهاب بصره.
فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : إنت الميضأة، فتوضّأ ثم صلّ ركعتين، و قل : « اللّهمّ إنّي أسألك و أتوجّه إليك بمحمّد نبي الرحمة - يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك ليجلي عن بصري - اللّهمّ شفّعه فيّ وشفّعني في نفسي». قال ابن حنيف :فلم يطل بنا الحديث حتّى دخل الرجل كأن لم يكن به ضرّ قطّ.(6)
ص: 57
89- ومنها : أنّ أبيض بن حمال قال : كان بو جهي حزاز(1) - يعني : القوباء -قد التمعت. فدعاه النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فمسح وجهه ، فذهب في الحال ، و لم يبق له أثر على وجهه.(2)
90- ومنها : أنّ الفضل بن عبّاس قال : إنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّي بخيل جبان، نؤوم، فادع لي. فدعا الله أن يذهب جبنه، وأن يسخّي نفسه، وأن يذهب كثرة نومه ، فلم ير أسخی نفساً، ولا أشدّ بأساً، ولا أقل نرماً منه.(3)
91- و منها : أنّ عبد الله بن عبّاس قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال : « اللّهمّ أذقت أول قریش نکالا، فأذق آخرهم نوالاً». فوجد كذلك .(4)
92- و منها : أنّ أبا ثروان كان راعياً في إبل عمرو بن تميم ، فخاف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من قريش ، فنظر إلى سواد الابل فقصد له و جلس بينها ، فقال :یا محمّد أخرج، لاتصلح إبل أنت فيها. فدعا عليه ، فعاش شقيّاً يتمنّى الموت.(5)
93- و منها : أنّ عتبة بن أبي لهب قال : كفرت بربّ النجم قال النبيّ : أما تخاف أن يأ كلك كلب الله . فخرج في تجارة إلى اليمن فبيناهم قد عرسوا إذ سمع صوت الأسد فقال لأصحابه : إنّي مأكول بدعاء محمّد وأحدقوا به، فضرب على آذانهم فناموا ، فجاء الأسد حتى أخذه فما سمعوا إلا صوته وفي خبر آخر : أنّه لمّا قل : كفرت بالذي «دنی فتدلّی». ثم تفل في وجه محمّد،صلی الله علیه و آله و سلّم قال : «اللّهم سلّط عليه كلباً من كلابك».
ص: 58
فخرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا، فقال لهم راهب من الدير : هذه أرض مسبعة.(1) فقال أبو لهب: يا معشر قريش أعينونا هذه اللّيلة إنّي أخاف عليه دعوة محمّد. فجمعوا جمالهم(2) و فرشوا العتبة في أعلاها، و ناموا حوله ، فجاء الأسد يتشمّم وجوههم ، ثم ثنّی ذنبه فوثب، فضربه بيده ضربة واحدة، فخدشه ، قال : قتلني . ومات مكانه.(3)
94- و منها : أنّ عليّاً علیه السلام كان رمد العين يوم خيبر ، فتفل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في عينه ، ودعا له ، وقال : «اللّهمّ أذهب عنه الحرّ والبرد».
فما وجد حرّاً، و لابرداً بعده [ وكان يخرج في الشتاء في قمیص واحد] .(4)
95- و منها : أنّ أبا هريرة قال لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : إنّي أسمع منك الحديث الكثير أنساه . قال : أبسط رداك كلّه . [ قال : ] فبسطته، فوضع يده فيه ، ثمّ قال :ضمّه . فضممته، فما نسيت حديثاً بعده.(5)
96- ومنها : أنّه قال لابن عباس و هو غلام : «اللّهم فقّهه في الدين وعلّمه
ص: 59
التأويل». فكان فقيهاً ، عالماً بالتأويل .(1)
97- و منها : أن نفراً من قريش اجتمعوا وفيهم : عتبة، وشيبة، وأبو جهل، وأميّة ابن خلف ، فقال أبو جهل : زعم محمّد أنّكم إن اتبعتموني كنتم ملوكاً . فخرج إليهم رسول الله ، فقام على رؤوسهم ، و قد ضرب الله على أبصارهم دونه ئفقبض قبضة من تراب فذرّها على رؤوسهم، وقرأ «یس» حتى بلغ العشر منها ثمّ قال : إنّ أبا جهل هذا يزعم أنّي أقول: إن خالفتموني فانّ لي فيكم ریحاً(2) و صدق و أنا أقول ذلك. ثم انصرف.
فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، و لم يشعروا به، ولا كانوا، رأوه .(3)
98- ومنها : أنّ أياس بن سلمة ، روي عن أبيه قال : خرجت إلى النبيّ و أنا غلام حدث ، وتركت أهلي ومالي إلى الله ورسوله فقدمنا الحديبيّة مع النبيّ حتّی قعد على مياهها وهي قليلة قال : فامّا بصق فيها، وإمّا دعا ، فما نزفت بعد .(4)
99- ومنها : أنّ أعرابيّاً قام فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع لنا فرفع يده، و ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ، ثمّ لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته ، فمطرنا إلى الجمعة .
ثمّ قام أعرابي فقال : تهدّم البناء ، فادع . فقال : «حوالينا ، ولاعلينا» .
قال الراوي(5) : فما كان يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت حتی
ص: 60
صارت المدينة مثل الجوبة(1) وسال الوادي شهراً ، فضحك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال :لله درّ أبی طالب لو كان حيّاً قرّت عيناه .(2)
100- ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : لمّا نادى بالمشركين ، و استعانوا عليه ، دعا الله أن يجدب بلادهم، فقال: «اللّهمّ سنين كسني يوسف، اللّهمّ اشددوطأتك علیه مضر»:
فامسك المطر عنهم حتى مات الشجر ، و ذهب الثمر ، وفني المواشي ، و عند ذلك وفد حاجب بن زرارة على کسری ، فشكا إليه واستأذنه في رعي السواد، فأرهنه قوسه ، فلمّا أصاب مضر الجهد الشديد عاد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بفضله عليهم ، فدعا الله بالمطرلهم(3).
ص: 61
101- ومنها : أنّ عليّاً قال : بعثني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم والزبير والمقداد معي فقال : انطلقوا حتّى تبلغوا روضة خاخ ، فانّ فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين . فانطلقنا و أدر کناهما وقلنا : أين الكتاب ؟ قالت : ما معي کتاب. ففتّشها الزبير والمقداد ، وقالا : ما نرى معها كتاباً .
فقلت: حدّث به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وتقولان: ليس معها كتاب!
لتخرجنّه أو لاجرّدنّك. فأخرجت من حجزتها .
فلمّا عادوا إلى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قال : ياحاطب ما حملك على هذا ؟ قال : أردت أن يكون لي يد عند القوم، وما ارتددت. فقال: صدق حاطب [ فلاتقولوا له إلاخيراً].
وفي هذا: إعلام [بمعجزات: منها] إخباره عن الكتاب،وإخباره عن بلوغ المرأة روضة خاخ، و شهادته لحاطب بالصدق ، و قد وجد كلّ ذلك كما أخبر .(1)
102- ومنها : أنّ النبيّ أنفذ عمّاراً في سفر ليستقي الماء، فعرض له شيطان في صورة عبد أسود ، فصرعه ثلاث مرّات فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : إنّ الشيطان قدحال بين عمّار و بين الماء في صورة عبد أسود ، وإن الله أظفر عمّاراً . فدخل، فأخبر بمثله .(2)
103- ومنها : أنّ وائل بن حجر قال : جاءنا ظهور محمّد و أنا في ملكعظيم ، فرفضت ذلك ، و آثرت الله و رسوله ، و قدمت عليه، فأخبرني أصحابه أنّهبشرّهم بي قبل قدومي بثلاث ، فقال : هذا وائل بن حجر قد أتاكم من أرض بعيدة .فلمّا قدمت عليه أدناني، وبسط لي رداه ، فجلست عليه، فصعد المنبر فقال : هذا وائل بن حجر أتانا راغباً في الاسلام طائعاً ، بقيّة أبناءالملوك اللّهم بارك في وائل
ص: 62
و ولده ، و ولد ولده .(1)
104- ومنها : أنّ أبا سعيد الخدري قال : كنّا نخرج في الغزوات مترافقین تسعة و عشرة ، فنقسّم العمل : فيقعد بعضنا في الرحل ، و بعضنا يعمل لأصحابه ، يصنع طعامهم ويسقي ركابهم ، و طائفة تذهب إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فاتفق في رفقتنا رجل يعمل عمل ثلاثة نفر يحتطب(2) و يستقي ويصنع طعامنا ، فذكر ذلك للنبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ، فقال :ذلك رجل من أهل النار، فلقينا العدوّ فقاتلناهم فجرح، فأخذ الرجل سهماً، فقتل به نفسه.
فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : أشهد أنّي رسول الله وعبده .(3)
105- ومنها : أنّ ابن عبّاس قال : كان النبيّ صلى الله عليه و آله جالساً في ظلّ حجر كاد أن ينصرف عنه الظلّ فقال : إنّه سيأتيكم رجل ينظر إليكم بعين شيطان فاذا جاءكم فلاتکلّموه . فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق ، فدعاه صلی الله علیه و آله و سلّم و قال: على ما تشتمني أنت و أصحابك ؟ فقال : لانفعل . قال : دعني آتك بهم .
فدعاهم، فجعلوا يحلفون بالله ما قالوا، و ما فعلوا ، فأنزل الله : «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ »(4) (5) .
106- و منها : أنّه لمّا قدم العبّاس المدينة سهر النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم تلك الليلة ، فقيل له في ذلك ، فقال : سمعت حسّ العباس في وثاقه . فاطلق ، فقال [ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ]: یا عباس إفد نفسك او بن أخيك عقيل ، و نوفل بن الحارث ، فانّك ذو مال . فقال :
ص: 63
إنّي كنت مسلماً ، و لكن قومي استكرهوا عليّ. فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : الله أعلم بشأنك ، أمّا ظاهر أمرك كنت علينا . فقال : يا رسول الله قد أخذ منّي عشرون أوقية من ذهب فاحسبها لي من فدائي . قال : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك .
قال: فانّه ليس لي مال. قال : فأين المال الذي دفعت بمكّة إلى أم الفضل حين خرجت، فقلت: إن أصابني في سفري هذا شيء فللفضل كذا ، و لقثم كذا، و لعبدالله كذا ، و لعبيد الله كذا ؟
قال : فوالذي بعثك [بالحقّ نبيّاً] ما علم بذلك أحد غيري وغيرها ، فأنا أعلم أنّک رسول الله .(1)
107- ومنها : أنّه كان جالساً إذ أطلق حبوته(2) فتنحّى قليلا ، ثمّ مدّ يده كأنه يصافح مسلماً، ثمّ أتانا فقعد ، فقلنا : كنّا نسمع رجع الكلام ولا نبصر أحداً .
قال : ذلك [إسماعيل] ملك المطر استأذن ربّه أن يلقاني ، فسلّم عليّ ، فقلت له : اسقنا. قال: میعاد كم يوم كذا في شهر كذا . فلمّا جاء ميعاده صلّينا الصبح، فكنّا لانرى شيئاً ، و صلّينا الظهر ، فلم نر شيئاً حتّى إذا صلّينا العصر ، نشأت سحابة فمطرنا ، فضحكنا . فقال : مالكم ؟ قلنا : الذي قال الملك .
قال : أجل مثل هذا احفظوا .(3)
108- و منها : أنّ أبيّ بن خلف قال للنبيّ بمكّة : إنّي أعلف العوراء (4)
ص: 64
- يعني فرساً له - أقتلك عليه. قال [رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم ] : بل أنا أقتلك إن شاء الله .
فلقي يوم أحد، فلمّا دنا تناول رسول اللّه الحربة من الحارث بن الصمّة، فمشى إليه فطعنه و انصرف ، فرجع إلى قريش وهو يقول: قتلني محمّد قالوا : وما بك بأس .
قال : إنّه قال لي بمكة «إنّي أقتلك» لو بصق عليّ لقتلني . فمات بسرف(1) .(2)
109- ومنها : أنّه لمّا نزل :« فاصدع بما تؤمر ، و أعرض عن المشرکین اناكفيناك المستهزئين »(3) يعني خمسة نفر ، فبشّر النبيّ أصحابه أن الله كفاه أمرهم فأتى الرسول البيت والقوم في الطواف، و جبرئيل عن يمينه، فمرّ الأسود بن المطّلب فرمي في وجهه بورقة خضراء، فأعمى الله بصره وأثكله ولده ومرّ به الأسود بن عبد يغوث، فأومي إلى بطنه ، فسقى ماءاً فمات حبناً(4)
ومر به الوليد بن المغيرة، فأومأ إلى جرح كان في أسفل رجله، فانتقض بذلك فقتله.
و مرّ به العاص بن وائل ، فأشار إلى أخمص رجله ، فخرج على حمار له یریدالطائف، فدخلت فيه شوكة فقتلته ومرّ به الحارث ، فأومأ إليه و تفقّأ قيحأ فمات .(5)
ص: 65
110- ومنها: أنه صلی الله علیه و آله و سلّم قال يوماً: توفي أصحمة(1) - رجل صالح من الحبشة - فقوموافصلّوا عليه . فصلّي عليه ، فكان كذاك .(2)
111- ومنها : أن كسری کتب إلى فيروز الديلمي - وهو من بقية أصحاب سيف ابن ذي يزن - أن أحمل إليّ هذا العبد الذي يبدأ باسمه قبل اسمي ، فاجتري عليّ ودعاني إلى غير ديني .
فأتاه فيروز وقال له: إنّ ربيّ أمرني أن آتيه بك. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم :
إنّ ربّي أخبرني أنّ ربّك قتل البارحة . فجاء الخبر أنّ ابنه شير ويه [وثب عليه] فقتله في تلك الليلة فأسلم فيروز و من معه فلمّا خرج الكذّاب العبسيّ أنفذه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ليقتله فتسلّق سطحاً، فلوي عنقه، فقتله .(3)
112- ومنها : أنّ أبا الدرداء كان يعبد صنماً في الجاهليّة ، وأنّ عبد الله بن رواحة ومحمّد بن مسلمة ينتظر ان خلوة أبي الدرداء ، فغاب فدخلا على بيته، فكسرا صنمه . فلمّا رجع إلى أهله قال : من فعل هذا ؟ قالت : لا أدري ، سمعت صوتاً فجئت وقد خرجوا، ثمّ قالت: لو كان يدفع الصنم لدفع عن نفسه . فقال: أعطيني حلّتي. فلبسها. فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : هذا أبو الدرداء يجيء و يسلم . فاذا هو جاء فأسلم .(4)
ص: 66
113- ومنها : أنّه أخبر أباذر بما جرى عليه بعد وفاته ، فقال : كيف بك إذا أخرجت (من مكانك ؟)(1) قال : أذهب إلى المسجد الحرام.
فقال : كيف بك إذا أخرجت منه ؟قال: أذهب إلى الشام.
قال : كيف بك إذا أخرجت منها؟ قال : أعمد إلى سيفي، فأضرب حتّى أقتل .
قال : لا تفعل و لكن اسمع وأطع. و كان ما كان حتّى أخرج إلى الربذة .(2)
114- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال لفاطمة علیها السلام: إنّك أوّل أهل بيتي لحوقاً بي.
وكانت أوّل من مات بعده.(3).
115- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال لأزواجه : أطولكنّ یداً، أسر عكن بي لحوقاً قالت عائشة : كنّا نتطاول بالأيدي حتّى ماتت زینب بنت جحش .(4)
ص: 67
116- ومنها: أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم ذکر زید بن صوحان فقال: زید ، و مازید؟! يسبق منه عضو إلى الجنّة. فقطعت يده يوم «نهاوند» في سبيل الله.(1)
117- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال : لاکسری بعد کسری ، و لاقيصر بعد قيصر ، لتنفتنّ كنوزهما في سبيل الله. فكان كما قال .(2)
118- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلم قال يوم الخندق لأصحابه : لئن أمسيتم قليلا لتكثرن ، وإن أمسيتم ضعفاء لتشرقنّ ، حتى تصيروا نجوماً يهتدی بكم وبواحد منكم. فكان كما قال.
119- ومنها : ما أخبر عن أمّ ورقة الأنصارية ، فكان يقول: انطلقوا بنا إلى الشهيدة نزورها. فقتلها غلام و جارية لها بعد وفاته .(3)
120- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال في محمّد بن الحنفية :«يا عليّ سيولد لك ولد قد نحلته إسمي و کنیتي ».(4)
121- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال : رأيت في يدي سوارین من ذهب فنفختهما فطارا .
فأوّلتهما هذين الكذّابين: «مسيلمة» كذاب اليمامة ، و كذاب صنعاء: «العنسي»(5)
ص: 68
122- ومنها : أنّ عبد الله بن الزبير قال : احتجم النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فأخذت الدم لاهريقه فلمّا برزت حسوته(1) فلمّا رجعت قال: ما صنعت؟ قلت: جعلته في أخفى مكان.
قال : ألفاک(2) شربت الدم؟ فقال : ويل للناس منك، و ويل لك من الناس.(3)
123- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال : ليت شعري أيتّكنّ صاحبة الجمل الأدبب(4) تخرج فتنبحها كلاب الحوأب .(5)
124- وروى لمّا أقبلت عائشة مياه بني عامر ليلا نبحتها كلاب الحوأب، قالت:ما هذا ؟ قالوا: الحو أب. قالت : ما أظنّني إلاّ راجعة، ردّونيّ ، إنّ رسول الله قال لنا ذات يوم: «كيف با حداكنّ إذا نبح عليها كلاب الحوأب» ؟.(6)
ص: 69
125- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال : أخبرني جبرئيل أنّ إبني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، فأخبرني أنّ فيها مضجعه .(1)
126- ومنها : أنّ أمّ سلمة قالت: كان عمّار ينقل اللّبن لمسجد الرسول، و كان صلی الله علیه و آله و سلّم يمسح التراب عن صدره، ويقول: تقتلك الفئة الباغية .(2)
127- ومنها : ما روى أبو سعيد الخدري أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قسّم يوماً قسماً ، فقال رجل من تميم: إعدل؟ فقال ويحك ومن یعدل إذا لم أعدل ؟!
قيل نضرب عنقه ؟ قال: لا، إنّ له أصحاباً يحقّر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم و صيامهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، آيتهم(3) رجل أدعج أحد ثدييه مثل ثدي المرأة .قال أبو سعيد : وإني كنت مع علي حين قتلهم ، فالتمس في القنلى [بالنهروان] فاتي به على النعت الذي نعته رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم .(4)
ص: 70
128 - ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال: تبني مدينة بين دجلة ودجيل ، و قطربّل والصراة(1)تجبى إليها خزائن الأرض، يخسف بها . - يعني بغداد -
وذكر أرضاً يقال لها : البصرة إلى جنبها نهر يقال له: دجلة ، ذو نخل، ينزل بها بنو قنطورا،(2) يتفرق الناس فيه ثلاث فرق: ففرقة تلحق بأهلها فيهلكون. وفرقة تأخذ على أنفسها فيكفرون، وفرقة تجعل ذراريهم خلف ظهورهم يقاتلون، قتلاهم شهداء. يفتح الله على بقيتهم .(3).
129- ومنها : أنّه روي عن الصادق علیه السلام أنّه قال: لمّا ولد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال إبليس لابلسة : قد أنكرت الليلة الأرض . فصاح في الأبالسة ، فاجتمعوا إليه ، فقال : أخرجوا فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث. فذهبوا ثم رجعوا، وقالوا: ما وجدنا شيئاً. قال: أنا لها
ص: 71
ثمّ ضرب بذنبه على الأرض على قذاله(1) ثم اغتمس في الدنيا حتى انتهى إلى الحرم فوجده منطبقاً بالملائكة فذهب ليدخل فصاح به جبرئيل علیه السلام فقال: [ما] وراءك. فقال: حرف أسألك عنه، ألي قيه نصيب ؟ قال: لا. قال: ألي في أمّته؟ قال: نعم. فلما أصبحوا أقبل رجل من أهل الكتاب إلى الملأ من قريش فقال : أولد فيكم الليلة؟ مولود قالوا: لا . قال : فولد إذاً بفلسطين غلام اسمه أحمد] له شامة كلون الخزّ الأدکن فتفرّق القوم، فبلغهم أنّه ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام، قالوا: فطلبناه، و قلنا له:
إنّه ولد فيناغلام. قال: قبل أن قلت لكم أو بعده؟ قالوا: قبل . قال : فانطلقوا بنا ننظر إليه .
فانطلقوا ، فقالوا لامّه: أخرجي إبنك حتّى ننظر إليه .
قالت: إنّ ابني و الله لقد سقط، فما سقط كما يسقط الصبيان لقد اتّقی الأرض بيديه ورفع رأسه إلى السماء ، فنظر إليها ثم خرج منه نور حتّى نظرت إلى قصور بصری و سمعت هاتفاً يقول: قد ولدتيه سيد هذه الأمّة ، فاذا وضعتیه، فقولي :
أعيذه بالواحد *** من شرّ كل حاسد
وكل خلق مارد *** يأخذ بالمراصد
في طرق الموارد *** من قائم وقاعد
[ و سمیّه «محمداً»]
فأخرجته فنظر إليه وإلى الشامة التي بين كتفيه ، فخر مغشيّاً عليه، فأخذوا الغلام وردوه إلى أمّه، وقالوا : بارك الله لك فيه .
فلمّا أفاق قالوا له: مالك؟ قال: ذهبت نبوّة بني إسرائيل إلى يوم القيامة ، هذا والله الغلام الذي يبيرهم . ثم قال لقريش : فرحتم ؟ أما والله ليسطون بكم سطوة يتحدّث
ص: 72
بها أهل المشرق و المغرب. و كان أبو سفيان يقول: إنّما يسطو بمضر.
وأتي به عبد المطّلب فأخذه، و وضمه في حجره فقال :
الحمدلله الذي أعطاني *** هذا الغلام الطيّب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان.(1)
130- و منها : ما روي عن أبي عبدالله علیه السلام قال : فنشأ رسول الله في حجر أبي طالب فبينا هو غلام يجيء بين الصفا والمروة إذ نظر إليه رجل من أهل الكتاب فقال: ما اسمك ؟ قال: اسمي محمّد. قال : ابن من؟ قال: ابن عبد الله . قال: ابن من؟ قال : ابن عبد المطّلب . قال: فما اسم هذه ؟ - وأشار إلى السماء - قال : السماء قال: فما اسم هذه ؟ - وأشار إلى الأرض - قال: الأرض .
قال فمن ربّهما؟ قال: الله. قال: فهل لهما ربّ غير الله؟ قال: لا.
ثمّ إنّ أبا طالب خرج به معه إلى الشام في تجارة قريش ، فلمّا انتهی به إلى بصری - وفيها راهب لم يكلّم أهل مكّة، إذا مروا به -ورأى علامة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في الركب، فانّه رأى غمامة تظللّه في مسيره، و نزل تحت شجرة قريبة من صومعته فتثنّب أغصان الشجرة عليه و الغمامة على رأسه بحالها، فصنع لهم طعاماً ، فاجتمعوا عليه، و تخلّف محمد صلی الله علیه و آله و سلّم ، فلما نظر بحيرا إليهم و لم ير الصفة التي يعرف قال :فهل تخلّف منكم أحد؟ قالوا : لا . و اللاّت والعزّى - إلا صبيّ .فاستحضره فلمّا لحظ إليه نظر إلى أشياء من جسده قد كان يعرفها من صفته، فلمّا تفرّقوا قال : يا غلام أتخبرني عن أشياء أسألك عنها؟ قال : سل.
قال : أنشدك واللات والعزّى إلا أخبرتني عمّا أسألك عنه - وإنّما أراد أن
ص: 73
يعرف لأنّه سمعهم يحلفون بهما - فذكروا أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قال له : لاتسألني باللات والعزّى، فانّي و الله لم أبغض بضهما شيئاً قطّ .
قال : فباللّه إلاّ أخبرتني عمّا أسألك عنه ؟ قال : فجعل يسأله عن حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يخبره ، فكان يجدها موافقة لما عنده .
فقال له: اكشف عن ظهرك . فكشف عن ظهره ، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الموضع الّذي يجده عنده ، نأخذه الأفكل - وهو الرعدة - واهتزّ الديراني.
فقال : من أبو هذا الغلام؟ قال أبو طالب : دو ابني. قال: لا والله لا يكون أبوه حيّاً. قال أبو طالب : إنّه ابن أخي.
قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات و هو ابن شهرين. قال :صدقت.
قال: فارجع بابن أخيك إلى بلادک، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأته وعرفوا منه الّذي عرفت ليبغينّه شرّاً.
فخرج أبو طالب فردّه إلى مكّة .(1)
131- ومنها : أنّ زبیراً(2) وتمّاماً(3) و إدريساً(4) كانوا نفراً من أهل الكتاب قد كانو ارأوا من علامة رسول الله مثل مارأي بحيرا فذكرهم بالله مايجدون من ذكره و صفته و أنّهم اجتمعوا على ما أرادوا ، فعرفوا ما قال وصدّقوه و انصرفوا فذكر هم أبو طالب في قصيدة .(5)
ص: 74
ونذكر هاهنا شيئاً ممّا في الكتب المتقدّمة من ذكر نبيّنا، و كيف بشرّت الأنبياء به قبله بألفاظهم :
منها الفاظ التوراة في هذا الباب في السفر الأول منه :
«إنّ الملك نزل على إبراهيم فقال له : إنّه يولدفي هذا العالم لك غلام اسمه إسحاق. فقال إبراهيم : ليت إسماعيل يعيش بين أيديك بخدمتك . فقال الله لابراهيم : لك ذلك، قد استجبت في اسماعيل، و إنّي أبرکه و آمنه و أعظّمه بما استجبت فيه » .
و تفسير هذا الحرف : محمد صلی الله علیه و آله و سلّم.
[وفيه أيضاً مكتوب : «و أمّا ابن الأمة فقد بارکت عليه جداً جّداً ](1)و یلد إثني عشر عظيماً، وأصيّره لامّة كثيرة».
و قال في التوراة :«إنّ الملك نزل على هاجر - أمّ إسماعيل - و قد كانت خرجت مغاضبة لسارة وهي تبكي، فقال لها: ارجعي واخدمي مولاتك، و اعلمي أنّك تلدين غلاماً یسمی إسماعيل، و هو يكون معظّماً في الامم، ویده على كلّ يد».
ولم يكن ذلك لاسماعيل ولا لأحد من ولده غير نبيّنا صلی الله علیه و آله و سلّم .
وقال في التوراة : «إنّ إبراهيم لمّا خرج باسماعيل وأمّه هاجر أصابهما عطش فنزل عليهما ملك وقال لها: لا تهاوني بالغلام، و شدي يديك به ، فانّي أريد أن أصيّره لأمر عظيم » .
فان قيل : هذا تبشير بملك و ليس فيه ذكر نبوّة.
قلنا : الملك ملكان : ملك كفر وملك هدى ، و لا يجوز أن يبشّر اللّه إبراهيم علیه السلام و هاجر بظهور الكفر في ولدهما ويصفه بالعظم .
ص: 75
وقال في التوراة :« أقبل من سيناء، وتجلّی من ساعیر(1) وظهر من حنبل فاران»(2)«فسيناء» جبل كلّم الله عليه موسی.
«وساعیر» هو الجبل الذي بالشام كان فيه عیسی، و جبل « فاران » مكّة .
وفي التوراة : « إنّ إسماعيل سكن بريّة فاران، ونشأ فيها ، وتعلّم الرمي » فذكر الله فاران مع طور سيناء، وساعير التي جاء منها بأنبيائه - و مجيء الله إتيان دينه وأحكامه - و فقد ظهر دين الله من مكّة وهی فاران ، فأتمّ الله تعالى هذه المواعد لابراهيم علیه السلام بمحمّد صلی الله علیه و آله و سلّم فظهر دين الله في مکّة بالحجّ إليها ، و استعلن ذكره بصراخ أصحابه بالتلبية على رؤوس الجبال و بطون الأودية ، و لم يكن موجز دأ إلا بمجيء محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم ، وغيره من ولد إسماعيل عبّاد أصنام ، فلم يظهر الله بهم تبجيله .
ويدل على تأويلنا ما قال في كتاب حیقوق : «سيّد يجيء من اليمن مقدس من جبل فاران يعطي السماء بهاءاً ، و يملا الأرض نوراً ، ويسير الموت بين يديه ، و ينقر الطير بموضع قدميه» .
وقال في كتاب حزقيل النبيّ لبني إسرائيل: « إنّي مؤيّد [بني] قيدار بالملائكة - و قیدار جدّ العرب ابن إسماعيل لصلبه - وأجعل الدين تحت أقدامهم فيدينونكم بدينهم ، ويهمشون(3) أنفسكم بالحميّة و الغضب . ولاترفعون أبصاركم و لاتنظرون
ص: 76
إليهم ، وجميع رضاي يصنعونه بكم» .
وإنّ محمّداً صلی الله علیه و آله و سلّم أخرج إليهم من أطاعه من بني قيدار فيقتل مقاتليهم ، وأيّدهم الله بالملائكة في بدر والخندق و خیبر .
وقال في التوراة في السفر الخامس :
«إنّي أقيم لبني إسرائيل نبيّاً من إخوتهم مثلك ، و أجعل كلامي على فمه».(1)
-وإخوة بني إسرائيل ولد إسماعيل - و لم يكن في بني إسماعيل(2) نبي مثله موسی ولا أتي بكتاب ككتاب موسی غیر نبيّنا صلی الله علیه و آله و سلّم .
ومن قول حیقوق النبي، ومن قول دانیال: «جاء [به] اللّه من اليمن، والتقديس من جبال فاران ، فامتلات الأرض من تحميد أحمد وتقديسه ، وملك الأرض بهيبته» .
وقال أيضاً : «يضيء لنوره الأرض(3) وتحمل خيله في البرّ والبحر».
وقال، أيضاً : «ستنزع في قبيلك أغراقاً، و تر توي السهام بأمرك يا محمّد ارتواءاً » وهذا إيضاح باسمه ، وصفاته .
وفی کتاب شعيا النبي : «عبدي خيرتي [من خلقي] رضي نفسي أفيض عليه روحي» أو قال : «أنزل فيظهر في الامم عدلي ، لايسمع صوته في الأسواق ، يفتح العيون العور ، و يسمع الآذان الصمّ ، ولايميل إلى اللهو، ركن المتواضعين ، وهو نورالله الّذي لايطفأ حتّى تثبت في الأرض حجّتي ، وينقطع به العذر» وقال في الفصل الخامس : «أثر سلطانه على كتفه» يعني علامة النبوة ، و كان على كتفه خاتم النبوة.
ص: 77
قال داود علیه السلام في الزبور : «سبّحوا الرب تسبيحاً حديثاً، و ليفرح إسرائيل بخالته ونبوة صهيون ، من أجل أنّ الله اصطفى له أمّته، وأعاد النصر ، وسدّد الصالحين منهم بالكرامة، يسبّحونه على مضاجعهم، وبأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقم الله تعالى من الامم الّذين لايعبدونه» .
وفي مزمور آخر من الزبور : « تقلّد أيّها الخيار السيف ، فانّ ناموسک وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك ، وسهامك مسنونة ، والامم يجرّون تحتك» .
وفي مزمور آخر : «إنّ الله أظهر من صهيون إكليلا محموداً» :
ضرب الاكليل مثلا للرئاسة والامامة ، و «محمود» هو محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم .
وذكر أيضاً في صفته : « ويجوز من البحر إلى البحر من لدن الأنهار إلى مقطع الأرض ، وإنّه ليجر(1) أهل الخزائن بين يديه ، تأتيه ملوك الفرس ، و تسجد له ، وتدين له الامم بالطاعة ، ينقذ الضعيف ، ويرق بالمساكين».
وفی مزمور آخر : «اللّهم ابعث جاعل السنّة كي يعلم الناس أنّه بشّر».
هذا إخبار عن محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم يخبر الناس عن أنّ المسيح بشر .
وفی کتاب شعيا النبی :«قيل لي: قم نظاراً فانظر ماذا ترى فيخبّر به .
فقلت: أری راكبين مقبلين: أحدهما على حمار، والآخر على جمل، يقول أحدهما لصاحبه: سقطت بابل و أصنامها» .
فكلّ أهل الكتاب يؤمن بهذه الكنب ، وتنفرد النصاری بالاتجيل .
«قال المسيح للحواريّين : أنا أذهب و سيأتيكم الفارقلیط روح(2) الحقّ الذي لا يتكلّم من قبل نفسه، إنّما هو كما يقال له ويشهد عليّ وأنتم تشهدون ، لأنّكم معه
ص: 78
من قبل الناس، و كلّ شيء أعده اللّه لكم يخبركم به».
وفي حكاية يوحنا عن المسيح قال : «الفارقلیط لايجيئكم ما لم أذهب ، فاذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكنّه يكلّمكم مما(1) یسمع و سیؤتيكم بالحقّ ، وبخبركم بالحوادث والغيوب» .
وقال في حكاية اخرى :
«الفارقلیط روح الحقّ الذي يرسله باسمي ، هو يعلّمكم كلّ شيء » .
وقال : إنّي سائل ربّي أن يبعث إليكم فارقلیط آخر يكون محكم إلى الأبد وهو يعلّمكم كلّ شيء».
و قال في حكاية اخرى : «ابن البشر ذاهب، والفارقلیط يأتي بعده ، يحيي لكم الأسرار ، و يفسّر لكم كلّ شيء ، وهو يشهد لي كما شهدت له ، فانّي أجیئکم(2)بالأمثال، وهو يجيئكم(3) بالتأويل» .
و من أعلامه في الانجيل : « أنّه لمّا حبس يحيى بن زكريا ليقتل ، بعث بتلاميذه إلى المسيح وقال لهم : قولوا : أنت هو الآتي ؟ أو نتوقّع غيرك ؟فأجابه المسيح وقال : الحق اليقين أقول لكم : إنّه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريّا، وإنّ التوراة و كتب الأنبياء يتلو بعضها بعضاً بالنبوّة والوحي حتّى جاء يحيى ، فأمّا الآن فان شئتم فاقبلوا أنّ «الاليا» متوقّع(4) على أن يأتي ، فمن كانت له أذنان سامعتان فليسمع» .
روي أنّه كان فيه : « إنّ أحمد متوقّع ...» فغيّروا الاسم و جعلوه «إليا» كقوله : «يحرفون الكلم عن مواضعه»(5) و«إليا» هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام.
ص: 79
و قيل : إنّما ذكر « إليا » لأنّ عليّاً علیه السلام كان قدّام محمّد صلی الله علیه و آله و سلم في كلّ حرب وفي كلّ حال حتی تقوم القيامة [فانه صاحب رايته].
وإسم محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم عندهم بالسريانية «مشفّحاً» ومشفّح هو محمّد صلی الله علیه و آله و سلم بالعربيّة وإنّهم يقولون : «شفح لالاها» إذا أرادوا أن يقولوا «الحمدللّه»
وإذا كان «الشفّح» «الحمد» فمشفّح محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم .
«ستمتلىء البادية فتصفر لهم(1) من أقاصي الأرض ، فاذا هم سراع يأتون، يبثّون تسبيحه في البحر والبرّ ، يأتون من المشرق کالصعيد كثرة».
وقال شعيا : قال الرب : ها أناذا مؤسّس بصهيون من بيت اللّه حجراً (و في رواية: مكرمة) فمن كان مؤمناً فلايستعجلنا» .
وقال دانيال في الرؤيا التي رآها بخت نصر ملك بابل، وعبرها:
«أيّها الملك رأيت رؤياً هائلة، رأيت صنماً بارع الجمال، قائماً بين يديك، رأس: من الذهب، وساعده من الفضّة، وبطنه وفخذه نحاس، وسلاه حديد، و بعض رجليه خزف.
ورأيت حجراً صك رجلي ذلك الصنم فدقهما دقّاً شديداً، فتفتت ذلك الصنم كلّه حدیده و نحاسه و فضّته و ذهبه ، وصار رفاتاً كدقاق البيدر، و عصفته الريح فلم يوجد له أثر، و صار ذلك الحجر الذي دق الصنم جبلا عالياً امتلات منه الأرض كلها ، فهذه رؤياك ؟ قال : نعم».
ثم عبّرها له فقال : « إنّ الرأس الذي رأيته من الذهب مملكتك ، فتقوم بعدك ومملكة أخرى دونك ، والمملكة الثالثة التي تشبه النحاس تتسلّط على الأرض كلّها والمملكة الرابعة قوّتها قوّة الحديد كما أن الحديد يدق كلّ شيء و أمّا الرجل الذي كان بعضها من حديد ، وبعضها من خزف ، فانّ بعض تلك
ص: 80
المملكة يكون عزاً، وبعضها يكون ذلا ، وتكون كلمة أمل المملكة متشتّتة ، ويقيم إله السماء في تلك الأيام ملكاً عظيماً دائماً أبديّاً، لا يتغيّر ولايتبدّل ولايزول ، ولايدع لغيره من الامم سلطاناً ، ويقوم هو دهر الداهرین» .
فتأويل الرؤيا مبعث محمد صلی الله علیه و آله و سلم تمزّقت الجنودلنبوّ ته، ولم تنتقض مملكة فارس لأحد قبله، و كان ملكها أعز ملوك الأرض وأشدّها شوكة، وكان أوّل ما بدأ فيه انتقاص قتل « شیرو به بن أبرويز » أباه، ثمّ ظهر الطاعون في مملكته وهلك فيه، ثمّ هلك ابنه « أردشير » ثمّ ملك رجل لم يكن من أهل بيت الملك فقتلته « بوران بنت کسری » ثمّ ملك بعده رجل يقال له: «کسری بن قباد» ولد بأرض الترك، ثمّ ملكت « بوران بنت کسری ».
فبلغ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم مملكتها فقال: «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى إمرأة» .
ثمّ ملكت ابنة أخرى لكسری فسمّت وماتت، ثمّ ملك رجل ثمّ قتل .
فلمّا رأى أهل فارس ما هم فيه من الانتشار أمّر إبن لكسرى يقال له : «یزدجرد» فملّكوه عليهم، فأقام بالمدائن على الانتشار ثماني سنين ، وبعث إلى الصين بأمواله وخلّف أخاً بالمدائن لرستم فأتى لقتال المسلمين ، و نزل بالقادسيّة، و قتل بها، فبلغ ذلك يزدجرد، فهرب إلى سجستان فقتل هناك .
وقال في التوراة : « أحمد عبدي المختار ، لا فظ ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، و لا يجزىء بالسيّئة السيئة ، و لكن يعفو و يغفر.
مولده بمكة ، و هجرته طيبة(1) و ملكه بالشام.
وأمته الحامدون، يحمدون الله على كلّ نجد(2) ويسبّحونه في كلّ منزل، ويقومون
ص: 81
على أطرافهم و هم رعاة الشمس(1) مؤذنهم في جوّ السماء ، صفّهم في الصلاة وصفّهم في القتال سواء، رهبان باللّيل ، أسد بالنهار ، لهم دوي كدوي النحل يصلّون الصلاة حيثما أدركتهم» .
أراد : أنّ اليهود كانت لا تقبل صلاتهم إلاّ فی کنائسهم، فوسّع الله علي هذه الامة أن يصلّوا حيثما أدركتهم الصلاة.
ومما أوحى الله الى آدم :« أنا الله ذوبكة، أهلها جيرتي، وزوارها و فدي و أضيافي أعمّره بأهل السماء وأهل الأرض، يأتونه أفواجاً شعثاً غبراً، يعجّون بالتكبير والتلبية فمن اعتمره لا يريد غيره فقد زارني ، و هو وفدلي ، ونزل بي ، و حقّ لي أن أتحفه بکراماتي، أجعل ذلك البيت و ذکره، و شرفه و مجده، وسناه لنبي من ولدك يقال له «إبراهيم» أبني له قواعده، وأجري على يديه عمارته ، وأنبط(2) له سقايته ، وأريه حلّه وحرمه، أعلّمه مشاعره، ثمّ تعمره الامم و القرون حتّى ينتهي إلى نبيّ من ولدك يقال له : «محمّد و هو خاتم النبيّين ، فأجعله من سكّانه و ولاته».
و من أعلامه اسمه، لأنّ الله حفظ اسمه حتى لم يسم باسمه أحد قبله صيانة من الله لاسمه ، ومنع منه كما فعل بيحبی بن زکریا «لم نجعل له من قبل سمیّاً» .(3)و كما فعل بابراهيم وإسحاق ويعقوب وصالح وأنبياء كثيرة منع من تسمياتهم(4)قبل مبعثهم ليعرفوا به إذا جاءوا، و يكون ذلك، أحد أعلامهم.
132-و عن سراقة بن جعشم قال : خرجت رابع أربعة ، فلمّا قدمنا الشام نزلنا على غدير فيه شجرات، وقربه قائم(5) لديراني ، فأشرف علينا، قال: من أنتم ؟
قلنا : قوم من مضر . قال: من أيّ المضرين ؟ قلنا : من خندف. قال: أما إنّه سيبعث فيكم
ص: 82
وشيكاً نبيّ اسمه « محمد » فلمّا صرنا عند أهلنا ولد لكلّ رجل منّا غلام فسمّاه « محمّداً صلی الله علیه و آله و سلم» . وهذا أيضاً من أعلامه(1)
133-ومنها: أن تبّع بن حسان صار إلى يثرب، وقتل من اليهود ثلاثمائة وخمسين رجلا صبراً، وأراد إخرابها ، فقام إليه رجل من اليهود له مائتان وخمسون سنة، فقال : أيّها الملك مثلک لا يقبل قول الزور، ولا يقتل علی الغضب ، وأنّك لا تستطيع أن تخرب هذه القرية . قال : ولم؟
قال: لأنّه يخرج منها من ولد إسماعيل نبي يظهر من هذه البنية. يعني البيت الحرام.
فكفّ تبّع، ومضى يريد مكّة ومعه اليهود، و كسا البيت، وأطعم الناس، وهو القائل :
شهدت على أحمد أنّه *** رسول من الله باریء النسم
فلو مد عمري إلى عمره*** لکنت و زیراً له و ابن عم
ويقال : هو تبّع الأصغر، وقيل : الأوسط .(2)
134 - و منها : أنّه لمّا ولد النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء(3) بمکّة، قالت : فخرجت معهن على أتان(4) ومعي زوجي، ومعنا شارف(5) لنا ما تبض(6) بقطرة من لبن ، ومعي ولد ما يجد في ثدیی ما نعلّله(7) به ، وما ننام ليلنا جوعاً ، فلما لدمنا مکّة لم تبق منا إمرأة إلا عرض
ص: 83
عليها محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم فكر هناد وقلنا : يتيم ، وإنما يكرم الظئر(1) الوالد، فكلّ صواحبي أخذن رضيعاً و لم آخذ شيئاً فلمّا لم أجد غيره رجعت إليه فأخذته، فأتيت به الرحل(2) فأمسيت و أقبل ثدياي باللبن حتى أرويته، و أرويت ولدي أيضاً ، و قام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده فإذا هي حافل(3) فحلبها فأرواني من لبنها، و روی الغلمان، فقال :
يا حليمة لقد أصبنا نسمة مباركة. فبتنا بخير ، ورجعنا فركبت أتاني ثمّ حملت محمّداً صلی الله علیه و آله و سلّم معي، فوالّذي نفس حليمة بيده لقد طفت(4) بالركب حتّى أن النسوة يقلن : يا حليمة أمسكي علينا ، أهذه أتانك التي خرجت عليها؟! قلت: نعم. قلن: ما شأنها؟ قلت: حملت غلاماًمباركاً، و يزيدنا الله كل يوم و ليلة خيراً حتی و البلاد قحط. والرعاة يسرحون ثمّ يريحون، فتروح أغنام بني سعد جياعاً وتروح غنمي شباعاً بطاناً حفّلا، فنحلب و نشرب.(5)
ص: 84
135- فمن معجزاته أن الصادق علیه السلام قال : نشأ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في حجر أبي طالب حتى [إذا] بلغ قريباً من العشرين سنة ، قال :
يا عمّ إني أرى في المنام رجلا يأتيني ومعه آخر(1) فيقولان: «هو هو، فاذا بلغ فشأنك به» و الرجل لا يتكّلم، ثمّ قال:
يا عمّ إني قد رأيت الرجل - الذي كنت أراه في المنام - قد ظهر لي فانطلق به أبو طالب إلى عالم كان بوادي مكّة يتطبّب،فصوّب الرجل فيه بصره وصعد، و أخبره رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بما يرى .
فقال الطبيب : یابن عبد مناف إنّ لابن أخيك شأناً ، إنّما هذا الذي يجد ابن أخيك الناموس [الأكبر] الذي يجده الأنبياء.
136- ومنها : أنّ أبا عبد الله ، قال : لمّا بلغ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم أربعين سنة قال:سمعت صوتاً من السماء : يا محمّد أنت رسول الله و أنا جبرئیل ، ولمّا تراءى له جبرئیل بأعلى الوادي ، و عليه جبّة سندس، أخرج له درنو كاً من درانيك الجنة، و أجلسه عليه ، و أخبره أنّه رسول الله ، و أمره بما أراد ، ثم قال : أنا جبرئيل، و قام .
فلحق محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم بالغنم ، و كان يرعى غنم عمّه أبي طالب .
قال: فما من شجرة ولا مدرة إلاّ سلّمت عليّ و هنّأتني.(2).
137- ومنها : أنّ جبرئيل أتاه و هو بأعلى مكّة ، فغمز بعقبة في ناحية الوادي فانفجرت عين، فتوضّأ ليريه كيف و ضوء الصلاة، ثم تطّهر رسول الله ، ثم صلّی جبرئیل
ص: 85
وصلّی رسول اللّه، و إنّها الظهر، فهي أوّل صلاة افترضت .
فرجع رسول الله إلى خديجة، فأخبرها، فتوضأت وصلّت .(1)
138 - ومنها: أنّ أبا جعفر علیه السلام قال : إن رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم لمّا أسري به نزل جبرئیل علیه السلام بالبراق،وهو أصغر من البغل ،و أكبر من الحمار ، مضطرب الاذنين، عيناه في حوافره خطاه مدّ بصره، له جناحان يحفزانه(2) من خلفه، عليه سرج [من] یاقوت ، فيه من كل لون، أهدب العرف(3) الأيمن، فوقّفه على باب خديجة، ودخل على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فمرح(4) البراق، فخرج إليه جبرئيل علیه السلام فقال: اسكن فانّما يركبك [خير البشر ] أحبّ خلق الله إليه. فسكن .
ثم خرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فر کب ليلا، وتوجّه نحو بيت المقدس، فاستقبل شیخاً، فقال جبرئيل علیه السلام : هذا أبوك إبراهيم. فثنّى رجله وهم بالنزول، فقال جبرئيل علیه السلام : كما أنت.
فجمع من شاء الله من أنبيائه ببیت المقدس، فأذّن جبرئيل ، فتقدم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فصلّى بهم.
ثم قال أبو جعفرعلیه السلام في قوله : «فان كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك» هؤلاء الأنبياء الذين جمعوا «[ لقد جاءك الحق من ربّك] فلا تكوننّ من الممترين»(5) قال: فلم يشك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ولم يسأل .(6).
139- وفي رواية اخرى : أن البراق لم يكد يسكن لركوب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الا
ص: 86
بعد شرطه أن يكون مركوبه يوم القيامة .(1).
140-ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم لمّا رجع من السری(2) نزل علی أم هاني بنت أبي طالب فأخبرها، فقالت: بأبي أنت وأمّي ، و الله لئن أخبرت الناس بهذا ليكذّبنّك من صدقك وكان أبو طالب قد فقده تلك الليلة فجعل يطلبه ، و جمع بني هاشم ، ثمّ أعطاهم المدي(3) و قال لهم : إذارأيتموني قد دخلت و ليس معي محمد ، فلیضرب كل رجل منكم جليسه و الله لانعيش نحن ، ولاهم ، و قد قتلوا محمّداً .
فخرج في طلبه و هو یقول : يا لها عظيمة إن لم يواف رسول الله مع الفجر . فتلقّاه على باب أم هاني حين نزل من البراق، فقال : يا ابن أخي، أنطلق فادخل بين يدي المسجد و سلّ سيفه عند الحجر وقال: يا بني هاشم أخرجوا مداكم.
فقال : لو لم أره ما بقي منكم شفر(4) أو عشنا ، فاتّقته قريش منذ يوم أن يغتالوه .
ثم حدّ ثهم محمد صلی الله علیه و آله و سلّم، فقالوا: صف لنا بیت المقدس . قال: إنّما. دخلته ليلا فأتاه جبرئيل فقال: انظر إلى هناك. فنظر إلى البيت، فوصفه و هو ينظر إليه، ثمّ نعت لهم ما كان لهم من غير ما بينهم وبين الشام .(5)
141-ومنها : أنّ قريشاً كلّهم اجتمعوا، و أخرجوا بني هاشم إلي شعب أبي طالب ومكثوا فيه ثلاث سنين إلا شهراً ، و أنفق أبو طالب وخديجة جميع مالهما، ولا يقدرون على الطعام(6) إلاّ من موسم إلى موسم، فلقوا من الجوع والعرى ا الله أعلم به
وأنّ الله بعث على صحيفتهم الأرضة، فأكلت كلّ ما فيها إلا اسم الله فذكر ذلك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لأبي طالب، فماراع قريشاً إلا و بنو هاشم عنقا(7) واحداً
ص: 87
قد خرجوا من الشعب.
فقال قریش : الجوع أخرجهم. فجاؤوا حتى أتوا الحجر،وجلسوا فیه، و كان لايقعد فيه إلاّ فنيان(1) قریش . فقالوا: يا أبا طالب قد آن لك أن تصالح قومك .
قال: قدّ جئتكم بخبر ، ابعثوا إلى صحيفتكم لعلّه أن يكون بيننا وبينكم صلح .
قال: فبعثوا إليها وهي عند أم أبي جهل ، و كانت قبل في الكعبة، فخافوا عليها السرق فوضعت بين أيديهم، وخراتیمهم عليها .
فقال أبو طالب : هل تنكرون منها شيئاً ؟ قالوا: لا. قال : إنّ ابن أخي حدّثني - ولم يكذّبني قط - أنّ الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة، فأكلت كل قطيعة و إثم ، و تركت كلّ اسم هو لله، فإن كان صادقاً، أقلعتم عن ظلمنا، وإن يكن كاذباً ندفعه إليكم فقتلتموه.
فصاح الناس : نعم(2) يا أبا طالب. ففتحت ثمّ أخرجت فإذا هي مشربة(3) كما قال صلی الله علیه و آله و سلّم فكبّر المسلمون وانتقعت (4) وجوه المشركين .
فقال أبو طالب: أتبيّن لكم أيّنا(5) أولى بالسحر و الكهانة ؟ فأسلم يومئذ عالم من النّاس، ثمّ رجع أبو طالب إلى شعبه ، ثم عيّرهم هشام بن
ص: 88
عمرو العامريّ بما صنعوا ببني هاشم .(1).
142 -ومنها : أنّه صلّی الله علیه و آله و سلّم كان يصلّي مقابل الحجر الأسود، و يستقبل الكعبةو يستقبل بیت المقدس ، فلا يرى حتّى يفرغ من صلاته ، و كان يستقر بقوله تعالی :
«وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا »(2) وبقوله: «أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ »(3).
و بقوله : «وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا »(4)
و بقوله : «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً »(5) .(6)
143- ومنها: أنّ رجلا أتى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قال: إنّي خرجت و امرأتي حائض ورجعت و هي حبلى ! فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : من تتّهم؟ قال: فلاناً وفلاناً. قال: ائت بهما. فجاء بهما فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : إن يكن من هذا فسيخرج قططاً(7) كذا و كذا. فخرج كما قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم (8).
144- و منها: أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بعث إلى يهودي يسأله قرض شيء له ، ففعل ثم جاء اليهودي إليه فقال: جاءتك حاجتك؟ قال : نعم ، ثم قال : فابعث فيما أردت ولاتمتنع من شيء تريده . فقال له النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : أدام الله جمالك .
فعاش اليهودي ثمانين سنة مارؤي في رأسه طاقة شعر بيضاء(9).(10)
ص: 89
145- ومنها: أنّ أبا عبد الله علیه السلام قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم كان يسير في بعض مسيره قال لأصحابه: يطلع عليكم من بعض هذه الفجاج شخص لیس له عند بأنيس(1) منذ ثلاثة أيام .
فما لبثوا أن أقبل أعرابيّ قد يبس جلده على عظمه ، و غارت عيناه في رأسه و اخضر ت شفتاه من أكل البقل . فسأل عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم في أوّل الرفاق(2) حتّى لقيه فقال له: أعرض عليّ الأسلام .
فقال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم . قال: أقررت .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : تصلّي [الصلوات] الخمس، وتصوم شهر رمضان. قال: أقررت .(3).
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : تحجّ البيت [الحرام]، و تؤدّي الزكاة، وتغتسل من الجنابة . قال: أقررت.
فتخلّف بعير الأعرابي ، و وقف النبی صلی الله علیه و آله و سلّم فسأل عنه ، فرجع الناس في طلبه فوجدوه في آخر العسكر قد سقط خف بعيره في حفرة من حفر الجرذان، فسقط فاندق عنق الأعرابي، و عنق البعير وما ميّتان .
فأمر النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فضربت خيمة فغسّل فيه، ثمّ دخل النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فكفّنه، فسمعوا للنبي صلی الله علیه و آله و سلّم حركة، فخرج و جبينه يترشّح عرقاً، وقال :
إنّ هذا الأعرابي مات وهو جائع، وهوه ممّن آمن ولم يلبس إيمانه بظلم. فابتدرته الحور العين بثمار الجنّة يحشون بهاشدقه ، هذه تقول :یا رسول الله اجعلني في أزواجه، وهذه تقول: يارسول الله اجعلني في أزواجه.(4).
146 - ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم كان يخرج في الليلة ثلاث مرات إلى المسجد ويخرج في آخر ليلة، و كان يبيت عند المنبر مساکین، فدعا بجارية تقوم على نسائه فقال:
ص: 90
إنتيني بما عندكم. فأتته ببرمة(1) ليس فيها إلاّ شيء يسير ، فوضعها .
ثم أيقظ عشرة وقال: كلوا باسم اللّه. فأكلوا حتّى شبعوا، ثم أيقظ عشرة، فقال: کلوا باسم اللّه . فأكلوا حتى شبعوا [ثمّ] هكذا، و بقي في القدر بقيّة فقال : إذهبي بهذا إليهم.(2)
147- ومنها : أن رمان جاء إلى رسول الله فقال : ما طعمت طعماً ، منذ يومين فقال: عليك بالسوق . فلمّا كان من الغد أتاه(3) فقال: يا رسول الله أتيت السوق أمس فلم أصب شيئاً ، غبت بغير عشاء .
قال: فعليك بالسوق. فأتي بعد ذلك أيضاً. فقال صلی الله علیه و آله و سلّم: عليك بالسوق .
فانطلق إليها فاذا عير قد جاءت و عليها متاع، فباعوه بفضل دینار(4)
فأخذه الرجل وجاء إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و قال: ما أصبت شيئاً .
قال: هل أصبت من عير آل فلان شيئاً؟ قال: لا.
قال: بلی ضرب لك فيها بسهم، وخرجت منها بدينار ؟
قال: نعم. قال : فما حملك على أن تكذب ؟ قال: أشهد أنّك صادق، ودعاني إلى ذلك إرادة أن أعلم : أتعلم ما يعمل الناس؟ [وأن] أزداد خيراً إلى خير .
فقال له النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم: صدقت، من استغنى أغناه الله، ومن فتح علی نفسه باب مسألة فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر لا يسدّ أدناها شيء . فما رؤي سائل بعد ذلك اليوم .
ثمّ قال: إنّ الصدقة لاتحلّ لغنيّ ولا لذي مرّة سوي.(5)
ص: 91
أي: لا يحلّ له أن يأخذها وهو يقدر أن يكفّ نفسه عنها.(1)
148- ومنها:أنّ أبا جعفرعلیه السلام قال: بينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوماً جالساً ، إذقام متغيّر اللون فتوسّط المسجد، ثمّ أقبل يناجي، فمكث طويلا، ثمّ رجع إليهم ، فقالوا: یا رسول الله رأينا منك منظراً ما رأيناه فيما مضى .
قال: إنّي نظرت إلى ملك السحاب «إسماعيل» ولم يهبط إلى الأرض إلاّ بعذاب فوثبت مخافة أن يكون قد نزل في أمّتي بشيء، فسألته ما أهبطه؟ فقال: استأذنت ربّي في السلام عليك ، فأذن لي.
قلت: فهل أمرت فيها بشيء؟ قال: نعم في يوم كذا، في شهر كذا، في ساعة كذا فقام المنافقون وظنّوا أنّهم على شيء، فكتبوا ذلك اليوم، و كان أشد يوم حرّاً فأقبل القوم يتغامزون، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : لعليّ علیه السلام أنظر هل ترى في السماء شيئاً ؟ فخرج ثمّ قال: أرى في مكان كذا کھيئة الترس غمامة . فما لبثوا أن جلّلتهم سحابة سوداء ، ثمّ هطلت عليهم حتى ضجّ الناس .(2)
149-ومنها : أنّ أبا عبد الله علیه السلام قال: من الناس من لايؤمن إلا بالمعاينة و منهم من يؤمن بغيرها . إن رجلا أتى النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فقال: أرني آية .
فقال(3) بيده إلى النخلة، فذهبت يمنة ثم قال هكذا، فذهبت يسرة، فآمن الرجل.(4) 150- و منها: أنّ علياً علیه السلام بکی یوماً، وقال : ماتت أمّي. فنهض النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فقال: هي والله أمي حقاً ، ما رأيت من عمّي شيئاً إلّا وقد رأيت منها أكثر منه. ثم صاح یا أم سلمة ! هذه بردتي فأزریها فیها وهذه قميصي فدرعيها فيها ، وهذا ردائي فادرجيها فيه ، فاذا فرغت من غسلها فأعلميني .
ص: 92
فأعلمته أمّ سلمة، فحملها على سریرها، ثمّ صلّي عليها، ثم نزل [لحدها] فلبث(1) ما شاء اللّه لا يسمع له [إلا] همهمة .
ثم صاح يا فاطمة !قالت: لبّيك يا رسول اللّه. قال: هل رأيت ما ضمنت لك.
قالت : نعم ، فجزاك اللّه عنّي في المحيا والمات أفضل الجزاء.
فلما سوّى عليها و خرج، سئل عنها فقال. : فرأت عليها يوماً «وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ »(2).
فقالت: یارسول اللّه ومافرادی؟ ، قلت : عراة. قالت : و اسوأتاه. فسألت اللّه ألا تبدي عورتها.
ثم سألتني عن منكر ونكير فأخبرتها [بحالهما] بأنّهما كيف يجيئان قالت: واغوثاه بالله منهما . فسألت الله أن لا يريهما إيّاها، و أن يفسح لهافي قبرها ، و أن يحشرها في أكفانها.(3)
151- ومنها : أنّ رجلامات، وإذا الحفّارون لم يحفروا شيئاً ، فشكوا إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم وقالوا: ما يعمل حديدنا في الأرضّ کما نضرب في الصفا .(4)
قال: ولم؟ إن كان صاحبكم لحسن الخلق، إئتوني بقدح من ماء : فأدخل يده فيه ثمّ رشّه على الارض رشّأ، فحفر الحفّارون فكأنّما رمل يتهايل عليهم .(5)
152 - ومنها : أنّ محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام : الرجل يكون في المسجد فتكون الصفوف مختلفة، فيها الناقصة ، فأميل إليه أسعی حتّی أتمسّه ؟
قال: لا بأس، إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال: ألا أيّها الناس، إنّي أراكم من خلفي كما أراكم من بين يديّ ، فلتقيمنّ صفوفكم، أو ليخالفنّ اللّه بين قلوبكم .(6)
ص: 93
153- و منها : أنّ ابن الكوا قال لعليّ علیه السلام : بما كنت وصي محمّد من بين بني عبدالمطّلب ؟ قال :
أدن، ما الخير تريد(1). لمّا نزل على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ »(2)
جمعنا رسول الله و نحن أربعون رجلا، فأمرني فأنضجت له رجل شاة ، و صاعاً من طعام ، أمرني فطحنته وخبزته ، و أمرني فأدنيته .
ثمّ قال : فقال : تقدّم عليّ عشرة عشرة من أجلّتهم. فأكلوا حتّی صدروا[وبقي الطعام كما كان] وإنّ منهم لمن يأكل الجذعة(3) و يشرب الفرق(4) نأكلوا منها كلهم أجمعون.
فقال أبو لهب : سحر کم صاحبكم، فتفرّقوا عنه .
ودعاهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم ثانية ثمّ قال: أيّكم يكون أخي ووصيّي و وارثي؟
ص: 94
فعرض عليهم كلّهم، و كلّهم يأبى حتّى انتهى إليّ وأنا أصغرهم سنّا[و أعمشهم(1) عيناً ، وأحمشهم(2) ساقاً].
فقلت : أنا . فرمى إليّ بنعله(3) فلذلك كنت وصيّه من بينهم.(4)
154- و منها : أن أبا عبد الله علیه السلام قال: قال عبد الله بن أميّة لرسول الله : إنّا لن نؤمن لك حتّى تأتينا بالله و الملائكة قبیلا ، أو يكون لك بيت من ذهب ، أو ترقی في السماء ، ولن نؤمن لرقيّك، والله لو فعلت ذلك ما كنت أدري أصدّقك أم لا.
فانصرف النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ثم نظروا في أمورهم، فقال أبو جهل :
ص: 95
لئن أصبحت و هو قد دخل المسجد لأطرحن على رأسه أعظم حجر أقدر عليه .
فدخل رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم المسجد فصلّي ، و أخذ أبو جهل الحجر، و قریش تنظر فلما دنا رمي بالحجر من يده، وأخذته الرعدة . فقالوا : مالك ؟
قال : رأيت أمثال الجبال مقنّعين في الحديد لو تحرّكت أخذوني .(1).
155- و منها : أنّ أباعبداللّه علیه السلام قال : كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلّم يأتي مراضع فاطمة علیها السلام فيتفل في أفواههم، ثمّ يقول لفاطمة :لا ترضعيهم».(2).
156 - و منها : أن محمّد بن عبد الحمید روی عن عاصم بن حميد، عن يزيدابن خليفة، قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام قاعداً ، فسأله رجل من القمّيين ، قال : أتصلّي النساء على الجنائز ؟ فقال :
إنّ المغيرة بن أبي العاص ادعى أنّه رمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم فکسر رباعيّته، وشقّ شفتيه، و کذب، وادّعى أنّه قتل حمزة ، و كذب.
فلمّا كان يوم الخندق ضرب على أذنيه(3) فنام فلم يستيقظ حتّى أصبح ، فخشي أن يجيء الطلب فيأخذوه، فتنكّر و تقنّع بثوبه، و جاء إلى منزل عثمان يطلبه، وتسمّی
ص: 96
باسم رجل من بني سليم كان يجلب إلى عثمان الخيل والغنم والسمن .
فجاء عثمان فأدخله منزله وقال: ويحك ماصنعت؟ ادّعيت أنّك رمیت رسول اللّه وادّعيت أنّك شققت شفتيه، و کسرت رباعيّته ، وادّعيت أنّك قتلت حمزة.
وأخبره بما لقي، وأنّه ضرب على أذنه .
فلمّا سمعت ابنة النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بما صنع بأبيها و عمّها صاحت، فأسكتها عثمان، ثم خرج عثمان إلى رسول الله وهو جالس في المسجد فاستقبله بوجهه وقال : يا رسول الله إنّك آمنت، عمّي المغيرة و كذب ؟ فصرف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وجهه عنه.
ثم اتقبله من الجانب الآخر فقال: يارسول الله إنّك آمنت عمّي المغير تو كذب؟ فصرف عنه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وجهه ثلاثاً .
ثمّ قال : قد آمنّاه وأجّلناه ثلاثاً ، فلعن الله من أعطاه راحلة أو رحلا أو قتباً أو سقاً أو قربة أو أداوة(1) أو خفّاً أو نعلا أو زادة أو ماء.
قال عاصم : هذه عشرة أشياء، فأعطاها كلّها إبّاه عثمان . فخرج فسار على ناقته فنقبت، ثم مشى في خفّيه فنقبا ، ثم مشى في نعليه فنقبتا، ثم مشى على رجليه فنقبتا ، ثم جثا على ركبتيه فنقبتا، فأتى شجرة فجلس تحتها .
فجاء الملك فأخبر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بمكانه، فبعث إليه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم زيداً و الزبير(2) فقال لهما : إئتياه فهو في مكان كذا وكذا، فاقتلاه .
فلمّا إنتهيا إليه قال: زيد للزبير : إنّه ادعى أنّه قتل أخي، وقد كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم آخی بین حمزة و زيد فاتركني أقتله . فتر که الزبير ، فقتله .
ص: 97
فرجع عثمان من عند النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم فقال لامرأته: إنّك أرسلتي إلى أبيك فأعلمتيه بمكان عمّي .
فحلفت له باللّه ما فعلت ، فلم يصدّقها فأخذ خشب القتب(1) فضربها ضرباً مبرحاً .
فأرسلت إلى أبيها تشكو ذلك وتخبره بماصنع: فأرسل إليها : إنّي لأستحيي للمرأة أن لا تزال تجر ذيولها تشكو زوجها.
فأرسلت إليه أنّه قد قتلني . فقال صلی الله علیه و آله و سلّم لعلي علیه السلام : خذ السيف، ثم إئت بنت عمّك فخذ بيدها، فمن حال بينك وبينها فاضربه بالسيف .
فدخل عليها علي علیه السلام فأخذ بيدها ، فجاء بها إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلّم. فأرته ظهرها ،فقال أبوها: قتلها، قتله الله. فمكثت يوماً وماتت في الثاني، واجتمع الناس للصلاة عليها .
فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من بيته وعثمان جالس مع القوم ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم:
من ألّم(2) بجاريته الليلة فلايشهد جنازتها. قالها مرّتين، و هو ساكت فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : ليقومن أو لاسمّينه باسمه واسم أبيه. فقام يتوكأ على مهين(3)
قال: فخرجت فاطمة في نسائها ، فصلّت على أختها.(4)
ص: 98
157- ومنها : ما رواه جابر بن یزید الجعفي، عن أبي جعفرعلیه السلام قال: مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم يوماً علي عليّ علیه السلام والزبير قائم معه يكلّمه فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : ما تقول له؟ فوالله لتكونن أوّل العرب تنكث بيعته .(1)
158- ومنها : أنّ أبا بصبر روی ، عن أبي عبد الله علیه السلام: أنّه كان في المسجد الحرام ثلاثمائة وستّون صنماً ، و إن بعضها فيما يزعمون مشدود ببعضها بالرصاص. فأخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم کفّاً من حصى، فرماها في عام الفتح، ثم قال: « جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا » .(2) فما بقي منها صنم إلا خرّ لوجهه.
فأمر بها فاخرجت من المسجد، فطرحت و کسّرت .(3)
فلمّا دخل وقت صلاة الظهر أمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بلالا، فصعد على الكعبة فقال عكرمة(4) : أكره أن أسمع صوت ابن رباح ينهق على الكعبة .
ص: 99
و حمد[اللّه] خالد بن أسيد(1) أنّ أباه [أباعتاب] توفّي ولم ير ذلك.
وقال أبو سفيان: لا أول شيئاً، لو نطقت لظننت أنّ هذه الجدر(2) ستخبر به محمّداً .
فبعث إليهم النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : فأتي بهم، فقال عتاب: نستغفر الله ونتوب إليه، قد و الله يا رسول الله قلنا. فأسلم و حسن إسلامه، فولّاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم مكّة .(3)
159- ومنها : أنّ الصادق علیه السلام قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أقبل إلى الجعرانة(4)
فقسّم فيها الأموال، و جعل الناس يسألونه و يعطيهم حتّى ألجؤوه إلى شجرة فأخذت برده و خدشت ظهره حتّی رحلوه عنها و هم يسألونه ، فقال : أيّها الناس ردّوا علي بردي، والله لو كان عندي عدد شجر تھام: نعماً لقسّمته بينكم، ثم ما ألفيتموني جباناً ولا بخيلا. ثم خرج من الجعرانة في ذي القعدة قال: فما رأيت تلك الشجرة إلا خضراء كأنما يرش عليها الماء وفي رواية اخرى: حتى انتزعت الشجرة رداءه وخدشت ظهره .(5).
160- ومنها: أنّه في وقعة تبوك أصاب الناس عطش،فقالو : یا رسول الله لو دعوت الله
ص: 100
لسقانا؟ فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : لو دعوت الله لسقيت .
قالوا: يارسول الله ادع الله ليسقينا . فدعا، فسالت الأودية و إذا قوم على شفير الوادي يقولون: مطرنا بنوء(1) الذراع و بنوء كذا فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : ألا ترون؟ فقال خالد: ألا أضرب أعناقهم؟ فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : لا، هم يقولون هكذا، وهم يعلمون أنّ الله أنزله .(2)
161- ومنها : أنّ أبا عبدالله علیه السلام قال: قال الناس في غزوة تبوك : تخلّف أبوذر فنزل [بسحر طویل](3) فلم يبرح مكانه حتّى أصبح، ثم جعل يرمق الطريق حتّی طلع أبوذر يحمل كساه(4) على عاتقه ، قال : و قد تخلّف عنه بعيره فتلوّم(5) عليه فلمّا أبطأ عليه، أخذ متاعه ومضي، قال : هذا أبوذر.
فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : أبوذرّ يمشي وحده ، و يجييء(6) وحده ، و يموت وحده ويبعث وحده، اسقوه، فانّه عطشان.
فقلنا : يارسول الله هذه إداوة معلّقة معه بعصاة مملوءة ماءاً .
ص: 101
قال : فالتفت وقال : فاياكم أن تقتلوه ، اسقوه ، فانّه عطشان .
قال أبو قتادة: فأخذت قدحي فملاته ، ثمّ سعيت به نحوه حتّى لقيته ، فبرك على ركبتيه ، ثم شرب حتّى أتى عليه ، فقلت : رحمك الله أبلغ من العطش ما أرى و هذه إداوة معك مملوءة ماء ؟ قال : إنّي مررت على نضحة من السماء على صخرة فأوعيتها إداوتي ، وقلت : أسقيها رسول الله .(1)
162- ومنها : أنّ أبا عبد الله علیه السلام قال : ما زال القرآن ينزل بكلام المنافقين حتّی تركوا الكلام ، واقتصروا بالحواجب يغمزون ، فقال بعضهم :
ما تأمنون أن تسمّوا في القرآن فتفتضحوا أنتم وعقبكم ، هذه عقبة بن أيدينا لورمينا به منها يتقطع . فقعدوا على العقبة و يقال لها : عقبة ذي فيق.(2)
قال حذيفة : كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إذا أراد النوم على ناقته اقتصدت في السير.
فقال حذيفة : قلت ليلة من الليالي : لا واللّه لاافارق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم . قال : فجعلت أحبس ناقتي عليه . فنزل جبرئیل علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال :
هذا فلان وفلان و[فلان] حتّی عدهم، قد قعدوا ينفرون(3) بك.
ص: 102
فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم : يا فلان، یا فلان ، یا فلان ، يا أعداء الله . حتّي سمّاهم بأسمائهم كلّهم . ثمّ نظر ، فاذا حذيفة ، فقال : عرفتهم ؟ قلت : نعم برواحلهم و هم متلثمون ، فقال : لاتخبر بهم أحداً . فقلت : يا رسول الله أفلا تقتلهم ؟ قال :
إنّي أكره أن يقول الناس «قاتل بهم حتّى إذا ظفر قنلهم» و كانوا من قريش(1).
163- ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال لجيش بعثهم إلى أكيدر دومة الجندل(2):
أما إنّكم تأتونه فتجدونه يصيد البقر. فوجدوه كذلك.(3)
ص: 103
164- ومنها : أنّه لمّا نزلت: «إذا جاء نصر اللّه والفتح»(1) قال : نعيت إلي نفسي وأنّي مقبوض . فمات في تلك السنة .
وقال لمّا بعث معاذبن جبل إلى اليمن: إنّك لا تلقاني بعد هذا .(2)
165- ومنها : أنّ الصادق علیه السلام قال: أصابت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في غزوة المصطلق ریح شديدة، فتّت(3) الرحال و كادت تدفنها،(4) فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم :أم إنّها موت منافق . قالوا : فقدمنا المدينة فوجدنا رفاعة بن زيدمات في ذلك اليوم، وكان عظيم النفاق، وكان أصله من اليهود .
فضلّت ناقة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في تلك الريح، فزعم(5) یزید بن الاصيب، و كان في منزل عمّارة بن حزم : كيف يقول: إنّه يعلم الغيب و لا يدري أين ناقته ؟
فقالوا : بئس ما قلت والله ما يقول هو أنّه يعلم الغيب، وهو صادق .
فأخبر النبيّ بذلك فقال: لا يعلم الغيب إلا الله، و إنّ الله أخبرني أنّ ناقتي في هذا الشعب تعلق زمامها بشجرة . فوجدوها كذلك ، ولم يبرح أحد من ذلك الموضع(6)فأخرج عمّارة بن الاصيب من منزله .(7)
166- ومنها : أنّ سلمان قال: كنت صائماً فلم أقدر إلا على الماء ثلاثاً، فأخبرت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بذلك، فقال: اذهب بنا .
ص: 104
قال: فمررنا فلم نصب شيئاً إلا عنزة، فقال رسول الله لصاحبها : قربّها . قال : حائل.(1)
قال: قربّها . فقربها، فمسح موضع ضرعها، فأسدلت .
قال لصاحبها : قرّب قعبك(2) [فجاء] فملاه لبناً، فأعطاه صاحب العنز فقال: اشرب. فشرب، ثم ملا القدح وناولني فشربته ، ثم أخذ القدح، فملاه فشرب .(3).
167- ومنها : أنّ أنساً قال : قال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : يدخل عليكم من هذا الباب خيرالأوصياء، وأدنى الناس منزلة من الأنبياء .
فدخل عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقال لعلي: «اللّهم اذهب عنه الحرّ والبرد» .
فلم يجدهما حتّى مات، فانّه كان يخرج في قميص في الشتوة .(4)
168- ومنها : أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم كتب إلى قيس بن عرنة البجلي يأمره بالقدوم عليه، فأقبل ومعه خویلد بن الحارث الكلبي ، حتّى إذا دنا من المدينة، هاب الرجل أن يدخل .
فقال له قيس: أمّا إذا أبيت أن تدخل فكن في هذا الجبل حتى آتيه، فان رأيت الّذي تحب أدعوك، فاتبّعني.
فأقام و مضي قيس حتّى إذا دخل على النبي صلی الله علیه و آله و سلّم المسجد فقال: یا رسول الله أنا آمن؟ قال: نعم، وصاحبك الّذي تخلّف في الجبل .
قال: فانّي أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله .
ص: 105
فبايعه، وأرسل إلى صاحبه فأتاه، فقال له النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم :
يا قیس إنّ قومک قومي، وإنّ لهم في الله وفي رسو له خلفاً .(1)
169- ومنها : أنّ هرقل بعث رجلا من غسّان وأمره أن يأتيه بخبر محمّد ، وقال له: احفظ لي من أمره ثلاثاً : انظار على أي شيء تجده جالساً ، و من على يمينه، و إن استطعت أن تنظر إلى خاتم النبوة فافعل فخرج الغسّاني حتّى أتى النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فوجده جالساً على الأرض، و وجد عليّ بن أبي طالب علیه السلام عن يمينه ، و جعل رجليه في ماء يفور ، فقال : من هذا على يمينه ؟ قيل: ابن عمّه. فكتب ذاك و نسي الغسّاني الثالثة .
فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : تعال ، فانظر إلى ما أمرك به صاحبك .
فنظر إلى خاتم النبوة ، فانصرف الرسول إلى هرقل .
قال : ماصنعت ؟ قال : وجدته جالساً على الأرض و الماء يفور تحت قدميه .
و وجدت عليّاً ابن عمّه عن يمينه، وأنسيت ما قلت لي في الخاتم، فدعاني فقال :هلم إلى ما أمرك به صاحبك . فنظرت إلى خاتم النبوّة.
فقال هرقل : هو هذا الّذي بشّر به عیسی بن مریم ، إنّه ير كب البعير فاتّبعوه وصدقوه. ثم قل للرسول: أخرج إلى أخي فأعرض عليه، فانّه شريكي في الملك فقلت له : فما صاب نفسه عن ذهاب ملكه(2).
170- ومنها : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لقي في غزوة ذات الرقاع رجلا من محارب يقال له : عاصم ، فقال له : يا محمّد أتعام الغيب ؟ قال : لا يعلم الغيب إلا الله قال : والله لجملي هذا أحب إلي من إلهك.
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : لكن الله قد أخبرني من علم غيبه أنّه تعالی سیبعث عليك قرحة في
ص: 106
في مسبل(1) لحيتك حتّى تصل إلى دماغك فتموت - والله - إلى النار.
فرجع فبعث الله قرحة فأخذت في لحيته - حتّى وصلت إلى دماغه ، فجعل يقول: لله در القرشي إن قال بعلم ، أو زجر(2) فأصاب .(3).
171- ومنها : أن أباذر قال: يا رسول اله إنّي قد اجتویت(4) المدينة أفتأذن لي أن أخرج أنا وابن أخي إلى الغابة(5) فنكون بها ؟.
قال: إنّي أخشى أن تغير حيّ من العرب ، فيقتل ابن أخيك نتأتي تسعى ، فتقوم بين يدي متّکئاً على عصاك فتقول ، قتل ابن أخي ، وأخذ السرح.(6)
فقال : يارسول الله بل لا يكون إلا خيراً. فأذن له فأغارت خیل بني فزارة، فأخذوا السرح و قتلوا ابن أخيه ، فجاء أبوذرّ معتمداً على عصاه ، و وقف عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و به طعنة قد جافته(7) فقل : صدق الله ورسوله.(8)
ص: 107
172- ومنها : أن أبا ذر أتی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و كان نائماً في حائط(1) فكره أن ينبّهه ، فأراد أن يستبرىء(2) نومه من يقظته، فتناول عسيباً(3) یابساً فكسره ، فسمعه رسول الله فقال :يا أباذر أما تعلم أنّي أری أعمالكم في منامي كما أرى في يقظتي ؟ إن عيني تنامان، ولاينام قلبي.(4)
173-و منها : أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم قال للعبّاس : ويل لذريّتي من ذرّيتك .
فقال : يا رسول الله فأختصي؟ قال: إنّه أمر قد قضي.
أي لاينفع الخصاء، فعبد الله قد ولد، وصار له ولد .(5)
174- ومنها : أنّ وابصة بن عبد الأسدي أتاه و قال في نفسه: لا أدع من البر و الاثم شيئاً إلاّ سألته ، فلمّا أتاه قال له بعض أصحابه : إليك يا وابصة عن سؤال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم . فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم :دعوا و ابصة، أدن .
فدنوت، فقال: تسأل عمّا جئت له ؟ أم أخبرك؟ قال: أخبرني .
قال: جئت تسأل عن البر والاثم . قال: نعم فضرب يده على صدره ثمّ قال : البر ما اطمأنّت إليه النفس، والبر ما اطمأنّ إليه الصدر
ص: 108
والاثم ماتردّد في الصدر، و جال في القلب، وإن أفتاك الناس، وإن أفتوك .(1)
175- ومنها : أنّه أتاه وفد عبد القيس فدخلوا عليه ، فلمّا أدر کوا حاجتهم قال: إئتوني بتمر أرضكم ممّا معكم . فأتاه كل واحد منهم بنوع منه، فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : هذا يسمّى كذا، وهذا يسمّى كذا . قالوا: أنت أعلم بتمر أرضنا منها !
فوصف لهم أرضهم، قالوا: دخلتها؟ قال : لا، ولكن فسح لي فنظرت إليها .
فقام رجل منهم فقال : يا رسول الله هذا خالي و به خبل . فأخذ بردائه وقال: أخرج یا عبد(2) الله - ثلاثاً - ثمّ أرسله فبريء. فأتوه بشاة هرمة ، فأخذ إحدى أذنيها بين إصبعيه فصار لها ميسماً(3) ثمّ قال: خذوها فانّ هذا ميسم في آذان ما تلد إلى يوم القيامة. فهي تتوالد كذلك .(4)
176- ومنها : أنّه كان في سفر فمر على بهير قد أعيا وأقام على أصحابه، فدعا بماء فتمضمض منه في إناء وتوضّأ وقال : افتح فاه . وصب في فيه من ذلك الماء و على رأسه ثم قال : اللهمّ احمل خلاداً و عامرأ و رفيقهما . وهما صاحبا الجمل.
فرکبوه وإنّه ليهتز بهم أمام الخيل .(5)
177- ومنهما : أنّه مرّ على بعير ساقط فبصبص له، فقال: إنّه يشكو ولاية أهلهوسأله أن يخرج عنهم، فسأل عن أصحابه فأتا، صاحبه فقال له:
ص: 109
بعه و أخرجه عنك . فأبى ، و البعير يرغو ، ثمّ نهض و تبع النبيّ صلّی اللّه علیه و آله و سلّم فقال :يسألني أن أتولّى أمره. فباعه من عليّ علیه السلام ، فلم يزل عدده إلى أيّام صفّين.(1)
178- ومنها : أنّ ناقة ضلّت لبعض أصحابه في سفر كان فيه، فقال صاحبها :لو كان نبيّاً لعلم أين الناقة . فبلغ ذلك النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ، فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : الغيب لايعلمه إلاّ الله ، انطلق يا فلان فانّ ناقتك بمكان كذا، قد تعلّق زمامها بشجرة.فوجدها كما قال .(2).
179- ومنها: أنّ عليّاً علیه السلام قال: دخلت السوق فابتعت لحماً بدرهم، و ذرة بدرهم نأتيت بهما فاطمة علیها السلام حتى إذافرغت من الخبز والطبخ قالت: لو أتيت أبي فدعوته.
فخرجت وهو مضطجع، وهو يقول : أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً .
نقلت: يا رسول الله عندنا طعام . فاتّكأ علي ، ومضينا نحو فاطمة .
فلمّا دخلنا قال: هلم طعامك يا فاطمة. فقدّمت إليه البرمة(3) و القرص ، فغطّي القرص وقال : اللّهمّ بارك لنا في طعامنا .
ثمّ قال : اغرفي لعائشة . فغرفت ثم قال : اغرفي لأمّ سلمة .
فما زالت تغرف حتّى وجّهت إلى نسائه التسع بقرصة قرصة و مرق .
ثمّ قال: اغرفي لأبيك وبعلك . ثمّ قال : اغرفي و کلي و اهدي لجيرانك .
ففعلت، و بقي عندهم ما يأكلون أيّاماً .(4)
180- ومنها : أن امرأة عبدالله بن مسلم أتته بشاة مسمومة، ومع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم بشر
ص: 110
ابن البراء بن معرور(1) فتناول النبي صلی الله علیه و آله و سلّم الذراع، وتناول بشر الكراع فأمّا النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فلاكها، و لفظها، وقال: إنها لتخبرني أنّهامسمومة.
و أمّا بشر فلاك المضغة فابتلعها فمات، فأرسل إليها فأقرّت .
فقال: ما حملك على ما فعلت ؟ قالت: قلت زوجي، و أشراف قومي، فقلت : إن كان ملكاً قتلته، وإن كان نبيّأ فسيطلعه الله عليه.(2)
181- ومنها : أن سعد بن عبادة أتاه عشيّة وهو صائم، فدعاه إلى طعامه ودعامعه عليّاً فلمّا أكلوا قال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : نبيّ و وصيّ أفطرا عندك و أكل طعامك الأبرار، و أفطر عندك الصائمون، و صلّت عليك الملائكة .
فحمله سعد على حمار قطوف(3) و ألقى عليه قطيفة، وإنّه لهملاج(4) [لا] سایر .(5)
182- ومنها: أنّه أقبل إلى الحديبيّة وفي الطريق - يوم خرج- و شل(6) بقدر مايروي الراكب و الراكبين ، فقال : من سبقنا إلى الماء فلا يستقينّ.
ص: 111
فلما انتهی إليه دعا بقدح، فتمضض فيه، ثم صب في الماء، فشربوا وملاوا أداواتهم ومياضيهم(1) و توضّؤوا . فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم :لئن بقيتم أو بقي منكم ليسمعن بقي ما بين يديه من كثرة مائه . فوجدوا من ذلك ما قال .(2)
183- ومنها : أنّ أخت(3) عبد الله بن رواحة الأنصاري مرّت به أيام حفرهم الخندق، فقال لها : أين تريدين؟ قالت: آتي عبد الله بهذه المرات .
فقال : هاتیهن. فنثرت في كفّه ، ثمّ دعا بالانطاع(4) ثمّ نادى : هلمّوا فكلوا .
فأكلوا فشبعوا وحملوا ما أرادوا معهم . ودفع ما بقي إليها .(5)
184- ومنهما : أنّه كان في سفر فأجد الناس جوعاً ، فقال : من كان معه زاد فليأتنا فأتاه نفر منهم بمقدار صاع، فدعا بالازر والأنطاع، ثم صفّف التمر عليها، ودعا ربّه فأكثر الله ذلك التمر حتى كان أزوادهم إلى المدينة .(6)
185- ومنها : أنّ أعرابيّاً أتاه علیه السلام فقال: إنّي أريد أن أسألك عن أشياء فلاتغضب .
قال: سل عمّا شئت، فان كان عندي أجبتك وإلاّ سألت جبرئیل .
فقال: أخبرنا عن الصليعاء، والقریعاء(7) وعن أول دم وقع على وجه الأرض ، و عن
ص: 112
خير بقاع الأرض، وعن شرّ ها؟
فقال: يا أعرابي هذا ما سمعت به، ولكنّني يأتيني جبرئيل فأسأل منه.
فهبط، فسأله فقال : هذه أسماء ما سمعت بها قطّ، فعرج إلى السماء، ثم هبط فقال: أخبر الأعرابي أن «الصليعاء» هي السباخ التي يزرعها أهلها فلا تنبت شيئاً .
وأمّا «القريعاء» فالأرض التي يزرعها أهلها فتنبت هاهنا طاقة وهاهنا طاقة، فلا ترجع إلى أهلها نفقاتهم.
وخير بقاع الأرض المساجد، و شرّها الأسواق، وهي ميادين إبليس إليها يغدو . و إن أول دم وقع على الأرض مشيمة حوّاء حين ولدت قابيل بن آدم .(1)
186- ومنها : أن قوماً من اليهود قالوا للصادق علیه السلام:أيّ معجز يدل على نبوّة محمّد ؟ قال : كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الحلال والحرام و غيرهما ممّا لو ذكرناه لطالت .
فقال اليهود : و كيف لنا بأن نعلم أنّ هذا كما وصفت ؟ فقال لهم موسی بن جعفر علیه السلام- وهو صبي و كان حاضراً - : و كيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آیات موسى أنّها على ما تصفون؟ قالوا : علمنا ذلك بنقل الصادقين قال لهم موسی بن جعفر علیه السلام: فاعلموا صدق ما أنبأكم به بخبر طفل لقّنه الله من غیر تعلیم، ولا معرفة عن الناقلین .
فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول الله ، و أنّكم الأئمّة الهادية والحجج من عند الله على خلقه .
فوثب أبو عبدالله علیه السلام فقبّل بين عيني موسی بن جعفرعلیه السلام ثم قال : أنت القائم من بعدي.
(فلهذا قالت الواقفية: إنّ موسی بن جعفر علیه السلام حي وأنّه القائم)
ص: 113
ثم كساهم أبو عبدالله علیه السلام و وهب لهم، وانصرفوا مسلمين .
ولاشبهة في ذلك لأنّ كل إمام يكون قائمًا بعد أبيه، فأمّا القائم الذي يملا الأرض عدلا فهو المهدي بن الحسن العسكري علیه السلام .(1)
187-ومنها : أنّ أبا عبد الله علیه السلام قال : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم خرج في غزاة فلمّا انصرف راجعاً نزل في بعض الطريق ، فبينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يطعم و الناس معه إذ أتاه جبرئيل علیه السلام فقال: يا محمّد قم فاركب .
فقام النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فرکب، و جبرئيل معه فطویت له الأرض كطي الثوب حتى انتهى إلى فدك(2) فلمّا سمع أهل فدك وقع الخيل ظنّوا أن عدوّهم قد جاءهم ، فغلّقوا أبواب المدينة، ودفعوا المفاتيح إلى عجوز لهم في بيت لهم خارج المدينة، ولحقوا برؤوس الجبال ، فأتى جبرئيل العجوز حتى أخذ المفاتيح ، ثم فتح أبواب المدينة ودار النبي صلی الله علیه و آله و سلّم في بيوتها وقراها، فقال جبرئیل :
یا محمّد هذا ما خصّك الله به و أعطاك دون الناس، وهو قوله :
«ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول و لذي القربى»(3) وذلك في قوله « فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ » .(4)
ص: 114
ولم يغزوا(1) المسلمون ولم يطؤوها و لكن الله أفاءها على رسوله، وطوّف به جبرئیل في دورها وحيطانها و غلّق الباب و دفع المفاتيح إليه فجعلها رسول الله في غلاف سیفه و هو معلّق بالرحل. ثمّ ركب و طويت له الأرض کطّي الثوب ، فأتاهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وهم على مجالسهم لم يتفرقوا ولم يبرحوا فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم للناس: قد انتهيت إلى فدك ، وإنّي قد أفاءها الله علي .
فغمز المنافقون بعضهم بعضاً . فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : هذه مفاتیح فدك .
ثم أخرجها(2) من غلاف سيفه، ثمّ ركب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و ركب معه الناس فلمّا دخل على فاطمة علیها السلام فقال : يا بنيّة إن الله قد أفاء على أبيك بفدك واختصّه بها فهي لي خاصّة دون المسلمين، أفعل بها ما أشاء، و إنّه قد كان لامك خديجة على أبيك مهر ، وإن أباك قد جعلها لك بذلك، ونحلتكها تكون(3) لك و لولدك بعدك قال: فدعا بأدیم عكاظي(4) ودعا علي بن أبي طالب علیه السلام فقال:أكتب لفاطمة بفدك نحلة من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم .
و شهد على ذلك علي بن أبي طالب ، و مولی لرسول الله ، و أمّ أيمن .
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إن أم أيمن إمرأة من أهل الجنّة وجاء أمر فدك إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنة .(5)
ص: 115
188- ومنها : أنّ قريشاً أرسلت النضر بن الحرث وعقبة بن أبي معيط إلى اليهود بیثرب فقالوا لهما: إذا قدمتما عليهم فاسألوهم عنه. فلمّا قدما سألوهم عنه، فقالوا :صفوا لنا صفته. فقالوا: و من تبعه ؟ قالوا: سفلتنا . فصاح حبر منهم ثم قال :
هذا النبيّ الّذي نجد نعته في التوراة، و نجد قومه أشد الناس عداوة له.(1)
189- ومنها : أنّ أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى بيت الله الحرام ليهدمه قبل مبعثه فقال عبد المطّلب لأبرهة وقدحقّره بعد أن عظّم شأنه لسؤاله بعيره :«إنّ لهذا البيت ربّاً يمنعه» .
ثم رجع أهل مكّة، فدعا عبد المطلب على أبي قبيس، و أهل مكّة قد صعدوا وقدترکوا مكّة، ثم قال لأبي طالب: أخرج وانظر ماذا ترى في السماء .
فرجع وقال: أری طیوراً لم تكن في ولايتنا. وقد أخبره سيف بن ذي يزن و غیره به فأرسل الله عليهم طيراً أبا بیل، و دفعهم عن مكّة وأهلها فأهلكهم ببركة محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم .(2)
190- ومنها : أنّ سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة، وفد علي: قريش، وفيهم عبد المطّلب، فسأله عن محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم سراً ، فأخبره به .
ثمّ بعد مدّة طويلة دخلوا عليه فسألهم عنه ، و وصف لهم صفته، فأقرّوا جميعاً
ص: 116
أنّ هذه الصفة في محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم فقال :
هذا أوان مبعثه، و مستقرّه بيثرب، و موته بها .(1)
191- ومنها : ما روی معمر بن خلاد عن الرضا، عن أبيه موسی بن جعفر علیه السلام قال: كنت عند أبي يوم(2) و أنا طفل خماسي [إذ] دخل عليه نفر من اليهود، فقالوا :أنت ابن محمّد نبيّ هذه الامة، والحجة على أهل الأرض؟ قال له : نعم .
قالوا: فانّا نجد في التوراة أنّ الله آتی إبراهيم و ولده الكتاب والحكم والنبوة وجعل لهم الملك والأمامة ، هكذا وجسدنا ذرية الأنبياء لاتتعدّاهم النبوّة و الخلافة والوصيّة، فما بالكم قد تعد اكم ذاك ، و ثبت في غيرکم ، و نلقاكم مستضعفين مقهورین لاترقب فيكم ذمّة نبيكم؟
فدمعت عينا أبي عبد اللّه علیه السلام ثمّ قال: نعم، لم تزل أنبياء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حقّ، و الظلمة غالبة، وقليل من عباد الله الشكور.
قالوا: فانّ الأنبياء و أولادهم عملوا من غير تعلیم و أوتوا العلم تلقيناً ، و كذلك ينبغي لائمتهم و خلفائهم و أوصيائهم فهل أوتيتم ذلك ؟
قال أبو عبد اللّه علیه السلام :أدن یا موسی. فدنوت ، فمسح يده على صدري، ثم قال :«اللّهمّ أيّده بنصرك بحقّ محمّد و آله» .
ثمّ قال: سلوه عمّا بدا لکم . قالوا: كيف نسأل طفلا لا يفقه؟
فقلت: سلوني تفقّهاً، ودعوا العنت.
فقالوا : أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسی بن عمران .
فقلت: العصا ، و إخراجه يده من جيبه بيضاء، و الجراد، والقمّل، والضفادع، والدم
ص: 117
ورفع الطور ، والمنّ و السلوي آية واحدة، و فلق البحر .قالوا:
صدقت، فما أعطي نبيّكم من الآيات التي نفت الشكّ عن قلوب من ارسل إليه؟ قلت: آيات كثيرة أعدها إن شاء الله فاسمعوا، وعوا، وافقهوا :
أما أول ذلك فأنتم تدرون بأنّ الجن كانت تسترق السمع قبل مبعثه فمنعت في أوان رسالته بالرجوم و انقضاض النجوم، و بطلان السحرة والكهنة .
ومن ذلك : كلام الذئب بخبر نبوته، و اجماع العدو والصديق على صدق لهجته وصدق أمانته، وعدم جهله أيام طفوليته وحين أيفع، وفتی و کھلا، لا يعرف له شكل ولا يوازنه مثل .
ومن ذلك : أنّه كان دعاعلی مضر فقال: اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، و اجعلها عليهم كسنين يوسف . فأصابهم سنون. و عد معجزات كثيرة .(1)
192- ومنها : ما روی عیسی بن عبدالله الهاشمي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ علیه السلام قال : لمّا كان يوم القضيّة(2) حين ردّ المشركون النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ومن معه، و دافعوه عن المسجد أن يدخلوه، فهادنهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ، فكتبوا بينهم كتاباً .
قال علي: فكنت أنا الذي كتبت، فكتبت: «باسمك اللّهمّ ، هذا كتاب بين محمّد رسول الله و بین قریش» فقال سهيل بن عمرو : لو أقررنا أنّك رسول الله لم ينازعك أحد.
فقلت : بل هو رسول الله وأنفك راغم .
فقال لي رسول الله : أكتب له ما أراد، ستعطى يا علي بعدي مثلها .
قال علیه السلام: فلمّاكتبت الصلح بيني وبين أهل الشام فكتبت :
«بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب بين علي أمير المؤمنين و بين معاوية بن أبي سفیان»
ص: 118
فقال معاوية وعمرو بن العاص : لو علمنا أنّك أمير المؤمنين لم ننازعك.
فقلت : أكتبوا ما رأيتم(1) فعلمت أن قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قد جاء حقاً .(2)
193- ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم لمّا تلا «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى «مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى »(3) قال رجل مسن قریش : كفرت بربّ النّجم .
فقال النبيّ صلّی اللّه علیه و آله و سلّم : سلّط الله عليك(4) كلباً من کلابه - يعني أسداً - .
فخرج مع أصحابه في كثرة إلى الشام حتّى إذا كانوا بها رأي أسداً ، فجعلت فرائصه ترعد فقيل له: من أيّ شيء ترعد وما نحن وأنت إلاّ سواء ؟ فقال :إنّ محمّداً دعاعليّ ، لا والله ما أظلّت هذه السماء من ذي لهجة أصدق من محمّد ثم وضعوا العشاء، فلم يدخل يده فيه، ثم جاء القوم فحاطوه بأنفسهم وبمتاعهم و وسطوه(5) بينهم وناموا جميعاً حوله، فجاءهم الأسد فهمس يستنشق رجلا رجلا حتّى انتهى إليه فضغمه ضغمة(6) کانت إيّاها ، و كان بآخر رمق وهو يقول(7):
ألم أقل [لكم] إن محمّداً أصدق الناس ؟ ومات(8)
194- ومنها : أنّ شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قال: ما كان أحد أبغض إلي من محمّد ، و كيف لا يكون ذلك وقد قتل منّا ثمانية كل منهم يحمل اللّواء فلمّا فتح مكّة آيست ممّا كنت أتمنّاه من قتله، وقلت في نفسي:
قد دخلت العرب في دينه، فمتى أدرك ثأري منه ؟
فلمّا اجتمعت هوازن بحنين قصدتهم لآخذ منه غرّة(9) فاقتله ، ودبّرت في نفسي
ص: 119
كيف أصنع ، فلمّا انهزم الناس و بقي محمّد وحده والنفر الّذين بقوا معه جئت من ورائه ورفعت السيف حتّى إذا كدت أحطّه غشي فؤادي ، فلم أطق ذاك، فعلمت أنّه ممنوع.
وروى أنّه قال: رفع إلىّ شواظ من نارحتّی کاد أن يحمشني(1) ثم التفت إلي محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم فقال لي: أدن يا شيبة وقاتل . و وضع يده في صدري، فصار أحب الناس إلي ، وتقدمت و قاتلت بين يديه، فلو عرض لي أبي لقتلته في نصرة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم .
فلمّا انقضى القتال دخلنا(2) على رسول الله فقال لي: الذي أراد الله بك خيراً ممّا أردته لنفسك . وحدّثني بجميع ما زوّرته(3) في نفسي فقلت : ما اطّلع على هذا إلا الله . فأسلمت .(4).
195- و منها : لمّا حاصر النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم أهل الطائف قال عيينة بن حصين(5): ائذن لي حتّى آتي حصن الطائف فاكلّمهم. فأذن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فجاءهم فقال : أدنو منكم وأنا آمن؟ قالوا: نعم . و عرفه أبو محجن فقال: أدن ودخل عليهم ، فقال : فداكم أبي وأمي والله لقد سرني مارأيت منكم، و مافي العرب
ص: 120
أحد غيركم ، و واللّه ما في محمّد مثلكم، ولقد قل المقام و طعامكم كثير ، و ماؤكم وافر لاتخافون قطعه .
فلمّا خرج قال ثقيف لأبي محجن : فانّا قد كرهنا دخوله، وخشينا أن يخبر محمّداً بخلل إن رآه فينا أو في حصننا. فقال أبو محجن:
أنا كنت أعرف به، ليس منّا أحد أشدّ علی محمّد منه، وإن كان معه .
فلمّا رجع إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قال : قلت لهم: ادخلوا في الاسلام، فو الله لا يبرح محمّد عقر دار کم حتّى ننزلوا، فخذوا لأنفسكم أماناً فخذّلتهم ما استطعت .
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : كذبت ، لقد قلت لهم : كذا و كذا.
و عاتبه جماعة من الصحابة قال: أستنفر الله وأتوب إليه، ولا أعود أبداً.(1).
196- ومنها : أن المشركين لمّا رجعوا من بدر إلى مكّة أقبل عمير بن وهب الجمحي حتى جلس إلى صفران بن أميّة بن خالد الجمحي فقال صفوان: قبّح الله العيش بعد قتلى بدر .
قال عمير : أجل و الله ما في العيش بعدهم خير ولولا دين علي لاأجد له قضاء و عبال لاأدع لهم شيئا لرحلت إلى محمّد حتّى أقتله إن ملئت عيني منه ، فانّه بلغني أنه يطوف في الأسواق، وإن لي عندهم علّة أقول: قدمت على ابني هذا الأسير .
ففرح صفوان بقوله وقال: يا أبا أميّة هل نراك فاعلا. قال: إي و رب هذه البنيّة. قال صفوان: فعلي دينك ، و عيالك أسوة عيالي ، وأنت تعلم أن ليس بمكّة رجل أشد توسّعاً على عياله مني.
فقال عمير : قد عرفت بذلك يا أبا وهب.
قال: صفوان: فان عيالك مع عيالي لن يسعني شيء ويعجز عنهم، و دينك علي .
ص: 121
فحمله صفوان على بعيره وجهّزه وأجرى على عياله ما يجري على عيال نفسه و أمر عمير بسيفه فشحذ، و سمّ ثم خرج إلى المدينة، وقال لصفوان:
أكتم عليّ أياماً حتى أقدمها . فلم يذكرها صفوان .
فقدم عمير فنزل على باب المسجد، وعقل راحلته، و أخذ السيف فتقلّده ، ثمّ عمد نحو رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فلمّا رآه النبي قال له : ما أقدمک يا عمير ؟
قال: قدمت في أسيري عندكم تفادو ننا وتحسنون إلينا فيه، فانكم العشيرة.
قال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : فما بال السيف؟ قال: قبّحها الله من سيوف، و هل أنت من شيء؟
إنّما نسيته حين نزلت وهو في رقبتي .
فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : فما شرطت لصفوان في الحجر؟
ففزع عمير وقال: ماذا شرطت له ؟
قال: تحمّلت له بقتلي على أن يقضي دينك و يعول عيالك ، والله حائل بيني و بين ذلك قال عمير : أشهد أنّك رسول الله وأنّك صادق، وأن لا إله إلاّ الله، کنّا یارسول الله نكذّبك بالوحي و بما يأتيك من السماء، وإنّ هذا الحديث كان شيئاً بيني وبين صفوان كما قلت لم يطّلع عليه غيري وغيره، وقد أمرته أن يكتم علي أياماً، فأطلعك الله عليه فآمنت بالله و برسوله وشهدت أن ما جئت به صدق و حقّ.
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : علّموا أخاكم القرآن و أطلقوا له أسيره .
فقال عمیر : إنّي كنت جاهداً على إطفاء نورالله و قد هداني الله، فله الحمد فأذن لي لألحق قريشاً فأدعوهم إلى الله و إلى الاسلام. فأذن له، فلحق بمكّة .
و كان صفوان يسأل عن عمير ، فقيل له: إنّه أسلم . فطرح عیاله.
وقدم عمير ، فدعاهم إلى الله، وأخبرهم بصدق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فأسلم معه نفر كثير .(1)
ص: 122
197- ومنها : أنّه لمّا توجّه إلى تبوك فضلّت ناقته القصوى وعنده عمارة بن حزم قال كالمستهزيء : يخبرنا محمّد بخبر السماء و لا يدري أين ناقته .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : إنّي لا أسلم إلاّ ما علميني انتن ، و قد أخبرني الأن أنّها بشعب كذا وزمامها ملتف بشجرة . فكان كما قال .(1)
198- منها : أنه لمّا قتل «زید بن حارثة» بمؤتة قال صلی الله علیه و آله و سلّم بالمدينة : «قتل زید و أخذ الرّاية جعفر» ثم قال: «قتل جعفر» و توقّف وقفة ثمّ قال: «و أخذ الراية عبد الله بن رواحة» وذلك أنّ عبد الله لم يسارع إلى أخذ الراية كمسارعة جعفر ثم قال :
«وقتل عبد اللّه» .
ثمّ قام النبي صلی الله علیه و آله و سلّم إلى بيت جعفر ، إلى أهله ، ثمّ جاءت الأخبار بأنّهم قد قتلوا في ذلك اليوم على تلك الهيئة .(2)
199– ومنها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم أخبر الناس بمکّة بمعراجه وقال : آية ذلك أنّه ند(3) لبني فلان في طريقي بعير ، فدللتهم عليه ، وهي(4) الآن تطلع عليكم من ثنيّة كذا
ص: 123
يقدمها جمل أورق(1) عليه غرارتان(2): إحداهما سوداء، والاخرى برقاء.(3)فوجدوا الأمر على ما قال.(4)
200- و منها : أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم رأی عليّاً علیه السلام نائماً في بعض الغزوات في التراب فقال: يا أبا تراب(5) ألا أحدثك بأشقى الناس أخي(6) ثمود ، والذي يضربك على هذا - و وضع يده على قرنه - حتّی قبل هذه من هذا ؟ وأشار إلى لحيته .(7)
ص: 124
201- و منها أنّه صلی الله علیه و آله و سلّم قال لعليّ علیه السلام: تقاتل بعدي الناكثين و القاسطین والمارقين و كان كذلک(1)
202- ومنها : أنّ عام الخندق أصابتهم جماعة لمّا حاصر هم المشركون، فدعابكف من تمر ، وأمر بثوب فبسط، وألقى ذلک التهن عليه، وأمر منادياً ينادي في الناس : هلمّوا إلى الغذاء .
فاجتمع أهل المدينة فأكلوا وصدروا والتمر بنض(2) من أطراف الثوب.(3)
203- ومنها: أنّه لمّا صده المشركون بالحديبيّة ، شكا إليه الناس قلّة الماء فدعا بدلو من ماء البئر ، فتوضّأ منه ، ثمّ تمضمض و مج في الدلو، و أخرج من كنانته سهماً ، ثم أمر بأن يصب في البئر تلک الدلو ، و أن يغرز ذلك السهم في أسفل البئر . فعمل ففارت البئر بالماء إلى شفیرها ، واغترف الناس فعند ذلك قال أوس بن خولي لعبد الله بن أبي سلول : أبعد هذا شيء ؟ أما آن لك أن تبصر ؟(4)
204- ومنها : أنّه لمّا أصاب الناس بالحديبيّة جوع شديد، وقلّت أزوادهم(5)
ص: 125
لأنّهم أقاموا بها بضعة عشر يوماً.
فشكوا إليه ذلك وأمر بالنطع(1) أن يبسط ، و أمرهم أن يأتوا ببقيّة أزوادهم فيطرحوا، فأتوا بكف من دقيق و تميرات .
فقام و دعی بالبركة فيها، و أمرهم بأن يأتوا بأوعيتهم فملؤوها حتّى لم يجدوا له محلا(2) .(3)
205- ومنها : أنّ الناس في غزاة تبوك لمّا ساروا يوماً ، نالهم عطش كادت تنقطع أعناق الرجال والخيل و الرکّاب عطشاً فدعا بر کوة(4) فصب فيها ماءاً قليلا من أداوة(5) كانت معه، و وضع أصابعه عليها فنبع الماء من تحت أصابعه، فاستقوا و ارتووا، و العسكر ثلاثون ألف رجل سوی الخيل والابل .(6)
206- ومنها: أنّه أخذ الحصى في كفّه ، فقالت كل واحدة :سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر .(7)
207- ومنها : قوله لعمّار: ستقتلك الفئة الباغية، و آخر زادك ضياح(8) من لبن.
فاتي عمّار بصفّين بلین ، فشربه ، فبارز فقتل ، فكان كذلك .(9)
208- ومنها : أنّ أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود [روی] عن أبيه قال : إن الله
ص: 126
أمر نبيّه أن يدخل الكنيسة ليدخل رجلا الجنّة فلمّا دخلها و معه جماعة فاذا هو بيهود يقرؤون التوراة ، وقد وصلوا إلى صفةالنبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم . فلمّا رأوه أمسكوا، وفي ناحية الكنيسة رجل مريض فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : مالكم أمسكتم ؟ فتال المريض : إنّهم أتوا على صفة النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فأمسكوا . ثم جاء المريض يجثو(1) حتّى أخذ التوراة فقرأها ، حتّی أتی على آخر صفة النبي صلی الله علیه و آله و سلّم و أمّته ، فقال : هذه صفتك و صفة أمّتك ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، و أنّك رسول الله . ثم مات .
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم باب: صلوا على أخيكم(2) .(3).
209- ومنها : ما قال بعضهم : حضرت سوق بصری(4) ، فاذا راهب في صومعةيقول: سلوا أهل هذا الموسم هل فيكم أحد من أهل الحرم؟ قالوا: نعم .
فقال: سلوه هل ظهر أحمد بن عبد المطّلب؟ فهذا هو الشهر الّذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من الحرم، و مهاجرته إلى نخل(5) وحرّة(6) و سباخ .(7).
ص: 127
قال الراوي : فلمّا رجعت إلی مكّة قلت : هل هنا من حدث؟
قالوا: تنبأ(1) محمّد بن عبد الله الأمین .(2)
210- ومنها : أنّ زيد بن سلام قال: إنّ جده أبا سلام حدّثه أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بينما هو في البطحاء قبل النبوة، فإذا هو برجلين علينها(3) ثياب سفر .
فقالا:السّلام عليك. فقال لهما النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم : و عليكما السّلام . فقال أحدهما لصاحبه:
لا إله إلاّ الله ما لقيت أحداً منذ ولدتني أمّي يردّ السلام قبله(4).
وقال الآخر : سبحان الله ما لقيت رجلا يسلّم منذ ولدتني أمي .(5)
فقال له الراكب : هل في القريةرجل يدعى أحمد؟ فقال: ما فيها أحمد ولامحمّدغيري.
قال: من أهلها أنت ؟ قال : نعم من أهلها، و ولدت فيها. فضرب ذراع راحلته وأناخها ثمّ كشف عن كتف رسول الله حتی نظر إلى الخاتم الّذي بين كتفيه فقال: أشهد أنّك رسول الله، و تبعث بضرب رقاب قومك ، فهل من زاد تزودني ؟ فأتاه بخبز و تمیرات ، فجعلهن في ثوبه حتّى أتى صاحبه، و قال : الحمدلله الّذي لم يمتني حتّى حمل لي نبي الله الزاد في ثوبه .
ثم قال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم : هل من حاجة سوى هذا؟ قال: تدعو الله أن يعرّف بيني و بينك يوم القيامة . فدعا له ، ثمّ انطلق .
211-و في كتب الله المتقدمة : لمّا خلق الله آدم و نفخ فيه من روحه، عطس، فقال له ربّه : قل الحمدلله . فلمّا قالها ، قال له ربّه : يرحمك الله ، إئت أولئك الملا من
ص: 128
الملائكة وقل لهم: السّلام عليكم. فقالوا: و عليك السّلام ورحمة الله وبركاته .
ثم قال له ربّه: هذه تحيتّك و تحيّة ذرّيتك .(1).
212- ومنها : أنّه سئل ابن عبّاس: بلغنا أنّك تذكر سطيحاً الغسّاني(2) وتزعم أن الله خلقه ولم يخلق من ولد آدم شيئاً يشبهه ؟ قال: نعم، إن الله خلق سطيحاً الغسّاني لحماً على وضم(3) - والوضم شرائح من جرائدالنخل - أو كان يحمل على وضم، ويؤتى به حيث يشاء ، و لم يكن فيه عظم ولاعصب إلا الجمجمة و العنق و كان يطوی من رجليه إلى ترقوته، كما يطوى الثوب، ولم يكن يتحرّك منه شيء إلا لسانه فلمّا أراد الخروج إلى مكّة حمل على وضمة فاتي به [إلى] مكّة فخرج إليه أربعة من قريش فقالوا: أتينك لنزورك لما بلغنا من علمك ، فأخبرنا عمّا
ص: 129
يكون في زماننا، وما يكون من بعد.
قال: يا معشر العرب ، لا علم عندكم ولافهم . ينشأ من عقبكم دهم(1) يطلبون أنواع العلم، یکسرون الصنم، ويقتلون العجم، و يطلبون المغنم .
قالوا: يا سطيح من يكونون أولئك؟ قال : والبيت ذي الأركان لينشأنّ من عقبكم ولدان يوحّدون الرحمان، ويتركون عبادة الشيطان .
قالوا: فمن نسل من يكونون أولئك؟ قال: أشرف الأشراف من عبد مناف .
قالوا: من أي بلدة يخرج ؟ قال : والباقي [إلى] الأبد ليخرجنّ من ذي البلد، يهدي إلى الرشد ، يعبد ربّاً انفرد .(2).
213- ومنها : أن عبد المطّلب قدم اليمن، فقال له حبر من أهل الزبور: أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟(3) قال : نعم إلا إلى عورة .
ففتح إحدى منخريه فنظر فيه، ثم نظر في الأخرى، فقال : أشهد أن في إحدى يديك الملك ، وفي الأخرى النبوّة، وإنّا نجده في بني زهرة فكيف ذلك؟ قال: قلت: لا أدري قال: هل من شاعة؟ قلت: ما الشاعة؟ قال: الزوجة . قال : فاذا رجعت فتزّوج منهم فرجع إلى مكّة فتزّوج هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة(4)
ص: 130
214- ومنها : أن عبدالله بن عبد المطّلب لمّا ترعرع(1) ركب يوماً للصيد، وقد نزل بالبطحاء قوم من اليهود قدموا ليهلكوا والد محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم ليطفؤوا نور الله .
فنظروا إلى عبد الله فرأوا حلية أبوة النبوة فيه ، فقصدوه - و كانوا ثمانین نفراً من اليهود - بالسيوف والسكاكين.
وكان وهب بن عبد مناف بن زهرة والد آمنة أم محمد صلی الله علیه و آله و سلّم في ذلك الهوب يتصّيد، وقد رأي عبد الله وقد حف به اليهود ليقتلوه ، فقصد أن يدفعهم عنه، فاذا بكثير من الملائكة معهم الأسلحة طردوا اليهود عنه [و كان الله قد كشف عن بصر وهب] فتعجّب من ذلك وانصرف ، و دخل على عبد المطّلب و قال : أزوّج ابنتي آمنة من عبدالله . نعقد [العقد ، فحملت] فولدت رسول الله(2)
215- ومنها : أن بعد مولد النبي صلی الله علیه و آله و سلّم بسنتين أتت أشراف العرب سيف بن ذي يزن الحميري ، لمّا تا ظهر على الحبشة ، و فد إليه قریش للتهنئة ، وفيهم عبد المطّلب .
فقال: أيّها الملك سلفك خير سلف، و أنت [لنا منه] خير خلف .
قال: من أنت؟ قال: عبد المطّلب بن هاشم . قال : ابن أختنا. ثمّ أدناه .
( قال : إن من سر علمي أمراً لو يكون غيرك لم أبح له فيه، فليكن عندك مطويّاً حتّى يأذن اللّه .
إنّي أجد في الكتاب المكنون خیراً عظيماً للناسّ عامّة، و لرهضک خاصّة، و هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد ولد . اسمه محمّد ، بموت أبوه و أمّه، يكفله جدّه، ثم عمّه، والله باعثه جهاراً، و جاعل له منّا أنصاراً .
يعبد الرحمان، و يكسّر الأوثان . قوله فصل، و حكمه عدل .
ثم قال: إنّك ستجده يا عبد المطّلب .
فخر عبدالمطلب ساجداً لله، ثم قال: كان لي ابن ، فزوجته كريمة من قومي، فجاءت
ص: 131
بغلام، سمّيته محمداً .
قال: إحذر عليه اليهود ، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي ، لجعلت يثرب دار ملكي، و هو موضع قبره، ولولا أنّي أقيه الآفات، لأعلنت عليه)(1).
ثم أمر لكل قرشي بنعمة عظيمة ، و لعبد المطّلب بأضعافها عشر مرات ، و هم يغبطونه بها .
فقال: لو علمتم بفخري وذكري لغبطتم به .(2)
216- ومنها : أنّ جبیر بن مطعم قال : كنت آذی قریش لمحمّد صلی الله علیه و آله و سلّم فلمّا ظننت انّهم سيقتلونه خرجت حتّى لحقت بدير ، فأقاموا لي الضيافة ثلاثاً ، فلمّا رأوني لاأخرج، قالوا: إن لك لشأناً ؟
قلت: إنّي من قرية إبراهيم ، و ابن عمي يزعم أنّه نبي، فآذاه قومه فأرادوا قتله فخرجت لثلاً أشهد ذلك. فأخرجوا إلى صورة قلت: ما رأيت شيئاً أشبه بشيء من هذه الصورة بمحمّد، كأنّه طوله و جسمه، و بعد ما بين منكبيه.
قالوا: لا يقتلونه، و ليقتلن من يريد قتله ، وإنّه لنبيّ ،و ليظهرنّه ألله.
فلمّا قدمت مكّة إذ هو خرج إلى المدينة. وسئلوا من أين لكم هذه الصورة ؟ قالوا: إن آدم علیه السلام سأل ربّه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل الله عليه صورهم، و كان
ص: 132
في خزانة آدم عنده مغرب الشمس ، فاستخرجها ذو القرنين من هناك فدفعها إلى دانیال.(1)
217- ومنها : أن دحية الكلبي قال : بعثني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بكتاب إلى قيصر فأرسل إلى الأسقف فأخبره بمحمّد صلی الله علیه و آله و سلّم و كتابه فقال : هذا النبي الّذي كنّا ننتظره، بشّرنا به عیسی بن مریم .
فقال الأسقف : أمّا أنا فمصدّقه ومتّبعه.
فقال قيصر : أمّا أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي .
ثم قال قیصر : التمسوا لي من قومه هاهنا أحداً أسأله عنه .
وكان أبو سفيان و جماعة من قريش دخلوا الشام تجّاراً فأحضرهم، قال: ليدن منّي أقربكم نسباً به.
فأتاه أبو سفيان فقال: أنا سائل عن هذا الرجل الذي يقول: انّه نبي .
ثم قال لأصحابه: إن كذب فكذّبوه.
قال أبو سفيان: لولا الحياء أن يأثر(2) أصحابي عنّي الكذب لأخبرته بخلاف ما هو عليه
فقال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: ذو نسب .
قال: فهل قال هذا القول منكم أحد ؟قلت: لا.
قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل؟ قلت: لا.
قال: فأشراف الناس اتّبعوه أو ضعفاؤهم؟ قلت: ضعفاؤهم. قال: [فهل] يزيدون أو ينقصون؟ قلت: يزيدون. قال : يرتد أحد منهم سخطأ لدينه؟ قلت : لا .
قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا . قال : فهل قاتلكم(3) ؟ قلت : نعم . قال : فكيف
ص: 133
حربكم وحربه ؟ قلت : ذو سجال(1) مرّة له ، ومرّة عليه ؟ قال: هذه آية النبوة .
قال : فما يأمركم ؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئاً ، و ينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا ، و يأمرنا بالصلاة و الصوم و العفاف و الصدق و أداء الامانة والوفاء بالعهد .
قال: هذه صفة نبيّ، وقد كنت أعلم أنه يخرج ولم أظنّ أنّه منكم ، فانّه يوشك أن يملك ماتحت قدمی هاتین.
ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقياه، و لو كنت عنده لغسلت(2) قدميه .
و إنّ النصاری اجتمعوا على الأسقف ليقتلوه فقال : إذهب إلى صاحبك فاقرأ علیه سلامي ، و أخبره أنّي أشهد أن لا إله إلا الله ، و أنّ محمّداً رسول الله ، وأن النصارى أنكروا ذلك علي . ثم خرج إليهم فقتلوه .(3)
218- ومنها: أنّه لمّا بعث محمد صلی الله علیه و آله و سلّم بالنبوة، بعث کسری رسولا إلى باذان(4)
عامله في أرض العرب: بلغني أنّه خرج رجل قبلك يزعم أنّه نبي فلتقل له فليكفف عن ذلك، أو لأبعثن إليه من يقتله ويقتل قومه .
ص: 134
فبعث باذان إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلّم بذلك ، فقال : « لو كان شيء قلته من قبلي لكففت عنه ، و لكن الله بعثني» و ترك رسل باذان و هم خمسة عشر نفرأ و لا يكلمّهم خمسة عشر يوماً ، ثم دعاهم .
فقال : اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا له : إن ربيّ قتل ربّه الليلة ، إن ربّي قتل کسری [ الليلة ] ولا كسري بعد اليوم ، وقتل قیصر ، ولاقيصر بعد اليوم . فكتبوا قوله فاذاهما قد ماتا في الوقت الذي حدّثه محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم .(1)
219- ومنها : (حديث النجاشي) روي عن ابن مسعود [قال] : بعثنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى أرض النجاشي و نحن ثمانون رجلا ، و معنا جعفر بن أبي طالب ، و بعثت قریش خلفنا عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص مع هدايا فأتوه بها، فقبلها، وسجدوا له فقالوا : إنّ قوماً منّا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك .
فبعث إلينا، فقال لنا جعفر : لايتكلّم أحد منكم أنا خطيبكم اليوم، فانتهينا إلى النجاشي، فقال عمرو وعمارة: إنّهم لا يسجدون لك. فلمّا انتهينا إليه زبر نا(2) الرهبان أن اسجدوا للملك. فقال لهم جعفر: لانسجد إلا لله فقال النجاشي :وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسوله، وهو الّذي بشّر به عیسی اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاً، وأن نقيم الصلاة ، و نؤتي الزكاة، و أمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر . فأعجب النجاشي قوله.
فلمّا رأى ذلك عمرو قال: أصلح الله الملك، إنّهم يخالفونك في ابن مریم .
فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبك في ابن مریم؟ قال: يقول فيه قول الله :هو روح الله وكلمته، أخرجه من العذراء البتول الّتي لم يقر بها بشر .
ص: 135
فتناول النجاشي عوداً من الأرض، فقال: يا معشر القسّيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مریم ما يزن هذا .
ثم قال النجاشي لجعفر : أنقرأ شيئاً ممّا جاء به محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم ؟ قال: نعم .
قال: اقرأ وأمر الرهبان أن ينظروا في كتبهم فقرأ جعفر «کهیعص ...»(1) إلى آخر قصّة عيسي علیه السلام و كانوا يبكون.
ثم قال النجاشي: مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد (أنّه رسول الله)(2) وأنّه الّذي بشّر به عیسی بن مریم، و لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه، اذهبوا أنتم «سيوم» - أي آمنون - .و أمر لنا بطعام و كسوة، وقال : ردّوا لی هذين هديّتهما .
وكان عمرو قصيراً، وعمارة جميلا، وشربا في البحر الخمر ، فقال عمارة لعمرو :قل لامرأتك . و كانت معه - : تقّبلني .
فلم يفعل عمرو ، فأخذه عمارة فرمى به في البحر ، فناشده حتّی خلاه فحقد عليه عمرو فقال للنجاشي: إذا خرجت خلّف عمارة في أهلك، فنفخ في إحليله الزئبق فطار مع الوحش .(3)
220- ومنها: لمّا قدم و فد نجران عليه ، فدعا النبي صلی الله علیه و آله و سلّم العاقب و الطيّب(4)
ص: 136
رئيسهم إلى الاسلام ، فقالا : أسلمنا قبلك .
فقال : كذبتما، يمنعكما من ذلك حبّ الصليب و شرب الخمر .
فدعاهما إلى الملاعنة فواءداه على أن يغادیاه .
فغدا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وقد أخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة علیها السلام.
فقالا : أتی بخواصّه واثقاً بديانتهم . فأبوا الملاعنة .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : لو فعلا لاضرم(1) الوادي ناراً.(2).
221- ومنها : أنّ زيد بن عمرو بن نفيل، و ورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتّى انتهيا إلى راهب بالموصل فقال لزيد : من أين أقبلت یا صاحب البعير ؟ قال : من بیت(3) إبراهيم . قال : و ما تلتمس ؟ قال : الدين .
ص: 137
قال: ارجع فانّه يوشك أن يظهر [النين] الذي تطلب في أرضك .
فرجع يريد مكّة حتّى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه ، وكان يقول : أنا على دين إبراهيم علیه السلام و أنا ساجد علی نحو البنية التي بناها إبراهيم علیه السلام و كان يقول: إنّا ننتظر نبيّا من ولد إسماعيل من بني عبدالمطّلب .(1).
222- ومنها حديث كعب بن ماتع :بينا هو في مجلس و رجل من القوم معهم يحدّث أصحابه يقول : رأيت في النوم أنّ الناس حشر وا، وأن الامم تمر كل أمّة مع نبيّها ، ومع كل نبي نوران يمشي بينهما ، و مع كل من اتّبعه نور يمشي به ، حتّی مر محمّد في أمّته فاذا ليس معه شعرة إلا وفيها نوران من رأسه و جلده ، ولامن اتّبعه من أمّته إلا ومعه نوران مثل الانبياء .
فقال كعب: - والتفت إليهما - ما هذا الذي يحدّث به ؟ قال : رؤيا رأيتها.
فقال: والذي بعث محمّداً بالحق إنّه لفي كتاب الله كما رأيت .(2)
223- ومنها : ما روي عن ابن الاعرج(3) أن سفينة مولى رسول الله قال : خرجت غازياً فكسر بي، فغرق المركب و ما فيه، و أفلت(4) و ما علي إلاخرقة قد اتّزرت بها، وكنت على لوح، و أقبل اللّوح یرمي بي على جبل في البحر ، فاذا صعدت و ظننت أنّي نجوت جاءتني موجة فانتسفتني(5) فعلت بي مراراً ثم إني خرجت أشتد(6) على شاطىء البحر ، فلم تلحقني، فحمدت الله على سلامتي فبينا أنا أمشي إذ بصر بي أسد، فأقبل يزأر يريد أن يفتر سني، فرفعت يدي إلى السماء
ص: 138
فقلت: اللّهمّ إنّي عبدك و مولی نبيك نجّيتني من غرق، أفتسلّط عليّ سبعك؟ فالهمت أن قلت: أيّها السبع أناسفينة مولى رسول الله إحفظ رسول الله في مولاه.
فوالله إنّه لترك الزئير، وأقبل کالسنّور يمسح خدّه بهذه الساق مرة، وبهذه أخری وهو ينظر في وجهي مليّاً.
ثم طأطأ ظهره وأومأ إلي أن اركب، فركبت ظهره، فخرج يخب(1) بي، فما كان بأسرع من أن هبط جزيرة ، و إذا فيها من الشجر و الثمار وعين عذبة من ماء دهشت ، فوقف و أومأ إلي أن انزل. فنزلت وبقي واقفاً حذاي ينظر .
فأخذت من تلك الثمار وأكلت، وشربت من ذلك الماء فرويت، فعمدت إلى ورقة فجعلتها لي مئزراً واتّزرت بها ، وتلحّفت باخرى، وجعلت ورقة شبيهاً بالمزود.(2) فملاتها، من تلك الثمار، وبلّلت الخرقة التي كانت معي لأعصرها إذا احتجت إلى الماء فأشربه .
فلمّا فرغت ممّا أردت، أقبل إلي فطأطأ ظهره، ثم أومأ إلي : أن اركب.
فلمّا ركبت أقبل بي نحو البحر في غير الطريق الّذي أقبلت منه .
فلمّا صرت على [ساحل] البحر ، إذا مرکب سائر في البحر ، فلو حت لهم، فاجتمع أهل المركب يسبّحون ويهلّلون ويرون رجلا راكباً أسداً، فصاحوا:یافتي من أنت أجنّي أم إنسي؟
قلت: أنا سفينة مولی رسول الله ، راعي الأسد في حق رسول الله ، ففعل ماترون .
فلمّا سمعوا ذکر رسول الله حطّوا الشراع و حملوا رجلين في قارب صغير، و دفعوا إليهما ثياباً فجاءا إلي، ونزلت من الأسد ، و وقف ناحية مطرقاً ينظر
ص: 139
ما أصنع ، فرميا إليّ بالثياب وقالا : البسها . فلبستها .
فقال أحدهما : اركب ظهري حتّي أحملك إلى القارب ، أيكون السبع أرعی لحق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من أمّته ؟
فأقبلت على الأسد فقلت : جزاك الله خيراً عن رسول الله . فوالله لقد نظرت إلى دموعه تسيل على خده ما يتحرك ، حتّى دخلت القارب ، و أقبل يلتفت إلي ساعة بعد ساعة حتّى غبنا عنه.(1)
224- ومنها : ما ذكرنا شيئاً منه و هو أن أباطالب سافر بمحمّد فقال : فلمّا(2) كنّا نسير في الشمس تسير الغمامة بسيرنا وتقف بوقوفنا .
فنزلنا يوماً على راهب بأطراف الشام في صومعة يقال له «بحيرا الراهب» ، فلمّا قربنا منه نظر إلى الغمامة تسير بسيرنا على رؤوسنا فقال: في هذه القافلة نبي مرسل(3)فنزل من صومعته فأضافنا ، و كشف عن كتفيه فنظر إلى الشامة بين كتفيه فيكي، وقال: يا أبا طالب لم يجب(4) أن تخرجه معك من مكة ، و بعد إذ أخرجته فاحتفظ به و احذر عليه اليهود فله شأن عظيم ، و ليتني أدر که فأكون أوّل مجيب لدعوته .(5)
225-ومنها: ما روي عن فاطمة بنت أسد: أنّه لمّا ظهرت أمارة(6) وفاة عبدالمطّلب قال لأولاده : من يكفل محمّداً ؟ قالوا : هو أكيس منّا فقل له يختار لنفسه .
فقال عبد المطلب : يا محمّد جدك على جناح السفر إلى القيامة ، أي عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك ؟
فنظر في وجوههم ، ثم زحف إلى عند أبي طالب ، فقال له عبدالمطّلب :
ص: 140
يا أبا طالب ، إنّي قد عرفت دیانتك وأمانتك ، فكن له كما كنت له .
قالت : فلمّا توفّي أخذه أبو طالب ، و كنت أخدمه ، و كان دعوني الامّ .
قالت: و كان في بستان دارنا نخلات، و کان أول إدراك الرطب ، و كان أربعون صبيّاً من أتراب(1) محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم يدخلون عليناكل يوم في البستان ويلتقطون مايسقط فما رأيت قط محمّداً أخذ رطبة من يد صبي سبق إليها ، والآخرون يختلس بعضهم من بعض . و كنت كل يوم ألتقط لمحمّد صلی الله علیه و آله و سلّم حفنة فما فوقها ، و كذلك جاريتي.
فاتّفق يوماً أن نسيت أن ألتقط له شيئاً و نسيت جاريتي ، و كان محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم نائماً ودخل الصبيان و أخذوا كل ما سقط من الرطب و انصرفوا، فنمت فوضعت الكمّ على وجهي حياء من محمّد إذا انتبه .
قالت: فانتبه محمّد، ودخل البستان ، فلم ير رطبة على الأرض فانصرف، فقالت له الجارية : إنّا نسينا أن نلتقط شيئاً و الصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان قد سقط.
قالت : فانصرف محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم إلى البستان و أشار إلى نخلة ، و قال : أيّتها الشجرة أنا جائع . قالت : فرأيت الشجرة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتّى أكل منها محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم : ما أراد ، ثم ارتفعت إلى موضعها .
قالت فاطمة : فتعجّبت ، و كان أبوطالب قد خرج من الدار ، و كلّ يوم إذا رجع و قرع الباب كنت أقول للجارية حتّى تفتح الباب .
فقرع أبو طالب، فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت له مارأيت فقال: هو إنّما يكون نبيّاً، وأنت تلدين وزيره بعد ثلاثين. فولدت عليّاً علیه السلام كما قال(2)
226- ومنها : أن جابراً روی أن سبب تزويج خديجة بمحمّد صلی الله علیه و آله و سلّم كان [أنّ] أبا طالب قال: يا محمّد إنّي أريد أن أزوجك ولامال لي أساعدك به ، وإنّ خديجة
ص: 141
قرابتنا ، وتخرج كل سنة قريشاً في مالها مع غلمانها يتّجر لها، ويأخذ وقر بعير ممّا أتى به ، فهل لك أن تخرج ؟ قال : نعم .
فخرج أبو طالب إليها وقال لها ذلك ، ففرحت وقالت لغلامها ميسرة : أنت وهذا المال كلّه بحكم محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم . فلمّا رجع ميسرة [ من سفره ] حدّث أنه ما مرّ بشجرة ولامدرة إلا قالت : السلام عليك يا رسول اللّه .
وقال: وجاء « بحيرا الراهب » وخدمنا لمّا رأى الغمامة على رأسه تسير حيثما سار تظلّه بالنهار. وربحا في تلك السفرة ربحاً كثيراً .
فلمّا انصرفا قال ميسرة: لو تقدّمت يا محمّد إلى مكّة وبشّرت خديجة بما قد ربحنا لكان أنفع لك.
فتقدّم محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم على راحلته، و كانت خديجة في ذلك اليوم جالسة على غرفة مع نسوة فوق سطح لها فظهر لها محمد صلی الله علیه و آله و سلّم راكباً، فنظرت خدیجة إلى غمامة عالية على رأسه تسير بسيره، ورأت ملكين عن يمينه وعن شماله، وفي يد كلّ واحد سیف مسلول، يجيئان في الهواء معه .
فقالت: إنّ لهذا الراكب لشأناً عظيماً، ليته جاء إلى داري. فاذا هو محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم قاصداً لدارها.
فنزلت حافية إلى باب الدار، و كانت إذا أرادت التحوّل من مكان إلى مكان حوّلت الجواري السرير الّذي كانت عليه، فلمّا دنت منه قالت : يا محمّد أخرج و احضر لي عمّك أبا طالب الساعة. وقد بعثت إلى عمّها أن زوّجني من محمّد إذا دخل عليك .
فلمّا حضر أبو طالب قالت: أخرجا إلى عمّي ليزوّجني من محمّد، فقد قلت له في ذلك . فدخلا على عمّها ، وخطب أبو طالب الخطبة المعروفة ، وعقد النكاح فلمّا قام محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم ليذهب مع أبي طالب قالت خديجة : إلى بيتك ، فبيتي بيتك
ص: 142
وأنا جاريتك .(1)
227- ومنها :ما روي عن جابر قال. كنت إذا مشيت في شعاب مكّة مع محمّد لم يكن يمر بحجر ولاشجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله .(2)
228- ومنها :ما روي عن علي أنّه لمّا كان بعد ثلاث سنين من مبعثه أسري به إلى بيت المقدس ، وعرج به منه إلى السماء ليلة المعراج فلمّا أصبح من ليلته حدّث قريشاً بخبر معراجه، فقال جھّالهم: ما أكذب هذا الحديث وقال قائلهم : يا أبا القاسم، فيم نعلم أنّك صادق؟ قال: مررت بعير كم في موضع كذا، وقدضلّ لهم بعير ، وعرّفتهم مكانه، وصرت إلى رحالهم، و كانت لهم قرب مملوءة من الماء فصبّبت قربة، و العير توافيكم في اليوم الثالث من هذا اليوم(3)مع طلوع الشمس فأوّل العير جمل أحمر وهو جمل فلان .
فلمّا كان اليوم الثالث خرجوا إلى باب مكّة لينظروا صدق ما أخبر به محمّدصلی الله علیه و آله و سلّم قبل طلوع الشمس ، فهم كذلك إذ طلعت العير عليهم بطلوع الشمس، في أولها الجمل الأحمر فتعجّبوا من ذلك، و سألوا الّذين كانوا مع العير فقالوا مثل ما قال محمّدصلی الله علیه و آله و سلّم في إخباره عنهم . فقالوا: هذا أيضاً من سحر محمّد .(4)
229- ومنها : أن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم كان ليلة جالساً في الحجر(5) ، و كانت قريش في مجالسها يتسامرون، فقال بعضهم لبعض: قد أعيانا أمر محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم ، فما ندري ما نقول فيه.
فقال بعضهم : قوموا بنا جميعاً إليه نسأله أن يرينا آية من السماء، فان السحر قد
ص: 143
يكون في الأرض ولا يكون في السماء، فصاروا إليه .
فقالوا : يا محمّد إن لم يكن هذا الّذي نرى منك سحراً، فأرنا آية في السماء فانّا نعلم أن السحر لا يستمر في السماء كما يستمر في الأرض .
فقال لهم : ألستم ترون هذا القمر في تمامه لأربع عشرة؟ فقالوا: بلى.
قال: أفتحبّون أن تكون الآية من قبله وجهته؟ قالوا: قد أحببنا ذلك .
فأشار إليه باصبعه فانشق بنصفين ، فوقع نصفه على ظهر الكعبة، و نصفه الآخر على جبل أبي قبيس، وهم ينظرون إليه .
فقال بعضهم: فرده إلى مكانه. فأومی بيده إلى النصف الذي كان على ظهر الكعبة و بيده الاخرى إلى النصف الذي كان على جبل أبي قبيس ،فطارا جميعاً فالتقيا في الهواء فصارا واحداً، واستقر القمر في مكانه، على ما كان.
فقالوا : قوموا فقد استمر سحر محمّد في السماء و الأرض . فأنزل الله تعالی :«اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ »«وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ »(1) (2)
230- ومنها : أنّه لمّا كانت قريش تحالفوا و كتبوا بينهم صحيفة ألا يجالسوا واحداً من بني هاشم ولا يبايعوهم حتى يسلّموا إليهم محمّداً ليقتلوه ، و علقوا تلك الصحيفة في الكعبة ، و حاصروا بني هاشم في الشعب - شعب عبد المطّلب - أربع سنين ، فأصبح النبي صلی الله علیه و آله و سلّم يوماً وقال لعمّه أبي طالب: إنّ الصحيفة التي کتبتها قريش في قطيعتنا قد بعث الله عليها دابّة فلحست كل ما فيها غير اسم الله ، و كانوا قد ختموها بأربعين خاتماً من رؤساء قريش .
فقال أبو طالب : يا ابن أخي أفأصير إلى قريش فأعلمهم بذلك ؟ قال : إن شئت .
فصار أبو طالب رضي الله عنه إليهم فاستبشروا بمصيره إليهم ، و استقبلوه بالتعظيم والاجلال، وقالوا: قد علمنا الآن أن رضی قومك أحب إليك ممّا كنت فيه ، أفتسلّم
ص: 144
إلينا محمّداً - ولهذا جئتنا - ؟
قال : يا قوم إنّي قد جئتكم بخبر أخبرني به ابن أخي محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم فانظروا في ذلك ، فان كان كما قال فاتّقوا الله وارجعوا عن قطيعتنا ، وإن كان بخلاف ما قال سلّمته إليكم واتّبعت مرضاتكم .
قالوا : وما الذي أخبرك ؟
قال : أخبرني أن الله قد بعث على صحيفتكم دابّة فلحست ما فيها غير اسم الله فحطّوها فان كان الأمر بخلاف ما قال سلّمته إليكم.
ففتحوها فلم يجدوا فيها شيئاً غير اسم اللّه .
فتفرّ قوا وهم يقولون : سحر سحر . وانصرف أبو طالب رضي الله عنه .(1)
231- ومنها : أنّه لمّا كانت اللّيلة التي خرج فيها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى الغار كانت قريش اختارت من كل بطن منهم رجلا ليقتلوا محمّداً صلی الله علیه و آله و سلّم فاختارت خمسة عشر رجلا من خمسة عشر بطناً ، كان فيهم أبو لهب من بطن بني هاشم ليتفرّق دمه في بطون قريش فلايمكّن بني هاشم أن يأخذوا بطناً واحداً ، فيرضون عند ذلك بالدية فيعطون عشر ديات.
فقال النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم لأصحابه: لا يخرج اللّيلة منكم أحد من داره . فلمّا نام الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم قصدوا باب عبدالمطّلب ، فقال لهم أبو لهب : یا قوم إنّ في هذه الدار نساء بني هاشم و بناتهم ، و لانأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن فيبقى ذلك علينا مسبّة و عاراً إلى آخر الدهر في العرب ، و لكن اقعدوا بنا جميعاً على الباب نحرس محمّداً في مرقده ، فاذا طلع الفجر تو اثبنا إلى الدار فضربناه ضربة رجل واحد وخرجنا، فالى أن تجتمع الناس قد أضاء الصبح ،فيزول عنّا العار عند ذلك .
فقعدوا بالباب يحرسونه .
ص: 145
قال علي علیه السلام : فدعاني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال: إنّ قريشاً دبّرت كيت و کيت في قتلي فنم على فراشي حتّى أخرج أنا من مكّة، فقد أمرني الله تعالی بذلك .
فقلت له : السمع و الطاعة .
فنمت على فراشه، وفتح رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الباب، و خرج عليهم وهم جميعاً جلوس ينتظرون الفجر ، وهو يقول: «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ »(1) و مضى وهم لايرونه، فرأى أبا بكر قد خرج في اللّيل يتجسّس عن خبره - وقد كان وقف على تدبير قریش من جهنهم - فأخرجه معه إلى الغار .
فلمّا طلع الفجر تواثبوا إلى الدار ، و هم يظنّون أنّي محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم فوثبت في وجوههم وصحت بهم . فقالوا : عليّ ؟! قلت: نعم. قالوا: وأين محمّد ؟ قلت:خرج من بلدكم . قالوا : و إلى أين خرج ؟ قلت : الله أعلم .
فتركوني وخرجوا فاستقبلهم أبو كريز الخزاعي و كان عالماً بقصص الآثار، فقالوا :يا أبا کریز اليوم نحب أن تساعدنا في قصص أثر محمّد، فقد خرج عن البلد .
فوقف على باب الدار ، فنظر إلى أثر رجل محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم ، فقال : هذه أثر قدم محمّد ، و هي والله أخت القدم التي في المقام ! ومضى به على أثره حتّى إذا صار إلى الموضع الذي لقيه فيه أبو بكر ، فقال : [هنا] قد صار مع محمّد آخر ، وهذه قدمه ، إمّا أن تكون قدم أبي قحافة أو قدم ابنه.
فمضى على ذلك إلى باب الغار ، فانقطع عنه الأثر ، وقد بعث الله إليه العنكبوت فنسجت على باب الغار کله ، و بعث الله قبجة فاضت على باب الغار فقال : ما جاز محمّد هذا الموضع ، و لا من معه ، إمّا أن يكونا صعدا إلى السماء ، أو نزلا في الأرض ، فانّ باب هذا الغار كما ترون عليه نسج العنكبوت ، والقبجة حاضنة على
ص: 146
بيضها على باب النار . فلم يدخلوا الغار ، و تفرّقوا في الجبل يطلبونه .(1)
232- ومنها : أنّ أبو بكر اضطرب في الغار اضطراباً شدیداً خوفاً من قريش و أراد الخروج إليهم، فقعد واحد من قريش ، مستقبل الغار يبول، فقال أبو بكر : هذا قدر آنا قال صلی الله علیه و آله و سلّم : كلاّ لو رآنا ما استقبلنا بعورته.
وقال له النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم «لا تخف إنّ الله معنا» لن يصلوا إلينا . فلم يسكن اضطرابه .
فلمّا رأى صلی الله علیه و آله و سلّم ذلك منه، رفس ظهر الغار، فانفتح منه باب إلى بحر وسفينة، فقال له: اسكن الان، فانّهم إن دخلوا من باب الغار خرجنا من هذا الباب و ركبنا السفينة فسكن عند ذلك ، فلم يزالوا إلى أن أمسوا في الطلب فيئسوا وانصرفوا.
و وافي ابن الأريقط بأغنام یر عاها إلى باب الغار وقت الليل يريد مكّة بالغنم فدعاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و قال: أفيك مساعدة لنا؟ قال: إي والله، فوالله ما جعل الله هذه القبجة على باب الغار حاضنة لبيضها، ولا نسج العنكبوت عليه إلا وأنت صادق، و أنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول اللّه .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : الحمدلله على هدايتك، فصر الان إلى عليّ فعرّفه موضعنا، و مرّ بالغنم إلى أهلها إذا نام الناس ، ومرّ إلى عبد أبي بكر . فصار ابن الأريقط إلى مكة و فعل ما أمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ، فأتى علياعلیه السلام وعبد أبي بكر . فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم :أعد لنا يا أبا الحسن راحلة و زاداً، و ابعثها إلينا، وأصلح ما تحتاج إليه لحمل والدتك و فاطمة و ألحقنا بهما إلى يثرب ، وقال أبو بكر لعبده مثله ، ففعلا ذلك ، فأردف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ابن الاريقط، وأبو بكر عبده .(2)
233- ومنها : أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم لمّا خرج بهؤلاء، و أصبحوا من تلك الليلة التي خرجوا فيها على حي سراقة بن مالك بن جعشم ، فلمّا نظر سراقة إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم
ص: 147
قال : أتخذ به یداً عند قريش . وركب فرسه وقصد محمّداً صلی الله علیه و آله و سلّم قالوا: قد لحق بنا هذا الشيطان. فقال: إن الله سيكفينا أمره .
فلمّا قرب قال صلی الله علیه و آله و سلّم : «اللّهمّ خذه» فارتطم فرسه في الأرض فصاح : يا محمّد خلّص فرسي، لا سعيت لك في مكروه بعدها . و علم أنّ ذلك بدعاء محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم - فقال: «اللّهمّ إنّ كان صادقاً فخلّصه» فوثب الفرس .
فقال: يا أبا القاسم ستمرّ برعاتي و عبيدي فخذ سوطي، فكل من تمر به خذ ما شئت فقد حكّمتك في مالي . فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : لا حاجة لي في مالك .
قال: فسلني حاجة. قال صلی الله علیه و آله و سلّم : ردّ عنّا من يطلبنا من قريش.
فانصرف سراقة، فاستقبله جماعة من قريش في الطلب فقال لهم : انصرفوا عن هذا الطريق، فلم يمر فيه أحد، و أنا أكفيكم هذا الطريق، فعليكم بطريق اليمن والطائف.(1)
234- ومنها : أنّ النبيّ سار حتّى نزل خيمة أم معبد، فطلبوا عند ها قرى(2)
فقالت: ما يحضرني شيء . فنظر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى شاة في ناحية الخيمة قد تخلّفت من الغنم لضر ها، فقال: تأذنين في حلبها ؟ قالت: نعم و لا خير فيها.
فمسح يده على ظهرها ، فصارت أسمن ما يكون من الغنم، ثم مسح يده على ضرعها، فأرخت ضرعاً عجیباً ، و درت لبناً كثيراً فقال: يا أمّ معبد هاتي العس(3) . فشربوا جميعاً حتّی رووا .
فلمّا رأت أم معبد ذلك قالت: يا حسن الوجه إن لي و لداً له سبع سنين، وهو كقطعة لحم لا يتكلّم و لا يقوم . فأتته به .
فأخذ تمرة قد بقيت في الوعاء، و مضغها وجعلها في فيه، فنهض في الحال و مشی وتكلّم، وجعل نواها في الأرض فصارت في الحال نخلة، وقد تهدّل الرطب منها
ص: 148
و كان كذلك صيفاً وشتاءاً ، و أشار من الجوانب فرار ما حولها مراعي ، و رحل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم .
ولمّا توفي صلی الله علیه و آله و سلّم لم ترطب تلك النخلة، و كانت خضراء، فلمّا ، قتل على علیه السلام لم تخضر و كانت باقية، فلمّا فتل الحسين سال منها الدم و يبست .
فلمّا انصرف أبو معبد و رأى ذلك، و سأل عن سببه قالت: مر بي رجل قرشي من حاله و قصّته [كذا وكذا] قال: يا أم معبد إن هذا الرجل هو صاحب أهل المدينة الّذي هم ينتظرونه ، و و الله ما أشك الآن أنّه صادق في قوله أنّه رسول الله ، فليس هذا إلا من فعل الله . ثم قصد إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فآمن هو و أهله .(1)
235- ومنها : أنه لمّا كانت وقعة بدر قتل المسلمون من قريش سبعين رجلا و أسروا منهم سبعين، فحكم رسول الله بقتل الأسارى و حرق الغنائم فقال جماعة من المهاجرين : إنّ الاساری هم قومك وقد قلنا منهم سبعين، فأطلق لنا أن نأخذ الفداء من الاسارى و الغنائم فنقوى(2) بها على جهادنا .
فأوحى الله إليه يقتل منكم في العام المقبل في مثل هذا اليوم عدد الاساری إن لم يقتلوا [الأساری] وأنزل الله «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ».(3)
فلمّا کان في العام المقبل و قتل من المسلمین سبعون - عدد الاساری - قالوا : یا رسول الله قد وعدتنا النصر فما هذا الذي وقع بنا؟ و نسوا الشرط ببدر .
فأنزل الله : «أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا »(4) يعني ما كانوا أصابوا من قریش ببدر وقبلوا الفداء من الأسراء «قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ »(5)
ص: 149
يعني بالشرط الذي شرطوه على أنفسهم أن يقتل منهم بعدد الاسارى إذا هو أطلق لهم الفداء منهم و الغنائم ، فكان الحال في ذلك على حكم الشرط.
ولمّا انكشفت الحرب يوم أحد سار أولياء المقتولين ليحملوا قتلاهم إلى المدينة فشدّوهم على الجمال ، و كانوا إذا توجّهوا بهم نحو المدينة بركت الجمال ، وإذا توجّهوا بهم نحو المعركة أسرعت ، فشكوا الحال إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم . فقال : ألم تسمعوا قول الله « قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ »(1)
فدفن كل رجلين في قبر إلا حمزة، فانّه دفن وحده .
و كان أصاب عليّاً علیه السلام البلا في حرب أحد أربعون جراحة ، فأخذ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الماء على فمه فرشّه على الجراحات ، فكأنّها لم تكن من وقتها .
و كان أصاب عين قتادة(2) سهم من المشركين فسالت الحدقة، فأمسكها النبي صلی الله علیه و آله و سلّم فعادت صحيحة ، و كانت أحسن من الاخرى.(3)
236- ومنها : أنّ عليّاً علیه السلام قال : انقطع سيفي يوم أحد فرجعت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقلت : إن المرء يقاتل بسيفه ، وقد انقطع سيفي ، فنظر إلى جريدة نخل عتيقة یا بسة مطروحة فأخذها بيده ، ثم هزها فصارت سیفه «ذا الفقار» فناولنيه ، فماضربت به أحداً إلا وقده بنصفين .(4)
237- ومنها : أن جابراً قال : كان النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم بمكة و رجل من قریش یربّی مهراً ، كان إذا لقي محمّداً و المهر معه يقول: يا محمد على هذا المهر أقتلك. قال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : أقتلك عليه. قال: بل أقتلك. فوافي أحداً، فأخذ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم حربة رجل وخلع سنانه و رمى به ، فضربه بها على عنقه ، فقال : النار النار . و سقط ميتاً .(5)
ص: 150
238- ومنها : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم انتهى إلى رجل قد فوق(1) سهماً ليرمي بعض المشركين ، فوضع صلی الله علیه و آله و سلّم يده فوق السهم ، وقال : إرم . فرمى ذلك المشرك فهرب المشرك من السهم ، وجعل يروغ من السهم يمنة ويسرة ، و السهم يتبعه حيثما راغ حتّى سقط السهم في رأسه ، فسقط المشرك ميتاً فأنزل الله :
«فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى » .(2)
239- و كان أبوعزّة(3) الشاعر حضر مع قريش يوم بدر يحرض قر یشاً بشعره على القتال ، فاسر في السبعين الذين أسروا .
فلمّا وقع الفداء على القوم قال أبو عزة: يا أبا القاسم تعلم أنّي رجل فقير فامنن على بناتي . فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : إن أطلقتك بغیر فداء أتكثر علينا بعدها؟ قال : لاوالله. فعاهده أن لا يعود . فلمّا كانت حرب أحد دعته قريش إلى الخروج معها ليحرض الناس بشعره على القتال، فقال : إنّي عاهدت محمّداً ألا أكثر عليه بعد ما من علي.
قالوا: ليس هذا من ذاك ، إنّ محمّداً لا يسلم منّا في هذه الدفعة. فقلبوه عن رأيه فلم يؤسر يوم أحد من قريش غيره .
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : ألم تعاهدني؟ قال: إنّما غلبوني على رأيي ، فامنن على بناتي قال : لا ، تمشي بمكّة و تحرّك كتفيك فتقول : سخرت من محمّد مرتين، المؤمن لايلسع من جحر مرتين، ياعليّ اضرب عنقه(4) .
ص: 151
240- ومنها : أنّه لمّا و افی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم المدينة مهاجراً نزل بقبا(1) وقال :لا أدخل المدينة حتّى يلحق بي علي .
و كان سلمان کثير السؤال عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و كان قد اشتراه بعض اليهود وكان يخدم نخلا لصاحبه .
فلمّا وافي صلی الله علیه و آله و سلّم قبا - و كان سلمان قد عرف بعض أحواله من بعض أصحاب عیسی و غیره - فيحمل طبقاً من تمر و جاءهم به ، فقال : سمعنا أنّكم غرباء وافيتم إلى هذا الموضع في حملنا هذا إليكم من صدقاتنا فكلوه .
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : سمّوا و كلوا. ولم يأكل هو منه شيئاً ، و سلمان و قف ينظر ، فأخذ الطبق وانصرف وهو يقول : هذه واحدة - بالفارسيّة - . ثمّ جعل في الطبق تمرأ آخر و حمله فوضعه بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال: رأيتك لم تأكل من تمر الصدقة ، وهذه هديّة(2) فمد يده [وأكل ] وقال لأصحابه :كلوا باسم الله . فأخذ سلمان الطبق ويقول : هذه اثنتان .
ثمّ دار خلف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فعلم صلی الله علیه و آله و سلّم مراده منه، فأرخی رداءه عن كتفيه ، فرأي سلمان الشامة ، فوقع عليها وقبّلها ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّك رسول الله
ثمّ قال : إنّي عبد ليهودي فما تأمرني ؟ قال: اذهب فكاتبه على شيء تدفعه إليه.
فصار سلمان إلى اليهودي فقال : إنّي أسلمت و اتّبعت هذا النبي على دينه ولاتنتفع بي ، فكاتبني على شيء أدفعه إليك وأملك نفسي.
فقال اليهودي : اكاتبك على أن تغرس لي خمسمائة نخلة ، و تخدميها حتّی تحمل ثم تسلّمها إلي ، وعلى أربعين أوقيّة ذهباً جیّداً .
ص: 152
فانصرف إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فأخبره بذلك، فقال: اذهب فكاتبه على ذلك.
فمضی سلمان و کاتبه على ذلك و قدّر اليهودي أن هذا شيء لا يكون إلا بعد سنين فانصرف سلمان بالكتاب إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال : اذهب فأتني بخمسمائة نواة وفي رواية الحشويّة(1) : بخمسمائة فسيلة .
فجاء سلمان بخمسمائة نواة ، فقال : سلّمها إلى عليّ . ثمّ قال لسلمان : اذهب بنا إلى الأرض التي طلب النخل فيها. فذهبوا إليها ، فكان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يثقب الأرض باصبعه ، ثم يقول لعلي لیه السلام : ضع في الثقب نواة ، ثمّ يردّ التراب عليها و يفتح رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم أصابعه فينفجر الماء من بينها، فيسقي ذلك الموضع ، ثم يصير إلى موضع الثانية فيفعل بنا كذلك.
فاذا فرغ من الثانية تكون الاولى قد نبتت، ثمّ يصير إلى موضع الثالثة، فاذا فرغ منها تكون الاولى قد حملت، ثمّ يصير إلى موضع الرابعة و قد نبتت الثالثة و حملت الثانية ، و هكذا حتّى فرغ من غرس الخمسمائة، وقد حملت كلّها .
فنظر اليهودي، و قال: صدقت قريش أن محمّداً ساحر. و قال: قد قبضت منك النخل فأين الذهب ؟
فتناول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم حجراً كان بين يديه فصار ذهباً أجود ما يكون، فقال اليهودي :
ما رأيت ذهباً قطّ مثله. وقدّره مثل تقدير عشرة أواق فوضعه في الكفّة فرجّح فزاد عشراً، فرجّح حتّى صار أربعين أوقية لا تزيد ولا تنقص .
ص: 153
قال سلمان: فانصرفت إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلّم فلزمت خدمته و أنا حر .(1)
241- ومنها : أنّ جابراً قال: لمّا اجتمعت الاحزاب من العرب لحرب الخندق و انتشار النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم المهاجرين و الأنصار في ذلك فقال سلمان: إنّ العجم إذا أحزبها(2)أمر مثل هذا اتخذوا الخنادق حول بلدانهم، وجعلوا القتال من وجه واحد.
فأوحى الله أن يفعل مثل ما قال سلمان .
فخطّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الخندق حول المدينة، و قسّمه بين المهاجرين و الأنصار بالذراع، فجعل لكلّ عشرة منهم عشر أذرع.
قال جابر : فظهرت في الخط لنا يوماً صخرة عظيمة لم يمكن كسرها، و لا كانت المعاول تعمل فيها، فأرسلني أصحابي إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لاخبره بخبرها ، فصرت إليه فوجدته مستلقياً، وقد شدّ على بطنه الحجر، فأخبرته بخبر الحجر ، فقام مسرعاً فأخذ الماء في فمه فرشّه على الصخرة، ثمّ ضرب المعول بيده وسط الصخرة ضربة برقت منها برقة، فنظر المسلمون فيها إلى قصور اليمن و بلدانها، ثم ضربها ضربة فبرقت برقة أخرى نظر المسلمون فيها إلى قصور العراق، و فارس، و مدنها.
ثم ضربها الثالثة فانهارت الصخرة قطعاً.
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : ما الّذي رأيتم في كل برقة؟ قالوا: رأينا في الأولى كذا و في الثانية كذا، وفي الثالثة كذا . وقال: سيفتح الله عليكم ما رأيتموه .
قال جابر : و كان في منزلي صاع من شعیر و شاة مشدودة، فصرت إلى أهلي فقلت: رأيت الحجر على بطن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و أظنّه جائعاً ، فلو أصلحنا هذا الشعير و هذه
ص: 154
الشاة و دعونا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلينا كان لنا قربة عند اللّه .
قالت : فاذهب فأعلمه، فان أذن فعلناه .
فذهبت فقلت: يا رسول اللّه إن رأيت أن تجعل غداءك اليوم عندنا . قال: و ماعندك؟ قلت : صاع من الشعير و شاة . قال: أفأصير إليك مع من أحب أو أنا وحدي ؟ قال: فكرهت أن أقول: أنت وحدك، بل قلت: مع من تحب، و ظننته يريد عليّاً بذلك. فرجعت إلى أهلي، فقلت : أصلحي أنت الشعير ، و أنا أسلخ الشاة، ففرغنا من ذلك وجعلنا الشاة كلّها قطعاً في قدر واحد و ماء و ملحاً، و خبزت أهلي ذلك الدقيق وصرت إليه، فقلت: يا رسول الله قد أصلحنا ذلك فوقف على شفير الخندق، ونادى بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أجيبوا دعوة جابر فخرج جميع المهاجرين والأنصار فخرج [النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم ] و الناس خلفه، فلم يكن يمر بملا من أهل المدينة إلاّ قال: أجيبوا دعوة جابر .
فأسرعت إلى أهلي فقلت: قد أتانا ما لا قبل لنا به ، و عرّفتها خبر الجماعة. فقالت: ألست قد عرّفت رسول الله ما عندنا؟ قلت: بلى . قالت:فلاعليك فهو أعلم بما يفعل فكانت أملي أفقه منّي.
فأمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم النّاس بالجلوس خارج الدار، و دخل هو و عليّ الدار، فنظر في التنور و الخبز فيه، فتفل فيه و كشف القدر فنظر فيها، ثم قال للمرأة: أقلعي من التنور رغيفاً رغيفاً، و ناوليني واحداً بعد واحد.
فجعلت تقلع رغيفاً و تناوله إيّاه، و هو وعليّ يثردان في الجفنة، ثم تعود المرأة إلى التنّور فتجد مكان الرغيف الذي اقتلعته رغيفاً آخر .
فلمّا امتلات الجفنة بالثريد غرف عليه من القدر، و قال علیه السلام: أدخل عليّ عشرة من الناس. فدخلوا، و أكلوا حتّى شبعوا [و الثريد بحاله] .
ثمّ قال: يا جابر ائتني بالذراع. ثمّ قال: أدخل عليّ عشرة
ص: 155
فدخلوا و أكلوا حتّى شبعوا و الثريد بحاله .
ثم قال:هات الذراع. فأتيته به . ثم قال : أدخل علي عشرة. فأكلوا وشبعوا و الثريد بحاله و قال صلی الله علیه و آله و سلّم : هات الذراع. قلت : كم للشاة من ذراع ؟ قال: ذراعان .
قلت: قد أتيت بثلاث أذرع. قال صلی الله علیه و آله و سلّم : لو سكت لأكل الجميع من الذراع فلم يزل يدخل عشرة و يخرج عشرة حتّى أكل الناس جميعاً .
ثمّ قال: تعال حتّى نأكل نحن و أنت . فأكلت أنا و محمّد صلی الله علیه و آله و سلّم و علي علیه السلام و خرجناء و الخبز في التنّور على حاله، و القدر على حالها و الثريد في الجفنة على حاله، فعشنا أيّاماً بذلك .(1)
242- ومنها : أن جابراً قال: استشهد والدي بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوم أحد و هو ابن مائتي سنة، و كان عليه دين، فلقيني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم يوماً فقال : ما فعل دین أبيك؟ قلت : على حاله . فقال: لمن هو؟ قلت: لفلان اليهودي .قال: متى حينه ؟قلت: وقت جفاف التمر . قال: إذا جفّفت التمر فلا تحدّث فيه حتّى تعلمني، واجعل كلّ صنف من التمر على حدة .
ففعلت ذلك، و أخبرته صلی الله علیه و آله و سلّم ، فصار معي إلى التمر و أخذ من كل صنف قبضة بيده و ردّها فيه، ثمّ قال: هات اليهودي. قدعوته .
ص: 156
فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : إختر من هذا التمر أي صنف شئت، فخذ دينك منه .
فقال اليهودي : وأي مقدار لهذا التمر كلّه حتّى آخذ صنفاً منه؟ و لعلّ كلّه لا يفي بدیني! فقال: إختر أي صنف شئت فابتدىء به .
فأومي إلى صنف الصيحاني ، فقال : أبتدیء به ؟ فقال: افعل باسم الله.
فلم يزل يكيل منه حتى استوفي منه دینه کلّه، و الصنف على حاله مانقص منه شيء .
ثمّ قال صلی الله علیه و آله و سلّم : يا جابر هل بقي لأحد عليك شيء من دينه؟ قلت: لا.
قال: فاحمل تمرك بارك اللّه لك فيه.
فحملته إلى منزلي، و كفانا السنة كلّها ، فكنّا نبيع لتفقتنا ومؤونتنا ونأكل منه، ونهب منه و نهدي، إلى وقت التمر الحديث ، و التمر على حاله إلى أن جاءنا الحديث(1) .(2)
243- ومنها : ما روی عمّار بن ياسر أنّه كان مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في بعض أسفاره قال: فنزلنا يوماً في بعض الصحارى القليلة الشجر، فنظر إلى شجرتين صغيرتين فقال لي: يا عمّار صر إلى الشجرتين فقل لهما: يأمر كما رسول الله أن تلتقيا حتّى يقعد تحتكما . فأقبلت كل واحدة إلى الاخرى، حتى التقتا فصارتا كالشجرة [الواحدة و مضى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم خلفهما فقضى حاجته] .
فلمّا أراد الخروج قال: لترجع كل واحدة إلى مكانها. فرجعتا كذلك .(3)
244- ومنها : أنّ عليّاً علیه السلام بعثه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في بعض الامور بعد صلاة الظهر و انصرف من جهته تلك(4) و قد صلّى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم العصر بالناس .
فلمّا دخل عليّ علیه السلام جلس يقص عليه ما كان قد نفذ فيه . فنزل الوحي عليه في تلك الساعة ، فوضع رأسه في حجر علي علیه السلام و کانا كذلك حتّى غربت الشمس
ص: 157
فسري عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم في وقت الغروب .
فقال لعليّ : هل صلّيت العصر ؟ قال: لا، فانّي كرهت أن أزيل رأسك، و رأيت جلوسي تحت رأسك و أنت في تلك الحال أفضل من صلاتي .
فقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فاستقبل القبلة فقال: «اللّهمّ إنّ كان عليّ في طاعتك و حاجة رسولك فاردد عليه الشمس ليصلّي صلاته» فرجعت الشمس حتّى صارت في موضع أوّل العصر ، فصلّي عليّ ثم انقضّت الشمس للغروب مثل انقضاض الكوكب.
و روي أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم قال: يا عليّ إنّ الشمس مطيعة لك فادع.
فدعا فرجعت، و كان قد صلاها بالاشارة.(1)
245- ومنها : أن الحصار لمّا اشتد على المسلمين في حرب الخندق، و رأی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم منهم الضجر لما كان فيه من الضر ، صعد على مسجد الفتح فصلّی رکعتین ثم قال : «اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لم تعبد بعدها في الأرض» فبعث الله ريحاً قلعت خيم المشركين، و بددت رواحلهم، و أجهدتهم بالبرد، و سفّت(2) الرمال و التراب عليهم ، و جاءته الملائكة فقالت: يا رسول الله إن الله قد أمرنا بالطاعة لك فمرنا بما شئت . قال: زعزعي المشركين و ارعبيهم، و کوني من ورائهم .
ففعلت بهم ذلك وأنزل الله :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ - یعني أحزاب المشركين - فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا » «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ - أي أحزاب العرب -وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ (3) يعني بني قريظة حين نقضوا عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و صاروا مع الأحزاب على المسلمين .»
ص: 158
ثمّ رجع من مسجد الفتح إلى معسكره فصاح بحذيفة بن اليمان - و كان قريباً - ثلاثاً ، فمال في الثالثة: لبيّك يارسول الله . قال: تسمع صوتي ولا تجيبني؟ فقال: منعني شدّة البرد. فقال: اعبر الخندق، فاعرف خبر قریش والأحزاب، وارجع، ولاتحدث حدثاً حتى ترجع إليّ .
فقمت و أنا أنتفض من البرد، فعبرت الخندق، و كأنّي في الحمّام، فصرت إلى معسكرهم فلم أجد هناك إلاّ خيمة أبي سفيان و عنده جماعة من وجوه قریش، و بین أيديهم نار تشتعل مرّة و تخبو أخرى، فانسللت فجلست بينهم .
فقال أبو سفيان: إن كنّا نقاتل أهل الأرض فنحن بالقدرة عليه، و إنّ كنّا نقاتل أهل السماء كما يقول محمّد فلا طاقة لنا بأهل السماء، انظروا بينكم لا يكون لمحمّد عين بيننا، فليسأل بعضكم بعضاً .
قال حذيفة: فبادرت إلى الذي عن يميني فقلت: من أنت؟ قال : خالد بن الوليد و قلت للذي عن يساري: من أنت ؟ قال: فلان. فلم يسألني أحد منهم .
ثم قال أبو سفيان لخالد: إمّا أن تتقدّم أنت فتجمع إلي الناس ليلحق بعضهم ببعض، فأكون على الساقة، و إما أن أتقدّم أنا، و تكون على الساقة .
قال: بل أتقدّم أنا و تتأخّر أنت .
فقاموا جميعاً فتقدموا و تأخّر أبو سفيان، فخرج من الخيمة و أنا اختفیت في ظلّها ، فركب راحلته و هي معقولة من الدهش الّذي كان به، فنزل يحل العقال فأمكنني قتله، فلمّا هممت بذلك تذكّرت قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لي: «لا تحدثن حدثاً حتّى ترجع إليّ».
فكففت و رجعت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و قد طلع الفجر، فحمد الله، ثمّ صلّی بالناس الفجر، و نادى مناديه: لا يبرحين أحد مكانه إلى أن تطلع الشمس.
فما أصبح إلا وقد تفرّق عنه الجماعة إلا نفراً يسيراً.
ص: 159
فلما طلعت الشمس انصرف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و من كان معه، فلمّا دخل منزله أمر فنودي: أن لا يصلّي أحد منكم إلاّ في بني قريظة . فسار المسلمون إليهم ، فوجدوا النخل محدقاً بقصرهم . ولم يكن للمسلمين معسكر ينزلون فيه، و وافی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فقال: ما لكم لا تنزلون؟ فقالوا: ما لنا مكان ننزل به من اشتباك النخل.
فوقف في طريق بين النخل ، فأشار بيده يمنة ، فانضم النخل بعضه إلى بعض و أشار بيده يسرة فانضم النخل كذلك ، و اتّسع لهم الموضع فنزلوا .(1).
246- ومنها : أنّه لمّا خرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم للعمرة سنة الحديبيّة منعت قريش من دخوله مكّة، و تحالفوا أنّه لا يدخلها و منهم عين تطرف .
و قال لهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : ما جئت محارباً لكم، إنّما جئت معتمراً.
قالوا: لا ندعك تدخل مكّة على هذه الحالة فتستند لنا العرب و تعيّرنا، و لكن اجعل بيننا و بينك هدنة لا تكون لغيرنا، فاتّفقوا عليها .
و قد نفد ماء المسلمين و كظّهم و بهائمهم العطش ، فجيء بر کوة فيها قليل من الماء ، فأدخل يده فيها ففاضت الركوة، و نودي في العسكر : من أراد الماء فليأته . فسقوا و استقوا ، و ملأوا القرب .(2)
247- ومنها : ما روی جابر ، عن عمار بن ياسر أنّه كان مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في بعض غزواته، قال: فلمّاخرجنا من المدينة و تأخّر عنّا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ثم أقبل خلفنا
ص: 160
فانتهى إليّ و قد قام جملي و برك في الطريق، و تخلّفت عن الناس بسبب ذلك ، فنزل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عن راحلته فأخذ من الاداوة ماء في فمه ، ثم رشّه على الجمل، صاح به، فنهض کأنّه ظبي، فقال لي: اركبه وسر عليه .
فركبته وسرت مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فوالله ما كانت ناقة رسول الله العضباء تفوته .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم لی : يا عمار تبيعني الجمل؟ قلت: هو لك يا رسول الله .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : لا إلا بثمن . قلت : تعطي من الثمن ما شئت .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : مائة درهم . قلت: قد بعتك .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : ولك ظهره إلى المدينة .
فلمّا رجعنا و نزلنا المدينة حططت عنه رحلي، و أخذت بزمامه، فقدمته إلى باب دار رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ، فقال : و فیت یا عمّار . فقلت: الو احب هذا یا رسول الله .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : يا أنس أدفع إلى عمّار مائة درهم ثمن الجمل ، و ردّ عليه الجمل هديّة منّا إليه لينتفع به .(1)
248- قال جابر : وكنّا يوماً جلوساً حوله صلی الله علیه و آله و سلّم في مسجده فأخذ كفّاً من حصي المسجد فنطقت الحصيات كلّها في يده بالتسبيح ، ثمّ قذف بها إلى موضعهافي المسجد.(2)
249- ومنها : أنّه لما سار إلى خیبر أخذ أبو بكر الراية إلى باب الحصن فحاربهم فحملت اليهود فرجع منهزماً يجبّن أصحابه ويجبّنونه .
و لمّا كان من الغد أخذ عمر الراية وخرج، ثم رجع يجبّين الناس(3).
فغضب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم وقال:ما بال أقوام يرجعون منهزمین يجبّنون أصحابهم؟! أنا لاعطين الراية غداً رجلا يحب الله و رسوله، و يحبّه الله و رسوله، کرّاراً غير فرار لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه .
ص: 161
و كان عليّ علیه السلام أرمد العين، فتطاول جميع المهاجرين و الأنصار و قالوا:
أمّا عليّ فانّه لا يبصر شيئاً، لا سهلا ولا جبلا .
فلمّا كان من الغد خرج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من الخيمة و الراية في يده فرکزها و قال :
أين علي؟ فقيل : یا رسول الله هو رمد معصوب العينين . قال: هاتوه إليّ .
فأتي به يقاد ففتح رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عينيه ثم تفل فيهما، فكأنما لم ترمدا قط .
ثمّ قال: «اللهمّ أذهب عنه الحر و البرد» فكان علي يقول: ما وجدت بعد ذلك حراً و لا برداً في صيف ولا شتاء(1) . ثم دفع إليه الراية ثم قال له: سر في المسلمين إلى باب الحصن، وادعهم إلى إحدى ثلاث خصال :إمّا أن يدخلوا في الاسلام، و لهم ما للمسلمين و عليهم ما عليهم، و أموالهم لهم .
و إمّا أن يذعنوا بالجزية و الصلح، و لهم الذمّة و أموالهم لهم .
و إمّا الحرب . فان هم اختاروا الحرب فحاربهم .
فأخذها و سار بها و المسلمون خلفه حتّی وافی باب الحصن، فاستقبله حماة اليهود وفي أو لهم مرحب يهدر(2) كما يهدر البعير ، فدعاهم إلى الاسلام فأبوا، ثم دعاهم إلى الذمّة فأبوا ، فحمل عليهم أمير المؤمنين علیه السلام فانهزموا بين يديه ودخلوا الحصن و ردوا بابه وكان الباب حجراً منقوراً في صخر ، و الباب من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنّه، حجر رحی، و في وسطه ثقب لطیف، فرمى أمير المؤمنين علیه السلام بقوسه من يده اليسرى، و جعل يده اليسرى في ذلك الثقب الذي في وسط الحجر دون اليمني لأن السيف كان في يده اليمنى، ثم جذبه إليه فانهار الصخر المنقور ، وصار الباب في يده اليسرى، فحملت عليه اليهود، فجعل ذلك ترساً له، و حمل عليهم فضرب مرحباٌ، فقتله
ص: 162
وانهزم اليهود من بين يديه ، فرمی عند ذلك بالحجر بيده اليسرى إلى خلفه، فمر الحجر - الذي هو الباب - على رؤوس الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر .
وقال المسلمون: فذر عنا المسافة التي مضى فيها الباب فكانت: أربعين ذراعاً، ثم اجتمعنا على ذلك الباب لنرفعه في الأرض، و كنّنا أربعين رجلا حتّى تهیّأ لنا أن نرفعه قليلا من الأرض .(1).
250- ومنها : أنّه لمّا انصرف رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من خيبر راجعاً إلى المدينة قال جابر : أشرفنا (2) علی واد عظيم قد امتلا بالماء، فقاسوا عمقه برمح فلم یبلغغ قعره، فنزل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و قال [: «اللّهم أعطنا اليوم آية من آيات أنبيائك و رسلك» ثمّ ضرب الماء بقضيبه و استوی علی راحلته ثمّ قال ]: سيروا خلفي (على اسم)(3) الله . فمضت راحلته على وجه الماء و اتّبعه الناس على رواحلهم و دوابّهم ، فلم تتر طّب أخفافها ولاحوافرها .(4).
251- ومنها : أن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لمّا أراد المسير إلى مكّة لفتحها قال: «اللّهم أعم الأخبار عن قريش حتّی نبغتها في دارها » فعميّت الأخبار عليهم وكان حاطب بن أبي بلتعة قد أسلم و هاجر و كان أهله وولده بمكّة، فقال قريش لهم: اكتبوا إلى حاطب کتا بأسلوه أن يعرّفنا خبر محمّد . فكتبو اکتاباً و بعثته قريش مع امرأة سرّأ، فكتب الجواب بأن محمداً صائر إليكم .و دفعه إلى المرأة و خرجت فقال عليه و آله السلام : إن الله أوحي إليّ أنّ حاطباً قد كتب بخبرنا إلى مكة والكتاب حملته امرأة من حالها و صفتها ... فمن يمضي خلفها فيرد الكتاب؟ قال الزبير : أنا . قال صلی الله علیه و آله و سلّم : يكون . علي معك .
ص: 163
فخرجا فلحقاها في الطريق، فقالا: أين الكتاب ؟ قالت: ما معي . و رميت إليهماكل ما كان معها، فقال الزبير : ما معها كتاب . قال علي علیه السلام : ماكذب رسول الله، ولا كذب الله، و جرد سيفه، فقال: لتخرجن الكتاب، أولأفتلنّك. فأخرجته من شعر رأسها فأنزل الله تعالی :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ »(1) .(2).
252- ومنها: أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلّم خرج قاصداً مكّة في عشرة آلاف فارس من المسلمين، فلم يشعر أهل مكّة حتّى نزل تحت العقبة، و كان أبو سفيان و عكرمة أبي جهل خرجا إلى العقبة يتجسّسان خبراً، ونظرا إلى النيران فاستعظما، فلم يعلما لمن النيران، وكان العبّاس قد خرج من مكّة مستقبلا إلى المدينة، فردّه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم معه . و الصحيح أنّه منذ يوم بدر كان بالمدينة .
فلمّا نزل تحت العقبة ركب العبّاس بغلة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم و صار إلى العقبة طمعا أن يجد من أهل مكّة من ينذرهم، إذ سمع كلام أبي سفيان يقول لعكرمة : ماهذه النيران؟ فصاح العباس إلى أبي سفيان، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل ما هذه النيران؟
قال: نیران عسکر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم .
فقال أبو سفيان: هذا محمد !!
فقال العبّاس: يا أبا سفيان نعم هذا رسول الله .
قال: ما تری لي أن أصنع؟
قال: تركب خلفي فأصير بك إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فأخذ لك الأمان .
قال: و تراه يؤمنني؟ قال: نعم، فانّي إذا سألته شيئاً لم يردّني.
فركب أبو سفيان خلفه و انصرف عكرمة إلى مكّة، فصار العباس إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم
ص: 164
فقال العبّاس: هذا أبو سفيان صار معي إليك فتؤمنه بسببي .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : أسلم تسلم يا أبا سفيان . فقال : يا أبا القاسم ما أكرمك و أحلمك .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : أسلم تسلم . قال : ما أكرمك [و أحلمك] .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم :أسلم تسلم . فوكزه العباس : ويلك إن قالها الرابعة ولم تسلم قتلك ؛
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : خذه يا عم إلى خيمتك . وكانت قريبة، فلمّا جلس في الخيمة ندم على مجيئه مع العباس، وقال في نفسه: من فعل بنفسه مثل ما فعلت أنا ؟ جئت فأعطيت بيدي ولو كنت انصرفت إلى مكّة فجمعت الأحابيش(1) و غيرهم فلعلّي كنت أهزمه .
فناداه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم من خيمته فقال : « إذاً كان الله يخزيك »
فجاء العبّاس فقال : يريد أبو سفيان أن يجيئك يا رسول الله . قال صلی الله علیه و آله و سلّم : هاته .
فلمّا دخل قال صلی الله علیه و آله و سلّم : ألم يأن [لك] أن تسلم ؟
فقال له العباس: قل، وإلاّ فيقتلك. فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، و أنّك رسول الله فضحك صلی الله علیه و آله و سلّم فقال: رده إلى عندك . فقال العبّاس: إنّ أبا سفيان يحب الشرف فشرّفه قال صلی الله علیه و آله و سلّم : «من دخل داره فهو آمن، و من ألقى سلاحه فهو آمن ».
فلمّا صلّى بالناس الغداة قال للعبّاس: خذه إلى رأس العقبة فأقعده هناك لتراه جنود الله، و يراها .
فقال أبو سفيان: ما أعظم منك ابن أخيك ؟! قال العباس: إنهاهي نبوّة ، قال : نعم.
ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : تقدم إلى مكّة فأعلمهم بالأمان.
فلمّا دخلها قالت هند: اقتلوا هذا الشيخ الضال.
ودخل النبي صلی الله علیه و آله و سلّم مكّة، و كان وقت الظهر ، فأمر بلالا، فصعد على ظهر الكعبة فأذن، فما بقي صنم بمكّة إلا سقط على وجهه ، فلمّا سمع وجوه قريش الأذان قال
ص: 165
بعضهم في نفسه: الدخول في بطن الأرض خير من سماع هذا .
وقال آخر: الحمد لله الذي(1) لم يعش والدي إلى هذا اليوم .
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : يافلان قد قلت في نفسك كذا، و یا فلان قلت في نفسك كذا.
فقال أبو سفيان: أنت تعلم أنّي لم أقل شيئاً .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : «اللّهم اهد قومي فانّهم لا يعملون» .(2)
253- ومنها : أنّ النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لّما سار إلى خيبر كانوا قد جمعوا حلفاءهم من العرب من غطفان أربعة آلاف فارس ، فلمّا صلی الله علیه و آله و سلّم نزل بخيبر سمعت غطفان صائحاً يصيح في تلك الليلة : يا معشر غطفان، الحقوا حيّكم، فقد خولفتم إليهم .
وركبوا من ليلتهم و حساروا إلى حيّهم من الغد، فوجدوهم سالمين قالوا: فعلمنا أن ذلك من قبل الله ليظفر محمّد بيهود خيبر .
[فنزل صلی الله علیه و آله و سلّم تحت الشجرة، فلمّا انتصف النهار نادى مناديه، قالوا: فاجتمعنا إليه فاذا عنده رجل جالس فقال: عليكم هذا، جاءني و أنا نائم و سلّ سيفي، و قال: من يمنعك منّي؟ قلت: الله يمنعني منك، فصار كما ترون لاحراك به .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : دعوه .ولم يعاقبه ].
و لمّا فتح عليّ علیه السلام حصن خيبر الأعلى بقيت لهم قلعة، فيها جميع أموالهم و مأكولهم، ولم يكن عليها حرب من وجه من الوجوه، نزل رسول لله صلی الله علیه و آله و سلّم عليها محاصراً لمن فينا ، فصار إليه يهودي منهم فقال: يا محمّد تؤمّنني على نفسي و أهلي و ولدي حتّى أدلّك على فتح القلعة ؟
فقال له النبي صلی الله علیه و آله و سلّم : أنت آمن، فما دلالتك ؟
ص: 166
قال: تأمر أن يحفر هذا الموضع ، فانّهم يصيرون إلى ماء أهل القلعة فيخرج و يبقون بغير ماء، فيسلّمون إليك القلعة طوعاً .
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : أو يحدث الله غير هذا و قد أمّناك ؟
فلمّا كان من الغد ركب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بغلته و قال المسلمين: إتبعوني . و سار نحو القلعة و أقبلت السهام و الحجارة نحوه وهي تمر عن يمننه و يسرته فلا يصيبه ولا أحداً من المسلمين شيء منها حتّى وصل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى باب القلعة فأشار بيده إلى حائطها ، فانخفض الحائط حتّى صار مع الأرض و قال للناس : أدخلوا القلعة من رأس الحائط بغير كلفة .(1)
254- ومنها : ما روت عائشة أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بعث عليّاً علیه السلام يوماً في حاجة له، فانصرف إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلّم و هو في حجرتي، فلمّا دخل علي من باب الحجرة استقبله رسول لله صلی الله علیه و آله و سلّم إلى وسط واسع [ من ] الحجرة فعانقه، و أظلّتهما غمامة ستر تهما عنّي، ثم زالت عنهما الغمامة، فرأيت في يد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عنقود عنب أبيض و هو يأكل و يطعم علياً.
فقلت: يا رسول الله تأكل و تطعم عليّاً ولا تطعمني؟
قال: إنّ هذا من ثمار الجنة لا يأكله إلا نبي أو وصي نبي في الدنيا .(2)
255- ومنها : أن نبي الله صلی الله علیه و آله و سلّم لمّا بنى مسجده كان فيه جذع نخل إلى جانب المحراب یا بس عتيق ، إذا خطب يستند إليه، فلمّا اتّخذ له المنبر و صعده حن ذاك الجذع [ كحنين الناقة إلى فصيلها ]، فنزل [رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ] فاحتضنه [فسكن من الحنين ثم رجع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ] . و يسمّى «الحنّانة».
ص: 167
إلى أن هدم بنو أميّة المسجد و جدّدوا بناءه، فقطعوا الجذع .(1)
256- ومنها : أنّه لمّا بعث النبي صلی الله علیه و آله و سلّم عسكراً إلى مؤتة ولّى عليهم زيد بن حارثة و دفع الراية إليه، و. قال : «إن قتل زید فالوالي عليكم جعفر بن أبي طالب فان قتل جعفر فالوالي عليكم عبد الله بن رواحة الأنصاري » و سكت .
فلمّا ساروا، وقد حضر هذا الترتيب في الولاية من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم رجل من اليهود فقال اليهودي: إن كان محمّد نبيّاً كما يقول سيقتل هؤلاء الثلاثه . فقيل له: لم قلت هذا؟ قال: لأن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا بعث نبي منهم بعثاً في الجهاد فقال: إن قتل فلان فالوالي عليكم بعده فلان ، فان سمّي للولاية كذلك اثنين أو مائة أو أقل أو أكثر قتل جميع من ذكر فيهم الولايات .
و قال جابر: فلمّا كان اليوم الذي وقعت فيه حربهم صلّي النبي صلی الله علیه و آله و سلّم بنا الغداة(2) ثمّ صعد المنبر فقال: «قد التقى إخوانكم مع المشركين للمحاربة » فأقبل يحدّثنا بكرّات بعضهم على بعض إلى أن قال: «قال زيد و سقطت الراية ».
ثمّ قال: «قد أخذها جعفر بن أبي طالب و تقدّم للحرب بها » .
ثمّ قال: «قد قطعت يده وقد أخذ الراية بيده الاخرى».
ثمّ قال: «و قطعت يده الاخرى و قد احتضن الراية في صدره » .
ثمّ قال: «قتل جعفر و سقطت الراية ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة و قد قتل من المشرکین کذا، و قتل من المسلمين فلان و فلان » إلى أن ذكر جميع من قتل من المسلمين بأسمائهم .
ثمّ قال: «قتل عبد الله بن رواحة، و أخذ الراية خالد بن الوليد و انصرف المسلمون» .
ثمّ نزل عن المنبر وصار إلى دار جعفر، فدعا عبد الله بن جعفر فأقعده في حجره
ص: 168
و جعل يمسح على رأسه .
فقالت والدته أسماء بنت عمیس: یارسول الله إنّك لتمسح على رأسه كأنّه يتيم .
قال: قد استشهد جعفر في هذا اليوم . ودمعت عينا رسول الله ، و قال: قطعت يداه قبل أن يستشهد(1) وقد أبدله الله من يديه جناحين من زمرد أخضر، فهو الآن يطير بهما في الجنّة مع الملائكة كيف يشاء .(2)
257- ومنها : أن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لمّا بعث سريّة ذات السلاسل عقد الراية و ساربها أبوبكر حتّى إذا صار بها بقرب المشر کین اتّصل بهم خبر هم ، فتحرّزوا ، و لم يصل المسلمون إليهم .
فأخذها عمر، وخرج مع السريّة فاتّصل بهم خبرهم فتحرّ زوا، و لم يصل : المسلمون إليهم .
. فأخذ الراية عمرو بن العاص فخرج مع السريّة و انهزموا أيضاً .
فعقد صلی الله علیه و آله و سلّم الراية لعلي علیه السلام وضمّهم إليه، ومن كان في تلك السريّة .
و كان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم : ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة فيأخذون حذرهم و استعدادهم.
فلمّا خرج علي علیه السلام ترك الجادة و أخذ بالسريّة في الأودية بين الجبال.
فلمّا رأى عمرو بن العاص قد فعل علي ذلك علم أنّه سيظفر بهم ، فحسده فقال لأبي بكر وعمر ، و وجوه السريّة : إنّ عليّاً رجل غر لاخبرة له بهذه المسالك و نحن أعرف بها منه، و هذا الطريق الّذي توجه فيه كثير السباع، و سيلقى الناس من معرّتها أشد ما يحاذرونه من العدو ، فاسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة. فعرفوا أمير المؤمنين علیه السلام ذلك، قال : من كان طائعاً لله و لرسوله منكم فليتبعني، ومن أراد
ص: 169
الخلاف على الله و رسوله فلينصرف عنّي .
فسكتوا و ساروا معه. فكان يسير بهم بين الجبال باللّيل ويكمن في الأودية بالنهار وصارت السباع التي فيها كالسنانير(1) إلى أن كبس المشر کین و هم غارون(2) آمنون وقت الصبح، فظفر بالرجال و الذراري و الأموال، فحاز ذلك كلّه ، و شد الرجال في الحبال كالسلاسل، فلذلك سمّیت «غزاة ذات السلاسل».
فلمّا كانت الصبيحة التي أغار فيها أمير المؤمنين علیه السلام على العدوّ - و من المدينة إلى هناك خمس مراحل-خرج النبي صلی الله علیه و آله و سلّم و صلّي بالناس الفجر، وقرأ «و العاديات» في الركعة الأولى ، وقال : « هذه سورة أنزلها الله علي في هذا الوقت يخبرني فيها باغارة علي على العدوّ ».
و جعل حسده(3) لعلي حسداً له فقال : «إن الانسان لربّه لكنود»(4) و الكنود: الحسود، و هو عمرو بن العاص ههنا ، إذ هو كان يحب الخير، و هو الحياة حين أظهر الخوف من السباع ثمّ هدّده الله تعالى .(5)
258- ومنها : أن جابراً قال: إن الحكم بن أبي العاص عم عثمان بن عفان كان يستهزيء من رسول الله بخطوته في مشيته، و يسخر منه، و كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم [يمشي] يوماًو الحكم خله يحرّك كتفيه و يكسّر يديه خلف رسول الله إستهزاءاً منه بمشيته صلی الله علیه و آله و سلّم فأشار رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ما بيده و قال : هكذا فكن .
فبقي الحكم على تلك الحال من تحريك أكتافه و تكسير يديه ، ثم نفاه عن المدينة و لعنه ، فكان مطروداً إلى أيّام عثمان فردّه إلى المدينة [و أكرمه] .(6)
ص: 170
259- ومنها : أنّه لمّا غزا تبوك كان معه من المسلمين خمسة وعشرون ألفاً سوی خدمهم ، فمّرصلی الله علیه و آله و سلّم في مسيره بجبل يرشح الماء من أعلاه إلى أسفله من غير سیلان، فقالوا: ما أعجب رشح هذا الجبل؟!
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : إنّه يبكي . قالوا: و الجبل يبكي ؟!
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : أتحبّون أن تعلموا ذلك؟ قالوا: نعم .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : أيّها الجبل ممّ بكاؤك؟
فأجابه الجبل وقد سمعه الجماعة بلسان(1) فصيح: یا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم مر بي عيسی ابن مريم و هو يتلو : «نَارَا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ »(2) فأنا أبكي منذ ذلك اليوم خوفاً من أن أكون من تلك الحجارة .
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : أسكن من بكائك(3) فلست منّا إنّما تلك الحجارة «الكبريت» .
فجفّ ذلك الرشح من الجبل في الوقت، حتّى لم ير شيء من ذلك الرشح، و من تلك الرطوبة التي كانت .(4)
260- و منها : أنّه لمّا صار بتبوك و اختلف الرسل بین رسول الله و صلی الله علیه و آله و سلّم ملك الروم فطالت في ذلك الأيّام حتّی نفد الزاد فشكوا إليه نفاده، فقال صلی الله علیه و آله و سلّم : من كان معه شيء من الدقيق أو تمر، أو سویق فليأتني فجاءه رجل(5) بكف تمر، والآخر بكف سويق، فبسط رداءه، و جعل ذلك عليه و وضع يده على كل واحد منها، ثم قال: نادوا في الناس: من أراد الزاد فليأت فأقبل الناس يأخذون الدقيق و التمر و السويق حتّی ملاوا جميع ما كان معهم من
ص: 171
الأوعیة، و ذلك الدقيق و التمر و السويق على حالة ما نقص من واحد منها شيء ولا زاد على ما كان.
ثمّ سار إلى المدينة فنزل يوماً على واد كان يعرف فيه الماء فيما تقدّم، فوجدوه یا بساً لا ماء فيه، فقالوا: ليس في الوادي ماء یا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم.
فأخرج سهماً من كنانته فقال لرجل: خذه فانصبه في أعلى الوادي .
فنصبه حيث أمر النبي صلی الله علیه و آله و سلّم ، فتفجّرت من حول السهم اثنتا عشرة عيناً تجري في الوادي من أعلاه إلى أسفله و ارتووا(1) و ملاوا القرب .(2)
ص: 172
1- ومنها : عن أبي عبد الله علیه السلام، عن آبائه علیهم السلام أنّ العبّاس بن عبد المطلب و نوفل بن قعنب کانا جالسين ما بين بني هاشم إلى فريق عبد العزی بازاء بيت الله ، إذ أنت فاطمة بنت أسد ، فوقفت، و قد أخذها الطلق، و دعت .
قالا: رأينا البيت و قد انفتح عن ظهره، فدخلت و غابت عن أبصارنا، و انغلق الباب ثم عادت الفتحة، ثم التزقت، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فما انفتح فعلمنا أنّ ذلك أمر من الله .
فبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام، وأهل مكّة يتحدّثون بذلك .
ثم انفتح البيت من الموضع الذي دخلت فيه ، فخرجت و علي علیه السلام على يدها فقالت : كنت آكل من ثمار الجنّة في ثلاثة أيام .
فلمّا رأى النبي صلی الله علیه و آله و سلّم قال: السلام عليك يا رسول الله . وضحك في وجهه .
ووضع النبي صلی الله علیه و آله و سلّم لسانه في فيه فانفجرت اثنتا عشر عيناً.(1)
ص: 173
2- ومنها : ما روي عن الثمالي، عن رميلة - و كان ممن صحب علياً علیه السلام - قال:... و صار إليه نفر من أصحابه فقالوا : إنّ وصي موسی کان یریهم الدلائل و العلامات و البراهين و المعجزات ، و كان وصي عيسی یریهم كذلك.
فلو أريتنا شيئاً تطمئنّ إليه و به قلوبنا؟
قال: إنّكم لاتحتملون علم العالم ولاتقوون على براهینه و آیاته . و ألحّوا عليه فخرج بهم نحو أبيات الهجريّين حتى أشرف بهم على السبخة، فدعا خفیّأ، ثم قال: اكشفي غطاءك . فاذا بجنّات وأنهار في جانب، وإذا بسعير ونيران من جانب فقال جماعة : سحر، سحر.
و ثبت آخرون على التصديق ولم ينكروا مثلهم، و قالوا: فقد قال النبي صلی الله علیه و آله و سلّم :«القبر روضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النار»(1) .(2).
3- ومنها : أنّه اختصم رجل وامرأة إليه، فعلا صوت الرجل على المرأة فقال له علي علیه السلام : إخسأ - و كان خارجيّاً - فاذا رأسه رأس کلب، فقال رجل :
يا أمير المؤمنین صحت بهذا الخارجي فصار رأسه رأس كلب فما يمنعك عن معاوية؟ فقال: ويحك لو أشاء أن آتي بمعاوية إلى هاهنا على سريره لدعوت الله حتى فعل ولكنّا لله خزان ، لا على ذهب ، ولا فضّة ، ولا إنكار على أسرار تدبير الله أما تقرأ «بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ «لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ »(3).
و في رواية: قال: إنّما أدعوا هؤلاء لثبوت الحجّة، و كمال المحنة، ولو أذن
ص: 174
في الدعاء بهلاك معاوية لما تأخّر .(1).
4- ومنها : أن الباقر عليه السلام قال : شكا أهل الكوفة إلى عليّ عليه السلام زيادة الفرات فركب هو والحسن والحسين عليهما السلام فوقف على الفرات، وقد ارتفع الماء على جانبيه فضر به بقضيب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فنقص ذراع، وضر به اخرى فنقص ذراعان.
فقالوا : يا أمير المؤمنين لو زدتنا ؟
فقال : إنّي سألت الله فأعطاني ما رأيتم، و أكره ان أكرن عبداً ملحّاً. (2)
5- و منها : أنّ الصادق صلی الله علیه و آله و سلم قال: كان قوم من بني مخزوم لهم خؤولة(3) مع علي علیه السلام فأتاه شاب منهم يوماً فقال: يا خال مات ترب(4) لي فحزنت عليه حزناً شديداً.
قال : فتحبّ أن تراه؟ قال: نعم .
قال: فانطلق بنا إلى قبره . فدعا الله وقال: قم يا فلان باذن الله . فأذا الميّت جالس على رأس القبر وهو يقول «و نیه، و نیه، شالا» معناه: لبيّك لبيك سيدنا .
فقال أمير المؤمنين علیه السلام : ما هذا اللّسان ألم تمت وأنت رجل من العرب ؟
قال: نعم، ولكنّي متّ على ولاية فلان وفلان، فانقلب لساني إلى ألسنة أهل النار .(5)
ص: 175
6- ومنها : ما روي عن الباقر علیه السلام : أنّ عليّاً مر يوماً في أزقّة الكوفة، فانتهى إلى رجل قد حمل جريئاً(1) فقال: أنظروا إلى هذا قد حمل إسرائيلّياً .
فأنكر الرجل وقال: متى صار الجريث إسرائيليّاً ؟!
فقال عليّ علیه السلام : أما إنّه إذا كان اليوم الخامس إرتفع لهذا الرجل من صدغه دخان فيموت مكانه . فأصابه في اليوم الخامس ذلك فمات، فحمل إلى قبره .
فلمّا دفن جاء أمير المؤمنين علیه السلام مع جماعة إلى قبره فدعا الله، ثمّ رفه برجله فاذا الرجل قائم بين يديه، وهو يقول:
«الرادّ على علي كالراد على الله، وعلى رسوله».
وقال له: عد في قبرك . فعاد فيه، فانطبق القبر عليه .(2)
7- ومنها : ما روي عن رميلة أنّ علياً علیه السلام مرّ برجل يخيط وهو يغنّي .
فقال له: يا شابّ لو قرأت القرآن لكان خيراً لك.
فقال: إنّي لا أحسنه ، ولوددت أنّي أحسن منه شيئاً .
ص: 176
فقال: ادن منّي . فدنا منه فتكلّم في أذنه بشيء خفيّ ، فصوّر الله القرآن كلّه في قلبه، يحفظه كلّه .(1).
8- ومنها : ما روي عن علي بن أبي حمزة، عن علي بن الحسين، عن أبيه علیهم السلام قال: كان عليّ علیه السلام ينادي: من كان له عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عدّة أو دين . فليأتني. فكان [كلّ] من أتاه يطلب دیناً، أو عدّة يرفع مصلاّه، فيجد ذلك كذلك تحته فيدفعه إليه .
فقال الثاني للاول: ذهب هذا بشرف الدنيا في هذا دوننا، فما الحيلة ؟
فقال : لعلّك لو نادیت کما نادى هو كنت تجد ذلك كما يجد هو ، إذ كان، إنّما يقضي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
فنادى أبوبكر كذلك، فعرف أمير المؤمنين علیه السلام الحال فقال :
أما إنّه سيندم على ما فعل .
فلمّا كان من الغد أتاه أعرابيّ وهو جالس في جماعة من المهاجرين والأنصار فقال: أيّكم وصيّ رسول الله؟ فأشير إلى أبي بكر .
فقال : أنت وصيّ رسول الله وخليفته؟ قال: نعم، فما تشاء؟ قال: فهلمّ الثمانين الناقة الّتي ضمن لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: وما هذه النوق ؟
قال: ضمن لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثمانين ناقة حمراء، كحل العيون.
فقال لعمر : كيف نصنع الآن ؟ قال : إنّ الأعراب جهّال، فاسأله: ألك شهود بما تقوله فتطلبهم منه [فقال أبو بكر الاعرابي: ألك شهود بما تقول ؟].
قال: ومثلي يطلب [منه] الشهود على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بما يضمن لي(2) ؟و الله ما أنت بوصيّ رسول الله ولاخلیفته .
فقام إليه سلمان فقال: يا أعرابيّ اتّبعني حتّى أدلّك على وصيّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم
ص: 177
فتبعه الأعرابي حتّى انتهى إلى علي علیه السلام فقال: أنت وصيّ رسول الله؟ قال : نعم فما تشاء؟ قال: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ضمن لي ثمانين ناقة حمراء، كحل العيون فهلمّها.(1)
فقال له عليّ علیه السلام : أسلمت أنت وأهل بيتك ؟
فانكبّ الأعرابي على يديه يقبّلهما وهو يقول: أشهد أنّك وصي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وخليفته، فبهذا وقع الشرط بيني و بينه(2) وقد أسلمنا جميعاً .
فقال علي علیه السلام : ياحسن انطلق أنت و سلمان مع هذا الأعرابي إلى وادي فلان فناد:«يا صالح، یا صالح» . فاذا أجابك فقل : إنّ أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام و يقوللك: هلمّ الثمانين الناقة(3) التي ضمنها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لهذا الأعرابي .
قال سلمان : فمضينا إلى الوادي فنادى الحسن فأجابه : لبيّك يا بن رسول لله فأدّى إليه رسالة أمير المؤمنين علیه السلام فقال: السمع والطاعة .
فلم يلبث أن خرج إلينا زمام ناقة من الأرض ، فأخذ الحسن علیه السلام الزمام(4) فناوله الأعرابيّ وقال : خذ . فجعلت النوق تخرج حتى كملت(5) الثمانون على الصفة.(6)
9- ومنها : أن زاذان و جماعة من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام قالوا : كنّا معه علیه السلام بصفّين ، فلمّا أن صافّ معاوية ، أتاه رجل من ميمنته فقال : يا أمير المؤمنين في ميمنتك خلل . قال : إرجع إلى مقامك . فرجع.
ص: 178
ثمّ أتاه ثانية، فقال: يا أمير المؤمنين في ميمنتك خلل. قال: ارجع إلى مقامك. فرجع. (ثم أتاه ثالثة)(1) كأن الأرض لاتحمله ، فقال : يا أمير المؤمنين في ميمنتك خلل .
فقال علیه السلام: قف . فوقف ، فقال أمير المؤمنين : عليّ بمالك الأشتر ، فقال علیه السلام :يا مالك . قال: لبيّك يا أمير المؤمنين . قال : ترى ميسرة معاوية ؟ قال: نعم. قال: تری صاحب الفرس المعلّم ؟ قال: نعم . قال : الذي عليه الأحمر ؟ قال : نعم.
قال: انطلق فأتني برأسه .
فخرج مالك، فدنا منه وضربه فسقط رأسه. ثم تناوله فأقبل به إلى أمير المؤمنين فألقاه بين يديه ، فأقبل عليّ علیه السلام على الرجل فقال(2) : نشدتك الله هل كنت نظرت إلى هذا فرأيته وحليته ، وهوملا قلبك فرأيت الخلل في أصحابك ؟ قال : اللّهم نعم.
فأقبل [عليّ] علينا و نحن حوله، فقال : أخبرني بهذا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أفترونه بقي بعدهذا شيء ؟ ثم قال للرجل: ارجع إلى مقامك.(3)
10- و منها : ماروی أبو حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قريء(4) عند أمير المؤمنين علیه السلام«إذا زلزلت الأرض زلزالها» إلى أن بلغ قوله «وقال الانسان مالها يومئذ تحدّث أخبارها»(5).
قال : أنا الانسان ، وإيّاي تحدّث أخبارها .
فقال له ابن الكوّاء: يا أمير المؤمنين «وعلى الأعراف رجال يعرفون كلابسيماهم»(6)
قال : نحن الأعراف نعرف أنصار نا بسيماهم ، ونحن أصحاب الأعراف نوقف بين الجنّة والنار ، فلايدخل الجنّة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه . و كان علي يخاطبه بويحك ، و كان يتشیّع ، فلمّا كان يوم النهروان
ص: 179
قاتل علياً علیه السلام ابن الكوّاء.
وجاءه علیه السلام رجل فقال : إنّي لاحبّك ، فقال [ أمير المؤمنين علیه السلام](1) : كذبت .
فقال الرجل : سبحان الله كأنّك تعلم ما في قلبي!
وجاءه آخر فقال : إني أحبّكم أهل البيت - و كان فيه لين - فأثنى عليه عنده .فقال أمير المؤمنين علیه السلام: كذبتم لايحبّنا مخنّث ولا ديّوث ، ولا ولد زنا، ولا من حملت به أمّه في حيضها. فذهب الرجل، فلمّا كان يوم صفّين قتل مع معاوية.(2)
11- و منها ما روي عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعيّ ، عمرو بن الحمق قال :دخلت على علیه السلام علي حين ضرب الضربة بالكوفة .
فقلت ليس عليك بأس، إنّما هو خدش .
قال : لعمري إنّي لمفارقكم، ثم قال لي: إلى السبعين بلاء - قالها ثلاثاً - .
قلت : فهل بعد البلاء رخاء ؟ فلم يجبني و أغمي عليه، فبكت امّ کلثوم ، فلمّا أفاق قال : لاتؤذيني ياأم كلثوم ، فانك لو ترین ما أرى لم تبك ، إنّ الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض ، والنبيّين يقولون لي: انطلق يا عليّ فما أمامك خير لك مما أنت فيه .
فقلت : يا أمير المؤمنين إنّك قلت : «إلى السبعين بلاء» فهل بعد السبعين رخاء؟ قال : نعم وإنّ بعد البلاء رخاء «يمحو اللّه مايشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب»(3)
قال أبو حمزة : قلت لأبي جعفر علیه السلام: إنّ علياً علیه السلام قال : «إلى السبعين بلاء» و كان يقول : «بعد السبعين رخاء» وقد مضت السبعون، ولم نر رخاء
فقال أبو جعفر علیه السلام: یا ثابت إنّ الله قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلمّا
ص: 180
قتل الحسين علیه السلام[اشتدُ] غضب اللّه على أهل الأرض، فأخّره اللّه إلى الأربعين ومائة سنة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث، و كشفتم القناع ، قناع السر(1) ، فأخّره الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً (2) «يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب»
قال أبو حمزة : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام ذلك ، فقال : قد كان ذلك .
[و كذلك قال أحدهم علیه السلام: كذب الوقّاتون](3) .(4).
12-ومنها: ما روي عن مقرن [قال] : دخلنا جماعة على أبي عبدالله علیه السلام فقال: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال لأمّ سلمة : إذا جاء أخي فمريه أن يملا هذه الشكوة(5) من الماء ويلحقني بها بين الجبلين ومعه سيفه . فلمّا جاء علي علیه السلام قالت له :
قال أخوك: املا هذه الشكوة من الماء وألحقني بها بين الجبلين .
قالت : فملاها وانطلق حتّى إذا دخل بين الجبلين استقبله طريقان فلم يدر في أيّهما يأخذ ، فرأى راعياً على الجبل فقال: يا راعي هل مرّ بك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟ فقال الراعي : مالله من رسول ! فأخذ عليّ علیه السلام جندلة(6) فصرخ الراعي ، فاذا
ص: 181
الجبل قد امتلأ بالخيل و الرجل ، فما زالوا يرمونه بالجندل(1) و اكتنفه(2) طائران أبيضان ، فمازال يمضي ويرمونه ، حتّى لقي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
فقال: ياعلي مالك منبهراً(3) ؟ فقال : يا رسول اللّه كان كذا و كذا.
فقال: وهل تدري من الراعي وما الطائران؟ قال: لا.
قال: أمّا الرّاعي فابليس، وأمّا الطائران فجبرئیل و میکائیل .
ثمّ قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : يا عليّ خذ سيفی هذا و امض بين هذين الجبلين فلاتلق أحداً إلاقتلته ولا تهابنّه . فأخذ سيف رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم و دخل بين الجبلين ،فرأى رجلا عيناه کالبرق الخاطف و أسنانه كالمنجل ، يمشي في شعره ، فشد عليه فضربه ضربة فلم يبلغ شيئاً ، ثم ضربه أخرى فقطعه إثنين(4) ، ثم أتی رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم فقال : قتلته .
فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : الله أكبر - ثلاثاً - هذا يغوث(5) و لايدخل في صنم يعبد(6)من دون الله حتّى تقوم الساعة(7).
13- ومنها : أنّ أعرابيّا أتى أمير المؤمنين علیه السلام وهو في المسجد. فقال: مظلوم قال: ادن منّي . فدنا ، فقال : يا أمير المؤمنین مظلوم . قال: أدن.
فدنا حتّى وضع يديه على ركبتيه(8) قال : ما ظلامتك ؟ فشکا ظلامته .
فقال: يا أعرابيّ أنا أعظم ظلامة منك ، ظلمني المدر و الوبر(9) ، ولم يبق بیت
ص: 182
من العرب إلاّ وقد دخلت مظلمتي عليهم ، ومازلت مظلوماً حتّى قعدت مقعدي هذا، إن كان عقيل بن أبي طالب ليرمد(1) ، فما يدعهم يذرونه حتّی یأتوني فاذر و ما بعيني رمد، ثم كتب له بظلامته و رحل، فهاج الناس و قالوا : قدطعن على الرجلين فدخل عليه الحسن علیه السلام فقال : قد علمت ماشرب قلوب الناس من حب هذين. فخرج علیه السلام فقال : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال:
أيّها الناس إنّ الحرب خدعة ، فاذا سمعتموني أقول : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فواللّه لئن أخرّ من السماء أحبّ إليّ من [أن] أكذب على رسول الله كذبة ، وإذا حدّثتكم عن نفسي أنّ الحرب خدعة، ثمّ ذكر غير ذلك .
فقام رجل يساوي برأسه رمّانة المنبر فقال: أنا أبرأ من الاثنين والثلاثة .
فالتفت إليه أمير المؤمنين علیه السلام، فقال : بقرت العلم في غير أوانه ، لتبقرن كما بقرته فلمّا قدم ابن سميّة(2) أخذه و شقّ بطنه ، وحشا جوفه حجارة ، وصلبه .(3).
14 - ومنها : ماروی حنّان بن سدير، عن رجل من مزينة ، قال : كنت جالساً عند علي علیه السلام، فأقبل إليه قوم من مراد [و] معهم ابن ملجم ، فقالوا : يا أمير المؤمنین طرأ علينا ، ولا والله ما جاءنا زائراً ولا منتجعاً(4)، وإنّا لنخافه عليك، فاشدد يدك به .
فقال له عليّ علیه السلام : اجلس . فنظر في وجهه طويلا، ثمّ قال له : أرأيتك إن سألتك عن شيء وعندك منه علم هل أنت مخبري به ؟ قال : نعم. وحلف عليه .
فقال : أكنت تراضع الغلمان(5) و تقوم عليهم فكنت إذا جئت فرأوك من بعيد قالوا : قد جاءنا ابن راعية الكلاب ؟ قال : اللهمّ نعم .
ص: 183
فقال له عليّ : فمررت برجل وقد أيفعت، فنظر إليك فأحدّ النظر، فقال لك : يا أشقى من عاقرناقة ثمود ؟ قال: نعم .
قال : فأخبرتك أمّك أنّها حملت بك في بعض حيضها ؟ فتعتع(1) هنيئة ، ثمّ
قال : نعم قد حدّثتني بذلك ، ولو كنت كاتماً شيئاً لكتمتك هذه المنزلة .
فقال له عليّ علیه السلام : قم . فقام ، ثم قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : إنّ قاتلك شبه اليهودي بل هو يهوديّ.(2)
وعن رجاء بن زیاد : جاء ابن ملجم يستحمل(3) عليّاً ، فقال : احملني يا أميرالمؤمنين . قال : يا غزوان احمله على الأشقر .
فجاء بفرس أشقر، وأخذ بعنانه ثمّ قال عليّ علیه السلام:
أريد حباءه ويريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد(4).
وعن أبي الطفيل : جاء ابن ملجم ليبايعه ، فردّه ، ثم جاءه فردّه [ ثمّ جاءه فردّه، ثمّ جاء] ، فبايعه .
ثمّ قال: ليخضنّ هذه من هذه - يعني لحيته من رأسه - ثمّ تمثّل لمّا تولّي:أشدد حيازيمك للموت فان الموت لاقيكا *** ولا تجزع من الموت إذا حل بوادیکا(5)
15 - ومنها : أن يهوديّاً قال لعليّ علیه السلام : إن محمّداً صلی الله علیه و آله و سلم ؟ قال : «إنّ في كلّ
ص: 184
رمّانة حبّة من الجنّة » و أنا كسرت واحدة وأكلتها كلّها.
فقال علیه السلام: صدق رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وضرب يده على لحيته ، فوقعت حبّة رمّان منها ، وتناولها علیه السلام وأكلها ، وقال : لم يأكلها الكافر ، والحمدللّه .(1)
16- و منها : ما روي عن جعفر(2) ، عن أبيه علیه السلام قال : مرّ عليّ علیه السلام بكربلاء فقال -لمّا مرّ به أصحابه ، وقد اغرورقت عيناه يبكي(3)-: هذا مناخ(4) رکابهم ، هذا ملقى رحالهم ، هاهنا مراق دمائهم(5)، طوبی لك من تربة عليها تراق دماء الأحبّة.
وقال الباقر علیه السلام: خرج عليّ علیه السلام يسير بالناس حتّى إذا كان من كربلاء على ميلين أو میل ، تقدّم بين أيديهم حتّى طاف بمكان يقال له «المقذفان» ، فقال :
قتل فيها مائتا نبيّ، و مائتا سبط،کلّهم شهداء، مناخ ركاب، ومصار ع شهداء(6) لا يسبقهم من كان قبلهم ، ولا يلحقهم من بعدهم .(7).
17- ومنها : ما روي عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : جمع أمير المؤمنين علیه السلام بنيه - وهم إثنا عشر ذکراً - فقال لهم : إنّ الله أحبّ أن يجعل في سنّة من يعقوب إذ جمع بنيه - وهم إثنا عشر ذکراً - فقال لهم :
إنّي أوصي إلی یوسف ، فاسمعوا له ، وأطيعوا.
و أنا أوصي إلى الحسن والحسين ، فاسمعوا لهما وأطيعوا.
فقال له عبد الله ابنه : أدون محمّد بن عليّ ؟ - يعني محمّد بن الحنفيّة - .
ص: 185
فقال له : أجرأة عليّ في حياتي؟! كأنّي بك قد وجدت مذبوحاً في فسطاطك لا يدري من قتلك . فلمّا كان في زمان المختار أتاه فقال : لست هناك .
فغضب فذهب إلى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة فقال : ولّني قتال أهل الكوفة فكان على مقدّمة مصعب ، فالتقوا بحروراء(1) فلمّا حجر(2) الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحاً في فسطاطه ، لا يدري من قتله.(3).
18- ومنها : أنّ عيسى النهريري(4) روی عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن فلاناً، وفلاناً ، وابن عوف أتوا النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم لیعنّتوه(5) .
فقال الاول : إتّخذ اللّه إبراهيم خليلا، فماذا صنع بك ربّك ؟
وقال الثاني : كلّم اللّه موسى تكليماً، فماذا صنع بك ربّك ؟
و قال ابن عوف: عیسی بن مريم يحيي الموتى باذن الله، فماذا صنع بك ربّك؟ فقال للاول : إتّخذ الله إبراهيم خليلا ، واتّخذني حبيباً .
وقال للثاني: كلّم الله موسى تكليماً من وراء حجاب ، وقد رأيت عرش ربّي و كلّمني .
وقال للثالث: عیسی بن مريم يحيي الموتى بأذن الله ، و أنا إن شئتم أحييت لكم
ص: 186
موتاكم . قالوا : قد شئنا . وعلى ذلك داروا(1).
فأرسل النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إلى عليّ علیه السلام فدعاه، ثمّ قال(2) له : أقدمهم إلى القبور ، ثمّ قال لهم : اتّبعوه فلمّا توسّط الجبّانة(3) ، تكلّم بكلمة فاضطربت الأرض وارتجّت(4) ، و دخلهم من الذعر ما شاء الله ، والتمعت(5) ألوانهم ، ولم تقل(6) ذلك قلوبهم .
فقالوا : يا أبا الحسن أفلنا عثراتنا، أقالك الله عثرتك . قال : إنّما رددتم على الله ثمَّ إنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بعث إلى عليّ علیه السلام، فدعاه .(7)
19 - ومنها : أنّ عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي(8) روي عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إنّ جبير الخابور كان صاحب بيت مال معاوية، وكانت له أمّ عجوز بالكوفة كبيرة
فقال لمعاوية : إنّ لي أمّاً بالكوفة عجوزاً اشتقت إليها ، فأذن لي حتّى آتيها فأقضي من حقّها ما يجب علي.
فقال معاوية : ما تصنع بالكوفة ؟ فان فيها رجلا ساحراً كاهناً يقال له «عليّ بن
ص: 187
أبي طالب» ، و ما آمن أن يفتنك .
فقال جبير : مالي و لعليّ ، إنّما آتي أمّي فأزورها وأقضي حقّها . فأذن له .
فقدم جبير إلى عين التمر(1) و معه مال ، فدفن بعضه في عين [التمر] ، وقد كان لعلي مناظر ، فأخذوا جبيراً بظاهر الكوفة ، وأتوا به عليّاً ، فلمّا نظر إليه قال له :
یا جبير الخابور أما إنّك كنز من كنوز الله ، زعم لك معاوية أنّي كاهن ساحر؟! قال : إي واللّه، قال ذلك معاوية . ثمّ قال : ومعك مال قد دفنت بعضه في عين التمر.قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، لقد كان ذلك .
قال عليّ علیه السلام : یا حسن ضمّه إليك ، فأنزله وأحسن إليه .
فلمّا كان من الغد دعاه، ثمّ قال لأصحابه : إنّ هذا يكون في جبل الأهواز في أربعة آلاف مدجّجين في السلاح، فيكونون معه حتّى يقوم قائمنا أهل البيت(2)فيقاتل معه .(3).
20- ومنها : ما قال أبو ظبية : جمع عليّ علیه السلام العرفاء ، ثمّ أشرف عليهم فقال : افعلو اكذا . قالوا : لا نفعل . قال علیه السلام: أما والله ليستعملنّ عليكم اليهود والمجوس ثمّ لاتمتنعون(4). فكان ذلك كذلك(5)
21 - ومنها : ما روي عن عيسى بن عبدالله الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه، عن عليّ علیه السلام ، قال : لمّا رجع الأمر إليه أمر أبا الهيثم بن التيهان ، و عمّار بن یاسر وعبد اللّه بن أبي رافع فقال : اجمعوا الناس ، ثمّ انظروا إلى ما في بيت مالهم فاقسموه بينهم بالسويّة .فحسبوا، فوجدوا نصيب كل واحد [منهم] ثلاثة دنانير ،
ص: 188
فأمرهم يقعدون للناس و يعطوهم .
قال : و أخذ مكتله(1) ومسحاته ، ثم انطلق إلى بئر الملك(2) ، فعمل فيها ،فأخذ الناس ذلك القسم حتّى بلغوا الزبير ، و طلحة ، وعبد اللّه [بن عمر] أمسكوا بأيديهم وقالوا : هذا منكم أو من صاحبكم ؟ قالوا : بل هذا أمره ، لانعمل إلا بأمره .
قالوا : فاستأذنوا لنا عليه . قالوا : ما عليه إذن ، هوذا ببئر الملك يعمل.
فركبوا دوابّهم حتّى جاءوا إليه ، فوجدوه في الشمس ، و معه أجيرله يعينه فقالوا له : إنّ الشمس قد آذتنا ، فارتفع معنا إلى الظلّ . فارتفع معهم إليه.
فقالوا له : لنا قرابة من نبيّ اللّه ، و سابقه و جهاد و أنّك أعطيتنا بالسويّة ولم يكن عمر ولاعثمان يعطوننا بالسويّة ، كانوا يفضّلونا على غيرنا .
فقال علي علیه السلام : أيّهما عندكم أفضل : عمر ، أو أبو بكر ؟ قالوا : أبوبكر.
قال : فهذا(3) قسم أبي بكر ، وإلا فدعوا أبا بكر وغيره ، هذا كتاب الله فانظروا مالكم من حق فخذوه . قالا(4) : فسابقتنا ! قال: أنتما أسبق منّي بسابقتي ؟ قالوا: لا.
قالوا : قرابتنا بالنبيّ ؟ قال : أقرب من قرابتي ؟ قالوا : لا.
فقالوا : فجهادنا ! قال : أعظم من جهادي ؟ قالوا : لا.
قال : فوالله ما أنا في هذا المال وأجيري هذا إلا بمنزلة سواء.
قالا : فتأذن لنا في العمرة .
قال : ما العمرة تريدان ؟ و إنّي لأعلم أمركم و شأنكم ، فاذهبا حيث شئتما فلمّا وليّا ، قال : فمن نكث فانّما ينكث على نفسه .(5).
ص: 189
22- و منها: ما روي عن جعفر بن عبدالحميد قال : اجتمعنا يوماً فقال نفر :إنّ عليّا كان وصيّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وقال آخرون: لم يكن وصيّا لمحمّد صلی الله علیه و آله و سلم.
فقمنا فأتينا أبا حمزة الثمالي فقلنا : جرى بيننا الكلام على كذا و كذا .
فغضب أبو حمزة فقال :
لقد شهدت الجن فضلا على الأنس بأنّ عليّاً كان وصيّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، أخبرني أبو خيثمة التميميّ : لمّا كان بين الحكمين ما كان ، قلت : لاأكون مع عليّ ولا عليه فخرجت أريد أرض الروم ، فبينا أنا مار على شاطیء نهر بميّافارقين(1) إذا أنا بصوت من ورائي وهو يقول :
يا أيّها الساري بشطّ فارق *** مفارق للحقّ دین الخالق
متّبع به رئيس مسارق *** ارجع إلى وصي النبي(2) الصادق
فالتفت فلم أر أحداً، فقلت :
أنا أبو خيثمة التميمي *** لمّا رأيت القوم في الخصوم
تركت أهلي غازياً للروم *** حتّى يكون الامر في الصميم
فاذا بصوت وهو يقول :
اسمع مقالي و ارع قولي ترشدا *** إرجع إلى علي الخضم الأصيدا(3)إنّ عليًّا هو وصي أحمدا قال أبو خيثمة : فرجعت إلى علي علیه السلام.(4)
ص: 190
23 - ومنها : أنّ عليّاً بينا هو قائم على المنبر ، إذ أقبلت حيّة من باب الفيل(1) مثل البختي(2) العظيم ، فناداهم عليّ : إفرجوا لها ، فانّ هذا رسول قوم من الجنّ . فجاءت حتّى وضعت فاها على أذنه ، و إنّها لتنق كما ينقّ الضفدع و كلّمها بكلام شبیه نقيقها(3) ، ثمّ ولّت الحيّة ، فقال الناس : ما حالها ؟
قال : هو رسول قوم من الجنّ، أخبرني أنّه وقع بين بني عامر وبني عنزة(4)شرّ و قتال ، فبعثوه لآتيهم أصلح بينهم ، فوعدتهم أن آتيهم الليّلة . فقالوا : أتأذن لنا أن نخرج معك ؟ قال : ما أكره ذلك . فلمّا صلّى بهم عشاء الآخرة انطلق بهم حتّى أتى ظهر الكوفة قبل الغري ، فخط حولهم خطّة ، ثمّ قال لهم : إيّاكم أن تخرجوا من هذه الخطّة، فانّه إن يخرج أحد منكم من الخطّة اختطف .
فقعدوا في الخطّة ينظرون إليه ، وقد نصب له منبر ، فصعد عليه فخطب بخطبة لم يسمع الأولون والاخرون مثلها ، ثمّ لم يبرح حتّى أصلح ذات بينهم ، وقد برىء بعضهم من بعض ، و كان الجن أشبه شيء بالزط(5) .(6)
24 - ومنها: ما روي عن شريك بن عبد الله وهو يومئذ قاض- أن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم بعث عليّاً علیه السلام وأبابكر وعمر إلى أصحاب الكهف فقال : ائتوهم فأبلغوهم منّي السلام .
فلمّا خرجوا من عنده ، قالوا لعليّ : تدري أين هم ؟
فقال : ما كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم يبعثنا إلى مكان إلاّ هدانا الله له .
ص: 191
فلمّا أوقفهم على باب الكهف قال : يا أبا بكرسلّم ، فانّك أسنّنا فسلّم فلم يجب،ثمّ قال : يا أبا حفص سلّم، فانّك أسن منّي . فسلّم ، فلم يجب .
قال : فسلّم عليّ بن أبي طالب علیه السلام، فردّوا السلام وحيّوه ، وأبلغهم سلام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فردّوا عليه ، فقال أبو بكر : سلهم ما لهم سلّمنا عليهم فلم يسلّموا علينا ؟ قال : سلهم أنت، فسألهم فلم يتكلّموا ، ثمّ سألهم عمر فلم يكلّموه ، فقالا :يا أبا الحسن سلهم أنت .
قال علي علیه السلام: إنّ صاحبيّ هذين سألاني أن أسألكم : لم رددتم عليّ ولم تردّوا عليهما ؟ قالوا لأنّا لانكلّم إلا نبيّاً أو وصيّ نبيّ .(1).
25 - و منها : ما روی أبو بصير ، عن أحدهما علیهما السلام قال :أراد قوم بناء مسجد بساحل عدن ، فلمّا بنوه سقط ، فأتوا أبابكر فقال : استوثقوا من البناء و افعلوا . ففعلواو أحكمو افسقط، فعادوا إليه فسألوه، فخطب الناس وناشدهم : إن كان لواحد منكم به علم فليقل .
فقال عليّ علیه السلام : احتفروا في ميمنة القبلة وميسرتها ، فانّه يظهر لكم قبران علیهما كوبة(2) مكتوب عليها «أنا رضوی و اختي حيّا(3) ابنتا تبّع ، متنا لانشرك بالله شيئاً»فاغسلوهما و کفّنوهما وصلّوا عليهما و ادفنوهما ، ثمّ ابنوا مسجد کم فانّه يقوم بناؤه ففعلوا ، فكان كذا ، فقام البناء .(4)
ص: 192
26 - ومنها : سما روي عن أبي عبد الله علیه السلام أنّ حبابة الوالبيّة مرّت بعليّ علیه السلام ومعها سمك فيه جرّية ، قال : ما هذا الّذي معك ؟ قالت : سمك ابتعته للعيال .فقال : نعم زاد العيال السّمك ، ثم قال : فما هذا الّذي معك ؟ قالت : أخي اعتل من ظهره ، فوصف له أكل جري . فقال : يا حبابة إنّ اللّه لم يجعل الشفاء فيما حرّم،والّذي نصب الكعبة ، لو أشاء أن أخبرك باسمها واسم أبيها لأخبرتك فضربت بها الأرض ، وقالت : استغفر الله من حملي لها(1).
27- ومنها : ماروي الحارث الأعور [قال]: بينا أمير المؤمنين علیه السلام يخطب بالكوفة على المنبر، إذنظر إلى زاوية المسجد فقال: يا قنبر ائتني بما في ذلك الجحر(2).فاذا هو بأرقط حيّة من أحسن مايكون.
فأقبل(3) إلى أمير المؤمنين علیه السلام، فجعل يسارّه ، ثمّ انصرف إلى الجحر، فتعجّب الناس، قال: أتعجبون ؟ قالوا: ومالنا لانعجب .
قال: ما ترون هذه الحيّة ! بايعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على السمع و الطاعة ، و هي سامعة مطيعة لي ، وأنا وصيّ رسول اللّه آمركم بالسّمع والطاعة ، فمنكم من يسمع ويطيع ، ومنكم من لايسمع ولا يطيع.
قال الحارث : فكنّا مع أمير المؤمنين علیه السلام في كناسة(4) إذ أقبل أسد يهوي(5)
ص: 193
من البرّ، فتقضقضنا(1) من حوله ، وجاء الأسد حتّى قام بين يديه ، فوضع يديه بين أذنيه فقال له عليّ علیه السلام : ارجع باذن اللّه ، ولاتدخل دار الهجرة(2) بعد اليوم ، وأبلغالسباع عنّي .(3).
28- ومنها : ماروي عن أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام أن أمير المؤمنين علیه السلام ملك ما فوق الأرض، فاختار الصعبة على الذّلول(4)، فركبها فدارت به سبع أرضين، فوجد ثلاثاً منها خراب ، وأربعاً عوامر .(5).
29- ومنها : ماروي عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام : أنّ غلاماً يهوديّاً قدم على أبي بكر في خلافته، فقال: السلام عليك يا أبا بكر. فوجيء(6) عنقه ، وقيل له :
ص: 194
لم لم تسلّم عليه بالخلافة؟ ثمّ قال له أبو بكر: ما حاجتك ؟
قال: مات أبي(1) يهوديّاً وخلّف كنوزاً و أموالا ، فان أنت أظهرتها و أخرجتها إليّ أسلمت على يديك ، و کنت مولاك ، و جعلت لك ثلث ذلك المال ، و ثلثاً للمهاجرين والأنصار ، و ثلثاً لي.
فقال أبوبكر : يا خبيث وهل يعلم الغيب إلا اللّه !؟ ونهض أبو بكر ، ثمّ انتهى اليهودي إلى عمر ، فسلّم عليه ، و قال : إنّي أتيت أبا بكر أسأله عن مسألة، فاوجعت ضرباً، وأنا أسألك عن المسألة ، وحكى قصّته. قال : وهل يعلم الغيب إلا اللّه ؟
ثم خرج اليهودي إلى علي علیه السلام وهو في المسجد ، فسلّم عليه، وقال: يا أمير المؤمنين و قد سمعه أبو بكر وعمر ، فو کزوه وقالوا ، یا خبيث هلاّ سلّمت على الأوّل كما سلّمت على علي، والخليفة أبوبكر !؟ فقال اليهودي :
واللّه ماسمّيته بهذا الاسم حتّى وجدت ذلك في كتب آبائي و أجدادي في التوراة فقال أمير المؤمنين علیه السلام: وماحاجتك ؟ قال : مات أبي يهودياً ، و خلّف كنوزاً كثيرة ، و أموالا ، فلم يطّلعني عليها، فأن أخرجتها لي ، أسلمت على يديك ؟
فقال أمير المؤمنين علیه السلام: وتفي بما تقول ؟ قال : نعم ، وأشهد اللّه وملائكته و جميع من يحضرني قال : نعم . فدعا برق أبيض ، فكتب عليه كتاباً، ثمّ قال : تحسن أن تكتب ؟ قال : نعم . قال : خذ معك ألواحاً ، وصر إلى بلاد اليمن ، و سل عن وادي برهوت بحضر موت ، فاذا صرت بطرف الوادي عند غروب الشمس ، فاقعد هناك فانّه سيأتيك غرابيب(2) سود مناقيرها ، و هي تنعب(3) ، فاذا هي نعتت فاهتف
ص: 195
باسم أبيك، وقل: يا فلان أنا رسول وصيّ محمد صلی الله علیه و آله و سلم فكلّمني، فانّه سيجيبك أبوك فلا تفتر عن سؤاله عن الكنوز الّتي خلّفها، فكلّ ما أجابك به في ذلك الوقت وتلك الساعة فاكتبه في ألواحك، فاذا انصرفت إلى بلادك، بلاد خيبر ، فتتبّع مافي ألواحك واعمل بما فيها .
فمضى اليهودي حتّى انتهى إلى بلاد اليمن ، و قعد هناك كما أمره ، فاذاهو بالغرابيب السود قد أقبلت تنعب فهتف اليهودي ، فأجابه أبوه وقال :
ويلك ماجاء بك في هذا الوقت إلى هذا الموطن وهو من مواطن أهل النّار ؟ قال : جئتك أسألك عن كنوزك أين خلّفتها ؟ قال : في جدار کذا، في موضع كذا، في حيطان كذا . فكتب الغلام ذلك ، ثمّ قال : ويلك اتّبع دین محمد صلی الله علیه و آله و سلم وانصرفت الغرابيب ورجع اليهودي إلى بلاد خيبر ، وخرج بغلمانه و فعلته وإبل و جوالیق وتتبّع مافي ألواحه، فأخرج کنزاً من أواني الفضّة و كنزاً من أواني الذهب ثم أوقر(1) عيراً(2) وجاء حتّى دخل على علىّ علیه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأشهد أنّ محمداً رسول اللّه، وأنّك وصي محمّد وأخوه وأمير المؤمنین حقّاً كما سمّيت ، وهذه عبر دراهم و دنانير فاصرفها حيث أمرك اللّه ورسوله واجتمع الناس، فقالوا لعليّ : كيف علمت هذا ؟
قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وإن شئت أخبرتكم بماهو أصعب من هذا قالوا: فافعل قال : كنت ذات يوم تحت سقيفة مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ، و إنّي لاحصي ستّاً وستّين وطأة ، كلّ ملائكة ، أعرفهم بلغاتهم و صفاتهم وأسمائهم و وطئهم(3).
ص: 196
30- و منها : ماروی سعد الخفّاف ، عن زاذان أبي عمرو ، قلت :
یازاذان إنّك لتقرأ القرآن فتحسن قراءته ، فعلى من قرأت ؟
فتبسّم ثمّ قال : إن أمير المؤمنين علیه السلام مربي و أنا أنشد الشعر ، و كان لي خلق حسن ، فأعجبه صوتي ، فقال : يا زاذان هلاً بالقرآن(1)؟ قلت : و كيف لي بالقرآن فوالله ما أقرأ منه إلا بقدر ما أصلّي به .
قال: فادن منّي فدنوت منه، فتكلّم في أذني بكلام ماعرفته ولاعلمت مايقول ،ثمّ قال لي : افتح فالك . فتفل في في ، فوالله ما زالت قدمي من عنده حتّی حفظت القرآن با عرابه وهمزه ، وما احتجت أن أسأل عنه أحداً بعد موقفي ذلك .
قال سعد : فقصصت قصّة زاذان على أبي جعفر علیه السلام قال: صدق زاذان ، إنّ أمير المؤمنين علیه السلام دعا لزاذان بالاسم الأعظم الّذي لايرد(2).
31- ومنها: أن عليّاً علیه السلام قال يوماً : لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي . فقال رجل في نفسه : لآ تينّه ولأقولن: أنا أذهب بالمال، فهویثق بی، فاذا أخذته ، أخذت طريق الشام إلى معاوية .
فجاء إلى علیّ علیه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أنا أذهب بالمال .
فرفع رأسه فقال : إليك عنّي، تأخذ طريق الشام إلى معاوية ؟!(3)
32 - ومنها : ما روی داود العطّار قال : قال رجل : سألني رجل من صحابة(4)أمير المؤمنين علیه السلام، فقال [لي] : انطلق حتّی نسلّم على أمير المؤمنين علیه السلام قال :
ص: 197
و كنت لا أحبّ ذلك ، فلم يزل بي حتّى أتيت معه . فسلّمنا عليه .
فرفع أمير المؤمنين علیه السلام الدرّة(1) فضرب بها ساقي، فنزوت(2) ، فقال : انز ،أنز(3) إنّك مكره ، إنّك ميسرة .
ثم ذهب ، فقيل له : صنع بك أمير المؤمنين مالم يصنع بأحد.
قال : إنّي كنت مملوكاً لآل فلان ، و كان اسمي ميسرة، ففارقتهم و ادّعيت إلى من لست أنا منه ، فسمّاني أمير المؤمنين باسمي(4) .
33 - ومنها : ما روی معاوية بن جرير الحضرمي قال : عرض الخيل(5) على عليّ علیه السلام، فجاء ابن ملجم إليه، فسأله عن اسمه ونسبه، فانتمى إلى غير أبيه .
قال : كذبت . حتّى انتسب(6) إلى أبيه، فقال : صدقت(7) .
34 - ومنها : ماروي عن عمر بن أذينة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : دخل الأشتر علي علي علیه السلام فسلّم ، فأجابه فقال علي علیه السلام ما أدخلك علي في هذه الساعة ؟
قال : حبّك يا أمير المؤمنین .
قال علیه السلام: فهل رأيت ببابي أحداً ؟ قال : نعم ، أربعة نفر .
فخرج الأشتر معه فاذا بالباب : أكمه ، ومكفوف ، ومقعد ، وأبرص .
فقال علیه السلام: ما تصنعون ههنا ؟ قالوا: جئناك لما بنا . فرجع ففتح حقّاً له ، فأخرج رقّا(8) أبيض ، فيه كتاب أبيض ، فقرأ عليهم ، فقاموا كلّهم من غير علّة .(9).
ص: 198
35 - ومنها : ما روي [عن] أبي الصيرفي عن رجل من مراد ، قال : كنت واقفاً على رأس أمير المؤمنين علیه السلام يوم البصرة إذ أتاه ابن عباس بعد القتال ، فقال : إنّ لي حاجة .
فقال علیه السلام: ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها : تطلب الأمان لابن الحكم ؟ قال : ما جئت إلا لتؤمنه . قال : قد آمنته ، ولكن اذهب وجئني به ، ولا تجئني به إلا رديفاً(1) ، فانّه أذل له .
فجاء به ابن عباس مردفاً خلفه كأنّه قرد ، قال أمير المؤمنين علیه السلام: تبايع ؟ قال :نعم ، وفي النفس ما فيها . قال : الله أعلم بما في القلوب .
فلمّا بسط يده ليبايعه أخذ كفّه عن كفّ مروان فنترها ، فقال : لا حاجة لي فيها إنّها كفّ يهوديّة ، لوبايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته .
ثمّ قال : هيه يا بن الحكم خفت على رأسك أن يقع في هذه المعمعة(2) ، کلا واللّه حتّى يخرج من صلبك فلان وفلان يسومون هذه الأمّة خسفاً(3) ، ويسقونهم
ص: 199
كأساً مصبّرة .(1)
36 - ومنها : ما روي عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن بعض الكوفيّين قال: دخل أسد الكوفة فقال: دلّوني على أمير المؤمنين علیه السلام، فذهبوا معه فدلّوه عليه .
فلمّا نظر إليه الأسد مضي نحوه يلوذ به ويتبصبص إليه . فمسح علي علیه السلام ظهره ثم قال له : اخرج . فنكس الأسد رأسه، ونبذ(2) ذنبه على ظهره(3) ولا يلتفت يميناً ولا شمالا حتى خرج منها.(4).
37 - ومنها : أن عوف بن مروان قال : إنّ راكباً قدم من الشام ، فأفشى في الكوفة أن معاوية مات ، فجيء بالرجل إلى علي علیه السلام فقال : أنت شهدت موت معاوية ؟ قال : نعم ، كنت فيمن دفنه .
فقال له علي : إنّك كاذب فقال القوم : أهو يكذب ؟ قال : نعم ، لأنّ معاوية لا يموت حتّى يملك هذه الأمّة ، ويفعل كذا ، ويفعل كذا بعد ما ملك .
فقال القوم : فلم تقاتله وأنت تعلم أنّه سيبلغ هذا ؟ قال : للحجّة .(5).
وعن مينا قال : سمع علي علیه السلام ضوضاء في عسكره ، فقال : ما هذا ؟ قالوا: هلك معاوية . قال : كلا والذي نفسي بيده أن يهلك حتّى تجتمع عليه هذه الامّة .
ص: 200
فقالوا : فيم تقاتله ؟ قال: ألتمس العذر فيما بيني وبين اللّه .(1).
38- ومنها : أنّ الأشعث بن قیس استأذن على علي علیه السلام، فرده قنبر ، فأدمی أنفه، فخرج علي علیه السلام فقال : مالي ولك يا أشعث ؟ أما والله لو بعبد ثقيف تمرّست(2)لاقشعرّت شعيرات إستك.
قال : ومن غلام ثقيف ؟ قال : غلام يليهم(3) لايبقي بيتاً من العرب إلاّ أدخلهم الذل قال: كم يلي ؟ قال : عشرين إن بلغها .
قال الراوي: فولّي الحجّاج سنة خمس وسبعين ، ومات سنة خمس وتسعين .(4).
39- ومنها : ما انتشرت به الآثار عنه علیه السلام من قوله قبل قتاله الفرق الثلاث بعد بيعته: «أمرت بقتال الناكثين و القاسطين والمارقین»(5).
فقاتلهم ، و كان الأمر فيما خبّر به على ما قال .
و قال علیه السلام لطلحة و الزبير حين استأذناه في الخروج إلى العمرة : لا و اللّه ماتريدان العمرة ولكن تريدان البصرة. فكان كما قال.
وقال علیه السلام لابن عباس وهو يخبره به عن استیذانهما له في العمرة :
إنّني أذنت لهما مع علمي بما انطويا عليه من الغدر، فاستظهرت بالله عليهما، وإنّ اللّه سيرد كيدهما و يظفر ني بهما. و كان كما قال.
ص: 201
وقال بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة : يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا، ولاينقصون رجلا يبايعوني على الموت .
قال ابن عبّاس : فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم عن العدد ، أو يزيدوا عليه فيفسد الأمر علينا ، و إنّي أحصي القوم فاستوفيت عددهم تسع مائة رجل و تسعة و تسعين رجلا ، ثم انقطع مجيء القوم فقلت : إنّا لله و إنّا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟
فبينا أنا من مفکّر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل حتّی دنا ، و هو راجل(1) عليه قباءصوف [و] معه سیف و ترس و إداوة(2) ، فقرب من أمير المؤمنين علیه السلام.
فقال : أمدد يديك أبايعك.
فقال عليّ علیه السلام: وعلى ما تبايعني ؟ قال : على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتّى أموت، أو يفتح الله عليك . فقال : ما اسمك قال : أويس . قال : أويس القرني؟ قال : نعم . قال : الله أكبر أخبرني حبيبي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنّي أدرك رجلا من أمّته يقال له « أويس القرني » يكون من حزب الله و رسوله ويموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر .
قال ابن عباس : فسري(3) عني(4).
40 - ومنها : قوله علسیه السلام- وقد رفع أهل الشام المصاحف ، و شكّ فريق من أصحابه ، ولجؤوا إلى المسالمة ، ودعوه إليها-: ويلكم إن هذه خديعة، وما يريد القوم
ص: 202
القرآن لأنّهم ليسوا من أهل قرآن ، فاتّقوا الله وامضوا على بصائركم في قتالهم، فان لم تفعلوا تفرّقت بكم السبل ، وندمتم حين لاتنفعكم الندامة . و كان كما قال.(1).
41- ومنها : ما تواترت به الروايات من نعيه نفسه قبل موته ، وأنّه يخرج من الدنيا شهيداً من قوله: والله ليخضبنّها من فوقها - وأومأ إلى شيبته - ما يحبس أشقاها أن يخضبها بدم .
و قوله علیه السلام: أتاكم شهر رمضان ، وفيه تدور رحى السلطان ، ألا وإنّكم حاجّوا العام صفّا واحداً ، وآية ذلك أنّي لست فيكم .
وكان يفطر في هذا الشهر ليلة عند الحسن ، وليلة عند الحسين ، وليلة عند عبد اللّه ابن جعفر زوج زینب بنته لأجلها ، لا يزيد على ثلاث لقم ، فقيل له في ذلك ، فقال : يأتيني أمر اللّه وأنا خمیص(2) ، إنّما هي ليلة أو ليلتان ، فاصيب من اللّيل .
وقد توجّه إلى المسجد في اللّيلة الّتي ضربه الشقي في آخرها ، فصاح الاوز(3) في وجهه ، فطرد هن النّاس ، فقال : دعوهن فانّهن نوائح .(4)
42- ومنها : أنّه لمّا بلغه ما صنع بسر(5) بن أرطاة باليمن قال : « اللّهمّ إن بسراً باع دينه بالدنيا ، فاسلبه عقله» .
ص: 203
فبقي بسر حتى اختلط ، فاتّخذ له سيف من خشب يلعب به حتّى مات .(1).
43 - ومنها : ما استفاض عنه علیه السلام من قوله : إنّكم ستعرضون من بعدي على سبّي ، فسبسّوني ، فان عرض عليكم البراءة منّي فلا تبرؤا منّي .فكان كما قال .(2).
44 - و منها : قوله علیه السلام لجويرية(3) بن مسهر : لتعتلنّ إلى العتل(4) الزنيم وليقطعن يدك ورجلك(5) ، ثمّ ليصلبنّك ثم مضى دهر حتّى ولّي زیاد(6) في أيّام معاوية ، فقطع يده ورجله ثم صلبه.(7)
ص: 204
45 - ومنها : ماروي من قوله علیه السلام: إنّي دعوتكم إلى الحقّ ، فتلونتم علي(1) وضربتكم بالدرة فأعيیتموني ، أما إنّه سيکلبكم(2) بعدي ولاة يعذّبونكم بالسياط و الحديد وآية ذلك حين يأتيكم صاحب اليمن ( الحجّاج )(3) ، فيأخذ العمّال وعمّال العمّال . فكان كما قال .(4).
46 - ومنها : ما رووه أن ميثماً التمّار كان عبداً لامرأة ، فاشتراه على علیه السلام فأعتقه ، وقال له : ما اسمك ؟ قال : سالم . قال : حدّثني رسول الله بأنّ اسمك الّذي سمّاك به أبوك في العجم «میثم» .
قال : صدق اللّه ورسوله ، وصدقت واللّه ، إنّه لاسمي.
قال : فارجع إلى اسمك الذي سمّاك به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فرجع إلى ميثم ، واكتنی بأبي سالم . فقال علیه السلام: إنّك لتؤخذ بعدي فتصلب . و كان كما قال(5).
47-ومنها: ما تظاهر به الخبر أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بعث علیّاً علیه السلام إلى وادي الجنّ ، وقد أخبره جبرئیل علیه السلام أن طوائف منهم قد اجتمعوا لكيده ، بأغني عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وكفى اللّه المؤمنین به کیدهم ، ودفعهم بقوته عن المسلمين .
ص: 205
قال ابن عباس : لمّاخرج النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم إلى غزاة بني المصطلق جنب(1) عن الطريق ، وأدركه الليل ، فنزل بقرب واد و عر.
فلمّا كان في آخر اللّيل، هبط جبرئيل عليه يخبره أنّ طائفة من كفّار الجنّ قداستبطنرا الوادي يريدون [كيده ،و] إيقاع الشرّ بأصحابه عند سلوکهم إيّاه.
فدعا عليّاً علیه السلام وقال [له]: إذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجنّ من يريدك ، فادفعه بالقوّة الّتي أعطاك اللّه، وتحصّن منه بأسماء الله الذي خصّك بعلمها . وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس ، فقال لهم : كونوا معه، وامتثلوا أمره .
فتوجّه أمير المؤمنين علیه السلام إلى الوادي، فلمّا قارب شفیره(2) أمر المائة الّذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير، ولا يحدثوا شيئاً حتّى يأذن لهم ، ثم تقدم فوقف على شفير الوادي ، وتعوذ بالله من الأعداء ، وسمّى اللّه ، وأومأ إلى القوم الذين اتّبعوه أن يقربوا منه ، فقربوا ، و كان بينهم وبينه غلوة(3)، ثم رام الهبوط ، فاعترضت ريح عاصف كاد أن يقع القوم على وجوههم لشدّتھا ، ولم تثبت على الأرض أقدامهم من هول ما لحقهم.
فصاح أمير المؤمنين علیه السلام : أنا علي ابن أبي طالب بن عبدالمطّلب و صيّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم و ابن عمّه، اثبتوا إن شئتم .
فظهر للقوم أشخاص على صورة الزط - و هم الزنج - يخیّل في أيديهم شعل النار، قد اطمأنّوا بجنبات الوادي ، فتوغّل أمير المؤمنين علیه السلام بطن الوادي و هو يقرأ القرآن ، ويومي بسيفه يميناً وشمالا ، فما لبث الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود ، وكبّر [عليّ] علیه السلام ثمّ صعد من حيث انهبط، فقام مع القوم الّذين اتّبعوه حتّى أسفر(4) الوضع عمّا اعتراه.
ص: 206
فقال له الصحابة : مالقيت يا أبا الحسن ؟ فلقد كدنا أن نهلك خوفاً، و أشفقنا عليك .
فقال علیه السلام لهم: إنّه لمّا تراءی لي العدوّ ، جهرت فيهم بأسماء الله [تعالی] فتضاءلوا وعلمت ما حلّ بهم من الجزع ، فتوغّلت الوادي غير خائف منهم ، ولو بقوا على هيأتهم لأتيت على آخرهم ، وقد كفى الله كيدهم ، و كفي المؤمنين شر هم، وقد سبقتني بقيّتهم إلى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم. فانصرف ، ودعا له النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم ، وقال :
قد سبقك إلي ياعلي من أخافه الله بك فأسلم. ثم قطعوا الوادي آمنين.
ص: 207
ص: 208
48- ومنها : ماروی جمیع بن عمير قال: اتّهم علي علیه السلام رجلايقال له «العيزار»(1) يرفع أخباره إلى معاوية ، فأنكر ذلك وجحده .
فقال له : أتحلف بالله أنّك ما فعلت ذلك ؟ قال : نعم . وبدر ، فحلف .
فقال له أمير المؤمنين علیه السلام: إن كنت كاذباً فأعمى الله بصرك .
فما دارت الجمعة حتّى أخرج أعمى يقاد، قد أذهب الله بصره.(2).
49- ومنها: ما روي عن طلحة بن عميرة قال : نشد(3) علي علیه السلام الناس في قول
ص: 209
النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم «من کنت مولاه فعليّ مولاه»(1) فشهد إثناعشر رجلا من الأنصار ، وأنس ابن مالك حاضر لم يشهد .
فقال علي علیه السلام: يا أنس مايمنعك أن تشهد، وقد سمعت ماسمعوا ؟
قال : كبرت و نسيت .
فقال علیه السلام: اللّهمَّ إن كان كاذباً فاضربه ببياض أو بوضح(2) لاتواريه العمامة قال ابن عميرة : فأشهد بالله لقد رأيتها(3) بيضاء بين عينيه.(4).
50 - و منها : ماروي عن زيد بن أرقم قال: نشد علي علیه السلام الناس في المسجد فقال : أنشد الله رجلا سمع النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم يقول : «من کنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه» فقام إثنا عشر بدريّاً : ستّة من الجانب الأيمن ، و ستّة من الجانب الأيسر،فشهدوا بذلك .
قال زيد : و كنت فيمن سمع ذلك فكتمته، فذهب اللّه ببصري، و كان يندم على ما
ص: 210
فاته من الشهادة ويستغفر(1).
51- ومنها : ماروي عن حكيم بن جبير و جماعة قالوا: شهدنا علياً علیه السلام علی المنبر و هو يقول : أنا عبد الله ، و أخو رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ورثت نبيّ الرحمة ، ونكحت سيّدة نساء أهل الجنّة(2)، وأنا سيّد الوصيّين، و آخر أوصياء النبيّين(3)، لايدّعي ذلك غيري إلا أصابه الله بسوء.
فقال رجل من عبس كان جالساً بين القوم : من لا يحسن أن يقول هذا !؟ أناعبداللّه و أخو رسول الله . فلم يبرح مكانه حتّی تخبّطه الشيطان ، فجر برجله إلى باب المسجد ، فسألنا قومه عنه، فقلنا: تعرفون منه عرضاً(4) قبل هذا؟ قالوا: اللّهم لا.(5).
ص: 211
52- ومنها : أن سبعة(1) إخوة أو عشرة في حيّ من أحياء العرب كانت لهم أخت واحدة، فقالوا لها : كلّ مايرزقنا الله من عرض الدنيا و حطامها ، فانّا نطرحه بين يديك ، و نحكّمك فيه ، فلاترغبي في التزویج ، فحميّتنا لاتحتمل(2) ذلك فوافقتهم في ذلك ، ورضيت به، وقعدت [في خدمتهم] و هم يكرمونها .
فحاضت يوماً ، فلمّا طهرت أرادت الاغتسال ، و خرجت إلى عين ماء كانت بقرب حيّهم(3)، فخرجت من الماء علقة(4)، فدخلت في جوفها وقد جلست في الماء فمضت عليها أيّام والعلقة تكبر، حتّی علابطنها ، وظن الأخوة أنّها حبلی و قدخانت فأرادوا قتلها .
قال بعضهم : نرفع خبرها(5) إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فانّه يتولّى ذلك . فأخرجوها إلى حضرته وقالوا فيها ماظنّوا بها، فاستحضر طشتاً مملواً بالحمأة(6) ، و أمرها أن تقعد عليه فلمّا أحسّت العلقة برائحة الحمأة نزلت من جوفها.
فقالوا : ياعليّ أنت ربّنا ، أنت ربّنا العليّ، فانك تعلم الغيب ، فزبرهم وقال : إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أخبرنا بذلك عن الله بأن هذه الحادثة تقع في هذا اليوم، في هذا الشهر ، في هذه الساعة .(7).
53 - ومنها : أن الصحابة سألوا النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم أن يأمر الريح فتحملهم إلى
ص: 212
أصحاب الكهف ففعل، فلمّا نزلوا هناك سلّم عليهم أبو بكر وعمر وعثمان فلم يردّوا عليهم، ثمّ قام القوم الآخرون كلّهم فسلّموا، فلم يردّوا عليهم أيضاً .
فقام عليّ علیه السلام فقال : السلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا من آیاتنا عجباً.(1) فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أبا الحسن .
فقال أبو بكر : سل القوم مالنا(2) سلّمنا عليهم و لم يجيبوا ؟ فسألهم علي علیه السلام فقالوا: إنّا لانكلّم إلاّ نبيّاً أو وصيّ نبيّ ، وأنت وصيّ خاتم الأنبياء.
ثمّ قال عليّ علیه السلام : ياريح احملينا.
قالوا: فاذا نحن في الهواء، فلمّا أن كان في جوف اللّيل ، قال عليّ علیه السلام : ياريح ضعينا ثم قام فركض برجله ، فاذانحن بعين ماء، فتوضّأ، ثم قال : فتوضّأوا فانّكم مدر کون بعض صلاة الصبح مع(3) رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.
ثمّ قال : ياريح احملينا. فأدركنا آخر ركعة مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.
فلمّا أن قضينا ماسبقنا به، التفت إلينا و أمرنا بالاتمام . فلمّا فرغنا قال: يا أنس أحدّثكم أو تحدّثوننا ؟ قلت : يارسول الله من فيك أحسن .
فحدّثنا كأنّه كان معنا ، ثم قال : إشهد بهذا لعلي يا أنس .
قال أنس : فاستشهدني عليّ علیه السلام وهو على المنبر، فداهنت في الشّهادة .
فقال : إن كنت كتمتها مداهنة من بعد وصيّة رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ، فأبرصك الله ،وأعمى عينيك ، وأظمأ جوفك . فلم أبرح من مكاني حتى عميت و برصت.
وكان أنس لايستطيع الصوم في شهر رمضان ولافي غيره من شدّة الظماء و كان بطعم في شهر رمضان كلّ يوم مسكينين حتّى فارق الدنيا وهو يقول : هذا من دعوة علي،(4)
ص: 213
54 - و منها : أنّه أتي عمر بأسير في عهده، فعرض عليه الاسلام فأبى، فأمر بقتله قال: لاتقتلوني [وأنا] عطشان. فجاءوا بقدح ملان ماء فقال: لي الأمان إلى أن أشرب؟
قال عمر : نعم . فأراق الماء على الأرض فنشفته(1)، قال عمر: اقتلوه ، فانّه احتال.
فقال علي بن أبي طالب علیه السلام: لا يجوز لك قتله وقد آمنته . قال: ما أفعل [به]؟ قال:اجعله لرجل من المسلمين بقيمة عدل(2). قال: ومن يرغب فيه؟ قال: أنا. قال: هو لك.
فأخذ أمير المؤمنين علیه السلام القدح بكفّه ، فدعا ، فاذا ذلك الماء اجتمع في القدح فأسلم لذلك ، فأعتقه أمير المؤمنين علیه السلام، فلزم المسجد والتعبّد.
فلمّا قتل أبولؤلؤة عمر ، ظن عبيد الله بن عمر أن الهرمزان قتل أباه ، فدخل المسجد وقتله . فعرّفوا عمر حاله . فقال : أخطأ ، قتلني أبو لؤلؤة ، الهرمزان مولی علي بن أبي طالب ، و لا يوصي إلا بقتل عبيدالله . فتوفي عمر ، و قام عثمان ، فلم يقتل عبيد الله .
وقال علي علیه السلام إن مكّنني اللّه منه لأقتله.
فلمّا قتل عثمان هرب عبيد اللّه إلى معاوية وظفر به بصفين فقتله(3) وهو متقلّد بسيفين(4).
55 - ومنها : أنّه صعب على المسلمين قلعة(5) فيها كفّار ، و يئسوا من فتحها فعقد في المنجنيق ورماه الناس إليها، وفي يده ذو الفقار، فنزل عليهم وفتح القلعة .(6).
ص: 214
56 - و منها : أن قوماً من النصارى كانوا دخلوا على النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم و قالوا :نخرج ونجيء بأهالينا وقومنا ، فان أنت أخرجت مائة ناقة من الحجر لنا سوداء ،مع كل واحدة فصيل، آمنّا .
فضمن ذلك رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم وانصرفوا إلى بلادهم .
فلمّا كان بعد وفاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم رجعوا ، فدخلوا المدينة ، فسألوا عن النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم فقيل لهم : توفّي صلی الله علیه و آله و سلم فقالوا: نحن نجد في كتبنا أنّه لا يخرج من الدنيا نبيّ إلا ويكون له وصيّ، فمن كان وصيّ نبيّكم محمّد ؟
فدلّوا على أبي بكر، فدخلوا عليه وقالوا : لنا دين على محمّد.
فقال : وماهو؟ قالوا(1) : مائة ناقتة ، ومع كلّ ناقة فصیل و کلّها سود .
فقال : ما ترك رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم تركة تفي بذلك .
فقال بعضهم البعض بلسانهم : ما كان أمر محمّد إلا باطلا.
و كان سلمان حاضراً و كان يعرف لغتهم(2) ، فقال لهم : أنا أدلّكم على وصيّ رسول اللّه(3) . فإذا بعلي قد دخل المسجد، فنهضوا إليه مع سلمان و جثوا(4) بینيديه قالوا : لنا على نبيّكم مائة ناقة ديناً بصفات مخصوصة .
قال [علي] علیه السلام: وتسلمون حينئذ ؟ قالوا: نعم. فواعدهم إلى الغد ، ثمّ خرج بهم إلى الجبّانة، و المنافقون يزعمون أنّه يفتضح، فلمّا وصل إليها صلّى ركعتين ودعا خفيّاً ، ثمّ ضرب بقضيب رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم على الحجر(5) فسمع منه أنين كما يكون للنوق عند مخاضها .
ص: 215
فبينا كذلك إذ انشقّ الحجر ، فخرج منه رأس ناقة قد تعلّق منه الزمام (1) .
فقال علیه السلام لابنه الحسن : خذه .
فخرج منه مائة ناقة ، مع كل واحدة فصيل كلّها سود الألوان.
فأسلم النصاری کلّهم، ثمّ قالوا : كانت ناقة صالح النبي واحدة، و كان بسببها هلاك قوم كثير ، فادع اللّه يا أمير المؤمنين حتّى ترجع(2) النوق و فصالها(3) في الحجر لئلا يكون شيء منها سبب هلاك امّة محمّد.
فدعا، فدخلت مثلما خرجت.(4).
57 - و منها : أن أبا عبد الله الغنوي(5) قال : إنّا لجلوس مع علي بن أبي طالب علیه السلام(6) يوم الجمل إذ جاءه الناس، فقالوا : لقد نالنا النبل و النشّاب. فسكت ثمّ جاء آخرون يهتفون به(7) وقالوا : قد جرحنا.
فقال علیه السلام: [ یا قوم ] من يعذرني من قوم يأمروني بالقتال ولم تنزل بعد الملائكة؟ فقال:(8) إنّا لجلوس ما نرى ريحاً ولانحسّها إذ هبّت ريح طيّبة من خلفنا، واللّه لوجدت بردها بين كتفي(9) من تحت الدرع والثياب .
قال : فلمّا هبّت الريح صبّ أمير المؤمنين علیه السلام درعه ، ثمّ قام إلى القوم ، فما رأيت فتحاً كان أسرع منه .(10).
ص: 216
58 - ومنها : أن ابن الكوّا قال لعليّ علیه السلام أين كنت حيث ذكر اللّه أبا بكر فقال: «ثاني اثنين إذ هما في الغار»(1)؟ فقال علیه السلام: ويلك يا بن الكوّا كنت على فراش رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم وقد طرح عليّ ربطته(2) فأقبلت قريش مع كلّ رجل منهم هراوة(3) فيها شوکها، فلم يبصروا رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم فأقبلوا علي يضربونني حتى تنفّط(4) جسدي، وأوثقوني بالحديد ، و جعلوني في بيت ، و استوثقوا الباب بقفل ، و جاءوا بعجوز
تحرس الباب .
فسمعت صوتاً يقول : يا عليّ ! فسكن الوجع الذي(5) أجده .
وسمعت صوتاً آخر [ يقول ](6) يا علي ! فاذا الحديد الذي علي قد تقطّع .
ثمّ سمعت صوتاً : يا علي ! فاذا الباب فتح ، فخرجت، والعجوز لاتعقل(7) .(8).
59 - ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام أنّه قال : لمّا قتل علي علیه السلام عمرو بن عبد ودّ أعطى سيفه ذا الفقار الحسن علیه السلام وقال : قل لامّك : تغسل هذا الصقيل(9) .
فردّه وعلي علیه السلام عند النبيّصلی الله علیه و آله و سلم ، و في وسطه نقطة لم تنق(10) ، فقال : أليس قد غسلته الزهراء ؟ قال : نعم . قال : فما هذه النقطة ؟ فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : يا عليّ سل
ص: 217
ذا الفقار يخبرك. فهزّه وقال : أليس قد غسلتك الطّاهرة من دم الرجس النجس ؟
فأنطق اللّه السيف فقال: [نعم](1) ولكنّك ما قتلت بي أبغض إلى الملائكة من عمرو ابن عبدود فأمرني ربّي، فشربت هذه النقطة من دمه وهو حظّي منه ، فلا تنتضيني(2)
يوماً إلا ورأته الملائكة فصلّت عليك.(3).
60 - ومنها: ما أخبرنا به أبو منصور شهردار بن شیر و یه بن شهر دار الديلمي(4).
[قال: حدَّثنا أبي، قال:] حدَّثنا أبو الحسن علي بن أحمد الميداني، حدَّثنا أبو عمرو محمد بن يحيي حدَّثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن محمد بن عمر [قال:] سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد المعروف بابن الوفا بالكوفة يقول :
كنت بالمسجد الحرام ، فرأيت الناس مجتمعين حول مقام إبراهيم ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : راهب أسلم . فأشرفت عليه ، فاذا أنا بشیخ کبیر علیه جبّة صوف وقلنسوة صوف، عظيم الخلق، وهو قاعد بحذاء مقام إبراهيم ، فسمعته يقول :
كنت قاعداً في صومعتي ، فأشرفت منها ، فاذا طائر كالنسر قد سقط على صخرة على شاطىء البحر ، فتقيّأ فرمی بربع إنسان، ثم طار، فتفقّدته، فعاد فتقيّأ فرمی بربع إنسان ، ثم طار ، ثم جاء فتقيّأ بربع إنسان ، ثم طار ، ثم جاء فتقيّأ بربع إنسان ثم طار، فدنت الأرباع، فقام رجلا، فهو قائم، وأنا أتعجّب منه، ثم انحدر الطير، فضر به وأخذ ربعه فطار ، ثم رجع فأخذ ربعه فطار ، ثم رجع فأخذ ربعة آخر فطار، ثم رجع فأخذ الربع الآخر.
فبقيت أتفكّر وتحسّرت أن لا أكون لحقته فسألته من هو؟ فبقيت أنفقّد الصخرة
ص: 218
حتى رأيت الطير قد أقبل، فتقيّأ بربع إنسان ، فنزلت فقمت بازائه ، فلم أزل حتى تقيّأ بالربع الرابع، ثمّ طار ، فالنأم رجلا فنام قائماً .
فدنوت منه ، فسألته ، فقلت : من أنت ؟ فسكت عنّي ، فقلت : بحقّ من خلقك من أنت ؟ قال : أنا ابن ملجم . فقلت : وأيش(1) عملت ؟
قال : قتلت علي بن أبي طالب ، فو كّل بي هذا الطير يقتلني كلّ يوم قتلة(2).
فهو يحدّثني ، إذ انقضّ الطائر فضربه(3) فأخذ ربعه و طار ، فسألت عن عليّ فقالوا : ابن عمّ رسول الله [ و وصيّه ] . فأسلمت .(4).
61 - ومنها : ما روی مکحول ، أن مرحباً اليهودي ، قدّمته اليهود لشجاعته ويساره ، و كان طويل القامة ، عظیم الهامة ، و ما واقفه قرن لعظم خلقه ، وكانت له ظئر(5) [قد] قرأت الكتب ، و كانت تقول له : قاتل كل من قاتلك إلا من يسمّى بحيدرة ، فانّك إن وقفت له هلكت . فلمّا
ص: 219
کثر مناوشته(1) ، وبعل(2) الناس بمكانه ، شكوا إلى النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وسألوه أن يخرج إليه عليّاً علیه السلام و كان أرمد ، فتفل النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم في عينه ، فصحّت.
ثمّ قال له : « يا عليّ اكفني مرحباً» . فخرج إليه فلمّا بصر به مرحب أسرعد إليه، فلم يره يعبأ به فتحیّر، ثم قال : أنا الذي سمّتني أمّي مرحباً .
فقال علي علیه السلام : أنا الذي سمّتني أمّي حيدرة .
فلمّا سمعها(3) هرب ولم يقف [خوفاً](4) ممّا حذّرته ظئره، فتمثّل له إبليس
وقال : إلى أين ؟ قال: حذرت ممّن اسمه حیدرة . قال: أو لم يكن حیدرة إلا هذا ؟ حیدرة في الدنيا كثير، فارجع فلعلّك تقتله، فان قتلته سدت قومك(5) وأنا في ظهرك .
فما كان إلاّ كفواق(6) ناقة حتّى قتله أمير المؤمنين(7).(8)
62 - ومنها : ما روى الحارث الأعور قال: خرجنا مع علي علیه السلام حتى انتهينا(9)إلى العاقول(10) ، فاذا هناك أصل شجرة وقد وقع لحاؤها(11) ويبس عودها.
ص: 220
فضربها علیه السلام بيده ثمّ قال : ارجعي باذن الله خضراء ذات ثمر . فاذا هي بأغصانها تهتز ، حملها كمّثری ، فقطعنا وأكلنا منها وحملنا معنا .
فلمّا كان من الغد عدنا إليها ، فاذا هي على حالها خضراء فيها الكمّئری .(1)
63 - ومنها : ما روي [عن] الأصبغ بن نباتة [ قال] : كنّا نمشي خلف عليّ [ بن أبي طالب ] علیه السلام و معنا رجل من قريش ، فقال لأمير المؤمنين علیه السلام : قد قتلت الرجال وأيتمت الأولاد(2) وفعلت و(3)فعلت .
فالتفت إليه علیه السلام فقال له: اخسأ(4). فاذا هو كلب أسود، فجعل يلوذ به ويبصبص(5)فرأيناه يرحمه(6) ، فحرك شفتيه ، فاذا هو رجل كما كان.
فقال له رجل من القوم: يا أمير المؤمنين أنت تقدر على مثل هذا ويناويك معاوية؟ فقال : نحن عباد الله مكرمون، لانسبقه بالقول ، ونحن بأمره عاملون .(7).
64 - ومنها : ما روي عن أبي جعفر، عن آبائه علیهم السلام أن الحسين بن علي علیهم السلام قال :كنّا قعوداً ذات يوم عند أمير المؤمنين علیه السلام وهناك شجرة رمّان يابسة ، إذ دخل عليه نفر من مبغضيه ، وعنده قوم من محبّيه فسلّموا ، فأمرهم بالجلوس.
ص: 221
فقال عليّ علیه السلام : إنّي أربكم اليوم آية تكون فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل إذ يقول الله «إنّي منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منکم فانّي أعذّبه عذاباً لاأعذّبه أحداً من العالمین»(1).
ثمّ قال : انظروا إلى الشجرة . و كانت يابسة - وإذا هي قد جرى الماء في عودها ثم اخضرت وأورقت وعقدت(2) وتدلّی حملها على رؤوسنا ، ثم التفت إلينا فقال للقوم الّذين هم محبّوه : مدوا أيديكم وتناولوا و كلوا . فقلنا: « بسم الله الرحمن الرحيم » و تناولنا وأكلنا رمّاناً لم نأكل قط شيئاً أعذب منه و أطيب .
ثمّ قال للنفر الّذين هم مبغضوه: مدوا أيديكم وتناولوا، فمدوا أيديهم فارتفعت و كلّما مدّ رجل منهم يده إلى رمّانة ارتفعت ، فلم يتناولوا شيئاً ، فقالوا : يا أمير المؤمنين مابال إخواننا مدوا أيديهم وتناولوا ، وأكلوا ، ومددنا أيدينا فلم ننل ؟
فقال علیه السلام: و كذلك الجنّة لا ينالها إلا أولياؤنا و محبّونا ، ولا يبعد منها إلا أعداؤنا ومبغضونا .
فلمّا خرجوا قالوا : هذا من سحر علي بن أبي طالب قليل !
قال سلمان : ماذا تقولون « أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون»(3) .(4).
65 - ومنها : ما روي عن أبي علي الحسن بن عبدالعزيز الهاشمي قال : كانت
ص: 222
الفتنة قائمة بين العبّاسيّين و الطالبيّين بالكوفة، حتى قتل سبعة عشر [رجلا] عبّاسياً، وغضب الخليفة القادر،
واستنهض الملك مشرّف الدولة(1) أبا عليّ حتى يسير إلى الكوفة ويستأصل من بها من الطالبيّين ، ويفعل كذا و كذا بهم و بنسائهم وبناتهم ، و كتب من بغداد هذا الخبر على طيور إليهم ، وعرفوهم ما قال القادر ، ففزعوا من ذلك وتعلّفوا ببني خفاجة.
فرأت امرأة عبّاسيّة في منامها كأن فارساً على فرس أشهب ، وبيده رمح نزل من السماء ، فسألت عنه ، فقيل لها : هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام يريد أن يقتل من عزم على قتل الطالبيّين .
فأخبرت الناس فشاع منامها في البلد ، وسقط الطائر بكتاب من بغداد بأن الملك مشرف الدولة بات عازماً على المسير إلى الكوفة ، فلمّا انتصف الليل مات فجأة وتفرقت العساكر ، وفزع القادر .(2).
66 - و منها : ما روى أبو محمد الصالحي(3) [قال] : حدّثنا أبو الحسن عليّ ابن هارون المنجّم أنّ الخليفة الراضي كان يجادلني كثيراً على خطأ علي [بن أبي طالب] فيما دبّره في أمره مع معاوية .
قال : فأوضحت له الحجّة أن هذا لا يجوز على عليّ ، و أنّه علیه السلام لم(4) يعمل إلاّ الصواب ، فلم يقبل منّي هذا القول، و خرج إلينا في بعض الأيّام ينهانا عن االخوض في مثل ذلك .
وحدّثنا أنّه رأى في منامه كأنّه خارج من داره برید بعض متنزّهاته ، فرفع إليه رجل قصّته(5) ورأسه رأس الكلب ، فسأل عنه ؟
ص: 223
فقيل له : هذا الرجل كان يخطّىء عليّ بن أبي طالب علیه السلام.
قال : فعلمت أنّ ذلك كان عبرة لي و لأمثالي ، فتبت إلى اللّه .(1)
47 - و منها : ما روي عن أبي سعيد عقيصا قال : خرجنا مع عليّ علیه السلام نرید صفين ، فمررنا بكربلاء فقال : هذا موضع الحسين علیه السلام وأصحابه .
ثمّ سرنا حتّى انتهينا إلى راهب في صومعة ، و تقطّع(2) الناس من العطش وشكوا إلى علي ذلك ، و أنّه قد أخذ بهم طريقاً لا ماء فيه من البر ، و ترك طريق الفرات .
فدنا من الراهب ، فهتف به، وأشرف إليه فقال: أقرب صومعتك ماء ؟
قال: لا. فثنّی رأس بغلته ، فنزل في موضع فيه رمل ، و أمر الناس أن يحفروا هذا الرمل ، فحفروا ، فأصابوا تحته صخرة بيضاء ، فاجتمع ثلاثمائة رجل، فلم يحركوها.
فقال علیه السلام : تنحّوا فانّي صاحبها ثم أدخل يده اليمنى تحت الصخرة ، فقلعها من موضعها حتی رآها الناس على كفّه فوضعها ناحية ، فاذا تحتها عين ماء أرقّ من الزلال و أعذب من الفرات، فشرب الناس وسقوا واستقوا و تزوّدوا، ثمّ ردّ الصخرة إلى موضعها وجعل الرمل كما كان .
وجاء الراهب فأسلم ، وقال : إن أبي أخبرني، عن جدّه - وكان من حواري عيسی-: إنّ تحت هذا الرمل عين ماء ، وإنّه لا يستنبطها إلا نبيّ أو وصيّ نبيّ.
و قال لعلي علیه السلام : أتأذن لي أن أصحبك في وجهك هذا ؟
قال علیه السلام: الزمني(3) . ودعا له ، ففعل ، فلمّا كان ليلة الهرير(4) قتل الراهب فدفنه بياده ، وقال :
ص: 224
لكأنّي أنظر إليه ، وإلى منزله في الجنّة، ودرجته التي أكرمه الله بها.(1).
68 - و منها : ما روى الشيخ أبو جعفر بن بابویه [قال :] حدّثنا محمد بن الحسن بن الوليد ، حدّثنا محمد بن الصفّار ، حدثنا أحمد بن محمد السجزي(2) حدثنا عثمان بن عفان السجزي قال : خرجت في طلب العلم فدخلت البصرة فصرت إلى محمد بن عباد، صاحب عبّادان.
فقلت : إنّي رجل غريب أتيتك من بلد بعيد لأقتبس من علمك شيئاً .
قال : من أين أنت ؟ قلت : من أهل سجستان.
قال : من بلد الخوارج ؟ قلت : لو كنت خارجياً ما طلبت علمك .
قال : أفلا أخبرك بحديث حسن إذا أتيت بلادك تحدّث به الناس ؟ قلت : بلى .
قال : كان لي جار من المتعبّدین ، فرأى في منامه كأنّه قد مات و کفّن و دفن وقال: مررت بحوض النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم وإذا هو جالس على شفير الحوض والحسن والحسين علیهما السلام يسقيان الامّة الماء، فاستسقيتهما فأبيا أن يسقياني .
فقلت: يا رسول الله إنّي من أمّتك ! قال : وإن قصدت عليّاً لا يسقيك فبكيت .
و قلت: أنا من شيعة عليّ قال: لك جار يلعن عليّاً و لم تنهه .
قلت : إنّي ضعيف ليس لي قوة، وهو من حاشية السلطان .
قال : فأخرج النبيّ سكّیناً مسلولا وقال: امض و اذبحه . فأخذت السكّين وصرت إلى داره ، فوجدت الباب مفتوحاً، فدخلت فأصبته نائماً فذبحته ، و انصرفت إلى
ص: 225
النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم و قلت : قد ذبحته و هذه السكّين ملطّخة بدمه . قال : هاتها ، ثمّ قال للحسن(1) : اسقه [ ماء ](2). فلمّا أضاء الصبح سمعت صراخاً(3) «فسألت عنه فقيل : إنّ فلاناً وجد على فراشه مذبوحاً ، فلمّا كان بعد ساعة قبض أمير البلد على جيرانه ، فدخلت عليه و قلت : أيّها الأمير إتّق الله، إن القوم براء ، وقصصت عليه الرؤيا ، فخلّی عنهم .(4).
69 - ومنها : ما روی جو یريّة بن مسهر قال: أقبلت مع علي علیه السلام من النهروان فلمّا صرنا في أرض بابل(5) حضر وقت الصلاة ، فقال : أيّها الناس إن هذه أرض ملعونة قد خسف بها مرتين من الدهر ، وهي إحدى المؤتفكات(6) ، و هي أول أرض عبد فيها وثن ، ولا ينبغي لنبي ولا لوصي أن يصلّي فيها ، و ضرب بغلة
رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وسار .
قال: فتبعته فواللّه ما عبر سوراً حتّی غربت الشمس وظهر الليل فالتفت إليّ فقال : يا جويريّة صليّت ؟ قلت : نعم .
فنزل وأذن وتنحّي عنّي فأحسبه توضّأ، ثم دعا بكلام حسبته بالعبرانيّة أومن التوراة ، فاذا الشمس قد بدت راجعة حتّى استقرت في موضعها من الزوال ، فقام يصلّي، وصلّيت معه الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، فلمّا قضينا صلاة العصر هوت الشمس وصرنا في الليل .
ثم قال: يا جويريّة إنّ الله يقول : « فسبّح باسم ربّك العظيم »(7) وإنّي دعوت
ص: 226
للّه باسمه العظيم فردّ لي الشمس كما رأيت .(1).
70 - ومنها : ما روي عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه علیهما السلام ، قال: لمّا أراد علي أن يسير إلى النهروان(2) ، استنفر أهل الكوفة و أمرهم أن يعسكروا بالمدائن(3) فتأخّر عنه شبث بن ربعي ، وعمرو بن حريث ، و الاشعث بن قیس
ص: 227
وجرير بن عبد الله البجلي ، وقالوا: أتأذن لنا أيّاماً نتخلّف عنك في بعض حوائجنا و نلحق بك ؟ فقال لهم: قد فعلتموها، سوءة لكم من مشايخ ، فوالله ما لكم من حاجة تتخلّفون عليها ، وإنّي لأعلم ما في قلوبكم وسابيّن لكم: تريدون أن تثبّطوا عنّي الناس ، و كأنّي بكم بالخورنق(1) وقد بسطتم سفر كم للطعام ، إذ يمرّ بكم ضبّ فتأمرون صبيانكم فيصيدونه ، فتخلعوني وتبايعونه .
ثمّ مضى إلى المدائن وخرج القوم إلى الخورنق وهيّأوا طعاماً، فبينا هم كذلك على سفرتهم وقد بسطوها إذ مر بهم ضب فأمروا صبيانهم فأخذوه و أو ثقوه ومسحوا أيديهم على يده كما أخبر علي ، وأقبلوا على المدائن .
فقال لهم أمير المؤمنين علیه السلام : بئس للظالمين بدلا، ليبعدكم اللّه يوم القيامة مع إمامكم الضبّ الذي بايعتم ، لكأنّي أنظر إليكم يوم القيامة وهو يسوقكم إلى النار .
ثمّ قال : لئن كان مع رسول الله منافقون فانّ معي منافقين ، أما واللّه يا شبث ویا بن حريث لتقاتلان ابني الحسين ، هكذا أخبرني رسول الله .(2).
71 - ومنها : روي أن علياً علی السلام لمّا سار إلى النهروان، شك رجل يقال له: جندب فقال له عليّ علیه السلام : الزمني و لا تفارقني . فلزمه فلمّا دنوا من قنطرة النهروان نظر [علي] علی السلا قبل زوال الشمس إلى قنبریؤذن بالصلاة فنزل وقال: إئتني بماء فقعد يتوضّأ فأقبل فارس وقال : قد عبر القوم .
ص: 228
فقال أمير المؤمنين علیه السلام: ما عبروا، ولا يعبرونها ، ولا يفلت منهم إلاّ دون العشرة ولا يقتل منكم إلاّ دون العشرة، والله ما كذبت و لا كذّبت .
فتعجّب الناس ، فقال جندب : إن صحّ ما قال علي فلا أحتاج إلى دليل غيره فبينا هم كذلك إذ أقبل فارس ، فقال : يا أمير المؤمنين القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة . فصلّى بالناس الظهر ، وأمرهم بالمسير إليهم .
قال جندب فقلت : لا يصل إلى القنطرة قبلي أحد فركضت فرسي فاذا هم دون القنطرة وقوف(1) ، فكنت أوّل من رمى فقتلوا كلّهم إلا تسعة، وقتل من أصحابناتسعة.
ثم قال علي علیه السلام : اطلبوا ذا الثدية(2). فطلبوه فلم يجدوه ، فقال : اطلبوه فوالله ماكذبت ولا كذبت . ثم قام فركب البغلة نحو قتلی کثیر، فقال : اقلبوها. فاستخرجوا ذا الثدية ، فقال : الحمد لله الذي عجّلك إلى النار . و قد كان الخوارج قبل ذلكخرجوا عليه بجانب الكوفة في حروراء(3)، و كانوا إذ ذاك إثني عشر ألفاً .
قال : فخرج إليهم أمير المؤمنين في إزار ورداء راكباً البغلة ، فقيل : القوم شا کون في السلاح ، أتخرج إليهم كذلك؟ قال: إنّه ليس بيوم قتالهم . وصار إليهم بحر وراء وقال لهم: ليس اليوم أوان قتالكم، وستفترقون حتّى تصيرون أربعة آلاف، فتخرجون عليّ في مثل هذا اليوم، في هذا الشهر ، فأخرج إليكم بأصحابي فاقاتلكم حتّی
ص: 229
لا يبقى منكم إلاّ دون عشرة و يقتل من أصحابي يومئذ دون عشرة ، هكذا أخبرني رسول اللّه . فلم يبرح من مكانه حتّی تبرأ بعضهم من بعض ، وتفرقوا إلى أن صاروا أربعة آلاف بالنهروان(1).
72 - ومنها : ما روي عن قنواء بنت رشيد الهجري : سمعت أبي يقول : قال لي عليّ حبيبي : كيف صبرك إذا أرسل إليك دعيّ بني أميّة ، فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ فقلت : ألست معك في الجنّة؟ قال : بلی. قلت : ما أبالي .
قالت : فما ذهبت الأيام حتّی بعث عبیدالله بن زياد ، فدعاه إلى البراءة من علي، فأبى عليه ، فقال الدعي : اختر أي قتلة شئت .
فقال: قال عليّ علیه السلام: إنك تقطع يدي ورجلي ولساني .
قال : لا كذّبن أبا تراب، اقطعوا يديه ورجليه واترکوا لسانه .
قالت : فحضرت قطعه وهو يتبسّم ، فقلت ما تجد ألمأ ؟ قال : لا.
فلمّا أخرجناه من القصر وحوله زحمة من الناس .
فقال لهم رشيد : اكتبوا عنّي علم البلايا والمنايا .
فكتبوا : هذا ما عهد النبيّ الأمّي إلى عليّ في بني أميّة وما ينزل بهم .
فأخبر الدعيّ بذلك، فقال: اقطعوا لسانه. فأتوه بحجّام فقطعوا لسانه، فكان رشید
ص: 230
يقول الرجل : تموت يوم كذا ، وللاخر تقتل يوم كذا ، فيكون كما قال(1).
73 - ومنها : ما روي عن يوسف بن عمران ، عن ميثم التمّار(2) ، دعاني أميرالمؤمنين علیه السلام يوماً، فقال: كيف بك إذا دعاك دعي بني أميّة إلى البراءة منّي؟! قلت : لا أبرا منك . قال : إذا واللّه يقتلك ويصلبك .
قلت : أصبر، وذلك عندي في الله قليل . قال : إذا تكون معي في الجنّة .
فكان میثم يقول لعريف قومه : كأنّي بك وقد دعاك دعي بني أميّة يطلبني منك، فتقول : هو بمكّة، فيقول: لابدّ من أن تأتيني به من حيت كان، فتخرج إلى القادسيّة(3).
فتقيم بها إلى أن أقدم عليك من مكّة ، فتذهب بي إليه ، فيقول لي : تبرّأ من أبي تراب. فأقول: لا [ والله ] ولا كرامة، فيصلبني على باب عمرو بن حريث، فاذا كان في
ص: 231
اليوم الرابع ابتدر الدم من منخري . فكان كذلك .
فلمّا صلب، قال ميثم للناس: سلوني فوالله لاخبرنّكم بما يكون من الفتن ومخازي بني أمية . فلمّا حدثهم حديثاً واحداً ، بعث إليه الدعي فألجمه بلجام من شريط(1)فكان ميثم أول من الجم وهو مصلوب .(2).
74 - و منها : أن الفرات مد(3) على عهد علي علیه السلام فقال الناس : نخاف الغرق فرکب و صلّي على الفرات ، فمر بمجلس ثقيف فغمز عليه بعض شبابهم فالتفت إليهم وقال : يا بقيّة ثمود با صعّار الخدود(4) هل أنتم إلا طغام(5) لئام ؟ من لي بهؤلاء الأعبد(6) ؟
فقال مشائخ منهم : إن هؤلاء شباب جهّال ، فلا تأخذنا بهم ، اعف عنّا .
فقال : لا أعفو عنكم إلا على أن أرجع وقد(7) هدمتم هذه المجالس ، و سددتم
ص: 232
كلّ كوّة، و قلعتم كلّ ميزاب ، وطمینم(1) كلّ بالوعة على الطريق ، فانّ هذا كلّه في طريق المسلمين ، وفيه أذى لهم .
فقالوا : نفعل. فمضى وتركهم، ففعلوا ذلك كلّه.
فلمّا صار إلى الفرات دعا ، ثمّ قرع(2) الفرات قرعة فنقص ذراع.
فقالوا : يا أمير المؤمنين هذه رمّانة قد جاء بها الماء ، وقد احتبست على الجسر من كبرها وعظمها ، فاحتملها ، وقال : هذه رمّانة من رمّان الجنّة، ولا يأكل ثمارالجنّة في الدنيا إلا نبيّ أو وصيّ نبيّ ، ولولا ذلك لقسمتها بينكم(3) .
75 - ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفري، عن أبيه ، عن الصادق علیه السلام قال : لمّا فرغ علي علیه السلام من وقعة صفّين ، وقف على شاطىء الفرات وقال : أيّها الوادي من أنا ؟ فاضطرب وتشقّقت(4) أمواجه ، وقد نظر الناس وقد سمعوا من الفرات صوتاً(5) : أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، و أن عليّاً(6) أمير المؤمنین حجّة الله على خلقه(7).
76 - ومنها : ما روي عن عبيد ، عن السكسكي(8) ، عن أبي عبدالله عن
ص: 233
آبائه علیهم السلام أن عليّاً علیه السلام لمّا قدم من صفّين ، وقف على شاطىء الفرات ، ثمّ انتزع من كنانته(1) سهاماً ، ثمّ أخرج منها قضيباً أصفر، فضرب به الفرات .
فقال علیه السلام : انفجري. فانفجرت إثنتا عشر عيناً كلّ عين كالطّود(2) ، و الناس ينظرون إليه ، ثم تكلّم بكلام لم يفهموه ، فأقبلت الحيتان رافعة رؤوسها بالتهليل والتكبير ، و قالت : السلام عليك يا حجّة الله في أرضه ، و یا عين الله في عباده ،خذلك قومك بصفّين كما خذل هارون(3) بن عمران قومه.
فقال لهم : أسمعتم ؟ قالوا : نعم قال : فهذه آية لي عليكم، وقد أشهدتكم عليه(4) .
77 - ومنها : ما روي عن سلمان الفارسي أنّ عليّاً علیه السلام بلغه عن عمر ذکر لشيعته(5) فاستقبله في بعض طرقات بساتين المدينة وفي يد علي قوس عربية.
فقال علي : یا عمر بلغني ذكر لشيعتي عنك(6) . فقال : اربع علي ظلعك(7) .قال علي : إنّك لها هنا ؟ ثمّ رمى بالقوس إلى(8) الأرض ، فاذا هي ثعبان کالبعير، فاغر فاه(9) وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه. فصاح عمر : الله الله يا أبا الحسن لا عدت بعدها في شيء. وجعل يتضرع إليه فضرب علي يده إلى(10) الثعبان، فعادت القوس كما كانت ، فمضى(11) عمر إلى بيته مرعوباً .
ص: 234
قال سلمان : فلمّا كان في اللّيل دعاني علي علیه السلام، فقال : صر إلى عمر فانّه حمل إليه مال من ناحية المشرق ، ولم يعلم به أحد ، وقد عزم أن يحتبسه ، فقل له : يقول لك علي: أخرج ما حمل إليك من المشرق(1) ، ففرقه على من جعل لهم ولاتحبسه فأفضحك .
قال سلمان: وأدّيت إليه الرسالة(2) . فقال : حيّرني أمر صاحبك فمن أين علم هو به ؟ قلت : وهل يخفى عليه مثل هذا . فقال : يا سلمان(3) اقبل منّي ما أقول لك :
ما عليّ إلا ساحر وإنّي لمشفق عليك منه ، والصواب أن تفارقه وتصير(4) في جملتنا.
قلت : بئس ما قلت ، لكنّ عليّاً قد ورث من آثار(5) النبوّة ما قد رأيت منه و ما هو أكبر منه(6). قال : إرجع إليه فقل له : السمع و الطاعة لأمرك ، فرجعت إلى علي علیه السلام فقال: أحدّثك بماجرى بينكما؟ فقلت : أنت أعلم به منّي، فتكلّم بكل ما(7)جری بيننا ، ثم قال : إن رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت(8) .
78 - و منها : أنّه علیه السلام قال : رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم [في منامي] وهو يمسح الغبار عن وجهي وهو يقول : ياعليّ لاعليك، لاعليك قد قضيت ما عليك ، فما مكث إلا ثلاثاً(9) حتّى ضرب .
وقال : رأيت رسول الله في منامي فشكوت إليه ما لقيت من أمتّه(10) من الأود
ص: 235
واللدد(1) ، وبكيت ، فقال : لاتبك.
والتفت فإذا رجلان مصفّدان(2)، وإذا جلاميد ترضح(3) بها رؤوسهما .
ثمّ قال للحسن و الحسين علیهما السلام: إذا متّ فاحملاني إلى الغري(4) من نجف الكوفة واحملا آخر سريري ، فالملائكة يحملون أوّله.وأمرهما أن يدفناه هناك ويعفيا قبره ، لما يعلمه من دولة(5) بني أمية بعده .
وقال : ستریان صخرة بيضاء تلمع نوراً . فاحتفرا فوجدا ساجة(6) مكتوباً عليها:ممّا ادّخرها(7) نوح لعليّ بن أبي طالب علیه السلام.
[ففعلا ما أمرهما به]، فدفناه فيه وعفيا أثره .
ولم يزل قبره مخفيّاً حتّى دل عليه جعفر بن محمد علیهما السلام في أيّام الدولة العبّاسيّة وقد خرج هارون الرشید یوماً يتصيّد ، و أرسلوا الصقور والكلاب على الظباء بجانب الغريّين فجاولتها(8) ساعة ، ثم لجأت الظباء إلى الأكمة(9) فرجع الكلاب والصقور عنها فسقطت [في] ناحية ، ثم هبطت الظباء من الأكمة فهبطت الصقور و الكلاب ترجع إليها ، فتراجعت الظباء إلى الأكمة فانصرفت عنها الصقور والكلاب، ففعلوا ذلك ثلاثاً.
ص: 236
فتعجّب هارون [ الرشید من ذلك ] وسأل شيخاً(1) من بني أسد : ما هذه الأكمة؟
فقال : لي الأمان؟ قال : نعم .
قال : فيها قبر عليّ بن أبي طالب علیه السلام فتوضّأ هارون وصلّي ودعا .
ثم(2) أظهر الصادق علیه السلام موضع قبره بتلك الأكمة(3) .
ص: 237
1- روی محمد بن اسحاق قال : إن أبا سفيان جاء إلى المدينة ليأخذ تجدید العهد من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فلم يقبل ، فجاء إلى علي علیه السلام، قال : هل لابن عمّك أن يكتب لنا أماناً ؟ فقال : إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم عزم على أمر لا يرجع فيه أبداً . و كان الحسن بن علي علیه السلام ابن أربعة عشر شهراً(1)، فقال بلسان عربي مبين : « یا ابن صخر قل :
لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، حتّى أكون لك شفيعاً إلى جدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم » .
فتحيّر أبو سفيان.
فقال علي علیه السلام: «الحمد لله الذي جعل في ذرّية محمّد نظیر یحیی بن زکریّا» - و كان الحسن علیه السلام يمشي في تلك الحالة(2)
2- روي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية : إن الحسن بن عليّ رجل حيي(3)وإنّه إذا صعد المنبر ورمقوه [الناس] با بصارهم خجل وانقطع ، أو أذنت له .
فقال له معاوية : يا أبا محمّد لو صعدت المنبر و وعظتنا.
ص: 238
فقام(1) فحمد الله ، وأثنى عليه، وذكر جده فصلّى عليه ثم قال: [أيّها الناس] من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي [بن أبي طالب]، وابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله ، أنا ابن رسول الله ، أنا ابن نبي الله ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين ، أنا ابن من بعث إلى الجن و الأنس، أنا ابن خير خلق الله بعد رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضائل ،
أنا ابن صاحب المعجزات والدلائل ، أنا ابن أمير المؤمنين، أنا المدفوع عن حقّي(2) أنا وأخي سيّدا شباب أهل الجنّة ، أنا ابن الركن والمقام ، أنا ابن مكّة ومني، أنا ابن المشعر وعرفات .
فغاظ(3) معاوية فقال : خذ في نعت الرطب ودع ذا.
فقال : الريح تنفخه ، والحر ينضجه ، وبرد الليل يطيّبه .
ثم عاد فقال : أنا ابن الشفيع المطاع ، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة ، أنا ابن من خضعت له قريش ، أنا [ابن] إمام الخلق وابن محمّد رسول الله .
فخشی معاوية أن يفتتن به الناس، فقال : يا أبا محمّد انزل، فقد كفي ما جرى .
فنزل ، فقال له معاوية : ظننت أن ستكون خليفة ، وما أنت وذاك .
فقال الحسن : إنّما الخليفة من سار بكتاب الله وسنّة رسوله، ليس الخليفة من سار بالجور، وعطّل السنن، واتّخذ الدنيا أباً وأمّاً ، ملك ملكا متّع فيه قليلا ، ثم تنقطع لذته ، وتبقى تبعته .
وحضر المحفل رجل من بني أميّة و كان شابّاً، فأغلظ للحسن كلامه ، وتجاوز الحد في السب والشتم له ولأبيه .
فقال الحسن : اللّهم غيّر ما به من النعمة، واجعله أنثى ليعتبر به. فنظر الأموي
ص: 239
في نفسه وقد صار امرأة ، قد بدل الله له فرجه بفرج النساء ، وسقطت لحيته .
فقال له الحسن : أغربي ! مالك و محفل(1) الرجال فانّك إمراة.
ثم إن الحسن علیه السلام سكت ساعة ، ثم نفض ثوبه فنهض ليخرج.
فقال [له] ابن العاص : اجلس فانّي أسألك عن مسائل .
قال : علیه السلام سل عمّا بدا لك. قال عمرو : أخبرني عن الكرم والنجدة والمروة.
فقال : أمّا الكرم فالتبرع بالمعروف ، و الأعطاء قبل السؤال ، و أمّا النجدة فالذب عن المحارم، و الصبر في المواطن عند المكاره ، وأمّا المروة فحفظ الرجل دينه ، وإحرازه نفسه من الدنس ، وقيامه بأداء الحقوق ، وإفشاء السلام .
فخرج ، فعذل(2) معاوية عمراً ، فقال : أفسدت أهل الشام . فقال عمرو : إليك عنّي إن أهل الشام لم يحبِّرك محبّة [إيمان و] دین ، إنّما أحبّوك للدنيا ينالونها منك، والسيف والمال بيدك، فما يغني عن الحسن كلامه.
ثم شاع أمر الشاب الأموي و أنت زوجته إلى الحسن علیه السلام فجعلت تبكي وتتضرّع فرق لها، و دعا له(3) فجعله الله كما كان.(4)
3- ومنها : [ما روي عن الصادق ، عن آبائه علیه السلام] أن الحسن قال [ يوماً ] لأخيه الحسين و لعبد الله بن جعفر : إن معاوية قد بعث إليكم بجوائز کم و هي تصل إليكم يوم كذا لمستهل الهلال . و قد أضافا(5) ، فوصلت في الساعة
ص: 240
الّتي ذكر لمّا كان(1) رأس الهلال ، فلمّا و افاهم المال كان على الحسن علیه السلام دین كثير فقضاه ممّا بعثه إليه ، و فضلت فضلة ففرقها في أهل بيته و مواليه ، و قضى الحسين علیه السلام أيضاً دينه ، و قسّم ثلث ما بقي في أهل بيته و مواليه ، وحمل الباقي إلى عياله .
وأمّا عبدالله فقضى دينه ، و ما فضل(2) دفعه إلى الرسول ليتعرف(3) معاوية من الرسول ما فعلوا ، فبعث إلى عبد الله أموالا حسنة(4) .
4- ومنها : ما روي عن صندل(5) عن أبي أسامة ، عن الصادق ، عن آبائه علیهم السلام أن الحسن علیه السلام خرج إلى مكّة ماشياً من المدينة، فتورمت قدماه فقيل له: لو ركبت لسكن عنك هذا الورم . فقال : كلاّ، ولكنّا إذا أتينا المنزل ، فانّه يستقبلنا أسود معه دهن يصلح لهذا الورم، فاشتروا منه ولا تماكسوه(6).
فقال له بعض مواليه : ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع مثل هذا الدواء ؟
فقال: بلى إنّه أمامنا. وساروا أميالا(7) فاذا الأسود قد استقبلهم .
فقال الحسن لمولاه : دونك الأسود ، فخذ الدهن منه بثمنه . فقال الأسود : لمن تأخذ هذا الدهن ؟ قال: للحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام . قال : انطلق بي إليه .
ص: 241
فصار الأسود إليه، فقال: يا ابن رسول الله إنّي مولاك لا آخذ له ثمناً، ولكن ادع الله أن يرزقني ولداً سويّأ ذكراً بحبّكم أهل البيت فانّي خلّفت امرأتي تمخض(1). فقال : انطلق إلى منزلك ، فانّ الله تعالی قد وهب لك ولداً ذکراً سويّاً .
فرجع الأسود من فوره فاذا امرأته قد ولدت غلاماً سويّاً ، ثمِّ رجع الأسود إلى الحسن علیه السلام ودعا له بالخير بولادة الغلام له، وإن الحسن قد مسح رجليه بذلك الدهن فما قام من موضعه حتى زال الورم .(2)
5- ومنها: ماروي أن فاطمة أتت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تبكي وتقول : إن الحسن و الحسين خرجا ولاأدري أين هما؟ فقال: طيبي نفساً، فهما في ضمان الله حيث كانا .
فنزل جبرئيل ، وقال : همانائمان في حائط(3) بني النجار متعانقين ، و قد بعث الله ملكاً قد بسط جناحاً تحتهما، وجناحاً فوقهما.
فخرج رسول الله و أصحابه معه فرأوهما ، وحيّة الحلقة حولهما ، فأخذهما رسول الله على منكبيه ، فقالوا : نحملهما عنك ؟ قال: نعم المطيّة مطيّنهما ، ونعم الراكبان هما ، و أبوهما خير منهما.(4)
ص: 242
6- ومنها : [روي] أن الحسن علیه السلام[وإخوته] وعبد الله بن العباس كانوا(1) على مائدة ، فجاءت جرادة و وقعت على المائدة .
فقال عبدالله للحسن : أي شيء مكتوب على جناح الجرادة ؟
فقال : مكتوب عليه: أنا الله لا إله إلا أنا، ربّما أبعث الجراد رحمة(1) لقوم جياع ليأكلوه(2)، وربّما أبعثها نقمة على قوم فتأكل أطعمتهم .
فقام عبد الله ، وقبّل رأس الحسن ، وقال : هذا من مكنون العلم(3) .
7- ومنها : ماروي عن الصادق ، عن آبائه علیهم السلام أن الحسن علیه السلام قال لأهل بيته:
إنّي أموت بالسمّ، كما مات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقالوا : ومن يفعل ذلك.
قال: امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس، فان معاوية يدس إليها و يامرها بذلك.
قالوا : أخرجها من منزلك ، وباعدها من نفسك . قال: كيف اخرجها و لم تفعل بعد شيئاً ، ولو أخرجتها ماقتلني غيرها، و كان لها عذر عند الناس .
فما ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها معاوية مالاجسيماً ، وجعل يمنّيها بأن يعطيها مائة ألف درهم أيضا(4) و بزوجها من يزيد ، و حمل إليها شربة سم لتسقيها الحسن فانصرف(5) إلى منزله وهو صائم فأخرجت [له] وقت الافطار - وكان يوماًحاراً - شربة
ص: 243
لبن و قد ألقت فيها ذلك السمّ ، فشر بها و قال : يا عدوة الله قتلتيني قتلك الله ، والله لاتصيبين منّي خلفاً(1) و لقد غرك وسخر منك ، والله يخزيك و يخزيه .
فمكث علیه السلام يومين، ثم مضى، فغدر معاوية بها، ولم يف لها بما عاهد(2) عليه.(3)
8- ومنها : [روي] أن الصادق علیه السلام قال: لمّا أن حضرت الحسن بن علي علیه السلام الوفاة بكی بكاء شديداً وقال: إنّي أقدم على أمر عظيم وهول لم أقدم على مثله قط . ثمّ أوصى(4) أن يدفنوه بالبقيع.
فقال: يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لاجدّد به عهدي ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفنّي هناك، فستعلم يا ابن أمّ أن القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله ، فيجلبون(5) في منعكم ذلك، وبالله أقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم .
فلمّا غسّله و کفّنه الحسين حمله على سريره ، و توجّه به(6) إلى قبر جده رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ليجدد به عهداً ، أتی مروان بن الحكم ومن معه من بني أميّة فقال :أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي ؟ لايكون ذلك أبداً. ولحقت عائشة على بغل وهي تقول : مالي ولكم [یا بني هاشم]؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لااحب.
ص: 244
فقال ابن عبّاس لمروان: انصرفوا ، لانريد دفن صاحبنا عند رسول الله، فانّه كان أعلم [و أعرف] بحرمة قبر [جده] رسول الله من أن يطرق عليه هدماً ، كما يطرق ذلك غيره(1) ، ودخل بيته بغير إذنه ، إنصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصّی(2).
ثم قال لعائشة : واسوأتاه يوماً على بغل ، ويوماً على جمل .
وفي رواية يوماً تجمّلت ، ویوماً تبغّلت ، وإن عشت تفيّلت .
فأخذه ابن الحجّاج الشاعر البغدادي فقال :
يابنت أبي بكر(3) لا كان ، ولا كنت *** لك التسع من الثمن وبالكل تملّكت(4)
*** تجمّلت تبغّلت وإن عشت تفیّلت.
بیان : قوله لك التسع من الثمن إنّما كان ذلك في مناظرة فضّال بن الحسن بن فضّال الكوفي مع أبي حنيفة .
فقال له الفضّال قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ »(5) منسوخ أو غير منسوخ ؟ قال: هذه الآية غير منسوخة .
قال : ما تقول في خير الناس بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أبو بكر وعمر ؟ أم علي بن أبي طالب ؟ فقال: أما علمت أنّهما ضجيعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في قبره ، فأي حجّة تريد ئأوضح في فضلهما من هذه ؟
فقال له الفضّال : لقد ظلما [إذأوصيا] بدفنهما في موضع ليس لهمافيه حق ، و إن كان الموضع لهمافوهباه لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما، ونكثا عهدهما و قد أقررت أن قوله تعالی «لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ » غير منسوخة
ص: 245
فأطرق أبو حنيفة ثم قال: لم يكن له ولالهما خاصّة، ولكنّهما نظرافي حق عائشة وحفصة ، فاستحّقا الدفن في ذلك الموضع لحقوق ابنتيهما .
فقال له فضّال : أنت تعلم أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله و سلم مات عن تسع حشايا(1)، و كان لهن الثمن لمكان ولده فاطمة فنظرنا فاذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فاذا هو شبر في شبر، و الحجرة كذا و كذا طولا وعرضاً ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ؟ و بعد فمابال عائشة وحفصة يرثان رسول الله وفاطمة بنته(2) منعت الميراث ؟ فالمناقضة ظاهرة في ذلك من وجوه كثيرة.
فقال أبو حنيفة: نحّوه یا قوم عنّي، فانّه - والله - رافضي خبيث .(3)
ص: 246
1- عن أبي خالد الكابلي ، عن يحيى بن ام الطويل قال : كنّا عند الحسين علیه السلام إذ دخل عليه شاب يبكي ، فقال له الحسين : ما يبكيك ؟
قال : إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مال و كانت قد أمرتني أن(1) لا أحدث في أمرها شيئاً(2) حتّى أعلمك خبرها .
فقال الحسين علیه السلام: قوموا بنا حتّى نصير إلى هذه الحرة.
فقمنا معه حتّى انتهينا(3) إلى باب البيت الّذي(4) فيه المرأة [و هي] مسجّاة فأشرف على(5) البيت ، ودعا الله ليحيها حتّى توصي بما تحب من وصیّنها(6) فأحياها الله ، وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد ، ثم نظرت إلى الحسين علیه السلام فقالت: أدخل البيت يا مولاي ومرني بأمرك.
فدخل وجلس على مخدة ثم قال لها : وصّي، يرحمك الله .
فقالت : يا ابن رسول الله [ إنّ ] لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك ، و الثلثان لابني هذا إن علمت
ص: 247
أنّه من مواليك و أوليائك ، وإن كان مخالفاً فخذه إليك، فلا حق للمخالفين في أموال المؤمنين .
ثم سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرها ، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت.(1)
2- و منها : ماروي عن جابر الجعفي، عن زين العابدین علیه السلام قال: أقبل أعرابي إلى المدينة ليختبرالحسين علیه السلام لما(2) ذكر له من دلائله ، فلمّا صار بقرب المدينة خضخض ودخل المدينة ، فدخل على الحسين وهو جنب .
فقال له أبو عبد الله الحسین علیه السلام : أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل إلى إمامك وأنت جنب ؟ [ وقال : ] أنتم معاشر العرب إذا خلوتم(3) خضخضتم .
فقال الأعرابي : يا مولاي قد بلغت حاجتي ممّا جئت فيه.
فخرج من عنده فاغتسل ورجع إليه فسأله عمّا كان في قلبه .(4)
3- ومنها : ماروي عن مندل ، عن هارون بن خارجة(5) ، عن الصادق علیه السلام عن
ص: 248
آبائه علیه السلام [قال] إن الحسين علیه السلام إذا أراد(1) أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم : لاتخرجوا يوم كذا ، واخرجوا يوم كذا ، فانّكم إن خالفتموني قطع عليكم .
فخالفوه مرة وخرجوا ، فقتلهم اللّصوص ، وأخذوا ما معهم ، و اتّصل الخبر بالحسين فقال : لقد حذرتهم ، فلم يقبلوا منّي.
ثم قام من ساعته ودخل على الوالي ، فقال الوالي : يا أبا عبد الله بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم .
فقال الحسين علیه السلام : فانّي أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم .
قال : أوتعرفهم يا ابن رسول الله ؟ قال : نعم، كما أعرفك، وهذامنهم- وأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي -.
فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا، ومن أين تعرف أنّي منهم ؟!
فقال له الحسين علیه السلام : إن أنا صدّقتك تصدّقني (2) ؟ فقال الرجل : نعم ، و الله لاصدّقنّك. فقال: خرجت ومعك فلان وفلان. وذكرهم كلّهم:
فمنهم أربعة من موالي المدينة والباقون من حبشان(3) المدينة .
فقال الوالي للرجل: ورب القبر والمنبر، لتصدقني أولأهر أن(4) الحمك بالسياط.
فقال الرجل : والله ماكذب الحسين و قد صدق (5) ، و كأنّه كان معنا .
ص: 249
فجمعهم الوالي جميعاً ، فأقرّوا جميعاً فضرب أعناقهم .(1).
4- ومنها: أنّ رجلا صار إلى الحسين علیه السلام فقال : جئتك أستشيرك في تزويجي فلانة. فقال: لاأحبّ ذلك لك. و كانت كثيرة المال، و كان الرجل أيضاً مكثراً فخالف الحسين فتزوّج بها. فلم يلبث الرجل حتّى افتقر.
فقال له الحسین علیه السلام: قد أشرت إليك(2) ، فخلّ سبيلها فانّ اللّه يعوّضك خيراً(3)منها . ثمّ قال : وعليك بفلانة . فتزوّجها فمامضت(4) سنة حتّى كثر ماله ، و ولدت له ولداً ذكراً ، ورأى منها ما أحب(5) .
5- ومنها: أنّه علیه السلام سئل في حال صغره عن أصوات الحيوانات لأنّ من شرط الامام أن يكون عالماً بجميع اللغات حتّى أصوات الحيوانات ، فقال :
على ما روی محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي(6) عن الحسين علیه السلام أنّه قال: إذا صاح النسر فانّه يقول : « يابن آدم عش ماشئت فآخره الموت» .وإذ صاح البازي يقول : « يا عالم الخفيّات يا كاشف البليّات » .
ص: 250
وإذا صاح الطاووس يقول : « مولاي ظلمت نفسي واغتررت بزينتي فاغفر لي».
وإذا صاح الدرّاج يقول:« الرحمن على العرش استوى » .
وإذا صاح الديك يقول : « من عرف اللّه لم ينس ذكره » .
وإذا قرقرت الدجاجة تقول: «يا إله الحقّ أنت الحقّ وقولك الحقّ يا أللّه ياحقّ» .
وإذا صاح الباشق(1) يقول : «آمنت باللّه واليوم(2) الآخر» .
وإذا صاحت الحدأة(3) تقول : «توكّل على اللّه ترزق» .
وإذا صاح العقاب يقول : « من أطاع اللّه لم يشق » .
وإذا صاح الشاهين يقول : « سبحان اللّه حقّاً حقّاً .
وإذا صاحت البومة تقول : « البعد من الناس أنس» .
وإذا صاح الغراب يقول : « یا رازق ابعث بالرزق الحلال ».
وإذا صاح الكرکې(4) يقول : « اللّهم احفظني من عدوّي» .
و إذا صاح اللقلق يقول : « من تخلّى من الناس نجی من أداهم » .
وإذا صاحت البطّة تقول: «غفرانك يا الله غفرانك»(5).
وإذا صاح الهدهد يقول : « ما أشقى من عصي اللّه»!
وإذا صاح القمري(6) يقول : « يا عالم السرّ والنجوى يا اللّه » .
وإذا صاح الدبسي(7) يقول : « أنت اللّه لا إله سواك يا اللّه » .
ص: 251
وإذا صاح العقعق(1) ، يقول : « سبحان من لا يخفى عليه خافية » .
وإذا صاح الببغاء يقول: «من ذكر ربّه غفر ذنبه» .
وإذا صاح العصفور يقول : « استغفر اللّه ممّا يسخط اللّه » .
وإذا صاح البلبل يقول : « لا إله إلا الله حقّاً حقّاً» .
و إذا صاحت القبجة(2) تقول : « قرب الحق ، قرب».
وإذا صاحت السماناة(3) تقول : « يا ابن آدم ما أغفلك عن الموت» .
وإذا صاح السنوذنيق(4) يقول: «لا إله إلا اللّه محمّد [رسول اللّه] و آله خيرة اللّه».
وإذا صاحت الفاخته تقول : «یا واحد یا أحد یا فرد یا صمد ».
وإذا صاح الشقراق(5) يقول «مولاي اعتقني من النار» .
وإذا صاحت القنبرة(6) تقول : « مولاي تب على كلّ مذنب من المؤمنين » .
وإذا صاح الورشان(7) يقول : « إن لم تغفر ذنبي شقيت ».
ص: 252
وإذا صاح الشفنين(1) يقول : « لا قوة إلا باللّه [العلي](2) العظيم » .
وإذا صاحت النعامة تقول : « لا معبود سوى اللّه ».
وإذا صاحت الخطافة(3) انها تقرأ سورة الحمد و تقول :
« یا قابل توبة التوّابين، یا اللّه لك الحمد» .
و إذا صاحت الزرّافة تقول: «لا إله إلاّ الله وحده » .
وإذا صاح الحمل(4) يقول : «كفى بالموت واعظاً» .
وإذا صاح الجدي(5) يقول : « عاجلني الموت فقلّ ذنبي».
وإذا زأر الاسد يقول : « أمر اللّه مهمّ مهمّ ».
وإذا صاح الثور يقول :
«مهلا مهلا يا ابن آدم أنت بين يدي من یري ولا يرى وهو اللّه».
وإذا صاح الفيل يقول : « لا يغني عن الموت قوّة ولا حيلة ».
وإذا صاح الفهد يقول: « يا عزيز يا جبّار یا متكبّر یا اللّه » .
وإذا صاح الجمل يقول: « سبحان مذلّ الجبّارين سبحانه » .
ص: 253
وإذا صهل الفرس يقول : « سبحان(1) ربّنا سبحانه » .
وإذا صاح الذئب يقول: « ما حفظ الله فلن يضيع أبداً » .
وإذا صاح ابن آوى يقول : «الويل الويل الويل للمذنب المصرّ » .
وإذا صاح الكلب يقول : «كفى بالمعاصي ذلا» .
وإذا صاح الأرنب يقول: «لا تهلكني با اللّه، لك الحمد » .
وإذا صاح الثعلب يقول : « الدنيا دار غرور» .
وإذا صاح الغزال يقول : « نجّني من الأذى » .
وإذا صاح الكردن يقول: «أغثني(2) وإلاّ هلكت يا مولاي» .
وإذا صاح الأيّل(3) يقول : «حسبي اللّه ونعم الوكيل حسبي» .
وإذا صاح النمر يقول : «سبحان من تعزّز بالقدرة سبحانه » .
و إذا سبّحت الحيّة تقول : « ما أشقى من عصاك يا رحمن » .
وإذا سبّحت العقرب تقول : «الشرّشيء وحش».
ثمّ قال علیه السلام: ماخلق الله من شيء إلاّ وله تسبيح يحمد به ربّه ، ثمّ تلا هذه الاية:«وإن من شيء إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم.(4) .(5).
6- ومنها : أنّه لمّا ولد الحسين علیه السلام أمر اللّه تعالی جبرئيل أن يهبط في ملا من الملائكة فيهنّیء محمداً ، فهبط فمرّ بجزيرة فيها ملك يقال له: فطرس ، بعثه اللّه في شيء، فأبطأ فكسر جناحه ، وألقاه في تلك الجزيرة ، فعبد اللّه سبعمائة عام(6)
ص: 254
فقال فطرس لجبرئیل :
إلى أين ؟ قال : إلى محمّد. قال : احملني معك إلى محمد لعلّه يدعو لي .
فلمّا دخل جبرئيل، وأخبر محمداً بحال فطرس ، قال له النبيّ : قل له يمسح(1)بهذا المولود [ جناحه ] . فمسح(2) فطرس بمهد الحسين علیه السلام، فأعاد اللّه عليه في الحال جناحه ، ثمّ ارتفع مع جبرئيل إلى السماء فسمّي عتیق الحسين علیه السلام(3) .
7- ومنها : أنّه علیه السلام لمّا أراد العراق قالت له أمّ سلمة : لاتخرج إلى العراق فقد(4) سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم يقول :
يقتل ابني الحسين ب [أرض](5) العراق و عندي تربة دفعها إليّ في قارورة .
فقال : واللّه إني مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضاً ، وإن
ص: 255
أحببت أن أريك مضجعي(1) ومصرع أصحابي . ثمّ مسح بيده على وجهها ، ففسح اللّه في بصرها حتّى أراها(2) ذلك كلّه ، و أخذ تربة فأعطاها(3) من تلك التربة أيضاً في قارورة أخرى ، وقال علیه السلام : فإذا فاضتا(4) دماً، فاعلمي أنّي قد قتلت .
فقالت أمّ سلمة : فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فاذا هما قد فاضتا دماً ، فصاحت .
ولم يقلب في ذلك اليوم حجر ولا مدر إلاّ وجد تحته دم عبيط(5) .
8- ومنها : ما روي عن زین العابدين علیه السلام أنّه قال : لمّا كانت اللّيلة الّتي قتل فيها الحسين علیه السلام في صبيحتها قام في أصحابه فقال علیه السلام:
إنّ هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يقبلوا(6) إليكم ، فالنجاء النجاء ، و أنتم في حلّ فانّكم إن أصبحتم معي قتلتم كلّكم .
فقالوا : لا نخذلك ، ولا نختار العيش بعدك .
فقال علیه السلام: إنّكم تقتلون کلّكم حتّى لايفلت منكم واحد(7). فكان كما قال علیه السلام(8)السير :
ص: 256
1- عن الباقر علیه السلام أنّه قال: كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت ، وعليّ ابن الحسين يطوف بين يديه ، لا يلتفت إليه، ولم يكن عبدالملك يعرفه بوجهه .
فقال : من هذا الذي يطوف بين أيدينا ولا يلتفت إلينا ؟
فقيل : هذا علي بن الحسین . فجلس مكانه، وقال : ردّوه إليّ فردّوه .
فقال له : يا علي بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك ، فما يمنعك من المصير إليّ !
فقال علي بن الحسين علیه السلام: إنّ قاتل أبي أفسد - بما فعله - دنياه عليه ، و أفسد أبي عليه بذلك آخرته ، فان أحببت أن تكون کھو ، فكن .
فقال : كلا ، ولكن صر إلينا لتنال من دنيانا .
فجلس زین العابدین و بسط رداءه ، فقال : « اللّهمّ أره حرمة أوليائك عندك »فاذا رداءه(1) مملوء درراً، یکاد شعاعها يخطف الأبصار .
فقال له : من تكون هذه حرمته عند اللّه(2) يحتاج إلى دنياك ؟!
ص: 257
ثم قال : اللّهمّ خذها، فلا حاجة لي فيها(1) .(2).
2- و منها : أنّ الحجّاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان :«إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين».
فكتب عبد الملك إليه : «أمّا بعد : فجنّبني دماء بني هاشم و احقنها، فانّي رأيت آل أبي سفيان لمّا أولعوا فيها لم يلبثوا أن أزال اللّه الملك عنهم » و بعث بالكتاب إليه سرّاً(3).
فكتب علي بن الحسين علیه السلام إلى عبد الملك من الساعة التي أنفذ فيها الكتاب إلى الحجّاج : « وقفت على(4) ما كتبت في حقن دماء بني هاشم ، وقد شكر اللّه لك ذلك وثبّت ملكك، وزاد في عمرك».
وبعث به مع غلام له بتاريخ الساعة التي أنفذ فيها عبد الملك كتابه إلى الحجّاج بذلك.
فلمّا قدم اللام وأوصل الكتاب إليه، نظر عبدالملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقاً تأريخ كتابه ، فلم يشكّ في صدق زین العابدین علیه السلام ففرح بذلك، وبعث إليه بوقر(5) دنانير، وسأله أن يبسط إليه بجميع حوائجه و حوائج أهل بيته ومواليه .
و كان في كتابه علیه السلام: « إن رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم أتاني في النوم فعرّ فني ماكتبت به إلى الحجّاج(6) و ماشكر الله لك من ذلك»(7) .
ص: 258
3- ومنها : ماروي عن أبي خالد الكابلي قال : دعاني محمد بن الحنفيّة، بعد قتل الحسين علیه السلام و رجوع عليّ بن الحسين علیهما السلام إلى المدينة، وكنّا بمكّة.
فقال : صر إلى عليّ بن الحسين علیه السلام وقل له : «إنّي أنا أكبر ولد أمير المؤمنين بعد أخويّ الحسن والحسين، وأنا أحقّ بهذا الأمر منك، فينبغي أن تسلّمه إليّ، وإن شئت فاختر حكماً نتحاكم إليه» . فصرت إليه وأدّيت إليه رسالته .
فقال : إرجع إليه وقل له : «يا عمّ اتّق اللّه ولاتدّع مالم يجعله اللّه لك، فان أبیت فبيني وبينك الحجر الأسود فأيّنا يشهد له الحجر الأسود فهو الأمام» .
فرجعت إليه بهذا الجواب . فقال : قل له: قد أجبتك.
قال أبو خالد : [فسارا] فدخلا جميعاً، وأنا معهما، حتى وافيا الحجر الأسود.
فقال عليّ بن الحسين علیه السلام: تقدّم باعمّ فانّك أسنّ ، فاسأله الشهادة لك .
فتقدّم محمّد ، فصلّى ركعتين ، ودعا بدعوات ، ثمّ سأل الحجر بالشهادة إن كانت الامامة له، فلم يجبه بشيء.
ص: 259
ثمّ قام عليّ بن الحسين علیهما السلام فصلّى ركعتين ثمّ قال : أيّها الحجر الذي جعله اللّه شاهداً لمن يوافي بيته الحرام من وفود عباده ، إن كنت تعلم أنّي صاحب الأمر وأنّي الامام المفترض الطاعة على جميع عباد الله، فاشهد لي بذلك، ليعلم عمّي أنّه لاحقّ له في الامامة .
فأنطق اللّه الحجر بلسان عربي مبين ، فقال : يا محمد بن عليّ ، سلّم إلى عليّ ابن الحسين الأمر، فانّه الامام المفترض الطاعة عليك ، وعلى جميع عباد اللّه دونك ودون الخلق أجمعين في زمانه .
فقبّل محمد ابن الحنفيّة رجله وقال : الأمر لك .
وقيل : إنّ ابن الحنفيّة إنّما فعل ذلك إزاحة لشكوك الناس في ذلك .
وفي رواية أخرى : إنّ اللّه أنطق الحجر [فقال] : يا محمد بن علي إنّ علي بن الحسين هو الحقّ الذي لايعتريه شكّ - لما علم من دينه وصلاحه - وحجة الله عليك وعلى جميع من في الأرض ومن في السماء ، ومفترض الطاعة ، فاسمع له وأطع.
فقال محمد : سمعنا سمعنا(1) یا حجّة الله في أرضه وسمائه .(2)
ص: 260
4- ومنها : ما روی جابر بن یزید الجعفي ، عن الباقر علیه السلام قال : كان عليّ بن الحسين جالساً مع جماعة إذ أقبلت ظبية من الصحراء ، حتّى وقفت قدّ امه فهمهمت(1) وضربت بيديها [الأرض].
فقال بعضهم : يا ابن رسول الله ما شأن هذه الظبية؟ قد أتتك مستأنسة .
قال : تذكر أن إبناً ليزيد طلب من أبيه خشفاً(2) ، فأمر بعض الصيّادين أن يصيد له خشفاً، فصاد بالأمس خشف هذه الظبية ، ولم تكن قد أرضعته، وإنّها تسأل أن نحمله إليها لترضعه و تردّه علیه .
فأرسل علي بن الحسين علیه السلام إلى الصيّاد فأحضره وقال له : إنّ هذه الظبية تزعم أنّك أخذت خشفاً لها ، وأنّها(3) لم تسقه لبناً منذ أخذته ، وقد سألتني أن أسألك أن تتصدّق به عليها .
ص: 261
فقال : يا ابن رسول اللّه لست أستجرىء على هذا.
قال : إنّي أسألك أن تأتي به إليها لترضعه وترده إليك . ففعل الصيّاد .
فلمّا رأته همهمت ودموعها تجري ، فقال عليّ بن الحسين علیه السلام للصيّاد : بحقّي عليك إلا وهبته لها. [ فوهبه لها ] فانطلقت مع الخشف وهي تقول(1): أشهد أنّك من أهل بيت الرحمة ، وأنّ بني أميّة من أهل بيت اللعنة(2) .(3)
5- ومنها: ماروی بکر بن محمد، عن [محمّد بن] عليّ بن الحسين علیه السلام قال:
ص: 262
خرج أبي في نفر من أهل بيته وأصحابه إلى بعض حيطانه ، وأمر باصلاح سفرة فلمّا وضعت ليأكلوا أقبل ظبي من الصحراء يتبغّم(1) ، فدنا من أبي ، فقالوا: يا ابن رسول اللّه ما يقول هذا الظبي ؟
قال : يشكو أنّه لم يأكل منذ ثلاث شيئاً ، فلا تمسّوه حتى أدعوه ليأكل معنا .
قالوا: نعم . فدعاه ، فجاء يأكل معهم ، فوضع رجل منهم يده على ظهره فنفر، فقال أبي : ألم تضمنوا لي أنّكم لا تمسّوه ؟! فحلف الرجل أنّه لم يرد به سوءاً ، فكلّمه أبي وقال للظبي :
إرجع فلا بأس عليك . فرجع يأكل حتى شبع ، ثم تبغّم وانطلق .
فقالوا : يا ابن رسول اللّه ماقال [الظبي] ؟ قال: دعا لكم بالخير [وانصرف] .(2).
6- ومنها: أنّ أبا خالد الكابلي كان يخدم محمد بن الحنفيّة دهراً، وما كان يشك أنّه إمام ، حتى أتاه يوماً فقال : إنّ لي حرمة ، فأسألك برسول اللّه و بأمير المؤمنین إلاّ أخبرتني: أنت الامام الذي فرض اللّه طاعته ؟
فقال : عليّ ، و عليك ، وعلىّ كل مسلم الامام علي بن الحسين .
فجاء أبو خالد إلى عليّ بن الحسين علیه السلام، فلمّا سلّم عليه قال له : مرحباً بك یا کنکر، ما كنت لنا بزوّار ! ما بدا لك فينا ؟
فخرّ أبو خالد ساجداً للّه تعالى لما سمعه منه ، وقال : الحمد للّه الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي . قال : كيف عرفت ؟
ص: 263
قال : إنّك دعوتني باسمي الذي سمّتني به أمّي، ولقد كنت في عماء(1) من أمري ، ولقد خدمت محمّد بن الحنفيّة عمراً، فناشدته اليوم: «أنت إمام ؟ » أرشدني إليك فقال : « هو الامام عليّ، وعليك ، وعلى الخلق كلّهم » فلمّا دنوت منك سمّيتني باسمي الذي سمتني به أمّي ، فعلمت أنّك الامام الذي فرض اللّه عليّ وعلى كلّ مسلم طاعته.
وقال: ولدتني أمي فسمّتني « وردان » فدخل عليها والدي وقال : « سمّيه: كنكر » و واللّه ماسمّاني به أحد من الناس - إلى يومي هذا - غيرك ، فأشهد أنك إمام من في الأرض ، وإمام من في السماء .(2).
7- ومنها: ما روي عن أبي الصباح الكناني قال: سمعت الباقر علیه السلام یقول:خدم أبو خالد الكابلي، عليّ بن الحسين علیه السلام برهة من الزمان، ثمّ شکا شدّة شوقه إلى والديه ، وسأله الأذن في الخروج إليهما، فقال له علي بن الحسین علیه السلام: یا کنکر إنّه يقدم علينا غداً رجل من أهل الشام له قدر وجاه ومال ، ومعه إبنة له قد أصابها عارض
ص: 264
من الجنّ، وهو يطلب معالجاً يعالجها، ويبذل في ذلك ماله ، فاذا قدم فصر إليه أوّل الناس ، وقل له: «أنا أعالج إبنتك بعشرة آلاف درهم» فانّه يطمئن إلى قولك، ويبذل لك ذلك .
فلمّا كان من الغد قدم الشامي ومعه ابنته وطلب معالجاً .
فقال له أبو خالد : أنا أعالجها على أن تعطيني عشرة آلاف [درهم] على أن لا يعود إليها أبداً. فضمن أبوها له ذلك.
فقاله أبو خالد لعلي بن الحسين علیه السلام، فقال علیه السلام: يا أبا خالد إنّه سيغدر بك .
قال : قد ألزمته المال . قال: فانطلق ، فخذ باذن الجارية اليسرى وقل : «يا خبيث يقول لك علي بن الحسين : أخرج من بدن هذه الجارية ، ولا تعد إليها».
فعل كما أمره ، فخرج عنها ، وأفاقت الجارية من جنونها ، وطالبه بالمال فدافعه فرجع إلى علي بن الحسين علیه السلام.
فقال له : يا أبا خالدألم أقل لك أنّه يغدر ؟! ولكن سيعود إليها غداً ، فاذا أتاك فقل : « إنّما عاد [ إليها ] لأنك لم تف بما ضمنت لي ، فان وضعت عشرة آلاف درهم على يد عليّ بن الحسين علیه السلام عالجتها على أن لا يعود إليها أبداً .
فلمّا كان بعد ذلك أصابها من الجنّ عارض ، فأتی أبوها إلى أبي خالد ، فقال له أبو خالد : ضع المال على يد علي بن الحسين علیه السلام فانّي أعالجها على أن لا يعود إليها أبداً .
فوضع المال على يدي علي بن الحسين علیه السلام، وذهب أبو خالد إلى الجارية وقال في أذنها كما قال أوّلا(1) ثمّ قال : إن عدت [ إليها ] أحرقتك بنار اللّه .
ص: 265
فخرج وأفاقت الجارية ولم يعد إليها ، فأخذ أبو خالد المال و أذن له في الخروج إلى والديه ، فخرج بالمال حتّى قدم على والديه .(1).
8- ومنها: ما روى أبو بصير، عن أبي جعفر علیه السلام قال: كان فيما أوصى به إليّ أبي عليّ بن الحسين علیهما السلام أن قال :
يا بنيّ إذا أنا متّ فلا يلي غسلي غيرك ، فانّ الامام لا يغسّله إلاّ إمام مثله .
و اعلم [یابنيّ] أنّ عبداللّه أخاك سيدعو الناس إلى نفسه ، فامنعه ، فان أبي فدعه، فانّ عمره قصير .
قال الباقر علیه السلام: فلمّا مضى أبي ادعي عبد اللّه الامامة فلم انازعه ، فلم يلبث إلاّ شهوراً يسيرة حتى قضى نحبه(2) .(3)
ص: 266
9- ومنها : أن حمّاد بن حبيب الكوفي القطّان قال : خرجنا سنة حجّاجاًفرحلنا من زبالة(1) فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة ، فتقطّعت القافلة ، فتهت في تلك
ص: 267
البراري ، فانتهيت إلى واد قفر، وجنّني الليل، فآويت إلى شجرة، فلمّا اختلط الظلام إذا أنا بشاب عليه أطمار(1) بيض ، قلت :
هذا وليّ من أولياء الله متى ما أحسّ بحر کتي خشيت نفاره ، فأخفيت نفسي فدنا إلى موضع ، فتهيّأ للصلاة ، وقد نبع له ماء ، ثمّ وثب قائماً يقول :
« يا من حاز كلّ شيء ملكوتاً ، وقهر كلّ شيء جبروتاً ، صلّ على محمد و آل محمد ، وأولج قلبي فرح الاقبال إليك(2) وألحقني بميدان المطيعين لك » .
ودخل في الصلاة ، فتهيّأت أيضاً للصلاة ، ثم قمت خلفه ، وإذا بمحراب مثّل في ذلك الوقت قدّامه، وكلمّا مر بآية فيها الوعد والوعيد يردّدها بانتحاب وحنين فلمّا تقشّع الظلام قام ، فقال: « يا من قصده الضالّون فأصابوه مرشدأ ، وأمّه الخائفون فوجدوه معقلا ، ولجأ إليه العائدون فوجدوه موئلا(3) .
متی راحة من نصب لغيرك بدنه؟! ومتى فرح من قصد سواك بهمّته(4) ؟!
إلهي قد انقشع الظلام ولم أقض من خدمتك و طرأ، ولا من حياض مناجاتك صدراً صلّ على محمد و آل محمد ، وافعل بيّ أولى الأمرين بك» .
[و نهض]فعلّقت به،فقال: لو صدق تو كلك ما كنت ضالاّ ، ولكن اتّبعني واقف أثري و أخذ بيدي ، فخيّل إليّ أنّ الأرض تميد(5) من تحت قدمي.
فلمّا انفجر عمود الصبح قال : هذه مكّة.
ص: 268
فقلت: من أنت بالّذي ترجوه؟ فقال: أمّا إذا أقسمت، فأنا علي بن الحسين .(1).
10 - ومنها : أن علي بن الحسين علیه السلام حجّ في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك وهو خليفة ، فاستجهر(2) الناس منه علیه السلام وتشوفوا(3) له وقالوا لهشام : من هو؟ قال هشام: لاأعرف.لئلا يرغب فيه فقال الفرزدق - و كان حاضراً - : بل أنا أعرفه :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه و الحلّ والحرم. إلى آخرها .
فبعثه هشام ، وحبسه، ومحا إسمه من الديوان، فبعث إليه عليّ بن الحسين لیهما السلام بصلة ، فردّها ، وقال : ما قلت ذلك إلأديانة .
فبعث بها إليه أيضاً ، وقال : قد شكر الله لك ذلك.
فلمّا طال الحبس عليه - و کانیو عده بالقتل - شكر إلى عليّ بن الحسين علیهما السلام فدعا له فخلّصه اللّه ، فجاء إليه وقال : يابن رسول اللّه إنّه محا اسمي من الديوان .
فقال : كم كان عطاؤك ؟ قال : كذا. فأعطاه لأربعين سنة ، و قال علیه السلام:لو علمت
ص: 269
أنّك تحتاج إلى أكثر من هذا لأعطيتك .
فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة.(1).
11 - ومنها : أن الحجّاج بن يوسف لمّا خرّب الكعبة بسبب مقاتلة عبداللّه ابن الزبير، ثم عمّروها، فلمّا اعيد البيت و أرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود، فكلّما نصبه عالم من علمائهم ، أر قاض من قضاتهم ، أو زاهد من زهّادهم يتزلزل ، ويقع ويضطرب ، ولا يستقرّ الحجر في مكانه .
فجاءه عليّ بن الحسين علیهما السلام وأخذه من أيديهم ، وسمّی اللّه، ثم نصبه ، فاستقرّ في مكانه ، و كبّر الناس ، ولقد الهم الفرزدق في قوله :
يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم(2).
12 - ومنها: ماروي عن أبي خالد الكابلي أنّه قال: قلت لعلي بن الحسين علیهما السلام:من الأمام بعدك ؟ قال : حدد إبني ، يبقر العلم بقراً ، و من بعد محمد جعفر إسمه عند أهل السماء « الصادق » .
قلت : كيف صار اسمه الصادق، وكلّكم الصادقون ؟
قال: حدثني أبي ، عن أبيه أنّ رسول الله صلی اللّه علیه و آله و سلم قال :
ص: 270
إذا ولد إبني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسمّوه «الصادق» فانّ الخامس الذي من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الامامة اجتراءاً على اللّه و كذباً عليه ، فهو عند اللّه «جعفر الكذّاب المفتري على اللّه».
ثمّ بكى عليّ بن الحسين علیه السلام فقال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي اللّه والمغيّب في حفظ اللّه . فكان كماذكر.(1).
13- ومنها: ماروی أبو حمزة الثمالي قال : خرجت مع عليّ بن الحسين علیه السلام إلى ظاهر المدينة ، فلمّا وصل إلى حائط قال : إنّي انتهيت يوماً إلى هذا الحائط فانكببت عليه ، فاذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثمّ قال لي:
مالي أراك حزيناً؟ أعلى الدنيا ؟ فهو رزق حاضر ، يأكل منه البرّ والفاجر .
قلت: ماعلى الدنيا حزني، وإنّ القول لكما تقول .
قال : أفعلى الآخرة؟ فهو وعد صادق، يحكم فيه ملك قاهر، فعلام حزنك ؟
قلت: أتخوّف من فتنة ابن الزبير.(2).
ص: 271
فتبسّم ثم قال : هل رأيت أحداً توكّل على اللّه فلم يكفه ؟! قلت : لا .
قال: فهل رأيت أحداً سأل اللّه فلم يعطه ؟! قلت: لا.
قال : فهل رأيت أحداً خاف اللّه فلم ینجه ؟! قلت : لا.
قال علیه السلام: فاذن ليس قدّامي أحد .(1)
14- ومنها : أنّ فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب لمّا رأت ما يفعله ابن أخيها قالت لجابر : هذا عليّ بن الحسين بقيّة أبيه قد انخرم أنفه، و ثفنت جبهتاه وركبتاد[فعليك أن تأتيه و](2)تدعوه إلى البقيا على نفسه .
فجاء جابر با به و إذا ابنه محمد. فقال له : أقبل، أنت - واللّه - الباقر ، و أنا أقرئك سلام
ص: 272
1- عن عباد بن كثير البصري [قال :] قلت للباقر علیه السلام: ما حق المؤمن على اللّه؟ فصرف وجهه، فسأله عنه ثلاثاً .
فقال: من حقّ المؤمن على اللّه أن لو قال لتلك النخلة : أقبلي. لأقبلت .
قال عبّاد: فنظرت - واللّه - إلى النخلة التي كانت هناك قد تحركت مقبلة، فأشار إليها : قري(1) فلم أعنك .(2).
2- ومنها : ما روي عن أبي الصباح الكناني قال : صرت يوماً إلى باب أبي جعفر الباقر علیهما السلام، فقرعت الباب، فخرجت إليّ وصيفة ناهد ، فضربت بيدي إلي رأس ثديها وقلت لها : قولي لمولاك : إنّي بالباب .
فصاح من آخر الدار : أدخل،لاامّ لك(3) .
فدخلت، وقلت : يا مولاي - و اللّه - ما قصدت ريية، ولا أردت إلا زيادة في يقيني
ص: 274
فقال : صدقت لئن ظننتم أنّ هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصار کم، إذن(1) لا فرق بيننا وبينكم ! فايّاك أن تعاود لمثلها .(2).
3- و منها : أنّ حبّابة الوالبيّة دخلت على الباقر علیه السلام فقال لها :
ما الذي أبطأ بك عنّي ؟ قالت : بیاض عرض في مفرق رأسي، شغل قلبي .
قال : أرينيه. فوضع الباقر علیه السلام يده عليه، ثم رفع يده ، فاذا هو أسود، ثم قال :هاتوا لها المرآة . فنظرت وقد اسودّ ذلك الشعر !(3).
4 - و منها : ماروي عن أبي بصير [قال:] كنت مع الباقر علیه السلام في مسجد رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم قاعدأ، حدثان(4) مامات(5) علي بن الحسين علیهما السلام، إذ دخل الدوانیقي ، و داود إبن سلیمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد العباس، وما قعد إلى الباقر علیه السلام إلاّ دارد .
فقال [له] علیه السلام: ما منع الدوانيقي أن يأتي ؟ قال : فيه جفاء(6).
قال الباقر علیه السلام: لا تذهب الأيّام حتى يلي أمر هذا الخلق ، فيطأ أعناق الرجال ويملك شرقها وغربها ، و يطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجمع لأحد قبله .
ص: 275
فقام داود، و أخبر الدوانيقي بذلك ، فأقبل إليه الدوانيقي و قال : ما منعني من الجلوس إليك إلا إجلالا لك، فما الذي أخبر به (1) داود ؟ فقال : هو كائن .
قال: وملكنا قبل ملككم ؟ قال: نعم .
قال: ويملك بعدي أحد من ولدي؟ قال: نعم. قال: فمدّة بني أميّة أكثر أم مدّتنا .
قال : مدّتكم أطول ، وليتلقفنّ هذا الملك صبيانكم ، و يلعبون به كما يلعبون بالكرة ، هذا ما عهده إليّ أبي. فلمّا ملك الدوانيقي تعجّب من قول الباقر علیه السلام.(2).
5- ومنها : ما روي عن أبي بصير [قال:] قلت يوماً للباقر علیه السلام: أنتم ذريّة رسول اللّه؟ قال : نعم. قلت : ورسول اللّه وارث الأنبياء كلّهم ؟
قال: نعم ورث جميع علومهم . قلت : وأنتم ورثتم جمیع علم رسول اللّه ؟ قال: نعم . قلت : وأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى ، وتبرؤا الأكمه و الأبرص ، و تخبروا الناس بما يأكلون ، وما یدّخرون في بيوتهم ؟ قال: نعم باذن اللّه .
ثمّ قال : ادن منّي يا أبا بصير ، فدنوت منه ، فمسح يده على وجهي ، فأبصرت السهل والجبل والسماء والأرض ، ثم مسح يده على وجهي ، فعدت كما كنت لا أبصر شيئاً . قال: ثم قال لي الباقرعلیه السلام:
إن أحببت أن (تكون هكذا)(3) كما أبصرت ، و حسابك على اللّه؟ و إن أحببت أن تكون
ص: 276
كما كنت وثوابك الجنّة ؟ فقلت : أكون كما كنت ، والجنّة أحب إلي.(1).
6- ومنها: ماقال جابر : كنّا عند الباقر علیه السلام نحواً من خمسين رجلا إذ دخل عليه کثیر النّواء - و كان من المغيريّة(2) فسلّم وجلس ثم قال: إنّ المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أنّ معك ملكاً يعرّفك الكافر من المؤمن ، وشيعتك من أعدائك .
قال : ما حرفتك ؟ قال : أبيع الحنطة . قال: كذبت . قال : وربّما أبيع الشعير .
قال: ليس كما قلت، بل تبيع النوى. قال: من أخبرك بهذا؟ قال: الملك الذي يعرّفني
ص: 277
شيعتي من عدوّي ، لست تموت إلا تائهاً (1).
قال جابر الجعفيّ : فلمّا انصرفنا إلى الكوفة، ذهبت في جماعة نسأل عن كثير ، فدللنا على عجوز ، فقالت : مات تائهاً منذ ثلاثة أيّام .(2).
7- ومنها : ماقال أبو بصير : كنت مع الباقر علیه السلام في المسجد، إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز ، عليه ثوبان ممصّران(3) متّكئأ على مولى له .
فقال علیه السلام: ليلين(4) هذا الغلام ، فيظهر العدل ، و يعيش أربع سنين ، ثم يموت فيبكي عليه أهل الأرض ، و يلعنه أهل السماء .
فقلنا : يابن رسول اللّه، أليس ذکرت عدله وإنصافه ؟ قال : يجلس في مجلسنا ، ولا حقّ له فيه، ثمّ ملك وأظهر العدل جهده !(5).
8- ومنها : أنّ عاصم بن أبي حمزة قال : ركب الباقر علیه السلام يوماً إلى حائط(6) له و كنت أنا و سلیمان بن خالدمعه، فما سرنا إلا قليلا فاستقبلنا رجلان .
فقال علیه السلام: هما سارقان خذوهما . فأخذناهما . وقال لغلمانه : استوثقوا منهما وقال لسليمان : انطلق إلى ذلك الجبل - مع هذا الغلام - إلى رأسه، فانّك تجد في أعلاه کهفاً ، فادخله ، وصر إلى وسطه ، فاستخرج مافيه ، وادفعه إلى هذا الغلام يحمله بین يديك ، فان فيه لرجل سرقة ، ولآخر سرقة .
ص: 278
فخرج(1) واستخرج عیبتین(2)، وحملها على ظهر الغلام، فأني بهما الباقر علیه السلام فقال:هما لرجل حاضر ، و هناك عيبة [أخرى] لرجل غائب سيحضر بعد(3) .
فذهب و استخرج العيبة الأخرى من موضع آخر من الكهف.
فلمّا (دخل الباقر علیه السلام المدينة)(4) فاذا صاحب العيبتين ادعي على قوم، وأراد الوالي أن يعاقبهم ، فقال الباقر علیه السلام: لاتعاقبهم . وردّ العيبتين إلى الرجل(5) ، ثم قطع السارقين، فقال أحدهما : لقد قطعتنا بحقّ ، والحمد للّه الذي أجرى قطعي وتوبتي على يدي ابن رسول اللّه .
فقال الباقر علیه السلام: لقد سبقتك بدك التي قطعت إلى الجنّة بعشرين سنة . فعاش الرجل(6) عشرين سنة [ثم مات] .قال: فما لبثنا إلا ثلاثة أيام حتى حضر صاحب العيبة الأخرى، فجاء إلى الباقر علیه السلام فقال له : أخبرك بمافي غيبتك وهي بختمك؟ فيها ألف دینار لك ، و ألف أخرى لغيرك ، وفيها من الثياب كذا و كذا.
قال : فان أخبرتني بصاحب الالف [دينار] من هو؟ وما اسمه؟ و أين هو؟ علمت أنك الامام [المنصوص عليه] المفترض الطاعة.
قال: هو محمّد بن عبدالرحمن ، وهو صالح كثير الصدقة ، كثير الصلاة ، ومو الآن على الباب ينتظرك . فقال الرجل :- و هو بر بري نصراني - آمنت بالله الذي لاإله إلا هو، وأنّ محمداً عبده و رسوله [وأنك الإمام المفترض الطاعة] و أسلم.(7).
ص: 279
9- ومنها : ماقال محمّد بن أبي حازم : كنت عند أبي جعفر علیه السلام فمرّ بنا زید بن عليّ فقال أبو جعفر : أما واللّه ليخرجنّ بالكوفة ، وليقتلن، وليطافن برأسه ، ثم يؤتى به، فينصب على قصبة في هذا الموضع - وأشار إلى الموضع الّذي قتل فيه -
قال: سمع أذناي منه، ثمّ رأت عيني بعد ذلك ، فبلغنا خروجه و قتله ، ثم مكثنا ماشاء الله ، فرأينا يطاف برأسه ، فنصب في ذلك الموضع على قصبة فتعجّبنا .
وفي رواية أنّ الباقر علیه السلام قال: سيخرج أخي زيد بعد موتي ، ويدعو الناس إلى نفسه ، ويخلع جعفراً ابني ، ولا يلبث إلا ثلاثاً حتّى يقتل ويصلب ، ثم يحرق بالنار ويذري في الريح ، و يمثّل(1) به مثلة مامثّل بأحد قبله(2).
10- ومنها: أنّه علیه السلام جعل يحدث أصحابه بأحاديث شداد ، وقد دخل عليه رجل يقال له : النضر بن قرواش ، فاغتم أصحابه لمكان الرجل ممّا يستمع حتى نهض، فقالوا : قد سمع ماسمع ، وهو خبيث .
قال : لو سألتموه عمّا تكلّمت به اليوم ماحفظ منه شيئاً . قال بعضهم : فلقيته بعد ذلك ، فقلت : الأحاديث التي سمعتها من أبي جعفر أحب أن أعرفها .
فقال : والله مافهمت منها قليلا ولا كثيراً .(3)
11. ومنها: أن أبا عبد الله علیه السلام قال: إن أول ما ملكته لدیناران على عهد أبي ، و
ص: 280
كان رجل يشتري الأردية من صنعاء ، فأردت أن أبضعه فقال أبي: لاتبضعه(1) .
قال : فدفعت إليه سراً من أبي ، فخرج الرجل ، فلمّا رجع بعثت إليه رسولا فقال له : مادفع إلي شيئاً . قال : فظننت أنّه إنّما استتر ذلك من أبي ، فذهبت إليه بنفسي وقلت : الدينار ان ؟ قال : مادفعت إليّ شيئاً !
فأتيت أبي ، فلمّا رآني رفع إلي رأسه، ثم قال(2) متبسّماً : يا بني ألم أقل لك أن لاتدفع إليه؟ إنّه من ائتمن شارب الخمر، فليس له على الله ضمان، إنّ الله يقول «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا»(3) فأي سفيه أسفه من شارب الخمر؟إن شهد لم تجز شهادته ، وإن شفع لم يشفّع، وإن خطب لم يزوج .(4)
12- ومنها: أن أبا عبد الله علیه السلام قال: إن جابر بن عبدالله (رض) كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و كان رجلا منقطعاً إلينا أهل البيت ، و كان يقعد في مسجد الرسول معتجراً(5) بعمامة .
وكان يقول: يا باقر، یا باقر، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر(6) . فكان يقول:
لاو الله لا أهجر ، ولكنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : «إنّك ستدرك رجلا منّي اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقراً» فذلك الّذي دعاني إلى ما أقول.
قال : فبينما جابر ذات يوم يتردد في بعض طرق المدينة إذ مر بمحمّد بن علي علیه السلام فلمّا نظر إليه قال : ياغلام أقبل . فأقبل ، ثم قال : أدبر. فأدبر ، فقال : شمائل
ص: 281
رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : [والّذي نفس جابر بيده](1) ما اسمك ياغلام ؟
فقال: أنا محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . فقبّل رأسه، ثم قال :
بأبي أنت وأمّي، أبوك رسول الله يقرئك السلام. فقال: و على رسول الله السلام.
قال: ويقول لك ... ويقول لك ...(2)
فرجع محمد إلى أبيه و هو ذعر، فأخبره بالخبر .
فقال : يا بني قد فعلها جابر؟ قال: نعم. قال: يا بني الزم بينك . قال : فكان جابر یأتیه طرفي النهار ، فكان أهل المدينة يقولون: واعجباً لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار ، وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ! فلم يلبث أن مضي علي بن الحسين ،فكان محمّد بن علي علیه السلام يأتيه على الكرامة لصحبته لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
قال: فجلس الباقر يحدّثهم عن الله، فقال أهل المدينة : مارأينا أحداً قط أجرأ من ذا!
فلمّا رأى ما يقولون حدّثهم عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فقال أهل المدينة: مارأينا قط أحداً أكذب من هذا يحدث عمّن لم يره!
فلمّا رأى ما يقولون، حدثهم عن جابر بن عبد الله ، نصدقوه ، و كان - والله - جابر يأتيه فيتعلّم منه(3) .
ص: 282
13- ومنها : ماروي [عن] الحسن(1) بن راشد قال:ذکرت زید بن علي فتنقّصته(2)
عند أبي عبد الله فقال : لا تفعل ! رحم الله عمّي (إن عمّي)(3) أني أبي فقال : إنّي أريد الخروج على هذا الطاغية .
فقال : لا تفعل یازید فانّي أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة ، أما علمت یازید أنّه لا يخرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج
السفياني إلا قتل ؟
ثم قال لي : ياحسن إن فاطمة أحصنت فرجها(4) فحرم الله ذريتها على النار ، و فيهم نزلت «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ »(5) فالظالم لنفسه الذي لا يعرف الامام ، و المقتصد العارف بحق الامام ، والسابق بالخيرات هو الامام .
ثم قال : يا حسن إنّا أهل بيت لا يخرج أحدنا من الدنيا حتّى يقر لكلّ ذي فضل بفضله .(6)
ص: 283
14- ومنها : ماقال سدير الصيرفي : سمعت أبا جعفرعلیه السلام يقول :
إنّي لأعرف رجلا من أهل المدينة أخذ قبل المشرق ، قبل ظلام الليل، إلى البقية الذين قال الله «وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ »(1) لمشاجرة فيما بينهم فأصلح بينهم، و رجع ولم يقعد من فراشه، فمر بنطفتكم(2) فشرب منها- يعني الفرات -.
ثم مر عليك يا أبا الفضل(3) فقرع عليك بابك، ومرة برجل عليه المسوح، معقّل(4)
به عشرة مو كّلون يستقبل به عين الشمس ، و يوقد حوله النيران ، ويدار به حول(5) الشمس حيث دارت ، كلّما مات واحد من العشرة أضاف الله إليهم [من أهل القرية] واحداً آخر، فالناس يموتون والعشرة لا ينقصون.
فمرّ به الرجل فقال : ما قصّتك ؟ قال له الرجل(6) : إن كنت عالماً فما أعرفك بأمري . وقال : هو ابن آدم القاتل(7) .
قال محمّد بن مسلم :و كان الرجل الذي خرج إلى المشرق محمّد بن علي علیه السلام .(8)
ص: 284
15- ومنها : ماروی أبو بصير ، عن أبي جعفرعلیه السلام قال :
إني لأعرف من لو قام بشاطىء البحر، لعرف بدواب البحر و أمّهاتها وعمّاتها وخالاتها .(1)
16- ومنها : ماقال سعد الأسكاف : طلبت الأذن على أبي جعفرعلیه السلام فقيل لي: لاتعجل فعنده قوم من إخوانكم.
فلم ألبث أن خرج اثنا عشر رجلا يشبهون الزط ، عليهم أقبية طبقات(2) وبتوت(3)
وخفاف ، قل: فسلّموا ومروا، فدخلت على أبي جعفر فقلت: ما أعرف هؤلاء، فمن هم ؟
قال : هؤلاء قوم من إخوانكم من الجن . قلت: ويظهرون لكم ؟ قال: هم يغدون علينا في حلالهم وحرامهم كما تغدون.(4)
17- ومنها : ماروي عن عبد الله بن طلحة سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوزغ قال :
ص: 285
هوالرجس ، وهو مسخ ، فاذا قتلته فاغتسل - يعني شكراً -.
وقال : إنّ أبي كان قاعداً في الحجر(1) ومعه رجل يحدثه ، فاذا هو بوزغ(2)
يولول بلسانه فقال أبي علیه السلام للرجل : تدري مايقول هذا الوزغ ؟
فقال الرجل : لاعلم لي بما يقول .قل: فانّه يقول : لئن ذکرت عثمان لأسبّن عليّاً.
وقال : إنّه ليس يموت من بني أميّة ميّت إلا مسخ وزغاً(3) .
وقال أبي علیه السلام : إن عبد الملك لمّا نزل به الموت ، مسخ وزغاً ، و كان عنده ولده ولم يدروا كيف يصنعون ، وذهب ثم فقدوه ، فأجمعوا على أن يأخذوا جذعاً فصنعوه کهيئة الرجل ، ففعلوا ذلك ، وألبسوا الجذع ، ثم لفّوه في الأكفان ، و لم يطّلع عليه أحد من الناس إلا ولده وأنا .(4)
ص: 286
18- ومنها : ماروی أبو حمزة، عن أبي جعفر علیه السلام قال: إنّي لفي عمرة اعتمرتها فأنا في الحجر جالس إذ نظرت إلى جان(1) قد أقبل من ناحية المسعی(2) حتّی دنا من الحجر الأسود ، فأقبلت ببصري نحوه ، فوقف طويلا، ثم طاف بالبيت اسبوعاً ثم بدأ بالمقام ، فقام على ذنبه يصلّي ركعتين ، و ذلك عند زوال الشمس فبصر به «عطاء» وأناس معه فأتوني فقالوا : يا أبا جعفر أما رأيت هذا الجان ؟
فقلت : قدرأيته وماصنع ، ثم قلت لهم: انطلقوا إليه وقولوا له : يقول لكم محمّد ابن علي : إنّ البيت يحضره أعبد و سودان ، وهذه ساعة خلوته منهم ، وقد قضيت نسكك ، ونحن نتخوّف عليك منهم ، فلو خفّفت وانطلقت قبل أن يأتوك .
قال : فكوّم كومة(3) من بطحاء(4) المسجد ، ثم وضع ذنبه عليها ، ثم مثل(5) في الهواء.(6)
ص: 287
19- ومنها: أن جماعة استأذنوا على أبي جعفر علیه السلام قالوا: فلمّاصرنا في الدهليز إذا قراءة سريانيّة بصوت حسن يقرأ و يبكي حتّى أبكى بعضنا و ما نفهم ما يقول فظننّا أنّ عنده بعض أهل الكتاب استقرأه .
فلمّا انقطع الصوت دخلنا عليه ، فلم نرعنده أحداً ، قلنا: [يا ابن رسول الله] لقد سمعنا قراءة سريانيّة بصوت حسن !
قال : ذكرت(1) مناجات إليا(2) النبي فأبكتني .(3)
20- ومنها: ماروي عن عیسی بن عبدالرحمان ، عن أبيه [ قال : ] دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي على أبي جعفر علیه السلام ، و كان أبو عبد الله علیه السلام قائماً عنده فقدّم إليه عنباً فقال : حبّة حبّة يأكله الشيخ الكبير أو الصبي الصغير ، وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنّه لا يشبع، فكله حبّتين حبّتين ، فانّه يستحب.
فقال لابی جعفر : لأيّ شيء لاتزوّج أبا عبد الله علیه السلام ؟ فقد أدرك التزويج ؟ و بين يديه صرة مختومة فقال :
سيجيء نخّاس من بر بر(4) ينزل دار میمون [فنشتري له بهذه الصرّة جارية .
قال:](5) فأتي لذلك ما أتي ، فدخلنا على أبي جعفر علیه السلام فقال: ألا أخبركم عن النخّاس الذي ذكرته لكم؟ فقد قدم ، فاذهبوا فاشتروا بهذه المرة جارية .
فأتينا النخّاس فقال : قدبعت ما كان عندي إلا جاريتين [مريضتين](6) إحداهما أمثل من الاخرى. قلنا : فأخرجهما حتّى ننظر إليهما .
فأخرجهما ، فقلنا : بكم تبيعنا هذه الجارية المتماثلة(7) ؟
ص: 288
قال : بسبعين ديناراً . قلنا: أحسن . قال: لاانقص (من سبعين ديناراً)(1) فقلنا : نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت .
و كان عنده رجل أبيض الرأس واللحية فقال : فكّوا الخاتم و زنوا . فقال النخّاس: لاتفكّوا ، فانّها إن نقصت حبّة من السبعين لم أبايعكم . قال الشيخ : زنوا. قال: ففككنا و وزنّا الدنانير ، فاذاهي سبعون ديناراً لاتزيد ولاتنقص ، وأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر علیه السلام وجعفر علیه السلام قائم عنده ، فأخبرنا أبا جعفر علیه السلام بما كان .
فحمد الله ثم قال لها: ما اسمك ؟ قالت : حميدة .
فقال: حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة، أخبريني عنك أ بكر، أم ثيّب؟ قالت:
بكر. قال: و كيف ولايقع في يد النخّاسين شيء إلا أفسدوه !؟
قالت: كان يجيء فيقعد منّي [مقعد الرجل من المرأة](2) فيسلّط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلايزال يلطمه حتّى يقوم عنّي،ففعل بي مراراً وفعل الشيخ مراراً.
فقال : يا جعفر خذها إليك .
فولدت خير أهل الأرض [الامام] موسی بن جعفر علیه السلام .(3)
21- و منها : ماروي عن أسودبن سعيد، عن أبي جعفرعلیه السلام قال - ابتداءاً من غير
ص: 289
أن أسأله - : نحن حجّة اللّه ، و نحن باب اللّه، ونحن لسان اللّه، ونحن وجه اللّه، و نحن عين اللّه في خلقه ، و نحن ولاة أمراللّه في عباده .
ثم قال : إن بيننا وبين كل أرض تراً(1)، مثل تر البنّاء ، فاذا أمرنا في الأرض بأمر أخذنا ذلك التر ، فأقبلت إلينا الأرض بكلّيتها و أسواقها و کورها(2) حتّی ننفذ فيها من أمر الله مانؤمر [به](3) وإن الربح كما كانت مسخّرة لسليمان، فقد سخّرها [الله]لمحمّد و آله .(4)
22- ومنها : ماروي عن محمّد بن مسلم قال: [قال] أبو جعفر علیه السلام: لئن ظننتم أنّا لانراكم ، ولانسمع كلامكم ، لبئس ماظننتم ، لو كان كما تظنّون أنّا لانعلم ما أنتم في وعليه ، ما كان لنا على الناس فضل ! قلت : أرني بعض ما أستدل به .
قال: وقع بينك وبين زميلك بالربذة(5) حتّى عيّرك بناو بحبّنا ومعرفتنا. قلت : إي والله لقد كان ذلك إقال: فتراني قلت باطّلا ع الله ، ما أنا بساحر ولاكاهن ولا بمجنون لكنّها من علم النبوة ، و نحدث بما يكون. قلت : من الّذي يحدّثكم بما نحن عليه؟
قال : أحياناً ينكت في قلوبنا، ويوفر في آذاننا ، ومع ذلك فان لنا خدمأمن الجن
ص: 290
من المؤمنين ، وهم لنا شيعة، وهم لنا أطوع منكم. قلنا(1): مع كل رجل واحد منهم ؟ قال: نعم، يخبرنا بجميع ما أنتم فيه و عليه .(2)
23- ومنها: ماروی أبو بصير ، عن الصادق علیه السلام قال : كان أبي في مجلس له ذات بوم إذ أطرق رأسه(3) إلى الأرض ، فمكث فيها مليّاً(4).
ثم رفع رأسه ، فقال : يا قوم كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم مدينتكم هذه في أربعة آلاف حتّى يستعرضكم(5) بالسيف ثلاثة أيّام ، فيقتل مقاتلتكم وتلقون منه(6) بلاءلاتقدرون أن تدفعوه ، و ذلك من قابل(7) فخذوا حذركم ، و اعلموا أن الّذي قلت [لكم] هو كائن لابدّ منه .
فلم يلتفت أهل المدينة إلى كلامه وقالوا : لايكون هذا أبداً، ولم يأخذوا حذرهم إلا نفر يسير(8) وبنوهاشم خاصّة(9)، وذلك أنّهم علموا أن كلامه هو الحق.
فلمّا كان من قابل ، تحمّل(10) أبو جعفر بعياله وبنوهاشم فخرجوا من المدينة، وجاء نافع بن الأزرق حتّى كبس المدينة فقتل مقاتلتهم ، وفضح نساءهم .
ص: 291
فقال أهل المدينة : لانرد على أبي جعفر شيئاً نسمعه منه أبداً بعدما سمعنا ورأينا فانّهم أهل بيت النبوة، وينطقون بالحق .(1)
24- ومنها: ماروی الحسن بن مسلم ، عن أبيه قال : دعاني الباقر علیه السلام إلى طعام فجلست إذ أقبل ورشان(2) منتوف الرأس ، حتّى سقط بين يديه و معه ورشان آخرفهدل(3) الأول، فرد الباقر عليه(4) بمثل هديله ، فطارا . فقلنا للباقرعلیه السلام : ماقالا ؟ وماقلت؟
ص: 292
قال علیه السلام: إنّه اتّهم زوجته بغيره، فنقر رأسها و أراد أن يلاعنها عندي .
فقال لها : بيني وبينك من يحكم بحكم داود و آل داود ، ويعرف منطق الطير ، و لايحتاج إلى شهود، فأخبرته أن الّذي ظن بها لم يكن كماظن ، فانصرنا على صلح.(1)
25- ومنها: ما روي عن الصادق علیه السلام(2) أن عبد الملك بن مروان كتب إلى عامله بالمدينة - وفي رواية: هشام بن عبدالملك - أن وجّه إلي محمّد بن علي فخرج أبي ، وأخرجني معه، فمضينا حتّى أتينا مدين(3) شعيب ، فاذا نحن بدير عظيم [البنيان] وعلى بابه أقوام ، عليهم ثياب صوف خشنة ، فألبسني والدي ولبس ثياباً خشنة ، وأخذ بيدي حتّى جئنا وجلسنا عند القوم، فدخلنا مع القوم الدير.
فرأينا شيخاً قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فنظر إلينا، فقال لأبي : أنت منّا أم من هذه الأمّة المرحومة ؟
قال: لا ، بل من هذه الأمّة المرحومة . قال من علمائها أم من جهّالها ؟
قال أبي : من علمائها . قال : أسألك عن مسألة ؟ قال [له] : سل [ماشئت] .
ص: 293
قال: أخبرني عن أهل الجنّة إذا دخلوها وأكلوا من نعيمها هل ينقص من ذلك شيء؟
قال: لا. قال الشيخ : ما نظيره ؟
قال أبي : أليس التوراة والانجيل والزبور والقرآن يؤخذ منها ولا ينقص منها [شيء] ؟ قال: أنت من علمائها . ثم قال: أهل الجنّة هل يحتاجون إلى البول والغائط؟ قال أبي : لا . قال [الشيخ]: وما نظير ذلك ؟
قال أبي : أليس الجنين في بطن أمّه يأكل ويشرب ولایبول ولايتغوط؟
قال : صدقت . قال : وسأل عن مسائل [كثيرة] و أجاب أبي [عنها] .
ثم قال الشيخ : أخبرني عن توأمين ولدا في ساعة ، وماتا في ساعة ، عاش أحدهما مائة وخمسين سنة، وعاش الآخر خمسين سنة، من كانا ؟ و كيف قصّتهما(1)؟
قال أبي:هما عزير وعزرة ، أكرم الله تعالى عزبراً بالنبوة عشرين سنة ، وأماته مائة سنة ، ثم أحياه فعاش بعده(2) ثلاثين سنة، وماتا في ساعة [واحدة] .
فخر الشيخ مغشيّاً عليه ، فقام أبي ، و خرجنا من الدير ، فخرج إلينا جماعة من الدير، وقالوا : يدعوك شيخنا . فقال أبي: مالي إلى شيخكم حاجة، فان كان له عندنا حاجة فليقصدنا . فرجعوا ، ثم جاؤوا به، وأجلس بين يدي أبي ، فقال [الشيخ] :
ما اسمك ؟ قال علیه السلام: محمّد. قال: أنت محمّد النبي؟ قال: لا أنا ابن بنته.
قال: ما اسم أمّك ؟ قال: أمّي فاطمة . قال: من كان أبوك؟ قال: اسمه علي.
قال : أنت ابن إليا بالعبرانية و عليّ بالعربيّة؟ قال: نعم. قال: ابن شبّر أم شبير ؟
قال : إنّي ابن شبير . قال الشيخ : أشهد أن لا إله إلا الله، وأن جدك محمداً رسول الله.
ثم ارتحلنا حتّى أتينا عبدالملك [ودخلنا عليه] فنزل من سريره و استقبل أبي و قال: عرضت لي مسألة لم يعرفها العلماء ! فأخبرني إذا قتلت هذه الأمة إمامها المفروض طاعته عليهم أي عبرة(3) يريهم الله في ذلك اليوم ؟
قال أبي : إذا كان كذلك لايرفعون حجراً إلا ويرون تحته دماً عبيطاً(4) .
ص: 294
فقبّل عبد الملك رأس أبي، وقال: صدقت، إنّ في اليوم الذي قتل فيه أبوك علي(1)ابن أبي طالب علیه السلام كان على باب أبي مروان حجر عظيم ، فأمر أن يرفعوه فرأينا تحته دماً عبيطاً يغلي .
و كان لي أيضاً حوض كبير في بستاني و كان حافّتاه حجارة سوداء ، فأمرت أن ترفع ويوضع مكانها حجارة بيض، و كان في ذلك اليوم قتل الحسين علیه السلام فرأيت دماً عبيطاً يغلي تحتها ، أفتقيم عندنا و لك من الكرامات ماتشاء، أم ترجع ؟
قال أبي : بل أرجع إلى قبر جدّي . فأذن له بالانصراف. فبعث قبل خروجنا بريداً يأمر أهل كل منزل أن لا يطعمونا ولا يمكنونا من النزول في بلد حتّی نموت جوعاً، فكلمّا بلغنا منزلا طردونا، وفنی زادنا حتّى أتينا مدین شعيب، وقد أغلق بابه ، فصعد أبي جبلا هناك مطلا على البلد - أو مكاناً مرتفعاً عليه - فقرأ:
««وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ »«وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)»»(2) ثمّ رفع صوته وقال : وأنا - واللّه - بقيّة الله .
فأخبروا الشيخ بقدومنا وأحوالنا ، فحملوه إلى أبي ، و كان معهم من الطعام كثير ، فأحسن ضيافتنا ، فأمر الوالي بتقييد الشيخ فقيّدوه ليحملوه إلى عبد الملك لانّه خالف أمره .
قال الصادق علیه السلام: فاغتممت [لذلك] وبكيت ، فقال والدي: لابأس من عبدالملك بالشيخ ، ولا يصل إليه ، فانّه يتوفّى في أوّل منزل ينزله .
وارتحلنا حتّى رجعنا إلى المدينة بجهد .(3)
ص: 295
1- روی عن المفضّل بن عمر قال : كنت أمشي مع أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد علیهما السلام بمكّة(1) إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميّتة ، و هي مع صبيّة لها تبكيان فقال علیه السلام لها : ما شأنك؟
قالت: كنت أنا وصبياني نعيش من هذه البقرة وقد ماتت، لقد تحيّرت في أمري.
قال : أفتحبّین(2) أن يحييها الله لك ؟ قالت : أو تسخر منّي مع مصيبتي !؟
قال: كلا ما أردت ذلك ، ثمّ دعا بدعاء ، ثمّ ركضها(3) برجله ، وصاحبها ، فقامت البقرة مسرعة سويّة ، فقالت : عیسی(4) بن مريم وربّ الكعبة .
فدخل الصادق علیه السلام بين الناس ، فلم تعرفه [المرأة].(5).
2- ومنها : أنّ صفوان بن يحيى قال: قال لي العبدي: قالت أهلي لي : قد طال(6)عهدنا بالصادق علیه السلام فلو حججنا وجدّدنا به العهد .
فقلت لها : واللّه ماعندي شيء أحجّ به . فقالت : عندنا كسوة وحليّ ، فبع ذلك
ص: 296
وتجهّز به(1).ففعلت، فلمّا صرنا بقرب المدينة مرضت مرضاً شديداً حتّى أشرفت (2) على الموت ، فلمّا دخلنا المدينة خرجت من عندها وأنا آیس منها ، فأتيت الصادق علیه السلام وعليه ثوبان ممصّران(3) ، فسلّمت عليه ، فأجابني و سألني عنها، فعرّفته خبرها وقلت : إنّي خرجت وقد أيست منها. فأطرق مليّاً.
ثمّ قال: يا عبديّ أنت حزين بسببها؟ قلت: نعم.
قال : لابأس عليها، فقد دعوت الله لها بالعافية، فارجع إليها فانّك تجدها [قد فاقت وهي] قاعدة، والخادمة تلة مها الطبرزد(4) .
قال: فرجعت إليها مبادراً، فوجدتها قد أفاقت وهي قاعدة، والخادمة تلقمها الطبرزد فقلت: ما حالك؟ قالت: قد صبّ اللّه عليّ العافية صبّا وقد اشتهيت هذا السكّر.
فقلت : خرجت من عندك آیساً ، فسألني الصادق عنك فأخبرته بحالك ، فقال : لا بأس عليها إرجع إليها فهي تأكل السكّر .
قالت : خرجت من عندي و أنا أجود بنفسي، فدخل عليّ رجل عليه ثوبان ممصّران قال : مالك ؟ قلت : أنا میّنة ، وهذا ملك الموت قد جاء لقبض(5) روحي . فقال :يا ملك الموت . قال : لبّيك أيّها الامام . قال : ألست أمرت بالسمع والطاعة لنا ؟قال : بلى . قال: فانّي آمرك أن تؤخّر أمرها عشرين سنة . قال : السمع والطاعة .
قالت : فخرج هو وملك الموت من عندي ، فأفقت من ساعتي(6) .
ص: 297
3- ومنها : ما قال علي بن أبي حمزة [قال:] حججت مع الصادق علیه السلام فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة ، فحرّك شفتيه بدعاء لم أفهمه ، ثمّ قال :
یا نخلة أطعمينا(1) ممّا جعل اللّه فيك من رزق عباده .
قال : فنظرت إلى النخلة وقد تمایلت نحو الصادق علیه السلام وعليها أعذاقها ، وفيها الرطب(2). قال: ادن فسمّ و كل. فأكلنا(3) منها رطباً أعذب رطب وأطيبه، فاذا نحن باعرابي يقول : ما رأيت كاليوم سحراً أعظم من هذا !!
فقال الصادق علیه السلام: نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر ولا كاهن، بل ندعوا اللّه فيجيب ، وإن أحببت أن أدعو اللّه فيمسخك كلباً تهتدي إلى منزلك ، وتدخل عليهم، وتبصبص(4) لأهلك [فعلت](5) ؟ قال الأعرابي - بجهله - : بلی.
فدعا اللّه فصار كلباً في وقته ، ومضى على وجهه .
فقال لي الصادق علیه السلام: اتبعه . فاتّبعته حتّى صار إلى حیّه ، فدخل إلى منزله ، فجعل يبصبص لأهله وولده ، فأخذوا له العصا حتى أخرجوه(6) ، فانصرفت إلى الصادق علیه السلام فأخبرته بما كان [منه] ، فبينا نحن في حديثه إذ أقبل حتّی وقف بين يدي الصادق علیه السلام وجعلت دموعه تسيل [على خدّيه] ، وأقبل يتمرّغ في التراب
و بعدي فرحمه، فدعا اللّه [له] فعاد أعرابيّاً.
فقال له الصادق علیه السلام: هل آمنت يا أعرابي ؟ قال : نعم ، ألفاً وألفاً.(7).
ص: 298
4- ومنها: ما روي عن يونس بن ظبيان قال : كنت عند الصادق علیه السلام مع جماعة فقلت : قول اللّه تعالى لابراهيم «خذ أربعة من الطير فصر من»(1) أو كانت أربعة [من] أجناس مختلفة ؟ أو من جنس [واحد]؟
فقال : أتحبّون أن أريكم مثله ؟ قلنا : بلى .
قال : يا طاووس . فاذا طاووس طار إلى حضرته، ثمّ قال : يا غراب . فاذا غراب بين يديه ، ثمّ قال : يا بازيّ . فاذا بازي بين يديه ، ثمّ قال : يا حمامة . فاذا حمامة بين يديه ، ثمّ أمر بذبحها كلها و تقطيعها ونتف ريشها ، وأن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض .
ثمّ أخذ برأس الطاووس ، فقال : يا طاووس. فرأينا لحمه وعظامه وریشه ، يتميّز من غيره حتّى التزق ذلك كلّه برأسه ، وقام الطاووس بين يديه [حيّاً] ثمّ صاح بالغراب كذلك ، وبالبازي و الحمامة مثل ذلك ، فقامت كلّها أحياء بين يديه .(2).
5- ومنها: ما روي عن داود بن كثير الرقّي قال : كنت عند الصادق علیه السلام أنا وأبو الخطّاب، و المفضّل، و أبو عبد اللّه البلخي إذ دخل علينا كثير النّوا فقال : إنّ أبا الخطّاب هذا يشتم أبا بكر وعمر (3) ويظهر البراءة منهما(4) .
فالتفت الصادق علیه السلام إلى أبي الخطّاب وقال : يا محمّد ما تقول ؟
قال : كذب واللّه ما سمع منّي قط شتمهما .
ص: 299
فقال الصادق علیه السلام: قد حلف ولايحلف كاذبا . فقال : صدى لم أسمع أنا منه ولكن حدّثني الثقة به عنه .
قال الصادق علیه السلام: وإنّ الثقة لايبلّغ ذلك ، فلمّا خرج كثير ، قال الصادق علیه السلام:أما واللّه لئن كان أبو الخطّاب ذكر ماقال كثير ، لقد علم من أمرهما ما لم يعلمه كثير ، واللّه لقد جلسا مجلس أمير المؤمنين علیه السلام غضباً فلا غفر اللّه لهما، ولاعفا عنهما .
فبهت(1) أبو عبد اللّه البلخي (و نظر إلى) (2) الصادق علیه السلام متعجبّاً ممّا قال فيهما فقال له الصادق علیه السلام: أنكرت ما سمعت منّي فيهما ؟ قال : قد كان ذلك.
فقال الصادق علیه السلام: فهلا كان هذا(3) الانكار منك ليلة رفع إليك فلان بن فلان البلخيّ جاريته فلانة لتبيعها له فلمّا عبرت النهر افترشتها في أصل شجرة ؟!
فقال البلخيّ : قد مضى و الله لهذا الحديث أكثر من عشرين سنة ، و لقد تبت إلى اللّه من ذلك .
فقال الصادق علیه السلام: لقد تبت وما تاب اللّه عليك ، و لقدغضب اللّه لصاحب الجارية ثمّ ركب وسار والبلخيّ معه ، فلمّا برزا.
قال الصادق علیه السلام وقد سمع صوت حمار : إنّ أهل النار يتأذّون بهما وبأصواتهما كما تتأذّون بصوت الحمار .
فلمّا برزنا إلى الصحراء فاذا نحن بجب(4) كبير ، التفت(5) الصادق علیه السلام إلى البلخي فقال : اسقنا من هذا الجبّ.
فدنا البلخيّ ثمّ قال : هذا جبّ بعيد القعر ، لا أری ماءاً [به].
فتقدّم الصادق علیه السلام فقال : أيّها الجبّ السامع المطيع لربّه اسقنا ممّا جعل
ص: 300
اللّه فيك من الماء باذن اللّه . فنظرنا الماء يرتفع من الجبّ فشربنا منه .
ثمّ سار حتّى انتهى إلى موضع فيه نخلة يابسة، فدنا منها ، فقال : أيّتها النخلة أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك فانتشرت رطباً جنيّاً ، فأكلنا ، ثمّ جازها فالتفتنا فلم نر(1) فيها شيئاً .
ثمّ سار فاذا نحن بظبي قد أقبل فبصبص بذنبه(2) إلى الصادق علیه السلام و تبغّم(3).
فقال : أفعل إن شاء اللّه . فانصرف الظبي .
فقال البلخيّ: لقد رأينا [شيئاً] عجباً فما الذي سألك الظبي؟
فقال : استجار بي ، وأخبرني أنّ بعض من يصيد(4) الظباء بالمدينة صاد زوجته ،وأنّ لها خشفين(5) صغيرين ، وسألني أن أشتريها ، و أطلقها اللّه إليه ، فضمنت له ذاك .
واستقبل القبلة ودعا ، وقال : الحمد للّه كثيراً كما هو أهله و مستحقّه .وتلا «أم يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله»(6).
ثمّ قال : نحن واللّه المحسودون .
ثمّ انصرف ونحن معه ، فاشترى الظبية وأطلقها ، ثمّ قال : لا تذيعوا سرّ نا ، و لا تحدّثوا به عند غير أهله ، فانّ المذيع سرّنا أشدّ علينا من عدوّنا.(7).
6- و منها : أنّ أبا الصلت الهرويّ روى عن الرضا علیه السلام أنّه قال : قال لي أبي موسى علیه السلام: كنت جالساً عند(8) أبي علیه السلام إذ دخل عليه بعض أوليائنا ، فقال : بالباب
ص: 301
ركب كثير يريدون الدخول عليك فقال [لي]: أنظر من بالباب.
فنظرت إلى جمال كثيرة عليها صناديق ، ورجل راكب فرساً ، فقلت : من الرجل ؟
فقال : رجل من السند والهند، أردت الامام جعفر بن محمّد علیهما السلام، فأعلمت والدي بذلك . فقال : لاتأذن للنجس الخائن . فأقام بالباب مدّة مديدة ، فلا يؤذن له حتّی شفع یزیدبن سليمان، ومحمّد بن سليمان ، فأذن له.
فدخل الهندي وجثي بين يديه ، فقال : أصلح اللّه الامام ، أنا رجل من بلد الهند من قبل ملكها(1) ، بعثني إليك بكتاب مختوم ، ولي بالباب حول ، لم تأذن لي فما ذنبي ؟ أهكذا(2) يفعل الانبياء ؟ قال : فطأطأ رأسه ثمّ قال :
«ولتعلمنّ نبأه بعد حين»(3) ، وليس مثلك من يطأ مجالس الانبياء.
قال موسى علیه السلام: فأمرني أبي بأخذ الكتاب وفکّه فكان فيه :
بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى جعفر بن محمّد [الصادق] الطاهر من كلّ نجس(4)من ملك الهند .
أمّا بعد فقد هداني(5) اللّه على يديك ، وإنّه أهدي إليّ جارية لم أرأحسن(6) منها و لم أجد أحداً يستأهلها غيرك ، فبعثتها إليك مع شيء من الحليّ والجواهر والطيب ثمّ جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للامانة ، واخترت من الالف مائة ، واخترت من المائة عشرة ، واخترت من العشرة واحداً وهو میزاب بن حبّاب لم أر أوثق منه ، فبعثت على يده هذه [الجارية و الهديّة] فقال جعفر علیه السلام: ارجع أيّها الخائن، ماكنت بالذي أقبلها(7)، خائن لانّك فيما ائتمنت عليه . فحلف أنّه ما خان.
ص: 302
فقال علیه السلام: إن شهد عليك بعض ثيابك بماخنت تشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، و أن محمّداً عبده ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم (1) ؟ قال: أو تعفيني من ذلك ؟
قال : أكتب إلى صاحبك بمافعلت . قال الهندي : إن علمت(2) شيئاً فاكتب ، وكان عليه فروة فأمره بخلعها ، ثمّ قام الامام فركع ركعتين ، ثمّ سجد .
قال موسی علیه السلام: فسمعته في سجوده يقول :
اللّهمّ إنّي أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، ومنتهی الرحمة من كتابك أن تصلّي على محمّد عبدك ورسولك وأمينك في خلقك و آله ، وأن تأذن لفرو هذا الهندي أن يتكلّم(3) بلسان عربي مبين يسمعه من في المجلس من أوليائنا(4) ، ليكون ذلك عندهم آية من آيات أهل البيت(5)، فيزدادوا إيماناً مع إيمانهم .
ثمّ رفع رأسه فقال : أيّها الفرو تکلّم بما تعلم من هذا الهندي.
قال موسى علیه السلام: فانتفضت الفروة(6) و صارت کالكبش، و قالت : يا ابن رسول اللّه ائتمنه الملك على هذه الجارية وما معها ، وأوصاه بحفظها حتّى صرنا إلى بعض الصحاري ، أصابنا المطر وابتلّ جميع مامعنا ، ثمّ احتبس المطر و طلعت الشمس ، فنادى خادماً كان مع الجارية يخدمها يقال له بشر [وقال له:] لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام ، و دفع إليه دراهم ، و دخل الخادم المدينة ، فأمر الميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب قد نصب [لها] في الشمس فخرجت و كشفت عن ساقيها إذا [كان](7) في الأرض وحل(8) و نظر هذا الخائن إليها
ص: 303
فراودها عن نفسها ، فأجابته ، و فجربها ، وخانك.
فخرّ الهندي [على الأرض] ، فقال : إرحمني فقد أخطأت ، و أقرّ بذلك ، ثم صار(1) فروة كما كانت ، وأمره أن يلبسها، فلمّا لبسها انضمّت في حلقه وخنقته(2) حتّی اسود وجهه .
فقال الصادق علیه السلام: أيّها الفرو خلّ عنه ، حتى يرجع إلى صاحبه ، فيكون هو أولی به منّا، فانحلّ الفرو [وقال علیه السلام: خذ هديّتك وارجع إلى صاحبك] فقال الهندي:
اللّه اللّه [يا مولاي] فيّ فانّك إن رددت الهديّة خشيت أن ينكر ذلك عليّ ، فانّه شدید(3)العقوبة . فقال: أسلم أعطك(4) الجارية ، فأبي . فقبل الهديّة ، وردّ الجارية. فلمّا رجع إلى الملك ، رجع الجواب إلى أبي بعد أشهر(5) فيه مكتوب :
بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى جعفر بن محمّد الامام علیه السلام من ملك الهند: أمّا بعد فقد كنت أهديت إليك جارية فقبلت منّي ما لا قيمة له ، ورددت الجارية فأنكر ذلك قلبي ، وعلمت أنّ الأنبياء و أولاد الأنبياء معهم فراسة(6)، فنظرت إلى الرسول بعين الخيانة ، فاخترعت كتاباً وأعلمته أنّه ( جاءني منك بخيانة )(7) و حلفت أنّه لا ينجيه إلا الصدق ، فأقرّ بما فعل ، و أفرّت الجارية بمثل ذلك ، و أخبرت بما كان من أمر الفرو(8) ، فتعجّبت من ذلك، وضربت عنقها وعنقه، وأنا أشهد أن لا إله الاّ اللّه وحده
ص: 304
لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله . واعلم أنّي [واصل] على أثر الكتاب .
فما أقام إلا مدّة يسيرة ، حتّی ترك(1) ملك الهند و أسلم وحسن إسلامه.(2).
7- ومنها : ماروی هشام بن الحكم أنّ رجلا من الجبل أتى أبا عبد الله علیه السلام ومعه عشرة آلاف درهم ، وقال : اشترلي [بنا](3) داراً أنزلها(4) إذا قدمت و عيالي معي(5)ثمّ مضى إلى مكّة، فلمّا حجّ وانصرف ، أنزله الصادق علیه السلام في داره .
وقال له : إشتريت لك داراً في الفردوس الأعلى حدّها الأول إلى [دار] رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم، والثاني إلى علي علیه السلام، والثالث إلى الحسن علیه السلام، والرابع إلى الحسين علیه السلام وكتبت [لك هذا](6) الصّك به .(7).
فقال الرجل - لمّا سمع ذلك - : رضيت. ففرّق الصادق علیه السلام تلك الدراهم(8) على أولاد الحسن و الحسين علیهما السلام و انصرف الرجل، فلمّا وصل إلى المنزل إعتلّ علّة الموت ، فلمّا حضرته الوفاة جمع أهل بيته وحلّفهم أن يجعلوا الصكّ معه في قبره ففعلوا ذلك .
ص: 305
فلمّا أصبح وغدوا إلى قبره وجدوا الصكّ على ظهر القبر، و على ظهر الصكّ [مکتوب] : وفي لي وليّ اللّه جعفر بن محمد علیهما السلام بما وعدني(1) (2).
8- ومنها : أنّ حمّاد بن عیسی سأل الصادق علیه السلام أن يدعو له ليرزقه [اللّه] مایحّج به كثيراً، وأن يرزقه ضياعاً حسنة وداراً حسناً، وزوجة من أهل البيوتات صالحة وأولاداً أبراراً .
فقال [الصادق] علیه السلام : أللّهمّ ارزق حمّاد بن عیسی مایحجّ به خمسين حجّة ، و ارزقه ضياعاً حسنة وداراً حسناً ، وزوجة صالحة من قوم كرام ، وأولاداً أبراراً .
قال بعض من حضره : دخلت بعد سنين على حمّاد بن عيسى في داره بالبصرة .فقال لي : أتذكر دعاء الصادق علیه السلام لي ؟ قلت : نعم .
قال : هذه داري و ليس في البلد مثلها ، وضياعي أحسن الضياع ، وزوجتي من تعرفها من کرام الناس ، وأولادي [هم من] تعرفهم [من الأبرار] و قد حججت ثمانية وأربعين حجّة.
قال فحجّ حمّاد حجّتين بعد ذلك، فلمّا خرج في الحجّة الحادية و الخمسين و[و] وصل إلى الجحفة(3) ، و أراد أن يحرم ، دخل وادياً ليغتسل ، فأخذه السيل، ومرّ
ص: 306
به، فتبعه غلمانه ، فأخرجوه من الماء ميّتاً، فسمّي حمّادغريق الجحفة .(1).
9- ومنها : أن علي بن أبي حمزة، قال: خرجت بأبي بصير أقوده إلى أبي عبد اللّه علیه السلام فقال لي لا تتكلم ولا تقل شيئاً . فلمّا انتهيت به إلى الباب فتنحنح فسمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول- في داخل الدار- : يا فلانة افتحي لأبي محمّد ، فدخلناوالسراج بین يديه و إذا سفط (2) بين يديه مفتوح.
ص: 307
قال : فوقعت عليّ رعدة ، فجعلت أرتعد ، فرفع رأسه إليّ، فقال: أبزّاز أنت ؟
قلت : نعم .(1).
10- و عن أبي الصامت الحلاوني [قال:](2) قلت للصادق علیه السلام أعطني شيئاً ينفي الشك [عن نلبي]. قال الصادق علیه السلام: هات المفتاح الّذي في كمّك(3) . فناولته فاذا المفتاح شبه أسد فخفت قال: خذ، ولاتخف. فأخذته، فعاد مفتاحاً كما كان(4).
ص: 308
1-روي عن أبي الصلت الهروي ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام، قال : قال أبي موسی بن جعفر علیه السلام: لعلي بن أبي حمزة مبتدءاً : تلقى رجلا من أهل المغرب يسألك عنّي ، فقل له : هو الامام الذي قال لنا [به] أبو عبدالله الصادق علیه السلام فاذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه .
قال: فما علامته؟ قال : رجل جسيم طويل اسمه يعقوب بن یزید و هو رائد قومه وإن أراد الدخول إلي فأحضره عندي .
قال علي بن أبي حمزة: فواللّه إنّي لفي الطواف إذ أقبل رجل طويل جسيم ، فقال لي : أريد أن أسألك عن صاحبك . قلت : عن أيّ الأصحاب ؟ قال : عن موسی بن جعفر علیهما السلام. قلت : فما اسمك ؟ قال : يعقوب بن یزید . قلت : من أين أنت ؟ قال : من المغرب . قلت: من أين عرفتني ؟ قال : أتاني آت في منامي ، فقال لي : إلق علي بن أبي حمزة ، فسله عن جميع ما تحتاج إليه. فسألت عنك فدللت عليك(1).
قلت: أقعد في هذا الموضع حتّى أفرغ من طوافي وأعود إليك. فطفت ثمّ أتيته فكلّمته فرأيت رجلا عاقلا فهماً(2) ، فالتمس منّي الوصول إلى موسی بن جعفر علیهما السلام فأوصلته إليه .
ص: 309
فلمّا رآه ، قال : يايعقوب بن يزيد قدمت أمس ووقع بينك وبين أخيك خصومة في موضع كذا حتّى تشاتمتما، وليس هذا من ديني ولا من دين آبائي ، فلا نأمر بهذا أحداً من شيعتنا ، فاتّق اللّه فانّكما ستفترقان عن قریب بموت ، فأمّا أخوك فيموت في سفر ته هذه قبل أن يصل إلى أهله، وتندم أنت على ما كان منك إليه، فانّكما تقاطعتما وتدابرتما ، فقطع [اللّه](1) عليكما أعماركما.
فقال الرجل : يابن رسول اللّه فأنا متى يكون أجلي؟
قال : قد كان حضر أجلك ، فوصلت عمّتك بما وصلتها في منزل كذا و كذا فنسأ(2) الله [تعالی] في أجلك عشرين حجّة(3).
قال : علي بن أبي حمزة ، فلقيت الرجل من قابل بمكّة فأخبرني أنّ أخاه توفّي ودفنه في الطريق قبل أن يصير إلى أهله (4).
2- ومنها: أنّ المفضّل بن عمر قال : لمّا مضى(5) الصادق علیه السلام كانت وصيّته
ص: 310
في الامامة إلى موسى الكاظم علیه السلام(1) ، فادّعى أخوه عبد الله الامامة ، و كان أكبر ولد جعفر علیه السلام في وقته ذلك ، وهو المعروف بالأفطح (2).
فأمر موسی علیه السلام بجمع حطب كثير في وسط داره ، فأرسل إلى أخيه عبداللّه يسأله أن يصير إليه، فلمّا صار عنده، ومع موسی علیه السلام جماعة من وجوه الاماميّة، فلمّا جلس إليه أخوه عبد اللّه ، أمر موسى علیه السلام أن تضرم(3) النار في ذلك الحطب ، فاضرمت(4)،ولا يعلم الناس السبب فيه(5) ، حتّى صار الحطب كلّه جمراً، ثمّ قام موسى علیه السلام و جلس بثيابه في وسط النار ، وأقبل يحدّث القوم(6) ساعة ، ثمّ قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس ، فقال لأخيه عبد اللّه : إن كنت تزعم أنّك الامام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس. قالوا :
ص: 311
فرأينا عبد الله قد تغيّر لونه، فقام(1) يجرّ رداءه حتّى خرج من دار موسی علیه السلام.(2).
3- ومنها : ما قال إسحاق(3) بن منصور [ قال:] سمعت أبي يقول : سمعت موسی بن جعفر علیهما السلام يقول ناعياً(4) إلى رجل من الشيعة نفسه ، فقلت في نفسي :وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته! ! فالتفت إليّ فقال : اصنع ما أنت صانع فانّ عمرك قدفني ، وقد بقي منه دون سنتين ، و كذلك أخوك لايمكث بعدك إلاّ شهراً واحداً حتّى يموت، وكذلك عامّة أهل بيتك(5) ، و تتشتّت كلمتهم (6) ، و يتفرق جمعهم(7) ، ويشمت بهم أعداؤهم و[هم] يصيرون رحمة لاخوانهم.
أكان هذا في صدرك؟(8) قال : أستغفر اللّه ممّا عرض في صدري .
فلم يستكمل منصور سنتين حتّى مات ، ومات بعده بشهر أخوه ، و مات عامّة أهل بيته ، و أفلس بقيتهم ، و تفرّقوا حتّى احتاج من بقي منهم إلى الصدقة .(9).
4- ومنها : ماروی واضح عن الرضا علیه السلام قال : قال أبي موسى علیه السلام للحسين بن أبي العلا : اشترلي جارية نوبيّة(10) . فقال الحسين : أعرف واللّه جارية نوبيّة نفيسة
ص: 312
أحسن مارأيت من النوبة ، فلولاخصلة لكانت من شأنك(1).
قال علیه السلام: وما تلك الخصلة ؟ قال : لا تعرف كلامك وأنت لا تعرف كلامها.
فتبسّم علیه السلام ثمّ قال : اذهب حتى تشتريها .
فلمّا دخلت [بها] إليه ، قال لها بلغتها : ما اسمك ؟ قالت : مؤنسة. قال: أنت لعمري مؤنسة ، قد كان لك اسم غير هذا ، [وقد] كان اسمك قبل هذا حبيبة . قالت: صدقت.
ثمّ قال: يا بن أبي العلا إنّها ستلد لي غلاماً لا يكون في ولدي أسخي(2) ولاأشجع ولا أعبد منه. قلت : فماتسمّيه حتّى أعرفه ؟ قال : إسمه إبراهيم .
فقال عليّ بن أبي حمزة: كنت مع موسى علیه السلام بمني إذ أتی(3) رسوله فقال: إلحق بي بالثعلبية(4) . فلحقت به، ومعه عياله و عمران خادمه . فقال : أيّما أحب إليك المقام هاهنا أو تلحق بمكّة ؟ قلت : أحبّهما إليّ ما أحببت . قال : مكّة خير لك .
ثمّ سبقني(5) إلى داره بمكّة ، و أتيته وقد صلّي المغرب فدخلت عليه ، فقال :«إخلع نعليك إنّك بالوادي المقدّس [طوی]» (6).
فخلعت علي وجلست معه فأتیت بخوان فيه خبيص(7) فأكلت أنا وهو ، ثمّ رفع الخوان و كنت أحدثه ، ثمّ غشيني النعاس ، فقال لي:
ص: 313
قم، فنم حتّى أقوم أنا لصلاة اللّيل، فحملني النوم إلى أن فرغ من صلاة الليل(1)
ثمّ جاءني فنبّهني . فقال : قم فتوضّأ ! وصلّ صلاة الليل و خفّف، فلمّا فرغت من الصلاة ، صلّينا(2) الفجر، ثمّ قال لي :
ياعليّ إنّ أمّ ولدي ضربها الطلق فحملتها إلى الثعلبيّة مخافة أن يسمع الناس صوتها فولدت هناك الغلام الذي ذكرت لك كرمه وسخاءه وشجاعته.
قال عليّ : فواللّه لقد أدركت الغلام فكان كما وصف.(3).
5- ومنها : ماروي [عن] ابن أبي حمزة [قال:] كنا عند أبي الحسن موسی [بن جعفر]علیهما السلام إذ دخل عليه ثلاثون [غلاماً] مملوكاً من الحبشة [ قد ] اشتروا له فتكلّم غلام منهم و كان جميلا بكلام ، فأجابه موسی علیه السلام بلغته ، فتعجّب الغلام وتعجّبوا جميعاً، وظنّوا أنه لا يفهم(4) كلامهم .
فقال له موسى علیه السلام: إنّي أدفع إليك مالا، فادفع إلى كلّ واحد منهم ثلاثين درهماً فخرجوا وبعضهم يقول لبعض : إنّه أفصح منا بلغتنا ، وهذه نعمة من اللّه علينا .
قال عليّ بن أبي حمزة : فلمّا خرجوا ، قلت : يا بن رسول اللّه رأيتك تكلّم هؤلاء الحبشيّين بلغاتهم ؟! قال: نعم. وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم ؟
قال : نعم، أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً، وأن يعطي كلّ واحد منهم في كلّ
ص: 314
شهر ثلاثين درهماً ، لأنه لمّا تكلّم كان أعلمهم ، فانّه من أبناء ملوكهم ، فجعلته عليهم وأوصيته بما يحتاجون إليه، وهو مع ذلك(1) غلام صدق .
ثمّ قال : لعلّك عجبت من كلامي إيّاهم بالحبشيّة ؟ قلت: إي واللّه.
قال: فلا تعجب ، فما(2) خفي عليك من أمري أعجب وأعجب، [من کلامي إياهم] وما الّذي سمعته منّي إلا كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة، أفترى هذا الذي يأخذه بمنقاره ينقص من البحر ؟!
والامام بمنزلة البحر لا ينفد ماعنده و عجائبه أكثر(3) من عجائب البحر .(4).
6- ومنها : ما قال بدر(5) مولی الرضا علیه السلام: إنّ إسحاق بن عمّار دخل على موسی بن جعفر علیهما السلام فجلس عنده إذ استأذن عليه رجل خراساني فكلّمه بكلام لم يسمع(6) مثله [قط] كأنّه كلام الطير .
قال إسحاق : فأجابه موسی علیه السلام بمثله وبلغته إلى أن قضى وطره من مسألته، فخرج من عنده ، فقلت: ماسمعت بمثل هذا الكلام ؟
قال: هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كلّ كلام أهل الصين مثله .
ثم قال : أتعجب من كلامي بلغته ؟قلت: هو موضع التعجّب .
قال علیه السلام: أخبرك بماهو أعجب منه [إعلم] أنّ الأمام يعلم منطق الطير ونطق(7) کل
ص: 315
ذي روح خلقه الله تعالى ومايخفى على الأمام شيء .(1).
7- ومنها : ما قال عليّ بن أبي حمزة [قال:] أخذ بيدي موسى بن جعفر علیهما السلام يوماً ، فخرجنا من المدينه إلى الصحراء فاذا نحن برجل مغربي على الطريق يبكي و بين يديه حمار ميّت، ورحله مطروح.
فقال له موسی علیه السلام: ما شأنك؟ قال : كنت مع رفقائي نريد الحجّ فمات حماري ها هنا و بقيت [و حدي]، ومضى أصحابي و قد بقيت متحيّرأ(2) ليس لي شيء أحمل عليه.
فقال موسی علیه السلام: لعلّه لم يمت قال : أما ترحمني حتّى تلهو بي قال : إنّ لي رقية(3) جيّدة . قال الرجل : ليس يكفيني ما أنا فيه حتّى تستهزأ بي ؟!
فدنا موسي علیه السلام من الحمار ودعا(4) بشيء لم أسمعه(5) ، وأخذ قضيباً كان مطروحاً فنخسه به وصاح عليه ، فوثب الحمار صحيحاً سليماً .
فقال: يا مغربيّ ترى هاهنا شيئاً من الاستهزاء: إلحق بأصحابك . ومضينا و تركناه.
قال عليّ بن أبي حمزة : فكنت واقفاً يوماً على بئر زمزم بمكّة ، فإذا المغربي هناك فلمّا رآني عدا(6) إلي وقبّل يدي فرحاً مسروراً ،
ص: 316
فقلت له : ما حال حمارك ؟ فقال : هو واللّه سلیم صحيح وما أدري من أین ذلك الرجل الذي من اللّه به عليّ فأحيا لي حماري بعد موته ؟
فقلت له : قد بلغت حاجتك فلا تسأل عمّا لا تبلغ معرفته(1).
8- ومنها: ما روي عن أبي خالد الزبالي [قال] : قدم أبو الحسن موسی علیه السلام زبالة(2) ومعه جماعة من أصحاب المهدي (3) بعثهم في إشخاصه إليه .
قال : وأمرني بشراء حوائج له ونظر إليّ وأنا مغموم .
فقال : يا أبا خالد ما لي أراك مغموماً ؟
قلت : هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ، ولا آمنك منه .
قال : ليس عليّ منه بأس ، إذا كان يوم كذا فانتظرني في أوّل اليل(4) .
قال : فما كان(5) لي همّة إلاأحصي(6) الأيّام حتّى إذا كان ذلك اليوم وافیت أول الميل ، فلم أر أحداً حتّى كادت الشمس تجب(7) فشككت ، و نظرت بعد إلى شخص قد أقبل فانتظرته فاذا هو أبو الحسن موسی على بغلة قد تقدم ، فلمّا نظر إلى ، قال : لا تشكّن . فقلت : قد كان ذلك .
ص: 317
ثمّ قال : إنّ لي عودة، ولا أتخلّص منهم . فكان كما قال .(1).
9- ومنها: أنّ عيسى المدائني قال : خرجت سنة إلى مكّة فأقمت بها ثمّ قلت : أنيم بالمدينة مثل ما أقمت بمكّة [ فهو أعظم ](2) لثوابي ، فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلّي إلى جنب دار أبي ذر ، فجعلت أختلف إلى سيّدي فأصابنا مطر شديد بالمدينة فأتيت أبا الحسن علیه السلام مسلّماً عليه يوماً وإنّ السماء تهطل فلمّا دخلت ابتدأني . فقال لي : وعليك سلام اللّه يا عيسى ارجع فقد انهدم بينك على متاعك.
فانصرفت راجعاً وإذا البيت قد انهار، واستعملت عملة، فاستخرجوا متاعي كلّه ولا افتقدته غير سطل كان لي .
فلمّا أتيته الغد مسلّماً عليه ، قال : هل فقدت من متاعك شيئاً فندعو اللّه [ لك ] بالخلف ؟ قلت : ما فقدت شيئاً ما خلا سطلا كان لي أتوضّأ منه فقدته .
فأطرق مليّاً، ثمّ رفع رأسه إلي فقال ليّ : قد ظننت أنّك قد أنسيت [ السطل ] فسل جارية ربّ الدار عنه ، وقل لها : أنت رفعت السطل في الخلاء ، فردّیه ، فانّها ستردّه عليك. فلمّا انصرفت أتيت جارية ربّ الدّار فقلت :
ص: 318
إنّي نسيت السطل في الخلاء فردّیه عليّ أتوضّأ منه . فردّت عليّ سطلي .(1).
10- ومنها: أنّ عليّ بن أبي حمزة قال : كنت عند موسی بن جعفر علیهما السلام إذ أتاه رجل من أهل الري يقال له « جندب » فسلّم عليه وجلس ، فسأله أبو الحسن علیه السلام وأحسن السؤال به ، ثمّ قال له : يا جندب ما فعل أخوك ؟
قال له : بخير وهو يقرئك السلام .
فقال : يا جندب عظّم اللّه(2) أجرك في أخيك.
فقال : ورد كتابه من الكوفة لثلاثة عشر يوماً بالسلامة .
فقال : إنّه واللّه مات بعد كتابه إليك بيومين ، ودفع إلى امرأته مالا ، وقال :ليكن هذا المال عندك فاذا قدم أخي فادفعيه إليه . وقد أودعته الأرض في البيت الذي كان يكون فيه ، فإذا أنت أتيتها فتلطّف لها و أطمعها في نفسك فانّها ستدفعه إليك .
قال عليّ بن أبي حمزة : و كان جندب رجلا [ كبيراً ] جميلا .
قال : فلقيت جندباً بعد ما فقد أبو الحسن علیه السلام فسألته عمّا قال له .
فقال: صدق والله سيدي مازاد، ولا نقص، لافي الكتاب ولا في المال .(3).
ص: 319
11- ومنها : ما روی عليّ بن أبي حمزة قال : كان رجل من موالي أبي الحسن لي صديقاً، قال : خرجت من منزلي يوماً فاذا أنا بامرأة حسناء جميلة ومعها أخرى فتبعتها ، فقلت لها : تمتّعيني نفسك ؟ فالتفتت إليّ، و قالت : إن كان لنا عندك جنس فليس فينا مطمع ، وإن لم يكن لك زوجة ، فامض بنا . فقلت : ليس لك عندنا جنس.فانطلقت معي حتّى صرنا إلى باب المنزل فدخلت ، فلمّا أن خلعت فرد خفّ وبقي الخفّ الاخر تنزعه إذا قارع يقرع الباب ، فخرجت فاذا [ أنا ] بموفّق مولى أبي الحسن ، فقلت له : ماوراك ؟ قال : خير ، يقول لك أبو الحسن :
أخرج هذه المرأة التي معك في البيت ولا تمسّها .
فدخلت فقلت لها : البسي خفّك يا هذه واخرجي . فلبست خفّها وخرجت ،فنظرت إلى موفق بالباب ، فقال سدّ الباب . فسددته(1) ، فواللّه ماجازت(2) غير بعيد، وأنا وراء الباب أستمع وأطّلع حتّى لقيها رجل مستفز(3).
فقال لها : مالك خرجت سريعاً، ألست قلت لاتخرجي ؟
قالت: إنّ رسول الساحر جاء يأمره أن يخرجني فأخرجني .
قال : فسمعته يقول : أولی له . وإذا القوم طمعوا في مال عندي ، فلمّا كان العشاء عدت إلى أبي الحسن ، قال : لا تعدّ فان تلك امرأة من بني أميّة، أهل بيت اللعنة إنّهم كانوا بعثوا أن يأخذوها في(4) منزلك فاحمد اللّه الذي صرفها .
ثمّ قال لي أبو الحسن : تزوّج بابنة فلان وهو مولى أبي أيّوب الأنصاري(5) فان له إبنة(6) قد جمعت كلّ ما تريد من أمر الدنيا والاخرة.
ص: 320
فتزوّجت، فكان كما قال علیه السلام.(1).
12 - ومنها : أنّ علي بن أبي حمزة قال : بعثني أبو الحسن في حاجة فجئت وإذا معتّب على الباب ، فقلت : أعلم مولاي بمكاني . فدخل معتّب ومرّت بي امرأة وقلت : لولا أنّ معتّباً دخل فأعلم مولاي بمكاني لاتّبعت هذه المرأة فتمتّعت بها فخرج معتّب فقال : ادخل . فدخلت [ عليه ] وهو على مصلّي تحته مرفقة(2) فمدب یده و أخرج من تحت المرفقة صرّة فناولنيها ، وقال :
الحق المرأة فانّها على دكان العلاّف بالبقيع تنتظرك . فأخذت الدراهم و کنت إذا قال لي شيئاً لا أراجعه ، فأتيت البقيع فاذا المرأة على دكّان العلاف تقول :
يا عبد اللّه قد حبستني . قلت : أنا ؟! قالت : نعم ، فذهبت بها وتمتّعت بها(3) .
13 - ومنها : ما قال المعلّی بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن بكّار القمّي قال: حججت أربعين حجّة ، فلمّا كان في آخرها أصبت بنفقتي بجمع(4) فقدمت مكّة فأقمت حتّى يصدر(5) الناس ، ثمّ قلت : أصير إلى المدينة فأزور رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم وأنظر إلى سيّدي أبي الحسن موسى علیه السلام وعسى أن أعمل عملا بيدي فأجمع شيئاً فأستعين به على طريقي إلى الكوفة .
ص: 321
فخرجت حتّى صرت إلى المدينة فأتيت رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم فسلّمت عليه ، ثمّ جئت إلى المصلّي إلى الموضع الذي يقوم فيه الفعلة ، فقمت(1) فيه رجاء أن يسبّب اللّه لي عملا أعمله ، فبينا أنا كذلك إذ أنا برجل قد أقبل فاجتمع حوله الفعلة(2)فجئت فوقفت معهم فذهب بجماعة فاتّبعته ،
فقلت: يا عبد اللّه إنّي رجل غريب، فان رأيت أن تذهب بي معهم فتستعملني .
فقال : أنت من أهل الكوفه ؟ قلت : نعم . قال: إذهب فانطلقت معه إلى دار كبيرة تبني جديدة ، فعملت فيها أيّاما و کنّا لا نعطي من اسبوع إلى اسبوع إلا يوماً واحداً ، و كان العمّال لا يعملون ، فقلت للوكيل : استعملني عليهم حتّى أستعملهم وأعمل معهم .
فقال : قد استعملتك. فكنت أعمل ، و أستعملهم .
قال : فانّي لواقف ذات يوم على السلّم إذ نظرت إلى أبي الحسن موسی علیه السلام قد أقبل وأنا في السلّم في الدار، فدار في الدار ثمّ رفع رأسه إليّ فقال : [ يا ] بكّار جئتنا انزل فنزلت. قال : فتنحّى ناحية ، فقال لي : ماتصنع هاهنا . فقلت؟ جعلت فداك أصبت بنفقتي بجمع فأقمت [ بمكّة ] إلى أن صدر النّاس ، ثمّ إنّي صرت إلى(3) المدينة فأتيت المصلّى ، فقلت : أطلب(4) عملا فبينا أنا قائم إذ جاء و كيلك فذهب برجال فسألته أن يستعملني كما يستعملهم ، فقال لي : قم يومك هذا.
(فلمّا كان من الغد و كان اليوم الذي يعطون فيه جاء )(5) فقعد على الباب ،
ص: 322
فجعل يدعو الوکیل بر جل رجل يعطيه فكلمّا ذهبت إليه أومأ بيده إلي أن اقعد .(1).
حتّى إذا كان في آخرهم ، قال لي : أدن. فدنوت فدفع إليّ صرة فيها خمسة عشر دیناراً ، فقال : خذ هذه نفقتك إلى الكوفة .
ثمّ قال : اخرج غداً . قلت : نعم جعلت فداك ولم أستطع أن أردّه ، ثمّ ذهب وعاد إليّ الرسول ، فقال :
قال أبو الحسن علیه السلام (2) : إئتني غداً قبل أن تذهب . [فقلت : سمعاً وطاعة] .
فلمّا كان من الغد أتيته ، فقال : أخرج الساعة حتّى تصير إلى فيد(3) فانّك توافق قوماً يخرجون إلى الكوفة، وهاك(4) هذا الكتاب فادفعه إلى عليّ بن أبي حمزة.
قال : فانطلقت فلا واللّه(5) ما تلقّاني خلق حتّى صرت إلى فيد ، فاذا قوم قد تهيّأوا للخروج إلى الكوفة من الغد ، فاشتريت بعيراً وصحبتهم إلى الكوفة فدخلتها ليلا ، فقلت : أصير إلى منزلي فأرقد ليلتي هذه ثمّ أغدو بكتاب مولاي إلى عليّ بن أبي حمزة، فأتيت منزلي فاخبرت أنّ اللصوص دخلوا إلى حانوتي قبل قدومي بأيّام.
فلمّا أن أصبحت صلّيت الفجر فبينا أنا جالس متفكّر فيما ذهب لي من حانوتي إذا أنا بقارع يقرع [عليّ] الباب، فخرجت فاذا[هو] عليّ بن أبي حمزة فعانقته وسلّم عليّ(6) ، ثمّ قال لي : بابکّار هات كتاب سيّدي . قلت : نعم ، [ و إنّني ] قد كنت على [عزم] المجيء إليك الساعة . قال : هات قد علمت أنّك قدمت ممسياً(7).
ص: 323
فأخرجت الكتاب فدفعته(1) إليه فأخذه وقبّله ووضعه على عينيه و بکی، فقلت: ما يبكيك؟
قال: شوقاً إلى سيّدي. ففكّه(2) وقرأه، ثمّ رفع رأسه [إليّ] و قال : يا بکّار دخل عليك اللصوص ؟ قلت : نعم . قال: فأخذوا ما كان في حانوتك ؟ قلت: نعم .
قال : إنّ اللّه قد أخلفه عليك(3)، قد أمرني مولاك ومولاي أنا خلف عليك ماذهب منك.
أعطاني أربعين ديناراً(4). قال: فقوّ مت ماذهب [منّي] فاذا قيمته أربعون ديناراً ففتح(5)عليّ الكتاب فاذافيه : إدفع إلى بكار قيمة ماذهب من حانوته أربعين ديناراً .(6).
14- ومنها : أنّ إسحاق بن عمّار قال: لمّا حبس هارون أبا الحسن موسی علیه السلام دخل عليه أبويوسف ومحمّد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، فقال : أحدهما للاخر :نحن على أحد أمرين إمّا أن نساويه، وإمّا أن نشاكله(7) . فجلس بين يديه، فجاء رجل كان موکلا به من قبل السنديّ بن شاهك، فقال : إنّ نوبتي قد انقضت وأنا على الانصراف فان كانت لك حاجة أمرتني حتّى آتيك بها في الوقت الذي تلحقني النوبة ؟
فقال [له] : مالي حاجة . فلمّا أن خرج ، قال لأبي يوسف و محمّد بن الحسن : ما أعجب هذا يسألني أن اكلّفه حاجة من حوائجي ليرجع، وهو ميّت في هذه الليلة.
قال : فغمز أبويوسف محمّد بن الحسن للقيام، فقاما ، فقال أحدهما للاخر : إنّا
ص: 324
جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة وهوالآن جاء بشيء آخر كأنّه من علم الغيب .
ثمّ بعثا برجل مع الرجل ، فقالا: إذهب حتّى تلزمه و تنتظر(1) مايكون من أمره في هذه الليلة، وتأتينا بخبره من الغد.
فمضى الرجل فنام في مسجد عند باب داره فلمّا أصبح سمع الواعية ورأى الناس يدخلون داره ، فقال: ماهذا ؟ قالوا : [قد] مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علّة.
فانصرف [الرجل] إلى أبي يوسف ومحمّد وأخبرهما (الخبر ، فأتيا)(2) أبا الحسن علیه السلام فقالا : قد علمنا أنّك قد أدركت العلم في الحلال و الحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكّل بك أنّه يموت في هذه اللّيلة ؟
قال: من الباب الذي أخبر بعلمه رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم علي بن أبي طالب علیه السلام. فلمّا أورد(3) عليهما هذا بقيا لا يحيران(4) جواباً.(5).
15 - ومنها : ماروي أنّ هارون الرشید بعث يوماً إلى موسی بن جعفرعلیهما السلام على يد ثقة له طبقاً من السرقين(6) الذي هو على هيئة التين ، وأراد استخفافه ، فلمّا رفع الازار منها فاذا هي من أحلى التين و أطيبه، فأكل علیه السلام و أطعم بعضها الحامل وردّ
ص: 325
بقيتها(1) إلى هارون .
فلمّا تناوله [هارون](2) صار سرقیناً في فيه ، و كان في يده تيناً(3) .
16 - ومنها ما قال : إسحاق بن عمّار :إن أبا بصير أقبل مع أبي الحسن موسی من المدينة يريد العراق(4) ، فنزل أبو الحسن لمنزل(5) الذي يقال له زبالة(6) بمرحلة ، فدعا یعليّ بن أبي حمزة البطائني ، و كان تلميذاً لأبي بصير ، فجعل يوصیه بوصيّة بحضرة أبي بصير ويقول : يا علي إذا صرنا إلى الكوفة فتقدم في كذا.
فغضب أبو بصير وخرج من عنده ، فقال : لا واللّه ما أعجب ما أرى هذا [الرجل] أنا أصحبه منذ حين، ثمّ يتخطّاني بحوائجه إلى بعض غلماني.
فلمّا كان من الغد حمّ أبو بصير بزبالة فدعا بعليّ بن أبي حمزة فقال له : أستغفر الله ممّا حكّ(7) في صدري من مولاي و [ من ] سوء ظنّي به، كان قد علم أنّي میّت وأنّي لا ألحق الكوفة ، فاذا أنا متّ فافعل كذا، وتقدّم في كذا.
فمات أبو بصير بزبالة(8).
ص: 326
17 - ومنها : أن هشام بن الحكم قال : لمّا مضي أبو عبد اللّه علیه السلام وادّعى الامامة عبداللّه بن جعفر و أنّه أكبر ولده ، دعاه موسی بن جعفر علیهما السلام وقال : يا أخي إن كنت صاحب هذا الامر فهلم يدك فأدخلها النار. و كان حفر حفيرة وألقي فيها حطباً وضربها بنفط ونار ، فلم يفعل عبد اللّه ، و أدخل أبو الحسن يده في تلك النار(1) و لم يخرجها من النار إلا بعد احتراق الحطب وهو يمسحها .(2)
18 - ومنها : أنّ عليّ بن سويد(3) قال: خرج - إليه - عن أبي الحسن موسی علیه السلام :سألتني عن أمور کنت منها في تقيّة ومن كتمانها في سعة ، فلمّا انقضی سلطان الجبابرة و دنا سلطان ذي السلطان العظيم ( بفراق الدنيا )(4) المذمومة إلى أهلها العتاة(5) على خالقهم ، رأيت أن أفسّر لك ما سألتني عنه مخافة أن تدخل الحيرة على ضعفاء شیعتنا(6) من قبل جهالتهم فاتّق الله واكتم ذلك إلا من أهله ، واحذر أن تكون سبب بليّة على الأوصياء أو حارشاً (7) عليهم في إفشاء ما استودعتك و إظهار ما استكتمتك ، ولن تفعل إن شاء الله ، إن أول ما أنهي(8) عليك [ أن ](9) أنعی [ إليك ](10) نفسي في ليالي هذه ، غير جازع، ولا نادم ، ولا شك فيما هو كائن
ص: 327
ممّا قضى الله و قدّر و حتّم . (في كلام كثير) .
ثمّ إنّه مضى علیه السلام في أيّامه هذه .(1).
19 - ومنها : ما روي عن محمّد بن عبدالله ، عن صالح بن واقد الطبري قال: دخلت على موسی بن جعفر علیهما السلام فقال : ياصالح إنّه يدعوك الطاغية - يعني هارون - فيحبسك في محبسه ، ويسألك عنّي فقال: إنّي لا أعرفه ، فإذا صرت في محبسه(2) فقل من أردت أن تخرجه ، فأخرجه باذن الله تعالی .
قال صالح : فدعاني هارون من طبرستان(3) ، فقال : ما فعل موسی بن جعفر فقد بلغني أنّه كان عندك ؟
فقلت : ومايدريني من موسی بن جعفر ؟ أنت يا أمير المؤمنين أعرف به وبمكانه .
فقال : اذهبوا به إلى الحبس . فواللّه إنّي لفي بعض الليالي قاعد و أهل الحبس نیام إذا أنا به يقول : ياصالح . قلت : لبّيك . قال : قد صرت إلى هاهنا ؟
فقلت : نعم يا سيدي .
قال : قم فاخرج واتّبعني . فقمت و خرجت ، فلمّا أن صرنا إلى بعض الطريق قال : يا صالح ! السلطان سلطاننا كرامة من الله أعطاناها .
قلت : يا سيدي فأین أحتجز من هذا الطاغية ؟
قال : عليك ببلادك فارجع إليها فانّه لن يصل إليك .
قال صالح : فرجعت إلى طبرستان فواللّه ما سأل عنّي، ولادری أحبسني أم لا؟(4).
ص: 328
20- و منها : أنّ إسماعيل بن سالم قال: بعث إليّ عليّ بن يقطين و إسماعيل ابن أحمد فقالا لي : خذ هذه الدنانير ، وائت الكوفة فألق فلاناً فاستصحبه(1) واشتريا راحلتين، وامضيا بالكتب و مامعكما من الأموال حتّى تأتيا المدينة، وادفعا ما معكما من كتب ومال إلى موسی بن جعفر علیهما السلام . ففعلنا، حتّى إذا كنّا ببطن الرمّة(2) وقد اشترينا علفاً ، و وضعناه(3) بين الراحلتين و جلسنا نأكل، فبينا نحن كذلك إذطلع علينا موسی بن جعفر علیهما السلام على بغلة له - أو بغل - وخلفه شاکري(4) فلمّا رأيناه وثبنا إليه فسلّمنا عليه.
فقال: هاتیا(5) مامعكما . فأخرجناه و دفعناه إليه وأخرجنا الكتب فناولنا إيّاه ، فأخرج کتباً من كمّه، فقال لنا : هذه جوابات كتبكم ، فانصرفا في حفظ اللّه .
قلنا: فقد فني زادنا وقد قربنا من المدينة، ولو أذنت لنا فزرنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم وتزودنا زاداً .
فقال : أبقي معكما من زاد کما شيء ؟ قلنا : نعم .
قال : ائتوني به. فأخرجناه إليه فقلّبه(6) بيده ، وقال: هذه بلغتكم إلى الكوفة ،
امضيا في حفظ اللّه. فرجعنا وكفانا الزاد إلى الكوفة(7) .(8).
ص: 329
21- ومنها: ماقال الأصبغ بن موسی : حملت دنانير إلى موسی بن جعفر علیه السلام بعضها لي وبعضها لاخواني ، فلمّا دخلت المدينة أخرجت الذي لأصحابي فعددته فكان تسعة وتسعين دیناراً ، فأخرجت من عندي دیناراً و أتممتها مائة دينار ، فدخلت عليه فصیبتها بين يديه ، فأخذ ديناراً من بينها ، ثمّ قال :
هاك دینارك ، إنّما بعثت إلينا وزناً، لاعدداً .(1).
22- ومنها :أنّ داود بن كثير الرقّي قال: وفد من خراسان وافد يكنّى أبا جعفر واجتمع إليه(2) جماعة من أهل خراسان ، فسألوه أن يحمل لهم أموالا و متاعاًو مسائلهم في الفتاوى والمشاورة ، فورد الكوفة [فنزل] وزار أمير المؤمنين علیه السلام ورأي في ناحية رجلا وحوله(3) جماعة ، فلمّا فرغ من زيارته قصدهم فوجدهم شيعة فقهاء و يسمعون من الشيخ فسألهم عنه، فقالوا : هو(4) أبو حمزة الثمالي . قال : فبينا نحن جلوس إذ أقبل أعرابي ، فقال : جئت من المدينة و قدمات جعفر بن محمد علیهما السلام.
فشهق أبو حمزة وضرب بيده الأرض ، ثمّ سأل الأعرابيّ : هل سمعت له بوصيّة ؟ قال : أوصى إلى ابنه عبد اللّه ، وإلى ابنه موسی ، و إلى المنصور .
فقال أبو حمزة : الحمدللّه الذي لم يضلّنا ، دلّ على الصغير ، ومنّ على الكبير وستر(5) الأمر العظيم. و وثب(6) إلى قبر أمير المؤمنين فصلّى وصلّينا .
ص: 330
ثمّ أقبلت عليه وقلت له: فسّرلي ما قلته؟
فقال : بيّن أنّ الكبير ذو عاهة، ودلّ على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير ، وستر الأمر بالمنصور ، حتّى إذاسأل المنصور من وصيّه ؟ قيل أنت .
قال الخراساني: فلم أفهم جواب ما قاله ، ووردت المدينة ، ومعي المال و الثياب والمسائل ، و كان فيما معي درهم - دفعته إلىّ امرأة تسمّی شطيطة - ومنديل .
فقلت لها : أنا أحمل عنك مائة درهم. فقالت : إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ ، فعو جت الدرهم وطرحته في بعض الأكياس ، فلمّا حصلت بالمدينة(1) سألت عن الوصيّ فقيل [لي] عبداللّه ابنه . فقصدته ، فوجدت باباً مرشوشاً مکنوساً عليه بّوّاب فأنكرت ذلك في نفسي و استأذنت و دخلت بعد الاذن ، فادا هو جالس في منصبه ، فأنكرت ذاك أيضاً .
فقلت: أنت وصيّ الصادق علیه السلام، الامام المفترض الطاعة ؟ قال: نعم .
قلت : كم في المائتين من الدراهم زكاة ؟ قال: خمسة دراهم.
قلت: فكم في المائة ؟ قال : درهمان و نصف .
قلت : ورجل قال لامرأته : أنت طالق بعدد نجوم السماء [هل] تطلّق بغير شهود؟
قال : نعم ، و يكفي من النجوم رأس الجوزاء (2) ثلاثاً .
فعجبت(3) من جواباته و مجلسه.
وال: احمل إليّ مامعك ؟ قلت : مامعي شيء.[و] جئت إلى قبر النبي صلی الله علیه و آله و سلم فلمّار جعت إلى بيتي إذا أنا بغلام أسود واقف ، فقال : سلام عليك . فرددت عليه السلام.
قال : أجب من تريده. فنهضت معه، فجاء بي إلى باب دار مهجورة، ودخل وأدخلني
ص: 331
فرأيت موسی بن جعفر على علیهما السلام حصير الصلاة ، فقال لي :
يا أبا جعفر [اجلس] . وأجلسني(1) قريباً، فرأيت دلائله ، أدباً وعلماً ومنطقاً .
وقال لي : احمل مامعك. فحملته إلى حضرته فأومی بيده إلى الكيس [ الذي فيه درهم المرأة ]، فقال لي : افتحه . ففتحته . وقال لي : إقلبه. فقلبته فظهر درهم شطيطة المعوجّ فأخذه بيده وقال : افتح تلك الرزمة(2) . ففتحتها ، فأخذ المنديل منها بيده وقال - وهو مقبل علیّ - : إن الله لا يستحيي من الحقّ .
يا أبا جعفر اقرأ على شطيطة السلام منّي وادفع إليها هذه الصرّة.
وقال لي : أردد ما معك إلى من حمله وادفعه إلى أهله ، وقل : قد قبله ووصلكم به(3) . وأقمت عنده و حادثني وعلّمني ، وقال لي : ألم يقل لك أبو حمزة الثمالي بظهر الكوفة وأنتم زوار أمير المؤمنين علیه السلام كذا وكذا ؟ قلت : نعم .
قال : كذلك يكون المؤمن إذا نوّر الله قلبه كان علمه بالوجه(4) . ثم قال لي: قم إلى ثقاة أصحاب الماضي(5) فسلهم عن نصّه .
قال أبو جعفر الخراساني : فلقيت جماعة كثيرة منهم(6) شهدوا بالنصّ على موسى علیه السلام، ثم مضى أبو جعفر إلى خراسان .
قال داود الرقّي : فكاتبني من خراسان ، إنّه وجد جماعة ممّن حملوا المال
ص: 332
قد صاروا فطحيّة(1)، وإنه وجد شطيطة على أمرها تتوقّعه يعود.
قال : فلمّارأيتها عرّفتها(2) سلام مولانا(3) عليها ، وقبوله منها دون غيرها و سلّمت إليها الصرّة ، ففرحت وقالت لي : أمسك الدراهم معك ، فانّها لكفني .
فأقامت ثلاثة أيّام وتوفّيت [ إلى رحمة اللّه تعالی ].(4).
23 - ومنها : ما روي عن هشام بن سالم [ قال : ] كنت أنا ومحمد بن النعمان صاحب الطاق بالمدينة ، بعد وفاة جعفر علیه السلام وقد اجتمع الناس على عبد اللّه ابنه فدخلنا عليه وقلنا : الزكاة في كم تجب ؟
قال : في مائتي درهم ، خمسة دراهم. فقلنا : ففي مائة ؟ قال : درهمان ونصف.
فخرجنا ضلالا فقعدنا باكين في موضع نقول : [ إلى من نرجع] إلى المرجئة إلى المعتزلة، إلى الزيديّة(5) ، فنحن كذلك إذ رأيت شيخاً لا أعرفه يؤمیء إليّ
ص: 333
فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور، فانّه أمر بضرب رقاب من يجتمع على(1) موسي علیه السلام وقتله إن اجتمعوا عليه .
فقلت للاحول(2) : تنحّ ، لا تهلك فانّي خائف على نفسي ، و تبعت الشيخ حتّى أخر جني(3) إلى باب موسی علیه السلام و أدخلني [عليه] ، فلمّا رآني موسى علیه السلام قال لي - ابتداءاً منه - : إليّ إليّ ، لا إلى المرجئة ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الزيديّة. فقلت : مضى أبوك ؟ قال : نعم . قلت: فمن لنا بعده ؟ قال : إن شاء اللّه أن يهديك هداك .
فقلت في نفسي : لم أحسن المسألة فقلت [ و ] عليك إمام ، قال ؟ لا.
فدخلني هيبة له، قلت : أسألك كما سألت أباك ؟
قال : سل تخبر ولا تذع ، فان أذعت فهو الذبح . فسألته فاذا هو بحر لا ينزف.
قلت : شيعة أبوك ضلال فأدعوهم إليك ؟ قال : من آنست منه الرشد.
فلقيت أبا جعفر الأحول وزراة وأبا بصير. وندخل عليه إلا طائفة عمّار الساباطي
ص: 334
و بقي عبداللّه لا يدخل عليه إلاّ القليل .(1).
24 - ومنها : ما قال أبو بصير : قلت لأبي الحسن موسی علیه السلام: بما يعرف الامام؟ قال : بخصال : أمّا أو لهنّ : فانّه خصّ بشيء قد تقدّم فيه من أبيه ، وإشارته إليه ليكون حجّة ، ويسأل فيجيب ، وإذا سكت عنه ابتدأ بما في غد ، و يكلّم الناس بكلّ لسان ، ثم قال : أعطيك علامة قبل أن تقوم .
فلم ألبث(2) أن دخل عليه خراساني فكلّمه بالعربيّة، فأجابه أبو الحسن علیه السلام بالفارسيّة .
فقال الخراساني : ما منعني أن أكلّمك بلساني إلاّ ظننت أنّك لا تحسنها .
فقال : سبحان اللّه إذا كنت لا أحسن أجيبك، فما فضلي عليك ، فبما أستحقّ(3)
به الامامة . ثمّ قال : إنّ الأمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا منطق الطير ولا کلام شيء فيه روح .(4).
ص: 335
فقال الرشيد [ يوماً ] : أحبّ أن أستبرىء(1) أمر عليّ بن يقطين، فانّهم يقولون :إنّه رافضيّ ، و الرافضة يخفّفون في الوضوء [ فطلبه ] فناطه(2) بشيء من الشغل في الدار حتّی دخل وقت الصلاة ، فوقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحیث یری عليّ بن يقطين ، ولا يراه هو ، وقد بعث إليه بالماء للوضوء ، فتوضّأ كما أمره موسی علیه السلام(3) (فقام الرشيد وقال)(4) : كذب من زعم أنّك رافضيّ.
فورد على علي بن يقطين [بعد ذلك] کتاب موسی بن جعفر علیه السلام: من الآن توضّأ كما أمر اللّه : اغسل وجهك مرّة فريضة ، و أخرى إسباغاً ، و اغسل [يديك](5)
من المرفقين كذلك ، وامسح مقدّم رأسك، وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما يخاف عليك .(6).
ص: 336
1- عن علي بن میثم ، عن أبيه [قال:] سمعت أبي يقول(1) : سمعت « نجمة » امّ الرضا علیه السلام تقول :
لمّا حملت بابني الرضا ، لم أشعر بثقل الحمل ، و كنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلا و تحميداً من بطني ، فيهولني ، فاذا انتبهت لم أسمع ، فلمّا وضعته وقع على الأرض ، واضعاً يده على الأرض ، رافعاً رأسه ، ويحرّك بشفتيه ، ويتكلّم.(2).
2- ومنها : عن إبراهيم بن موسی القزّاز - و كان يؤمّ في مسجد الرضا بخراسان - قال : ألححت على الرضا علیه السلام في شيء طلبته منه فخرج يستقبل بعض الطالبيين ، وجاءوقت الصلاة ، فمال إلى قصر هناك ، فنزل تحت شجرة(3) بقرب القصر وأنا معه، وليس معنا ثالث ، فقال : أذّن . فقلت : ننتظر يلحق بنا أصحابنا ؟
ص: 337
فقال : غفر الله لك ، لا تؤخّرنّ صلاة عن أول وقتها إلى آخر وقتها من غير علّة عليك ، ابدأ بأوّل الوقت . فأذّنت وصلّينا .
فقلت : يا ابن رسول اللّه قد طالت المدّة في العدة(1) التي وعدتنيها ، و أنا محتاج وأنت كثير الشغل(2) ، لا أظفر بمسألتك كلّ وقت.
قال : فحكّ بسوطه الأرض حکّاً شديداً ، ثمّ ضرب بيده إلى موضع الحكّ فأخرج سبيكة ذهب ، فقال : خذها إليك بارك الله لك فيها، وانتفع بها واكتم مارأيت.
قال : فبورك [ لي ] فيها حتّى اشتريت بخراسان ما كان قیمته سبعين ألف دينار فصرت أغنى الناس من أمثالي هناك .(3).
ص: 338
3- ومنها : ماقال محمد بن عبدالرحمن الهمداني : ركبني دین ضاق به صدري فقلت في نفسي : ما أجد لقضاء ديني إلاّ مولاي الرضا علیه السلام، فصرت إليه ، فقال لي :
قد قضى اللّه حاجتك، لايضيقنّ صدرك . ولم أسأله شيئاً حين قال ما قال! فأقمت عنده ، و كان صائماً ، فأمر أن يحمل إليّ طعام، فقلت: أنا صائم ، وأنا أحبّ أن آكل معك ، فأتبرّك بأكلي معك .
فلمّا صلّي المغرب جلس في وسط الدار، ودعا بالطعام ، فأكلت معه ، ثم قال: تبيت عندنا الليلة ، أو تقضي حاجتك فتنصرف ؟
فقلت : الانصراف بقضاء حاجتي أحبّ إليّ .
فضرب بيده الأرض ، فقبض منها قبضة ، فقال : خذ هذا . فجعلته في كمّي(1)،فاذا هو دنانير ! فانصرفت إلى منزلي ، فدنوت من المصباح لأعد الدنانير، فوقع من(2) يدي دینار ، فنظرت فاذا عليه مكتوب « خمسمائة دينار نصفها لدينك، و النصف الاخر لنفقتك».
فلمّا رأيت ذلك لم أعدّها ، فألقيت الدينار فيها ، فلمّا أصبحت طلبت الدينار فلم أجده في الدنانير ، وقد قلّبتها عشر مرّات (3) ، و كانت خمسمائة دينار !(4).
ص: 339
4- ومنها : ماروی إسماعيل بن أبي الحسن قال : كنت مع الرضا علیه السلام وقد قال(1) بيده على الأرض كأنّه يكشف شيئاً، فظهرت سبائك ذهب، ثم مسح بيده علیها(2) فغابت .
فقلت في نفسي : لو أعطاني واحدة منها . قال : لا، إن هذا الأمر لم يأت(3) وقته.(4).
5- ومنها : ما قال أبو إسماعيل السندي : سمعت بالسند(5) أن للّه في العرب حجّة ، فخرجت منها في الطلب ، فدللت على الرضا علیه السلام فقصدته ، فدخلت عليه وأنا لا أحسن من العربيّة كلمة .
فسلّمت بالسنديّة ، فردّ عليّ بلغتي ، فجعلت أكلّمه بالسنديّة ، وهو يجيبني بالسنديّة فقلت له: إنّي سمعت بالسند أنّ للّه حجّة في العرب ، فخرجت في الطلب فقال - بلغتي - : نعم، أناهو. ثم قال: فسل عمّا تريد.
فسألته عمّا أردته ، فلمّا أردت القيام من عنده قلت : إنّي لاأحسن من العربيّة شيئاً ،فادع اللّه أن يلهمنيها لأتكلّم بها مع أهلها .
فمسح يده على شفتي ، فتكلّمت بالعربيّة من وقتي .(6).
ص: 340
6-ومنها: ماروي عن محمّد بن الفضل الهاشمي قال : لمّا توفّي [الامام] موسی ابن جعفر علیه السلام أتيت المدينة ، فدخلت على الرضا علیه السلام فسلّمت عليه بالأمر و أوصلت إليه ما كان معي، وقلت : إنّي صائر إلى البصرة ، و عرفت كثرة خلاف الناس وقد نعي إليهم موسی علیه السلام وما أشكّ أنّهم سيسألوني عن براهين الامام ، فلو أريتني شيئاً من ذلك ؟
فقال الرضا علیه السلام لم يخف عليّ هذا ، فأبلغ أولياءنا بالبصرة وغيرها أنّي قادم عليهم ، ولاقوّة إلا باللّه . ثمّ أخرج إليّ جميع ما كان للنبيّ صلی الله علیه و آله و سلم عند الأئمة:من بردته وقضيبه و سلاحه وغير ذلك .
فقلت : ومتى تقدم عليهم ؟ قال: بعد ثلاثة أيّام من وصولك ودخولك البصرة .
فلمّا قدمتها سألوني عن الحال فقلت لهم : إنّي أتيت موسی بن جعفر علیهما السلام قبل وفاته بيوم واحد ، فقال : إنّي ميّت لا محالة، فاذا واريتني في لحدي فلاتقيمنّ ، وتوجّه إلى المدينة بودائعي هذه، وأوصلها إلى ابني «عليّ بن موسی» فهو وصيّي وصاحب الأمر بعدي. ففعلت ما أمرني به، وأوصلت الودائع إليه، وهو يو افيكم إلى ثلاثة أيّام من يومي هذا فاسألوه عمّا شئتم .
فابتدر للكلام عمرو بن هذّ اب من القوم ، و كان ناصبيّاً بنحو نحو التزيّد(1) والاعتزال ، فقال : يا محمّد إنّ الحسن بن محمّد رجل من أفاضل أهل هذا البيت في ورعه وزهده وعلمه وسنّه ، وليس هو کشابّ مثل عليّ بن موسى ، و لعلّه لو سئل عن [شيء من] معضلات الأحكام لحار في ذلك .
فقال الحسن بن محمّد - و كان حاضراً في المجلس - : لاتقل یاعمر وذلك، فان عليّاً على ما وصف من الفضل ، و هذا محمّد بن الفضل يقول : إنّه يقدم إلى ثلاثة أيّام
ص: 341
فكفاك به دليلا . و تفرّقوا.
فلمّا كان في اليوم الثالث من دخولي البصرة إذا الرضا صلی الله علیه و آله و سلم قد وافی(1) فقصد منزل الحسن بن محمّد وأخلى له داره ، وقام بين يديه، يتصرّف بين أمره ونهيه فقال : یا [حسن بن] محمّد أحضر جميع القوم الّذين حضروا عند محمّد بن الفضل و غيرهم من شيعتنا ، وأحضر جاثليق النصاری ، ورأس الجالوت(2)، ومر(3) القوم أن يسألوا عمّا بدالهم.
فجمعهم كلّهم و الزيديّة والمعتزلة وهم لا يعلمون لمايدعوهم الحسن بن محمّد فلمّا تكاملوا ثني للرضا صلی الله علیه و آله و سلم وسادة ، فجلس عليها ، ثم قال :
السلام عليكم ورحمة اللّه و بركاته ، هل تدرون لم بدأتكم بالسلام ؟ فقالوا : لا.
قال : لتطمئن(4) أنفسكم . قالوا : ومن أنت يرحمك اللّه ؟
قال : أنا عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ، صلّيت اليوم الفجر في مسجد رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم مع والي المدينة وأقر أني - بعد أن صلّینا - کتاب صاحبه إليه ، و استشارني في كثير من أموره ، فأشرت عليه(5) بما فيه الحظّ له، ووعدته أن يصير إليّ بالعشيّ بعد العصر من هذا اليوم، ليكتب عندي جواب کتاب صاحبه ، وأنا وان له بما وعدته به، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه .
فقال الجماعة : يا ابن رسول اللّه ما نريد مع هذا الدليل برهاناً أكبر منه ، وإنك عندنا الصادق القول . وقاموا لينصرفوا ، فقال لهم الرضا علیه السلام:
ص: 342
لا تفرقوا(1) فانّي إنمّا جمعتكم لتسألوني(2) عمّاشئتم من آثار النبوّة وعلامات الامامة التي لاتجدونها إلاّ عندنا أهل البيت ، فهلمّوا مسائلكم .
فابتدر(3) عمرو بن هذّاب فقال : إنّ محمّد بن الفضل الهاشميّ ذكر عنك أشياء لاتقبلها القلوب . فقال الرضا علیه السلام: وما تلك ؟
قال : أخبرنا عنك أنّك تعرف كل ما أنزله اللّه ، وأنّك تعرف كلّ لسان و لغة !
فقال الرضا علیه السلام: صدق محمّد بن الفضل فأنا أخبرته بذلك فهلمّوا فاسألوا .
قال: فانّا نختبرك قبل كل شيء بالألسن واللّغات ، وهذا روميّ، وهذا هنديّ (4)و[هذا] فارسيّ ، و[هذا] تركيّ .فأحضرناهم .
فقال علیه السلام فليتكلّموا بما أحبّوا ، جب كلّ واحد منهم بلسانه إن شاء اللّه .
فسأل كلّ واحد منهم مسألة بلسانه ولغته، فأجابهم عمّا سألوا بألسنتهم و لغاتهم فتحيّر الناس وتعجبّوا، وأقرّوا جميعاً بأنّه أفصح منهم بلغاتهم.
ثم نظر الرضا علیه السلام إلى ابن هذّاب فقال: إن أنا أخبرتك أنّك ستبتلى في هذه الأيام بدم ذي رحم لك أكنت مصدّقا لي ؟ قال : لا، فانّ الغيب لايعلمه إلاّ اللّه تعالی .
قال علیه السلام: أوليس اللّه يقول: «عالم الغيب فلايظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضی من رسول»(5) فرسول اللّه عنداللّه مر تضی ، و نحن ورثة ذلك الرسول الّذي أطلعه اللّه على ما شاء من غيبه ، فعلمنا ما كان ومایکون إلى يوم القيامة ، وإنّ الّذي أخبرتك [به] يا بن هذّاب لكائن إلى خمسة أيّام ، فان لم يصحّ ما قلت لك في هذه المدّة فانّي(6)كذّاب مفتر، وإن صحّ فتعلم أنّك الرادّ علي اللّه و على رسوله .
ولك دلالة أخرى: أما إنّك ستصاب ببصرك ، وتصير مكفوفاً ، فلاتبصر سهلا ولا
ص: 343
جبلا، وهذا كائن بعد أيّام .
ولك عندي دلالة أخرى : إنّك ستحلف يميناً كاذبة فتضرب بالبرص .
قال محمد بن الفضل : فوالله لقد نزل ذلك كلّه بابن هذّاب ، فقيل له : أصدق الرضا أم كذب ؟ قال : لقد علمت في الوقت الّذي أخبرني به أنه كائن ولكنّي كنت أتجلّد . ثمّ إنّ الرّضا علیه السلام إلتفت إلى الجاثليق فقال: هل دلّ الانجيل على نبوّة محمد صلی الله علیه و آله و سلم ؟ قال: لودلّ الانجيل على ذلك ماجحدناه .
فقال علیه السلام: أخبرني عن السكتة(1) التي لكم في السفر الثالث .
فقال الجاثليق : اسم من أسماء اللّه تعالى لا يجوز لنا أن نظهره .
قال الرضا علیه السلام : فان قرّرتك(2) أنّه اسم محمّد وذكره ، و أقر(3) عيسي به، وأنه بشّر بني إسرائيل بمحمّد أتقرّ به ولاتنكره ؟
قال الجاثليق : إن فعلت أقررت ، فانّي لاأردّ الانجيل ولاأجحده .
قال الرّضا علیه السلام: فخذعليّ السفر الثالث الّذي فيه ذكر محمّد ، و بشارة عيسی بمحمّد . قال الجاثليق : هات! فأقبل الرضا علیه السلام يتلو ذلك السفر - الثالث من الانجيل - حتّی بلغ ذکر محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، فقال : ياجاثليق من هذا النبيّ الموصوف؟
قال الجاثليق : صفه ؟ قال : لا أصفه إلاّ بما وصفه اللّه : هو صاحب الناقة والعصا والكساء ، النبيّ الأمّي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، یأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ويحلّ لهم الطيّبات ، و يحرّم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم(4) والأغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الأقصد(5) والمنهاج الأعدل ، والصراط الأقوم .
ص: 344
سألتك يا جاثليق بحقّ عیسی روح الله و كلمته ، هل تجد (1) هذه الصفة في الانجيل لهذا النبيّ ؟ فأطرق الجاثلیق مليّاً، وعلم أنّه إن جحد الانجيل كفر، فقال:
[نعم] هذه الصفة في الانجيل ، و قد ذكر عيسى هذا النبيّ ، (و لم يصح عند النصارى أنّه صاحبکم) (2).
فقال الرضا علیه السلام: أمّا إذا لم تكفر بجحود الانجيل ، وأقررت بما فيه من صفة محمّد صلی الله علیه و آله و سلم فخذعليّ في السفر الثاني ، فانّي أوجدك ذكره ، وذكر وصيّه ، وذكر ابنته فاطمة ، وذكر الحسن والحسين.
فلمّا سمع الجاثليق و رأس الجالوت ذلك علما أنّ الرضا علیه السلام عالم بالتوراة والانجيل فقالا: واللّه قد أتى بما لا يمكننا ردّه ولا دفعه، إلاّ بجحود التوراة والانجيل والزبور ، وقد بشّر به موسی و عیسی جميعاً ، و لكن لم يتقرّر عندنا بالصحّة أنّه محمّد هذا ، فأمّا اسمه محمّد ، فلا يجوز(3) لنا أن نقرّ لكم بنبوّته ، ونحن شاكّون أنّه محمّدكم أو غيره .
فقال الرضا علیه السلام: إحتجزتم(4) بالشكّ ، فهل بعث اللّه قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبياًّ اسمه محمّد صلی الله علیه و آله و سلم ؟ أو تجدونه في شيء من الكتب الّتي أنزلها اللّه على جميع الأنبياء غير محمّدنا ؟ فأحجموا عن جوابه و قالوا : لا يجوز لنا أن نقرّ لكم بأنّ محمّداً هو محمّد كم(5) لأنّا إن أقررنا لك بمحمّد ووصيّه وابنته وابنيه على ماذكرت أدخلتمونا في الاسلام كرهاً .
ص: 345
فقال الرضا علیه السلام : أنت یا جاثليق آمن في ذمّة اللّه وذمّة رسوله أنه لا يبدؤك منّا شيء تكره ممّا تخافه وتحذره .
قال : أمّا إذا قد آمنتني فانّ هذا النبيّ الّذي اسمه «محمّد» وهذا الوصيّ الّذي إسمه «علي» وهذه البنت التي إسمها «فاطمة» وهذان السبطان اللّذان إسمهما «الحسن والحسين» في التوراة والإنجيل والزبور .
قال الرضا علیه السلام : فهذا الّذي ذكرته في التوراة والانجيل والزبور من اسم هذا النبيّ ، وهذا الوصيّ، وهذه البنت ، وهذين السبطين، صدق وعدل أم كذب وزور؟
قال : بل صدق و عدل ، وما قال اللّه إلاّ الحقّ .
فلمّا أحذ الرضا علیه السلام إقرار الجاثلیق بذلك ، قال لرأس الجالوت : فاستمع الان يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود . قال : هات بارك اللّه عليك وعلى من ولدك . فتلا الرضا علیه السلام السفر الأوّل من الزبور حتّى انتهى إلى ذكر محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : سألتك يا رأس الجالوت بحقّ اللّه أهذا في زبور داود ؟ ولك من الأمان والذمّة والعهد ما قد أعطيته الجاثليق .
فقال رأس الجالوت : نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم .
قال الرضا علیه السلام: فبحقّ العشر الآيات التي أنزلها اللّه على موسى بن عمران علیه السلام في التوراة ، هل تجد صفة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل ؟ قال : نعم ، ومن جحد هذا فهو كافر بربّه و أنبيائه .
قال له الرضا علیه السلام: فخذ الان علي سفر كذا من التوراة . فأقبل الرضا علیه السلام، يتلو التوراة، و أقبل رأس الجالوت يتعجّب من تلاوته وبيانه ، وفصاحته و لسانه حتّى إذا بلغ ذکر محمّد قال رأس الجالوت : نعم ، هذا أحماد و بنت أحماد وإليا و شبّر وشبير ، و تفسيره بالعربيّة : محمّد و علي وفاطمة والحسن والحسين .
فتلا الرضا علیه السلام السفر إلى تمامه.
ص: 346
فقال رأس الجالوت - لمّا فرغ من تلاوته-: واللّه يا ابن محمّد لولا الرئاسة التي قد حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحماد ، واتبّعت أمرك ، فو اللّه الّذي أنزل التوراة على موسى ، والزبور على داود، والانجيل على عيسی ما رأيت أقرأ للتوراة والانجيل والزبور منك ، ولارأيت أحداً أحسن بیاناً و تفسيراً و فصاحة لهذه الكتب منك .
فلم يزل الرضا علیه السلام معهم في ذلك إلى وقت الزوال ، فقال لهم - حين حضر وقت الزوال - : أنا أصلّي وأصير إلى المدينة للوعد (1) الّذي وعدت به والي المدينة ليكتب جواب كتابه ، وأعود إليكم بكرة، إن شاء اللّه .
قال : فأذن عبداللّه بن سليمان ، وأقام ، وتقدّم الرضا علیه السلام فصلّى بالناس ، وخفّف القراءة ، وركع تمام السنّة ، و انصرف. فلمّا كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك فأتوه بجارية روميّة، فكلّمها بالروميّة - والجاثليق بسمع، و كان فهماً بالروميّة.
فقال الرضا علیه السلام- بالروميّة - لها : أيّما أحبّ إليك محمّد أم عیسی ؟
فقالت : كان فيما مضى عيسى أحبّ إليّ حين لم أكن عرفت محمداً، فأما بعد أن عرفت محمّداً، فمحمّد الأن أحبّ إليّ من عیسی و من كلّ نبيّ. فقال لها الجاثليق : فاذا كنت دخلت في دين محمّد فتبغضين عیسی ؟
قالت : معاذ اللّه بل أحبّ عيسى وأؤمن به ، ولكنّ محمّداً أحب إليّ .
فقال الرضا علیه السلام للجاثليق : فسّر للجماعة ما تكلّمت به الجارية ، وما قلت أنت لها وما أجابتك به . ففسّر لهم الجاثليق ذلك كلّه(2) ، ثمّ قال الجاثليق :
يا ابن محمّد ههنا رجل سنديّ وهو نصراني صاحب احتجاج و کلام بالسنديّة(3)
فقال له : أحضرنيه . فأحضره ، فتكلّم معه بالسنديّة ، ثمّ أقبل يحاجّه و ينقله
ص: 347
من شيء إلى شيء - بالسنديّة - في النصرانيّة.
فسمعنا السنديّ يقول بالسندية : بثطي بثطی بثطلة(1) .
فقال الرضا علیه السلام قد وحّد اللّه بالسنديّة.
ثم كلّمه في عیسی و مریم ، فلم يزل یدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسنديّة: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، و أنّ محمّداً رسول اللّه . ثمّ رفع منطقة كانت عليه فظهر من تحتها زنّار(2) في وسطه فقال : اقطعه أنت بيدك يا ابن رسول اللّه .
فدعا الرضا علیه السلام بسكّين، فقطعه، ثمّ قال لمحمّد بن الفضل الهاشمي : خذ السنديّ إلى الحمّام فطهّره ، واکسه وعياله واحملهم جميعاً إلى المدينة .
فلمّا فرغ من مخاطبة(3) القوم ، قال : قد صحّ عندكم صدق ما كان محمّدبن الفضل يلقي عليكم عنّي؟ فقالوا [بأجمعهم]: نعم ، و اللّه قد بان لنا منك فوق ذلك أضعافاً مضاعفة ، وقد ذكر لنا محمّد بن الفضل أنّك تحمل إلى خراسان ؟
فقال : صدق محمّد إلا أنّي أحمل مكرّماً معظّماً مبجّلا.
قال محمد بن الفضل : فشهد له الجماعة بالامامة ، وبات عندنا تلك الليلة فلمّا أصبح ودّع الجماعة وأوصاني بما أراد ، ومضى ، وتبعته أشيّعه(4) حتّی إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق ، فصلّى أربع ركعات.
ثمّ قال : يا محمّد انصرف في حفظ اللّه ، غمّض طرفك . فغمضته ، ثم قال : افتح عينيك . ففتحتهما فإذا أنا على باب منزلي بالبصرة ! ولم أر الرضا علیه السلام .
ص: 348
قال : وحملت السنديّ وعياله إلى المدينة في وقت الموسم.(1).
7- ومنها : ماروی في دخول الرضا (ع) الكوفة :
قال محمّد بن الفضل : كان فيما أوصاني به الرضا علیه السلام في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي : صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك وأعلمهم أنّي قادم عليهم .
و أمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري ، فصرت إلى الكوفة ، فأعلمت الشيعة أن الرضا علیه السلام قادم عليهم .
فأنایوماً عند نصر بن مزاحم إذ مرّبي سلام خادم الرضا علیه السلام، فعلمت أن الرضا علیه السلام قد قدم، فبادرت إلى دار حفص بن عمير ، فاذاهو في الدار، فسلّمت عليه ، ثمّ قال لي :
احتشد [لي](2) في طعام تصلحه للشيعة .
فقلت : قداحتشدت و فرغت ممّايحتاج إليه. فقال : الحمدللّه على توفيقك .
فجمعنا الشيعة ، فلمّا أكلوا قال : يا محمّد انظر من بالكوفة من المتكلّمين والعلماء فأحضرهم. فأحضرناهم، فقال لهم الرضا علیه السلام: إنّي أريد أن أجعل لكم حظّاً من نفسي كما جعلت لأهل البصرة ، وإنّ اللّه قد أعلمني كل كتاب أنزله.
ثم أقبل على (جاثليق ، و كان معروفاً بالجدل والعلم)(3) و الانجيل فقال :
یاجاثلیق ، هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء بعلّقها في عنقه ، إذا كان
ص: 349
بالمغرب، فأراد المشرق فتحها ، فأقسم على الله باسم واحد من الخمسة(1) أن تنطوي له الأرض ، فيصير من المغرب إلى المشرق (2) و من المشرق إلى المغرب في لحظة؟
فقال الجاثليق : لا علم لي بها(3) و أمّا الأسماء الخمسة فقد كانت معه [بلاشك و] يسأل اللّه بها، أو بواحد منها فيعطيه اللّه جميع ما سأله .
قال: اللّه أكبر إذ لم تنكر الأسماء ! فأمّا الصحيفة فلايضرّ أقررت بها أو أنكرت إشهدوا على قوله(4) .
ثمّ قال : يا معاشر الناس اليس أنصف الناس من حاجّ خصمه بملّته و بکتابه وبنبيّه وشريعته ؟ قالوا : نعم . قال الرضا علیه السلام: فاعلموا أنّه ليس بامام بعدمحمّد إلاّ من قام بما قام به محمّد حين يفضي(5) الأمر إليه ، ولا تصلح الامامة إلاّ لمن حاجّ الأمم بالبراهين للامامة .
فقال رأس الجالوت : وما هذا الدليل على الامام ؟
قال : أن يكون عالماً بالتوراة والانجيل والزبور والقرآن الحكيم ، فيحاجّ أهل التوراة بتوراتهم ، وأمل الانجيل با نجيلهم ، وأهل القرآن بقرآنهم ، وأن يكون عالماً بجميع اللغات حتّى لا يخفى عليه لسان واحد ، فيحاجّ كل قوم بلغتهم ثمّ يكون مع هذه الخصال تقيّاً نقيّاً من كلّ دنس، طاهراً من كلّ عيب ، عادلا ،منصفاً ، حكيماً ، رؤوفاً ، رحيماً ، حليماً ، غفوراً ، عطوفاً ، صدوقاً(6)، باراً ، مشفقاً ، أميناً، مأموناً ، راتقاً ، فاتقاً.
فقام إليه نصر بن مزاحم فقال : يا ابن رسول اللّه ما تقول في جعفر بن محمّد؟
ص: 350
فقال : ما أقول في إمام شهدت أمّة محمّد قاطبة بأنّه كان أعلم أهل زمانه !
قال : فما تقول في موسی بن جعفر ؟ قال : كان مثله .
قال : فانّ الناس قد تحيّروا في أمره.
قال : إنّ موسی بن جعفر عمّر برهة من دهره (1) فكان يكلّم الأنباط بلسانهم ،ويكلّم أهل خراسان بالدرية ، وأهل الروم(2) بالروميّة ، ويكلّم العجم بألسنتهم ،و كان يرد عليه من الآفاق علماء اليهود والنصارى ، فيحاجّهم بكتبهم وألسنتهم .
فلمّا نفدت(3) مدّته ، و كان وقت وفاته أتاني مولی برسالته يقول : يا بنيّ إنّ الأجل قد نفد ، والمدّة قد إنقضت ، وأنت وصيّ أبيك ، فانّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم لمّا كان وقت وفاته دعا عليّاً وأوصاه ، ودفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خصّ اللّه بها الأنبياء والأوصياء ، ثمّ قال: يا عليّ أدن منّي .[فدنا منه] فغطّی رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم رأس علي علیه السلام بملاءته ، ثمّ قال له : أخرج لسانك . فأخرجه فختمه بخاتمه، ثمّ قال : يا علي اجعل لساني في فيك فمصّه(4) ، وابلع كلّ ما تجد في فيك .
ففعل علىّ ذلك ، فقال له : إنّ اللّه قد فهّمك ما فهّمني ، وبصّرك ما بصّرني و أعطاك من العلم ما أعطاني ،إلا النبوّة، فانّه لانبيّ بعدي، ثمّ كذلك إماماً بعد إمام.
فلمّا مضی موسی علمت كلّ لسان و كلّ كتاب [ و ما كان و ما سيكون بغير تعلّم ، وهذا سرّ الأنبياء أودعه الله فيهم ، والأنبياء أودعوه إلى أوصيائهم ، ومن لم يعرف ذلك و يحقّقه ، فليس هو على شيء ، ولاقوة إلاّ بالله] .(5).
ص: 351
8- ومنها: ما روي في وفاة الرضا علیه السلام: حدّث أبو عبدالله محمّد بن سعيد النيشابوري - متوجّهاً إلى الحجّ - عن أبي الصلت الهرويّ - وكان خادماً الرضا علیه السلام- قال : أصبح الرضا علیه السلام يوماً فقال لي : ادخل هذه القبّة التي فيها هارون ، فجئني بقبضة تراب من عند بابها ، وقبضة من يمنتها، وقبضة من یسر تھا ، وقبضة من صدرها ، وليكن كلّ تراب منها على حدته .
فصرت إليها ، فأتيته بذلك ، وجعلته بين يديه على منديل ، فضرب بيده إلى تربة الباب فقال: هذا من عند الباب ؟ قلت : نعم .
قال : غداً تحفر لي في هذا الموضع، فتخرج صخرة لاحيلة فيها(1) .
ثمّ قذف به ، و أخذ تراب اليمنة ، وقال : هذا من يمنتها ؟ قلت : نعم .
قال : ثمّ تحفر لي في هذا الموضع ، فتظهر نبكة(2) لا حيلة فيها .
ثمّ قذف به ، وأخذتراب اليسرة ، وقال : ثمّ تحفر لي في هذا الموضع ، فتخرج نبكة مثل الأولى ، وقذف به .
وأخذ تراب الصدر فقال: وهذا تراب من الصدر ، ثمّ تحفر لي في هذا الموضع، فيستمرّ الحفر إلى أن يتمّ ، فإذا فرغ(3) من الحفر ، فضع يدك على أسفل القبر ، و تكلّم بهذه الكلمات ...(4)، فانّه سينبع الماء حتّى يمتلىء القبر ، فتظهر فيه سميكات
ص: 352
صغار ، فاذا رأيتها ففتّت لها كسرة(1) ، فاذا أكلتها خرجت حوتة كبيرة ، فابتلعت تلك السميكات كلّها ثمّ تغيب .
فاذا غابت فضع يدك على الماء، و أعد الكلمات ، فانّ الماء ينضب كلّه وصل المأمون عنّي أن يحضر وقت الحفر ، فانّه سيفعل ليشاهد هذا كلّه .
ثم قال علیه السلام: الساعة يجيء رسوله فاتّبعني ، فان قمت من عنده مکشوف الرأس فكلّمني بما تشاء ، وإن قمت من عنده مغطّى الرأس فلاتكلّمني بشيء.
قال : فوافاه رسول المأمون ، فلبس الرضا علیه السلام ثيابه و خرج وتبعته، فلمّا دخل إلى المأمون وثب إليه ، فقبّل بين عينيه ، وأجلسه معه على مقعده ، و بين يديه طبق صغير، فيه عنب، فأخذعنقوداً قد أكل نصفه و نصفه باق - و قد كان شرّ به بالسمّ - وقال للرضا علیه السلام : حمل إليّ هذا العنقود ، فاستطبته، فأكلت منه ، وتنغّصت(2) به أن لاتأكل منه، فأسألك أن تأكل منه .
قال: أو تعفيني من ذلك ؟ قال: لاواللّه ، فانّك تسرّ ني بما تأكل منه .
قال : فاستعفاه ثلاث مرّات ، وهو يسأله بمحمّد وعليّ أن يأكل منه .
فأخذ منه ثلاث حبّات فأكلها وغطّى رأسه ونهض من عنده .
فتبعته و لم أكلّمه بشيء حتّى دخل منزله، فأشار إليّ أن اغلق الباب، فأغلقته وصار إلى مقعد له، فنام عليه، وصرت أنا في وسط الدار ، فاذا غلام عليه وفرة(3) ظننته ابن الرضا علیه السلام ولم أكن قد رأيته قبل ذلك ، فقلت : يا سيدي الباب مغلق، فمن أين دخلت ؟
فقال: لاتسأل عمّا لا تحتاج إليه. وقصد إلى الرضا علیه السلام.
فلمّا بصر به الرضا علیه السلام وثب إليه، وضمّه إلى صدره ، وجلسا جميعاً على المقعد
ص: 353
ومدّ الرضا علیه السلام الرداء عليهما، فتناجيا طويلا بما لم أعلمه .
ثمّ امتدّ الرضا علیه السلام على المقعد ، وغطّاه محمّد بالرداء ، وصار إلى وسط الدار.
فقال : يا أبا الصّلت . قلت : لبّيك يا ابن رسول اللّه . .
قال: أعظم اللّه أجرك في الرضا فقد مضى .
فبكيت ، قال: لاتبك ، هات المغتسل والماء لنأخذ في جهازه .
فقلت : يا مولاي الماء حاضر ، و لكن ليس في الدار مغتسل إلاّ أن يحضر من خارج الدار فقال: بل(1) هو في الخزانة .
فدخلتها فوجدت فيها مغتسلا لم أره قبل ذلك، فأتيته به وبالماء .
ثم قال : تعال حتّى نحمل الرضا علیه السلام. فحملناه على المغتسل .
ثمّ قال : اغرب(2) عنّي . فغسّله هو وحده ، ثمّ قال : هات أكفانه و الحنوط .
قلت: لم نعدّ له كفناً ! فقال: ذلك في الخزانة .
فدخلتها فرأيت في وسطها أكفاناً و حنوطاً لم أره قبل ذلك ، فأتيته به فكفّنه وحنّطه .
ثم قال لي : هات التابوت من الخزانة . فاستحييت منه أن أقول: ماعندنا تابوت.
فدخلت الخزانة فوجدت فيها تابوتاً لم أره قبل ذلك، فأتيته به فجعله فيه .
فقال: تعال حتّى نصلّي عليه . وصلّى بي، وغربت الشمس ، و كان وقت صلاة المغرب ، فصلّی بي المغرب والعشاء، وجلسنا نتحدّث ، فانفتح السقف ورفع التابوت .
فقلت : يا مولاي ليطالبني المأمون به فما تكون حيلتي؟
قال: لا عليك ، فانه سيعود إلى موضعه ، فما من نبيّ يموت في مغرب الأرض ولايموت وصيّ من أوصيائه في مشرقها ، إلا جمع اللّه بينهما قبل أن يدفن .
فلمّا مضى من الليل نصفه أو أكثر إذا التابوت قدر جع من السقف حتّى استقرّ مكانه .
فلمّا صلّينا الفجر قال لي : افتح باب الدار ، فانّ هذا الطاغية يجيئك الساعة
ص: 354
فعرّفه أنّ الرضا علیه السلام قد فرغ من جهازه . قال : فمضيت نحو الباب فالتفتّ فلم أره! فلم يدخل من باب ، ولم يخرج من باب ، قال: وإذا المأمون قد وافی، فلمّار آني قال : مافعل الرضا ؟ قلت: أعظم اللّه أجرك في الرضا . فنزل و خرّق(1) ثيابه ، وسفی(2)
التراب على رأسه ، و بکی طویلا ، ثم قال : خذوا في جهازه . قلت: قد فرغ منه .
قال :ومن فعل به ذلك ؟ قلت: غلام وافاه لم أعرفه إلا أنّي ظننته ابن الرضا علیه السلام .
قال: فاحفروا له في القبّة. قلت: فانّه يسألك أن تحضر موضع الحفرة(3) . قال: نعم أحضروا کردسیّاً . فجلس عليه، وأمرأن يحفر له عند الباب، فخرجت الصخرة ، فأمر بالحفر في يمنة القبّة، فخرجت النبكة، ثمّ أمر بذلك في يسرتها فظهرت النبكة الاخرى فأمر بالحفر في الصدر فاستمرّ الحفر .
فلمّا فرغ منه، وضعت يدي على أسفل القبر ، و تكلّمت بالكلمات ، فنبع الماء و ظهرت السميكات ، ففتّتت لها كسرة خبز فأكلتها ، ثمّ ظهرت السمكة الكبيرة فابتلعتها كلّها وغابت ، فوضعت يدي على الماء ، وأعدت الكلمات فنضب الماء كلّه وانتزعت الكلمات من صدري من ساعتي ، فلم أذكر منها حرفاً واحداً .
فقال المأمون : يا أبا الصلت ، الرضا علیه السلام أمرك بهذا ؟ قلت : نعم .
قال: فمازال الرضا يرينا العجائب في حياته ، ثمّ أراناها بعد وفاته .
فقال الوزير : ماهذا ؟ قال: ألهمت أنّه ضرب لكم مثلا بأنكم تتمتّعون في الدنيا قليلا مثل هذه السميكات ، ثمّ يخرج واحد منهم فيهلككم.
فلمّا دفن علیه السلام قال لي المأمون : علّمني الكلمات . قلت: واللّه انتزعت من قلبي فما أذكر منهاحرفاً، و باللّه لقد صدقته ، فلم يصدّقني، وتوعّدني بالقتل إن لم أعلّمه إياها وأمر بي إلى الحبس ، فكان في كلّ يوم يدعوني إلى القتل أو تعليمه ذلك ، فأحلف له مرّة بعد أخرى ، كذلك سنة فضاق صدري ، فقمت ليلة جمعة فاغتسلت ، و أحييتها
ص: 355
راكعاً وساجداً و با کیاً و متضرّعاً إلى الله في خلاصي .
فلمّا صلّيت الفجر إذا أبو جعفر بن الرضا علیه السلام قد دخل إليّ وقال : يا أبا الصلت ضاق صدرك ؟ قلت: إي والله يا مولاي.
قال: أما لو فعلت قبل هذا ما فعلته الليلة لكان الله قد خلّصك كما يخلّصك الساعة .
ثمّ قال : قم . فقلت : إلى أين والحرّاس على باب السجن والمشاعل بين أيديهم ؟ قال : قم فانّهم لا يرونك ، ولا تلتقي معهم بعد يومك هذا . فأخذ بيدي وأخرجني من بينهم ، وهم قعود يتحدّثون و المشاعل بين أيديهم ، فلم يرونا .
فلمّا صرنا خارج السجن قال: أيّ البلاد ترید؟ قلت: منزلي بهراة .
قال: أرخ(1) رداءك على وجهك . وأذ بيدي فظننته حوّلني عن يمنته إلى يسرته ثمّ قال لي : اكشف وجهك . فكشفته ، فلم أره، فاذا أنا على باب منزلي ، فدخلته فلم ألتق مع المأمون ، ولامع أحد من أصحابه إلى هذه الغاية .(2).
9- ومنها : ماروی محمّد بن عيسى ، عن هشام العبّاسي قال : طلبت بمكّة
ص: 356
ثوبين سعيديّين(1) أهديهما لابني، فلم أصب بمكّة منها شيئاً على ما أردت .
فمررت بالمدينة في منصرفي ، فدخلت على الرضا علیه السلام فلمّا ودّعته وأردت الخروج ، دعا بثوبين سعيديّين - على عمل الوشي الذي كنت طلبت - فدفعهما إليّ وقال : اقطعهما لابنك .(2).
10 - ومنها : ماروی أبو عبد الله البرقي ، عن الحسن بن موسی بن جعفر، قال :خرجنا مع أبي الحسن علیه السلام إلى بعض أمواله في يوم لاسحاب فيه، فلمّا برزنا قال : حملتم معكم المماطر؟ قلنا: وما حاجتنا إلى المماطر، وليس سحاب ولانتخوّف المطر!
قال: لكنّي قد حملته و ستمطرون.
قال: فما مضينا إلاّ يسيراً حتى ارتفعت سحابة، و مطرنا حتّی أهمّتنا أنفسنا ، فما بقي منّا أحد إلا ابتلّ غيره .(3).
11 - ومنها : ماروی محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن يحيى، قال :
ص: 357
زوّدتني جارية لي ثوبين ملحمين(1)، وسألتني أن أحرم فيهما، فأمرت الغلام فوضعهما في العيية(2) فلمّا انتهيت إلى الوقت الّذي ينبغي أن أحرم فيه ، دعوت بالثوبين لألبسهما ، ثم اختلج في صدري(3) فقلت : ما أظنّه ينبغي (أن أحرم فيهما)(4).
فتركتهما و ليست غيرهما.
فلمّا صرت بمكّة كتبت كتاباً إلى أبي الحسن الرضا علیه السلام، و بعثت إليه بأشياء كانت معي ، ونسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس(5) الملحم ؟
فلم ألبث أن جاءني الجواب بكلّ ماسألته عنه، وفي أسفل الكتاب: لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم .(6).
12- ومنها: ماقال عليّ بن الحسين بن يحيى : كان لنا أخ يرى رأي الأرجاء (7).يقال له : عبد الله ، و كان يطعن علينا .
فكتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أشكو إليه و أسأله الدعاء، فكتب إليّ : سترى حاله
ص: 358
إلى ما تحبّ ، وأنّه لن يموت إلاّ على دين اللّه، وسيولد له من امّ ولد له - فلانة. غلام.
قال عليّ بن الحسين بن یحیی : فما مكثنا إلا أقلّ من سنة حتّى رجع إلى الحقّ فهو اليوم خير أهل بيتي، وولد له - بعد كتاب أبي الحسن - من ام ولده تلك غلام!(1).
12 - و منها : ماقال سليمان بن جعفر الجعفري كنت مع الرضا علیه السلام في حائط(2) له و أنا أحدّثه إذجاء عصفور، فوقع بين يديه، وأخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب فقال لي : تدري ما يقول هذا العصفور ؟ قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.
قال: قال : إن حيّة تريد أن تأكل فراخي في البيت . فقم فخذ تلك النسعة(3) وادخل البيت ، و اقتل الحيّة.
قال: فقمت، وأخذت النسعة فدخلت البيت ، وإذاحيّة تجول في البيت فقتلتها.(4).
ص: 359
14 - ومنها : ماقال أبو محمّد المصري، عن أبي محمّد البرقي(1) قال: دخلت على الرضا علیه السلام فسلّمت عليه، فأقبل يحدّثني و يسألني إذ قال لي :
يا أبا محمّد ما ابتلى اللّه عبداً مؤمناً بيليّة فصبر عليها إلاّ كان له مثل أجر ألف شهيد.
قال: ولم يكن قبل ذلك في شيء من ذكر العلل والمرض و الوجع ، فأنكرت ذلك من قوله ، وقلت: ما محل هذا(2) - فيما بيني و بين نفسي - رجل أنا معه في حديث قد عنيت به إذ حدّثني بالوجع في غير موضعه.
فودّعته وخرجت من عنده ، فلحقت بأصحابي - وقدار تحلوا - فاشتكيت رجلي من ليلتي فقلت : هذا ممّا تعنّيت(3).
فلمّا كان من الغد تورّمت ، ثمّ أصبحت وقد اشتدّ الورم ، فذكرت قوله علیه السلام.
فلمّا وصلت إلى المدينة جرى فيها القيح، وصار جرحاً عظيماً لا أنام ، و لا أنيم فعلمت أنّه حدّث بهذا الحديث لهذا المعنى، وبقيت بضعة عشر شهراً صاحب فراش.
قال الراوي : ثم أفاق ، ثمّ نكس منها فمات .(4).
15- ومنها: ماقال الحسن بن علي بن فضال : إنّ عبد اللّه بن المغيرة قال : كنت
ص: 360
واقفياً(1)، وحججت على تلك الحالة .
فخلج في صدري بمكّة شيء ، فتعلّقت بالملتزم(2) ثم قلت : اللّهم قد علمت طلبتي وإرادتي، فأرشدني إلى خير الأديان . فوقع في نفسي أن آتي الرضا علیه السلام، فأتيت المدينة ، فوقفت بیابه، فقلت للغلام : قل لمولاك : رجل من أهل العراق بالباب .
فسمعت نداءه وهو يقول: أدخل ياعبد اللّه بن المغيرة. فدخلت فلمّا نظر إليّ قال: قد أجاب اللّه دعوتك وهداك لدينه . فتلت: أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه.(3)
16 - و منها : ماروي عن أحمد بن عمر(4) قال: خرجت إلى الرضا علیه السلام وامرأتي
ص: 361
حبلى، فقلت له : إنّي خلّفت أهلي وهي حامل ، فادع اللّه أن يجعله ذكراً .
فقال لي : هو ذکر فسمّه عمر . فقلت: نويت أن أسميّه عليّاً ، وأمرت الأهل به! قال علیه السلام: سمّه عمر. فوردت الكوفة ، وقد ولد ابن لي وسمّي عليّاً، فسمّيته عمر.
فقال لي جيراني : لا نصدّق بعدها بشيء ممّا كان يحكي عنك .
فعلمت أنّه كان أنظر لي من نفسي(1).
17 - ومنها : ما روي عن بكر بن صالح قال : قلت للرضا علیه السلام(2): امرأتي
اخت محمد بن سنان(3) بها حمل ، فادع اللّه أن يجعله ذكراً .
قال : هما إثنان . قلت في نفسي : [ هما ] محمّد وعليّ - بعد انصرافي-.
فدعاني بعد فقال : سمّ واحداً عليّاً ، والأخرى امّ عمر .
فقدمت الكوفة ، وقد ولد لي غلام وجارية في بطن ، فسمّيت كما أمرني .
فقلت لامّي : ما معنى امّ عمر ؟ فقالت : إنّ أمّي كانت تدعى امّ عمر .(4).
ص: 362
18 - ومنها ما روي عن الوشّاء ، عن مسافر [ قال]: قلت للرضا علیه السلام : رأيت في النوم كأنّ وجه قفص وضع على الأرض فيه أربعون فرخاً.
قال علیه السلام: إن كانت صادقة خرج منّا رجل فعاش أربعين يوماً .
فخرج محمّد بن إبراهيم [ ابن ] طباطبا(1) فعاش أربعين يوماً .(2).
19 - ومنها : ما روی الوشّاء ، عن الرضا علیه السلام[ أنه ] قال - بخراسان - : إنّي حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي ، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتّى أسمع ثمّ فرّقت فيهم اثني عشر ألف دينار .
ثمّ قال(3): أما إنّي لا أرجع إلى عيالي أبداً .(4).
ص: 363
20- ومنها : ما روي عن الوشّاء أيضا [قال:] لدغتني عقرب ، فأقبلت أقول: یا رسول الله ، یا رسول اللّه ، فأنكر السامع و تعجّب من ذلك .
قال له الرضا علیه السلام: مه، فواللّه لقد رأى رسول اللّه . قال : وقد كنت رأيت في النوم رسول اللّه ، ولا واللّه ما كنت أخبرت به أحداً .(1)
21- ومنها : ما روي عن عبد الله بن سوقة(2) قال: مرّ بنا الرضا علیه السلام فاختصمنا في إمامته ، فلمّا خرج، خرجت أنا وتميم بن يعقوب السرّاج - من أدل برقة - و نحن مخالفون له - نرى رأي الزيديّة - فلمّا صرنا في الصحراء فاذا نحن بظباء ، فأومی أبو الحسن علیه السلام إلى خشف(3) منها ، فاذا هو قد جاء حتّی وقف بين يديه ، فأخذ
ص: 364
أبو الحسن يمسح رأسه ، ودفعه(1) إلى غلامه ، فجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه ، فكلّمه الرضا بكلام لا نفهمه ، فسكن .
ثمّ قال : يا عبد اللّه أو لم تؤمن؟
قلت : بلى يا سيّدي ، أنت حجّة اللّه على خلقه ، و أنا تائب إلى اللّه .
ثمّ قال للظبي: إذهب [إلى مرعاك] .
فجاء الظبي و عيناه تدمعان ، فتمسّح بأبي الحسن علیه السلام و رغی(2) .
فقال أبو الحسن علیه السلام: تدري ما يقول؟ قلنا : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم .
قال : يقول : دعوتني ورجوت أن تأكل من لحمي فأجبتك وحزّنتني(3) حينا امرتني بالذهاب .(4).
22 - ومنها : ماروی إسماعيل بن مهران قال: أتيت الرضا علیه السلام يوماً أنا وأحمد البزنطيّ بصريا»(5) و کنّا تشاجرنا في سنّه .
فقال أحمد : إذا دخلنا عليه فذكّرني حتّى أسأله عن سنّه(6) فانّي قد أردت ذلك غير مرّة فأنسی. فلمّا دخلنا عليه ، وسلّمنا وجلسنا ، أقبل على أحمد ، و كان أول ما تكلّم به أن قال :
ص: 365
يا أحمد كم أتى عليك من السنين ؟ فقال: تسع وثلاثون .
فقال : ولكن أنا قد أتت علىّ ثلاث وأربعون سنة . (1)
23 - ومنها : ماروي عن الحسن بن عليّ الوشّاء [قال:] كنّا عند رجل بمرو و كان معنا رجل واقفيّ ، فقلت له :
اتّق اللّه ، قد كنت مثلك ، ثمّ نوّر اللّه قلبي ، فصم الأربعاء و الخميس و الجمعة واغتسل وصلّ ركعتين ، وسل اللّه أن يريك في منامك ما تستدلّ به على هذا الأمر.
فرجعت إلى البيت ، و قد سبقني كتاب أبي الحسن إليّ يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرجل ، فانطلقت إليه ، وأخبرته وقلت له : احمد اللّه و استخره(1) مائة مرّة، وقلت :
إنّي وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدار [أن] أقول لك ، وفيها كنّافيه وإنّي لأرجو أن ينوّر اللّه قلبك(2) فافعل ماقلت لك من الصوم والدعاء .
فأتاني يوم السبت في السحر فقال لي : أشهد أنّه الامام المفترض الطاعة. فقلت: و كيف ذلك ؟ قال : أتاني أبو الحسن البارحة في النوم فقال : يا إبراهيم - و اللّه -
لترجعنّ إلى الحقّ. وزعم أنه لم يطّلع عليه إلا اللّه .(3).
24 - ومنها : ماروي عن الوشّاء ، عن مسافر [قال:] قال لي أبو الحسن علیه السلام يوماً : قم فانظر في تلك العين حيتان ؟ فنظرت فاذا فيها ! قلت: نعم .
قال: إنّي رأيت ذلك في النوم و رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم يقول لي : يا عليّ ماعندنا خير
ص: 366
25 - ومنها : ماروی الحسن(3) بن عبّاد -وكان كاتب الرضا علیه السلام- [قال]: دخلت على الرضا علیه السلام، وقدعزم المأمون بالمسير إلى بغداد ، فقال : يا ابن عبّاد ما ندخل العراق ولانراه . قال: فبكيت ، وقلت : آیستني أن آتي أهلي و ولدي .
قال علیه السلام: أمّا أنت فستدخلها ، وإنّما عنيت نفسي .
فاعتلّ وتوفّي بقرية من قری طوس وقد كان تقدّم في وصيّته أن يحفر قبره ممّا يلي الحائط ، وبينه وبين قبر هارون ثلاثة أذرع ، و قد كانوا حفروا ذلك الموضع لهارون ، فكسرت المعاول والمساحي، فتركوه، وحفروا حيث أمكن الحفر .(4)
فقال : احفروا ذلك المكان ، فانّه سيلين عليكم ، و ستجدون صورة سمكة من نحاس عليها كتابة بالعبرانيّة، فاذاحفرتم لحدي فعمّقوه وردّوها فيه ممّایلي رجلي .
فحفرنا ذلك المكان ، فكانت المحافر تقع في الرمل الليّن بالموضع ، ووجدنا السمكة مكتوباً عليها بالعبرانيّة :
ص: 367
«هذه روضة علي بن موسی، و تلك حفرة هارون الجبّار(1)» فرددناها ، ودفنّاها(2). في لحده عند شفّه(3) .(4).
26- ومنها : ماروی الحسن بن سعيد ، عن الفضل بن يونس قال: خرجنا نريد مكّة، فنزلنا المدينة و بها هارون الرشيد يريد الحجّ، فأتاني الرضا - وقد حضر غدائي وعندي قوم من أصحابنا - فدخل الغلام فقال: بالياب رجل يكنّي «أبا الحسن» يستأذن عليك . فقلت : إن كان الّذي أعرف، فأنت حرّ ، فخرجت فاذا أنا بالرضا علیه السلام فقلت : انزل . فنزل حتى(5) دخل .
ثمّ قال علیه السلام لي بعد الطعام : یافضل إنّ أمير المؤمنین كتب للحسين بن زید بعشرة آلاف دينار ، و كتب بها إليك ، فادفعها إلى الحسين .
قال: قلت : واللّه ما لهم عندي قليل ولا كثير ، فان أخرجتها من عندي ذهبت، فان كان لك في ذلك رأي فعلت . فقال : يا فضل ادفعها إليه ، فانّه سیرجع(6) إليك قبل أن تصير إلى منزلك . (فدفعتها إليه ، قال : فرجعت إليّ)(7) كما قال.(8).
ص: 368
27 - ومنها : ما روي عن أحمد بن عمر الحلال(1) قال : قلت لأبي الحسن الثاني عليه السلام : جعلت فداك إنّي أخاف عليك من هذا، صاحب الرقّة(2).
قال: ليس عليّ منه بأس ، إنّ للّه بلاداً تنبت الذهب قدحماها اللّه بأضعف خلقه بالذر(3)، فلو أرادتها الفيلة ماوصلت إليها .
ثم قال لي الوشّاء: إنّي سألته عن هذه البلاد - وقد سمعت الحديث قبل مسألتي - (فاخبرت أنّه)(4) بين بلخ و التّبت(5) و أنّها تنبت الذهب ، وفيها نمل كبار أشباه
ص: 369
الكلاب على خلقها ، فليس يمرّ(1) بها الطير (فضلاعن)(2) غيره ، تكمن بالليل في جحرها و تظهر بالنهار .
فربما غزوا الموضع على الدواب التي تقطع ثلاثين فرسخاً في ليلة (لايعرف شيء من الدواب يصبر صبرها)(3) فيوقرون (4) أحمالهم و يخرجون ، فاذا أصبحت النمل ، خرجت في الطلب فلاتلحق شيئاً إلا قطّعته، تشبّه بالريح من سرعتها وربّما شغلوها باللحم يتّخذلها إذا لحقتهم بطرح لها في الطريق [فتشتغل به عنهم] فان لحقتهم قطّعتهم و دوابّهم(5).
28- ومنها : ما روی صفوان بن يحيى قال : كنت مع الرضا علیه السلام بالمدينة
ص: 370
فمرّ مع قوم بقاعد، فقال : هذا إمام الرافضة . فقلت له عليه السلام :أما سمعت ما قال هذا القاعد ؟ قال : نعم، أما إنّه مؤمن مستكمل الايمان .
فلمّا كان بالليل دعا عليه فاحترق دکّانه ، ونهب السرّ اق ما بقي من متاعه فرأيته من الغد بين يدي أبي الحسن خاضعاً مستكيناً ، فأمر له بشيء.
ثمّ قال : يا صفوان أما إنّه مؤمن مستكمل الايمان ، و ما يصلحه غير مارأیت.(1).
29 - ومنها : ما روی مسافر قال : أمر أبو إبراهيم عليه السلام- حين أخرج - به أبا الحسن عليه السلام أن ينام على بابه في كلّ ليلة أبداً ما دام حيّاً إلى أن يأتيه خبره.
قال : فكنّا نفرش في كلّ ليلة لابي الحسن في الدهليز ، ثمّ يأتي بعد العشاء الاخرة فينام فاذا أصبح انصرف إلى منزله .
وكنّا ربّما خبّأنا الشيء منه ممّا يؤكل فيجيء(2) ويخرجه ويعلمنا أنّه قد علم به ، ما كان ينبغي أن يخبأ منه.
فلمّا كان ليلة أبطأ عنّا ، واستوحش العيال وذعروا ، ودخلنا من ذلك مدخل عظيم ، فلمّا كان من الغد ، أتي الدار ، ودخل على العيال ، وقصد إلى أمّ أحمد فقال لها :هاتي الّذي أودعك أبي! فصرخت و لطمت و شقّت وقالت: مات سيّدي.
فكفّها وقال : لا تتكلّمي حتى يجيء الخبر . فدفعت إليه سفطاً(3) .(4)
ص: 371
1- [ عن ] محمد بن میمون(1) أنه كان مع الرضا عليه السلام بمكّة قبل خروجه إلى خراسان قال: قلت له: إنّي أريد أن أتقدم إلى المدينة، فاكتب معي كتاباً إلى إبي جعفرعليه السلام. فتبسّم و کتب، فصرت إلى المدينة ، وقد كان ذهب بصري .
فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السلام إلينا يحمله من(2) المهد ، فناولته الكتاب ، فقال لموفق الخادم : فضّه وانشره . ففضّه ونشره بين يديه ، فنظر فيه، ثمّ قال لي :
یا محمد ما حال بصرك ؟ قلت : يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم اعتلّت عيناي ، فذهب بصري كما ترى . فقال [ ادن مني ، فدنوت منه ] : فمد يده ، فمسح بها على عيني فعاد إلى بصري كأصح ما كان، فقبّلت يده ورجله، وانصرفت من عنده، و أنا بصير .(3)
2- ومنها : أن محمد بن إبراهيم الجعفري روى عن حكيمة بنت الرضا عليه السلام
ص: 372
قالت : لمّا توفي أخي محمد بن الرضا علیه السلام صرت يوماً إلى امرأته أم الفضل(1)بسبب احتجت إليها فيه قالت : فبينا نحن نتذاكر فضل محمد و كرمه وما أعطاه الله من العلم والحكمة ، إذ قالت امرأته أم الفضل :
یا حكيمة أخبرك عن أبي جعفر بن الرضا علیه السلام باعجوبة لم يسمع أحد مثلها ؟
قلت : و ما ذاك ؟ قالت : إنّه كان ربّما أغارني مرة بجارية ، و مرة بتزويج فكنت أشكو إلى المأمون فيقول: يا بنيّة احتملي فانّه ابن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
فبينا أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة، فقلت: من أنت؟ - و كأنّها قضيب بان (2)أو غصن خیزران - قالت : أنا زوجة لأبي جعفر . قلت : من أبو جعفر ؟
قالت : محمد بن الرضا علیه السلام وأنا امرأة من ولد عمّار بن یاسر .
قالت : فدخل عليّ من الغيرة مالم أملك نفسي ، فنهضت من ساعتي ، فصرت إلى المأمون ، وقد كان ثملا(3) من الشراب، وقد مضى من الليل ساعات ، فأخبرته بحالي وقلت : إنّه يشتمني و يشتمك، ويشتم العباس و ولده ، قالت: وقلت ما لم يكن .
فغاظه ذلك منّي جداً، ولم يملك نفسه من السكر، وقام مسرعاً فضرب بيده إلى سيفه ، وحلف أنّه يقطّعه بهذا السيف ما بقي في يده ، وصار إليه .
قالت : فندمت عند ذلك ، وقلت في نفسي : ما صنعت ،ملكت وأهلكت . قالت: فعدوت خافه لأنظر ما يصنع ، فدخل إليه ، وهو نائم ، فوضع فيه السيف ، فقطّعه قطعة قطعة ، ثم وضع السيف على حلقه فذبحه، و أنا أنظر إليه و یاسر الخادم، و انصرف وهو يزبد(4) مثل الجمل .
ص: 373
قالت : فلمّا رأيت ذلك هربت على وجهي حتى رجعت إلى منزل أبي فبتّ بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت .
قالت : فلمّا أصبحت دخلت إليه وهو يصلّي ، وقد أفاق من السكر ، فقلت [له]: يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة ؟ قال : لا والله ، فما الذي صنعت ؟! ويلك قلت : فانّك صرت إلى ابن الرضا علیه السلام وهو نائم ، فقطّعته إرباً إرباً(1) و ذبحته بسيفك ، وخرجت من عنده ، قال : ويلك ما تقولين ؟! قلت : أقول ما فعلت .
فصاح : یا یاسر ، وقال : ما تقول هذه الملعونة ويلك ؟ ! قال : صدقت في كل ما قالت . قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هلكنا وافتضحنا ، ويلك يا ياسر بادر إليه فائتني بخبره .
فر كض إليه، ثم عاد مسرعاًفقال : يا أمير المؤمنين البشري ! قال : فما وراك ؟ قال:دخلت إليه ، فاذا هو قاعد يستاك ، وعليه قميص ودواج(2) فبقيت متحيّراً في أمره ، ثم أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر ، فقلت له : أحب أن تهب لي هذا القميص الذي عليك أتبرك به .
فنظر إلي وتبسّم كأنّه علم ما أردت بذلك ، فقال: أكسوك كسوة فاخرة . فقلت:لست أريد غير هذا القميص الذي عليك . فخلعه و کشف لي بدنه کلّه، فوالله ما رأيت أثراً.
فخر المأمون ساجداً ، و وهب لياسر ألف دينار ، و قال : الحمد لله الذي لم يبتلني بدمه .
ثم قال: یا یاسر أمّا(3) مجيء هذه الملعونة إلي وبكاؤها بين يدي فأذكره، و أمّا مضيّي(4) إليه ، فلست أذكره . فقال ياسر : [ يا مولاي ] والله ما زلت تضر به بسيفك
ص: 374
وأنا وهذه ننظر إليك وإليه حتى قطّعته قطعة قطعة، ثمّ وضعت سيفك علی حلقه فذبحته وأنت تزبد كما يزبد البعير .
فقال : الحمد للّه. ثمّ قال لي : والله لئن عدت بعدها (فی شیء ممّاجری)(1) لأقلنّك ثمّ قال لياسر : احمل إليه عشرة آلاف دينار و قد(2) إليه الشهريّ الفلاني ، و سله الركوب إليّ، وابعث إلى الهاشميّين و الأشراف والقوّاد ليركبوا معه(3) إلى عندي ويبدأوا بالدخول إليه ، والتسليم عليه .
ففعل ياسر ذلك، وصار الجميع بين يديه، وأذن للجميع [بالدخول] وقال: یا یاسر هذا كان العهد بيني و بينه؟ قلت: يا ابن رسول اللّه ليس هذا وقت العتاب ، فوحقّ «محمد وعليّ» ما كان يعقل من أمره شيئاً .
فأذن للاشراف كلّهم بالدخول إلاّ عبد اللّه وحمزة ابني الحسن لأنّهما كانا وقعا فيه عند المأمون يوماً، وسعيا به مرّة بعد أخرى ، ثمّ قام فركب مع الجماعة و صار إلى المأمون، فتلقّاه وقبّل ما بين عينيه، و أقعده على المقعد(4) في الصدر، و أمر أن يجلس الناس ناحية ، فخلا به ، فجعل يعتذر إليه.
فقال له أبو جعفر علیه السلام: لك عندي نصيحة فاسمعها منّي. قال: هاتها .
قال: أشير عليك بترك الشراب المسكر . فقال: فداك ابن عمّك قد قبلت نصحك.(5).
ص: 375
3- ومنها : ماروي عن أبي بكر بن إسماعيل [قال:] قلت لأبي جعفر بن الرضا علیهما السلام: إنّ لي جارية تشتكي من ريح بها. فقال: ائتني بها . فأتيت بها فقال لها ما تشتكين يا جارية ؟ قالت : ريحاً في ركبتي . فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب ، فخرجت الجارية من عنده ، ولم تشتك و جعاً بعد ذلك .(1).
4- ومنها : ماروي عن علي بن جرير [قال:] كنت عند أبي جعفر بن الرضا علیه السلام جالساً، وقد ذهبت شاة لمولاة له ، فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم إليه و يقولون: أنتم سرقتم الشاة . فقال أبو جعفر علیه السلام: ويلكم خلّوا عن جيراننا، فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دارفلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره .
فخرجوا، فوجدوها في داره ، و أخذوا الرجل وضر بوه و خرّقوا ثيابه ، و هو يحلف أنّه لم يسرق هذه الشاة ، إلى أن صاروا إلى أبي جعفر علیه السلام فقال :ويحكم(2) ظلمتم هذا الرجل فانّ الشاة دخلت داره و هو لا يعلم بها، فدعاه فوهب
ص: 376
له شيئاً بدل ماخرّق من ثيابه وضربه.(1).
5- ومنها : ماروي عن محمد بن عمیر بن واقد الرازيّ قال : دخلت على أبي جعفر بن الرضا علیهما السلام ومعي أخي به بهر(2) شديد، فشكا إليه ذلك البهر .
فقال علیه السلام: عافاك اللّه ممّا تشكو .
فخرجنا من عنده وقد عوفي، فما عاد إليه ذلك البير إلى أن مات .
قال محمد بن عمير : و كان يصيبني وجع في خاصرتي في كلّ أسبوع ، فيشتدّ ذلك(3) بي أيّاماً ، فسألته أن يدعو لي بزواله عنّي.
فقال: وأنت فعافاك اللّه . فما عاد إلى هذه الغاية .(4)
6- ومنها: ما روي عن القاسم بن المحسن(5) [قال]: كنت فيما بين مكة والمدينة
فمر بي أعرابي ضعيف الحال، فسألني شيئاً فرحمته، فأخرجت له رغيفاً فناولته إيّاه.
فلمّا مضى عنّي هبّت ريح زوبعة(6) فذهبت بعمامتي من رأسي ، فلم أرها كيف ذهبت ، و لا أين مرت ، فلمّا دخلت المدينة صرت إلى أبي جعفر بن الرضا فقال لي : يا قاسم ذهبت عمامتك في الطريق ؟
ص: 377
قلت : نعم . فقال : يا غلام أخرج إليه عمامته . فأخرج إليّ عمامتي بعينها .
قلت : يا ابن رسول اللّه كيف صارت إليك ؟ قال : تصدّقت على الأعرابيّ فشكره اللّه لك ، وردّ إليك عمامتك ، وإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين .(1).
7- ومنها: ما قال المطرفي(2) إنّ الرضا مضى ، ولي عليه أربعة آلاف درهم فقلت في نفسي :ذهبت.
فأرسل إليّ أبو جعفر علیه السلام: إذا كان غداً فائتني ، ومعك ميزان و أوزان .
فدخلت عليه ، فقال : أبو الحسن مضى ولك عليه أربعة آلاف درهم .
فرفع المصلّي الذي كان تحته ، فإذا دنانير تحته ، فدفعها إليّ ، و كانت بقيمتها .(3).
8- ومنها: أنّه لمّا خرج بزوجته امّ الفضل من عند المأمون، و وصل شارع الكوفة ، وانتهى إلى دار المسيّب عند غروب الشمس دخل المسجد ، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد ، فدعا بكوز فتوضّأ في أصلها ، وقام فصلّي بالناس صلاة المغرب ، فقرأ في الأولى الحمد ، وإذا جاء نصر الله ، وفي الثانية الحمد ، وقل هو اللّه أحد.
ص: 378
فلمّا سلّم جلس هنيهة(1) وقام من غير أن يعقّب تعقيباً تامّأ ، فصلّى النوافل الأربع وعقّب بعدها ، وسجد سجدتي الشكر ، فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس قد حملت حملا حسناً ، فأكلوا منها ، فوجدوا نبقاً لاعجم له(2) حلواً .(3).
9- ومنها : ماروي عن محمد بن علي الهاشمي (4) قال : دخلت على أبي جعفر صبيحة عرسه بامّ الفضل، بنت المأمون ، و كنت تناولت من الليل دواء ، فقعدت إليه ، فأصابني العطش ، فكرهت أن أدعو بالماء ، فنظر أبو جعفر في وجهي وقال :أراك عطشان؟ قلت : أجل . قال : ياغلام اسقنا ماء. قلت : في نفسي الساعة يأتون بماء مسموم ، واغتممت لذلك ، فأقبل الغلام ومعه الماء.
فتبسّم أبو جعفر في وجهي ، ثم قال للغلام : ناولني الماء . فتناوله فشرب ظاهراً
ص: 379
ثم ناولني فشربت ، وأطلت المقام والجلوس عنده ، فعطشت فدعا بالماء ، ففعل كما فعل في الأول ، فشرب ثم ناولني وتبسّم .
قال محمد بن حمزة(1) : قال لي محمد بن علي الهاشمي : والله إنّي أظن أنأبا جعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة . (2).
10- ومنها : ماروی أبو القاسم بن قولويه ، عن محمد بن یعقوب، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسّان ، عن عليّ بن خالد (3) قال :كنت بالعسكر(4) ، فبلغني أنّ هناك رجلا محبوساً أتي به من ناحية الشام مكبولا(5) [بالحديد] وقالوا : إنّه تنبّأ . فأتيت الباب وداریت(6) البوابين حتى وصلت إليه
ص: 380
فاذا رجل اه فهم و عقل ، فقلت له : ما قصّتك ؟
قال: إنّي رجل كنت بالشام أعبدالله في الموضع الذي يقال: إنّه نصب فيه رأس الحسين علیه السلام فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر اللّه إذ رأيت شخصاً (بين يدي فنظرت)(1) إليه فقال [ لي ] : قم .
فقمت معه فمشي بي قليلا، فاذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: أتعرف هذا المسجد؟ قلت: نعم هذا مسجد الكوفة . فصلّى وصلّيت معه، ثمّ انصرف وانصرفت(2) معه .
فمشی [بي ] قليلا ، و إذا نحن بمسجد الرسول صلی اللّه علیه و آله و سلم فسلّم على رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم
و سلّمت ، وصلّي وصلّيت معه، ثمّ خرج وخرجت معه .
فمشي بي قليلا ، فاذا نحن بمكّة، فطاف بالبيت وطفت معه، وخرج فخرجت معه فمشی [بي] قليلا، فاذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد اللّه فيه بالشام، وغاب الشخص(3)
عن عيني ، فتعجّبت ممّا رأيت .
فلمّا كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص ، فاستبشرت به ، ودعاني فأجبته ففعل كما فعل في العام الأوّل ، فلمّا أراد مفارقتي بالشام ، قلت : سألتك بحقّ الذي أقدرك على ما رأيت من أنت ؟ قال : أنا محمد بن عليّ بن موسی بن جعفر .
فحدّثت من كان يصير إليّ بخبره ، فرقي(4) ذلك إلى محمّد بن عبدالملك الزيّات(5)، فبعث إلي فأخذني و كبّلني في الحديد ، و حملني إلى العراق ، وحبست كما تری ، وادعي علي المحال .
ص: 381
فقلت له : أرفع عنك قصّة إلى محمد بن عبدالملك الزيّات ؟ قال: افعل .
فكتبت عنه قصّة شرحت أمره فيها ، و رفعتها إلى الزيّات ، فوقّع في ظهرها : قل للّذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة [ و ] إلى المدينة [ و ] إلى مكّة أن يخرجك من حبسي هذا.
قال عليّ بن خالد : فغمّني ذلك من أمره ، و رققت له ، و انصرفت محزوناً فلمّا كان من الغد ، باکرت الحبس لاعلمه بالحال ، و آمره بالصبر والعزاء .
فوجدت الجند ، وأصحاب الحرس ، وصاحب السجن ، وخلقاً عظيماً(1) من الناس يهرعون ، فسألت ( عنهم وعن حالهم )(2) فقيل : المحمول من الشام المتنبّي
افتقد البارحة من الحبس ، فلا يدري خسفت الأرض به أو اختطفته الطير ؟
و كان هذا الرجل(3) - أعني : عليّ بن خالد - زیدیّاً ، فقال بالامامة لمّا رأى ذلك وحسن اعتقاده .(4).
ص: 382
11- ومنها : ما روي عن محمد بن أورمة(1) عن الحسين المكاري [قال] : دخلت على أبي جعفر ببغداد وهو على ما كان من أمره.
فقلت في نفسي : هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً، و أنا أعرف مطعمه .(2) قال : فأطرق رأسه ، ثمّ رفعه وقد اصفرّ لونه فقال : يا حسين خبز شعير ، وملح جريش في حرم [ جدّي ] رسول اللّه أحبّ إليّ ممّا تراني فيه.(3).
12 - ومنها : ما روي عن إسماعيل بن عبّاس الهاشميّ [قال] : جئت إلى أبي جعفرعلیه السلام يوم عيد ، فشكوت إليه ضيق المعاش فرفع المصلّي وأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها ، فخرجت بها إلى السوق فكان فيها ، ستّة عشر مثقالا من ذهب.(4).
13 - ومنها : ما روي عن الحسن بن علي الوشّاء [قال] : كنت بالمدينة به «صريا »(5) في المشربة(6) مع أبي جعفر فقام وقال : لا تبرح.
ص: 383
15 - ومنها : ما روي عن ابن أورمة(1) قال(2): حملت إلىّ امرأة شيئاً من حليّ و شيئاً من دراهم ، وشيئاً من ثياب .
فتوهّمت أنّ ذلك كلّه لها ، و لم أسألها(3) أنّ لغيرها في ذلك شيئاً ، فحملت ذلك إلى المدينة مع بضاعات لأصحابنا(4) .
وكتبت في الكتاب أنّي [قد] بعثت إليك من قبل فلانة كذا ، ومن قبل فلان كذا و من قبل فلان وفلان بكذا.
فخرج في التوقيع: قدوصل مابعثت من قبل فلان وفلان، ومن قبل المرأتين ، تقبّل اللّه منك ، ورضي عنك ، وجعلك معنا في الدنيا و الآخرة .
فلمّا رأيت(5) ذكر المرأتين ، شككت في الكتاب أنّه غير كتابه ، وأنّه قد عمل
ص: 384
عليّ دونه لأنّي كنت في نفسي على يقين أنّ الذي دفعت إليّ المرأة كان [كلّه] لها وهي مرأة واحدة ، فلمّا رأيت [في التوقيع] امرأتين اتّهمت موصل کتابي .
فلمّا انصرفت إلى البلاد، جاءتني المرأة فقالت: هل أوصلت بضاعتي ؟
قلت: نعم. قالت: وبضاعة فلانة ؟
قلت : و كان(1) فيها لغيرك شيء ؟ قالت: نعم، كان لي فيها كذا، ولاختي فلانة كذا.
قلت : بلى قد أوصلت [ذلك . وزال ما كان عندي]. (2).
16- ومنها : ماروی بکر بن صالح ، عن محمد بن فضيل الصيرفي [قال]: كتبت إلى أبي جعفر علیه السلام الكتاباً ، وفي آخره: هل عندك سلاح رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ؟ ونسيت أن أبعث بالكتاب .
فكتب إليّ بحوائج له ، وفي آخر كتابه «عندي سلاح رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم وهو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل ، يدور معنا حيث درنا [و] هو مع كلّ إمام ».
و كنت بمكّة ، فأضمرت في نفسي شيئاً لايعلمه إلا اللّه ، فلمّاصرت إلى المدينة و دخلت عليه ؛ نظرإليّ فقال: استغفر اللّه ممّا أضمرت، ولاتعد .
قال بكر : فقلت لمحمد : أيّ شيء هذا ؟ قال: لا أخبر به أحداً.
قال: وخرج باحدى رجلي العرق المدنيّ ، وقد قال لي قبل أن يخرج(3) العرق في رجلي و قد ودعته ، فكان آخر ما قال : إنّه ستصيب وجعاً ، فاصبر ، فأيمّا رجل من شيعتنا اشتكى فصبر و احتسب ، كتب الله له أجر ألف شهيد .
ص: 385
فلما صرت في «بطن مرّ»(1) ضرب(2) على رجلي، وخرج بي العرق، فمازلت شاكياً أشهراً، وحججت في السنة الثانية، فدخلت عليه، فقلت: جعلني اللّه فداك عوذ رجلي وأخبرته أن هذه التي توجعني . فقال : لا بأس على هذه ، وأعطني رجلك الأخرى الصحيحة . فبسطتها بين يديه فهو ذها، فلمّا قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة فرجعت إلى نفسي ، فعلمت أنّه عوذها من الوجع، فعافاني الله بعده.(3).
17- و منها : ماروي عن محمد بن الوليد الكرمانيّ (4) [قال] : أتيت أبا جعفر ابن الرضا علیهما السلام فوجدت بالباب الذي في الفناء قوماً كثيراً ، فعدلت إلى مسافر(5). فجلست إليه حتّى زالت الشمس ، فقمنا للصلاة .
فلمّا صلّينا الظهر وجدت حسّاً من ورائي ، فالتفت فإذا أبو جعفر علیه السلام فسرت إليه حتى قبلت يده(6) ثمّ جلس وسأل عن مقدمي ثمّ قال : سلّم .
فقلت جعلت فداك قد سلّمت. فأعاد القول ثلاث مرات: «سلّم!» وقلت: ذاك ما قد كان في قلبي منه شيء. فتبسّم، وقال: سلّم. فتداركتها، وقلت: سلّمت ورضیت یا ابن رسول الله، فأجلي(7) الله ما كان في قلبي حتى لو جهدت ورمت لنفسي أن أعود
ص: 386
إلى الشكّ ما وصلت إليه .
فعدت من الغد باكراً ، فارتفعت عن الباب الأوّل ، وصرت قبل الخيل(1) و ما ورائي أحد أعلمه، وأنا أتوقّع أن أجد(2) السبيل إلى الارشاد إليه، فلم أجد أحداً(3) حتى اشتد الحر والجوع جداً، حتى جعلت أشرب الماء أطفيء به حر ما أجد من الجوع والخواء(4).
فبينا أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قدحمل خواناً عليه طعام و ألوان(5) ، و غلام آخر معه طشت و إبريق ، حتى وضع بين يدي ، و قالا: أمرك أن تأكل . فأكلت .
فما فرغت حتى(6) أقبل، فقمت إليه، فأمرني بالجلوس و بالأكل، فأكلت، فنظر إلى الغلام، فقال: كل معه ينشط(7)! حتى إذا فرغت ورفع الخوان(8) ، ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان، من فتات الطعام، فقال: مه مه(9) ما كان في الصحراء فدعه، ولو فخذ
شاة ، وما كان في البيت فالقطه(10).
ثمّ قال: سل. قلت : جعلني الله فداك ما تقول في المسك ؟
ص: 387
فقال: إنّ أبي أمر أن يعمل له مسك في بان(1) فكتب إليه الفضل(2) يخبره أن الناس يعيبون ذلك عليه فكتب : يافضل أما علمت أن يوسف كان يلبس ديباجاً مزروراً بالذهب(3) ، و يجلس على كراسيّ الذّهب ، فلم ينقص من حكمته شيئاً، و كذلك
سلیمان ، ثم أمر أن يعمل له غالية(4) بأربعة آلاف درهم .
ثمّ قلت : ما لمواليك في موالاتكم ؟ فقال : إنّ أبا عبد الله علیه السلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد، فبينا هو جالس و معه بغلة إدأقبلت رفقة(5) من خراسان فقال له رجل من الرفقة : هل لك ياغلام أن تسأله أن يجعلني مكانك ، وأكون له مملوكاً ، وأجعل لك مالي كلّه ؟فانّي كثير المال من جميع الصنوف ، إذهب فاقبضه وأنا أقيم معه مكانك . فقال: أسأله ذلك .
فدخل على أبي عبداللّه علیه السلام فقال : جعلت فداك تعرف خدمتي ، و طول صحبتي فان ساق اللّه إليّ خيراً تمنعنيه ؟ قال: أعطيك من عندي ، و أمنعك من غيري ! فحكی له قول الرجل فقال : إن زهدت في خدمتنا ، ورغب الرجل فينا قبلناه و أرسلناك .
فلمّا ولّى عنه دعاه ، فقال له : أنصحك لطول الصحبة ، ولك الخيار ، إذا كان يوم القيامة كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم متعلّقا بنور الله ، و كان أمير المؤمنین علیه السلام متعلّقا بنور رسول الله(6) ، و كان الأئمّة متعلّقين بأمير المؤمنين ، و كان شيعتنا متعلّقين بنا يدخلون مدخلنا ، و یردون موردنا .
ص: 388
فقال له الغلام : بل أقيم في خدمتك وأؤثر الاخرة على الدنيا .
فخرج الغلام إلى الرجل ، فقال له الرجل : خرجت إليّ بغير الوجه الذي دخلت به ! فحكى له قوله، وأدخله على أبي عبداللّه علیه السلام فقبل ولاءه ، وأمر للغلام بألف دينار
ثمّ قام إليه فودّعه ، وسأله أن يدعو له ، ففعل .
فقلت : يا سيّدي لولا عيال بمكّة وولدي ، سرّني أن أطيل المقام بهذا الباب .
فأذن لي، وقال : توافق غمّاً . ثمّ وضعت بين يديه حقّاً(1) كان له ، فأمرني أن أحملها ، فتأبّيت(2)، وظننت أنّ ذلك موجدة (3).
فضحك إليّ وقال: خذهاإليك ، فانّك توافق حاجة .
فجئت وقد ذهبت نفقتنا - شطر منها - (4)فاحتجت إليه ساعة قدمت مكّة .(5).
ص: 389
1- حدّث جماعة من أهل اصفهان ، منهم أبو العباس أحمد بن النصر(1) و أبوجعفر محمّد بن علويّة قالوا : كان باصفهان رجل يقال له : عبدالرحمان و كان شيعيّاً
قيل له : ما السبب الّذي أوجب عليك به القول بامامة عليّ النقيّ دون غيره من أهل الزمان ؟
قال : شاهدت ما أوجب ذلك عليّ و ذلك أنّي كنت رجلا فقيراً و كان لي لسان و جرأة، فأخرجني أمل إصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوکّل متظلّمين فكنّا بباب المتوکّل(2) يوماً إذ خرج الأمر باحضار علي بن محمّد بن الرضا صلی الله علیه و آله و سلم فقلت لبعض من حضر : من هذا الرجل الّذي قد أمر باحضاره ؟
فقيل : هذا رجل علويّ تقول الرافضة بامامته . ثمّ قيل: ويقدّر(3) أن المتوکّل يحضره للقتل . فقلت : لا أبرح من ههنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أيّ رجل هو ؟ قال : فأقبل راكباً على فرس ، وقد ام الناس يمنة الطريق ويسرته صفّين ينظرون إليه ، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي فجعلت(4) أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه
ص: 390
شرّ المتوكّل ، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف(1) دابّته لا ينظر يمنة ولا يسرة ، وأنا دائم(2) الدّعاء له، فلمّا صار بازائي (3) أقبل إليّ بوجهه ، وقال : استجاب اللّه دعاءك ، وطول عمرك ، و كثّر مالك و ولدك .
قال : فارتعدت [ من هيبته ] ووقعت بين أصحابي ، فسألوني وهم يقولون : ما شأنك ؟ فقلت : خير ، ولم أخبرهم بذلك.
فانصرفنا بعد ذلك إلى إصفهان ، ففتح اللّه عليّ [ الخير بدعائه ، و ] وجوهاً من المال حتّى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم ، سوی مالي خارج داري ، ورزقت عشرة من الأولاد ، وقد بلغت الآن من عمري(4) نيّفاً وسبعين سنة وأنا أقول بامامة هذا(5) الّذي علم ما في قلبي(6) واستجاب الله دعاءه في ولي(7) .(8).
2- ومنها: ما روي عن يحيى بن هرثمة(9) ، قال : دعاني المتوکّل فقال : اختر ثلاثمائة رجل ممّن ترید و اخرجوا إلى الكوفة، فخلّفوا أثقالكم فيها ، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة ، فاحضروا علي بن محمّد بن الرضا علیه السلام إلى عندي مكر مأمعطّماً مبجّلا.
ص: 391
قال: ففعلت وخرجنا و كان في أصحابي قائد من الشراة(1) و كان لي كاتب یتشیّع و أنا على مذهب الحشويّه(2) و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب و كنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق . فلمّا صرنا إلى وسط الطريق(3) قال الشاري للكاتب : أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من(4) الأرض بقعة إلا وهي قبر أو ستكون قبراً ؟
فانظر إلى هذه البر يّة(5) أين من يموت فيها حتّى يملاها اللّه قبوراً كما تزعمون ؟
قال : فقلت للكاتب : أهذا من قولكم ؟ قال : نعم . قلت : صدق أين من يموت في هذه البريّة العظيمة حتّى تمتلىء قبوراً ؟! وتضاحكنا ساعة(6) إذ انخذل الكاتب في أيدينا .
قال : وسرنا حتّى دخلنا المدينة ، فقصدت باب أبي الحسن عليّ بن محمّد بن الرضا علیه السلام فدخلت إليه(7) فقرأكتاب المتوکّل فقال: انزلوا وليس من جهتي خلاف.
قال : فلمّا صرت إليه من الغد، و كنّا في تموز أشدّ ما يكون من الحرّ ، فإذا بين يديه خيّاط وهو يقطع من ثياب غلاظ خفاتین(8) له ولغلمانه ، ثمّ قال للخيّاط :
ص: 392
اجمع عليها جماعة من الخيّاطين ، و اعمد على الفراغ منها يومك هذا و بکّربها إليّ في هذا الوقت. ثمّ نظر إليّ وقال : يا يحيى اقضوا وطر کم(1) من المدينة في هذا اليوم ، واعمل على الرحيل غداً في هذا الوقت .
قال : فخرجت من عنده وأنا أنعجّب منه من الخواتين ، وأقول في نفسي : نحن في تموز وحرّ الحجاز وإنّما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيّام(2) فما يصنع بهذه الثياب ؟! ثمّ قلت في نفسي : هذا رجل لم يسافر ، وهو يقدّر أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، و أتعجّب من الرافضة حيث يقولون با مامة هذا مع فهمه هذا .
فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت ، فإذا الثياب قد أحضرت ، فقال لغلمانه : ادخلوا وخذوا لنا معكم ليا برد و بر انس(3) . ثمّ قال : ارحل يا يحيى.
فقلت : في نفسي وهذا أعجب من الأوّل ، أیخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتّى أخذ معه اللبابيد و البرانس ؟
فخرجت وأنا أستصغر فهمه ! فسرنا حتّى وصلنا إلى موضع(4) المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودت، وأرعدت ، وأبرقت حتّى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا برداً (5) مثل الصخور وقد شد على نفسه وعلى غلمانه الخفاتين ولبسوا اللبابيد والبرانس، وقال لغلمانه: ادفعوا إلى يحيی لبّادة و إلى الكاتب بر نساً. وتجمّعنا والبرد يأخذنا حتّى قتل من أصحابي ثمانين رجلا وزاات ورجع الحرّ كما كان .
ص: 393
فقال لي : يايحيي أنزل(1) أنت من بقي من أصحابك ليدفن(2) من [قد] مات من أصحابك . [ثم قال:] فهكذا يملا الله هذه البريّة قبوراً .
قال [يحيي]: فرميت بنفسي عن دابّتي وغدوت إليه فقبّلت رکابه ورجله، وقلت: أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً عبده و رسوله ، وأنّكم خلفاء اللّه في أرضه ، وقد كنت کافراً ، و إنّني الآن قد أسلمت على يديك يامولاي.
قال يحيى : وتشيّعت و لزمت خدمته(3) إلى أن مضى .(4).
3- ومنها : أنّ هبة اللّه بن أبي منصور الموصلي قال : كان بديار ربيعة كاتب نصراني(5) و كان من أهل كفرتوثا(6) ، یسمّی یوسف بن يعقوب، و كان بينه و بين والدي صداقة، قال: فوافانا فنزل عند والدي فقال له و الدي: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيت إلى حضرة المتوکّل، ولا أدري ما يراد منّي، إلا أنّی اشتريت نفسي من
الله بمائة دينار، وقد حملتها لعلي بن محمّد بن الرضا علیه السلام معي.
ص: 394
فقال له: والدي : قد وفّقت في هذا .
قال: وخرج إلى حضرة المتوكّل وانصرف إلينا بعد أيّام قلائل فرحاً مستبشراً(1).فقال له والدي : حدّثني حديثك .
قال : صرت إلى سرّ من رأى(2) ومادخلتها قطّ ، فنزلت في دار وقلت : أحبّ أن أوصل المائة إلى ابن الرضا علیه السلام قبل مصيري إلى باب المتوکّل، وقبل أن يعرف أحد قدومي . قال: فعرفت أنّ المتوکّل قدمنعه من الركوب ، وأنّه ملازم لداره فقلت :
كيف أصنع ؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا ؟! لا آمن أن ينذر(3) بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره .
قال : ففكّرت ساعة في ذلك ، فوقع في قلبي(4) أن أركب حماري و أخرج في البلد، فلا أمنعه من حيث يذهب، لعلّي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً.
قال: فجعلت الدنانير في كاغدة، وجعلتها في كمّي، وركبت فكان الحمار يخترق(5) الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار فجهدت
أن يزول فلم يزل ، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار ؟
فقيل : هذه دار [علي بن محمد] ابن الرضا ! فقلت : اللّه أكبر دلالة والله مقنعة.
ص: 395
قال: و إذا خادم أسود قد خرج [من الدار] فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم . قال : انزل . فنزلت فأقعدني في الدهليز(1) و دخل ، فقلت في نفسي : وهذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الخادم(2) اسمي [واسم أبي] وليس في هذا البلد من يعرفني، ولادخلته قطّ ؟!
قال: فخرج الخادم فقال : المائة الدينار الّتي في كمّك في الكاغدة هاتها !؟ فناولته إيّاها ، فقلت : وهذه ثالثة، ثمّ رجع إليّ ، فقال: ادخل .
فدخلت إليه وهو في مجلسه و حده فقال : يا يوسف أما آن لك أن تسلم؟
فقلت : يا مولاي قد بان [لي من البرهان] مافيه كفاية لمن اكتفي.
فقال: هيهات أما إنّك لاتسلم، ولكن سيسلم ولدك فلان ، وهو من شيعتنا .
[فقال:] يايوسف إنّ أقواماً يزعمون أن ولايتنا لاتنفع أمثالك ، كذبوا واللّه إنّها لتنفع أمثالك ، امض فيما وافيت له، فانّك سترى ماتحبّ [و سيولد لك ولد مبارك].
قال: فمضيت إلى باب المتوکّل فقلت كلّ ما أردت فانصرفت.
قال هبة اللّه: فلقيت ابنه(3) بعد [موت أبيه] و هو مسلم حسن التشيّع، فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانيّة ، و أنّه أسلم بعد موت والده . و كان يقول :
أنا بشارة مولاي علیه السلام(4).
4- ومنها : أن أيّوب بن نوح قال : كان ليحيى بن زکریا حمل(5) فكتب إلى أبي الحسن: أن لي حملا ، ادع الله لي أن يرزقني ابناً .
ص: 396
فكتب إليه : ربّ ابنة خير من ابن. فولدت له ابنة.
وقال أيوب بن نوح: كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام [وقد تعرّض لي جعفر بن عبدالواحد القاضي، و كان يؤذيني بالكوفة](1) ، أشكو إليه ما ينالني منه من الأذى .
فكتب إليّ : تكفى أمره إلى شهرين فعزل [عن الكوفة](2) في الشهرين واسترحت منه .(3).
5- ومنها: ما قال أبو هاشم الجعفري أنّه ظهر برجل من أهل سرّ من رأى برص(4) فتنغّص عليه عيشه ، فجلس يوماً إلى أبي عليّ(5) الفهري فشكا إليه حاله فقال له : لو تعرّضت يوماً لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن الرضا علیهم السلام فسألته أن يدعو لك لرجوت أن يزول عنك .
فجلس(6) يوماً في الطريق وقت منصرفه من دار المتوکّل ، فلمّا رآه(7) قام ليدنو منه فيسأله ذلك فقال له : تنحّ عافاك اللّه. وأشار إليه بيده: تنحّ عافاك الله. وأشار إليه بيده تنحّ ، عافاك اللّه - ثلاث مرات - .
فرجع(8) الرجل ولم يجسر أن يدنو منه وانصرف ، فلقی(9) الفهريّ فعرّفه الحال وما قال ، فقال : قددعا لك قبل أن تسأل، فامض فانّك ستعافی .
ص: 397
فانصرف الرجل إلى بيته، فبات تلك الليلة فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئاً من ذلك.(1).
6- ومنها: ما روى أبو القاسم بن أبي القاسم البغدادي ، عن زرافة(2) صاحب المتوكّل أنّه قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكّل يلعب لعب الحقّة(3) و لم ير مثله، و كان المتوكّل لعّاباً ، فأراد أن يخجل علی بن محمّد بن الرضا علیهم السلام .
فقال لذلك الرجل : إن أنت أخجلته أعطيتك ألف دينار [ زكيّة ](4) .
قال : تقدّم(5) بأن يخبز رقاق خفاف، و اجعلها على المائدة، وأقعدني إلى جنبه ففعل وأحضر عليّ بن محمّد علیهما السلام للطعام وجعلت له مسورة(6) عن يساره كان عليها صورة أسد و جلس اللاعب (إلى جانب المسورة) (7) .
فمدّ عليّ بن محمّد علیهما السلام إلى رقاقة فطيّرها ذلك الرجل (8) في الهواء (ومدّ
ص: 398
يده إلى أخرى فطيّرها)(1) فتضاحك الجميع(2).
فضرب عليّ بن محمّد علیهما السلام يده إلى تلك الصورة التي في المسورة ، وقال :خذه .(3) فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل ، و عادت في المسورة كما كانت .
فتحيّر الجميع(4) ونهض عليّ بن محمّد علیهما السلام فقال له المتوکّل : سألتك إلاّ جلست ورددته. فقال : واللّه لا يرى بعدها ، أتسلّط أعداء اللّه على أولياء اللّه !وخرج من عنده فلم ير الرجل بعد .(5).
7- ومنها: ما روي أنّه أتاه رجل من أهل بيته يقال له «معروف» وقال : أتيتك فلم تأذن لي . فقال : ما علمت بمكانك وأخبرت بعد انصرافك ، وذكرتني بما لا ينبغي . فحلف ما فعلت(6).
فقال أبو الحسن علیه السلام: فعلمت أنّه حلف کاذباً فدعوت اللّه عليه وقلت : اللّهم إنّه حلف کاذباً فانتقم منه . فمات الرجل من الغد . (7).
8- ومنها : ما قال أبو القاسم البغدادي ، عن زرافة (8) قال : أراد المتو کّل
ص: 399
أن يمشي علي بن محمّد بن الرضا علیه السلام يوم السلام، فقال له وزیره : إن في هذا(1) شناعة عليك وسوء مقالة(2) فلا تفعل . قال : لابد من هذا.
قال : فان لم يكن بدّ من هذا فتقدّم بأن يمشي القوّاد و الأشراف كلّهم ، حتّی لا يظن الناس أنّك قصدته بهذا دون غيره .
ففعل و مشی علیه السلام و كان الصيف، فوافي الدهليز وقد عرق .
قال : فلقيته بأجلسته في الدهليز و مسحت وجهه بمندیل و قلت : إنّ ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك.
فقال : إيها(3) عنك «تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ »(4)
قال زرافة : و كان عندي معلّم يتشیّع و كنت كثيراً أمازحه بالرافضي فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء وقلت : تعال يا رافضي حتّى أحدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم . قال : وماسمعت ؟ فأخبرته بما قال .
فقال : (يا حاجب أنت سمعت هذا من علي بن محمّد علیه السلام؟ قلت : نعم .
قال : فحقّك عليّ واجب بحق خدمتي لك)(5) فاقبل نصيحتي. قلت : هاتها .
قال : إن كان علي بن محمّد قد قال ما قلت فاحترز واخزن كل ما تملكه ، فان المتوكّل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيّام.
فغضبت عليه و شتمته وطردته من بين يدي، فخرج.
فلمّا خلوت بنفسي ، تفكّرت وقلت : مايضرني أن آخذ بالحزم ، فان كان من
ص: 400
هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم ، وإن لم يكن لم يضرني ذلك ، قال: فركبت إلى دار المتوکّل فأخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم ، ولم أترك في داري إلا حصيراً أقعد عليه .
فلمّا كانت اليلة الرابعة قتل المتوكّل و سلمت أنا و مالي ،فتشيّعت عند ذلك وصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعولي وتولّيته(1) حق الولاية .(2).
9- ومنها : ما روي عن أبي القاسم بن القاسم(3))، عن خادم عليّ بن محمّد علیه السلام قال : كان المتوکّل يمنع الناس من الدخول إلى علي بن محمّد ، فخرجت يوماً وهو في دار المتوكّل ، فاذا جماعة من الشيعة جلوس بقرب الباب(4)
فقلت : ما شأنكم جلستم ههنا ؟ قالوا : ننتظر انصراف مولانا النظر إليه و نسلّم عليه وننصرف . قلت لهم : وإذا رأيتموه تعرفونه ؟ قالوا: كلّنا نعرفه .
فلمّا وافي قاموا إليه فسلّموا عليه، ونزل فدخل داره، وأراد أولئك الانصراف.
فقلت : يا فتيان اصبروا حتّى أسألكم أليس قد رأيتم مولاكم ؟ قالوا: بلى(5).
قلت : فصفوه ؟ فقال واحد: هو شيخ أبيض الرأس ، أبيض مشرب بحمرة.
وقال آخر : لايكذب ، ماهو إلا أسمر أسود اللحية .
وقال الآخر : لا لعمري ماهو كذلك، هو کھل ما بين البياض و السمرة .
فقلت : أليس زعمتم أنکّم تعرفونه ؟ انصرفوا في حفظ الله.(6)
ص: 401
10. ومنها : ماقال أبوهاشم الجعفري(1): أنّه كان للمتوکّل مجلس بشبابيك (كيماتدور الشمس)(2) في حيطانه، قد جعل فيها الطيور التي تصوت ، فاذا كان يوم السلام جلس في ذلك المجلس فلايسمع مايقال له ،ولا يسمع مايقول من اختلاف (3) أصوات تلك الطيور ، فاذا وافاه علي بن محمّد بن الرضا علیه السلام سكتت الطيور فلايسمع منها صوت واحد إلى أن يخرج من عنده، فاذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها .
قال: و كان عنده عدة من القوابج(4) [في الحيطان](5) و كان يجلس في مجلس له عال ، ویرسل تلك القوابج تقتتل ، وهو ينظر إليها ويضحك منها ، فاذا وافي علي ابن محمّد علیه السلام إليه في ذلك المجلس لصقت تلك القوابج بالحيطان فلاتتحرك(6)من مواضعها حتّى ينصرف، فاذا انصرف عادت في القتال.(7)
11 - ومنها: أن أبا هاشم الجعفري قال: ظهرت في أيّام المتوكّل امرأة تدعي
ص: 402
أنّها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال لها المتوکّل : أنت امرأة شابّة وقد مضى من وقت وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ما مضى من السنين .
فقالت : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مسح على رأسي وسأل الله أن يردّ عليّ شبابي في كل أربعين سنة، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية ، فلحقتني الحاجة فصرت إليهم .
فدعا المتوكّل مشايخ آل أبي طالب، وولد العبّاس و قریش فعرّفهم حالها . فروی جماعة وفاة زينب [بنت فاطمة علیها السلام] في سنة كذا ، فقال لها : ما تقولين في هذه الرواية؟
فقالت: كذب وزور ، فانّ أمري كان مستوراً عن الناس، فلم يعرف لي حياة ولاموت فقال لهم المتوکّل: هل عندكم حجّة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟ قالوا: لا. قال: أنا(1) بريء من العبّاس إن[لا] أنزلها عمّا ادعت إلّا بحجّة [تلزمها].
قالوا: فأحضر [علي بن محمّد] ابن الرضا -علیه السلام فلعلّ عنده شيئاً من الحجّة غير ماعندنا . فبعث إليه فحضر فأخبره بخبر المرأة . فقال : كذبت فان زینب توفّيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا . قال : فان هؤلاء قد رووا مثل هذه الرواية وقد حلفت أن (2) لاأنزلها عمّا ادّعت إلا بحجّة تلزمها .
قال : ولا عليك فههنا حجّة تلزمها وتلزم غيرها . قال : وماهي؟ قال: لحوم ولد(3) فاطمة محرمة على السباع ، فأنزلها إلى السباع فان كانت من ولد فاطمة فلاتضر ها [السباع] . فقال لها : ما تقولين ؟ قالت : إنّه يريد قتلي. قال : فههنا جماعة من ولد الحسن والحسين علیهما السلام فأنزل من شئت منهم . قال : فوالله لقد تغيّرت وجوه الجميع فقال بعض المتعصّبين(4): هو يحيل على غيره، لم لا يكون هو ؟
فمال المتوكّل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع فقال : يا أبا الحسن لم لا يكون أنت ذلك ؟ قال : ذاك إليك . قال : فافعل ! قال :
ص: 403
أفعل [ إن شاء اللّه ] . فأتی بسلّم وفتح عن السباع و كانت ستّة من الأسد ، فنزل [ الامام ] أبو الحسن علیه السلام إليها ، فلما دخل وجلس صارت [ الاسود ] إليه ، ورمت بأنفسها بين يديه ، ومدت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه .
فجعل يمسح على رأس كل واحد منها بيده ، ثم يشير له(1) بيده إلى الاعتزال فيعتزل ناحية ، حتّى اعتزلت كلّها وقامت(2) بازائه .
فقال له الوزير : ما كان هذا صواباً ، فبادر باخراجه من هناك ، قبل أن ينتشر خبره . فقال له : أبا الحسن ما أردنا بك سوءاً وإنّما أردنا أن نكون على يقين ممّا قلت ، فاحب أن تصعد . فقام وصار إلى السلّم وهي حوله تتمسّح بثيابه .
فلمّا وضع رجله على أول درجة التفت إليها و أشار بيده أن ترجع . فرجعت وصعد فقال :كل من زعم أنّه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس .
فقال لها المتوکّل : انزلي .
قالت : اللّه اللّه ادعيت الباطل ، و أنا بنت فلان حملني الضر على ما قلت فقال [ المتوکّل ] : ألقوها إلى السباع ، فبعثت والدته واستوهبتها منه و أحسنت إليها .(3)
12- و منها : ما روي عن محمّد بن علي [قال:] أخبرني زيد بن علي بن
ص: 404
الحسين بن زيد [ قال : ] مرضت فدخل عليّ الطبيب ليلا ، ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا و كذا يوماً ، فلم يسكنني تحصيله من الليل ، وخرج الطبيب من الباب وورد صاحب أبي الحسن علیه السلام في الحال و معه صرّة فيها ذاك الدواء بعينه ، فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام و يقول: خذ هذا الدواء كذا و كذایوماً. فشربت فبرأت قال محمّد : قال زيد : أين الغلاة(1) عن هذا الحديث .(2)
13 - ومنها : ما روي عن خيران الأسباطي قال : قدمت المدينة على أبي الحسن علیه السلام فقال لي : ما فعل الوائق ؟ قلت : هو في عافية .
وقال : ما فعل جعفر ؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالا في السجن. وقال :ما فعل ابن الزيّات ؟ قلت: الأمر أمره وأنا منذ عشرة أيّام خرجت من هناك .
فقال: مات الواثق ، وقد قعد المتوکّل جور ، و قتل ابن الزيّات .
قلت : متى؟ قال : بعد خروجك بستّة أيّام. و كان كذلك. (3)
ص: 405
14 - ومنها: أن أحمد بن هارون قال : كنت جالساً أعلّم غلاماً من غلمانه في فازة(1) داره - فيها بستان - إذ دخل علينا أبو الحسن علیه السلام راكباً على فرس له ، فقمنا إليه فسبقنا ، فنزل قبل أن ندنو منه ، فأخذ بعنان (2) فرسه بيده فعلّقه في طنب(3) من أطناب الفازة ثم دخل وجلس معنا ، فأقبل علي فقال :
متى رأيك تنصرف إلى المدينة ؟ فقلت : الليلة .
ص: 406
قال : فأكتب إذاً كتاباً معك توصله إلى فلان التاجر؟ قلت : نعم .
قال : يا غلام هات الدواة والقرطاس . فخرج الغلام ليأتي بهما من دار أخرى فلمّا غاب الغلام صهل الفرس و ضرب بذنبه(1) فقال له بالفارسيّة : ما هذا القلق ؟ فصهل الثانية فضرب بذنبه(2). فقال [ له ] - بالفارسيّة-: لي حاجة أريد أن أكتب كتاباً إلى المدينة فاصبر حتّى أفرغ. فصهل الثالثة و ضرب بيديه ، فقال له - بالفارسيّة - : اقلع ، فامض إلى ناحية البستان، و بل هناك و رث ، وارجع ، فقف هناك مكانك.
فرفع الفرس رأسه و أخرج العنان من موضعه ، ثم مضى إلى ناحية البستان حتّى لانراه(3) في ظهر الفازة، فبال، و راث، و عاد إلى مكانه .
فدخلني من ذلك ما الله به عليم ، و وسوس الشيطان في قلبي وأقبل إلي فقال :يا أحمد لا يعظم عليك ما رأيت ، إن ما أعطى الله محمّداً و آل محمّد ، أكثر ممّا أعطى داود و آل داود .
قلت : صدق ابن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فما قال لك ؟ وماقلت له؟ فما(4) فهمته .
فقال : قال لي الفرس : قم فاركب إلى البيت حتّی تفرغ عنّي. قلت : ما هذا القلق ؟ قال : قد تعبت . فقلت: لي حاجة أريد أن أكتب كتاباً إلى المدينة فاذا فرغت ركبتك . قال : إنّي أريد أن أروث و أبول ، وأكره أن أفعل ذلك بين يديك . فقلت له : اذهب إلى ناحية البستان فافعل ما أردت ، ثم عد إلى مكانك . ففعل الّذي رأيت .
ثمّ أقبل الغلام بالدواة و القرطاس - وقد غابت الشمس - فوضعها بين يديه فأخذ في الكتابة حتّى أظلم [ الليل ](5) فيما بيني وبينه ، فلم أر الكتاب ، وظننت أنّه قد أصابه الّذي أصابني .
ص: 407
فقلت للغلام : قم ، فهات بشمعة من الدار حتّی یبصر(1) مولاك كيف يكتب . فمضى ، فقال للغلام : ليس لي إلى ذلك حاجة .
ثمّ كتب كتاباً طويلا إلى أن غاب الشفق(2)، ثم قطعه فقال الغلام : أصلحه فأخذ الغلام الكتاب ، وخرج من الفازة ليصلحه ثم عاد إليه و ناوله ليختمه فختمه من غير أن ينظر الخاتم مقلوباً أو غير مقلوب ، فناولني [ الكتاب ] فأخذت ، فقمت لأذهب فعرض في قلبي - قبل أن أخرج من الفازة - أصلّي قبل أن آتي المدينة .
قال : يا أحمد صل المغرب والعشاء الأخرة في مسجد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ثم اطلب الرجل في الروضة، فانّك توافيه، إن شاء الله .
قال : فخرجت مبادراً فأتيت المسجد وقدنودي للعشاء الآخرة ، فصلّيت المغرب ثم صلّيت معهم العتمة(3) وطلبت الرجل حيث(4) أمرني فوجدته ، فأعطيته الكتاب فأخذه ففضّه ليقرأه ، فلم يتبيّن(5) قراءة في ذلك الوقت ، فدعا بسراج فأخذته فقرأته عليه في السراج في المسجد ، فاذا خط مستو ، ليس حرف ملتصقاً بحرف وإذا الخاتم مستو ، ليس بمقلوب ، فقال لي الرجل : عد إلي غداً حتّى أكتب جواب الكتاب. فغدوت فكتب الجواب فمضيت(6) به إليه.
فقال : أليس قد وجدت الرجل حيث قلت [لك] ؟ فقلت : نعم . قال : أحسنت .(7)
ص: 408
15 - ومنها : ما روي عن علي بن جعفر قال . قلت لأبي الحسن علیه السلام : أيّنا أشدّ حبّا لدينه ؟ قال : أشدّ كم حبّاً لصاحبه - في حديث طويل - ثمّ قال لي :
يا عليّ إنّ هذا المتوكّل يبني بين المدينة بناءاً(1) لايتمّ بناؤه ويكون هلاكه قبل
تمامه على يدي فرعون من فراعنة الترك.(2).
16 - ومنها: ما روي عن أحمد بن عيسى الكاتب قل : رأيت رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم فيما يرى النائم كأنّه نائم في حجرتي ، و کأنّه دفع إليّ كفّأ من تمر عدده خمس
وعشرون تمرة ، قال : فما لبثت حتّى أقدم(3) بأبي الحسن عليّ بن محمّد علیه السلام ومعه قائد فأنزله في حجرتي و كان القائد يبعث ويأخذ من العلف من عندي فسألني يوماً : کم لك علينا ؟ قلت : لست آخذ منك شيئاً من ثمنه .
قال لي : أفتحبّ أن تدخل إلى هذا العاري فتسلّم ليه ؟ قلت : لست أكره ذلك .فدخلت فسلّمت عليه ، و قلت له : إنّ في هذه القرية كذا و كذا من مواليك قان أمرتنا باحضارهم فعلنا ، قال : لاتفعلوا . قلت : فانّ عندنا تموراً جياداً فأذن لي أن أحمل لك بعضها . قال : إن حملت شيئاً لم يصل إليّ ، ولكن احمله إلى القائد فانّه سيبعث إلي منه . فحملت إلى القائد أنواعاً من التمر وأخذت نوعاً جيّداً في
ص: 409
كمّي وسكرّجه(1) من زبد فحملته إليه، ثم جئت فقال لي القائد :أتحبّ أن تدخل على صاحبك ؟
قلت: نعم. فدخلت فاذا قدّ امه من ذلك التمر الّذي بعثت به إلى القائد، فأخرجت التمر الّذي معي و الزبد ، فوضعته بين يديه ، فأخذ كفّاً من تمر فدفعه إليّ ، وقال : لوزادك رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم لزدناك. فعددته فاذا هو كما رأيته في النوم لم يزد و لم ينقص.(2).
17 - ومنها : ماروی أبو سليمان ، قال: حدّثنا ابن أورمة(3) [قال:] خرجت أيّام المتوكّل إلى سرّ من رأى فدخلت علي سعيد الحاجب ودفع المتوكّل أبا الحسن إليه ليقتله، فلمّا دخلت عليه ، قال: تحبّ أن تنظر إلى إلهك؟ قلت: سبحان اللّه إلهي(4) لاتدركه الأبصار . قال : هذا الّذي تزعمون أنّه إمامكم ! قلت: ما أكره ذلك قال : قد أمرت(5) بقتله ، وأنا فاعله غداً - و عنده صاحب البريد - فاذا خرج فادخل إليه فلم ألبث أن خرج قال : ادخل .
فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فاذا هوذا بحياله قبر يحفر ، فدخلت وسلّمت وبكيت بكاء شديداً ، قال : ما يبكيك ؟ قلت : لما أری .
قال: لاتبك لذلك [فانّه] لايتمّ لهم ذلك . فسكن ما كان بي.
فقال : إنّه لا يلبث أكثر من يومين حتّی يسفك اللّه دمه ودم صاحبه الّذي رأيته .
قال: فواللّه ما مضى غير يومين حتّی قتل [وقتل صاحبه] .
ص: 410
قلت لأبي الحسن علیه السلام: حديث رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم (لاتعادوا الأيّام فتعاديكم) ؟
قال : نعم ، إنّ لحديث رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم تأويلا.
أمّا السبت فرسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ، و الأحد أمير المؤمنين علیه السلام، و الاثنين : الحسن والحسين علیهما السلام و الثلاثاء : عليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ و جعفر بن محمّد والأربعاء: موسی بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ ، وأنا [علي بن محمّد] والخميس ابني الحسن ، والجمعة : القائم منّا أهل البيت.(1).
18 - ومنها : أنّ أبا محمد الطبري قال: تمنّيت أن يكون لي خاتم من عنده علیه السلام فجاءني نصر الخادم بدرهمين ، فصنعت منه خاتماً فدخلت على قوم يشربون الخمر فتعلّقوا بي حتّى شربت قدحاً أو قدحين و كان الخاتم ضيّفاً في إصبعي لا يمكنني
ص: 411
إدارته للوضوء، فأصبحت وقد افتقدته ، فتبت إلى اللّه .(1).
19 - ومنها : حديث تلّ المخالي وذلك أنّ الخليفة (2) أمر العسكر وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسر من رأى أن يملا كلّ واحد مخلاة(3) فرسه من الطين الأحمر، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط بريّة واسعة(4) مناك ، ففعلوا.
فلمّا صار(5) مثل جبل عظیم صعد فوقه ، و استدعى(6) أبا الحسن علیه السلام و استصده وقال : استحضرتك لنظارة خيولي ، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف(7) و يحملوا الأسلحة وقد عرضوا بأحسن زينة ، وأتمّ عدّة، وأعظم جيبة (و كان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه ، و كان خوفه من أبي الحسن علیه السلام أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة)(8).
فقال له أبو الحسن علیه السلام : وهل [تريد أن] أعرض عليك عسكري ؟ قال: نعم.
فدعا اللّه سبحانه فاذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدجّجون
ص: 412
فغشي على الخليفة ، فلمّا أفاق قال أبو الحسن علیه السلام : نحن لا ننافسكم(1) في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة ، فلاعليك شيء ممّا تظن .(2).
20- ومنها : ما روى أبو محمّد البصريّ ، عن أبي العبّاس خال شبل کاتب إبراهيم بن محمّد قال: كنّا أجرينا ذكر أبي الحسن علیه السلام فقال لي : يا أبا محمّد لم أكن في شيء من هذا الأمر و كنت أعيب على أخي ، وعلى أهل هذا القول عيباً شديداً بالذمّ والشتم، إلى أن كنت في الوفد الّذين أوفد المتوكّل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن علیه السلام فخرجنا إلى(3) المدينة .
فلمّا خرج وصرنا في بعض الطريق ، طوينا المنزل (4) و كان يوماً(5) صائفاً شدید
الحرّ ، فسألناه أن ينزل فقال : لا. فخرجنا ولم نطعم و لم نشرب ، فلمّا اشتدّ الحرّ والجوع(6) و العطش فينا ونحن إذ ذاك في [أرض] ملساء لانرى شيئاً و لاظلّ ولاماء
نستريح إليه، فجعلنا نشخص بأبصارنا(7) نحوه .
فقال : مالكم أحسبكم(8) جياعاً وقد عطشتم؟ فقلنا : إي واللّه ، وقد عيينا ياسيدنا.
ص: 413
قال : عرّسوا !(1) و كلوا واشربوا.
فتعجّبت من قوله، ونحن في صحراء ملساء لانرى فيها شيئاً ، نستريح إليه، ولا نری ماءاً ولاطلا . قال : ما لكم؟ عرّسوا . فابتدرت إلى القطار لانيخ(2) .
ثمّ التفت إذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظلّ تحتهما عالم من الناس وإنّي لأعرف(3)
موضعهما أنه أرض براح قنر(4) وإذا [أنا] بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء وأبرده فنزلنا وأكلنا وشربنا و استرحنا ، وإنّ فينا من سلك ذلك الطريق مراراً .
فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب ، وجعلت أحدّ النظر إليه و أتأمّله طويلا و إذا نظرت إليه تبسّم وزوى(5) وجهه عنّي.
فقلت في نفسي : و اللّه لأعرفنّ هذا كيف هو ؟ فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي، و وضعت عليه حجرين ، وتغوّطت في ذلك الموضع ، و تھيّأت للصلاة فقال أبو الحسن : استر حتم ؟ قلنا: نعم . قال : فارتحلوا على اسم اللّه . فارتحلنا فلمّا أن سر نا ساعة، رجعت على الأثر(6) فأتيت الموضع فوجدت الأثر والسيف كما وضعت والعلامة و كأنّ الله لم يخلق [ثمّ] شجرة ولاماء [و ظلالا] ولا بللا فتعجّبت [من ذلك](7) و رفعت يدي إلى السماء فسألت اللّه بالثبات على المحّبة و الايمان به، والمعرفة منه، وأخذت الأثر ولحقت القوم ، فالتفت إليّ أبو الحسن علیه السلام وقال:
ص: 414
يا أبا العباس فعلتها ؟ قلت : نعم يا سيّدي ، لقد كنت شاكّاً ، ولقد أصبحت وأنا عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا والآخرة.
فقال: هو كذلك ، هم معدودون معلومون لا يزيد رجل ولاينقص [رجل].(1).
21- ومنها: ماروی أبو سعيد سهل بن زیاد [قال:] حدّثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب و نحن في داره بسامرّة (2) فجرى ذكر أبي الحسن . فقال: يا أبا سعيد إنّي أحدّثك بشيء حدّثني به أبي، قال : كنّا مع المعتز(3) و كان أبي كاتبه قال: فدخلنا الدار، وإذا المتوكّل(4) على سريره قاعد، فسلّم المعتزّ ووقف ، ووقفت خلفه، و كان عهدي به إذا دخل عليه رحبّ به ويأمره بالقعود ، فأطال القيام، وجعله(5)يرفع قدماً(6) ويضع أخرى ، وهو لايأذن له(7) بالقعود .
ونظرت إلى وجهه يتغيّر ساعة بعد ساعة ، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول:هذا الّذي تقول فيه ماتقول. و يردّد (8) القول ، والفتح مقبل عليه یسکّنه ، ويقول:مكذوب
ص: 415
عليه يا أمير المؤمنين ، وهو يتلظّی ويشطط(1) و يقول : واللّه لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق وهو الذي يدّعي الكذب، ويطعن في دولتي ثمّ قال: جئني بأربعة من الخزر جلاف(2) لايفهمون ، فجيء بهم و دفع إليهم أربعة أسياف ، وأمرهم [أن] یرطنوا(3) بألسنتهم إذادخل أبو الحسن ، و أن يقبلوا عليه بأسيافهم ( فيخبطوه و يعلقوه )(4)وهو يقول : والله لاحرقنّه بعد القتل . وأنا منتصب قائم خلف المعتزّ من وراء الستر فما علمت إلاّ بأبي الحسن قددخل ، وقد بادر الناس قدّ امه ، و قالوا : [قد] جاء والتفت، ورأى فماذا أنابه و شفتاه تتحرّكان ، وهو غير مكترث(5) ولاجازع ، فلمّا بصر به المتوکّل رمي بنفسه عن السرير إليه، وهو يسبقه، فانكبّ عليه يقبّل بين عينيه ويديه وسيفه(6) بيده ، وهويقول : يا سيّدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه يا ابن عمّي يا مولاي يا أبا الحسن ! وأبو الحسن علیه السلام يقول: أعيذك يا أمير المؤمنين باللّه[اعفني] من هذا. فقال: ما جاء بك يا سيّدي(7) في هذا الوقت؟ قال: جاءني رسولك فقال: المتوكل [يدعوك . فقال:] كذب ابن الفاعلة ، ارجع ياسيّدي من حيث جئت(8).
یافتح ! ياعبيد اللّه ! يا معتزّ شیّعوا سیّد کم وسيّدي .
فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً مذعنين، فلمّا خرج دعاهم المتوکّل (ثمّ أمر
ص: 416
الترجمان أن يخبره)(1) بما يقولون ، ثمّ قال لهم : لم لم تفعلوا ما أمرتم ؟ قالوا: شدّة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأمّلهم ، فمنعنا ذلك عمّا أمرت به، وامتلات قلوبنا من ذلك [رعباً].
فقال المتوكّل : يافتح هذا صاحبك - وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه - وقال : الحمد للّه الّذي بيّض وجهه ، وأنار حجّته.(2).
22- ومنها : ماروي عن محمّد بن الفرج قال : [قال](3) لي علي بن محمد علیهما السلام: إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها، وضع الكتاب تحت مصلاك و دعه ساعة ثم أخرجه وانظر فيه. قال : ففعلت، فوجدت جواب ماسألت عنه موقّعاً فيه .(4).
ص: 417
1- عن أبي هاشم الجعفري قال : لمّا مضي أبو الحسن علیه السلام صاحب العسكر اشتغل أبو محمّد ابنه بغسله و شأنه ، وأسرع بعض الخدم إلى أشياء احتملوها من ثياب ودراهم وغيرها .
فلمّا فرغ أبو محمد من شأنه صار إلى مجلسه ، فجلس ، ثمّ دعا أولئك الخدم، فقال لهم : إن صدّقتموني عمّا احدثكم فيه(1) فأنتم آمنون من عقوبتي ، وإن أصررتم على الجحود دللت على كلّ ما أخذه كلّ واحد منكم ، و عاقبتكم عند ذلك بما تستحقّونه .منّي ثمّ قال : أنت يا فلان أخذت كذا و كذا ( أكذلك هو ؟
قال : نعم يا ابن رسول اللّه . قال : فردّه.
ثمّ قال: وأنت يا فلانة، أخذت كذا وكذا، أكذلك هو ؟ قالت: نعم . قال : فردّبه)(2).
فذكر لكلّ واحد منهم ما أخذه ، وصار إليه ، حتّی ردّوا جميع ما أخذوه .(3).
ص: 418
2- ومنها: ما قال أبوهاشم(1) : إنّ أبا محمد علیه السلام ركب يوماً إلى الصحراء فركبت معه ، فبينا نسير ، وهو قدّامي و أنا خلفه ، إذعرض لي فكر في دين - كان عليّ - قد حان أجله ، فجعلت أفكّر من أيّ وجه قضاؤه .
فالتفت إليّ فقال : يا أبا هاشم ! الله يقضيه . ثمّ انحنى على قربوس(2) سرجه فخطّ بسوطه خطّة في الأرض وقال : انزل ، فخذ ، واكنم .
فنزلت فاذا سبيكة ذهب قال : فوضعتها في خفّي و سرنا ، فعرض لي الفكر .
فقلت : إن كان فيها تمام الدين ، وإلاّ فانّي أرضي صاحبه بها ، ويجب أن ننظر الان في وجه نفقة الشتاء ، وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها .
فالتفت إليّ ، ثم انحنی ثانية ، و خطّ بسوطه خطّة في الأرض مثل الأولى ، ثمّ قال : انزل، فخذ، واكتم .
قال : فنزلت ، وإذا سبيكة فضّة ، فجعلتها في خفّي الآخر ، وسرنا يسيراً ، ثمّ انصرف إلى منزله ، وانصرفت إلى منزلي ، فجلست ، فحسبت ذلك الدين ، وعرفت مبلغه ، ثمّ وزنت سبيكة الذهب ، فخرجت بقسط ذلك الدين ، ما زادت ولا نقصت! ثمّ نظرت فيما نحتاج إليه لشتوتي من كلّ وجه ، فعرفت مبلغه الذي لم يكن بدّ منه على الاقتصاد ، بلا تقتير (3) ولا إسراف ،ثمّ وزنت سبيكة الفضّة، فخرجت على ماقدّرته مازادت ولانقصت !(4) .
ص: 419
3- ومنها: ما حدّث به نصراني متطبّب بالري يقال له مرعبدا(1) ، وقد أتی عليه مائة سنة ونيّف وقال: كنت تلميذ بختیشوع طبيب المتوکّل(2)، و كان يصطفيني(3) فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن الرضا علیهم السلام أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده(4) فاختارني وقال :
قد طلب منّي ابن الرضا من يقصده فصر(5) إليه، وهو أعلم في يومنا هذا بمن(6)
: تحت السماء ، فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به .
فمضيت إليه فأمر بي إلى حجرة ، وقال : كن [ ههنا ] إلى أن أطلبك .
قال : وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيّداً محموداً للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود له ، و أحضر طشتاً، عظيماً (7) ففصدت الأكحل(8) ، فلم يزل الدم يخرج حتى امتلا الطشت .
ثمّ قال لي : اقطع.(9) فقطعت ، و غسل يدّه وشدّها ، وردّني إلى الحجرة وقدّم من الطعام الحارّ والبارد شيء كثير، وبقيت إلى العصر .
ص: 420
ثمّ دعاني ، فقال : سرّح.(1) ودعا بذلك الطشت ، فسرّحت ، وخرج الدم إلى أن امتلا الطشت، فقال: اقطع . فقطعت و شدّيده ، وردّني إلى الحجرة ، فبتّ فيها .
فلمّا أصبحث وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت و قال : سرّح.فسرّحت ، فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلا الطشت، ثمّ قال : اقطع. فقطعت ، و شدّ يده ، وقدّم إليّ تخت(2) ثياب وخمسين ديناراً وقال : خذها، وأعذر وانصرف. فأخذت وقلت : يأمرني السيد بخدمة؟ قال : نعم، تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول(3) .
فصرت إلى بختیشوع ، وقلت له القصّة .
فقال : أجمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الانسان سبعة أمنان(4)
من الدم ، و هذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً ، وأعجب ما فيه اللبن ففکّر ساعة ، ثمّ مكثنا ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن تجد لهذه الفصدة(5) ذكراً في العالم فلم نجد ، ثم قال : لم تبق اليوم في النصرانيّة أعلم بالطبّ من راهب بدير العاقول.
فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى ، فخرجت و ناديته ، فأشرف عليّ فقال : من أنت ؟ قلت: صاحب بختيشوع. قال: أمعك كتابه ؟ قلت : نعم . فأرخى لي زبيلا(6) فجعلت الكتاب فيه ، فرفعه فقرأ الكتاب ، ونزل من ساعته .
ص: 421
فقال : أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت : نعم .
قال : طوبى لامّك ! و ركب بغلا ، وسرنا ، فوافينا « سرّ من رأي» وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحبّ : دار أستاذنا : أم دار الرجل ؟ قال : دار الرجل .
فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأول ، ففتح الباب، وخرج إلينا خادم أسود ، وقال : أيّكما راهب(1) دیر العقول ؟ فقال: أنا جعلت فداك . فقال : انزل . وقال لي الخادم:
احتفظ بالبغلين . و أخذ بيده ودخلا ، فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار.
ثم خرج الراهب وقد رمي بثياب الرهبانيّة ، ولبس ثياباً بيضاً ، وأسلم ، فقال :خذني الآن إلى دار أستاذك . فصرنا إلى باب بختیشوع ، فلمّا رآه بادر يعدو إليه ثم قال : ما الذي أزالك عن دينك ؟
قال : وجدت المسيح ، وأسلمت على يده ، قال : وجدت المسيح ؟!
قال(2) : أو نظيره ، فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلا المسيح ، وهذا نظيره في آياته وبراهينه .
ثم انصرف إليه ، ولزم خدمته إلى أن مات .(3).
4- ومنها: ما روى أحمد بن محمد ، عن جعفر بن الشريف الجرجاني(4)حججت سنة ، فدخلت على أبي محمد علیه السلام « سرّ من رأي » وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئاً من المال، فأردت أن أساله إلى من أدفعه ؟
ص: 422
فقال - قبل أن قلت له ذلك -: إدفع ما معك إلى المبارك خادمي .
قال : ففعلت [ وخرجت ] وقلت : إنّ شيعتك بجرجان يقرأون عليك السلام قال : أولست منصرفاً بعد فراغك من الحجّ ؟ قلت : بلى.
قال: فانّك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة و سبعین(1) بروما ، وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر في أوّل النهار ، فأعلمهم أنّي
أو افيهم في ذلك اليوم آخر النهار ، فامض راشداً، فانّ اللّه سيسلّمك ویسلّم مامعك فتقدم على أهلك وولدك ، ويولد(2) لولدك الشريف ابن، فسمّه الصلت بن الشريف
ابن جعفر بن الشريف، وسيبلغه الله، ويكون من أوليائنا.
فقلت : يابن رسول اللّه إن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني(3) و هو من شيعتك كثير المعروف إلى أوليائك ، يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم وهو أحد المتقلّبين في نعم الله بجرجان .
فقال : شكر اللّه لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعته إی شیعتنا ، وغفر له ذنوبه ورزقه ذکراً سوّياً قائلا بالحقّ ، فقل له: يقول لك الحسن بن علي : سمّ ابنك أحمد فانصرفت من عنده ، وحججت ، وسلّمني اللّه حتى وافيت جرجان في يوم الجمعة في أول النهار من شهر ربيع الآخر على ماذكر علیه السلام وجاءني أصحابنا يهنّئوني أعلمتهم(4) إنّ الأمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم ، فتأهّبوا لما تحتاجون إليه، وأعدّوا مسائلكم وحوائجكم كلّها .
فلمّا صلّوا الظهر والعصر اجتمعوا كلّهم في داري، فواللّه ما شعرنا إلا وقد وافانا
ص: 423
أبو محمد علیه السلام، فدخل إلينا و نحن مجتمعون، فسلّم هو أو لا علينا، فاستقبلناه و قبّلنا يده ثمّ قال : إنّي كنت وعدت جعفر بن الشريف(1) أن أوافيكم في آخر هذا اليوم فصلّيت الظهر والعصر ؛ «سرّ من رأي» وصرت اليكم لاجدّد بكم عهداً، وها أنا جئتكم الآن، فاجمعوا مسائلكم و حوائجكم كلّها .
فأول من انتدب لمسائلته(2) النضر بن جابر ، قال : يابن رسول اللّه إن ابني جابراً أصيب ببصره منذ أشهر ، فادع اللّه له أن يردّ عليه عينيه . قال فهاته .
فمسح بيده على عينيه فعاد بصيراً ، ثمّ تقدّم رجل فرجل يسألونه حوائجهم وأجابهم إلى كلّ ما سألوه حتى قضى حوائج الجميع ، و دعا لهم بخير ، وانصرف من يومه ذلك .(3).
5- ومنها : ماروي عن عليّ بن زید بن علي بن الحسين بن زید بن علي(4) [قال]: صحبت أبا محمد علیه السلام من دار العامّة إلى منزله .
فلمّا صار إلى الدار ، و أردت الانصراف ، قال: أمهل . فدخل ، ثمّ أذن لي.
فدخلت فأعطاني مائة دينار وقال: صيّرها(5) في ثمن جارية ، فانّ جاريتك فلانة
ص: 424
ماتت . و كنت خرجت من منزلي وعهدي بها أنشط ما كانت ، فمضيت فاذا الغلام قال : ماتت جاريتك فلانة الساعة !
قلت : ماحالها ؟ قال : شربت ماء، فشرقت ، فماتت .(1).
6- ومنها : ماروي عن إسماعيل بن محمّد بن علي بن إسماعيل بر علي بن عبداللّه ابن عباس(2) بن عبدالمطلب [قال]: قعدت على ظهر الطريق لأبي محمد علیه السلام فلمّا مرّ بي شكوت إليه الحاجة قال: دفنت مائتي دينار، وليس قولي دفعاً(3) وأعطاه مائة دينار .
قال: ثمّ أقبل عليّ، فقال: أما إنّك تحرمنا أحوج ما تكون إليها - يعني الدنانير التي دفنتها - وصدق ، فاذا ابن لي قدعرف مكانها ، وأخذها وهرب ، فماقدرت منها على شيء.(4).
ص: 425
7- و منها : ماروي عن أبي هاشم الجعفري [قال]: كنت عند أبي محمد علیه السلام فاستؤذن لرجل من أهل اليمن فدخل رجل طويل جسيم ، فسلّم عليه بالولاية .
فقلت في نفسي : ليت شعري من هذا ؟ فقال أبو محمد علیه السلام: هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي بخو اتیمهم، فانطبعت .
فأخرج حصاة وفي جانب منها مو ضع أملس، فطبع فيها فانطبع ، و كأنّي أقرأ الساعة نقش خاتمه: «الحسن بن علي» ثم نهض الرجل وهو يقول :
«رحمة الله وبرکاته عليكم أهل البيت ذريّة بعضها من بعض» .
فسألته عن اسمه، فقال : مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أمّ غانم وهي الأعرابيّة اليمانيّة صاحبة الحصاة التي ختم فيها أمير المؤمنين علیه السلام (1).وصاحبات الحصى ثلاث : إحداهنّ هي، و تكّني أمّ غانم والثانية امّ الندی حبابة بنت جعفر الوالبيّة والأولى إسمها سعاد من بني سعد بن بكر بن عبد مناف .(2).
ص: 426
والثالثة تدعى أمّ سليم كانت قارئة الكتب ، ولكلّ واحدة خبر.(1).
8- ومنها : ماروي عن علي بن محمد بن زياد الصيمري(2) [قال]: دخلت على أبي
ص: 427
أحمد بن عبد اللّه بن طاهر(1) و بين يديه رقعة أبي محمد علیه السلام، وفيها :
«إني نازلت اللّه(2) في هذا الطاغي - يعني المستعین - (3) وهو آخذه بعد ثلاث»(4) فلمّا كان اليوم الثالث خلع، و كان من أمره ما كان حتی قتل(5).(6)
ص: 428
9- ومنها : ماقال أبو هاشم الجعفري : كنت محبوساً مع أبي محمد علیه السلام في حبس المهتدي ابن الواثق فقال لي : إنّ هذا الطاغي أراد أن يتعبّت(1) باللّه في هذه الليلة ، وقد بتر اللّه عمره ، وساء رزقه .
فلمّا أصبحنا شغب الأتراك(2) على المهتدي، فقتلوه، وولّي المعتمد مكانه ، و سلّمنا الله .(3).
10- ومنها: ماروی الحسن بن ظریف(4) أنّه قال: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتابة بهما إلى أبي محمد علیه السلام ، فكتبت أسأله عن القائم علیه السلام :بم يقضي ؟ وأين مجلسه ؟ و كنت أردت أن أسأله عن شيء لحمّي الرّبع؟(5) فأغفلت ذكر الحمّی .
ص: 429
فجاء الجواب: سألت عن القائم إذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء دارد ولا يسأل البّينة ، و كنت أردت أن تسأل لحمّي الربع ، فانسيت .
فاكتب في ورقة ، وعلّقه على المحموم «یانار کوني برداً وسلاماً على إبراهيم»(1) فكتبته وعلّقته على المحموم ، فبرأ .(2).
11 - ومنها : ما روي عن أحمد بن الحارث القزويني ، قال :
كنت مع أبي ب «سرّ من رأی» و كان أبي يتعاطى البيطرة في مربط(3) أبي محمد و كان عند المستعين بغل لم نر مثله حسناً و كبراً ، و كان يمنع ظهره واللجام ، وقد جمع الروّاض(4) فلم يكن له حيلة في ركوبه .
فقال له بعض ندمائه : ألا تبعث إلى الحسن بن الرضا حتى يجيء ، إمّا أن بركبه وإمّا أن يقتله ، فبعث . إلى أبي محمد علیه السلام ومضى معه أبي.
فلمّا دخل الدار كنت مع أبي ، فنظر أبو محمد علیه السلام إلى البغل واقفاً في صحن
ص: 430
الدار ، فوضع يده على كتفه، فعرق البغل، ثمّ صار إلى المستعین ، فرحّب به وقرّبه وقال : ألجم(1) هذا البغل . فقال أبو محمد علیه السلام لأبي : ألجمه .
فقال المستعين : ألجمه أنت يا أبا محمد.
فقام أبو محمد و وضع طيلسانه ، فألجمه ، ثمّ رجع إلى مجلسه
فقال : يا أبا محمد أسرجه . فقال أبو محمد لأبي : أسرجه .
فقال المستعين : أسرجه أنت يا أبا محمد علیه السلام فقام [أبو محمدال ثانية] فأسرجه [ورجع] ثم قال : ترى أن تركبه ؟ قال : نعم.
فركبه أبو محمد علیه السلام من غير أن يمتنع عليه ، ثمّ ركضه(2) في الدار، ثم حمله على الهملجة(3) فمشى له أحسن مشي ، ثمّ نزل ، فرجع إليه، فقال المستعين :قد حملك عليه أمير المؤمنين ، فقال أبو محمد لأبي : خذه . فأخذه وقاده(4).
ص: 431
12- ومنها : ماروي عن عليّ بن زید بن عليّ بن الحسين بن زيد بن علي(1).قال : كان لي فرس کنت به معجباً ، أكثر ذكره في المجالس ، فدخلت على أبي محمد علیه السلام يوماً فقال : ما فعل فرسك ؟ قلت : هو ذا على بابك الآن .
فقال : استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر لاتؤخّر ذلك . ودخل داخل فانقطع الكلام ، فقمت مفكّراً(2) ومضيت إلى منزلي ، فأخبرت أخي بذلك ، فقال : ما أدري ما أقول في هذا ، وشححت(3) به ، ونفست(4) على الناس به ، فلمّاصلّيت العتمة جاءني السائس .
فقال : نفق(5) فرسك الساعة . فاغتممت وعلمت أنّه عني هذا بذلك القول فدخلت على أبي محمد علیه السلام(من بعد و أنا)(6) أقول في نفسي : ليته أخلف(7) عليّ دابّة. فقال - قبل أن أتحدّث بشيء - : نعم نخلف عليك ، يا غلام أعطه برذوني
ص: 432
الكميت(1).
ثمّ قال لي : هذا خير من فرسك وأوطأ وأطول عمراً .(2).
13 - ومنها : ما قال أبو هاشم الجعفري : شكوت إلى أبي محمد علیه السلام ضيق الحبس ، وشدّة القيد ، فكتب إليّ : تصلّي الظهر في منزلك فاخرجت وقت الظهر ، وصلّيت في منزلي . و كنت مضيقاً(3) فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الّذي كتبته إليه فاستحييت فلمّا صرت إلى المنزل وجّه إلي مائة دينار (4) و كتب إلي :
ص: 433
إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ، واطلبها تأتيك على ما تحبّ أن تأتيك .(1).
14- و منها : ماروي عن أبي حمزة نصير الخادم [قال] : سمعت أبا محمد علیه السلام غير مرّة، يكلّم غلمانه و غيرهم بلغاتهم، وفيهم روم و ترك و صقالبة فتعجّبت من ذلك ، و قلت : هذا ولد هنا(2) و لم يظهر لأحد حتى مضى(3) أبو الحسن و لا رآه أحد، فكيف هذا ؟-أحدّث بهذا نفسی(4) .
فأقبل عليّ فقال : إن اللّه بيّن حجّته من بين سائر خلقه ، وأعطاه معرفة كلّ شيء فهو يعرف اللغات والأسباب(5) والحوادث، و لولا ذلك لم يكن بين الحجّة
ص: 434
والمحجوج فرق .(1).
15 - و منها : أنّ أبا محمد علیه السلام سلّم(2) إلى نحریر(3) فقالت له امرأته : اتّق الله(4) فانّك لا تدري من في منزلك ؟ و ذکرت عبادته و صلاحه - وأنا أخاف عليك منه. فقال : لأرمينّه بين السباع.
ثم استأذن في ذلك ، فأذن له ، فرمی به إليها، ولم تشكّ(5) في أكلها له .
فنظروا من الغد إلى الموضع ليعرفوا الحال ، فوجدوه قائماً يصلّي ، و هي حوله فأمر باخراجه .(6).
ص: 435
16 - ومنها : ما روى أبو سليمان داود بن عبد اللّه [ قال : حدّثنا ] المالكي عن ابن الفرات [قال] : كنت بالعسكر قاعداً (1) في الشارع، و كنت أشتهي الولد شهوة شديدة فأقبل أبو محمد علیه السلام فارسأ(2) .
فقلت تراني(3) أرزق و لداً ؟ فقال برأسه (4) : نعم . فقلت : ذكراً ؟ فقال برأسه:لا.
فولدت لي ابنة.(5).
17 - ومنها : ما روى أبو سليمان، عن علي بن زيد(6) المعروف ب «ابن رمش»
قال : اعقلّ ابني أحمد، وكنت بالعسكر ، وهو ببغداد ، فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء .
فخرج توقيعه : «أو ما علم عليّ أنّ لكلّ أجل كتاباً» ؟ فمات الابن .(7)
ص: 436
18- ومنها : ما روی أبو سليمان ، عن المحمودي(1) قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء(2) [بأن أرزق ولداً .
فرقّع : « رزقك اللّه ولداً وأصبرك عليه». فولد لي ابن و مات](3)
19 - ومنها : ما روي عن محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني(4) قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله ( التبرّك ، بأن يدعو )(5) أن أرزق ولداً ذكراً من بنت عمّ لي فوقّع : « رزقك اللّه ذكراناً » قولد لي أربعة .(6).
20- ومنها: ما روي عن علي بن جعفر الحلبي [قال] : اجتمعنا با لعسكر ، وترصّدنا لأبي محمد علیه السلام يوم ركوبه ، فخرج توقيعه : «ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد ، ولا يشير إليّ بيده ، ولا يومىء أحدكم ، فانّكم لا تأمنون على أنفسكم».
ص: 437
قال : وإلى جانبي شابّ ، قلت : من [أين] أنت ؟ قال : من المدينة . قلت : ما تصنع ههنا ؟ قال : اختلفوا عندنا في أبي محمد علیه السلام فجئت لأراه وأسمع منه ، أو أرى منه دلالته ، ليسكن قلبي ، وإنّي من ولد أبي ذرّ الغفاري ، فبينا نحن كذلك إذ خرج أبو محمد علیه السلام مع خادم له ، فلمّا حاذانا ، نظر إلى الشابّ الذي بجنبي .
فقال : غفاري أنت؟ قال : نعم . قال : ما فعلت أمّك حمدويه(1) ؟ قال : صالحة. ومرّ، فقلت للشاب : أكنت رأيته قطّ ، وعرفته بوجهه قبل اليوم ؟ قال : لا.
قلت : فيقنعك هذا ؟ قال : ومن دون هذا . (2).
21 - ومنها : ماقل يحيى بن المرزبان : التقيت مع رجل من أهل السيب(3). سیماه الخير(4) و أخبرني أنّه كان له ابن عمّ ينازعه في الامامة ، والقول في أبي محمد علیه السلام وغيره ، قلت : لا أقول [ به ] أو أرى منه علامة .
فوردت العسكر في حاجة، فأقبل أبو محمد علیه السلام - فقلت في نفسي متعنّتاً - (5) : إن مدّ يده إلى رأسه فكشفه ، ثم نظر إليّ فردّه ، قلت به .
فلمّا حاذاني مدّ يده إلى رأسه فكشفه، ثم برّق عينيه(6) في ثم ردّهما ، ثم قال :
ص: 438
وایحیی مافعل ابن عمّك الّذي تنازعه في الامامة ؟ فقلت: خلّفته صالحاً .
قال: لاتنازعه . ثم مضى .(1).
22- ومنها : ماروي عن ابن الفرات [قال:] كان لي على ابن عمّ لي عشرة آلاف درهم(2) فكتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله الدعاء لذلك. فكتب إليّ : إنه رادّ عليك مالك، وهو ميّت بعدجمعة. قال: فردّ عليّ ابن عمّی مالي، فقلت له: مابدا لك في ردّه وقد منعتنيه ؟ قال: رأيت أبا محمد علیه السلام في النوم ، فقال : إنّ أجلك قد دنا ، فردّ على ابن عمّك ماله .(3).
23- ومنها : ماروي عن عليّ بن الحسن بن سابور قال: قحط الناس ب«سرّ من رأى» في زمن الحسن الأخير علیه السلام فأمر [المعتمد بن](4) المتوكّل الحاجب و أهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء .
فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّي يستسقون، ويدعون فماسقوا.
فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ، ومعه النصارى والرهبان، و كان فيهم راهب ، فلمّامدّ يده هطلت السماء بالمطر.
ص: 439
وخرج في اليوم الثاني، فهطلت السماء با لمطر . فشكّ أكثر الناس ، و تعجّبوا و صبوا(1) إلى النصرانيّة، فبعث الخليفة(2) إلى الحسن - و كان محبوساً - فاستخرجه من حبسه وقال: الحق امّة جدّك فقد هلكت .
فقال له : إنّي خارج في الغد ، و مزيل الشكّ إن شاء اللّه .
فخرج الجائليق في اليوم الثالث، و الرهبان معه، و خرج الحسن علیه السلام في نفر من أصحابه فلمّا بصر بالراهب - وقد مدّ يده - أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى، ويأخذ
مابين إصبعيه ، ففعل وأخذ من بين سبّابته و الوسطی(3) عظمأ أسود، فأخذالحسن علیه السلام بيده ثم قال له: استسق الآن . فاستسقى ، و كانت السماء متغيّمة فتقشّعت(4) وطلعت الشمس بيضاء، فقال الخليفة : ماهذا العظم يا أبا محمّد ؟
فقال علیه السلام : هذا رجل(5) مرّ بقبر نبيّ من أنبياء اللّه ، فوقع في يده هذا العظم ،وما كشف عن عظم نبيّ إلاّ هطلت السماء بالمطر .(6)
ص: 440
24- ومنها : ماروی أبو سليمان قال: حدّثنا أبو القاسم بن أبي حليس(1) [قال]:
كنت أزور العسكر(2) في شعبان في أوّله، ثمّ أزور الحسين علیه السلام في النصف ، فلمّاكان في سنة من السنين ، وردت العسكر قبل شعبان ، وظننت أنّي لا أزوره في شعبان فلمّا دخل شعبان قلت : لا أدع زیارة كنت أزورها ، و خرجت إلى العسكر و كنت إذا وافيت العسكر أعلمهم برقعة أو برسالة .
فلمّا كان في هذه المرّة قلت : أجعلها زيارة خالصة لا أخلطها بغيرها ، و قلت لصاحب المنزل : أحبّ أن لا تعلمهم بقدومي .
فلمّا أقمت ليلة جاءني صاحب المنزل بدينارين و هو يبتسم متعجّباً ويقول :بعث إليّ بهذين الدينارين وقيل لي :
ادفعهما إلى الحليسي و قل له : من كان في حاجة(3) الله ، كان الله في حاجته .(4)
25- ومنها : ماروی إسحاق بن یعقوب ، عن بدل مولاة أبي محمد علیه السلام قالت(5):كنت رأيت من عند رأس أبي محمد علیه السلام نوراً ساطعاً إلى السماء ، وهو نائم .(6)
ص: 441
26- ومنها : ماروی عليّ بن محمّد بن الحسن قال : و افت جماعة من الأهواز من أصحابنا - و أنامعهم - وخرج السلطان إلى صاحب البصرة يريد النظر إلى أبي محمد علیه السلام فنظرنا إليه ماضياً معه، و قعدنا بين الحائطين ؛ « سرّ من رأى » ننتظر رجوعه .
قال : فرجع ، فلمّا(1) حاذانا ، وقف فمدّ يده إلى قلنسوته(2) فأخذها من رأسه ، وأمسكها بيده ، ثم أخذ بيده الاخرى ، ووضعها على رأسه ، وضحك في وجه رجل منّا .
فقال الرجل : أشهد أنّك حجّة اللّه و خيرته . فقلنا ، يا هذا ما شأنك ؟ قال : كنت شاكّاً فيه(3)
فقلت في نفسي : إن رجع وأخذ القلنسوة من رأسه، قلت با مامته .(4).
27 - ومنها : ما روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زید [قال:] دخلت يوماً على أبي محمد علیه السلام وإنّي جالس عنده إذ ذكرت منديلا كان معي فيه خمسون دیناراً ، فقلقت(5) لها ، و لم أتكلّم(6) بشيء [ولاأظهرت ما خطر ببالي] (7).
ص: 442
فقال أبو محمد علیه السلام : لا بأس هي مع أخيك الكبير ، سقطت منك حين نهضت فأخذها وهي محفوظة [ معه ] إن شاء الله . فأتيت المنزل ، فردّها إليّ أخي .(1)
28 – ومنها : ما روي عن محمد بن ربيع الشيباني(2) قال : ناظرت رجلا من الثنويّة(3) بالأهواز ، ثمّ قدمت سرّ من رأى ، وقد علق قلبي بشيء من مقالته ، وإنّي لجالس علی باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد علیه السلام من دار العامّة يوم الموكب فنظر إليّ وأومأ بسبّابته «أحد، أحده، فوحّده» فسقطت مغشيّاً عليّ .(4).
29 - ومنها : ما روي عن أبي العيناء محمد بن القاسم الهاشمي قال : كنت أدخل على أبي محمد علیه السلام وأعطش فأجلّه(5) أن أدعو بالماء ، فيقول : « یا غلام اسقه » وربّما حدّثت نفسي بالنهوض فافكّر في ذلك ، فيقول : يا غلام دابّته .(6).
ص: 443
30- ومنها : ما روي عن أبي بكر الفهفكي (1) [قال:] أردت الخروج من سر من رأى لبعض الامور وقد طال مقامي بها ، فغدوت يوم الموكب وجلست في شارع أبي قطيعة بن داود(2) إذ طلع أبو محمد علیه السلام يريد دار العامّة فلمّا رأيته قلت في نفسي : أقول له : يا سيّدي إن كان عندك الخروج من سرّ من رأى خيراً لي ، فأظهر التبسّم في وجهي .
فلمّا دنا منّي تبسّم تبسّاً بيّناً جيّداً فخرجت من يومي، فأخبرني [بعض] أصحابنا أنّ غريماً(3) لي كان له عندي مال ، قدم يطلبني ولو ظفر بي لهتکني(4) لأن ماله لم يكن عندي [ شاهداً ] .(5).
31- ومنها : ما روي عن محمد بن أحمد بن الأقرع [قال:] كتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله عن الامام هل يحتلم ؟ وقلت في نفسي : الاحتلام شيطنة وقد أعاذ الله أولياءه من ذلك .
فورد الجواب : حال الأئمة في النوم حالهم في اليقظة ، لا يغيّر النوم منهم
ص: 444
شيئاً ، وقد أعاذ الله أولياءه من لمّة(1) الشيطان كما حدثتك نفسك.(2).
32 - ومنها :ما روي عن محمد بن عبدالعزيز البلخي [ قال : ] أصبحت يوماً فجلست في شارع الغنم(3) فاذا بأبي محمد قد أقبل من منزله يريد دار العامّة
فقلت في نفسي : إن صحت يا أيّها الناس هذا حجّة الله عليكم فاعرفوه ، يقتلوني؟ فلمّا دنا منّي أومأ إلي باصبعه السبّابة على فيه أن اسکت ! ورأيته تلك الليلة يقول : إنّما هو الكتمان أو القتل، فاتّق اللّه على نفسك .(4).
33 - ومنها : ما روي عن عمر بن أبي مسلم [قال:] كان سميع المسمعيّ يؤذيني كثيراً و يبلغني عنه ما أكره(5) وكان ملاصفاً لداري ، فكتبت إلى أبي محمّد
ص: 445
علیه السلام أسأله الدعاء بالفرج منه .
فرجع الجواب : الفرج سریع(1)، يقدم عليك مال من ناحية فارس(2) . وكان لي بفارس ابن عمّ تاجر لم يكن له وارث غيري ، فجاءني ماله بعد ما مات بأيّام يسيرة و وقّع في الكتاب : إستغفر اللّه وتب إليه ممّا تكلّمت به . وذلك أنّي كنت [جالساً ] يوماً مع جماعة من النصّاب فذكروا آل أبي طالب حتّى ذكروا مولاي فخضت معهم لتضعيفهم أمره ، فتركت الجلوس مع القوم ، وعلمت أنّه أراد ذلك.(3).
34- ومنها: ما روي عن الحجّاج بن سفيان العبديّ(4) قال : خلّفت ابني بالبصرة عليلا و كتبت إلى أبي محمد علیه السلام أسأله الدعاء لابني .
فكتب إليّ(5) رحم اللّه ابنك إنّه(6) كان مؤمناً .
قال الحجّاج : فورد عليّ كتاب من البصرة أنّ ابني(7) مات في ذلك اليوم الّذي كتب [إلي](8) أبو محمد بموته . و كان ابني شك في الامامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة .(9).
ص: 446
35- ومنها : ما قال أبو القاسم الهروي خرج توقيع [ من ] أبي محمد علیه السلام إلى بعض بني أسباط ، قال : كتبت إلى الأمام(1) أخبره من اختلاف الموالي وأسأله باظهار دلیل(2).
فكتب [ إلي ](3): إنّما خاطب اللّه العاقل ، وليس أحد يأتي بآية أو يظهر دلیلا أكثر ممّا جاء به خاتم النبيّين و سيّد المرسلین صلی الله علیه و آله و سلم فقالوا: کاهن و ساحر و كذّاب! وهدي من اهتدى ، غير أنّ الأدلّة يسكن إليها كثير من الناس .
وذلك أنّ اللّه(4) يأذن لنا فنتكلّم ، ويمنع فنصمت .
ولو أحبّ اللّه(5) أن لا يظهر حقّنا، ما بعث(6) الله النبيّين مبشّرين ومنذرین يصدعون(7) بالحق في حال الضعف والقوة، وينطقون في أوقات ، ليقضي [ الله ]
ص: 447
أمره وينفذ حكمه .
والناس على طبقات [ مختلفين ] شتّی : فالمستبصر على سبيل نجاة متمسّك(1)بالحقّ ، فيتعلّق بفرع أصيل ، غیر شاكّ ولا مرتاب ، لا يجد عنه(2) ملجأ .
وطبقة لم تأخذ(3) الحقّ من أهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه، ويسكن عند سكونه . وطبقة استحوذ(4) عليهم الشيطان ، شأنهم الردّ على أهل الحقّ ، ودفع الحقّ بالباطل، حسداً من عند أنفسهم .
فدع من ذهب يميناً وشمالا، کالراعي(5) إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأدون السعي ذكرت ما اختلف فيه مواليّ ، فاذا كانت الوصيّة والكبر فلاریب(6).
ومن جلس مجالس(7) الحكم فهو أولي بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت ، وإيّاك والاذاعه وطلب الرئاسة ، فانّهما يدعوان إلى الهلكة .
ص: 448
ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص [ عافاك اللّه ] خار اللّه لك، وتدخل مصر إن شاء اللّه آمنا، واقرأ من تثق به من مواليّ السلام، ومرهم بتقوى اللّه العظيم ، و أداء الأمانة ، وأعلمهم أنّ المذيع علينا [ سرّنا ] حرب لنا.
قال : فلمّا قرأت :«و تدخل مصر » لم أعرف له معنی ، وقدمت بغداد و عزیمتي(1) الخروج إلى فارس، فلم يتهيّألي الخروج إلى فارس(2) وخرجت إلى مصر ، [فعرفت أن الأمام عرف أنّي لا أخرج إلى فارس].(3).
36- ومنها: ما روي عن محمد بن عبد اللّه قال: لمّا أمر سعيد بحمل أبي محمد علیه السلام إلى الكوفة ، كتب أبو الهيثم إليه: بلغنا خبر أقلقنا . فكتب بعد ثلاث يأتيكم الفرج.
فقتل المعتزّ(4) يوم الثالث .(5).
قال : وفقد غلام لأبي الحسن صغير فلم يوجد ، فاخبر بذلك .
فقال: اطلبوه في البركة . فطلب، فوجد في بركة الدار میّتاً.
ووقع أبو محمد علیه السلام و هو صغير في بئر الماء ، وأبو الحسن علیه السلام في الصلاة والنسوان يصرخن ، فلمّا سلّم قال: لا بأس . فرأوه وقد ارتفع الماء إلى رأس البئر و أبو محمّد على رأس الماء يلعب بالماء .(6)
ص: 449
37- ومنها : ماقال علي بن محمّد بن زياد : إنّه خرج إليه توقيع أبي محمّد علیه السلام فيه : فكن حلساً(1) من أحلاس بيتك . قال : فنابتني نائبة(2) فزعت منها ، فكتبت إليه : أمي هذه ؟ فكتب : لا أشد من هذه . فطلبت بسبب جعفر بن محمود(3)ونودي عليّ من أصابني فله مائة ألف درهم .(4).
38 - ومنها : ما روي عن أحمد بن محمد بن مطهّر [ قال : ] كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمد علیه السلام - من أهل الجبل - يسأله عمّن وقف على أبي الحسن موسی علیه السلام (5) أتولاهم أم أتبرأ منهم ؟
فكتب إليه : لاتترحّم(6) على عمّك ، لا رحم اللّه عمّك ، وتبرّأ منه ، أنا إلى اللّه منهم بريء فلاتتولاهم ، ولاتعد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم ، ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً .
سواء من جحد إماماً من اللّه ، أو زاد إماماً ليست إمامته من اللّه ، أو جحد ، أوووج عن محمد بن عبدالله .
ص: 450
قال(1) : ثالث ثلاثة .إن جاحد أمر آخر نا جاحد أمر أو لنا ، والزائد فينا كا لناقص الجاحد أمرنا . فكان هذا - أي السائل - لم يعلم أنّ عمّه كان منهم، فأعلمه ذلك.(2).
39 - ومنها: أنّ أبا هاشم الجعفريّ قال : كنت عند أبي محمد علیه السلام فقال : إذا خرج القائم علیه السلام أمر بهدم المنار والمقاصير(3) الّتي في المساجد للجامع فقلت في نفسي : لأيّ معنى هذا ؟
فأقبل عليّ فقال : معنى هذا أنّها محدثة مبتدعة ، لم يبنها نبيّ ولا حجّة .(4).
40 - ومنها : أنّ قبور الخلفاء من بني العباس بسامرّة عليها من ذرق(5) الخفافيش
ص: 451
والطيور ما لا يحصى [ وينقی(1) منها كل يوم ، و من الغد تعود مملوءة ذرقاً ] ولا يرى على رأس قبّة العسكريّين (ولا على قباب مشاهد)(2) آبائهما ذرق طير ، فضلا على(3) قبورهم ، إلهاماً للحيوانات ، وإجلالا لهم ، صلوات الله عليهم أجمعين .(4).
ص: 452
1- عن حكيمة [ قالت : ] دخلت يوما على أبي محمّد علیه السلام فقال [يا عمّة] بيتي عندنا الليلة فان اللّه سيظهر الخلف فيها .
قلت : وممّن ؟ [قال : من نرجس(1).
قلت : ] فلست أری بنر جس حملا.
قال : يا عمّة إنّ مثلها كمثل أمّ موسى ، لم يظهر حملها بها إلاّ وقت ولادتها فبتّ أنا وهي في بيت ، فلمّا انتصف الليل صلّيت أنا وهي صلاة الليل ، فقلت في نفسي : قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمّد.
فناداني أبو محمد علیه السلام [من الحجرة] لاتعجلي. فرجعت إلى البيت خجلة، فاستقبلتني نرجس [و هي] ترتعد(2) فضممتها إلى صدري، وقرأت عليها «قل هو الله أحد»
«و إنّا أنزلناه» و«آية الكرسي»، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي(3) .
قالت : و أشرق نور في البيت فنظرت فاذا الخلف تحتها ساجد [اللّه تعالی] إلى
ص: 453
القبلة ، فأخذته فناداني أبو محمّد علیه السلام من الحجرة : هلمّي بابني إليّ يا عمّة . قالت : فأتيته به فوضع لسانه في فيه وأجلسه على فخذه، وقال : انطق یا بنيّ باذن اللّه.
فقال: أعوذ باللّه السميع العليم ، من الشيطان الرجیم «بسم اللّه الرحمن الرحيم ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثین و نمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون»(1) وصلّی اللّه على محمّد المصطفى، وعليّ المرتضی، وفاطمة الزهراء ، والحسن ، والحسين وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد ، وموسی بن جعفر ، وعليّ ابن موسى ، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد ، والحسن بن علي، أبي .
قالت [ حكيمة ] : وغمرتناطيور خضر فنظر أبو محمّد إلى طائر منها(2) فدعاه فقال له : خذه واحفظه حتّى يأذن الله فيه فان الله بالغ أمره.
قالت حكيمة : قلت لأبي محمّد : ما هذا الطائر(3) وما هذه الطيور ؟ قال : هذا جبرئيل ، وهذه ملائكة الرحمة(4) ، ثم قال : يا عمّة ردّيه إلى أمّه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنّ وعد اللّه حق ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون(5) فرددته إلى أمّه .
قالت [ حكيمة ] : ولمّا ولد كان نظيفاً مفروغاً منه ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب «جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً»(6) .(7)
ص: 454
2- ومنها : ماروي عن السيّاري(1) ، [قال:] حدّثتني نسیم و مارية قالت : لمّا خرج صاحب الزمان من بطن أمّه سقط جاثياً على ركبتيه رافع سبّابتيه(2) نحو السماء ثمّ عطس ، فقال : الحمدلله ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد و آله، عبداً داخراً(3) للّه غير مستنكف و لامستكبر [ولامستحسر] (4) ثم قال :
زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة(5) ولو أذن لنا(6) في الكلام لزال الشك .(7)
ص: 455
3- ومنها: ماروی علان، عن ظريف أبي نصر الخادم(1) قال : دخلت على صاحب الزمان علیه السلام وهو في المهد فقال لي : عليّ بالصندل الأحمر . فأتيته به ، فقال : أتعرفني ؟ قلت: نعم، أنت سيّدي وابن سيّدي . فقال: ليس عن هذا سألتك . فقلت: فسّرلي.
فقال : أنا خاتم الأوصياء ، وبي يرفع(2) اللّه البلاء عن أهلي وشيعتي.(3).
4- ومنها : ماروي عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري قال: وجّه قوم من المفوّضة(4) كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمّد علیه السلام قال: فقلت - في نفسي - : لمّادخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه علیه السلام« لايدخل الجنّة إلاّ من عرف
ص: 456
معرفتي» و کنت جلست إلى باب عليه ستر مرخي(1) فجاءت الريح فكشفت طرفه فاذا أنا بفتی کأنّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها .
فقال لي : يا كامل بن إبراهيم ! فاقشعررت من ذلك والهمت أن قلت: لبّيك يا سيّدي.
فقال : جئت إلى وليّ اللّه تسأله « لايدخل (2) الجنّة إلاّ من عرف معرفتك و قال بمقالتك » ؟ قلت: إي واللّه .
قال: إذن واللّه يقلّ داخلها، واللّه إنّه ليدخلهاقوم يقال لهم: الحقّيّة . قلت: ومن هم؟ قال: قوم - من حبّهم لعلي بن أبي طالب علیه السلام- يحلفون بحقّه ولايدرون ماحقّه وفضله ، أي قوم يعرفون ما يجب عليهم معرفته جملة(3) لا تفصيلا من معرفة اللّه تعالی ورسوله والأئمّة علیهم السلام ونحوها .
ثم قال : و جئت تسأل عن مقالة المفوّضة (4)؟ كذبوا ، بل قلوبنا أوعية لمشيّة اللّه عزّ وجلّ ، فاذا شاء اللّه تعالی شئنا، واللّه يقول : «وما تشاؤن إلا أن يشاءالله» .(5)فقال ليّ أبو محمّد علیه السلام : ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك [قم فقمت] .(6)
ص: 457
5- و منها : ما روي عن رشيق حاجب المادراني(1) قال : بعث إلينا المعتضد(2) [رسولا] وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر، و نخرج مخفّين(3) على السروج و نجنب أخر، وقال: الحقوابسامراء واكبسوادار الحسن بن علي ، فانّه توفي و من رأيتم فيها(4) فأتوني برأسه . فکبسنا الدار كما أمرنا ، فوجدنا داراً سريّة (5) كأن الأيدي رفعت عنها في ذلكالوقت ، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الاخرى ، فدخلناه و كأن فيه بحراً وفي أقصاه حصير - قد علمنا أنّه على الماء - وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي فلم يلتفت إلينا ولاإلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبدالله ليتخطّي فغرق في الماء ، ومازال يضطرب حتّی مددت يدي إليه فخلّصته(6) وأخرجته، فغشي عليه وبقي ساعة .
وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك، فناله مثل ذلك، فبقيت مبهوتاً .
فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ماعلمت كيف الخبر، وإلى من نجيء(7) وأنا تائب إلى الله .
فما التفت إلي بشيء ممّا قلت ، فانصرفنا إلى المعتضد .
ص: 458
فقال: اكتموه، وإلا أضرب(1) رقابكم .(2).
6- ومنها : ماروي عن يعقوب بن يوسف الضرّاب الغسّاني في منصرفه من إصفهان قال: حججت في سنة إحدى وثمانين و مائتين وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا فلمّا قدمنا مكّة نزلنا(3) داراً في سوق الليل تسمّی دار الرضا علیه السلام و فيها عجوز سمراء ، فسألتها: ماتكونين من أصحاب هذه الدار ؟ قالت: أنا من مواليهم [وعبيدهم ] أسكننيها الحسن بن عليّ علیهما السلام فكنّا إذا انصرفنا من الطواف تغلق الباب .
فرأيت غير ليلة ضوء السراج، ورأيت الباب قد انفتح ولا أری أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة(4) أسمر [يميل] إلى الصفرة، ما هو قليل اللحم، يصعد إلى غرفة في الدار حيث تكون(5) العجوز تسكن، و كانت تقول لنا : إن لي في الغرفة ابنة لاتدعو أحداً يصعد إليها، فأحببت أن أقف على خبر الرجل .
فقلت للعجوز : إنّي أحبّ أن أسألك .
قالت : وأنا أريد(6) أن أسرّ إليك فلم يتهيّأ، من أجل أصحابك .
فقلت : ما أردت أن تقولي ؟ فقالت : يقول لك - يعني صاحب الدار - ولم تذكر
ص: 459
أحداً [باسمه] لا تخاشننّ(1) أصحابك و شر کاءك ، و لاتلاحّهم(2) فانّهم أعداؤك
و دارهم . فلم أجسر أن أراجعها ، فقلت : أيّ أصحابي ؟ قالت : شر کاؤك الّذين في بلدك وفي الدار معك. وقد كان جري بيني وبين من [معي] في الدار عنت(3) في الدين فسعوا بي حتّی هربت و استرت بذلك السبب، فوقفت(4) على أنّها عنت أولئك. و كنت نذرت أن القي في مقام إبراهيم عشرة دراهم ليأخذها من أراد الله ، فأخذت عشرة دراهم فيها ستة رضويّة وقلت لها: ادفعي هذه إلى الرجل. فأخذت [ الدراهم ] وصعدت و بقيت ساعة ثم نزلت ، فقالت : يقول لك : ليس لنا فيها حق، اجعلها في الموضع الّذي نذرت و نویت، ولكن هذه الرضويّة خذمنّابدلها و ألقها في الموضع الّذي نويت . ففعلت .(5)
7- ومنها : ماروي عن محمّد بن إبراهيم بن مهزیار(6) قال: شككت عند مضي(7) أبي محمد علیه السلام و كان اجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة ، و خرجت معه مشيّعا له فوعك(8) .
ص: 460
فقال: ردّني فهو الموت، واتّق اللّه في هذا المال. وأوصى إليّ، ومات .
وقلت : لايوصي أبي بشيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق ولا أخبر أحداً ، فان وضح لي شيء أنفذته وإلاّ أنفقته، فاكتریت دارا على الشطّ وبقيت أيّاماً فاذا أنا بر سول معه رقعة فيها :يامحمّد معك كذا و كذا، حتّی قصّ عليّ جميع مامعي، وما لم أحط به علماً ممّا كان معي، فسلّمت المال إلى الرسول ، و بقيت أيّاماً لايرفع لي(1) رأس فاغتممت فخرج إليّ : [قد] أقمناك مقام أبيك، فاحمد الله [تعالی].(2).
8- ومنها :ما قال أبو عقیل عیسی بن نصر: إنّ عليّ بن زياد الصيمري(3) كتب
ص: 461
يلتمس كفناً ، فكتب : إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانین .
فمات في سنة ثمانین ، و بعث إليه بالكفن قبل موته .(1).
9- ومنها : ماروي عن بدر غلام أحمد بن الحسن [عنه](2): وردت الجبل وأنا لا أقول بالامامة إلى أن مات یزید بن عبدالملك (3) فأوصى في علّته أن يدفع الشهري السمند(4) و سيفه و منطقته إلى مولاه علیه السلام، فخفت إن لم أدفع الشهري إلى إذکوتكين(5) نالني منه استخفاف ، فقومتها كلّها بسبعمائة دينار، في نفسي ، و لم اطلع عليه أحداً فاذا الكتاب قد ورد علي من العراق أن وجّه سبعمائة الدينار التي لنا قبلك من ثمن
ص: 462
الشهريّ السمند والسيف والمنطقة.(1).
10- ومنها : ماروي عن محمّد بن یعقوب عن علي بن محمّد قال : خرج نهي عن زيارة مقابر قریش وقبر الحسين علیه السلام فلمّا كان بعد أشهر [زارها رجلان من الشيعة فدعاهما] الوزير الباقطاني وزجرهما، فقال [لخادمه:] الق بني الفرات و البرسيّین(2)
وقل لهم : لاتزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أنيقبض على كلّ من زار .(3).
11- و منها : ماروي عن نسیم خادم أبي محمّد علیه السلام: دخلت على صاحب الزمان علیه السلام بعد مولده بعشر ليال ، فعطست عنده فقال لي : يرحمك الله . قال : ففرحت بذلك
ص: 463
فقال: ألا أبشّرك في العطاس. قلت: بلى يا سيّدي، قال:هو أمان من الموت ثلاثة أيام.(1).
12- و منها : ماروي عن حكيمة قالت : دخلت على أبي محمّد علیه السلام بعد أربعين يوماً من ولادة نرجس، فاذا مولانا صاحب الزمان علیه السلام يمشي في الدار فلم أرلغة أفصح من لغته فتبسّم أبو محمّد علیه السلام فقال: إنّا معاشر الأئمة ننشأ في يوم كما ينشأغيرنا في السنة قالت: ثم كنت بعدذلك أسأل أبا محمّد علیه السلام عنه.
فقال : استودعناه الذي استودعت أم موسى ولدها.(2).
13 - ومنها : ما روي عن يوسف بن أحمد الجعفري : حججت سنة ستّ وثلاثمائة ثمّ حاورت بمكّة ثلاث سنين ، ثمّ خرجت عنها منصرفاً إلى الشام ، فبينا [ أنا ] في بعض الطريق ، وقد فاتتني صلاة الفجر ، فنزلت من المحمل و تهيّأت للصلاة فرأيت أربعة نفر في محمل ، فوقفت أعجب منهم ، فقال لي أحدهم : ممّ تعجب ؟ تركت صلاتك. فقلت : وما علمك بذلك منّي؟
فقال : تحبّ أن ترى صاحب زمانك ؟
ص: 464
قلت : نعم ، فأومأ إليّ أحد الأربعة ، فقلت: إنّ له دلائل وعلامات ؟ فقال : أيّما أحبّ إليك : أن ترى الجمل صاعداً إلى السماء ، أو ترى المحمل صاعداً ؟
فقلت : أيّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء، و كان الرجل أومأ إلى رجل به سمرة ، و كان لونه الذهب ، بين عينيه سجّادة .(1).
14- و منها : ماروى الشيخ المفيد، عن أبي عبدالله الصفراني قال : رأيت القاسم ابن العلاء و قد عمّر مائة سنة ، و سبعة عشر سنة ، منها ثمانون سنة صحيح العينين لقي العسكريّين علیه السلام و حجب بعد الثمانين ، وردّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيّام وذلك أنّي كنت بمدينة «أران»(2) من أرض آذربيجان ، و كان لاتنقطع توقيعات صاحب الأمر علیه السلام عنه على يد أبي جعفر العمري ، وبعده على يد أبي القاسم بن روح فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين ، وقلق لذلك .
فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البواب مستبشراً ، فقال له : فيج(3) العراق ورد - ولايسمّی بغيره -. فسجد القاسم ، ثم دخل کھل قصير يرى أثر الفيوج عليه ، وعليه
جبّة مضربة(4) و في رجله نعل محاملي(5) ، و على كتفه مخلاة(6) فقام إليه القاسم
ص: 465
فعانقه ، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء ، وغسل يده ، وأجلسه إلى جانبه ، فأكلنا وغسلنا أيدينا ، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج(1) فناوله القاسم فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له « أبو عبد اللّه بن أبي سلمة » ففضّه و قرأه [وبکی](2) حتى أحس القاسم ببكائه(3) فقال : يا أبا عبد الله خير خرج في شيء ممّا يكره ؟
قال: لا . قال: فما هو؟ قال : ينعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً ، وأنّه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب ، وأنّ اللّه يردّ عليه عينيه بعد ذلك ، وقد حمل إليه سبعة أثواب .
فقال القاسم : على سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك.
فضحك، وقال : ما اؤمّل بعد هذا العمر ؟! فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة ازر ، وحبرة يمانيّة حمراء ، وعمامة ، وثو بين ومنديلا، فأخذه القاسم، و [کان] عنده قميص خلعه عليه عليّ النقي علیه السلام(4).
وكان للقاسم صديق في أمور الدنيا ، شديد النصب يقال له « عبدالرحمان بن محمّد الشيزي(5)» وافي إلى الدار ، فقال القاسم : إقرؤا الكتاب عليه ، فانّي أحب هدایته قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة ، فكيف عبدالرحمن؟! فأخرج إليه القاسم
ص: 466
الكتاب وقال : إقرأه. فقر أو عبدالرحمان إلى موضع النعي ، فقال للقاسم : يا أبا عبد اللّه(1) اتّق اللّه ، فانّك رجل فاضل في دينك ، واللّه يقول:
«وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت»(2)وقال: «عالم الغيب فلايظهر على غيبه أحداً»(3) قال القاسم: فأتمّ الآية «إلا من ارتضی من رسول»(4) مولاي هو المرضيّ من الرسول ثمّ قال : أعلم أنّك تقول هذا ، ولكن أرّخ اليوم فان أنا متّ بعد هذا اليوم ، أومتّ قبله ، فاعلم أنّي لست على شيء ، وإن أنا متّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك .
فورّخ عبدالرحمن اليوم وافترقوا ، وحمّ القاسم يوم السابع ، واشتدّت العلّة به إلى مدة، ونحن مجتمعون يوماً عنده ، إذ مسح بكمّه عينه ، و خرج من عينه شبه ماء اللحم ، ثمّ مدّ بطرفه إلى ابنه ، فقال :یا حسن إليّ ، ويا فلان إليّ . فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين .
وشاع الخبر في النّاس فانتابه(5) الناس، من العامّة ينظرون إليه وركب القاضي إليه - وهو: أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي(6) وهو قاضي
ص: 467
القضاة ببغداد - فدخل عليه وقال له : يا أبا محمّد ما هذا الّذي بيدي ؟ و أراه خاتماً فصّه فيروزج فقرّ به منه ، فقال : عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها وقد قال لمّا رأى ابنه الحسن في وسط الدار قاعداً : «اللّهم ألهم الحسن طاعتك ، وجنّبه معصيتك» قاله ثلاثاً ، ثمّ كتب وصيّته بيده .
و كانت الضياع التي بيده لصاحب الامرعلیه السلام كان أبوه وقفها عليه .
وكان فيما أوصى ابنه : « إن أهّلت إلى الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة ب « فرجيده»(1) وسائرها ملك لمولانا علیه السلام.
فلمّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر مات القاسم ، فوافاه عبد الرحمان يعدو في الأسواق حافياً حاسراً ، وهو يصيح: « يا سيّداه » فاستعظم الناس ذلك منه فقال لهم : اسكتوا ، فقد رأيت مالم تروا . وتشيّع ، ورجع عمّا كان [عليه] .
فلمّا كان بعده مدّة يسيرة ورد کتاب على الحسن ابنه من صاحب الزمان [يقول فيه:] « ألهمك اللّه طاعته، وجنّبك معصيته» وهو الدعاء الذي دعا لك به أبوك(2) .(3).
15- ومنها : ماروي عن ابن أبي سورة، عن أبيه - و كان أبوه من مشايخ الزيدية بالكوفة - قال : كنت خرجت إلى قبر الحسين علیه السلام أعرّف عنده ، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة صلّيت ، وقمت فابتدأت أقرأ الحمد ، وإذا شابّ حسن الوجه عليه
ص: 468
جبّة سيفيّة(1) فابتدأ أيضاً قبلي ، و ختم قبلي .
فلمّا كان الغداة خرجنا جميعاً من باب الحائر ، فلمّا صرنا إلى شاطىء الفرات قال لي الشاب : أنت تريد الكوفة، فامض .
فمضيت في طريق الفرات ، وأخذ الشابّ طريق البرّ .
قال أبو سورة : ثمّ أسفت على فراقه ، فاتّبعته، فقال لي : تعال . فجئنا جميعاً إلى أصل حصن المسناة ، فنمنا جميعاً ، وانتبهنا ، وإذا نحن على الغري على جبل الخندق فقال لي: أنت مضيق، ولك(2) عيال، فامض إلى أبي طاهر الزراري، فسيخرج إليك من داره ، و في يده الدم من الأضحية ، فقل له : شابّ من صفته كذا و كذا يقول لك : أعط هذا الرجل صرّة الدنانير الّتي عند رجل السرير مدفونة .
قال : فلمّا دخلت الكوفة مضيت إليه ، وقلت ما ذكر لي الشابّ.
فقال : سمعاً وطاعة. وعلى يده دم الأضحية .
وعن جماعة، عن أبي ذر أحمد بن أبي سورة ، وهو محمّد بن الحسن بن عبيد اللّه التميمي ( نحو ذلك ) وزادوا : قال: ومشينا ليلتنا فاذا نحن على مقابر مسجد السهلة فقال : هو ذا منزلي .
ثمّ قال لي : تمرّ أنت إلى ابن الزراري عليّ بن يحيى فتقول له يعطيك المال بعلامة أنّه كذا وكذا، وفي موضع كذا ومغطّي بكذا.
فقلت: من أنت؟ قال: أنا محمّد بن الحسن .
ثمّ مشينا حتى انتهينا إلى النواويس في السحر ، فجلس وحفر بيده ، فاذا الماء قد خرج، وتوضّأ ثم صلّی ثلاث عشرة ركعة، فمضيت(3) إلى الزراري، فدققت الباب.
فقال : من أنت ؟ فقلت : أبو سورة . فسمعته يقول: مالي ولأبي سورة ؟!
ص: 469
فلمّا خرج وقصصت عليه [ القصّة ] صافحني وقبّل وجهي ، ووضع [ یده ] بيدي ، ومسح بها وجهه ، ثمّ أدخلني الدار و أخرج الصرّة من عند رجل السرير فدفعها إليّ ، فاستبصر أبو سورة و بريء من الزيديّة.(1).
16 - ومنها : ما روي عن محمّد بن هارون الهمداني قال : كان للناحية عليّ خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعاً ، ثم قلت في نفسي : لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دینار وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار ، ولا والله ما نطقت بذلك .
فكتب علیه السلام إلى محمّد بن جعفر : « اقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمائة دينار الّتي لنا عليه » .(2).
17- ومنها : ما روي عن أبي الحسن المسترقّ الضرير : كنت يوماً في مجلس
ص: 470
الحسن بن عبداللّه(1) بن حمدان ، ناصر الدولة ، فتذاكرنا أمر الناحية ، قال : كنت ازري(2) عليها ، إلى أن حضرت مجلس عمّي الحسين(3) يوماً ، فأخذت أتكلّم
في ذلك. فقال: يا بنيّ قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت لولاية قم حين استصعبت على السلطان(4) ، و كان كلّ من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها ، فسلّم إليّ جيش وخرجت نحوها .
فلمّا بلغت إلى ناحية طزر(5) خرجت إلى الصيد ففاتني طريدة، فاتّبعتها، وأوغلت
ص: 471
في أثرها ، حتّى بلغت إلى نهر ، فسرت فيه ، وكلّما أسير يتّسع النهر ، فبينما أنا كذلك إذ طلع عليّ فارس تحته شهباء ، وهو متهمّم بعمامة خز خضراء ، لا أرى منه إلاّ عينيه ، وفي رجليه خفّان أحمران ، فقال لي : يا حسين . فلا هو أمّرني ولا
کنّاني، فقلت : ماذا تريد ؟ قال : لم تزري على الناحية ؟ ولم تمنع أصحابي خمس مالك ؟ و كنت الرّجل الوقور الّذي لا يخاف شيئاً فأرعدت [ منه ] و تهیّبته ، وقلت له : أفعل يا سيّدي ما تأمر به .
فقال : إذا مضيت إلى الموضع الّذي أنت متوجّه إليه ، فدخلته عفواً و کسبت ماكسبته ، تحمل خمسه إلى مستحقّه . فقلت : السمع والطاعة .
فقال: إمض راشداً ، ولوی عنان دابّته وانصرف فلم أدر أيّ طريق سلك، وطلبته يميناً وشمالا فخفي عليّ أمره، و ازددت رعباً وانكفأت(1) راجعاً إلى عسكري و تناسيت الحديث .
فلمّا بلغت قم وعندي أنّي أريد محاربة القوم، خرج إليّ أهلها و قالوا :كنّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا فأمّا إذا(2) وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ادخل البلدة فد بّرها كما ترى .
فأقمت فيهاز ماناً ، و كسبت أموالا زائدة على ما كنت أقدّر، ثمّ وشي القوّاد بيّ
ص: 472
إلى السلطان ، و حسدت على طول مقامي ، و كثرة ما اكتسبت ، فعزلت ورجعت إلى بغداد، فابتدأت بدار السلطان وسلّمت عليه، وأتيت(1) إلى منزلي ، و جاني فيمن جاءني محمّد بن عثمان العمري(2) فتخطّى الناس حتّى اتّكأ على تكاني، فاغتظت من ذلك ، ولم يزل قاعداً مايبرح ، والناس داخلون وخارجون ، و أنا أزداد غيظاً .
فلمّا تصرّم(3) [الناس، وخلا] المجلس ، دنا إليّ وقال: بيني وبينك سرّ فاسمعه فقلت : قل . فقال: صاحب الشهباء والنهر يقول: قد وفينا بما وعدنا .
فذكرت الحديث و ارتعت(4) من ذلك ، وقلت : السمع والطاعة. فقمت فأخذت بيده، ففتحت الخزائن ، فلم يزل يخمسّها ، إلى أن خمسّ شيئاً كنت قد أنسيته ممّا كنت قد جمعته ، وانصرف ، ولم أشكّ بعد ذلك ، و تحقّقت الأمر .
فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد اللّه زال ما كان اعترضني من شكّ .(5).
18- ومنها: ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمّدبن قولویه(6) قال: لمّا وصلت
ص: 473
بغداد في سنة تسع(1) وثلاثين [وثلاثمائة] للحجّ ، وهي السنة الّتي ردّ القرامطة(2) فيها الحجر إلى مكانه من البيت، كان أكبر همّي الظفر بمن بنصب الحجر ، لأنه يمضي في أثاء الكتب قصّة أخذه و أنّه ينصبه في مكانه الحجّة في الزمان ، كما في زمان الحجّاج وضعه زین العابدین علیه السلام في مكانه فاستقرّ فاعتلت علّة صعبة خفت منها على نفسي ، ولم يتهيّألي ما قصدت له ، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة ، أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون المنيّة(3) في هذه العلّة ؟ أم لا ؟ وقلت : همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه ، وأخذ جوابه ، و إنّما أندبك لهذا .
ص: 474
قال: فقال المعروف بابن هشام :لمّاحصلت بمكّة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أری واضع الحجر في مكانه ، وأقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم ، فأقبل غلام أسمر اللون ، حسن الوجه ، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات ، وانصرف خارجاً من الباب ، فنهضت من مكاني أتبعه، و أدفع الناس عنّي يميناً وشمالا ، حتّى ظن بي الاختلاط في العقل ،والناس يفرحون لي ، و عيني لاتفارقه ، حتّى انقطع عن الناس ، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤدة(1) ولا أدرکه فلمّاحصل بحيث لا أحد يراه غيري ، وقف و التفت إليّ فقال : هات ما معك فناولته الرقعة. فقال من غير أن ينظر فيها :قال له : لا خوف عليك في هذه العلّة ، ويكون ما لابدّ منه بعد ثلاثين سنة(2).
قال : فوقع عليّ الزمع(3) حتّى لم اطق حراكاً ، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم : فأعلمني بهذه الجملة . فلمّا كان سنة تسع(4) و ستّین اعتلّ أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره ، وتحصيل جهازه إلى قبره ، و كتب وصيّته ، واستعمل الجدّ في ذلك .
فقيل له: ماهذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضّل اللّه تعالى بالسلامة ، فما عليك مخوفة .
ص: 475
فقال : هذه السنة الّتي خوّفت فيها. فمات في علّته .(1).
19 - ومنها: ماروي عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عیسی بن صبيح(2) قال : دخل الحسن العسكري علیه السلام علينا الحبس ، و کنت به عارفاً ، فقال لي : لك
خمس وستّون سنة ، و شهر ، وبومان.
و كان معي كتاب دعاء عليه تاریخ مولدي ، وإنّي نظرت فيه فكان كما قال .
وقال: هل رزقت ولداً ؟ قلت: لا.
فقال : اللّهم ارزقه ولداً يكون له عضداً ، فنعم العضد الولد. ثمّ تمثّل علیه السلام:
من كان ذا عضد يدرك ظلامته *** إنّ الذّليل الّذي ليست له عضد(3)
قلت: ألك ولد ؟
قال : إي واللّه سيكونلي ولديملا الأرض قسطاً [و عدلا] فأمّا الآن فلا. ثم تمثّل :
لعلّك يوماً أن تراني كأنّما *** بنيّ حواليّ الاسود الّوابد(4)
ص: 476
فان تميماً(1) قبل أن يلد الحصى(2) *** أقام زماناً وهو في الناس واحد(3).
20 - ومنها : ماروي عن أبي غالب الزراري : تزوّجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: «بنو هلال»(4) خزّازون(5) و حصلت لها منزلة من قلبي فجری بيننا کلام اقتضی خروجها عن بيتي غضباً، ورمت ردّها، فامتنعت عليّ لانّها كانت في(6) أهلها في(7) عزّ وعشيرة ، فضاق لذلك صدري ، و تجهّزت(8) إلى السفر ، فخرجت إلى بغداد أنا وشيخ من أهلها ، فقدمناها وقضينا الحقّ في واجب(9) الزيارة وتوجّهنا إلى دار الشيخ أبي القاسم بن روح و كان مستتراً من السلطان ، فدخلنا و سلّمنا . فقال : إن كان(10)
ص: 477
لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا . وطرح إليّ مدرجة (1) كانت بين يديه ، فكتبت فيها اسمي و اسم أبي ، وجلسنا قليلا ، ثمّ ودّعناه ، و خرجت إلى سرّ من رأي للزيارة و زرنا وعدنا ، و أتينا دار الشيخ ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمې
وجعل يطويها على أشياء كانت مكتوبة فيها [إلى] أن انتهى إلى موضع اسمي، فناولنيه، فاذا تحته مكتوب - بقلم دقيق - :
«أمّا الزراري في حال الزوج أو الزوجة فسيصلح اللّه - أر : فأصلح اللّه - بينهما» و كنت عندما كتبت اسمي أردت [أن أسأله] الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة ، ولم أذكره ، بل كتبت اسمي وحده، [فجاء الجواب كما كان في خاطري، من غير أن أذكره ثمّ ودّعنا الشيخ(2)] وخرجنا من بغداد حتى قدمنا الكوفة ، فيوم قدومي أو من غده ، أتاني إخوة المرأة ، فسلّموا عليّ و اعتذروا إليّ ممّا كان بيني و بينهم من الخلاف والكلام ، و عادت الزوجة على أحسن الوجوه إلى بيتي ، و لم يجر بيني و بينها خلاف ولا كلام مدّة صحبتي [لها] ولم تخرج من منزلي بعد ذلك إلا باذني حتّى ماتت.(3)
21- ومنها : أنّ أبا محمد الدعلجي(4) كان له ولدان ، و كان من خيار أصحابنا وكان قدسمع الأحاديث ، و كان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة ، وهو أبو الحسن كان يغسّل الأموات، وولد آخريسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام ، ودفع إلى أبي محمّد حجّة يحج بها عن صاحب الزمان علیه السلام، و كان ذلك عادة الشيعة وقتئذ .
ص: 478
فدفع شيئاً منها إلى ابنه المذكور بالفساد ، وخرج إلى الحجّ.
فلمّا عاد حكى أنّه كان واقفاً بالموقف ، فرأى إلى جانبه شابّاً حسن الوجه ،أسمر اللون ، بذؤابتين ، مقبلا على شأنه في الدعاء والابتهال والتضرّع ، وحسن العمل، فلمّا قرب نفر الناس التفت إليّ وقال :یا شیخ ما تستحي؟ ! قلت : من أيّ شيء يا سيّدي ؟! قال : يدفع إليك حجّة عمّن تلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر ، يوشك أن تذهب عينك هذه .
وأومأ إلى عيني ، وأنا من ذلك إلى الان على وجل و مخافة .
وسمع(1) أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان(2) ذلك ، قال : فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتّى خرج في عينه الّتي أومأ إليها قرحة ، فذهبت .(3).
22- ومنها : ماروي عن سعد بن عبداللّه الأشعري قال : ناظرني مخالف فقال: أسلم أبو بكر وعمر طوعاً أو كرهاً ؟ ففكّرت في ذلك وقلت : إن قلت كرهاً ، فقد كذبت ، إذ لم يكن حينئذ سيف مسلول، وإن قلت طوعاً . فالمؤمن لا يكفر [بعد إيمانه] فدفعته عنّی يدفعاً بالراح لطيفاً و خرجت من ساعتي إلى دار أحمد بن إسحاق(4) أسأله عن ذلك ، فقيل لي : إنّه خرج إلى سر من رأي اليوم . فانصرفت إلى بيتي وركبت دابّتي ، وخرجت خلفه حتّى وصلت إليه في المنزل ، فسألني عن حالي ،
ص: 479
فقلت : أجيء إلى حضرة أبي محمّد فعندي أربعون مسألة قد أشكلت عليّ، فقال : خير صاحب و رفیق .
فمضينا حتّى دخلنا سرّ من رأى ، وأخذنا بيتين في خان ، وسكن كلّ واحد [منّا] في واحد(1) وخرجنا إلى الحمّام ، واغتسلنا غسل الزيارة و التوبة .
فلمّا رجعنا أخذ أحمد بن إسحاق جراباً ولفّه بكساء طبري ، وجعله على كتفه ومشينا ، و كنّا نسبّح اللّه ونهلّله و نکبّره و نستغفره ونصلّي على محمّد و آله إلى أن وصلنا إلى باب الدار فاستأذن أحمد بن إسحاق ، فأذن بالدخول.
فلمّا دخلنا وإذا أبو محمّد علیه السلام على طرف الصفّة(2) قاعد ، و كان على يمينه
غلام قائم كفلقة قمر، فسلّمنا ، فأحسن الجواب ، وأكرمنا ، وأقعدنا ، فوضع أحمد الجراب بين يديه ، وكان أبو محمّد علیه السلام ينظر في درج طويل في الاستفتاء ، ورد عليه من ولاية ، فجعل يقرأ ويكتب تحت كلّ مسألة التوقيع ، فالتفت إلى الغلام وقال: هذه هدايا موالينا . وأشار إلى الجراب .
فقال الغلام : هذا لا يصلح لنا ، لأنّ الحلال مختلط بالحرام فيه .
فقال أبو محمّد علیه السلام: أنت صاحب الالهام ، أفرق بين الحلال والحرام .
ففتح أحمد الجراب فأخرج صرّة فنظر إليها الغلام وقال:هذا بعثه فلان بن فلان من محلة كذا، و كان باع حنطة خاف على الزرّاع في مقاسمتها، وهي كذا دیناراً، وفي وسطها خطّ مكتوب عليه کمّيّته، وفيها صحاح ثلاث: إحداها آملي، والأخرى ليس عليها سكّة ، والأخرى فلاني أخذها(3) من نسّاج غرامة من غزل سرق من عنده .
ثمّ أخرج صرّة فصرّة فجعل يتكلّم على كل واحدة بقريب من ذلك .
ثمّ قال : أشدد الجراب على الصرر حتّى توصلها عند وصولك إلى أصحابها(4)
ص: 480
هات الثوب الذي بعثت العجوز الصالحة . و كانت امرأة بقم غزلته بيدها و نسجته فخرج أحمد ليجيء بالثوب، فقال لي أبو محمّد علیه السلام: ما فعلت مسائلك(1) الأربعون؟ سل الغلام [ عنها] يجبك .
فقال لي الغلام - إبتداءاً : هلا قلت للسائل : ما أسلما طوعاً ، ولا كرهاً ، وإنّما أسلما طمعاً، فقد كانايسمعان من أهل الكتاب منهم من يقول : هو نبيّ يملك المشرق والمغرب ، وتبقى نبوّته إلى يوم القيامة .
ومنهم من يقول : يملك الدنيا كلّها ملكاً عظيماً ، وينقاد له أهل الأرض .
فدخلا كلاهما في الاسلام طمعاً في أن يجعل محمّد صلی الله علیه و آله و سلم كل واحد منهما والي ولاية ، فلمّا أيسا من ذلك دبّرا مع جماعة في قتل محمّد صلی الله علیه و آله و سلم ليلة العقبة فكمنوا له ، وجاء جبرئيل علیه السلام وأخبر محمّداً صلی الله علیه و آله و سلم بذلك ، فوقف على العقبة وقال :یا فلان، یا فلان ، یا فلان ، اخرجوا ، فانّي لا أمرّ حتّى أراكم كلّكم قد خرجتم وقد سمع ذلك حذيفة .
ومثلهما طلحة والزبير فهما بایعا عليّاً علیه السلام بعد قتل عثمان طمعاً في أن يجعلهما كليهما عليّ بن أبي طالب علیه السلام والياً على ولاية ، لا طوعاً ، ولا رغبة ، ولا إكراهاً ولا إجباراً، فلمّا أيسا من ذلك من علي علیه السلام نكنا العهد، و خرجا [عليه] وفعلا مافعلا وأجاب عن مسائلي الأربعين ، قال :
ولمّا أردنا الانصراف قال أبو محمّد علیه السلام لأحمد بن إسحاق : إنّك تموت السنة. فطلب منه الكفن . قال : يصل إليك عند الحاجة .
قال سعد بن عبداللّه : فخرجنا حتّى وصلنا حلوان (2) حمّ أحمد بن إسحاق، ومات في الليل بحلوان ، فجاء رجلان من عند أبي محمّد(3) علیه السلام و معهما أكفانه
ص: 481
فغسّلاه و کفّناه ، وصلّيا عليه .
قال : وقد كنّا عنده من أول الليل ، فلمّا مضى وهن(1) منه قال لي : انصرف إلى البيت فانّي ساكن. فمضيت ، ونمت ، فلمّا كان قرب(2) السحر أتى الرجلان إلى باب بيتي وقالا : آجرك الله في أحمد بن إسحاق فقد غسّلناه و کفّناه وصلّينا عليه، فقمت ورأيته مفروغاً منه في الأكفان ، فدفنّاه من الغد بحلوان رحمة الله عليه .(3).
* * *
الى هنا تم الجزء الاول حسب تجزئتنا، ویلية الجزء الثاني ، وأرله :
«الباب الرابع عشر في أعلام النبي صلی الله علیه و آله و سلم و الأئمّة علیهم السلام»
نرجو من اللّه العزيز أن يوفّقنا لاتمام ذلك بفضله و تأییده .
مؤسسة الامام المهدي عليه السلام
قم المقدسة
ص: 482
3- مقدمّة التحقيق .
17- مقدمة المؤلّف .
19- فهرس الأبواب .
21- الباب الأوّل في معجزات نبينا محمد صلی الله علیه و آله و سلم .
22- فصل في أقسام معجزات النبي محمد صلی الله علیه و آله و سلم .
23- فصل من روايات العامّة في معجزاته صلی الله علیه و آله و سلم .
73- فصل فيما ذكر فيه نبيّنا محمد صلی الله علیه و آله و سلم في الكتب المتقدمة.
83- فصل من روايات الخاصّة في معجزاته صلی الله علیه و آله و سلم .
171- الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.
236- الباب الثالث في معجزات الامام الحسن بن علي علیهما السلام.
245- الباب الرابع في معجزات الامام الحسين بن علي علیهما السلام.
255- الباب الخامس في معجزات الامام علي بن الحسين علیهما السلام.
272- الباب السادس في معجزات الامام محمد بن علي الباقر علیهما السلام.
294 - الباب السابع في معجزات الامام جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام.
307- الباب الثامن في معجزات الامام موسی بن جعفر علیهما السلام.
337- الباب التاسع في معجرات الامام علی بن موسی الرضا علیهما السلام.
372- الباب العاشر في معجزات الامام محمد بن علي الجواد علیهما السلام.
392- الباب الحادي عشر في معجزات الامام علي بن محمد علیهما السلام.
420- الباب الثاني عشر في معجزات الامام الحسن بن علي العسكري علیهما السلام.
455- الباب الثالث عشر في معجزات الامام الحجة بن الحسن العسكري علیهما السلام.
ص: 483
ص س الخطأ الصواب
18 7 خمسائه خمسمائة
24 4 محمّد محمّداً
46 2 حس حش
57 3 العتبة لعتبة
110 1 فتمضض فتمضمض
121 3 علميني علمني
173 20 الامم الام
202 1 سیف سیفاً
213 9 ناقتة ناقة
214 الاخیر عین عن
265 22 یقتله یقتل
283 21 البیت البت
298 1 صدی صدق
309 13 فقائها فقهائها
314 21 تفوق النوی تفوق القوی
322 21 عل عن
330 17 الثبات الثیاب
332 11 زراة زرارة
344 الاخير الهامش 4 و5 احدهما مکان الاخر
358 12 لعمه لحمه
369 13 اثبات اثبات
426 22 الانسان الانساب
430 11 خلح خلع
462 16 اورده ... 5) اورده ... وتلاحظ بقیة الارقام
477 7 یفرحون یفرحون
ص: 484
من مصادر «بحار الانوار» و «عوالم العلوم» :
1- صحيفة الامام الرضا علیه السلام بأسانيدها وطرقها الكثيرة المرتبة مجلد
2- التفسير المنسوب للامام الحسن العسكري علیه السلام المجلد
3- النوادر أحمد بن محمّد بن عیسی
4- المؤمن الحسين بن سعيد الأهوازي
5- التمحیص محمد بن همام الاسكافي
في مجلد واحد
6- الامامة والتبصرة علي بن بابویه (والد الشيخ الصدوق) مجلد
7- الأربعون حديثاً منتجب الدين بن بابويه الرازي
8- المزار الشيخ المفيد
9-المائة منقبة محمّد بن أحمد بن شاذان القمي
10- نزهة الناظر الحسين بن محمد الحلواني
11- قبس من غياث سلطان الورى السّيدعلي بن موسی بن طاووس / في مجلد واحد
12- الدعوات قطب الدين الراوندی مجلد
13- الخرائج والجرائح قطب الدين الراوندي مجلدان
14- مستطرفات السرائر الفقيه محمد بن أحمد بن إدريس الحلي
15- مثير الأحزان جعفر بن محمد بن نما الحلي
16- التحصين في صفات العارفين جمال الدين بن فهد الحلى
في مجلد واحد
17- الأربعون حديثاً الشهيد الأول محمّد بن مكي
18- تأويل الآيات الظاهرة السيّد شرف الدين النجفي
مجلدان
صدر من موسوعة عوالم العلوم :
19 - العقل والعلم (ج 2 و 3) مجلد
20 - فاطمة الزهراء علیها السلام (ج 11) مجلد
21 - الامام الحسن علیه السلام (ج 16) مجلد
22 - الامام الحسين علیه السلام (ج 17) مجلد
23 - الامام علي بن الحسن علیه السلام بضميمة «رسالة الحقوق» (ج 18) مجلد
24 - الامام موسی بن جعفر علیه السلام (ج 21)
25 - النصوص على الأئمة الاثني عشر علیهم السلام (ج 3
/15) مجلد
ص: 485
26 - مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام فقيه أحمد ابادي مجلدان
27 - آئین جمعه (فارسي) « « « مجلد
28 - وظيفة الأنام « « «
29 - الصحيفة المهديّة مؤيد الدين إبراهيم بن المحسن الكاشاني
30 - المدخل إلى التفسير الموضوعي السيّد محمّد باقر الأبطحي مجلدان
31 - عبقات الأنوار : أحاديث: الولاية - مدينة العلم - النور - التشبيه - الطير
میر سید حامد الموسوي في ستة مجلدات
32 - مصباح الأنظار ، وخبر العالم مع الامام علي بن أبي طالب علیه السلام .
33 - رسالة حول وهب بن وهب ، أبو البختري في سند حدیث « نحن معاشر الانبياء لانورث ».
من الكتب التي قيد التحقيق والطبع :
- عوالم «فاطمة الزهراء علیها السلام » بضميمة «حديث الكساء الشريف» على نسخة المؤلف الأصلية التي عثرنا عليها ( بحمد اللّه ) أيام قصف المدن الآمنة ، مع المستدركات
والملحقات من طرق الفريقين .
وفي مقدمتها « الأربعون حديثاً » في فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام، برواية عائشة .
- و بقيّة مجلدات «موسوعة الامام الكاظم علیه السلام».
- ومن « موسوعة الامام الرضا علیه السلام» سيصدر : العوالم ، التفسير ، الفقه والمعارف و الآداب و و .
- الصحيفة السجّاديّة الجامعة لكل أدعية الامام السجّاد علیه السلام.
- كتاب كبير في فضائل القرآن ، والسور، وهو مقدمة لتفسير نا الروائي الكبير .
- فهرس جامع للايات المؤولة في أهل البيت علیهم السلام باسلوب بديع مبتكر .
و و و ... إن شاء اللّه تعالی .
ص: 486
الخرائج و الجرائح
للفَقيهُ المَحدِث والمفَسِّرالكبِير
قطب الدین الراوندی
قدس سره
المتوفی
سِنَة 573 هجرية
مزاره بصحن الحضرة الفاطمیة قم المقدسة
الجزء الثانی
في أعلام النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و الائمة عليهم السلام
تحقیق و نشر
موسسة الامام المهدی (علیه السلام)
قم المقدسة 39
ص: 487
بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً علی یوم الله الأكبر ، عيد الغدير الأغر ، يوم تبلیغ رسالة الله :
«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»
يوم اكمال الدین و اتمام النعمة و رضا الرب :
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»
بتتویج سیدالمتقین علی علیه السلام مولى وأميراً للمؤمنين بنصّ خاتم النبيين :
«من کنت مولاه فهذا على مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه».
استفصينا مصادر و طرق حديث الغدير
في صحيفة الامام الرضا: 172 - 225 ،
ولنا اضافات عليها .
هوية الكتاب :
الكتاب: «الخرائج والجرائح».
الجزء الثاني في أعلام النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والأئمة (علیهم السلام).
المؤلف: الشيخ الأقدم أبو الحسين سعيد بن هبة الله المشهور به «قطب الدین الراوندي»
المتوفى سنة 573ه.
التحقيق والنشر في مؤسّسة الامام المهدي - قم المقدسة .
باشراف.. الحاج السّيد محمدباقر نجل المرتضی الموحّد الأبطحي الاصفهانی دامت برکاته
الطبعة الاولى، الكاملة، المحقّقة .
المطبعة العلميّة - قم.
التاريخ : ذوالحجة - سنة 1409 ه. ق.
العدد: (2000) نسخة . سعر الدورة الواحدة : (7000) ریال
حقوق الطبع كلّها محفوظة لمؤسّسة الامام المهدي - قم المقدسة .
تلفون : 33060.
ص: 488
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 489
في أعلام(1) رسول الله صلى الله عليه و آله
1- روي عن أبي ذرّ أنّه قال: كنت وعثمان نمشي في المسجد ، ورسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) متکیء فيه(2)، فجلسنا إليه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ثمّ قام عثمان و جلست .
فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : بأيّ شيء كنت تناجي عثمان؟ قال: كنت أقرأ سورة من القرآن. قال : أما إنّه سيبغضك وتبغضه ، والظالم منكما في النار . قلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، الظالم منّي ومنه في النار . فأيّنا الظالم يا رسول الله ؟
فقال : يا أباذر قل الحق وإن وجدته مراً، تلقني(3) على العهد .(4).
2 - و منها : أنّ قوماً أتوه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و شکوا بعيراً لهم جنّ ، وقد خرب بستاناً لهم ، فمشی رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى بستانهم ، فلمّا فتحوا الباب صدم(5) البعير ، فلمّا رآه وقع في التراب [وجعل] يصيح بحنين .
ص: 490
فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّه يشكو كم [ويقول:] عملت لكم سنين وأتعبتموني في حوائجكم فلمّا [أن] كبرت أردتم أن تنحروني لعرس .
قالوا : [قد] كان كذلك، وقد وهبناه لك يا رسول الله. قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : بل تبيعوننيه فابتاعه وأعتقه . فكان يطوف في المدينة ويعلفه أهلها ويقولون له : عتيق رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). (1)
3- و منها : أنّ أعرابيّاً جاء إليه فشكا نضوب(2) ماء بئرهم، فأخذ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حصاة أو حصاتين ، وفركها بأنامله ، ثمّ أعطاها الأعرابي ، وقال : ارمها بالبئر(3).
فلمّا رماها فيها فار الماء إلى رأسها.(4)
4- و منها : أنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يوماً جالساً وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين فقال [لهم](5): كيف بكم إذا كنتم صرعى، وقبور کم شتّی؟
فقال الحسن(6): أنموت موتاً أو نقتل قتلا؟ فقال: يابنيّ بل تقتل [بالسم] ظلماً ويقتل أخوك ظلماً ، و يقتل أبوك ظلماً، وتشرّد ذراريكم في الأرض .
فقال الحسين (علیه السلام): ومن يقتلنا ؟ قال: شرار الناس . قال: فهل يزورنا أحد؟
قال: نعم، طائفة من أمّتي يريدون بزيارتكم بري وصلتي، فإذا كان يوم القيامة جئتهم وأخلّصهم من أهواله(7).(8)
5- ومنها : أنّ يهوديّاً جاء إليه يقال له «سنجت» (9) الفارسي فقال: أسألك عن ربّك يا محمّد إن أجبتني اتّبعتك - و كان رجلا من ملوك فارس و کان ذربا۔ (10).
ص: 491
فقال : أين الله ؟
قال: هوفي كل مكان وربّنا لايوصف بمكان ولايزول، بل لم يزل بلامكان ولا يزال.
فقال : يا محمّد إنّك لتصف ربّاً عظيماً بلا كيف، فكيف لي أن أعلم أنّه أرسلك ؟
قال علي بن أبي طالب (علیه السلام): فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ، ولامدر إلّا قال :أشهد أن لا إله إلا الله [وحده لاشريك له] وأن محمّداً عبده ورسوله ، وقلت أيضاً : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله(1).
فأسلم «سنجت» و سمّاه [رسول الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ] عبدالله .
فقال: يارسول الله(2) من هذا ؟
قال: هذا خير أهلي ، وأقرب الخلق منّي، وهو الوزير معي في حياتي ، و الخليفة بعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى ، إلّا أنّه لانبيّ بعدي ، فاسمع له و أطعه ، فإنّه على الحق .(3)
6- ومنها : أنّ عليّاً (علیه السلام) قال: دعاني رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فوجّهني إلى اليمن لاصلح بينهم فقلت: يارسول الله إنّهم قوم كثير ، ولهم سن وأنا شابّ حدث.
فقال: يا علي إذاصرت بأعلى عقبة(4) فناد بأعلى صوتك : يا شجر، یا حجر، یامدریاثری، محمّد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقرؤكم السلام.
قال : ذهبت فلمّا صرت بأعلى العقبة أشرفت على أهل اليمن فاذاهم بأسرهم مقبلون
ص: 492
نحوي ، شاهرون سلاحهم مشرعون(1) أسنّتهم ، متنكّبون قسيّهم(2) فناديت بأعلى صوتي : يا شجر ، یا مدر ، یا ثری ، محمّد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقرؤكم السلام [قال:] فلم تبق شجرة ولا مدرة ولاثرى إلّا ارتجّ بصوت واحد : «وعلى محمّد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعليك السلام» فاضطربت قوائم القوم، وارتعدت ركبهم ، ووقع السلاح من أيديهم، وأقبلوا إليّ بالصلح مسرعين ، فأصلحت بينهم وانصرفت .(3)
ص: 493
7-ومنها ما روي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: لمّا انتهى رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم) إلى الركن الغربي فجازه، قال له الركن : یارسول الله قعيد(1) من قواعد بيت الله ؟ فما بالي لاأستلم؟
فدنا منه ، فقال: اسكن ، عليك السلام غير مهجور .(2)
8- ومنها : أنّ النبي (صلّی الله علیه و آله وسلّم) دخل حائطاً(3) فنادته العراجين(4) من كل جانب : السلام عليك يارسول الله ، و كل واحد منها يقول: خذ منّي فكل. فدنا من العجوة(5) فسجدت فقال : «اللّهمّ بارك عليها وانفع بها» فمن ثمّ روي أنّ العجوة من الجنّة .
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّي لأعرف حجراً بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث .
ولم يكن (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يمرّ في طريق فتبعد أحد إلّا عرف أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سلكه من طيب عرفه(6).
ولم يكن يمر بحجر ولاشجر إلّا سجد له .(7)
ص: 494
9- ومنها : ما روي عن الصادق (علیه السلام) أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يوماً قاعداً إذمرّ به بعيرفبرك بين يديه و رغا(1).
فقال عمر: يارسول الله سجدلك هذا الجمل ، و نحن أحقّ أن نسجد لك.
فقال: بل اسجدوا لله،إنّ هذا الجمل يشكو أربابه ، و يزعم أنّهم انتجوه صغيراً واعتملوه ، فلمّا صار أعور(2) كبيراً ضعيفاً أرادوا نحره .
ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.(3)
ص: 495
10- ومنها : ماقال أبو عبدالله (علیه السلام): إنّ ثلاثة من البهائم أنطقها الله على عهد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): الجمل و کلامه شكوى أربابه وغير ذلك .
والذئب فقد جاء إلى النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فشكا إليه الجوع ، فدعا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أرباب الغنم، فقال : افرضوا للذئب شيئاً فشحّوا . فذهب .
ثمّ عاد إليه الثانية فشكا إليه، فدعاهم فشحّوا.
ثم جاء الثالثة فشك[إليه] الجوع فشحّوا.
فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : اختلس ، ولو أنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فرض للذئب شيئاً مازاد الذئب شیئاً حتّى(1) تقوم الساعة .
وأمّا البقرة فإنّها آذنت بالنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ودلّت عليه و كانت في نخل لبني سالم من الأنصار ، وقالت :
یا ذریح(2) عمل نجيح صائح يصيح بلسان(3) عربي فصيح ، بأن لا إله إلا الله ربّ العالمين ، ومحمّد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سيّدالنبيّين ، وعليّ وصيّه سيّد الوصيّين.(4)
11. ومنها: ما قال الصادق (علیه السلام): إنّ الذئاب جاءت إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) تطلب أرزاقها .فقال لأصحاب الغنم : إن شئتم صالحتها على شيء تخرجونه إليها ، ولاترزا(5) من
ص: 496
أموالكم شيئاً، وإن شئتم تركتموها تعدوا (1) ، وعليكم حفظ أموالكم.
قالوا: بل نتركها كما هي تصيب منّا ما أصابت ، ونمنعها ما استطعنا .(2)
12- ومنها: ماروي عن سلمان قال: كنت قاعداً عند النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذ أقبل أعرابيّ فقال : يا محمّد أخبرني بما في بطن ناقتي حتّى أعلم أنّ الذي جئت به حق ، و أؤمن بالهك و أتبّعك . فالتفت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى عليّ (علیه السلام) فقال: حبيبي علي يدلّك .
فأخذ (علیه السلام) بخطام(3) الناقة ثمّ مسح يده على نحرها، ثمّ رفع طرفه إلی السماء وقال :
«اللّهمّ إنّي أسألك بحق محمّد و أهل بيت محمّد ، و بأسمائك الحسنى وبكلماتك التامّات لمّا أنطقت هذه الناقة حتّى تخبرنا بما في بطنها». فإذا الناقة قد التفتت إلى عليّ (علیه السلام) وهي تقول : يا أمير المؤمنين إنّه ركبني یوماً و هو يريد زيارة ابن عمّ له فلمّا انتهى بي إلى واد يقال له: وادي الحسك(4) نزل عنّي ، و أبرکني في الوادي و واقعنې .
ص: 497
فقال الأعرابيّ : ويحكم أيكّم النبي هذا أو هذا ؟
قيل: هذا النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، وهذا أخوه و وصيّه .
فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّك رسول الله . وسأل النبي(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أن يسأل الله ليكفيه مافي بطن ناقته ، فكفاه [و أسلم] وحسن إسلامه .(1)
13 - ومنها: ماروي عن أسماء بنت عمیس : كنّا مع النبیّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في غزوة حنين فبعث عليّاً (علیه السلام) في حاجة ، وقدصلّی رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) العصر ولم يصلّها علي ، فلمّا رجع وضع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رأسه في حجره حتّى غربت الشمس ، فلمّا رفع النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رأسه ، قال عليّ : لم أكن صلّيت العصر .
فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : اللّهمّ إنّ عليّاً حبس بنفسه على نبيّك، فردّ له الشمس ، فطلعت حتّی ارتفعت [الشمس] على الحيطان والأرض حتى صلّي علي العصر ، ثمّ غربت .
قالت أسماء : وذلك بالصهباء(2) ، في غزوة حنين ، وانّ عليّاً (علیه السلام) صلّى إيماء، ثمّ قال
ص: 498
له النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ياعلي أمّا إنّها سترد عليك بعدي حجّة على أهل خلافك .
فقال حسّان بن ثابت في ذلك :
إنّ علي بن أبي طالب *** ردّت له الشمس من المغرب
ردّت عليه الشمس في ضوئها ***عصر أكأن الشمس لم تغرب (1)
ص: 499
ص: 500
ص: 501
ص: 502
14-ومنها: أنّ أعرابيّاً قال للنبي: بما أعرف أنّك رسول الله ؟ فقال : أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة و أتاني ، أتشهد أنّي رسول الله ؟ قال : نعم .
فدعا العذق فنزل من النخلة حتّى سقط في الأرض، فجعل ينقز(1) حتّى أتى النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله .
ثم قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) للعذق : ارجع . فرجع إلى مكانه . وكان عامریّاً فخرج إلى قومه وقال: یا آل عامر بن صعصعة والله لا اكذّبه بشيء أبداً.(2)
15- ومنها: ما روي عن أبي ذر قال: دخلت على النبیّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) [يوماً] (3) فقال : ما فعلت غنيماتك ؟ قلت: إنّ لها قصّة عجيبة، بينا أنا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي، فقلت
ص: 503
في نفسي : لا أقطع الصلاة ، فأخذ حملا (1) ذهب به وأنا أحسّ به، إذ أقبل على الذئب أسد فاستنقذ الحمل [منه](2) وردّه في القطيع، ثمّ ناداني : يا أباذر أقبل على صلاتك فانّ الله قد و كّلني بغنمك، فلمّا فرغت، قال لي الأسد: امض إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأخبره أنّ الله أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك ، و وکّل أسداً بغنمه(3).
فعجب من [كان] حول رسول الله [من ذلك] .(4)
16- ومنها: أنّ أعرابيّاً من بني سليم جاء إلى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وقد اصطاد ضبّاً(5) وهو في كمّه ، فقال [يا محمّد] : لاأؤمن بك حتّي ينطق هذا الضبّ . فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : یا ضبّ من أنا ؟ فقال : أنت محمّد بن عبد الله، اصطفاك الله حبيباً. بأسلم السلمي .(6)
17- ومنها: أنّ أبا عبد الله ( علیه السلام) سئل : هل علّم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حذيفة أسماءالمنافقين؟ فقال: لا، ولكن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لمّا كان في غزوة تبوك كان يسير على ناقته والناس أمامه، فلمّا انتهى إلى العقبة(7) وقد جلس عليها أربعة عشر رجلا: ستة من قريش، وثمانية من أفناء الناس ، أو على عكس ذلك - والشك من الراوي-.
فأتاه جبرئيل فقال: إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً قد قعدوا لك على العقبة لينفروا ناقتك.
ص: 504
فناداهم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : يافلان ويافلان بن فلان أنتم القعود لتنفروا ناقتي ؟
وكان حذيفة خلفه، فلحق . فقال : يا حذيفة سمعت ؟ قال: نعم. قال: اكتم.(1)
18 ومنها : ماروي عن موسی بن جعفر ، عن أبيه ( علیهم السلام): إنّ أصحاب رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كانوا جلوساً يتذاكرون وفيهم عليّ ، إذ أتاهم يهوديّ ، فقال: يا أمّة محمّد ما تركتم درجة للانبياء إلا نحلتموها(2) لنبيّكم.
فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): إن کنتم تقولون أنّ موسی كلّم ربّه على طور سينا(3) فإنّ الله كلّم محمّداً في السماء السابعة . و لئن قالت النصارى : إنّ عيسى أبرأ العميان و أحيي الموتى ، فإنّ محمداً لمّا سألته قريش إحياء میّت ، دعاني وبعثني معهم إلى المقابر، ودعوت الله ، فقاموا من قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم باذن الله .
وإنّ أبا قتادة بن ربعي الأنصاري شهد وقعة أحد فأصابته طعنة في عينه ، فبدرت حدقته(4) فأخذها بيده، وأتی بها رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال: إنّ امرأتي الآن تبغضني، فأخذها
ص: 505
رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فوضعها مكانها، فلاتعرف إلّا بفضل حسنها وضوئها على العين الأخرى.
ولقد بارز عبد الله بن عتيك فأبين(1) يده، فجاء النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ليلاً ومعه يده المقطوعة فمسح عليها ، فاستوت بده .(2)
19- و منها : أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان إذا أراد حاجة أبعد في المشي ، فأتی یوماً وادياً لحاجة فنزع خفّه(3) و قضى حاجته ، ثمّ توضّی وأراد لبس خفّه فجاء طيرأخضر ، فحمل الخف وارتفع به ، ثمّ طرحه فخرج منه أسود(4) .
فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : هذه كرامة أكرمني الله بها .
«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه ، ومن شر جسد يمشي على رجلين ، ومن شرّ من يمشي على أربع ، ومن شر كل ذي شر ، ومن شر كل دابّة أنت آخذ بناصيتها ، إنّ ربّي على صراط مستقیم» . (5)
ص: 506
20- و منها : أنّه كان لكل عضو من أعضاء النبي معجزة :
فمعجزة الرأس:هو(1) أنّ الغمامة أظلت على رأسه .
ومعجزة عينيه : أنّه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه .
ومعجزة أذنيه : هي أنّه كان يسمع الأصوات في النوم كما يسمع في اليقظة .
و معجزة لسانه : أنّه قال للضب(2): من أنا ؟ فقال : أنت رسول الله .
و معجزة يديه:أنّه خرج من بين أصابعه الماء .
و معجزة رجليه : أنّه كان لجابر بئر ، ماؤها زعاق (3) ، فعطش فشكا إلى النبيّ (صلّی الله علیه و آله وسلّم) فدعا بطشت وغسل رجليه فيه وأمر باهراق(4) ذلك الماء فيها ، فصار ماؤها عذباً .
ومعجزة عورته : أنّه ولد مختوناً.
و معجزة بدنه : هي أنّه لم يقع ظلّه على الأرض ، لأنّه كان نوراً ، لا يكون من النور الظلّ كالسراج.
ومعجزة ظهره : ختم النبوة ، كان على كتفيه مكتوباً(5) « لا إله الا الله محمّد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) » .(6)
21- ومنها : أن أنسأ قال : أرسلتني أمّي - أم سليم - إلى النبي (صلّی الله علیه و آله وسلّم)بشيء
ص: 507
صنعته وهو مدّ من شعير طحنته ، و عصرت عليه عكّة(1) كان فيها سمن ، فقام النبي (صلّی الله علیه و آله وسلّم) ومن معه فدخل عليها ، ودخلوا وأكلوا وشبعوا حتّى أتي عليهم.
فقيل لأنس : كم كانوا ؟ قال : أربعين .(2)
22- ومنها : ما روي عن الرضا ، عن أبيه (علیهما السلام): كنت عند أبي يوماً وأنا طفل خماسي ، إذ دخل عليه نفر من اليهود فسألوه عن دلائل رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) . فقال لهم :سلوا هذا ؟ فقال أحدهم : ما أعطي نبيّكم من الآيات الّتي نفت الشك ؟.
قلت: آيات كثيرة ، إسمعوا وعوا أنتم تدرون أنّ الجن كانت تسترق السمع قبل مبعث نبي الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم) فمنعت في أول رسالته بالرجوم (3) .
ص: 508
و بطلان الكهنة والسحرة.
وأنّ أبا جهل أتاه وهو نائم خلف جدار ومعه حجر يريد أن يرميه ، فالتصق بكفّه(1).
ومن ذلك كلام الذئب ، و کلام البعير .
وأنّ امرأة عبدالله بن مشکم(2) أتته بشاة مسمومة ومع النبيّ بشر بن [البراء بن] عازب ، فتناول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الذراع وتناول بشر الكراع، فأمّا النبي فلاكها ولفظها ، وقال :إنّها لتخبرني أنّها مسمومة ، وأمّا بشرفلاکها و ابتلعها فمات ، فأرسل إليها فأقرّت.
قال : ما حملك على ما فعلت؟ قالت : قتلت زوجي و أشراف قومي .
فقلت : إن كان ملكاً قتلته ، وإن كان نبيّاً فسيطلعه الله على ذلك .
و أشياء كثيرة ، فعدّها عليهم فأسلم اليهود و کساهم أبو عبدالله و وهب لهم.(3)
23-و منها: ماروي عن المفضّل بن عمر ، عن الصادق ، عن آبائه، عن عليّ ( علیهم السلام) قال : خرجنا مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في غزاة فعطش الناس ، ولم يكن في المنزل(4) ماء
و كان في إناء قليل ماء، فوضع أصابعه فيه فتحلّب منها الماء ، حتّی روی الناس والابل والخيل وتزود الناس ، و كان في العسكر إثنا عشر ألف بعير، والخيل إثنا عشر ألف فرس، والناس ثلاثين ألفاً.(5)
ص: 509
24- و منها : ما روي عن مخزوم بن هانىء المخزومي، عن أبيه. وقد أتى عليه مائة وخمسون سنة - قال : لمّا كانت الليلة الّتي ولد فيها رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ارتجس إيوان كسرى(1) وسقطت منه أربعة عشر شرفة (2) و خمدت نار فارس ، وما كانت(3)تخمد قبل ذلك بألف سنة ، وغاضت بحيرة ساوة (4) ..
ورأى الموبذان(5) في النوم أيضاً إبلاصعاباً تقود (6) خيلاعراباً ، قد قطعت دجلة فانتشرت في بلادنا(7) .
فلمّا أصبح کسری راعه ذلك وأفزعه، وتصبّر عليه تشجّعاً ، ثمّ رأى أن لایدّخر ذلك عن وزرائه و مرازبته(8) فجمعهم و أخبرهم بما هاله(9) فبينا هم كذلك إذ أتاه کتاب بخمود نار فارس. فقال له الموبذان: وأنا رأيت رؤيا، ثمّ قصّها [عليهم].
فقال : أي شيء يكون یا موبذان ؟ قال: حدث يكون من ناحية العرب .
ص: 510
فكتب كسرى إلى النعمان بن المندر(1):وجّه إليّ برجل عالم(2) [ بما ] أريد أن أسأله عنه ، فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمر بن نفيلة الغسّاني ، فلمّا قدم عليه أخبره بما رأى فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام(3) يقال له : سطيح(4)
قال : اذهب إليه، فاسأله و آتني بتأويل ما عنده .
فنهض عبد المسيح حتّى قدم على سطيح وقد أشرف على الموت ، فسلّم عليه فلم يحر جواباً(5).
ص: 511
ثم قال عبد المسيح : على جمل مشیح(1) أتى إلى سطيح ، وقد أوفي على الضريح(2) : بعثك ملك ساسان(3) لارتجاس الايوان ، و خمود النيران ، و رؤيا الموبذان : «رأي إبلاصعاباً تقود خيلا عراباً، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلاده (4)»
[فقال:] يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة ، و ظهر صاحب الهراوة(5) وفاض وادي سماوة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس ، فليس الشام لسطیح شاماً(6) يملك منهم ملوك و ملكات على عدد الشرفات ، و كل ما هو آت آت.
ثم قضى سطيح مكانه .
فنهض عبد المسيح(7) و قدم علی کسری و أخبره بما قال سطيح ، فقال لي : إلى
ص: 512
أن يملك منّا أربعة عشر ملكاً ، كانت امور .
فملك منهم عشرة في أربع سنين، والباقون إلى إمارة عثمان .(1)
25- ومنها : ما روي عن زياد بن الحارث الصدائي(2) - صاحب النبي(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) -أنّه بعث جيشاً إلى قومي ، قلت : يا رسول الله أردد الجيش وأنا(3) لك باسلام قومي ، فردّهم .
فكتب إليهم [كتاباً](4)، فقدم وفدهم باسلامهم .
فقال : إنّك لمطاع في قومك. قلت : بل الله هداهم إلى الاسلام .
فكتب لي كتاباً يؤمّرني [عليهم] .
قلت : [ یارسول الله ] مر لي بشيء من صدقاتهم . فكتب [لي بذلك] .
و كان في سفر له فنزل منزلاً ، فأتاه أمل ذلك المنزل يشكون عاملهم . فقال : لا خير في الامارة لرجل(5) مؤمن . ثمّ أتاه آخر ، فقال: [یا رسول الله] أعطني .
ص: 513
فقال : من سأل الناس عن ظهر غنى(1) ، فصداع في الرأس ، وداء في البطن .
فقال : اعطني من الصدقة .
فقال : إنّ الله لم يرض فيها بحكم نبيّ ولا غيره ، حتّى حكم هو فيها، فجزّأها ثمانية أجزاء(2) ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيناك حقّك .
قال الصدائي : فدخل في نفسي من ذلك شيء، فأتيته بالكتابين.
قال : فدلّني على رجل أؤمّره عليكم ؟ فدللته على رجل من الوفد .
ثمّ قلنا : إنّ لنا بئراً ، إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها ، وإذا كان الصيف قلّ ماؤها وتفرقنا على مياه حولنا(3)، وقد أسلمنا ، و كلّ من حولنا لنا أعداء فادع الله لنا في بئرنا أن لا تمنعنا ماءها [في الصيف]، فنجتمع عليها و لا نفترق .
فدعا بسبع حصيات ففرّکهنّ في يده و دعا فيهنّ . ثمّ قال: اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة ، واذكروا اسم الله .
قال زیاد : ففعلنا ما قال لنا ، فما استطعنا بعد [ذلك] أن ننظر إلى قعر البئر ببركة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ). (4)
26 - ومنها : ما روي عن الباقر (علیه السلام) أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صلّى يوماً بأصحابه الفجر ثمّ جلس معهم يحدثهم حتّى طلعت الشمس ، فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتّی
ص: 514
لم يبق معه إلّا رجلان : أنصاريّ وثقفيّ .
فقال لهما رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قد علمت أنّ لكما حاجة تريدان أن تسألاني عنها ، فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني ، و إن شئتما فسلاني ، قالا : بل تخبرنا یارسول الله ، فإنّ ذلك أجلى للعمي ، وأبعد من الارتياب ، وأثبت للايمان .
فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أّما أنت يا أخا الأنصار : فإنّك من قوم يؤثرون على أنفسهم و أنت قروي، وهذا الثقفيّ بدوي، أفتؤثره بالمسألة؟ قال: نعم. قال: أمّا أنت يا أخا ثقيف:
فإنّك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك ومالك فيهما . قال : نعم .
قال : فاعلم أنّك إذا ضربت يدك في الماء ، و قلت : بسم الله ، تناثرت الذنوب الّتي اكتسبتها يداك .
وإذا غسلت وجهك ويديك ، تناثرت الذنوب عن يمينك و شمالك .
و إذا مسحت رأسك و قدميك ، تناثرت الذنوب الّتي مشيت إليها على قدميك.
فهذا لك في وضوئك .
و إذا قمت إلى الصلاة و توجّهت و قرأت أم الكتاب وما تيسّر لك من السور ثمّ رکعت فأتممت ركوعها وسجودها و تشهّدت و سلّمت ، غفر لك کلّ ذنب فيما بينك وبين الصلاة الّتي قدمتها إلى الصلاة المؤخّرة، فهذا لك في صلاتك .
وأما أنت يا أخا الأنصار : فإنّك جئت تسألني عن حجّک و عمرتك ومالك فيهما من الثواب . قال : نعم . قال : فاعلم أنّك إذا توجّهت إلى سبيل(1) الحجّ ثمّ ركبت راحلتك ، وقلت بسم الله و مضت بك راحلتك، لم تضع راحلك خفّاً ولم ترفع خفّاً ، إلّا كتب الله لك حسنة، ومحا عنك سيّئة .
فاذا أحرمت ، و لبّيت : كتب الله لك بكل تلبية عشر حسنات ، ومحا عنك عشر سيّئات .
ص: 515
فاذا طفت بالبيت اسبوعاً : كان لك بذلك عند الله عهد وذكر ، يستحي منك ربّك أن يعذّبك بعده .
فاذا صلّيت عند المقام رکعتین : كتب الله لك بهما ألفي ركعة مقبولة .
وإذا سعيت بين الصفا والمروة سبعة أشواط : كان لك بذلك عند الله مثل أجر من حجّ ماشياً من بلاده ، و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة .
فاذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس : فلو كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج(1) و زبد(2) البحر ، لغفر الله لك .
فاذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك(3) : كتب الله لك بكل قطرة من دمها حسنة يكتب لك لما يستقبل من عمرك .
وإذا طغت بالبيت اسبوعاً للزيارة ، وصلّيت عند المقام رکعتین ، ضرب ملك کریم على كتفيك ، فقال : أمّا ما مضى فقد غفر لك، فاستأنف العمل فيما بينك وبين عشرين ومائة يوم .
فقالا : جئنا لذلك، .(4)
ص: 516
27 - ومنها : ما روي عن جرير بن عبدالله البجلي (1) [قال:] بعثني النبیّ
ص: 517
(صلی الله علیه و آله و سلم) بكتابه إلى ذي الكلاع وقومه(1) فدخلت عليه فعظّم كتابه ، و تجهّز و خرج في جيش عظيم . وخرجت معه ، فبينا نسير إذ رفع لنا دير(2) راهب ، فقال : أريد هذا الراهب ، فلمّا دخلنا عليه سأله(3) أين تريد ؟
قال : هذا النبي الّذي خرج في قريش ، وهذا رسوله .
قال الراهب : لقدمات هذا الرسول. فقلت: من أين علمت بوفاته ؟ قال : إنّكم قبل أن تصلوا إليّ كنت أنظر في كتاب دانیال فمررت بصفة محمّد ونعته وأيّامه(4) وأجله، فوجدت أنّه في هذه الساعة يتوفّی(5)، فقال ذو الكلاع: أنا أنصرف. قال جرير : فرجعت فإذا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) توفّي ذلك اليوم .(6)
ص: 518
28- ومنها: ما روي عن الحسن(1) بن علي في قوله تعالى : «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً » (2) قال : يقول الله(3) يبست قلوبكم معاشر اليهود كالحجارة اليابسة ، لا ترشح برطوبة ، أي أنّكم لا حقّ الله تؤدّون، ولا أموالكم(4) تتصدقون ولا بالمعروف تتكرمون،ولا للضيف تقرؤن(5)ولا مکروباً تغيثون ، ولا بشيء من الانسانيّة تعاشرون وتواصلون.
«أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً » أبهم على السامعين ولم يبن لهم، كمايقول القائل : أكلت لحماً أو خبزاً ، وهو لا يريد [ به ] أنّي لا أدري ما أكلت بل يريد [ به ] أن يبهم على السامع حتّى لا يعلم ماذا أكل ، و إن كان يعلم أنّه قد أكل أيّهما .
«وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ »(6) أي قلوبكم في القساوة بحيث لا يجيء منها خير یايهود، وفي الحجارة ما يتفجّر منه الأنهار فتجيء بالخير والنبات لبني آدم .
«وَإِنَّ مِنْهَا» أي وإنّ من الحجارة «للَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ (7) مِنْهُ الْمَاءُ» دون الأنهار ، و قلوبكم لا يجيء منها لاكثير من الخير ولا قليل.
«وَإِنَّ مِنْهَا» أي من الحجارة إن أقسم عليها باسم الله تهبط ، وليس في قلوبكم شيء منه .
فقالوا: زعمت یا محمّد أنّ الحجارة ألين من قلوبنا ، وهذه الجبال بحضرتنا فاستشهدها على تصديقك، فإن نطقت بتصديقك فأنت المحق، فخرجوا إلى أو عرجبل فقالوا : استشهده . فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ):
ص: 519
«أسألك يا جبل بجاه محمّد و آله الطيّبين ، الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش علی کو اهل ثمانية من الملائكة(1) بعد أن لم يقدروا على تحريکه» .
فتحرك الجبل وفاض الماء ، فنادى : أشهد أنّك رسول رب العالمين، وأنّ قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت(2) أقسى من الحجارة .
فقال اليهود : أعلينا تلبّس(3) ؟ أجلست أصحابك خلف هذا الجبل(4) ينطقون بمثل هذا ، فإن كنت صادقاً فتنح من موضعك إلى ذي القرار(5) و مرهذا الجبل يسير(6) إليك ، ومره أن ينقطع نصفين ، ترتفع السفلي، وتنخفض العليا.
فأشار إلى حجر تدحرج ، فتدحرج ، ثمّ قال لمخاطبه : خذه و قرّ به فسيعيد عليك بما سمعت ، فإنّ هذا جزء من هذا(7) الجبل .
فأخذه الرجل فأدناه من أذنه ، فنطق الحجر بمثل مانطق به الجبل .
قال: فأتني بما اقترحت. فتباعد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى فضاء واسع هناك ثمّ نادى: أيّها
الجبل بحق محمّد و آله الطيّبين لما اقتلعت من مكانك بأذن الله و جئت إلى حضرتي فتزلزل الجبل وسار مثل الفرس الهملاج(8) ونادى : ها أناسامع لك ومطيع ، مرني .
فقال: هؤلاء اقترحوا علي أن آمرك أن تنقطع من أصلك فتصير نصفين ، فينخفض أعلاك ويرتفع أسفلك. فتقطّع نصفين، فارتفع أسفله و انخفض(9) أعلاه، فصار فرعه
ص: 520
أصله. ثمّ نادى الجبل : أهذا الّذي ترون، دون معجزات موسي الّذي تزعمون أنّكم به مؤمنون(1)؟
فقال رجل منهم : هذارجل تتأتّى له العجائب .
فنادى الجبل : يا أعداء الله أبطلتم بما تقولون نبوة موسى ، حيث كان وقوف الجبل فوقهم كالظلّة ، فيقال: هورجل يأتي بالعجائب .
فلزمتهم الحجّة وما أسلموا .(2)
29- و منها : ماروي عن(3) الوليد بن عبادة بن الصامت [قال:] بینا جابر بن عبدالله يصلّي في المسجد إذ قام إليه أعرابي فقال: أخبرني هل تكلّمت(4) بهيمة على عهد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ قال: نعم .
دعا النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على عتبة بن أبي لهب، فقال : قتلك (5) كلب الله .
فخرج رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوماً في صحب له حتّى إذا نزلنا(6) على مبقلة(7) مكّة خرج عتبة مستخفياً، فنزل في أقاصي أصحاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و الناس لا يعلمون ليقتل محمّداً ، فلمّا هجم الليل، إذا أسد قبض على عتبة، ثمّ أخرجه خارج الركب ، ثمّ زار زئيراً لم يبق أحد من الركب إلّا نصت(8) له ، ثمّ نطق بلسان طلق، وهو يقول :
ص: 521
هذا عتبة بن أبي لهب ، خرج من مكّة مستخفياً ، يزعم أنّه يقتل محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ثمّ مزقه قطعاً قطعاً ، و لم يأكل منه .
ثم قال جابر: وقد ثمل(1) قوم من آل ذريح و قينات(2) لهم ليلة ، فبينا هم في لهوهم(3) و لعبهم إذ صعد عجل على رابية(4) ، و قال لهم بلسان ذلق(5) : یا آل ذریح «أمر نجيح [صائح يصيح]، بلسان فصيح ، ببطن مكّة(6) ، يدعوكم إلى قول لا إله إلا الله ، فأجيبوه» فترك القوم [لهوهم و] لعبهم ، وأقبلوا إلى مكّة فدخلوا في الاسلام مع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
ثم قال جابر : لقد تكلّم ذئب أتی غنماً ليصيب منها ، فجعل الراعي يصدّه ويمنعه فلم ينته . فقال : عجباً لهذا الذئب .
فقال [ الذئب ]: ياهذا [ أنتم ] أعجب منّي، محمّدبن عبدالله القرشي يدعوکم ببطن مكّة إلى قول « لا إله إلا الله » يضمن لكم عليه الجنّة ، و تأبون عليه !
فقال الراعي: يا لك من طامّة(7) من يرعى الغنم حتّی آتیه فاؤمن به ؟
قال الذئب: أنا أرعى الغنم ، فخرج ودخل مع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في الاسلام .
ص: 522
ثم قال جابر : ولقد تكلّم بعير كان لآل النجّار ، شرد عليهم ومنعهم ظهره ، فاحتالوا له بكل حيلة فلم يجدوا إلى أخذه سبيلا (1)، فأخبروا النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فخرج إليه، فلمّا بصر به البعير برك خاضعاً باكياً.
فالتفت النبي إلى بني النجّار فقال : ألا إنّه يشكو كم أنّكم أقللتم علفه ، وأثقلتم ظهره . فقالوا : إنّه ذو منعة لايتمكّن(2) منه . فقال : انطلق مع أهلك . فانطلق ذليلا.
ثمّ قال جابر : تكلّمت(3) ظبيّة اصطادها قوم من الصحابة ، فشدّوها إلى جانب رحلهم ، فمرّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فنادته الظبيّة : يا نبي الله ، یا رسول الله . فقال : أيّتها النجداء(4) ماشأنك؟ قالت: إنّي حافل(5)، ولي خشفان(6) فخلّني حتّى أرضعهما(7) وأعود. فأطلقها، ثمّ مضى. فلمّا رجع إذا الظبيّة قائمة ، فجعل (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوثقها ، فحسّ أمل الرحل به ، فحدثهم بحديثها، فقالوا: هي لك. فأطلقها،فتكلّمت بالشهادتين .(8)
ص: 523
1- عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله(علیه السلام)، قلت له : كيف كانت ولادة فاطمة (علییها سلام)؟
قال: إنّ خديجة لمّا تزوّج بها رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) هجرها نسوة قريش ، فكنّ لايدخلن
عليها(1) ولايسلّمن عليها ، ولایترکن امرأة تدخل عليها ، فاستوحشت خديجة لذلك و كان جزعها وغمّها حذراً عليه .
فلمّاحملت بفاطمة (علیها سلام)كانت فاطمة تحدثها من بطنها ، و تصبّرها ، و كانت تكتم ذلك من رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، فدخل عليها يوماً، فسمع خديجة تحدث فاطمة (علیها سلام).
فقال لها : يا خديجة من تحدّثين ؟
قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني .
قال: ياخديجة هذا جبرئيل يبشّرني بأنّها أنثى ، وأنّها النسل الطاهرة الميمونة وأنّ الله سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمّة ، و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه .
فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجّهت إلى نساء قريش: أن تعالين لتلين منّي ماتلي النساء من النساء . فأرسلن إليها : عصيتينا ، و لم تقبلي قولنا وتزوجت محمّداً، يتيم أبي طالب، فقيراً لامال له، فلسنا نجيء ولانني من أمرك شيئاً .
ص: 524
فاغتمّت خديجة لذلك .
فبيناهي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنّهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهنّ لمّا رأتهنّ ، فقالت إحداهنّ : لاتحزني يا خديجة ، فإنّا رسل ربّك إليك ونحن أخواتك: أناسارة، وهذه آسية بنت مزاحم - وهي رفيقتك في الجنّة - وهذه مریم بنت عمران ، (وهذه كلثم بنت عمران - أخت موسی بن عمران - )(1) بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء ، فجلست واحدة عن يمينها ، و الاخرى عن يسارها(2) ، والثالثة بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت فاطمة طاهرة مطهّرة.
فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة ، و لم يبق في شرق الأرض ، ولا غربها موضع إلّا أشرق من ذلك النور ، ودخل عشر من الحور العين بيد کلّ واحدة طشت من الجنّة ، وإبريق من الجنّة ، و في الابريق ماء من الكوثر ، فتناولتها المرأة الّتي كانت بين يديها ، فغسّلتها بماء الكوثر ، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن ، وأطيب ريحاً من المسك والعنبر ، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية ، ثمّ استنطقتها فنطقت فاطمة (علیها سلام)بالشهادتين(3) فقالت :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ أبي محمّد رسول الله ، سيد الأنبياء ، وأنّ بعلي علي سيّد الأوصياء ، وولدي سادة الأسباط، ثمّ سلّمت عليهنّ وسمّت کلّ واحدة باسمها ، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين(4)، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (علیها سلام) وحدث(5) في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك . وقالت النسوة : خذيها یا خديجة طاهرة مباركة(6) زكيّة ميمونة ، بورك فيها وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة ، وألقمتها ثديها ، و كانت فاطمة (علیها سلام)تنمو في اليوم كما ينمو
ص: 525
الصبي في الشهر ، و تنمو في الشهر كما ينمو في السنة .
وقال أبو عبد الله (علیه السلام): [ فاطمة ] مكثت بعد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خمسة و سبعين يوماً و كان دخلها حزن شديد على أبيها ، و كان جبرئيل يأتيها ، ويطيّب نفسها(1) ويخبرها عن أبيها بمكانه(2) و يخبرها بما يكون بعده في ذريّتها ، وكان عليّ (علیه السلام) يكتب ذلك .(3)
ص: 526
2- ومنها : أنّ أبا عبد الله (علیه السلام) قال(1) : إنّ بنات الأنبياء لا يحضن .
وقال : بعث رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سلمان إلى دار فاطمة (علیها سلام) في حاجة ، فأصابها نائمة ، و الرحی تدور ، فأتاه فأخبره .
فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) له : الله علم ضعف فاطمة فرحمها (2) .(3).
ص: 527
3- ومنها : أنّ جابر بن عبد الله قال : إنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أقام أيّاماً ولم يطعم طعاماً حتّی شقّ ذلك عليه ، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند أحدهنّ(1) شيئاً ، فأتي فاطمة (علیها سلام)، فقال : يا بنيّة هل عندك شيء آكله ، فإنّي جائع؟
قالت : لاوالله بنفسي وامّي(2).
فلمّا خرج عنها بعثت جارة(3) لها رغيفين و بضعة لحم ، فأخذته ، ووضعته في(4)
جفنة، وغطّت عليها، وقالت: والله لاوثرنّ بهذا(5) رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على نفسي ومن(6) غيري - و كانوا محتاجين إلى شبعة طعام - فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فرجع إليها ، فقالت : قد أتانا الله بشيء، فخبّأته لك.
فقال: هلمّي(7) يا بنيّة، فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلمّا نظرت
إليه بهتت ، وعرفت أنّه من عند الله، فحمدت الله ، وصلّت على نبيّه - أبيها - وقدّمته إليه ، فلمّا رآه حمد الله ، و قال : من أين لك هذا ؟ قالت : «هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ »(8).
ص: 528
فبعث رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلى عليّ ( علیه السلام) فدعاه ، وأحضره(1)، وأكل رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وجميع أزواج النبي حتّى شبعوا .
قالت فاطمة : وبقيت الجفنة كما هي ، فأرسلت منها على [جميع] جيراني ،وجعل الله فيها بركة ، وخيراً كثيراً .(2)
4- ومنها: أنّ أبا عبد الله (علیه السلام)قال : إنّ خديجة لمّا توفّیت، جعلت فاطمة تلوذ ب رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، و تدور حوله(3) ، و تسأله : يا أبتاه (4) أين أمّي ؟ فجعل النبي(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لايجيبها ، فجعلت تدور و تسأله : يا أبتاه أین أمّي (5) ؟ و رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لا يدري ما يقول. فنزل جبرئيل ( علیه السلام)فقال: إنّ ربّك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام، و تقول لها :إنّ أمّك في بيت من قصب، كعابه(6). من ذهب ، و عمده یاقوت أحمر ، بين آسية
ص: 529
- امرأة فرعون - ومريم بنت عمران.
فقالت فاطمة (علیها سلام): إنّ الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام.(1)
5- ومنها : أنّ أمّ أيمن لمّا توفّيت فاطمة (علیها السلام)، حلفت أن لا تكون بالمدينة إذ لا تطيق النظر(2) إلى مواضع كانت ( علیها السلام) فيها(3) ، فخرجت إلى مكّة ، فلمّا كانت في بعض الطريق عطشت عطشاً شديداً ، فرفعت يديها وقالت : يا ربّ أنا خادمة فاطمة (علیها السلام)، تقتلني عطشاً!
فأنزل الله عليها دلواً من السماء ، فشربت ، فلم تحتج إلى الطعام والشراب سبع سنین . و كان النّاس يبعثونها(4) في اليوم الشديد الحر فما يصيبها عطش .(5)
6 - ومنها: أنّ سلمان قال : كانت فاطمة (علیها السلام)جالسة ، قد امّها رحى تطحن بها الشعير ، وعلى عمود الرحی دم سائل ، والحسين في ناحية الدار يبكي(6) فقلت :يا بنت رسول الله دبرت(7) کفّاك وهذه فضّة !
فقالت : أوصاني رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً ، فكان أمس يوم خدمتها .
قال سلمان(8): إنّي مولی عتاقة مّا أن أطحن الشعير ، أو أسكّت لك الحسين ؟ .
ص: 530
فقالت : أنا بتسكينه(1) أرفق ، وأنت تطحن الشعير ، فطحنت شيئاً من الشعير فإذا أنا بالاقامة ، فمضيت وصلّيت مع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فلمّا فرغت قلت لعليّ( علیه السلام) مارأيت؟ فبكى و (2) خرج، ثمّ عاد يتبسّم ، فسأله عن ذلك رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
قال : دخلت على فاطمة (علیها السلام)وهي مستلقية لقفاها ، والحسين نائم على صدرها ، و قدّامها الرحی ندور من غير يد ! فتبسّم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وقال : يا علي أما علمت أنّ لله ملائكة سيّارة في الأرض يخدمون محمّداً و آل محمّد إلى أن تقوم الساعة ؟!(3)
7 - ومنها : أنّ أباذر قال : بعثني رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أدعو علياً (علیه السلام)، فأتيت بيته فناديته ، فلم يجبني(4) ، والرحى تطحن وليس معها أحد، فناديته ، فخرج معي و أصغى إليه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فقال له رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) شيئاً لم أفهمه ، فقلت : عجباً(5) من رحی في بيت عليّ (علیه السلام) تدور ما عندها(6) أحد.
فقال : إنّ ابنتي فاطمة (علیها السلام)ملا الله قلبها و جوارحها إيماناً ويقيناً ، وإنّ الله علم ضعفها فأعانها على دهرها، و كفاها ، أما علمت أنّ لله ملائكةمو كّلين بمعونة آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)؟!(7).
ص: 531
8- ومنها : أنّ علياً (علیه السلام) أصبح يوماً فقال لفاطمة: عندك شيء تغدّينيه(1)؟ قالت : لا . فخرج و استقرض دیناراً ليبتاع ما يصلحهم، فإذا المقداد في جهد، وعياله جیاع، فأعطاه الدينار، ودخل المسجد ، وصلّي الظهر والعصر مع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثمّ أخذ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بيد علي و انطلقا ، و دخلا على(2) فاطمة (علیها السلام)وهي في مصلّاها و خلفهاجفنة تفور .
فلمّا سمعت كلام رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، خرجت فسلّمت عليه - و كانت أعزّ الناس عليه(3) فردّ السلام ، و مسح بيده [ على ] رأسها ، ثمّ قال : عشّينا غفر الله لك، وقد فعل». فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
قال : يا فاطمة أنّي لك هذا الطعام الّذي لم أنظر إلى مثل لونه قطّ ، ولم أشمّ مثل رائحته قطّ، ولم آكل أطيب منه؟ ووضع كفّه بين كتفي عليّ (علیه السلام) وقال : هذا بدل(4)
ص: 532
دینارك «ِإنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » .(1)
9 - و منها : أنّ سلمان قال : خرجت إلى فاطمة (علیها السلام)، فقالت: جفوتمونی بعد وفاة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
ثم قالت : اجلس ، فجلست ، فحدثتني أنّها كانت جالسة أمس، وباب الدار مغلق، قالت : وأنا أتفكّر في انقطاع الوحي عنّا ، وانصراف الملائكة عن منزلنا بوفاة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذ انفتح الباب من غير أن يفتحه [ منّا ] أحد ، فدخلت عليَّ ثلاث جوار من الحور العين، من دار السلام ، وقلن : نحن من الحور العين من دار السلام ، أرسلنا إليك ربّ العالمين ، يا ابنة محمّد كنّا مشتاقات إليك .
ص: 533
فقلت لواحدة منهنّ - أظنّ أنّها أكبرهن سنّاً: ما اسمك؟
قالت: أنا مقدودة ، خلقت للمقداد بن الأسود .
وقلت للثانية : ما اسمك ؟ قالت : (ذرّة ، خلقت لأبي ذر .
وقلت للثالثة : ما اسمك ؟ قالت : سلمی ، خلقت لسلمان الفارسي)(1).
ثم قالت فاطمة (علیها السلام): أخرجن لنا طبقاً عليه رطب أمثال الخشکنانك(2) الكبار ، أشدّ بياضاً من الثلج ، وأذكى ريحاً من المسك الأذفر(3) ، وقد أحرزت نصيبك [لأنّك منّا أهل البيت] أفطر عليه ، وإذا كان غداً فأتني بنواه .
قال سلمان: فأخذت الرطب فما مررت بجماعة إلّا قالوا : معك مسك ؟! فأفطرت عليه ، فلم أجد له نواة ، فغدوت إليها وقلت : يا ابنة رسول الله لم أجد له عجماً.
قالت : يا سلمان إنّما هو نخل غرسه الله لي في دار(4) السلام بكلام علّمنيه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، قال لي : إن سرّك أن لا تمسّك الحمّى في دار الدنيا فواظبي عليه وقولي : «بسم الله نور النور(5) ، بسم الله نور على نور ، بسم الله الذي هو مدبّر الامور ، بسم الله الذي خلق النور ، الحمد لله الذي أنزل النور على الطور ، في كتاب مسطور ، بقدر مقدور ، على نبي محبور ، الحمد لله الّذي هو بالعز ّمذكور ، و بالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور».
قال سلمان : فتعلّمته ، وعلّمته أكثر من ألف إنسان ممّن به الحمّى ، فكلّهم
ص: 534
برؤا باذن الله .(1)
10 – ومنها : أنّه لمّا كان وقت زفافها اتّخذ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) طعاماً وخبيصاً (2) وقال لعليّ (علیه السلام) : ادع الناس .
[قال عليّ (علیه السلام) : جئت إلى الناس](3) فقلت : أجيبوا الوليمة . فأقبلوا ، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أدخل عشرة ، عشرة . فدخلوا وقدم إليهم الطعام و الثريد و العراق(4) فأكلوا ، ثمّ أطعمهم السمن والتمر ، ولا يزداد الطعام إلّا بركة ، فلمّا أطعم الرجال
عمد إلي فاضل(5) منها ، فتفل فيها ، وبارك عليها ، وبعث منها إلى نسائه ، وقال : قل لهنّ: كلن و أطعمن من غشيكنّ .
ثم إن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) دعا بصحفة ، فجعل فيها نصيباً ، فقال : هذا لك ولأهلك.
و هبط جبرئيل (علیه السلام)في زمرة من الملائكة بهديّة ، فقال لأمّ سلمة : املئي القعب ماء فقال لي : يا عليّ اشرب نصفه . ثمّ قال لفاطمة (علیها السلام): اشربي و أبقي. ثمّ أخذ الباقي فصبّه
ص: 535
على وجهها و نحرها ، ثمّ فتح السلّة، فإذا فيها كعك و موز و زبيب، فقال : هذا هديّة جبرئيل (علیه السلام). ثمّ أغلت من يده سفرجلة، فشقّها نصفين، فأعطى عليّاً (علیه السلام)نصفاً ، وأعطى فاطمة (علیها السلام)نصفاً، وقال: هذه هديّة من الجنّة إليكما . (1)
12- ومنها : أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: (بشارة أتتني من ربّي لأخي و ابن عمّي ، وابنتي) (2)بأنّ الله زوّج عليّاً (علیه السلام)بفاطمة (علیها السلام)، و أمر رضوان خازن الجنّة - فهزّ شجرة طوبی فحملت رقاعاً بعدد محبّي أهل بيتي ، وأنشأ ملائكة من تحتها من نور ، ودفع إلى كلّ ملك خطّأ، فإذا استقرت القيامة بأهلها فلا تلقى تلك الملائكة محبّاً لنا إلّا دفعت إليه صكّاً فيه براءة من النار . (3)
13- ومنها : [أنّ سلمان قال:] إنّ فاطمة (علیها السلام)قالت: یارسول الله إنّ الحسن والحسين
ص: 536
جائعان. فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)قل لهما: مالكما(1) يا حبيبي ؟ قالا: نشتهي طعاما .
فقال: اللّهمّ أطعمهما طعاما .
قال سلمان: فنظرت فإذا بيد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) سفرجلة مشبهة بالجرة الكبيرة، أشدّ بياضة من اللبن ، ففرکها بابهامه فصیترها نصفين، ودفع نصفها للحسن و نصفها للحسين ،فجعلت أنظر إليها وإنّي أشتهي ، فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : هذا طعام من الجنة لايأكلهأحد(2) حتى ينجو من الحساب. غيرنا، وإنّك على خير .(3)
13 - ومنها : ماروي أنّ عليّاً (علیه السلام) استقرض شعيرة من يهودي ، فاسترهنه شيئاًفدفع إليه ملاءة(4) فاطمة ( هلیها السلام)رهناً - و كانت من الصوف - فأدخلها اليهودي إلى داره(5) ووضعها في بيت .
فلمّا كانت الليلة(6) دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل(7) فرأت نور ساطعا(8)
ص: 537
أضاء به البيت(1)، فإنصرفت إلى زوجها وأخبرته بأنّها رأت في ذلك البيت ضوءاً(2) عظيماً، فتعجّب زوجها اليهودي من ذلك(3) - وقد نسي أنّ في بيتهم(4) ملاءة فاطمة( علیها السلام) فنهض مسرعاً ودخل البيت فإذا ضياء الملاءة ينتشر شعاعها كأنّه يشتعل من بدر منیر يلمع من قريب ، فتعجّب من ذلك ، فأنعم(5) النظر في موضع الملاءة فعلم أنّ ذلك النورمن ملاءة فاطمة، فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه، وزوجته تعدو إلى أقربائها(6) (و استحضر هم دارهما ، فاستجمع نيّف و)(7) ثمانون نفراً من اليهود ، فرأوا ذلك ، وأسلموا كلّهم .(8)
14- ومنها : أنّ اليهود كان لهم عرس فجاؤوا إلى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و قالوا : لنا حقّ الجوار فنسألك أن تبعث فاطمة (علیها سلام)بنتك إلى دارنا حتّى يزدان(9) عرسنا بها(10) وألحّوا عليه.
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّها زوجة علي بن أبي طالب (علیه السلام)، وهي بحكمه ، وسألوه أن يشفع إلى عليّ (علیه السلام) في ذلك، وقد جمع اليهود الطمّ والرمّ(11) من الحلي والحلل، وظنّ اليهود أنّ
ص: 538
فاطمة (علیها السلام)تدخل عليهم في بذلتها(1) وأرادوا استهانة بها ، فجاء جبرئیل (علیه السلام) بثياب من الجنّة و حليّ وحلل لم ير الراؤون(2) مثلها ، فلبستها فاطمة (علیها السلام)وتحلّت بها ، فتعجبب الناس من زينتها وألوانها(3) وطيبها ، فلمّا دخلت فاطمة (علیها السلام) دار هؤلاء اليهود سجد لها(4) نساؤهم(5) يقبّلن الأرض بين يديها، و أسلم (بسبب مارأوا خلق كثير)(6) من اليهود(7).
15 – ومنها : ما روي أنّ الحسن والحسين (علیهما السلام)مرضا فنذر علي و فاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) صيام ثلاثة أيّام، فلمّا عافاهما الله - و كان الزمان قحطاً - أخذ علي بن أبي طالب (علیه السلام) من يهودي ثلاث جزات صوفاً لتغزلها فاطمة (علیها السلام) بثلاثة (8) أصواع شعیراً، فصاموا ، وغزلت [فاطمة] جزة، ثمّ طحنت صاعاً من شعير وخبزته .
فلمّا كان عند الافطار أتی مسكين فأعطوه طعامهم ولم يذوقوا إلّا الماء .
ثم غزلت جزّة أخرى من الغد ، ثمّ طحنت صاعاً وخبزته، (فلمّا كان عند الافطار أتی يتيم) (9) فأعطوه طعامهم ولم يذوقوا إلّا الماء .
(وغزلت اليوم الثالت)(10) الجزة الباقية ثمّ طحنت الصاع وخبزته ، وأتی أسير عند الافطار(11) فأعطوه طعامهم، و كان مضی(12) على رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أربعة أيّام والحجر على
ص: 539
بطنه، وقدعلم بحالهم، فخرج ودخل حديقة المقداد - و لم يبق على نخلاتها ثمرة(1) - ومعه عليّ (علیه السلام) ، فقال: يا أبا الحسن خذ السلّة وانطلق إلى تلك النخلة - وأشار إلى واحدة - فقل لها : قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : سألتك بحقّ الله لما أطعمتينا(2) من ثمرك(3).
قال عليّ ( علیه السلام): فلقد تطأطأت بحمل مانظر الناظرون إلى مثلها، والتقطت من أطائبها وحملت بها إلى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأكل وأكلت، وأطعم المقداد و جمیع عياله ، و حمل إلى فاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام)[ما كفاهم]. فلمّا بلغ المنزل إذا فاطمة (علیها السلام)يأخذها الصداع ، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أبشري واصبري، فلن تنالي ماعند الله إلّا بالصبر .
فنزل جبرئیل (علیه السلام) بسورة «هل أتی».(4)
ص: 540
1- وروي عن علي بن أبي طالب (علیه السلام) أنّه قال : كنت مع النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فسار مليّاً وهو راكب و سایرته(1) ماشياً ، فالتفت إليّ وقال : يا علي(2) اركب كما ركبت ، وأمشي(3) كما مشيت.
فقلت : بل تركب وأنا أمشي . فسار ثمّ التفت إليّ وقال: يا عليّ اركب كما ركبت حتى أمشي(4) كما مشيت ، فأنت أخي ، وابن عمِّي ، وزوج ابنتي ، وأبو سبطي . فقلت: بل تركب وأمشي .
فسار مليّاً حتّى بلغنا(5) إلى غدير ماء ، فثنى رجله من الركاب ونزل ، وأسبغ الوضوء، وأسبغت الوضوء معه، ثمّ صف قدميه وصلّی ، وصففت قدمي وصلّيت حذاءه ، فبينا أنا ساجد ، إذ قال : يا عليّ ارفع رأسك، فانظر إلى هديّة الله إليك . فرفعت رأسي فإذا أنا بنشز(6) من الأرض، وإذا عليه فرس بسرجه و لجامه ، فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ):
ص: 541
هذا هديّة الله إليك ارکبه . فركبته وسرت مع النبي . (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)(1)
2- ومنها: قوله (علیه السلام): واعلم أنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمریه(2)، يسدّ(3)فورة جوعه بقرصية(4) لا يطعم الفلذة(5) في حوليه إلّا في سنة أضحيّة ، ولن تقدروا على ذلك ، فأعينوني بورع و اجتهاد .
وكأنّي بقائلكم يقول : إذا كان قوت بن أبي طالب (علیه السلام) هذا ، قعد به الضعف عن مبارزة الأقران، و منازلة الشجعان! والله ماقلعت باب خیبر بقوة جسدانيّة، ولا بحركة غذائيّة ، لكنّي أيّدت بقوّة ملكيّة ، ونفس بنور ربّها (6) مضیّة.(7).
3- ومنها: أنّ كلامه الوارد في الزهد ، و المواعظ ، والتذكير ، والزواجر إذا فكّر فيه المفكّر ولم يدر أنّه كلام عليّ (علیه السلام) لا يشك أنّه كلام من لا شغل له بغير العبادة ، ولا حظّ له في غير الزهادة ، و لا يكاد يوقن بأنّه كلام من يقطّ(8)
ص: 542
الرقاب ويجدل(1) الأبطال ، و هو مع ذلك أزهد الزهّاد ، وهذا من مناقبه العجبية الّتي جمع بها بين الأضداد .(2)
4- و منها: أنّه لمّا طال المقام بصفّين ، شكوا إليه نفاد الزاد والعلف بحيث لم يجد أحد من أصحابه شيئاً يؤكل . فقال (علیه السلام): طيبوا نفساً فإنّ غداً يصل إليكم ما يكفيكم . فلمّا أصبحوا و تقاضوه(3) ، صعد على تلّ كان هناك ، ودعا بدعاء ،وسأل الله أن يطعمهم ، ويعلف دوابّهم ، ثمّ نزل ورجع إلى مكانه فما استقرّ إلّا وقد أقبلت العير بعد العير قطاراً قطاراً(4)، عليها اللجمان(5) ، والتمور ، والدقيق ،والمير(6) ، والخبز ، والشعير ، وعلف الدوابّ ، بحيث امتلات(7) به البراري ، وفرّغ أصحاب الجمال جميع الأحمال من الأطعمة ، وجميع ما معهم من علف الدوابّ و غيرها من الثياب و جلال الدوابّ، و غيرها من جميع ما يحتاجون إليه حتّی الخيط والمخيط ، ثمّ انصرفوا ، ولم يدر أحد منهم أنّ هؤلاء من أيّ البقاع وردوا و من الانس كانوا ، أو من الجنّ !و تعجّب الناس من ذلك .(8).
5- ومنها: ما روي عن عبد الواحد بن زيد قال : كنت حاجّاً إلى بيت الله فبينا أنا في الطواف إذ رأيت جاريتين عند الركن اليماني ، تقول إحداهما [للاخري]: لا وحق المنتجب للوصيّة ، والحاكم بالسويّة ، والعادل في القضيّة ، بعل فاطمة [ الزكيّة ] الرضيّة المرضيّة ، ما كان كذا .
ص: 543
فقلت : من هذا المنعوت ؟
قالت : [هذا] أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) علم الأعلام ، وباب الأحكام،قسيم الجنّة والنار ، ربّاني الأمّة . قلت : من أين تعرفينه ؟
قالت : و كيف لا أعرفه ، وقد قتل أبي بين يديه بصفّين ، ولقد دخل على أمّي لمّا رجع ، فقال : يا أمّ الأيتام كيف أصبحت ؟ قالت : بخير .
ثم أخرجتني وأختي هذه إليه (علیه السلام) وكان قد ركبني من الجدري ما ذهب به بصري فلمّا نظر عليّ (علیه السلام) إليّ ، تأوّه و قال :
ما إن تأوّهت من شيء رزیت به ***کما تأوّهت للأطفال في الصغر
قد مات والدهم من كان يكفلهم ***في النائبات وفي الأسفار والحضر
ثمّ أمر يده المباركة على وجهي، فانفتحت(1) عيني لوقتي و ساعتي، فوالله إنّي لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء ، ببركته صلوات الله عليه و على أبنائه المعصومین .(2)
6- ومنها: ما روي عن زاذان(3) عن ابن عبّاس قال: لمّا فتح النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مكّة ورفع
ص: 544
الهجرة وقال: «لا هجرة بعد الفتح» قال لعليّ (علیه السلام): إذا كان غداً، كلّم الشمس حتّی تعرف کرامتك على الله .
فلمّا أصبحنا قمنا ، فجاء عليّ إلى الشمس حين طلعت ، فقال: السلام عليك أيّتها المطيعة لربّها(1). فقالت الشمس: وعليک السلام يا أخا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ووصيّه، أبشر فإنّ ربّ العزة يقرؤك السلام ويقول لك : أبشر فإنّ لك ولمحبّيك و لشيعتك ، مالا عين رأتولااذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر . فخرّ (علیه السلام) لله ساجداً .
فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إرفع رأسك حبيبي، فقد باهي الله بك الملائكة.(2)
7- ومنها : ماروي عن ابن مسعود قال: كنت قاعداً عند أمير المؤمنين (علیه السلام) في مسجد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذ نادى رجل: من يدلّني على من آخذ منه علم ؟ ومرّ . فقلت له: يا هذا هل سمعت قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): أنا مدينة العلم وعليّ (علیه السلام) بابها ؟
فقال: نعم. قلت: وأين تذهب وهذا علي بن أبي طالب (علیه السلام)؟ فانصرف الرجل و جثی(3) بين يديه . فقال له : من أيّ بلاد الله أنت ؟ قال: من اصفهان .
قال له : اكتب: أملى علي بن أبي طالب (علیه السلام): إنّ أهل إصفهان لايكون فيهم خمس خصال: السخاوة ، والشجاعة ، والأمانة ، والغيرة، وحبّنا أهل البيت(4).
ص: 545
ص: 546
قال: زدني يا أمير المؤمنين . قال - باللسان(1) الأصفهاني-: (أروت ، إبن، وس) يعني اليوم حسبك هذا.(2)
8- ومنها: أنّ عليّا ( علیه السلام) رأي الحسن البصري(3) يتوضّأ في سقية ، فقال : أسبغ
طهورك یا کفتي(4). قال : لقد قتلت بالأمس رجالاً كانوا يسبغون الوضوء.
قال: وإنك لحزين عليهم؟ قال: نعم . قال: فأطال الله حزنك .
قال أيّوب السجستاني(5) : فما رأينا الحسن قط إلّاحزيناً ، كأنّه يرجع عن دفن حميم أو كأنّه - خربندج(6) - ضلّ حماره .
ص: 547
فقلنا له في ذلك، فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح.
و کفتي: بالنبطيّة شيطان ، و كانت أمّه سمّته بذلك ودعته في صغره، فلم يعرف ذلك أحد حتّى دعاه به أمير المؤمنين (علیه السلام) .(1)
9- ومنها: ما روي عن سليمان الأعمش ، عن سمرة بن عطيّة ، عن سلمان الفارسي قال : إنّ امرأة من الأنصار يقال لها أم فروة تحضّ على نكث(2) بيعة أبي بكر، وتحثّ على بيعة علي (علیه السلام).
فبلغ أبا بكر ذلك، فأحضرها و استتابها فأبت عليه ، فقال : يا عدوة الله أتحضّين على فرقة جماعة(3) اجتمع عليها المسلمون ، فما قولك في إمامتي ؟
قالت : ما أنت بإمام . قال : فمن أنا ؟ قالت أمير قومك اختارك قومك وولّوك ، فإذا كرهوك(4) عزلوك ، فالإمام المخصوص من الله و رسوله(5) يعلم ما في الظاهر و الباطن ، وما يحدث في المشرق و المغرب من الخير والشرّ ، و إذا قام في شمس أو قمر فلا فيء(6) له ، و لا تجوز الإمامة لعابد وثن ، و لا لمن كفر ثمّ أسلم ، فمن
أيّهما أنت يا ابن أبي قحافة ؟
قال : أنا من الأئمّة الّذين اختارهم الله لعباده !
فقالت : كذبت على الله ، ولو كنت ممّن اختارك الله لذكرك في كتابه كماذكر غيرك ، فقال عزّ وجلّ: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ »(7) ويلك إن كنت إماماً حقّاً فما اسم السماء الدنيا [الأولى] والثانية ،
ص: 548
والثالثة ، والرابعة ، والخامسة والسادسة ، والسابعة ؟ فبقي أبوبكر لا يحير جواباً .
ثمّ قال : اسمها عند الله الّذي خلقها .
قالت : لو جاز للنساء أن يعلّمن [الرجال] لعلّمنك (1).
فقال : يا عدوّة الله لتذكرنّ اسم سماء سماء(2) وإلا قتلتك .
قالت: أ بالقتل تهدّدني ؟ والله ما أبالي أن يجري قتلي على يدي مثلك ولكنّي اخبرك ، أمّا السماء الدنيا الاولى فأيلول، والثانية زينول(3) ، والثالثة سحقوم ، والرابعة ذيلول(4) ، والخامسة ماين ، والسادسة ماحيز(5) والسابعة أيوث .
فبقي أبوبكر ومن معه متحيّرين ، وقالوا لها : ما تقولين في عليّ (علیه السلام) ؟
قالت : و ما عسى أن أقول في إمام الأئمّة ، و وصي الأوصياء ، من أشرق بنوره الأرض و السماء ، و من لا يتمّ التوحيد إلّا بحقيقة معرفته ، و لکنّك ممّن نكث واستبدل ، و بعت دینك بدنياك .
قال أبوبكر : اقتلوها فقد ارتدت . فقتلت .
و كان عليّ (علیه السلام) في ضيعة له بوادي القرى(6) فلمّا قدم وبلغه قتل أم فروة فخرج إلى قبرها، وإذا عند قبرها أربعة طيور بيض، مناقيرها حمر، في منقار کلّ واحد حبّة رمّان كأحمر مايكون وهي تدخل في فرجة(7) في القبر ، فلمّا نظر الطيور إلى عليّ (علیه السلام) رفرفن و قرقرن ، فأجابها بكلام يشبه كلامها(8) وقال : أفعل إن شاء الله .
و وقف على قبرها و مدّ يده إلى السماء وقال :
ص: 549
«یامحيي النفوس بعد الموت، و یا منشیء العظام الدارسات ، أحي لنا أمّ فروة واجعلها عبرة لمن عصاك» فإذا بهاتف [يقول]: امض لأمرك يا أمير المؤمنين . وخرجت أم فروة متلحفّة بريطة(1) خضراء من السندس ، وقالت : يامولاي أراد ابن أبي قحافة أن يطفيء نورك ، فأبي الله لنورك إلّا ضياء . وبلغ أبابكر وعمر ذلك فبقيا(2) متعجّبين
فقال لهما سلمان: لو أقسم أبو الحسن علی الله أن يحيي الأولين والآخرين لأحياهم .
وردّها أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى زوجها، وولدت غلامين له. وعاشت بعد عليّ (علیه السلام) ستّة أشهر .(3)
10- ومنها: ما روي عن عبد الله بن بقطر(4) بن أبي عقب الليئي من بني ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة ، رضيع الحسين(علیه السلام):
إذا كملت إحدى وستّون(5) حجّة***إلى خمسة من بعدهنّ ضرائح
و قام بنو ليث بنصر ابن أحمد ،***يهزون أطراف القنا و الصفائح
تعرّفتهم شعث النواصي يقودها***من المنزل الأقصى شعیب بن صالح
و حدّثني إدا أعلم الناس كلّهم***أبو حسن أهل التقى والمدائح (6)
11- ومنها: عن ابن بابویه باسناده عن الحسين( علیه السلام) قال: دخلت على رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)
ص: 550
و عنده أبي بن كعب، فقال لي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : مرحباً بك يا أبا عبد الله يازين السماوات والأرض .
قال أبي : كيف يكون غيرك يا رسول الله زين السماوات والأرض ؟!
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ): إنّ الحسن في السماء أكبر منه في الأرض، وإنّه لمكتوب على يمين عرش الله .
ثم ذكر المهدي من ولده یرضى به کلّ مؤمن، يحكم بالعدل ويأمر به، يخرج من تهامة(1) حتّى تظهر الدلائل والعلامات، يجمع الله له من أقاصي البلاد، على عدد أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا، معه صحيفة فيها عدد أسماء أصحابه و آبائهم وبلدانهم و حلاهم و کناهم .
قال أبي : وما علامته و دلائله ؟
قال: له علم ، إذاحان(2) وقت خروجه انتشر ذلك العلم بنفسه، فناداه العلم: أخرج یاوليّ الله ، واقتل أعداء الله ، فلايحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله .
وله سيف إذا حان وقت خروجه اقتلع من غمده ، فناداه السيف: أخرج یا وليّ الله [فلايحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله] . يخرج و جبرئيل ( علیه السلام) عن يمينه ، وميكائيل عن يساره و شعیب بن صالح على مقدّمته.
إنّ الله أنزل علي اثنتي عشر صحيفة، باثنتي عشر خاتماً، إسم(3) کلّ إمام على خاتمه وصفته في صحيفته .(4).
ص: 551
12 - وأما شعيب بن صالح : فقد ذكر ابن بابویه في كتاب النبوة باسناده عن سهيل بن سعيد أنّه قال : بعثني هشام بن عبدالملك أستخرج له بئراً في رصافة عبدالملك(1) فحفرنا فيها مائتي قامة ، ثمّ بدت جمجمة رجل ويل (2) ، فحفرنا ما حولها ، فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض، و إذا كفّه اليمنى على رأسه
على موضع ضربة برأسه ، فكنّا إذا نحّينا يده عن رأسه سالت الدماء، و إذا تركناها عادت فسدّت الجرح، وإذا في ثوبه مكتوب «أنا شعیب بن صالح(3)، رسول رسول الله شعيب النبي إلى قومه، فضربوني واضرّوا بي ، وطرحوني في هذا الجبّ(4) وهالوا علىّ التراب» فكتبناها إلى هشام بما رأينا، فكتب إلينا: أعيدوا عليه التراب.(5)
13 - ومنها : ما روي عن الباقر أنّه لمّا رجع أمير المؤمنين من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء، فقال للناس:
سيروا وجنّبوا عنها ، فإنّ الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة .
فلمّا أني أرضاً قال : ما هذه ؟
ص: 552
قالوا : أرض نجرا(1) ، قال : أرض سباخ جنّبوا و یمّنوا.
فلمّا أتي يمنة السواد(2) إذا هو براهب في صومعة (3) له ، فقال : يا راهب انزل ههنا ؟ قال : لا تنزل هذه الأرض بجيشك ، لأنّه لا ينزلها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ بجيشه ، يقاتل في سبيل الله عزّوجلّ ، هكذا نجد في كتبنا .
فقال له عليّ (علیه السلام) : وأنا وصيّ سيّد الأنبياء .
فقال له الراهب : فأنت إذاً أصلع قريش ، ووصيّ محمّد . قال : أنا ذاك .
فنزل الراهب إليه فقال: خذ عليّ شرایع الاسلام ، إنّي وجدت في الانجيل نعتك وإنّك تنزل أرض براثا(4) بيت مريم ، وأرض عیسی .
فقال له أمير المؤمنين ( علیه السلام): قف ولاتخبرنا بشيء . ثمّ أتي موضعاً فقال : الكزوا(5)فلكزه برجله فانبجست(6) عين خرارة ، فقال : هذه العين الّتي انبعت لها(7) .
ثمّ قال: اكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعاً. فكشفت، فإذا صخرة بيضاء ، فقال عليّ (علیه السلام): على هذه وضعت مریم عیسی من عاتقها، وصلّت هاهنا ، فنصب أمير المؤمنین (علیه السلام) الصخرة ، وصلّي عليها و أقام هناك أربعة أيّام، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة .
ثمّ قال : أرض براثا هذا بيت مريم هذا الموضع المقدس صلّي فيه الأنبياء .
ص: 553
قال الباقر (علیه السلام): ولقد وجدنا أنّه صلّى فيه إبراهيم قبل عیسی .(1)
14- و منها : ماروي عن سلمان [الفارسي] لمّا قبض النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قدم جاثلیق(2) - له سمت(3) ومعرفة و حفظ للتوراة والإنجيل - ومعه جماعة من النصارى، فقصدوا أبابكر .
فقال: إنّا وجدنا في الانجيل رسولاً يخرج بعد عيسى ، وقد بلغنا خروج محمدبن عبدالله، ففزعنا إلى ملكنا، فأنفذنا في التماس الحقّ وقد فاتنا نبيّكم ، وفيما قرأنا من كتبنا أنّ الأنبياء لايخرجون من الدنيا إلّا بعد إقامة أوصيائهم، يخلّفونهم في أممهم ، فأنت وصيّه لنسألك ؟
فقيل : هو خليفة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) . فسأله الجاثليق عن مسائل فلم يجبه بالصواب .
قال سلمان : فنهضت إلى عليّ (علیه السلام) فأخبرته الخبر ، و كان مقبلا إلى المسجد لذلك ،فدخل حتّى جلس، والنصراني يقول: دلّوني على من أسأله عمّا أحتاج إليه.
فقال له عليّ (علیه السلام) : سل ، فوالّذي فلق الحبّة و برأ النسمة ، لاتسألني عمّا مضى ولاعمّا يكون، إلّا أخبرتك به عن نبيّ الهدى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).
قال الجاثليق : أسألك عمّاسألت هذا الشيخ، خبّرني أمؤمن أنت عند الله أم عند نفسك؟
قال أمير المؤمنين (علیه السلام): أنا مؤمن عند الله، كما أنا مؤمن في عقيدتي(4).
ص: 554
قال الجاثليق : هذا كلام واثق بدينه ، فخبّرني عن منزلتك في الجنّة ماهي؟
قال (علیه السلام): منزلتي(1) مع النبيّ الأمّي في الفردوس الأعلى، لا أرتاب بذلك .
قال: فبما عرفت الوعد لك بالمنزلة الّتي ذكرتها ؟
قال عليّ (علیه السلام): بالكتاب المنزل وصدق النبيّ المرسل .
قال : فبما علمت صدق نبيّك ؟ قال: بالآيات الباهرات .
قال الجاثليق: هذا طريق الحجّة لمن أراد الاحتجاج، فخبّرني عن الله أين هو اليوم ؟
قال (علیه السلام): إنّ الله يجلّ عن الأين ، ويتعالی عن المكان ، كان فيما لم یزل و لا مكان وهو اليوم على ذلك لم يتغيّر من حال إلى حال.
قال: أجل أحسنت أيّها العالم، وأوجزت في الجواب ، فخبّرني عنه أنّه مدرك بالحواس عندك أم كيف طريق المعرفة به؟
قال (علیه السلام): تعالى الملك الجبّار أن يوصف بمقدار، أو تدرکه الحواس، أو يقاس بالناس، والطريق إلى معرفته، صنائعه الباهرة للعقول الدالّة ذوي الاعتبار بماهو منها(2) مشهور و معقول.
قال الجاثليق: هذا هو الحقّ، خبّرني ماقاله نبيّكم في المسيح و أنّه مخلوق، من أين أثبت له الخلق، و نفی عنه الالهيّة، و أوجب فيه النقص ؟
فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه ، والتصوير والتغيير من حال إلى حال ، والزيادة التّي لم ينفكّ منها والنقصان ، و لم أنف عنه النبوّة ، ولا أخرجته عن العصمة والكمال والتأييد ، وقد جاءنا عن الله بأنّه مثل آدم خلقه الله من تراب ثمّ قال له: كن فيكون.
فقال الجاثليق: هذا مالا مطعن فيه الآن، غير أنّ الحجّاج بماتشترك فيه الحجّة على الخلق والمحجوج منهم، فيما بنت(3) أيّها العالم من الرعيّة الناقصة عنك؟
ص: 555
قال (علیه السلام): بما أخبرته من علمي بما كان و بمايكون .
قال الجاثليق : فهلمّ شيئاً من ذلك أتحقّق به دعواك ؟
فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): خرجت أيّها النصراني من مستقرّك متعنّتاً(1) لمن قصدت بسؤالك له، مضمراً خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد، فأريت في منامك مقامي وحدثت فيه بكلامي، وحذرت فيه من خلافي ، وأمرت فيه باتّباعي .
قال: صدقت والله الّذي بعث المسيح ، وما اطّلع على ما أخبرتني إلّا الله ، و أنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، و أنّ محمداً رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)، و أنّك وصيّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وأحقّ الناس بمقامه .
وأسلم الّذين كانوا معه وقالوا: نرجع إلى صاحبنا فنخبره بما وجدنا.(2)
15 - ومنها : ماذكر الرضي في كتاب خصائص الأئمّة (علیهم السلام)باسناده عن ابن عبّاس قال : كان رجل على عهد عمر ، وله إبل(3) بناحية آذربایجان(4) قد استصعبت عليه فمنعت جانبها فشكا إليه ما قد ناله ، وأنّه كان معاشه منها(5) فقال له : اذهب فاستغث بالله.
فقال الرجل: ما أزال أدعو الله و أبتهل(6) إليه ، فكلّما قربت منها حملت عليّ
ص: 556
فكتب له عمر رقعة فيها «من عمر أمير المؤمنين إلى مردة الجنّ والشياطين أن تذلّلوا هذه المواشی له». فأخذ الرجل الرقعة و مضى.
فقال عبد الله بن عبّاس: فاغتممت لذلك غمّاً شدیداً، فلقيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فأخبرته بما كان . فقال : والّذي(1) فلق الحبّة ، وبرأ النّسمة ليعودنّ بالخيبة . فهدأ ما بي وطالت علي سنتي(2)، وجعلت أرقب کلّ من جاء من أهل الجبال ، فإذا أنا بالرجل قد وافي و في جبهته شجّة(3) تكاد اليد تدخل فيها .
فلمّا رأیته بادرت إليه، فقلت له: ما وراك؟ قال: إنّي صرت إلى الموضع، ورميت بالرقعة فحمل علي عداد منها فهالني أمرها، ولم يكن لي قوّة، فجلست فرمحتني(4) أحدها في وجهي ، فقلت : اللّهمّ اكفنيها ، و کلّها یشدّ عليّ و يريد قتلي .
فانصرفت عنّي فسقطت ، فجاء أخي فحملني ولست أعقل ، فلم أزل أتعالج حتّی صلحت ، وهذا الأثر في وجهي .
فقلت له : صر إلى عمر وأعلمه، فصار إليه وعنده نفر ، فأخبره بما كان ، فزبره فقال له : كذبت لم تذهب بكتابي. فحلف الرجل لقد فعل ، فأخرجه من عنده(5) .
قال ابن عبّاس: فمضيت به إلى أمير المؤمنين فتبسّم، ثمّ قال : ألم أقل لك ؟
ثم أقبل على الرجل فقال له : إذا انصرفت إلى الموضع الّذي هي فيه فقل :
«اللّهمّ إنّي أتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة، وأهل بيته الّذين اخترتهم على علم على العالمين
اللّهمّ فذلّل لي صعوبتها وحزونتها(6) واكفني شرّ ها ، فإنّك الكافي المعافی والغالب القاهر» .
ص: 557
قال : فانصرف الرجل راجعاً ، فلمّا كان من قابل(1) قدم الرجل و معه جملة من المال قد حملها من أثمانها إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فصار إليه و أنا معه .
فقال: تخبرني أو أخبرك ؟ فقال الرجل : يا أمير المؤمنين بل تخبرني .
قال : كأنّي بك قد صرت إليها فجاءتك ولاذت بك خاضعة ذليلة ، فأخذت بنواصيها (واحدة بعد واحدة ، و واحداً بعد آخر)(2).
فقال الرجل: صدقت يا أمير المؤمنين ، كأنّك كنت معي ، هكذا كان ، ففضّل بقبول ما جئتك به. فقال: امض راشداً بارك الله لك فيه وبلغ الخبر عمر فغمّه ذلك وانصرف الرجل ، و كان يحجّ في کلّ سنة ، وقد أنمي الله ماله .
فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): کلّ من استصعب عليه شيء من مال ، أو أهل ، أو ولد ، أو أمر فرعون [من الفراعنة](3) فليبتهل إلى الله بهذا الدعاء ، فإنّه يكفي ممّا يخاف إن شاء الله .(4)
16- ومنها : ما روی الرضي(5) أيضاً بإسناد له إلى عليّ أنّه كان في
مجلسه والناس حوله إذ وافی رجل من العرب ، فسلّم عليه، وقال : أنا رجل ولي على رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعد ، وقد سألت عن منجز وعده ، فارشدت إليك ، أفهو حاصل لي ؟
ص: 558
قال نعم(1) . قال: مائة ناقة حمراء، وقال لي : إن أنا قبضت، فأنت قاضي ديني، و خليفتي
من بعدي، فإنّه يدفعها إليك، وماكذبني، فإن يكن ما ادّعيته حقّاً ، فعجّل عليّ بها.
فقال علي (علیه السلام) لابنه الحسن : قم يا حسن ، فنهض إليه ، فقال : اذهب فخذ قضيب رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلّم) الفلانيّ ، وصر إلى البقيع ، فاقرع به الصخرة الفلانيّة ثلاث قرعات وانظر ما يخرج منها ، فادفع إلى هذا الرجل ، وقل له : يكتم ما یری .
فصار الحسن (علیه السلام) إلى الموضع والقضيب معه ، ففعل ما أمر به ، فطلع من الصخرة رأس ناقة بزمامها، فجذبه [حتى تمّت خروج](2) مائة [ناقة] .
ثم انضمّت الصخرة فدفع النوق إلى الرجل و أمره بالكتمان لمّا رأى .
فقال الأعرابي : صدق رسول الله وصدق أبوك .(3)
17 - ومنها : ما روي عن أبي جعفر الطوسي ، عن أبي محمّد الفحّام، [عن المنصوري](4)، عن عمّ أبيه ، عن أبي محمّد العسكري، عن آبائه ، عن الحسين ( علیه السلام) عن قنبر (رضی الله عنه) قال : كنت مع مولاي عليّ ( علىه السلام) علی شاطيء الفرات ، فنزع قميصه ونزل إلى الماء ، فجاءت موجة، فأخذت القميص ، فإذا هاتف يهتف :
«يا أبا الحسن انظر عن يمينك وخذ ماتری» فإذا منديل عن يمينه وفيه قميص مطويّ فأخذه ولبسه ، وإذا في جيبه رقعة فيها مكتوب :
«هديّة من الله العزيز الحكيم إلى عليّ بن أبي طالب هذا قمیص هارون بن عمران»
ص: 559
«كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ »(1) .(2)
18- ومنها : ما روي عن الحسين (علیه السلام) أنّ عليّاً (علیه السلام)كان ذات يوم بأرض قفر(3) فرأی درّاجاً(4) فقال : [یا درّاج] منذكم(5) أنت في هذه البرية ؟ و من
أين مطعمك و مشربك ؟
فقال : يا أمير المؤمنين أنا في هذه البرية منذ مائة سنة إذا جعت أصلّي عليكم فأشبع ، وإذا عطشت فأدعو على ظالميكم ، فأروي .
فقال جابر بن عبد الله : ما أعطی منطق الطير إلّا سلیمان بن داود ؟
فقال عليّ (علیه السلام): لولا محمّد و آله لما خلق سليمان ولا أبوه آدم .
ص: 560
ثم قال: ياطاووس اهبط، یا صقر، یا باري، باغراب. فهبطت، فأمر بذبحها .
ثم قال : طيري بقدرة الله . فطارت الطيور كلّها. (1)
19 - ومنها : ما روي أنّ أسوداً دخل على علي بن أبي طالب (علیه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين إنّي سرقت فطهّرني .
فقال: لعلّك سرقت من غير حرز(2) - ونحّی رأسه عنه - (3).
فقال: يا أمير المؤمنین سرقت من الحرز ، فطهّرني .
فقال : لعلّك سرقت غیر نصاب(4) - [ونحّي رأسه عنه] -.
فقال. يا أمير المؤمنین سرقت نصاباً. فلمّا أقرّ ثلاث مرات قطعه أمير المؤمنين (علیه السلام) فأخذ المقطوع و ذهب، وجعل يقول في الطريق : قطعني أمير المؤمنين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدين (5) وسيّد الوصيّين . وجعل يمدحه.
فسمع ذلك منه الحسن والحسين ( علیهما السلام) وقد استقبلاه، فدخلا على أبيهما (علیهم السلام) وقالا:
رأينا أسوداً يمدحك في الطريق .
فبعث أمير المؤمنين ( علیه السلام)من أعاده إلى حضرته(6) ، فقال (علیه السلام) له : قطعت يمينك(7) وأنت تمدحني ؟! فقال : يا أمير المؤمنين إنّك طهّرتني ، وإنّ حبّك قد خالط
لحمي ودمي وعظمي، فلو قطّعتني إرباً إرباً لما ذهب حبّك من قلبي.
ص: 561
فدعا ( علیه السلام) له، و وضع المقطوع إلى موضعه، فصحّ [ وصلح] كما كان.(1)
20- ومنها : ما روي أنّ عليّاً (علیه السلام) دخل المسجد بالمدينة غداة يوم ، وقال : رأيت في النوم رسول الله البارحة ، وقال لي : إنّ سلمان توفّي ، و وصّاني بغسله وتكفينه و الصلاة عليه ودفنه ، وها أنا خارج(2) إلى المدائن(3) لذلك .
فقال عمر : خذ الكفن من بيت المال .
فقال عليّ (علیه السلام) : ذاك مكفي مفروغ منه .
فخرج والناس معه إلى ظاهر المدينة ، ثمّ خرج وانصرف الناس ، فلمّا كان قبل الظهيرة رجع وقال: دفنته . و كان أكثر الناس لم يصدقوه ، حتّى كان بعد مدّة ووصل من المدائن مكتوب: « إنّ سلمان توفي [ في ] ليلة(4) كذا ، ودخل علينا أعرابي، فغسّله وكفّنه وصلّى عليه ودفنه ثمّ انصرف» فتعجّبوا كلّهم(5).(6)
ص: 562
21- ومنها : أنّه لمّا قعد أبوبكر بالأمر بعث خالد بن الوليد إلى بني حنيفة ليأخذ زكاة أموالهم ، فقالوا لخالد : إنّ رسول الله كان يبعث کلّ سنة من يأخذ صدقات الاموال(1) من الأغنياء من جملتنا، و يفرقها في فقرائنا ، فافعل أنت كذلك.
فانصرف خالد إلى المدينة و قال لأبي بكر: إنّهم منعوا [من] الزكاة. فأعطاه(2).
عسكراً [ فرجع خالد ] رأتي بني حنيفة وقتل رئيسهم، وأخذ زوجته ووطئها في الحال وسبي نسوانهم ورجع بهنّ إلى المدينة، و كان ذلك الرئيس صديقاً لعمر [في الجاهليّه].
فقال عمر لأبي بكر : اقتل خالداً به ، بعد أن تجلده الحدّ بما قبل بامرأته .
فقال له أبوبكر : إنّ خالداً ناصرنا ، تغافل . وأدخل السبايا في المسجد وفيهنّ خولة ، فجاءت إلى قبر الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والتجأت به و بکت و قالت:
یا رسول الله نشكو إليك أفعال هؤلاء القوم ، سبونا من غير ذنب و نحن مسلمون.
ص: 563
ثمّ قالت : أيّها النّاس لم سبیتمونا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله ؟ .(1)
فقال أبوبكر : منعتم الزكاة .
قالت : ليس الأمر على ما زعمت، إنّما كان كذا و كذا ، وهب الرجال منعوکم الزكاة بزعمكم، فما بال النسوان المسلمات سبين ؟
واختار کل رجل [ منهم ] واحدة من السبايا ، وجاء خالد وطلحة(2) ورميا بثوبین إلى خولة، وأراد کلّ واحد منهما أن يأخذها من السبي.
قالت : لا يكون هذا أبداً ، و لا يملكني إلّا من يخبرني بالكلام الّذي قلته ساعة ولدت .
قال أبوبكر : هي قد فزعت من القوم ، و كانت لم تر مثل ذلك [قبله] ، وتتكلّم بما لا تحصيل له . فقالت: والله إنّي صادقة .
إذ جاء علي بن أبي طالب (علیه السلام) فوقف ونظر إليهم وإليها ، وقال (علیه السلام): اصبروا حتّى أسألها عن حالها . ثمّ ناداها ، فقال : يا خولة اسمعي الكلام . (فلمّا أصغت
قال لها: إنّ أمّك [لمّا] كانت بك حاملا)(3) وضربها الطلق واشتدّ بها الأمر نادت :
«اللّهمّ سلّمني من هذا المولود» فسبقت تلك الدعوة بالنجاة ، فلمّا وضعتك ناديت من تحتها «لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يا أمّاه عمّا قليل سيملكني سيّد يكون لي منه ولد» فكتبت أمّك ذلك الكلام في لوح نحاس ، فدفنته في الموضع الّذي سقطت فيه ، فلمّا كان في الليلة الّتي قبضت أمّك فيها ، وصّت إليك بذلك
ص: 564
[اللّوح] فلمّا كان وقت سبيك(1) ، لم يكن لك همّة إلّا أخذ ذلك اللوح فأخذتيه وشددتيه على عضدك الأيمن ، هاتي اللوح فأنا صاحب ذلك اللّوح، وأنا أمير المؤمنين ، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون ، واسمه محمّد.
قال: فرأيناها وقد استقبلت القبلة ثمّ قالت: اللّهمّ أنت المنّان المتفضّل، أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت بها عليّ، ولم تعطها لأحد إلّا وأتممتها عليه، اللّهمّ بصاحب هذه التربة و الناطق المنبيء(2) بما هو كائن ، إلّا أتممت فضلك عليّ .ثم أخرجت اللوح و دفعته إليهم(3) فأخذه أبوبكر، وقرأه عثمان، فإنّه كان أجود القوم(4)قراءة . فبكت طائفة وحزنت أخرى، فإنّه ما زاد ما في اللوح على كلامه(5) علي حرفاً ولانقص. فقالوا: صدق الله، وصدق رسوله: «أنا مدينة العلم وعلي بابها».
فقال أبوبكر: خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها. فبعثها عليّ (علیه السلام) إلى بيت أسماء بنت عمیس - و هي يومئذ كانت زوجة أبي بكر - .
فلمّا دخل أخوها أمهرها أمير المؤمنين وتزوّج بها وعلقت بمحمّد وولدته .(6)
ص: 565
22- ومنها : ماروي عن سليمان الأعمش(1) - في خبر طويل - أنّ المنصور بعث إليه في ليلة ، قال : فقلت في نفسي : إنّه يدعوني و يسألني عن مناقب عليّ ، وأنا أذكرها فيقتلني ، فكتبت وصيّتي، و لبست أكفاني، فدخلت عليه .
فقال : ادن منّي، فدنوت ، فشمّ رائحة الحنوط، وقال : لتصدقني أو لأقتلنّك .
قلت : كان كذا وكذا، فاستوى، وقال :
لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم ، اسمع منّي ، كنت هارباً من بني مروان أدور البلاد و أتقرّب إلى الناس بفضائل(2) عليّ (علیه السلام) حتّى وردت بلاد الشام ، وأتيت مسجداً وعليّ أطمار(3).
فلمّا سلّم الامام، دخل صبيّان عليه ، فقال : مرحباً بكما وبمن اسمكما على اسمهما .
فسألت عنه فقيل : ليس في هذه المدينة من يحبّ عليّا (علیه السلام)غيره ، وقال : سمّاهما الحسن والحسين (علیهما السلام). فقمت فرحاً و رویت له فضيلة من فضائل علي (علیه السلام)، فخلع عليّ (علیه السلام)(4) وأعطاني مالا جزيلاً ، و أرشدني إلى فتی، وذكرت عنده أيضاً عليّاً ومناقبه ، فحملني على بغلة و أعطاني مالا جزيلاً .
ثمّ قال : قم حتّى أريك أخي المبغض لعليّ، فأتينا المسجد وجلست في الصفّ وإلى جانبي ذلك المبغض معتمّاً ، فلمّا ركع وسجد سقطت العمامة عنه، فإذا رأسه کرأس الخنزير ، فلمّا سلّمنا قلت له : ما هذا ؟
قال : أنت صاحب أخي ؟ قلت : نعم . قال: فبکی ، وقال : كنت مؤذناً، فكلّما
ص: 566
أصبحت لعنت عليّاً ألف مرّة ، فلمّا كان يوم الجمعة لعنته أربعة آلاف مرّة، فانصرفت من المسجد ونمت ، فرأيت كأنّ القيامة قد قامت ، ورأيت محمّداً و عليّاً والحسن والحسين يسقون الناس، فقال لي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : مالك - عليك لعنة الله - تلعن عليّاً، ثمّ بصق في وجهي، وقال : قم غيّر الله ما بك من نعمة . فانتبهت فإذا رأسي ووجهي كما ترى.(1)
ص: 567
23 - ومنها : ماروي عن سعد بن(1) الباهلي أنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) اشتکی، و كان محموماً، فدخلنا مع عليّ عليه ، فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ألمّت بي أمّ ملدم(2) فحسرعلي يده اليمني، وحسر رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يده اليمنی، فوضعها عليّ (علیه السلام) على صدر رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و قال : يا أمّ ملدم اخرجي فإنّه عبد الله و رسوله .
قال : فرأيت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) استوى جالساً ، ثمّ طرح عنه الازار (3) ، وقال : ياعليّ إنّ الله فضّلك بخصال، وممّا فضّلك به أن جعل الأوجاع مطيعة لك، فليس من شيء تزجره إلّا انزجر باذن الله .(4)
24 - ومنها: أنّ خارجيّاً اختصّه مع رجل(5) إلى عليّ (علیه السلام) ، فحكم بينهما [بحكم الله و رسوله] . فقال الخارجي : لا عدلت في القضيّة.
فقال عليّ (علیه السلام) : إخساً یا عدوّ الله . فاستحال(6) كلباً ، وطارت ثيابه في الهواء، فجعل يبصبص(7) و قد دمعت(8) عيناه ، فرق له علي و دعا [ الله ] ، وأعاده الله إلى حال الانسانيّة ، وتراجعت من الهواء ثيابه إليه .
فقال عليّ (علیه السلام) : إنّ آصف وصيّ سليمان قد صنع نحوه فقصّ الله عنه بقوله :
ص: 568
«قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ »(1)
أيّما أكرم على الله؟ نبيّكم أم سليمان ؟ قالوا: نبيّنا.
فقيل له: ما حاجتك في قتال معاوية إلى الأنصار؟ قال : إنّما أدعو هؤلاء لثبوت(2)الحجّة ، و كمال المحنة ، ولو أذن لي في الدّعاء بھلاکه لما تأخّر .(3)
25 - ومنها : ما روي عن محمّد بن سنان قال : دخلت على الصادق (علیه السلام) فقال لي: من بالباب؟ قلت : رجل من الصين . قال : فأدخله .
فلمّا دخل قال له [أبو عبد الله] : هل تعرفوننا بالصين ؟
قال : نعم يا سيّدي . قال : وبماذا تعرفوننا ؟
قال : يا ابن رسول الله إنّ عندنا شجرة تحمل کلّ سنة ورداً يتلون في کلّ يوم مرّتين ، فإذا كان أول النهار نجد مكتوباً عليه(4) «لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله» وإذا كان آخر النهار ، فإنّا نجد مكتوباً عليه «لا إله إلا الله ، عليّ خليفة رسول الله».(5)
26 - وعنه ، عن الباقر(علیه السلام) إنّ للامام عشر دلائل :
أولها : أنّه يولد مختوناً .
وثانيها : أوّل ما يقع على الأرض ينظر إلى السماء، ويشهد الشهادتين .
وثالثها : [أنّه] على عضده الأيمن مكتوب « وتمّت كلمة ربّك صدقاً وعدلاً
ص: 569
لامبدّل لكلماته وهو السّميع العليم»(1).
ورابعها : أنّه لا يتمطّی(2) .
وخامسها : أنّه لا يتثائب .
وسادسها : أنّه لايحتلم أبداً، والشيطان لا يقربه .
و سابعها : أنّ رائحة نجوه(3) مثل المسك ، والأرض تستره بابتلاعه كلّه .
وثامنها: أنّه لا يكون له ظلّ إذا قام في الشمس، [لأنّه نور من النور ليس له ظلّ]
و تاسعها : أنّه يختم على الحجر مثل ما كان يفعل آباؤه(4).
وعاشرها : أنّه يكون مستجاب الدعوة.(5)
ص: 570
1- عن عبد الله الكناسي (1) عن الصادق (علیه السلام) قال : خرج الحسن بن علي (علیهما السلام) في بعض عمره ، ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته ، فنزلوا في منهل(2) من تلك المناهل تحت نخل یابس ، قد يبس من العطش ، ففرش للحسن تحت نخلة وللزبيري بحذائه تحت نخلة أخرى .
فقال الزبيري - و قد رفع رأسه - : لو كان في هذه النخلة رطب لأكلنا منه . فقال له الحسن : و إنّك لتشتهي الرطب ؟ قال : نعم . فرفع الحسن [رأسه و] يده إلى السماء فدعا بكلام، فاخضرّت النخلة ، وأورقت ، وحملت رطباً.
فقال الجمّال - الّذي اكتروا منه - : سحر والله .
فقال الحسن (علیه السلام): ويلك إنّ هذا ليس بسحر ، ولكنّها دعوة ابن نبيّ مجابة .فصعدوا إلى النخلة حتّى صرمو ا(3) ما فيها ، و أكلوا، فوجدوا أحسن رطب، و كفاهم .(4)
ص: 571
2- و منها : روي أن عليّاً (علیه السلام) كان في الرحبة ، فقام إليه رجل فقال : أنا من رعيّتك وأهل بلادك. قال : لست من رعيّتي ، ولا من أهل بلادي ، و لكن(1) ابن الأصفر(2) بعث بمسائل إلى معاوية أقلقته وأرسلك إليّ بها .
قال: صدقت يا أمير المؤمنين إنّ معاوية أرسلني إليك في خفية ، وأنت قد اطّلعت على ذلك ولا يعلمه غير الله .
فقال (علیه السلام): سل أحد إبنيّ هذين. قال : أسأل ذا الوفرة(3) - يعني الحسن (علیه السلام) فأتاه ، فقال له الحسن (علیه السلام): جئت تسأل كم بين الحقّ والباطل ؟ وكم بين الأرض والسماء ؟ و كم بين المشرق والمغرب ؟ و ما قوس قزح ؟ وما المؤنّث ؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض ؟ قال : نعم .
قال الحسن : بين الحقّ والباطل أربعة أصابع ، ما رأيته بعينك فهو الحقّ وقد تسمع باذنيك باطلا كثيراً ، وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ، ومدّ البصر و بين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس، و قزح اسم للشيطان ، لاتقل: قوس قزح، هو قوس الله، وعلامة الخصب، و أمان لأهل الأرض من الغرق.
وأمّا المؤنّث(4) فهو الذي لايدري أذكر هو أو انثي ، فإنّه ينتظر به ، فإن كان
ص: 572
ذكراً احتلم ، وإن كان أنثى حاضت وبدا ثديها ، وإلّا قيل له : بل . فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير ، فهو أنثی(1) .
وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض : فأشدّ شيء خلق الله : الحجر، و أشدّ منه الحديد ، يقطع به الحجر ، و أشدّ من الحديد: النار تذيب الحديد ، و أشدّ من النار: الماء يطفيء النار، وأشدّ من الماء: السحاب يحمل الماء، وأشدّ من السحاب :الريح تحمل السحاب ، و أشدّ من الريح: الملك الّذي يردّها ، وأشدّ من الملك: ملك الموت [الّذي يميت الملك] ، و أشدّ من ملك الموت: الموت [الذي] يميت ملك الموت، وأشدّ من الموت: أمر الله [ الّذي ] يدفع الموت.(2)
3- ومنها: ما روي عن عبد الغفار الجازي(3)، عن أبي عبد الله (علیه السلام)قال : إنّ الحسن بن على كان عنده رجلان ، فقال لأحدهما: إنّك حدّثت البارحة فلاناً بحديث كذا و كذا . فقال الرجل الآخر : إنّه ليعلم ما كان ! وعجب من ذلك .
ص: 573
فقال(علیه السلام): إنّا لنعلم مايجري بالليل والنهار .
ثمّ قال : إن الله تبارك و تعالی علّم رسوله الحلال والحرام ، و التنزيل و التأويل ، فعلّم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عليّاً (علیه السلام)علمه كلّه .(1)
4- ومنها: ما روي [عن] الحارث الهمداني قال : لمّا مات عليّ (علیه السلام) ، جاء الناس إلى الحسن بن علي فقالوا له : أنت خليفة أبيك ، ووصيّه، ونحن السامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك . قال : كذبتم ، والله ما وفيتم لمن كان خيراً منّي فكيف تفون لي؟! أو كيف أطمئنّ إليكم ولا أثق بكم؟
إن كنتم صادقين؟ فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن، فوافوني هناك .
فركب ، وركب معه من أراد الخروج ، و تخلّف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه ، و بما وعدوه، وغرّوہ کما غرّوا أميرالمؤمنين (علیه السلام) من قبله .
فقام خطيباً وقال : قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي ، مع أيّ إمام تقاتلون بعدي ؟! مع الكافر الظالم، الّذي لم يؤمن بالله ، ولا برسوله قطّ ، ولا أظهر الاسلام هو ولابنو أميّة إلّا فرقاً(2) من السيف !! ولو لم يبق لبني أميّة إلّا عجوز درداء(3) لبغت دین الله عوجاً ، وهكذا قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
ثم وجّه إليه قائداً في أربعة آلاف، وكان من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار(4) ولا يحدث شيئاً حتّى يأتيه أمره . فلمّا توجّه إلى الأنبار ، و نزل بها ، وعلم معاوية بذلك بعث إليه رسلاً، وكتب إليه معهم :
ص: 574
إنّك إن أقبلت إليّ ولّيتك بعض کور الشام، أو الجزيرة، غیر منفس عليك .
و أرسل إليه بخمسمائة ألف درهم، فقبض الكندي - عدوّ الله - المال، وقلب على الحسن (علیه السلام) وصار إلى معاوية ، في مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته .
وبلغ الحسن (علیه السلام) [ذلك] فقام خطيباً وقال: هذا الكندي توجّه إلى معاوية وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنّه لاوفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا، وأنا موجّه رجلاً آخر مكانه، و أنا أعلم أنّه سيفعل بي وبكم مافعل صاحبه، لا يراقب الله فيّ ولا فيكم.
فبعث إليه رجلاً من مراد في أربعة آلاف، وتقدّم إليه بمشهد من الناس، وتوکّد عليه، وأخبره أنّه سيغدر كما غدر الكندي، فحلف له بالأيمان الّتي لا تقوم لها الجبال أنّه لا يفعل . فقال الحسن (علیه السلام): إنّه سيغدر .
فلمّا توجّه إلى الأنبار، أرسل معاوية إليه رسلاً، و كتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ، ومنّاه أيّ ولاية أحبّ من کور الشام، أو الجزيرة ، فقلب على الحسن (علیه السلام)، و أخذ طريقه إلى معاوية ، ولم يحفظ ماأخذ عليه من العهود، وبلغ الحسن (علیه السلام) ما فعل المراديّ .
فقام خطيباً وقال: قد أخبرتكم مرّة بعد مرة أنّكم لاتفوزلله بعهود، وهذا صاحبكم المراديّ غدر بي وبكم ، وصار إلى معاوية .
ثمّ كتب معاوية إلى الحسن (علیه السلام): يا ابن عمّ ، لا تقطع الرحم الّذي بيني و بينك ، فإنّ الناس قد غدروا بك و بأبيك من قبلك .
فقالوا : إن خانك الرجلان وغدرا، فإنّا مناصحون لك .
فقال لهم الحسن (علیه السلام): لأعودنّ هذه المرة فيما بيني وبينكم ، وإنّي لأعلم أنّكم غادرون ، والموعد ما بيني و بينكم ، إنّ معسكري بالنخيلة ، فوافوني هناك ، و الله لاتفون لي بعهد، ولتنقضنّ الميثاق بيني و بينكم.
ص: 575
ثمّ إن الحسن (علیه السلام) أخذ طريق النخيلة ، فعسكر(1) عشرة أيّام ، فلم يحضره إلّا أربعة آلاف، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال : يا عجباً من قوم لاحياء لهم ولا دين مرة بعد مرة، ولو سلّمت إلى معاوية (2) الأمر فأيم الله لاترون فرجاً أبداً مع بني أميّة ، و الله ليسومنّكم سوء العذاب ، حتّى تتمنّون أن يلي عليكم حبشيّاً ولو وجدت أعواناً ما سلّمت له الأمر ، لأنّه محرّم على بني أميّة ، فافّ وترحاً یاعبيد الدنيا.
وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنّا معك، و إن شئت أخذنا الحسن (علیه السلام) وبعثناه إليك.
ثمّ أغاروا على فسطاطه ، وضربوه بحربة ، فاخذ مجروحاً .
ثم كتب جواباً لمعاوية : « إنّ هذا الأمر لي والخلافة لي ولأهل بيتي ، و إنّها لمحرّمة عليك و على أهل بيتك ، سمعته من رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، لو وجدت صابرین عارفين بحقّي غير منکرین ، ما سلّمت لك و لا أعطيتك ما تريد».
و انصرف إلى الكوفة .(3)
ص: 576
1- عن المنهال بن عمرو قال: أنا والله رأيت رأس الحسين (علیه السلام)حين حمل و أنا بدمشق، وبين يديه رجل يقرأ الكهف، حتّى بلغ قوله: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا »(1)، فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق ، فقال:
أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي .(2)
2- و منها : ما أخبرني به الشيخ أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي الأصفهاني(3) الشيخ أبو سعيد محمّد بن عبد الله بن عمر الخاني البزاز .
أبو القاسم بكران بن الطيّب بن شمعون القاضي المعروف ب « ابن أطروش »
ص: 577
بجر جرایا(1).
حدثنا أبوبكر محمّد بن أحمد بن يعقوب .
حدثنا أحمد بن عبدالرحمان بن سعيد ، أبي، أبي الحسن بن عمرو، عن سليمان بن مهران الأعمش قال: بينا أنا في الطواف بالموسم إذ رأيت رجلا يدعو وهو يقول: اللّهمّ اغفر لي وأنا أعلم أنّك لا تفعل .
قال: فارتعت لذلك ، فدنوت منه وقلت: يا هذا أنت في حرم الله و حرم رسوله، و هذه أيّام حرم في شهر عظيم، فلم تيأس من المغفرة ؟
قال: يا هذا ذنبي عظيم . قلت: أعظم من جبل تهامة ؟! قال: نعم .
قلت: يوازن الجبال الرواسي ؟! قال: نعم ، فإن شئت أخبرتك .
قلت: أخبرني. قل: اخرج بنا عن الحرم . فخرجنا منه .
فقال لي : أنا أحد من كان في العسكر المشؤوم، عسکر عمر بن سعد عليه اللعنة، حين قتل الحسين بن علي (علیهما السلام)، و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة، فلمّا حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى ، و كان الرأس معنا مرکوزاً على رمح ، و معه الأحراس، فوضعنا الطعام و جلسنا لنأكل، فإذا بكفّ في حائط الدير تكتب :
أترجوا أمّة قتلت حسيناً ***شفاعة جده يوم الحساب
قال : فجزعنا من ذلك جزعاً شديداً ، و أهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذها، فغابت ثمّ عاد أصحابي إلى الطعام ، فإذا الكفّ قد عادت تكتب مثل الأول :
فلا والله ليس لهم شفيع ***وهم يوم القيامة في العذاب
ص: 578
فقام أصحابنا إليها، فغابت [ثم عادوا إلى الطعام] فعادت تكتب :
وقد قتلوا الحسين بحكم جور*** و خالف حكمهم حكم الكتاب
فامتنعت عن الطعام، و ماهنأني أكله، ثمّ أشرف علينا راهب من الدير، فرأى نوراً ساطعاً من فوق الرأس، فأشرف فرأى عسكراً.
فقال الراهب للحرّاس: من أين جئتم؟ قالوا: من العراق ، حاربنا الحسين .
فقال الراهب : إبن فاطمة (علیها السلام)، وابن بنت نبيّكم ، و ابن ابن عمّ نبيّكم ؟! قالوا: نعم .
قال: تبّاً لكم، والله لو كان لعيسى بن مريم إبن لحملناه على أحداقنا، ولكن لي إليكم حاجة. قالوا: وماهي ؟ قال: قولوا لرئيسكم : عندي عشرة آلاف دينار(1) ورثتها من آبائي، ليأخذها منّي و يعطيني الرأس ، يكون عندي إلى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه .
فأخبروا عمر بن سعد(2) بذلك، فقال: خذوا منه الدنانير وأعطوه إلى وقت الرحيل فجاؤوا إلى الراهب ، فقالوا : هات المال حتّی نعطيك الرأس. فأدلى إليهم جرابین في کلّ جراب خمسة آلاف دينار، فدعا عمر بالناقد (3) و الوزّان ، فانتقدها و وزنها ودفعها إلى جارية له ، وأمر أن يعطى الرأس .
فأخذ الراهب الرأس ، فغسّله ونظّفه ، وحشاه بمسك و كافور [كان] عنده ، ثمّ جعله في حريرة(4)، ووضعه في حجره ، ولم يزل ينوح ويبكي حتّى نادوه وطلبوا منه الرأس ، فقال : يارأس والله ما أملك إلّا نفسي، فإذا كان غداً فاشهدلي عند جدّك محمّد أنّي أشهد أن لا إله إلا الله ، و أن محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عبده ورسوله ، أسلمت على يديك و أنا
ص: 579
مولاك. ثمّ قال لهم : إنّي أحتاج أن أكلّم رئيسكم بكلمة، وأعطيه الرأس .
فدنا عمر بن سعد منه فقال: سألتك بالله ، و بحق محمّد ألّا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس، ولاتخرج هذا الرأس من هذا الصندوق . فقال له : أفعل .
فأعطاهم الرأس و نزل من الدير ، فلحق ببعض الجمال يعبد الله .
و مضى عمر بن سعد، ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأول.
فلمّا دنا من دمشق، قال لأصحابه: انزلوا. وطلب من الجارية(1) الجرابين، فاحضرا بين يديه، فنظر إلى خاتمه، ثمّ أمر أن يفتحا، فإذا الدنانير قد تحولت خزفيّة، فنظروا في سكّتها فاذاعلى جانب مكتوب: « وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ »(2).
وعلى الوجه الآخر : « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »(3).
فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، خسرت الدنيا والآخرة.
ثم قال لغلمانه : اطرحوها في النهر . فطرحت، فدخل دمشق من الغد ، و أدخل الرأس إلى يزيد، عليه اللعنة، فابتدر قاتل الحسين إلى يزيد ، فقال :
إملا رکابي فضّة أو ذهبا ***إنّي قتلت الملك المحجّبا
قتلت خير الناس أمّاً وأباً *** ضربته بالسيف حتى انقلبا
فأمر يزيد بقتله ، وقال : حين علمت أنّه خير الناس أمّاً وأبأ ، لم قتلته ؟!
وجعل الرأس في طشت ، و هو ينظر إلى أسنانه وهو يقول :
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً ***ثمّ قالوا(4) یا یزید لا تشل
فجزيناهم ببدر مثلها *** و باحد يوم أحد فاعتدل
ص: 580
لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد ما كان فعل
فدخل عليه زيد بن أرقم ورأى الرأس في الطشت وهو يضرب بالقضيب على أسنانه ، فقال : كفّ عن ثناياه ، فطالما رأيت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقبّلها .
فقال يزيد: لولا أنّك شیخ خرفت لقتلتك . ودخل عليه رأس اليهود
فقال : ما هذا الرأس ؟ فقال : رأس خارجي . قال : ومن هو ؟ قال : الحسين (علیه السلام) .
قال: ابن من؟ قال : ابن عليّ (علیه السلام). قال : ومن أمّه ؟ قال : فاطمة (علیها السلام). قال : ومن فاطمة؟
قال : بنت محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) . قال : نبيّكم ؟! قال : نعم .
قال : لاجزاكم الله خيراً ، بالأمس كان نبيّكم واليوم قتلتم ابن بنته ؟!
ويحك إنّ بيني و بين داود النبي نيّفاً و سبعين (1) أباً ، فإذا رأتني اليهود کفّرت(2) لي.
ثمّ مال إلى الطشت وقبّل الرأس ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ جدّك محمّداً رسول الله، وخرج. فأمر يزيد بقتله .
و أمر بالرأس فادخل القبّة التي بازاء المجلس الّذي يشرب فيه ، و و کّلنا بالرأس و کلّ ذلك كان في قلبي ، فلم يحملني النوم في تلك القبّة ، فلمّا دخل الليل وكّلنا أيضاً بالرأس.
فلمّا مضى وهن من الليل ، سمعت دويّاً من السماء، وإذا منادياً ينادي : يا آدم اهبط . فهبط أبو البشر، ومعه خلق كثير من الملائكة .
ثم سمعت دويّاً كالأول فإذا مناد ينادي: يا إبراهيم اهبط .
فهبط ومعه كثير من الملائكة .
ص: 581
ثم سمعت منادياً (1) ينادي : اهبط ياموسى . فهبط مع ملائكة .
وسمعت منادياً ينادي : یا عیسی اهبط . فهبط و معه ملائكة .
ثم سمعت دويّاً عظيماً ومناد ينادي : يا محمّد أهبط .
فهبط ومعه خلق كثير من الملائكة ، فأحدقت الملائكة بالقبّة .
ثم إنّ النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) دخل القبّة فأخذ الرأس منها .
وفي رواية : قعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) تحت الرأس، فانحنى الرمح ، ووقع الرأس في حجره، فأخذه و جاء به إلى آدم (علیه السلام) فقال: يا أبي يا آدم، ما ترى ما فعلت أمّتي بولدي [من] بعدي ؟! فاقشعرّ لذلك جلدي.
ثم قام جبرئيل (علیه السلام) فقال : يا محمّد ، أناصاحب الزلازل ، فأمرني لأزلزل بهم الأرض وأصيح بهم صيحة يهلكون فيها . فقال : لا . قال : يا محمّد دعني وهؤلاء الأربعين الموكّلين بالرأس . قال : فدونك، فجعل ينفخ بواحد واحد فيهك ، فدنا منّي وقال: أتسمع و تری؟ فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : دعوه، دعوه لا يغفر الله له فتركني، وأخذوا الرأس و ولّوا. فافتقد الرأس من تلك الليلة ، فما عرف له خبر .
ولحق عمر بن سعد بالري ، فما لحق بسلطانه ، ومحق الله عمره، واهلك في الطريق.
فقال الأعمش : قلت للرجل : تنحّ عنّي ، لا تحرقني بنارك .
فولّيت ولا أدري ما كان من خبره .(2)
ص: 582
1- عن أبي حمزة الثمالي : قلت لعليّ بن الحسين (علیهما السلام): أسألك عن شيء أنفي عنّي به ما قد خامر نفسي .قال : ذلك لك.
قلت : أسألك عن الاوّل و الثاني .
فقال : عليهما لعائن الله كليهما ، مضيا - والله - کافرین مشرکین بالله العظيم .
قلت : فالأئمّة منكم يحيون الموتى، و يبرؤون الأكمه والأبرص، ويمشون على الماء؟
فقال : ما أعطى الله نبيّأ شيئاً إلّا وقد أعطى محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، و أعطاه ما لم يعطهم ولم يكن عندهم، و كلمّا كان عند رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقد أعطاه أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثم الحسين (علیهم السلام) ثمّ إماماً بعد إمام إلى يوم القيامة مع الزيادة الّتي تحدث في كل سنة ، وفي کلّ شهر ، و في کلّ يوم .
وإنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان قاعداً، فذكر اللحم ، فقام رجل من الأنصار إلى امرأته و كان لها عناق(1) - فقال لها : هل لك في غنيمة ؟ قالت : وماذاك ؟
قال: إنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يشتهي اللحم، فنذبح له عنزنا هذه. قالت:خذها شأنك و إيّاها ولم يملكا(2) غيرها. و كان رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يعرفهما . فذبحها و سمطها و شواها، وحملها إلى
ص: 583
رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فوضعها بين يديه .
قال : فجمع أهل بيته ومن أحبّ من أصحابه ، فقال : كلوا ولا تكسروا لها عظماً وأكل معه الأنصاري ، فلمّا شبعوا وتفرّقوا، رجع الأنصاري إلى بيته وإذا العناق تلعب على باب داره .
وروى أنّه (علیه السلام) دعا غزالاً ، فأتاه ، فأمر بذبحه ، ففعلوا ، و شووه وأكلوا لحمه ولم يكسروا له عظماً ، ثمّ أمر أن يوضع بجلده و تطرح عظامه وسط الجلد ، فقام الغزال حياً يرعی.(1)
2- و منها : أنّ علي بن الحسين (علیهما السلام) قال : رأيت في النوم كأنّي أتيت بقعب(2)من لبن ، فشربته ، فأصبحت من الغد فجاشت نفسي فتقيّات لبناً قليلاً ، ومالي به عهد منذحين ومنذ أيّام .(3)
3- ومنها : أنّ أبا بصير قال : حدّثني الباقر (علیه السلام) أنّ علي بن الحسين (علیهما السلام) قال: رأيت الشيطان في النوم فواثبني فرفعت يدي فكسرت أنفه ، فأصبحت و إنّ على ثوبي لرشّ دم .(4)
4- ومنها : أنّ عبد الله بن عطاء قال : كنت قاعداً مع علي بن الحسين (علیهما السلام) إذ مرّ بنا عمر بن عبدالعزير بن مروان ، وفي رجله نعل شراکھا فضّة ، و كان إذ ذاك
ص: 584
هو شاب من أجمل(1) الناس ، فنظر إليه زين العابدین (علیه السلام)فقال : يا ابن عطاء، أترى هذا المترف؟ إنّه لا يموت حتّى يلي أمر الناس ، ولا يلبث في ملكه كثيراً ، فإذا مات لعنه أهل السماوات لأنّه يظلمنا حقّنا ، ولتستغفر له أهل الأرض .(2)
5- ومنها : أنّ يدي رجل وامرأة التزقتا على الحجر وهما في الطواف، وجهد كل واحد أن ينتزعها فلم يقدر ، فقال الناس: اقطعوهما. فبينا هم كذلك إذ دخل زین العابدین وقد ازدحم الناس ، وأفرجوا له ، فتقدّم فوضع يده عليهما فانحلّتا و تفرقوا(3).(4)
6- ومنها : أنّه (علیه السلام) تلكّأت عليه ناقة بين جبال رضوی (5) فأتاها ، ثمّ أراها السوط والقضيب ، ثمّ قال : لتنطلقنّ أو لأفعلنّ . فانطلقت .(6)
ص: 585
7- ومنها : أنّه (علیه السلام) لمّا توفّي، جاءت راحلته - التي حجّ عليها عشرین حجّة ، ما قرعها بسوط - إلى قبره . وضربت بجرانها(1) وذرفت عيناها ، وجعلت تفحص عند قبره .(2)
8- و منها : أنّ علي بن الحسين (علیهما السلام) قال يوماً : موت الفجأة تخفيف على المؤمن ، و أسف(3) على الكافر ،(4) وإنّ المؤمن ليعرف غاسله و حامله ، فإن كان له عند ربّه خير ، ناشد حملته أن يعجّلوا به ، و إن كان غير ذلك ناشدهم أن يقصّروا به .
فقال ضمرة بن سمرة(5): إن كان كما تقول فاقفز من السرير . وضحك، و أضحك. فقال : اللّهمّ إنّ ضمرة ضحك و أضحك لحديث رسول الله ، فخذه أخذة أسف. فمات فجأة .
ص: 586
فأتی بعد ذلك مولی لضمرة زین العابدين (علیه السلام)، فقال : أصلحك الله إنّ ضمرة مات فجأة، وإنّي لاقسم لك بالله إنّي لسمعت صوته (1) وأنا أعرفه كما كنت أعرف صوته في حياته في الدنيا، وهو يقول: الويل لضمرة بن سمرة، خلا منّي کلّ حميم، و حللت بدار الجحيم ، وبها مبيتي والمقيل .
فقال علي بن الحسين (علیهما السلام): الله أكبر، هذا جزاء (2) من ضحك وأضحك بحديث رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .(3)
9- ومنها: أن زین العابدين (علیه السلام) كان يخرج إلى ضياعه (4) ، فإذا بذئب أمعط أعبس(5) قد قطع على الصادر و الوارد ، فدنا منه و وعوع(6) فقال له : إنصرف فإنّي أفعل إن شاء الله .
فانصرف الذئب ، فقيل: ما شأن الذئب ؟
فقال: أتاني وقال : زوجتي عسر عليها ولادتها، فأغثني و أغثها، بأن تدعو بتخليصها ولك الله [علي] أن لا أتعرض أنا ، ولاشيء من نسلي لأحد من شيعتك . ففعلت.(7)
10 - ومنها : أنّه (علیه السلام) نزل بعسفان ومعه أناس كثير من مواليه - وهو منزل بين
ص: 587
مكّة والمدينة - فإذا غلمانه قد ضربوا فسطاطه(1) في موضع.
فلمّا دنا من ذلك الموضع قال لغلمانه : كيف ضربتم في هذا الموضع وفيه قوم من الجنّ ، وهم لنا أولياء ، وهم لنا شيعة، وقد أضررنا بهم، وضیّقنا عليهم(2)؟!
فقالوا: ما علمنا أنّ هذا يكون هاهنا، فإذا هاتف به من جانب الفسطاط – نسمع كلامه ، و لانرى شخصه - يقول : يابن رسول الله، لاتحوّل فسطاطك من موضعك فإنّا نحتمل لك ، وهذا الطبق(3) قد بعثنا به إليك ، نحبّ أن تأكل منه .
فنظروا فإذا في جانب الفسطاط طبق عظيم ، وطبق آخر فيه عنب ورطب و رمّان وفاكهة من الموز ، وفواكه كثيرة .
فدعا علي بن الحسين(4) (علیهما السلام) رجالاً كانوا معه ، فأكل، و أكلوا من ذلك الطعام، وارتحلوا.(5)
ص: 588
1- عن دعبل الخزاعي قال : حدّثني الرضا ، عن أبيه ، عن جدّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : كنت عند أبي، الباقر (علیه السلام) إذ دخل عليه جماعة من الشيعة و فيهم جابر بن یزید ، فقالوا: هل رضي أبوك علي [بن أبي طالب] (علیه السلام) بإمامة الأول و الثاني ؟
فقال : اللّهمّ لا. قالوا : فلم نكح من سبيهم خولة الحنفيّة إذا لم يرض بإمامتهم ؟
فقال الباقر(علیه السلام) : امض يا جابر بن يزيد إلى [منزل] جابر بن عبد الله الأنصاري فقل له : إنّ محمّد بن علي يدعوك .
قال جابر بن يزيد : فأتيت منزله و طرقت عليه الباب ، فناداني جابر بن عبد الله الأنصاري من داخل الدار : اصبر يا جابر بن یزید .
قال جابر بن یزید : فقلت في نفسي : من أين علم جابر الأنصاري أنّي جابر بن یزید و لم(1) يعرف الدلائل إلّا الأئمّة من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ والله لأسألنّه إذا خرج إليّ ، فلمّا خرج قلت له: من أين علمت أنّي جابر ، و أنا على الباب و أنت داخل الدار(2)؟ قال: [ قد ] خبرني(3) مولاي الباقر (علیه السلام) البارحة أنّك تسأله(4) عن الحنفيّة(5)
ص: 589
في هذا اليوم ، وأنا أبعثه إليك(1) یا جابر بكرة غد(2) أدعوك . فقلت : صدقت .
قال: سر بنا . فسرنا جميعاً حتّى أتينا المسجد .
فلمّا بصر مولاي الباقر(3)(علیه السلام) بنا ونظر إلينا ، قال للجماعة : قوموا إلى الشيخ فاسألوه(4) حتّى ينبئكم بما سمع و رأی وحدث . فقالوا: يا جابر هل رضي (5) إمامک علي بن أبي طالب (علیه السلام) بإمامة من تقدّم ؟ قال : اللّهمّ لا ، قالوا : فلم نكح من سبيهم [خولة الحنفية] إذ لم يرض بإمامهتم ؟
قال جابر : آه آه آه لقد ظننت أنّي أموت و لا أسأل عن هذا [و الآن] إذ(6)سألتموني فاسمعوا ، وعوا : حضرت السبي وقد أدخلت الحنفيّة فيمن أدخل(7) فلمّا نظرت إلى جميع الناس عدلت إلى تربة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فرنّت رنّة وزفرت زفرة، و أعانت بالبكاء والنحيب ، ثمّ نادت :
السلام عليك يا رسول الله صلّى الله عليك ، وعلى أهل بيتك من بعدك ، هؤلاء أمّتك سبتنا(8) سبي النوب والديلم، و[ الله ] ما كان لنا إليهم من ذنب إلّا الميل إلى أهل بيتك ، فجعلت(9) الحسنة سيّئة ، والسيّئة حسنة فسبننا(10).
ثمّ انعطفت (11) إلى الناس ، وقالت: لم سبيتمونا وقد أقررنا بشهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً رسول الله؟ قالوا(12) : منعتمونا الزكاة .
قالت : هبوا(13) الرجال منعوكم ، فما بال النسوان(14) ؟
ص: 590
فسكت المتكلّم كأنّما ألفم حجراً .
ثم ذهب إليها طلحة وخالد بن عنان في التزوج بها وطرحا إليها ثوبين(1)فقالت : لست بعريانة فتكسوني . قيل لها : إنّهما يريدان أن يتزايدا عليك ، فأيّهما زاد على صاحبه أخذك من السبي .
قالت : هیهات و الله لا يكون ذلك أبداً ، ولا يملكني و لا يكون لي بعل إلّا من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن أمّي.
فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، وورد عليهم من ذلك الكلام ما أبهر عقولهم و أخرس ألسنتهم ، وبقي القوم في دهشة من أمرها(2).
[فقال أبوبكر: مالكم ينظر بعضكم إلى بعض ؟ قال الزبير : لقولها الذي سمعت].
فقال أبوبكر : ما هذا الأمر(3) الذي أحصر أفهامكم، إنّها جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت ورأت، فلاشكّ أنّها داخلها الفزع ، و تقول ما لاتحصیل له.
فقالت : لقد رميت بكلامك (4) غير مرميّ - والله - ما داخلني فزع و لاجزع و - والله - ما قلت إلّا حقّاً ، و لا نطقت إلّا فصلا (5) ، ولا بدّ أن يكون كذلك وحقّ صاحب هذه البنيّة(6) ما كذبت ولا كذبت .
ثمّ سكتت وأخذ طلحة و خالد ثوبيهما ، وهي قد جلست ناحية من القوم .
فدخل علي بن أبي طالب (علیه السلام) فذكروا له حالها ، فقال : هي صادقة فيما قالت ، و كان من حالها وقصّتها كيت و کيت في حال ولادتها ، وقال :
ص: 591
إنّ کلّ ما تكلّمت به في حال خروجها من بطن أمّها هو كذا و كذا ، و كلّ ذلك مكتوب على لوح [نحاس] معها ، فرمت باللوح إليهم لمّا سمعت كلامه (علیه السلام) فقرؤوه فكان(1) على ما حكي علي بن أبي طالب (علیه السلام) ، لايزيد حرفاً ولا ينقص .
فقال أبوبكر : خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها .
فوثب سلمان فقال: - والله - ما لأحد هاهنا منّة على أمير المؤمنين (علیه السلام)، بل لله المنّة ولرسوله ولأمير المؤمنين، - والله - ما أخذها إلّا لمعجزه الباهر، و علمه القاهر، وفضله الذي يعجز عنه کلّ ذي فضل(2).
ثمّ قام المقداد فقال: ما بال أقوام قد أوضح الله لهم طريق الهداية فترکوه، و أخذوا طريق العمى ؟ و ما من يوم إلّا وتبيّن لهم فيه دلائل أمير المؤمنين .
وقال أبوذرّ : واعجبا لمن يعاند(3) الحقّ ، وما من وقت إلّا وينظر إلى بيانه ، أيّها الناس إنّ الله قدبیّن لكم فضل أهل الفضل . ثمّ قال : يا فلان أتمن على أهل الحقّ بحقّهم وهم بما في يديك أحقّ وأولی ؟
وقال عمّار : أناشدكم الله أما سلّمنا على أمير المؤمنين هذا علي بن أبي طالب (علیه السلام) في حياة رسول الله بإمرة المؤمنين ؟ فوثب عمر و زجره(4) عن الكلام ، وقام أبوبكر، فبعث على خولة إلى دار(5) أسماء بنت عمیس ، وقال لها : خذي هذه المرأة، أكرمي مثواها . فلم تزل خولة عند(6) أسماء إلى أن قدم أخوها وزوّجها من(7) علي بن أبي طالب(علیه السلام).
ص: 592
فكان الدليل على علم أمير المؤمنين (علیه السلام)، و فساد ما يورده القوم من سبيهم(1)وأنّه تزوّج بها نکاحاً، فقالت الجماعة :
یا جابر بن عبد الله أنقذك الله من حرّ النار كما أنقذتنا من حرارة الشكّ. (2)
2- ومنها : ماروي عن عبد الرحمن بن كثير(3) ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: نزل أبو جعفر الباقر (علیه السلام) بواد ، فضرب خباءه (4) فيه ، ثمّ خرج يمشي حتّى انتهى إلى نخلة يابسة، فحمد الله ثمّ تكلّم بكلام لم أسمع بمثله، ثمّ قال: أيّتها النخلة أطعمينا ممّا جعل الله فيك. فتساقط منها رطب أحمر و أصفر، فأکل و معه أبواميّة الأنصاري فقال: يا أبا أميّة هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها النخلة فتساقط عليها رطباً جنيّاً (5) .(6).
ص: 593
3- ومنها : ماروي عن عبد الله بن عطاء المكّي أنّه قال : اشتقت إلى أبي جعفر الباقر (علیه السلام) وأنا بمكّة، فقدمت المدينة ، وما قدمتها إلّا شوقاً إليه ، فأصابني تلك الليلة مطر وبرد شديد، فانتهيت إلى بابه نصف الليل، فقلت: أطرقه في هذه الساعة ، أو أنتظر حتى أصبح ، فإنّي لأفكّر في ذلك إذ سمعته يقول: يا جارية افتحي الباب لابن عطاء، فقد أصابه برد في هذه الليلة! ففتحت [الباب] ودخلت .(1)
4- ومنها : أنّ عبد الله بن عطاء قال : فرغت ليلة من طوافي وسعيي، وقد بقي علي من الليل . وكان الباقر (علیه السلام) بمكّة ، فقلت: أمضي إليه فأتحدّث عنده بقيّة ليلي، فجئت إلى الباب فدققته(2) فسمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: إن كان عبد الله بن عطاء فادخل . فدخلت.(3)
5- ومنها: ما روي عن أبي بصير قال: كنت أقرىء امرأة القرآن بالكوفة فمازحتها بشيء ، فلمّا دخلت على أبي جعفر (علیه السلام) عاتبني وقال: من ارتكب الذنب في الخلاء لم يعبأ الله به ، أي شيء قلت للمرأة؟ فغطّيت وجهي حياءاً، و تبت .
فقال أبو جعفر (علیه السلام): لاتعد.(4)
ص: 594
6 - ومنها: ماروی أبو بصير ، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال لرجل : كيف أبوك ؟
قال : صالح . قال : قد(1) مات أبوك [بعدما خرجت] حيث صرت(2) إلى جرجان .
[ثمّ] قال: كيف أخوك ؟ قال : قد تركته صالحاً. قال: قد قتله جار له يقال له «صالح» يوم كذا ، في ساعة كذا. فبكى الرجل وقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون ممّا(3) أصبت.
فقال أبو جعفر (علیه السلام): اسکن فقد صاروا إلى الجنة، و الجنّة خير لهم ممّا كانوا فيه.
فقال الرجل : إنّي خلّفت ابني وجعاً شديد الوجع ، ولم تسألني عنه .
قال: قد برأ، وزوّجه عمّه ابنته [وأنت تقدم عليه]، وقد ولد له غلام و اسمه عليّ وهو لنا شيعة ، وأمّا ابنك فليس لنا شيعة ، بل هو لنا عدوّ .
فقال له الرجل: فهل من حيلة؟ قال: إنّه لنا عدوّ . فقام الرجل [من عنده] وهو وقيذ(4)
قلت: من هذا ؟ قال : هو رجل من أهل خراسان ، وهو لنا شيعة، وهو مؤمن .(5)
7- ومنها : ماروي عن أبي بصير قال: دخلت المسجد مع أبي جعفر (علیه السلام) والناس يدخلون ويخرجون، فقال لي: سل الناس هل يرونني؟ فكل من لقيته قلت [له]: أرأيت(6)
ص: 595
أبا جعفر(علیه السلام)؟ فيقول: لا-وهو واقف - حتى دخل أبوهارون المكفوف(1)، فقال: سل هذا.
فقلت : هل رأيت أباجعفر (علیه السلام)؟ فقال : أليس هو واقفاً(2)؟
قلت : وماعلمك(3)؟ قال: و كيف لا أعلم وهو نور ساطع .
قال : وسمعته يقول لرجل من أهل إفريقيا: ماحال راشد ؟
قال: خلّفته حيّاً صالحاً يقرؤك السلام. قال: رحمه الله. قال: مات؟ قال: نعم.
قال: ومتى؟ قال: بعد خروجك بيومين. قال: والله مامرض، ولا كان به علّة !
قال: وإنّما يموت من يموت من مرض أو علّة . قلت: من الرجل ؟
قال: رجل كان لنا موالياً ولنا محبّاً . ثمّ قال : لئن ترون أنّه ليس لنا معكم أعين ناظرة أو أسماع سامية ، لبئس مارأيتم - والله - لا يخفى علينا شيء من أعمالكم ، فاحضرونا جميلا(4)، وعودوا أنفسكم الخير ، و كونوا من أهله تعرفون به(5) فإنّي بهذا آمر ولدي وشيعتي .(6)
8- ومنها : ما روي عن الحلبي ، عن الصادق (علیه السلام)[قال] :
دخل ناس على أبي فقالوا: ماحدّ الإمام ؟
قال: حدّ عظيم ، إذا دخلتم عليه فوقّروه و عظّموه ، و آمنوا بما جاء به من شيء
ص: 596
وعليه أن يهديكم، وفيه خصلة إذا دخلتم عليه لم يقدر أحد أن يملأ عينه منه إجلالا(1) وهيبة، لأنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كذلك كان ، و كذلك يكون الإمام.
قال(2) : فيعرف شيعته؟ قال: نعم ساعة يراهم .
قالوا: فنحن لك شيعة؟ قال: نعم، کلّکم.
قالوا: أخبرنا بعلامة ذلك. قال: أخبركم بأسمائكم و أسماء آبائكم وقبائلكم(3)؟
قالوا : أخبرنا. فأخبرهم ، قالوا : صدقت .
قال: وأخبرکم عمّا أردتم أن تسألوا عنه، هي قوله تعالی « أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ »(4). قالوا: صدقت. قال: نحن الشجرة التي قال الله تعالی :
« أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ » نحن نعطي شيعتنا مانشاء من علمنا .
ثم قال : يقنعكم . قالوا (5): ما(6) دون هذا مقنع(7).(8)
9- و منها : ما روى أبو عيينة(9) قال : كنت عند أبي جعفر فدخل رجل فقال: أنا من أهل الشام أتولاكم و أبرأ من عدوّكم ، و أبي كان يتولّى بني أميّة ، و كان
ص: 597
له مال كثير ، ولم يكن له ولد غيري ، و كان مسكنه بالرملة ، و كانت له جنينة(1) يتخلّي فيها بنفسه ، فلمّا مات طلبت المال فلم أظفر به، ولا أشكّ أنّه دفنه وأخفاه منّي
قال أبو جعفر(علیه السلام) : أفتحبّ أن تراه وتسأله أين موضع ماله ؟ قال : إي والله إنّي فقیر محتاج . فكتب أبو جعفر كتاباً وختمه بخاتمه ، ثمّ قال : انطلق بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتّى تتوسّطه ، ثمّ تنادي : یادر جان یا درجان، فإنّه يأتيك رجل معتم(2) فادفع إليه كتابي ، وقل : أنا رسول محمّد بن علي بن الحسين (علیهم السلام)، فإنّه يأتيك به ، فاسأله عمّا بدا لك. فأخذ الرجل الكتاب و انطلق .
قال أبو عبيدة : فلمّا كان من الغد أتيت أبا جعفر لأنظر ما حال الرجل ، فإذا هو على الباب ينتظر أن يؤذن له ، فاذن [له] فدخلنا جميعاً ، فقال الرجل : الله يعلم عند من يضع العلم ، قد انطلقت البارحة ، وفعلت ما أمرت ، فأتاني الرجل فقال : لاتبرح(3) من موضعك حتّى آتيك به . فأتاني برجل أسود، فقال : هذا أبوك .
قلت: ما هو أبي. قال : [بل] غيّره اللهب ودخان الجحيم و العذاب الأليم.
فقلت له : أنت أبي ؟ قال : نعم . قلت : فما غيّرك عن صورتك وهيئتك ؟
قال : يا بنيّ كنت أتولّى بني أميّة وأفضّلهم على أهل بيت النبي بعد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فعذبني الله بذلك ، و كنت أنت تتولّاهم ، فكنت أبغضك(4) على ذلك ، و حرمتك مالي فزويته عنك ، وأنا اليوم على ذلك من النادمين ، فانطلق يا بنيّ إلى جنينتي فاحتفر تحت الزيتونة ، و خذ المال ( و هومائة ألف و خمسون ألفاً ) (5) فادفع إلى محمّد بن علي خمسين ألفاً ، و الباقي لك.
ص: 598
ثم قال : فأنا(1) منطلق حتى آخذ المال و آتيك بمالك .
قال أبو عيينة : فلمّا كان من قابل(2) دخلت على أبي جعفر (علیه السلام)(3) فقلت : ما فعل الرجل صاحب المال ؟ قال : [ قد ](4) أتاني بخمسين ألف درهم ، فقضيت منها دیناً كان عليّ ، و ابتعت منها(5) أرضاً بناحية خيبر ، و وصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي .(6)
10- ومنها : [ما روي] عن عبدالله بن معاوية الجعفري قال : ساحدّثكم بما سمعته أذناي ، ورأته عيناي من أبي جعفر(علیه السلام) أنّه كان [على المدينة] رجل من آل مروان ، وأنّه أرسل إليّ يوماً فأتيته وما عنده أحد من الناس .
فقال لي : يا بن معاوية إنّما دعوتك لثقتي بك، وإنّي قد علمت أنّه لا يبلّغ عنّي غيرك، فأحببت(7) أن تلقى عمّيك محمّد بن علي (علیهما السلام)، وزيد بن الحسن، وتقول لهما : يقول لكما الأمير : لتكفّان عمّا يبلغني عنكما ، أو لتنكران(8).
فخرجت من عنده متوجّهأ إلى أبي جعفر (علیه السلام) فاستقبلته متوجّهاً إلى المسجد، فلمّا
ص: 599
دنوت منه تبسّم ضاحكاً وقال: بعث إليك هذا الطاغية ودعاك و قال لك: الق عمّيك الأحمقين و قل لهما: كذا.
قال : فأخبرني أبو جعفر (علیه السلام) بمقالته كأنّه كان حاضراً ، ثمّ قال : يا ابن عمّ قد كفينا أمره بعد غد ، فإنّه معزول ومنفي إلى بلاد مصر - والله - ما أنا بساحر ولا كاهن ولكنّي أتيت وحدّثت .
قال : فوالله ما أتى عليه اليوم الثاني حتى ورد عليه عزله و نفيه إلى مصر، وولّي المدينة غيره.(1)
11 - ومنها : ماروی أبو بصير(2) عن أبي عبدالله قال : كان زيد بن الحسن يخاصم أبي(3) في ميراث رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و يقول : أنا من ولد الحسن ، وأولى بذلك منك ، لأنّي من ولد(4) الأكبر، فقاسمني میراث رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وادفعه إليّ. فأبي(5)أبي ، فخاصمه إلى القاضي ، فكان يختلف(6) معه إلى القاضي ، فبينا هم كذلك ذات يوم في خصومتهم ، إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن علي : اسكت يا ابن السندیّة.
فقال زيد بن عليّ أف لخصومة تذكر فيها الأمّهات
- والله - لا كلّمتك بالفصيح من رأسي(7) أبداً حتى أموت، وانصرف إلى أبي فقال (8): يا أخي حلفت بیمین ثقة بك ، وعلمت أنّك لا تكرهني ولا تخيّبني
ص: 600
حلفت أن لا أكلّم زید بن الحسن ولا أخاصمه . وذكر ما كان بينهما، فأعفاه أبي و اغتنمها(1) زید بن الحسن فقال(2): یلي خصومتي محمّد بن علي فاعنّته(3) و أوذيه فيعتدي عليّ(4). فعدا على أبي فقال : بيني و بينك القاضي. فقال: انطلق بنا .
فلمّا أخرجه قال أبي : یا زید إنّ معك سكّينة قد أخفيتها أرأيتك إن نطقت هذه السكّينة التي سترتها(5) منّي فشهدت أنّي أولى بالحقّ منك ، أفتكفّ عنّي ؟
قال: نعم . و حلف له بذلك .
فقال أبي : أيّتها السكّينة انطقي باذن الله .
فوثبت السكّينة من يد(6) زید بن الحسن على الأرض ، ثمّ قالت : یا زید بن الحسن أنت ظالم ، ومحمد أحقّ منك وأولى ، ولئن لم تكف لألين قتلك(7).
فخرّ زيد مغشيّاً عليه، فأخذ أبي بيده فأقامه .
ثمّ قال : يا زيد إن نطقت هذه الصخرة التي نحن عليها أتقبل؟ قال : نعم. وحلف له على ذلك، فرجفت الصخرة(8) ممّایلي زيد، حتّى كادت أن تفلق ، ولم ترجف ممّا يلي أبي ، ثمّ قالت :
یا زيد أنت ظالم ، ومحمد أولى بالأمر منك ، فكفّ عنه ، وإلّا ولّیت قتلك .فخر زید مغشيّاً عليه ، فأخذ أبي بيده وأقامه، ثمّ قال : يا زيد أرأيت إن نطقت
ص: 601
هذه الشجرة (1) أتكفّ ؟ قال: نعم.
فدعا أبي (علیه السلام) الشجرة ، فأقبلت تخدّ (2) الأرض حتّى أظلّتهم، ثمّ قالت :
یا زید أنت ظالم ، ومحمد أحقّ بالأمر منك ، فكفّ عنه وإلّا قتلتك .
فغشي على زيد (3) ، فأخذ أبي بيده ، وانصرفت الشجرة إلى موضعها .
فحلف زيد أن لا يعرض لأبي (4) ولا يخاصمه ، فانصرف و خرج زید من يومه إلى(5) عبدالملك بن مروان (6) فدخل عليه ، و قال له : أتيتك من عند (7) ساحركذاب لايحلّ(8) لك تركه، وقصّ عليه ما رأي، فكتب عبد الملك إلى عامل المدينة :أن ابعث إليّ بمحمد بن علي مقيّداً.
وقال لزيد : أرأيتك إن ولّيتك قتله تقتله(9)؟ قال : نعم.
[قال:] فلمّا انتهى الكتاب إلى العامل أجاب [العامل] عبدالملك : ليس كتابي هذا خلافاً عليك يا أمير المؤمنين، ولا أردّ أمرك، ولكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك، وشفقة عليك ، وإنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعفّ منه، ولا أزهد ، و[لا] أورع منه ، وإنّه ليقرأ في محرابه ، فيجتمع الطير و السباع تعجبّاً
ص: 602
لصوته، وإنّ قراءته لتشبه مزامير داود، و إنّه من أعلم الناس، وأرقّ الناس ، وأشدّ الناس(1) اجتهاداً وعبادة، و كرهت لأمير المؤمنين التعرض له، فان الله لايغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم(2).
فلمّا ورد الكتاب علی عبدالملك سر بما أنهى إليه الوالي ، و علم أنّه قد نصحه فدعا بزيد بن الحسن وأقرأه الكتاب، فقال زيد : أعطاه وأرضاه .
فقال عبد الملك : هل تعرف أمراً غير هذا؟ قال: نعم، عنده سلاح رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و سيفه، ودرعه ، وخاتمه، وعصاه، وتركته، فاكتب إليه فيه، فإن هو لم يبعث [به] فقد وجدت إلى قتله سبيلا(3) .
فكتب عبد الملك إلى العامل أن أحمل إلى أبي جعفر محمّد بن علي ألف ألف درهم وليعطك ماعنده من میراث رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فأتى العامل منزل أبي جعفر بالمال وأقرأه الكتاب ، فقال: أجّلني أيّاماً. قال: نعم . فهيّأ أبي متاعاً مكان کلّ شيء ، ثمّ حمله و دفعه إلى العامل ، فبعث به إلى عبد الملك ، فسرّ به سروراً شديداً، فأرسل إلى زيد فعرض(4) عليه، فقال زيد :
والله ما بعث إليك من متاع رسول الله بقليل ولا كثير .
فكتب عبدالملك إلى أبي: إنّك أخذت مالنا، ولم ترسل إلينا بما طلبنا .
فكتب إليه [أبي] : إنّي قد بعثت إليك بما قد رأيت، وإنّه(5) ماطلبت ، وإن شئت لم يكن . فصدّقه عبدالملك ، وجمع أهل الشام ، وقال: هذا متاع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قد أتيت به ، ثمّ أخذ زيداً وقيّده و بعث به إلى أبي، وقال له :
ص: 603
لولا أنّي لا أريد أن أبتلي بدم أحد منكم لقتلتك .
وكتب إلى أبي [جعفر]: إنّي بعثت إليك بابن عمّك فأحسن أدبه.
فلمّا أتي به أطلق عنه و کساه .
ثمّ إنّ زيداً ذهب إلى سرج فسمّه، ثمّ أتي به إلى أبي فناشده إلّا ركبت هذا السرج .
فقال أبي : ويحك يازيد، ما أعظم ما تأتي به ، ومايجري على يديك ، إنّي لأعرف الشجرة التي تحت منها ، ولكن هكذا(1) قدّر ، فویل لمن أجرى الله على يديه الشرّ.
فأسرج له، فركب أبي و نزل متورماً، فأمر بأكفان له [و كان] فيها ثوب أبيض أحرم فيه، و قال : «اجعلوه في أكفاني» وعاش ثلاثاً، ثمّ مضى لسبيله ، وذلك السرج عند آل محمّد معلّق .
ثمّ إنّ زید بن الحسن بقي بعده أيّاماً، فعرض له داء، فلم يزل يتخبّط ويهوي(2)وترك الصلاة حتّى مات .(3)
12- ومنها : ماروی جابر الجعفي ، قال : خرجت مع أبي جعفر (علیه السلام) إلى الحجّ وأنا زميله ، إذ أقبل ورشان(4) فوقع على عضادتي محمله فترنّم(5) ، فذهبت لآخذه فصاح بي : «مه ياجابر فإنّه استجار بنا أهل البيت» قلت: وما الذي شكا إليك؟
فقال: شكا إلي أنّه يفرّخ في هذا الجبل منذ ثلاث سنين، وأنّ حيّة تأتيه فتأكل فراخه ، فسألني «أن أدعو الله عليها ليقتلها» ففعلت، وقد قتلها الله .
ص: 604
ثمّ سرنا حتّى إذا كان وقت(1) السحر قال لي : « انزل يا جابر » فنزلت فأخذت بخطام الجمل، و نزل فتنحّي يمنة عن الطريق، ثمّ عمد إلى روضة(2) من الأرض ذات رمل فأقبل فكشف(3) الرمل يمنة ويسرة وهو يقول: «اللّهمّ اسقنا وطهّرنا» إذ بدا حجر مرتفع(4) أبيض بين الرمل فاقتلعه ، فنبع(5) له عين ماء [ أبيض ] صاف ، فتوضّأ وشربنا منه.
ثمّ ارتحلنا فأصبحنا دون قرية ونخل، فعمد أبوجعفر إلى نخلة يابسة فيها، فدنا منها وقال: «أيّتها النخلة أطعمينا ممّا خلق الله فيك» فلقد رأيت النخلة تنحني حتّى جعلنا نتناول من ثمرها و نأكل ، وإذا أعرابي يقول : ما رأيت ساحراً(6)كاليوم .
فقال أبوجعفر : يا أعرابيّ لا تكذبنّ علينا أهل البيت، فإنّه ليس منّا ساحر ولا کاهن، ولكنّا(7) علّمنا أسماء من أسماء الله تعالی نسأل بها فنعطي، وندعو فنجاب.(8)
ص: 605
1- عن سعد الاسكاف [قال] : كنت عند أبي عبدالله (علیه السلام) ذات يوم، إذ دخل(1)عليه رجل من [أهل] الجبل بهدايا و ألطاف، فكان فيما أهدى إليه جراب من قديد(2)وحش ، فنشره أبوعبد الله (علیه السلام) ثمّ قال : خذها فأطعمها الكلاب .
قال الرجل : لِمَ ؟ قال : ليس بذكي(3) . فقال الرجل : اشتريته من رجل مسلم ذكر أنّه ذكي ، فردّه أبو عبد الله (علیه السلام) في الجراب ، و تكلّم عليه بكلام لم أدر ماهو. ثم قال للرجل : قم فأدخله ذلك البيت، وضعه في زاوية البيت. ففعل .
فسمع القديد يقول : «یا عبدالله ليس مثلي يأكله الإمام ، ولا أولاد الأنبياء ، لست بذكي» فحمل الرجل الجراب وخرج .
فقال أبو عبدالله (علیه السلام): ما قال ؟ قال : أخبرني بما أخبرتني به أنّه غير ذكي .
فقال أبو عبدالله (علیه السلام): أما علمت(4) يا أباهارون ؟ أنّا نعلم ما لا تعلمه(5) الناس ؟
ص: 606
قال : بلى . فخرج وألقاه على كلب لقيه .(1)
2- ومنها : ما روي عن عبدالله(2) بن يحيى الكاهلي قال [:قال] أبو عبدالله (علیه السلام): إذا لقيت السبع ماذا(3) تقول له ؟ قلت : لاأدري .
قال : إذا لقيته فاقرأ في وجهه آية الكرسي ، وقل : عزمت عليك بعزيمة الله ، وعزيمة(4) رسوله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وعزيمة سليمان بن داود ، و [عزيمة] عليّ أمير المؤمنين (علیه السلام) والأئمّة من بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) [إلا تنحّيت عن طريقنا ، ولم تؤذنا ، فإنّا لانؤذيك] ، فإنّه ينصرف عنك .
قال عبد الله : (فقدمت الكوفة ، فخرجت مع ابن عمّ لي إلى قرية ، فإذا سبع قد اعترض لنا في الطريق ، فقرأت في وجهه آية الكرسي ، فقلت : عزمت عليك بعزيمة الله ، و عزيمة محمّد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، و عزيمة سليمان بن داود ، و [عزيمة] عليّ
ص: 607
أميرالمؤمنين والأئمّة من بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلّا تنحّيت عن طريقها ، و لم تؤذنا ، فإنّا لانؤذيك)(1) .
قال : فنظرت إليه و قد طأطأ رأسه و أدخل ذنبه بين رجليه ، وركب الطريق راجعاً من حيث جاء .
فقال ابن عمّي : ما سمعت كلاماً أحسن من كلامك [هذا] الّذي سمعته منك.
فقلت : أيّ شيء سمعت ؟ هذا كلام جعفر بن محمّد.
فقال : [أنا] أشهد أنّه إمام فرض الله طاعته ، وما كان ابن عمّي يعرف قليلاً ولا كثيراً.
قال : فدخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) من قابل ، فأخبرته الخبر .
فقال : ترى أنّي لم أشهدكم ؟! بئسما رأيت .
ثمّ قال : إنّ لي مع کلّ وليّ اُذناً سامعة ، وعيناً ناظرة ، ولساناً ناطقاً .
ثمّ قال : يا عبد الله أنا - والله - صرفته عنكما، وعلامة ذلك أنّكما كنتما في البريّة على شاطىء النهر، واسم ابن عمّك لمثبت(2) عندنا، وما كان الله ليميته حتّى يعرف هذا الأمر .
قال : فرجعت إلى الكوفة ، فأخبرت ابن عمّي بمقالة أبي عبدالله ففرح فرحاً شديداً و سرّ به ، وما زال مستبصراً [بذلك إلى أن مات](3).(4)
ص: 608
3- ومنها : ما روى أبو بصير قال : دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) وابنه إسماعيل موعوك ، فقال : قم ، ندخل على إسماعيل نعوده.
فدخلنا عليه، فإذا جانب داره قفص فيه فاختة وهي تصيح.
فقال : لاتمسك هذه يا بنيّ ، أما علمت أنّ هذه مشومة(1) قليلة الذكر لله ، وهي
تدعو على أربابها . قلت : وما دعاؤها ؟ قال : تقول «فقدتكم، فقدتكم».
فإن كنت لابدّ متّخذاً، فاتّخذ ورشاناً(2) ، فإنّه طير كثير الذكر لله ، وهو يحبِّنا أهل البيت .
وسأله رجل عن الخطّاف(3) وقال : لاتؤذوه فإنّه لايؤذي شيئاً، وهو طير يحبّنا أهل البيت.(4)
ص: 609
4- ومنها : أنّ الحسين بن أبي العلاء ، قال: دخل على أبي عبدالله (علیه السلام) رجل من أهل خراسان فقال : إنّ فلان بن فلان بعث معي بجارية و أمرني أن أدفعها إليك . و قال : لا حاجة لي فيها ، إنّا أهل بيت لايدخل الدنس بيوتنا .
قال : لقد أخبرني أنّها ربيبة حجره . قال : [ لا خير فيها ف ] إنّها قد أفسدت [عليه] . قال : لاعلم لي بهذا ؟ قال : لكنّي أعلم أنّ هذا(1) كذا.(2)
5- ومنها : ماروي أنّ رجلاً خراسانيّاً أقبل إلى أبي عبد الله (علیه السلام) فقال له(3): مافعل فلان ؟ قال : لاعلم لي به. قال: ولكنّي(4) أخبرك به، [إنّه] بعث بجارية معك ولاحاجة [لي] فيها . قال : و لِمَ ؟ قال : لأنّك لم تراقب الله فيها ، حيث عملت ما عملت ليلة نهر بلخ(5) ، حيث صنعت ماصنعت .
فسكت الرجل و علم أنّه قد أخبره بأمر قد فعله (6).(7)
6- ومنها: ما روي عن [الحسين] بن أبي العلا أيضاً، قال: كنت عند أبي عبدالله (علیه السلام)
ص: 610
إذ جاءه رجل، أو مولی له ، يشكو زوجته وسوء خلقها . قال: فأتني بها ، فأتاه بها.
فقال [لها]: ما لزوجك يشكوك ؟ قالت: فعل الله به وفعل .
فقال لها : إن ثبت على هذا لم تعيشي إلّا يسيراً(1) . قالت : لاابالي أن لا أراه أبداً .
فقال له: خذ بيد زوجتك، فليس بينك وبينها إلّا ثلاثة أيّام .
فلمّا كان اليوم الثالث ، دخل عليه الرجل . فقال: ما فعلت زوجتك ؟
قال: قد - والله - دفنتها الساعة .
قلت : ما كان حالها ؟ قال : كانت معتدية(2) ، فبتر الله عمرها، وأراحه منها .(3)
7- ومنها: أنّ داود بن علي قتل المعلّی بن خنیس ، فقال له أبو عبد الله (علیه السلام): قتلت قیّمي في مالي وعيالي، ثمّ قال: لأدعونّ الله عليك. قال داود : اصنع ما شئت.
فلمّا جنّ الليل قال : اللّهمّ ارمه بسهم من سهامك ، فافلق(4) به قلبه .
فأصبح وقد مات داود والناس يهنّئونه بموته .
فقال (علیه السلام): لقد مات على دين أبي لهب ، وقد(5) دعوت الله فأجاب فيه الدعوة، وبعث إليه ملكاً معه مرزبة(6) من حديد، فضربه ضربة فما كانت(7) إلّا صيحة .
ص: 611
قال : فسألنا(1) الخدم، فقالوا : صاح في فراشه صيحة ، فدنونا منه فإذا هو میّت .(2)
8- ومنها: أنّ داود الرقّيّ قال : حججت بأبي عبد الله (علیه السلام) سنة ستّ و أربعين ومائة ، فمررنا بواد من أودية تهامة ، فلمّا أنخنا صاح : يا داود ارحل ، ارحل !
فما انتقلنا إلّا وقد(3) جاء سيل ، [فذهب] بكل شيء فيه .
وقال [له] : تؤتي بين الصّلاتین حتّی تؤخذ من منزلك
وقال : يا داود إنّ أعمالك(4) عرضت عليّ يوم الخميس، فرأيت فيها صلتك
لابن عمّك، فسرّني ذلك.
قال داود : و كان لي ابن عمّ ناصبي(5) كثير العيال محتاج ، فلمّا خرجت إلى مكّة أمرت له بصلة ، فأخبرني به(6) أبو عبدالله (علیه السلام).(7)
ص: 612
9- ومنها : ما قال الميثمي(1) : إنّ رجلا حدّثه ، قال : كنّا نتغدّى مع أبي عبدالله (علیه السلام) فقال لغلامه: انطلق و آتنا بماء زمزم (2). فانطلق الغلام ، فما لبث أن جاء و ليس معه ماء ، فقال : إنّ غلاماً من غلمان زمزم ، منعني الماء، فقال: تريد لأنّه العراق! فتغيّر لون أبي عبد الله (علیه السلام)، ورفع يده عن الطعام، وتحرّكت شفتاه ، ثمّ قال للغلام:
ارجع فجئنا بالماء. ثمّ أكل فلم يلبث أن جاء الغلام بالماء، وهو متغيّر اللون .
فقال : ما وراك ؟
قال: سقط ذلك الغلام في بئر زمزم فتقطّع ، وهم يخرجونه. فحمد الله عليه.(3)
10- ومنها : أنّه كان لأبي عبد الله (علیه السلام)مولی(4) يقال له «مسلم» و كان لا يحسن القرآن ، فعلّمه في ليلة ( فلمّا أصبح ، أصبح) (5) وقد أحكم القرآن .(6)
11- ومنها : أنّ شهاب بن عبد ربّه قال: أصابتني جنابة وأنا بالمدينة ، فدخلني
ص: 613
غم شديد أن أعرف بالكوز من الحبّ(1)، ثمّ إنّي لم أجد بدّاً من أن أفعله، فلمّا أصبحت أتيت أبا عبد الله (علیه السلام)، وأنا أريد أن أسأله .
فقال – ابتداءاً منه- : غمّك البارحة أن تغرف من الحبّ بالكوز، ليس بالّذي صنعت بأس یا شهاب .(2)
12 - ومنها : ما قال بعض أصحابه(3) قال : حملت مالاً إلى أبي (4) عبدالله (علیه السلام) فاستكثرته في نفسي ، فلمّا دخلت عليه دعا بغلام ، وإذا طشت في آخر الدار ، فأمره أن يأتي(5) به ، ثمّ تکلّم بكلام لمّا أتي بالطشت، فانحدرت الدنانير من الطشت حتّی حالت بيني و بين الغلام ، ثمّ التفت(6) إليّ وقال : أترى نحتاج إلى ما في أيديكم ؟ إنّما نأخذ منكم ما نأخذ لنطهّركم به (7).(8)
13 - ومنها : أنّ صفوان قال : كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) فأتاه غلام ، فقال :ماتت أمّي . فقال [ له ] : لم تمت . قال : تركتها مسجّي عليها !
فقام أبو عبد الله (علیه السلام) و دخل عليها ، فإذا هي قاعدة ، فقال لإبنها : ادخل إلى أمّك فشهّها من الطعام [ ماشاءت ] فأطعمها .
ص: 614
فقال الغلام : يا أمّاه ما تشتهين ؟ قالت : أشتهي زبيباً مطبوخاً. فقال له : ائتها(1) بغضارة(2) مملوة زبيباً . فأكلت منها حاجتها ، وقال له : قل لها :
إنّ ابن رسول الله بالباب يأمرك أن توصين . فأوصت، ثمّ توفّيت .
قال : فما برحنا حتّى صلّي عليها أبوعبد الله (علیه السلام) ودفنت .(3)
14-ومنها: أنّ أبان بن تغلب قال: غدوت من منزلي بالمدينة وأنا أريد أبا عبد الله (علیه السلام) فلمّاصرت بالباب، خرج عليّ قوم من عنده لم أر قوماً أحسن زيّاً منهم، ولاأحسن سیماء منهم، كأنّ الطير على رؤوسهم(4)، ثمّ دخلناعلی أبي عبد الله (علیه السلام)، فجعل يحدّثنا بحديث ، فخرجنا من عنده ، و قد فهمه خمسة نفر منّا متفرق الألسن :
منها اللسان العربيّ ، و الفارسي ، و النبطي (5)، وا لحبشي، و السقلبي(6).
فقال بعضنا لبعض : ماهذا الحديث الّذي حدّثنا به ؟
ص: 615
فقال من لسانه عربي : حدّثنا كذا بالعربيّة. وقال الفارسي : مافهمت إنّما حدّث بكذا و كذا بالفارسيّة. وقال الحبشي : ما حدّثني إلا بالحبشيّة . و قال السقلبي : ما حدّثنا إلا بالسقلبيّة . فرجعوا إليه فأخبروه .
فقال(علیه السلام): الحديث واحد، ولكنّه فسّر لكم بألسنتكم .(1)
15- ومنها: أنّ صفوان بن یحیی روی عن جابر قال: كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) فبرزنا معه فإذا نحن برجل قد أضجع جدياً(2) ليذبحه، فصاح الجدي .
فقال أبو عبدالله (علیه السلام): كم ثمن هذا الجدي ؟
فقال: أربعة دراهم. فحلّها من كمّه ودفعها إليه، وقال: خلّ سبيله .
قال: فسرنا، فإذا بصقر(3) قد انقضّ على درّاجة، فصاحت الدرّاجة(4) .
فأومأ أبو عبدالله إلى الصقر بكمّه ، فرجع عن الدرّاجة .
فقلت : لقد رأينا عجباً من أمرك .
قال : نعم ، إنّ الجدي لمّا أضجعه الرجل [ليذبحه] و بصر بي، قال : أستجير بالله و بكم أهل البيت، ممّا يراد بي(5). و كذلك قالت الدرّاجة .
ولو أنّ شيعتنا استقامت لأسمعتهم(6) منطق الطیر.(7)
ص: 616
16- و منها : أنّ داود بن كثير الرقّيّ قال : دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام)، فدخل عليه إبنه موسي وهو ينتفض [من البرد] ، فقال له أبو عبدالله : كيف أصبحت ؟
قال : أصبحت في كنف(1) الله ، متقلّباً في رحمة(2) الله، أشتهي عنقود عنب جرشي(3) و رمّانة خضراء. قال داود : قلت: سبحان الله هذا الشتاء !!
فقال: ياداود إنّ الله قادر على کلّ شيء، أدخل البستان. [فدخلته] فإذا شجرة عليها عنقود من عنب جرشي و رمّانة خضراء ، فقلت: آمنت بسرّ كم و علانيتكم .
فقطعهما و أخرجهما(4) إلى موسى، فقعد يأكل ، فقال:
یاداود و الله لهذا فضل(5) من رزق قديم، خصّ الله به مریم بنت عمران من الأفق الأعلى(6).
17- و منها : أنّ هارون بن رئاب(7) قال : كان لي أخ جارودي(8) ، فدخلت على أبي
ص: 617
عبدالله (علیه السلام)، فقال لي : مافعل أخوك الجاروديّ؟ قلت: صالح،هو مرضيّ عند القاضي وعند الجيران في الحالات كلّها ، غير أنّه لايقرّ بولايتكم .
فقال: مايمنعه من ذاك ؟ قلت: يزعم أنّه يتورّع (1).
قال : فأين كان ورعه ليلة نهر بلخ ؟
فقلت لأخي حين قدمت عليه(2) : ثكلتك أمّك، دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) فسألني عنك، فأخبرته أنّك مرضيّ عند الجيران وعند القاضي في الحالات كلّها ، غير أنّه لايقرّ بولايتكم. فقال: ما يمنعه من ذلك؟
قلت: يزعم أنّه يتورّع. فقال: أين كان ورعه ليلة نهر بلخ ؟
قال: أخبرك أبو عبد الله (علیه السلام) بهذا؟ قلت : نعم . قال : أشهد أنّه حجّة ربّ العالمين .
قلت: أخبرني [عن] قصّتك؟ قال: نعم، أقبلت من [وراء] نهر بلخ، فصحبني رجل معه وصيفة فارهة(3) [الجمال، فلمّاكنّا على النهر] قال لي: إمّا أن تقتبس لنا ناراً فأحفظ عليك، وإمّا أن أقتبس ناراً فتحفظ عليّ . فقلت: إذهب و اقتبس، وأحفظ عليك.
ص: 618
فلمّا ذهب قمت إلى الوصيفة، و كان منّي إليها ما كان، والله ما أفشت ولا أفشيت لأحد ولم يعلم بذلك(1) إلّا الله . [فدخله رعب].
فخرجت من السنة الثانية وهو معي، فأدخلته على أبي عبد الله (علیه السلام) فذكرت الحديث فما خرج من عنده حتّی(2) قال بإمامته .(3)
18- ومنها: أنّ أبا الدوانیق(4) قال لحاجبه : إذا دخل علي(5) جعفر فاقتله قبل أن يصل إليّ. قال: فدخل أبو عبد الله (علیه السلام) وجلس فأرسل إلى الحاجب فدعاه، فنظر إليه وإلى جعفر و هو قاعد ، ثمّ قال : عد إلى مكانك ، و أقبل يضرب بيده على الأخرى فلمّا خرج أبو عبدالله (علیه السلام)، دعا حاجبه فقال: بأيّ شيء أمرتك ؟
قال : لا والله ما رأيته حيث دخل، ولا حيث خرج ، ولارأيته إلّا وهو قاعد معك.(6)
19 - ومنها : أنّ الوليد بن صبيح قال : كنّا عند أبي عبدالله (علیه السلام) في ليلة إذ طرق الباب طارق ، فقال للجارية : انظري من هذا ؟ فخرجت ثمّ دخلت ، فقالت :
ص: 619
هذا(1) عمّك عبدالله بن عليّ ، فقال: أدخليه . وقال لنا: ادخلوا البيت . فدخلنا بيتاً [آخر] فسمعنا منه حسّا، ظننّا أنّ الداخل بعض نسائه، فلصق بعضنا ببعض ، فلمّا دخل أقبل(2) على أبي عبدالله (علیه السلام) ، فلم يدع شيئاً من القبيح إلّا قاله في أبي عبد الله (علیه السلام) .
ثمّ خرج و خرجنا ، فأقبل يحدّثنا(3) من الموضع الّذي قطع كلامه (4) [عند دخول الرجل] فقال بعضنا : لقد استقبلك هذا بشيء ماظننّا أنّ أحداً يستقبل به أحداً (5)حتّى لقد همّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع(6) به . فقال : مه ، لا تدخلوا فيما بيننا .
فلمّا مضى من الليل ما مضى طرق الباب طارق ، فقال للجارية : انظري من هذا؟ فخرجت ، ثمّ عادت فقالت : هذا عمّك عبد الله بن عليّ . قال لنا : عودوا إلى موضعكم (7). ثمّ أذن له ، فدخل بشهيق و نحيب وبكاء ، وهو يقول :
يا ابن أخ اغفر لي، غفر الله لك، اصفح عنّي، صفح الله عنك .
فقال(8) : غفر الله لك ما الّذي أحوجك إلى هذا يا عمّ ؟
قال : إنّي لمّا أويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان غليظان فشدّا وثاقي، ثمّ قال أحدهما [ للآخر ]: انطلق به إلى النار . فانطلق بي ، فمررت برسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقلت : يا رسول الله أما ترى ما يفعل بي ، قال: أولست الذي أسمعت إبني ما أسمعت؟ فقلت : يا رسول الله لا أعود . فأمره ، فخلّي (9) عنّي ، وإنّي لأجد ألم الوثاق .
فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : أوص. قال(10) : بم أوصي ؟ فمالي من مال (11)، وإنّ لي
ص: 620
عيالا(1) كثيراً ، وعليّ دین .
فقال أبو عبد الله (علیه السلام): دينك عليّ ، و عيالك إلىّ [ عيالي]. فأوصى . فما خرجنا من المدينة حتّى مات، وضمّ أبو عبدالله (علیه السلام) عياله إليه ، وقضى دينه، وزوّج إبنه إبنته.(2)
20- ومنها : أنّ عبد الرحمان بن الحجّاج(3) قال : كنت مع أبي عبدالله (علیه السلام) بين مكّة والمدينة ، وهو على بغلة وأنا على حمار ، وليس معنا أحد،
فقلت : يا سيّدي ما علامة الإمام ؟
قال : يا عبد الرحمان(4) لو قال لهذا الجبل :«سر» لسار .
قال: فنظرت - والله - إلى الجبل يسير ، فنظر إليه ، فقال : إنّي لم أعنك.(5)
21- ومنها : أنّ إبراهيم بن مهزم الأسدي قال : قدمت المدينة فأتيت باب أبي عبد الله (علیه السلام) أستفتحه، فدنت جارية لتفتح الباب، ففرصت(6) ثديها ودخلت
ص: 621
فقال لي : يا مهزم أما علمت أنّ ولايتنا لا تنال إلا بالورع.
فأعطيت الله عهداً إنّي لا أعود إلى مثلها أبداً .(1)
22- ومنها: أنّ الحسين بن زيد قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): أخبرني عن قوله تعالی لإبراهيم « أَوَلَمْ تُؤْمِنْ »(2) قال : أتحبّ أن أريك مثل ذلك . قلت : نعم .
فأخذ السكّين وقام، فذبح حمامة وغراباً وطاووساً وبازاً، ثمّ قطعهنّ وخلطهنّ ثم ناداهنّ ، فرأيت بعضها تصير إلى [بعض] حتّى عادت کهیئتها.(3)
23- ومنها : أنّ داود الرقّيّ قال : كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) فقال لي : مالي أرى لونك متغيّراً ؟ قلت : غيّره دين فادح(4) عظيم ، وقد هممت بركوب البحر إلى السند(5) لإتيان أخي فلان.
قال: إذا شئت [فافعل] . قلت: تروّعني عنه أهوال(6) البحر وزلازله .
فقال : [ياداود] إنّ الّذي يحفظك في البرّ هو حافظك(7) في البحر ، يا داود (لولا اسمي و روحي لما)(8) اطّردت الأنهار، ولا أينعت الثمار، ولا اخضرّت الأشجار.
ص: 622
قال داود : فركبت البحر حتّى [إذا] كنت بحيث ماشاء الله من ساحل البحر، بعد مسيرة مائة وعشرين يوماً، خرجت قبل الزوال يوم الجمعة، فإذا السماء متغيّمة، وإذا نور ساطع من قرن(1) السماء إلى جدد الأرض(2) وإذا صوت خفي : يا داود هذا أوان قضاء دينك، فارفع رأسك قد سلمت. [قال:] فرفعت رأسي [أنظر النور] ، و نودیت: «عليك بماوراء الأكمة(3) الحمراء» فأتيتها ، فإذا بصفائح(4) ذهب أحمر ، ممسوح أحد جانبيه(5) و في الجانب الآخر [مكتوب] « «هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ »(6). قال: فقبضتها ، و لها قيمة لاتحصى .
فقلت: لا أحدّث فيها حتّى آتي المدينة، فقدمتها. فدخلت (على أبي عبد الله (علیه السلام))(7) فقال لي : يا داود إنّما عطاؤنا لك النور الّذي سطع لك، لا ما ذهبت إليه من الذهب والفضّة ، ولكن هو لك هنيئاً مريئاً عطاء من ربّ کریم ، فاحمد الله .
قال داود : فسألت معتّباً خادمه ، فقال : كان في ذلك الوقت الذي تصفه يحدّث أصحابه، منهم: خيثمة، وحمران، وعبد الأعلى، مقبلا عليهم بوجهه، يحدّثهم بمثل ما ذكرت ، فلمّا حضرت الصلاة قام فصلّی بهم.
[قال داود:] فسألت هؤلاء جميعاً، فحكوا لي حكاية معتّب(8).(9)
ص: 623
24 - ومنها : أنّ يونس بن عبد الرحمان ، والمغيرة بن ثور، قالا : سمعنا داود الرقّي يقول : كنت بأرمينية(1) وعلي دين فادح، فبينا أنا كذلك في بعض طرق أرمينية فإذا بهاتف بي ، فنظرت يمنة و يسرة فلم أرشيئاً ، فرفعت رأسي فإذا أنا بأبي عبد الله (علیه السلام)على الريح، تخفضه مرّة و ترفعه أخرى(2)، فهبته .
فقال لي: يا داود لن تقضي دينك حتّى تحفظ القرآن. قلت : ما أتى بك هاهنا؟
قال : كانت لي حاجة بناحية الخزر(3) و الصين ، فسألت ربّي أن يحملني على الريح فحملتني ، فرأیتك على حزنك ، فأردت أن أطيّب قلبك .
قال : فاكتتبت القرآن حتّى حفظته ، فقضى الله دیني .(4)
25 - ومنها : أنّ محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبدالله (علیه السلام) إذ دخل عليه المعلّی بن خنیس باكياً، فقال: وما يبكيك ؟ قال: بالباب قوم يزعمون أن ليس لكم عليهم(5) فضل، و أنّكم و هم شيء واحد . فسكت ثمّ دعا بطبق من تمر ، فأخذ(6) منه تمرة فشقّها نصفين(7) و أكل التمر، و غرس النوي في الأرض ، فنبت و حمل بسراً(8) ، وأخذ منها واحدة فشقّها [نصفين] وأكل ، و أخرج منها(9) رقاً ودفعه إلى
ص: 624
المعلّي ، وقال [له] : إقرأ ! فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم
لا إله إلا الله، محمّد رسول الله ، عليّ المرتضی ، [و] الحسن و الحسين ، وعليّ ابن الحسين [ وعدّهم ] واحداً واحداً إلى الحسن بن علي(1) و ابنه .(2)
26- و منها : أنّ أبا مريم المدني قال : خرجت إلى الحجّ، فلمّا صرت قريباً من الشجرة(3) ، خرجت على حمار لي، قلت : «أدرك الجماعة، وأصلّي معهم» فنظرت إلى الجماعة(4) يصلّون ، فأتيتهم فوجدتهم قد صلّوا ، وإذا أبو عبد الله (علیه السلام) محتب(5) بردائه يسبّح ، فقال : صلّيت يا أبا مریم ؟ قلت: لا. قال : صلّ: فصلّيت ثم ارتحلنا. فسرت تحت محمله، فقلت في نفسي: «قد خلوت به اليوم فأسأله عمّا بدا لي».
فقال : يا أبا مریم تسير تحت محملي ؟ فقلت : نعم . و كان زميله غلام له يقال له «سالم » فرآني كثير الاختلاف(6) . قال : أراك كثير الاختلاف أبك بطن(7) ؟ قلت: نعم. قال: أكلت البارحة حيتاناً(8)؟ قلت: نعم . قال : فأتبعتها بتمرات؟ قلت: لا.
ص: 625
قال: أما إنّك لو أتبعتها بتمرات و سمّیت ما ضرّك .
فسرنا حتّى إذا كان وقت الزوال، نزل فقال: ياغلام [هات](1) ماء أتوضّأ به. فناوله، فدخل إلى موضع يتوضّأ، فلمّا خرج إذا هو بجذع، فدنا منه وقال: يا جذع أطعمنا ممّا خلق الله فيك .
قال: رأيت الجذع اهتزّ(2) ثمّ اخضرّ ، ثمّ أطلع، ثمّ احمرّ، ثمّ اصفرّ ، ثمّ ذنّب(3)
فأكل منه وأطعمني ، کلّ ذلك أسرع من طرفة عين .(4)
27- ومنها: أنّ أباخديجة(5) روی عن رجل من كندة، و كان سيّاف بني العبّاس قال: لمّا جاء أبو الدوانیق بأبي عبد الله (علیه السلام)و إسماعيل، أمر بقتلهما، وهما محبوسان في بيت فأتی [ - عليه اللعنة - إلى أبي عبد الله (علیه السلام)] ليلاً، وأخرجه وضربه(6) بسيفه حتّى قتله ثمّ أخذ إسماعيل ليقتله، فقاتله ساعة، ثمّ قتله ، ثمّ جاء إليه ، فقال : ما صنعت ؟
قال : لقد قتلتهما وأرحتك منهما .
فلمّا أصبح إذا أبو عبد الله و إسماعيل جالسان. فاستأذنا. فقال أبو الدوانيق للرجل: ألست(7) زعمت أنّك قتلتهما؟ قال : بلى، لقد عرفتهما كما أعرفك. قال: فاذهب إلى الموضع الذي قتلتهما فيه فانظر . فجاء، فإذا بجزورين(8) منحورین. قال: فبهت، ورجع
ص: 626
فأخبره، فنكس رأسه [ و عرفه ما رأي ] فقال : لا يسمعن هذا منك أحد .
فكان كقوله تعالى في عیسی [بن مریم] « وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ » (1).(2)
28 - ومنها : أنّ عيسى بن مهران قال : كان رجل من أهل خراسان من ما وراء النهر(3) ، و كان موسراً، و كان محبّاً لأهل البيت (علیهم السلام)، و كان يحجّ في کلّ سنة ، وقد وظّف على نفسه لأبي عبدالله (علیه السلام)في کلّ سنة ألف دينار من ماله ، و كانت تحته ابنة عمّ له ، تساويه في اليسار والديانة(4) ، فقالت في بعض السنين : يابن عمّ حجّ بي في هذه السنة . فأجابها إلى ذلك ، فتجهّزت للحجّ ، و حملت لعيال أبي عبد الله (علیه السلام) وبناته من فواخر ثیاب خراسان ، و من الجوهر(5) وغيره(6) أشياء كثيرة خطيرة،وصیّر(7) زوجها ألف دينار - التّي أعدها لأبي عبدالله في كيس، وصیّر(8) الكيس في ربعة(9) فيها حليّ [بنت عمّه] وطيب، وشخص یريد المدينة، فلمّا وردها صار(10) إلى أبي عبدالله (علیه السلام) فسلّم عليه، و أعلمه أنّه حجّ بأهله، و سأله الأدن لها
ص: 627
في(1) المصير إلى منزله للتسليم على أهله وبناته، فأذن لها أبو عبد الله (علیه السلام) في ذلك(2)، فصارت إليهم، وفرقت ماحملت عليهم(3) و أقامت يوماً عندهم وانصرفت. فلمّا كان من الغد قال لها زوجها : أخرجي تلك الربعة لتسليم الألف دينار إلى أبي عبد الله (علیه السلام)(4).
فقالت: [هي] في موضع كذا .
فأخذها و فتح القفل ، فلم يجد الدنانير ، و كان فيها حليّها وثيابها ، فاستقرض ألف دينار من أهل بلده ورهن الحليّ عندهم على ذلك(5) وصار إلى أبي عبدالله (علیه السلام).
فقال : قد وصلت إلينا الألف. قال: [يا مولاي] و كيف ذلك وما علم بمكانها(6) غيري وغير بنت عمّي؟ قال: مسّتنا ضيقة فوجّهنا من أتى بها من شيعتي من الجنّ ، فإنّي كلمّا أريد أمراً بعجلة أبعث واحداً منهم.
فزاد ذلك في بصيرة الرجل، وسرّ به(7) و استرجع الحليّ ممن أرهنه(8) . ثمّ انصرف إلى منزله، فوجد امرأته تجود بنفسها، فسأل عن خبرها. فقالت خادمتها (9): أصابها وجع في فؤادها فهي على هذه الحالة (10) فغمّضها وسجّاها ، وشدّ حنكها وتقدّم في إصلاح ما تحتاج إليه من الكفن و الكافور وحفر قبرها ، وصار إلى أبي عبد الله (علیه السلام) فأخبره ، وسأله أن يتفضّل بالصلاة عليها.
فقام (علیه السلام)وصلّی(11) ركعتين و دعا، ثمّ قال للرجل: انصرف إلى رجلك، فانّ أهلك لم تمت، و ستجدها في رحلك تأمر و تنهی، وهي(12) في حال سلامة .
ص: 628
فرجع الرجل ، فأصابها كما وصف أبو عبد الله ، ثمّ خرج (1) يريد مكّة و خرج أبو عبد الله (علیه السلام) للحجّ أيضاً ، فبينا المرأة تطوف بالبيت إذ رأت أبا عبد الله (علیه السلام) يطوف، والناس قد حفّوا به .
فقالت لزوجها : من هذا الرجل ؟ قال: هذا أبو عبد الله (علیه السلام). قالت : والله هذا الرجل الّذي رأيته يشفع إلى الله حتّى ردّ روحي في جسدي. [و لم تكن رأته قبل] .(2)
29 - ومنها: أنّ داود الرقّيّ قال: كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) إذ دخل شاب يبكي قال: نذرت على أن أحجّ بأهلي، فلمّا أن دخلت المدينة ماتت زوجتي .
قال: اذهب فإنّها لم تمت . قال: ماتت و سجّيتها !! قال: فهي حيّة.
فخرج ثمّ رجع ضاحكاً . قال : دخلت عليها وهي جالسة .
قال: ياداود أو لم تؤمن ؟ قال: بلى، ولكن ليطمئنّ قلبي .
فلمّا كان يوم التروية (3) قال لي أبو عبد الله (علیه السلام): يا داود قد اشتقت إلى بيت ربّي (4) . قلت : يا سيدي غداً عرفات. قال : إذا صلّيت العشاء الآخرة فارحل (5) ناقتي وشدّ زمامها ، ففعلت، فخرج، و قرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، ويس» ثمّ استوى عليها
ص: 629
وأردفني خلفه ، فسرنا هوياً(1) من الليل، وفعل في مواضع ما كان ينبغي ، ثمّ قال : هذا بيت الله . ففعل ما كان ينبغي .
فلمّا طلع الفجر ، قام فأذن و أقام ، و أقامني عن يمينه ، و قرأ في أول الركعة «الحمد والضحی»(2) وفي الثانية ب «الحمد و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » ثمّ قنت، ثمّ سلّم وجلس.
فلمّا طلعت الشمس ، مرّ الشابّ ومعه المرأة ، فقالت لزوجها:
هذا الذي شفع إلى الله في إحيائي .(3)
30 - ومنها : أنّ عبد الحميد الجرجاني قال : أتاني غلام بيض الأجمة فرأيته مختلفاً ، فقلت الغلام : ما هذا البيض ؟ قال : هذا بيض دُیُوكِ الماء.
فأبيت أن آكل منه شيئاً ، وقلت : حتّى أسأل أبا عبد الله (علیه السلام) .
فدخلت المدينة فأتيته فسألته عن مسائلي ، ونسيت تلك المسألة ، فلمّا ارتحلنا ذكرت المسألة ورأس القطار(4) بيدي ، فرميت إلى بعض أصحابي ، ومضيت إلى أبي عبد الله (علیه السلام) فوجدت عنده خلقاً كثيراً، فدخلت، فقمت تجاه وجهه ، فرفع رأسه إليّ وقال : يا عبد الحميد لنا تأتي دیوك هبر (5).
فقلت: أعطيتني الّذي أريد ، فانصرفت ولحقت بأصحابي .(6)
31- ومنها : أنّ شعيب العقرقوني قال : بعث معي رجل بألف درهم ، فقال لي: أريد أن أعرف فضل أبي عبد الله (علیه السلام)على أهل بيته . ثمّ قال : خذ خمسة دراهم
ص: 630
مستوقة (1) فاجعلها في الدراهم ، و خذ من الدراهم خمسة دراهم فصيّرها في لبنة قميصك (2) فانّك ستعرف ذلك. ففعلت .
فأتيت بها أبا عبد الله (علیه السلام) فنثرها فأخذ الخمسة، فقال : هاك خمستك، وهات خمستنا (3). (4)
32 - ومنها : أنّ أبا جعفر (علیه السلام) كان في الحجر(5) ومعه ابنه جعفر ، فأتاه رجل فسلّم عليه، وجلس بين يديه ، ثمّ قال : إنّي [ أريد أن ](6) أسألك . قال :
سل ابني جعفراً . [قال:] (7) فتحوّل الرّجل، فجلس إليه، ثمّ قال : أسأل (8)؟
قال: سل عمّا بدا لك.
قال : أسألك عن رجل أذنب ذنباً عظيماً عظيماً عظيماً .
قال : أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ؟ قال : أعظم من ذلك .
قال : فزني في شهر رمضان ؟ قال: أعظم من ذلك .
ص: 631
قال : قتل النفس ؟ قال : أعظم من ذلك .
قال : إن كان من شيعة علي بن أبي طالب مشى إلى بيت الله الحرام ( من منزله ، ثمّ ليحلف عند الحجر)(1) أن لا يعود ، وإن لم يكن من شيعة علي(2) فلا بأس.
فقال [له] الرجل: رحمكم الله يا ولد فاطمة - ثلاثاً - هكذا سمعته من رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)
ثم قام الرجل فذهب(3) فالتفت أبو جعفر إلى جعفر، فقال : عرفت الرجل؟
قال : لا ، قال : ذلك الخضر ، إنّما أردت أن أعرّفكه .(4)
33 - ومنها : أنّ شعيب العقرقوفي قال : دخلت أنا و عليّ بن أبي حمزة وأبوبصير على أبي عبدالله (علیه السلام) ومعي ثلاثمائة دينار، فصببتها (5) قدّامه ، فأخذ أبو عبد الله (علیه السلام) قبضة منها لنفسه، وردّ الباقي عليّ وقال(6): ردّ هذه المائة إلى موضعها الّذي أخذتها منه.
فقال أبو بصير : یا شعیب ماحال هذه الدنانير الّتي ردّها عليك ؟
قلت : أخذتها من عروة أخي سرّاً منه وهو لا يعلم.
فقال أبو بصير : أعطاك أبوعبد الله (علیه السلام) علامة الإمامة .
فعدّ الدنانير ، فإذا هي مائة دينار لا تزيد ولا تنقص .(7)
ص: 632
34 - ومنها : ما قال شعيب أيضاً : دخلت عليه (علیه السلام) فقال لي : من كان زميلك ؟
قلت: الخيّر(1) الفاضل أبو موسى النبّال(2).
قال : استوص به خيراً ، فإنّ له عليك حقوقاً كثيرة :
فأمّا أوّلهنّ فما أنت عليه من دين الله، وحقّ الصحبة.
قلت: لو استطاعت ما مشي على الأرض (3). قال : استوص به خيراً.
قلت : دون هذا أكتفي به منك .
قال : فخرجنا حتّى نزلنا منزلاً في الطريق يقال له «ونقر»(4) فنزلناه ، و أمرت الغلمان أن تلقي للإبل العلف، وتصنع طعاماً(5)، ففعلوا. ونظرت إلى أبي موسى ومعه كوز من ماء وأخذ طريقه للوضوء وأنا أنظر إليه حتّى هبط في وهدة من الأرض وأدرك الطعام. فقال لي الغلمان: قد أدرك الطّعام، تتغدون؟ قلت لهم: اطلبوا أباموسی فإنّه أخذ في هذا الوجه يتوضّأ . فطلبه(6) الغلمان ، فلم يصيبوه. فقلت لهم: اطلبوا أبا موسى ، وأعطيت الله عهداً [أن] لا أبرح من موضعي(7) الّذي أنا فيه ثلاثة أيّام
ص: 633
أطلبه ، حتّى ابلي(1) إلى الله عذراً . فاکتريت الأعراب في طلبه ، وجعلت لمن جاء به عشرة آلاف درهم - وهي ديته - فانطلق الأعراب في طلبه ثلاثة أيّام، فلمّا كان اليوم الرابع أتاني القوم ، آیسون(2) منه.
فقالوا لي : يا عبدالله ما نری صاحبك إلّا وقد اختطف(3) ، إنّ هذه بلاد محضورة(4) فقد فيها غير واحد ، ونحن نرى لك أن ترتحل منها .
فلمّا قالوا لي هذه المقالة ارتحلت ، حتّى قدمنا الكوفة ، وأخبرت أهله بقصّته وخرجت من قابل(5)، حتّى دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام).
فقال لي : يا شعيب ألم آمرك أن تستوصي بأبي موسى النبّال خيراً ؟ قلت : بلی ولكن لم أذهب حيث ذهبت(6).
فقال: رحم الله أبا موسى ، لو رأيت منازل أبي موسى في الجنّة لأقرّ الله عينك .
ثمّ قال : كانت لأبي موسى درجة عند الله، لم يكن ينالها إلّا بالّذي ابتلي به .(7)
35 - ومنها : أنّ أبا بصير قال : أصابتني جنابة و أنا أريد أن يعطيني أبو عبدالله(علیه السلام) شيئاً من دلالة، فدخلت عليه ، فقال : ما كان لك فيما كنت فيه شغل ، تدخل على
ص: 634
إمامك وأنت جنب؟! قلت : فعلته عمداً . قال : أولم تؤمن ؟ قم ، فاغتسل .(1)
36 - ومنها : ما روي أنّ أبا عبدالله (علیه السلام) قال : دعاني أبو جعفر الخليفة ، ومعي عبدالله بن الحسن ، وهو يومئذ نازل بالحيرة (2) قبل أن تبنى بغداد ، يريد قتلنا ، لا يشكّ الناس فيه .
فلمّا دخلت عليه دعوت الله بكلام ، وقد قال لإبن نَهِيك وهو القائم على رأسه :
ص: 635
إذا ضربت باحدى يديّ على الأخرى ، فلا تناظره حتّى تضرب عنقه .
فلمّا تكلّمت بما اريد ، نزع الله من قلب أبي جعفر الخليفة الغيظ .
فلمّا دخلت، أجلسني مجلسه، وأمر لي بجائزة ، وخرجنا من عنده .
فقال له أبو بصير - و كان حضر ذلك المجلس - : ما كان الكلام ؟
قال : دعوت [ الله ] بدعاء يوسف، فاستجاب الله لي ولأهل بيتي . (1)
37 - ومنها : ما قال أبو بصير : أنّه قال لي : هل تعرف إمامك ؟
قلت : إي والله ، وأنت هو . قال : صدقت. قلت: أريد أن تعطيني علامة الإمامة .
قال : ليس بعد المعرفة علامة . قلت : نزداد بصيرة .
قال : ترجع إلى الكوفة ، وقد ولد لك عيسى ، ومن بعد عیسی محمّد، ومن بعدهما ابنتان(2) و ابناك عندنا مثبّتان مع أسماء الشيعة ، وما يلدون إلى يوم القيامة وأسماء آبائهم وأجدادهم. وإذا هي صحيفة صفراء مدرجة(3).(4)
38 - ومنها : ما قال الحسن بن سعيد ، عن عبد العزيز القزاز [قال] : كنت أقول بالربوبيّة فيهم، فدخلت على أبي عبد الله (علیه السلام)، فقال لي: يا عبد العزيز ضع ماءاً أتوضّأ.
ص: 636
ففعلت ، فلمّا دخل يتوضّأ ، قلت في نفسي : هذا الّذي قلت فيه ما قلت يتوضّأ !
فلمّا خرج قال لي : يا عبد العزيز لاتحمل على البناء فوق ما يطيق(1) فيهدم ، إنّا عبید مخلوقون [لعبادة الله عزوجل] .(2)
39 - ومنها : أنّ مفضل بن مزيد(3) قال : قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إسماعيل ابنك جعل الله له علينا من الطاعة ما جعل لآبائه ؟ - و إسماعيل يومئذ حيّ -.
فقال : يكفي ذلك . فظننت أنّه اتّقاني ، فما لبث أن مات إسماعيل .(4)
40 - و[منها :] عن الوليد بن صبيح: جاءني رجل فقال: تعال حتّى اريك ابن إلهك فذهبت معه إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل ، فخرجت مغموماً، فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل متعلّق بالبيت يبكي قد بلّ أستار الكعبة ، فذكرت لأبي عبد الله (علیه السلام)، فقال :
قد ابتلي إسماعيل بشيطان يتمثّل في صورته.(5)
41- ومنها : أنّ عثمان بن عيسى قال: قال رجل لأبي عبدالله (علیه السلام): ضيّق إخوتي
ص: 637
وبنو عمّي عليّ الدار ، فلو تكلّمت . قال: اصبر.
فانصرفت سنتي، ثمّ عدت من قابل فشكوتهم إليه. فقال: اصبر.
ثم عدت في السنة(1) الثالثة . فقال: اصبر سيجعل الله لك فرجاً .
فماتوا كلّهم، فخرجت إليه، فقال لي: مافعل أهل بيتك؟
قلت: ماتوا . قال : هو ماصنعوا بك لعقوقهم إيّاك، وقطعهم رحمك .(2)
42- ومنها : أنّ الطيالسي قال : جئت من مكّة إلى المدينة ، فلمّا كنت على ليلتين من المدينة ، ذهبت راحلتي وعليها نفقتي و متاعي و أشياء كانت للناس معي .
فأتيت أباعبدالله (علیه السلام) فشكوت إليه، فقال: ادخل المسجد فقل :
«اللّهمّ إنّي أتيتك زائراً لبيتك الحرام، و إنّ راحلتي قد ذهبت، فردّها علي».
فجعلت أدعو ، فإذا مناد ينادي على باب المسجد : یا صاحب الراحلة أخرج فخذ راحلتك ، فقد آذيتنا منذ الليلة . فأخذتها ومافقدت منها خيطاً واحداً.(3)
43- ومنها : أنّ أبا عمارة المعروف بالطيّار(4) قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام):رأيت في النوم كان معي قناة(5). قال : كان فيها (6) زجّ؟ قلت: لا. قال: لو رأيت فيها زجّاً لولد لك غلام، ولكن(7) تولد جارية . ثمّ مكث ساعة يتحدّث ، ثمّ قال :
ص: 638
كم في القناة من كعب (1)؟ قلت : اثناعشر كعباً . قال: تلد الجارية اثنتي عشرة بنتاً .
قال محمّد بن يحيى : فحدّثت بهذا [الحديث] (2) العبّاس بن الوليد .
فقال: أنا من واحدة منهنّ ، ولي إحدى عشرة خالة، وأبو عمارة جد أمّي .(3)
44- ومنها : أنّ سليمان بن خالد قال: كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام)وهو يكتب كتباً (4)إلى بغداد، وأنا أريد أن أودعه . فقال: تجيء إلى بغداد؟ قلت: بلى. قال : تعين مولاي هذا بدفع كتبه. ففكّرت وأنا في صحن الدار أمشي، فقلت: هذا حجّة الله على خلقه
يكتب إلى أبي أيّوب الخوري(5) وفلان وفلان، يسألهم حوائجه !
فلمّا صرنا إلى باب الدار صاح بي: يا سلیمان ارجع أنت وحدك . فرجعت.
فقال : كتبت إليهم لأخبرهم أنّي عبد وبي(6) إليهم حاجة .(7)
45- ومنها : أنّ إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) : إنّ لنا أموالا تعامل بها الناس ، وأخاف حدثاً يفرّق أموالنا . .
فقال : اجمع مالك إلى شهر ربيع. فمات إسحاق في شهر ربيع . (8)
46- ومنها : أنّ سماعة بن مهران قال: كنّا عنده فقال: يا غلام ائتنا بماء زمزم ثم سمعته يقول : اللّهمّ اعم بصره، اللّهمّ اخرس (9) لسانه ، اللّهمّ أصمّ سمعه.
[قال:] فرجع الغلام يبكي .
فقال : مالك؟ قال: ضربني فلان القرشي(10) [ومنعني من السقاء](11) .
ص: 639
فقال: ارجع فقد كفيته . فرجع وقد صمّ وعمي و خرس، وقد اجتمع عليه الناس.(1)
47- ومنها : أنّ صفوان الجمّال قال : كنت بالحيرة(2) مع أبي عبدالله (علیه السلام) إذ أقبل الربيع(3) وقال: أجب أمير المؤمنين . فلم يلبث أن عاد .
قلت: [يا مولاي] أسرعت الانصراف. قال: إنّه سألني عن شيء، فسل الربيع عنه.
قال صفوان : وكان بيني و بين الربيع لطف، فخرجت إلى الربيع و سألته . فقال : اُخبرك بالعجب ، أنّ الأعراب خرجوا يجتنون الكمأة(4) وأصابوا في البرّ خلفاً ملقى فأتوني به، فأدخلته على الخليفة، فلمّا رآه قال: نحّه وادع جعفراً. فدعوته.
فقال : يا أبا عبد الله أخبرني عن الهواء مافيه؟ قال: في الهواء موج مكفوف .
قال : ففيه سكّان؟ قال: نعم. قال: وما سكّانه؟
قال: خلق أبدانهم أبدان الحيتان ، و رؤوسهم رؤوس الطير ، ولهم أعرفة كأعرفة الديكة ، ونغانغ(5) کنغانغ الديكة ، و أجنحة كأجنحة الطير، من ألوان أشدّ بياضاً من الفضّة المجلوّة.
فقال الخليفة : هلمّ الطشت . فجئت بها، وفيها ذلك الخلق، وإذا هو كما وصف-والله-(6)- جعفر ،[فلمّا نظر إليه جعفر قال: هذا هو الخلق الّذي يسكن الموج المكفوف فأذن له بالانصراف](7) فلمّا خرج، قال الخليفة :
ص: 640
[ويلك] يا ربيع هذا الشجا(1) المعترض في حلقي من أعلم الناس .(2)
48 - ومنها : أنّ عبد الله بن أبي ليلى(3) قال : كنت بالربذة(4) مع أبي الدوانیق و كان قد وجّه إلى أبي عبد الله (علیه السلام)، و كان يقول : عليّ به ، سقى الله الأرض دمي إن لم أسقها دمه ، عجّلوا عجّلوا.
قال : فلمّا دخل عليه جعفر ، قال له : مرحباً يا ابن عمّ(5) یا ابن رسول الله .فما زال يرفعه حتّى أجلسه علی وسادته ، ثمّ دعا بالطعام، و جعل يلقمه جيداً بارداً وقضى حوائجه ، وأمره بالانصراف .
فلمّا خرج ، قلت له : أرأيت أن تعلّمني، فقد رأيتك تحرّك شفتيك إذ دخلت ؟
قال : إذا دخلت إليهم أقول : « ما شاء الله لا يأتي بالخير إلّا الله ، ما شاء الله لایصرف السوء إلّا الله ، ما شاء الله کلّ نعمة من الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلّا بالله » .(6)
ص: 641
49 - ومنها : أنّ هارون بن خارجة قال : كان رجل من أصحابنا طلّق امرأته ثلاثاً ، فسأل أصحابنا ، فقالوا : ليس بشيء. فقالت امرأته : لا أرضى حتّى تسأل أبا عبد الله (علیه السلام) . و كان بالحيرة إذ ذاك أيّام أبي العبّاس .
قال: فذهبت إلى الحيرة، ولم أقدر على كلامه، إذ منع الخليفة الناس من الدخول على أبي عبدالله (علیه السلام)، و أنا أنظر كيف ألتمس لقاءه، فإذا سواديّ(1) عليه جبّة صوف يبيع خياراً ، فقلت له : بكم خيارك هذا كلّه؟
قال : بدرهم . فأعطيته درهماً ، وقلت له: أعطني جبّتك هذه ، فأخذتها و لبستها وناديت: من يشتري خياراً؟ ودنوت منه، فإذا غلام من ناحية ینادي : ياصاحب الخيار .
فقال (علیه السلام) لي - لمّا دنوت منه - : ما أجود ما احتلت ! أي شيء حاجتك ؟.
قلت: إنّي ابتليت فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة، فسألت أصحابنا فقالوا :
ليس بشيء . وإنّ المرأة قالت: لا أرضى حتّى تسأل أبا عبد الله (علیه السلام).
فقال : ارجع إلى أهلك فليس عليك شيء .(2)
50 - ومنها : أنّ بحر الخيّاط(3) قال : كنت قاعداً مع(4) فطر بن خليفة، فجاء ابن الملاح، فجلس ينظر إليّ. فقال لي فطر : تحدّث إن أردت، فليس عليك بأس .
فقال: ابن الملاح(5)، أخبرك باعجوبة رأيتها من ابن البكريّة(6) - يعني الصادق -.
ص: 642
قال : ما هو ؟ قال : كنت قاعداً وحدي أحدّثه ويحدّثني ، إذ ضرب بيده إلى ناحية المسجد شبه المتفکّر ، ثمّ استرجع فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون .
قلت : مالك ؟ قال : قتل عمّي زيد الساعة. ثمّ نهض فذهب .
فكتبت قوله في تلك الساعة، و في ذلك الشهر ، ثمّ أقبلت إلى العراق(1) فلمّا كنت في الطريق استقبلني راكب ، فقال : قتل زید بن علي في يوم كذا، في شهر كذا في ساعة كذا. على ما قال أبو عبدالله (علیه السلام).
فقال فطر بن خليفة : إنّ عند الرجل علماً جمّاً .(2)
51 - ومنها : أنّ العلاء بن سبابة قال : جاء رجل إلى أبي عبدالله (علیه السلام) وهو یصلّي، فجاء هدهد ، فوقع عند رأسه حین (3) سلّم ، و التفت إليه(4) .
فقال : قلت له(5) : جئت لأسألك ، فرأيت ما هو أعجب ! قال : ما هو ؟
قال : ماصنع الهدهد !
قال: نعم، جاءني فشكا إلي حيّة تأكل فراخه ، فدعوت الله عليها، فأماتها.
فقلت : [يا مولاي إنّي](6) لا يعيش لي ولد ، وكلّما(7) ولدت امرأتي مات ولدها. قال: ليس هذا من ذلك الجنس، ولكن إذا رجعت إلى أهلك(8)، فإنّه ستدخل كَلبَة إليك ، فتريد امرأتك أن تطعمها، فمرها ألّا تطعمها ، وقل للكلبة : إن أبا عبدالله (علیه السلام) أمرني أن أقول : أميطي(9) عنّا لعنك الله . فإنّه يعيش ولدك إن شآء الله .
ص: 643
فماش أولادي، وخلّفت(1) غلماناً ثلاثة نظافاً (2).(3)
52 - ومنها : أنّ إبراهيم بن عبد الحميد قال: اشتريت من مكّة بردة(4) فآلیت على نفسي أن لا تخرج من ملكي ، حتّى تكون كفني . فخرجت إلى عرفة، فوقفت فيها للموقف، ثمّ انصرفت إلى جمع(5) فقمت فيها في وقت الصلاة ، فطویتها شفقة منّي عليها، فقمت لأتوضّأ. لمّا عدت لم أرها، فاغتممت غمّاً شديداً، فلمّا أصبحت أفضت(6) مع الناس إلى منّى . أتاني رسول من عند أبي عبد الله (علیه السلام) فقال :
يقول لك أبو عبد الله (علیه السلام): أقبل ! فقمت مسرعاً ، فسلّمت عليه ، فقال :
تحبّ أن نعطيك بردة تكون كفنك . و أمر غلامه فأتی(7) ببردة ، فقال : خذها .(8)
53 - ومنها : أنّ شهاب بن عبد ربّه قال : أتيت أبا عبد الله (علیه السلام) فقال: إن شئت فسل، وإن شئت أخبرتك بما جئت له. قلت : أخبرني .
ص: 644
قال : جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة، أتوضّأ منه أم لا: قلت: نعم.
قال : فتوضّأ من الجانب الآخر إلّا أن تغلب على الماء الربح المنتنة فينتن.
و جنت تسأل عن الماء الراكد من البئر ممّا لم يكن فيه تغيير أو ريح غالية عليه فتوضأ منه، و كلمّا غلبت عليه كثرة الماء فهو طاهر .
قلت : فما التغيير ؟ قال : الصفرة .(1)
54 - ومنها : أنّ بشیر النبّال قال: كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) إذ استأذن عليه رجل فأذن له ثمّ دخل فجلس(2). فقال له أبو عبدالله (علیه السلام): ما أنقى ثيابك هذه وألينها !!
قال : هي لباس بلادنا ، ثمّ قال : جئتك بهديّة .
فدخل غلام، ومعه جراب فيه ثياب، فوضعه ، ثمّ تحدّث ساعة ، ثمّ قام .
قال أبوعبد الله (علیه السلام): إن بلغ الوقت ، وصدق الوصف ، فهو صاحب الرايات السود من خراسان يتقعقع(3).
ثم قال الغلام قائم على رأسه : الحقه ، فاسأله ما اسمك ؟
فقال : عبد الرحمان(4) .
ص: 645
فقال أبو عبد الله (علیه السلام): عبد الرحمان والله ثلاث مرّات - هو ورب الكعبة . قال بشير : فلمّا قدم أبو مسلم، جئت حتّى دخلت عليه، فإذا هو الرجل الذي دخل علينا.(1)
55 - ومنها : أنّ مهاجربن عمّار الخزاعي قال: بعثني أبو الدوانيق إلى المدينة وبعث معي بمال كثير ، وأمرني أن أتضرّع لأهل هذا البيت ، وأتحفّظ مقالتهم . قال: فلزمت الزاوية الّتي ممّا يلي القبلة(2) ، فلم أكن أتنحّى منها في وقت الصّلاة لا في(3) ليل و لا نهار .
قال: و أقبلت أطرح إلى السؤال - الّذين حول القبر - الدراهم(4) - ومن هو فوقهم الشيء بعد الشيء حتّی ناولت شباباً(5) من بني الحسن و مشیخة منهم ، حتّى ألفوني وألفتهم في السرّ.
قال : وكنت كلمّا دنوت من أبي عبد الله (علیه السلام) يلاطفني ويكرمني ، حتّى إذا كان يوماً
من الأيام بعد ما نلت حاجتي ممّن كنت أريد من بني الحسن و غيرهم ، دنوت من
ص: 646
أبي عبدالله (علیه السلام) و هو يصلّي ، فلمّا قضى صلاته التفت إليّ و قال :
تعال يامهاجر - ولم أكن أتسمّی باسمي ولا أكنّی(1) بكنيتي - فقال :
قل لصاحبك : يقول لك جعفر : كان أهل بيتك إلى غير هذا منك أحوج منهم إلى هذا ، تجيء إلى قوم شباب محتاجين فتدسّ إليهم ، فلعلّ أحدهم يتكلّم بكلمة تستحلّ بها سفك دمه، فلو بررتهم و وصلتهم و أنلتهم وأغنيتهم، كانوا إلى هذا أحوج مما تريد(2) منهم .
قال: فلمّا أتيت أبا الدوانيق قلت له : جئتك من عند ساحر(3) كان من أمره كذا و كذا . فقال : صدق والله لقد كانوا إلى غير هذا أحوج ، [ و ] إيّاك أن يسمع هذاالكلام منك إنسان .(4)
56 - ومنها : أنّ محزمة(5) الكندي قال : إنّ أبا الدوانیق نزل بالربذة، وجعفر الصّادق (علیه السلام) بها . قال : من يعذرني من جعفر، والله لأقتلنّه.
فدعاه، فلمّا دخل عليه جعفر (علیه السلام) قال: يا أمير المؤمنين ارفق بي، فوالله لقلّما أصحبك.
فقال أبو الدوانیق : انصرف ، ثمّ قال لعيسى بن عليّ : الحقه فسله أبي ؟ أم به؟ فخرج يشتدّ حتّى لحقه فقال : يا أبا عبد الله إنّ أمير المؤمنين يقول : أبك ؟ أم به ؟ قال : لا بل بي .(6)
57- و منها : أنّ أبا بصير قال : قال [لي] الصادق (علیه السلام): اكتم على ما أقول لك في المعلّی بن خنیس . قلت : أفعل .
قال : أما إنّه ما كان [ينال] درجته إلّا بما ينال منه داود بن عليّ .
ص: 647
قلت : وما الّذي يصيبه من داود بن عليّ ؟
قال : يدعو به، فيضرب عنقه ويصلبه . قلت : متى ذلك ؟ قال : من قابل .
فلمّا كان من قابل ، ولّي داود المدينة فقصد قتل المعلّی، فدعاه و سأله عن أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام)، وسأله أن يكتبهم له .
فقال :ما أعرف من أصحابه أحداً، وإنّما أنا رجل أختلف في حوائجه.
قال : تكتمني ، أمّا إنّك إن كتمتني قلتك .
فقال له المعلّي: أبالقتل(1) تهدّدني؟! [والله] لو كانوا تحت قدمي مارفعت قدمي عنهم لك . فقتله وصلبه، كما قال أبو عبد الله (علیه السلام).(2)
ص: 648
1- عن علي بن أبي حمزة البطائني ، قال : خرج موسی بن جعفر (علیهما السلام) في بعض الأيّام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها، فصحبته أنا(1) و كان راكباً بغلة، وأنا على حمارفلمّا صرنا في بعض الطريق ، اعترضنا أسد فأحجمت(2) خوفاً ، وأقدم أبو الحسن (علیه السلام) غير مكترث به، فرأيت الأسد يتذلّل لأبي الحسن (علیه السلام) و يهمهم ، فوقف له أبو الحسن (علیه السلام) کالمصغي إلى همهمته، ووضع الأسد يده على كفل(3) بغلته، وخفت من ذلك خوفاً شديداً .
ثم تنحّى الأسد إلى جانب الطريق، وحوّل أبو الحسن (علیه السلام) وجهه إلى القبلة، وجعل يدعو ، ثمّ حرّك شفتيه بمالم أفهمه، ثمّ أومأ إلى الأسد بيده أن امض، فهمهم الأسد همهمة طويلة، وأبو الحسن (علیه السلام) يقول: « آمین، آمین» وانصرف الأسد حتّى غاب عن أعيننا ومضى أبو الحسن (علیه السلام) لوجهه واتّبعته .
فلمّا بعدنا عن الموضع لحقته، فقلت: جعلت فداك ماشأن هذا الأسد؟ فلقد خفته - والله - عليك، وعجبت من شأنه معك.
قال: إنّه خرج إليّ يشكو عسر الولادة على لبوته، وسألني أن أسأل(4) الله ليفرج
ص: 649
عنها، ففعلت ذلك، والقي في روعي أنّها ولدت له ذكراً، فخبّرته بذلك .
فقال لي : امض في حفظ الله ، فلا سلّط الله عليك ولا على ذريتك ، ولا على أحد من شيعتك شيئاً من السباع. فقلت: آمين. (1)
2- و منها : ماروي عن الرافعي ، قال : كان لي ابن عمّ يقال له «الحسن(2) بن عبدالله» و كان زاهداً من أعبد أهل زمانه ، يتّقيه السلطان لجدّه في الدين و اجتهاده و ربّما استقبل السلطان في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بما يغضبه ، و كان يحتمل لصلاحه.
فدخل يوماً المسجد ، وفيه موسی بن جعفر(علیهما السلام) فأتاه . فقال (علیه السلام): يا أباعليّ ، ما أحبّ إليّ ما أنت عليه، إلّا أنّه ليست لك معرفة، فاطلب المعرفة .
قال: وما المعرفة؟ قال: اذهب وتفقّه. قال: عمّن؟ قال: عن فقهاء المدينة .
فذهب و كتب الحديث ، ثمّ جاءه وقرأه عليه .
قال: اذهب و تفقّه واطلب العلم . فذهب و كتب الخلاف .
فجاءه ، فعرض عليه فأسقطه كلّه .
وقال : اذهب و اطلب المعرفة(3). و كان الرجل معنيّاً(4) بدينه ، فلم يزل يترصّد أبا الحسن (علیه السلام) حتى خرج إلى ضيعة له ، فلقيه في الطريق .
ص: 650
فقال له : يابن رسول الله إنّي أحتجّ عليك بين يدي الله ، فدلّني على ما يجب علي معرفته .
فأخبره أبو الحسن بأمر أمير المؤمنين (علیه السلام) وحقّه ومايجب له بعد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأمر الحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن علي، و جعفر بن محمّد(علیهم السلام)، ثمّ سكت.
فقال: جعلت فداك من الإمام اليوم؟ قال: إن أخبرتك تقبل؟ قال: نعم. قال: أنا. قال: فشيء أستدلّ به ؟ قال: اذهب إلى تلك الشجرة - و أشار إلى شجرة هناك - وقل لها :يقول لك موسی بن جعفر (علیهما السلام): أقبلي . قال: فرأيتها تخدّ الأرض(1) خداً حتى وقفت بين يديه ، ثمّ أشار إليها، فرجعت .
فأقرّ به ، ثمّ لزم الصمت و العبادة ، و كان من قبل يرى الرؤيا الصالحة الحسنة و تری له، ثمّ انقطعت عنه الرؤيا، فرأى أبا عبد الله (علیه السلام) في النوم فشكا إليه انقطاع الرؤيا.
فقال له : لاتغتمّ فإنّ المؤمن إذا رسخ في الأيمان رفعت عنه الرؤيا .(2)
3- ومنها : ماروي عن أحمد بن عمر الحلال قال: سمعت الأخرس یذکر موسی ابن جعفر (علیهما السلام) بسوء ، فاشتريت سكّيناً ، وقلت في نفسي: والله لأقتلنّه إذا خرج من المسجد (3) فأقمت على ذلك وجلست، فما شعرت إلّا برقعة أبي الحسن (علیه السلام) قد طلعت
ص: 651
عليَّ فيها : بحقّي عليك لما كففت عن الأخرس ، فإنّ الله ثقتي(1) وهو حسبي .
[فما بقي أيّاماً إلّا ومات] .(2)
4- ومنها : ما روي عن عليّ بن يقطين ، قال : أردت أن أكتب إلى أبي الحسن الأول (علیه السلام) أسأله: أيتنوّر الرجل و هو جنب؟
فكتب إليّ ابتداءاً : النورة تزيد الجنب نظافة، ولكن لا يجامع الرجل وهومختضب ولا تجامع امرأة مختضبة .(3)
ص: 652
5- ومنها: أنّ عيسى شلقان(1) قال : دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن أبي الخطّاب ، فقال لي - مبتدئاً من قبل أن أجلس- :
یا عیسی مامنعك أن تلقي ابني موسى فتسأله عن جميع ما تريد ؟!
قال عيسى : فذهبت إلى العبد الصالح وهو قاعد في الكتّاب، وعلى شفتيه أثر المداد ، فقال لي - مبتدئاً - : يا عيسى إنّ الله أخذ ميثاق النبيّين على النبوة فلم يتحوّلوا عنها ، وأخذ ميثاق الوصيّين على الوصيّة ، فلم يتحوّلوا عنها أبداً وإنّ قوماً إيمانهم عارية ، وإنّ أبا الخطّاب ممّن أعير الايمان ثمّ سلب .
فضممته إليّ وقبّلت ما بين عينيه فقلت: «ذرية بعضها من بعض».
ثم رجعت إلى الصادق (علیه السلام) فقال لي : ما صنعت ؟
قلت : أتيته فأخبرني مبتدئاً من غير أن أسأله عن جميع ما أردت أن أسأله .
فعلمت عند ذلك : أنّه صاحب [هذا] الأمر. فقال : يا عيسى إنّ ابني - هذا الّذي رأيت - لوسألته عمّا بين دفّتي المصحف لأجابك فيه بعلم .
ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتّاب .(2)
6- ومنها : أنّ هشام بن أحمر قال : قال لي أبو الحسن الأول (علیه السلام): هل علمت
ص: 653
أحداً من أهل المغرب قد قدم ؟ قلت : لا . فقال: بلى قدم رجل . فركب وركبت معه حتّى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق ، فقلت له : أعرض علينا . فعرض علينا تسع جوار کلّ ذلك يقول أبو الحسن (علیه السلام): لا حاجة لي فيها(1)ثمّ قال له : أعرض علينا . فقال : ما عندي شيء.
قال : بلى أعرض علينا . قال : لا والله ما عندي إلّا جارية مريضة .
فقال: ماعليك أن تعرضها . فأبى عليه ، ثمّ انصرف ، ثمّ إنّه أرسلني من الغد إليه ، فقال : قل له : كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا، فقل : قد أخذتها(2).
فأتيته فقال: ما أريد أن أنقصها من كذا [و كذا] . فقلت: قد أخذتها(3) وهو لك .
فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الّذي كان معك بالأمس ؟
فقلت: رجل من بني هاشم .
قال: من أيّ بني هاشم؟ قلت: ماعندي أكثر من هذا .
قال: أخبرك عن هذه الوصيفة(4)، إنّي اشتريتها من أقصى المغرب ، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب ، فقالت : هذه الوصيفة معك لمن هي؟ قلت: اشتريتها لنفسي . فقالت: ماينبغي أن تكون هذه عند مثلك، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ولا تلبث عنده إلّا قليلا حتّى تلد [له] غلاماً يَدينُ له شرق الأرض وغربها.
قال فأتيته بها، فلم تلبث إلّا قليلا حتّى ولدت الرضا (علیه السلام).(5)
ص: 654
7- و منها : ماروی إسماعيل بن موسی ، قال: كنّا مع أبي الحسن (علیه السلام) في عمرة فنزلنا بعض قصور الامراء ، فامر بالرحلة، فشدّت المحامل ، وركب بعض العيال . وكان أبو الحسن (علیه السلام) في بيت ، فخرج فقام على بابه ، فقال : حطّوا ، حطّوا.
فقال إسماعيل : وهل ترى شيئاً ؟
قال: إنّه ستأتيكم ربح سوداء مظلمة فتطرح بعض الأبل.
قال: فحطّوا. وجاءت ريح سوداء ، فأشهد لقد رأيت جملنا عليه كنيسة(1) حتّى أركب أنا فيها وأحمد أخي، ولقد قام ثمّ سقط على جنبه بالكنيسة.(2)
8- ومنها : أنّ المهدي أمر بحفر بئر بقرب «قبر العبادي»(3) لعطش الحاجّ هناك فحفرت أكثر من مائة قامة ، فبيناهم كذلك يحفرون إذ خرقوا خرقاً ، فإذا تحته هواء لا يدري ما قعره ، فإذا هو مظلم ، وللربح فيه دويّ .
فأدلوا رجلين إلى مستقرّه، فلمّا خرجا تغيّرت ألوانهما، وقالا:
رأينا دويّ هواء واسعاً، و رأينا بيوتاً قائمة ، و رجالا ونساء ، وإبلا و بقراً وغنماً كلّما مسسنا شيئاً منها رأيناه هباءاً. فسئل الفقهاء عن ذلك، فلم يدر أحد ماهو.
فقدم أبو الحسن موسى (علیه السلام) على المهديّ فسأله عنه ، فقال : أولئك (4) أصحاب
ص: 655
الأحقاف،هم بقيّة من [قوم] عاد، ساخت بهم منازلهم. وذكر على مثل ما قال الرجلان.(1)
9- و منها : ماروی إبراهيم بن الحسن بن راشد ، عن علي بن يقطين قال : كنت عند هارون الرشید یوماً إذ جاءت هدايا ملك الروم، و كانت فيها درّاعة ديباج سوداء لم أر أحسن منها ، فرآني أنظر إليها ، فوهبها لي ، و بعثتها إلى أبي إبراهيم ومضت عليها تسعة(2) أشهر .
فانصرفت يوماً من عند هارون بعد أن تغدّيت بين يديه، فلمّا دخلت داري، قام إلي خادمي الّذي يأخذ ثيابي، بمنديل على يده، و کتاب لطيف، خاتمه رطب، فقال: أتاني رجل بهذا الساعة، فقال: أوصله إلى مولاك ساعة يدخل .
فقال عليّ بن يقطين : ففضضت الكتاب فإذا فيه: «يا عليّ هذا وقت حاجتك إلى الدرّاعة» فكشفت طرف المنديل عنها، ورأيتها وعرفتها ، و دخل علي خادم لهارون بغير إذن فقال : أجب أمير المؤمنين . قلت: أيّ [شيء] حدث؟ قال: لا أدري .
فركبت ودخلت عليه، و عنده عمر بن بزيع واقفاً بين يديه فقال: مافعلت بالدرّاعة الّتي وهبتها لك ؟
قلت: خلع أمير المؤمنين عليَّ كثيرة ، من دراريع وغيرها ، فعن أيّها تسألني ؟
قال : درّاعة الديباج السوداء الروميّة المذهبّة .
قلت : ما عسى أن أصنع بها، ألبسها في أوقات، وأصلّي فيها ركعات ، وقد كنت دعوت بها عند منصرفي من دار أمير المؤمنين الساعة لألبسها .
ص: 656
فنظر إلىّ عمر بن بزيغ فقال: قال له ليرسل حتّى يحضرنّها .
قال: فأرسلت خادمي حتّي جاء بها. فلمّا رآها قال:
یا عمر ماينبغي أن نقبل(1) على عليّ بعدها (2) شيئاً .
قال: فأمر لي بخمسين ألف درهم حملت مع الدرّاعة إلى داري .
قال عليّ بن يقطين : و كان الساعي بي ابن عمّ لي ، فسوّد الله وجهه و كذّبه والحمد لله.(3)
ص: 657
1- روي أنّ المطر احتبس بخراسان في عهد المأمون ، فلمّا دخل الرضا (علیه السلام) وأمر قال: لو دعوت، الله يا أبا الحسن أن يمطر النّاس؟ - وكان ذلك يوم الجمعة - قال: نعم. الناس أن يصوموا ثلاثة أيّام : السبت والأحد و الاثنين. و خرج إلى الصحراء يوم الاثنين وخرج الخلائق ينظرون ، فصعد المنبر، وحمد الله و أثنى عليه، ثمّ قال :
«اللّهمّ أنت ياربّ عظّمت حقّنا أهل البيت، فتوسّلوا بنا كما أمرت، وأمّلوا فضلك ورحمتك، وتوقّعوا إحسانك و نعمتك ، فاسقهم سقياً نافعاً عامّاً غير ضارّ(1) وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم إلى منازلهم ومقارّهم».
قال الرواة : فو الّذي بعث محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نبيّاً، لقد نسجت الرياح الغيوم، وأرعدت وأبرقت ، وتحرك الناس، فقال الرضا (علیه السلام): على رسلكم، فليس هذا الغيم لكم، إنّما هولأهل بلد(2) كذا. فمضت السحابة و عبرت.
ثمّ جاءت سحابة أخرى تشتمل على رعد و برق، فتحرّكوا، فقال: على رسلكم فما هذه لكم ، إنّما هي لبلد كذا. فمازال حتّى جاءت عشر سحائب .
ثمّ جاءت سحابة حادية عشر ، فقال : يا أيّها الناس هذه بعثها الله لكم، فاشكروه على تفضّله عليكم ، و قوموا إلى مقارّكم و منازلكم ، فإنّها مسامتة(3) لرؤوسكم
ص: 658
ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا منازلكم.
فما زالت السحابة ممسكة إلى أن قربوا من منازلهم ، ثمّ جاءت بوابل المطر فملأت الأودية، وجعل الناس يقولون: هنيئاً لولد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كرامات الله لهم .
وقد قال لهم الرضا (علیه السلام) حين قد برز لهم وهم حضور: إتّقوا الله أيّها الناس في نعم الله عليكم ، فلاتنفّروها عنكم بمعاصيه ، بل استدیموها بطاعته و شكره على نعمه وأياديه، واعلموا أنّكم لم تشكروا الله بشيء - بعد الايمان بالله ورسوله، وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمّد - أحبّ إليكم في الله من معاونتكم لإخوانكم المؤمنین على دنياهم التّي هي معبرلهم إلى جنان ربّهم، فإنّ من فعل ذلك كان من خاصّة الله .
ثمّ إنّ المأمون سمع بذلك، وقال له [بعض] خواصّه : جئت بهذا الساحر قد ملأ الدنيا مخرقة بهذا المطر. فقعد من الغد للناس، فقال حاجبه: يا ابن موسى لقد عدوت طورك أن بعث الله بمطر مقدور في وقته ، فإن كنت صادقاً فأحي [ لنا ] هذين. وأشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون .
فصاح الرضا (علیه السلام) بالصورتين:دونکما الفاجر، فافترساه، ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً.
فوثبت الصورتان، وقد عادتا أسدين ، فتناولا الحاجب ورضّضاه و هشّماه و أكلاه والقوم ينظرون متحيّرين. فلمّا فرغا، أقبلا على الرضا (علیه السلام) فقالا: يا وليّ الله في أرضه ماذا تأمرنا أن نفعل به؟ يشيران إلى المأمون ، فغشي على المأمون ممّا سمع.
فقال الرضا : قفا. فوقفا، ثمّ قال الرضا (علیه السلام): صبّوا عليه ماء ورد. ففعل به، فأفاق وعاد الأسدان يقولان: أنأذن لنا أن نلحقه بصاحبه؟ فقال: لا، فإنّ لله أمراً(1) هو ممضيه .
وقال : عوداً إلى مقرّ كما كما کنتما. فعادا إلى المسند، وصارا صورتين كما كانتا.
فقال المأمون:الحمدلله الّذي كفاني شر حمید بن مهران - يعني الرجل المفترس -(2)
ص: 659
2- ومنها: أنّ المأمون قال له يوماً : إنّ آباءك كان عندهم علم بما كان وبما يكون إلى يوم القيامة ، وأنت وصيّهم، وهذه الزاهريّة حظيّتي لا أقدم عليها أحداً من جوارييّ. حملت غير مرّة ، کلّ ذلك تسقط وهي حبلى .
فأطرق ساعة، ثمّ قال : لاتخف من إسقاطها، فإنّها ستسلم، وتلد غلاماً أشبه الناس بأمّه ، وقد زاد الله في خلقه مزيّتين : في يده اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة وفي رجله اليمني خنصر زائدة ليست بالمدلاة.
فولدت، وقد عاش الولد، و كان كذلك.(1)
3- ومنها : ماروي عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت في مجلس الرضا (علیه السلام) فعطشت [عطشاً] شديداً، وتهيبّته أن أستسقي في مجلسه. فدعا بماء، فشرب منه جرعة
ص: 660
ثم قال: يا أباهاشم اشرب، فإنّه بارد طيّب. فشربت.
ثم عطشت عطشة أخرى، فنظر إلى الخادم وقال: شربة من ماء و سویق(1) وسكّر .
ثم قال له: بلّ السويق، وانثر عليه السكّر بعد بلّه.
وقال: اشرب يا أبا هاشم، فإنّه يقطع العطش. (2)
4- و منها: ما قال أبوهاشم: أنّه لّما بعث المأمون رجاء بن أبي الضحّاك(3) لحمل أبي الحسن علي بن موسى (علیهما السلام) على طريق الأهواز، ولم يمرّ به على طريق الكوفة فيفتتن به أهلها .
وكنت بالشرق من إيذج(4) فلمّا سمعت به سرت إليه بالأهواز، و انتسبت له وكان أول لقائي له، و كان مريضاً ، و كان زمن القيظ(5)، فقال لي: ابغ لي طبيباً .
فأتيته بطبيب ، فنعت له بقلة ، فقال الطبيب : لا أعرف على وجه الأرض أحداً يعرف اسمها غيرك، فمن أين عرفتها؟ إلّا أنّها ليست في هذا الأوان ، ولاهذا الزمان.
قال له : فابغ لي قصب السكّر. قال الطبيب: وهذه أدهى من الأولى ، ماهذا بزمان قصب السكّر، ولا يكون إلّا في الشتاء .
فقال الرضا (علیه السلام): بل هما في أرضكم هذه، و زمانكم هذا، وهذا معك فامضيا إلى شاذروان(6) الماء فاعبراه، فسيرفع لكم جوخان - أي بيدر(7) - فاقصداه. فستجدان رجلاً
ص: 661
هناك أسود في جوخانه ، فقولا له: أين منابت قصب(1) السكّر ؟ وأين منابت الحشيشة الفلانيّة ؟ - ذهب على أبي هاشم اسمها - فقال: يا أبا هاشم دونك القوم .
فقمت معهما، فإذا الجوخان ، والرجل الأسود .
قال: فسألناه. فأومأ إلى ظهره ، فإذا قصب السكّر والحشيشة، فأخذنا منه حاجتنا ورجعنا إلى الجوخان، فلم نر صاحبه فيه ، ورجعنا إلى الرضا (علیه السلام) فحمد الله .
فقال لي المتطبّب : ابن من هذا ؟ قلت: ابن سيّد الأنبياء .
قال : فعنده من أقاليد النبوة شيء ؟ قلت : نعم ، وقد شهدت بعضها ، وليس بنبيّ .
قال : فهذا وصيّ نبي ؟ قلت : أمّا هذا فنعم .
فبلغ ذلك رجاء بن أبي الضحّاك فقال لأصحابه : لئن أقام بعد هذا لتمدّنّ إليه الرقاب. فارتحل به .(2)
5- ومنها: أنّ أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي قال: إنّي كنت من الواقفة علی موسی بن جعفر (علیهما السلام)، و أشكّ في الرضا ، فكتبت إليه أسأله عن مسائل ونسيت ، كان أهم [ المسائل ] إليّ ؟
فجاء الجواب عن جميعها ، ثمّ قال : و قد نسيت ما كان أهمّ المسائل عندك .
فاستبصرت، ثمّ قلت له : يا ابن رسول الله أشتهي أن تدعوني إلى دارك في أوقات تعلم أنّه لا مفسدة لنا من الدخول عليكم من أيدي الأعداء.
قال : ثمّ بعث إليّ مرکوباً في آخر يوم ، فخرجت إليه(3) ، وصلّيت معه العشائين، وقعد يملي(4) عليّ من العلوم إبتداءاً ، وأسأله فيجيبني ، إلى أن مضى كثير
ص: 662
من الليل . ثمّ قال للغلام : هات الثياب الّتي أنام فيها ، لينام أحمد البزنطي فيها .
قال: فخطر ببالي أن ليس في الدنيا من هو أحسن حالاً منّي، بعث الامام بمرکوبه إليّ، وقعد إليّ ، ثمّ أمر لي بهذا الاکرام !
وكان قد اتّكأ على يديه لينهض(1) ، فجلس وقال: يا أحمد لا تفخر على أصحابك بذلك، فإنّ صعصعة بن صوحان مرض فعاده أمير المؤمنين (علیه السلام) وأكرمه، ووضع يده على جبهته ، وجعل يلاطفه ، فلمّا أراد النهوض ، قال : يا صعصعة لا تفخر على إخوانك بما فعلت ، فإنّي إنّما فعلت جميع ذلك لأنّه كان تكليفاً لي.(2)
6- ومنها: ما روي عن محمّد بن الفضيل(3) الصيرفي قال : دخلت على الرضا (علیه السلام) فسألته عن أشياء ، وأردت أن أسأله عن سلاح رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فأغفلته ، فخرجت فدخلت إلى منزل الحسين بن بشّار، فإذا رسول للرضا (علیه السلام)أتى، و كان معه رقعة فيها:
«بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بمنزلة أبي، و وارثه کلّ ما كان عنده، وسلاح رسول الله عندي».(4)
ص: 663
1- عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : دخلت على أبي جعفر الثاني (علیه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة، واشتبهت عليّ ، واغتممت [لذلك] .
فتناول إحداهنّ فقال : هذه رقعة ريان بن شبيب(1)
ثم تناول الثانية وقال : هذه رقعة محمّد بن حمزة .
وتناول الثالثة وقال : هذه رقعة فلان. فبهتّ ! فنظر إليّ وتبسّم .(2)
ص: 664
2- ومنها: ما قال الحميري : إنّ أباهاشم قال لي : إنّ أبا جعفر (علیه السلام)أعطاني ثلاثمائة دينار في صرّة، وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه ، وقال :
أمّا إنّه سيقول لك : دلّني على حريف(1) أشتري بها منه متاعاً. فدلّه عليه .
قال : فأتيته بالدنانير ، فقال : يا أباهاشم ، دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً . ففعلت .(2)
3- ومنها: ما قال أبو هاشم: كلّفني جمّال أن أكلّم أبا جعفر (علیه السلام) له ، ليدخله في بعض أموره .
قال : فدخلت عليه لأكلّمه ، فوجدته مع جماعة، فلم يمكنّي كلامه .
فقال: يا أبا هاشم کل - وقد وضع الطعام بين يديه - ثمّ قال إبتداءاً من غير مسألة منّي : يا غلام انظر الجمّال الّذي آتانا به أبو هاشم ؟.(3)
4- ومنها: ما قال أبوهاشم : ودخلت معه ذات يوم بستاناً ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّي مولع بأكل الطين ، فادع الله لي ؟
فسكت ، ثمّ قال لي بعد أيّام : يا أباهاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين .
قلت : فما شيء أبغض إليّ منه .
5- و منها: ماقال أبو هاشم الجعفري: جاء رجل إلى محمّد بن علي بن موسی (علیهم السلام) فقال: يا ابن رسول الله، إنّ أبي مات و كان له مال، ففاجأه الموت، ولست أقف على ماله، ولي عيال كثير ، وأنا من مواليكم ، فأغثني .
فقال له أبو جعفر (علیه السلام): إذا صلّيت العشاء الآخرة ، فصلّ على محمّد و آل محمد فإنّ أباك يأتيك في النوم ، ويخبرك بأمر المال.
ففعل الرجل ذلك، فرأى أباه في النوم. فقال: يا بنيّ ، مالي في موضع كذا، فخذه
ص: 665
واذهب به(1) إلى ابن رسول الله فاخبره إنّي دللتك على المال .
فذهب الرجل، فأخذ المال ، و أخبر(2) الإمام بخبر(3) المال، وقال:
الحمد لله الذي أكرمك واصطفاك .(4)
6- ومنها : ما روى أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن بن معمّر بن خلاد(5)عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال لي بالمدينة : يامعمّر اركب .
قلت: إلى أين ؟ قال : اركب كما يقال لك.
فركبت معه ، فانتهينا إلى واد، وإلى وهدة، و إلى تلّ(6).
فقال: قف هاهنا ! فوقفت، وخرج. ثمّ أتاني، فقلت: جعلت فداك أين كنت؟
قال: دفنت أبي الساعة، و كان بخراسان.(7)
7- و منها: ما روی یوسف بن السخت ، عن صالح بن(8) عطيّة الأضخم قال: حججت ، فشكوت إلى أبي جعفر (علیه السلام) الوحدة .
ص: 666
فقال: أمّا إنّك لاتخرج من الحرم حتّى تشتري جارية ترزق منها إبناً .
فقلت : تشير إليّ ؟فقال: نعم. وركب إلى النخّاس، و نظر إلى جارية ، فقال : اشترها.
فاشتريتها، فولدت محمّداً إبني.(1)
8- ومنها : ماروی أحمد بن هلال، عن أميّة بن عليّ القيسي، قال: دخلت أنا وحمّاد بن عيسى على أبي جعفر (علیه السلام) بالمدينة لنودعه، فقال لنا : لاتخرجا ، أقيما إلى غد. قال : فلمّا خرجنا من عنده . قال حمّاد : أنا أخرج فقد خرج ثقلي .
قلت : أمّا أنا فاقیم .
قال: فخرج حمّاد، فجرى الوادي تلك الليلة، فغرق فيه، وقبره بسيّالة .(2)
9- ومنها : ماروی داود بن محمّد النهدي ، عن عمران بن محمّد الأشعري، قال: دخلت على أبي جعفر الثاني (علیه السلام) فقضيت حوائجي ، وقلت له: إنّ أمّ الحسن تقرؤك السلام، وتسألك ثوباً من ثيابك تجعله كفناً لها .
قال: قد استغنت عن ذلك . فخرجت و لست (3) أدري ما معنى ذلك، فأتاني الخبر بأنّها [قد] ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً، أو أربعة عشر.(4)
ص: 667
10- و منها : ما روی أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سهل بن اليسع قال: كنت مجاوراً بمكّة، فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني (علیه السلام) و أردت أن أسأله كسوة يكسونيها، فلم يقض لي (1) أن أسأله ، حتّى ودعته و أردت الخروج فقلت: أكتب إليه وأسأله .
قال: فكتبت إليه الكتاب، فصرت إلى مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على أن اصلّي ركعتين وأستخير الله مائة مرّة، فإن وقع في قلبي أن أبعث إليه بالكتاب، بعثت به، وإلّا خرّقته ففعلت، فوقع في قلبي أن لا أفعل.
فخرّقت الكتاب ، و خرجت من المدينة ، فبينما أنا كذلك(2) إذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلّل القطار ، ويسأل عن محمّد بن سهل القمّي حتّى انتهى إليّ، فقال: مولاك بعث إليك بهذا . وإذا ملاءتان(3) .
قال أحمد بن محمّد : فقضى [الله] أنّي غسّلته حين مات، و کفّنته فيهما .(4)
11- ومنها : ماروی أبو سعيد سهل بن زیاد ، عن ابن حديد قال: خرجنا جماعة حجّاجاً، فقطع علينا الطريق، فلمّا دخلنا المدينة، لقيت أبا جعفر (علیه السلام) في بعض الطريق فأتيته إلى المنزل، فأخبرته بالّذي أصابنا ، فأمر لي بكسوة ، وأعطاني دنانير، وقال:
ص: 668
فرقّها على أصحابك ، على قدر ما ذهب لهم .
[فقسّمتها بينهم] فإذا هي على قدر ما ذهب منهم لاأقلّ منه ولا أكثر .(1)
12- و منها: ماروی یحیی بن أبي عمران قال: دخل من أهل الري جماعة من أصحابنا على أبي جعفر (علیه السلام) وفيهم رجل من الزيديّة . قالوا: فسألنا عن مسائل .
فقال أبو جعفر(علیه السلام) لغلامه: خذ بيد هذا الرجل، فأخرجه .
فقال الزيدي: أشهد أن لا إله إلا الله ، و أنّ محمداً رسول الله ، وأنّك حجّة الله .(2)
13- ومنها : ما روى أبوسلیمان ، عن صالح بن محمّد بن صالح(3) بن داود اليعقوبي قال : لمّا توجّه [أبو جعفر(علیه السلام)] في استقبال المأمون إلى ناحية الشام أمر أن يعقد ذنب دابّته ، و ذلك في يوم صائف شديد الحرّ لا يوجد الماء .
فقال بعض من كان معه :
لا عهد له بركوب الدوّاب! أي موضع عقد ذنب البرذون(4) هذا .
قال: فما مررنا إلّا يسيراً حتّی ضللنا الطريق بمكان كذا ، و وقعنا في وحل كثير،
ففسد ثيابنا ومامعنا، ولم يصبه(5) شيء من ذلك.(6)
ص: 669
14- ومنها : أنّ أبا جعفر (علیه السلام)قال لنا ذات يوم ونحن في ذلك الوجه: أمّا إنّكم ستضلّون الطريق بمكان كذا ، وتجدونه في مكان كذا ، بعدما يذهب من الليل كذا . فقلنا: ماعلم بهذا، ولابصر له بطريق الشام! فكان كما قال.(1)
15- ومنها: ما روي عن عمران بن محمّد قال:دفع إليّ أخي درعاً لأحملها إلى أبي جعفر (علیه السلام) مع أشياء ، فقدمت بها ونسيت الدرع.
فلمّا أردت أن أودعه، قال لي: أحمل الدرع .
و سألتني والدتي أن أسأله قميصاً من ثيابه ، فسألته ، فقال : ليست تحتاج إليه .
فجاءني الخبر أنّها توفّيت قبل عشرين يوماً . (2)
16 - ومنها: أنّ رجلا سأله أن يدعو الله ، ويسأل له ولداً، فقال : رزقك الله ولداً زكيّاً . فخرج الرجل ، ولم يعرف معنى الزكي، فسأل ابن أبي عمير ، وابن فضّال وغيرهما، فلم يعرفاه إلّا ابن سنان، فإنّه ما لبث أن جاءه البشير يهنّئه، ثمّ جاءه نعيه .(3)
17- ومنها: أنّهم قالوا: كتبنا إليه رقاعاً في حوائج لنا ، و كتب رجل من الواقفة رقعة جعلها بين الرقاع .
فوقّع الجواب بخطّه في الرقاع إلّا في رقعة الواقفي لم يجب فيها بشيء .(4)
18 - ومنها : ما روي عن ابن أرومة(5) أنّه قال: إنّ المعتصم دعا بجماعة من
ص: 670
وزرائه، فقال : اشهدوا لي على محمّد بن عليّ بن موسی (علیهم السلام) زوراً، واكتبوا أنّه أراد أن يخرج . ثمّ دعاه ، فقال : إنّك أردت أن تخرج عليّ ؟
فقال : - والله - مافعلت شيئاً من ذلك. قال: إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً شهدوا عليك.
و أحضروا ، فقالوا: نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك .
قال: و كان جالساً في بهو(1) فرفع أبو جعفر(علیه السلام) يده فقال : اللّهمّ إن كانوا كذبوا علىّ فخذهم .
قال : فنظرنا إلى ذلك البهو كيف يزحف(2) و يذهب و يجيء ، و كلّما قام واحد وقع .
فقال المعتصم : يا ابن رسول الله إنّي تائب ممّا فعلت(3) فادع ربّك أن يسكّنه .
فقال: اللّهمّ سکّنه ، وإنّك تعلم أنّهم أعداؤك و أعدائي . فسكن .(4)
ص: 671
1- روي أنّ أبا هاشم الجعفري كان منقطعاً إلى أبي الحسن بعد أبيه أبي جعفر و جده الرضا (علیهم السلام) ، فشکی إلى أبي الحسن (علیه السلام)ما يلقي من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد ، ثمّ قال له : يا سيّدي ادع الله لي فربّما لم أستطع ركوب الماء خوف الاصعاد(1) و البطء عنك ، فسرت إليك على الظهر ، و مالي مر كوب سوی برذوني هذه على ضعفها فادع الله لي أن يقويني على زيارتك.
فقال: قوّاك الله يا أباهاشم، وقوى برذونك .
قال الراوي : و كان أبوهاشم يصلّي الفجر ببغداد ، و يسير على ذاك البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر «سرّ من رأي» ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على تلك البرذون بعينه . فكان هذا من أعجب(2) الدلائل التي شوهدت.(3)
ص: 672
2-ومنها: ماروی جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، عن أبي هاشم قال(1) : دخلت على أبي الحسن (علیه السلام)، فكلّمني بالهنديّة، فلم أحسن أن أردّ عليه، و كان بين يديه ركوة(2) ملای حصى ، فتناول حصاة واحدة ، ووضعها في فيه و مصّها مليّاً ، ثمّ رمى بها إليّ فوضعتها في فمي(3) فوالله ما برحت مكاني(4) حتّى تكلّمت بثلاث وسبعين لساناً، أولها الهنديّة .(5)
3- ومنها : ماروی یحیی بن زکريّا الخزاعي قال : حدّثني أبو هاشم الجعفري قال: خرجت مع أبي الحسن إلى ظاهر «سرّ من رأي» نتلقّى بعض القادمين ، فأبطأوا ، فطرح لأبي الحسن (علیه السلام) غاشية السرج، فجلس عليها ، [و نزلت عن دابّتي و جلست بين يديه، وهو يحدثني](6) .
فشكوت إليه قصور یدي(7)، وضيق حالي. فأهوى بيده(8) إلى رمل(9) فناولني منه أكفّاً(10) وقال: اتّسع بها(11) يا أبا هاشم ، واكتم ما رأيت .
فخبّأته معي و رجعنا ، فأبصرته، فإذا هو يتّقد النيران ذهباً أحمر.
ص: 673
فدعوت صائغاً إلى منزلي ، وقلت له : اسبك لي هذا . فسبكه و قال(1) : ما رأيت ذهباً أجود منه(2) وهو كهيئة الرمل، فمن أين لك هذا؟ قلت: هذا شيء عندنا(3) قدیماً.(4)
4 - ومنها : ماقال أبو هاشم: کنت بالمدينة حين مرّ «بغا»(5) أيّام الواثق في طلب الأعراب . فقال أبو الحسن (علیه السلام): اخرجوا بنا حتّى ننظر إلى تعبئة هذا التركي.
فخرجنا، فرقفنا، فمرّت بنا تعبئته، فمّربنا تركيّ ، فكلّمه أبو الحسن (علیه السلام) بالتركي(6) فنزل عن فرسه ، فقبّل حافر فرس الامام(7).
فحلّفت التركي، فقلت له : ماقال [لك] الرجل ؟ .
قال : هذا نبيّ ؟ قلت: ليس هو بنبيّ(8).
ص: 674
قال: دعاني باسم سمّيت به في صغري في بلاد الترك، ما علمه أحد إلى الساعة.(1)
5- ومنها: ما قال أبوهاشم : كنت عند أبي الحسن (علیه السلام) و هو مجدّر ، فقلت للمتطبّب(2) :«آب گرفت»؟ ثمّ التفت إليّ وتبسّم فقال: تظنّ ألايحسن الفارسيّة(3)غيرك ؟! فقال له المتطبّب : جعلت فداك تحسنها ؟!
فقال : أمّا فارسيّة هذا فنعم ، قال لك : احتمل الجدري ماء !(4)
6- ومنها: ما قال أبوهاشم : قال(5) لي أبو الحسن (علیه السلام)و على رأسه غلام:
كلّم هذا الغلام بالفارسيّة، وأعرب له فيها.
فقلت للغلام : «ناف(6) تو چیست»؟ فسكت الغلام.
فقال له أبو الحسن(علیه السلام) : يسألك عن سرّتك(7). (8)
7- ومنها : ما روي عن محمّد بن الحسن بن الأشتر العلوي قال : كنت مع أبي علىّ باب المتوکّل، وأنا صبيّ في جمع من الناس، ما بين طالبي، إلى عبّاسيّ إلى جندي ، إلى غير ذلك ، و كان إذا جاء أبو الحسن (علیه السلام)، ترجّل الناس كلّهم حتّى يدخل .
ص: 675
فقال بعضهم لبعض : لم نترجّل لهذا الغلام ؟ وما هو بأشرفنا ، ولا بأكبر منّا سنّاً ، ولا أعلمنا(1) ؟ فقالوا : - والله - لا ترجّلنا [له] .
فقال لهم أبوهاشم : والله لترجّلنّ له صغاراً وذلّة إذا رأيتموه. فما هو إلّا أن أقبل ، وبصروا به. فترجّل له الناس كلّهم .
فقال لهم أبوهاشم : أليس زعمتم أنّكم لا تترجّلون له ؟
فقالوا : والله ما ملكنا أنفسنا حتّی ترجّلنا. (2)
8- ومنها : ماروي عن عليّ بن [محمد، عن] (3) إبراهيم بن محمّد الطاهري(4) قال: مرض المتوكّل من خراج(5) خرج به، فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة، وهو قد أشرف به على الموت ، فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن (علیه السلام) مالاً جليلا(6) من مالها .
وقال له الفتح بن خاقان(7): قد عجز الأطباء ، لو بعثت إلى هذا الرجل - يعني
ص: 676
أبا الحسن (علیه السلام)- فسألته ، فربّما كان عنده صفة شيء(1) يفرّج الله به عنك .
قال: ابعثوا إليه . فمضى الرسول ورجع، فقال: خذوا كسب(2) الغنم فديفوه بماء الورد، وضعوه على الخراج، فإنّه نافع باذن الله .
فهزيء الأطبّاء به . فقال الفتح : وهل يضر ذلك ؟ قالوا: لا، و لكن لا ينفع(3)
فقلت : والله لأرجونّ الصلاح به. فاحضر الكسب ، وديّف بماء الورد و وضع على الخراج ، فانفتح وخرج ما كان فيه ، وبشّرت امّ المتوکّل بعافيته .
فحملت إلى أبي الحسن (علیه السلام) عشرة آلاف دينار تحت ختمها .
ولمّا كان بعد أيّام كثيرة ، سعي البطحائي (4) بأبي الحسن (علیه السلام) إلى المتوکّل وقال: عنده أموال وسلاح . فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ مايجده عنده من الأموال والسلاح ، ويحمله إليه .
قال إبراهيم بن محمّد: قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن (علیه السلام) ليلاً ومعي سلّم، فصعدت منه إلى السطح [ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة]
ص: 677
ولم أدر كيف أصل إلى الدار ؟
فناداني(1) أبو الحسن (علیه السلام): (ياسعيد توقّف حتى تؤتي بالمصباح .
فأنتوني بالشمع)(2) ، فنزلت، فوجدت عليه جبّة صوف، وقلنسوة صوف، وسجّادة على حصير بين يديه ، وهو مقبل إلى القبلة . فقال لي : دونك البيوت.
فدخلتها وفتّشتها، فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت بدرة(3) مختومة بخاتم امّ المتوکّل و کیساً مختوماً معها(4) .
فقال لي أبو الحسن (علیه السلام): دونك المصلّی . فرفعته، فوجدت سيفاً في جفن(5)ملبوس، فأخذت ذلك أيضاً وصرت إلى المتوکّل .
فلمّا نظر إلى خاتم أمّه على البدرة، بعث إليها، فخرجت إليه، فسألها عن البدرة فقالت : نذرت(6) في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار
فحملتها إليه لمّا عوفيت. فأمر أن يضمّ إلى البدرة بدرة أخرى، وقال لي: أحمل ذلك
إلى أبي الحسن(علیه السلام) ، [اردد عليه السيف و الكيس بمافيه.] فحملت جميع ذلك إليه و استحييت منه، فقلت :
يا سيّدي عزّ عليّ بدخولي عليك دارك بغير إذنك ، و لكنّي مأمور .
فقال : «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(7). (8)
ص: 678
9- ومنها : ما روي عن محمّد بن الفرج الرخجي [أنّه قال](1) :
إنّ أبا الحسن (علیه السلام) كتب إليّ : اجمع أمرك ، وخذ حذرك . قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما الّذي أراد بما كتب(2) إليّ حتّى ورد عليّ رسول حملني من مصر مصفّداً(3) بالحديد ، وضرب(4) على کلّ ما أملك .
فمكثت في السجن ثماني سنين ، ثمّ ورد علي [ كتاب ] من أبي الحسن (علیه السلام) وأنا في السجن(5) «لا تنزل في ناحية الجانب الغربي». فقرأت الكتاب، وقلت في نفسي : يكتب إليّ أبو الحسن (علیه السلام) بهذا و أنا في السجن، إنّ هذا لعجيب(6) !فما مكثت إلّا أيّاماً يسيرة حتّى أفرج عنّي ، وحلّت قيودي ، وخلّي سبيلي .
ولمّا رجع إلى العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسن (علیه السلام)، وخرج إلى «سر من رأى».
قال: فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله ليردّ عليّ ضياعي(7).
ص: 679
فكتب إليّ: سوف يردّ عليك ، و ما يضرّك ألّا يردّ(1) عليك (، و لمّا ردّ
ضياعه، مات سريعاً بسرّ من رأى )(2) .(3)
10- ومنها : ماروي عن صالح بن سعيد : أنّ المتوكّل بعث إلى أبي الحسن (علیه السلام) يدعوه إلى الحضور بالعسكر. فلمّا وصل، تقدّم بأن يحجب عنه في يومه، فنزل في خان الصعاليك(4) . فدخلت عليه ، فقلت :
في کلّ الأمور أرادوا إطفاء نورك ، والتقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان .
فقال : هاهنا أنت يا ابن سعید؟ ثمّ أومأ بيده، فإذا بروضات، و أنهار وجنان ، ففيها خیرات(5) و ولدان، فحار بصري، و کثر تعجّبي . فقال لي: حيث كنّا فهذا لنا(6)
ص: 680
11- ومنها : ماروي عن أبي يعقوب، قال: رأيت أبا الحسن (علیه السلام) مع أحمد بن الخصيب(1) يتسايران ، وقد قصر عنه أبو الحسن (علیه السلام) فقال له ابن الخصيب : سر !
فقال أبو الحسن (علیه السلام): أنت المقدم.
فما لبثنا [إلّا](2) أربعة أيّام حتّى وضع الدهق(3) على ساق ابن الخصيب، وقتل .
وقد ألحّ قبل هذا ابن الخصيب على أبي الحسن (علیه السلام) في الدار الّتي قد نزلها و طالبه بالانتقال منها ، وتسليمها إليه .
فقال له أبو الحسن (علیه السلام): لأقعدنّ لك من الله مقعداً لايبقى لك معه باقية .
فأخذه الله في تلك الأيّام وقتل.(4)
ص: 681
1- عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت في الحبس(1) مع جماعة، فحبس أبو محمّد (علیه السلام) وأخوه جعفر، فخففنا(2) له، وقبّلت وجه الحسن، وأجلسته على مضربة(3) كانت تحتي(4) ، و جلس جعفر قريباً منه . فقال جعفر : واشيطناه. بأعلى صوته – یعني جارية له - فزجره أبو محمّد (علیه السلام) وقال له: اسكت.
وكان المتولّي لحبسه صالح بن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جمحيّ يدعي(5) أنّه علوي، فالتفت أبو محمّد (علیه السلام) وقال: لولا أنّ فيكم من لیس منکم، لأعلمتكم متى يفرّج الله عنكم . وأومأ إلى الجمحيّ، فخرج، فقال أبو محمّد (علیه السلام): هذا الرجل ليس منکم، فاحذروه ، وإنّ في ثيابه قصّة قد كتبها إلى السّلطان يخبره بما تقولون فيه . فقام بعضهم ففتّش ثيابه، فوجد فيها القصّة يذكرنا [فيها] بكل عظيمة، ويعلمه على أنّا نريد أن نثقب الحبس(6) ونهرب .(7)
ص: 682
2- ومنها: ما قال أبو هاشم: إنّ الحسن (علیه السلام) كان يصوم ، فإذا أفطر أكلنا معه مما كان يحمله إليه غلامه ، في جونة(1) مختومة ، و كنت أصوم معه ، فلمّا كان ذات يوم ضعفت، فأفطرت في بيت آخر على كعكة، وما شعر بي أحد، ثمّ [جئت و] جلست معه. فقال لغلامه: اطعم أبا هاشم [شيئاً] فإنّه مفطر. فتبسمت، فقال: ما يضحكک يا أبا هاشم؟ إذا أردت القوّة، فكل اللّحم، فإنّ الكعك لاقوّة فيه. فقلت: صدق الله ورسوله وأنتم عليكم السلام. فأكلت: فقال : افطر ثلاثاً فإنّ المنّة(2) لا ترجع لمن أنهكه(3)الصوم في أقل من ثلاث .
فلمّا كان في اليوم الّذي أراد الله أن يفرّج عنّا، جاءه الغلام، فقال: ياسيدي احمل فطورك؟ فقال : احمل وما أحسبنا نأكل منه . فحمل طعام الظهر، وأطلق عند العصر عنه ، وهو صائم . فقال : كلوا هداكم(4) الله .(5)
3- ومنها : روي عن یوسف بن محمّد بن زیاد ، وعلي بن سيّار قالا : حضرنا ليلة على غرفة لأبي محمّد الحسن بن عليّ الزكيّ (علیه السلام) - وقد كان الوالي في ذلك
ص: 683
الوقت معظّماً له – إذ جاء والي البلد ومعه رجل مكتوف، فقال: یابن رسول الله أخذت هذا على باب حانوت صيرفي، فلمّا هممت بضربه ، قال: إنّي من شيعة علي وشيعتك فكففت، فهل هو كذلك ؟
فقال : معاذ الله ما هذا من شيعة عليّ. فنحّاه و قال : ابطحوه. فبطحوه ، و أقام عليه جلادين ، وقال : أوجعاه. فأهویا إليه بعصيّهما، فكانا لا يصيبانه و إنّما يصيبان الأرض.
قال: فردّه الوالي إلى الإمام أبي محمّد (علیه السلام) فقال: عجباً لقد رأيت له من المعجزات ما لا يكون إلّا للانبياء .
فقال الحسن بن علي (علیه السلام): أو للاوصياء. ثمّ قال: إنّما هي لنا، وهو لنا محب(1) .
فقال الوالي : ما الفرق بين الشيعة و المحبّين ؟
فقال : شیعتنا هم الّذين يتبعون آثارنا ، و يطيعوننا في جميع أوامرنا و نواهينا و من خالفنا في كثير ممّا فرضه الله فليس من شیعتنا .(2)
4- ومنها: ما قال أبو هاشم: ما دخلت قطّ على أبي الحسن وأبي محمّد (علیهما السلام) إلّاورأيت منهما دلالة و برهاناً، فدخلت على أبي محمّد (علیه السلام)ذوأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتماً أتبرك به ، فجلست وأنسيت ما جئت له ، فلمّا أردت النهوض رمي إليّ بخاتم ، وقال: أردت فضّة فأعطيناك خاتماً، وربحت الفصّ والكراء ، هنّاك الله.(3)
ص: 684
5- ومنها : ما قال أبو هاشم : سأله الفهفكي : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ، ويأخذ الرجل القوي سهمين ؟
قال : لأنّ المرأة ليس عليها جهاد، ولا نفقة، ولا عليها معقلة(1) ، إنّما ذلك على الرجال.
فقلت في نفسي : قد كان قيل لي: أنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله (علیه السلام)عن هذه المسألة، فأجابه بمثل هذا الجواب(2).
فأقبل (علیه السلام) عليّ ، فقال: نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء ، و الجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً، جرى لآخرنا ما جرى لأولنا، و أولنا و آخرنا في العلم والأمر سواء ، و لرسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولأمير المؤمنين (علیه السلام) فضلهما .(3)
ص: 685
6- ومنها : ماقال أبوهاشم: إنّي قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم مايقول أبو محمّد (علیه السلام) في القرآن، أهو مخلوق أو إنّه غير مخلوق؟ والقرآن سوی الله .
فأقبل عليّ فقال : أما بلغك ما روي عن أبي عبد الله (علیه السلام) لمّا نزلت «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » خلق الله لها أربعة آلاف جناح، فما كانت تمرّ بملأ من الملائكة إلّا خشعوا لها، وقالوا (1) : هذه نسبة الرب تبارك وتعالى .(2)
7- ومنها: ما قال أبوهاشم : سمعت أبا محمّد (علیه السلام)يقول : إنّ الله ليعفو يوم القيامة عفواً لا يخطر على بال العباد، حتّى يقول أهل الشرك : «وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ »(3) فذكرت في نفسي حديثاً حدّثني به رجل من أصحابنا من أهل مكّة أن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قرأ «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًاً»(4) فقال رجل: من أشرك .
فأنكرت ذلك ، و تنمّرت للرجل ، فأنا أقوله في نفسي إذ أقبل عليّ فقال :
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»(5) بئسما قال هذا(6) و بئسما روی .(7)
8- ومنها : ما قال أبوهاشم: سأل محمّد بن صالح الأرمني أبا محمّد (علیه السلام) عن قوله تعالى : «لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» (8) فقال : له الأمر من قبل أن يأمر
ص: 686
به ، وله الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء ، فقلت في نفسي : هذا قول الله: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ »(1) ، فأقبل عليّ وقال : هو كما أسررت في نفسك «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ».
قلت : أشهد أنّك حجّة الله و ابن حججه على عباده(2).
9 - ومنها: ماقال أبوهاشم: أنّه سأله عن قوله تعالى: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ »(3)
قال : كلّهم من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، الظالم لنفسه: الّذي لايقرّ بالأمام، والمقتصد: العارف بالاإمام، والسابق بالخيرات باذن الله : الإمام .
فجعلت أفكّرفي نفسي عظم ما أعطى الله آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و بكيت ، فنظر إليّ وقال : الأمر أعظم ممّا حدثت به نفسك من عظم شأن آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فاحمد الله أن(4) جعلك مستمسكاً بحبلهم، تدعى يوم القيامة بهم، إذا دعي کلّ أناس بإمامهم إنّك على خير .(5)
10- ومنها : ما قال أبوهاشم : سأله محمّد بن صالح الأرمني عن قوله تعالى: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(6)
ص: 687
فقال : هل يمحو إلّا ما كان ؟ و هل يثبت إلّا ما لم يكن ؟.
فقلت في نفسي: هذا خلاف قول هشام بن الحكم: أنّه لا يعلم بالشيء حتّى يكون.
فنظر إليّ ، فقال : تعالي الجبّار العالم بالأشياء قبل كونها .
قلت: أشهد أنّك حجّة الله .(1)
11. ومنها: ما قال أبوهاشم : سمعته يقول : [من] الذنوب الّتي لاتغفر : قول الرجل : «ليتني لا أؤاخذ إلّا بهذا»، فقلت في نفسي : إنّ هذا لهو الدقيق(2)، وينبغي للرجل أن يتفقّد من نفسه کلّ شيء .
فقال: صدقت يا أباهاشم، الزم ماحدّثتك به نفسك فإنّ الشرك في الناس أخفى من دبيب [النمل على الصفا - أو قال:] الذرّ (3) على الصفا - في اللّيله الظلماء.(4)
ص: 688
12- ومنها: ماقال أبوهاشم:سمعته (علیه السلام) يقول: إنّ في الجنّة لباباً يقال له «المعروف» لايدخله إلّا أهل المعروف. فحمدت الله في نفسي ، و فرحت بما أتكلّف من حوائج الناس ، فنظر إليّ، وقال: نعم، فدُم على ما أنت عليه، فإنّ أهل المعروف في دنياهم هم أهل المعروف في اخراهم(1) جعلك الله منهم .(2)
13- ومنها: ما قال أبوهاشم : دخل الحجّاج بن سفيان(3) العبدي على أبي محمد (علیه السلام) فسأله عن المبايعة ، قال: ربّما بايعنا الناس فتواضعهم المعاملة(4) إلى الأصل .
قال : لا بأس ، الدينار بالدينارين، بينهما خرزة(5).
فقلت في نفسي : هذا شبه مايفعله المربيون(6). فالتفت إليّ ، فقال : إنّما الربا الحرام ماقصد به الحرام(7)، فإذا جاوزت حدود الربا و زويت عنه فلابأس ، الديناربالدينارين يداً بيد ، ويكره ألاّ يكون بينهما شيء يوقع عليه البيع.(8)
ص: 689
1- عن أبي سعيد الخراساني، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه (علیهما السلام): [ قال ]: إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة ، نادى مناد(1) :
« ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً».
ويحمل معه حجر موسی بن عمران (علیه السلام) الّذي انبجست(2) منه اثنتا عشرة عيناً فلا ينزل منزلاً إلا نصبه ، فانبعثت(3) منه العيون ، فمن كان جائعاً شبع ، ومن كان ظمآناً روي(4) ، فيكون زادهم حتّى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة ، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع ، ومن كان عطشاناً روي.(5)
ص: 690
2- ومنها: ماروی أبو بصير ، عن أبي عبدالله (علیه السلام) : قلت له: إنّي أريد أن أمسّ صدرك . قال : افعل . فدنوت منه و مسست صدره ومنكبيه ، فقال : ما تريد بهذا ؟
قلت : إنّي سمعت أباك يقول :
إنّ القائم منّا واسع الصدر، مشرف المنكبين (1) عريض ما بينهما .
قال : إنّ أبي لبس درع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فكان يرفع ذيلها، و لبستها، فكان كذاك و هي على صاحب هذا الأمر مشمّرة(2) كما كانت على رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .(3).
3- ومنها : ماروي عن أبي القاسم بن أبي حليس(4) قال: كتبت في إنفاذ خمسين دیناراً لقوم مؤمنين ، منها عشرة دنانير لابنة (5) عمّ لي، لم تكن من الايمان على شيء فجعلت اسمها آخر الرقعة و الفصول ، ألتمس بذاك الدلالة في ترك الدعاء لها .
فخرج في فصول المؤمنين : «تقبّل [ الله ] منهم و أحسن إليهم وأنابك».و لم يدع لابنة عمّي بشيء .(6)
4- ومنها : ما قال ابن أبي حليس أيضاً : وأنفذت أيضاً دنانير لقوم مؤمنين و أعطاني رجل يقال له : «محمّد بن سعيد» دنانير. فأنفذتها باسم أبيه متعمّداً ، و لم يكن من دين الله على شيء، فخرج الوصول باسم من غيّرت اسمه «محمّد» .(7)
5- ومنها :ما قال أيضاً : وحملت في هذه السنة - الّتي ظهرت لي فيها الدلالة -
ص: 691
ألف دينار، بعث بها أبوجعفر ومعي أبوالحسين محمّد بن محمّد بن خلف ، وإسحاق ابن الجنيد ، فحمل أبوالحسين الخرج إلى الدور ، واكترينا ثلاثة أحمرة ، فلمّا بلغنا القاطول(1) ، لم نجد حميراً، فقلت لأبي الحسين: احمل الخرج الّذي فيه المال واخرج مع القافلة حتّى أتخلّف في طلب حمار لاسحاق بن جنید یرکبه فإنّه شيخ.
فاکتريت له حماراً و لحقت بأبي الحسين في الحير(2) بسرّ من رأي و أنا أسايره
وأقول: احمد الله على ما أنت [ عليه ].
فقال : وددت أنّ هذا العمل دام لي . فوافيت سرّ من رأى وأوصلت ما معنا فأخذه الوكيل بحضرتي و وضعه في منديل و بعث به مع غلام أسود .
فلمّا كان العصر جاءني برزمة خفيفة ، ولمّا أصبحنا خلا بي أبوالقاسم ، وتقدّم أبو الحسين وإسحاق. فقال لي أبوالقاسم : الغلام الّذي حمل الرزمة ، جاءني بهذه الدراهم فقال : ادفعها إلى الرسول ( الّذي حمل الرزيمة ، فأخذتها منه .
فلمّا خرجت من باب الدار قال لي أبو الحسين - من قبل أن أنطق)(3) أو يعلم أنّ معي شيئاً - : لمّا كنت معك(4) تمنّيت أن تجيئني منه دراهم أتبرّك بها وكذلك عام أول حيث كنت معك بالعسكر . فقلت له : خذها قد أتاك بها .(5)
ص: 692
6 - منها : ما روی مفضّل عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال : أتدري ما كان قميص يوسف ؟ قلت له : لا.
قال : إنّ إبراهيم (علیه السلام) لمّا أوقدت له النار ، أتاه جبرئيل (علیه السلام) بثوب من الجنّة فألبسه(1) إيّاه، فلم يضرّه معه حرّ ولابرد، فلمّا حضر إبراهيم (علیه السلام) الموت، جعله في تميمة وعلّقها على إسحاق ، وعلّقه إسحاق علی یعقوب ، فلمّا ولد يوسف، علّقه عليه ، فكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان .
فلمّا أخرجه من التميمة يوسف بمصر ، وجد يعقوب ريحه ، وهو قوله تعالی حاكياً عنه : «إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ»(2)
فهو ذلك القميص الّذي أنزل من الجنّة .
قلت : جعلت فداك فإلی من صار ذلك القميص ؟
قال: إلى أهله، وهو [مع ] قائمنا إذا خرج ، يجد المؤمنون ريحه شرقاً وغرباً.
ثم قال : کلّ نبيّ ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .(3)
7- ومنها : ماروي عن إبراهيم الكرخي : حدّثنا نسيم خادم أبي محمّد(علیه السلام):
ص: 693
قال لي صاحب الزمان (علیه السلام) وقد دخلت عليه بعد عشرة أيّام من مولده ، فعطست عنده.
فقال : يرحمك الله . ففزعت، فقال لي : ألا أبشّرك في العطاس؟ فقلت : بلى.
قال: هو أمان من الموت ثلاثة أيّام .(1)
8- ومنها : ماروي عن أبي أحمد [بن](2) راشد ، عن بعض إخوانه من أهل المدائن، قال: كنت مع رفيق لي حاجّاً قبل الأيّام، فإذا شاب قاعد و عليه إزار ورداء فقوّمناهما مائة وخمسين ديناراً ، و في رجله نعل صفراء ما عليها غبار ولا أثر السفر فدنا منه سائل، فتناول من الأرض شيئاً فأعطاه ، فأكثر له السائل الدعاء، وقام الشابّ و ذهب و غاب .
فدنونا من السائل فقلنا : ما أعطاك ؟ فأرانا حصاة من ذهب ، قدّرناها عشرین دیناراً ، فقلت لصاحبي : مولانا معنا ولانعرفه ؟! إذهب بنا في طلبه .
فطلبنا الموقف كلّه فلم نقدر عليه، ثمّ رجعنا فسألنا عنه من كان حوله .
ص: 694
فقالوا : شاب علوي من المدينة يحجّ في کلّ سنة ماشياً .(1)
9- ومنها: ماروی نصر بن صباح(2) البلخيّ ، عن محمّد بن يوسف الشاشي(3)
قال: خرج باسور(4) على مقعدي، فأريته الأطبّاء، وأنفقت عليه مالاً، فقالوا: لا نعرف له دواء ، فكتبت رقعة على يدي امرأة تختلف إلى الدار ، أسأله الدعاء .
فوقّع : «ألبسك الله العافية ، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة».
فما أنت علي جمعة حتّى عوفيت وصارت مثل راحتي.(5)
10 - ومنها : ماقال محمّد بن يوسف الشاشي: إنّني لمّا انصرفت من العراق كان عندنا رجل بمرو يقال له «محمّد بن الحصين الكاتب» وقد جمع مالاً للغريم(6)
ص: 695
فسألني عن أمر الغريم، فأخبرته بما رأيته من الدلائل ، فقال : عندي مال للغريم فأيش تأمرني ؟ فقلت: وجّهه إلى حاجز(1). فقال لي: فوق حاجز أحد؟ فقلت: نعم، الشيخ(2) .
فقال: إذا سألني الله عن ذلك أقول إنّك أمرتني؟ قلت: نعم.
قال: فخرجت من عنده، فلقيته بعد سنين فقال: هو ذا أخرج إلى العراق ومعي مال الغريم، وأعلمك أنّي وجّهت بمائتي دينار على يد العامر بن يعلى الفارسي، و أحمد ابن علي الكلثومي، وكتبت إلى الغريم بذلك، و سألته الدعاء ، فخرج الجواب بما وجّهت، و ذكر أنّه كان له قبلي ألف دينار، و أنّي وجّهت إليه بمائتي دينار لأنّي شککت ، إنّ الباقي له عندي ، فكان كما وصف، و قال : إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالريّ. فقلت: أ فكان كما كتب إليك؟
قال: نعم وجّهت بمائتي دينار لأنّي شككت، فأزال الله عنّي ذلك، فورد موت حاجز بعد يومين أو ثلاثة ، فصرت إليه ، فأخبرته بموت حاجز ، فاغتمّ.
فقلت: لاتغتمّ ، فإنّ ذلك دلالة لك، في توقيعه إليك، وإعلامه أنّ المال ألف دينار .
و الثانية : أمره بمعاملة الأسدي لعلمه بموت حاجز .(3)
11- و منها : ماقال محمّد بن الحسين : إنّ التميمي حدّثني عن رجل من أهل أسد آباد (4) قل: صرت إلى العسكر ومعي ثلاثون ديناراً في خرقة ، منها دينار شاميّ
ص: 696
فوافيت الباب و إنّي لقاعد، إذ خرج إليّ جارية أو غلام [الشكّ منّي] قال: هات ما معك. قلت: ما معي شي.
فدخل ثمّ خرج فقال: معك ثلاثون دیناراً في خرقة لونها أخضر(1) ، منها دینار شامي ومعه خاتم کنت تمنّيته(2)، فأوصلته ما كان معي، وأخذت الخاتم. (3)
12- ومنها : ما قاله : إنّ مسروراً الطبّاخ قال: كتبت إلى الحسن بن راشد لضيقة أصابتني، فلم أجده في البيت ، فانصرفت، فدخلت مدينة أبي جعفر ، فلمّا صرت في الرحبة، حاذاني رجل لم أر وجهه، وقبض على یدي و دسّ فيها صرّة بيضاء، فنظرت فإذا عليها كتابة فيها اثناعشرة دیناراً وعلى الصرّة مكتوب : «مسرور الطبّاخ».(4)
13 - ومنها : ماروي عن جعفر بن حمدان، عن حسن بن حسين الاسترابادي(5) قال: كنت في الطواف ، فشككت فيما بيني وبين نفسي في الطواف ، فإذا شابّ قد استقبلني ، حسن الوجه ، قال: طف أسبوعاً آخر .(6)
14 - ومنها : ماقال : وحدّثنا محمّد بن شاذان بالتنعيم(7) قال: اجتمعت عندي خمسمائة درهم تنقص عشرون درهماً، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمّد بن
ص: 697
أحمد(1) القمّي ، ولم أكتب كم لي فيها، فأنفذ إليّ كتابه: «وصلت خمسمائة درهم لك فيها عشرون درهماً» .(2)
15- ومنها : ماروي عن أبي سليمان ، عن المحمودي ، قال : ولّينا الدينور(3) مع جعفر بن عبد الغفّار، فجائني الشيخ قبل خروجنا فقال: إذا وردت الريّ فافعل كذا و كذا . فلمّا وافينا الدينور ، وردت عليه ولاية الري بعد شهر ، فخرجت إلى الريّ فعلمت ما قال لي .(4)
16 - ومنها : ماقال : وحدّثنا علان الكليني(5) : حدّثنا الأعلم المصري ، عن
ص: 698
أبي الرجاء المصري - وكان أحد الصالحين - قال: خرجت في الطلب(1) بعد مضي أبي محمّد (علیه السلام)، فقلت في نفسي : لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين .
فسمعت صوتاً ولم أرشخصاً : « یا نصر بن عبد ربّه ، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فآمنتم به ؟!».
قال أبوالرجاء : ولم أعلم أنّ اسم أبي «عبد ربّه» وذلك أنّي ولدت بالمدائن فحملني أبوعبد الله النوفلي إلى مصر ، فنشأت بها ، فلمّا سمعت الصوت لم أعرج على شيء وخرجت .(2)
17- ومنها: ماروي عن أحمد بن أبي روح قال : وجّهت إلى امرأة من أهل دینور، فأتيتها فقالت: يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا ديناً و ورعاً، وإنّي أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها. فقلت: أفعل إن شاء الله تعالی
فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم ، لا تحلّه و لاتنظر فيه حتى تؤدّيه إلى من يخبرك بما فيه، وهذا قرطي(3) يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير ، ولي إلى(4) صاحب الزمان (علیه السلام) حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها .
ص: 699
فقلت : وما الحاجة ؟ قالت : عشرة دنانير استقرضتها أمّي في عرسي(1) لاأدري ممّن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها، فادفعها إلى من يأمرك بها .
قال: و كنت أقول بجعفر(2) بن عليّ ، فقلّت هذه المحبّة(3) بيني و بين جعفر فحملت المال وخرجت حتّى دخلت بغداد، فأتيت حاجزبن يزيد الوشّاء، فسلّمت عليه وجلست، فقال : ألك حاجة؟ قلت : هذا مال دفع إليّ، لا أدفعه(4) إليك [حتّی] تخبرني كم هو ، و من دفعه إليّ ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك .
قال: (لم أؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها:
«لا تقبل من)(5) أحمد بن أبي روح ، توجّه به إلينا إلى سامراء»(6).
فقلت : لاإله إلا الله هذا أجلّ شيء أردته (7).
فخرجت و وافیت سامراء ، فقلت : أبدأ بجعفر ، ثمّ تفكّرت فقلت : أبدأ بهم فإن كانت المحبّة(8) من عندهم و إلّا مضيت إلى جعفر . فدنوت من دار(9) أبي محمّد (علیه السلام) فخرج إلي خادم فقال : أنت أحمد بن أبي روح ؟ قلت: نعم.
قال: هذه الرقعة اقرأها . فقرأتها فإذا فيها :
«بسم الله الرحمن الرحيم يا بن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديرانيّ کيساً فيه ألف درهم بزعمك ، وهو خلاف ما تظنّ ، وقد أدّيت فيه الأمانة ، ولم تفتح الكيس ولم تدر مافيه، وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً صحاح، ومعك قرط(10) زعمت المرأة
ص: 700
أنّه يساوي عشرة دنانير ، صدقت ، مع الفصّين اللّذين فيه، وفيه(1) ثلاث حبّات لؤؤ شراؤها بعشرة دنانير، وهي تساوي أكثر ، فادفع ذلك(2) إلى جاريتنا(3) فلانة فإنّا قد وهبناه لها ، وصر إلى بغداد و ادفع المال إلى حاجز ، وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك .
وأمّا العشرة دنانير الّتي زعمت أنّ أمّها استقرضتها في عرسها ، وهي لاتدري من صاحبها، بل هي تعلم لمن، هي(4) لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبيّة ، فتحيّرت (5)أن تعطيها إيّاها، و أوجبت(6) أن تقسّمها في إخوانها(7)، فاستأذنتنا في ذلك ، فلتفرّقها في ضعفاء إخوانها .
ولاتعودنّ یا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحبّة(8) له، و ارجع إلى منزلك فإنّ عدوّك(9) قد مات، وقد ورثك(10) الله أهله وماله».
فرجعت إلى بغداد ، و ناولت الكيس حاجزاً فوزنه(11) فإذا فيه ألف درهم وخمسون ديناراً ، فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: أمرت(12) بدفعها إليك لنفقتك.
فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه (فاذا أنا بفيج(13) وقد جاءني من منزلي يخبرني بأنّ حموي)(14) قد مات وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم .
ص: 701
فرجعت فإذا هوقد مات ، و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار، و مائة ألف درهم.(1)
18 - ومنها : ماروي عن أحمد بن أبي روح ، قال : خرجت إلى بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمّد لاوصله، وأمرني أن أدفعه(2) إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان(3) العمري، و أمرني أن [لا] أدفعه إلى غيره(4)، وأمرني أن أسأله الدعاء للعلّة التي هو فيها ، وأسأله عن الوبر، يحلّ لبسه ؟
فدخلت بغداد ، وصرت(5) إلى العمري ، فأبى أن يأخذ المال، وقال : صر إلى أبي جعفر محمّد بن أحمد وادفع إليه، فإنّه أمره بأخذه(6) ، وقد خرج الذي طلبت فجئت إلى أبي جعفر، فأوصلته إليه، فأخرج إلي رقعة، فإذا فيها :
«بسم الله الرحمن الرحيم سألت الدعاء من العلّة التي تجدها ، وهب الله لك العافية ، ودفع عنك الآفات ، وصرف عنك بعض ماتجده من الحرارة، و عافاك وصحّ لك جسمك . وسألت مايحلّ(7) أن يصلّي فيه من الوبر والسمّور والسنجاب
ص: 702
والفنك والدلق و الحواصل(1) ؟
فأمّا السمّور و الثعالب فحرام عليك و على غيرك الصلاة فيه ، ويحلّ لك(2) جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن [لك](3) غيره ، فإن لم يكن لك بدّ فصلّ فيه و الحواصل جائز لك أن تصلّي فيه، والفراء متاع الغنم، مالم تذبح بأرمينية ، تذبحه النصارى على الصليب، فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك، أو مخالف تثق به(4).(5)
19 - ومنها : ماروی سعد بن عبدالله ، نا عليّ [بن] محمّد الرازي المعروف بعلان الكليني قال : سمعت الشيخ العمري يقول : صحبت رجلاً من أهل السواد ومعه مال للغريم (علیه السلام) فأنفذه ، فردّ عليه وقال : « أخرج حقّ ولد عمّك منه ، وهي أربعمائة» ! فبقي الرجل باهتاً متعجّباً ، فنظر في حساب المال فإذا الّذي نصّ عليه
ص: 703
من ذلك المال كما قال (علیه السلام) .(1)
20- و منها : ماقال الكليني هذا: حدّثنا جماعة من أصحابنا أنّه بعث إلى أبي عبد الله بن الجنيد - و هو بواسط - غلاماً و أمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه، فلمّا عيّرالدنانير نقصت ثمانية عشر قیراطاً وحبّة ، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطاً وحبّة ،وأنفذ المال ، فردّ عليه ديناراً وزنه ثمانية عشر قيراطاً وحبّة .(2)
21- ومنها : ماقالوا: حدّثنا أبو جعفر : ولد لي مولود كتبت أستأذن في تطهير(3)يوم السابع. فورد : «لا». فمات الولد يوم السابع.
ثمّ قال : كتبت بموته ، فكتب(4) : « سيخلف عليك غيره ، فسمّه : أحمد ، ومن بعده جعفراً». فجاء كماقال.
وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في معنى ثالث فقلت في نفسي: لعلّه يكره ذلك.
ص: 704
فخرج الجواب في المعنيين والمعنى الثالث الذي طويته ولم أكتبه .(1)
ص: 705
في الدلالات والبراهين على صحة أمامة الاثني عشر[اماماً](1)عليهم الصلاة والسلام
1- [منها : ماروی] عن عمر بن علي بن عمر بن یزید(2)، عن الثمالي (3)[عن بعض من حدّثه](4)، عن علي أنّه كان قاعداً في مسجد الكوفة وحوله أصحابه فقال له رجل : إنّي لأعجب(5) من هذه الدنيا الّتي في أيدي هؤلاء القوم وليست عندكم ! فقال: أترى(6) أنّا نريد الدنيا ولانعطاها؟
ثمّ قبض قبضة من حصى المسجد [فضمّها في كفّه] ثم(7) فتح كفّه عنها ، فإذا هي جواهر تلمع و تزهر . فقال : ما هذه؟ فنظرنا (فقلنا: من)(8) أجود الجواهر(9).
فقال: لو أردنا الدنيا لكانت لنا، ولكن لانريدها.
ص: 706
ثم رمى بالجواهر من كفّه ، فعادت كما كانت حصي .(1)
2- ومنها: ما روی سعد بن طريف(2) عن الأصبغ بن نباتة قال :
كان أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا وقف الرجل بين يديه قال له: يا فلان استعدّ وأعد لنفسك ماترید فإنّك تمرض في يوم كذا ، في شهر كذا ، في ساعة كذا . فيكون كما قال .
قال سعد : فقلت هذا الكلام لأبي جعفر(علیه السلام) . فقال: قد كان ذلك(3) .
فقلت : لم لم تخبرنا(4) أنت أيضاً فنستعدّ له ؟
قال: هذا باب أغلق فيه الجواب عليّ بن الحسين (علیهما السلام) حتى يقوم قائمنا.(5)
ص: 707
3- ومنها : ماروي أنّ رجلاً دخل على علي بن الحسين (علیهما السلام) و شكا إليه الفقر فبكي. فلمّا خرج القوم و كان فيهم مخالف . فقال : أنتم تدعون أنّ إمامكم مستجاب الدعاء(1) و قد بکی لعجزه. فانصرف الرجل إليه و قال یابن رسول الله : أزعجني كلام المخالف أشدّ من فقري .
فقال له : الله يسهّل [ عليك ] ، ثمّ نادى إلى جاريته [فقال] : هات فطوري فأتت بقرصين من الشعير عليهما النخالة، وقال: خذهما . قال: [فأخذتهما] وخرجت وقلت: أشتري بهما شيئاً ، ثمّ كنت أنظر في الطريق يميناً و شمالا ولا أرى(2) شيئاً يشترى(3) بهما، حتى وصلت إلى محلّتي و كان بها حانوتان متصلان(4) وقد نهض من بابهما الرجلان اللذان يبيعان فيهما إلى الظلّ ، فنظرت فإذا كان على باب حانوت أحدهما سمك قد انتن .
فقلت : معي قرص أريد به السمك (5)، فقال : ضع القرص(6) وخذ السمك(7) .
وقلت للآخر : أريد الملح بقرص آخر .
فقال : ضع قرصك وخذ ما تشتهي(8) من الملح .
فأخذتهما ومضيت (9) إلى البيت و اغلقت الباب و اشتغلت بإصلاح السمك، فإذا في جوفه لؤلؤة - أو جوهرة(10) - كأكبر ما يكون، فإذا أنا بمن يقرع الباب، ففتحته فإذا الرجلان(11) دخلا معهما القرصان ، وقالا: أنت أخونا وقد صار حالك هكذا حتّى
ص: 708
نأكل منك هذا(1) ثمّ خرجا، فإذا أنا بقارع للباب(2) فقال لي: إنّ علي بن الحسين (علیهما السلام) يقول لك: إنّ الله قد يسّر لك الامر(3) [وإنّ قرصنا لايصله سوانا] فاحمد الله. (4)
4- ومنها : ما روي أنّ رجلاً دخل على الصادق (علیه السلام) وشكا إليه فاقته .
فقال له : طب نفساً فإنّ الله يسهّل الأمر . فخرج الرجل ، فرأى(5) في طريقه همياناً(6) فيه سبعمائة دينار(7) فأخذها وانصرف إلى أبي عبد الله (علیه السلام) وحدّثه بما وجد. فقال له : أخرج و ناد عليه سنة ، لعلّك تظفر بصاحبه ، فخرج الرجل و قال :لا أنادي في الأسواق، وفي مجمع الناس، وخرج إلى سكّة(8) في آخر البلد، وقال: من ضاع له شيء؟ فإذا رجل كأنّه ميّت في جانب، قال له : ذهب منّي سبعمائة دينار في شيء كذا و كذا. قال : معي ذلك. فلمّا رآه ، و كان معه میزان، فقال :
لاتخرج، فوزنها فكان كما كان لم تنقص، فأخذ منها سبعين ديناراً وأعطاها الرجل.
فأخذها وخرج إلى أبي عبد الله (علیه السلام)، فلمّا رآه تبسّم وقال : يا هذه هاتي الصرّة فأتت بها (9) ، فقال : هذه ثلاثون ، و قد أخذت سبعين من الرجل ، و سبعون حلالاً
ص: 709
خير من سبعمائة حرام. (1)
5- ومنها : أنّ ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدهريّة(2) اتّفقوا على أن يعارض كل واحد منهم ربع القرآن، و كانوا بمكّة وعاهدوا على أن يجيؤا بمعارضته في العام القابل، فلمّا حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم [ايضاً] ، قال أحدهم: إنّي لمّا رأيت قوله : « وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ »(3) كففت عن المعارضة .
وقال الآخر : و كذلك أنا لمّاوجدت(4) قوله: « فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا » (5) أيست من المعارضة .
و كانوا يسرّون بذلك، إذ مرّت عليهم الصادق (علیه السلام) فالتفت إليهم وقرأ [عليهم]:« قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا »(6) فبهتوا.(7)
6- ومنها : ما روي عن سدير أنّ كثير النوا دخل على أبي جعفر(علیه السلام) وقال: زعم المغيرة بن سعيد أنّ معك ملكأ يعرفك الكافر من المؤمن - في كلام طويل قد مضى(8)
ص: 710
فلمّا خرج، قال (علیه السلام): ماهو إلّا خبيث الولادة . وسمع هذا الكلام جماعة من [أهل] الكوفة، قالوا: لو ذهبنا حتّى نسأل عن كثير فله خبر سوء.
قالوا: فمضينا إلى الحيّ الذي هو فيه، فدللنا على(1) عجوز صالحة ، فقلنا [لها] :نسألك عن أبي إسماعيل . قالت: كثير ؟ قلنا: نعم. قالت : تريدون أن تزوّجوه ؟ قلنا: نعم . قالت : لا(2) تفعلوا فإنّ امّه(3) قد وضعته في ذلك البيت رابع أربعة من الزنا وأشارت إلى بيت من بيوت الدار . (4)
7- ومنها : ما روي عن هشام بن سالم قال : لمّا كانت الليلة الّتي قبض فيها أبو جعفر قال : يابني هذه الليلة التي وعدتها، وقد كان وضوءه قريباً .
فقال : أريقوه أریقوه . فظننّا أنّه يقول من الحمّى ، فقال : يابنيّ أرقه. فأرقناه فاذا فيه فأرة .(5)
8- و منها : ماروي عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر(علیه السلام) .
فقلت له : أنتم ورثة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ قال: نعم .
قلت : رسول الله وارث الأنبياء علم كلّما علموا ؟ فقال : نعم.
قلت: وأنتم تقدرون أن تحیوا الموتی ؟ وتبرؤا الأكمه والأبرص(6) ؟
ص: 711
فقال : نعم ، باذن الله .
ثمّ قال : ادن منّي يا أبا محمّد ، فمسح يده على وجهي وعيني، فأبصرت الشمس و السماء والأرض والبيوت و کلّ شيء في الدار . قال لي : فتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس ، وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً ؟
قلت: أعود كما كنت . فمسح يده على وجهي و على عيني فعدت كما كنت .(1)
9- ومنها : ماقال إسحاق بن عمّار : كنت عند موسی بن جعفر(علیهما السلام) و دخل(2) عليه رجل فقال له : يافلان إنّك تموت إلى شهر ، فأضمرت في نفسي كأنّه يعرف آجال(3) شيعته !
ص: 712
فقال لي : يا إسحاق و ما تنكرون من ذلك ؟ ! قد كان رشيد الهجري مستضعفاً و كان يعرف علم المنايا ، والإمام أولى بذلك منه .
ثمّ قال : يا إسحاق تموت إلى سنتين ، و يتشتّت أهلك و عيالك و أهل بيتك و يفلسون (1) إفلاساً شديداً . (2)
ص: 713
10 - ومنها : ماروي عن زيد الشحّام قال : قال لي أبو عبدالله (علیه السلام): كم أتي عليك من سنة ؟ قلت كذا و كذا . قال : جدّد عبادة ربّك ، وأحدث توبة . فبكيت.
قال : ما يبكيك؟ قلت : نعيت إليّ نفسي .
قال: ابشر فانّك من شيعتنا، و معنا في الجنّة ، إلينا الصراط والميزان ، وحساب شیعتنا ، و الله إنّا أرحم بكم منكم بأنفسكم ، و إنّي أنظر إليك ، و إلى رفيقك الحارث بن المغيرة النضري في درجتك في الجنّة .(1)
11- و منها : ما روي عن ميسّر : قال لي الصادق جعفر بن محمّد (علیهما السلام): لقد زيد في عمرك ، فأيّ شيء كنت تعمل ؟
قال : كنت أجيراً وأنا غلام بخمسة دراهم ، فكنت أجريها على خالتي . (2)
12 - ومنها : ما روي عن خالد بن نجيح قال : دخلت على أبي إبراهيم (علیه السلام) سنة الموت(3) بمكّة وهي سنة أربع وسبعين ومائة ، فقال : من ههنا من أصحابك مریض ؟ قلت : عثمان بن عيسى من أوجع الناس . فقال : قل له يخرج.
ثمّ قال لي : من ههنا؟ فعددت عليه ثمانية . فأمر باخراج أربعة ، وكفّ عن أربعة فما أمسينا من الغد حتّی دفنّا الأربعة الّذين كفّ عن إخراجهم .
ص: 714
قال عثمال بن عيسى : وخرجت أنا فصرت إلى بطن مرّ(1) معافی . (2)
13 - ومنها : ما قال خالد بن نجيح: قلت لموسى (علیه السلام) : إنّ أصحابنا قد قدموا من الكوفة فذكروا أنّ المفضّل شديد الوجع فادع الله له .
قال: قد استراح . و كان هذا الكلام بعد(3) موته بثلاثة أيّام.(4)
14 - ومنها : ما قال خالد بن نجيح : قال لي موسى (علیه السلام): افرغ فيما بينك و بین من كان معك له عمل ، حتّى يجيئك كتابي ، و ابعث ما عندك إليّ ، ولا تقبل من أحد شيئاً .
وخرج (علیه السلام) إلى المدينة ، فلبث خالد بعده بمكّة خمسة عشر يوماً ثمّ مات.(5)
ص: 715
15 - ومنها: ماروي عن عبد الرحمان بن الحجّاج قال : استقرض أبو الحسن الأول (علیه السلام) من شهاب بن عبد ربّه مالاً ، و كتب كتاباً و وضعه على يدي، وقال : إن حدث حدث فخرّقه .
قال عبد الرحمان : فخرجت إلى مكّة فلقيني أبو الحسن (علیه السلام) و لم يقل لي شيئاً ثمّ أرسل إليّ بمنى فقال : خرّق الكتاب. ففعلت، وقدمت الكوفة فسألت عن شهاب فإذا هو قد مات في الوقت الّذي أرسل إليّ أن خرّق الكتاب.(1)
16 - ومنها : ماقال هشام(2) : أردت شراء جارية بمني، فاستشرت أبا الحسن الأول (علیه السلام) في ذلك ، فلم يجبني ، فرآها جالسة عند جوار ، فنظر إليها ، ثمّ قال : لا بأس إن لم يكن في عمرها قلّة.
فأمسكت عن شرائها ، فلم أخرج من مكّة حتى ماتت .(3)
ص: 716
17 - ومنها: ما روي عن الحسن بن موسى قال: اشتكي عمّي محمّد بن جعفر حتى أشرف على الموت ، فكنّا عنده مجتمعين، فدخل أبو الحسن (علیه السلام)، فقعد في ناحية ، وإسحاق عمّي عند رأسه يبكي. فلبث أبو الحسن (علیه السلام) قليلا ثمّ قام، فتبعته وقلت: يلومك أهل بيتك يقولون : خرجت و هو في الموت !
فقال : أرأيت هذا الباكي ؟ سيموت ويبكي ذلك عليه !
فبرأ محمّد بن جعفر ، واشتكي إسحاق فمات، و بكى عليه محمّد بن جعفر .(1)
18- ومنها: ماقال إبراهيم بن محمّد بن يحيى الهمداني : كتب أبو جعفر الثاني (علیه السلام) إليّ كتاباً ، و أمرني أن لا أفكّه حتى يموت يحيى بن أبي عمران .
فمكث الكتاب عندي سنتين، فلمّا كان اليوم الّذي مات فيه يحيى [بن أبي عمران] فككته فإذا فيه : قم بما كان يقوم به ، ونحو هذا من الأمر .
فقال إبراهيم : كنت لاأخاف الموت مادام يحيی حيّاً .(2)
19 - ومنها : ما روي عن أبي بصير [قال]: قال لي أبو عبدالله (علیه السلام): ما فعل أبو حمزة ؟ قلت : خلّفته صالحاً.
قال : إذا رجعت إليه فاقرأه السلام ، واعلمه أنّه يموت يوم كذا ، من شهر كذا .
فقلت : كان فيه أنس ، و كان من شيعتكم !
ص: 717
فقال : نعم إنّ الرجل من شيعتنا إذا خاف الله وراقبه ، وتوقّى الذنوب ، فإذا فعل ذلك كان معنا في درجتنا . قال أبو بصير :
فرجعت ، فما لبث أبو حمزة أن مات في تلك الساعة ، في ذلك اليوم.(1)
20 - ومنها : ما روي عن سليمان بن خالد [ قال]: خرجنا مع الصادق (علیه السلام) وكان أبو عبدالله البلخي معنا ، فانتهينا إلى نخلة خاوية(2) .
فقال (علیه السلام): أيّتها النخلة السّامعة المطیعة لربّها أطعمينا . فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه ، فأكلنا حتّى تضلّعنا (3) .
فقال البلخي : سنّة فيكم كسنّة مريم ؟ قال : نعم .(4)
21- ومنها : ما قال الحارث الأعور : خرجنا مع أمير المؤمنين (علیه السلام) حتى انتهينا إلى العاقول، فإذا هو بأصل شجرة قد وقع عنها لحاؤها ، فضر بها بيده ثمّ قال:
ص: 718
ارجعي بإذن الله خضراء مثمرة .
فإذا هي تهتزّ بأغصانها عليها الثمر ، فأكلنا ، و حملنا معنا .(1)
22 - ومنها : ما قال أبو بصير : قدم علينا رجل من أهل الشام ، فعرضت عليه هذا الأمر فقبله ، ثمّ دخلت عليه يوماً ، وهو في سكرات الموت ، فقال :
يا أبا بصير قد قبلت ما قلت لي ، فكيف(2) لي بالجنة ؟
فقلت : أنا ضامن لك على أبي عبد الله (علیه السلام). فمات ، فدخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) فابتدأني فقال لي : يا أبا محمد(3) قد وفي لصاحبك بالجنّة . (4)
23 - ومنها : ما روي عن البزنطي قال: استقبلت الرضا إلى القادسيّة(5) فسلّمت عليه، فقال لي : يا أحمد اکثر لي حجرة لها بابان ، فإنّه أستر لك وعليك .
وبعث إليّ بزنفيلجة(6) فيها دنانير صالحة، ومصحف ، فكان يأتيني رسوله في حوائجه فأشتريها له ، و كنت يوماً وحدي ، ففتحت المصحف لأقرأ فيه .
ص: 719
فلمّا نشرته ، نظرت في «لم يكن»(1) فإذا هي أكثر(2) ممّا في أيدينا أضعافاً .
فرمت قراءتها فلم أعرف منها شيئاً ، فأخذت الدواة والقرطاس فأردت أن أكتبها لكي أسأل عنها . فأتاني مسافر قبل أن أكتب منها شيئاً معه منديل وخيط وخاتمه، فقال: مولای يأمرك أن تضع المصحف في المنديل و تختمه و تبعث إليه بالخاتم. ففعلت ذلك. (3)
24 - ومنها : ماقال أبو علي بن راشد: قدمت على أحمال فأتانی رسول [الرضا(علیه السلام) ](4)قبل أن أنظر في الأحمال و أوجّه بها إليه، يقول [الرضا (علیه السلام)]: سرّح إليّ بدفتر(5) .
ولم يكن عندي في منزلي دفتر أصلا ، فقمت أطلب مالاً أعرف بالتصديق له ، فلم أجد شيئاً ، فلمّا ولّى الرسول ، قلت : مكانك . فحللت بعض الأحمال فتلقّاني دفترلم أكن علمت به إلّا أنّي علمت أنّه لايطلب إلّا الحق ، فوجّهت به إليه .(6)
25- ومنها : ماروي عن صفوان بن يحيي [ قال:] قال لي جعفر بن محمّد بن الأشعث : أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ، و معرفتنا به ، وما كان عندنا منه ذكر، ولا معرفة بشيء ممّا عند الناس؟!! قلت : و كيف كان ذلك ؟
ص: 720
فقال: إنّ أبا جعفر - يعني أبا الدّوانیق - قال لوالدي محمّد بن الأشعث : ابغني رجلاً له عقل(1) يؤدي عنّي .
فقال: قد أصبته لك، هذا خالي. قال : فآتني به . فأتاه بخاله .
فقال له أبوالدوانيق: خذ هذا المال وائت المدينة وائت عبد الله بن الحسن وعدة من أهل بيته فيهم(2) جعفر بن محمّد ، فقل: إنّي رجل غريب من أهل خراسان ، و بها شيعة من شيعتكم و قد وجّهوا إليكم بهذا المال ، فادفع إلى کلّ واحد منهم على هذا الشرط ، كذا وكذا، فإذا قبضوا المال، فقل: إنّي رسول و أحبّ أن تكون معي خطوطكم بقبض ما قبضتم منّي.
فأخذ المال و أتى المدينة ، ثمّ رجع إلى أبي الدوانيق .
فقال : أتيت القوم و هذه خطوطهم بقبضهم ، خلا جعفر بن محمّد ، فإنّي أتيته و هو يصلّي في مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (3) ، فجلست خلفه و قلت ينصرف فأذكر له ماذكرت لأصحابه، فعجّل و انصرف ، فالتفت إليّ فقال :
ياهذا اتّق الله ولا تغرّنّ أهل بيت محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (4) وقل لصاحبك : إنّهم قريبوا العهد بدولة بني مروان ، فكلّهم محتاج . فقلت : وماذاك أصلحك الله ؟ فقال : ادن منّي . فدنوت فأخبرني بجميع ما جرى بيني و بينك ، حتّى كأنّه كان ثالثنا.
فقال أبو الدوانيق : إعلم إنّه ليس من أهل بيت نبوة(5) إلّا وفيهم محدث، وإنّ جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم ، فكانت هذه الدلالة .(6)
ص: 721
26- ومنها : ماقال عمّار السجستاني : إنّ عبد الله بن النجاشي(1) كان منقطعاً إلى [عبدالله بن](2) [الحسن بن] الحسن يقول بالزيديّة ، فقضي إنّا خرجنا معه (3) إلى مكّة، فذهب هو إلى [عبد الله بن] الحسن و جئت أنا إلى الصادق (علیه السلام)، فلقيني بعد [ذلك] فقال لي: أستأذن لي على صاحبك .
فقلت لأبي عبدالله (علیه السلام): إنّه سألني الأذن عليك . فقال : ائذن له . فدخل فسأله فقال له أبوعبد الله (علیه السلام): ما دعاك إلى ماصنعت ؟ أتذكر يوم مررت على باب قوم فسال [عليك] میزاب من الدار ، فقلت: إنّه قذر، فطرحت(4) نفسك في النهر بثيابك(و عليك الصدرة من فراء)(5) ، واجتمعت عليك الصبيان يضحكون منك !
قال عمّار : فالتفت إليّ ، وقال : ما دعاك إلى أن تخبره بهذا ؟
فقلت: لا والله ما أخبرته، وهاهو ذا قدّامي يسمع كلامي .
ص: 722
فلمّا خرجنا قال : يا عمّار هذا صاحبي دون غيره .(1)
27- ومنها : ما قال الحارث بن حصيرة الأزدي : إنّ رجلاً من أهل الكوفة قدم إلى خراسان فدعا الناس إلى ولاية جعفر بن محمّد ، ففرقة أطاعت و أجابت ، وفرقة جحدت وأنكرت، وفرقة تورّعت و وقفت .
فخرج من کلّ فرقة رجل فدخلوا على أبي عبدالله (علیه السلام)، فكان المتكلّم الّذي ذكر أنّه تورّع و وقف ، وقد كان مع بعض القوم جارية فخلا بها الرجل و وقع عليها فلمّا دخلوا على أبي عبد الله (علیه السلام) كان هو المتكلّم ، فقال له :
أصلحك الله ، قدم علينا رجل من أهل الكوفة و قد دعا الناس إلى ولايتك و طاعتك ، فأجاب قوم ، و أنكر قوم ، و ورع قوم
فقال : فمن أي الثلاثة أنت ؟ قال : من الفرقة التي تورّعت .
قال : أين ورعك يوم كذا مع الجارية .(2)
ص: 723
28 - ومنها :ما روي عن عليّ بن النعمان ومحمد بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : إن عائشة قالت: التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل - يعني عليّاً(علیه السلام) -.
فاتیت بر جل، فمثل بين يديها ، فرفعت رأسها فقالت: مابلغ من عداوتك لهذا الرجل؟
فقال كثيراً ما أتمنّى على ربّي أنّه وأصحابه [ في] وسطي ، فضربت(1) ضربة [بالسيف] فسبق السيف الدم (2) .
قالت : فأنت لها ، فذهب بكتابي هذا إليه ، فادفعه إليه ظاعناً رأيته أو مقيماً ، أمّا أنّك إن رأيته راكباً (3) ، رأيته على بغلة رسول الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) متنكّباً قوسه ، معلّقاً كنانته بقربوس(4) سرجه، و أصحابه خلفه كأنّهم طير(5) صوافّ [وإن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تنالنّ منه ، فإنّ فيه السحر].
فمضى و استقبله راكباً ، فناوله الكتاب ، ففضّ خاتمه (6)
ثمّ قال (علیه السلام): تبلغ إلى منزلنا، فتصيب من طعامنا وشرابنا، ونكتب جواب كتابك .
فقال : هذا - والله - ما لا يكون . فثنّي رجله ، فنزل ، وأحدق به أصحابه .
ص: 724
ثمّ قال له : أسألك؟ قال : نعم. قال: وتجيبني(1) ؟ قال: نعم .
قال : أنشدك الله أقالت التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل(2) .
فاوتيت بك ، فقالت لك: ما مبلغ(3) عداوتك لذلك الرجل ؟
فقلت: كثيراً ما أتمنّی علی ربّي أنّه هو وأصحابه في وسطي ، وأنّي ضربت ضربة بالسيف ، سبق السيف الدم؟ قال : اللّهمّ نعم .
قال : فانشدك الله ، أقالت [لك]: اذهب بكتابي هذا، فادفعه إليه ظاعناً كان أو مقيماً ، أما أنّك إن رأيته ظاعناً ، رأيته راكباً [ على] بغلة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، متنكّباً قوسه معلّقاً كنانته بقربوس سرجه، وأصحابه خلفه كأنّهم طير صوافّ ؟ قال: اللّهم نعم .
قال : فانشدك بالله، هل قالت لك : إن عرض عليك طعامه وشرابه ، فلا تنالنّ منه فإنّ فيه السحر ؟ قال : اللّهمّ نعم .
قال : فمبلّغ أنت عنّي ؟
قال: اللّهمّ نعم، فإنّي(4) أتيتك وما في الأرض خلق أبغض إلي منك.
وأمّا الساعة(5) ما في الأرض خلق أحبّ إليّ منك ، فمرني بما شئت .
فقال : ادفع(6) إليها كتابي هذا ، وقل لها : ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك الله بلزوم بيتك، فخرجت ترددين في العساكر. وقل لهما - يعني طلحة و الزبير - :
ما أنصفتما الله ورسوله حيث خلّفتما حلائلكما في بيوتكما ، وأخرجتما حليلة رسول الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
فجاء بكتابه إليها حتى طرحه لديها ، و أبلغها مقالته ، وإليهما كلامه ، ثمّ رجع إلى أمير المؤمنين (علیه السلام)، فاصيب بصفّين .
ص: 725
فقالت : ما نبعث إليه [ والله ] بأحد إلّا أفسده علينا.(1)
29 - ومنها : ما قال أبو بصير : إنّ بعض أصحاب أبي جعفر (علیه السلام) قدم علينا ، فقال: والله لاترى أبا جعفر أبداً ! قال : فكتبت صكّاً ، و أشهدت شهوداً في الكتاب في غير إبّان(2) الحجّ.
ثم إنّي خرجت إلى المدينة، فاستأذنت على أبي جعفر(علیه السلام) ، فلمّا نظر اليّ قال: ما فعل الصكّ ؟ فقلت : إنّ فلاناً قال كذا .(3)
30 - ومنها : ما روي عن بكار بن کردم [قال:] قال أبو عبد الله (علیه السلام): إنّ جويريّة بن مسهر(4) العبدي خاصمه رجل في فرس أنثی، فادّعيا جميعاً الفرس(5).
فقال أمير المؤمنين (علیه السلام):لواحد منكما البيّنة ؟ فقالا : لا.
فقال الجويريّة : أعطه الفرس. فقال: يا أمير المؤمنين بلا بيّنة ؟
فقال له: والله لأنا أعلم بك منك بنفسك، أتنسى صنيعك في الجاهليّة الجهلاء ؟
ص: 726
فأخبره بذلك فأقرّ به .(1)
31 - ومنها : ماروي عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : كنت عند الرضا (علیه السلام) بالحمراء(2) في مشرفة(3) على البرّ ، و المائدة بين أيدينا إذ رفع رأسه، فرأي رجلا مسرعاً ، فرفع يده عن الطعام ، فما لبث أن جاء ، فصعد إليه فقال :
البشری مات الزبيري.
فأطرق إلى الأرض ، وتغيّر لونه فقال : إنّي أحسبه قد ارتكب في ليلته هذه ذنباً ليس بأكبر ذنوبه(4) ، قال [ الله ] تعالى : « مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا »(5) .
ثمّ مدّ يده فأكل ، فلم يلبث أن جاء مولی له ، فقال : مات (6) الزبيري .
قال : فما سبب موته ؟ قال : شرب الخمر البارحة ، فغرق فيها(7) فمات .(8)
ص: 727
32 - ومنها : ما قال أبو كهمس(1) : كنت بالمدينة نازلاً في دار كان فيها وصيفة كانت تعجبني، فانصرفت ليلة ممسياً، فاستفتحت الباب، ففتحت لي ، فمددت يدي فقبضت على يدها ، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام)، فقال:
تب إلى الله ممّا صنعت البارحة .(2)
33 - ومنها : ما روي عن مهزم الأسدي قال : كنّا نزولا بالمدينة ، و كانت جارية لصاحب الدار تعجبني ، و إنّي أتيت الباب فاستفتحت ، ففتحت الجارية ، فغمزت ثديها ، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبدالله (علیه السلام)، قال : أين أقصى أثرك؟
قلت : ما برحت المسجد ، فقال : أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلّا بالورع.(3)
ص: 728
34 - ومنها : ماروی إبراهيم بن مهزم، عن أبيه أنّه قال : خرجت من عند أبي عبدالله (علیه السلام) ممسياً ، فأتيت منزلي بالمدينة ، و كانت أمّي معي ، فوقع بيني و بينها کلام، فأغلظت لها (1).
فلمّا كان من الغد صلّيت الغداة وأتيت أبا عبدالله (علیه السلام) فدخلت عليه ، فقال لي مبتدئاً : يامهزم مالك ولخالدة أغلظت لها البارحة ؟! أفما علمت أنّ بطنها لك منزل قد سكنته ، وأنّ حجرها مهد قد عمرته ، وأنّ ثديها سقاء قد شربته ؟!
قلت : بلى. قال : فلا تغلظ لها .(2)
35 - ومنها : ما روي عن مرازم قال : دخلت المدينة فرأيت جارية في الدار التي نزلتها ، فأعجبتني، فأردت أن أتمتّع بها، فأبت أن تزوّجني نفسها، فجئت بعد العتمة فدققت الباب ، و كانت هي التي فتحت الباب لي ، فوضعت يدي على صدرها فبادرتني حتّى دخلت ، فلمّا أصبحت دخلت على أبي الحسن (علیه السلام) فقال :
یا مرازم ليس من شيعتنا من خلا فلم يرع قلبه .(3)
36 - ومنها: ما روي عن أبي بصير [قال]: حدّثني علي بن درّاج عند الموت
ص: 729
أنّه دخل على أبي جعفر(علیه السلام) وقال : إنّ المختار استعملني على بعض أعماله(1)وأصبت مالاً فذهب بعضه، وأكلت وأعطيت بعضاً، فأنا أحبّ أن تجعلني في حلّ من ذلك. قال : أنت منه في حلّ .
فقلت : إنّ فلاناً حدّثني إنّه سأل الحسن بن علي (علیهما السلام) أن يقطعنا(2) أرضاً في الرجعة .
فقال له الحسن (علیه السلام): أنا أصنع بك ما هو خير لك من ذلك : أضمن لك الجنّة عليّ وعلى آبائي ، فهل كان هذا ؟ قال : نعم . فقلت لأبي جعفر (علیه السلام) عند ذلك :إضمن لي الجنّة عليك وعلى آبائك كما ضمن الحسن (علیه السلام) لفلان . قال: نعم.
قال أبو بصير : حدّثني هو بهذا ثمّ مات وما حدّثت بهذا أحداً ، ثمّ خرجت ودخلت (3) المدينة فدخلت على أبي جعفر (علیه السلام)، فلمّا نظر إليّ قال : مات عليّ ؟
قلت : نعم ورحمه الله .
قال : حدّثك بكذا و كذا ، فلم يدع شيئاً ممّا حدّثني به علياً إلّا حدّثني به .
فقلت: و الله ما كان عندي حين حدّثني هو بهذا أحد ، ولا خرج منّي إلى أحد فمن أين علمت هذا ؟! فغمز فخذي بيده، فقال : هيه هيه ، أسكت الآن .(4)
37 - ومنها : ماروي عن هشام بن سالم قال: دخلت على عبدالله بن الصادق (علیه السلام) فجرى ذكر الزكاة فقال : من كان عنده أربعون درهماً ففيها درهم .
ص: 730
فتعجّبت واستصغرته، فقمت مستغيثاً برسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فأتيت القبر فقلت: إلى من ؟ فإنّي لكذلك إذ أتی غلام صغير فجذب ثوبي ، فقال : أجب .
قلت : من ؟ قال : سيدي موسى بن جعفر(علیهما السلام).
فدخلت عليه ، فلمّا صرت إلى صحن الدار ، إذا هو في بيت وعليه كلّة(1) فصاح : يا هشام. قلت: لبيك . قال: إليّ إليّ ، لا إلى الحروريّة ، ولا إلى القدريّة ولكن إلينا . فدخلت عليه فسألته ، فأجابني عن کلّ ما أردت .(2)
38- ومنها : ماروي عن الحسين بن موسى الخيّاط قال : خرجت أنا وجميل ابن درّاج و عائذ بن الأحمسي حاجّين ، و كان عائذ يقول لنا : إنّ لي حاجة إلى أبي عبدالله (علیه السلام) أريد أن أسأله عنها . فدخلنا عليه ، فلمّا جلسنا قال مبتدئاً :
«من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عمّا (3) سوى ذلك» فغمزنا عائذ.
ص: 731
فلمّا قمنا قلنا : ما كانت حاجتك؟ قال: الذي سمعتم منه، أنا رجل لا أطيق القيام بالليل ، فخفت أن أكون مأثوماً مأخوذاً به، فأهلك .(1)
39 - ومنها : ما روي عن محمّد بن عبيد الله الأشعري قال : كنت عند الرضا (علیه السلام) فعطشت ، فكرهت أن أستسقى ، فدعا بماء ، فذاقه ، ثمّ قال : يا محمّد اشرب فإنّه بارد . فشربت .(2)
40- ومنها : ما روي عن عمر بن يزيد قال : كنت ليلة عند الصادق (علیه السلام) ولم يكن عنده أحد غيري، فمدّ رجله في حجري فقال : اغمزها، فغمزت رجله ، ونظرت إلى اضطراب في عضلة ساقه ، وأردت أن أسأله : إلى من الأمر بعده. فابتدأني فقال: لا تسألني عن شيء فإنّي لست أجيبك . (3)
ص: 732
41 - ومنها : ما روي عن محمّد بن مسلم ، عنه(1) قال : دخلت على أبي عبدالله (علیه السلام) وهو مضطجح ، و وجهه إلى الحائط [ وهو موعوك ] فغمزت رجله، وقلت في نفسي : أسأله الساعة(2) عن عبد الله وموسى أيّهما الامام ؟
فحوّل(3) وجهه إليّ وقال: إذاً والله لا أجيبك .
قلت : وما ندري ما يصيبه في مرضه ! فأنا أفكر، إذ قال: إنّ الأمر ليس كما تظنّ ليس علي من وجعي هذا بأس .(4)
42 - ومنها : ما روي عن زياد بن أبي الحلال [قال] : إنّ الناس اختلفوا في جابر بن یزید و أحاديثه وأعاجيبه. فدخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) وأنا أريد أن أسأله عنه ، فابتدأني من غير أن أسأله فقال : رحم الله جابر بن یزید الجعفي فإنّه كان يصدّق علينا ، و لعن الله المغيرة بن سعيد (5) فإنّه يكذب علينا .(6)
ص: 733
43 - ومنها : ما روي عن زرارة قال أبو جعفر (علیه السلام): حدّث عن بني إسرائيل ولا حرج . قلت : إنّ في حديت الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم .
قال: وأيّ شيء هو؟! فكأنّه اختلس(1) قلبي، فكنت افكر ساعة لا ادرك (2) ما اريد فقال : لعلّك تريد التقيّة (3) ؟ ! قلت : نعم . قال : صدّق بها فإنّها حقّ .(4)
44 - ومنها : ما روي عن جعفر بن هارون الزيّات قال : كنت أطوف بالبيت فرأيت أبا عبد الله (علیه السلام) فقلت في نفسي: هذا هو الذي يتّبع ! هذا هو الإمام ! والّذي هو كذا وكذا، فما علمت به إلّا على منكبي و أقبل عليّ فقال : « أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ »(5). (6)
ص: 734
45 - ومنها : [ ما روي ] عن إسماعيل بن عبدالعزيز قال : قال لي أبو عبدالله (علیه السلام) : ضع لي ماءاً في المتوضّأ ، فقمت فوضعت له ، فقلت في نفسي: أنا أقول فيه كذا وكذا ، وهو يدخل المتوضّأ !
فلمّا(1) خرج قال : يا إسماعيل لاترفعوا البناء فوق طاقته فيهدم، إجعلونا عبيداً مخلوقين، وقولوا فينا ما شئتم إلّا النبوة .(2)
46 - ومنها : ما قال خالد بن نجيح : دخلت على أبي عبدالله (علیه السلام) وعنده خلق فقنّعت رأسي و جلست في ناحية، وقلت في نفسي:ويحهم ما أغفلهم عند من يتكلّمون؟!
فناداني : أنا والله عبد مخلوق، لي ربّ أعبده ، إن لم أعبده عذّبني بالنار.
فقلت : لا أقول فيك إلّا قولك في نفسك . (3)
47 - ومنها : ما روي عن عبد الله بن النجاشي [قال]: أصاب جبّة لي - فرواً -
ص: 735
ماء ميزاب(1) ، فغمستها في الماء في وقت بارد ، فلمّا دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) ، ابتدأني فقال : إنّ الفراء إذا غسلته بالماء فسد .(2)
48- ومنها : ما قال هشام بن أحمر : دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) و أنا أريد أن أسأله عن المفضّل بن عمر ، فابتدأني وقال : نعم - والله - الرجل : المفضّل بن عمر ، إنّما هو والد بعد الوالد .(3)
49 - ومنها : ما قال عمر بن یزید : كنت عند الرضا (علیه السلام)، فذكر محمداً(4) فقلت في نفسي: «هو يأمرنا بالبرّ والصلة ويقول [ هذا ] في عمّه» فنظر إليّ فقال : هذا من البرّ و الصلة ، إنّه متى ما يأتني و يدخل عليّ، يصدّق الناس فيّ قوله و إذا لم يدخل عليّ ، و لم أدخل عليه، لم يقبل قوله فيّ إذا قال .
وفي رواية : إن لم أقل هذا صدّقوا قوله فيّ . (5)
ص: 736
50 - ومنها :ما قال أبوهاشم الجعفري : كنت مع أبي محمّد العسكري (علیه السلام) إذ أتی رجل ، فقال أبو محمّد (علیه السلام): هذا الواقف ليس من إخوانك.
قلت : كيف عرفته؟قال: إنّ المؤمن نعرفه بسيماه ، ونعرف المنافق بمیسمه(1). (2)
51 - ومنها: ماقال زرارة: كنت أنا ، وعبد الواحد بن المختار، وسعيد بن لقمان وعمر بن شجرة الكندي عند أبي عبد الله (علیه السلام)، فقام عمر فخرج ، فأثنوا عليه خيراً وذكروا ورعه ، و بذل ماله على الناس ، فقال (علیه السلام) :
ما أرى لكم علماً بالناس، إنّي لأكتفي من الرجل بلحظه، إنّ هذا من أخبث الناس.
قال: فكان عمر بن شجرة بعد ذلك من أحرص الناس على ارتكاب محارم الله .(3)
52 - ومنها : ما قال جماعة: كنّا عند أبي عبد الله (علیه السلام)، منهم يونس بن ظبيان و المفضّل بن عمر ، وأبو سلمة السراج ، والحسين بن أبي فاختة .
فقال لنا فيما جرى: عندنا خزائن الأرض ومفاتيحها ، و لو أشاء أن أقول باحدى رجليّ « أخرجي ما فيك من الذهب والفضّة » لكان .
ثمّ خطّ باحدى رجليه في الأرض خطّأ، فانفجرت الأرض عن كنز فيه سبائك فقال بيده هكذا ، فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها ، ثمّ قال :
انظروا فيها حسناً حتّى لا تشكّوا . فنظرنا [ فإذا هي ذهب يتلألأ].
ثمّ قال : انظروا في الأرض . فنظرنا فإذا سبائك كثيرة بعضها على بعض تتلألأ .
فقال بعضنا : جعلت فداك أعطيتم ما نری(4) وشيعتكم محتاجون ؟!
فقال : إنّ الله سيجمع لنا و لشيعتنا الدنيا و الآخرة ، و ندخلهم جنّات النعيم
ص: 737
وندخل عدوّنا نار الجحيم .(1)
53 - ومنها : ما روی سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون(2)
عن داود بن القاسم الجعفري قال : سأل أبا محمّد (علیه السلام) عن قوله تعالى: « إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ»(3) رجل(4) من أهل قم، و أنا عنده حاضر .
فقال أبو محمّد العسكري (علیه السلام): ما سرق يوسف، إنّما كان ليعقوب (علیه السلام) منطقة ورثها من إبراهيم ، و كانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلّا استعبد، و كانت إذا سرقها إنسان نزل جبرئيل (علیه السلام) وأخبره بذلك، فاخذت منه ، وأخذ(5) عبداً.
ص: 738
وإن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق بن إبراهيم ، وكانت سميّة ام إسحاق وإنّ سارة هذه أحبّت یوسف و أرادت أن تتّخذه ولداً لنفسها، وإنّها أخذت المنطقة فربطتها على وسطه، ثمّ سدلت عليه سرباله(1) ثمّ قالت ليعقوب (علیه السلام): إنّ المنطقة قد سرقت.
فأتاه جبرئيل (علیه السلام) فقال : يا يعقوب إنّ المنطقة مع يوسف ، ولم يخبره بخبر ما صنعت سارة لما أراد الله ، فقام يعقوب إلى یوسف ففتّشه - وهو يومئذ غلام یافع - واستخرج المنطقة ، فقالت سارة ابنة إسحاق: منّي سرقها يوسف فأنا أحقّ به .
فقال لها يعقوب : فإنّه عبدك على أن لا تبيعيه ولا تهبيه .
قالت: فأنا أقبله على ألّا تأخذه منّي وأعتقه الساعة. فأعطاها إيّاه فأعتقته .
فلذلك قال إخوة يوسف: « إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ».
قال أبو هاشم : فجعلت اجيل(2) هذا في نفسي، وافكّر فيه ، وأتعجّب من هذا الأمر مع قرب يعقوب من يوسف، و حزن يعقوب عليه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن والمسافة قريبة! فأقبل علي أبو محمّد (علیه السلام) فقال :
يا أبا هاشم تعوذ بالله ممّا جرى في نفسك من ذلك، فإنّ الله تعالی لو شاء أن يرفع الستائر بين يعقوب ويوسف حتّى كانا يتراءیان فعل، ولكن له أجل هو بالغه ومعلوم ينتهي إليه کلّ ما (3) كان من ذلك ، فالخيار من الله لأوليائه .(4)
54 - ومنها : ما روى سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون(5) قال : كتبت إليه (علیه السلام) أشكو الفقر ، ثمّ قلت في نفسي : أ ليس قال أبو عبد الله (علیه السلام):
«الفقر معنا خير من الغني مع غيرنا، والقتل معنا خير من الحياة مع غيرنا !».
ص: 739
فرجع الجواب : « إنّ الله يمحّص(1) أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر ، وقد يعفو عن كثير ، وهو ممّا حدثتك(2) نفسك : الفقر معنا خير من الغني مع غيرنا(3) ونحن كهف لمن التجأ إلينا ، ونور لمن استضاء بنا ، وعصمة لمن اعتصم بنا من أحبّنا كان معنا في السنام الأعلى ، و من انحرف عنّا فإلى النار .
وقال أبو عبد الله (علیه السلام): «تشهدون على عدوّكم بالنار، ولاتشهدون لوليّكم بالجنّة ما يمنعكم من ذلك إلّا الضعف» .(4)
55- و منها: ماروي أنّ رجلاً من موالي أبي محمّد العسكري (علیه السلام) دخل [يوماً] عليه - و كان حكّاك الفصوص - فقال: يا ابن رسول الله إنّ الخليفة دفع إليّ فيروزجاً كأكبر ما يكون ، و أحسن مايكون ، وقال : انقش عليه كذا وكذا.
فلمّا وضعت عليه الحديد صار نصفين، وفيه هلاكي، فادع الله لي.
فقال: لا خوف عليك إن شاء الله.
فخرجت إلى بيتي ، فلمّا كان الغد دعاني الخليفة ، وقال لي : [إنّ] لي حظيّتين اختصمتا في ذلك الفصّ ، ولم ترضيا إلّا بأن يجعل نصفين بينهما ، فاجعله اثنين فانصرفت وأخذت ذلك وقد صار قطعتين(5) فأخذتهما ورجعت بهما إلى دار الخلافة فرضيتا بذلك ، وأحسن الخليفة إليّ بسبب ذلك ، فحمدت الله تعالی .(6)
56 - ومنها:أنّ الصحابة اجتمعوا يوماً وقالوا: ليس من حروف المعجم حرف أكثر دوراناً من الألف، فنهض عليّ (علیه السلام) وخطب على البديهة خطبة طويلة تشتمل على
ص: 740
الثناء على الله تعالى و الصلاة على النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و فيها الوعد و الوعيد ، و المواعظ والزواجر ، وذكر الجنّة والنار، والنصيحة للخلق وغير ذلك، و ليس فيها ألف واحدة وهي معروفة .(1)
57 - ومنها : أنّ أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد - و كان عليّ صبيّاً -: رأيته يکسّر الأصنام فخفت أن تعلم كفّار قريش ذلك . فقالت: يا عجباً أخبرك بأعجب من هذا وهو أنّي اجتزت بموضع كانت أصنامهم فيه منصوبة، وعليّ في بطني، فوضع رجليه في جوفي شديداً لايتركني أقرب منها ، وأن أمرّ في غير ذلك الموضع وإن(2) کنت لم أعبدها قطّ، وإنّما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله ، لا الأصنام.(3)
58- ومنها: ماروي عن سعد الخفاف ، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: بينا أمير المؤمنين (علیه السلام) في المسجد و حوله أصحابه ، فأتاه رجل من شیعته .
فقال : يا أمير المؤمنين قد علم الله أنّي أدين بحبّك . فقال : صدقت .
فقام رجل من الخوارج - بعد مواطاة أصحابه على أن يمتحنوا ماعند عليّ (علیه السلام) ليردّ(4) عليه كما ردّ على الأول الّذي من شيعته - فقال: إنّي أحبّك في السرّ والعلانية.
ص: 741
فنظر إليه وقال: كذبت، لاوالله ماتحبّني ولا أحببتني قطّ .
فبكى الرجل فقال : تستقبلني بهذا وقد علم الله خلافه. ابسط يدك أبايعك .
فقال له (علیه السلام): على ماذا ؟ قال : على ماعمل عليه أبوبكر و عمر . ومدّ يده نحوه.
فقال (علیه السلام): اقبض يدك و الله لكأنّي بك قد قتلت على ضلالك ، و وطی وجهك
دوابّ أهل العراق، فلا يعرفك قومك .
فكان الرجل ممّن خرج بالنهروان فقتل .(1)
59- ومنها: ما روي عن معتّب مولى أبي عبدالله (علیه السلام) قال : إنّ موسی بن جعفر (علیهما السلام)لم يكن يرى له ولد، فأتاه يوماً أخواه إسحاق الزاهد، ومحمد الديباج - ابنا جعفر(علیه السلام) - وسمعاه يتكلّم بلسان ليس بعربيّ، فجاءه غلام صقلبي فكلّمه بلسانه، فمضى الغلام وجاءه بعليّ ابنه، فقال موسى لاخوته : هذا عليّ ابني. فضمّاه إلى صدورهما واحد بعد واحد (2) وقبّلاه ، و كلّم الغلام بلسانه ، فحمله وردّه .
ثم تكلّم مع غلام أسود بالحبشيّة ، فجاء بغلام آخر ، ثمّ ردّه ، ثمّ تكلّم مع غلام آخر بلسان آخر غيره ، فجاء بغلام(3) حتّى أحضر خمسة أولاد مع خمسة غلمان مختلفين .(4)
60- ومنها : ما قال محمّد بن راشد ، عن جدّه ، قال : قصدت إلى جعفر بن محمد (علیهما السلام)أسأله عن مسألة فقالوا : مات السيّد الحميريّ الشاعر ، وهوفي جنازته.
ص: 742
فمضيت إلى المقابر فاستفتيته ، فأفتاني، فلمّا أن قمت أخذ بثوبي فجذبه إليه ثمّ قال: إنّكم معاشر الأحداث تركتم العلم .
فقلت : أنت إمام هذا الزمان ؟ قال : نعم .
قلت : فدليل أو علامة ؟ قال : سلني عمّا شئت اخبرك به إن شاء الله .
قلت: إنّي أصبت بأخ لي ودفنته في هذه المقابر ، فأحيه لي بإذن الله .
قال: ما أنت بأهل لذلك، ولكن أخاك كان مؤمناً واسمه عندنا « أحمد ».
ودنا من القبر ودعا ، قال : فانشقّ عنه قبره، وخرج إليّ - و الله - وهو يقول :يا أخي اتّبعه ولا تفارقه ، ثمّ عاد إلى قبره ، واستحلفني على أن لا أخبر به أحداً(1) .
61 - ومنها : ما قال أبو بصير : قلت لأبي عبدالله (علیه السلام): من لنا أن يحدّثنا كما كان عليّ (علیه السلام) يحدّث أصحابه بتلك المعضلات؟! فقال (علیه السلام): أما إنّ فيكم لمثله ولكن أولئك كانت على أفواههم أوكية(2) هات حديثاً واحداً حدّثتك به فكتمته.(3)
62 - ومنها: ما روي عن عليّ بن حسّان ، عن عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: خرج عليّ (علیه السلام)(4)يريد صفّين، فلمّا عبر الفرات و قرب من الجبل، و حضر وقت صلاة العصر ، أمعن بعيداً ، ثمّ توضّأ وأذّن، فلمّا فرغ من الأذان انفلق الجبل
ص: 743
عن هامة بيضاء ، و لحية بيضاء ، ووجه أبيض. فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، مرحباً بوصي خاتم النبيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد الوصيّين.
فقال عليّ (علیه السلام) : وعليك السّلام يا أخي شمعون بن حنّون الصفا وصي روح القدس عیسی بن مریم ، كيف حالك ؟
قال : «بخير يرحمك الله ، أنا منتظر نزول روح القدس ، فاصبر يا أخي على ما أنت عليه من الأذى حتى تلقى الحبيب غداً ، فلم أعلم أحداً أحسن بلاء في الله منكم ولا أعظم ثواباً ، ولا أرفع مكاناً ، وقد رأيت(1) ما لقي أصحابك بالأمس من بني إسرائيل ، وأنّهم نشروا بالمناشير ، وصلبوا على الخشب .
فلو تعلم تلك الوجوه المارقة ، المفارقة لك ، ما أعدّ الله لها من عذاب النّار و السخط و النكال لأقصرت(2) ولو تعلم هذه الوجوه الملتئمة بك مالها من الثواب في طاعتك لتمنّت أن تفرض بالمقاريض .
وعليك السلام يا أمير المؤمنين و رحمة الله وبركاته».
قال : والتأم عليه الجبل ، وخرج أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى القتال ، فسأله عمّار بن یاسر، ومالك الأشتر ، و هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص ، و أبو أيّوب الأنصاري ، و قیس بن سعد الأنصاري، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعبادة بن الصامت، عن الرجل فأخبرهم أنّه شمعون بن حنّون الصفا وصيّ عيسى (علیه السلام)، و كانوا سمعوا كلامهما ، فازدادوا بصيرة في المجاهدة معه .
وقال له عبادة بن الصامت ، و أبو أيّوب الأنصاري : بامّهاتنا و آبائنا نفديك يا أمير المؤمنين، فوالله لننصرنّك كما نصرنا أخاك رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، والله ما تأخرعنك
ص: 744
من المهاجرين والأنصار إلّا شقي، فدعا لهما بخير .(1)
63 - ومنها : ماروي عن سويد(2) بن غفلة قال: كنت عند عليّ (علیه السلام) فأتاه رجل ، فقال له : جئتك من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة .
فقال عليّ (علیه السلام) : لم يمت . فأعاد عليه الرجل القول. فقال: لم يمت. فقال الثالثة : مات ! فقال له : لم يمت ، وأعرض بوجهه عنه . فقال الرجل : أخبرك بموته صحيحاً .
فقال (علیه السلام) : والّذي نفسي بيده إنّه لم يمت ، ولايموت حتّى يقود جيش ضلالة(3) يحمل رايته حبيب بن جمّاز(4) .
فقام إليه حبيب فقال: أنشدك الله فيّ يا أمير المؤمنين ، فإنّي بن شيعة . فقال عليّ (علیه السلام) : ومن أنت ؟ فقال : أنا حبیب بن جمّاز . فقال (علیه السلام): إن كنت ابن جمّاز لتحملنّها.
فقال أبو حمزة الثمالي (5): ما مات خالدبن عرفطة حتّى بعث - عمر بن سعد بن أبي
ص: 745
وقّاص ومعه خالد بن عرفطة. فجعل خالد على مقدّمته و حبیب بن جمّاز(1) صاحبرايته .(2)
64- ومنها: ما روي عن الأصبغ بن نباتة أنّه قال: أمرنا أمير المؤمنين (علیه السلام) بالمسير إلى المدائن من الكوفة ، فسرنا يوم الأحد ، وتخلّف عنّا عمرو بن حريث في سبعة نفر ، فخرجوا إلى مكان بالحيرة يدعي الخورنق ، و قالوا : إذا كان يوم الأربعاء خرجنا و لحقنا العسكر ، فخرج عليهم فيماهم فيه من حديثهم ضبّ فاصطادوه، فأخذه عمرو بن حریث فنصب کفّه و قال لأصحابه : بايعوه ، هذا أمير المؤمنین .
فبايعوه مستهزئين ، ثمّ خرجوا و قدموا المدائن يوم الجمعة و أمير المؤمنين (علیه السلام) على المنبر يخطب ، فنزلوا بأجمعهم على باب المسجد ، ثمّ دخلوا مستخفين، فرآهم عليّ (علیه السلام) فقال : يا أيّها الناس إنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أسرّ فيما أسرّ إليّ من العلم حديثاً ، فيه ألف باب، و کلّ باب يفتح منه ألف باب، وإنّي سمعت الله يقول: « یَوْمَ نَدْعُو
ص: 746
كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(1) وإنّي أقسم بالله قسماً حقاً ليبعثنّ يوم القيامة ثمانية نفر من عسكري [ هذا ] يدعون أنّهم أصحابي لحقوا بنا آنفاً ، إمامهم ضبّ اصطادوا في طريقهم وبايعوه ، ولو شئت أن اسمّيهم لفعلت .
قال : فرأينا عمرو بن حريث ينتفض مثل السعفة جبناً(2) ونفاقاً .(3)
65 - ومنها :ما روي عن جابر [بن عبد الله] ، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال : بينا عليّ (علیه السلام) في مسجد الكوفة إذ جاءت امرأة تستعدي إليه على زوجها .
فقضي لزوجها عليها ، فقالت : و الله ما حكمت بالعدل .
فقال: كذبت یا جريّة، یابذيّة، یا سلفع - وهي الّتي لاتحبل من حيث تحبل النساء، ولا تحيض من حيث تحيض النساء - فولّت المرأة تولول وتقول:
ياويلها و أعولها ، لقد هتكت منّي ما كان مستوراً.
فقال لها عمرو بن حریث : استقبلتي عليّاً بكلام سررتیني فيه ، ثمّ إنّه أصابك بكلمة فولّيت هاربة عنه !
ص: 747
فقالت : أخبرني بما لم يعلمه زوجي ولا أبواي ، و كنت أكتمهم إيّاه . فرجع عمرو إلى عليّ (علیه السلام) فأخبره بما قالت ، ثمّ قال : ما علمناك ولا عرفناك بالكهانة !
فقال عليّ (علیه السلام) : ويلك ياعمرو إنه ليس بكهانة ، ولكنّ الله كتب بين أعينهم : مؤمن أو كافر ، وماهم به مبتلون ، و ما هم عليه من شر(1) أعمالهم و حسناتهم ، أنزل بذلك قرآنا عربياً على نبيّه فقال : « إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ »(2)
فكان رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) المتوسّم، و أنا من بعده ، والأئمة من ذريتي المتوسّمون(3) من بعدي ، وإنّ هذه المرأة كما حكمت عليها بالحقّ.(4)
66- ومنها ما روي عن الصادق (علیه السلام) أنّه قال : جاءت امرأة متنقّبة(5) إلى
ص: 748
علي (علیه السلام)وهو يخطب ، وقد كان قتل أخاها و أباها بالنهروان ، فقالت :
یا قاتل الأحبّة ومؤتّم الصبية. فقال لها : یاسلفع ، یا جريّة ، يا مذكرة، یا سلقلق - وهي
التي تحيض من دبرها - ياصاحبة الشيء المدلّی.
فمضت صارخة، وتبعها عمرو بن حریث - و كان مروانیّا(1) - و قالت :
لقد اطّلع على ما لم يعرفه(2) أحد من خلق الله إلّا أمّي .
فنظرت نساؤه إليها فإذا شيء مدلّى على ركبها(3) فرأو عظيماً.
وفي رواية أنّ امرأة جاءته فقالت: أعطيت العطاء جميع الأحياء و ترکت هذا الحيّ من مراد ؟! فقال : اسكتي ياسلقع، باسلقلقيّة(4) یا مهیع ، یاقردع(5).
وترفّق بها عمر و حتّی أقرّت له وقالت: أمّا قوله «یا سلقع» فانّي صاحبة نساء ،
وأما قوله «يا قردع» فانّي أخرّب بيت زوجي فما أبقى له شيئاً .
و أما قوله «یا مهيع» فانّي عقيم .
وأما قوله «يا سلقلقيّة» فإنّي لاتحرم عليّ الصلاة من حيث تحرم على النساء .
قال: ماعلّمه بهذا أتراه ساحراً ؟! قالت : ما أدري إلّا أنّه قال ما أعرفه من نفسي.(6)
ص: 749
67- ومنها: ماروي عن جابر ، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : لمّا قدموا ببنت يزدجرد بنت شهریار - آخر ملوك الفرس و خاتمهم (1) - على عمر و أدخلت المدينة ،استشرفت لها عذارى المدينة ، وأشرق المجلس بضوء وجهها ، ورأت عمر فقالت: أفيروزان(2) فغضب عمر فقال: شتمتني هذه العلجة(3) . وهمّ بها .
فقال له عليّ (علیه السلام) : ليس لك إنكار ما لا تعلمه . فأمر أن ينادى عليها .
فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): لا يجوز بيع بنات الملوك وإن كانوا كافرين، ولكن أعرض عليها أن تختار رجلاً من المسلمين حتّى تزوّج منه، ويحسب صداقها عليه من عطائه من بيت المال ، يقوم مقام الثمن .
فقال عمر : أفعل . وعرض عليها أن تختار .
فجاءت فوضعت يدها على منكب الحسين (علیه السلام) فقال لها : چه نامی [داری] إي كنيزك ؟ أي: أيش اسمك يا صبيّة ؟ قالت : جهان شاه بار خذاه .
فقال (علیه السلام): شهربانویه؟ قالت: خواهرم شهر بانویه. أي: تلك أختي .
قال (علیه السلام): راست کفتي . أي: صدقت .
ص: 750
ثمّ التفت إلى الحسين (علیه السلام) فقال له : احتفظ بها ، وأحسن إليها ، فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك ، وهي امّ الاوصياء ، الذريّة الطيّبة .
فولدت علي بن الحسین زین العابدين (علیهما السلام).
ويروى أنّها ماتت في نفاسها به، وإنّما اختارت الحسین (علیه السلام) لأنّها رأت فاطمة بنت محمّد (علیه السلام) في النوم ، وأسلمت قبل أن يأخذها عسكر المسلمين .
و لها قصة عجيبة و هي أنّها قالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين (1)علينا ، كأن محمّداً رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) دخل دارنا، وقعد، ومعه الحسين (علیه السلام)، وخطبني له و زوّجني أبي منه .
فلمّا أصبحت كان ذلك يؤثّر في قلبي ، وما كان لي خاطب غير هذا .
فلمّا كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وعليها ، وقد أتتني وعرضت عليّ الاسلام وأسلمت، ثمّ قالت : إنّ الغلبة تكون للمسلمين ، وإنّك تصلّين عن قريب إلى ابني الحسين (علیه السلام) سالمة، لايصيبك بسوء أحد.
قالت : و كان من الحال أن أخرجت إلى المدينة(2). (3)
ص: 751
68 - ومنها : ما روي عن إسماعيل بن مهران قال : كنت عند أبي عبدالله (علیه السلام) أودّعه ، و كنت حاجاً في تلك السنة، فخرجت، ثمّ ذكرت شيئاً أردت أن أسأله عنه فرجعت إليه ، ومجلسه غاص بالناس، و كان ما أسأله عنه بيض طيور الماء.
فقال لي: من غير سؤالي : الأصلح أن لاتأكل (1) .(2)
69 - ومنها : ماقال البزنطي : حدّثني رجل من أهل جسر بابل ، قال : كان في القرية رجل جزّیر(3) يؤذيني ، ويقول لي : يارافضي ؟ ! و يسمعني و يشنّع عليّ ، و كان يلقّب بقرد القرية، بالنبطيّة.
قال: حججت في بعض السنين، فلقيت أبا عبد الله (علیه السلام) وسلّمت عليه، وسألني عن حالي ؟ ثمّ قال لي بالنبطيّة إبتداءاً منه : قرية ما نامت(4) ؟ قلت : متى؟ قال: الساعة.
فخرجت و أثبت اليوم و الساعة ، فلمّا قدمت الكوفة ، تلقّاني أخي فسألته عمّن مات من قريتنا ؟ فكان ما قال لي : قرية ما نامت وهو قرد القرية . فقلت : متی ؟
فقال : يوم كذا ، وساعة كذا، الّذي أخبرني به مولاي أبو عبد الله (علیه السلام). (5)
ص: 752
70- ومنها : ماروی أحمد بن قابوس(1) ، عن أبيه، عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: دخل عليه قوم من أهل خراسان ، فقال - إبتداءاً قبل أن يسأل - : من جمع مالا يحرسه عذّبه الله على مقداره . فقالوا له - . بالفارسية - : لا نفهم بالعربية .
فقال لهم : «هر که درم اندوزد جزایش دوزخ باشد»(2).
وقال : إنّ لله مدينتين إحداهما بالمشرق ، والأخرى بالمغرب ، على کلّ مدينة سور من حديد ، فيها ألف ألف باب من ذهب ، کلّ باب بمصراعين ، وفي كلّ مدينة سبعون ألف لسان مختلفات اللغات .
و أنا أعرف جميع تلك اللغات ، وما فيهما وما بينهما حجة غيري وغير آبائي ، و [ غير ] (3) أبنائي بعدي(4) .(5)
71 - و منها : ما روي عن عمران بن عليّ الحلبي [قال] : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لمّا أتي بعليّ بن الحسين (علیهما السلام) ومن معه إلى يزيد بن معاوية – عليهما لعائن الله - جعلوهم في بيت خراب واهي (6) الحيطان .
فقال بعضهم : إنّما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا .
فقال الموكّلون بهم من الحرس بالقبطيّة(7) : انظروا إلى هؤلاء يخافون أن
ص: 753
يقع عليهم هذا البيت، وهو أصلح لهم من أن يخرجوا غداً ، فتضرب أعناقهم واحداً بعد واحد صبراً .
فقال علي بن الحسين (علیهما السلام) بالقبطيّة : لايكونان جميعاً بإذن الله . فقال : و كان كذلك(1) (2)
72- منها : ما روي عن داود بن فرقد قال: ذكر عند أبي عبد الله (علیه السلام) قتل الحسین (علیه السلام) وأمر علي ابنه في حمله(3) إلى الشام .
فقال : إنّه لمّا ردّ إلى السجن ، قال بعض أصحابه لبعض : ما أحسن بنيان هذا الجدار ! وعليه كتابة بالروميّة .
فقرأها علي بن الحسين (علیهما السلام) فتراطن(4) الروم بينهم، وقالوا: ما في هؤلاء من هو أولى بدم المقتول - ابن(5) نبيّهم - من هذا . يعنون علي بن الحسين (علیهما السلام).(6)
73 - ومنها : ما روی جابر الجعفي ، عن الباقر(علیه السلام) قال : خرج عليّ(علیه السلام) بأصحابه إلى ظهر الكوفة ، فقال :
أرأيتم إن قلت لكم: لا تذهب الأيّام حتى يحفرهاهنا نهر يجري فيه الماء والسفن ما قلتم؟ أكنتم مصدّقي فيما قلت ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ويكون هذا ؟
قال : إي والله، لكأنّي أنظر إلى نهر في هذا الموضع ، وقد جرى فيه الماء
ص: 754
وجرت فيه السفن ، تكون عذاباً على أهل هذه القرية أوّلا، ورحمة عليهم آخراً .
قال: فلم تذهب الأيّام حتى حفر نهر الكوفة، فكان عذاباً على أهل الكوفة أوّلاً ورحمة عليهم آخراً، فكان فيه الماء ، وانتفع به ، و كان كما قال (علیه السلام).(1)
74- ومنها: ما روي عن جندب بن زهير الأزدي قال : لمّا فارقت الخوارج عليّاً (علیه السلام)، خرج إليهم وخرجنا معه، فانتهيت إلى عسكرهم(2) فإذا لهم دويّ كدويّ النحل في قراءة القرآن ، و فيهم أصحاب البرانس ، وذووا الثفنات .
فلمّا رأيت ذلك دخلني شكّ ، فتنحّیت و نزلت عن فرسي ، و ركزت رمحي و وضعت ترسي ، ونثرت عليه درعي ، وقمت أصلّي وأنا أقول في دعائي :
«اللّهمّ إن كان قتال هؤلاء [القوم] رضاً لك ، فأرني من ذلك ما أعرف به أنّه الحقّ، وإن كان لك سخطاً (3) فاصرف عنّي».
إذ أقبل عليّ (علیه السلام) فنزل عن بغلة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وقام یصلّي، إذ جاء رجل وقال : قطعوا النهر. ثمّ [ جاء ] آخر تشتدّ به دابته ، وقال : قطعوه وذهبوا.
فقال أمير المؤمنين (علیه السلام): ما قطعوه ولايقطعونه ، وليقتلنّ دونه ، عهد من الله و رسوله.
وقال: يا جندب ، تری التلّ ؟ قلت : نعم . قال : فإنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حدّثني أنّهم يقتلون عنده . ثمّ قال : أما إنّا نبعث إليهم رسولاً، يدعوهم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، فيرشقون وجهه بالنبل ، وهو مقتول .
قال : فانتهينا إليهم(4) فإذا هم في معسكرهم لم يبرحوا ، ولم يرتحلوا .
فنادى في الناس فضمّهم، ثمّ أتى الصفّ ، وهو يقول :
ص: 755
من يأخذ هذا المصحف فيمشي(1) إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، وهو مقتول وله الجنّة . فما أجابه أحد إلّا شابّ من [ بني ] عامر بن صعصعة . فلمّا رأى حداثة سنّه ، قال : ارجع إلى موقفك(2).
ثمّ عاد القول فما أجابه أحد، إلّا ذلك الشابّ.
فقال : خذه أما إنّك مقتول . فمشی(3) به حتّى إذا دنا من القوم حيث يسمعهم ناداهم فرموا وجهه بالنبل ، فأقبل علينا و وجهه كالقنفذ.
(فقال عليّ (علیه السلام) : دونكم القوم . فحملنا عليهم .
قال جندب: ذهب الشكّ عنّي ، وقتلت بكفّي ثمانية .
ولمّا قتل الحروريّة)(4) قال : إلتمسوا في قتلاهم رجلاً مخدجاً(5) - إحدى ثدييه عضده مثل ثدي المرأة -.
فطلبوه فلم يجدوه، فقام فأمر بهم ، فقلب بعضهم على بعض، فإذا حبشي إحدى عضدیه (6)مثل ثدي المرأة ، عليه شعرات مثل سبلات السنّور(7) و كبّر ، وكبّر الناس معه
ص: 756
وقال : هذا شيطان(1).
لولا أن تتكلّموا، لحدّثتكم بما أعدّ الله على لسان نبيّكم لمن قتل(2) هؤلاء.(3)
75- ومنها : أنّ عليّاً (علیه السلام) (لمّا امتنع من البيعة على)(4) أبي بكر ، أمر خالد بن الوليد أن يقتل عليّاً (علیه السلام) إذا ماسلّم من صلاة الفجر (5) بالناس، فأتي خالد ، و جاس إلى جنب عليّ (علیه السلام) ومعه السيف .
فكان أبوبكر يتفكّر(6) في صلاته في عاقبة ذلك ، فخطر بباله أنّ عليّاً (علیه السلام) إن قتله خالد ثارت الفتنة، وإنّ بني هاشم یقتلونني(7).
فلما فرغ من التشهّد، التفت إلى خالد قبل أن يسلّم وقال : لا تفعل ما أمرتك به.
ثمّ قال السلام عليكم. فقال عليّ (علیه السلام) لخالد: أكنت تريد أن تفعل ذلك؟! قال: نعم.
فمدّ يده إلى عنقه وخنقه باصبعين كادت عيناه تسقطان [من رأسه] و ناشده بالله أن يتركه ، وشفع إليه الناس في تخليته ، فخلاه .
ص: 757
فكان خالد(1) يرصد الفرصة والفجأة ، لعلّه يقتل عليّاً (علیه السلام) غرة(2).
وقد بعث أبوبكر ذات يوم عسكراً مع خالد إلى موضع
فلمّا خرجوا من المدينة ، و كان على خالد السلاح التام(3) وحواليه شجعان قد امرو أن يفعلوا كلّما يأمرهم خالد، وأنّه رأى عليّاً يجيء من ضيعة له منفرداً بلا سلاح فقال خالد في نفسه : الآن وقت ذلك.
فلمّا دنا من عليّ (علیه السلام) و كان في يد خالد عمود حديد ، رفعه ليضربه على رأس عليّ (علیه السلام) ، فوثب إليه ، فانتزعه من يده، وجعله في عنقه كالقلادة وقتله .
فرجع خالد إلى أبي بكر، واحتال القوم في كسره، فلم يتهيّأ لهم شيء، فاستحضروا جماعة من الحدّادين فقالوا :
هذا لا يمكن انتزاعه إلّا بالنار(4)، و إنّ ذلك يؤدّي إلى هلاکه .
ولمّا علم القوم بكيفيّة الحال قال بعضهم: إنّ عليّاً (علیه السلام) هو الذي يخلّصه من ذلك كما جعله في رقبته(5)، وقد ألان الله له الحديد كما ألانه لداود .
فشفع أبوبكر إلى علي ، فأخذ العمود(6) ،وفكّ بعضه من بعض باصبعين (7). (8)
76- ومنها: أن قصّاباً باع لحماً من جارية إنسان ، و كان حاف(9) عليها، فبكت
ص: 758
وخرجت ، ورأت عليّاً، فشكته إليه، فمشى معها إليه(1) ودعاه إلى الانصاف في حقها، و كان يعضه ويقول له: ينبغي أن يكون الضعيف عندك بمنزلة القوي فلاتظلم الجارية (2).
ولم يكن القصّاب يعرف عليّاً (علیه السلام)، فرفع يده فقال: أخرج أيهّا الرجل .
فخرج (علیه السلام)(3) ولم يتكلّم بشيء ، فقيل له(4) : هذا علي بن أبي طالب (علیه السلام). فقطع يده(5) وأخذها، وخرج بها إلى أمير المؤمنین (علیه السلام) معتذراً ، فدعا له ، فصاحت يده (6)
77- ومنها: ما قال ابن فرقد : كنت عند أبي عبدالله (علیه السلام) وجاءه غلام أعجمي برسالة ، فلم يزل يهذي(7) ولا يعبّر (8) حتّى ظننت أنّه يضجره .
فقال له تكلّم بأيّ لسان شئت تحسنه سوى العربيّة، فإنّك لاتحسنها، فإنّي أفهم.
فكلّمه بالتركية ، فردّ عليه الجواب بمثل لغته ، ومضى الغلام متعجّباً .(9)
78 - ومنها: ماروی إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي قال : اختلف أبي وعمومتي في الأربعة الأيام التي تصام في السنة ، فركبوا إلى أبي الحسن علي بن محمد (علیهما السلام) وهو مقيم ب-«صريا»(10) قبل مسيره إلى «سر من رأى».
فقال لهم : جئتم تسألونني عن الأيام التي تصام في السنة ؟
ص: 759
فقالوا: ما جئناك إلّا لهذا . فقال :
اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .و اليوم السابع و العشرون من رجب، [و] هو اليوم الذي بعث(1) فيه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) واليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وهو اليوم الذي دحيت(2) فيه الأرض [من تحت الكعبة]، واليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو يوم الغدير.(3)
79 - ومنها : ما روي عن داود بن القاسم(4) [قال] : دخلت على أبي الحسن صاحب العسكر(علیه السلام) فقال لي : كلّم هذا الخادم بالفارسيّة ، فإنّه زعم أنّه يحسنها
فقلت لخادم : « زانوي تو چیست ؟ » فلم يجبني الخادمه(5).
فقال له : إنّه يسألك ويقول : ركبتك ما هي ؟ (6)
80- ومنها : ماروي عن أبي سیّار مسمع بن عبد الملك کردین ، عن أبي عبدالله (علیه السلام)
ص: 760
قال : سمعته يذكر رجلاً أو رجلين بخير من أهل الكوفة ، فأخبرتهما بما قال ، و كانا يتواليانه . فقال أحدهما: سمعت وصدّقت ، و أطعت، وأحمد الله .
وقال الآخر - وأهوى بيده إلى جيبه فشقّه - وقال : والله. لارضيت حتّى أسمعه منه . وخرج متوجّها نحوه وتبعته، فلمّا صرنا بالباب استأذنّا، [ فأذن لنا ] فدخلنا .
فلمّا رآه قال: يا فلان أيريد کلّ امريء منكم أن يؤتى صحفاً منشّرة(1) ؟
إنّ الّذي أخبرك مسمع به لحق. فقال: جعلت فداك إنّي أحببت أن يزول الشكّ منّي(2) ولا أتصوره بصورة من يقول ما لم يسمعه .
قال : فالتفت إليّ رجل عنده - من سواد الكوفة صاحب قبالات(3) - فقال لي: درفه(4) . ثمّ قال (علیه السلام): إنّ درفه - بالنبطيّة - (خذها، أجل، فخذها . فخرجنا )(5)من عنده .(6)
81- ومنها :ما روي عن علي بن أبي حمزة قال : دخلت على أبي عبدالله (علیه السلام) مع أبي بصير ، فبينا نحن قعود إذ تكلّم أبو عبدالله (علیه السلام) بحرف ، فقلت في نفسي :
ص: 761
هذا والله ممّا أحمله إلى الشيعة ، هذا حديث(1) لم أسمع - والله - بمثله قطّ .
قال : فنظر في وجهي، ثمّ قال لي: إنّي أتكلّم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجهاً ، إن شئت أحدّث كذا ، وإن شئت أحدّث كذا .(2)
82 - ومنها : ما روي عن أبي أراكة(3) [قال] : كنّا مع علي (علیه السلام) بمسكن فتحدّثنا أن عليّاً (علیه السلام) ورث من رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) السيف ، و قال بعضنا : البغلة ، والصحيفة في حمايل السيف ، إذ خرج علينا ، ونحن في حديثنا
فقال ابتداءاً : و أيم الله(4) لو نشطت(5) لحديثكم حتى يحول الحول ، لا أعيد حرفاً بما ورثت وحويت من رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وأيم الله إنّ عندي صحفاً كثيرة، وإنّ فيها لصحيفة يقال لها «القبيط»(6) ما على العرب أشدّ منها ، و إنّ فيها لتميّز(7) القبائل المبهرجة من العرب ، ما لهم في دين الله من نصيب . (8)
83 - ومنها : ماروي عن منصور الصيقل [قال] : حججت فمررت بالمدينة ، فأتيت [قبر] رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فسلّمت عليه، ثمّ التفتّ، فإذا أنا بأبي عبد الله (علیه السلام) ساجداً فجلست حتى مللت ، ثمّ قلت : لاسبّحنّ مادام (9) ساجداً . فقلت :
ص: 762
سبحان ربّي و بحمده، أستغفر ربّي وأتوب إليه، ثلاثمائة مرة ونيّفاً وستين مرّة.
فرفع رأسه ، ثمّ نهض، فاتّبعته وأنا أقول في نفسي : إن أذن لي ، فدخلت عليه ثمّ قلت له : جعلت فداك أنتم تصنعون هكذا !! فكيف ينبغي لنا أن نصنع ؟
فلمّا وقفت على الباب خرج إليّ مصادف(1) ، فقال لي: أدخل يا منصور .
فدخلت فقال [ لي ] مبتدئاً :
یا منصور إنّكم إن أكثرتم أو أقللتم ، فوالله لا يقبل إلّا منكم .(2)
84 - ومنها : ما روي عن الرضا (علیه السلام)، عن أبيه قال: جاء رجل إلى جعفر بن محمّد (علیهما السلام) فقال : انج بنفسك ، فهذا فلان بن فلان قد وشي (3) بك إلى المنصور وذكر (4) أنّك تأخذ البيعة لنفسك على الناس ، لتخرج عليهم .
فتبسّم وقال : يا عبد الله لاترع، فإنّ الله إذا أراد إظهار فضيلة كتمت أو جحدت أثار عليها حاسداً باغياً يحركها حتّى يبينها (5) ، اقعد معي حتّى يأتي(6) الطلب فتمضي معي إلى هناك(7)، حتّى تشاهد ما يجري من قدرة الله التي لا معدل(8)لها عن مؤمن .
فجاء الرسول و قال (9) : أجب أمير المؤمنين . فخرج الصادق (علیه السلام) ودخل ، وقد امتلا المنصور غیظاً وغضباً ، فقال له : أنت الّذي تأخذ البيعة لنفسك على المسلمين تريد أن تفرق جماعتهم ، وتسعى في هلكتهم ، وتفسد ذات بينهم ؟
ص: 763
فقال الصادق : ما فعلت شيئاً من هذا(1) قال المنصور: فهذا فلان يذكر أنّك فعلت كذا(2)، وأنّه أحد من دعوته إليك . فقال : إنّه لكاذب .
قال المنصور : إنّي أحلّفه ، فإن حلف کفیت نفسي مؤنتك .
فقال الصادق (علیه السلام): إنّه إذا حلف کاذباً باء باثم .
فقال المنصور [لحاجبه] : حلّف هذا الرجل على ما حكاه عن هذا – يعني الصادق (علیه السلام)- . فقال له الحاجب: قل: والله الذي لا إله إلّا هو، وجعل يغلّظ عليه اليمين.
فقال الصادق (علیه السلام) : لا تحلّفه هكذا ، فإنّي سمعت أبي يذكر عن جدي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه قال: إنّ من الناس من يحلف کاذباً فيعظّم الله في يمينه، ويصفه بصفاته الحسني، فيأتي تعظيمه لله على إثم كذبه و يمينه [فيؤخّر عنه البلاء]، ولكن دعني(3).احلّفه باليمين الّتي حدّثني بها أبي ، عن جدي ، عن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه لا يحلف بها حالف إلّا باء باثمه .
فقال المنصور : فحلّفه إذاً یا جعفر (4) .
فقال الصادق (علیه السلام) للرجل: قل إن كنت كاذباً عليك فقد برئت من حول الله وقوّته ولجأت إلى حولي وقوّتي . فقالها الرجل .
فقال الصادق (علیه السلام): اللّهمّ إن كان كاذباً فأمته .
فما استتمّ كلامه حتّى سقط الرجل ميّتاً ، واحتمل ، ومضي به ، وسري (5) عن المنصور، وسأله(6) عن حوائجه.
فقال (علیه السلام): ليس لي(7) حاجة إلّا [ إلى الله ، و ] الاسراع إلى أهلي ، فإنّ قلوبهم
ص: 764
بي متعلّقة . فقال [ المنصور ]: ذلك إليك، فافعل منه ما بدالك .
فخرج من عنده مكرّماً ، قد تحيّر فيه المنصور ومن يليه .
فقال قوم: ماذا؟ رجل فاجأه الموت، ما أكثر ما يكون هذا! وجعل الناس يصيرون إلى(1) ذلك الميّت ينظرون إليه، فلمّا استوى على سريره ، جعل الناس يخوضونفي أمره(2) فمن ذامّ له و حامد(3) إذ قعد على سريره ، و كشف عن وجهه وقال :
يا أيّها الناس إنّي لقيت ربّي بعدكم ، فلقّاني السخط واللعنة ، واشتدّ غضب زبانيته عليّ للّذي(4) كان منّي إلى جعفر بن محمّد الصادق (علیهما السلام)، فاتّقوا الله ، ولا تهلكوا فيه كما هلكت .
ثمّ أعاد كفنه على وجهه، وعاد في موته، فرأوه لاحراك به(5) وهو ميّت، فدفنوه [وبقوا حائرين في ذلك] .(6)
85- ومنها: ماروي أنّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء(7) منهم : إبراهيم ابن محمّد بن عليّ بن عبدالله بن عبّاس ، وأبو جعفر المنصور ، وعبد الله بن الحسن، وابناه محمّد وإبراهيم ، وأرادوا أن يعقدوا لرجل منهم ، فقال عبد الله:
هذا [ابني] وهو المهديّ . و أرسلوا إلى جعفر (علیه السلام)، فجاء فقال :
ص: 765
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »
نتيجة سقوط و ضياع بعض أوراق البابين الثامن عشر و التاسع عشر من أصل نسخة
«م» فقد بحثنا عن السقط في نسخ أخرى ، منها ثلاث نسخ محفوظة في مكتبة آية الله العظمی المرعشي النجفي-و التي أحدها« ه- » - و نسخة المدرسة الفيضية ،و نسختي جامعة طهران ، و ثلاث نسخ محفوظة في المكتبة المركزية العامّة في مشهد المقدسة ، فلم نعثر على هذا السقط إلا في نسخنين من مجموع الثلاث نسخ المحفوظة في المكتبة الأخيرة وهما :
1 - النسخة رقم « 1677 »كتبت بخط النسخ ، في شهر ذي القعدة سنة خمس وثمانين
وتسعمائة ( 985 ه- ) و رمزنا لها ب- « د » .
2 - النسخة رقم « 1678 » و کتبت بخط النسخ ، وهي بدون إسم الناسخ و تاریخ
الاستنساخ ، ورمز نا لها ب- « ق » .
و هاتان النسختان متّفقتان في أغلب مواضع الاختلاف ، بل حتى في البياضات الموجودة فيهما ، ممّا لايدع مجالا للشك أنّهما استنسختا عن نسخة واحدة بعينها أو أنّ إحداهما نسخت عن الأخرى .
علما أن العلامة المجلسي قد أورد هذين البابين في البحار : 92 / 121 - 174نقلا من نسخة سقيمة سيّئة ، قال عنها مصحّح البحار في مقدّمته :
ص: 766
« وممّا کددنا كثيراً في إصلاحه ، وتحقيق ألفاظه ، و تصحيح أغلاطه باب وجوه إعجاز القرآن ، وهو ممّا نقله المؤلف العلامة بطوله من كتاب الخرائج والجرائح للقطب الراوندي رحمة الله عليه ، من نسخة كاملة كانت عنده ، ولكن النسخة كانت سقيمة صحيفة جدّاً ، واستنسخ كاتب المؤلف بأمره رضوان الله عليه النسخة من حيث يتعلّق ببحث إعجاز القرآن ووجوهه إلى آخره ، بما فيها من السقم والأود وصحّح المؤلف العلامة بقلمه الشريف بعض ما تنبّه له من الأغلاط والتصحيفات- عجالة - وضرب على بعض جملاته الّتي لم يكن يخل حذفها بالمعنى المرادكما ضرب على بعضها الآخر ، إذا لم يكن لها معنى ظاهر مراد ، أو كانت فيها كلمةمصحّفة غير مقروة ولا سبيل إلى تصحيحها .
ثم إنه رضوان الله عليه ضرب على بعض الفصول تماماً ، وغيّر صورة الأبواب وحذف عناوين الفصول بحيث صار البحث متّصلا متعاضداً ... » إلى آخر كلامه .
فعلى ذلك لانشير إلى مواضع الحذف والتحريف الموجود في البحار .
وأخيراً أقول :
ليس بعجيب - بل كان لطفاً خفيّاً منه تعالی - إن قلت : أنّه قبل أن نقف على هذه
النقيصة بأيّام جاءني أحد الروحانيين وقال : رأيت في منامي الشيخ قطب الدین الراوندي يقول : « إنّي لست راضياً عن الطبعات السابقة لكتاب الخرائج والجرائح فاذهب إلى السيّد الأبطحي في مدرسة الامام المهدي و قل له : أن يسعى في إخراج الكتاب كاملا».
فالحمد لله تعالى أولا على أن أشار لي القطب قدس سره .
وثانياً على أن وفّقني ربّي جلّ وعلا لتكميله بما رزقني .
و آخر دعواي : أن الحمد لله رب العالمين أولا و آخراً .
ص: 767
على الرضا (علیه السلام) وأحببت أن أختبره .
فحملت الكتاب في كمّي ، وصرت إلى منزله، وأنا متفكّر في طلب الإذن [عليه] إذا أنا بغلام خرج من الدار(1) ينادي : أيّكم الحسن بن علي الوشّاء؟ فقلت : أنا .
فقال : هذا الكتاب أمرني الرضا (علیه السلام) بدفعه إليك.
فأخذته ، فإذا - و الله - جواب مسألة مسألة ، فتركت الوقف ، وقطعت عليه .(2)
88- ومنها: ما روي عن الريّان بن الصلت(3) قال : دخلت على الرضا (علیه السلام) بخراسان ، وقلت(4) في نفسي أسأله عن هذه الدراهم(5) المضروبة باسمه .
فلمّا دخلت عليه قال لغلامه: إنّ أبا محمّد يشتهي من هذه الدنانير الّتي عليها اسمي فهلمّ بثلاثين درهماً منها. فجاء بها الغلام فأخذتها .
ص: 768
ثمّ قلت في نفسي: ليته كساني من بعض ما عليه . فالتفت إلى غلامه فقال: وقل لهم لايغسلون ثيابي، وتأتي بها كماهي . فأتیت (1) بقميص وسروال (2) و نعل . (3).
89-و[منها:] لمّا أنشد دعبل الخزاعي قصيدته في(4) الرضا (علیه السلام) بعث إليه بدراهم رضويّة ، وردّها ، فقال : خذها فإنّك تحتاج إليها .
قال: فلمّا رجعت إلى بيتي سرق جميع ما كان لي (5).
ص: 769
فكان الناس يأخذون منّي درهماً عليه اسم الرضا، وبيعطوني(1) دنانير، فغنيت بها. (2)
90 - ومنها : ماروي عن ظریف بن ناصح قال: لمّا كانت الليلة التي خرج فيها محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن(3) دعا أبو عبد الله (علیه السلام) بسفط، وأخذ منه صرة وقال : هذه مائتا دینار عزلها علي بن الحسين من ثمن شيء باعه لهذا(4) الحدث الذي حدث(5) الليلة في المدينة. فأخذها ومضى من وقته إلى طيبة(6).
وقال : هذه حادثة ينجو منها من كان منها على مسيرة ثلاث ليال، و كانت تلك الدنانير نفقته بطيبة إلى أن قتل محمّد بن عبدالله .(7)
91 - ومنها : ما روي عن عبدالرحمن بن كثير: أنّ رجلاً منّا دخل يسأل عن الامام بالمدينة ، فاستقبله رجل من ولد الحسن ، فدلّه على محمّد بن عبد الله ، فصار إليه وساءله هنيهة (8) فلم يجد عنده طائلاً .
فاستقبله فتى من [ولد](9) الحسين فقال له : يا هذا إنّي أراك تسأل عن الامام ؟ قال : نعم . قال : فأصبته ؟ قال : لا .
ص: 770
قال : فإن أحببت أن تلقى جعفر بن محمّد (علیهما السلام) فافعل . فاستدلّه ، فأرشده إليه .
فلمّا دخل عليه ، قال له : هذا(1) إنّك دخلت مدينتنا هذه تسأل عن الإمام فاستقبلك فتى من ولد الحسن ، فأرشدك إلى محمّد بن عبدالله ، فسألته وخرجت فإن شئت أخبرتك بما سألته عنه ، وما ردّه عليك وذكر ، ثمّ استقبلك فتى من ولد الحسين وقال لك : إن أحببت أن تلقى جعفر بن محمّد فافعل .
قال : صدقت ، قد كان کلّ ما ذكرت ووصفت . (2)
92- ومنها : ما روي عن أبي بصير [قال] : سمعت الصادق (علیه السلام) يقول : إنّ أبي مرض مرضاً شديداً حتى خفنا عليه ، فبكى بعض أصحابه عند رأسه .
فنظر إليه وقال : إنّي لست بميّت من وجعي هذا .
قال : فبرأ ومكث ما شاء الله من السنين . فبينا هو صحيح ليس به بأس ، فقال : يا بنيّ إنّي ميّت يوم كذا . فمات في ذلك اليوم .(3)
93 - ومنها: ما روى أنّ عليّاً (علیه السلام) دخل الحمّام، فسمع صوت الحسن والحسين (علیهما السلام) فخرج إليهما فقال : ما لكما ؟
قالا : اتّبعك هذا الفاجر - ابن ملجم - فظننّا أنّه يغتالك(4).
فقال لهما : دعاه لا بأس .
وأنّ الحسين (علیه السلام) لمّا توجّه إلى الكوفة ، دعا بقرطاس، فكتب فيه :
من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أمّا بعد : فإنّه من لحق بي استشهد ، ومن
ص: 771
94 - ومنها : ما روي عن ابن(1) مسافر ، عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) أنّه قال - في العشيّة الّتي توفّي في ليلتها -:
إنّي ميّت الليلة. ثمّ قال: نحن معشر إذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نقلنا إليه.(2)
95 - ومنها : ما روي عن الباقر(علیه السلام): أنّ أباه عليّ بن الحسين (علیهما السلام) أتي – في الليلة التي توفّي فيها - بشراب، فقيل له: اشرب .
فقال : هذه الليلة الّتي وعدت أن أقبض فيها . فقبض فيها .(3)
96 - ومنها : ما روي عن علي بن ميسرة قال : لمّا استقدم عبدالله بن محمّد الدوانیقي ، أبا عبدالله (علیه السلام) أقام مولى له بسيف مسلول قد أسبل عليه كمّه، وقال :
إذا دخل(4) جعفر ، وصرت خلفه [وأشرت إليك] فاضرب عنقه .
فلمّا دخل ، ونظر إلى الدوانیقي (أسرّ شيئاً فيما)(5) بينه وبين نفسه(6) لم ندر ماهو إلّا قوله(7) : «یا من يكفي خلقه كلّه ولايكفيه أحد ، اكفني شرّ عبدالله بن محمّد».
ص: 773
فصار أبو جعفر الدوانیقي لايبصر مولاه فيومىء إليه ، وصار مولاه لايبصره ولا يرى أبا عبد الله (علیه السلام)، فقال له : لقد عنّيتك(1) یا جعفر في هذا الحرّ (2) فانصرف.
فانصرف أبو عبد الله (علیه السلام)، فقال الدوانيقي لمولاه: ويلك، ما منعك من أن تمتثل أمري ؟! قال: لا والله ما أبصرته ولا أبصرتك حتّى خرج ، ولقد دهمني (3) حجاب حال بيني وبينه و بينك.
فقال الدوانیقي : لئن تحدّثت بهذا لأقتلنّك بدلا منه .(4)
97 - ومنها : ما روي عن معاوية بن وهب(5) [قال]: كنت مع أبي عبد الله (علیه السلام) بالمدينة، و هو راكب على حمار له ، فنزل - وقد كنّا صرنا إلى السوق(6)فسجد سجدة طويلة ، وأنا أنتظره(7) ثمّ رفع رأسه ، فسألته عن ذلك فقال :
ص: 774
إنّي ذكرت نعمة الله عليّ . فقلت : ففي السوق ، والناس يجيئون ويذهبون ؟!
فقال: [إنّه] لم يرني أحد منهم غيرك(1). (2)
98- ومنها: ما روي عن جابر ، عن أبي جعفر (علیه السلام) [قال]: صلّى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في بعض الليالي ، فقرأ « تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ».
فقيل لأمّ جميل - اخت أبي سفيان - امرأة أبي لهب : إنّ محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لم يزل البارحة يهتف بك وبزوجك في صلاته ، ويقنت عليكما .
فخرجت تطلبه ، وهي تقول : لئن رأيته لأسمعنّه (3) وجعلت تنشد (4) : من أحسّ لي(5) محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ حتى انتهت إلى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وأبوبكر جالس معه .
فقال أبوبكر : یا رسول الله لو تنحّيت ، فإنّ امّ جميل قد أقبلت ، و أنا خائف أن تسمعك سباباً(6) فقال: إنّها لن ترني . فجاءت حتى قامت عليه، فقالت :
يا أبا بكر رأيت محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟
قال: لا . فمضت راجعة إلى بيتها .
ص: 775
فقال أبو جعفر : ضرب الله بينهما حجاباً أصفر . و كانت تقول له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : مذمّم . وكذا قریش کلّهم ، فقال النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّ الله أنساهم [ذكر] اسمي وهم يسبّون(1) مذمّماً ، وأنا محمّد .(2)
99- ومنها: ما روي عن محمّد بن مسلم قال: دخلت مع أبي جعفر (علیه السلام) مسجد الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فإذا طاووس اليماني يقول: من كان (3) نصف الناس ؟ فسمعه أبو جعفر (علیه السلام) فقال: إنّما هو ربع الناس، آدم وحواء وهابيل وقابيل (4). قال: صدقت يابن رسول الله.
قال محمّد بن مسلم : فقلت في نفسي : هذه - والله - مسألة، فغدوت إلى منزل أبي جعفر(علیه السلام) وقد لبس ثيابه، وأسرج له ، فلمّا رآني ناداني - قبل أن أسأله. فقال :
بالهند و وراء الهند بمسافة بعيدة رجل عليه مسوح(5) يده مغلولة إلى عنقه، موكّل
ص: 776
به عشرة رهط(1)، يعذّب إلى أن تقوم الساعة .
قلت: ومن ذاك؟ قال : قابيل .(2)
100- ومنها: ما روي عن سليمان(3) بن خالد : كان أبو عبدالله البلخي في سفر مع أبي عبد الله (علیه السلام) فعطش القوم ، فقال للبلخي : انظر هل ترى جبّاً(4) ؟ فإذا جبّ ليس فيه ماء . فقام على شفيره(5) و قال :
أيّها الجبّ اسقنا ممّا جعل الله فيك. فنبع منه ماء عذب، فشربوا.
فقال البلخي: سنّة فيكم كسنّة موسى (علیه السلام)؟ قال : نعم، والحمدلله .(6)
101-ومنها: ما روي عن المفضّل بن عمر قال: حمل إلى أبي عبدالله (علیه السلام) مال من خراسان مع رجلين من أصحابه ، فلم يزالا يتفقّدان المال حتى صارا إلى الري ، ولقيهما رجل من إخوانهما، فدفع إليهما كیساً فيه ألفا درهم .
فجعلا يتفقّدان المال في کلّ يوم، والكيس في جملته ، حتی قربا من المدينة، فقال
ص: 777
أحدهما لصاحبه : تفقّد المال. فنظرا ، فإذا كيس الرازيّ(1) مفقود .
فوجما(2) من ذلك ، واغتمّا ، وقالا : مانقول لمولانا أبي عبد الله (علیه السلام)؟
فقال أحدهما : أبو عبد الله - والله - کریم، ونرجو أن يكون علم ذلك عنده .
فلمّا دخلا المدينة، و وصلا إليه، وسلّما عليه، حملا المال و سلّماه ، فقال لهما: أين كيس الرازيّ ؟ فأخبراه بالخبر .
فقال لهما : إن رأيتما الكيس تعرفانه ؟ قالا : نعم. قال : ياجارية عليّ بالكيس . فأخرجته فدفعه إليهما، فقالا : هو، هو!
قال : فإنّي احتجت في جوف الليل إلى مال ، فوجّهت من شيعتنا من الجنّ إلى ما معكما ، فأتاني بهذا الكيس من متاعكما . (3)
102- ومنها: ما روي عن عبد الرحمن بن كثير قال : قال أبو الحسن(علیه السلام) :
لمّا قبض(4) رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) هبط جبرئیل (علیه السلام) و(5) الملائكة و الروح ، الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر .
ففتح أمير المؤمنين (علیه السلام) بصره ، فرآهم من منتهى السماوات إلى الأرض ، ثمّ
ص: 778
كانوا يغسّلون النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مع عليّ (علیه السلام) ويصلّون عليه، ويحفرون له - و الله - ما حفر له غيرهم .
ولمّا وضع في قبره تکلّم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) - و فتح لعليّ (علیه السلام) سمعه - فسمعه يوصيهم [بعليّ (علیه السلام)] فبكي أمير المؤمنين (علیه السلام) وسمعهم يقولون: لن نألوه(1) جهداً، وهو صاحبنا بعدك .
حتّى إذا مات(2) أمير المؤمنين (علیه السلام) رأي (3) الحسن (علیه السلام) مثل الذي (4) رأی أمير المؤمنين (علیه السلام) .
حتى إذا مات الحسن (علیه السلام) رأي منهم الحسين مثل ذلك. (5).
حتى إذا مات(6) الحسين (علیه السلام) رأى علي بن الحسين (علیهما السلام) منهم مثل ذلك .(7) .
حتّى إذا مات علي بن الحسين (علیهما السلام) رأي منهم محمّد بن علي (علیهما السلام) مثل ذلك (8).
حتى إذا مات محمّد بن علي (علیهما السلام) رأي جعفر بن محمّد (علیهما السلام)منهم [مثل] ذلك .
حتى إذا مات جعفر بن محمّد (علیهما السلام) رأى منهم موسی بن جعفر (علیهما السلام) مثل ذلك وسمع الأوصياء يقولون : أبشري أيّتها الشيعة [بنا]. وهكذا يخرج(9) إلى آخرنا. (10).
ص: 779
103 - ومنها : ماروي عن ضريس قال : كنت عند أبي جعفر (علیه السلام) فقال له أبو بصير : ما يعلم عالمكم ؟ قال : لايعلم الغيب إلّا الله ، ولو وکّل عالمنا إلى نفسه لكان مثل بعضكم ، ولكن يحدّث إليه(1) ساعة بعد ساعة .
وقال: لا والله لايكون عالم جاهلاً أبداً ، الله أجلّ وأعظم من أن يفرض طاعة عبد، ثمّ يحجب عنه علم سمائه وأرضه .
ثمّ قال : لايحجب عنه علم ذلك .(2)
104 - ومنها : ما روي عن داود بن فرقد، عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال : إنّ رجلاً منّا صلّي العتمة(3) بالمدينة ، وأتی قوم موسي(4) في أمر تشاجروا فيه فيما بينهم ، وأصلح بينهم، ثمّ عاد ليلته ، ثمّ صلّى الغداة بالمدينة . (5)
ص: 780
فكان الصادق (علیه السلام) هذا الرجل ، طويت له الأرض ، أو ركب على الريح .
105- ومنها : ما روي أنّه دخل عليه(1) رجل من أهل اليمن ، قال : عندكم علماء (2) ؟ قال : نعم .
قال : فما بلغ من علم عالمكم ؟ قال : يسير في ساعة من النهار مسيرة الشمس سنة حتّى يقطع اثني عشر عالماً مثل عالمكم هذا، فيها خلائق ما يعلمون أنّ الله خلق آدم (علیه السلام). قال : يعرفونكم (3) ؟
قال : نعم، ما افترض الله عليهم إلّا ولايتنا ، والبراءة من أعدائنا .(4)
106- ومنها : ما روي عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال :
إذا أراد الله أن يخلق إماماً أخذ الله بيده شربة من تحت عرشه ، فدفعها إلى ملك من ملائكته ، فأوصلها إلى الإمام، فكان الامام من بعده منها(5).
فإذا مضت له أربعون يوماً ، سمع الصوت وهو في بطن أمّه .
فاذا ولد غذّي(6) بالحكمة ، وكتب على عضده الأيمن « وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ »(7) .
ص: 781
فإذا وصل الأمر إليه(1) أعانه الله بثلاثمائة و ثلاثة عشر ملكاً عدّة أهل بدر، فكان معهم سبعون رجلاً وإثناعشر نقيباً، وأمّا السبعون ، فيبعثهم إلى الآفاق، يدعون الناس [الى](2) مادعوا إليه أوّلا ، ويجعل الله له في کلّ موضع سراجاً يبصر به أعمالهم. (3)
107- ومنها : أنّ أبا محمّد العسكري (علیه السلام) کان یرکب إلى دار الخلافة كلّ إثنين وخميس، وكان يحضر يوم النوبة من الناس شيء عظيم (4) ويغصّ (5) الشارع بالدوابّ والبغال ، فلا يكون لأحد موضع .
فإذا جاء أبو محمّد (علیه السلام)هدأ (6) صهيل الخيل ، و سكنت الضجّة (7) وتفرّقت البهائم حتّى يصير الطريق واسعاً ، فلا يحتاج أن يتوقّى ، ثمّ يدخل . فإذا أراد الخروج ، صاح البوّابون: هاتوا دابّة أبي محمد، سكن الصياح و الصهيل حتّی يمضي. (8)
ص: 782
108 - ومنها : أن أبا محمّد (علیه السلام) جلس يوماً إلى نخّاس(1) فأتی بفرس کبوس(2)
لايقدر أحد أن يدنو منه ، فباعوه إيّاه بوکس (3) . فأمر غلامه أن يطرح عليه السرج فهدأ ولم يتحرّك . فقال النخّاس : ليس يباع . فقال أبو محمّد (علیه السلام) : يا غلام قم .
فخرج ، ثمّ جاء النخّاس ليأخذه، فكاد یهلکه ، فلحق النخّاس أبا محمّد (علیه السلام) فقال: صاحبه يقول: أشفقت (4) أن يردّ . فقال الغلام : فاشترينا الفرس، وما آذاني قطّ . (5)
109- ومنها: ماروي عن محمّد بن الحسن بن رزین(6) : حدّثنا أبو الحسن الموسوي: حدّثنا أبي أنّه كان يغشي(7) أبا محمّد العسكري (علیه السلام) بسرّ من رأى كثيراً.
وأنّه أتاه يوماً ، فوجده وقد قدّمت إليه دابّته ليركب إلى دار السلطان ، وهو متغيّر اللّون من الغضب . و كان بجنبه (8) رجل من العامّة ، فإذا ركب دعا له ، وجاء بأشياء يشنّع (9) بها عليه ، فكان يكره ذلك . فلمّا كان في ذلك اليوم زاد الرجل في الكلام و ألحّ ، فسار حتّى انتهى إلى مفرق الطريقين ، وضاق على الرجل أخذهما من كثرة الدوابّ ، فعدل إلى طريق يخرج منه ، و يلقاه فيه .
ص: 783
فدعا (علیه السلام) بعض خدمه وقال له : امض فکفّن هذا . فتبعه الخادم .
فلمّا انتهى (علیه السلام) إلى السوق ، ونحن معه، خرج الرجل من الدرب ليعارضه(1) فكان في الموضع بغل واقف ، فضربه البغل فقتله . ووقف الغلام، فكفّنه كما أمره وسار (علیه السلام) ، وسرنا معه.(2)
110 - ومنها : ماروي عن عليّ بن إبراهيم (3) الفدكي قال : قال الأزدي (4). :
بينا أنا في الطواف قد طفت ستّة ، وأريد أن أطوف السابعة ، فإذا أنا بحلقة (5)عن يمين الكعبة، وشابّ حسن الوجه، طيّب الرائحة ، هيوب ، ومع هيبته متقرب إلى الناس ، فتكلّم، فلم أر أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقة في حسن جلوسه.
فذهبت اكلّمه فزبرني(6) الناس ، وقالوا : هو ابن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يظهر للناس في كل سنة يوماً لخواصّه ، فيحدّثهم ! فقلت : مسترشد أتاك فأرشدني ، هداك الله .
قال : فناولني حصاة ، فحوّلت وجهي ، فقال لي بعض خدّامه : ما الّذي دفع إليك ابن رسول الله ؟ فقلت : حصاة(7) .
ص: 784
فكشفت عن يدي ، فإذا أنا بسبيكة من ذهب ، وإذا هو قد لحقني ، فقال :
قد ثبتت عليك الحجّة، وظهر لك الحق، وذهب عنك العمي، فتعرفني؟
قلت: اللّهمّ لا. قال: أبا المهدي ، أنا قائم الزمان ، أنا الّذي أملاها عدلا كما ملئت جوراً ، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، و لا يبقى الناس في فترة [أكثر من تیه بني إسرائيل ، وقد قرب(1) أيّام خروجي](2) .
فهذه أمانة في رقبتك ( تحدّث بها ) إخوانك من أهل الحقّ .(3)
111 - و منها : ما روي عن عليّ بن إبراهيم بن مهزیار(4) قال : حججت عشرين حجّة أطلب بها عيان(5) الامام ، فلم أجد إليه سبيلاً.
ص: 785
إذ رأيت ليلة في النوم(1) قائلاً يقول : يا عليّ بن إبراهيم قد أذن الله لك . فخرجت حاجّاً نحو المدينة ، ثمّ إلى مكّة ، وحججت .
فبينا أنا ليلة في الطواف إذ أنا بفتی حسن الوجه ، طيّب الرائحة طائف(2) فحسّ قلبي به [ فابتدأني ] فقال لي : من أين ؟ قلت : من الأهواز .
قال : أتعرف الخصيبي(3)؟
قلت : رحمه الله ، دعي فأجاب . فقال : رحمه الله ، فما أطول ليله .
أفتعرف عليّ بن إبراهيم ؟ قلت : أنا عليّ(4) .
قال : آذن لك ، صر إلى رحلك ، وصر إلى شعب بني عامر تلقاني هناك .
فأقبلت مجدّاً حتى وردت(5) الشعب [فإذا هوينتظرني] وسرنا حتّى تخرّقنا (6) جبال عرفات ، وسرنا إلى جبال مني ، و انفجر الفجر الأوّل ، وقد توسطنا جبال الطائف . فقال : انزل. فنزلنا و صلّينا صلاة الليل ، ثمّ الفرض(7) ثمّ سرنا حتّى علا ذروة الطائف ، فقال : هل ترى شيئاً ؟
قلت: أرى كثيب رمل عليه بيت شعر ، يتوقّد البيت نوراً .
فقال : هنالك الأمل والرجاء ، ثمّ صرنا إلى أسفله ، فقال : انزل فههنا يذلّ كلّ صعب، خلّ عن(8) زمام الناقة، فهذا حرم القائم لايدخله إلّا مؤمن يدلّ(9) .
ص: 786
و دخلت عليه، فإذا أنا به جالس قد اتّشح ببردة، وتأزّر(1) باخرى ، وقد كسر بردته على عاتقه ، وإذا هو كغصن بان(2) ليس بالطويل الشامخ ، ولا بالقصير اللازق، بل مربوع مدوّر الهامة ، صلت الجبين (3) أزجّ الحاجبين (4) أقني الأنف (5) سهل الخدّين (6) على خدّه الأيمن خال، كأنّه فتات مسك على رضراضة (7) عنبر .
فلمّا أن رأيته بدرته بالسلام، فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه. وسألني عن المؤمنين (علیه السلام)(8).
قلت : قد البسوا جلباب الذلّة وهم بين القوم أذلاء.
قال: لتملكونهم كما ملكوكم ، و هم يومئذ أذلاء . قلت : لقد بعد الموطن (9).
قال: إنّ أبي عهد إليّ ألا أجاور قوماً غضب الله عليهم ، و أمرني ألّا أسكن من الجبال إلّا وعرها، ولا من البلاد إلا قفرها(10) والله مولاكم أظهر (11) التقيّة، فأنا في
ص: 787
التقيّة إلى يوم يؤذن لي فأخرج.
قلت: متى يكون هذا الأمر؟ قال: إذا حيل بينكم وبين الكعبة .
فأقمت أيّاماً، ثمّ(1) أذن لي بالخروج، فخرجت نحو منزلي، ومعي غلام يخدمني فلم أر إلّا خيراً. (2)
112- و منها : ماروی جماعة : إنّا وجدنا بهمدان أهل بيت (3) كلّهم مؤمنون فسألناهم عن ذلك ، قالوا: كان جدّنا قد حجّ ذات سنة، و رجع قبل دخول الحاجّ بكثير (4) . فقلنا: كأنّك انصرفت من العراق ؟
ص: 788
قال: لا، إنّما أنا قد (1) حججت مع أهل بلدتنا وخرجنا .
فلمّا كان (2) في بعض الليالي في البادية ، غلبتني عيناي ، فنمت فما انتبهت (3) إلّا بعد أن طلعت الشمس (4) [فانتبهت ، فلم أر للقافلة أثراً] و خرجت القافلة ، وأیست من الحياة، و كنت أمشي وأقعد يومين وثلاثة، فأصبحت يوماً و إذا أنا بقصر، فأسرعت إليه، ووجدت ببابه أسود، فأدخلني داراً، وإذا أنا برجل حسن الوجه و الهيئة، فأمر أن يطعموني ويسقوني .
فقلت له : من أنت [جعلت فداك] ؟ قال: أنا الذي ينكرني قومك و أهل بلدك (5).
فقلت : ومتى تخرج ؟ قال : ترى هذا السيف المعلّق ههنا ، وهذه الراية ، فمتی انسل(6) من غمده (وانتشرت الراية بنفسها) (7) خرجت .
فلمّا كان بعد وهن من الليل (8) قال: تريد أن تخرج إلى بيتك. قلت: نعم.
قال لبعض غلمانه: خذ بیده [و أوصله إلى منزله. فأخذ بيدي]، فخرجت معه و كأنّ الأرض تطوى تحت أرجلنا، فلمّا انفجر الفجر [وإذا نحن بموضع أعرفه بالقرب من بلدتنا] ، قال لي غلامه : هل تعرف الموضع؟ قلت : نعم، أسد آباد(9) . فانصرف (10) .
قال: ودخلت همدان(11) ثمّ دخل (12) بعد مدّة أهل بلدتنا ممّن حجّ معي، وحدّث الناس بانقطاعي منهم، وتعجّبوا من ذلك ، فاستبصرنا من ذلك جميعاً .(13)
ص: 789
113- ومنها: أنّ علي بن الحسين بن موسی بن بابویه كانت تحته بنت عمّه لم يرزق منها ولداً . فكتب إلى الشيخ أبي القاسم بن روح أن يسأل الحضرة ليدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء . فجاء الجواب :
«إنّك لاترزق من هذه، وستملك جارية ديلميّة ترزق منها ولدین فقیهین»
فرزقت محمداً و الحسين فقيهين ماهرين ، و كان لهما أخ أوسط مشتغل بالزهدلافقه له .(1)
ص: 790
واعلم أنّ معجزاتهم و دلائلهم وعلاماتهم أكثر من أن تحصى ، وقد أضربنا عن تعداد أخواتها (1) فهي كالرمل و الثرى و الحصى ، لئلّا يملّ الناظر في الكتاب إذا كان مطوّلا (2) مستقصی ، وبدون ذلك مقنع للادنى والأقصى .
وقد كنت جمعت خمس مختصرات ، تتعلّق بهذا الفنّ من العلوم ، فأضفتها إلى هذا الكتاب أيضاً بالخطبة الّتي في أول کلّ واحد منها، وهي :
کتاب نوادر المعجزات .
و کتاب امّ المعجزات .
و کتاب الفرق بين الحيل والمعجزات .
و کتاب الموازاة (3) بين المعجزات .
و کتاب العلامات للنبيّ والأئمّة عليهم أفضل الصلوات .
ص: 791
أمّا بعد حمد الله [ الّذي ] جعل لنا في الدارين أعضاداً (1).
و الصلاة على نبيّه محمّد و آله الّذين يكونون في القيامة روّاداً وذوّاداً .
فإنّ هذه أحاديث هائلة مهوّلة ، فإنّها من المشكلات التي تتهافت فيها العقول لكونها من المعضلات، وقد كان الشيخ الصدوق سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري ذكرها في كتاب البصائر .
وأوردها الشيخ الثقة (2) محمّد بن الحسن الصفّار في كتاب بصائر الدرجات و کلاهما لم يكن غالياً ولا قالياً، و قد كان الراوي لنا عنهم عالياً .
1- فإنّ الشيخ علي بن محمّد بن عبد الصمد التميمي أخبرنا عن أبيه، عن السيّد أبي البركات علي بن الحسين الجوزي (3) الحسيني :
ص: 792
حدّثنا الشيخ أبو جعفر بن بابویه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، قال :
حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار ابن مروان(1)، عن المنخل بن جميل ، عن جابر بن یزید [قال:] قال أبو جعفر(علیه السلام):
قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّ حديث آل محمّد عظیم ، صعب ، مستصعب ، لا يؤمن به إلّا ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد أمتحن الله قلبه للايمان .
فما ورد عليكم من حديث آل محمّد فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه ، وما اشمأزت منه قلوبكم وانكرتموه فردّوه إلى الله ، وإلى الرسول، وإلى العالم من آل محمّد، فإنّما الهالك من يحدّث بحديث (2) لايحتمله فيقول : «والله ما كان هذا والله ما كان هذا» والانكار هو الكفر .(3)
2- وأخبرنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن المحسن الحلبي ، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن محمّد ابن الحسن الصفّار ، عن (4) يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن منصور
ص: 793
ابن يونس ، عن مخلّد بن حمزة بن نصر(1) ، عن أبي الربيع الشامي قال :
كنت عند أبي جعفر (علیه السلام) جالساً فرأیت أنّه قد نام (2) فرفع رأسه و هو يقول :
يا أبا الربيع حديث تمضغه الشيعة بألسنتها لا تدري ما كنهه . قلت : ما هو ؟
قال : قول علي بن أبي طالب (علیه السلام): «إنّ أمرنا صعب مستصعب لايحتمله إلّا ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان» .
يا أبا الربيع ألا ترى أنّه يكون ملك ولا يكون مقرّباً، ولا يحتمله إلّا مقرّب .
وقد يكون نبيّ وليس بمرسل ، فلا يحتمله إلّا مرسل . وقد يكون مؤمن وليس بممتحن ، فلا يحتمله إلّا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان . (3)
3- وروى جماعة عن (4) القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن (5) بن راشد، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)قال: خالطوا الناس بما يعرفون ، و دعوهم (6) ممّا ينكرون ، و لا تحملوهم على أنفسكم وعلينا ، إنّ أمرنا صعب مستصعب ... إلى آخره (7). (8)
ص: 794
4- و أخبرنا جماعة منهم : الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن النيسابوري ،والشيخ محمّد بن عليّ بن عبد الصمد ، عن الشيخ أبي الحسن بن عبد الصمد التميمي: حدّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد بن محمّد العمري :
حدثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبدالرحمان بن كثير ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: أتى الحسين (علیه السلام) أناس فقالوا له:
يا أبا عبد الله حدّثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم.
فقال : إنّكم لاتحتملونه ولاتطيقونه . قالوا : بلی نحتمل.
قال : إن كنتم صادقين فليتنح إثنان واحدّث واحداً ، فإن احتمله حدّثتكم .
فتنحّى إثنان و حدّث واحداً، فقام طائر العقل ، ومرّ على وجهه وذهب، فكلّمه صاحباه فلم يرد عليهما شيئاً (1) وانصرفوا .(2)
5- و بهذا الاسناد قال: أتى رجل الحسين بن علي (علیهما السلام) فقال :
حدّثني بفضلكم الّذي جعل الله لكم . قال : إنّك لن تطيق حمله .
قال : بلى [ حدّثني ] يا ابن رسول الله إنّي أحتمله. فحدّثه بحديث ، فما فرغ الحسين (علیه السلام) من حديثه حتّى ابيضّ رأس الرجل ولحيته ، و أنسي الحديث .
فقال الحسين (علیه السلام): أدركته رحمة الله حيث أنسي الحديث. (3)
ص: 795
6- و أخبرنا جماعة منهم: السيّدان المرتضى والمجتبى إبنا الداعي الحسني(1)والاستاذان أبو جعفر و أبو القاسم إبنا كميح ، عن الشيخ أبي عبدالله جعفر بن محمّد ابن العبّاس ، عن أبيه ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى، عن أبيه عن سعد بن عبدالله ، عن عليّ بن محمّد بن (2) سعد ، عن حمدان بن سليمان النيسابوري ، عن عبد الله بن محمّد اليماني ، عن منيع(3) بن الحجّاج(4) ، عن الحسين بن علوان ، عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال :
إنّ الله فضّل أولي العزم من الرسل بالعلم على الأنبياء.
وورثنا علمهم وفضّلنا عليهم في فضلهم .
وعلم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ما لا يعلمون ، وعلمنا علم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
فروينا لشيعتنا ، فمن قبله منهم فهو أفضلهم ، أينما نكون فشيعتنا معنا .
وقال: تمصّون الرواضع(5) وتدعون النهر العظيم ؟ ! فقيل : ماتعني بذلك؟!
ص: 796
قال : إنّ الله أوحي إلى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) علم النبيّين بأسره(1) وأسرّه إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) .
فقيل : عليّ (علیه السلام) أعلم أو بعض الأنبياء ؟ فقال : إنّ الله يفتح مسامع من يشاء ، أقول : «إنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حوی علم جميع النبيّين ، و علّمه الله ما لم يعلّمهم وأنّه جعل ذلك كلّه عند عليّ (علیه السلام)» فتقول : « عليّ أعلم أو بعض الأنبياء»؟!
و تلا: « قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ »(2) ثمّ فرّق بين أصابعه فوضعها على صدره و [قال:] عندنا والله علم الكتاب كلّه .(3)
7- و أخبرنا السيّد أبوالبرکات محمّد بن إسماعيل المشهدي ، عن جعفر الدوريستي (4) ، عن الشيخ المفيد أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي، عن
ص: 797
الشيخ أبي جعفر محمد(1) بن عليّ بن الحسين بن موسی بن بابویه، حدّثنا أبي، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد بن أبي بشر (2)، عن كثير بن أبي عمران ، عن الباقر (علیه السلام) قال : لقد سأل موسی (علیه السلام) العالم مسألة لم يكن عنده جوابها (3) [ولقد سأل العالم موسی مسألة لم يكن عنده جوابها] (4) و لو كنت شاهدهما لأخبرت کلّ واحد منهما (5) بجوابه ، و سألتهما مسألة لم يكن عندهما فيها جواب .(6)
8- قال سعد : وحدثنا محمّد بن عيسى(7) بن عبيد، عن محمّد بن عمرو(8) ، عن
ص: 798
عبد الله بن الوليد السمّان(1) [قال:] قال الباقر (علیه السلام) : يا عبد الله ما تقول في علي و موسی وعيسی؟
قلت : ما عسى أن أقول فيهم ؟! قال : هو (2) - والله - أعلم منهما .
ثمّ قال : ألستم تقولون أنّ لعليّ (علیه السلام) ما لرسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من العلم ؟
قلت : نعم، والناس ينكرون .
قال : فخاصمهم فيه بقوله تعالى لموسى (علیه السلام): « وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » (3) فعلمنا أنّه لم يكتب له الشيء كلّه .
وقال لعيسى (علیه السلام): « وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ »(4) .
فعلمنا أنّه لم يبيّن الأمر كلّه.
وقال لمحمّد : « وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ » (5) .
قال : فسئل عن قوله « قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ »(6).
قال : [ والله ] إيّانا عني ، وعلي أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد رسول الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
ص: 799
وقال: إنّ العلم الّذي نزل به آدم على حاله [ عندنا] وليس يمضي منّا عالم إلّا خلفه من يعلم علمه ، و العلم يتوارث(1). (2)
و إذا كان [ذلك] (3)، كذلك فكلّ حديث رواه أصحابنا ودونه مشايخنا في معجزاتهم ودلائلهم لا يستحيل في مقدورات الله أن يفعله تأييداً لهم ولطفاً للخلق فإنّه لا يطرح بل يتلقّی بالقبول .
وأنا أوصي الناظر في هذا الكتاب أن ينظر بعين الانصاف ، ولا يتجاذب أهداب الخلاف ، لئلّا يخرج السيف (4) من الغلاف .
فصل (5)
9- روی سعد بن عبدالله : عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي الاصفهاني ، حدّثنا عبّاد بن يعقوب الأسدي ، نا الحسين بن زید بن علي ، نا
ص: 800
إسماعيل (1) بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، عن أبيه ، قال : قال عليّ بن أبي طالب (علیه السلام): أمرني رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذا توفّي أن أستقي سبع قرب من بئر غرس(2) فاغسّله بها ، فإذا غسّلته و فرغت من غسله أخرجت من في البيت ، فإذا أخرجتهم قال : فضع فاك على فيّ ثمّ سلني أخبرك عمّا هو كائن إلى يوم الساعة (3) من أمر الفتن.
قال علىّ (علیه السلام) : ففعلت ذلك ، فأنبأني بما يكون إلى أن تقوم الساعة ، وما من فتنة (4) تكون إلّا وأنا أعرف أهل ضلالتها من أهل حقّها .(5)
ص: 801
10- قال سعد بن عبدالله : وحدّثني إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي ، نا إبراهيم بن صالح الأنماطي ، قال : نا الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ، عمّن حدّثه ، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، عن عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) قال :
قال لي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) :
«إذا أنا متّ فغسّلني بسبع قرب من بئر غرس ، غسّلني بثلاث قرب غسلا وسنّ (1) علي أربعاً سنّاً ، فإذا غسّلتني وحنّطتني فأقعدني وضع يدك على فؤادي ثمّ سلني أخبرك بما هو كائن إلى يوم القيامة» . قال : ففعلت .
ص: 802
و كان عليّ (علیه السلام) إذا أخبرنا بشيء يكون. قال : هذا ممّا أخبرني به النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعد موته .(1)
11 - وروی سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن فضيل بن سكرة (2) ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) [قال:] قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لعليّ (علیه السلام) إذا أنا متّ فاستق لي سبع قرب من ماء بئر غرس ، فغسّلني ، ثمّ خذ بمجامع کفني وأجلسني ، ثمّ سلني عمّا شئت فوالله لا تسألني عن شيء إلّا أخبرتك (3) فيه .(4)
ص: 803
12- وروي عن جعفر بن إسماعيل الهاشمي ، عن أيّوب بن نوح ، عن زيد النوفلي ، عن إسماعيل بن عبدالله بن جعفر ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال :أوصاني النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : إذا أنا متّ فغسّلني بسبع قرب من بئر غرس ، فإذا فرغت من غسلي فأدخلني أكفاني ، ثمّ ضع أذنك على فمي.
ففعلت ذلك ، فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة .(1)
13 - وروي عن الحسن بن علي الزيتوني ، عن أحمد بن هلال ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله(2) [قال:] قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لأمير المؤمنين (علیه السلام): إذا أنا متّ فغسّلني و كفّنّي و حنّطني، و ما أملي عليك فاكتب.
قلت : ففعل ؟ قال : نعم .(3)
ص: 804
14 - وعنه ، عن أحمد بن هلال ، عن إسماعيل بن عباد القصري(1) ، عن محمّد(2) بن أبي حمزة، عن سليمان الجعفي، عن أبي عبد الله (علیه السلام) [قال:] قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لأمير المؤمنين (علیه السلام): إذا أنا متّ فغسّلني و كفّنّي وحنّطني وأقعدني ، وما أملي عليك فاكتب . قلت: ففعل ؟ قال : نعم . (3)
وأتى أيضاً بخمس روايات أخر بمثله عن الصادق (علیه السلام) (4) .
الحلبي ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال :
إنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) لقي أبابكر ، فقال له : أما تعلم أنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أمرك أن تسلّم عليّ بامرة المؤمنين، وأن تتّبعني ؟
قال : فجعل يتشكّك(1) عليه ، وقال : لأجعل بيني و بينك حكماً .
فقال له : أترضی برسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ قال : ومن لي به .
قال : فأخذ بيده فمضى به حتّى أدخله مسجد قبا ، فإذا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قاعد في المحراب .
فقال له رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ألم آمرك أن تسلّم لعليّ وتتّبعه ؟
قال : بلى. قال : فاعتزل و سلّم إليه ، واتّبعه تسلم . قال: نعم .
فلقی(2) عمر صاحبه فعرّفه الخبر ، فقال له : أنسيت سحر بني هاشم ؟! و ذکّره بأشياء ، فأمسك وأقام على أمره إلى أن مات .(3)
ص: 806
16 - وروي عن عبّاد(1) بن سلیمان ، عن أبيه ، عن عيثم بن أسلم عن معاوية ابن عمّار الدهني قال : دخل أبوبكر علىّ علي أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال له :
إنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لم يحدث إلينا في أمرك شيئاً بعد أيّام الولاية بالغدير ، وأنا أشهد أنّك مولاي مقرّ لك بذلك، وقد سلّمت عليك على عهد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بإمرة المؤمنين ، وأخبرنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّک وصيّه ، و وارثه ، وخليفته في أهله و نسائه وأنّك وارثه ، و میراثه صار إليك، و لم يخبرنا أنّك خليفته في أمته من بعده ، و لاجرم لي فيما بيني و بينك ، ولا ذنب لنا فيما بيننا وبين الله .
فقال له عليّ (علیه السلام) : إن أريتك رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتّى يخبرك بأنّي أولى بالأمرالذي أنت فيه منك ، وأنّك إن لم تعتزل عنه (2) فقد خالفت ؟
قال: إن رأيته حتى يخبرني بعض هذا اكتفيت به . قال: فنلتقي إذا صلّيت المغرب حتّى اریکاه . قال : فرجع إليه بعد المغرب فأخذ بيده فأخرجه إلى مسجد قبا ، فإذا هو برسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) جالس في القبلة .
فقال له : يا فلان ! وثبت علی مولاك علي وجلست مجلسه ، وهو مجلس النبوّة لايستحقّه غيره، لأنّه وصيّي ، ونبذت أمري و خالفت ماقلت لك، وتعرّضت لسخط الله وسخطي ، فانزع هذا السربال الذي تسربلته بغير حق ، ولا أنت من أهله ، و إلّا فموعدك النار .
ص: 807
قال : فخرج مذعوراً ليسلّم الأمر إليه ، وانطلق أمير المؤمنين فحدث سلمان بما كان و خرج (1) فقال له سلمان : ليبدين هذا الحديث لصاحبه وليخبرنّه بالخبر .
فضحك أمير المؤمنين (علیه السلام) وقال : أما إنّه سيخبره ، ويمنعه إن هم بأن يفعل .
ثمّ قال : لا والله لايذكران ذلك أبداً حتّى يموتا .
قال : فلقى صاحبه فحدّثه بالحديث كلّه وقال له : ما أضعف رأيك و أخور(2) قلبك أما تعلم أنّ ما أنت فيه الساعة من بعض سحر ابن أبي كبشة (3)؟ ! أنسيت سحر
بني هاشم ؟! فأقم على ما أنت عليه.(4)
17 - وروي عن محمّد بن عيسى ، [عن](5) ابن أبي عمير و علي بن الحكم
ص: 808
عن الحكم (1) بن مسكين ، عن أبي عمارة(2) وأحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : إنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) احتجّ على أبي بكر وقال: هل ترضی برسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بيني و بينك ؟ قال : وكيف لي به ؟
فأخذ بيده وأخرجه حتى أتی به مسجد قبا، فإذا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فقضى لعليّ (علیه السلام) عليه وأمره أن يعتزل، وقال له : سلّم إليه تسلم .
فجاء (3) مذعوراً إلى صاحبه ، فأخبره بالخبر، فتضاحك منه وقال: أنسیت سحربني هاشم ؟!. (4)
ص: 809
فصل (1)
18 - وعن سعد بن عبد الله : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عیسی: نا علي بن محمد،عن علي بن معمّر ، عن أبيه ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر (علیه السلام)قال: جاء ناس إلى الحسن بن علي فقالوا : أرنا بعض ماعندك من عجائب أبيك الّذي كان یریناها . فقال : أتؤمنون بذلك ؟ قالوا : نعم نؤمن به والله .
قال : أليس تعرفون أمير المؤمنين (علیه السلام)؟ قالوا : بلى كلّنا (2) نعرفه .
قال : فرفع لهم جانب الستر وقال : أتعرفون [ هذا الجالس]؟ قالوا بأجمعهم : هذا - والله - أمير المؤمنين (علیه السلام)، ونشهد أنّك ابنه ، وأنّه [كان] يرينا مثل ذلك كثيراً. (3)
- 19 وعن فرات بن أحنف، عن يحيى بن أم الطويل، عن رشيد الهجري قال :دخلنا على أبي محمّد (علیه السلام) بعد مضي أبيه أمير المؤمنين (علیه السلام) فتذاكرنا له شوقنا إليه
فقال الحسن: أتريدون أن تروه ؟ قلنا: نعم ، وأنّي لنا بذلك ، وقد مضى لسبیله !
فضرب بيده إلى ستر كان معلّقاً على باب في صدر المجلس ، فرفعه فقال: انظروا
ص: 810
من في هذا البيت. فإذا أمير المؤمنین جالس كأحسن ما رأيناه في حياته .
فقال : هوهو .ثم خلّي الستر من يده، فقال بعضنا :
هذا [الّذي رأيناه] من الحسن كالّذي نشاهد من دلائل أمير المؤمنين (علیه السلام) و معجزاته(1)
20- وعن الباقر(علیه السلام) ، عن أبيه أنّه قال : صار جماعة من الناس بعد الحسن إلى الحسين (علیهما السلام) فقالوا: يا ابن رسول الله ما عندك من عجائب أبيك الّتي كان يريناها؟
فقال : هل تعرفون أبي ؟ قالوا : كلّنا نعرفه .
فرفع له ستراً كان على باب بيت ثمّ قال : انظروا في البيت .
فنظروا، فقالوا : هذا أمير المؤمنين، ونشهد أنّك(2) خليفة الله حقاً (3). (4)
21 - وقد روى الرواة من أصحابنا أنّ الله خلق ملائكة على صورة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعلي وجميع الأئمة (علیهم السلام). (5)
و كان النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حدّث أصحابه بأنّه رأى ليلة المعراج في کلّ سماء ملكاً على صورة عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) فقال جبرئیل (علیه السلام): يا محمّد إنّ ملائكة السماء كانوا
ص: 811
يشتاقون إلى عليّ (علیه السلام) فخلق الله لهم ملكاً في کلّ سماء على صورته ليستأنسوا به .(1)
ولا يخفى أنّ يوم بدر كانت الملائكة المنزلون لنصرة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كلّهم كانوا على صورة عليّ(علیه السلام) ليكونوا في قلوب الكفار أهيب .(2)
على أنّه روي أنّ علياً (علیه السلام) قال للحارث الهمداني :
یا حار همدان من يمت یرني ***من مؤمن أو منافق قبلا(3)
وهذا الكلام منه عام يتناول حال حياته ، و الحال الّتي بعد وفاته .
ص: 812
فصل(1)
22 - وعن محمّد بن الحسن الصفّار : حدّثنا الحسن بن علي : حدّثنا العبّاس بن عامر ، عن أبان، عن (2) بشير النبّال، عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام) قال : كنت خلف أبي وهو على بغلته ، فنفرت ، فإذا رجل في عنقه سلسلة ورجل يتبعه ، فقال لأبي :
يا علي بن الحسين اسقني .
فقال الرجل الذي خلفه كأنّه موكّل به: لاتسقه ، لاسقاه الله . فإذا هو معاوية.(3)
ص: 813
23- وعن الصفّار ، عن الحجّال ، عن الحسن بن الحسين ، عن ابن سنان عن عبد الملك القمي ، عن أخيه إدريس ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) سمعته يقول (1) : بينا أنا وأبي (علیه السلام) متوجّهين إلى مكّة ، فتقدّمني أبي في موضع يقال له « ضجنان » (2)
إذ جاءني(3) رجل في عنقه سلسلة يجرها ، فأقبل عليّ فقال: اسقني ، اسقني، اسقني.
فسمعه أبي وصاح (4): لا تسقه ، لاسقاه الله . وإذا رجل تبعه حتی جذب سلسلته وطرحه على وجهه ، فغاب في أسفل درك من النار .
قال لي أبي : هذا الشامي لعنه الله .(5)
ص: 814
24 - وعن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم ابن أبي البلاد ، عن علي بن المغيرة ، قال : نزل أبو جعفر(علیه السلام) [ بوادي ] ضجنان ، فسمعناه يقول - ثلاث مرات -:لاغفر الله لك.
فقال له أبي: لمن تقول جعلت فداك ؟! قال: مرّ بي الشامي لعنه الله يجرّ سلسلته الّتي في عنقه، و قد دلع لسانه يسألني أن أستغفر له، فقلت : لاغفر الله له (1)..
ووادي ضجنان من أودية جهنّم .(2)
25 - وعن الصفّار ، عن أحمد [بن محمد] بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد، عن أبي الصخر (3) .
قال (4) : وحدّثني الحسن بن عليّ بن فضّال، قال : دخلت أنا ورجل من أصحابنا على عيسی(5) بن عبدالله أبي طاهر العلوي .
قال أبو الصخر : أظنّه من ولد عمر بن عليّ(6).
ص: 815
قال : و كان نازلاً في دار الصيديّين(1) فدخلنا إليه عند العصر ، وبين يديه ركوة فيها ماء ، و هو يتمسّح منها ، فسلّمنا عليه، فردّ علينا السلام ، ثمّ ابتدأنا فقال :
معكما أحد ؟
قلنا : لا.
فالتفت يميناً و شمالاً فلم ير أحداً فقال : أخبرني أبي ، عن جدّي أنّه كان مع الباقر (علیه السلام) بمنى، وهو يرمي الجمار ، فرمی ، و بقي في يده خمس حصيات، فرمی باثنتين في ناحية من الجمرة و بثلاث في ناحية منها .
فقال له جدّي : جعلني الله فداك ، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعه أحد، إنّك رميت بحصياتك في العقبات ثمّ رميت بخمس بعد ذلك يمنة ويسرة .
قال: نعم يا ابن عمّ إذا كان في کلّ موسم يخرج الله القاسطين الناكثين غضّين طريّين فيصلبان هاهنا ، لايراهما إلّا الامام، فرميت الأول بثنتين، و الثاني بثلاث لأنّه أكفر وأظهر لعداوتنا ، والأول أدهى وأمر .(2)
ص: 816
26 - وعن الصفّار ، عن معاوية بن حكيم ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال: قال لي بخراسان : رأيت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) هاهنا والتزمته.(1)
27 - وعن الصفّار ، عن [أحمد بن](2) محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد .
وعن (3) محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن أبي البلاد [ قال ] :(4) قلت للرضا(علیه السلام): حدّثني عبدالکریم بن حسّان ، عن عبيد بن عبد الله بن بشير الخثعمي (5) عن أبيك أنّه قال : كنت رديف (6) أبي وهو يريد العريض ، قال : فلقيه شيخ أبيض الرأس واللحية ، يمشي ، فنزل أبي إليه ، فقبّل ما بين عينيه .
ص: 817
قال إبراهيم : ولا أعلمه إلّا قد قال : وقبّل يده . ثمّ جعل يقول له: جعلت فداك والشيخ يوصيه ، فكان آخر ما وصّاه به : « أنظر لا تدع الأربع ركعات».
قال : ثمّ غاب الشيخ ، وقام جعفر - أبي - و ركب فقلت له : يا أبت من هذا الذي صنعت به ما لم أرك صنعت بأحد من الناس قبله ؟ فقال : يا بنيّ هذا أبي .(1)
28- وعن الصفّار، عن محمّد بن عیسی(2)، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار ابن مروان ، عن سماعة قال: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) وأنا أحدّث نفسي، فرآني فقال : مالك تحدّث نفسك ؟ تشتهي(3) أن ترى أبا جعفر ؟! فقلت : نعم .
قال : قم فادخل هذا البيت فانظر. : [قال: فدخلت] فإذا أبو جعفر (علیه السلام) ومعه قوم من الشيعة ممّن مات قبله وبعده(4) .(5)
29- وعن الصفّار ، عن الحسن بن عليّ باسناده (6) [قال:] سئل الحسن (7). ابن علي بعد مضي أمير المؤمنين (علیه السلام) عن أشياء ، فقال لهم (8): أتعرفون أمير المؤمنين إذا رأيتموه ؟ قالوا : نعم .
قال : فارفعوا هذا الستر . فرفعوه فإذا هم به لا ينكرونه ، فقال لهم [عليّ (علیه السلام)]: إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت، ويبقی من بقي حجّة عليكم .(9)
ص: 818
30- وعن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن عبيد بن عبدالرحمن الخثعمي ، عن أبي جعفر قال : خرجت مع أبي (علیه السلام) إلى بعض أمواله ، فلمّا صرنا في الصحراء استقبله شیخ ، فنزل إليه أبي وسلّم عليه فجعلت أسمعه وهو يقول : جعلت فداك . ثمّ تساءلا طويلاً ، ثمّ ودّعه أبي ، وقام الشيخ فانصرف ، وأبي ينظر خلفه (1) حتّى غاب شخصه عنه .
فقلت لأبي : من هذا الشيخ الذي سمعتك تعظّمه في مساءلتك ؟
قال : يا بنيّ هذا جدّك الحسين (علیه السلام). (2)
31- وعن الصفّار ، عن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه ، عن العلاء (3) ابن يحيى المكفوف ، عن عمر (4) بن أبي زياد ، عن عطيّة الأبزاري أنّه قال :
طاف رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بالكعبة فإذا آدم بحذاء الركن اليماني فسلّم عليه ، ثمّ انتهى إلى الحجر فإذا نوح بحذائه رجل طوال ، فسلّم عليه .(5)
ص: 819
32 - وعن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، [عن عثمان بن عیسی] (1) عن رجل من أصحابه - سمّاه - عن عباية الأسدي قال: دخلت على عليّ (علیه السلام) وعنده رجل حسن الهيئة وهو مقبل عليه يكلّمه .
قال: فلمّا قام الرجل قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الذي شغلك عنّا لا أعرفه (2)؟
قال : هذا يوشع بن نون وصيّ موسی بن عمران (علیه السلام). (3).
33 - وعن الصفّار ، عن الحسن بن علي بن عبد الله (4)، عن علي بن حسّان، عن عمّه (5) عبد الرحمن بن کثیر ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)[قال]: إنّ عليّاً (علیه السلام) لمّا عبر الفرات یرید صفّين انفلق الجبل عن هامة بيضاء ... و هو يوشع .
وهذا الخبر قد مضى في معجزات عليّ (علیه السلام) .(6)
ص: 820
34 - وعن الصفّار، من أحمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن برّة(1) ، عن إسماعيل بن عبد العزيز ، عن أبان ، عن أبي بصير :
قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): ما فضلنا على من خالفنا ؟ ! فوالله إنّي أرى الرجل منهم أرخی بالا ، وأنعم عيشاً ، وأحسن حالا ، وأطمع في الجنّة .
قال: فسكت عنّي حتّى كنّا بالأبطح من مكّة ورأينا الناس يضجّون إلى الله قال:
يا أبا محمّد هل تسمع ما أسمع؟ قلت : أسمع ضجيج الناس إلى الله
قال : ما أكثر الضجيج والعجيج وأقلّ الحجيج !! والذي بعث بالنبوّة محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعجّل بروحه إلى الجنّة مايتقبّل الله إلّا منك و من أصحابك خاصّة.
قال: ثمّ مسح يده على وجهي، فنظرت فإذا أكثر الناس خنازير وحمير و قردة، إلّا رجل بعد رجل. (2)
35 - وعن أبي سليمان داود بن عبدالله، عن سهل (3) بن زیاد، نا عثمان بن عیسی، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير [قال:] قلت لأبي جعفر(علیه السلام) : أنا مولاك و [ من ] شيعتك ، ضعیف ضرير ، اضمن لي الجنّة .
ص: 821
قال : أولا أعطيك علامة الأئمّة (1)؟ قلت : وما عليك أن تجمعها (2) لي ؟
قال : و تحبّ ذلك ؟ قلت : كيف لا أحبّ.
فما زاد أن مسح على بصري، فأبصرت جميع ما في السقيفة التي كان فيها جالساً (3)
قال : يا أبا محمّد مدّ بصرك ، فانظر ماذا ترى بعينيك؟
قال : فوالله ما أبصرت إلّا كلباً وخنزيراً وقرداً ! قلت : ما هذا الخلق الممسوخ؟
قال : هذا الذي تري ، هذا السواد الأعظم، لو كشف الغطاء للناس ما نظر الشيعة إلى من خالفهم إلّا في هذه الصور .
ثمّ قال: يا أبا محمّد إن أحببت تركتك على حالك هكذا(4) [وحسابك على الله] وإن أحببت ضمنت لك على الله الجنّة، و رددتك إلى حالتك الاولی(5) ؟
قلت : لا حاجة لي [ إلى ] النظر إلى هذا الخلق المنكوس . ردّني، ردّني (6)فما للجنّة عوض . فمسح يده على عيني ، فرجعت كما كنت .(7)
ص: 822
36 - وعن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن عليّ ، عن کرام (1) ، عن عبد الله بن طلحة [قال:] سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن (2) الوزغ ، فقال : هو رجس مسخ ، فإذا قتلته فاغتسل .
ثمّ قال : إنّ أبي كان قاعداً يوماً في الحجر إذا بوزغ يولول (3)، قال :
إنّه يقول : لئن شتمتم عثمان (4) لأشتمن عليّاً.
ثم قال : إنّ الوزغ من مسوخ بني مروان لعنهم الله . (5)
37 - وعن أبي بصير (6) جدعان بن نصر : نا البرقي محمّد بن خالد : نا محمّد ابن سنان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (علیه السلام)[قال:] بينا عليّ بالكوفة [ إذ ] أحاطت به اليهود ، فقالوا : أنت الذي تزعم أنّ الجري منّا معشر اليهود، ثمّ مسخ ؟ فقال لهم : نعم . ثمّ ضرب يده إلى الأرض ، فتناول منها عوداً ، فشقّه باثنين (7) و تكلّم عليه بكلام ، و تفل عليه ، ثمّ رمي [ به ] في الفرات .
فاذا الجرّي يتراكب بعضه على بعض [و] يقول بصوت عال: يا (8) أمير المؤمنین
ص: 823
نحن طائفة من بني إسرائيل ، عرضت علينا ولايتكم فأبينا أن نقبلها ، فمسخنا الله جرّياً . (1)
38 - وقد روى الشيخ المفيد في الارشاد: إنّ الماء طغى في الفرات، وزاد حتی أشفق أهل الكوفة من الغرق ، ففزعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام)، فركب بغلة رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وخرج - والناس معه - إلى (2) شاطىء الفرات .
فنزل (علیه السلام) (3) وأسبغ الوضوء ، وصلّی منفرداً بنفسه، والناس يرونه ، و دعا الله بدعوات سمعها أكثرهم ، ثمّ تقدم إلى الفرات متوکّئاً على قضيب بيده (4) حتّى ضرب [ به ] صفحة (5) الماء وقال :
انقص بإذن الله ومشيئته. فغاض الماء (6) حتى بدت الحيتان في قعر الفرات (7) .
فنطق كثير منها بالسلام على أمير المؤمنين (علیه السلام) بامرة المؤمنين، ولم ينطق منها أصناف من السمك (8) و هي : الجرّي والزمّار ، و المارماهي (9).
ص: 824
فتعجّب الناس لذلك، وسألوه عن علّة نطق [ما نطق ، وصمت ما صمت .
فقال (علیه السلام): أنطق الله لي من السمك] ماطهر ، و أصمت عنّي ماحرّمه ونجّسه و أبعده .
إنّ الجرّيث (1) مسخ ، وإنّ من اليهود من مسخه الله جرّياً . (2)
39 - عن أبي بصير(3) جدعان بن نصر، حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن مسعدة(4). : حدّثنا محمّد بن حمویه بن إسماعيل الأربنوئي ، عن أبي عبدالله الزبيني(5)، عن عمر بن اذينة [قال:] قيل لأبي عبدالله (علیه السلام): إنّ الناس يحتجّون علينا و يقولون : إنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) زوّج فلاناً(6) ابنته أمّ كلثوم .
ص: 825
وكان متّكئاً فجلس وقال: (و تقبلون أنّ عليّاً (علیه السلام) أنكح فلاناً بنته!؟)(1) إنّ قوماً يزعمون ذلك لا (2) يهتدون إلى سواء السبيل ، ولا الرشاد . فصفّق بيده وقال :
سبحان الله أما كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يقدر أن يحول بينه و بينها فينقذها !؟ كذبوا لم يكن ما قالوا.
إنّ فلاناً خطب إلى عليّ (علیه السلام) بنته امّ كلثوم فأبي عليّ (علیه السلام) فقال للعبّاس :
والله لئن لم يزوّجني (3) لأنتزعنّ منك السقاية و زمزم .
فأتى العبّاس علياً (علیه السلام) فكلّمه ، فأبى عليه ، فألحّ العبّاس (4) .
فلمّا رأى أمير المؤمنين (علیه السلام) مشقّة كلام الرجل على العباس ، وأنّه سيفعل بالسقاية ما قال ، أرسل أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى جنّية من أهل نجران يهودية ، يقال لها «سحيقة بنت جريرية»(5) فأمرها، فتمثّلت في مثال أمّ كلثوم، وحجبت الأبصار عن امّ كلثوم ، وبعث بها إلى الرجل .
فلم تزل عنده حتّى أنّه استراب (6) بها يوماً ، فقال : ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم . ثمّ أراد أن يظهر ذلك للناس، فقتل (7) و حوت (8) الميراث وانصرفت إلى نجران ، وأظهر أمير المؤمنين (علیه السلام) أمّ كلثوم .(9)
ص: 826
40- وعن الصفار ، عن محمّد بن الحسين ، عن عبدالله بن جبلة ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال: حججت مع أبي عبدالله (علیه السلام)، فلمّا كنّا في الطواف، قلت: يابن رسول الله يغفر الله لهذا الخلق ؟
قال: إنّ أكثر من ترى قردة وخنازير . قلت : أرنيهم ؟! فتكلّم بكلمات ، ثمّ أمر يده على بصري ، فرأيتهم قردة وخنازير كما قال .
قلت: فردّ بصري. فدعا، فرأيتهم كما رأيتهم في المرة الأولى [خلفاً سويّاً]
ثمّ قال : أنتم في الجنّة تحبرون (1) و بين أطباق النار تطلبون ، فلا توجدون (2)
والله لايجتمع في النار منكم إثنان ، لا - والله- ولا واحد .(3)
41- وعن الصفار ، عن الحسن بن عليّ بن فضال ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص (4) بن البختري ، قال أبو جعفر (علیه السلام): إنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال لعليّ (علیه السلام):
إذا أنا متّ فاستق سبع قرب من بئر غرس، ثمّ غسّلني و كفّنّي، وخذ بمجامعي
ص: 827
واجلسني، وسائلني عمّا شئت، واحفظ عنّي واكتب، فإنّك لا تسألني عن شيء إلّا أخبرتك به . قال عليّ (علیه السلام) : فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة . (1)
42- وعن الصفار ، عن أحمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن عمر بن أبي شعبة (2) ، عن أبان بن تغلب(3)، عن أبي عبدالله (علیه السلام)، قال: لمّا حضر رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الوفاة ، دخل عليّ (علیه السلام) عليه، فأدخلرأسه معه، فقال له :
ياعليّ إذا أنا متّ فغسّلني، و كفّنّي، ثمّ أقعدني و سائلني ، و احفظ عنّي(4).(5)
43 - وعن الصفار ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشیر .
والحسن بن علي بن فضّال [ جميعاً ] عن مثنّی الحنّاط (6).
[ و أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي الخزّار وعليّ بن الحكم جميعاً عن
ص: 828
مثنّى الحنّاط] عن الحسين الخزاز ، عن الحسن بن معاوية قال : [قال] لی جعفر الصادق (علیه السلام): إنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) دعا في مرضه عليّاً (علیه السلام) فقال له : إذا أنا متّ فغسّلني بسبع قرب ماء تسقيها من بئر غرس ونقّ غسلي ، وحنّطني و كفنّي ، ثمّ اجلسني و ضع يدك على صدري، واسألني عمّا بدا لك و احفظ عنّي(1).(2)
وقد مضى أمثالها برواية سعد بن عبدالله(3) .
45 - وعن [ حمران ] ابن أعين، قال لي أبو جعفر (علیه السلام): إنّ (علیه السلام) علياً كان محدّثاً وأخبرت أصحابي بذلك ، قالوا لي : ماصنعت شيئاً ! هلا سألته من كان يحدّثه ؟
فرجعت إليه ، وقلت ماقالوا ، فقال لي : يحدّثه ملك . قلت : إنّه نبيّ ؟ قال: لا. ثم قال : أو(1) کصاحب سليمان - يعني آصف بن برخيا - أو كصاحب موسي، أو كذي القرنين ، أو ما بلغكم أنّه قال : فيكم مثله (2) بل هو أفضلهم وخيرهم. (3)
46- وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (علیه السلام)قال : كان عليّ (علیه السلام) محدّثاً . قلت :وما آية المحدث ؟ قال : يأتيه الملك ، فينكت في قلبه كيت و کیت(4) .(5)
فقال ابن أبي يعفور لأبي عبد الله (علیه السلام): إنّا نقول : إنّ عليّاً (علیه السلام) [ كان ] ينكت في أذنه ، أو يقذف في قلبه ، وإنّه كان محدّثاً .
قال: فلمّا أكثرت عليه (6) قال لي : إنّ عليّاً (علیه السلام) كان يوم [ بني ] (7) قريظة
ص: 830
والنضير (1)جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره يحدّثانه .(2)
و قال أبو عبدالله (علیه السلام): إنّ الله لم يخل الأرض من عالم يعلم الزيادة و النقصان في الأرض ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم ، وإذا نقصوا كمّله لهم ، فقال : خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم ، ولم يفرّقوا بين الحقّ والباطل.(3)
47 - وعن عليّ بن الحكم [ قال: ] حدّثنا عليّ بن النعمان ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن محمّد بن النعمان ، عن ابن مسکان ، عن ضريس قال : كنت أنا وأبو بصير عند أبي جعفر(علیه السلام) فقال له أبو بصير : بما يعلم عالمكم ؟
قال : إنّ عالمنا لا يعلم الغيب ، و لو وکّله الله إلى نفسه لكان كبعضكم ، ولكن يحدّث في ساعة بما يحدث في الليل (4) و في ساعة بما يحدث في النهار ،
ص: 831
الأمر (1) بعد الأمر ، والشيء بعد الشيء بما يكون إلى يوم القيامة .(2)
وقال أبو جعفر (علیه السلام): ماترك الله الأرض بغير عالم ، ينقص مازاد ، ويزيد ما نقص ولولا ذلك لاختلط على الناس أمرهم (3). (4)
وسأله بريد العجلي : عن الفرق بين [ الرسول و ] النبيّ والمحدّث .
فقال : الرسول تأتيه الملائكة ظاهرین ، وتبلّغه (5) الأمر والنهي عن الله تعالی .
والنبي الّذي يوحى إليه في منامه ليلا ونهاراً ، فما رأي كما هو رأي .
و المحدّث يسمع كلام الملائكة و لايرى الشخص(6) فينقر في أذنه ، و ينكت
في قلبه وصدره .(7)
ص: 832
48 - وعن الصفّار، عن محمّد بن أحمد ، عن العبّاس بن معروف ، عن أبي القاسم الكوفي (1) [ عن محمّد بن الحسن ] (2) عن (3) الحسن بن محمّد بن عمران، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن عبد العزيز قال :
خرجت مع علي بن الحسين (علیهما السلام) إلى مكّة، فلمّا وافينا الابواء (4) و کان (علیه السلام)على راحلته ، و كنت أمشي ، فإذا قطيع غنم ، ونعجة قد تخلّفت وهي تصيح لسخلة لها خلفها ، و كلّما قامت السخلة صاحت النعجة حتّى تتبّعها .
فقال (علیه السلام): يا عبد العزيز أتدري ما تقول هذه النعجة لسخلتها ؟
قلت : لا والله. قال : إنّها تقول لها: الحقي بالقطيع، فإنّ أختك في العام الأول تخلّفت عن القطيع في هذا الموضع ، فأكلها الذئب .(5)
49 - و عن الصفّار ، عن عبد الله بن محمّد ، عن محمّد بن إبراهيم :
حدثنا بشير النبّال ، عن عليّ بن أبي حمزة قال : دخل رجل من موالي أبي الحسن
ص: 833
(علیه السلام) فقال له : رأيت أن تتغدّى عندي .
فقام فمضى معه ، فلمّا دخل بيته ، وضع له سريراً ، فقعد عليه ، و كان تحته زوج حمام ، فذهب الرجل ليحمل طعامه ، و عاد إليه ، فوجده يضحك .
فقال : أضحك الله سنّك ، ممّ تضحك ؟
فقال : إنّ حمامك هذا هدر الذكر على الانثي ، فقال : يا سكني و عرسي - والله - ما على وجه الأرض أحد أحبّ إليّ منك ما خلا هذا القاعد على السرير.
فقلت : و تفهم ذلك (1)؟
فقال : نعم . علّمنا منطق الطير ، و أوتینا من کلّ شيء. (2)
50 - وعن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين، عن داود بن فرقد، عن عبد الله بن فرقد(3) قال : كان أبوعبدالله (علیه السلام) يسير ، ونحن معه ، قال : فمرّ غراب ، فنعق .
فقال أبو عبد الله (علیه السلام): متّ جوعاً ، فوالله ماتعلم شيئاً إلّا وأنا أعلمه، وإنّي لأعلم بالله منك . (4) وصاحت العصافير فقال (علیه السلام): تدرون ماتقول؟ قلنا : لاوالله . قال: إنّها
ص: 834
تقول : اللّهمّ إنّا خلق من خلقك ، لابدّ لنا من رزق ، فارزقنا واسقنا . (1)
و قال أبوعبد الله (علیه السلام) : إنّ سلیمان قال «وأوتينا من کلّ شيء» .(2).
و علم کلّ شيء عندنا . (3)
و قال أبو جعفر(علیه السلام) : يا أيّها الناس علّمنا منطق الطير، و أوتینا کلّ (4) شيء .(5)
وعن حذيفة بن اليمان قالا (1):
بينما النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) جالس مع أصحابه ، إذ أقبلت الريح الدبور (2).
فقال لها النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : أيّتها الريح إنّي أستودعك إخواننا فردّيهم إلينا .
قالت: قد أمرت بالسمع والطاعة لك . فدعا ببساط كان أهدي إليه ، فبسطه .
ثمّ دعا بعلي بن أبي طالب (علیه السلام) فأجلسه عليه ، ثمّ دعا بأبي ذر ، و المقداد بن الأسود ، وعمّار بن یاسر [ وسلمان ] ، وطلحة ، و الزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبدالرحمن بن عوف ، وأبي بكر ، وعمر، وعثمان ، فأجلسهم عليه ، ثمّ قال :
أما إنّكم سائرون إلی موضع فيه عين من ماء (3) فانزلوا و توضّأوا، و صلّوا ركعتين ، وأدّوا إلیّ الرسالة كما تؤدّي إليكم.
ثمّ قال : أيّتها الربح استعلي بإذن الله. فحملتهم الريح حتّی رمتهم إلی بلاد الروم عند أصحاب الكهف ، فنزلوا ، و توضّأوا وصلّوا ، فأوّل من تقدّم إلی باب الكهف : أبوبكر ، فسلّم فلم يردّوا ، ثمّ عمر ، [ فسلّم ] (4) فلم يردّوا ، ثمّ تقدّم واحد بعد واحد، يسلّم(5) فلم یردّوا .
ثمّ قام علي بن أبي طالب (علیه السلام) فأفاض عليه الماء ، وصلّى ركعتين ، ثمّ مشى إلى باب الغار ، فسلّم بأحسن ما يكون من السلام ، فانصدع (6) الكهف ، ثمّ قاموا إليه فصافحوه ، وسلّموا عليه بامرة المؤمنين وقالوا : يا بقيّة الله في أرضه (7) بعد رسوله .
فعلّمهم ما أمره رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، ثمّ ردّ الكهف كما كان، فحملتهم الريح ، فرمتهم في(8)
ص: 836
مسجد رسول الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وقد خرج [النبيّ] (1) لصلاة الفجر، فصلّوا معه.(2)
52- و عن جماعة، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن أحمد البرمكي، حدّثنا عبد الله بن داهر بن يحيى الأحمري ، حدّثنا أبي(3)، عن الأعمش ، حدّثنا أبو سفيان عن أنس [قال] : كنت عند النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأبوبكر وعمر في ليلة مكفهرّة (4) فقال لهما النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : قوما فائتيا باب حجرة عليّ (علیه السلام).
فذهبا، فنقرا الباب نقراً خفيّاً، فخرج عليّ (علیه السلام) متأزّراً بإزار من صوف، متردّياً بمثله ، في كفّه سیف رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال لهما: أحدث حدث ؟
فقالا:خير، أمرنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أن نقصد بابك وهو بالأثر. إذ أقبل رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)
فقال: يا أبا الحسن ، أخبر أصحابي ما أصابك البارحة .
قال (علیه السلام): إنّي لأستحيي . قال [رسول الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ]: إنّ الله لايستحيي من الحقّ .
قال عليّ (علیه السلام) : أصابتني جنابة من فاطمة ، فطلبت في منزلي ماءاً ، فلم أصب ، فوجّهت الحسين (علیه السلام) كذا ، والحسن (علیه السلام) كذا، فأبطأ عليّ ، فإذا أنا بهاتف يهتف: يا أبا الحسن خذ السطل واغتسل .
فاذا بين يديّ سطل من ماء ، و عليه منديل من سندس (5) فأخذت السطل ،
ص: 837
فاغتسلت منه، وأخذت المنديل فمسحت به ، ثمّ رددت المنديل فوق السطل ، فقام السطل في الهواء ، فسقط من السطل جرعة ، و أصابت منّي هامتي ، فوجدت بردها على الفؤاد .
فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : بخ بخ (1) من كان خادمه جبرئیل (علیه السلام). (2)
53 - قالوا (3) : و حدّثنا البرمكي (4) ، حدّثنا عبد الله بن داهر (5) ، حدّثنا الحماني (6) ، حدّثنا محمّد بن الفضيل ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ،عن سلمان (7) [قال:] قال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : كنت أنا و عليّ نوراً بين يدي الله قبل أن يخلق آدم بأربع عشرة ألف سنة، فلمّا خلق آدم (علیه السلام) قسّم ذلك النور جزءین، فركّبه في صلب آدم، وأهبطه إلی الأرض ، ثمّ حمله في السفينة في صلب نوح، ثمّ قذفه (8) في صلب إبراهيم، فجزء أنا ، وجزء عليّ ، والنور: الحقّ ، يزول(9) معنا حيث زلنا. (10)
ص: 838
54 - وعن محمّد بن عبد الحميد ، عن أبي جميلة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال :
من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برأ ، ومن ذي ضعف قوي (1) .(2)
55 - وعن أبي بكر الحضرمي، عن عبد الملك بن أعين ، قال : قمت من عند أبي جعفر (علیه السلام) فاعتمدت على يدي [فبكيت] وقلت: كنت أرجوا أن أدرك هذا الأمر وبي قوّة.
فقال: أما ترضون أنّ أعداءكم يقتل بعضهم بعضاً ، و أنتم آمنون في بيوتكم ؟! إنّه لو كان ذلك أعطي الرجل منكم قوّة أربعين رجلا، وجعلت قلوبکم کزبر (3) الحديد لو قذفت بها الجبال لفلقوها (4) و کنتم قوّام الأرض و خزّانها (5).(6)
ص: 839
56 - وعن محمّد بن عيسى ، عن (1) صفوان [عن مثنّى الحنّاط] (2)، عن عمرو ابن شمر (3) ، عن جابر ، [قال:] قال أبو عبد الله(علیه السلام) :
إنّ الله نزع الخوف من قلوب أعدائنا ، و أسكنه قلوب شيعتنا ، فإذا جاء أمرنا نزع الخوف من قلوب شيعتنا ، وأسكنه قلوب عدوّنا، فأحدهم(4) أمضى من سنان وأجرأ من ليث ، يطعن عدوّه برمحه ، ويضربه بسيفه، ويدوسه بقدمه . (5)
57 - و عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان ، عن مثنّی الحنّاط (6) ، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : إذا قام قائمنا ، وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها (7) عقولهم وأكمل (8) بها أخلاقهم (9) .(10)
58 - وعن أيوب بن نوح، عن العبّاس بن عامر، عن ربيع بن محمد، عن أبي الربيع الشامي ، قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول :
إنّ قائمنا إذا قام مدّ الله لشيعتنا في أسماعهم و أبصارهم حتى [لا](11) يكون بينهم
ص: 840
وبين القائم برید (1) يكلّمهم ويسمعون وينظرون إليه ، وهو في مكانه . (2)
59 - وعن موسی بن عمر بن يزيد الصيقل ، عن الحسن بن محبوب، عن صالح ابن حمزة ، عن أبان ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال:
العلم سبعة و عشرون جزءاً(3) فجميع ما جاءت به الرسل جزءان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزءين ، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثّها في الناس، وضمّ إليها الجزءين ، حتي يبثّها سبعة وعشرين جزءاً .(4)
60 - وعن جماعة ، عن أبي جعفر البرمكي ، عن الحسين بن الحسن : حدّثنا یحیی بن عبدالحميد الحماني(5) : حدّثنا شريك بن حمّاد ، عن أبي ثوبان الأسدي - و كان من أصحاب أبي جعفر(علیه السلام) - عن الصلت بن المنذر ، عن المقداد بن الأسود: إنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خرج في طلب الحسن و الحسين (علیهما السلام)- و قد خرجا من البيت -
وأنا معه ، فرأيت أفعى على الأرض .
ص: 841
فلمّا أحسّت وطأ(1) النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قامت فنظرت - و كانت أعلى من النخلة، وأضخم من البكر (2) - متبصبصة (3) تخرج من أفواهها (4) النار ، فهالني ذلك .
فلمّا رأت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) صارت كأنّها خيط (5) فالتفت إلي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال : لا تدري ما تقول يا أخا كندة ؟ قلت : الله ورسوله أعلم .
قال: تقول: الحمدلله الذي لم يمتني حتى جعلني حارساً لابنيّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
فجرت في الرمل رمل الشعاب (6) فنظرت إلی شجرة ، وأنا أعرف ذلك الموضع مارأيت فيه شجرة قطّ قبل يومي ، ولا رأيتها ، و لقد أتيتها (7) بعد ذلك اليوم أطلب الشجرة فلم أجدها .
وكانت الشجرة أظلّتهما بورق ، و جلس النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بينهما فبدأ بالحسن (علیه السلام) (8) فوضع رأسه على فخذه الأيمن ، ثمّ بالحسين (علیه السلام)، فوضع رأسه على فخذه الأيسر ، ثمّ جعل یرخي لسانه في فم الحسين (علیه السلام)، فانتبه الحسين (علیه السلام) فقال : يا أبه (9).
ثمّ عاد في نومه، وانتبه الحسن (علیه السلام) فقال : يا أبه. و عاد في نومه .
فقلت : كأنّ الحسين (علیه السلام) أكبر ؟ فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّ للحسين في بواطن المؤمنين معرفة مكتومة ، سل أمّه عنه .
ص: 842
فلمّا انتبها حملهما على منكبيه، ثمّ أتيت أنا فاطمة (علیها السلام)، فوقفت بالباب ، فأتت حمامة وقالت : يا أخا كندة ! فقلت : من أعلمك أنّي بالباب ؟
قالت : أخبرتني سيّدتي أنّ رجلا بالباب من كندة ، من أطيبها أخباراً ، يسألني عن موضع قرّة عيني .
فكبر ذلك عندي ، فولّيتها ظهري كما كنت أفعل حين أدخل على رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في منزل أمّ سلمة ، فقلت لفاطمة (علیها السلام): [ ما ] منزلة الحسين (علیه السلام) ؟
قالت: إنّه لمّا ولدت(1) الحسن (علیه السلام) أمرني أبي أن لا ألبس ثوباً أجد فيه اللذة حتى أفطمه، فأتاني أبي زائراً ، فنظر إلی الحسن (علیه السلام) [وهو] يمص النوى(2) قال : فطمتيه ؟
قلت : نعم . قال : إذا أحبّ عليّ الاشتمال ، فلا تمنعيه ، فإنّي أرى في مقدّم وجهك ضوءاً و نوراً ، و ذلك أنّك ستلدين حجّة لهذا الخلق، وحجّة على ذا الخلق.
فلمّا أن تمّ الشهر من حملي ، وجدت في بطني سخنة(3) فقلت لأبي ذلك .
فدعا بتور (4) من ماء ، فتكلّم عليه ، وتفل فيه ، وقال : اشربي.
فشربت، فطرد الله عنّي ما كنت أجد، وصرت في الأربعين من الأيّام ، فوجدت دبيباً في ظهري كدبيب النمل بين الجلدة والثوب .
فلم أزل على ذلك حتّى تمّ الشهر [الثاني] (5) فوجدت الاضطراب و الحركة فوالله لقد تحرّك في بطني و أنا بعيدة عن المطعم و المشرب (6) فعصمني الله عنهما
ص: 843
كأنّي شربت منّاً لبناً(1) حتّى تمّ الثلاثة ، و [أنا] (2) أجد الخير والزيادة في منزلي .
فلمّا صرت في الأربعة آنس الله به وحشتي ، ولزمت المسجد لا أبرح منه إلّا لحاجة تظهر لي، فكنت في الزيادة والخفّة في ظاهري و باطني (3) حتّى أكملت الخمسة .
فلمّا أن دخلت الستّة كنت لا أحتاج في الليلة الظلماء إلی مصباح ، و جعلت أسمع - إذا خلوت بنفسي في مصلّاي - التسبيح و التقديس [في بطني (4)] .
فلمّا مضى من الستّة (5) تسع ازددت قوّة، و كنت ضعيفة اللذّات ، فذكرت ذلك لأمّ سلمة فشدّ الله بها أزري(6).
فلمّا زادت العشر من الستّة ، وغلبتني عيني أتاني آت في منامي، فمسح جناحه على ظهري ، فزعت ، وقمت وأسبغت الوضوء فصلّيت ركعتين .
ثمّ غلبتني عيني ، فأتاني آت في منامي ، وعليه ثياب بيض ، فجلس عند رأسي فنفخ في وجهي ، وفي قفاي، فقمت وأنا خائفة، فأسبغت الوضوء، وأدّيت (7) أربعاً .
ثمّ غلبتني عيني ، فأتاني آت في منامي ، فأقعدني ، ورقّاني وعوّذني . فأصبحت و كان يوم أمّ سلمة المباركة ، فدخلت في ثوب حمامة ، ثمّ أتيت أمّ سلمة ، فنظر النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلی وجهي ، و رأيت أثر السرور في وجهه ، فذهب عنّي ما كنت أجد وحكيت ذلك للنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
فقال: ابشري، أمّا الأوّل : فخليلي عزرائيل ، الموكّل بأرحام النساء يفتحها .
وأمّا الثاني: فخليلي میکائیل، الموكّل بأرحام أهل بيتي ، نفخ فيك؟ فقلت: نعم.
ص: 844
قالت (1) : ثمّ ضمّني إلی نفسه ، فقال :
أمّا الثالث فأخي (2) جبرئیل ، يقيمه (3) الله بولدك .
فرجعت، فأنزلته في تمام الستّة. (4)
61 - و بالاسناد المذكور عن الحسين (5) بن الحسن ، نا أبوسمينة محمّد بن عليّ ، عن جعفر بن محمّد ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، عن أبي إبراهيم (علیه السلام) قال :
خرج الحسن والحسين حتّى أنیا نخل العجوة للخلاء ، فهويا إلی مكان، و ولّى کلّ واحد منهما بظهره إلی صاحبه ، فرمی (6) الله بينهما بجدار يستتر به أحدهما عن صاحبه (7) .
فلمّا قضيا حاجتهما ، ذهب الجدار ، و ارتفع من موضعه ، وصار في الموضع عين ماء ، و إجّانتان (8) فتوضّيا ، وقضيا ما أرادا .
ثم انطلقا حتّى صارا في بعض الطريق ، عرض لهما رجل فظّ غليظ فقال لهما : [ما خفتما عدوّكما؟!] من أين جئتما ؟ فقالا : إنّنا جئنا (9) من الخلاء .
ص: 845
فهمّ بهما فسمعوا صوتاً يقول :
یا شیطان أتريد أن تناوي (1) ابنيّ محمّد وقد علمت (2) بالأمس [ ما فعلت ] و ناویت (3) أمّهما ، وأحدثت في دين الله ، وسلكت غير الطريق.
وأغلظ له الحسين (علیه السلام) أيضاً ، فهوی بيده ليضرب بها وجه الحسين (علیه السلام) فأيبسها الله من عند منكبه ، فأهوى باليسرى ، ففعل الله به مثل ذلك .
ثمّ قال : أسألكما بحقّ جدّ كما و أبيكما لمّا دعوتما الله أن يطلقني.
فقال الحسين (علیه السلام): اللّهمّ أطلقه ، و اجعل له في هذا عبرة ، واجعل ذلك عليه حجّة.[فأطلق الله یده] فانطلق قدّامهما حتى أتي عليّاً (علیه السلام) وأقبل عليه بالخصومة ، فقال : أين دسستهما (4)؟ - وكأنّ هذا كان بعد يوم السقيفة بقليل -
فقال علىّ (علیه السلام) : ما خرجا إلّا للخلاء.
و جذب رجل منهم (5) عليّاً حتّى شق رداءه ، فقال الحسين (علیه السلام) للرجل : «لاأخرجك الله من الدنيا حتّى تبتلي بالدياثة في أهلك و ولدك».
وقد كان الرجل يقود ابنته إلی رجل من العراق .
فلمّا خرجا إلی منزلهما ، قال الحسين للحسن (علیهما السلام): سمعت جدّي يقول :
إنّما مثلكما مثل يونس إذ أخرجه الله من بطن الحوت ، وألقاه بظهر الأرض ، وأنبت عليه شجرة من يقطين ، وأخرج له عيناً من تحتها ، فكان يأكل من اليقطين، ويشرب من ماء العين .
وسمعت جدّي يقول: أمّا العين فلكم ، وأمّا اليقطين فأنتم عنه أغنياء ، وقد قال
ص: 846
الله في يونس: « وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ *فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ »(1)
ولسنا نحتاج إلی اليقطين ، و لكن علم الله حاجتنا إلی العين ، فأخرجها (2) لنا ، وسنرسل إلی أكثر من ذلك ، فيكفرون ويمتّعون (3) إلی حين .
فقال الحسن (علیه السلام) : قد سمعت هذا. (4)
62 - وعن سعد بن عبد الله : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى : حدّثنا الحسين ابن سعيد : حدّثنا النضر بن (5) سوید ، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي
قال : [ قال ] علي بن الحسين (علیهما السلام): كنت مع أبي اللّيلة الّتي قتل صبيحتها.
فقال لأصحابه: هذا الّيل فاتّخذوہ جملا(6) فإنّ القوم إنّما يريدونني ، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم ، وأنتم في حلّ وسعة .
فقالوا : لا والله ، لا يكون هذا أبداً .
قال : إنّكم تقتلون غدأ كذلك (7) لا يفلت منكم رجل. قالوا : الحمد لله الذي شرّفنا بالقتل معك . ثمّ دعا ، وقال لهم : ارفعوا رؤوسكم و انظروا .
ص: 847
فجعلوا ينظرون إلی مواضعهم ومنازلهم من الجنّة ، وهو يقول لهم :
هذا منزلك يافلان ، وهذا قصرك يافلان ، و هذه درجتك يافلان . فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره و وجهه ليصل إلی منزله من (1) الجنة . (2)
63 - وعن أبي سعيد سهل بن زياد : حدّثنا الحسن بن محبوب : حدّثنا ابن فضيل: حدّثنا سعد الجلاب ، عن جابر ، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال :
قال الحسين بن علي (علیهما السلام) لأصحابه قبل أن يقتل: إنّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : يابنيّ إنّك ستساق إلی العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيّون، وأوصياء النبيّين ، وهي أرض تدعى «عمورا» وإنك تستشهد بها (3) ويستشهد معك جماعة من أصحابك لايجدون (4) ألم مسّ الحديد، وتلا: « قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (5)تكون الحرب عليك وعليهم [برداً و] سلاماً .
فأبشروا : فوالله لئن قتلونا، فانّا نرد على نبيّنا .
ثم أمكث ما شاء الله ، فأكون أول من تنشق عنه الأرض ، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة (6) أمير المؤمنين (علیه السلام) و قیام قائمنا ، وحياة رسول الله(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
ثم لينزلن عليّ وفد من السماء من عند الله ، لم ينزلوا إلی الأرض قطّ .
ولينزلنّ إليّ(7) جبرئیل و میکائیل و إسرافيل (علیهم السلام)، وجنود من الملائكة .
و لينزلنّ محمّد ، وعليّ ، وأنا ، و أخي ، وجميع من منّ الله عليه في حمولات
ص: 848
من حمولات الربّ ، خيل بلق (1) من نور ، لم يركبها مخلوق .
ثم ليهزن محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لواءه، و ليدفعنّه إلی قائمنا مع سيفه .
ثم إنّا نمكث(2) من بعد ذلك ماشاء الله ، ثمّ إنّ الله يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دهن(3) وعيناً من لبن ، وعيناً من ماء .
ثمّ إنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) يدفع إلي سيف رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فيبعثني إلی الشرق والغرب (4) ولا آتي على عدوّ إلّا أهرقت دمه ، ولاأدع صنماً إلّا أحرقته حتّی أقع إلی الهند فأفتحها .
وإنّ دانيال و يونس (5) يخرجان إلی أمير المؤمنين (علیه السلام) يقولان : صدق الله ورسوله. و يبعث (6) معهما [إلى البصرة] سبعين رجلاً ، فيقتلون مقاتلتهم (7) و يبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله لهم (8).
ثم لأقتلنّ کلّ دابّة حرم الله لحمها حتى لا يكون على وجه الأرض إلّا الطيّب (9) وأعرض على اليهود والنصاری وسائر المال ، ولأخيّرنّهم بين الاسلام والسيف ، فمن أسلم مننت عليه ، ومن كره الاسلام أهرق الله دمه .
ولا يبقى رجل من شيعتنا إلّا أنزل [ الله إليه ] ملكاً يمسح عن وجهه التراب و يعرّفه أزواجه و منازله في الجنّة ، و لا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد و لامبتلى إلّا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت .
ولتنزّلنّ البركة من السماء إلی الأرض حتى أنّ الشجرة لتقصف (10) بما يريد
ص: 849
الله فيها من الثمر ، وليأكلنّ ثمرة الشتاء في الصيف ، وثمرة الصيف في الشتاء .
وذلك قول الله تعالى: « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا » (1) .
ثمّ إنّ الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في (2) الأرض ، وما كان فيها حتّى أنّ الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته ، فيخبرهم بعلم ما يعملون . (3)
64 - وعن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، نا محمّد بن أسلم ، عن عليّ ابن أبي حمزة ، عن أبي أبراهيم (علیه السلام) قال :
ما من ملك يهبطه الله في أمر إلّا بدأ بالامام ، فعرض ذلك عليه ، وإنّ مختلف الملائكة من عند الله إلی صاحب هذا الأمر . (4)
65 - و عن عبدالله بن عامر بن سعد (5) : نا الربيع بن الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان (6) بن عثمان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (علیه السلام) في قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
ص: 850
وَلَا تَحْزَنُوا » (1) .
فقال : أما والله لربّما وسّدناهم الوسائد في منازلنا .
فقيل [ له ] : الملائكة يظهرون(2) لكم ؟
فقال : هم ألطف بصبياننا منّا بهم . وضرب بيده إلی مساور (3) في البيت فقال: والله طالما انكب (4) عليها الملائكة، و ربّما التقطنا من زغبها (5).(6)
66 - وعن عبدالله بن عامر، عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن عبدالرحمن (7)البصري ، عن أبي المغرا ، عن أبي بصير ، عن خيثمة ، عن أبي جعفر(علیه السلام) ، قال : نحن الذين إلينا تختلف الملائكة .(8)
ص: 851
وقال : منّا من يسمع الصوت و لايرى الصورة ، وإنّ الملائكة لتزاحمنا على تكأتنا (1) وإنّا لنأخذ من زغبهم ، فنجمله سخباً (2) لأولادنا. (3)
67 - عن أحمد بن الحسين: نا الحسن بن برّة (4) الأصمّ ، عن عبد الله بن بکیر عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال :
إنّ الملائكة لتنزل علينا في رحالنا ، وتنقلب على فرشنا، وتحضر موائدنا و تأتينا من کلّ نبات في زمانه ، برطب ويابس ، وتقلّب علينا أجنحتها ، وتقلّب على أجنحتها (5) صبياننا ، وتمنع الدوابّ أن تصل إلينا ، وتأتينا في وقت کلّ صلاة فتصليها (6) معنا .
وما من يوم يأتي علينا ولا ليل (7) إلّا وأخبار أهل الأرض عندنا ، وما يحدث فيها.
و ما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره إلّا و تأتينا بخبره ، و كيف كانت سيرته في الدنيا .(8)
ص: 852
68 - وعن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب : نا إبراهيم بن أبي البلاد ، عن سدير الصيرفي، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال :
إنّ لنا خدّاماً من الجنّ ، فإذا أردنا السرعة بعثناهم (1) .
قال سدير : أوصاني أبو جعفر(علیه السلام) بحوائج له بالمدينة (2) فخرجت ، فبينا أنا في فجّ الروحاء (3) على راحلتي إذا شخص يلوح بثوبه ، فملت إليه ، وظننت أنّه عطشان ، فناولته الاداوة (4) فقال : لا حاجة لي فيها (5).
فناولني كتاباً طينه(6) رطب، فلمّا نظرت إلی الختم (7) إذا هو ختم(8) أبي جعفر(علیه السلام) فقلت : متى عهدك بصاحب الكتاب ؟ فقال : الساعة .
ص: 853
فقرأته ، فإذا فيه أشياء يأمرني بها ، فالتفت (1) فإذا ليس عندي أحد.
فقدم أبو جعفر (علیه السلام) فلقيته ، فقلت له : رجل أتاني بكتابك وطينه رطب!
فقال : نعم إذا عجّل بنا أمر ، أرسلنا بعضهم - يعني(2) الجنّ - .(3)
69 - وقال أبو جعفر (علیه السلام): بينا أمير المؤمنین (علیه السلام) قاعد إذ أقبل ثعبان ، وقال: أنا عمرو بن عثمان خليفتك على الجنّ ، و إنّ أبي مات ، وأوصاني أن آتيك ، وأستطلع رأيك ، فقد أتيتك ، فما تأمرني به يا أمير المؤمنين ، وما ترى ؟
فقال له : أوصيك بتقوى الله ، وأن تنصرف وتقوم مقام أبيك في الجنّ، فإنّك خليفتي عليهم . فانصرف ، ثمّ قيل : يا أمير المؤمنين يأتيك عمرو ؟
قال : نعم ، و ذاك واجب عليه.(4)
ص: 854
70 - وعن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم ، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي قال : جئت أستأذن على أبي جعفر (علیه السلام) فقيل لي : إنّ عنده قوماً اثبت (1) قليلاً حتى يخرجوا.
فخرج عليّ قوم أنكرتهم، ولم أعرفهم ، ثمّ أذن لي فدخلت و قلت : هذا زمان بني اميّة، و سيفهم يقطر [دماً] ورأيت قوماً عندك أنكرتهم !؟
فقال : هؤلاء وفد شيعتنا من الجنّ ،سألونا عن معالم ديننا (2). (3)
71- قال أبو حمزة : كنت مع أبي عبدالله (علیه السلام) فيما بين مكة والمدينة إذ إلتفت عن يساره ، وإذا كلب أسود ، فقال : مالك ، ما أشدّ مسارعتك ؟
و إذا هو شبه (4) الطائر ، فقلت : ماهذا ؟ قال: هذا عثيم(5) بريد الجنّ(6) مات هشام الساعة ، فهو ينعاه في کلّ بلدة ، ويطير .(7)
ص: 855
72 - وقال أبو عبدالله (علیه السلام): بينا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بين جبال تهامة إذا رجل متّکیء على عكازة ، طويل (1) كأنّه نخلة ، فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : نغمة (2) جنّيّ .
قال : أنا الهام بن الهيثم بن لاقیس(3) بن إبليس .
قال : ما بينك و بين إبليس إلّا أبوان ؟ قال : نعم (4) . قال : وكم أتي عليك ؟
قال: أكلت عمر الدنيا إلّا أقلّه ، أنا [ كنت ] یوم قتل قابيل هابيل ، غلام أفهم الكلام ، و أنهي عن الاستعصام(5) و أطوف الآجام (6) و أعلو الآكام (7) و آمر بقطيعة الأرحام ، وأفسد الطعام .
فقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : بئس سيرة الشيخ المتأمّل و الشابّ المؤمّل (8)
قال : إنّي تائب ، وقد جرت توبتي على يد نوح (علیه السلام) وكنت معه في السفينة،
ص: 856
وعاتبته على دعائه على قومه .
ثمّ كنت مع هود (علیه السلام) في مسجده مع الّذين آمنوا معه ، فعاتبته على دعائه على قومه ، و لقد كنت مع إلياس (علیه السلام) بالرمل .
و كنت مع إبراهيم (علیه السلام) حين کاده قومه، وألقوه في النار، فكنت بين المنجنيق والنار ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً .
ثمّ كنت مع يوسف (علیه السلام) حين حسده إخوته ، و ألقوه في الجبّ ، فبادرته إلى قعر الجبّ ، وتناولته، و وضعته وضعاً رفيقاً .
ثمّ كنت معه في السجن، أؤنسه حتى أخرجه الله .
ثمّ كنت مع موسى (علیه السلام) وعلّمني سفر(1) من التوراة ، و قال [لي]: إن (2) أدركت عیسی (علیه السلام) فاقرأه منّي السلام . فلقيته و أقرأته السلام من موسی (علیه السلام) .
وكنت معه ، وعلّمني سفراً من الإنجيل ، وقال لي :
إن أدركت محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فاقرأه منّي السلام . فعیسی یا رسول الله يقرأ عليك السلام .
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : على عيسی روح الله وكلمته ما دامت السماوات و الأرض السلام وعليك یا هام لما (3) بلّغت السلام ، فارفع إلينا حوائجك .
فقال: حاجتي أن يبقيك الله لأمّتك ، ويصلحهم لك ، ويرزقهم الاستقامة لوصيّك من بعدك ، فإنّ الأمم السالفة إنّما هلكت بعصيان الأوصياء ، وحاجتي أن تعلّمني [ یارسول الله ] سورة من القرآن أصلّي بها .
فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لعليّ (علیه السلام) : علّم ،الهام، وارفق.
فقال هام : يارسول الله ومن هذا الذي ضممتني [ إليه ] (4) ؟ فإنّا معشّر الجنّ
ص: 857
أمرنا ألا نتّبع إلا نبيّاً أو وصيّ نبيّ.
فقال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : یاهام من وجدتم في الكتب وصيّ آدم (علیه السلام)؟ قال : شیت .
قال : فمن كان وصيّ نوح (علیه السلام)؟ قال : سام .
قال فمن كان وصيّ هود (علیه السلام) ؟ قال : يوحنا بن حمان ابن عمّ هود .
قال : فمن كان وصيّ إبراهيم (علیه السلام) ؟ قال: إسماعيل ، و وصيّ إسماعيل إسحاق .
قال : فمن كان وصيّ موسى (علیه السلام)؟ قال : يوشع بن نون .
قال : فمن كان وصيّ عيسى (علیه السلام) ؟ قال شمعون بن حمون الصفاء ابن عمّ مریم .
قال : فلم كانوا هؤلاء أوصياء الأنبياء ؟
قال : لأنّهم كانوا أزهد الناس في الدنيا ، و أرغب الناس في الآخرة (1) .
قال : فمن وجدتم في الكتب وصيّ محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟ قال : هو في التوراة إليّا .
قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّ هذا إليّا، هذا عليّ وصيّي و أخي، و هو أزهد الناس (2) في الدنيا ، وأرغب الناس إلی الله في الآخرة . فسلّم هام على عليّ (علیه السلام) ثمّ قال :
یا رسول الله فله اسم غير هذا ؟ قال : نعم . هو حيدرة .
فعلّمه عليّ (علیه السلام) سوراً [من القرآن] . فقال هام : ياعليّ ، یا وصيّ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أكتفي بما علّمتني من القرآن في صلاتي ؟ قال : نعم ، قليل القرآن كثير .
وجاء هام بعد ، فسلّم على رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ووّدعه، و انصرف ، فلم يلقه حتى قبض (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، فلمّا كان يوم الهرير تراءى لأمير المؤمنين (علیه السلام)، فقال :
یا وصيّ محمّد إنّا وجدنا في كتب الأنبياء ، أنّ الأصلع وصيّ محمّد خير الناس.
وكشف (علیه السلام) عن رأسه مغفره (3) وقال : أنا والله ذاك یاهام .(4)
ص: 858
73 - وعن محمّد بن عيسى بن عبيد (1) ، عن الحسن بن عليّ، عن جعفر بن بشير ، عن عمر بن أبان ، عن معتّب غلام الصادق (علیه السلام)، قال : كنت مع أبي عبد الله (علیه السلام) بالعريض (2) فجاء يمشي حتّى دخل مسجداً كان يتعبّد فيه أبوه ، وهو يصلّي في موضع من المسجد ، فلمّا انصرف قال: يامعتّب ترى هذا الموضع ؟! قلت : نعم .
قال : بينا أبي (علیه السلام) قائم يصلّي في هذا المكان إذ دخل شيخ يمشي ، حسن السمت (3) فجلس ، فبينما هو جالس إذ جاء رجل آدم (4)، حسن الوجه ، والتمسه فقال للشيخ : ما يجلسك؟! ليس بهذا أمرت. فقاما وانصرفا ، فتواريا عنّي فلم أر شيئاً .
فقال أبي: يا بنيّ هل رأيت الشيخ وصاحبه ؟ قلت: نعم، فمن الشيخ ومن صاحبه ؟
قال : الشيخ : ملك الموت ، والذي جاء فأخرجه : جبرئیل (علیه السلام).(5)
ص: 859
74 - وعن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة قال : [ قال] أبو عبد الله (علیه السلام): بينا أنا في الدار مع جارية لي إذ أقبل رجل قاطب بوجهه ، فلمّا رأيته علمت أنّه ملك الموت.
فاستقبله رجل آخر أطلق منه وجهاً ، وأطلق بشراً ، فقال له : ليس بذا أمرت .
فبينا أنا أحدّث الجارية، وأعجب ممّا رأيت، إذ قبضت. (1)
75 - وعن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي عليّ الخراساني ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال :
كأنّي بطائر أبيض فوق الحجر ، فيخرج من تحته رجل يحكم بين الناس بحكم آل داود و سليمان، ولايبتغي بيّنة.(2)
76 - وقال حمران بن أعين لأبي عبد الله (علیه السلام): أنبياء أنتم ؟ قال : لا.
قلت : حدّثني من لا أتّهمه أنّكم أنبياء ؟ قال : من هو ؟ أبو الخطّاب ؟ !
قلت : نعم . قال : هجر(3) .
قلت: بما تحكمون؟ قال: لاتذهب الدنيا حتى يخرج واحد منّي يحكم بحكومة آل داود ، و لا يسأل عن بيّنة ، يعطي کلّ نفس حكمها (4) .(5)
ص: 860
77 - وعن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن منصور بن يونس، عن فضيل الأعور ، عن أبي عبيدة الحذاء قال : كنّا زمان أبي جعفر(علیه السلام) حين قبض نتردّد، كالغنم لاراعي لها ، فلقيت سالم بن أبي حفصة .(1).
فقال : يا أبا عبيدة من إمامك ؟ قلت : أئمّتي آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
قال : هلكت وأهلكت، أما سمعت أنت وأنا أبا جعفر (علیه السلام) وهو يقول: «من مات و ليس عليه إمام مات ميتة جاهليّة. (2)؟
فقلت : بلى لعمري ، فرزقنا الله المعرفة .
فقلت لأبي عبد الله (علیه السلام): إنّ سالماً قال لي كذا وكذا !
فقال لي : إنّه ما مات منّا ميّت حتّى يخلف (3) الله من بعده من يعلم علمه ، ويعمل عمله ، و ليس تميل به شهوته ، و يدعو إلی مثل الذي دعا إليه من كان قبله ، إنّه إذا قام قائمنا حكم بحكم داود وسليمان ، لايسأل الناس بيّنة. (4)
ص: 861
78 - وعن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن جابر بن یزید قلت لأبي جعفر (علیه السلام) :لأيّ شيء سمّي المهدي ؟ قال :
لأنّه يهدي لأمر خفي، يبعث إلی الرجل من(1) أصحابه لا يعرف له ذنب فيقتله .(2)
79- وروى لنا جماعة ، عن جماعة ، عن أبي جعفربن بابويه : حدّثنا (3) أبي : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد، عن فضيل الرسّان ، عن أبي جعفر (علیه السلام): إنّ جماعة قالوا لعليّ (علیه السلام) :
يا أمير المؤمنين لو أريتنا ما نطمئنّ إليه ممّا أنهى إليك رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ؟
قال : لو رأيتم عجيبة من عجائبي لكفرتم وقلتم ساحر كذاب و کاهن ، وهو من أحسن قولكم .
قالوا : ما منّا أحد إلّا وهو يعلم أنّك ورثت رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وصار إليك علمه .
قال : علم العالم شديد ، و لايحتمله إلّا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ، وأيّده بروح منه، ثمّ قال: أمّا إذا أبيتم إلّا أن أريكم بعض عجائبي و ما آتاني الله من العلم
ص: 862
فاتّبعوا أثري إذا صلّيت العشاء الآخرة .
فلمّا صلّاها أخذ طريقه إلی ظهر الكوفة ، فاتّبعه سبعون رجلاً كانوا في أنفسهم خيار الناس من شيعته .
فقال لهم علیّ (علیه السلام): إنّي لست أريكم شيئاً حتّى آخذ عليكم عند الله و میثاقه أن لاتكفّروني(1) ولاترموني بمعضلة، فوالله ما أريكم إلّا ما علّمني رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
فأخذ عليهم العهد و الميثاق أشدّ ما أحذ الله على رسله [من عهد و میثاق] .
ثم قال : حولوا وجوهكم عنّي حتّى أدعو بما أريد.
فسمعوه جميعاً يدعو بدعوات [لا] (2) يعرفونها. ثمّ قال : حوّلوها (3) .
فحوّلوها ، فإذا جنّات (4) وأنهار و قصورمن جانب ، والسعير تتلظّی من جانب ،حتّى أنّهم ما شكّوا أنّهما الجنّة والنار .
فقال أحسنهم قولاً : إنّ هذا لسحر عظيم ! ورجعوا كفّار إلّا رجلين .
فلمّا رجع مع الرجلين قال لهما: قد سمعتما مقالتهم، وأخذي العهود والمواثيق عليهم، و رجوعهم يكفّرونني، أما والله إنّها لحجّتي عليهم (5) غداً عند الله ، فإنّ الله ليعلم أنّي لست بساحر ولا كاهن ، ولايعرف هذا لي ، ولا لآبائي ، ولكنّه علم الله ، وعلم رسوله أنهاه إلی رسوله و أنهاه إلي رسوله، و أنهيته إليكم ، فإذا رددتم عليّ ، رددتم على الله . حتّى إذا صار إلی مسجد الكوفة دعا بدعوات يسمعان ، فإذا حصى المسجد درّ وياقوت .
فقال لهما : ما الذي تريان ؟ فقالا : هذا درّ وياقوت.
فقال : صدقتما ، لو أقسمت على ربّي فيما هو أعظم من هذا لأبرّ قسمي .
ص: 863
فرجع أحدهما كافراً، وأمّا الآخر فثبت .
فقال (علیه السلام): إن أخذت شيئاً ندمت، وإن تركت ندمت .
فلم يدعه حرصه حتّى أخذ درّة فصرّها (1) في كمّه ، حتّى إذا أصبح نظر إليها فاذا هي درة بيضاء لم ينظر الناس إلی مثلها قطّ.
فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أخذت من ذلك الدرّ واحدة ، وهي معي .
قال : وما دعاك إلی ذلك ؟
قال : أحببت أن أعلم أحقّ هو أم باطل .
قال : إنّك إن رددتها إلی موضعها الذي أخذتها منه، عوّضك الله منها الجنّة .
وإن أنت لم تردّها عوّضك الله منها النار .
فقام الرجل فردّها إلی موضعها الذي أخذها منه ، فحوّلها الله حصاة كما كانت.
فبعضهم قال : كان هذا ميثم التمّار .
وبعضهم قال : كان عمرو بن الحمق الخزاعيّ . (2)
فقال مالک بن الحارث الأشتر : نزلت على غير ماء !
فقال : إنّ الله يسقينا في هذا المكان ماءاً أصفى من الياقوت ، و أبرد من الثلج .
فتعجّبنا ولاعجب من قول أمير المؤمنين (علیه السلام)، فوقف على أرض .
فقال : يا مالك احتفر أنت وأصحابك . فاحتفرنا ، فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين (1) فلم نستطع أن نزيلها. (2).
فقال عليّ (علیه السلام) : «اللّهمّ إنّي أسألك أن تمدّني بحسن المعونة» و تكلّم بكلام حسبناه سريانيّاً.
ثم أخذها فرمى بها ، فظهر لنا ماء عذب طيّب ، فشربنا وسقينا [دوابّنا]
ثمّ ردّ الصخرة عليه، وأمرنا أن نحثوا التراب عليها ، فلمّا سرنا غير بعيد .
قال (علیه السلام): من يعرف منكم موضع العين ؟ قلنا : كلّنا .
فرجعنا ، فخفي علينا أشدّ خفاء. فإذا نحن بصومعة راهب ، فدنونا منها و منه ، فقلنا : هل عندك ماء ؟ فسقانا ماءاً مراً خشناً (3) ..
فقلنا له : لوشربت من الماء الّذي سقانا منه صاحبنا من عين هاهنا (4) !
فقال : صاحبكم نبيّ ؟ قلنا : وصيّ نبيّ .
فانطلق معنا إلی عليّ (علیه السلام) فلمّا بصربه أمير المؤمنين (علیه السلام) .
قال: شمعون ! قال : نعم ، هذا اسم سمّتني به أمّي ما اطّلع عليه أحد إلّا الله .
ثمّ قال : ما اسم هذه العين ؟
قال : اسمها «عين راحوما»(5) من الجنّة شرب منها ثلاثمائة نبي، وثلاثمائة وصيّ ، وأنا آخر (6) الوصيّين شربت منها .
ص: 865
فقال الراهب: هكذا وجدت في جميع الكتب ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله ، وأنّك وصيّ محمّد.
ثمّ قال عليّ (علیه السلام) : والله لو أنّ رجلاً منّا قام على جسر، ثمّ عرضت عليه هذه الامّة لحدّثهم بأسمائهم وأنسابهم (1). (2)
81- وعن أحمد وعبدالله ابني محمّد بن عيسى ، عن أبيهما ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبدالله بن مسكان ، قال : قال أبو عبد الله (علیه السلام) في قوله تعالی :
«وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» (3).
قال : كشط الله لابراهيم (علیه السلام) السماوات حتّى نظر إلی ما فوق العرش ، وكشطت له الأرض حتّى رأى ما تحت تخومها و ما فوق (4) الهواء ، وفعل بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مثل
ص: 866
ذلك ، وإنّي لأرى ضاحيكم و الأئمّة من بعده قد فعل بهم [مثل] ذلك . (1)
82 - وسأله (2) أبو بصير : هل رأی محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ملكوت السماوات والأرض كما رأى ذلك إبراهيم (علیه السلام)؟ قال : نعم ، وصاحبكم [ والأئمّة من بعده] . (3)
83 - وقال أبو جعفر (علیه السلام) :في قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ...» (4) كشطت له السماوات السبع حتّى نظر إلی السماء السابعة وما فيها ، والأرضين السبع حتّی نظر إليهنّ وما فيهنّ ، وفعل بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كما فعل بابراهیم (علیه السلام) وإنّي لأرى صاحبكم قد فعل به مثل ذلك [والأئمّة من بعده مثل ذلك] . (5)
84- وعن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم (6) ، عن سيف بن عميرة ، عن حسّان بن مهران الجمّال، عن أبي داود السبيعي ، عن بريدة الأسلمي قال : كنت جالساً عند رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و عليّ (علیه السلام) جالس معه ، إذ قال : «يا عليّ ألم أشهدك معي سبعة مواطن ... - حتّى ذكر المواطن الثلاثة -
ص: 867
و الموطن الرابع ليلة الجمعة، أريت ملكوت السماوات والأرض، ورفعت إلي(1)حتّى نظرت إلی ما فيها . واشتقت إليك ، فدعوت الله تعالى، فإذا أنت معي، فلم أر من ذلك شيئاً إلّا وقد رأيته» . (2)
85- وعن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي عبدالله زكريّا بن محمّد المؤمن عن حسّان أبي عليّ (3) الجمّال ، عن أبي داود السبيعي ، عن بريدة الأسلمي ، عن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أنّه قال : يا عليّ إنّ الله أشهدك معي سبعة مواطن .
فذكرها حتّى ذكر الموطن الثاني ، قال :
أتاني جبرئيل (علیه السلام) فأسرى بي إلی السماء فقال : أين أخوك ؟ قلت : ودّعته خلفي .
قال: ادع الله يأتك به ، فدعوت الله فإذا أنت معي، وكشط لي عن السماوات السبع والأرضين السبع حتّى رأيت سكّانها وعمّارها ، وموضع کلّ ملك منها ، فلم أر
ص: 868
من ذلك شيئاً إلّا و قد رأيته كما رأيته .(1)
86- وعن المعلّی بن محمّد البصري، عن الحسن بن علي الوشّاء، عن محمّد ابن عليّ ، عن (2) خالد بن نجيح قال : دخلت على أبي إبراهيم (علیه السلام) بالرميلة (3) .فلمّا نظرت إليه قلت في نفسي : مظلوم مغصوب مضطهد (4) ثمّ قبّلت بين عينيه .
فالتفت إليّ فقال: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا ، لو أردناه ردّ إلينا، وإنّ لهؤلاء القوم مدّة وغاية لابدّ من الانتهاء إليها .(5)
ص: 869
87 - وعن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب و أحمد و عبد الله ابني محمّد ابن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب (1) عن ضريس الكناسي(2) قال : سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول - و عنده أناس من أصحابه وهم حوله-:
إنّي لأعجب من قوم يتولّونا ، و يجعلونا أئمّة ، ويصفون بأنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة الله ، ثمّ يكسرون (3) حجّتهم ، ويخصمون أنفسهم لضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ، و يعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا، و التسليم لأمرنا .
أيرون أنّ الله افترض طاعة أوليائه على عباده، ثمّ يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض، ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم ؟!
فقال له حمران : يا بن رسول الله أرأيت ما كان من قيام أمير المؤمنين والحسن والحسين (علیهم السلام) خروجهم وقيامهم بدين الله وما أصيبوا به من قبل الطواغيت ، و الظفر بهم حتّى قتلوا وغلبوا ؟
فقال أبو جعفر (علیه السلام): ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من ذلك سألوا الله أن يرفع ذلك عنهم ، وألحّوا عليه في إزالة ملك الطواغيت عنهم ، إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثمّ كان (4) انقضاء مدة الطواغيت و ذهاب ملكهم أسرع من سلك (5)منظوم انقطع فتبدّد، وما كان الذي أصابهم لذنب اقترفوه، ولا لعقوبة معصية خالفوه
ص: 870
فيها ، ولكن لمنازل و كرامة من الله أراد أن يبلغوها (1) فلا تذهبنّ بكم المذاهب .(2)
88 - وعن أحمد بن محمّد السيّاري ، عن محمّد بن إسماعيل الأنصاري ، عن صالح بن عقبة الأسدي ، عن أبيه ، قال : قال لي أبو عبد الله (علیه السلام): يقولون بأمر ثمّ يكسرونه ويضعّفونه ، يزعمون أنّ الله احتجّ على خلقه بوجل، ثمّ يحجب عنه علم السماوات والأرض ، لا والله ، لا والله ، لا والله .
قلت : فما كان من أمر هؤلاء الطواغيت، وأمر الحسين بن علي (علیهما السلام) ؟
فقال : لو أنّهم ألحّوا فيه على الله لأجابهم الله ، و كان أهون من سلك يكون فيه خرز (3) انقطع فذهب ، ولكن كيف إذاً نريد غير ما أراد الله .(4)
يعني أنّ الله تعالى لم يرد ذلك إلجاءاً واضطراراً ، وإنّما أراد أن يكون ذلك اختیاراً ، والالجاء ينافي التكليف ، و كذلك نحن نريد مثل ذلك ، ولانخالف الله .
ص: 871
89-وأخبرنا السيّد ذوالفقار بن محمّد بن معبد الحسني (1) ، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي: نا محمّد بن علي بن خشیش(2) : نا أبو المفضّل : حدّثنا أحمد بن محمّد ابن سعيد الهمداني : حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال : حدّثنا جعفر بن إبراهيم ابن ناجية : حدّثنا سعد بن سعد الأشعري قال : سألت الرضا (علیه السلام) عن الطين ، فقال : كل طين حرام - کالميتة والدم [ولحم الخنزير] وما أهلّ به لغير الله - ما خلا طين قبر الحسين (علیه السلام) فإنّه شفاء من کلّ داء .(3)
ص: 872
90 - وقال أبو المفضّل الشيباني: حدّثنا عمر بن الحسين بن (1) عليّ بن مالك الشيباني ببغداد : حدّثنا المنذر بن محمّد القابوسي : حدّثنا الحسين بن محمّد أبو عبدالله الأزدي : حدّثنا أبي قال :
صلّيت في جامع المدينة وإلى جانبي رجلان على أحدهما ثياب السفر ، يقول أحدهما لصاحبه : يا فلان أما علمت أنّ طين قبر الحسين (علیه السلام) شفاء من کلّ داء !!
وذلك أنّه كان بي وجع الجوف ، فتعالجت بكلّ دواء فلم أجد منه عافية ، و آیست ، و كانت عندنا عجوز من الكوفة ، فقالت لي : يا سالم ما أری علّتك كل يوم إلّا تزيد ، فهل لك أن أعالجك فتبرأ باذن الله ؟
قلت : نعم . فسقتني ماءاً في قدح فبرأت ، و كان اسمها « سلمة » فقلت لها بعد أشهر : بماذا داويتيني؟
قالت : بواحدة ممّا في هذه السبحة . و كان في يدها سبحة من تربة الحسين (علیه السلام) فقلت : يا رافضيّة داويتيني بطين قبر الحسين (علیه السلام) ؟!
فخرجت (2) مغضبة ، فوالله لقد رجعت علّتي أشدّ ما كانت ، وأنا أقاسي الجهد والبلاء. (3)
91- وروى أنّ رجلاً ممّن يخدم الخليفة قد مرض مرضة شديدة ، و لم ينفع فيه الدواء، فقالت أمّه (4) : تناول من تربة الحسين (علیه السلام) فلعلّ الله تعالى يشفيك ببركته (علیه السلام) فقد روينا أنّه شفاء من کلّ داء ، وأنت تؤمن بهم و بما قالوا .
فتناولت من تربته (علیه السلام) فعوفيت .
ص: 873
قال الراوي : فلمّا برأو رجع إلی دار الخلافة ، قال له خادم من خدم الخليفة (1): كنّا قد آیسنا منك ، فبأيّ شيء تداویت ؟
قال : إنّ لنا عجوزاً و لها سبحة من تربة الحسين (علیه السلام) فأعطتني واحدة منها، فجعلها الله سبحانه لي شفاء .
قال الخادم : فهل بقي منها شيء ؟
قال : نعم، قال : فائتني منها بشيء.
قال : فخرجت و أتيت بحبّات منها ، فأخذها وأدخلها في دبره (2) تهاوناً بها ،فبينما هو [كذلك] إذ صاح : النار ، النار ، الطشت ، الطشت .
ووقع على الأرض يستغيث ، ثمّ خرجت أمعاؤه كلّها ، ووقعت في الطشت ، وبعث الخليفة إلی طبيبه النصراني (3) فاستحضره .
فلمّا رأى ذلك قال : هذا إنّما يداويه المسيح . وسأل عن حاله فأخبروه بما فعل الخادم، فأسلم النصراني في الحال وحسن إسلامه .(4)
ص: 874
الباب السابع عشر(1) في الموازاة (2) بين معجزات نبینا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ومعجزات أوصيائه (علیهم السلام) ومعجزات الانبياء (علیهم السلام)
أمّا بعد حمد الله الّذي جعل الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق .
والصلاة على سيّدنا محمّد و آله الّذين هم حجج الله على الخلق بالحقّ.
فإنّ ذکر موازاة نبيّنا سائر الأنبياء المتقدّمين في المعجزات وغيرها تكفي الاشارة إليها ، وكذلك الزيادة من المعجزات التي كانت له عليهم فهي (3) أظهر من أن تحتاج إلی الاستدلال عليها، فقد صحّ أنّه أفضل من کلّ نبيّ سبق، إذ أجمع عليه جميع المحقّقين واتّفق .
ص: 875
ولذلك قال: «أنا سيّد ولد آدم ، ولافخر».(1).
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : «آدم و من دونه تحت لوائي يوم القيامة» .(2)
وقد ذكرنا من معجزاته ومعجزات أوصيائه الّتي رواها الرواة المعروفون بالأمانة ما يربى على أعلام الرسل الماضين عند الموازاة والموازنة .
ونذكر هاهنا شيئاً يفتقر إليه في هذا المعنى إن شاء الله .
ص: 876
الكلام على الخرمية (1) القائلين بتواتر الرسل بعد نبینا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
إعلم أنّهم زعموا أنّ الأنبياء بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) تتری ، و أنّ الرسالة لاتنقطع إلى الأخرى ، وتمسّكوا بقوله تعالى : « يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ » (2) .
قالوا : وهذا في المستقبل يدلّ على أنّ الرسل تتری .
واستدلّوا أيضاً بقوله تعالى : « وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ » (3) .
وقالوا : الخاتم في المعتاد يكون مستعملاً في وسط الكتاب ، فدلّ هذا على أنّه ليس بآخر الرسل .
وربّما كانوا يقولون : قد علمنا ذلك بالعقل والخبر.
إعلم - أوّلاً - أنّا إنّما قطعنا على القول بأن لانبيّ بعد نبيّنا ، ولارسول بعد رسولنا من جهة الخبر على ما يذكر من بعد .
فأمّا من جهة العقل فقد كان جائزاً أن يكون بعده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نبيّ أو رسول .
ص: 877
ثمّ يقول لهم في الآية الأولى : إنّها لاتدلّ على ما ذكرتم ، لأنّ معناها : «إن يأتكم نبأ رسل كانوا من قبلكم و كانوا يقصّون دلالاتي و آیاتي لأممهم ، و قد أنزلت عليكم فمن عمل بأوامره وانتهى عن زواجره ، فلا خوف عليه ولاحزن له».
فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى: « وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ » (1).
والايجاز في الكلام من أعجب البراعة ، وفصاحة القرآن من أغرب البلاغة ، ومن نظر في هذا الخطاب يعلم منه ما ذكرنا ، و لايتذكّر إلّا أولو الألباب .
ويؤيّد صحّة ما ذكرناه الآية التّي بعدها ، وهي قوله تعالى : « وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » (2).
وهذا وعيد لامّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولا خلاف أنّه للماضي دون الاستقبال .
ومعناه : «فكلّ أمّة من أهمّ هؤلاء الرسل كذّبوهم بسبب تلك الآيات، واستكبروا عن قبول تلك المعجزات ، فقد صاروا أصحاب النار ، فإن کنتم مثلهم ولا تقبلونها فتكونوا أيضاً من أهل النار».
على أنّ هذا الخطاب ، و إن كان على الاستقبال - و المراد به الماضي على ما ذكرنا - لما خصّه نبيّنا بقوله «لانبيّ بعدي» و تخصيص القرآن بالسنّة جائز شائع.
وفيه جواب آخر وهو أنّ هذا يقال لهم يوم القيامة : «يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسل منكم» كما قال تعالى في موضع آخر : « يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا » (3) .
ص: 878
وقيل : إنّ معنى الآية «إن يأتكم رسل من الملائكة من أجل مصالحكم» فلا تكون من النبيّين ، فلا تتعلّق إلّا بقوله «یأتکم» دون قوله «رسل» وهذا أيضاً حسن . (1)
وأمّا قوله تعالى: « وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ »(2) بكسر التاء ، والمعنى : الذي ختم النبوّات بنبوّته .
ومثله : خاتمه مسك ، وختامه مسك ، أي آخر طعمه المسك .
وكقوله : هذا خاتم هذا الأمر : أي هو آخره .
وقد قرأ عاصم : « خَاتَمَ النَّبِيِّينَ » بفتح التاء ، ومعناه يؤوّل إلی كسر التاء، لأنّه من خاتم الكتاب الذي جمع الجميع فرغ من أمره .
كذلك : رسولنا خاتم المرسلين ، لأنّه بعث آخراً و ليس بعده رسول.
فمن فتح التاء أجراه مجرى المصدر ، والمصدر يوضع موضع الفاعل مرّة، وموضع المفعول أخرى، وبكسر التاء إسم الفاعل من «ختم» أي : آخرهم و واضع الختم على النبوّة فلا يكون بعده نبيّ . فعلى القراءتين لاحجّة لهم فيه .
وأما قولهم : «عرفنا ذلك» فلا يخلو إمّا أن قالوا : بالعقل .
قلنا : وما في العقل ما يوجب أن تكون الرسل تترى (3) وأنّها لاتنقطع ، وإنّما يجب في العقل أن يكون في المكلّفين معصوم إذ لم يكونوا معصومین، وهذا المعصوم يحفظ الشرع الذي أدّاه الرسول إليهم .
ويكون وصيّاً لذلك النبيّ ، كما كان منذ عهد آدم (علیه السلام) إلی وقتنا هذا .
ص: 879
وإن قالوا : بالخبر علمنا ذلك، وفي العقل تحريره .
قلنا : وأي خبر جاء به؟ فلابدّ يجدون شيئاً من ذلك .
ويقال لهم : ألستم تثبّتون نقل المسامين لأعلام نبيّهم ، و تقولون : إنّها صحيحة؟
فإذا قالوا : نعم .
قلنا لهم : فإذا أثبتّم نبوّته بالأعلام الّتي نقلها أهل الإسلام ، فقد نقلوا بعدها أيضاً أنّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال : «لا نبيّ بعدي و لا رسول» و كانوا قد عرفوا معناه معرفة لايشكّون فيها .
فإن قالوا: الكذب يجوز عليهم في نقلهم .
قلنا : فما أنكرتم من جواز الكذب عليهم في نقلهم أعلام کلّ نبيّ أقررتم به وتؤمنون بنبوّته ؟
فإن قالوا : لا يجوز ذلك. قلنا : فإذا لم تجوّزوا عليهم في ذلك الكذب لزمكم أن لا تجوّزوا مجيء رسول بعده من قبل الله تعالى ، و ذلك أنّ الذين نقلوا أعلام رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتّى علم (1) بها نبوّته هم الذين نقلوا أنّه قال : «لا نبيّ بعدي» و إذا جاز صدق أحد النقلين جاز الاخر .
والناقلون الذين نقلوا إلينا أنّه وقّفهم على أنّه لانبيّ بعده قد بلغوا في الكثرة إلی حدّ لا يجوز عليهم التواطؤ - ونحوه - فيه .
وقد أجمعت الطائفة المحقّة عليه ، وإجماعهم حجّة ، وذلك توقيف يعلم منه مراده و قصده في أنّه أراد التعميم الّذي لا تخصیص فيه بوجه من الوجوه .
فعلمنا عند سماع أخبارهم على هذا الوجه أنّه (2) لانبيّ بعده قطعاً .
فإن قالوا : فما بالنا لانعلم ذلك ؟ قلنا : لأنّكم لا تنظرون في هذا الخبر ، كما
ص: 880
لا تنظر اليهود والنصارى في أعلام النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) التي يرونها و يصدّقونها ، فلو نظرتم في الخبر ، ونظروا فيها ، لحصل لكم ولهم العلم بالأمرين كما حصل لنا .
فإن قالوا : فبم تنفصلون من أهل الكتابين إذا قالوا : إنّ موسى وعيسى (علیهما السلام) قد أمرانا بالتمسك بشريعتهما أبداً وأنّ ذلك يقتضي التأبيد الذي لا تخصیص فيه ؟
قلنا : الفرق بيننا و بينهم فيه وجوه كثيرة : أحدها أنّ موسی و عیسی (علیهما السلام) من قولهم وقولنا قد أمرا بتصديق الأنبياء بعدهما، وأخبرا عن نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و بشّرا به .
وهم جميعاً - أعني اليهود والنصاری - معترفون بأنبياء قد كانوا بعدهما، ونبيّنا قد قال : «لا نبيّ بعدي» قولاً قطعاً ونصّاً وحزماً.
فعلم السامعون قصده في التعميم الذي لا تخصیص فيه من الوجوه .
وإنّما قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : سيكون بعدي أوصياء بعدد نقباء بني إسرائيل . (1)
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : سيكون بعدي كذّابون .(2)
وفي رواية أخرى: سيكون بعدي ثلاثون دجّالا يظهرون عند اقتراب الساعة .(3)ولم يقل أنّه يكون بعدي (4) نبي صادق .
ص: 881
وأيضاً فإنّ القوم إنّما ينقلون عن موسى وعيسى - علی نبیّنا وعليهما السلام – ترجمة كلامهما ، لأنّ لغتهم غير لغتنا هذه ، والمترجم يجوز عليه الخطأ والغلط والسهو .
ولأنّ المسلمين قد أجمعوا على أنّه لا نبيّ بعده ، و الحجّة قد قامت على أنّه على التعميم لا خاصّ فيه بوجه من الوجوه ، لأنّ فيهم معصوماً في کلّ زمان ، ولا معصوم في أهل الكتاب اليوم .
ويمكن أن يستدلّ من القرآن الكريم في مواضع منه كقوله تعالى: « هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ » إلی قوله: « وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ » (1)
و كقوله تعالى : « لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ » (2).
ولا خلاف أنّ ذلك اللفظ يجب حمله على التعميم (3) في الشرع أيضاً ، فالكتاب والسنّة والإجماع الّتي تلائمها دلائل الشريعة يدلّ على قولنا .
فإن قيل : فالخرميّة تخالف في هذا الباب ، فكيف تقولون: الاجماع منعقد فيه؟
قلنا: خلاف الخرّميّة خلاف حادث، سبقه الاجماع وتأخّر عنه من أهل الأعصار .(4)
ص: 882
إعلم أنّ هذه آية عظيمة ، ودلالة قويّة، ومعجزة (1) كبيرة ، لا يعرفها على التفصيل إلّا الخاصّة ، وإنّما العامّة يعرفونها على الاجمال ، تبعاً للخاصّة فيه.
وذلك أنّه لم يتيسّر لأحد قطّ ، ولا سمع، صبر كصبر محمّد والأئمّة من عترته وأهل بيته ، ولا حلم كحلمهم ، ولا وفاء کوفائهم .
ولم (2) يوجد کرأفتهم ورحمتهم (3) ولا كزهدهم ونجدتهم ، ولا كجودهم وصدق لهجتهم ، ولا كتواضعهم و کرم عشرتهم (4)، ولا کعلمهم وحكمتهم ، ولا كحفظهم لمّا سمعوا، ولا كصمتهم (5) إذا صمتوا ، ولا كقولهم إذا قالوا، ولا کعجیب مولدهم ومنشئهم، ولا كقلّة تلوّنهم، ولا ككثرة علومهم في کلّ فن ، ولا كدوام طريقتهم ، ولا كحسن سيرتهم ، ولا كعفوهم وقلّة امتنانهم ، ولا كحسن خلقهم ، ولا كطهارة مولدهم وطیب محتدهم (6).
[إذ] لم يكن أحد منهم بفظ ّ، ولا غليظ ، ولا صخّاب ، ولا فحّاش ، ولا كذّاب ولا مهذار .
و لا يرى أحد منهم قطّ فارغاً، إذا لم يكن في عبادة و اجتهاد ، كان في هداية وجهاد ، إمّا يخصف نعلاً لرجل مسكين ، أو يخيط ثوباً لأرملة ، أو إصلاح ذات البين للمسلمين .
ص: 883
فجميع هذه الخلال (1) الحميدة ، و غيرها من مكارم الأخلاق [ ما لم نذكره ] قد بلغت فيهم غاية ، وأدركت منزلة خرقت العادات ، وصارت من المعجزات فما يستطيع منافق [ و لا كافر ] أن يقول فيهم غميزة و لاشتاراً(2) ، ولا عيباً و لا عاراً بل يثني عليهم - إضطراراً - کلّ عدو و حاسد ، و يمدحهم کلّ زندیق و جاحد كما حمدهم (3) الله تعالى إلی أنبيائه المتقدّمين ، و باهی بهم الملائكة المقرّبين إذ لم يقع منهم قطّ عثرة ، ولاغدرة ، ولا فجرة (4) .
و كانت من جميع الناس سواهم سقطات وهفوات ، ولم يقعد إليهم شرّ الناس على [الأكثر و] الأغلب ، إلّا صار خير الناس ، وقد أطبق الثقلان، وأهل السماوات والأرضين ، أنّهم كانوا أزهد النّاس ، وأعلمهم [وأحلمهم] و أشجعهم ، و أفضلهم، وصارت کلّ خصلة خير ، وخلّة برّ من سيرهم وأخلاقهم إلی درجة خارقة للعادة. وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد.
أمّا سيّدنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فإنّه كان يعلم جميع ما علّمه الله تعالی آدم ، وجميع الأنبياء والملائكة ، وقد علّمه الله تعالى مالم يعلموا ، وأوصله إلی مالم يصلوا، كان في طول الأيام يلقى السفه (5) بالحلم ، والأذى بالإحتمال ، و التضييق بالصبر .
والعجب من قريش ! فهم كانوا أحلم (6) جيل في الأرض ، إلّا فيما بينهم وبينه
ص: 884
(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فهم كانوا إذا صاروا إليه أفحشوا في القول ، و أفرطوا في السفه ، ورموه بالفروث و الدماء(1) ، وألقوا في طريقه الشوك ، وحثوا في وجهه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) التراب .
فلمّا دخل مكّة عليهم عنوة ، قام خطيباً ، فقال : أقول كما قال أخي يوسف : « لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ».(2) فکرمه و(3) عفوه عنهم معروف(4) إذ قابل منكرهم بالمعروف.
و كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أحفظ الناس للتوراة ، والانجيل ، والزبور ، و كتب جميع الأنبياء (علیهم السلام)، و أقاصيص الرسل(5) والامم ، من غير دراسة ولا قراءة كتب.
و كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يعرف أخبار الملوك والجبابرة ، و كون العبر والمثلاث في جميع الدور السالفة والآنفة ، من لدن آدم وما بعده إلی قيام الساعة. (6) .
وكان الصدق شعاره ودثاره (7)، و كان أوفاهم عقداً [وعهداً].
وغدر قریش والعرب به مرّة بعد أخری مشهور في قصّة الحديبيّة وغيرها .
ثمّ لا يستطيع أحد أن يذكر له غدرة ولا كذبة ، لا في حداثته ولا كھوليّته، و كانوا يسمّونه قبل نبوّته (8) : [الصادق] الأمين .
و أما زهده (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقد ملك من أقصى اليمن إلی شجرعمان ، إلی أقصى الحجاز إلى نواحي العراق ، ثمّ توفّي (9) و عليه دين ، و درعه مرهونة بطعام أهله ، ما ترك درهماً ولا ديناراً ، ولا شيّد قصراً ، ولاغرس نخلاً لنفسه ، ولاشقّ نهراً.
ص: 885
وأمّا شجاعته ففرسان الجاهليّة كعامر بن الطفيل (1) و عتبة (2) بن الحارث بن شهاب صيّاد الفوارس ، وبسطام بن قيس ، كان لكلّ منهم فرّ (3) ، وما انحاز قطّ من شجعان وإن أحاطوا به ، و كان ضربه للاعداء ولو برأس سوطه ناراً محرقة .
و كان أشدّ الناس زهداً ، يلبس العباءة ، و يجالس المساكين ، و يتوسّد يده ويلطع أصابعه ، ولا يأكل متّكئاً ، بل يجلس جلسة العبد ، ولم ير ضاحكاً ملء فمه .
و كان أرحم الناس بالصبیان ، و أشدّ حياء من عذراء في خدرها ، و لا يأنف ولا يستكبر ، وما سئل شيء قطّ ، فقال : «لا».
وكان يقضي حوائج الأرملة ، و اليتيم ، و المسكين، يحسّن الحسن و يصوّبه ويقبّح القبيح ويوهنه ، لا يأكل وحده ، و لا يضرب عبده ، يأكل العبد معه ، ويطحن عنه إذا أعيا ، يحلب الشاة بيده ، و يعلف الناضج (4) ، ويقم (5) البيت ، و يخصف النعل ، ويرقع ، الثوب .
وهذه قصيرة من طويلة من أخلاقه الخارقة للعادة ، فإنّها كانت أبداً على وتيرة واحدة لا تتغيّر .
ص: 886
وأما على بن أبي طالب (علیه السلام) فمن براهينه ما ساوی به نبيّين - عیسی و یحیی (علیهما السلام)-
فقال تعالى في عیسی (علیه السلام): « وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ» (1) و خرق العادة ، باکمال عقله .
وقال في يحيى (علیه السلام): « وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » (2)..
و كان من آيات الله الخارقة للعادة في عليّ (علیه السلام) كمال عقله، و وفور علمه، ومعرفته بالله تعالى و برسوله مع عداده في (3) الأطفال حتى دعاه النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلی التصديق به ، والاقرار بنبوّته ، و كلّفه العلم بحقّه ، وعهد إليه في الاستتار (4) بما أودعه من دينه، وأداء الأمانة فيه، و کلّفه العلم و العمل الشرعيّين، و كان إذ ذاك من أبناء عشر (5)فما دونها .
فكان كمال عقله (6) وحصول معرفته بالله و برسوله آية الله فيه باهرة ، خرق بها العادة ، و دلّ بها على مكانته منه ، و اختصاصه به و تأهيله لما رشّحه (7) له من الإمامة، و الحجّة على الخلق، فجری (8) في خرق العادة مجری عیسی ويحيى (علیهما السلام) .
و لولا أنّه كان كاملا في تلك (9) الحال لما كلّفه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الإقرار بنبوّته ، ولا دعاه إلی الإقرار (10) بحقّه ، ولا افتتح به الدعوة قبل جميع الرجال .
وأمّا زهده وعلمه وحلمه وشجاعته، فقد أقرّ أعداؤه بذلك، وقد علّمه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) جميع ماعلّمه الله تعالى ممّا كان وممّا يكون.
ص: 887
وما ولّى قطّ عن أحد مع طول ملاقاته الحروب و كثرة من مني به فيها (1) من صناديد الأعداء ، ولم يفلت منه قرن (2) في الحروب .
و كان من أعجوبة أفرده الله تعالى بها ، أنّه لم يعهد (3) لأحد من مبارزة الأبطال مثل ماعرف له من كثرة ذلك (فإنّهم ما عرّوه بشرّ) (4) ولا شين ، ولا وصل إليه أحد منهم بسوء حتّى كان من (5) أمره مع ابن ملجم - عليه اللعنة - في المحراب على اغتياله إيّاه ما كان ، وهذه آیات خارقة للعادات .
ولما قبض (علیه السلام) خطب ابنه الحسن (علیه السلام) فقال :
«لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل (6) ولایدر که الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يقيه بنفسه .
وكان رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوجّهه برایته، فيكتنفه جبرئيل (علیه السلام) عن يمينه ، وميكائيل (علیه السلام) عن یساره ، فلا يرجع حتّى يفتح الله على يديه» . (7)
ولقد ولد في بيت الله الحرام ، ولم يولد فيه أحد [ غيره ]قطّ.
ولقد توفّي في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم (علیه السلام)، و فيها قبض يوشع ابن نون وصي موسى (علیه السلام)، وما خلّف صفراء ولا بيضاء ، و لم يزل ينشر معالم الدين من السنّة والقرآن ، ويحكم بالعدل ، ويأمر بالاحسان .
ص: 888
و كان قبل الهجرة مشاركاً للنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في محنه کلّها، متحمّلا عنه أكثر أثقالها.
وبعد الهجرة [ كان ] يكافح عنه المشركين ، ويجاهد دونه الكافرين .
وقد قاسي [ من ] بعده في حفظ الدين مالا يحيط به کتاب .
وكلّ ذلك خارق للعادة .
وأمّا الحسن و الحسين (علیهما السلام) فسيرتهما المرضيّة ، و أخلاقهما الرضيّة، وعلومهما (1)و کمالهما في حال الصغر ، أشهر من أن يتكلّم عليه ها هنا .
و کفي لهما فضيلة ، أنّ فاطمة (علیها السلام) أتت بهما إلی النبيّ في شكواه التي توفّي فيها ، فقالت : هذان ابناك ، ورّثهما شيئاً . فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) :
«أمّا الحسن (علیه السلام) فله هيبتي (2) وسؤددي ، وأمّا الحسين (علیه السلام) فله جودي و شجاعتي» .(3)
ولا يخفى أنّ أكثر شمائل رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) تندرج تحت قوله هذا (4).
وكان الحسن (علیه السلام) يشبّه بالنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من صدره إلی رأسه، والحسين (علیه السلام) يشبّه به من صدره إلی رجليه ، وروي هذا على عكسه أيضاً .
ص: 889
وكان من برهان كمالهما، وحجّة اختصاص الله سبحانه لهما مباهلة (1) النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بهما (علیهما السلام) و بيعته لهما ، ولم يبايع صبيّاً في ظاهر الحال غيرهما .
وقد نزل القرآن الكريم في سورة «هل أتی» بایجاب ثواب الجنّة لهما على عملهما (2) مع ظاهر الطفوليّة فيهما ، و لم ينزل في مثلهما بذلك (3) فعمّهما قوله تعالى : « إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا » (4) مع أبيهما وامّهما ، وتضمّن نطقهما وضميرهما الدالّين على الآية الباهرة(5) و الحجّة العظمی على الخلق بهما، كما تضمّن عن نطق المسیح علی نبیّنا و آله و عليه السلام في المهد.
وأمّا علي بن الحسين (علیهما السلام) فإنّه كان أفضل خلق الله تعالی بعد أبيه علماً وعملاً وكان اجتهاده ، وعبادته ، وزهده ، وسيرته مع الخلق كلّها خارقة للعادة .
عن الباقر (علیه السلام) : كان أبي يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة .(6)
وقد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، و قد اصفر لونه من السهر ، ورمضت (7)عيناه من البكاء ، و دبرت (8) جبهته ، وانخرم (9) أنفه من السجود ، و ورمت
ص: 890
ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، فبكيت حين رأيته بتلك الحال ، فالتفت إليّ وقال :
يا بني أعطني بعض الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب(علیه السلام).
فأعطيته، فقرأ فيها يسيراً(1) ثمّ تركها ، وقال: من يقوى على عبادة أمير المؤمنين(علیه السلام).(2)
وكل هذا خرق للعادة ملحق بالاعلام الباهرة.
و كان في صباه عالماً حكيماً، و أطری (3) الصادق(علیه السلام)، عليّاً (علیه السلام) ، فقال :
ما عرض له أمران قطّ هما لله رضاً ، إلّا أخذ بأشدّهما عليه في دينه .
وما نزلت برسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) نازلة إلّا دعاه ثقة به .
وما أطاق علم (4) رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من هذه الأمّة غير عليّ وإن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنّة والنار ، یرجو ثواب هذه ، ويخاف عقاب هذه .
ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله تعالی ، ممّا کدّ بيده ، ورشح منه (5) جبينه ، وإن كان ليقوت أهله بالزيت و الخلّ والعجوة.
وما كان لباسه إلّا الكرابیس (6) إذا فضل شيء عن یده (7) من كمّه دعا بالجلم (8) فقصّه .
ص: 891
وما أشبه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من عليّ بن الحسين (علیهما السلام).
و أمّا محمّد بن علي (علیهما السلام)، فلم يظهر من أحد - بعد آبائه - من علم الدين، والآثار، و السنّة ، وعلم القرآن ، والسيرة، وفنون العلم ، ما ظهر منه .
وروي عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء الفقهاء ، وصار في الفضل علماً يضرب به الأمثال .
ودخل عليه(1) جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - فقبّل رجليه و قال قال لي رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ذات يوم: لعلّك تبقى حتّى تلقى رجلاً من ولدي يقال له «محمّد بن عليّ ابن الحسين (علیهم السلام)» يهب الله له النور والحكمة فاقرأه منّي السلام .
فقال (علیه السلام): وعلی رسول الله السلام ورحمة الله و بركاته . (2)
و سمّاه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و عرّفه ب- «باقر العلوم».
وقد روى الناس من أخلاقه و مناقبه الخارقة للعادة ما إن أثبتناه لكثر به الخطب (3).
وقال (علیه السلام): ما ينقم الناس منّا (4) !؟ نحن أهل بيت الرحمة ، و شجرة النبوة و معدن الحكمة ، وموضع الملائكة ، ومهبط الوحي . (5)
ص: 892
وقال (علیه السلام): بليّة الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، و إن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا . (1)
وقال (علیه السلام): إذا حدّثت الحديث ولم أسنده، فسندي فيه : أبي، عن جدّي، عن أبيه ، عن جدّه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عن جبرئيل (علیه السلام) عن الله عزّوجلّ .(2)
وهذا كلام من هو معصوم من الغلط والهذيان ، وطريقته خارقة للعادة .
و أمّا جعفر بن محمّد (علیهما السلام)، فإنّه كان أنبه أهل زمانه ذكراً ، و أعظمهم قدراً وأجلّهم في الخاصّة والعامّة، وانتشر ذكره في البلدان، ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، و كان له ولآبائه و أبنائه الأئمة من الدلائل الواضحة ما بهرت القلوب ، وأخرست المخالف عن الطعون فيها بالشبهات .
ولمّا حضرت أباه (علیه السلام) الوفاة قال له : أوصيك بأصحابي خيراً.
قال : لأدعنّهم والرجل يكون منهم في المصر (3) لايسأل أحداً .(4)
ص: 893
وكان (علیه السلام) يقول : علمنا غابر و مزبور (1) ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع وإنّ عندنا (2) الجفر الأحمر ، والجفر الأبيض ، ومصحف فاطمة (علیها السلام) .
وإنّ عندنا الجامعة التي فيها جميع ما يحتاج الناس إليه .
فسئل عن تفسيرها ، فقال (3) :
أما الغابر : فالعلم بما يكون .
وأما المزبور : فالعلم بها كان.
وأما النكت في القلوب : فالالهام.
والنقر في الأسماع : حديث الملائكة، نسمع كلامهم ولانرى أشخاصهم .
واما الجفر الأحمر: فوعاء فيه سلاح رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت .
وأما الجفر الأبيض : فوعاء فيه توراة موسى (علیه السلام)، و إنجيل عيسى (علیه السلام)، و زبور داود (علیه السلام)، وفيه كتب الله الأولى .
وأمامصحف فاطمة (علیها السلام): ففيه ما يكون من حادث ، و أسماء کلّ من يملك (4) إلی أن تقوم الساعة .
واما الجامعة : فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً إملاء رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من فلق (5) فيه ، و خطّ علي بن أبي طالب (علیه السلام) بيده ، فيه - والله - جميع ما يحتاج الناس إليه إلى
ص: 894
يوم القيامة حتى أرش (1) الخدش ، والجلدة ، و نصف الجلدة .(2)
وقال : ألواح موسى (علیه السلام)عندنا ، و عصا موسی (علیه السلام)(3) عندنا ، ونحن ورثة النبيّين. (4)
حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث عليّ ابن أبي طالب ، و حديث عليّ حديث رسول الله ، و حديث رسول الله قول الله عزوجل . (5)
وأمّا موسی بن جعفر (علیهما السلام) فقد كان خلال (6) الفضل والكمال فيه مجتمعة خارقة للعادة .
ص: 895
وسئل الصادق (علیه السلام)عن صاحب هذا الأمر بعده .
فقال : صاحب هذا الأمر لا يلهو و لايلعب .
فأقبل موسى (علیه السلام) ومعه بهمة (1) وهو يقول لها «اسجدي لربّك».
فأخذه ، و ضمّه إليه (2) وقال : بأبي وأمّي من لايلهو و لا يلعب ، إنّه أفضل ولدي، وأفضل من أخلّف من بعدي، وهو القائم مقامي، والحجّة لله على كافة (3) خلقه من بعدي . (4)
وكان أعبد أهل زمانه [ وأفضلهم ] وأفقههم وأسخاهم وأكرمهم نسباً (5)..
كان يصلّي نوافل الليل ويصلها (6) بصلاة الصبح ، ويعقّب حتى تطلع الشمس ويخرّ لله ساجداً، ولا يرفع رأسه من السجود حتى يقرب زوال الشمس .
وكان يتفقّد فقراء المدينة بالليل، فيحمل إليهم الزنبيل فيه العين و الورق والأدقة (7). والتمور . (8)
وكان أبوه (علیه السلام) يلوم عبدالله ابنه ويعظه ، ويقول :
ما يمنعك أن تكون مثل أخيك موسی؟ فوالله إنّي لأعرف النور في وجهه .
فقال عبد الله : و كيف ! أليس أبي و أبوه واحداً ، وأصلي و أصله واحداً !؟
ص: 896
فقال أبو عبدالله (علیه السلام): إنّه من نفسي ، وأنت ابني . (1)
وكان أحفظهم لكتاب الله ، وأحسنهم صوتاً به .
و كان إذا قرأ ، تخدّر ويبكي السامعون لتلاوته . (2)
وسمي بالكاظم : لما كظمه من الغيظ ، و صبر عليه من فعل الظالمين به، حتى مضى قتيلا في حبسهم و وثاقهم . (3)
فأمّا علي بن موسی (علیهما السلام) ففضله، وظهور علمه ، وحلمه، و ورعه ، وفقهه ، وسيرته الخارقة للعادة أظهر من أن يستدلّ عليه، لاجماع الخاصّة والعامّة على ذلك فيه .
قال الكاظم (علیه السلام): ابني علي أكبر ولدي ، و أبرّهم (4) عندي ، وأحبّهم إليّ، وهو ينظر معي في الجفر ، ولم ينظر فيه إلّا نبي أو وصيّ نبيّ .(5)
وكان الرضا (علیه السلام) يعجبه العنب، فأمر المأمون أن يؤخذ له منه شيء ، ويجعل في
ص: 897
موضع أقماعه (1) الابر (2) أيّاماً ، ثمّ نزعت (3) منه ، وجيء به إليه .
فقال (علیه السلام) للمأمون : اعفني عنه . فجرّد(4) فأكله(5) - و كان هذا بعد أن أكل هو والمأمون طعاماً - فاعتلّ الرضا (علیه السلام) وأظهر المأمون تمارضاً .
ثمّ دخل على الرضا (علیه السلام) و معه عبدالله بن بشیر ، و قد (6) أمره منذ زمان أن يطوّل (7) أظفاره ، ففعل . ثمّ أخرج المأمون شيئاً شبه التمر الهندي ، وقال له : اعجن هذا بيدك ، ففعل .
فلمّا (8) قال لأبي الحسن (علیه السلام): هل جاءك من الأطبّاء أحد ؟ قال : لا .
قال : خذ ماء الرمّان الساعة .
وقال : ائتونا بالرمّان، و أمر عبد الله بن بشير أن يعصره بيديه - وقد عصر بهما شبه التمر الهندي - ففعل وسقاه المأمون [ بيده ] وانصرف.
فقال الرضا (علیه السلام) لأبي الصلت : قد فعلوها .
وجعل يوحّد الله سبحانه و يمجّده (9) إلی أن توفّي (علیه السلام) .(10)
ص: 898
و أمّا محمّد بن علي التقي (علیهما السلام) فقد قال الرضا (علیه السلام)- قبل ولادته - : و الله
ليجعلنّ الله منّي ما يثبت به الحقّ وأهله ، ويمحق به الباطل و أهله .
فولد التقي (علیه السلام) بعد سنة . (1)
فقال : هذا أبو جعفر، قد أجلسته مجلسي ، وصیّرته مكاني ، إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا أكابرنا، القذّة بالقّذة (2) .(3)
قيل : هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال: ما يضرّ من ذلك وقد قام عيسي بالحجّة وهو
ص: 899
ابن أقلّ من ثلاث سنين . (1)
و كان في إحدى كتفيّ (2) التقيّ (علیه السلام) شبه الخاتم داخل [ في ] اللحم .
فقال الرضا (علیه السلام): مثله في هذا الموضع كان من أبي . (3)
و قال : هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم علی شیعتنا بركة منه . (4)
و قال فيه المأمون : هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالی، و موادّه و إلهامه ،
ص: 900
لم يزل آباؤه أغنياء عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال .(1)
و أمّا علي بن محمّد النقي (علیهما السلام) فقد اجتمعت الإمامة فيه ، و تكاملت علومه وفضله، وظهرت هيبته على الحيوانات كلّها (2).
و كانت أخلاقه وأخلاق آبائه وأبنائه (علیهم السلام) خارقة العادة .
وكان بالليل مقبلا على القبلة لايفترساعة، عليه جبّة صوف، و سجّادته على حصير.
ولو ذكرنا محاسن شمائله لطال بها الكتاب .
و أمّا الحسن بن علي العسكري (علیهما السلام) فقد كانت خلائقه (3) كأخلاق رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و كان رجلاً أسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيّد البدن ، حديث السنّ له بسالة (4) تذلّ لها الملوك، وله هيبة تسخّر له الحيوانات كما سخّرت لآبائه (علیهم السلام) بتسخير الله لهم إيّاها ، دلالة وعلامة على حجج الله تعالی .
وله(5) هيئة حسنة ، تعظّمه الخاصّة والعامّة اضطراراً ، و يبجّلونه و يقدّرونه
ص: 901
الفضله وعفافه(1) وهديه وصيانته ، وزهده و عبادته ، وصلاحه وإصلاحه.
و كان جليلاً نبيلاً ، فاضلاً كريماً، يحتمل الأثقال ، ولا يتضعضع للنوائب، أخلاقه على طريقة واحدة ، خارقة للعادة.
وأمّا صاحب (2) المرأى والمسمع (علیه السلام) فإنّه لمّا ولد خرّ ساجداً لله كما كان آباؤه إلی أمير المؤمنين (علیه السلام)و كما كان رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عند ولادته، كما روي عنهم جميعاً.
وقد كان يسبّح الله تعالى ، ويهلّله ، ويكبّره، ويمجّده لمّا وقع إلی الأرض.
و آیاته منذ صغره إلی كبره أكثر من أن تحصى من حسن الخليقة ، و العلم والزهادة ، و نوره في کلّ بقعة يحضرها ، و إعانته في بقاع الأرض للمكروبين ولمن يستغيث به في برّ وبحر.
وقد كتب إلی الشيخ المفيد: «نحن (3) وإن كنّا ثاوین(4) بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الّذي أراناه (5) الله لنا من الصلاح ، و لشيعتنا المؤمنين في ذلك مادامت دولة الدنيا للفاسقين ، فانّا نحيط علماً (6) بأنبائكم ولا يعزب (7) عنّا شيء من أخبار کم [و معرفتنا بالذلّ الّذي أصابكم من جنح كثير منكم إلی ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، و نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون] (8) .
ص: 902
وإنّا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسین لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء(1) و اصطلمكم (2) الأعداء ...(3)
و لو أنّ أشياعنا (4) [وفّقهم الله لطاعته] (5) على اجتماع (6) القلوب لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا ، فما يحبس عنهم مشاهدتنا إلّا لما يتّصل بنا مما نكرهه».(7)
وهو (علیه السلام)المسمّى باسم رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، المكنّى بكنية رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
سنّه عند وفاة أبيه (علیه السلام) خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آية للعالمين ، و آتاه الحكمة، كما آتاها يحيى (علیه السلام) صبيّاً.
وجعله إماماً في حال طفوليّته ، كما جعل عيسى (علیه السلام) في المهد نبيّاً.(8)
هو المعصوم من الزلات ، المقوّم للعصاة ، سيرته وسيرة آبائه خارقة للعادات.
ص: 903
وقد مضى من أعلام نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و أوصيائه ما يوازي معجزات الأنبياء، على نبيّنا و عليهم السلام .
إعلم أنّ الله تعالى كما أمر آدم - علی نبیّنا و عليه السلام - أن يخرج من الجنّة إلى الأرض ، و يهاجر إليها ، أمر محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أن يخرج من مكّة إلی المدينة .
و كما ابتلي آدم علی نبیّنا و علیه السلام بقتل ابنه هابيل ، ابتلی محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بقتل ابنيه الحسن و الحسين (علیهما السلام) و كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يعلمه لاعلام الله إيّاه (1) ذلك .
و كما أكرم الله سبحانه آدم (علیه السلام) لمّا أمره بوضع النوى في الأرض ، فصار في الحال نخلاً باسقاً عليه الرطب ، أكرم محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بمثله عند إسلام سلمان كما قدّمنا (2) ذكره .
و كما قال تعالى في صفة (3) إدريس (علیه السلام) : « وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا » (4) قال في وصف (5) محمّد : « وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ »(6) يذكر مع ذكر الله سبحانه في الأذان والصلاة ، وقد رفع إلی سدرة المنتهى، فشاهد مالم يشاهده بشر .
وإن [كان] اطعم إدريس - علی نبیّنا و عليه السلام - من الجنّة، فقد أطعم محمّد و آله مراراً كثيرة في الدنيا [ من الجنّة ] كما ذكرناه فيما مضى .(7).
ص: 904
وقيل لرسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (1) : إنّك لتواصل (2) - أي تصوم يومين من غير إفطار بينهما - ؟ فقال : إنّي لست كأحدكم ، إنّي يطعمني ربّي ويسقيني .
وإن كان نوح - علی نبیّنا وعليه السلام - أوتي إجابة الدعوة لمّا (3) قال: « لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا » (4) فلم يبق منهم باقية إلّا المؤمنين ، فقد أوتي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مثله حين أنزل الله ملك الجبال ، وأمره بطاعته فيما يأمره به من إهلاك قومه، فاختار الصبر على أذاهم ، و الابتهال في الدعاء لهم بالهداية .
ثم رقّ نوح - علی نبیّنا وعلیه السلام - على ولده فقال :
« رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي »(5) رقّة القرابة .
والمصطفى لمّا أمره الله سبحانه بالقتال ، شهر على قرابته (6) سيف النقمة ، ولم تحرّکه شفقة القرابة (7) وأخذ بالفضل معهم لمّا شكوا إليه احتباس المطر [ فدعا ] فمطروا من الجمعة إلی الجمعة، حتّی سألوه أن يقلّ ، كما قدّمنا (8) ذكره.
ولئن قال الله تعالى في نوح (علیه السلام): « إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا » (9) فقد قال في محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : « بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ » (10) « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ » (11) ..
وإن خصّ الله سبحانه إبراهيم - علی نبیّنا وعليه السلام - بالخلّة وفضّل (12) بها، فقال تعالى : « وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا » (13) فقد جمع الله سبحانه و تعالى الخلّة
ص: 905
والمحبّة لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ولكن (1) صاحبكم خلیل الرحمن ، وحبيب الله وفي القرآن : « فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ » (2).
وعن عبد الله بن أبي الحمساء (3) قال : كان بيني و بين محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بيع قبل أن يبعث فبقيت لي بقيّة ، فوعدته أن آتيه في مكانه ، ونسيت يومي والغد.
فأتيته في اليوم الثالث ، و كان هو (4) في مكانه [ ينتظرني ] فقلت له [ في ] ذلك فقال : أنا ههنا (5) منذ ثلاث أنتظرك .
ضاهي جدّه إسماعيل (6) فإنّه وعد رجلاً، فبقي في مكانه سنة، فشكر الله سبحانه له ذلك فقال : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا » (7) و کان النبيّ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ)في صباه يخرج بغنم له (8) إلی الصحراء .
ص: 906
فقال له بعض الرعاة : يا محمّد إنّي وجدت في موضع كذا مرعی خصيباً .
فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : نخرج غداً إليه ، فبكّر (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من بيته إلی ذلك الموضع ، وأبطأ الرجل في الوصول ، فرأى رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وقد منع غنمه أن ترعى من ذلك المرعی(1)حتّى يصل ذلك الرجل فيرعيا معاً .
ولا شكّ أنّ الأنبياء كلّهم - علی نبیّنا و علیهم السلام - وأممهم يوم القيامة تحت راية نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على ما روي .
وإن كلّم الله تعالی موسی (علیه السلام)على طور سيناء ، فقد كلام الله تعالی محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فوق سبع سماوات .
وجعل الله سبحانه بعد محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الإمامة في قومه(2) عند انقطاع النبوّة حتّى يأتي أمر (3) الله ، وينزل عيسى (علیه السلام) فيصلّي خلف رجل من ذرية محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (4) يقال له «المهدي (علیه السلام)» يملأ الأرض عدلاً، ويمحو کلّ جور، كما وصفه رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ).(5)
وإنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لمّا وصف عليّاً وشبّهه بعیسی - على نبيّنا وعليه السلام -[وقال:] (6) قال الله تعالى : « وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ » (7)
قالت (8) قریش : لم ينزل خصلة من خصال الخير إلّا وقد وصف عليّاً (علیه السلام) بها ثم شبّهه بنبيّ من الأنبياء، فلامهم الله تعالى على ذلك .
وإنّ الله تعالى كما أخرج لصالح النبيّ - علی نبیّنا و عليه السلام - ناقة من الجبل ، فكان
ص: 907
لها شرب ولقومه شرب ، فقد أخرج الله تعالى لصالح المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وصي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) خمسين ناقة ، أو أربعین(1) ناقة مرة، ومائة ناقة مرة أخرى من الجبل ، فقضي بها دين محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و وعده .
وقد قال تعالى : « وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ .(2)وهو علي بن أبي طالب (علیه السلام) على ما روى الرواة في تفاسيرهم .
وأنطق الله تعالی لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) البعير والظبي ، والذئب والأسد ، ولأوصيائه (علیهم السلام)- على ما قدمنا معجزة لهم - (3) كما أنطقها للانبياء قبله .
وإنّ بئر زمزم (4) كان في صدر الاسلام بمكّة يوماً للمسلمين، ويوماً للكافرين فكان يستقي للمسلمين منها ما يكون ليومين في يومهم (5) و كان للمشركين على ما كان عليه قبله يوم بيوم (6)..
وإنّ الله تعالى كما (7) أعطى يعقوب (علیه السلام) الأسباط (8) من سلالة صلبه ، ومريم
ص: 908
ابنة عمران التي(1) من بناته ، فقال تعالى : « وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ » (2) فقد أعطى محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فاطمة (علیها السلام) من صلبه ، وهي سيّدة نساء العالمين .
وجعل الوصيّة و الإمامة في أخيه وابن عمّه علي بن أبي طالب (علیه السلام)، ثمّ في الحسن و الحسين (علیهما السلام) ، و في أولاد الحسين إلی ابن الحسن ، إلی قيام الساعة ، كلّهم ولد رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) من فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين، كما جعلها في ولد هارون أخي موسی (علیه السلام). و كما كان عيسی (علیه السلام) من ولد الأنبياء :
قال الله تعالى: « وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى » (3) .
وأعطى محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الكتاب المجيد ، والقرآن العظيم ، وفتح علیه وعلى أهل بيته باب الحكمة، وأوجب الطاعة لهم على الاطلاق بقوله تعالى: « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (4) ..
وإن كان يعقوب - علی نبیّنا و عليه السلام - صبر على فراق ولده ، حتّى كاد أن يكون حرضاً (5) من الحزن ، فقد فجع محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بابن كان له وجده(6) فصبر و وجد يعقوب وجد فراق ، و حزن محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) على قرة عينيه بوفاته (7) .
و كان يعقوب فقد إبناً واحداً من بنيه ، و لم يتيقّن وفاته .
ص: 909
وان كان يوسف قد أوتي شطر الحسن ، فقد وصف جمال رسولنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فقيل : إذا رأيته، رأيته كالشمس الطالعة.
وان كان يوسف - علی نبیّنا وعليه السلام - ابتلي بالغربة و امتحن بالفرقة ، فمحمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فارق وطنه من أذى المشركين ، ووقف على الثنية (1) وحوّل وجهه إلی مكّة فقال:
إنّي لأعلم أنّك أحبّ البقاع إلی الله ، و لولا أنّ أهلك أخرجوني ماخرجت.
فلمّا بلغ الجحفة (2) أنزل الله تعالى: « إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ » (3) ..
ثمّ إنّ آل محمّد - عليه و علیهم السلام - شرّدوا في الآفاق، وامتحنوا بمالم يمتحن به أحد غيرهم (4) وقد أعلم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) جمیع ذلك، و كان يخبر به .
وإن كان يوسف - على نبيّنا وعليه السلام - بشّره الله تعالی برؤیا رآها ، فقد بشّر محمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) برؤيا في قوله تعالى: « لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ » (5)..
وإن كان يوسف (علیه السلام)اختار الحبس توقّياً من المعصية ، فقد حبس رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في الشعب ثلاث سنين و نيفاً حين ألجأه أقاربه إلی أضيق الضيق، حتی کادهم الله ببعثه أضعف خلقه في أكله عهدهم الذي كتبوه في قطيعة رحمه .(6)
ولئن كان يوسف (علیه السلام) في الجبّ ، فقد كان محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في الغار .
ولئن غاب يوسف (علیه السلام) فقدغاب مهدي آل محمّد - عليه وعليهم السلام - وسيظهر
ص: 910
أمره كما ظهر أمره (1)..
وأكثر ما ذكرناه يجري مجرى المعجزات ، ومنه ما هو معجز .
وإن كان موسی - علی نبیّنا و عليه السلام - قلب الله تعالى له العصا حيّة، فمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) دفع إلی عكاشة بن محصن يوم بدر ، لما انقطع سيفه ، قطعة جريدة (2) ملقاة هناك فتحولت سيفاً في يده .
ولمّا دعا محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أبا جهل ليؤدّي ثمن بعير الغريب ، إذ لم يعطه شيئاً، أتی إليه ثعبان و قال : إن لم تخرج إلی محمّد ، و تقضي الغريب ، لابتلعنك . حتی خرج هائماً . (3)
و كذلك قد أظهر الله سبحانه ثعباناً، لأجل آل محمّد - عليه و عليهم السلام – حين همّوا بقتل واحد منهم عليهم السلام .
وإنّ محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) دعا الشجرة ، فأقبلت نحوه تخدّ الأرض ، و كذلك أوصياؤه على ماقدّمناه(4)..
وإن كان موسى - على نبيّنا وعليه لسلام - ضرب الحجر بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، فمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يتفجّر الماء من بين أصابعه.(5)
ص: 911
و انفجار الماء من بين اللّحم والدم أعجب من خروجه من الحجر ، لأنّ ذلك معتاد على وجه .
و قد أخرج أوصياؤه - علیه و علیهم السلام - الماء من الجبّ الذي لا ماء فيه إلى رأسه حتى شرب الناس منه.
وإنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال: إنّ المهدي من ولدي يفعل مثل ما فعل موسی(1) عند خروجه من مكّة إلی الكوفة .
وإنّ موسی (علیه السلام) ضرب البحر بعصاه فانفلق ، فكان آية ، فمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لمّا خرج إلى خیبر إذا هو بواد يشخب (2) فقدّروه أكثر من أربع عشرة قامة ، و العدوّ من ورائهم فقال الناس (3): إنّا لمدرکون . قال : كلّا .
فدعا، وعبرت الخيل و الإبل على الماء لاتندی (4) حوافرها و أخفافها .
ولمّا عبر عمرو بن معدي كرب بعسكر الاسلام بالبحر بالمدائن كان كذلك.
و إن كان موسي (علیه السلام) قد أتی فرعون بألوان العذاب من الجراد والقمّل والضفادع والدم ، فرسولنا قد أتى بالدخان على المشركين، وهو الذي ذكره الله تعالی في قوله: « يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ »(5) وما أنزل الله سبحانه وتعالى على الفراعنة يوم بدر، وما أنزل على المستهزئين بعقوبات شتّى(6) في يوم واحد(7) و قد مضي تفصيل ذلك.(8).
ص: 912
فأمّا تكليم الله تعالی لموسى (علیه السلام) فإنّه كان على الطور و رسولنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قد «دنا فتدلّی فکان قاب قوسين أو أدنی» (1) وقد كلّمه الله تعالى هناك فوق السماوات .
وأمّا المنّ والسلوى و الغمام و استضاءة الناس من موسى (علیه السلام) بنور سطع من يده فقد أوتي رسولنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ماهو أفضل منه ، وقد أحلّت له الغنائم ، ولم تحلّ لأحد قبله.
وأصاب أصحابه مجاعة في سريّة بناحية البحر ، فقذف لهم البحر حوتاً، فأكلوا منه نصف شهر ، وقدّموا بودکه (2) و کانوا (3) خلقاً كثيراً .
و كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يطعم الأنفس الكثيرة من طعام يسير ، و يسقي الجماعة الجمّة من الشربة من اللبن حتى يرووا .
روی حمزة بن عمرو (4) الأسلمي قال: إنّا نفرنا مع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعه لنا ، فانكشفت الظلمة. وهذا أعجب ممّا كان لموسی (علیه السلام) .
و أمّا اليد البيضاء لموسى ، فقد أعطي رسولنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أفضل منه ، وذلك أنّ نوراً كان يضيء أبداً عن يمينه ، وعن يساره ، حيثما جلس وقام(5) تراه الناس، وقد بقي ذلك النور إلی يوم القيامة(6) يسطع من قبره ، و كذا كان مع وصيّه وأولاده المعصومين في حياتهم، والآن يكون(7) يسطع من قبورهم، و كذا في کلّ بقعة مرّبها المهدي (علیه السلام)
ص: 913
یری(1) نوراً ساطعاً .
وإن كان موسی علی نبیّنا و عليه السلام أرسل إلی فرعون، فأراه الآية الكبرى، فنبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أرسل إلی فراعنة شتّی كأبي لهب، وأبي جهل، وشيبة، و عتبة ابني ربيعة ، وأبيّ ابن خلف ، والوليد بن المغيرة ، و العاص بن وائل السهمي (2) والنضر بن الحارث وغيرهم ، وأراهم سبحانه الآيات في الآفاق ، وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنّه الحقّ و لم يؤمنوا.
وإن كان الله تعالی انتقم لموسى (علیه السلام) من فرعون، فقد انتقم لمحمد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يوم بدر منهم، فقتلوا جميعاً ، وألقوا في القليب (3) وانتقم له من المستهزئين، فأخذهم بأنواع البلاء ، على ما مضى ذكره . (4)
وإن كان موسي (علیه السلام) صارت عصاه ثعباناً، و استغاث فرعون منه رهبة، فقد أعطي محمداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) مثله لمّا جاء إلی أبي جهل شفيعاً لصاحب الدين، خاف أبوجهل ، وقضی دین الغريب .
ثم إنّه عوتب ، فقال : رأيت عن يمين محمّد ويساره ثعبانين تصطك أسنانهما و تلمع النيران من أبصارهما ، لو امتنعت لم آمن أن يبتلعني الثعبان . (5)
و إن كان الله سبحانه قال لموسى (علیه السلام): « وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي » (6) فقال سبحانه في وصيّ محمّد وأولاده: «وَ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا » . (7)
ص: 914
وإن كان داود - علی نبیّنا و عليه السلام - سخّر له الجبال والطير ، يسبّحن معه وسارت بأمره ، فالجبل نطق لنبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إذ جادله (1) اليهود ، وشهد له بالنبوّة ، ثمّ سألوه أن يسیّر الجبل (2) فدعا، فسار الجبل إلی فضاء كما تقدّم (3)، وسبّحت الحصا في يد رسولنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وسخّرت له الحيوانات كما ذكرنا . (4)
وإن ليّن الحديد لداود (علیه السلام) فقد ليّن لرسولنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) الحجارة التي لا تلين بالنار! والحديد يلين بالنار .
وقد ليّن الله تعالى العمود [من الحديد] الذي جعله وصيّه علي بن أبي طالب (علیه السلام) في عنق خالد بن الوليد ، فلمّا استشفع إليه أخذه من عنقه . (5)
وإنّ نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لمّا استتر من المشركين يوم أحد مال برأسه نحو الجبل حتی خرقه بمقدار رأسه ، وهو موضع معروف مقصود في شعب ، وأثّر ساعداه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في جبل أصمّ من جبال مكّة لمّا استروح في صلاته ، فلان له الحجر حتى ظهر أثر ذراعيه(6) فيه ، كما أثّر قدما إبراهيم - علی نبیّنا وعليه السلام - في المقام .
ولانت الصخرة تحت يد نبيّنا في بيت المقدس حتى صارت كالعجين ،و رؤي ذلك من مقام دابّته ، و الناس يلمسونه (7) بأيديهم إلی اليوم .
وإنّ الرضا (علیه السلام) من ولده دعا في خراسان ، فليّن الله سبحانه له جبلاً يؤخذ منه
ص: 915
القدور وغيرها (1) واحتاج الرضا (علیه السلام) أيضاً إلی الطهور [بخراسان] (2) فمسّ بيده الأرض ، فنبع له عين ، و كلاهما معروف باق ينتفع الناس بهما .
و آثار وصي نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في الأرض أكثر من أن تحصى. (3)
منها : بئر عبادان (4)، و إنّ المخالف و الموالف كلاهما يروي أنّ من قال عندها «بحق عليّ (علیه السلام)» يفور الماء من قعرها إلی رأسها ، ولا يفور بذكر غيره ، و بحقّ غيره .
و إنّ سور حلب من أصلب الحجارة ، ضربه علي بن أبي طالب (علیه السلام) بسيفه (5) فأثره من فوقه إلی الأرض ظاهر .
وإنّه (علیه السلام) لمّا خرج إلی صفّین - و كان بينه و بين دمشق مائة فرسخ وأكثر - وقد (6) نزل ببريّة ، و كان يصلّي فيها ، فلمّا فرغ، و رفع رأسه من سجدة الشكر قال : أسمع [صوت] بوق التبزيز (7) لمعاوية من دمشق .
وكتبوا التاريخ فكان كما قال ، وقد بني هناك مشهد يقال له «مشهد البوق».(8).
و بکی داود (علیه السلام) على خطيئته حتى سارت الجبال لخوفه معه ، و نبیّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قام إلى الصلاة فسمع لخوفه أزيز، كأزيز المرجل (9) على الأثافي (10) من شدّة البكاء
ص: 916
وقد آمنه الله تعالى من عقابه، فأراد أن يتخشّع ، وقام على أطراف أصابعه عشر سنين حتی تورّمت قدماه ، واصفر وجهه من قيام الليل ، فأنزل الله تعالى : « طه *مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى » (1).
و كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) حتى يغشى عليه، فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟(2) قال : أفلا أكون عبداً شكوراً ؟
و كذلك كانت عبادة وصيّه (علیه السلام) في مقاماته .
وإن كان سليمان - علی نبیّنا و عليه السلام - سأل الله أن يعطيه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده (3) فمحمّد(4) (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) عرضت عليه(5) مفاتيح خزائن كنوز الأرض، فأبی استحقاراً لها ، فاختار الفقر والقوت .
فأعطاه (6) الله سبحانه الكوثر والشفاعة ، و هي أعظم من ملك الدنيا جميعاً من أوّلها إلی آخرها سبعين مرّة، و وعده الله المقام المحمود الذي يغبطه به الأوّلون والآخرون .
و سار في ليلة إلی بيت المقدس ، و منها إلی سدرة المنتهى ، وسخّر له الريح حتّى حملت بساطه بأصحابه إلی غار أصحاب الكهف .
ص: 917
وإن كان لسليمان الريح غدوّها شهر و رواحها شهر (1) فكذلك كانت لأوصياء محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، وسخّرت لمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و أوصيائه (علیهم السلام)الجنّ حتى آمنت منقادة طائعة ، قال الله تعالی (2): « وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ » (3). « قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ » (4) وقبض على جنّي (5) فخنقه (6).
ومحاربة (7) وصيّه (علیه السلام) مع الجنّ ، وقتله إيّاهم معروفة ، و كذلك إتيانهم إليه وإلى أولاده المعصومین لأخذ العلم منهم مشهور(8) ..
وإن كان سليمان - علی نبیّنا و عليه السلام - سخّرهم للابنية و المصانع، و استنباط القني(9) ما عجز عنه جميع الناس، فنبیّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لم يحتج إلی هذه الأشياء، ولو أراد منهم ذلك لفعلوا، على أنّ مؤمني الجنّ يخدمون الأئمّة، و أنّهم (علیهم السلام) كانوا يبعثونهم في كلّ أمر يريدونه على العجلة .
وإنّ الله سبحانه سخّر الملائكة المقرّبين لمحمّد وعترته عليه وعليهم السلام (10) فقد كانوا ينصرون محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و يقاتلون بين يديه كفاحاً (11) يمنعون منه، ويدفعون عنه.
ص: 918
و كذلك كانوا مع عليّ (علیه السلام) ويكونون مع بقيّة آل محمّد (عليه وعليهم السلام) على ماروي وإن كان سلیمان - علی نبیّنا وعليه السلام - يفهم كلام الطير ومنطقها، فكذلك نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) كان يفهم منطق الطير، فقد كان (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) في بريّة ، فرأى طيراً أعمى على شجرة .
وروى من كان معه أنّهم سمعوا ذلك الطبريصيح، فقال لأصحابه: أتعلمون مايقول هذا الطير؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. قال : يقول: ربّ (1) إنّي جائع ، ولا يمكنني أن أطلب الرزق . فوقعت جرادة على منقاره ، فأكلها .
و كذا فهم منطقها عترته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) (2) على ما مضى (3) ..
وإنّ عیسی - علی نبیّنا وعليه السلام - مرّ بكربلاء، فرأى ظباء، فدعاها ، فقال لها: ههنا لا ماء ولامرعی ، فلم مقامك فيها !؟
قالت: ياروح الله إنّ الله ألهمنا أنّ هذه البقعة حرم الحسين (علیه السلام) فآوينا إليها .
فدعا الله عيسى (علیه السلام) أن يبقي أثراً ، يعلم آل محمّد أنّ عيسى كان مساعداً لهم في مصيبتهم .
فلمّا مرّ علي بن أبي طالب (علیه السلام) بها ، وجعل يقول : ههنا مناخ ركابهم، و ههنا مهراق دمائهم . فسأله ابن عبّاس عن ذلك ، فأخبره بقتل الحسين (علیه السلام) بها .(4)
ص: 919
وإنّ عیسی - علی نبیّنا و عليه السلام - مرّههنا ، ودعا - و من قصّته کیت و کیت - (1)فاطلب بعرات تلك الظباء، فإنّها باقية. فوجدوا كثيراً من البعر قد صار مثل الزعفران . و إنّ الظباء قد نطقت مع محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وعترته (علیهم السلام) في مواضع شتّی كما تقدم. (2)
وإنّ يحیی بن زکریا - علی نبینّا وعليهما السلام - أوتي الحكم صبيّا (3) و كان يبكي من غیرذنب ، ويواصل الصوم، ولم يتزوّج، وأهدي برأسه إلی بغيّة، فإنّما اختار نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) التزوّج لأنّه كان قدوة في قوله وفعله ، والنكاح ممّا أمر الله تعالی آدم (علیه السلام) به للتناسل .
و كان لسليمان (علیه السلام) من النساء و الجواري ما لا يحصى .
وقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : تناكحوا تناسلوا (4) فإنّي أباهي بكم الأمم. (5)
وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : مباضعتك (6) أهلك حسنة . فقيل: يارسول الله تأتي شهوتنا (7) ونفرح أفنؤجر؟ فقال : أرأيت لو وضعتها في باطل أكنت تأثم ؟ قال : نعم.
قال : أفتحاسبون بالشرّ، ولا تحاسبون بالخير ؟! (8)..
ص: 920
و أراد الله(1) سبحانه أن يكون للنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ذرية طيّبة باقية إلی يوم القيامة .
و قد وصف الله سبحانه عیسی (علیه السلام) بما لم يصف به أحداً من أنبيائه [المتقدمين] فقال تعالى: « وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ*وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ » (2) و رسولنا وعترته (3) - عليه وعليهم السلام - وسيلة آدم، ودعوة إبراهيم ، و بشری عیسی.
فان قدّر عيسي من الطين كهيئة الطير ، فيجعلها الله سبحانه طيراً ، فإنّ الله سبحانه أحيي الموتى لنبيّنا وعترته .
وإن كان يبرىء الأكمه (4) و الأبرص باذن الله، فكذا كان من نبيّنا و من آله عليه وعليهم السلام، والآن ربّما يدخل العميان(5) و من به برص مشاهدهم، فيهب الله تعالی لهم نورالعين ، ويذهب البرص عنهم ببركة تربتهم .
وهذا معروف ما بین خراسان إلی بغداد ، إلی الكوفة ، إلی الحجاز (6). (7)
ص: 921
إعلم أنّ الله تعالى لمّا أعلم الملائكة: « إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » (1) « عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا » (2) فكان علم آدم (علیه السلام) بها في الحال التي نفخ فيه الروح معجزة له.
فكذلك محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لمّا ادّعى النبوّة وذكر أقاصيص الأنبياء (علیهم السلام) واممهم على ما في كتب الله المتقدمة من غير تعلّم ومدارسة كان ذلك معجزاً له .
ولمّا مرض آدم - علی نبیّنا و عليه السلام - قال لشيث : إنّ ربّي عهد إليّ أن أجعلك وصيّي، وخازن ما استودعني، وهذا كتاب الوصيّة تحت رأسي، فإذا متّ فخذه من تحت رأسي، وفيها إثرة العلم و اسم الله الأكبر، وفيها جميع ما تحتاج إليه من أمر دينك وتلك الصحيفة نزل بها آدم (علیه السلام) من الجنّة، فلمّا توفّي آدم - على نبيّنا وعليه السلام - شدّها شيث - ابنه - في وسطه .
وقال له حينئذ جبرئيل (علیه السلام): من مثلك يا شيث لقد خصّك الله تعالى بأمر جليل وأعطاك سرور کرامته، وألبسك لباس عافيته .
و كان شيث - علی نبیّنا وعليه السلام - بعد وفاة أبيه يعلم الأسماء كلّها، وجميع لغات الملائكة ، فكان ذلك معجزة له .
فكذلك علم علي بن أبي طالب - عليه السلام ورضي عن والده - جميع اللغات (3) كلّها بعد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
ص: 922
وكذا الحسن (علیه السلام) كان بعد أبيه يعلمها كلّها.
ويعلم الحسين (علیه السلام) جميع لغات الثقلين، والملائكة أيضاً، ومنطق الطير، وصوت جميع الحيوانات بعد الحسن (علیه السلام) أيضاً.
فكذلك علي بن الحسين عليهم جميعهم صلوات الله ورحمته وبركاته .
[و كذا الأئمّة(علیهم السلام)] ما كانوا يجهلون شيئاً منها و كان ذلك معجزة لهم باهرة .
وغسّل شيث أباه و جبرئيل معه (1) و كذلك غسّل علي محمّداً (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و جبرئيل يعاونه (2) ..
ولمّا دفن آدم - علی نبیّنا و عليه السلام - هبط قابيل من الجبل الّذي كان هارباً خلفه من أبيه .
وقال الشيث: لئن تكلّمت بشيء ممّا عهد إليك أبوك لأقتلنّك كما قتلت أخاك . فكان الأمر والنهي في الظاهر إلی قابيل .(3)
و كان شيث يثبّت المعالم(4) ويحفظ الدين إلی أن أهلك الله تعالی قابيل و وکّل الأمر إلی ابنه ، و كان شيث (علیه السلام) يداريه .
فلمّا هلك قام أيضاً ابنه مقامه ، و قد كان آدم (علیه السلام)أوصى إلی شيث جميع ذلك .
و بشّره آدم أيضاً بنوح النبيّ (علیه السلام) وأنّهم يغرقون في طوفانه .
و كذلك كان الأمر بعد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) استولي الأوّل على عليّ (علیه السلام) وقام بالأمر ظاهراً ثمّ سلّم الأمر إلی صاحبه ، ثمّ أخذ ثالث القوم الأمر ، و كان هتّاتاً (5) ..
ثمّ عاد الأمر إلی عليّ (علیه السلام) وبعده ظلمات بعضها فوق بعض إلی مهديّ آل محمّد
ص: 923
- علیه و عليهم السلام - فيطهّر الأرض من الأعداء.
و عن الباقر (علیه السلام): إنّ الله سبحانه أوحي إلی آدم (علیه السلام): «إنّي متوفّيك فأوص إلى شیث (1) وهو هبتي ، فإنّي أحبّ أن لاتخلو الأرض من عالم يقضي بحكمي ، أجعله في الأرض (2) حجّة لي».
فجمع آدم ولده وقال : أمرني ربّي أن اوصي إلی هبة الله ، وإنّ الله اختاره لي ولكم بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا . فقالوا : نسمع له ونطيعه . (3)
و كذلك فعل رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) بعليّ (علیه السلام) يوم الغدير (4).
وأمّا إدريس النبيّ - علی نبیّنا وعليه السلام - فإنّه تنحّى عن القرية التي كان فيها
و كان أهلها يعبثون، وأخبرهم بأنّ الله سبحانه يحبس عنهم المطر بدعائه، و آوی إلى كهف ، ووكّل الله سبحانه به ملكاً يأتيه بطعامه کلّ مساء ، فمكثوا بعده عشرين سنة لم يمطروا (5) قطرة .
ص: 924
فلمّا جهدوا وتابوا إلی الله تعالى أمره الله أن يرجع(1) إليهم .(2)
فكذلك مهديّ آل محمّد لمّا عاب أهل الأرض ، خرج من بينهم، وغاب عنهم ، فإذا ما اشتدّ عليهم الزمان، وغلب شرار الناس وملاوا الأرض ظلماً رجع إليهم
و إنّ إدريس - علی نبیّنا و عليه السلام - لمّا رجع إلی قريته نظر إلی دخان في بعض المنازل ، وهجم على عجوز كبيرة و هي ترقّق قرصين لها على مقلاة، فقال:
بیعي منّي هذا الطعام. فحلفت أنّها ما تملك شيئاً غيرهما، واحد لي و واحد لابني.
فقال : ابنك صغير يجزيه نصف قرص. فأكلت قرصها ، و كسرت القرص الآخر بين ابنها وبين إدريس، وباعته منه. فلمّا رأى ابنها ذلك اضطرب يبكي حتّى مات.
فقالت : يا عبد الله قتلت ابني جزعاً على قوته .
فقال : أنا أحييه باذن الله تعالى. ثمّ أخذ بعضد (3) الصبي ، وقال : أيّتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام ارجعي إلی بدنه باذن الله ، أنا إدريس .
فلمّا أحيا الله تعالى الغلام خرجت فقالت : يا أهل القرية هذا إدريس .
فخرج إلی تلّ، وقعد هناك ، واجتمع إليه أصحابه الّذين تفرّقوا بعده .
فبلغ ملك القرية خبره ، فبعث إلی إدريس - على نبيّنا و عليه السلام – أربعين رجلاً ليأتوه بادریس (علیه السلام)، فعنّفوه ، فدعا عليهم، فماتوا، فبعث الملك خمسمائة رجل .
فقال لهم إدريس (علیه السلام) : انظروا إلی مصارع أصحابكم .
فقالوا له : ارحم وادع أن تمطر فقد متنا بالجوع.
فقال: حتّى يأتي الجبّار متواضعاً لله ، حافياً إليّ .
فاتاه أهل القرية خاضعين تائبين ، فسأل الله تعالى، فأظلّتهم سحابة وهطلت .(4)
ص: 925
و كذلك إذا ظهر المهدي بمكّة ما بين الحجر الأسود و باب الكعبة ،فنادی جبرائيل (علیه السلام) واجتمع إليه أصحابه من الآفاق بعث السفياني أكثر من عشرين ألف رجل يقولون: «لاحاجة لنا في بني علي» فإذا بلغوا إلی البيداء خسف الله بهم الأرض فلا يبقى (1) إلّا رجلان منهم (2) ينصرف أحدهما إلی السفياني ، والآخر يخرج إلى مكّة وقد صار قفاهما إلی موضع وجهيهما يخبران الناس بحال عسكر السفياني .(3)
و كذلك كان لمّا هاجر سيّدنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) [من مكّة] لتأذّيه من أهلها دعا عليهم فعمّهم الجدب سنين ، فخضعوا و سألوه أن يدعو ، فدعا الله سبحانه واستسقى فمطروا . (4)
و كان لبعض الأنصار عناق (5) فذبحها وقال لأهله: اطبخوا بعضاً و اشووا بعضاً فلعلّ رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يشرفنا ويحضر بيتنا الليلة ويفطر عندنا وخرج [إلى المسجد] وكان له ابنان صغيران ، و كانا يريان أباهما يذبح العناق .
فقال أحدهما للاخر : تعال حتّی أذبحك . فأخذ السكّين وذبحه ، فلمّا رأتهما الوالدة صاحت فهرب الذابح خوفاً ، فوقع من الغرفة فمات ، فسترتهما ، وطبخت و هیّئت(6) الطعام ، فلمّا جاء النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلی دار الأنصاري نزل جبرئيل (علیه السلام)و قال :
یا رسول الله استحضر ولديه . فطلبهما ( فخرج أبوهما ، فقالت والدتهما : ليسا بحاضرين . فرجع إلی النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأخبره بغيبتهما .
ص: 926
فقال : لابدّ من إحضارهما. فانصرف ، و أطلعت) (1) المرأة زوجها بحالهما فأخذهما إلی مجلس النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) فدعا الله ، فأحياهما ، وعاشا سنین . (2)
و كان في بعض الأزمان نبيّ بين قوم کثيرين يدعوهم إلی الله ولا يجيبونه، و كان لهم يوم عيد ، فأتاهم ذلك النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
وقال : لا تفعلوا مثل ذاك و توبوا إلی الله، فقالوا له : إن سألت الله أن يخرج من خشب یابس ثماراً على لون ثيابنا - و كانت ثيابهم صفراء - فإنّا نؤمن بك .
و كانت هناك خشبة يابسة ، فدعا الله تعالى ، فصارت شجرة ، ثمّ أورقت ، ثمّ أثمرت المشمش ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من أظهر الایمان نفاقاً ، فكلّ مشمشة أكلها مؤمن كان نواها حلواً، و کلّ مشمشة أكلها منافق كان نواها مراً، فعرّفهم الله ذلك النبيّ به .(3)
كذلك فعل النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ليهودي كان له حقّ على مسلم ، و قد عقد أن يغرس له عدة من النخيل ويربّيها إلی أن ترطّب (4) ألواناً كثيرة ، فإنّه أمر عليّاً (علیه السلام)أن يأخذ نوي على عدد النخل (5) الّذي ضمنه المسلم لليهوديّ .
فكان النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يضع النوى في فيه ثمّ يعطيه عليّا (علیه السلام) فيدفنه في الأرض ، فإذا
ص: 927
اشتغل بالثاني نبت الأول حتّى تمّت عدّة النخل على الألوان المختلفة من الصفرة والحمرة و البياض والسواد وغيرها .
و كان النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يمشي بين نخلات و معه علىّ (علیه السلام) فنادت نخلة إلی نخلة : هذا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وهذا وصيّه . فسمّيت الصيحانيّة . (1)
و كذلك أكثر حجج الله تعالى من أولادهما (علیهما السلام) مرّوا مع قوم على شجر یابس فدعوا فأورق و أثمر وأكلوا، وقد مضى ذكره .
وكان إبراهيم - علی نبیّنا و عليه السلام - مضيافاً، فنزل عليه يوماً قوم أضياف، ولم يكن
عنده شيء يطعمهم .
فقال : إن أخذت خشب الدار وبعته من النجّار فإنّه لابدّ أن ينحته وثنأ أو صنماً فلم يفعل ، فخرج في الطلب ومعه إزار إلی موضع - بعد أن أنزلهم في دار الضيافة -وصلّى ركعتين .
فلمّا فرغ ولم يجد الإزار علم أنّ الله سبحانه قد هيّأ أسبابه .
فلمّا دخل داره رأى سارة تطبخ شيئاً ، فقال لها : أنّي لك هذا؟ قالت: هذا الّذي بعثته على يدي رجل .
و كان الله سبحانه أمر جبرئيل (علیه السلام) أن يأخذ الرمل الّذي كان في الموضع الّذي صلّى فيه إبراهيم و يجعله في إزاره ، و الحجرات الملقاة هناك أيضاً ، ففعل جبرئیل (علیه السلام) ذلك فجعل الله سبحانه الرمل جاورساً (2) مقشّراً ، و الحجارة المدوّرة سلجماً (3)
ص: 928
وقد كان للنبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأهل بيته (علیهم السلام) أمثال ذلك مراراً، وقد تقدّم في معجزاتهم.
و إنّ إبراهيم على نبيّنا و عليه السلام لمّا القي في النار، فصارت علیه برداً وسلاماً
و كذا كان موسی بن جعفر (علیهما السلام) قعد في النار بثيابه فلم تحرقه . (3)
وإنّ إبراهيم (علیه السلام) لمّا قال: « إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي » (4) قاصداً إلی بيت المقدس من سلطان نمرود جعل سارة في تابوت لئلّا يراها أحد لغيرته، فمرّ بعشّار (5) في سلطان رجل من القبط، فقال: لاأخلّيك حتّى تفتح التابوت. ففتحه عنها، و كانت موصوفة بالجمال فرفع العشّار الخبر إلی الملك، فقال: احملوه والتابوت معه إليّ.
فلمّا دخل على الملك قال لابراهيم (علیه السلام): افتحه. فقال: فيه حرمتي، وأنا أعطيك مامعي (6)ولا أفتحه . فأبى إلّا فتحه .
فلمّا رآها مدّ يده إليها، فقال إبراهيم (علیه السلام): اللّهمّ احبس يده. فشلّتا .
فقال الملك : ادع الله أن يردّ يدي، فدعا، فصلحتا، ثمّ أراد أن يمدّ يده إليها فشلّتا فسأل إبراهيم (علیه السلام) في ردّ يده (7)..
فقال : بشرط أن لا تمد يدك إليها مرّة أخرى. فقال : لا أفعل. فدعا فصلحت يده .
فقال الملك : عندي جارية صالحة بكر تليق بكم: فأتي بهاجر فوهبها لها (8). (9)
ص: 929
ومثل ذلك كان للحسين (علیه السلام) مع فرعون هذه الامّة، فإنّه (1) مدّ يده ليضرب على وجه الحسين (علیه السلام) فيبست يده، فتضرّع إليه ليدعو ربّه فتردّ إليه يده، فدعا(2) فصلحت ولم يعتذر كاعتذار (3) الملك القبطي. (4)
ولمّا خلّف إبراهيم - علی نبیّنا و عليه السلام - إسماعيل وأمّه هاجر بمكّة باذن الله تعالی، عطش إسماعيل و لم يكن بمكّة ماء ظاهر على وجه الأرض. فطلبت أمّه الماء فلم تجده ، ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم .(5)
وكذلك لمّا ولد عیسی بن مریم (علیه السلام) جعل الله تعالى لهما شرباً - أي عيناً - ينبع. (6)
و قد أنبط (7) الله تعالى الماء لسيدنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ، و لعترته (علیهم السلام) (8) الأئمّه في زمان بعد زمان على ما أشرنا إليه من قبل (9) ..
وعن الباقر(علیه السلام) : إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً ، ناصح الله سبحانه ، فناصحه ،فسخّر له السحاب، وطویت له الأرض، و بسط له في النور، و كان يبصر بالليل كما
ص: 930
يبصر بالنهار، وإنّ أئمّة الحقّ (1) کلّهم قد سخّر الله تعالى لهم السحاب، و كان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ولاصلاح ذات البين . (2)
وعلى هذا حال المهدي (علیه السلام) ولذلك يسمى «صاحب المرأى والمسمع» فله نور یری به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب ، و يسمع من بعيد كما يسمع من قريب، وإنّه مسیح (3) في الدنيا كلّها على السحاب مرّة، وعلى الريح أخرى ، وتطوي له الأرض مرّة، فيدفع (4) البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً .
وعن الصادق (علیه السلام): إنّ أعرابياً اشتری من یوسف - علی نبیّنا وعليه السلام. طعاماً ، فقال له : إذا مررت بوادي كذا و كذا فناد: «یا یعقوب یا یعقوب» فإنّه يخرج إليك رجل(5)وسیم، فقل له: إنّي رأيت بمصر رجلاً يقرئك السلام و يقول(6): إنّ وديعتك عند الله محفوظة لن تضيع .
فلمّا بلّغه الأعرابي ذلك خر(7) مشياً عليه ، فلمّا أفاق قال: هل لك من حاجة ؟
قال: لي ابنة عمّ ، وهي زوجتي لم تلد. فدعا له، فرزق منها أربعة أبطن، فی کل بطن إثنان. (8)
ص: 931
ومثل ذلك مرويّ عن أئمّة الهدى لكثير من الناس لمّا سألوا منهم ذلك، وقد تقدّم کثیر (1) منه .
وقال أبو عبدالله (علیه السلام): إنّ رجلا من بقيّة عاد أدرك فرعون يوسف ، فأجاره ومنعه، والعادي يحدّثه بالصدق، و كان يوسف - على نبيّنا و عليه السلام - صدّيقأ، فلمّا قدم يعقوب (علیه السلام) أكرمه الجار ليوسف فقال (2) : یا يعقوب كم أتى عليك ؟ فقال يعقوب (علیه السلام) : مائة وعشرون سنة. فقال العادي: كذب (3). فسكت (4) وشقّ ذلك على فرعون
فقال مرّة أخرى : كم أتى عليك يا يعقوب؟ فقال يعقوب : عشرون ومائة سنة.
فقال العادي : كذب. فقال يعقوب (علیه السلام): اللّهمّ إن كان كذب فاطرح لحيته .
فسقطت لحيته على صدره ، فبقي واجماً (5)..
فقال فرعون : دعوت على من أجرته ، فادع ربّك أن يردّها عليه.
فدعا (6) فردّها عليه، و كان العادي رأي إبراهيم - علی نبیّنا وعليه السلام - فلمّا رأى يعقوب ظنّه إبراهيم . (7)
وقد جرى من خارجي مع علي بن أبي طالب (علیه السلام) مثل ذلك فإنّه (علیه السلام) قسّم المال ،
فقال له الخارجي : ما قسّمت بالعدل .
فدعا عليه، فسقطت لحيته (8) ، فبكا وتضرّع، و سأله أن يدعوله .
ص: 932
فدعا الله سبحانه فردّها عليه (1). (2)
وقال الله تعالی : « وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا » (3) في قصّة أيّوب – على نبيّنا وعليه السلام - وقد أصابه الله تعالى بمحن توالت عليه(4) شدائدها ليرفع الله سبحانه بها درجاته ، ثمّ كشفها عنه و أعاد عليه النعم ليعتبر المؤمنون ويصطبروا (5) ويشكروا.
وقال الصادق (علیه السلام): إنّ الله سبحانه ردّ عليه(6) أهله و ولده الذين هلكوا بأعيانهم و أعطاه مثلهم معهم ، و كذلك ردّ عليه مواشيه و أمواله بأعيانها وأعطاه مثلها معها ، وأمطر الله سبحانه من السماء على أيّوب فراشاً من الذهب ، فجعل أيّوب يأخذ ما كان خارجاً من داره فيدخله داره .
فقال له جبرئيل (علیه السلام): أما تشبع يا أيّوب؟ قال: ومن يشبع من فضل الله. (7)
و كذلك عزير لمّا أماته الله تعالی مائة عام ثمّ بعثه، و كان معه التين فكان على حاله لم يتغيّر، و كان أيضاً معه اللبن لم يتغيّر ، ورأى حماره حيّاً بعد موته.(8)
ص: 933
وكذلك مرّ نبيّ(1) على قرية وهي خاوية على عروشها، و رأي أهلها كلّهم موتی فعلم أنّهم أهلكوا بسخط الله تعالی .
فدعا الله ، فقال تعالى : رشّ عليهم الماء . ففعل، فأحياهم الله تعالى ، وهم الوف و بعثه الله تعالى إليهم رسولاً و عاشوا سنين .(2)
فمن أقرّ بصحّة ذلك جميعه كيف ينكر الرجعة في الدنيا (3) على ما ذكرناه .
«وقال النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : ما جرى في أمم الأنبياء قبلي شيء إلّا ويجري في أمّتي مثله وذكر خروج الصفراء بنت شعیب على يوشع وصيّ موسى .
ثمّ قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) لأزواجه : و إنّ منكنّ من تخرج على وصيّ وهي ظالمة ثمّ قال : يا حميراء لا تكونيها . فأخبر بذلك قبل كونه» وكان معجزاً له (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) . (4)
وعن الصادق (علیه السلام): إنّ موسى بن عمران - علی نبیّنا وعليه السلام - لم يخرج حتى خرج ثمانون كذّاباً .
وفي القائم منّا سنّة من موسی بن عمران، وهو خفاء مولده وغيبته عن قومه وفيه سنّة من يوسف .
قيل : كأنّك تذكر خبره وغيبته .
قال : وما ینكر - هؤلاء (5) أشباه الخنازير - من ذلك ، إنّ اخوته وهم أسباط لم يعرفوه ، حتّى قال لهم : أنا يوسف ، فما تنكرون أن يسير القائم في أسواقهم
ص: 934
ويطأ بسطهم ، وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله أن يعرفهم نفسه .(1)
وإنّ الخضر (علیه السلام) يراه كثير من الناس في الطواف بمكّة حول الكعبة ، أو في البراري يرشد ضالّاً ، أو في البحار عند غرق السفن ، فيحفظها والناس لا يعرفونه في الحال ، فإذا خرج وغاب علموا بأمارات أنّه كان (2) الخضر .(3)
وكذلك صاحب الأمر ، قد رآه الكثير من الناس في زمان بعد زمان ، وفي بقاع مختلفة عند وقوع هلاك على جماعة من المسلمين ، فرأوه على صفاته وهيئته وهم لا يعرفونه ، فإذا دفع القوم الذين استولوا على هؤلاء المؤمنين و أرادوا هلاكهم إمّا بالقتل ، أو بالتشريد والهزيمة، أو على وجه من الوجوه ، لهؤلاء الظلمة ، وذلك أكثر من أن ينطوي عليه كتاب كبير ، مرويّ عن المعتمدين ، علموا أنّه لم يكن إلّا مهدي آل محمّد - علیه و علیهم السلام - وأنّ صفاته وهيئته معلومة، فيقطع(4) بها على أنّه هو، وهذا نوع من المعجزات الباهرة وله من الأنبياء المتقدّمين نظائر على ما أشرنا إليه .
ص: 935
وإنّ فرعون لمّا كان يسمع أنّ هلاکه وهلاك قومه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود، و لم يصل إلی قتل من يهلكه ويهلك قومه.
فلمّا ولد موسى - على نبيّنا وعليه السلام - و كان ما كان ترك القتل .
وكذلك بنو أميّة وبنو مروان وبنو العبّاس لمّا سمعوا أنّ زوال ملكهم على يد القائم من آل محمّد - علیه و علیهم السلام - وضعوا سيوفهم في قتل أولاد أهل البيت يهلكونهم بالقتل(1).
فلمّا ولد صاحب الزمان (علیه السلام) تركوا ذلك القتل .
ویأبی الله سبحانه أن يكشف إمامة (2) لواحد من الظلمة فإنّه (علیه السلام) يعين الشيعة شرقاً وغرباً، و يحفظهم، سيّما في طريق سرّ من رأى (3) فإنّ المخالفين حواليها يتعصّبون فيؤذون المؤمنين (4) و لم يزل(5)(علیه السلام) يدفع شرّهم بالهينة (6) مرّة، و بالسوط والسيف اخرى وهذه السمعة من المعتمدین .
وهذا كما كان موسى - على نبيّنا و عليه السلام - يدفع القبط عن بني إسرائيل سراً و علانية .
و قد قال أبو عبدالله (علیه السلام): إنّ في صاحب هذا الأمر سنناً من الأنبياء - على نبيّنا وعليهم السلام - : سنّة من نوح ، وهو طول عمره، وظهور (7) دولته وبسط يده في(8) هلاك أعدائه .
ص: 936
وسنّة من موسى (علیه السلام) لمّا كان خائفاً يترقّب .
وسنّة من عیسی (علیه السلام)، فإنّه يقال فيه ماقيل في عیسی .
و سنّة من يوسف (علیه السلام) بالستر ، يجعل الله سبحانه بينه و بين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه وسنّة من محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) يهتدي بهداه، و يسير بسيرته ، يخرج بالسيف [كماخرجرسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ].
و سنّة من داود (علیه السلام)، وهو حكمه بالالهام .(1)
و عن الباقر (علیه السلام): إنّ موسى بن عمران (علیه السلام) لمّا انتهي ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة قال لهم : ادخلوا. فأبوا أن يدخلوها ، فتاهوا في أربعة فراسخ أربعين سنة ، و كانوا إذا أمسوا نادى مناديهم : أمسيتم ! الرحيل. حتّى إذا انتهوا إلى مقدار ما أرادوا من السير أمر الله تعالى الأرض فدارت بهم إلی منازلهم الأولى فيصبحون في منزلهم الّذي ارتحلوا منه .(2)
وإنّ الله تعالی طوى الأرض لأئمّة الهدى في أوقات مختلفة ، فكم من رجال من الحاجّ كانوا يضلّون في البادية في هذه الغيبة ، فانقذهم الله من الهلاك بمهديّ الزمان (علیه السلام) لرشدهم(3)..
ص: 937
فإنّ كتبنا مشحونة بأنّ كثير منهم انقطعوا من القافلة أيّاماً ، و يئسوا من الحياة وإذا بصاحب الامر(علیه السلام) أخذ بأيديهم ، و أطعمهم ، وسقاهم ، و بعث معهم من يطوي لهم الأرض فيوصلهم إلی العمران في أسرع زمان .
كما روي أنّ رجلاً من همدان قد حجّ ، فلمّا صدر من مكّة مع القافلة تأخّر ليلة عنهم ، ونام لغلبة النعاس عليه في البادية ، فلمّا أصبح لم ير أحياءاً ، ولا أثراً ولا يدري أيّ صوب خرج ، فتاه ، و أيس ، وبقي بلا زاد منذ أيام .
فرأى صاحب الزمان (علیه السلام)، وطيّب قلبه، و أطعمه و سقاه ، ثمّ بعث معه بعد وهن من الليل من أخذ بيده، و أوصله إلی أسد آباد في أوقات معدودة من الليل قليلة وقد رجع إلى بيته قبل وصول الحاجّ بشهرين.
وكان يقول : كان الأرض كانت تجري من تحت قدمي .
وقال لأهله : قلت له : من أنت ؟ فقال: أنا المهديّ الّذي شكّوا فيّ أهل بلدك .
ولهذا الرجل بهمدان قبیل کثیر، يقال لهم : بنور اشدّ متشيّعون ، منهم من يروي كذلك عن جدّهم، وهو يقول: إنّ المهديّ (علیه السلام) قال لي: أنت فلان! من مدينة في الجبل يقال لها: «همدان» وناولني صرّة فيها خمسون ديناراً ولم نزل بخير ما بقي معنا شيء .
وأكثرهم يسأله : من أنت؟ فيقول: أنا المهديّ الّذي ينكرني أهل بلدتكم. ثمّ يستبصرون، ويستبصر غيرهم بسبب ذلك .(1)
وقد كان لجماعة كثيرة مثل ذلك من طيّ الأرض لهم مع زین العابدين، والصادق والكاظم ، والتقي ، و آبائهم وأبنائهم (علیهم السلام) .
ص: 938
و إنّ موسی بن عمران - على نبيّنا وعليه السلام - كان مبتلى بابن عمّه «قارون».
كما أنّ القائم المهديّ (علیه السلام) كان مبتلی بعمّه «جعفر الكذّاب» وإنّ الله تعالی دفع معرّته (1) عن المهديّ (علیه السلام) ، وجعل كلمته العليا ، وأخافه من المهديّ (علیه السلام) .
فإنّه لمّا توفّي الحسن العسكري (علیه السلام) اجتمع أصحابه للصلاة عليه في داره فجاء جعفر الكذاب ليصلّي عليه والشيعة حضور إذا هم بفتى جاء و أخذ بذيله وأبعده من عند أبيه ، وصلّي عليه ، وائتمّ الناس به ، وبقي جعفر الكذّاب مبهوتاً متحيّراً لا يتكلّم ، فلمّا فرغ من الصلاة على أبيه خرج من بين القوم وغاب، فلا يدري من أيّ وجه خرج. (2)
وإنّ قارون أعطى إمرأة لها جمال مالاً أكثر من مائة ألف درهم على أن تقوم هي على رؤوس بني إسرائيل فتقول : «إنّ موسی دعاني إلی نفسه» فوقفت (3) عليهم و فيهم موسی و قارون في زينته ، فقامت وقالت : يا موسى إنّ قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقوم في بني إسرائيل فأقول لهم إنّك دعوتني إلی نفسك و معاذ الله .
فكذلك أناس كانوا يتسلّطون على أئمّة الهدى من آل محمّد عليه و عليهم السلام (4) و يؤذونهم و يلّطخونهم بالعيوب و الأكاذيب .
فإذا و کّل بهم أحد من جهة بني العبّاس واطّلع على أحوالهم، شهد بطهارتهم
ص: 939
و آمن بهم ، وتبرّأ من بني العبّاس إلّا أن يكون خبيث الأصل دعيّاً .
وإنّ موسى - على نبيّنا و عليه السلام - لمّا تأذّي من قارون ، و كان قد خرج في زينته قال للارض : «خذيه». فأخذته و أبتلعته، وإنّه ليتخلخل (1) كما قال تعالى : « فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ » (2) ..
و كذلك قصد سراقة بن مالك إهلاك رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و أسره على غرّة، و كان مقبلاً إلی المدينة [ فدعا عليه ] فأخذت الأرض قوائم فرسه و ساخت فيها .
فقال: يا محمّد الأمان . فقال : يا أرض خلّيها. فطفر فرسه منها . (3)
وإنّ المتوكّل قال لندمائه : أعياني أمر علي النقي ، فإنّي جهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع .
فقالوا : هذا أخوه موسی قصّاف عزّاف (4) يشرب ويتخالع فاحضره واشهره فإنّ الخبر يشيع في الدنيا عن ابن الرضا بذلك ، ولا تفرّق الناس بينه و بين أخيه و من عرفه بشرب الخمر والزنى والقمار اتّهم أخاه بمثل فعاله .
فقال : اكتبوا باشخاصة مكرّماً .
فجاء موسى وتلقّاه أبو الحسن (علیه السلام) فقال : إنّ المتوكّل أحضرك ليهتكك فلا تقرّ له بأنّك شربت نبيذاً قطّ ، اتّق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً .
فأبي موسى عليه ، فكرّر عليه أبو الحسن الوعظ، وأقام موسي على خلافه فدعا (علیه السلام) أن لا تجتمع أنت والمتوکّل أبداً .
فجاء موسى إلی باب المتوکّل وأقام ثلاث سنين يتكرّر کلّ يوم ، فيقال له :
ص: 940
هو مشغول ، ومرة يقال له : قد شرب الدواء ، إلی أن قتل المتوکّل .(1)
وعن الصادق (علیه السلام): إنّ دانیال كان في زمن ملك جبّار فطرحه (2) في البئر وطرح معه السباع (3) لتأكله ، فلم تدن منه ، فأوحى الله تعالى إلی نبيّ من أنبيائه أن ائت دانیال بطعام . قال : يا ربّ وأين دانيال ؟ قال : تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فيدلّك عليه . فخرج فانتهي به الضبع إلی ذلك الجبّ فأدلى إليه الطعام .
فقال دانيال : الحمد لله الّذي لا ينسى من ذكره .(4)
وإنّ موسی بن جعفر(علیهما السلام) كان محبوساً ببغداد عند شرّ النّاس من موالي بني العبّاس ، فطرحه في الموضع الّذي فيه السباع الجياع ، فلمّا أصبحوا لم یشکّوا أن لم يبق من موسی بن جعفر(علیهما السلام) إلّا العظام ، فوجدوه قائماً يصلّي في ذلك الموضع ، والأسود حواليه كالسنانير .(5)
ولا يخفى أنّ السباع كلّها تذلّ لآل محمّد المعصومین و تنتهي إلی أوامرهم .
فإنّ الباقر(علیه السلام) دعا للكميت لمّا أراد أعداء آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) أخذه وإهلاكه، و كان متوارياً ، فخرج في ظلمة الليل هارباً ، وقد أقعدوا على کلّ طريق جماعة ليأخذوه
ص: 941
إن خرج في خفية ، فلمّا وصل الكميت إلی الفضاء و أراد أن يسلك طريقاً ، فجاء أسد فمنعه من أن يسري فيها ، فسلك أخرى، فمنعه منها أيضاً ، و كأنّه أشار إلى الكميت أن يسلك خلفه ، ومضى الأسد في جانب والكميت خلفه إلی أن أمن و تخلّص من الأعداء.
و كذلك كان حال السيّد الحميري ، دعا له الصادق (علیه السلام) لمّا هرب من أبويه وقد حرّشا عليه السلطان فدلّه سبع على طريق، و نجا منهما .(1)
و إنّ أصحاب الكهف لمّا فرّوا إلی الله تعالى ، و خرجوا من عند «دقیانوس» و آووا إلی الغار، ركب الملك مع جماعة خلفهم . فلمّا وصلوا إلی باب الغار ، ورآهم نیاماً فيه ، تحيّر و لم يتعرّض لهم بسوء ، و انصرفوا مدهوشين.(2)
فكذلك كان صاحب الأمر(علیه السلام) بعد وفاة أبيه (علیه السلام) و دفنه خرج جعفر الكذّاب إلى بني العباس وأنهی خبره (3) إليهم، فبعثوا عسكرأ إلی سرّ من رأى ليهجموا داره ويقتلوا من يجدونه فيها، ويأتونه برأسه، فلمّا دخلوها وجدوه في آخر السرداب قائماً يصلّي (4) على حصير على الماء ، و قدّامهم أيضاً كأنّه بحر لكثرة الماء في السرداب ، فلمّا رأوا ذلك يئسوا من الوصول إليه، وانصرفوا مدهوشين إلی الخليفة فأمرهم بكتمان ذلك .
ثم بعث بعد ذلك عسكراً أكثر من الأول، فلمّا دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن ، فاجتمعوا على بابه حتّى لا يصعد ، فخرج من حيث الآن عليه شبكة
ص: 942
وخرج وأميرهم قائم .
فلمّا غاب قال : انزلوا وخذوه .
فقالوا : إنّه مرّ عليك وما أمرت بأخذه . فقال : ما رأيته . فانصرفوا خائبين (1).
وخرج إليه العسكر مرّة أخرى ، فوجدوه في آخر السرداب ، فوضع يده (علیه السلام) على الجدار وشقّه ، وخرج منه، وأثر الشقّ بعد ظاهر فيه .(2)
و إنّ المخالفين ربّما ينكرون إجابة دعواتهم ، و يقولون : إنّ خرق العادة لاتجوز لغير الأنبياء(علیهم السلام) .
ثم يروون عن النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّ ثلاثة نفر كانوا يعبدون الله في كهف في جبل ، ولم يكونوا أنبياء ولا أوصياء، فوقعت صخرة من أعلاه على باب الكهف . فقال بعضهم :
والله لا ينجينا إلّا أن نصدّق الله تعالى، فهلمّوا (3) ما عملتم خالصاً لله تعالی .
فقال أحدهم : اللّهمّ إن كنت(4) تعلم أنّي طلبت امرأة حسناء ، و أعطيت فيها مالاً جزيلاً ، حتى إذا قدرت عليها ، ذکرت نار جهنم ، فقمت فرقاً(5) منها .
قال: فانصدعت [الصخرة] حتى نظروا إلی الضوء
ثمّ قال الآخر : اللّهمّ إنّك تعلم أنّي استأجرت قوماً [فلمّا فرغوا من عملهم أعطيت كلاً منهم] ، فقال أحدهم : إنّي عملت عمل رجلين ! فترك ماله عندي
ص: 943
فبذرت بنصف دراهمه في الأرض(1) - إذ غضب ولم يأخذه - حتى صار عشرة آلاف درهم فلمّا جاء صاحبه رفعتها إليه ، و فعلت ذلك مخافة منك (2) ..
فانفرجت حتى نظر بعضهم إلی بعض .
ثمّ قال الاخر : اللّهمّ إن كنت تعلم أنّ أبويّ كانا نائمين، فأتيتهما بقصعة من لبن فكرهت أن أنبّههما، فلم أزل [واقفاً] حتى استيقظا، فشربا، وفعلت ذلك ابتغاء وجهك.
فانفرجت حتّی سهّل [الله] لهم المخرج كما كان .(3)
وقد مضى كثير من استجابة(4) دعوات أئمّة الهدى ، فمن ذلك ، ما لم نذكره: إنّ موسی بن جعفر (علیهما السلام) دعا عليّ بن إسماعيل ابن أخيه ، فقال له : إنّ الرشید هارون يدعوك فلا تخرج إليه .
فقال : أنا مملق(5) ، و عليّ ديون .
فقال موسى (علیه السلام) : أنا أقضيها ، و أفعل بك و أصنع . فلم يلتفت إليه ، وخرج من عنده .
ص: 944
فدعاه موسی (علیه السلام) وقال له : اتّق الله ولاتؤتم أولادي . و أمر له بثلاثمائة دينارو أربعة آلاف درهم . فلمّا خرج قال: و الله ليسعينّ (1) في دمي .
فقيل له : و أنت تعلم هذا و تصله ؟!
فقال : حدّثني أبي ، عن آبائه، عن رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) : إنّ الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت (2) قطعها الله، وإنّي أردت أن أصله بعد قطعه ، حتّى إذا قطعني قطعه الله .
و كان كذلك ، فإنّه خرج إلی بغداد و رفع إلی الخليفة أنّ الأموال تحمل إلى موسی بن جعفر (علیهما السلام) من المشرق [والمغرب] فإنّه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار وأحضرها (3). فقال صاحبها (4): لا آخذ(5) إلّا نقد كذا و كذا . فأعطاه ذلك.
فأمر له الرشيد بمائتي ألف درهم، وسبّبوها(6) على النواحي .
فدعا موسی بن جعفر(علیهما السلام) أن لا ينتفع منها بشيء ، فزحر (7) عليّ بن إسماعيل زحرة خرجت الأمعاء معها (8) فسقطت، فلم يقدروا على ردّها (9) فجاءه المال وهو في النزع ، فقال : ما أصنع به ، و أنا في الموت . فلم ينتفع [به وهلك]. (10)
ص: 945
و إنّ عيسى - على نبيّنا وعليه السلام - لمّا ولد ، فكان ابن يوم كأنّه ابن شهرين و كذلك كان کلّ واحد من أئمّة الهدي (علیهم السلام) إذا كان له يوم كان كمن له شهر وإذا كان له شهر كان كمن له سنة ، و كذلك رسولنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) .
و إنّ عيسی علي نبيّنا و عليه السلام - لمّا صار له سبعة أشهر أقعدته والدته عند المعلّم فقال له : قل بسم الله .
فقال عيسى (علیه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم .
فقال قل: أبجد. فقال عيسى (علیه السلام): وما أبجد؟ وإن كنت لا تدري فسلني حتّی افسّره لك.
قال : ففسّره لي.
فقال عيسى (علیه السلام): الألف آلاء الله، والباء بهجة الله، والجيم جلال(1) الله، والدال دین الله .
«هوّز» : الهاء هول (2) جهنم ، و الواو ويل لأهل النار ، و الزاء زفير جهنّم .
«حطّي» : حطّت الذنوب عن المذنبين (3) المستغفرین .
«کلمن» : كلام الله ، لا مبدل لكماته .
«سعفص»: صاع بصاع ، والجزء بالجزء.
«قرشت» : قرشهم (4) فحشرهم .
فقال المعلّم : أيّتها المرأة ، لاحاجة له (5) إلی التعلّم . (6)
ص: 946
و كذلك كان محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و أوصياؤه (علیهم السلام)(1) حجج الله، علمهم من الله .
ألا ترى أنّ المأمون لمّا أراد أن يزوّج ابنته [ام الفضل] بمحمّد التقي الجواد و كان ابن عشر سنين ، و كان بنو العباس يمنعون المأمون من تزويجه ، ويقولون : إنّه صبيّ ، أقعده عند المعلّم ! فقال المأمون :
إنّ علم هؤلاء من عند الله ، و إنّهم لا يحتاجون إلی التعلّم (2) من الناس .
فأتوا بيحيى بن أكثم قاضي القضاة(3) ليسأله عمّا لا يعلم، فجرى بينهما مناظرات بهت القوم كلّهم لها ، وذلك معروف لا يدفعه أحد (4). (5)
وإنّ عیسی - علی نبیّنا و علیه السلام - مكث حتى بلغ سبع سنين أو ثمان ، فجعل يخبرهم بما يأكلون ، وما يدّخرون في بيوتهم .
وإنّ أئمّة آل محمّد - صلوات الله علیه و علیهم - كانوا يخبرون الناس بما في قلوبهم من الحاجات والارادات، وبما كانوا يفعلونه في بيوتهم، وما يتعاطونه بظهر الغيب ، وبجميع أحوالهم الباطنة ، وتقدّم ذكره .(6)
و إنّ عيسی (علیه السلام) بعث رجلاً إلی الروم فكان (7) لا يداوي أحداً (8) إلّا برأ (9)
فادخل عليه غلام منخسف الحدقة (10) لم ير شيئاً قطّ ، فأخذ بندقتين من طين ، فجعلهما في عينيه ، ودعا ، فإذا هو یبصر کلّ شيء ، فأنزله ملك الروم بأفضل المنازل ، فصار
ص: 947
طبيب الملك و آمنوا كلّهم بسببه . (1)
وقد وضع أئمّة الهدى [من آل محمد] (علیهم السلام) أيديهم على وجوه العمي و الكمه و مسحوها على أعينهم ، فصاروا بصراء .
بل يدخل اليوم العميان (2) مشاهدهم الشريفة ، و يسألون الله سبحانه بحقوقهم فيصيرون بصراء.
وإنّ المسيح بعث رجلاً آخر ، وعلّمه الدعاء الذي يحيي به الموتی ، فدخل الروم ، و قال : أنا أعلم من طبيب الملك . فسمع مقالته الملك فقال : اقتلوه.
فقال له الطبيب: لا تفعل ، ولكن أدخله ، فإن عرفت خطأه قتلته ، ولك الحجّة .
فادخل عليه (3) فقال : أنا أحيي الموتى . و كان الملك قد توفّي له ابن، فركب الملك ، و الناس معه إلی قبر ابنه ، فدعا رسول المسيح ، وأمّن (4) طبيب الملك -الذي هو رسول المسيح أيضا - أوّلاً فانشقّ القبر عن (5) ابن الملك ، ثمّ جاء يمشي حتى جلس في حجر أبيه ، فقال : يا بنيّ من أحياك ؟
فنظر إلی رسولي المسیح (6) وقال : هذا وهذا . فقاما ، وقالا : إنّا كلانا رسولا المسيح. فآمن الملك وأهل بلدته (7) الحاضرون في الحال ، و أعظم أهل مملكته (8) أمر المسيح - علی نبیّنا و عليه السلام - .(9)
ص: 948
وقريب من ذلك حال رجل أعجمي كبير المنزلة ، قد أتى حاجّاً بأهله ، و كانا صالحين ، ودخلا أوّلا المدينة، فزار الرجل النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثمّ أتی جعفر بن محمّد (علیهما السلام) وقد مرضت زوجته ، و أشرفت على الموت ، ويئس منها ، فماتت وسجّاها .
و خرج إلی الصادق (علیه السلام) وأخبره بأنّ زوجته قد ماتت ، ورآه حزيناً قد غلبت عليه الكآبة ، فدعا بدعاء ، ثمّ قال : اخرج فهي حيّة .
فلمّا انصرف الرجل إلی منزله ، رآها قاعدة ، ثمّ رحلوا إلی مكّة ، وخرج الصادق (علیه السلام) أيضاً حاجّاً ، فبينما زوجة الأعجمي تطوف معه بالبيت ، رأت الصادق (علیه السلام) فقالت لزوجها : هذا الرجل هو الذي شفع إلی الله تعالى حتى أحياني و كنت ميّتة .
فقال زوجها : هو إمام الهدی جعفر الصادق (علیه السلام).(1)
وإنّ عیسی - علی نبیّنا و عليه السلام - له معجزات كثيرة، لم تكن اليهود ينظرون فيها ، فيؤمنوا به، فسألوه بأن يحيي سام بن نوح - علی نبیّنا و عليهما السلام - .
فأتى قبره ، فقال : يا سام قم باذن الله . فانشقّ القبر، ثمّ أعاد الكلام، فتحرّك (2)فخرج سام . فقال له المسيح (علیه السلام): أيّهما أحبّ إليك تبقى أم تعود ؟ فقال :
یا روح الله بل أعود ، إنّي لأجد لدغة الموت في جوفي إلی يومي هذا . (3)
و كان في عهد سيّدنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) رجل ، كان أهلك ابنة له [ صغيرة ] في الجاهلية ، و كان قد رماها في واد ، فلمّا أسلم ندم على ما فعل .
ص: 949
فقال يا نبي الله إنّي فعلت كذا بابنة لي صغيرة (1).
فخرج النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) معه إلی شفير الوادي (2) فدعا ابنته ، فقالت : لبيّك یارسول الله ! فقال لها : تریدین (3) أن ترجعي إلی أبويك فهما الان قد أسلما ؟
فقالت : يا رسول الله أنا عند ربّي لا أختار أبي و أمّي على الله تعالى (4). (5)
وكان عيسی (علیه السلام) يبشّر النّاس بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و أهل بيته (علیهم السلام) ، فقال نبيّنا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) :
أوحى الله تعالى إلی عيسی جدّ (6) في أمري ، ولا تترك (7) إنّي خلقتك من غير فحل آية للعالمين ، أخبرهم : آمنوا بي ، وبرسولي النبيّ الأمّيّ ، نسله من مباركة (8) هي مع أمّك في الجنّة ، طوبی لمن سمع كلامه، وأدرك زمانه ، و شهد(9)أيّامه . (10)
وعن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: بينا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) جالساً إذا بامرأة تمشي ، حتی انتهت إليه (11) فقال لها : مرحباً وأهلاً بابنة نبيّ ضيّعه قومه ، إنّه أخي خالد
ص: 950
ابن سنان العبسي . (1)
ثمّ قال : إنّ خالداً دعا قومه ، فأبوا أن يجيبوه ، و كانت نار (2) تخرج عليهم كل يوم ، فتأكل ما يليها من مواشيهم ، و ما أدركت (3) لهم من غلاتهم ، فقال لقومه : يا قوم (4) إن رددتها عنكم، تؤمنون بي، و تجيبونني، وتصدقونني ؟
قالوا : نعم .
فاستقبلها عند خروجها بيده(5) حتّى أدخلها غاراً - و هم ينظرون - فدخل معها ثمّ مكث حتّی طال مكثه و أبطأ (6) عليهم ، فقالوا : إنّا لنراها قد أكلته .
فخرج من الغار ، وقال : أتجيبونني وتؤمنون بي ؟
قالوا : نار خرجت، ثمّ دخلت لوقت. فأبوا أن يجيبوه .
فقال لهم : إنّي ميّت يوم كذا ، فإذا أنا متّ ، فادفنوني ، ثمّ دعوني ثلاثة أيّام ثم انبشوا عنّي، ثمّ سلوني ، أخبركم بما كان ، وما يكون إلی يوم القيامة .
فلمّا جاء ذلك الوقت توفّي ، فقال بعضهم : لم نصدّقه حيّاً ، أنصدّقه میّتاً !
ص: 951
فترکوه . (1)
وإنّه كان بين النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و عیسی (علیه السلام) ولم يكن بينهما نبيّ غيره (2) .
وقد ذكرنا من قبل روایات كثيرة أنّ النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) قال لعليّ (علیه السلام) : إذا متّ فغسّلني و کفّنّي وسلني [ عمّا بدالك ] . فسأله ، فأخبره بما يكون إلی يوم القيامة. (3). (4)
إعلم أنّ غيبات الأنبياء صلوات الله عليهم ، والأوصياء (علیهم السلام) نوع من المعجزات لأنّ أعداءهم إذا ما أرادوا هلاكهم في خفية أو إيذاءهم ، و كان في هلاكهم في تلك الحال هلاك الدین ، فإنّهم يغيبون.
فإذا علموا بأمارات (5) أنّ خوفهم قد زال حضروا ، وأنّ سبب غيبتهم خوفهم على أنفسهم ، فإن قصر الخوف، وقصرت مدّته ، قصرت مدة الغيبة، وإن طالت (6)مدة الخوف طالت الغيبة .
وقد كان ليونس (علیه السلام) غيبة ، و لهود (علیه السلام)غيبة ، ولصالح (علیه السلام)غيبة ، ولابراهيم (علیه السلام) غیبتان ، وليوسف (علیه السلام) غيبة ، و لموسى (علیه السلام) غيبة ، ولعيسى (علیه السلام) غيبة ، ولأوصيائهم
ص: 952
غيبة فغيبة (1) .
ولسيّدنا رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) غيبتان ، و كذلك لمهدي آل محمّد - علیه و علیهم السلام - غيبة، فإذا علم زوال (2) خوفه على نفسه ظهر .
وقد أخبر بغيبته رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ثمّ أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثم عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسی بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن ابنّ علي صلوات الله عليهم أجمعين .(3)
وقد روي عن کلّ واحد منهم جماعة من الثقات (4) فإذا زال خوفه على نفسه انتشرت رايته ، وأنطقها الله تعالى ، تنادي : اخرج یا وليّ الله ، و اقتل أعداء الله .
و له (علیه السلام) سيف مغمود ، فإذا حان أجله اقتلع ذلك السيف من غمده ، وناداه : لايحلّ لك يا وليّ الله أن تقعد ، قم و اقتل أعداء الله .
كما كان بعد وفاة موسى (علیه السلام) ووفاة وصيّه يوشع استتر جماعة من الحجج عن الناس ، و كانوا بشّروهم بداود أنّه يطهّر الأرض من جالوت وجنوده ، و كان المؤمنون يعلمون أنّه قد ولد ، ولا يعرفونه بسيماه .
وكان داود - علی نبیّنا و عليه السلام - خامل الذكر(5) فيما بينهم ، كانوا يرونه ويشاهدونه ، ويسمعون اسمه ، ولا يعلمون أنّه هو .
فلمّا فصل طالوت بالجنود (6) تخلّف داود في غنم أبيه ، وخرج إخوته مع
ص: 953
أبيهم ، فاشتدّت الحرب ، وأصاب الناس جهد ، فرجع أبوه ، وقال لداود (علیه السلام):
إحمل إلی إخوتك طعاماً، يتقوّون به على العدوّ .
فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض ، قد رجع کلّ واحد منهم إلی مرکزه فمرّ داود (علیه السلام) على حجر ، فقال له الحجر - بنداء رفيع -:
یا داود خذني فاقتل بې جالوت ، فإنّي إنّما خلقت لقتله .
فأخذه ، ووضعه في مخلاته(1) التي [ تكون ] فيها حجارته التي يرمي بها غنمه .
فلمّا دخل داود (علیه السلام) العسكر ، سمعهم يعظّمون أمر جالوت ، فقال لهم : ما تعظّمون من أمره ؟ فوالله لئن عاينته لاقتلنّه. فتحدّث النّاس بخبره، حتى أدخل على طالوت فقال له : يا فتي ما عندك من القوة ؟
فقال : قد كان الأسد يأخذ (2) الشاة من غنمي ، فأدركه ، و آخذ برأسه ، وأفكّ لحييه (3) وأنتزع شاتي (4) من فيه .
وقد كان الله تعالى أوحي إلی طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلّا من لبس درعك فملاها . فدعا بدرعه فلبسها داود (علیه السلام) فاستوت عليه، فقال داود (علیه السلام): أروني جالوت .
فلمّا رآه ، أخذ الحجر ، فرماه به ، فصكّ (5) بين عينيه ، فدمغه(6) و تنكّس عن دابّته ، فتفرقت العساكر الكافرة، كتفرق الأحزاب بعد قتل علي بن أبي طالب (علیه السلام) عمرو بن عبدود العامري .
ص: 954
فأقام داود (علیه السلام) في بني إسرائيل نبيّاً يحكم بالالهام (1). (2)
كذلك درع رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) [ما استوت على أحد بعد النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) إلّا على عليّ (علیه السلام)، و] ما استوت بعد عليّ (علیه السلام) على أحد من الأئمة و لا على غيرهم ، فكلّهم (علیهم السلام) قالوا:
إنّها تستوي على المهدي (علیه السلام) و إنّه يقتل الجوالیت (3) و الطواغيت .
ثمّ إنّه يحكم بالالهام كحكم داود (علیه السلام).
وعن أبی عبدالله (علیه السلام): إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها . قيل : ولم ذلك؟
قال : لأنّ الله تعالى أبي إلّا أن تجري فيه سنن من الأنبياء في غيباتهم ، فإنّه لابدّ له من استيفاء مدة الغيبات .
قال الله تعالى: « لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ » (4) أي سنن من كان قبلكم . (5)
وقال : لابدّ للغلام(6) من غيبة .
ص: 955
قيل : ولم ؟ قال : يخاف على نفسه - وأومأ إلی بطنه - (1). (2)
وقال (علیه السلام) : صاحب هذا الأمر تغيب ولادته عن هذا الخلق ، لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، فيصلح الله أمره في ليلة .
قيل له : ما وجه الحكمة في غيبته ؟
قال : وجه الحكمة في غيبته : وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره ، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (علیه السلام) من خرق السفينة ، و قتل الغلام ، و إقامة الجدار لموسى (علیه السلام)
ص: 956
إلى وقت افتراقهما .(1)
وعن ابن بابویه : نا علي بن الحسن بن الفرج المؤذن : نا محمّد بن الحسن الكرخي: سمعت أبا هارون - رجلاً من أصحابنا - يقول : رأيت صاحب الزمان (علیه السلام) و وجهه يضيء كأنّه القمر ليلة البدر ، ورأيت على سرّته شعراً يجري کالخطّ و کشف الثوب عنه ، فوجدته مختوناً .
فسألت أبا محمّد (علیه السلام)عن ذلك فقال : هكذا ولد موسى (علیه السلام)، و كذلك ولدنا و لكنّا سنمرّ الموسى عليه لاصابة السنّة .(2)
وعن ضوء بن علي العجلي ، عن رجل من أهل فارس قال : أتيت سرّ من رأى فلزمت باب أبي محمّد (علیه السلام) فدعي بي من غير أن أستأذن ، فلمّا دخلت وسلّمت قال لي : يا أبا فلان كيف حالك ؟ فدعاني بكنيتي .
ثمّ قال لي : يا فلان . فسمّاني باسمي.
ص: 957
ثم سألني عن رجل رجل من رجال ونساء من أهلي ، فتعجّبت من ذلك .
ثمّ قال لي : ما الذي أقدمك ؟ قلت : رغبة في خدمتك . فقال : الزم الدار .
فكنت في الدار مع الخدم أفضي(1) لهم الحوائج في(2) السوق ، و كنت أدخل من غير إذن إذا كان في دار الرجال .
فدخلت عليه يوماً، وهو في دار الرجال، فسمعت حركة في البيت، وناداني وقال: مكانك لا تبرح . فلم أجسر [ أن ] أخرج ، ولا أدخل ، فخرجت علي جارية معها شيء مغطّي، ثمّ ناداني : ادخل . فدخلت ، و نادي الجارية فرجعت ، فقال لها : اكشفي عنه . فكشفت عن غلام أبيض، حسن الوجه ، و كشفت عن بطنه ، فإذا الشعر نابت من لبّته (3) إلی سرّته ، أخضر ليس بأسود ، فقال : هذا صاحبكم.
ثمّ أمرها فحملته ، فما رأيته بعد ذلك حتّى مضى أبو محمّد (علیه السلام) .(4)
وعن يعقوب بن منقوش (5) قال : دخلت على أبي محمّد (علیه السلام) وهو جالس على دكّان في الدار ، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل قلت له :
سيّدي من صاحب هذا الأمر ؟ فقال : ارفع الستر .
ص: 958
فرفعته ، فخرج إلينا غلام خماسي(1) له عشر ، أوثمان، أو نحو ذلك، واضح (2) الجبين ، أبيض الوجه ، درّي المقلتين (3) شثن الكفّين (4) في خدّه الأيمن خال وفي رأسه ذؤابة (5) فجلس على فخذ أبي محمّد(علیه السلام) .
ثمّ قال لي : هذا صاحبكم . ثمّ وثب فقال له :
يا بنيّ ادخل إلی الوقت المعلوم، فدخل البيت، وأنا أنظر إليه .
ثمّ قال لي : يا يعقوب انظر من في البيت . فدخلت فما رأيت أحداً . (6)
وعن ابن بابویه : نا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي السمرقندي : نا (7)جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه : حدّثنا جعفر بن معروف قال : كتب إليّ
ص: 959
أبو عبدالله البلخي (1): حدّثني عبدالله السوري (2) قال :
صرت إلی بستان بني عامر فرأيت غلماناً يلعبون في غدير الماء ، وفتی جالس على مصلّی (3) واضعاً كمّه على فيه، فقلت: من هذا ؟
قالوا : م ح م د بن الحسن ، و كان في صورة أبيه . (4)
و باسناده عن أبي عبدالله البلخي ، عن محمّد بن صالح بن علي بن محمّد ابن قنبر الكبير مولی الرضا (علیه السلام) قال : خرج صاحب الزمان (علیه السلام)على جعفر الكذاب من موضع لم يعلم به عندما نازع في الميراث بعد مضي أبي محمّد (علیه السلام) .
فقال : يا جعفر مالك تعرض (5) في حقوقي؟!
فتحيّر جعفر ، و بهت، ثمّ غاب عنه ، فطلبه جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره فلمّا ماتت الجدة امّ الحسن ، أمرت أن تدفن في الدار ، فنازع جعفر و قال : هي داري ، لا تدفن فيها . فخرج (علیه السلام) فقال له :
با جعفر أدارك هي ؟ ثمّ غاب عنه ، فلم يره بعد ذلك . (6)
وعن ابن بابویه : نا أبو الحسن عليّ بن الحسن بن علي بن محمّد (7) بن عليّ ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) : نا (8) أبو الحسين بن و جناء : حدّثني
ص: 960
أبي ، عن جدّه، أنّه كان في دار الحسن بن علي الأخير ، فكبستنا (1) الخيل و فيهم جعفر الكذاب ، واشتغلوا بالنهب والغارة ، و كان همّي في مولاي القائم (علیه السلام) .
قال : فإذا أنا به قد أقبل ، و خرج عليهم بالباب ، وأنا أنظر إليه ، وهو ابن ستّ سنين، فلم يره أحد حتّى غاب (علیه السلام). (2)
وعن ابن بابویه : نا محمّد بن إبراهيم الطالقاني : نا عليّ بن أحمد الكوفي المعروف بأبي (3) القاسم الخديجي: نا سليمان بن إبراهيم الرقّي : نا أبو محمّد الحسن بن وجناء النصيبي قال : كنت ساجداً تحت الميزاب في رابع (4) أربع وخمسين حجّة بعد العتمة، و أنا أتضرّع في الدعاء إذ حرّکني محرّك فقال :
قم يا حسن بن وجناء. فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن، أقول : إنّها من بنات الأربعين فما فوقها ، فمشت بين يديّ وأنا لا أسألها عن شيء حتّى أتت في دار خديجة ، فرأيت بيتاً بابه في وسط الحائط ، وله درجة ساج يرتقي إليه ، فصعدت الجارية و جاءني النداء: اصعد ياحسن.
فصعدت، فوقفت بالباب .
فقال لي صاحب الزمان (علیه السلام): یا حسن أتظنّ أنّك (5) خفيت عليّ؟ والله ما من وقت في حجّك إلّا و أنا معك فيه . ثمّ جعل يعد عليّ أوقاتي ، فوقعت على وجهي
ص: 961
ثمّ قمت ، فقال : يا حسن الزم بالمدينة دار جعفر بن محمّد (علیهما السلام) ولا يهمّنّك طعامك ولا شرابك ، ولا ما يستر عورتك . ثمّ دفع إليّ دفتراً فيه دعاء الفرج والصلاة عليه ، فقال : بهذا فادع ، وهكذا صلّ عليّ ، ولا تعطيه إلّا محقّي أوليائي وإنّ الله جلّ و اعزّ (1) يوفّقك .
فقلت : مولاي لا أراك بعدها ؟ فقال : يا حسن إذا شاء الله .
قال: فانصرفت من حجّتي، ولزمت دار جعفر بن محمّد (علیهما السلام) بالمدينة، فأنا لاأخرج منها ، ولا أعود إليها إلّا لثلاث خصال: لتجديد وضوء، أو النوم ، أو لوقت الافطار فأدخل بيتي وقت الافطار فاصيب كوزي مملوءاً ماءاً ، ورغيفاً على رأسه ، عليه ما تشتهي نفسي بالنهار ، فأكمل (2) ذلك كفاية لي ، و كسوة الشتاء في وقت الشتاء و كسوة الصيف في وقت الصيف، فإنّي لآخذ الماء بالنهار فارشّ به البيت ، وأدع الكوز فارغاً، وأؤتي بالطعام ولاحاجة لي إليه فأصّدّق به لئلّا يعلم به من معي .(3)
وعن محمّد بن شاذان ، عن الكابلي ، وقد كنت رأيته عند أبي سعيد غانم بن سعيد الهندي، فذكر أنّه خرج من کابل مرتاداً طالباً ، و أنّه وجد صحّة هذا الدين في الانجيل و به اهتدی.
ص: 962
قال ابن بابويه : فحدثني محمّد بن شاذان بنیشابور قال : بلغني أنّه قد وصل فترصّدت له حتى لقيته ، فسألته عن خبره ، فذكر أنّه لم يزل في الطلب، وأنّه أقام بالمدينة ، فكان لا يذكره لأحد إلّا زجره و أشهره ، فلقي شيخاً من بني هاشم - وهویحیی بن محمّد العريضي - فقال له : إنّ الذي تطلبه ب- «صريا» (1).
فقصدت صريا ، وجئت إلی دهليز مرشوش ، فطرحت نفسي على الدكّان ، فخرج ّ غلام أسود فزجرني وانتهرني وقال: قم من هذا المكان.
فاستويت وقلت: لا أفعل. فدخل الدار ، ثمّ خرج وقال : ادخل .
فدخلت ، فسلّمت ، فإذا مولاي قاعداً وسط الدار ، فلمّا نظر إليّ سمّاني باسم لم يعرفه أحد إلّا أهلي بكابل، وأخبرني بأشياء (2) ..
فقلت : إن نفقتي ضاعت (3) . و كانت باقية .
فقال : أما إنّها ستذهب منك بكذبك. و أعطاني نفقة ، فضاع ما كان معي ، و سلم ما أعطانی .
ثم انصرفت في السنة الثانية ، فلم أجد في الدار أحداً .(4)
ص: 963
و عن ابن بابویه : نا محمّد بن علي بن بشّار القزويني : نا أبو الفرج المظفّرابن أحمد: نا محمّد بن جعفر الكوفي: نا محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسن ابن محمّد بن صالح البزاز : سمعت الحسن بن علي العسكري (علیهما السلام)(1) يقول :
إنّ ابني هو القائم من بعدي، وهو الذي تجري فيه سنن الأنبياء بالتعمير والغيبة حتى تقسوا قلوب لطول الأمد ، فلا يثبت على القول به (2) إلّا من كتب الله في قلبه الايمان ، و أيّده بروح منه . (3)
و بالاسناد عن جعفر ، عن أبيه، عن جدّه قال : قال رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) :
عاش آدم (علیه السلام)أبو البشر سبعمائة وثلاثين (4) سنة .
وعاش نوح (علیه السلام) ألفي سنة وأربعمائة (5) وخمسين سنة .
وعاش إبراهيم (علیه السلام) مائة وخمساً وسبعين سنة .
وعاش إسماعیل (علیه السلام) مائة وعشرين سنة .
وعاش إسحاق (علیه السلام) مائة وثمانين سنة .
وعاش يعقوب (علیه السلام) مائة و ستّاً وأربعين (6) سنة .
وعاش يوسف (علیه السلام) مائة وعشرين سنة .
وعاش موسی (علیه السلام) مائة وعشرین (7) سنة .
ص: 964
وعاش هارون (علیه السلام) مائة وثلاث وثلاثين سنة .
وعاش داود (علیه السلام) مائة و أربعين سنة (1) .
وعاش سلیمان (علیه السلام) سبعمائة (2) سنة .(3)
وعن ابن بابویه : نا محمّد بن أحمد الشيباني : نا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسی بن عمران النخعي، عن عبّه الحسين بن يزيد (4) النوفلي ، عن حمزة بن حمران ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : سمعت سيّد العابدين علي بن الحسین (علیهما السلام) يقول : في القائم سنّة من نوح وهي طول العمر .(5)
ص: 965
الى هنا تمّ الجزء الثاني حسب تجزئتنا
ويليه الجزء الثالث ، وأوله :
الباب الثامن عشر
في أمّ المعجزات ، وهو القرآن المجيد
نرجو من الله العزيز أن يوفّقنا لاتمامه بفضله و تأييده .
مؤسسة الامام المهدي عليه السلام
قم المقدسة
ص: 966
العنوان...الصفحة
الباب الرابع عشر في أعلام النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والائمة(علیهم السلام) ...489
فصل في أعلام رسول الله (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) ...490
فصل في ذكر أعلام فاطمة البتول(علیها السلام) ...524
فصل في أعلام أمير المؤمنين (علیه السلام) ...541
فصل في أعلام الامام الحسن بن أمير المؤمنين (علیهما السلام)...571
فصل في أعلام الامام الحسين بن علي (علیهما السلام) ...577
فصل في أعلام الامام علي بن الحسين (علیهما السلام) ...583
فصل في أعلام الامام محمّد بن علي الباقر (علیهما السلام) ...589
فصل في أعلام الامام جعفر بن محمّد الصادق (علیهما السلام)...606
فصل في أعلام الامام موسی بن جعفر الكاظم (علیهما السلام)...649
فصل في أعلام الامام علي بن موسی الرضا (علیهما السلام)...658
فصل في أعلام الامام محمّد بن علي التقي (علیهما السلام)...664
فصل في أعلام الامام علي بن محمّد النقي (علیهما السلام)...672
فصل في أعلام الامام الحسن بن علي العسكري (علیهما السلام)...682
فصل في أعلام الامام الحجة بن الحسن المهدي (عج) (علیهما السلام) ...692
الباب الخامس عشر في الدلالات والبراهين على صحة إمامة الاثني عشر إماماً (علیهم السلام) ...706
فصل ...791
الباب السادس عشر في نوادر المعجزات...792
وفيه سبعة وعشرون فصلا :800 ، 805 ،810 ،813، 817، 820، 821، 823، 825، 827، 829
ص: 967
833، 835، 837، 839، 841، 845، 847، 848، 850، 853، 859، 862، 864، 866، 869، 872
الباب السابع عشر في الموازاة بين معجزات نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و معجزات أوصيائه (علیهم السلام)، و معجزات الأنبياء ...875
باب في الكلام على الخرمية القائلين بتواتر الرسل بعد نبيّنا ...877
فصل في إبطال قولهم... 877
وفيه ثلاثة فصول : ...879 ، 880 ، 881
باب في معجزات محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) وأوصيائه (علیهم السلام) من جهة الأخلاق وفيه اثنا عشر فصلا:
883 ، 884 ، 887 ، 889 ، 890 ، 892 ، 893 ، 895 ، 897 ، 899 ، 901 ، 901 ، 902
باب في موازاة النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) والأئمة (علیهم السلام) للانبياء (علیهم السلام) في المعجزات و غيرها ...904
وفيه خمسة فصول :... 907 ، 911 ، 915 ، 917 ، 919
باب في أنّ معجزات النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) و الأئمة (علیهم السلام) ليست ببدع فقد كان للانبياء والأوصياء معجزات... 922
وفيه أربعة وعشرون فصلا :
924 ، 927 ، 928 ، 931 ، 933 ، 934 ، 936 ، 937 ، 939 ، 941 ، 942 ، 943 ، 946 ، 947 ، 948 ، 949 ، 950 ، 952 ، 955 ، 957 ، 959 ، 961 ، 962 ، 964
ص: 968
ص -س -الخطأ -الصواب
501 -13- وددة -و أورده
501 -23 و 24- - -أحدهما مکان الآخر
505- 19 –سنیی- سینین
510- 18 –للمسلین-للمسلمین
515- 5-قرم –قوم
516- 20- البیان – البحرین
517 -12-القدمی –القمی
518- 12- ذوالکلام- ذوالکلاع
536-22-الخوازمی –الخوارزمی
551-4- الحسن –أباالحسن
552 -21 -13 -14
554 -14 -2 -4
587 -1 –الحسین بن علی- علیّ بن الحسین
613- 20 –ماعها – ماءها
622-18- و سبحستان – و سجستان
622 -19-بالالندلس – بالاندلس
643- 22 و 23- 5)6)7)8)- 6)7)8)9)
650 -21- و أخرجه فی کشف الغمّة –یحذف
658 -3 –وأمر – أول سطر الرابع
664-الآخیر- حیلة- حلیة
667-1-السلام- علیها السلام
692 -11- الرزیمة –الرزمة
733- 2- مضطجح –مضطجع
745- 8-بن –لک
750-9 هامش- مقولیه –مقولتها
758 -7-و قتله – وفتله
759- 2- یعضه –یعظه
767 -16- 86 -87
767- 20 –بدل -«یجالس»بدل
852- 13- وسک – و مسک
932 -15 –فبکا –فبکی
974 –الأخیر –آذر –آزر
987 –الهامش2 و 3-هامش 3 – یحذف
1009- 17 –غلمه – قلمه
1011-21- هامش 5 و 6- أحدهما بدل الآخر
1210- 8- نور- ثور
1212- 24- جحاز- جماز
1231- 16- الصمیری -الصیمری
ص: 969
الخرائج والجرائج
للفَقيهُ المَجدِّث وَالمفَسِّرالكبِير
قطب الدین الراوندی قدس سره
المتوفّی: سِنَة 573 هجريّة
مزاره: بِصَحْن الحضْرَةِ الفاطِمَّيةِ(قدس سره)
الجُزْءُ الثالِثُ
في اُمّ المُعجِزاتِ ، والفَرق بینَها وَ بین الحَيل ، وَنَوادِرها
تحقیق و نشر: مُؤسَّسَةِ الْاِمامِ المَهْدِی
قم القدسة
39
ص: 970
الحمدلله الذي جعل القرآن لنبيّنا(صلی الله علیه وآله وسلم) ام المعجزات و معظّمها ، وصلّى الله على خيرته من خلقه محمد و آله أشرف الصلوات وأعظمها .
وبعد :
فان كتاب الله المجيد ليس هو مصدقاً لنبي الرحمة خاتم النبيّين فقط ، بل هو مصدق لسائر (1) الأنبياء والأوصياء قبله ، وسائر الأوصياء بعده جملة و تفیصلا ، و ليست جملة الكتاب معجزة واحدة ، بل هو معجزات لاتحصى ، و فيه أعلام عدد الرمل والحصى ، لأن أقصر سورة [ منه ] إنّما هي « الكوثر » وفيها الاعجاز من وجهين :
أحدهما : إنّه قد تضمّن خبراً عن الغيب قطعاً قبل وقوعه ، فوقع كما أخبر عنه من غير خلف فيه ، وهو قوله تعالى : « إن شانئك هو الأبتر » (2) لمّا قال قائلهم : إن محمداً رجل صنبور(3) و إذا مات انقطع ذكره ، و لأخلف له يبقى به ذکره .
ص: 971
نعكس ذلك على قائله ، و كان كذلك .
والثاني : من طريق نظمه ، لأنّه على قلة عدد حروفه ، وقصر آیه ، يجمع نظماً بديعاً ، وأمراً عجيباً ، وبشارة للرسول، وتعبّداً للعبادات (1) بأقرب لفظ ، و أو جز (2)
بیان ، وقد نبّهنا على ذلك في كتاب مفرد لذلك .
ثم إن السور الطوال متضمّنة للاعجاز من وجوه كثيرة ، نظماً وجزالة وخبراً عن الغيوب ، فلذلك لا[ يجوز أن ] يقال : إن القرآن معجز واحد ، ولا ألف معجز ولا أضعافه .
فلذلك خطّأنا قول من قال : إن لمصطفى(صلی الله علیه وآله وسلم) ألف معجزة ، أو ألفي معجزة .
بل يزيد ذلك عند الاحصاء على الألوف . (3)
إعلم أن الكلام في كيفيّة الاستدلال بالقر آن فرع على الكلام في الاستدلال بالقرآن ، والاستدلال به لا يتم إلا بعد بيان خمسة أشياء :
أحدها : ظهور محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) بمكّة ، وادعاؤه أنّه مبعوث إلى الخلق ورسول إليهم .
وثانيها : تحديه العرب بهذا القرآن الذي ظهر على يده ، و ادعاؤه أن الله سبحانه أنزله عليه و خصّه به .
و ثالثها : إن العرب معْ طول المدة لم يعارضوه .
ورابعها : إنّهم لم يعارضوه للتعذر والعجز .
وخامسها : إن هذا التعذر خارق العادة .
ص: 972
فإذا ثبت ذلك ، فأمّا أن يكون القرآن نفسه معجزاً خارقاً للعادة بفصاحته ، فلذلك لم يعارضوه ، أو لأن الله سبحانه و تعالی صرفهم عن معارضته ، ولولا الصرف لعارضوه.
و أي الأمرين ثبت[ ثبتت ]صحّة نبو ته لأنّه تعالى لا يصدق كذّاباً (1)
ولا يخرق العادة لمبطل . (2)
فصل
وأما ظهوره (صلی الله علیه وآله وسلم) بمكّة ، و دعاؤه إلى نفسه ، فلا شبهة فيه .
بل هو معلوم ضرورة ، لا ينكره عاقل ، فظهور هذا القرآن على يده أيضاً معلوم ضرورة ، والشك في أحدهما كالشك في الآخر .
وأما الذي يدل على أنّه (صلی الله علیه وآله وسلم) تحدي بالقر آن ، فهو أن معنی قولنا : إنّه تحدي بالقرآن : إنّه كان يدعي أن الله سبحانه خصّه بهذا القرآن ، و إنبائه (3) به
وأن جبرئيل(علیه السلام) أتاه(4) به ، و ذلك معلوم [ ضرورة ] لايمكن لأحد (5) دفعه ، وهذا غاية التحدي في المعنى - والمبعث (6) على إظهار معارضتهم له إن كان معذوراً (7) .
وأما الكلام في أنّه لم يعارض ، فهو أنّه (8) لو عورض ، لوجب أن ينقل (9)
ولو نقل لعلم ، كما علم نفس القرآن ، فلمّا لم يعلم ، دل على أنّه لم يعارض ، كما يعلم (10) أنّه ليس بين بغداد والبصرة بلد أكبر منهما ، لأنّه لو كان كذلك لنقل و علم .
وإنّما قلنا : إن المعارضة لو كانت ، لوجب نقلها لأن الدواعي تتوفّر (11) إلى
ص: 973
نقلها ، ولأنّها لو كانت ، لكانت هي (1) الحجّة ، و القرآن شبهة ، ونقل الحجّة أولى من نقل الشبهة .
وأما الذي به يعلم أن جهة انتفاء المعارضة التعذر لا غير . فهو أن كل فعل ارتفع عن فاعله مع توفّر دو اعيه إليه ، علم إنّما(2) ارتفع للتعذر، ولهذا قلنا : إن[ هذه ] الجواهر والألوان (3) ليست في مقدورنا ، وخاصّة إذا علمنا أن الموانع المعقولة مرتفعة كلّها ، فيجب أن (4) نقطع على ذلك في جهة التعذر لا غير .
وإذا علمنا أن العرب تحدوا بالقرآن ، فلم يعارضوه مع شدة حاجتهم إلى المعارضة ، علمنا أنّهم لم يعارضوه للتعذر لاغير .
وإذا ثبت كون القرآن معجزاً ، وأن معارضته تعذرت لكونه خارقاً للعادة ، ثبت بذلك نبو ته المطلوبة (5) .(6)
فصل
والطريق إلى معرفة صدق النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) والوصي(علیه السلام) ليس إلا ظهور المعجز عليه
أو خبر نبي ثابت نبوته بالمعجز .
والمعجز في اللغة : ما يجعل غيره عاجزاً ، ثم تعورف في الفعل الذي يعجز القادر عن [ الاتيان ب- ] مثله . وفي الشرع : هو كل حادث من فعل الله أو بأمره أو تمكينه ناقض لعادة الناس في زمان تكليف مطابق (7) لدعوته أو ما يجري مجراه .
ص: 974
واعلم أن شروط مفهوم المعجزات امور :
منها : أن يعجز عن مثله ، أو عمّا يقاربه المبعوث إليه وجنسه ، لأنّه لو قدرعليه ، أو واحد من جنسه في الحال لما دل على صدقه ، ووصي النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) حكمه حكمه .
ومنها : أن يكون من فعل الله تعالى، أو بأمره وتمكينه، لأن المصدّق للنبي بالمعجزهو الله تعالى، فلابد أن يكون من جهته تعالى ، مايصدق به النبي أو الوصي .
ومنها : أن يكون ناقضاً للعادة لأنّه لو فعل(1) معتاداً لم يدل على صدقه، كطلوع الشمس من مشرقها .
ومنها : أن يحدث عقیب دعوى المدعي(2) أو جارياً مجراه(3)و الذي يجري مجرى ذلك (4) هو أن يدعي النبوة ، و يظهر عليه معجزاً ، ثم تشیع دعواه في الناس ، ثم يظهر معجز من دون (5) تجديد دعوى لذلك(6) لأنّه إذا لم يظهر كذلك لم يعلم تعلّقه بالدعوى ، فلا يعلم أنّه تصدیق له في دعواه .
ومنها : أن يظهر ذلك في زمان التكليف ، لأن أشراط الساعة تنتقض بها عادته تعالى ، ولا يدل على صدق مدع .(7)
ص: 975
فصل
والقرآن معجز ، لأنّه(صلی الله علیه وآله وسلم) تحدى العرب [ الاتيان ] بمثله ، و هم النهاية في البلاغه ، وقویت (1) دواعيهم إلى الإتيان بما تحداهم به (2) ولم يكن لهم صارف عنه ولا مانع منه ، ولم يأتوا به ، فعلمنا أنّهم عجزوا عن الإتيان بمثله .
وإنّما قلنا : إنّه(صلی الله علیه وآله وسلم) تحداهم لأن القرآن الكريم نفسه نطق بذلك كقوله تعالى :« فأتوا بسورة من مثله » (3) .
و معلوم أن العرب في زمانه ، و بعده ، كانوا يتباهون بالبلاغة (4) و يفخرون با لفصاحة ، و كانت لهم مجامع يعرضون فيها شعرهم (5)و حضر زمانه (6) من يعدّ في الطبقة الاولى كالأعشى ولبيد وطرفة (7) .
و في زمانه كانت العرب قد مالت إلى (8) استعمال المستأنس من الكلام دون الغريب الوحشي الثقيل [على اللسان ] فصح أنّهم كانوا الغاية في الفصاحة .
وإنّما قلنا : إن دواعيهم اشتدت إلى الاتيان بمثله ، لأنّه (صلی الله علیه وآله وسلم) تحد اهم ، ثم
قرعهم (9) بالعجز عنه ، كقوله تعالى : «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا »(10).
ص: 976
وقوله تعالی : « فان لم تفعلوا و ان تفعلوا » (1) .
فان قيل : لعل صارفهم ، هو قلة احتفالهم (2)به ، أو بالقرآن لانحطاطه في البلاغة .
قلنا : لا شبهة أنّه (صلی الله علیه وآله وسلم)كان من الشط (3) في التثبيت (4) حتى سمّوه الأمين والصدوق ، فكيف لا يحتفلون به ، وهم كانوا يستعظمون القرآن حتى شبّهوه بالسحر و منعوا الناس من استماعه ، لئلا يأخذ بمجامع قلوب السامعين .
فكيف يرغبون عن معارضته ؟! (5)
فصل
فان قيل : ألستم تقولون : إن ما أتی به محمّد من القرآن هو كلام الله وفعله ؟
وقلتم : إن مقدورات العباد لا تنتقض بها العادة ؟
وقلتم : إن القرآن هو أول كلام تکلّم به تعالى ، وليس بحادث في وقت نزوله والناقض للعادة لابد أن يكون هو متجدد الحدوث ، ولأن الكلام مقدور للعباد فما يكون من جنسه لا يكون ناقضاً للعادة ، فلا يكون معجزأ للعباد ؟
والجواب : إن الناقض للعادة هو ظهور القرآن عليه في مثل بلاغته المعجزة وذلك يتجدد ، وليس يظهر مثله في العادة ، نواء جوز أن يكون من قبله أو من قبل
ص: 977
ملك أظهر (1) عليه بأمره تعالى ، وأوحى الله تعالی به إليه ، فاذا علم صدقه في دعواه
بظهور مثل هذا الكلام البليغ الذي يعجز عنه المبعوث إليه ، و حبسه عن مثله ، وعمّا
يقاربه فكان ناقضاً للعادة ، كان (2) معجزاً دالا على صدقه ، ولم يضرنا في ذلك أن يكون تعالی تکلّم به من قبل ، إذا لم تجر عادته تعالى في إظهاره على أحد غيره . (3)
فصل
وقولهم : « إنّه مر کتب من جنس مقدور العباد » لا يقدح (4) في كونه ناقضاً للعادة ولا في كونه معجزاً ، لأن الاعجاز فيه هو من جهة البلاغة ، وفيها يقع التفاوت بين البالغاء . ألا ترى أن الشعراء والخطباء يتفاضلون في بلاغتهم ، فيشعرهم وخطبهم ؟
فصح أن يكون في الكلام ما يبلغ حدأ في البلاغة ينتقض به العادة في بلاغة البلغاء من العباد .
يبيّن ذلك أن البلاغة في الكلام البليغ لا تحصل بقدرة القادر على إحداث الحروف المر كّبة ، و إنّما تظهر بعلوم المتكلّم بالكلام البليغ ، و تلك العلوم لاتحصل للعبد با کتسابه ، وإنّما تحصل له من قبل الله تعالی ابتداءاً ، وعند اجتهاد العبد في استعمال ما يحصل عنده ، و تلك العلوم من قبله تعالی .
وقد أجرى الله سبحانه عادته فيما (5) يمنحه العباد من العلوم بالبلاغة ، فلا يمنح من ذلك إلا مقداراً يتقارب (6) فيه بلاغة البلغاء (7) فيتفاوتون في ذلك بعد تقارب بلاغاتهم (8) .
ص: 978
فاذا تجاوز بلاغة البليغ(1) المقدار الذي جرت به العادة في بلاغة العبيد ، و تجاوز ذلك(2) بلاغة أبلغهم ظهر گونه ناقضاً للعادة .
وإنّما نتبيّن ذلك بما ذكرنا وبيّنّا (3) أنّه تحداهم بمثل القرآن ، فعجزوا عنه ، وعمّا يقاربه .(4)
فصل
فان قيل: بماذا علمتم أن القرآن ظهر معجزة له دون غيره ؟ و ما أكرتم أن الله سبحانه بعث نبيّاً غیر محمّد (صلی الله علیه وآله وسلم) ، و آمن محمّد (صلی الله علیه وآله وسلم) به ، فتلقّاه منه محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم) ثم قتل ذلك النبي فادعاه معجزة لنفسه ؟
والجواب : أنّا نعلم باضطرار أنّه مختص به (صلی الله علیه وآله وسلم)كما نعلم في كثير من الأشعار و التصانيف أنّها مختصّة بمن تضاف إليه كشعر امریء القيس (5) و کتاب العين الخليل .
ثم إن القرآن المجيد ظهر عنه ، وسمع منه ولم يجر في الناس ذكر أنّه ظهرلغيره ، ولا جو زوه ، وكيف يجوز في حكمة الحكيم سبحانه أن يمكّن أحداً من مثل (6) ذلك ، و قد علم حال محمد في عزوف (7) نفسه عن ملاذ الدنيا و طلّق النفس من أوّل أمره و آخره ، فكيف يتّهم بما قالوا ؟! (8)
ص: 979
فصل
فان قيل : لعل من تقدم محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم)كامرىء القيس وأضرابه لو عاصره الأمكنه معارضته .
قلنا : إن التحدي لم يقع بالشعر فيصح ما قلته ، ومن كان في زمانه(صلی الله علیه وآله وسلم)وقريباً منه لم تقصر بلاغتهم في البدلة عن بدلهم ، کامرىء القيس ، بل كانت في زمانه قريباً منه من قدم في البلاغة على من تقدم .
ولأنّه (صلی الله علیه وآله وسلم)ما كلفهم أن يأتوا بالمهارضة من عند أنفسهم ، وإنّما تحد أهم أن
يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم من كلامهم ، أو كلام غيرهم ممّن تقدمهم .
فلو علموا أنّ في كلامهم ما يوازي بلاغة القرآن لأتوا به ، وقالوا (1) : إن هذا كلام من ليس بنبي (2) وهو مساو للقرآن في بلاغته .
ومعلوم أن محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم)ما قرأ الكتب ، ولا تتلمذ لأحد من أهل الكتاب ، و كان ذلك معلوماً لأعدائه ، ثم قص عليهم قصّة (3) نوح ،وموسى ، ويوسف ، وهود وصالح ، وشعيب ، و لوط ، وعيسى ، وقصّة مريم على طولها.
فما رد عليه أحد من أهل الكتاب شيئاً منها ، ولاخطّأوه في شيء من ذلك .
ومثل هذه الأخبار لا يتمكّن منها با لبحث (4)والاتّفاق ، وقد نبّه الله تعالى بقوله :
«ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ»(5) ونحوها (6)من قصص الأنبياء و أمم الماضين . (7)
ص: 980
إعلم أن المسلمين اتفّقوا على ثبوت دلالة القرآن على النبوة . وصدق الدعوة واختلف المتكلّمون في جهة إعجاز القرآن على سبعة أوجه ، وقد ذهب قوم إلى أنّه معجز من حيث كان قديماً ، أو لأنّه حكاية للكلام القديم ، وعبارة عنه .
فقولهم هذا أظهر فساداً من أن يخلط (1) بالمذاهب المذكورة في إعجاز القرآن .
فأول ماذكر من [ تلك ] الوجوه : ما اختاره السيد المرتضی( رضوان الله تعالی ) [ وهو ] أن وجه الاعجاز في القرآن (2) أن الله سبحانه صرف الخلق (3) عن معارضته ، وسلبهم العلم بكيفيّة نظمه وفصاحته ، وقد كانوا لولا هذا الصرف قادرين على معارضته ومتمكّنين منها .
والثاني : ما ذهب إليه الشيخ المفيد ( رحمه الله ) أنّهم (4) لم يعارضوا من حيث اختص برتبة في الفصاحة خارقة للعادة ، لأن مراتب (5) البلاغة(6) محصورة متناهية فيكون ما زاد على المعتاد ، معجزاً (7) و خارقاً للعادة .
و الثالث : ماقال قوم ، وهو : أن إعجازه من حيث كانت معانيه صحيحة مستمرة
على النظر ، موافقة للعقل .
ص: 981
والرابع : إن جماعة جعلوه معجزاً من حيث زال عنه الاختلال و التناقض على وجه لم تجر العادة بمثله .
والخامس : ما ذهب إليه أقوام وهو : أن وجه إعجازه أنّه يتضمّن الاخبار عن الغيوب .
والسادس : ما قاله آخرون، وهو : أن القرآن إنّما كان معجزاً لاختصاصه بنظم مخصوص ، مخالف للمعهود .
والسابع : ما ذكره أكثر المعتزلة ، وهو : أن تأليف القرآن ونظمه معجزان لا لأن الله أعجز عنهما بمنع خلقه في العباد ، وقد كان يجوز أن يرتفع فيقدروا (1) عليه لكن محال وقوعه منهم کاستحالة إحداث الأجسام و الألوان ، وإبراء (2) الأكمه و الأبرص من غير دواء .
ولو قلنا : إن هذه الوجوه السبعة كلّها هو وجه (3) إعجاز القرآن على وجه دون وجه لكان حسناً . (4)
دون من لم يساوهم - بل يغني ظهور أمرهما عن الرويّة (1) بينهما ، و لهذا (2) لا يحتاج في الفرق بين الخز (3) والصوف إلى أحذق(4) البز ازین .
و إنّما يحتاج إلى التأمّل الشديد المتقارب (5) الذي يشكل مثله .
و نحن نعلم أنّا على مبلغ علمنا بالفصاحة ، نفرق بين شعر امریء القيس و شعر غيره من المحدثين ، ولا يحتاج في هذا الفرق إلى الرجوع إلى من هو الغاية في علم الفصاحة ، بل يستغني معه عن الفكرة .
وليس بين الفاضل والمفضول من أشعارهؤلاء ، و کلام هؤلاء قدر ما بين الممكن
والمعجز ، والمعتاد والخارج عن العادة ، لأن جميع الشعراء لو كانوا بفصاحة الطائيّين
(6) و في منزلتهما ثم أتی آت بمثل شعر امریء القيس ، لم يكن معجزاً وكذلك لو كان البلغاء في الكتابة في طبقة أهل عصرنا ، لم يكن كلام عبدالحميد(7) و إبراهيم بن العباس (8) ونحوهما خارقاً لعادتهم و معجزاً لهم . وإذا استقر هذا
ص: 983
و كان الفرق بين قصار سور المفصّل (1) وبين أفصح قصائد العرب غير ظاهر لنا
الظهور الذي ذكرناه - ولعلّه إن كان ثم فرق ، فهو ممّا يقف عليه غيرنا ، ولايبلغه
علمنا - فقد دل على أن القوم صرفوا عن المعارضة ، و أخذوا عن (2)طريقها . (3)
والأشبه بالحق ، و الأقرب إلى الحجّة ، بعد ذلك القول : قول من قال : إن (4)وجه معجزه (5) القرآن المجيد (6) خروجه عن العادة في الفصاحة ، فيكون ما زاد على المعتاد هو المعجز كما أنّه لمّا أجر الله تعالى العادة في القدر (7) التي يتمكّن بها من ضروب أفعال الجوارح كالظفر للنخر ، و حمل الخيل (8) بقدر كثيرة خارجة عن العادة (9) كانت لا حقة بالمعجزات ، فكذلك القرآن الكريم (10) .(11)
ص: 984
واعلم أن هؤلاء الذين قالوا : إن جهة إعجاز القرآن : الفصاحة المفرطة التي خرقت العادة ، صاروا صنفين :
منهم من اقتصر على ذلك ، ولم يعتبر النظم .
ومنهم من اعتبر الفصاحة و النظم والأسلوب(1) المخصوص.
وقال الفريقان : إذا ثبت أنّه خارق للعادة بفصاحته ، دل على نبوته ، لأنّه إن
كان من فعل(2) الله تعالى ، فهو دال علی نبوته ومعجز له.
و إن كان من فعل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، فانّه لم يتمكّن (3) من ذلك مع خرقه العادة الفصاحته إلا لأن الله تعالى خلق فيه علوماً خرق بها العادة ، فاذا علمنا بقوله : إن القرآن من فعل الله دون فعله ، قطعنا على ذلك دون غيره . (4)
وأمّا القول الثالث و الرابع ، فكلاهما مأخوذ من قول الله تعالى : «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا »(5) .
فحمل الأو لون ذلك على المعنى ، و الآخرون على اللفظ ، والآية الكريمة مشتملة
عليهما ، عامّة فيهما .
ويجوز أن يكون كلا القولين معجزاً على بعض الوجوه، لارتفاع التناقض منه ، والاختلاف [ فيه ] على وجه مخالف للعادة .(6)
ص: 985
وأمّامن جعل جهة إعجازه ماتضمّنه من الاخبار عن الغيوب ، فذلك لاشك في أنّه
معجز ، لكن ليس هو الدي قصد به التحدي ، و جعل العلم المعجز ، لأن كثيراً من
القرآن خال من الأخبار بالغيب ، و التحدي وقع بسورة غير معيّنة [ والله أعلم ] .(1)
وأمّا الذين قالوا : إنّما كان معجزاً لاختصاصه باسلوب مخصوص ليس بمعهود ، فان النظم دون الفصاحة لا يجوز أن يكون جهة إعجاز القرآن على الاطلاق ، لان ذلك
لايقع فيه التفاضل .
وفي ذلك كفاية ، لأن السابق الى ذلك لابد أن يقع فيه مشاركة بمجری (2) العادة على ما تبيّن . (3)
و أمّا من قال : إن القرآن نظمه و تأليفه مستحيلان من العباد ، كخلق الجواهر والألوان ، فقوله (4) على الاطلاق باطل ، لأن الحروف كلّها من مقدورنا ، والكلام كلّه يتركّب من الحروف التي يقدر عليها كل متكلّم .
فأمّا التأليف فاطلاقه مجاز في القرآن لأن حقيقته في الأحكام (5) وإنمّا يراد في (6) القرآن حدوث بعضه في أثر بعض .
ص: 986
فان أريد ذلك ، فهو إنّما يتعذر لفقد العلم بالفصاحة ، و كيفيّة إيقاع الحروف لاأن ذلك مستحيل ، كما أن الشعر يتعذر على العجز (1) لعدم علمه بذلك ، لا إنّه مستحيل منه من حيث القدرة .
ومتی ارید باستحالة ذلك ، مايرجع إلى فقد العلم ، فذلك خطأ في العبارة دون المعنى . (2)
(3) والاعتراض عليها والجواب عنه .
و تقریر ذلك في (4) الصرفة هو أنه لو كانت فصاحة القرآن خارقة فقط ، لوجب أن يكون بينه و بين [ أفصح ] كلام العرب التفاوت الشديد الذي يكون بين الممكن و المعجز و كان لا يشتبه فصل بينه و بين مایضاف إليه من أفصح كلام العرب ، كما لا يشتبه الحال بین کلامین فصيحين ، وإن لم يكن بينهما ما بين الممكن والمعجز .
ألا ترى أن الفرق (5) بين شعر الطبقة العليا من الشعراء ، و بین شعر المحدثين يدرك (6) بأول نظر؟ ولانحتاج في معرفة ذلك الفصل إلى الرجوع (7) إلى من تناهي في العلم بالفصاحة.
ص: 987
وقد علمنا أنّه ليس بين هذين الشعرين ما بين المعتاد والخارق للعادة ، فاذا ثبت ذلك
و كنّا (1) لانفرق بين بعض قصارسور المفصل ، وبين أفصح شعر العرب ، ولايظهر لنا التفاوت بين الكلامين الظهور الذي قدمناه
فلم حصل الفرق القليل ، ولم يحصل الكثير؟
ولم ارتفع (2) اللبس مع التقارب ولم يرتفع مع التفاوت ؟
فصل
والاعتراضات على ذلك كثيرة منها :
قولهم : إن الفرق بين أفصح كلام العرب ، و بين القرآن موقوف على متقدمي الفصحاء الذين تحدوا به .
والجواب : أن ذلك لو وقف عليهم مع التفاوت العظيم ، لوقف مادونه أيضاً عليهم ، وقد علمنا خلافه .
فأمّا من ينكر الفرق بين أشعار الجاهليّة والمحدثين ، فان أشار بذلك إلى عوام الناس والأعاجم فلا ينكر ذلك ، وإن أشار إلى الذين عرفوا الفصاحة فانّه لا يخفى عليهم .
فان قالوا : الصرف عن ماذا وقع ؟ قلنا : الصرف وقع عن أن يأتوا بكلام يساوي أو
يقارب القرآن في فصاحته ، وطريقة نظمه ، بأن سلب كل من رام المعارضة التي بتأتّی
بها ذلك .
فان العلوم التي يتمكّن بها من ذلك ضروريّة من فعل الله تعالی بمجرى العادة ، وعلى هذا لو عارضوه بشعر منظوم ، لم يكونوا معارضين .
يدل عليه أنّه (صلی الله علیه وآله وسلم) أطلق التحدي و أرسله ، فوجب أن يكون إنّما أطلق تعویلا على ما تعارفوه في تحدي بعضهم بعضاً ، فانّهم اعتادوا ذلك بالفصاحة ، وطريقة النظم
ص: 988
ولهذا لم يتحد الخطيب الشاعر [ ولا الشاعر الخطيب ] ولو شكّوا في مراده لاستفهموه
فلمّا لم يستفهمو مدل على أنّهم فهموا غرضه (1) ، ولو لم يفهموه لعارضوه بالشعر الذي له فصاحة كثير من القرآن ، و اختصاص القرآن بنظم مخالف لسائر النظم يعلم ضرورة .
فصل
والذي يدل على أنّه أولا الصرف لعارضوه ، هو أنّه إذ اثبت في فصيح كلامهم مايقارب كثيراً من القرآن ، والنظم لايصح فيه التزاید و النفاضل بدلالة أنّه يشترك الشاعر ان في نظم واحد ، لايزيد أحدهما على صاحبه وإن تباينت فصاحتهما .
وإذا لم يدخل النظم تفاضل ، لم يبق إلا أن يقال : الفضل (2) في السبق إليه . وذلك يقتضي أن يكون من سبق إلي ابتداء الشعر و وزن من أوزانه أتي بمعجز ، وذلك باطل ولا يتعذر (3) نظم مخصوص بمجرى العادة على من يتمكّن من نظوم غيره ، ولا يحتاج في ذلك إلى زيادة علم كما يقول في الفصاحة .
فمن قدر على البسيط يقدر على الطويل (4) وغيره ، ولو كان على سبيل الاحتذاء (5) وإن خلا كلامه من فصاحة ، فعلم بذلك أن النظم ((6)) لا يقع فيه تفاضل .
فصل
والاعتراض على ذلك من وجوه :
أحدها : أنّهم قالوا : يخرج قولكم هذا القرآن من كونه معجزاً على ذلك لأن على هذا المذهب : المعجز هو الصرف (7) وذلك خلاف إجماع المسلمين .
ص: 989
الجواب : أن هذه مسألة خلاف ، لا يجوز أن يدعى فيها الإجماع ، على أن معنی قولنا معجز : في العرف بخلاف ما في اللغة ، والمراد به في العرف : ما له حظ في الدلالة على صدق من ظهر على يده .
والقر آن بهذه الصفة عند من قال بالصرفة ، فجاز أن يوصف بأنّه معجز ، وإنّما ينكر العوام أن يقال : القرآن ليس بمعجز ، متى أربد به أنّه غير دال على النبوة وأن العباد يقدرون عليه . وأمّا أنّه معجز بمعنى أنّه خارق للعادة بنفسه ، وبما يسند (1) إليه فموقوف على العلماء المبر زین .
على أنّه يلزم - من جعل جهة إعجاز القرآن : الفصاحة - الشناعة (2) لأنّهم يقولون : إن من قدر على الكلام من العرب والعجم يقدرون على مثل القرآن ، وإنّما ليست له علوم بمثل فصاحته .
فصل
واعترضوا فقالوا : إذا كان الصرف هو المعجز ، فلم [ لم ] (3) يجعل القرآن
من أرك الكلام و أقلّه فصاحة ، ليكون أبهر (4) في باب الاعجاز ؟
الجواب : لو فعل ذلك لجاز ، لكن المصلحة معتبرة في ذلك ، فلا تمتنع أنّها اقتضت أن يكون القرآن على ما هو عليه من الفصاحة ، فلاجل ذلك لم ينقص منه شيء .
ولا يلزم في باب المعجزات أن يفعل ما هو أبهر وأظهر، وإنّما يفعل ما تقتضيه المصلحة بعد أن تكون دلالة الاعجاز قائمة فيه .
ثم يقال (5) : هلا جعل الله القرآن أفصح ممّا هو عليه ؟ فما قالوا ، فهو جوابنا عنه ، وليس لأحد أن يقول : ليس وراء هذه الفصاحة زیادة ، لأن الغايات التي ينتهي إليها الكلام الفصيح غير متناهية . (6)
ص: 990
فصل
ومن اعتراضاتهم قولهم : لو كان المعجز الصرف لما خفي ذلك على فصحاء العرب ، لأنّهم إذا كانوا يتأتّى منهم فعل (1) التحدي ما تعذر بعده ، وعند روم
المعارضة فالحال (2) في أنّهم صرفوا عنها ظاهرة ، فكيف لم ينقادوا ؟
والجواب : لابد أن يعلموا تعذر ما كان منأتّياً منهم : لكنّهم يجوز أن ينسبوه الى الاتفاقات ، أو إلي السحر ، أو العناد .
ويجوز أن يدخل عليهم الشبيهة على أنّهم (3) يلزمهم مثل ما ألزمونا بأن يقال :
إن العرب إذا علموا أن القرآن خرق العادة بفصاحته ، فأي شبهة بقيت عليهم ؟ ولم لا (4) ينقادوا ؟ فجوابهم ، جوابنا .(5)
فصل
واعترضوا ، فقالوا : إذا لم يخرق القرآن العادة بفصاحته ، فلم شهد له بالفصاحة متقدمو العرب ؟ كالوليد بن المغيرة ، و كعب بن زهير ، والأعشى الكبير لأنّه ورد ليسلم ، فمنعه أبو جهل ، وخدعه ، وقال : إنّه يحرم عليك الأطيبين(6) ! فلولا أنّه بهر هم بفصاحته ، لم ينقادوا له .
والجواب : جميع ما شهد به الفصحاء من بلاغة القرآن فواقعه موقعه ، لأن من قال بالصرفة لا ينكر مزيّة القرآن على غيره بفصاحته ، وإنّما يقول : تلك المزيّة ليست ممّا يخرق العادة ، وتبلغ حد الاعجاز .
فليس في قول الفصحاء وشهادتهم بفصاحة القرآن مایو جب القول ببطلان الصرفة
ص: 991
وأمّا دخولهم في الاسلام ، فالامر بهرهم و أعجزهم ، وأي شيء أبلغ من الصرفة
في ذلك ؟ (1)
قالوا : إن الله تعالى جعل معجزة كل نبي من جنس ما يتعاطاه قومه ، ألاتری أن في زمان موسی - علی نبیّنا و عليه السلام - لمّا كان الغالب على قومه السحر جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل .
فأظهر على يده قلب العصا [ حيّة ](2) واليد البيضاء وغير ذلك ، فعلم أولئك
الأقوام(3) أن ذلك ممّا لا يتعلق بالسحر ، فآمنوا به .
و كذلك زمان عيسى- على نبيّنا وعليه السلام - لمّا كان الغالب على قومه (4) الطب ، جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل ، فأظهر الله سبحانه على يده إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، فعلم أولئك الأقوام أن ذلك ممّا لايوصل إليه بالطب ، فآمنوابه .
وكذلك لمّا كان زمن محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) الغالب على قومه الفصاحة و البلاغة ، حتى كانوا لا يتفاخرون بشيء كتفاخرهم بها ، جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل ،فأظهر على يده هذا القرآن ، فعلم الفصحاء منهم أن ذلك ليس من كلام البشر ، فآمنوا به ولهذا جاء المحضرمون (5) و آمنوا برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)منهم : قيس بن زهير (6) و كعب
ص: 992
بن زهير(1) وجاء الأعشى (2) ومدح رسول الله بقصيدة معروفة ، فأراد أن يؤمن فدافعته قريش ، وجعلوا يحدثونه بأسوأ مايقدرون عليه ، وقالوا : إنّه يحرم عليك الخمر والزنا .
فقال : لقد كبرت ، ومالي في الزنا من حاجة .
فقالوا: أنشدنا ما مدحته (3) به ، فأنشدهم :
اُلم تغتمض عيناك ليلة اُرمدا ***وبت كما بات السليم مسهّدا(4)
نبيّاً (5) یری مالا ترون وذكره ***أغار لعمري في البلاد واُنجدا (6)
قالوا : لو أنشدته هذا لم يقبله [ منك ] . فلم يزالوا بالسعي حتى صدوه .
ص: 993
فقال : أخرج إلى اليمامة ، ألزمه (1) عامي هذا .
فمكث زماناً يسيراً ، و مات باليمامة .
نعوذ بالله من الشقاء في الدنيا والآخرة ، ومن سوء القضاء ، وصلّى الله على سيدنا محمد و على آله و سلم .
و جاء لبيد (2) و آمن برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) و ترك قيل الشعر ، تعظيماً لأمر القرآن فقيل له : ما فعلت قصيدتاك :
إن تقوى ربّنا خير نفل ***(3) و باذن الله ريثي و العجل(4)
و قولك : عفت الديار محلها فمقامها ... (5) ؟
قال : أبدلني الله بهما سورتي البقرة ، و آل عمران . (6)
ص: 994
فصل
قالوا : ومن خالفنا في[ هذا ] الباب يقول : إن الطريق إلى النبوة ليس إلا المعجز وزعموا أن المعجز يلتبس بالحيلة ، والشعوذة ، وخفّة اليد ، فلا يكون طريقاً إلى النبوة ، فقوله باطل ، لأن هذا إنّما كان يجب لو لم يكن هنا طريق إلى الفصل بين المعجز و الحيلة ، وههنا وجوه من الفصل بينه و بينها :
منها : أن المعجز لايدخل جنسه تحت مقدور العباد ، كقلب العصاحيّة ، وإحياء الموتی ، وغير ذلك .
ومنها : أن المعجز لا يحتاج إلى التعليم ، بخلاف الحيلة ، فانّها تحتاج إلى الآلات .
ومنها : أن المعجز يكون ناقضاً للعادة ، بخلاف الحيلة ، فانّها لاتكون ناقضة العادة (1) .
ومنها : أن المعجز لايحتاج إلى الآلات بخلاف الحيلة فانّها تحتاج إلى الآلات .
ومنها : أن المعجز إنّما يظهر عند من يكون من أهل ذلك الباب ، ويروج عليهم ، والحيلة إنّما تظهر عند العوام ، والذين لا يكونون من أهل ذلك الباب ، ويروج على الجهّال (2) . (3)
ص: 995
فصل
و من قال من مخالفينا : إن محمدا(صلی الله علیه وآله وسلم)لم يكن نبيّا لأنه لم يكن معه معجز ،فالكلام عليه أن نقول : إنا نعلم ضرورة أنّه ادعى النبوة ، كما نعلم أنّه ظهر بمكّة وهاجر إلى المدينة ، و تحدى العرب بالقرآن ، وادعي مزيّة القرآن على كلامهم
- وهذا يكون تحدياً من جهة المعني - وعلموا أن شأنه يبطل بمعارضته .
فلم يأتوا بها لضعفهم ، و عجزهم (1) لانتقاض العادة بالقرآن ، فأوجب انتقاض العادة كونه معجزاً دالا على نبوته .فان قيل : إنّما لم يعارضوه لكونهم أعناماً (2) جهّالا ، لا لعجزهم(3) .
قلنا : المعارضة (4) كانت مسلوكة فيما بينهم ، فامرىء القيس عارض علقمة بن عبدة الطبيب (5) ونافضه ، وطريقة المعارضة لا تخفى على الصبيان ، فكيف على دهاة
ص: 996
العرب مع ذكائها ! .
فان قيل : أخطأوا طريق المعارضة - كما أخطأوا في عبادة الأصنام - أو لأن القرآن يشتمل على الأخبار بالماضيات (1) و [ هم ] لم يكونوا من أهلها .
قلنا : في الأول فيرق بينهما ، لأن عبادة الأصنام طريقها الدلالة و النظر وما كان طريقه الدلالة والنظر ، يجوز فيه الخطأ ، بخلاف المعارضة ، لأن التحدي وقع بها ، وهي ضرورية (2) لا يجوز فيها الخطأ ، إذ ليست من النظريات .
وأما الثاني : فقد سألهم ذلك(3) فوجب أن يأتوا بمثله ، ويعارضوه ، على أنّهم طلبوا ذلك(4) و جاءوا بأشياء وحاولوا أن يجعلوها معارضة للقرآن.
ص: 997
واليهود والنصارى كانوا أهل الأقاصيص ، و كان من الواجب أن يعرفوها منهم
وفعلوها (1) معارضة ، وحاولوا ذلك ، فعجزوا عنه . (2)
فصل
فان قيل : لا يجوز أن يكون القرآن معجزاً دالا على نبوته من حيث أنّه ناقض العادة ، فلا يمتنع أن يكون العرب أفصح الناس ، وفيهم (3) جماعة أفصح العرب وفي تلك الجماعة واحد هو أفصح منهم ، فاذا أتي بكلام لا يمكنهم أن يأتوا بمثله لا يدل على نبوته !
قلنا : هذا لا يصح ، لأنّه لا يجوز أن يبلغ کلام ذلك الواحد في الفصاحة إلى حد لا يمكنهم أن يأتوا بمثله ، ولا بما يقاربه .
فاذا أتى بكلام مختص بالفصاحة لايمكنهم أن يأتوا بمثله ، ولا بما يقاربه ، يوجب أن يكون معجزاً .
فمثالهم : لا يصح ، ولو اتّفق ، لكان دليلا على صدقه .
فان قيل : لو كان القرآن معجزاً لكان نبيّاً مبعوثاً إلى العرب والعجم ، و كان يجب أن يعلم سائر الناس إعجازً القرآن من حيث الفصاحة ، والعجم لا يمكنهم ذلك ؟
قلنا : هذا لا يصح لأن الفصاحة ليست مقصورة على بعض اللغات ، والعجم يمكنهم أن يعرفوا ذلك على سبيل الجملة ، إذ أمكن أن يعرفوا (4) بالأخبار المتواترة أن محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم)كان ظهر عليه القرآن ، و تحدي به العرب ، وعجزوا أن يأتوا بمثله فيجب أن يكون القرآن معجزاً دالاً على نبوته .
ص: 998
والعرب يعرفون ذلك على التفصيل لأن القرآن الكريم نزل بلغتهم ، والعلم به على سبيل الجملة في هذا الباب كاف (1) .
وإنّما قلنا : إنّه معجز من حيث أنّه ناقض العادة ، لأن العادة لم تجر أن يتعلّم واحد الفصاحة ، ثم يبرز عليهم بحيث لم يمكنهم أن يأتوا بما يقاربه ، فإذا أتى به كذلك ، كان معجزة . (2)
قالوا : [ إن ] الذي يدل على أن التحدي كان بالفصاحة والنظم معاً : إنّا رأينا النبي أرسل التحدي إرسالا ، و أطلقه إطلاقاً ، من غير تخصيص يحصره أو استثناء يقصره ، فقال مخبراً عن ربّه تعالی : «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا » (3)
وقال تعالى : «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ»(4) .
فترك القوم استفهامه عن مراده بالتحدي : هل أراد مثله في الفصاحة دون النظم أو في النظم وحده ، أو فيهما معاً (5) أو في غيرهما ؟ فعل من سبق الفهم إلى قلبه و زال الريب عنه .
لأنّهم لو ارتابوا و شکّوا لاستفهموا(6) و لم يجر ذلك على هذا إلا و التحدي
ص: 999
واقع عندهم ، و معروف بينهم (1).
و قد علمنا أن عادتهم جارية في التحدي باعتبار الفن الذي يقع فيه التحدي وتفاوته في الفصاحة (2) ولهذا لا يتحدى الشاعر الخطيب الذي لا يتمكّن من الشعر بالشعر ، ولا الخطيب الشاعر (3) .
و إنّما يتحدى كل بنضيره و لا يقنع (4) المعارض حتى يأتي بمثل عروض صاحبه ، كمناقضة جرير للفرزدق ، وجرير للاخطل (5) .
و إذا كانت هذه عادتهم جرى الحكم (6) في التحدي عليها .
فصل
فإن قيل : عادة العرب وإن جرت في التحدي بما ذكرتموه ، فلا يمتنع (7) صحّة التحدي بالفصاحة دون طريقة النظم ، لاسيّما والفصاحة هي التي يصح فيها التفاضل وإذا لم يمتنع ذلك فما (8) أنكرتم أن يكون تحد اهم بالفصاحة دون النظم ، و أفهمهم قصده ، فلهذا لم يستعملوه (9) .
قلنا : ليس بممتنع أن يقع التحدي بالفصاحة دون النظم (...) (10) وإنّما
ص: 1000
منعناه بالقرآن من حيث أطلق التحدي به (1) ، وعري عمّا(2) يخصّه بودجه دون وجه فحملناه على ما عهده القوم ، وألفوه في التحدي .
ولو كان (صلی الله علیه وآلبه وسلم)أفهمهم تخصيص التحدّي بقول مسموع ، لوجب أن ينقل إلينا الفظه ، ولانجد له نقلا ، ولو كان أخطرهم (3) إلى قصده (4)به خارج الكلام ، أو باشارة وغيرها لوجب اتّصاله بنا أيضاً ، لأن مايدعو إلى النقل للالفاظ ، يدعو إلى نقل مايتصل بها من مقاصد و مخارج ، سيّما فيما تمس الحاجة إليه .
ألا ترى أنّه لمّا نفي النبوة بعد نبوته بقوله (صلی الله علیه وآلبه وسلم) : « لا نبي بعدي » (5) أفهم مراده السامعين من هذا القول أنّه عنى به لانبي من بعدي ، لانبي من البشر كلهم ، وأراد(صلی الله علیه وآله وسلم) بالبعد عموم سائر الأوقات ، اتصل ذلك بها على حد اتصال اللفظ حتی شر کنا سامعيه في معرفة الغرض ، و كنا في العلم به كأحدهم ، وفي ارتفاع كل ذلك من النقل دليل على صحة قولنا .
فصل
على أن التحدي لو كان مقصوراً على الفصاحة دون النظم ، لوقعت المعارضة من القوم ببعض فصيح شعرهم ، أو بليغ كلامهم ، لأنّا نعلم حقّاً الفرق بين قصار السور، وفصيح كلام العرب .
وهذا يدل على التقارب (6) المزيل للاعجاز ، و العرب بهذا أعلم ، فكان يجب
ص: 1001
أن يعارضوه ، فاذ لم يفعلوا ، فلانّهم (1) فهموا من التحدي الفصاحة و طريقة النظم ولم يجتمعا لهم .
و اختصاص القرآن الكريم بنظم مخالف لسائر ضروب الكلام ، أوضح من أن نتكلّف الدلالة عليه ، فالدليل ينصب حيث نتطرق الشبهة ، فأمّا في مثل هذا فلا .
فصل
وقد قال السيّد : عندي (2) أن التحدي وقع بالاتيان بمثله في فصاحته وطريقته في النظم (3) ، ولم يكن بأحد الأمرين .
فلو وقعت المعارضة بشعر منظوم ، أو بر جز موزون ، أو بمنثور من الكلام ، ليس له طريقة القرآن في النظم والفصاحة ، لكانت (4) واقعة وقعها (5) .
فالصرفة على هذا إنّما كانت بأن سلب الله تعالى من البشر جميع العلوم (6) التي يتأتّى معها مثل فصاحة القرآن الكريم ، و طريقته في النظم .
ولهذا لا ينصب(7)في كلام العرب مايقارب القرآن في فصاحته ونظمه . (8)
ص: 1002
قالوا : لمّا وجدنا الكلام منظوماً موزوناً ، و منثوراً [ غير موزون ] و المنظوم (1)هو الشعر ، وأكثر الناس لا يقدرون عليه ، فجعل الله تعالی معجز نبيّه النمط الذي يقدر عليه كل أحد ، ولا يتعذر نوعه على کلّهم ، و هو الذي ليس بموزون ، فتلزم حجّته للجميع .
و الذي يجب أن يعلم في العلم باعجاز النظم ، هو أن يعلم مباني (2) الكلام وأسباب الفصاحة في ألفاظها ، و كيفيّة ترتيبها ، وتباين ألفاظها ، و كيفيّة الفرق بين الفصيح والأفصح ، و البليغ و الأبلغ ، و يعلم (3) مقادير النظم و الأوزان ، ومابه يتبيّن المنظوم من المنثور ، و فواصل الكلام ، و مقاطعه ، ومباديه ، و أنواع مؤلّفه ومنظومه .
ثم ينظر فيما أتي به حتّى يعلم أنّه من أي نوع هو ؟ و كيف فضّل على ما فضّل عليه من أنواع الكلام ، حتى يعلم أنّه نظم (4) مباین لسائر المنظوم ، و نمط خارج عن جملة ما كانوا اعتادوه فيما بينهم من أنواع الخطب ، و الرسائل ، و الشعر و المنظوم ، و المنثور (5) و الرجز ، و المخمّس ، و المزدوج ، و العريض (6) والقصير .
ص: 1003
فاذا تأمّلت ذلك ، وتدبّرت مقاطعه و فاتحه ، وسهولة ألفاظه ، و استجماع معانيه وأن كل لفظة منها لو غيّرت لم يمكن أن يؤتي بدلها بلفظة هي أوفق (1) من تلك اللفظة وأدل على المعنى منها ، وأجمع الفوائد و الزوائد منها .
وإذا كان كذلك فعند تأمّل جميع ذلك يتحقّق ما فيه من النظم اللائق (2) و المعاني الصحيحة التي لا يكاد يوجد مثلها على نظم تلك العبارة ، وإن اجتهد البليغ والخطيب .
أولها : خروج نظمه عن صور جميع (4) أسباب المنظومات ، ولولا نزول القرآن لم يقع في خلد (5) فصيح سواه (6) ولذلك قال عتبة بن ربيعة لمّا اختاره (7) [ قریش للمصير إلى النبي قرأ (صلی الله علیه وآله وسلم)عليه حم السجدة فلمّا انصرف قال :
سمعت أنواع كلام العرب ، فما أشبهه شيء منها ، إنّه أورد علي ما أراعني ! (8)
و نحوه ما حكي الله عن الجن « إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا یهدی الی الرشد»(9)من قل أوحي .
فلمّا عدم وجود شبه القرآن من أنواع المنظوم ، انقطعت أطماعهم عن معارضته
ص: 1004
و الخاصة الثانية : هي (1) الروعة التي له في قلوب السامعين ، فمن كان مؤمناً يجد هشاشة (2) إليه ، وانجذاباً نحوه .
وحكي أن نصرانیّاً مر برجل يقرأ القرآن ، فبكى ، فقيل له(3) : ما أبكاك؟
قال : النظم .
والثالثة : إنّه لم يزل نظماً (4) طريّا ، لا يمل ، ولا يمل (5) والكتب المتقدمة عارية عن رتبة(6) النظم ، و أهل الكتاب لا یدعون ذلك لها .
والرابعة : إنّه في صورة كلام هو خطاب لرسوله تارة ، ولخلقه أخرى .
والخامسة : ما يوجد من جمعه (7))فان له صفتي الجزالة و العذوبة ، و هما کالمتضادین .
والسادسة : ماوقع في أجزائه من امتزاج بعض أنواع الكلام ببعض ، و عادة ناظمي (8) البشر تقسیم معاني الكلام .
والسابعة : إن كل فضيلة تنعش في (9) تأسيس اللغة في اللسان العربي هي موجودة في القرآن .
والثامنة : وجود (10) التفاضل بين بعض أجزائه من السور وبين بعض والصورة (11) الحسنة تظهر بين المختلفات كما (12) في التوراة كلمات عشر تشتمل على
ص: 1005
الوصايا يستحلفون بها لجلالة قدرها ، و كذا في الانجيل أربع صحف ، و كذا في الزبور تحاميد و تسابيح (1) يقرأونها في صلواتهم .
والتاسعة : وجود ما يحتاج العباد إلى علمه (2) من أصول دينهم وفروعه ، من التنبيه على طرق العقليّات ، وإقامة الحجج (3) على الملاحدة ، والبراهمة (4)والثنوية (5)والمنكرة للبعث ، والقائلين بالطبائع ، بأوجز كلام و أبلغه ، ففيه من أنواع الاعراب والعربية والحقيقة و المجاز حتّى الطب في قوله : « كلوا واشربوا ولا تسرفوا » (6) فهذا أصل الطب ، والمحكم و المتشابه و الناسخ والمنسوخ ، وهو مهيمن على جميع الكتب المتقدمة .
والعاشرة : وجود قوة النظم في أجزائه كلّها حتّى لا يظهر في شيء من ذلك تفاوت ولا اختلاف ، و له خواص سواها كثيرة .
ص: 1006
فصل
فان قيل : فهلا كانت ألفاظ القرآن بكليّتها مؤلّفة من مثل الألفاظ الوجيزة (1)الّتي إذا وقعت في الكلام زادته حسناً ، ليكون كلام الله على النظم الأحسن الأفضل إذ كان لا يعجزه شيء عن بلوغ الغاية ، كما يعجز الخلق عن ذلك ؟
الجواب : قلنا : إن هذا يعود إلى أنّه كيف لم ترتفع أسباب التفاضل بين الأشياء حتّى تكون كلّها كشيء واحد متشابه الأجزاء و الأبعاض ؟ و كيف فضّل بعض الملائكة على بعض ؟ ومتى كان كذلك ، لم يوجد اختلاف بين الأشياء ، يعرف به الشيء وضده .
على أنّه لو كان كلام الله كما ذكر ، لخرج في صورة المعمّی (2) الّذي لايوجد له لذة البسط والشرح ، و لو كان مبسوطاً لم تبق (3) فضيلة الراسخين في العلم على من سواهم .
ثم أنّه تعالی حکم علم أن (4) إلطاف المبعوث إليهم إنّما هو في النمط الّذي أنزله فلو كان على تركيب آخر ، لم يكن لطفأ لهم .
فصل
ثم لنذكر وجهاً آخر للصرفة ، وهو (5)أن الأمر لو كان بخلافه ، و كان تعذر المعارضة المبتغاة و العدول عنها لعلمهم بفضله على سائر كلامهم في الفصاحة ، وتجاوزه له في الجزالة ، لوجب أن يقع منهم معارضة على كل حال .
ص: 1007
لأن العرب الذين خوطبوا بالتحدي والتقريع ، ووجّهوا بالتعنيف والتبكيت (1) كانوا متی (2) أضافوا فصاحة القرآن إلى فصاحتهم ، وقاسوا بكلامهم كلامه ، علموا أن المزيّة بينهما إنّما تظهر لهم دون غيرهم .
فمن نقص عن طريقتهم (3) ، ونزل عن درجتهم ، دون الناس أجمعين ، ممّن لایعرف الفصاحة ، ولايانس بالعربيّة ، و كان ما عليه دون المعرفة لفصيح الكلام من أهل زماننا ممّن (4)خفي الفرق عليهم بین مواضع من القرآن وبين فقرات العرب البديعة ، و كلمهم الغريبة (5).
فأي شيء أقعد بهم عن أن يعتمدوا إلى بعض أشعارهم الفصيحة ، و ألفاظهم المنثورة ، فيقابلوه ، و يدعوا أنّه مماثل لفصاحته أو أزيد عليها ؟ لاسيّما و خصمنا في (6) هذه الطريقة يدعي أن التحدي وقع بالفصاحة دون النظم و غيره من المعاني المدعاة في هذا الموضع .
فسواء حصلت المعارضة بمنظوم الكلام أو بمنثوره ، فمن هذا الّذي كان يكون الحكم في هذه الدعوى ؟ وفي جماعة الفصحاء أو جمهورهم كانوا أعداء (7) رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) و من أهل الخلاف عليه ، و الرد لدعوته ،والصدود عن محجّته (8) لاسيّما في بدو الأمر وأوله ، وقبل استقرار الحجة ، وظهور الدعوة ، و كثرة عدد الموافقين و تظافر الأنصار والمهاجرين .
و لا يعمل إلا على أن هذه الدعوى لو حصلت لردها بالتكذيب من كان في حرب النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)من الفصحاء . لكن كان اللبس يحصل والشبهة تقع لكل من لم يساو هؤلاء في المعرفة من المستجيبين للدعوة والمنحرفين عنها من العرب .
ثم الطوائف النّاس جميعاً - كالفرس والروم والترك وممّن ماثلهم ممّن لاحظ له في العربيّة - عند تقابل الدعاوي في وقوع المعارضة موقعها ، و تعارض الأقوال في
ص: 1008
الاصابة بها مكانها ، ماتتأكّد الشبهة ، وتعظم المحنة ، و يرتفع الطريق إلى إصابة الحق
لأن الناظر إذا رأى جل" أصحاب الفصاحة و أكثرهم يدعي وقوع المعارضة والمكافاة والمماثلة ، وقوما منهم كلّهم ينكر ذلك و يدفعه ، كان أحسن حاله أن يشك في القولين ، ويجوز في كل واحد منهما الصدق و الكذب .
فأي شيء يبقى من المعجز بعد هذا ؟ والاعجاز لا يتم إلا بالقطع على تعذر المعارضة على القوم ، وقصورهم عن المعارضة والمقاربة ، والتعذر لايحصل (1) إلا بعد حصول العلم بأن المعارضة لم تقع ، مع توفّر الدواعی و قوة الأسباب ، فكانت
حينئذ لاتقع الاستجابة من عاقل ، ولا المؤازرة من متديّن .
فصل
و ليس يحجز العرب عمّا ذكرناه ورع و لاحياء ، لأنّا وجدناهم لم يراعوهما و لم يرعووا عن السب والهجاء ، ولم يستحيوا من القذف والافتراء ، وليس في ذلك ما يكون حجّة ولا شبهة ، بل هو كاشف عن شدة عداوتهم ، وأن الحيرة قد بلغت بهم إلى استحسان القبيح الذي كانت نفوسهم تأباه ، وأخرجهم ضيق الخناق إلى أن أحضر أحدهم أخبار رستم و اسفندیار ، وجعل يقص بها ويوهم الناس أنّه قد عارض، وأن المطلوب بالتحدي هو القصص والأخبار و ليس يبلغ بهم الأمر إلى هذا ، وهم متمكنون ممّا يرفع الشبهة ، فيعدلوا عنه مختارين .
وأخلاقهم وإن وقرت ، فان الحال التي دفعوا إليها ، حال تصغّر الكبير، ومن أشرف على الهوان بعد العزة جف علمه ، وغرب غلوه ، وأقدم على ما لم يكن يقدم عليه .
وليس يمكن لأحد أن يدعي أن ذلك ممّا لم يهتد إليه العرب ، وأنّه لو اتّفق خطوره ببالهم لفعلوه ، غير أنّه لم يتّفق، لأنّهم كانوا من الفطنة واللبابة على ما لا يخفى عليهم معه أنفذ الكيدين فضلا عن أن يدفعوا عن الحيلة و هي بادئة هذا مع صدق الحاجة وفوتها ، والحاجة تفتق الحيل (2) .
وهب لم يفطنوا لذلك بالبديهة ، كيف لم يقموا عليه مع التغلغل (3) ؟ و كيف لم يتّفق
ص: 1009
لهم [ ذلك ](1) مع فرط الذكاء وجودة الذهن ؟
وهذا من قبيح الغفلة الّتي ينزه القوم عنها ، ووصفهم الله بخلافها .
وليس يورد مثل هذا الاعتراض من موافق في إعجاز القرآن ، وإنّما يصير إليه من خالفنا في الملّة ، أو أبهرته (2) الحجّة ، فيرمي العرب بالبله والغفلة ، فيقول : لعلّهم لم يعلموا أن المعارضة أنجع (3) وأنفع ، وطريق الحجّة أصوب وأقرب ، لأنّهم لم يكونوا أصحاب نظر وفكر ، وإنّما كانت الفصاحة صنعتهم ، فعدلوا إلى الحرب .
وهذا الاعتراض إذا ورد علينا كانت كلمة جماعتنا واحدة في رده ، وقلنا في جوابه :
إن العرب إن لم يكونوا نظّارین ، فلم يكونوا غفلة مجانين ، وته العقول (4) أن مساواة (5) التحدي في فعله ومعارضته بمثله ، أبلغ في الاحتجاج عليه من كل فعل ، ولا يجوز أن يذهب العرب الألبّاء عمّا لايذهب عنه العامّة والاغبياء .
والحرب غير مانعة عن المعارضة ، وقد كانوا يستعملون في حروبهم من الارتجاز مالو جعلوا مكانه معارضة القرآن كان أنفع لهم . وهذا كان في جواب من جعل ذلك کفهم عن المعارضة .
قالوا : إن في القرآن تفاوتاً كقوله : «لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ » (6) ففي هذا تكرير بغیر فائدة فيه لأن قوله « قوم من قوم » يغني عن قوله « نساء من نساء » فالنساء يدخلن في قوم ، يقال : « هؤلاء قوم فلان » الرجال وللنساء من عشيرته ؟
الجواب : إن « قوم » لا يقع في حقيقة اللغة إلا على الرجال ، ولا يقال
ص: 1010
للنساء التي ليس فيهن رجل : هؤلاء قوم فلان . وإنّما سمّي الرجال قوماً ، لأنّهم هم القائمون بالامور عند الشدائد - الواحد قائم - كتاجر و تجره ، ومسافر و سفره ،و نائم و نومه و زائر و زوره ، و يدل عليه قول زهير :
وما أدري وسوف إخال (1) أدري*** أقوم آل حصن أم نساء
وقالوا في قوله تعالى :«الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي»(2) تفاوت كيف تكون العيون في غطاء عن ذكر ؟ وإنّما تكون الأسماع في غطاء عنه .
الجواب : إن الله أراد بذلك عيون (3) القلوب ، يدل عليه قول النّاس : عمي قلب فلان . وفلان أعمى القلب ، إذا لم يفهم .
وقال تعالى : «وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» (4) وبصر القلوب أو (5)عماها هو المؤثّر في باب الدین المانع من الاهتداء ، فجاز أن يقال للقلب أعمى وإن كان العمى في العين .
ومثله قوله : «وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ » (6) والأكنّة : الأغطية .
فصل
ويسألوا عن قوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا» (7) قالوا : لا يقال : فلان يجعل لفلان حبّاً ، إذا أحبّه ؟
الجواب : إن الله إنّما أراد سيجعل لهم الرحمن ودا في قلوب المؤمنين ، والمعنى إنّي : حبّبتهم إلى القلوب .
و قالوا في قوله : «أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ » (8) ما الكتاب من علم الغيب ،و كانت قريش أمّيّين ، فكيف جعلهم يكتبون ؟
ص: 1011
الجواب : إن معنى الكتابة هنا : الحكم . يريد : أعندهم علم الغيب ، فهم يحكمون
فيقولون : سنقهرك ونطردك ، وتكون العاقبة لنا ، لا لك . ومثله قول الجعدي (1) :
ومال الولاء بالبلاء فملتم*** وما ذاك حكم الله إذ هو يكتب (2)
أي يحكم (3) . ومثله « و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس » (4) .
ومثله قوله(صلی الله علیه وآله وسلم) للمحاكمين إليه : « والّذي نفسي بيده لأقضين فيكما بكتاب الله » أي بحكم الله لأنّه أراد الرجم والتعذيب ، وليس ذلك في [ ظاهر ] (5) كتاب الله .
فصل
وقالوا : في قوله :«وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ***كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ***الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ » (6) كيف يليق أحد الكلامين ولفظ « کما » يأتي لتشبيه شيء بشيء تقدم ذكر هو لم يتقدم في أول الكلام ما يشبّه به ما تأخّر عنه .
كذلك قالوا في قوله : « لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ***كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ »(7) ما الّذي يشبه (8) بالكلام الأول من إخراج الله إيّاه .
وقالوا في قوله : «وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ***«كَمَا أَرْسَلْنَا». (9)
الجواب : إن القرآن نزل على لسان العرب ، وفيه حذف و إيماء ، و وحی وإشارة فقوله : « أنا النذير المبين » فيه حذف كأنّه قال : أنا النذير المبين عذاباً ، مثلما أنزل على المقتسمين ، فحذف العذاب إذ كان الانذار يدل عليه كقوله في موضع :
ص: 1012
«أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ »(1) .
ولو أراد مرید أن يمثل هذا بذاك ، لقال : أبا النذير المبين كما أنزل على عاد و ثمود .
ومثله من المحذوف کثیراً أمن أشعار العرب و كلامهم .
وأما قوله : « كما أخرجك ربّك من بيتك بالحق » فان المسلمين يوم بدر اختلفوا في الأنفال ، وجادل كثير منهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فيما فعله في الأنفال ، فأنزل الله سبحانه : «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ-یجعلها لمن یشاء- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ -أی فرقوها بینکم علی السواء-وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -فیما بعد- إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (2) ووصف المؤمنین . ثم قال :
«كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ »(3) يريد أن كراهتهم في الغنائم ككراهتهم للخروج معك .
وأما قوله : « ولعلّكم تهتدون *** كما أرسلنا » فانّه أراد : ولاتم نعمتي کارسالي فيكم رسولا أنعمت به عليكم يبيّن لكم .
فصل
سألوا عن قوله :«وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ »(4) ولايقول أحد منهما ذلك .
الجواب : إنّه لمّا أحرق بخت نصّر بیت المقدس ، نفي(5) بني إسرائيل و سبی ذراريهم ، وخرق (6) التوراة حتّى لم يبق لهم رسم ، و كان في سبایاه « دانیال » فعبّر روباه (7) فنزل منه بأحسن المنازل .
فأقام عزير لهم التوراة بعينها ، حين عاد إلى الشام بعد فوتها .
ص: 1013
فقالت طائفة من اليهود : هو ابن الله ، ولم يقل ذلك كل اليهود ، و هذا خصوص خرج مخرج العموم .
وسألوا عن قوله :«فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ » (1) قالوا : كيف جمع الله بينه و بین قوله :«لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ »(2) وهذا خلاف الأول ، لأنّه قال أهلا : نبذنا مطلقاً ، ثم قال : لولا أن تدار که لنبذ ، فجعله شرطاً ؟
الجواب : معنى ذلك : لولا أنّا رحمناه باجابة دعائه ، لنبذناه حين نبذناه بالعراء مذموماً ، وقد كان نبذه في حالته الأولى سقيماً يدل عليه قوله :«فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ »(3) لكن تدار که الله بنعمة من عنده ، فطرح بالفضاء وهو غير مذموم فاختاره الله ، و بعثه نبيّاً ،[ ولا تناقض بين الآيتين ، وإن كان في موضع نبذناه مطلقاً وهو سقيم ](4) ولم يكن في هذه الحالة بمليم .
[ وفي موضع آخر نبذ مشروطاً ، ومعناه : لولا أن رحمنا يونس (علیه السلام) لنبذناه ملوماً ] .(5) وإن كان لوم عتاب ، لا لوم عقاب ، لأنّه ترك الأولى . (6)
ص: 1014
[ فصل ]
وسألوا عن قوله : « وإذ قال إبراهيم لأبيه آرز »(1) واسمه في التوراة تارخ فيقال : لا ينكر أن يكون له اسمان ، فقد يكون للرجل اسمان و کنیتان ، هذا إدريس في التوراة أخنوخ ويعقوب إسرائيل ، وعيسى يدعى المسيح ، وقد قال نبيّنا : لي خمسة أسماء : أنا محمّد ، وأنا أحمد ، والماحي ، و العاقب ، و الحاشر . (2)
وقد يكون للرجل كنيتان كما كان له اسمان ، فان" حمزة يكنّي : أبا يعلى وأباعتبة (3) و صخر بن حرب - والد معاوية - يکنّی (4) باسفيان ، وأبا حنظلة .
وقيل : معنى آزر: یا ضعيف ، أو یا جاهل . ويقال : یا معاوني (5) و یا مصاحبي أويا شيخي . فعلى هذا يكون ذلك وصفاً له . وقال الأكثرون : إن آزر كان عم إبراهيم والعرب تجعل العم أباً .
و الصحيح أن آزرما كان أبا إبراهيم (6) .
[ فصل ]
و سألوا عن قوله :«وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا »-ثم قال : - «قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا »((7)) وهذا كلام متفاوت ، لأنّه أخبرنا بمدة لبثهم .
ثم قال : « الله أعلم بما لبثوا » وقد علمنا ذلك بما أعلمنا .
الجواب : إنّهم اختلفوا في مدة لبثهم ، كما اختلفوا في عدتهم ، فأعلمنا الله
ص: 1015
أنّهم لبثوا ثلاثمائة ، فقالوا : سنین وشهوراً وأيّاماً ؟ فأنزل الله سنين ] (1) .ثم قال : « ازدادوا تسعاً » وأنا أعلم بما لبثوا من المختلفين.
فصل
وسألوا عن قوله « يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء » (2) ولم يكن لمريم أخ يقال له هارون ! الجواب : [ إلم ] إنّه لم يرد بهذا أخوة النسب ، بل أراد
یا شبيهة هارون ، ومثل هارون (3) في الصلاح .
و كان في بني إسرائيل رجل صالح اسمه هارون ، وقد يقول الرجل لغيره : يا أخي ، و لايريد أخوة (4) النسب ، و يقال : هذا الشيء أخو هذا الشيء ، إذا كان
متشا کلا [ له ] (5) . وقال تعالى : «وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا»(6) .
فصل
وقالوا : كيف [ يكون ] هذا النظم بالوصف الذي ذكرتم في البلاغة والنهاية (7) و قد وجد التكرار من ألفاظه كقوله : «فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ » ونحوه من تكرير القصص ؟
الجواب : إن التكرير على وجوه :
ص: 1016
منها : ما يوجد في اللفظ دون المعنى (1) كقولهم : أطعني و لا تعصني .
ومنها : ما يوجد فيهما (2) معا كقولهم : عجّل عجّل ، أي سر آو علانية ، والله و الله ، أي في الماضي والمستقبل . وقد يقع كل ذلك لتأكيد المعنى والمبالغة فيه ويقع مرة لتزيين النظم وحسنه ، والحاجة إلى استعمال كليهما .
فالمستعمل للايجاز و الحذف ربّما عمي على السامع ، وإنّما ذم أهل البلاغة التكرار الواقع في الألفاظ إذا وجد فضلا من القول غير مفید فائدة في التأكيد لمعنى أو لتزيين لفظ و نظم . و إذا وجد كذلك كان هذراً و لغواً (3) .
و أمّا إذا أفاد فائدة في كل من النوعين كان من أفضل اللواحق للكلام المنظوم ولم يسم تكريراً على الدم ، وتكرير اللفظ لتزيين النظم أمر لا يدفعه عارف بالبلاغة وهو موجود في أشعارهم . (4)
ص: 1017
أمّا بعد حمد الله تعالى ، الّذي فرق لجميع المكلّفين بين الحق والباطل .
والصلاة على محمّد و آله الّذين أعادوا الدين کعود الحلي إلى العاطل (1) .فانّي أذكر ماین کشف به الفصل بين الحيل و المعجزات ، و يظهر به الشعوذة
و المخاريق ، و حقيقة الدلالات و العلامات لكل ذي رأي صائب ، و نظر ثاقب و الله الموفّق والمعين .
إعلم أن الحيل هي أن يري صاحب الحيلة الأمر في الظاهر على وجه لا يكون عليه
ويخفي (2) وجه الحيلة فيه .
نحو عجل السامري الّذي جعل فيه خروقاً تدخل فيها الريح ، فيسمع منه صوت .
ومنها: مخرقة المشعبذ نحو أن يري الناظر ذلك في خفّة حركاته كأنّه ذبح حيواناً
ولايذبحه في الحقيقة ، ثم يري من بعد أنّه أحياه [ بعد الذبح ] .
ص: 1018
ويشبه هذا الجنس من الحيل (1) : السحر .
وليست معجزات الأنبياء والأوصياء من هذا الجنس ، لأن الّذي (2) يأتون به من المعجزات يكون على مايأتون به .والعقلاء يعلمون (3) أنّها كذلك ، لا يشكّون فيه وأنّه ليس فيها وجه حيلة نحو قلب العصاحيّة ، و إحياء الميّت ، و کلام الجماد و الحيوانات من البهائم و السباع والطيور على الاستمرار في أشياء مختلفة ، والاخبار عن الغيب ، والاتيان بخرق العادة ، ونحو القرآن في مثل بلاغته و الصرفة (4) و إن كان يعلم كونه معجزاً أكثر الناس
بالاستدلال .
و لهذا قال تعالى في قوم فرعون و ما رأوه من معجزات موسی - على نبيّنا و علیه السلام - :«وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا »(5) .
ص: 1019
فصل
فان قيل : ما أنكرتم أن يكون في الأدوية ماإذا مس به ميّت حيّي و عاش ، وإذا جعل في عصا و نحوها صارت حيّة ، وإذا سقي حيواناً تكلم ، وإذا شر به الانسان صار بليغاً ، بحيت يتمكّن من مثل بلاغة القرآن .
قلنا : ليس يخلو إمّا أن يكون للناس طريق إلى معرفة ذلك الدواء ، أو لا يكون لهم طريق إلى معرفته . فان كان لهم إليه طريق لزم أن يكون الظفر به ممكناً ، و كانوا
يعارضونه به فلا يكون معجزاً . وإن لم يمكن الظفر به ، لزم أن يكون الظفر به معجزاً،
لأنّه يعلم أنّه ماظفر به إلا بأن أطلعه الله تعالی علیه - وإن كان تعالى لا يطلع عليه أحداً ليس برسول - فعلم بذلك صدقه ، ثم يعلم من بعد - بخبره - أن ذلك (1) ليس من قبله- نحو القرآن - بل هو منه تعالى أنزله عليه .
و كذلك هذا في الدواء الذي جو زبه (2) السائل إحياء الموتى ، لا يخلو إمّا أن لا يمكن الظفر به أو يمكن . فعلى الأول ازم أن يكون الظفر به معجزاً للنبي أو الوصي ، لأنه يعلم أنّه ماظفر به إلا بأن أطلعه الله تعالى عليه ، فيعلم بذلك صدقة . وإن أمكن الظفر به- وهو الوجه الثاني - فالواجب أن يسهل الأحياء لكّل أحد ، والمعلوم خلافه .
و فصل
واعلم أن الحيل والسحر وخفّة اليد لها وجوه متی فتّش عنها المعني بذلك فانه يقف على تلك الوجوه ، و لهذا يصح فيها التتلمذ و التعلّم ، ولا يختص به واحد دون آخر
ص: 1020
مثاله أن المحتالين يأخذون البيض ، و يضعونه في الخل ونحوه ، و يتركونه يومين وثلاثة ، حتى يصير قشره الفوقاني ليّناً بحيث يمكن أن يطول ، فاذا صار طويلا بمده كذلك ، يطرح في قارورة ضيقة الرأس ، فاذا صار فيها يصب فيها الماء البارد وتحرك القارورة حتّى يصير البيض مدوراً كما كان ، و يذهب ذلك اللين من قشره الفوقاني بذلك بعد ساعات ، ويشتد بحيث ينكسر انكساره أو لا ، فيظن الغفلة أن المعجز مثله ، وهو حيلة .
و نحو ذلك ما ألقى سحرة فرعون من حبالهم وعصيّهم حتّی خیّل إلى الناظر إليها من سحرهم أنّها تسعى ، احتالوا في تحريك العصا والحبال لأنّهم جعلوا فيها من الزئبق ، فلمّا طلعت الشمس عليها ، تحركت بحرارة الشمس .
وغير ذلك من أنواع [ الحيل ، وأنواع ]التمويه والتلبيس ، وخيّل إلى الناس أنّها تتحرك كما تتحرك الحيّة ، وإنّما سحروا أعين الناس لأنّهم أروهم شيئاً لم يعرفوه (1)و دخل عليهم الشيعة في ذلك لبعده منهم ، فانّهم لم يتركوا الناس يدخلون بينهم .
وفي هذه دلالة على أن السحرلا حقيقة له ، لأنّها لوصارت حيّات حقيقة لم يقل الله تعالی : « سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ» (2) بل كان يقول سبحانه : « فلما ألقوا صارت حيّات » .
ثم قال تعالى : «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ » (3)
أي ألقاها فصارت ثعباناً فاذا هي تبتلع مايأفكون(4) فيه من الحبال والعصي ، وإنّما ظهر ذلك للسحرة على الفور ، لأنّهم لما رأوا تلك الايات والمعجزات في العصا علموا أنّه أمر سماوي لا يقدر عليه غير الله تعالی .
فمن تلك الأيات : قلب العصا حيّة .
ومنها أكلها حبالهم وعصيّهم مع كثرتها .
ص: 1021
ومنها فناء حيالهم وعصيّهم في بطنها إمّا بالتفرق أو الخسف، وإمّا بالفناء عند من جوزه.
ومنها عودها عصا كما كانت من غير زيادة ولانقصان .
و كل عاقل يعلم أن مثل هذه الأمور لاتدخل تحت مقدور البشر ، فاعترفوا كلّهم ، واعترف كثير من الناس معهم بالتوحيد ، و النبوة ، وصار إسلامهم محجة على فرعون و قومه .
فصل
وأمّا معجزات الأنبياء و الأوصياء(صلی الله علیه وآله وسلم) فان أعداء الدين يعتنون بالتفتيش عنها ، فلم يعثروا على وجه حيلة فيها .
و كذلك كل من سعى في كشف عوراتهم وتكذيبهم يفتّش عن دلالاتهم أهي شبهات أم لا ؟ فلم يوقف فيها على مكر وخديعة منهم (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولا في شيء من ذلك .
ألا ترى أن سحرة فرعون كانت همّتهم أشد في تفتیش معجزة موسى - على نبيّنا وعليه السلام - فصاروا هم أعلم الناس بأن ما جاء به موسي اللا ليس بسحر، وهم
كانوا أحذق أهل الأرض بالسحر ، و آمنوا ، وقالوا لفرعون : «وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ » (1) .
فقتلهم فرعون ، وهم يقولون :« لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ» (2) .
وقيل : إن فرعون لم يصل إليهم وعصمهم الله تعالى منه .
ص: 1022
فصل
وأمّا القمر المعروف ب- « المقنعي » (1) فانّه ليس بأمر خارق العادة ، وإنّما هو إخراج عين من العيون التي تنبع في الجبال في ذلك الموضع ، متى كانت الشمس في برج الثور أو الجوزاء سامنت (2) تلك العين و انعکس منها الشعاع إلى الجو ،
وهناك تكثر الأبخرة في الجو ، وتراكم وتتكاثف ، فير كد الشعاع الذي انعكس [من العين ] فيها ، فتراءی إلى الناس صورة قمر .ولهذا لمّا طمّت تلك العين فسد ما فعله المقنّع ، وقد عثر على ذلك ، واطلع عليه ، و كل من اطّلع على ذلك ، وراقب الوقت و أنفق المال وأتعب الفكر [ فيه أمكنه أن يطلع مثل ما أطلعه المقنّع ، إلا أن الناس يرغبون عن إنفاق المال وإتيان الفكر ] (3) فيما يجري هذا المجری ، سیّما و إن تم لهم ذلك نسبوه إلى الشعوذة .
وأمّا الطلسمات فان من الناس من يسمّي الحيل الباقية بها ، وذلك، مجاز و استعارة .
و إلا فالطلسمات التي ظاهرها و باطنها سواء ، و لايظهر منها وجه حيلة [ خافية ]
كما كان على منارة الاسكندريّة .(4)
ص: 1023
[ و کما روي أن الله تعالی بفضله أمر نبیّاً من الأنبیاء المتقدمین أن یأخذ طیراً من نحاس أو شبه (1) و يجعله على رأس منارة كانت في تلك الولاية، و لم يكن فيها شجر الزيتون ، و كان أهلها محتاجين إلى دهن الزيت للمأدوم وغيره ، فاذا كان عند إدراك الزيتون بالشامات خلق الله صوتاً في ذلك الطير فيذهب ذلك الصوت في الهواء فيجتمع إلى ذلك ألوف ألوف من أجناسه في منقار كل واحد زيتونة ، فيطرحها على ذلك الطير ، فيمتليء حوالي المنارة من الزيتون إلى رأسها ، و كان ذلك الطير غیر مجوف .
فلايدعي أنّها من الحيل التي يأخذها الناس لصندوق الساعة ونحوها .
ولايسمع لذلك الطير صوت إلا عند إدراك الزيتون في السنة ، و كان أهلوها ينتفعون به طول السنة بذلك ] (2).
ص: 1024
فعندنا هي معجزات [ باقية ] للانبياء الماضين ، والأوصياء المتقدمين صلّی الله عليهم
أجمعين ، ولهذا لم تظهر طلسمات (1) بعد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)وفي حال قصورأيدي لأئمّة(علیهم السلام) .
فصل
وأمّا الزراقون (2) الذين يتحدثون (3) على غير أصل ، كالشغراني (4) فانّه ، كان ذكيّاً حاضر الجواب [ فطناًة بالزرق ] ، معروفاً بكثرة (5) الاصابة فيما يخرجه ،حتى ظنّوا أن هذا كلّه هو ما اقتضاه مولده وتولاه كوكبه (6) من غير علم .
ص: 1025
وهذا كلّه باطل ، لأنّه لو كانت الاصابة بالمواليد ، لكان النظر في علم النجوم عبثاً لا يحتاج إليه ، لأن المولد إذا اقتضى الأصابة أو الخطأ ، فالتعلّم لا ينفع وتر که لا يضر ، وهذه علّة تسري إلى كل صنعة ، حتّى يلزم أن يكون كل شاعر مفلق وصانع حاذق و ناسج الديباج موفّق لا علم له بذلك ، وإنّما اتّفقت له الصنعة بغير علم لما يقتضي كواكب مولده ، وما يلزم من الجهالة على هذا لا يحصى .
فصل
و كان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)ما يذكر أخبار الأولين والآخرين ، من ابتداء خلق الدنيا إلى انتهائها ، وأمر الجنّة والنار ، و ذكر ما فيها على الوجه الذي صدقه عليها أهل الكتاب و كان(صلی الله علیه وآله وسلم) لم يتعلّم ، ولم يقعد عند حبر ، ولم يقرأ الكتب .
واذا كان كذلك ، فقد بان اختصاصه بمعجزة [ الأن ] ما أتى به من هذه الأخبار - لا على الوجه المعتاد في معرفتها ، من تلقّفها من ألسنة الناطقين - لا يكون إلا بدلالة
تكون علماً على صدقه .
وما أخبر به عن الغيوب التي تكون على التفصيل لا على الاجمال كقوله تعالى :
« لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ » (1) فكان كما أخبربه (2) .
ولم يكن - عليه و آله السلام - صاحب تقویم و حساب و اسطرلاب (3) ومعرفة مطلع نجم وریح ، و كان من ينكر على المنجّمين ، فيقول :
ص: 1026
من أتى عرافاً أو كاهناً فآمن بما قال ، فقد كفر بما أنزل على محمد . (1) وقد علمنا أن الأخبار عن الغيوب على التفصيل - من حيث لا يقع فيه خلاف بقليل ولابكثير ، من غير استعانة على ذلك بآلة وحساب و تقویم کو کب وطالع ، أو على التنجيم (2) الذي يخطىء مرة ويصيب مرة - لا يمكن إلا من ذي معجزة مخصوصة قد خصّه الله تعالى بها بالهام من عنده أو أمر يكون ناقضاً للعادة الجارية في معرفة مثلها ، إظهاراً لصدق من يظهرها عليه و علامة له .
فصل
و اعلم أن ما تضمّنه القرآن أو الأحاديث الصحيحة من الأخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة : فأمّا الماضية فكالاخبار عن أقاصيص الأولين والآخرين من غير تعلّم من الكتب المتقدمة ، على ما ذكرنا .
وأما المستقبلة فكالاخبار عمّا يكون من الكائنات ، فكان كما أخبر عنها على
الوجه الّذي أخبر عنها على التفصيل ، من غير تعلّق (3) بما يستعان به علي ذلك ، من تلقين ملقّن أو إرشاد مرشد ، أو حكم بتقويم ، أو رجوع إلى حساب کالكسوف والخسوف ، ومن غير اعتماد على اسطرلاب وطالع .
وذلك كقوله تعالى: « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (4) .
و كقوله تعالى : «مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ» (5) .
ص: 1027
وکقوله تعالى :«سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ »(1) .
وكقوله تعالى :« لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا » (2).
وکقوله تعالي : «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا » (3) .
و كقوله تعالى :«وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا -الی قوله-قد احاط الله بها»(4) .
ونحو ذلك من الايات و كانت كلّها كما قال تعالى .
والأحاديث في مثل ذلك (5) كثيرة لايتّفق أمثالها - على كثرتها مع ما فيها من تفصيل الأحكام المفصّلة - عن المنجّمين فتقع كلّها (6)صدقاً ، فيعلم أن ذلك بالهام ملهم ، علام الغيوب ، معر وأ له حقائق الأمور (7) .
ووجه آخر وهو ما (8) في القرآن والأحاديث من الاخبار عن الضمائر مثل قوله تعالى : « إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا » (9) من غير أن يظهر منهم قول أو فعل بخلاف ذلك .
وكذلك قوله تعالى :« وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ...» (10) من غير أن يسمعه أحد منهم [ فلا ينكرونه ] .
و كذلك قوله تعالى :«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ
ص: 1028
غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ »(1) فأخبره تعالی بما يريدون (2) في أنفسهم وما يهمّون [ به ] .
وكعرضه تعالی تمنّي الموت على اليهود في قوله تعالى : « فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (3) .
وقوله تعالى : «وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ » (4) .
فعرفوا صدقه ، فلم يجسر أحد منهم أن يتمنّى الموت ، لانّه(صلی الله علیه وآله وسلم) قال لهم : «إن تمنّيتم الموت متّم » فدل جميع (5) ذلك على صدقه باخباره عن الضمائر .
وكذلك ما ذكرناه من معجزات الأوصياء ،يدل على صدقهم و كونهم حججاً الله تعالی .
فصل
فان قيل : فما الدليل على أن أسباب الحيل مفقودة في أخبار کم حتّی حكمتم بصحّة كونها معجزة ؟
قلنا : كثير من تلك المعجزات لا يمكن فيها الحيل ، مثل انشقاق القمر وحديث الاستسقاء ، و إطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير ، وخروج الماء من بين
الأصابع ، و الأخبار بالغائبات قبل كونها ، ومجيء الشجرة ثم رجوعها إلى مكانها
لاتتم الحيلة فيها .
وإنّما تتم الحيلة في الأجسام الخفيفة (6) التي تحدث بالتفكك والقسر (7) و غير
ص: 1029
ذلك ، ولا يتم مثله في الشجر والجبل ، لأنّه لو كان لوجب أن يشاهد .
فإن قيل : جو زوا أن يكون هاهنا جسم يجذب الشجرة كما أن ها هنا حجراً يجذب الحديد يسمّی « المغناطيس » .
قلنا : لو كان الأمر على هذا العثر عليه ، ولظفر به مع تطاول الزمان ، كما عثر على حجر المغناطيس ، حتى علمه كل أحد .
ولو جاز ما قالوه للزم أن يقال : هاهنا حجر يجذب الكواكب ويقلع الجبال من أماكنها ، وإذا قرب من میّت عاش ، فيؤدي إلى أن لا يثق بشيء أصلا ، ويؤدي ذلك إلى الجهالات ، و كان ينبغي أن يطعن بذلك أعداء الدين و مخالفو الاسلام لانّهم إلى ذلك أحوج و به أشغف .
و كذلك القول في خروج الماء من بين أصابعه (صلی الله علیه وآله وسلم)إن ادعي طبيعة فيه أو حيلة لزم تجویز ذلك في قلع الجبال ، وجذب الكواكب ، وإحياء الموتى ، و كل ذلك فاسد .
و حنين الجذع لا يمكن أن يدعي أنّه كان لتجويف فيه ، لأنّه لو كان كذلك العثر عليه مع المشاهدة ، ولكان لا يسكن مع الالتزام .
و تسبيح الحصى و تكليم الذراع لا يمكن فيه حيلة البتّة .
وقيل : في سماع الكلام من الذراع وجهان :
أحدهما : أن الله تعالى بني الذراع بنية حي صغير ، وجعل له آلة النطق والتمييز فيتكلّم بما سمع .
والآخر : أن الله تعالى خلق فيه كلاماً سمع من جهته وأضافه إلى الذراع مجازاً .
وقول من قال : لو انشق القمر لرآه جميع الناس ، لا يلزم ، لأنّه لا يمتنع أن تكون للناس في تلك الحال مشاغيل ، فانّه كان بالليل ، فلم يتّفق لهم مراعاة ذلك فانّه بقي ساعة ثم التأم .
ص: 1030
و أيضاً فانّه لا يمتنع أن يكون حال بينه وبين من لم يشاهده الغيم ، فلاجل ذلك لم يره الكل، وأكثر معجزات الأئمّة (علیهم السلام)تجري مجرى ذلك ، فالكلام فيها كالكلام في هذه ، والله أعلم .
قد فرق قوم من المسلمين بين المعجزات والمخاريق ، بأن قالوا (2) : إن المعجزة لا تكون إلا على يد رسول أو وصي رسول (3) عند الأفاضل من أهل عصره والأماثل من قومه ، فيعرفونها (4) عند التأمّل لها والنظر فيها على كل حال .
والشعبذة تظهر على يد أطراف الناس وسقطهم (5) عند الضعفة من العوام والعجائز ، فاذا بحث عن أسبابها [ المبرزون ] وجدوها مخرقة ، والمعجزة على [ مر ] الأيّام لا تزداد إلا ظهور صحّة لها ، ولا تنكشف إلا عن حقيقة فيها .
وإن المعجزة ربّما لم يعلم - من تظهر عليه - مخرجها وطريقها ، و كيف تتأتي وتظهر . و الشعبذة إنّما يهتدي صاحبها إلى أسبابها ، و يعلم أن من شار که فيها أتي بمثل ما أنتي هو به .
وإن المعجزة يجري أمرها مجری ماظهر في عصا موسی - علی نبیّنا وعليه السلام -
من انقلابها حيّة تسعى حتّى انقادت له السحرة .
ص: 1031
وخاف موسی - علی نبیّنا وعليه السلام - أن تلتبس الشعبذة على أكثر الحاضرين .
وإن المعجزة تظهر عند دعاء الرسول أو الوصي ابتداءاً من غير تكلّف آلة وأداة منه أكثر من دعائه لله تعالى أن يفعل ذلك .
والشعبذة (1) مخرقة وخفّة يد تظهر على أيدي بعض المحتالين بأسباب مقدرة
لها ، وحيل متعلّمة أو موضوعة ، ويمكن المساواة فيها ، ولا يتهيّأ ذلك إلا لمن عرف
مبادئها ، ولا بد له من آلات يستعين بها في إتمام ذلك ويتوصّل بها إليه .
فصل
و اعلم أن المعجزة أمر يتعذر على كل من في العصر مثله عند التكلّف والاجتهاد على المشعوذين ، فضلا عن غيرهم ، كعصا موسى الّذي أعجز السحر أمره مع حذقهم في السحر وصنعته .
والشعوذة مخرقة وخفّة تظهر على أيدي المحتالين بأسباب مقدرة تخفى على قوم دون قوم .
والمعجزة تظهر على أيدي من عرف بالصدق والصيانة والصلاح [ والسداد ] .
والشعوذة تظهر على أيدي المحتالين والخبثاء والأرذال .
والمعجزة يظهرها صاحبها متحدياً ، ودلائل العقل توافقها على سبيل الجملة و يباهي بها جميع الخلائق ، و لا تزيده الأيّام إلا وضوحاً ، ولا تكشف الأوقات إلا عن صحّته .
وللمعجزات شرائط ذكرناها [ (2) على أنّها من باب الممكن للمتوهم ، الّذي لا يمتنع مثله في المقدور الله ، و نفسه (3) قول المنكرين لكونها - من حيث الاحالة
ص: 1032
لوقوعها - والله سبحانه وتعالى هو المظهر لها تصديقاً للنبي أو الوصي .
ولأن أكثر الشعوذة والمخرقة تتعلّق بزمان مخصوص و مکان معلوم ، ويستعان في فعلها بالأدوات والمعاونات والمعالجة .
والمعجزة لا تتعلّق بزمان مخصوص ، ولا ببقعة مخصوصة ، ولا يستعين فيها صاحبها با لة ولا أداة ، وإنّما يظهرها الله على يديه عند دعائه و دعواه ، وهو لم يتكلّف في ذلك سبياً ، ولا استعان فيها بعلاقة ولا معالجة ، ولا أداة ولا آلة .
وأنتها على الوجه الناقض للعادات، والباهر للعقول، القاهر للنفوس، حتی تذعن لها الرقاب و الأعناق ، و تخضع لها النفوس ، و تسمو إليها القلوب ممن أراد أن يعلم صدق من أظهرها عليه .
فصل
والمعجزة علامة الصدق حيث وجدت ، سواء كان نبيّاً مرسلا ، أو وصيّاً معظمّاً ، وإنّما تظهر للتصديق لمن تظهر عليه ، إمّا في دعواه النبوة ، أو في تحقيق حاله ، والذي يدل على أنّها علامة التصديق أنّه قد ثبت أن خبر المخبر لابد من أن يكون صدقاً أو كذباً .
والباري تعالی موصوف بالقدرة على التمييز بين الصادق والكاذب بامارات بنصبها ، وعلامات يضعها دلالات على صدق الصادق ، كما أنّه القادر على إعلامنا صدق الصادق و کذب الكاذب بأن يضطرنا إلى صدق الصادق و کذب الكاذب ولكنّه تعالى لا يفعل الاضطرار فيه مع بقاء التكليف .
ولو لم يكن تعالی موصوفاً بالقدرة على نصب دلالة على صدق الصادق لم يمكن
المستدل أن يستدل بها على صدقه فيما يقوله كان في ذلك تعجيزه ، ووصفه بالعجز
عمّا يصح أن يقدر عليه ، و ذلك باطل لأنّه تعالى قادر لذاته ، فعلم أنّه لابد
ص: 1033
أن يكون قادراً على نصب دلالة يستدل بها على صدق الصادق .
ثم تلك الدلالة لا تخلو إمّا أن تكون أمراً معتاداً حدوثه ، أو أمراً يخص الصادق و ينقض العادة بذلك المعنى الذي أشرنا إليه ، ولا يكون أمراً معتاداً بل يكون خارقاً للعادات ، وإذا كان هذا هكذا صح أن الذي ذكرناه من المعجزة علامة الصدق وأنّها تخصّه كما تخص الأفعال المحكمة إذ أظهرت علم من يظهر ذلك منه ويترتّب على حسب علمه بترتيبه لها ، ولم يجز أن توجد مع الكاذب ، لأن حكم الامارة مثل حكم الدلالة ، ولا يصح أن تكون الدلالة موجودة مع فقد المدلول ، لأن ذلك يخرجه من أن تكون دلالة ، كما أن العلّة توجب الحكم ، فاذا وجدت وهي غير موجبة للحكم خرجت من أن تكون علّة للحكم .
والمعجزة : علامة الصدق ، وعلامة الشيء كدلالته يلزمه حكمه فلا يجوز ظهورها على كذاب .
ذكر ابن زکریّا المتطبّب(1) في مقابل المعجزات أموراً يسيرة لا يتمكّن منها إلابالمواطاة والحيل ، وأعجب منها ما يفعله المشعبذون في كل زمان .
فذكر ما نقل عن زرادشت منصب الصفر المذاب على صدره ، ومن بعض سدنة
ص: 1034
بيت الأوثان أنّه كان منحنياً على سيف وقد خرج من ظهره لايسيل منهدم ، بل ماء أصفر وكان يخبرهم بامور .
قال : ورأيت رجلا كان يتكلّم من إبطه ، و آخر لم يأكل خمسة و عشرين يوماً ، وهو مع ذلك حصيف (1) البدن .
وأين ما ذكره من فلق البحر[ حتّى صار كل فرق منه كالطود (2) العظيم ، ومن إحياء میّت متقادم العهد ، ويبقى حياً حتّى يولد ] ((3)) و انفجار الماء الكثير من حجر صغير ،أو من بين الأصابع حتّى يشرب الخلق الكثير .
و فصل
و الّذي ذكره ابن زكريّا عن زرادشت إنّما يمكن منه بطلاء الطلق (4) وهو دواء يمنع من الاحتراق ، وفي زماننا نسمع أن أناساً يدخلون التمور المسجور بالغضي (5) . و أمّا إراءة السيف نافذاً في البطن فهو شعبذة معروفة ، فانّه يكون مجوفأً يدخل بعضه في البعض ، فيري المشعبذ أنّه يدخل في جوفه .
وأمّا الامساك عن أكل الطعام ، فهو عادة يعتادها كثير من الناس ، والمتصوفة يعودون أنفسهم التجويع أربعين يوماً .
وقيل : إن بعض الصحابة من يصوم صوم الوصال (6) خمسة عشر يوماً .
ص: 1035
وأما المتكلم من الابط فيجوز أن يكون ذلك أصواتاً مقطّعة قريبة من الحروف ،[ وأن يكون حروفاً متميّزة كأصوات كثير من الطيور ، وقد يسمع من صریر الباب ما يقرب من الحروف ] (1) وهو مبهم في هذه الحكاية .
فيجوز أن يخبر أن ذلك كان كلاماً خالصاً .
ويجوز أن يتعمّد ذلك الانسان له ، ويصل إلى ذلك بالتجربة والاستعمال .
وقد رأينا في زماننا من كان يحكي عنه مثل ذلك ، والذي يحكي عن الحلاج أغرب وأعجب .
وقد وقع العلماء على وجوه الحيل فيها ، و كل من تفكّر في حيلهم أيّاماً وقف عليها ، وما من حيلة إلا وتحصل عقيب سبب ، وليس فيها ما تنقض به العادة .
فصل
وطعن ابن زكريّا في المعجزات من وجه آخر فقال : « وقد يوجد في طبائع الأشياء أعاجيب » وذكر حجر المغناطيس وجذبه للحديد ، و باغض الخل ، وهو حجر إذا ألقي في إناء خل فانّه يهرب منه ، ولا ينزل إلى الخل ، والزمرد يسيّل عين الأفعي، والسمكة الرعّادة يرتعد صاحبها مادامت في شبكته و كان آخذاً بخيط الشبكة .(2)
قال : « فلا يمتنع أيضاً - فيما يأتي به الدعاة - أنّها ليست منها ، بل ببعض (3)
ص: 1036
الطبائع ، إلا أن يدعي مدع أنّه أحاط علماً بجميع طبائع جواهر العالم ، و امتناع ذلك بيّن » .
وذكر أبو اسحاق ابن عياش (1)أنّه أخذ هذا على ابن الراوندي (2) فانّه قال في کتاب له سمّاه : « الزمرد (3) على من يحتج بصحّة النبوة بالمعجزات » فقال :
من أين لكم أن الخلق يعجزون عنه ، هل شاهدتم الخلق ؟ أو أحطتم علماً بمنتهی قواهم وحيلهم ؟ فان قالوا : نعم ، فقد كذبوا ، لأنهم لم يجوبوا الشرق والغرب ، ولا امتحنوا الناس جميعاً . ثم ذكر أفعال الأحجار كحجر المغناطيس وغيره .
قال أبو اسحاق : فأجابه أبو علي (4) في نقضه عليه أنّه يجوز أن يكون في الطبائع ماتجذب به النجوم ، وتسير به الجبال في الهواء ، ويحيي به الموتى بعدما صاروا رميماً فاذاً لايمكن أن يفصل بين الممكن المعتاد ، وماليس بمعتاد ، ولا بين ما [ ينفذ فيه حيلة و بين ما ] (5) لا ينفذ فيه حيلة ، إلا أن يجوب البلاد شرقاً وغرباً و يعرف جميع قوى الخلق فأمّا إذا سلّم أن يعلم باضطر ار المعتاد و غيره ومالاتنفذ فيه حيلة ، لزمه النظر في
ص: 1037
المعجزات قبل أن يجوب البلاد ، فليس يحتاج في معرفة كون الجاذب معجزاً إلى ما
ذكر من معرفة قوى الخلق وطبائع الجواهر .
ولهذا لوادعي واحد النبوة ، وجذب بالتراب الجبل ، علمنا أنّه ليس فيه وجه حيلة و إنّا نعلم بذلك صدقه ، قبل أن نجوب البلاد ونعرف جميع الطبائع .
وقال أبو اسحاق : إن جميع ما يذكر في خصائص الأحجار أكثره کذب ، وذكر أن واحداً أمر أن يجيء بالأفاعي في سبد (1) وجعل الزمرد الفائق في رأس قصية ، ووجّه به عين الأفاعي ، فلم تسل .
ثم إن جميع ماذكره يسقط بما شرطناه في المعجزات ، و نقش عند أهل البصر .
و من تقوی دواعيه إلى كشف عوارة الزمان الطويل ، فلا يوقف منه على وجه حيلة - فيما ذكروه ما هو معناه ظاهر لأكثر الناس ،كحجر المغناطيس- أو يوقف فيه على وجهه .
فصل
وربّما يقول المنكرون لمعجزات النبي والأئمّة ، عليهم أفضل الصلوات و التحيّة : إن الأخبار التي يذكرون و الأحاديث التي يعولون عليها في معجزاتهم ويصولون بها ، إنّما رواها الواحد والاثنان ، ومثل ذلك لا يمكن القطع عليه بعينه والحكم بصحّته ، و أمر المعجزات أمر خارج عن العادات يجب أن يكون معلوماً متيقّناً غير مظنون منوهّم .
والجواب عن ذلك : أن أخبارنا في معجزات النبي والأئمّة صلوات الله عليهم جاءت من طرق مختلفة ، ومواضع متفرقة ، ومظان متباعدة ، وفرق مخالفة وموافقة في زمان بعد زمان ، وقرن بعد قرن ، و لذلك كررنا المعجزات من جنس واحد من
ص: 1038
كل واحد منهم (علیهم السلام)ولا يمكن أن يتواطاً الناس على مثل هذا فلا يكون مخبرهم على ما أخبروا به جميعاً ، لأن ذلك ينقض عادتهم ، كما ينقض العادة الاجتماع على الكذب في الجماعات الكثيرة .
وممّا يدل على ذلك أنّا رأينا من تواطیء الخبر عنه رجال منفردون بخبر الکذب .
فأمّا إن أخبر جمهور من الناس ، فقال بعضهم : إن رجلا له مال من ذهب وورق .
وآخرون يخبرون عنه أنّهم رأوا له أثاثةاً و جهازاً وأواني و آلات و أسباباً .
وفرق يخبرون أنّهم رأوا له غلات و ارتفاعات وضياعاً وعقارات .
وآخرون يخبرون عنه أنّهم رأوا له خيلا و بغالا وحميراً .
إن الخبر إذا ورد عن الانسان بما ذكرنا اضطر إلى العلم بأن المخبر عنه غني موسر ، لا يقدر أحد على دفع علم ذلك عن نفسه ، إذا نظر بعين الانصاف في تلك الأخبار ، وإن كان يجوز على كل واحد من المخبرين الغلط والكذب في خبره إذ لو انفرد من مضامة غيره .
ثم إن إجماع الفرقة المحقّة منعقد على صحّة أخبار معجزات الرسول و الأئمّة من أهل بيته (علیهم السلام)وإجماعهم حجّة لأن فيهم معصوماً .
فصل
ومن أخبار المعجزات : أخبار تقارب أخبار الجماعات الكثيرة ، نحو خبر الحصاة وإشباع الخلق الكثير بالطعام اليسير ، وذلك أن المخبرين بهذه الأخبار إنّما أخبروا عن حضرة جماعة فادعوا حضورهم كذلك ، فقد كانوا خلائق كثيرين مجتمعين شاهدي الحال ، و كانوا فيمن شرب الماء ، وأكل من الطعام ، فلم ينكروا عليهم .
ولو كان الخبر كذباً لمنعت الجماعة الّتي ادعى المخبرون حضورهم بذلك وأنكروا عليهم ، و لقالوا : لم يكن هذا ، ولا شاهدناه . فلمّا سكتوا عن ذلك دل
ص: 1039
على تصديقهم لهم ، وأن ذلك يجري مجرى المتواتر نقلا في الصحّة و القطع به .
وممّا يدل على ذلك أن رجلا لو عمد إلى الجامع ، والناس مجتمعون و قال لهم : إنّكم كنتم في موضع كذا ، في دار كذا ، لأملاك فلان ، فأطعمكم كذا من الطعام ، و كذا من الشراب ، لم يمتنعوا أن ينكروا عليه ، ولا يسكتوا على تكذيبه في الأمر الّذي لا يمتنع في العادة ، فكيف في الأمر الّذي خرج عن العادة و النفوس إلى إنكار المنكر فيها أشد إنذاراً ؟!
ومن هذه الأخبار أخبار انتشرت في الامّة ، ولم يوجد لها منكر ولا مكذب ، بل تلقّوها بالقبول ، فيجب المصير إليها ، لاجتماع عليها من الامّة أو من الطائفة المحقّة وهم لا يجتمعون على خطأ ، ففيهم معصوم في كل زمان .
و مارووا أن زوجين من الطير جادلا إلى أحدهم (علیهم السلام) فصالح بينهما ، أوشکا
طير من حيّة في موضع تأكل فراخه ، فأمر بقتل الحيّة ، فلا خفاء في كونه معجزاً .
فأمّا ما سئل الحسين(علیه السلام) وهو صبي عن أصوات الطيور والحيوانات فاعجازه من وجه آخر ، ونحوه قول عيسي في المهد : « إنّي عبدالله » (1)
: و كلاهما نقض العادة إذ ليس في مقدور الأطفال النكلّم بما تكلّم به .
وقيل : إن نفس الدعوى في بعض المواضع معجز .
فصل
والأخبار المتواترة توجب العلم على الاطلاق ، و كذلك إذا كانت غير متواترة وقد اقترن بها قرينة من أحد خمسة أشياء من أدلّة العقل ، والكتاب ، والسنّة المقطوع بها ، أو إجماع المسلمين أو إجماع الطائفة ، فهذه القرائن تدخل الأخبار - وإن كانت آحاداً - في باب المعلوم ، فتكون ملحقة بالمتواتر .
والعلوم الّتي تحصل عند الأخبار المتواترة - لكل عاقل - مكتسبة عند
ص: 1040
الشيخ المفيد ، وذهب المرتضى إلى تقسيم ذلك ، فقال : « العلوم باخبار البلدان والوقائع ونحوها يجوز أن تكون ضرورية ، ويجوز أن تكون مكتسية .
وما عداها كالعلم بمعجزات النبي والأئمّة (علیهم السلام)و كثير من أحكام الشريعة
فيقطع على أنّه مستدل عليه . وهذا أصح ، لأن الأدلّة في أن الأول فعل لله أو فعل
للعباد کالمتكافئة .
وإذا كان كذلك وجب التوقف ، و تجويز كل واحد منهما .
والخبر إذا لم يكن من باب ما يجب وقوع العلم عنده ، واشتراك العقلاء فيه وجاز وقوع الشبهة عليه ، فهو أيضاً صحيح على وجه ، وهو أن يرويه جماعة قد بلغت من الكثرة إلى حد لا يصح معه أن يتفق فيها ، وأن يعلم - مضافاً إلى ذلك -أنّه لم يجمعها على الكذب جامع ، كالتواطىء أو ما يقوم مقامه ، و يعلم أيضاً أن اللبس و الشبهة زائلان عمّا خبروا عنه .
هذا إذا كانت الجماعة تخبر بلا واسطة عن المخبر، فان كان بينها و بينه واسطة وجب اعتبار هذه الشروط في جميع من خبّرت عنه من الجماعات حتّى يقع الانتهاء إلى نفس المخبر .
وإذا صحّت هذه الجملة في صحة الخبر- الّذي لابد أن يكون المخبر صادقاً من طريق الاستدلال - بنينا عليها صحّة المعجزات و غيرها من أحكام الشرع .
فصل
وقد ذكرنا من قبل أنّهم كثيرا ما يوردون السؤال علينا ، ويقولون :
قد وجدنا في العالم حجر يجذب الحديد إلى نفسه ، فلم يجب اتّباع من يجذب الشجر إلى نفسه كذلك ، إذ لا تأمن أن يكون معه شيء ممّا يفعل به ذلك .
ويؤكّدون قولهم بأن المقرين لمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق ، ولم
ص: 1041
يعرفوا نهايتها ، ولم يقفوا على طبائع العالم ، و كيف يستعان بها على الأفعال ، ولم
يحيطوا علماً بأكثرهم ، ولم يأتوهم (1) في مظانّهم ، ولا امتحنوا قواهم ، ومبالغ حيلهم ، ومخرقة أصحاب الخفّة ، و أشكالهم .
الجواب عنه أن يقال : قد لزم النفس العلم لزوماً لا يقدر على دفعه ، بأن ما ذكروا ليس في العالم ، كما لزمها العلم بأن ليس في العالم حجر إذا أمسكه الانسان عاش أبداً ، وإذا وضعه على الموات عاد حيواناً ، وإذا وضعه على العين العمياء عادت صحيحة ، و لا فيه ما يرد الرجل المقطوعة ، ولا ما به يزال الزمّانة (2)
الحالّة ، ولا فيه شيء يجذب به الشمس و القمر من أماكنهما .
فلمّا لزم النفس علم ما ذكرناه كذلك لزم العلم للنفس بأن ليس في العالم حجريجذب الشجر من اماكنها ، و يشق به البحور ، ويحيي به الأموات .
وأيضاً فان حجر المغناطيس لمّا كان موجوداً في العالم ، طلبه ذوو الحاجة إليه حتّی قدروا عليه ، لما فيه من الاعجوبة وخاصّة أمره ، ولارادة التكسّب به و استخراج نصل السهم من البدن .
فلو كان فيه حجر أو شيء مثله يجذب الشجر ، فانّه كان أعز من حجر المغناطيس
و كان سبيله سبيل الجواهر في عزها ، لا يخفى على من في العالم .
وهيئتها كالجوهر الّذي يقال له : « الكبريت الأحمر » و لعزته ضرب به المثل فقيل : « أعز من الكبريت الأحمر » (3) و كانت الملوك أقدر على هذا الحجر ، كماهم أقدر على ما عز من الأدوية والسموم وغيرها من الأشياء العزيزة .
ص: 1042
فلمّا لم يكن لهذا أثر عندهم ولا خبر لكونه ، بطل أن يكون له کون و وجود ولو كان فكيف قدر الرسل و أوصياؤهم عليه ، مع فقرهم وعجزهم في الدنيا وما فيها ويكون معروف المنشأ ، ولم يغب عنهم طويلا .
فصل
ثم إن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لمّا دعا الشجرة - و كذا وصي من أوصيائه - ثم ردها إلى مكانها ، فان جذبها بشيء وردها بلا شيء ، كان ردها آية عظيمة .
وإن كان شيء كان معه فذلك محال ، من قبل أن ذلك الشيء يضاد ما جذبها .
فاذا كان الجذب به فامساکها وردها لم يجب أن يكون به ، أومعه ما يرد به لأنّه يوجب أن تكون مقبلة مدبرة ، وذلك محال .
ولأن الحجر لو كان معه كما قالوا ، لكان فيه آية ، لأنّه ليس في العالم مثله فهو خارج عن العرف كخروج مجيء الشجرة بدعائه .
وقد أنبع الله لموسى من الحجر الماء فانبجست من الحجر اثنتا عشرة عيناً لكل سبط عين ، والحجارة ينفجّر منها الأنهار ، فلما كان حجر موسی خارجاً عن العادة التي في العالم كان آية ، فكذلك لو كان جذب حجر الشجرة لكان خارجاً عن عادات الناس ، فكان دليلا على نبوته .
و ليس في الحيل ما يمكن به نقل الجمال والمدن .
وأما قولهم : إن المقرين بمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوی الخلق . إلى آخره .فانّه يقال لهم : ولم يمتحن أحد من الجاحدين للرسل طبائع العالم ، ولاعرفوا ما فيه ، فيعلموا أن جميع حيوانه يموت بحقله ، ولا أن حيواناً لا يموت ، يبقى على الدهر أبداً لا يتغيّر ، ولعل في العالم ناراً لا تحرق ، إذ لو كان لم يمتحن قوى العالم ، ولا أحاط علمه بخواصّه و سرائره لزمه قلب أكثر الحقائق وبطلانها .
ص: 1043
إعلم أن المنکرین للنبوات فرقتان : ملحدة ودهريّة ، وموحّدة البراهمة والفلاسفة عندنا من جملة الدهريّة والملحدة أيضاً ، وقد اجتمعوا على إبطال النبوات وإنكار المعجزات ، وإحالتها تصريحاً و تلویحاً ، وزعمت أن تصحيح أمرها يؤدي إلى نقض وجوب الطبائع ، وقد استقر أمرها على وجه لا يصح انتقاضها .
و کلّهم يطعنون في معجزات الأنبياء و أوصيائهم ، حتّى قالوا في القر آن تناقض و اختلاف ، و أخبار زعموا : « وجدنا مخبراتها علی خلافها » .
منها قوله :«وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا » (1) .
ثم وجدنا كم تقولون أن يحیی بن زکریّا قتله ملك من الملوك ، و نشر رأس والده زكريّا بالمنشار ، مع مالا يحصى من الخلق من المؤمنين الّذين قتلهم الكفّار .
وفي القرآن أيضاً : « إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ » (2) وقد ينكح كثير فيبقى فقيراً أو يزداد فقره . وقد قال لنبيّه : « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (3) ثم وجدناه كسرت رباعيّته و شج رأسه .
وفيه أيضاً : « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » (4) وإن الخلق يدعونه دائماً ولا يجيبهم .وفي القرآن : « فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ »(5) .
وهذا دليل على أن محمداً لم يكن واثقاً بما عنده ، لأنّه رد هم إلى قوم شهد عليهم
بكتمان الحق وقول الباطل ، وهم عنده غير ثقات في الدعوى و الخبر .
ص: 1044
فصل
الجواب عمّا ذكروه أولا : أن تأويل ما حكيتم على خلاف ما توهّمتم ، لأن الّذي نفاه من كون سبيل الكفّار على المؤمنين إنّما هو من طريق قيام الحجّة منهم على المسلمين في دينهم ، في إقامة دليل على فساد دينهم ، ولم يرد بذلك المسالبة والمغالبة ، وهو معنى قوله :«ِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (1)
أي بالدلالة والحجّة ، لا بالمغالبة و المعازة .
ويحيى بن زكريّا لمّا قتل کانت حجّته ثابتة على من قتله ، و كان هو الظاهر عليه بحقته وإن كان في ظاهر أمر الدنيا مغلوبا ، فاذا قهر بحق لم يدل ذلك على بطلان أمره ، وفساد طريقه .
وأمّا قوله:« إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ »ففیه جوابان:
والثاني: أنّه خرج على الأغلب من أحوالهم ، و قد قال تعالى بعد ما تزوج محمّد خديجة : «وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى » (2) أي أغناك بمالها .
وأمّا قوله : « والله يعصمك من الناس » فالمعنى أنّه يعصمك من قتلهم إيّاك .
وقوله : « ادعوني أستجب لكم » فيه أجوبة :
أحدها: أن فيه إضماراً ، أي : إن رأيت لكم مصلحة في الدين ، وقد صرح به في قوله : « فيكشف ما تدعون إليه إن شاء » (3) .
والثاني: أن الدعاء هو العبادة ،أي : اعبدوني بالتوحيد أجزكم عليه ، يدل على ذلك قوله: « إن الذين يستكبرون عن عبادتي » (4) .
ص: 1045
والثالث : أن يكون اللفظ عموماً والمراد به الخصوص ، وهذا في العرف كثیر .
و أمّا قوله : « فسئلوا أهل الذكر » (1) فان الله لمّا احتج لنبيّه بالبراهين المعجزة ، ورأى قومه ومن حسده على نعمة الله عنده من عشيرته يميلون إلى أهل الكتاب ، و يعدلونهم عليه وعلى أنفسهم ، ويعتمدون في الاحتجاج الباطلهم على جحدهم إيّاه ، أراد أن يدلّهم على صدقه باقرار عدوه ، ومن أعظم استدلالا من الّذي استشهد عدوه ، ويحتج باقراره له ، وانقياده إيّاه .
ثم إن في التوراة و الانجيل صفات محمّد(صلی الله علیه وآله وسلم) ، و كل من أنصف منهم شهد له بذلك .
فصل
وقالوا : كيف تدعون أن جميع أخبار محمّد عن الغيب وقع صدقاً وعدلا وحقّاً وقد وجدنا بعضها بخلافه ، لأن محمّداً قال : « إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده » (2) وقد وجدنا بعده قیاصر كثيرة ، وأملاكهم ثابتة .
وقال أيضاً : « شهرا عيد لا ينقصان » وقد وجدنا الأمر بخلاف ذلك كثيراً .
وقد قال : « ما ينقص مال من صدقة » (3) وقد وجدناه ينقص من حسابها .
وقال : « إن يوسف أعطي نصف الحسن (4) » ثم قال الله في قصّة إخوانه لمّا دخلوا عليه : « فعرفهم وهم له منکرون » (5) ومن كان في حسنه بايناً بهذه البينونة العظمى ، كيف يخفى أمره ؟!
ص: 1046
و في كتابكم أن عيسى ما قتل وما صلب(1) وقد اجتمعت اليهود و النصاری على أنّه قتل وصلب .
وفي كتابكم «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ »(2) وقال نبيّكم :« إن في نسائكم أربع نبيّات » .
وفي كتابكم «وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا » (3) و کان هامان قبل فرعون بزمان طويل .
وفي كتابكم « وما علّمناه الشعر » (4) والشعر کلام موزون ، ونحن نجد في القرآن كلاماً موزوناً ، وهو الشعر في غير موضع ، فمنه « وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ » (5) ووزنه عند العروضيين :
فاعلاتن فاعلاتن *** فاعلاتن فاعلاتن
ومنه قوله :
«وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» (6) .
وزنه قول الشاعر :
ألا حيّيت عنّا یا ردينا *** نحيّيها وإن كرمت علينا
[ ومنه قوله :
« مسلمات مؤمنات قانتات *** تائبات عابدات سائحات » (7) ]
ص: 1047
وزنه :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن*** فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
قالوا : ومثله موجود في كلام نبيّكم مع ماروي أنّه قال : « ما أبالي ما أتيت إن أتيت ترياقاً ، أو علّقت تميمة ، أو قلت الشعر من قبل نفسي » . (1)
ثم قال يوم حنين :
أنا النبي لا كذب*** أنا ابن عبد المطّلب (2)
وقال يوم الخندق - لمّا قال الأنصار :
نحن الّذين بايعوا محمداً ***على الجهاد ما بقينا أبداً
-- لا عيش إلا عيش الآخرة*** فاكرم الأنصار والمهاجرة (3)
وقال أيضاً :
غير الاله قط ماندينا*** ولو عبدنا غيره شقينا
فحبّذا ربّاً وحبّذا ديناً (4)
ص: 1048
وقال لمّا دمیت إصبعه :
هل أنت إلا إصبع دميت***وفي سبيل الله ما لقيت
فصل
أمّا الجواب عمّا قالوه أو لا فهو من أدل الأعلام على صدقه ، فيما أخبر به من
الغيوب ، وذلك أنّه لمّا أرسل إلى كسرى وهو مزق كتابه (صلی الله عليه و آله وسلم )قال(صلی الله عليه و آله وسلم ) :
« مزق الله مملكته كما مزق كتابي » (2) فوقع ذلك كما دعا و أخبر به .
ولمّا كتب إلى قيصر لم يمزق كتابه قال : « ثبّت الله مملكنه » و كان تغلّب على الشام ، و كان النبي يخبر بفتحها له .
فمعنى قوله : « ولا قيصر بعده » یعني في كل أرض الشام .
وأما قوله : « شهرا عيد لا ينقصان » ففيه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنّه خرج على سنة بعينها أشار إليها ، و كان كذلك .
وهذا كما قال : « يوم صومكم : يوم فطر كم » لسنة بعينها .
و كما قال : « الجالس في وسط القوم ملعون » (3) أشار إلى واحد كان يتسمتّع الأخبار من وسط الحلقة .
والثاني : أنّهما لا ينقصان على الاجتماع غالباً ، بل يكون أحدهما ناقصاً والآخر تامّاً .
ص: 1049
و الثالث : أن يكون معناه : لاينقص أجر من صامهما ، وإن كان في العدد نقصان لأن الشهر الهلالي ربّما كمل و ربّما نقص .
وعلى أي هذه الوجوه حملته لم يكن في خبره خلف ولا كذب .
وأما خبر الزكاة فلان من تصرف فيه بالتجارة استفاد من ثوابه أكثر ممّا تصدق به ، فكأنّه لم ينتقص من المال شيء ، ثم إن المال الّذي زکّی منه يكون له بركة .
وأما تأویل خبر یوسف ، فقد قيل : « إن الله أعطى يوسف نصف حسن آدم » أفلم يقع فيه التفاوت الشديد ، وقد كانوا فارقوه طفلا ورأوه کهلا ، ودفعوه أسيراً ذليلا ، ورأوه ملكاً عزیزاً ؟! و بأقل هذه المدة ، و اختلاف هذه الأحوال ، تتغير فيها الخلق ، وتختلف المناظر ، فما فيه تناقض .
على أن الله ربّما يرى المصالح أن يشتبه شيء على إنسان ، فيعرفه جملة ولا يعرفه
تفصيلا ، ويحتمل أن يكون معنى قوله : « وهم له منکرون » (1) أي مظهرون الانكاره ، عارفون به .
وأما ما قالوا من قتل عیسی وصلبه ، فقد قال نبيّنا(صلی الله عليه و آله وسلم ) حين أخبر : أنّه شبّه عليهم وروى القوم أنّه قتل وصلب ، فقد جمعنا بين خبرين لأن إسقاط أحدهما لا يصح و استعمالهما ممكن ، وهو أن نقلهم عن مشاهدة صلب مصلوب يشبه عیسی صحیح الاخلف فيه ، و لكن لمّا كان الصادق أخبرنا أن الّذي رأوه كان جسماً التي عليه شبه عیسی ، فقلنا :نجمع بين تواترهم و خبر نبيّنا ، قد قامت دلالة صحّتهما.
فنقول : إن ما تقولوا من مشاهدة الجسم الّذي كان في صورة المسيح مصلوباً صحيح ، وأمّا أنّهم ظنّوا أنّه المسيح - و كان رجلا القي عليه شبه المسيح -فلاجل خبر الصادق به ، على أن خبر النصارى يرجع إلى أربعة نفر لاعصمة لهم .
ص: 1050
وأما قوله : « إن في نسائكم أربع نبيّات » فانّه لا يناقض قوله : «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ » (1) فان معنى النبي غير الرسول ، فيجوز أن يكون نبينّات غير مرسلات . وقيل : المراد به سارة و أخت موسی و مریم و آسية ، بعثهن الله لولادة البتول فاطمة إلى خديجة ليلين أمرها .
و أما هامان فلا ينكر من أن يكون من اسمه هامان قبل فرعون، وفي وقته من يسمى بذلك .
والجواب عمّا ذكره أخيراً أن النبي قد كان يعاف (2) قول الشعر ، وقد أمره الله تعالی بذلك لئلا يتوهّم الكفّار أن القرآن من قبله ، وليخلص قلبه و لسانه للقرآن ، ويصون الوحي عن صنعة الشعر ، لأن المشركين كانوا يقولون في القرآن أنّه شعر ، وهم يعلمون أنّه ليس بشعر ، ولو كان معروفاً بصنعة الشعر لنقموا عليه
بذلك ، وعابوه به .
و قد سئل أبو عبيدة عن ذلك فقال : هو كلام وافق وزنه وزن الشعر إلا أنّه لم يقصد به الشعر ، ولاقاربه بأمثاله ، والقليل من الكلام ممّا يتّزن بوزن الشعر . وروي : « أنا النبي الاكذب » « وهل أنت إلا إصبع دميت » .
فقد أخرج عن وزن الشعر .
فصل
وربّما قالوا : إذا كان إخبار المنجّمين والكهنة قد تتّفق مخبراتها كما أخبروا كذلك إخبار الأنبياء و الأوصياء ، فبماذا يعرف الفرق بينهما ؟
قلنا في الجواب: إن إخبار الأنبياء و أوصيائهم إنّما كانت متعلّقة بمخبراتها على التفصيل دون الجملة ، من غير أن يكون قد اطّلع عليها بتكلّف معالجة واستعانة
ص: 1051
عليها بآلة وأداة ، لا حدس ولا تخمين ، فيتّفق في جميع ذلك أن تكون مخبراتها كما أخبر بها على حسب ما تعلّق به الخبر ، من غير أن يقع به خلف أو كذب في شيء منها .
فأمّا إخبار المنجّمين فانّه يقع بحساب ، وبالنظر في كل طالع بحدس و تخمین .
ثم قد يتّفق في بعضها الاصابة دون بعض ، كما يتّفق إصابة أصحاب الفأل و الزوج والفرد ، من غير أن يكون ذلك على أصل معتمد ، و أمر يوثق به ، فإذا وقعت الأخبار منهم على هذا الحد لم نوجب العلم ، ولم يكن معتمداً ، ولا علماً معجزاً ولا [ دالّة على صدقهم .
ومتى كان على هذا الوجه الّذي أصاب في الكل ، كان علماً معجزاً و ] (1)
دلالة قاطعة لأن العادات لم تجر بأن يخبر المخبر عن الغائبات فيتّفق ويكون جميعها
على ما أخبر به على التفصيل ، من غير أن يقع في شيء منها خلف أو كذب .
فمتى وقعت المخبرات كذلك كان دليل الصدق ناقضاً للعادات ، فدلّنا ذلك على أنّه من عند الله خصّه بعلمه ، ليجعله علماً على نبوته .
و كذلك ما يظهر علمه على يد وصي النبي(صلی الله عليه و آله وسلم ) يكون شاهداً لصدقه .
فعلى هذا يكون إخبار النبي والأئمّة عن الغائبات أعلاماً لصدقهم .
فصل
و معنی الغيب ماغاب عن الحس ، أو ماغاب علمه عن النفس ، ولا يمكن الوصول إليه إلا بخبر الصادق الّذي يعلم الغيوب ، وليس كل ما غاب عن الحس لا يمكن الوصول إلى علمه إلا بجبرئیل ، لأن منه ما يعلم بالاستدلال عليه بما شوهد وما هو مبني على ما شوهد ، والنوع الذي كان الخبر عنه حجّة - مما لا دليل عليه من
ص: 1052
الشاهد - كذلك ، كان معجزاً .
فان قيل : ما أنكرتم أن لا يدل خبره عن الغائبات على صدقه ؟! لأن قوله :«تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ » (1)حكم عليه بالخسران ، ولو آمن لكان له أن يقول : إنّما أردت أن يكون ذلك حكمه إن لم يؤمن . كقوله : « مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (2) فان المراد به إذا مات عليه ولمّا لم يقل إن أبا لهب يموت على كفره كان ذلك و عيداً له كما لسائر الكفّار .
الجواب : إن قوله : «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ » مفارق لما ذكرتم ، لأنّه خبر عن وقوع العذاب به لامحالة [ -وليس هذا من الوعيد الّذي يفرق بالشريطة - يدل عليه«سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ » (3) من حيث قطع على دخوله النار لا محالة ] (4) فلمّامات على كفره ، كان ذلك دليلا على نبوته .
فان قيل : إخباره عن خسران أبي لهب كان على حسب ما رأی من جده في الشرك ، فعمل على ما جرت به العادة في أمثاله .
قلنا : كون جده فيه لا يدل على أنّه ينتقل عنه إلى غيره .
ثم إن المنجّم يخبر بمائة خبر ، حتى يقع واحد على ما قال صدقاً .
وقد أخبر النبي(صلی الله عليه و آله وسلم ) نيّفاً و عشرين سنة ، و كان جميع ما أخبر به صدقاً .
وأخبر عن ضمائر قوم ، و كان كما قال(صلی الله عليه و آله وسلم ) .
ص: 1053
من الفلاسفة من يقول - لمجاملة أهل الاسلام -: إن الطريق إلى معرفة صدق المدعي النبوة (صلی الله عليه و آله وسلم ) أن يعلم أن ما أتی به مطابق لما يصلحون به في دنياهم ، ولأغراضهم الّتي بسببها يحتاجون إلى النبي و لم يشترطوا ظهور معجزة عليه ، وذكر بعضهم ظهور المعجز عليه .
ثم قال : إن ظهور المعجز عليه ، وقلب العصا حیّة ، لا يوصل إلى العلم اليقيني أنّه صادق لأنّه يمكن أن يظن في المعجز أنّه سحر ، وأنّه حيلة نحو انشقاق القمر .
فأمّا إذا علم مطابقة ما أتی به لمصالحهم الدنياويّة فهو طريق لا يدخله الشبهة ، ومن
قال بهذا قال في العلم بصدقه للمعجز فهو طريق العوام والمتكلّمين .
و أمّا العلم بمطابقة شرعه للمصالح الدنياویّة فهو طريقة المحقّقين .
وقد حكي عنهم أنّهم قالوا : إن صدق المدعي لصنعة من الصنائع إنّما يظهر إذا أتي بتلك الصنعة الّتي ادعى العلم بها .
ومثّله على الناقل بمن ادعى حفظ القرآن [ ثم قرأ ، وادعى آخر حفظ القرآن فاذا قيل له : ما دليلك على أنّك تحفظ القرآن ؟ قال: دليلي أنّي اقلّب العصا حيّة وأشق القمر نصفين . ثم فعلهما ، ومن ادعى حفظ القرآن ] (1) .
فاذا قيل له : مادليلك على حفظك له ؟ قرأه كلّه ، فان علمنا بحفظ هذا القاري يكون أقوى من علمنا بحفظ الثاني للقرآن ، لأنّه يشتبه الحال في معجزاته ، فيظن أنّه من باب السحر أو أنّه طلسم ، ولا تدخل الشبهة في حفظ القاري للقرآن .
ص: 1054
فصل
يقال لهؤلاء : وبماذا علمتم مطابقة ما أتي به النبي (صلی الله عليه و آله وسلم )من الشرائع للمصالح- و نفرض الكلام في شريعة نبيّنا (صلی الله عليه و آله وسلم )لانّكم و نحن نصدقه في النبوة و صحّةشرعه- أبطريقة عقليّة علمتم المطابقة ؟ أم بطريقة سمعيّة ؟
فان قالوا : بطريقة عقليّة . قيل لهم إن من جملة ما أتی به من الشرائع وجوب الصلوات الخمس ، وصوم شهر رمضان ، و وجوب أفعال الحج ، فما تلك الطريقة الّتي علمتم بها مطابقتها للمصلحة ؟ أظفرتم بجهة وجوب لها في العقل فحكمتم لذلك بوجوبها ؟ أم ظفرتم بحكم في العقل يدل على وجوبها ؟ نحو أن يقول : علمنا من جهة العقل أن من لم يصل هذه الصلوات بشروطها في أوقاتها فانّه يستحق الذم من العقلاء كما يستحق الذم من لم يرد الوديعة على صاحبها ، بعد ما طولب بردها ولا عذر له في الامتناع عن ذلك .
والقول به باطل ، لانّا لا نجد في عقول العقلاء العلم بجهة وجوب شهر رمضان دون العيدين و أيّام التشريق على وجه ، ولانجد لصلاة الظهر على شروطها بعد الزوال جهة
تقتضي وجوبها في ذلك الوقت دون ما قبله .
و قالوا : إن في أفعال الحج مثل أفعال المجانين .
وقالوا في وجوب غسل الجنابة : إنّه سفه ، وشبّهوه بمن نجس طرف من أطراف ثوبه فأوجب غسله کلاه فانّه بعد سفيهاً .
وقالوا في المحرمات الشرعية - كشرب الخمر أو الزنا - : إنّه ظلم ، إلى غير ذلك ممّا يقوله القائلون بالا باحة وغيرها ، فكيف يمكن أن يدعي أنّه يمكن الوصول إلى معرفة و جو بها أو قبحها بطريقة عقليّة ، ولا يمكن أن يعرف تلك المصالح بقول النبي إلا بعد العلم بصدقه من جهة المعجز ؟!
فصح أنّه لا طريق إلى العلم بذلك إلا من جهة المعجز .
ص: 1055
فصل
وأمّا تشبيههم ذلك بمن ادعى حفظ القرآن أو صنعة من الصنائع الدنيویّة إذا أتى بها على الوجه الذي حفظه غيره ، أو علم تلك الصناعة .
فليس نظير مسألتنا ، لأن ذلك من جملة ] (1) المعرفة بالمشاهدات ، لأن بالمشاهدة تعلم الصنعة بعد وقوعها على ترتيب وأحكام ومطابقة لما سبق من العلم بتلك الصنعة وبالحفظ لذلك المقرو .
و ليس كذلك ما أتي به النبي (صلی الله عليه و آله وسلم )لأنّه لا طريق إلى المعرفة بكونه مصلحة في أوقاتها دون ما قبلها وما بعدها ،وفي مكان دون مكان ، و على شرائطها من دون تلك الشرائط لا بمشاهدة ، ولا بطريقة (2) عقليّة .
ألا ترى أن المخالفين القائلين بالعقليّات ، المنکرین للنبوات و الشرائع لمّا لم ينظروا (3) في الطريقة التي سلكها المسلمون في تصديق الرسل(صلی الله عليه و آله وسلم)[من النظر في المعجزات دفعوا النبوة و القول بالشرائع ] لمّا لم يجدوا طريقة عقليّة إلى معرفة شرائعهم ومطابقتها للمصالح(4) الدنياويّة .
فصل
و قولهم : المعرفة بصدق النبي بالمعجزات (5) معرفة غير يقينيّة ، لأنّه يجوز أن يكون فيها من باب السحر .
ص: 1056
فيقال لهم(1) : إذا جوزتم في المعجزات أن تكون من باب السحرولايحصل بظهورها لكم العلم اليقيني بصدق (2)النبي ،فجوزوا فيمن قرأ القرآن أنّه ساحر وفي من عمل (3) صنعة من الصنائع أن صانعها ساحر لا يحكمها ، لكنّه يرى بسحره أنّه أحكمها ، و في ذلك سد الطريق عليكم إلى معرفة ما يسهو (4) على أصولكم لأنّكم تقولون بصحّة السحر ، وأن الساحر بفضل علومه يتمكّن من إحداث ما لا يقدر عليه بشر مثله .
وقلتم : إن هذا السحر هو علم قد كان ثم انقطع باحراق المسلمين كتب الأكاسرة التي صنّفها الفلاسفة في علم السحر .
فمن يقول منكم بصحّة النبوة هو أولى بأن يقول : الساحر نبي من الأنبياء .
لأن على قوله : « من بلغ في علومه إلى أن يتمكّن ممّا لا يتمكّن منه بشر مثله »
فانّه يتمكّن بفضل علومه أن يضع شرائع وسنناً مطابقة لمصالح الناس ، يصلح بها
دنياهم إذا قبلوا منه .
فعلى هذا إذا أتى النبي بمعجز وجب القول بصدقه و حصول اليقين بنبوته .
فصل
قالوا : علمنا هذه الشرعيّات ، فاستعملنا هذه العبادات ، فوجدناها رائعة في (5) رياضة النفس ، والتنزه عن رذائل الأخلاق ، وداعية إلى محاسنها .
وإلى هذا أشار بعضهم فقال : إذا فهمت معنى النبوة، فأكثر النظر في القرآن والأخبار يحصل لك العلم الضروري ، بكون محمّد (صلی الله عليه و آله وسلم )على أعلى درجات النبوة
ص: 1057
وأعضد ذلك بتجربة (1) ما قاله في العبادات ، وتأثيرها في تصفية القلوب .
و کیف صدق فيما قال : « من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم » (2)
وفي قوله : « من أعان ظالماً سلّطه الله عليه » (3).
و في قوله : « من أصبح وهمّه(4) واحد كفاه الله هم (5) الدنيا و الاخرة » (6)
قالوا : فاذا جربت هذا في ألف و آلاف حصل لك علم ضروري لايتماری فيه فمن هذا الطريق يطلب اليقين بالنبوة ، لا من قلب العصاحيّة ، و شق القمر .
فهذا هو الايمان العلمي ، ويصير به الدین کالمشاهدة ، والأخذ باليد ، ولا يوجد إلا في طريق التصوف .
فصل
فيقال لهم : إنّه من اعتقد في طريقة أنّها حق ، ودين ، وزهد في الدنيا ، ورغبة
في الآخرة ، وراض نفسه بتلك الطريقة ، واستعمل نفسه بما يعتقده عبادات في ذلك
التديّن [ فانّه يجد لنفسه تميّزاً ممّن ليس في حالة من الاجتهاد في ذلك التديّن ]
ص: 1058
وعباداته ، واعتقاده في حقّيّة ذلك الدين ، حقّاً كان ذلك أم باطلا .
فرهبان النصارى ، وأحبار اليهود يجتهدون في كفرهم الّذي يعتقدونه حقّاً فيجدون لأنفسهم تميّزاً على عوامّهم ، ومتّبعيهم ، و بدعون لأنفسهم من صفاء القلوب والنسك ، والزهد في الدنيا ..
وكذا عبّاد الأوثان إذا اجتهدوا في عبادتها ، فانتّهم يجدون أنفسهم خائفة مستحيية من أوثانهم ، أن يقدموا على ما يعتقدونه معصية لها .
ولهذا حكي عن الصابئيّين المعتقدین عبادة النجوم لاعتقادهم أنّها المدبّرة للعالم ، أنّهم نحتوا على صورها أصناماً ليعبدونها بالنهار إذا خفيت تلك النجوم ويستحيون (1) أن يقدموا على رذائل الأفعال لما يجدون (2) من أنفسهم - على ما ذهبوا إليه في تديّنهم - أنّه حق .
وكذلك أهل (3) العمل بشرائع نبيّنا (صلی الله عليه و آله وسلم )و اعتقادهم (4) صدقه من دون نظر في معجزاته (5) .
فصل
قالوا : حقيقة المعجز : هو أن يؤثّر نفس النبي في هيولي العالم (6) فيغيّر صورة بعض أجزائه إلى صورة أخرى بخلاف تأثيرات سائر (7) النفوس .
فاذا كان هذا هو المعجز عندهم لزم أن يكون العلم به يقيناً ، وأن (8) يعلم أن صاحب تلك النفس هو نبي ، فبطل قولهم : إن العلم بالمعجز غير يقيني ، و أمّا على قول المسلمين فهذا ساقط لأن للمعجزة شروطاً عندهم ، متى عرفت كانت معجزة صحيحة دالّة على صدق المدعي ، منها أنّها ليست من جنس السحر ، لأن السحر عندهم
ص: 1059
تمويه و تلبيس ، يري الساحر أنّه حقيقة ، و يخفي وجه الحيلة فيه ، فهو يري أنّه يذبح الحيوان ثم يحييه بعد الذبح ، وهو لايذبحه بل لخفّة حركات اليد يري ولا يفعل .
فمن لم يعلم أن المعجزة جنس ، وأن المخرقة والشعوذة من غير (1) ذلك الجنس لم يعلمها معجزة .
فصل
ثم اعلم أن بين المعجزة ، والمخرقة ، والشعوذة ، والحيل الّتي تبقي فروقاً توصل إلى العلم بها ، بالنظر والاستدلال في ذلك ، بأن يعرف أولا (2) مايصح أن يكون مقدوراً للبشر ، وما لايصح ، وأن يعلم بمقتضى (3) العادة كيف جرت في مقدورات البشر ، وعلى أي وجه تقع أفعاله ، وأن ما يصح أن يقدر عليه من أي نوع يجب أن يكون ، و كيف يكون حالهم إذا خرجوا من المقدرة عليه . وهل يصح أن يعجز البشر عمّا لا يصح أن يقدروا عليه ، وينظر فيما يمكن أن يتوصّل إليه بحيلة وخفّة ويعلم السبب المؤدي إليه ، وما لا يمكن ذلك فيه .
فاذا أحاط علمه بهذه المقدورات عرف حينئذ ما يظهر من المعجزة عليهم ، ففصل بين حالها وبين ما يجري مجرى الشعوذة والمخرقة ، كالعجل الّذي صاغه السامري من ذهب لبس به على الناس ، و كان له صوت وخوار ، إذ احتال إلى إدخال الريح فيه من مداخله و مجاریه ، كما تعمل هذه الالات التي تصوت بالحيل ، أو صندوق الساعات ، أو طاس المفصد (4) الّذي تعلم به مقادير الدم .
و إنّما أضاف الله تعالى الصوت إليه لأنّه كان محلّه عند دخول الريح فيه (5) .
ص: 1060
فصل
واعلم أن الفلاسفة أخذوا أصول الاسلام ثم أخرجوها على رأيهم (1) فقالوا في الشرع والنبي : إنّما أریدا كلاهما لاصلاح الدنيا .
فالأنبياء يرشدون العوام لاصلاح (2) دنياهم ، و الشرعيّات [ تهذب أخلاقهم الا أن الشرع والدين كما يقول المسلمون من أن النبي يراد لتعريف مصالح الدین تفصیلا (3) ] ، وإن الشرعيّات ألطاف في التكليف العقلي .
فهم يوافقون المسلمين في الظاهر ، وإلا فكل ما يذهبون إليه هدم للاسلام ، وإطفاء
لنور شرعه« وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(4) . (5)
ص: 1061
عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم السلام (1)
الحمد لله الذي خصّنا بفضله بالمعارف ، والصلاة على محمد و آله الذين بهم عمّنا باللطائف ، فان علامات النبي (صلی الله عليه و آله وسلم )والأئمة من أهل بيته (صلی الله عليه و آله وسلم )في الكتب المتقدمة كثيرة .
وأنا أشير في هذا المختصر إلى جمل منها خطيرة ، وأضيف إليها من الرؤيا الدالّة على (2) مراتبهم ما يليق بها إن شاء الله تعالی .
1 - روي عن جماعة منهم محمد وعلي ابنا علي بن عبد الصمد التميمي ، عن أبيهما ، عن السيد أبي البركات ، عن علي بن الحسين الجوزي ، عن أبي جعفر بن
ص: 1062
با بویه ، عن ... (1) عبد الله بن سليمان (2) - وكان قارئاً للكتب - قال :
قرأت في الانجيل : صدقوا النبي الأمّي صاحب الجمل والمدرعة والناج (3)و النعلين و الهراوة - وهي القضيب - الأنجل (4) العينين ، الصلت (5) الجبين ، السهل الخدین (6) ألأقني الأنف (7) مفلّج الثنايا (8) كان عنقه إبريق فضّة ، كأن الذهب نحت (9) في تراقيه ، له شعرات من صدره إلى سرته ، ليس على بطنه ولا على صدره شعر (10) أسمر اللون ، دقيق المسربة (11) شثن الكف و القدم ، إذا التفت
التفت جميعاً ، وإذا مشى كأنّما ينقلع من الصخر ، و ينحدر في صبب (12) وإذا جامع القوم بذهم (13) عرقه في وجهه (14) كاللؤلؤ ، و ريح المسك ينفح منه ، لم ير
ص: 1063
قبله مثله ولا بعده ، طيّب الريح ، نکّاح للنساء ، ذو النسل القليل ، إنّما نسله من مباركة ، لها بيت في الجنّة لاصخب فيه و لا نصب (1) تكفّلها في آخر الزمان كما کفل زکریّا امّك يا عيسى ، لهافرخان يستشهدان .
كلامه القرآن ، ودينه الاسلام ، أهبطك وقت الصلاة لتصلّي معهم ، إنّهم أمّة مرحومة ، لتعينهم على اللعين الدجّال . (2)
فصل
2 - و بالاسناد إلى الشيخ أبي جعفر بن بابویه : نا علي بن أحمد : نا أحمد بن یحیی : نا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا عبد الله بن محمّد ، قال : حدثنا أبي عن خالد بن الياس ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم (3) : نا أبي ، عن جدي قال : سمعت أبا طالب يحدث عن عبدالمطّلب ، أنّه قال :
ص: 1064
بينا أنا نائم في الحجر (1) إذ رأيت رؤياً هالني أمرها ، فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف (2) خز ، وجمّني(3) تضرب منكبي ، فلمّا نظرت إلي عرفت في وجهي التغيّر ، فاستوت ، وأنا يومئذ سيّد قومي .
فقالت : ما شأن سيّد العرب متغيّر اللون ؟ هل را به من حدثان الدهر ريب ؟
فقلت : بلى ، إنّي رأيت (4) وأنا نائم في الحجر ، كأن شجرة نبتت على ظهري قد نال رأسها السماء ، وضربت بأغصانها إلى الشرق والغرب .
ورأيت نوراً يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفاً (5) .
ورأيت العرب والعجم ساجدة لها ، وهي(6) كل يوم تزداد نوراً وعظماً .
ورأيت رهطاً من قريش يريدون قطعها ، فاذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجهاً ، وأنظفهم ثوباً فيكسر (7) ظهورهم ويقلع أعينهم ، فرفعت يدي لآخذ (8) غصناً من أغصانها فصاح بي الشاب . وقال : مهلا ، ليس لك فيها نصيب .
فقلت : لم ذلك والشجرة لي (9) ؟! فقال : النصيب لهؤلاء الذين تعلّقوا بها
وستعود إليها . فانتبهت مرعوباً (10) فزعاً متغيّر اللون ، فرأيت لون الكاهنة قد تغيّر ثم قالت : لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك ولد يملك المشرق والمغرب
ص: 1065
ويتنبّاً (1) في الناس ، فسري عنّي غمّي .
فلمّا ولد محمّد كان يقول : كان (2) الشجرة والله أبو القاسم الأمين (صلی الله عليه و آله وسلم ).(3)
فصل
3 - ولمّا تزوج عبد الله آمنة رضي الله عنهما حملت بسيّدنا رسول الله(صلی الله عليه و آله وسلم ) فروي أنّها قالت :
لمّا حملت به لم [ أشك بالحمل ولم ] يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل و رأيت كأن آتياً أتاني فقال لي : قد حملت بخير [ الأنام ، فلمّا حان وقت الولادة خف علي ذلك حتّى وضعته ، وهو يتّقي الأرض بيديه و ركبتيه ، وسمعت قائلا يقول :وضعت خير البشر ، فهو ذیه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد .
فقالت آمنة : لمّا سقط إلى الأرض اتّقى الأرض بيديه و ركبتيه ] (4) . ثم رفع رأسه إلى السماء ، و خرج منّي نور أضاء له ما بين المشرق و المغرب (5) و رمیت الشياطين بالنجوم ، وحجبوا عن السماء ، ورأت قريش الشهب و النجوم (6) تسير في السماء ، ففزعوا لذلك وقالوا : هذا قيام الساعة .
فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك ، و كان شيخاً كبيراً مجرباً
ص: 1066
فقال : انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدی (1) بها في البر والبحر ، فان كانت قد زالت فهو قيام الساعة ، وإن كانت هذه ثابتة فهو لأمر حدث .
و كان بمكّة يهودي يقال له: « یوسف » فلمّا رأى النجوم يقذف بها وتتحرك
قال : هذا نبي ولد في هذه الليلة ، وهو الذي نجده في كتبنا ، أنّه إذا ولد (2) -آخر الأنبياء - رجمت الشياطين ، وحجبوا عن السماء ، فلمّا رأى محمداً وقد ولد و نظر إليه ، وإلى خاتم النبوة على كتفه ، خر مغشيّاً عليه ، فلمّا أفاق قال : ذهبت النبوة من بني إسرائيل ، هذا نبي السيف ! وتفرق الناس يتحدثون بخبر اليهودي.
ونشأ محمّد في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة .
ونشأ (3) في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر . (4)
فصل
4 - و بالاسناد المتقدم ، عن عبدالله بن محمّد : نا أبي : نا سعید بن مسلم بن مراد (5) مولی لبني مخزوم ، عن سعيد (6) بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس قال : قال والدي العبّاس : لمّا ولد لوالدي عبد المطّلب ، عبد الله رأينا في وجهه نوراً يزهر کنور الشمس ، فقال أبي : إن لهذا الغلام شأناً (7) عظيماً .
ص: 1067
قال : فرأيت في منامي أنّه خرج من منخره طير أبيض ، فطار فبلغ المشرق والمغرب ، ثم رجع حتى سقط على بناء (1) الكعبة ، فسجدت له قریش کلّها ، فبينما الناس يتأمّلونه إذ صار نوراً بين السماء والأرض ، وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب، فلمّا انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم ، فقالت : يا عبّاس ائن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعاً له .
قال أبي : فهمّني أمر عبدالله إلى أن تزوج بآمنة و كانت من أجمل نسا قريش وأتمّها خلقاً .
فلمّا مات عبدالله رضي الله عنه وولدت آمنة رضي الله عنها رسول الله(صلی الله عليه و آله وسلم (2) أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر ، فحملته وتفرست في وجهه ، فوجدت منه ريح المسك ، وصرت كأنّي قطعة مسك من شدة ریحه (3) .
فحدثتني آمنة : إنّه لمّا أخذني الطلق ، واشتد بي الأمر ، سمعت جلبة (4) و کلاماً لا يشبه کلام (5) الآدميّين ، ورأيت علماً من سندس على قضيب من یاقوت قدضرب بين السماء والأرض . ورأيت نوراً يسطع من رأسه (6) حتى بلغ السماء .
ورأيت قصور الشامات كلّها كأنّها شعلة نار (7) .
و رأيت من القطا شيئاً(8) عظيماً ، قد نشرت أجنحتها حولي ، فرأيت شعيرة (9) الأسدية قد مرت ، وهي تقول : آمنة ما لقيت الكهّان و الأصنام من ولدك ؟!
ص: 1068
ورأيت شابّاً من أتم الناس طولا، [ وأشدهم بياضاً ، وأحسنهم ثياباً ] (1)ماظنته إلا عبدالمطّلب قد دنا منه (2) وتفل في فيه ، واستنطقه ، فنطق ، فلم أفهم ما قال إلا أنّه قال : في أمان الله وحفظه [ وکلاءته ] ، أنت خير البشر !
ثم أخرج صرة فاذا فيها خاتم ، فضرب به بين (3) كتفيه ، و ألبسه قميصاً ، وقال :هذا أمانك من آفات الدنيا ، فهذا ما رأيت يا عبّاس .
ثم جاءت به ، و إذا (4) خاتم النبوة بين كتفيه ، ونسيت الحديث [ فلم أذكره ] إلى وقت إسلامي حتى ذكرني به رسول الله(صلی الله عليه و آله وسلم ) .(5)
فصل
5 - و بالاسناد عن ابن عبّاس قال : كان يوضع لعبدالمطّلب رضي الله عنه فراش في ظل الكعبة لايجلس عليه أحد إجلالا له ، و كان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبدالمطّلب .
وكان رسول الله (صلی الله عليه و آله وسلم )يخرج وهو غلام فيمشي حتى يجلس على الفراش فيعظّم ذلك أعمامه ، ويأخذونه ليؤخّروه ، فيقول لهم عبد المطلّب إذا رأى ذلك منهم :
ص: 1069
دعوا إبني ؟! فوالله إن له لشأناً عظيماً ، إنّي أرى أنّه ، سيأتي عليكم يوم وهو سیّد کم ، ثم يحمله فيجلسه معه ، ثم يلتفت إلى أبي طالب - وذلك أن أبا طالب وعبد الله رضي الله عنهما من ام واحدة - فيقول: إن لهذا الغلام شأناً عظیماً فاحفظه واستمسك به فانّه فرد وحيد ، و كن له کالام ، لايصل إليه شيء يكرهه .
ثم يحمله على عاتقه (1) فيطوف به أسبوعاً ، ثم قدمت به أمّه على أخواله من بني النجّار (2) فماتت بالأبواء بين مكة والمدينة ، ودفنت بها . فازداد عبدالمطّلب له رقّة وحفظاً ، أن لا أب له ، ولا أم .
فلمّا أدرك عبدالمطّلب - رضي الله عنه - الوفاة (3) و محمّد على صدره وهو في غمرات الموت ، و هو يبكي ، و يلتفت إلى أبي طالب ( رضي الله عنه ) و يقول : أبصر (4) أن تكون حافظاً لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ، ولا ذاق شفقة أمّه .
یا أبا طالب إذا أدركت أيّامه فاعلم أنّي كنت من أبصر الناس له ، وأعلم الناس به ، فإن استطعت أن تتّبعه فافعل ، و انصره بلسانك ، ويدك ، ومالك فانّه - والله - سیسود کم ، ويملك ما لم يملك أحد من آبائي ، هل قبلت وصيّتي ؟
ص: 1070
فقال : نعم ، قد قبلت ، والله على بذلك شاهد .
فقال عبد المطّلب : فمد يدك إلي . فمد يده إليه ، فضرب بيده على يده .
ثم قال عبد المطّلب : الآن خف (1) علي الموت . ثم لم يزل يقبّله ، ويتمنّی أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه .
فمات رضی الله عنه ، فضمّه أبو طالب رضی الله عنه إلى نفسه . (2)
فصل
6 - وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : لمّا ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبي(صلی الله عليه و آله وسلم ) بسنتين (3) أتاه وفد العرب ، ومعهم عبد المطّلب بن هاشم ، فقال : نحن وفد التهنئة ، لا وفد المرزئة (4) . فقال :
أيّهم أنت ؟ قال : أنا عبدالمطّلب بن هاشم . قال : ابن أختنا (5) ؟ قال : نعم .
فأدناه ، ثم أقبل على القوم وقال : قد عرف الملك قرابتكم ، لكم الكرامة
ص: 1071
ما أقمتم ، والحباء (1) إذا ظعنتم (2) انهضوا إلى دار الضيافة .
وقال العبد المطّلب سراً : إنّي مفوض إليك من سر علمي ، فليكن عندك مطویّاً حتى بأذن الله فيه ، إنّي أجد في الكتاب المكنون ، والعلم المخزون خبراً عظيماً ، فيه شرف الناس عامّة ، و لرهطك خاصّة .
فقال عبد المطّلب : أيّها الملك مثلك من سر و بر ، فما هو ؟
قال : إذا ولد بتهامة (3) غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، وكذلك ولولدك به الرعاية (4) إلى يوم القيامة ، وهذا حينه الذي يولد فيه أو [ قد ] ولد واسمه « محمد » يموت أبوه وأمّه ، و يكفله جده وعمّه ، وقد ولد سراراً ، والله باعثه جهاراً ، وجاعل له منّا أنصاراً ، يعز به أولياءه ، ويذل به (5) أعداءه ، یکسّر الأوثان ، ويخمد النيران ، ويعبد الرحمن ، ويدحر الشيطان ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، یأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله .
وإنّك يا عبد المطلب جده غير كذب . فخر عبدالمطّلب ساجدأ لله .
فقال له : ارفع رأسك ، فهل أحسست شيئاً ممّا ذكرته ؟
قال :كان لي ابن ، و کنت به معجباً ، فزوجته كريمة من قومي ، فجاءت بغلام فسمّيته محمّداً ، مات أبوه وأمّه ، و كفلته (6) أنا وعمّه .
فقال الملك : فاحذر عليه اليهود ، و اطو (7) ما ذكرت دون هؤلاء الذين معك
ص: 1072
فلست آمن أن تدخلهم النفاسة (1) فيطلبون له الغوائل (2) و ينصبون له الحبائل (3) وهم فاعلون أو أبناؤهم ، ولولا أنّي أعلم أن الموت مجتاحي (4) - لصرت بيثرب -دار ملکه (5) - نصرة له ، واستحكام أمره (6) بها - وهي موضع قبره !الخبر إلى آخره (7) قد مضى (8) شيء منه.
فصل
7 - و كان تبّع الملك ممّن قد عرف (9) النبي (صلی الله عليه و آله وسلم )و انتظر خروجه ، وقال :سيخرج من هذه - يعني مكّة - نبي يكون مهاجره یثرب ، فأخذ قوماً من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج . (10)
ص: 1073
8 - وقال ابن عباس : لا يشتبهن عليكم أمر تبع فانّه كان مسلماً . (1)
9 - وروى لنا جماعة ، عن جعفر الدوريستي ، عن أبيه ، عن أبي جعفر بن بابویه عن أبيه : ثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبدالله (علیه السلام)قال :
إن تبّعاً قال للأوس والخزرج : كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي ، أمّا أنا لو أدركته لخدمته ، و لخرجت معه . (2)
وقد مضى شيء من دلائله ومعجزاته (علیه السلام)في حديث تبّع .
فصل
وكان أبو طالب ، و أبوه عبد المطّلب من أعرف العلماء (3) وأعلمهم بشأن النبي(صلی الله عليه و آله وسلم ) و كانا يكتمان الايمان به عن الجهّال ، وأهل الكفر والضلال .
10 - قال ابن بابویه : حدثنا أحمد بن محمد الصائغ : ثنا محمد بن أيّوب ، عن صالح بن أسباط ، عن إسماعيل بن محمد و علي بن عبدالله ، عن الربيع بن محمد المسلّي (4) عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت عليّاً (علیه السلام) يقول :
ص: 1074
والله ما عبد أبي ، ولا جدي عبد المطّلب ، ولا هاشم ، ولا عبد مناف صنماً قط .قيل : وما كانوا يعبدون ؟
قال : كانوا يصلّون إلى البيت ، على دين إبراهيم ، متمسّكين به . (1)
11 - وقال ابن بابویه : ثنا أبو الفرج محمد بن المظفر (2) بن نفیس المصري الفقيه:
ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد الداودي ، عن أبيه قال :
كنت عند أبي القاسم بن روح ، فسأله رجل ما معنى قول العبّاس للنبي (صلی الله عليه و آله وسلم ):« إن عمّك أبا طالب قد أسام بحساب الجمل - و عقد بيده ثلاثاً وستّین - » . (3)
ص: 1075
ص: 1076
ص: 1077
فقال : عني بذاك : إله أحد جواد (1) .
و تفسير ذلك أن الألف واجد ، واللام ثلاثون ، والهاء خمسة ، والألف واحد والحاء ثمانية ، والد ال أربعة ، و الجيم ثلاثة ، والواو ستّة ، والألف واحد ، والدال أربعة ، فذلك ثلاثة و ستّون . (2)
12 - و باسناده عن محمد بن الحسن الصفّار ، عن أيوب بن نوح ، عن العبّاس ابن عامر ، عن علي بن أبي سارة ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبدالله(علیه السلام) قال: إن أباطالب أسر (3) الايمان ، فلمّا حضرته الوفاة ، أوحى الله إلى رسوله : اخرج منها [ يعني مكّة ] فليس لك بها ناصر - فهاجر إلى المدينة . (4)
فصل
13 - وبالاسناد عن موسی بن جعفر ، عن آبائه(صلی الله عليه و آله وسلم ) [ قال : ] إن عليّاً(علیه السلام) قال لسلمان : ألا تخبرنا ببدء (5) أمرك ؟
قال : أنا كنت من أهل شیر از ، و كنت عزيزاً على والدي ، بينا أنا سائر معه في عيد لهم ، إذا أنا بصومعة (6) فاذا رجل منها ينادي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن عیسی روح الله ، وأن محمداً (7) حبيب الله ، فوقع حب محمد في (8) لحمي ودمي .
ص: 1078
فقال لي أبي : ما لك لا تسجد لمطلع الشمس ؟فکابرته (1) حتى سکت.
فلمّا انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلّق في (2) السقف ، فقلت لامّي (3):
ما هذا الكتاب ؟
فقالت: یا روزبه (4)ان هذا الكتاب لمّا رجعنا من عيدنا رأيناه معلّقاً ، فلاتقرب ذلك المكان (5) فانّك إن قر بته قتلك [ أبوك ] .
قال : فجاهدتها حتى جن الليل ، و نام أبي وامّي ، فقمت و أخذت الكتاب ، فاذا فيه مكتوب : « بسم الله الرحمن الرحيم : هذا عهد من الله إلى آدم أنّه خالق من صلبه
نبیّاً يقال له « محمد » يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن عبادة الأوثان .
باروز به إئت (6) وصي وصي عيسى [ فاخدمه فهو (7) يرشدك إلى مرادك ] » .
ص: 1079
فصعقت صعقه فعلم (1) أبواي بذلك ، فجعلوني في بئر ، وقالوا : إن رجعت وإلا قتلناك . فقلت : افعلوا بي ماشئتم ، حب محمد لايذهب من صدري .
قال : و كنت لا أعرف العربيّة (2)ولقد فهّمني الله العربيّة في ذلك اليوم ، و كانوا ينزلون علي قرصاً (3) صغاراً (4) .
فلمّا طال أمري في البئر ، رفعت يدي إلى السماء ، وقلت : « يارب إنّك حببت محمداً ووصيّه إلي ، فبحق وسيلته عجّل فرجي » .
فأتاني آت عليه ثياب بيض (5) فقال : قم باروزبه . فأخذ بيدي وأتى بي إلى الصومعة وصعدتها . فقال الديراني : أنت روزبه ؟ قلت : نعم . وأقمت عنده وخدمته (6) حولين فلمّا حضرته الوفاة [ دلّني على (7) راهب بأنطاكية ، وناولني لوحاً فيه صفات محمد(صلی الله عليه و آله وسلم ) . فلمّا أتيت راهب أنطاكية ، وصعدت صومعته ، قال : أنت روزبه ؟
قلت : نعم . فرحّب بي ، وخدمته حولين أيضاً ، و عرفني بصفات محمد ووصيّه .
فلمّا حضرته الوفاة ، قال لي : ياروزبه إن محمد بن عبد الله قد ] (8) حان خروجه (9)فخرجت بعد موته مع (10) قوم يخرجون إلى الحجاز [ فصرت ] أخدمهم فقتلوا شاة
ص: 1080
بالضرب و شووا ، وأحضروا الخمر ، وقالوا لي : كل واشرب .
فامتنعت فأرادوا قتلي فقلت : لاتقتلوني ، أقر لكم بالعبوديّة . فباعوني من يهودي
فسألني عن قصّتي فأخبرته [ بخبري من أوله إلى آخره ] .
فقال : إنّي أبغضك و أبغض محمداً .
فأخرجني إلى خارج داره ، وإذا رمل كثير على بابه (1) ، فقال : إن (2) اُصبحت ولم تنقل هذا الرمل كلّه من هذا الموضع [ إلى هذا الموضع ] لأقتلنّك .
فجعلت أحمل طول ليلتي .
فلمّا تعبت [ ولم أنقل منه إلا القليل ] فقلت: « یا رب إنّك حبّبت محّمداً ووصيّه إلي ، فبحق وسيلته ارحني ممّا (3) أنا فيه » .
فبعث الله ريحاً قلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي .
فلما أصبح (4)قال لي : إنّك(5) ساحر ، لأخرجنّك من هذه القرية ، لئلا تهلكنا (6) .
فأخرجني فباعني من امرأة سليمة (7) فأحبّتني ، وكان لها حائط (8) [ فجعلتني فيه ] فقالت : كل منه ، وهب و تصدق .
فبينا أنا في الحائط يوماً إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا ، تظلّهم غمامة تسير معهم قلت: إن فيهم نبيّاً ... الخبر بتمامه قد مضى . (9)
ص: 1081
فصل
14 - وإن قس بن ساعدة الأيادي (1)أول من آمن بالبعث من أهل الجاهليّة ، عاش ستمائة سنة ، و كان يعرف النبي باسمه ونسبه ، ويبشّر الناس بخروجه ، و كان يستعمل التقيّة (2) .
و من شجون الحديث أنّه كان النبي (صلی الله عليه و آله وسلم )يوم افتح مكّة [ قاعداً ] بفناء الكعبة إذ أقبل إليه وفد ، قال من القوم ؟ قالوا : وفد بكر بن وائل .
قال: فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي ؟
قالوا : مات . فقال : رحم الله قسّاً ، يحشر يوم القيامة أمّة وحده (3). (4)
15 - وعن ابن عبّاس أنّه لمّا دعا رسول الله (صلی الله عليه و آله وسلم )(5) بكعب بن أسد (6) ليضرب عنقه : وذلك في غزوة بني قريظة ، نظر إليه رسول الله (صلی الله عليه و آله وسلم )[ وقال له : ]
ص: 1082
أما نفعك وصيّة أبي حواس (1) الحبر الذي أقبل من الشام ؟
قال : تركت الخمر و الخمير (2) والحمد ، و جئت إلى البؤس و التمور (3)
لنبي يبعث ، هذا أوان خروجه، يكون مخرجه بمكّة ، و يثرب دار هجرته ،وهو الضحوك القتّال ، يجتزي (4) بالتمرات ، ویرکب الحمار العاري ، في عينيه حمرة ، و بين كتفيه خاتم النبوة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقی ، يبلغ سلطانه ، منقطع الخف والحافر .
قال كعب : قد كان ذلك يا محمد ، ولولا أن اليهود تعيّرني ، إنّي خفت (5) عند التقتيل (6) لآمنت بك وصدقتك ، ولكنّي على (7) دين اليهودية . فأمر بضرب (8) عنقه . (9)
16 - وأتى النبي يهودي ، فقال : يا محمد لم يبعث نبي إلا وكان له (10) هامان ، فمن ها مانك ؟ قال : إذا أريتكه (11) تسلم ؟ قال : نعم .
ص: 1083
قال : إن فيه عشر علامات : أدلم (1) أكشف (2) أجلح (3) أحول (4) أقبل (5)أعسر (6) أيسر(7) أفحج ، أقصى (8) .
فدخل عليه رجلان كل ذلك (9) يقول : هو ذا (10) ؟ قال : لا .
فدخل (11) رجل ، فقال : هو ذا ؟ فقال : نعم . قال : (12) أشهد أنّك رسول الله .
فصل
17 - وبالاسناد المذكور عن ابن عباس ، عن أبيه ، عن أبي طالب قال :
خرجت إلى الشام تاجراً سنة ثمان من مولد رسول الله (صلی الله عليه و آله وسلم )، و كان في أشد ما يكون من الحر ، و كنت أقول (13) أن لا أخلّف محمداً ، فقيل لي : غلام صغير في
ص: 1084
حر مثل هذا !؟ [ فقلت : يكون معي أروح لخاطري ] فحشوت له حشيّة (1) . [ واستأجرت له ناقة ، وأركبته ] .
و كنّا ركباناً كثيراً ، فكان البعير الذي عليه محمد (صلی الله عليه و آله وسلم )أمامي لا يفارقني ، و كان يسبق الركب كلّهم ، و كان إذا اشتد الحر أنته سحابة (2) بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلّم عليه ، وتقف على رأسه لا تفارقه .
و كانت ربّما أمطرت علينا السحابة أنواع الفواكه ، وهي تسير معنا .
وقد ضاق الماء أبداً في طريقنا من قبل حتى كنّا لا نجد قربة إلا بدينارين فحيثما نزلنا في هذا السفر تمتليء الحياض ، و يكثر الماء ، وتخضر الأرض ، فكنّا في تلك السنة في خصب وطيب من الخير .
و كان معنا قوم قد وقفت جمالهم ، فمشى إليها محمّد (صلی الله عليه و آله وسلم )ومسح عليها فسارت فلمّا قربنا من بصری (3) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة (4) حتى إذا قربت منّا ، وقفت فاذا فيها راهب (5) . و كانت السحابة لا تفارق محمداً ساعة واحدة .
و كان الراهب لايكلّم الناس ، ولا يدري ما الركب ، فلمّا نظر إلى محمّد(صلی الله عليه و آله وسلم )
ص: 1085
عرفه ، فسمعته يقول : إن كان أحد فأنت أنت ! ، فنزلنا (1) تحت شجرة عظيمة ، قريبة من الراهب [ و کانت یا بسة ] قليلة الأغصان ، ليس لها حمل .
فلمّا نزل تحتها محمد اهتزت الشجرة ، وألقت أغصانها على محمد(صلی الله عليه و آله وسلم ) وحملت من [ حينها ] ثلاثة ألوان [ من ] الفواكه ، فاكهتان للصيف ، وفاكهة للشتاء .
فتعجّب جميع من معنا من ذلك .
فلمّا رأى الراهب ذلك ، ذهب فأعد (2) طعاماً لمحمد(صلی الله عليه و آله وسلم ) بقدر ما يكفيه ، ثم جاء وقال : من يتولّي أمر هذا الغلام ؟ قلت : أنا . قال : أي شيء تكون منه ؟ .
قلت : عمّه . قال : يا هذا له أعمام ، فأي الأعمام أنت ؟ .
قلت : أنا أخو أبيه ، من أب وأم واحدة .
فقال : أشهد أنّه هو ، وإلا فلست بحیری .
ثم قال لي : أتأذن لي أن أقرب (3) هذا الطعام منه ؟ قلت : قربه إليه .
فالتفت إلى محمد(صلی الله عليه و آله وسلم ) فقلت (4) : رجل أحب أن يكرمك ، فكل (5) .
قال : هو لي دون أصحابي ؟ فقال بحيري : نعم هو لك خاصة .
فقال محمد(صلی الله عليه و آله وسلم ) : إنّي لا آكل دون هؤلاء .
فقال بحيري : لم يكن عندي أكثر من هذا .
فقال : أفتأذن یا بحيرى أن يأكلوا معي ؟ فقال : بلى .
فقال : كلوا على اسم الله . فأكل كل واحد [ منها ] حتى شبع (6) و بحیری قائم
ص: 1086
على رأسه ، وفي كل ساعة يقبّل رأسه ويافوخه (1) ويقول : هو ، هو ورب المسيح - والناس لا يفهمون - .
فقال له رجل (2) من الركب : كنّا نمر بك (3) ولا تفعل بنا هذا البر ؟
فقال بحيري : إني أرى ما لا ترون ، وأعلم ما لا تعلمون ، وهذا الغلام ، لو تعلمون منه ما أعلم ، لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه (4) إلى وطنه .
و لقد رأيت له (5) - وقد أقبل - نوراً أمامه ما بين السماء و الأرض .
ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه ، و آخرین ينثرون عليه أنواع الفواکه .
ثم هذه السحابة لاتفارقه ، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابّة على رجلها وهذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ، وقد كثرت أغصانها واهتزت (6) او حملت .
ثم هذه الحياض (7) التي غارت وذهب ماؤها أيّاماً ، منذ الحواریین [ حین ] وردوا على بني إسرائيل فحصوا .
فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنّه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها .
ثم قال : إذا ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء ، فاعلموا أنّه من أجل (8) نبي يخرج في أرض تهامة ، مهاجرة إلى المدينة ، إسمه في قومه « الأمين » وفي السماء « أحمد » و هو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه ، فوالله إنّته لهو . (9)
ص: 1087
فصل
18 - وبالاسناد المذكور عن أبي طالب أنّه قال : لمّا أراد بحيرى أن يفارق محمداً بکی بكاء شديداً فأخذ يقول : يا بن آمنة كأنّي بك وقد رماك العرب [ عن قوس واحد ]
بوترها (1) وقد قطعك الأقارب .
ثم التفت إلّي وقال : أما أنت ياعّم [ محمد ] فارع (2) فيه قرابتك الموصولة ، واحفظ فيه وصيّة أبيك ، وإن قريشاً ستهجر بك (3) فيه ، فلاتبالي ، ولا يمكنك أن تؤمن به ظاهراً .
ولكن يؤمن به ظاهراً ولد (4) تلده وسينصره نصراً عزیزاً ، اسمه في السماوات البطل الماضي ، و الشجاع الأنزع (5) أبوالفرخين المستشهدين ، وهو سيّد العرب وربّانها ، وذو قرنيها ، وهو في الكتب أعرف من أصحاب عیسی (6) . (7)
ص: 1088
ثم قال بحيري : يا نبي الله (1)) ما أطيبك و أطيب ريحك ؟! يا أكثر النبييّن أتباعاً ، يامن بهاء نور الدنيا من نوره ، يا من بذكره (2) تعمر المساجد ، كأني بك قد قدت (3) الأجناب(4) والخيل ، وقد تبعك العرب والعجم طوعاً و کرهاً .
كأنّي باللات والعزى قد كسرتهما ، و قد صار (5) البيت العتيق تضع مفاتيحه
حيث تريد ، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه ، معك مفاتیح الجنان و النيران ،
معك الذبح (6) الأكبر ، وهلاك الأصنام .
أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلّها في دينك صاغرة قمئة (7) .
فلم يزل يقبّل وجهه(8)مرة ويديه مّرة ، ويقول لئن أدر کت زمانك لأضربن بین يديك ، أنت - والله - سیّد المرسلين ، وخاتم النبيّين .
والله ، لقد ضحكت الأرض يوم ولدت ، فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحاً بك .
والله ، لقد بكت البيع (9) والأصنام والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة .
أنت دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، أنت المقّدس المطهّر من أنجاس الجاهلية .
ثم التفت إلي وقال : وإنّي أرى أن ترده إلى بلده ، فانّه مابقي يهودي ، ولا نصراني ، وصاحب كتاب إلا وقد علم بمولد هذا الغلام ، ولور أو(10) لابتغوه بشر (11)
ص: 1089
وأكثر أعدائه هؤلاء اليهود .
قلت : ولم ؟ قال : لأنّه كائن (1) لابن أخيك هذه النبوة والرسالة ، ويأتيه الناموس الأكبر (2) الذي كان يأتي موسی و عیسی(علیه السلام) .
قال أبو طالب : فخرجنا إلى الشام ، فلمّا قربنا منها [ رأيت ] والله قصور الشامات (3) كلّها قد اهتزت وعلا منها (4) نور أعظم من نور الشمس ، وذهب الخبر
في جميع الشامات ، حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه .
فجاء حبر عظيم كان اسمه « نسطورا » فجلس بحذائه ينظر إليه لا يكلّمه بشيء حتى فعل ذلك ثلاثة أيّام متوالية .
فلمّا كانت الليلة الثالثة ، لم يصبر حتى قام إليه ، فدار خلفه [ كأنه ] يلتمس منه شيئاً ، فقال لي : ما اسمه ؟ فقلت : « محمد بن عبد الله » . فتغيّر - والله - لونه (5) ثم قال : فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه ؟ فكشف عن ظهره (6) .
فلمّا رأى الخاتم انكب عليه يقبّله ويبكي ، ثم قال : يا هذا اسرع من رد هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه ، فانّك لو تدري كم عدو له في أرضنا ، لم تكن بالذي تقدمه معك ، فلم يزل يتعاهده في كل يوم ، ويحمل إليه الطعام .
فلمّا خرجنا منها ، أتاه بقميص من عنده ، فقال : ترى أن يلبس هذا القميص ويذكرني به ؟ فلم يقبله ، ورأيته كارهاً لذلك ، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم
ص: 1090
و قلت (1) : أنا ألبسه ، وعجّلت به حتى رددته إلى مكّة .
فوالله ما بقي بمكّة إمرأة ، ولا كهل ، ولا شاب ، ولا صغير ، ولا كبير ، إلا استقبلوه شوقاً إليه ، ما خلا أبا جهل - لعنه الله - فانّه قد ثمل (2) من السكر . (3)
وقد مضى من (4) هذا الحديث شيء لم نعده هنا .
فصل
19 - وعن يعلى (5) النسّابة قال : خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص (6) ،وطليق (7) بن أبي سفيان بن أميّة تجّاراً - سنة خرج محمد إلى الشام - و كانا يحكيان أنّهما رأيا في مسيره ، و رکوبه ما يصنع الوحش والطير [ معه ] .
قالا : ولمّا توسّطنا سوق بصری إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاءوا متغيّري الألوان ، نرى منهم الرعدة (8) كان على وجوههم الزعفران(9) .
فقالوا : نحب أن تأتوا كبيرنا ، فانّه ها هنا قريب في الكنيسة العظمی .
ص: 1091
فقلنا : ما لنا ولكم ؟ فقالوا : ليس یضركم من هذا شيء ، ولعلّنا نكرمكم . فظنّوا
أن واحداً منا(1) « محمد » ، فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البنيان ، فاذا كبيرهم قد توسّطهم ، وحوله تلامذته ، وقد نشر کتاباً في يديه ، فأخذ ينظر (2) إلينا مرة ، وفي الكتاب اخرى (3) ، ثم قال لأصحابه :
ما صنعتم شيئاً لم تأتوني بالذي أريد ، وهو الآن ها هنا .
ثم قال لنا : من أنتم ؟ قلنا : رهط من قريش . قال : من أي قريش ؟ قلنا : من[ بني ] عبد شمس . قال : أغير كم معكم ؟ قلنا : بلى ، شخص (4) من بني هاشم نسمّيه يتيم أبي طالب [ ابن عبد المطلب ] فوالله لقد نخر (5) نخرة كاد أن يغشی عليه [ ثم وثب قائماً ] فقال : أروه لي ، أروه لي (6) ، هلكت النصرانيّة و المسيح .
ثم قام واتّكأ على صليب من صلبانه ، وهو يفكّر ، وحوله ثمانون رجلا من البطارقة (7) و التلامذة ، فقال لنا : فبحقّه عليكم أن ترونيه (8) .
فقلنا : نعم . فجاء معنا ، فاذا نحن بمحمد قائم في سوق بصري ، والله لكأنّا لم نروجهه إلا يومئذ ، كأن هلالا يتلالأمن وجهه وقد اشترى الكثير (9) ، و ربح الكثير فأردنا أن نقول للقس : هو هذا ، فاذا هو قد سبقنا ! فقال :
ص: 1092
« هو ، هو قد عرفته - والمسيح - » .
فدنا منه - والله - (1) وقال [ له ] : أنت المقدس . ثم أخذ يسائله عن أشياء من علاماته ، ثم كان يقول : لو أدركت زمانك لأعطيت السيف حقّه .
ثم قال لنا : أتعلمون ما معه ؟ [ قلنا : اللهم لا .
فقال : ] معه الحياة والموت ، ومن تعلّق به حيي حياة طويلة (2) ومن زاغ (3) عنه مات موتاً لا يحيى بعده أبداً ، معه (4) الذبح (5) الأعظم .
ثم قبّل وجهه ، ورجع (6) راجعة . (7)
فصل
20 - وعن بكر بن عبد الله الأشجعي ، عن آبائه قال : [ خرج - سنة ] خرج رسول الله (صلی الله عليه و آله وسلم)إلى الشام- عبد مناة بن(8) كنانة ، ونوفل بن معاوية أيضاً ، فلقيهما أبو المويهب (9)) الراهب ، فقال لهما : من أنتما ؟
ص: 1093
قالا : نحن تجّار من أهل الحرم ، من قريش .
قال: من أي قريش ؟ فأخبراه ، فقال لهما : هل قدم معكما من قريش أحد غير كما ؟ .
قالا : نعم شاب من بني هاشم اسمه « محمد » .
فقال أبو المويهب (1) : إيّاه - والله - أردت .
فقالا : والله ما في قريش أخمل (2) ذكر منه ، إنّما يسمّونه بيتيم فريش (3) وهو أجير لامرأة يقال لها « خديجة » ما حاجتك إليه ؟
فأخذ يحرّك رأسه ، و يقول : هو ، هو . فقال لهما : تدلاني (4) عليه ؟ .
فقالا : ترکناه في سوق بصری . فبينا هم في الكلام (5) إذ طلع عليهم محمّد(صلی الله عليه و آله وسلم ) .
فقال : هو ، هو . فخلا به ساعة يناجيه ، ویکلّمه ، ثم أخذ يقبّل بين عينيه وأخرج شيئاً من كمّه لا ندري ما هو ، ومحمد(صلی الله عليه و آله وسلم ) يأبى أن يقبله .
فلمّا فارقه قال لنا : تسمعا منّي (6) ؟ هذا - والله - نبي هذا الزمان ، فسيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فاذا رأيتم ذلك فاتّبعوه .
ثم قال [ لنا ] : هل ولد لعمّه أبي طالب [ ولد اسمه ] علّي ؟ فقلنا : لا .
قال: إمّا أن يكون قد ولد ، أو يولد في سنته ، هو أول من يؤمن به - نعرفه - .
إنّا لنجد صفته عندنا بالوصيّة ، كمانجد صفة محمد بالنبّوة .
وإنه سيّد العرب و ربّانها (7) يعطي السيف حقّه ، اسمه في الملا الأعلى « علي » هو أعلى الخلائق يوم القيامة بعد « محمد » ذکراً ، وتسمية الملائكة « البطل الأزهر (8)
ص: 1094
المفلح » لايتوجّه إلى وجه إلا أفلح و ظفر - و الله - لهو أعرف بين أصحابه في السماوات من الشمس الطالعة . (1)
21 - و بالاسناد عن أبي جعفر بن بابویه قال : ثنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي : (2) ثنا أبو الحسين عبد الله بن محمد بن جعفر القصباني (3) البغدادي : ثنا محمد بن جعفر الفارسي (4) الملفّب بابن أفريسون (5): ثنا محمد بن إسماعيل بن بلال ابن میمون : ثنا الأزهر بن مسروربن (العباس : ثنا محمد )(6)بن مسلم بن الفضل ، قال : أتيت أبا سعيد غانم بن سعيد الهندي بالكوفة ، فجلست [ عنده ] فلمّا طالت مجالستي إيّاه ، سألته عن حاله ، وقد كان وقع إلّي شيء من خبره .
ص: 1095
قال : كنت ببلد (1) الهند ، بمدينة يقال لها قشمير (2) الداخلة ، ونحن أربعون رجلا نقول حول كرسي الملك ، نقرأ التوراة و الانجيل و الزبور ، و يفزع إلينا في العلم فتذاكرنا « محمداً » يوماً ، وقلنا نجده في كتبنا .فاتّفقنا على الخروج في طلبه و البحث عنه ، فخرجت (3) و معي مال ، فقطع علّي الترك وسلخوني (4) فوقعت إلى کابل (5) .
و خرجت من كابل إلى بلخ (6) ، والأمير بها : ابن أبي شمّون (7) فأتيته و عرفته ما خرجت له ، فجمع الفقهاء والعلماء لمناظرتي .
فسألتهم عن محمّد(صلی الله عليه و آله وسلم ) . فقالوا : هو نبيّنا محمّد بن عبدالله وقد مات .
فقلت : من كان خليفته ؟ فقالوا : أبوبكر . فقلت : انسبوه لي . فنسبوه إلى قريش .
فقلت : ليس هذا بنبي ، إن النبي الذي نجده في كتبنا ، خليفته ابن عمّه ، وزوج
ص: 1096
ابنته ، وأبو ولده . فقالوا للامير :
إن هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر ، ومن يكون كذلك يضرب عنقه !
فقلت لهم : إنّي متمسّك بدين لا أدعه إلایبیان . فدعا الأمير الحسين بن إشكيب (1) وقال له : ياحسين ناظر الرجل : فقال : حولك العلماء و الفقهاء ، فأمرهم لمناظرته .
فقال له : ناظره كما أقول لك ، واخل به ، والطف له .
قال : فخلا بي الحسين بن إشكيب ، فسألته عن محمد ، فقال : هو كما قالوه إلا (2)
أنّه قال : خليفته ابن عمّه علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب ، وهو محمّد بن عبدالله
ابن عبدالمطّلب ، وهو زوج ابنته فاطمة ، وأبو و لديه الحسن والحسين .
فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّه رسول الله .
فصرت إلى الأمير ، فأسلمت (3) فمضى بي إلى الحسين ، ففقّهني (4) .
فقلت له : إنّا نجد في كتبنا أنّه لايمضي خليفة إلا عن خليفة ، فمن كان خليفة علّي ؟
فقال : [ ولده ] الحسن ، والحسين ، وسمّى الأئمة حتى بلغ إلى الحسن [ العسكري ](علیه السلام) ثم قال لي : نحتاج أن تطلب خليفة الحسن ، وتسأل عنه . فخرجت في الطلب (5) .
قال : محمد بن محمد (6) ووافی معنا « بغداد » و ذكر لنا أنّه كان معه رفیق قدصحبه على هذا الأمر ، فكره بعض أخلاقه ، ففارقه .
ص: 1097
قال: فبينا أنا یوماً وقد تمسّحت (1) في الصراة (2) وأنام مفکّر(3) فيماخرجت له ، إذ أتاني آت ، فقال: أجب مولاك . فلم يزل يخترق في المجال حتى أدخلني داراً – أو بستاناً - فاذا مولاي قاعد ، فلمّا نظر إلي كلّمني بالهنديّة وسلّم علّي وأخبرني باسمي ، وسألني عن الأربعين رجلا بأسمائهم عن اسم رجل رجل .
ثم قال لي : تريد الحج مع أهل قم ، في هذه السنة ، فلاتحج في هذه السنة ،وانصرف إلى خراسان ، وحج من قابل (4) . [ قال : ورمي إلي بصرة ، وقال : اجعل هذه في نفقتك ، و لاتدخل في بغداد دار أحد ، ولاتخبر بشيء ممّا رأيت .
قال محمد : فانصرفنا (5) من العقبة (6) ولم يقض لنا الحج (7) وخرج غانم إلى خراسان و انصرف من قابل وحج فبعث إلينا بألطاف (8) ولم يدخل قم ، وانصرف إلى خراسان ، فمات بها ، رحمه الله . (9)
ص: 1098
فصل
22 - وبالاسناد عن ابن بابویه : ثنا محمد بن موسی بن اامتوکّل : ثنا عبد الله بن جعفرالحميري ، عن إبراهيم بن مهزیار قال : قدمت المدينة - مدينة الرسول(صلی الله عليه و آله وسلم ) - فبحثت عن أخبار آل أبي محمد الحسن بن علي الأخير(صلی الله عليه و آله وسلم ) ، فلم أقع على شيء منها .
فدخلت منها إلى مكّة مستبحثاً عن ذلك ، فبينا أنا في الطواف إذتراءى لي فتی أسمر
اللون ، رائع (1) الحسن ، جميل المخيلة ، (2) يطيل التوسّم (3) في ، فعدلت إليه مؤمّلا عرفان ما قصدت له ، فلمّا قربت منه ، سلّمت ، فأحسن الاجابة .
فقال : من أي البلاد ؟ فقلت : (4) من أهل العراق . فقال : من أي العراق ؟ قلت :من الأهواز . قال : مرحباً بلقائك ، هل تعرف بها جعفر بن حمدان الخصيبي ؟ قلت : دعي فأجاب . قال : رحمه الله ، هل (5) تعرف إبراهيم بن مهزیار؟ قلت : أنا إبراهيم (6) .
ص: 1099
فعانقني [ مليّاً ] ثم قال لي : مرحباً يا أبا إسحاق ، مافعلت بالعلامة (1) التي وشجت (2) بينك وبين أبي محمّد(علیه السلام) (3) ؟
فقلت: لعلّك تريد الخاتم الذي آثرني الله به من الطيّب أبي محمد الحسن بن علي(علیه السلام) ؟ فقال : ما أردت سواه .
فأخرجة إليه ، فلمّا نظر إليه استعبر ، وقبّه ، ثم قرأ كتابته ، فكانت « یا الله يا محمّد ياعلي » ثم قال : بأبي بنان (4) طالما جلت (5) فيها .
فقلت له : ما توخّیت (6) بعد الحّج ، فقال لي : إني لرسوله إليك ، فارتحل إلى الطائف ، وليكن ذلك في خفية من رجالك . فشخصت معه إلى الطائف ، أتخلّل (7)
رملة فرملة ، حتى أخذ في بعض مخارج الفلاة ، فبدت لنا خيمة شعر تتلالاتلك البقاع (8)منها . فلمّا مثل لي [ مولاي ] أكببت عليه ألثم كل جارحة ، [ منه ] فمكثت عنده
ص: 1100
حينأ ، ثم انصرفت . (1)
وهذا مثل حكاية أخيه على بن مهزیار[ فانّه ] قال : حججت عشرين حجّة لذلك ، فلمّا كان بعد هذا كلّه أتاني آت في منامي قال :
[ قد ] أذن الله لك في مشاهدته . تمام الخبر قد مضى .(2)
فصل
23 - و بالاسناد عن أبي الأديان قال : كنت أخدم الحسن بن علي العسكري(علیه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار ، فدخلت عليه في علّته التي توفّي فيها و کتب معي
[ كتباً ] فقال :
امض بها إلى المدائن ، فانّك ستغيب خمسة عشر يوماً ، وتدخل إلى « سر من رأی » يوم الخامس عشر، و تسمع(3) الواعية في داري ، وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان : فقلت يا سيّدي فاذا كان ذلك (4) فمن ؟
قال : من طالبك بجوابات (5) كتبي فهو القائم بعدي .
فقلت : زدني ؟ قال : من یصلّي علي فهو القائم بعدي .
فقلت : زدني ؟ قال فمن خبّر بما في الهميان (6) فهو القائم بعدي .
فمنعتني هيبته أن (7) أسأله ما في الهميان ، وخرجت بالكتب إلى المدائن
ص: 1101
وأخذت جواباتها ، ودخلت « سر من رأي » يوم الخامس عشر كما قال(علیه السلام) .
فاذا أنا بالواعية في داره ، وإذا به على المغتسل ، و إذا أنا بجعفر الكذاب أخيه بباب الدار والشيعة من حوله (1) ، يعزونه و یهنّونه ، فقلت في نفسي : إن يكن هذا
الامام فقد بطلت الامامة ، لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ (2) و يقامر في الجوسق (3)و يلعب بالطنبور (4) ، فتقدمت بغتة (5) ، فعزيت وهنّيت ، فلم يسألني عن شيء .
ثم خرج « عقیل » غلام (6) العسكري فقال : يا سيّدي قد كفّن أخوك ، فقم فصل (7) عليه .
فدخل جعفر والشيعة من حوله ، فلمّا صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي(علیه السلام) على نعشه مكفّنا ، فتقدم جعفر ليصلّي عليه (8) .
فلمّا هم بالتكبير، خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط (9) وبأسنانه تفلّج (10)جذب رداء جعفر ، وقال : تأخّر یا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخّر جعفر وقد اربد (11) و جهه ، فتقدم الصبي ، وصلّي عليه ، ودفن إلى جانب قبر أبيه .
ص: 1102
ثم قال لي يا بصري هات جوابات الكتب التي معك .
فدفعتها إليه ، وقلت في نفسي : هذه علامتان انتان ، بقي الهميان .
ثم خرجنا إلى جعفر وهو يزفر ، فقال له حاجز الوشا : يا سيّدي من الصبي النقيم الحجّة عليه (1) ؟ فقال : والله ما رأيته قط ولا أعرفه .
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي(عليه السلام ) فعرفوا موته فقالوا : فمن [ بعده ] ؟ فأشار بعض الناس إلى جعفر بن علي .
فسلّموا عليه و عزوه ، وقالوا : معنا کتب و مال ، فقل لنا (2) : ممّن الكتب ، و کم المال ؟ فقام جعفر ينفض أثوابه ، ويقول : يريدون منّا أن نعلم (3) الغيب !وخرج جعفر .
قال : فجاء الخادم وقال : معكم(4)کتب فلان ، وفلان ، وفلان ، وهميان فيه ألف دینار ، وعشرة دنانير فيها (5) مطليّة . فدفعوا الكتب والمال وقالوا : الذي وجّه بك لأخذ المال ، هو الامام ، فان جميع ذلك كذلك .
[ قال أبو الأديان : فعلمت صحة ما قال الحسن (علیه السلام)من أمر الهميان ] .
فدخل جعفر الكذاب على المعتمد (6) و کشف له وجود خلف (7) الحسن ، فوجّه
ص: 1103
المعتمد بخدمه ، فقبضوا على صيقل (1) الجارية ، وطالبوها بالصبي ، فأنكرته وادعت حبلا بها لتغطّي حال الصبي .
فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي ، وبلغهم (2) موت عبد الله (3) بن يحيی ابن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنسج بالبصرة ، فشغلوا بذلك عن الجارية فخر جت من أيديهم والحمد لله [ رب العالمين ] . (4)
فصل
24 -وعن ابن بابویه ، ثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن عبدالله بن محمد بن مهران الأبي العروضي بمرو : ثنا أبو الحسين زيد (5) بن عبد الله البغدادي : ثنا أبو الحسن علي بن سنان (6) الموصلي [ قال : ] حدثني أبي أنّه لمّا قبض ابو محمد [ الحسن ]
(عليه السلام ) وفد (7) من الجبال [ ومن قم ] وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم (8) ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن(عليه السلام ) .
ص: 1104
فلمّا أن وصلوا إلى « سر من رأي » سألوا عن أبي محمد (عليه السلام ) .
فقيل لهم : قد فقد (1) . قالوا : فمن و ارئه ؟ قالوا : أخوه جعفر .
فسألوا عنه ، فقيل (2) : خرج متنزهاً ، وقد ركب زورقاً في دجلة ليشرب و معه المغنّون ! قال : فتشاور (3) القوم ، وقالوا : ليست هذه صفة الامام.
وقال بعضهم لبعض : امض بنا حتى نرد هذه الأموال إلى أصحابها .
فقال أبو العبّاس محمد بن جعفر القمّي : قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل ونختبر أمره على صحّة .
قال : فلمّا انصرف دخلوا إليه ، وسلّموا عليه فقالوا : يا سيّدنا نحن جماعة من الشيعة كنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمد(عليه السلام ) الأموال . قال : وأين هي ؟ قالوا :
معنا . قال : احملوها إلي . قالوا : لا ، إن لهذه الأموال خبراً طريفاً . قال : وما هو ؟
قالوا : إن هذه الأموال تجمع ، ويكون لها من عامّة الشيعة الدينار والدیناران والثلاثة ، ثم يجعلونها في كيس ، ويختمون عليه، و کنّا إذا وردنا بالمال إلى سيّدنا أبي محمد (عليه السلام ) قال لنا : جملة المال كذا و كذا من عند فلان ، وكذا من عند فلان حتى يأتي على أسماء الناس كلّهم ، ويقول ما على نقش الخاتم .
فقال [ جعفر ] : كذبتم ، تقولون على أخي ما لم يفعله ، هذا علم الغيب ! قال : فلمّا سمع القوم كلام جعفر ، نظر بعضهم إلى بعض ، فقال لهم : احملوا المال إلي .
قالوا : إنّا قوم مستأجرون و کلاء (4) وإنّا لا نسلّم المال إلا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا أبي محمد(عليه السلام ) ، فان كنت الامام فبرهن (5) لنا ، و إلا رددناه
ص: 1105
إلى أصحابه ، يرون فيه ما يرونه .
قال : فدخل جعفر (1) على الخليفة ، و كان ب- « سر من رأي » فاستعدى عليهم (2) فلمّا أحضروا ، قال الخليفة : احملوا هذا المال إلى جعفر .
قالوا : أصلح الله أمير المؤمنين (3)، إنّا قوم مستأجرون ، و کلاء لأرباب هذه الأموال ، وهي لجماعة ، وقد أمرونا (4) أن لا نسلّمها إلا بعلامة ودلالة ، وقد جرت هذه العادة مع أبي محمد (عليه السلام ) .
فقال الخليفة : وما العلامة و الدلالة التي كانت مع أبي محمد (عليه السلام )قال القوم :
كان أبو محمد(عليه السلام ) (5) يصف الدنانير و أصحابها والأموال ، و كم هي ، فاذا فعل[ ذلك ] سلّمناها إليه ، وقد وفدنا عليه مراراً ، فكانت هذه علامتنا هه ودلالتنا ، وقد مات ، فان يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر ، فليقم بما كان يقوم (6) أخوه ، وإلا رددناها إلى أصحابها .
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم كذابون يكذبون على أخي ، وهذا علم الغيب . فقال الخليفة : القوم رسل وما على الرسول إلا البلاغ المبين .
قال : فبهت جعفر ، ولم يحر جواباً(7) فقال القوم : يتطول (8) أمير المؤمنين
ص: 1106
باخراج أمره الى من يبدرق (1) بها حتى نخرج من هذه البلدة .
قال : فأمر لهم بنقيب (2) فأخرجهم منها ، فلمّا أن خرجوا من البلد (3) وانصرف النقيب ، خرج إليهم غلام أحسن الناس و جهاً ، كأنه خادم ، فنادى : يافلان ، یا فلان ،ويا فلان بن فلان ، أجيبوا مولاكم .
قالوا : أنت مولانا ؟ قال : معاذ الله أنا عبد مولا كم ، فسيروا إليه .
قالوا : فسرنا معه حتى دخلنا دارأبي محمد(عليه السلام ) فاذا والله القائم(عليه السلام )قاعد على سرير ، كأنّه فلقة قمر ، عليه ثياب خضر ، فسلّمنا عليه ، فرد علينا السلام .
ثم قال جملة المال كذا وكذا دیناراً ، حمل فلان [ كذا ] و كذا لفلان ، و كذا الفلان (4) ، ولم يزل يصف حتى وصف الجميع ، ثم وصف ثيابنا ورحالنا ، وما كان معنا من الدواب [ وغيرها ] فخررنا سجّداً لله ، وقبّلنا الأرض بين يديه .
ثم سألناه عمّا أردنا ، فأجاب ، فحملنا إليه الأموال ، فأمرنا القائم (عليه السلام ) أن لا نحمل بعدها إلى « سر من رأی » شيئاً من المال ، فانّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل (5)إليه الأموال ، وتخرج من عنده التوقيعات .
قالوا : فانصرفنا من عنده ، ودفع إلى أبي العبّاس محمد بن جعفر الحميري القمي[شيئاً ] من الحنوط والكفن ، وقال له : عظّم الله أجرك في نفسك .
ص: 1107
[ قالوا : فلمّا بلغ أبو العبّاس عقبة همدان (1) توفّي [ رحمه الله ] . (2)
فصل
25 - وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد ، إلى النواب (3) المنصوبين بها وتخرج من عندهم التوقيعات (4) أولهم :
[ وكيل أبي محمد(عليه السلام ) ] الشيخ عثمان بن سعيد العمري .
ثم ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان .
ثم أبو القاسم الحسين بن روح ، ثم الشيخ أبو الحسن علی بن محمد السمري .
ثم كانت (5) الغيبة الطولی ، و كانوا - كل واحد منهم - (6) يعرفون (7) کميّة المال جملة وتفصيلا ، ويسمّون أربابها باعلامهم ذلك من (8) القائم .
والخبر الذي ذكرناه آنفاً(9) يدل على - أن خلفاء بني العباس - خلفاً عن سلف منذ عهد الصادق إلى ذلك الوقت - كانوا يعرفون هذا الأمر ، ويطلعون على .
ص: 1108
أحوال أئمّتنا . فقد كانوا يرون معجزاتهم على ما تقدم كثير منها .
[ فلهذا كف الخليفة جعفر عن القوم ، وعمّا معهم ، وعمّا يصل إليهم من الأموال ،ودفع جعفر الكذاب عن مطالبتهم ] ولم يأمرهم بتسليمها إليه وأنّه (1) كان يحب أن يخفي هذا الأمر ولايشتهر لئلا يهتدي الناس إليهم .
وقد كان جعفر حمل عشرين ألف دينار إلى الخليفة لمّا توفي الحسن العسكري(عليه السلام )
فقال : يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي ومنزلته ؟
فقال الخليفة : إن منزلة أخيك ليست منا إنّما كانت من الله (2) و نحن كنّا نجتهد (3) في حط منزلته و الوضع منه ، و كان الله يأبى إلا أن يزيده كل يوم بما كان معه من الصيانة ، وحسن السمت (4) و العلم و [ كثرة ] العبادة .
و إن کنت (5) عند شيعة أخيك بمنزلته ، فلا حاجه بك إلينا ، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ، و لم يكن فيك ما في أخيك ، لم تغن عنك - في ذلك - شيئاً . (6)
فصل
26 - وقد خرج إلى عثمان بن سعيد العمري وابنه من صاحب الزمان(عليه السلام ) :
وفّقكما الله لطاعته ، انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميثمي أخبر كما عن المختار
ص: 1109
ومناظرته من لقي (1) واحتجاجه بأنّه لا خلف غير جعفر بن علي ، و تصديقه إيّاه و أنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ، فكيف يتساقطون في الفتنة ؟
أما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة [ الله ] أو لم يروا انتظام أثمتهم بعد نبيّهم إلى أن أفضي الأمر إلى الماضي - يعني الحسن بن علي(عليه السلام ) - [ ثم ] أوصى بها إلى وصي ستره الله بأمره إلى غاية .
فليدعوا عنهم اتّباع الهوى ، ولا يبحثوا عمّا ستر عنهم فيأثموا ، فليقتصروا منّا على هذه الجملة دون التفسير .(2)
ص: 1110
27 - وعن عبد الله بن جعفر الحميري (1) [ قال ] : اجتمعت أنا والشيخ أبوعمرو عثمان بن سعيد فقلت : أسألك عن شيء ، وما أنا شاك باعتقادي أن الأرض لا تخلو من حجّة ، رأيت الخلف ؟
فقال : إي والله ، وافيته (2) مثل ذلك ، وأومأ بيده . قلت : الاسم ؟ (3)
قال : الأمر عند السلطان ، إن أبا محمد مضى ولم يخلّف ولدا ، وقسّم میراثه وأخذه من لا حق له [ فيه ] فصبر على ذلك ، وهو ذا عياله (4) يجولون ليس أحد
يجسر أن يتقرب إليهم أو بنيلهم شيئاً ، فاذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتّقوا الله وامسكوا
ص: 1111
عن ذلك . (1)
28 - و بالاسناد عن عبد الله بن جعفر الحميري [ قال ] : خرج التوقيع إلى أبي جعفر العمري في التعزية لابيه :
« عاش أبوك سعيداً ، ومات حميداً ، أجزل الله لك الثواب ، رزئت ورزئنا وأوحشك و أوحشنا ، و من كمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك ، يقوم مقامه. و أقول : إن الأنفس طيبة لمكانك » .
و كان عثمان بن سعيد وكيل العسكري (عليه السلام ) ثم نائب القائم(عليه السلام ) . (2)
ص: 1112
فصل
29 - وعن ام کلثوم بنت أبي جعفر العمري أنّه حمل إلى أبيها من قم مال ينفذه
إلى صاحب الامر (عليه السلام ) فأوصل الرسول ما دفع إليه وجاء لينصرف فقال له أبو جعفر :قد بقي شيء و أين هو ؟ قال : لم يبق شيء إلا وقد سلّمته .
قال أبو جعفر : امض إلى فلان القطّان الذي حملت إليه العدلين من القطن ، فافتق
أحدهما الذي عليه مكتوب « كذا و كذا » فانّه في جانبه .
فتحيّر الرجل ، فوجد كما قال . (1)
فصل
30 - وعن ابن بابویه ، عن [ محمد بن ] محمد بن عصام الكليني [ عن محمد بن
يعقوب الكليني ] عن إسحاق بن يعقوب أنه قال : سألت الشيخ الكبير أبا جعفر محمد
ابن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه مسائل أشكلت علي ، فورد التوقيع
بخط مولانا صاحب الزمان(عليه السلام ) (2) :أمّا ما سألت عنه - أرشدك الله وثبتّك - من أمر المنکرین لي من أهل بيتي (3) وبني عمّنا ، فانّه (4) ليس بين الله و بين أحد قرابة ، فمن أنكرني فليس منّي وسیله سبیل ابن نوح .
وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده ، فسبيل إخوة يوسف .
ص: 1113
وأمّا الفقاع فشر به حرام ، ولا بأس بالشلماب (1) .
و أمّا أموالكم فما نقبلها إلا لتطهّروا ، فمن شاء فليصل ، ومن شاء فليقطع ما آتانا (2) الله خير مما آتاكم :
وأمّا ظهور الفرج فانّه إلى الله ، [ تعالى ذكره ] و کذب الوقّاتون .
وأمّا قول من زعم أن الحسين بن علي لم يقتل فكفر و تکذیب وضلال .
وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا[ فيها ] إلى رواة حديثنا ، فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله .
و أمّا محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه و عن أبيه من قبل . فانّه ثقتي ، و كتابه كتابي .
وأمّا محمد بن علي بن مهزیار (3) الأهوازي فسيصلح الله قلبه ، و يزيل عنه شکّه .
و أمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر ، و ثمن المغنيّة حرام .
[ و كان لاسحاق جارية مغنيّة ، فباعها ، و بعث ثمنها إليه ، فرد ] .
وأمّا محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت .
وأمّا أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون ، وأصحابه ملعونون
فلا تجالس أهل مقالتهم ، فانّي منهم بريء ، وآبائي(عليه السلام ) منهم براء .
وأمّا المتلبّسون بأموالنا ، فمن استحل منها شيئاً فأكله ، فانّما يأكل النيران .
وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا ، وجعلوا منه في حل" إلى وقت ظهور أمرنا ، لتطهر
ص: 1114
ولادتهم ، ولاتخبث .
وأما ندامة قوم شكّوا في دين الله على ما وصلونا به ، فقد أقلنا من استقال ولاحاجة
لنا في صلة الشاكّين .
و أمّا علّة وقوع (1) الغيبة ، فان الله يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» (2) إنّه لم يكن أحد من آبائي ، إلا [ وقد ] وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، و إنّي أخرج حين (3) أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي .
وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس (4) إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فاغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولاتتكلّفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ،فان [ في ] ذلك فرجكم .
والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلی من اتّبع الهدى . (5)
ص: 1115
فصل
31 - و بالاسناد عن أبي جعفر بن بابويه : ثنا محمد بن الحسن : ثنا سعد بن عبدالله ،
عن علي بن محمد الرازي المعروف بعلان الكليني : ثنا محمد بن جبرائيل الأهوازي ،
عن إبراهيم و محمد ابني الفرج ، عن محمد بن إبراهيم بن مهزیار (1) أنّه ورد العراق شاکّاً مرتاباً ، فخرج إليه :
« قل المهزیاري قد فهمنا ما قد حكيته عن مو الينا بناحيتكم ، فقل لهم : أما سمعتم قول الله جل جلاله يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(2) هل أمر إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة ؟
أو لم تروا أن الله جعل لكم معاقل تأوون إليها ، وأعلاما تهتدون بها ، من لدن آدم
إلى أن ظهر الماضي صلوات الله عليه ، كلّما غاب علم بدا علم ، و إذا أفل نجم بدا نجم .فلمّا قبضه الله إليه ظننتم أن الله قد قطع السبب بينه و بين خلقه !؟
کلا ، ما كان ذاك ، ولا يكون حتى تقوم الساعة ، ويظهر أمر الله وهم كارهون .
یا محمد بن إبراهيم لايدخلك الشك ، فان الله لايخلي الأرض من حجته ، أليس قال
لك أبوك قبل وفاته : أحضر الساعة من يعيّر (3) هذه الدنانير التي عندنا (4) ؟
فلمّا أبطأ ذلك عليه ، وخاف الشيخ على نفسه من الوفاة (5) قال لك : عيّرها على
ص: 1116
نفسك . و أخرج إليك كيساً [ لونه ] كذا (1) و عندك بالحضرة ثلاثة أكياس و صرة فيها دنانير مختلفة النقد ، فعيّرتها ، وختم الشيخ عليها بخاتمه ، وقال لك : اختم مع خاتمي فان أعش ، فأنا أحق بها ، وإن أمت ، فاتّق الله في نفسك أو لا ، ثم في ، وخلّصني ،وكن عند ظنّي بك .
أخرج - رحمك الله -الدنانير التي استفضلتها (2) من بين النقدين من حسابنا ،وهي بضعة عشر ديناراً ، و استرد من قبلك (3) فان الزمان أصعب مما كان ، وحسبنا الله و نعم الوكيل . (4)
فصل
32 - و بالاسناد عن محمد بن إبراهيم قال : قدمت العسكر زائراً ، فقصدت الناحية
فلقيتني امرأة ، فقالت : أنت محمد بن إبراهيم ؟ قلت : نعم .
قالت : انصرف ، فانّك لا تصل في هذا الوقت ، وارجع الليلة ، فان الباب مفتوح لك ، فادخل الدار ، واقصد البيت الذي فيه السراج .
ففعلت ، وقصدت الباب ، فإذا هو مفتوح ، فدخلت الدار ، وقصدت البيت الذي وصفته ، فاذا أنا بين القبرين أنحب وأبكي ، إذ سمعت صوتاً وهو يقول :
ص: 1117
« یا محمد اتّق الله و تب من كل ما أنت عليه ، فقد قلّدت أمراً عظيماً » . (1)
فصل
33 - وعن ابن بابويه : ثنا أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي : ثنا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي ، عن أبيه (2) ( رض ) قال : ورد على توقيع من الشيخ أبي جعفر
محمد بن عثمان العمري - ابتداءاً لم يتقدمه سؤال - :
« [ بسم الله الرحمن الرحيم ] لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحل من مالنا درهماً » .
قال الاسدي : فوقع في نفسي أن ذلك فيمن استحل محرماً ، فأي فضل في ذلك
للحجّة على غيره ؟
قال : فوالذي بعث محمّداً بالحق بشيراً ، لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان (3) في نفسي : « [ بسم الله الرحمن الرحيم ] لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهماً حراماً » .
قال الخزاعي : أخرج إلينا الاسدي هذا التوقيع حتى نظرنا إليه وقرأناه . (4)
34 - وعن أبي الحسين الاسدي فيما ورد على أبي جعفر العمري في جواب مسائله :
أمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت قلفته (5) بعد ما يختن مرة أخرى
ص: 1118
فانّه يجب أن تقطع قلغته ، فان الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأقلف أربعين صباحاً .
وأمّا من لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنار ، فانّه جائز له أن يصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبد النار و الأصنام . (1)
فصل
35 - وعن ابن بابویه : ثنا علي بن محمّد بن متیل : حدثني عمّي جعفر بن أحمد (2) ابن متيل ، قال : دعاني أبو جعفر العمري ، فأخرج إلي ثويبات معلمة وصرة (3) فيها دراهم .
فقال : يحتاج أن تصير بنفسك إلى واسط في هذا الوقت ، وتدفع ما دفعته إليك إلى أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلى الشط بواسط .
قال : فداخلني من ذلك غم شديد ، فقلت : مثلي يرسل في مثل هذا الأمر ، ويحمل
هذا الشيء الوتح (4) ؟ قال : فخرجت إلى واسط ، وصعدت من المركب ، فأول رجل تلقّاني ، سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط .
ص: 1119
فقال : أنا هو ، من أنت ؟ قلت : جعفر بن محمد بن متیل .
قال : فعرفني باسمي ،وسلّم علي ، وسلّمت عليه ، وتعانقنا ، فقلت له : أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام ، ودفع إلي الثويبات ، وهذه الصرة لاسلّمها إليك .
فقال : الحمد لله ، فان محمّد بن عبدالله الحائري (1) قد مات ، وخرجت لاصلح كفنه ، فحل الثياب ، فاذا هي ما يحتاج إليه من حبر (2) و ثياب وكافور ، وفي الصرة کری الحمّالين والحفّار .
قال: فشيّعنا جنازته ، وانصرفت . (3)
31 - وعن أبي جعفر الاسود : إن أبا جعفر العمري قد حفر لنفسه قبراً ، وسواه بالساج ، فسألته عن ذلك (4)فقال : أمرت أن أجمع أمري . فمات بعد شهرين . (5)
فصل
37 - وعن ابن بابويه : ثنا علي بن محمّد بن متیل[ عن عمه جعفر بن أحمد ابن متیل ] (6) : لمّا حضرت أبا جعفر العمري الوفاة كنت جالساً عند رأسه ، اسائله
ص: 1120
وأحدثه ، و أبو القاسم بن روح عند رجليه .
فالتفت إلي وقال : قد أمرت أن أودي إلى أبي القاسم الحسين بن روح .
فقمت من عند رأسه ، وأخذت بيد أبي القاسم بن روح ، فأجلسته في مكاني وقعدت عند رجليه . (1)
38 - قال : وقال علي [ بن محمد ] بن مقيل : كانت امرأة يقال لها « زينب »و كانت من أهل « آبه » (2) و كانت امرأة محمد بن عبدل الآبي ، معها ثلاثمائة (3) دینار ، وصارت إلى عمّي جعفر بن أحمد بن متيل ، فقالت : أحب أن اسلّم هذا المال من يدي إلى يد الشيخ أبي القاسم بن روح ، فأنفذني معها أترجم عنها .فلمّا دخلت على أبي القاسم قال - بلسان آوي (4) فصيح - لها : « زینب ! چونا خويذا ، کو ابذا ، چون استه » (5) و معناه : كيف أنت ، و كيف كنت ، وما حال صبيانك .فاستغنت عن الترجمان ، وسلّمت المال إليه . (6)
ص: 1121
فصل
39 - وعن أبي علي بن همام ، قال : أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري (1)إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح يسأله أن يباهله ، وقال : إنّما أنا صاحب الرجل [ وقد أمرت باظهار العلم ، وقد أظهرته باطناً وظاهراً ، فباهلني ] (2) .
فأنفذ إليه ابن روح : أيّنا تقدم صاحبه ، فهو المخصوم . فتقدم العزاقري ، فقتل وصلب ، وأخذ معه ابن أبي عون ، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة (3) . (4)
40 - وقال أبو عبد الله بن سورة (5) القمي ، عن رجل متهجّد في الأهواز یسمّی« سرور » أنّه قال : كنت أخرس لا أتكلّم ، فحملني أبي وعمّي - و سنّي إذ ذاك ثلاث عشرة أو أربع عشرة - إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه ، فسألاه أن يسأل الحضرة ، أن يفتح الله لساني .
ص: 1122
فذكر الشيخ أبو القاسم : إنّكم أمرتم بالخروج إلى الحائر . (1)
قال سرور : فخرجنا إلى الحائر ، فاغتسلنا ، و زرنا . فصاح أبي أو (2) عمّي :یا سرور . فقلت - بلسان فصيح - : لبّيك، فقال : تكلّمت !؟ فقلت : نعم .
قال ابن سورة : و نسبت نسبه ، و كان سرور هذا رجلا لیس جهوري الصوت . (3)
فصل
41 - وعن ابن بابويه : ثنا الحسين بن علي بن محمد القمّي المعروف بأبي (4)علي البغدادي ، قال : كنت ببخاری (5) فدفع إلي المعروف ب- « ابن جا بشير »(6)عشر سبائك ذهب ، وأمر أن اسلّمها ب- « مدينة السلام » إلى أبي القاسم بن روح .
فحملتها معي ، فلمّا بلغت مفازة « أمّویه » (7) ضاعت منّي سبيكة ، و لم أعلم بذلك ، حتى دخلت مدينة السلام .
ص: 1123
فأخرجت السبائك لاسلّمها ، فوجدتها قد نقصت واحدة منها ، فاشتريت (1) سبيكة مكانها بوزنها من مالي ، وأضفتنا إلى التسع سبائك ، ثم دخلت على الشيخ أبي القاسم بن روح ، فوضعت السبائك عنده .
فقال لي : خذ تلك السبيكة التي اشتريتها- وأشار إليها بيده - فان السبيكة التي ضيّعتها قد وصلت إلينا ، وهي ذا هي .
ثم أخرج تلك السبيكة التي كانت ضاعت منّي ، فنظرت إليها و عرفتها . (2)
فصل
42 - وعن ابن بابويه : ثنا أبو جعفر محمّد بن علي الأسود [ قال ] ، سألني أبوك أن أسأل أباالقاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام ) ليدعو الله أن يرزقه ولداً ذكراً .
فسألته ، فأخبرني بعد ثلاثة أيّام ، أنّه قد دعا لعلي بن الحسين ، وأنّه سيولد له ولد مبارك ، ينفع الله به ، و بعده أولاد .
قال : وسألته في أمري أن يدعو لي أن أرزق ولدا ذكراً .
فقال : ليس إلى هذا سبيل . فولد لعلي بن الحسين ، ولم يولد لي . (3)
ص: 1124
43 - قال ابن بابویه : ثنا الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي (1) علي البغدادي
قال : رأيت في تلك السنة (2) بمدينة السلام امرأة ، تسأل (3) عن وکیل مولانا (عليه السلام ) من هو ؟ فأخبرها بعض القميين (4) أنّه أبوالقاسم الحسين بن روح و أشار لها إليه (5) و أنا عنده .
فقالت له : أيّها الشيخ أي شيء معي ؟
فقال : ما معك إذهبي فألقيه في دجلة ، ثم اثنيني حتى أخبرك .
قال : فذهبت المرأة ، وحملت ما كان معها ، فألقته في دجلة ، ثم رجعت ، ودخلت إلى أبي القاسم الروحي ، و أذا عنده .
فقال أبو القاسم لمملو کته : أخرجي إلي الحقّة (6) وأخرجت إليه الحقنة ، فقال
للمرأة : هذه الحقّة التي كانت معك ، ورميت بها في دجلة ، أخبرك بما فيها أم تخبريني ؟
قالت : بل تخبرني أنت . قال : في هذه الحقّة زوج سوار ذهب ، و حلقة كبيرة فيها جواهر (7) وخاتمان أحدهما فيروزج ، والآخر عقيق .
و كان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً . ثم فتح الحقّة ، فعرض علي ما فيها ، و نظرت
المرأة إليه فقالت : هذه التي حملتها بعينها ، ورميت بها في دجلة .
ص: 1125
فغشي علي وعلى المرأة لما شاهدناه من صدق الدلالة و العلامة .
ثم قال الحسين بن علي : أشهد عند الله يوم القيامة بماحدثت به كما ذكرته لم أزد
فيه و لم أنقص منه . (1)
فصل
44 - وعن ابن بابويه : ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن أحمد بن بزرج بن عبد الله بن
منصور بن يونس بزرج (2) صاحب الصادق (عليه السلام ) قال : سمعت محمد بن الحسن الصيرفي (3) المقيم بأرض بلخ يقول : أردت الخروج إلى الحج ، و كان معي مال ، بعضه ذهب ، و بعضه فضّة ، فجعات ما كان معي من ذهب سبائك ، وما كان معي من فضّة نقراً (4) و كان قد دفع ذلك
ص: 1126
[ المال ] إليه ليسلّمه إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح .
قال : فلمّا نزلت « سرخس » (1) ضربت خيمتي على موضع فيه رمل ، وجعلت امیّز تلك السبائك و النقر ، فسقطت سبيكة من تلك السبائك ، وغاصت في الرمل ، وأنا لا أعلم .
قال : فلمّا دخلت همدان ميّزت تلك السبائك و النقر مرة أخرى، إهتمامة منّي بحفظها ، ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال و ثلاثة مثاقيل - أو قال : ثلاث و سبعون (2) مثقالا - .
قال : فسبكت من مالي مكانها بوزنها وجعلتها بين السبائك ، ولمّا وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح ، وسلّمت إليه ما كان معي من السبائك
والنقر ، فمد يده من بين السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي - بدلا ممّا ضاع منّي (3) - فرمی بها إلي ، وقال لي :ليست هذه السبيكة لنا، سبيكتنا ضيّعتها ب- « سرخس »حيث ضربت الخيمة في الرمل ،فارجع إلى مكانك ، وانزل حيث نزلت ، واطلب السبيكة هناك تحت الرمل ، فانّك ستجدها وستعود إلى ههنا ولا تراني .
قال : فرجعت إلى « سرخس » ونزلت حيث كنت نزلت ، ووجدت السبيكة تحت الرمل ، وقد نبت عليها الحشيش ، فأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي .
فلمّا كان بعد ذلك ، حججت ومعي السبيكة ، فدخلت مدينة السلام ، وقد كان الشيخ أبو القاسم توفي ( رضي الله عنه ) .
ولقيت الشيخ أبا الحسن علي بن محمد السمّري وطلب منّي السبيكة ، فسلّمتها إليه . (4)
ص: 1127
فصل
45 - وعن ابن بابویه : ثنا أبو الحسن (1) صالح بن شعيب الطالقاني : ثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلّد قال :
حضرت بغداد عند المشايخ فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمّري ابتداء منه : « رحم الله علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمّي » .
قال : وكتب المشايخ تأریخ (2)ذلك اليوم ، فوردالخبر أنّه توفي في ذلك اليوم .و مضى أبو الحسن السمّري في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة (3) . (4)
46 - وقال ابن بابویه : أنبأنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتّب قال : كنت بمدينة
السلام في السنة التي توفّي بها أبو الحسن السمري ، فحضرته قبل وفاته بأيّام ، فأخرج
إلى الناس توقيعاً نسخته :
ص: 1128
[ بسم الله الرحمن الرحيم ] (1) « يا علي بن محمد أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فأنك ميّت مابينك و بين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ولاتوص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك نقد وقعت الغيبة التامّة ، ولا (2) ظهور إلا بعد إذن الله ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً .
وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني
والصيحة ، فهو كاذب مفتر (3) [ ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ] (4) » .
قال : فسخنا هذا التوقيع ، وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس ، عدنا إليه
وهو يجود بنفسه . (5)
فصل
47 - وعن ابن بابویه : ثنا أبي : ثنا سعد بن عبدالله ، عن أبي حامد المراغي ، عن
محمد بن شاذان بن نعيم ، قال :
بعث رجل من أهل « بلخ » بمال ورقعة ليس فيها كتابة ، قدخط فيها باصبعه كماتدور (6)
من غير كتابة ، وقال للرسول :
ص: 1129
احمل هذا المال فمن أخبرك بقصّته و أجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال (1) .
فصار الرجل إلى العسكر وقصد جعفراً ، وأخبره الخبر .
فقال له جعفر : أتقر بالبداء ؟ فقال الرجل : نعم. قال : إن صاحبك قد بدا له ،وقد أمرك أن تعطيني المال . فقال له الرسول : لا يقنعني هذا الجواب .
فخرج من عنده ، وجعل يدور على أصحابنا . فخرجت إليه رقعة [ قال ](2):
« هذا مال قد كان غرر به (3) [ و كان فوق صندوق ] (4) فدخل اللصوص البيت و أخذوا ما في الصندوق ، وسلم المال » .وردت عليه الرقعة وقد كتب فيها (5) : « كما تدور ، سألت الدعاء فعل الله بك و فعل » . (6)
48 - عن سعد بن عبدالله [ قال ] : قال لي علي بن محمد الشمشاطي (7): خرجت زائراً
إلى العسكر وأنا في المسجد إذ دخل علي غلام ، فقال : قم .
ص: 1130
فقلت : من أنا ، وإلى أين أقوم !؟ قال : أنت علي بن محمد رسول جعفر بن إبراهيم
اليماني ، قم إلى المنزل . وما كان علم أحد من أصحابنا بموافاتي .
فقمت ، [ إلى منزله ] فاستأذنت في أن أزور من داخل ، فأذن لي . (1)
49 - وقال سعد : حدثنا أبو القاسم بن أبي حليس (2) : اعتلات ب- « سر من رأی » علّة شديدة أشرفت بها على الموت ، (3) فأطليت مستعداً للموت .
فبعث إلي بيستوقة فيها بنفسجين (4) أمرت بأخذه ، فما فرغت حتى أفقت .(5)
50 - وعن جعفر بن عمرو : خرجت إلى العسكر - وام أبي محمد(عليه السلام ) في الحياة - و معي جماعة [ فوافينا العسكر ] .
ص: 1131
فكتب أصحابي يستأذنون في الزيارة من داخل باسم رجل رجل ، فقلت لهم :لا تكتبوا اسمي ، فانّي لا أستأذن . فتركوا اسمي ، فخرج التوقيع :
« أدخلوا ومن أبى أن يستأذن » . (1)
51 - وعن أبي جعفر المروزي : بعثنا مع رجل إلى العسكر شيئاً ، فعمد ودس فيما معه رقعة من غير علمنا . فردت عليه الرقعة بلا جواب . (2)
52 - قال : وكان [ بقم ] رجل بزاز مؤمن ، و له شريك مرجیء (3) فوقع بينهما ثوب نفيس ، فقال المؤمن : يصلح هذا الثوب لمولاي .
فقال شريکه : لست أعرف مولاك ، ولكن افعل بالثوب ما تحب .
فلمّا وصل الثوب شقّه(عليه السلام ) بنصفين طولا فأخذ نصفه ، و رد النصف ، وقال : لا حاجة لنا في مال المرجیء . (4)
ص: 1132
53 - أخبرنا جماعة ، عن جعفر الدوريستي ، عن أبيه : ثنا أبو جعفر بن بابویه : ثنا
محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، عن (1) عبدالعزیز بن يحيى الجلودي ، عن الحسين بن معاذ ، عن قيس بن حفص (2) عن يونس بن أرقم ، عن أبي ديار الشيباني ، عن الضحّاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة (3) قال :
خطبنا علي بن أبي طالب فقال : « سلوني قبل أن تفقدوني » ثلاثاً .
فقام صعصعة بن صوحان ، فقال : يا أمير المؤمنین متى يخرج الدجّال ؟
فقال : ما المسؤول عنه بأعلم من السائل ، ولكن لذلك علامات وهيئات (4) يتبع بعضها بعضاً .
وإن علامات ذلك : إذا مات (5) الناس الصلاة ، وأضاعوا الأمانة ، و استحلّوا الكذب ، وأكلوا الربا ، وشيّدوا البنيان ، وباعوا الدين بالدنيا ، واستعملوا السفهاء وشاوروا النساء ، وقطعوا الأرحام ، واتّبعوا الأهواء ، واستخفّوا بالدماء .
وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً ، و كانت الامراء فجرة ، والوزراء ظلمة والعرفاء (6) خونة ، والقراء فسقة ، وظهرت شهادة الزور ، واستعلن الفجور ، وقول (7) البهتان والاثم والطغيان .
ص: 1133
وحلّیت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وطولت المنارة (1) وأكرم الأشرار
وازدحمت الصفوف ، واختلفت القلوب ، ونقضت العهود ، واقترب الموعود وشارك (2) النساء أزواجهن في التجارة حرصاً على الدنيا .
وعلت أصوات الفسّاق ، واستمع منهم ، و كان رئيس (3) القوم أرذلهم ، وانّقي الفاجر مخافة شره ، وصدق الكاذب ، واؤتمن الخائن ، واتّخذت القينات [ والمعازفئولعن آخر هذه الأمة أولها ، ور کب ذوات الفروج السروج ] (4) وتشبّه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال .
وشهد شاهد من غير أن يستشهد ، وشهد الآخر قضاء لذمام من غير (5) حق عرفه وتفقّه لغير الدين ، و آثروا عمل الدنيا على عمل الآخرة.
و لبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف ، وأمر من الصبر ، فعند ذلك الوحا (6) الوحا ، العجل العجل [ خير المساكن يومئذ بيت المقدس ، ليأتين على الناس زمان يتمنّى أحدهم أنه من سكّانه ] . (7)
ص: 1134
فصل
ثم قام الأصبغ بن نباتة بعد ذلك إلى علي (عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين من الدجّال ؟فقال : [ الدجّال ] صائد بن الصائد (1) ، فالشقي من صدقه ، و السعيد من كذبه ، يخرج من بلدة يقال لها « إصفهان » من قرية تعرف ب- « اليهوديّة » .
عينه اليمني ممسوحة ، والعين الأخرى في جبهته تضيء كأنّها كوكب الصبح ،فيها علقة كأنّها (2) ممزوجة بالدم .
بين عينيه مكتوب « کافر » يقرأه كل كاتب وأمّي ، يخوض البحار ، و تسير معه الشمس ، بين يديه جبل من دخان ، وخلفه جبل أبيض يرى الناس أنّه طعام ،يخرج - حين يخرج - في قحط شدید .
تحته حمار أقمر (3) خطوة حماره میل ، تطوى له الأرض منهلا منهلا (4) لايمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة ، ينادي بأعلى صوته- يسمع مابين الخافقين (5) من الجن والانس والشياطين - يقول :
ص: 1135
إلي أوليائي ، أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى ، أنا ربّكم الأعلى !
و کذب عدو الله ، إنّه أعور بطعم الطعام ، ويمشي في الأسواق ، وإن ربّكم جل وعز ليس بأعور ، ولايطعم [ الطعام ] ، ولا يمشي في الأسواق ، ولا يزول .
ألا وإن أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا ، وأصحاب الطيالسة الخضر ، يقتله الله بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق(1) لثلاث ساعات من يوم الجمعة على يد من يصلّي المسيح [ عیسی ] بن مریم خلفه . ألا وأن بعدذلك الطامّة الكبرى .
فصل
قالوا : قلنا يا أمير المؤمنين وما ذلك ؟
قال(عليه السلام ) : خروج دابّة الأرض (2) من عند الصفا (3) معها خاتم سليمان وعصا موسی يضع الخاتم على وجه كل مؤمن ، فينطبع (4) فيه « هذا مؤمن حقّاً » .
ويضعه على وجه كل كافر ، فينطبع فيه « هذا كافر حقّاً » حتى أن المؤمن لینادي
« الويل لك يا كافر » ، وأن الكافر لینادي « طوبی لك يا مؤمن ، وددت أنّي اليوم (5) مثلك فأفوز فوزاً عظيماً .
ص: 1136
ثم ترفع الدابّة رأسها فيراها من بين الخافقين - باذن الله - بعد طلوع الشمس من
مغربها ، فعند ذلك ترفع التوبة ، فلاتربة تقبل ، ولاعمل يرفع « ولاينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيراً » (1) .
ثم قال (عليه السلام ) : لاتسألوني عمّا يكون بعد هذا ، فانّه عهد إلي حبيبي (صلی الله علیه وآله وسلم)ألا أخبر به غير عترتي .
فصل
[ قال النزال بن سبرة : فقلت لصعصعة بن صوحان : ماعني أمير المؤمنين بهذا القول؟
فقال : إن الذي يصلّي عیسی بن مریم خلفه [ هو ] الثاني عشر من العترة ، التاسع من
ولد الحسين بن علي(عليه السلام ) ، وهو الشمس الطالعة من مغربها ، يظهر عند الركن والمقام فيطهّر الأرض ، ويضع ميزان العدل ، فلا يظلم أحد أحداً .
فأخبر أمير المؤمنين أن حبيبه رسول الله عهد(صلی الله علیه وآله وسلم) [ إليه ] أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته [ الأئمة ] (عليه السلام ) . (2)
ص: 1137
فصل
و المخالفون من أصحاب الحديث يروون عن نافع ، عن ابن عمر (1) الخبر في الدجّال ، وغيبته ، وبقائه المدة الطويلة ، وخروجه في آخر الزمان على ما نذكره من بعد هذا الفصل ، وهم لا يصدقون بأمر القائم (عليه السلام ) ، وأنّه يغيّب مدة طويلة ثم يظهر فيملا الأرض قسطاً [ كما ملئت جوراً ] مع نص النبي والأئمة عليه و عليهم السلام باسمه وكنيته ، ونسبه ، وإخبارهم بطول غيبته ، إرادة لاطفاء نور الله [ وإبطالا الأمر وليّه ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشر کون ] .
وأكثر ما يحتجّون به في دفعهم لأمر الحجّة(عليه السلام ) ، أنّهم يقولون : لم نرو هذه الأخبار التي تروونها في شأنه ولا نعرفها [-و كذا يقول من يجحد بنبيّنا (صلی الله علیه وآله وسلم)والبراهمة واليهود والنصارى ، أنّه ما صح عندنا ممّا تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها -] فنعتقد (2) بطلان أمره لهذه الجهة .
ومتى لزمنا مايقولون ، لزمهم (3) ما تقوله هذه الطوائف ، وهم أكثر عدداً منهم .
ونقول لهم : لو نظرتم في أخبارنا في المهدي(عليه السلام ) ونظر مخالفو الاسلام في أخبار المسلمين في النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لعلمتم و علموا الحق من النبوة والشريعة والامامة وما يتعلّق بها . (4)
فصل
54 - وقد أخبرنا جماعة من أصحاب الحديث باصبهان ، وجماعة منهم من همدان
و خراسان سماعاً وإجازة ، عن مشايخهم الثقاة بأسانيد مختلفة ، عن أبي بكر محمد
ص: 1138
ابن عمرو (1) بن عثمان بن الفضل العقيلي الفقيه ، عن أبي عمرو محمد بن جعفر بن المظفر (2) ، وعبد الله بن محمد بن موسی بن کعب الصيداني (3) أبو سعيد ، وعبدالله[ بن ] محمد بن عبد الرحمان الرازي ، و أبو الحسن محمد بن عبد الله بن صبيح (4)
الجوهري : ثنا أبو يعلى (5) أحمد بن المثنّى(6) الموصلي ، عن عبد الأعلى بن حماد النرسي (7) عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :
إن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) صلّى ذات يوم الفجر بأصحابه ، ثم قام مع أصحابه حتى أتی باب دار بالمدينة ، وطرق الباب فخرجت [ إليه ] امرأة ، فقالت : ما تريد يا أبا القاسم ؟
فقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : يا ام عبد الله استأذني لي عليه . قالت : يا أبا القاسم ماتصنع بعبد الله ،فوالله إنّه لمجهود في عقله (8) يحدث في ثوبه (9) وانّه ليراودني (10) [ على ] الأمرالعظيم .
فقال : استأذني لي عليه . قالت : أعلى (11) ذمّنك ؟ قال : نعم وقالت : ادخل ، فدخل
ص: 1139
فاذا هو في قطيفة بهينم (1) [ فيها ] فقالت امّة (2) : اسكت و اجلس ، هذا محمد [ قد أتاك ] .
فسكت وجلس ، فقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) (3) : مالها- لعنه الله - لو تركتني لأخبرتكم ،أهو هو (4) ؟
فقال [ له ] النبي : ماترى ؟ قال: أرى حقّاً وباطلا ، و أری عرشاً على الماء (5) .
فقال : قل : أشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله .
فقال : بل أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّي رسول الله ، فماجعلك الله في ذلك أحق منّي.
فلمّا كان في اليوم الثاني صلّى بأصحابه الفجر ، ثم نهض ، ونهضوا معه حتى
طرق الباب ، فقالت امّه : ادخل . فدخل فاذا هو في نخلة يغرد (6) فيها ، فقالت له امّه :
اسكت وانزل ، هذا (7) محمد قد أتاك .
فسكت فقال للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم): ما لها - قاتلها الله - لو تركتني لأخبرتكم ، أهو هو ؟
ص: 1140